وقيل عند أبى حنيفة لا يجوز البيع فى فصل النقصان أيضا قال فى الذخيرة وأكثر مشايخنا على أن ما ذكر فى الكتاب من أن البيع جائز فى الثياب الموجودة قولهما أما على قول أبى حنيفة فالعقد فاسد فى الكل لأنه فسد فى البعض بمفسد مقارن وهو العدم الأصل عند أبى حنيفة أن العقد متى فسد فى البعض بفساد مقارن يفسد فى الباقى وقد ذكر محمد مسئلة فى الجامع تدل على هذا هى رجل اشترى ثوبين على أنهما هرويان كل ثوب بعشرة فإذا أحدهما مروى بسكون الراء نسبة إلى قرية من قرى الكوفة أما النسبة إلى مرو المعروفة بخراسان فقد التزموا فيها زيادة الزاى فيقال مروزى وكأنه للفرق بين القريتين قال فسد البيع فى الثوبين جميعا عند أبى حنيفة وعندهما يجوز فى الهروى والفائت فى مسئلة الجامع الصفة لا اصل الثوب وقد فسد فى الكل بفواته ففساده فى الكل والفائت أحدها أولى وإليه مال الحلوانى وقال إنه الصحيح عنده وكذا نسبه شمس الأئمة السرخسى إلى أكثر مشايخنا ثم قال والصحيح عندى أن هذا قولهم جميعا يعنى عدم الفساد فى الباقى لأن أبا حنيفة فى نظائر هذا المسئلة إنما يفسد العقد فى الكل لوجود العلة المفسدة وهو أنه جعل قبول العقد فيما يفسد فيه العقد شرطا فى قبوله فى الآخر وهنا لم يوجد هذا فإنه ما شرط قبول العقد فى المعدوم ولا قصد إيراد العقد على المعدوم بل على الموجود فقط فغلط فى العدد بخلاف تلك المسئلة فإنه جعل قبول العقد فى كل من الثوبين شرطا لقبوله فى الآخر وهو شرط فاسد وأقول قوله ما شرط قبول العقد فى المعدوم إن كان صريحا معلوم ولا يضر فإن فى الثوبين أيضا ما شرط قبوله فى المروى صريحا وإنما المقصود أنه إذا أضاف العقد إلى متعدد صفقة كان قبول العقد فى كل شرطا فى قبوله فى الآخر كما فى الثوبين ولا شك أن فى العشرة أيضا كذلك فكان قبوله فى العاشر شرطا لقبوله فيما سواه ولا وجود للعاشر فكان قبوله فى المعدوم شرطا إلى آخره وحاصل قوله وما قصد إلى آخره ما أشار إليه المصنف وهو أن الشيئين الموجودين الموصوفين بوصف إذا دخلا فى عقد واحد كان قبول كل منهما بذلك الوصف شرطا للقبول فى الآخر بذلك الوصف فإذا انعدم ذلك الوصف فى احدهما كان
____________________
(6/277)
ذلك شرطا فاسدا فى القبول فى الآخر بخلاف ما إذا كان معدوما بذاته ووصفه فإنه ليس حينئذ داخلا فى العقد حتى يكون قبوله شرطا لصحة العقد فى الآخر لأنه معدوم فيجعل ذلك غلطا فلما لم يجعل شرطا لم يفسد العقد فى الآخر فقد ظهر أن محط الفرق اعتبار الغلط وعدمه ولا شك أن إعتبار الغلط إنما يتأتى من جهة البائع على معنى أنه إنما أوجب فى تسعة ولكنه عبر عنها بعشرة غلطا فالمشترى لما قبل فى عشرة ما كان غالطا فما تلاقى الإيجاب والقبول كما لو عزل تسعة أثواب من عشرة وقال بعتك هذه التسعة فقال قبلت فى العشرة لا يتم العقد فى التسعة ولا العشرة وإن كان معنى غلطه أنه قصد الإيجاب فى عشرة وليس فى الواقع إلا تسعة لم يفسد الصحة لأن المعقود عليه معدوم وقد جعل قبول العقد فيه شرطا لقبوله فى التسعة وهذا لأنه جاد فى اعتقاد قيام العشرة فإن لم يكن فى ملكه فأحرى أن يكون البيع باطلا كما ذكر فيمن باع كرا من حنطة وليس فى ملكه حنطة البيع باطل ولأنه باع ما ليس عنده وفى المحيط روى قاضى الحرمين أن العقد فاسد فى الفصل الأول وفيه أبيعك هذه الحنطة على أنها أقل من كر فوجدها كذلك جاز إلا فى رواية عن أبى يوسف وإن وجدها كرا أو أكثر فالبيع فاسد وكذا إذا قال على أنها أكثر من كر فوجدها كذلك وإن وجدها كرا أو دونه ففاسد ولو قال كر أو كرين جاز كيف ما كان غير أنه فى الأقل كما لو قال على أنها كر وعلى هذا إذا اشترى عنبا فى كرم معين على أنه كذا وكذا منا وكذا فى العدديات المتقاربة انتهى ووجه الفساد فى الأكثر أنه لا يعلم قدر الزائد فإنه ليس للأقل من الكر والأكثر منه مقدار معين ليعرف الزائد عليه فيرد إلى البائع بخلاف ما إذا قال كرا أو كرين ولا وجه للرواية عن أبى يوسف لأن غاية ما فى ذلك أنه باع صبرة بشرط أن لا تبلغ المقدار الفلانى والله أعلم قوله ولو اشترى ثوبا واحدا على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم فإذا هو عشرة ونصف أو تسعة ونصف قال ابو حنيفة رحمه الله فى الوجه الأول أخذه بعشرة من غير خيار وفى الوجه الثانى أخذه بتسعة إن شاء وقال أبو يوسف رحمه الله فى الأول يأخذ بأحد عشر إن شاء وفى الثانى بعشرة إن شاء وقال محمد رحمه الله فى الوجه الأول يأخذه بعشرة ونصف إن شاء وفى الثانى بتسعة ونصف ويخير وجه قوله إن من ضرورة
____________________
(6/278)
مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه فيجرى عليه حكم المقابلة وحكمها أن يجب فى مقابلة كل جزء إضافى من الذراع مثله من الدرهم فنصف الذراع بنصف الدرهم وربعه بربعه وثمنه بثمنه وهكذا وفى بعض النسخ فيجزأ الدرهم عليه أى يقابل كل جزء له نسبة خاصة بجزء كذلك من الآخر وضمير يجزأ يصح عوده إلى كل من الذراع والدرهم إلا أن الدرهم أقرب مذكور وإنما يخير فى الزيادة لأن سلامة النصف بمقابلة ضرر به فلا يلزمه إلا بالتزامه وفى النقصان لفوات وصف مرغوب فيه وهو وصف العشرة ولأبى يوسف أنه لما أفرد كل ذراع بدرهم نزل كل ذراع منزلة ثوب مفرد بيع على أنه ذراع لما عرف أن إفراده الذراع بالثمن يخرجه عن الوصفية إلى الأصلية وقد انتقص عن الذراع فلا ينتقص شىء من الثمن وإنما يثبت الخيار له لما ذكرنا من أن في الزيادة نفعا يشوبه ضرر وفى النقصان فوات الوصف المرغوب فيه ولأبى حنيفة أن الذراع وصف فى الأصل وإنما أخذ حكم المقدار بالشرط وكان الأولى أن يقول حكم الأصل أو الثوب المنفصل بالشرط لأن المقدار أيضا وصف على ما تقدم وأخذه حكم الأصل مقيد بكونه ذراعا فإذا لم يوجد لم يوجد ما أخذ حكم الأصل فيبقى على الأصل من كونه وصفا لا يقابله شىء من الثمن وإذا كان هكذا فلا وجه لثبوت الخيار له فى فصل الزيادة لأنه لم يلحقه ضرر فى مقابلة الزائد بل نفع خالص كما لو اشتراه معيبا فوجده سليما ويتخير فى النقصان لتفرق الصفقة ثم من الشارحين من اختار قول محمد وفى الذخيرة قول أبى حنيفة أصح وذكر
____________________
(6/279)
حاصل الوجه المذكور له وفى قوله مقيد بكونه ذراعا إشارة إلى الجواب عن قول محمد إنه ينقسم أجزاء الدرهم على أجزاء الذراع فقال هذا إذا كان تمام الذراع موجودا والموجود هنا بعضه وبعضه ليس كله فكان للبعض منه حكم الوصف لأنعدام المقابلة & فصل
لما ذكر ما ينعقد به البيع وما لاينعقد ذكر ما يدخل فى المبيع مما لم يسم وما لم يدخل واستتبع ما يخرج بالأستثناء وغير ذلك قوله ومن باع دارا الخ فى المحيط الأصل أن كل ما كان فى الدار من البناء أو متصلا بالبناء تبع لها فيدخل فى بيعها كالسالم المتصل والسور والدرج المتصلة والحجر الأسفل من الرحى ويدخل الحجر الأعلى عندنا استحسانا والمراد بحجر الرحى المبنية فى الدار وهذا متعارف فى ديارهم أما فى ديار مصر لا تدخل رحا اليد لأنها بحجريها تنقل وتحول ولا تبنى فهى كالباب الموضوع والباب الموضوع لا يدخل بالأتفاق فى بيع الدار نعم لو ادعاه أحدهما لنفسه بأن قال هذا ملكى وضعته فإن كانت الدار فى يد البائع وادعاه المشترى لنفسه فالقول قول البائع وإن كانت فى يد المشترى فالقول قول المشترى واستدل المصنف على دخول البناء بأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء بأنه متصل بها اتصال قرار واستشكل الأول بمسألة الحلف لا يدخل
____________________
(6/280)
هذه الدار فدخلها بعد ما انهدم بناؤها يحنث فلو كان البناء من مسمى لفظ الدار لم يحنث وهذا لو أبطل التعليل الأول لا يضر بالمقصود من الحكم لثبوت العلة الأخرى
ثم أجيب بأن البناء وصف فيها وهو لغو فى المعينة فكأنه حلف على نفى الدخول فى هذا المكان
وتحقيقه أنه حلف لا يدخل هذه التى تسمى الآن دارا فلا يتقيد الدخول المحلوف عليه بكونها دارا وقت الدخول وتدخل البئر الكائنة فى الدار وإن كان عليها بكرة تدخل ولا يدخل الدلو والحبل المعلقان عليها إلا إن كان قال بمرافقها ويدخل البستان الذى فى الدار صغيرا كان أو كبيرا وإن كان خارج الدار لا يدخل وإن كان له باب فى الدار قاله أبو سليمان وقال أبو جعفر إن كان أصغر من الدار ومفتحه فيها يدخل وإن كان أكبر أو مثلها لا يدخل وقيل إن صغر دخل وإلا لا
وقيل يحكم الثمن
وفى المنتقى اشترى حائطا يدخل ما تحته من الأرض وكذا ذكر فى التحفة من غير ذكر خلاف
وفى المحيط جعله قول محمد والحسن وقول أبى يوسف لا يدخل وأما أساسه قيل الظاهر من مذهبه أنه يدخل لأنه جزء الحائط حقيقة ويدخل فى بيع الحمام القدور دون قصاعه وأما قدر القصارين والصباغين وأجاجين الغسالين وخوابى الزياتين وحبابهم ودنانهم وجذع القصار الذى يدق عليه المثبت كل ذلك فى الأرض فلا يدخل وإن قال بحقوقها
قلت ينبغى أن تدخل كما إذا قال بمرافقها وأما الطريق ونحوه فسيأتى إن شاء الله تعالى فى باب الحقوق
فروع باع فرسا دخل العذار تحت البيع والزمام فى بيع البعير ولم يذكر فى شىء من الكتب ما إذا باع فرسا وعليه سرج قيل لا يدخل إلا بالتنصيص أو يحكم الثمن ولو باع حمارا قال الإمام محمد بن الفضل لا يدخل الإكاف بلا شرط ولا يستحق على البائع ولم يفصل بين ما إذا كان موكفا أو غير موكف فى فتاوى قاضيخان وهو الظاهر فالإكاف فيه كالسرج فى الفرس وقال غيره يدخل الإكاف والبرذعة تحت البيع وإن كان غير موكف وقت البيع وإذا دخلا بلا ذكر كان الكلام فيه ما قلنا فى ثوب العبد والجارية ولا يدخل المقود فى بيع الحمار لأنه ينقاد دونه بخلاف الفرس والبعير وليتأمل فى هذا باع عبدا أو جارية كان على البائع من الكسوة قدر ما يوارى عورته فإن بيعت فى ثياب مثلها دخلت فى البيع وللبائع أن يمسك تلك الثياب ويدفع غيرها من ثياب مثلها يستحق ذلك على البائع ولا يكون للثياب قسط من الثمن حتى لو استحق الثوب أو وجد بالثوب عيبا لا يرجع على البائع بشىء ولا يرد عليه الثوب ولو هلك الثياب عند المشترى أو تعيبت ثم رد الجارية بعيب ردها بجميع الثمن لأنه لم يملك الثوب بالبيع فلا يكون له قسط من الثمن وعلى هذا ما ذكر فى الكافى من رجل له أرض وفيها نخل لغيره فباعهما رب الأرض بإذن الآخر بألف وقيمة كل منهما خمسمائة فالثمن بينهما نصفان لأستوائهما فيه فلو هلك النخل قبل القبض بآفة سماوية خير المشترى بين الترك وأخذ الأرض بكل الثمن لأن النخل دخل تبعا فلا يقابله شىء من الثمن ثم الثمن كله لرب الأرض لأنتقاض البيع فى حق النخل والثمن كله بمقابلة الأصل وهو له دون التبع ولو باع أتانا لها جحش أو بقرة لها عجول اختلف قيل يدخلان وقيل لايدخلان يدخل يدخل العجول دون الجحش ولو باع عبدا له مال إن لم يذكر
____________________
(6/281)
المال فى البيع فماله لمولاه وإن باعه مع ماله بكذا ولم يبين المال فسد لبيع وكذا لو سمى المال وهو دين على الناس أو بعضه فسد البيع وإن كان عينا جاز البيع إن لم يكن من الأثمان فإن كان منها وكان الثمن من جنسه بأن كان دراهم والثمن كذلك فإن كان الثمن أكثر جاز وإن كان مثله أو أقل لا يجوز لأنه بيع للعبد بلا ثمن وإن كان منها ولم يكن من جنسه بأن كان دراهم ومال العبد دنانير أو بالقلب جاز إذا تقابضا فى المجلس وكذا لو قبض مال العبد ونقد حصته فقط من الثمن وإن افترقا قبل القبض بطل العقد فى مال العبد اشترى دارا فوجد فى بعض جذوعها مالا إن قال البائع هو لى كان له فيرد عليه لأنها وصلت إلى المشترى منه وإن قال ليس لى كان كاللقطة ولو قال صاحب علو وسفل لآخر بعت منك علو هذا بكذا فقبل جاز ويكون سطح السفل لصاحب السفل وللمشترى حق القرار عليه قوله ومن باع أرضا دخل ما فيها من النخل والشجر وإن لم يسمه لأنه متصل بها اتصال قرار فأشبه البناء ولم يفصل محمد بين الشجرة المثمرة وغير المثمرة ولا بين الصغيرة والكبيرة فكان الحق دخول الكل خلافا لما قال بعض المشايخ إن غير المثمرة لا تدخل إلا بالذكر لأنها لا تغرس للقرار بل للقلع إذا كبر خشبها فصارت كالزرع ولما قال بعضهم إن الصغيرة لا تدخل وفى فتاوى قاضيخان ولو باع أرضا وفيها أشجار صغار تحول فى فصل الربيع وتباع إن كانت تقلع من أصلها تدخل فى البيع وإن كانت تقطع من وجه الأرض فهى للبائع إلا بشرط نعم الشجرة اليابسة لا تدخل لأنها على شرف القلع فهى كحطب موضوع فيها ولا يدخل الشرب والطريق فى بيع الأرض والدار إلا بذكر الحقوق وكذا فى الإقرار والصلح والوصية وغيرها ويدخلان فى الإجارة والرهن والوقف والقسمة لأنها تعقد للأنتفاع ولا انتفاع بدونهما بخلاف البيع فإنه يعقد لملك الرقبة فقد يراد به الأنتفاع بالتجارة فيها ولا يدخل الثمر الذى على رءوس الأشجار إلا بالشرط وما كان من الأوراق وأوراق الفرصاد والتوت لأنه بمنزلة الثمر ولو كان على الشجر ثمار فشرطه المشترى له فأكله البائع سقطت حصتها من الثمن ثم يثبت الخيار للمشترى فى الصحيح لتفرق الصفقة عليه عند أبى حنيفة بخلاف ما لو اشترى شاة بعشرة فولدت ولدا يساوى خمسة فأكله البائع قال أبو حنيفة تلزمه الشاة بخمسة ولا خيار له والفرق غير خاف وكما يدخل فى البيع أشياء بلا تسمية وهو ما يدخل تبعا كذلك يخرج منه أشياء بلا تسمية كما إذا باع قرية يخرج منها الطريق والمساجد والفارقين وسور القرية لأن السور يبقى على أصل الإباحة عند القسمة فلا يدخل فى البيع وفى الفصل الثالث فيما يجوز بيعه وما لا يجوز من الخلاصة باع قرية وفيها مسجد واستثناه هل يشترط ذكر الحدود اختلف المشايخ واستثنى الحياض وفى المقبرة لابد من ذكر الحدود إلا أن تكون ربوة قوله ولا يدخل الزرع فى بيع الأرض إلا بالتسمية لأنه متصل بها للفصل أى لفصل الآدمى إياها لأنتفاعه بها فشابه المتاع الذى فيه أى فى البيع فاندفع ما أورد عليه من بيع الجارية الحامل ونحو البقرة
____________________
(6/282)
الحامل فإنه يدخل حملها فى البيع مع أنه متصل للفصل بأن ذلك فصل الله تعالى وهذا المعنى متبادر فترك التقييد به وأيضا الأم وما فى بطنها مجانس متصل فيدخل باعتبار الجزئية بخلاف الزرع ليس مجانسا للأرض فلا يمكن اعتبار الجزئية ليدخل بذكر الأصل فبعد ذلك ينظر إن كان اتصاله للقرار كما فى الشجر كان متصلا للحال وفى ثانى الحال فيدخل بطريق التبعية لشدة الأتصال لا الجنسية والجزئية وإن كان اتصالا للفصل فى ثانى الحال كالزرع يجعل منفصلا فلا يدخل فإن قيل ينبغى أن يدخل لأن الأتصال قائم فى الحال والأنفصال معدوم فيه فيترجح الموجود على المعدوم الجواب بأن الموجب للدخول إما شمول حقيقة المسمى فى البيع له أو تبعيته له والتبعية بأن يكون مستقر الأتصال به لا مجرد اتصاله الحالى مع أنه بعرضية الفصل وانتفاء المجانسة ظاهر فلم يتحقق موجب الدخول والله أعلم قوله ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع لنفسه أى يشترى الشجرة مع الثمرة التى فوقها ولا فرق بين المؤبرة وغير المؤبرة فى كونها للبائع إلا بالشرط ويدخل فى الثمرة الورد والياسمين والخلاف ونحوها من المشمومات فالكل للبائع وعند الشافعى ومالك وأحمد يشترط فى ثمر النخل التأبير فإن لم تكن أبرت فهى للمشترى والتأبير التلقيح وهو أن يشق عناقيد الكم ويذر فيها من طلع الفحل فإنه يصلح ثمر إناث النخل لما روى أصحاب الكتب الستة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع وفى لفظ البخارى من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذى باعها إلا أأن يشترط المبتاع وحاصله استدلال بمفهوم الصفة فمن قال به يلزمه وأهل المذهب ينفون حجيته وقد روى محمد رحمه الله فى شفعة الأصل عنه عليه الصلاة والسلام من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع من غير فصل بين المؤبر وغير المؤبر وهو الحديث الذى ذكره المصنف وما قيل إن فى مرويهم تخصيص الشىء بالذكر فلا يدل على نفى الحكم عما عداه إنما يلزمهم لو كان لقبا ليكون مفهوم لقب لكنه صفة وهو حجة عندهم كما ذكرنا ولو صح حديث محمد رحمه الله فهم يحملون المطلق على المقيد وعلى أصول المذهب أيضا يجب لأنه فى حادثة واحدة فى حكم واحد والذى يلزمهم من الوجه القياس على الزرع وهو المذكور فى الكتاب بقوله إنه متصل للقطع لا للبقاء فصار كالزرع وهو قياس صحيح وهم يقدمون القياس على المفهوم إذا تعارضا وحينئذ فيجب أن يحمل الإبار على الأثمار لأنهم لا يؤخرونه عنه فكان الأبار علامة الأثمار فعلق به الحكم بقوله نخلا مؤبرا يعنى مثمرا وما نقل عن ابن أبى ليلى من أن الثمرة مطلقا للمشترى بعيد إذ يضاد الأحاديث المشهورة
____________________
(6/283)
وإذا كانت الثمرة للبائع يقال له اقطعها وسلم المبيع وكذا إذا كان فيها زرع يقال له اقلعه وسلم المبيع لأن ملك المشترى مشغول بملك البائع فكان عليه تفريغه وتسليمه كما إذا كان فيه متاع وقال الشافعى يترك حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع وهو قول مالك وأحمد رحمهما الله لأن الواجب هو التسليم المعتاد ولهذا لا يجب فى الدار تسليمها فى الحال إذا بيعت ليلا وكان له فيها متاع بل ينتظر طلوع النهار ووجود الحمالين وفى العادة لا يقطع إلا بعد ما قلنا وصار كما إذا انقصت مدة الإجارة وفى الأرض زرع فإنه يترك حتى يستحصد رضى المؤجر أو لم يرض وإذا كان كذلك فلا يبالى بتضرر المشترى بالأنتفاع بملكه بلا عوض لأنه حين أقدم على الشراء والعادة ما ذكرنا كان ملتزما للضرر المذكور ويقال استحصد الزرع يستحصد بكسر الصاد جاء وقت حصاده أجاب المصنف بأن هناك أى فى الإجارة أيضا يجب التسليم ولذا تجب الأجرة فى التبقية لأن تسليم العوض تسليم المعوض ولا بد فى تمامه من تسليم أن المعتاد فى الإجارة التبقية بالأجرة وعدم تسليم عين الأرض فى الحال وإلا لو لم يرض المؤجر بالتبقية وأخذ الأجرة كان له أن يكلفه أن يقلعه فى الحال وليس له ذلك فظهر أن التسليم المعتاد يجب اعتباره ثم يقول هو فى البيع بتركه إلى ما ذكرنا مجانا وفي الإجازة بتركه بأجر ولا مخلص من هذا إلا أن يتم منع أنه معتاد فى البيع كذلك وإلا فإذا فرق بين البيع والإجارة بأن إقدام البائع على البيع مع علمه بأن المبتاع يطالبه بتفريغ ملكه وتسليمه فارغا دلالة الرضا بقطعه فلم تجب رعاية جانبه بتبقية الأرض والشجر على حكم ملكه بخلاف المستأجر فإنه لم يوجد منه عند انقضاء مدة الإجازة فعل يدل على الرضا بقطع ثمره وزرعه فوجب رعاية جانبه بتبقيته على حكم ملكه بالأجرة اتجه أن يقال إنما يكون إقدامه على البيع رضا بالقطع فى الحال لو لم يكن التأخير إلى الصلاح معتادا أما إذا كان معتادا فلا وقد منعت العادة
____________________
(6/284)
المستمرة بذلك بل هى مشتركة فقد يتركون وقد يبيعون بشرط القطع والله أعلم ثم هل تدخل أرض الشجر فى البيع ببيعها إن اشتراها للقطع لا تدخل بالإجماع وإن اشتراها بيعا مطلقا لا تدخل عند أبى حنيفة وأبى يوسف لأن الأرض أصل والشجر تبع فلا ينقلب الأصل تبعا وهو قول الشافعى وعند محمد وهو رواية عن أبى حنيفة وقول للشافعى يدخل ما تحتها بقدر غلظ ساقها وفى جمع النوازل والفتاوى الصغرى هو المختار لأنه اشترى الشجر وهو اسم للمستقر على الأرض وإلا فهو جذع وحطب فيدخل من الأرض ما يتم به حقيقة اسمها فهو دخول بالضرورة فيتقدر بقدرها وقيل قدر ساقها وقيل بقدر ظلها عند الزوال وقيل بقدر عروقها العظام ولو شرط قدرا فعلى ما شرط وقوله ولا فرق بين أن يكون له قيمة أو لا فى الصحيح احترازا عن قول البعض إنه لم يكن له قيمة يدخل والصحيح لايدخل فى الحالتين إن كان له قيمة أو لم تكن وعلله أن بيعه يصح فى أصح الروايتين مع كونه ليس للقرار وما يصح بيعه وليس للقرار لا يدخل فى البيع تبعا لغيره بخلاف البناء فإنه يجوز بيعه منفردا ولكنه موضوع للقرار قوله وأما إذا بيعت الأرض وقد بذر فيها صاحبها ولم ينبت لم يدخل لأنه مودع فيها كالمتاع هكذا أطلق المصنف وكذا أطلقه غير واحد وقيده فى الذخيرة بما إذا لم يعفن أما إذا عفن فهو للمشترى لأن العفن لا يجوز بيعه على الأنفراد فصار كجزء من أجزاء الأرض فيدخل فى بيع الأرض واختار الفقيه أبو الليث أنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف وفى فتاوى الفضلى كما فى الذخيرة قال لو عفن البذر فى الأرض فهو للمشترى وإلا فللبائع ولو سقاه المشترى حتى نبت ولم يكن عفن وقت البيع فهو للبائع والمشترى متطوع ولو باعها بعد ما نبت ولم تصر له قيمة فقد قيل لا يدخل فيكون للبائع وقيل لا يدخل ولم يرجح المصنف منها شيئا ورجح فى التجنيس قال فيه قال الفقيه لا يدخل والصواب أنه يدخل نص عليه القدورى فى شرحه وفى شرح الإسبيجابى انتهى وقول الفقيه أبى الليث هو قول أبى القاسم وفي فتاوى قاضيخان قال شيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل هذا إذا صار الزرع متقوما أى لايدخل فإن لم يكن متقوما يدخل الزرع من غير ذكر قال وإنما تعرف قيمته بأن تقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فإن كانت قيمتها مبذورة أكثر من قيمتها غير مبذورة علم أنه صار متقوما انتهى وبهذا ظهر أن حكاية اتفاق
____________________
(6/285)
المشايخ على عدم الدخول مطلقا ليست واقعة بل قولان عدم الدخول مطلقا والتفصيل بين أن يعفن فيدخل أو لا فلا وكان المناسب أن يقول تقوم الأرض بلا ذلك الزرع وبه فإن زاد فالزائد قيمته وأما تقويمها مبذورة وغير مبذورة فإنما يناسب من يقول إذا عفن البذر يدخل ويكون للمشترى ويعلله بأنه لا يجوز بيعه وحده لأنه حينئذ ليس له قيمة قال المصنف وكأن هذا بتشديد النون يعنى الأختلاف فى دخول الزرع الذى ليست له قيمة وعدمه بناء على الأختلاف فى جواز بيعه قبل أن تناله المشافر والمناحل من قال لا يجوز بيعه قال يدخل ومن قال يجوز قال لايدخل ولا يخفى أن كلا من الأختلافين مبنى على سقوط تقومه وعدمه فإن القول بعدم جواز بيعه وبدخوله فى البيع كلاهما مبنى على سقوط تقومه والأوجه جواز بيعه على رجاء تركه كما يجوز بيع الجحش كما ولد على رجاء حياته فينتفع به في ثانى الحال قوله ولا يدخل الزرع والثمر بذكر الحقوق والمرافق الخ يعنى إذا باع أرضا فيها زرع وشجر وعليه ثمر أو باع شجرا فقط وعليه ثمر وقال بعتها أو اشتريتها بجميع حقوقها ومرافقها لا يدخل الزرع والثمر بذلك لأنهما ليسا من الحقوق والمرافق وكذا لو قال بكل قليل وكثير هو له فيها أو منها من حقوقها أو من مرافقها لم يدخلا أيضا لما ذكرنا بعينه ولو كان اقتصر على قوله بكل قليل وكثير هو له فيها أو منها أو على قوله بكل قليل فيها أو منها دخلا هذا فى المتصل بالأرض والشجر أما الثمر المجذوذ والزرع المحصود فيها فلا يدخل ولو قال بكل قليل وكثير هو ما لم ينص عليه والمجدود بدالين مهملتين ومعجمتين بمعنى واحد أى المقطوع غير أن المهملتين هنا أولى ليناسب المحصود قوله ومن باع ثمرة
____________________
(6/286)
لم يبد صلاحها لا خلاف فى عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر ولا فى عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك ولا فى جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به ولا فى الجواز بعد بدو الصلاح لكن بدو الصلاح عندنا أن تأمن العاهة والفساد وعند الشافعى هو ظهور النضج وبدو الحلاوة والخلاف إنما هو فى بيعها قبل بدو الصلاح على الخلاف فى معناه لا بشرط القطع فعند مالك والشافعى وأحمد لا يجوز وعندنا إن كان بحال لاينتفع به فى الأكل ولا فى علف الدواب خلاف بين المشايخ قيل لا يجوز ونسبه قاضخيان لعامة مشايخنا والصحيح أنه يجوز لأنه مال منتفع به فى ثانى الحال إن لم يكن منتفعا به فى الحال وقد أشار محمد فى كتاب الزكاة إلى جوازه فإنه قال لو باع الثمار فى أول ما تطلع وتركها بإذن البائع حتى أدرك فالعشر على المشترى فلو لم يكن جائزا لم يوجب فيه العشر على المشترى وصحة البيع على هذا التقدير بناء على التعويل على إذن البائع على ما ذكرنا من قريب وإلا فلا انتفاع به مطلقا فلا يجوز بيعه والحيلة فى جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثرى أول ما تخرج مع أوراق الشجر فيجوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز بأتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ويجب قطعه على المشترى فى الحال فإن باعه بشرط الترك فإن لم يكن تناهى عظمه فالبيع فاسد عند الكل وإن كان قد تناهى عظمه فهو فاسد عند أبى حنيفة وأبى يوسف وهو القياس ويجوز عند محمد استحسانا وهو قول الأئمة الثلاثة واختاره الطحاوى لعموم البلوى
وفى المنتقى ذكر أبو يوسف مع محمد وجه قولهما فى الصورتين
____________________
(6/287)
أنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير أو هو صفقة فى صفقة لأنه إن شرط بلا أجرة فشرط إعارة فى البيع أو بأجرة فشرط إجارة فيه ومثل هذا بيع الزرع بشرط الترك وجه قول محمد فى المتناهى الاستحسان بالتعامل لأنهم تعارفوا التعامل كذلك فيما تناهى عظمه فهو شرط يقتضيه العقد وهذا دعوى الشافعى فيما تناهى عظمه وما لم يتناهى أنه يجوز لأن العادة تركهم إياه إلى الجذاذ ومحمد يقول بمنعه فيه لما فيه من اشتراط الجزء المعدوم وهو الأجزاء التى تزيد بمعنى من الأرض والشجر إلى أن يتناهى العظم ولا يخفى أن الوجه لا يتم فى الفرق لمحمد إلا بادعاء عدم العرف فيما لم يتناهى عظمه إذ القياس عدم الصحة للشرط الذى لا يقتضيه العقد فى المتناهى وغيره خرج منه المتناهى للتعامل فكون ما لم يتناهى على أصل القياس إنما يكون لعدم التعامل فيه والجزء المعدوم طرد ولو باع ما لم يتناهى عظمه مطلقا عن الشرط ثم تركه فإما بإذن البائع إذنا مجردا أو بإذن فى ضمن الإجارة بأن استأجر الأشجار إلى وقت الإدراك أو بلا إذن ففى الصورتين الأوليين يطيب له الفضل والأكل أما فى الإذن المجرد فظاهر وأما فى الإجارة فلأنها إجارة باطلة لعدم التعارف فى إجارة الأشجار والحاجة فإن الحاجة ليست بمتعينة فى ذلك وإنما تتعين لو لم يكن مخلص إلا بالاستئجار وهنا يمكن أن يشترى الثمار مع أصولها فيتركها عليها ولا يخفى ما فى هذا من العسر فإنه يستدعى شراء مالا حاجة له إليه أو مالا يقدر على ثمنه وقد لا يوافقه البائع على بيع الأشجار فالأول أولى وأصل الإجارة مقتضى القياس فيها البطلان إلا أن الشرع أجازها للحاجة فيما فيه تعامل ولا تعامل فى إجارة الأشجار المجردة فلا يجوز وكذا لو استأجر أشجارا يجفف عليها ثيابه لا يجوز ذكره الكرخى وإذا بطلت بقى الأذن معتبرا فيطيب بخلاف ما إذا اشترى الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك حيث لا يطيب له الفضل لأن الإجارة هنا فاسدة لأن الأرض يجوز إجارتها وإنما فسدت لجهالة الأجل فأورث خبثا أما هنا الإجارة باطلة والباطل لا وجود له فلم يوجد إلا الإذن فطاب أما الفاسد فله وجود فكان الإذن ثابتا فى ضمنه باعتباره فمنع وهنا صار الإذن مستقلا بنفسه وهذا بناء على عدم عذرة بالجهل فى دار الإسلام إن كان جاهلا
____________________
(6/288)
ببطلان الإجارة وفى الثالثة لا يطيب له ويتصدق بما زاد لأنه حصل بجهة محظورة أما إذا باع ما تناهى عظمه فتركه المشترى بغير إذن البائع فإنه لا يتصدق بشىء لأنه لم يزدد فى ذاتها شىء وهذا قول المصنف لأن هذا تغير حالة لا تحقق زيادة أى تغير من وصف إلى آخر بواسطة إنضاج الشمس عليه نعم عليه إثم غصب المنفعة يتعلق به لا بالعين المبيعة بإثبات خبث فيها وجه قول الشافعى وباقى الأئمة فى الخلافية ما فى الصحيحين عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وعن بيع النخل حتى تزهو قيل وما تزهو قال تحمار أو تصفار وأخرج البخارى فى الزكاة عن ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهتها وأخرج أبو داود
____________________
(6/289)
والترمذى وابن ماجه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد قال الترمذى الحديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولنا ما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام من اشترى نخلا قد أبرت فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع فجعله للمشترى بالشرط فدل على جواز بيعه مطلقا لأنه لم يقيد دخوله فى البيع عند اشتراط المبتاع بكونه بدا صلاحه وفى موطأ مالك عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت ابتاع رجل ثمرة حائط فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فعالجه وقام حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع له أو يقيله فحلف لا يفعل فذهبت بالمشترى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال يأبى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب الحائط فأتى النبى صلى الله عليه وسلم هو له ولولا صحة البيع لم تترتب الإقالة عليه أما النهى المذكور فهم قد تركوا ظاهره فإنهم أجازوا البيع قبل أن يبدو صلاحها بشرط القطع وهذه معارضة صريحة لمنظومة فقد اتفقنا على أنه متروك الظاهر وهو لا يحل إن لم يكن لموجب وهو عندهم تعليله عليه الصلاة والسلام بقوله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مالل أخيه فإنه يستلزم أن معناه أنه نهى عن بيعها مدركة قبل الإدراك ومزهية قبل الزهو وقد فسر أنس رضى الله عنه زهوها بأن تحمر أو تصفر وفسرها ابن عمر بأن تأمن العاهة فكان النهى عن بيعها محمرة قبل الاحمرار ومصفرة قبل الاصفرار أو أمنة من العاهة قبل أن يؤمن عليها وذلك لأن العادة أن الناس يبيعون الثمرة قبل أن تقطع فنهى عن هذا البيع قبل أن توجد الصفة المذكورة وما ذكرنا من نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع العنب حتى يسود وهو لا يكون عنبا قبل السواد يفيده فإنه قبله حصرم فكان معناه على القطع النهى عن بيع العنب عنبا قبل أن يصير عنبا وذلك لا يكون إلا بشرط الترك إلى أن يبدو الصلاح ويدل عليه تعليل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله أرأيت لو منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه فالمعنى إذا بعتموه عنبا قبل أن يصير عنبا بشرط الترك إلى أن يصير عنبا فمنع الله الثمرة فلم يصر عنبا بم يستحل أحدكم يعنى البائع مال أخيه المشترى والبيع بشرط القطع لا يتوهم فيه ذلك فلم يكن متناولا للنهى وإذا صار محل النهى بيعها بشرط تركها إلى أن تصلح فقد قضينا عهدة هذا النهى فإنا قد أفسدنا هذا البيع وبقى بيعها مطلقا غير متناول للنهى بوجه من الوجوه فلهذا ترك المصنف الاستدلال لهم فى هذه الخلافية بالحديث وحينئذ فالحديث المذكور لنا فيها أعنى حديث التأبير سالم عن المعارض وكذلك المعنى وهو أنه مبيع منتفع به فى الحال أو فى ثانى الحال إلى آخره وبهذا التقرير ظهر أن ليس حديث التأبير عاما عارضه خاص وهو حديث بدو الصلاح وأن الترجيح هنا ينبغى أن يكون للخاص لأنه مانع وحديثنا مبيح بل لا يتناول أحدهما ما يتناول الآخر والحاصل أن بيع مالم يبد صلاحها إما بشرط القطع وهو جائز اتفاقا لأنه غير متناول للنهى لما ذكرنا وإما مطلقا فإذا كان حكمه لزوم القطع كان بمثله بشرط القطع فلم يبق محل النهى إلا بيعها بشرط الترك ونحن قائلون بأنه فاسد ولو اشتراها مطلقا فأثمرت ثمر آخر قبل القبض فسد البيع لأنه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز فأشبه هلاكه
____________________
(6/290)
قبل التسليم ولو أثمرت بعد القبض يشتركان فيه للاختلاط والقول قول المشترى فى مقداره مع يمينه لأنه فى يده وكذا فى بيع الباذنجان والبطيخ إذا حدث بعد القبض خروج بعضها اشتركا لما ذكرنا وكان الحلوانى يفتى يجوازه فى الكل وزعم أنه مروى عن اصحابنا وكذا حكى عن الإمام الفضلى وكان يقول الموجود وقت العقد أصل وما يحدث تبع نقله شمس الأئمة عنه ولم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد يكون أكثر بل قال عنه اجعل الموجود أصلا فى العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا وقال استحسن فيه لتعامل الناس فإنهم تعاملوا بيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم فى ذلك عادة ظاهرة وفى نزع الناس من عادتهم حرج وقد رأيت رواية فى نحو هذا عن محمد رحمه الله وهو بيع الورد على الأشجار فإن الورد متلاحق ثم جوز البيع فى الكل بهذا الطريق وهو قول مالك رحمه الله والمخلص من هذه اللوازم الصعبة أن يشترى أصول الباذنجان والبطيخ والرطبة ليكون ما يحدث على ملكه وفى الزرع والحشيش يشترى الموجود ببعض الثمن ويستأجر الأرض مدة معلومة يعلم غاية الإدراك وانقضاء الغرض فيها بباقى الثمن وفى ثمار الأشجار يشترى الموجود ويحل له البائع ما يوجد فإن خاف أن يرجع يفعل كما قال الفقيه أبو الليث فى الأذن فى ترك الثمر على الشجر وهو أن يأذن المشترى على أنه متى رجع عن الإذن كان مأذونا فى الترك بإذن جديد فيحله على مثل هذا الشرط قوله ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثنى منها أرطلا لمالك أجازه قياسا على استثناء شجرة معينة قلنا قياس مع
____________________
(6/291)
الفارق لأن الباقى بعد إخراج المستثنى غير مشار إليه ولا معلوم الكيل المخصوص فكان مجهولا بخلاف الباقى بعد إخراج الشجرة فإنه معلوم مفرز بالإشارة قالوا هذه رواية الحسن عن ابى حنيفة رضى الله عنه وهو قول الطحاوى والشافعى وأحمد رحمهم الله وعلى ما ذكرنا من التعليل لا يرد ما قيل ينبغى أن يجوز البيع على كل حال لأنه إن بقى شىء بعد إخراج المستثنى فظاهر وإن لم يبق شىء يكون الاستثناء باطلا لأنه مستغرق فيبقى الكل مبيعا لأن ورود هذا على التعليل يجوز أن لا يبقى بعد الاستثناء شىء وتعليل المصنف بجهالة المبيع وهو يوجب الفساد وإن ظهر ارتفاعها بالآخرة واتفق أنه بقى مقدار معين لأن الجهالة القائمة قبل ذلك فى الحال هى المفسدة قال المصنف رحمه الله فأما على ظاهر الرواية ينبغى أن يجوز لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه بخلاف استثناء الحمل من الجارية الحامل أو الشاة وأطراف الحيوان لا يجوز كما إذا باع هذه الشاة إلا إليتها وهذا العبد إلا يده فيصير مشتركا متميزا بخلاف مالو كان مشتركا على الشيوع فإنه جائز وإنما قال ينبغى لأن جواب هذه المسئلة ليس مصرحا به فى ظاهر الرواية
____________________
(6/292)
وهو أن كل ما جاز إفراده بإيراد العقد عليه جاز استثناؤه ويصير الباقى مبيعا إلا أن عدم الجواز أقيس بمذهب أبى حنيفة فى بيع صبرة طعام كل قفيز بدرهم فإنه أفسد البيع بجهالة قدر المبيع وقت العقد وهو لازم فى استثناء أرطال معلومة مما على الأشجار وإن لم يفض إلى المنازعة فالحاصل أن كل جهالة مفضية إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن مالم يفض إليها يصح معها بل لا بد مع عدم المفضية إلى المنازعة فى الصحة من كون البيع على حدود الشرع ألا يرى أن المتبايعين قد يتراضيان على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول كقدوم الحاج ونحوه ولا يعتبر ذلك مصححا وأما ما قيل فى توجيه المنع لعل المبيع لا يبلغ إلا تلك الأرطال فبعيد إذ المشاهدة تفيد كون تلك الأرطال لا تستغرق الكل وإلا فلا يرضى المشترى حينئذ بذلك الاستثناء قوله ويجوز بيع الحنطة فى سنبلها والباقلاء فى قشره وكذا الأرز والسمسم وقال الشافعى لا يجوز بيع الباقلاء الأخضر وكذا الجوز واللوز والفستق فى قشره الأول عنده وله فى بيع الحنطة فى السنبل قولان وأجاز بيع الشعير والذرة فى سنبلها وعندنا يجوز ذلك كله له أن المعقود عليه وهو المبيع مستور بما لا منفعة عليه فلا يجوز بيعه كتراب الصاغة إذا بيع بجنسه بجامع استتاره بما لا منفعة فيه والمعول فى الاستدلال
____________________
(6/293)
نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وفى هذا غرر فإنه لا يدرى قدر الحنطة الكائنة فى السنابل والمبيع ما أريد به إلا الحب لا السنابل فرجع إلى جهالة قدر المبيع وألزم على هذا أن لايجوز بيع اللوز ونحوه فى قشره الثانى لكنه تركه للتعامل المتوارث ولنا ما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة ويقال زها النخل والثمر يزهو وأزهى يزهى لغة ففى الاشقاق من الزهو لغتان وأنكر الأصمعى الرباعية يزهى كما نقل الزمخشرى عن الغير إنكار يزهو الثلاثية لا يقال أنتم لم تعملوا بصدر الحديث لأنا نقول قد يبنا أنا عاملون وأن الاتفاق على انحطاط النهى على بيعها بشرط الترك إلى الزهو وقد منعناه ولأنه مال متقوم معلوم فيجوز بيعه كالشعير فى سنبله بخلاف بيعه بمثله فى سنبل الحنطة لاحتمال الربا أما أنه مال متقوم فظاهر وأما أنه معلوم فلأنه مشار إليه وبالإشارة كفاية فى التعريف إذ المانع من رؤية عينها لا يخل بدرك قدره فى الجملة وليس معرفته على التحرير شرطا وإلا امتنع بيع الصبرة المشاهدة وأورد المطالبة بالفرق بين ما إذا باع حب قطن فى قطن بعينه أو نوى تمر فى تمر بعينه أى باع ما فى هذا القطن من الحب وما فى هذا التمر من النوى فإنه لا يجوز مع أنه أيضا فى غلافه أشار أبو يوسف إلى الفرق بأن النوى هناك معتبر عدما هالكا فى العرف فإنه يقال هذا تمر وقطن ولا يقال هذا نوى فى تمرة ولا حب فى قطنه ويقال هذه حنطة فى سنبلها وهذا لوز وفستق ولا يقال هذه قشور فيها لوز ولا يذهب إليه وهم بخلاف تراب الصاغة فإنه إنما لا يجوز بيعه بجنسه لاحتمال الربا حتى لو باع بخلاف جنسه جاز وبما ذكرنا يخرج الجواب عن امتناع بيع اللبن فى الضرع واللحم والشحم فى الشاة والإلية والأكارع والجلد فيها والدقيق فى الحنطة والزيت فى الزيتون والعصير فى العنب ونحو ذلك حيث لا يجوز لأن كل ذلك منعدم فى العرف لا يقال هذا عصير وزيت فى محله
____________________
(6/294)
وكذا الباقى واعلم أن الوجه يقتضى ثبوت الخيار للمشترى بعد الاستخراج فى ذلك كله لأنه لم يره قوله ومن باع دارا دخل فى البيع مفاتيح أغلاقها المراد بالغلق ما نسميه ضبة وهذا إذا كانت مركبة لأنها تركب للبقاء لا إذا كانت موضوعة فى الدار ولهذا لا تدخل الأقفال فى بيع الحوانيت لأنها لا تركب وإنما تدخل الألواح وإن كانت منفصلة لأنها فى العرف كالأبواب المركبة والمراد بهذه الألواح ما تسمى فى عرفنا بمصر دراريب الدكان وقد ذكر فيها عدم الدخول ولا معول عليه وقوله لأنه لا ينتفع بها إلا به أجيب بمنع أن شراء الدار مقصور على الانتفاع بذاتها بل قد يكون لغرض مجرد الملك ليأخذ بالشفعة بواسطتها أو يتجر بها ولذا لما كان العقد عليها مقصورا على ذلك كما فى الإجارة أدخلنا الطريق
فرع يناسب ما نحن فيه من حيث أنه يتناوله البيع بلا تنصيص من المالك عليه وإن كان فى معنى آخر للمشترى ما يتسارع إليه الفساد ولم يقبضه المشترى ولم ينقد الثمن حتى غاب كان للبائع أن يبيعه من آخر ويحل للمشترى الثانى أن يشتريه وإن كان يعلم بالحال لأن المشترى الأول رضى بهذا ففسخ دلالة فيحل للبائع بيعه وحل للمشترى أن يشتريه وإنما كتبتها لأنها كثيرا ما تقع فى الأسواق قوله وأجرة الكيال ووزان المبيع وذراعه وعاده إن كان البيع بشرط الكيل والوزن أو الذراع أو العد على البائع لأن عليه إيفاء المبيع ولا يتحقق ذلك إلا بكيله ووزنه ونحوه ولأن بكل من ذلك يميز ملكه عن ملك غيره ومعلوم أن الحاجة إلى هذه إذا باع مكايله
____________________
(6/295)
أو موازنة ونحوه إذ لا يحتاج إلى ذلك فى المجازفة وأجرة وزان الثمن على المشترى باتفاق الأئمة الأربعة لأنه يحتاج إلى تسليم الثمن وتمييزه عنه فكانت مؤنته عليه وأما أجرة ناقد الثمن فاختلف الرواة والمشايخ فروى ابن رستم عن محمد أنه على البائع وهو المذكور فى المختصر ووجهه أن النقد يحتاج إليه بعد التسليم وحينئذ يكون فى يد البائع وهو المحتاج إليه لاحتياجه إلى تمييز حقه وهو الجياد عن غير حقه وروى ابن سماعة عنه أنه على المشترى وبه كان يفتى الصدر الشهيد لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد وتعرفه بالنقد كما يعرف المقدار بالوزن فكان هو المحتاج إليه وعن محمد أجرة النقد على من عليه الدين كما فى الثمن أنه على المشترى إلا إذا قبض الدين ثم ادعى عدم النقد فالأجرة على رب الدين وفى الخلاصة الصحيح أنه على المشترى وكذا قال القدورى إنه على المشترى إلا إذا قبض البائع الثمن ثم جاء يرده بعيب الزيافة قال واختار فى الواقعات أنه على المشترى وفى باب العين لو اشترى حنطة مكايلة فالكيل على البائع وصبها فى وعاء المشترى على البائع أيضا هو المختار وفى المنتفى إخراج الطعام من السفن على المشترى ولو اشترى حنطة فى سنبلها فعلى البائع تخليصها بالدرس والتذرية ودفعها إلى المشترى وهو المختار وقطع العنب المشترى جزافا على المشترى وكذا كل شىء باعه جزافا كالثوم والبصل والجزر إذا خلى بينها وبين المشترى وكذا قطع الثمر يعنى إذا خلى البائع بينها وبين المشترى الكل من الخلاصة قوله ومن باع سلعة بثمن قيل للمشترى ادفع الثمن أولا لأن حق المشترى تعين فى المبيع فيقدم دفع الثمن لتعين حق البائع بالقبض لأنه قبل القبض لم يتعين ولو عين دراهم اشترى بها لما عرف أنها لا تتعين بالتعيين فى البيع فلا بد من تقدم قبضها ليتساويا ولو كان المبيع غائبا لا يلزم المشترى دفع الثمن وللبائع حبس جميع المبيع ولو بقى من ثمنه درهم واحد ولا يسقط حق حبس البائع للمبيع واو أخذ بالثمن كفيلا أو رهن المشترى به رهنا أما لو أحال البائع به عليه وقبل سقط حق الحبس وكذا إذا حال المشترى البائع به عند أبى يوسف وعن محمد فيه روايتان فى رواية كقول أبى يوسف وفى رواية إذا أحال البائع به رجلا سقط وإذا أحال المشترى البائع به لا يسقط وما لم يسلم المبيع هو فى ضمان البائع فى جميع زمان حبسه فلو هلك فى يد البائع بفعله أو بفعل المبيع بنفسه بأن كان حيوانا فقتل نفسه أو بأمر سماوى بطل البيع فإن كان قبض الثمن أعاده إلى المشترى وإن كان بفعل المشترى فعليه ثمنه إن كان البيع مطلقا أو بشرط الخيار للمشترى وإن كان الخيار للبائع أو كان البيع فاسدا لزمه
____________________
(6/296)
ضمان مثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان قيميا وإن هلك بفعل أجنبى فالمشترى بالخيار إن شاء فسخ البيع وعاد المبيع إلى ملك البائع ويضمن له الجانى فى المثلى المثل وإلا فالقيمة فإن كان الضمان من جنس الثمن وفيه فضل لا يطيب له وإن كان من خلافه طاب وإن شاء اختار البيع وأتبع الجانى فى الضمان فإن له ذلك وعليه الثمن للبائع فإن كان فى الضمان فضل فعلى ذلك التفضيل قوله ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن قيل لهما سلما معا لأستوائهما فى تعين حق كل منهما قبل التسليم فإيجاب تقديم دفع أحدهما بعينه على الآخر تحكم فيدفعان معا ولا بد من معرفة التسليم والتسلم الموجب للبراءة فى التجريد تسليم المبيع أن يخلى بينه وبين المبيع على وجه يتمكن من قبضه من غير حائل وكذا تسليم الثمن وفى الأجناس يعتبر فى صحة التسليم ثلاثة معان أن يقول خليت بينك وبين المبيع وأن يكون المبيع بحضرة المشترى على صفة يتأتى فيه الفعل من غير مانع وأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره وعن الوبرى المتاع لغير البائع لا يمنع فلو أذن له يقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده وكان أبو حنيفة رضى الله عنه يقول القبض أن يقول خليت بينك وبين المبيع فاقبضه ويقول المشترى وهو عند البائع قبضته فإن أخذه برأسه وصاحبه عنده فقاده فهو قبض دابة كان أو بعير وإن كان غلاما أو جارية فقال له المشترى تعال معى أو امش فخطا معه فهو قبض وكذا لو أرسله فى حاجته وفى الثوب إن أخذه بيده أو خلى بينه وبينه وهو موضوع على الأرض فقال خليت بينك وبينه فاقبضه فقال قبضته فهو قبض وكذا القبض فى البيع الفاسد بالتخلية ولو اشترى حنطة فى بيت ودفع البائع المفتاح إليه وقال خليت بينك وبينها فهو قبض وإن دفعه ولم يقل شيئا لا يكون قبضا ولو باع دارا غائبة فقال سلمتها إليك وقال قبضتها لم يكن قبضا وإن كانت قريبة كان قبضا وهى أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وما لا يقدر على إغلاقها فهى بعيدة وأطلق فى المحيط أن بالتخلية يقع القبض وإن كان المبيع يبعد عنهما وقال الحلوانى ذكر فى النوادر إذا باع ضيعة وخلى بينها وبين المشترى إن كان يقرب منها يصير قابضا أو يبعد لا يصير قابضا قال والناس عنه غافلون فإنهم يشترون الضيعة بالسواد ويقرون بالتسليم والقبض وهو لا يصح به القبض وفى جامع شمس الإئمة يصح القبض وإن كان العقار غائبا عنهما عند أبى حنيفة خلافا لهما وفى جمع النوازل دفع المفتاح فى بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه من غير تكلف وكذا إذا اشترى بقرا فى السرح فقال البائع اذهب واقبض إن كان يرى بحيث يمكنه الإشارة إليه يكون قبضا ولو باع خلا ونحوه فى دن وخلى بينه وبين المشترى فى دار نفسه وختم المشترى على الدن فهو قبض ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه حتى أخذه إنسان إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح ولو اشترى طيرا فى بيت والباب مغلق فأمره البائع بالقبض
____________________
(6/297)
فلم يقبض حتى هبت ريح ففتحت الباب فطار لا يصح التسليم وإن فتحه المشترى فطار صح التسليم لأنه يمكنه التسليم بأن يحتاط فى الفتح ولو اشترى فرسا فى حظيرة فقال البائع سلمتها إليك ففتح المشترى الباب فذهب الفرس إن أمكنه أخذها من غير عون كان قبضا وهو تأويل مسئلة الطير وفى مكان آخر من غير عون ولا حبل ولو اشترى دابة والبائع راكبها فقال المشترى احملنى معك فحمله فعبطت هلكت على المشترى قال القاضى الإمام هذا إذا لم يكن على الدابة سرج فإن كان عليها سرج وركب المشترى فى السرج يكون قابضا وإلا فلا ولو كانا راكبين فباع المالك منهما لا يصير قابضا كما إذا باع الدار والبائع والمشترى فيها معا & باب خيار الشرط
قد عرف أن البيع علة لحكمه من لزوم تعاكس الملكين فى البدلين والأصل أن لا يتخلف حكم العلة عنها فقدم ما هو الأصل ثم شرع يذكر ما يتعلق بالعلة التى تخلف عنها مقتضاها وهو البيع بشرط الخيار وظهر أن شرط الخيار مانع ثابت على خلاف القياس لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ويقال للبيع المشروط فيه الخيار علة اسما ومعنى لا حكما وللمستلزم علة اسما ومعنى وحكما وقد عرف ذلك من اصطلاحهم فى الأصول والموانع خمسة أقسام مانع يمنع انعقاد العلة وهو حرية المبيع فلا ينعقد المبيع فى الحر لأنها لا تنعقد إلا فى محلها ومحل البيع المال والحر ليس بمال فلا وجود للبيع أصلا كانقطاع الوتر يمنع أصل الرمى بعد القصد إليه ومانع يمنع تمام العلة وهو البيع المضاف إلى مال الغير كإصابة السهم بعد الرمى حائطا فرده عن سننه ومانع يمنع ابتداء الحكم بعد انعقاد العلة وهو خيار الشرط يمنع ثبوت حكمه وهو خروج المبيع عن ملكه على مثال استتار المرمى إليه بترس يمنع من إصابة الغرض منه ومانع يمنع تمام الحكم بعد ثبوته كخيار الرؤية للمشترى ومانع يمنع لزومه كخيار العيب وإضافة الخيار إلى الشرط على حقيقة الإضافة وهى إضافة الخيار إلى سببه إذ سببه الشرط وحين ورد شرعيته جعلناه داخلا فى الحكم مانعا من ثبوته تقليلا لعمله بقدر الإمكان وذلك لأن عمله إثبات الحظر فى ثبوت الملك وبذلك يشبه القمار فقللنا شبهه ولقائل أن يقول القمار ما حرم لمعنى الحظر بل باعتبار تعليق الملك بما لم يضعه الشرع سببا للملك فإن الشارع لم يضع ظهور العدد الفلانى فى ورقة مثلا سببا للملك والحظر طرد فى ذلك لا أثر له نعم يتجه أن يقال اعتبرناه فى الحكم تقليلا بخلاف الأصل وأما كونه فيه غرر وقد نهى عن بيع الغرر فذلك الغرر فى المبيع وهذا فى أن الملك هل يثبت أو لا قوله خيار الشرط جائز فى البيع للبائع والمشترى
____________________
(6/298)
ولهما ثلاثة أيام يروى بنصب ثلاثة أيام على الظرف أى فى ثلاثة وبرفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو ثلاثة أيام
ثم فى فتاوى قاضيخان إذا شرط الخيار لهما لا يثبت حكم العقد أصلا ويثبت الخيار فى البيع الفاسد كالصحيح قوله والأصل فيه ما روى أن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصارى رضى الله عنه كان يغبن فى البياعات الحديث روى الحاكم فى المستدرك من حديث محمد بن اسحاق عن نافع عن ابن عمر قال كان حبان بن منقذ ابن عمرو رجلا ضعيفا وكان قد أصابته فى رأسه مأمومة فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار إلى ثلاثة أيام فيما اشتراه وكان قد ثقل لسانه فقال له النبى صلى الله عليه وسلم بع وقل لا خلابة وكان يشترى الشىء فيجىء به إلى أهله فيقولون له هذا غال فيقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرنى فى بيعى وسكت عليه وحبان بفتح الحاء المهملة ومنقذ بالمعجمة ورواه الشافعى من طريق محمد بن إسحاق قال أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق به ثم قال الشافعى رحمه الله والأصل فى بيع الخيار أنه فاسد ولكن لما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المصراة خيار ثلاثة أيام فى البيع وروى أنه جعل لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع انتهينا إلى ما قال صلى الله عليه وسلم وأخرجه البيهقى فى سننه عن ابن عمر سمعت رجلا من الأنصار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يغبن فى البيوع فقال له إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار فى كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال قال ابن إسحاق فحدث به محمد بن يحيى بن حبان قال كان جدى منقذ بن عمرو قد أصيب فى رأسه وكان يغبن فى البيع فذكر نحوه ورواه ابن ماجة عن محمد بن يحيى بن حبان قال كان جدى منقذ
____________________
(6/299)
ابن عمرو وكان قد أصابه آمة فى رأسه فكسرت لسانه وكان لا يدع على ذلك التجارة وكان لا يزال يغبن فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له الحديث وهو يقتضى أن المقول له منقذ بن عمرو لا حبان ابنه ولا شك أن هذا منقطع وغلط من عزاه لأبى داود وكذا رواه البخارى فى تاريخه الأوسط عن محمد بن يحيى ابن حبان قال كان جدى منقذ بن عمرو فذكره قال وعاش مائة وثلاثين سنة والحديث وإن دار على ابن أسحاق فالأكثر على توثيقه ورجع مالك عما قال فيه ذكر ذلك السهيلى فى الروض الأنف وكذا رواه ابن أبى شيبة عن محمد بن يحيى بن حبان قال قال عليه الصلاة والسلام لمنقذ بن عمرو قل لا خلابة وإذا بعت بيعا فأنت بالخيار ولا شك أن كون الواقعة لحبان أرجح لأن هذا منقطع وذلك موصول هذا وشرط الخيار مجمع عليه وأما ما روى فى الموطأ والصحيح عن ابن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع فى البيوع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة والخلابة الخديعة فليس فيه دليل على المقصود والعجب ممن قال الأصل فى جواز شرط الخيار ثم ذكر هذا الحديث وهو لا يمس المطلوب
فرع يجوز إلحاق خيار الشرط بالبيع لو قال أحدهما بعد البيع ولو بأيام جعلتك بالخيار ثلاثة أيام صح بالإجماع حتى لو شرط الخيار بعد البيع البات شهرا ورضيا به فسد العقد عند أبى حنيفة خلافا لهما ولو ألحقا به شرطا فاسدا بطل الشرط ولا يفسد العقد فى قولهما ويفسد فى قول أبى حنيفة ولو باع على أنه بالخيار على أن له أن يستغله ويستخدمه جاز وهو على خياره ولو قال فى بيع بستان على أنه بالخيار على أن له أن يأكل من ثمرته لا يجوز لأن الثمر له حصة من الثمن وليس للبائع أن يطالب بالثمن قبل أن يسقط المشترى خياره
ولو قال له أنت بالخيار كان له خيار ذلك المجلس فقط ولو قال إلى الظهر فعند ابى حنيفة يستمر له إلى أن يخرج وقت الظهر وعندهما لا تدخل الغاية قوله ولا يجوز أكثر منها أى ثلاثة أيام عند أبى حنيفة وهو قول زفر والشافعى وكما لا يجوز عند أبى حنيفة إذا زاد على ثلاثة أيام كذلك لا يجوز إذا أطلق وقالا يجوز إذا سمى مدة معلومة لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أجاز البيع إلى شهرين وهذا دليل جزء الدعوى لأنها جوازه أكثر من ثلاثة أيام طالت المدة او قصرت وحديث ابن عمر يفيد جواز أكثر من ثلاثة بمدة خاصة لا غير لأن الخيار إنما شرع للحاجة إلى التروى ليندفع الغبن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر فصار كالتأجيل فى الثمن شرع للحاجة إلى التأخير مخالفا لمقتضى العقد ثم جاز أى مقدار تراضيا عليه وبقولهما قال أحمد لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون
____________________
(6/300)
عند شروطهم وقال مالك إذا كان المبيع مما لا يبقى أكثر من يوم كالفاكهة لا يجوز أن يشترط الخيار فيه أكثر من يوم وإن كان ضيعة لا يمكن الوقوف عليها فى ثلاثة أيام يجوز أن يشترط أكثر من الثلاثة لأنه شرع للحاجة ويمكن أن يقال لم يتعين اشتراط الأكثر طريقا لأنه إن كان لإمكان أن يذهب فيراها قبل الشراء ثم يشترى لا حاجة إلى شرط الخيار أصلا لأن خيار الرؤية ثابت له ولو تأخرت رؤيته سنة وإن كان للتروى فى أمرها هل تساوى الثمن المذكور أولا أو هى منتفع بها على الكمال أو لا وإن لم يرها فهذا لا يتوقف على أكثر من الثلاثة لأنه يعرف بالسؤال والمراجعة للناس العارفين وذلك يحصل فى مدة الثلاث وأما ما يتسارع إليه الفساد فحكمه مسطور فى فتاوى القاضى اشترى شيئا يتسارع إليه الفساد على أنه بالخيار ثلاثة أيام فى القياس لا يجبر المشترى على شىء وفى الاستحسان يقال للمشترى إما أن تفسخ البيع وإما أن تأخذ المبيع ولا شىء عليك من الثمن حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا للضرر من الجانبين وهو نظير ما لو ادعى فى يد رجل بشراؤة شىء يتسارع إليه الفساد كالسمكة الطرية وجحد المدعى عليه وأقام المدعى البنية ويخاف فسادها فى مدة التزكية فإن القاضى يأمر مدعى الشراء أن ينقد الثمن ويأخذ السمكة ثم القاضى يبيعها من آخر ويأخذ ثمنها ويضع الثمن الأول والثانى على يد عدل فإن عدلت البينة يقضى لمدعى الشراء بالثمن الثانى ويدفع الثمن الأول للبائع ولو ضاع الثمنان عند العدل يضيع الثمن الثانى من مال مدعى الشراء لأن بيع القاضى كبيعه ولو لم تعدل البينة فإنه يضمن قيمة السمكة للمدعى عليه لأن البيع لم يثبت وبقى آخذا مال الغير بجهة البيع فيكون مضمونا عليه بالقيمة وجه قول أبى حنيفة أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد وهو اللزوم ثبت نصا على خلاف القياس فى المدة المذكورة للتروى فيما يدفع الغبن عنه ولا شك أن النظر لاستكشاف كونه فى هذا المبيع مغبونا أو غير مغبون مما يتم فى ثلاثة أيام بل فى أقل منها فإن معرفة كونه مغبونا فى هذه الصفقة أو لا ليس من العلوم البالغة فى الخفاء والإشكال ليحتاج فى حصوله إلى مدة تزيد عليها فكان الزائد على الثلاث ليس فى محل الحاجة إليه لحصول المعنى المذكور فلا يجوز إلحاقه بالثلاث دلالة كما لا يجوز بالقياس ولو فرض من الغباوة بحيث لا يستفيد كونه مغبونا لم يعذر ولا يبنى الفقه باعتباره لأن مثله زائل العقل وبهذا يظهر أن قول ابن الجوزى فى التحقيق فى حديث حبان إنه خرج مخرج الغالب غير صحيح ولأنه عليه الصلاة والسلام ضرب الثلاث لمن كانت غاية فى ضعف المعرفة على ما ذكر فى أمر حبان أنه كان رجلا ضعيفا وكان بدماغه مأمومة أفسدت حاله أو انه منقذ وكان قد أصابته آمة فى رأسه فكسرت لسانه ونازعت عقله وبلغ من السن مائة وثلاثين سنة كما فى تاريخ البخارى الأوسط فأى حالة تزيد على هذه من الضعف إلا عدم العقل بالكلية ومع ذلك لم يجعل له النبى صلى الله عليه وسلم سوى ثلاثة أيام فلا شك فى منع الزائد مع أنه وجد فى السمع ما ينفيه صريحا وهو وإن لم يبلغ درجة الحجة فلا شك أنه يستأنس به بعد تمام الحجة وهو ما روا عبد الرزاق من حديث أبان بن أبى عياش عن أنس أن رجلا اشترى من رجل بعيرا وشرط عليه الخيار أربعة أيام فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع وقال الخيار ثلاثة أيام إلا أنه أعل بأبان مع الاعتراف بأنه كان رجلا صالحا وكذا أخرج الدارقطنى عن نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم
____________________
(6/301)
قال الخيار ثلاثة أيام وفيه أحمد بن ميسرة متروك وأما ما استدلوا من حديث ابن عمر المذكور فى الكتاب فلا يعرف فى شىء من كتب الحديث والآثار وأما القياس على الأجل فنقول بموجبه ولا يضرنا فإن الشارع لما شرع الأجل على خلاف القياس شرعه مطلقا فعلمنا بإطلاقه وهنا لما شرع الخيار شرعه مقيدا بثلاثة أيام أو بثلاث ليال فعلمنا بتقييده حتى له أنه لو شرع الأجل أيضا مقيدا بمدة كنا نقول لا يزاد عليها أيضا ولوجوب الاقتصار على مورد النص نقل عن سفيان الثوري وابن شبرمة أن شرط الخيار للبائع لا يجوز لأن نفس الخيار ما ورد إلا للمشترى قلنا ممنوع بل للأعم فإنه صلى الله عليه وسلم قال له إذا بايعت وهو يصدق بكونه بائعا ومشتريا قوله إلا أنه استثناء من قوله ولا يجوز أكثر منها أى لا يجوز فى وقت من الأوقات إلا فى وقت إجازته داخل الثلاثة عند ابى حنيفة رضى الله عنه خلافا لزفر وبه قال الشافعى هو أى زفر يقول إنه أى العقد انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا كما إذا باع الدرهم بدرهمين ثم أسقط الدرهم الزائد لا يقع صحيحا أو باع عبدا بألف ورطل خمر ثم أسقط الخمر وهذا لأن البقاء على حسب الثبوت فإن الباقى هو الذى كان قد ثبت ولأبى حنيفة أنه أى من له الخيار أسقط المفسد وهو اشتراط اليوم الرابع قبل تقرره أى قبل ثبوته وتحققه لأن ثبوته بمضى ثلاثة أيام فيعود جائزا كما إذا باع بالرقم وعلمه بالمجلس فرضى به وهذا لأن المفسد ليس هو شرط الخيار بل وصله بالرابع وهو بعرض الفصل قبل مجيئه فإذا أسقطه فقد تحقق زوال المعنى المفسد قبل مجيئه فيبقى العقد صحيحا ثم اختلف المشايخ فى حكم هذا العقد فى الابتداء فعند مشايخ العراق حكمه الفساد بحسب الظاهر إذ الظاهر دوامهما على الشرط فإذا أسقطه تبين الأمر خلاف الظاهر فينقلب صحيحا وقال مشايخ خراسان الإمام السرخسى وفخر الإسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر هو موقوف وبالإسقاط قبل الرابع ينعقد صحيحا وإذا مضى جزء من اليوم الرابع فسد العقد الآن وهو الأوجه كذا ف ى الظهيرية والذخيرة
____________________
(6/302)
وذكر الكرخى نصا عن أبى حنيفة أن البيع موقوف على إجازة المشترى وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الإجازة لأن لكل من المتعاقدين حق الفسخ فى البيع الموقوف ولا يخفى أنه لا معنى للفساد بحسب الظاهر دون الباطن إلا عدم الفساد فى نفس الأمر إلى أن يدخل الرابع فيثبت الفساد فى نفس الأمر فحقيقة القولين لا فساد قبل الرابع بل موقوف ولا يتحقق الخلاف إلا أن يكون الفرض أن الفساد ثابت على وجه يرتفع شرعا بإسقاطه خيار الرابع قبل مجيئه وهذا هو ظاهر الهداية حيث قال ينعقد فاسدا ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط وقوله وهذا على الوجه الأول يعنى قوله أسقط المفسد قبل تقرره وهو كالقلب فإن التعليل هو الذى ينبنى على الأصل لا أن أصل القاعدة ينبنى على التعليل والجواب عن المسائل المقيس عليها لزفرأن الفساد فيها فى صلب العقد لأنه بسبب المبيع وهو البدل فلم يمكن رفعه وهنا فى شرطه وكما ينقلب العقد جائزا إذا أسقط الخيار قبل مضى الثلاثة كذلك لو أعتق العبد أو مات العبد أو المشترى أو أحدث به ما يوجب لزوم البيع ينقلب جائزا فى قول أبى حنيفة ويلزمه الثمن قوله ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا جاز والمنتفع بهذا الشرط هنا هو البائع
____________________
(6/303)
وكذا لو قبض الثمن وقال إن رده البائع إلى ثلاثة أيام فلا بيع يجوز هذا البيع بهذا الشرط ويصير كخيار الشرط حتى إذا قبض المشترى المبيع يكون مضمونا عليه بالقيمة ولو أعتقه المشترى لا ينفذ عتقه ولو أعتقه البائع نفذ وإلى أربعة أيام لم يجز عند أبى حنيفة وأبى يوسف فإن نقد الثمن قبل مضى الثلاثة تم البيع وإن لم ينقده فيها فسد البيع ولا ينفسخ نص عليه ظهير الدين وقال لا بد من حفظ هذه المسئلة حتى لو أعتقه المشترى وهو فى يده عتق لا إن كان فى يد البائع وقال محمد يجوز إلى أربعة أيام وأكثر على قياس قوله فى شرط الخيار فإن دفع الثمن في الثلاثة جاز في قولهم جميعا والأصل فيه أي في صحة هذا البيع إلى ثلاثة أيام في الثمن أن هذا في معنى اشتراط الخيار فيلحق به دلالة لا قياسا والدلالة لا يشترط فيها سوى التساوى وفهم الملحق بمجرد فهم الأصل مع فهم الأصل مع فهم اللغة وكل من علم صحة اشتراط الخيار للتروى ثلاثة أيام لكل من المتبايعين تبادر إليه أن شرعيته للتروى لدفع ضرر الغبن فى المبيع والثمن فيتبادر إليه جوازه لدفع الغبن فى الثمن للمماطلة وكون هذا ينفسخ بتمام المدة قبل دفع الثمن وذاك ينبرم بتمامها بلا رد لا أثر له لأن المعتبر فى الدلالة الاشتراك فى الجاامع الذى يفهمه من فهم اللغة إلا أنك سمعت أنه لا ينفسخ بتمامها بل يرجع فاسدا وقد مر أبو حنيفة رضى الله عنه على أصله فى الملحق به وهو أنه لا يزاد على الثلاثة فكذلك فى الملحق وكذلك محمد حيث جعله جائزا بلا تقييد بمدة
____________________
(6/304)
وأبو يوسف فرق فأخذ فى الأصل بالأثر يعنى أثر ابن عمر فى جواز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام وأخذ فى هذه المسئلة بالقياس أى فى نفى الزائد على الثلاثة وأما فى الثلاثة فبحديث ابن البرصاء على ما سنذكره له فى خيار التعيين هذا ما ذكر عن أبى يوسف هنا وقد روى عنه أنه رجع إلى قول محمد رواه الحسن بن أبى مالك عنه وفى شرح المجمع الأصح أنه مع أبى حنيفة وكثير من المشايخ لم يرجحوا عنه شيئا وحكموا على قوله بالاضطراب وفى هذه المسئلة قياس آخر يقتضى أن لا يجوز هذا البيع أصلا وهو أنه بيع شرطت فيه إقالة فاسدة لتعلقها بالشرط وهو عدم دفع الثمن فى الثلاثة الأيام والإقالة لا تتعلق بالشرط لأن فيها معنى التمليك حتى جعلت بيعا جديدا فى حق ثالث وهو لو شرط الإقالة الصحيحة وهى التى لم تعلق بالشرط بأن قال بعتك على أن أقيلك وتقبلها أو قال اشتريت منك على أن تقيلنى لا يصح لأنه شرط لا يقتضيه العقد فاشتراط الفاسدة أولى وبهذا القياس قال زفر ومالك والشافعى وأحمد فكلهم منعوا صحة البيع والوجه عليهم ما قدمناه من الإلحاق بالدلالة لا بالقياس وهو المراد بقول المصنف وجه الاستحسان ما بيناه قوله وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه لأن تمام هذا السبب الذى هو البيع بالمراضاة لما عرف من قوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ولا يتم الرضا مع الخيار لأنه يفيد عدم الرضا بزوال ملكه فلم يتم السبب فى حق البائع لأنه لا يعمل إلا مع وجود الشرط وهو الرضا فلا يوجب حكمه فى حقه فلا يخرج المبيع عن ملكه فلهذا جاز تصرفه فيه فنفذ عتقه فيه ولو كان فى يد المشترى ولا يملك المشترى التصرف فيه وإن قبضه بإذن البائع لبقاء ملك البائع فيه بلا اختلال وبالتعليل المدكور يعرف أن
____________________
(6/305)
خيار المشترى يمنع خروج الثمن عن ملكه لاتحاد نسبته إلى كل من له الخيار وأنه إذا كان الخيار لهما لا يخرج المبيع عن ملك البائع ولا الثمن عن ملك المشترى ولو قبض المشترى المبيع وكان الخيار للبائع فهلك فى يده فى مدة الخيار ضمنه بالقيمة لأن البيع ينفسخ بالهلاك لأنه كان موقوفا فى حق المبيع ولا يمكن نفاذه بالهلاك لأنه لا نفاذ بلا محل فبقى فى يد المشترى مقبوضا لا على وجه الأمانة المحضة كالوديعة والإعارة كما نقل عن ابن أبى ليلى رحمه الله أنه لم يضمنه لأنه ما رضى البائع بقبضه إلا على جهة العقد فأقل ما فيه أن يكون كالمقبوض على سوم الشراء وفى المقبوض على سوم الشراء القيمة إذا هلك وهو قيمى والمثل فى المثلى إذا كان القبض بعد تسمية الثمن أما إذا لم يسم ثمن فلا ضمان فى الصحيح وعليه فرع ما ذكره الفقيه أبو الليث فى العيون فى رجل أخذ ثوبا فقال اذهب به فإن رضيته اشتريته فضاع فى يده لم يلزمه شىء وإن قال إن رضيته اشتريته بعشرة كان ضامنا للقيمة وبثبوت الضمان بالقيمة على المشترى فى هذا البيع قال مالك والشافعى فى المشهور وعندهم وجه فى ضمانه بالثمن وهو قياس قول أحمد لأنه قال يخرج المبيع عن ملك البائع بثبوت الخيار له لأن السبب قد تم بالإيجاب والقبول وثبوت الخيار ثبوت حق الفسخ وليس من ضرورة ثبوت حق الفسخ انتفاء حق الملك كخيار العيب قلنا قولك تم البيع بالإيجاب والقبول إن أردت فى حق حكمه منعناه أو تمت صورته فمسلم ولا يفيد فى ثبوت حكمه حتى يوجد شرط عمله وهو تمام الرضا على ما ذكرنا وتقييد المصنف الهلاك بكونه فى مدة الخيار ليخرج ما إذا هلك بعدها وأنه حينئذ يضمن بالثمن لأنه هلك بعد ما انبرم البيع لعدم فسخ البائع فى المدة ولو هلك المبيع فى يد البائع والحال أن الخيار له لا إشكال فى أنه ينفسخ ولا شىء على المشترى اعتبارا بالبيع الصحيح المطلق عن شرط الخيار فإن فيه إذا هلك المبيع فى يد البائع قبل التسليم انفسخ البيع والتقييد بالصحيح ليس لإخراج الفاسد لأن الحال فى البيع الفاسد كذلك أعنى الانفساخ بهلاك المبيع فى يد البائع بل لأن الاعتبار الأصالة والفاسد يأخذ حكمه منه قوله وخيار المشترى لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع وقوله لأن البيع إلى آخره تعليل لمحذوف وهو قولنا فيخرج المبيع عن ملك البائع لأنه البيع فى جانبه لازم بات فقد تم السبب فى حقه وانتفى ما يمنعه من عمله إذ كان خيار المشترى لا يمنعه فيخرج وهذا لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل الذى هو
____________________
(6/306)
من جهة من له الخيار لما ذكرنا أنه يوجب عدم الرضا بخروج ملكه عنه فلا يؤثر السبب خروجه لعدم شرط عمله فيبقى على ملكه كما كان وقوله إلا أن المشترى لا يملكه بمعنى لكن وهو استدراك لأمر متبادر عند قوله بخروج المبيع عن ملك البائع إذا كان الخيار للمشترى وهو المقدر الذى ذكرناه فإنه يتبادر بحكم العادة أنه إذا خرج المبيع عن ملك البائع يدخل فى ملك المشترى وهذا عند أبى حنيفة وقالا يملكه المشترى وبه قال مالك وأحمد والشافعى فى قول لأنه لما خرج عن ملك البائع لو لم يدخل فى ملك المشترى يكون زائلا لا إلى ملك مالك ولا عهد لنا به فى الشرع فى باب التجارة والمعاوضة فيكون كالسائبة فلا يرد شراء متولى أمر الكعبة إذا اشترى عبد لسدانة الكعبة والضيعة الموقوفة بعبيدها إذا ضعف أحدهم فاشترى ببدله آخر فإنه لا يدخل فى ملك المشترى لأن ذلك ليس من هذا الباب بل من باب الأوقاف وحكم الأوقاف ذلك وكذا لا ترد التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج عن ملك الميت ولا تدخل فى ملك الورثة ولا الغرماء للقيد المذكور ولأبى حنيفة رضى الله عنه أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلو قلنا إنه يدخل المبيع فى ملكه اجتمع البدلان الثمن والمبيع فى ملك أحد المتعاوضين حكما للمعاوضة ولا أصل له فى الشرع وأنى يكون والمعاوضة تقتضى المساواة بين المتعاوضين فى تبادل ملكيهما بخلاف ضمان غاضب المدبر إذا أبق من عنده سواء قلنا إنه بدل اليد أو الملك حيث لا يخرج المدبر به عن ملك مالكه فيجتمع العوضان فى ملك واحد فإنه ضمان جناية لا صمان معاوضة شرعية وهذا ألزم فى الشرع مما ذكرناه فإن المشترى للسدانة والوقف كائن فى المعاوضة وهو يخرج ولا يدخل فى ملك أحد ولأن خيار المشترى شرع نظرا له ليتروى فيقف على المصلحة فى رأيه ولو أثبتنا الملك له بمجرد البيع مع خياره ألحقناه نقيض مقصوده إذ ربما كان المبيع من يعتق عليه فيعتق من غير اختياره فيعود شرع الخيار على موضوعه بالنقض إذا كان مفوتا للنظر وذلك لا يجوز وقد أورد على هذا لو لم يثبت الملك للمشترى لم يستحق به الشفعة
____________________
(6/307)
لأن استحقاقها بالملك ولذا لا تثبت بحق السكنى لكنه يستحقها إذا بيعت دار بجوارها بالاتفاق والإجماع أجيب بأنه إنما استحقها لأنه صار أحق بها تصرفا لا لأنه ملكها كالعبد المأذون يستحقها إذا بيعت دار بجواره بهذا المعنى
وحاصل هذا مع قصر استحقاق الشفعة على حقيقة الملك بل هو أو ما فى معناه وهذا تكلف لا يحتاج إليه وستأتى المسئلة معللة بانبرام البيع فى ضمن طلب الشفعة فيثبت مقتضى تصحيحا وما فى الأجناس لو بيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة لا يبطل خيار الرؤية فله أن يردها إذا رآها ويبطل خيار الشرط فإن هلك المبيع فى يد المشترى ولو فى مدة الخيار هلك بالثمن وكذا إذا دخله عيب لا يرجى زواله كأن قطعت يده ولو بغير صنعه فإنه يلزمه الثمن ويمتنع الرد بخلاف ما لو كان يرجى زواله فى المدة بأن مرض فإن المشترى على خياره لكن ليس له أن يرده مريضا بل حتى يبرأ فى المدة فإن مضت المدة ولم يبرأ لزم البيع فيه وعن أبى يوسف يبطل خيار المشترى فى كل عيب بأى وجه كان إلا فى خصله وهى أن النقصان إذا حصل فى يد المشترى بفعل البائع لا يبطل خياره بل إن شاء رده وإن شاء أجاز البيع وأخذ الأرش من البائع وقوله بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع متصل بقوله هلك بالثمن يعنى الفرق بين ما إذا كان الخيار للبائع فهلك المبيع فى يد المشترى فإنه يهلك بالقيمة وبين ما إذا كان للمشترى فهلك فى يد المشترى فإنه يهلك بالثمن هو أن الهلاك لا يخلو عن مقدمة عيب ودخول العيب يمنع الرد حال قيامه كائنا ما كان فإذا اتصل به الهلاك لم توجد حالة مجوزة للرد فيهلك وقد انبرم العقد وانبرام العقد يوجب الثمن لا القيمة بخلاف ما تقدم من كون الخيار للبائع فإن تعيب المبيع لا يمنع الرد حكما لخيار البائع فيهلك والعقد موقوف فيبطل العقد فلا يضمن الثمن بل القيمة قوله ومن اشترى امرأته
____________________
(6/308)
على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح عند أبى حنيفة لأنه لم يملكها لما له من الخيار والمبيع لا يدخل فى ملك المشترى بالخيار فلو رد البيع استمرت زوجة عنده وعندهما إذا فسخه رجعت إلى مولاها بلا نكاح عليها وإن وطئها بعد الشراء له أن يردها بالخيار لأن الوطء لا يلزم هنا أن يكون إجازة لأن له فى النكاح ملكا قائما يحل له الوطء فلم يلزم كون وطئه إجازة إلا إذا كانت بكرا لأن االوطء ينقص البكر فيمتنع الرد للعيب الذى حدث عنده ومن هذا يعرف أنه لو نقصها الوطء وهى ثيب يمتنع الرد عنده أيضا للنقص الذى دخلها لا لذات الوطء فإن قيل لما زوجها مولاها الذى باعها فقد رضى بالنقصان بزوال البكارة وحين أثبت له الخيار فقد رضى بالرد فيكون راضيا بردها ناقصه أجيب بمنع بقاء الرضا بذلك بعد البيع بل لما باعها نسخ ذلك الرضا إلى الرضا بما هى أحكام هذا البيع وأحكام هذا البيع ما ذكرناه وقالا يفسد النكاح لأنه ملكها فإن وطئها لا يردها ولو كانت ثيبا لأن الوطء بعد انفساخ النكاح ليس إلا بملك اليمين فكان مسقطا للخيار ورضا بالبيع وهذه المسئلة من فروع الخلاف من في ثبوت الى الخلاف فى ذلك منها عتق العبد المشترى على المشترى بشرط الخيار فى مدة الخيار إذا كان قريبه قرابة محرمة عندهما وعنده لا يعتق حتى تنقضى المدة ولم يفسخ لأنه لم يملكه ومنها أن من قال إن ملكت عبدا فهو حر فاشترى عبدا بشرط الخيار فإنه لا يعتق عند ابى حنيفة لأنه لم يملكه بسبب الخيار فلم يوجد الشرط وعندهما وجد فعتق لأنه ملكه أما لو قال إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا بشرط الخيار فإنه يعتق بالاتفاق لوجود الشرط وهذا شراء فيكون كالمنشىء للعتق بعده من حيث ثبوت الحرية لا من كل وجه ولذا لا يعتق عن الكفارة إذا نوى الحالف بشرائه أن يعتق عن كفارته ومنها لو اشترى جارية على أنه بالخيار فحاضت فى مدة الخيار أو وجد بعض الحيضة فيها ثم اختار البيع عنده لا يجتزىء بتلك الحيضة لأنها قبل الملك والموجود بعد الملك بعض الحيضة فلا بد من حيضة أخرى لحل الوطء وعندهما يجتزىء بها لوجودها بعد الملك وينبغى أن يقيد بكون ذلك بعد القبض لأن السبب لوجوب الاستبراء الملك والملك المؤكد يكون بالقبض ولو اختار الفسخ فردها إلى البائع
____________________
(6/309)
لا يحتاج البائع إلى استبرائها عند أبى حنيفة سواء كان الفسخ قبل القبض أو بعده وعندهما إن كان قبل القبض لا استبراء عليه استحسانا وإن كان فى القياس يجب وإن كان الفسخ بعد القبض وجب على البائع استبراؤها قياسا واستحسانا لاستحداث الملك بعد ملك المشترى الملك المؤكد بالقبض فيثبت توهم الشغل وأجمعوا أن العقد لو كان باتا ثم فسخ بإقالة أو غيرها إن كان قبل القبض فالقياس أن يجب على البائع الاستبراء وفى الاستحسان غير واجب وإن كان بعد القبض فالاستبراء واجب قياسا واستحسانا ولو كان الخيار للبائع ففسخ فى المدة فظاهر الرواية أنه لا يجب عليه استبراء لأنها لم تخرج عن ملكه وإن أجازه فعلى المشترى استبراؤها بحيضة بعد الإجازة بالإجماع ومنها إذا ولدت منكوحته بعد ما اشتراها على أنه بالخيار فى المدة لا تصير أم ولد له وتصير أم ولد له عندهما وقد قيد الشارحون كلام المصنف بأن تكون الولادة قبل القبض ولا بد منه لما ذكر فى المبسوط لو ولدت عند المشترى ينقطع خياره لأنها تعيبت بالولادة وتصير أم ولد بالإجماع وصور الطحاوى هذه الخلافية فيما إذا ولدت قبل الشراء قال اشترى جارية وقد ولدت منه ولدا بشرط الخيار فعند أبى حنيفة لا تصير أم ولد له وخياره على حاله إلا إذا اختارها صارت أم ولد له وعندهما تصير أم ولد له بالشراء ويبطل خياره ويلزمه الثمن وكذا ذكره غيره وتقييده بكونه قبل القبض أحسن وهو يصدق بصورتين ما قبل القبض والشراء وما قبل
____________________
(6/310)
القبض بعد الشراء ومنها إذا قبض المشترى بشرط الخيار له المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند البائع فهلك فى يده فى المدة هلك من مال البائع عنده لارتفاع القبض بالرد لأنه لما لم يملكه ارتفع القبض بالإيداع لأن البائع لا يصلح أن يكون مودعا لملك نفسه فلا يكون الإيداع صحيحا وهلاك المبيع قبل القبض يبطل البيع وعندهما يهلك من مال المشترى لصحة الإيداع باعتبار قيام ملكه وقد يقال عدم صحة الإيداع باعتبار أن المالك لا يصلح مودعا لملك نفسه صحيح لكن الواقع أن المبيع يخرج عن ملك البائع بالاتفاق فلا يكون مودعا لملك نفسه فت 4 صح وديعة المشترى لتحقق إيداع غير المالك كالمضارب وغيره وقد يراد ملكه بحسب المآل إلا أنه ليس بلازم لجواز أن لا يئول إلى ملكه بأن يختار المشترى البيع أما لو كان الخيار للبائع فسلمه إلى المشترى ثم أن المشترى أودعه فى مدة الخيار البائع فهلك فى يده قبل نفاذ البيع أو بعده يبطل البيع فى قولهم جميعا ولو كان البيع باتا فقبضه المشترى بإذن البائع أو بغير إذنه وله فيه خيار رؤية أو عيب فأودعه البائع فهلك فى يده هلك على المشترى ولزمه الثمن اتفاقا لأن هذين الخيارين لا يمنعان ثبوت الملك فصح الإيداع منه ومنها لو كان المشترى بالخيار عبدا مأذونا فأبرأه البائع من الثمن فى المدة يصح إبراؤه استحسانا لا قياسا لأن البائع لم يملك الثمن على المشترى بالخيار فلا يصح إبراؤه مما لا يملكه وفى الاستحسان يصح لوجوب سبب ملكه للثمن وهو البيع وإذا صح إبراؤه إلا لاتفاق بقى على خياره فى السلعة إن شاء أجاز البيع فيأخذها بلا ثمن وإن شاء رده فيرد السلعة للبائع عند أبى حنيفة لأنه لم يملك المبيع فكان رده امتناعا عن تملك شىء بلا عوض والمأذون يليه أى يملك ذلك كما له أن يمتنع عن قبول الهبة وعندهما لما برىء من الثمن والواقع أن المبيع يدخل فى ملك المشترى بالخيار لو رده كان متبرعا
____________________
(6/311)
مملكا بغير عوض والعبد المأذون ليس من أهل التبرعات فإذا امتنع الرد انبرم البيع بلا شىء واستشكل تصوير المسئلة بسبب ان الثمن لا يخرج عن ملك المشترى بشرط الخيار فكيف يتصور الإبراء منه والجواب أن الإبراء يعتمد شغل الذمة وليس من ضرورته زوال ملك المشغول ذمته عن مقداره ألا يرى أن المديون مشغول الذمة ولم يزل ملكه عن شىء من ماله وإنما اشتغلت ذمته لصحة السبب لأن شرط الخيار ليس داخلا على السبب بل على حكمه كما تقدم وبوجود البيع لا بد أن تشغل الذمة بالثمن ولا يظن أنه يقارن وجوب أدائه بل الثابت أصل الوجوب وليس فى أصل الوجوب طلب أصلا على ما عرف ومنها إذا اشترى ذمى من ذمى خمرا على أن المشترى بالخيار ثم اسلم المشترى فى مدة الخيار بطل خياره عندهما لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم وعنده بطل البيع لأنه لم يملكها ولا يمكنه تملكها بإسقاط الخيار بعد الإسلام فتعين بطلان البيع أما لو كان الخيار للبائع واسلم فبطلان البيع بالإجماع هذا آخر ما فرعه المصنف ومن الفروع أيضا على الخلاف فى دخول المبيع فى ملك المشترى بالخيار ما لو اشترى مسلم من مسلم عصيرا بالخيار فتخمر فى المدة فسد البيع عنده لعجزه عن تملكه بإسقاط خياره وتم عندهما لعجزه عن رده بفسخه ومنها ما إذا اشترى دارا على أنه بالخيار وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام سكناها قال الإمام السرخسى لا يكون اختيارا وإنما الاختيار ابتداء السكنى وقال خواهر زاده استدامة السكنى اختيار عندهما لأنه يملك العين وعنده ليس باختيار لأنه بالإجارة أو الإعارة لم يملك شيئا ومنها حلال اشترى ظبيا بالخيار فقبضه ثم أحرم والظبى فى يده ينتفض البيع عنده ويرد إلى البائع وقالا يلزم المشترى ولو كان الخيار للبائع بنتفض بالإجماع ولو كان للمشترى فأحرم البائع للمشترى أن يرده ومنها أن الخيار إذا كان للمشترى وفسخ العقد فالزوائد ترد على البائع عنده لأنها لم تحدث على ملك المشترى وعندهما للمشترى لأنها حدثت على ملكه قوله ومن شرط له الخيار سواء كان بائعا أو مشتريا أو أجنبيا له أن يجيز فى مدة الخيار بإجماع الفقهاء وله أن يفسخ فإن أجاز بغير حضرة صاحبه يريد بغير علمه جاز فإذا كان الخيار للبائع فنفاذ البيع بأحد معان ثلاث بمضى مدة الخيار وبموته وبإعمائه وجنونه فى المدة فإن أفاق فيها قال الإسبيجابى الأصح أنه على خيار ولو سكر من الخمر لم يبطل بخلاف سكره من البنج ولو ارتد فعلى
____________________
(6/312)
خياره إجماعا فلو تصرف بحكم الخيار فهو موقوف عند أبى حنيفة رحمه الله خلافا لهما والمعنى الثالث أن يجيز البيع كأن يقول أجزت البيع ورضيته وأسقطت خيارى ونحو ذلك وإذا كان الخيار للمشترى فنفاذه بما ذكرنا من الأمور الثلاثة للبائع وبالفعل بأن يتصرف فى المبيع تصرف الملاك فى مدة الخيار بأن يعتق أو يكاتب أو يدبر أو يبيع المبيع أو يهبه ويسلمه أو يرهنه أو يؤجره وإن لم يسلمه على الأصح وكذا إذا علق عتقه فى المدة فوجد الشرط فيها ومن ذلك أن يباشر فى المبيع فعلا لا يحتاج إليه للامتحان ولا يحل فى غير الملك بحال فإن كان يحتاج إليه للامتحان ويحل فى غير الملك فهو على خياره فالوطء إجازة وكذا التقبيل بشهوة والمباشرة بشهوة والنظر إلى الفرج بشهوة لا بغير شهوة لأن ذلك يحل فى غير الملك فى الجملة فإن الطبيب والقابلة يحل لهما النظر والمباشرة نعم التقبيل لا إلا أن النظر إليه من حيث هو مس ولو أنكر الشهوة فى هذه كان القول قوله لأنه ينكر سقوط خياره وكذلك إذا فعلت الجارية ذلك يسقط خياره فى قول أبى حنيفة وقال محمد لا يكون فعلها البتة إجازة للبيع لأن شرط الخيار ليختار هو لا ليختار عليه ولأبى حنيفة أن حرمة المصاهرة تثبت بهذه الأشياء فكانت ملحقة بالوطء فصارت هذه الأشياء من حيث هى ملحقة بالوطء فى إيجاب الحرمة كالمضاف إلى الرجل وأما المباضعة مكرها كان أو مطوعا اختيار أما عند أبى حنيفة فظاهر وأما عند محمد فلأن الوطء تنقيص حتى لو وجدت من غير المشترى يمتنع الرد فأما المباشرة إذا ابتدأتها والمشترى كاره ثم تركها وهو يقدر على الامتناع فهو اختيار وإنما يلزم سقوط الخيار فى غير المباضعة إذا أقر بشهوتها لأن فعلها يلزم إسقاط خياره فيتوقف على إقراره بما يسقط خياره ولو دعا الجارية إلى فراشه لا يسقط خياره والاستخدام ليس بإجازة لأنه يمتحن به والاستخدام ثانيا إجازة إلا إذا كان فى نوع آخر وقد اختلف كلامه فى الفتاوى الصغرى فقال الاستخدام مرارا لا يكون إجازة وقال فى موضع آخر قال المرة الثانية تبطل الخيار وأكله المبيع وشربه ولبسه يسقط الخيار وفى فتاوى قاضيخان إذا لبسه مرة واستخدام الخادم مرة لا يبطل خياره ويبطل بمرتين وركوبها ليسقيها أو يردها ويعلفها إجازة وقيل إن لم يمكنه بدون الركوب لا يكون إجازة وأطلق فى فتاوى قاضيخان أنه لا يبطل خياره فقال وركوبها ليسقيها أو يردها على البائع لا يبطل خياره استحسانا فجعله الاستحسان ولو قطع حوافر الدابة أو اخذ بعض عرفها لا يبطل ولو نسخ من الكتاب لنفسه أو لغيره لا يسقط ولو درس فيه يسقط وقيل على العكس وبه أخذ أبو الليث وطلب الشفعة بالدار المشتراة رضا بها بخلاف خيار الرؤية والعيب ولو حدث به عيب فى خيار المشترى بطل خياره سواء حدث بفعل البائع أو بغير فعله عند ابى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد لا يلزمه العقد بفعل البائع لأن البائع لا يقدر على إلزام البيع ومتى قلنا إنه بلزم بجنايته أثبتنا له قدرة إلزامه فتفوت فائدة شرط الخيار للمشترى بخلاف ما إذا كان من أجنبى فإن لزومه لا من قبله ولهما أن ما ينقص بفعل البائع فى ضمان المشترى فيلزم العقد فى ذلك القدر الذى تلف فى ضمانه وتعذرت على البائع حصته من الثمن فمتى رد الباقى كان تفريقا للصفقة على البائع قبل التمام فى حق الرد وهو لا يجوز كفعل الأجنبى وإذا
____________________
(6/313)
عرف هذا عرف أن المشترى يرجع على البائع بالأرش ولو كان الخيار للبائع وحدث به عيب فهو على خياره لأن ما انتقص بغير فعله فهو غير مضمون على البائع وكذا لو سقطت أطرافه لم يسقط شىء من الثمن لكنه يتخير المشترى ولو حدث بفعل البائع انتقص البيع لأن ما انتقص مضمون عليه ويسقط حصته من الثمن فلو نفينا الخيار تفرقت الصفقة على المشترى ولو بزغ الدابة فهو رضا ولو حلب لبنها فهو رضا عند ابى حنيفة رواه ابو يوسف عنه وقال أبو يوسف لا يكون رضا حتى يشربه أو يستهلكه ولو سقى حرثا فى الأرض فيما إذا اشترى الأرض أو حصد الزرع أو فصل منه شيئا فيما إذا اشترى الزرع فهو رضا ولو سقى دوابه من النهر أو شرب هو فليس برضا ولو طحن فى الرحى فهو رضا وقد ذكر فيها تفصيل وذلك فى رحى الماء وليست فى ديارنا ولو كان المبيع دارا فيها ساكن فطلب المشترى الأجرة من الساكن فهو أجازة ولو غسل العبد أو الجارية أو مشطها بالمشط والدهن وألبسها فليس برضا قوله وإن فسخ أى من له الخيار فى المدة بغير حضرة الآخر أى بغير علمه ولم يجز عند ابى حنيفة ومحمد وهو قول مالك وإنما كنى بالحضرة عن العلم حتى لو لم يبلغه الفسخ إلا بعد المدة تم البيع لعدم اعتبار ذلك الفسخ وقال أبو يوسف يجوز وهو قول الشافعى وكذا الخلاف فى خيار الرؤية والفسخ بالقول فى المدة بأن يقول فسخت أو رددت البيع وغير ذلك مما يدل على رد البيع وهذا الفسخ بالقول هو الذى الخلاف فى جوازه بغير علم الآخر وأما الفسخ بالفعل فيجوز بغير علمه اتفاقا وكان مقتضى النظر أن من قال بمنع الفسخ بغير علم صاحبه بالقول أن يقول به فيما هو فعل اختيارى لأنه كالقول من حيث هو اختيار يثبت به الانفساخ بخلاف الموت وفعل الأمة ودخول العيب بغير صنعه والهلاك فإن كان الخيار للبائع فهو أن يتصرف فى المبيع تصرف الملاك كالعتق والبيع والوطء وجميع ما قدمنا أنه إجازة إذا صدر من المشترى من الأفعال فهو فسخ إذا صدر من البائع له أى لأبى يوسف أنه أى الفاسخ منهما مسلط على الفسخ من جهة صاحبة يعنى الذى لا خيار له فلا يتوقف فسخه على علمه كبيع الوكيل يجوز مع عدم علم الموكل ولهما أنه تصرف فى حق الغير وهو الذى لا خيار له بالرفع ولا يعرى عن الضرر لأنه أى الغير الذى لا خيار له
____________________
(6/314)
عساه يعتمد على تمام البيع السابق إذا انقضت المدة ولم يظهر له الفسخ فيتصرف المشترى فيه فيما إذا كان الخيار للبائع والواقع أنه فسخ فتلزمه غرامة القيمة بالهلاك وقد تكون القيمة أكثر من الثمن ولا يطلب لسلعته مشتريا اعتماداا على نفاذ البيع لما لم يظهر له الفسخ فى المدة اعتمادا على تمامه فيما إذا كان الخيار للمشترى وهذا نوع ضرر يجىء من قبل الانفراد بالفسخ فيتوقف على علمه وصار كعزل الوكيل قصدا حال عدم علمه لا يثبت حكم العزل فى حقه مالم يعلم به كى لا يتضرر بلزوم الثمن من ماله إذا كان وكيلا بالشراء وببطلان قوله وتصرفه إذا كان وكيلا بالبيع وربما يعتمد المشترى منه النفاذ فيتشعب الفساد والحاصل قياسان تعارضا قياس أبى يوسف على تصرف الوكيل وقياسهما على عزل الوكيل ثم فى قياسهما أمور طردية لا معنى لها وهو قوله تصرف فى حق الغير بالرفع فإن هذا لا أثر له فى نفى الصحة بلا علم إنما أثره فى نفى الصحة بلا إذن فإن كونه حق الغير يمنع التصرف بلا إذن فهو بالنسبة إلى العلم طرد والأذن قد وجد فى ضمن شرط الخيار له فإن قيل لا نسلم أن شرط الخيار تضمن الإذن له بالفسخ مطلقا إنما يكون ذلك لو لم يكن مظنة أن يلحقه ضرر أما إذا كان الفسخ بغير علمه طريق ضرر يلحقه فلا قلنا فاستقام حينئذ أن المؤثر ليس إلا كون فسخ مظنة ذلك الضرر وصح قولنا إن ما سواه لا أثر له من كونه تصرف فى حقه بلا علمه وحينئذ فيقتصر النظر على إثبات الضرر ولا يخفى أن الضرر الذى ذكر أنه يلحق المشترى إذا كان الخيار للبائع فى حيز التعارض لأن ضرر لزوم القيمة إنما يكون بناء على زيادة القيمة على الثمن وهو غير لازم ولا أكثرى بل قد يكون الثمن أكثر من القيمة فهما فى محل التعارض بل الغالب أن البيع يكون بما هو قيمة المبيع خصوصا بياعات الأسواق فبطل ذلك الشق وأما ضرر البائع باعتماده فلا يطلب لسلعته مشتريا فإنما لحقه من تقصيره حيث لم يستكشف من المشترى فى المدة هل فسخت أو لا ومثل هذا كثير فى الفقه أعنى إلزام ما هو ضرر لتقصير من لزمه فى احتياطه لنفسه مع المكنة بخلاف الوكيل فإن ضرره لازم بإلزام ثمن ما يشتريه عليه إن كان وكيلا للشراء لأن الشراء إذا وجد نفاذا لا يتوقف فيتضرر بإلزام ثمن ما لا غرض له فيه ولا حاجة له به وقد لا يكون مالكا لمقداره وبإهدار أقواله أعنى عقوده إذا كان
____________________
(6/315)
وكيلا بالبيع وهذا أضر على النفس من افتراض المال لدفع الدين لما يلزمه عند الناس من تحقير شأنه ووضع قدره فالوجه لأبى يوسف والشافعى أقوى والله أعلم وقوله حينئذ ولا نقول إنه مسلط من جهته وكيف وهو لا يملك الفسخ فلا يملك تسليطه مشاحة لفظية فإن المراد من سلطه أذن له فى التصرف فى حقه ذلك بالرفع فى المدة فإذا منع تضمن شرط الخيار الإذن بلا علمه للضرر فكان الإذن مقيدا بعدم محل الضرر وهو حال العلم فجوابه فجوابه ما ذكرنا من انتفائه فى صورة التعارض وعدم تأثيره فى أخرى لتقصير من يلزمه وبهذا أجابوا عن المعارضة القائلة لو لم ينفرد من له الخيار بالفتح يتضرر هو ايضا لأنه يمكن أن يختفى صاحبه فى المدة حتى تنقضى فقالوا هذا الضرر إنما لزمه من جانبه بتقصيره فى أخذ الكفيل وأما الجواب بان الضرر بالإختفاء على صاحب الخيار لعجزه عن إحضاره لا بالاختفاء ففى سعة فضل الله التجاوز عنه وقيل الظاهر أنه لا يختفى لأنه أمين حيث أثبت الخيار لصاحبه واعلم أن الإلزام بهذا الفرع على إحدى الروايتين فى فتاوى قاضيخان جاء إلى باب البائع ليرده فاختفى فيه فطلب من القاضى خصما ليرده عليه قال بعضهم ينصب نظرا للمشترى وقال محمد بن سلمة لا يجيبه لأن المشترى ترك النظر لنفسه حيث لم يأخذ منه وكيلا مع احتمال غيبته فلا ينظر له فإن لم ينصب القاضى وطلب المشترى من القاضى الإعذار عن محمد روايتان فى رواية يجيبه فيبعث مناديا ينادى على باب البائع أن القاضى يقول إن خصمك فلانا يريد أن يرد المبيع عليك فإن حضرت وإلا نقضت البيع ولا ينقض القاضى بلا إعذار وفى رواية لا يجيبه إلى الإعذار أيضا وقيل لمحمد يعنى على هذه الرواية كيف يصنع المشترى قال ينبغى للمشترى أن يستوثق فيأخذ منه وكيلا ثقة إذا خاف الغيبة حتى إذا غاب يرده على الوكيل وطريق نقض القاضى على إحدى الروايتين أنه إذا قال الخصم إنى أعذرت إليه واشهدت فتوارى فيقول القاضى اشهدوا أنه زعم أنه أعذر إلى صاحبه فى المدة كل يوم واختفى فإن كان الأمر كما زعم فقد أبطلت عليه الخيار فإن ظهر وأنكر فعلى المدعى البينة بالخيار والإعذار وهذا لأنه لا يمكن من إقامة البينة على ذلك قبل ظهوره لأنه لا يحكم على غائب ولا تسمع حال غيبته للحكم بها عليه وإذا عرف هذا فالمسائل الموردة نقضا مسلمة لأنها على
____________________
(6/316)
وفق ما ترجح من قول أبى يوسف لكنا نوردها بناء على تسليم تمام الدليل فمنها أن المخيرة يتم اختيارها لنفسها بلا علم زوجها ويلزمه حكم ذلك وأجيب بأن لزوم حكم الطلاق على الزوج بإيجابه نفسه وهو تخييره وهو بعد الرضا والعلم وهو مدفوع بأن إثبات خيار الفسخ بمنزلة إثبات خيار الطلاق فإن كان الطلاق بإيجابه فيجوز حال غيبته فكذا الفسخ بإيجابه فيجوز حال غيبته ومنها الرجعة ينفرد بها الزوج ويلزم حكمها المرأة حتى لو تزوجت بعد ثلاث حيض فسخ إذا أثبت الرجعة قبلها أجيب بأن الزوج لا يلزمها حكما جديدا لأن الطلاق الرجعى لا يرفع النكاح وإنما يثبت البينونة عند فراغ العدة بشرط عدم الرجعة فكان عليها أن تستكشف شرط تصرفها هل هو موجود أولا ومنها الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص فإن حكمها يلزم غيره بلا علمه وأجيب بأنها إسقاطات لا يلزم بها شىء من أسقط عنه فلا يتوقف على علمه ومنها خيار المعتقة يصح اختيارها الفرقة بلا علم زوجها أجيب لا رواية فيها وعلى تقدير التسليم فالتخيير أثبته لها الشرع مطلقا وله الولاية عليها ولا يخفى أن هذا من فساد الوضع فإن كون الشرع أثبت حكم التصرف على الآخر بغير علمه فى خيار المخيرة يقتضى أن الشرع لا يوقف صحة التصرف على علم الآخر فى ثبوت حكمه فى حقه فإن قلت فما الضرر الذى يلزمه أولا حتى يحتاج إلى جوابه قلنا امتناعه عن تزوج أمة بناء على قيام نكاح التى أعتقت ومنها خيار المالك فى بيع الفضولى بدون علم المتعاقدين أجيب بأن عقدهما لا وجود له فى حق المالك إذ لا ولاية لهما عليه فإذا رد فقد بقى عدم شرط الثبوت فانعدم أصلا فى حقه فإنه يقع الانعقاد حكما ومنها العدة فإنها تلزم على المرأة بتطليق الزوج وإن كان بغير علمها أجيب بأن العدة لا تجب بالطلاق حتى يتوقف نفاذ الطلاق على علم من تجب عليه العدة ألا ترى أنها لا تجب بالطلاق قبل الدخول بل الطلاق تصرف فى حق نفسه بإزالة ملك أقدره الله تعالى عليه فإنما تلزم فى ضمن الطلاق والعبرة للمتضمن لا للمتضمن وأما هنا فليس جواز الفسخ له بتسلط صاحبه لما ذكرنا وقد عرف ما فيه
فروع اشتريا غلاما على انهما بالخيار فرضى أحدهما لا رد للآخر عنده وقالا له رد نصيبه ولو كان الخيار للعاقدين فقال البائع بحضور المشترى أجزته ثم قال المشترى فسخته بحضوره انفسخ فإن هلك فى يد المشترى سقط الثمن ولو بدأ المشترى بالفسخ ثم البائع بالإجازة ثم هلك فعلى المشترى قيمته ولو تفاسخا العقد ثم هلك فى يد المشترى قبل الرد يبطل حكم الفسخ ذكره فى المجتبى وفى الفتاوى باع أرضا على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام وتقابضا ثم نقض البائع البيع تبقى الأرض مضمونة على المشترى وللمشترى حبسها لاستيفاء الثمن الذى كان دفعه إلى البائع فإن أذن البائع بعد ذلك للمشترى فى زراعتها فزرعها تصير أمانة عند المشترى وكان للبائع أن يأخذها متى شاء قبل أن يرد الثمن وليس للمشترى حبسها لأنه لما زرعها بإذن البائع صار كأنه سلمها إلى البائع ولو مرض العبد والخيار للمشترى فلقى البائع فقال له نقضت البيع ورددت العبد عليك فلم يقبل البائع ولم يقبضه فإن مضت المدة والعبد مريض لزم المشترى وإن صح فيها فلم يرده حتى مضت كان له أن يرده على البائع بذلك الرد الذى كان منه ومن باع على أنه بالخيار فصالحه المشترى على دراهم أو عرض بعينه على أن يسقط الخيار ويمضى
____________________
(6/317)
البيع جاز وطاب له إذ حاصله زيادة فى الثمن وكذا لو كان الخيار للمشترى فصالحه البائع على أن يسقط الخيار ويحط عنه من الثمن كذا أو يعطيه هذا العرض جاز لأنه زيادة فى المبيع أو حط من الثمن ولو أمره ببيع عبده على أن يشرط الخيار له ثلاثة أيام فباعه مطلقا لم يجز ولو أمره مطلقا فباعه بشرط الخيار للآمر أو لأجنبى صح ولو وكله بالشراء توكيلا صحيحا فهو على ما ذكرنا من التفصيل إلا أن العقد متى لم ينفذ على الآمر ينفذ على المأمور بخلاف البيع لأن الشراء إذا لم يجد نفاذا نفذ على العاقد قوله وإذا مات من له الخيار بطل خياره بائعا كان أو مشتريا ولم ينتقل إلى ورثته وإذا بطل خياره يلزم البيع فإن كان الخيار للبائع دخل ثمن المبيع فى ملك ورثته وإن كان الخيار للمشترى دخل المبيع فى ملك ورثته وللبائع الثمن فى التركة إن لم يكن قبضه وقيد بمن له الخيار لأنه إذا مات العاقد الذى لا خيار له فالآخر على خياره بالإجماع فإن أمضى مضى وإن فسخ انفسخ وقال الشافعى يورث عنه وبه قال مالك على ما هو فى كتبهم المشهورة لأنه أى الخيار حق للإنسان لازم حتى إن صاحبه لا يملك إبطاله فيجرى فيه الإرث كخيار العيب والتعيين فإنهما يورثان بالاتفاق ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة فلا يتصور انتقاله لأنه وصف شخصى لا يمكن فيه ذلك والإرث فيما يمكن فيه الانتقال وهو الأعيان ولفظ مشيئة منصوب على انه خبر ليس وما فى الشروح من أنه بدل من الخبر وتقديره أن الخيار ليس شيئا إلا مشيئة مبنى على قول ضعيف فى العربية من أن يقدر المعمول غير ما فرغ العامل له ويجعل ما بعد إلا بدله والمختار أن المفرغ له هو المعمول ففى ما قام إلا زيد زيد فاعل بخلاف ما قاسوا
____________________
(6/318)
عليه من خيار العيب لأن الإرث فيه للعين ومن جملته الجزء المستحق فإذا دخل فى ملكه تمام الأجزاء وبعضها محتبس عند إنسان كأن يختار أن يترك حقه أو يطلبه وهذا معنى ثبوت خيار العيب غير أن طلبه لا يمكن شرعا إلا برد الكل وأما خيار التعيين فجعله أصلا آخر للشافعى لا يصح على أصله لأنه لا يجيز خيار التعيين فكأنه ذكره إلزاما لنا وجوابه كذلك أن الموروث هو احد العينين المخير فى تعيينه فينتقل إلى الوارث ذلك ولازمه اختلاط الملكين فصار كما إذا ورث مالا مشتركا فيثبت حكم ذلك وهو وجوب التعيين والإفراز وهو معنى الخيار فجاء الخيار لازما للعين الموروثة فى الموضعين ضمنا لا قصدا على وجه الاستقلاق ولا يمكن ذلك فيما فيه خيار الشرط لأن البيع ليس ملزوما للخيار لينتقل إلى الوارث بما فيه على انه لا يتصور فيما إذا كان الخيار للمشترى فإنه لم يدخل المبيع فى ملكه عند أبى حنيفة فلا يورث ووجهه قوى على ما تقدم ويقال على أصل الدليل قولكم لا يتصور انتقال الوصف إن أردت حقيقته فمسلم لكن مرادنا بالانتقال أن يثبت للوارث شرعا ملك خلف ملك الميت أو استحقاقه لا عين ذلك الملك والاستحقاق المقيد بالإضافة إلى الميت لأن ذلك غير ممكن فالوجه فى الاستدلال ليس إلا أن يقال ثبوت ذلك شرعا فى أملاك الأعيان معلوم متفق عليه وأما ثبوته عن الشرع فى غيرها من الحقوق يتوقف على الدليل السمعى ولم يوجد ونفى المدرك الشرعى يكفى لنفى الحكم الشرعى فإن قالوا بل قد وجد وهو ما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من ترك حالا أو حقا فلورثته ومن ترك كلا أو عيالا فإلى قلنا الثابت قوله مالا فى الصحيح وأما الزيادة الأخرى فلم ثبيت عندنا وما لم يثبت لم يتم به الدليل وأما الجواب بأن الملك إنما ينتقل فى ضمن انتقال العين فيعد أنه فى غاية الضعف إذ لا معنى لكون الإرث انتقالا لنفس ذات العين والملك يتبعها بقليل تأمل فإن حقيقة انتقالها إنما هو في المكان فآل إلى أن المراد انتقال ملكها ليس غير ثم بينا أن المراد بقولهم انتقل ملكها بما ينفى كل ذلك الكلام والمحاورات المكتوبة فى بعض الشروح هذا ويلزمه على تقدير ثبوته أن يورث خيار المجلس عندهم والمنقول عنهم عدمه ثم نقول مقتضى النظر أن يتفرع عدم انتقال الخيار إلى الورثة على قول أبى حنيفة أما على قولهما فينبغى أن يورث فإنمها يثبتان الملك للمشترى بالخيار فى العين فينتقل إلى الورثة عين مملوكة له فيها خيار أن يفسخ كما فى خيار العيب بعينه وفى خيار
____________________
(6/319)
البائع ينتقل الثمن مملوكا لهم قوله ومن اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره يعنى لغير الذى ليس هو عاقدا وإلا فغيره يصدق على البائع فأيهما أجاز من الشارط العاقد أو المشروط له الذى هو غيره جاز وأيهما نقض البيع انتقض فلفظ من مبتدأ والجملة الشرطية وهى أيهما أجاز خبره وإذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء فى خبره نحو الذى يأتينى فله درهم وأصل هذا أى جواز اشتراطه لغير العاقد أن جوازه استحسان وفى القياس لا يجوز وهو قول زفر وقول الشافعى وبقولنا قال مالك واحمد وهو الأصح من مذهب الشافعى إلا أن في ثبوته للعاقد مع ذلك الغير وجهين فى وجه يثبت لهما وفى وجه يثبت للغير وحده على قوله الموافق لقول زفر فيه وجهان فى وجه يفسخ البيع وفى وجه يصح البيع ويبطل الشرط وجه قول زفر أن الخيار من مواجب العقد وأحكامه فلا يجوز اشتراطه لغير العاقد كاشتراط الثمن على غير المشترى واشتراط ملك المبيع لغير المشترى واشتراط تسليم الثمن أو المبيع على غير العاقدين ولأن هذا تعليق انفساخ البيع وانبرامه بفعل الغير والبيع لا يحتمل ذلك وقياسا على خيار الرؤية والعيب وجه الاستحسان أن الحاجة قد تمس إلى اشتراطه للغير لأن شرعيته لاستخلاص الرأى وقد يكون الإنساان يعلم من نفسه قصور الرأى والتدبير غير واثق بها فى ذلك بل بغيره ممن يعلم حزمه وجودة رأيه ومعرفته بالقيم وأحوال البياعات فبشرط الخيار له يحصل المقصود من شرعيته فيجب تصحيحه وأجنبيته عن العقد إنما تمنع إن سلمنا صحة ما نعيته لو أجزناه أصلا مستقلا لكنا
____________________
(6/320)
لم نعتبره إلا تبعا لثبوت الاشتراط للعاقد فيثبت اشتراطه لنفسه اقتضاء تصحيحا لتصرفه فيثبت لهما واستشكل باستلزامه ثبوت ما هو الأصل بطريق الاقتضاء والثابت به إنما هو يكون تبعا قلنا الملازمة ممنوعة لأن المراد التبعية والأصالة بالنسبة إلى ما هو المقصود أولا وبالذات لا بالنسبة إلى الوجود فالمقصود بالذات فى قوله أعتق عبدك عنى بألف إنما هو العتق فكان التملك مقصودا لغيره تبعا لقصده ليصح العتق عنه وإن كان أصلا بالنسبة إلى الوجود فكذا هنا المقصود أولا وبالذات ليس إلا الاشتراط للأجنبى لأنه هو الذى يحصل به مقصود العاقد بالفرض فكان ثبوته للعاقد تبعا للمقصود ليصح المقصود به فكان ثبوته بطريق الاقتضاء واقعا على ما هو الأصل فى الاقتضاء هذا هو التحقيق إن شاء الله تعالى ولا حاجة فى جوابه إلى تكلف زائد فإن قيل فلم لم يجر اشتراط الثمن على الأجنبى وتثبت كفالته اقتضاء كما يثبت الخيار له ويثبت للعاقد اقتضاء أجيب بأن الثمن دين على العاقد والكفالة ليس فيها نقل الدين على الكفيل فلو ثبتت الكفالة اقتضاء لاشتراطه على الأجنبى أبطلت المقتضى وهو اشتراطه فإنه إنما يعنى به ثبوته على المشترط علي ما هو ثابت على العاقد نعم لو كفله كفاله صريحة بالثمن الدين صح وعند ذلك اى صيرورة الخيار لهما يكون لكل منهما الخيار فأيهما أجاز جاز وأيهما نقض البيع انتقض ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر يعتبر السابق لوجود فى زمان لا يزاحمه فيه غيره ولو خرج الكلامان معا يعتبر تصرف العاقد فى رواية كتاب البيوع نقض أو أجاز والتصرف الذى هو الفسخ فى أخرى هى رواية كتاب المأذون سواء كان من العاقد أو وكيله الأجنبى وجه الأول أن تصرف العاقد أقوى لأن النائب يستفيد الولاية منه
____________________
(6/321)
والتصرف الصادر عن أصالة أقوى من التصرف الصادر عن نيابة واستشكل بما إذا وكل رجلا آخر بطلاق امرأته فطلقاها معا فالواقع طلاق أحدهما لا طلاق الموكل عينا ولو كان المرجح الأصيل تعين طلاقه أجيب بأن الوكيل فى الطلاق سفير كالوكيل فى النكاح فكانت عبارته فالصادر من كل منهما عين الصادر من الآخر وجه الثانى أن لا ترجيح بكونه أصيلا أو وكيلا لأن الوكيل بعد ما استفاد الولاية على الفعل كان مثله فاستويا ثم يترجح بنفس التصرف والفسخ أقوى لأنه يلحق المجاز فيبطله والإجازة لا تلحق المفسوخ فتبرمه قال شمس الأئمة الصحيح ما ذكر فى المأذون ثم قالوا الأول قول محمد والثانى قول أبى يوسف واستخرج هذا الترجيح من مسئلة اختلفا فيها هى ما إذا وكل غيره ببيع عبده فباع الموكل من رجل والوكيل من آخر فمحمد جعل البيع ممن باع منه الموكل ترجيحا لتصرفه للأصالة وأبو يوسف يعتبرهما على السواء فيجعل العبد مشتركا بينهما ويخير كل منهما لتفرق الصفقة وعيب الشركة وقيل عند محمد يصح فى النصف
____________________
(6/322)
وينفسخ فى النصف أى فيما إذا شرط الخيار لغيره لكن يتخير صاحبه لتفرق الصفقة عليه قوله ومن باع عبدين بألف على أنه بالخيار فى أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد الخ والمسئلة على أربعة أوجه فى ثلاثة البيع فاسد وفى واحدة صحيح أحدها أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذى فيه الخيار وهى المذكورة فى الجامع الصغير ويمكن أن يكون هو المراد بالكتاب فى قوله وهو الوجه الأول المذكور فى الكتاب والأظهر أنه يريد به البداية لأن الهداية شرحها وفسادها لجهالة المبيع والثمن جميعا وذلك أن الذى فيه الخيار لا ينعقد البيع فيه فى حق الحكم فكان كأنه خارج عن البيع والبيع إنما هو فى الآخر وهو مجهول لجهالة من فيه الخيار ثم ثمن المبيع مجهول لأن الثمن لا ينقسم فى مثله على المبيع بالأجزاء وثانيها وهو الوجه الجائز أن يعين كلا بأن يقول بعتك كل واحد من هذين بخمسمائة على أنى بالخيار فى هذا لانتفاء المفسد من جهالة أحد الأمرين فإن قيل إن انتفى مفسد الجهالة فقد يتحقق مفسد آخر وهو أنه جعل قبول العقد فى الذى فيه الخيار وهو غير داخل فى الحكم شرطا لانعقاده فى الذى ليس فيه الخيار وذلك مفسد كما لو جمع بين حر وعبد وحيث لا يجوز البيع فى العبد أجاب عنه المصنف
____________________
(6/323)
بعد الإشارة إلى السؤال بقوله وقبول العقد فى الذى فيه الخيار وإن كان شرطا لإنعقاد العقد فى الآخر لكن هذا غير مفسد للعقد لكونه أى من فيه الخيار محلا للبيع فهو كما لو جمع بين قن ومدبر وباعهما بألف حيث ينفذ البيع فى القن بحصته وإن كان قبول العقد فى المدبر شرطا فيه وذلك لدخول المدبر فى البيع لمحليته له فى الجملة ولهذا لو قضى القاضى بجواز بيعه جاز فكان القبول شرطا صحيحا بخلاف ما شبه به من الجمع بين الحر والعبد لأن الحر ليس بمال أصلا فلا يدخل فى البيع بحال فكان اشتراط قبوله اشتراط شرط فاسد وفى الجمع بين القن والمدبر فى البيع خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى فى آخر البيع الفاسد وثالثها يفصل ولم يعين الذى فيه الخيار كأن يقول البائع بعتك كل واحد من هذين بخمسمائة على أنى بالخيار فى أحدهما ففساده لجهالة المبيع بسبب جهالة من فيه الخيار ورابعها أن يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن وهو أن يقول بعتك هذين بألف على أنى بالخيار فى هذا والفساد فيه لجهالة الثمن لأن المبيع وإن كان معلوما بتعين من فيه الخيار إلا أن ثمنه مجهول لما قلنا إن الثمن لا ينقسم عليهما بالسوية فإن قلت ما الفرق بين الذي لم يعين فيه الثمن وبين ما إذا جمع بين عبدين فى البيع بثمن واحد فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو جاريتين فإذا إحداهما أم ولد حيث يصح البيع فى القن بحصته من جملة الثمن مع أن ثمن كل منهما مجهول الكمية حال العقد ولا يصح فى المسئلة المذكورة فى الكتاب بالحصة أجيب بأن من مشايخنا من لم يشتغل بالفرق وقال قياس ما ذكر هنا أن لا يجوز العقد فى تلك المسائل فى القن ويصير ما ذكر هنا رواية فى تلك المسائل ومنهم من اشتغل بالفرق وهو الصحيح وهو ان المانع من حكم العقد هنا مقترن بالعقد لفظا ومعنى
____________________
(6/324)
فأثر الفساد لأن شرط الخيار يمنع الانعقاد فى المشروط فيه فيكون كالمعدوم فلم ينعقد فيه ابتداء فينعقد فى الآخر بالحصة ابتداء بخلاف تلك المسائل فإن المانع مقترن فيها معنى لا لفظا فيدخل المدبر ومن معه فى البيع لما ذكرنا من محليتهم فى الجملة ثم يخرجون بناء على استحقاقهم أنفسهم حكما شرعيا لم يتصل به حكم قاض يسقطه وعلى ما ذكر هنا يتفرع ما فى فتاوى قاضيخان باع عبدين على أنه بالخيار فيهما وقبضهما المشترى ثم مات أحدهما لا يجوز البيع فى الباقى وإن تراضيا على إجازته لأن الإجازة حينئذ بمنزلة ابتداء العقد فى الباقى بالحصة ولو قال البائع فى هذه المسئلة نقضت البيع فى هذا أو فى أحدهما كان لغوا كأنه لم يتكلم وخياره فيهما باق كما كان كما لو باع عبدا واحدا أو شرط الخيار لنفسه فنقض البيع فى نصفه قوله ومن اشترى ثوبين على أن يأخذ الخ المراد أن يشترى أحد ثوبين أو ثلاثة غير معين على أن يأخذ أيهما شاء وهذا خيار التعيين يعنى أى الثوبين أو الثلاثة شاء على أنه بالخيار ثلاثة ايام فيما يعينه بعد تعيينه للمبيع أما اذا قال بعتك عبدا من هذين بمائة ولم يذكر قوله على انك بالخيار فى أيهما شئت لا يجوز اتفاقا كقوله بعتك عبدا من عبيدى وإن اشترى أحد أربعة لا يجوز والقياس أن يفسد البيع فى الكل فى أحد الاثنين والثلاثة كما يفسد فى الأربعة وهو أى القياس قول زفر والشافعى رحمهما الله وجه الاستحسان أن شرع الخيار فى خيار الشرط للحاجة إلى رفع الغبن ليختار ما هو الأوفق والأوفق والحاجة إلى هذا النوع من البيع متحققة لأن الإنسان قد يحتاج إلى رأى غيره فى اختيار المبيعات وهو ليس بحاضر وليس بحيث يحضر لعلوه أو لتحجبها خصوصا إذا كانت أهله لا ينبغى له أن يتركها تلج
____________________
(6/325)
الأسواق وتمارس الرجال لشراء حاجتها فيحتاج أن يدفع أليه العدد من ذلك النوع ليختار الأوفق ولا يمكنه البائع من حمله إليه إلا مبيعا فكان فى معنى ما ورد به النص فيجوز غير أن الحاجة تندفع بالثلاث لتحقق الجيد والردىء والوسط فيها فيندفع بحمل واحد من كل نوع من الثلاثة فلا تشرع الرخصة فى الزائد لأن شرع الرخصة للحاجة وقول المصنف والجهالة لا تفضى إلى المنازعة جواب عن تعليل زفر والشافعى بها وإذا ظهر أن جواز هذا البيع للحاجة إلى اختيار ما هو الأرفق والأوفق لمن يقع الشراء له حاضرا أو غائبا ظهر أنه لا يجوز للبائع بل يختص خيار التعيين بالمشترى لأن البائع لا حاجة له إلى اختيار الأوفق والأرفق لأن المبيع كان معه قبل البيع وهو أدرى بما لاءمه منه فيرد جانب البائع إلى القياس فلهذا نص فى المجرد على أنه لا يجوز فى جانب البائع وذكر الكرخى أنه يجوز استحسانا لأنه بيع يجوز مع خيار المشترى فيجوز مع خيار البائع قياسا على الشرط وأنت عرفت الفرق ثم اختلف المشايخ فى أنه هل من شرط جواز هذا البيع أعنى البيع الذى فيه خيار التعيين أن يكون فيه خيار الشرط كما قدمناه فى الصورة قيل نعم كما هو المذكور فى الجامع الصغير تصويرا على ما ذكرناه ونسبه قاضيخان إلى أكثر المشايخ وقال شمس الأئمة فى جامعه هو الصحيح وقيل لا يشترط وهو المذكور فى الجامع الكبير وغيره والمذكور فى الجامع الصغير من الصورة وقع اتفاقا لا قيدا وصححه
____________________
(6/326)
فخر الإسلام فقال الصحيح عندنا أنه ليس بشرط وهو قول ابن شجاع وجه الاشتراط وهو قول الكرخى أن القياس يأبى جواز هذا العقد لجهالة المبيع وقت لزوم العقد وانما جاز استحسانا بموضع السنة وهو شرط الخيار فلا يصح بدونه ولا يخفى ضعف هذا الكلام فإنه يقتضى أن شرط الإلحاق بالدلالة أن يكون فى محل الصورة الملحقة الصورة الثابتة بالعبارة وكان يلزم أن لا يصح البيع بخيار النقد إلا فى بيع فيه خيار الشراط لأن صحة البيع على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع مما أثبت بدلالة نص خيار الشرط ولا يعلم اشتراط ذلك غير أنهما إن تراضيا على خيار الشرط مع خيار التعيين ثبت حكمه وهو جواز أن يرد كلا من الثوبين إلى ثلاثة أيام ولو بعد تعيين الثوب الذى فيه البيع لأن حاصل التعيين فى هذا البيع الذى فيه شرط الخيار أنه عين المبيع الذى فيه الخيار لا أنه يسقط خياره ولو رد أحدهما كان بخيار التعيين ويثبت البيع فى الآخر بشرط الخيار ولو مضت الثلاثة قبل رد شىء وتعيينه بطل خيار الشرط وانبرم البيع في احدهما وعليه ان يعين ولو مات المشترى قبل الثلاثة تم بيع احدهما وعلى الوارث التعيين لأن خيار الشرط لا يورث والتعيين ينتقل إلى الوراث ليميز ملكه من ملك غيره على ما ذكرنا ولهذا لا يتوقف فى حق الوارث كما ذكره المصنف لأنه صار بمنزلة الشريك المختلط ماله بمال غيره فما لم يطلب شريكه القسمة لم يتعين عليه ولا يفوت وقته وإن لم يتراضيا على خيار الشرط معه لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاثة عند أبى حنيفة كما في خيار الشرط لأنه أصله وعندهما أى مدة تراضيا عليها بعد كونها معلومة وعلى هذا يجب أنه إذا كان فيه خيار الشرط فمضت المدة حتى انبرم فى احدهما ولزم التعيين أن يتقيد التعيين بثلاثة من ذلك الوقت وحينئذ فإطلاق الطحاوى قوله خيار الشرط موقت بالثلاث فى قوله غير موقت بها عندهما وخيار التمييز غير موقت فيه نظر وقد طولب بالفرق على قول أبى يوسف حيث قصر المدة
____________________
(6/327)
على الثلاث فى خيار النقد أخذا بالقياس ولم يقصر فى خيار التعيين عليها أجيب بأن فى خيار النقد تعليقا صريحا بأداة الشرط فلا يكون الوارد فى خيار الشرط واردا فيه بخلاف خيار التعيين ليس فى صريح التعليق فكان فى معناه وهذا يوجب أن أخذه فى خيار النقد فى الثلاثة بأثر لابن عمر فيه ونفى الزائد بالقياس وأثر ابن عمر نقله الفقيه أبو الليث فى شرح الجامع عن محمد بن الحسن عن عبد الله بن المبارك عن ابن جريح عن سلمان مولى ابن البرصاء قال بعت من عبد الله بن عمر جارية على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا فإجاز ابن عمر هذا البيع ولم يرو عن أحد من الصحابة خلافه إلا أنه لا يطابق قول المصنف فى مسئلة خيار النقد فيما تقدم فأبو يوسف رحمه الله أخذ فى الأصل بالمأثر وفى هذا بالقياس قوله ولو هلك أحدهما أو تعيب لزمه البيع فيه بثمنه وتعين الآخر للأمانة لامتناع الرد بالتعيب علله المصنف بامتناع الرد بالتعييب فيعرف منه أن هذا اذا كان بعد أن قبضهما لامتناع رده بسبب العيب الذى حدث فيه عنده وتقدم أن الهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب فلو هلك الآخر بعده هلك بغير شىء لأنه تعين أنه أمانة أما لو هلك أحدهما قبل القبض أو تعيب فلا يبطل البيع والمشترى بالخيار إن شاء أخذ الباقى بثمنه وإن شاء ترك ولو هلك الكل قبل القبض بطل البيع ولو هلكا معا بعد القبض لزمه نصف ثمن كل واحد منهما لشيوع البيع والأمانة فليس أحدهما أولى بكونه المبيع من الآخر وكذا إذا هلكا على التعاقب ولم يدر السابق منهما وأثر هذا إنما يظهر إذا كان ثمنهما متفاوت الكمية فإن كانا متفقين فلا وكذا إذا هلكا على التعاقب فاختلفا فى الهالك أولا فادعى البائع أنه أكثرهما ثمنا وقال المشترى الأقل فإن القول قول المشترى مع يمينه على ما استقر عليه قول أبى يوسف ومحمد وكان أبو يوسف يقول أولا يتحالفان فأيهما نكل لزمه دعوى الآخر وإن حلفا يجعل كإنهما هلكا معا ثم رجع إلى ما ذكرنا من قول محمد وأيهما بين قبل فإن أقاماها قضى ببينة البائع لإثباتها الزيادة ولو تعيبا معا بطل خيار الشرط وامتنع عليه ردهما وخيار التعيين على حاله فيمسك أيهما شاء بثمنه ويرد الآخر ولا يغرم من قيمة عيب المردود شيئا استحسانا
____________________
(6/328)
لأن المعيب محل لابتداء البيع أيضا بخلاف الهالك ليس محلا لابتدائه فليس محلا لتعيينه ولو كان البيع فاسدا فقبضهما فأحدهما مضمون عليه بالقيمة والآخر أمانة ولو ماتا جميعا ضمن نصف قيمة كل منها بخلاف البيع الصحيح فإنه يضمن نصف ثمن كل فإن قيل من أين يتعين المعيب للبيع دون الأمانة وأحدهما لا على التعيين مبيع كما أن أحدهما لا على التعيين أمانة وامتناع الرد للعيب المعلل به فرع اعتبار أنه هو المبيع وفيه التحكم إذ اعتبار أنه المبيع ليس بأولى من اعتباره الأمانة أجيب بأن اعتباره المبيع عمل بالدليل الحادث وهو البيع فإنه سبب لإيجاب الضمان ذكره القاضى عبد الغنى فى مختلفاته وأما عدم الضمان على الأمين فباستصحاب الحال فإن قيل لم لم يضمن الآخر إذا هلك ثانيا باعتبار أنه مقبوض على سوم الشراء الجواب بمنع أنه كتلك بل المقبوض كل منهما على حقيقة الشراء لأحدهما وليس هنا شىء على سوم الشراء لأن ما على سوم الشراء لا ينجز فيه عقد بل تعين الثمن فقط وهنا تنجز تمام العقد فلزم بالضرورة أن قبض العينين على أن أحدهما غير عين مبيعا وأحدهما غير عين أمانة فإذا فرض وجود ما يعين المبيع منهما من الأسباب تعين الآخر للأمانة فإن قيل لأى شىء انعكس حكم طلاق إحدى الزوجتين وعتق أحد العبدين هنا حيث يتعين للطلاق والعتاق الباقى لا الهالك وهنا يتعين الهالك للبيع أجاب على القمى بأنه لا فرق فى الحاصل لأن الهالك يهلك على ملكه فى المسائل كلها غير أنه إذا هلك كل من الزوجة والعبد على ملكه تعين الباقى بالضرورة للطلاق والعتاق فإذا هلك العبد هنا على ملكه تعين الباقى للأمانة وأنت تعلم أن حقيقة السؤال أنه لأى شىء جعل الهالك هنا هو المحل للتصرف دون الباقى وهناك جعل المحل للتصرف الباقى دون الهالك مع أن التصرف فى الكل فى الأحد الدائر بين المعينات فلا بد من الفرق وهو أن العبد هنا لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلا للرد بالوجه الذى قلناه من المختلفات فتعين العقد فيه بتعين الباقى للضرورة وحين أشرفت الزوجة والعبد على الهلاك لم يخرجا عن كونهما محلا للطلاق والعتاق وهو التصرف فتعين الباقى لهما ضرورة وهذا بخلاف ما إذا اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام
____________________
(6/329)
فهلك أحدهما فإنه يمتنع عليه رد الآخر لأن العقد تناولهما جميعا حتى ملك إتمام العقد فيهما فإذا تعذر عليه رد أحدهما لا يتمكن من رد الآخر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام وهنا العقد انما يتناول احدهما حتى لا يملك اتمام العقد فيهما قوله ومن اشترى دارا على أنه بالخيار ثلاثة ايام او اقل او اكثر عندهما فبيعت دار الى جنبها فأخذها بالشفعة فهو رضا بالبيع فيسقط خياره واستفدنا من هذا ان من اشترى دار بالخيار له ان يشفع بها فيما يباع بجنبها لأن له الإجازة والرضا والشفعة بها رضا بها لأنها تدل على اختياره للملك فيما يشفع به لأنه اى الشأن ما ثبتت الشفعة إلا لدفع ضرر الجوار وذلك اى ضرر الجوار يحصل باستدامة الملك فحيث شفع دل على انه مستقيم للملك فيتضمن سقوط الخيار سابقا عليه فيثبت الملك من وقت الشراء فيتبين أن الجوار كان ثابتا وهذا التقرير يحتاج إليه لمذهب أبى حنيفة خاصة لأنه القائل بأن المشترى بالخيار للمشترى لا يدخل
____________________
(6/330)
فى ملك المشترى فلا يشفع بها وقد قال يشفع بها فاحتاج إلى جعله فعلا يفيد الرضا بالبيع فينبرم البيع فيثبت الملك من وقت عقد الخيار فيكون سابقا على شراء ما فيه الشفعة أما على قولهما فلا حاجة لأنهما قائلان بأن المشترى بالخيار ملكها فتتجه له الشفعة بها والوجه أنهما أيضا يحتاجان إلى زيادة ضميمة لأن الملك وإن كان ثابتا عندهما فله رفعه فهو مزلزل والشفعة لدفع الضرر المستمر فحين شفع دل على قصده استبقاء الملك فيسقط خياره فلا يفسخ بعد ذلك وفى المبسوط على تقدير أنه لم يملكها على قول أبى حنيفة وعدم هذا التقرير قال لأنه صار أحق بالتصرف فيها وذلك يكفيه لاستحقاق الشفعة بها كالمأذون المستغرق بالدين والمكاتب فإنهما يستحقان الشفعة وإن لم يملكا رقبة الدار بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فإن المشترى هناك لم يصر أحق بالتصرف فيها ولو اعتبر المأذون والمكاتب كالوكيل عن السيد فى الحال كان حسنا ورجع الأخذ بالشفعة إلى سبب الملك هذا ولو كان خيار رؤية كان له أن يشفع فى الدار المبيعة إلى جانبها ولا يسقط به خيار الرؤية حتى إذا رآها كان له أن يردها بعد ما شفع بها وسيأتى أنه لو أسقط خيار الرؤية صريحا لا يسقط لأنه معلق بالرؤية فقبلها هو عدم فحقيقة قولنا ثبت له خيار الرؤية أنه إذا رآها ثبت له خيار الرؤية وكذا لا يبطل خيار العيب بالأخذ بالشفعة به قوله وإذا اشترى الرجلان عبدا مثلا على أنهما بالخيار ورضى أحدهما بالبيع بطل خيار الآخر فليس له أن يرده عند أبى حنيفة رحمه الله وقالا له أن يرده وعلى هذا الخلاف خيار العيب والرؤية بأن اشترى الرجلان شيئا فاطلعا على عيب فرضى به أحدهما دون الآخر لم يكن للآخر رده عنده وعندهما له ذلك أو اشتريا ولم يريا فعند الرؤية رضى أحدهما دون الآخر لهما أن إثبات الخيار إثباته لكل منهما فلا يسقط حقه بإسقاط صاحبه حقه وله أن المبيع خرج عن ملكه غير معيب بعيب الشركة فلو رده أحدهما رده معيبا به وفيه إلزام ضرر زائد
____________________
(6/331)
فإن البائع كان بحيث ينتفع به متى شاء كيف شاء فصار بحيث لا يقدر على ذلك إلا بطريق المهايأة والخيار ما شرع لدفع الضرر عن أحدهما بإلحاق الضرر بالآخر فإن قيل هذا الضرر حصل فى ملك البائع قلنا ممنوع لأنه بعد خروجه عن ملكه فإن مع خيار المشترى يخرج المبيع عن ملك البائع فإن قيل لما شرط الخيار لهما فقد رضى بهذا العيب أجيب أنه إنما رضى به فى ملكهما فإن قيل بل رضى به مطلقا لأن الخيار معلوم أنه قد يكون عند فسخ وقد يكون عند إبرام فشرطه رضا بكل من الأمرين أجاب عنه المصنف بقوله وليس من ضرورة إلى آخره يعنى لا يلزم من كونه شرطه لهما أن يكون راضيا بفسخ أحدهما لجواز كونه لرضاه بفسخهما فإذا جاز هذا كان هو الظاهر والظاهر أن التصرف من العاقل إذا احتمل كلا من أمرين فى احدهما ضرر دون الآخر أنه إنما أراد المحتمل الذى لا ضرر فيه لأن الظاهر بل اللازم عدم قصد العاقل إلى ما يضره بلا فائدة قوله ومن باع عبدا على أنه خباز أو كاتب أى حرفته ذلك فكان بخلاف ذلك فالمشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه ولو مات هذا المشترى انتقل الخيار إلى ورثته إجماعا لأنه فى ضمن ملك العين وهذا الشرط حاصله شرط وصف مرغوب فيه فى المبيع ولو كان موجودا فيه دخل فى العقد وكان من مقتضياته فكان شرطه إذا لم يكن فيه غرر صحيحا والأصل فى اشتراط الوصاف أن ما كان وصفا لا غرر فيه فهو جائز وما فيه غرر
____________________
(6/332)
لا يجوز إلا أن يكون اشتراطه بمعنى البراءة من وجوده وهو ما ليس مرغوبا فيه فعلى هذا يتفرع ما لو باع ناقة أو شاة على أنها حامل أو تحلب كذا فالبيع فاسد عندنا خلافا للشافعى على الأصح عنده لأنه شرط زيادة مجهولة لعدم العلم بها حتى لو شرط أنها حلوب جاز كما إذا شرط فى الفرس أنه هملاج وفى الكلب أنه صائد حيث يصح ومنه شرط كونه ذكرا أو أنثى وشرط كون الثمن مكفولا به أما لو اشترى جارية على أنها حامل فاختلف المشايخ فيه قيل لا يجوز كالناقة والشاة وقيل يجوز لأن الحبل فى الجوارى عيب بخلاف البهائم فكان ذكره للبراءة عن هذا العيب وقيل إن اشتراها ليتخذها ظئرا فشرط أنها حامل يعنى ذكر غرضه ذلك للبائع فالبيع فاسد لأنه شرط زيادة مجهولة فى وجودها غرر فكانت كالناقة وإن لم يرد ذلك جاز حملا لقصد البراءة من عيب الحبل ومنه أو اشتراه على أنه معيب فوجده سليما صح وكان له هذا ومذهب الحسن عن أبى حنيفة فى شرط الحمل فى البقر والجارية أنه يجوز وروى ابن سماعة عن محمد فى اشتراط أنها حلوبة لا يجوز لأن المشروط هنا أصل من وجه وهو اللبن قال محمد فى مسئلتنا فإن قبضه المشترى ووجده كاتبا أو خبازا على أدنى ما ينطلق عليه الاسم لا يكون له حق الرد ومعناه أن يوجد منه أدنى ما ينطلق عليه اسم الكاتب والخباز أعنى الاسم الذى يشعر بالحرفة فإن فعل من ذلك ما ليس كذلك كان له حق الرد بأن يكتب شيئا يسيرا ناقصا فى الوضع أو يخبر قدر ما يدفع عنه الهلاك بأكله وإذا لم يجده كما ذكر وامتنع الرد بسبب من الأسباب رجع المشترى على البائع بحصته من الثمن بأن يقوم العبد كاتبا وغير كاتب فيرجع بالتفاوت وعن أبى حنيفة لا يرجع بشىء لأن ثبوت الخيار للمشترى بالشرط لا بالعقد وتعذر الرد فى خيار الشرط لا يوجب الرجوع على البائع فكذا هذا والصحيح ما فى ظاهر
____________________
(6/333)
الرواية وبه قال الشافعى لأن البائع عجز عن تسليمه وصف السلامة كما فى العيب ولو اختلف المشترى والبائع بعد مدة فقال المشترى لم أجده كاتبا وقال البائع سلمته إليك كاتبا ولكنه نسى عندك والمدة تحتمل أنه ينسى فى مثلها فالقول للمشترى والأصل فى هذا أن القول لمن تمسك بالأصل وأن العدم فى الصفات العارضة أصل والوجود فى الصفات الأصلية أصل وشهادة النساء بانفرادهن فيما لا يطلع عليه الرجال حجة إذا تأيدت بمؤيد وإن ل تتأيد تعتبر فى ثبوت توجه الخصومة لا فى إلزام الخصم إذا عرف هذا فإذا اختلفا قبل القبض أو بعده فقال المشترى ليس بهذا الوصف وقال البائع هو بهذا الوصف للحال يؤمر بالخبز والكتابة فإن فعل ما ينطلق عليه الاسم على ما ذكرنا لزم المشترى ولا يرد ولا يعتبر قول العبد فى ذلك وإن قال البائع سلمته بها ونسى عندك والمدة تحتمل ذلك والمشترى ينكر ذلك فالقول قول المشترى ويرده لأن الأصل عدم هذه الصفة وإن لم يكن قبضه لم يجبر على قبضه ودفع الثمن حتى تعرف هذه الصفة ولو اشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا قبل القبض أو بعده فقال البائع بكر للحال وقال المشترى ثيب فإن القاضى يريها النساء فإن قلن بكر لزم المشترى بلا يمين البائع لأن شهادتهن تأيدت هنا بمؤيد لأن الأصل البكارة وإن قلن ثيب لم يثبت حق الفسخ بشهادتهن لأن الفسخ حق قوى وشهادتهن حجة ضعيفة لم تتأيد بمؤيد لكن يثبت حق الخصومة لتتوجه اليمين على البائع إذ لا بد للمشترى من الدعوى والخصومة والخصومة حق ضعيف لأنها ليست بمقصودة لذاتها فجاز أن تثبت بشهادتهن فيحلف البائع بالله لقد سلمتها بحكم البيع وهى بكر فإن لم يكن قبض يحلف بالله لقد بعتها وهى بكر فإن نكل ردت عليه وإن حلف لزم المشترى وروى عن أبى يوسف ومحمد فى رواية أنها ترد بشهادتهن قبل القبض بلا يمين من البائع وإن لم يكن عند القاضى من النساء من يثق بهن لا يحلف البائع لأن العيب لم يثبت للحال فلا يثبت حق الخصومة فلا يتوجه اليمين على البائع فتلزم الجارية على المشترى إلى أن يحضر من النساء من يوثق بهن ولو قال بعتها وسلمتها إليك وهى بكر وزالت بكارتها فى يدك فالقول قوله لأن الاصل هى البكارة ولا يريها القاضى النساء لأن البائع مضر بزوال البكارة وإنما يقول زالت فى يدك واعلم أنه إذا شرط فى البيع ما يجوز اشتراطه فوجده بخلافه فتارة يكون البيع فاسدا وتارة يستمر على الصحة ويثبت للمشترى الخيار وتارة يستمر صحيحا ولا خيار للمشترى وهو ما إذا وجده خيرا مما شرطه وضابطه إن كان المبيع من جنس المسمى ففيه الخيار والثياب أجناس أعنى الهروى والإسكندرى والمروى والكتان والقطن والذكر مع الأنثى فى بنى آدم جنسان وفى سائر الحيوانات جنس واحد والضابط فحش التفاوت فى الأغراض وعدمه فإن اشترى ثوبا على أنه إسكندرى فوجده بلديا أو هندى فوجده مرويا أو كتان فوجده قطنا أو أبيض مصبوغ بعصفر فإذا هو بزعفران أو دارا على أن بناءها آجر فإذا هو لبن أو على أن لابناء ولا نخل فيها بناء أو نخل أو أرضا على أن جميع أشجارها مثمرة فوجد واحدة غير مثمرة أو على أنه عبد فإذا هو جارية أو فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فهو فاسد فى جميع ذلك ولو اشترى جارية على أنها مولدة الكوفة فإذا هى مولدة بغداد أو غلام على أنه تاجر
____________________
(6/334)
أو كاتب فإذا هو لا يحسنه أو على أنه فحل فإذا هو خصى أو عكسه او أنها بغلة فإذا هو بغل او ناقة فكان جملا أو لحم معز فكان لحم ضأن أو على عكسه ونحو ذلك فله الخيار ولو اشترى على أنه بغل فوجده بغلة أو حمار أو بعير فإذا هو أتان أو ناقة أو جارية على أنها رتقاء أو حبلى أو ثيب فإذا هى بخلافه جاز ولا خيار له لأنه صفة أفضل من الصفة المشروطة وينبغى فى مسئلة البعير والناقة أن يكون فى العرب وأهل البوادى الذين يطلبون الدر والنسل أما أهل المدن والمكارية فالبعير أفضل ولو باع دارا بما فيها من الجذوع والخشب والأبواب والنخيل فإذا ليس فيها شىء من ذلك لا خيار للمشترى & باب خيار الرؤية
قدمه على خيار العيب لأنه يمنع تمام الحكم وذلك يمنع لزوم الحكم واللزوم بعد التمام والإضافة من قبيل إضافة الشىء إلى شرطه لأن الرؤية شرط ثبوت الخيار وعدم الرؤية هو السبب لثبوت الخيار عند الرؤية قوله ومن اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز وله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده سواء رآه على الصفة التى وصفت له أو على خلافها مثل أن يشترى جرابا فيه أثواب هروية أو زيتا فى زق أو حنطة فى غرارة من غير أن يرى شيئا ومنه أن يقول بعتك درة فى كمى صفتها كذا أو ثوبا فى كمى صفته كذا أو هذه الجارية وهى حاضرة منتقبة فله الخيار إذا رأى شيئا من ذلك وفى المبسوط الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع انتهى لكن إطلاق الكتاب يقتضى جواز البيع سواء سمى جنس المبيع أولا وسواء أشار إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستور اولا مثل أن يقول بعت منك ما فى كمى بل عامة المشايخ قالوا إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده وطائفة قالوا لا يجوز لجهالة المبيع من كل وجه والظاهر أن المراد بالإطلاق ما ذكره شمس الأئمة وغيره كصاحب الأسرار والذخيرة لبعد القول بجواز مالم يعلم جنسه أصلا
____________________
(6/335)
كأن يقول بعتك شيئا بعشرة وقول المصنف وقال الشافعي لا يجوز العقد اصلا هو فيما ى لم يسم جنسه قولا واحدا أنه لا يجوز وأما فيما سمى جنسه وصفته على ما نقل في شرح الوجيز والحلية أنه يجوز على قوله القديم وعلى قوله الجديد لا يجوز وعن مالك وأحمد مثل قولنا واختاره كثير من أصحاب الشافعية منهم القفال وهو قول عثمان بن عفان وطلحة رصي الله عنهما وذكر المصنف في وجه قوله أن المبيع مجهول مقتصرا عليه يعنى وكل ما كان كذلك لا يجوز بيعه لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ونهيه عن بيع ما ليس عند الإنسان وما ذلك إلا للجهالة قلنا أما النهي عن بيع ما ليس عندك فالمراد منه ما ليس في الملك اتفاقا لا ما ليس في حضرتك ونحن شرطنا في هذا البيع كون المبيع مملوكا للبائع فقضينا عهدته وأما بيع الغرر فلفظه يفيد أنه غيره وذلك ليس إلا بأن يظهر له ما ليس في الواقع فيبنى عليه فيكون مغروا بذلك فيظهر له خلافه فيتضرر به وكيف كان فلا شك بعد القطع ونحن نقطع بأن النهي عن ذلك لما يلزم الضرر فيه ونقطع بأن لا ضرر فيما أجزنا من ذلك إنما يلزم الضرر لو لم يثبت له الخيار إذا رآه فأما إذا أوحينا له الخيار إذا رآه فلا ضرر فيه أصلا بل فيه محض مصلحة وهو إدراك حاجة كل من البائع والمشتري فإنه لو كان له به حاجة وهو غائب وأوقفت جواز البيع على الوجه الذي ذكرنا من إثبات الخيار عند رؤيته محض مصلحة لكل من العاقدين من غير لحوق شيء من الضرر فأني يتناوله النهي عن بيع الغرر والأحكام لم تشرع إلا لمصالح العباد قطعا فكان مشروعا قطعا فوجب أن يحمل الحديث على البيع البات الذي لا خيار فيه لأنه هو الذي يوجب ضرر المشتري والنهي قطعا ليس إلا لذلك فظهر أن كلا من الحديثين لم ينف ما أجزنه فكان نفيه قولا بلا دليل وكفانا في إثباته المعنى وهو أنه مال مقدور التسليم لا ضرر في بيعه على الوجه المذكور فكان جائزا ويقى الحديث الذي ذكره المصنف زيادة من الخبر وهو ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي مرسلا حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر عبد الله بن أبي مريم عن مكحول رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(6/336)
من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه إن شاء تركه والمرسل حجة عند أكثر أهل العلم وتضعيف ابن أبي مريم بجهالة عدالته لا ينفي علم غير المضعفين بها وقد روى هذا الحديث أيضا الحسن البصري وسلمة المحبق وابن سيرين وهو راى ابن سيرين أيضا وعمل به مالك أحمد وهو ممن نقل عنه تضعيف ابن أبي مريم فدل قبول العلماء على ثبوته والحق أن عمل من ضعف ابن أبي مريم على وفق حديثه ينبنى على أن العمل على وفق الحديث هل هو تصحيح له وهي مسئلة مختلفة بين الأصوليين والمختار لا ما لم يعلم أن عمله عن الحديث وقد روى الحديث أيضا مرفوعا رواه أبو حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رى هـ ورواه الدارقطني من طريق أبي حنيفة إلا أن في طريقه إلى أبي حنيفة عمر بن إبراهيم الكردي نسب إلى وضع الحديث هذا ولا بد من كون المراد في الحديث بالرؤية العلم بالمقصود فهو من عموم المجاز عبر الرؤية عن العلم بالمقصود فصارت حقيقة الرؤية من أفراد المعنى المجازي وهذا لوجود مسائل اتفاقية لا يكتفي بالرؤية فيها مثل ما إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كمسك اشتراه وهو يراه فإنه إنما يثبت الخيار له عند شمه فله الفسخ عند شمه بعد رؤيته وكذا لو رأى شيئا ثم اشتراه فوجده متغيرا لأن تلك الرؤية غير معرفة للمقصود الآن وكذا اشتراه الأعمى يثبت له الخيار عند الوصف له فأقيم فيه الوصف مقام الرؤية وقول المصنف فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار إليه يعنى فيما لو اشترى ثوبا مشارا إليه لا يعلم عدد ذرعانه يريد تشبيهه بذلك في مجرد ثبوت الجواز لا بقيد ثبوت الخيار في المشبه به أعنى الثوب وهو بناء على لزوم ذكر الجنس في هذا البيع فبيقى الفائت مجرد علم الوصف وقوله وكذا إذا قال رضيت إلى آخره أي وكذا له الخيار إذا رآه يعنى إذا قال رضيت كائنا ما كان قبل الرؤية ثم رآه أن يرده لأن ثبوت الخيار معلق في النص بالرؤية حيث قال فهو بالخيار إذا رآه والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده والإسقاط لا يتحقق قبل الثبوت وقوله وحق الفسخ الخ جواب عن مقدر وهو طلب الفرق بين الفسخ والإجازة قبل الرؤية فإنه إذا جاز قبلها لا يلزم
____________________
(6/337)
وإذا فسخ قبلها لزم مع استواء نسبة التصرفين في تعليقهما بالشرط في الحديث ولا وجود للمعلق قبل الشرط وحاصل الجواب أن المعلق بالشرط هو عدم قبل وجوده إذا لم يكن له سبب غير ذلك الشرط فإن الشيء قد يثبت بأسباب كثيرة فالحديث لما علق الخيار بالرؤية ثت به تعليق كل من الإجازة والفسخ بها لأن معنى الخيار أن له أن يجيز وأن يفسخ ثم لم تثبت الإجازة بسبب آخر فبقي على العدم حتى يثبت سببه وهو الرؤية بخلاف خيار العيب سببه وهو العيب قائم قبل الرؤية فإذا قال رضيت قبل الرؤية سقط خياره إذا اطلع عليه لرضاه بالعيب قبل ذلك وأما الفسخ فثبت له سبب آخر وهو عدم لزوم هذا العقد على المشتري وما كان غير لازم عليه له أن يفسخه بالضرورة كالعارية والوديعة وإلا فهو لازم وقد فرض غير لازم هذا خلف وقد سلك المصنف رحمه الله مسلك الطحاوي في عدم نقل خلاف في جواز الرد قبل الرؤية ونقل في التحفة فيه اختلاف المشايخ منهم من منع وأنه لا رواية فيه واما قول المصنف ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق لا يعتبر قوله رضيت قبل الرؤية فلو تم لزم أن لا يصح البيع بشرط البراءة من العيوب لأن حاصله الرضا بالبيع قبل رؤية العيب ثم لم يمنع الفسخ قبل الرؤية أن يمنع وجود سبب آخر غير الرؤية وقولكم عدم اللزوم سبب آخر قبل الرؤية قلنا نمنع تحقق عدم اللزوم بل نقول قبل الرؤية البع بات فليس له فسخه فإن الشارع علق إثبات قدرة الفسخ والإجازة التي هي الخيار بالرؤية فقبله يثبت حكم السبب وهو اللزوم إلى غاية الرؤية ثم يرفعه عندها فتثبت قدرة الفسخ والإجازة معا واعلم أن خيار الرؤية يثبت في أربعة مواضع ليس غير شراء الأعيان والإجازة والصلح عن دعوى مال على عين والقسمة وعرف من هذا أنه لا يكون في الديون فلا يكون في المسلم فيه ولا في الأثمان الخالصة بخلاف ما لو كان البيع إناء من أحد النقدين فإن فيه الخيار ولو تبايعا مقايضة ثبت الخيار لكل منهما ومحله كل ما كان في عقد ينفسخ بالفسخ لا ما لا ينفسخ كالمهر وبدل الصلح عن القصاص وبدل الخلع وإن كانت أعيانا لأنه لا يفيد فيها لأن الرد لما لم يوجب الإنفساخ بقي العقد قائما وقيامه يوجب المطالبة بالعين لا بما يقابلها من القيمة فلو كان له أن يرده كان له أن يرده أبدا وليس للبائع أن يطالب المشتري بالثمن ما لم يسقط
____________________
(6/338)
خيار الرؤية منه ولا يتوقف الفسخ على قضاء ولا رضا بل بمجرد قوله رددت ينفسخ قبل القبض وبعده لكن بشرط علم البائع عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف كما هو خلافهم في الفسخ في خيار الشرط قوله ومن باع ما لم يره بأن ورث عينا من الأعيان في بلدة أخرى فباعها قبل أن يراها فلا خيار له وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول أولا له الخيار اعتبارا بخيار العيب فإنه يثبت للبائع حتى ة جاز أن يرد الثمن بالزيافة وخيار الشرط فإنه يجوز لهما ولو اختصر على خيار العيب كان أقرب لأن ثبوته في العيب معقول لاحتباس ما هو بعض المبيع عند البائع فكان بسبيل من ترك حقه أو أخذه بأخذ الثمن ورد المبيع بخلاف خيار الشرط وفي عدم الرؤية لتحصيل شرط البيع وهو العلم التام بالمبيع غير أنه جوز متأخرا للمصلحة التي ذكرناها ثم تقرير المصنف حيث قال وهذا لأن لزوم العقد بتمام الرضا زوالا يعني في حق البائع وثبوتا في حق المشتري ولا يتحقق ذلك أي تمام الرضا إلا بالعلم بأوصاف المبيع وذلك بالرؤية يخال أنه قياس بجامع عدم الرضا بالبيع على البتات وهو تعليل بالعدم وحاصله أن ثبوت الخيار لعدم تمام الرضا بأحكام العقد فكذا هنا ويرد عليه أن حكم الأصل أعني خيار الشرط متوقف شرعا على تراضيهما فقياسه أني كون هكذا يثبت الخيار بتراضيهما لا إذا سكتا عنه فيلزم حينئذ فكذا هنا وليس الواقع هذا لظهورا اختلاف حكم الأصل والفرع ولو لم يختلفا فالأصل معدول عن القياس فلا يقاس عليه فلذا حق له أن يرجع وذكر للمرجوع إليه وجهين أحدهما أنه معلق بالشراء لما روينا فلا يثبت دونه ولا يخفى أنه نفى للحكم بمفهوم الشرط إذا حاصله انتفاء الحكم
____________________
(6/339)
لانتفاء الشرط والثاني ما أخرجه الطحاوي ثم البيهقي عن علقمة بن أبي وقاص أن طلحة رضي الله عنه اشترى من عثمان بن عفان رضي الله عنه مالا فقيل لعثمان إنك قد غبنت فقال عثمان لي الخيار لأني بعت ما لم أره وقال طحلة رضي الله عنه لي الخيار لأن اشتريت ما لم أره فحكما بينهما جبير بن مطعم رضي الله عنهم فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان والظاهر أن مثل هذا يكون بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم لأن قضية يجري فيها التخالف بين رجلين كبيرين ثم إنهما حكما فيها غيرهما فالغالب على الظن شهرتها وانتشار خبرها فحين حكم جبير بذلك ولم يرو عن أحد خلافه كان إجماعا سكوتيا ظاهرا قوله ثم خيار الرؤية غير موقت بوقت خلافا لما ذهب إليه بعض المشايخ من أنه موقت بعد الرؤية بقدر ما يتمكن فيه من الفسخ فإذا تمكن من الفسخ بعد الرؤية فلم يفسخ بطل خياره ولزم البيع فيه والمختار أنه لا يتوقت بل يبقى إلى أن إن يوجد ما يبطله و يبطله ما يبطل خيار الشرط من تعيب يعني بعد الرؤية أو تصرف يبطل خيار الرؤية بقيد تفصيل نذكره في التصرف لا مطلقا فلذا وصله بقوله ثم إن كان تصرفا لا يمكن رفعه للمتصرف كالإعتاق للعبد الذي اشتراه
____________________
(6/340)
ولم يره وتدبيره أو تصرفا يوجب حقا للغير كالبيع ولو بشرط الخيار للمشتري لخلوص الحق فيه للمشتري وقوله كالبيع المطلق إنما يريد به المطلق عن شرط الخيار للبائع لأن به لا يخرج المبيع عن ملكه وكالهبة مع التسليم والرهن والإجارة يبطل خيار الرؤية سواء وجدت بعد الرؤية أو قبلها لأن هذه الحقوق مانعة من الفسخ وإذا تعذر الفسخ شرعا بطل الخيار ووجب تقدير قيد في الحديث فيكون قوله صلى الله عليه وسلم له الخيار إذا رآه مقيدا بما إذا لم يوجب منوجب شرعي عدمه إذا رآه وحاصله تقدير مخصص بالعقل وإن كان تصرفا لا يوجب حقا للغير كالبيع بشرط الخيار للبائع والمساومة وهبته بلا تسليم لا يبلطه قبل الرؤية لأنه لو أبطل الخيار كان باعتبار دلالته على
____________________
(6/341)
الرضا وصريح الرضا قبل الرؤية لا يبطل الخيار فبدلالته أولى ويبطله بعد الرؤية لوجود دلالة الرضا ولما كان قوله وما يبطل خيار الشرط يبطله مقيدا بالتفصيل المذكور سقط الإعتراض بالأخذ بالشفعة وبالعرض على البيع فإنهما إذا وجدا من المشتري الذي له خيار الشرط يبطل خياره ولا يبطل بهما خيار الرؤية بل له أن يأخذ بالشفعة ثم يرد الدار عند الرؤية لما ذكرنا من أن دلالة الرضا لا تعمل في إسقاط خيار الرؤية قبل الرؤية ثم في التصرف الذي تعلق فيه حق الغير لو عاد إلى ملكه برد بقضاء أو بفك الرهن أو فسخ الإجارة قبل الرؤية ثم رآه لا خيار له لأنه سقط فلا يعود إلا بسبب جديد إلا في رواية عن أبي يوسف وثبوت الخيار له بظاهر النصر تقدم وجوب تخصيصه فكانت هذه الرؤية الكائنة بعد العود من محال التخصيص ومما يسقط خيار الرؤية أن يقبضه إذا رآه لدلالة القبض بعد الرؤية على الرضا به قوله ومن نظر إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطويا أو إلى وجه الجارية الخ وشرعا وإلا لجاز أن ينظر إلى عورة العبد والأمة اللذين يريد أن يشتريهما ولزم في صحة بيع الصبرة النظر إلى كل حبة منها ولا قائل بذلك فيكتفي برؤية ما هو المقصود فإذا رآه جعل غير المرئي تبعا للمرئي فإذا سقط الخيار في الأصل سقط في التبع إذا عرف هذا انبنى عليه أن من نظر إلى وجه الجارية أو العبد ثم اشتراه فرأى الباقي فلا خيار له فليس له رده بخيار الرؤية بخلاف ما لو رأى بطنهما أو ظهرهما وسائر أعضائهما إلا الوجه فإذن له الخيار إذا رأى وجههما لأن سائر الأعضاء في الإماء والعبيد تبع للوجه ولذا تتفاوت القيمة إذا فرض تفاوت الوجه مع تساوي سائر الأعضاء وفي الدواب يعتبر رؤية الوجه والكفل لأنهما المقصودان فيسقط برؤيتهما ولا
____________________
(6/342)
يسقط برؤية غيرهما منها وهو المروي عن أبي يوسف وقيل لا يسقط ما لم ير قوائمها ونقل صاحب الأجناس عن المجرد عن أبي حنيفة في الدابة إذا رأى عنقها أو ساقها أو فخذها أو جنبها أو صدرها ليس له خيار الرؤية وإن رأى حوافرها أو ناصيتها فله الخيار وعن محمد يكفي الوجه اعتبارا بالعبد وفي رواية المعلى عن أبي حنيفة يعتب رفي الدواب عرف التجار فإن دخل في البيع أشياء فإن كانت الآحاد لا تتفاوت كالمكيل والموزون وعلامته أي علامة ما لا يتفاوت آحاده أن يعرض بالنموذج فيكتفي برؤية واحد منها في سقوط الخيار إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى حينئذ يكون له الخيار يعني خيار العيب لا خيار الرؤية ذكره في الينابيع وفي الكافي إذا كان أردأ له الخيار لأنه إنما رضى بالصفقة التي رآها لا بغيرها وهذا التعليل يفيد أنه خيار الرؤية وهو مقتضي سوق كلام المصنف والتحقيق أنه في بعض الصور خيار عيب وهو ما إذا كان اختلاف الباقي يوصله إلى حد العيب وخيار رؤية إذا كان الإختلاف لا يوصله إلى اسم المعيب بل الدون وقد يجتمعان فيما إذا اشترى ما لم يره فلم يقبضه حتى ذكر له البائع به عيبا ثم أراه المبيع في الحال وإن كانت آحاده متفاوتة كالثياب والدواب والعبيد فلا بد من رؤية كل واحد لكن على الوجه الذي ذكرنا أعني رؤية ما هو المقصود من كل واحد والجوز والبيض من هذا القبيل فيما ذكر الكرخي قال المصنف وكان ينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير لكونها متقاربة وبه صرح في المحيط وفي المجرد هو الأصح ثم السقوط برؤية البعض في المكيل إذا كان في وعاء واحد أما إذا كان في وعاءين أو أكثر اختلفوا فمشايخ العراق على أن رؤية أحدهما كرؤية الكل ومشايخ بلخ لا يكفي بل لا بد من رؤية كل وعاء والصحيح أنه يبطل برؤية العبض لأنه يعرف حال الباقي هذا إذا ظهر له أن ما في الوعاء الآخر مثله أو أجود أما إذا كان أردأ فهو على خياره وإن كان مما يتفاوت آحاده كالبطاطيخ والرمان فلا يكفي رؤية بعضها في سقوط خياره في الباقي ولو قال رضيت وأسقط خياري وفي شراء الرحى
____________________
(6/343)
بآلاته لا بد من رؤية الكل وكذا السرج بأداته ولبده لابد من رؤية الكل وفي شاة اللحم لا بد من الجس باليد فلا يكتفى بالرؤية ما لم يجسها لأن المقصود اللحم وفي شاة القنية لا بد من رؤية الضرع وفيما يطعم لا بد من الذوق لأن ذلك هو المعرف للمقصود فلا يسقط الخيار بدون ذلك وكذا إذا رأى وجه الثوب مطويا لأن البادي يعرف ما في الطي فلو شرط فتحه لتضرر البائع بتكسر ثوبه ونقصان بهجته وبذلك ينقص ثمنه عليه اللهم إلا أن يكون له وجهان فلا بد من رؤية كلا الوجهين أو يكون في طيه ما يقصد بالرؤية كالعلم ثم قيل هذا في عرفهم أما في عرفنا فما لم ير باطن الثوب لا يسقط خياره لأنه استقر اختلاف الباطن والظاهر في الثياب وهو قول زفر وفي المبسوط الجواب على قول زفر وفي البساط لا بد من رؤية جميعه ولو نظر إلى ظهور المكاعب لا يبطل خياره ولونظر إلى وجهها دون الصرم يبطل قيل وينبغي أن ينظر إلى الصرم في زماننا لتفاوته وكونه مقصودا وفي الجبة لا يبطل خياره برؤية باطنها ويبطل برؤية ظاهرها إلا إذا كانت البطانة مقصودة بأن كان فيها فرو وأما الوسادة المحشوة إذا رأى ظاهرها فإن كانت محشوة مما يحشى بها مثلها يبطل خياره وإن كان ممن لا يحشى به مثلها فله الخيار هذا إذا كان المبيع واحدا قوله وإن رأى صحن الدار فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها وكذا إذا رأى خارج الدار ورأى أشجار البستان من خارج لأن النظر إلى جميع أجزائها متعذر إذ لا يمكن النظر إلى ما تحت السرر وإلى ما بين الحيطان من الجذوع فيكتفي برؤية المقصود منها وعند زفر لا بد من دخول البيوت والأصح أن جواب الكتاب على وفق عادتهم في الأبنية في الكوفة فإن دورهم لم تكن متفاوتة وأما في ديارنا فلا بد من الدخول داخل الدار كما قال زفر لتفاوت الدور بكثرة
____________________
(6/344)
المرافق وقلتها فلا يصير معلوما بالنظر إلى صحنها وهو الصحيح وهذا لا يفيد إلا أن يقال وكل من ذلك مقصود وعلى هذا ما ذكرنا من أنه لا يشترط رؤية العلو إلا في بلد يكون العلو مقصودا كما في سمرقند ولا يشترط رؤية المطبخ والمزبلة على خلاف بلادنا بديار مصر وشرط بعضهم رؤية الكل وهو الأظهر والأشبه كما قال الشافعي وهو المعتبر في ديار مصر والشام والعراق وأما ما ذكر في الأشجار من الاكتفاء برؤية رءوس الأشجار أو رؤية خارجة فقد أنكر بعض المشايخ هذه الرواية وقال المقصود من البستان باطنه فلا يكتفى برؤية ظاهره وفي جامع قاضيخان لا يكتفى برؤية الخارج ورؤوس الأشجار انتهى وفي الكرم لا بد من رؤية عنب الكرم من كل نوع شيئا وفي الرمان لا بد من رؤية الحلو والحامض ولو اشترى دهنا في زجاجة فرؤيته من خارج الزجاجة لا تكفى حتى يصبه في كفه عند أبي حنيفة لأنه لم ير الدهن حقيقة لوجود الحائل وعن محمد يكفي لأن الزجاج لا يخفى صورة الدهن وروى هشام أن قول محمد وافق لقول أبي حنيفة وفي التحفة لو نظر في المرآة فرأى المبيع قالوا لا يسقط خياره لأنه ما رأى عينه بل مثاله ولو اشترى سمكا في الماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء قال بعضهم يسقط خياره لأنه رأى عين المبيع وقال بعضهم لا يسقط وهو الصحيح لأن المبيع لا يرى في الماء على حاله بل يرى أكبر مما هو فهذه الرؤية لا تعرف المبيع وأما إذا كان المبيع مغيبا في الأرض كالجزر والبصل والثوم والفجل ونحوها لم يذكر في ظاهر الرواية وروى بشر عن أبي يوسف إن كان شيئا يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والبصل والزعفران والسلجم إن باعه بعد ما نبت نباتا يفهم به وجوده تحت الأرض جاز البيع فإن قلع البعض هل يثبت له الخيار حتى إذا رضى به يلزم البيع في الكل إن قلع البائع أو المشترى بإذن البائع يثبت له الخيار فلو رضى به لزم البيع في الكل لما عرف أن رؤية بعض المكيل أو الموزون كرؤية الكل وإن قلعه المشتري بغير إذنه إن كان المقلوع شيئا له ثمن بطل خياره في الكل فلم يكن له أن يرده رضى بالمقلوع أو لم يرض وجد في ناحية من الأرض أقل منه أو لم يوجد لأن بالقلع صار المقلوع معيبا لأنه كان حيا ينمو وبعده صار مواتا والتعيب في يد المشتري يمنع الرد بخيار الرؤية وإن كان المقلوع شيئا لا ثمن له لا يبطل خياره لأن وجوده كعدمه وإن كان شيئا يباع عددا إن قلعه البائع أو المشتري بإذنه له الخيار في الباقي حتى لو رضى به لا يلزم البيع في الكل لأنه عددى متفاوت فرؤية بعضه لا تكون كرؤية كله وإن قلعة المشتري بغير إذن البائع بطل خياره وقد حكى فيه خلاف بين أبي حينفة وبينهما فما ذكرنا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رؤية بعضه كرؤية كله وجعلاه كالمكيل والموزون والعددي المتقارب لأن ببعضها يستدل في العادة على الكل وان اختلف البائع والمشتري في القلع فقال الشمتري أخاف إن قلعته لا يصلح لي ولا أقدر على الرد وقال البائع لو قلعته فقد لا ترضى يتطوع إنسان بالقلع فإن تشاحا فسخ القاضي العقد بينهما قوله ونظر الوكيل إلى المبيع مكشوفا يعني الوكيل بالقبض كما فسره المصنف وهو من يقول له الموكل وكلتك بقبضه أو كن وكيلا عني بقبضه كنظر المشتري حتى لا يرده المشتري بعد قبض الوكيل ورؤيته إلا من عيب ولا يكون نظر الرسول كنظر المرسل والرسول هو من يقول له المشتري قل لفلان يدفع إليك المبيع أو أنت رسولي إليه في قبضه
____________________
(6/345)
أو أرسلتك لقبضة أو أمرتك بقبضه وعلى هذا إذا قال اذهب فاقبضه يكون رسولا لا وكيلا لأنه من ما صدقات أمرتك وقد قيل لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الأمر بأن قال اقبض المبيع فلا يسقط الخيار ومنهم من حكى هذا القول فيما إذا قال أمرتك بمادة ألف ميم راء وهذا عند أبي حنيفة وقالا هما يعني الرسول والوكيل بالقبض سواء فيرد الموكل الذي له الخيار ما قبضه وكيله كما يرد ما قبضه رسوله فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع لهما أنه توكل أي قبل الوكالة بالقبض دون إسقاط الخيار فلا يملك ما لم يتوكل به وإذا لم يملكه لا يثبت عن فعله وصار كخيار العيب والشرط بأن اشترى معيبا لم ير عيبه ثم وكل بقبضه فقبضه الوكيل وهو يرى عيبه لا يسقط خيار العيب للموكل وكذا إذا وكل في قبض ما اشتراه بشرط الخيار فقبضه الوكيل لا يسقط خيار الشرط و صار أيضا كالإسقاط قصدا بأن قبضه الوكيل بالقبض مستورا ثم رآه فأسقط الخيار قصدا لا يسقط وله أن القبض على نوعين قبض تام وهو أن يقبضه وهو يراه وإنما كان هذا قبضا تاما لأن خيار الرؤية يبطل بهذا القبض وبقاء خيار الرؤية يمنع تمام القبض فلما بطل بهذا القبض من المشتري كان هذا القبض تاما وناقض وهو أن يقبضه مستورا وإذا كان كذلك كان القبض مع الرؤية متضمنا لسقوط خيار الرؤية لاستلزمه تمام الصفقة ولا يتم دونه ثم الموكل ملك القبض بنوعيه فكذا وكيله لإطلاق التوكيل بخلاف
____________________
(6/346)
ما إذا أسقط الخيار قصدا بأن قبضه مستورا ثم رآه فأسقط الخيار لأن بقبضه مستورا انتهى التوكيل بالقبض الناقص فلا يملك الوكيل بعد ذلك إسقاطه لانتفاء ولايته ونقض بمسئلتين لم يقم الوكيل مقام الموكل فيهما إحداهما أن الوكيل لو رأى قبل القبض لم يسقط برؤيته الخيار والموكل لو رأى ولم يقبض يسقط خياره والثانية لو قبضه الموكل مستورا ثم رآه بعد القبض فأبطل الخيار بطل والوكيل لو فعل ذلك لم يبطل وأجيب بأن سقوط الخيار بقبض الوكيل إنما يثبت ضمنا لتمام قبضه بسبب ولايته بالوكالة وليس هذا ثابتا في مجرد رؤيته قبل القبض ونقول بل الحكم المذكور للموكل وهو سقوط خياره إذا رآه إنما يتأتى على القول بأن مجرد مضي ما يتمكن به من الفسخ بعد الرؤية يسقط الخيار وليس هو بالصحيح وبعين الجواب الأول يقع الفرق في المسئلة الثانية لأنه لم يثبت ضمنا للقبض الصحيح بل ثبت بعد انتهاء الوكالة بالقبض الناقص وقوله بخلاف خيار العيب لأنه يثبت مع تمام الصفقة لأنه لم يشرع لتتميم القبض بل لتسليم الجزء الفائت ضمن القبض مع بقاء الخيار ولذا كان له أن يرد المعيب وحده فيما إذا اشترى شيئين وقوله في الكتاب إلا من عيب قال فخر الإسلام يحتمل
____________________
(6/347)
إلا من عيب لم يعلمه الوكيل فإن كان علمه يجب أن يبطل خيار العيب كذا ذكره الفقيه أبو جعفر ولم يسلم مسئلة خيار العيب والصواب عندنا أن لا يملك الوكيل بالقبض إبطال خيار العيب فيكون معناه علم أو لم يعلم وقوله وخيار الشرط عل هذا الخلاف الخ يعني وخيار الشرط لا نص فيه فلنا أن نمنعه فيكون على الخلاف ذكره القدوري وهو رواية الهندواني لأن القبض التام لا يحصل بخيار الشرط لأن وجوده يجيز الفسخ فلا يتم القبض مع ذلك كخيار الرؤية بعينه ولئن سلم أنه لا يبطل بالقبض التام وهو الأصح فالموكل لا يملك التام منه فإذا فرضنا أن التام لا يكون معه خيار الفسخ فلا يملكه الوكيل بخلاف الرسول بالبيع والشراء فإنه لا يملك شيئا من القبض لا التام والا الناقص لأنه لم يؤمر بالقبض بل بأداء الرسالة ولذا لا يملك التسليم أيضا وصور الإرسال في البيع تقدمت أوائل كتاب البيوع وصورتها بالشراء أن يقول قل لفلان إني اشتريت منك كذا وكذا بمعين كذا وكذا قوله وبيع الأعمى وشراؤه جائز باتفاق الائمة الثلاثة وقال الشافعي لا يجوز إلا في السلم والشراء يمد في لغة الحجاز ويقصر لأهل نجد وله الخيار إذا اشترى لأنه اشترى ما لم يره فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه وقد قررناه من قبل في أول الباب ولأن الناس تعارفوا معاملة العميان بيعا وشراء والتعارف بلا نكير أصل في الشرع بمنزلة إجماع المسلمين ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف بالجس كالشاة ويشمه إذا كان يعرف بالشم كالطيب وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق كالعسل وقوله كما في البصير ظاهر في أن البصير إذا لم ير المبيع ولكن شمه فقط وهو مما يعرف بالشم كالمسك ونحوه فرضى به ثم رأى فلا خيار له ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له
____________________
(6/348)
في جامع العتابي هو أن يوقف في مكان لو كان بصيرا لرآه ثم يذكر له صفته ولا يخفى أن إيقافه في ذلك المكان ليس بشرط في صحة الوصف وسقوط الخيار به فلذا لم يذكره في المبسوط واكتفى بذكر الوصف لأن الوصف قد أقيم مقام الرؤية كما في السلم وممن أنكره الكرخي وقال وقوفه في ذلك الموضع وغيره سواء في أنه لا يستفيد به علما وعن أبي يوسف أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا لرأى العقار وقال رضيت سقط خياره لأن التشبه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة للأخرس وإجراء الموسى على رأس من لا شعر له في الإحلال من الإحرام ولا يخفى ضعفه لأن العجز لا يتحقق إلا بتحقق العجز عن الوصف فإن القائم مقام الشيء بمنزلته وقد ثبت شرعا اعتباره بمنزلته في السلم ووجوب إجراء الموسى مختلف فيه وكذا التحريك غير لازم للأمي وعن أبي يوسف أيضا أنه اعتبر الوصف في غير العقار أيضا ولم يعتبر الشم ولا الذوق والجس لأن الوصف يقوم مقام الرؤية كما ذكرنا وقال مشايخ بلخ يمس الحيطان والأشجار فإذا قال رضيت سقط خياره لأن الأعمى إذا كان ذكيا يقف على مقصوده بذلك وهورواية بشر وابن سماعة في الدار وفي رواية هشام عن محمد أنه يعتبر الوصف مع كل من الذوق واللمس والجس لأن التعريف الكامل في حقه يثبت بهذا إلا فيما لا يمكن جسه كالثمر على رءوس الشجر فيعتبر فيه الوصف لا غير في أشهر الروايات وهو المروي عن أبي يوسف ومحمد في شرح الجامع الصغير لأبي الليث وقال الحسن يوكل وكيلا يقبضه وهو يراه فيسقط بذلك خياره قال المصنف وهذا أشبه بقول أبي حنيفة حيث جعل رؤية الوكيل رؤية الموكل ولو وصف
____________________
(6/349)
للأعمى ثم أبصر لا خيار له لأن خياره سقط فلا يعود إلا بسبب جديد ولو اشترى البصير ثم عمى انتقل الخيار إلى الوصف قوله ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما لأن رؤية أحدهما ليست رؤية للآخر للتفاوت في الثياب فيبقى الخيار فيما لم يره فله رده بحكم الخيار ثم لا يتمكن من رده وحده فيردهما إن شاء كي لا يكون تفريقا للصفقة على البائع قبل التمام وهذا لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده كخيار الشرط بدليل أن له أن يفسخه بغير قضاء ولا رضا ويكون فسخا من الأصل لعدم تحقق الرضا
____________________
(6/350)
قبله لعدم العلم بصفات المبيع ولذا لا يحتاج إلى القضاء والرضا فإن قيل ما الفرق بين هذا وبين ما إذا استحق أحدهما لا يرد الباقي وهنا وفي خيار الشرط يرد الآخر إذا رد أحدهما بعد القبض أجيب أن رد أحدهما خيار الرؤية والشرط يوجب تفريق الصفقة قبل التمام لما علم أن الصفقة لا تتم معهما وفي الاستحقاق لو رد كان بعد التمام لأن الصفقة تمت فيما كان ملك البائع ظاهرا فلم يثبت في الباقي عيب الشركة حتى لو كان المبيع عبدا واحدا فاستحق بعضه كان له أن يرد الباقي أيضا كما في خيار الرؤية والشرط لأن الشركة في الأعيان المجتمعة عيب والمشتري لم يرض بهذا العيب في فصل الاستحقاق ولو كان قبض أحدهما ولم يقبض الآخر ثم استحق أحدهما له الخيار لتفرقها قبل التمام ولو كان المبيع مكيلا أو موزونا فاستحق بعضه بعد القبض لا يخير لأن الشركة ليست بعيب فيه ولو استحق قبل القبض يخير لتفريق الصفقة قبل التمام ولو وجد بأحدهما عيبا في مسئلة الكتاب قبل القبض ليس له أن يرده وحده لتفرق الصفقة قبل التمام لأنها لا تتم قبل القبض هذا والمعنى في تفريق الصفقة قبل التمام وجوازها بعده لدفع الضرر الأكبر وذلك أن في تفريقها ثبوت ضررين دائما غير أنه قبل التمام يكون ضرر البائع أكثر فإنه ضرر مال فإنه قد لا يروج أحدهما إلا بالآخر لجودة أحدهما ورداءه الآخر وهو فوق ضرر المشترى فإن ضرره ليس إلا ببطلان مجرد قوله إذا ألزمناه ردهما وبعد القبض ضرر المشتري أكثر لأنه متى رد الكل يبطل حقه عن اليد وضرر البائع موهوم إذ قد يبيع المردود بثمن جيد فعملنا بدفع أعلى الضررين فيهما قوله ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره لأنه لا يجري فيه الإرث على ما ذكرنا من الوجه في خيار الشرط وتقدم أن خيار الشرط والرؤية لا يورثان وخيار العيب والتعيين يورثان بالاتفاق قوله ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة فإن وجده على الصفة التي رآه عليها فلا خيار له لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة فلم
____________________
(6/351)
يتناوله قوله صلى الله عليه وسلم من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه لأنه بإطلاقه يتناول الرؤية عند العقد وقبله إلا إذا كان المشتري لا يعلمه مرئية أي لا يعلم أن المبيع كما قد رآه فيما مضى كأن رأى جارية ثم اشترى جارية منتقبة لا يعلم أنها التي كان رآها ثم ظهر إياها كان له الخيار لعدم ما يوجب الحكم عليه بالرضا أو رأى ثوبا فلف في ثوب وبيع فاشتراه وهو لا يعلم أنه ذلك وإن وجده متغيرا عن الحالة التي كان رآه عليها فله الخيار لأن تلك الرؤية لم تقع معلمة بأوصافه فكانت رؤيته وعدمها سواء فإن اختلفا في التغير فقال البائع لم يتغير وقال المشتري تغير فالقول للبائع لأن دعوى التغير بعد ظهور سبب لزوم العقد وهو رؤية ما يدل على المقصود من البيع دعوى أمر حادث بعده والأصل عدمه فلا تقبل إلا ببينة بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية فقال البائع رأيته وقال المشتري لم أره فالقول للمشتري مع يمنيه لأن البائع يدعى أمرا عارضا هو العلم بصفته والمشتري ينكره فالقول له وكذا لو أراد أن يرده فقال البائع ليس هذا الذي بعكته وقال المشتري بل هو هو القول للمشتري سواء كان ذلك في بيع بات أو فيه خيار الشرط أو الرؤية ولقائل أن يقول الغالب في البياعات كون المشترين رأوا المبيع فدعوى البائع رؤية المشتري تمسك بالظاهر لأن الغالب هو الظاهر والمذهب أن يقول لمن يشهد له الظاهر لا لمن يتمسك بالأصل إلا إن لم يعارضه ظاهر فالوجه أن يكون القول للبائع في الرؤية بخلاف ما إذا كان له خيار العيب فإن القول للبائع في أنه غير المبيع مع يمينه وهذا لأن المشتري في الخيارين ينفسخ العقد بفسخه بلا توقف على رضا الآخر بل على علمه على الخلاف وإذا انفسخ يكون الاختلاف بعد ذلك اختلافا في المقبوض فالقول فيه قول القابض ضمينا كان أو أمينا كالغاصب والمودع بخلاف الفسخ بالعيب لا ينفرد المشتري بفسخه ولكنه يدعى ثبوت حق الفسخ في الذي أحضره والبائع ينكره
____________________
(6/352)
وقوله إلا إذا بعدت المدة استثناء من قوله القول قول البائع أي إلا في صورة ما إذا في صورة ما إذا طالت المدة على ما قالوا أى المشايخ لأن الظاهر شاهد للمشتري إذ أنه لا يبقى الشيء في دار التغير وهي الدنيا زمانا طويلا لم يطرقه تغير قال محمد رحمه الله تعالى أرأيت لو رأى جارية ثم اشتراها بعد عشر سنين أو عشرين سنة وقال تغيرت أن لا يصدق بل يصدق لأن الظاهر شاهد له قال شمس الائمة وبه أفتى الصدر الشهيد والإمام المرغيناني فنقول إن كان لا يتفاوت في تلك المدة غالبا فالقول للبائع وإن كان التفاوت غالبا فالقول للمشترى مثاله لو رأى دابة أو مملوكا فاشتراه بعد شهر وقال تغير فالقول للبائع لأن الشهر في مثله قليل قوله ومن اشترى عدل زطي لم يره وقبضه فباع ثوبا منه أووهبه ثم رأى الباقي ليس له أن يرد شيئا منها إلا من عيب وكذا لو اشتري العدل المذكور على أن له الخيار ثلاثة أيام وهو شرط الخيار والباقي بحاله أعنى فباع بعضها أو وهبه سقط خياره في الباقي وليس له أن يرد بخيار الشرط بل إن طلع على عيب وهذا لأنه تعذر الرد فيما أخرجه عن ملكه فلو رد الباقي فقط كان تفريقا للصفقة على البائع قبل التمام لما مر من أن قيام خيار الرؤية والشرط يمنع تمامها وإن كان بعد القبض بخلاف خيار العيب فإن الصفقة تتم معه بعد القبض وفيه أي في المقبوض وضع المسئلة لأنها لو لم تكن مقيدة به لم تصح صورتها إذ لا يصح بيع ما لم يقبض وهبته ولأنه لو كان قبل القبض كانت الخيارات كلها سواء وهو أنه لا يرد أحدهما بل يردهما بخيار الرؤية إن شاء فلا يصح حينئذ قوله إلا من عيب لأنه إذا اشترى شيئين ولم يقبضهما حتى وجد بأحدهما عيبا لا يرد المعيب خاصة بل يردهما إن شاء لا يقال في عدم رد الباقي عند رؤيته ترك العمل بحديث الخيار لحديث النهي عن تفريق الصفقة مع أنه متروك الظاهر فإن تفريقها جائز بعد تمامها وحديث الخيار أقوى قلنا لم نقل بعدم رده مطلقا بل قلنا إذا رده يرد معه الآخر فزدنا شرطا في الرد
____________________
(6/353)
عملا بحديث الصفقة لنكون عاملين بالحديثين معا جمعا بينهما والعدل المثل والمراد هنا الغرارة التي هي عدل غرارة أخرى على الجمل أو نحوه أي يعادلها وفيها أثواب والزط في المغرب جيل من الهند تنسب إليهم الثياب الزطية وقيل جيل بسواد العراق وذكر الضمير في قوله فباع منه على لفظ العدل ثم أنثه في قوله لم يرد شيئا منها على معناه فكان نظير قوله تعالى { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون } هذا ولو عاد الثوب الذي باعه من العدل أو وهبه إلى المشتري بسبب هو فسخ محض كالرد بخيار الرؤية أو الشرط أو العيب بالقضاء أو الرجوع في الهبة فهو أي المشتري للعدل على خياره أي خيار الرؤية فله أن يرد الكل حينئذ بخيار الرؤية لارتفاع المانع من الأصل وهو تفريق الصفقة كذا ذكره شمس الائمة السرخسي وعن أبي يوسف وهو رواية على بن الجعد عنه أنه أي خيار الرؤية لا يعود لأن الساقط لا يعود كخيار الشرط إلا بسبب جديد وصححه قاضيخان وعليه اعتمد القدوري وحقيقة الملحظ مختلف فشمس الائمة لحظ البيع والهبة مانعا زال فيعمل المقتضى وهو خيار الرؤية عمله ولحظ على هذه الرواية مسقطا وإذا سقط لا يعود بلا سبب وهذا أوجه لأن نفس هذا التصرف يدل على الرضا ويبطل الخيار قبل الرؤية وبعدها والله الموفق & باب خيار العيب
تقدم وجه ترتيب الخيارات والإضافة في خيار العيب إضافة الشيء إلى سببه والعيب والعيبة والعاب بمعنى واحد يقال عاب المتاع أي صار ذا عيب وعابه زيد يتعدى ولا يتعدى فهو معيب ومعيوب أيضا على
____________________
(6/354)
الأصل والعيب ما تخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد به ناقصا قوله وإذا اطلع المشتري على عيب في المبيع ولم يكن شرط البراءة من كل عيب فهو بالخيار إن شاء أخذ ذلك المبيع بجميع الثمن وإن شاء رده هذا إذا لم يتمكن من إزالته بلا مشقة فإن تمكن فلا كإحرام الجارية فإنه بسبيل من تحليلها ونجاسة الثوب وينبغي حمله على ثوب لا يفسد بالغسل ولا ينتقص وإنما ثبت له هذا الخيار لأن مطلق العقد وهو مالم يشرط فيه عيب يقتضى وصف السلامة فعند فواته يتخير بيان الأول من المنقول والمعنى أما المنقول فما علقه البخاري حيث قال ويذكر عن العداء بن خالد قال كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم من المسلم عبدا لاداء ولا خبثة ولا غائلة ثم قال البخاري وقال قتادة الغائلة الزنا والسرقة والإباق وروى ابن شاهين في المعجم عن أبيه قال حدثنا عبد العزيز بن معاوية القرشي قال حدثنا عباد بن ليث قال حدثنا عبد الحميد بن وهب أبو وهب قال قال لي العداء بن خالد بن هوذة ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت بلى فأخرج لي كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم ففي هذا أن المشتري العداء وفي الأول أنه النبي صلى الله عليه وسلم وصحح في المغرب أن المشتري كان العداء وتعليق البخاري إنما يكون صحيحا إذا لم يكن بصيغة التمريض كيذكر بل بنحو قوله وقال معاذ لأهل اليمن ففي قوله عليه الصلاة والسلام بيع المسلم المسلم دليل على أن بيع المسلم المسلم ما كان سليما ويدل عليه قضاؤه عليه الصلاة والسلام بالرد فيه على ما في سنن ابي داود بسنده إلى عائشة أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان وفسر الخطابي الداء بما يكون بالرقيق من الأدواء التي يرد بها كالجنون والجذام ونحوها والخبثة ما كان خبيث الأصل مثل أن يسبي من له عهد يقال هذا سبي خبثة إذا كان ممن يحرم سبيه وهذا سبي طيبة بوزن خيرة ضده ومعنى الغائلة ما يغتال حقك من حيلة وما يدلس عليك
____________________
(6/355)
في المبيع من عيب وتفسيره للداء يوافق تفسير أبي يوسف له وأما أبو حنيفة ففسره فيما رواه الحسن عنه بالمرض في الجوف والكبد والرئة وفسر أبو يوسف الغائلة بما يكون من قبيل الأفعال كالإباق والسرقة وهو قول الزمخشري الغائلة الخصلة التي تغول المال أي تهلكه من إباق وغيره والخبثة هو الاستحقاق وقيل هو الجنون وأما المعنى فلأن السلامة لما كانت هي الأصل في المخلوق انصرف مطلق العقد إليها ولأن العادة أن القصد إلى ما هو متحقق من كل وجه لأن دفع الحاجة على التمام به يكون والناقص معدوم من وجه فلا ينصرف إليه إلا بذكره وتعيينه ولما كان القصد إلى السالم هو الغالب صار كالمشروط فيتخير عند فقده كي لا يتضرر بإلزام ما لم يرض به قوله وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان أي نقصان العيب وبه قال الشافعي خلافا لأحمد لأن الخيار يثبت لدفع الضرر عن المشتري فلا يتحقق على وجه يوجب ضررا على الآخر من غير التزام له والبائع يلتزمه لأنه حين باعه بالمسمى لم يرض بزواله عن ملكه إلا به وإن كان معيبا وهذا لأن الظاهر معرفته بالعيب فأنزل عالما به لطول ممارسته له في مدة كونه في يده ولذا بعينه اتفق العلماء على أنه إذا باعه على أنه معيب فوجده سليما لا خيار له ولا يقال إنه ما رضى بالثمن المسمى إلا على اعتبار أنه معيب فلا يكون راضيا به حين وجده سليما لأنه أنزل عالما بوصف السلامة فيه فحيث باعه بالمسمى كان راضيا بالثمن على اعتباره سليما فلا يرجع بشيء كما جعل عالما بالعيب فأنزل غير راض فيه معيبا إلا بذلك الثمن فلا يرجع عليه بشيء بل يتخير في أخذه أو رده فإن بذلك يعتدل النظر من الجانبين في دفع ضرر لم يلتزمه واحد منهما به فهذا الوجه هو الأوجه وذكر المصنف قبل قوله ولأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن بمجرد العقد فليس له أن يأخذ في مقابله فواته شيئا وهذا لأن الثمن عين فإنما يقابله مثله والوصف دونه فإنه عرض لا يحرز بانفراده فلا يقابل به إلا تبعا لمعروضه غير منفرد عنه وقوله بمجرد العقد احتراز عما إذا صارت مقصودة بالتناول حقيقة كما لو ضرب البائع الدابة فتعيبت فإن الوصف حينئذ يفرد بالضمان ويتخير المشتري وكذا إذا قطع البائع يد المبيع قبل القبض فإنه يسقط نصف الثمن لأنه صار مقصودا بالتناول أو حكما بأن امتنع الرد لحق البائع
____________________
(6/356)
كأن تعيب عند المشتري بعيب آخر أو لحق الشرع بأن جنى جناية ولذا قلنا إن من اشترى بقرة فحلبها وشرب لبنها ثم ظهر له عيب لا يردها لأن تلك الزيادة التي أتلفها جزء مبيع لا أنها تبع محض
فرغ لو صالح المشتري البائع عن حق الرد بالعيب على مال يجوز وبه قال مالك والشافعي في وجه وفي وجه لا يجوز والاتفاق على عدمه في خيار الشرط والرؤية قوله وكل ما أوجب نقصان الثمن الذي اشترى به في عادة التجار فهو عيب وهذا ضابط العيب الذي يرد به وهذا لأن ثبوت الرد بالعيب لتضرر المشتري وما يوجب نقصان الثمن يتضرر به والمرجع في كونه عيبا أولا لأهل الخبرة بذلك وهم التجار أو أرباب الصنائع إن كان المبيع من المصنوعات وبهذا قالت الائمة الثلاثة وسواء كان ينقص العين أو لا ينقصها ولا ينقص منافعها بل مجرد النظر إليها كالظفر الأسود الصحيح القوي على العمل وكما في جارية تركية لا تعرف لسان الترك قوله والإباق والبول في الفراش والسرقة عيب في الصغير وقوله ما لم يبلغ بمعنى مدة عدم بلوغه يجري مجرى البدل من الصغير وإذا كان ذلك عيبا في الصغير فظهرت عند البائع ثم وجدت أيضا عند المشتري في الصغر أن يرده به ثم قال القدوري فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ وقد أعطى المصنف معنى هذه الجملة حيث قال ومعناه أي معنى قوله فإذا بلغ إلى آخره وحاصله أنه إذا ظهرت هذه الأشياء عند البائع في صغره ووجدت عند المشتري بعد البلوغ لم يرده به لأنه غير ذلك الذي كان عند البائع وبينه بأن سبب هذه
____________________
(6/357)
الأشياء يختلف بالصغر والكبر فالبول في الفراش للصغير لضعف المثانة وبعد الكبر لداء في الباطن والإباق في الصغر لحب اللعب والسرقة في الصغير لقلة المبالاة وهما بعد الكبر لخبث في الباطن فإذا اختلف سببها بعد البلوغ وقبله كان الموجود منها بعده غير الموجود منها قبله وإذا كان غيره فلا يرد به لأنه عيب حادث عنده بخلاف ما إذا ظهرت عند البائع والمشتري في الصغر أو ظهرت عندهما بعد البلوغ فإن له أن يرده بها وإذا عرف الحكم وجب أن يقرر اللفظ المذكور في المختصر وهو قوله فإذا بلغ فليس ذلك الذي كان قبله عند البائع بعيب إذا وجد بعده عند المشتري حتى يعاوده بعد البلوغ عند المشتري بعد ما وجد بعده عند البائع واكتفى بلفظ المعاودة لأن المعاودة لا تكون حقيقة إلا إذا اتحد الأمر لأنه لا يقال عاد زيد فيما إذا ابتدأ غيره فعرض تحقق المعاودة بعد البلوغ يوجب وجوده منه قبل البلوغ ايضا وإلا فلا معاودة وقوله ليس بعيب أي لا يرد به وقوله والمراد من الصغير إلى آخره تقييد للصغير الذي ذكر أنه إذا وجد منه شيء من هذه الأمور عند البائع والمشتري يرد بأن يكون صغيرا يعقل وأما الصغير الذي لا يعقل فهو إذا فقد ضال لا آبق وكذا لا يكون بوله وسرقته عيبا قال في الإيضاح السرقة والبول في الفراش قبل أن يأكل وحده ويشرب وحده ليس بعيب لأنه لا يعقل ما يفعل وبعد ذلك عيب ما دام صغيرا وكذا روى أبو يوسف في الأمالي عن أبي حنيفة وفي بعض المواضع ويستنجي وحده وإذا قدر بها حذو ما قدر به في الحضانة اقتضى أن يكون ابن سبع سنين إذا صدر منه ذلك لا يرد به لأنهم قدروا الذي يأكل وحده إلى آخره بذلك لكن وضع التصريح في غير موضع بتقديره بدون خمس سنين وفي الفوائد الظهيرية هنا مسئلة عجيبة هي أن من اشترى عبدا صغيرا فوجده يبول في الفراش كان له الرد ولو تعيب بعيب آخر عند المشتري كان له أن يرجع بالنقصان فإذا رجع به ثم كبر العبد هل للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب بالبلوغ لا رواية فيها قال وكان والدي يقول ينبغي أن يسترد استدلالا بمسئلتين إحداهما إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج كان له أن يردها ولو تعيبت بعيب آخر رجع بالنقصان فإذا رجع به ثم أبانها الزوج كان للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب فكذا فيما نحن فيه والثانية إذا اشترى عبدا فوجده مريضا كان له الرد ولو تعيب بعيب آخر رجع بالنقصان فإذا رجع ثم برىء بالمداواة لا يسترد وإلا
____________________
(6/358)
استرد والبلوغ هنا لا بالمداواة فينبغي أن يسترد انتهى وفي فتاوى قاضيخان اشترى جارية وادعى أنها لا تحيض واسترد بعض الثمن ثم حاضت قالوا إذا كان البائع أعطاه على وجه الصلح عن العيب كان للبائع أن يسترد ذلك وفيها أيضا اشترى عبدا وقبضه فحم عنده وكان يحم عند البائع قال الإمام أبو بكر محمد بن الفضل المسئلة محفوظة عن أصحابنا أنه إن حم في الوقت الذي كان يحم فيه عند البائع كان له أن يرده وفي غيره فلا فقيل له فلو اشترى أرضا فنزت عند المشترى وقد كانت تنز عند البائع قال له أن يرد لأن سبب النز واحد وهو تسفل الأرض وقرب الماء إلا أن يجيء ماء غالب أو كان المشتري رفع شيئا من ترابها فيكون النز غير ذلك أو يشتبه فلا يدري أنه عينه أو غيره قال القاضي الإمام يشكل بما في الزيادات اشترى جارية بيضاء إحدى العينين ولا يعلم ذلك فانجلى البياض عنده ثم عاد ليس له أن يرد وجعل الثاني غير الأول ولو اشترى جارية بيضاء إحدى العينين وهو يعلم ذلك فلم يقبضها حتى انجلى ثم عاد عند البائع ليس للمشتري الرد وجعل الثاني عين الأول الذي رضي به إذا كان الثاني عند البائع ولم يجعله عينه إذا عاد البياض عند المشتري وقال لا يرد ثم قال القاضي الإمام كنت اشاور شمس الائمة الحلواني وهو يشاور معي فيما كان مشكلا إذا اجتمعنا فشاورته في هذه المسئلة فما استفدت منه فرقا قوله والجنون عيب أبدا هذا لفظ محمد رحمه الله فلو جن في الصغر في يد البائع ثم عاوده في يد المشترى في الصغر أو في الكبر يرده لأنه عين الأول لأن السبب للجنون في حال الصغر والكبر متحد وهو فساد الباطن أي باطن الدماغ فهذا معنى لفظ أبدا المذكور في لفظ محمد وليس معناه أنه لا يشترط المعاودة للجنون في يد المشتري كما ذهب إليه طائفة من المشايخ فأثبتوا حق الرد بمجرد وجود الجنون عند البائع وإن لم يجن عند المشتري فهذا غلط لأن الله تعالى قادر على إزالته أي إزالة سببه وإن كان قلما يزول وقد حققنا كثيرا من النساء والرجال جنوا ثم عوفوا بالمداواة فإن لم يعاوده جاز كون البيع صدر بعد إزالة الله سبحانه وتعالى هذا الداء وزوال العيب فلا يرد بلا تحقق قيام العيب فلا بد من معاودة الجنون بالرد وهذا هو الصحيح وهو المذكور في الأصل والجامع الكبير واختاره الاسبيجابي قال محمد بعد قوله إذا جن مرة واحدة فهو عيب لازم أبدا بأسطر وإن طعن المشتري بإباق أو جنون ولا يعلم القاضي ذلك فإنه لا يستحلف البائع حتى يشهد شاهدان أنه قد أبق عند المشتري أو جن وصرح باشتراط المعاودة في الجنون وهذا بخلاف ما إذا ولدت الجارية عند البائع لا من البائع أو عند آخر فإنها ترد على رواية كتاب المضاربة وهو الصحيح وإن لم تلد ثانيا عند المشتري لأن الولادة عيب لازم لأن الضعف الذي حصل بالولادة لا يزول أبدا وعليه الفتوى وفي رواية كتاب البيوع
____________________
(6/359)
لا ترد وفي المحيط تكلموا في مقدار الجنون قيل هو عيب وإن كان ساعة وقيل إن كان أكثر من يوم وليلة فهو عيب ويوم وليلة فما دونه ليس بعيب وقيل المطبق عيب وما ليس بمطبق ليس بعيب والسرقة وإن كانت أقل من عشرة عيب وقيل ما دون الدرهم نحو فلس أو فلسين ونحوه ليس عيبا والعيب في السرقة لا فرق فيه بين كونه من المولى أو من غيره إلا في المأكولات فإن سرقتها لأجل الأكل من المولى ليست عيبا ومن غيره عيب وسرقتها للبيع من المولى وغيره عيب ونقب البيت عيب وإن لم يسرق منه وإباق ما دون السفر عيب بلا خلاف واختلفوا في أنه هل يشترط خروجه من البلد فقيل شرط فلو أبق من محلة إلى محلة لا يكون عيبا ومن القرية إلى مصر إباق وكذا على العكس ولو أبق من غاصبه إلى المولى فليس بعيب ولو أبق منه ولم يرجع إلى المولى ولا إلى الغاصب فإن كان يعرف منزل مولاه ويقوى على الرجوع إليه فهو عيب وإن لم يعرفه أو لا يقدر فلا قوله والدفر الخ هذه أربعة أشياء عيب في الجارية وليست عيبا في الغلام البخر والدفر والزنا وولد الزنا لأن الجارية قد يراد منها الاستفراش وهذه المعاني تمنع منه فكانت عيبا بخلاف الغلام فإنه للاستخدام خارج البيت وهذه ليست مانعة منه فلا يعد عيبا إلا إذا كان البخر والدفر من داء فيكون عيبا في الغلام أيضا لأن الداء عيب وفي فتاوى قاضيخان قال إلا أن يكون فاحشا لا يكون مثله في عامة الناس فيكون عيبا وعن أبي حنيفة الدفر ليس عيبا في الجارية أيضا إلا أن يفحش فيكون عيبا فيها دونه وقيل إذا كان العبد أمرد يكون البخر عيبا به والصحيح أنه لا فرق بين كونه أمرد وغيره والدفر نتن ريح الإبط يقال رجل أدفر وامرأة دفراء ومنه للسب يقال يا دفار معدول عن دافرة ويقال شممت دفر الشيء ودفره بسكون الفاء وفتحها كل ذلك والدال مهملة وأما بإعجام الدال فبفتح الفاء لا غير وهو حدة من طيب أو نتن وربما خص به الطيب فقيل مسك أذفر ذكره في الجمهرة وفيها وصفت امرأة من العرب شيخا فقالت ذهب ذفره وأقبل بخره قيل الروياة هنا والسماع بالدال غير المعجمة والبجر بالجيم عيب وهو انتفاخ تحت الرؤية السرة ومنه سمى بعض الناس أبجر وفي الصحابة غالب
____________________
(6/360)
ابن أبجر أو قلبه وسمى به فرس لعنترة وكذا الآدر وهو عظم الخصيتين والأذن عيب وهو من يسيل الماء من منخريه والبخر الذي هو عيب هو الناشىء من تغير المعدة دون ما يكون لقلح في الأسنان فإن ذلك يزول بتنظيفها ووجه كون الجارية ولد زنا عيبا بأنه يخل بالمقصود من طلب الولد لأنها إذا كانت ولد زنا عير الولد بأمه وقوله إلا أن يكون الزنا له عادة استثناء من قوله دون الغلام وقوله على ما قالوا يعني المشايخ لأن اتباعهن يخل بالخدمة إذ كلما وجه لحاجة اتبع هواه وقال قاضيخان لو كان الزنا منه مرارا كان عيبا لأنه يضعفه عن بعض الأعمال ويزداد بالحدود ضعفا في نفسه انتهى بل وفي عرضه وربما تأذى به عرض سيده ومن العيوب عدم الختان في الغلام والجارية المولودين البالغين بخلافهما في الصغيرين وفي الجليب من دار الحرب لا يكون عيبا مطلقا وفي الفتاوي قاضيخان وهذا عندهم يعني عدم الختان في الجارية المولدة أما عندنا عدم الخفض في الجواري لا يكون عيبا قوله والكفر عيب فيهما أي في الغلام والجارية لأن طبع المسلم ينفر عن صحبة الكافر للعداوة الدينيه وفي إلزامه به غابة الإضرار بالمسلم ولا يأمنه على الخدمة في الأمور
____________________
(6/361)
الدينية كاتخاذ ماء الوضوء وحمل المصحف إليه من مكان إلى مكان ولا يقدر على إعتاقه عن كفارة قتل خطإ فتقل رغبته والوجه هو الأول ولذا قلنا إنه لو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما لا يرده لأنه زائل العيب والنكاح والدين عيب في كل من الجارية والغلام وعند الشافعي تفصيل حسن في الدين وهو أنه إن كان دينا يتأخر إلى ما بعد العتق فلا خيار له يرده به كدين معاملة بأن اشترى شيئا بغير إذن المولى وإن كان في رقبته بأن جنى في يد البائع ولم يفده حتى باعه فله رده إلا أن يقال وبعد العتق قد يضره في نقصان ولائه وميراثه قوله وإذا كانت الجارية بالغة لا تحيض أو هي مستحاضة فهو عيب لأن انقطاع الحيض في أوانه واستمراره علامة الداء فكان الانقطاع والاستمرار دليلا على الداء والداء عيب وقد يتولد المرض من الانقطاع في أوانه بخلاف ما إذا كانت بسن الإياس فإن الانقطاع ليس عيبا حينئذ فحقيقته التعيب فيهما بالداء ولذا قال بعضهم إذا أراد أن يرد بعيب الانقطاع فلا يدعى الانقطاع بل ينبغي أن يدعى بأحد السببين من الحبل أو الداء حتى تسمع دعواه لأن الانقطاع بدونهما لا يعد عيبا والمرجع في الحبل إلى قول النساء وفي الداء قول الأطباء ولا يثبت العيب بقول الأطباء حتى تسمع الخصومة مع البائع إلا أن يتفق منهم عدلان بخلاف العيب الذي لا يطلع عليه إلا النساء فإنه يقبل في توجه الخصومة قول امرأة واحدة وكذا في الحبل وفي الكافي نص على الاكتفاء في المرض الباطن بقول طبيب عدل ولا يشترط العدد ولفظه الشهادة وهكذا نص عليه الشيخ أبو المعين في شرح الجامع الكبير وهو أوجه لأنه لتوجه الخصومة لا للرد وفي التحفة إذا كان العيب باطنا لا يعرفه إلا الخواص كالأطباء والنخاسين فإن اجتمع عليه مسلمان أو قاله مسلم عدل قبل ويثبت العيب في إثبات حق الخصومة وفي فتاوي قاضيخان إن أخبر بذلك واحد ثبت العيب في حق الخصومة والدعوى ثم يقول القاضي هل حدث عندك هذا العيب فإن قال نعم قضى عليه بالرد وإن أنكر ولا بينة له استحلف كما سنذكر ويعتبر في الارتفاع الموجب للعيب أقصى غاية البلوغ وهو أن يكون سنها سبع عشرة سنة عند أبي حنيفة ويعرف ذلك أي الارتفاع والاستمرار بقول الأمة لأنه لا طريق له إلا ذلك فإذا انضم إلى قولها نكول البائع إذا استحلف قبل القبض أو بعده في الصحيح ردت واحترز بقوله في الصحيح عما روى عن أبي يوسف أنها ترد قبل القبض بقولها مع شهادة القابلة وعما عن محمد إذا كانت الخصومة قبل القبض يفسخ بقول النساء
____________________
(6/362)
وجه الصحيح أن شهادتهن حجة ضعيفة فلا يحكم بها إلا بمؤيدو وهو نكول البائع ثم ذكر في النهاية في صفة الخصومة في ذلك أن المشري إذا ادعى انقطاع الحيض فالقاضي يسأله عن مدة الانقطاع فإن ذكر مدة قصيرة لا تسمع دعواه وإن ذكر مدة مديدة سمعت والمديدة روى عن أبي يوسف مقدرة بثلاثة أشهر وعن محمد بأربعة أشهر وعشر وعن أبي حنيفة وزفر بسنتين وما دون المديدة قصيرة فإن كان القاضي مجتهدا أخذ بما أدى إليه اجتهاده وإلا أخذ بما اتفق عليه أصحابنا وهو سنتان وإذا سمع الدعوى يسأل البائع أهي كما ذكر المشترى فإن قال نعم ردها على البائع بالتماس المشتري وإن قال هي كذلك للحال وما كانت كذلك عندي توجهت الخصومة على البائع لتصادقهما على قيامها للحال وإن طلب المشتري يمين البائع يحلف البائع فإن حلف برىء وإن نكل ردت عليه وإن شهد للمشتري شهود لا تقبل شهادتهم على الانقطاع وتقبل على الاستحاضة لأنها مما يمكن الاضطلاع عليه ولا يمكن على الانقطاع الذي يعد عيبا وإن أنكر البائع الانقطاع في الحال هل يستحلف عند أبي حنيفة لا وعندهما يستحلف وهذا ينبو عن تقرير الكتاب وإنما يوافق تقرير الهداية ما نقله صاحب النهاية بعد ما ذكر هذا ما ذكر عن فتاوي قاضيخان اشترى جارية فقبضها فلم تحض عند المشتري شهرا أو أربعين يوما قال القاضي الإمام ارتفاع الحيض عيب وأدناه شهر واحد إذا ارتفع هذا القدر عند المشتري كان له أن يرده إذا ثبت أنه كان عند البائع انتهى وهذا كما ترى لا يشترط ثلاثة اشهر ولا أكثر وينبغي أن يعول عليه وما تقدم خلاف بينهم في استبراء ممتدة الطهر فعند أبي حنيفة وهو قول زفر سنتان وعند أبي يوسف ثلاثة أشهر وهو قول لأبي حنيفة وعنه وهو قول محمد أربعة أشهر وعشر وفي رواية عن محمد شهران وخمسة أيام وعليه الفتوى والرواية هناك ليست واردة هنا لأن الحكم هناك يستدعي ذلك الاعتبار فإن الوطء ممنوع شرعا إلى الحيضة لاحتمال الحبل فيكون ساقيا ماؤه زرع غيره فقدره أبو حنيفة وزفر هناك بسنتين لأنه أكثر مدة الحمل فإذا مضتا ظهر انتفاؤه فجاز وطؤها وهو أقيس وقدره محمد وأبو حنيفة في رواية بأربعة أشهر وعشر لأنها اعتبرت عدة المتوفي عنها زوجها ولأن فيها يظهر الحبل غالبا لو كانت حاملا وقدره أبو يوسف بثلاثة أشهر لأنها جعلت عدة التي لا تحيض والحكم هنا ليس إلا كون الامتداد عيبا فلا يتجه إناطته بسنتين أو غيرها من المددلأن كونه عيبا باعتبار كونه يؤدي إلى الداء وطريقا إليه وذلك لا يتوقف على مضي مدة معينة مما ذكر وبما ذكرنا ظهر أنه لا يحتاج في دعوى الانقطاع للرد به إلى تعيين أنه عن حبل أو داء في الدعوى فإن كونه عيبا باعتبار كونه مفضيا إلى الداء لا لأنه لا يكون إلا عن داء يتقدم عليه فلذا لم يتعرض فقيه النفس قاضيخان لما ذكر من تعيين كون الانقطاع عن أحدهما بل إذا ادعى الانقطاع في أوانه فقد ادعى العيب ويكفي شهر واحد فإن به يتحقق الانقطاع في أوانه وهو العيب لأنه إن كان في الواقع مسببا عن داء فهو عيب وطريقا إليه فكذلك فيكفي في الخصومة ادعاء ارتفاعه فقط وهو الذي يجب أن يعول عليه وإلا فقلما يظهر للطبيب داء بممتدة الطهر وكثيرا ما يكون الممتد طهرها شهرين وثلاثة صحيحة لا يظهر بها داء وهذا هو ظاهر الهداية ألا ترى إلى قوله ويعرف ذلك بقول الأمة وكذا قال الإمام العتابي وغيره إنما يعرف ذلك عند المنازعة بقول الأمة لأنه لا يقف على ذلك غيرها فلو كان اعتقاده لزوم دعوى الداء أو الحبل في دعوى عيب الانقطاع لم يتصور أن يثبت بقولها حينئذ
____________________
(6/363)
توجه اليمين على البائع بل لا يرجع إلا إلى قول الأطباء أو النساء فظهر أن ما ذكر في النهاية من لزوم دعوى الداء أو الحبل في دعوى انقطاع الحيض ثم إنه يحتاج في توجه الخصومة إلى قول الأطباء أو النساء ليس تقرير ما في الكتاب بل ما ذكره مشايخ آخرون يغلب على الظن خطؤهم وكذا ما ذكر غيره من جعل هذه وزان المشتراة بكرا على قول أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا قال المشتري ليست بكرا وقال البائع بكر في الحال فإن القاضي يريها النساء فإن قلن هي بكر لزم المشتري من غير يمين البائع لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد هو أن الأصل البكارة وإن قلن هي ثيب لا يثبت حق الفسخ بشهادتهن فيحلف البائع لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر إن كان بعد القبض وإن كان قبله حلف أنها بكر غير موافق لأن العيب هنا يوجب حق الخصومة بمجرد قولها حتى يتوجه عليه اليمين ويقضي بالنكول على ما في الكتاب والعتابي وغيرهما وفي البكارة لا بد من رؤية النساء وكيف ولا طريق إلى استعلام الانقطاع إلا قولها بخلاف البكارة لها طريق تستعلم به فلا يرجع فيها إلى قولها وإذا عرف هذا فقول المصنف هو الصحيح إن كان احترازا عن قول أبي يوسف أنها ترد قبل القبض بقولها مع شهادة القابلة وما ذكرنا عن محمد فغير مناسب فإن ما عن أبي يوسف ومحمد في ذلك إنما هو في دعوى البكارة والرتق والقرن وقياس هذه عليها غير صحيح إذ لا يعرف ذلك إلا من النساء وقول النساء هنا إنها منقطعة الحيض غير معتبر وقد ذكروا أن الشهادة على الانقطاع الكائن عيبا لا تقبل إذ لا يطلع عليه وترتيب الخصومة على ما في الهداية وقاضيخان والعتابي وهو ما صححناه أن يدعى الانقطاع في الحال ووجوده عند البائع فإن اعترف البائع بهما ردت عليه وإن أنكر وجوده عنده واعترف بالانقطاع في الحال استخبرت الجارية فإن ذكرت أنها منقطعة اتجهت الخصومة فيحلفه بالله ما وجد عنده فإن نكل ردت عليه وهذا قول المصنف ترد إذا انضم إليه نكول البائع ولو اعترف بوجوده عنده وأنكر الانقطاع في الحال فاستخبرت فأنكرت الانقطاع والغرض أن لا تقبل عليه بينة والمشتري يدعيه فقد صرح في النهاية بما قدمناه من أنه إذا أنكر الانقطاع في الحال لا يستحلف عند أبي حنيفة ويستحلف عندهما ويجب كون الاستحلاف على العلم بالله ما يعلم أنها منقطعة عند المشتري فإن نكل اتجهت الخصومة وإن حلف تعذرت ولعمري قلما يحلف كذلك إلا وهو بار ومن اين له العلم بأنها عند المشتري لم تحض وكأن المذكور في النهاية مبني على ما ذكره هو في صورة الخصومة وأما على ما في الهداية فإن القول قولها في الانقطاع ويمكن أن يجري فيه ايضا وهذا تعداد للعيوب عدة الجارية عن طلاق رجعي عيب لا عن بائن والنكاح عيب فيهما وكثرة الخيلان وحمرة الشعر إذا فحشت بحيث يضرب إلى البياض وكذا الشمط في غير أوانه دليل الداء وفي أوانه دليل الكبر والعشا أن لا يبصر ليلا والسن الساقطة ضرسا أو غيره وسواده وسواد الظفر والعسر وهو أن يعمل بيساره ولا يستطيع العمل بيمينه بخلاف أعسر بسر وهو أن يعمل بهما معا فإنه زيادة حسن والقشم وهو يبوسة الجلد وتشنج في الأعضاء والغرب وهو ورم في الأماقي وربما يسيل منه شيء فيصير صاحبه كصاحب الجرح السائل والحول والحوص نوع منه والشتر وهو انقلاب الجفن وبه سمى الأشتر والظفر هو بياض يبدو في إنسان العين وجرب العين وغيرها والشعر والقبل في العين ومنه قول الشاعر يصف خيلا ** تراهن يوم الروع كالحدإ القبل ** والماء في العين والسبل ** والسعال القديم إذا كان عن داء فأما القدر
____________________
(6/364)
المعتاد منه فلا والعزل وهو أن يعزل ذنبه إلى أحد الجانبين والمشش وهو ورم في الدابة له صلابة والفدع وهو اعوجاج في مفاصل الرجل والفحج وهو تباعد ما بين القدمين والصكك وهو صك إحدى ركبتيه بالأخرى والرتق والقرن والعفل وهو امتلاء لحم الفرج والسلعة والقروح وآثارها والدخس وهو ورم يكون بأطراف حافر الفرس والحمار والحنف وهو ميل كل من إبهامي الرجل إلى أخرى وقال محمد بن الأعرابي الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه وتناسل شعر الرأس والصدف وهو التواء في أصل العنق وقيل ميل في البدن والشدق سعة مفرطة في الفم والتخنث قيل إذا فحش أو كان يأتي بأفعال رديئة والحمق وكونها مغنية وشرب الغلام وترك الصلاة وغيره من الذنوب وقلة الأكل في البقرة ونحوها وكثرته في الإنسان وقيل في الجارية عيب لا الغلام ولا شك أنه لا فرق إذا أفرط وعدم المسيل في الدار والشرب للأرض وكذا ارتفاعها بحيث لا تسقى إلا بالسكر وكون الجارية محترقة الوجه لا يدري حسنها من قبحها بخلاف ما إذا كانت دميمة أو سوداء والعثار في الدواب إن كان كثيرا فاحشا وكذا أكل العذار والجموح والامتناع من اللجام وكذا الحرن عند العطف والسير وسيلان اللعاب على وجه يبل المخلاة إذا علق عليه فيها وكثرة التراب في الحنطة ترد به بخلاف ما إذا كان معتادا ليس له أن يميز التراب ويرجع بحصته وكذا لو اشترى خفا أو مكعبا للبس فلم يدخل رجله فيه فهو عيب ولو باع سويقا ملتوتا على أن فيه كذا من السمن أو قميصا على أن فيه عشرة أذرع والمشتري ينظر إليه وظهر خلافه فلا خيار له قوله وإذا حدث عند المشتري عيب بآفة سماوية أو غيرها ثم أطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب وليس له أن يرد المبيع لأن الرد إضرار بالبائع لأنه خرج عن ملكه سالما فلو ألزمناه به معيبا تضرر ولا بد من دفع الضرر عن المشتري فتعين الرجوع بالنقصان إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه الحادث عند المشتري فله ذلك لأنه رضى بالضرر وما كان عدم إلزامه المبيع إلا لدفع الضرر عنه فإذا رضى فقد أسقط حقه اللهم إلا أن يمتنع أخذه إياه لحق الشرع بأن كان
____________________
(6/365)
المبيع عصيرا فتخمر عند المشتري ثم اطلع على عيب فإنه لو أراد البائع أن يأخذه بعيبه لا يمكن من ذلك لما فيه من تمليك الخمر وتملكها ومنعهما من ذلك حق الشرع فلا يسقط بتراضيهما على إهداره كما لو تراضيا على بيع الخمر وشرائها فإن قيل ينبغي أن يرجح جانب المشتري فيرجع بالنقصان ويرد المبيع لأن البائع دلس عليه فكان مغرورا من جهته أجيب بأن المعصية الصادرة عنه لا تمنع عصمة ماله كالغاصب إذا عمل في الثوب المغصوب الخياطة أو الصبغ بالحمرة لأن الظالم لا يظلم والضرر عن المشتري يندفع بإثبات حق الرجوع بحصة العيب فإن قيل فقد تقدم أن الأوصاف لا حصة لها من الثمن بانفرادها أجيب بأنها اعتبرت أصولا ضرورة جبر حق المشتري وإلا يهدر كما صيرت أصولا بالقصد من إتلافهما وكل ما رجع بالنقصان فمعناه أن يقوم العبد بلا عيب ثم يقوم مع العيب وينظر إلى التفاوت فإن كان مقدار عشر القيمة رجع بعشر الثمن وإن كان أقل أو أكثر فعلى هذا الطريق ثم الرجوع بالنقصان إذا لم يمتنع الرد بفعل مضمون من جهة المشتري أما إذا كان بفعل من جهته كذلك كأن قتل المبيع أو باعه أو وهبه وسلمه أو أعتقه على مال أو كاتبه ثم اطلع على عيب فليس له حق الرجوع بالنقصان وكذا إذا قتل عند المشتري خطأ لأنه لما وصل البدل إليه صار كأنه ملكه من القاتل بالبدل فكان كما لو باعه ثم اطلع على عيب لم يكن له حق الرجوع ولو امتنع الرد بفعل غير مضمون له أن يرجع بالنقصان ولا يرد المبيع
فرع لا يرجع بالنقصان إذا ابق العبد ما دام حيا عند أبي حنيفة وبه قال الشافعي لأن الرد موهوم فلا يصار إلى خلفه وهو الرجوع بالنقصان إلا عند الإياس من الأصل وعند أبي يوسف يرجع لتحقق العجز في الحال والرد موهوم قوله ومن اشترى ثوبا فقطعه يعني ولم يخطه ثم وجد به عيبا رجع بالعيب لأنه امتنع الرد بالقطع لأنه عيب حادث فإن قال البائع أنا أقبله كذلكأي مقطوعاكان له ذلك لأن الامتناع أي امتناع رده
____________________
(6/366)
لحقه وقد رضي به أي برده معيبا فزال المانع فإن باعه المشتري أي بعد القطع بعد علمه بالعيب أو قبله لم يرجع بشيء لأن الرد لم يمتنع بالقطع برضا البائع فحين باعه مع عدم امتناع رده مقطوعا صار حابسا المبيع بالبيع فإن كان المشتري قطع الثوب وخاطه أو صبغه أحمر أو كان المبيع سويقا فلته بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه لأنه امتنع الرد بسبب الزيادة المتصلة وإنما امتنع لأنه لا وجه للفسخ في الأصل أعنى الثوب بدونها كالصبغ مثلا والخياطة والسمن لأنه لا ينفك عنه ولا إلى الفسخ معها لأن الزيادة ليست مبيعة والفسخ لا يرد على غير المبيع لأنه رفع ما كان من البيع فيبقى ما كان من المبيع والثمن على ما كان فلو رده على الزيادة لزم الربا فإن الزيادة حينئذد تكون فضلا مستحقا في عقد المعاوضه بلا مقابل وهو معنى الربا أو شبهته ولشبهة الربا حكم الربا فلا يجوز فامتنع أصلا وليس للبائع أن يأخذه وإن رضى المشتري بترك الزيادة لأن الامتناع لم يتمحض لحقه بل لحقه وحق الشرع بسبب ما ذكرنا من لزوم الربا ورضاه بإسقاط حقه لا يتعدى إلى حق الشرع بالإسقاط وإذا امتنع الرد بالفسخ فلو باعه المشتري رجع بالنقصان لأن الرد لما امتنع لم يكن المشتري ببيعه حابسا له عن البائع وعن هذا الأصل وهو أن الرد إذا كان ممكنا فأخرجه عن ملكه لا يرجع بالنقصان لأنه
____________________
(6/367)
حابس وإن كان مع عدم إمكانه يرجع لأنه غير حابس قلنا إن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان لأن التمليك من الابن الصغير حصل بمجرد القطع للغرض المذكور قبل الخياطة مسلما إليه وهو نائبه في التسلم فصار به حابسا للمبيع مع إمكان الرد والخياطة بعد ذلك وجودها وعدمها سواء فلا يرجع بالنقصان ولوكان الولد كبيرا والباقي بحاله رجع بالنقصان لأنه لم يصر مسلما إليه إلا بعد الخياطة فكانت الخياطة على ملكه وكان امتناع الرد بسبب الزيادة التي هي الخياطة قبل إخراجه عن ملكه فبعد ذلك لا يتفاوت الحال بين أن يخرجه عن ملكه بالبيع أو الهبة أولا في جواز الرجوع بالنقصان وهو معنى ما في الفوائد الظهيرية من أن الأصل في جنس هذه المسائل أن كل موضع يكون المبيع قائما على ملك المشتري ويمكنه الرد برضا البائع فأخرجه عن ملكه لا يرجع بالنقصان وكل موضع يكون المبيع قائما على ملكه ولا يمكنه الرد وإن رضى البائع فأخرجه عن ملكه يرجع بالنقصان انتهى وهذا أصل آخر في الزيادة اللاحقة بالمبيع الزيادة متصلة ومنفصلة وكل منهما ضربان فالمتصلة غير متولدة من المبيع كالصبغ والخياطة واللت بالسمن والغرس والبناء وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق خلافا للشافعي وأحمد ولو قال البائع أنا أقبله كذلك ورضى المشتري لا يجوز لما ذكرنا من حق الشرع للربا ومن المتصلة غير المتولدة ما لو كان حنطة فطحنها أو لحما فشواه أو دقيقا فخبزه فلو باعه بعد ذلك يرجع بالنقصان لأنه ليس بحابس للمبيع بل امتنع قبل البيع لحق الشرع وفي كون الطحن والشي من الزيادة المتصلة تأمل والمتولدة من الأصل كالسمن والجمال وانجلاء بياض العين لا يمتنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية لأن الزيادة تمحضت تبعا للأصل بتولدها منه مع عدم انفصالها فكأن الفسخ لم يرد على زيادة أصلا والمنفصلة المتولدة منه كالولد واللبن والثمر في بيع الشجر والأرش والعقر وهي تمنع الرد لتعذر الفسخ عليها لأن العقد لم يرد عليها ولا يمكن التبعية للانفصال فيكون المشتري بالخيار قبل القبض إن شاء ردهما جميعا وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن وأما بعد القبض فيرد المبيع خاصة لكن بحصته من الثمن بأن يقسم الثمن على قيمته وقت العقد وعلى قيمة الزيادة وقت القبض فإذا كانت قيمته ألفا وقيمة الزيادة مائة والثمن ألف سقط عشر الثمن إن رده وأخذ تسعمائة وغير متولدة منه كالكسب وهي لا تمنع بحال بل يفسخ العقد في الأصل دون الزيادة ويسلم له الكسب الذي هو الزيادة وهو قول أحمد والشافعي رحمهما الله وفيه الحديث الذي ذكرناه أول الباب الذي
____________________
(6/368)
فيه قول البائع إنه استغل غلامي فقال صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان وجعل الشافعي وأحمد حكم المنفصلة المتولدة في حكم الكسب لإمكان الفسخ على الأصل بدونها والزيادة للمشتري ونحن نفرق بين الكسب الذي تولد من المنافع وهي غير الأعيان ولذا كانت منافع الحر مالا مع أن الحر ليس بمال والعبد المكسوب للمكاتب ليس مكاتبا والولد تولد من نفس المبيع فيكون له حكمه فلا يجوز أن يسلمه له مجانا لما فيه من شبهة الربا ولو هلكت الزيادة بآفة سماوية ثبت له الرد كأنها لم تكن وبه قال الشافعي قبل الحكم بالأرش وإنما قيد المصنف بقوله أحمر لتكون زيادة بالاتفاق فإن السواد عنده نقص كما ستعلم فهو كالقطع وانتقاص المبيع في يد المشتري يمنع الرد بأي سبب كان بالاتفاق قوله ومن اشترى عبدا فأعتقه المشتري أو مات عنده ثم اطلع على عيب رجع بالنقصان أما الموت فلأن الملك ينتهي به والشيء بانتهائه يتقرر فكأن الملك قائم والرد متعذر وقد اطلع على عيب وذلك موجب للرجوع إذ امتناع الرد إنما يكون مانعا إذا كان عن فعل المشتري أما إذا ثبت حكما لشيء فلا وهنا ثبت حكما للموت فلا يمنع الرجوع بالنقصان واستشكل عليه ما إذا صبغ الثوب أحمر وأخواته فإنه يرجع بالنقصان مع أن الامتناع بفعله وأجيب بأن امتناع الرد في ذلك إنما هو بسبب الزيادة التي حصلت في المبيع حقا للشرع للزوم شبهة الربا قيل فكان ينبغي للمصنف أن يزيد فيقول لا يفعله الذي لا يوجب زيادة وأما العتق فالقياس فيه أن لا يرجع لأن الامتناع بفعله فصار كالقتل وفي الاستحسان يرجع وهو قول الشافعي وأحمد لأن العتق إنهاء للملك لأن الآدمي ما خلق في الأصل للملك وإنما يثبت الملك فيه عن سببه موقنا إلى الإعتاق فيثبت أنه إنهاء فصار كالموت وهذا وهو الرجوع بالموت وما في معناه بسبب أنه إنهاء لأن الشيء بانتهائه
____________________
(6/369)
يتقرر إلى آخر ما قررناه وقوله والتدبير والاستيلاد بمنزلته أي بمنزلة الإعتاق وإن لم يزيلا الملك كما يزيله الإعتاق لأنه يتعذر معهما النقل من ملك إلى ملك وبذلك يتعذر الرد وقوله مع بقاء المحل احتراز عن الموت والإعتاق وقوله بالأمر الحكمى أي بحكم الشرع لا بفعل المشتري كالقتل فإن أعتقه على مال ثم اطلع على عيب لم يرجع بشيء وكذا لو كاتبه لأن المشترى حبس بدله وحبس البدل كحبس المبدل وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه أي المعتق على مال يرجع بالنقصان وهو قول أبي يوسف وبه قال الشافعي وأحمد لأن العتق سواء كان بمال أو بلا مال هو إنهاء للملك أعنى الرق وبهذا يثبت به الولاء في الوجهين وإذا كان إنهاء كان كالموت وكونه بمال أو بغيره طرد والوجه ما تقدم من كونه حابسا له بحبس بدله قوله فإن قتل المشترى العبد أي لم يمت عنده حتف أنفه أو كان المبيع طعاما فأكله لم يرجع بشيء عند أبي حنيفة رضي
____________________
(6/370)
الله عنه أما القتل فالمذكور من عدم الرجوع فيه ظاهر الرواية عن أصحابنا وعن أبي يوسف أنه يرجع وذكر صاحب الينابيع أن محمدا معه وهو قول الشافعي وأحمد لأن قتل المولى عبده لا يتعلق به حكم دنياوي من قصاص أو دية فكان كالموت حتف أنفه وإنما يتعلق به حكم الآخرة من استحقاق العقاب إذا كان بغير حق ووجه الظاهر أن القتل لا يوجد إلا مضمونا قال صلى الله عليه وسلم ليس في الإسلام دم مفرج أي مهدر وإنما سقط الضمان عن المولى بسبب الملك وكذا لو باشره في غير ملكه كان مضمونا ولما سقط الضمان عن المولى صار كالمستفيد بالعبد عوضا هو سلامة نفسه إن كان عمدا وسلامة الدية للمولى إن كان خطأ فكان كأنه باعه بخلاف الإعتاق لأنه ليس بفعل مضمون لا محالة لأنه في ملك الغير لا ينفذ وعتق أحد الشريكين إن نفذ لا يتعلق به ضمان إذا كان معسرا بل إذا كان موسرا على تقدير فلم يوجبه بذاته فلم يستفد أي لم يلزم استفادته بالإعتاق عن ملكه شيئا حقيقة ولا حكما وأما الأكل فعندهما يرجع به وبه قال الشافعي وأحمد وفي الخلاصة عليه الفتوى وبه أخذ الطحاوي وعنده لا يرجع استحسانا وعلى هذا الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق ثم اطلع على عيب عنده لا يرجع وعندهما يرجع لهما أنه صنع بالمبيع ما يقصد بشرائه ويعتاد فعله فيه من الأكل واللبس حتى انتهى الملك به فكان كالإعتاق بخلاف القتل والإحراق ونحوه من الاستهلاك ليس معتادا غرضا من الشراء مقصودا به وله أنه أتلفه بفعل مضمون منه لو وجد في غير ملكه غير أنه سقط أي انتفى الضمان لملكه فكان كالمستفيد به عوضا كالقتل فلا يرجع ولا معتبر بكونه مقصودا بالشراء لأنه وصف طردى لا أثر له في إثبات الرجوع ألا ترى أن البيع مما يقصد بالشراء ثم هو يمنع الرجوع وجعل المصنف قول أبي حنيفة استحسانا مع تأخيره جوابه عن دليلهما يفيد مخالفته في كون الفتوى على قولهما وأورد عليه القطع والخياطة فإنهما موجبان للضمان في ملك الغير مع أنه يرجع بالنقصان فيهما أجيب بأن امتناع الرد فيهما لحق الشرع لا لفعله ولا كذلك هنا فإنه امتنع لفعله لا لحق الشرع وهذا يتم في الخياطة للزيادة أما في مجرد القطع فلا يتم ولذا لو قبله البائع مقطوعا كان له ذلك بخلافه مخيطا ومصبوغا بغير السواد قوله ولو أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده يعني لا يرد ما بقي ولا يرجع بالنقصان فيما أكل لأن الطعام كشيء واحد حتى كان رؤية بعضه كرؤية كله يسقط الخيار فصار كما لو باع بعضه ثم اطلع على عيب فإنه يبطل حقه في الرجوع
____________________
(6/371)
من غير قول زفر فإنه قال يرجع بنقصان العيب في الباقي إلا أن يرضى البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن وعنهما روايتان رواية أنه يرجع بنقصان العيب في الكل فلا يرد الباقي ورواية يرد ما بقى لأن الطعام لا يضره التبعيض فكان قادرا على الرد كما أخذه ويرجع بالنقصان فيما أكل هكذا ذكر المصنف وهو نقل القدوري في كتاب التقريب وفي شرح الطحاوي أن الأول قول ابي يوسف قال يرجع بالنقصان في الكل إلا أن يرضى البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن وأن الثاني قول محمد قال وكان الفقيه أبو جعفر يفتى بقول محمد وهو اختيار الفقيه أبي الليث وفي شرح المجمع قال أبو يوسف يرد ما بقى إن رضي البائع لأن استحقاق الرد في الكل دون البعض فيتوقف على رضاه وقال محمد يرد ما بقي وإن لم يرض لما ذكرنا أن التبعيض لا يضره وفيما لو باع البعض عنهما روايتان في رواية لا يرجع بشيء كما هو قول أبي حنيفة لأن الطعام كشيء واحد فيبيع البعض كبيع الكل وفي رواية يرد ما بقي لأنه لا يضره التبعيض ولكن لا يرجع بالنقصان فيما باع وفي المجتبى عن جمع البخاري أكل بعضه يرجع بنقصان عيبه ويرد ما بقى وبه يفتي ولو أطعمه ابنه الكبير أو الصغير أو امرأته أو مكاتبه أو ضيفه لا يرجع بشيء ولو أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده يرجع لأن ملكه باق ولو اشترى دقيقا فخبز بعضه وظهر أنه مر رد ما بقي ورجع بنقصان ما خبز هو المختار ولو كان سمنا ذائبا فأكله ثم أقر البائع أنه كان وقعت فيه فأرة رجع بالنقصان عنده وبه يفتى وفي الكفاية كل تصرف يسقط خيار العيب إذا وجده في ملكه بعد العلم بالعيب فلا رد ولا أرش لأنه كالرضا به قوله ومن اشترى بيضا أو بطيخا أو قثاء أو خيارا أو جوزا أو قرعا أو فاكهة فكسره غير عالم بالعيب فوجده فاسدا فإن لم ينتفع به كالقرع المر والبيض المذر رجع بالثمن كله لأنه ليس بمال فكان البيع باطلا بخلاف مالو كسره عالما بالعيب لا يرده ولا يعتبر في الجوز صلاح قشره بأن كان في موضع يعز فيه الحطب وهو مما يشتري للوقود على ما قيل من أنه إذا كان كذلك
____________________
(6/372)
يرجع بحصة اللب ويصح العقد في قشره بحصته من الثمن لأن العقد فيه صادف محله لأن مالية الجوز قبل الكسر ليس إلا باعتبار اللب وإذا كان اللب لا يصلح له لم يكن محل البيع موجودا فيظهر أن العقد وقع باطلا واختاره المصنف وأشار إليه السرخسي وإن كان ينتفع به مع فساده بأن يأكله الفقراء أو يصلح للعلف يرجع بحصة العيب لأن الكسر عيب حادث عند المشتري فيمتنع الرد فيرجع بالنقصان إلا أن يتناول شيئا منه بعد العلم فلا يرجع بشيء ولذا قال الحلواني هذا إذا ذاقه فوجده كذلك فتركه فإن تناول شيئا منه بعد ما ذاقه لايرجع بشيء وأما إذا اشترى بيض نعامة فوجدها مذرة ذكر بعض المشايخ في شرح الجامع أنه يرجع بنقصان العيب وهذا يجب أن يكون بلا خلاف لأن مالية بيض النعامة قبل الكسر باعتبار القشر وما فيه جميعا وقول المصنف وقال الشافعي يرده يعني إذا وجده بعد الكسر بحيث ينتفع به أطلقه وفي شرح الأقطع قيده بما إذا كان الكسر مقدارا لا يعلم العيب إلا به فله الرد في الصحيح من قوليه انتهى وليس هذا التفصيل عندنا ولا في قول آخر للشافعي ثم وجه قول الشافعي على ما في الكتاب أن هذا الكسر بتسليط البائع فكأنه كسره بنفسه قلنا التسليط على الكسر في ملك المشتري لا في ملكه فصار كما إذا كان المبيع ثوبا فقطعه المشتري ثم اطلع على عيب فإنه لا يرده مع أنه سلطه على قطعه بالبيع فعرف بالإجماع على أنه لا يرده وفي مسئلة القطع أن تسليطه هذا هدر وأن أن التسليط المعتبر هو ما لو سلطه أن يكسره وهو في ملكه أي ملك البائع بأن أمره بكسره فذاك هو التسليط المانع من الضمان على الكاسر وأما البيع فتسليط للمشتري على أن يكسره في ملك نفسه ولا أثر لهذا في نفي ولا إثبات ولو وجد البعض فاسدا فإن كان قليلا جاز البيع استحسانا لأن كثيرا من الجوز والبيض لا يخلو عن قليل فاسد فكان كقليل التراب في الحنطة والشعير فلا يرجع بشيء أصلا وفي القياس يفسد وهو الظاهر وإن كان كثيرا لا يجوز البيع ويرجع بكل الثمن لأنه جمع بين المال وغيره فصار كالجمع بين الحر والعبد في صفقة
____________________
(6/373)
واحدة ولا نص في المسئلة ولكن فيه ضرورة ظاهرة وقال المصنف في القليل إنه كالواحد والمثنى وفي النهاية أراد بالكثير ما وراء الثلاثة لا ما زاد على النصف وجعل الفقيه أبو الليث الخمسة والستة في المائة من الجوز معفوا قال لأن مثل ذلك قد يوجد في الجوز فصار كالمشاهد يعني عند البيع ولو اشترى عشر جوزات فوجد خمسة خاوية اختلفوا فيه قيل يجوز العقد في الخمسة التي فيها لب بنصف الثمن بالإجماع وقيل يفسد في الكل بالإجماع لأن الثمن لم يفصل وقيل العقد فاسد في الكل عند أبي حنيفة لأنه يصير كالجمع بين الحي والميت في البيع وعندهما يصح في الخمسة التي فيها لب بنصف الثمن وهو الأصح لأن هذا بمعنى الثمن المفصل عندهما فإن الثمن ينقسم على الأجزاء لا على القيمة قوله ومن باع عبدا فباعه المشترى ثم رد عليه بعيب فإن قبله بقضاء القاضي بسبب إقراره بالعيب أنه كان عنده ووجد عند المشتري منه وهو المشتري الآخر أو ببينة على ذلك لإنكاره العيب أو بسبب نكوله عن اليمين على العيب فله أن يرده على بائعه الأول يعني له أن يخاصم الأول ويفعل ما يجب معه إلى أن يرده عليه وقيده في المبسوط بما إذا ادعى المشتري الثاني العيب عند البائع الأول أما إذا أقام البينة أن العيب كان عند المشتري الأول لم يذكره في الجامع وإنما ذكره في إقرار الأصل فقال ليس للمشتري الأول أن يخاصم مع بائعه بالإجماع لأن المشتري الأول لم يصر مكذبا فيما أقر به ولم يوجد هنا قضاء على خلاف ما أقر به فبقى إقراره بكون الجارية سليمة فلا يثبت له ولاية الرد هذا وإنما يرده على ذلك التقدير لأن الرد بهذا الطريق فسخ من الأصل يعني من كل وجه فجعل البيع كأن لم يكن وقد اطلع على عيب فله أن يخاصم فيه إذ لا مانع من ذلك وما يخال مانعا منه وهو أن القضاء بالبينة والنكول فرع إنكاره العيب فبخصومته البائع الأول فيه يكون مناقضا فلا تسمع خصومته ولذا قال زفر إنه لا يرده عليه للتناقض المذكور وكذا
____________________
(6/374)
بالإقرار فإن معناه على ما فسره المصنف أن يدعى عليه أنه أقر بالعيب فينكر الإقرار فيشهد عليه بالإقرار فإن إقراره غير مقطوع به لجواز كذب الشهود ووهمهم ولهذا لو قال بعد الرد ليس به عيب لا يرده على البائع الأول بالاتفاق أجاب المصنف عنه بقوله لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء فانعدم إنكاره العيب هذا بعد تسليم أن إنكاره ظاهر في الصدق وإلا فيجوز كونه لدفع الخصومة فإن كثيرا من الناس يفعله فصار ظاهرا يعارض ظاهر الدبانة المقتضية لصدقه ثم لو كان ظاهرا في صدقه فقد ثبت كون هذا الظاهر غير واقع لتكذيب الشرع إياه بخلاف قوله لا عيب به بعد الرد الرد لأنه لا مكذب له وقد يقال تكذيب الشرع إياه بإثبات العيب لا يرفع مناقضته وكونه مؤاخذا في حق نفسه بزعمه وهي الدافعة لخصومته للبائع الأول وقوله وهذا بخلاف الوكيل متصل بقوله له أن يرده لأن المعنى له أن يخاصم فيرده بخلاف الوكيل بالبيع إذارد ما باعه بطريق الوكالة عليه بعيب بالقضاء بالبينة أو بإباء يمين أو بإقرار من المأمور بالعيب كذا لفظ الجامع حيث يكون ردا على الموكل من غير حاجة إلى خصومة والرد عليه بالخصومة لأن ذلك عند تعدد البيع حتى يكون البيع الأول قائما بعد انفساخ البيع الثاني فيحتاج إلى الخصومة في الرد وهنا البيع واحدا فإذا ارتفع رجع إلى الموكل من غير تكلف زيادة وقيده فخر الإسلام بعيب لا يحدث مثله فقال له الرد بالبينة وبإباء اليمين وبالإقرار هو عيب لا يحدث مثله أما في عيب يحدث مثله يرده بالبينة وبإباء اليمين ولا يرده المأمور مع الإقرار لأن إقرار المأمور لا يسمع على الآمر ومعنى اشتراط البينة أو النكول أو الإقرار والفرض أنه لا يحدث مثله أنه إذا اشتبه على القاضي أن هذا عيب قديم أولا أو علم أنه لا يحدث مثله في مدة شهر ولم يثبت عنده تاريخ البيع فاحتاج المشتري إلى إقامة البينة أو غيرها من الحجج أن تاريخ البيع منذ شهر فيعلم القاضي حينئذ أن العيب كان في يد البائع فيرده عليه أما إذا عاين القاضي تاريخ البيع والعيب ظاهر فلا يحتاج إلى شيء من ذلك فيكون الرد على الوكيل ردا على الموكل بلا زيادة خصومة وقد اعترض قول محمد أنه بنكول الوكيل يلزم الموكل فإن النكول بذل عنده إقرار عندهما وبذل الإنسان لا يثبت في حق غيره وإقرار الوكيل بالعيب لم يلزم الآمر في عيب يحدث مثله أجيب بأنه ليس حقيقة بل جار مجراه الا ترى أنه لو ادعى بمال على عبد مأذون له في التجارة فأنكر ونكل عن اليمين يحكم عليه به مع أن بذله المال لا يجوز
____________________
(6/375)
إلا في نحو الضيافة اليسيرة وكذا عندهما لو نكل عن اليمين في كل حكم كان له أن يعود فيحلف ويسقط المال عن نفسه ولو كان إقرار لم يملك الرجوع عنه والشيء إذا أجرى مجرى الشيء لا يلزم كونه مجرى مجراه من كل الوجوه وهل حكمه حكم صريح الإقرار عند أبي يوسف لا وعند محمد نعم وتظهر ثمرته فيما قال في الدعوى من رواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف لو ادعى دارا في يد رجل فأنكر ونكل وقضى القاضي للمدعي بها ثم أقام المدعى عليه البينة أنه اشتراها من المدعي قال يسمع القاضي بينته وترد الدار عليه ولو أقام أنه اشتراها من رجل آخر لا تقبل وقال محمد بن سماعة لا تقبل في الوجهين والنكول بمنزلة الإقرار وأبو يوسف يقول ليس بصريح الإقرار فيقبل وفي الإيضاح إن رد على الوكيل بغير قضاء يلزمه خاصة سواء كان في عيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله لأن هذا الفسخ عقد جديد في حق ثالث والموكل ثالثهما انتهى يعني الفسخ الذي بلا قضاء وقوله وإن قبل يعني المشتري الأول بغير قضاء القاضي بل برضاه لا يرده على بائعه هذا هو الشق الثاني من ترديد المسئلة وحاصلها أن من اشترى عبدا أو غيره فباعه فرد عليه بعيب بقضاء بأحد الوجوه الثلاثة كان له أن يرده على البائع الأول خلافا لزفر وإن قبله بالتراضي ليس له أن يرده عليه لأن الرد بالتراضي بيع جديد في حق الثالث والبائع الأول ثالثهما كأن المشتري الأول اشتراه من المشتري الثاني ولو اشتراه المشترى الأول من المشترى الثاني لم يكن له أن يرده على الأول فلا خصومة فكذا هذا ولهذا لو كان على المشتري الأول في الدار شفعة فأسقط الشفيع حقه فيما باعه ثم رد بعيب بالتراضي تجدد للشفيع حق الشفعة كأن المشتري الأول اشترى ثانيا ما باع فلا يكون له حق الخصومة في الرد ولا في الرجوع بالنقصان وقال الشافعي يرده إذا قبله بلا قضاء لأن الرد بالعيب عنده يرفع العقد من أصله نص عليه الشافعي فلم يتفاوت الرد بالقضاء والرضا ونحن بينا الفرق بأنه بالقضاء فسخ وبالرضا بيع جديد حق ثالث وإن ان فسخا في حقهما فإن قيل لما باشر سبب الفسخ وهو النكول أو الإقرار بالعيب يكون راضيا بحكم السبب فلا فرق بين القضاء والرضا في وجوب كونه بيعا في حق ثالث أجيب بأن المسئلة فيما أقر بالعيب وأبى القبول فرد عليه القاضي جبرا فلا يتحقق فيه معنى البيع لعدم الرضا وقد قدمنا أن معنى الإقرار الشهادة عليه به ولأنه إذا قبله بغير قضاء فقد رضي بالعيب فلا يرده على بائعه واستشكل على هذا الأصل وهو أنه فسخ من الأصل مسائل إحداها المبيع لو كان عقارا لا يبطل حق الشفيع في الشفعة ولو كان الرد بالعيب بالبينة فسخا من الأصل بطل حق الشفيع لبطلان البيع من الأصل والثانية ما إذا باع أمته الحبلى وسلمها فردت بعيب بقضاء ثم ولدت ولدا فادعاه أبو البائع لا تصح دعوته ولو كان الرد بقضاء فسخا من الأصل صحت كما لو لم يبعها الابن فادعاه الأب والثالثة ما لو أحال غريمه بالثمن على المشتري ثم رد المشتري بعيب بقضاء لا تبطل الحوالة ولو كان فسخا من الأصل بطلت أجيب ببيان المراد وهو أن محمد ذكر في مواضع أن بالرجوع في الهبة يعود ملك الموهوب إلى قديم ملك الواهب فيما يستقبل لا فيما مضى ألا ترى أن من وهب مال الزكاة إلى رجل قبل الحول فسلمه إليه ثم رجع في هبته بعد الحول فإنه لا يجب على الواهب زكاة
____________________
(6/376)
باعتبار ما مضى ولا يجعل الموهوب عائدا إلى قديم ملك الواهب في حق زكاة ما مضى من الحول وكذا الرجل إذا وهب دارا لآخر وسلمها إليه ثم بيعت دار بجنبها ثم رجع الواهب فيها لم يكن للواهب أن يأخذها بالشفعة ولو عاد الموهوب إلى قديم ملك الواهب وجعل كأن الدار لم تزل عن ملك الواهب كان له أن يأخذ الشفعة وإذا عرف هذا الأصل خرجت المسائل المذكورة عليه أما الشفعة فلأن حق الشفيع كان ثابتا قبل الرد وحكم الرد يظهر فيما يستقبل لا فيما مضى وكذا المسئلة الثانية لأن الأب إنما تصح دعوته باعتبار ولاية كانت له زمان العلوق وهو معنى سابق على الرد وقد بطل قبل الرد فلا يظهر حكم الرد فيها بل يبقى ما كان من عدم ولاية هذه الدعوة وكذا المسئلة الثالثة لأن الحوالة كانت ثابتة قبل الرد فلا يظهر حكم الرد في إبطالها ولأن صحتها لا تستدعي عندنا دينا على المحال عليه ولهذا قال شيخ الإسلام قول القائل الرد بقضاء فسخ وجعل العقد كأن لم يكن متناقض لأن العقد إذا جعل كأن لم يكن جعل الفسخ كأن لم يكن لأن فسخ العقد بدون العقد لا يكون فإذا انعدم العقد من الأصل انعدم الفسخ من الأصل وإذا انعدم الفسخ في الأصل عاد العقد لانعدام ما ينافيه لكن يقال العقد كأن لم يكن على التفسير الذي قلناه وفي بعض المواضع قيده بعضهم بما إذا كان المبيع من غير النقود أما منها فلا وذلك لمسئلة نقلها في المحيط من المنتقى أن من اشترى دينارا بدراهم ثم باع الدينار من آخر ثم وجد المشتري الآخر بالدينار عيبا ورده على المشتري بغير قضاء فإنه يرده على بائعه وذلك لمعنى وهو أن المبيعين حينئذ يكونان معدومين لأن المعيب ليس بمبيع بل المبيع السليم فيكون المعيب ملك البائع فإذا رد على المشتري يرده بخلاف المبيعين في غير النقود كمسئلة الهداية فإنهما موجودان في ذلك إذا قبله بدون القضاء فقد رضى بالعيب فلا يرده على بائعه وإذن ما فيها من الإطلاق المذكور بالنسبة إلى موضوع المسئلة غير محتاج إلى هذا القيد وقوله وفي الجامع الصغير إلى آخره إنما ذكره لأن ظاهره يخالف القدوري فإنه لم يقيد المسئلة فيه بكون العيب لا يحدث مثله وقيدها في الجامع حيث قال وإن رد عليه بغير قضاء بعيب لا يحدث مثله لم يكن له أن يخاصم فقال إنما قيد به ليعلم أنه كذلك فيما يحدث مثله بطريق أولى لأنه لما لم يتمكن من الرد فيما لا يحدث مثله كالأصبع الزائد والناقصة والسن الشاعبة فامتناعه فيما يحدث مثله كالمرض والسعال والقروح مع احتمال أنه حدث عند المشتري أولى قال المصنف وفي بعض روايات البيوع أي بيوع الأصل إن كان فيما لا يحدث مثله يرجع يعني على البائع الأول إذا رده بالتراضي للتيقن بقيام العيب عند البائع الأول وقد فعلا بغير قضاء مالو رفع إلى قاض فعله لأن الرد متعين في هذا فكان فعلهما كفعل القاضي والمراد لا يحدث مثله مطلقا أو في مدة كونه في ملك المشتري الأول إلى رد المشتري الثاني قيل ووجه عامة الروايات
____________________
(6/377)
أن هذا رد ثبت بالتراضي فكان كالبيع الجديد ولا نسلم أنهما فعلا عين ما يفعله القاضي لأن الحكم الأصلي في هذا هوالمطالبة بالسلامة وإنما يصار إلى الرد للعجز فإذا انقلاه إلى الرد لم يصح في حق غيرهما ألا ترى أن الرد إذا امتنع وجب الرجوع بحصة العيب وفيما ذكر من المسائل الحق متعين لا يحتمل التحول إلى غيره فافترقا هذا كله فيما إذا كان الرد بالعيب من المشتري الثاني بعد قبضه أما إذا كان قبل قبضه فللمشتري الأول أن يرده على البائع الأول سواء كان بقضاء أو بغير قضاء كما لو باع المشتري الأول للمشتري الثاني بشرط الخيار له أو بيعا فيه خيار رؤية فإنه إذا فسخ المشتري الثاني بحكم الخيار كان للمشتري الأول أن يرده مطلقا وعلمت أن الفسخ بالخيارين لا يتوقف على قضاء قال في الإيضاح الفقه فيه أن قبل القبض له الامتناع من القبض عند الاطلاع على العيب فكان هذا تصرف دفع وامتناع من القبض وولاية الدفع عامة فظهر أثره في حق الكل ولهذا لا يتوقف على القضاء فأما بعد القبض فموجب العقد وقد تناهى إلا أن حقه في صفة السلامة قائم فإذا لم يسلم له ثبت حق الفسخ فجاء من هذا أن حق الفسخ بالعيب ما ثبت أصلا لأن الصفقة تمت بالقبض بل بغيره وهو استدراك حقه في صفة السلامة وإنما ظهر أثره في حق الكل لأنه ثبت بولاية عامة ولو كان بالتراضي ظهر أثره في حقهما خاصة بخلاف الرد بخيار الرؤية والشرط لأنه فسخ في حق الكل لأن حقه في الفسخ ثبت أصلا لأنهما يسلبان اللزوم في أصل العقد فكان بالفسخ مستوفيا حقا له وولاية استيفاء الحق تثبت على سبيل العموم ولذا لا يتوقف على القضاء قوله ومن اشترى عبدا وقبضه فادعى عيبا لم يجبر على دفع الثمن حتى يحلف البائع أو يقيم المشتري بينة على البائع أن العيب كان عنده وعنده ومقتضى هذا التركيب أنه إذا أقام هذه البينة يجبر على دفع الثمن وهو فاسد فقدر ظهير الدين للثاني خبرا هكذا لم يجبر على دفع الثمن حتى يحلف البائع أو يقيم البينة على البائع أن العيب كان عنده فيستمر عدم الجبر انتهى ولا بد من تقدير آخر مع يحلف لأن معناه ليس معنى يحلف البائع بل معناه يطلب منه الحلف وليس يلزم من طلب الحلف منه الجبر على دفع الثمن بل إذا حلف وهو غير لازم لجواز أن ينكل فيستمر عدم الجبر فعدم الجبر يثبت مع إحدى صورتي التحليف كما يثبت مع إقامة البينة وقيل يقدر فعل عام يدخل تحته الغايتان أعنى الحلف وإقامة البينة هكذا لم يجبر على دفع الثمن حتى يظهر وجه الحكم
____________________
(6/378)
به أو بعدمه بأن يحلف فيحلف أو يقيم البينة ومنهم من أول لا يجبر بينتظر بدفع الثمن وإنما قلنا إنه لا يجبر على دفع الثمن إذا طالبه البائع به فادعى هو عيبا لأنه أنكر وجوب الثمن بدعوى العيب فإنه به أنكر تعين حقه لأن حقه في السليم ولم يقبضه فما قبضه ليس موجبا دفع الثمن عليه و وجوب دفع الثمن أو لا ليتعين حق البائع بإزاء تعين حق المشتري في المبيع ولم يتعين لأنه السليم وقد أنكره وأورد عليه أن الموجب للجبر قائم والمانع وهو قيام العيب موهوم فلا يعارض المتحقق فالجواب منع قيام الموجب لأنه البيع للسليم أو هو مع قبضه وهو ينكره فهو محل النزاع وأيضا فقد يثبت ما ادعاه فيؤدي إلى نقض القضاء بدفع الثمن وصيانة القضاء عن النقض ينبغي ما أمكن فلو أن المشتري قال شهودي بالشام مثلا فأمهلني حتى أحضرهم أو آتيك بكتاب حكمي من قاضي الشام لا يسمع ذلك بل يستحلف البائع ويقضي بدفع الثمن إن حلف وإن نكل رد المبيع وإنما قلنا هذا لأن في الانتظار بالبائع كبير إضرار لأن التأخير إلى غاية غير معلومة يجري مجرى الإبطال خصوصا بعد قبض مال البائع على وجه المعاوضة وليس في الدفع كبير إضرار بالمشتري لأنه على حجته إذ له أن يقيم البينة بعد حلفه
____________________
(6/379)
على العيب ويرد المبيع ويسترد الثمن بخلاف ما لو قال شهودي حضور فإن الإمهال هنا إلى المجلس الثاني ولا ضرر في هذا القدر على البائع فيمهل ولو قال أحضر بينتي إلى ثلاثة أيام أجلها وليس هذا مما ينفذ فيه القضاء ظاهرا وباطنا عند أبي حنيفة لأن ذلك في العقود والفسوخ ولم يتناكرا العقد بل حقيقة الدعوى هنا دعوى مال على تقدير فالقضاء هنا بدفع الثمن إلى غاية حضور الشهود بالمسقط وهذا صريح في قبول البينة بعد الحلف ولا خلاف فيه في مثله أعنى ما إذا قال لي بينة غائبة أو قال ليس لي بينة حاضرة ثم أتى ببينة تقبل وأما إذا قال لا بينة لي فحلف خصمه ثم أتى ببينة في أدب القاضي تقبل في قول أبي حنيفة وعند محمد لا تقبل ولا يحفظ في هذا رواية عن أبي يوسف وفي الخلاصة من رواية الحسن عن أبي حنيفة تقبل وفي جمع النسفي في قبول البينة عن أصحابنا روايتان نعم تحليف البائع في مسئلة الكتاب يخالف ما في روضة القضاة إذا قال بينتي غائبة لم يحلف عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف يحلف وكذا لو قال لي بينة حاضرة في المصر فأحلفه ثم أتى بها لا يحلف في قوله خلافا لأبي يوسف وقوله أما إذا نكل ألزم العيب لأنه يعني النكول حجة فيه أي في ثبوت العيب وقيد به لأن النكول ليس حجة في كل شيء إذ ليس حجة في الحدود والقصاص بالإجماع ولا في الأشياء الستة عند أبي حنيفة قوله ومن اشترى عبدا فادعى المشتري إباقا عنده وعند البائع فأراد تحليف البائع على عدم الإباق عنده لا يحلف حتى يقيم المشتري البينة أنه أبق عنده أي عند المشتري لأنه حينئذ يثبت العيب فتصح الخصومة فيه وإنما لزم ذلك لأن القول وإن كان قوله أي قول البائع لكن لا يعتبر إنكاره ولا يتوجه اليمين عليه إلا بعد
____________________
(6/380)
ثبوت قيام المدعى مسببا للرد ومعرفته أي معرفة قيام العيب بالحجة عند إنكاره وهذا في دعوى نحو الإباق مما يتوقف الرد فيه على وجود العيب عندهما أما في عيب لا يتوقف الرد فيه على عوده عند المشترى كولادة الجارية وكذا الجنون على خلاف المختار فلا وعرف أن معنى المسئلة أن يدعى إباقا فينكر قيامه في الحال فيحتاج إلى إثباته أما لو اعترف البائع فإنه يسأل عن وجوده عنده فإن اعترف رده عليه بالتماس المشتري وإن أنكر طولب المشتري بالبينة على أن الإباق وجد عند البائع فإن أقامها رده وإلا حلف بالله عز وجل لقد باعه وسلمه وما أبق عنده قط قال المصنف كذا قاله في الكتاب أي الجامع فإن عبارته هكذا فإذا أقام على ذلك البينة استحلف البائع بالله لقد باعه وقبضه وما أبق قط قالوا وإن شاء حلفه بالله ماله حق الرد عليك من الوجه الذي يدعى به أو بالله ما أبق عندك قط كل من هذه العبارات حسنة بقيت عبارتان محتملتان وهما أن يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب أو لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب قالوا لا يحلف كذلك لأن فيه ترك النظر للمشتري لأن العيب قد يحدث بعد البيع قبل التسليم وهو موجب للرد فإذا فرض حدوث العيب كذلك فحلف لقد بعته وما به هذا العيب كان بارا في يمينه وأما بعته وسلمته وما به هذا العيب فكذلك لأن هذه العبارة صادقة هنا إذا كان حدوث العيب بعد البيع قبل التسليم فقد يكون حدوث العيب كذلك فيتأوله البائع في يمينه أي يقصد تعلق عدم العيب بالشرطين جميعا وهما البيع والتسليم على ظن أن صدقه لغة على تقدير قصده إليه يوجب بره شرعا وليس كذلك فإن تأوله كذلك لا يخلصه عند الله تعالى من ذلك اليمين بل هي يمين غموس والأخصر مع
____________________
(6/381)
الوفاء بالمقصود أن يحلف بالله ما أبق عندي قط ولو لم يجد المشتري بينه على وجود العيب عنده وأراد تحليف البائع ما يعلم أنه أبق عند المشتري يحلف على قولهما واختلف المشايخ في قول أبي حينفة هل يحلف أو يتحقق العجز عن الخصومة فعن القاضي أبي الهيثم أن الخلاف مذكور في النوادر عنده لا يحلف وعندهما نعم وفي شرح الجامع الكبير للشيخ أبي المعين النسفي قال بعض مشايخنا منهم الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن حامد لا خلاف في هذه المسئلة وتخصيص قولهما بالذكر لا يدل على أن قول أبي حنيفة خلاف قولهما وإنما يحلف على العلم لأنه حلف على فعل الغير بخلاف حلفه على أنه ما كان عنده فقيل لأنه وإن كان على فعل الغير لكن الحلف على فعل
____________________
(6/382)
الغير إنما يكون على العلم إذا لم يكن الحالف مدعيا العلم به أما إذا كان مدعيا فلا ألا ترى أن المودع إذا دعى قبض المودع لها يكون القول له ويحلف على البتات مع أنه فعل الغير وقيل ليس حاصله فعل الغير بل فعل نفسه وهو تسليمه سليما وهو قول الإمام السرخسي والأول أوجه فإن معنى تسليمه سليما ليس المراد منه السلامة في حال التسليم بل بمعنى سلمته والحال أنه لم يفعل السرقة عندي فيرجع إلى الحلف على فعل الغير وأورد على الأول مسئلتان إحداهما ما لو باع رجلان عبدا من آخر صفقة واحدة ثم مات أحدهما فورثه البائع الآخر ثم ادعى المشتري عيبا فإنه يحلف في نصيبه بالجزم وفي نصيب مورثه بالعلم عند محمد مع أنه يدعى العلم بانتفاء العيب الثانية إذا باع المتفاوضان عبدا وغاب أحدهما فادعى المشتري عيبا يحلف الحاضر على الجزم في نصيب نفسه وعلى العلم في نصيب الغائب مع ادعائه علما بذلك كما قلنا انتهى والوجه عندي أن يشكل ما نحن فيه على هاتين المسئلتين لا عكسه لأن تحليفه في نصفه على العلم وفي نصفه الآخر على البتات وهو واحد اعنى العيب في ذات واحدة هو المشكل فالوجه ما ذكرنا والمسئلتان مشكلتان لأنه إن علم بالعيب كان علمه بالنسبة إلى النصفين أو جهله كان ايضا كذلك إلا أن يكون معنى المسئلة أن العبد كان عند كل من الشريكين مدة فيحلف هذا الوارث على البتات في مدته ما أبق عندي وعلى العلم في مدة شريكه ما أعلم أنه أبق عند شريكي فليكن محملهما ذلك وعلى هذا فلو لم تكن إقامة العبد إلا عند هذا الشريك لا يحلف إلا على البتات ويكتفى بذلك إلا أن هذا غير معلوم فيحلف كما ذكروا ولو لم تكن إقامته إلا عند الذي مات لا يحلف إلا على البتات لأن العقد اقتضى وصف السلامة واعلم أن مما تطار حناه أنه لو لم يأبق عند البائع وأبق عند المشتري وكان أبق عند آخر قبل هذا البائع ولا علم للبائع بذلك فادعى المشتري ذلك وأثبته يرده به لأنه معيب والعقد أوجب على هذا البائع السليم ولو لم يقدر على إثباته له أن يحلفه على العلم وكذا في كل عيب يرد بتكرره وجه قوله على تقدير الخلاف وهو ما قاله البعض أن الحلف يترتب على دعوى صحيحة وليست تصح إلا من خصم ولا يصيرخصما فيه إلا بعد قيام العيب وإذا نكل البائع عن اليمين على وجود العيب عند المشتري يحلف ثانيا لزد على الوجه الذي قدمناه لأنه بنكوله أنزل مقرا بوجود العيب عند المشتري فتوجهت الخصومة فيه فيحلف على أنه ما وجد عنده إلى آخر ما ذكرنا وقوله الحلف يترتب على دعوى صحيحة قيل يفيد أن البينة لا يلزم ترتبها عليها بل تكون بلا دعوى أصلا في الحدود وكذا على أنه وكيل أو وارث ولا دعوى أصلا ففي دعوى غير صحيحة أولى وفي الكافي لأصح أنه لا يحلف لأن
____________________
(6/383)
التحليف شرع لدفع الخصومة لا لإثباتها وهنا لو حلف البائع يحدث بينهما خصومة أخرى ولا يخفى ضعف هذا الكلام فإن توجه اليمين هو من الخصومة فبها تنتهي خصومة لا تندفع وكثيرا ما يترتب خصومات بعضها على بعض يكون منتهى بعضها مبدأ أخرى وأما قوله في الوجه الحلف إنما يترتب على دعوى صحيحة فنقول إن كان المراد بالصحيحة ما يستحق بها الجواب فهذه كذلك لأنه إذا ادعى أنه وجد عنده عيب في المبيع وقد وجد عند البائع فلا شك أن القاضي يطلب جوابه عنه ألا ترى إلى قولهم فإن اعترف أن الأمر كذلك رد عليه وإن أنكر وجوده عنده واعترف بوجوده عنده وأنكر وجوده عند المشتري وكل ذلك فرع إلزامه بالجواب بأحد هذه غير أنهم لا يوجبون عليه اليمين على عدمه عنده حتى تثبت المقدمة الأولى وهو وجوده لأن تحليفه على ذلك لا يفيد مقصود المشتري من الرد إن لم يثبت عوده عنده فلا يترتب عليه فائدته إلا بعده فوجب تقديمه وكذا لو كان العيب مما يكفي للرد وجوده عند البائع فقط كولادة الجارية وكونها ولد زنا حلف عليه ابتداء غير متوقف على غير ذلك وبهذا ظهر أن لا فرق بين دعوى العيب ودعوى الدين في أن كلا منهما يستدعى جوابا بما يليق بالحال وإن تكلف الفرق مع ضعفه على أن الخصومة هناك تتجه قبل إثبات الدين وهنا لا تتجه إلا بعد إثبات العيب غلط وإنما هذه خصومة الغرض منها رد المبيع وتلك خصومة الغرض منها رد الدين وكل منهما يستدعي الجواب فكما أن له أن يجيب هنا بإنكار العيب عندهما رأسا كذلك له أن يجيب بإنكار الدين رأسا بمعنى أنه لم يثبت قط ثم كما أن عليه أن يثبت دخول العيب في الوجود بالبينة أو النكول كذلك عليه أن يثبت دخول الدين في الوجود كذلك وإذا ثبت دخوله في الوجود طالبه برده إليه فكذلك في العيب يطالبه برد الثمن ورده فإذا تأملت لا فرق والله أعلم فالوجه ما قالا من إلزام اليمين على العلم ونفي الخلاف كما ذكر البعض لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لزمه المال فعليه اليمين لرجاء النكول وكونه بمجرد اليمين لا يثبت المال إلا بعد يمين أخرى على وجوده عند البائع لا يضر لأنه إذا توقف ثبوت الحلف على أمرين لم يكن بد من إثبات كل منهما ثم قال المصنف رحمه الله قال العبد الضعيف يعني نفسه إذا كانت الدعوى في إباق العبد الكبير يحلف البائع ما أبق عندي منذ بلغ مبلغ الرجال لأنه عساه أبق عنده في الصغر فقط ثم أبق عند المشتري بعد البلوغ وذلك لا يوجب الرد لاختلاف السبب على ما تقدم فلو ألزمناه الحلف ما أبق عنده قط أضررنا به وألزمناه ما لا يلزمه ولو لم يحلف أصلا أضررنا بالمشتري فيحلف كما ذكرنا وهذا في كل عيب يدعى ويختلف فيه الحال فيما قبل البلوغ وبعده بخلاف ما لا يختلف كالجنون وقد ظهر مما ذكرنا كيفية ترتيب الخصومة في عيب الإباق ونحوه وهو كل عيب لا يعرف إلا بالتجربة والإختبار كالسرقة والبول في الفراش والجنون والزنا وبقي أصناف أخرى ذكرها قاضيخان هي مع
____________________
(6/384)
ما ذكرنا تتمة أربعة أنواع الأول أن يكون عيبا ظاهرا لا يحدث مثله أصلا من وقت البيع إلى وقت الخصومة كالأصبع الزائدة والعمى والناقصة والسن الشاعبة أي الزائدة فالقاضي فيهما يقضي بالرد إذا طلب المشتري من غير تحليف للتيقن به في يد البائع والمشتري إلا أن يدعي البائع رضاه به أو العلم به عند الشراء أو الإبراء منه فإذا ادعاه سأل المشتري فإن اعترف امتنع الرد وإن أنكر أقام البينة عليه فإن عجز يستحلف ما علم به وقت البيع أو ما رضي ونحوه فإن حلف رده وإن نكل امتنع الرد الثاني أن يدعى عيبا باطنا لا يعرفه إلا الأطباء كوجع الكبد والطحال فإن اعترف به عندهما رده وكذا إذا أنكره فأقام المشتري البينة أو حلف البائع فنكل إلا إن ادعى الرضا فيعمل ما ذكرنا وإن أنكره عند المشتري يريه طبيبين مسلمين عدلين والواحد يكفي والإثنان أحوط فإذا قال به ذلك يخاصمه في أنه كان عنده الثالث أن يكون عيبا لا يطلع عليه إلا النساء كدعوى الرتق والقرن والعفل والثيابة وقد اشترى بشرط البكارة فعلى هذا إلا أنه إذا أنكر قيامه في الحال أريت النساء والمرأة العدل كافية فإذا قالت ثيبا أو قرناء ردت عليه بقولها عندهما كما تقدم وإذا انضم إليه نكوله عند تحليفه غير أن القرن ونحوه إن كان مما لا يحدث ترد عند قول المرأتين هي قرناء بلا خصومة في أن ذلك كان عند البائع للتيقن بذلك كما في الأصبع الزائدة إلا أن يدعى رضاه فعلى ما ذكرنا وفي شرح قاضيخان العيب إذا كان مشاهدا وهو مما لا يحدث يؤمر بالرد وإن كان مما يحدث واختلف في حدوثه فالبينة للمشتري لأنه يثبت الخيار والقول للبائع لأنه ينكر الخيار وهذا يعرف مما قدمناه ولو اشترى جارية وادعى أنها خنثى يحلف البائع لأنه لا ينظر إليه الرجال ولا النساء ولو وجد به عيبا فقال له البائع أتبيعه قال نعم يلزمه لأنه عرض على البيع ولو قال بعه فإن لم يشتر رده علي فعرضه فلم يشتر سقط الرد ولو وجد البائع الثمن زيوفا فقال المشتري للبائع أنفقه فإن لم يرج رده على فأنفق فلم يرج رده استحسانا ولو كان ثوبا فقال هو قصير فقال البائع أره الخياط فإن قطعه وإلا رده ففعل فإذا هو قصير فله الرد اشترى لميت كفنا ثم وجد به عيبا لا يرده ولا يرجع بالأرش حتى يحدث به عيب مانع من الرد وفي القنية لو وجده معيبا فخاصم بائعه فيه ثم ترك الخصومة أياما ثم عاد إليها فقال له بائعه لم سكت عن الخصومة مدة فقال لأنظر أنه يزول أو لا فله رده كذا في المجتبي قوله ومن اشترى جارية أو غيرها من الأعيان وتقابضا فقبض البائع الثمن والمشتري الجارية فوجد بها المشتري عيبا فجاء ليردها فاعترف البائع بما يوجب الرد إلا أنه قال بعتك هذه وأخرى معها وإنما يستحق علي رد حصة هذه فقط لا كل الثمن وقال المشتري بعتنيها وحدها فاردد جميع الثمن ولا بينة لأحد فالقول قول المشتري لأن هذا اختلاف في مقدار المقبوض والقول فيه قول القابض أمينا كان أو ضمينا لأنه ينكر زيادة يدعيها عليه البائع ولأن البيع انفسخ في المردود بالرد وذلك سقط للثمن عن المشتري والبائع يدعى لنفسه بعض الثمن عليه بعد ما ظهر سبب السقوط
____________________
(6/385)
والمشتري ينكر فالقول قوله وصار كالغصب إذا ادعى المغصوب منه أنه غصبه هذا مع آخر أو حدث فيه زيادة فأنكر الغاصب فالقول قوله وكذا إذا اتفقا على مقدار المبيع بأن اتفقا على أن المبيع جاريتان ثم قال البائع قبضتهما وإنما تستحق حصة هذه وقال المشتري لم أقبض من المبيع سوى هذه يكون القول قول المشتري لما بينا من أن القول قول القابض قوله ومن اشترى عبدين أو ثوبين صفقة واحدة وقبض أحدهما ووجد بالآخر الذي لم يقبض عيبا فإنه بالخيار إن شاء أخذهما بجميع الثمن وإن شاء ردهما وليس له أن يأخذ السليم ويرد المعيب بحصته من الثمن في هذه الصورة لأن الصفقة إنما تتم بقبضهما لأنها إنما تتم بقبض المبيع ولم يوجد فيكون رد أحدهما وحده تفريقا للصفقة قبل التمام وهذا أي كون رد أحدهما بعد قبض أحدهما فقط تفريقا للصفقة قبل تمامها بناء على أن تفريقها قبل القبض كتفريقها في نفس العقد فيما إذا قال بعتكهما بألف فقال قبلت في هذا بخمسمائة وإنما كان كذلك لأن القبض له شبه بالعقد لأنه يثبت ملك التصرف كما يثبت العقد ملك الرقبة ولأنه أعني القبض مؤكد لما أثبته العقد حتى أن الشهود بالطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يضمنون نصف المهر لأنه كان على شرف الزوال بتمكينها ابن الزوج ونحوه فالشهود بشهادتهم أكدوا لزومه وحققوه وما قبل في تمامه وحكم المشبه حكم المشبه به فإن الصلاة للنار وعلى النجاسة حرام ولو صلى وبين يديه نار وبقربه نجاسة كان مكروها ليس تمثيلا صحيحا فإن الثابت الكراهة وإنما يكون حكمه حكمه لو ثبتت الحرمة
____________________
(6/386)
هذا إذا كان العيب في غير المقبوض فإن وجد العيب في المقبوض اختلفوا فيه يروى عن أبي يوسف أنه يرده خاصة لأن الصفقة تامة في المقبوض والصحيح أنه يأخذهما أو يردهما لأن تمام الصفقة تعلق بقبض المبيع وهو اسم لكله فما لم يقبض الكل لا تتم فيكون تفريقا قبل التمام وصار تمام الصفقة كحبس البيع لما تعلق زواله باستيفاء الثمن لا يزول الحبس دون قبض جميعه حتى لو بقي من الثمن درهم كان له أن يمنع المبيع عليه ولو قال المشتري أنا أمسك المعيب وآخذ النقصان ليس له ذلك فأما لو كان قبضهما أعني العبدين ثم وجد بأحدهما عيبا فإن له أن يرده خاصة خلافا لزفر وهو يقول فيه أي في رده وحده تفريق الصفقة ولا يعرى عن ضرر لأن العادة ضم الجيد إلى الرديء لترويج الردىء وفي إلزامه المعيب وحده إلزام هذا الضرر فاستوى ما قبل قبضهما وما بعده في تحقق المانع من رده وحده وأشبه خيار الشرط والرؤية في أن الصفقة لا تتم إذا كان فيها أحد الخيارين هكذا ذكر خلاف زفر في المبسوط وغيره وقال القدوري في التقريب قال أصحابنا إذا اشترى عبدين صفقة فوجد بأحدهما عيبا بعد القبض رده خاصة وإن كان قبل القبض ردهما وقال زفر يرد المعيب في الوجهين لأن العقد صح فيهما والعيب وجد بأحدهما فصار كما بعد القبض وذكر صاحب المختلف والمنظومة مثل ما ذكر القدوري على خلاف ما ذكر المصنف وشمس الأئمة وهو محمول على اختلاف الرواية عن زفر ولنا أنه تفريق الصفقة بعد التمام لأن بالقبض يتم في خيار العيب بخلاف خيار الرؤية والشرط والتفريق بعد التمام جائز شرعا
____________________
(6/387)
بدليل أنه لو استحق أحدهما بعد القبض ليس له أن يرد الآخر بل يرجع بحصة المستحق على البائع مع أنه تفريق الصفقة على المشتري والضرر الذي لزم البائع جاء من تدليسه لما قدمنا من أن الظاهر أن البائع عالم بحال المبيع وصار كما لو سمى لكل واحد ثمنا أو شرط الخيار في أحدهما لنفسه ثم هذا فيما يمكن إفراد أحدهما دون الآخر في الانتفاع كالعبدين أما إذا لم يكن في العادة كنعلين أو خفين أو مصراعي باب فوجد بأحدهما عيبا فإنه يردهما أو يمسكهما بالإجماع لأنهما في المعنى والمنفعة كشيء واحد والمعتبر هو المعنى وفي الإيضاح والفوائد الظهيرية ولهذا قال مشايخنا لو اشترى زوجي ثور وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا وقد ألف أحدهما الآخر بحيث لا يعمل دونه لا يملك رد المعيب خاصة قوله ومن اشترى شيئا مما يكال كالحنطة والتمر أو يوزن كالسمن والزعفران وغير ذلك فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله ومراده إذا كان الإطلاع على العيب بعد القبض أما لو كان قبله فلا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما كالثياب والعبيد من أنه يرد الكل أو يحبس الكل بخلاف ما بعد القبض فإنه يجوز رد المعيب خاصة في غير المكيل والموزون دونهما وإنما قلنا بعد القبض يرد الكل لأن المكيل إذا كان من جنس واحد كالحنطة أو الشعير فهو كشيء واحد فإن الإنتفاع والتقوم لا يتحقق بآحاد حبات القمح منفردة بل مجتمعة فكانت الآحاد المتعددة منها كالشيء الواحد ثوب أو بساط ونحوه ألا ترى أنه يسمى المتعدد منه المجتمع باسم واحد كالكر والوسق والصبرة فلا يتمكن من رد البعض خاصة كما لا يتمكن من رد بعض الثوب بخلاف الثوبين والعبدين فإنه بعد قبضهما يرد المعيب خاصة لأنهما شيئان حقيقة وتقوما وانتفاعا لا يوجد إفراد أحدهما عن الآخر عيبا حادثا فيه قيل هذا يعني كونه يرد الكل إذا كان في وعاء واحد أما لو كان في وعاءين كما إذا اشترى عدلي حنطة صفقة فوجد بأحدهما عيبا فإنه يرد ذلك العدل خاصة
____________________
(6/388)
كما ذكره فخر الإسلام قال لأن تمييز المعيب من غيره يوجب زيادة عيب في المعيب فإنه إذا كان مختلطا بالجيد يكون أخف عيبا مما إذا انفرد فلو رد كان مع عيب حادث عند المشتري بخلاف ما إذا كان في وعاءين فرد أحدهما بعينه فإنه لا يوجب زيادة عيب قال الفقيه أبو الليث هذا التأويل يصح على قول محمد خاصة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف لا على قول أبي حنيفة فإنه روى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد أن رجلا لو اشترى أعدالا من تمر فوجد بعدل منها عيبا فإن كان التمر كله من جنس واحد ليس له أن يرد المعيب خاصة لأن التمر إذا كان من جنس فهو بمنزلة شيء واحد وليس له أن يرد بعضه دون بعض وذكر الناطفي رواية بشر بن الوليد لو اشترى زقين من سمن أو سلتين من زعفران أو حملين من القطن أو الشعير وقبض الجميع له رد المعيب خاصة إلا أن يكون هذا والآخر سواء فإما أن يرده كله أو يترك كله فقد رأيت كيف جعل التمر أجناسا مع أن الكل جنس التمر فعلى هذا يتقيد الإطلاق أيضا في نحو الحنطة فإنها تكون صعيدية وبحرية وهما جنسان يتفاوتان في الثمن والعجين ويتقيد إطلاق فخر الإسلام أن في الأعدال يرد المعيب خاصة بأن ذلك إذا كان باقي الأعدال من غير ذلك الجنس مما هو مندرج تحت مطلق جنسه بأن يكون بعض الأعدال برنيا وبعضها لبانة فيرد ذلك خاصة أما إذا كان الأعدال من جنس واحد بأن يكون كلها برنيا أو صيحانيا أو لبانة أو عراقية فيرد الكل والصبرة كالعدل الواحد وإن كثرت لجريان ما ذكرنا من وجه منع رد المعيب وحده فيها قوله ولو استحق بعضه أي بعض المكيل أو الموزون فلا خيار للمشتري في رد ما بقي بل يلزمه أن لا يرده وروى عن أبي حنيفة أن له رده دفعا لضرر مؤنة القسمة وجه الظاهر أنه لا يضره التبعيض لا في القيمة ولا في المنفعة أما في القيمة فإن المد من القمح يباع على وزان ما يباع به الأردب والغرارة وأما في المنفعة فظاهر فلا يتضرر به بخلاف غيره فإنه إن كان مما يفصل يصير معيبا بتبعيضه فإن الفضلة من الثوب كالذراع إذا نودي عليه في السوق لا تبلغ قيمته متصلا بباقي الثوب وإن كان مما لا يفصل كالعبد يصير معيبا بعيب الشركة بخلاف المكيل لا يتعيب بالشركة فإنهما إن شاءا اقتسماه في الحال وانتفع كل بنصيبه كما يجب ومؤنة القسمة خفيفة وقد تكون بكيل عبدهما وغلامهما وقوله والإستحقاق
____________________
(6/389)
لا يمنع تمام الصفقة جواب عن سؤال هو أنه ينبغي أن يكون له رد ما بقي في صورة الإستحقاق كي لا يلزم تفريق الصفقة على المشتري للمستحق عليه فأجاب بأن تفريق الصفقة إنما يمتنع قبل التمام لا بعده وقد تحقق تمام هذه الصفقة حيث تحقق القبض ولم يظهر بعد ذلك إلا الإستحقاق والإستحقاق لا يمنع تمامها لأن تمامها برضا العاقد وقد تحقق لا برضا المالك يعني المستحق ولذا قلنا إذا أجاز المستحق لبدل الصرف ورأس مال السلم بعد افتراق العاقدين يبقى العقد صحيحا فعلم أن تمام العقد يستدعى تمام رضا العاقد لا المالك وقوله وهذا أي كون الإستحقاق لا يوجب خيار الرد إذا كان بعد القبض أما إذا كان قبل القبض فله أن يرد الباقي لتفرق الصفقة عليه قبل التمام لأن تمامها بعد الرضا بالقبض ولو كان المستحق ثوبا ونحوه كعبد وكتاب فله الخيار لأن التشقيص في الثوب عيب والشركة في العبد عيب فله الخيار بين رد الكل أو بقائه شريكا لا يقال ينبغي أن لا يثبت له خيار رد الكل لأنه حدث عنده عيب بالإستحقاق وأجاب بقوله وقد كان إلى آخره أي هذا العيب أعني عيب الشركة كان ثابتا وقت البيع وإنما تأخر ظهوره والظهور فرع سابقة الثبوت فلم يحدث العيب عند المشتري بل ظهر عنده فلم يمنع الرد بخلاف تمييز الجيد من الردىء في المكيل إذا كان في وعاء واحد أو كان صبرة فإنه عيب حدث عنده فلا يمكنه إلا رد الكل قوله ومن اشترى جارية فوجد بها قرحا ونحوه من مرض أو عرض فداواها أو كانت دابة فركبها في حاجة نفسه وفي بعض النسخ حاجته فهو رضا لأن ذلك دليل قصد الإستبقاء بخلاف خيار الشرط إذا ركب فيه مرة لحاجة نفسه أو لبس الثوب مرة لا يكون مسقطا للخيار لأن ذلك الخيار للإختبار وهو بالإستعمال فلا يكون ركوبه لحاجته مرة أو الإستخدام مرة مسقط
____________________
(6/390)
مرة مسقط له فصار جنس هذه المسائل أن كل تصرف من المشتري يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به يمنع الرد والأرش فمن ذلك العرض على البيع والإجارة واللبس والركوب لحاجته والمداواة والدهن والكتابة والإستخدام ولو مرة بعد العلم بالعيب بخلاف خيار الشرط فإنه لا يسقط إلا بالمرة الثانية لأن الأولى للإختيار الذي لأجله شرع الخيار فلم تكن الأولى دليل الرضا أما خيار العيب فشرعيته للرد ليصل المشتري إلى رأس ماله إذا عجز عن وصول الجزء الفائت إليه فبالمرة الأولى فيه لا يصرفها عن كونها دليل الرضا صارف هذا بالإتفاق إنما الخلاف فيما إذا أخر الرد مع القدرة عليه بالتراضي أو بالخصومة بأن كان هناك حاكم فلم يفعل ولم يفعل ما يدل على الرضا فعندنا لا يبطل خيار الرد منه وعند الشافعي يبطل والتقييد بحاجته لأنه لو ركبها ليسقيها أو يردها على بائعها أو يشتري لها علفا فليس برضا وله الرد بعد ذلك أما الركوب للرد فإنه سبب الرد فإنه لو لم يركبها احتاج إلى سوقها فربما لا تنقاد أو تتلف مالا في الطريق للناس ولا يحفظها عن ذلك إلا الركوب والجواب في السقي وشراء العلف محمول على حاجته إلى ذلك فيهما لأنها قد تكون صعبة ففي قودها ليسقيها أو يحمل عليها علفها ما ذكرناه مع كونه قد يكون عاجزا عن المشي أو لكون العلف في عدل واحد فلا يتمكن من حملها عليها إلا إذا كان راكبا وتقييده بعدل واحد لأنه لو كان في عدلين فركبها يكون الركوب رضا ذكره قاضيخان وغيره ولا يخفى أن الإحتمالات التي ذكرنا في ركوبها للسقي أنها لا تمنع الرد معها تجري فيما إذا كان العلف في عدلين ثم ركبها فلا ينبغي أن يطلق امتناع الرد إذا كان العلف في عدلين ولو اختلفا فقال البائع ركبتها لحاجة نفسك وقال المشتري لأردها عليك فالقول قول المشتري فأما لو قال البائع ركبتها للسقي بلا حاجة لأنها تنقاد وهي ذلول ينبغي أن يسمع قول المشتري لأن الظاهر أن المسوغ للركوب بلا إبطال حق الرد خوف المشتري من شيء مما ذكرنا لا حقيقة الجموح والصعوبة والناس يختلفون في تخيل أسباب الخوف فرب رجل لا يخطر بخاطره شيء من تلك الأسباب وآخر بخلافه نعم لو حمل عليها علفا لغيرها كان رضا ركبها أو لم يركبها
فرع وجد بالدابة عيبا في السفر وهو يخاف على حمله عليها ويرد بعد انقضاء سفره وهو معذور
____________________
(6/391)
قوله ومن اشترى عبدا قد سرق عند البائع وعلى ما ذكرنا مما وقع في المطارحة لا فرق بين أن يسرق عند البائع أو غيره ولم يعلم المشتري به أي بفعله السرقة لا وقت البيع ولا وقت القبض وستأتي فائدة هذا القيد فقطع عند المشتري فله أن يرده على بائعه ويأخذ الثمن كله منه عند أبي حنيفة هكذا في عامة شروح الجامع الصغير وفي روايات المبسوط يرجع بنصف الثمن ووفق بما ذكرنا في المبسوط حيث قال وعند أبي حنيفة يرجع بنصف الثمن بأن القطع كان مستحقا بسبب كان عند البائع واليد من الآدمي نصفه فينتقض قبض المشتري في النصف فيثبت للمشتري الخيار إن شاء رجع بنصف الثمن وإن شاء رد ما بقي ورجع بجميع الثمن كما لو قطعت يده عند البائع ولما ثبت الخيار بين رده وإمساكه كان قول من قال يأخذ الثمن كله منصرفا إلى اختياره رد العبد المقطوع وقول من قال يرجع بنصف الثمن منصرفا إلى اختياره إمساكه وفي شرح الطحاوي للإسبيجابي لو قطعت يده بعد القبض إلى آخر الصورة إن شاء رضي بالعبد الأقطع بنصف الثمن وإن شاء ترك وفي قول أبي يوسف ومحمد لا يرده ولكنه يرجع بنقصان العيب بأن يقوم عبدا وجب عليه القطع وعبدا لم يجب عليه القطع ويرجع بإزاء النقصان من الثمن إلا إذا رضي البائع أن يرده فيرده ويرجع بجميع الثمن وحينئذ فلا يخفى ما في نقل المختصر في جواب المسئلة كالمصنف أن له أن يرده ويرجع بالكل وما في نقل المؤتلف والمختلف فيما إذا قطعت يده عند المشتري بسرقة عند البائع أنه يرجع بنصف الثمن من الإيقاع في الإلباس وأقرب ما يظن أنهما روايتان عنه لولا ما ظهر من الجواب المفصل ابتداء كما ذكرنا وعبارة الهداية أخف فإنه قال فله أن يرده ويأخذ الثمن فإنها لا تمنع أن له شيئا آخر لكن لا يجوز الإقتصار على هذا إلا إذا كان ماله من الآخر المسكوت عنه متفقا عليه فاقتصر على محل الخلاف لكن الفرض أن الخلاف ثابت في الآخر وهو إذا أمسكه فإنه يأخذ النصف عنده وعندهما لا بل يرجع بالنقصان ويمسكه وقوله وعلى هذا الخلاف إذا قتل بسبب وجد عند البائع
____________________
(6/392)
من قتل عمدا أو رده ونحو ذلك يعني قتل عند المشتري يرجع بكل الثمن حتما وعندهما يقوم حلال الدم وحرامه فيرجع بمثل نسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن قال المصنف فالحاصل أنه أي القطع والقتل أي ثبوته في العبد بمنزلة الإستحقاق ولو استحق كله رجع بالكل أو نصفه كان بالخيار بين أن يرد الباقي ويرجع بالكل وبين أن يرجع بنصف الثمن ويمسك النصف فكذا هنا وعندهما ذلك بمنزلة العيب وفي المبسوط فإن مات العبد من ذلك القطع قبل أن يرده لم يرجع إلا بنصف الثمن لأن النفس ما كانت مستحقة في يد البائع لينتقض قبض المشتري في النصف لهما أن الموجود عند البائع سبب القتل والقطع وثبوت سبب ذلك لا ينافي مالية العبد ولذا صح بيعه وعتقه ولو مات كان الثمن مقررا على المشتري وليس لولي القصاص حق في ماليته ولذا لو كان ولي القصاص يأبى شراء المشتري إياه صح شراؤه ولو كان له حق في ماليته لم يصح كما لو أبى المرتهن بيع عبد الرهن لم يصح لتعلق حق المرتهن بالمالية فعرف أن استحقاق العقوبة متعلق بآدميته لا بماليته والإستحقاق باعتبار المالية بالقتل وهو فعل أنشأه المستوفى باختياره في النفس بعد ما دخل في ضمان المشتري وبه لا ينتقض قبض المشتري لأنه يتعلق بالمال المبيع وينتقض بأخذ المستحق له لأنه فيه من حيث هو مال فكان استيفاء العقوبة عيبا حادثا في يده فمنع الرد فيرجع بالنقصان وصار كما إذا اشترى حاملا لا يعلم بحملها وقت الشراء ولا وقت القبض فماتت عنده بالولادة فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملا وغير حامل ولفظة إلى في قوله إلى غير حامل ليس لها موقع وله أن سبب وجوب القطع والقتل وجد في يد البائع والوجوب يفضي إلى الوجود فيكون الوجود مضافا إلى سبب القطع والقتل وهو سرقته الكائنة في يد البائع وقتله فصار موته مضافا إليه وقطعه وصار كأنه قطع أو قتل عند البائع الذي عنده السبب وصار كالعبد المغصوب إذا رده الغاصب على مالكه بعد ما جنى عند الغاصب فقتل عند المالك بها أو قطع فإنه يرجع على الغاصب بتمام قيمته أو نصفها كما لو قتل عند الغاصب بجامع استناد الوجود إلى سبب الوجوب الكائن عند الأول وإذا كان كذلك فينتقض قبضه كما في الإستحقاق وصار سبب السبب بمنزلة علة العلة لفوات المالية فكان المستحق به كأنه المالية إلا أنه لا يظهر أثر ذلك إلا بحقيقته فعل الإستيفاء وقبله لا يتم في حق ذلك فتبقى المالية فيصح البيع ونحوه فأما إذا قتل فقد تم حينئذ الإستحقاق
____________________
(6/393)
وبطلت المالية فظهر أثره في نقض القبض فيرجع كما ذكرنا وما ذكر من المسئلة موت الحامل ممنوعة على قول أبي حنيفة بل يرجع على قوله بكل الثمن قاله القاضيان أبو زيد وفخر الدين قاضيخان رحمهما الله تعالى وإن لم يذكر الخلاف في كتاب البيوع من الأصل استدلالا بما ذكر في الجامع الصغير في الأمة المغصوبة إذا حبلت عند الغاصب ثم ردت فولدت في يد المالك وماتت له أن يضمن الغاصب جميع قيمتها فكذلك هنا عنده واقتصر المصنف عليه وإن سلمنا فنقول الموجود في يد البائع العلوق وإنما يوجب انفصال الولد لا الهلاك ولا يفضي إليه غالبا بل الغالب السلامة فليس هنا وجوب يفضي إلى الوجود فهو نظير موت الزاني من الجلد بخلاف مسئلة الغصب لأن الرد لم يصح لأن شرط صحته أن يردها كما أخذها ولم يوجد فصار كما لو هلكت في يد الغاصب وهنا الحبل لا يمنع من التسليم إلى المشتري ثم إن تلف بعد ذلك بسبب كان الهلاك به مستحقا عند البائع فينتقض قبض المشتري فيه وإن لم يكن مستحقا لا ينتقض ونوقض بمسائل الأولى إذا اشترى جارية محمومة فلم يردها حتى ماتت عنده بالحمى لا يضاف إلى السبب السابق حتى لا يرجع بكل الثمن بل بالنقصان مع أن موتها بسبب الحمى التي كانت عند البائع وثانيها إذا قطع البائع أو غيره يد العبد ثم باعه ولم يعلم به المشتري فمات العبد منه عند المشتري يرجع بالنقصان لا بالثمن وثالثها ما إذا زوج أمته البكر ثم باعها وقبضها المشتري ولم يعلم بالنكاح ثم وطئها الزوج لا يرجع بنقصان البكارة وإن كان زوال البكارة بسبب كان عند البائع ورابعها لو زنى العبد عند البائع فجلد في يد المشتري فمات منه لا يرجع على البائع بالثمن وإن كان موته بسبب كان عند البائع وخامسها لو سرق عند البائع فقطعت يده عند المشتري فسرى القطع فمات يرجع بنصف الثمن لا بكله وإن كان موته بسبب كان عند البائع أجيب بأن الجارية لا تموت بمجرد الحمى بل بزيادة الألم وذلك بسبب آخر عند المشتري لا في يد البائع فليس مما نحن فيه وأما الثانية فلأن البيع لما ورد على قطع البائع أو الأجنبي قطع سراية القطع لأن السراية حق البائع فتنقطع ببيع من له السراية وفيما نحن فيه السراية لغير من كان البيع منه فيمتنع انقطاع السراية بالبيع وأما الثالثة فإن البكارة لا تستحق بالبيع حتى لو وجدها ثيبا لا يتمكن من الرد إذا لم يكن شرط البكارة فعدمها من باب عدم وصف مرغوب فيه لا من باب وجود العيب وعن الرابعة بأن المستحق هو الضرب المؤلم واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل وموته بذلك الضرب إنما هو لعارض عرض في يد المشتري وهو خرق الجلاد أو ضعف المجلود فلم تكن تلك الزيادة مستوفاة حدا مستحقا وأما الخامسة فقد تقدم جوابها من المبسوط قوله ولو سرق في يد البائع ثم في يد المشتري فقطع بهما أي بالسرقتين جميعا فعندهما يرجع بالنقصان أي نصان عيب السرقة الموجودة عند
____________________
(6/394)
البائع وعند أبي حنيفة رحمه الله ليس له أن يرده بلا رضا البائع للعيب الحادث وهو السرقة عند المشتري والقطع بهما كقولهما ولكن إن رضي البائع كذلك رده ورجع بثلاثة أرباع الثمن وإن لم يرض به أمسكه ورجع بربع الثمن لأن اليد في الآدمي نصفه في حق الإتلاف وقد تلفت بالسرقتين الكائنتين عندهما فيتوزع نصف الثمن بينهما نصفين فيسقط ما أصاب المشتري ويرجع بالباقي إن رده بأن رضيه البائع وذلك ثلاثة أرباع الثمن وبربعه إن أمسكه بأن لم يرض البائع لأن نصف النصف لزم المشتري فيسقط عن البائع وهذا لأن البائع إنما قبله أقطع معيبا لا مع أن يتحمل ما لزم المشتري من النقصان بالسبب الكائن عنده بل يتوزع النقصان عليهما كما في الغاصب للعبد إذا سرق عنده ثم رده فسرق عند المالك فقطع بالسرقتين فإنما يرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة قوله ولو تداولته الأيدي بعد أن سرق عند البائع ثم تداولته الأيدي بعده ثم قطع عند الأخير بتلك السرقة رجع الباعة بعضهم على بعض بالثمن كما في الإستحقاق عند أبي حنيفة لأنه أجراه مجرى الإستحقاق ولا يخفى أن هذا إذا اختار الرد لأنك علمت أن حكم المسئلة عنده أنه بالخيار بين أن يرده ويرجع بالكل أو يمسكه ويرجع بنصف الثمن فيرجع بعضهم على بعض بنصف الثمن وعندهما يرجع الأخير الذي قطع في يده على بائعه بالنقصان ولا يرجع بائعه على بائعه لأنه بمنزلة العيب أما رجوع الأخير فلأنه لما لم يبعه لم يصر حابسا للمبيع مع إمكان الرد بالعيب وعلمت أن بيع المشتري للمعيب حبس
____________________
(6/395)
للمبيع سواء علم بالعيب أو لم يعلم فلا يمكنه الرد بعد ذلك وقوله في الكتاب أي الجامع الصغير ولم يعلم به أي وقت البيع ولا وقت القبض يفيد على قولهما لأنه عيب والعلم بالعيب عند البيع أو القبض مسقط للرد والأرش وأما عنده فعنه روايتان في رواية كقولهما فلا يرجع إذا علم باستحقاق يده أو نفسه قال المصنف تبعا لشمس الأئمة الصحيح أنه يرجع وإن علم بسرقته أو إباحة دمه وقت البيع أو القبض لأن هذا بمنزلة الإستحقاق من وجه والعيب من وجه فلشبهه بالإستحقاق قلنا يرجع بكل الثمن إذا لم يعلم ولشبهه بالعيب لا يرجع عند العلم بشيء عملا بالشبهين ونظر فيه بعضهم بأن هذا عيب لأنه موجب لنقصان الثمن وكونه أجرى مجرى الإستحقاق لا يخرجه عن كونه عيبا قوله ومن باع عبدا الخ ليس العبد بقيد فإن البيع
____________________
(6/396)
بشرط البراءة من كل عيب صحيح في الحيوان وغيره ويبرأ البائع به من كل عيب قائم وقت البيع معلوم له أو غير معلوم ومن كل عيب يحدث إلى وقت القبض أيضا خلافا لمحمد في الحادث وأجمعوا أن البيع لو كان بشرط البراءة من كل عيب به لا يدخل الحادث في البراءة وللشافعي قول كقولنا وقول إنه لا يبرأ من عيب أصلا وثالثها وهو الأصح أنه يبرأ ويروى عن مالك يبرأ البائع في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه لما روى أن ابن عمر رضي الله عنهما باع عبدا من زيد بن ثابت بشرط البراءة فوجد زيد به عيبا فأراد رده فلم يقبله ابن عمر فترافعا إلى عثمان رضي الله عنه فقال عثمان لابن عمر أتحلف أنك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه والفرق أن كتمان المعلوم تلبيس بخلاف غير المعلوم وأما في غير الحيوان فلا يبرأ من عيب ما فذكر المصنف خلافه مطلقا هو أحد أقواله قال وهذا بناء على مذهبه أن الإبراء عن الحقوق المجهولة لا يصح فنصب الخلاف في المبنى فقال هو يقول في الإبراء معنى التمليك ولهذا يرتد بالرد حتى لو أبرأ من له الدين مديونه فرده المديون لم يبرأ وكذا لا يصح تعليق الإبراء لما فيه من معنى التمليك وتمليك المجهول لا يصح ولأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الغرر وهذا بيع الغرر لأنه لا يدري أن المبيع على أي صفة هو ولأنه شرط على خلاف مقتضى العقد لأن مقتضاه سلامة المبيع فهو كشرط عدم الملك ولنا أن الإبراء إسقاط حق يتم بلا قبول كالطلاق والعتاق بأن طلق نسوته أو أعتق عبيده ولم يدر كم هم ولا أعيانهم كأن ورث عبيدا في غير بلده أو زوجه وليه صغيرا فبلغ وهي في غير بلده ولذا لا يصح تمليك الأعيان بلفظ الإبراء ويصح الإبراء بلفظ الإسقاط كأن يقول
____________________
(6/397)
أسقطت عنك ديني عليك والإسقاط لا يبطله جهالة الساقط لأن جهالته لا تفضي إلى المنازعة وإن كان في ضمنه التمليك فأظهرنا أثره في صحة رده وعدم تعليقه بالشرط فانتفى المانع ووجد المقتضى وهو تصرف العاقل البالغ بإسقاط حقوقه بخلاف التمليك فإن جهالة المملك فيه تمنع من التسليم فلا تترتب فائدة التصرف عليه أما الإسقاط فإن الساقط يتلاشى فلا يحتاج إلى تسليم فظهر أن المبطل لتمليك المجهول ليس الجهالة بل عدم القدرة على التسليم ولذا جاز بيع قفيز من صبرة وإنما امتنع بيع شاة من قطيع للمنازعة في تعيين ما يسلمه للتفاوت وأما عدم الصحة في قوله أبرأت أحدكما فلجهالة من له الحق كما لم يصح قوله لرجل علي ألف وصح لفلان علي شيء ويلزم بالتعيين على أن من المشايخ من أجازه وألزمه بالتعيين كطلاق إحدى زوجتيه وجه المختار أن الطلاق بعد وقوعه لا جهالة فيه وكذا العتاق لمن له الحق لأنه الله تبارك وتعالى ولذا لو اتفقا على إبطاله لم يبطل ويدل على ما قلنا حديث علي رضى الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني خزيمة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعث أولا خالد بن الوليد فقتل منهم قتلى بعد ما اعتصموا بالسجود فدفع صلى الله عليه وسلم إلى علي مالا فوداهم حتى ميلغة الكلب وبقي في يده مال فقال هذا لكم مما لا تعلمون ولا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر به وهو دليل جواز الصلح عن الحقوق المجهولة وروى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث درست فقال صلى الله عليه وسلم استهما وتواخيا الحق وليحلل كل واحد منكما صاحبه وفيه إجماع عملي للمسلمين لأن من حضره الموت في كافة الأعصار استحل من معامليه من غير نكير والمعنى الفقهي ما ذكرنا والغرور والله أعلم إيهام خلاف الثابت ومنه ولد المغرور للمغرور بحرية امرأة ليتزوجها وليست حرة وحين شرط البراءة من العيوب فقد نبهه على إبهام العيوب وبقائه في يده بها فلم يغره وقوله شرط ينافي مقتضى العقد وهو السلامة قلنا يوافق مقتضاه وهو اللزوم وكون السلامة مقتضاه إن أردت العقد المطلق سلمناه أو المقيد بشرط البراءة من العيوب إن كانت منعناه وإلا لزم أن
____________________
(6/398)
لا يصح شرط البراءة من العيوب المسماة إن ظهرت وجوازه اتفاقا وقوله ويدخل في هذه البراءة يعني البراءة المذكورة في الكتاب فإن الإشارة إليها وهي البراءة من كل عيب واحترز بالإشارة المذكورة عن البراءة من كل عيب به وقد ذكرنا أنه لا يبرأ عن العيب الحادث بالإجماع والمراد بقوله في قول أبي يوسف ظاهر الرواية عنه وهو قول أبي حنيفة وقال محمد لا يدخل فيه الحادث وهو قول زفر والحسن بن زياد والشافعي ومالك ورواية عن أبي يوسف لأن البراءة تتناول الثابت فتنصرف إلى الموجود عند العقد فقط ولأبي يوسف أن الملاحظ وهو المعنى والغرض ومعلوم أن الغرض من هذا الشرط إلزام العقد بإسقاط المشتري حقه عن وصف السلامة ليلزم على كل حال ولا يطالب البائع بحال وذلك بالبراءة عن كل عيب يوجب للمشتري الرد والحادث بعد العقد كذلك فاقتضى القرض المعلوم دخوله وأورد أنه ذكر في شرح الطحاوي أنه لو صرح بالبراءة من العيب الحادث لم يصح بالإجماع فكيف يصح من أبي يوسف إدخال الحادث بلا تنصيص وهو مع التنصيص عليه يبطله أجيب بمنع أنه إجماع بأن في الذخيرة إذا باع بشرط البراءة من كل عيب وما يحدث بعد البيع قبل القبض يصح عند أبي يوسف خلافا لمحمد وذكر في المبسوط في موضع آخر لا رواية عن أبي يوسف فيما إذا نص على البراءة من كل عيب حادث ثم قال وقيل ذلك صحيح عنده باعتبار أنه يقيم السبب وهو العقد مقام العيب الموجب للرد ولئن سلمنا فالفرق أن الحادث يدخل تبعا لتقرير غرضهما وكم من شيء لا يثبت مقصودا ويثبت تبعا ولو اختلفا في عيب أنه حادث بعد العقد أو كان عنده لا أثر لهذا عند أبي يوسف وعند محمد القول قول البائع مع يمينه على العلم أنه حادث لأن بطلان حق المشتري في الفسخ ظاهر بشرط البراءة وثبوت حق الفسخ بعيب حدث باطن فإذا ادعى باطنا ليزيل به ظاهرا لا يصدق إلا بحجة وعند زفر القول للمشتري لأنه هو المسقط لحقه فالقول في بيان ما أسقط قوله
فروع جمعها في الدراية شرط البراءة من كل عيب به أو خص ضربا من العيوب لم ينصرف إلى الحادث بالإجماع ويصح تخصيصه ولو شرطها من عيب واحد كشجة فحدث عند المشتري عيب أو موت فاطلع على عيب آخر كشجة أخرى فأراد أن يرجع بالنقصان لامتناع الرد بالعيب الحادث اعتبر أبو يوسف نفع حصول البراءة للبائع فجعل الخيار في تعيين العيب الذي يرد به إليه وجعله محمد للمشتري فيرد بأيهما شاء ولا يخفى أن هذا إذا لم يعين الشجة المتبرأ منها عند البيع بل أبرأه من شجة به أو عيب ولو أبرأه من كل غائلة فهي السرقة والإباق والفجور وكذا روي عن أبي يوسف ولو أبرأ من كل داء فعن أبي حنيفة الداء ما في الباطن في العادة وما سواه يسمى مرضا وقال أبو يوسف يتناول الكل وتقدم أول الباب ذلك وفي جمع التفاريق قطع الأصبع عيب
____________________
(6/399)
والأصبعين عيبان والأصابع مع الكف عيب واحد ولو قبل في الثوب بعيوبه يبرأ من الخروق وتدخل الرقع والرفو ولو تبرأ من كل سن سوداء تدخل الحمراء والخضراء ومن كل قرح تدخل القروح الدامية وفي المحيط أبرأتك من كل عيب بعينه فإذا هو أعور لا يبرأ لأنه عدمها لا عيب بها ولو قال أنا بريء من كل عيب إلا إباقه برىء من إباقه ولو قال الإباق فله الرد بالإباق ولو قال أنت برىء من كل حق لي قبلك دخل العيب هو المختار دون الدرك ولو قال المشتري ليس به عيب لم يكن إقرارا بانتفاء العيوب حتى لو وجد به عيبا رده ولو عين فقال ليس بآبق صح إقراره ولو وجد به عيبا فاصطلحا على أن يدفع أو يحط دينار أجاز ولو دفعه المشتري ليرد لم يجز لأنه ربا وزوال العيب يبطل الصلح فيرد على البائع ما بذل أو حط إذا زال ولو زال بعد خروجه عن ملكه لا يرده ولو صالحه بعد الشراء من كل عيب بدرهم جاز وإن لم يجد به عيبا ولو قال اشتريت منك العيوب لم يجز وحذف الحروف أو نقصها أو النقط أو الإعراب في المصحف عيب ولو وجد به عيبا فاصطلحا على أن يحط كل عشرة ويأخذ الأجنبي بما وراء المحطوط ورضي الأجنبي بذلك جاز وجاز حط المشتري دون البائع ولو قصر المشتري الثوب فإذا هو متخرق وقال المشتري لا أدري تخرق عند القصار أو عند البائع فاصطلحوا على أن يقبله المشتري ويرد عليه القصار درهما والبائع درهما جاز وكذا لو اصطلحا على أن يقبله البائع ويدفع له القصار درهما ويترك المشتري درهما قيل هذا غلط وتأويله أن يضمن القصار أولا للمشتري ثم يدفع المشتري ذلك للبائع وفي المجتبي أدخل المشتري القدوم في النار أو حد المنشار أو حلب الشاة أو البقرة لم يرد سواء كان في المصراة أو غيرها وفي المصراة يرد بقلة اللبن عند الشافعي ومالك وأحمد وزفر ورواية عن أبي يوسف والمصراة شاة ونحوها سد ضرعها ليجتمع لبنها ليظن المشتري أنها كثيرة اللبن فإذا حلبها ليس له ردها عندنا وهل يرجع بالنقصان في رواية الكرخي لا وفي رواية شرح الطحاوي يرجع لفوات وصف مرغوب فيه بعد حدوث زيادة منفصلة وقيل لو اختبرت هذه للفتوى كان حسنا لغرور المشتري بالتصرية ولو اغتر بقول البائع هي حلوب فتبين خلافه بعد الولادة يرجع فكذا هنا ولو وقف الأرض أو جعلها مسجدا ثم اطلع على عيب امتنع الرد والرجوع بالأرش عند محمد وعند أبي يوسف يرجع بالأرش ولو اشترى ضيعة مع غلاتها فوجدها معيبة ردها في الحال لأنه إن جمع غلاتها فهو رضا وإن تركها يزداد العيب فيمتنع الرد & باب البيع الفاسد
البيع جائز وغير جائز والجائز ثلاثة أنواع بيع الدين بالعين وهو السلم وبيع العين بالعين وهو المقايضة وبيع العين بالدين وهو البيع المطلق وغير الجائز ثلاثة أنواع باطل وفاسد وهو بيع ما ليس بمال الخمر والمدبر والمعدوم كالسمن في اللبن وغير مقدور التسليم كالآبق وموقوف حصره في الخلاصة في خمسة عشر بيع العبد والصبي المحجورين أي موقوف على إجازة المولى والأب أو الوصي وبيع غير الرشيد موقوف على إجازة القاضي
____________________
(6/400)
وبيع المرهون والمستأجر وما في مزارعة الغير يتوقف على إجارة المرتهن والمستأجر والمزارع فلو تفاسخا الإجارة أورد الرهن لوفاء أو إبراء لزمه أن يسلمه للمشتري وكذا بيع البائع المبيع بعد القبض من غير المشتري يتوقف على إجازة المشتري وقبل القبض في المنقول لا ينعقد أصلا حتى لو تفاسخا لا ينفذ وفي العقار على الخلاف المعروف وبيع المرتد عند أبي حنيفة والبيع برقمه وبما باع فلان والمشتري لا يعلم موقوف على العلم في المجلس وبيع فيه خيار المجلس وبمثل ما يبيع الناس وبمثل ما أخذ به فلان وبيع المال المغصوب ذكره محمد إن أقر الغاصب أو جحد وللمغصوب منه بينة تم البيع وبيع مال الغير ولتم ما يتعلق بالمرهون والمستأجر والمغصوب ذكر أنه إذا رجع الرهن والمستأجر إلى الراهن والمؤجر بفسخ أو بغيره يتم البيع وكذا إذا أجاز المستأجر والمرتهن فإن لم يجيزا وطلب المشتري من الحاكم فسخ العقد فسخه وللمشتري الخيار إذا لم يعلم الرهن والإجارة وقت البيع وكذا إن علم عند محمد وعند أبي يوسف إن علم ليس له حق الفسخ فقيل ظاهر الرواية قول محمد وقيل بل قول أبي يوسف وليس للمستأجر حق فسخ البيع بلا خلاف وفي المرتهن خلاف المشايخ وليس للراهن والمؤجر حق الفسخ ولو هلك المغصوب قبل التسليم انتقض البيع وهو الأصح وقيل لا لأنه أخلف بدلا وروى بشر عن محمد وابن سماعة عن أبي يوسف أنه يجوز ويقوم المشتري مقام المالك في الدعوى وعن أبي حنيفة روايتان وتقدم أن المزارعة والإجارة سواء أعني سواء كان البذر منه أولا فإن أجاز فلا أجر لعمله وفي النوازل فلو أجاز المزارع فكلا النصيبين للمشتري وكذا في الكرم وإن كانت الأرض فارغة في المزارعة ولم تظهر الثمار في الكرم جاز البيع وبه أخذ المرغيناني ذكره في المجتبى ثم وجه تقديم الصحيح عن الفاسد أنه الموصل إلى تمام المقصود فإن المقصود سلامة الدين التي لها شرعت العقود وليندفع التغالب والوصول إلى دفع الحاجة الدنيوية وكل منهما بالصحة وأما الفاسد فعقد مخالف للدين ثم إنه وإن أفاد الملك وهو مقصود في الجملة لكن لا يفيد تمامه إذ لم ينقطع به حتى البائع من المبيع ولا المشتري من الثمن إذ لكل منهما الفسخ بل يجب عليه ثم لفظ الفاسد في قوله باب البيع الفاسد وفي قوله إذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد مستعمل في الأعم من الفاسد والباطل فالشارحون على أن ذلك الفاسد أعم من الباطل لأن الفاسد غير المشروع بوصفه بل بأصله والباطل غير المشروع بواحد منهما ولا شك أنه يصدق على غير المشروع بواحد منهما أنه غير مشروع بوصفه وهذا يقتضي أن يقال حقيقة على الباطل لكن الذي يقتضيه كلام أهل الفقه والأصول أنه يباينه فإنهم قالوا إن حكم الفاسد إفادة الملك بطريقة والباطل لا يفيده أصلا فقابلوه به وأعطوه حكما يباين حكمه وهو دليل تباينهما وأيضا فإنه مأخوذ في مفهومه أو لازم له أنه مشروع بأصله لا وصفه وفي الباطل غير مشروع بأصله فبينهما تباين فإن المشروع بأصله وغير المشروع بأصله متباينان فكيف يتصادقان اللهم إلا أن يكون لفظ الفاسد مشتركا بين الأعم والأخص المشروع بأصله لا بوصفه في العرف لكن نجعله مجازا عرفيا في الأعم لأنه خير من الإشتراك وهو حقيقة فيه باعتبار المعنى اللغوي ولذا يوجه بعضهم الأعمية بأنه يقال للحم إذا صار بحيث لا ينتفع به للدود والسوس بطل اللحم وإذا أنتن وهو بحيث ينتفع به فسد اللحم فاعتبر معنى اللغة ولذا أدخل بعضهم أيضا
____________________
(6/401)
في البيع الفاسد بشموله المكروه لأنه فائت وصف الكمال بسبب وصف مجاور ثم الفاسد بالمعنى الذي يعم الباطل يثبت بأسباب منها الجهالة المفضية إلى المنازعة في المبيع أو الثمن فخرج نحو جهالة كمية قفزان الصبرة وعدد الدراهم فيما إذا بيع صبرة طعام بصبرة دراهم وبعدم ملك المبيع للبائع والفساد بمعنى البطلان إلا في السلم أو مع الملك لكن قبل قبضه ومنها العجز عن التسليم أو التسلم إلا بضرر كجذع من سقف ومنها الغرر كضربة القانص والشرط الفاسد بخلاف الصحيح وتدخل فيه صفقتان في صفقة كبيعه كذا على أن يبيعه كذا والإتباع مقصودا كحبل الحبلة تدخل في عدم الملك وبيع الأوصاف كإلية شاة حية يرجع إلى ما في تسليمه ضرر إذ لا يمكن شرعا إلا بذبحها إذ في قطعها حية عجز عن التسليم لأنها تصير ميتة يبطل بيعها وكون البيع من البائع بما هو من جنس ثمن المبتاع به وهو أقل منه قبل نقد الثمن وعدم التعيين في بيع كبيع هذا بقفيز حنطة أو شعير مستدرك لدخوله في جهالة الثمن قوله إذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد كالبيع بالميتة والدم والخنزير والخمر وكذا إذا كان أحدهما غير مملوك كالحر هذا لفظ القدوري وقد ذكرنا آنفا أن لفظ فاسد يراد به ما هو أعم من الباطل لأن أحد العوضين يصدق على كل من المبيع والثمن إما حقيقة أو تغليبا كما قيل بناء على أن العوض خاص بالمبيع لأنه يراد
____________________
(6/402)
به المعوض ولا شك أن المبيع إذا كان محرما لا يصح فإن كان مالا فالبيع باطل كالخمر وكذا الثمن إذا كان محرما ميتة فهو باطل فلذا قال المصنف رحمه الله هذه فصول جمعها أي في حكم واحد وهو الفساد والواقع أن فيها تفصيلا يعني ليس كلها فاسدا فإن منها ما هو باطل وهذا مما يبين لك أن المعروف في عرف فقهائنا التباين بين الباطل والفاسد فإن الأعم لا ينفي عن الأخص قال فنقول البيع بالميتة والدم باطل لا فاسد بإجماع علماء الأمصار وكذا بالحر بأن يجعل الميتة والحر ثمنا لثوب مثلا وذلك لانعدام ركن البيع الذي هو مبادلة المال بالمال فإن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد يعني ممن له دين سماوي فلذا كان البيع بالحر باطلا وإن كان مالا عند بعض الناس وأما البيع بالخمر والخنزير ففاسد لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال فإنه أي كلا من الخمر والخنزير مال عند البعض وهم أهل الذمة كما سيصرح به في وجه الفرق حيث قال إنه مال لأهل الذمة لحلها عندهم وهذا من المصنف يفيد انتفاء المالية عنها بالكلية في شرعنا وهو كذلك غاية الأمر أن الإصطلاح على تسمية البيع بثمن هو مال في بعض الأديان فاسد وبما ليس مالا في دين سماوي باطل وهذا سهل وإنما الإشكال في جعل حكمه الملك قلنا فيه نظر نذكره إن شاء الله تعالى ثم قال أما بيع الخمر والخنزير يعني إذا جعلا مبيعا فإن كان بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل وإن كان بعين بيع المقايضة ففاسد والفرق أن الخمر مال في الجملة في شرع ثم أمر بإهانتها في شرع نسخ الأول وفي تملكه بالعقد مقصودا إعزاز له حيث اعتبر المقصود من تصرف العقلاء بخلاف جعله ثمنا وإذا بطل كون الخمر مبيعا فلأن يبطل إذا جعل الميتة والحر مبيعا أولى ومقتضى هذا أن يبطل في المقايضة بطريق أولى لأن كلا منهما مبيع لكن لما كان كل منهما ثمنا أيضا كما أن كلا منهما مبيع ثبت صحة اعتبار الثمنية والمبيعية في كل منهما فاعتبر الخمر ثمنا والثوب مبيعا والعكس وإن كان ممكنا لكن ترجح هذا الإعتبار لما فيه من الإحتياط للقرب من تصرف العقلاء المكلفين باعتبار الإعزاز للثوب مثلا فيبقى ذكر الخمر معتبرا لإعزاز الثوب لا الثوب للخمر فوجب قيمة الثوب لا الخمر ولا فرق بين أن تدخل الباء على الثوب أو الخمر في جعل الثوب المبيع وجه البطلان في بيع هذه الأشياء النص لقوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ومعنى أعطي به أعطي ذمة من الذمات ذكره في صحيح البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح لعن الله الخمر إلى أن قال وبائعها وفي الصحيحين لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها فأكلوا ثمنها وحديث إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه وأما الإجماع فظاهر ثم المراد بالميتة التي يبطل العقد بها وعليها التي ماتت حتف أنفها أما المنخنقة والموقوذة فهي وإن كانت في حكم الميتة شرعا فإنا نحكم بجوازها إذا وقعت بينهم لأنها مال عندهم كالخمر كذا ذكره المصنف في التجنيس مطلقا عن الخلاف وفي جامع الكرخي يجوز بينهم عند أبي يوسف خلافا لمحمد وجه قول محمد أن أحكامهم كأحكامنا شرعا إلا ما استثنى بعد الأمان والذي استثنى الخمر والخنزير فيبقى ما سوى ذلك
____________________
(6/403)
الأصل واتفق الرواة عن أبى حنيفة أن بيع الأشربة المحرمة تجوز إلا الخمر ومنعا جواز كل ما حرم شربه وثبوت الضمان على القولين فرع الاختلاف في جواز البيع وقوله في الذخيرة في المنخنقة ونحوها البيع فاسد لا باطل صحيح لأنها وإن كانت ميتة عندنا فهي مال عند أهل الذمة فيجب أن البيع فاسد فكانت كالخمر ثم الباطل لا يفيد ملك التصرف ولو هلك المبيع في يد المشترى فيه أي في البيع الباطل يكون أمانة عند بعض المشايخ هو أبو نصر بن أحمد الطواويسى وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة لأن العقد غير معتبر فبقى مجرد القبض بإذن المالك وذلك لا يوجب الضمان وعند البعض كشمس الأئمة السرخسى وغيره يكون مضمونا بالمثل أو القيمة وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء وقيل الأول قول أبى حنيفة رحمة الله والثاني قولهما كالخلاف الكائن بينهم في أم الولد والمدبر إذا بيعا فماتا عند المشتري لا يضمنهما عند أبي حنيفة ويضمنهما عندهما والمقبوض على سوم الشراء هو المأخوذ ليشتري مع تسمية الثمن بلا إبرام بيع كأن يقول اذهب بهذا فإن رضيته اشتريته بعشرة فإذا هلك ضمن قيمته فإذا ضمن هذا مع أنه لم يوجد فيه صورة العلة فلأن يضمن فيما نحن فيه مع أنه وجد ذلك أولى ولمن ينصر المروى عنه من عدم الضمان أن الضمان في المقبوض على سوم الشراء إن قلت إنه عند صحة كون المسمى ثمنا كالدراهم على ما ذكرنا من قوله إن رضيته اشتريته بعشرة سلمناه وهو منتف في تسمية المحرم كالخمر وإن قلت عند التسمية مطلقا منعاه فيجب تفصيله وهو أنه إن كان البطلان لعدم مالية الثمن أصلا لا يضمن وإن كان لعدم المبيع كما لو باعه على أنه ياقوت فإذا هو زجاج بثمن صحيح دراهم مثلا فقبضه يصير مضمونا والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به إذا كان القبض بإذن المالك باتفاق الروايات فيملكه ويصير مضمونا عليه بالمثل إن كان مثليا أو القيمة وكذا إذا
____________________
(6/404)
قبضه في مجلس العقد بغير إذنه على الصحيح وفي غير مجلس العقد هل يملكه سيأتى تمام هذه المسائل في أحكام البيع الفاسد وكذا الخلاف في أن المملوك التصرف أو العين ووجه لزوم القيمة وما عليه من الإشكال وقوله وفيه أي في ثبوت الملك بالقبض في البيع الفاسد خلاف الشافعى وكذا مالك وأحمد باعتبار أن الفاسد هو
____________________
(6/405)
عندهم الباطل وسيبينه المصنف في فصل أحكام البيع الفاسد أي يبين الوجه من الجانبين قوله وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد هذا لفظ القدورى قال المصنف ومعناه باطل لأن استحقاق الحرية بالعتق ثابت لكل منهم بجهة لازمة على المولى بقوله صلى الله عليه وسلم في أم الولد أعتقها ولدها وأقل ما يقتضيه هذا اللفظ ثبوت استحقاقها العتق على وجه اللزوم وبتصحيح التدبير شرعا وتصحيحه يوجب انعقاد التدبير سببا للعتق في الحال لانتفاء أهلية الإعتاق عن السيد بعد موته والإجماع على عتقه بعده بذلك اللفظ فكان ذلك اللفظ سببا في الحال
____________________
(6/406)
والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى حتى لا يملك فسخ الكتابة فلو ثبت الملك للمشتري بالبيع بطل ذلك كله فلا يجوز البيع وما لا يفيد الملك من البيع فهو باطل وذكر في الأصل حديث سعيد بن المسيب قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث وقال لا يبعن في دين وحديث أعتقها ولدها تقدم في باب الاستيلاد وإذا كان أقل ما يوجبه هذا اللفظ ثبوت استحقاق الحرية على وجه لازم فالمجاز مراد منه بالإجماع ولو رضى المكاتب ففيه روايتان والأظهر جواز بيعه وتنفسخ الكتابة في ضمنه لأن اللزوم كان لحقه وقد رضى بإسقاطه والمراد بالمدبر المدبر المطلق وتقدم خلاف الشافعى رحمه الله في جواز بيعه في كتاب العتاق أما المقيد فجواز بيعه اتفاق واستشكل حكم المصنف بأن بيع المدبر وأخويه باطل فإنه يوجب كونهم كالحر ولو كانوا كالحر لبطل بيع القن إذا جمع مع مدبر أو أم ولد أو مكاتب كما إذا ضم إلى حر وهو منتف بل يصح بيع القن ويلزم مشتريهما حصته من الثمن المسمى وأجيب بأن المراد من قوله باطل أنهم لا يملكون بالقبض كما لا يملك الحر فكانوا مثله فلو قال فاسد ظن أنهم يملكون وأما تملك القن المضموم إليهم فلدخولهم في البيع لصلاحيتهم لذلك بدليل جواز بيع المدبر من نفسه ولذا لو قضى قاض بجواز بيعه نفذوكذا أم الولد عند أبى حنيفة وأبى يوسف في أصح الروايتين وهذا الجواب ربما يوهم أنه بيع فاسد ولكنه خص حكم الفاسد بعدم الملك بالقبض والحق أن لا حاجة إلى الحكم بتخصيص فهو باطل وحكمه
____________________
(6/407)
حكمه وجاز أن يختلف إفراد نوع شرعى في الحكم الشرعى لخصوصية فإن قيل التخصيص لازم على كل حال فإنه إن كان فاسدا فلا يملك بالقبض فهو تخصيص وإن كان باطلا فهو يدخل في البيع حتى ملك القن المضموم إليه وهذا تخصيص للباطل فليكن فاسدا مخصوصا من حكم الفاسد فلا حاجة إلى تأويله بالباطل قلنا نحن لم نعط حكم الباطل أنه لا يدخل في العقد بوجه ليلزم تخصيصه ويتحد اللازم على تقدير تأويل الفاسد بالباطل وعدمه إنما قلنا حكمه أن لا يملك بالقبض غاية الأمر أنه اتفق أن بعض ما هو مبيع باطل يدخل في العقد كالمدبر وبعضه لا يدخل كالحر وأصل السؤال فاسد لنه مغالطة لن قوله في الكبرى لو كان كالحر لم يملك القن المضموم إليه ممنوع وإنما يلزم لو كان مثله من كل الوجوه وهو منتف فصار حاصل الصورة لو كان باطلا كان كالحر في بعض الوجوه ولو كان مثله في بعض الوجوه لم يملك القن المضموم وحنينئذ فعدم الاستلزام ظاهر قوله وإن ماتت أم الولد والمدبر في يد المشترى فلا ضمان عليه عند أبى حنيفة وقالا عليه قيمتهما للبائع وقولهما هذا رواية عنه وفي النهاية أن الروايتين عنه في المدبر أما أم الولد فباتفاق الروايات عنه لا يضمن المشترى ولا الغاصب قيمتها إذ لا تقوم لأم الولد عنده وإنما تضمن بما يضمن الصبى الحر إذا غصب ومعناه أنه إذا نقلها إلى أرض مسبعة أو كثيرة الحيات فماتت بنهش حية أو افتراس سبع فيها الدية على عاقلة الغاصب كما هو في غصب الصبى ة بشرطه أما المدبر فيضمن في البيع والغصب على روايتهما هذه لهما في ضمان المدبر وأم الولد أنهما مقبوضان بجهة البيع فيكونان مضمونين عليه بالقبض كسائر الأموال المقبوضة على سوم الشراء وهذا أي كونهما مقبوضين بجهة البيع بسبب أنهما يدخلان تحت البيع حتى يملك ما يضم إليهما مما يصح تملكه وتمليكه وإذا قبض بعد لفظ العقد عليه وهو فيما يصح أن يباع في الجملة على ما ذكرناه من قريب فهو مقبوض بجهة البيع بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه لأنه حر يدا فلا يضمن بقبضه على إحدى الروايتين أعنى التى تبطل بيعه وإن دخل تحت البيع إذا ضم إليه القن فلا يتحقق في حقه القبض وهذا الضمان بالقبض وقد يجعل المشار اليد بقوله وهذا كونهما مضمونين بالقبض وما صرنا إليه أحسن إن شاء الله تعالى لأن المذكور بعده تعليل للمشار إليه وكونهما مضمونين بالقبض يصح تعليله بما قبله من كونهما مقبوضين بجهة البيع فيناسب كون التعليل لما لم يعلل إذا صلح له وهو صالح بل انصبابه ليس إلا عليه فإنه دعوى أنه مقبوض بجهة البيع ببيان أنه يدخل تحت البيع وأما كونه مقبوضا فبفرض وقوعه حسا وأما تفسير المقبوض بجهة البيع بأنه المقبوض ليشترى بعد القبض إن وافقه فلوصح لزم أن لا يضمنا لأنهما لم يقبضا ليشتريا بعد القبض إن وافقا بل قبضا بعد الموافقة وإتمام البيع بزعمهما فالمذكور تفسير المقبوض على سوم الشراء فلا يكونان مقبوضين بجهة البيع فلا يضمنان فالحق أن المقبوض أعم
____________________
(6/408)
من ذلك وهو مما صدقات المقبوض بجهة البيع فالمقبوض بجهة البيع يصدق على المقبوض في البيع الصحيح والفاسد والباطل وعلى سوم الشراء وذلك التفسير يخص المقبوض على سوم الشراء وما نحن فيه ليس مقبوضا على سوم الشراء وإلاصار الأصل عين الفرع فالمقبوض على سوم الشراء هو الأصل فيما نحن فيه والمقبوض بالعقد الباطل هو الفرغ الملحق وله أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقة البيع فيما يقبل حقيقته أي حقيقة حكمه وهو الملك لأن ضمان القيمة في البيع إنما هو مقابل بملك المبيع فلا بد من اعتبار جهة البيع ولا ملك متصور هنا مع اعتبار جهته فبقى مجررد قبض بإذن المالك فلوأوجبناها كان عدوانا محضا بخلاف ضمان الغصب في المدبر عنده فإنه لا يستدعي ذلك الاعتبار فكان بمجرد القبض بغير إذن المالك وهنا الإذن موجود ودخولهما في البيع ليس إلا ليثبت حكمه فيما ضم اليهما فقط مع انتفاء المانع وهو عدم الصلاحية لما ذكرنا من ثبوتها من قريب فصاركمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده ويدخل إذا ضم البائع إليه مال نفسه وباعهما له صفقة واحدة حيث يجوز البيع في المضموم بالحصة من الثمن المسمى على الأصح وإن كان قد قيل إنه لا يصح أصلا في شيء وإذا قسم الثمن على قيمتي المضموم وأم الولد والمدبر فاعلم أن قيمة أم الولد ثلث قيمتها قنة وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا وقيل نصفها وبه يفتى وتقدم ذلك في العتاق قوله ولا يجوز بيع السمك في الماء بيع السمك في البحر أو النهر لا يجوز فإن كانت له حظيرة فدخلها السمك فإما أن يكون أعدها لذلك أولا فإن كان أعدها لذلك فما دخلها ملكه وليس لأحد أن يأخذه ثم ثم إن كان يؤخذ بغير حيلة اصطياد جاز بيعه لأنه مملوك مقدور التسليم
____________________
(6/409)
مثل السمكة في حب وإن لم يكن يؤخذ إلا بحيلة لا يجوز بيعه لعدم القدرة على التسليم عقيب البيع وإن لم يكن عدها لذلك لا يملك ما يدخل فيها فلا يجوز بيعه لعدم الملك إلا أن يسد الحظيرة إذا دخل فحينئذ يملكه ثم ينظر إن كان يؤخذ بلا حيلة جاز بيعه وإلا لا يجوز ولو لم يعدها لذلك ولكنه أخذه ثم أرسله في الحظيرة ملكه فإن كان يؤخد بلا حيلة جاز بيعه لأنه مملوك مقدور التسليم أو بحيلة لم يجز لأنه وإن كان مملوكا فليس مقدور التسليم وقال أبو يوسف في كتاب الخراج رخص في بيع السمك في الآجام أقوام فكان الصواب عندنا في قول من كرهه حدثنا العلاء بن المسيب بن رافع عن الحرث العكلى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لا تبايعوا السمك في الماء فإنه غرر وأخرج مثله عن ابن مسعود ومعلوم أن الأجمعة قد يؤخذ منها السمك باليد والغرر الخطر وغير المملوك على خطر ثبوت الملك وعدمه فلذا جعل من بيع الخطر
فروع من مسائل التهيئة حفر حفيرة فوقع فيها صيد فإن كان اتخذها للصيد ملكه وليس لأحد أخذه وإن لم يتخذها له فهو لمن أخذه نصب الشبكة للصيد فتعلق بها صيد ملكه فلو كان نصبها ليجففها من بلل فتعلق بها لا يملكه وهو لمن يأخذه إلا أن يأتي فيحوزه ومثله إذا هيأ حجره لوقوع النثار فيه ملك ما يقع فيه ولو وقع في حجره ولو لم يكن هيأه لذلك فلو احد أن يسبق فيأخذه ما لم يكف حجره عليه وكذا من هيأ مكانا للسرقين فله ما طرح فيه عند البعض وفي فتاوى الفضلى خلاف هذا قال أهل سكة يرمون في ساحة رجل الرماد والتراب والسرقين هو لمن يسبق سواء هيأ المكان له أو لا أما النحل إذا عسل في أرض إنسان فهو له بكل حال لأنه ليس صيدا بل قائم بأصله بأرضه كالشجر والزرع والبيض كالصيد وكذا الفرخ لا يملك إلا بإعداد المكان لذلك قوله ولا بيع الطير في الهواء لأنه قبل أخذه غير مملوك وبعد أخذه وأرساله غير مقدور التسليم عقيب العقد ثم لو قدر على التسليم بعد ذلك لا يعود إلى الجواز عند مشايخ بلخ وعلى قول الكرخي يعود وكذا عن الطحاوى وكذا الحكم فيما إذا جعل الطير ثمنا لأن العين المجعولة ثمنا مبيع في حق صاحبه وذكر التمرتاشي لو باع طيرا يذهب ويجيء كالحمام فالظاهر أنه لا يجوز وفي فتاوي قاضيخان وإن باع طيرا له يطير إن كان داجنا يعود إلى بيته ويقدر على أخذه بلا تكلف جاز بيعه وإلا فلا وقول المصنف فيما يأتي والحمام إذا علم عددها وأمكن
____________________
(6/410)
تسليمها جاز بيعها لأنه مقدور التسليم يوافقه قوله ولا الحمل بسكون الميم ما في البطن من الجنين ولا النتاج لما في الصحيحين والسنن عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعا يبتاعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج الذي في بطنها وفي المؤطإ أنبأنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهى عن الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وإنما بطل هذا البيع للغرر فعسى أن لا تلد الناقة أو تموت قبل ذلك وأما باللفظ الذي ذكره المصنف عن بيع الحبل وحبل الحبلة فغير معروف والملاقيح ما في الأرحام جمع ملقوح والمضامين ما في الأصلاب وقيل بالعكس جمع مضمون لقحت الناقة وولدها ملقوح به إلا أنهم استعملوه بلا باء يقال ضمن الشيء أي تضمنه قوله ولا اللبن يجوز بالجر عطفا على المضاف إليه وتقدير المضاف والرفع على إقامته مقام المضاف للغرر فلعله انتفاخ وبه قال الشافى وأحمد وأجازه مالك أياما معلومة إذا عرف قدر جلابها ويكون تسليمه بالتخلية كبيع التمر على رءوس النخل وهو مردود بالنهى عن بيع الغرر لأنه يتنازع في كيفية الحلب في الاستقصاء وعدمه وهو نزاع في التسليم والتسلم وما وضعت الأسباب إلا لقطعه فبطل قول مالك لذلك ولجواز أن يحدث لبن قبل الحلب فيختلط مال البائع بمال المشترى على وجه يعجز عن التخلص قوله ولا الصوف على ظهر الغنم لأنه من أوصاف الحيوان لأنه يقوم به أو لأنه غير المقصود من الشاة فكان كالوصف من الذات وهو لا يفرد بالبيع ولأنه ينبت من أسفل ساعة فساعة فيختلط المبيع بغيره بحيث يتعذر التمييز بخلاف القوائم أي قوائم الخلاف لأنها تزيد من أعلاها ويعرف ذلك بأن توضع في مكان من القائمة علامة
____________________
(6/411)
فإنها بعد ذلك تصير أسفل ويرتفع عنها رأس القائمة ويرتفع غيرها مما يزيد من أسفل فالزائد يكون على ملك المشترى وقال الإمام الفضلى الصحيح عندي أن بيع قوائم الخلاف لا يجوز لأنه وإن كان ينمو من أعلاه فموضع القطع مجهول فهو كمن اشترى شجرة على أن يقطعها المشترى لا يجوز لجهالة موضع القطع وماذكره من منع بيع الشجر ليس منفقا عليه بل هي خلافية فيهم من منها إذا لا بد من تقطع من حبر الأرض ومنها من أجازها للتعامل بخلاف القصيل لأنه يقلع فلا تنازع فجاز بيعه قائما في الأرض قال المصنف وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم نهى إلى آخره وذلك أن الطبراني قال حدثنا عثمان بن عمر الضبى حدثنا حفص بن عمر الحوضى حدثنا عمر بن فروخ حدثنا حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع وأخرجه الدارقطنى والبيهقى عن عمر بن فروخ قال الدارقطنى وأرسله وكيع عن عمر بن فروخ ولم يذكر ابن عباس وهذا السند حجة وقول البيهقى تفرد برفعه عمر بن فروخ وليس بالقوى لا يضره فإنه إن كان كما قال فالمرسل حجة كالمرفوع لكن الحق خلاف ما قال في تضعيف ابن فروخ فقد نقل الذهبى توثيق عمر بن فروخ عن أئمة الشأن كأبى داود وابن معين وأبى حاتم والرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة ورواه أبو داود في مراسيله عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه بسنده عن عكرمة عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى أن يباع لبن في ضرع أو سمن في لبن ورواه الدارقطنى فى سننه عن وكيع عن عمر بن فروخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ ابن أبى شيبة وروى مرة موقوفاعلى ابن عباس فى مراسيل أبى داود وكذا رواه الشافعى رحمه الله قال أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى بن عبيدة عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أنه كان ينهى عن بيع اللبن فى ضروع الغنم والصوف على ظهورها فعرف بذلك أن كل ما بيع فى غلافه لا يجوز كاللبن فى الضرع واللحم فى الشاة الحية أو شحمها وأليتها أو أكارعها أو جلودها أو دقيق فى هذه الحنطة أو سمن فى هذا اللبن ونحو ذلك من الأشياء التى عى غلفها لا يمكن أخذها وتسليمها إلا بإفساد الخلقة والحبوب
____________________
(6/412)
في قشرها مستثنى من ذلك بما أسلفناه والذهب والفضة في ترابهما بخلاف جنسهما والله الموفق قوله وجذع من سقف بالجر أي لا يجوز بيع جذع من سقف وذراع من ثوب أي ثوب يضره القطع كالعمامة والقميص أما مالا يضره القطع كالكرباس فيجوز وقول الطحاوي في آجر من حائط أو ذراع من كرباس أو ديباج لا يجوز ممنوع في الكرباس أو محمول على كرباس يتعيب به أما مالا يتعيب به فيجوز كما يجوز بيع قفيز من صبرة وكذا لا يجوز بيع حلية من سيف أو نصف زرع لم يدرك لأنه لا يمكن تسليمه إلا بقطع جميعه وكذا بيع فص خاتم مركب فيه ومثله نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه وذراع من خشبة للزوم الضرر في التسليم في كل ذلك وأورد عليه أنه ضرر لزم البائع بالتزامه أجيب بأنه التزم العقد ولا ضرر فيه ولا يخفى ما فيه وقول فخر الإسلام إن رضى فله أن يرجع فيبطل البيع إلا أن يقطعه أو يقلعه فيسلمه قبل نقض البيع فينقلب صحيحا كذلك فإن الرجوع لا يمكنه مع الملزم وهو التزام العقد بما فيه من الضرر وأما إيراد المحاباة فدفع بأنه ليس فيه استهلاك مال نعم يرد بيع الحباب التي لا تخرج إلا بقلع الأبواب على قول من أجاز والبعض قد منعه وأجيب بأن المتعيب الجدران دون الحباب وهذا يفيد أن المنظور إليه في المنع تعيب البيع والكلام السابق يفيد أنه تعيب غير المبيع وهو الظاهر والحق أنه لا بد من سمع حاكم يمنع هذا وما يلحق به هذا هو المعول عليه وذلك هو الحديث السابق من نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع اللبن في الضرع والسمن في اللبن إفاد أن المنع إذا كان لا يسلم المبيع إلا بعيب فيه ضرر بغير المبيع فإن اللبن يدخله ضرر بتسليم السمن وأظهر من هذا ثبوت الإجماع على عدم جواز بيع أطراف الحيوان كيف شاء وإليتها ورجلها وهو معلل بما يلزم في التسليم من الضرر على البائع في المبيع فخرج بيع الحباب التى يحتاج في تسليمها إلى هدم أكتاف الأبواب على من يصحح بيعها قوله ولو لم يكن معينا يعنى الجذع والذراع ولا يجوز لما ذكرنا من لزوم الضرر وللجهالة ومعلوم أن هذا فيما يتعيب بالتبعيض ويختلف بخلاف درهم من قطعة نقرة ولو قلع البائع الجذع وقطع الذراع يعود العقد صحيحا لزوال المفسد قبل نقض البيع ولو فعل بعد الفسخ لا يجوز وقوله بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البزر في البطيخ وكسرها وسلم البزر والنوى قبل الفسخ لا يعود صحيحا لأن الفساد للغرر إذا في وجودهما احتمالا فكان كبيع
____________________
(6/413)
بلا مبيع فوقع باطلا بخلاف الجذع فإنه عين محسوسة قائمة وإنما يفسدللزوم الضرر فإذا تحمله البائع وسلمه قبل الفسخ وقع التسليم في بيع صحيح لأن الغرض أن البيع قائم لكن بوصف الفساد فإذا زال المفسد قبل زوال البيع صار بالضرورة بيعا بلا فساد وهو معنى الصحيح فهذا معنى قولهم انقلب صحيحا بخلاف الأول وقع باطلا وهو معنى المعدوم شرعا فليس هناك بيع قائم ليزول المبطل فيبقى بيعا بلا بطلان بل إذا زال المبطل بقى ملك المبيع بلا مانع من إيراد القعد الصحيح عليه وعدم المانع من إيراد العقد الصحيح وإيجاده ليس هو وجود البيع الصحيح ونوقض بعدم جواز البيع فيما إذا باع جلده شاة معينة أو كرشها أو سواد بطنها فذبحها وأعطاه ذلك حيث لا ينقلب جائزا مع أنه تحمل الضرر بالذبح أجيب بأن المنع هناك لعلة أخرى غير لزوم الضرر في التسليم وهو كونه متصلا متضمنا له خلقة والنص يمنعه وهو النهى عن بيع الصوف على الظهر واللبن في الضرع والسمن في اللبن وقد يقال لا أثر لذلك فيما فيه الكلام وهو أنه إذا أزال المانع بالذبح والفصل فإن قيل يتناوله بعد الفصل النهى عنه قبل الفصل وحين وقع وقع منهيا قلنا وكذا الجذع في السقف سواء قوله وضربة القانص بالرفع والجر على قياس ما تقدمه وهو الصائد يقول بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا وقيل بالغين والياء الغائص قال في تهذيب الأزهرى نهى عن ضربة الغائص وهو الغواص يقول أغوص غوصة فما أخرجه
____________________
(6/414)
من اللآليء فهو لك بكذا فهو بيع باطل لعدم ملك البائع المبيع قبل العقد فكان غررا ولجهالة ما يخرج قوله وبيع المزابنة وهو بيع الثمر على النخيل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة في الصحيحين من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة وزاد مسلم في لفظ وزعم جابر أن المزابنة بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا والمحاقلة في الزرع على نحو ذلك بيع الزرع القائم بالحب كيلا وأخرج البخاري عن أنس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخابرة والملامسة والمنابذة والمزابنة وقول المصنف بمثل كيله خرصا الخرص الحزر وكذا العنب بالزبيب لا يجوز ومعنى النهى أنه مال الربا فلا يجوز بيعه بجنسه مع الجهل بتساويهما كما لو كانا موضوعين على الأرض وقال الشافعى رحمه الله تجوز المزابنة بالتفسير الذي ذكرنا فيما دون خمسة أوسق لما في الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر عن زيد بن ثابت رخص عليه الصلاة والسلام
____________________
(6/415)
في بيع العرايا أن تباع بخرصها وفي لفظ رخص في العرية أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا يأكلها رطبا ووافق الشافعى أحمد في ذلك إلا أنه لم يبحها إلا للضرورة قال الطحاوى جاءت هذه الأثار وتواترت في الرخصة في بيع العرايا فقبلها أهل العلم جميعاولم يختلفوا في في صحة مجيئها ولكنهم تنازعوا في تأويلها فقال قوم العرايا أن يكون له النخلة أو النخلتان في وسط النخل الكثير لرجل آخر قالوا وكان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجئ صاحب النخلة أو النخلتين فيضر ذلك بصاحب النخل الكثير فرخص صلى الله عليه وسلم لصاحب الكثير أن يعطيه خرص ماله من ذلك تمرا لينصرف هو وأهله عنه وروى هذا عن مالك قال الطحاوى وكان أبو حنيفة يقول فيما سمعت أحمد بن أبى عمران يذكر أن سمع من محمد بن سماعة عن أبى يوسف عن أبى حنيفة قال معنى ذلك عندنا أن يعرى الرجل الرجل نخلة من نخلة فلا يسلم ذلك إليه حتى يبدو له فرخص له أن يحبس ذلك ويعطيه مكانه بخرصه تمرا قال الطحاوى وهذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك لأن العرية إنما هى العطية ألا ترى إلى الذي مدح الأنصار كيف مدحهم إذ يقول ** فليست بسنهاء ولا رجبية ** ولكن عرايا في السنين الجوائح ** أي أنهم كانوا يعرون في السنين الجوائح أي يهبون ولو كانت كما قال ما كانوا ممدوحين بها إذ كانوا يعطون كما يعطون والحق أن قول مالك قول أبى حنيفة هكذا حكاه عنه محققو مذهبه واستدل عليه بأن العرية مشهورة بين أهل المدينة متداولة بينهم كذلك ثم على قولهم تكون العرية معناها النخلة ولا يعرف ذلك في اللغة وتخصيص ما دون خمسة أو سق لأنهم كانوا يعرون هذا المقدار وما قرب منه ومعنى الرخصة هو رخصة أن يخرج من إخلاف الوعد الذي هو ثلث النفاق بإعطاء هذا التمر خرصا وهو غير الموعود دفعا للضرر عنه وكون إخلاف الوعد ثلث النفاق نقل عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه حين حضرته الوفاة قال زوجوا بنتى من فلان فإنه كان سبق إليه منى شبه الوعد فلا ألقى الله بثلث النفاق وجعله ثلثا لحديث عنه صلى الله عليه وسلم علامة المنافق ثلاث إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن اؤتمن خان وأما ما ذكر من تأويل العرية الإمام موفق الدين روى محمود ابن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتى ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه وعندهم فضول من الثمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرية بخرصهان من التمر كلونه رطبا وقال متفق عليه فقد وهم في ذلك فإن هذا ليس في الصحيحين بل ولا في السنن ولا في شئ من الكتب المشهورة قال الإمام الزيلعى مخرج الحديث ولم أجد له سندا بعد الفحص البالغ ولكن الشافعى ذكره في كتابه في باب العرايا من غير إسناد قوله ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والملامسة
____________________
(6/416)
إلى قوله وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم إلى آخره في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة زاد مسلم أما الملامسة فإن يلمس كل منهما ثوب صاحبه بغير تأمل فيلزم اللامس البيع من غير خيار له عند الرؤية وهذا بأن يكون مثلا في ظلمة أو يكون مطويا مرئيا متفقان على أنه إذا لمسه فقد باعه وفساده لتعليق التمليك على أنه متى لمسه وجب البيع وسقط خيار المجلس والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه على جعل النبذ بيعا وهذه كانت بيوعا يتعارفونها في الجاهلية وكذا إلقاء الحجر أن يلقى حصاة وثمة أثواب فأي ثوب وقع عليه كان المبيع بلا تأمل وروية ولا خيار بعد ذلك ولا بد أن يسبق تراوضهما على الثمن ولا فرق بين كون المبيع معينا فإذا تراوضا فألقاه إليه البائع لزم المشترى فليس له أن يقبل أو غير معين كما ذكرناه ومعنى النهى ما في كل من الجهالة وتعليق التمليك بالخطر فإنه في معنى إذا وقع حجرى على ثوب فقد بعته منك أو بعتنيه بكذا أو إذا لمسته أو نبدته والتساوم تفاعل من السوم سام البائع السلعة عرضها للبيع وذكر ثمنها وسامها المشترى بمعنى استامها سوما ومنه لا يسوم الرجل على سوم أخيه أي لا يطلب البيع ويراوض فيه حال مراوضة اخيه فيه لا أنه بمعنى لا يشترى كما قيل بل نهيه عن السوم يثبت التزاما لأنه إذا نهى عن التكلم في الشراء فكيف بحقيقة الشراء قوله ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين لجهالة المبيع إلا أن يكون على هذا الوجه وهو أن يقول بعتك واحدا منهما على أنك بالخيار تأخذ أيهما شئت فإنه يجوز استحسانا وتقدم ذكرها فروعها في خيار الشرط قوله ولا يجوز بيع المراعى ثم فسرها باكلإ دفعا لوهم أن يراد مكان الرعى فإنه جائز ولا إجارتها أما البيع فإنه ورد على
____________________
(6/417)
ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه اشتراك إباحة لا ملك ولأنه لا يحصل به للمشترى فائدة فإن المقصود من الملك يحصل بلا بيع إذ يتملكه بدونه للحديث الذى رواه أبو داود في سننه في البيوع عن حريز بن عثمان عن أبى خراش بن حبان بن زيد عن رجل من الصحابة رضى الله عنهم قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فكنت أسمعه يقول المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والنار والكلإ ورواه أحمد في مسنده وابن أبى شيبة وأسند ابن أبى عدى في الكامل عن أحمد وابن معين أنهما قالا في حريز ثقة وجهالة الصحابى لا تضر ومعنى الشركة في النار الاصطلاء بها وتجفيف الثياب يعنى إذا أوقد نارا رجل نار فلكل أن يصطلى بها أما إذا أراد أن يأخذ الجمر فليس له ذلك إلا بإذن صاحبه كذا ذكره القدورى ومعناه في الماء الشرب وسقى الدواب والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة وفي الكلإ أن له احتشاشه وإن كان في أرض مملوكة غير أن لصاحب الأرض أن يمنع من الدخول في أرضه فإذا منع فلغيره أن يقول إن لى في أرضك حقا فإما أن توصلنى إليه أو تحشه أو تستقى وتدفعه لو وصار كثوب رجل وقع في دار رجل إنا أن يإذن للمالك في دخوله ليأخذه وإما أن يخرجه إليه أما إذا أحرز الماء بالاستقاء في آينة والكلأ بقطعه جاز حينئذ بيعه لأنه بذلك ملكه وظاهر أن هذا إذا نبت بنفسه فأما لو كان سقى الأرض وأعدها للإنبات فنبنب في الذخيرة والممحيط والنوازل يجوز بيعه لأنه ملكه وهو مختار الصدر الشهيد وكذا ذكر في اختلاف أبى حنيفة وزفر نبت الكلأ بإنباته جاز بيعه وكذا لو حدق حول أرضه وهيأها للإنبات حتى نبت القصب صار ملكا له ولا يجوز بيع كمأة في أرضه قبل أن يقلعها ولا ماء وقال القدورى لا يجوز بيع الكلإ في أرضه وإن ساق الماء إلى أرضه لحقته مؤنة لأن الشركة فيه ثابتة وإنما تنقطع بالحيازة وسوق الماء إلى أرضه ليس بحيازة والأكثر على الأول إلا أن على هذا القائل أن يقول ينبغى إن حافر البئر يملك بناءها ويكون بتكلف الحفر والطى لتحصيل الماء يملك الماء كما يملك الكلإ بتكلفه سوق الماء إلى الأرض لينبت فله منع المستقى وإن لم يكن فى أرض مملوكة له ثم الكلأ ذكر الحلوانى عن محمد أنه ما ليس له ساق وما له ساق ليس كلأ وكان الفضلى يقول هو أيضا كلأ وفي المغرب هو كل
____________________
(6/418)
ما رعته الدواب من رطب ويابس وهو واحد الأكلاء وأما الإجاره فلأنها لو صحت ملك بها الأعيان وحكمها ليس إلا ملك النافع نعم إذا كانت الأعيان آلة لإقامة العمل المستحق كالصبغ واللبن في استئجار الظئر فيملك بعد إقامة العمل تبعا أما ابتداء فلا وكذا لو استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز مع أنه ا ققدت على استهلاك عين مملوكة فهذا أولى لأنها على استهلاك عين غير مملوكة وهل الإجارة فاسده أو باطلة ذكر في الشرب أنها فاسدة حتى يملك الآجر الأجرة بالقبض وينفذ عتقه فيه وقيل في لبن الآدمية إنه في حكم المنفعة شرعا بدليل إن عينه لا يجوز بيعه ولا يضمن متلفه والحيلة في ذلك أن يستأجر الأرض ليضرب فيها فسطاطه أو ليجعله حظيرة لغنمه ثم يستبيح المرعى فيحصل مقصودهما وقوله ولا يجوز بيع النحل عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد يجوز إذا كان محرزا وهو قول الشافعى رحمه الله لأنه منتفع به حقيقة وشرعا مقدور التسليم إذا كان محرز فيجوز بيعه وإن كان لا يؤكل كالبغل والحمار يجوز بيعهما وإن لم يؤكلا للانتفاع بهما والقدرة على تسليمهما ولأبى حنيفة وأبى يوسف أنه من الهوام فلا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع الوزغ والعقرب والزنبور والحية وهذا وهو أنه في نفسه من الهوام لأنه غير منتفع به و إنما الانتفاع بما يتولد منه لا بعينه بخلاف الجحش فإنه
____________________
(6/419)
ينتفع به في ثانى الحال قبل حدوث ما يتولد منه فقبل حدوث ما يتولد منه لا ينتفع به بل هو في نفسه هامة من الهوام ولذا قال في الجامع الصغير إن وجد بها عيبا بكم يردها إشارة إلى أن النحل لا قيمة لها حتى لو باعه تبعا لكوارة فيها عسل وهو فيها جاز ذكره الكرخى كالشرب والطريق وقال القدورى إنه حكى عن أبى الحسن الكرخى أنه كان ينكر هذه الطريقة ويقول إنما يدخل في البيع تبعا ما هو من حقوق المبيع وأتباعه والنحل ليس من حقوق العسل إلا انه ذكر في جامعه هذا التعليل بعينه عن أبى يوسف والتبعية لا تنحصر في الحقوق كالمفاتيح فالعسل تابع للنحل في الوجود والنحل تابع له في المقصود بالبيع والكوارة بضم الكاف وتشديد الواو معسل النحل إذا سوى من طين وفي التهذيب كوارة النحل مخففة وفي المغرب بالكسر من غير تشديد وقيد الزمخشرى بفتح الكاف وفي الغريبين بالضم قوله ولا يجوز بيع دود القز عند أبى حنيفة رحمه الله لأنه من الهوام وعند أبى يوسف يجوز إذا ظهر فيه القز تبعا له وأجاز بيع بزر القز الذى يكون منه الدود وعند محمد يجوز كيفما كان لكونه منتفعا به وأجاز السلم فيه كيلا إذا كان وقته وفعل منتهى الأجل في وقته وجوابه ما تقدم في المسئلة قبلها وهو أن المنتفع به ما يخرج منه فقبله يكون غير منتفع به والكلام في بيعه حينئذ والوجه قول محمد للعادة الضرورية وقد ضمن محمد متلف كل من النحل ودود القز وفي الخلاصة في بيعهما قال الفتوى على قول محمد ثم لا يخفى أن محمدا ناسب أصله في مسئلة بيع النحل في القول بجوازه وأبو حنيفة كذلك في قوله بعدمه وأما أبو يوسف فيجب أن يقول مثله في النحل وما قدمه المصنف في النحل عن الكرخى بجوازه إذا بيع تبعا للكوارة ظاهره أنه يجوز باتفاق حينئذ وعلى هذا يجب أن لا يختلف أبو حنيفة مع أبى يوسف في دود
____________________
(6/420)
القز بل يقولان معا إن كان وحده لا يجوز لأنه من الهوام وإن كان تبعا للقز فيقولان بالجواز فيهما فلا معنى لإفراد أبى حنيفة في هذه وقران أبى يوسف معه في تلك والاتفاق على عدم جواز بيع ماسواهما من الهوام كالحيات والعقارب والوزغ والعظاية والقنافذ والجعل والضب ولا يجوز بيع شيء من البحر إلا السمك كالضفدع والسرطان والسلحفاة وفرس البحر وغير ذلك وقال محمد إذا كان الدود وورق التوت من واحد والعمل من آخر على أن يكون القز بينهما نصفين أو أقل أو أكثر لا يجوز وكذا لو كان العمل منهما وهو بينهما نصفان وفي فتاوى الولوالجى امرأة أعطت امرأة بزر القز وهو بزر الفيلق بالنصف فقامت عليه حتى أدرك فالفيلق لصاحبه البزر لأنه حدث من بزرها ولها على صاحبة البزر قيمة الأوراق وأجر مثلها ومثله إذا دفع بقرة إلى آخر يعلقها ليكون الحادث بينهما بالنصف فالحادث كله لصاحب البقرة وله على صاحب البقرة ثمن العلف وأجر مثله وعلى هذا إذا دفع الدجاج ليكون البيض بالنصف قوله والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمها جاز بيعها أما إذا كانت في بروجها ومخارجها مسدودة فلا إشكال في جواز بيعها وأما إذا كانت في حال طيرانها ومعلوم بالعادة أنها تجئ فكذلك لأن المعلوم عادة كالواقع فكان مملوكا مقدور التسليم وتجويز كونه لا يعود أو عروض عدم عوده لا يمنع جواز البيع كتجويز هلاك المبيع قبل القبض ثم إذا عرض الهلاك انفسخ كذا هنا إذا فرض وقوع عدم المعتاد من عودها قبل القبض انفسخ وصار كالظبى المرسل في بر فإنه يجوز وإن جاز أن لا يعود قوله ولا يجوز بيع الآبق الآبق إذا لم يكن عند المشترى لا يجوز بيعه باتفاق الأئمة الأربعة ويجوز عتقه غير أنه إذا أعتقه عن كفارة اشترط العلم بحياته وتجوز هبته لابنه الصغير أو ليتيم في حجره بخلاف البيع لابنه الصغير حيث لا يجوز لأن شرطه القدرة على التسليم عقيب البيع وهو منتف وما بقى له من اليد يصلح لقبض الهبة ولا يصلح لقبض البيع لأنه قبض بإزاء مال مقبوض من مال الإبن وهذا قبض ليس بإزائه مال يخرج من مال الولد فكفت تلك اليد له نظرا
____________________
(6/421)
للصغير فإنه لو عاد عاد ملك الصغير ولهذا أجزنا بيعه ممن ذكر أنه في يده لثبوت التسليم والمقصود من القدرة على التسليم ثبوت التسلم فإذا كان ثابتا حصل المقصود بخلاف ما لو جاء المشترى برجل معه وقال عبدك الآبق عند هذا فبعنيه وأنا أقبضه منه واعترف ذلك الرجل لا يجوز بيعه لأن تسليمه فعل غيره وهو لا يقدر على فعل غيره فلا يجوز وإذا جاز بيعه هل يصير قابضا في الحال حتى لو رحع فوجده هلك بعد وقت البيع يتم القبض والبيع إن كان حين قبضه أشهد أنه قبض هذا ليرده على مالكه لا يصير قابضا لأن قبضه هذا قبض أمانة حتى لو هلك قبل أن يصل إلى سيده لا يضمنه وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض البيع فإن هلك قبل أن يرجع إليه انفسخ البيع ورجع بالثمن وإن لم يشهد يصير قابضا لأن قبضه إذا لم يشهد قبض غصب وهو قبض ضمان كقبض البيع ولو عاد من إباقه وقد باعه ممن ليس عنده هل يعود البيع جائزا إذا سلمه فعلى ظاهر الرواية لا يعود صحيحا وهو مروى عن محمد كما إذا باع خمرا فتخللت قبل التسليم أو باع طيرا في الهواء ثم أخذه لا يعود صحيحا وهذا يفيد أن البيع باطل وهو مختار مشايخ بلخ والثلحى لأن وجود الشرط يجب كونه عند العقد وفي رواية أخرى عن محمد وهو رواية عن أبى حنيفة يجوز لقيام المالية والملك في الآبق ولذا صح عتقه فكان كبيع المرهون إذا افتكه قبل الخصومة وفسخ القاضى للبيع وبه أخذ الكرخى وجماعة من المشايخ حتى إذا امتنع البائع من تسليمه أو المشترى من قبوله أجبر على ذلك لأن صحة البيع كانت موقوفة على القدرة على التسليم وقد وجد قبل الفسخ بخلاف ما إذا رجع بعد أن فسخ القاضي البيع أو تخاصما فإنه لا يعود صحيحا اتفاقا وهذا يقتضى أن البيع فاسد فالحق أن اختلاف الرواية والمشايخ فيه بناء على الاختلاف في أنه باطل أو فاسد فإنك علمت أن ارتفاع المفسد في الفاسد يرده صحيحا لأن البيع قائم مع الفساد وارتفاع المبطل لا يرجع لأن البيع لم يكن قائما بصفة البطلان بل معدوما فوجه البطلان عدم القدرة على التسليم ووجه الفساد قيام المالية والملك والوجه عندى أن عدم القدرة على التسليم مفسد لا مبطل وهذا مما يخرج فيه الخلاف فإنهم اختلفوا في بيع الطير في الهواء وإن كان أخذه ثم أرسله فإنه لا يخرج عن ملكه وقد اختلفوا فيما لو أخذه بعد بيعه وسلمه فطائفة مع الكرخى يعود جائزا والبلخيون لا يعود جائزا فبالضرورة أن من قال بالجواز قائل بأنه فاسد مع عدم القدرة على التسليم وقول من
____________________
(6/422)
قال المحلية كونه مالا مملوكا مقدور التسليم إن عنى محلية البيع الصحيح فنعم وإلا فلا بل محل البيع المال المملوك للبائع أو غيره فإن كان له فنافذ أو لغيره فموقوف والنافذ إما صحيح إن كان مبيعه مقدور التسليم ليس فيه شرط فاسد وإلا ففاسد وأما حديث النهى عن بيع الآبق فروى إسحاق بن راهويه أخبرنا سويد بن عبد العزيز الدمشقى قال حدثنا جعفر بن الحرث أبو الأشهب الواسطي قال حدثنى من سمع محمد بن إبراهيم التيمى عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها وعن بيع العبد وهو آبق ورواه ابن ماجه بسند فيه جهضم بن عبد الله عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن زيد العبدى عن شهر بن حوشب عن أبى سعيد الخدرى يرفعه إلى أن قال وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة القانص وشهر مختلف فيه وقال أبو حاتم إن محمد بن إبراهيم مجهول وقيل فيه انقطاع أيضا وعلى كل حال فالإجماع على ثبوت حكمه دليل على أن هذا المضعف بحسب الظاهر صحيح في نفس الأمر قوله ولا بيع لبن امرأة في قدح هذا القيد لبيان منع بيعه بعد انفصاله عن محله فإنه لا يكون في قدح إلا بعد انفصاله أما عين القدحية فليس قيدا بل سائر الأوانى سواء وإنما هو قيد باعتبار لازمه وهو انفصاله عن مقره كي لا يظن أن امتناع بيعه ما دام في الضرع كغيره بل على سائر أحواله لا يجوز بيعه ولا يضمن متلفه وهو مذهب مالك وأحمد وعند الشافعى يجوز لأنه مشروب طاهر فيجوز بيعه ونحن نمنع أنه مشروب مطلقا بل للضرورة حتى إذا استغنى عن الرضاع لا يجوز شربه والانتفاع به يحرم حتى منع بعضهم صبه في العين الرمداء وبعضهم أجازه إذا عرف أنه دواء عند البرءو نقول هو جزء من الآدمى مكرم
____________________
(6/423)
مصون عن الابتذال بالبيع ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة ولبن الأمة وعن أبى يوسف أنه يجوز في لبن الأمة لأنه لا يجوز إيراد العقد على كلها فيجوز على جزئها قلنا الجواز يتبع المالية ولامالية للإنسان إلا ما كان محلا للرق وهو للحى ولا حياة في اللبن ولأن العتق قوة شرعية حاصلها قدرة تثبت له شرعا على تصرفات شرعية ترد على الرق فترفعه ولا بد من اتحاد محلهما وليس اللبن محل تلك القدرة فإن قيل أجزاء الآدمى مضمونة فيجب كون اللبن كذلك يضمن بالإتلاف أجيب بمنع ضمان إجزائه مطلقا بل المضمون ما انتقص من الأصل حتى لو نبت السن التى قلعت لاضمان إلا ما يستوفى بالوطء فإنه مضمون وإن لم ينتقض شيئا تغليظا لأمر البضع فجعل ما يستوفى بالوطء في حكم النفس بخلاف من جز صوف شاة فإنه يضمن وإن نبت غيره وبإتلاف اللبن لا ينتقص شئ من الأصل ولأن حرمة المصاهرة تثبت بشربه ففى إشاعته ببيعه فبح لباب فساد الأنكحة فإنه لا يقدر على ضبط المشترين والبائعين فيشيع فساد الأنكحة بين المسلمين وهذا وإن كان يندفع إذا كانت حرمة شربه شائعة بالدار فيعلم أن شراءه ليس إلا لمنفعة أخرى كشراء الأمة المجوسية بعد اشتهار حرمة وطئها شرعا لكنهم يجيزون شربه للكبير هذا وقد أسند الفقيه أبو الليث إلى محمد بسند متصل قال سمعت الفقيه أبا جعفر يقول سمعت الفقيه أبا القاسم أحمد بن حم قال قال نصير بن يحيى سمعت الحسن بن سيهوب ( 1 ) يقول سمعت محمد بن الحسن يقول جواز إجارة الظئر دليل على فساد بيع لبنها لأنه لما جازت الإجازة ثبت أن سبيله سبيل المنافع وليس سبيله سبيل الأموال لأنه لو كان مالا لم تجز الإجارة ألا ترى أن رجلا لو استأجر بقرة على أن يشرب لبنها لم تجز الإجارة فلما جاز إجارة الظئر ثبت أن لبنها ليس مالا هذا وأما المصنف فإنما علل للمنع بأن
____________________
(6/424)
الآدمى مكرم بجميع أجزائه فلا يبتذل بالبيع وسيأتى باقيه قوله ولا بيع شعر الخنزير لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له أورد عليه أنه جعل البيع هنا في لبن المرأة إهانة مانعة من جواز البيع للزوم الإكرام والبيع ينفيه وجعله في مسئلة بيع الخمر والخنزير إعزازا فبطل للزوم الإهانة شرعا والبيع إعزاز وهذا تناقض الجواب أن الفعل الواحد قد يكون بالنسبة إلى محل إهانة وبالنسبة إلى آخر إكرام مثلا لو أمر السلطان بعض سائسى الدواب أن يلازم الوقوف بالحضرة مع الوافقين كان غاية الإكرام له ولو أمر القاضى بذلك كان غاية الإهانة له فالخمر والخنزير في غاية الإهانة شرعا فلو جعل مبيعا مقابلا ببدل معزوز كالدراهم أو الثياب كان غاية إكرامه والآدمي مكرم شرعا وإن كان كافرا فإيراد العقد عليه وإبداله به وإلحاقه بالجمادات إذلال له هذا وتعليل المصنف بالنجاسة لمنع البيع يرد عليه بيع السرقين فالمعول عليه بالانتفاع والحاجة إليه مع إمكان وجوده مباح الأصل فلا تنافى ثم يجوز الانتفاع به للضرورة فإن الخرازين لا يتأتى لهم ذلك العمل بدونه و هو يوجد مباح الأصل فلا حاجة إلى بيعه فلم يكن بيعه في محل الضرورة حتى يجوز وعلى هذا قال الفقيه أبو الليث فلو لم يوجد إلا بالشراء جاز شراؤه لشمول الحاجة إليه وقد قيل أيضا إن الضرورة ليست ثابتة في الخرزبه بل يمكن أن يقام بغيره وقد كان ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير فعلى هذا لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به وروى أبو يوسف كراهة الانتفاع به لأن ذلك العمل يتأتى بدونه كما ذكرنا إلا أن يقال ذلك فرد تحمل مشقه في خاصة نفسه فلا يجوز أن يلزم العموم حرجا مثله ثم قال أبو يوسف إنه لو وقع في ماء قليل أفسده وعند محمد لا ينجس به لأن حل الانتفاع به دليل طهارته والصحيح قول أبى يوسف لأن حكم الضرورة لا يتعداها وهى في الخرز فتكون بالنسبة إليه فقط كذلك وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة الخرازين مع شعر الخنزير وإن كان أكثر من قدر الدراهم ينبغى أن يتخرج على القول بطهارته في حقهم أما على قول أبى يوسف فلا وهو الوجه فإن الضرورة لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على الامتناع عنه ويتجمع على ثيابهم هذا المقدار قوله ولا يجوز بيع شعر الإنسان مع قولنا بطهارته والانتفاع به لأن الآدمى مكرم غير متبذل فلا يجوز
____________________
(6/425)
أن يكون شيء من أجزائه مهانا ومبتذلا وفي بيعه إهانة وكذا في امتهانه بالانتفاع وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة فالواصلة هي التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها بإذنها ورضاها وهذا اللعن للانتفاع بما لا يحل الانتفاع به ألا ترى أنه رخص في اتخاذ القراميل وهو ما يتخذ من الوبر ليزيد في قرون النساء للتكثير فظهر أن اللعن ليس للتكثير مع عدم الكثرة وإلا لمنع القراميل ولا شك أن الزينة حلال قال الله تعالى قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده فلولا لزوم الإهانة بالاستعمال لحل وصلها بشعور النساء ايضا وفي الحديث لعن الله النامصة والمتنمصة أيضا والنامصة هى التى تنقش الحاجب لترقه والمتنمصة التى يفعل بها ذلك قوله ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبع
____________________
(6/426)
لأنها غير منتفع بها قال صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميته بإهاب وتقدم في الصلاة تقريره وتخريجه ولا خلاف في هذا فإن قيل نجاستها ليست إلا لما يجاورها من الرطوبات النجسة فهى متنجسة فكان ينبغى أن يجوز بيعها كالثوب النجس أجيب بأن المنجس منها باعتبار أصل الخلقه فما لم يزايله فهي كعين الجلد فعلى هذا يكون الجلد نجس العين بخلاف الثوب والدهن النجس فإن النجاسة فيه عارضة فلا يتغير به حكم الثوب بما فيه وهذا السؤال ليس في تقرير المصنف ما يرد عليه ألا لا ليحتاج إلى الجواب عنه فإنه ما علل المنع إلا بعدم الانتفاع به وإنما يرد على من علل بالنجاسة ولا ينبغى أن يعلل بها بطلان بيع أصلا فإن بطلان البيع دائر مع حرمة الانتفاع وهى عدم المالية فإن بيع السرقين جائز وهو نجس العين للانتفاع به كما ذكرنا وأما جواز بيعها بعد الدباغة فلحل الانتفاع بها حينئذ شرعا والحكم بطهارتها زيادة تثبت شرعا على خلاف قول مالك وتقدم في الصلاة ويجوز بيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وشعرها وريشها ومنقارها وظلفها وحافرها فإن هذه الأشياء طاهرة لا تحلها الحياة فلا يحلها الموت وتقدم في الصلاة قوله والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد فيكون حكمه وعند أبى حنيفة وأبى يوسف هو كسائر السباع نجس السؤر واللحم لا العين فيجوز بيع عظمه والانتفاع به في الحمل والمقاتلة والركوب فكان كالكلب يجوز الانتفاع به قيل وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم اشترى لفاطمة سوارين من عاج وظهر استعمال الناس له من غير نكير ومنهم من حكى إجماع العلماء على جواز بيعه وفى البخارى قال الزهرى في عظام الميتة نحو الفيل وغيره أدركت ناسا من سلف العلماء يتمشطون بها ويدهنون فيها لا يرون بأسا وقال ابن سيرين وإبراهيم لا بأس بتجارة العاج وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة منع بيع القرد وروى الحسن عنه أنه يجوز بيعه وهو المختار لأنه مما ينتفع به في بعض الأشياء قوله وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر فسقطا أو سقط العلو وحده فباع صاحب العلو علوه لم يجز لأن المبيع حينئذ ليس إلا حق التعلى
____________________
(6/427)
وحق التعلى ليس بمال لأن المال عين يمكن احرازها وامساكها ولا هو حق متعلق بالمال بل هو حق متعلق بالهواء وليس الهواء ما لا يباع والمبيع لا بد ان يكون احدهما وقول المصنف والمال هو المحل للبيع تساهل او تنزيل للمتعلق بالمال منزلة المال بخلاف الشرب حيث يجوز بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات فيما اذا كان الشرب شرب تلك الارض اما اذا باع ارضا مع شرب غيرها ففي صحته اختلاف المشايخ والصحيح انه لا يجوز مفردا كبيع الشرب يوما او يومين حتى تزداد نوبته وجوزه مشايخ بلخ كابي بكر الاسكافي ومحمد بن سلمة لأن اهل بلخ تعاملوا ذلك لحاجتهم اليه والقياس يترك بالتعامل كما جوز السلم للضرورة والاستصناع للتعامل ولأنه حظ من الماء ولهذا يضمن بالاتلاف وله قسط من الثمن على ما نذكره في كتاب الشرب فإنه قال فيه ادعى رجل شراء ارض بشربها بألف فشهد شاهد بذلك وسكت الآخر عن الشرب بطلت شهادتهما لإختلافهما في مقدار ثمن الارض لأن الذي زاد الشرب نقص من ثمن الارض لأن بعض الثمن يقابل الشرب فصار كاختلافهما في مقدار الثمن وقيل لو باع ارضا بشربها فاستحق شربها يحط من الثمن نصيب الشرب واما ضمانه بالإتلاف وهو بأن يسقى ارضه بشرب غيره فهو رواية البزدوى وعلى رواية شيخ الاسلام لا يضمن وقيل يضمن اذا جمع الماء ثم اتلفه ولا يضمن قبل الجمع وحينئذ فالإلزام به من رد المختلف فيه الى المختلف فيه فلا يلزم المخالف وعن الشيخ جلال الدين ابن المصنف انه قصر ضمانه بالإتلاف على ما اذا كان شهد به الآخر ثم رجع بعد القضاء وقال لا وجه للضمان بالاتلاف الا بهذه الصورة لأنه لو ضمن بغيرها فاما بالسقى او يمنع حق الشرب لا وجه الى الاول لأن الماء مشترك بين الناس بالحديث ولا الى الثاني لأن منع حق الغير ليس سببا للضمان بل السبب منع ملك الغير ولم يوجد واما انه حظ من الماء فهو عين شئ يتعلق بالعين فاورد عليه انه لو كان عينا ينبغى ان
____________________
(6/428)
لا يجوز بيعه اذا لم يكن فيه ما ء واجيب بأنه إنما جوز للضرورة وهو بعرضية وجوده كالسلم والاستصناع تم بتقدير انه حظ من الماء فهو مجموع المقدار فلا يجوز بيعه وهذا وجه منع مشايع بخارى بيعه مفرادا قالوا وتعامل اهل بلدة ليس هو التعامل الذي يترك به القياس بل ذلك تعامل اهل البلاد ليصير اجماعا كالاستصناع والسلم لا يقاس عليه والضرورة في بيع الشرب مفردا على العموم منتفية بل ان تحقق فحاجة بعض الناس في بعض الاوقات وبهذا القدر لا يخالف القياس
فرع باع العلوم قبل سقوطه جاز فإن سقط قبل القبض بطل البيع لهلاك المبيع قبل القبض قوله وبيع الطريق وهبته جائز وبيع مسيل الماء وهبته باطل قال المصنف المسئلة تحتمل وجهين ان يكون المراد بيع رقبة الطريق والمسيل وان يكون المراد بيع حق المرور الذي هو التطرق والتسييل فإن كان الاول وهو بيع رقبة الطريق والمسيل أي مع اعتبار حق التسييل فوجه الفرق بينهما ان الطريق معلوم لأن له طولا وعرضا معلوما فإن بينه فلا اشكال في حق نفسه وان لم يبينه جاز ايضا وهو المراد بالمسئلة ها هنا فإنه يجعل مقدار باب الدار العظمى وطوله الى السكة النافذة اما المسيل فمجهول لأنه لا يدرى قدر ما يشغله الماء ومن هنا عرف ان المراد بالمسئلة ما اذا لم يبين مقدار الطريق والمسيل اما لو بين حد ما يسيل فيه الماء او باع ارض المسيل من نهر او غيره من غير اعتبار حق التسييل فهو جائز بعد ان يبين حدوده وان كان المراد الثاني وهو مجرد حق المرور والتسييل ففي بيع حق المرور مجردا روايتان على رواية الزيادات لا يجوز وبه اخذ الكرخى لجهالته وعلى رواية كتاب القسمة يجوز فإنه قال دار بين رجلين فيها طريق لرجل آخر ليس له منعهما من القسمة ويترك للطريق مقدار باب الدار العظمى فإنه لا حق له في غير الطريق فإذا بيعت الدار والطريق برضاهم يضرب صاحب الاصل بثلثي ثمن الطريق وصاحب الممر بثلث الثمن لأن صاحب الدار اثنان وصاحب الممر واحد وقسمة الطريق تكون على عدد الرؤوس لأن صاحب القليل يساوي صاحب الكثير في الانتفاع انتهى فقد جعل لصاحب حق المرور قسطا من الثمن فدل على جواز بيعه وهو قول عامة المشايخ واتفقت الروايات على ان بيع حق التسبيل لا يجوز
____________________
(6/429)
( فوجه الفرق على احداهما ) أي وجه الفرق ( بين حق المرور وحق التسييل على الرواية المجيزه لبيع حق المرور ان حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق التسييل فان كان على السطح فهو نظير حق التعلي لايجوز باتفاق الرويات ومروجه فساده وهو انه ليس حقا متعلقا بما هو مال بل بالهواء وفي هذا نظر فان ذلك اذا باع حق التعلي بعد سقوط العلو فانما يكون نظير ما اذا باع حق التسييل على السطح ولا سطح وان كان على الارض وهو ان يسيل الماء عن ارضه كي لايفسدها فيمره على ارض لغيره فهو مجهول لجهالة محله الذي يأخذه الماء بقيت الحاجة الى الفرق بين حق التعلي حيث لا يجوز وبين حق المرور حيث يجوز على رواية وانما احتيج الى الفرق لانه علل المنع في حق التعلي بأنه ليس بمال فيرد عليه ان حق المرور كذلك وقد جاز بيعه في رواية وفي كل منهما بيع الحق لا بيع العين وهو ان حق المرور حق يتعلق برقبة الاض وهي مال هو عين فما يتعلق به يكون له حكم العين اما حق التعلي فحق يتعلق بالهواء وهو ليس بعين مال واما فرق المصنف بان حق التعلي يتعلق بالبناء وهو عين لا تبقى فاشبه المنافع بخلاف الارض فليس بذاك لان البيع كما يرد على يبقى من الاعيان كذلك يرد على مالا يبقى وانه اشبه المنافع ولذا صحح الفقيه او الليث رواية الزيادات المانعة من جواز بيعه لان بيع الحقوق المجردة لا يجوز كالتسييل وحق المرور قوله ومن اشترى الى اخره اذا اشترى هذه الجارية
____________________
(6/430)
فظهرت غلاما فالبيع باطل لعدم المبيع وهذه وامثالها تبتنى على الاصل الذي تقدم في المهر انه اذا اجتمع تسمية واشارة الى شيء كما ذكرنا في هذه الجارية حيث اشار الى ذات وسماها جارية فان المسمى مع المشار اليه جنسان مختلفان كانت العبرة للتسمية لان التسمية ابلغ في التعريف من الاشارة لان الاشارة تعرف الذات الحاضرة والتسمية تعرف الحقيقة المندرجة فيها تلك الذات وغيرها من ذوات لا تحصى معروفة عند العقل بأشباهها لتلك الذات وغيرها ونحن في مقام التعريف فيتعلق بما تعريفه أبلغ وحينئذ يبطل العقد لعدم المبيع الذي هو المسمى ذكره المصنف وهو الظاهر من قول محمد فانه عبر هنا بقوله فلا بيع بينهما وقيل بل هو فاسد وان كانا من حنس واحد الا ان اختلافهما بالصفة فاحش كان ايضا كاختلاف الجنس فيكون البيع باطلا وان كان قليلا اعتبرت الاشارة فينعقد البيع لوروده على مبيع قائم الا انه ذكر فيه وصفا مرغوبا فيه فلم يجده المشتري فيثبت له الخيار وقول المصنف والفرق يبتني على الاصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد لا يريد ان الاصل مختلف فيه بل هو متفق عليه وانما ذكره محمد في خلافيته في المهر مستدلا به على قوله فيما اذا تزوج على هذا الدن من الخل فاذا هو خمر في الجنسين كل ذكر مع انثى من بني آدم وان كان متحدي الجنس المنطقي وهو الذاتي المقول على كثيرين مختلفين بمميز داخل فقد الحقا بمختلفيهما بخلاف الذكر والانثى من سائر البهائم غير الادمي فان البيع ينعقد ويثبت الخيار ونقل القدورى عن زفر أنه جعل الذكر والأنثى من بني آدم كالذكر والأنثى من غيرهما فحكم بجواز البيع وأجيب بالفرق بفحش اختلاف الاغراض منهما فالحقا بالجنسين فالغلام يراد لخدمة الخارج كالزراعة والتجارة والحراثه والانثى لخدمة الداخل كالعجن والطبخ والاستفراش بخلاف الغلام فكان اختلافهما كاختلاف الجنس بل ليس الجنس في الفقه الا المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا فالجنسان ما يتفاوت منهما فاحشا بلا نظر الى الذاتي وهذا قول المصنف وهو المعتبر في هذا دون الاصل يعني المعتبر في انهما جنسان او حبس واحد تفاوت الاغراض تفاوتا بيعدا فيكون من اختلاف الجنس او قريبا فيكون من الجنس الواحد دون اختلاف الاصل يعني الذاتي ولذا قالوا الخل مع الدبس جنسان مع اتحاد اصلهما
____________________
(6/431)
بفحش تفاوت الغرض منهما والوذارى والزندنيجي كذلك والوذارى بفتح الواو وكسرها واعجام الذال ثم راء مهملة نسبة الى وذار قرية من قرى سمرقند والزندنيجى بزاي ثم نون ثم دال مهملة ثم نون اخرى ثم ياء ثم جيم نسبة الى زندنة بفتح الزاى والنون الاخيرة والجيم زيدت على خلاف القياس مع اتحاد اصلهما هكذا ذكرة المصنف عن المشايخ وما ذكر لأبي حنيفة في باب المهر يقتضى انه اعتبر الخل مع الخمر جنسا واحدا ومقتضاه ان يعتبر الخل مع الدبس كذلك ومن المختلفين جنسا ما اذا باع فصا على انه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل ولو باعه ليلا على انه ياقوت احمر فظهر اصفر صح ويخير كما اذا باع عبدا على انه خباز فإذا هو كاتب كذا ذكره المصنف وان كانت صناعة الكتابة اشرف عند الناس من الخبز كان المصنف ممن لا يفرق من المشايخ بين كون الصفة ظهرت خيرا من الصفة التي عينت اولا في ثبوت الخيار كما اطلق في المحيط ثبوت الخيار وذهب آخرون منهم صدر الاسلام وظهير الدين الى انه انما يثبت اذا كان الموجود انقص وصحح الاول لفوات غرض المشترى فإن الظاهر ان غرضه من يقوم بحاجته التي عينها لا بما ليس غرضا له الآن وكأن مستند المفصلين ما تقدم فيمن اشترى عبدا على انه كافر فإذا هو مسلم لا خيار له لأنه خير مما عين وقد يفرق بأن الغرض وهو استخدام العبد بما لا يليق به لا يتفاوت بين مسلم وكافر من الزراعة وامورها او التجارة وامورها بخلاف تعيين استخدام العبد بما يليق به لا يتفاوت بين مسلم وكافر من الزراعة وامورها او التجارة وامورها بخلاف تعيين الخبز او الكتابة ونحوه فإنه يفيد ان حاجته التي لأجلها اشترى هي هذا الوصف قوله ومن باع جارية بألف درهم
____________________
(6/432)
حالة او نسيئة فقبضها ثم باعها من البائع قبل نقد الثمن بمثل الثمن او اكثر جاز وان باعها من البائع بأقل لا يجوز عندناوكذا لو اشترى عبده او مكاتبه ولو اشترى ولده او والده او زوجته فكذلك عنده وعندهما يجوز لتباين الاملاك وكان كما لو اشتراه آخر وهو يقول كل منهم بمنزلة الآخر ولذا لا تقبل شهادة احدهما للآخر ولو اشترى وكيل البائع بأقل من الثمن الاول جاز عنده خلافا لهما لأن تصرف الوكيل عنده يقع لنفسه فلذا يجوز للمسلم ان يوكل ذميا بشراء خمر وبيعها عنده ولكن ينتقل الملك الى الموكل حكما فكان كما لو اشترى لنفسه فمات فورثه البائع وعندهما عقدالوكيل كعقده ولو اشتراه وارثه يجوز في ظاهر الرواية عنهم وعن أبي يوسف لا يجوز ولو باعه المشترى من رجل او وهبه ثم اشتراه البائع من ذلك الرجل يجوز لاختلاف الاسباب بلا شبهة وبه تختلف المسببات وبقولنا قال مالك واحمد وقيد بقوله قبل نقد الثمن لأن ما بعده يجوز بالاجماع بأقل من الثمن وكذا لو باعه بعرض قيمته اقل من الثمن وقال الشافعي رحمه الله يجوز كيفما كان كما لو باعه من غير البائع بأقل من الثمن او منه بمثل الثمن الاول او اكثر او بعرض قيمته اقل من الثمن بجامع قيام الملك فيه لأنه هو المطلق في الاصول التي عينها وتقييده بالعرض دون ان يقول كما لو باعه بخلاف جنسه وقيمته اقل لأنه لو باعه
____________________
(6/433)
بذهب قيمته اقل من الدراهم الثمن لا يجوز عندنا استحسانا خلافا لزفر وقياسه على العرض بجامع انه خلاف جنسه فإن الذهب جنس آخر بالنسبة الى الدراهم وجه الاستحسان انهما جنس واحد من حيث كونهما ثمنا ومن حيث وجب ضم احدهما الى الآخر في الزكاة فيبطل البيع احتياطا والزما ن اعتبارهما جنسا واحدا يوجب التفاضل بينهما احتياطا والجواب انه مقتضى الوجه ذلك ولكن في التفاضل عند بيع احدهما بعين الآخر اجماع ولنا قول عائشة الى آخر ما نقله المصنف عن عائشة يفيد ان المرأة هي التي باعت زيدا بعد ان اشترت منه وحصل له الربح لأن شريت معناه بعت قال تعالى وشروه بثمن بخس أي باعوه وهو رواية ابي حنيفة فإنه روى في مسنده عن ابي اسحاق السبيعي عن امرأة ابي السفر ان امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها ان زيد بن ارقم باعني جارية بثمانمائة درهم ثم اشتراها مني بستمائة فقالت ابلغيه عني ان الله ابطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لم يتب ففي هذا ان الذي باع زيد ثم استرد وحصل الربح له ولكن رواية غير ابي حنيفة من ائمة الحديث عكسه روى الامام احمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابي اسحاق السبيعي عن امرأته انها دخلت على عائشة هي وام ولد زيد بن ارقم فقالت ام ولد زيد لعائشة اني بعت من زيد غلاما بثمانمائة درهم نسيئه واشتريته بستمائة نقدا فقالت ابلغى زيدا ان قد ابطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان تتوب بئس ما اشتريت وبئس ما شريت وهذا فيه ان الذي حصل له الربح هي المرأة قال ابن
____________________
(6/434)
عبد الهادي في التنقيح هذا اسناد جيد وان كان الشافعي قال لا يثبت مثله عن عائشة وقول الدار قطنى في العالية هي مجهولة لا يحتج بها فيه نظر فقد خالفه غير واحد ولولا ان عند ام المؤمنين علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا محرم لم تستجز ان تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد وقال غيره هذامما لا يدرك بالرأي والمراد بالعالية امرأة ابي اسحق السبيعي التي ذكر انها دخلت مع ام الولد على عائشة قال ابن الجوزى قالوا ان العالية امرأة مجهولة لا يحتج بنقل خبرها قلنا هي امرأة جليلة القدر ذكرها ابن سعد في الطبقات فقال العالية بنت انفع بن شراحيل امرأة ابي اسحاق السبيعي سمعت من عائشة وقولها بئس ما شريت أي بعت قال تعالى وشروه بثمن بخس أي باعوه وانما ذمت العقد الاول لأنه وسيلة وذمت الثاني لأن مقصود الفساد وروى هذا الحديث على هذ النحو عبد الرزاق قال اخبرنا معمر والثورى عن ابي اسحاق عن امرأة انها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت كانت لي جارية فبعتها من زيد بن ارقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب لي عليه ثمانمائة فقالت عائشة الى قولها الا ان تتوب وزاد فقالت المرأة لعائشة ارأيت ان اخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل فقالت فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف لا يقال ان قول عائشة وردها لجهالة الاجل وهو البيع الى العطاء فإن عائشة كانت ترى جواز الاجل الى العطاء ذكره في الاسرار وغيره والذي عقل من معنى النهى انه استربح ما ليس في ضمانه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وهذا لأن الثمن لا يدخل في ضمانه قبل القبض فإذا عاد اليه الملك الذي زال عنه بعينه وبقي له بعض الثمن فهو ربح حصل لا على ضمانة من جهة من باعه وهذا لا يوجد فيما اذا اشتراه بمثل الثمن او اكثر فبطل الحاق الشافعي بذلك بخلاف مالو باعه المشترى من غير البائع فاشتراه البائع منه لأن اختلاف الأسباب يوجب اختلاف الأعيان حكما وكذا لو دخل في المبيع عيب فاشتراه البائع بأقل لأن الملك لم يعد اليه بالصفة التي خرج فلا يتحقق ربح ما لم يضمن بل يجعل النقصان بمقابلة الجزء الذي احتبس عند المشترى سواء كان ذلك النقصان بقدر ذلك العيب او دونه حتى لو كان النقصان نقصان سعر فهو غير معتبر في العقود لأنه فتور في رغبات الناس فيه وليس من فوات جزء من العين ولذلك اذا اشتراه بجنس آخر غير الثمن جاز لأن الربح لا يتحقق عينه مع اختلاف الجنس لأن الفضل انما يظهر بالتقويم والبيع لا يعقب ذلك بخلافه بجنس الثمن الاول لظهوره بلا تقويم وقد اورد عليه تجويز كون انكار عائشة لوقوع البيع الثاني قبل قبض المبيع اذ القبض لم يذكر في الحديث قلنا لا يصح هذا لأنهاذمته لأجل الربا بقرينة تلاوة آية الربا وليس في بيع المبيع قبل القبض ربا ولا يخفى ضعف هذا الجواب لأن تلاوة الآية ظاهر في كونها لاشتمالها على قبول التوبة جوابا لقول المرأة أرأيت ان اخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل كان هذامع التوبة فتلت آية ظاهرة في قبول التوبة وان كان سوقها في القرآن في الربا واورد عليه طلب الفرق بين النهى عن بيع الولد الكائن مع امه مفردا لم يوجب الفساد فلم اوجبه هذا النهى اجيب بأن النهى اذا كان لأمر يرجع الى نفس البيع اوجبه وان كان لأمر خارج لا والنهى فيما ذكر للتفريق لا لنفس البيع حتى لو فرق بينهما بغير البيع اثم فيكره البيع في نفسه كالبيع وقت النداء وهنا
____________________
(6/435)
هو لشبهة الربا وهو مخصوص بالبيع ولشبهة الربا حكم حقيقته قوله ومن اشترى جارية بخمسائة ثم باعها واخرى معها من البائع بخمسائة قبل نقد الثمن فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع ويبطل في الأخرى وهذا فرع المسئلة السابقة وهي أن شراء ما باع من المشتري بأقل مما باعه به قبل نقد الثمن ولا يجوز و وجهة أنه لا بد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه فيكون مشتريا للأخرى والتي باعها بأقل مما باع وهو فاسد عندنا ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها وهي التي ضمت إليها وأورد عليه أن عله الفساد التي باعها ثم اشتراها لو كان
____________________
(6/436)
إصابة حصتها إياها أقل من خمسائة المستلزم لشرائها بأقل مما باعها به لزم أن لا يفسد البيع في التي اشتراها بخمسائة لو باعها وأخرى معها بألف وخمسائة لأن عند تقسيم الثمن عليهما يصيب كلا منهما أكثر من خمسائة فليس فيه شراء ما باع باقل مما باع قبل نقد الثمن لكن ذكروا انه أيضا فاسد أجيب بأن الفساد في هذا لمعنى آخر وهو تكثر جهات الجواز وليس البعض في الحمل عليه بأولى من البعض فامتنع الجواز بخلاف الأكرار وأمثالها حيث يتحرى الجواز فيها لتعيين جهة الجواز على ما يجئ في كتاب الصلاف وهذا لوصح لزم أن يمتنع ثبوت موجب له موجبات تثبت له دفعة فيمتنع تعدد العلل لأنه يقال فيها مثل ذلك ثم لا يشيع الفساد في الجاريتين وما أبشع قول قائل إذ 1 كثرت جهات الحل بلا معارض يحرم والحق أن بينهما فرقا فإن هناك الموجبات متحققه وهنا المجوز موقوف على الاعتبار فإذا اعتبر واحد أمكن اعتبار غيره لكنه لا يزيد النظر إلا وكادة فإن الآخر قبل الاعتبار لا وجود له ومع ذلك لم يعلم المجوز الذي وجد وتحقق بتحقق الاعتبار فليتأمل وحين فهم بعض الشارحين ضعف هذا الوجه عدل الى وجة ذكر أنه الوجه وهو أن من الممكنات أن يعتبر في مقابلة الجارية الأولى من الألف وخمسمائة اقل من خمسائة واجتمع فيها محرم ومبيح فيفسد وليس هذا من المذهب في شئ بل إذا اجتمعا فيه اعتبر وجه الصحة تصحيحا كما سيأتي في بيع قفيز حنطة و قفيز شعير بقفيزي حنطة وشعير حيث يصح ويتحرى للحواز اعتبار لتصحيح تصرف المسلم ولا إشكال فيه على قولهما بل على قوله لأن مذهب أبي حنيفة أن البيع إذا فسد بعضه فسد كله إذا كان الفساد مقارنا فدفعة المصنف بوجوه أولها أن الفساد فيما بيعت أولا ضعيف لاختلاف العلماء فيه كما ذكرنا من مذهب الشافعي فلم يسر للآخرى كما إذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر لا يفسد في الاخر وكذلك بخلاف الجمع بين حر وعبد واستشكل بما لو اسلم قوهيا في قوهى ومروى فإنه باطل في الكل عنده وعندهما يصح في المروى كما لو اسلم حنطة في شعير وزيت عنده يبطل في الكل وعندهما يصح في حصة الزيت مع أن فساد العقد بسبب الجنسية مجتهد فيه فإن إسلام هروى في هروى جائز عند الشافعي ولا مخلص منه إلا بتغيير تعليل تعدي الفساد بقوة الفساد بالإجماع عليه إلى تعديله بأنه يجعل الشرط الفاسد في أحدهما وهو شرط قبول العقد في الهروى شرطا لقبوله في المروى فيفسد في المروى بالشرط الفاسد
____________________
(6/437)
وفي الهروي باتحاد الجنس وكذا اعترف به شمس الائمة بعد ان علل هو به في شرح الجامع ثانيها ان الفساد في الاولى لشبهة الربا وسلامة الفضل للبائع الاول بلا عوض ولا ضمان يقابله وهو منتف في المضمونه فلو اعتبرنا تلك الشبهة في التي ضمت الى المشتراه اولا كان اعتبارا لشبهة الشبهة وهذا احسن من تقرير قاضيخان اعتبار الشبهة بان الالف هو الثمن الاول على شرف السقوط لاحتمال ان يجد المشتري بها عيبا فيرده فيسقط الثمن عن المشترى وبالبيع الثاني يقع الامن عنه فيكون البائع بالعقد الثاني مشتريا الفا بخمسمائة ثالثها ان الفساد في الاول طارىء غير مقارن وله وجهان احدهما انهما لم يذكرا في العقد ما يوجب فساده فإنه قابل الثمن بالجاريتين وهذه المقابلة صحيحة ولكن بعد ذلك ينقطع الثمن على قيمتها فيصير البعض بازاء مالم يبع فحينئذ يفسد البيع فيما باعه وهذا فساد طرأ الان لان الانقسام بعد وجوب الثمن أي بعد وجوب الثمن على البائع بالعقد الثاني فلا يتعدى الى الاخرى والاخر بسبب المقاصة فان المقاصة تقع بين الثمن الاول والثمن الثاني فيبقى من الثمن الاول فضل بلا عوض وذلك لان البائع الاول لما باعها بالف ثم اشتراها بخمسمائة قبل النقد فتقاصا الخمسمائة بخمسائة مثلها فيبقى للبائع من الثمن الاول فضل خمسمائة اخرى مع الجارية والمقاصة تقع عقيب وجوب الثمن على البائع بالعقد الثاني فيفسد عندها فهو طارىء فلا يظهر في الاخرى كمن باع عبدين صفقة وبين ثمن كل ثم الحقا في ثمن احدهما اجلا هو وقت الحصاد فسد البيع فيه ولا يتعدى الى الاخر فكذا ما نحن فيه واورد ينبغي ان يفسد العقد في الاخر لمعنى اخر وهو انه جعل قبول العقد فيما لا يصح وهو ما باعه واولا شرطا لقبوله في الاخر قلنا قبول العقد فيه ليس شرطا فاسدا الا يرى انه لو كان ثمنه مثل الثمن الاول او خلاف جنسه كان صحيحا وانما الفساد لاجل الربح الحاصل لا على ضمانه وهذا يقتصر على العبد الذي باعه ولا يتعدى الى العقد الثاني وفي المبسوط لو اشتراه البائع مع رجل اخر جاز من الاجنبي في نصفة ولو ولدت الجارية عند المشتري ثم اشتراها منه بأقل ان كانت الولاده نقصتها جاز كما لو دخلها عيب عند المشتري ثم اشتراها منه باقل وان لم تنقصها لا يجوز لانه يحصل به ربح لا على ضمانه قوله ومن اشترى زيتا في ظرف صورتها في الجامع محمد عن يعقوب عن ابي حنيفه في رجل اشترى من رجل هذا الزيت وهو الف رطل على انه يزنه بظروفه فيطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا قال هذا فاسد وان كان قال على ان تطرح عني وزن الظرف فهو جائز لانه شرط يقتضيه العقد وهو شرط ان يتعرف قدرالمبيع من غيره
____________________
(6/438)
ليخص بالثمن بخلاف قوله على ان تزنه فتطرح عنه لكل ظرف عشرة ارطال او خمسين فان البيع حينئذ فاسد لانه شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع لاحد المتعاقدين لان زنة الظرف قد تكون اقل من خمسين فيكون البيع بشرط ترك المبيع وهو نفع للمشتري وقد تكون اكثر منها فيكون البيع بشرط اعطاء الثمن لا في مقابلة مبيع وفيه نفع للبائع والمسئلة بعدها فرع عليها وهو ما في الجامع رجل اشترى من رجل السمن الذي في هذا الزق كل رطل بدرهم فوزنه له بزقة فبلغ مائة وقبضه المشتري فقال وجدت السمن تسعين رطلا والزق هذا وزنه خمسة ارطال فالقول قول المشتري مع يمينه الا ان يقيم البائع البينه لان هذا الاختلاف ان اعتبر اختلافا راجعا الى تعيين الزق المقبوض فالقول قول القابض ضمينا كان كالغاصب او امينا كالمودع ولان البائع يدعى عليه زقا اخر والمشتري ينكر الزيادة وان اختلفا في قدرالسمن المقبوض فمرجعه خلاف في قدر الثمن فالقول قول المشتري لانه ينكر الزيادة واستشكل بمسئلتين احداهما ما اذا باع عبدين وقبضهما المشتري ومات احدهما عنده وجاء بالاخر يرده بعيب فاختلفا في قيمة الميت فالقول للبائع كما سيأتي في باب التحالف والثانية ان الاختلاف في الثمن يوجب التحالف وهنا جعل القول للمشتري على تقدير اعتباره اختلافا في الثمن اجيب عن الاول بأنها مع هذه طرد فان كون القول للمشتري لانكاره الزياده وهناك انما كان للبائع لانكاره الزيادة وعن الثاني بأن التحالف على خلاف القياس فيها عند ورود الاختلاف في الثمن قصدا وهنا الاختلاف فيه تبع لاختلافهما في الزق المقبوض اهو هذا او لا يوجب التحالف قوله واذا امر المسلم نصرانيا ببيع خمر او خنزير او شرائهما ففعل جاز عند ابي حنيفه رحمه الله تعالى حتى يدخل الخمر والخنزير في ملك المسلم الموكل فيجب ان يخلل الخمر او يريقها ويسبب الخنزير هذا في الشراء وفيما اذا كان التوكيل بالبيع بان كان في ملك المسلم خمر او خنزير وصورته ان يكون كافرا فيسلم عليهما ويموت قبل ان يزيلها وله وارث مسلم فيرثهما فيوكل كافرا ببيعهما فعليه ان يتصدق بثمنهما لتمكن الخبث فيه قال * ان الذي حرمها حرم بيعها واكل ثمنها وقال ابو يوسف ومحمد ومالك والشافعي واحمد رحمهم الله تعالى لا يصح هذا التوكيل وحاصل الوجه من جانبهم اثبات المانع الشرعي من هذا التوكيل ومن جانبه عدم المانع بالقدح في مانعية ما جعلوه مانعا فيبقى الجواز على الاصل
____________________
(6/439)
لهم أن الموكل لا يملك بنفسه فلا يملك تولية غيره فيه وهذا معنى قول المصنف الموكل لا يليه فغيره لا يوليه بنصب غيره لأنه مفعول مقدم ليوليه كما أنه لما لم يملك تزوج المجوسية لا يملك توكيل غيره بتزويجه إياها ولأن ما يثبت للوكيل من الملك ينتقل إلى الموكل فصار كأنه باشر الشراء أو البيع بنفسه فلا يجوز ولأبى حنيفة أن الوكيل في البيع يتصرف بأهلية نفسه لنفسه حتى لا يلزمه أن يضيف العقد إلى موكله وترجع حقوق العقد إليه حتى يطالب بالثمن ويرد بالعيب عليه وهو أهل لبيع الخمر وشرائها شرعا فلا مانع شرعا من توكله والمسلم الموكل أهل لأن يثبت له ما يثبت للوكيل من ثبوت الملك كما ذكرنا من صورة ثبوت الملك الجبرى له فيهما فانتفى المانع الشرعى والملازمة الشرعية امتناع التوكيل لامتناع مباشرته ممنوعة بمسائل منها أن الوكيل بشراء عبد بعينه لا يملك شراءه لنفسه ويملك التوكيل لشرائه لنفسه ومنها أن القاضى لا يملك بيع خمر أو خنزير خلفه ذمى ورجع أمره إلى القاضى ويملك توكيله به وكذا الوصى المسلم للذمى لا يملك بيع خمره ويملك التوكيل به والمريض مرض الموت لا يملك البيع بما يتغابن في مثله إذا كان عليه ديون مستغرقة ويجوز من وصيه بعد موته وكذا لا تبيع الأم عرض الولد ووصيها ببيعه إذا لم يكن من ميراثها فإن قيل إن قلت إن تملك المسلم لها يثبت جبرا عن سبب جبرى كالموت سلمناه أو عن سبب اختيارى منعناه وهنا كذلك إذ التوكيل إختيارى والملك مترتب عليه إذ لا وجود له في الشرع قلنا نختار الثانى ونمنع أن التوكيل سبب للملك بل الشراء وإنما هو اختيارى للوكيل لا الموكل وليست الوكالة سببا له بل شرط وإنما سببه اختيار الوكيل واختياره ليس لازما للوكالة ولا مسببا عنها إذ لا يلزمه الشراء
____________________
(6/440)
بقى أن يقال إذا كان حكم هذه الوكالة في البيع أن لا ينتفع بالثمن وفي الشراء أن يسيب الخنزير ويريق الخمر أو يخللها بقى تصرفا غير معقب لفائدته وكل ما هو كذلك ليس بمشروع وقد روى عن أبى حنيفة أن هذه الوكالة تكره أشد ما يكون من الكراهة وهى ليس إلا كراهة التحريم فأى فائدة في الصحة قوله ومن باع عبدا على أن يعتقه المشترى أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد لأن هذا بيع وشرط وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط قال الطبرانى في معجمه الوسط حدثنا عبد الله بن أيوب المقرى حدثنا محمد بن سليمان الذهلى حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبى ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال البيع باطل والشرط باطل ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال البيع جائز والشرط باطل ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفو في مسئلة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال لا أدرى ما قالا حدثنى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل ثم أتيت أبن أبى ليلى فأخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثني هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها قالت امرني النبي صلى الله عليه وسلم ان اشتري بريرة فأعتقها البيع جائز والشرط باطل ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنه قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حملانها إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز وكذا رواه الحاكم في كتاب علوم الحديث ومن جهة الحاكم ذكره عبد الحق في أحكامه وسكت عليه وقد ظهر من هذا أن في المسئلة ثلاثة مذاهب مستدل عليها فلا بد من النظر فيها فأما حديث عمرو بن شعيب فلا يحتمل إلا التخصيص فحمله الشافعي رحمة الله عليه واستثنى من منع البيع مع الشرط البيع بشرط العتق بحديث بريرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما رد في حديثها إلا الولاء وذكر الأقطع أنها رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه وحديثها في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءتني بريرة فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقلت إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة الحديث وفيه دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي بالبيع وفيه إبطال قول من منع
____________________
(6/441)
بيعة وقال إنما اشترطت عائشة الولاء بسبب ما وقع في بعض الروايات وهو إن احبوا أن اقضي عنك كتابتك وذلك لآنه صلى الله عليه وسلم قال إنما الولاء لمن أعتق ورد اشتراطهم الولاء لآنفسهم والعتق من عائشة رضي الله عنها وهذا لا خلاف فيه ولو قال قائل إن الشرط إذاكان أمرا لا يحل شرعا مثل أن يشترط أن لا يقع عتقك إذا أعتقته يبطل هو دون البيع فإنه لغو لا يمكن المشروط عليه أن يفعله فيتم البيع كأنه لم يذكر إذا كان خارجا عن طاقة من شرط عليه أمكن ويكون أصل هذا حديث بريرة وأما الحنفية فإنما لم يخصوه به لأن العام عندهم يعارض الخاص ويطلب معه أسباب الترجيح والمرجح هنا للعام وهو نهية عن بيع وشرط وهو كونه مانعا وحديث بريرة مبيح فيحمل على ماقبل النهي لأن القاعدة الأصوليه أن ما فيه الإباحة منسوخ بما فيه النهي وأما حديث جابر الذي استدل به ابن شبرمه فالشرط وهو استثناء حملانه لم يقع في صلب العقد كذا قاله الشافعي رحمه الله ونحن كذلك نقول مع الوجه الذي ذكرناه من تقديم العام فإن قلت كيف قال الشافعي بإفساد البيع بالشرط مع أن حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده من قبيل المرسل عند كثير من أهل الحديث قلت ذلك إذا لم يصرح فيه بجد أبيه عبد الله بن عمرو بن العاص وقد ورد عنه التصريح به فيما أخرجه ابو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن شعبيب عن ابيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ماليس عندك ولهذا قال الترمذي حديث حسن صحيح وروي هذا أيضا من حديث حكيم بن حزام في موطإ مالك بلاغا وأخرجه الطبراني من حديث محمد بن سيرين عن حكيم قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اربع خصال في البيع عن سلف وبيع وشرطين في بيع وبيع ما ليس عندك وربح مالم يضمن ومعنى السلف في البيع البيع بشرط أن يفرضه دراهم وهو فرد من البيع الذي شرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين وغير ذلك مما سيأتي قوله ثم جملة الامر فيه أي في الشرط أنه إما أن يقتضيه العقد كشرط أن يحبس المبيع إلى قبض الثمن ونحوه فيجوز لأنه مؤكد لموجب العقد أو لايقتضيه ولكن
____________________
(6/442)
ثبت تصحيحه شرعا بما لامرد له كشرط الأجل في الثمن والمثمن في السلم وشرط في الخيار فكذلك هو صحيح للإجماع على ثبوته شرعا رخصة أو لا يقتضيه وليس مما ثبت كذلك لكنه متعارف كشراء نعل على أن يحذوها البائع أو يشركها فهو جائز أيضا لما سيأتي وكذا إذا لم يكن كذلك ولكن يتضمن التوثق بالثمن كالبيع بشرط كفيل بالثمن حاضر وقبل الكفالة أو بأن يرهنه به رهنا معلوما بالإشاره أو التسمية فهو جائز أيضا على الصحيح خلافا لزفر فإن حاصلة التوثق للثمن فيكون كاشتراط الجوده فيه فهو مقرر لمقتضى العقد ولو لم يكن الكفيل حاضرا فحضر وقبل قبل أن يتفرقا جاز فلو بعده أو كان حاضرا فلم يقبل لم يجز لو لم يكن الرهن مسمى ولا مشار إليه لا يجوز بالاتفاق لأن وجوب الثمن في ذمة الكفيل يضاف إلى البيع فيصير الكفيل كالمشتري فلا بد من حضوره العقد بخلاف الرهن لا يشترط حضرته لكن مالم يسلم للبائع لا يثبت فيه حكم الرهن وإن انعقد عقد الرهن بذلك الكلام فإن سلم مضى العقد على ما عقدا وإن امتنع عن تسليمه لا يجبر عندنا بل يؤمر بدفع الثمن فإن لم يدفع الرهن ولا الثمن خير البائع في الفسخ وشرط الحواله كالكفالة ولو كان الشرط مما لا يقضيه وليس مما ذكرنا فأما ما فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو المعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق كأن اشترى حنطة على أن يطحنها البائع أو يتركها في داره شهرا أو ثوبا على أن يخيطه فالبيع فاسد وكذا شرط أن لا يبيع المشتري العبد لأنه يعجبه أن لاتتداوله الأيدي وكذا على أن لا يخرجه من مكة مثلا وفي الخلاصة اشترى عبدا على أن يبيعه جاز وعلى أن يبيعه من فلان لا يجوز أي لايجوز للبائع أن يشترط عليه البيع من فلان لأن للمبيع منفعة ولها مطالب من جهة العباد وهو العبد لأن له طالبا وكذا إذا كانت المنفعة لغير العاقدين ومنه إذا باع ساحة على أن يبني بها مسجدا أو طعاما على أن يتصدق به فهو فاسد أما لو كان المبيع ثوبا أو حيوانا غير آدمي فقد خرج الجواز مما ذكرناه في المزارعة من أن أحد المزارعين إذا شرط في المزارعة أن لا يبيع الآخر نصيبه أو يهبه أن المزارعة جائزة والشرط باطل لأنه ليس لأحد العاملين فيه منفعة وكذا ذكر الحسن في المجرد قال المصنف وهو الظاهر من المذهب لأنه إذا لم يكن من أهل الاستحقاق
____________________
(6/443)
انعدمت المطالبه والمنازعة فلا يؤدي إلى الربا وما أبطل الشرط الذي فيه المنفعة البيع إلا لأنه يؤدي إليه لأنه زيادة عارية عن العوض في عقد البيع وهو معنى الربا ومن مثل الباطل بيع العبد على أن يعتقه المشتري أو يكاتبه أو يدبره والشافعي يخالفنا في شرط العتق في أحد قوليه فيصححه ثم إن أعتقه المشتري فذاك وإلا خير البائع في فسخ العقد ولا يجبر عليه في قول بعض اصحابه وفي قول آخر يجبر قال المصنف ويقيسه الشافعي على بيع العبد نسمة ثم فسره بأن يبيعه ممن يعلم أنه يعتقه لا أن يشترط فيه ذلك وعلى تفسير المصنف هذا تتحقق صورة القياس وأما على تفسيره بأن يباع بشرط عتقه فلا يصح لأنه نفس المقيس عليه إلا أن قوله لا أن يشترط فيه يفهم من قوته أن تفسيره بما ذكر مخالف لتفسير الشافعي بذلك فنفاه وحينئذ يقوى الاعتراض عليه بأنه حينئذ لا قياس قال والحجة عليه ما ذكرناه يعني من الحديث والمعنى وأنت علمت أنه يرجع إلى تخصيص العام بالخاص
____________________
(6/444)
كيفما وجد وهو مذهبه ولهذا خصه بحديث بريرة وجوابه أن ليس في حديث بريرة أصلا أن البيع كان بشرط العتق بل كان على وعد العتق منها وحينئذ فليس من تخصيص منع بيع بشرط في شئ ولا يصلح البيع ممن يظن عتقه اصلا لقياس البيع بشرط عتقه لعدم الجامع ونسمه منصوب على الحال بمعنى معرضا للعتق وعبر بالنسمة عنه لكثرة ذكرها فيما إذا اعتقت في مثل قوله صلى الله عليه وسلم فك الرقبة وأعتق النسمة فصيرت كالاسم لما عرض للعتق فعوملت معاملة الأسماء المتضمنه لمعنى الفعل قوله فلو أعتقه المشتري الخ هذا فرع على قولنا بفساد البيع بشرط العتق وهو أن المشتري بهذا الشرط لو اعتقه بعد ما قبضه عتق ثم عند أبي حنيفة يرجع البيع صحيحا حتى يجب الثمن عنده وعندهما لا يعود صحيحا فتلزمه قيمته وأما لو أعتقه قبل القبض فلا يعتق بالإجماع لأنه لا يمكله قبل القبض لفساد البيع وجه قولهما أنه تلف بع أن ملكه بالقبض في بيع فاسد فلا ينقلب جائزا كما لو تلف بوجه آخر من موت أو قتل أو بيع أو هبة وقياسا على تدبيره واستيلادها فأن هناك الضمان بالقيمة اتفاقا فهو أوفي بالشرط اعتبارا لحقيقة الحرية بحق الحرية ولأبي حنيفة أن شرط العتق وأن كان لا يلائم العقد على ما ذكرناه يعني قوله لأن قضية العقد الإطلاق في التصرف والتخيير إلى آخره ولكنه من حيث حكمه وهو ثبوت الحرية يلائمه لأنه أي العتق منه للملك الذي هو اثر البيع والشئ بانتهائه يتقرر وجوده والفاسد لاتقرر له فكان صحيحا ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب إذا إطلع عليه بعد أن اعتقه بخلاف ما إذا تلف يوجه آخر لأنه لا يصير به هذا الشرط ملائما فيبقى على مجرد جهة المفسدة ولذا لو مات لا ينقلب صحيحا لأن بموته لا يصير
____________________
(6/445)
شرط العتق ملائما وهو المنطور اليه في إفساد العقد وتصحيحه وكون شئ آخر كالموت ونحوه ملائما لا يصير به هذا الشرط الذي وقع مفسدة ملائما واما شرط التدبير والاستيلاد فكذلك لا يصير العقد صحيحا إذا دبره المشتري أو استولدها لأنه لا يصير به شرط التدبير والاستيلاد ملائما لأنه بتيقن امتناع ورود الملك عليه ولم يوجد لجواز أن يحكم قاض بصحة بيعهما فيتقرر الفساد وأورد لما كان فعل هذا الشرط مصححا ينبغي أن يكون العقد صحيحا في الابتداء عند اشتراطه اجيب بأنه من حيث هو مخالف لمقتضى العقد وإنما يلائمه باعتبار حكمه فعملنا في الابتداء قبل تحققه بمقتضى ذاته وعند تحقق حكمة بفعله بمقتضى حكمه ولو اشترى امة بشرط أن يطأها المشتري أو لا يطأها فالبيع فاسد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف يجوز في الأول لأنه ملائم للعقد قلنا الملائم له إطلاق الوطء لا إلزامه وعند محمد يصح فيهما الأول لما لأبي يوسف والثاني إن لم يقتضه العقد ولا يرجع نفعه لأحد فهو شرط لا طالب له قوله وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على أن يسكنها أو على أن يقرضه المشتري دراهم أو على أن يهدي له هدية أو ثوبا على أن يقطعه المشتري قميصا أو قباء فهو فاسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين وقد ورد في عين بعضها نهى خاص وهو نهية صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف أي قرض ثم خص شرطي الاستخدام والسكنى بوجه معنوي فقال ولانه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شئ من الثمن بأن يعتبر المسمى ثمنا بإزاء المبيع وبإزاء أجره الخدمة والسكنى يكون إجاره في بيع ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة فيتناول كلام من الاعتبارين المذكورين رواه أحمد عن أسود بن عامر عن شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة أما ثبوته فقد رواه البزار في مسنده عن أسود بن عامرلا وأعل بعض طرقه ورجح وقفه وبالوقف رواه أبو نعيم وابو عبيد القاسم بن سلام وأما معناه ففسره المصنف بما سمعت وفسره أبو عبيد القاسم بن سلام بأن يقول الرجل للرجل
____________________
(6/446)
ابيعك هذا نقدا بكذا ونسيئه بكذا ويفترقان عليه انتهى وروايه ابن حبان للحديث موقوفا الصفقة في الصفقتين ربا تؤيد تفسير المصنف مع أنه أقرب تبادرا من تفسير أبي عبيد وأكثر فائدة فإن كون الثمن على تقدير النقد ألفا وعلى تقدير النسيئة الفين ليس في معنى الربا بخلاف اشتراط نحو السكنى والخدمة واعلم أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعنين في بيعة ويظهر من كلام بعض من يتكلم في الحديث ظن انه معنى الأول وليس كذلك بل هذا أخص منه فأنه في خصوص من الصفقات وهو البيع وفسره الشافعي بأن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا حديث صحيح رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح ورواه مالك بلاغا وفي فتاوي الولواجي لو قال بعتك هذه الدار بألف على أن يقرضني فلان الأجنبي عشرة دراهم فقبل المشتري ذلك البيع لا يفسد البيع لانه لا يلزم الاجنبي لأنه لو لزمه فإما بطريق الضمان عن المشتري أو بطريق الزياده في الثمن لا وحه إلى الأول لأنه ليس في ذمة المشتري فكيف يتحملها الكفيل ولا إلى الثاني لأنه لم يقل على أني ضامن وإذا لم يلزم الأجنبي لا يفسد البيع ولا خيار للبائع لأنه لوثبت إنما يثبت إذا لم يسلم له ما شرط في البيع على المشتري وقد سلم له ذلك وفي الفتاوي الصغرى قال بع عبدك من فلان على أن الثمن على والعبد لفلان وحكى عن ابي الحسن الكرخي أنه يجوز وهو خلاف ظاهر الروايه واستبعده أبو بكر الجصاص
فروع باع أمة بشرط أن يطأها المشتري أو أن لا يطأها فسد البيع عند أبي حنيفة فيهما لما ذكر من أن مقتضى العقد الإطلاق وهذا تعيين أحد الجائزين وعند أبي يوسف يفسد في الثاني لما قلنا ويصح الأول لأن العقد يقتضيه وعند محمد يصح فيهما ولو كان في الشرط ضرر كأن شرط أن يقرض أجنبيا لا يفسد العقد وذكر القدوري أنه يفسد ولو لم تكن فيه منفعة ولا مضرة كأن اشترى طعاما بشرط أن يأكله أو ثوبا بشرط أن يلبسه جاز وذكر الإمام قاضيخان العقود التي يتعلق تمامها بالقبول أقسام ثلاثة قسم يبطل بالشرط الفاسد وجهالة البدل وهي مبددلة المال بالمال كالبيع والإجارة والقسمة والصلح عن دعوى المال وقسم لا يبطل بالشرط الفاسد ولا جهالة البدل وهو معاوضه المال با ليس بمال كالنكاح والخلع والصلح عن دم عمد وقسم له شبه بالبيع والنكاح وهو الكتابه يبطلها جهالة البدل ولا يبطلها الشرط الفاسد وفي الخلاصة التي تبطل بالشروط الفاسدة ولا يصح تعليقها بالشرط ثلاثة عشر البيع والقسمة والإجارة والإجازة والرجعة والصلح عن مال والإبراء عن الدين وعزل الوكيل في رواية شرح الطحاوي وتعليق أيجاب الاعتكاف بالشرط والمزارعة والمعاملة الإقرار والوقف في رواية وما لا يبطل بالشروط الفاسدة ستة وعشرون الطلاق والخلع ولو بغير مال والعتق بمال وبلا مال والرهن والقرض والهبة والصدقة والوصاية والشركة والمضاربه والقضاء والإمارة والتحكيم بين اثنين عند محمد خلافا لأبي يوسف والكفالة والحواله والوكالة والإقاله والنسب والكتابه وإذن العبد ودعوة الولد والصلح عن دم العمد والجراحة التي فيها القصاص حالا ومؤجلا وجناية الغصب والوديعة والعارية إذا ضمنها رجل وشرط فيها أو حوالة كفالة وعقد الذمة وتعليق الرد بالعيب وتعليق الرد بخيار الشرط وعزل القاضي والنكاح لا يصح تعليقه ولا إضافته
____________________
(6/447)
لكن لا يبطل بالشرط ويبطل الشرط وكذا الحجر على المأذون لا يبطل الحجرلا ويبطل الشرط وكذا الهبة والصدقة والكفاله بالشرط المتعارف تصح هي والشرط وبغير المتعارف يبطل وتصح الكفاله انتهى فالحاصل أن كل ما كان من قبيل التمليكات أو التقييدات لا يصح تعليقه فمن الأول الإقرار والإبراء ومن الثاني عزل الوكيل والحجر على العبد والرجعة والتحكيم عند ابي يوسف من قبيل التمليكات فلا يتعلق وعند محمد يتعلق لأنه من إطلاق الولاية كالقضاء والإذن والإيصاء والوكالة وإن جعل الوكاله في شرح الطحاوي من قبيل التمليكات بل هي بالولايات أشبه قوله ومن باع عينا على أن لا يسلمه إياها إلى رأس الشهر فالبيع فاسد لأن الأجل في المبيع العين باطل فيكون شرطا فاسدا وهذا لأن الأجل شرع ترفيها فيليق بالديون لأنها ليست معينه في البيع فيحصل بالأجل الترفيه بخلاف المبيع العين فإنه معين خاضر فلا فائده في إلزامه تأخير تسليمه إذ فائدته الاستحصال به وهو حاصل فيكون إضرار بالبائع من غير نفع للمشتري قوله ومن اشترى جارية إلا حملها فسد البيع والأصل الممهد لتعريف ما يصح استثناؤه من العقد وما لا يصح استثناؤه هو أن ما لا يصح إفراده بالعقد ابتداء لايصح استثناؤه من العقد وما يصح يصح ومما لا يصح إفراده بالعقد فلا يصح استثناؤه هذا وهو كون الحمل لا يصح إفراده بالعقد لأنه بمنزلة أطراف الحيوان لاتصاله به خلقه كرجل الشاة وأليتها حتى أنه يقرض بالمقراض وأطراف الحيوان لا تفرد بالعقد إجماعا ومن فروعه بعتك هذه الصبرة إلا قفيزا منها بكذا يجوز لأن أفراد قفيز منها بالبيع يجوز ولو قال بعتك هذا القطيع من الغنم إلا شاة بألف لا يجوز لأنه لا يجوز شراء شاة من هذا القطيع بغير عينها بخلاف ما لو استثنى هذه الشاة فانه يجوز لانتفاء الجهالة حيث يجوز لجواز إفرادها بالعقد وكذا الحال
____________________
(6/448)
في كل عددي متفاوت ومنه ما إذا باع حيوانا واستثنى ما في بطنه لنهية صلى الله عليه وسلم عن بيع الحبل وأما ان ما لا يفرد بالعقد لا يجوز استثناؤه فلان الاستثناء إنما يخرج بعض ما تناوله الصدر عن حكمه وما يدخل تبعا ليس مما يتناوله اللفظ كالمفاتيح لا يتناولها اسم الدار فلا تستثنى وأما قول المصنف بيع الأصل يتناولهما أي الأصل والتبع فالاستثناء يكون على خلاف الموجب فلا يفيد لأن الاستثناء ليس إلا إخراجا من حكم الصدرلا وحكمه هو موجبه فلو صح ذلك بطل الاستثناء وإصلاحه أن يريد بالتناول فيها الحكم بطريق التبعية والاستثناء يكون على خلاف الموجب أي طريق الاستثناء ومهيعه لا حقيقة موجبه وذلك لا يجوز وإذا لم يصح الاستثناء بقي شرطا فاسدا وفيه نفع للبائع والبيع يبطل به والكتابه والإجاره والرهن بمنزلة البيع لأنها تبطل بالشروط الفاسده والأحسن أن يقال تبطل بالشروط الفاسده لأنها عقود معاوضه فيجعل بطلانها بالشروط الفاسده أثر المشابهة وتعلل المشابهة بأنها عقود معاوضات إلا أن المفسد في الكتابه شرط فاسد تمكن في صلب العقد وهو ما يقوم به العقد مثل أن يكاتب المسلم عبده على خمرأو خنزير أو على قيمته فالكتابه فاسده لتمكن الشرط المفسد في صلب العقد بخلاف البيع فإنه يفسد بالشرط الكائن في صلب العقد وغيره وإنما اختص فساد الكتابه بالشرط بذلك لشبهة الإعتاق والنكاح من حيث إن أحب البدلين ليس بمال في حق نفسه وكونه معاوضه إنما هو بالنسبه إلى السيد في الانتهاء وكان له شبهان شبه بالبيع وشبه بما ليس بمعاوضه فيفسد بالمفسد القوي وهو ما يتحقق في صلب العقد باعتبار شبهة للبيع ولم يفسد بما ليس كذلك لشبهة بالعتق والنكاح وهما لا يفسدان مطلقا بالشرط الكائن في صلب العقد ولا في غيره و أما الهبة والصدقه والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد فلا يبطل بالشروط الفاسده ويبطل الشرط فلا تبطل باستثناء الحمل فلو قال وهبتك او تصدقت عليك بهذه الجارية إلا
____________________
(6/449)
حملها أو تزوجت على هذه الجارية أو اخلعني عليها إلا حملها أو اجعلها بدل الصلح إلا حملها صحت هذه التصرفات وبطل الاستثناء ويدخل الحمل والهبة وإن كانت من قبيل التمليكات لكن عرف بالنص أنها لا تبطل بالشرط الفاسد لأنه صلى الله عليه وسلم اجاز العمرى بشرط عود المعمر فتصير العمرى لورثه الموهوب له لا لورثه المعمر وأما الوصية فلا تبطل باستثناء الحمل بل تصح بالاستثناء حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية لأن الوصيه اخت الميراث والميراث يجرى في الحمل بخلاف ما إذا استثنى خدمتها بأن اوصى بجارية إلا خدمتها أو إلا غلتها حيث لا يصح الاستثناء لأن الميراث لا يجرى في الخدمة والغله بانفرادها حتى لو أوصى بخدمة الجارية أو غلتها لفلان فمات فلان بعد صحة الوصيه لا ترث ورثته خدمتها ولا غلتها بل يعود إلى ورثة الموصي بخلاف ما لو أوصى بحمل جاريته لآخر حيث يصح ويكون حملها له وأورد على الأصل أن الخدمة يصح أفرادها بالوصيه فيجب أن يصح استثناؤها اجيب بمنع لزوم ذلك بدليل قولهم كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون أجره في الإجارة ولم يلزم كل ما يصح ثمنا لا يصح اجره وبأن الوصيه ليست عقدا حتى صح قبول الموصي له بعد موت الموصى والعقد بعد الموت لا يصح فلا يرد نقضا
فروع باع صبرة بمائة إلا عشرها فله تسعة أعشارها بجميع الثمن ولو قال على أن عشرها لي فله تسعة أعشارها بتسعة اعشار الثمن خلافا لما روي عن محمد أنه بجميع الثمن فيهما وعن أبي يوسف لو قال أبيعك هذه المائة شاة بمائة على أن هذه لي أو ولي هذه فسد ولو قال إلا هذه كان ما بقي مبائة ولو قال ولي نصفها كان النصف بخمسين ولو قال بعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة عن محمد جداز في كله بالف وخمسمائة لأن المعنى باع نصفه بألف لأنه الباقي بعد الاستثناء فالنصف المستثنى عين بخمسمائة ولو قال على أن لي نصفه بثلاثمائة أو مائة دينار فسد لإدخال صفقه في صفقة ولو قال بعتك الدار الخارجه على أن تجعل لي طريقا إلى
____________________
(6/450)
داري هذه الداخله فسد البيع ولو قال إلا طريقا إلى داري الداخلة جاز وطريقه عرض باب الدار الخارجة ولو باع بيتا على أن لا طريق للمشتري في الدار وعلى أن بابه في الدهليز يجوز ولو زعم أن له طريقا فظهر أن لاله يرد ولو باعه بألف دينار إلا درهما أو إلا ثوبا أو إلا كر حنطة او هذه الشياه إلا واحده يجوز ولو كان بعنيها جاز ولو باع دار على أن لا بناء فيها فإذا فيها بناء البيع فاسد لأنه يحتاج إلى نقض البناء ولو باعها على أن بناءها من آجر فإذا هو لبن فهو فاسد بناء على أنهما جنسان كما لو باعه ثوبا على انه هروي فظهر بلخيا ولو باع الأرض على أن فيها بناء فإذا لا بناء فيها وكذا إذا اشتراها بشجرها وليس فيها شجر جاز وله الخيار وكذا لو باع بعلوها وسفلها فظهر أن لا علو لها ومثله لو اشترى باجذاعها وقوله ومن اشترى ثوبا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا أو قباء فالبيع فاسد بإجماع الأئمة الأربعة لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعه لأحد المتعاقدين ولأنه يصير صفقتين في صفقة على ما مر من امتناع الصفقتين في صفقة إلا أن هنا على تقدير واحد وهو كون الخياطه يقابلها شئ من الثمن فهو شرط إجازة في بيع وما تقدم كان كذلك على ذلك التقدير وعلى تقدير عدم المقابله يكون إعارة في بيع قوله ومن اشترى نعلا على أن يحذوها البائع المراد اشترى اديما على ان يجعله البائع نعلا له فأطلق عليه اسم النعل باعتبار اوله ويمكن أن يراد حقيقته أي نعل رجل واجد على ان يحذوها أي أن يجعل معها مثالا آخر ليتم نعلا للرجلين ومنه حذوت النعل بالنعل أي قدرته بمثال قطعته ويدل عليه قوله او يشركه فجعله مقابلا لقوله نعلا ولا معنى لأن يشتري أديما على أن يجعل له شراكا فلا بد أن يراد حقيقة النعل فالبيع فاسد قال المصنف رحمه الله ما ذكره يعني القدورى جواب القياس ووجهة ما بيناه من أنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع لأحد المتعاقدين وفي الاستحسان يجوز البيع ويلزم الشرط للتعامل وكذلك ومثله في ديارنا شراء القبقاب على هذا الوجه أي على أن يسمر له سيرا وصار كصبغ الثوب ومقتضى القياس
____________________
(6/451)
منعه لأنه إجارة عقدت على استهلاك عين مع المنفعة وهو عين الصبغ ولكن جوز للتعامل ومثله إجارة الظئر مع لزوم استهلاك اللبن جاز للتعامل لكن في الفوائد المستحق بالإجارة فعل الصبغ والحضانه في استئجار الصباغ والظئر واللبن آله فعلهما وللتعامل جوزنا الاستصناع مع أنه بيع المعدوم ومن أنواعه شراء الصوف المنسوج على ان يجعله البائع قلنسوه بشرط أن يبطن لها البائع بطانه من عنده وهذا نوع آخر من الشرط وهو البيع بشرط أن به كذا وما تقدم كان المشروط معدوما فيشترط ان يفعل من هذا ذكر هشام عن محمد اشترى شاة على أنها حامل يفسد البيع وعن الشافعي قولان واصحهما يصح وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة وقال بعض أصحابه القولان في غير الآدمى أما في الجواري يصح قولا واحدا وهو قولنا ذكر هشام عن محمد اشترى جارية على أنها حامل يجوز البيع إلا أن يظهر أن المشتري يريدها للظئورة فيفسد ولا يخفى ما فيه بعد فرض أن المشتري علم ذلك بل شرطه وكونه اشترى خلاف ما يحصل غرضه لا يوجب فسادا بعد الرضا به وعن الهندواني شرط الحبل من البائع لا يفسد لأن البائع يذكره على بيان العيب عادة ولو وجد من المشترى يفسد لأنه ذكره على وجه اشتراط الزياده ولو اشترى سمسما او زيتونا او حنطة على أن فيها كذا هنا أو يخرج كذا دقيقا فالبيع فاسد وبه قال الشافعي وهو شرط في الشاة أنها حلوب أو لبون لم يذكره محمد واختلف فيه فالكرخي يفسد والطحاوي لا يفسد وهو قول الشافعي لأنه مرغوب فيه والوجه أن لا يجوز لوقوع المنازعه في أن معنى الحلوب ما يكون لبنها هذا المقدار او اكثر من هذا الى غاية كذا ولو كان منفعة الشرط لغير العاقدين كالبيع على أن يقرض فلانا كذا ففيه اختلاف المشايخ وقال محمد كل شئ يشترط على البائع يفسد به البيع إذا شرط على أجنبي فهو باطل وكل شئ يشترط عليه لا يفسد به إذا شرط على اجنبي فهو جائز ويخير المشتري كالبيع بمائة على أن يحط فلان الإجنبي عشرة جاز البيع ويخير المشتري إن شاء أخذه بمائة وإن شاء ترك وعن أبي يوسف لو اشترى على أن يهب البائع للمشترى أو لفلان الأجنبي دينارا من الثمن فالمبيع فاسد وفي المنتقى خلافه فيما إذا كانت الهبة من المشتري قال لو اشترى على أن يهب له دينار من الثمن جاو وهو حسن لأن حاصل هذا حطيطه مشترطه ومآلها إلى الشراء بالثمن الانقص ولو باع رقبه الطريق على أن له حق المرور أو السفل على أن له قرار العلو جاز ولو باع عبدين على أنه شريك المشتري في نصف هذا فسد ولو قال نصفيهما جاز كما لو باع هذا الثوب وقال أنا شريكك في نصفه ومقتصى النظر ان يجوز الأول أيضا لأنه في الحاصل بيع أحدهما بعينه ونصف الآخر شائعا صفقة ولا مانع من ذلك ولو باع هذا بالف إلا نصفه بستمائة فقد باع نصفه بأربعمائة قوله والبيع إلى النيروز وهو يوم في طرف الربيع وأصله نوروز عرب وقد تكلم به عمر رضي الله عنه فقال كل يوم لنا نوروز حين كان الكفار يبتهجون به والمهرجان يوم في طرف الخريف معرب مهركان وقيل هما عيدان للمجوس وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسد لجهالة الإجل وعرف بهذا التعليل أن المراد بالمؤجل هنا هو الثمن لا المبيع لأن
____________________
(6/452)
مجرد تأجيل المبيع مفسد ولو كان إلى أجل معلوم فلا يناسب تعليل فساد تأجيل المبيع بجهالة الأجل وبقوله إذا لم يعرف الى آخر أن الفساد بالتأجيل إلى هذه بناء على عدم معرفه خصوص أوقاتها عند المسلمين فلو كانا يعلمان ذلك صح قيل وتخصيصه اليهود بالفطر ظاهر في ان ابتداء صومهم غير معلوم والحاصل ان المفسد الجهالة فغذا انتفت بالعلم بخصوص هذه الاوقات جاز ولذا قال أ كان التأجيل إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في صومهم لآن مدة صومهم بالايام وهي معلومه وهي خمسة وخمسون يوما واعلم أن كون التأديل في الثمن يصح إذا كان الأجل معلوما هو في الثمن الدين وأما لو كان ثمنا عينا فيفسد البيع بالإجل فيه للمعنى الذي ذكرناه مفسدا لتأجيل المبيع عند قوله ومن باع عينا على أن يسلمه إلا رأس الشهر وقوله لا بتنائها على المماكسه المماكسه استنقاص الثمن والمكس والمكاس في معناه وهو موجود في البيع عادة وهو يوجب المنازعه فكانت المنازعه ثابته في البيع لوجد موجبها في الجملة عند جهالة وقت القبض يحصل أخرى على وجه يضر بالدين والنفس فلا يشرع المعقد مع ذلك وحقيقة هذا يصلح تعليلا لقولنا لا يحتمل البيع هذه الجهالة اليسيره بخلافغ الكفاله ولا يجوز البيع إلى قدوم الحاج والحصاد بفتح الحاء وكسرها و مثله القطاف وهو للعنب والدياس وهو دوس الحب بالقدم لينقشر وأصله الدواس بالواو لأنه من الدوس قلبت ياء للكسر قبلها والجزاز أي جز صوف الغنم لأنها تتقدم وتتأخر وذكر شمس الأئمة أن المراد به جزاز النخل ولو كفل إلى هذه الوقات جاز لن الجهالة اليسيره متحمله في الكفاله وهذه الجهالة اليسيره مستدركه أي قريب تداركها وإزاله جهالتها وتحليل الدليل هكذا هذه جهالة يسيره وكل جهالة يسيره متحمله في الكفاله لأنها عقد تبرع مبني على المساحه فهذه متحمله فيها وعلى هذا فالسؤال المورد من قبل شمس الأئمه وهو كون الجهالة اليسيره متحمله في موضع لا يدل على ان يكون التأجيل إلى هذه الوقات المجوله متحملا ألا ترى أن الصداق يتحمل الجهالة حيث يحتمل جهالة وضفه ثم لا يصح فيه اشتراط هذه الآجال سؤال أجنبي عن هذا المحل ثم أجاب بأن الأصح صحة هذه الاجال في الصداق خلافا لقول البعض إنها لايصح تأجيل الصداق اليها وإنما يرد هذا إذا قيل الجهالة اليسيره متحمله في الصداق كجهالة الوصف فيورد عليه النقض بعد تحمله جهالة هذه الآجال ويجاب بما ذكر وقوله لا ختلاف الصحابه
____________________
(6/453)
أخرجه مخرج الاستدلال على أنها جهالة يسيره فإن من الصحابه من أجازها كعائشه رضي الله عنها أجازت البيع إلى العطاء وابن عباس منعه وبه أخذنا ولو كانت جهالة قوية لم يختلفوا في عدم الصحة معها وقد قالوا إن العطاء كان لا يتقدم ولا يتأخر فجاز كونه أجلا إذ ذاك لصدق الخلفاء الراشدين في ميعادهم في صرفه وأما الآن فيتأخر عن مواعيدهم كثيرا فلا يصح التأجيل إليه الان فإن صح هذا فكيف يتصور من ابن عباس خلافه والظاهرلا انه كان يتقدم ويتأخر قليلا بنحو يوم او يومين فأهدرته عائشه واعتبره ابن عباس ثم قيل اليسيره ما يكون الموجب للجهالة التردد في التقدم والتأخر والفاحشه هي ما يكون التردد في نفس الوجوب كهبوب الريح وقوله ولانه معلوم الأصل أي ولأن الدين معلوم فأعاد الضمير عليه لانه للكفاله إذ يستلزم دينا يعني الأصل وهو الدين معلوم الجهالة في وصفه و هو كونه مؤجلا إلى كذا الذي قد يتقدم ويتأخر وقوله ألا يرى إلى آخره أبتداء لا تعليل لقوله لأنه معلوم الاصل وحاصله انه أثبت كون الجهالة يسيره باختلاف الصحابه في مثلها وبأن الدين المكفول به معلوم الأصل فلم تبق جهالة إلا في الوصف وجهالة الوصف يسيره ثم ارتفع الى اولويه صحة هذه الأجال في الكفاله بأن بعض الكفاله تحتمل جهالة الأصل كالكفاله بما ذاب لك على فلان والذوب غير معلوم الوجود فلأن يحتمل جهالة الوصف فيه أولي بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن فكذا في وصفه فاتجه عليه أن يقال لا يلزم من عدم تحمل اصل الثمن الجهالة عدم تحمل وصفه وهو أخف لآن الأصل أقوى أجيب بأن الاشتراك في العله يوجبه في الحكم وعله عدم تحملها في الاصل الإفضاء إلى المنازعه وهو موجود في جهالة الوصف ثم أفاد أن ما ذكره من عدم تحمل البيع جهالة هذه الآجال هو إذا ذكرت في اصل العقد أما إذا عقده بلا أجل وهو قوله بخلاف ما إ ذا باع مطلقا أي عن ذكر الأجل حتى انعقد صحيحا ثم أجل الثمن إلى هذه الآوقات فأنه يجوز فالتأجيل بعد الصحة كالكفاله تتحمل الجهالة اليسيره لأنه حينئذ تأجيل دين من الديون بخلافه في صلب العقد فأنه يبطل بالشرط الفاسد وقبول هذه الآجال شرط فاسد قوله ولو باع إلى هذه
____________________
(6/454)
الآجال ثم تراضيا على إسقاط الأجل قبل أن يجئ بأن اسقطاه قبل أن ياخذ الناس في الدياس والحصاد وقبل قدوم الحاج جاز البيع ايضا كما جاز إذا عقد بلا أجل ثم الحق هذه الآجال وقال زفر لا يجوز وتقييده بهذه الآجال لإجراج نحو التأجيل بهبوب الريح ونزول المطر فإن لو أجل بها ثم اسقطه لا يعود صحيحا اتفاقا وجه قوله إن العقد فاسد فلا ينقلب جائزا كاسقاط الجل في النكاح إلى أجل وكالإشهاد عليه بعد عقده بلا شهود لا ينقلب جائزا وبيع الدرهم بالدرهمين إذا سقطا الدرهم لا يعود صحيحا ولنا أن هذه الجهالة مانع من لزوم العقد وليس في صلب العقد بل في اعتبار امر خارج هو الأجل وصلب العقد البدلان مع وجود المقتضى للصحه وهو مبادله المال بالمال على وجه التراضى فاذا زال المانع قبل وجود ما يقتضي سبب الفساد وهو المنازعه عند المطالبه الكائنه عند مجئ الوقت ظهر عمل المقتضى وهو معنى انقلابه صحيحا بخلاف ما قاس عليه من الاشهاد المتأخر فإن عدم الإشهاد عدم الشرط وبعد وقوع المشروع فاسدا لعدم الشرط لا يعود ذلك بعينه صحيحا مثلا اذا صلى بلا وضوء ثم توضأ لا تصير تلك الصلاة صحيحه وإنما نظير ما نحن فيه أن يتوضأ قبل عدم المفسد وهو عدم الشرط وذلك قبل الصلاة وأما النكاح إلى أجل فليس هو عقد النكاح بل عقد آخر لا وجود له في الشرع بعد نسخ المتعه وعقد من العقود لا ينقلب عقد من العقود لا ينقلب عقد آخر فلا يصح إسقاط الدرهم لأن الفساد في صلب العقد والذي يحتاج بعد هذا إلى الجواب ما إذا سقط الرطل الخمر فيما إذا باع بألف ورطل خمر نص محمد على جواز البيع
____________________
(6/455)
وانقلابه صحيحا في آخر الصرف اللهم إلا أن يقال هو تبع للآلف الثمن في بيع المسلم بخلاف ما إذا باع بالخمر فانه حينئذ يتعين كون الخمر هو الثمن ويفسد إذا لا مستتبع هناك هذا والحاق زفر بالنكاح إلى أجل بطريق الإلزام فإنه يجيز النكاح الموقت ثم قول المصنف رحمه الله وقوله في الكتاب تراضيا أي قول القدوري في مختصره قوله ومن جمع بين حر وعبد او شاه ذكيه وميته بطل البيع فيهما سواء فصل ثمن كل واحد او لم يفصل وهذا عند ابي حنيفه رحمه الله تعالى وقال ابو يوسف ومحمد رحمهما الله ان سمي لكل واحد منهما ثمنا جاز في العبد بما سمي له وكذا في الذكيه وإذا لم يسم بطل الإجماع وبقول أبي حنيفه قال مالك وعن الشافعي وأحمد كل من القولين وعلى الخلاف ما إذا باع دنين خلا فإذا احدهما خمر ولو جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده وعبده غيره ولم يفصل الثمن صح البيع في العبد بحصته من الثمن عند الثلاثه وقال زفر فسد فيهما ومتروك التسميه عامدا كالميته والمكاتب وأم الولد كالمدبر وأجمعو أنه لو باع عبدين فاستحق احدهما لا يبطل البيع في الآخر لزفر الاعتبار بالفصل الأول وهو ما إذا جمع بين عبد وحر ولم يفصل ثمن كل بجامع أنه باع ما لا يصح بيعه مع ما يصح مجموعا صفقة وهو يوجب انتفاء محليه البيع بالاضافه إلى المجموع اذ يصدق أن الكل من حيث هو كل
____________________
(6/456)
ليس بمال ولهما في الأول أن الفساد لا يتعدى محل المفسد وبعد تفصيل الثمن يقتصر المفسد وهو عدم المحليه على الحر ونحوه فلا يتعدى الى غيره لأنه حينئذ بلا موجب لأن كلا منهما قد انفصل عن الآخر بتفصيل الثمن ألا يرى أنه لو هلك احدهما قبل القبض بقي العقد في الاخر لو كان كل منهما عبدا وصار كما لو جمع بين اخته واجنبيه في عقد النكاح بخلاف ماإذا لم يسم ثمن كل منهما لآن الفساد حينئذ في القن لجهالة ثمنه ولانه ولأبي حنيفه وهو الفرق بين الفصلين أعني الجمع بين الحر والعبد والجمع بين الاجنبيه واخته والمدبر والعبد أن الحر لا يدخل تحت العقد اصلا والبيع صفقة واحده بدليل أنه ليس للقابل أن يقبل في احدهما بعد جعل قبول العقد في كل شرطا في بيعه الآخر فقد شرط في قبول العقد قبوله في الحر وهو شرط فاسد فيبطل بيع العبد بخلاف النكاح فإنه لا يبطل بالشرط الفاسد أما بيع هؤلاء فموقوف على القضاء في المدبر ورضا المكاتب في الأصح خلافا لما روي عن أبي حنيفه وأبي يوسف وأجازة ذلك الغيرفقد دخلوا في العقد لقيام الماليه على قول بعض المجتهدين في أم الولد
____________________
(6/457)
أيضا فدخلت ايضا على قول ابي حنيفه وأبي يوسف الا أن المالك أي مالك العبد المضموم إلى عبد البائع باستحقاقه المبيع وهؤلاء باستحقاهم انفهسم ردوا البيع بعد وجوده فيما يقبله وهذا في أم الولد بناء على صحة القضاء ببيعها عندهما خلافا لمحمد وهو بناء على ان اجماع التابعين اللاحق هل يرفع خلاف الصحابه السابق عندهما لا يقوى لرفع خلاف الصحابه وعند محمد نعم فلذا صح القضاء ببيعها عندهما نظرا إلى الخلاف وعنده لا نظرا إلى الإجماع وارتفاع الخلاف مع أن قول عبيده لعلي رضي الله عنه لما قال بدالي رأي أنهن يبعن فقال رأيك في الجماعه أحب إلينا من رايك وحدك ظاهر في أن أكثر الصحابه كانوا على منع بيعها أو كلهم إلا عليها وقد ذكر الكرخي رجوع أبي يوسف في مسئلة الطوق والجاريه إذا باعهما بثمن مؤجل كما سيجيئ في الصرف فاستدلوا به على رجوعه في هذه المسائل إذا الفرق بينهما لا يتضح كذا في المبسوط قيل ينبغي أن يكون الجمع بين متروك التسميه عامدا وبين الذبيحه كالجمع بين القن والمدبر على قول أبي حنيفه لضعف الفساد في متروكها للاجتهاد أجيب بالفرق بأنه لا يحل بالقضاء ويصح بيع المدبر به والاجتهاد فيه غير معتبر بل نفس الاجتهاد خطأ لمصادمته ظاهر النص هذا وقد يجعل الخلاف بينهم بناء على الخلاف في تعدد الصفقه واتحادها فقد تقدم أول كتاب البيع أن تعددها عندهما بتعدد الثمن وتفصيله وعنده لا يحصل بذلك التعدد بل لابد مع ذلك من تكرار لفظ البيع وما في الأخيره أن البائع إ ذا فصل الثمن وسمي لك ثمنا على حده واتحد الباقي كانت الصفقه متحده هو على قول أبي حنيفه واورد من قبلهما أن قبول العقد فيما لا يصح شرط ليس فيه منفعة فلا يكون مفسدا أجيب بمنع اشتراط النفع في إفساد الشرط أولا وليس بشئ ثم لو سلم ففيه نفع لأن في قبوله قبول بدله وهو مال متقوم والحر ليس بمال فيكون بدله خاليا عن الحوض فيكون رباه وقوله وكان هذا يعني رد البيع إشارة إلى البقاء يعني دخولهم تحت البيع لأن رد البيع بدون انعقاده لا يصح وإذا خرجوا بعد دخولهم لايكون فيه بيع بالحصه ابتداء بل بقاء كما إذا باع عبدين وهلك احدهما قبل القبض ينفسخ البيع فيه وحده وتجب حصة الآخر من الثمن وإذا كان المدبر وما معه عملا للبيع لم يكن جمعه مع القن يتضمن اشتراط قبول العقد في غير المبيع
____________________
(6/458)
فروع في الكافي جمع بين وقف وملك وأطلق صح في الملك في الأصح وقال الحلواني يفسد فيهما ثم رجع وقال جاز في الملك كما في العبد والمدبر ولو باع كرما فيه مسجد قديم إن كان عامرا يفسد البيع وإلا وكذا في المقبره ولو اشترى دارا فيه طريق للعامه لايفسد البيع والطريق عيب ولو اشترى دارا بطريقها ثم استحق الطريق إن شاء امسكها بحصتها وإن شاء ردها إن كان الطريق مختلطا بها وإن كان متميزا لزمه الدار بحصتها ومعنى اختلاطه كونه لم يذكر له الحدود وفي المنتقى إذا لم يكن الطريق محدودا فسد البيع والنسجد الخاص كالطريق المعلوم ولو كان مسجد جماعة فسد البيع في الكل وفي بعض النسخ ولو كان مسجد جامع فسد في الكل وكذا لو كان مهدوما أو ارضا ساحة لابناء فيها بعد أن يكون أصله مسجد جامع كذا في المجتبي والظاهر ان هذا متفرع على قول ابي يوسف في المسجد الا إن كان من ريعه معلوم يعاد به ولو باع قريه وفيها مسجد واستثنى المسجد جاز البيع & فصل في أحكامه
قال وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع صريحا او دلاله كما سيأتي وفي العقد عوضان كل منهما مال ملك المبيع ولزمته قيمته ومعلوم أنه إذا لم يكن فيه خيار شرط لأن ما فيه من الصحيح لا يملك بالقبض فكيف بالفاسد ولا يخفى ان لزوم القيمه عينا إنما هو بعد هلاك المبيع في يده أما مع قيامه في يده فالواجب
____________________
(6/459)
رده بعينه وقال الشافعي لا يملكه وان قبض لانه أي البيع الفاسد محظور فلا ينال به نعمه الملك ولأن النهي نسخ للمشروعيه للتضاد بين المشروعيه والنهي والمراد أن النهي يتضمن انتفاء المشروعيه ولهذا أي كونه غير مشروع لا يفيد الملك قبل القبض ولو كان مشروعا لثبت قبله كما في البيع الصحيح وصار كما إذا باع الخمر بالميته او باع الخمر بالدراهم فان الاتفاق على انه لا يفيد الملك في الوجهين وما ذاك إلا لانتفاء مشروعية السبب ولنا أن ركن القعد صدر من أهله في محله ولاخفاء في الأهلية ولا في المحلية وركنه مبادلة المال بالمال وفيه الكلام أي الكلام مفروض فيما إذا كان في العقد عوضان هما مالان قوله نعمة الملك لا تنال بالحظور قلنا ممنوع بل ما وضعه الشرع سببا لحكم إذا نهى عنه على وضع خاص ففعل مع ذلك الوضع رأينا من الشرع أنه أثبت حكمه وأتمه أصله الطلاق وضعه لإزالة العصمة ونهى عنه بوضع خاص وهو ما إذا كانت المرأة حائضا ثم رأيناه أثبت حكم طلاق الحائض فأزال به العصمة حتى أمر ابن عمر بالمراجعة رفعا للمعصية بالقدر الممكن وأثم المطلق فصار هذا أصلا في كل سبب شرعى نهى عن مباشرته على الوجه الفلانى إذا بوشر معه يثبت حكمه ويعصى به وقوله النهى نسخ للمشروعية يعنى يفيد انتفاءها مع الوصف فنقول ما تريد بانتفاء مشروعية السبب كونه لم يؤذن فيه مع ذلك الوصف المذكور أو كونه لا يفيد حكمه إن أردت الأول سلمناه ومتعنا أنه مع ذلك لا يفيد حكمه مع الوصف المقتضى للنهى كما أريناك من الشرع وإن أردت الثانى فهو محل النزاع وهو حينئذ مصادرة حيث جعلت محل النزاع جزء الدليل لا يقال فلا فائدة للنهى حنيئذ لأن فائدته التحريم والتأثيم وهو موضع النهى فإنه للتحريم أو لكراهة التحريم شإذا كان ظنى الثبوت وهذا بخلاف ما إذا لم يكن الثابت ركن العقد بأن لم يكن مالا بأن عقد على الخمر أو الميتة لعدم الركن فلم يوجد السبب أصلا فلا يفيد الملك فوضعنا الاصطلاح على الفاسد
____________________
(6/460)
والباطل باعتبار اختلاف حكمهما تمييزا فسمينا ما لا يفيد حكمه باطلا وما يفيده فاسدا أخذ من مناسبه لغويه تقدمت أول باب البيع الفاسد ولا خفاء في حسن هذا التقرير إن شاء الله تعالى وكفايته وأما قول المصنف رحمة الله وغيره من المشايخ النهي يقرر المشروعيه لاقتضائه التصور يريدون أن النهي عن الأمر الشرعي يقرر مشروعيته لأن النهي عن الشئ يقتضي تصور المنهي عنه وإلا لم يكن للنهي فائده فليس بذاك لأن كونه يقتضي تصور المنهي عنه بمعنى إمكان فعله مع الوصف المثير للنهي لا يفيد فإنه إذا فعل هذا المتصور يقع غير مشروع وإن ارادوا تصوره شرعيا أي مأذونا فيه شرعا فممنوع وإن قالو نريد تصوره مشروعا بأصله لا مع هذا الوصف الذي هو مثير النهي قلنا سلمناه ولكن الثابت في صورة النهي هو المقرون بالوصف فهو غير مشروع معه والمشروع وهو أصله بمعنى البيع مطلقا عن ذلك الوصف غير الثابت هنا فلا فائده في هذا الكلام أصلا إذ نسلم أنه مشروع بأصله أعني مالم يقرن بالوصف وهو مفقود فلا يجدي شيئا وحينئذ فقوله فنفس البيع مشروع وبه تنال نعمة الملك يقال عليه ما تريد بنفس البيع الذي ليس فيه الوصف الذي هو متعلق النهي أو ما فيه إن قلت الذي ليس فيه سلمناه وبه تنال نعمة الملك لكن الثابت البيع الذي ليس كذلك وهو ما فيه الوصف المثير للنهي فلا ينال به نعمة الملك فيحتاج لما قررناه من منع أن السبب إذا كان مع النهي لا يفيد الملك إلى آخر ما ذكرنا وأما قوله وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء فالمراد أن يجمع بين ما نحن فيه وبين البيع وقت النداء في ثبوت الملك عند عدم النهي لعين المنهي عنه كما إذا كان مع عدم ثبوت الركن وإلا فالنهي للمجاور يفيد الكراهة لا الحظر والنهي للوصف اللازم كما نحن فيه يفيد الحظر هذا إلا أني أقول وبالله التوفيق مع ذلك إن الخمر والخنزير ليسا بمال في شريعتنا فإن الشارع أهانهما بكل وجه حتى لعن حاملها ومعتصرها مع أنها مقصوده
____________________
(6/461)
حال الاعتصار بل الموجود حينئذ نية أن يصير خمرا وبائعها وآكل ثمنها وهي مال في شرع أهل الكتاب على زعمهم وحيث امرنا أن نتركهم وما يدينون فقد أمرنا باعتبار بيعهم اياها وبيعهم بها فإذا كان أحد العوضين خمرا او خنزيرا في بيع المسلم فهو باطل لا يفيد الملك في البدل الآخر وأن كان ثمنا وأن كان في بيعهم فصحيح والله أعلم وقوله وأنما لا يثبت الملك قبل القبض إلى آخره جواب عن مقدر هو أنه إذ ا كان هذا البيع يفيد حكمه فما وجه تراخيه عنه ألى وقت القبض فأجاب وحاصل الوجه فيه أنا قد اريناك أنه بسبب محظور وان ما هو بسبب محظور طلب الشرع رفعه بالقدر الممكن وان ترتب حكمه كما امر بمراجعة الحائض فوجب ذلك في البيع وحيث امرنا بإعدامه بعد فعله صار فيه ضعف ورأينا حكم السبب قد يتأخر عنه في الشرع بسبب من الأسباب فأخرناه إلى القبض فإنه به يتأكد العقد فيوجب حينئذ حكمه كالهبة لما ضعف السبب فلم يثبت الملك فيها إلا بالقبض وقوله كي لا يؤدي إلى تقرير الفساد أي إلى زيادة تقريره فإن المبادرة اليه تزيده وجودا مع أنه واجب الرفع فلا يفعل ذلك
____________________
(6/462)
وقوله وأن كان الخمر مثمنا فقد خرجناه يريد ما قدمه من بطلان البيع إذا كانت مبيعا لأن في جعلها المقصود بالعقد إعزازا لها وقوله وشئ آخر أي وجه آخر لبطلان العقد إذا كانت مبيعة وهو أن الواجب حينئذ تسليم قيمة الخمر لأن المسلم ممنوع عن تسليمها وتسلمها والقيمة لاتكون إلا دراهم أو دنانير فتصير القيمة مبيعة لقيامها مقام مبيع وهو خلاف وضع الشرع في سائر البياعات من أن المقابل للسلع من النقود ثمن لا يقال لامانع من ذلك فإن الدراهم والدنانير أذا قوبلت بمثلها صار كل منهما مبيعا وثمنا والخمر قد قوبلت بالدراهم فإذا نزلت القيمة مكانها صارت دراهم مقابله بدراهم لأنا نقول الثابت هنا كون كل مبيعا وثمنا وهنا يلزم مبيعا ليس غير وقد يقال لما كان الواجب بقبض المبيع في الفاسد القيمة لا الثمن والمدفوع في بيع الخمر قيمتها آل إلى الصرف فتكون القيمة مبيعا وثمنا كالقيمة التي يدفعها المشتري ثم شرط في الملك ان يكون القبض بإذن البائع وهو الظاهر من المذهب الا أنه يكتفي بالإذن دلاله كما إذا اجتره فقبضه في محلس العقد ولم يمنعه البائع استحسانا وهو الصحيح لأن البيع تسليط منه على القبض فإذا قبضه بحضرته قبل الأفتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق أما إذا كان أمره بالقبض فإنه يملكها ولو كان القبض مع غيبه البائع ولو قيل لا نسلم ان هذا البيع تسليط لما تقدم من ضعفه عن أفادة حكمه بنفسه وهذا هو وجه الروايه المقابله للصحيح وتسمى الروايه المشهورة فالجواب أن ضعفه انما يؤثر منع ثبوت حكمه بمجرده لا منع قبضه مطلقا وصار كالهبة
____________________
(6/463)
في ضعف السبب مع أن القبض فيها في مجلس العقد يصح استحسانا وأثر الضعف يكفي فيه كون التسليط الذي يثبت مقيدا بالمجلس حتى لو قبضه في غير ذلك المجلس بحضرته ولم ينهه لا يصح قبضه قياسا واستحسانا وعن الهندواني أنه قال يجب أن يكون القبض بعد الأفتراق عن المجلس بغير إذنه إذا إذا كان ادى الثمن بما يلمكه البائع بالقبض اخذا من إطلاق سيأتي وأما ما ذكر في المأذون من اشتراط إذن البائع في صحة القبض بعد الافتراق فتأويله إذا لم ينقد الثمن أو كان الثمن خمرا مثلا حتى لا يملك بالقبض فأما إذا ملك به فلا يحتاج الى الإذن ويكون قبض الثمن منه اذنا منه بالقبض وفي التخليه اختلاف الروايات الاصح انها ليست بقبض قبض وفي الخلاصه التخليه كالقبض في البيع الفاسد في بيع الجامع الكبير وفي المحيط باع عبدا من ابنه الصغير فاسدا واشترى عبده لنفسه فاسدا لايثبت الملك حتى يقبضه ويستعمله في جمع التفاريق لو كان وديعه عنده وهي حاضره ملكها
وقوله فيخرج عليه أي على اشتراط المال في البيع الفاسد عدم البيع وبطلانه بالميته والدم والحر والبيع بالريح والبيع مع نفي الثمن كلها باطله لعدم المال في العوض وقيد ينفي الثمن لأنهما لو سكتا عن الثمن فلم يذكراه بنفي ولا إثبات انعقد فاسدا ويثبت الملك بالقبض موجبا للقيمة لأن مطلق البيع يقتضي المعاوضه فإذا سكت عوضه كان عوضه قيمته وكأنه باعه بقيمته فيفسدالبيع وقوله لزمته قيمته يعني يوم القبض ولو زادت قيمته في يد فأتلفه لأنه إنما دخل في ضمانه بالقبض فلا يتغير كالغصب وقال محمد عليه قيمته يوم أتلفه لأنه بالاستهلاك تقرر عليه الضمان فتعتبر قيمته حينئذ كذا في الكافي وهذا في ذوات القيم فأما في ذوا ت الأمثال فيلزمه المثل
____________________
(6/464)
ومنها العدديات المتقاربه لأن مضمون بنفسه أي بالقيمة واحترز به عن البيع الصحيح هذا والقول في القمية والمثل قول المشتري لأنه الضامن فالقول له في القدر والبينة فيه بينة البائع قوله ولكل واحد من المتبايعين فسخه رفعا للفساد أي للمعصيه فرفعه حق لله تعالى فإن نفس العقد مكروه والجري على موجبه بالتصرف في المبيع تمليك أو انتفاع بوطء أو لبس أو أكل كذلك أي يكره لما فيه من تقرير المعصيه وهي كراهة التحريم والوجه أن يكون حراما لن الإجماع على منعه شرعا قطعي يوجب الحرمه وعرف من تعليل المصنف برفع المعصيه أن الواجب أن يقال وعلى كل واحد فسخه غير أنه أراد مجرد بيان ثبوت ولايه الفسخ فوقع تعليه اخص من دعواه واحاصل المنقول في المسئله أنه إذا كان الفساد في صلب العقد وهو ما يرجع ألى الثمن أو المثمن كبيع درهم بدرهمين أو ثوب بخمر فيملك كل فسخه بحضرة الاخر عندهما لأنه وإن كان حق الشرع ففيه الزام موجب الفسخ فلا يلزمه إلا بعلمه وعند أبي يوسف بغير حضرته ايضا ولم يحك المصنف هذا الخلاف وأن كان الفساد بشرط زائد كالبيع على أن يقرضه ونحوه أو إلى أجل مجهول فكل واحد يملك فسخه قبل القبض وأما بعد القبض فيستقل من له منفعه الشرط والأجل بالفسخ كالبائع في صورة الإقراض المشتري في الأجل بحضره الآخر دون من عليه عند محمد رحمه الله تعالى لأن منفعة الشرط إذا كانت عائده عليه صح فسخه لأنه يقدر أن يسقط ألأجل فيصح العقد فاذا فسخه فقد أبطل حقه لقرته على تصحيح العقد وعندهما لكل منهما حق الفسخ لأنه مستحق حقا للشرع فانتفى اللزوم عن العقد والعقد إذا كان غير لازم تمكن كل من فسخه كذا في الذخيرة والأيضاح والكافي فعلى هذا المذكور هنا قول محمد وحده وهذا أذا كان المبيع في يد المشتري على حالة لم يزد ولم ينقص أما إذا زاد المشتري في يد المشتري زيادة متصله متولده من الأصل أولا أو منفصله كذلك أو انتقص بأفه سماويه أو بفعل
____________________
(6/465)
الغير بائعا أو مشتريا أو أجنبيا فسنذكره وقوله إلا أنه إلى آخره جواب سؤال يرد على قوله لقوة العقد وهو أنه لما كان قويا ينبغي أن لا يكون لأحد ولايه الفسخ وإن كان له منفعة الشرط فأجاب بأن القياس ذلك إلا أنه لما لم تتحقق المراضاة في حقه كان له الفسخ قوله فإن باعه أي باع المشتري ما اشتراه شراء فاسدا بيعا صحيحا نفذ بيعه لأنه ملكه فملك التصرف فيه وسقط حق البائع الأول في الاسترداد لتعلق حق العبد بالعقد الثاني ونقض الأول ما كان له إلا لحق الشرع وحق العبد عند معارضة حق الله تعالى يقدم بإذن الله لغناه سبحانه وتعالى وسعة عفوه وجوده وفقر العبد وضيقه ولا ينقض بالصيد إذا أحرم مالكه وهو في يده حيث يقدم حق الشرع على العبد لأنا نقول الواجب عليه إطلاقه لا إخراجه عن ملكه فيطلقه بحيث لا يضيع عليه وهذا جمع بين الحقين ولا ينقض باسترداد وارث البائع إذا مات البائع من المشتري مع أنه تعلق به حق العبد وهو الوارث لأن الحق المتعلق للوارث هو نفس الحق الذي كان للمشتري وكان مشغولا بحق البائع في الرد فينتقل اليه كذلك أما الموصي له بالمبيع فكالمشتري الثاني فليس لورثة البائع استرداده منه لأن له ملكا متجددا بسبب اختيارى لا بتصرف من المشترى ولو قيل المشترى الثاني ايضا إنما ينتقل إليه المبيع استرداده منه لأن له ملكا متجددا بسبب اختيارى لا بتصرف من المشتري ولو قيل المشتري الثاني أيضا إنما ينتقل إليه المبيع مشغولا بذلك الحق لأن ذلك كان فيه للبائع الأول وليس في قدرته أن يبطل حقه فلا يصل ما باعه إلى المشتري إلا مشغولا بذلك احتاج إلى الجواب
____________________
(6/466)
وأيضا الأول مشروع بأصله لا وصفه والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه لزيادة قوته ولأنه أي البيع الثاني حصل بتسليط من جهة البائع أي البائع الأول لأن التمليك منه مع الإذن في القبض تسليط على التصرف فلا يتمكن من الاسترداد من المشتري الثاني وإلا كان ساعيا في نقض ما تم به ويؤدي إلى المناقضة قيل عليه فعدم تمكنه من الاسترداد في بيع نفسه حينئذ أولى والجواب أنه قبل بيع المشتري وتصرفه لم يكن باسترداده ساعيا في نقض ما تم به لأن الكائن من جهته تسليط على البيع وتمامه بأن يفعل المسلط وهذا التسليط نفسه معصية فجعل له رحمة عليه ان يتدارك بالتوبة وذلك يكون قبل الفوات بفعل المسلط فإذا لم يتدارك حتى فعل وتعلق به حق عبد فقد فوت على نفسه المكنة بتقصيره وحقيقة الحال أن حق كل من البائع والمشتري ليس إلا لتدارك رفع المعصية بالتوبة ومتى أخر حتى تعلق حق عبد من المشتري والموهوب له والموصي له فقد فوته أما الوارث فإنه مأمور بخلاص ميته من المعصية ما أمكن فشرع له ذلك الحق لذلك وهذا بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة بالبيع والهبة فإنه لا يمنع حق الشفيع وله أن ينقض هذه التصرفات ويأخذها بالشفعة وإن تعلق بها
____________________
(6/467)
حق الغير لأن حق الشفيع وحق البائع حق العبد فيعارضه ويترجح الشفيع لانه أسبق ولأنه لم يوجد من الشفيع تسليط على الشراء كما في البائع واورد فينبغي أن يكون حق المشتري أحق من حق الشفيع لأنه ثان فيكون ناسخا أجيب بأنه انما ينسخ إذا كان مثله في القوة والسبق من أسباب الترجيح فتترجح الشفعة قوله ومن اشتري عبد بخمر المراد اشترى عبدا شراء فاسدا بخمر أو غيره فأعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز وعليه القيمة لما ذكرنا من أنه ملكه بالقبض فتنفذ تصرفاته فيه و إنما وجبت القيمة لأنه بالإعتاق قد هلك فوقع الأياس عن الاسترداد فعينت القيمة وبالبيع والهبة انقطع حق الاسترداد على ما مر في المسئلة قبلها من أنه تعلق به حق العبد أعنى المشتري الثاني والاسترداد لحق الشرع وحق العبد مقدم فقد فوت المكنة بتأخير التوبة والكتابة والرهن بعد قبضه نظير البيع يعنى إذا كاتب العبد المبيع بيعا فاسدا أو رهنه فهو نظير البيع لأنهما لازمان لحق العبد فينقطع حق الاسترداد فتلزمه القيمة إلا أنه يعود بعجز المكاتب وفك الرهن ولا فائدة في تخصيصهما بذلك بل يعود حق الاسترداد في البيع والهبة إذا انتقضت هذه التصرفات كالرد بالعيب والرجوع في الهبة ولو
____________________
(6/468)
بغير قضاء لأنه عاد إلى قديم ملكه ثم حق الاسترداد إنما يعود إذا لم يقض بالقيمة على المشتري فإن قضى بها عليه ثم عاد إلى ملكه ليس للبائع أن يسترده لتحول حقه من العين إلى القيمة كالعبد المغصوب إذا أبق فقضى على الغاصب بقيمته ثم رجع ليس لمالكه أخذه لما قلنا وقوله وهذا بخلاف الإجارة فإنه إذا أجر المشتري شراء فاسدا لا ينقطع به حق الاسترداد لأن الإجارة تفسخ بالأعذار ورفع الفساد عذر ولأن الإجارة تنعقد شيئا فشيئا فيكون الاسترداد بالإضافة إلى المنافع التى لم تحدث امتناعا عن العقد عليها والنكاح كالإجارة لأنه عقد على منفعة فإذا زوج المشتري الجارية المشتراه شراء فاسدا كان للبائع أن يستردها لأن حق الزوج في المنفعة لا يمنع حق البائع في الرقبة ولأنه لا يفوته ملك المنفعة فإن مع الاسترداد النكاح قائم كما لو زوجها البائع نعم تصير بحيث له منعها وعدم ثبوتها معه بيتا غير أنه إذا ظفر بها له وطؤها ولو قطعت يد العبد المشتري شراء فاسدا واخذ المشتري الأرش أو ولدت الجارية واخذ موجب ذلك للبائع الفسخ ويرد الزيادة عليه ولو قطع الثوب وخاطه أو بطنه وحشاه انقطع الاسترداد كما في الغصب ولو صبغه فعن محمد رحمه الله يخير البائع بين أخذه وإعطاء ما زاد الصبع فيه وتركه وتضمين قيمته كالغصب والحاصل أن كل تصرف لو فعله الغاصب انقطع به حق المالك إذا فعله المشتري انقطع به حق الاسترداد للبائع وذكر الكرخي أن الصبغ بالصفرة يمنع الاسترداد وعن محمد أنه كالغصب ولا يمتنع الاسترداد بموت المشتري فيسترد البائع من الوارث ولا بموت البائع فيسترد وارثه من المشتري وزيادة المشتري شراء فاسدا لا تمنع الاسترداد إلا إذا كانت بفعل المشتري كالخياطة والصبغ ونقصانه بفعل المشتري أو بفعله في نفسه أو بآفة سماوية لا يمنع فيسترده البائع مع ارش النقصان وليس له أن يتركه عليه ويضمنه تمام القيمة وإن كان بفعل أجنبي فله أن يأخذ الأرش من المشتري وان شاء اخذه من الجاني وفي قتل الأجنبي ليس له تضمين الجاني ولو وطىء المشتري الجارية لا يمتنع الرد منه ولا الاسترداد من البائع فلو رد أو استرد لزمه العقر للبائع أما أن أتلفها ضمن قيمتها قوله وليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يرد الثمن قيل يعني القيمة التى أخذها من المشتري وليس بلازم بل قد يكون ذلك أو الثمن الذي تراضيا عليه كيف كان ليس له أخذه حتى يرد ما أخذه لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن وعلى هذا الإجارة الفاسدة والرهن الفاسد والقرض
____________________
(6/469)
الفاسد اعتبارا بالعقد الجائز إذا تفاسخا فللمستأجر أن يحبس ما استأجره حتى يأخذ الأجرة التى دفعها للمؤجر وكذا المرتهن حتى يقبض الدين لأن هذه عقود معاوضة فتجب التسوية بين البدلين ولو مات البائع بيعا فاسدا أو المؤجر إجارة فاسدة أو الراهن أو المقرض كذلك فالذي في يده المبيع أو الرهن احق بثمنه من غرماء الميت لأنه مقدم عليه في حياته فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته إلا أن الرهن مضمون بقدر الدين والمشتري بقدر ما أعطى فما فضل فللغرماء بخلاف ما إذا مات المحيل وعليه دين ولم يقبض المحتال الدين أو الوديعة من المحال عليه فإنه لا يختص المحتال بدين الحوالة أو الوديعة مع أن دين المحيل صار مشغولا بحق المحتال كما في الرهن لأن الاخنصاص إنما يوجبه ثبوت الحق مع اليد لا مجرد الحق ولا يد للمحتال ثم أن كانت دراهم الثمن التى دفعها قائمة ياخذها المشتري بعينها لأنها تتعين في البيع الفاسد وهو الأصح خلافا لما ذكر أبو حفص أنها لا تتعين كما في البيع الصحيح وهو روايه كتاب الصرف وروايه أبي سليمان تتعين وهو الأصح لكن سيأتي ما يقوي روايه أبي حفص لأن البيع الفاسد بمنزلة الغصب والثمن في يد البائع بمنزلة المغصوب وان كانت مستهلكة قال المصنف رحمه الله تعالى له اخذ مثلها وكذا ذكر قاضيخان وذكر في الفوائد الظهيرية وفخر وفخر الإسلام وجماعة من شروح الجامع الصغير أنه يباع المبيع لحق المشتري فإن فضل شىء عما دفعه يصرف إلى الغرماء ولا شك أنه غير لازم لأن الواجب له بعد الاستهلاك مثل حقه المستهلك وهو الدراهم قوله ومن باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري أو غرس فيها أشجارا فعليه قيمتها وانقطع حق البائع في استردادها بالبناء والغرس
____________________
(6/470)
وقال أبو يوسف ومحمد ينقض البناء ويقلع الغرس وتسترد الدار لهما أن حق الشفيع في الدار التى يستحق فيها الشفعة أضعف من حق البائع بيعا فاسدا في الاسترداد بدليل أنه يحتاج في ثبوت الملك له في الدار إلى القضاء ويبطل بالتأخير بعد العلم ولا يورث وحق هذا البائع في الاسترداد لا يتوقف على قضاء ولا يبطل بالتأخير ويثبت لورثته و الاتفاق على أن حق الشفعة الأضعف لا يبطل بالبناء والغرس فاقواهما وهو حق البائع أولى أن لا يبطل بهما فيثبت بدلالة ثبوته ولأبي حنيفة أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام وقد حصل بتسليط البائع فينقطع به حق الاسترداد كالبيع والهبة بخلاف حق الشفيع فإنه وإن كان أضعف لم يوجد ما يبطله وهو تسليط على الفعل أعنى البناء فيعمل بمقتضاه وهو النقض والقلع ولهذا لا يبطل بالبيع والهبة أيضا
____________________
(6/471)
بل يأخذها من يد المشتري الثاني بالشفعة لأن البيع ليس بتسليط منه وهذه المسئله من المسائل التى أنكر فيها أبو يوسف الرواية لمحمد على الوجه المذكور في الجامع فقول المصنف وشك يعقوب رحمه الله في حفظ الرواية عن أبي حنيفة بذلك قالوا إنه شك في حفظ الرواية عنه لا في مذهبه يعني أن مذهبه معروف أنه لا ينقض البناء ولكن تجب القيمة على المشتري فإن محمد نص على هذا الاختلاف في كتاب الشفعة فإنه قال إذا بنى في الدار المشتراه شراء فاسدا فللشفيع الشفعة عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا شفعة فهذا دليل على أن الرواية عن أبي حنيفة ثابتة لأن حق الشفعة في الدار المبيعة بيعا فاسدا مبنى على انقطاع حق البائع في الاسترداد فلولا قوله بانقطاع حق الاسترداد بالبناء لم يوجب الشفعة فيها غير أن حكاية شمس الأئمة قول أبي يوسف لمحمد ما رويت لك عن أبي حنيفة أنه يأخذ قيمتها وانما رويت لك أنه ينقض البناء فقال بل رويت لي أنه يأخذ قيمتها صريح في الإنكار لا في الشك وصريح في أنه ينقل عن أبي حنيفة ما يوافق مذهبهما وعدم الخلاف وقول المصنف فإن حق الشفعة مبنى على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف معناه أن حق الشفعة وجودا وعدما مبنى على انقطاع حق البائع بالبناء وجودا وعدما فوجوده مبنى على عدمه وعدمه مبني على وجوده وعلى هذا فثبوته على الاختلاف بالجر وجماعة من الشارحين قالوا وثبوته بالرفع مبتدأ وعلى الإختلاف خبره وهو عطف على مبني والمعنى ثبوت حق الشفعة مبنى على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوت حق الشفعة على الخلاف فعنده يثبت حق الشفعة فهو قائل بأنه ينقطع وعندهما لا يثبت حق الشفعة فيثبت حق الاسترداد والأقرب أن الأوجه ثبوته بثبوت انقطاع حق البائع في الاسترداد والمعنى حق الشفعة مبنى على انقطاع حق البائع بالبناء
____________________
(6/472)
وثبوت انقطاعه به على الخلاف عندهما لا ينقطع فله القلع والهدم وعنده ينقطع فلا يسترد واتفقت الروايات طلب حق الشفعة في البيع الفاسد يعتبر وقت انقطاع حق البائع لا وقت الشراء واورد على أبي حنيفة لما وجب نقضهما لحق الشفيع وفيه تقرير للفساد فأولى أن يجب نقضهما لحق البائع وهو اقوى وفيه إعدام الفساد أجيب بمنع الملازمة فإن البائع جان ولا جناية من الشفيع فلا يلزم من النقض لأجل من لا جناية منه النقض لمن جنى فإن قيل إذا نقض البناء والغرس لأجل الشفيع ينبغي أن يعود حق البائع في الاسترداد كما إذا فسخ البيع عن العبد أجيب بأن المانع من الاسترداد إنما يزول بعد ملك الشفيع فيثبت حق نقض البناء والغرس حكما لملكه هذا وقولهما أوجه لأن قول أبي حنيفة أن البناء مما يقصد به الدوام يمنع للاتفاق في الإجارة على أيجاب القلع فظهر انه قد يراد للبقاء وقد لا فإن قال المستأجر يعلم انه يكلف القلع ففعله مع ذلك دليل على أنه لم يرد البقاء قلنا المشتري شراء فاسدا أيضا يكلف القلع عندنا وقولكم لا يلزم ذلك محل النزاع فأقل الأمر أن يعلم الخلاف ويجوز أن يكلف النقض ففعله مع ذلك دليل قصده عدم البقاء إلا مدة ما وأما تعليل بعضهم له بأنه اتصل به حق العبد فصار كالبيع فبعيد عن الصواب لأن ذلك فيما إذا كان العبد عبدا آخر اشتراه ممن اشتراه شراء فاسدا أو قبل الهبة فيه بطريق صحيح وما نحن فيه نفس العاقد الجاني بعقده هو الذي بنى فلا يستحق بجنايته وفعله المقرر لمعصيته أن يقطع حق القاصد للتوبة وهو في الحقيقة حق الله تعالى بخلاف ما إذا اتصل به حق من لا جناية منه فإنه جل وعلا أذن في تقديم حقه قوله ومن اشترى جارية بيعا فاسدا وتقابضا فباعها المشتري وربح فيها تصدق بالربح ويطيب لبائعه ما ربح في الثمن الذي قبضه من المشتري إذا عمل فربح والأصل في هذا أن المال نوعان نوع لا يتعين في عقود المعاوضات كالدراهم والدنانير ونوع يتعين وهو سواهما والخبث نوعان خبث في البدل لعدم
____________________
(6/473)
الملك في المبدل وخبث لفساد الملك فالخبث لعدم الملك يعمل في النوعين حتى أن الغاصب أو المودع إذا تصرفا في المغصوب والوديعة وهما عرض أو نقد واديا ضمانهما وفضل ربح وجب التصدق به عند أبي حنيفة ومحمد لأنه بدل مال الغير فيما يتعين فيثبت فيه حقيقة الخبث وفيما لا يتعين أن لم يكن ما اشتراه به بدل مال الغير لأن العقد لا يتعلق به بل بمثله في الذمة لكنه إنما توسل إلى الربح بالمغصوب أو الوديعة فتمكن فيه شبة الربح بمال الغير من حيث إنه يتعلق به سلامة المبيع أن نقد الدراهم المغصوبة أو تقدير الثمن أن أشار إلى الدراهم المغصوبة ونقد من غيرها فيتصدق به لأنه الشبهة معتبرة كالحقيقة في أبواب الربا والخبث لفساد الملك دون الخبث لعدم الملك فيوجب شبهة الخبث فيما يوجب فيه عدم الملك حقيقة الخبث وهو ما يتعين كالجارية في مسئلتنا ويتعدى إلى بدلها وشبهة الشبهة فيما يوجب فيه عدم الملك الشبهة وهو مالا يتعين وشبهة الشبهة غير معتبرة لأن اعتبار الشبهة خلاف الأصل بالنص وهو نهيه عن الربا والريبة فلا يتعدى وإلا اعتبر ما دونها كشبهة شبهة الشبهة وهلم فينسد باب التجارة وهو مفتوح فلذا قال يتصدق المشتري بالربح فيها ويطيب للبائع ما ربح في الثمن ولا شك أن هذا إنما هو على الرواية القائلة إنه لا تتعين النقود في البيع الفاسد أما على الرواية القائلة تتعين فحكم الربح في النوعين كالغصب لا يطيب وقد ذكر المصنف أن رواية التعيين في البيع الفاسد هو الأصح فيحنئذ الأصح وجوب التصدق على البائع أيضا بما ربح في الثمن غير أن هذه المسئلة بهذا التفصيل في طيب الربح صريح الرواية في الجامع فإن فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل اشترى من رجل جارية بيعا فاسدا بالف وتقابضا وربح كل واحد منهما فيما قبض قال يتصدق الذي قبض الجارية بالربح ويطيب الربح للذي قبض الدراهم وحينئذ فالأصح أن الدراهم لا تتعين في البيع الفاسد لا كما قال وقول المصنف لا تتعين في العقود أي عقود البياعات بخلاف ما سواها من الشركة والوديعة والغصب وقول بعضهما احترز به عن الوديعة والغصب والشركة إنما يصح لو كان لفظ البياعات أو المعاوضات مذكورا للمصنف وليس كذلك وهذا التفصيل قول أبي حنيفة ومحمد
____________________
(6/474)
وقال أبو يوسف يطيب له الربح مطلقا لأن عنده شرط الطيب الضمان وقد وجد وعند زفر والشافعي لا يطيب في الكل لأن الدراهم والدنانير تتعين حتى لو اشترى بهذه الدراهم فهلكت بطل البيع عندهما كما في المبيع المعين وعندنا لا يبطل وليس له أن يحبسها ويعطي مثلها عندهما قوله وكذلك الخ قال في الجامع الصغير وكذلك لو ادعى على آخر مالا فقضاه ثم تصادقا انه لم يكن له عليه شىء وقد ربح المدعي في الدراهم التى قبضها على أنها دينه يطيب له الربح لأن الخبث لفساد الملك هنا لأن الدين وجب بالتسمية أي بالاقرار عند دعواه المال ثم استحق بالتصادق فكان المقبوض بدل المستحق وهو الدين وبدل المستحق مملوك أي ملكا فاسدا سواء كان عينا أو دينا أما عينا فبدليل أن من اشترى عبدا بجارية أو ثوب ثم أعتق العبد واستحقت الجارية يصح عتق العبد فلو لم يكن بدل المستحق مملوكا لم يصح العتق إذ لا عتق في غير الملك والعبد بدل الجارية المستحقة وإذا ملكه فاسدا فيما لا يتعين لا يعمل فيه خبثا فطاب له الربح وفي الجامع الكبير لقاضيخان بدل المستحق مملوك بدليل ما لو حلف لا يفارقه حتى يستوفى حقه فباعه المديون عبدا لغيره بذلك الدين وقبضه ثم استحق العبد لا يحنث لأن المديون ملك ما في ذمته بهذا البيع فيكون مستوفيا حقه فلم يحنث وبيان فساد الملك في بدل المستحق انه إذا استحق المبدل يجب رده ولا يبطل البيع فتتمكن فيه شبهة عدم الملك ولو حصل الربح في دراهم غير مملوكه تتمكن فيه شبهة الخبث فإذا حصل من دراهم فيها شبهة عدم الملك كان فيه شبهة شبهة الخبث فلا تعتبر واعلم أن ملكه باعتبار زعمه أنه قبض الدراهم بدلا عما يزعم أنه ملكه أما لو كان في أصل دعواه الدين متعمدا للكذب فدفع اليه لا يملكه اصلا لأنه متيقن أنه لا ملك له فيه والله أعلم
____________________
(6/475)
& فصل فيما يكره
لما كان دون الفاسد أخره عنه وليس المراد بكونه دونه في حكم المنع الشرعي بل في عدم فساع العقد وإلا فهذه الكراهات كلها تحريمية لا نعلم خلافا في الإثم ومقتضى النظر عندي أن يكون على أصولنا الشراء على سوم الآخر بشرطه والحاضر للبادي في القحط والإضرار فاسدا وتلقى الجلب إذا لبس باطلا أو يثبت له الخيار وهذا لأن النهي مطلقه للتحريم إلا لصارف وهذه المعاني المذكورة سببا للنهي تؤكد المنع لا تصرفه عنه فإن في اعتراض الرجل على سوم الآخر بعد الركون وطيب نفس البائع بالمسمى إثارة للعداوة والبغضاء كالخمر والميسر فيحرم ذلك وشاء ما جىء به في زمن الحاجة ليغالي على الناس ضرر عام للمسلمين واهل الذمة فيحرم وكذا البيع من القادمين مع حاجة المقيمين فإنه لم يرض بالثمن المذكور إلا على تقدير كونه سعر البلد فيجب أن يكون غير منعقد لعدم الرضا به كقول مالك أو منعقدا ويثبت له خيار الفسخ كقول الشافعي وكون الوصف مجاورا أو لازما لا ينفي ما ذكرنا إذ الاصطلاحات لا تنفي المعاني الحقيقية المقتضية للبطلان أو الفساد على أن معنى الفساد ليس إلا كون العقد مطلوب التفاسخ للمعصية بمباشرة المنهي عنه ويملك البدل منه بالقبض وتأخر الملك إلى القبض ليس إلا لوجوب رفع المعصية برفعه ويجب في هذه البياعات ذلك كله غير انه لما كان المنع بأخبار الآحاد الظنية سموه مكروها على اصطلاحنا ولما كان الركن وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي ثابتا جعلته فاسدا قوله ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش وهو أن يزيد في الثمن ولا يريد الشراء ليرغب غيره بعد ما بلغت قيمتها فإنه تغرير للمسلم ظلما فأما إذا لم تكن بلغت قيمتها فزاد القيمة لا يريد الشراء فجائز لأنه نفع مسلم من غير إضرار بغيره إذا كان شراء الغير بالقيمة قال صلى الله عليه وسلم لا تناجشوا في الصحيحين
____________________
(6/476)
حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تتلقي الركبان للبيع ولا بيع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا ربيع حاضر لباد والنجش بفتحتين ويروى بسكون الجيم قوله وعن السوم أي ونهى عن السوم في حديث ابن عمر في الصحيحين في لفظ لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه الا أن يأذن له وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقى الركبان إلى أن قال وأن يستام الرجل على سوم أخيه وعرفت مثيره وهو ما فيه من الأيحاش والإضرار وشرطه وهو أن يتراضيا بثمن ويقع الركون به فيجىء آخر فيدفع للمالك أكثر أو مثله غير انه رجل وجيه فيبيعه منه لوجاهته وأما صورة البيع على بيع أخيه بإن يتراضيا على ثمن سلعة فيجىء آخر فيقول أنما أبيعك مثل هذه السلعة بأنقص من هذا الثمن فيضر بصاحب السلعة فظهر تصوير البيع على بيع أخيه والسوم على سوم أخيه والوارد فيهما حديثان فلا حاجة إلى جعل لفظ البيع في قوله صلى الله عليه وسلم لا يبيع أحدكم على بيع أخيه جامعا للبيع والشراء مجازا إنما يحتاج إلى ذلك لو لم يرد حديث الاستيام وكذا محله في الخطبة فإن لم يتراضيا فهو بيع من يزيدوا ولا باس به كما سنذكر قوله وعن تلقي الجلب في الصحيحين عن عبدالله بن عباس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد قال لا يكون له سمارا وللتلقي صورتان إحداهما أن تيلقاهم المشترون للطعام منهم في سنة حاجة ليبيعوه من أهل البلد بزيادة وثانيتهما أن يشتري منهم بأرخص من سعر البلد وهم لا يعلمون بالسعر ولا خلاف عند الشافعية أنه إذا خرج إليهم لذلك أنه يعصى أما لو لم يقصد ذلك بل اتفق أن خرج فرآهم فاشترى ففي معصيته قولان أظهرهما عندهم يعصى والوجه لا يعصي إذا لم يلبس وعندنا محمل النهي إذا كان يضر بأهل البلد أو لبس أما إذا لم يضر ولم يلبس فلا بأس
____________________
(6/477)
قوله وعن بيع الحاضر للبادي تقدم النهي عنه ومحمل النهي إذا كان أهل البلد في عوز أي حاجة أو قحط وهو يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي للإضرار بهم وهم جيرانه أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس لانعدام الضرر وقال الحلواني هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع ويقول له لا تبع انت أنا أعلم بذلك منك فيتوكل له ويبيع ويغالي ولو تركه يبيع بنفسه لرخص على الناس وفي بعض الطرق زاد قوله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وفي المجتبي هذا التفسير أصح ذكره في زاد الفقهاء لموافقته الحديث وعلى هذا فتفسير ابن عباس بأن لا يكون له سمسار ليس هو تفسير بيع الحاضر للبادي وهو صورة النهي بل تفسيره لضدها وهي الجائزة فالمعنى أنه نهى عن بيع السمسار وتعرضه فكأنه لما سئل عن لمية نهي بيع الحاضر للبادي قال المقصود أن لا يكون له سمسارا فنهى عنه للسمسار قوله والبيع عند أذان الجمعة قال تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } إلى قوله تعالى { وذروا البيع } كأنه يجعل الوقت من حين الآذان مشغولا بصلاة الجمعة تعظيما لها كما قالوا في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر قبل التغير وفيه زيادة انه قد يفضي إلى الإخلال بواجب السعي على بعض الوجوه وقد ذكرنا الآذان المعتبر في منع البيع في كتاب الصلاة وهو ما يكون بعد دخول الوقت وقوله كل ذلك يكره أي كل ما ذكرناه من أول الفصل إلى هنا يكره أي لا يحل على ما قدمناه ولا يفسد به البيع باتفاق علمائنا حتى يجب الثمن ويثبت الملك قبل القبض وهو قول الشافعي لكنه يثبت الخيار في تلقي الركبان على ما قدمناه وقدمنا قول مالك بالبطلان فيه وفي النجش وكذا بيع الحاضر للبادي وبه قال أحمد وعلل الصحة بأن الفساد فيه في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة واستشكله في الكافي لأن البيع يفسد بالشرط وهو خارج عن العقد ليس في صلبه قال إلا أن يؤول الخارج بالمجاور وأنت علمت ما
____________________
(6/478)
عندنا في ذلك قوله ولا بأس ببيع من يزيد وهو صفة البيع في أسواق مصر المسمى بالبيع في الدلالة لأنه صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا بيع من يزيد روى أصحاب السنن الأربعة من حديث أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له أما في بيتك شىء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء قال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من يشتري هذين فقال رجل أنا آخذهما بدرهم فقال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا فقال رجل أنا بدرهمين فأعطاهما أياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر فأسا فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال اذهب فاحتطب وبع ولا ارينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد اصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وبعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجىء المسئلة نكته في وجهك يوم القيامة أن المسئلة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع وأخرجه الترمذي مختصرا انه صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا فيمن يزيد قال الترمذي حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن عبد الله الحنفي وقد رواه غير واحد عن الأخضر بن عجلان وقال في علله الكبير سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال الأخضر بن عجلان ثقة قوله نوع منه أي من البيع المكروه أي الذي لا يحل على ما عرفت أن الكراهة تحريمية وإنما فصله لأن الكراهة فيه لمعنى يرجع إلى غير المعقود عليه وفيما تقدم لما يرجع إليه أو لآنها مسائل يجمعها معنى واحد هو التفريق بخلاف الأول ومن ملك مملوكين بأي سبب فرض من اسباب الملك شراء أو هبة أو ميراثا صغيرين أو أحدهما وبينهما رحم محرمة ولم يفرق بينهما سواء كان ببيع أو هبة أو وصية وذكره بصورة النفي مبالغة في المنع ولا ينظر في الوصية إلى جواز أن يتأخر الموت إلى انقضاء زمان التحريم لأن ذلك موهوم والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من فرق بين والدة وولده ا فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وقال حديث حسن غريب
____________________
(6/479)
وصححه الحاكم على شرط مسلم ونظر فية حي فإن فيه بن عبد اللة لم يخرج له في الصحيح واختلف فية وللاختلاف فية لم يصححة الترمذى ورواة احمد بقصة وروى الحاكم في المستدرك عن عمران بن حصين قال قال رسول اللة صلى اللة علية وسلم ملعون من فرق بين والدة وولدها وقال اسنادة صحيح وفية طليق بن محمد تارة يروية عنة عن عمران بن حصين وتارة عنة عن ابى بردة وتارة عن طليق عن النبي صلى اللة علية وسلم مرسلا قال الدارقطني وهو المحفوظ وقول ابن القطان لا يصح لان طليقا لا يعرف حالة يريد خصوص ذلك والا فالحديث لة طرق كثيرة وشهرة والفاظ توجب صحة المعني المشترك فية وهو منع التفريق إلا أن في سوقها طولا علينا وأما حديث على رضى الله عنة فاخرجة الترمذى وابن ماجة من حديث الحجاج بن ارطاة عن الحكم بن عيينة عن ميمون بن ابى شبيب عن على رضى اللة عنه قال وهب لى رسول اللة صلى اللة عليه وسلم غلامين اخوين فبعت احدهما فقال رسول الله صلى اللة عليه وسلم يا على ما فعل غلامك فأخبرتة فقال ردده رده قال الترمذى حديث حسن غريب وتعقبة أبو داود بأن ميمونا لم يدرك عليا وهو على طريقتهم من أن المرسل من اقسام الضعيف وعندنا ليس كذلك واخرجة الحاكم والدار قطنى من طريق اخر عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن على رضى اللة عنه قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأمرني ببيع اخوين فبعتهما وفرقت بينهما ثم اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرتة فقال ادركهما فارتجعهما وبعهما جميعا فلا تفرق بينهما وصححة الحاكم على شرط الشيخين ونفى ابن القطان العيب عنه وقال هو اولى ما اعتمد عليه في هذا الباب ومن طريق اخر رواة احمد والبزاز وفية انقطاع ولا يضر على اصلنا على ما عرف قال المصنف ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير والكبير يتعاهدة أى يصلح شأنة فكان في التفريق قطع الاستئناس والمنع من التعاهد وفية ترك المرحمة على الصغار وقد اوعد علية قال علية الصلاة والسلام من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا ورواة ابن ابى شيبة عن عمرو ابن العاص وكذارواة البخارى في كتابة المفرد في الأدب وروى الطحاوى في شكل الآثار
____________________
(6/480)
حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أنبأنا مالك بن أبي الخير الزيادي عن أبي قنبل عن عبادة ابن الصامت عنه صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يبجل كبيرنا ويرحم صغيرنا وعلى نحو الأول رواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب من حديث أبي هريرة وقد روى من حديث عدة من الصحابة فهو معنى مشهور لا شك فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخله محرم غير قريب كمحرم الرضاع وامرأة الأب ولا قريب غير محرم كابن العم ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما لأنه على خلاف القياس فيقتصر على مورده ومورده كان في المحرمية كما في الوالدة وولدها والأخوين فإن قيل لو كان كذلك وجب أن لا يمنع التفريق بين الخال وابن أخته والخالة وبنت أختها لأن النص ما ورد إلا في الوالدة والأخوين فالجواب أن القرابة المحرمة تثبت معنى دلاليا وهو المفهوم الموافق في عرف الشافعية للقطع بأن خصوص الوالدة غير معتبر لأن الوالد أيضا مثلها ففهم منه قرابة الولاد ثم جاء نص الأخوين فعلم أن لا قصر على الولاد بل القرابة المحرمة فثبت في الخال والخالة بالدلالة ومعلوم أن المحققين على عدم اشتراط الأولوية في الدلالة والمفهوم بقي أيراد نقض العلة بثمانية مسائل يجوز التفريق فيها مع وجود القرابة المحرمة منها الثلاثة التى ذكرها المصنف وهي ما إذا كان التفريق بحق مستحق كدفع احدهما بجنايه أو استيلاء دين لزم الصغير كاستهلاكه مال الغير مع أنه في دفعه غير مجبور إذ له أن يدفع عنه الفداء والدين ويستبقيه ورده وحده بعيب بحصته فيرده وحده وإن كان عند أبي يوسف انه يردهما جميعا أو يمسكهما كما في مصراعي الباب إذا وجد بأحدهما عيبا والرابعة أن يدبر أحدهما أو يستولد الأمه وحينئذ حاز بيعه الآخر والخامسة أن يكون لحربي
____________________
(6/481)
مستأمن فباع أحدهما فللمسلم أن يشتريه مع أن المنع كما هو للبائع للمشتري والسادسة لو كانوا ثلاثة في ملكة أحدهم صغير حل بيع أحد الكبيرين مع انه يصدق التفريق بين الصغير والكبير والسابعة انه يجوز أن يعتق أحدهما بمال وبلا مال ويكاتبه مع أنه حصول الفرقة بالإخراج عن ملكه والثامنة لو كان الولد مراهقا
____________________
(6/482)
فرضى بالبيع واختاره ورضيته أمه جاز بيعه فالجواب عن الثلاثة الأول ما أشار إليه المصنف بقوله لأن المنظور إليه في منع التفريق دفع الضرر عن غيره وهو الصغير لا إلحاق الضرر به أي بالمالك المفهوم من قوله ومن ملك مملوكين فيما تقدم فلو منعنا التفريق كان إلزاما للضرر بالمالك والعلة هي ما ذكرنا من الرحم المحرمية غير المستلزم ضررا بالمالك فعند استلزامه تكون علة المنع منتفية عند من يمنع تخصيص العلة أو مخصصة باستلزام ضرره عند من يخصصها وبهذا يجاب عن الرابع إذ يلزم المالك الحجر عليه بمنعه من التصرف في ماله راسا بخلاف ما قبل التدبير فإنه يمكنه بيعهما والانتفاع ببدلهما وعن الخامس بأن مفسدة التفريق عارضها هنا بتقدير عدمه مفسدة أعظم فإنه أن لم يشتره أحد يذهب به إلى دار الحرب ومفسدة كونه هناك يشب ويكتهل أعظم من ضرر التفريق على الصغير لأنه ضرر الدين والدنيا فالدين ظاهر والدنيا تعريضه على المقتل والسبي والسبي هلاك ويجىء ما ذكرنا على المذهبين في تخصيص العلة وعدمه وعن السادس بأن العلة ما هو مظنة الضياع والاستيحاش وقد بقي له من يقوم مقام الثالث على أن في رواية عن أبي يوسف يمتنع بيع الثالث في الكفايه قد اجتمع في الصغير عدد من أقاربه لا يفرق بينه وبين واحد اختلفت جهة القرابة كالعم والخال أو اتحدت كخالين عند أبي يوسف لأنه يستوحش بفراق الكل وعن السابع بأن العتق والكتابة عين الجمع لا التفريق فإن المعتق والمكاتب يزول الحجر عنه فيتمكن من الكون مع أخيه حيثما كان وأينما صار وعن الثامن بانتفاء الضرر عنهما لما اختارا ذلك فقد تحققنا خلو الوصف الظاهر المنضبط عن الحكمة فلا يشرع معه الحكم فآل الكل إلى عدم العلة في الحقيقة ومن صور جواز التفريق ما في المبسوط إذا كان للذمي عبد له امرأة ولدت منه فأسلم العبد وولده صغير فإنه يجبر الذمي على بيع العبد وإبنه وإن كان تفريقا بينه وبين أمه لأنه يصير مسلما بإسلام أبيه فهذا تفريق بحق قوله فإن فرق كره ذلك وجاز العقد إذا كان المالك مسلما حرا أو مكاتبا أو مأذونا أما إذا كان كافرا فلا لأنهم غير مخاطبين بالشرائع والوجه أنه أن كان التفريق في ملتهم حلالا لا يتعرض لهم إلا أن كان بيعهم من مسلم فيمتنع على المسلم وإن كان ممتنعا في ملتهم لا يجوز وعن أبي يوسف رحمه الله لا يجوز في قرابة الولاد ويجوز في غيرها وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك أي قرابة الولاد وغيرها وهو قول احمد لما روينا من حديث على رضى الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم أدركهما وارتجعهما فإن الأمر بالإدراك والارتجاع
____________________
(6/483)
لا يكون إلا في البيع الفاسد ولهما أن ركن البيع صدر من اهله في محله والكراهة لمعنى مجاور والنهي للمجاورة لا يوجب الفساد بخلافه لوصف لازم فشابه كراهة الاستيام على سوم أخيه وحينئذ يجب تأويل الأمر بالإدراك والارتجاع على طلب الإقاله مع ظهور أن يقيله رغبة في ثواب الإقاله أو أن يبيع الأخ لآخر منه واعلم أن مدة منع التفريق إنما تمتد إلى بلوغ الصغير بالاحتلام أو بالحيض وذكر فيه حديثا في المبسوط عنه صلى الله عليه وسلم لا تجمعوا عليهم بين السبي والتفريق ما لم يبلغ الغلام والجارية وعن عبادة بن الصامت عنه عليه الصلاة والسلام لا تفرقوا بين الأم وولدها فقيل إلى متى فقال إلى أن يبلغ الغلام وتحيض الجارية رفعه في المبسوط وهو قول الشافعي وفي أظهر قوليه إلى زمان التمييز سبع أو ثمان بالتقريب وإلى زمان سقوط الأسنان والحديث المذكور ذكره الحاكم وصححه وخطأه صاحب التنقيح وقال الأشبه انه موضوع وسببه أن في سنده عبدالله ابن عمرو بن حسان قال الذهبي كذاب وقيل رماه ابن المديني بالكذب غير أن الحكم المذكور وهو التفريق بعد البلوغ حكم ثابت شرعا وقال بعض مشايخنا إذا راهقا ورضيا بالتفريق فلا بأس به لأنهما من أهل النظر لأنفسهما وربما يريان المصلحة في ذلك قوله وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما لأنه ليس في معنى ما ورد به النص ليثبت فيه المنع إلحاقا بالدلالة إذا كان أصله على خلاف القياس وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين مارية وسيرين بالسين المهملة ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب قال البزار بعد أن غلطه للحديث طريق ذكرها لكن روى هذا الحديث عن بشير بن المهاجر بن حاتم بن إسماعيل ودلهم بن دهثم انتهى
وبشير عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال أهدى المقوقس القبطي لرسول الله صلى عليه وسلم جاريتين وبغلة كان يركبها فأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم عليه السلام وهي مارية أم إبراهيم وأما الأخرى فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت وهي أم عبدالرحمن بن حسان وذكر أن هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة وأخرجه البيهقي بسند آخر في دلائل النبوة مرسلا انه صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس إلى أن قال وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة مسروجة وجاريتين إحداهما أم إبراهيم وأما الأخرى فوهبها عليه الصلاة والسلام لجهيم بن قيس العبدي وهي أم زكريا بن جهيم الذي كان خليفة عمرو ابن العاص على مصر وهذا مخالف لما تقدم وجمع بينهما بحديث آخر رواه البيهقي بسنده إلى حاطب قال بعثني
____________________
(6/484)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الاسكندرية فجئت بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله فأقمت عنده ثم بعث إلى وجمع بطارقته إلى أن قال وهذه هدايا ابعث بها معك إلى محمدفأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن ام ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة وهبها لأبي جهيم بن حذيفة العدوى وواحدة وهبها لحسان بن ثابت فهذا يعلم من الفاظ هذا الحديث وطرقه وليس في شيء منها أن الجاريتين كانتا اختين وهو موضع الاستدلال لاجرم ذكر أبو الربيع سليمان الكلاعي وفي كتاب الاكتفاء عن الواقدى باسناد له أن المقوقس ارسل إلى حاطب ليلة إلى أن قال فارجع إلى صاحبك فقد امرت له بهدايا وجاريتين اختين فارهتين وبغلة من مراكبي والف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من لين وغير ذلك وامرت لك بمائة دينار وخمسة اثواب فارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا فهذا مع توثيق الواقدى دليل على المطلوب وقد اسلفنا توثيقه وكرر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ونقله احمد بن عبد الله الطبري عن أبي عبيدة في خاتمة مناقب امهات المؤمنين فالله اعلم بذلك وانما بوب أبو داود للتفريق بين المذكورات للحديث الذي في مسلم عن سلمة بن الاكوع قال خرجنا مع أبي بكر فغزونا فناره إلى أن قال فجئت بهم إلى أبي بكر وفيهما إمرأة معها ابنة لها من أحسن العرب فنفلني أبو بكر ابنتها فقدمت المدينة فقال لي النبي صلى الله عليه وسم يا سلمة هب لي المرأة فقلت هي لك ففدى بها اسارى مكة انتهي مختصرا فهذا التفريق وان كان من فعل أبي بكر لكن لا شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه واتهب الجارية ولم يردها إلى امها بل ابعد دارها حين فدى بها فهذا والله اعلم هو الدليل على التفريق بين الكبيرين والله اعلم
فروع اذا كان مع الصغير ابواه لا يبيع واحد منهم ولو كان معه ام واخ أو ام وعمة أو خالة أو اخ جاز بيع من سوى الأم وروى هشام عن محمد انهم لا يباعون إلا معا اعتبارا لاختلاف الجهة والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لأن شفقة الأم تغنى عمن سواها ولذا كانت احق بالحضانة من غيرها فهذه الصورة مستثناة من اختلاف الجهة والجدة كالأم فلو كان معه جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة و الخالة ولو كان معه عمة وخالة لم يباعوا إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة ولو كان معه اخوان أو اخوة كبار في رواية الامالي لا يباع واحد منهم والصحيح انه يجوز بيع من سوى واحد منهم وهو الاستحسان لأن الشفقة امر باطني لا يوقف عليه فيعتبر السبب ولا يعتبر الأبعد مع الاقرب وعند الاتحاد في الدرجة والجهة احدهما يغنى وكذا لو ملك ستة اخوة ثلاثة كبارا وثلاثة صغارا فباع مع كل صغير كبيرا جاز استحسانا فلو كان معه أخت شقيقة واخت لأب واخت لام باع غير الشقيقة ولو ادعاه رجلان فصارا ابوين له ثم ملكوا جملة القياس أن يباع احدهما لاتحاد جهتهما وفي الاستحسان لا يباع لأن الأب في الحقيقة واحد فاحتمل كونه الذي بيع فيمتنع احتياطا فصار الاصل انه اذا كان معه عدد احدهم ابعد جاز بيعه وان كانوا في درجة فإن كانوا من جنسين مختلفين كالأب والام والخالة والعمة لا يفرق ولكن يباع الكل أو يمسك الكل وان كانوا من جنس واحد كالأخوين والعمين
____________________
(6/485)
والخالين جاز أن يمسك مع الصغير أحدهما ويبيع ما سواه ومثل الخالة والعمة أخ لأب وأخ لأم والله الموفق & باب الإقالة
مناسبته الخاصة بالبيع الفاسد والمكروه أنه إذا وقع البيع فاسدا أو مكروها وجب على كل من المتعاقدين الرجوع إلى ما كان له من رأس المال صونا لهما عن المحظور ولا يكون ذلك إلا بالإقالة إلى آخر ما ذكر في النهاية وتبعه غيره وهو مصرح بوجوب التفاسخ في العقود المكروهة السابقة وهو حق لأن رفع المعصية واجب بقدر الإمكان وأيضا الإقالة بيان كيف يرفع العقد وهو يستدعى سابقة ثبوته وابواب البياعات السابقة كلها مع البيع الفاسد والمكروه بيان كيف يثبت فأعقب الرفع معظم ابواب الإثبات ثم قيل الإقالة من القول والهمز للسلب فأقال بمعنى أزال القول أي القول الأول وهو البيع كأشكاه أزال شكايته ودفع بانهم قالوا قلته بالكسر فهو يدل على أن عينه ياء ولا واو فليس من القول ولأنه ذكر الإقالة في الصحاح من القاف مع الياء لا مع الواو وايضا ذكر في مجموع اللغة قال البيع قيلا وإقالة فسخه قوله الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول عليه إجماع المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم من اقال نادما بيعته اقال الله عثرته يوم القيامة أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته زاد ابن ماجه يوم القيامة ورواه ابن حبان في صحيحة والحاكم وقال على شرط الشيخين وأما لفظ نادما فعند البيهقي قال المصنف ولأن العقد حقهما فيملكان رفعه دفعا لحاجتهما التى لها شرع البيع وغيره ولا يخفى أن النص المذكور والمعنى إنما يفيد مجرد جواز الإقالة وأما
____________________
(6/486)
لزوم كونه على الثمن الأول بعينه فلوجه يفيده المعنى الذي مهده بقوله والأصل أي الأصل في لزوم الثمن الأول حتى يبطل الأقل والأكثر أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين وحقيقة الفسخ ليس إلا رفع الأول كان لم يكن فيثبت الحال الأول وثبوت الحال الأول هو برجوع عين الثمن الأول إلى مالكه كأن لم يدخل في الوجود غيره وهو يستلزم تعيين الأول ونفي غيره من الزيادة والنقص وخلاف الجنس والأجل نعم لما لم يكن فعلهما ينفذ على غيرهما جعل بالنسبة إلى غيرهما بيعا فيعطي بالنسبة إلى غيرهما حكم البيع كما سنذكره فإن لم يمكن جعله فسخا كأن ولدت المبيعة بعد القبض وكما إذا كان المبيع عرضا بالدراهم فهلك تبطل هذا قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف هي بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعا بأن وقعت الإقالة قبل القبض في مبيع منقول فتجعل فسخا فإن تعذر كونها بيعا وفسخا كما لو كان المبيع عرضا بالدراهم فتقايلا بعد هلاك العرض فحينئذ تبطل وعند محمد قلب قول أبي يوسف فهي فسخ إلا أن يتعذر فبيع إلا أن تعذر فتبطل والعجب أن قول أبي يوسف كقول أبي حنيفة رحمه الله في أن الإقالة تصح بلفظين أحدهما مستقبل كما لو قال أقلني فقال أقلتك مع أنها بيع عنده والبيع لا ينعقد بذلك على ما سلف ومحمد يقول إنها فسخ ويقول لا تنعقد إلا بالمضي فيهما لأنها كالبيع فأعطى بسبب الشبه حكم البيع وابو يوسف مع حقيقة البيع لم يعط حكمه لأن المساومة لا تجرى في الإقالة فحمل اللفظ على التحقيق بخلاف البيع هكذا في شرح القدوري وذكره في الدراية والذي في فتاوى قاضيخان أن قول أبي حنيفة كقول محمد وفي الخلاصة اختاروا قول محمد ولا يتعين مادة قاف لام بل لو قال تركت البيع وقال الآخر رضيت أو اخترت تمت ويجوز قبول الإقالة دلالة بالفعل كما إذا قطعه قميصا في فور قول
____________________
(6/487)
المشتري اقلتك وتنعقد بفاسختك وتاركت وجه قول محمد أن اللفظ أي لفظ الإقالة وضع للفسخ والرفع بدليل الاستعمال فإنه يقال أقلني عثرتي بمعنى اسقط أثرها باعتبارها عدما بعد وجودها وهو المراد بالفسخ إذ حقيقته رفع الواقع عن أن يكون واقعا غير ممكن بعد الدخول في الوجود فيوفر عليه قضيته وإذا تعذر الفسخ يحمل على محتمله وهو البيع ولأبي يوسف انه مبادلة المال بالمال بالتراضي وهذا هو حد البيع وخصوص اللفظ لاعبرة به غاية الأمر انه لم يسم فيه الثمن لأنه معلوم كما في التولية وأخذ الدار بالشفعة ولهذا تبطل الإقالة بهلاك المبيع بعد الإقالة قبل الرد ووجب للذي كان بائعا الرد بالعيب الحادث عند المشتري وهذه أحكام البيع فإذا ترتبت على شىء كان بيعا غير أنه إذا تعذر جعله بيعا كما إذا وقعت في منقول قبل قبضه صرنا إلى مجازه بجعله فسخا تصحيحا لكلام العاقل ما أمكن وكونه لا يبتدأ عقد البيع بإنشائه به ممنوع على قول بعض المشايخ فإنه قال يجوز أن يعقد البيع ابتداء بلفظ الإقالة وانتفاؤه في الصحيح لعدم تقدم البيع
وهذا بيع هو فرع بيع سابق فلا يتصور بدون سبقه ولأبي حنيفة رحمه الله أن اللفظ ينبىء عن الرفع على ما قلنا لمحمد رحمه الله والأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية وكونه يثبت به لوازم البيع من الرد بالعيب والهلاك بالنسبة إلى ثالث لا يستلزم كونه من حقيقته إذ اللوازم قد تكون عامة تترتب على حقيقتين مختلفتين فلا تكون الإقالة بيعا لذلك فإن قيل فتكون بيعا لثبوت حقيقته معنى البيع فيها وهو مبادلة المال بالمال
____________________
(6/488)
بالتراضي لا لثبوت اللوازم الخارجية قلنا إنما نريد بالبيع ما كان مفيدا لهذه المبادلة ابتداء لا تراجعا بطريق الرفع حكما على الشرع بذلك أي بأنه وضع بهذا الأعتبار وإلا رجع إلى مجرد الاصطلاح على أن مسمى لفظ البيع هو المبادلة مطلقا شرعا أو بقيد أن لا يكون تراجعا والاحكام الشرعية لا تختلف باختلاف الاصطلاح في الألفاظ
بقي أمر آخر هو أنها لم لم تستعمل في البيع مجازا عند تعذر الفسخ كما قال محمد أجاب عنه بقوله ولا يحتمل ابتداء البيع ليحمل عليه عند تعذر الفسخ لأنه أي الرفع الذي هو المعنى الحقيقي ضد أي ضد العقد أو نقيضه فلا يصح استعماله فيه وهذا طريق الفقهاء لأن الاستعمال في الضد إنما يكون لتهكم أو تمليح وليس ذلك في الفقه أو يكون لمشاكلته للفظ وقع في صحبته كجزاء سيئة سيئة وليس هنا ذلك فتعين البطلان وكونه بيعا في حق ثالث ليس باعتبار جعلنا أياه مجازا عنه ولكن لأمر ضروري وهو أنه لما ثبت به مثل حكم البيع وهو الملك ببدل ظهر في حق غيرهما إذ لا ولايه لهما على غيرهما ليصرفا موجب البيع عنه فيقتصر عليهما ويظهر بيعا في حق غيرهما ولئلا يفوت مقصود الشارع في بعض الصور كالشفعة شرعت لدفع ضرر الجوار أو الخلطة فإذا فرض ثبوت ذلك في عودها إلى البائع ولم يثبت حق الشفعة تخلف مقصوده قوله إذا ثبت هذا أي هذا الخلاف في هذا الأصل فنقول تفريعا عليه إذا شرطا في الإقالة الأكثر كأن تقايلا على مائة والبيع بخمسين فالإقالة على الثمن الأول عن أبي حنيفة ويبطل شرط الزيادة
____________________
(6/489)
لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة وإنما بطل لأن الإقالة رفع ما كان لا رفع ما لم يكن لأن رفع مالم يكن ثابتا محال ولم يكن الثابت العقد بذلك القدر فلا يتصور رفعه على مائة توضيحه أن رفعه على مائة ترجع إلى المشتري والحال أنه لم يكن في الوجود العقد بمائة رفع ما لم يكن له وجود فلا رفع اصلا إلا أن أصل العقد له وجود وإياه عنيا بالإقالة غير انهما زاداه شرطا فاسدا فيثبت الرفع برفعهما ويبطل بالشرط الفاسد الذي زاداه بخلاف البيع لأن الزيادة يمكن إثباتها فيه ويتحقق به الربا ويصير بيعا فاسدا فلا يبطل إثباتها في الرفع وكذا إذا شرط الأقل عنده يصح بقدر الكمن الأول لما بينا أنه شرط فاسد فيبطل هو ويثبت قدر الأول إلا أن يكون حدث بالبيع عيب فيصح بالنقصان جعلا للحط بإزاء ما فات بالعيب وعندهما في شرط الزيادة يكون بيعا لأن الأصل هو البيع عند أبي يوسف وعند محمد تعذر الفسخ على الزيادة فجعل بيعا وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف يصح به لأنه بيع وعند محمد هو فسخ بالثمن الأول باعتباره مريدا للأول لكنه سكت عن بعضه ولو سكت عن الكل بان قال اقلتك يكون فسخا عليه فإذا سكت عن بعضه أولى بخلاف ما إذا زاد ولو دخله عيب فهو فسخ بالأقل لما بينا من جعل الحط بإزاء ما نقص من العيب
____________________
(6/490)
فرع باع صابونا رطبا ثم تقايلا بعد ما جف فنقص وزنه لا يجب على المشتري شىء لأن كل المبيع باق قوله ولو اقال بغير الثمن الأول بأن كان دراهم فأقال على دنانير تبلغ قيمتها قدرها فهو فسخ بالثمن الأول عند أبي حنيفة وتجعل التسمية لغوا وعندهما بيع لما بينا انه عند أبي يوسف بيع وعند محمد إذا تعذر جعله فسخا جعل بيعا قوله ولو ولدت المبيعة ولدا يعني بعد القبض ثم تقايلا فالإقالة باطلة عنده لأن الولد زيادة منفصلة والزيادة المنفصلة إذا كانت بعد القبض يتعذر معها الفسخ حقا للشرع بخلاف ما قبل القبض والحاصل أن الزيادة متصلة كانت كالسمن أو منفصلة كالولد والأرش والعقر إذا كانت قبل القبض لا تمنع الفسخ والرفع وإن كانت بعد القبض متصلة فكذلك عنده وإن كانت منفصلة بطلت الإقاله لتعذر الفسخ معها والإقالة لا تصح على قوله إلا فسخا وعندهما تكون بيعا ومن ثمرات الخلاف أنهما لو تقايلا في منقول فقبل أن يسترد
____________________
(6/491)
المبيع من المشتري باعه من المشتري ثانيا جاز البيع خلافا لأبي يوسف لأن الممتنع البيع قبل القبض في البيع لا الفسخ ولو باعه من غير المشتري لا يجوز اتفاقا لأنه بيع في حق الغير ولو كان غير منقول جاز بيعه من غير المشتري في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وثمرة كونها بيعا في حق غيرهما في مواضع أيضا منها أن المبيع لو كان عقارا له شفيع فسلم الشفعه في أصل البيع ثم تقايلا وعاد إلى ملك البائع للشفيع أن يطلب الشفعة في الإقالة اتفاقا
ومنها أن المبيع لو كان صرفا كان التقابض من الجانبين شرطا في صحة الإلة لإقانة مستحق الشرع فكانت بيعا جديدا في حق الشرع ومنها انه لو اشترى شيئا فقبضه قبل نقد الثمن فباعه من آخر ثم قايلا وعاد إلى المشتري ثم أن البائع اشتراه من المشتري بأقل من الثمن قبل النقد جاز ويجعل في حق البائع كأنه ملكه بسبب جديد ومنها أن السلعة لو كانت هبة في يد البائع ثم تقايلا فليس للواهب الرجوع على البائع لأن البائع في حق الواهب كأنه اشتراه قوله وهلاك الثمن لأنه أما ليس بمال بل دين حقيقة وحكما فيما إذا لم يشر إلى نقد وإما مال حكما لا حقيقة فيما إذا اشار إليه لعدم تعلق العقد بما اشار إليه بل بمثله في ذمته والدين مال حكما لا حقيقة ولذا كانت البراءة منه تصح بلا قبول لعدم المالية الحقيقية غير أنها ترتد بالرد للمالية الحكمية وهبة العين لا تصح بلا قبول بحال ولا تتأدى زكاة العين بالدين لأن الدين أنقص من العين في المالية ولا يتأدى الكامل بالناقص ولذا لم يحنث من حلف لا مال له وله ديون عظام وإذا كان للمبيع هذه المزية وجب إظهارها وقد تعذر ذلك في ابتداء البيع لأن حاجته إلى المبيع والثمن سواء فأظهرناها في البقاء فجعلنا بقاء البيع حكما مضافا إلى قيام المبيع فإذا هلك ارتفع البيع وإن كان الثمن الدراهم باقية فامتنعت الإقالة إذا رفع مالا وجود له لا يتصور وإنما جازت الإقالة فيما إذا كان رأس مال السلم عرضا معينا وقبضه المسلم إليه ثم هلك باعتبار أن السلم في هذا كبيع المقايضة لأن السلم فيه مبيع شرعا معقود عليه فقد اعتبر العين ثمنا والدين عينا مبيعا ولذا لا يجوز الاستبدال به قبل قبضه فجازت الإقاله ويضمن قيمة الهالك أو مثله في الإقالة كما في حقيقة المقايضة كما سنذكر أما لو تقايلا والبدلان قائمان ثم هلك أحدهما أيا كان
____________________
(6/492)
فالإقالة صحيحة وعليه قيمة الهالك أو مثله ولو هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي لقيام البيع فيه قوله ولو تقايضا بالياء المثناة من تحت أي تبايعا بيع المقأاضة فهلك احد العوضين جازت الإقالة لأن كلا منهما مبيع من وجه فكان البيع باقيا ببقاء العين القائمة منهما فأمكن الرفع فيه وعليه تفرع ما لو اشترى عبدا بأمة وتقايضا ثم أن مشتري العبد باع نصفه من رجل ثم أقال البيع في الأمة جازت الإقالة وعليه لبائع العبد قيمة العبد وكذا لو لم يبع ولكن قطعت يد العبد وأخذ الأرش ثم أقال البيع في الأمة ولو هلك البدلان قبل الإقالة ارتفع البيع فامتنعت الإقالة أما لو تقايلا بعد هلاك احدهما وصحت الإقالة ثم هلك الاخر قبل الرد بطلت الإقالة أيضا والفرق بين المقايضة والصرف فإن هلاك البدلين في الصرف غير مانع من الإقالة وفي المقايضة مانع أنه في الصرف لا يلزمه رد المقبوض بعد الإقالة بل رده أو مثله فلم تتعلق الإقالة بعينهما فلا تبطل بهلاكهما بخلاف غيره من البياعات فإنه يتعلق بعين المبيع ولو تقايلا السلم ورأس المال مما لا يتعين قائم في يد السلم إليه رده وإن كان هالكا فإنما عليه رد مثله ولو تقايلا بعد ما قبض المسلم فيه وهو قائم في يد رب السلم رد عين ما قبضه لأن المقبوض بعقد السلم وإن كان عقدا على دين كعين ورد عليها العقد ولهذا يجوز بيعه مرابحة على رأس المال ذكره الإسبيجابي
فروع ما يمنع الرد بالعيب يمنع الإقالة ولذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها أجنبي تتوقف الإقالة على القبول في المجلس وتجوز الإقالة من الوكيل بالبيع والسلم في قول أبي حنيفة ومحمد كالإبراء خلافا لأبي يوسف وإقالة الوكيل بالشراء لا تجوز بالإجماع وفسخ الموكل مع المشتري جائز وفي جمع التفاريق إقالة الوارث جائزة وأطلق في الجامع جواز إقالة الوصي وهو مقيد بما إذا لم يبع بأكثر من القيمة فإن باع بأكثر منها لا تصح إقالته وكذا المتولي أيضا لو اشترى بأقل من القيمة ليس له الإقالة ولو كان الثمن عشرة دنانير ودفع إليه الدراهم عوضا عن الدنانير ثم تقايلا وقد رخصت الدراهم رجع بالدنانير التى وقع العقد عليها لا بما دفع وكذا لو رد بالعيب وكذا في الإجارة لو فسخت ولو عقد بدراهم ثم كسدت ثم تقايلا فإنه يرد تلك الدراهم الكاسدة ولو عقدا بثمن مؤجل ثم جددا بحال أو على القلب انفسخ الأول وكذا لو عقدا بدراهم ثم جددا بدنانير أو على القلب أما لو جددا بدراهم أكثر أو أقل فلا هو حط من الثمن أو زيادة فيه وقالوا لو باع باثني عشر وحط عنه درهمين ثم عقدا بعشرة لا ينفسخ الأول لأنه مثله إذا الحط يلتحق بأصل العقد إلا في اليمين فيحنث لو كان حلف لا يشتريه باثني عشر درهما ولو قال المشتري بعد العقد قبل القبض للبائع بعه لنفسك فإن باعه جاز وانفسخ الأول ولو قال بعه لي أو لم يزد على قوله بعه أو زاد قوله ممن شئت لا يصح في الوجوه لأنه توكيل ولو باع المبيع من البائع قبل القبض لا ينفسخ البيع ولو وهبه قبل القبض انفسخ يعني إذا قبل
____________________
(6/493)
ولو قال البائع قبل القبض أعتقه فأعتقه جاز العتق عن البائع وانفسخ البيع عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف العتق باطل وفي الفتاوى الصغرى جحود ما عدا النكاح فسخ وعليه ما فرع في فتاوى قاضيخان وغيرها باع أمة فأنكر المشتري الشراء لا يحل للبائع وطؤها إلا أن عزم على ترك الخصومة فيحل له حينئذ وطؤها لأن جحود المشتري فسخ في حقه وإذا عزم على ترك الخصومة فقد تم الفسخ منهما وكذا لو أنكر البائع البيع والمشتري يدعي لا يحل للبائع وطؤها فإن ترك المشتري الخصومة وسمع البائع بذلك حل له وطؤها ومثله لو اشترى جارية بشرط الخيار ثلاثة أيام وقبضها ثم رد على البائع جارية اخرى في أيام الخيار وقال هي التى اشتريتها وقبضتها كان القول له لأنه أنكر قبض غيرها فإن رضى البائع بها حل وطؤها لأن المشتري لما رد أخرى فقد رضى بتملك البائع الثانية بالأولى فإذا رضى البائع بذلك تم البيع بينهما بالتعاطي وكذا القصار والإسكاف وكذا لو اشترى شيئا مما يتسارع إليه الفساد كاللحم والسمك والفاكهة وذهب المشتري إلى بيته ليجىء بالثمن فطال مكثه وخاف البائع فساده كان له أن يبيعه من غيره استحسانا وللمشتري منه أن ينتفع به وإن كان يعلم ذلك لأن البائع رضي بانفساخ البيع الأول والمشتري كذلك ظاهرا ثم ينظر أن كان الثمن الثاني أكثر من الأول فعليه أن يتصدق بالزيادة وإن كان أنقص فالنقصان على البائع لا على المشتري الأول ولو اختلف البائع والمشتري فقال المشتري بعته من البائع بأقل من الثمن الأول قبل نقده وفسد البيع بذلك وقال البائع بل اقلنا به فالقول للمشتري مع يمينه في إنكار الإقالة فإن كان البائع هو الذي يدعي أنه اشتراه من المشتري بأقل مما باعه والمشتري يدعي الإقالة يحلف كل على دعوى صاحبه & باب المرابحة والتولية
قوله المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح
____________________
(6/494)
والتولية نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح اورد عليه ما لو باع دنانير اشتراها بدراهم مرابحة لا يجوز مع صدق التعريف عليه وأجيب عنه في بعض المواضع بأنه بيع مرابحة وكونه لا يجوز شىء آخر واعلم أن معنى السؤال المرابحة جائزة بلا استثناء شىء وهذا من مما صدقاته فيجب أن يجوز لكنه لا يجوز والجواب عنه بأن المراد
____________________
(6/495)
نقل ما ملكه مما هو ببيع متعين بدلالة قوله بالثمن الأول فإن كون مقابلة ثمنا مطلقا يفيد أن ما ملكه بالضرورة مبيع مطلقا ثم إنما لم تجز المرابحة في ذلك لأن بدلى الصرف لا يتعينان فلم تكن عين هذه الدنانير متعينة لتلزم مبيعا والذي يلزم وروده على التقدير الذي صححنا به الأيراد ما إذا اشتراه بثمن نسيئة لا يجوز أن يرابح عليه مع أنه يصدق النقل بالثمن الأول إلا أن يقال إذا كان فيه أجل فالثمن الأول بمقابلة شيئين فلم يصدق في أحدهما أنه بمثل الثمن الأول والحق أنه وارد على الطرد وكون المرابحة غير صحيحة هو معنى عدم وجودها شرعا فيرد السؤال وعلى عكسه مسائل الأولى ما إذا أبق العبد المغصوب فقضى بقيمته على الغاصب ثم عاب للغاصب أن يبيعه مرابحة على القيمة التى أداها فهذا بيع مرابحة ولا يصدق عليه نقل ما ملكه بالثمن الأول وكذا إذا باعه مرابحة بما قام عليه وكذا لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمته ثم باعه مرابحة على تلك القيمة أنه يجوز وصورة هذه المسئلة أن يقول قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو رقمه ومعنى الرقم أن يكتب على الثوب المشترى مقدارا سواء كان قدر الثمن أو أزيد ثم يرابحه عليه وهو إذا قال رقمه كذا وهو صادق لم يكن خائنا فإن غبن المشتري فيه فمن قبل جهله وأجيب بما حاصله أن الغصب ملحق بالمعاوضات ولذا صح إقرار المأذون به لما كان إقراره بالمعاوضات جائزا فالقيمة بالقضاء بها بمنزله الثمن في هذا الكتاب والثالثة ما ذكرنا من أن مبنى المرابحة على عدم الخيانة وهو إذا قال قيمته كذا أو رقمه كذا وهو صادق لم يكن خائنا والحق أنه لا يدفع ما على عكس الحد وهو أن المرابحة نقل ما ملكه بالثمن الأول مع زيادة ربح ولا ثمن سابق أصلا والله أعلم ومما يرد أيضا ما إذا كان رأس المال عبدا مثلا فباع المبيع مرابحة على العبد ممن صار إليه العبد بربح معين فإنه يجوز مرابحة ولا يصدق عليه أنه بمثل الثمن الأول فإنه بعينه لا بمثله ويجاب بأن هذا العبد في حكم عبد آخر لأن اختلاف الأسباب يوجب اختلاف الأعيان قوله والبيعان جائزان استدل على جوازهما بالمعنى وعلى التولية بالنص فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره وفي التولية احاديث لا شبهة فيها منها ما أخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التولية والإقالة والشركة سواء لا بأس به ولا خلاف في مرسل سعيد أخبرنا ابن جريج عن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفاضا بالمدينة قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله وحديث أبي بكر الذي ذكره المصنف في البخاري عن عائشة وفيه أن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم خذ بأبي أنت وأمي إحدى راحلتي هاتين فقال صلى الله عليه وسلم بالثمن أخرجه في بدء الخلق وفي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم قد أخذتها بالثمن فما رواه المصنف يصح بالمعنى وتفصيله قريب مما ذكر ابن إسحاق في السيرة قال فيها فلما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أفضلهما ثم قال اركب فداك أبي وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا اركب بعيرا ليس لي قال فهى لك يا رسول الله قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال قد أخذتها بذلك قال هي لك يا رسول الله فركبا وانطلقا ذكر السهيلي عن بعض اهل
____________________
(6/496)
العلم أنه سئل لم لم يقبلها إلا بالثمن وقد أنفق عليه أبو بكر اضعاف ذلك وقد دفع إليه حين بنى بعائشة ثنتي عشرة أوقية حين قال له أبو بكر إلا تبني بأهلك يا رسول الله فقال لولا الصداق فدفع إليه ثنتي عشرة أوقية ونشا والنش هنا عشرون درهما فقال إنما فعل لتكون الهجرة منه صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله رغبة منه صلى الله عليه وسلم في استكمال فضل الهجرة إلى الله تعالى وان يكون على أتم أحوالها وهو جواب حسن وأما المعنى فهو قوله لاستجماع شرائط الجواز ولما لم يكف ثبوت الشرائط في الشرعية أفاد علتها بقوله والحاجة ماسة إلى هذا النوع من التصرف لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد على فعل المهتدي وتطيب بنفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما ولا يخفى أنه لا يحتاج إلى دليل خاص لجوازهما بعد الدليل المثبت لجواز البيع مطلقا بما تراضيا عليه بعد أن لا يخل بما علم شرطا للصحة بل دليل شرعية البيع مطلقا بشروطه المعلومه هو دليل جوازهما إذ لا زيادة فيهما شروط صحة البيع يعلم المذكور بقوله ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض يعنى الثمن مما له مثل كالنقدين والحنطة والشعير وما يكال و يوزن والعددي المتقارب بخلاف غير المتقارب كالبطيخ والرمان ونحوهما لأنه لو لم يكن له مثل بأن اشترى ثوبا بعبد مقايضة مثلا لو رابحه أو ولاه أياه كان بيعا بقيمة عبد صفته كذا أو بقيمة عبد ابتداء وهي مجهولة وذلك معلوم أنه لا يجوز أما لو كان ما اشتراه به وصل إلى من يبيعه منه فرابحه عليه بربح معين كأن يقول أبيعك مرابحة على الثوب الذي بيدك وربح درهم أو كر شعير أو ربح هذا الثوب جاز لأنه يقدر على الوفاء بما التزمه من الثمن بخلاف ما لو باعه والحالة هذه بربح ده يازده فإنه لا يجوز لأنه باعه براس المال وببعض قيمته
____________________
(6/497)
فإن معنى ده يازده كل عشرة أحد عشر وهذا فرع معرفة عدد العشرات وهو بتقويم العبد وهذا بناء على أن لفظ ده يازاده ومعناه العشرة احد عشر أي كل عشرة ربحها واحد يقتضي أن يكون الحادي عشر من جنس العشرة ولا شك أنه غير لازم من مفهوم ذلك ولكن لزوم ذلك رفعا للجهالة ولا يثبت وحينئذ فالمرابحة على العبد بده يازده تقتضي أنه باعه بالعبد وببعضه او بمثل بعضه وهو كل عشرة اجزاء من العبد ربحها جزء آخر منه وحين عرف أن المراد كل عشرة دراهم أحد عشر لزم حينئذ ما ذكر وهو أنه باعه بالعبد وببعض قيمته
ومن فروع ذلك اشترى عبدا بعشرة خلاف نقد البلد وباعه بربح درهم فالعشرة مثل ما نقد والربح من نقد البلد إذا أطلقه لأن الثمن والأول يتعين في العقد الثاني والربح مطلق فينصرف إلى نقد البلد فإن نسب الربح إلى رأس المال فقال بعتك بربح العشرة احدعشر أو بربح ده يازده فالربح من جنس الثمن لأنه عرف بنسبته إليه
وفي المحيط اشترى بنقد نيسابور وقال ببلخ قام على بكذا او باعه بربح مائة أو بربح ده يازده فالربح ورأس المال على نقد بلخ إلا أن يصدقه المشتري أنه نقد نيسابور أو تقوم بينه وإذا كان نقد نيسابور في الوزن والجودة دون نقد بلخ ولم يبين فراس المال والربح على نقد نيسابور وإن كان على عكسه واشتراه ببلخ بنقد نيسابور ولم يعلم انه أوزن وأجود فهو بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك واعلم أن المعتبر في المرابحة ما وقع العقد الأول عليه دون ما دفع عوضا عنه حتى لو اشترى بعشرة فدفع عنها دينارا او ثوبا قيمته عشرة أو أقل أو أكثر فإن رأس المال هو العشرة لا الدينار والثوب لأن وجوب هذا بعقد آخر وهو الاستبدال قوله ويجوز ان يضيف إلى راس المال أجرة القصار والصبغ اسود كان الصبغ وغيره والطراز والفتل وأجرة حمل الطعام برا أو بحرا لأن العرف جاز بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار والأصل ان كل ما يزيد في المبيع او في القيمة يلحق به أي برأس المال وما عددناه بهذه الصفة لأن الصبغ وأخواته من الطراز والفتل يزيد في العين والحمل من مكان إلى مكان يزيد في القيمة لاختلاف القيمة باختلاف الأماكن قال في الإيضاح هذا المعنى ظاهر ولكن لا يتمشى في بعض المواضع والمعنى المعتمد عليه عادة التجار حتى يعم المواضع كلها و إذا ضم ما ذكر يقول قام على بكذا ولا يقول اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب وسوق الغنم والبقر كالحمل يضمه بخلاف اجرة الراعي والبيت للحفظ لأنه لا يزيد في العين ولا القيمة فلا يضم وكذا سائق الرقيق وحافظهم وحافظ الطعام والمتاع بخلاف سائق الغنم و كذا اجرة تعليم العبد صناعة أو قرآنا أو علما او شعرا لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه أي في المتعلم وهو حذافته فلم يكن ما أنفقه على المعلم موجبا للزيادة
____________________
(6/498)
في المالية ولا يخفى ما فيه إذ لاشك في حصول الزيادة بالتعلم ولا شك انه مسبب عن التعليم عادة وكونه بمساعدة القابلية في المتعلم هو كقابلية الثوب للصبغ فلا تمنع نسبته إلى التعليم كما لا تمنع نسبته إلى الصبغ فإنما هو شرط والتعليم علة عادية فكيف لا يضم وفي المبسوط اضاف نفي ضم المنفق في التعليم إلى أنه ليس فيه عرف قال وكذا في تعليم الغناء والعربية قال حتى لو كان في ذلك عرف ظاهر يلحق برأس المال وكذا لا يلحق أجرة الطبيب والرائض والبيطار وجعل الآبق لأنه نادر فلا يلحق بالسائق لأنه لا عرف في النادر والحجامة والختان لعدم العرف وتضم اجرة السمسار في ظاهر الرواية وفي جامع البرامكة لا تضم لأن الإجارة على الشراء لا تصح إلا ببيان المدة ووجه ظاهر الرواية العرف فيه وقيل إن كانت مشروطة في العقد تضم وقيل أجرة الدلال تضم كل هذا ما لم تجر عادة التجار ولا يضم الدواب إلا ان يعود عليه شىء متولد منها كألبانها وصوفها وسمنها فيسقط قدر ما نال ويضم ما زاد بخلاف ما إذا أجر الدابة أو العبد أو الدار فأخذ أجرته فإنه يرابح مع ضم ما أنفق عليه لأن الغلة ليست متولدة من العين وكذا دجاجة اصاب من بيضها يحتسب بما ناله وبما أنفق ويضم الباقي وتضم أجرة التجصيص والتطيين وحفر البئر في الدار والقناة في الأرض ما بقيت هذه فإن زالت لا تضم وكذا سقى الزرع والكرم وكسحه ولو قصر الثوب بنفسه او طين او عمل هذه الأعمال لا يضم شيئا منها وكذا لو تطوع متطوع
____________________
(6/499)
بهذه الأعمال أو بإعارة قوله فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة إما بإقرار البائع أو بالبينة أو بنكوله عن اليمين وقد ادعاه المشتري هذا على المختار وقيل لا تثبت إلا بإقراره لأنه في دعوى الخيانة مناقض فلا يتصور ببينة ولا نكول والحق سماعها كدعوى العيب ودعوى الحط فإنها تسمع فهو بالخيار عند أبي حنيفة رحمه الله إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك وإن اطلع عليها في التولية يحط قدرها وقال أبو يوسف يحط فيهما أي في المرابحة والتولية وهو قول الشافعي وقال محمد يخير فيهما وهو قول الشافعي رحمه الله لمحمد أن الاعتبار فيهما ليس إلا للتسمية لأن الثمن به يصير معلوما وبه ينعقد البيع ولا خيار بأنه الثمن الأول فيهما لا يتعلق الانعقاد به إنما هو ترويج وترغيب فيكون وصفا مرغوبا فيه كوصف الكتابة والخياطة فبفواته بظهور أن الثمن ليس ذاك يتخير ولأبي يوسف ان الأصل فيه أي في عقد المرابحة والتولية كونه تولية ومرابحة وذلك بالبناء على الثمن الأول فيتعلق به العقد باعتبار أنه تولية ومرابحة عليه وذلك بالحط غير انه يحط في التولية مقدار الخيانة من رأس المال وفي المرابحة يحطه منه ومن الربح على نسبته حتى لو رابح في ثوب على عشرة بخمسة فظهر ان الثوب بثمانية يحط ثلاثة دراهم من الثمن درهمين من رأس المال ومن الربح خمسة وهو درهم ولأبي حنيفة في الفرق بينهما كما قال أبو يوسف في التولية وهو أنه لو لم يحط فيها لا تبقى تولية لأنه يزيد على الثمن الأول والعقد إنما تعلق باعتبارها فيتغير التصرف إلى بيع آخر بثمن آخر ولم يوجد ذلك البيع الاخر
____________________
(6/500)
وأما في المرابحة لو لم يحط لا تخرج عن كونها مرابحة لتغير التصرف وإن كان يتفاوت الربح فإنه يظهر أن الربح أكثر مما ظنه المشتري فأمكن القول ببقاء العقد ولكن يتخير لما ذكر محمد من فوات الوصف المرغوب فيه فلو هلك المبيع قبل أن يرده أو استهلكه أو حدث فيه ما يمنع الفسخ لزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة لأنه مجرد خيار لا يقابله شىء من الثمن كخيار الرؤية والشرط وفيهما يلزمه تمام الثمن قبل الفسخ فكذا هنا وهو المشهور من قول محمد بخلاف خيار العيب لأن المستحق فيه جزء فائت يطالب به فيسقط ما يقابله إذا عجز عن تسليمه واما على قول أبي يوسف فلو هلك المبيع أو انتقص يحط وقوله في الروايات الظاهرة احتراز عما عن محمد من غير رواية الأصول انه يفسخ البيع على القيمة إن كانت اقل من الثمن حتى يندفع الضرر عن المشتري بناء على اصله في مسئلة التحالف بعد هلاك السلعة أنه يفسخ بعد التحالف دفعا للضرر عن المشتري ويرد القيمة ويسترد الثمن قوله ومن اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه من الذي باعه منه بمثل ما باعه فإن باعه فإن باعه مرابحة طرح عنه كل ربح كان قبل ذلك فإن كان الربح استغرق الثمن لم يبعه مرابحة إلا ان يبين هذا عند ابي حنيفة وهو مذهب أحمد وقال ابو يوسف ومحمد يبيعه مرابحة على الثمن الأخير وهو قول الشافعي ومالك رحمهم الله صورته إذا اشترى ثوبا بعشرة وباعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة وممن باعه منه بعد التقابض فإنه يطرح عن هذه العشرة التى اشتراه بها منه الخمسة التى ربحها فيبيعه مرابحة على خمسة ويقول قام على بخمسة ولو اشتراه بعشرة فباعه بعشرين مرابحة ثم اشتراه ممن باعه منه بعشرة لا يبيعه مرابحة اصلا إلا أن يبين فيقول هذا كنت بعته فربحت فيه عشرة ثم اشتريته بعشرة وانا أبيعه بربح كذا على هذه العشرة وعندهما يبيعه مرابحة على الثمن الأخير وهو عشرة في الفصلين من غير بيان لهما ان العقد الثاني وغن كان ممن كان باعه منه فهو عقد متجدد منقطع
____________________
(6/501)
الأحكام عن الأول ولذا لو كان في الأول خيار لا يكون في الثاني وعلى العكس فلا يدخل فيه ما قبله مرابحة او وضيعة ولذا لو كان اصله هبة أو ميراثا فباعه ثم اشتراه كان له ان يبيعه مرابحة على الثمن الأخير ولا يعتبر ما كان قبله وإلا لم تجز المرابحة اصلا وهذا لأن بالشراء الثاني يتجدد له ملك غير الأول لأن اختلاف الأسباب كاختلاف العين على ما عرف وصار كما لو تخلل ثالث بأن اشترى بعشرة ممن اشترى من المشتري منه بعشرين ولأبي حنيفة ان شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة لأنه يتأكد به أي بالعقد الثاني ما كان على شرف السقوط من ذلك الربح بأن يظهر المشتري على عيب فيرده فيزول الربح عنه فإذا اشتراه منه تأكد أي تقرر ملكه لذلك الربح وللتأكيد في بعض المواضع حكم الإيجاب كما في شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يضمنون نصف المهر لتأكيدهم ما كان على شرف السقوط بتقبيل ابن الزوج أو بارتداد وعلى اعتبار التأكيد يصير البائع في مسئلتنا مشتريا بالعقد الثاني ثوبا وخمسة دراهم فتكون الخمسة بإزاء الخمسة ويبقى الثوب بخمسة وهذا الاعتبار واجب لأن الشبهة في المرابحة ملحقة بالحقيقة ولذا لم تجز المرابحة فيما أخذ بالصلح لشبهة الحطيطة لأن الغالب في الصلح ذلك فيجب ان يبيعه مرابحة على خمسة فإن قيل لو كان كذلك ينبغي أن لا يجوز الشراء بعشرة فيما لو باع بعشرين لأنه على هذا التفسير يصير في الشراء الثاني كأنه اشترى ثوبا وعشرة بعشرة فكان فيه شبهة الربا وهو حصول الثوب بلا عوض اجيب بأن التأكيد إنما حصل به شبهة الإيجاب احترازا عن الخيانة وذلك يتحقق بالنسبة إلى العباد لا بالنسبة إلى الشرع وشرعية المرابحة لمعنى راجع إلى العباد لا الشرع ولذا إذا
____________________
(6/502)
رضي المشتري به وقد علم يجوز ولو كان لحق الشرع لم يجز بتراضيهما كما في الربا لو رضيا به وأورد على هذا ما لو وهب له ثوب فباعه بعشرة ثم اشتراه بعشرة فإنه يبيعه مرابحه بعشرة وأجيب بأنه ممنوع في رواية وبتقدير التسليم فالبيع الثاني وأن كان يتأكد به انقطاع حق الواهب في الرجوع لكنه ليس بمال ولا تثبت هذه الوكاله إلا في عقد يجري فيه الربا وايضا ليس فيه معنى يزداد في الثمن بخلاف ما أذا باعه بثمن حال مرابحه بعد ما اشتراه بذلك الثمن مؤجلا لأنه معنى يزداد في الثمن وبخلاف ماإذا باعه بوصيف أو دابة أو عرض آخر ثم شتراه بعشرة فإنه يبيعه مرابحة على عشرة لأنه عاد إليه بما ليس من جنس الثمن ولا يمكن طرحه لا باعتبار القيمة ولا مدخل لذلك في بيع المرابحة ولذا قلنا لو اشترى أشياء صفقة واحده بثمن واحد ليس له أن يبيع بعضها مرابحة على حصتها من الثمن لأن ذلك لا يكون إلا باعتبار القيمة وتعيينها لا يخلوا عن شبهة الغلط خلافا للشافعي في ذلك وبخلاف ما لو تخلل ثالث لتأكيد الربح بالبيع من الثالث ووقع الأمن من البطلان به فلم يستفد المشتري الأول بالشراء الثاني تأكيد الربح وهنا بخلافة قوله وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين محيط برقبته فباعه من المولى بخمسة عشر فأنه أي المولى يبيعه مرابحه على عشرة وكذلك إذا كان المولى اشتراه بعشرة فباعه من العبد بخمسة عشر يجب أن يبيعه العبد مرابحه على عشرة لأن في هذا العقد أعني الذي جرى بين العبد والمولى وأن كان صحيحا لإفادته ما لم يكن من كسب العبد في كسبه ويسلم للمولى من كسبه مالم يكن سالما فله شبهة العدم لأن الحاصل للعبد لايخاو عن حق المولى ولهذا كان للمولى ان يستبقى ما في يده لنفسه ويقضي دينه من عنده وكذا في كسب المكاتب ويصير ذلك الحق حقيقة إذا عجز فرد في الرق فصار كأنه باع ملك نفسه من نفسه أو اشترى ملك نفسه لنفسه ولكن للفائده التي ذكرناها صححناه فظهر أنه جائز مع المنافي وهو كونه عبده المستلزم لكون المال له لولا الدين فاعتبر عدما في حكم المرابحه وبقي الاعتبار للعقد الأول وهو الكائن بعشرة فيصير كأن العبد اشتراه بعشرة لأجل المولى في الفصل الأول وهو ما إذا اشتراه العبد وباعه من المولى وكان بيعه أجل المولى في الفصل الثاني وهو ما أذا باعه لمولى من عبده فكان المعتبر الثمن الأول وهذه المسئلة بالاتفاق وكذا الجواب إذا كان المأذون مكاتب السيد بالاتفاق وقوله فاعتبر عدما في حكم المرابحه يفيد أنما اعتبر عدما للمرابحه لا لكونه معدوما من وجه وسببه أن المرابحه بيع أمانة تنفي عنه كل تهمة وخيانه والمسامحه جارية بين السيد وعبده ومكاتبة فيتهم بأنه اشتراه منه بزيادة أو باعه منه كذلك ولهذا قال أبو حنيفه اشترى شيئا من أبيه او امه او ولده أو اشترى هؤلاء منه لا يبيع واحد منهم مرابحة الا على الثمن الذي قام على البائع إلآأنهما خالفا في هذه فقالا يبيعه مرابحه على ما اشتراه من هؤلاء لتباين الأملاك والحقوق فكانا كالأخوين
____________________
(6/503)
وأبو حنيفه يقول ما يحصل لكل من هؤلاء كأنه للآخر من وجه ولهذا لا تقبل شهادة أحدهم للآخر وتجري المسامحة بينهم فكان الاحتياط فيما ذكرنا ثم القيد المذكور وهو كونه مديونا بما يحيط برقبته مصرح به في الجامع من روايه محمد عن يعقوب عن ابي حنيفه والمشايخ في تقرير هذه المسئلة منهم من ذكره كقاضيخان ومنهم من لم يقيد بالمحيط كالصدر الشهيد فقال عبد مأذون عليه دين محيط برقبته أو غير محيط ومنهم من لم يذكر الدين أصلا كشمس الأئمة في المبسوط فقال إذا اشترى من أبيه أو أمه أو مكاتبة أو عبده ولا شك أن ذكره وعدمه في الحكم المذكور سواء بل إذا كان لا يرابح إلا على الثمن الأول فيما إذا كان عليه دين محيط مع أنه أجنبي من كسبه فلأن لا يربح إلا عليه فيما إذا لم يكن عليه دين أولى لأنه حينئذ لا ينعقد العقد الثاني اصلا إنما يبيع ماله من نفسه او يشتريه وإنما فائدته لثبوت صحة العقد الثاني وعدمه والحكم المذكور على التقديرين لا يختلف ولو اشترى من شريكه سلعة أن كانت ليست من شركتهما يرابح على ما اشترى ولا يبين وأن كانت من شركتهما فإنه يبيع نصيب شريكه على ضمانه في الشراء الثاني ونصيب نفسه على ضمانه في الشراء الأول نحو أن تكون السلعة اشتريت بألف من شركته 6 ما فاشتراها أحدهما من صاحبه بألف ومائتين فإنه يبيعها مرابحه على الف ومائة لأن نصيب شريكه من الثمن ستمائة ونصيب نفسه من الثمن الأول خمسائه فيبيعها على ذلك ومنه مسئلة الكتاب التي ذكرها بقوله واذا كان مع المضارب عشرة دراهم بالنصف فاشترى ثوبا بعشرة وباعه من رب 4 المال بخمسة عشر فإنه يبيعه مرابحه باثني عشر ونصف لأن هذا البيع وأن قضى بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر رحمه الله مع أنه اشترى ماله بماله وهو وجه المنع لزفر لكنا أجزناه لما فيه من فائده استفاده ولاية التصرف وهو المقصود بعد ما كانت منتفيه لأنقطاع ولاية التصرف عنه بالتسليم إلى المضارب والانعقاد يتبع الفائده ففيه شبهة العدم الا ترى أنه أي المضارب وكيل عنه أي عن رب المال في البيع الاول من وجه وذلك يمنع
____________________
(6/504)
صحه بيعه منه كما لا يصح بيع الوكيل من موكله ما وكله بشرائه لأنه ماله وتصرفه فيه جائز ومن وجة آخر هو مال المضارب حتى أذا اشترى لا يجوز حجر رب المال عليه في البيع ولو اشترى المضارب جاريه لا يجوز لرب المال وطؤها وأن لم يكن في المال ربح فاعتبر البيع الثاني عدما في نصف الربح الذي هو حصة رب المال بمثل ما ذكرنا في التي قبلها فيبيعه على أقل الثمنين للاحتياط وعلى حصة المضارب من الربح لأن المضارب في ذلك المقدار بمنزلة الآجنبي فلا يهتم فيه ولو اشتريا سلعة فاقتسماها فأراد أحدهما أن يبيع نصيبه مرابحه على حصة من الثمن أن كانت القسمة استيفاء مخصا كالكيلي والوزني والعددي المتقارب جاز بيعه مرابحه وأن كانت مبادلة كالأشياء المتفاوته لم يجز بيعه مرابحه لابتنائه على التقويم وهو ممتنع في المرابحه كما ذكرنا قوله ومن اشترى جاريه فاعورت أي من غير صنع احد بل بآفة سماويه أو بصنعها بنفسها يبيعها مرابحه ولا يبين أنه اشتراها بذلك الثمن وليس بها هذا العور و كذا لو وطئها وهي ثيب ولم ينقصها الوطء وهذا لأن الأوصاف لا يقابلها جزء من الثمن لأنها تابعه ما لم تكن مقصوده بالإتلاف ولهذا لو فاتت قبل التسليم إلى المشتري بعد العقد لا يسقط شئ من الثمن وكذا منافع البضع لا يقابلها الثمن وعن أبي يوسف في الفصل الأول وهو ما إذا اعورت الجاريه
____________________
(6/505)
أنه لا يبيع مرابحة من غير بيان كما إذا احتبس بفعله وهو قول الشافعى وزفر والاحتباس بفعله محل الاتفاق كما ذكره بقوله وأما إذا فقأ عينها بنفسه أوفقأها أجنبى بأمر المشترى أو بغير أمره فأخذ أرشها لم يبعها مرابحة حتى يبين والتقييد بفقء المشترى والأجنبى إحتراز عما لو فقأت عينها بنفسها فإنه كما بالآفة السماوية لأنه هدر فلا يكون المشترى حابسا شيئا وأخذ الأرش ليس بقيد بل إذا أعورها الأجنبي لا يرابح إلا ببيان لتحقق وجوب الضمان والفرق لنا أنه صار مقصودا بالإتلاف فخرج عن التبعية بالقصدية فوجب اعتباره فيقابل ببعض الثمن وكذا إذا وطئها وهى بكر لأن العذرة جزء من العين يقابلها الثمن وقد حبسها و من هذا لو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر أو حرق نار أو طعاما فتغير يبيعه مرابحة من غير بيان وقرض بالقاف وذكر أبو اليسر بالفاء ولو تكسر الثوب بطيه ونشره لزمه البيان لأنه بفعله قال الفقيه أبو الليث وقول زفر أجود و به نأخذ واختياره هذا حسن لأن مبنى المرابحة على عدم الخيانة وعدم ذكره أنها انتقصت إيهام للمشترى أن الثمن المذكور كان لها ناقصة والغالب أنه لو علم أن ذلك ثمنها صحيحة لم يأخذها معيبة إلا بحطيطة وقد ذكر أول الباب أن سبب شرعية المرابحة اعتماد الغبى أن الثمن قيمتها حيث اشترى من له خبرة به فيطيب قلبه بشرائها به مع زيادة ربح لظنه أنه قيمتها وهذا يبين أنه لا يروم شراءها إلا بقيمتها كى لا يغبن وأنه لو علمه لم يرض فكان سكوته تقريرا له وقريب من هذا ما روى هشام عن محمد أن ذلك إذا نقصه العيب شيئا يسيرا فإن نقصه قدرا لا يتغابن فيه لا يبيعه مرابحة يعنى بلا بيان لكن قولهم هو كما لو تغير السعر بأمر الله تعالى فإنه لا يجب عليه أن يبين أنه اشتراه
____________________
(6/506)
في حال غلائه وكذا لو اصفر الثوب لطول مكثه أو توسخ إلزام قوى واستشكل على قوله الفائت وصف لا يقابله شئ من الثمن المشترى بأجل فإن الأجل وصف ومع ذلك لا يجوز بيعه مرابحة بلا بيان أجيب بأن الأجل يعطى لأجله جزء من الثمن عادة فيكون كالجزء فيلزمه البيان وعلى قوله منافع البضع لا يقابلها شئ من الثمن ما إذا اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا لم يتمكن من ردها وإن كانت ثيبا وقت الشراء وذلك لاعتبار المشترى بالوطء حابسا جزءا من المبيع عنده وأجيب بأن عدم الرد في هذا ليس لما ذكرت بل لأنه لو ردها فإما مع العقر احتراز عن الوطء مجانا أو من غير عقر لا وجه إلى الأول لعود الجارية مع زيادة والزيادة تمنع الفسخ لأنه لا يرد على الزيادة ولا إلى الثاني لأنها تعود إلى قديم ملكه ويسلم المشترى الوطء بلا عوض باعتبار البيع وذلك لا يجوز بخلاف الواهب إذا رجع بعد وطء الموهوب له حيث يصح ولا يلزم الموهوب له شئ لأنها تسلم كلها للموهوب له بلا عوض فيجوز أن يسلم له الوطء بلا عوض ولا يجوزفي صورة البيع أن يفسخ البيع ويسلم للمشترى أو للبائع زيادة متولدة من العين أو شئ وجب بإتلاف العين كالولد والأرش والعقر فكذا الوطء
فروع لو أصاب من غلة الدار أو الدابة شيئا رابح بلا بيان لأن الغلة ليست متولدة من العين إنما هو استيفاء منفعة واستيفاء المنفعة لا يمنع بيع المرابحة بخلاف ما لو أصاب من لبن الغنم وصوفها فإنه إذا ربح يسقط من رأس المال قدر ما أصاب من ذلك ويقول قام على بكذا وتقدم أنه إذا أنفق في طعام الرقيق والدواب أنه يضمنه في غير السرف ولو ولدت الجارية أو الغنم أو أثمر النخيل يبيع الأصل مع الزيادة مرابحة لأنه لم يحبس شيئا من المقعود عليه ولأن نقصان الولادة بغير فعل ثم الزيادة تجبره ولو استهلك المشترى الزيادة مرابحة لأنه لم يحبس شيئا من المعقود عليه ولأن نقصان الولادة بغير فعل ثم الزيادة تجبره ولو استهلك المشترى الزيادة لم يبع الأصل مرابحة حتى يبين ما أصاب منها لأنها متولدة من العين والمتولد كجزء المبيع وكذا إذا استهلك الألبان والسمن فإنه لا يرابح إلا ببيان وفي المبسوط اشترى نصف عبد بمائه واشترى آخر نصفه بمائتين هم باعه مرابحة أو تولية أو وضيعة فالثمن بينهما ثلاثا ولو باعه مساومة يكون بينهما نصفين لأن المسمى فيه بمقابلة الملك ولهذا استوى فيه المشترى والموهوب وبيعهما في العبد سواء بخلاف تلك العقود فإن الثمن فيها مبنى على الأول ولو حط البائع الأول من الثمن بعد ما باعه المشترى مرابحة فإنه يحط ذلك من المشترى الآخر مع حصته من الربح ولو كان ولاه حط ذلك عندنا وعند زفر والشافعى لا يحط عن الثاني بهذا السبب شئ وأصله أن الحط يلتحق بأصل العقد عندنا وعنده لا بل هو هبة مبتدأة لا تتم إلا بالتسليم وكذا الزيادة عندنا حتى يصير كأن العقد عقد بما بقى فيثبت ذلك في حق الشفيع والموكل وهذا بخلاف ما لو حط الكل في المرابحة والتولية فإن له أن يرابح على كل الثمن ويوليه قوله ومن اشترى غلاما أو غيره بألف نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين أنه اشتراه نسيئه بالألف فعلم المشترى بذلك فله الخيار إن شاء رده وإن شاء قبل بالألف والمائة حالة وإنما يثبت له الخيار لأن للأجل شبها بالمبيع ألا يرى أنه يزاد في الثمن لأجله والشبهة ملحقة بالحقيقة فكان كأنه اشترى شيئين بالألف وباع أحدهما بها على وجه المرابحة وهذا خيانة فيما إذا كان مبيعا حقيقة فإذا كان أحد الشيئين يشبه المبيع يكون
____________________
(6/507)
هذا شبهة الخيانة وشبهة الخيانة ملحقة بالحقيقة في المرابحة فإذا ظهرت يخير على ما عرف من مذهب أبى حنيفة ومحمد ولو فرع على قول أبى يوسف ينبغى أن يحط من الثمن ما يعرف أن مثله في هذا يزاد لأجل الأجل هذا إذا علم الخيانة قبل هلاك المبيع فلو علم بعد ما هلك أو استهلكه لزمه بألف ومائة حالة لأن الأجل لا يقابله شئ حقيقة والذي كان ثابتا له مجرد رأى وقد تعذر بعد هلاكه وهكذا لو كان ولاه إياه ولم يبين أنه اشتراه إلى أجل فعلم المشترى قبل الهلاك يعنى يثبت لم 2 خيار الرد وقبوله بالألف الحالة ولو فرع علم قول أبى يوسف ينبغى أن يفعل ما ذكرنا وإن كان استهلكه ثم على لزمه بألف حالة لما ذكرنا من أن الأجل لا يقابله شئ من الثمن حقيقة وعن أبى يوسف أنه بعد الهلاك يرد القيمة ويسترد كل الثمن وهو نظير قوله فيما إذا استوفى صاحب الدين من دائنه مكان الدين الجياد زيوفا وهو لا يعلم بزيافتها حتى أنفقها فإنه عند أبى يوسف يرد مثلها من الزيوف ويسترد الجياد وسيأتيك إن شاء الله تعالى في مسائل منثورة وقيل يقوم بثمن حال وبمؤجل
____________________
(6/508)
فيرجع بفضل ما بينهما على البائع قاله الفقيه ابو جعفر الهندواني ولو لم يكن الأجل مشروطا في العقد ولكنه معتاد التنجيم قيل لابد من بيانه لأن المعروف كالمشروط وقيل يبيعه ولا يبينه لأن الثمن ما كان إلا حالا في العقد أما لو فرضنا أنه باعه بلا شرط أجل فلم ينقده إلى شهر مطلا فلا شك أنه يبيعه مرابحه بالألف قوله ومن ولي رجلا شيئا بما قام عليه ولم يعلم المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد لجهالة الثمن فإن أعلمه البائع يعني في المجلس ما قام به عليه فهو بالخيار إن شاء رد البيع وأن شاء قبل لأن الفساد وأن كان في صلب العقد ولكنه لم يتقرر أنما يتقرر بمضي المجلس وهذا يبين أن هذا العقد ونحوه من البيع برقمه قبل معرفه الرقم ينعقد فاسد له عرضيه الصحه وهو الصحيح خلافا لما روي عن محمد أنه صحيح له عرضيه الفساد ولما كان المجلس جامعا للمتفرقات يعبتر الواقع في أطرافه كالواقع معا كان تأخير البيان أي بيان قدر الثمن كتأخير القبول ألى آخر المجلس فإنه يجوز ويتصل بالإيجاب السابق أول المجلس كذا هذا يكون سكوته عن تعيين الثمن في تحقق الفساد موقوفا إلى آخره فإن تبين فيه اتصل بالإيجاب الذي سكت فيه عنه وأن انقضى قبله تقرر الفساد فلا ينقلب بعده صحيحا وأنما يتخير بعد العلم في المجلس لأن الرضا لم يتم قبله فلم يتم البيع كما في خيار الرؤية لم يتم الرضا قبل الرؤيه فعند وجودها يتخير
فروع اشترى ثوبا ليس له أن يرابح على ذراع منه لأن الثمن لا ينقسم على ذرعانه ولو رابح على ماله نسبة معلومه منه كنصفه ثلثه ثمنه جاز ولو اشترى نصف عبد بمائة ثم اشترى النصف الآخر بمائتين فله أن يبيع أي النصفين شاء مرابحه على ما اشتراه به وأن شاء باع كله مرابحه على ثلاثمائة ويقول قام على بكذا ولو وهب له البائع الثمن كله فله أن يرابح على الثمن كله ولو وهب له أوحط عنه بعضه ليس له أن يرابج إلا على ما بقي
____________________
(6/509)
ولو باعه الثمن عرضا أو أعطى به رهنا فهلك كان له أن يرابح على الثمن لأنه صارلا قابضا له بهذا الطريق ولو اشترى بعشرة جياد ونقده زيوفا فتجوز بها البائع فله ان يرابح على عشرة جياد ولو وهب ما اشتراه بعشرة ثم رجع فيه له ان يبيعه مرابحه على العشرة وكذا أن باعه ثم رد عليه بعيب أو فساد بيع أو خيار أو أقاله له أن يرابح على الثمن الذي كان اشترى به ولو اشترى ثوبا فباعه ثم رجع إليه بميراث أو هبة لم يكن له أن يبيعه مرابحه لأنه ما عاد إلى الملك المستفاد بالشراء الأول ولو وجد بالمبيع عيبا فرضي به له أن يبيعه مرابحه على الثمن الذي اشتراه به لأن الثابت له خيار فإسقاطه لا يمنع من البيع مرابحه كما لو كان فيه خيار شرط أو رؤيه وكذا لو اشترى مرابحه فاطلع على خيانة فرضي به كان له أن يببيعه مرابحه على ما أخذه به لما ذكرنا أن الثابت له مجرد خيار ولو اشترى شيئا بغبن فاحش أو بدين له على أنسان وهو لا يشترى بذلك القدر بالغبن فليس له أن يبيعه مرابحه من غير بيان ولو اشترى بالدين ما يباع بمثله جاز أن يرابح عليه سواء أخذه بلفظ الشراء أو بلفط الصلح في روايه وفي ظاهر الروايه يفرق بين الصلح والشراء لما تقدم لكن الوجه أنه أذا علم أنه ثمنه وجب أن يرابح عليه لأن منع المرابحه ما كان إلا لتهمة الحطيطة إأذا تيقن انتفاءها ارتفع المانع بينه وبين الله تعالى ولو اشتريا رزمه ثياب فاقتسماها ليس لأحدهما أن يبيع ما خصه مرابحه بخلاف ما لو اشتريا مكيلا جنسا واحدا فاقتسماه حيث يجوز ذلك ولو اشترى الرزمه واحد فقومها ثوبا ثوبا ليس له أن يبيع ثوبا منها مرابحه على ما قوم إلا ما قدمنا من أنه يقول قيمة هذا ألف أو قوم هذا بكذا أو أنا أبيعك مرابحه على هذه القيمة كما مر في الرقم بأزيد من ثمنه أما لو أسلم في ثوبين ووصفهما بصفه واحده ليس له أن يبيع أحدهما مرابحه على نصف رأس مال السلم عند أبي حنيفه وعندهما يجوز ولو باعه نصف ما اشتراه مرابحه على نصف ثمنه أن كان ثوبا واحدا ليس له ذلك وإن كان مثليا وهو جنس واحد كطعام أكل نصفه كان له ذلك لانقسام الثمن عليه بالإجزاء بخلاف الآول لأن انقسامه عليه بالقيمة باعتبار الأوصاف أعني الذرعان ولا ينقسم الثمن باعتبارها وعلى هذا ينبغي أن لا يرابح في نصف العبد على نصف الثمن ولو اشترى ثيابا صفقة واحده كل ثوب بكذا فله ان يبيع كل واحد مرابحه عند أبي حنيفه وأبي يوسف وقال محمد لا يرابح حتى يبين أنه اشتراه مع غيره ولو باعه بوضيعة ده يازده فطريقة أن يجعل كل درهم من رأس المال أحد عشر جزءا فإذا كان الثمن عشرة فتكون الجمله مائة وعشرة فتسقط عشرة فيصير جمله الثمن تسعة وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم فصل
قوله ومن اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه أنما اقتصر على البيع ولم يقل أنه يتصرف
____________________
(6/510)
فيه لتكون اتفاقية فإن محمدا يجيز الهبة والصدقه به قبل القبض وقال مالك يجوز جميع التصرفات من بيع وغيره قبل القبض إلا في الطعام لأنه صلى الله عليه وسلم خص الطعام بالنهي في حديث رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه أخرجه الشيخان وفي لفظ حتى يقبضه قلنا قد رواه ابن عباس ايضا قال وأحسب كل شئ مثل الطعام أخرجه عنه أئمة الكتب السته وعضد قوله ما روي أبو داود عن ابن اسحاق الى ابن عمر قال ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل فاعطاني فيه ربحا حسنا فأردت أن اضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه الى رحلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار الى رحالهم ورواه ابن حيان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه وقال في الننقيح سنده جيد وقال ابن إسحاق صرح فيه بالتحديث وأخرج النسائي أيضا في سننة الكبرى عن يعلي بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام قال قلت يا رسول الله أني رجل أبتاع هذه البيوع وأبيعها فيما يحل لي منها وما يحرم قال لاتبيعن شيئا حتى تقبضه ورواه أحمد في مسند وابن حبان وقال هذا الحديث مشهور عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام ليس بينهما ابن عصمة
والحاصل ان المخرجين منهم من يدخل ابن عصمة بين ابن ماهك وحكيم ومنهم من لا وابن عصمة ضعيف جدا في قول بعضهم قال صاحب التنقيح قال ابن حزم عبد الله بن عصمة مجهول وصحح الحديث من روايه يوسف ابن ماهك نفسه عن حكيم لأنه صرح في روايه قاسم بن اصبغ بسماعه منه والصحيح أن بينهما عبد الله بن عصمة الجشمي حجازي ذكره ابن حبان في الثقات وقال عبد الحق أنه ضعيف وتبعه ابن القطان وكلاهما مخطئ وقد اشتبه عليهما عبد الله بن عصمه هذا بالنصيبي أو غيره ممن يسمى عبد الله بن عصمة انتهى كلامه
فالحق أن الحديث حجة والذي قبله كذلك والحاجة بعد ذلك إلى دليل التخصيص بغير العقار لأبي حنيفه يذكر هناك
____________________
(6/511)
والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ثم علل الحديث لأن فيه غرر انفساخ العقد الأول على اعتبار هلاك المبيع قبل القبض فيتبين حينئذ أنه باع ملك الغير بغير اذنه وذلك مفسد للعقد وفي الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والغرر ما طوى عنك علمه والدليل على اعتبار هذا المعنى أنا رأينا التصرف في ابدال العقود التي لا تنفسخ بالهلاك جائزا فلا يضرها غرر الانفساخ كالتصرف في المهر لها وبدل الخلع للزوج والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد قبل القبض جائز إذ كانت لا تنفسخ بالهلاك فظهر أن السبب ما قلنا هذا وقد الحقوا بالبيع غيره فلا تجوز أجارته ولا هبته ولا التصدق به خلافا لمحمد في الهبة والصدقه وكذا اقراضه ورهنه من غير بائعه فلا يجوز شئ من ذلك واذا اجاز محمد هـ 4 ذه التصرفات في المبيع قبل القبض ففي الأجره قبل قبضها أذا كانت عينا اولى فصار الأصل أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والأجرة اذا كانت عينا في الإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينا لا يجوز بيع شئ من ذلك ولأن يشرك فيه غيره إلى آخر ما ذكرنا وما لا ينفسخ بهلاك العوض فالتصرف فيه قبل القبض جائز كالمهر اذا كان عينا وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد كل ذلك اذا كان عينا يجوز بيعه وهبته وإجارته قبل قبضه وسائر التصرفات في قول أبي يوسف ولو أوصى به قبل القبض ثم مات قبل القبض صحت الوصيه بالإجماع لأن الوصيه أخت الميراث ولو مات قبل القبض ورث عنه فكذا أذا اوصى به ثم قال محمد كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقه والرهن والقرض فهو جائز في المبيع قبل القبض اذا سلطه على قبصه فقبضه ووجهة أن تمام هذا العقد لايكون إلا بالقبض والمانع زائل عند ذلك بخلاف البيع والإجاره فأنه يلزم بنفسه وقاسه بهبة الدين لغير من عليه الدين فانها تجوز اذا سلطه على قبضه أذ لا مانع فإنه يكون نائبا عنه ثم يصير قابضا لنفسه كما لو قال أطعم عن كفارتي جاز ويكون الفقير نائبا عنه في القبض ثم قابضا لنفسه
____________________
(6/512)
بخلاف البيع وأبو يوسف يقول البيع أسرع نفاذا من الهبة بدليل أن الشيوع فيما يحتمل القسمه يمنع تمام الهبة دون البيع وأيضا هذه التصرفات تنبني على الملك وغرر الانفساخ يمنع تمامه فكان قاصرا في حق إطلاق التصرف وأما أعتق عن كفارتي فإنه طلب التمليك لا تصرف مبني على الملك القائم فإن قيل لو اعتبر الغرر امتنع بعد القبض أيضا لاحتمال ظهور الاستحقاق فالجواب أنه أضعف لأن ما يتحقق به بعد القبض يتحقق به قبله ويزيد باعتبار الهلاك ايضا فكان اكثر مظانا قبل القبض ولأن اعتباره بعده يسد باب البيع ولو باعه المشتري من بائعه قبل قبضه لا يجوز ولو وهبه يجوز على اعتباره مجازا عن الإقاله فإن قيل هذا النهي باعتبار امر مجاور فينبغي أن لا يوجب الفساد كالبيع وقت النداء أجيب بأن الغرر في المبيع لا مجاور له فإنه باعتبار أنه مملوك أو غير مملوك للمشتري على تقدير الهلاك وأورد على التأثير أن بعد تسليم أن البيع ينفسخ بهلاك المبيع قبل القبض أي امتناع فيه فليكن كذلك ويجوز بيع العقار قبل القبض عند ابي حنيفه وأبي يوسف وهو قوله الاخر وقال محمد لا يجوز وهو قول ابو يوسف الأول وقول الشافعي رجوعا إلى إطلاق الحديث يعني عمومه وهو ما في حديث حكيم من قوله صلى الله عليه وسلم لاتبيعن شيئا حتى تقبضه بخلاف ما قبله من حديث ابن عمر فانه خاص بالمنقول اعني قوله نهى عن بيع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم وللنهي عن ربح مالم يضمن ولو باع العقار بربح يلزم ربح مالم يضمن وصار بيع العقار كإجارته وإجارته قبل قبضه لا تجوز فكذا بيعه ولأن السبب هو البيع إنما يتم بالقبض ولهذا جعل الحادث بعد العقد قبل القبض كالحادث عند العقد والملك انما يتأكد بتأكد السبب وفي هذا العقار والمنقول سواء ولهما أي لأبي حنيفه وأبي يوسف أن ركن البيع صدر من اهله في محله والمانع المثير للنهي وهو غرر الانفساخ بالهلاك منتف فإن هلاك العقار نادر والنادر لا عبره به ولا يبنى الفقه باعتباره فلا يمنع الجواز وهذا لأنه لا يتصور هلاكه إلا إذا صار بحرا ونحوه حتى قال بعض المشايخ إن جواب أبي حنيفه في موضع لا يخشى عليه أن يصير بحرا أو يغلب عليه الرمال فأما في موضع لا يؤمن عليه ذلك فلا يحوزكما في المنقول ذكره المحبوبي وفي الاختيار حتى لو كان على شط البحر أو كان المبيع علوا لا يجوز بيعه قبل القبض
____________________
(6/513)
والحديث الذي استدل به معلول به أي بغرر الانفساخ والدليل عليه أن التصرف الذي لا يمتنع بالغرر نافذ في المبيع قبل القبض وهو العتق والتزوج عليه وبه ظهر فساد قولهم إن تأكد الملك بتأكد السبب وذلك بالقبض لأن العتق في استدعاء ملك تام فوق البيع ويجوز في المبيع قبل القبض العتق وأما قلنا التزوج لا يبطل بالغرر لأنه لو هلك المهر المعين لزم الزوج قيمته ولم ينفسخ النكاح وأورد أنه تعليل في مقابلة النص فإنه تخصيص عمومه فيؤدي إلى تقديم القياس والمعنى على النص وهو ممنوع الجواب أنه خص منه اشياء منها جواز التصرف في الثمن قبل قبضه وكذا المهر يجوز لها بيعه وهبته وكذا الزوج في بدل الخلع وكذا رب الدين في الدين إذا ملكه غيره وسلطه على قبضه جاز وكذا أخذ الشفيع قبل قبض المشتري ولا شك أن تملكه حينئذ شراء قبل القبض
____________________
(6/514)
فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل التمليك ببدل لم يثبت للشفيع حتى حق الأخذ قبل القبض وهذا يخرج إلى الاستدلال بدلالة الإجماع على جواز بيع العقار قبل القبض وأما الإلحاق بالإجاره ففي منع الإجاره قبل القبض منع فإنه قيل أنه على هذا الخلاف والصحيح كما قال في الفوائد الظهيرية إن الإجارة أن الإجارة قبل القبض لا تجوز بلا خلاف إلا أن المنافع بمنزلة المنقول والإجاره تمليك المنافع فيمتنع جوازها قبل القبض وفي الكافي وعليه الفتوى وإذا عرف من الجواب أن التصرف في الثمن قبل القبض يجوز وفي المبيع لا يجوز كان تتميمه بأن يذكر هنا ما يميز المبيع عن الثمن وأن كان قد سلف فالدراهم والدنانير اثمان ابدا وذوات القيم مبيعة أبدا والمثليات من المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربه إذا قوبلت بالنقد مبيعة أو بالأعيان وهي معينه ثمن أو غير معينه فمبيعه كمن قال اشتريت كرا من الحنطة بهذا العبد فلا يصح إلا بشرائط السلم وقيل المثليات أذا لم تكن معينه وقوبلت بغيرها ثمن مطلقا ولو دخل عليها الباء اذا عرف هذا فالأثمان يجوز التصرف فيها قبل القبض استبدالا في غير الصرف والسلم واختلف في القرض والأصح جوازه والمبيعات تقدم حالها عند ذكرنا الإلحاق ولو باع عبدا وسلمه ثم اقال فبيعه من المشتري قبل القبض يجوز ومن الأجنبي لا يجوز وللشافعي قولان والأصل أن البيع متى انفسخ بسبب هو فسخ من كل وجه في حق كافه الناس فبيعه قبل القبض جائز من كل أحد و هو ما فسخ في حق العاقدين بيع في حق ثالث يجوز من المشتري كالأجنبي قوله ومن اشترى مكيلا مكايله او موزونا موازنه أي اشتراه على كذا كيلا أو رطلا فاكتاله أو اتزنه لنفسه ثم باعه مكايله أو موازنه في الموزون لم يجز للمشري منه أن يبيعه حتى يعيد الكيل والوزن لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري روي من حديث جابر هكذا لكن بلفظ الصاعان معرفا اسنده عنه ابن ماجه وأسحاق وابن ابي شيبه وأعل بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وبلفظه من حديث ابي هريره وزاد فيه
____________________
(6/515)
فيكون لصاحبه الزيادة وعليه النقصان رواه البزار حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثنا مسلم الجرمي حدثنا مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وقال لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه وله طريقان أخريان عن أنس وابن عباس ضعيفان وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير أن عثمان بن عفان رضى الله عنه وحكيم بن حزام كانا يبتاعان التمر ويجعلانه في غرائر ثم يبيعانه بذلك الكيل فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعاه حتى يكيلا عن اتباعه منهما فهذا الحديث حجة لكثرة تعدد طرقه وقبول الأئمة فإنه قد قال بقولنا هذا مالك والشافعي واحمد رضى الله عنهم وحين علله الفقهاء بجعله من تمام القبض إذ بالكيل يتميز حقه عن حق البائع إذ عسى أن يكون أنقص أو أزيد فيضيع ماله عند البائع أو مال البائع عنده فألحقوا بمنع البيع منع الأكل قبل الكيل والوزن وكل تصرف يبنى على الملك كالهبة والوصية وما أشبههما وألحقوا بالمكيل الموزون وينبغي إلحاق المعدود الذي لا يتفاوت كالجوز والبيض إذا اشتراى معاددة وبه قال أبو حنيفة في أظهر الروايتين عنه فأفسد البيع قبل العد ثانيا لاتحاد الجامع وهو وجوب تعرف المقدار وزوال احتمال اختلاط المالين فإن الزيادة فيه للبائع خلافا لما روى عنهما من جواز البيع الثاني قبل العد ولما كان في المذروعات الزيادة عند الحنفية للمشتري لم يلحقوها فلو اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع جاز أن يبيعه قبل الذرع لأنه لو زاد كان للمشتري ولو نقص كان له الخيار فإذا باعه بلا ذرع كان مسقطا خياره على تقدير النقص وله ذلك ولما كان النهى عن بيع الطعام اقتصر على ما إذا كان المكيل أو الموزون مبيعا فلو كان ثمنا بأن اشترى بهذا البر على أنه كر فقبضه جاز تصرفه فيه قبل الكيل والوزن لأن التصرف في الثمن قبل قبضه جائز فأولى أن يجوز التصرف فيه قيل ما هو من تمام قبضه ثم لا يخفى أن ظاهر النص منع بيع الطعام إلا مكايلة فيقتضي منع بيعه مجازفة ولا نعلم خلافا في أن ظاهره متروك وانه محمول على ما إذا وقع البيع مكايلة أما إذا اشتراه مجازفة بيع صبرة فله أن يتصرف فيه قبل الكيل والوزن لأن كل المشار إليه له فلا يتصور اختلاط الملكين وقول المصنف فيه لأن الزيادة له قيل معناه الزيادة على ما كان يظنه بأن ابتاع صبرة على ظن أنها عشرة فظهرت خمسة عشر وتكلف
____________________
(6/516)
غيره وكذا ما يفيد ظاهره من التزام جريان الصاعين محمول على ما إذا اشتراه البائع مكايلة وباعه كذلك أما إذا اشتراه مجازفة فإنما يحتاج إذا باعه مكايلة إلى كيل واحد للمشتري وقول الراوي حتى يجري فيه صاعان صاع البائع معناه صاع البائع لنفسه وهو محمول على ما إذا كان البائع اشتراه مكايلة أما لو كان ملكه بالإرث أو الزراعة أو اشترى مجازفة أو استقرض حنطة على أنها كر ثم باعها فالحاجة إلى صاع واحد وهو صاع هذا المشتري وإن كان الاستقراض تمليكا بعوض كالشراء لكنه شراء صورة عارية حكما لأن ما يرده عين المقبوض حكما ولهذا لم يجب قبض بدله في مال الصرف فكان تمليكا بلا عوض حكما ولو اشتراها مكايلة ثم باعها مجازفة قبل الكيل وبعد القبض في ظاهر الرواية لا يجوز لاحتمال اختلاط ملك البائع بملك بائعه وفي نوادر ابن سماعة يجوز وإذا عرف أن سبب النهي أمر يرجع إلى المبيع كان البيع فاسدا ونص على الفساد في الجامع الصغير ونص على أنه لو أكله وقد قبضه بلا كيل لا يقال إنه أكل حراما لأنه أكل ملك نفسه إلا أنه آثم لتركه ما أمر به من الكيل فكان هذا الكلام أصلا في سائر المبيعات بيعا فاسدا إذا قبضها فملكها ثم أكلها وتقدم أنه لا يحل أكل ما اشتراه شراء فاسدا وهذا يبين أن ليس كل وما لا يحل أكله إذا أكله أن يقال فيه أكل حراما قوله ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع من المشتري الثاني وإن كان كاله لنفسه بحضرة المشتري عن شرائه هو لأنه ليس صاع البائع والمشتري وهو الشرط بالنص ولا بكيله بعد البيع الثاني بغيبة المشتري وغيبة وكيله في القبض لأن التسليم إلى الغائب لا يتحقق وهذا الكيل المأمور به لتسليم المقدار الواجب وإن كاله أو وزنه بعد العقد بحضرة المشتري مرة فيه اختلاف المشايخ قال عامتهم كفاه ذلك حتى يحل للمشتري التصرف فيه قبل كيله ووزنه
____________________
(6/517)
إذا قبضه وعند البعض لا بد من الكيل أو الوزن مرتين احتجاجا بظاهر الحديث والصحيح قوله العامة لأن الغرض من الكيل والوزن صيرورة المبيع معلوما وقد حصل بذلك الكيل واتصل به القبض ومحمل ظاهر الحديث إذا وجد عقدان بشرط الكيل بأن يشتري المسلم إليه من رجل كرا لأجل رب السلم أمر رب السلم بقبضه اقتضاء عن سلمه فإن في ذلك يشترط صاعان صاع للمسلم إليه وصاع لرب السلم فيكيله للمسلم إليه ثم يكيله لنفسه بخلاف كيله بغيبته لانتفاء التسليم من الغائب فيثبت احتمال الاختلاط فلا يجوز ويصرح بنفيه ما في الجامع في بيع قفيز من صبرة إذا كان البائع قفيزا منها بغير حضرة المشتري فهلك أن البيع قائم في قفير مما بقي ولا يقع به الإفراز ومن هنا ينشأ فرع وهو ما لو كيل الطعام بحضرة رجل ثم اشتراه في المجلس ثم باعه مكايلة قبل أن يكتاله بعد شرائه لا يجوز هذا البيع سواء اكتاله للمشتري منه أو لا لأنه لما لم يكتل بعد شرائه هو لم يكن قابضا فبيعه بيع ما لم يقبض فلا يجوز قوله والتصرف في الثمن قبل القبض جائز بالبيع والهبة والإجاره والوصية سواء كان مما يتعين أو لا يتعين عندنا سوا بدل الصرف والسلم لأن الملك مطلق وكان القياس ذلك أيضا في المبيع إلا أنه
____________________
(6/518)
منع بالنص لغرر الانفساخ وليس في الثمن ذلك لأنه إذا هلك الثمن المعين لا ينفسخ البيع وتلزمه قيمته وسائر الديون كالثمن لعدم الغرر بعدم الانفساخ بالهلاك كالمهر والأجرة وضمان المتلفات وغيرها واشتثناء السلم لأن للمقبوض حكم عين المبيع والاستبدال بالمبيع قبل القبض لا يجوز وكذا في الصرف وأيده السمع وهو ما في السنن الأربعة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يدخل حجرته فأخذت بثوبه فسألته فقال إذا أخذت واحد منها بالآخر فلا يفارقك وبينك وبينه بيع فإن هذا بيع الثمن الذي في الذمة قبل قبضه بالنقد المخالف له وقد صححه الحاكم والدراقطني وقول الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك لا يضره وإن كان شعبة قال حدثني قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر لم يرفعه وحدثني داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عمر لم يرفعه وحدثني فلان أراه أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر لم يرفعه ورفعه سماك وأنا أهابه لأن المختار في تعارض الرفع والوقف تقديم الرفع لأنه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ولأن الظاهر من حال ابن عمر وشدة اتباعه للأثر انه لم يكن يقتضي احد النقدين عن الآخر مستمرا من غير أن يكون عرفه عنه صلى الله عليه وسلم وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفارقه وبينهما بيع معناه دين من ذلك البيع لأنه صرف فمنع النسيئة فيه وأما الميراث فالصرف فيه جائز قبل القبض لأن الوارث يخلف المورث في الملك وكان للميت ذلك التصرف فكذا للوارث وكذا الموصي له لأن الوصية أخت الميراث قوله ويجوز للمشتري أن يزيد للبائع في الثمن ويجوز للبائع أن يزيد للمشتري في المبيع ويجوز أن يحط من الثمن وسنذكر شرط كل منهما ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك من المزيد عليه والزيادة حتى كان للبائع حبس المبيع إلى أن يستوفي الزيادة إذا كان الثمن حالا وليس للمشتري أن يمنع الزيادة ولا مطالبة البائع بتسليم المبيع قبل أعطائها ولو سلمها ثم استحق المبيع رجع بها من اصل الثمن وفي صورة الحط للمشتري مطالبة البائع بتسليم المبيع إذا سلم الباقي بعد الحط وعند زفر والشافعي رحمهما الله لا يصحان أي الزيادة والحط على اعتبار الالتحاق بأصل العقد بل الزيادة بر مبتدأ
____________________
(6/519)
من البائع والمشتري والحط إبراء من بعض الثمن متى رده يرتد وجه قولهما أن المبيع دخل في ملك المشتري بالقدر الأول فلو التحق بالعقد صار ملكه وهو ما زاده بدلا عن ملكه وهو المبيع وكذا الثمن دخل في ملك البائع فلو جازت الزيادة في المبيع كان المزيد عوضا عن ملكه أعنى الثمن قلنا إنما يكون ما ذكرتم لو التحقا بالعقد مع عدم تغييره لكنا إنما قلنا إنهما بالزيادة والحط غيرا العقد عن وجهه الأول وهو كونه بذلك المقدار إلى كونه
____________________
(6/520)
بهذا المقدار ورأينا الشرع أثبت لهما ولايه تحويل العقد من صفة إلى صفة ومن وجوده بعد تحققه في الوجود إلى أعدامه بلا سبب سوى اختيارهما أما الأول فتحويله من عدم اللزوم إلى اللزوم بإسقاط الخيار وعكسه بإلحاق الخيار وكذا من كونه حالا إلى مؤجل بإلحاق الأجل كما سنذكره في تأجيل الثمن الحال عندنا وأما الثاني فبالإقالة وهي تعيده إلى قديم الملك فأولى أن يثبت لهما تغييره من وصف كونه رابحا إلى خاسر أو خاسرا إلى رابح وإلى كونه عدلا وثبت صحة الحط شرعا في المهر بقوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فبين أنهما إذا تراضيا بعد تقدير المهر على حط بعضه أو زيادته جاز وإذا ثبت تصحيح ذلك لزم الالتحاق بأصل العقد ضرورة إذتغييره يوجب كونه عقدا بهذا القدر فبالضرورة يلتحق ذلك به إذ وصف الشىء يقوم به بخلاف ما لو حط الكل لأنه تبديل لأصله إذ يصير البدل الآخر هبة فيخرج عن كونه عقد معاوضة إلى عقد التبرع فلا يلحق به وإذا ثبت الالتحاق انتفى قولهم الزيادة عوض عن ملكه إلى آخر ما ذكرا ويظهر حكم الالتحاق في التولية والمرابحة فتجوز المرابحة على الكل من الأصل والزائد ويجب أن يرابح على المبيع الأول وما زاده البائع مبيعا لا الأول فقط وكذا التولية ويباشر العقد في المرابحة والتولية على الباقي بعد الحط وكذا في الشفعة حتى يأخذها الشفيع بالباقي فقط فإن قيل لو التحقا لزم أن يأخذها الشفيع في صورة الزيادة بالمجموع من الأصل والزائد وهو منتف بل لا يأخذ إلا بدون الزيادة أو يقال فلم فرقتم بين الحط والزيادة بالنسبة إلى الشفيع اجاب بقوله وإنما كان للشفيع أن يأخذها في صورة الزيادة بدون الزيادة لما في الزيادة
____________________
(6/521)
من إبطال حقه الثابت قبلها فإن بمجرد العقد الأول تعلق حقه باخذها بما وقع عليه التراضي الأول وعقد به والزيادة بعد ذلك في الثمن تصرف حادث منهما يبطل حقه فلا ينقذ تصرفهما ذلك عليه ثم شرع يذكر شرط الزيادة والحط فقال ثم الزيادة إلى آخره يعني أن شرطها قيام المبيع في ظاهر الرواية فلو هلك حقيقة بأن مات العبد أو الدابة أو حكما بأن أعتقه أو دبره أو كاتبه أو استولدها أو باع أو وهب وسلم أو آجر أو رهن ثم باعه من المستاجر والمرتهن أو طبخ اللحم أو طحن الحنطة أو نسج الغزل أو تخمر العصير أو أسلم مشتري الخمر ذميا لا تصح الزيادة لفوات محل العقد إذ العقد لم يرد على المطحون والمنسوج ولهذا يصير الغاصب احق بها إذا فعل في المغصوب ذلك وكذا الزيادة في المهر شرطها بقاء الزوجية فلو زاد بعد موتها لا تصح بخلاف ما لو ذبح الشاة المبيعة ثم زاد حيث تثبت الزيادة وكذا إذا أجر أو رهن أو خاط الثوب أو اتخذ الحديد سيفا أو قطع يد المبيع فأخذ المشتري أرشه حيث تثبت في كل هذه وإنما لم تثبت اولا في الحال ثم يستند وثبوته متعذر لانتفاء المحل فتعذر استناده فلا يثبت كالبيع الموقوف لا ينبرم بالإجازة إذا كان المبيع هالكا وقتها قوله على ظاهر الرواية احتراز عما روى الحسن في غير رواية الأصول عن أبي حنيفة أن الزيادة تصح بعد هلاك المبيع كما يصح الحط بعد هلاكه وفي المبسوط وكذا إذا كانت الزيادة من الأجنبي وضمنها لأنه التزمها عوضا وهذا الالتزام صحيح منه وان لم يملك شيئا بمقابلته كما لو خالع امرأته مع أجنبي أو صالح مع الأجنبي من الدين على مال وضمنه صح وإن لم يملك الأجنبي شيئا بمقابلته هذا في زيادة الثمن فأما الزيادة في المبيع ففي جمع التفاريق تجوز الزيادة في المبيع بعد هلاك المبيع وهكذا ذكر في المنتقى وتكون لها حصة من الثمن حتى لو هلكت قبل القبض سقطت حصتها من الثمن بخلاف الحط فإنه يصح بعد هلاك المبيع لأن المبيع بعد الهلاك بحيث يمكن حط البدل أي الثمن عما يقابله وحاصله إخراج القدر المحطوط عن أن يكون ثمنا فإنما يشترط فيه قيام الثمن دون المبيع والثمن باق فيثبت الحط ملتحقا باصل العقد إلا ترى انه يصح الحط بسبب العيب بعد الهلاك فإنه يرجع بالنقصان وبه يكون الثمن ما سوى ما رجع به فإسقاط عوض المعدوم يصح والاعتياض عنه لا يصح قوله ومن باع بثمن حال ثم اجله أجلا معلوما صار مؤجلا وهو قول مالك خلافا للشافعي وكذا قوله في كل دين حال لا يصير مؤجلا بالتأجيل وهو قول زفر لأنه بعد أن كان حالا ليس إلا وعدا بالتأخير قلنا الثمن حقه فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه وهذا لا يستلزم الدعوى وهو لزوم الأجل بالتأجيل فإنه يقول لا شك أن له أن يؤخر إنما
____________________
(6/522)
الكلام في أنه يلزم التأخير شرعا إذا أخر وقوله إلا ترى إلى آخر يستدل به مستقلا في المطلوب وهو أن الشرع أثبت عند إسقاطه السقوط والتأجيل إلتزام الإسقاط إلى وقت معين فيثبت شرعا السقوط إلى ذلك الوقت 2 كما ثبت شرعا سقوطه مطلقا بإسقاطه مطلقا ولو أجله إلى أجل مجهول و أن كانت الجهالة متفاحشة كهبوب الريح ومجىء المطر لا يجوز ولا يجوز التأجيل به ابتداء وإن كانت يسيرة كالحصاد والدياس يجوز ويلزم كما إذا كفل إليها وقد ذكرناه من قبل يعني في آخر باب البيع الفاسد لأن الأجل المجهول لم يشترط في عقد البيع ليفسد به بل فيما هو دين وكل دين إذا أجله صاحبه صار مؤجلا لما ذكرنا إلا القرض فإن تأجيله لا يصح ولو شرط الأجل في ابتداء القرض صح القرض وبطل الأجل وعند مالك يصح أيضا لأن القرض صار في ذمته كسائر الديون ولو مات المقرض فأجل ورثته صرح قاضيخان بأنه لا يصح كما لو أجل المقرض وقول صاحب المبسوط ينبغي أن يصح على قول البعض لا يعارضه ولا يفيد ما يعتمد عليه ولا فرق بين أن يؤجل بعد استهلاك القرض أو قبله وهو الصحيح وليس من تأجيل القرض تأجيل بدل الدراهم والدنانير المستهلكة إذ باستهلاكها لا تصير قرضا والحيلة في لزوم تأجيل القرض أن يحيل المستقرض المقرض على آخر بدينه فيؤجل المقرض ذلك الرجل المحال عليه فيلزمه حينئذ وجه المسئلة أن القرض تبرع لأنه صلة في الابتداء وإعارة حتى يصح القرض بلفظ أعرتك هذه الألف بدل أقرضتك ونحوه لهذا لا يملكه من لا يملك الصلات والتبرعات كالوصي والصبي والعبد والمكاتب ومعاوضة في الانتهاء لأنه أعطاه ليأخذ بدله بعد ذلك ولهذا يلزم رد مثله بعد ذلك واخذ مثله فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل كما لا يلزم تأجيل الإعارة فإنه لو أعاره المتاع إلى شهر كان له أن يسترده
____________________
(6/523)
في الحال إذ لا تأجيل في التبرع وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح أيضا لأنه يصير بهذه المعاوضة بيع دراهم بمثلها نسيئة وهو ربا ولأنه لو لزم كان التبرع ملزما على المتبرع شيئا كالكف عن المطالبة فيما نحن فيه وهو ينافي موضوع التبرعات قال تعالى { ما على المحسنين من سبيل } نفى السبيل عنهم على وجه نصوصية الاستغراق فلو لزم تحقق سبيل عليه ثم للمثل المردود حكم العين كأنه رد العين ولولا هذا الاعتبار كان تمليك دراهم بدراهم بلا قبض في المجلس فلزم اعتبارها شرعا فإذا جعلت كالعين فالتأجيل في الأعيان لا يصح بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف لفلان إلى سنة حيث يلزم ذلك من ثلثه لأنه وصية بالتبرع فليلزم كما تلزم الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنه مع أنه أعار عبده أو داره سنة مع أنه لو أعار عبده أو داره سنة كان له أن يسترده في الحال وهذا لأن باب الوصية أوسع من سائر التصرفات إلا ترى أنه لو أوصى بثمرة بستانه جاز وإن كانت الثمرة معدومة في الحال رعاية لحق الموصي ونظرا له فضلا من الله ورحمة وللرحمة عليه أجازها الشرع وكان القياس أن لا تصح لأنها تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته والله تعالى أعلم
____________________
(6/524)
& باب الربا
هو من البيوع المنهية قطعا بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا } بسبب زيادة فيه فمناسبته بالمرابحة أن في كل منهما زيادة إلا أن تلك حلال وهذه منهية والحل هو الأصل في الأشياء فقدم ما يتعلق بتلك الزيادة على ما يتعلق بهذه والربا بكسر الراء المهملة وفتحها خطأ قوله الربا في كل مكيل أو موزون بيع بجنسه وفي عدة من النسخ الربا محرم في كل مكيل إلى آخره وفي كثير منها زيادة متفاضلا الربا يقال لنفس الزائد ومنه ظاهر قوله
____________________
(7/3)
تعالى { لا تأكلوا الربا } أي الزائد في القرض والسلف على المدفوع والزائد في بيع الأموال الربوية عند بيع بعضها بجنسه وسنذكر تفصيلها ويقال لنفس الزيادة أعني بالمعنى المصدري ومنه { وأحل الله البيع وحرم الربا } أي حرم أن يزاد في القرض والسلف على القدر المدفوع وأن يزاد في بيع تلك الأموال بجنسها قدرا ليس مثله في الآخر لأنه حينئذ فعل والحكم يتعلق به ولا شك أن في قوله الربا في كل مكيل الأول بغير لفظ محرم لا يراد كل منهما لأنه كذب على إسقاط لفظ متفاضلا أو لا فائدة فيه بتقدير إثباتها فكان المراد حكم الربا وهو الحرمة أما على استعمال الربا في حرمته فيكون لفظ الربا مجازا أو على حذفه وإرادته فيكون من مجاز الحذف والربا مراد به الزيادة مبتدأ والمجرور خبره أي حرمة الزيادة ثابتة في كل مكيل ثم قوله فالعلة الكيل مع الجنس أو الوزن مع الجنس مرتبا بالفاء لما عرف أن الحكم المرتب على مشتق يوجب كون مبدإ الاشتقاق علته ولما رتب الحكم على المكيل والموزون مع الجنس تفرع عليه أن العلة الكيل مع الجنس وقد يقال بدل الكيل والوزن القدر وهو أشمل وأخصر لكنه يشمل ما ليس بصحيح إذ يشمل العد والذرع وليسا من أموال الربا أي علة تحريم الزيادة كونه مكيلا مع اتحاد البدلين في الجنس فهي علة مركبة والأصل فيه الحديث المشهور
____________________
(7/4)
أخرج الستة إلا البخاري عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح بمثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء وزاد بعد قوله يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى وأخرج مسلم أيضا من حديث ابي سعيد مثله وزاد بعد قوله فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه وليس فيه ذكر الذهب والفضة والتقدير في هذه الروايات بيعوا مثلا بمثل وأما رواية مثلا بالرفع ففي رواية محمد بن الحسن حدثنا أبو حنيفة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد والفضل ربا والفضة بالفضة مثل بمثل يد بيد والفضل ربا وهكذا قال إلى آخر الستة وكذا ما روى محمد في كتاب الصرف بإسناده إلى عبادة بن الصامت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد هكذا إلى آخر الأشياء الستة وذكر التمر بعد الملح آخرا وفي رواية أبي داود عن عبادة بن الصامت الذهب بالذهب تبره وعينه والفضة بالفضة تبرها وعينها إلى أن قال ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا انتهى ومعلوم أن الجواز في بيع الذهب بالفضة والبر بالشعير لا يقتصر على زيادة الفضة والشعير بل لو كان الزائد الذهب والبر جاز ولكن ذلك محمول على ما هو المعتاد من تفضيل الذهب على الفضة والبر على الشعير قوله والحكم يعني حرمة الربا أو وجوب التسوية معلول بإجماع القائسين أي القائلين بوجوب القياس عند شرطه بخلاف الظاهرية وكذا عثمان البتي فإن عندهم حكم الربا مقتصر على الأشياء الستة المنصوصة المتقدم ذكرها أما الظاهرية فلأنهم ينفون القياس وأما عثمان البتي فلأنه يشترط في القياس أن يقوم دليل في كل أصل أنه معلول ولم يظهر له هنا ولأنه يبطل العدد ولا يجوز كما في قوله خمس من الفواسق قلنا تعليق الحكم بالمشتق كالطعام في قوله لا تبيعوا الصاع بالصاعين كما سيأتي عند الشافعي دليل وسنقيم عليه الدليل وأما إبطال العدد فهو بناء على اعتبار مفهوم المخالفة وهو ممنوع ولو سلم فالقياس مقدم عليه باتفاق القائلين به والإبطال الممنوع هو الإبطال بالنقص أما بالزيادة بالعلة فلا وتخصيص هذه الستة بالذكر لأن عامة المعاملات الكائنة يومئذ بين المسلمين كان فيها وممن نقل عنه قصر حكم الربا على الستة ابن عقيل من الحنابلة وهو أيضا مأثور عن قتادة وطاوس قيل فانخرم قوله بإجماع القائسين قوله لكن العلة عندنا ما ذكرناه يعني القدر والجنس فعند اجتماعهما يحرم التفاضل والنساء وبأحدهما مفردا يحرم النساء ويحل التفاضل كما سيأتي وعند الشافعي الطعم في المطعومات والثمنية في الأثمان والجنسية شرط والمساواة مخلص من الحرمة وهي أعني الحرمة الأصل وعند مالك العلة
____________________
(7/5)
الاقتيات والادخار فكل ما يقتات ويدخر فهو ربا ومالا فلا لأنه صلى الله عليه وسلم خص البر وما ذكر معه ليفيد بكل معنى ظاهرا فيه فنبه بالبر على مقتات تعم الحاجة إليه وتقوم الأبدان به والشعير يشاركه فيه مع كونه علفا وقوتا لبعض الناس عند الاضطرار فيلحق به الذرة ونحوها ونبه بالتمر على كل حلاوة تدخر غالبا كالعسل والسكر والزبيب وبالملح على أن ما أصلح المقتات من المأكولات فهو في حكمها فيلحق الأبازير وما في معناها والذهب والفضة معللان بعلة قاصرة عندهم وهي كونهما قيم الأشياء وأصول الأثمان وقال الشافعي في القديم العلة الطعم مع الكيل أو الوزن وفي الجديد هي الطعم فقط في الأربعة والثمنية في النقدين ومنهم من يجعلها عينهما والتعدي إلى الفلوس الرائجة وجه والصحيح أنه لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالبة وهو قول أحمد في رواية والجنسية شرط عمل العلة وعن هذا لم يجعل الجنس بانفراده يحرم نساء وعلى الجديد يحرم الربا في الماء وجه قوله صلى الله عليه وسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل رواه مسلم والطعام مشتق من الطعم فكان مبدأ الاشتقاق علة وروي لا تبعيوا الطعام إلى آخره فأفاد أن الحرمة أصل والمساواة مخلص منها إذ لو اقتصر على قوله لا تبيعوا لم يجز بيع أحدهما بالآخر مطلقا فما لم تثبت المساواة كانت الحرمة ثابتة لأنها هي الأصل فامتنع بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين والتمرة بالتمرتين والجوزة بالجوزتين والبيضة بالبيضتين والتعليل بالقدر يقتضي تخصيص هذا النص إذ يجوز الحفنة بالحفنتين وهذا طريق يفيد أنها علة منصوصة ولو أخذنا في استنباط علته أدانا الى هذه العلة أيضا ووجهه أنه نص على شرطي التقابض والتماثل وهذا الاشتراط يشعر بالعزة والخطر كاشتراط الشهادة في النكاح فوجب تعليله بعلة توجب العزة والخطر وفي الطعم ذلك لتعلق بقاء النفوس به والثمنية التي بها يتوصل الى تحصيل العروض التي بها حصول المقاصد الأصلية من بقاء النفس وغيرها من حصول الشهوات ولا أثر للجنسية والقدر في ذلك أي في إظهار العزة والخطر فجعلناه شرطا والحكم قد يدور مع الشرط كالرجم مع الإحصان ولنا أنه أي النص المشهور أوجب التماثل شرطا للبيع وإيجاب المماثلة هو المقصود بسوق الحديث إذ لا بد فيه من إضمار لفظ بيعوا حيث انتصب مثلا أي بيعوا هذه الأشياء مثلا بمثل
____________________
(7/6)
وبهذا تبين أن الإباحة في بيع الأموال الربوية بعضها ببعض هي الأصل وقوله لا تبيعوا الطعام الحديث إنما ينصرف النهي إلى ما بعد إلا نحو ما جاء زيد إلا راكبا وحاصله الأمر بالتسوية عند بيعها ولا شك أن في إيجاب المماثلة تحقيقا لمعنى البيع المنبئ عن التقابل إذ كان عقد معاوضة فاستدعى شيئين كما أن المماثلة تستدعي شيئين وكذا تحقيق معناه بالتماثل فإن كلا منهما مساو للآخر في كونه مستدعى العقد فسوى بينهما في المماثلة عند اتحاد الجنس في القدر ليتم معنى البيع أو أوجب المماثلة صيانة لأموال الناس عن التوى فإنه إذا قوبل بجنسه قابل كل جزء كل جزء فإذا كان فضل في أحدهما صار ذلك الفضل تاويا على مالكه فلقصد صيانة أموال الناس عن التوى أوجب المماثلة بخلاف ما إذا قوبل المال بغير جنسه فإنه لا يتحقق فيه جزء لم يقابل بجزء من الآخر فلا يتحقق التوى إلا عند المقابلة بالجنس مع تحقق الفضل في إحدى الجهتين ثم من تتميم التماثل المساواة في التقابض فإن للحال مزية على المؤخر فإيجاب التقابض أيضا لذلك وبه ظهر قصد المبالغة في الصيانة عن التفاوت حفظا عليهم أموالهم والمماثلة بين الشيئين تمامها باعتبار الصورة والمعنى والمعيار يسوي الذات أي الصورة والجنسية تسوي المعنى
____________________
(7/7)
فيظهر بذلك الفضل فيتحقق الربا لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه أي في العقد وعلمت أن الخلو في المعاوضة لا يتحقق إلا عند المقابلة بالجنس فلزم ما قلنا من الكيل أو الوزن مع الجنس ولم يعتبر في إثبات المماثلة عدم تفاوت الوصف إما لأنه لا يعد تفاوتا عرفا وفيه نظر أو لأن في اعتباره سد باب البياعات وهو الوجه لأنه قلما يخلو عوضان من جنس عن تفاوت ما فلم يعتبر وقوله صلى الله عليه وسلم جيدها ورديئها سواء إن صح يفيده وإلا فهو مفاد من حديث بيع التمر بالجنيب والإجماع عليه وعلة إهداره ما ذكرنا وعند تأمل هذا الكلام يتبادر أن المتناظرين لم يتواردا على محل واحد فإن الشافعي وكذا مالك عينوا العلة بمعنى الباعث على شرع الحكم وهؤلاء عينوا العلة بمعنى المعرف للحكم فإن الكيل يعرف المماثلة فيعرف الجواز وعدمها فيعرف الحرمة فالوجه أن يتحد المحل وذلك بجعلها الطعم والأقتيات إلى آخر ما ذكروا عندهم وعندنا هي قصد صيانة أموال الناس وحفظها عليهم وظهور هذا القصد من إيجاب المماثلة في المقدار والتقابض أظهر من أن يخفى على من له أدنى لب فضلا عن فقيه وأما الطعم فربما يكون التعليل به من فساد الوضع لأن الطعم مما تشتد الحاجة إليه اشتدادا تاما والسبيل في مثل ذلك الإطلاق بأبلغ الوجوه دون التضييق فإن السنة الإلهية جرت في حق جنس الإنسان أن ما كانت الحاجة إليه أكثر كان إطلاق الشرع فيه أوسع كالماء والكلإ للدواب فإن قال دل الترتيب على المشتق عليه قلنا ذلك بشرط كونه صالحا مناسبا للحكم على أنا نمنع
____________________
(7/8)
أن الطعام مشتق بل هو اسم لبعض الأعيان الخاصة وهو البر والشعير لا يعرف المخاطبون بهذا الخطاب غيره بل التمر وهو غالب مأكولهم لا يسمونه طعاما ولا يفهمونه من لفظ الطعام ألا ترى أن مالكا فيما قدمنا أجاز التصرف في كل مبيع قبل القبض سوى الطعام قال لأنه صلى الله عليه وسلم خصه بالذكر ولم يرد كل ما يؤكل أو يشرب من البقل والماء والطين الأرمني وهو صحيح لولا دليل آخر عمه وإلحاقه بالبضع فيه خلل لأن البضع مصون شرعا وعرفا وعادة عن الابتذال والإباحة فكان الاشتراط من تحقيق غرض الصيانة بخلاف باقي الأموال فإن أصلها الإباحة ويوجد كثير منها مباحا حتى الذهب والفضة وإنما لزم فيها العقد بعد تعلق حق إنسان به دفعا لمفسدة التغالب فوضعها على ضد وضع البضع من الابتذال والامتهان دفعا للحوائج الأصلية فإلحاقها به غير صحيح إلا أنهم لما حصروا المعرف في الكيل والوزن أجازوا بيع مالا يدخل تحت الكيل مجازفة فأجازوا بيع التفاحة بالتفاحتين والحفنة من البر بحفنتين لعدم وجود المعيار المعرف للمساواة فلم يتحقق الفضل ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف لا بالمثل وهذا في غير الجوز من العددي المتقارب أما فيه فكلام فخر الإسلام أن الجوزة مثل الجوزة في ضمان العدوان وكذا التمرة بالتمرة لا في حكم الربا لأن الجوزة ليست مثلا للجوزة لعدم دليل المماثلة ولوجود التفاوت إلا أن الناس أهدروا التفاوت فقبل في حقهم وهو ضمان العدوان فأما في حق الشرع وهو وجوب التسوية فلا ومن فروع ضمان ما دون نصف صاع بالقيمة أنه لو غصب حفنة فعفنت عنده ضمن قيمتها فإن أبى إلا أن يأخذ عينها أخذها ولا شيء له في مقابلة الفساد الذي حصل لها وعند الشافعي لما كانت الطعم حرم الحفنة والتفاحة بثنتين وقالوا ما دون نصف صاع في حكم الحفنة لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه فعرف أنه لو وضعت مكاييل أصغر من نصف الصاع لا يعتبر التفاضل بها وهذا إذا لم يبلغ أحد البدلين نصف صاع فإن بلغ أحدهما نصف صاع لم يجز حتى لا يجوز بيع نصف صاع فصاعدا بحفنة وفي جمع التفاريق قيل لا رواية في الحفنة بقفيز واللب بالجوز والصحيح ثبوت الربا ولا يسكن الخاطر إلى هذا بل يجب بعد التعليل بالقصد إلى صيانة أموال الناس تحريم التفاحة بالتفاحتين والحفنة بالحفنتين أما إن كانت مكاييل أصغر منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح وثمن القدح المصري فلا شك وكون الشرع لم يقدر بعض
____________________
(7/9)
المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يستلزم إهدار التفاوت المتيقن بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره ولقد أعجب غاية العجب من كلامهم هذا وروى المعلى عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين وقال كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام ويتفرع على الخلاف مالو تبايعا مكيلا أو موزونا غير مطعوم بجنسه متفاضلا كالجص والحديد لا يجوز عندنا لوجود القدر والجنس مع التفاضل على ما قررناه للصيانة وعنده يجوز لعدم الطعم والثمنية هذا ولكن يلزم على التعليل بالصيانة أن لا يجوز بيع عبد بعبدين وبعير ببعيرين وجوازه مجمع عليه إذا كان حالا فإن قيل الصيانة حكمة فتناط بالمعرف لها وهو الكيل والوزن قلنا إنما يجب ذلك عند خفاء الحكمة وعدم انضباطها وصون المال ظاهر منضبط فإن المماثلة وعدمها محسوس وبذلك تعلم الصيانة وعدمها غير أن المذهب ضبط هذه الحكمة بالكيل والوزن تفاديا عن نقضه بالعبد بعبدين وثوب هروي بهرويين وفي الأسرار ما دون الحبة من الذهب والفضة لا قيمة له قوله وإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه وهو القدر حل التفاضل والنساء كبيع الحنطة بالدراهم أو الثوب الهروي بمرويين إلى أجل والجوز بالبيض إلى أجل لعدم العلة المحرمة وعدم العلة وإن كان لا يوجب عدم الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من عدمها العدم لا بمعنى أنها تؤثر العدم بل لا يثبت الوجود لعدم علة الوجود فيبقى عدم الحكم وهو الحرمة فيما نحن فيه على عدمه الأصلي وإذا عدم سبب الحرمة والأصل في البيع مطلقا الإباحة إلا ما أخرجه دليل من أصنافه كان الثابت الحل وإذا وجدا أي الجنس والمعنى المضموم إليه
____________________
(7/10)
وهو القدر حرم التفاضل والنساء كالشعير بالشعير لا يجوز إلا مع التساوي والتقابض لوجود العلة المعرفة للحكم على ما بينا وإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء مثل أن يسلم ثوبا هرويا في ثوب هروي في صورة اتحاد الجنس مع عدم المضموم إليه من الكيل أو الوزن لا يجوز وكذا إذا باع عبدا بعبد إلى أجل لوجود الجنسية ولو باع العبد بعبدين أو الهروي بهرويين حاضرا جاز أو حنطة في شعير في صورة اختلاف الجنس مع اتحاد المضموم وهو المسوى وكذا حديد في رصاص ومقتضاه أن لا يجوز فلوس في خبز ونحوه في زماننا لأنها وزنية فحرمة ربا الفضل بالوصفين جميعا وحرمة النساء بأحدهما والنساء بالمد ليس غير وقال الشافعي رحمه الله الجنس بانفراده لا يحرم نساء لأنه دليل عليه وأيضا دل الدليل على نفيه وهو ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم جهز جيشا فأمرني أن أشتري بعيرا ببعيرين إلى أجل وهذا يكون سلما وعن ابن عمر أنه باع بعيرا بأربعة إلى أجل وعن علي رضي الله عنه أنه باع بعيرا يقال له عصفور بعشرين بعيرا إلى أجل والمعنى أن التأجيل في أحد البدلين يظهر التفاوت فيه حكما والتفاوت حقيقة أكثر تأثيرا منه حكما فإذا كان التفاوت حقيقة في هذه الأموال بأن باع الواحد بالاثنين لا يؤثر في منع الجواز بالاتفاق
____________________
(7/11)
حتى جاز هذا البيع إذا كان حالا اتفاقا فالتفاوت حكما أولى وهذا معنى قول المصنف لأن بالنقدية إلى آخره ولنا أنه مال الربا نظرا إلى القدر أو الجنس وعرف أن النقدية أوجبت فضلا في المالية حتى تعورف البيع بالحال بأنقص منه بالمؤجل فتتحقق بوجوده شبهة علة الربا فتثبت شبهة الربا وشبهة الربا مانعة كحقيقة الربا بالإجماع على منع بيع الأموال الربوية مجازفة وإن ظن التساوي وتماثلت الصبرتان في الرؤية وليس فيه إلا شبهة ثبوت الفضل بل قالوا لو تبايعا مجازفة ثم كيل بعد ذلك فظهرا متساويين لم يجز عندنا أيضا خلافا لزفر لأن العلم بالمساواة عند العقد شرط الجواز لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الربا والريبة وكذا الاتفاق على أنه لا يجوز بيع الحنطة بالشعير نسيئة يؤيد ما ذكرنا والتحقيق أن المعول عليه في ذلك ما تقدم من حديث عبادة بن الصامت مما أخرجه الستة إلا البخاري من قوله في آخر الحديث فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد فألزم التقابض عند الاختلاف وهو تحريم النسيئة وكذا ما تقدم من رواية أبي داود لقوله صلى الله عليه وسلم ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا وأخرج أبو داود أيضا قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فقام دليلا على أن وجود أحد جزءي علة الربا علة لتحريم النساء ثم عللنا
____________________
(7/12)
بأن فيه شبهة الربا أعني الفضل وإنما قلنا هذا لأن مقتضى ما ذكر من أن للشبهة حكم الحقيقة أن يحرم بأحد الوصفين التفاضل أيضا لأن لشبهة العلة حكم العلة فيثبت به شبهة حكم العلة وحكم العلة هو حرمة التفاضل والنساء فيثبت فيهما ثم يقدم هذا الحديث على حديث البعير ببعيرين لأنه محرم وذلك مبيح أو يجمع بينهما بأن ذلك كان قبل تحريم الربا ولما كان مقتضى ما ذكر أن لا يجوز إسلام النقود من الدراهم والدنانير في الزعفران وفي سائر الموزونات كالقطن والحديد والنحاس وهو جائز بالإجماع أجاب بالفرق بأن الوزن في النقود وفي تلك الأموال مختلف فإنه في النقود بالمثاقيل والدراهم الصنجات وفي الزعفران بالأمناء والقبان وهذا اختلاف في الصورة بينهما وبينهما اختلاف آخر معنوي وهو أن النقود لا تتعين بالتعيين والزعفران وغيره يتعين وآخر حكمي وهو أنه لو باع النقود موازنة وقبضها كان له أن يبيعها قبل الوزن وتفسيره لو اشترى دراهم أو دنانير موازنة فوزنها البائع بغيبة المشتري وسلمها فقبضها جاز له أن يتصرف فيها قبل وزنها ثانيا وفي الزعفران ونحوه يشترط إعادة الوزن في مثله فإذا اختلفا أي النقد والزعفران ونحوه فيه أي في الوزن صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه فتنزل الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة وهي غير معتبرة وقوله صورة ومعنى وحكما نشر
____________________
(7/13)
مرتب بعد اللف ولا يخفى أن التعيين بالتعيين وعدمه لا يتعلق بالوزن وليس الاختلاف باعتباره اختلافا في معنى الوزن وكذا الأول فإن الزعفران والمسك والزباد يوزن بالصنجات أيضا وكذا الأخير بل لا فرق بين النقد وغيره في ذلك وقوله وفي الزعفران وأشباهه لا يجوز إن أراد أنه بعد ما اتزنه من بائعه وقبضه ليس له أن يبيعه حتى يعيد الوزن ممنوع بل له أن يبيعه موازنة من آخر ثم يلزم بعد هذا البيع أن يزنه الآخر ليسلمه إليه ليصح تصرف الآخر فيه وكذا نقول في الدراهم إذا قبضها وأما أن يقال إذا بالدراهم حتى كانت ثمنا أو باعها له أن يتصرف فيها قبل قبضها بخلاف الزعفران لأنه مبيع وذلك ثمن ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه بخلاف المبيع وعلى تقدير هذا الاختلاف الحكمي وحده لا يوجب اعتباره غير مشارك له في أصل الوزن وإذا ضعف هذا فالوجه في هذا أن يضاف تحريم الجنس بانفراده إلى السمع كما ذكرنا ويلحق به تأثير الكيل الوزن بانفراده ثم يستثنى إسلام النقود في الموزونات بالإجماع كي لا يفسد أكثر أبواب السلم وسائر الموزونات خلاف النقد لا يجوز أن تسلم في الموزونات وإن اختلفت أجناسها كإسلام حديد في قطن أو زيت في جبن وغير ذلك إلا إذا خرج من أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا في الحديد لأن السيف خرج من أن يكون موزونا ومنعه في الحديد لاتحاد الجنس وكذا يجوز بيع إناء من غير النقدين بمثله من جنسه يدا بيد نحاسا كان أو حديدا وإن كان أحدهما أثقل من الآخر بخلافه من الذهب والفضة فإنه يجري فيه ربا الفضل وإن كانت لا تباع وزنا لأن صورة الوزن منصوص عليها فيهما فلا يتغير بالصنعة فلا يجوز أن يخرج عن الوزن بالعادة وأورد أنه ينبغي أن يجوز حينئذ إسلام الحنطة والشعير في الدراهم والدنانير لاختلاف طريقة الوزن أجيب بأن امتناعه لامتناع كون النقد مسلما فيه لأن المسلم فيه مبيع وهما متعينان للثمنية وهل يجوز بيعا قيل إن كان بلفظ البيع يجوز بيعا بثمن مؤجل وإن كان بلفظ المسلم فقد قيل لا يجوز وقال الطحاوي ينبغي أن ينعقد بيعا بثمن مؤجل هذا واختلاف الجنس يعرف باختلاف الاسم الخاص واختلاف المقصود فالحنطة والشعير جنسان عندنا وعند الشافعي وقال مالك جنس واحد حتى لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا لأن اسم الطعام يقع عليهما قلنا بل جنسان لأنهما مختلفان اسما ومعنى وإفراد كل عن الآخر في قوله صلى الله عليه وسلم الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير يدل على أنهما جنسان وإلا قال الطعام بالطعام وكون اسم الأعم يصح إطلاقه على الأخص لا يوجب أن جميع ما يصدق عليه يكون متماثلا كالحيوان يطلق على أمور متباينة بلا شك كالإنسان والفرس ولم يلزم من ذلك أن يكون جنسا واحدا بالمعنى الفقهي والثوب الهروي والمروي وهو بسكون الراء جنسان لاختلاف الصنعة وقوام الثوب بها وكذا المروي المنسوج ببغداد وخراسان واللد الأرمني والطالقاني جنسان والتمر كله جنس واحد والحديد والرصاص والشبه أجناس وكذا غزل الصوف والشعر ولحم البقر والضأن والمعز والألية واللحم وشحم البطن أجناس ودهن البنفسج والخيري جنسان والأدهان المختلفة أصولها أجناس ولا يجوز بيع رطل زيت غير مطبوخ برطل مطبوخ مطيب لأن الطيب زيادة قوله وكل شيء نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل
____________________
(7/14)
أبدا وإن ترك الناس الكيل فيه حتى لا يجوز بيعه وزنا وإن تماثلا في الوزن إلا إن علم أنهما متماثلان في الكيل أيضا وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون أبدا مثل الذهب والفضة لأن النص أقوى من العرف لأن العرف جاز أن يكون على باطل كتعارف أهل زماننا في إخراج الشموع والسرج إلى المقابر ليالي العيد والنص بعد ثبوته لا يحتمل أن يكون على باطل ولأن حجية العرف على الذين تعارفوه والتزموه فقط والنص حجة على الكل فهو أقوى ولأن العرف إنما صار حجة بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وفي المجتبى ثبت بهذا أن ما يعتاده أهل خوارزم من بيع الحنطة الربيعية بالخريفية موزونا متساويا لا يجوز وما لم ينص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محمول على عادات الناس في الأسواق لأنها أي العادة دلالة على الجواز فيما وقعت عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا الحديث ومن ذلك دخول الحمام وشرب ماء السقاء لأن العرف بمنزلة الإجماع عند عدم النص وزاد الشافعي أن ما كان مستخرجا من أصل فهو ملحق به لأنه تبع له كالدقيق وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا لأن النص على ذلك الكيل في الشيء أو الوزن فيه ما كان في ذاك الوقت إلا لأن العادة إذ ذاك بذلك وقد تبدلت فتبدل الحكم وأجيب بأن تقريره صلى الله عليه وسلم إياهم على ما تعارفوا من ذلك بمنزلة النص منه عليه فلا يتغير بالعرف لأن العرف لا يعارض النص كما ذكرناه آنفا كذا وجه ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف لأن قصاراه أنه كنصه على ذلك وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص حتى لو كان صلى الله عليه وسلم حيا لنص عليه على وزان ما ذكرنا في سنية التراويح مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليه بل فعله مرة ثم ترك لكن لما بين عذر خشية الافتراض على معنى لولاه لواظب حكم بالسنية مع عدم المواظبة لأنا أمنا من بعده النسخ فحكمنا بالسنية فكذا هذا لو تغيرت تلك العادة التي كان النص باعتبارها إلى عادة أخرى تغير النص والله أعلم فعلى هذا لو باع الحنطة بجنسها
____________________
(7/15)
متساويا وزنا والذهب بجنسه متماثلا كيلا لا يجوز عندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وإن تعارفوا ذلك لتوهم الفضل في أحدهما وقوله إلا أنه إلى آخره استثناء على قولهما من قوله فهو مكيل أبدا أي يلزم أن يتصرف فيه بالكيل أبدا فهو بعمومه يمنع السلم في الحنطة ونحوها وزنا فاستثناه وقال يجوز ذلك لأن المصحح فيه كون المسلم فيه معلوما على وجه لا يكون بينهما فيه نزاع وذلك يتحقق باتفاقهما على الوزن بخلاف بيعها بجنسها فإن المصحح هناك التماثل بالمسوى الشرعي المعين فما لم يكن ذلك المسوى التحق بالجزاف فلا يجوز وهذا مختار الطحاوي وروى الحسن عن اصحابنا رحمهم الله أنه لا يجوز لأنها مكيل بالنص والحاصل أن فيه روايتين والفتوى على الأول وقد عرفت الفرق وقوله في الكافي الفتوى على عادة الناس يقتضي أنهم لو اعتادوا أن يسلموا فيها كيلا فأسلم وزنا لا يجوز ولا ينبغي ذلك بل إذا اتفقا على معرف كيل أو وزن ينبغي أن يجوز لوجود المصحح وانتفاء المانع وفي جمع التفاريق روي عنهما جواز السلم وزنا في المكيلات وكذا عن أبي يوسف في الموزونات كيلا أنه يجوز وكذا أطلقه الطحاوي فقال لا بأس بالسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا هذا الذي ذكره فرق بين الكيلي نصا الوزني عادة وقلبه فأما الوزني نصا وعادة كما في إناءين من جنس واحد حديد أو ذهب أو فضة أحدهما أكثر وزنا من الآخر ففي الإناءين من غير النقدين يجوز بيع أحدهما بالآخر إذا كانت العادة أن لا يباعان وزنا لأنه عددي متقارب وفي أواني الذهب والفضة لا يجوز فإنه يجري فيهما ربا الفضل وإن كانت لا تباع وزنا في العادة فإن الوزن في الذهب والفضة منصوص عليه فلا يتغير للصنعة بالعادة وأما في الحديد ونحوه فالوزن فيه ثابت بالعرف فيخرج بالصنعة أيضا من أن يكون موزونا بالعرف قوله وكل ما ينسب إلى الرطل فهو وزني هذا في التحقيق تفسير لبعض ألفاظ ربما ينسب إليها المبيع بلفظ
____________________
(7/16)
بقدر ولم يشتهر فيها أنها اسم يرجع إلى الوزن كما اشتهر في المن والقنطار أو إلى الكيل كما في الصاع والمد فلا يدرى أهذه الأسماء من قبيل الوزن فيجري حكم الوزن على المبيع أو المكيل فيجري عليه حكم الكيلي وذلك كاسم الرطل وهو بفتح الراء وكسرها والأوقية فأفاد أن المنسوب إليها من المبيعات وزني فيجري عليه ذلك فلو بيع ما ينسب إلى الرطل والأوقية كيلا بكيل متساويين يعرف قدرهما كيلا ولا يعرف وزن ما يحلهما لا يجوز لاحتمال عدم تساويهما في الوزن فيكون بيع الجزاف ولو تبايعا كيلا متفاضلا وهما متساويا الوزن صح وليس قولنا لاحتمال عدم تساويهما وزنا لإفادة أنه لو ظهر تساويهما وزنا يجوز فإنا قدمنا أن اموال الربا لو بيعت مجازفة ثم ظهر تساويهما لا يجوز خلافا لزفر وقول الشافعي كقولنا بل لإفادة أنه لو علم تساويهما فيما يجب نسبتهما إليه من الكيل والوزن كان جائزا ثم الرطل والأوقية مختلف فيها عرف الأمصار ويختلف في المصر الواحد أمر المبيعات فالرطل الآن بالإسكندرية وزن ثلاثمائة درهم واثنا عشر درهما بوزن كل عشرة سبعة مثاقيل وفي مصر مائة وأربعة وأربعون درهما وفي الشام أكثر من ذلك فهو اربعة أمثاله وفي حلب أكثر من ذلك وتفسير أبي عبيد الرطل بأنه مائة وثمانية وعشرون تفسير للرطل العراقي الذي قدر به الفقهاء كيل صدقة الفطر وغيرها من الكفارات ثم في الإسكندرية الرطل المذكور لغير الكتان ورطل الكتان مائتا درهم بوزن سبعة وكل رطل في عرف ديار مصر والشام وأقطاره اثنا عشر أوقية وربما كان في غيرها عشرين أوقية وحينئذ لا يشكل اختلاف كمية الأوقية باختلاف الرطل وفي زمنه صلى الله عليه وسلم كانت أربعين درهما ثم الأوقية مثلا اثنا عشر كما ذكرنا وفي نحو المسك والزعفران عشرة والحاصل أن هذه الأسماء مع أسماء أخر توقيفية من جهة الاصطلاح تعرف بالاستكشاف والسؤال عنها فيعرف الحال وقوله بمكيال لا يعرف وزنه إلى آخره عرف تقريره قوله وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان ذهبا وفضة بجنسه أو بغير جنسه فإن كان بجنسه اشترط فيه التساوي والتقابض قبل افتراق الأبدان وإن اختلف المجلس حتى لو عقدا عقد الصرف ومشيا فرسخا ثم تقابضا وافترقا صح وأن لا يكون به خيار وكذا السلم ولا أجل كذا ذكر وهو مستدرك لأن اشتراط التقابض يفيده ولو أسقط الخيار والأجل في المجلس عاد صحيحا خلافا لزفر وإن كان بخلاف جنسه كالذهب بالفضة اشترط ما سوى التساوي واستدل على اشتراط التقابض بقوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء وروى ابن أبي شيبة من حديث
____________________
(7/17)
ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والورق بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ورواه أصحاب الكتب الستة الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلى آخره وهاء ممدود من هاء وألف وهمزة بوزن هاع مبني على الفتح ومعناه خذ وهات يعني هو ربا إلا فيما يقول كل منهما لصاحبه خذ ومنه { هاؤم اقرؤوا كتابيه } وفسره بأنه يعني يدا بيد في الحديث المتقدم ثم قال وما سواه أي ما سوى عقد الصرف مما فيه الربا من بيع الأموال الربوية بجنسها أو بخلاف الجنس يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض فلو افترقا بعد تعيين البدلين عن غير قبض جاز عندنا خلافا للشافعي في بيع الطعام أي كل مطعوم حنطة أو شعير أو لحم أو فاكهة فإنه يشترط فيه التقابض لقوله صلى الله عليه وسلم يدا بيد ولأنه حينئذ يقع التعاقب في القبض وللنقد
____________________
(7/18)
مزية فيكون كالمؤجل إذ يحصل التفاوت في البدلين ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط في صحة بيعه القبض كالثوب بالثوب والعبد بالعبد ونحو ذلك وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن من التصرف وذلك يترتب على التعيين فلا حاجة الى اشتراط شرط آخر وهو القبض بخلاف الصرف لأن التعيين لا يحصل فيه الا بالقبض فإن الدراهم والدنانير لا تتعين مملوكة بالعقد إلا بالقبض قال ومعنى قوله يدا بيد عينا بعين وكذا رواه عبادة بن الصامت تقدم رواية عبادة بن الصامت يدا بيد وله رواية أخرى عند مسلم عينا بعين ولفظه في مسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى وفيه قصة وقوله يقع التعاقب فيحصل التفاوت ممنوع بل هذا القدر مهدر لا يعد زيادة مالم يذكر الأجل وقد استشكل بأنه استدل بيدا بيد على اشتراط التقابض قبل الافتراق في الصرف ثم استدل به هنا على أن الشرط التعيين لا التقابض فيكون تعميما للمشترك أو للحقيقة في المجاز والجواب أنه فسر هاء وهاء بيدا بيد وفسر يدا بيد بالتعيين لرواية عينا بعين واستدلاله به على التقابض في الصرف لا ينفيه لأن الاستدلال به هناك إنما هو على التعيين أيضا لكن لما كان التعيين هناك بالتقابض يكون لا بغيره لما قلنا إنها لا تتعين إلا بالقبض كان الاستدلال بها عليه استدلالا عليه لكن ينبغي أن يقال حمل يدا بيد على معنى عينا بعين ليس أولى من قلبه وأجيب عنه بأن رواية عينا بعين تفسير للمحتمل لأن يدا بيد يحتمل معنيين فهي تفسير له ولو كان المراد منه القبض لم يبق لقوله عينا بعين فائدة لأنه يحصل بالقبض ضرورة فلزم
____________________
(7/19)
أن عينا بعين تفسيرا ليدا بيد ولقائل أن يدفعه بمنع الاحتمال بل هو ظاهر في التقابض ويجب أن يحمل عينا بعين عليه لأن ا لقبض أخص من التعيين وكل قبض يتضمن تعيينا وليس كل تعيين قبضا وباب الربا باب احتياط فيجب أن تحمل العينية على القبض ويؤيده فهم عمر رضي الله عنه كذلك في الصحيحين أن مالك بن أوس اصطرف من طلحة بن عبيدالله صرفا بمائة دينار فأخذ طلحة الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي خازني من الغابة وعمر يسمع ذلك فقال والله لا تفارقه حتى تأخذ منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء وبهذا استدل ابن الجوزي على اشتراط التقابض على أبي حنيفة رضي الله عنه وكيف ومعنى هاء خذ وهو من أسماء الأفعال ومنه { هاؤم اقرؤوا كتابيه } وقال قائل ** تمزج لي من بغضها السقاء ** ثم تقول من بعيد هاء ** وأما ما نقل من قياس الشافعي على الصرف في اشتراط التقابض فدفع بأن الاسم ينبئ هناك عن صرف كل إلى الآخر ما في يده والمعاني الفقهية تعطف على الأسماء الشرعية وليس في الفرع ذلك إلا أنه لا حاجة له إليه لأن الدليل السمعي على الوجه الذي قررناه يستقل بمطلوبه قوله ويجوز بيع البيضة بالبيضتين والتمرة بالتمرتين إلى آخره ومبنى ذلك سبق وهو ظاهر غير أن ذلك كله مشروط بكونه يدا بيد أو هي من مسائل الجامع الصغير صورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في بيع بيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين وفلس بفلسين وتمرة بتمرتين يدا بيد جاز
____________________
(7/20)
إذا كان بعينه وليس كلاهما ولا أحدهما دينا وصوره أربع أن يبيع فلسا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما لا يجوز لأن الفلوس الرائجة أمثال متساوية قطعا لاصطلاح الناس على سقوط قيمة الجودة منها فيكون أحدهما فضلا خاليا مشروطا في العقد وهو الربا وأن يبيع فلسا بعينه بفلسين يغير عينهما لا يجوز وإلا أمسك البائع الفلس المعين وطالبه بفلس آخر أو سلم الفلس المعين وقبضه بعينه منه مع فلس آخر لاستحقاقه فلسين في ذمته فيرجع إليه عين ماله ويبقى الفلس الآخر خاليا عن العوض وكذا لو باع فلسين بأعيانهما بفلس بغير عينه لأنه لو جاز لقبض المشتري الفلسين ودفع إليه أحدهما مكان مااستوجب عليه فيبقى الآخر فضلا بلا عوض استحق بعقد البيع وهذا على تقدير إن رضي بتسليم المبيع قبل قبض الثمن والرابع أن يبيع فلسا بعينه بفلسين بعينهما فيجوز خلافا لمحمد وأصله أن الفلس لا يتعين بالتعيين ما دام رائجا عند محمد وعندهما يتعين حتى لو هلك أحدهما قبل القبض بطل العقد وجه قول محمد أن الثمنية ثبتت باصطلاح الكل فلا تبطل باصطلاحهما وإذا بقيت أثمانا لا تتعين فصار كما لو كانا بغير عينهما وكبيع
____________________
(7/21)
الدرهم بالدرهمين ولهما أن ثمنيتها في حقهما ثبتت باصطلاحهما إذ لا ولاية للغير عليهما فتبطل باصطلاحهما وإذا بطلت الثمنية تعينت بالتعيين لصيرورتها عروضا اعترض عليه بأن الفلوس إذا كسدت باصطلاح الكل لا تكون ثمنا باصطلاح المتعاقدين فيجب أن لا تصير عروضا باصطلاح المتعاقدين مع اتفاق من سواهما على ثمنيتها أجيب بأن الفلوس في الأصل عروض فاصطلاحهما على الثمنية بعد الكساد كان على خلاف الأصل فلا يجوز ان تصير ثمنا باصطلاحهما لوقوع اصطلاحهما على خلاف الأصل وخلاف الناس وأما إذا اصطلحا على كونها عروضا فهو على الأصل فيجوز وإن كان من سواهما على الثمنية وقوله ولا يعود وزنيا وإن صار عروضا جواب عما يقال يلزم أن لا يجوز بيع فلس بفلسين لأنه حينئذ بيع قطعة نحاس بقطعتين بغير وزن فأجاب بأن الاصطلاح كان على أمرين الثمنية والعددية واصطلاحهما على إهدار ثمنيتها لا يستلزم إهدار العددية فإنه لا تلازم بين عدم الثمنية وعدم العددية بعد ثبوت الثمنية مع عدم العددية كالنقدين والعددية مع عدم الثمنية كالجوز والبيض بخلاف الدرهم بالدرهمين لأن النقود للثمنية خلقة وبخلاف ما إذا كانا بغير عينهما لأنه بيع الكالئ بالكالئ وقد نهى عنه ولا يخفى ضعف قوله لأن الجنس بانفراده يحرم النساء وإنما يتم لو كان كون المبيع أو الثمن بغير عينه يستلزم النسيئة وليس كذلك ألا ترى أن البيع بالنقود بيع بما ليس بمعين ويكون مع ذلك حالا فكونه بغير عينه ليس معناه نسيئة وبخلاف ما إذا كان أحدهما بغير عينه لأن الجنس بانفراده يحرم النساء والكالئ بالكالئ قال أبو عبيدة هو النسيئة بالنسيئة وفي الفائق كلأ الدين بالرفع كلأ فهو كالئ إذا تأخر قال الشاعر ** وعينه كالكالئ الضمار ** يهجو رجلا يريد بعينه عطيته الحاضرة كالمتأخر الذي لا يرجى ومنه كلأ الله بك أكلأ العمر أي أكثره تأخيرا وتكلأت كلأ أي استنسأت نسيئة وحديث النهي عن الكالئ بالكالئ رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم من حديث موسى بن عبيدة بن عبدالله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع كالئ بكالئ وضعفه أحمد بن حنبل بموسى بن عبيدة فقيل له إن شعبة يروى عنه فقال لو رأى شعبة ما رأينا منه لم يرو عنه ورواه عبدالرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي عن عبدالله بن دينار وضعف بالأسلمي ورواه الحاكم والدارقطني عن موسى بن عتبة عن نافع عن ابن عمر وصححه الحاكم على شرط مسلم وغلطهما البيهقي وقال إنما هو موسى بن عبيدة الزبيدي ورواه الطبراني من حديث رافع بن خديج في حديث طويل وعن كالئ بكالئ والحديث لا ينزل عن
____________________
(7/22)
الحسن بلا شك قوله ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق أي دقيقها بوجه من الوجوه ولا بالسويق أي سويق الحنطة أما سويق الشعير فيجوز لأن غاية ما يستلزم شبهة التفاضل وحقيقته جائزة لاختلاف الجنس فضلا عن شبهته وإنما امتنع لأن المجانسة بين الحنطة ودقيقها وإن انتفت اسما وصورة ومعنى موجودة فإن المقصود من الحنطة من نحو الهريسة والمقلوة وإخراج النشا منتف في الدقيق فهي باقية من وجه لأنهما من أجزاء الحنطة وإنما لم يقل أجزاؤها لأن من أجزائها النخالة أيضا فالحنطة كسرت على أجزاء صغار وذلك لا ينفي المجانسة والمعيار في كل من الحنطة والدقيق والسويق الكيل والكيل لا يوجب التسوية بينهما لأن بعارض ذلك التكسير صارت أجزاؤها مكتنزة فيه أي في الكيل أي مضمنة انضماما شديدا والقمح في الكيل ليس كذلك فلا تتحقق المساواة بينهما كيلا بل هو محتمل فصار بيع أحدهما بالآخر كيلا كبيع الجزاف لذلك الاحتمال وحرمة الربا إنما كانت منتهية بالعلم بالمساواة إلا فيما لا اعتبار به مثل أن يتفق كبس في كيل هذه الحنطة لم يتفق قدره سواء في الأخرى فإذا لم يتحقق العلم بها صارت منتفية بالضرورة فلا يجوز وإن كانت كيلا بكيل مساو وقولنا قول الشافعي في الأظهر عنه وسفيان الثوري وأحمد في رواية خلافا لمالك وأحمد في أظهر قوليه لأن الدقيق نفس الحنطة فرقت أجزاؤها فأشبه بيع حنطة صغيرة جدا بكبيرة جدا وما ذكرناه من عروض الجهل بالمساواة بعروض الطحن يدفعه وبيع النخالة بالدقيق على هذا الخلاف إلا أن الشافعي أجازه لأن النخالة ليست من أموال الربا لأنها لا تطعم وقولنا المعيار في الحنطة والدقيق الكيل لا يراد به إلا فيما إذا بيع بجنسه أما بالدراهم فيجوز بيع الحنطة وزنا بالدراهم وكذا الدقيق وغير ذلك قوله ويجوز بيع الدقيق بالدقيق متساويا كيلا وهو قول أحمد وكذا استقراضه كيلا والسلم فيه كيلا ومنع الشافعي بيع الدقيق بالدقيق لأنه لا يعتدل في الكيل لأنه ينكبس بالكبس فلا يتحقق التساوي في الكيل ونحن نمنع كونه لا يعلم بل يعلم وما يتوهم من التفاوت بالكبس يتوهم مثله في كيل القمح وقد سقط اعتباره وفي الذخيرة عن الإمام الفضلي إنما يجوز إذا تساويا كيلا إذا كانا
____________________
(7/23)
مكبوسين وهو حسن ولفظ متساويا نصب على الحال ونصب كيلا على التمييز وهو تمييز نسبة مثل تصبب عرقا والأصل متساويا كيله وفي بيع الدقيق بالدقيق وزنا روايتان وفي الخلاصة لم يذكر غير رواية المنع فقال في جنس آخر في الزرع والثمار وكذا بيع الدقيق بالدقيق وزنا لا يجوز وفيها أيضا سواء كان أحد الدقيقين أخشن أو أدق وكذا بيع النخالة بالنخالة وفي شرح أبي نصر يجوز بيع الدقيق بالدقيق إذا كانا على صفة واحدة من النعومة والذي في الخلاصة أحسن لإهدار ذلك القدر من زيادة النعومة وبيع الدقيق المنخول بغير المنخول لا يجوز إلا مماثلا وبيع النخالة بالدقيق يجوز بطريق الاعتبار عند أبي يوسف بأن كانت النخ الة الخ الصة أكثر من النخالة التي في الدقيق ثم قال المصنف وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز أي لا يجوز بيع دقيق نوع من الحنطة أو الشعير بسويق ذلك النوع عند أبي حنيفة متفاضلا ولا متساويا أما دقيق الحنطة بسويق الشعير وعكسه فلا شك في جوازه وعندهما يجوز بيع الدقيق بالسويق متساويا ومتفاضلا لأنهما أي دقيق الحنطة وسويقها مثلا جنسان وإن رجعا إلى أصل واحد لاختلاف المقصود اختلافا كثيرا بعدالقلي والطحن فإن المقاصد من الدقيق مثل أن يصنع
____________________
(7/24)
خبزا أو عصيدا أو طرية وهو شبه الرشتا لا يتأتى من السويق كما أن ما يقصد بالسويق وهو أن يذاب مع عسل ويشرب أو يلت بسمن وعسل ويؤكل لا يتأتى من الدقيق وإذا كانا جنسين جاز بيع أحدهما بالآخر متساويا ومتفاضلا وأبو حنيفة يمنع أنهما جنسان وله طريقان أحدهما أن بيع الحنطة المقلية بالحنطة غير المقلية لا يجوز اتفاقا وذلك ليس إلا لاعتبار اتحاد الجنس وعدم العلم بالتساوي مع مساواة الكيل لاكتناز أحدهما فيه دون الآخر والدقيق أجزاء غير المقلية والسويق أجزاء المقلية ولم يزد الدقيق على الحنطة إلا بتكسيره بالطحن وكذا الآخر وذلك لا يوجب اختلاف الجنس بعد اتحاده والثاني وعليه اقتصر المصنف أن بيع الحنطة غير المقلية بالسويق لا يجوز وكذا بيع الحنطة المقلية بالدقيق وليس ذلك إلا لاستلزامه ربا الفضل وربا الفضل لا يثبت إلا مع المجانسة فكانت المجانسة ثابتة بين السويق والحنطة والدقيق أجزاء الحنطة فتثبت المجانسة بين الدقيق والسويق ثم يمتنع العلم بالمساواة فيمتنع البيع مطلقا قولهم اختلفت المقاصد وذلك اختلاف الجنس قلنا أعظم المقاصد هي متحدة فيه وهو التغذي فلا يبالى بفوات بعضها الذي هو دون المقصد الأعظم بدليل الحكم باتحاد الجنس في الحنطة المقلية وغير المقلية حتى امتنع بيع أحدهما بالآخر كما ذكرناه بسبب اتحادهما في ذلك المقصود الأعظم مع فوات ما دونه من المقاصد فإن المقلية لا تصلح للزراعة ولا للهريسة ولا تطحن فيتخذ منها خبز وكذا العلكة أي الجيدة السالمة من السوس مع المسوسة ومع ذلك جعلا جنسا واحدا غير أن المسوسة يجوز بيعها بالعلكة كيلا متساويا والمقلية مع غير المقلية لا يجوز لما ذكرنا من أن الكيل لا يسوى بينهما فأما بيع الحنطة المقلية بالمقلية فاختلفوا قيل يجوز إذا تساويا وزنا ذكره في الذخيرة وقيل لا وعليه عول في المبسوط ووجهه أن النار قد تأخذ في أحدهما أكثر من الآخر والأول أولى ومسوسة بكسر الواو كأنها هي سوست أي أدخلت السوس فيها قوله ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف سواء كان اللحم من جنس ذلك
____________________
(7/25)
الحيوان أو لا مساويا لما في الحيوان أو لا بشرط التعيين أما بالنسيئة فلا لامتناع السلم في الحيوان واللحم وفصل محمد رحمه الله فقال إن باعه بلحم غير جنسه كلحم البقرة بالشاة الحية ولحم الجزور بالبقرة الحية يجوز كيفما كان وإن كان من جنسه كلحم شاة بشاة حية فشرطه أن يكون اللحم المفرز أكثر من اللحم الذي في الشاة ليكون لحم الشاة بمقابلة مثله من اللحم وباقي اللحم بمقابلة السقط إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا إما لزيادة السقط إن كان اللحم المفرز مثل ما في الحيوان من اللحم أو لزيادة اللحم إن كان اللحم أقل مما في الشاة فصار كبيع الحل بالمهملة وهو دهن السمسم لا يجوز إلا على ذلك الاعتبار والمراد بالسقط مالا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والأكارع ولو كانت الشاة مذبوحة مسلوخة جاز إذا تساويا وزنا بالإجماع والمراد بالمسلوخة المفصولة من السقط وإن كانت بسقطها لا يجوز إلا على الاعتبار ولو باع شاة مذبوحة بشاة حية يجوز عند الكل أما عندهما فظاهر لأنه لو اشتراها باللحم جاز كيفما كان فكذلك إذا اشتراها بشاة مذبوحة وأما على قول محمد فإنما يجوز لأنه لحم بلحم وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها بإزاء السقط وعلى هذا شاتان مذبوحتان غير مسلوختين بشاة مذبوحة لم تسلخ يجوز لأن اللحم بمثله وزيادة لحم الشاة بإزاء الجلد ونحوه فالمراد هنا من المسلوخة وغيرها باعتبار الجلد وعدمه وقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا لا بطريق الاعتبار ولا بغيره خلافا للمزني من أصحاب الشافعي فإنه قال كقول أبي حنيفة وأبي يوسف ولو باعه بلحم غير جنسه كلحم البقرة بشاة فقال مالك وأحمد يجوز وللشافعي قولان والأصح لا يصح لعموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في الإطلاق أنه باع موزونا بما ليس بموزون فغايته اتحاد الجنس كما قال محمد باعتبار ما في الضمن كالعصير مع العنب واللبن مع السمن
____________________
(7/26)
لكن اتحاده مع اختلاف المقدر به إنما يمتنع به النساء فقلنا بشرط التعيين ولا يجوز النساء فيه وإنما قلنا إن الحيوان ليس بموزون لأنه لا يوزن عادة فليس فيه أحد المقدرين الشرعيين الوزن أو الكيل لأن الحيوان لا يعرف قدر ثقله بالوزن لأنه يثقل نفسه ويخففها فلا يدرى حاله بخلاف الدهن والسمسم لأن الوزن يعرف قدر الدهن إذا ميز من الثجير ثم يوزن الثجير هذا على التنزل وإلا فهما على ما قال غير المصنف يعتبران لحم الشاة مع الشاة الحية جنسين أخذا من قوله تعالى { فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } أي بعد نفخ الروح فعلم أن الحي مع الجماد جنسان فيجوز بيع أحدهما بالآخر من غير اعتبار وإنما امتنع النساء لأنه حينئد سلم وهو لا يجوز كما قدمناه واعلم أن السمع ظاهر في منع بيع اللحم بالحيوان ومنه ضعيف وقوي فمن القوي ما رواه مالك في الموطإ وأبو داود في المراسيل عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان وفي لفظ نهى عن بيع الحي بالميت ومرسل سعيد مقبول بالاتفاق وقال ابن خزيمة حدثنا أحمد بن حفص السلمي حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن حجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة نحوه قال البيهقي إسناده صحيح ومن أثبت سماع الحسن من سمرة عده موصولا ومن لم يثبته فهو مرسل جيد وأنت تعلم أن المرسل عندنا حجة مطلقا وأسند الشافعي إلى رجل مجهول من أهل المدينة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن يباع حي بميت وأسند أيضا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان وبسنده إلى القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبدالرحمن أنهم كرهوا ذلك وهؤلاء تابعون وحديث أبي بكر رضي الله عنه لعله بالمعنى فإن مشايخنا ذكروه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جزورا نحر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي بعناقه فقال أعطوني بهذا العناق لحما فقال أبو بكر رضي الله عنه لا يصح هذا وتأولوه على أنه كان من إبل الصدقة نحر ليتصدق به قوله ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل عند أبي حنيفة
____________________
(7/27)
وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله لا يجوز فقد تفرد أبو حنيفة بالقول بالجواز وأما الرطب بالرطب فيجوز عندنا كيلا متماثلا للجماعة قوله صلى الله عليه وسلم فيما روى مالك في الموطإ عن عبدالله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن زيد بن عياش عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل عن البيضاء بالسلت فقال سعد أيهما أفضل قال البيضاء فنهاه عن ذلك وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا جف قال نعم فنهاه عن ذلك فهذا حكم منبه فيه على علته وهو كونه ينقص في أحد البدلين في ثاني الحال عن المساواة ومن طريق مالك رواه أصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي حديث حسن صحيح ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الرطب تمر لقوله صلى الله عليه وسلم حين أهدي له رطب أوكل تمر خيبر هكذا فسماه أي سمى الرطب تمرا وهذا إنما يتم إذا كان المهدي رطبا وليس كذلك بل كان تمرا أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري رضي الله عنه فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان ولفظ آخر إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا والجمع أصناف مجموعة من التمر وما ادعاه بعض الخلافيين فيمن حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أنه يحنث فليس كذلك بل المذهب أنه لا يحنث لأن مبناها على العرف وسنذكر تمامه ثم قال المصنف ولأنه إن كان تمرا هذا اللفظ يحكى عن أبي حنيفة أنه دخل بغداد وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر فسألوه عن التمر فقال الرطب إما أن يكون تمرا أو لم يكن فإن كان تمرا جاز العقد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر وإن لم يكن جاز لقوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف النوعان
____________________
(7/28)
فبيعوا كيف شئم فأورد عليه الحديث فقال هذا الحديث دائر على زيد بن عياش وزيد بن عياش ممن لا يقبل حديثه وأبدله المصنف بقوله ضعيف عند النقلة وغلط بعض الشارحين المصنف في قوله زيد بن عياش فإن المذكور في كتب الحديث زيد أبو عياش وتبع في ذلك الشيخ علاء الدين مغلطاي قال الإمام الزيلعي المخرج رحمه الله ليس ذلك بصحيح قال صاحب التنقيح زيد بن عياش أبو عياش الدورقي ويقال المخزومي ويقال مولى بني زهرة المدني ليس به بأس وغير مشايخنا ذكروا أن أبا حنيفة إنما قال هو مجهول وقد رد ترديده بين كونه تمرا أولا بأن هنا قسما ثالثا وهو كونه من الجنس ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بينهما فكذا الرطب بالتمر لا يسويهما الكيل وإنما يسوى في حال اعتدال البدلين وهو أن يجف الآخر وأبو حنيفة يمنعه ويعتبر التساوي حال العقد وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع مع المساواة في الحال إذا كان موجبه أمرا خلقيا وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنا في الحال نحكم بعدم التساوي لاكتناز أحدهما في الكيل بخلاف الآخر لتخلخل كثير ورد طعنه في أبي عياش أيضا بأنه ثقة كما نقلنا آنفا من قول صاحب التنقيح وأيضا روى عنه مالك في الموطإ وهو لا يروي عن رجل مجهول وقال المنذري كيف يكون مجهولا وقد روى عنه اثنان ثقتان عبدالله بن زيد مولى الأسود بن سفيان وعمران بن أبي أنس وهما ممن احتج بهما مسلم في صحيحه وقد عرفه أئمة هذا الشأن وقد أخرج حديثه مالك في الموطإ مع شدة تحريه في الرجال وقال ابن الجوزي في التحقيق قال الإمام أبو حنيفة زيد أبو عياش مجهول فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه أئمة النقل ثم ذكر ما ذكرنا وقد أجيب أيضا بأنه بتقدير صحة السند فالمراد النهي عنه نسيئة فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة أخرجه أبو داود في سننه عن يحيى بن أبي كثير عن عبدالله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالرطب نسيئة وبهذا اللفظ رواه الحاكم وسكت عنه وكذا رواه الطحاوي في شرح الآثار ورواه الدارقطني وقال اجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه ابن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث يريد بالأربعة مالكا وإسماعيل بن أبي أمية والضحاك بن عثمان وآخر وأنت تعلم أن بعد صحة هذه الزيادة يجب قبولها لأن المذهب المختار عند المحدثين قبول الزيادة وإن كان الأكثر لم يوردها إلا في زيادة تفرد بها بعض الرواة الحاضرين في مجلس واحد ومثلهم لا يغفل عن مثلها فإنها مردودة على ما كتبناه في تحرير الأصول وما نحن فيه لم يثبت أنه زيادة لما في مجلس واحد اجتمعوا فيه فسمع هذا مالم يسمع المشاركون له في ذلك المجلس بالسماع فما لم يظهر أن الحال كذلك فالأصل أنه قاله في مجالس ذكر في بعضها ما تركه في آخر والله الموفق لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة أينقص الرطب إذا جف عريا عن الفائدة إذا كان النهي عنه نسيئة وما ذكروا أن فائدته أن الرطب ينقص إلى أن يحل الأجل فلا يكون في هذا التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند الجفاف
____________________
(7/29)
فمنعه على طريق الإشفاق مبني على أن السائل كان ولي يتيم ولا دليل عليه قوله وكذا العنب بالزبيب يعني على الخلاف عند أبي حنيفة يجوز مع التساوي كيلا وعندهما لا يجوز وقوله والوجه ما بيناه لهما يعني في منع بيع الرطب بالتمر وهو قوله صلى الله عليه وسلم أينقص إذا جف باعتبار اشتماله على العلة المنبه عليها ولأبي حنيفة أن الزبيب إما من جنس العنب فيجوز متساويا أو لا فيجوز مطلقا ونقل القدوري في التقريب عن أبي جعفر أن جواز بيع الزبيب بالعنب قولهم جميعا وذكر أبو الحسن أن عندهما لا يجوز إلا على الاعتبار فقال المصنف وقيل لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية فإنه لا يجوز البيع لأن القلي كائن بصنع العباد فتعدم اللطافة التي كانت الحنطة بها مثلية بخلاف التفاوت الحاصل بأصل الخلقة كالرطب مع التمر والعنب مع الزبيب لا يعتبر فهذا هو الأصل فصار في بيع العنب بالزبيب أربع روايات لا يجوز اتفاقا يجوز اتفاقا وهي رواية أبي جعفر على الخلاف وهي رواية الكتاب يجوز عنده وعندهما لا يجوز إلا على الاعتبار لأن الزبيب موجود في العنب فصار كالزيت بالزيتون والفرق لأبي حنيفة على رواية المنع بين العنب بالزبيب وجواز الرطب بالتمر أن الاستعمال ورد بإطلاق اسم التمر على الرطب ولم يرد مثل هذا في الزبيب فافترقا وأما الرطب بالرطب فيجوز متماثلا كيلا وكذا العنب بالعنب يجوز عندنا وبه قال مالك وأحمد والمزني خلافا للشافعي وكذا الخلاف في كل ثمرة لها حال جفاف كالتين والمشمش والجوز والكمثرى والرمان والإجاص لا يجيز بيع رطبه برطبه كما لا يجيز بيع رطبه بيابسه لأنه لا يعرف قدر النقصان إذ قد يكون نقصان أحدهما أكثر من الآخر وكذا الخلاف في الباقلاء الأخضر بمثله لأن بين الباقلاء تين فضاء يتفاوت فيمنع تعديل الكيل فكان كبيع الحنطة المقلية بغير المقلية وبيع الحنطة المبلولة بالمبلولة والرطبة بالرطبة أو المبلولة باليابسة يجوز وكذا بيع التمر المنقع والزبيب المنقع بالمنقع واليابس منهما يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد في الفصول كلها من بيع الحنطة المبلولة إلى هنا والمنقع اسم مفعول من أنقع الزبيب في الخابية فهو منقع وأصله أن محمدا يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المآل عند الجفاف كما أشار إليه حديث سعد وذلك منتف في المبلولة والرطبة مع مثلها أو اليابسة أما مع اليابسة فظاهر وأما المبلولة مع المبلولة فالتفاوت يقع في قدر البلل قال الحلواني الرواية محفوظة عن محمد
____________________
(7/30)
أن بيع الحنطة المبلولة باليابسة إنما لا يجوز إذا انتفخت أما إذا بلت من ساعتها يجوز بيعها باليابسة إذا تساويا كيلا وأبو حنيفة وأبو يوسف يعتبران المساواة بتأويل التساوي في الحال عملا بإطلاق الحديث أي حديث عبادة بن الصامت وغيره إلا أن أبا يوسف ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما رويناه من حديث سعد بن أبي وقاص وهو مخصوص من القياس فلا يلحق به إلا ما كان في معناه والحنطة الرطبة ليست في معنى الرطب من كل وجه والرطوبة في الرطب مقصودة وفي الحنطة عيب وفي المبسوط ذكر في بعض النسخ قول أبي يوسف مع أبي حنيفة وهو قوله الآخر وقوله الأول كقول محمد وقد نقض ما تقدم من الأصل وهو أن التفاوت بصنع العباد معتبر في المنع وما بأصل الخلقة لا بالحنطة المبلولة فإن الرطوبة الحاصلة فيها بصنع العباد وبها يحصل التفاوت مع أنه جاز العقد أجيب بأن الحنطة في أصل الخلقة رطبة وهي مال الربا إذ ذاك والبل بالماء يعيدها إلى ما هو أصل الخلقة فيها فلم يعتبر بخلاف القلي ووجه الفرق لمحمد بين هذه الفصول من بيع الحنطة الرطبة إلى هنا حيث منعه وبين الرطب بالرطب حيث أجازه وكذلك بين العنب بالعنب فإنه يجيزه وحاصله أن التفاوت إن ظهر مع بقاء الاسم على البدلين أو أحدهما فسد العقد وإن ظهر بعد زوال الاسم عنهما لا يفسد ففي الرطب بالرطب والعنب بالعنب يظهر التفاوت بعد خروج البدلين عن الاسم الذي عقد عليه العقد فإن الاسم حينئذ التمر والزبيب فلا يكون تفاوتا في المعقود عليه وفي الحنطة المبلولة وما في معناه لا يتغير فيظهر في نفس المعقود عليه فيمتنع
____________________
(7/31)
ولو باع البسر بالتمر متساويا يجوز ومتفاضلا لا يجوز لأن البسر تمر بخلاف الكفري وهو بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد الراء مقصورا كم النخل وهو أول ما ينشق حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر أي كيلا من التمر بكيلين من الكفرى وقلبه لأنه ليس بتمر لأن الكفرى لم ينعقد بعد في صورة التمر وهذا الاسم أعني التمر له من أول ما تنعقد صورته لا قبله وبهذا استدل بعضهم لأبي حنيفة في بيع الرطب بالتمر فورد عليه أنه لو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا لا يحنث فكان غيره فأجاب بالمنع بل يحنث وليس بصحيح بل المسئلة مسطورة في الكتب المذهبية المشهورة بأنه لا يحنث وكذا ادعى أنه يحنث فيما إذا حلف لا يأكل تمرا فأكل بسرا ولم يكن به حاجة إلى هذا إذ يكفيه أن الأيمان مبنية على العرف وكلامنا فيه لغة وهم بعد ذلك مطالبون بتصحيح أن اسم التمر يلزم الخارج من حين ينعقد إلى أن يطيب ثم يجف من اللغة ولا ينكر صحة الإطلاق باعتبار مجاز الأول وقوله والكفرى عددي متفاوت إلى آخره جواب سؤال هو أنه إذا لم يكن الكفرى تمرا ينبغي أن يجوز إسلام التمر فيه وشراء التمر به نسيئة فقال الكفرى عددي متفاوت بالكبر والصغر تفاوتا غير مهدر فلا يجوز إسلامه فيه ولا أن يشتري به نسيئة للجهالة فتقع المنازعة قوله ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج معلوما أنه أكثر مما في الزيتون والسمسم فلو جهل أو علم أنه أقل أو مساو لا يجوز فالاحتمالات أربع والجواز في أحدها بأنه إذا كان أكثر كان الخارج منه بمثله من الدهن المفرد والزائد منه بمقابلة الثجير وفي فتاوي قاضيخان رحمه الله إنما يشترط أن يكون الخالص أكثر إذا كان الثقل في البدل الآخر شيئا له قيمة أما إذا
____________________
(7/32)
كان لا قيمة له كما في الزبد بعد إخراج السمن منه فيجوز مع مساواة الخارج للسمن المفرد يروى ذلك عن أبي حنيفة وقال زفر يجوز مع عدم العلم لأنه متردد بين الفساد والصحة فلا يثبت الفساد بالشك والأصل الصحة وقلنا الفساد غالب لأنه على تقديري النقصان والمساواة والصحة على تقدير الأكثرية فكان هو الظاهر فوجب الحكم به وعند الشافعي لا يجوز هذا البيع أصلا لعدم العلم بالتفاضل وقت العقد واعلم أن المجانسة تكون باعتبار ما في الضمن فتمنع النسيئة كما في المجانسة العينية وذلك كالزيت مع الزيتون والشيرج مع السمسم وتنتفي باعتبار ما أضيفت إليه فيختلف الجنس مع اتحاد الأصل حتى يجوز التفاضل بينهما كدهن البنفسج مع دهن الورد أصلهما واحد وهو الزيت أو الشيرج فصارا جنسين باختلاف ما أضيفا إليه من الورد والبنفسج نظرا إلى اختلاف المقصود والفرض ولم يبال باتحاد الأصل وعلى هذا دهن الزهر في ديارنا ودهن البان أصلهما اللوز يطبق بالزهر وبالخلاف مدة ثم يعصر اللوز فيخرج منه دهن مختلف الرائحة فيجوز بيع أحد الدهنين بالآخر متفاضلا وعلى هذا قالوا لو ضم إلى الأصل ما طيبه دون الآخر جاز متفاضلا حتى أجازوا بيع قفيز سمسم مطيب بقفيزين غير مطيب وعلى هذا يجوز بيع رطل لوز مطبق برطلي لوز غير مطبق وكذا يجوز بيع رطل دهن لوز مطبق بزهر النارنج برطلي دهن اللوز الخالص وكذا رطل زيت مطيب برطلي زيت لم يطيب فجعلوا الرائحة التي فيها بإزاء الزيادة على الرطل خلافا للشافعي فإنه لا يجيز الدهن المطيب وغيره إلا مثلا بمثل وأورد أنه ينبغي أن يجوز بيع السمسم بدهنه بأي وجه كان لأن الدهن وزني والسمسم كيلي أجيب بأنه لما كان المقصود من السمسم ما في ضمنه من الدهن كان بيع الجنس بالجنس فإن قيل فيجوز بيع السمسم بالسمسم متفاضلا صرفا لكل من دهنه وثجيره إلى خلاف جنسه أجيب بأن الصرف يكون عند الانفصال صورة كمسئلة الإكرار ولا صورة هنا منفصلة وقوله والجوز بدهنه واللبن بسمنه والعنب بعصيره والتمر بدبسه على هذا الاعتبار يعني إن كان الدهن المفرد والسمن والدبس أكثر مما يخرج من الجوز واللبن والتمر جاز وقد علمت تقييده بما إذا كان الثفل له قيمة وأظن أن لا قيمة لثفل الجوز إلا أن يكون بيع بقشره فيوقد وكذا العنب لا قيمة لثفله فلا تشترط زيادة العصير على ما يخرج والله أعلم واختلفوا في القطن بغزله فبعضهم لا يجوز متساويا لأن القطن ينقص بالغزل فهو كالحنطة
____________________
(7/33)
مع الدقيق وقال بعضهم يجوز وفي فتاوي قاضيخان لا يجوز إلا متساويا لأن أصلهما واحد وكلاهما موزون وإن خرجا أو أحدهما عن الوزن جاز متفاضلا وبيع الغزل بالثوب جائز على كل حال وقال المصنف بالإجماع وعن محمد أن بيع القطن بالثوب لا يجوز متفاضلا وعنه أنه لا يجوز مطلقا وهكذا عن أبي حنيفة أيضا ثم ذكر أنه لا بأس ببيع المحلوج بالقطن والغزل بالقطن إذا كان يعلم أن الخالص أكثر مما في الآخر وهذا في المحلوج مع القطن ظاهر لأن الفاضل بإزاء حب القطن وهو مما ينتفع به وقد يعلف لبعض الدواب وأما في الغزل فكأنه ليكون الفاضل من القطن المفرد بإزاء صنعة الغزل فنقل الإجماع إنما هو باعتبار الأقوال المعول عليها دون الروايات قوله ويجوز بيع اللحمان جمع لحم المختلفة بعضها ببعض متفاضلا ومراده لحم الإبل والبقر والغنم لأنها أجناس مختلفة لاختلاف أصولها ولم يحدث في الجنس الواحد منها زيادة تصيره جنسين فأما البقر والجواميس فجنس واحد لا يجوز بيع لحم البقر بلحم الجاموس متفاضلا وكذا المعز مع الضأن والعراب مع البخاتى لا يجوز بيع شيء مع الآخر متفاضلا لاتحاد الجنس وإنما جاز بيع لحم الجنس الواحد من الطيور كالسمان مثلا والعصافير متفاضلا لأنه ليس مال الربا إذ لا يوزن لحم الطير ولا يكال وينبغي أن يستثنى من لحوم الطير الدجاج والإوز لأنه يوزن في عادة ديار مصر بعظمه وقوله ومراده إلى آخره يحترز به عن قول مالك فإن عنده اللحوم كلها ثلاثة أجناس الطيور جنس والدواب أهليها ووحشيها جنس واحد والبحريات وكذا ألبان البقر والغنم يجوز متفاضلا لما ذكرنا من اختلاف الجنس باختلاف الأصلين وعن الشافعي أن اللحوم والألبان جنس واحد لاتحاد المقصود من الكل وهو التغذي وهذا قول الشافعي غير المختار والصحيح من قوله أنه مثل قولنا ثم دفع هذا القول بأن أصولها مختلفة الأجناس
____________________
(7/34)
فكذا أجزاؤها إذا لم تتبدل بالصنعة فإنها حينئذ تعد أجناسا ولهذا جاز بيع الخبز بالدقيق والسويق متفاضلا وكذا خل الدقل بخل العنب متفاضلا وكذا عصيرهما لاختلاف أصليهما جنسا وتخصيص الدقل وهو رديء التمر باعتبار العادة لأن الدقل هو الذي كان في العادة يتخذ خلا وأما شعر المعز وصوف الغنم فجنسان لاختلاف المقاصد بخلاف لحمهما ولبنهما جعل جنسا واحدا كما ذكرنا لاتحاد الجنس مع عدم الاختلاف فإن ما يقصد بالشعر من الآلات غير ما يقصد بالصوف فصار ما يوجب اختلاف الأمور المتفرعة ثلاثة أشياء اختلاف الأصول واختلاف المقاصد وزيادة الصنعة فإن قيل بالنظر إلى اتحاد الأصل في الصوف والشعر لا يجوز بيعهما متفاضلا وزنا وبالنظر إلى المقاصد اختلف فيجوز متفاضلا فينبغي أن لا يجوز متفاضلا تغليبا للحرمة فالجواب أن ذلك عند تعارض دليلهما وتساويهما فيرجح المحرم وهذا ليس كذلك فإنه لا يقاوم الصورة المعنى وألزم على تغليب جانب المعنى كون ألبان البقر والغنم جنسا واحدا لاتحاد المقصود وأجيب بمنع اتحاده فإن لبن البقر يقصد للسمن ولبن الإبل لا يتأتى منه ذلك وكذا أغراض الآكل تتفاوت فإن بعض الناس لا يطيب له البقر ويتضرر به دون الضأن وكذا في الإبل ومن الاختلاف بالصنعة ما قدمنا من جواز بيع إناءي صفر أو حديد أحدهما أثقل من الآخر وكذا قمقمة بقمقمتين وإبرة بإبرتين وسيف بسيفين ودواة بدواتين مالم يكن شيء من ذلك من أحد النقدين فيمتنع
____________________
(7/35)
التفاضل وإن اصطلحوا بعد الصياغة على ترك الوزن والاقتصار على العد والصورة ويجوز بيع شحم البطن بالألية أو باللحم واللحم بالألية متفاضلا لأنها أجناس لاختلاف الصور والمعاني والمنافع اختلافا فاحشا وأما شحم الجنب ونحوه فتابع اللحم وهو مع شحم البطن والألية جنسان وكل ذلك لا يجوز نسيئة لأن الوزن يجمعهما وأما الرءوس والأكارع والجلود فيجوز يدا بيد كيفما كان لا نسيئة لأنه لم يضبط بالوصف حتى إن السلم فيه لا يجوز قوله ويجوز بيع الخبز بالحنطة والدقيق متفاضلا يدا بيد قيل وهو ظاهر مذهب علمائنا الثلاثة لأن الخبز صار إما عدديا في عرف أو موزونا في عرف آخر فخرج من أن يكون مكيلا من كل وجه والحنطة مكيلة فبفرض كون الجنيسة جمعتهما اختلف القدر فجاز التفاضل والدقيق إما كيلي فكذلك أو وزني على ما عليه عرف بلادنا ومن جعله وزنيا لم يثبت الجنسية بينه وبين الخبز فيجوز التفاضل أيضا وروي عن أبي حنيفة أنه لا خير فيه وهذه العبارة لنفي الجواز بطريق التأكيد للنكرة في النفي وبهذا القول قال الشافعي
____________________
(7/36)
وأحمد لشبهة المجانسة إذ في الخبز أجزاء الدقيق أو أن الدقيق بعرض أن يصير خبزا فيشترط المساواة ولا يدري ذلك والفتوى على الأول وهو الجواز وهو اختيار المتأخرين عددا أو وزنا كيفما اصطلحوا عليه وهذا إذا كانا نقدين فأما بيعهما نسيئة فإن كانت الحنطة نسيئة أو الدقيق بأن أسلم الخبز فيهما فدفعه نقدا جاز أيضا وإن كان الخبز نسيئة بأن أسلم حنطة أو دقيقا في خبز لم يجز عند أبي حنيفة لأنه لا يوقف على حد له فإنه يتفاوت في الصنعة عجنا وخبزا وكذا عند محمد لأنه عددي عنده ويكون منه الثقيل والخفيف ويجوز عند أبي يوسف لأنه وزني أو يجوز بشرط الوزن إن كان العرف فيه العدد والنضج وحسن العجن وصفات مضبوط نوعهما وخصوص ذلك القدر بعينه من العجن والنار مهدر واختاره المشايخ للفتوى إذا أتى بشرائطه لحاجة الناس لكن يجب أن يحتاط وقت القبض حتى يقبض من الجنس الذي سمي حتى لا يصير استبدالا بالمسلم فيه قبل قبضه إذا قبض متجوزا ما هو دون ما سمي صنعة وإذا كان كذلك فالاحتياط في منعه لأنه قل أن يقع الأخذ من النوع المسمى خصوصا فيمن يقبض المسلم فيه في أيام متعددة كل يوم كذا كذا رغيفا فقل أن لا يصير مستبدلا ولا خير في استقراض الخبز عند أبي حنيفة عددا أو وزنا لأنه يتفاوت بالخبز والخباز والتنور باعتبار كونه جديدا أو عتيقا والتقديم في التنور والتأخير عنه ويتفاوت جودة خبزه بذلك وإذا منع أبو حنيفة السلم فيه وباب السلم أوسع حتى جاز في الثياب ولا يجوز استقراضها فهو لاستقراضه أمنع وعند محمد رحمه الله يجوز بهما أي عددا أو وزنا للتعامل بين الجيران بذلك والحاجة قد تدعو إلى ذلك بين الجيران وعند أبي يوسف يجوز وزنا لا عددا للتفاوت في آحاده ومحمد يقول قد أهدر الجيران تفاوته وبينهم يكون اقتراضه غالبا والقياس يترك بالتعامل وجعل المتأخرون الفتوى على قول أبي يوسف وأنا أرى أن قول محمد أحسن
____________________
(7/37)
قوله ولا ربا بين المولى وعبده أي المأذون غير المديون لأنه وما في يده لمولاه فلا يتحقق الربا لعدم تحقق البيع وكذا المدبر وأم الولد فإن كان عليه دين لا يجوز أي البيع بطريق الربا أما عند أبي حنيفة فلعدم ملكه لما في يد عبده المأذون المديون فهو أجنبي عنه فيتحقق الربا بينهما وعندهما إن لم يزل ملكه عما في يده لكن تعلق بما في يده حق الغرماء فصار المولى كالأجنبي عنه فيتحقق الربا بينهما كما يتحقق بينه وبين مكاتبه وفي المبسوط ذكر أنه لا يتحقق الربا بينهما مطلقا ولكن على المولى أن يرد ما أخذه على العبد لأن كسبه مشغول بحق غرمائه فلا يسلم له مالم يفرغ من دينه كما لو أخذه لا بجهة البيع سواء كان اشترى منه درهما بدرهمين أو لا بخلاف المكاتب لأنه صار كالحر يدا وتصرفا في كسبه فيجري الربا بينهما قوله ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب خلافا لأبي يوسف والشافعي ومالك وأحمد وعلى هذا الخلاف الربا بين المسلم الأصلي والمسلم الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا فلو باع مسلم دخل إليهم مستأمنا درهما بدرهمين حل وكذا إذا باع منهم ميتة أو خنزيرا أو قامرهم وأخذ المال يحل كل ذلك عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف ومن ذكرنا لهم إطلاق النصوص فإنها لم تقيد المنع بمكان دون مكان والقياس على المستأمن منهم في دارنا فإن الربا يجري بين المسلم وبينه فكذا الداخل منا إليهم بأمان ولأبي حنيفة ومحمد ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب وهذا الحديث غريب ونقل ما روى مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
____________________
(7/38)
ذلك قال الشافعي قال أبو يوسف إنما قال أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ربا بين أهل الحرب أظنه قال وأهل الإسلام قال الشافعي وهذا الحديث ليس بثابت ولا حجة فيه أسنده عنه البيهقي قال في المبسوط هذا مرسل ومكحول ثقة والمرسل من مثله مقبول ولأن أبا بكر قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى { الم غلبت الروم } الآية قالت له قريش ترون أن الروم تغلب قال نعم فقال هل لك أن تخاطرنا فخاطرهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهب إليهم فزد في الخطر ففعل وغلبت الروم فارسا فأخذ أبو بكر خطره فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم وهو ا لقمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة وكانت مكة دار شرك ولأن مالهم مباح وإطلاق النصوص في مال محظور وإنما يحرم على المسلم إذا كان بطريق الغدر فإذا لم يأخذ غدرا فبأي طريق يأخذه حل بعد كونه برضا بخلاف المستأمن منهم عندنا لأن ماله صار محظورا بالأمان فإذا أخذه بغير الطريق المشروعة يكون غدرا وبخلاف الزنا إن قيس عليه الربا لأن البضع لا يستباح بالإباحة بل بالطريق الخاص أما المال فيباح بطيب النفس به وإباحته وهذا لا يفيد لمعارضة إطلاق النصوص إلا بعد ثبوت حجية حديث مكحول وقد يقال لو سلم حجيته فالزيادة بخبر الواحد لا تجوز وإثبات قيد زائد على المطلق من نحو { لا تأكلوا الربا } ونحوه هو الزيادة فلا يجوز ويدفع بالقطع بأن المطلقات مراد بمحلها المال المحظور بحق لمالكه ومال الحربي ليس محظورا إلا لتوقي الغدر وهذا التقرير في التحقيق يقتضي أنه لو لم يرد خبر مكحول أجازه النظر المذكور أعني كون ماله مباحا إلا لعارض لزوم الغدر إلا أنه لا يخفى أنه إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم والربا أعم من ذلك إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان من جهة المسلم ومن جهة الكافر وجواب المسئلة بالحل عام في الوجهين وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر بأن يكون الغلب له فالظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم الزيادة وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة وإن كان إطلاق الجواب خلافه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
____________________
(7/39)
& باب الحقوق
محل هذا الباب عقيب كتاب البيوع قبل الخيار قوله ومن اشترى منزلا فوقه منزل حاصل ما هنا أن الأسماء ثلاثة البيت والمنزل والدار فالبيت أصغرها وهو اسم لمسقف واحد جعل ليبات فيه فمنهم من يقتصر على هذا ومنهم من يزيد له دهليزا والجواب فيه أن علوه لا يدخل في بيعه يعني إذا باع البيت لا يدخل العلو
____________________
(7/40)
وإن قال بكل حق هو له أو كل قليل وكثير مالم يذكر اسم العلو صريحا لأن العلو مثله فإنه مسقف يبات فيه والشيء لا يستتبع مثله بل ما هو أدنى منه وأورد المستعير له أن يعير مالا يختلف باختلاف المستعمل والمكاتب يكاتب عبده وأجيب بأ ذلك ليس بطريق الاستتباع بل لما ملك المستعير المنفعة بغير بدل كان له أن يملك ما ملك كذلك والمكاتب بعقد الكتابة لما صار أحق بمكاسبه كان له ذلك لأن كتابته عبده من أكسابه والمنزل فوق البيت دون الدار وهو اسم لمكان يشتمل على بيتين أو ثلاثة ينزل فيها ليلا ونهارا وله مطبخ وموضع قضاء الحاجة فيتأتى فيه السكنى بالعيال مع ضرب قصور إذ ليس له صحن غير مسقف ولا إصطبل الدواب فلكون البيت دونه صلح أن يستتبعه فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع غير متوقف على التنصيص عليه باسمه الخاص وهو أن يشتريه بكل قليل وكثير هو له فيه أو منه أو بكل حق له أو بمرافقه ولشبهه بالبيت لا يدخل بلا ذكر زيادة والدار اسم لساحة أدير عليها الحدود وتشتمل على بيوت وإصطبل وصحن غير مسقف وعلو فيجمع فيها بين الصحن للاسترواح ومنافع الأبنية للإسكان ولا فرق بين كون الأبنية بالتراب والماء أو بالخيام والقباب والعلو من توابع الأصل وأجزائه فيدخل فيه بلا ذكر زيادة على شراء الدار وكذا يدخل الكنيف الشارع والكنيف هو المستراح أما الظلة وهو الساباط الذي يكون أحد طرفيه على الدار والآخر على دار أخرى أو على إسطوانات في السكة ومفتحها في الدار المبيعة فعند أبي حنيفة لا يدخل في بيع الدار مالم يقل ما ذكرنا من قوله بكل
____________________
(7/41)
حق هو لها أو مرافقها أو بكل قليل أو كثير وهو فيها أو منها لأنه أي الظلة بتأويل الساباط مبني على هواء الطريق فأخذ حكمه وعندهما إن كان مفتحه في الدار يدخل بلا ذكر زيادة ولأن مفتحها إذا كان في الدار كانت تبعا للدار كالكنيف الشارع قالوا هذا في عرفهم أي عرف أهل الكوفة أما في عرفنا يدخل العلو من ذكر في الصور كلها سواء كان المبيع بيتا فوقه علو أو منزلا كذلك لأن كل مسكن يسمى خانة في بلاد العجم وله علو سواء كان صغيرا كالبيت أو غيره إلا دار السلطان تسمى سراي قوله ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا فيها أو مسكنا فيها لم يكن له الطريق في هذه الدار إلى ذلك المشتري إلا أن يشتريه بكل حق أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير وكذا الشرب والمسيل لأنه خارج الحدود إلا أنه من التوابع فيدخل بذكرها وفي المحيط المراد الطريق الخاص في ملك إنسان فأما طريقها إلى سكة غير نافذة وإلى طريق عام فيدخل وكذا ما كان له من حق تسييل الماء وإلقاء الثلج في ملك إنسان خاصة وقال فخر الإسلام إذا كان طريق الدار المبيعة أو مسيل مائها في دار أخرى لا يدخل من غير ذكر الحقوق لأنه ليس من هذه الدار فلا يدخل إلا بذكر الحقوق إلا أن تعليله بقوله لأنه ليس من هذه الدار يقتضي أن الطريق الذي في هذه الدار يدخل وهو غير ما في الكتاب فالحق أن كلا منهما لا يدخل لأنه وإن كان في هذه الدار فلم يشتر جميع هذه الدار إنما اشترى شيئا معينا منها فلا يدخل ملك البائع وملك الأجنبي إلا بذكره ثم قال فإن قال البائع ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فالمشتري لا يستحق الطريق بغير حجة ولكن له أن يردها بالعيب وكذا لو كانت جذوع دار أخرى على الدار المبيعة فإن كانت للبائع يؤمر برفعها وإن كانت لغيره كانت بمنزلة العيب وكذا لو ظهر في الدار المبيعة طريق لدار أخرى أو سيل ماء فإن كانت تلك الدار للبائع فلا طريق له في الدار المبيعة وقوله بخلاف الإجارة متصل بقوله لم يكن له الطريق يعني في الإجارة يدخل الطريق والشرب والمسيل لأن المقصود منها الانتفاع ولا انتفاع بغير دخول هذه الأشياء والبيع ليس كذلك فإن المقصود منه في الأصل ملك الرقبة لا الانتفاع بعينها عينا بل إما كذلك أو ليتجر فيها أو يأخذ نقضها فلم تتعين فائدة للبيع فلا يلزم ولهذا جاز بيع الجحش كما ولد وإن لم ينتفع به في الحال وكذا الأرض السبخة ولا تصح إجارة ذلك وفي الكافي ولهذا لو استأجر علوا واستثنى الطريق
____________________
(7/42)
فسدت الإجارة بخلاف ما لو اشترى علوا واستثنى الطريق يصح ولو استحق العلو ثم أجيز البيع صح لأن القضاء بالاستحقاق لا يوجب انفساخ البيوع الماضية في ظاهر الرواية ولا شيء لصاحب ساحة العلو من الثمن لأنه بمقابلة المبيع والمبيع البناء لا الساحة لأن حقه في الهواء فإن قيل ما ذكرتم يشكل بالقسمة في دار بين رجلين وفيها صفة فيها بيت وبابه في الصفة ومسيل ماء ظهر البيت على ظهر الصفة فاقتسما فأصاب الصفة أحدهما وقطعة من الساحة ولم يذكروا طريقا ولا مسيلا وصاحب البيت لا يستطيع أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ولا يقدر أن يسيل ماءه في ذلك فالقسمة فاسدة فعلى قياس ما ذكرتم في الإجارة ينبغي أن يدخل الطريق والمسيل وإن لم يذكر الحقوق تحريا لجواز القسمة كما أدخلتموها تحريا لجواز الإجارة أجيب بأن الفرق بينهما لأن موضع الشرب ليس مما تناولته الإجارة وإنما يتوسل به إلى الانتفاع والآجر إنما يستوجب الأجرة إذا تمكن المستأجر من الانتفاع ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما هذا بالأجرة وهذا بالانتفاع أما هنا فموضع الطريق والمسيل داخل في القسمة لأنهما كانا داخلين في الملك المشترك فموجب القسمة اختصاص كل منهما بما هو نصيبه فلو أثبتنا لأحدهما حقا في نصيب الآخر تضرر به الآخر ولا يجوز الإضرار دون رضاه وإنما دليل الرضا اشتراط الحقوق والمرافق واعلم أنه إذا ذكر الحقوق في البيع وهو بحيث يمكنه إحداث طريق فيما اشتراه وتسييل مائه فيه لم يلزمه ذلك الطريق والمسيل وفي القسمة إذا ذكر الحقوق وأمكنه الطريق والتسييل فيما اصابه ليس له ذلك بل يتطرق ويسيل فيما أصابه فطولب بالفرق والفرق أن البيع إيجاد الملك من العدم لقصد الانتفاع به وإن لم يلزم فيه ذلك فما شرطه يتم مطلقا والمقصود بالقسمة تمييز الملك الثابت لهما لكل منهما لينتفع به على الخصوص بحيث لا يشركه فيه أحد إذ لو لم يرد ذلك الخصوص لم يكن حاجة إلى القسمة وإنما يتم هذا إذا لم يدخل الطريق والمسيل فلا يدخلان إلا برضا صريح ولا يكفي فيه ذكر الحقوق والمرافق & باب الاستحقاق
____________________
(7/43)
حق هذا الباب أن يذكر بعد تمام أبواب البيع لأنه ظهور عدم الصحة بعد التمام ظاهرا ولكن لما ناسب الحقوق لفظا ومعنى ذكر عقيبه قوله ومن اشترى جارية فولدت عنده فاستحقها رجل فإن كان ببينة استحق ولدها معها وأرشها إن كان وإن كان بمجرد إقرار المشتري له بها لا يستحق الولد بذلك ووجه الفرق أن البينة حجة مطلقة أي ثابتة في حق جميع الناس غير مقتصرة على المقضي عليه فإنها كاسمها مبينة لما كان ثابتا في نفس الأمر قبل الشهادة به لأن الشهود لا يتمكنون من إثبات ملك في الحال لم يكن ثابتا في الأصل ولا القاضي وإنما تظهر البينة ما كان ثابتا قبله قبلية لا تقف عند حد معين ولهذا ترجع الباعة بعضهم على بعض فيما إذا اشترى واحد من آخر واشترى من الآخر آخر وهكذا ثم ظهر الاستحقاق بقضاء بالبينة فإنه يثبت أنه قضاء على الكل ولا تسمع دعوى أحدهم أنه ملكه لأن الكل صاروا مقضيا عليهم بالقضاء على المشتري الأخير كما لو ادعت في يد الأخير أنها حرة الأصل حيث يرجعون فالولد كان متصلا بها في الزمان الذي ينسحب عليه إظهار البينة الملك فيكون له أما الإقرار فحجة قاصرة على المقر حتى لا يتعدى إلى غيره لأنه لا ولاية له على غيره ولهذا لا يرجع المشتري على البائع بالثمن في الاستحقاق بالإقرار وإنما جعل حجة لضرورة تصحيح خبره وذلك يحصل بإثباته في الحال والولد في الحال منفصل عنها والإقرار إنما هو بها فقط فلا يتعدى إليه وهذا التوجيه يقتضي أنه لو ادعاه المقر له لا يكون له وذكر التمرتاشي أنه إنما لم يكن للمقر له إذا لم يدعه فلو ادعاه كان له لأن الظاهر أنه له وإذا قلنا إن الولد للمستحق بالبينة فقضى القاضي بالأم هل يدخل في القضاء فيصير هو أيضا مقضيا به قيل نعم تبعا كما أن ثبوت استحقاقه تبعا وقيل لا بل يشترط القضاء بالولد أيضا لأنه أصل يوم القضاء لانفصاله واستقلاله فلا بد من الحكم به وهو الأصح من المذهب قال المصنف وإليه تشير المسائل
____________________
(7/44)
التي ذكرها محمد رحمه الله فإن محمدا قال إذا قضى القاضي بالأصل ولم يعلم الزوائد لا تدخل الزوائد تحت الحكم وكذا إذا كانت الزوائد في يد غائب لم تدخل فحيث لم يدخل القضاء على الغائب في ضمن القضاء على الحاضر وهو أمر جائز عرف أنه يشتري القضاء بالولد بخصوصه ثم ذكر في النهاية أن القضاء باستحقاق المبيع على المشتري لا يوجب انفساخ العقد الذي بينه وبين البائع ولكن يوجب توقفه على إجازة المستحق وتبعه الجماعة فاعترضه شارح بأن غاية ما في الباب أن يكون بيع فضولي يعني بائع المشتري الذي قضى عليه بالاستحقاق وفيه إذا وجد عدم الرضا ينفسخ العقد وإثبات الاستحقاق دليل عدم الرضا يعني الموقوف المفسوخ لا تلحقه الإجازة واستوضح بما في الفتاوى الصغرى اشترى شيئا ثم استحق من يده ثم وصل إلى المشتري يوما لا يؤمر بالتسليم إلى البائع لأنه وإن جعل مقرا بالملك للبائع لكن بمقتضى الشراء وقد انفسخ الشراء بالاستحقاق فينفسخ الإقرار ثم قال لا جرم لو اشترى عبدا قد أقر نصا أنه ملك البائع ثم استحق من يد المشتري ورجع بالثمن على البائع ثم وصل إليه يوما يؤمر بالتسليم إلى البائع لأن إقراره بالملك له لم يبطل ونقله عن شرح قسمة خواهر زاده انتهى وما ذكره صاحب النهاية هو المتصور وقوله إثبات الاستحقاق دليل عدم الرضا إن أراد دليل عدم الرضا بالبيع فليس بلازم لا يجوز أن يكون دليل عدم الرضا بأن يذهب من يده مجانا وذلك لأنه لو لم يدع الاستحقاق ويثبته استمر في يد المشتري من غير أن يحصل له عينه ولا بدله فإثباته ليحصل أحدهما إما العين أو البدل بأ يجيز ذلك البيع ويصل الثمن إليه فظهر أن إثبات الاستحقاق ليس ملزوما لعدم الرضا بالبيع بل المحقق أنه ملزوم لعدم الرضا بذهابه وذهاب بدل عينه وأما مااستوضح به من الفتاوى الصغرى فليس مفيدا له لأن المذكور فيهااستحق من يده ثم وصل إليه ومعنى هذا أنه أخذ عينه من يد المشتري ثم وصل إليه ولا شك أنه إذا اتصل بإثبات الاستحقاق أخذ المستحق للعبد بعينه فلا بد أن يرجع المشتري بالثمن ممن هو في يده فقد ظهر منه عدم الرضا بالمبيع وإلا لم يأخذ وأجازه فأين هذا من مجرد إثبات الاستحقاق والقضاء به حتى ظهر ملكه فيه والله سبحانه هو الفتاح الجواد لا إله غيره ولا مرجو إلا خيره وفي الذخيرة مما يجب اعتباره في فصل الاستحقاق أن استحقاق المبيع يوجب توقف استحقاق العقد السابق على إجازة المستحق ولا يوجب نقضه في ظاهر الرواية انتهى واعلم أن المنقول في أن البيع متى ينفسخ أقوال قيل إذا قبض المستحق وقيل بنفس القضاء والصحيح أنه لا ينفسخ ما لم يرجع
____________________
(7/45)
المشتري على بائعه بالثمن حتى لو أجاز المستحق بعد ما قضي له أو بعد ما قبضه قبل أن يرجع المشتري على بائعه يصح وقال شمس الأئمة الحلواني الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء للمستحق لا يكون فسخا للبياعات مالم يرجع كل على بائعه بالقضاء وفي الزيادات روي عن أبي حنيفة أنه لا ينتقص مالم يأخذ العين بحكم القضاء وفي ظاهر الرواية لا ينفسخ مالم يفسخ وهو الأصح انتهى ومعنى هذا أن يتراضيا على الفسخ لأنه ذكر فيها أيضا إذا استحق المشتري فأراد المشتري نقض البيع من غير قضاء ولا رضا البائع ليس له ذلك لأن احتمال إقامة البينة على النتاج من البائع أو على تلقي الملك من المستحق ثابت إلا إذا قضى القاضي فيلزم العجز فينفسخ انتهى يعني يلزم العجز عن إثبات ذلك أو المراد أن يفسخ المستحق فإنه هو المالك نعم لا شك في انه لو فرض اتفاق عدم رجوع المشتري بعد أن قضى للمستحق وأخذ المبيع واستمر غير مجيز أنه ينفسخ فإن سكوته بعد الأخذ عن الإجازة قدر ما يتمكن فيه من الإجازة ولم يجز دليل ظاهر في عدم رضاه بالبيع قوله ومن اشترى عبدا أي اشترى إنسانا قال له اشترني فإني عبد فإذا هو حر أي فظهر أنه حر ببينة أقامها فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة أي يدرى مكانه لا يرجع على العبد بشيء من الثمن الذي قبضه بائعه للتمكن من الرجوع على القابض وإذا كان البائع لا يدري أين هو رجع المشتري على العبد بما دفع إلى البائع من الثمن ورجع العبد على بائعه بما رجع المشتري به عليه إن قدر وإنما يرجع العبد على البائع مع أنه لم يأمره بالضمان عنه لأنه أدى دينه وهو مضطر في أدائه بخلاف من أدى عن آخر دينا أو حقا عليه بغير أمره فليس مضطرا فيه فإنه لا يرجع به والتقييد بالقيدين لأنه لو قال أنا عبد وقت البيع ولم يأمره بشرائه أو قال اشترني ولم يقل فإني عبد لا يرجع عليه بشيء ولو ارتهن عبدا مقرا بالرق فظهر حرا وقد كان قال ارتهني فإني عبد الراهن لم يرجع عليه أي على العبد على كل حال
____________________
(7/46)
أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا يعرف مكانه أو لا يعرف وهذا ظاهر الرواية عنهم وعن أبي يوسف أنه لا يرجع فيهما أي في البيع والرهن لأن الرجوع بالمعاوضة وهي المبايعة هنا أو بالكفالة وليس واحد منهما ثابتا بل الثابت ليس إلا مجرد الإخبار كاذبا فصار كما لو قال أجنبي لشخص ذلك وكقول العبد ارتهني فإني عبد وهي المسئلة المذكورة ثانيا ولهما أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره وإقراره فكان مغرورا من جهته والتغرير في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض تجعل سببا للضمان دفعا للضرر بقدر الإمكان فكان بتغريره ضامنا لدرك الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع ولا تعذر إلا فيما يعرف مكانه كالمولى إذا قال لأهل السوق بايعوا عبدي فإني قد اذنت له ففعلوا ثم ظهر استحقاق العبد فإنهم يرجعون على المولى بقيمة العبد ويجعل المولى بذلك ضامنا لدرك ما ذاب عليه دفعا للغرور عن الناس بخلاف الرهن فإنه ليس عقد معاوضة بل عقد وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى جاز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه فلو هلك يقع استيفاء للدين فلو كان معاوضة كان استبدالا بالمسلم فيه قبل قبضه وهو حرام وإذا لم يكن عقد معاوضة لا يجعل الأمر به ضمانا لأنه ليس تغريرا في عقد معاوضة ولهذا قالوا لو قال رجل لآخر وقد سأله عن
____________________
(7/47)
أمن هذا الطريق فقال اسلكه فإنه آمن فسلكه فنهب ماله لم يضمن وكذا لو قال كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم فأكله فمات لا قصاص عليه غير أنه استحق عند الله عذابا لا يطاق وبخلاف الأجنبي لأنه لا يعبأ بقوله فالرجل هو الذي اغتر قال المصنف ثم في وضع المسئلة ضرب إشكال على قول أبي حنيفة لأن الدعوى أي دعوى الحرية شرط في القضاء ببينتها والدعوى لا تصح من هذا العبد للتناقض فإن دعوى الحرية تناقض تصريحه برقه فأجيب من جهة بعض المشايخ أن هذه الدعوى إن كانت بحرية الأصل فالدعوى ليست بشرط عنده كقولهما في دعوى الحرية مطلقا لتضمنه تحريم فرج أمه على السيد وتحريم أخواتها وبناتها وحرمة الفرج حقه تعالى والدعوى ليست شرطا في حق الله تعالى كا في عتق الأمة حتى أن الشهود يحتاجون في شهادتهم إلى تعيين الأم والحرمات لا تحتاج في القضاء بها إلى الدعوى وإذا لم تحتج إلى الدعوى لا يضر التناقض فيها وقيل هو أي الدعوى شرط مطلقا في حرية الأصل ودعوى الإعتاق في الكافي والصحيح أنه دعوى العبد شرط عند أبي حنيفة في حرية الأصل والعتق العارض لكن التناقض في دعوى الحرية لا يمنع صحة الدعوى بها أما في حرية الأصل فلخفاء حال العلوق فإنه يسبى مع أمه أو بدونها ولا يعلم بحريتها ورقها حال العلوق به فيقر بالرق ثم تظهر له حرية أمه فيدعي الحرية وفي الإعتاق العارض فلأن المولى ينفرد به ولا يعلم العبد فيقر بالرق
____________________
(7/48)
ثم يعلمه فيدعيه والتناقض في دعوى ما فيه خفاء يعذر فيه وصار كالمختلعة تقيم البينة على تطليق الزوج إياها ثلاثا قبل اختلاعها تقبل وكذا المكاتب يقيمها على الإعتاق قبل الكتابة تقبل مع أن اتفاقهما على سؤال الخلع والكتابة إقرار بقيام العصمة والرق ولم يضرهما التناقض للخفاء فترجع المرأة والمكاتب ببدل الخلع ومال الكتابة وذكر هنا مسئلة الجامع الكبير وهي أصل في الاستحقاق وهي رجل اشترى من آخر ثوبا فقطعه قميصا وخاطه ثم جاء مستحق فقال هذا القميص لي وأثبته بالبينة فالمشتري لا يرجع بالثمن على البائع لأن الاستحقاق ما ورد على ملك البائع لأنه لو كان ملكه في الأصل انقطع بالقطع والخياطة كمن غصب ثوبا فقطعه وخاطه ينتقل ملك المغصوب منه الثوب إلى الضامن فالأصل أن الاستحقاق إذا ورد على ملك البائع الكائن من الأصل يرجع عليه وإن ورد على ملك المشتري بعد ما صار إلى حال لو كان غصبا ملكه به لا يرجع على البائع لأنه متيقن الكذب ولهذا لو اشتراها منذ شهرين فأقام رجل بينة أنها له منذ شهر يقضى بها له ولا يرجع على بائعه وعرف أن المعنى أن يستحقه باسم القميص ولو كان أقام البينة أنه كان له قبل هذه الصفة رجع المشتري بالثمن وعلى هذا الجواب إذا اشترى حنطة وطحنها ثم استحق الدقيق ولو قال كانت قبل الطحن لي يرجع وكذا إذا اشترى لحما فشواه ولو اشترى شاة فذبحها وسلخها فأقام البينة رجل آخر أن الرأس والأطراف واللحم والجلد له فقضى بها رجع المشتري على البائع لأن هذا استحقاق عين الشاة قوله حقا في دار أي مجهولا فصالحه الذي في يده على مائة درهم فاستحقت الدار إلا ذراعا لم يرجع على الذي صالحه بشيء لتمكنه من أن يقول مرادي من الحق الذي ادعيته أو الحق الذي أدعيه هذا الباقي ولو كان ادعاها كلها فصالحه فاستحق منها شيء رجع بحسابه لأن التوفيق هنا غير ممكن فوجب الرجوع ببدله عند فوات سلامته ودلت المسئلة على أمرين أحدهما أن الصلح عن مجهول على معلوم جائز لأن الإبراء عن المجهول جائز عندنا لأن الجهالة فيما يسقط لا تفضي إلى المنازعة والآخر أن صحة الدعوى ليست شرطا في صحة الصلح لأن دعوى الحق غير صحيحة لجهالة المدعي به ولذا لو أقام به بينة لا تقبل أما إذا ادعى إقرار المدعى عليه بالحق قبلت البينة
____________________
(7/49)
فروع اشترى شيئا ثم قال هو ملك فلان وصدقه أو ادعاه فلان وصدقه هو أو أنكر فحلف فنكل ليس له في شيء من ذلك الرجوع على البائع بخلاف الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب فحلف فنكل يلزم الموكل لأن النكول من المضطر كالبينة وهو مضطر في النكول إذ لم يعلم عيبه ولا سلامته ولو أقام المشتري بينة على أنه ملك فلان لا يقبل لتناقضه فإن إقدامه على الشراء إقرار منه بملك البائع فإذا ادعاه لغيره تناقض بخلاف مالو برهن على إقرار البائع أنه ملك فلان يقبل لعدم تناقضه وبخلاف ما لو برهن على أنها حرة الأصل وهي تدعي ذلك أو أنها ملك فلان وهو أعتقها أو دبرها أو استولدها قبل شرائها حيث يقبل ويرجع بالثمن على البائع لأن التناقض في دعوى الحرية وفروعها لا يمنع صحة الدعوى باع عقارا ثم برهن أن ما باعه وقف لا يقبل لأن مجرد الوقف لا يزيل الملك بخلاف الإعتاق ولو برهن أنه وقف محكوم بلزومه يقبل ولو برهنت أمة في يد المشتري الأخير أنها معتقة فلان أو مدبرته أو أم ولده يرجع الكل إلا من كان قبل فلان اشترى شيئا ولم يقبضه حتى ادعى آخر أنه له لا تسمع دعواه حتى يحضر المشتري والبائع لأن الملك للمشتري واليد للبائع والمدعي يدعيهما فشرط القضاء عليهما حضورهما ولو قضى له بها بحضرتهما ثم برهن البائع أو المشتري على أن المستحق باعها من البائع ثم هو باعها من المشتري قبل ولزم البيع لأنه يقرر القضاء الأول ولا ينقضه ولو فسخ القاضي البيع بطلب المشتري ثم برهن البائع أن المستحق باعها منه يأخذها وتبقى له ولا يعود البيع المنتقض ولو قضى للمستحق بعد إثباته بالمستحق ثم برهن البائع على بيع المستحق منه بعد الفسخ تبقى الأمة للبائع عند أبي حنيفة وليس له أن يلزمها المشتري لنفوذ القضاء بالفسخ باطنا وظاهرا عنده ولو استحقت من يد مشتر فبرهن الذي قبله على بيع المستحق من بائع بائعه قبل لأنه خصم ولو برهن البائع الأول أن المستحق أمره ببيعها وهلك الثمن في يده يقبل ولو استهلكه أو رده لا يقبل ولو أقر عند الاستحقاق بالاستحقاق ومع ذلك أقام المستحق البينة وأثبت عليه الاستحقاق بالبينة كان له أن يرجع على بائعه لأن القضاء وقع بالبينة لا بالإقرار لأنه محتاج إلى أن يثبت بها ليمكنه الرجوع على بائعه هكذا ذكر رشيد الدين في باب دعوى الدين بسبب وبغير سبب من فتاواه وذكر في باب ما يكون إقرارا من المدعى عليه من فتاواه المدعي لو أقام بينة على دعواه ثم أقر المدعى عليه بالملك له فالقاضي يقضي بالإقرار لا بالبينة لأن البينة إنما تقبل على المنكر لا المقر وذكر في آخر كتاب الدعوى ادعى عينا في يد رجل وأنكر المدعى عليه فأقام بينة على ما ادعاه فقبل أن يقضي القاضي للمدعي ببينته أقر المدعى عليه بالعين للمدعي يقضي بالبينة أو بالإقرار اختلف فيه المشايخ بعضهم قالوا بالإقرار وبعضهم قالوا بالبينة لأن المدعي حين أقام البينة كان المدعى عليه منكرا واستحق المدعي القضاء بالبينة فلا يبطل هذا الاستحقاق بإقراره قال والأول أظهر وأقرب إلى الصواب وهو يناقض ما ذكره في باب دعوى الدين إلا أن تخص تلك بعارض الحاجة إلى الرجوع وقصد القاضي إلى القضاء بإحدى الحجتين بعينها فيتحصل أنه إذا ثبت الحق بالبينة والإقرار ينبغي على ما جعله الأظهر أن يقضى بالإقرار وإن سبقته إقامة البينة غير أن القاضي يتمكن من اعتباره قضاء بالبينة فعند تحقق حاجة الخصم إلى ذلك ينبغي أن يعتبر قضاء بها ليندفع الضرر عنه بالرجوع ولو قضى بالاستحقاق فطلب المشتري الثمن من البائع فرده إليه ثم ظهر فساد القضاء فليس للمشتري أن يسرتد المستحق من البائع لثبوت التقابل ولو لم يترادا ولكن
____________________
(7/50)
القاضي قضى للمستحق وفسخ البيع ثم ظهر فساد القضاء يظهر فساد الفسخ ولو أحب البائع أن يأمن غائلة الرد بالاستحقاق فأبرأه المشتري من ضمان الاستحقاق قائلا لا أرجع بالثمن إن ظهر الاستحقاق فظهر كان له الرجوع ولا يعمل ما قاله لأن الإبراء لا يصح تعليقه بالشرط قالوا والحيلة فيه أن يقر المشتري أن بائعي قبل أن يبيعه مني اشتراه مني فإذا أقر على هذا الوجه لايرجع بعد الاستحقاق لأنه لو رجع على بائعه فهو أيضا يرجع عليه بإقراره أنه باعه منه والله أعلم فصل في بيع الفضولي
مناسبة هذا الفصل مع الاستحقاق ظاهرة لأن دعوى الاستحقاق تتضمن دعوى الفضولي على أحسن الوجوه لأنه يتضمن إما دعواه أن بائعك باع ملكي بغير أمري لغصبه أو فضوله وأحسن المخارج الملتمسة فيه فضوله والفضول جمع فضل غلب في الاشتغال بما لا يعنيه وما لا ولاية فيه فقول بعض الجهلة لمن يأمر بالمعروف أنت فضولي يخشى عليه الكفر قوله ومن باع ملك غيره بغير إذنه فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ وهو قول مالك وأحمد وقال الشافعي لا ينعقد لأنه لم يصدر عن ولاية شرعية لأنها بالملك أو بإذن المالك وقد فقدا ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية وصار كبيع الآبق والطير في الهواء في عدم القدرة على التسليم وطلاق الصبي العاقل في عدم الولاية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك قلنا المراد البيع الذي تجري فيه المطالبة من الطرفين وهو النافذ أو المراد أن يبيعه ثم يشتريه فيسلمه بحكم
____________________
(7/51)
ذلك العقد وذلك غير ممكن لأن الحادث يثبت مقصورا على الحال وحكم ذلك السبب ليس هذا بل أن يثبت بالإجازة من حين ذلك العقد ولهذا يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة وسبب ذلك النهي يفيد هذا وهو قول حكيم يا رسول الله إن الرجل يأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأشتريها فأسلمها فقال صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك وقال الكرخي حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال حدثنا الحسن بن القزاز قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة سمعه من قومه عن عروة البارقي وحدثنا إبراهيم قال حدثنا ميمون الخياط قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة حدثنا الحي عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به أضحية فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ودينار فدعا النبي صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا ربح فيه وروي أنه صلى الله عليه وسلم دفع دينارا إلى حكيم بن حزام ليشتري به أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار وجاء الشاة والدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال صلى الله عليه وسلم بارك الله لك في صفقتك فأما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به وقولك لا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية إن أردت لا انعقاد على وجه النفاذ سلمناه ولا يضر وإن أردت لا انعقاد على وجه التوقف إلى أن يرى المالك مصلحة في الإجازة فيجيز فعله أو عدمها فيبطله ممنوع ولا دليل عليه بل الدليل دل على ثبوته وهو تحقق الحاجة والمصلحة لكل من العاقد والمالك والمشتري من غير ضرر ولا مانع شرعي فيدخل ثبوته في العمومات أما تحقق ما ذكرنا فإن المالك يكفي مؤنة طلب المشتري ووفور الثمن وقراره ونفاق سلعته وراحته منها ووصوله إلى البدل المطلوب له المحبوب والمشتري وصوله إلى حاجة نفسه ودفعها بالمبيع وارتفاع ألم فقدها إذا كان مهما له والعاقد يصون كلامه عن الإلغاء والإهدار بل وحصول الثواب له إذا نوى الخير لله تعالى من الإعانة على حصول الرفق لأخيه المسلم ولما كان هذا التصرف خيرا لكل من جماعة عباد الله من غير ضرر كان الإذن في هذا العقد ثابتا دلالة إذ كل عاقل يأذن في التصرف النافع له بلا ضرر يشينه أصلا وبالعمومات فوجب اعتباره وصار كالوصية من المديون
____________________
(7/52)
المستغرق وبأكثر من الثلث إذا كان المعقود عليه باقيا حيث يتوقف على إجازة المستحق بالإجماع فهذا أصل لقياس صحيح لا يقال فإذا ثبت الإذن دلالة ينبغي أن ينفذ العقد لأنا نقول الثابت دلالة مالا ضرر فيه وذلك هو الانعقاد موقوفا على رأي المالك فثبت بهذا القدر فأما نفاذه بلا رأيه ففيه إضرار به إذ قد لا يريد بيعه فيثبت بخلاف بيع الطير في الهواء والسمك في الماء لا يجوز لعدم المحل فإن الطير ليس بمملوك أصلا قبله وما ليس بمملوك لأحد لا يكون محلا للبيع وبيع الآبق ينعقد فاسدا وهو عندنا مفيد للملك إذا اتصل به القبض وعدم توقف طلاق الصبي ولو بمال لحق الشرع فإنه أنزله كالمجنون فيما نحن فيه وإن كان عاقلا إذ صح توكيله بذلك من غيره وطلاق المرأة ضرر ظاهر فإن عقد النكاح شرع للتراحم والتعاون وانتظام المصالح فلذا لم يتوقف ذلك منه لا على إجازة وليه ولا على إجازته بعد البلوغ بخلاف ما لو اشترى أو زوج أمته فإن هذه التصرفات تتوقف على إجازة وليه أو إجازته بعد البلوغ فإن قيل يجب أن يلغو لعدم المقصود منه وهو الملك قلنا لا يلزم من عدم ترتيبه في الحال عدمه مطلقا بل هو مرجو فلا يلزم عدمه وكون متعلق العقد مرجوا كاف في صحة التصرف وعن هذا صح تعليق الطلاق والعتاق بالشرط وإلا فلا وقوع في الحال ولا يقطع بوقوعه فكان ينبغي أن يلغى لكن لما كان بحيث يرجى صح وانعقد سببا في الحال مضافا أو عند الشرط كقولنا هذا وقول المصنف تصرف تمليك من إضافة العام إلى الخاص كحركة الإعراب والإضافة في مثله بيانية أي تصرف هو تمليك وحركة هي إعراب ولا حاجة إلى هذا القيد هنا لأن تصرفات الفضولي تتوقف عندنا إذا صدرت وللتصرف مجيز أي من يقدر على الإجازة سواء كان تمليكا كالبيع والإجارة والهبة والتزويج والتزوج أو إسقاطا حتى لو طلق الرجل امرأة غيره أو أعتق عبده فأجاز طلقت وانعقد وكذا سائر الإسقاطات للديون وغيرها وكان الأحسن أن يقول تصرف شرعي وأما القياس على الفضولي بالشراء ففي شراء الفضولي تفصيل ذكره في شرح الطحاوي وطريقه الخلاف وهو أنه لو قال بع هذا لفلان فقال المالك بعت فقال الفضولي قبلت لأجله فهو على هذا الخلاف فلا يصح القياس أما إذا قال الفضولي اشتريت هذا لأجل فلان فقال بعت أو قال المالك ابتداء بعت منك هذا العبد لأجل فلان فقال اشتريت نفذ على الفضولي غير متوقف على إجازة فلان لأنه وجد نفاذا على المشتري فلا يتوقف لأنه أضيف إليه ظاهرا فلا حاجة إلى إيقافه إلى رضا الغير وقوله لأجل فلان
____________________
(7/53)
يحتمل لأجل شفاعته أو رضاه بخلاف البيع لم يجد نفاذا قوله وله الإجازة أي للمالك إذا كان المعقود عليه باقيا وهو المبيع وكذا المتعاقدان وهما الفضولي والذي خاطبه فلا بد من بقاء أربعة الثلاثة المذكورة والمالك حتى لو مات لا تصح إجازة الوارث كما سنذكر هذا فيما إذا كان الثمن دينا أي مما لا يتعين وهذا لأن الإجازة تصرف في العقد فلا بد من قيام العقد الذي هو مورد هذا التصرف وقيامه بقيام العاقدين والمعقود عليه وإنما لم يذكر المالك لأنه ذكر أن الإجازة منه وهو فرع وجوده وفي الإيضاح عقد الفضولي في حق وصف الجواز موقوف على الإجازة فأخذت الإجازة حكم الإنشاء ولا بد في الإنشاء من قيام الأربعة وبالتفصيل شرط بقاء المعقود عليه لأن الملك لم ينتقل فيه وإنما ينتقل بعد الإجازة ولا يمكن أن ينتقل بعد الهلاك والمشتري ليلزمه الثمن وبعد الموت لا يلزمه مالم يكن لزمه حال أهليته والبائع لأنه يلزمه حقوق العقد بالإجازة ولا تلزم
____________________
(7/54)
إلا حيا والمالك لأن الإجازة تكون منه لا من وارثه وإذا أجاز المالك صار المبيع ملكا للمشتري والثمن مملوكا له أمانة في يده أي في يد الفضولي فلو هلك لا يضمنه كالوكيل فإن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة من حيث أنه بها صار تصرفه نافذا وإن لم يكن من كل وجه فإن المشتري من المشتري إذا أجاز المالك لا ينفذ بل يبطل بخلاف الوكيل وهذا بسبب أن الملك البات إذا طرأ على الموقوف وهو ملك المشتري من الفضولي يبطل الموقوف ولهذا لو تزوجت أمة وطئها مولاها بغير إذنه فمات قبل الإجازة توقف النكاح إلى إجازة الوارث لأنه لم يطرأ ملك بات للوارث في البضع ليبطل وهذا يوجب تقييد الوارث بكونه من الولاد بخلاف نحو ابن العم وللفضولي أي في البيع أن يفسخ قبل إجازة المالك حتى لو أجازه لا ينفذ لزوال العقد الموقوف وإنما كان له ذلك ليدفع الحقوق عن نفسه فإنه بعد الإجازة يصير كالوكيل فترجع حقوق العقد إليه فيطالب بالتسليم ويخاصم في العيب وفي ذلك ضرر به فله دفعه عن نفسه قبل ثبوته عليه بخلاف الفضولي في النكاح ليس له أن يفسخ بالقول ولا بالفعل لأنه معبر محض أي كناقل عبارة فبالإجازة تنتقل العبارة إلى المالك فتصير الحقوق منوطة به لا بالفضولي فلا يلزمه بالإجازة ضرر تعلق الحقوق وقد ثبت للمالك والولي حق أن يجيز وكذا بالفعل كأن زوج امرأة برضاها من غائب فقبل أن يجيز زوجة أختها توقف العقد الثاني أيضا بخلاف ما لو وكله بعد عقده فضولا أن يزوجه امرأة فزوجه أختها فإن العقد الأول يبطل لطروء البات على الموقوف هذا الذي ذكرناه فيما إذا كان الثمن دينا فإن كان عينا بأن باع الفضولي ملك غيره بعرض معين بيع مقايضة اشترط قيام الأربعة المذكورة وخامس وهو ذلك الثمن العرض وإذا أجاز مالك المبيع والثمن عرض فالفضولي يكون ببيع مال الغير مشتريا بالعرض من وجه والشراء لا يتوقف إذا وجد نفاذا فينفذ على الفضولي فيصير مالكا للعرض والذي تفيده الإجازة أنه أجاز للفضولي أن ينقد ثمن ما اشتراه من ذلك العرض من ماله كأنه قال اشتر هذا العرض لنفسك وانقد ثمنه من مالي هذا قرضا عليك فإن كان مثليا فعليه مثله وإن كان قيميا كثوب أو جارية فقيمته فيصير مستقرضا للجارية أو الثوب والفرض وإن لم يجز في القيميات لكن ذلك إذا كان
____________________
(7/55)
قصدا وهنا إنما يثبت ضمنا مقتضى لصحة الشراء فيراعى فيه شرائط صحة المقتضى وهو الشراء لا غير كالكفيل بالمسلم فيه إذا أداه من مال نفسه يصير مقرضا حتى يرجع بقيمته إن كان ثوبا لأن الثوب مثلي في باب السلم فكذا فيما جعل تبعا له فكذا هنا إذ لا صحة لشراء العبد إلا بقرض الجارية والشراء مشروع فما في ضمنه يكون مشروعا
هذا وإنما ينفذ الشراء على المشتري إذا لم يضفه إلى آخر ووجد الشراء النفاذ عليه ولم يسبق بتوكيل للمشتري من آخر فأما إن كان كذلك فالشراء يتوقف وفي الوكالة ينفذ على الموكل فإنه ذكر في شرح الطحاوي ولو اشترى رجل لرجل شيئا بغير أمره كان ما اشتراه لنفسه أجاز الذي اشتراه له أو لم يجز أما إذا أضافه إلى آخر بأن قال للبائع بع عبدك من فلان بكذا فقال بعت وقبل المشتري هذا البيع لفلان فإنه يتوقف وقوله ولو هلك المالك لا ينفذ بإجازة الوارث قدمنا الكلام فيه وهو بخلاف القسمة عند أبي حنيفة وأبي يوسف فإن القسمة الموقوفة على إجازة الغائب الكبير جازت بإجازة ورثته بعد موته استحسانا لأنه لا فائدة في نقض القسمة ثم الإعادة وقول محمد القسمة مبادلة كالبيع فلا تجوز بإجازة ورثته هو القياس والاستحسان مقدم ولو هلك المبيع قبل الإجازة قبل التسليم فلا ضمان على أحد وإن هلك بعده فللمالك أن يضمن أيهما شاء البائع أو المشتري وأيهما اختار برئ الآخر من الضمان لتضمن التضمين تمليكا فإذا ملكه من أحدهما لا يتصور تمليكه من الآخر فإن اختار تضمين المشتري بطل البيع الموقوف لأن أخذ القيمة كأخذ العين ويرجع المشتري بالثمن على الفضولي لا بما ضمن وإن اختار تضمين البائع نظر إن كان قبض البائع مضمونا عليه ينفذ بيعه لأن سبب ملكه وهو غصبه تقدم عقده وإن كان قبض أمانة وإنما صار مضمونا عليه بالتسليم لا ينفذ بيعه بالضمان لأن سبب ملكه تأخر عن عقده وذكر محمد في ظاهر الرواية أنه يجوز البيع بتضمين البائع وهو محمول على أنه سلمه أولا حتى صار مضمونا عليه ثم باعه فصار كالمغصوب هذا إذا باعه بثمن دين فإن كان بعين مما يتعين بالتعيين فهلك في يد البائع بطل البيع فلا تلحقه إجازة ويرد المبيع على صاحبه ويضمن البائع للمشتري مثل العرض أو قيمته إن كان قيميا لأنه قبضه بعقد فاسد ولو أجاز المالك في حياته ولا يعلم حال المبيع جاز البيع في قول ابي يوسف أولا وهو قول محمد رحمه الله لأن الأصل بقاؤه ثم رجع أبو يوسف وقال لا يصح حتى يعلم قيامه عند الإجازة لأن الشك وقع
____________________
(7/56)
في شرط الإجازة فلا يبت مع الشك قوله ومن غصب عبدا فباعه فأعتقه المشتري ثم أجاز المولى العبد البيع فالعتق جائز كذا ذكره محمد في الجامع الصغير ولم يذكر خلافا لكنهم اثبتوا خلافه مع زفر في بطلان العتق وهذه من المسائل التي جرت المحاورة بين ابي يوسف ومحمد حين عرض عليه هذا الكتاب فقال أبو يوسف ما رويت لك عن أبي حنيفة أن العتق جائز وإنما رويت أن العتق باطل وقال محمد بل رويت لي أن العتق جائز وإثبات مذهب أبي حنيفة في صحة العتق بهذا لا يجوز لتكذيب الأصل الفرع صريحاوأقل ما هنا أن يكون في المسئلة روايتان عن أبي حنيفة قال الحاكم الشهيد قال أبو سليمان هذه رواية محمد عن أبي يوسف ونحن سمعنا من أبي يوسف أنه لا يجوز عتقه وسيجيء إن شاء الله تعالى قالوا وقول محمد قياس وقول أبي حنيفة استحسان وجه قول محمد أنه لا عتق بلا ملك لقوله صلى الله عليه وسلم لا عتق فيما لا يملك ابن آدم والموقوف لا يفيد الملك وقت العتق ولو ثبت في الآخرة أي عند الإجازة ثبت مستندا وهو ثابت وقت العتق من وجه دون وجه والمصحح للإعتاق الملك الكامل لما روينا من هذا الحديث وقد سلف تخريجه ولهذا أي لأجل أن الشرط الملك الكامل لا يصح أن يعتقه الغاصب ثم يؤدي الضمان ولا المشتري يشرط الخيار للبائع ثم يجيز البائع البيع
____________________
(7/57)
وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب فيما نحن فيه مع أن البيع أسرع نفاذا من العتق حتى نفذ من الغاصب إذا أدى الضمان بعد أن باع وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان ولا الطلاق في النكاح الموقوف حتى إذا أجيز لا يقع على المرأة وكل من الطلاق والعتق في الحاجة إلى الملك على السواء وكذا إذا جعل فضولي أمر امرأة رجل بيدها فطلقت نفسها ثم أجاز الزوج لا تطلق بل يثبت التفويض فإن طلقت نفسها الآن طلقت حينئذ وإلا لا ولهما أن الملك ثبت موقوفا بتصرف مطلق موضوع لإفادة الملك ولا ضرر فيه على مامر أول الباب فيثبت الإعتاق موقوفا مرتبا عليه ثم ينفذ بنفاذه ومطلق بفتح اللام واحترز به عن البيع بشرط الخيار فخرج جواب قوله لا يصح عتق المشتري والخيار للبائع لأن ذلك ليس بتصرف مطلق إذ الخيار يمنع ثبوته في حق الحكم لا باتا ولا موقوفا وقد يقرأ بكسر اللام والفتح أصح وبموضوع لإفادة الملك عن الغصب فخرج الجواب عن قوله لا ينفذ من الغاصب إذا أعتق ثم أدى الضمان على أن الغصب ليس سببا موضوعا لإفادة الملك إنما يثبت الملك ضرورة أداء الضمان فهو بعرضية أن يعتبر سببا لا أنه وضع سببا فيقتصر على ذلك ولذا لا يتعدى إلى الزوائد المنفصلة بخلاف البيع إذا أجيز يثبت الملك في المتصلة والمنفصلة وأما بيع المشتري من الغاصب فإنما لا يصح منه لبطلان عقده بالإجازة فإن بها يثبت الملك للمشتري باتا والملك البات إذا ورد على الموقوف أبطله وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل الملك الموقوف لأنه لا يتصور اجتماع البات مع الموقوف في محل واحد على وجه يطرأ فيه البات وإلا فقد كان فيه ملك بات وعرض معه الملك الموقوف وصار كإعتاق المشتري من الراهن فإنه يتوقف بالاتفاق على إجازة المرتهن أو فك الرهن والجامع أنه إعتاق في بيع موقوف وكإعتاق الوارث عبدا من التركة المستغرقة بالدين يصح ثم ينفذ إذا قضى الدين
____________________
(7/58)
وأما عتق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان فنقول ينفذ كذا ذكره هلال الرأي ابن يحيى البصري في وقفه وهو من أصحاب أبي يوسف ذكر فيمن غصب ارضا فباعها فوقفها المشتري ثم أدى الغاصب ضمانها حتى ملك قال ينفذ وقفه على طريقة الاستحسان فالعتق أولى وأما عدم وقوع الطلاق في النكاح الموقوف وفي التفويض الموقوف فالأصل فيه أن كل تصرف جعل شرعا سببا لحكم إذا وجد من غير ولاية شرعية فلم يستعقب حكمه وتوقف إن كان مما يصح تعليقه جعل معلقا وإلا احتجنا إلى أن نجعله سببا في الحال متأخرا حكمه إن أمكن فالبيع ليس مما يعلق فيجعل سببا في الحال فإذا زال المانع من ثبوت الحكم بوجود الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده ولذا ملك الزوائد وأما التفويض فيحتمل التعليق فجعلنا الموجود من الفضولي معلقا بالإجازة فعندها يثبت التفويض للحال لا مستندا فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة وأما النكاح فلا يتعلق ولا يمكن أن يعتبر في حال التوقف سببا لملك الطلاق بل لملك المتعة المستعقب له إذا ثبت وهذا لأنه لا يثبت لأجل صحة الطلاق مقصودا
____________________
(7/59)
لأن شرعيته لضد ذلك من انتظام المصالح بينهما لا لوقوع الشتات بالفرقة فلا يثبت ذلك إلا بناء على ثبوت المقصود أولا وهو منتف هنا فلو ثبت لكان ليس إلا لصحة وقوع الطلاق بخلاف ملك اليمين فإنه يجوز أن ينعقد مقصودا لصحة العتاق والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم لا عتق الحديث النافذ في الحال وغاية ما يفيد لزوم الملك للعتق وهو ثابت هنا فإنا لم نوقعه قبل الملك فحاصل الخلاف كما قال الإمام القاضي يرجع إلى أن بيع الفضولي لا ينعقد في حق الحكم عند محمد وهو الملك لانعدام الولاية فكان الإعتاق لا في ملك فيبطل كما لو باعه المشتري من الغاصب وعندهما يوجبه موقوفا لأن الأصل اتصال الحكم بالسبب والتأخير لدفع الضرر عن المالك والضرر في نفاذ الملك لا في توقفه وبعد فالمقدمة القائلة في كلام محمد إن المصحح للإعتاق الملك الكامل لم يصرح فيها بدفع ويمكن أن يستخرج من الدليل المذكور منع أنه يحتاج إلى ملك كامل وقت ثبوته بل وقت نفاذه وهو كذلك قوله فإن قطعت يد العبد أي عند المشتري من غاصبه وحاصل وجوه هذه
____________________
(7/60)
المسئلة المذكورة أن من غصب عبدا فباعه فإما إن يعتقه المشتري من الغاصب ثم يجيز المالك بيع الغاصب وإما أن لا يعتقه ولكن قطعت يده ونحوه من الجراحات الموجبة للأرش فأخذ أرشها ثم أجاز المالك بيع الغاصب وإما أن لا يكون أحد هذين ولكن باعه المشتري من الغاصب ثم أجاز المالك بيع الغاصب وهو الذي يلي هذا الفرع وإما أن لا يكون شيء من ذلك ولكن مات في يده أو قتل ثم أجاز فهي أربعة فروع تتفرع على إجازة بيع الغاصب أولها ما إذا أجاز بيع الغاصب بعد عتق المشترى منه وهي التي فرغ منها والثاني ما إذا أجاز بيع الغاصب بعد أن جنى على العبد جناية فأخذ أرشها فإن الأرش يستحقه المشتري من الغاصب لأن قطع يده لا يمنع صحة الإجازة إذا لم يفت المعقود عليه بقطعها بخلاف موته فإذا لحقته الإجازة ظهر أنه قطع في ملكه فيستحق أرش يده لما ذكرنا من أن البيع موضوع سببا للملك بخلاف ما لو قطعت في يد الغاصب ثم أدى الضمان فملك العبد فإنه لا يكون له الزوائد لأن الغصب لم يوضع سببا للملك وإنما يثبت الملك مستندا لوقت الغصب
____________________
(7/61)
بطريق الضرورة فيظهر في المتصل لا المنفصل ثم يتصدق هذا المشتري بما زاد من أرش اليد على نصف الثمن لأنه أي ما زاد على نصف الثمن لم يدخل في ضمانه لما ذكرنا أن اليد من الآدمي نصفه والذي دخل في ضمانه هو ما كان في مقابلة الثمن فما زاد على نصف الثمن يكون ربح مالم يضمن وهذا لأن أرش يد العبد نصف قيمته والحر نصف ديته وعسى أن يكون نصف القيمة أكثر من نصف الثمن فلا يطيب له الفضل لأنه إنما دخل في ضمانه بالثمن لا بالقيمة وذكر المصنف وجها آخر وهو أن فيه شبهة عدم الملك لأن الملك في الأرش يثبت يوم القطع مستندا إلى يوم البيع وهو ثابت من وجه دون وجه وهو شبهة عدم الملك وأورد عليه لو وجب التصدق لشبهة عدم الملك في الزوائد ينبغي أن يتصدق بالكل لأن في الكل شبهة عدم الملك لعين المذكور في بيان شبهة عدم الملك في الزوائد ولو قيل شبهة عدم الملك إنما تؤثر المنع مع كونه لم يضمن إلا بانفراده دفع بأن كونه لم يضمن يستقل بالمنع اتفاقا فلا حاجة إلى زيادة شبهة عدم الملك إذ لا تفيد شيئا ووزع في الكافي الوجهين فقال إن لم يكن العبد مقبوضا وأخذ الأرش يكون الزائد على نصف الثمن ربح مالم يضمن لأن العبد قبل القبض لم يدخل في ضمانه ولو كان أخذ الأرش بعد القبض ففيه شبهة عدم الملك لأنه غير موجود أي الملك حقيقة وقت القطع وإنما ثبت فيه بطريق الاستناد فكان ثابتا من وجه دون وجه ولو كان المشتري من الغاصب أعتق العبد ثم قطعت يده ثم أجاز المولى بيع الغاصب كان الأرش للعبد قال المصنف وهذه أي هذه المسئلة وفي بعض النسخ هو حجة على محمد يعني كون الأرش للمشتري حجة على محمد في عدم تجويزه إعتاق المشتري من الغاصب إذا أجاز المالك بيع الغاصب فإنه إعتاق في ملك موقوف وهذا استحقاق أرش مملوك بملك موقوف والعذر له اي جوابه بالفرق بأن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ أرشها ثم عجز فرد في الرق فإن الأرش للمولى مع أن ملكه فيه حال الكتابة من وجه لا من كل وجه وكذا إذا قطعت يدالعبد في يد المشتري والخيار للبائع ثم أجاز البائع البيع يكون الأرش للمشتري بخلاف الإعتاق على ما مر حيث لا يكفي فيه إلا الملك من كل وجه والثالث من الفروع ما ذكره بقوله فإن باعه المشتري من آخر ثم أجاز المولى البيع الأول أي بيع الغاصب
____________________
(7/62)
لم يجز البيع أي بيع المشتري من الغاصب من الآخر لما ذكرنا يعني قوله لأن الإجازة تثبت للبائع ملكا باتا إلى آخره ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول أي بيع الغاصب بخلاف الإعتاق عندهما أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف فإنه أي الإعتاق لا يؤثر فيه غرر الانفساخ بدليل أن المشتري لو أعتق العبد قبل قبضه يجوز ولو باعه لا يجوز وقد روي عن أبي حنيفة أنه يتوقف البيع كما يتوقف الإعتاق واستشكل هذا التعليل بأنه شامل لبيع الفضولي مطلقا غاصبا أو غير غاصب إذ فيه غرر الانفساخ على تقدير عدم الإجازة ومع ذلك ينعقد موقوفا وتلحقه الإجازة أجيب بأن هناك معارضا لغرر الانفساخ مرجحا عليه وهو ما تقدم من تحقق المصالح المتعدية والقاصرة من غير شائبة ضرر وليس مثله ثابتا في البيع الثاني لأنه لم يملكه المشتري الأول حتى يطلب مشتريا آخر فتجرد البيع الثاني عرضة للانفساخ فلم ينعقد أصلا وإنما وجب تقديم ذلك المعارض لأنه لو اعتبر مجرد غرر الانفساخ بلا اعتبار النفع لم يصح بيع اصلا لأن كل بيع فيه غرر الانفساخ خصوصا في المنقولات لجواز هلاك البيع قبل القبض فينفسخ فالمعتبر مانعا غرر الانفساخ الذي لم يشبه نفع وفرق العتابي بغير هذا بين إعتاق المشتري من الغاصب حيث ينفذ بالإجازة وبين بيع المشتري من الغاصب حيث لا ينفذ بالإجازة بأن العتق منه للملك فهو مقرر للملك حكما والمقرر للشيء من حقوقه فجاز أن يتوقف بتوقفه والبيع إزالة له بلا إنهاء فكان ضدا محضا لحكمه فلا يتوقف بتوقفه ولا ينفذ بنفاذه والدليل على الفرق بينهما أن المشتري إذا أعتق ثم اطلع على عيب يرجع بالنقصان ولو باع ثم اطلع على عيب لا يرجع والرابع ما ذكره بقوله فإن لم يبعه المشتري ولكن مات في يده أو قتل ثم أجاز البيع لم يجز لما ذكرنا أن الإجازة من
____________________
(7/63)
شرطها قيام المعقود عليه وقد فات وهذا في الموت ظاهر وأما في القتل فلم يعتبر إيجاب البدل للمشتري بالقتل فيكون المعقود عليه باقيا ببقاء بدله فتصح الإجازة كما في البيع الصحيح إذا قتل فيه العبد قبل القبض فإن البيع لا ينفسخ كما ينفسخ بالموت بل يجعل قيام بدله كقيامه فيتخير المشتري بين أن يختار البيع فيدفع الثمن ويرجع ببدل العبد على قاتله وبين أن يفسخه فيصير إلى البائع فدار الفرق بأنه لا ملك للمشتري من الغاصب حال القتل ملكا يقابل بالبدل لأنه ملك موقوف والملك الموقوف لا يقابل بالبدل بخلافه في البيع الصحيح قوله ومن باع عبد غيره بغير أمره قوله بغير أمره وإن وقع في الجامع الصغير فليس من صورة المسئلة بل صورتها باع عبد غيره من رجل فأقام ذلك المشتري بينة على إقرار البائع أنه لم يأمره مالكه ببيعه أو اقام على قول رب العبد ذلك وأراد بذلك رد العبد فإن هذه البينة لا تقبل للتناقض على الدعوى إذ الإقدام على الشراء دليل دعواه صحته وأنه يملك بيعه ودعواه إقراره بعدم الأمر يناقضه إذ هو دليل أنه لم يصح ولم يملك البائع البيع وقبول البينة يبنى على صحة الدعوى فحيث لم تصح لم تقبل ولو لم تكن بينة بل ادعى البائع بعد البيع أن صاحبه لم يأمره ببيعه وقال المشتري أمرك أو ادعى المشتري عدم الأمر فالقول لمن يدعي الأمر لأن الآخر مناقض إذ إقدامه على البيع أو الشراء دليل اعترافه بالصحة وقد ناقض بدعواه عدم الأمر بخلاف الآخر ولذا ليس له أن يستحلفه لأن الاستحلاف يترتب على الدعوى الصحيحة لا الباطلة ذكره في شرح الزيادات بخلاف ما لو أقر البائع عند القاضي بذلك حيث يحكم بالبطلان والرد أن طلب المشتري ذلك لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار ولذا صح إقراره بالشيء بعد إنكاره إياه إلا أن الإقرار حجة قاصرة يعني إنما ينفذ في حق المقر خاصة فإذا وافقه المشتري نفذ عليهما فلذا شرط طلب المشتري حتى يكون نقضا باتفاقهما لا بمجرد إقرار البائع والمراد بفسخ القاضي أنه يمضي إقرارهما لا أن الفسخ يتوقف على القضاء أو فروعها أن صاحب العبد إذا حضر وصدقهما نفذ الفسخ في حقه
____________________
(7/64)
وتقرر وإن كذبهما وقال كنت أمرته كان القول قوله لما ذكرنا أن إقدامهما إقرار منهما بالأمر فلا يعمل رجوعهما في حقه ويغرم البائع الثمن له ويكون المبيع للبائع لا له ويبطل عن المشتري الثمن للآمر في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يبقى في ذمة المشتري للآمر ويرجع المشتري على البائع بمثل الثمن بناء على أن الوكيل بالبيع يملك إبراء المشتري عن الثمن عند أبي حنيفة ومحمد ويملك الإقالة بغير رضا الآمر وعلى قول أبي يوسف لا يملك قوله وذكر في الزيادات إلى آخره صورة مسئلة الزيادات اشترى جارية وقبضها ونقد الثمن ثم ادعاها مستحق كان المشتري خصما لأنه يدعيها لنفسه فإن أقر بها للمدعي أمر بتسليمها ولا يرجع بالثمن على بائعه لأن إقراره بها له لا يكون حجة على البائع وكذا لو جحد دعواه فحلف فنكل فقضى عليه بالنكول لأن نكوله ليس حجة على غيره لأنه كإقراره فرق بين هذا وبين الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب يحدث مثله بإقراره لا يلزم الموكل وإن رد عليه بنكوله يلزمه كرده بالبينة لأن المشتري مختار في النكول لأنه امتنع عن اليمين مع وجود ما يطلق له الحلف وهو البيع الذي هو ظاهر في الملك ولو كان مضطرا فالاضطرار إنما لحقه بعمل باشره بنفسه فلا يظهر حكم نكوله في حق الغير أما الوكيل فمضطر في النكول إذ لم يوجد ما يطلق له الحلف فإن غير المالك يخفى عليه عيب ملك المالك ولو قال المشتري أنا أقيم البينة أنها للمستحق لا رجع على البائع لا يلتفت
____________________
(7/65)
إليه لأنه مناقض في دعواه لأن إقدامه على الشراء إقرار منه بملك البائع وبصحة البيع وبهذه البينة ناقض فرق بين هذا وبين ما ذكر في المأذون رجل اشترى عبدا وقبضه ونقد الثمن ثم أقام البينة أن البائع باع العبد قبل ذلك من فلان الغائب بكذا قبلت بينته مع أنه مناقض ساع في نقض ما تم به والثانية ما روى ابن سماعة عن محمد إذا وهب لرجل جارية فاستولدها الموهوب له ثم أقام الواهب بينة أنه كان دبرها أواستولدها قبلت بينته فيرجع على الموهوب له بالجارية والعقر وقيمة الولد مع أنه مناقض ساع في نقض ما تم به وفرق أما في مسئلة الواهب فالفرق أن تناقضه فيما هو من حقوق الحرية كالتدبير والاستيلاد والتناقض فيه لا يمنع صحة الدعوى وعندي أن هذا غير صحيح لأن التناقض إنما قبل في دعوى الحرية لأنهما مما قد يخفى على المتناقض المدعى بها بعد إقراره بالرق والفاعل بنفسه للتدبير مثلا والاستيلاد لا يخفى عليه فعل نفسه من استيلاده ووطئه فيجب أن لا يقبل تناقضه ولا يحكم ببينته وأما في مسئلة المأذون فبأنه لو أقام البينة على البيع من الغائب قبل البيع منه فقد أقامها على إقرار البائع أنه ملك الغائب لأن البيع إقرار من البائع بانتقال الملك إلى المشتري ثم مسئلة الاستحقاق لو أقامها على إقرار البائع أنها للمستحق قبلت لأنه يثبت لنفسه حق الرجوع على البائع بإقراره وهو خصم في ذلك ويثبت ما ليس بثابت وهو إقرار البائع ولو كان مناقضا فالتناقض يرتفع بتصديق الخصم وهو يثبت بهذا تصديق الخصم ويجوز أن تقبل البينة على إقرار الخصم ولا تقبل على نفس الحق كما قال علماؤنا فيمن في يده عبد فادعاه رجل فأقام صاحب اليد البينة أنه لفلان الغائب لا تقبل بينته مالم يدع الوصول إليه من جهة الغائب ولو أقامها على إقرار المدعي تقبل وإن لم يدع الوصول إليه من جهته وفرق في شرح الزيادات بين هذا وبين مسئلة الجامع المذكورة في الهداية وهو أنه لا تقبل بينة المشتري على إقرار البائع أنه لم يأمره كما لا تقبل على دعواه أنه لم يأمره بأنه وضع المسئلة في الجامع فيما إذا كان المبيع في يد المشتري فهو سالم له من حيث الظاهر وسلامة المبيع من حيث الظاهر تمنع الرجوع بالثمن فلا يكون مدعيا حق الرجوع وفي الزيادات وضع فيما إذا أخذت الجارية من يد المشتري فكان مدعيا لنفسه حق الرجوع قال ولا يقال في مسئلة المأذون المبيع في يد المشتري ومع هذا قبلت بينته لأنا نقول ذلك محمول على ما إذا أخذ العبد من يده وهذا هو فرق المصنف وهو منظور فيه بأن وضع مسئلة الزيادات أيضا في ان الجارية في يد المشتري كما أسمعتك فالأولى ما ذكر في الفوائد الظهيرية عن بعض المشايخ أن مسئلة الجامع محمولة على أن المشتري أقام البينة على إقرار البائع قبل البيع أما إذا اقامها على إقراره بعدالبيع أن رب العبد لم يأمره بالبيع فتقبل لأن إقدام المشتري على الشراء يناقض دعواه إقرار البائع بعدم الأمر قبل البيع ولا يناقض دعواه إقراره بعدم الأمر بعد البيع قال ومسئلة
____________________
(7/66)
الزيادات محمولة على هذا ايضا فتقع الغنية عن التفرقة بين المسئلتين انتهى وقيل مسئلة الجامع محمولة على إقرار البائع أو رب العبد قبل البيع فلم تقبل للتناقض والزيادات على الإقرار بعد البيع فلم يلزم التناقض فقبلت ومما يناسب المسئلة باع عبد غيره بلا أمره ثم اشتراه من مولاه ثم أقام البائع البينة أنه اشترى العبد من مولاه بعد بيعه أو ورثه بعد البيع قال محمد تقبل بينته ويبطل البيع الأول ومن فروع مسئلة الاستحقاق على ما في شرح الزيادات ما لو قال المشتري للقاضي سل البائع أن الأمة للمستحق أو ليست له أجابه القاضي إلى ذلك لأنه يدعي أنه مظلوم وله حق الرجوع عليه بالثمن بإقراره فيسأله القاضي فإن أقر بذلك ألزمه الثمن وإن أنكر وطلب المشتري تحليفه أجابه القاضي إلى ذلك فمنهم من قال إنما يحلفه لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به يلزمه فإذا جحد يستحلف كما في سائر الدعاوى فإنه قيل نعم هو كذلك لكنه مناقض لأن شراءه إقرار منه بصحته ودعواه أنه ملك المستحق إنكار ذلك ولهذا لا تقبل بينته وكما لا تقبل البينة إلا بعد دعوى صحيحة لا يستحلف إلا بعد دعوى صحيحة دل عليه ما في المأذون اشترى عبد شيئا ثم قال أنا محجور وقال البائع مأذون فأراد العبد أن يقيم البينة على ما ادعى لا تقبل ولا يستحلف خصمه وإن أقر به البائع يلزمه وذكر في الجامع أن المشتري لو أراد استحلاف البائع أنك ما بعته من فلان قبل أن تبيعه مني لم يكن له ذلك وإن أقر به البائع يلزمه والجواب أن في مسئلتنا المشتري غير مناقض من كل وجه لأنه لا ينكر العقد أصلا ولا الثمن فإن بيع مال الغير منعقد وبدل المستحق مملوك وإنما ينكر وصف العقد وهو اللزوم بعد الإقرار من حيث الظاهر فكان متناقضا من وجه دون وجه فجعلناه مناقضا في حق البينة ولم نجعله مناقضا في حق اليمين ليكون عملا بهما والعمل على هذا الوجه أولى لأن البينة حجة متعدية فلو لم نجعله مناقضا في حقها يلزمنا أن لا نجعله مناقضا في حق اليمين بطريق الأولى بخلاف مسئلة المأذون لأن العبد منكر لحكم العقد أصلا لأن شراء المحجور لا يوجب ملك الثمن فكان مناقضا من كل وجه وبخلاف مسئلة الجامع لأن ثمة المبيع في يد المشتري فلا يكون له حق الخصومة وهذا على طريق الموافقة للمصنف في الفرق قال ولو لم تستحق الجارية ولكن ادعت أنها حرة الأصل فإن أقر المشتري بذلك أو استحلف فنكل وقضى القاضي بحريتها لم يرجع المشتري على البائع أما حرية الجارية فلأنها كانت له من حيث الظاهر فصح إقراره ولا يرجع على البائع لأن نكوله وإقراره حجة عليه دون غيره منهم من قال قوله فاستحلف فنكل غلط من الكاتب لأن الاستحلاف لا يجري في دعوى الرق في قول أبي حنيفة وعندهما يجري إلا أن اليمين تكون على الأمة فلا معنى لقوله فأبى المشتري اليمين ومنهم من قال بل هو صحيح لأن موضوع المسئلة فيما إذا بيعت الأمة وسلبت فانقادت لذلك فانقيادها كإقرارها بالرق فدعواها الحرية كدعوى العتق العارض فيكون الثمن على المشتري لأن الظاهر شاهد له فلو أن المشتري أقام البينة على البائع أنها حرة قبلت بينته ويرجع عليه بالثمن فرق بين هذا وبين الاستحقاق من وجهين أحدهما أنه ليس بمناقض في فصل الحرية لأنه فيها يظهر بينته أنه أخذ الثمن بغير حق وذلك دين عليه لأن الحرية تنفي انعقاد العقد وملك اليمين للبائع فكانت البينة مظهرة أن إقدامه على الشراء لم يكن إقرارا بانعقاد العقد فلا يتحقق التناقض أما الاستحقاق فلا يمنع انعقاد العقد ولا ملك الثمن للبائع فلو قبلنا بينة المشتري أنها للمستحق لا يظهر ببينته أنها للمستحق لأن إقدامه على الشراء إقرار بملك اليمين للبائع ومع بقاء ذلك الإقرار يتحقق التناقض ويصير مكذبا شهوده ساعيا في نقض ما تم به والوجه الثاني أنه مناقض في الفصلين إلا
____________________
(7/67)
أن هذا تناقض لا يحتمل النقض فلا يمنع صحة الدعوى كما لو تزوج امرأة ثم أقامت البينة أنها أخته من الرضاع أو أقامت البينة أنه طلقها ثلاثا ثم تزوجها قبل أن تنكح غيره وكذا لو أعتق عبده على مال ثم أقام العبد البينة أنه أعتقه قبل ذلك قبلت واختلف أصحابنا رحمهم الله فيمن باع أرضا ثم أقام بينة أنه باع ما هو وقف منهم من قال لا يقبل لأنه يحتمل الفسخ فصار كالبيع ومنهم من قال تقبل لأنه لا يحتمل الفسخ بعد القضاء فصار بمنزلة التدبير ونحوه وذكر أبو بكر الرازي رحمه الله إنما تقبل بينة المشتري أنها حرة لأنها شهادة قامت على حرمة الفرج فتقبل من غير دعوى حتى لو كان مكان الأمة عبد على قول أبي حنيفة لا تقبل وعلى قولهما تقبل لأنها شهادة على عتق العبد فلا تقبل من غير دعوى والتناقض يمنع الدعوى ولو ادعى المستحق أنها أمته أعتقها أو دبرها أو ولدت منه فأقر المشتري بذلك أو أبى اليمين وقضى عليه لا يرجع على البائع بالثمن لما قلنا فإن اقام المشتري البينة على البائع بذلك إن شهد الشهود على أن ذلك كان قبل الشراء قبلت بينته ويرجع عليه بالثمن لأنه يثبت ببينته أنها لم تدخل في العقد فكان مدعيا للدين فلا يكون مناقضا فإن شهدوا على أن ذلك كان بعد الشراء بينهما لا تقبل بينته لأنها وقت العقد كانت مملوكة محلا للعقد والإعتاق المتأخر لا يبطل الشراء السابق قوله ومن باع دارا لرجل أي عرصة غيره بغير أمره وفي جامع فخر الإسلام معنى المسئلة إذا باعها ثم اعترف بالغصب بعد ما أدخلها المشتري في بنائه فكذبه المشتري لم يضمن البائع عند ابي حنيفة لمن أقر بالغصب منه وهو قول أبي يوسف آخرا وكان يقول أولا يضمن وهو قول محمد وهي مسئلة غصب العقار هل يتحقق أولا عند أبي حنيفة لا فلا يضمن وعند محمد نعم فيضمن
فروع تتعلق بهذا الفصل باع الأمة فضولي من رجل وزوجها منه فضولي آخر فأجيزا معا ثبت الأقوى فتصير مملوكة لا زوجة ولو زوجاها من رجل فأجيزا بطلا ولو باعاها من رجل فأجيزا تنصف بينهما ويخير كل منهما بين أخذ النصف أو الترك ولو باعه فضولي وآجره آخر أو رهنه أو زوجه فأجيزا معا ثبت الأقوى فيجوز البيع ويبطل غيره لأن البيع أقوى وكذا تثبت الهبة إذا وهبه فضولي وآجره آخر وكل من العتق والكتابة والتدبير أحق من غيرها لأنها لازمة بخلاف غيرها والإجارة أحق من الرهن لإفادتها ملك المنفعة بخلاف الرهن والبيع أحق من الهبة لأن الهبة تبطل بالشيوع ففيما لا يبطل بالشيوع كهبة فضولي عبدا وبيع آخر إياه يستويان لأن الهبة مع القبض تساوي البيع في إفادة الملك وهبة المشاع فيما لا يقسم صحيحة فيأخذ كل النصف ولو تبايع غاصبا عرضي رجل واحد له فأجاز لم يجز لأن فائدة البيع ثبوت ملك الرقبة والتصرف وهما حاصلان للمالك في البدلين بدون هذا العقد فلم ينعقد فلم تلحقه الإجازة ولو غصبا من رجلين وتبايعا وأجاز المالك جاز ولو غصبا النقدين من واحد وعقد الصرف وتقابضا ثم أجاز جاز لأن النقود لا تتعين في المعاوضات وعلى كل واحد من الغاصبين
____________________
(7/68)
مثل ما غصب وتقدم أن المختار في بيع المرهون والمستأجر أنه موقوف على إجازة المستأجر والمرتهن فلو وصل إلى المالك بوفاء الدين أو الإبراء أو فسخ الإجارة أو تمام المدة تم البيع ولو لم يجيزا فللمشتري خيار الفسخ إذا لم يعلم وقت البيع بهما وإن علم فكذلك عند محمد وقيل هو ظاهر الرواية وعند أبي يوسف ليس له الفسخ إذا علم وقيل هو ظاهر الرواية وليس للمستأجر فسخ البيع بلا خلاف ولا للراهن والمؤجر وفي المرتهن اختلاف المشايخ وفي مجموع النوازل بيع المغصوب موقوف إن أقر به الغاصب أو كان للمغصوب منه بينة عادلة فلو أجاز تم البيع وإلا فلا ولو هلك قبل التسليم انتقض البيع وقيل لا لأنه أخلف بدلا والأول أصح وروى ابن سماعة عن أبي يوسف وبشر عن محمد أن شراء المغصوب من غاصب جاحد يجوز ويقوم المشتري مقام البائع في الدعوى وعن أبي حنيفة روايتان رجل غصب عبدا وباعه ودفعه إلى المشتري ثم إن الغاصب صالح المولى من العبد على شيء قال محمد إن صالحه على الدراهم والدنانير كان كأخذ القيمة من الغاصب فينفذ بيع الغاصب وإن صالحه على عرض كان كالبيع من الغاصب فيبطل بيع الغاصب ومن البيع الموقوف بيع الصبي المحجور الذي يعقل البيع ويقصده وكذا شراؤه على إجازة وليه والده أو وصيه أو جده أو القاضي وكذا الذي بلغ سفيها والمعتوه وكذا بيع المولى عبده المأذون المديون يتوقف على إجازة الغرماء في الصحيح خلافا لمن قال فاسد فلو قبض المولى الثمن فهلك عنده ثم أجاز الغرماء بيعه صحت إجازتهم ويهلك الثمن على الغرماء وإن أجاز بعضهم البيع ونقضه بعضهم بحضرة العبد والمشتري لا تصح الإجازة ويبطل البيع ومنه بيع المريض عينا من وارثه يتوقف على إجازة الورثة أو صحة المريض فإن صح من مرضه نفذ وإن مات منه ولم تجز الورثة بطل والله أعلم & باب السلم
تقدم أن البيع ينقسم إلى بيع مطلق ومقايضة وصرف وسلم لأنه إما بيع عين بثمن وهو المطلق أو قلبه وهو السلم أو ثمن بثمن فالصرف أو عين بعين فالمقايضة ولم يشترط في المطلق والمقايضة قبض فقدما وشرط في الآخرين ففي الصرف قبضهما وفي السلم قبض أحدهما فقدم انتقالا بتدريج وخص باسم السلم
____________________
(7/69)
لتحقق إيجاب التسليم شرعا فيما صدق عليه أعني تسليم رأس المال وكان على هذا تسمية الصرف بالسلم أليق لكن لما كان وجود السلم في زمنه صلى الله عليه وسلم هو الظاهر العام في الناس سبق الاسم له ويعرف مما ذكر أن معناه الشرعي بيع آجل بعاجل وما قيل أخذ عاجل بآجل غير صحيح لصدقه على البيع بثمن مؤجل وعرف أيضا انه يصدق على عقده بلفظ البيع بأن قال المسلم إليه بعتك كذا حنطة بكذا إلى كذا ويذكر باقي الشروط أو يقول المسلم اشتريت منك إلى آخره وفيه خلاف زفر وعيسى بن أبان وصحة المذهب عنه عسر الوجه لأن العبرة للمعنى ومعنى أسلمت إليك إلى كذا وبعتك إلى كذا في البيع مع باقي الشروط واحد وإن كان على خلاف القياس فذاك باعتبار أمر آخر لا بأمر يرجع إلى مجرد اللفظ وعرف أن ركنه ركن البيع وسبب شرعيته شدة الحاجة إليه وسيذكر المصنف شرائطه وأما حكمه فثبوت الملك للمسلم إليه في الثمن ولرب السلم في المسلم فيه الدين الكائن في الذمة أما في العين فلا يثبت إلا بقبضه على انعقاد مبادلة أخرى على ما سيعرف والمؤجل المطالبة بما في الذمة ومعناه لغة السلف فاعتبر في الشرع كأن الثمن يسلفه المشتري للبائع ليقضيه إياه وجعل إعطاء العوض للمسلم إليه فيه قضاء كأنه هو إذ لا يصح الاستبدال فيه قبل القبض وجعل الهمزة في أسلمت إليك للسلب بمعنى أزلت سلامة رأس المال حيث سلمته إلى مفلس ونحو ذلك بعيد ولا وجه له إلا باعتبار المدفوع هالكا وصحة هذا الاعتبار تتوقف على غلبة توائه عليه وليس الواقع أن السلم كذلك بل الغالب الاستيفاء قوله وهو يعني السلم عقد مشروع بالكتاب وهو آية المداينة أخرج الحاكم في المستدرك بسنده وصححه على شرطهما عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في الكتاب وأذن فيه قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه }
____________________
(7/70)
الآية وعنه رواه الشافعي في مسنده والطبراني وابن أبي شيبة وعزاه بعض متأخري المصنفين إلى البخاري وهو غلط فإنه لم يخرج في صحيحه لأبي حسان الأعرج واسمه مسلم واالمصنف قد ذكر لفظ الحديث أحل السلف المضمون فقال بعض المشايخ المراد بالمضمون المؤجل بدليل أنه في بعض رواياته السلف المؤجل وعلى هذا فهي صفة مقررة لا مؤسسة ويكون ما روى المخرجون الذين ذكرناهم من قوله المضمون إلى أجل جمعا بين مقررين وقوله مسمى أي معين وكذا بالسنة إلا أن لفظ الحديث كما ذكره المصنف فيه غرابة وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم وإن كان في شرح مسلم للقرطبي ما يدل على أنه عثر عليه بهذا اللفظ قيل والذي يظهر أنه حديث مركب من حديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان رواه أصحاب السنن الأربعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنه صلى الله عليه وسلم لا يحل سلف وبيع إلى أن قال ولا تبع ما ليس عندك قال الترمذي حسن صحيح وتقدم والرخصة في السلم رواه الستة عن أبي المنهال عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم والناس يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وفي البخاري عن عبدالله بن أبي أوفى قال إن كنا لنسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا يخفى أن جوازه على خلاف القياس إذ هو بيع المعدوم وجب المصير إليه بالنص والإجماع للحاجة من كل من البائع والمشتري فإن المشتري يحتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله وهو بالسلم أسهل إذ لا بد من كون المبيع نازلا عن القيمة فيربحه المشتري والبائع قد يكون له حاجة في الحال إلى السلم وقدرة في المآل على المبيع بسهولة فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته المالية فلهذه المصالح شرع ومنع بعض من نقد الهداية قولهم السلم على خلاف القياس لأنه بيع المعدوم قال بل هو على وفقه فإنه كالابتياع بثمن مؤجل وأي فرق بين كون أحد العوضين مؤجلا في الذمة وبين الآخر بل هو على وفق القياس ومصلحة الناس قال وهذا المعنى هو الذي فهمه ترجمان القرآن ابن عباس وتلا الآية
____________________
(7/71)
ثم قال بعد كلام اندفع فيه فالحاصل أن قياس السلم على الابتياع بثمن مؤجل أصح من قياسه على بيع المعدوم الذي لا يقدر على تسليمه عادة مع الحلول كسائر الديون المؤجلة وأطال كلاما وحاصله مبني على اعتقاد أن القوم قاسوا السلم على بيع المعدوم فيكون على خلاف القياس وأن قياسه على الثمن المؤجل أولى به وليس كلامهم هذا بل إنه هو نفسه بيع المعدوم فهو على خلاف القياس الأصلي فيه وكونه معدوما لا يقدر على تحصيله عادة ليس هو معتبرا في مفهوم السلم عندهم بل هو زيادة من عنده وقوله أي فرق إلى آخره يفيد أنه على وفق القياس وكلامه يفيد الاعتراف بكون بيع المعدوم على خلاف القياس ثم الفرق ظاهر وهو أن المبيع هو المقصود من البيع والمحل لوروده فانعدامه يوجب انعدام البيع بخلاف الثمن فإنه وصف يثبت في الذمة مع صحة البيع فقد تحقق البيع شرعا مع عدم وجود الثمن لأن الموجود في الذمة وصف يطابقه الثمن لا عين الثمن وليس في كلام ابن عباس ما يفهم أنه رآه على خلاف القياس وكونه فيه مصلحة الناس لا ينفي أنه على خلاف القياس بل لأجل هذه المصلحة شرع وإن كان على خلاف القياس قال المصنف رحمه الله والمراد بالموزونات أي التي يجوز السلم فيها غير الدراهم والدنانير أما الدراهم والدنانير فإن أسلم فيها دراهم أو دنانير فالاتفاق أنه باطل وإن أسلم غيرها من العروض ككر حنطة أو ثوب في عشرة دراهم أو دنانير فلا يصح سلما بالاتفاق لأن المسلم فيه لا بد أن يكون مثمنا والنقود أثمان فلا تكون مسلما فيها وإذا لم يصح فهل ينعقد بيعا في الكر والثوب بثمن مؤجل أو يبطل رأسا حكى المصنف فيه خلافا قيل يبطل وهو قول عيسى بن أبان وقيل ينعقد بيعا بثمن مؤجل ولا يبطل وهو قول أبي بكر الأعمش وجعل المصنف وغيره قول عيسى بن أبان أصح لأن تصحيح العقد إنما يكون في المحل الذي أوجب المتعاقدان البيع فيه لا في غيره وهما لم يوجباه إلا في الدراهم ولا يمكن تصحيح العقد باعتبارها بل باعتبار الثوب ولم يوجباه فيه فكان في غير محله إلا أن الأول عندي أدخل في الفقه لأن حاصل المعنى الصادر بينهما إعطاء صاحب الثوب برضاه ثوبه إلى الآخر بدراهم مؤجلة وهذا من إفراد البيع بلا تأويل إذ هو مبادلة المال بالمال بالتراضي وكونه أدخل الباء على الثوب لا يقدح في أن الواقع بينهما هو هذا المعنى وفيه تصحيح تصرفهما وإدخال الباء على الثوب كإدخالها على الثوب المقابل بالخمر فيما إذااشترى خمرا بثوب فإنه لا يبطل بل يفسد وإن كان يقتضي أن المبيع هو الخمر وهو مبطل اعتبارا لتحصيل غرضهما ما أمكن
____________________
(7/72)
قوله وكذا في المذروعات لأنه يمكن ضبطها بذكر الذرع والصفة والصنعة ولا بد منها أي من هذه الثلاثة للضبط الذي هو شرط الصحة وعرف من تعليله هذا أن شرط صحة السلم كون المسلم فيه مضبوطا على وجه يمكن تسليمه من غير إفضاء إلى المنازعة فلهذا أجمع الفقهاء على جواز السلم في المذروعات من الثياب والبسط والحصر والبواري إذا بين الطول والعرض وفي الإيضاح يحتاج إلى بيان الوزن في ثياب الحرير والديباج لبقاء التفاوت بعد ذكر الطول والعرض لأنها تختلف باختلاف الوزن فإن الديباج كلما ثقل ازدادت قيمته والحرير كلما خف زادت انتهى وهذا في عرفهم وفي عرفنا ثياب الحرير أيضا وهي المسماة بالكمخاء كلما ثقل ازدادت القيمة فالحاصل أنه لا بد من ذكر الوزن سواء كانت القيمة تزيد بالثقل أو بالخفة فإن قيل ينبغي أن لا يصح السلم في غير المكيل والموزون لأنه مشروع على خلاف القياس ولم يذكر في النص المفيد لشرعيته إلا الكيل والوزن فلا يقاس عليهما غيرهما لا يقال السلم مخصوص من عموم لا تبع ما ليس عندك ودليل التخصيص جاز أن يعلل ويلحق بالمخرج غيره به لأنا نقول ذلك مقيد بما إذا لم يخالف حكم دليل التخصيص القياس لاتفاق كلمتهم على أن ما خالف القياس لا يقاس عليه غيره فالجواب أن شرعية السلم ليس من تخصيص العام بل من تقييد المطلق فالعام وهو لفظ ما ليس عندك الواقع في سياق النهي وهو لا تبع مطلق بالنسبة إلى ذكر الأجل فيما ليس عندك وعدمه وشرعية السلم تقييد له بما إذا لم يذكر الأجل في المبيع أما إذا ذكر الأجل فيجوز بيع كل ما ليس عندك لا بعضه ليكون تخصيصا لما ليس عنده بل كل ما ليس عنده بلا ذكر أجل على عمومه في منع البيع وكله مع ذكره مخرج من ذلك الحكم لكن بشرط ضبطه ومعرفته كما أن ما عنده أيضا لا يجوز بيعه عن غير سلم مع جهالته وعدم ضبطه فالحاصل أن كله مع شرطه من الضبط يجوز بيعه بأجل ولا يجوز بغير أجل وكون المذكور في الحديث الكيل والوزن ليس تعيينا لهما ولا أمرا بخصوصهما على تقدير السلم بل حاصله أمر بتعيين الأجل والكيل على تقدير السلم في المكيل بيانا لشرط الصحة وهو عدم الجهالة يدل عليه سياق الحديث وهو أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال من أسلم في شيء يعني من هذه الثمار فليكن إلى أجل معلوم وفي كيل معلوم ثم إنه صلى الله عليه وسلم زاد الوزن ليفيد عدم الاقتصار على الكيل فإن سبب شرعية
____________________
(7/73)
بيع ما ليس عنده الحاجة إلى الاسترباح والتوسعة على المقل الراجي فأنيط بمظنة ذلك من الإقدام على أخذ العاجل بالآجل وإعطائه وشرط الضبط لدفع المنازعة والقدرة على التسليم ولذا أجمعوا على عدم الاقتصار على المكيل والموزون للقطع بأن سبب شرعيته لا تختلف وهو الحاجة الماسة إلى أخذ العاجل بالآجل وهي ثابتة من القزازين في المذروع كما في أصحاب المكيلات والموزونات يفهم ذلك كل من سمع سبب المشروعية المنقول في أثناء الأحاديث سواء كان له رتبة الاجتهاد أو لم يكن فلذا كان ثبوت السلم في المذروعات بالدلالة أعني دلالات النصوص المتضمنة للسبب لمن سمعها فإن قيل في المذروعات مانع وهو أن الضبط بالذرع دونه بالكيل والوزن فلا يلحق بهما فالجواب حينئذ إن قلت الذرع لا يضبط القدر كما يضبط الكيل والوزن فليس بصحيح بل الذراع المعين يضبط كمية المبيع بلا شبهة فيه والاختلاف فيه ليس في الصنعة ونحن ما قلنا إن مجرد ذكر عدد الذرعان مصحح للسلم بل لا بد من ذكر الأوصاف حتى ينضبط كما أن المكيل أيضا لا يكفي في صحة السلم فيه مجرد ذكر عدد الكيل بل لا بد أن يذكر الأوصاف معه فتأمل هذا التقرير فإن في غيره خبطا والله أعلم قوله وكذا في المعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض أي يجوز السلم فيها عددا لأن العددي المتقارب مضبوط بالعدد مقدور التسليم فيجوز السلم فيه عددا والصغير والكبير فيه سواء لاصطلاح الناس على إهدار التفاوت بعد أن يكون من جنس واحد لأن التفاوت حينئذ يسير لا عبرة به ولذا لا تباع بيضة دجاجة بفلس وأخرى بفلسين وهذا هو الضابط في المعدود المتقارب وهو مروي عن أبي يوسف وعليه عول المصنف أعني أن ما تفاوتت ماليته متفاوت كالبطيخ والقرع والرمان والرءوس والأكارع والسفرجل فلا يجوز السلم في شيء منها عددا للتفاوت في المالية إلا إذا ذكر ضابطا غير مجرد العدد كطول وغلظ ونحو ذلك ومن المعدودات المتفاوتة الجوالقات والفراء فلا يجوز فيها إلا بذكر مميزات وأجازوه في الباذنجان والكاغد عددا لإهدار التفاوت وفيه نظر ظاهر أو يحمل على كاغد بقالب خاص وإلا لا يجوز وكون الباذنجان مهدر التفاوت لعله في باذنجان ديارهم وفي ديارنا ليس كذلك بخلاف بيض النعام وجوز الهند لا يستحق شيء منه بالإسلام في بيض الدجاج والجوز الشامي والفرنج لعدم إهدار التفاوت من جنسين لكثرة التفاوت ويشترط مع العدد بيان الصفة أيضا فلو اسلم في بيض النعام أو جوز الهند جاز كما جاز في الآخرين وعن أبي حنيفة أنه منعه في بيض النعام ادعاء لتفاوت آحاده في المالية وهو خلاف ظاهر الرواية والوجه أن ينظر إلى الغرض في عرف الناس فإن كان الغرض في عرف من يبيع بيض النعام الأكل ليس غير كعرف أهل البوادي يجب أن يعمل بظاهر الرواية فيجوز وإن كان الغرض في ذلك العرف حصول القشر ليتخذ في سلاسل القناديل كما في ديار مصر وغيرها من الأمصار يجب أن يعمل بهذه الرواية فلا يجوز السلم فيها بعد ذكر العدد إلا مع تعيين المقدار واللون مع نقاء البياض أو إهداره قال المصنف
____________________
(7/74)
وكما يجوز عددا في العددي المتقارب يجوز كيلا وقال زفر لا يجوز لأنه ليس بمكيل بل معدود وعنه لا يجوز عددا أيضا للتفاوت بين آحاده قلنا أما التفاوت فقد أهدر فلا تفاوت إذ لا تفاوت في ماليته وأما كونه معدودا فمسلم لكن لم لا يجوز كيله مع أن اعتبار المقدار ليس إلا للضبط والضبط لم ينحصر في العدد بل يتعرف بطريق آخر فإن قيل الكيل غير معدوم فيه لما يبقى بين كل جوزتين وبيضتين من التخلخل قلنا قد علمنا به ورضي رب السلم فإنما وقع السلم على مقدار ما يملأ هذا الكيل مع تخلخله وإنما يمنع ذلك في أموال الربا إذا قوبلت بجنسها والمعدود ليس منها وكيله إنما كان باصطلاحهما فلا يصير بذلك مكيلا مطلقا ليكون ربويا وإذا أجزناه كيلا فوزنا أولى قوله وكذا في الفلوس عددا أي يجوز السلم في الفلوس عددا هكذا ذكره محمد رحمه الله في الجامع من غير ذكر خلاف فكان هذا ظاهر الرواية عنه وقيل بل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف أما عنده فلا يجوز بدليل منعه ببيع الفلس بالفلسين في باب الربا لأنها أثمان وهذا ما أراده المصنف من قوله ذكرناه من قبل وإذا كانت أثمانا لم يجز السلم فيها على ما ذكرناه وروى عنه أبو الليث الخوارزمي أن السلم في الفلوس لا يجوز على وفق هذا التخريج لكن ظاهر الرواية عنه الجواز والفرق له بين البيع والسلم أن من ضرورة السلم كون المسلم فيه مثمنا فإذا أقدما على السلم فقد تضمن إبطالهما اصطلاحهما على الثمنية ويصح السلم فيها على الوجه الذي يتعامل فيها به وهو العد بخلاف البيع فإنه يجوز وروده على الثمن فلا موجب لخروجها فيه عن الثمنية فلا يجوز التفاضل فامتنع بيع الفلس بالفلسين وقد تضمن الفرق المذكور جواب المصنف المذكور على تقدير تخريج الرواية عنه وقولنا يصح السلم فيها على الوجه الذي إلى آخره هو تقرير قول المصنف ولا يعود وزنيا يعني إذا بطلت ثمنيتها لا يلزم خروجها عن العددية إلى الوزنية إذ ليس من ضرورة عدم الثمنية عدم العددية كالجوز والبيض بل يبقى على الوجه الذي تعورف التعامل به فيها وهو العدد إلا أن يهدره أهل العرف كما هو في زماننا فإن الفلوس أثمان في زماننا ولا تقبل إلا وزنا فلا يجوز السلم فيهاإلا وزنا في ديارنا في زماننا وقد
____________________
(7/75)
كانت قبل هذه الأعصار عددية في ديارنا أيضا قوله ولا يجوز السلم في الحيوان دابة كان أو رقيقا وهو قول الثوري والأوزاعي وقال الشافعي ومالك وأحمد يجوز للمعنى والنص أما المعنى فلأنه يصير معلوما أي منضبطا ببيان الجنس كفرس أو إبل أو عبد والسن كابن مخاض أو عشار والنوع كعربي وبختي وحبشي والصفة كأحمر وأسمر وطويل أو ربعة والتفاوت بعد ذلك يسير وهو مغتفر بالإجماع وإلا لم يصح سلم أصلا فإن الغائب لو بلغ في تعريفه النهاية لا بد من تفاوت بينه وبين المرئي فإن بين جيد وجيد من الحنطة تفاوتا لا يخفى وإن صدق اسم الجودة على كل منهما وكذا بين ثوب ديباج أحمر وثوب ديباج أحمر فعلم أن التفاوت اليسير مغتفر شرعا فصار الحيوان كالثياب والمكيل وأما النص فما روى أبو داود عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة وكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأخرج الطحاوي بسنده
____________________
(7/76)
إلى أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي للرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه إن من خيار الناس أحسنهم قضاء فدل على ثبوت الحيوان في الذمة وعن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة وفي رواية بأربعة أبعرة مضمونة واستوصف بنو إسرائيل البقرة فوصفها الله تعالى لهم فعلموها بالوصف وقال صلى الله عليه وسلم ألا لا يصف الرجل الرجل بين يدي امرأته حتى كأنها تنظر إليه ولا تصف المرأة المرأة بين يدي زوجها حتى كأنه ينظر إليها فقد جعل الموصوف كالمرئي وقد أثبت الشرع الغرة ومائة من الإبل دية في الذمة وأثبت مهرا في الذمة وصحة الدعوى بالحيوان الموصوف والشهادة به مع أن شرط الدعوى والشهادة كون المدعي والمشهود به معلوما قلنا أما المعنى فيمنع أن بعد الوصف في الحيوان يصير التفاوت يسيرا بل هو بعد ذلك مما يصير معه تفاوت فاحش فإن العبدين المتساويين سنا ولونا وجنسا يكون بينهما من التفاوت في حسن الشيمة والأخلاق والأدب وفهم المقاصد ما يصيره بأضعاف قيمة الآخر وكذا بين الفرسين والجملين بخلاف الثياب فإنها مصنوعة العبد بآلة خاصة فإذا اتحدت لم تتفاوت إلا يسيرا وكذا بين الجيدين من الحنطة مثلا باتفاق خلق الله تعالى في غير الحيوان ذلك ولم يخلق الله تعالى الحيوان كذلك وقول المصنف رحمه الله قلما يتفاوت الثوبان إذا نسجا على منوال واحد يريد أنهما يتفاوتان قليلا لا عدم التفاوت أصلا كما هو استعمال قلما فإن هذا الفعل أعني قل إذا كف بما استعمل للنفي كقوله وقلما وصال على طول الصدود يدوم وحين علمنا أنه أراد قلة التفاوت وجب أن تجعل ما مصدرية والمعنى قل التفاوت ولا يخفى ما في قول غير واحد من الشارحين إذا اتحد الصانع والآلة اتحدا المصنوع من التساهل وأما النص المذكور فقال ابن القطان هذا حديث ضعيف مضطرب الإسناد فرواه حماد بن سلمة هكذا ورواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق فأسقط يزيد بن أبي حبيب وقدم أبا سفيان على مسلم بن جبير ذكر هذه الرواية الدارقطني ورواه عفان عن حماد بن سلمة فقال فيه عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي حبيب عن مسلم عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش ورواه عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش ورواه عن عبدالأعلى أبو بكر بن أبي شيبة فأسقط يزيد بن أبي حبيب وقدم أبا سفيان كما فعل جرير بن حازم إلا أنه قال في مسلم بن جبير مسلم بن كثير ومع هذا الاضطراب فعمرو بن حريش مجهول الحال ومسلم بن جبير لم أجد له ذكرا ولا أعلمه في غير هذا الإسناد وأبو سفيان فيه نظر انتهى كلامه فلا حجة فيه مع أنه معارض بما هو أقوى منه وهو ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن سفيان عن معمر بن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ورواه عبدالرزاق حدثنا معمر به وكذا رواه الدارقطني والبزار قال البزار ليس في الباب أجل إسنادا من هذا وقول البيهقي إنه عن عكرمة مرسل بسبب أن منهم من رواه عن معمر كذلك كأنه هو مبنى قول الشافعي رحمه الله إن حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة غير ثابت لكن هذا غير مقبول بعد تصريح الثقات بابن عباس كما ذكرنا وكذا رواه الطبراني في معجمه عن داود بن عبدالرحمن العطار عن معمر به مسندا وغاية ما فيه تعارض الوصل
____________________
(7/77)
والإرسال من الثقات والحكم فيه للوصل كما عرف وقد تأيد بعد تصحيحه بأحاديث من طرق منها ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وقول البيهقي أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة معارض بتصحيح الترمذي له فإنه فرع القول بسماعه منه مع أن الإرسال عندنا وعند أكثر السلف لا يقدح مع أنه قد يكون شاهدا مقويا فلا يضره الإرسال وأيضا اعتضد بالوصول السابق أو المرسل الذي يرويه من ليس يروي عن رجال الآخر وحديث آخر أخرج الترمذي عن الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيوان اثنين بواحد لا يصلح نساء ولا بأس به يدا بيد قال الترمذي حديث حسن كأنه للخلاف في الحجاج بن أرطاة وحديث آخر أخرجه الطبراني عن ابن عمر نحوه سواء وقول البخاري مرسل وجوابه على نحو ما ذكرناه آنفا وتضعيف ابن معين لمحمد بن دينار لا يضر لذلك أيضا مع أنه ليس كذلك وأخرج الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا خلف بن خليفة عن أبي خباب عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين فقال رجل يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل قال لا بأس إذا كان يدا بيد وحمل هذه الأحاديث على كون النهي فيما إذا كان النساء من الجانبين حتى يكون بيع الكالئ بالكالئ تقييدا للأعم فإنه أعم من ذلك فلا يجوز المصير إليه بلا موجب وقال المصنف رحمه الله صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلم في الحيوان هو ما أخرجه الحاكم والدارقطني عن إسحاق بن إبراهيم بن جونى حدثنا عبدالملك الذماري حدثنا سفيان الثوري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتضعيف ابن معين بن جونى فيه نظر بعد تعدد ما ذكر من الطرق الصحيحة والحسان مما هو بمعناه يرفعه إلى الحجية بمعناه لما عرف في فن الحديث وكذا يجب أن يرجح على حديث أبي رافع إن صح لأنه أقوى سندا أعني حديث ابن حبان ولأن المانع يرجح على المبيح وفي الباب أثر أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان
____________________
(7/78)
عن إبراهيم النخعي قال دفع عبدالله بن مسعود إلى زيد بن خويلدة البكري مالا مضاربة فأسلم زيد إلى عتريس بن عرقوب الشيباني في قلائص فلما حلت أخذ بعضا وبقي بعض فأعسر عتريس وبلغه أن المال لعبدالله فأتاه يسترفقه فقال عبدالله أفعل زيد فقال نعم فأرسل إليه فسأله فقال عبدالله اردد ما أخذت وخذ رأس مالك ولا تسلمن مالنا في شيء من الحيوان قال صاحب التنقيح فيه انقطاع يريد بين إبراهيم وعبدالله فإنه إنما يروى عنه بواسطة علقمة أو الأسود إلا أن هذا غير قادح عندنا خصوصا من إرسال إبراهيم فقد تعارضت الأحاديث والطرق عن ابن عباس وسمرة وجابر وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المطلوب وما ذكروا من معرفة البقرة بالوصف فإنما ذكر الله لهم أوصافا ظاهرة ليطبقوها على معين موجود ولا شك في أن هذا مما تحصل به المعرفة وكلامنا في أنه ينتفي معه التفاوت الفاحش مطلقا معناه وأما منعه صلى الله عليه وسلم وصف الرجل الحديث فللحوق الفتنة على السمع وهي لا تتوقف على انتفاء التفاوت الفاحش بين الوصف والشخص وأما ثبوته في الذمة في المهر والدية ونحوهما فلأن الحيوان فيه ليس مقابلا بمال وهو ظاهر فتجري فيه المساهلة بخلاف ما قوبل بمال فإنه تجري فيه المشاححة فجرينا على موجب ذلك وقلنا ما وقع من الحيوان بدل مال كالمبيع منه لا يجوز أن يثبت في الذمة لما يجري فيه من المشاححة عادة بخلاف غيره كالمهر وما معه فإنه ليس عوضا عن مال خرج من يد الآخر فيجوز فعملنا بالآثار فيهما ولقائل أن يقول كون التفاوت بعد الأوصاف يبقى فاحشا لا يضر لأن ذلك باعتبار الباطن ولا يلزم المسلم إليه سوى ما تضمن ما ذكر من الأوصاف الظاهرة فإذا انطبق المذكور منها على ما يؤديه المسلم إليه حكم عليه بقبوله سواء كان التفوات قليلا بحسب الباطن أو كثيرا لأن المعقود عليه ليس إلا الموصوف فقط نعم لو عين من الأوصاف الذكاء وجودة الفهم والأخلاق الحسنة ينبغي أنه لا يجوز لأن ذلك لا يعرف إلا بعد زمان الاختبار وبعده تجري المنازعة في أن أخلاقه ما هي وفي تحريرها فالمفزع في إبطال السلم في الحيوان ليس إلا السنة وهكذا قال محمد بن الحسن لما سأله عمرو بن أبي عمرو قال قلت له إنما لا يجوز في الحيوان لأنه غير مضبوط بالوصف قال لا لأنا نجوز السلم في الديابيح ولا يجوز في العصافير ولعل ضبط العصافير بالوصف أهون من ضبط الديابيح ولكنه بالسنة وفي مبسوط شيخ الإسلام والعصافير وإن كانت من العدديات المتقاربة لكنه في معنى المنقطع لأنه مما لا يقتنى ولا يحبس للتوالد ولا يتيسر أخذه ولا رجحان أخذه يقام مقام الموجود بخلاف السمك الطري لرجحان إمكان أخذه وهذا يقتضي جواز السلم فيما يقتنى منها كالحمام والقمرى وهو خلاف المنصوص عن محمد وقد روي عن أبي يوسف أن مالا تتفاوت آحاده كالعصافير يجوز السلم فيها وفي لحومها وهو مشكل على الدليل لأنا إن عللناه بعدم الضبط فالعبرة لعين النص لا لمعنى النص وإن اعتبرنا عمومه وجب أن لا يجوز فإن قيل فالسمك الطري مخصوص من عموم الحيوان فجاز في العصافير قياسا على الثياب بقلة التفاوت قلنا إنما يتم لو شرط حياة السمك الطري في المسلم فيه وليس كذلك بل كيفما كان حتى لو شرط ذلك كان لنا أن نمنع صحة السلم فيه قوله ولا في أطرافه أي لا يجوز السلم في أطراف الحيوان كالرءوس والأكارع وهو جمع كراع وهو
____________________
(7/79)
ما دون الركبة في الدواب قيل المانع مبني على منع السلم في الحيوان وهذه أبعاضه وليس بشيء لأنها لا يصدق عليها الحيوان إن كان النهي تعبدا ولا المعنى إن كان معلولا بالتفاوت الفاحش لأن ذلك إنما يكون في حالة الحياة وكان يلزم أن لا يجوز في الجلود لكنه جائز بذكر الطول والعرض والنوع والجودة ولذا يجوز السلم في الجلود وزنا والمصنف إنما ذكر في منعه أنها عددية متفاوتة ولا مقدر لها فامتنع السلم عددا وغير عدد لانتفاء المقدور وعندي لا بأس بالسلم في الرءوس والأكارع وزنا بعد ذكر النوع وباقي الشروط فإن الأكارع والرءوس من جنس واحد حينئذ لا تتفاوت تفاوتا فاحشا وقول مالك بجوازه عددا بعد ذكر النوع لخفة التفاوت جيد لكن يراد أنها رءوس عجاجيل أو أبقار كبار ونحوه في الغنم فإن التفاوت بعد ذلك يسير لا في الجلود عددا وكذا الأخشاب والجوالقات والفراء والثياب المخيطة والخفاف والقلانس إلا أن يذكر العدد لقصد التعدد في المسلم فيه ضبطا لكميته ثم يذكر ما يقع به الضبط كأن يذكر في الجلود مقدارا من الطول والعرض بعد النوع كجلود البقر والغنم وكذا في الأديم بأن يقول طائفي أو برغالي وفي الخشب طوله وغلظه ونوعه كسنط أو حور ونحوه وقول بعضهم يجوز في الكاغد عددا محمول على ما بعد تسمية طوله وعرضه وثخنه ورقته ونوعه إلا أن يغني ذكر نسبته عن قدره كورق حموي وفي الجواليق طوله ووسعه وكذا كل ما كان مميزا له عن غيره قاطعا للاشتراك وكذا لا يجوز في الحطب حزما ولا في الرطبة جرزا للتفاوت إلا إذا عرف ذلك بأن يبين طول ما يشد به الحزمة أنه شبر أو ذراع فحينئذ يجوز إذا كان لا يتفاوت وليس المعنى أن لا يجوز السلم فيها أصلا بل لا يجوز بهذا العقد ولو قدر بالوزن في الكل جاز وفي ديارنا تعارفوا في نوع من الحطب الوزن فيجوز الإسلام فيه وزنا وهو أضبط وأطيب وكون العرف في شيء من بعض المقدرات لا يمنع أن يتعامل فيه بمقدار آخر يصطلحان عليه إلا أن يمنع منه مانع شرعي كما قلنا في البيض كيلا وعنه كان ظاهر المذهب جواز السلم في الحنطة وزنا بخلاف ما إذا قوبل نحو الحنطة بجنسها وزنا وهو كيلي لما عرف في باب الربا أماالسلم فليس يلزم فيه ذلك لأن رأس مال السلم في الحنطة لا يكون حنطة وقد رضيا بضبطه وزنا كي لا يصير تفاوت الحنطتين المتحدتي الوزن كيلا وبهذا تضعف رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز في الحنطة وزنا وذكر قاضيخان أن الفتوى على الجواز لتعامل الناس ويجوز السلم في القت وزنا والرطبة القضب والجرز بضم الجيم وفتح الراء المهملة جمع جرزة وهي الحزمة من الرطبة كحزمة الريحان ونحوه وأما الجزز بكسر الجيم وزاءين أولهما مفتوحة فجمع جزة وهي الصوف المجزوز قوله ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه
____________________
(7/80)
موجودا من حين العقد إلى حين المحل بكسر الحاء مصدر ميمي من الحلول حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو على العكس أو منقطعا فيما بين ذلك وهو موجود عند العقد والمحل لا يجوز وهو قول الأوزاعي وقال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق إذا كان موجودا عندالمحل جاز وإن كان منقطعا وقت العقد أو بينهما لأن اشتراط الوجود للقدرة على التسليم وهو بالوجود وقت المحل فاشتراطه في غير ذلك بلا موجب بل دليل نفيه عدم دليل وجوده لأن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي ولهم أيضا إطلاق الحديث المتقدم أعني أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجدهم يسلفون في الثمر السنة والسنتين والثلاث فأفاض في بيان الشرط الشرعي فلم يزد على قوله من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فلو كان عدم الانقطاع شرطا لبينه وحين لم يبينه لم يثبت بل لزم أنه ليس شرطا بسكوته عنه بعد شروعه في بيان ما هو شرط على ما عرف في مثله قلنا بل فيه مدرك شرعي وهو ما رواه أبو داود وابن ماجه واللفظ له عن أبي إسحاق عن رجل نجراني قلت لعبدالله بن عمر أسلم في نخل قبل أن تطلع قال لا قلت لم قال لأن رجلا أسلم في حديقة نخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع النخل فلم تطلع النخل شيئا ذلك ا لعام فقال المشتري أؤخرك حتى تطلع فقال البائع إنما النخل هذه السنة فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للببائع أخذ من نخلك
____________________
(7/81)
شيئا قال لا قال بم تستحل ماله اردد عليه ما أخذت منه ولا تسلموا في نخل حتى يبدو صلاحه وجه الدلالة أنه أولا يصدق على السلم إذا وقع قبل الصلاح أنه بيع ثمرة قبل بدو صلاحها وفيه مجهول كما رأيت والحديث المعروف وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فيكون متناولا للنهي ويدل عليه ما أخرج البخاري عن أبي البختري قال سألت ابن عمر عن السلم في النخل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يصلح وعن بيع الورق نساء بناجز وسألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السلم في النخل فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه فقد ثبت عن هذين الصحابيين الكبيرين في العلم والتتبع أنهما فهما من نهيه عن بيع النخل حتى يصلح بيع السلم فقد دل الحديث على اشتراط وجوده وقت العقد والاتفاق على اشتراطه عند المحل فلزم اشتراط وجوده عندهما على خلاف قولهم وأما لزوم وجوده بينهما فإما لعدم القائل بالفصل لأن الثابت قائلان قائل باشتراطه عند المحل فقط وقائل عندهما وفيما بينهما فالقول باشتراطه عندهما لا غير إحداث قول ثالث ونقول ذلك بتعليل النص على اشتراطه عند العقد مع أن الأداء يتأخر عنه فلا يضطر إليه عنده بأن اشتراطه للقدرة على التسليم ظاهر لأن الظاهر استمرار الوجود وبالاستمرار يتمكن من التحصيل فإن أخذ السلم مظنة العدم وبالأخذ بذلك مظنة التحصيل شيئا فشيئا في مدة الأجل وباعتبار المظنة تناط الأحكام فلا يلتفت إلى كون بعض من يسلم إليه قد يحصله دفعة عند حلول الأجل كالذراع وأهل النخل فإن ما يسلم فيه لا يحصى وأكثرهم يحصل المسلم فيه بدفعات أرأيت المسلم إليه في الجلود أيذبح عند حلول الأجل ألف رأس ليعطي جلودها لرب السلم وكذا الأسماك المالحة والثياب والأخشاب والأحطاب والأعسال والمشاهد في بعض من له نخل أو زيتون أن يأخذ أكثر مما يتحصل له ليعطي ما يخرج له ويشتري الباقي وكثير يأخذون ليستربحوا في رأس المال وينفقوا من فضل الكسب على عيالهم ويحصلوا المسلم فيه قليلا قليلا لأن وضع السلم شرعا لاعتبار ظن ما ذكرنا فيكون هو السبب في اشتراط الشرع وجوده عند العقد ثم الانقطاع الذي يفسد العقدان لا يوجد في السوق الذي يباع فيه وإن كان يوجد في البيوت ذكره أبو بكر الثلجي وتواردوا عليه وفي مبسوط أبي الليث لو انقطع في إقليم دون إقليم لا يصح السلم في الإقليم الذي لا يوجد لأنه لا يتحصل إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم حتى لو أسلم في الرطب ببخارى لا يجوز وإن كان بسجستان ولو انقطع بعد المحل أي حلول الأجل قبل التسليم لا يبطل العقد لكن رب السلم بالخيار إن شاء فسخ وإن شاء انتظر وجوده وقال زفر يبطل العقد وهو قول الشافعي ورواية عن الكرخي للعجز عن التسليم قبل القبض فصار كما لو هلك المبيع قبل القبض في المبيع المعين فإن الشيء كما لا يثبت في غير محله لا يبقى عند فواته كما لو اشترى بفلوس ثم كسدت قبل القبض يبطل العقد فكذا هنا ولنا أن السلم قد صح ثم تعذر التسليم بعارض عن شرك الزوال فيتخير المشتري كما لو أبق المبيع قبل القبض وهذا لأن المعقود
____________________
(7/82)
عليه هنا دين ومحل الدين الذمة وهي باقية فيبقى الدين ببقاء محله وإنما تأخر التسليم إذا كان وجوده مرجوا بخلاف المبيع العين فإن بهلاكه يفوت محل العقد وكذا الفلوس إذا كسدت فإنها وإن كانت في الذمة لكن الثمن الكائن فيها فلوس هي أثمان ولا وجود لها بعد الكساد فيفوت المحل ثم هو ليس على شرف الزوال بل الظاهر استمراره في الوجود بخلاف ما نحن فيه لأن لإدراك الزرع والثمار أوانا معلوما وكذا لغيرها أوان يكثر وجودها فيه من السنة برخص قوله ويجوز السلم في السمك المالح وزنا معلوما وضربا معلوما بأن يقول بوري أو راي وفي أسماك الإسكندرية الشفش والدونيس وغيرها لأنه حينئذ معلوم القدر مضبوط الصفة مقدور التسليم ولا يجوز السلم فيه عددا للتفاوت في التحفة وأما الصغار فيجوز فيه كيلا ووزنا سواء فيه الطري والمالح وفي المغرب سمك مليح ومملوح وهو المقدد الذي فيه الملح ولا يقال مالح إلا في لغة رديئة قال بعض الشارحين لكن قال الشاعر ** بصرية تزوجت بصريا ** أطعمها المالح والطريا ** ثم نقل عن بعض المشايخ وكفى بذلك حجة للفقهاء وظاهر هذا الاستدراك أنه ليس برديء ولم يجد سوى هذا البيت وهو لا ينافي قول المغرب إلا في لغة رديئة وليس لهذا الاستدراك فائدة بل قال ابن دريد ملح ومليح ولا يلتفت إلى قول الراجز ** أطعمها المالح والطريا ** ذاك مولد لا يؤخذ بلغته وأما الطري فيجوز حين وجوده وزنا أيضا فإذا كان ينقطع في بعض السنة كما قيل إنه ينقطع في الشتاء في بعض البلاد فلا ينعقد في الشتاء ولو أسلم في الصيف وجب أن يكون منتهى الأجل لا يبلغ الشتاء وهذا معنى قول محمد لا خير في السلم
____________________
(7/83)
في السمك الطري إلا في حينه يعني أن يكون السلم مع شروطه في حينه كي لا ينقطع بين العقد والحلول وإن كان في بلد لا ينقطع جاز مطلقا وزنا لا عددا لما ذكرنا من التفاوت في آحاده وعن أبي حنيفة في الكبار التي تقطع كما يقطع اللحم لا يجوز السلم في لحمها اعتبارا بالسلم في اللحم فإنه يمنع السلم في اللحم وعن ابي يوسف منع السلم في الكبار وزنا مع إجازته في اللحم فإن هناك يمكن إعلام موضع القطع الجنب أو الظهر أو الفخذ ولا يتأتى في السمك ذلك وطعن بعضهم على محمد في قوله في حينه لأن الاصطياد يتحقق في كل حين مدفوع فإن الانقطاع عدم الوجود في بعض البلاد وفي بعض السنة وهو لا يستلزم عدم الاصطياد ليرد ما ذكره قوله ولا خير في السلم في اللحم وهذه العبارة تأكيد في نفي الجواز كقوله لا خير في استقراض الخبز وقول من قال إن المجتهد يقوله فيما يستخرج من الحكم بالرأي تحرزا عن القطع في حكم الله تعالى بالرأي بعيد فكل الأحكام القياسية المظنونة معبر عنها في الفقه بلا يجوز كذا أو يجوز كذا وكلها من هذا القبيل لأنه قد استقر عند أهل العلم أنها مظنونات لا مقطوعات وأيضا المجتهد قاطع بأن حكم الله في حقه ذلك وقالا إذا وصف من اللحم موضعا معلوما بصفة ككونه ذكرا وخصيا وسمينا بعد أن بين جنسه من نحو الضأن وسنه ثني ومن الفخذ الكتف أو الجنب مائة رطل وفي الحقائق والعيون الفتوى على قولهما وهذا على الأصح من ثبوت الخلاف بينهم وقد قيل لا خلاف فمنع أبي حنيفة فيما إذا أطلقا السلم في اللحم وقولهما إذا بينا ما ذكرناه ووجهه أنه موزون في عادة الناس مضبوط بما ذكرنا من الوصف وقوله ولهذا يضمن بالمثل استدلال على كونه موزونا وكذا كونه مضمونا بالمثل جائز الاستقراض وما ذكرنا من العادة المستمرة فيه في سائر الأقطار قاطع فيه وما فيه من العظم عير مانع لأنه إذا سمى موضعا ومعلوم أنه فيه عظم كان تراضيا على قطعه بما تضمنه من العظم ولأنه ثابت بأصل الخلقة كالنوى في التمر ولذا جاز السلم في الألية مع أنها لا تخلو من عظم والسلم فيها وفي الشحم بالإجماع بخلاف لحم الطيور لأنه لا يمكن وصف موضع منه لأن عضو الطير صغير وهذا ظاهر في منعه مطلقا
____________________
(7/84)
وحاصل الكلام فيه أن مالا يصطاد من الطيور لا يجوز السلم فيه ولا في لحمه وما صيد قيل هو على الخلاف عندهما يجوز وعنده لا يجوز وقيل يجوز عند الكل لأن ما فيه من العظم لا يعتبره الناس وهو الصحيح فيجب أن يكون محمل ما في الكتاب من المنع مطلقا في مخلوع العظم فإن العلة حينئذ ثابتة ثم يجب أنه إذا اسلم في مائة رطل من لحم الدجاج مثلا أن يعين الموضع بعد كونه بعظم فإن من الناس من لا يحب الصدر منها فيقول أوراكا أو غير الصدر أو ينص على صدرها وأوراكها فإن أطلق فقال من لحم الدجاج السمين يجب أن لا يجوز للمنازعة بسبب ما ذكرنا لاختلاف أغراض الناس ولأبي حنيفة رضي الله عنه وجهان أحدهما أنه يقع سلما في المجهول لتفاوت اللحم بقلة العظم وكثرته بخلاف لحم السمك فإن مضمونه من العظم قليل معلوم إهداره بين الناس ولذا هو فرق بين لحم السمك وغيره وقولهما إذا سمى موضعا كان تراضيا على قطعه بما تضمنه من العظم قلت للمشاهد في بيع اللحم حالا بعظمه جريان المعاكسة بين البائع والمشتري في العظم حتى أن المشتري يستكثره فيأمره بنزع بعضه والجزار يدسه عليه فكيف في المؤجل المستأخر التسليم وعلى هذا الوجه يجوز السلم في مخلوع العظم وهو رواية الحسن عنه ثانيهما أنه يختلف بحسب الفصول سمنا وهزالا فلو سمى السمين قد يكون انتهاء الأجل في فصل الهزال وحاصل هذا الوجه أنه سلم في المنقطع وعلى هذا لا يجوز في مخلوع العظم وهو رواية ابن شجاع عنه قال المصنف وهو الأصح لأن الحكم المعلل بعلتين مستقلتين يثبت مع إحداهما كما يثبت معهما وقولهما يضمن بالمثل ممنوع بما ذكر في باب الاستحقاق من الجامع الكبير فيمن غصب لحما فشواه ثم استحقه رجل لا يسقط ضمان الغصب وللمغصوب منه أن يضمنه قيمة اللحم قيل ولا توجد رواية بأنه من ذوات القيم إلا هنا من الجامع الكبير لكن ذكر صاحب الفتاوى الصغرى أنه رأى وسط غصب المنتقى أن أبا يوسف روى عن أبي حنيفة إذا استهلك لحما قال عليه قيمته وحل عبارة المصنف أن القبض أي قبض اللحم القرض يعاين فيعرف مثله به أي بالمقبوض أما السلم فليس فيه مقبوض معين بل مجرد وصف فلا يكتفى به إلى آخر ما ذكرنا وكذا الاستقراض وزنا أيضا ممنوع بل ذاك مذهبهما وبعد التسليم أي تسليم أن ضمان اللحم بالمثل كما اختاره الإسبيجابي أنه يضمن بالمثل إلا أن ينقطع من أيدي الناس وهو الوجه لأن جريان ربا الفضل فيه قاطع بأنه مثلي فيفرق بين الضمان والسلم بأن المعادلة في الضمان منصوص عليها وتمام المعادلة بالمثل لأنه مثل صورة ومعنى
____________________
(7/85)
أما القيمة فمثل معنى فقط لأن الموجب الأصلي رد العين والمثل أقرب إلى العين بخلاف القيمة وكذا بتقدير تسليم استقراضه فالفرق بين السلم والقرض أن القبض في القرض معاين محسوس فأمكن اعتبار المقبوض ثانيا بالأول أما السلم فإنما يقع على الموصوف في الذمة وبالوصف عند العقد لا تعرف مطابقته للموجود عند القبض كمعرفة مطابقته بعد رؤية المقبوض الموجب للمثل وهذا معنى قوله أما الوصف فلا يكتفى به أي لا يكتفى بالوصف في معرفة الموافقة بين الموصوف والمقبوض كما هو بين المقبوض أولا والمقبوض ثانيا ولما أهدر الشارع في باب الربا كون الجودة فارقا ثبت الربا بين لحمي نوع متفاضلا وإن اختلف موضعهما كلحم فخذ مع لحم ضلع قوله ولا يجوز السلم إلا مؤجلا وهو مذهب مالك وأحمد رحمهما الله وقال الشافعي رحمه الله يجوز السلم الحال بأن يقول مثلا أسلمت هذه العشرة في كر حنطة صفتها كذا وكذا إلى آخر الشروط وبه قال عطاء وأبو ثور وابن المنذر لإطلاق النص وهو قوله ورخص في السلم والظاهر أنهم لا يستدلون به لأنهم أهل حديث وهذا لا يثبت إلا من كلام الفقهاء وإنما الوجه عندهم أنه لا دليل في اشتراط الأجل فوجب نفيه وربما استدلوا على نفيه بأنه لو شرط الأجل لكان لتحصيل القدرة على التسليم التي هو شرط جواز العقد وهي ثابتة والظاهر من حال العاقد أنه لا يلتزم تسليم مالا يقدر عليه والفرض وجود المسلم فيه فيقدر عليه
____________________
(7/86)
ولو لم يكن قادرا حقيقة فقد ثبتت قدرته بما دخل في يده من رأس المال ولهذا أوجبنا تسليم رأس المال بخلاف الكتابة الحالة فإن العبد يخرج بالكتابة من يد مولاه من غير أن يدخل في ملكه شيء فلا يصير قادرا على تسليم بدل الكتابة وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم من أسلم منكم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فليس معناه الأمر بالتأجيل في السلم فيمنع الحال بل معناه من أسلم في مكيل فليسلم في مكيل معلوم أو في موزون فليسلم في موزون معلوم أو إلى أجل فليكن إلى أجل معلوم لأنه لو لم يكن كذلك لكان أيضا أمرا بأن يكون السلم في مكيل أو موزون فلم يجز في المعدود والمذروع لأن النسق في الفصول الثلاثة واحد ونحن نقول لا شك أن أهل الإجماع قاطبة في إخراجه من ذلك الحكم العام للترخيص للمفاليس المحتاجين إلى نفقة عاجلة قادرين على البدل بقدرة آجلة فلا يتحقق محل الرخصة إلا مع ذكر الأجل فلا يجوز في غيره وكونه قادرا حال العقد لم يتحقق المبيح في حقه ولما كان جوازه للحاجة وهي باطنة أنيط بأمر ظاهر كما هو المستمر في قواعد الشرع كالسفر للمشقة ونحوه وهو ذكر الأجل فلم يلتفت بعد ذلك إلى كون المبيع معدوما من عند المسلم إليه حقيقة أو موجودا قادرا هو عليه فقول المصنف ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص معناه لو لم يذكر الأجل والله تعالى أعلم وقولهم الغرر في السلم الحال أقل منه في المؤجل بعد ما ذكرنا لا يفيد شيئا أعني بعد ما بينا من أن شرعيته لدفع حاجة المحتاج إلى المال العاجز عن العوض في الحال فإن الغرر قد يحمل فيه لتلك الحاجة وهي منتفية في السلم الحال قوله والأجل أدناه شهر إلى آخره في التحفة لا رواية عن أصحابنا رضوان الله عليهم في المبسوط في مقدار الأجل واختلفت الروايات عنهم والأصح ماروي عن محمد أنه مقدر بالشهر لأنه أدنى الآجل وأقصى العاجل وقال الصدر الشهيد الصحيح ما روي عن الكرخي أنه مقدار ما يمكن تحصيل المسلم فيه وهو جدير أن لا يصح لأنه لا ضابط محقق فيه وكذا ماعن الكرخي من رواية أخرى أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في تأجيل مثله كل هذاتنفتح فيه المنازعات بخلاف المقدار المعين من الزمان وفي الإيضاح فإن قدرا نصف يوم جاز وبعض أصحابنا قدروا بثلاثة أيام استدلالا بمدة خيار الشرط وليس بصحيح لأن التقدير ثمة بالثلاث بيان أقصى المدة فأما أدناه فغير مقدر انتهى والتقدير بالثلاث يروى عن الشيخ أبي جعفر أحمد بن أبي عمران أستاذ الطحاوي وصحح المصنف الأول لأنه مروي عن محمد ولأنه مأخوذ من مسئلة اليمين وهي ما إذا حلف ليقضين دينه عاجلا فقضاه قبل تمام الشهر بر في يمينه فكان ما دون الشهر
____________________
(7/87)
في حكم العاجل فالشهر وما فوقه آجل قالوا وعليه الفتوى قوله ولا يجوز السلم بمكيال رجل بعينه وبذراع رجل بعينه قال المصنف معناه إذا كان لا يعرف مقداره أما إذا عرف فيجوز لضبط المقدار لو تلف ذلك المكيال والذراع وإنما لا يجوز لما ذكرنا من احتمال هلاك ما قدر به فيتعذر الإيفاء قال وقد مر من قبل يريد أول كتاب البيوع وهو قوله ويجوز البيع بإناء بعينه لا يعرف مقداره وبوزن حجر بعينه إلى أن قال بخلاف السلم إلى آخره وقد روي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ايضا في بيع العين بالعين لأنه بيع ليس بمكايلة ولا مجازفة وبيع الحنطة إنما يجوز على أحدهما والصحيح الأول والحصر ممنوع ويتقدر التسليم فهذا بيع مجازفة ثم لا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض وينبسط كالقصاع والحديد والخزف فإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل والغرارة لا يجوز للمنازعة عند التسليم إلا في قرب الماء فيما روي عن أبي يوسف للتعامل فيه فإنه أجازه وهو أن يشتري من سقاء كذا كذا قربة من ماء النيل أو غير ذلك مثلا بهذه القربة وعينها جاز البيع ومقتضى القاعدة المذكورة أنه لا يجوز إذا عين هذه القربة والله أعلم ولكن بمقدارها والزنبيل بالفتح بلا تشديد وبالكسر مشدد الباء ويقال زنبيل ايضا قوله ولا في طعام قرية بعينها كحنطة بلدة الفهميين والمحلة ببلاد مصر أو ثمرة نخلة بعينها أو بستان بعينه لأنه قد يعتريه آفة فتنتفي قدرة التسليم قال المصنف وإليه أشار رسول الله
____________________
(7/88)
صلى الله عليه وسلم بقوله أرأيت لو ذهب ثمرة هذا البستان بم يستحل أحدكم مال أخيه فإن معنى هذا أنه لا يستحق بهذا البيع ثمنا إن لم يخرج هذا البستان شيئا فكان في بيع ثمر هذا البستان غرر الانفساخ فلا يصح بخلاف ما إذا اسلم في حنطة صعيدية أو شامية فإن احتمال أن لا ينبت في الإقليم برمته شيء ضعيف فلا يبلغ الغرر المانع من الصحة فيجوز فهذا الحديث يفيد عدم صحة البيع سواء كان وروده في السلم أو في البيع مطلقا والواقع أن معناه ورد في السلم وفي البيع أما في السلم فما قدمناه من حديث أبي داود وابن ماجه في الذي أسلم في تلك الحديقة النخل فلم يطلع شيء فأراد المسلم إليه أن يمنعه الثمن الذي كان أخذه وقال إنما النخل هذه السنة حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من نخلك شيئا قال لا قال بم تستحل ماله اردد عليه ما أخذت منه الحديث وأما ما في مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق فيصدق على كل من السلم والبيع ويمكن أن يكون دليلا على أن هلاك المبيع يبطل البيع ويوجب رد الثمن فهو دليل هذه المسئلة أيضا وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه هذا فلو كانت نسبة الثمرة إلى قرية معينة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج من أرضها بعينه كالخشمراني والبساخي ببخارى وهي قرية حنطتها جيدة بفرغانة لا بأس به ولأنه لا يراد خصوص النابت هناك بل الإقليم ولا يتوهم انقطاع الحنطة هناك لأنه إقليم وكذا إذا قال من حنطة هراة يريد هراة خراسان ولا يتوهم انقطاع طعام إقليم بكماله فالسلم فيه وفي طعام العراق والشام سواء وكذا في ديار مصر في قمح الصعيد والذي في الخلاصة وذكر معناه في المجتبى وفي غيره لو أسلم في حنطة بخارى أو حنطة سمرقند أو إسبيجاب لا يجوز لتوهم انقطاعه ولو أسلم في حنطة هراة لا يجوز وفي ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز لأن حنطتها يتوهم انقطاعها إذ الإضافة لتخصيص البقعة فيحصل السلم في موهوم الانقطاع بخلاف إضافة الثوب لأنها لبيان الجنس والنوع لا لتخصيص المكان ولذا لو أتى المسلم إليه في ثوب هروي بثوب نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي يعني من صفته ومؤنته يجبر رب السلم على قبوله فظهر أن المانع والمقتضى العرف فإن تعورف كون النسبة لبيان الصفة فقط جاز وإلا فلا يبينه ما في الخلاصة قال لو كان ذكر النسبة لا لتعيين المكان كالخشمراني فإنه يذكر لبيان الجودة لا يفسد
____________________
(7/89)
السلم وإن كان يتوهم انقطاع حنطة ذلك الموضع مثل الثوب جاز السلم وإلا لا أما السلم في الحنطة الصعيدية والعراقية والشامية فلا شك في جوازه وفي شرح الطحاوي لو أسلم في حنطة حديثة قبل حدوثها فالسلم باطل لأنها منقطعة في الحال وكونها موجودة في وقت العقد إلى وقت المحل شرط لصحة السلم قوله ولا يصح السلم عند أبي حنيفة رضي الله عنه إلا بسبع شرائط تذكر في العقد وأما عندهما فهي الخمس الأولى ولا شك أن للسلم شروطا غيرها ولكن لا يشترط لصحة السلم ذكرها في العقد بل وجودها وشرائط جمع شريطة فقول بعضهم في بعض النسخ سبع وهو الأصح ليس كذلك بل سبعة على تقدير كون المعدود شرطا وسبع على تقديرها شريطة وكل وارد على اعتبار خاص والمعروف من النسخ ليس إلا المشهور سبع شرائط جنس معلوم كحنطة شعير ونوع معلوم كسقية وهي ما يسقى سيحا أو بخسية وهي ما يسقى بالمطر ونسبت إلى البخس لأنها مبخوسة الحظ من الماء بالنسبة إلى السيح غالبا وصفة معلومة كجيد رديء وسط مشعر سالم من الشعير ومقدار معلوم كذا كيلا بمكيال معلوم فهذه أربعة تشترط في كل من رأس المال والمسلم فيه فهي ثمانية بالتفصيل فإن ما يجوز كونه مسلما فيه يجوز كونه رأس السلم ولا ينعكس فإن النقود تكون رأس مال ولا سلم فيه والخامس أجل معلوم والأصل فيه أي في اشتراط هذه الخمسة ما روينا يعني قوله صلى الله عليه وسلم من أسلم منكم الحديث نص على شرطي القدر المعلوم والأجل المعلوم وثبت باقي الخمسة بالدلالة لظهور إرادة الضبط المنافي للمنازعة وقوله والفقه فيه ما بينا يعني قوله ولأن الجهالة مفضية إلى المنازعة والسادس ذكر مقدار رأس المال إذا كان رأس المال يتعلق العقد على قدره يعني تنقسم أجزاء المسلم فيه على أجزائه وهو أن يكون الثمن من المكيلات أو الموزونات أو المعدودات المتقاربة وهذا الشرط في قدره احترازا عما إذا كان ثوبا لأن الذراع وصف لا يتعلق العقد على مقداره وإعلام الوصف بعد الإشارة ليس بشرط ولهذا لو اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع فوجده أحد عشر تسلم له الزيادة ولو وجده تسعة لا يحط عنه شيئا من الثمن والمسلم
____________________
(7/90)
فيه لا ينقسم على عدد الذرعان ليشترط إعلامه لأن الأوصاف لا يقابلها شيء فجهالة قدر الذرعان لا تؤدي إلى جهالة المسلم فيه وهنا المسلم فيه بمقابلة المقدرات فيؤدي إلى جهالة المسلم فيه فيفسد العقد وهذا شرط في المسلم فيه اتفاقا فصارت أحد عشر شرطا والثاني عشر تسمية مكان الإيفاء وهو يخص المسلم فيه والثالث عشر أن لا يشمل البدلين إحدى علتي الربا لأن انفراد أحدهما يحرم النساء وأن لا يكون فيه خيار الشرط والرابع عشر أن يتعين المسلم فيه بالتعيين فلا يصح السلم في الدراهم والدنانير وتقدم وفي التبر روايتان والخامس عشر انعقاد الثمن على قول أبي حنيفة كذا ذكر بسبب اشتراطه لأجل إعلام قدره والسابع تسمية المكان الذي يوفيه فيه إذا كان للمسلم فيه حمل ومؤنة أي إذا كان نقله يحتاج إلى أجرة ونحوه لثقله وقالا لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معينا يقبضه دفعة ولا إلى مكان التسليم ويسلمه في موضع العقد فهاتان مسئلتان خلافيتان بينه وبينهما لهما في الأولى وبقولهما قال مالك وأحمد والشافعي في قول إن المقصود من إعلام قدر رأس المال وهو التسليم بلا منازعة يحصل بالإشارة إلى العين الثمن المعجل فأغنى عن إعلام قدره وصار كثمن المبيع المعجل والأجرة المعجلة في الإجارة والمضاربة إذا دفع إلى آخر دراهم معينة غير معلومة المقدار مضاربة بالنصف فإنه جائز وكرأس المال الذي لا ينقسم المسلم فيه عليه كالثوب والعبد فإنه لا يشترط فيه إعلام كمية ذرعانه بالاتفاق وله ما روي عن ابن عمر أنه قال به وقول الفقيه من الصحابة مقدم على القياس والقياس على المسلم فيه بجامع أنه عوض تناوله عقد السلم ولأن جهالة قدر المسلم فيه مانع اتفاقا وجهالة رأس المال مؤد إليه
____________________
(7/91)
وما يؤدي إلى الممتنع شرعا ممتنع شرعا بيان تأديته إليه أنه ربما ينفق رأس المال كما ينفقه المحتاجون فربما يظهر فيه زيوف فيختار الاستبدال به ورده وقد يكون أكثر رأس المال زيوفا فإنه إذا رده واستبدل بها في المجلس يفسد السلم عند أبي حنيفة لأنه لا يجيز الاستبدال في أكثر من النصف خلافا لهما وقد لا يتفق الاستبدال بها في مجلس الرد فينفسخ العقد في مقدار ذلك فإذا لم يكن قدر المكيل معلوما لم يدر في كم انتقض وفي كم بقي فيصير المسلم فيه مجهول المقدار وكذا لو استحق بعضه يلزم هذا أيضا وهذا وإن كان موهوما فالموهوم في هذا العقد له حكم المعلوم لشرعه مع المنافي وهو كون المبيع معدوما فإن ما يشرع لذلك يكون ضعيفا في الشرعية فيؤثر فيه توهم الغرر المذكور وهذا في الحقيقة تعليل قوله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو أذهب الله ثمرة هذا الحائط بم يستحل أحدكم مال أخيه بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا لأن الذرع وصف فيه وكذا لو اشتراه على أنه عشرة فإذا هو خمسة عشر كان كله له والمبيع لا يقابل الأوصاف فلا يتعلق العقد على قدره ولهذا لو ظهر الثوب أوالحيوان المجعول رأس مال مخرقا وسمى عددا من الذرعان فيه فوجده المسلم إليه أنقص أو بعض أعضاء الحيوان تالفا لا ينتقص من المسلم فيه شيء بل المسلم إليه بالخيار إن شاء رضي به بكل المسلم فيه وإن شاء فسخ لفوات الوصف المرغوب فيه واستشكل بأن هذا اعتبار لشبهة الشبهة أو أنزل منها فإن في وجود الزيف احتمالا ثم اختيار الرد كذلك ثم عدم الاستبدال به في مجلس الرد فيه أيضا ذلك والمعتبر الشبهة لا النازل كما أفاده الحديث فإن المعتبر فيه الشبهة لا غير وهو احتمال أن لا تخرج الثمرة أجيب تارة بأنها شبهة واحدة فإن الكل مبني على وجود الزيف وتارة بأن السؤال فاسد لأن الشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت كالنقد مع النسيئة وليس هذا كذلك وإنما اعتبر الموهوم بالنص المذكور على أن طريق المنع ما انحصر في وجود الزيف بل ظهور استحقاق رأس المال كما ذكرنا أنه طريق ومما يدل على صحة اعتبار الموهوم في هذا العقد إجماعنا على أنه لا يصح السلم بمكيال رجل
____________________
(7/92)
بعينه لا يعرف مقداره لاحتمال هلاك هذا الكيل قبل الحلول قال المصنف ومن فروعه أي من فروع الخلاف في معرفة قدر رأس المال إذا أسلم في جنسين ككر حنطة وكر شعير عشرة مثلا ولم يبين رأس مال كل منهما من العشرة أو أسلم جنسين كدنانير ودراهم في جنس واحد كبر أو اسلم تمرا وحنطة معينين في كذا منا من الزعفران ولم يبين مقدار أحدهما يعني عرف مقدار أحدهما دون الآخر لا يصح السلم لبطلان العقد في حصة مالم يعلم قدره فيبطل في الآخر أيضا لاتحاد الصفقة أو لجهالة حصة الآخر من المسلم فيه فيكون المسلم فيه مجهولا ولهما في المسئلة الثانية وهي اشتراط مكان التسليم فيما له مؤنة أن مكان العقد يتعين للإيفاء لوجود العقد فيه الموجب للتسليم مالم يصرفاه باشتراط مكان غيره وحاصله أنه مقتضى عقد مطلق فلا يرد أنه لو كان مقتضى العقد لما صح اشتراط غيره فإن تغيير مقتضى العقد مردود أو هو مفسد على ما هو رواية عن أحمد رحمه الله وصار كانصرافه إلى غالب نقد البلد مالم يسميا نقدا غيره فينصرف إليه ويلحق بالثمن فإن العقد يقتضيهما معا فلما اقتضى وجوب تسليم الثمن في مكان العقد وجب في الآخر كذلك وصار المكان كالزمان الذي هو أول أوقات الإمكان حيث يتعين للوجوب لعدم المزاحم أو للأداء على قول الكرخي في الأمر المطلق وتقريره أن التسليم يحتاج إلى مكان وهذا المكان لا يزاحم فيه غيره فيتعين كأول أوقات الإمكان وإلحاقا أيضا بالقرض والغصب والاستهلاك حيث يجب التسليم في مكان الغصب والقرض والاستهلاك ويرد أن كون تعيين غير مكان العقد غير مفسد ينقض بما إذا اشترى كرا شرط على البائع حمله إلى منزله فيفسد سواء اشتراه في المصر أو خارجه أجيب بالفرق بأن المشتري يملك العين بمجرد شرائها فإذا شرط حملا فقد شرط عملا في ملكه مع الشراء ثم سمى الثمن في مقابلة ذلك كله فصار بائعا آجرا ومشتريا مستأجرا معا فهو صفقة في صفقة فيفسد أما عقد السلم فلا يملك المشتري به العين لأن المعقود عليه دين لا عين فإنما يملك العين بالقبض بالنقل من مكان إلى آخر عمل من البائع في ملكه نفسه فلا يكون بائعا وآجرا وأورد أيضا في الفوائد الظهيرية عن محمد رحمه الله ما يدل على عدم تعيينه فإنه قال في رجل باع طعاما والطعام في السواد إن كان المشتري يعلم مكانه فلا خيار له وإن لم يعلم
____________________
(7/93)
فله الخيار ولو تعين مكان البيع مكانا للتسليم لم يكن له الخيار ثم قيل إنما يجوز البيع إذا كانت خوابي الحنطة في بيت واحد فإن كانت في مصر وسواد فالبيع فاسد لإفضائه إلى المنازعة لأن المشتري يطالبه بالتسليم في أقرب الأماكن والبائع يسلمه إليه في الأبعد وهذا كله دليل أن مكان البيع لا يتعين أجاب بأنه إنما يتعين إذا كان المبيع حاضرا والمبيع في السلم حاضر لأنه في ذمة البائع وهو حاضر في مكان العقد فالمبيع حاضر بحضوره وفي بيع العين إذا كان ولأبي حنيفة أن التسليم في السلم غير واجب في الحال فلا يتعين مكان العقد بخلاف القرض والغصب فإن التسليم فيهما واجب في الحال فيتعين مكان سبب الوجوب في الحال وكذا اندفع قياسه على رأس مال السلم فإنه يجب تسليمه في الحال وتضمن منع ما قالا من أن وجود العقد الموجب للتسليم يوجب تعيين مكانه بل العقد يوجب التسليم فقط إلا إن اقتضى أمرا آخر تعيين مكانه فإذا لم يتعين فالجهالة تفضي إلى المنازعة لأن قيم الأشياء تختلف باختلاف الأماكن فلا بد من البيان دفعا للمنازعة لأن المسلم يطالبه بالتسليم في مكان يسقط عنه فيه مؤنة الحمل وترتفع قيمته والمسلم إليه على عكسه وبخلاف رأس المال لأن تسليمه واجب للحال فافترقا وإلحاقه بالأمر في تعين أول الأوقات بلا جامع لكن لا يخفى أن قوله التسليم غير واجب للحال فلا يتعين مكان العقد مما يرد عليه المنع إذ لا ملازمة تظهر وما المانع من تعينه مع تأخر التسليم حتى إذا حل الأجل وجب تسليمه في ذلك المكان فالأولى أن يقتصر على منع تعيين العقد المكان وإلحاقهما بالاستهلاك والقرض ظهر الفارق بينهما وبين السلم وبالثمن في العين محل النزاع لأن أبا حنيفة في الصحيح عنه يرى أنه لا يتعين أيضا إذا كان مؤجلا وأنه يجب تعيينه أيضا كما سيذكره المصنف وبرأس مال السلم يمنع فيه حكم الأصل فإنا لا نعين مكان
____________________
(7/94)
العقد لتسليم رأس مال السلم بل أن يقبضه قبل الافتراق لنفي الكالئ بالكالئ فلو عقدا السلم ومشيا فرسخا ثم سلمه إليه قبل أن يفارقه جاز وقولهم الموجب للتسليم وجد فيه قلنا نعم ولا يستلزم الموجب في مكان أن يوجب مقتضاه في ذلك المكان فإنه لا ملازمة عقلية في ذلك لأنه يجوز أن يوجد في مكان وأثره الإيجاب مطلقا فلا تثبت هذه الملازمة إلا سمعا قوله وعن هذا أي وعن كون المكان يوجب اختلاف القيمة قال من قال من المشايخ إن الاختلاف فيه يوجب التحالف عنده كما لو اختلفا في صفة الثمن أو المثمن فإن اختلاف الصفة يوجب اختلاف القيمة فهو كما إذا اختلفا في جودته ورداءته وقيل على عكسه أي لا يوجب التحالف عنده بل القول قول المسلم إليه لأن تعيين المكان ليس قضية العقد عنده وعندهما يتحالفان لأن تعيين المكان لما ثبت بمجرد وجود العقد فيه كان من مقتضيات العقد والاختلاف فيها يوجب التحالف فالاختلاف فيه يوجب التحالف بالإجماع فكذا هنا قال وعلى هذا الاختلاف الثمن في البيع الناجز إذا كان له مؤنة حمل وهو مؤجل في بيع العين والأجرة بأن استأجر دارا مثلا بما له حمل ومؤنة وهو مؤجل عنده يشترط بيان مكان تسليمها وعندهما لا والقسمة فيما إذا اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة وقيل لا يشترط ذلك في الثمن بالإجماع والصحيح أنه يشترط عنده إذا كان مؤجلا وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي وعندهما يتعين مكان الدار في القسمة ومكان تسليم الدابة في الإجارة للإيفاء قوله ومالم يكن له حمل ومؤنة
____________________
(7/95)
كالمسك والكافور والزعفران وصغار اللؤلؤ يعني القليل منه وإلا فقد يسلم في أمنان من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالا وكذا المسك وصغار اللؤلؤ لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء عندهم وهو الأصح من قول الشافعي ويوفيه في المكان الذي أسلمه فيه وكلما قلنا يتعين مكان العقد معناه إذا كان مما يتأتى التسليم فيه ومالا بأن أسلم إليه درهما في مركب في البحر أو جبل فإنه يجب في اقرب الأماكن التي يمكن فيها منه قال المصنف وهذا رواية الجامع الصغير والبيوع يعني من أصل المبسوط وذكر في الإجارات من أصل المبسوط يوفيه في أي مكان شاء وهو الأصح والأصح من قول الشافعي أيضا لأن الأماكن كلها سواء إذ المالية لا تختلف باختلاف الأماكن فيما لا حمل له ولا مؤنة بل بعزة الوجود وقلته وكثرة رغبات الناس وقلتها بخلاف ماله مؤنة فإن الحنطة والحطب يوجد في المصر والسواد ثم يشترى في المصر بأكثر مما يشترى في السواد ولو عينا مكانا قيل لا يتعين لأنه لا يفيد والشرط الذي لا يفيد لا يجوز وقيل يتعين لأنه يفيد سقوط خطر الطريق وهو الأصح وبه قال الشافعي وأحمد ذكره في التحفة ثم لو عينا المصر فيما له حمل ومؤنة يكتفى به لأنه مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فيما ذكرنا يعني أن القيمة لا تختلف باختلاف المصر الواحد عادة قيل هذا إذا لم يكن المصر عظيما فلو كان بين جوانبه نحو فرسخ لا يجوز إلا أن يبين لأنه مفض إلى المنازعة ذكره في المحيط ولو شرط أن يوفيه في مكان يحمله إلى منزله لا خير فيه ولو شرط الحمل إلى منزله ابتداء قيل يجوز استحسانا وروى البلخي عن أصحابنا أنه لا يجوز السلم وقيل إنما لا يجوز قياسا إذا شرط الإيفاء في موضع ثم الحمل إلى منزله أما لو شرط الإيفاء في منزله فيجوز قياسا واستحسانا وفي بيع العين لو شرط على البائع في المصر أن يوفيه إلى منزله والعقد في مصر جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا وعند محمد لا يجوز هذا إذا لم يكن بين جوانب المصر مسافة بعيدة فإن كان لا يجوز البيع ولو اشترى طعاما بطعام من جنسه وشرط أحدهما التوفية إلى منزله لم يجز بالإجماع كيفما كان ولو شرط أن يوفيه في مكان كذا فسلمه في غيره ودفع الكراء إلى الموضع المشروط صار قابضا ولا يجوز
____________________
(7/96)
أخذ الكراء وإن شاء رده إليه ليسلمه في المكان المشروط لأنه حقه قوله ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال قبل أن يفارقه بدنا تحقيقه أن قبض رأس المال قبل الافتراق شرط بقاء العقد على الصحة أما إذا كان رأس المال من النقود فلأنه لو لم يقبض افترقا عن دين بدين لأنها لا تتعين فلا يقع العقد إلا على دين في الذمة فيقع بدفع العين المقاصة عنه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ أي النسيئة بالنسيئة إلا أن مالكا رحمه الله يجيز التأخير ويقول إذا لم يشرط التأجيل لا يخرجه إلى الدين عرفا وبقولنا قال الشافعي وأحمد وإن كان عينا ففي القياس لا يشترط تعجيله لأن عدم تسليمه لا يؤدي إلى بيع دين بدين بل بيع عين بدين وفي الاستحسان يشترط إعمالا لمقتضى الاسم الشرعي لأن الإسلام والإسلاف في كذا ينبئ عن تعجيل المسلم دون الآخر لأن وضعها في الأصل لأخذ عاجل بآجل والشرع قرره كذلك فيجب أن يثبت على اعتبار المعنى الذي اعتبر فيها لو فرضنا فرضا أنها صارت إعلاما فأصل الوضع كاف باعتبار ما اعتبر في معناها من الأحكام فلزم التعجيل ولأنه لا بد من تسليمه ليتقلب فيه المسلم إليه إذ الفرض إفلاسه وحاجته إلى العقد لإفلاسه فيتقلب فيه ليقدر على تحصيل المسلم فيه إلى الأجل ولهذا أي لاشتراط التسليم قلنا لا يصح السلم إذا كان فيه خيار
____________________
(7/97)
الشرط لهما أو لأحدهما لأنه يمنع تمام القبض لكونه مانعا من الانعقاد في حق الحكم الذي هوالملك وهذا على قول أبي حنيفة ظاهر فإنه وإن خرج البدل عن ملك من لم يكن له خيار لم يدخل في ملك الآخر وعلى قولهما هو ملك متزلزل فإنه بعرضية أن يفسخ من له الخيار فلا يتم القبض لأن تمامه مبني على تمام الملك في المقبوض وهذا بخلاف الاستحقاق فإن رأس المال إذا ظهر مستحقا لم يمنع استحقاقه من تمام قبضه لجواز إجازة المالك حتى لو أجاز قبضه صح العقد وإن كان الاستحقاق يمنع الملك لأن منعه الملك ليس بقضية السبب بل السبب وجد مطلقا لا مانع فيه سوى تعلق حق الغير وجاز أن يجيز ذلك الغير فإذا أجاز التحقت الإجارة بحالة العقد بخلاف خيار الشرط فإن عدم الملك قضية السبب نفسه ويجعله في حق الحكم كالمتعلق بشرط سقوط الخيار وكان تأثيره أكثر من تأثير عدم القبض فكان أولى بالإبطال من عدم القبض وهذا لأن المعلق بالشرط معدوم قبله فلا حكم أصلا وهو الملك فلا قبض ولذا قلنا إن إعتاق المشتري لا يصح ولا يتوقف إذا كان في البيع خيار للبائع وإعتاق المشتري من الفضولي يتوقف وكذا لا يثبت فيه أي في السلم خيار رؤية بالإجماع لأنه غير مفيد إذ فائدة خيار الرؤية رد المبيع والمسلم فيه دين في الذمة فإذا رد المقبوض عاد دينا كما كان لأنه لم يرد عين ما تناوله العقد قد ينفسخ العقد برده بل يعود حقه في مثله ولأن إعلام الدين ليس إلا يذكر الصفة فقام ذكر الصفة مقام العين فلا يتصور خيار رؤية ذكره في الكافي ولا يشكل بالاستصناع فإنه دين في ذمة الصانع ويجري فيه خيار الرؤية يعني إذا رد ما يأتي به ينفسخ لأنا لا نسلم أن المبيع فيه الدين في ذمة الصانع بل العين كما سيأتي وأما خيار الرؤية في رأس المال فصحيح لأنه لا يمنع ثبوت الملك ذكره في التحفة وهذا إذا كان عينا مثليا أو قيميا بخلاف خيار العيب في المسلم فيه فإنه يصح لأنه لا يمنع تمام القبض لأن تمامه بتمام الصفقة
____________________
(7/98)
وتمامهما بتمام الرضا وهو تمام وقت العقد قوله ولو أسقط خيار الشرط قبل الافتراق ورأس مال السلم قائم جاز السلم خلافا لزفر وإنما قيد بقيام رأس المال لأنهما لو أسقطاه بعد إنفاقه أو استهلاكه لا يعود صحيحا اتفاقا لأنه بالإهلاك صار دينا في ذمة المسلم إليه فلو صح كان برأس مال هو دين وذلك لا يجوز كما لا يجوز في ابتداء العقد ولأنه الآن في معنى الابتداء إذ قبل الإسقاط لم يكن للعقد وجود شرعا وقول الشافعي ومالك كقول زفر وقد مر نظيره في باب البيع الفاسد وهو ما إذا باع إلى أجل مجهول ثم أسقط الأجل قبل حلوله ينقلب جائزا عندنا خلافا لهم قال المصنف رحمه الله وجملة الشروط جمعوها إلى آخره فإعلام رأس المال يشتمل على بيان جنسه وصفته ونوعه وقدره وتعجيله تتم خمسة ومن صفته أن يذكر من النقد الفلاني إذا كان في البلد نقود مختلفة المالية متساوية في الرواج كقولنا عدلية أو غطريفية فإن لم تختلف وتساوت رواجا يعطيه من أيها شاء ولو تفاوتت رواجا انصرف إلى غالب نقد البلد كما في البيع وينبغي في ديارنا إذا سمى مؤيدية يعطيه الأشرفية والجقمقية لتعارف تسمية الكل مؤيدية والاستواء في المالية والرواج وإعلام المسلم فيه يشتمل على مثلها خلا التعجيل وتأجيله وبيان مكان الإيفاء يتم أحد عشر وأما القدرة على تحصيله فالظاهر أن المراد منه عدم الانقطاع فإن القدرة بالفعل في الحال ليس هو شرطا عندنا ومعلوم أنه لو اتفق عجزه عند الحلول وإفلاسه لا يبطل السلم وقد بقي ما قدمناه من كون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين فلا يجوز في النقود وأن لا يكون حيوانا وانتقاد رأس المال إذا كان نقدا عند أبي حنيفة خلافا لهما وأن لا يشمل البدلين إحدى علتي الربا وعدم الخيار فظهر أن قوله وجملة الشروط لم يتم ثم فرع على اشتراط القبض في السلم أنه لو أسلم مائتين في كر حنطة منها مائة دين على المسلم إليه ونقده مائة أن السلم في حصة الدين باطل لفوات قبضه ولا يشيع الفساد في الكل خلافا لزفر رحمه الله وجه قوله أنه فساد قوي لتمكنه في صلب العقد وأيضا فقد جعل قبول العقد في صحة الدين شرطا لقبوله في صحة النقد
____________________
(7/99)
فهذا شرط فاسد ولنا أن الفساد طارئ فلا يشيع في غير محل المفسد أما إن أضاف العقد إلى مائتين مطلقا بأن قال أسلمت إليك مائتين في كذا ثم جعل إحداهما الدين فظاهر وأما إن أضاف إلى الدين والعين جميعا بأن قال أسلمت مائة الدين وهذه المائة في كذا فكذلك وإن قيل يفسد في الكل عند أبي حنيفة لما ذكرنا من اشتراط القبول في حصة الدين والصحيح أن الجواب فيهما عدم الفساد عنده لأن العقد لا يتقيد بالدين ولو قيد به بدليل من اشترى عبدا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل إلا إذا كان يعلمان عدم الدين فيفسد لأمر آخر وهو أنهما حينئذ هازلان بالبيع حيث عقدا بيعا بلا ثمن بخلاف ما لو كانت المائة على ثالث فإنه يشيع الفساد ولذا قيد المصنف كون المائة دينا على المسلم إليه لأن المائة على الأجنبي ليست مالا في حقهما وحين لم يتقيد بالدين لم يتحقق الفساد بمجرد ذكر ذلك بل بالافتراق بلا قبض تلك المائة ولهذا لو نقض المائة قبل الافتراق صح السلم وحينئذ لم يلزم قوله جعل القبول في الفاسد شرطا إلى آخره إذ لم يلزم الفساد بالإضافة لفظا إلى الدين وكان الفساد طارئا بلا شبهة وقال في المنظومة ** إن كان رأس المال نوعين نقد ** هذا ودين ذاك فالكل فسد ** ** إن لم يبين قسط ذا وقسط ذا ** والبر في الشعير والزيت كذا **
فاستشكلت على مسئلة الكتاب فقيل إنما قيد بالنوعين لأنه إذا كان من جنس واحد لا يتعدى الفساد كما ذكر في الهداية واستشكله صاحب الحواشي على قول أبي حنيفة لأن عنده إذا ورد العقد على شيئين وفسد في أحدهما يفسد في الآخر لأنه يصير قبول الفاسد شرطا إلى آخره قال إلا أن هذا في الفساد المقارن الذي تمكن في صلب العقد لا في الطارئ وهذا طارئ لأن قبض رأس المال شرط لبقاء العقد على الصحة أما العقد في نفسه فصحيح واستشكله الشيخ حافظ الدين في المصفى بأن هذا يقتضي أن لا يفسد في النقد إذا كان رأس المال نوعين أيضا ثم قال يحتمل أن الفساد باعتبار أن معرفة رأس المال شرط عنده ولم يبين حصة كل منهما من المسلم فيه فهي المسئلة التي قدمها المصنف تفريعا على اشتراطه معرفة مقدار رأس المال إذا كان مما يتعلق العقد على قدره فإذا قوبل بشيئين كان الانقسام بطريق القيمة وذلك يعرف بالحزر والظن وهو مجهول انتهى وهو جيد ما فرعه المصنف على اشتراط معرفة مقدار رأس المال إلا أن على هذا لا حاجة إلى تقييد المنظومة بكون أحدهما دينا فإنه
____________________
(7/100)
لو كان عينين فسد فيهما لذلك أيضا قوله ولا يجوز التصرف في رأس المال ولا المسلم فيه قبل القبض أما الأول وهو راس المال فإنما لا يجوز للمسلم إليه التصرف قبل قبضه لما في ذلك من تفويت حق الشرع وهو القبض المستحق شرعا قبل الافتراق وأما الثاني وهو المسلم فيه فإنه مبيع والتصرف في المبيع قبل القبض لا يجوز لما تقدم من الدليل فلا تجوز هبته ولا الاستبدال به أما لو دفع المسلم إليه ما هو أردأ من المشروط فقبله رب السلم أو أجود فإنه يجوز ولا يكون له حكم الاستبدال فإنه جنس حقه فهو كترك بعض حقه وإسقاطه في حق باب السلم ومن جنس القضاء في حق المسلم إليه وقول القدوري بعد ذلك ولا تجوز الشركة ولا التولية مع دخولهما في عموم التصرف في المسلم فيه لقرب وقوعهما في المسلم فيه بخلاف المرابحة والوضيعة فإنه غير معتاد ولأنه دين وفي الوضيعة إضرار برب السلم فيبعد وجودهما بخلاف أخذه بمثل ما اشتراه به فإنه قريب والشركة هي معنى أخذ بعضه بمثل ما اشتراه به وقيل هو احتراز عن قول البعض إن التولية تجوز عنده في بيع العين والسلم قوله فإن تقايلا السلم لم يكن له أي لرب السلم أن يشتري من المسلم إليه برأس المال شيئا حتى يقبضه كله لقوله صلى الله عليه وسلم لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك أخرج أبو داود وابن ماجه معناه عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره وهذا يقتضي أن لا يأخذ إلا هو ورواه الترمذي وحسنه وقال لا أعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وأخرجه الدارقطني عن سعيد الجوهري وعلي بن الحسين الدرهمي باللفظ المذكور وقال اللفظ للدرهمي وقال إبراهيم بن سعيد فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه أو رأس ماله وهذا هو حديث المصنف وعطية العوفي ضعفه أحمد وغيره والترمذي يحسن
____________________
(7/101)
حديثه فهو مختلف فيه فحديث حسن ورواه عبدالرزاق موقوفا على ابن عمر أخبرنا معمر عن قتادة عن ابن عمر قال إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلفت فيه وأسند عن أبي الشعثاء نحوه من قوله فقوله لا تأخذ إلا سلمك يعني حال قيام العقد أو رأس مالك أي عند الفسخ فاستنبط منه أنه اعتبر كالمبيع فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه وهذا أي كونه أخذ شبها بالمبيع بسبب أن الإقالة بيع جديد في حق ثالث غير المتعاقدين والشرع ثالث وعرف أن صحتها تتوقف على قيام المبيع إلى القبض ألا ترى أنه لو هلك المبيع بعد إقالة البيع قبل القبض تبطل الإقالة وذلك غير ممكن هنا لأن بالإقالة يسقط المبيع لأنه دين لا عين فيتلاشى فلا يعود لكنها قد صحت فيلزم أنه اعتبر رأس المال بمنزلة المبيع ضرورة لأنه دين مثل المسلم فيه وجعل الدين مبيعا ليس محالا وأورد عليه لو كانت بيعا جديدا لكانت بيع سلم لأنها إقالة بيع سلم فكان يلزم قبض رأس المال عند الإقالة في المجلس ولم يلزم بالإجماع فأجاب عنه المصنف بأنه يعني عقد الإقالة ليس في حكم الابتداء من كل وجه وأجاب غيره بأن لزوم قبضه قبل الافتراق لئلا يفترقا عن دين بدين وذلك إنما يكون إذا كان المسلم فيه مما يجب تسليمه ولم يجب ذلك بعد الفسخ بالإقالة ويمكن حمل جواب المصنف على هذا بتكلف يسير وحاصل جواب صاحب الإيضاح أن رأس المال جعل كالمسلم فيه والقبض ليس شرطا فيه فليس شرطا له
____________________
(7/102)
وفيه خلاف زفر أي في منع الاستبدال برأس مال السلم من المسلم إليه بعد إقالة السلم فعنده يجوز أن يشتري به ما شاء وهو القياس لأنه بالإقالة بطل السلم وصار رأس المال دينا عند المسلم إليه فيستبدل به كسائر الديون قال والحجة عليه ما ذكرنا من الأثر والمعنى فهو استحسان بالأثر مقدم على القياس قوله ومن أسلم في كر وهو ستون قفيزا أو أربعون على خلاف فيه والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف فلما حل الأجل اشترى المسلم إليه من رجل كرا وأمر رب السلم أن يقبضه قضاء عن المسلم فيه فاقتضاه رب السلم بحقه بأن اكتاله مرة وحازه إليه لم يكن مقتضيا حقه حتى لو هلك بعد ذلك يهلك من مال المسلم إليه ويطالبه رب السلم بحقه وإن أمره أن يقبضه له أي للمسلم إليه ثم يقبضه لنفسه فاكتاله له أي رب السلم للمسلم إليه ثم اكتاله مرة أخرى لنفسه صار مقتضيا مستوفيا حقه وهذا لأنه اجتمعت صفقتان بشرط الكيل فلا بد من الكيل مرتين لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري وهذا هو محمل الحديث على ما مر في الفصل الذي يلي باب المرابحة حيث قال المصنف ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين والفقه فيه أن المستحق بالعقد ما سمي فيه وهو الكر وهو إنما يتحقق بالكيل فكان الكيل معينا للمستحق بالعقد وهذان عقدان ومشتريان فلا بد من توفير مقتضى كل عقد عليه ألا ترى أن الثاني لو كاله فزاد لم تطب له الزيادة ووجب ردها حتى لو كان المشتري كاله لنفسه بحضرة المشتري الثاني فقبضه الثاني لا بد من أن يكيله إقامة لحق العقد الثاني والصفقتان شراء المسلم إليه من بائعه الكر والصفقة التقديرية التي اعتبرت بين المسلم إليه ورب السلم عند قبضه لأن المسلم إليه يصير بائعا من رب السلم ما اشتراه لأن المأخوذ ليس عين حقه فإنه دين وهذا عين قاصصه به وقد أخذوا في صحة الأمر أن يقبضه له ثم يقبضه لنفسه وعندي ليس هذا بشرط بل الشرط أن يكيله مرتين حتى لو قال له اقبض الكر الذي اشتريته من فلان عن حقك فذهب فاكتاله ثم أعاد كيله صار قابضا لأن الفرض أنه لا يصير قابضا لنفسه بالكيل الأول بل الثاني فلما قال له اقبضه عن حقك والمخاطب يعلم طريق صيرورته قابضا لنفسه أن يكيله مرة للقبض عن الآمر وثانيا ليصير هو قابضا لنفسه ففعل ذلك صار قابضا حقه كأنه قال له اذهب فافعل ما تصير به قابضا ولفظ الجامع يفيد ما قلنا فإنه لم يزد فيه على قول
____________________
(7/103)
فاكتاله ثم اكتاله لنفسه جاز وقوله والسلم وإن كان سابقا إلى آخره جواب سؤال مقدر وهو أن يقال بيع رب السلم مع المسلم إليه كان سابقا على شراء المسلم إليه من بائعه فلا يكون المسلم إليه بائعا بعد الشراء ما اشتراه فلم تجتمع الصفقتان فلا يدخل تحت النهي فأجاب بقوله السلم وإن كان سابقا على شراء المسلم إليه من بائعه لكن قبض رب السلم المسلم فيه لاحق لشرائه من بائعه وأنه أي قبض المسلم فيه بمنزلة ابتداء البيع لأن العين غير الدين حقيقة واعتباره عينه في حق حكم خاص وهو صحة قبضه عن المسلم فيه كي لا يلزم الاستبدال به قبل قبضه لا يستلزم اعتباره إياه مطلقا فأخذ العين عنه في حكم عقد جديد فيتحقق بيع المسلم إليه بعد شرائه من بائعه والدليل على هذا الاعتبار ما قال في الزيادات لو أسلم مائة في كر ثم اشترى المسلم إليه من رب السلم كر حنطة بمائتي درهم إلى سنة فقبضه فلما حل السلم أعطاه ذلك الكر لم يجز لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن يريد أن رب السلم اشترى ما باعه وهو الكر قبل نقد الثمن بأقل مما باعه وإنما يلزم ذلك إذا جعلا عند القبض كأنهما جددا عقدا ومثل هذا فيما لو أسلم في موزون معين واشترى المسلم إليه موزونا كذلك إلى آخره لا يجوز قبض رب السلم بخلاف ما لو اشترى المسلم إليه حنطة مجازفة أو ملكها بإرث أو هبة أو وصية وأوفاه رب السلم فكاله مرة وتجوز به يكتفى بكيل واحد لأنه لم يوجد إلا عقد واحد بشرط الكيل وهو السلم ولو اشترى المعدود عدا والسلم في معدود فعلى الروايتين في وجوب إعادة العد في بيع المعدود بعد شرائه عدا هذا فلو لم يكن سلما ولكن أقرضه فأمره بقبض الكر ولم يقل اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك فقبضه بأن اكتاله مرة جاز لأن القرض إعارة ولهذا ينعقد بلفظ الإعارة وكان المردود عين المأخوذ مطلقا فلم تجتمع صفقتان فلم يجب الكيلان لأن هذا الاعتبار في القرض لو لم يكن ثابتا لزم تملك الشيء بجنسه نسيئة أو تفرق بلا قبض فيه وهو ربا ولهذا لا يلزم التأجيل في القرض لأنه بيع بجنسه نسيئة وكذا لو كان الدين الأول سلما فلما حل اقترض المسلم إليه من رجل كرا وأمر رب السلم بقبضه من المقرض ففعل جاز لما ذكرنا وهذا لأن عقد القرض عقد مساهلة لا يوجب الكيل بخلاف البيع مكايلة أو موازنة ولهذا لو استقرض من آخر حنطة على أنها عشرة أقفزة جاز له أن يتصرف فيها
____________________
(7/104)
قبل الكيل قوله ومن أسلم في كر فأمر رب السلم المسلم إليه أن يكيله له في غرائر رب السلم والموضع موضع الإضمار فيهما لكنه أظهره لدفع الالتباس ففعل وهو أي رب السلم غائب لم يكن قضاء حتى لو هلك هلك من مال المسلم إليه والتقييد بغيبته لأنه لو كال فيها ورب السلم حاضر يصير قابضا بالاتفاق سواء كانت الغرائر له أو للبائع لأن الأمر بالكيل لم يصح لأنه لم يصادف ملك الآمر لأن حقه في الدين لا العين فصار المسلم إليه مستعير الغرائر منه جاعلا ملك نفسه فصار كما لو كان عليه دراهم فدفع الدائن إلين كبسا ليزنها المديون فيه لم يصر قابضا هذا إذا لم يكن في غرائر رب السلم طعام بلا تردد فإن كان قيل لا يصير قابضا لما قررنا أن أمره غير معتبر في ملك الغير قال في المبسوط والأصح عندي أنه يصير قابضا لأن أمره بخلط طعام السلم بطعامه على وجه لا يتميز معتبر فيصير به قابضا وهو نظير ما سيذكر في كتاب الصرف فيمن دفع نصف درهم إلى صائغ وقال زد من عندك نصف درهم وصغ لي بهما خاتما ففعل جاز وصار بالخلط قابضا ولو كانت مشتراة غير مسلم فيها والمسئلة بحالها أي دفع المشتري غرائره للبائع وأمره أن يكيلها فيها ففعل بغيبته وصار قابضا لأن الأمر قد صح هنا لأنه ملك عين الحنطة بمجرد البيع فصادف أمره ملكه ونظيره مالو أمره بطحن الحنطة المسلم فيها فطحنها المسلم إليه كان الدقيق للمسلم إليه فلو أخذ رب السلم الدقيق كان حراما لأنه استبدل بالمسلم فيه قبل قبضه ولو كانت مشتراة فأمر المشتري البائع أن يطحنها فطحنها كانت للمشتري فلو هلك الدقيق في الأول هلك من ملك المسلم إليه ويعود دين رب السلم عليه كما كان ولو هلك في الثاني هلك من ملك المشتري وتقرر الثمن عليه ومثله إذا امر رب السلم المسلم إليه أن يصبه في البحر ففعل كان من مال المسلم إليه ولوأمر المشتري البائع به كان قابضا فيهلك من مال المشتري
____________________
(7/105)
لما قلنا ولهذا يكتفى بذلك الكيل في الشراء في الصحيح لأنه نائب عنه في الكيل والوقوع في غرائر المشتري وقوله في الصحيح احتراز عما قيل لا يكتفى إلا بكيلين على ما مر قبل باب الربا ولو كان في البيع أمر المشتري البائع أن يكيله في غرائر البائع ففعل بغيبته لم يصر قابضا لأنه استغار غرائره ولم يقبضها فلم تتم الإعارة لأنها لما كانت عقد تبرع لم تتم إلا بالقبض فلم تصر الغرائر في يده فكذا ما يقع فيه على تأويل الظرف ونحوه وصار كما لو أمر المشتري البائع أن يكيله ويعزله في مكان من بيت البائع ففعل بغيبته لم يصر قابضا ولو اجتمع الدين والعين بأن اشترى رب السلم من المسلم إليه كرا معينا بعد حلول السلم فأمره أن يكيل في غرائر المشتري كليهما ففعل بغيبته إن بدأ بالكر العين ثم بالمسلم فيه صار المشتري قابضا لهما أما العين فلصحة الأمر فيه لأنه لاقى ملكه وأما الدين فلاتصاله بملكه وبمثله يصير قابضا كمن استقرض حنطة ولم يقبضها ثم أمر المقرض أن يزرعها في أرض المستقرض وكمن دفع إلى صائغ خاتما وأمره أن يزيد من عنده نصف دينار ففعل بغيبته لزمته الزيادة وتقرر بدلها عليه لاتصال ملكه فيهما
____________________
(7/106)
وإن بدأ بالدين فكاله في الغرائر لم يصر قابضا أما في الدين فلعدم صحة الأمر لما قلنا وأما في العين فلأنه يخلط مال المشتري بجنسه من مال نفسه يصير مستهلكا له عند أبي حنيفة فينتقض البيع بهلاك المبيع قبل القبض لا يقال هذا الخلط ليس بتعد ليكون به مستهلكا لأنه بأمره أجاب المصنف بمنع إذنه فيه على هذا الوجه لجواز كون مراده أن يفعل ذلك على وجه يصح وهو أن يبدأ بالعين وعندهما لما لم يكن استهلاكا يصير المشتري بالخيار إن شاء نقض البيع لعيب الشركة وإن شاء شاركه في المخلوط وأورد أن صبغ الصباغ يتصل بالثوب ولا يصير مالكه قابضا به أجيب بأن المعقود عليه ثمة الفعل لا العين والفعل لا يجاوز الفاعل لأنه عرض لا يقبل الانتقال قوله ومن أسلم جارية في كر حنطة حاصل هذه والتي بعدها الفرق بين الإقالة في السلم والبيع بالثمن وبيع المقايضة ففي السلم تجوز الإقالة قبل هلاك الجارية وبعده لأن صحة الإقالة تعتمد قيام العقد وهو بقيام المبيع إلى أن يقبض ففي السلم المبيع قصدا هو المسلم فيه فهلاك الجارية وعدمه لا يعدم الدين المسلم فيه فجازت الإقالة إذا ماتت قبل الإقالة أو بعدها قبل القبض لقيام المعقود عليه وهو المسلم فيه وإذا جازت انفسخ في الجارية تبعا فوجب ردها وقد عجز فيرد قيمتها يوم القبض لأن السبب الموجب للضمان كان فيه فصار كالغصب وفيما لو كان اشترى جارية بألف درهم مثلا لا تجوز الإقالة بعد موتها وتبطل لو ماتت بعد الإقالة قبل القبض لأن الجارية هي المعقود عليه في البيع فلا تصح الإقالة بعد موتها ولا تبقى على الصحة إذا هلكت بعدها ولو كان البيع مقايضة بأن
____________________
(7/107)
دفع الجارية في ثوب تبقى الإقالة بعد هلاكها إذا كان العرض الآخر باقيا لأن كلا منهما مبيع من وجه قوله ومن أسلم إلى رجل إلى آخره الأصل في هذه المسائل أنهما إذا اختلفا في الصحة فإن خرج كلام أحدهما مخرج التعنت وهو أن ينكر ما ينفعه كان باطلا اتفاقا والقول قول من يدعي الصحة وإن خرج مخرج الخصومة وهو أن ينكر ما يضره قال أبو حنيفة القول قول من يدعي الصحة أيضا إذا اتفقا على عقد واحد وإن كان خصمه هو المنكر وقالا القول قول المنكر وإن أنكر الصحة إذا عرف هذا جئنا إلى المسائل أسلم إلى رجل في كر فقال المسلم إليه شرطت لك رديئا وقال رب السلم لم تشترط شيئا فالقول قول المسلم إليه بالاتفاق وهو قول الشافعي لأن رب السلم متعنت لأنه بإنكار الصحة منكر ما ينفعه وهو المسلم فيه لأنه على كل حال يربو على رأس المال في العادة وإن كان رأس المال نقدا والمسلم فيه نسيئة لأن العقلاء قاطبة على إعطاء هذا العاجل بذاك الآجل
____________________
(7/108)
ولولا أنه يربو عليه وإن كان آجلا لم تطبق آراؤهم عليه وكلام المتعنت مردود فيبقى قول الآخر بلا معارض وأما التوجيه بأن الظاهر الصحة إلى آخره فيخص أبو حنيفة تمشيته في غير هذا المحل والمراد هنا توجيه الاتفاق على أن القول للآخر وهما لا يقولان إن القول لمدعي الصحة دائما ليعللا هنا بظهورها في مباشرة العاقد وفي عكسه بأن ادعى رب السلم شرط الرديء وأنكر المسلم إليه الشرط أصلا لم يذكره محمد في الكتاب وقالوا أي المشايخ يجب أن يكون القول لرب السلم عند أبي حنيفة وهو قول الشافعي لأنه يدعي الصحة وإن كان صاحبه منكرا وكلامه خصومة وعندهما القول للمسلم إليه لأنه منكر وإن أنكر الصحة وسيقرر المصنف الوجه في تلك المسئلة التي تلي هذه ولو قال المسلم إليه لم يكن فيه أجل وقال رب السلم فيه أجل فالقول قول رب السلم اي بالاتفاق وكذا في مقداره وهو قول الشافعي لأن كلام المسلم إليه هنا تعنت لأنه ينكر ما ينفعه وما هو حقه وهو الأجل لأن الأجل لترفيه المسلم إليه وهذا استحسان وأورد عليه ينبغي أن يكون القول لمن يدعي الفساد لأن المسلم فيه لما كان في العادة يربو على رأس المال كان إنكار المسلم إليه الصحة خصومة فلا يكون متعنتا وهذا الإيراد هو وجه القياس فأجاب عنه المصنف بقوله والفساد لعدم الأجل ليس متيقنا حتى
____________________
(7/109)
يكون إنكاره إنكار الصحة دافعا لزيادة المسلم فيه لأن السلم الحال جائز عند بعض المجتهدين فلا يعتبر النفع في رد رأس المال لأنه ليس بلازم قطعا بخلاف عدم الوصف كالرداءة ونحوها على ما تقدم فإنه ملزوم قطعا للفساد وفي عكسه وهو أن يدعي المسلم إليه الأجل ورب السلم ينكره القول لرب السلم عندهما لأنه ينكر حقا عليه وهو زيادة الربح الكائن في قيمة المسلم فيه على ما دخل في يده من رأس المال فصار كرب المال إذا قال للمضارب شرطت لك نصف الربح إلا عشرة وقال المضارب بل شرطت لي نصف الربح فإن القول لرب المال لأنه ينكر استحقاق زيادة الربح وإن تضمن ذلك إنكار الصحة ووقع في بعض النسخ نصف الربح وزيادة عشرة وهي غلط لأن على هذا التقدير القول للمضارب ولأن إنكاره الزيادة على ذلك التقدير لا على هذا وعند أبي حنيفة القول للمسلم إليه وهو قول الشافعي لأنه يدعي الصحة وقد اتفقا على عقد واحد فكانا متفقين على الصحة ظاهرا إذ الظاهر من حال المسلم الامتناع عن العقد الفاسد ولأنه هو المفيد لتمام الفرض المقصود من مباشرته وهو ثبوت الملك على وجه لا يجب نقضه ورفعه شرعا ولأن شرط الشيء تبع له فالاتفاق على صدور هذا العقد اتفاق على صدور شرائطه فإنكار الأجل إنكار بعد الإقرار ظاهرا فلا يقبل وصار كما لو اختلف الزوجان في التزويج بشهود أو بلا شهود فالقول لمن يدعيه بشهود بخلاف المضاربة لأنه أي عقد المضاربة ليس بلازم ولهذا يتمكن رب المال من عزله قبل شرائه برأس المال وكذا المضارب له فسخه وإذا كان غير لازم ارتفع باختلافهما وإذا ارتفع بقي دعوى المضارب في استحقاق الربح ورب المال ينكر فالقول له أما السلم فعقد لازم فلا يرتفع بالاختلاف فكان مدعي الفساد متناقضا ظاهرا كما ذكرنا ولأن عقد المضاربة إذا صح كان شركة وإذا فسد صار إجارة فلم يتفقا على عقد واحد فإن مدعي الفساد يدعي
____________________
(7/110)
الإجارة ومدعي الصحة يدعي الشركة فكان اختلافهما في نوع العقد بخلاف السلم الحال وهو ما يدعيه منكر الأجل سلم فاسد لا عقد آخر فلهذا يحنث به في يمينه لا يسلم في شيء فقد اتفقا على عقد واحد واختلفا في صحته وفساده فالقول لمدعي الصحة واستشكل بما لو قال في المضاربة رب المال شرطت نصف الربح وزيادة عشرة فإن القول للمضارب ولم يقل اختلفا في نوع العقد أجيب بأن المضارب ادعى الشركة والصحة ورب المال أقر له بذلك بقوله شرطت لك نصف الربح ثم قوله وزيادة عشرة عطفا عليه يدعي الفساد لأن أول الكلام لا يتوقف على آخره فيه بخلاف قوله إلا عشرة بالاستثناء فإنه يتوقف إذ صدر الكلام مع الاستثناء كلام واحد قيل فيه نظر لأن في الأصول فيما إذا زوجه الفضولي أختين في عقدين فقال أجزت نكاح هذه وهذه يفسدان لأنه توقف أوله على آخره بوجود المغير في آخره وإن كان بحرف العطف وأورد أيضا بما إذا قال تزوجتك وأنا صغير وقالت بل بعد بلوغك فالقول للزوج مع أنه يدعي فساد العقد أجيب بأنه ما أقر بأصل العقد بل أنكره حيث أسنده إلى حال عدم الأهلية واعلم أن إنكار الأجل على ثلاثة أوجه أحدها في أصل الأجل وهي مسئلة الكتاب والثاني في مقدار الأجل والقول فيه قول من يدعي الأقل مع يمينه فإن قامت بينة للمدعي الأكثر قضى بها وإن قامت لكل منهما فالبينة بينة مثبت الزيادة والثالث في مضي الأجل إذا قال رب السلم مضى الأجل المسمى وقال المسلم إليه لا فالقول قول المسلم إليه مع يمينه لأنه ينكر توجه المطالبة عليه ومن أقام بينة قضى له فإن أقاماها فالبينة بينة المطلوب لأنها تثبت زيادة الأجل هذا والاختلاف في مقدار الأجل لا يوجب التحالف عندنا خلافا لزفر لأنه ليس في المعقود عليه ولا في بدله بخلاف الاختلاف في الصفة يعني أنه ما هو فإنهما يتحالفان
____________________
(7/111)
لأن الوصف جار مجرى الأصل وفي الخلاصة إذا شرط في السلم الثوب الجيد فجاء بثوب وادعى أنه جيد وأنكر الطالب فالقاضي يرى اثنين من أهل تلك الصنعة وهذا أحوط والواحد يكفي فإن قالا جيد أجبر على القبول وإذا اختلفا في السلم يتحالفان استحسانا ويبدأ بيمين المطلوب عند أبي يوسف ثم رجع وقال بيمين الطالب وهو قول محمد وإن قامت لأحدهما بينة قضى بها وإن قامت لهما بينة قضى ببينة رب السلم بسلم واحد عند أبي يوسف والمسئلة على ثلاثة أوجه لأن رأس المال إما عين أو دين وكل وجه على ثلاثة أوجه اتفقا على رأس المال واختلفا في المسلم فيه أو على القلب أو اختلف فيهما فإن كان رأس المال عينا واختلفا في المسلم فيه لا غير فقال الطالب هذا الثوب في كر حنطة وقال الآخر في نصف كر أو في شعير أو في الحنطة الرديئة وأقاما قضى ببينة رب السلم بالإجماع وإن اختلفا في راس المال فقال أحدهما هذا الثوب وقال الآخر هذا العبد واتفقا على المسلم فيه أنه الحنطة أو قال أحدهما هذا الثوب في كر حنطة وقال الآخر في كر شعير وأقاما البينة قضي بالسلمين فمحمد مر على أصله وأبو يوسف يقول كل يدعي عقدا غير ما يدعيه الآخر وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير إن اتفقا على رأس المال واختلفا في المسلم فيه وأقاما البينة فالبينة لرب السلم ويقضى بسلم واحد عند ابي يوسف خلافا لمحمد وإن كان الاختلاف على القلب فعلى هذا الخلاف ولو اختلفا فيهما فقال أحدهما عشرة دراهم في كري حنطة وقال الآخر خمسة عشر في كر وأقاما فعند أبي يوسف تثبت الزيادة فيجب خمسة عشر في كرين ولا يقضى بسلمين وعند محمد يقضى بسلمين عقد بخمسة عشر في كر وعقد بعشرة في كرين ولو ادعى أحدهما أن رأس المال دراهم والآخر دنانير لم يذكر هذا وينبغي أن يقضى بسلمين كما في الثوبين وفيها أسلم في ثوب وشرط الوسط فجاء بجيد وقال خذ هذا وزدني دراهم فعلى وجوه إما إن كان كيليا أو وزنيا أو ذرعيا ففي الكيلي فإن أسلم في عشرة أقفزة فجاء بأحد عشر وقال زدني درهما جاز لأنه باع قفيزا بثمن معلوم ولو جاء بتسسعة وقال خذ وأرد عليك درهما فقبل جاز أيضا فإنه إقالة في البعض فيجوز كما في الكل ولو جاء بحنطة أجود أو أردأ فأعطى درهما لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يجوز وقدمنا أنه في الأردإ والأجود يجوز بالإجماع إذا لم يكن معه شيء آخر وفي الثوب إن جاء بأزيد بذراع وقال زدني درهما جاز وهو بيع ذراع بدرهم يمكن تسليمه بخلاف بيعه مفردا وكذا إذا أتى بالزيادة من حيث الوصف فإنه يجوز عندهم وإن جاء بأنقص فرد معه درهما لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد لأنه إقالة فيما لا يعلم حصته لأن الذراع وصف وحصته مجهولة هذا إذا لم يبين لكل ذراع حصة فإن بين جاز بلا خلاف وكذا لو جاء بأنقص وصفا لا يجوز ولو بأزيد وصفا جاز الكل في الأصل قوله ويجوز السلم في الثياب إذا بين طولا وعرضا ورقعة لأنه أسلم في معلوم والرقعة يراد بها قدر ولا خلاف في هذا بل في اشتراط وزنه إذا كان حريرا
____________________
(7/112)
فإن عند باقي الأئمة الثلاثة لا يشترطونه والوجه بها ظاهر وكذا يجوز في البسط والأكسية والمسوح والجوالق والبواري إذا بين الطول والعرض والصنعة وكل ما اختلفت قيمته بالخفة والثقل من الثياب عرفا كالوذاري يشترط بيان وزنه ولو كان البيع ناجزا في المنتقى إذا باع ثوبي حرير يدا بيد لا يجوز إلا وزنا بوزن وهذا هو الصحيح في السلم بخلاف البيع لأن الإشارة يكتفى بتعريفها في البيع غاية الأمر عدم معرفة ثقله وهو كعدم معرفة عدد قفزان الصبرة وهو غير مانع وفي الطول يذكر عدد الذرعان يجب أن يتوسط عند الذرع بين إرخاء الثوب ومده إن كان الذراع مختلف الطول فلا بد من تعيينه إلا أن يكون أحدهما هو المتعارف وإذا دخل ثياب الحرير الوزن لزم أن لا يجوز بيعها بجنسها جزافا فلذا ذكر القدوري أن بيع ثوب خز بثوب خز يدا بيد لا يجوز إلا وزنا كأواني الصفر قوله ولا يجوز السلم في الجواهر بلا خلاف إلا لمالك ولا في الخرز لأن آحادها تتفاوت تفاوتا فاحشا في المالية فإن الجوهرتين قد يتحدان وزنا ويختلفان قيمة باعتبار حسن الهيئة اللهم إلا في الصغار التي تقد للكحل والتداوي فيجوز وزنا ولا بأس بالسلم في اللبن والآجر إذا سمي ملبنا معلوما لأنه عددي متفاوت إذا سمى الملبن وقوله لا سيما إذا سمى إلى آخره يعطى أنه متقارب فلا تشترط تسمية الملبن بل إذا سمى يكون أحسن وليس كذلك بل يتفاوت تفاوتا فاحشا وذكر بعضهم أنه لا يجوز بيع مائة آجرة من أتون وفي عرف بلادنا يسمونه قمينا أو قميرا وهو الذي يبنى ليشوى فيه الآجر والحجارة تعمل جيرا لأنه يتفاوت في النضج تفاوتا فاحشا فلا يجوز بيعه وألحقناه في السلم بالمتفاوت المتقارب قوله وكل ما امكن ضبط صفته إلى آخره لا خلاف فيه كالقطن والكتان والإبريسم والنحاس والتبر والحديد والرصاص والصفر والحناء والوسمة والرياحين اليابسة والجذوع إذا بين طولا وعرضا وغلظا والقصب وصوف الأخشاب ويجوز السلم في التبن كيلا بالغرائر
____________________
(7/113)
وقيل هو موزون وقيل يعتبر التعارف وفي عرفنا كيله في شباك الليف يسمونه أهل العرف شنيفا قوله ولا بأس بالسلم في طست أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك كالكوز والآنية من النحاس والزجاج والحديد والقلنسوة والطواجن إذا ضبط واستقصى في صفته من الغلظ والسعة والضيق بحيث ينحصر فلا يتفاوت إلا يسيرا قوله وإن استصنع شيئا من ذلك بغير أجل جاز استحسانا الاستصناع طلب الصنعة وهو أن يقول لصانع خف أو مكعب أو أواني الصفر اصنع لي خفا طوله كذا وسعته كذا أو دستا أي برمة تسع كذا وزنها كذا على هيئة كذا بكذا ويعطى الثمن المسمى أولا يعطي شيئا فيعقد الآخر معه جاز استحسانا تبعا للعين والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي إذ لا يمكن إجارة لأنه استئجار على العمل في ملك الأجير وذلك لا يجوز
____________________
(7/114)
كما لو قال احمل طعامك من هذا المكان إلى مكان كذا بكذا أو اصبغ ثوبك أحمر بكذا لا يصح ولا بيعا لأنه بيع معدوم ولو كان موجودا مملوكا لغير العاقد لم يجز فإذا كان معدوما فهو أولى بعدم الجواز ولكنا جوزناه استحسانا للتعامل الراجع إلى الإجماع العملي من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم بلا نكير والتعامل بهذه الصفة أصل مندرج في قوله صلى الله عليه وسلم لا تجتمع أمتي على ضلالة وقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما واحتجم صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام مع أن مقدار عمل الحجامة وعدد كرات وضع المحاجم ومصهاه غير لازم عند أحد ومثله شرب الماء من السقاء وسمع صلى الله عليه وسلم بوجود الحمام فأباحه بمئزر ولم يبين له شرطا وتعامل الناس بدخوله من لدن الصحابة والتابعين على هذا الوجه الآن وهو أن لا يذكر عدد ما يصبه من ملء الطاسة ونحوها فقصرناه على ما فيه تعامل وفيما لا تعامل فيه رجعنا فيه إلى القياس كأن يستصنع حائكا أو خياطا لينسج له أو يخيط قميصا بغزل نفسه ثم اختلف المشايخ أنه مواعدة أو معاقدة فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور مواعدة وإنما ينعقد عند الفراغ بيعا بالتعاطي ولهذا كان للصانع أن لا يعمل ولا يجبر عليه بخلاف السلم وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي به ويرجع عنه ولا تلزم المعاملة وكذا المزارعة على قول أبي حنيفة لفسادهما مع التعامل لثبوت الخلاف فيهما في الصدر الأول وهذا كان على الاتفاق والصحيح من المذهب جوازه بيعا لأن محمدا ذكر فيه القياس والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة ولأنه جوزه فيما فيه تعامل دون ما ليس فيه ولو كان مواعدة جاز في الكل وسماه شراء فقال إذا رآه المستصنع فهو بالخيار لأنه اشترى ما لم يره ولأن الصانع يملك الدراهم بقبضها ولو كانت مواعيد لم يملكها وإثبات أبي اليسر الخيار لكل منهما لا يدل على أنه غير بيع ألا ترى أن في بيع المقايضة لو لم ير كل منهما عين الآخر كان لكل منهما الخيار وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع اعتبر فيها المعدوم موجودا وفي الشرع كثير كذلك كطهارة المستحاضة وتسمية الذابح إذا نسيها والرهن بالدين الموعود وقراءة المأموم وقوله والمعقود عليه العين دون العمل نفي لقول أبي سعيد البردعي المعقود عليه العمل لأن الاستصناع ينبئ عنه كما قلنا والأديم والصرم بمنزلة
____________________
(7/115)
الصبغ والدليل عليه ما ذكرناه من قول محمد لأنه اشترى مالم يره ولذا لو جاء به مفروغا لا من صنعته أو من صنعته قبل العقد فأخذه جاز وإنما نبطله بموت الصانع لشبهه بالإجارة وفي الذخيرة هو إجارة ابتداء بيع انتهاء لكن قبل التسليم لا عند التسليم بدليل أنهم قالوا إذا مات الصانع يبطل ولا يستوفي المصنوع من تركته ذكره محمد في كتاب البيوع فإن قيل لو انعقد إجارة أجبر الصانع على العمل والمستصنع على إعطاء المسمى
____________________
(7/116)
أجيب بأنه إنما لم يجبر الصانع لأنه لا يمكنه إلا بإتلاف عين له من قطع الأديم ونحوه والإجارة تفسخ ففسخ بهذا العذر ألا ترى أن المزارع له أن لا يعمل إذا كان البذر من جهته وكذا رب الأرض لأنه لا يمكنه المضي بهذه الإجارة إلا بذلك والمستصنع ولو شرط تعجيله لأن هذه الإجارة في الآخرة كشراء مالم يره ولأن جواز الاستصناع للحاجة وهي في الجواز لا اللزوم ولذا قلنا للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع لأن العقد غير لازم وأما بعد ما رآه فالأصح أنه لا خيار للصانع بل إذا قبله المستصنع أجبر على دفعه له لأنه بالآخرة بائع والله أعلم
____________________
(7/117)
مسائل منثورة
المسائل التي تشذ عن الأبواب المتقدمة فلم تذكر فيها إذا استدركت سميت مسائل منثورة أي متفرقة عن أبوابها قوله ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع المعلم وغير المعلم في ذلك سواء هكذا أطلق في الأصل فمشى بعضهم على إطلاقه كالقدوري وفي نوادر هشام عن محمد نص على جواز بيع الكلب العقور وتضمين من قتله قيمته وروى الفضل بن غانم عن أبي يوسف نصه على منع بيع العقور وعلى هذا مشى في المبسوط فقال يجوز بيع الكلب إذا كان بحال يقبل التعليم ونقل في النوادر أنه يجوز بيع الجرو لأنه يقبل التعليم وإنما لا يجوز بيع الكلب العقور الذي لا يقبل التعليم وقال هذا هوالصحيح من المذهب قال وهكذا نقول في الأسد إذا كان يقبل التعليم ويصطاد به يجوز بيعه وإن كان لا يقبل التعليم والاصطياد به لا يجوز قال والفهد والبازي يقبلان التعليم فيجوز بيعهما على كل حال انتهى فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيع النمر بحال لأنه لشره لا يقبل تعليما وفي بيع القرد روايتان عن أبي حنيفة رواية الحسن الجواز ورواية أبي يوسف بالمنع وقال أبو يوسف أكره بيعه لأنه لا منفعة له إنما هو للهو وهذه جهة محرمة وجه رواية الجواز أنه يمكن الانتفاع بجلده وهذا هو وجه رواية إطلاق بيع الكلب والسباع فإنه مبني على أن كل ما يمكن الانتفاع بجلده أو عظمه يجوز بيعه ويجوز بيع الهرة لأنها تصطاد الفأر والهوام المؤذية فهي منتفع بها ولا يجوز بيع هوام الأرض كالخنافس والعقارب والفأرة والنمل والوزغ والقنافذ والضب ولا هوام البحر كالضفدع والسرطان وذكر أبو الليث أنه يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع بها في الأدوية وإن لم ينتفع فلا يجوز ويجوز بيع الدهن النجس لأنه ينتفع به للاستصباح فهو كالسرقين وأما العذرة فلا ينتفع بها إلا إذا خلطت بالتراب فلا يجوز بيعها إلا تبعا للتراب المخلوط بخلاف الدم يمتنع مطلقا قوله وقال الشافعي لا يجوز بيع الكلب مطلقا سواء كان للصيد أو لم يكن وأما اقتناؤه
____________________
(7/118)
للصيد وحراسة الماشية والبيوت والزرع فيجوز بالإجماع لكن لا ينبغي أن يتخذه في داره إلا إن خاف لصوصا أو أعداء للحديث الصحيح من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان وجه قوله ما روى ابن حبان في صحيحه عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام من السحت وأخرجه الدارقطني بسندين فيهما ضعف وفي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن ثمن الكلب ولأنه نجس العين والنجاسة تشعر بهوان المحل والبيع برفعته فلا يجتمعان وعارضه المصنف بوجهين أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية وهو غريب بهذا اللفظ نعم أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد وضعفه الترمذي قال وقد روي أيضا عن جابر مرفوعا ولا يصح إسناده والأحاديث الصحيحة ليس فيها هذا الاستثناء لكن روى أبو حنيفة في سنده عن الهيثم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد وهذا سند جيد فإن الهيثم ذكره ابن حبان في الثقات من أثبات التابعين فهذا الحديث على رأيهم يصلح مخصصا والمخصص بيان للمراد بالعام فيجوز وإن كان دونه في القوة عندهم حتى أجازوا تخصيص العام القاطع بخبر الواحد ابتداء فبطل مدعاهم من عموم منع البيع ثم دليل التخصيص مما يعلل ويخرج من العام مرة أخرى وتعليل إخراج كلب الصيد ساطع أنه لكونه منتفعا به وخصوص الاصطياد ملغى إذ لا يظهر موجب
____________________
(7/119)
لذلك فصار الكلب المنتفع به خارجا سواء انتفع به في صيد أو حراسة ماشية وخرج العقور ومن مشى من أهل المذهب على التعميم في جواز بيع الكلب يقول كل كلب تتأتى منه الحراسة فيجوز بيع الكل ويرد عليه أنه حينئذ نسخ لموجب العام بالتعليل ولا نسخ بقياس فالوجه أن يعلل دليل التخصيص بنفع لا تربو عليه مفسدة ويدعى في العقور أن مفسدته تربو على منفعة حراسته لأن منفعته خاصة يقترن بها ضرر عام للناس فيخرج ما سواه وقصر بعض الشارحين نظره على الحديث فحكم بأنه ليس دليلا على المذهب بل ذكره لنفي مذهب الخصم أعني شمول المنع فيحتاج بعده إلى دليل المذهب وليس إلا الوجه الثاني وعلى تقريرنا يتم الأول أيضا وقد استدل في الأسرار وغيره من الشروح على عموم بيع الكلب بأن عبدالله بن عمرو بن العاص روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى في كلب بأربعين درهما ولم يخصص نوعا من أنواع الكلاب وهذا الحديث أولا لا يعرف إلا موقوفا حدث به الطحاوي عن يونس وهو ابن عبدالأعلى عن ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبدالله بن عمرو أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما وقضى في كلب ماشية بكبش وثانيا هو واقعة حال لا توجب العموم في أنواع الكلاب فجعلها دليلا على العموم خطأ ظاهر ثانيهما هو قوله ولأنه ينتفع به حراسة واصطيادا فكان مالا يعني مالا مملوكا متقوما أما كونه مالا فلأن المال اسم لغير الآدمي خلق لمنفعته المطلقة شرعا وهذا كذلك فكان مالا وأما أنه مملوك متقوم فلأنه محرز مأذون شرعا
____________________
(7/120)
في الانتفاع به والملك يثبت بالإحراز بدار الإسلام والتقوم بالتمول وكلاهما مأذون فيه شرعا إذ قد أذن الشرع في اقتناء كلب الماشية والصيد وإذا كان كذلك جاز بيعه ولا يخفى أن هذا المعنى لا يترجح على النص الصريح الصحيح غاية ما في الباب أن يسلم أنه مال محرز متقوم لكن ثبت منع الشرع من بيع هذا النوع من المال فأجاب المصنف بادعاء نسخ المنع من ذلك وذلك لما قلنا أول الكتاب من أن الأمر بقتل الكلاب كان أمرا محققا في الأول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علم نسخ ذلك برواية ترك قتلها على ما حدث الطحاوي عن أبي بكرة قال حدثنا سعيد بن عامر قال حدثنا شعبة عن أبي التياح عن مطرف عن عبدالله بن المغفل قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال مالي وللكلاب ثم رخص في كلب الصيد وفي كلب آخر نسيه سعيد ولهذا المعنى طرق كثيرة وجب حمل ما روي من التشديد في سؤرها والنهي عن ثمنها وبيعها ثم الترخيص في بيع النوع الذي أذن في اقتنائه الأول على الحالة الأولى والثاني على الثانية فكان منع البيع على العموم منسوخا بإطلاق بيع البعض بالضرورة وأجاب عن قوله نجس العين بالمنع بدليل إطلاق الانتفاع به قال ولو سلم فنجاسة عينه توجب حرمة أكله لا منع بيعه بل منع البيع بمنع الانتفاع شرعا ولهذا أجزنا بيع السرقين والبعر مع نجاسة عينهما لإطلاق الانتفاع بهما عندنا بخلاف العذرة لم يطلق الانتفاع بها فمنع بيعها فإن ثبت شرعا إطلاق الانتفاع مخلوطة بالتراب ولو بالاستهلاك كالاستصباح بالزيت النجس كما قيل جاز بيع ذلك التراب التي هي في ضمنه وبه قال مشايخنا وإنما امتنع بيع الخمر لنص خاص في منع بيعها وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرج مسلم عن عبدالرحمن بن وعلة قال سألت ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس رضي الله عنهما إن رجلا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علمت أن الله حرم شربها قال لا قال فسار إنسانا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ساررته قال أمرته ببيعها فقال إن الذي حرم شربها حرم بيعها قال ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها وأخرج البخاري عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول وهو بمكة إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس قال لا هو حرام ثم قال قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوه فباعوه وأكلوا ثمنه وهذا يتم به
____________________
(7/121)
شرح المسئلة المذكورة بعد هذه المسئلة وقوله وقد ذكرناه يعني في باب البيع الفاسد ويقوم إشكالا على جواز بيع السرقين اللهم إلا أن يقال لا شك أنه لا بد من تقدير في نحو حرمت الخمر فإنا بينا في الأصول أن التحريم المضاف إلى الأعيان تقدر إضافته إلى ما هو المقصود من ذلك العين كالشرب من الخمر والأكل من الميتة واللبس من الحرير فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث إن الله إذا حرم شيئا يعني إذا حرم ما هو المقصود من الشيء حرم بيعه وأكل ثمنه كالمقصود من الخمر والمقوصد من الميتة والخنزير وهو الأكل والشرب وليس هذا الحديث في السرقين فلم يثبت فيه تحريم البيع فإن قال النجاسة سبب قلنا ممنوع فيحتاج إلى دليل آخر أما هذا الحديث فإنما يفيد أن تحريم ما هو المقصود من الشيء موجب لتحريم بيعه قوله وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين يجوز لهم منها ما يجوز للمسلمين ويمتنع عليهم ما يمتنع عليهم لأنهم مكلفون بموجب البياعات والتصرفات محتاجون إلى مباشرتها وقد التزموا أحكامنا بالإقامة في دارنا وإعطاء الجزية فلا يجوز منهم بيع درهم بدرهمين فيما بينهم ولا سلم في حيوان ولا نسيئة في صرف وكذا كل م ايكال ويوزن هم في البيوع كالمسلمين إلا في الخمر والخنزير فإنا نجيز بيع بعضهم بعضا لخصوص فيه من قول عمر أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج عن إسرائيل بن إبراهيم عن عبدالأعلى قال سمعت سويد بن غفلة يقول حضر عمر بن الخطاب واجتمع إليه عماله فقال يا هؤلاء إنه بلغني أنكم تأخذون في الجزية الميتة والخنزير والخمر فقال بلال أجل إنهم يفعلون ذلك فقال فلا تفعلوا ولكن ولوا أربابها بيعها ثم خذوا الثمن منهم ولا نجيز فيما بينهم بيع الميتة والدم والحديث الذي ذكره المصنف في ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم أعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين لم يعرف قوله ومن قال لغيره بع عبدك من فلان بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف فقال
____________________
(7/122)
بعت فهو جائز وهو جواب للكل سواء كان قول الضامن ذلك بعد مفاوضة بين فلان وسيد العبد بألف وإباء أو ابتداء قال في بعض الشروح ويكون البيع بعده دلالة على القبول لأنه امتثال بذلك كقول الرجل لامرأته طلقي نفسك إن شئت فقالت طلقت يجعل قبولا استحسانا فكذا هذا وفي بعضها ما يفيد أنه إيجاب فإنه قال ولو لم يكن إباء ولا مساومة وحصل إيجاب العقد عقيب ضمان الرجل كان كذلك وهذا هو الصواب لأن قوله بع عبدك أمر ولفظة الأمر لا تكون في البيع إيجابا على ما مر من أنه لو قال بعني هذا بكذا فقال بعت لا ينعقد حتى يقبل الآخر بعده بخلاف طلقي نفسك في التفويض في الخلع فلا بد أن المشتري يقول بعد بعت من البائع اشتريت أو معناه على ما سلف هناك ولو لم يقل من الثمن فباع جاز البيع بألف فقط لأنه إذا قال من الثمن فقد أضاف التزامه زيادة خمسمائة في الثمن إلى بيعه والزيادة في الثمن جائزة عندنا خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله والضمان جائز الإضافة فقد وجد المقتضى للزوم بلا مانع وإذا لم يقل من الثمن لم يلتزم الخمسمائة من الثمن بل التزم ما لا يعطيه إياه إن باعه بألف وهذه رشوة إذ لم تقابل بالمبيع حيث لم يقل من الثمن فينعقد بألف فقط ثم في الأول إن كان بأمر المشتري كان له أن يحبس المبيع حتى يأخذ الخمسمائة من الضامن لأن البيع على المشتري صار بألف وخمسمائة وللمشتري أن يرابح على ألف وخمسمائة ولو كانت دارا ولها شفيع أخذها بالف وخمسمائة ولو رد
____________________
(7/123)
بعيب أو تقايلا فالبائع يرد الألف على المشتري والخمسمائة على الضامن ولو كان بغير أمره لم تثبت الزيادة في حق المشتري فليس للبائع حبس المبيع على الخمسمائة ويرابح على ألف ويأخذها الشفيع بألف ولو تقايلا أو ردت بعيب أو تقايلا البيع فللأجنبي أن يسترد الخمسمائة فإن قيل ينبغي أن لا يصح هذا لأن الشراء على أن الثمن على الأجنبي لا يجوز فكذا على أن يكون بعضه عليه أجاب الكرخي بمنع كون الشراء على أن الثمن على الأجنبي لا يجوز إذ لا رواية فيه عن أصحابنا وتعقبه الرازي بأن محمدا نص على أنه إذا اشترى بدين له على غير البائع لا يجوز لأنه شرط في البيع كون تسليم الثمن على المشتري فأولى أن لا يجوز إذا كان أصل الثمن على غير المشتري ثم اختار أن القياس أن لا يجوز ولكنا تركناه بمعنى حديث أبي قتادة في الذي امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه للدين الذي عليه فالتزمه أبو قتادة رضي الله عنه فصلى عليه فقد التزم دينا لا في مقابلة شيء يحصل للملتزم وهذه الزيادة من الأجنبي كذلك إذ لم يحصل للأجنبي في مقابلتها شيء ودفع بأنه لو كان بالنظر إلى مقتضى هذا الحديث لزم جواز اشتراط كل الثمن على الأجنبي ولا يجوز ذلك فالجواب هو ما ذكره المصنف أن هذه الزيادة لها شبه ببدل الخلع حيث لم يكن في مقابلته شيء يسلم للملتزم وبدل الخلع يجوز اشتراطه على الأجنبي وقد يقال هذا التعليل قاصر فإن الزيادة كما لا تكون في مقابلة شيء تكون في مقابلة شيء ووجودها في مقابلة شيء أكثر أحوال العقد فإن أحواله ثلاثة كونه خاسرا ورابحا وعدلا وكونها لا في مقابلة شيء في وجه من الثلاثة وهو كونه رابحا فلا يجوز اعتبار الأقل بل الواجب اعتبار الحال الأغلبية في المشابهة خصوصا إذا كان يبنى عليها حكم شرعي فالأولى ما قيل إن الزيادة ثبتت تبعا فجاز أن تثبت على الغير بخلاف أصل الثمن الثابت مقصودا فإن قيل لو ثبتت الزيادة ثمنا والأجنبي ضامن لها لزم جواز مطالبة المشتري بها كالكفيل قلنا لا يلزم من صحة الكفالة توجه المطالبة على الأصيل ألا ترى أن من قال لزيد على فلان ألف وأنا كفيل بها فأنكر فلان طولب الكفيل بها دون فلان فجاز هنا كذلك وذلك لأن المشتري لم يلتزمها إنما التزم هذا القدر من الثمن الأجنبي والحكم لا يثبت بلا سبب قوله ومن اشترى جارية ولم يقبضها حتى زوجها فوطئها الزوج فالنكاح جائز ووطء الزوج قبض من المشتري خلافا للأئمة الثلاثة أما الأول فلوجود سبب ولاية الإنكاح على
____________________
(7/124)
الأمة وهو ملك الرقبة على الكمال بخلاف ما لو ملكها لا على الكمال كما في ملك نصفها لا يملك التزويج به وإنما جاز إنكاحها قبل القبض ولم يجز بيعها قبله لأن البيع يفسد بالغرر دون النكاح وفي البيع قبل القبض احتمال الانفساخ بالهلاك قبل القبض والنكاح لا ينفسخ بهلاك المعقود عليه أعني المرأة قبل القبض ولأن القدرة على التسليم شرط في البيع وذلك إنما يكون بعد القبض وليست بشرط لصحة النكاح ألا ترى أن بيع الآبق لا يصح وتزويج الآبقة يجوز وحاصل هذا أنه تعليل النهي عن البيع قبل القبض وإذا كان كذلك لم يكن الوارد في منع البيع قبل القبض واردا في النكاح قبل القبض ليثبت بدلالته وأما الثاني فلأن وطء الزوج حصل بتسليط من المشتري فصار فعله كفعل المشتري ولو وطئها المشتري كان قابضا فكذلك الزوج ولو لم يطأها الزوج لا يكون المشتري قابضا استحسانا حتى لو هلكت بعد التزويج قبل الوطء هلكت من مال البائع والقياس أن يصير قابضا بمجرد التزويج وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله حتى إذا هلكت بعد ذلك هلكت من مال المشتري لأن التزويج تعييب منه للمبيع وكذا يثبت خيار الرد إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج والمشتري إذا عيب المبيع يصير قابضا له وجه الاستحسان أنه لم يتصل بها فعل حسي من المشتري والتزويج تعييب حكمي بمعنى تقليل الرغبات فيها فكان كنقصان السعر له وكالإقرار منه عليها بدين والمشتري إذا أقر بدين على العبد المبيع لا يصير بذلك قابضا فكذا مجرد التزويج بخلاف الفعل الحسي كان فقأ عينها مثلا أو قطع يدها فإنه إنما يصير به قابضا لما فيه من الاستيلاء على المحل واستشكل على هذا الإعتاق والتدبير فإنه يصير بهما قابضا وليس باستيلاء على المحل بفعل حسي والجواب إنما قلنا ذلك فيما يكون نفس الفعل قبضا والمعنى أن الفعل الذي يكون قبضا هو الفعل الحسي الذي يحصل الاستيلاء والقبض الحاصل بالعتق ضروري ليس مما نحن فيه وذلك أنه إنهاء للملك ومن ضرورة إنهاء الملك كونه قابضا والتدبير من واديه لأنه به يثبت حق الحرية للمدبر ويثبت الولاء هذا وإذا صح النكاح قبل القبض فلو انتقض البيع بطل النكاح في قول أبي يوسف خلافا لمحمد قال الصدر الشهيد والمختار قول أبي يوسف لأن البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل فصار كأن لم يكن فكان النكاح باطلا وقيد القاضي الإمام أبو بكر بطلان النكاح ببطلان البيع قبل القبض بما إذا لم يكن بالموت حتى لو ماتت
____________________
(7/125)
الجارية بعد النكاح قبل القبض لا يبطل النكاح وإن بطل البيع قوله ومن اشترى عبدا فغاب قبل القبض ونقد الثمن فأقام البائع البينة أنه باعه إياه ولم يقبض الثمن فإن كانت غيبة المشتري غيبة معروفة لم يبعه القاضي في دين البائع لأنه يمكن إيصال البائع إلى حقه بدون البيع فيكون إبطالا لحق المشتري في العين المبيعة من غير ضرورة وإن لم يدر أين هو بيع العبد وأوفي الثمن بنصب الثمن مفعولا ثانيا لبيع وقوله وإن لم يدر أين هو يبين أن الغيبة المعروفة أن يعلم أين هو وقول المصنف في تعليل بيع القاضي لأن ملك المشتري ظهر بإقراره يعني بإقرار البائع فيظهر على الوجه الذي أقر به وهو كونه مشغولا بحقه يبين أن البيع من القاضي ليس
____________________
(7/126)
بهذه البينة لأنها لا تقام لإثبات الدين على الغائب فما هي إلا لكشف الحال ليجيبه القاضي إلى البيع نظرا للغائب لا ليثبت عليه فإنه لو لم يقمها لم يجبه إلى ذلك وإذا تعذر استيفاؤه والفرض أنه أحق بمالية هذا العبد لأنه كالرهن في يده إلى استيفاء الثمن حتى لو مات المشتري مفلسا كان البائع أحق بماليته من سائر الغرماء كالمرتهن إذا مات الراهن فإنه أحق من سائر الغرماء فيعينه القاضي على بيعه بخلاف ما بعد قبض المبيع لأن حقه أي البائع لم يبق معلقا به بل هو دين في ذمة المشتري والبينة حينئذ لإثبات الدين ولا يثبت دين على غائب فلا يتمكن القاضي من البيع وقضاء الدين وهذا طريق الإمام السرخسي رحمه الله وتقرير شيخ الإسلام يشعر بخلافه حيث قال القياس أن لا تقبل هذه البينة لأنها على إثبات حق على الغائب وليس ثم خصم حاضر لا قصدي ولا حكمي فهو كمن أقامها على غائب لا يعرف مكانه لا تقبل وإن كان لا يصل إلى حقه وفي الاستحسان تقبل لأن البائع عجز عن الوصول إلى الثمن وعن الانتفاع بالمبيع واحتاج إلى أن ينفق عليه إلى أن يحضر المشتري وربما تربو النفقة عن الثمن والقاضي ناظر لإحياء حقوق الناس فكان للقاضي أن يقبلها لدفع البلية بخلاف مالو أقامها ليثبت حقا على الغائب لينزع شيئا من يده لا يقبلها والإجماع في مثله لدفع البلية عن البائع وليس فيه إزالة يد الغائب عما في يده لأن البائع يستوفي حقه مما في يده وأورد عليه أنه يستلزم بيع المنقول قبل القبض أجيب بأن من المشايخ من قال ينصب القاضي من يقبضه ثم يبيعه وقال آخرون لا يحتاج إلى ذلك لأن هذا البيع يثبت ضمنا لأنه غير مقصود بل المقصود النظر للبائع بإحياء حقه والبيع ضمن له هذا إذا كان المشتري واحدا فغاب فلو كان المشتري اثنين فغاب أحدهما قبل إعطاء الثمن فالحاضر لا يملك قبض نصيبه إلا بنقد جميع الثمن بالاتفاق فلو نقده اختلفوا في مواضع الأول هل يجبر البائع على قبول حصة الغائب عند أبي يوسف لا وعند أبي حنيفة ومحمد يجبر والثاني لو أنه قبل هل يجبر البائع على تسليم نصيب الغائب للحاضر عند أبي يوسف لا بل لا يقبض إلا نصيبه على وجه المهايأة وعندهما يجبر والثالث لو قبض الحاضر العبد هل يرجع على الغائب بما نقده
____________________
(7/127)
عند أبي يوسف لا وعندهما يرجع وللحاضر حبس نصيب الغائب إذا حضر حتى يعطيه ما نقده عنه وجه أبي يوسف أن الحاضر قضى دين الغائب بغير أمره فكان متبرعا فلا يرجع وإذا لم يكن له الرجوع لم يكن له قبض حصته لأنه أجنبي عنها ولهما أنه مضطر فيه أي في دفع حصة الغائب لأنه لا يمكنه الانتفاع بملكه إلا بأداء الجميع لأن البيع الصادر إليهما من البائع صفقة واحدة والمضطر يرجع وله حق الحبس وصار كمعير الرهن إذا أفلس الراهن وهو المستعير أو غاب فإن المعير إذا افتكه بدفع الدين رجع على الراهن لأنه مضطر فيه وصار كصاحب العلو إذا سقط بسقوط السفل كان له أن يبني السفل إذا لم يبنه مالكه بغير أمره ليتوصل به إلى بناء علوه ثم يرجع عليه ولا يمكنه من دخوله مالم يعطه ما صرفه غير أن في مسئلة السفل لا يفترق الحال بين كون صاحبه غائبا أو حاضرا وفي مسئلتنا لا يثبت له حق الرجوع إلا إذا كان غائبا لأنه إذا كان حاضرا لا يكون مضطرا في إيفاء الكل إذ يمكنه أن يخاصمه إلى القاضي في أن ينقد حصته ليقبض نصيبه بخلاف مسئلة السفل فإن صاحب العلو لو خاصمه في أن يبني السفل لا يقضى عليه ببنائه فكان مضطرا حال حضوره كغيبته وله أي للحاضر ومثل صورة حضورهما في عدم الاضطرار ما لو استأجر رجلان دارا فغاب أحدهما قبل نقد الأجرة فنقد الحاضر جميعها يكون متبرعا لأنه غير مضطر في نقد حصة الغائب إذ ليس للآجر حبس الدار لاستيفاء الأجرة ذكره التمرتاشي وإذا ثبت حق الحبس في مسئلتنا للحاضر فله حبسه إلى أن يستوفي الكل ولو بقي درهم كالوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه له أن يحبس المبيع عن الموكل إلى أن يعطيه جميع الثمن قوله ومن اشترى جارية الخ
____________________
(7/128)
صورتها أن يقول اشتريت هذه الجارية بألف دينار ذهب وفضة أو يقول البائع بعتك هذه الجارية الخ ولفظ الجامع في رجل يقول لرجل أبيعك هذه الجارية بألف مثقال ذهب جيد وفضة قال هما نصفان خمسمائة مثقال ذهب وخمسمائة مثقال فضة ويشترط بيان الصفة من الجودة وغيرها بخلاف ما لو قال بألف من الدراهم والدنانير لا يحتاج إلى بيان الصفة وينصرف إلى الجياد وعرف من هذه العبارة أن البيع ينعقد بلفظ المضارع وإن احتمل العدة إذا أراد به الحال وقيل بل هذه العبارة مساومة والمعنى أنه إذا قال له ذلك ثم باعه على هذا الوجه يثبت الانقسام وفيه أن إضافة المثقال الى الذهب ثم عطف الفضة عليه مرسلا يوجب كون الفضة أيضا مضافا إليها المثقال وينفى وهم أن يفسد لجهالة الفضة لأن المثقال غالب في الذهب فتصير الفضة مرسلة عن قيد الوزن بل ينصرف إليهما وكذا صفة الجودة لأن العطف يوجب الاشتراك على وجه المساواة بين المتعاطفين فالمثقال المتقدم فسره بالذهب والفضة ألا ترى أنه لو قال عبده حر غدا وامرأته طالق وقعا جميعا غدا فإنهما مضافان ذكره في كشف الغوامض وفي المبسوط لو قال ألف من الدراهم والدنانير فعليه خمسمائة دينار بالمثاقيل وخمسمائة درهم بوزن سبعة من الفضة لأنه المتعارف في الدراهم فينصرف إليه وكذا لو قال ألف من الذهب والفضة وجب خمسمائة مثقال من الذهب وخمسمائة درهم بوزن سبعة من الفضة لأن المتعارف في وزن الذهب والفضة ذلك وليس معهما ما يصرف أحدهما عن المتعارف فيه فيصرف إلى الوزن المعهود في كل منهما ويجب كون هذا إذا كان المتعارف في بلد العقد في اسم الدراهم ما بوزن سبعة والمتعارف في بعض البلاد الآن كالشام والحجاز ليس ذلك بل وزن ربع وقيراط من ذلك الدرهم وأما في عرف مصر لفظ الدرهم ينصرف الآن إلى زنة أربعة دراهم بوزن سبعة من الفلوس إلا أن يقيد بالفضة فينصرف إلى درهم بوزن سبعة فإن ما دونه ثقل أو خف يسمونه نصف فضة وكذا هذا الانقسام في كل ما يقربه من المكيل والموزون من الثياب وغيرها قرضا أو سلما أو غصبا أو وديعة أو بيعا أو شراء أو مهرا أو وصية أو كفالة أو جعلا في خلع ومنه ما لو قال علي كر حنطة وشعير وسمسم كان عليه الثلث من كل جنس قوله ومن له على آخر عشرة دراهم جياد فقضاه عشرة زيوفا وهو أي رب الدين لا يعلم أنها زيوف فهو قضاء حتى لو أنفقها الدائن أو هلكت ثم علم ليس له أن يرجع بشيء وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف
____________________
(7/129)
له أن يرد مثل الزيوف ويرجع بالجياد وذكر فخر الإسلام وغيره أن قولهما قياس وقول أبي يوسف هو الاستحسان له أن حقه في الجودة مرعي كحقه في المقدار وقد تعذر ضمان الوصف بانفراده لأنه لا قيمة له عند المقابلة بجنسه فوجب المصير إلى ما قلنا من ضمان الأصل ليصل إلى الوصف ولهما أنه أي الزيوف من جنس حقه حتى لو تجوز به فيما لا يجوز الاستبدال به كالصرف ورأس مال السلم جاز وما جاز إلا لأنه لم يعتبر استبدالا بل نفس الحق فيقع به الاستيفاء وإنما يبقى حقه في الجودة ولا يمكن تدراكها بإيجاب ضمانها بعد هلاك الدراهم لما ذكرنا من أنه لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها ولا بإيجاب ضمان الأصل لأنه إيجاب له عليه يعني هو إيجاب للقابض على نفسه ولا نظير له في الشرع إلا أن أبا يوسف ينفصل بمنع أنه لا يمكن تداركها بل تداركها بما ذكر من إيجاب المثل ممكن وهذا كما لو وجدها ستوقة أو نبهرجة فهلكت أليس يرد مثلها فإن قال الستوقة ليست من جنس الجياد حتى يصير مقتضيا حقه بها قلنا وكذلك لا يصير مقتضيا حقه بالزيف إلا إن علم فرضي باعتبار أنه حينئذ تارك لبعض حقه وهو صفة الجودة قولهم فيه مانع وهو كونه يجب له عليه لأنه قبض جنس حقه فإذا ضمن مثله كان الوجوب لنفسه على نفسه إذ المديون لا يضمنه شيئا قلنا يجوز ذلك إذا أفاد كالمولى إذا أتلف بعض أكساب عبده المأذون وقد أفاد هنا تدارك حقه فصار كشراء الإنسان مال نفسه إلا إذا افاد ويجوز أن يشتري مال المضاربة أو كسب عبده المأذون المديون وبما ذكرنا يبطل قولهم لا نظير له في الشرع ويجاب بمنع الاتحاد في المستشهد به بل الضمان في المأذون للغرماء وهنا المقبوض كله ملك ومن له الحق ومن عليه واحد وهو رب الدين ولا نظير له وفي النوازل اشترى بالجياد ونقد الزيوف أخذها الشفيع بالجياد لأنه إنما يأخذ بمااشترى ولو باعها مرابحة فإن رأس المال الجياد وفي الأجناس اشترى بالجياد ونقد الزيوف ثم حلف أنه اشتراها بالجياد قال أبو جعفر لا يحنث وقال أبو يوسف يحنث والله الموفق
____________________
(7/130)
قوله ولو أفرخ طير في أرض رجل فهو لمن أخذه وكذا إذا باض فيها وكذا إذا تكنس فيها ظبي أي دخل كناسه والكناس بيت الظبي وفي بعض النسخ تكسر أي وقع فيها فتكسر ويحترز به عما لو كسره رجل فيها فإنه لذلك الرجل لا للآخذ ولا يختص بصاحب الأرض لأنه أي لأن كلا من الطير والبيض والفرخ وقد أصلح في نسخة لأنها مباح سبقت يده أي يد الآخذ إليه ولأنه صيد وإن كان يؤخذ بلا حيلة والصيد لمن أخذه والبيض أصل الصيد فيلحق به ولهذا يجب عنه الجزاء على المحرم بكسره أو شيه لأنه المقصود بقوله تعالى { تناله أيديكم } في قوله تعالى { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم } كذا ذكر وقوله وصاحب الأرض لم يعد أرضه لذلك جملة حالية هي قيد لقوله فهو لمن أخذه أي إنما يكون للآخذ إذا لم يكن صاحب الأرض أعدها لذلك بأن حفر فيها بئرا ليسقط فيها أو أعد مكانا للفراخ ليأخذها فإن كان أعدها لذلك لا يملكها الآخذ بل رب الأرض يصير بذلك قابضا حكما كمن نصب شبكة ليجففها فتعقل بها صيد فهو لمن أخذه لا لصاحب الشبكة لأنه لم يعدها الآن للأخذ وكما إذا دخل الصيد داره ولم يعلمه فأغلق بابه فهو لمن أخذه وإن علم به وأغلق الباب عليه أو سد الكوة كان لصاحب الدار وكذا إذا وقع في ثيابه النثار من السكر أو الدراهم فهو لمن أخذه مالم يكف ثوبه على الساقط فيه وما هذه مصدرية نائبة عن ظرف الزمان أي للآخذ في زمان عدم كفه الثوب وقوله أو كان مستعدا له أي للنثار بأن بسط ثوبه لذلك عطف على مقدر تقديره فإذا كفه أو كان مستعدا فهو له أما إذا عسل النحل في أرضه فهو لصاحب الأرض لأنه عد من أنزاله أي من زيادات الأرض أي ما ينبت فيها فيملكه تبعا للأرض كالشجرالنابت فيها وكالتراب والطين المجتمع فيها بجريان الماء عليها والأنزال جمع نزل وهو الزيادة وذكر ضمير لأنه وهو عائد على الأرض وهي مؤنثة على تأويل المكان ومثله وقع في شعر العرب قال
____________________
(7/131)
** فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا ارض أبقل إبقالها ** ومن جنس هذه المسائل لو اتخذ في أرضه حظيرة للسمك فدخل الماء والسمك ملكه ولو اتخذت لغيره فمن أخذ السمك فهو له وكذا في حفر الحفيرة إذا حفرها للصيد فهو له أو لغرض آخر فهو للآخذ وكذا صوف وضع على سطح بيت فابتل بالمطر فعصره رجل فإن كان وضعه للماء فهو لصاحبه وإلا فالماء للآخذ ولو باض صيد في أرض رجل أو تكسر فيها فجاء رجل ليأخذه فمنعه صاحب الأرض فإن كان في موضع يقدر صاحب الأرض على أخذه قريبا منه بأن كان بحضرته كان الصيد لرب الأرض كأنه أخذه عنده وإن لم يكن بحضرته لا يملك كتاب الصرف
لما كان قيوده أكثر كان وجوده أقل فقدم ما هو أكثر وجودا وأيضا لما كان عقدا على الأثمان والثمن في الجملة تبع لما هو المقصود من البيع أخر عن البيوع المتضمنة للمقاصد الأصلية أعني المبيعات ومفهومه لغة وشرعا يذكره المصنف وشرطه التقابض للبدلين قبل الافتراق وإن اختلف الجنس ولهذا لم يصح فيه أجل ولا خيار شرط لأن خيار الشرط يمنع ثبوت الملك أو تمامه على الرأيين منهم وذلك يخل بالقبض المشروط وهو القبض الذي يحصل به التعيين بخلاف خيار الرؤية والعيب لا يمنع الملك في المبيع فلا يمنع تمام القبض فلو افترقا وفي الصرف خيار عيب أو رؤية جاز إلا أنه لا يتصور في النقد وسائر الديون خيار رؤية لأن العقد ينعقد على مثلها لا عينها حتى لو باعه هذا الدينار بهذه الدراهم لصاحب الدينار أن يدفع غيره وكذا لصاحب الدراهم بخلاف الأواني والحلي ولو أسقطا في المجلس خيار الشرط والأجل عاد الصرف صحيحا خلافا لزفر وأورد عليه كيف جاز أن يقال التقابض شرط الجواز وهو متأخر عن العقد فإنما هو حكمه والجواب أن المختار أنه ليس
____________________
(7/132)
إلا شرط بقائه على الصحة فالإشكال على قول البعض القائلين إنه شرط الجواز وأجابوا بأن تأخره ضرورة نفي إيجاب قبض ملك الغير فهو معتبر مقارنا أومتقدما شرعا وإن كان متأخرا صورة ولا يخفى أنه ينبغي أن يستغنى عن هذا التكلف بارتكاب القول الآخر وأما مفهومه شرعا فبيع ما من جنس الأثمان بعضها ببعض وهذا قول القدوري الصرف هو البيع إذا كان كل واحد من عوضيه من جنس الأثمان وإنما قال من جنس الأثمان ولم يقتصر على قوله بيع ثمن بثمن ليدخل بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد فإن المصوغ بسبب ما اتصل من الصنعة به لم يبق ثمنا صريحا ولهذا يتعين في العقد ومع ذلك بيعه صرف وإنما سمي اصطلاحا به لأن مفهومه اللغوي هو النقل ومنه في دعاء الاستخارة فاصرفه عني واصرفني عنه ونقل كل من البدلين عن مالكه إلى الآخر بالفعل شرط جوازه فكان في المسمى معنى اللغة فسمي باسم ذلك المعنى المشروط فيه أو هو أي معناه اللغوي الزيادة وهذا العقد لا يقصد به إلا الزيادة دون الانتفاع بعين البدل الآخر في الغالب لأنه لا ينتفع بعينه بخلاف نحوالطعام والثوب والحمار والمراد أن قصد كل من المتعاقدين التجارة والربح فيه بالنفل وإلا خلا العقد عن الفائدة والزيادة تسمى صرفا وبه سميت العبادة النافلة صرفا في قوله صلى الله عليه وسلم من انتمى إلى غير أبيه لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فذكر المصنف أن المراد بالصرف النافلة التي هي الزيادة والعدل الفرض الذي هو حق مستحق عليه ولا شك في مناسبة تسمية الفرض عدلا فقيل عليه قد فسر الزمخشري بغير هذا قال في الفائق
____________________
(7/133)
في ذكره صلى الله عليه وسلم لأمرالمدينة من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة لا يقبل منه صرف ولا عدل الصرف التوبة لأنه صرف النفس عن الفجور إلى البر والعدل الفدية من المعادلة والفداء يعادل نفسه والمراد من إحداث الحدث فعل ما يوجب الحد والجواب أن أهل اللغة اختلفوا في ذلك فقد ذكر في الجمهرة عن بعض أهل اللغة الصرف الفريضة والعدل النافلة وفي الغريبين عن بعضهم الصرف النافلة والعدل الفريضة كما ذكره المصنف ولا اعتراض مع أنه الأنسب واعلم أن الأموال تنقسم إلى ثمن كل حال وهي الدراهم والدنانير صحبها حرف الباء أولا وسواء كان ما يقابلها من جنسها أو من غيره وإلى ما هو مبيع على كل حال وهو ما ليس من ذوات الأمثال من العروض كالثياب والحيوان وإلى ما هو ثمن من وجه مبيع من وجه وهو المكيل والموزون فإنها إذا عينت في العقد كانت مبيعة وإن لم تعين فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهي ثمن وإن لم يصحبها حرف الباء ولم يقابلها ثمن فهي مبيعة وهذا لأن الثمن ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة قال الفراء في قوله تعالى { وشروه بثمن بخس } الثمن ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة والنقود لا تستحق بالعقد إلا دينا خلافا للأئمة الثلاثة فعندهم يتعين الذهب والفضة إذا عينت حتى لو هلكت الدراهم المعينة في البيع قبل القبض بطل البيع ولا يجوز استبدالها هذا تقسيم المال باعتباره في نفسه وينقسم باعتبار الاصطلاح على الثمينة وهو في الأصل سلعة فإن كانت رائجة فهي ثمن لاتتعين بالتعيين وإن كانت كاسدة فهي سلعة كالفلوس قوله فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لا يجوزإلا مثلا بمثل يعني في العلم لا بحسب نفس الأمر فقط وإن اختلفا في الجودة والصياغة فيدخل الإناء بالإناء فلو باعاهما مجازفة ولم يعلما كميتهما وكانا في نفس الأمر متساويين لم يجز ولو وزنا في المجلس فظهرا متساويين يجوز وعند أبي حنيفة لا يجوز ولو وزنا بعد الافتراق لا يجوز وإن كانا متساويين خلافا لزفر هو يقول الشرط التساوي وقد ثبت واشتراط العلم به زيادة بلا دليل قلنا بل هو شرط بدليل وهو أن الموهوم في هذا العقد جعل كالمعلوم شرعا وما لم تعلم المساواة توهم الزيادة حاصل فيكون كثبوت حقيقة الزيادة ومقتضى هذا أن لا يجوز إذا وزن في المجلس فظهر متساويا أيضا لكن جاز في الاستحسان عند اتحاد المجلس كأن العقد أنشئ الآن لأن ساعاته كساعة واحدة وأما عدم جواز بيع الحنطة بالحنطة وزنا معلوما فلعدم العلم بالمساواة كيلا إذ المساواة وزنا تستلزمه بالنسبة إلى الكيل والمعتبر فيما كان مكيلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم التقدير بالكيل على ما سلف وعن هذا إذا اقتسما مكيلا موازنة لا يجوز لأن القسمة كالبيع واستدل المصنف على وجوب المساواة بقوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب مثلا بمثل الحديث وقد تقدم وتقدم وجه انتصابه أنه بالعامل المقدر أي بيعوا والأولى حيث كان الذهب
____________________
(7/134)
مرفوعا في الحديث أن يجعل عامله متعلق المجرور أي الذهب يباع بالذهب مثلا بمثل نعم حديث الخدري في البخاري عنه صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ظاهر في أنه مفرغ للحال وبقية الحديث ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز والشف بالكسر من الأضداد يقال للنقصان والزيادة والمراد هنا لا تزيدوا بعضها على بعض ولا يتضح في معنى النقص وإلا لقال ولا تشفوا بعضها عن بعض وقوله وزنا بوزن بعد ذلك ولا تشفوا في حديث البخاري المذكور تفسير لمثلا بمثل فإن المثلية أعم ففسرها بأنها من حيث المقدار وتقدم حديث جيدها ورديئها سواء ايضا وتخريجه وهو دليل سقوط اعتبار الجودة وسقوط زيادة الصياغة بما روى محمد عن أبي حنيفة عن الوليد بن سريع عن أنس بن مالك قال أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإناء كسرواني قد أحكمت صياغته فبعثني به لأبيعه فأعطيت وزنه وزيادة فذكرت ذلك لعمر فقال أما الزيادة فلا هذا ويدخل في إطلاق المساواة المصوغ بالمصوغ والتبر بالآنية حتى لو باع إناء فضة أو ذهب بإناء فضة أو ذهب وأحدهما أثقل من الآخر لا يجوز بخلاف إناءين من غيرهما نحاس أو شبهه حيث يجوز بيع أحدهما بالآخر وإن تفاضلا وزنا مع أن النحاس وغيره مما يوزن من الأموال الربوية أيضا وذلك لأن صفة الوزن في النقدين منصوص عليها فلا يتغير بالصنعة ولا يخرج عن كونه موزونا بتعارف جعله عدديا لو تعورف ذلك بخلاف غيرهما فإن الوزن فيه بالعرف فيخرج عن كونه موزونا بتعارف عدديته إذا صيغ وصنع قوله ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق بإجماع الفقهاء وفي فوائد القدوري المراد بالقبض هنا القبض بالبراجم لا بالتخلية يريد باليد وذكرنا آنفا أن المختار أن هذا القبض شرط البقاء على الصحة لا شرط ابتداء الصحة لظاهر قوله فإذا افترقا بطل العقد وإنما يبطل بعد وجوده وهو الأصح وثمرة الخلاف فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف يفسد فيما ليس صرفا عند أبي حنيفة رحمه الله ولا يفسد على القول الأصح وقوله لما روينا يعني قوله
____________________
(7/135)
يدا بيد وكذا ما روينا من حديث البخاري قوله صلى الله عليه وسلم ولا تبيعوا منها غائبا بناجز وقول عمر وإن استنظرك إلى آخره رواه مالك في الموطإ عنه قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب والآخر ناجز وإن استنظرك أن يلج بيته فلا تنظره إلا يدا بيد هات وهات إني أخشى عليكم كالربا وفي رواية قال الرما بالميم وهو الربا ورواه عبدالرزاق وقال أن يدخل بيته ولما ثبت نص الشرع بإلزام التقابض علله الفقهاء بما ذكره المصنف وحله أن للتقدم مزية على النسيئة فيتحقق الفضل في أحد العوضين وهو الربا ولما كان مظنة أن يقال هذا غير لازم في قبض العوضين لجواز أن يجعلا معا نسيئة قال لا بد شرعا من قبض أحد العوضين كي لا يلزم الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين فلو لم يقبض الآخر لزم الربا بما قلنا وأيضا يلزم الترجيح بلا مرجح لأنهما مستويان في معنى الثمنية فإذا وجب قبض أحدهما فكذا الآخر لعدم الأولوية فإن قيل تعليل الكتاب يخص الثمنين المحضين اللذين لا يتعينان والحكم وهو لزوم التقابض ثابت وإن كان أحدهما يتعين بالتعيين كالمصوغ فأجاب بأن ذلك لإطلاق ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة وعلل الإطلاق المذكور بأن المتعين أيضا كالمصوغ فيه شبهة عدم التعيين إذ فيه شبهة الثمنية إذ قد خلق ثمنا والشبهة في باب الربا كالحقيقة على ما مر غير مرة ولما كان المعول عليه تناول
____________________
(7/136)
النص بإطلاقه لم يدفعه أن الثابت شبهة الشبهة بل وجب بالنص إلحاق شبهة شبهة الربا بشبهة الربا في هذا الحكم وقوله في جهة واحدة لأنهما لو مشيا كل في جهة كان افتراقا مبطلا وقول ابن عمر وإن وثب من سطح فثب يفيد عدم بطلان العقد بمجرد اختلاف المكان بل إذا لم يوافقه الآخر فيه وهذا لأن بمجرد وثوب أحدهما اختلف مكانهما ولم يعتبر مانعا إلا إذا لم يثب معه وحديث ابن عمر هذا غريب جدا من كتب الحديث وذكره في المبسوط فقال وعن أبي جبلة قال سألت عبدالله بن عمر فقلت إنا نقدم أرض الشام ومعنا الورق الثقال النافقة وعندهم الورق الخفاف الكاسدة فنبتاع ورقهم العشر بتسعة ونصف فقال لا تفعل ولكن بع ورقك بذهب واشتر ورقهم بالذهب ولا تفارقه حتى تستوفي وإن وثب عن سطح فثب معه وفيه دليل رجوعه عن جواز التفاضل كما هو مذهب ابن عباس وعن ابن عباس أيضا رجوعه وفيه دليل أن المفتي إذا أجاب لا بأس أن يبين للسائل طريق تحصيل مطلوبه كما فعل صلى الله عليه وسلم حيث قال لبلال بع التمر ببيع آخر ثم اشتر به إنما المحظور تعليم الحيل الكاذبة لإسقاط الوجوبات قال وكذا المعتبر في قبض راس مال السلم يعني أن يقبضه قبل الافتراق دون اتحاد المجلس بخلاف خيار المخيرة فإنها لو قامت قبل الاختيار بطل وكذا إذا مشت مع زوجها في جهة واحدة فإن ذلك دليل إعراضها عما كانت فيه لأن المعتبر في الإبطال هناك دليل الإعراض والقيام ونحوه دليله فلزم فيه المجلس ولتعلق الصحة بعدم الافتراق لا يبطل لو ناما في المجلس قبل الافتراق أو أغمي عليهما أو طال قعودهما وعن محمد رحمه الله جعل الصرف كخيار المخيرة يبطل بدليل الإعراض كالقيام من المجلس حتى لو ناما أو أحدهما فهو فرقة ولو ناما جالسين فلا وعنه القعود الطويل فرقة دون القصير ولو كان لرجل على آخر ألف درهم وللآخر عليه مائة دينار فأرسل رسولا يقول له بعتك الدراهم التي لي عليك بالدنانير التي لك علي فقال قبلت كان باطلا وكذا لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو من بعيد لأنهما متفرقان وعن محمد لو قال الأب اشهدوا أني اشتريت هذا الدينار من ابني الصغير بعشرة وقام قبل نقدها بطل هذا ويجوز الرهن ببدل الصرف والحوالة به كما في رأس مال السلم قوله وإن باع الذهب بالفضة جازالتفاضل لعدم المجانسة واشترط القبض لما روى الستة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي
____________________
(7/137)
صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء قيل ومعنى قوله ربا أي حرام بإطلاق اسم الملزوم على اللازم ولا مانع من جعله في حقيقته شرعا وأن اسم الربا تضمن الزيادة من الأموال الخاصة في أحد العوضين في قرض أو بيع ووجه الاستدلال أنه استثنى حالة التقابض من الحرام بحصر الحل فيها فينتفي الحل في كل حالة غيرها فيدخل في عموم المستثنى حالة التفاضل والتساوي والمجازفة فيحل كل ذلك وقوله إلا إذا أسقط الخيار في المجلس استثناء من لازم قوله لا يصح شرط الخيار وهو فوات الشرط المستلزم للبطلان أي شرط الخيار يفوت الشرط إلا إذا أسقطه فلا يفوت فيعود إلى الجواز وقدمنا نقل خلاف زفر فيه هذا وبين الفساد بترك القبض والفساد
____________________
(7/138)
بالأجل فرق على قول أبي حنيفة في مسئلة وهي ما إذا باع جارية في عنقها طوق فضة زنته مائة بألف درهم حتى انصرف للطوق مائة من الألف فيصير صرفا فيه وتسعمائة للجارية بيعا فإنه لو فسد بترك القبض بطل في الطوق وبيع الجارية بتسعمائة صحيح ولو فسد بالأجل فسد فيهما عنده خلافا لهما وفرق بأن في الأول انعقد صحيحا ثم طرأ المفسد فيخص محله وهو الصرف وفي الثاني انعقد أولا على الفساد فشاع وهذا على الصحيح من أن القبض شرط البقاء على الصحة وفي الكامل لو أسقط الأجل من له الأجل دون الآخر صح في المشهور وليس في الدراهم والدنانير خيار رؤية لأن العقد لا ينفسخ بردها لأنه إنما وقع على مثلها بخلاف التبر والحلي والأواني من الذهب والفضة لأنه ينتقض العقد برده لتعينه فيه ولو وجد أحدهما أو كلاهما دون الافتراق زيفا أو ستوقا فحكمه في جميع أبوابه الاستبدال والبطلان كرأس مال السلم قوله ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه وكل منهما ثمن الصرف فالحاصل أنه لا يجوز التصرف في أحد بدلي الصرف قبل قبضه بهبة ولا صدقة ولا بيع فإن فعل بعض ذلك مع العاقد بأن وهبه البدل أو تصدق به عليه أو أبرأه منه فإن قبل بطل الصرف لتعذر وجوب القبض وإذا تعذر الشرط ينتفي المشروط وإن لم يقبل لا ينتقض لأن البراءة وما معها سبب الفسخ فلا ينفرد به أحدهما بعد صحة العقد وفرع عليه ما لو باع دينارا بعشرة مثلا ولم يقبض العشرة حتى اشترى بها ثوبا فالبيع في الثوب فاسد لأن القبض في العشرة مستحق حقا لله فلا يسقط بإسقاط المتعاقدين فلو جاز البيع في الثوب سقط فلا يجوز بيع الثوب والصرف على حاله بقبض بدله من عاقده معه وأورد عليه أن فساد الصرف حينئذ حق الله وصحة بيع الثوب حق العبد فتعارضا فيقدم حق العبد لتفضل الله سبحانه بذلك أجيب بأن ذلك بعد ثبوت الحقين ولم يثبت حق العبد بعد لأنه يفوت حق الله بعد تحققه فيمتنع لا أنه يرتفع والتقديم فيما إذا ثبتا فيرتفع أحدهما فضلا وقد نقل عن زفر رحمه الله صحة بيع الثوب لأن الثمن في بيعه لم يتعين كونه بدل الصرف
____________________
(7/139)
لأن النقد لا يتعين فإضافة العقد إلى بدل الصرف كعدم إضافته فيجوز كما يجوز شراء ثوب بدراهم لم يصفها وهذا على إحدى الروايتين عنه أن النقود لا تتعين في البياعات فأما على الرواية الأخرى عنه فيجب أن لا يصح بيع الثوب كقولنا قلنا قبض بدل الصرف واجب والاستبدال يفوته فكان شرط إيفاء ثمن الثوب من بدل الصرف شرطا فاسدا فيمتنع الجواز لإسقاط الثمن به كذا ذكر غير واحد ولا يخفى كثرة ما ذكروا في عدم تعين النقد في البيع من أنه لوأشار إلى دراهم وعينها كان له أن يحبسها ويدفع غيرها وحاصل شراء الثوب ببدل الصرف ليس إلا تعيين الثمن الدراهم فلو كان ذلك شرطا فاسدا يمنع الجواز بطل ما ذكروا في عدم تعين الدراهم في البيع وكان كلما تعينت الدراهم فسد البيع لا أنه لا يتعين لا جرم أن المصنف إنما أجاب بأن الثمن في باب الصرف مبيع لاستدعاء البيع مبيعا ولا مبيع فيه سوى الثمن فكان كل ثمن منهما مبيعا وثمنا وجعله بدل الثوب وثمنه بيع له وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز يعني وإذا لم يجز لم يدخل في ملك بائع الثوب وأنت تعلم أن زفر إنما قال يجوز بيع الثوب بناء على عدم تعين بدل الصرف ثمنا فجاز أن يعطى من غيره ولا شك أن يقول بعدم جواز بيع المبيع قبل القبض فإذا قال بصحة بيع هذا الثوب لعدم تعين نقد بدل الصرف في ثمنه كان بالضرورة قائلا بأن البيع انعقد موجبا دفع مثله ويكون تسمية بدل الصرف تقديرا لثمن الثوب سواء سميته مبيعا أو ثمنا لأنه إنما يلزم بيع المبيع قبل القبض إذا لزم تسليمه بعينه وليس هنا هكذا فإن كان هذا واقعا لم ينتهض ما دفع به المصنف من ذلك بل يجب صحة بيع الثوب وإعطاء ثمن يملكه البائع ولما لم يكن تمليك بائع الثوب بدل الصرف لزم بالضرورة إعطاء غيره وهكذا نقل القدوري عنه أعني أن البيع الثاني جائز ويكون ثمن المبيع مثل الذي في ذمة المشتري قال وهذا على إحدى الروايتين عن زفر أن الدراهم لاتتعين فإذا لم تتعين يقع البيع بمثل بدل الصرف وعلى هذا فبطلان بيع الثوب مطلقا كما هو جواب المذهب مشكل وتنظير النهاية بغاصب الدراهم إذا اشترى وأشار إليها ودفع منها حيث يحرم الانتفاع بذلك المبيع حينئذ غير مطابق لأن إجازة بيع الثوب على ما قررنا بأن يدفع مثل بدل الصرف لا نفسه قوله ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة وكذا سائر الأموال الربوية بخلاف جنسها
____________________
(7/140)
كالحنطة بالشعير لأن المانع من المجازفة اشتراط العلم بالمساواة والمساواة غير مشروطة فيه أي في بيع الذهب بالفضة وكل جنسين مختلفين كذلك لكن يشترط فيه القبض في المجلس لما ذكرنا يعني قوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء لكن العادة في مثله أن يقول لما روينا ثم المراد بالمجلس ما قبل الافتراق فعبر بالمجلس عنه قوله ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة وفي عنقها طوق فيه ألف مثقال بألفي مثقال فضة ونقد من الثمن ألف مثقال ثم افترقا صرف المنقود إلى الطوق وإن لم ينص الدافع عليه وكذا لو قال خذه منهما صرف أيضا إلى الطوق وصح البيع فيهما تحريا للجواز بتحكيم ظاهر حالهما إذ الظاهر قصدهما إلى الوجه المصحح لأن العقد لا يفيد تمام مقصودهما إلا بالصحة فكان هذا الاعتبار عملا بالظاهر والظاهر يجب العمل به بخلاف مالو صرح فقال خذ هذه الألف من ثمن الجارية فإن الظاهر حينئذ عارضه التصريح بخلافه فإذا قبضه ثم افترقا بطل في الطوق كما إذا لم يقبضه فإن قلت ففي قوله خذه منهما عارضه أيضا قلنا لا نسلم لأن المثنى قد استعمل في الواحد أيضا قال تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } والمراد من أحدهما وهو البحر الملح و { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم }
____________________
(7/141)
وإنما الرسل من الإنس في مذهب أهل الحق وقال تعالى { نسيا حوتهما } وإنما نسيه فتى موسى وقال صلى الله عليه وسلم في قصة مالك بن الحويرث وابن عم له إذا سافرتما فأذنا وأقيما وإنما أراد أن يؤذن أحدهما وقال تعالى { قد أجيبت دعوتكما } والمراد دعوة موسى إلا أنه قد قيل إن هارون كان يؤمن على دعائه فإذا صح الاستعمال وكثر وجب الحمل عليه لما قلنا وذكرنا من قريب أنه لو كان الفساد بسبب الأجل في العقد شاع الفساد في الجارية أيضا على قول أبي حنيفة رحمه الله لأن الفساد في ابتداء العقد بخلافه عن الافتراق هذا ولقد وقع الإفراط في تصوير المسئلة حيث جعل طوقها ألف مثقال فضة فإنه عشرة أرطال بالمصري ووضع هذا المقدار في العنق بعيد عن العادة بل نوع تعذيب وعرف من هذا الوجه أن كون قيمتها مع مقدار الطوق متساويين ليس بشرط بل الأصل أنه إذا بيع نقد مع غيره بنقد من جنسه لا بد أن يزيد الثمن على النقد المضموم إليه ومثل هذا فيما إذا باع سيفا محلى بمائة وحليته خمسون بمائة وخمسين أو بمائة وعشرة فدفع من الثمن خمسين فإنه يجب فيه هذه الاعتبارات ولو لم يتقابضا في الصورتين حتى افترقا بطل في حصة الطوق والحلية لأنه صرف فيها ويصح في الجارية وأما السيف فإن كانت الحلية لم تتخلص منه إلا بضرر فيه فسد في السيف أيضا لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر فيه ولهذا لا يجوز إفراده بالبيع كما مر في جذع من سقف فإن كان
____________________
(7/142)
يتخلص بلا ضرر جاز فيه كالجارية لأنه أمكن إفراده بالبيع وبطل في الحلية خاصة ثم الجواب في المسئلتين مقيد بما إذا كانت الفضة المفردة يعني الثمن أكثر من الطوق والحلية فإن كانت مثله أو أقل أو لا يدرى واختلف المقومون في ذلك لا يجوز البيع للربا حقيقة فيما إذا كانت أقل أو مساوية بسبب زيادة البدل الآخر وهو المبيع الفضة زيادة من جنسه أو من غيره وهو نفس الجارية والسيف أو احتمال الربا فيما إذا لم يدر الحال وتقدم أنه لا بد من العلم بالمساواة فإن قيل في صورة الاحتمال لم يقطع بالفساد أجاب بأن جهة الفساد متعددة فإنها من وجهين وهو تجويز الأقلية والمساواة بخلاف الصحة فإنها على تقدير واحد وهو الزيادة فترجحت جهة الفساد على أن مجرد احتمال الربا كاف في الفساد فلا حاجة إلى الترجيح مع أنه يرد عليه أن الترجيح بما يصلح بنفسه علة للفساد ويحتاج إلى الجواب بأن المعنى أن احتمال أحدهما فقط مفسد فكيف إذا اجتمعا وعلى هذا كل ما اشتري بالفضة فضة مع غيرها أو بالذهب ذهبا مع غيره قوله ومن باع إناء فضة بفضة ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل البيع فيما لم يقبض وصح فيما قبض وكان الإناء مشتركا بينهما لأنه صرف كله فصح فيما وجد شرطه وبطل فيما لم يقبض ولا يشيع الفساد في الكل لأنه طارئ بعد صحة العقد في الكل بناء على ما هو المختار من أن القبض قبل الافتراق شرط البقاء على الصحة لا شرط الانعقاد على وجه الصحة في الكل فيصح ثم يبطل بالافتراق فلا يشيع ولا يتخير واحد من المتعاقدين لأن عيب الشركة جاء بفعلهما وهو الافتراق بلا قبض بخلاف ما لو استحق بعض الإناء فإن المشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بحصته وإن شاء رده لأن الشركة عيب ولم يحدث بصنعه
____________________
(7/143)
بخلاف ما لو باع قطع نقرة ثم استحق بعضها حيث يأخذ الباقي بحصتها ولا خيار له لأنه لا يضره التبعيض فلم يلزم العيب وهو الشركة لإمكان أن يقطع حصته منها قوله ومن باع درهمين ودينارا بدينارين ودرهم جاز البيع وجعل كل واحد من الجنسين بخلافه فيعتبر الدرهمان بالدينارين والدرهم بالدينار وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يجوز وعلى هذا الخلاف إذا باع كر شعير وكر حنطة بكري شعير وكري حنطة أو باع السيف المحلى بفضة بسيف محلى بفضة ولا يدرى مقدار الحليتين وكذا درهم ودينار بدرهمين ودينارين لهما أن في الصرف إلى خلاف الجنس تغيير تصرفه أي تصرف العاقد لأنه قابل الجملة بالجملة ومن قضيته الانقسام على الشيوع لا على التعيين وهو أن يكون كل جزء على الشيوع مقابلا لكل جزء على الشيوع
____________________
(7/144)
فيندرج فيه جنس ذلك الجزء وخلاف جنسه وأجزاء جنسه أكثر إذ أجزاء دينارين أكثر من أجزاء دينار بالضرورة وليس المعنى أن كل جزء معين مقابل بكل جزء على العموم وإلا كانت الذرة من الدينار مقابلة بجميع الدينارين والدرهم فلم يبق للذرة ما يقابلها أو يقابل الكل بنفسه أشياء كثيرة وهواعتبار ممكن لكنه مستنكر وهو أن يقابل الذرة بالف ذرة ثم تكون هذه الألف بنفسها مقابلة لذرة أخرى وأخرى ولأنه حينئذ ينتفي الانقسام بأدنى تأمل والدليل على أن الانقسام كما ذكرنا ما لو اشترى عبدا وجارية بثوب وفرس ثم استحق العبد يرجع بقيمة العبد في الثوب والفرس جميعا ولولا أن الانقسام على الشيوع لما رجع في الثوب والفرس جميعا وتغيير تصرفهما لا يجوز وإن كان فيه تصحيح التصرف بدليل الإجماع على أن من اشترى قلبا وزنه عشرة بعشرة وثوبا بعشرة ثم باعهما مرابحة صفقة واحدة لا يجوز وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب وحده ليخلو القلب عن التفاضل وكذا إذا اشترى عبدا بألف ثم باعه قبل نقد الثمن من البائع مع عبد آخر بألف وخمسمائة لا يجوز ويفسد في المشتري بألف وإن أمكن تصحيحه بصرف الألف إليه وكذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره وقال بعتك أحدهما لا يجوز وإن أمكن تصحيحه بصرفه إلى عبده وكذا إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض فسد في الدرهمين ولا يصرف إلى الثوب لما ذكرنا فهذه أحكام إجماعية كلها دالة على أن تغيير التصرف لا يجوز
____________________
(7/145)
وإن كان يتوصل به إلى تصحيحه قال إمام الحرمين والمعتمد عندي في التعليل أنا تعبدنا بالمماثلة تحقيقا وهنا لم تتحقق فيفسد العقد قال صاحب الوجيز وللخصم أن يقول تعبدنا بتحقق المماثلة فيما إذا تمحضت مقابلة الجنس بالجنس أم على الإطلاق فإن قلت الثاني فممنوع وإن قلت الأول فمسلم وليس صورة الخلافية انتهى ببعض تغيير وحاصله أن على تقدير مقابلة الجملة بالجملة والجزء الشائع بالشائع لا يقتضي الربا والفساد وإنما يقتضيه لو كان التفاضل لازما حقيقة وذلك لا يكون إلا إذا قوبل معين بمعين وتفاضلا وحينئذ لا حاجة في التصحيح إلى التوزيع وصرف كل إلى خلاف جنسه عينا لكن الأصحاب اقتحموه بناء على أصلي إجماعي وهو أن مهما أمكن تصحيح تصرف المسلم العاقل يرتكب وله نظائر كثيرة ولهذا يحمل كلامه على المجاز وتترك حقيقته إذا كان لا يصح على تقديره ويدرج في كلامه زيادة لم يتلفظ بها إذا كان لا يصح إلا بذلك كأنهم نظروا إلى أن المقابلة على وجه الشيوع إن لم تقتض حقيقة الربا استلزم شبهة وشبهة الربا معتبرة كحقيقته فقالوا العقد كذلك إنما يقتضي مطلق المقابلة لا مقابلة الكل بالكل ولا الفرد بالفرد من جنسه أو من خلاف جنسه لأن اللفظ مطلق غير متعرض لواحد منهما لكن مع عدم الاقتضاء يحتمل مقابلة الفرد بالفرد وهو الجنس المعين هنا بجنس معين بدليل أنه يصح تفسيره به فإنه لو قال بعت هذين الدرهمين والدينار بدينارين ودرهم على معنى أن الدرهمين بالدينارين والدينار بالدرهم صح وهو طريق متعين للتصحيح فوجب حمله عليه وعلى هذا التقدير لا حاجة إلى قول المصنف وفيه تغيير وصف العقد كأنه نظر إلى أن الظاهر هو مقابلة الجملة بالجملة شائعا لا أصله لأنه يبقى موجبه وهو ثبوت الملك في الكل بمقابلة الكل وصار كما اتفقنا عليه فيما إذا باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره ينصرف إلى نصيبه تصحيحا لتصرفه بخلاف المسائل المذكورة فإن عدم الصرف فيها لعدم الإمكان والتعيين أما مسئلة المرابحة فعدم الصرف لأنه يتغير أصل العقد إذ يصير تولية في القلب واعترض بأن مقتضى ما تقدم من وجوب حمل المثنى على الواحد في مسئلة الطوق والجارية أن يحمل قوله بعتهما بعشرين مرابحة فيهما بعشرة أن يحمل فيهما على أحدهما يعني الثوب كما حمل قوله خذ هذه الألف من ثمنهما على ثمن أحدهما وهو الطوق وكون الطوق لم يصر مرابحة لا يضر إذ يصدق أن العقد مرابحة بثبوت الربح في بعض مبيعات الصفقة الواحدة وفي المسئلة الثانية وهو ما إذا باع عبدا اشتراه بألف ممن اشتراه منه مع عبد آخر بألف وخمسمائة طريق تصحيحه غير متعين أن يكون بصرف الخمسمائة إلى العبد الآخر فيكون بائعا ما اشتراه ممن اشتراه منه بمثل ما اشتراه منه لأنه كما يكون بذلك يكون بصرف اكثر من الخمسمائة بدرهم أو درهمين أو غير ذلك إلى العبد الآخر فيصير بائعا
____________________
(7/146)
للمشتري من اشتراه منه بأقل مما اشتراه منه ونقض بأن طريق الصحة أيضا ليس متعينا فيما قلتم بل له وجه آخر وهو أن يعتبر مقابلة درهم من الدرهمين بمقابلة الدرهم ودينار من الدينارين بمقابلة الدينار والدينار الآخر بمقابلة الدرهم أجيب بأن التغيير ما أمكن تقليله متعين وتصحيح التصرف مع قلة التغيير لا يكون إلا بما قلنا فكان ما قلنا متعينا بخلاف ما فرض فإن فيه ثلاث تغييرات وأيضا فإن الذي ادعيناه طريقا متعينا هو صرف الجنس إلى خلاف الجنس كيف كان لا بخصوص ذلك الطريق وما ذكرتم من ذلك ومن أن أن يصرف نصف درهم إلى نصف درهم والنصف الآخر بمقابلة الدينار في فروض كثيرة لا يخرج عن صرف الجنس إلى خلاف الجنس وإلى هذا رجع قول صاحب الكافي في الجواب التعدد إنما يمنع الجواز إذا لم يكن لأحد الوجوه ترجيح بل تساوت لأنه حينئذ يلزم الترجيح بلا مرجح فتتمانع الوجوه فيمتنع أما إذا كان فلا وفيما اعتبرناه ذلك لأن العقد ورد على اسم الدرهم والدرهمين فلا يغير عنه ونحن أسلفنا لنا في أصل هذا الأصل نظرا استند إلى جواز ثبوت الشيء بعلل مستقلة اجتمعت دفعة وأما في المسئلة الثالثة وهي ما إذا جمع بين عبده وعبد غيره وقال بعتك أحدهما فلأن البيع أضيف إلى المنكر وهو ليس بمحل للبيع لجهالته ولأن المعين ضده فلا يحمل الشيء على ضده فليس بشيء لأن المعرفة مما صدقات النكرة فإن زيدا يصدق عليه رجل ولا شك أن يحتمله فيجب حمله عليه وقد قال أبو حنيفة في قوله عبدي أو حماري حر إنه يعتق العبد ويجعل استعارة المنكر للمعرفة وكذا ما قيل إن تصحيح العقد يجب في محل العقد وهو لم يضف إلى المعين واعلم أن ما أورد على دفع النقوض المذكورة إن لحظ له جواب فذاك وإلا فلا يضرك النقض في إثبات المطلوب إذ غايته أنه خطأ في محل آخر إذا اعترف بخطئه في محل النقض وذلك لا يوجب خطأ في محل النزاع وأما في المسئلة الأخيرة وهي ما إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب وافترقا بلا قبض فليس مما نحن فيه فإن العقد انعقد صحيحا وإنما طرأ الفساد بالافتراق والصرف لدفع الفساد وهو قد انعقد بلا فساد وكلامنا ليس في الفساد الطارئ فإن قيل فليصرف الجنس إلى خلاف جنسه ليبقى صحيحا كما يصرف لينعقد صحيحا والمقتضى واحد فيهما وهو الاحتيال للصحة قلنا الفساد هناك ليس طروه متحققا ولا مظنونا ليجب اعتبار الصرف من أول الأمر بل يتوهم لأن الظاهر أنهما يتقابضان بعد ما عقدا قبل الافتراق فلا يحتاج إلى ذلك الاعتبار وأما المسئلة المستشهد بها أولا وهي الرجوع في ثمن الثوب والفرس فإنما تشهد على أن المقابلة للجملة بالجملة على الشيوع ونحن نقول هو الأصل وإنما قلنا إذا كان تصحيح العقد يحصل باعتبار التوزيع وجب المصير إليه وهو ثابت في المسئلة المفروضة ألا ترى إلى ما في الإيضاح قال الأصل في هذا الباب أن حقيقة البيع إذا اشتملت على إبدال وجب قسمة أحد البدلين على الآخر وتظهر الفائدة في الرد بالعيب والرجوع بالثمن عند الاستحقاق ووجوب الشفعة فيما تجب فيه الشفعة فإن كان العقد مما لا ربا فيه فإن كان مما لا يتفاوت فالقسمة على الأجزاء وإن كان مما يتفاوت فالقسمة على القيمة وأما فيما فيه الربا فإنما تجب القسمة على الوجه الذي يصح به العقد مثاله باع عشرة دراهم بخمسة دراهم ودينار يصح العقد فإن الخمسة بالخمسة والخمسة الأخرى بإزاء الدينار وكذا لو قابل جنسين بجنسين كما في مسئلة الكتاب انتهى ونظير المسئلة
____________________
(7/147)
المذكورة المسئلة التي تلي هذه وهي قوله ومن باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار جاز البيع وتكون العشرة بمثلها والدينار بدرهم لأن شرط البيع في الدراهم التماثل وهو بذلك فيبقى الدرهم بالدينار وهما جنسان لا يعتبر التساوي بينهما ثم فرع المصنف فرعا بين فيه أن بعض هذه البياعات وإن كانت جائزة في الحكم فهي مكروهة فقال ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهبا بذهب يعني وأحدهما اقل من الآخر إلا أن مع الأقل شيء آخر كفلوس أو غيرها مما يبلغ قيمته قدر الزيادة في البدل الآخر أو أقل بقدر يتغابن فيه فالبيع جائز من غير كراهة وإن لم يكن فهو جائز مع الكراهة كأن يضع معه كفا من زبيب أو فلسين وقيل لمحمد كيف تجده في قلبك قال مثل الجبل ولم ترو الكراهة عن أبي حنيفة بل صرح في الإيضاح أنه لا بأس به عند أبي حنيفة قال وإنما كره محمد ذلك لأنه إذا جازعلى هذا الوجه ألف الناس التفاضل واستعملوه فيما لا يجوز وهكذا ذكر في المحيط أيضا وقيل إنما كرهه لأنهما باشرا الحيلة لسقوط الربا كبيع العينة فإنه مكروه لهذا وأورد لو كان مكروها كان البيع في مسئلة الدرهمين والدينار بدرهم ودينارين وهي المسئلة الخلافية مكروها ولم يذكره أجيب بأنه إما لم يذكر الكراهة هناك لأنه وضع المسئلة فيما إذا كان الزائد دينارا بمقابلة الدرهم وقيمة الدينار تبلغ الدرهم وتزيد وحينئذ لا كراهة ولا يخفى أن العقد واحد وكما أن قيمة الدينار تبلغ وتزيد على قيمة الدرهم فالدرهم لا تبلغ قيمته قيمة الدينار ولا تنقص بقدر يتغابن فيه فالعقد مكروه بالنظر إلى الطرف الآخر والذي يقتضيه النظر أن يكون مكروها إذ لا فرق بينه وبين المسئلة المذكورة في جهة الكراهة وغاية الأمر أنه لم ينص هناك على الكراهة فيه ثم ذكر أصلا كليا يفيده وينبغي أن يكون قول أبي حنيفة أيضا على الكراهة كما هو ظاهر إطلاق كلام المصنف من غير ذكر خلاف وأما إذا ضم مالا قيمة له ككف من تراب لا يصح لأنه لم يقابل الزيادة مال
____________________
(7/148)
فرع اشترى تراب الفضة بفضة لا يجوز لأنه إن لم يظهر في التراب شيء فظاهر وإن ظهر فهو بيع الفضة بالفضة مجازفة ولهذا لو اشتراه بتراب فضة لا يجوز لأن البدلين هما الفضة لا التراب ولو اشتراه بتراب ذهب أو بذهب جاز لعدم لزوم العلم بالمماثلة لاختلاف الجنس فلو ظهر أن لا شيء في التراب لا يجوز وكل ما جاز فمشتري التراب بالخيار إذا رأى لأنه اشترى مالم يره قوله ومن له على آخر عشرة فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة وقبض الدينار فإن كان أضاف إلى العشرة الدين جاز اتفاقا ويجب بهذا العقد عشرة ثم لا يجب
____________________
(7/149)
تعينه بالقبض لأن تعيين أحد البدلين في الصرف للاحتراز عن الدين بالدين وتعين الآخر لدفع الربا بالتساوي وقد اندفع الدين بالدين في هذه الصورة بقبض أحد العوضين وهو الدينار والقبض الذي يتحقق منه التعيين في البدل الآخر قد تحقق سابقا فعند الإضافة إلى ذلك المقبوض يحصل به المقصود من المماثلة بين البدلين وهو كون كل منهما مقبوضا قبضا يحصل به التعيين بخلاف ما إذا لم يضف إليه لأن موجب العقد حينئذ عشرة مطلقة لا يلزم أن تكون هذه العشرة الدين ولذا قال زفر رحمه الله فيما إذا باعه المديون بالعشرة دينارا بعشرة وهي مسئلة الكتاب ثم تقاصا لا يجوز لأن موجب ذلك العقد عشرة مطلقة فلا تصير تلك العشرة المعينة ونحن نقول موجب العقد عشرة مطلقة تصير متعينة بالقبض وبالإضافة بعد العقد إلى العشرة الدين صارت كذلك غير أنه بقبض سابق كما ذكرنا ولا يبالى به لحصول المقصود من التعيين بالقبض بالمساواة وعلى هذا التقرير لا حاجة إلى اعتبار فسخ العقد الأول بالإضافة إلى العشرة الدين بعد العقد على الإطلاق بخلاف ما لو باع بألف ثم بألف وخمسمائة فإن الفسخ لازم لأن أحدهما لم يصدق على الآخر بخلاف العشرة مطلقا مع هذه العشرة للصدق لأن الإطلاق
____________________
(7/150)
ليس قيدا في العقد بها وإلا لم يكن قضاؤها أصلا إذ لا وجود للمطلق بقيد الإطلاق وعلى ذلك مشوا وتقريره أنهما لما غيرا موجب العقد فقد فسخاه إلى عقد آخر اقتضاه ولما لم يقل زفر بالاقتضاء ولذا لم يقل في أعتق عبدك عنى بألف إنه يقع عن الأمر إذا أعتقه المالك لم ينفسخ فلا يتحول حكمه وهذا إذا كان الدين سابقا على بيع الدينار فإن كان لاحقا قبل الافتراق والمسئلة بحالها بأن عقدا على الدينار بعشرة ثم باع مشتري الدينار من بائعه ثوبا بعشرة ثم قاصصه بثمن الدينار عنها ففي رواية لا يصح والأصح أنه يصح لما ذكرنا من حصول المقصود وعلى ما ذكر المصنف من حصول الانفساخ والإضافة إلى الدين بعد تحققه وقال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير إذا استقرض بائع الدينار عشرة من المشتري أو غصب منه فقد صار قصاصا ولا يحتاج إلى التراضي لأنه قد وجد منه القبض قوله ويجوز بيع درهمين صحيحين ودرهم غلة بدرهمي غلة ودرهم صحيح والغلة ما يرده بيت المال لا للزيافة بل لأنها دراهم مقطعة مكسرة يكون في القطعة ربع وثمن وأقل وبيت المال لا يأخذ إلا الغالي وإنما جاز للمساواة في الوزن والجودة فالصحة ساقطة الاعتبار لأن الجودة في الأموال الربوية عند المقابلة بالجنس ساقطة قوله وإذا كان الغالب الخ الدراهم والدنانير إما أن يكون الغالب عليها
____________________
(7/151)
الذهب والفضة والغش أقل أو الغالب الغش والذهب والفضة أقل أو متساويين فإن كان الغالب الذهب في الدنانير والفضة في الدراهم فهما كالذهب الخالص والفضة الخالصة اعتبارا للغالب لأنها على ما قيل قلما تنطبع إلا بقليل غش وقد يكون الغش خلقيا كما في الرديء منه الذي يقال له ناقص العيار في عرفنا والرداءة مهدرة شرعا عند المقابلة بالجيد فكذا الغش المغلوب إلحاقا له بها وإذا كان كالخالصين فلا يجوز بيعهما بالخالص مع الذهب والفضة إلا متساويين في الوزن وكذا بيع بعضها ببعض وكذا لا يجوز استقراضها بها إلا وزنا كاستقراض الذهب والفضة الخالصين وإن كان الغالب فيهما الغش فليس في حكم الدراهم والدنانير الخالصة اعتبارا للغالب فإن اشترى بها فضة خالصة فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف وهي أنه إن كانت الفضة الخالصة مثل الفضة التي في الدراهم أو أقل أو لا يدرى لا يصح في الفضة ولا في النحاس أيضا إذا كان لا تتخلص الفضة إلا بضرر وإن كانت الخالصة أكثر مما في الدراهم جاز ليكون ما في الدراهم من الفضة بمثلها من الخالصة والزائد من الخالصة بمقابلة الغش وكذا يجوز بيعها بجنسها متفاضلا صرفا للجنس إلى خلاف الجنس أي يصرف كل من الدراهم إلى غش الدراهم الأخرى لأنها في حكم شيئين فضة وغش صفر أو غيره ولكنه مع هذا صرف حتى يشترط القبض وقبل الافتراق وتجوز المصنف بالمجلس عنه لوجود الفضة من الجانبين وإذا شرط القبض في الفضة يشترط في الصفر لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في كل دراهم
____________________
(7/152)
غالبة الغش بل إذا كانت الفضة المغلوبة بحيث تتخلص من النحاس إذا أريد ذلك فأما إذا كانت بحيث لا تتخلص لقلتها بل تحترق لا عبرة بها أصلا بل تكون كالمموهة لا تعتبر ولا يراعى فيها شرائط الصرف وإنما هو كاللون وقد كان في أوائل قرن سبعمائة في فضة دمشق قريب مع ذلك قال المصنف رحمه الله ومع هذا مشايخنا يعني مشايخ ما وراء النهر من بخارى وسمرقند لم يفتوا بجواز ذلك أي بيعها بجنسها متفاضلا في العدالي والغطارفة مع أن الغش فيها أكثر من الفضة لأنها أعز الأموال في ديارنا فلو أبيح التفاضل فيها ينفتح باب الربا الصريح فإن الناس حينئذ يعتادون التفاضل في الأموال النفيسة فيتدرجون إلى ذلك في النقود الخالصة فمنع ذلك حسما لمادة الفساد والغطارفة دراهم منسوبة إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد وقيل هو خال الرشيد ثم إن كانت هذه الدراهم التي غلب غشها تروج بالوزن فالبيع بها والاستقراض بالوزن وإن كانت إنما تروج بالعد فالبيع بها والاستقراض لها بالعد ليس غير وإن كانت تروج بهما فبكل واحد منهما لأن المعتبر هو المعتاد فيهما إذا لم يكن نص على ما عرف في الربا وما دامت تروج فهي أثمان لا تتعين بالتعيين ولو هلكت قبل القبض لا يبطل العقد وإن كانت غير رائجة فهي سلعة تتعين بالتعيين ويبطل العقد بهلاكها قبل التسليم وهذا إذا كانا يعلمان بحالها ويعلم كل من المتعاقدين أن الآخر يعلم فإن كانا لا يعلمان أو لا يعلم أحدهما أو يعلمان ولا يعلم كل أن الآخر يعلم فإن البيع يتعلق بالدراهم الرائجة في ذلك البلد لا بالمشار إليه من هذه الدراهم التي لا تروج وإن كان يقبلها البعض ويردها البعض فهي في حكم الزيوف والنبهرجة فيتعلق البيع بجنسها لا بعينها كما هو في الرائجة لكن يشترط أن يعلم البائع خاصة ذلك من أمرها لأنه رضي بذلك وأدرج نفسه في البعض
____________________
(7/153)
الذي يقبلونها به وإن كان البائع لا يعلم تعلق العقد على الأروج فإن استوت في الرواج جرى التفصيل الذي أسلفناه في أول كتاب البيع وتعيين المصنف الجياد تساهل ومن أحكام هذه الدراهم التي غلب غشها أنه لو اشترى سلعة بها فكسدت أي قبل قبضها بطل البيع عند أبي حنيفة فإن كان المبيع قائما مقبوضا رده وإن كان مستهلكا أو هالكا رجع البائع عليه بقيمته إن كان قيميا ومثله إن كان مثليا وإن لم يكن مقبوضا فلا حكم لهذا البيع أصلا وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد لا يبطل ثم اختلفوا فقال أبو يوسف عليه قيمتها يوم البيع قال في الذخيرة وعليه الفتوى لأنه مضمون به أي بالبيع وهو نظير قوله في المغصوب إذا هلك أن عليه قيمته يوم الغصب لأنه يوم تحقق السبب وقال محمد عليه آخر ما تعامل الناس بها وهو يوم الانقطاع لأنه أوان الانتقال إلى القيمة وفي المحيط والتتمة والحقائق به يفتى رفقا بالناس لهما أن البيع قد صح بالإجماع إلا أنه تعذر التسليم أي تسليم الثمن لانعدام الثمنية بالكساد والضمير ضمير الشان وأنه أي الكساد لا يوجب الفساد كما إذا اشترى بالرطب شيئا فانقطع في أوانه بأن لا يوجد في الأسواق لا يبطل اتفاقا وتجب القيمة أو ينتظر زمان الرطب في السنة الثانية فكذا هنا ولأبي حنيفة أن الثمن يهلك بالكساد لأن مالية
____________________
(7/154)
الفلوس والدراهم الغالبة الغش بالاصطلاح لا بالخلقة وما بقي الاصطلاح بل انتفى فانتفت الثمنية فبقي بيعا بلا ثمن بخلاف النقدين فإن ماليتهما بالخلقة لا بالاصطلاح كمالية العبد لما كانت بالحياة ذهبت بذهاب الحياة لا يقال فلتصر مبيعة إذا انتفت ثمنيتها لأنا نقول تصير مبيعة في الذمة والمبيع في الذمة لا يجوز إلا في السلم واعترض في بعض الحواشي بأن انتفاء ثمنيتها يوجب أنه يصير بيع مقايضة فلا يستلزم كونه دينا ولا يبطل بعدم القبض قبل الافتراق على ما قدمنا من ثبوت التعيين في البدلين بمجرد العقد فلا يلزم الافتراق عن دين بدين إلا أن المجيب نظر إلى أن صورة المسئلة أنه باع بدراهم كذا وكذا غلب غشها وهذا لا يوجب أنه يصير بيع مقايضة إذا كسدت قبل القبض وليس في صورة المسئلة أحضر الدراهم وأشار إليها بعينها بل باع بها على نمط ما يباع بالأثمان وهذا لأن الفرض أن البيع وقع حال رواجها أثمانا وإنما كسدت بعده قبل القبض فلم ينتبه هذا المعترض لصورة المسئلة فلم يثبت لزوم كونه بيعا بلا ثمن ثم شرط في العيون أن يكون الكساد في سائر البلاد فلو كسد في بعض البلاد دون البعض لا يبطل عند أبي حنيفة لأنها لم تهلك ليصير البيع بلا ثمن ولكن تعيبت فيكون البائع بالخيار إن شاء أخذ مثل النقد الذي وقع عليه البيع وإن شاء أخذ قيمته دنانير قالوا وما ذكر في العيون على قول محمد وأما على قولهما فلا وينبغي أن ينتفي البيع بالكساد في تلك البلدة التي وقع فيها البيع بناء على اختلافهم في بيع الفلس بالفلسين عندهما يجوز اعتبارا لاصطلاح بعض الناس وعند محمد لا يجوز اعتبار لاصطلاح الكل فالكساد يجب أن يكون على هذا القياس أيضا وما ذكرناه في الكساد مثله في الانقطاع والفلوس النافقة إذا كسدت كذلك هذا إذا كسدت أو انقطعت فلو لم تكسد ولم تنقطع ولكن نقصت قيمتها قبل القبض فالبيع على حاله بالإجماع ولا يتخير البائع وعكسه لو غلت قيمتها وازدادت فالبيع على حاله ولا
____________________
(7/155)
يتخير المشتري ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع والجواب عن البيع بالرطب أن الرطب مرجو الوصول في العام الثاني غالبا فكان له مظنة يغلب ظن وجوده عندها بخلاف الكساد فإنه ليس له مظنة محققة الوجود في زمن خاص يرجى فيها بل الظاهر عدم العود لأن الأصل في غالبية الغش الكساد وعدم الثمنية والشيء إذا رجع إلى أصله قلما ينتقل عنه وفي الخلاصة عن المحيط دلال باع متاع الغير بغير إذنه بدراهم معلومة واستوفاها فكسدت قبل أن يدفعها إلى صاحب المتاع لا يفسد البيع لأن حق القبض له قوله ويجوز البيع بالفلوس لأنها نوع من أنواع المال فإن كانت نافقة جاز البيع وإن لم تتعين بل لو عينت لا تتعين وللعاقد أن يدفع غير ما عين لأنها حينئذ أثمان كالدراهم حتى لو هلكت قبل القبض لا ينفسخ العقد ويجوز ولو استبدل بها جاز ولو باع فلسا بفلسين يجوز على ما سلف في باب الربا ولو باع فلسا بغير عينه بفلسين بأعيانهما لا يجوز لأن الفلوس الرائجة أمثال متساوية وضعا لاصطلاح الناس على سقوط قيمة الجودة فيكون ربا وإن كانت كاسدة فهي مبيعة لا يصح العقد عليها مالم تتعين وإذا باع الفلوس النافقة ثم كسدت قبل القبض بطل البيع عند أبي حنيفة خلافا لهما وهو نظير الاختلاف الذي بيناه أي في الدراهم الغالبة الغش يبطل البيع عنده لا عندهما ثم تجب قيمتها يوم البيع عند أبي يوسف وعند محمد يوم الانقطاع هكذا ذكر القدوري الخلاف والذي في الأصل وشرح الطحاوي والأسرار البطلان من غير ذكر خلاف سوى خلاف زفر رحمه الله استدل بما تقدم من انقطاع الرطب المشترى به وإباق العبد المبيع قبل التسليم وتخمير العصير المشترى قبل التسليم لا يبطل
____________________
(7/156)
العقد فيها وأجيب بما تقدم في الرطب وأما العبد فماليته لم تبطل بالإباق بل هو مال باق حيث هو وإنما عرض العجز عن التسليم وكذا بالتخمر لم يزل عن ملك المالك بل عجز عن تسليمه شرعا بخلاف الكساد لهلاك الثمن به إلا أن الذي يقتضيه النظر ثبوت الخلاف كما ذكر القدوري إذ لا فرق بين كساد المغشوشة وكساد الفلوس إذ كل منهما سلعة بحسب الأصل ثمن بالاصطلاح فإن غالبة الغش الحكم فيها للغالب وهو النحاس مثلا فلو لم ينص على الخلاف في الفلوس وجب الحكم به وفي شرح الطحاوي لو اشترى مائة فلس بدرهم وقبض الفلوس أو الدرهم ثم افترقا جاز البيع لأنهما افترقا عن عين بدين وقد قدمناه فإن كسدت الفلوس بعد ذلك فإنه ينظر إن كان الفلس هو المقبوض لا يبطل البيع لأن كسادها كهلاكها وهلاك المعقود عليه بعد القبض لا يبطل البيع وإن كان الفلس غير مقبوض بطل البيع استحسانا لأن كساد الفلوس كهلاكها وهلاك المعقود عليه قبل القبض يبطل العقد والقياس أن لا يبطل لأنه قادر على أداء ما وقع العقد عليه وقال بعض مشايخنا إنما يبطل العقد إذا اختار المشتري إبطاله فسخا لأن كسادها كعيب فيها والمعقود عليه إذا حدث به عيب قبل القبض يثبت للمشتري فيه الخيار والأول أظهر ولو نقد الدرهم وقبض نصف الفلوس ثم كسدت الفلوس قبل أن يقبض النصف الآخر بطل البيع في نصفها وله أن يسترد نصف الدرهم وعلى هذا لو اشترى فاكهة أو شيئا بعينه بفلوس ثم كسدت وقد قبض المبيع فسد البيع وعليه أن يرد المبيع إن كان قائما أو القيمة أو مثله وهذا معلوم مما ذكرنا إلا أن أبا يوسف قال في هذا إن عليه قيمة الفلوس ولا يفسد البيع وفرق بين هذا وبين المسئلة الأولى وهي ما إذا باع الفلوس بدرهم لأن هناك لو أوجبنا رد قيمة الفلوس يتمكن فيه الربا وهاهنا لا يتمكن وفي المسئلتين جميعا إذا لم تكسد الفلوس غير أن قيمتها غلت أو رخصت لا يبطل البيع وعليه أن يدفع العدد الذي عينه منها قوله ولو استقرض فلوسا فكسدت عند أبي حنيفة رحمه الله يرد مثلها عددا اتفقت الروايات عنه بذلك وأما إذا استقرض دراهم غالبة الغش فقال أبو يوسف في قياس قول أبي حنيفة عليه مثلها ولست أروي ذلك عنه ولكن لرواية في الفلوس إذا أقرضها ثم كسدت وقال أبو يوسف عليه قيمتها من الذهب يوم القرض في الفلوس والدراهم وقال محمد عليه قيمتها في آخر وقت نفاقها وجه قوله أنه أي القرض إعارة وموجبه أي موجب عقد الإعارة رد العين إذ لو كان استبدالا حقيقة موجبا لرد المثل استلزم الربا للنسيئة فكان
____________________
(7/157)
موجبا رد العين إلا أن ما تضمنه هذا العقد لما كان تمليك المنفعة بالاستهلاك لا مع بقاء العين لزم تضمنه لتمليك العين فبالضرورة اكتفى برد العين معنى وذلك برد المثل ولذا يجبر المغصوب منه على قبول المثل إذا أتى به الغاصب في غصب المثلي بلا انقطاع مع أن موجب الغصب رد العين وذلك حاصل بالكاسد والثمنية فضل في القرض غير لازم فيه ولذا يجوز استقراضها بعد الكساد وكذا يجوز استقراض كل مثلي وعددي متقارب ولا ثمنية ولهما أنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبضها فيجب رد قيمتها وهذا لأن القرض وإن لم يقتض وصف الثمنية لا يقتضي سقوط اعتبارها إذا كان المقبوض قرضا موصوفا بها لأن الأوصاف معتبرة في الديون لأنها تعرف بها بخلاف الأعيان المشار إليها وصفها لغو لأنها تعرف بذواتها وتأخير دليلهما بحسب عادة المصنف ظاهر في اختياره قولهما ثم أصل الاختلاف في وقت الضمان اختلافهما فيمن غصب مثليا فانقطع وجبت القيمة عند أبي يوسف يوم الغصب وعند محمد يوم القضاء وقولهما أنظر للمقرض من قول أبي حنيفة لأن في رد المثل إضرارا به ثم قول أبي يوسف أنظر له أيضا من قول محمد لأن قيمته يوم الفرض أكثر من قيمته يوم الانقطاع فكان قول محمد أنظر للمستقرض من قول أبي يوسف وقول أبي يوسف أيسر لأن القيمة يوم القبض معلومة ظاهرة لا يختلف فيها بخلاف ضبط وقت الانقطاع فإنه عسر فكان قول أبي يوسف أيسر في ذلك
____________________
(7/158)
قوله ومن اشترى شيئا بنصف درهم فاكهة أو غيرها بأن قال مثلا لبائع سلعة اشتريتها منك بنصف درهم فلوس فقال بعتك انعقد موجبا لدفع ما يباع من الفلوس بنصف درهم فضة وكذا إذا قال بدانق من الفلوس وهو سدس درهم أو بقيراط وهو نصف السدس وقال زفر رحمه الله لا يجوز في جميع ذلك لأنه اشترى بالفلوس وهي تقدر بالعد لا بالدانق والدرهم فلا بد من بيان عددها وإلا فالثمن مجهول ولأن العقد وقع على ادلانق والدرهم ثم شرط إيفاءه من الفلوس وهو صفقة في صفقة فإن المعنى أنه شرط أن يعطي بنصف الدرهم الذي هو الثمن فلوسا وهو أن يبيعه الدانق فلوسا ونحن نقول إن ما يباع بالدانق وما ذكرنا من الفلوس معلوم وهو المراد بقوله بنصف درهم فلوس لأنه لما ذكر نصف الدرهم ثم وصفه بأنه فلوس وهو لا يمكن عرف أن المراد ما يباع به من الفلوس وهو معلوم عند الناس فأغنى عن ذكر العد بخصوصه وإذا صار كناية عما يباع بنصف وربع درهم لم يلزم جهالة الثمن ولا صفقة في صفقة لأن الثمن حينئذ من الابتداء ما يباع من الفلوس بنصف درهم ولو قال بدرهم فلوس أو درهمين فكذا عند أبي يوسف وعند محمد لا يجوز إلا فيما دون الدرهم لأن المبايعة في العادة في الفلوس فيما دون الدرهم فيصير معلوما بحكم العادة ولا كذلك الدرهم قالوا وقول أبي يوسف أصح ولا سيما في ديارنا أي المدن التي وراء النهر فإنهم يشترون الفلوس بالدراهم ولأن المدار هو العلم بما يباع بالدرهم من الفلوس مع وجوب الحمل عليه تصحيحا للعلم بأنه المراد ولا فرق في ذلك بين ما دون الدرهم والدراهم فضلا عن الدرهم ولم يذكر في المبسوط خلاف محمد والمذكور من خلافه خلاف ظاهر الرواية عنه وفي بعض النسخ سيما بغير لا وهو استعمال لم يثبت في كلام من يحتج بكلامه في اللغة وفي بعضها
____________________
(7/159)
على الصواب قوله ومن أعطى صيرفيا درهما فقال أعطني بنصفه أو ربعه أو قيراطا منه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة وعلى وزانه أن يقول وبثلاثة أرباع درهم إلا حبة وقس الباقي جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي من النصف الآخر أو الثلاثة الأرباع وباقي الصور لأن بيع نصف الدرهم بالفلوس جائز وبيع نصف درهم بنصف درهم إلا حبة ربا فلا يجوز وعلى قياس قول أبي حنيفة بطل في الكل لأن الصفقة متحدة والفساد قوي مقارن للعقد فيشيع وقد مر نظيره يعني في باب البيع الفاسد في مسئلة الجمع بين العبد والحر إذا لم يفصل الثمن يشيع الفساد اتفاقا وإذا فصل لا يشيع عندهما وعنده يشيع فلو كرر لفظ الإعطاء بأن قال أعطني بنصفه فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة كان جوابه كجوابهما في أن الفساد يخص النصف الآخر لأنهما بيعان لتعدد الصفقة وهذا هو المختار خلافا لما حكي عن الشيخ أبي جعفر وشيخ الإسلام والمظفر أنه لا يجوز وإن كرر لفظ الإعطاء لأن تعدد الصفقة عنده بتعدد البيع وهو الإيجاب ولفظ أعطني مساومة وإذا كان قوله بعني
____________________
(7/160)
بكذا ليس إيجابا حتى لو قال بعت لا ينعقد مالم يقل الأول قبلت فأعطني وليس من مادة البيع أولى وحينئذ لم يتعدد البيع فيشيع الفساد على قوله كالصورة الأولى وجه المختار أن ذلك صار معلوم المراد أنه إيجاب وعلى هذا فلو تعورف في مثله صح أيضا إلا أنهم لم يذكروه أو أن الكلام فيما إذا دفع إليه المخاطب قبل الافتراق فإنه يجعل بيعا في النصفين بالمعاطاة فيهما والله أعلم ولو قال حين دفع إليه الدرهم الكبير أعطني نصف درهم فلوس ونصفا إلا حبة جاز فيهما لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة فيتحرى للجواز بأن يكون نصف درهم إلا حبة بمثله وما وراءه بإزاء الفلوس نعم قد يقال لما كان قوله نصف درهم فلوس معناه ما يباع من الفلوس به كان الحاصل أعطني بهذا الدرهم ما يباع من الفلوس بنصف درهم ونصف درهم إلا حبة وما يباع بنصف درهم معلوم أنه يخص بنصف الدرهم فصار كالأول كأنه قال أعطني بنصفه نصف درهم فلوس وبنصفه نصف درهم إلا حبة وجوابه أن موجب التحري للتصحيح أن المعنى على ذلك التقدير أعطني بهذا الدرهم نصف درهم إلا حبة وما يباع بنصف درهم فلوس وهذا يفيد أنه إنما اشترى ما يباع من الفلوس بنصف درهم وحبة وما يباع من الفلوس بنصف درهم إلا حبة بمثله قال المصنف رحمه الله وفي أكثر نسخ المختصر يعني القدوري ذكر المسئلة الثانية ولم يذكر الأولى ولذا قال شارحه وهو غلط من الناسخ ويجوز في فلوس الجر صفة لدرهم والنصب صفة للنصف
فروع تقدم بعضها في ضمن التعليل فربما يغفل عنها تصارفا جنسا بجنس متساويا فزاد أحدهما أو حط شيئا وقبل الآخر التحق بأصل العقد وبطل العقد وقال أبو يوسف لا يلتحق فيهما ولا يبطل وقال محمد لا يصح الحط فقط ويجعل هبة مبتدأة ولو تصارفا بغير الجنس فزاد أو حط جاز لعدم اشتراط المماثلة غير أن الزيادة يجب قبضها في مجلس الزيادة لأنه ثمن الصرف وعند من لا يلحق الزيادة باصل العقد كالشافعي وأحمد رحمهما الله لا يشترط لأنها هبة ابتدائية ولو افترقا لا عن قبضها بطل حصتها من البدل الآخر كأنه باع الكل ثم فسد في البعض لعدم القبض والحط جائز سواء كان قبل التفرق أو بعده ويرد الذي حط ما حط وإن كان الحط قيراط ذهب فهو شريك في الدينار مثلا لأن في تبعيضه ضررا وكل مال ربوي لم يجز بيعه مرابحة ولا مواضعة إذا اشتراه بجنسه ويجوز بخلاف جنسه ولو اشترى مصوغا من فضة بفضة أو من ذهب بذهب وتقابضا فوجده المشتري معيبا له أن يرده بالعيب فإن رده بقضاء لا بأس به وإن لم يقبض الثمن من البائع في مجلس الرد لأنه فسخ
____________________
(7/161)
وبغير قضاء يشترط القبض في مجلس الرد فإن قبض صح الرد وإلا بطل وعاد البيع الأول لأنه بيع في حق الشرع فإن تعذر الرد بأن هلك في يده أو حدث عيب آخر رجع بأرش العيب إن كان الثمن ذهبا لتعذر الفسخ وإن كان فضة لا يرجع لأنه يؤدي إلى الربا فإن قبله البائع بعيبه له ذلك والخيار للمشتري بعد ولو اشترى دينارا بدرهم ولا دينار لهذا ولا درهم للآخر ثم اقترضا وتقابضا قبل التفرق جاز وفي المكيل لا يجوز وعن أبي حنيفة رحمه الله اشترى فلوسا بدراهم ولا فلوس ولا دراهم لهما ثم نقد أحدهما وتفرقا جاز ولو كان مكان الفلوس دينار لم يجز وتقدم معناه في تقسيم الطحاوي اشترى سيفا حليته مائة درهم فضة بمائة درهم ثم علم أن حليته مائتا درهم قبل التفرق فإن شاء زاد في الثمن مائة أخرى وإن شاء فسخ والمائة ليست بشرط بل يزيد شيئا ليتمحض المائتان للحلية ولو علم بعد التقابض والتفرق بطل العقد في الكل ولو كان ذلك في إبريق فضة يبطل العقد في نصف الإبريق والله تعالى أعلم بسم الله الرحمن الرحيم = كتاب الكفالة
أورد الكفالة عقيب البيوع لأنها غالبا يكون تحققها في الوجود عقيب البيع فإنه قد لا يطمئن البائع إلى المشتري فيحتاج إلى من يكفله بالثمن أو لا يطمئن المشتري إلى البائع فيحتاج إلى من يكفله في المبيع وذلك في السلم فلما كان تحققها في الوجود غالبا بعدها أوردها في التعليم بعدها ولها مناسبة خاصة بالصرف وهي أنها تصير بالآخرة معاوضة عما ثبت في الذمة من الأثمان وذلك عند الرجوع على المكفول عنه ثم لزم تقديم الصرف لأنه من أبواب البيع السابق على الكفالة فلزمت الكفالة بعده ومحاسن الكفالة جليلة وهي تفريج كرب الطالب الخائف على ماله والمطلوب الخائف على نفسه حيث كفيا مؤنة ما أهمهما وقر جأشهما وذلك نعمة كبيرة عليهما ولذا كانت الكفالة من الأفعال العالية حتى امتن الله تعالى بها حيث قال { وكفلها زكريا } في قراءة التشديد يتضمن الامتنان على مريم إذ جعل لها من يقوم بمصالحها ويقوم بها بأن أتاح لها ذلك وسمى نبيا بذي الكفل لما كفل جماعة من الأنبياء لملك أراد قتلهم وسبب وجودها تضييق الطالب على المطلوب مع قصد الخارج رفعه عنه إما تقربا إلى الله تعالى أو إزالة للأذى عن نفسه إذا كان المطلوب ممن يهمه ما أهمه وسبب شرعيتها دفع هذه الحاجة
____________________
(7/162)
والضرر الذي ذكرناه آنفا ودليل وقوع شرعيتها قوله تعالى { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } وقوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن والإجماع وشرطها في الكفيل كونه من أهل التبرع فلا كفالة من صبي ولا عبد محجور ولا مكاتب ولا تصح من المريض إلا من الثلث وفي الدين أن يكون صحيحا فلا كفالة في بدل الكتابة لأنه ليس دينا صحيحا إذ لا يلزم دين للمولى على عبده ولزوم دين الكتابة بخلاف القياس ليصل العبد إلى العتق وأن يكون مقدور التسليم وأما مفهومها لغة فقال المصنف الضم سواء كان متعلقه عينا أو معنى قال في المغرب تركيبه دال على الضم والتضمين ومنه كفل البعير كساء يدار حول سنامه كالحوية يركب عليه وكفل الشيطان مركبه وأما في الشرع فما أشار إليه من قوله ثم قيل هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة وقيل في الدين قال والأول أصح فلا يثبت الدين في ذمة الكفيل خلافا للشافعي ومالك وأحمد في رواية فيثبت الدين في ذمة الكفيل ولا يسقط عن الأصيل ولم يرجح في المبسوط أحد القولين على الآخر وما يخال من لزوم صيرورة الألف الدين الواحد ألفين كما ذكره بعض الشارحين قال في المبسوط وليس من ضرورة ثبوت المال في ذمة الكفيل مع بقائه في ذمة الأصيل ما يوجب زيادة حق الطالب لأن الدين وإن ثبت في ذمة الكفيل فالاستيفاء لا يكون إلا من أحدهما كالغاصب مع غاصب الغاصب فإن كلا ضامن للقيمة وليس حق المالك إلا في قيمة واحدة لأنه لا يستوفي إلا من أحدهما واختياره تضمين أحدهما يوجب براءة الآخر فكذا هنا يريد باختياره التضمين القبض منه لا مجرد حقيقة اختياره لأنه يتحقق بمرافعة أحدهما وبمجرد ذلك لا يبرأالآخر ومما يدل على ثبوت الدين في ذمة الكفيل أنه لو وهب الدين للكفيل صح ويرجع الكفيل به على الأصيل مع أن هبة الدين من غير من عليه الدين لا تجوز وكذا لو اشترى من الكفيل بالدين شيئا يصح مع أن الشراء بالدين من غير من عليه الدين لا يصح والحاصل أن ثبوت الدين في الذمة اعتبار من الاعتبارات الشرعية فجاز أن يعتبر الشيء الواحد في ذمتين إنما يمتنع في عين ثبت في زمن واحد في ظرفين حقيقيين ولكن المختار ما ذكرنا أنه في مجرد المطالبة لا الدين لأن اعتباره في الذمتين وإن أمكن شرعا لا يجب الحكم بوقوع كل ممكن إلا بموجب ولا موجب لأن التوثق يحصل بالمطالبة وهو لا يستلزم ولا بد من ثبوت اعتبار الدين في الذمة كالوكيل بالشراء يطالب بالثمن وهو في ذمة الموكل وأما الجواب عن تسليم الهبة والدين فإنا جعلناه في حكم الدينين تصحيحا لتصرف صاحب الحق وذلك عند وقوعه بالفعل وقبله لا ضرورة فلا داعي إلى ذلك ولا يخفى أن ما نقل من قول أبي حنيفة أن الدين فعل يقتضي أن الدين في ذمة الكفيل أيضا كما هو في ذمة
____________________
(7/163)
الأصيل إذ فعل الأداء واجب عليه ثم الوجه أن تطلق المطالبة من غير تقييد بالدين فإن الكفالة كما تكون بالديون تكون بالأعيان المضمونة بنفسها وهو ما يجب تسليمه بعينه فإن هلك ضمن مثله إن كان له مثل وبقيمته إن لم يكن له مثل كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا والمقبوض على سوم الشراء تصح الكفالة بها ويجب تسليمها وإذا هلكت يجب تسليم قيمتها إذا ثبت بالبينة أو بالإقرار والأعيان المضمونة بغيرها وهي الأعيان الواجبة التسليم قائمة وعند هلاكها لا يجب تسليم مثلها ولا قيمتها وهو المبيع قبل القبض يضمن بالثمن وكالرهن يضمن بالدين ولو هلكت لا يجب على الكفيل قيمتها وأما الأعيان الواجبة التسليم وهي أمانة كالعارية والمستأجر في يد المستأجر تصح الكفالة بها ومتى هلكت لا تجب على الكفيل قيمتها بخلاف الأعيان الغير الواجبة التسليم كالوديعة ومال المضاربة والشركة لا تصح الكفالة بها أصلا وأما ركنها فالإيجاب والقبول بالألفاظ الآتية ولم يجعل أبو يوسف في قوله الأخير القبول ركنا فجعل الكفالة تتم بالكفيل وحده في الكفالة بالمال والنفس وهو قول مالك وأحمد وقول للشافعي واختلفوا على قول أبي يوسف فقيل إن الكفالة تصح من الواحد وحده موقوفا على إجازة الطالب أو تصح نافذا وللطالب حق الرد وفائدة الخلاف إنما تظهر فيما إذا مات المكفول له قبل القبول من يقول بالتوقف يقول لا يؤاخذ به الكفيل وأما حكمها فثبوت حق المطالبة للكفيل متى شاء سواء تعذر عليه مطالبة الأصيل أو لا وفي رواية عن مالك لا يطالبه إلا إذا تعذر ذلك وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأبو ثور ينتقل الحق إلى ذمة الكفيل فلا يملك مطالبة الأصيل أصلا كما في الحوالة وما ذكر في المنظومة من نسبة ذلك إلى مالك خلاف ما في مشاهير كتب أصحابه احتجوا بما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم حضر جنازة فقال هل على صاحبكم دين فقالوا نعم درهمان فقال صلوا على صاحبكم فقال علي رضي الله عنه أنا لهما ضامن فقام صلى الله عليه وسلم وصلى عليه ثم أقبل على علي رضي الله عنه فقال جزاك الله خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك فقيل يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة فقال للناس كافة فدل أن المضمون عنه بريء من الضمان وللعامة قوله صلى الله عليه وسلم الآن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه وقوله في خبر أبي قتادة الآين بردت جلدته وصلاته صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه لأنه بالضمان صار وفاء وإنما امتنع عن الصلاة على مديون لم يخلف وفاء وقوله فك الله رهانك لأنه كان بحال لا يصلى عليه فلما ضمن عنه فكه عن ذلك ولا يخفى أنه لم يقع الجواب بعد فإن الدليل يتم بصلاته عقيب ضمان علي إذ يدل على أن الضمان تم بذلك قوله قال أي القدوري الكفالة ضربان كفالة بالنفس وكفالة بالمال ويدخل في الكفالة بالمال الكفالة بالأعيان التي ذكرناها والكفالة بالنفس جائزة والمضمون بها إحضار المكفول به
____________________
(7/164)
ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز وهو قول مخالف للقول الأظهر عندهم وهو أنها جائزة كقولنا واستدل لقوله المضعف بأنه التزام مالا يقدر على تسليمه إذ لا قدرة له على نفس المكفول به فكان كبيع الطير في الهواء وهذا لأنه حر لا ينقاد له ولا ولاية له عليه خصوصا إذا كفل بغير أمره وكذا بأمره لأن أمره بكفالته لا يثبت له ولاية عليه وصار كالكفالة ببدن الشاهدين واستدل للمذهب بما أخرجه من قوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم باعتبار عمومه وقوله بنوعيه أي نوعي عقد الكفالة واعترض بأنه مخصص بالزعيم في المال من نفس الحديث حيث قال غارم والكفيل بالنفس لا غرم عليه للمال وأجيب بأن الغرم لا يختص بالمال بل الغرم أداء ما يلزمه مما يضره والغرام اللازم ذكره في المجمل والكفيل بالنفس يلزمه الإحضار وقد تثبت بالقياس على كفالة المال وهو ما أشار إليه المصنف بقوله والحاجة إليه ماسة وقد أمكن تحقيق معنى الكفالة وحاصله إلحاقه بجامع عموم الحاجة إليها إحياء للحقوق مع الإيجاب والقبول والشرائط وما طرأ من انتفاء الشرط بانتفاء القدرة على تسليمه ممنوع لأن الظاهر أنه ينقاد إذا كان بأمره وإن كان بلا أمره يمكنه إحضاره بالاستعانة بأعوان الحاكم وأبطل بعضهم قوله لا يقدر على نفس المكفول بأنه مبني على عدم جوازالكفالة فلا يصح دليلا ولا يخفى أن ليس المراد بالقدرة المنفية القدرة الشرعية ليكون مبنيا على عدم جواز الكسالة فيلزم الدور بقليل تأمل وروي أنه صلى الله عليه وسلم كفل رجلا في تهمة وكان بين علي وعمر رضي الله عنهما خصومة فكفلت أم كلثوم بنفس علي رضي الله عنه واعترض بالمناقضة في الحدود والقصاص فإن الكفالة بالنفس فيهما لا تصح وإن كان تسليم النفس واجبا كتسليمها للجواب والجواب منع عدم صحتها مطلقا بل المنصوص في الأصل صحة الكفالة بنفس من عليه حد القذف والسرقة والقصاص في النفس وما دون النفس ووجهه أنها من حقوق العباد من وجه في بعضها ومن كل وجه في بعضها وأما حد الزنا والشرب فعدم صحة
____________________
(7/165)
الكفالة للزوم التنافي فإن الحد يحتال في درئه وصحة الكفالة للاستيثاق والاحتيال لاستيفائه فقام المانع فيهما وأما الجبر على إعطاء الكفيل فيها ففي الحدود لا يجبر بالإجماع وفي القصاص كذلك عند ابي حنيفة خلافا لهما وأما عدم صحة الكفالة بنفس الشاهد ليؤدي فلأن الكفالة لا تفيد لأن الشاهد عند مطالبة الطالب له بالأداء إما أن يجيب ويحضر أو لا ففي الأول لا حاجة إلى الكفالة وفي الثاني يلزم فسقه فلا تقبل شهادته لو أحضره الكفيل بخلاف ما نحن فيه قوله وتنعقد إذا قال تكفلت الخ شروع في ذكر الألفاظ التي تثبت بها الكفالة وهي صريح وكناية فالصريح تكفلت وضمنت وزعيم وقبيل وحميل وعلي وإلي ولك عندي هذا الرجل وعلي أن أوفيك به أو على أن القاك به أو دعه إلي وحميل بالحاء المهملة بمعنى كفيل به يقال حمل به حمالة بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع وروي في الفائق الحميل ضامن وأما القبيل فهو أيضا بمعنى الكفيل ويقال قبل به قبالة بفتحها في الماضي وضمها وكسرها في المضارع وهذه الألفاظ توجب لزوم موجب الكفالة إذا أضيفت إلى جملة البدن أو ما يعبر به عن الجملة حقيقة في اللغة والعرف وما لا فلا على وزان الطلاق على ما مر مثل كفلت أو أنا حميل أو زعيم بنفسه أو رقبته أو روحه أو جسده أو رأسه أو بدنه أو وجهه لأن هذه يعبر بها حقيقة كالنفس والجسد والبدن وعرفا ولغة ومجازا كهو رأس وتحرير رقبة وتقدم في الطلاق ولم يذكر محمد رحمه الله ما إذا كفل بعينه قال البلخي رحمه الله لا يصح كما في الطلاق إلا أن ينوي به البدن والذي يجب أن يصح في الكفالة والطلاق إذ العين مما يعبر به عن الكل يقال عين القوم وهو عين في الناس ولعله لم يكن معروفا في زمانهم أما في زماننا فلا شك في ذلك بخلاف ما لو قال بيده أو رجله ويتأتى في دمه ما تقدم في الطلاق وكذا
____________________
(7/166)
إذا أضاف إلى جزء شائع منه ككفلت بنصفه أو ثلثه أو بجزء منه لأن النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ فذكر بعضها شائعا كذكر كلها ووجه ضمنت بأنه تصريح بموجبه لأن موجب الكفالة لزوم الضمان في المال في أكثر الصور وعلى صيغة التزام وإلي في معناه قال صلى الله عليه وسلم من ترك كلا أي يتيما فإلي لأن العطف يقتضي المغايرة وقوله وقد روينا فيه اقتصر في بعض النسخ وفي بعضها الحديث يريد قوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن المقداد بن معد يكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك كلا فإلي ومن ترك مالا فلورتثه وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه ورواه ابن حبان في صحيحه وفي لفظ لأبي داود وأنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا أو ضيعة فإلي بخلاف ما لوقال أنا ضامن لمعرفته لا تثبت به الكفالة لأنه التزم المعرفة دون المطالبة وكذا بمعرفته وكذا أنا ضامن لك على أن أوقفك عليه أو على أن أدلك عليه أو على منزله ولو قال أنا ضامن لتعريفه أو على تعريفه ففيه اختلاف المشايخ والوجه أن يلزمه لأنه مصدر متعد إلى اثنين فقد التزم أن يعرفه الغريم بخلاف معرفته فإنه لا يقتضي إلا معرفة الكفيل للمطلوب وعن نصير قال سأل ابن محمد بن الحسن أبا سليماني الجوزجاني عن رجل قال لآخر أنا ضامن لمعرفة فلان قال أبو سليمان أما في قول أبي حنيفة وأبيك لا يلزمه شيء وأما أبو يوسف قال هذا على معاملة الناس وعرفهم قال الفقيه أبو الليث في النوازل هذا القول عن أبي يوسف غير مشهور والظاهر ما عن أبي حنيفة ومحمد وفي خزانة الواقعات وبه يفتي أي بظاهر الرواية لكن نص في المنتقى أن في قول أبي يوسف فيمن قال أنا ضامن لك بمعرفة فلأن يلزمه وعلى هذا معاملة الناس وفي فتاوى النسفي لو قال الدين الذي لك على فلان أنا أدفعه إليك أو أسلمه إليك أو أقبضه لا يكون كفالة مالم يتكلم بما يدل على الالتزام وفي الخلاصة عن متفرقات خاله قيده بما إذا قاله منجزا فلو معلقا يكون كفالة نحو أن يقول إن لم يؤد فأنا أؤدي نظيره في النذر لو قال أنا أحج لا يلزمه شيء ولو قال إن دخلت الدار فأنا أحج يلزمه الحج قوله فإن شرط في الكفالة أي بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه أو يوم لزمه إحضاره فيه وإلا حبسه الحاكم لامتناعه عن إيفاء حق مستحق عليه وهذا إذا لم يظهر عجزه عن
____________________
(7/167)
إحضاره فيه فإن ظهر لا يحبسه إذ لا فائدة في حبسه كما إذا مات المكفول به فإن الكفالة تبطل فإن غاب وعلم مكانه لا يطالب الكفيل للحال ويؤجل إلى مدة يمكنه الإحضار فيها فإن لم يحضره ظهرت مماطلة الكفيل فيحبس إلى أن يظهر للقاضي تعذر الإحضار عليه بدلالة الحال أو بشهود بذلك فيخرج من الحبس وينظر إلى وقت القدرة كالإعسار بالدين وإذا أخرج لا يحول بينه وبين المكفول له فيلازمه ولا يمنعه من أشغاله ولو لم يكن يعلم مكانه سقطت مطالبة الكفيل فلو قال الطالب تعرف مكانه وقال الكفيل لا أعرف فإن كانت له خرجة معروفة يخرج إليها إلى موضع معلوم للتجارة فالقول للطالب ويؤمر الكفيل بالذهاب إليه لأن الظاهر شاهد له وإن لم يكن ذلك فالقول للكفيل لأنه متمسك بالأصل وهو الجهل ومنكر لزوم المطالبة وقيل لا يلتفت إلى قول الكفيل ويحبس حتى يظهر عجزه لأن المطالبة كانت متوجهة عليه بالضمان فلا يصدق في دعوى ما يسقطها فإن أقام الطالب بينة أنه في موضع كذا يؤمر الكفيل بالذهاب إليه وفي بعض النسخ قوله وكذا إذا ارتد ولحق بدار الحرب يعني يمهله الحاكم مدة ذهابه إلى دار الحرب إن كان بيننا وبينهم موادعة فإن لم يكن لا يؤاخذ الكفيل للعجز عنه واللحاق وإن كان موتا فهو حكمي في ماله ليعطي الأقرب إليه أما حقوق العباد فثابتة على حالها ولم يفصل في المذهب بين المسافة البعيدة والقريبة للشافعية فيما إذا كانت مسافة القصر وجهان أحدهما لا يسقط الطلب كما هو فيما دونها والثاني يسقط إلحاقا بالغيبة المنقطعة قوله وإذا أحضره وسلمه إليه في مكان يقدر المكفول له
____________________
(7/168)
على أن يخاصمه مثل أن يكون في مصر من الأمصار برئ الكفيل من الكفالة سواء قبله الطالب أو لا كالمديون إذا جاء بالدين فوضعه بين يدي الطالب وهذا لأنه ما التزم التسليم بالكفالة إلا مرة وقد حصلت ثم الشرط عندهما أن يكون ذلك المصر وهو المصر الذي كفل فيه وعن أبي حنيفة ليس ذلك بشرط وهي المسئلة الأخيرة من مسائل التسليم ووضعها هنا أنسب وجه قوله إنه يثبت بذلك قدرة المخاصمة في الجملة وهما يقولان المقصود من التكفيل بنفسه تحصيله في وقت يقدر فيه على مخاصمته وهذا لا يكون ظاهرا إلا في مصره لأن شهوده ظاهر فيه لا في غيره من الأمصار ولا يفيد التكفيل فائدته المقصودة به وقولهما أوجه وفي الفتاوى القاضي إذا أخذ كفيلا من المدعى عليه بنفسه فإن الكفيل إذا سلمه إلى القاضي أو إلى رسوله برئ وإن سلم إلى المدعي لا وهذا إذا لم يضف الكفالة إلى المدعي فإن أضاف بأن قال أكفل للمدعي فالجواب على العكس أما إن عين مجلس القاضي أو المسجد الجامع فالمذهب أنه إذا سلمه في السوق برئ لأن المقصود من الكفالة يحصل بذلك وهو قدرة المخاصمة وحين اختلف الزمان رأى المشايخ أنه لا يبرأبذلك لأن البراءة كانت باعتبار أنه يقدر على إيصاله إلى حضرة القاضي بمعاونة الناس وعبار الطريق الآن لا يقدرون أو لا يفعلون إن قدروا فكان التقييد مفيدا وقد روي عن أبي يوسف نصا وقال لأن الناس لا يعينونه للإحضار قيل ويجب أن يفتى بهذا ولو شرط تسلميه عند الأمير فسلمه عند القاضي أو عزل ذلك القاضي وولى غيره فدفعه عند الثاني جاز ذكره في الخلاصة ولو سلمه في برية أو سواد لا يبرأ اتفاقا
____________________
(7/169)
ولو سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب لا يبرألأنه لا يقدر على المحاكمة فيه وفي المنتقى رجل كفل بنفس محبوس ينبغي للقاضي ان يخرجه حتى يدفعه الكفيل إلى المكفول له ثم يعيده إلى السجن ومفهوم قوله وقد حبسه غير الطالب يدل عليه وفي العيون لو ضمن بنفس رجل وحبس المطلوب في السجن فأتى به الذي ضمنه إلى مجلس القاضي فدفعه إليه قال محمد لا يبرأ لأنه في السجن ولو ضمنه وهو في السجن يبرأ ولو خلى عن الحبس ثم حبس ثانيا فدفعه إليه وهو في الحبس إن كان الحبس الثاني من أمور التجارة ونحوها صح الدفع وإن كان في أمر من أمور السلطان لا يبرأ ولو حبس الطالب المطلوب ثم أخذ الطالب الكفيل فقال ادفعه إلي فدفعه وهو في الحبس قال محمد برئ بتسليمه إليه وهو في حبسه ومفهوم هذا القيد في قول المصنف وقد حبسه غير الطالب ولو قال المطلوب في السجن دفعت نفسي إليك عن كفالته كان جائزا أيضا وبرئ الكفيل وفي الواقعات رجل كفل بنفس رجل وهو محبوس فلم يقدر أن يأتي به الكفيل لا يحبس الكفيل لأنه عجز عن إحضاره قوله وإذا مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة لأنه عجز عن إحضاره ولأنه سقط الحضور عن الأصيل فيسقط الإحضار عن الكفيل وكذا إذا مات الكفيل يعني يبرأ لأنه لم يبق قادرا على تسليم المكفول بنفسه وماله لا يصلح لإيفاء هذا الواجب الذي هو إحضار النفس بخلاف الكفيل بالمال إذا مات فإنه يطالب بأداء ما كفل به لأن ماله يصلح للوفاء بذلك فيطالب به الوصي فإن لم يكن فالوارث لقيامه مقام الميت وترجع ورثة الكفيل على الأصيل أعني المكفول عنه إن كانت الكفالة بأمره كما في الحياة ولو كان الدين مؤجلا ومات الكفيل قبل الأجل يؤخذ من تركته حالا ولا ترجع ورثته على المكفول عنه إلا بعد حلول الأجل لأن الأجل باق في حق المكفول عنه لبقاء حاجته إليه وعن زفر لا يحل بموت الكفيل لأنه مؤجل على الكفيل أيضا أما لو مات المكفول له فلا تسقط الكفالة بالنفس كما لا تسقط بالمال لأن الكفيل موجود على
____________________
(7/170)
قدرته والوصي أو الوارث يقوم مقام الميت في المطالبة فيطالبه بذلك قوله ومن كفل بنفس آخر ولم يقل إذا دفعته إليك فأنا بريء فدفعه إليه فهو بريء لأنه أي دفع المطلوب هو موجب التصرف يعني الكفالة فلا يحتاج في ثبوته إلى التنصيص عليه كالملك موجب البيع فيثبت عنده من غير أن يشترط والتحقيق أن موجب الكفالة وجوب الدفع عند المطالبة وجوازه عند عدمها والبراءة موجب الدفع فكانت حكم متعلق موجب الكفالة فإذا وجد وجدت وقد وجد إذ قد فرض الدفع فتثبت من غير حاجة إلى اشتراطها وقوله كما في قضاء الدين يعني إذا سلم المديون الدين للدائن ولا مانع من القبض برئ وإن لم يقبضه كالغاصب إذا رد المغصوب على المالك يبرأ مع أنه جان فهاهنا أولى والبائع إذا سلم المبيع إلى المشتري قال الفقيه أبو الليث إنما ذكر هذا لدفع توهم أنه يلزم الكفيل تسليمه مرة بعد مرة إلى أن يستوفي حقه لأن الكفالة ما أريدت إلا للتوثق لاستيفاء الحق فما لم يستوفه يجب عليه تسليمه إلى أن يستوفيه فأزال هذا الوهم ببيان أن عقد الكفالة يوجب التسليم مرة لا بقيد التكرار قوله ولو سلم المكفول به نفسه من كفالته أي من كفالة الكفيل وذلك بأن يقول سلمت نفسي أو دفعت نفسي إليك من كفالة فلان صح عن كفالته فيبرأ الكفيل بذلك قال شمس الأئمة لا نعلم فيه خلافا قال المصنف لأنه أي المكفول مطالب بالخصومة وفي بعض النسخ مطالب بالحضور يعني إذا طالب الكفيل فكان
____________________
(7/171)
بتسليمه نفسه على هذا الوجه مسقطا ذلك عن نفسه إذا طالبه بمعجل الدين الذي عليه فلا يكون متبرعا كالمحيل إذا قضى الدين بنفسه يصح قبل الطالب أو لم يقبله وكذا إذا سلمه رسول الكفيل أو وكيله لقيامهما مقامه يعني إذا قال سلمت إليك نفسه عن الكفيل بخلاف ما إذا لم يقل ذلك بل سلم نفسه ولم يزد على ذلك أو سلمه الوكيل ولم يقل ما ذكرنا لا يبرأ الكفيل ولو سلمه أجنبي لا بأمر الكفيل عن الكفيل لا يبرأ الكفيل بذلك إلا ان يقبله الطالب فيبرأ الكفيل حينئذ بخلاف ما لو سكت الطالب فلم يقل شيئا لا يبرأ قوله فإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به إلى وقت كذا فهو ضامن لما عليه وهو ألف فلم يحضره إلى ذلك الوقت فهو ضامن للألف لأن الكفالة بالمال في هذا معلقة بشرط عدم الموافاة وهذا تعليق صحيح فإذا وجد الشرط لزمه المال ولا يبرأ عن الكفالة بالنفس لأن وجوب المال عليه بالكفالة المعلقة لا ينافي الكفالة بنفسه إذ كل منهما للتوثق ولعله يطالبه بحق آخر فهذان مطلبان أما الأول فخالف فيه الشافعي فقال لا تصح هذه الكفالة لأنه أي لأن تعليق الكفالة تعليق سبب وجوب المال بالخطر فأشبه البيع فكما يجوز تعليق البيع كأن يقول إذا دخلت الدار فقد بعتك
____________________
(7/172)
كذا بمائة فقبل الآخر لا يثبت البيع عند الدخول كذلك هذا ولنا أنه أي عقد الكفالة يشبه البيع في الانتهاء من حيث أن الكفيل بالأمر يرجع على المكفول عنه بما أدى فصار كالمعاوضة ويشبه النذر ابتداء من حيث أنه تبرع في الابتداء بالتزام المال فبالنظر إلى الشبه الأول فقط لا يصح تعليقه وبالنظر إلى الثاني فقط يجوز مطلقا فإن النذر يصح تعليقه مطلقا فعملنا بالشبهين فقلنا إن كان التعليق بشرط متعارف بين الناس أي تعارفوا تعليقها به صح عملا بشبه النذر وإن كان بغير متعارف كدخول الدار وهبوب الريح ونحوه لا يجوز عملا بشبه البيع والتعليق بعدم الموافاة متعارف ثم ذكر خصوص الكمية في صورة المسئلة وهي الألف اتفاقي في التصوير فإن الكفالة لا تتوقف صحتها على معلومية القدر المكفول به بل لا تضره جهالة المكفول به لو قال كفلت لك بمالك عليه صح ومهما ثبت بالبينة أنه عليه لزمه وأما الثاني فقد نقل عن الشافعي عدم صحة الكفالتين وهو على خلاف الصحيح عنه بل الكفالة بالنفس جائزة فإنما لا تصح الكفالة الثانية للتعليق وأما ثبوت صحتهما فللمقتضى وهو الكفالة بالنفس أولا ثم الكفالة بالمال ثانيا معلقة وقد وجد الشرط فصحت كفالتان متعددتا الموجب لأن موجب تلك تسليم النفس وموجب الأخرى تسليم المال وليس إسقاط أحدهما مسقطا للآخر لجواز أن يكون له مال آخر يدعي به غير المال الذي كفل به معلقا وليس في اللفظ ما يوجب أن التزام الكفالتين على البدل إلا لو كانت العبارة كفلت بنفسه على أني إن لم أواف به إلى كذا كنت كفيلا بما عليه بدل نفسه ولم يذكر كذلك بل اللفظ على ثبوت الكفالة بالنفس منجزا بقوله كفلت بنفسه وعلى تعليق كفالة أخرى بالمال بعدم الموافاة به وقد وجد الشرط فتثبت الكفالتان ولا يخفى حينئذ أنه لو كانت المعلقة بما له عليه بأن كفل بنفسه على أنه إن لم
____________________
(7/173)
يواف به إلى كذا فهو كفيل بكل مال عليه ينبغي أنه إذا ثبت له عليه مال فدفعه ثم اعترف بأنه لم يبق له قبله حق أن تبطل الكفالة بالنفس حينئذ ولو توارى المكفول له عند مجيء الوقت فلم يجده الكفيل ليدفعه إليه وخاف لزوم المال عليه يرفع أمره إلى القاضي لينصب وكيلا فيسلمه إليه وعلى هذا لو باع على أن المشتري بالخيار ثلاثة ايام فتوارى حتى كادت تمضي يرفع المشتري إلى القاضي لينصب وكيلا عن الغائب ويرد عليه قال الفقيه أبو الليث هذا خلاف قول أصحابنا وإنما روي في بعض الروايات عن ابي يوسف ولو فعله القاضي فهو حسن ذكره في الخلاصة وفيها كفيل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فالمال الذي للطالب على فلان رجل آخر وهو كذا على الكفيل جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف الأول وهنا ثلاث مسائل إحداها أن يكون الطالب والمطلوب واحدا في الكفالتين وأنه جائز استحسانا والثانية أن يكون الطالب مختلفا فيهما فتبطل الكفالة بالمال سواء كان المطلوب واحدا أو اثنين وإن كان الطالب واحدا والمطلوب اثنين اثنين فهو المختلف فيه ولو كفل بنفسه إلى غد فإن لم يواف به غدا في المجلس مثلا فعليه المال الذي عليه واشترط الكفيل على الطالب إن لم تواف غدا لتقبضه مني فأنا بريء منه فالتقيا بعد الغد فقال الكفيل قد وافيت وقال الطالب قد وافيت ولم تواف أنت لم يصدق واحد منهما فلو أقام المطلوب بينة على الموافاة برئ من الكفالتين وكلما كفل على أنه إن لم يواف به فعليه المال فادعى الكفيل أنه وافى به لا يصدق ولو كفل بنفسه وقال فإن غاب فلم أوافك به فأنا ضامن لما عليه فهذا على أن يوافيه بعد الغيبة قوله ومن كفل بنفس رجل وقال إن لم يواف به غدا فعليه المال فإن مات المكفول عنه يعني بعد الغد ضمن المال للمكفول له ويرجع على ورثة المكفول به إن كانت الكفالة بإذنه فإن قيل ينبغي أن لا يجب المال إذا مات المكفول به لأن شرط صحة هذه الكفالة بالمال بقاء الكفالة بالنفس وهي قد زالت بموت المكفول به على ما عرف وصار كما لو أبرأ المكفول له الكفيل عن الكفالة بالنفس قبل الموت اجيب بالفرق بأن الإبراء وضع لفسخ الكفالة فتفسخ من كل وجه بخلاف الانفساخ بالموت إنما هو ضرورة العجز عن التسليم المفيد فيقتصر إذ لا ضرورة إلى تعديها إلى الكفالة بالمال وأما جواب المحبوبي والمبسوط بأن تصحيحها بطريق التقديم والتأخير بأن يجعل كأنه كفل بالمال للحال ثم علق إبراءه بعدم الموافاة
____________________
(7/174)
فخروج عن الظاهر احتياطا لإيجاب المال لتحقق الشرط وهو عدم الموافاة ولم يذكر في أكثر نسخ الجامع الصغير لفظ الغد ولهذا لم يذكره فخر الإسلام والصدر الشهيد وقاضيخان فيثبت الفرق بين مسئلة الجامع والقدوري بأن هذه مطلقة وتلك مقيدة بالوقت فلذا ذكرها المصنف والوجه أن هذه تفيد فائدة أخرى وهي أن عدم الموافاة إذا كان لعجز الموت لا أثر له ويثبت عنده الضمان وإنما كان يتوهم أن العجز الموجب لعدم الموافاة يكون عن تقصير من الكفيل بخلاف موت المكفول عنه لأنه غلب عن ذلك بأمر سماوي لا حيلة له في دفعه ولا تقصير منه فيه وإلا فكون تلك مقيدة وهذه مطلقة لا يفيد عدم معرفة حكم هذه إذ قد عرف أن المدار وجود الشرط ولا فرق بين المقيد والمطلق فيه هذا إذا مات المكفول به فلو مات الكفيل قبل مجيء الوقت هل يجب المال دينا في تركته إذا مضى الوقت قال ظهير الدين في الأصل إشارة إلى أنه يجب فإنه قال إن وافى ورثة الكفيل بالمكفول به الطالب قبل انقضاء المدة لا يلزم الكفيل المال وإن أبى القبول يجبر عليه لأن لهم حقا في ذلك وهو أن لا يلزمهم المال عند انقضاء المدة قوله ومن ادعى على آخر الخ صورتها في الجامع محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل لزم رجلا وادعى عليه مائة دينار فبينها أو لم يبينها أو لزمه ولم يدع مائة دينار فقال له رجل
____________________
(7/175)
دعه وأنا كفيل بنفسه إلى غد فإن لم أوافك به غدا فعلي مائة دينار فرضي بذلك فلم يواف به غدا قال عليه المائة الدينار في الوجهين جميعا إذا ادعى ذلك صاحب الحق أنه له وهذا قول أبي يوسف وقال محمد إن ادعى ولم يبينها حتى كفل له بالمائة دينار أو ادعاها بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه وأراد بالوجهين ما إذا بينها اي ذكر أنها جيدة أو رديئة أو وسط أو نحو ذلك أو لم يذكر كذا قيل والأفيد أن يراد بالوجهين ما إذا ادعى المائة عينها أولا وما إذا لم يدع شيئا حتى كفل له ثم ادعى المقدار الذي سماه الكفيل لمحمد وجهان أحدهما أنه علق التزام مال مطلق بخطر هو عدم الموافاة إذا لم ينسب المائة إلى ما عليه وهو رشوة على أن يترك المطلوب في الحال فلا يصح التزام هذا المال أو كلامه يحتمل ذلك كما يحتمل ما يدعيه فلا يثبت ذلك بالشك وعلى هذا الوجه عول أبو منصور الماتريدي وهذا الوجه لا يمنع صحة الكفالة بالنفس الثاني أن الكفالة بالنفس باطلة لأن صحتها موقوفة على صحة الدعوى ولم تصح مع جهالة المدعى به من غير بيان فلم يجب إحضار النفس فلم تصح الكفالة بالنفس فلم تصح بالمال لأنه بناء عليه وإذا لم تصح الأولى لم تصح الثانية وعلى هذا الوجه عول الكرخي وهو مبطل للكفالتين قال المصنف ولهما أن المال ذكر معرفا فينصرف إلى ما عليه والعادة جرت بالإجمال في الدعاوي قبل الحضور إلى مجلس القاضي احتراز عن حيل الخصوم ثم يقع البيان فيه فتصح الدعوى على اعتبار البيان فإذا بين التحق البيان بأصل الدعوى فيتبين صحة الكفالة الأولى فيترتب عليها صحة الثانية ونحن قد أسمعناك عبارة الجامع الصغير والمال منكر فيه حيث قال فعلي مائة دينار وكذا ذكر غير واحد وكذا في المبسوط فالوجه أن يترك المقدمة الأولى ويقال إنه إذا ظهرت الدعوى بألف ظهر أنه أراد الألف التي سيدعيها حكامنا بأن الكفيل كان يدري خصوص دعواه تصحيحا لكلام العاقل ما أمكن فتصح الكفالة حين تقع على اعتبار بيان الدعوى بذلك القدر وحاصل هذا أنا لا نحكم حال صدورها بالفساد بل الأمر موقوف على ظهور الدعوى بذلك القدر فإذا ظهرت ظهر أنه إنما كفل بالألف المدعى به وفي الخلاصة قال إذا كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ألف درهم ولم يقل التي عليه فمضى غد ولم يواف به وفلان يقول لا شيء علي والطالب يدعي ألفا
____________________
(7/176)
والكفيل ينكر وجوبه على الأصيل فعلى الكفيل ألف درهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف الأول وفي قوله الآخر وهو قول محمد لا شيء عليه وهذا يقتضي ان الحاصل أن أبا حنيفة وحده ويستفاد بها أن الألف تجب على الكفيل بمجرد دعوى المكفول له وإن كان الكفيل ينكر وجوبه على الأصيل وسنذكر ما يظهر فيها قوله ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة رضي الله عنه قال المصنف معناه لا يجبر على إعطاء الكفيل عنده وقالا يجبر في حد القذف لأن فيه حق العبد ولهذا يشترط الدعوى وفي القصاص لأنه خالص حق العبد ليس كذلك بل الغالب فيه ذلك وفيه حق الله لإخلاء الأرض عن الفساد ومعنى الجبر ليس أنه يحبس حتى يعطي بل يلازمه ولا يدعه يدخل بيته إلا وهو معه أو يجلس معه خارج البيت أويعطي كفيلا بخلاف الحدود الخالصة حقا لله كحد الزنا والشرب لا تجوز الكفالة وإن طابت نفس المدعى عليه بإعطاء الكفيل بعد الشهادة أو قبلها لأن قبلها لا يستحق عليه حضور مجلس الحكم بسبب الدعوى لأنه لا يسمع دعوى أحد في الزنا والشرب فلم تقع الكفالة بالنفس لحق واجب على الأصيل وبعد إقامة البينة قبل التعديل أو شهادة واحد عدل يحبس وبه يحصل الاستيثاق فلا معنى للكفالة بخلاف ما فيه حق العبد فإن حضوره مجلس الحكم مستحق عليه بمجرد دعوى القذف والقتل حتى يجبره القاضي على الحضور ويحول بينه وبين أشغاله فتصح الكفالة بإحضاره وأورد عليه ينبغي أن لا يحبس بذلك لأن معنى الاستيثاق فيه أكثر أجيب بأن الحبس في هذا ليس للاحتياط لإثبات الحد بل لتهمة الإعارة والفساد تعزيرا وإذا لم يكفل به ماذا يصنع قال يلازمه إلى وقت قيام القاضي عن المجلس فإن أحضر البينة فيها وإلا خلى سبيله وروي عن أبي يوسف في الذي يجمع الخمر ويشربه ويترك الصلاة قال أحبسه وأؤدبه ثم أخرجه ومن يتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس فإني أحبسه وأخلده في السجن
____________________
(7/177)
إلى أن يتوب لأن شر هذا على الناس وشر الأول على نفسه ولأبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم لا كفالة في حد رواه البيهقي وقال تفرد به عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو من مشايخ بقية المجهولين ورواه ابن عدي في الكامل عن عمر الكلاعي وأعله به قال مجهول لا أعلم روى عنه غير بقية كما يروي عن سائر المجهولين ولأن مبنى الكل يعني الحدود الخالصة حقا لله تعالى والتي فيها حق العبد كالقصاص على الدرء فلا يجب فيها الاستيثاق بخلاف سائر الحقوق لأنها لا تندرئ بالشبهات فيليق بها الاستيثاق كما في التعزير حيث يجبر المطلوب على إعطاء الكفيل فيه بنفسه هذا ولو سمحت نفسه أي نفس المطلوب بإعطاء الكفيل بلا جبر يعني في حد القذف والقصاص جاز لأنه أمكن ترتيب موجبه عليه وهو تسليم النفس لأن تسليم النفس فيهما واجب فيطالب به الكفيل فيتحقق الضم ومقتضى هذا التعليل صحة الكفالة إذا سمح بها في الحدود الخالصة حقا لله لأن تسليم النفس واجب فيها لكن نص في الفوائد الخبازية والشاهية على أن ذلك في الحدود التي فيها للعباد حق كحد القذف لا غير كما ذكرناه من قريب ولأنه معارض بوجوب الدرء ولا يحبس في الحدود حتى يشهد شاهدان مستوران أو شاهد عدل يعرفه القاضي أنه عدل لنفي المجهول
____________________
(7/178)
لأن الحبس هنا للتهمة لا لاستيفاء الحد والتهمة تثبت بأحد شطري الشهادة إما العدد أو العدالة فإذا وقعت التهمة حبس بالنص وهو ما روى بهز بن حكيم عن ابيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا بالتهمة وقدمنا تخريجه والكلام فيه في الحدود بخلاف الأموال لأن الحبس أقصى عقوبة فيه أي في المال فإنه لو ثبت المال بالبينة العادلة وامتنع من الإيفاء يحبس فكان أقصى عقوبة فيها أما الحدود والقصاص فأقصى العقوبة فيها القتل والحبس نوع عقوبة فجاز أن يعاقب بالحبس قبل ثبوت الحد والقصاص وفي الصحاح والمغرب التهمة بالتحريك وأصل التائي فيه واو من وهمت الشيء أهمه وهما من باب ضرب أي وقع في خلدي والوهم ما يقع في القلب من الخاطر واتهمت فلانا بكذا والاسم التهمة بالتحريك اصله أوتهمت كما في اتكلت أصله اواتكلت بمعنى اعتمدت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت منها وأدغمت في تاء الافتعال قال المصنف وذكر في أدب القاضي أن على قولهما لا يحبس في الحدود والقصاص بشهادة الواحد لحصول الاستيثاق بالكفالة إذ هما يقولان بجواز الكفالة فيحصل بها المقصود فكان عنهما روايتان في رواية يحبس ولا يكفل وفي أخرى يكفل ولا يحبس لحصول المقصود بأحدهما ويجمع بينهما بأن المراد بالأولى يحبس إن لم يقدر على كفيل وبالثانية يكفل بلا حبس إن قدر على الكفيل ولا يخفى أن المراد بالحدود حد القذف والقصاص
____________________
(7/179)
قوله والرهن والكفالة جائزان في الخراج لأن الكفالة ضم في المطالبة بالدين والخراج دين مطالب به من جهة العباد حتى يحبس به ويلازم ويمنع من وجوب الزكاة فصحت الكفالة به والرهن لاستيفاء الدين منه والخراج يمكن استيفاؤه من الرهن فأمكن ترتيب موجب العقد أي كل من عقد الكفالة وهو مطالبة الكفيل وعقد الرهن وهو الاستيفاء للخراج من الرهن فصح كل من عقد الكفالة والرهن به وظهر بما قررناه أن قوله مطالب به ممكن الاستيفاء لف ونشر فالمطالبة ترجع إلى الكفالة والاستيفاء يرجع إلى الرهن وإنما نص على خصوص هذا الدين لدفع توهم أنه لا تجوز الكفالة به لأن الخراج في حكم الصلات ووجوبه لحق الشرع كالزكاة لكن لما كان ملزوما للوازم الدين كما ذكرنا صح العقدان المذكوران بخلاف دين الزكاة فإنه وإن كان مطالب من العباد وهو الإمام في الأموال الظاهرة والمالك في الباطنة لا تصح الكفالة به فإنه ليس حقيقة الدين لأن حاصله إيجاب تمليك طائفة من المال شكرا لله على نعمة الغنى ولذا لا يؤخذ من تركته جبرا للورثة عندنا ولم يخلص كونه له مطالب من العباد عن شبهة عدم ذلك فإن المالك للعين يتحقق مطالبا من جهة العباد حقيقة بل حقيقة ذلك أن يكون غير المالك مطالبا للمالك فالمالك مطالب بفتح اللام ليس غير ومطالبة الإمام ليس لإيصال المستحقين إلى أملاكهم بل إلى ما يستحقون لا بطريق الملك بخلاف سائر الديون فإنها مملوكات قوله ومن أخذ من رجل كفيلا بنفسه ثم ذهب فأخذ منه كفيلا آخر بنفسه جاز وهما كفيلان بالنفس لأن موجبه التزام
____________________
(7/180)
المطالبة وجاز تعدد الملتزمين بها لزيادة التوثق ثم إذا أسلم أحدهما نفس المكفول به لا يبرأ الآخر بالإجماع بخلاف الكفالة بالمال إن كفلوا معا طولب كل بما يخصه أو على التعاقب جازت مطالبة كل واحد بالكل مثلا كفل ثلاثة معا بألف لا يطالب أحدهم إلا بثلثها ولو كفلوا بها على التعاقب طولب كل واحد بالألف وأيهم قضى سقطت عن الباقين قوله وأما الكفالة بالمال هو عديل قوله أول الباب الكفالة ضربان كفالة بالنفس وكفالة بالمال من حيث المعنى فإن المعادلة الصريحة لو قال أما الكفالة بالنفس وهو إنما قال فالكفالة بالنفس الخ والكفالة بالمال عندنا جائزة وإن كان المال المكفول به مجهول المقدار وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم وقال في الجديد هو وابن أبي ليلى والليث وابن المنذر لا تجوز بالمجهول لأنه التزام مال مجهول فلا يجوز فلا بد من تعيينه لوقوع المماكسات في مبادلة المال بالمال والكفالة عقد تبرع كالنذر لا يقصد به سوى ثواب الله أو رفع الضيق عن الحبيب فلا يبالى بما التزم في ذلك ويدل على ذلك إقدامه بلا تعيينه للمقدار حين قال ما كان عليه فعلي فكان مبناها التوسع فتحملت فيها الجهالة ومن آثار التوسع فيها جواز الكفالة بشرط الخيار عشرة أيام بخلاف البيع وما نوقض به من أنه لو قال أنا ضامن لك ببعض مالك على فلان فإنه لا يصح ممنوع بل يصح عندنا والخيار للضامن ويلزم أن يبين أي مقدار شاء وعلى ضمان الدرك إجماع وضمان الدرك أن يقول للمشتري أنا ضامن للثمن إن استحق المبيع أحد مع جواز أن يظهر استحقاق بعضه أو كله وقد نقل
____________________
(7/181)
نص الشافعي رضي الله عنه على جواز ضمان الدرك وأما الاستدلال بقوله تعالى { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله تعالى ولم يعقبه بإنكار فيمكن أن يدعي أن حمل البعير كان مقدارا معينا كما يتعارف في زماننا أن الحمل الصادر خمسمائة رطل فلا يتم الاستدلال به وصار كما لو كفل بشجة أي خطأ فإن العمد على تقدير السراية يجب القصاص إذا كانت بآلة جارحة ولا كفالة بالقصاص وإذا كانت خطأ ففي الكفالة بها جهالة المكفول به فإنها إن سرت إلى النفس وجب دية النفس وإلا فأرش الشجة ومع ذلك صح وقدمنا أن المراد من الدين الصحيح مالا يكون بدل الكتابة فإنه ليس بدين صحيح لأن العبد متمكن من إسقاط هذا الدين بنفسه بأن يعجز نفسه ولأنه للسيد على عبده ولا دين يثبت للسيد على عبده وكذا يحترز به عن دين الزكاة فإنه دين حتى يمنع وجوب الزكاة لكنه ليس حقيقة الدين من كل وجه لما ذكرنا والدرك التبعة وفيه فتح الراء وسكونها ثم المكفول له بالخيار إن شاء طالب الذي عليه الدين وإن شاء طالب الكفيل وهو قول أكثر أهل العلم وعن مالك لا يطالب الكفيل إلا إذا تعذرت مطالبة الأصيل وله مطالبتهما جميعا لأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة وذلك يسوغ مطالبتهما أو مطالبة أيهما شاء إلا إذا شرط في الكفالة براءة الأصيل فحيئنذ لا يطالب الأصيل بناء على أنها حينئذ حوالة عقدت بلفظ الكفالة تجوز بها فيها فتجري حينئذ أحكام الحوالة كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ الأصيل تنعقد كفالة اعتبارا للمعنى فيهما بخلاف المالك المغصوب منه إذا اختار تضمين
____________________
(7/182)
أحد الغاصبين يعني الغاصب وغاصب الغاصب إذا قضى القاضي عليه بذلك ليس له أن يضمن الآخر لأن اختياره تضمين أحدهما أي إن قضى القاضي عليه يتضمن التمليك منه فيبرأ الآخر بالضرورة بخلاف المطالبة عن الكفالة لا تقتضي التمليك ولو قضى عليه مالم توجد حقيقة الاستيفاء قوله ويجوز تعليق الكفالة بالشروط مثل أن يقول ما بايعت فلانا فعلي وما ذاب لك عليه أي ما وجب وثبت فعلي من ذوب الشحم لأن المعنى إن بايعته فعلى درك ذلك البيع وإن ذاب لك عليه شيء فعلي وكذا ما غصبك فعلي وإذا صحت فعليه ما يجب بالمبايعة الأولى فلو بايعه مرة بعد مرة لا يلزمه ثمن المبايعة الثانية ذكره في المجرد عن أبي حنيفة نصا وفي نوادر أبي يوسف برواية ابن سماعة يلزمه كله ولو رجع الكفيل عن هذا الضمان ونهاه عن المبايعة صح حتى لو بايع بعد ذلك لم يلزم الكفيل شيء وقيد بقوله فلانا ليصير المكفول عنه معلوما فإن جهالة المكفول عنه تمنع صحة الكفالة كجهالة المكفول في الإضافة ولو قال ما بايعت من الناس فعلي ضمانه فهو باطل لتفاحش الجهالة بجهالة المكفول عنه وبه بخلاف انفراد جهالة المكفول به فإنها حينئذ قليلة تتحمل والحاصل أن جهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة مطلقا وجهالة المكفول به لا تمنعها مطلقا وجهالة المكفول عنه في التعليق والإضافة تمنع صحة الكفالة وفي التنجيز لا تمنع مثال ذلك لو قال ما ذاب لك على أحد من الناس أو ما بايعت أحدا فهو علي لا تصح لجهالة المضمون عنه في الإضافة وكذا لو قال ما ذاب لأحد عليك فهو علي لا تصح لجهالة المكفول له ولو قال ما غصبك فلان أو سرقك فعلي جاز لانتفائهما ومن المثل ما غصبك أهل هذه الدار فأنا له ضامن لا تصح الكفالة كأنه قال ما يجب لك على واحد من الناس فعلي وفيه لا تصح لجهالة المكفول عنه ومن بايع فلانا اليوم من بيع فعلي لا يلزم الكفيل شيء لجهالة المكفول له لأنه ضمن الواحد من الناس بخلاف ما لو قال لجماعة حاضرين ما بايعتموه فعلي يصح فأيهم بايعه لزم الكفيل لأنه ضمن لمعينين وحينئذ يجب كون أهل الدار في المسئلة التي قبلها ليسوا معينين معلومين عند المتخاطبين وإلا فلا فرق ومنه ما لو قال لرجلين كفلت لهذا بماله
____________________
(7/183)
على فلان وهو ألف أو لهذا بماله عليه فهو باطل لجهالة المكفول له ولو قال لرجل كفلت بمالك على فلان أو مالك على فلان رجل آخر جاز لأنها جهالة للمكفول عنه في غير تعليق ويكون الخيار للكفيل فيحتاج إلى فرقين فرق بين المكفول له وعنه في التنجيز حيث يصح مع جهالة المكفول عنه دون المكفول له وفرق بين المكفول عنه في التنجيز والإضافة حيث يصح في التنجيز دون الإضافة أما الأول فما ذكر في الذخيرة أن الكفالة في حق الطالب بمنزلة البيع والمكفول له كالبائع لأنه تملك ما في ذمة المكفول عنه من الكفيل فلا بد من التعيين و لا يصح بدون قبول المشتري وقبوله يستلزم تعيينه فكانت جهالة الطالب مانعة جوازها كجهالة المشتري مانعة للبيع والكفالة في حق المطلوب بمنزلة الطلاق والعتاق حيث صح من غير قبوله وأمره فلا تمنع جهالته جوازها كما لا تمنع جهالة المعتق جواز العتق وأما الفرق بين جهالة المكفول عنه في الإرسال والتعليق أن القياس يأبى جواز إضافة الكفالة لأنها تمليك في حق الطالب وإنما جوز استحسانا للتعامل والتعامل فيما إذا كان المكفول عنه معلوما فإذا كان مجهولا يبقى على القياس وحاصل هذا أن المبطل هو الإضافة لا جهالة المكفول عنه إذا عرف هذا جئنا إلى مسئلة الكتاب فاستدل المصنف وأكثر الأصحاب بقوله تعالى { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } ونقل عن أبي بكر الجصاص تضعيف الاستدلال به لجواز أن يكون لبيان العمالة لا الكفالة وكذا قال أصحاب الشافعي لأن هذا القائل ضامن عن نفسه وهذا حال المستأجر لأنه ضامن للأجرة عن نفسه بحكم الإجارة لا الكفالة وضمان العمالة على هذا الوجه جائز كمن أبق عبده فقال من جاء به فله كذا والدليل على أنه ليس من باب الكفالة بل هو من العمالة أن المكفول له في الآية مجهول ولا كفالة مع جهالته إلا في مسئلة واحدة ستأتي وعامة المشايخ قالوا الاستدلال به صحيح فإن الزعيم حقيقة الكفيل والمؤذن إنما نادى العير عن غيره وهو الملك فإن المعنى الملك يقول لكم لمن جاء به حمل بعير لأنه إنما نادى بأمره ثم كفل عن الملك بالجعل المذكور لا عن نفسه إلا أن فيه جهالة المكفول له فقد اشتملت على أمرين جواز الكفالة مع جهالة المكفول له وجوازها مضافة وقد علم انتساخ الأول بدلالة الإجماع على منعها مع جهالة المكفول له وهو لا يستلزم نسخ الآخر كما قلنا بجواز الكفالة عن الميت المفلس وبطلانها مع جهالة المكفول له وغيبته لحديث أبي قتادة في قصة الميت المديون بدرهمين فقال علي هما علي فصلى عليه الصلاة والسلام عليه فدل على جواز الأمرين ثم قام الدليل على انتساخ أحدهما وهو جوازها مع غيبة المكفول له ولم يقم على الآخر وهو الكفالة عن الميت المفلس ولو لم يتم هذا كفى ما تقدم من المعنى فيها ومن الإجماع على صحة ضمان الدرك ولما كان إضافة الكفالة على خلاف القياس لما ذكرنا من شبهه بالبيع إلى آخر ما تقدم اقتصر على ما يناسب مورد النص وهو أن يكون شرطا ملائما وملاءمة الشرط بأحد ثلاثة أمور أحدها أن يكون سببا للزوم الحق وهو الذي عبر عنه المصنف بأن يكون شرطا لوجوب الحق كقوله إذا استحق المبيع فإن استحقاقه سبب لوجوب الثمن على البائع للمشتري ومن هذا القبيل ما في الآية فإن الكفالة بالجعل معلقة بسبب وجوبه وهو المجيء بصاع الملك فإنه سبب وجوب الجعل الثاني أن يكون شرطا لإمكان الإستيفاء مثل قوله إذا قدم فلان وهو مكفول عنه فإن قدومه سبب موصل للاستيفاء منه الثالث أن يكون
____________________
(7/184)
سببا لتعذر الاستيفاء مثل إن غاب عن البلد أو هرب أو مات ولم يدع شيئا ومن الصور المروية عن محمد رحمه الله تعالى ضمنت مالك على فلان إن توى وإن حل مالك عليه ولم يوافك به وفي الخلاصة نقلا عن الأصل قال للمودع إن أتلف المودع وديعتك أو جحدك فأنا ضامن لك ضح وكذا إذا قال إن قتلك ابنك فلان خطأ فأنا ضامن للدية صح بخلاف إن أكلك سبع ونحوه مما ليس ملائما كإن دخلت الدار أو قدم فلان وهو غير مكفول عنه أو هبت الريح أو جاء المطر لا يصح هذا التعليق وكذا إذا جعل واحد منهما أجلا يعني من هبوب الريح ومجيء المطر كأن يقول كفلت به أو بمالك عليه إلى أن تهب الريح إو إلى أن يجيء المطر لا يصح إلا أن الكفالة تثبت حالة ويبطل الأجل بخلاف ما لو علقها بهما نحو إذا هبت الريح فقد كفلت لك بمالك عليه فإن الكفالة باطلة أصلا ولو جعل الأجل الحصاد أو الدياس أو المهرجان أو العطاء أو صوم النصارى جازت الكفالة والتأجيل فالحاصل أن الشرط الغير الملائم لا تصح معه الكفالة أصلا ومع الأجل الغير الملائم تصح حالة ويبطل الأجل لكن تعليل المصنف لهذا بقوله لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة كالطلاق والعتاق
____________________
(7/185)
يقتضي أن في التعليق بغير الملائم تصح الكفالة حالة وإنما يبطل الشرط والمصرح به في المبسوط وفتاوى قاضيخان أن الكفالة باطلة فتصحيحه أن يحمل لفظ تعليقها على معنى تأجيلها بجامع أن في كل منهما عدم ثبوت الحكم في الحال وقلد المصنف في هذا الاستعمال لفظ المبسوط فإنه ذكر التعليق وأراد التأجيل هذا وظاهر شرح الإتقاني المشي على ظاهر اللفظ فإنه قال فيه الشرط إذا كان ملائما جاز تعليق الكفالة به ومثل بقوله إذا استحق المبيع فأنا ضامن إلى أن قال وإن كان بخلاف ذلك كهبوب الريح ومجيء المطر لا يصح التعليق ويبطل الشرط ولكن تنعقد الكفالة ويجب المال لأن كل ما جاز تعليقه بالشرط لا يفسد بالشروط الفاسدة أصله الطلاق والعتاق وفي الخلاصة كفل بمال على أن يجعل له الطالب جعلا فإن لم يكن مشروطا في الكفالة فالشرط باطل وإن كان مشروطا فيها فالكفالة باطلة انتهى وهذا يفيد أنها تبطل بالشروط الفاسدة إن كانت في صلبها قوله فإن قال تكفلت بمالك عليه هذا شروع في بيان خصوص وقت الوجوب على الكفيل وهذا على اختلاف الألفاظ التي تقع بها الكفالة فمن ذلك ما ذكر من قوله تكفلت بما لك عليه فلا يجب على الكفيل شيء إلا أن تقوم البينة بمقدار ألف أو غيرها لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيتحقق بها ما عليه فوجب عليه ولو لم تقم بينة
____________________
(7/186)
فالقول قول الكفيل في مقدار ما على المكفول عنه مع يمينه فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك لم يصدق على كفيله لأنه إقرار على الغير ولا ولاية له عليه ويصدق المكفول عنه في حق نفسه بما أقر به على نفسه لولايته عليها بخلاف قوله ما ذاب لك على فلان فهو علي أو ما ثبت فأقر المطلوب بمال لزم الكفيل لأن الثبوت حصل بقوله وكذلك ذاب فإنه بمعنى حصل وقد حصل بإقراره بخلاف الكفالة بما لك عليه فإنها بالدين القائم في الحال وما ذاب ونحوه الكفالة بما سيجب والوجوب يثبت بإقراره بخلاف ما قضى عليه لك لا يلزم إلا أن يقضي القاضي ومثل مالك ما أقر لك به أمس فلو قال المطلوب أقررت له بألف أمس لم يلزم الكفيل لأنه قبل مالا واجبا عليه لا مالا يجب عليه في الحال ولم يثبت أنه واجب عليه فإن قال ما أقر به فأقر في الحال يلزمه ولو قامت بينة أنه أقر له قبل الكفالة بالمال لم يلزمه لأنه لم يقل ما كان أقر لك ولو أبى المطلوب اليمين فألزمه القاضي لم يلزم الكفيل لأن النكول ليس بإقرار بل بذل وفي الخلاصة رجل قال ما أقر فلان به فهو علي فمات الكفيل ثم أقر فلان فالمال لازم في تركة الضامن وكذا ضمان الدرك وفيها رجل قال لآخر بايع فلانا فما بايعته من شيء فهو علي صح فإن قال الطالب بعته متاعا بألف وقبضه مني وأقر به المطلوب وجحد الكفيل يؤخذ الكفيل به استحسانا بلا بينة ولو جحد الكفيل والمكفول عنه البيع وأقام الطالب البينة على أحدهما أنه باعه وسلمه لزمهما ولو قال إن لم يعطك فلان مالك عليه فأنا ضامن بذلك لا سبيل فيه عليه حتى يتقاضاه فيقول لا أعطيك ولو مات المطلوب قبل أن يتقاضاه لزم الضمان أيضا ولو لم يمت لكنه قال أنا أعطيك إن أعطاه مكانه أو ذهب إلى السوق فأعطاه أوقال اذهب إلى المنزل حتى أعطيك مالك فأعطاه فهو جائز فإن قال ذلك ولم يعطه من يومه لزم الكفيل ولو قال إن تقاضيت فلانا مالك عليه ولم يعطك فأنا لمالك عليه ضامن فمات المطلوب قبل أن يتقاضاه بطل الضمان ولو قال إن عجز غريمك عن الأداء فهو علي فالعجز يظهر بالحبس إن حبسه ولم يؤد لزم الكفيل وفي فتاوى النسفي رجل كفل لرجل عن رجل بمال على أن يكفل عنه فلان بكذا من المال فلم يكفل فلان فالكفالة لازمة وليس له خيار في ترك الكفالة وفي مجموع النوازل جماعة طمع الوالي أن يأخذ منهم شيئا بغير حق فاختفى بعضهم وظفر الوالي ببعضهم فقال المختفون الذين وجدهم الوالي لا تطلعوهم علينا وما أصابكم فهو علينا بالحصص فلو أخذ الوالي منهم شيئا فلهم الرجوع قال هذا مستقيم على قول من يقول
____________________
(7/187)
بجواز ضمان الجباية وعلى قول عامة المشايخ لا يصح ولو كفل بما له على أن يعطيه من وديعة المكفول عنه التي عنده جاز إذا أمره بذلك وليس له أن يسترد الوديعة منه فإن هلكت برئ الكفيل والقول قول الكفيل أنها هلكت فلو غصبها رب الوديعة أو غيره أو استهلكها برئ الكفيل والحوالة على هذا ولو ضمن بألف على أن يعطيه إياه من ثمن هذه الدار فلم يبعها لم يكن على الكفيل ضمان ولا يلزمه بيع الدار قوله وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره لإطلاق ما روينا وهو قوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم فإنه أعم من كونه بإذن وبلا إذن ولأنه أي عقد الكفالة التزام المطالبة وهو أي هذا الاالتزام تصرف في حق نفسه وفيه نفع للطالب بلا ضرر على المطلوب لأن ضرره بثبوت الرجوع ولا رجوع عليه لأنه أي الرجوع عند أمره وعند أمره يكون قد رضي به فإن كفل بأمره رجع بما أدى لأنه قضى دينه بأمره مقيد بأمرين أحدهما أن يكون المطلوب ممن يصح منه الأمر فلو كان صبيا أو محجورا وأمر من يكفل فلا رجوع له عليه ولو كان عبدا محجورا فإنما يرجع عليه بعد عتقه فلو كان الصبي مأذونا صح أمره ويرجع الكفيل عليه لصحة أمره بسبب الإذن ثانيهما أن يشتمل كلامه على لفظة عني كأن يقول اكفل عني اضمن عني لفلان أو على قوله وأنا ضامن ونحوه فلو قال اضمن الألف التي لفلان علي لم يرجع عليه عند الأداء لأن الكائن مجرد الأمر بالضمان والإعطاء فجاز أن يكون القصد ليرجع وأن يكون القصد طلب تبرعه بذلك فلم يلزم المال وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بدليل ما في إشارات الأسرار إذا قال لرجل اضمن لفلان الف درهم أو اقضه ألف درهم ففعل لم يرجع على الآمر إلا
____________________
(7/188)
إذا كان خليطا أو شريكا وقال أبو يوسف يرجع لأنه وجد القضاء بناء على الأمر فلا بد من اعتبار الأمر فيه وأن يكون كذلك إلا إذا كان قضاء من جهة الذي أمر فصار كما لو قال اقض عني ويتضمن ذلك استقراضا منه ومتى قلنا لا يقع عن الذي أمر لغا الأمر لأنه يصير قاضيا عن نفسه فيصير وجود الأمر وعدمه سواء أما الخليط فيرجع فيه بالإجماع والخليط هو الذي يعتاد الرجل مداينته والأخذ منه ووضع الدراهم عنده والاستجرار منه وأورد مطالبة بالفرق بين الأمر في الكفالة وبين ما إذا قال أد عني زكاة مالي أو أطعم عني عشرة مساكين فأدى عنه لا يرجع على الآمر مالم يشرط الضمان فيقول على أني ضامن فلم يكتف بمجرد الأمر في الرجوع وإن ذكر فيه لفظة عني بل حتى يشترط الضمان وفي الكفالة اكتفي به وأجاب في الذخيرة ومبسوط شيخ الإسلام بأن الآمر طلب التمليك من المأمور في الفصول كلها لأنه أمره أن يؤدي عنه ويقضي عنه وأن يكون قاضيا عنه إلا بعد أن يصير المقضي به ملكا للآمر إلا أن الملك للآمر إنما يثبت في ضمن ملك القابض فيثبت على وقفه فمتى ثبت للقابض ملك مضمون بالمثل يثبت للآمر مثل ذلك وإلا فلا وفي قضاء الدين إنما يثبت للقابض ملك مضمون بالمثل لأنه إنما تملكه بالمثل وهو الدين السابق له حتى لو ظهر أن لا دين عليه يسترد منه المقبوض فيثبت للآمر ملك مضمون بالمثل وليس ذلك إلا القرض وفي باب الزكاة والكفارة يثبت للقابض ملك غير مضمون بالمثل حتى لو ظهر أن لا زكاة عليه لا يسترد من الفقير ما قبض فيثبت للآمر ملك مثل ذلك فلا ضمان عليه إلا بالشرط والحاصل أن الأمر في الكفالة تضمن طلب القرض إذا ذكر لفظة عني وفي قضاء الزكاة والكفارة طلب اتهاب ولو ذكر لفظة عني لما ذكرنا أن الملك إنما يثبت للمكفول عنه على الوجه الذي ثبت للقابض وقوله وإن كفل بغير أمره لم يرجع هو قول الشافعي ورواية عن أحمد وقول مالك ورواية عن أحمد يرجع كالوكيل بأمره لأن الطالب بالاستيفاء منه كالمملك لما على المطلوب من الكفيل أو كالمقيم له مقام نفسه في استيفاء المال من الأصيل وقلنا تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز وحيث تساهلنا في شيء من ذلك فإنما معناه التشبيه أي هو كالمملك وفي الكفالة بالأمر يجب المال للكفيل على الأصيل حكما للكفالة كما وجب للطالب بها على الكفيل لكن يتأخر إلى أدائه وهذا لا يكون في كفالته بلا أمره لأنه متبرع ولا يمكن إثبات المال في ذمة المطلوب بلا رضاه ولذلك لا يرجع وقوله رجع بما أدى معناه إذا أدى ما ضمنه أما إذا أدى خلافه فإنما يرجع بما ضمن حتى لو كان الدين زيوفا فأدى عنها جيادا فإنما يرجع بالزيوف أو كان الدين جيادا فأدى عنها
____________________
(7/189)
زيوفا وتجوز الطالب بها فيرجع بالجياد بخلاف المأمور بأداء الدين فإنه يرجع بما أدى فلو كان الدين جيادا فأدى زيوفا يرجع بالزيوف ولو كان زيوفا فأدى جيادا رجع بالزيوف أيضا لأن رجوعه بحكم الأمر ولم تدخل صفة الجودة فيما إذا كان الدين زيوفا تحت الأمر أما الكفيل فإنما يرجع بحكم الكفالة وحكمها أنه يملك الدين بالأداء فيصير كالطالب نفسه فيرجع بنفس الدين فصار كما إذا ملك الكفيل الدين بالإرث بأن مات الطالب والكفيل وارثه فإن ماله عينه وكذا إذا وهب الطالب الدين للكفيل أو تصدق به عليه فإنه يملكه ويطالب به المكفول بعينه فإن قيل ينبغي أن لا تصح هبة الدين من الكفيل لأن هبة الدين إنما تصح ممن عليه الدين وليس الدين على الكفيل على المختار وبهذه المسئلة استدل من قال إن الكفالة ضم في الدين أجيب بأن هبة الدين من غير من عليه الدين إنما لا تجوز إذا لم يأذن للغير في قبضه فأما إذا وهب الدين من آخر وأذن له في قبضه جاز استحسانا وهنا لما أدى الدين فقد سلطه الطالب على قبضه من المطلوب كذا قيل والوجه أن يقال بعقد الكفالة سلطه على قبضه عند الأداء وإنما اخترنا هذه العبارة لأن بقبض الطالب من الكفيل سقطت ولايته عن الدين الذي على المطلوب إذ صار ملكا له شرعا جبرا من غير اختيار من الطالب فلا يملك التسليط على ما ليس في ملكه والأوجه إما اعتبار الدين في ذمة الكفيل كما هو في ذمة الأصيل ويسقط عنهما بأداء أحدهما كما هو أحد القولين أو اعتباره كذلك عند الهبة تصحيحا للتصرف وإذا وهب الكفيل الدين لا بد من قبوله بخلاف ما إذا أبرأه لأن الواجب عليه المطالبة وبالإبراء تسقط فلا يحتاج إلى القبول ولا يرتد بالرد وقوله وكما إذا ملك المحتال عليه الدين بالأداء إلى المحتال بأن أحال المديون رجلا على رجل ليس له عليه دين فقبل الحوالة وأدى فإنه يملك الدين
____________________
(7/190)
الذي على المحيل فيرجع به لا بما أدى حتى لو أدى عروضا أو دراهم عن الدنانير لا يرجع إلا بالدين كالكفيل وكذا لو وهب المحتال الدين للمحال عليه أو تصدق به عليه أوورثه المحتال عليه من المحتال وقوله كما ذكرنا في الحوالة أي حوالة كفاية المنتهي بخلاف المأمور بأداء الدين فإنه يرجع بما أدى لأنه لم يملك الدين بالأداء فإنما يرجع بما أدى كما ذكرناه قريبا وبخلاف ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف المكفول بها على خمسمائة حيث يرجع بما أدى وهو الخمسمائة لا بما ضمن وهو الألف لأنه إسقاط أو هو إبراء عن بعض الدين فيسقط البعض ولا ينتقل إلى الكفيل وقوله فصار كما لو أبرأ الكفيل يعني عن خمسمائة وأخذ منه خمسمائة لا يرجع الكفيل على المكفول عنه إلا بخمسمائة فكذلك إذا صالح على خمسمائة عن الألف لا يرجع إلا بخمسمائة أو المعنى إذا ابرأ الكفيل عن كل الدين لا يرجع بشيء فكذلك عن بعضه لا يرجع بخلاف ذلك البعض اعتبارا للبعض بالكل قوله وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدى عنه لأنه أي الكفيل لا يملكه قبل الأداء بخلاف الوكيل بالشراء حيث له أن يرجع على الموكل بالثمن قبل أن يؤديه لأنه انعقد بينهما مبادلة حكمية
____________________
(7/191)
فإن الموكل لا يستفيد الملك إلا من قبل الوكيل فكان الوكيل كالبائع ولذا كان له حبس المشتري قبل قبض الثمن وللبائع المطالبة بالثمن قبل تسليم المبيع فكذا الوكيل فإن لوزم الكفيل بالمال فله أن يلازم المكفول عنه إذا كانت الكفالة توجب الرجوع حتى يخلصه وكذا إذا حبس كان له أن يحبسه خلافا للشافعي في الأظهر قال لأنه لا دين له عليه إذ الدين لا ينتقل إليه إلا بالأداء ولم يؤد بعد وقلنا ملازمته وحبسه معه كما جاز أن يكون للدين جاز أن يكون لأنه الذي أدخله في ذلك فعليه خلاصه وإلا فيعامله بمثل ما عامله به قوله وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه حقه برئ الكفيل لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل بالإجماع لأن الدين عليه أي على الأصيل في الصحيح خلافا لمن ذكر أن الدين في ذمة الكفيل كذا قيل وليس لهذا الخلاف أثر هنا بل القائل إن الدين في ذمة الكفيل والقائل بأنه ليس إلا في ذمة الأصيل قائل بأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل لأن ضمان الكفيل بشرط بقاء ضمان الأصيل ويشترط قبول الأصيل أو موته قبل القبول والرد فإن ذلك يقوم مقام القبول ولو رده ارتد ودين الطالب على حاله واختلف المشايخ أن الدين هل يعود إلى الكفيل أم لا فبعضهم يعود وبعضهم لا بخلاف الكفيل فإنه إذا أبرأه صح قبل أو لم يقبل ولا يرجع على الأصيل لما ذكرنا قريبا ولو كان إبراء الأصيل أو هبته أو التصدق عليه بعد موته فعند أبي يوسف القبول والرد للورثة فإن قبلوا صح وإن ردوا ارتد
____________________
(7/192)
وقال محمد لا يرتد بردهم كما لو أبرأهم في حال حياته ثم مات وهذا يختص بالإبراء وإن أبرأ الكفيل لم يبرإ المكفول عنه لأن عليه أي على الكفيل المطالبة دون الدين وبقاء الدين بدونه أي بدون المطالبة على تأويل الطلب جائز فلم يلزم من عدم المطالبة عدم الدين على الأصيل فلا يبرأ الأصيل بإبرائه وكذا إذا أخر عن الأصيل فهو تأخير عن كفيله ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الأصيل لأن التأخير إبراء موقت فيعتبر بالإبراء المؤبد فإن قيل الإبراء المؤبد لا يرتد برد الكفيل والموقت يرتد برده وبرد الأصيل يرتدان كلاهما والجواب أن الفرق بينهما في حكم لا يستلزم الفرق بينهما في كل حكم وسبب الافتراق في ذلك الحكم وهو الارتداد بالرد وعليه ما ذكر في الذخيرة أن الإبراء المؤبد إسقاط محض في حق الكفيل ليس فيه تمليك مال لما ذكرنا أن الواجب بالكفالة مجرد المطالبة والإسقاط المحض لا يحتمل الرد لتلاشي الساقط كإسقاط الخيار وأما الإبراء المؤقت فهو تأخير مطالبة وليس بإسقاط ألا ترى أن المطالبة تعود بعد الأجل والتأخير قابل للإبطال بخلاف الإسقاط المحض فإذا عرف هذا فما لم يقبل الكفيل التأخير أو الأصيل فالمال حال يطالبان به للحال وهذا بخلاف مالو كفل بالمال أي بالدين الحال مؤجلا إلى شهر مثلا فإنه يتأجل عن الأصيل إلى شهر لأنه أي المكفول له لاحق له حال الكفالة إلا في الدين فليس إذ ذاك حتى يقبل التأجيل سواه فكان الأجل الذي يشترطه الكفيل داخلا فيه فبالضرورة يتأجل عن الأصيل أما هاهنا وهو ما إذا كانت الكفالة ثابتة قبل التأجيل فبخلافه لأنها تقرر
____________________
(7/193)
حكمها قبل التأجيل أنه جواز المطالبة ثم طرأ التأجيل عن الكفيل فينصرف إلى ما تقرر عليه بالكفالة وهو جواز المطالبة قوله فإن صالح الكفيل رب المال عن الألف على خمسمائة إن شرط براءتهما جميعا عن الخمسمائة أو شرط براءة المطلوب برئا جميعا وإن شرط براءة الكفيل وحده برئ الكفيل عن خمسمائة والألف بتمامها على الأصيل فيرجع الكفيل بخمسمائة إن كان بأمره والطالب بخمسمائة بخلاف ما لو صالحه على خمسمائة على أن يهب له الباقي حيث يرجع الكفيل بألف وإن لم يشرطا براءة واحد منهما بأن لم يزد على قوله صالحتك عن الألف على خمسمائة وهي مسئلة الكتاب برئا جميعا عن خمسمائة لأنه أي الكفيل أضاف الصلح إلى الألف الدين وهو أي الدين على الأصيل فيبرأ الأصيل من خمسمائة ومن ضرورته أن يبرأ الكفيل منها على ما ذكرنا ويرجع الكفيل على الأصيل بالخمسمائة التي أوفاها ولا خلاف في هذا بخلاف ما لو صالح بجنس آخر لأنه أي الصلح بجنس آخر مبادلة فيملكه أي الدين فيرجع بجميع الألف وعند الأئمة الثلاثة يرجع بالأقل من الدين ومن قيمة السلعة التي صالح بها لأنه أوفى هذا القدر ولا يجعل الصلح بجنسه مبادلة لأن الخمسمائة لا تجعل عوضا عن الألف لما فيه من الربا ولا يمكن تمليكها من الكفيل لأن تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز ولا يمكن أن تجعل واجبة في ذمة الكفيل تصحيحا للصلح مع الكفيل حتى تصير البراءة عن خمسمائة مشروطة للكفيل كما لو صالح على خلاف الجنس لأن وجوبها في ذمة الكفيل عند الحاجة إلى التمليك وفي خلاف الجنس يحتاج إلى التمليك وفي الجنس لا يحتاج لما فيه من الربا بل هو إسقاط الخمسمائة فكانت البراءة عن خمسمائة مشروطة للأصيل فتسقط عنهما ثم يرجع الكفيل على الأصيل بخمسمائة إذا كان كفل بأمره ولو كان صالحه عما استوجب بالكفالة لا يبرأ الأصيل لأن الواجب بالكفالة المطالبة والبراءة منها من الكفالة فيبقى حال المطالبة على ما كان قبل الكفالة وجعل في النهاية صورة هذه المسئلة ما في المبسوط لو صالحه على مائة على إبراء الكفيل خاصة من الباقي رجع الكفيل على الأصيل بمائة ورجع الطالب على الأصيل بتسعمائة لأن إبراء الكفيل فسخ للكفالة
____________________
(7/194)
قوله ومن قال لكفيل ضمن له مالا بأمر المكفول عنه قد برئت إلي من المال رجع الكفيل على المكفول عنه بجميع الدين لأن لفظ إلى لانتهاء الغاية والمتكلم وهو رب الدين هو المنتهى في هذا التركيب فلا بد أن يكون ثم مبتدأ وليس إلا الكفيل المخاطب فأفاد التركيب براءة من المال مبتدؤها من الكفيل ومنتهاها صاحب الدين وهذا معنى الإقرار من رب الدين وبالقبض من الكفيل كأنه قال دفعت إلي فلا يرجع على واحد منهما ويرجع الكفيل على الأصيل إن كان كفل بأمره والحوالة كالكفالة في هذا وهنا ثلاثة مسائل إحداها هذه والثانية قال أبرأتك من المال ليس إقرارا بالقبض حتى كان للطالب أن يأخذ الأصيل به والثالثة برئت من المال ولم يقل إلي فهذا إقرار بالقبض عند ابي يوسف كقوله برئت إلي وعند محمد كقوله أبراتك إثباتا للأدنى وهو براءة الكفيل
____________________
(7/195)
إذ في الزائد عليه شك فلا يثبت وفرق محمد بين هذا وبين ما لو كتب في الصك برئ الكفيل من الدراهم التي كفل بها فإنه إقرار بالقبض عندهم جميعا كقوله برئت إلي بقضية العرف فإن العرف بين الناس أن الصك يكتب على الطالب بالبراءة إذا حصلت بالإيفاء وإن حصلت بالإبراء لا يكتب الصك عليه فجعلت الكتابة إقرارا بالقبض عرفا ولا عرف عند الإبراء وأبو يوسف يقول هو مثل برئت إلي لأنه إقرار ببراءة ابتداؤها من المطلوب وهو الكفيل المخاطب وحاصله إثبات البراءة منه على الخصوص مثل قمت وقعدت والبراءة الكائنة منه خاصة كالإيفاء بخلاف البراءة بالإبراء فإنها لا تتحقق بفعل الكفيل بل بفعل الطالب فلا تكون حينئذ مضافة إلى الكفيل وما قاله محمد إنما يتم إذا كان الاحتمالان متساويين واختلف المتأخرون فيما إذا قال المدعى عليه أبرأني المدعي من الدعوى التي يدعي علي منهم من قال هو إقرار بالمال كما لو قال أبرأني من هذا المال الذي ادعاه ومنهم من قال لا يكون إقرارا لأن الدعوى تكون بحق وبباطل ولو قال الكفيل أنت في حل من المال فهو كقوله أبرأتك لأن لفظة الحل تستعمل في البراءة كالإبراء دون البراءة بالقبض قالوا في شروح الجامع الصغير هذا إذا كان الطالب غائبا فأما إذا كان حاضرا يرجع إليه في البيان أنه قبض أو لم يقبض لأن الأصل في الإجمال أن يرجع فيه إلى المجمل في البيان والمراد من المجمل هنا ما يحتاج إلى تأمل ويحتمل المجاز وإن كان بعيدا كما يحتمل قوله برئت إلي معنى لأني أبرأتك لا حقيقة المجمل يعني يرجع إليه إذا كان حاضرا لإزالة الاحتمالات خصوصا إن كان العرف من ذلك
____________________
(7/196)
اللفظ مشتركا منهم من يتكلم به ويقصد ما ذكرنا من القبض ومنهم من يقصد الإبراء قوله ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بالشرط أي بالشرط المتعارف مثل إن عجلت لي البعض أو دفعت البعض فقد أبرأتك من الكفالة أما غير المتعارف فلا يجوز كما لا يجوز تعليق الكفالة به فسقط السؤال القائل يشكل بما إذا قال الكفيل بالمال على أني إن وافيت به غدا فأنا بريء من المال فوافاه به برئ من المال لأن هذا شرط ملائم على أنه لا ورود له لأن الفرض أن فيه روايتين فهذا الفرع شاهد إحداهما ويروى أنه يجوز وهو أوجه لأن المنع لمعنى التمليك وذاك يتحقق بالنسبة إلى المطلوب أما الكفيل فالمتحقق عليه المطالبة فكان إبراؤه إسقاطا محضا كالطلاق ولهذا لا يرتد بالرد من الكفيل بخلاف الأصيل لا يصح تعليقه لأن فيه معنى تمليك المال وقوله وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كنفس الحدود ونفس القصاص إذ لا يقتل الكفيل بدلا عن المكفول
____________________
(7/197)
عنه ولا يضرب وتقدم قوله وإن تكفل عن البائع بالمبيع لم تصح عندنا خلافا للشافعي اعلم أن الأعيان إما مضمونة على الأصيل أو غير مضمونة فغير المضمونة كالوديعة ومال المضاربة والشركة والعارية عندنا والمستأجر في يد المستأجر والمضمونة إما مضمونة بغيرها كالمبيع قبل القبض فإنه مضمون بالثمن والرهن فإنه مضمون بالدين فالثلاثة الأول لا تصح الكفالة بها أصلا بناء على أنها غير واجبة التسليم فلا يجب على الكفيل شيء وقالوا رد الوديعة غير واجب على المودع بل الواجب عدم المنع عند طلب المودع فلا يجب على الكفيل تسليمها بخلاف العارية فإن تسليمها واجب فصح التكفيل بتسليمها وكذا الباقي من القسمين يصح بالتسليم ولا تصح الكفالة بها على معنى أنه بعينه يجب على الكفيل فإن هلك فعليه بدله لأن هذا القدر لا يجب على الأصيل بل لو هلك المبيع إنما يسقط الثمن أو الرهن سقط من الدين بقدره والباقي ظاهر فلا يجب على الكفيل وعلى معنى الكفالة بتسليم العين يصح كما ذكرنا ومتى هلك فلا شيء على الكفيل وفائدته حينئذ إلزام إحضار العين وتسليمها ولو عجز بأن مات العبد المبيع أو الرهن أو المستأجر انفسخت الكفالة على وزان الكفالة بالنفس سواء وما ذكر شمس الأئمة السرخسي أن الكفالة بتسليم العارية باطلة باطل فقد نص في الجامع الصغير أن الكفالة بتسليم العارية صحيحة وكذا في المبسوط ونص القدوري أنها بتسليم المبيع جائزة ونص في التحفة على جميع
____________________
(7/198)
ما أوردناه أن الكفالة بالتسليم صحيحة والوجه عندي أن لا فرق بين الثلاثة الأول من الوديعة ومال المضاربة والشركة وبين العارية وما معها من الأمانات إذ لا شك في وجوب الرد عند الطلب فإن قال الواجب التخلية بينه وبينها لا ردها إليه فنقول فليكن مثل هذا الواجب على الكفيل وهو أن يحصلها ويخلى بينه وبينها بعد إحضاره إليها ونحن نعني بوجوب الرد ما هو أعم من هذا ومن حمل المردود إليه قال في الذخيرة الكفالة بتمكين المودع من الأخذ صحيحة وأما مضمونة بنفسها كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا والمقبوض على سوم الشراء فتصح الكفالة بها ويجب على الكفيل ما يجب على الأصيل وهو دفع العين فإن عجز وجب قيمته أو مثله على الكفيل وفي المبسوط ادعى عبدا في يد رجل فلم يقدمه إلى القاضي وأخذ منه كفيلا بنفسه وبالعبد فمات العبد في يد المطلوب وأقام المدعي البينة أن العبد عبده يقضي القاضي بقيمته على المطلوب وإن شاء على الكفيل لأن بالبينة ظهر أن العبد كان مغصوبا والكفالة بالعين المغصوبة توجب على الكفيل أداء القيمة عند تعذر العين كما أن الواجب على الأصيل كذلك والقول قول الكفيل في قيمته لإنكاره الزيادة كالأصيل أعني الغاصب فإن أقر الغاصب بأكثر لزمه الفضل ولا يصدق على الكفيل وفي المبسوط كفل بالرهن وفيه فضل على الدين فهلك عند المرتهن ليس على الكفيل شيء لأن عين الرهن والزيادة على مقدار الدين من الرهن أمانة في يد المرتهن
____________________
(7/199)
ولا يضمن الكفيل شيئا من ذلك بالكفالة ولو ضمن لصاحب الدين ما نقص الرهن من دينه وكانت قيمة الرهن تسعمائة والدين ألف مثلا ضمن الكفيل مائة لأنه التزم بالكفالة دينا مضمونا في ذمة الأصيل ولو استعار الراهن المرهون من المرتهن على أن أعطاه كفيلا به فهلك عند الراهن لم يلزم الكفيل شيء لأنه لا ضمان للمرتهن على الأصيل بسبب هذا القبض فلا يضمن الكفيل أيضا ولو كان الراهن أخذه بغير رضا المرتهن جاز ضمان الكفيل وأخذ به لأن الراهن ضامن مالية العين هنا ألا ترى أنه لو هلك في يده ضمن قيمته للمرتهن فيكون هذا بمنزلة الكفالة بالمغصوب ولفظ المستأجر في كلام المصنف بالفتح في الموضعين وقدمنا أنه متى هلك كل من المبيع والرهن والمستأجر بعد الكفالة بتسليمه لا شيء على الكفيل ففي المبيع والرهن تقدم ما يفيد وجهه وفي المستأجر لأن الإجارة تنفسخ به وخرج الأصيل من أن يكون مطالبا بتسليم العين وإنما وجب رد الأجرة والكفيل ما كفل الأجر قوله ومن استأجر دابة للحمل فإن كانت بعينها أي آجره أن يحمله على هذه الدابة لا تصح الكفالة لأنه عاجز عن الفعل الواجب على الأصيل وهو حمله على هذه الدابة لأنه لا ملك له في هذه الدابة ليحمله عليها وإن كانت بغير عينها جازت لأنه يمكنه الحمل على دابة نفسه أو على دابة يستأجرها والحمل هو المستحق وهو مقدور للكفيل فصحت كفالته به ووازنه من استأجر عبدا للخدمة فكفل له رجل بخدمته فهو باطل لما بينا من أنه عاجز عنه إذ لا يملك العبد أما لو كفل بنفس العبد المستأجر فهو صحيح على ما عرف ولو هلك لا شيء على الكفيل وقال شارح في الفرق بين الحمل على المعين وغير المعين بأن الدابة إذا كانت بعينها فالواجب على المؤجر تسليم الدابة لا الحمل فالكفالة بالحمل كفالة بما لم يجب على الأصيل فلا تصح بخلاف ما إذا كانت غير معينة لأن الواجب هو الحمل ويمكن استيفاؤه من الكفيل فصحت الكفالة انتهى واعترض الأصحاب بأن الواجب إن كان
____________________
(7/200)
ليس إلا تسليم الدابة المعينة بسبب أن تحميله الذي هو فعله غير معقود عليه وإنما المعقود عليه حمل الدابة فكذلك إجارة حمله على دابة إلى مكان كذا ليس عليه سوى تسليم أي دابة كانت إذ لا يجب تحميله الذي هو فعله لأنه لم يستأجر الرجل نفسه فلا فرق فينبغي أن لا تجوز الكفالة فيه أيضا لأن الحمل أيضا غير واجب على الأصيل بعين ما في التي قبلها والحاصل أنه إن كان الحمل على الدابة تسليمها فينبغي أن تصح الكفالة فيهما لأن الكفالة بتسليم المستأجر صحيحة ولم يمنع منه كون المستأجر ملكا لغير الكفيل وإن كان التحميل ينبغي أن لا تصح فيهما لأن التحميل غير واجب على الأصيل والحق أن الواجب في الحمل على الدابة معينة أو غير معينة ليس مجرد تسليمها بل المجموع من تسليمها والإذن في تحميلها وهو ما ذكر في النهاية من التركيب وما ذكرنا من الحمل عليها ففي المعينة لا يقدر على الإذن في تحميلها إذ ليست له ولاية عليها ليصح إذنه الذي هو معنى الحمل وفي غير المعينة يمكنه ذلك عند تسليم دابة نفسه أو دابة استأجرها قوله ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في المجلس عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف يجوز إذا بلغه الخبر فأجاز ولم يشترط في بعض النسخ أي نسخ كفالة الأصل عن أبي يوسف الإجازة بل إنه نافذ إن كان المكفول له غائبا وهو الأظهر عنه والحاصل أن عنه روايتين والخلاف في الكفالة بالنفس والمال جميعا وجه رواية النفاذ أنه التزام فيستبد به الملتزم ولا يتعدى له ضرر في المكفول له لأن حكمه لا يوجب عليه شيئا لأنه مختار في المطالبة لا ملزوم فإن رأى مطالبته طالبه وإلالا وأحال المصنف وجه التوقف على ما ذكره في الفضولي في النكاح وهو أن شطر العقد يتوقف حتى إذا عقد فضولي لامرأة على آخر توقف على الإجازة كما إذا كان عقدا تاما بأن خاطب عنه فضولي آخر وعندهما
____________________
(7/201)
لا يتوقف إلا إن خاطبه فضولي آخر فلا يتوقف عندهما إلا العقد التام ولهما أن فيه معنى التمليك وهو تمليك المطالبة منه فيقوم بهما جميعا والموجود من الموجب وحده شطر العقد فلا يتوقف على ما وراء المجلس وهذا يقتضي أنه لو تم عقدا بقبول فضولي آخر توقف وقد صرح بذلك عندهما قالوا إذا قبل عنه قابل توقف بالإجماع وحينئذ قوله في وضع المسئلة لا تصح إلا بقبول المكفول له في المجلس غير صحيح بل الشرط أن يقبل في المجلس إن كان حاضرا فتنفذ أو يقبل عنه فضولي آخر إن كان غائبا فتتوقف إلى إجازته أو رد وقوله إلا في مسئلة واحدة استثناء من قوله لا تصح إلا بقبول المكفول له في المجلس فإن هذه المسئلة صحت من غير قبول في المجلس ولا قبول فضولي عنه وهي أن يقول المريض المديون لوارثه تكفل عني بما علي من الدين فكفل عنه به مع غيبة الغرماء فإنه يصح استحسانا فللغرماء مطالبته وذكر للاستحسان وجهين أحدهما أن قوله تكفل عني وصية أي فيه معنى الوصية إذ لو كانت حقيقة الوصية لم يفترق الحال بين حال الصحة والمرض في ذلك وقد ذكر في المبسوط أن ذلك لا يصح منه في حال الصحة وإذا كان بمعنى الوصية فكأنه إنما قال لهم اقضوا ديوني فقالوا نعم إذا قالوا تكفلنا بها فلذا قال المشايخ إنما يتم ذلك إذا كان له مال فإن لم يكن له مال لا تؤخذ الورثة بديونه ولو كان حقيقة الكفالة لأخذوا بها حيث تكفلوا ثانيهما ما ذكر في المبسوط والإيضاح أن حق الغرماء يتعلق بتركته في مرض موته لا بذمته لضعفها بمرض الموت ولذا امتنع تصرفه في ماله كيف شاء واختار فنزل نائبا عن الغرماء المكفول لهم عاملا لهم لما في ذلك من المصلحة له بتفريغ ذمته وفيه نفع للطالب المكفول له كما إذا حضر بنفسه فإن قيل غاية الأمر أن يكون كالطالب حضر بنفسه فلا بد من قبوله فإن الصادر منه حينئذ قوله تكفل ولو قال تكفل لي بما لي على فلان فقال كفلت لا يتم إلا أن يقول بعد ذلك قبلت أو نحوه كالبيع إذا قال بعني بكذا فقال بعت لا ينعقد حتى يقول الآمر قبلت أجاب المصنف بقوله
____________________
(7/202)
إنما لا يشترط القبول بعد قول الوارث تكفلت لأنه أي لأن قوله تكفلت لا يراد به المساومة وإنما احتيج في البيع كذلك لأنه يراد به المساومة وهنا لا يراد به إلا التحقيق بدلالة هذه الحالة فإن حالة الموت ظاهرة في الدلالة على قصده إلى تحقيق الكفالة لتخليص نفسه لا على المساومة بها فصار الأمر هنا كالأمر بالنكاح فيما لو قال زوجني بنتك فقال زوجتكها انعقد وإن لم يقل قبلت حيث كان النكاح لا تجري فيه المساومة ولو قال المريض ذلك لأجنبي فضمن اختلف المشايخ منهم من قال لا يجوز لأن الأجنبي غير مطالب بقضاء دينه بلا التزام فكان المريض في حق الأجنبي والصحيح سواء ولو قال ذلك لأجنبي أو لوارثه لا يصح إلا أن يقبل الطالب ومنهم من قال يصح من الأجنبي وينزل المريض منزلة الطالب لحاجته لتضييق الحال عليه كما ذكرنا في الوارث وهو أوجه وما في المبسوط من قوله وهذا من المريض صحيح وإن لم يبين الدين ولا صاحب الدين فإنه إنما يصح
____________________
(7/203)
بطريق الوصية لورثته بأن يقضوا دينه والجهالة لا تمنع صحة الوصية مبني على غير الوجه الأرجح وهو أنها كفالة ولا حاجة إلى ذلك بل هي كفالة وجهالة المكفول به وهو الدين لا تضر في الكفالة وقد فرض أن المريض قائم مقام المكفول له وهو معين فلم يكن المكفول له مجهولا حكما لهذا الاعتبار قوله وإذا مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئا بل مات مفلسا فتكفل رجل للغرماء بما عليه لا تصح عند أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد والأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم تصح لأنه كفل بدين ثابت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة أنصاري فقال هل على صاحبكم دين فقالوا نعم درهمان أو ديناران فقال صلوا على صاحبكم فقام أبو قتادة وقال هما علي فصلى صلى الله عليه وسلم عليه فلو لم تصح الكفالة عن الميت المفلس لما صلى عليه بعد الكفالة ولأنه كفل بدين ثابت لأنه أي الدين وجب في حياته لحق الطالب وهو باق ولم يوجد المسقط وهو الأداء أو الإبراء أو انفساخ سبب وجوبه ولم يتحقق بالموت شيء من ذلك ويدل على بقائه كونه يطالب به في الآخرة وأنه لو تبرع به إنسان جاز أخذ الطالب منه ولو سقط بالموت ما حل له أخذه وأنه لو كان به كفيل قبل موته بقيت الكفالة ولو بطل الدين بطلت الكفالة لسقوطه عن الكفيل بسقوطه عن الأصيل ولأبي حنيفة رحمه الله أنه كفل بدين ساقط في حكم الدنيا لا مطلقا والكفالة من أحكام الدنيا لأنها توثق ليأخذه فيها لا في الآخرة فلا يتصور لها وجود بلا دين
____________________
(7/204)
كذلك ولأن الدين فعل حقيقة ولذا يوصف بالوجوب والموصوف بالأحكام الأفعال وقد عجز عنه بنفسه وبخلفه هو الكفيل الكائن قبل سقوطه فسقط في أحكام الدنيا ضرورة والتبرع لا يعتمد قيام الدين ولو كان بقيد الإضافة أي التبرع بالدين وهو الحق فإنما يعتمد قيامه بالنسبة إلى من عليه دون من له والكفالة نسبة بين كل من المكفول له والأصيل لأنه التزام ما على الأصيل للمكفول له ولو كان به كفيل لم يعجز بخلفه فلم يسقط
____________________
(7/205)
الدين بموته بخلاف الكفالة بعد موته فإنها كفالة بعد السقوط ولو كان له مال فالإفضاء إلى الأداء باق فلم يسقط الدين فصحت كفالته عن الميت المليء وأما حديث أبي قتادة فليس فيه صريح إنشاء الكفالة بل يحتمل قوله هما على كلا من إنشائها والإخبار بها على حد سواء ولا عموم لواقعة الحال فلا يستدل به في خصوص محل النزاع ويحتمل الوعد بها وإن كان مرجوحا وامتناعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه ليظهر طريق إيفائهما لا بقيد طريق الكفالة فلما ظهر بوعدها أو بالإقرار بالكفالة بهما حصل المقصود فصلى عليه ونوقض إثبات سقوط الدين بمسائل أحدها لو مات المشتري مفلسا قبل أدائه الثمن لا يبطل البيع ولو سقط الثمن بطل ولو اشترى بفلوس في الذمة فكسدت قبل القبض يبطل البيع بهلاك الثمن في نفسه فعلم أن سقوط الدين بالنسبة إلى الدنيا لا يبطل الدين ثانيها أنه لو كان بالدين كفيل يبقى على حاله إذا مات مفلسا ولو سقط في أحكام الدنيا لم تبق الكفالة ثالثها لو كان بالدين رهن بقي الدين عليه بعد موته مفلسا وبقاء الرهن إنما يكون ببقاء الدين ولأن تعذر المطالبة لمعنى لا يوجب بطلان الدين في حال الحياة كالعبد المحجور إذا أقر بدين فكفل عنه به كفيل صح وإن كان لا يطالب به في حال رقه فكذا في حال الموت أجيب عن الأول بأن الدين لا يبطل بموته في حق المستحق حتى جاز أن يأخذه من المتبرع والكفالة تعتمد قيام الدين في حق الأصيل كما ذكرنا وقد سقط بهذا الاعتبار لضرورة بطلان المحل فيتقدر بقدر الضرورة وعن الثاني بأن كساد الفلوس يبطل الملك في حق المشتري فلذلك انتقض العقد وهنا الدين باق في حق صاحب الدين فلا يبطل العقد وعن الثالث بأن ذمة الكفيل السابق كفالته خلف عن ذمته فلا تبطل ذمته بالموت ومثله الرهن وأما العبد فله ذمة صالحة فتصح الكفالة وتتأخر المطالبة لحق
____________________
(7/206)
المولى كما أن الدين ثابت في ذمة المفلس الحي وإن كان لا يطالب به قوله ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره فقضاه أي قضى الرجل المكفول عنه الكفيل الألف التي كفل بها قبل أن يعطيه أي قبل أن يعطي الكفيل الألف صاحب المال وذكر ضمير يعطيه على تأويل المال أو المكفول به لازم من قوله كفل عن رجل وصاحب المال مفعول أول ليعطي والمفعول الثاني هو ضمير المال المقدم في يعطيه فليس له أي ليس للرجل المكفول عنه أن يرجع فيها وهو وجه للشافعي وفي وجه آخر له أن يرجع وهو قول مالك وأحمد بناء على أنه أمانة عنده مالم يقض الأصيل ونحن نبين أنه يملكه وأن الأمانة ما إذا كان دفعه إلى الكفيل على وجه الرسالة إلى الطالب ولو لم يملكه فقد تعلق به حقه وهذا الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما المصنف لأنه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين فلا تجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال إلحاقا بالزكاة المعجلة للساعي تعلق به حق القابض على احتمال أن يتم الحول والنصاب كامل فلم يجز استرداده شرعا ما بقي هذا الاحتمال والوجه الثاني
____________________
(7/207)
أنه أي القابض ملكه بالقبض على ما نذكر يريد ما ذكره بعد سطر في تعليل طيب الريح للكفيل لو عمل فيه فربح وهو قوله لأنه ملكه حين قبضه أما إذا قضى الدين فظاهر وكذا لو قضى المطلوب بنفسه الدين ولم يقض الكفيل وثبت للمطلوب الاسترداد بما دفع للكفيل وإنما حكمنا بثبوت ملكه إذا قضى الأصيل بنفسه لأنه أي الكفيل وجب له بمجرد الكفالة على الأصيل مثل ما وجب للطالب على الكفيل وهو المطالبة إلا أي لكن أخرت مطالبة الكفيل إلى أدائه فنزل ما للكفيل على الأصيل بمنزلة الدين المؤجل ولو عجل المديون الدين المؤجل ملكه الدائن بقبضه فكذا هذا ولهذا أي والدليل أن الكفيل حق المطالبة متأخرا أنه لو أبرأ الكفيل الأصيل قبل أدائه أي قبل أداء الكفيل يصح حتى لا يرجع على الأصيل بعد ذلك إذا أدى
____________________
(7/208)
وجاز أخذ الكفيل من الأصيل رهنا به قبل أدائه فكذا إذا قبضه يملكه يعني إذا كان بحيث يصح الإبراء منه كان بحيث يملكه إذا قبضه وإذا ملكه كان الربح له إلا أي لكن استثناء منقطع فيه نوع خبث على قول أبي حنيفة نبينه عو قريب فلا يعمل مع الملك فيمن لا يتعين وهو الألف التي قضاه إياها لأن الدراهم لا تتعين وقد قررناه في البيوع في آخر فصل في أحكامه قوله ولو كانت الكفالة بكر حنطة فدفعه الأصيل إلى الكفيل والباقي بحاله فالربح له أي الكفيل لما بينا أنه ملكه أي ملك الكر وإنما بينه في ضمن بيان أنه ملك المقبوض قال وأحب إلي أن يرده على الذي قضاه الكر ولا يجب عليه وهذا عند أبي حنيفة في لفظ الجامع الصغير ولا شك أن ضمير قال لأبي حنيفة فقوله وهذا عند أبي حنيفة في رواية الجامع الصغير إنما ذكره ليمهد لنصب الخلاف بذكر قولهما حيث لم يصرح بفاعل قال وقالا هو له لا يرده عليه وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة وهو رواية كتاب البيوع من الأصل وعنه أي عن أبي حنيفة رواية ثالثة أنه يتصدق به
____________________
(7/209)
وهي رواية كتاب الكفالة منه لهما أنه ربح في ملكه على الوجه الذي بيناه في ثبوت ملكه من أنه وجب له على الأصيل الخ فيسلم له ولأبي حنيفة أنه تمكن الخبث مع الملك إما لقصور ملكه بسبب أن الأصيل بسبيل من استرداده بأن يقضي هو الطالب فينتقض ملك الكفيل فيما قبض أو لأنه إنما رضي به أي بملك الكفيل فيه على اعتبار قضاء الكفيل فإذا قضاه بنفسه لم يكن راضيا به والوجه أن يعطف بالواو فإنهما وجهان لا أن الوجه أحدهما بل كل منهما ثابت وهو قصور الملك بسبب ثبوت تلك الخبثية وعدم رضا الأصيل بملك الكفيل بما دفعه إليه إلا على ذلك التقدير وهو منتف وهذا الخبث يعمل فيما يتعين وهو الكر لا فيما لا يتعين كالألف مثلا فيكون سبيله التصدق في رواية ويرده عليه في رواية أخرى وهي الأصح لأن الخبث لحق الأصيل لا لحق الشرع فيرده إليه ليصل إلى حقه لأن الحق له وهذا يفيد أنه يطيب له فقيرا كان أو غنيا وفيه روايتان والأوجه طيبه له وإن كان غنيا لما ذكرنا من أن الحق له إلا أنه استحباب لا جبر لأن الملك للكفيل واعلم أنه تكرر في هذه المسئلة مقابلة الاستحباب بالحكم فقال أولا أحب إلي أن يرده ولا يجب في الحكم أي في القضاء وثانيا لكنه استحباب لا جبر يعني لا يجبره الحاكم على ذلك فإذا كان المراد بالاستحباب ما يقابل جبر القاضي يكون المعنى لا يجبره القاضي ولكن يفعله هو ولا يلزم من عدم جبر القاضي عدم الوجوب فيما بينه وبين الله تعالى إذ قد عرف أن المراد بالاستحباب عدم جبر القاضي عليه فجاز أن يكون واجبا فيما بينه وبين الله تعالى وهو مستحب في القضاء غير مجبور عليه والعبارة المنقولة عن فخر الإسلام في وجه قول أبي حنيفة وهو
____________________
(7/210)
الاستحسان قال ووجه الاستحسان أن ما قبضه الكفيل مملوك له ملكا فاسدا من وجه فإن للأصيل استرداده حال قيام الكفالة بقضائه بنفسه واسترداد المقبوض حال قيام العقد حكم ملك فاسد كما في البيع الفاسد وإنما قلنا حال قيام الكفالة لأن الكفالة لا تبطل بأداء الأصيل ولكن تنتهي كما لو أدى الكفيل بنفسه فكان المقبوض ملكا فاسدا من وجه صحيحا من وجه ولو كان فاسدا من كل وجه بأن اشترى مكيلا أو موزونا ملكا فاسدا وربح فيه يجب التصدق بالربح أو الرد على المالك لأن الخبث كان لحقه فيزول بالرد عليه كالغاصب إذا أجر المغصوب ثم رده فإن الأجر له يتصدق به أو يرده على المغصوب منه فكذا في الملك الفاسد من كل وجه ولو كان الملك صحيحا من كل وجه لا يجب التصدق بالربح ولا رده فإذا فسد من وجه وصح من وجه يجب التصدق أو الرد على الأصيل عملا بالشبهين بقدر الإمكان ظاهرة في وجوب رده فيما بينه وبين الله تعالى أو التصدق به غير أنه ترجح الرد هذا كله إذا أعطاه على وجه القضاء فلو أعطاه على وجه الرسالة إلى الطالب فتصرف وربح صار محمد مع أبي حنيفة في أنه لا يطيب له الربح وطاب له عند أبي يوسف لما عرف فيمن غصب من إنسان مالا وربح فيه يتصدق بالفضل في قولهما لأنه استفاده من اصل خبيث ويطيب له في قول أبي يوسف مستدلا بحديث الخراج بالضمان قوله ومن كفل عن رجل بألف بأمره فأمره أي فأمر الكفيل الأصيل أن يتعين عليه حريرا أي أن يشتري له حريرا بطريق العينة وهو أن يشتري له حريرا بثمن هو أكثر من قيمته ليبيعه بأقل من ذلك الثمن لغير البائع ثم يشتريه البائع من ذلك الغير بالأقل الذي اشتراه به ويدفع ذلك الأقل إلى بائعه فيدفعه بائعه إلى المشتري المديون فيسلم الثوب للبائع كما كان ويستفيد الزيادة على ذلك الأقل وإنما وسطا الثاني تحرزا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن وأما تفسيره بأن يستقرض فيأبى المقرض إلا أن يبيعه عينا تساوي عشرة مثلا في السوق باثني عشر فيفعل فيربح البائع درهمين رغبة عن القرض المندوب إلى البخل وتحصيل غرضه من
____________________
(7/211)
الربا بطريق المواضعة في البيع فلا يصح هنا إذ ليس المراد من قوله تعين علي حرير اذهب فاستقرض فإن لم يرض المسئول أن يقرضك فاشتر منه الحرير بأكثر من قيمته بل المقصود اذهب فاشتر على هذا الوجه فإذا فعل الكفيل ذلك كان مشتريا لنفسه والملك له في الحرير والزيادة التي يخسرها عليه لأن هذه العبارة حاصلها ضمان لما يخسر المشتري نظرا إلى قوله علي كأنه أمره بالشراء لنفسه فما خسر فعلي وضمان الخسران باطل لأن الضمان لا يكون إلا بمضمون والخسران غير مضمون على أحد حتى لو قال بايع في السوق على أن كل خسران يلحقك فعلي أو قال لمشتري العبد إن أبق عبدك هذا فعلي لا يصح وقيل هو توكيل فاسد ومعنى علي منصرف إلى الثمن فإذا كان الثمن عليه يكون المبيع له فأغنى عن قوله لي فهو توكيل لكنه فاسد لأنه غير معين مقداره ولا ثمنه فلا تصح الوكالة كما لو قال اشتر لي حنطة ولم يبين مقدارها ولا ثمنها ولو فرضنا أن الثمن معلوم بينهما وهو قدر ما يقع به الإيفاء كان الحاصل اشتر لي حريرا يكون ثمنه الذي تبيعه به في السوق قدر الدين الذي علينا وهو لا يعين قدر ثمن الحرير الموكل بشرائه بل ما يباع به بعد شرائه لأن الزائد على القدر الذي يقع به الإيفاء غير معلوم وكيفما كان توكيلا فاسدا أو ضمانا باطلا يكون الشراء للمشتري وهو الكفيل والربح أي الزيادة التي يخسرها عليه لأنه العاقد ومن صور العينة أن يقرضه مثلا خمسة عشر ثم يبيعه ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر ويأخذ الخمسة عشرالقرض منه فلم يخرج منه إلا عشرة وثبت له خمسة عشر ومنها أن يبيع متاعه بألفين من المستقرض إلى أجل ثم يبعث متوسطا يشتريه لنفسه بألف حالة ويقبضه ثم يبيعه من البائع الأول بألف ثم يحيل المتوسط بائعه على البائع الأول بالثمن الذي عليه وهو ألف حالة فيدفعها إلى المستقرض ويأخذ منه ألفين عند الحلول قالوا وهذا البيع مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم إذا تبايعتم بالعين وتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم والمراد باتباع أذناب البقر الحرث للزراعة لأنهم حينئذ يتركون الجهاد وتألف النفس الجبن وقال أبو يوسف لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا حتى لو باع كاغدة بألف يجوز ولا يكره
____________________
(7/212)
وقال محمد رحمه الله هذاالبيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا وقد ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا تبايعتم بالعين واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم أي اشتغلتم بالحرث عن الجهاد وفي رواية سلط عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم وقيل إياك والعينة فإنها لعينة ثم ذموا البياعات الكائنات الآن أشد من بيع العينة حتى قال مشايخ بلخ منهم محمد بن سلمة ببلخ للتجار إن العينة التي جاءت في الحديث خير من بياعاتكم وهو صحيح فكثير من البياعات كالزيت والعسل والشيرج وغير ذلك استقر الحال فيها على وزنها مظروفة ثم إسقاط مقدار معين على الظرف وبه يصير البيع فاسدا ولا شك أن البيع الفاسد بحكم الغصب المحرم فأين هو من بيع العينة الصحيح المختلف في كراهته ثم الذي يقع في قلبي أن ما يخرجه الدافع إن فعلت صورة يعود فيها إليه هو أو بعضه كعود الثوب أو الحرير في الصورة الأولى وكعود العشرة في صورة إقراض الخمسة عشر فمكروه وإلا فلا كراهة إلا خلاف الأولى على بعض الاحتمالات كأن يحتاج المديون فيأبى المسئول أن يقرض بل أن يبيع ما يساوي عشرة بخمسة عشر إلى أجل فيشتريه المديون ويبيعه في السوق بعشرة حالة ولا بأس في هذا فإن الأجل قابله قسط من الثمن والقرض غير واجب عليه دائما بل هو مندوب فإن تركه بمجرد رغبة عنه إلى زيادة الدنيا فمكروه أو لعارض يعذر به فلا وإنما يعرف ذلك في خصوصيات المواد ومالم ترجع إليه العين التي خرجت منه لا يسمى بيع العينة لأنه من العين المسترجعة لا العين مطلقا وإلا فكل بيع بيع العينة قوله ومن كفل عن رجل بما ذاب له عليه أو بما قضى له عليه فغاب المكفول عنه فأقام رجل بينة على الكفيل أن له على المكفول عنه ألف درهم لا يقبل القاضي هذه البينة ولا يقضي بها لأنه قضاء على غائب لم ينتصب عنه خصم إذ الكفيل في هذه الصورة لا يكون خصما عنه لأنه إنما كفل عنه بمال مقضي بعد الكفالة لأنه وإن كان ماضيا فالمراد به المستقبل كقولهم أطال الله بقاءك وهذا لأنه جعل الذوب شرطا والشرط لا بد من كونه مستقبلا على خطر الوجود فما لم يوجد الذوب بعد الكفالة لا يكون كفيلا والدعوى مطلق عن ذلك والبينة لم تشهد بقضاء مال وجب بعد الكفالة فلم تقم على من اتصف بكونه كفيلا عن الغائب بل على أجنبي إذ لا ينتصب خصما وهذا في لفظة القضاء ظاهر وكذا في الأخرى وهي لفظة ذاب لأن معنى ذاب تقرر ووجب وهو بالقضاء بعد الكفالة حتى لو ادعى أني قدمت الغائب إلى قاضي كذا وأقمت عليه بينة بكذا
____________________
(7/213)
بعد الكفالة وقضى لي عليه بذلك وأقام البينة على ذلك صار كفيلا وصحت الدعوى وقضى على الكفيل بالمال لصيرورته خصما عن الغائب سواء كانت الكفالة بأمره أو بغير أمره إلا أنه إذا كانت بغير أمره يكون القضاء على الكفيل خاصة وقدمنا من مسائل الذوب ونحوه عند مسئلة تعليق الكفالة بالشرط ولو ضمن ثمن ما باعه أو داينه أو أقرضه فغاب المطلوب فيرهن الطالب على الكفيل أنه كفل به وقد داينه أو أقرضه بعده وجحد الكفيل ذلك قضى على الكفيل والغائب بلا خلاف لأن الضمان مقيد بصفة ولا يمكن القضاء به إلا بعد القضاء على الغائب فينتصب الكفيل خصما عنه فيقع القضاء عليهما قوله ومن أقام البينة صورتها في الجامع وقال يعقوب ومحمد رحمهماالله إذا كفل عن رجل بمال مؤجل بأمر المكفول عنه فغاب المكفول عنه فجاء الطالب بالكفيل فأقام عليه بينة أن له على فلان كذا وأن هذا كفل له بأمر فلان عن فلان فإني أقضى بشهادتهم بالمال على هذا وعلى المكفول عنه الغائب فإن كانت الكفالة بغير أمر الغائب قضيت بالمال على الكفيل ولم يكن الكفيل بخصم
____________________
(7/214)
عن الغائب انتهى يعني فلا يقع القضاء على الأصيل وإنما خص قولهما بالذكر لأنه لم يحفظ عن أبي حنيفة نصا لا أن في المسئلة اختلافا وإنما قبلت هذه البينة ولم تقبل فيما قبلها لأن المكفول به هنا مال مطلق ودعوى المدعي مطلقة أيضا فصحت فقبلت البينة لأنها بناء على صحة الدعوى بخلاف ما قبلها لأن المكفول به هناك مال مقيد بكون وجوبه بعد الكفالة وإن كان مقيدا بخصوص كمية ولم يطابقها دعوى للمدعي ولا البينة وإنما اختلف القضاء بالأمر وعدمه حتى يقع القضاء عليهما في الأمر فيرجع الكفيل ولو حضر الغائب لا يحتاج إلى إقامة البينة عليه بالمال لأنه قد قضى عليه به وعلى الكفيل وحده إذا لم يكن أمر فلا يرجع لأنهما أي الكفالة بالأمر وبغير الأمر يتغايران لأن الكفالة بالأمر تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء وبغير الأمر تبرع ابتداء وانتهاء فدعواه أحدهما وهو مجرد التبرع ابتداء وانتهاء لا يقضى له بالآخر وهو المعاوضة ليثبت له الرجوع ويكون الغائب مقضيا عليه وإذا قضى بها أي بالبينة بالأمر ثبت أمره أي أمر المكفول عنه وأمره يتضمن
____________________
(7/215)
إقرار الأصيل بالمال إذ لا يأمر غيره بقضاء ما عليه إلا وهو معترف بأن عليه للمقضي له دينا فيصير مقضيا عليه بخلاف الكفالة بغير أمره فإنها لا تمس جانبه أي جانب الأصيل لأن صحة الكفالة بلا أمر المكفول إنما تعتمد قيام الدين في زعم الكفيل فلا يتعدى إلى الأصيل إذ زعمه لا يلزم غيره ثم في الكفالة بأمره يرجع الكفيل بما أدى على الآمر حيث ثبت الأمر وقال زفر رحمه الله لا يرجع لأنه لما أنكر فقد ظلم في زعمه فلا يظلم غيره وهو الأصيل ونحن نقول قد صار الكفيل في إنكاره الدين على الأصيل مكذبا شرعا بقيام البينة بخلافه فيبطل زعمه فيثبت حكم الكفالة بالأمر وهذا كمن اشترى عبدا واعترف بأنه ملك البائع ثم استحق بالبينة فإنه يرجع على البائع بثمنه وإن كان معترفا بأن البائع ظلم واستشكل عليه قول محمد فيمن اشترى عبدا فباعه فرد عليه بعيب بالبينة بعد إنكاره العيب فعند محمد لا يرده على بائعه خلافا لأبي يوسف فلم يبطل زعمه بالقضاء بالبينة أجيب بأنه إنما لا يرد لأن قوله لا عيب فيه نفي للعيب في الحال والماضي والقاضي إنما كذبه في قيام العيب عند البيع الثاني دون الأول لأن قيام العيب عند البيع الأول ليس شرطا للرد على الثاني وفي الجامع الكبير جعل المسئلة على أربعة أوجه فقال إما أن تكون الكفالة مطلقة نحو أن يقول كفلت بمالك على فلان أو مقيدة نحو أن يقول كفلت لك عن فلان بألف درهم وكل وجه على وجهين إما أن تكون الكفالة بأمر المكفول عنه أو بغير أمره فإن كانت مطلقة فالقضاء على الكفيل قضاء على الأصيل سواء كانت بأمره أو بغير أمره لأن الطالب لا يتوصل إلى إثبات حق الكفيل إلا بعد إثباته على الأصيل لما ذكرنا أن القول قول الكفيل أنه ليس للطالب على الأصيل شيء وإذا كان كذلك صار الكفيل خصما عنه وإن كان غائبا والمذهب عندنا أن القضاء على الغائب لا يجوز إلا إذا ادعى على الحاضر حقا لا يتوصل إليه إلا بإثباته على الغائب قال مشايخنا وهذا طريق من أراد إثبات الدين على الغائب من غير أن يكون بين الغائب والكفيل اتصال وكذا إذا خاف الطالب موت الشاهد يتواضع مع رجل ويدعي عليه مثل هذه الكفالة فيقر الرجل بالكفالة وينكر الدين فيقيم المدعي البينة على الدين فيقضي به على الكفيل والأصيل ثم يبرأ الكفيل وكذا الحوالة على هذه الوجوه وكذا كل من ادعى حقا
____________________
(7/216)
لا يثبت على المدعى عليه إلا بالقضاء على الغائب يكون الحاضر خصما عن الغائب كمن قذف رجلا فادعى المقذوف الحد فقال القاذف قذفته وهو عبد فأقام المقذوف عليه بينة أنه كان عبدا لفلان وأنه أعتقه قضى بعتقه على فلان لأنه ادعى حقا وهو الحد لا يتوصل إلى إثباته إلا بإثبات العتق فصار القاذف خصما عن فلان سيد العبد الغائب ويثبت القضاء عليه وكذا عبد مأذون عليه دين فقال رجل لصاحب الدين أنا ضامن لدينك إن أعتقه مولاه فأعتقه ثم أقام صاحب الدين بينة أن مولاه أعتقه بعد كفالة الكفيل وإن كان فيه قضاء على الغائب وقضاء للغائب وهذا كله استحسان استحسنه علماؤنا صيانة للحقوق قوله ومن باع دارا فكفل عنه رجل بالدرك فهو تسليم وقد بينا أن ضمان الدرك هو قبول الثمن عند استحقاق المبيع وقوله تسليم أي تصديق من الكفيل أن المبيع ملك البائع فلو ادعاه لنفسه لا تسمع دعواه إذ لو صحت رجع المشتري بالثمن على الكفيل بحكم الكفالة فلا يفيد وأيضا فالكفالة إن كانت مشروطة في البيع بأن باع بشرط أن يكفل له فتمام البيع بقبوله أي بقبول الكفيل ثم بالدعوى يسعى في نقض ما تم به ولهذا تبطل شفعته لو كان الكفيل شفيعا وإن لم يكن أي عقد الكفالة مشروطا فيه فالمراد به أحكام البيع وترغيب المشتري فيه إذ لا يرغب فيه إلا بالكفالة تسكينا لقلبه فينزل عقد الكفالة منزلة الإقرار بملك البائع وإلا كان تغريرا فلا يصح دعواه إياه أصلا بعد ذلك هذا إذا كفل فأما إذا لم يكفل ولكن شهد على البيع ثم ادعاها بعد شهادته إن كان رسم مكتوبا على الصك وفي الصك ما يفيد الاعتراف بملك البائع مثل باع فلان بن فلان جميع الدار الجارية في ملكه بيعا باتا نافذا ثم كتب بذلك أو كتب جرى ذلك فكذلك لا تسمع دعواه لها وإن لم يفد ذلك مثل أن يكتب في الصك باع فلان من فلان جميع الدار أو أقر بالبيع بحضرتي والشراء ثم كتب شهدت بذلك أو كتب جرى ذلك لا تمنع دعواه فيها فلعله كتب الشهادة ليحفظ
____________________
(7/217)
الحادثة ليسعى بعد ذلك في تثبيت البينة وقوله وختم هو أمر كان في زمانهم إذا كتب اسمه في الصك جعل اسمه تحت رصاص مكتوب ووضع نقش خاتمه كي لا يطرقه التبديل وليس هذا في زماننا فصل في الضمان
الضمان هو الكفالة لكن لما كانت هذه المسائل مسائل الجامع الصغير وذكرت فيه بلفظ الضمان أو ردها مترجمة بذلك قوله ومن باع لرجل ثوبا اللام في لرجل لام الملك أي باع ثوبا هو لرجل بطريق الوكالة عنه في بيعه وضمن الوكيل له أي للرجل المالك الثمن أو مضارب ضمن ثمن متاع لرب المال فالضمان باطل لأن الكفالة وهي الضمان التزام المطالبة والمطالبة إليهما أي إلى الوكيل والمضارب فيصير كل منهما ضامنا لنفسه فيصير مطالبا مطالبا وهذا لأن حقوق العقد ترجع إليهما حتى لو حلف المشتري ما للموكل عليه دين
____________________
(7/218)
بر ولو حلف ما للوكيل عليه شيء حنث بخلاف الوكيل بالنكاح عن المرأة حيث يصح ضمانه المهر لها عن الزوج لأنه سفير لا ترجع إليه حقوق العقد فليس له المطالبة بالمهر على ما سلف فلا يصير ضامنا لنفسه ولأن المال في يد كل من الوكيل والمضارب أمانة فلا يصير مضمونا عليهما ولا يصح الضمان لاستلزامه تغيير حكم الشرع وصار كاشتراط الضمان على المودع والمستعير وكذلك أي لا يصح الضمان أيضا فيما إذا باع رجلان عبدا مثلا بينهما صفقة واحدة وضمن أحدهما لصاحبه حصته من الثمن لأنه لو صح الضمان مع الشركة بأن ضمن نصف الثمن مطلقا يصير ضامنا لنفسه لأن كل جزء من الثمن مشرتك بينهما فما يستحق بنصيب أحدهما فللآخر أن يشاركه فيه فما يؤديه الضامن للشريك يكون بينه وبين المضمون له فكان له الرجوع بنصفه على الشريك فإذا رجع بطل حكم الأداء في مقداره ما وقع الرجوع فيه ويصير كأنه ما أدى إلا الباقي فكان للضامن أن يرجع بنصف الباقي ثم وثم إلى أن لا يبقى شيء أو يبقى الجزء الذي لا يتجزأ فظهر لزوم بطلان الضمان من حيث صح ولو كان ضمن نصيب شريكه خاصة يؤدي إلى قسمة الدين قبل قبضه وهو لا يجوز لأنه في الذمة لا يقبل القسمة لأنها إفراز ولا يمكن إلا في عين خارجية والدين وصف اعتباري ويرد عليه اختيار الثاني
____________________
(7/219)
ونقل الإجماع على أن أحدهما لو اشترى بنصيبه من الدين يجوز كما أنه لو باع نصيبه من العين يجوز وليس فيه معنى قسمة الدين قبل قبضه فعلى الوجه الذي صح هذا يكون نصيب شريكه المضمون له قال في الفوائد الظهيرية بعد أن أورد هذا ولكن التعويل على ما ذكرنا يريد ما قررناه من بطلان الضمان حيث صح لكن بعد ما صار الوجه مرددا بين كون الضمان بنصف شائع أو بنصف شريكه وبطل الأول بما ذكر للناظر أن يختار الثاني ويدفع لازمه الباطل بما ذكرنا إلا أن يفرق بين شرائه بحصته وبين ضمانها أو يخص البطلان بما إذا أريد ضمان النصف شائعا ويحكم بأنه المراد وقوله بخلاف ما إذا باع صفقتين يعني بخلاف ما لو باع الشريكان العبد صفقتين بأن باع هذا نصيبه على حدته وهذا كذلك من ذلك المشتري ثم ضمن أحدهما للآخر نصيبه أو باعا معا وسميا لكل نصيب ثمنا ثم ضمن أحدهما صح الضمان لأنه لا شركة بينهما بحكم الشرع بذلك ولذا لو قبل المشتري
____________________
(7/220)
في نصيب أحدهما فيما إذا باعا معا دون الآخر صح ولو قبل الكل ثم نقد حصة أحدهما ملك قبض نصيبه على الخصوص ولا يخفى أن هذا في الثاني محمول على ما إذا أعاد مع تفصيل الثمن لفظة البيع عند أبي حنيفة وإلا فهو على قولهما في تعدد الصفة على ما سلف في البيع قال الإمام قاضيخان ولو تبرع يعني الشريك بالأداء في هذه الفصول من غير ضمان جاز تبرعه لأن التبرع لا يتم إلا بالأداء وعند الأداء يصير مسقطا حقه في المشاركة فيصح وجواز التبرع لا يدل على جواز الكفالة لأن التبرع أسرع جوازا من الكفالة ألا ترى أنه يجوز التبرع ببدل الكتابة ولا تجوز الكفالة به قوله ومن ضمن عن آخر خراجه ونوائبه وقسمته فهو جائز أما الخراج فقد ذكرناه قبل هذا الفصل بقوله والرهن والكفالة جائزان في الخراج وهو يخالف الزكاة لأنها مجرد فعل هو تمليك طائفة من ماله مقدرة لا دين ثابت في الذمة لأن الدين اسم لمال واجب في الذمة يكون بدلا عن مال أتلفه أو قرض اقترضه أومبيع عقد بيعه أو منفعة عقد عليها من بضع امرأة وهو المهر أو استئجار عين والزكاة ليست كذلك بل إيجاب إخراج مال ابتداء بدلا عن مال نفسه فليس بدين حقيقي ولو وجبت في نصاب مستهلك وإنما لها شبه الدين في بعض الأحكام على ما قدمناه بخلاف الخراج لأنه مال يجب في مقابلة الذب عن حوزة الدين وحفظه فكان كالأجرة وقد قيدت الكفالة بما إذا كان خراجا موظفا لا خراج مقاسمة وهو ما يجب فيما يخرج فإنه غير
____________________
(7/221)
واجب في الذمة وأما النوائب فإن أريد بها ما يكون بحق ككرى النهر المشترك للعامة وأجرة الحارس للمحلة الذي يسمى في ديار مصر الخفير والموظف لتجهيز الجيش في حق وفداء الأسارى إذا لم يكن في بيت المال شيء وغيرها مما هو بحق فالكفالة به جائزة بالاتفاق لأنها واجبة على كل مسلم موسر بإيجاب طاعة ولي الأمر فيما فيه مصلحة المسلمين ولم يلزم بيت المال أو لزمه ولا شيء فيه وإن أريد بها ما ليس بحق كالجبايات الموظفة على الناس في زماننا ببلاد فارس على الخياط والصباغ وغيرهم للسلطان في كل يوم أو شهر أو ثلاثة أشهر فإنها ظلم فاختلف المشايخ في صحة الكفالة بها فقيل تصح إذ العبرة في صحة الكفالة وجود المطالبة إما بحق أو باطل ولهذا قلنا إن من تولى قسمتها بين المسلمين فعدل فهو مأجور وينبغي أن كل من قال إن الكفالة ضم في الدين يمنع صحتها هاهنا ومن قال في المطالبة يمكن أن يقول بصحتها ويمكن أن يمنعها بناء على أنها في المطالبة بالدين أو معناه أو مطلقا وممن يميل إلى الصحة الإمام البزدوي يريد فخر الإسلام أما أخوه صدر الإسلام فأبى صحة الكفالة بها وأما القسمة فقيل هي النوائب بعينها أو حصة منها إذا قسمها الإمام ولا حاجة إلى كون الرواية قسم بلا هاء لأن قسمة في القرآن بمعنى قسم قال تعالى { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } إذ لا معنى لضمان حقيقة القسمة بالمعنى المصدري لكن لو كان كذلك لكان ينبغي كون الرواية بالواو ليكون من عطف الخاص على العام لكن الرواية بأو وقيل النائبة الموظفة الراتبة والمراد بالنوائب ما هو منها غير راتب فتغايرا والحكم يعني في القسمين ما بيناه من الصحة في أحدهما والخلاف في الأخرى ثم من أصحابنا من قال الأفضل للإنسان أن
____________________
(7/222)
يساوي أهل محلته في إعطاء النائبة قال شمس الأئمة هذا كان في ذاك الزمان لأنه إعادنة على الجائحة والجهاد أما في زماننا فأكثر النوائب تؤخذ ظلما ومن تمكن من دفع الظلم عن نفسه فهو خير له وإن أراد الإعطاء فليعط من هو عاجز عن دفع الظلم عن نفسه لفقير يستعين به الفقير على الظلم وينال المعطي الثواب وقوله والحكم ما بيناه يعني ما ذكره من أن الكفالة فيما كان بحق جائز وبغير حق فيها خلاف قوله ومن قال لآخر المراد الفرق بين مسئلتين إحداهما من أقر بدين مؤجل لرجل فاعترف بالدين المقر له وأنكر الأجل القول للمقر له ولو
____________________
(7/223)
أقر بكفالة لرجل بدين مؤجل فاعترف المقر له وأنكر الأجل القول للكفيل في ظاهر الرواية خلافا للشافعي حيث ألحق الأول بالثاني فجعل القول في المسئلتين للمقر ولأبي يوسف على رواية إبراهيم بن رستم حيث ألحق الثاني بالأول فجعل القول فيهما للمقر له وما وقع في أكثر نسخ الهداية من عكس ذلك وهو أن الشافعي ألحق الثاني بالأول وأبو يوسف قلبه سهو من الكاتب وجه قول الشافعي رحمه الله إن الدين نوعان حال ومؤجل فاعترافه بالمؤجل اعتراف بنوع كالاعتراف بحنطة رديئة أو جيدة فلا يلزم النوع الآخر فالقول للمقر كالكفيل وجه قول أبي يوسف إنهما تصادقا على وجوب المال ثم ادعى أحدهما الأجل على صاحبه وهو ينكر فلا يصدق إلا بحجة كما في الأول وصار الأجل كالخيار فيما لو أقر بالكفالة على أنه بالخيار وأنكر الطالب القول للطالب في إنكاره الخيار وجه المذهب أن المقر بالدين أقر بما هو سبب المطالبة في الحال إذ الظاهر أن الدين كذلك لأنه إنما يثبت بدلا عن قرض أو إتلاف أو بيع ونحوه والظاهر أن العاقل لا يرضى بخروج مستحقه في الحال إلا ببدل في الحال فكان الحلول الأصل والأجل عارض فكان الدين المؤجل معروضا لعارض لا نوعا ثم ادعى لنفسه حقا وهو تأخيرها والآخر ينكره وفي الكفالة ما أقر بالدين على ما هو الأصح بل بحق المطالبة بعد شهر والمكفول له يدعيها في الحال والكفيل ينكر ذلك فالقول له وهذا لأن التزام المطالبة يتنوع إلى التزامها في الحال أو في المستقبل كالكفالة بما ذاب والدرك فإنما أقر بنوع منهما فلا يلزم بالنوع الآخر بخلاف الكفالة على أنه بالخيار فإنها ضعيفة لقلة وجودها فنزلت منزلة العدم وهذا مخلص ممن ادعى مالا وهو مؤجل في الواقع
____________________
(7/224)
فإن اعترف به مؤجلا لا يصدق وإن أنكر يكون كاذبا وخاف إن اعترف به كذلك لا يصدق في الأجل فالحيلة أن يقول للمدعي هذا المال الذي تدعيه مؤجل أم معجل فإن قال مؤجل حصل المقصود وإن قال معجل فينكر وهو صادق وفي العيون من عليه دين مؤجل إذا حلف ماله اليوم قبله شيء أرجو أن لا يكون به بأس إن كان لا يقصد به إتواء حقه قوله ومن اشترى جارية وكفل له رجل بالدرك فاستحقت لم يأخذ الكفيل وفاعل يأخذ ضمير من والكفيل مفعول يعني لم يطالبه حتى يقضي له بالثمن على البائع لأن بمجرد الاستحقاق أو القضاء به وبالمبيع لا ينتقض البيع أي لا ينفسخ على ظاهر الرواية واحترز بظاهر الرواية عن رواية الأمالي عن أبي يوسف أنه يأخذ الكفيل قبل أن يقضي على البائع بالثمن لأن الضمان توجه على البائع ووجب للمشتري مطالبته فكذلك على الكفيل وجه الظاهر ما ذكر من أن بمجرد الاستحقاق لا ينفسخ البيع فبالضرورة لا يجب الثمن على البائع وهو على ملكه ولا يعود إلى ملك المشتري حتى لو كان الثمن عبدا فأعتقه البائع بعد القضاء بالاستحقاق نفذ عتقه وكذا لو كان المشتري باعها من غيره فاستحقت من يد الثاني ليس للمشتري الأول أن يرجع على بائعه مالم يرجع عليه المشتري الثاني كي لا يجتمع البدلان في ملك واحد وإذا لم يجب الثمن على الأصيل لا يجب على الكفيل بخلاف مالو قضى بحرية العبد ونحوه لأن البيع يبطل به لعدم المحلية للبيع فيكون استحقاقا مبطلا للملك رأسا وما نحن فيه استحقاق ناقل للملك فمحليته للملك باقية واحتمال إجازة المستحق للبيع القائم ثابت فما بقي هذا الاحتمال يبقى الملك بخلاف ما إذا قضى على البائع برد الثمن لارتفاعه حينئذ وصحح في فصول الأستروشني أن للمستحق أن يجيز بعد قضاء القاضي وبعد قبضه قبل أن يرجع المشتري على بائعه بالثمن والرجوع بالقضاء يكون فسخا ثم من الاستحقاق المبطل دعوى النسب ودعوى المرأة الحرمة الغليظة ودعوى الوقف في الأرض المشتراة أو أنها كانت مسجدا ويشارك الاستحقاق الناقل في أن كلا منهما يجعل المستحق عليه ومن تملك ذلك الشيء من جهته مستحقا عليهم حتى أنه لو أقام واحد منهم البينة على المستحق بالملك المطلق لا تقبل بينته ويختلفان في أن كل واحد من الباعة في الناقل لا يرجع على بائعه مالم يرجع عليه ولا يرجع على كفيل الدرك مالم يقض على المكفول عنه وأسلفنا من مسائل الاستحقاق جملة وقوله وموضعه أي الاستحقاق أوائل الزيادات في ترتيب الأصل يريد ترتيب محمد فإنه بدأ بباب المأذون واحترز بالأصل عن ترتيبها الكائن الآن فإنه ترتيب
____________________
(7/225)
أبي عبدالله الزعفراني تلميذ محمد بن الحسن فإنه غير ترتيب محمد إلى ما هي عليه الآن وإنما سماه محمد بالزيادات لأن أصول أبوابه من أمالي أبي يوسف فكان محمد يجعل ذلك الباب من كلام أبي يوسف أصلا ثم يزيد عليه تفريعا تتميما له قوله ومن اشترى عبدا وضمن له رجل بالعهدة فالضمان باطل لأن هذه اللفظة مشتبهة المراد فإنها تقال للصك القديم وهو ملك البائع فلا يصح ضمانه وقال الشيخ أبو بكر الرازي هو كتاب الشراء وهو ملك المشتري فهو بمنزلة من ضمن لرجل ملكه وفي بلادنا يقال لخاص منه وهو مكتوب شراء الجواري وتقال لنفس العقد لأن العهدة من العهد كالعقدة من العقد والعهد والعقد واحد وتقال على حقوق العقد لأنها ثمراته وعلى خيار الشرط وهي في الحديث عهدة الرقيق ثلاثة أيام أي خيار الشرط فيه ولكل ذلك وجه قد بيناه وإذا تعددت المفاهيم تعذر العمل بها قبل البيان بخلاف ضمان الدرك فإنه استعمل في ضمان الاستحقاق عرفا فلا تعذر وذكر بعض المشايخ أن عند أبي حنيفة ضمان العهدة هو ضمان الدرك ولو ضمن الخلاص لا يصح عند أبي حنيفة لأنه عبارة عن تخليص المبيع وتسليمه وهو غير قادر عليه وعندهما هو بمنزلة الدرك وهو تسليم المبيع إن قدر عليه أو تسليم قيمته وذكر الصدر الشهيد في أدب القاضي للخصاف أن
____________________
(7/226)
تفسير الخلاص والدرك والعهدة واحد عند أبي يوسف ومحمد يعني فيكون صحيحا لأنه ضمان الدرك عندهما تصحيحا للكلام فتمت الألفاظ ثلاثة ضمان الدرك جائز بالاتفاق وضمان العهدة لا يجوز باتفاق ظاهر الرواية وضمان الخلاص مختلف فيه في ظاهر الرواية وقد ذكر أبو زيد في شروطه أن أبا حنيفة وأبا يوسف كانا يكتبان في الشروط فما أدرك فلان بن فلان فعلى فلان خلاصه أو رد الثمن وإن لم يذكر رد الثمن يفسد لأنه يبقى الضمان بتخليص المبيع وعلم من هذا أن الخلاف فيما إذا ذكر ضمان الخلاص مطلقا أما إذا قال خلاص المبيع أو رد الثمن أو أراد ذلك واتفقا على إرادته فيجوز بالإجماع & باب كفالة الرجلين
____________________
(7/227)
لما نزل هذا مما قبله منزلة المركب من المفرد ذكره عقيبه قوله وإذا كان الدين على اثنين بأن اشتريا معا عبدا بألف أو اقترضا معا وكفل كل منهما عن صاحبه فما أداه أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزائد لوجهين أحدهما أن كلا منهما في النصف أصيل وفي النصف الآخر كفيل ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وما عليه بحق الكفالة لقوة الأول وضعف الثاني لأن الأول دين عليه والثاني مطالبة بلا دين ثم هو تابع فوجب صرف المؤدى عن الأقوى تقديما له على الأضعف على ما هو مقتضى العقل والعادة لا يقال إن هذا يقتضي أن على قول من يجعل الدين على الكفيل مع المطالبة يكون المؤدي بينهما كما هو قول طائفة من مشايخنا ونقله ابن قدامة عن الأئمة الثلاثة لهذا إلا أن يصرفه بنيته أو بلفظه إلى أحدهما لأنا نقول الحكم عندنا ما ذكرنا من غير خلاف عندنا فإن الدين الثابت عليه بطريق الكفالة ليس بقوة الكائن عليه بطريق الأصالة ألا ترى أن المريض إذا اشترى في مرض موته شيئا كان من جميع المال ولو كفل كان من الثلث وأيضا لو اشترى المريض وعليه دين جاز ولو كفل وعليه دين لا يجوز وأما كونه يصرف بنيته قلنا التعيين في الجنس الواحد لغو وهذا دين واحد حتى لو كان نصف الدين بقرض مثلا ونصفه ببيع وعين صح إذ في الجنسين يعتبر تعيينه لأنه حينئذ مفيد ثانيهما أنه لو وقع في النصف عن صاحبه للكفالة كان له أن يرجع عليه به فلصاحبه أن يرجع بعين ما رجع عليه به المؤدي لأن أداء نائبه يعني كفيله بأمره كأدائه
____________________
(7/228)
بنفسه ولو أدى بنفسه يرجع فكذا بنائبه لكن إذا جعله كله عن صاحبه فنقول بذلك ليرجع بجميع ما رجع به صاحبه وإلا لم يكن له أن يرجع إلا بنصف ما رجع به صاحبه بيانه أدى الأول مائتين يرجع بنصفها لأنه في إحدى المائتين أصيل فإذا رجع به على صاحبه لم يقدر صاحبه أن يرجع بكلتيهما إلا إذا اعتبر نفسه مؤديا كلها عن صاحبه المؤدى حقيقة وإلا لم يرجع إلا بنصفها لأنه لو أداها حقيقة بنفسه انصرف منها خمسون إلى ما عليه أصالة وخمسون إلى ما عليه كفالة وإنما يرجع بما عليه من الكفالة فيؤدي إلى الدور وما يؤدي إليه ممتنع فيمتنع رجوعه فلم يقع عن صاحبه وإلا تغير حكم الشرع إذ الوقوع عن صاحبه حكمه جواز الرجوع وقد علمت أنه امتنع للدور واعلم أن ليس المراد حقيقة الدور فإنه توقف الشيء على ما يتوقف عليه ورجوع المؤدي ليس متوقفا على رجوع صاحبه بل إذا رجع للآخر أن يرجع ولا يلزم كونه في مال واحد بل إن شاء أعطاه ما أخذ منه فإذا رجع الآخر استفاده أو أعطاه غيره وكذا الأول فاللازم في الحقيقة التسلسل في الرجوعات بينهما فيمتنع الرجوع المؤدي إليه والحق أن هذا الوجه باطل لأن رجوع المؤدى عنه لا يمكن أن يسوغه شرعا اعتبار المؤدى عنه أنه أدى بنفسه واحتسبه عن المؤدي لأنه اعتبار باطل يؤدي إلى أن المؤدى عنه يرجع على المؤدى عنه بمثل ما أدى إلى الطالب وهو نقيض ما يقطع به من الشرع أن المؤدي هو الذي يرجع على المؤدى عنه بمثل ما أدى وكيف يكون أداء الإنسان عن غيره سببا لأن يرجع عليه ذلك الغير بمثل آخر هذا مجازفة عظيمة قوله وإذا كفل رجلان عن رجل بمال على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على شريكه بنصفه قليلا أو كثيرا ومعنى المسئلة في الصحيح أن تكون الكفالة بالكل عن الأصيل وبالكل عن الشريك والمطالبة متعددة من غير نظر إلى أنها مع الدين أولا فتجتمع الكفالتان وموجبهما التزام المطالبة فتصح الكفالة عن الكفيل
____________________
(7/229)
لأنه التزام ما على الكفيل من المطالبة بما كفل به كما تصح عن الأصيل بالتزام المطالبة بما عليه وكما تصح الحوالة من المحتال عليه للمحال بما أحيل به عليه على آخر وإذا عرف هذا فما أداه أحدهما وقع شائعا عنهما إذ الكل كفالة ما عن نفسه وما عن الكفيل الآخر فلا ترجيح للبعض على البعض ليقع النصف الأول عن نفسه خاصة بخلاف ما تقدم وإذا لم يترجح ما عليه من جهة المديون وما عليه من جهة الكفيل الآخر فيرجع على شريكه بنصف جميع ما أدى ولا يؤدي إلى الدور لأن قضية هذا الاستواء للاستواء في العلة وهي الكفالة وقد حصل برجوع أحدهما وهو المؤدي بنصف ما أدى فنقضه برجوع غير المؤدي بلا موجب بخلاف ما تقدم لا استواء فيه في العلة فإن أحدهما علته أقوى من الآخر فلم يستويا فلم يستو موجبها فلذا لا يرجع إلا بما زاد على النصف وهذا الفرق باعتبار الوجه الأول في المسئلة الأولى ولو كان الوجه الثاني صحيحا لم يقع فرق باعتباره لأن مسوغ رجوع المؤدى عنه اعتبار نفسه أدى ما أداه عنه المؤدي واحتسابه به عن المؤدي وهذا ممكن هنا بعينه بأن يقول هذا الذي ترجع علي به بسبب أنك أديته عني هو كأدائي بنفسي فكأني أنا الذي أديته واحتسبته عنك فأنا أرجع عليك به ولا شك في بطلان هذا فلا يقع الفرق إلا باعتبار القوة والضعف وهو الوجه الأول ثم يرجعان يعني الكفيلين المتكافلين على الأصيل لأنهما أديا عنه أحدهما بنفسه والآخر بنائبه وإن شاء رجع الكفيل المؤدي بالجميع على المكفول عنه لأنه كفل عنه بجميع المال بأمره ثم أداه ولو أبرأ رب المال أحدهما أخذ الآخر بالجميع لأن براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل فبقي المال كله على الأصيل والآخر كفيل عنه بكله قوله وإذا افترق
____________________
(7/230)
المتفاوضان فلأصحاب الديون أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين لأن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه على ما عرف في كتاب الشركة من أن شركة المفاوضة تنعقد على وكالة كل منهما عن الآخر وكفالة كل عن الآخر إلا ما استثنى ولا يرجع أحدهما على صاحبه حتى يؤدي أكثر من النصف لما مر من الوجهين في كفالة الرجلين المديونين بدين واحد والله الموفق قوله وإذا كوتب العبدان كتابة واحدة بأن قال مثلا كاتبتكما على ألف إلى عام وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه احدهما يرجع بنصفه على صاحبه ووجهه أن هذا العقد وهو عقد الكفالة جائز استحسانا خلافا للأئمة الثلاثة كما لو كانت الكفالة واحدة فقط ولأنه كفالة ببدل الكتابة وهو باطل وأيضا شرط فيه كفالة المكاتب وهو باطل والكتابة تبطل بالشروط الفاسدة وجه الاستحسان أنه يمكن أن يعتبر له وجه يصح به فيحمل عليه وهو أن يجعل المال على أحدهما وعتق الآخر معلقا بأدائه كما في الولد المولود في الكتابة فيجعل كل منهما في حق المولى كأن المال كله عليه وعتق الآخر معلقا بأدائه فيطالب كل منهما بجميع المال بحكم الأصالة لا الكفالة وفي الحقيقة المال مقابل بهما فينقسم عليهما بخلاف ما إذا اختلفت كتابتهما لأن عتق كل منهما معلق بمال عليه على حدة فتعذر تصحيحه وفيما وراء ذلك الاعتبار المصحح الحقيقة هي المعتبرة حتى أن ما أداه أحدهما يرجع بنصفه على
____________________
(7/231)
صاحبه لاستوائهما ولو لم يؤديا شيئا حتى أن المولى أعتق أحدهما جاز لمصادفته ملكه وبرئ عن النصف لأنه ما رضي بالتزام المال إلا ليكون وسيلة إلى عتقه ولم يبق وسيلة لحصول عتقه بطريق آخر فيسقط ويبقى النصف على الآخر لأن المال في الحقيقة مقابل بعتقهما وإنما جعل على كل واحد منهما احتيالا لتصحيح الضمان والحامل عليه تشوف الشارع إلى العتق فإذا جاء العتق استغنى عنه فاعتبر مقابلا برقبتهما فوجب أن يتنصف وللمولى أن يأخذ بحصة الذي لم يعتق أيهما شاء المعتق بالكفالة وصاحبه بالأصالة وأورد عليه أنه يستلزم كون الرقيق ضامنا لبدل الكتابة وهو لا يجوز أجيب بأن هذا في حالة البقاء لا في الابتداء كما لو مات شهود النكاح فإن أخذ الذي عتق رجع على صاحبه بما أدى وإن أخذ الآخر به لم يرجع على الذي عتق لأنه ربما أدى عن نفسه
____________________
(7/232)
& باب كفالة العبد وعنه
أخر ما يتعلق به لتأخره بالرد بالرق قوله ومن ضمن عن عبد مالا موصوفا بكونه لا يجب على العبد حتى يعتق كأن أقر باستهلاك مال وكذبه المولى أو اقرضه إنسان أو باعه وهو محجور فإنه لا يجب عليه إلا بعد عتقه وكذا إذا أودع شيئا فاستهلكه أو وطئ امرأة بشبهة بغير إذن المولى بخلاف مالو كان استهلاكه للمال معاينا معلوما فإنه يؤخذ به في الحال فإذا كفل رجل عن العبد بالمال الذي لا يجب عليه إلا بعد الحرية من غير أن يشرط في الكفالة تأجيلا وهذا هو المراد بقوله لم يذكر حلولا ولا غيره لزم الكفيل حالا لأن المال حال على العبد لوجود السبب وقبول الذمة وعدم الأجل وكيف والعتق لا يصلح أجلا لجهالة وقت وقوعه وقد لا يقع أصلا وإنما لا يطالب به لعسرته إذ جميع ما في يده ملك المولى لم يرض بتعلقه به أي بتعلق الدين بملكه والكفيل غير معسر فالمانع الذي تحقق في الأصيل منتف من الكفيل مع وجود المقتضي وهو الكفالة المطلقة بمال غير مؤجل فيطالب به في الحال فصار كما لو كفل عن مفلس أو غائب يلزمه في الحال مع أن الأصيل لا يلزمه
____________________
(7/233)
وهذا أحسن في حلول هذه الكفالة بخلاف وجه تأخير الدين إلى العتق وهو العسرة وعدم رضا المولى فإنه لو تم لزم تأخير دين الاستهلاك المعاين لعسرته وعدم رضا المولى بل الوجه عدم نفاذ تصرف غير المولى في حقه بما يضره أعني تصرف المقرض والبائع للعبد ولم يرض بإيداع المودع عند عبده ولا بتمكين المرأة وعدم نفاذ قول العبد في حق المولى إذا كان يكذبه بخلاف الاستهلاك المعاين فإنه ليس فيه أحدهما فنيفذ في حقه دفعا لضرر لم يتسبب فيه على نفسه فيجب الدين في الحال فيؤخذ من كسبه إن كان له كسب والاتباع رقبته فيه إلا أن يفديه المولى هذا هو المرجح في قول محمد في العبد الذي يستهلك المال الذي لا يجب حتى يعتق بخلاف الدين المؤجل لأنه متأخر بمؤخر صحيح ولو كان كفل بدين الاستهلاك المعاين ينبغي أن يرجع قبل العتق إذا أدى لأنه دين غير مؤخر إلى العتق فيطالب السيد بتسليم رقبته أو القضاء عنه وبحث أهل الدرس هل المعتبر في هذا الرجوع الأمر بالكفالة من العبد أو السيد وقوي عندي كون المعتبر أمر السيد لأن الرجوع في الحقيقة عليه قوله ومن ادعى على عبد مالا وكفل رجل بنفسه فمات العبد برئ الكفيل لبراءة الأصيل وهو ظاهر لا فرق في ذلك بين كون المكفول به حرا أو عبدا وإنما فرضها في العبد ليرتب عليها مسئلة دعوى الرقبة وهو قوله فلو كان ادعى رقبة العبد فكفل به رجل فمات العبد فأقام المدعي البينة أن العبد كان له ضمن الكفيل قيمته لأن على المولى رد رقبة العبد
____________________
(7/234)
على وجه يخلفها قيمتها وقد التزم الكفيل ذلك وبعد الموت القيمة واجبة على الأصيل فكذا على الكفيل فهو كما لو كفل بالمغصوب حيث يؤخذ برد عينه فإن عجز فبقيمته فحاصله أنه كفل بمال هو رقبة العبد والمكفول عنه المولى بخلاف ما لو كفل بالمال الذي على العبد فمات يجب ضمانه والمكفول عنه فيه هو العبد وكذا عن الحر فمات الحر مفلسا لا يبرأ الكفيل في قولهم جميعا بخلاف من كفل عن المفلس بعد موته على ما تقدم من الخلاف فيه قوله وإذا كفل العبد عن مولاه بأمره فعتق فأدى أو كان المولى كفل عن عبده وأدى بعد عتق عبده لم يرجع واحد منهما على الآخر بشيء ونقل عن زفر رحمه الله في شرح الجامع أنه يرجع قال المصنف ومعنى الوجه الأول يعني ضمان العبد عن سيده أن لا يكون على العبد دين حتى تصح كفالته عن سيده وهذا لأن الأصل أن كفالة العبد لا تصح مطلقا لأن الكفالة إنما تصح ممن يصح منه التبرع على ما قدمناه أول الباب فلذا لا تصح من الصبي غير المأذون غير أن أمر السيد له بها فك للحجر عنه فيه فتصح حتى تباع رقبته في دين الكفالة إذا كفل لغير السيد بإذن السيد فإذا كان على العبد دين لا يملك السيد ماليته لتعلق حق الغرماء بها فلا يعمل أمره إياه بالكفالة بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين فإن لمولاه الحق في ماليته فيعمل إذنه له في أن يكفل عنه وفي بعض نسخ الهداية ومعنى المسئلة أن يكون عليه دين وليست صحيحة لما بينا أما كفالة السيد عن العبد فصحيحة على كل حال سواء كان على العبد دين أو لا فإن قيل دين العبد الذي يظهر في حق المولى يقضى من ماليته وهي ملك المولى فأي فائدة في هذه الكفالة أجيب بأن الفائدة شغل ذمة المولى بالمطالبة مع الدين أولا معه ليقضى من جميع أمواله بخلاف ما إذا لم يكفل فإنه لا يلزمه عينا إلا ان يسلمه ليباع وقد لا يفي ثمنه بالدين فلا يصل الغرماء إلى تمام الدين وبالكفالة يصلون لزفر رحمه الله أنه تحقق الموجب للرجوع وهو الكفالة بأمره والمانع وهو كونه عبده ولا يستوجب واحد من السيد والعبد دينا على الآخر قد زال بالعتق فإن الأداء منهما بعده فيجب الرجوع ولنا أنها وقعت من كل منهما غير موجبة للرجوع بما قلنا إن واحدا منهما لا يستوجب دينا على الآخر
____________________
(7/235)
فلا تنقلب موجبة أبدا كمن كفل عن غيره بغير أمره فبلغه فأجاز فأدى الكفيل لا يرجع لأن معنى الأمر وإن تحقق في حالة البقاء لم يوجب حكم الابتداء وهو الرجوع لأن الأصل أن ما يقع لازما لا يكون لبقائه حكم الابتداء وهذه الكفالة حين وقعت وقعت غير موجبة للرجوع لما قلنا من أن كل واحد من السيد والعبد لا يستوجب على الآخر دينا إلا أن يكون العبد مديونا فحينئذ يثبت له الدين على السيد وإذا وقعت غير موجبة فلو انقلبت موجبة كان في حال البقاء وليس لبقائها حكم الابتداء لأنها تقع لازمة وقد طولب بالفرق بين هذه وبين الراهن إذا أعتق العبد الرهن وهو معسر فإن العبد يسعى في ذلك الدين ثم يرجع به على سيده فلم لا يرجع هنا أجيب بأن استيجاب الدين على مولاه وقع بعد العتق فلم يكن فيه تناف وقت استيجاب الدين لحريتهما إذ ذاك فجاز أن يرجع على المولى أما هنا فزمان استيجاب الدين وهو زمان الكفالة كان عبدا فيه قوله ولا تجوز الكفالة ببدل الكتابة حر تكفل به أو عبد وكذا لا تجوز بمال آخر للسيد على المكاتب لأنه أي عقد الكتابة ثبت مع المنافي وهو عبديته للسيد المكاتب لأنه عبد ما بقي عليه درهم وذلك يقتضي نفي الدين للسيد على عبده
____________________
(7/236)
وإن ثبت فإنما يثبت على خلاف القياس بالنص لتحقيق العتق لتشوف الشارع إليه فيقتصر عليه فلا يظهر في حق صحة الكفالة ولأن المكاتب لو عجز نفسه سقط هذا الدين ولا يمكن إثباته أي إثبات هذا الدين على هذا الوجه على الكفيل وهو كونه إذا عجز الكفيل نفسه يسقط عنه وإثباته مطلقا في ذمة الكفيل عن هذا الوصف ينافي معنى الضم لأن من شرطه الاتحاد ولو أثبتناه على الإطلاق على الكفيل وعلى تمكينه من إسقاطه على الأصيل لم يتحد الدين عليهما وبدل السعاية كمال الكتابة في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه كالمكاتب عنده للعلة الأولى لأن له أحكام العبد عنده حتى لا تقبل شهادته ولا يتزوج أكثر من ثنتين وينصف حده وقسمها دون العلة الثانية إذ لا يقدر على أن يسقط عنه دين السعاية بتعجيز نفسه وعندهما تصح الكفالة به لأنه حر مديون عندهما وأما الكفالة للمكاتب بدين له على السيد ليس من جنس بدل الكتابة فجائزة وأما العبد التاجر إذا ادان مولاه دينا فإن لم يكن على العبد دين وأخذ منه كفيلا له فالكفالة باطلة لأن العبد لا يستوجب على مولاه دينا وإن كان عليه دين صحت الكفالة لأن كسبه حق الغرماء لا السيد فكان الدين واجبا في ذمته كما في ذمة غيره فصحت الكفالة والكفالة بالنفس مثل ذلك إن لم يكن على العبد دين لا تصح وإن كان صحت
____________________
(7/237)
= كتاب الحوالة
الحوالة تناسب الكفالة لأن كلا منهما عقد التزام ما على الأصيل للتوثق إلا أن الحوالة تتضمن براءة الأصيل براءة مقيدة على ما ستعلم بخلاف الكفالة لا تتضمنه فكانت كالمركب مع المفرد والمفرد مقدم فأخر الحوالة عنها وأيضا أثر الكفالة أقرب إلى الأصل وهو عدم السقوط بعد الثبوت وأثر الحوالة أبعد منه والحوالة اسم من الإحالة ومنه يقال أحلت زيدا بما له على عمرو فاحتال أي قبل فأنا محيل وزيد محال ويقال محتال والمال محتال به والرجل محال عليه ويقال محتال عليه فتقدير الأصل في محتال الواقع فاعلا محتول بكسر الواو وفي الواقع مفعولا محتول بالفتح كما يقدر في مختار الفاعل مختير بكسر الياء وبفتحها في مختار المفعول وإما صلة له مع المحتال الفاعل فلا حاجة إليها بل الصلة مع المحال عليه لفظة عليه فهما محتال ومحتال عليه فالفرق بينهما بعدم الصلة وبصلة عليه وفي المغرب تركيب الحوالة يدل على الروال والنقل ومنه التحويل وهو نقل الشيء من محل إلى محل ويقال للمحتال حويل أيضا فالمحيل هو المديون والمحال والمحتال رب الدين والمحال عليه والمحتال عليه هو الذي التزم ذلك الدين للمحتال والمحتال به نفس الدين وهي في الشرع نقل المطالبة من ذمة المديون إلى ذمة الملتزم بخلاف الكفالة فإنها ضم في المطالبة لا نقل فلا يطالب المديون بالاتفاق وإنما اختلف المشايخ أن الدين أيضا ينتقل أولا وسنذكره من قريب فلو أريد التعرف على قول الناقلين بخصوصهم قيل نقل الدين
____________________
(7/238)
أو وقول النافين قيل نقل المطالبة فقط قوله وهي جائزة بالديون قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع متفق عليه وأما بلفظ أحيل مع لفظ يتبع كما ذكره المصنف فرواية الطبراني عن أبي هريرة في الوسط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم ومن أحيل على مليء فليتبع ورواه أحمد وابن أبي شيبة ومن أحيل على مليء فليحتل قيل وقد يروى فإذا أحيل بالفاء فيفيد أن الأمر بالاتباع للملاءة على معنى أنه إذا كان مطل الغني ظلما فإذا أحيل على مليء فليتبع لأنه لا يقع في الظلم والله أعلم ثم أكثر أهل العلم على أن الأمر المذكور أمر استحباب وعن أحمد للوجوب والحق الظاهر أنه أمر إباحة هو دليل جواز نقل الدين شرعا أو المطالبة فإن بعض الأملياء عنده من اللدد في الخصومة والتعسير ما تكثر به الخصومة والمضاررة فمن علم من حاله هذا لا يطلب الشارع اتباعه بل عدمه لما فيه من تكثير الخصومات والظلم وأما من علم منه الملاءة وحسن القضاء فلا شك في أن اتباعه مستحب لما فيه من التخفيف على المديون والتيسير عليه ومن لا يعلم حاله فمباح لكن لا يمكن إضافة هذا التفصيل إلى النص لأنه جمع بين معنيين مجازيين للفظ الأمر في إطلاق واحد فإن جعل للأقرب أضمر معه القيد وإلا فهو دليل الجواز للإجماع على جوازها دفعا للحاجة وإنما خصت بالدين لأن النقل الذي تضمنه نقل شرعي وهو لا يتصور في الأعيان بل المتصور فيها النقل الحسي فكانت نقل الوصف الشرعي وهو الدين قوله وتصح برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه أما المحتال فلأن الدين حقه وهو أي الدين الذي ينتقل بها أي بالحوالة والذمم متفاوتة
____________________
(7/239)
في حسن القضاء والمطل فلا بد من رضاه وإلا لزم الضرر بإلزامه اتباع من لا يوفيه وأما المحتال عليه فلأنه الذي يلزمه الدين ولا لزوم إلا بالتزامه ولو كان مديونا للمحيل لأن الناس يتفاوتون في الاقتضاء من بين سهل ميسر وصعب معسر وأما المحيل فالحوالة تصح بلا رضاه ذكره في الزيادات لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه وهو أي المحيل لا يتضرر به بل فيه نفعه عاجلا باندفاع المطالبة عنه في الحال وآجلا بعدم الرجوع عليه لأنه لا يرجع إلا بأمره وحيث تثبت الحوالة بغير رضاه كان بغير أمره وأول في الأوضح المذكور في القدوري بما إذا كان للمحيل على المحتال عليه دين بقدر ما يقبل الحوالة فإن قبول الحوالة حينئذ من المحتال عليه يكون إسقاطا لمطالبة المحيل عن نفسه أعني نفس المحتال عليه فلا تصح إلا برضاه كذا في الخبازية واشتراط رضا المحيل قول الأئمة الثلاثة قالوا لأن للمحيل إيفاء ما عليه من أي جهة شاء فلا يتعين عليه بعض الجهات قهرا ونقل ابن قدامة أن رضا المحيل لا خلاف فيه ليس بصحيح وصورته أن يقول رجل لصاحب الدين لك على فلان بن فلان ألف فاحتل بها علي فرضي الطالب وأجاز صحت الحوالة حتى لا يكون له أن يرجع بعد ذلك وسنبين الحق فيه عندنا هذا ولا تصح الحوالة في غيبة المحتال في قول أبي حنيفة ومحمد كما قلنا في الكفالة إلا أن يقبل رجل الحوالة للغائب فتتوقف على إجازته إذا بلغه وكذا لا يشترط حضرة المحتال عليه حتى لو أحال على
____________________
(7/240)
غائب فبلغه فأجاز صحت قوله وإذا تمت الحوالة بالقبول برئ المحيل من الدين هذا قول طائفة من المشايخ وهو المصحح من المذهب وقول طائفة أخرى لا يبرأ إلا من المطالبة فقط وقال زفر لا يبرأ من المطالبة أيضا فالنظر في خلاف المشايخ أولا حتى يثبت المذهب ثم ينظر في خلاف زفر فالقائلون إن المذهب لا يبرأ عن الدين استدلوا بمسائل ذكرها محمد تقتضي ذلك فمنها أن المحتال إذا أبرأ المحتال عليه يصح ولا يرتد برده كإبراء الكفيل ولو انتقل أصل الدين إلى ذمة المحتال عليه وجب أن يرتد برده كما لو أبرأ المحتال المحيل قبل الحوالة لما فيه من معنى التمليك ومنها أن المحيل إذا نقد المحتال ماله بعد الحوالة يجبر على القبول فلو انتقل أصل الدين بالحوالة كان متبرعا
____________________
(7/241)
بمال المحتال فلا يجبر على قبوله لغيره ومنها أن المحتال إذا وكل المحيل بقبض مال الحوالة من المحتال عليه لا يصح ولو انتقل الدين صار المحيل أجنبيا عنه وتوكيل الأجنبي بقبض الدين صحيح ومنها أن المحتال إذا أبرأ المحتال عليه لا يرجع المحتال عليه بذلك على المحيل فلو كانت الحوالة بأمر المحيل ولو وهب من المحتال عليه يرجع به على المحيل كما في الكفيل إلا إن لم يكن للمحيل عليه دين وإلا التقيا قصاصا ولو كان الدين يتحول إلى ذمته كان الإبراء والهبة في حقه سواء فلا يرجع والقائلون إن المذهب ينتقل الدين استدلوا بأن المحتال إذا وهب الدين من المحيل أو أبرأه من الدين بعد الحولة لا يصح إبراؤه وهبته ولو بقي الدين في ذمته صح وجعل شيخ الإسلام هذا الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فعند أبي يوسف ينتقل الدين والمطالبة وعند محمد تنتقل المطالبة لا الدين قال وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسئلتين إحداهما أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين فله أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبرأه عنه وعند محمد لا يسترده كما لو أجل الدين بعد الرهن والثانية إذا ابرأ الطالب المحيل بعد الحوالة لا يصح عند أبي يوسف لأنه برئ بالحوالة وعند محمد يصح وبرئ المحيل لأن أصل الدين باق في ذمته وإنما تحولت المطالبة ليس غير وقد أنكر هذا الخلاف بينهما بعض المحققين وقال لم ينقل عن محمد نص بنقل المطالبة دون الدين بل ذكر أحكاما متشابهة واعتبر الحوالة في بعضها تأجيلا وجعل المحول بها المطالبة لا الدين واعتبرها في بعض الأحكام إبراء وجعل المحول بها المطالبة والدين وإنما فعل هكذا لأن اعتبار حقيقة اللفظ يوجب نقل المطالبة والدين إذ الحوالة منبئة عن النقل وقد أضيف إلى الدين واعتبار المعنى يوجب تحويل المطالبة لأن الحوالة تأجيل معنى ألا ترى أنه إذا مات المحتال عليه مفلسا يعود الدين إلى ذمة المحيل وهذا هو معنى التأجيل فاعتبر المعنى في بعض الأحكام واعتبر الحقيقة في بعضها نعم يحتاج إلى بيان كمية خصوص الاعتبار في كل مكان وسيجيب المصنف عن بعضها في خلافية زفر هذه إذا عرف المذهب حينئذ جئنا إلى خلاف زفر له الاعتبار بالكفالة بجامع أن كلا منهما عقد توثق ولم ينتقل فيها دين ولا مطالبة بل تحقق فيها اشتراك في المطالبة ولأن عدم الانتقال أدخل في معنى التوثق إذ يصير له مكنة أن يطالب كلا منهما فكذا هذا ولنا أن الحوالة للنقل لغة ومنه حوالة الغراس فوجب نقل الدين والدين إذا انتقل عن الذمة لا يبقى فيها أما الكفالة فللضم لغة لأنها من الكفل وهو الضم فوجب فيها اعتبار ضم الذمة إلى الذمة لأن الأحكام يعني العقود الشرعية المسماة بأسماء تعتبر فيها معاني تلك الأسماء وهو فائدة اختصاصها بأسمائها قوله عقد توثق والتوثق أن يطالب كلا
____________________
(7/242)
منهما قلنا بل التوثق لم ينحصر في ذلك بل يصدق باختيار الإملا والأيسر في القضاء فيكتفى به في تحقيق معنى التوثق في مسمى لفظ الحوالة غير متوقف على خصوص ما ذكر من التوثق وهذا الدليل ينتهض على زفر فإنه قال ببقاء الدين والمطالبة على الأصيل أما الطائفة من المشايخ القائلون بنقل المطالبة دون الدين فلا فإنه إذا قال الحوالة تنبئ عن النقل فيعتبر فيها ذلك قالوا سلمنا واعتبار نقل المطالبة كاف في تحقيق معنى النقل غير متوقف على نقل الدين كما قلت لزفر أن تحقيق التوثق يحصل باختيار الإملا الخ غير متوقف على كل كما يحصل به التوثق وقوله وإنما يجبر الخ جواب نقض من قبل زفر وهو مما سبق من أدلة القائلين من المشايخ بعدم نقل الدين وهو أن المحيل إذا نقد المحتال الدين المحال به قبل نقد المحال عليه أجبر المحتال على القبول فلو لم يكن الدين باقيا على المحيل لم يجبر لأنه حينئذ متبرع بشيء من ماله فلا يجبر على قبوله أجاب بأنه لا يلزم على تقدير النقل أن يكون متبرعا محضا وإنما يكون ذلك لو لم يكن عود الدين المنتقل إليه بعينه ممكنا مخوفا قد يتوقع فأما إن كان فلا لأنه على ذلك التقدير دافع عن نفسه المطالبة على تقدير تحقق سببها فهذا الجواب يدفع هذا الوارد من حيث هو نقض لزفر ودليل لتلك الطائفة وقد نقض من قبل زفر بوجود الحوالة ولا نقل أصلا بما إذا وقعت بغير إذن المحيل وأجيب بأن معنى النقل يتحقق فيه بعد أداء المحتال عليه حتى لا يبقى إذ ذاك على المحيل شيء إلا أنه قد يقال لو صح هذا لصح أن يقال الكفالة بغير أمر المكفول عنه فيها نقل الدين أيضا بهذا الوجه لأنه إذا أدى الكفيل لا يبقى على المكفول عنه شيء والحق أن أصل الجواب ساقط فإن انتفاء الدين عن المحيل بأداء المحال عليه ليس هو نقل الدين بل انتفاءه من الوجود بالكلية وليس هذا نقله بل نقله تحوله من محال إلى محل ذمة المحال عليه وعندي أن الجواب هو أن الحوالة بغير إذن المحيل ليست حوالة من كل وجه لأن حقيقة الحوالة إن كان فعل المحيل الإحالة أو الحاصل من فعله فهو منتف لانتفاء الفعل منه والنقل إنما هو في حقيقتها ولهذا أجاز المالكية هذا المعنى وأخرجوه من الحوالة وسموه حمالة وحكمها شطر حكم الحوالة وهو اللزوم على المتحمل دون الشطر الآخر وهو انتقال الدين عن المديون فلم تكن حوالة وإلا استعقبت تمام حكمها وهذا ما وعدناه قوله ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوي حقه وقال الشافعي رحمه الله لا يرجع وإن توى
____________________
(7/243)
بموت أو إفلاس أو غيره وهو قول أحمد واللبيث وأبي عبيد وعن أحمد إذا كان المحال عليه مفلسا ولم يعلم الطالب بذلك فله الرجوع إلا أن يرضى بعد العلم وهو قول مالك فلأن الإفلاس عيب في المحال عليه فله أن يرجع بسببه كالمبيع ولأن المحيل غره فهو كما لو دلس المبيع يرجع به لأن البراءة الحاصلة بالانتقال حصلت مطلقة فلا تعود إلا بسبب جديد ولا سبب فلا عود ويؤيده ما روي عن ابن المسيب أنه كان له على علي رضي الله تعالى عنه دين فأحاله به على آخر فمات المحتال عليه فقال ابن المسيب اخترت عليا فقال له أبعدك الله فمنع رجوعه ونحن نمنع كون البراءة مطلقة بل هي مقيدة معنى بشرط السلامة وإن كانت مطلقة وهذا القيد ثبت بدلالة الحال وهو أن المقصود من شرع الحوالة ليس مجرد الوجوب على الثاني لأن الذمم باعتبار هذا القدر متساوية وإنما تتفاوت في إحسان القضاء وعدمه فالمقصود التوصل إلى الاستيفاء من المحل الثاني على الوجه الأحسن وإلا لم ينتقل عن الأول فصارت السلامة من المحل الثاني كالمشروط في العقد الأول فإذا لم يحصل المشروط عاد حقه على الأصيل
____________________
(7/244)
فصار كما لو صالح على عين فهلكت قبل التسليم يعود الدين لأن البراءة ما ثبتت مطلقة بل بعوض فإذا لم يسلم يعود يؤيده ما روي عن عثمان رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا في المحتال عليه إذا مات مفلسا قال يعود الدين إلى ذمة المحيل وقال لا توى على مال امرئ مسلم ولفظ الأسرار قال إذا توى المال على المحتال عليه عاد الدين على المحيل كما كان ولا توى على مال مسلم وذكر محمد في الأصل عن شريح بمثل ذلك وهذان الحديثان متعارضان فإن كانا صحيحين أو لم يثبتا فقد تكافآ هذا واختلفت عباراتهم في كيفية العود فقيل بفسخ الحوالة أي بفسخها المحتال ويعاد الدين كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا وقيل تنفسخ ويعود الدين كالمبيع إذا هلك قبل القبض وقيل في الموت عن إفلاس تنفسخ ويعود وفي الجحود يفسخ ويعاد وفي طريقه الخلاف قالوا لو مات المحيل والمحال عليه مفلسين لا يرجع فكذا ما نحن فيه قلنا لا نسلم بل له الرجوع إلا أنه سقطت المطالبة بالإعسار ولهذا كلما ظهر لأحدهما مال أخذه كما في الكفيل والمكفول عنه إذا ماتا مفلسين تبطل الكفالة ثم لا يدل على أن المطالبة لا تثبت حالة حياة المكفول عنه قالوا مال الحوالة جعل كالمقبوض لأنه لو لم يكن كالمقبوض لأدى إلى الافتراق عن دين بدين ولأنه تجوز الحوالة برأس مال السلم والصرف ولولا أنه كالمقبوض لم تجز الحوالة وإذا مات المحيل مفلسا لا يكون المحتال أسوة للغرماء وإذا كان كالمقبوض لا يرجع قلنا ليس كالمقبوض وإلا لجاز للمحتال أن يشتري شيئا من غير المحتال عليه كما يجوز أن يشتري به من المحتال عليه وقولهم لو لم يكن كالمقبوض صار دينا بدين إنما يلزم لو كان القصد منه المعاوضة وليس كذلك كالقرض وأما الصرف والسلم فحجة لنا لأنه لو كان كالمقبوض لجاز أن يتفرقا عن المجلس من غير قبض وليس كذلك فإنه إذا أحال بهما فلو افترقا من غير قبض يفسد العقد ولو كانت الحوالة قبضا لكان هذا افتراقا بعدالقبض فلا يفسد العقد وأما كون المحتال لا يصير أسوة الغرماء إذا مات المحيل ولا مال له سوى ما على المحتال عليه فممنوع قال في الجامع الكبير ولو أن المحال أخر الحويل سنة ثم مات المحيل وعليه دين آخر سوى دين المحال يقسم دينه على الحويل بين المحال وبين الغرماء بالحصص لأن هذا مال المحيل ولم يصر بالحوالة ملكا للمحال لأن تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يتصور لكن تعلق به حق المحال وبهذا لا يصير المحال أخص به مالم تثبت اليد بدليل أن العبد المأذون إذا كان عليه دين يتعلق حق صاحب الدين برقبته وكسبه لو وجب بعد ذلك دين آخر كان رقبته ثم وكسبه بين الكل بالحصص انتهى وإذا عرف أنه يرجع بالتوى بين التوى بقوله والتوى عند أبي حنيفة رحمه الله بكل من أمرين
____________________
(7/245)
إما أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة عليه للمحتال ولا للمحيل فقوله له يعني كلا من المحيل والمحتال أو يموت مفلسا لا مال له معينا ولا دينا ولا كفيل عنه بدين المحتال وعندهما بهذين ووجه آخر وهو أن يحكم حاكم بإفلاسه وهذا بناء على أن تفليس القاضي يصح عندهما وعنده لا يصح لأنه يتوهم ارتفاعه بحدوث مال له فلا يعود بتفليس القاضي على المحيل والتوى التلف يقال منه توى بوزن علم يتوي وهو تو وتاو ولو قال المحتال مات مفلسا وقال المحيل بخلافه ففي الشافي والمبسوط القول للطالب مع اليمين على العلم لأنه متمسك بالأصل وهو العسرة ولو كان حيا فزعم أنه مفلس فالقول له فكذلك بعد موته وفي شرح الناصحي القول للمحيل مع اليمين لإنكاره عود الدين قوله وإذا طالب المحتال عليه المحيل بمثل مال الحوالة فقال المحيل إنما أحلت بدين لي عليك لم يقبل قوله وعليه مثل الدين لأن سبب الرجوع قد تحقق في حقه وهو قضاؤه دينه بأمره ولأن المحيل يدعي دينا عليه وهو ينكر والقول للمنكر ولا يقال قبول الحوالة من المحتال عليه إقرار بالدين عليه لأنا نقول ليس من ضرورة قبول الحوالة ذلك بل قد تكون بما عليه وهي المقيدة وقد تكون مطلقة والمطلقة هي حقيقة الحوالة أما المقيدة فوكالة بالأداء من وجه والقبض وإذا طالب المحيل المحتال بما أحاله به وقال إني أحلتك لتقبضه لي فقال المحتال بل أحلتني بدين عليك فالقول للمحيل لأن المحتال يدعي عليه أي على المحيل دينا وهو ينكر
____________________
(7/246)
فالقول له لأن فراغ الذمة هو الأصل وبه قال الشافعي في وجه وفي وجه آخر القول للطالب لأن الحوالة بالدين ظاهرا فما قاله المحيل توكيل فهو خلاف الظاهر وهو قول أحمد وقول المصنف ولفظة الحوالة مستعملة في الوكالة فيكون القول قوله مع يمينه جواب عنه وهو بناء على تساويهما في الاستعمال ومنع كونها بالدين أظهر فالحوالة متواطئ فيهما وإلا فادعاؤه مجازا متعارفا يخص قولهما فإن الحقيقة عند أبي حنيفة مقدمة على المجاز المتعارف وقد تكلف شمس الأئمة حين استبعد التواطؤ وتقديم المجاز المتعارف فحملها على ما إذا استوفى المحتال الألف المحال بها وقد كان المحيل باع متاعا من المحتال عليه بهذه الألف فيقول المحتال كان المتاع ملكي وكنت وكيلا في بيعه عني والمقبوض مالي ويقول الميحل كان المتاع ملكي وإنما بعته لنفسي فالقول للمحيل لأن اصل المنازعة وقع بينهما في ملك ذلك المتاع واليد كان للمحيل فالظاهر أنه له انتهى وظاهره تخصيص المسئلة بنحو هذه الصورة وليس كذلك بل جواب المسئلة مطلق في سائر الأمهات والحق أنه لا حاجة إلى ذلك بعد تجويز كون لفظ أحلتك بألف يراد به ألف للمحيل لأن ثبوت الدين على الإنسان لا يمكن بمثل هذه الدلالة بل لا بد من القطع بها من جهة اللفظ أو دلالته مثل له علي أو في ذمتي لأن فراغ الذمة كان ثابتا بيقين فلا يلزم فيه ضرر شغل ذمته إلا بمثله من اللفظ ومنه نحو قوله اتزنها في جواب لي عليك ألف للتيقن بعود الضمير في اتزنها على الألف المدعاة بخلاف مجرد قوله أحلتك قوله ومن أودع رجلا ألف درهم وأحال بها عليه آخر فهو جائز لأنه أقدر على القضاء لتيسر ما يقضي به وحضوره بخلاف الدين عليه فإن هلكت برئ المحال عليه وهو المودع لتقيدها بها أي لتقيد الحوالة بالوديعة التي هلكت فإنه أي الرجل ما التزم الأداء إلا منها بخلاف ما إذا كانت الحوالة مقيدة بعين مغصوب عرض أو ألف درهم مثلا فإنه إذا هلك المغصوب المحال به لا تبطل
____________________
(7/247)
الحوالة ولا يبرأ المحال عليه لأن الواجب على الغاصب رد العين فإن عجز رد المثل أو القيمة فإذا هلك في يد الغاصب المحال عليه لا يبرأ لأن له خلفا والفوات إلى خلف كلا فوات فبقيت متعلقة بخلفه فيرد خلفه على المحتال وقد تكون الحوالة مقيدة بالدين أيضا بأن يحيله بدينه الذي له على فلان المحال عليه فصارت المقيدة بالتفصيل ثلاثة أقسام مقيدة بعين أمانة وبعين مضمونة وبدين خاص وحكم المقيدة في هذه الجملة أعني الأقسام الثلاثة أن لا يملك المحيل مطالبة المحال عليه بذلك العين ولا بذلك الدين
____________________
(7/248)
لأن الحوالة لما قيدت بها تعلق حق الطالب به وهو استيفاء دينه منه على مثال الرهن وأخذ المحيل يبطل هذا الحق فلا يجوز فلو دفع المحال عليه العين أو الدين إلى المحيل ضمنه للطالب فإنه استهلك ما تعلق به حق المحتال كما إذا استهلك الرهن أحد يضمنه للمرتهن لأنه يستحقه ولما كان تشبيه المصنف بالرهن يتبادر أنه لو هلك المحيل وعليه دين آخر غير دين المحتال ينبغي أن يختص المحتال بذلك الدين الذي أحيل به او العين وليس كذلك بينه المصنف فقال وإن كان أي المحتال أسوة الغرماء فيه بعد موت المحيل وهذا لأنه لو بقي للمحيل حق المطالبة بما أحال به من الأمر المعين فيأخذه منه بطلت الحوالة والواقع أنها حق المحتال فليس له أن يبطل حقه وترك الفرق بين الرهن والمحال به دينا أو عينا والفرق ما قدمناه أنه وإن كان حق المحتال متعلقا بالعين المخصوصة أو الدين كما يتعلق حق الدائن بالرهن المعين لكن ليس له يد ولا ملك والمرتهن له يد ثابتة مع الاسستحقاق فكان له زيادة اختصاص وإذا كان المحتال أسوة الغرماء فلو قسم ذلك الدين أو العين بين غرماء المحيل وأخذ المحتال حصته لا يكون له أن يرجع على المحال عليه ببقية دينه وهو طاهر لتقيد الحوالة بذلك المقسم هذا ومن أحكام الحوالة المقيدة بالدين أو العين أنه لو أبرأ المحتال المحتال عليه صح الإبراء وكان للمحيل أن يرجع على المحال عليه بدينه ولو وهب المحتال دينه من المحتال عليه أو مات المحتال له وورثه المحتال عليه لا يكون للمحيل أن يرجع على المحتال عليه والفرق أن الهبة من أسباب الملك وكذا الإرث فملك المحتال عليه ما في ذمته بالهبة فهو كما لو ملكه بالأداء ولو أدى لا يرجع المحيل عليه فكذا إذا ملكه بالهبة بخلاف الإبراء فإنه في الأصل موضوع للإسقاط فلا يملك به المحتال عليه ما في ذمته وإنما خرج به عن ضمانه للمحتال دينه وهو الشاغل لدين المحيل فبقي دين المحيل على المحتال عليه بلا شاغل فيرجع به عليه
____________________
(7/249)
وقوله بخلاف المطلقة يتصل بقوله لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه بالعين المحال به والدين والحاصل أن الحوالة قسمان مقيدة كما ذكرنا ومطلقة وهي أن يقول المحيل للطالب أحلتك بالألف التي لك على هذا الرجل ولم يقل ليؤديها من المال الذي لي عليه فإذا أحال كذلك وله عند ذلك الرجل وديعة أو مغصوبة أو دين كان له أن يطالب به لأنه أي الشأن لا تعلق لحق المحتال به أي بذلك العين أو الدين لوقوعها مطلقة عنه بل بذمة المحتال عليه وفي الذمة سعة فيأخذ دينه أو عينه من المحتال عليه لا تبطل الحوالة وما عليه يرجع إلى الدين أو الغصب او عنده يرجع إلى الوديعة ومن المطلقة أن يحيل على رجل ليس له عنده ولا عليه شيء وتنقسم المطلقة إلى حالة ومؤجلة فالحالة أن يحيل الطالب بألف وهي على المحيل حالة فتكون على المحتال عليه حالة لأن الحوالة لتحويل الدين فيتحول بالصفة التي هي على الأصيل وليس للمحتال عليه أن يرجع على الأصيل قبل أن يؤدي ولكن له إذا لوزم أن يلازمه وإذا حبس أن يحبسه والمطلقة المؤجلة له على رجل ألف إلى سنة فأحال الطالب عليه إلى سنة كانت عليه إلى سنة ولو حصلت الحوالة مبهمة لم يذكره محمد وقالوا ينبغي أن تثبت مؤجلة كما في الكفالة لأنه تحمل ما على الأصيل بأي صفة كان فلو مات المحيل لم يحل المال على المحتال عليه لأن حلول الأجل في حق الأصيل لاستغنائه عن الأجل بموته ولا يتأتى ذلك في حق المحال عليه لأنه حي محتاج إلى الأجل ولو حل عليه إنما يحل بناء على حلوله على الأصيل فلا وجه له لأن الأصيل برئ عن الدين في أحكام الدنيا والتحق بالأجانب ولو مات المحال عليه قبل الأجل والمحيل حي حل المال على المحتال عليه لاستغنائه عن الأجل بموته فإن لم يترك وفاء رجع الطالب على المحيل إلى أجله لأن الأجل سقط حكما للحوالة وقد انتقضت الحوالة بموت المحتال عليه مفلسا فينتقض ما في ضمنها وهو سقوط الأجل كما لوباع المديون بدين مؤجل عبدا من الطالب ثم استحق العبد عاد الأجل لأن سقوط الأجل كان بحكم البيع وقد انتقض كذا هنا قوله ويكره السفاتج جمع سفتجة بضم السين وفتح التاء وهو تعريب سفته وهو الشيء المحكم سمي هذا القرض به لإحكام أمره وصورته أن يدفع في بلدة إلى مسافر قرضا ليدفعه إلى صديقه أو وكيله مثلا في بلدة أخرى ليستفيد به أمر خطر الطريق لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر نفعا رواه الحرث بن أبي اسامة في مسنده عن حفص بن حمزة أنبأنا سوار بن مصعب عن عمارة الهمداني قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قرض جر نفعا
____________________
(7/250)
فهو ربا وهو مضعف بسوار بن مصعب قال عبدالحق متروك وكذا قال غيره ورواه أبو الجهم في جزئه المعروف عن سوار أيضا وأخرج ابن عدي في الكامل عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السفتجات حرام وأعله بعمرو بن موسى بن وجيه ضعفه البخاري والنسائي وابن معين وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وأحسن ما هنا ما عن الصحابة والسلف ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا خالد الأحمر عن حجاج عن عطاء قال كانوا يكرهون كل قرض جر منفعة وفي الفتاوي الصغرى وغيرها إن كان السفتج مشروطا في القرض فهو حرام والقرض بهذا الشرط فاسد ولو لم يكن مشروطا جاز وصورة الشرط ما في الواقعات رجل أقرض رجلا مالا على أن يكتب له به إلى بلد كذا فإنه لا يجوز وإن أقرضه بغير شرط وكتب جاز وكذا لو قال اكتب لي سفتجة إلى موضع كذا على أن أعطيك هنا فلا خير فيه وفي كفاية البيهقي سفاتج التجار مكروهة ثم قال إلا أن يقرض مطلقا ثم يكتب السفتجة فلا بأس به كذا روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ألا ترى أنه لو قضاه بأحسن مما له عليه لا يكره إذا لم يكن مشروطا قالوا إنما يحل ذلك عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه عرف ظاهر فإن كان يعرف أن ذلك يفعل لذلك فلا والذي يحكى عن أبي حنيفة أنه لم يقعد في ظل جدار غريمه فلا أصل له لأن ذلك لا يكون انتفاعا بملكه كيف ولم يكن مشروطا ولا متعارفا وإنما أورد القدوري هذه المسئلة هنا لأنها معاملة في الديون كالكفالة والحوالة والله أعلم = كتاب أدب القاضي
لما كان أكثر المنازعات في الديون والبياعات والمنازعات محتاجة إلى قطعها أعقبها بما هو القاطع لها وهو القضاء والأدب الخصال الحميدة والقاضي محتاج إليها فأفادها وهو أن ذكر ما ينبغي للقاضي أن يفعله ويكون عليه وسميت الخصال الحميدة أدبا لأنها تدعو إلى الخير والأدب في الأصل من الأدب بسكون الدال هو الجمع
____________________
(7/251)
والدعاء وهو أن تجمع الناس وتدعوهم إلى طعامك يقال منه أدب زيد يأدب أدبا بوزن ضرب يضرب ضربا إذا دعاك إلى طعامه فهو آدب والمأدبة الطعام المصنوع المدعو إليه ومنه قول طرفة بن العبد يمدح قومه بني بكر بن وائل ** ورثوا السؤدد عن آبائهم ** ثم سادوا سؤددا غير زمر ** ** نحن في المشتاة ندعو الجفلى ** لا ترى الآدب فينا ينتقر ** ومنه ما ذكر أبو عبيد في قول ابن مسعود إن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن وروي عنه أيضا مأدبة الله فتعلموا من مأدبته بفتح الدال أدى تأيبه وكان الأحمر يجعلهما لغتين قال ابو عبيد لم أسمع أحدا يقول هذا غيره وأما القضاء فقال ابن قتيبة يستعمل لمعان كلها ترجع إلى الختم والفراغ من الأمر يعني بإكماله وفي الشرع يراد به الإلزام ويقال له الحكم لما فيه من منع الظالم عن الظلم من الحكمة التي تجعل في رأس الفرس وأما وصف القضاء ففرض كفاية فلو امتنع الكل أثموا هذا إذا كان السلطان لا يفصل بنفسه فإن فعل لم يأثموا كما في البزازية وللسلطان أن يكره من يعلم قدرته عليه لأنه لا بد من إيصال الحقوق إلى أربابها بإلزام المانعين منها ولا يكون ذلك إلا بالقضاء وقد أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقبله صلى الله عليه وسلم داود بقوله تعالى { فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } وبعث صلى الله عليه وسلم عليا قاضيا على اليمن ومعاذا وقال له بم تقضي فقال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم تجد قال أجتهد برأيي فأقره وعليه إجماع المسلمين قوله لا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى شرائط الشهادة ويكون من أهل الاجتهاد هذا لفظ القدوري وذكر المولى على لفظ المفعول للإشعار بأنه ألقى عليه الفعل من غير طلب له منه كما هو الأولى أما الأول وهو أنه لا بد أن يكون من أهل الشهادة فلأن حكم القضاء يستقى من حكم الشهادة يعني كل من القضاء والشهادة
____________________
(7/252)
يستمد من أمر واحد هو شروط الشهادة من الإسلام والبلوغ والعقل والحرية وكونه غير أعمى ولا محدودا في قذف والكمال فيه أن يكون عدلا عفيفا عالما بالسنة وبطريق من كان قبله من القضاة
فرع قلد عبد فعتق جاز أن يقضي بتلك الولاية من غير حاجة إلى تجديد كما لو تحمل الشهادة حال الرق ثم عتق كذا في الخلاصة في أول كتاب القضاء وذكر بعد ورقة لو قلد قضاء مصر لصبي فأدرك ليس له أن يقضي بذلك الأمر ولو قلد كافر القضاء فأسلم قال محمد هو على قضائه ولا يحتاج إلى تولية ثانية فصار الكافر كالعبد والفرق أن كلا منهما له ولاية وبه مانع وبالعتق والإسلام يرتفع أما الصبي فلا ولاية له أصلا وما في الفصول لو قال لصبي أو كافر إذا أدركت فصل بالناس أو اقض بينهم جاز لا يخالف ما ذكر في الصبي لأن هذا تعليق الولاية والمعلق معدوم قبل الشرط وما تقدم تنجيز وإذا لم تصح ولاية الصبي قاضيا لا يصح سلطانا فما في زماننا من تولية ابن صغير للسلطان إذا مات فقد سئله في فتاوى النسفي وصرح بعدم ولايته وقال ينبغي أن يكون الاتفاق على وال عظيم يصير سلطانا وتقليد القضاء منه غير أنه يعد نفسه تبعا لابن السلطان تعظيما وهو السلطان في الحقيقة انتهى ومقتضى هذا أنه يحتاج إلى تجديد بعد بلوغه وهذا لا يكون إلا إن عزل ذلك الوالي العظيم نفسه من السلطنة وذلك أن السلطان لا ينعزل إلا بعزله نفسه وهذا غير واقع وأما الذكورة فليست بشرط إلا للقضاء في الحدود والدماء فتقضى المرأة في كل شيء إلا فيهما وقد اختلف في قضاء الفاسق فأكثر الأئمة على أنه لا تصح ولايته كالشافعي وغيره كما لا تقبل شهادته وعن علمائنا الثلاثة في النوادر مثله لكن الغزالي قال اجتماع هذه الشروط من العدالة والاجتهاد وغيرهما متعذر في عصرنا لخلو العصر عن المجتهد والعدل فالوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه السلطان ذو شوكة وإن كان جاهلا فاسقا وهو ظاهر المذهب عندنا فلو قلد الجاهل الفاسق صح ويحكم بفتوى غيره ولكن لا ينبغي أن يقلد والحاصل أنه إن كان في الرعية عدل عالم لا يحل تولية من ليس كذلك ولو ولي صح على مثال شهادة الفاسق لا يحل قبولها وإن قبل نفذ الحكم بها وفي غير موضع ذكر الأولوية يعني الأولى أن لا تقبل شهادته وإن قبل جاز ومقتضى الدليل أن
____________________
(7/253)
لا يحل أن يقضى بها فإن قضى جاز ونفذ ولو كان عدلا قبل الولاية فولي ففسق وجار بأخذ الرشوة وغيرها من أسباب الفسق لا ينعزل ويستحق العزل هذا هو ظاهر المذهب وعليه مشايخنا البخاريون والسمرقنديون ومعنى يستحق العزل أنه يجب على السلطان عزله ذكره في الفصول وقيل إذا ولى عدلا ثم فسق انعزل لأن عدالته في معنى المشروطة في ولايته لأنه حين ولاه عدلا اعتمد عدالته فكانت ولايته مقيدة بعدالته فتزول بزوالها ولا شك أنه لو لزم ذلك انعزل فإن الولاية تقبل التقييد والتعليق بالشرط كما إذا قال له إذا وصلت إلى بلدة كذا فأنت قاضيها وإذا وصلت إلى مكة فأنت أمير الموسم والإضافة كأن يقول جعلتك قاضيا في رأس الشهر ويستثنى منها كأن يقول جعلتك قاضيا إلا في قضية فلان أو لا تنظر في قضية كذا لكن لا يلزم ذلك إذ لا يلزم من اختيار ولايته لصلاحه تقييدها به على وجه تزول بزواله فلا ينعزل وبهذا التقرير اندفع المورد من أن البقاء أسهل من الابتداء وفي الابتداء يجوز ولاية الفاسق ففي البقاء لاينعزل واتفقوا في الإمرة والسلطنة على عدم الانعزال بالفسق لأنها مبنية على القهر والغلبة ثم الدليل على جواز تعليق الإمارة وإضافتها قوله صلى الله عليه وسلم حين بعث البعث إلى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة إن قتل زيد فجعفر أميركم وإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة وهذه القصة مما اتفق عليها جميع أهل السير والمغازي ثم الرشوة أربعة أقسام منها ما هو حرام على الاخذ والمعطي وهو الرشوة على تقليد القضاء والإمارة ثم لا يصير قاضيا الثاني ارتشاء القاضي ليحكم وهو كذلك حرام من الجانبين ثم لا ينفذ قضاؤه في تلك الواقعة التي ارتشى فيها سواء كان بحق أو بباطل أما في الحق فلأنه واجب عليه فلا يحل أخذ المال عليه وأما في الباطل فأظهر وحكى في الفصول في نفاذ قضاء القاضي فيما ارتشى فيه ثلاثة اقوال لا ينفذ فيما ارتشى فيه وينفذ فيما سواه وهو اختيار شمس الأئمة لا ينفذ فيهما ينفذ فيهما وهو ما ذكر البزدوي وهو حسن لأن حاصل أمر الرشوة فيما إذا قضى بحق إيجابها فسقه وقد فرض أن الفسق لا يوجب العزل
____________________
(7/254)
فولايته قائمة وقضاؤه بحق فلم لا ينفذ وخصوص هذا الفسق غير مؤثر وغاية ما وجه به أنه إذا ارتشى عامل لنفسه أو ولده يعني والقضاء عمل الله تعالى وارتشاء القاضي أو ولده أو من لا تقبل شهادته له أو بعض أعوانه سواء إذا كان بعلمه ولا فرق بين أن يرتشي ثم يقضي أو يقضي ثم يرتشي وفيه لو أخذ الرشوة ثم بعث إلى شافعي ليقضي لا ينفذ قضاء الثاني لأن الأول عمل في هذا لنفسه حين أخذ الرشوة وإن كان كتب إلى الثاني ليسمع الخصومة وأخذ مثل أجر الكتاب صح المكتوب إليه والذي قلد بواسطة الشفعاء كالذي قلد احتسابا في أنه ينفذ قضاؤه وإن كان لا يحل طلب الولاية بالشفعاء الثالث أخذ المال ليسوى أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع وهو حرام على الآخذ لا الدافع وحيلة حلها للآخذ أن يستأجره يوما إلى الليل أو يومين فتصير منافعه مملوكة ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للأمر الفلاني وفي الأقضية قسم الهدية وجعل هذا من أقسامها فقال حلال من الجانبين كالإهداء للتودد وحرام من الجانبين كالإهداء ليعينه على الظلم حلال من جانب المهدي حرام على الأخذ وهو أن يهدي ليكف عنه الظلم والحيلة أن يستأجره الخ قال هذا إذا كان فيه شرط أما إذا كان الإهداء بلا شرط ولكن يعلم يقينا أنه إنما يهدى إليه ليعينه عند السلطان فمشايخنا على أنه لا بأس به ولو قضى حاجته بلا شرط ولا طمع فأهدى إليه بعد ذلك فهو حلال لا بأس به وما نقل عن ابن مسعود من كراهته فورع الرابع ما يدفع لدفع الخوف من المدفوع إليه على نفسه وماله حلال للدافع حرام على الآخذ لأن دفع الضرر عن المسلم واجب ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب وهل يصلح الفاسق مفتيا قيل لا لأنه من أمور الدين وقد
____________________
(7/255)
ظهرت خيانته للدين وقيل يستفتى لأنه يجتهد كل الجهد حذار أن ينسبه فقهاء عصره إلى الخطإ وأما الثاني وهو اشتراط أهلية الاجتهاد فالصحيح أنها ليست شرطا للولاية بل للأولوية فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا ويحكم بفتوى غيره خلافا للشافعي ومالك وأحمد وقولهم رواية عن علمائنا نص محمد في الأصل أن المقلد لا يجوز أن يكون قاضيا ولكن المختار خلافه قالوا القضاء يستدعي القدرة عليه ولا قدرة بدون العلم قلنا يمكنه القضاء بفتوى غيره ومقصود القضاء وهو إيصال الحق إلى مستحقه ورفع الظلم يحصل به فاشتراطه ضائع والمراد بالعلم ليس ما يقطع بصوابه بل ما يظنه المجتهد فإنه لا قطع في مسائل الفقه وإذا قضى بقبول مجتهد فيه فقد قضى بذلك العلم وهو المطلوب وكون معاذ قال أجتهد برأيي لا يلزمه اشتراطه وإنما لم يذكر معاذ الإجماع لأنه لم يكن حجة في زمنه صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا أيضا عن الغزالي توجيه خلافه فيقلد في هذا الزمان في بعض نسخ الهداية الاستدلال على تقليد المقلد بتقليد النبي صلى الله عليه وسلم عليا اليمن ولم يكن مجتهدا فليس بشيء فإنه عليه الصلاة والسلام دعا له بأن يهدي الله قلبه ويثبت لسانه فإن كان بهذا الدعاء رزق أهلية الاجتهاد فلا إشكال وإلا فقد حصل له المقصود من الاجتهاد وهو العلم والسداد وهذا غير ثابت في غيره وسنذكر سند حديث علي رضي الله عنه واعلم أن ما ذكر في القاضي ذكر في المفتي فلا يفتي إلا المجتهد وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد وأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبي حينفة على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي وطريق نقله كذلك عن المجتهد أحد أمرين إما أن يكون له فيه سند إليه أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر عنهم أو المشهور وشهد هكذا ذكر الرازي فعلى هذا لو وجدنا بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عزو ما فيها إلى محمد ولا إلى أبي يوسف لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب
____________________
(7/256)
فلو كان حافظا للأقاويل المختلفة للمجتهدين ولا يعرف الحجة ولا قدرة له على الاجتهاد للترجيح لا يقطع بقول منها يفتى به بل يحكيها للمستفتي فيختار المستفتي ما يقع في قلبه أنه الأصوب ذكره في بعض الجوامع وعندي أنه لا يجب عليه حكاية كلها بل يكفيه أن يحكي قولا منها فإن المقلد له أن يقلد أي مجتهد شاء فإذا ذكر أحدها فقلده حصل المقصود نعم لا يقطع عليه فيقول جواب مسئلتك كذا بل يقول قال أبو حنيفة حكم هذا كذا نعم لو حكى الكل فالأخذ بما يقع في قلبه أنه الأصوب أولى والعامي لا عبرة بما يقع في قلبه من صواب الحكم وخطئه وعلى هذا إذا استفتى فقيهين أعني مجتهدين فاختلفا عليه الأولى أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه قلبه جاز لأن ميله وعدمه سواء والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ وقالوا المنتقل من مذهب إلى مذهب آخر باجتهاد وبرهان آثم يستوجب التعزير فبلا اجتهاد وبرهان أولى ولا بد أن يراد بهذا الاجتهاد معنى التحري وتحكيم القلب لأن العامي ليس له اجتهاد ثم حقيقة الانتقال إنما تتحقق في حكم مسئلة خاصة قلد فيه وعمل به وإلا فقوله قلدت أبا حنيفة فيما أفتى من المسائل مثلا والتزمت العمل به على الإجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل هذا حقيقة تعليق التقليد أو وعد به لأنه التزم أن
____________________
(7/257)
يعمل بقول أبي حنيفة فيما يقع له من المسائل التي تتعين في الوقائع فإن أرادوا هذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد المعين بإلزامه نفسه ذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما احتاج إليه لقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } والسؤال إنما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة وحينئذ إذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عليه عمله به والغالب أن مثل هذه إلزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص وإلا أخذ العامي في كل مسئلة بقول مجتهد قوله أخف عليه وأنا لا أدري ما يمنع هذا من النقل أو العقل وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ما علمت من الشرع ذمه عليه وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته والله سبحانه أعلم بالصواب قوله وينبغي للمقلد وهو من له ولاية التقليد أن يختار من هو أقدر وأولى لديانته وعفته وقوته دون غيره ويرزقه من بيت المال ولا بأس للقاضي أن يأخذ وإن كان غنيا مثريا وإن احتسب فهو أفضل والأصل فيه قوله تعالى في مال اليتيم إذا عمل فيه الوصي { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } وذكر عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرزق سليمان بن ربيعة الباهلي على القضاء كل شهر خمسمائة درهم لأنه فرغ نفسه للعمل للمسلمين فكانت كفايته وعياله عليهم قالوا وكان عمر رضي الله عنه يرزق شريحا كل شهر مائة درهم ورزقه على خمسمائة وذلك لقلة عياله في زمن عمر رضي الله عنه أو رخص السعر وكثرة عياله في زمن علي رضي الله عنه أو غلاء السعر فرزق القاضي لا يقدر بشيء لأنه ليس بأجر لأنه لا يحل على القضاء وإنما يختار الأولى لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين وقال صحيح الإسناد وتعقب بحسين بن قيس فإنه ضعيف وضعفه العقيلي وقال إنما يعرف هذا من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخرجه الطبراني من غير طريق حسين هذا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس وعلم أن في العشرة من هو أفضل منه فقد غش الله ورسوله وجماعة المسلمين والذي له ولاية التقليد الخليفة والسلطان الذي نصبه الخليفة
____________________
(7/258)
وأطلق له التصرف وكذا الذي ولاه السلطان ناحية وجعل له خراجها وأطلق له التصرف فإن له أن يولي ويعزل كذا قالوا ولا بد من أن لا يصرح له بالمنع أو يعلم ذلك بعرفهم فإن نائب الشام وحلب في ديارنا يطلق لهم التصرف في الرعية والخراج ولا يولون القضاة ولا يعزلون ولو ولي فحكم المولى ثم جاء بكتاب للسلطان لا يكون ذلك إمضاء للقضاء والحرية شرط في السلطان وفي التقليد بالأصالة لا بطريق النيابة فإن السلطان إذا أمر عبده على ناحية وأمره أن ينصب القاضي جاز فإن نصبه كنصب السلطان بنفسه قوله وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه وحاصل ذلك الكلام أن يكون صاحب حديث له معرفة في الفقه ليعرف معاني الآثار أو صاحب فقه له معرفة بالحديث لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه والفرق بين القولين أن على الأول نسبته إلى معرفة الحديث أكثر من معرفته بالفقه وفي الثاني عكسه ثم إن المصنف رتب على الأول كونه حينئذ يعرف معاني الآثار والمراد بمعاني الآثار المعاني التي هي مناطاة الأحكام الدالة عليها ألفاظ الحديث وعلى الثاني سلامته من القياس مع معارضة النص وقد وقع التصريح بأنهما قولان ولا شك في ذلك لأنهما متضادان لأن كونه أدرى بالحديث من الفقه يضاد كونه أدرى بالفقه من الحديث وأنت تعلم أن المجتهد يحتاج إلى الأمرين جميعا وهو تحرزه من القياس في معارضة النص ومعرفة معاني الآثار ليتمكن من القياس فالوجه أن يقال صاحب حديث وفقه ليعرف معاني الآثار ويمتنع عن القياس بخلاف النص والحاصل أن يعلم الكتاب والسنة بأقسامهما من عبارتهما وإشارتهما ودلالتهما واقتضائهما وباقي الأقسام ناسخهما ومنسوخهما ومناطاة أحكامهما وشروط القياس والمسائل المجمع عليها لئلا يقع في القياس في مقابلة الإجماع وأقوال الصحابة لأنه قد يقدمه على القياس فلا يقيس في معارضة قول الصحابي ويعلم عرف الناس وهذا قوله وقيل أن يكون صاحب قريحة الخ فهذا القيل لا بد منه في المجتهد فمن أتقن هذه الجملة فهو أهل للاجتهاد فيجب عليه أن يعمل باجتهاده وهو أن يبذل جهده في طلب الظن بحكم
____________________
(7/259)
شرعي عن هذه الأدلة ولا يقلد أحدا قوله ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه أن يؤدي فرضه لأن الصحابة رضوان الله عليهم تقلدوا ولأنه فرض كفاية لكونه أمرا بالمعروف أما أن الصحابة تقلدوا فحديث معاذ معروف وكذا علي رضي الله عنهما لرواية أبي داود عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء فقال إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه حري ان يتبين لك القضاء قال فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه والطيالسي والحاكم وقال صحيح الإسناد وأخرجه ابن ماجه وفيه فضرب صدري وقال اللهم اهد قلبه وثبت لسانه قال فما شككت الحديث وصححه أيضا الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه إلى اليمن فقال علمهم الشرائع واقض بينهم الحديث وصححه ثم قلد علي شريحا الإمام وأما أنه فرض كفاية فقد قدمناه غير أن مقتضاه أن يكون الدخول فيه مستحبا وعبارة لا بأس أكثر استعمالها في المباح وما تركه أولى وحاصل ما هنا أنه إن لم يأمن على نفسه الحيف أي الجور أو عدم إقامة العدل كره له الدخول كراهة تحريم لأن الغالب الوقوع في محظوره حينئذ وإن أمن أبيح رخصة والترك هو العزيمة لأنه وإن أمن فالغالب هو خطأ ظن من ظن من نفسه الاعتدال فيظهر منه خلافه فيؤخره عن الاستحباب هذا إذا لم تنحصر الأهلية فيه وإن انحصرت صار فرض عين وعليه ضبط نفسه إلا إن كان السلطان ممن يمكن أن يفصل الخصومات ويتفرغ لذلك وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جعل على القضاء فقد ذبح بغير سكين حسنه الترمذي وأخرجه ابن عدي في الكامل من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من استقضي فقد ذبح بغير سكين وحكي أن بعض القضاءة استخف بهذا الحديث ثم دعا من يسوي له لحيته فبينما هو يحلق له تحت لحيته في حلقومه إذ عطس القاضي فألقى الموسى رأسه وقد جاء في التحذير من القضاء آثار وقد اجتنبه أبو حنيفة وصبر على الضرب والسجن حتى مات في السجن وقال البحر عميق فكيف أعبر بالسباحة فقال أبو يوسف البحر عميق والسفينة وثيق والملاح عالم فقال
____________________
(7/260)
أبو حنيفة كأني بك قاضيا وقول أبي حنيفة كقول أبي قلابة ما وجدت القاضي إلا كسابح في بحر فكم يسبح حتى يغرق وكان دعي للقضاء فهرب حتى أتى الشام فوافق موت قاضيها فهرب حتى أتى اليمامة واجتنبه كثير من السلف وقيد محمد بن الحسن نيفا وثلاثين يوما أو نيفا وأربعين يوما ليتقلده وقد أخرج مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال اليتيم وأخرج أبو داو عن أبي بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار وفي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدعى بالقاضي العادل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره وأخرج الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبوا أو كرهوا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فإن حكم بما أنزل الله ولم يرتش في حكمه ولم يحف فك الله عنه غله وإن حكم بغير ما أنزل الله وارتشى في حكمه وحاف فيه شدت يساره إلى يمينه ثم رمي به في جهنم وروى النسائي عن مكحول لو خيرت بين ضرب عنقي و بين القضاء لاخترت ضرب عنقي وأخرج ابن سعد في الطبقات قال استعمل أبو الدرداء على القضاء فأصبح الناس يهنونه بالقضاء فقال أتهنونني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين وأما ما في البخاري سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل فلا ينافي مجيئه أولا مغلولة يده إلى
____________________
(7/261)
عنقه إلى أن يفكها عدله فيظله الله تعالى في ظله فلا يعارض قوله وينبغي أن لا يطلب الولاية ولا يسألها لقوله صلى الله عليه وسلم من طلب القضاء وكل إلى نفسه الخ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه نزل عليه ملك يسدده ولفظ أبي داود من طلب القضاء واستعان عليه وأخرجه الترمذي أيضا عن أنس مرفوعا من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده وقال حسن غريب وهو أصح من حديث إسرائيل يريد سند الأول وأصح من الكل حديث البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسئلة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسئلة أعنت عليها وإذا كان طلب الولاية أن يوكل إلى نفسه وجب أن لا يحل لأنه حينئذ معلوم وقوع الفساد منه لأنه محذور
____________________
(7/262)
قوله ويجوز التقلد من السلطان الجائر كما يجوز من العادل لأن الصحابة رضي الله عنهم تقلدوه من معاوية رضي الله عنه والحق كان بيد علي رضي الله عنه في نوبته والتابعين تقلدوا من الحجاج هذا تصريح بجور معاوية والمراد في خروجه لا في أقضيته ثم إنما يتم إذا ثبت أنه ولي القضاء قبل تسليم الحسن له واما بعد تسليمه فلا ويسمى ذلك العام عام الجماعة واستقضى معاوية أبا الدرداء بالشام وبها مات وكان معاوية رضي الله عنه استشاره فيمن يولى بعده فأشار عليه بفضالة بن عبيد الأنصاري فولاه الشام بعده وقوله في نوبته نوبة علي التي ذكرها المصنف هي كونه رابعا بعد عثمان وقيد بنوبته احترازا عن قول الروافض إنه كان أحق بها في سائر النوب حتى من أبي بكر رضي الله عنه وإنما كان الحق معه في تلك النوبة لصحة بيعته وانعقادها فكان على الحق في قتال أهل الجمل وقتال معاوية بصفين وقوله عليه الصلاة والسلام لعمار ستقتلك الفئة الباغية وقد قتله أصحاب معاوية يصرح بأنهم بغاة ولقد أظهرت عائشة رضي الله عنها الندم كما أخرجه ابن عبدالبر في الاستيعاب قال قالت رضي الله عنها لابن عمر يا أبا عبدالرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال رأيت رجلا غلب عليك يعني ابن الزبير فقالت أما والله لو نهيتني ما خرجت وأما الحجاج فحاله معروف في تاريخ البخاري بسنده عن أبي إسحاق قال كان أبو بردة بن أبي موسى على قضاء الكوفة فعزله الحجاج وجعل أخاه مكانه وأسند في موضع آخر عن ضمرة قال استقضى الحجاج أبا بردة بن ابي موسى وأجلس معه سعيد بن جبير ثم قتل سعيد بن جبير ومات الحجاج بعده بستة أشهر وفي تاريخ أصبهان للحافظ أبي نعيم عبدالله بن أبي مريم الأموي ولي القضاء بأصبهان للحجاج ثم عزله الحجاج وأقام محبوسا بواسط فلما هلك الحجاج رجع إلى أصبهان وتوفي بها وقال ابن القطان في كتابه في باب الاستسقاء طلحة بن عبدالله بن عوف أبو محمد الذي يقال له طلحة الندى بن أخي عبدالرحمن بن عوف تقلد القضاء من يزيد بن معاوية على المدينة وهو تابعي يروي عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم وقوله إلا إذا كان لا يمكنه من القضاء بحق استثناء من قوله
____________________
(7/263)
يجوز التقلد من السلطان الجائر لأن المقصود لا يحصل من التقلد حينئذ وهو ظاهر هذا وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار كقرطبة في بلاد المغرب الآن وبلنسية وبلاد الحبشة وأقروا المسلمين عندهم على مال يؤخذ منهم يجب عليهم أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولى قاضيا أو يكون هو الذي يقضي بينهم وكذا ينصبوا لهم إماما يصلي بهم الجمعة
فروع في العزل للسلطان عزل القاضي بريبة وبلا ريبة ولا ينعزل حتى يبلغه العزل وينعزل نائبه بعزله بخلاف ما إذا مات القاضي ينعزل نائبه وكثير من المشايخ على أن النائب لا ينعزل بعزل القاضي لأنه نائب للسلطان وينعزل القاضي بعزله نفسه إذا بلغ السلطان وما لم يبلغه لا يتعزل كعزل الوكيل نفسه لا ينعزل حتى يبلغ الموكل وقيل لا ينعزل القاضي بعزل نفسه لأن قضاءه صار حقا للعامة فلا يملك إبطاله وعن أبي يوسف لا ينعزل بعزل السلطان حتى يأتي قاض آخر صيانة لحقوق الناس ومثله وصي القاضي إذا عزل نفسه يشترط علم القاضي ويجوز تعليق العزل بالشرط ومن صوره إذا كتب الخليفة إليه إذا وصلك كتابي هذا فأنت معزول لا ينعزل حتى يصل إليه الكتاب ولم يجز ظهير الدين تعليق العزل وليس بشيء وينعزل خلفاء القاضي بموته ولا ينعزل أمراء الخليفة ولو قلد رجل قضاء بلدة لها قاض هل ينعزل الأول عن أبي يوسف لا ينعزل قال في الخلاصة وهو الأشبه ولو شرط في القضاء شرطا مثل أن لا يمتثل أمر أحد فخالف انعزل وعن أبي حنيفة لا يترك القاضي على القضاء أكثر من سنة ثم يعزله ويقول أشغلناك اذهب فاشتغل بالعلم ثم ائتنا قوله ومن قلد القضاء يسأل أي أول ما يبدأ به من الأعمال هذا وهو أن يسأل أي يطلب من القاضي المنعزل ديوانه ثم فسر ديوانه بأنه الخرائط التي فيها السجلات وغيرها من كتب الأوقاف وكتب نصب الأوصياء والمحاضر والصكوك وتقدير النفقات للأيتام وغيرهم مما اقتضاه الحال وإنما يطلبه لأنها إنما وضعت عند القاضي لتكون حجة ووثيقة محفوظة عند القاضي إذا وقعت الحاجة إلى الحجة ومعرفة الأحوال فتجعل عند من له ولاية النظر في أمورهم وما كانت عند الأول إلا لأنه كذلك ثم إن كان البياض الذي كتب فيه القاضي ورقا أو رقا من بيت المال فظاهر وكذا إذا كان من مال ارباب القضايا في الصحيح لأنه رضي به
____________________
(7/264)
لأنه للقاضي لا لأنه ملك الذات وقد انتقل القضاء إلى القاضي المولى وإن كان ملك القاضي فكذلك في الصحيح لأنه اتخذه تدينا ليحفظ به أمور الناس وحاجاتهم لا تمولا ويبعث المولى اثنين أو واحدا مأمونا ليقبضاها بحضرة المعزول أو من أمينه ويسألان أعني الأمينين المعزول شيئا فشيئا ويجعلان كل نوع في خريطة مثلا الصكوك في خريطة والنفقات في خريطة وكتب الأوقاف في خريطة ليكون أسهل للتناول بخلاف ما إذا خلط الكل فإن في الكشف عنه حينئذ عسرا شديدا وفي عرف ديارنا ليس عند القاضي صكوك الناس ولا كتب أوقافهم بل إذا كان القاضي هو ناظر الوقف وهذا السؤال لكشف الحال لا ليلزم العمل بمقتضى الجواب من القاضي فإنه التحق بسائر الرعايا بالعزل ثم إذا قبضاه ختما عليه خوفا من طرو التغيير وأما ما قيل يكتبان عدد ضياع الوقوف ومواضعها فليس إلى ذلك حاجة فإن كتب الأوقاف مشتملة على عدد الضياع الموقوفة والدور
____________________
(7/265)
والحوانيت محدودة قوله وينظر في حال المحبوسين فيبعث إلى السجن من يحصيهم ويأتيه بأسمائهم وأخبارهم ويسأل المحبوس عن سبب حبسه لأن القاضي ناظر في أمور المسلمين وهؤلاء مسلمون محبوسون ولا بد أن يثبت عنده سبب يوجب حبسهم وثبوته عند الأول ليس حجة يعتمدها الثاني في حبس هؤلاء لأن قول الأول لم يبق حجة فمن اعترف بحق ألزمه إياه ورده إلى السجن إلا ان يبلغ المقدار الذي يخرج به من السجن عنده إذا لم يثبت له مال وكذا من أنكر وشهد الشهود عليه والقاضي يعرف هؤلاء الشهود بالعدالة فإن لم يعرف عدالتهم أخذ منهم كفيلا وأطلقهم حتى ينظر في حالهم فإن ظهرت عدالة الشهود رده إلى السجن إذا طلبه الخصم ولو أخبر القاضي المعزول بسبب حبسهم لا يقبل لأنه التحق بواحد من الرعايا وشهادة الفرد ليست حجة موجبة للعمل لا سيما وهي على فعل نفسه وبهذا قال الشافعي ومالك وقال أحمد يقبل قوله بعد العزل كما قبل العزل لأنه أمين الشرع وعند مالك لا يقبل قوله قبل العزل أيضا إلا بحجة وإذا لم يقبل قول المعزول عليه ولم تقم بينة بما وجب حبسه لا يعجل بإطلاقه لأن فعل القاضي ظاهرا ما كان إلا بحق فيحتاط لخصمه الغائب
____________________
(7/266)
فينادي عليه وصفته أن يأمر كل يوم إذا جلس مناديا ينادي في محلته من كان يطلب فلان بن فلان المحبوس بحق فليأت إلى القاضي يفعل ذلك اياما فإذا حضر وادعى وهو على جحوده ابتدأ الحكم بينهما وإن لم يحضر أخذ منه كفيلا بنفسه إذ لعله محبوس بحق لغائب وأمارته أنه في حبس قاض والظاهر أنه بحق فإن قال لا كفيل لي وأبى أن يعطي كفيلا وجب أن يحتاط نوعا آخر من الاحتياط فينادى شهرا فإن لم يحضر أحد أطلقه وقيل أخذ الكفيل هنا قولهما أما على قول أبي حنيفة فلا كما قال في اصحاب الميراث إذا اقتسموا على ما سيأتي والمختار أن أخذ الكفيل هنا اتفاق والفرق لأبي حنيفة أن المال ظاهرا حق لهذا الوارث وفي ثبوت وارث آخر شك فلا يجوز تأخير حقه إلى زمان حصول الكفيل لأمر موهوم وهنا الظاهر أن حبسه بحق لظهور أن فعل القاضي بحق ولكنه مجهول فليس أخذ الكفيل لموهوم ولو قيل فبالنظر إلى هذا الظاهر يجب أن لا يطلقه بقوله إني مظلوم حتى تمضي مدة يطلق فيها مدعي الإعسار كان جيدا قوله وينظر في الودائع وارتفاع الأوقاف الكائنة تحت أيدي أمناء القاضي والذي في ديارنا من هذا أن أموال الأوقاف تحت أيدي جماعة يوليهم القاضي النظر أو المباشرة فيها وودائع اليتامى تحت يد الذي يسمى أمين الحكم فيعمل فيها على حسب ما تقوم به البينة أنه لفلان أو غير ذلك أو يعترف الذي هو في يده ولا يقبل قول المعزول على من هي في يده إذا أنكر وقال هي لي إلا ببينة لما بينا أنه التحق بواحد من الرعايا بخلاف القاضي لأنه هو المخصوص بأن يكتفى بقوله في الإلزام حتى أن الخليفة الذي قلد القاضي لو أخبر القاضي أنه شهد عنده الشهود بكذا لا يقضي به حتى يشهد عنده الخليفة مع آخر والواحد لا يقبل قوله إلا أن يعترف الذي في يده أن القاضي المعزول سلمها إليه فحينئذ إما
____________________
(7/267)
أن يقول سلمها إلي ولا أدري لمن هي أو يقول سلمها إلي وقال هي لفلان بن فلان وهو الذي أقر له القاضي المعزول ففي هذين يقبل قول المعزول فيهما لأنه يثبت بإقرار من في يده أن اليد فيها كانت للقاضي فيقبل إقرار القاضي فيها كما لو كانت في يده حال إقراره أو يقول دفعه إلي القاضي المعزول وهو لفلان وقال المعزول بل لفلان رجل آخر فالقول ما قال المعزول ويدفع لمن أقر به له لأنه أقر باليد للقاضي فصار كأن المال في يده فأقر به لواحد وأقر به هذا الرجل لآخر وفيه يكون القول قول القاضي فكذا هذا أو بدأ بالإقرار لفلان فقال هو لفلان بن فلان ثم قال دفعه إلي القاضي ففي هذا يؤمر بالتسليم إلى من أقر له الأمين ويضمن مثله إن كان مثليا أو قيمته للمعزول فيدفعه المعزول إلى من أقر له به لأنه لما بدأ بالإقرار صح إقراره ولزم لأنه أقر بما هو في يده فلما قال دفعه إلي القاضي فقد أقر أن اليد كانت للقاضي والقاضي يقر به لغير من أقر هو به له فيصير هو متلفا لذلك على من أقر له القاضي بإقراره لغيره فيضمنه هذا وأما لو شهد قوم أنهم سمعوا القاضي الأول يقول استودعت فلانا مال فلان اليتيم وجحد من في يده أو شهدوا على بيعه مال فلان اليتيم فإنه يقبل ويؤخذ المال لمن ذكره وكذا لو مات الأول واستقضى غيره فشهد بذلك
فرع يناسب هذا لو شهد شاهدان أن القاضي قضى لفلان على فلان بكذا أو قال القاضي لم أقض بشيء
____________________
(7/268)
لا تجوز شهادتهما عندهما ويعتبر قول القاضي وعند محمد تقبل وينف ذلك قوله ويجلس للحكم جلوسا ظاهرا كي لا يشتبه مكانه على الغرباء وبعض المقيمين وفي الخلاصة ولا يتعب نفسه في طول الجلوس ولكن يجلس في طرفي النهار وكذا المفتي والفقيه والمسجد الجامع أولى لأنه أشهر ثم الذي تقام فيه الجماعات وإن لم تصل فيه الجمعة قال فخر الإسلام هذا إذا كان الجامع في وسط البلد أما إذا كان في طرف منها فلا لزيادة المشقة على أهل الشقة المقابلة له فالأولى أن يختار مسجدا في وسط البلد وفي السوق ويجوز أن يحكم في بيته وحيث كان إلا أن الأولى ما ذكرنا وبقولنا قال أحمد ومالك في الصحيح عنه وقال الشافعي يكره الجلوس في المسجد للقضاء لأنه أي القضاء يحضره المشرك وهو نجس بالنص قال تعالى { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد } والحائض وهي ممنوعة عن دخوله ولأن المساجد بنيت للصلاة والذكر والخصومات تقترن بالمعاصي كثيرا من اليمين الغموس والكذب في الدعاوى ولنا ما في الصحيحين من حديث اللعان من حديث سهل بن سعد وفيه فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد ولا بد من كون أحدهما كاذبا حانثا في يمين غموس وفي الصحيحين أيضا عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك قال كعب قد فعلت يا رسول الله قال قم فاقضه وأخرج الطبراني مسندا إلى ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا يوم الجمعة إذا أتى رجل فتخطى الناس حتى قرب إليه فقال يا رسول الله أقم علي الحد فقال اجلس فجلس ثم قام الثانية فقال يا رسول الله أقم علي الحد فقال اجلس فجلس ثم قام الثالثة فقال يا رسول الله أقم علي الحد قال وما حدك قال أتيت امرأة حراما فقال صلى الله عليه وسلم لعلي وابن عباس وزيد
____________________
(7/269)
ابن حارثة وعثمان بن عفان رضي الله عنهم انطلقوا به فاجلدوه ولم يكن تزوج فقيل يا رسول الله ألا تجلد التي خبث بها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحبتكك قال فلانة فدعاها ثم سألها فقالت يا رسول الله كذب علي والله إني لا أعرفه فقال صلى الله عليه وسلم من شاهدك فقال يا رسول الله مالي شاهد فأمر به فجلد حد الفرية ثمانين جلدة وأما أن الخلفاء الراشدين كانوا يجلسون في المساجد لفصل الخصومات فنقل بالمعنى يعني وقع منهم هذا ولا يكاد يشك في أن عمر وعثمان رضي الله عنهما وقع لهما ذلك ومن تتبع السير رأى من ذلك شيئا كثيرا ففي البخاري لاعن عمر عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند الإمام أبو بكر الرازي إلى الحسن أنه رأى عثمان قضى في المسجد وذكر القصة في ذلك فما قيل إنه غريب مبني على أن المراد رواية هذا اللفظ وليس كذلك وفي الطبقات لابن سعد بسنده إلى ربيعة بن أبي عبدالرحمن أنه رأى أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يقضي في المسجد عند القبر وكان على القضاء بالمدينة في ولاية عمر بن عبدالعزيز وأسند إلى سعيد بن مسلم بن بابك قال رأيت سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف يقضي في المسجد وكان قد ولي قضاء المدينة وإلى محمد بن عمر قال لما ولي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم إمرة المدينة لعمر بن عبدالعزيز ولي أبا طوالة القضاء بها فكان يقضي في المسجد قال أبو طوالة ثقة يروي عن أنس بن مالك وإلى إسماعيل بن أبي خالد قال رأيت شريحا يقضي في المسجد قال أبو وإلى الأسود بن شيبان قال رأيت الشعبي وهو يومئذ قاضي الكوفة يقضي في المسجد وكل قضاء صدر من هؤلاء كان بين السلف مشهورا وفيهم الصحابة والتابعون ولم يرو إنكاره عن أحد وأما الحديث الذي ذكره المصنف إنما بنيت المساجد لذكر الله والحكم فلم يعرف وإنما أخرج مسلم حديث الأعرابي الذي قام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مه مه فقال صلى الله عليه وسلم لا تزرموه دعوه فتركوه حتى بال ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر وإنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن قال وأمر رجلا من القوم فدعا بدلو من ماء فشنه عليه وأما نجاسة المشرك ففي الاعتقاد على معنى التشييه والحائض تخبر بحالها ليخرج إليها القاضي أو يرسل نائبه كما لو كانت الدعوى في دابة ولو جلس في داره فحسن بشرط أن يأذن للناس على العموم ولا يمنع أحدا من الناس لأن لكل أحد حقا في مجلسه وعلى
____________________
(7/270)
قياس ما ذكرنا في المسجد أن الأولى أن يكون في وسط البلد وفي المبسوط ولا يقضي وهو يمشي أو يسير على دابته لأنه إذ ذاك غير معتدل الحال ولما فيه من الاستخفاف بالقضاء ولأنه مشغول بما هو فيه ولا بأس بأن يتكئ لأنه نوع جلسة كالتربع وغيره وطباع الناس في الجلوس مختلفة وينبغي أن لا يقضي وهو غضبان أو فرحان أو جائع أو عطشان أو مهموم أو ناعس أو في حال برد شديد أو حر أو وهو يدافع الأخبثين أو به حاجة إلى الجماع والحاصل أنه لا يقض حال شغل قلبه واصله حديث لا يقضي القاضي وهو غضبان معلول به ولا ينبغي أن يتطوع بالصوم في اليوم الذي يريد الجلوس ولا يسمع من رجل حجتين فأكثر إلا أن يكون الناس قليلا ولا يقدم رجلا جاء الآخر قبله ولا يضرب في المسجد حدا ولا تعزيرا وينبغي أن يجلس معه من كان يجالسه قبل ذلك لأن في جلوسه وحده تهمة الرشوة أو الظلم وروي أن عثمان رضي الله عنه ما كان يحكم حتى يحضر أربع من الصحابة ويستحب أن يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء ويشاورهم وكان أبو بكر يحضر عمر وعثمان وعليا حتى قال أحمد يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه وفي المبسوط فإن دخله حصر في قعودهم عنده أو شغله عن شيء من أمور المسلمين جلس وحده فإن طباع الناس تختلف فمنهم من يمنعهم حشمة الفقهاء من فصل القضاء ومنهم من يزداد قوة على ذلك فإذا كان ممن يدخله حصر جلس وحده وفي المبسوط ما حاصله أنه ينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضي عليه ويبين له وجه قضائه ويبين له أنه فهم حجته ولكن الحكم في الشرع كذا يقتضي القضاء عليه فلم يمكن غيره ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس ونسبته إلى أنه جار عليه ومن يسمع يخل فربما تفسد العامة غرضه وهو بريء وإذا أمكن إقامة الحق مع عدم إيغار الصدور كان أولى قوله ولا يقبل الهدية الحاصل أن المهدي إما له خصومة أو لا فإن كانت لا يقبل منه وإن كان له عادة بمهاداته أو ذا رحم محرم وإن لم يكن خصومة فإن لم يكن له عادة بذلك قبل القضاء بسبب قرابة أو صداقة لا ينبغي أن يقبل وإن كان له عادة بذلك جاز بشرط أن لا يزيد على المقدار المعتاد قبل القضاء فإن زاد لا يقبل الزيادة وذكر فخر الإسلام إلا أن يكون مال المهدي قد زاد فبقدر ما زاد ماله إذا
____________________
(7/271)
زاد في الهدية لا بأس بقبولها وهذا يقتضي أن لا يقبل الهدية من القريب إلا إذا كان له عادة بالمهاداة كغيره فإن لم يكن للقريب قبل القضاء عادة فأهدى بعد القضاء لا يقبل وعبارة الهداية مع القدوري حيث قال ولا يقبل الهدية إلا من ذي رحم محرم أو ممن له عادة قبل القضاء تفيد قبولها من القريب الذي ليس له عادة بالمهاداة قبل إذا لم تكن خصومة والوجه هو ظاهر النهاية ثم صرح في مسئلة الدعوى عن شيخ الإسلام بأنه لا فرق بين القريب والبعيد في أنه لا يقبل هديته إلا إذا كان له عادة نعم يمكن أن يقال في القريب الذي ليس له عادة بمهاداة قبل القضاء إن كان ذلك لفقر ثم أيسر بعد ذلك بعد ولاية قريبه فصار يهدي إليه جاز لان الظاهر أن المانع ما كان إلا الفقر وهذا على شبه قول فخر الإسلام في الزيادة إذا كثر ماله ثم إذا أخذ الهدية في موضع لا يباح أخذها قيل يضعها في بيت المال لأنها بسبب عمله لهم وعامتهم على أنه يردها على أربابها إن عرفهم وإليه أشار في السير الكبير وإن لم يعرفهم أو كانوا بعيدا حتى تعذر الرد ففي بيت المال ويكون حكمها حكم اللقطة فإن جاء المالك يوما يعطاها وكل من عمل للمسلمين عملا حكمه في الهدية حكم القاضي وفي شرح الأقطع الفرق بين الرشوة والهدية أن الرشوة يعطيه بشرط أن يعينه والهدية لا شرط معها انتهى والأصل في ذلك ما في البخاري عن أبي حميد الساعدي قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا لي قال عليه الصلاة والسلام هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا قال عمر بن عبدالعزيز كانت الهدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية واليوم رشوة ذكره البخاري واستعمل عمر رضي الله عنه أبا هريرة فقدم بمال فقال له من أين لك هذا قال تلاحقت الهدايا فقال له عمر رضي الله عنه أي عدو الله هلا قعدت في بيتك فتنظر أيهدى لك أم لا فأخذ ذلك منه وجعله في بيت المال وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية ولهذا لو زاد المهدى على المعتاد أو كانت له خصومة كره عندنا وعند الشافعي هو محرم كالرشوة هذا ويجب أن يكون هدية المستقرض للمقرض كالهدية للقاضي إن كان المستقرض له عادة قبل استقراضه فأهدى إلى المقرض فللمقرض أن يقبل منه قدر ما كان يهديه
____________________
(7/272)
بلا زيادة قوله ولا يحضر دعوة إلا إذا كانت عامة يعني ولا خصومة لصاحب الوليمة العامة ويدخل في هذا الجواب قريبه فلا يجيب دعوته إلا إذا كانت عامة ولا خصومة له وعن محمد يجيب قريبه وإن كانت خاصة هكذا حكى الخلاف الطحاوي وقال الخصاف يجيب الخاصة لقريبه بلا خلاف لصلة الرحم وعلى تقدير الخلاف طولب بالفرق في القريب بين الهدية قال يقبل منه مطلقا ولم يفصل بين جري العادة وغيره وفي الدعوة فصل بين العامة والخاصة كما ذكر في المتن قال شيخ الإسلام قالوا ما ذكر في الضيافة محمول على ما إذا كان المحرم لم يجر بينهما الدعوة والمهاداة وصلة القرابة وأحدث بعد القضاء ذلك فإذا كانت الحالة هذه فهو والأجنبي سواء وما في الهدية محمول على أنه كان جرى بينهما المهادة وصلة القرابة قبل القضاء فإذا أهدى بعد القضاء لا بأس بقبوله انتهى فقد آل الحال إلى أنه لا فرق بين القريب والغريب في الهدية والضيافة سوى ذلك لإمكان الذي قدمناه واختلف في الخاصة والعامة فقيل ما دون العشرة خاصة والعشرة وما فوقها عامة وقال المصنف الخاصة هي التي لو علم المضيف أن القاضي لا يحضرها لا يتخذها والعامة هي التي يتخذها حضرها القاضي أو لا وعندي أن ما حكي عن القاضي أبي علي النسفي وهو أن العامة دعوة العرس والختان وما سواهما خاصة حسن فإن الغالب هو كون الدعوة العامة هاتين وربما مضى عمر ولم يعرف من اصطنع طعاما عاما ابتداء لعامة الناس بل ليس إلا لهاتين الخصلتين أو لمخصوص من الناس ولأنه أضبط فإن معرفة كون الرجل لو لم يحضر القاضي لم يصنع أو يصنع غير محقق فإنه أمر مبطن وإن كان عليه لوائح ليس كضبط هذا ويكفي عادة الناس في ذلك وعادة الناس هي ما ذكر النسفي والله أعلم وعند الشافعي وأحمد يحضر الولائم مطلقا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر وهو الذي كان يقضي قلنا كان صلى الله عليه وسلم معلوم العصمة عند الكل لا يضره حضور ولا قبول هدية فلقد أبعدت قوله ويشهد الجنازة ويعود المريض المراد مريض لا خصومة له وإلا
____________________
(7/273)
لا يعوده وإنما وجب ذلك لما روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وتشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المريض واتباع الجنائز وإذا استنصحك فانصح له فهذه هي السادسة ورواه ابن حبان وقال فيه وإذا عطس فحمد الله يشمته وروى البخاري في كتابه المفرد في الأدب من حديث عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قال كنا غزاة في البحر زمن معاوية فانضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري فلما حضر غداؤنا أرسلنا إليه فأتانا وقال دعوتموني وأنا صائم فلم يكن لي بد من أن أجيبكم لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن للمسلم على أخيه ست خصال واجبة إن ترك شيئا منها فقد ترك حقا واجبا عليه لأخيه يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويحضره إذا مات وينصحه إذا استنصحه ولا بد من حمل الوجوب فيه على الأعم من الوجوب في اصطلاح الفقه الحادث فإن ظاهره وجوب الابتداء بالسلام وكون الوجوب وجوب عين في الجنازة فالمراد به أمر ثابت عليه أعم من كونه ندبا أو وجوبا بالاصطلاح قوله ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه الآخر لما روى إسحاق بن راهويه في مسنده عن الحسن قال جاء رجل فنزل على علي رضي الله عنه فأضافه فلما قال إني أريد أن أخاصم قال له علي رضي الله عنه تحول فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه وكذا رواه عبدالرزاق ثم الدارقطني ولأن فيه تهمة الميل قوله وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال لما روى إسحاق بن راهويه في مسنده أخبرنا بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش حدثني أبو بكر التميمي عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فليسو بينهم في المجلس والإشارة والنظر ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر وأخرجه الدارقطني في سننه عن عباد بن كثير عن عبيدالله عن عطاء بن يسار عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري أن آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك
____________________
(7/274)
حتى لا يطمع شريف في حيفك لا ييأس ضعيف من عدلك ولا يسار أحدهما ولا يشير إليه ولا يلقنه حجته للتهمة ولأن فيه مكسرة لقلب الآخر فيترك حقه ولا يضحك في وجه أحدهما لأنه يجترئ بذلك على خصمه ولا يمازحهم ولا واحدا منهم لأنه يذهب بمهابة القضاء والمستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه ولا يجلس واحدا عن يمينه والآخر عن يساره لأن لليمين فضلا ولذا كان صلى الله عليه وسلم يخص به أبا بكر دون عمر وفي أبي داود أن عبدالله بن الزبير خاصمه عمرو بن الزبير إلى سعيد بن العاص وهو على السرير قد أجلس عمرو بن الزبير على السرير فلما جاء عبدالله بن الزبير وسع له سعيد من شقه الآخر فقال هنا فقال عبدالله الأرض الأرض قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي وفي النوازل والفتاوى الكبرى خاصم السلطان مع رجل فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ويجلس خصم السلطان فيه ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما وبهذه المسئلة يظهر أن القاضي يصلح قاضيا على السلطان الذي ولاه والدليل عليه قصة شريح مع علي فإنه قام فأجلس عليا رضي الله عنه مجلسه وينبغي للخصمين أن يجثوا بين يديه ولا يتربعان ولا يقعيان ولو فعلا ذلك منعهما القاضي تعظيما للحكم كما يجلس المتعلم بين يدي المعلم تعظيما له فيكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحو ذلك من غير أن يرفعا أصواتهما ويسند القاضي ظهره إلى المحراب وهذا رسم زماننا قالوا وهو أحسن لأنه موافق لفعله صلى الله عليه وسلم أما في زمن الخصاف وغيره فكان القاضي يجلس مستقبل القبلة وهو مستحب عند الأئمة الثلاثة ويقف أعوان القاضي بين يديه ليكون أهيب وإذا حضرا فالقاضي بالخيار إن شاء ابتدأ فقال مالكما وإن شاء تركهما حتى يبتدئاهما بالنطق وبعض القضاة يختار السكوت ولا يكلمهما بشيء غير ما بينهما فإذا تكلم المدعي أسكت الآخر حتى يفهم حجته لأن في تكلمهما معا شغبا وقلة حشمة لمجلس القضاء ثم يستنطق الآخر وإن لم يسأل المدعي ذلك وقيل لا إلا بعد سؤال المدعي بأن يقول اسأله لكي يتفكر في الدعوى لتظهر له صحتها وإلا قال قم فصحح دعواك وإذا صحت الدعوى يقول فماذا تريد أن أصنع فإن قال أريد جوابه سأله والأصح عندنا أنه يستنطقه ابتداء للعلم بالمقصود وإذا كانت الخصومة بين النساء والرجال فلا بد من تقدمهن معهم واختار محمد أن يقدم الدعوى الأول فالأول ويضع على ذلك أمينا لا يرتشي يعرفه السابق وليبكر على باب القاضي ولا يكون عنده طمع ولو أشكل السابق يقرع بينهم ولا يستعجل على الخصوم بل يتمهل معهم فإن بالعجلة تنقطع الحجة ويذهل عنها ولهذا لا يخوفهم فيكون مهيبا لا تخافه الناس وأنكر الأئمة ما رأوا
____________________
(7/275)
من أخذ بواب القاضي شيئا ليمكنه من الدخول وهو يعلم قالوا هذا فساد عظيم ليس لأحد أن يمنع أحدا من التقدم إلى باب القاضي في حاجة والمأخوذ على ذلك رشوة محرمة وعلى هذا يقاس حال الذي يسمى في زماننا نقيب القاضي قيل وينبغي أن يقوم بين يديه إذا جلس للحكم رجل يمنع الناس من التقدم إليه معه سوط يقال له الجلواز وصاحب المجلس يقيم الخصوم بين يديه على البعد والشهود بقرب من القاضي واعلم أن القيام بين يدي القاضي للخصومة لم يكن معروفا بل أن يجلسهما على ما ذكرنا فهذه أيضا من المحدثات لما فيه من الحاجة إليه وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سافر استصحب رجلا سيء الأدب فقيل له في ذلك فقال أما علمت أن الشر بالشر يدفع والمقصود أن الناس مختلفو الأحوال والأدب وقد حدث في هذا الزمان أمور وسفهاء فيعمل بمقتضى الحال مرادا به الخير لا حشمة النفس المؤدي إلى الإعجاب ولا حول ولا قوة إلا بالله ويستحب أن يكون فيه عبسة بلا غضب وأن يلزم التواضع من غير وهن ولا ضعف ولا يترك شيئا من الحق ويتخذ كاتبا أمينا صالحا يكتب المحاضر والسجلات عارفا بها كي لا يقع السجل فاسدا بالإخلال ببعض الشروط كما هو مذكور في كتاب السجلات والمحاضر ويقعده حيث يرى ما يكتب ويكتب خصومة كل منهما وشهادة شهودهما في صحيفة وهي المحضر في عرف الفقهاء بخلاف عرف العادة اليوم بمصر قوله ويكره تلقين الشاهد وهو أن يقول له القاضي كلاما يستفيد به الشاهد علما عليه الأئمة الثلاثة وعن أبي يوسف وهو وجه للشافعي لا بأس به لمن استولته الحيرة أو الهيبة فترك شيئا من شرائط الشهادة فيعينه بقوله أتشهد بكذا وكذا بشرط كونه في غير موضع التهمة أما فيها بأن ادعى المدعي ألفا وخمسمائة والمدعى عليه ينكر الخمسمائة وشهد الشاهد بألف فيقول القاضي يحتمل أنه أبرأه من الخمسمائة واستفاد الشاهد بذلك علما فوفق به في شهادته كما وفق القاضي فهذا لا يجوز بالاتفاق كما في تلقين أحد الخصمين وفي المبسوط ما قالاه عزيمة لأن القاضي منهي عن اكتساب ما يجر إليه تهمة الميل وتلقين الشاهد لا يخلو منه وقول أبي يوسف رخصة فإنه لما ابتلى بالقضاء شاهد الحصر عند أداء الشهادة لأن مجلس القضاء مهاب فيضيع الحق إذا لم يعنه على أداء الشهادة ويحصر مضارع حصر من باب علم إذا امتنع عليه
____________________
(7/276)
وضاق صدره به وتقدمت هذه اللفظة في كتاب الصلاة وأيضا أمرا بإكرام الشهود فإن الله يحيي بهم الحقوق وهذا التلقين إعانة وإكرام حيث لا ينسب إليه القصور وقوله بمنزلة الأشخاص هو إرسال شخص ليأتي يخصمه يقال شخص من بلد إلى بلد إذا ذهب من حد منع قيل وتأخير قول أبي يوسف وتسميته بالاستحسان دليل على أنه مختار المصنف وهذا بناء على أن قوله استحسنه معناه له دليل الاستحسان الاصطلاحي وقد لا يلزم ويكفي كونه أخر دليله في ذلك وفي فتاوى قاضيخان لا ينبغي للقاضي أن يبيع ويشتري بنفسه بل يفوض ذلك إلى غيره وبه قالت الأئمة الثلاثة وعن أحمد يتخذ وكيلا لا يعرف أنه وكيل القاضي تحرزا عن المحاباة وشرط شريح على عمر حين ولاه أن لا أبيع ولا أشتري ولا أرتشي وقال بعض أشياخ المالكية ينبغي للقاضي أن يرتفع عن طلب العواري من الماعون والدابة وما أشبه ذلك وعن محمد لا بأس أن يبيع ويشتري في غير مجلس القضاء وينبغي للخصوم إذا وصلوا أن لا يسلموا على القاضي فإذا سلموا لا يجب على القاضي رد سلامهم فإن رد يقتصر على قوله وعليكم ويخرج في أحسن ثيابه والله الموفق فصل في الحبس
أحكام القضاء كثيرة فذكر منها ما ذكر ومنها الحبس إلا أنه اختص بأحكام كثيرة فأفرده بفصل على حدته والحبس مشروع بالكتاب لأنه المراد بالنفي المذكور بقوله تعالى { أو ينفوا من الأرض } وبالسنة على ما سلف أنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة وذكر الخصاف أن ناسا من أهل الحجاز اقتتلوا فقتلوا بينهم قتيلا فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسهم ولم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سجن إنما كان يحبس في المسجد أو الدهليز حتى اشترى عمر رضي الله عنه دارا بمكة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا وقيل بل لم يكن في زمن عمر ولا عثمان أيضا إلى زمن علي رضي الله عنه فبناه وهو أول سجن بني في الإسلام
____________________
(7/277)
قال في الفائق إن عليا بنى سجنا من قصب فسماه نافعا فنقبه اللصوص وتسيب الناس منه ثم بنى سجنا من مدر فسماه مخيسا وفي ذلك يقول علي رضي الله عنه ** ألا تراني كيسا مكيسا ** بنيت بعد نافع مخيسا ** بابا حصينا وأمينا كيسا ** والمخيس موضع التخييس وهو التذليل والكيس حسن التأني في الأمور والمكيس المنسوب إلى الكيس وأراد بالأمين السجان الذي نصبه فيه والمحبوس في الدين لا يخرج لصوم رمضان ولا لعيد ولا لجمعة ولا لصلاة جماعة ولا لحج فريضة ولا لحضور جنازة بعض أهله ولو أعطى كفيلا بنفسه لأنه شرع ليضجر قلبه فيسارع للقضاء ولهذا قالوا ينبغي أن يكون موضعا خشنا ولا يبسط له فراش ولا وطاء ولا يدخل له أحد يستأنس به وقيل يخرج بكفيل لجنازة الوالدين والأجداد والجدات والأولاد وفي غيرهم لا وعليه الفتوى وفيه نظر لأنه إبطال حق آدمي بلا موجب وموت الأب ونحوه غير مبطل بنفسه نعم إذا لم يكن له من يقوم بحقوق دفنه فعل ذلك وسئل محمد عما إذا مات والده أيخرج فقال لا ولو مرض في السجن فأضناه إن كان له خادم لا يخرج حتى يموت وإن لم يكن له خادم يخرج لأنه قد يموت بسبب عدم الممرض ولا يجوز أن يكون الدين مقضيا للتسبب في هلاكه ولو احتاج إلى الجماع تدخل زوجته أو جاريته فيطؤها حيث لا يطلع عليه وقيل يمنع منه لأن الجماع ليس من الحوائج الأصلية ولا يمنع من دخول أهله وجيرانه للسلام عليه لأنه قد يفضي إلى المقصود من الإيفاء بمشورتهم ورأيهم ويمنعون من طول المكث والمال غير مقدر في الحبس فيحبس في الدرهم وما دونه لأن ظلمه يتحقق بمنع ذلك قوله وإذا ثبت الحق عند القاضي وطلب صاحبه حبس غريمه لم يعجل بحبسه حتى يأمره بدفع ما عليه لأن الحبس جزاء المماطلة بقوله صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته رواه أبو داود وفسر عبدالله بن المبارك إحلال عرضه بإغلاظ القول له وعقوبته بالحبس فلا بد من ظهور المماطلة ولم تظهر بمجرد ثبوت الحق بالإقرار إذ لعله طمع في الإمهال فلم يستصحب المال وإنما يظهر إذا أمره بعد إقراره فامتنع أما إذا ظهر بالبينة فيحبسه كما ظهر لظهور المماطلة بإنكاره وفي الفوائد الظهيرية
____________________
(7/278)
وعن شمس الأئمة السرخسي عكس هذا وهو أنه إذا ثبت بالبينة لا يحبسه لأول وهلة لأنه يعتذر بأني ما كنت أعلم أن علي دينا له بخلافه بالإقرار لأنه كان عالما بالدين ولم يقضه حتى أحوجه إلى شكواه وعلى قول الخصاف لا يحبسه حتى يأمره في الإقرار والبينة قوله فإن امتنع أي بعد أمره بقضائه حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كالقرض وثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة لأنه إذا ثبت المال في يده ثبت غناه به والمراد بالغنى القدرة على الإيفاء وإلا فالدين قد يكون دون النصاب ويحبس به يعني إذا دخل المال في يده ثبتت قدرته على إيفائه ومالم يكن بدل مال لكنه لزمه عن عقد التزمه كالمهر والكفالة لأن إقدامه على مباشرة ما يلزم ذلك المال دليل القدرة عليه فيحبسه ولا يسمع قوله إني فقير لأنه كالمناقض لوجود دلالة اليسار ولا يحبسه فيما سوى هذين النوعين إذا قال إني فقير إلا أن يثبت غريمه أن له مالا فيحبسه حينئذ لأنه وجد دلالة اليسار
____________________
(7/279)
أي قدرته على الدين المدعى به هكذا ذكر في الكتاب ويروى أن القول لمن عليه في جميع ذلك أي فيما كان بدل مال أو لزمه بعقد أو حكما لفعله لا لعقد كالإتلاف وضمان الغصب وهو قول الخصاف لأن الأصل هو العسرة في حق كل أحد لأنه خلق عديم المال ولهذا قال إذا ثبت الحق فلا يحبسه حتى يسأله ألك مال أو لا فإن قال لا استحلفه فإن نكل حبسه وإن حلف أطلقه إلا ان يقيم المدعي البينة على قدرته وعندنا يحبسه ولا يسأله فإن قال أنا فقير حينئذ ينظر ويروى أن القول له أي للمديون إلا فيما بدله مال كالقرض وثمن المبيع بخلاف المهر والكفالة فإن القول فيهما قول المدعي ونسب الخصاف هذا القول لأبي حنيفة وأبي يوسف ومن العلماء من قال يحكم الزي إن كان بزي الفقراء فالقول قوله في الفقر إلا أن يثبت المدعي قدرته وإن كان بزي الأغنياء فالقول للمدعي إلا في الفقهاء والعلوية والعباسية لا يحكم الزي لأنهم يتكلفون في لباسهم مع فقرهم وحاجتهم وعلى هذا القول لو كان على المطلوب زي الفقراء فادعى المدعي أنه غير زيه وقد كان عليه زي الأغنياء قبل أن يحضر مجلس الحكم فإن القاضي يسأل المدعي البينة على ذلك فإن أقام البينة أنه كان عليه زي الأغنياء جعل القول قول المدعي فإن لم يقدر على البيان حكم زيه في الحال فيجعل القول قول المديون وكلما تعارضت بينة اليسار والإعسار قدمت بينة اليسار لأن معها زيادة علم اللهم إلا أن يدعي المدعي أنه موسر وهو يقول أعسرت بعد ذلك وأقام بينة بذلك فإنها تقدم لأن معها علما بأمر حادث وهو حدوث ذهاب المال ثم ذكر المصنف مسئلتين محفوظتين نصا عن أصحابنا بلا خلاف إحداهما أن المرأة إذا ادعت أنه موسر لتأخذ نفقة اليسار وقال إنه معسر ليعطي نفقة الإعسار أن القول للزوج والثانية أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه وزعم أنه معسر فلا يضمن للساكت شيئا ولكن يستسعى العبد وقال شريكه بل موسر ليضمنه كان القول قول المعتق قال المصنف
____________________
(7/280)
والمسئلتان تؤيدان القولين الأخيرين يعني قول القائل القول لمن عليه في جميع ذلك وقول القائل القول لمن عليه إلا فيما بدله مال أما تأييدهما الأول فلأنه جعل القول قول الزوج والمعتق فلو كان الصحيح المذكور أولا كان القول للمرأة والشريك الساكت في دعوى اليسار وأما تأييدهما الثاني فلأنه لما لم يكن بدل المهر وبدل العتق مالا جعل القول قول من عليه فعلم بهذا أن الصحيح هو القولان الأخيران كذا في النهاية ومنهم من استروح في الأول فقال أما تأييدهما لقول من قال القول له في جميع ذلك فظاهر وذكر في الثاني ما ذكر في النهاية ولا يخفى أنهما يبطلان القول المفصل في الكتاب بين كون الدين ملتزما بمال أو بعقد فلا يكون القول للمطلوب وكونه بخلافهما فالقول للمطلوب فإن البدل فيهما ملتزم بعقد أو شبهه وهو الفعل الحسن الموضوع سببا أعني العتق ويؤيدان القول الأخير وهو أن القول للمديون إلا فيما بدله مال فإن البدل في المسئلة ليس مالا ويجعل القول للمديون تأيد القول بأن ما بدله ليس بمال يكون القول فيه للمطلوب وإن التزمه بعقد ثم هذه الثانية باعتبار صدقها مع جزء كل من القولين بمطابقة كل منهما يوهم أنه يفيد الشمول وإلا فلم يلزم من كون القول للمطلوب فيما إذا التزم بعقد والبدل ليس بمال كون القول له في جميع الديون فما في النهاية والدراية وغيرهما من قوله بعد توجيه التأييد فكان الصحيح هما القولان تساهل ظاهر وكيف يمكن أن يجمع بينهما في الصحة وهما متباينان فإن كون القول للمطلوب في الكل إذا كان هو الصحيح لا يكون المفصل بين كون بدل الدين مالا فالقول للمدعي أو غير مال فالقول للمطلوب صحيحا فالذي لا شبهة فيه إنما يبطلان القول المذكور في الكتاب ليس غير وأجاب المصنف عن الإبطال المذكور بأن دين النفقة وضمان العتق ليس بدين مطلق بل هو صلة واجبة ولذا سقطت النفقة بالموت بالاتفاق وكذا ضمان الإعتاق عند أبي حنيفة وهذا معنى قوله والتخريج على ما قال في الكتاب الخ فلم يرد انقضا فيرجع قول الكتاب المفصل على قوته وثبوته ثم فيما إذا كان القول
____________________
(7/281)
قول المدعي إن له مالا أو ثبت ذلك بالبينة بحبس المديون شهرين أو ثلاثة ثم يسأل عنه فالحبس لظهور المماطلة ثم إنما يحبس مدة ليظهر ماله فيؤدي ما عليه فلا بد أن تمتد تلك المدة ليفيد هذه الفائدة فقدره بما ذكره وهو شهران أو ثلاثة وهو رواية محمد عن أبي حنيفة في كتاب الحوالة والكفالة ويروى غير ذلك من التقدير بشهر وهو اختيار الطحاوي لأن ما زاد على الشهر في حكم الآجل وما دون الشهر في حكم العاجل فصار أدنى الأجل شهرا والأقصى لا غاية له فيقدر بشهر وروي أو أربعة أشهر إلى ستة أشهر وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة أي ما بين أربعة أشهر إلى ستة أشهر رواية الحسن عن ابي حنيفة قوله والصحيح الخ ذكر هشام عن محمد نحوه وكذا الصدر الشهيد فالتقدير في هذا غير معتبر بل هو مفوض إلى رأي القاضي إذ المقصود بالحبس أن يضجر قلبه فيقضيه إن كان له مال وهذا يختلف باختلاف الناس إن غلب على ظن القاضي بعد مدة أنه لو كان له مال فرج عن نفسه فيسأل عنه جيرانه وأهل الخبرة به فإن شهد شاهدان عنده أنه قادر على قضاء الدين أبد حبسه وإن
____________________
(7/282)
قالوا إنه ضيق الحال أطلقه ولو رأى أن يسأل قبل انقضاء مدة الحبس كان له ذلك وأما السؤال قبل الحبس وقبول بينة الإعسار ففيه اختلاف الرواية عن محمد في رواية تقبل قبل الحبس وبه أفتى محمد بن الفضل وإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ونصير بن يحيى وهو قول الشافعي وأحمد والأكثر على أنها لا تقبل قبل الحبس وهو قول مالك قيل وهو الأصح فإن بينة الإعسار بينة على النفي فلا تقبل حتى تتأيد بمؤيد وبعد مضى المدة تأيدت
____________________
(7/283)
إذ الظاهر أنه لو كان له مال لم يتحمل ضيق السجن ومرارته واعلم أن سؤال القاضي بعد المدة للاحتياط وإلا فبعد مضي المدة التي يغلب على ظن القاضي أنه لو كان له مال دفعه وجب إطلاقه إن لم يقم المدعي بينة يساره من غير حاجة إلى سؤال وإليه يشير قوله فإن لم ينكشف له مال خلى سبيله ولو طلب المديون يمين المدعي أنه ما يعلم أنه معسر حلف فإن نكل أطلقه ولو قبل الحبس وإن حلف أبد حبسه ولا شك أن معناه مالم تقم بينة على حدوث عسرته قال أبو القاسم في كيفية شهادة الإعسار أن يقول أشهد إنه مفلس لا نعلم له مالا سوى كسوته التي عليه وثياب ليله وقد اختبرنا أمره سرا وعلانية بخلاف ما إذا مضت المدة فسأل فإنه يكفي الواحد العدل في إخباره بالعسرة والاثنان أحوط ولا يشترط فيها لفظة الشهادة ذكره في باب الحبس من كفالة شيخ الإسلام قوله وفي الجامع الصغير رجل أقر بدين عند القاضي فإنه يحبسه ثم يسأل عن حاله إنما ذكره لما في ظاهره من المخالفة لما قدمه من قوله إذا ثبت الدين بالإقرار لا يحبسه في أول الوهلة فإن هذا ظاهر في وصل الحبس بإقراره فذكره ليؤوله بقوله ومراده إذا أقر عند غير القاضي أو عنده مرة وظهرت مماطلته فترافعا إلى القاضي فإنه يحبسه بمجرد جوابه أنه لم يعطه إلى الآن شيئا قوله ويحبس الرجل في نفقة زوجته لأنه ظالم بالامتناع ويتحقق ذلك بأن تقدمه في اليوم الثاني من يوم فرض النفقة وإن كان مقدار النفقة قليلا كالدانق إذا رأى القاضي ذلك فأما بمجرد فرضها لو طلبت حبسه لم يحبسه لأن العقوبة تستحق بالظلم والظلم بالمنع بعد الوجوب ولم يتحقق وهذا يقتضي أنه إذا لم يفرض لها ولم ينفق الزوج عليها في يوم ينبغي إذا قدمته في اليوم الثاني أن يأمره بالإنفاق فإن رجع فلم ينفق أوجعه عقوبة وإن كانت النفقة سقطت بعد الوجوب فهو ظالم لها وهو قياس ما أسلفناه في باب القسم من قولهم إذا لم يقسم لها فرفعته إلى القاضي يأمره بالقسم وعدم الجور فإن ذهب ولم يقسم فرفعته أوجعه عقوبة وإن كان ما ذهب لها من الحق لا يقضى ويحصل بذلك ضرر كبير قوله ولا يحبس والد في دين ولده فإنه عقوبة ولا يستحق الوالد عقوبة لأجل الولد لأن التأفيف لما حرم كان الحبس حراما لأنه فوقه وكذا لا يحد
____________________
(7/284)
له إذا قذفه ولا يقتص منه إذا قتله أما إذا امتنع من الإنفاق عليه فإنه يحبس وكذا كل من وجبت عليه النفقة فأبى عن الإنفاق أبا كان أو أما أو جدا لأن في ترك الإنفاق سعيا في هلاكهم ويجوز أن يحبس الوالد لقصده إلى إهلاك الولد ولأنه لا يتدارك لسقوطها أي لسقوط النفقة بمضي الزمان بخلاف الدين فإنه لا يسقط وفي الذخيرة والعبد لا يحبس لمولاه لأن المولى لا يستوجب عليه دينا ولا المولى لعبده المأذون غير المديون لأن كسبه لمولاه فكيف يحبس له فإن كان عليه دين حبس لأنه للغرماء في التحقيق ويحبس مولى المكاتب للمكاتب إذا لم يكن دينه من جنس بدل الكتابة لأن في الجنس له حق أخذه فإذا أخذ يلتقيان قصاصا وفي غير جنسه لا تقع المقاصة والمكاتب في أكسابه كالحر فله حق المطالبة فيحبس لمطله أما المكاتب فلا يحبس بدين الكتابة لمولاه لأنه بالامتناع لا يصير ظالما ولو كان عليه دين غير بدل الكتابة يحبس فيه لأنه لا يتمكن من فسخ ذلك الدين وهو ظاهر الرواية وعن بعض مشايخنا هما سواء لأنه يتمكن من إسقاطه بتعجيز نفسه فيسقط الدين عنه لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا وفي ظاهر الرواية أن بدل الكتابة صلة من وجه بخلاف سائر الديون & باب كتاب القاضي إلى القاضي
هذا أيضا من أحكام القضاء غير أنه لا يتحقق في الوجود إلا بقاضيين فهو كالمركب بالنسبة إلى الحبس والعمل بكتاب القاضي إلى القاضي على خلاف القياس لأنه لا يزيد على إخباره بنفسه والقاضي لو أخبر قاضي
____________________
(7/285)
البلد الأخرى بأنه ثبت عنده ببينة قبلها حق فلان على فلان الكائن في بلد القاضي الآخر لم يجز العمل به لأن إخبار القاضي لا يثبت حجة في غير محل ولايته فكتابه أولى أن لا يعمل به لكنه جاز بإجماع الصحابة والتابعين لحاجة الناس إلى ذلك فإن الإنسان قد لا يقدر على أن يجمع بين شهوده والمدعى عليه بأن كان في بلدين فجوز إعانة على إيصال الحقوق لمستحقيها وما وجه القياس به لما فيه من شبهة التزوير فإن الخط والختم يشبه الخط والختم فليس بذاك لأن هذه الشبهة منتفية باشتراط شهادة الشهود على نسبة ما فيه إلى القاضي المرسل وأنه ختمه وقيل أصله ما روى الضحاك بن سفيان أنه عليه الصلاة والسلام كتب أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها رواه أبو داود والترمذي وأجمع الفقهاء عليه لا يقال لا نسلم مساس الحاجة إلى كتاب القاضي لأن الشاهدين على الكتاب يجوز أن يشهدا على شهادة الأصول ويؤدون عند القاضي الثاني فلم يحتج إليه لأنا نقول في الشهادة على الشهادة يحتاج القاضي الثاني إلى تعديل الأصول وقد يتعذر ذلك في بلده وبالكتاب يستغنى عن ذلك لأنه يكتب بعدالة الذين شهدوا عنده قوله ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق أي التي تثبت مع الشبهات بخلاف الحدود والقصاص إذا شهد به أي بالكتاب عند القاضي المكتوب إليه على ما نبين من أن المشهود فيه ما هو عن قريب ثم فصل فقال فإن شهدوا على خصم حاضر حكم بالشهادة يريد بالخصم الحاضر من كان وكيلا من جهة المدعى عليه أو مسخرا وهو من ينصبه القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع الدعوى عليه وإلا لو أراد بالخصم المدعى عليه لم يبق حاجة إلى الكتاب إلى القاضي الآخر لأن الخصم حاضر عند هذا القاضي وقد حكم عليه وإذا حكم كتب بحكمه إلى قاضي البلد التي فيها الموكل ليقتضى منه الحق وهذا الكتاب المتضمن للحكم هو المدعو سجلا في عرفهم وإذا شهدوا بلا خصم حاضر لم يحكم لأنه حينئذ قضاء على غائب وإنما يكتب بالشهادة إلى القاضي الآخر ليحكم هو بها وهذا هو الكتاب الحكمي في عرفهم نسبوه
____________________
(7/286)
إلى الحكم باعتبار ما يئول وهو في الحقيقة نقل الشهادة إلى ذلك القاضي وسنذكر شروط الحكم من القاضي الثاني به والفرق بين الكتابين أن السجل يلزم العمل به وإن كان المكتوب إليه لا يرى ذلك الحكم لصدور الحكم في محل مجتهد فيه والكتاب الحكمي لا يلزم إذا كان يخالفه لأنه لم يقع حكم في محل اجتهاد فله أن لا يقبله ولا يعمل به ويندرج في الحقوق الدين والنكاح والنسب والمغصوب والأمانة المجحودة والمضاربة المجحودة لأن كل ذلك بمنزلة الدين وهو يعرف بالوصف غير محتاج إلى الإشارة واستشكل بأن في دعوى النكاح لا بد من الإشارة إلى الرجل وإلى المرأة وكذا في الأمانة والمغصوب فكانت هذه بمنزلة الأعيان المدعى بها وأجيب بأن المدعى به نفس النكاح والغصب ونحوه وذلك لا يحتاج إلى الإشارة لأنها من الأفعال وإن كان يلزم في ضمنه الإشارة إلى الرجل والمرأة إذ كل خصم والإشارة إلى الخصم شرط ولا يخفى ما فيه لأن الإشارة إذا لزمته بأي طريق كان ضمنا أو قصدا تتعذر على شهود القاضي الكاتب فالحق أن الإشارة لا تلزم من الأصول إلى الخصم الغائب بل يشهدون على مسمى الاسم الخاص والنسب والشهرة فإذا وصل الكتاب هناك يقع التعيين كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيكتب فيها كما يكتب في الدين والعبد ويقبل في العقار أيضا إذا بين حدودها الأربع لأن التعريف يحصل به
____________________
(7/287)
ولا يقبل في الأعيان المنقولة كالحمار والثوب والعبد للحاجة إلى الإشارة فيها وعن أبي يوسف أنه يقبل في العبد دون الأمة لغلبة الإباق في العبد لأنه يخدم خارج البيت فإباقه متيسر فلمساس الحاجة فيه جوزه بخلاف الأمة لأنها داخل البيت فلا يتيسر لها تيسره له وعن محمد أنه يقبل في جميع ما ينقل من الدواب والثياب والإماء وعليه المتأخرون ونص الإسبيجابي على أن الفتوى عليه وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول فإن المانع منه ما كان إلا الحاجة إلى الإشارة في الأعيان وهي غائبة في بلد المكتوب إليه ولا شك أن في الدين أيضا لا بد من الإشارة إلى المديون ليقضى عليه ومع ذلك اكتفى باسمه وشهرته في الإثبات عليه وقبول القاضي الكاتب الشهادة عليه وما ذاك إلا لأن عند القضاء من الثاني يتحقق معنى الإشارة والتعيين ويتبين ذلك بإيراد الصور فصورة الدين إذا شهدوا على فلان بن فلان بن فلان الفلاني أن يكتب كما ذكره الحسن في المجرد من فلان قاضي كورة كذا إلى فلان قاضي كورة كذا سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن رجلا
____________________
(7/288)
أتاني يقال له فلان بن فلان وذكر أن له حقا على رجل في كورة كذا ولم يذكر في المجرد يقال له فلان بن فلان الفلاني على فلان بن فلان الفلاني ولا بد منه كما سنذكر وسألني أن أسمع بينته وأكتب إليك بما يستقر عندي من ذلك فسألته البينة فأتاني بعدة منهم فلان وفلان وفلان ويحليهم وينسبهم فشهدوا عندي أن لفلان بن فلان الفلاني على فلان بن فلان الفلاني كذا وكذا درهما دينا حالا وسألني أن أحلفه بالله ما قبض منها شيئا ولا قبضه له قابض بوكالة ولا احتال بشيء منها وحلفته فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما قبض من هذا المال الذي قامت به البينة عندي ولا قبضه له وكيل ولا أحاله ولا قبضه له قابض وأنها له عليه فسألني أن أكتب له كتابا إليك بما استقر عندي من ذلك فكتبت إليك هذا الكتاب وأشهدت عليه شهود أنه كتابي وخاتمي وقرأته على الشهود قال ثم يطوى الكتاب ويختم عليه فإن ختم عليه شهوده فهو أوثق ثم يكتب عليه عنوان الكتاب من فلان قاضي كورة كذا إلى فلان قاضي كورة كذا ثم يدفعه إلى المدعي فإذا أتى به المدعي إلى القاضي الذي بالكورة فذكر أن هذا كتاب القاضي إليه سأله البينة على كتاب القاضي ولا ينبغي أن يسمع بينة المدعي حتى يحضر الخصم فإذا أحضره واقر أنه فلان بن فلان الفلاني قبل بينته وسمع منه فإن أنكر قال له جئني بالبينة أن هذا فلان بن فلان الفلاني فإن جاء بها وعدلوا سمع بينة المدعي حينئذ على أن هذا كتاب القاضي الذي ذكر فيقول لهم أقرأ عليكم ما فيه فإذا قالوا قرأه علينا وأشهدنا أن هذا كتابه وختمه فإذا سمع منهم لا يفك الخاتم حتى يسأل عنهم فإذا عدلوا لا يفكه أيضا حتى يحضر الخصم فإذا حضر فكه وقرأه عليهم وعليه فإن أقر ألزمه إياه وإن أنكر قال ألك حجة وإلا قضيت عليك فإن لم يكن له حجة قضى عليه وإن كانت له حجة قبلها وإن قال لست أنا فلان بن فلان الذي شهدوا عليه بهذا المال لزيد بل هو آخر قال له هات بينة أن في هذه الصناعة أو القبيلة رجلا ينتسب بمثل ما تنتسب إليه وإلا ألزمتك ما شهد به الشهود فإن جاء ببينة على أن في تلك القبيلة أو الصناعة من ينتسب بمثل ما نسب إليه أبطل الكتاب وإن لم يكن في تلك القبيلة أو الصناعة أحد على اسمه واسم أبيه قضي عليه انتهى فقد علمت أن التعيين الذي هو المقصود بالإشارة يحصل بآخره الأمر قبل القضاء عليه وفي هذه الصورة مواضع وإن كانت ظاهرة ننبه عليها منها قوله في شهود الكتاب منهم فلان وفلان ويحليهم وينسبهم لم يذكر كتب عدالتهم ولا بد منها وقالوا لو كتب وأقام شهودا عدولا عرفتهم بالعدالة أو سألت عنهم فعدلوا كفي عن تسميتهم ونسبهم وعندي لا بد أن يقول أحرار عدول إذا لم يسمهم والذي يظهر من كلام محمد وغيره أنه لا بد من تسميتهم ونسبة كل منهم ومصلاه وحرفته إن تاجرا فتاجر أو مزارعا فمزارع والمقصود تتميم تعريف الشهود ثم يذكر أنه عرفهم بالعدالة أو عدلوا لأن الخصم إذا أحضره الثاني قد يكون له مطعن فيهم أو في أحدهم فلا بد من تعيينهم له ليتمكن من الطعن إن كان وإلا فيقول سموهم لي فإني قد يكون لي فيهم مطعن ومنها قوله إلى فلان قاضي كورة كذا إنما يصح إذا كان القاضي واحدا فإن كان لها قاضيان لا يصح ومنها قوله في المدعي يقال له فلان بن فلان يتم التعريف في قولهما وعنده لا بد من ذكر الجد وكذا الخلاف لو ذكر قبيلته أو صناعته وإن ذكر اسمه ولم يذكر اسم الأب لكن نسبه إلى قبيلته أو فخذه فقال فلان التميمي أو الكوفي وما أشبه ذلك لا يكون
____________________
(7/289)
تعريفا بالاتفاق وإن كان مشهورا لا يحتاج إلى هذا وقيل ولا بد أن يذكر ادعى المدعي أنه غائب من هذا البلد مسيرة سفر لأن بين العلماء اختلافا في المسافة التي يجوز فيها كتاب القاضي إلى القاضي فجماعة من مشايخنا قالوا لا يجوز فيما دون مسافة القصر وبه قال الشافعي وأحمد في وجه وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه أنه يجوز فيما دون مسافة القصر وقال بعض المتأخرين هذا قول أبي يوسف ومحمد وبه قال مالك والذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز كالشهادة على الشهادة ومنها ختم الشهود ليس بلازم بل هو أوثق كما قال ومنها قوله وعدلوا ظاهر في أنه لا يفك الختم حتى يعدل شهود الكتاب وفيه خلاف سيذكر وإن كانت دارا قال وادعى أن له دارا في بلد كذا في محلة كذا وذكر حدودها في يد رجل يقال له فلان بن فلان يعرفه على وجه التمام ولو ذكروا ثلاثة حدود كفى استحسانا خلافا لزفر ولو غلطوا في بعض الحدود بطل الكتاب وصورة كتاب العبد الآبق من مصر بعد العنوان والسلام أن يكتب شهد عندي فلان وفلان بأن العبد الهندي الذي يقال له فلان حليته كذا وقامته كذا وسنه كذا وقيمته كذا ملك فلان المدعي وقد أبق إلى الإسكندرية وهو اليوم في يد فلان بغير حق ويشهد على كتابه شاهدين مسافرين إلى الإسكندرية على ما فيه وعلى ختمه كما سيذكر فإذا وصل وفعل القاضي ما تقدم وفتح الكتاب دفع العبد إلى المدعي من غير أن يقضي له به لأن الشهود الذين شهدوا بملك العبد للمدعي لم يشهدوا بحضرة العبد ويأخذ كفيلا بنفس العبد من المدعي ويجعل خاتما من القاضي في كتف العبد ولا حاجة إلى هذا إلا لدفع من يتعرض له ويتهمه بسرقته فإذا لم يكن لا حاجة ويكتب كتابا إلى قاضي مصر ويشهدان على كتابه على ما عرف فإذا وصل الكتاب إليه فعل ما يفعل المكتوب إليه ثم يأمر المدعي أن يحضر شهوده ليشهدوا بالإشارة إلى العبد أنه ملكه فإذا شهدوا قضي له به وكتب إلى قاضي الإسكندرية بما ثبت عنده ليبرئ كفيله وفي بعض الروايات أن قاضي مصر لا يقضي بالعبد للمدعي لأن الخصم غائب ولكن يكتب كتابا آخر إلى قاضي الإسكندرية ويذكر فيه ما جرى عنده ويشهد على كتابه وختمه ويرد العبد معه إليه ليقضي به بحضرة المدعي عليه فيفعل ذلك ويبرئ الكفيل وصورته في الجواري كما في العبد إلا أن القاضي المكتوب إليه لا يدفع الجارية إلى المدعي بل يبعثها على يد أمين لاحتمال أنه إذا أرسلها مع المدعي يطؤها لاعتماده أنه ملكه قال في المبسوط ولكن أبو حنيفة ومحمد قالا هذا فيه بعض القبح فإنه إذا دفع العبد يستخدمه قهرا ويستغله فيأكل من غلته قبل أن يثبت ملكه فيه بالقضاء وربما يظهر العبد لغيره ولا يخفى أن ضم محمد مع أبي حنيفة بناء على ظاهر الرواية عنه وكلامنا على الرواية عن محمد المختارة للفتوى الموافقة للوجه والأئمة الثلاثة وإذا عرفت هذا فالزوجة المدعى باستحقاقها في بلد القاضي المكتوب إليه لا بد أن تجعل من قبيل الأمة فيجري فيها ما يجري فيها لأنه يبعد أن تجري مجرى الديون لأنها إذا قالت لست أنا فلانة المشهود على أنها زوجة المدعي المذكور ولم تقدر على بينة أن في قبيلتها من هوعلى اسمها ونسبها أن تدفع إلى المدعي يطؤها قوله ولا يقبل الكتاب أي لا يقبل المكتوب إليه الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين على أنه كتاب القاضي فلان الكاتب وأنه ختمه وإن
____________________
(7/290)
فيه كذا وكذا ولا بد من إسلامهما فلا تقبل شهادة الذميين على كتاب القاضي المسلمين ولو كان الكتاب الذمي على ذمي لأنهم يشهدون على فعل المسلم وهذا لأن قبول شهادة بعضهم على بعض كان للحاجة والضرورة إذ قلما يحضر المسلمون معاملاتهم خصوصا الأنكحة والوصايا وهذا لا يتحقق في كتاب القاضي وختمه ولم يشرط الشعبي الشهادة عليه وكذا الحسن أسند الخصاف إلى عمرو بن أبي زائدة أو عمير قال جئت بكتاب من قاضي الكوفة إلى إياس بن معاوية فجئت وقد عزل واستقضى الحسن فدفعت كتابي إليه فقبله ولم يسألني البينة عليه ففتحه ثم نشره فوجد لي فيه شهادة شاهدين على رجل من أهل البصرة بخمسمائة فقال لرجل يقوم على رأسه اذهب بهذا الكتاب إلى زياد فقل له أرسل إلى فلان فخذ منه خمسمائة درهم فادفعها إلى هذا وبه قال أبو ثور والإصطخري من الشافعية وأبو يوسف في رواية فالشرط عندهم أن يكون المكتوب إليه يعرف خط القاضي الكاتب وختمه قياسا على كتاب الاستئمان وعلى رسول القاضي إلى المزكي ورسول المزكي إلى القاضي قلنا الفرق أن هذا نقل ملزم إذ يجب على القاضي المكتوب إليه أن ينظر فيه ويعمل به ولا بد للملزم من الحجة وهي البينة بخلاف كتاب أهل الحرب فإنه ليس ملزما إذ للإمام أن يعطيهم ما طلبوه وله أن لا وأما الرسول فلأن التزكية ليست ملزمة وإنما الملزم هو البينة وأما الفرق بين رسول القاضي وبين كتابه حيث يقبل كتابه ولا يقبل رسوله فلأن غاية رسوله أن يكون كنفسه وقدمنا أنه لو ذكر ما في كتابه لذلك القاضي بنفسه لا يقبله وكان القياس في كتابه كذلك إلا أنه أجيز بإجماع التابعين على خلاف القياس فاقتصر عليه فإن قلت فكيف عمل الحسن بالكتاب وهو لم يكتب إلا إلى قاض آخر غيره فالجواب يجوز أن يكون قال إلى إياس القاضي بالبصرة وإلى كل قاض يراه من قضاة المسلمين فإنه إذا كتب كذلك كان لكل قاض رفع إليه أن يعمل به بلا خلاف بخلاف ما لو كتب من الأول إلى من يبلغه كتابي هذا من قضاة المسلمين فإنه لا يجوز العمل به لأحد من القضاة وأجازه أبو يوسف أيضا قال في الخلاصة وعليه عمل الناس اليوم
____________________
(7/291)
فرع يجوز على كتاب القاضي الشهادة على الشهادة كما جاز فيه شهادة النساء لأنه يثبت مع الشبهات ولو كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه أصلح الله الأمير ثم قص القصة وهو معه في المصر فجاء به ثقة يعرفه الأمير ففي الفتاوى لا يقبل لأن إيجاب العمل بالبينة ولأنه لم يذكر اسمه واسم أبيه وفي الاستحسان يجوز للأمير أن يمضيه لأنه متعارف ولا يليق بالقاضي أن يأتي في كل حادثة إلى الأمير ليخبره ولأنه لو أرسل إليه بذلك رسولا ثقة كان عبارة رسوله كعبارته في جواز العمل به فكذا إذا أرسل كتابه ولم يجر الرسم في مثله من مصر إلى مصر فشرطنا هناك شرط كتاب القاضي إلى القاضي قوله ويجب أن يقرأ الكتاب عليهم شروع في بيان الشروط الموعود بذكرها في قوله ويختص بشرائط نذكرها والحاصل إن شهد الشهود على ما في الكتاب فلا بد حينئذ من أن يقرؤه عليهم أو يعلمهم ما فيه أي بإخباره لأنه لا شهادة بلا علم بالمشهود به كما لو شهدوا بأن هذا الصك مكتوب على فلان لا يفيد مالم يشهدوا بما تضمنه من الدين واشتراط علمهم بما في كتاب القاضي قول أبي حنيفة ومحمد والشافعي وأحمد ومالك في رواية ومن أن يشهدوا أنه ختمه وذلك بأن يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ولا بد أن يكون الكتاب معنونا أي مكتوبا فيه العنوان الذي قدمناه وهو اسم الكاتب واسم المكتوب إليه ونسبهما والشرط العنوان الباطن فإن لم يوجد وكان معنونا في الظاهر لا يقبله لتهمة التغيير وعن هذا قيل ينبغي أن يكون معه نسخة أخرى مفتوحة ليستعينوا بها على حفظ ما في الكتاب فإنه لا بد من التذكر من وقت الشهادة إلى وقت الأداء عندهما وقال أبو يوسف رحمه الله آخرا شيء من ذلك ليس بشرط فالشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه بعدما كان أولا يقول كقول أبي حنيفة وعن أبي يوسف أيضا أن الختم ليس بشرط أيضا رخص في ذلك لما ابتلى بالقضاء وليس الخبر كالمعاينة وهذا اختيار شمس الأئمة السرخسي ولا شك
____________________
(7/292)
عندي في صحته فإن الفرض إذا كان عدالة الشهود وهم حملة الكتاب فلا يضره كونه غير مختوم مع شهادتهم أنه كتابه نعم إذا كان الكتاب مع المدعي ينبغي أن يشترط الختم لاحتمال التغيير إلا أن يشهدوا بما فيه حفظا فالوجه إن كان الكتاب مع الشهود أن لا تشترط معرفتهم لما فيه ولا الختم بل تكفي شهادتهم أنه كتابه مع عدالتهم وإن كان مع المدعي اشترط حفظهم لما فيه فقط ومن الشروط أن يكتب فيه التاريخ فلو لم يكتب لا يقبل وذلك لينظر هل هو كان قاضيا في ذلك الوقت أو لا وكذا إن شهدوا على أصل الحادثة ولم يكن مكتوبا لا تقبل وفي خزانة الفقه يجوز كتاب القاضي إلى القاضي في المصرين ومن قاضي مصر إلى قاضي رستاق ولا يجوز من قاضي رستاق إلى قاضي مصر انتهى والذي ينبغي أن بعد عدالة شهادة شهود الأصل والكتاب لا فرق ولو كان العنوان من فلان إلى فلان أو من أبي فلان إلى أبي فلان لا يقبل لأن مجرد الاسم أو الكنية لا يتعرف به إلا أن تكون الكنية مشهورة مثل أبي حنيفة وابن أبي ليلى وكذلك النسبة إلى أبيه فقط مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقيل تقبل الكنية المشهورة كأبي حنيفة على رواية أبي سليمان ولا تجوز في سائر الروايات لأن الناس يشتركون في الكنى غير أن بعضهم يشتهر بها فلا يعلم المكتوب إليه أن المكنى هو الذي اشتهر بها أو غيره بخلاف مالو كتب إلى قاضي بلدة كذا فإنه في الغالب يكون واحدا فيحصل التعريف بالإضافة إلى محل الولاية ولم يشترط أبو يوسف العنوان أيضا بل إذا لم يكن معنونا وكان مختوما وشهدوا بالختم كفى قوله وإذا وصل إلى القاضي لم يقبله إلا بمحضر من الخصم وفي بعض النسخ لم يفتك إلا بمحضر من الخصم كما ذكرنا فيما تقدم والمراد أنه لا يقرؤه إلا بحضوره لا مجرد قبوله فإنه لا يتعلق به حكم وترتيب الحال أنه إذا وصل المدعي إلى القاضي جمع بينه وبين خصمه فإن اعترف استغنى عن الكتاب وإن أنكر قال له هل لك حجة فإن قال معي كتاب القاضي إليك طالبه بالبينة عليه فإذا حضروا أحضر خصمه إن لم يكن حاضرا فيشهدون بحضرته أنه كتاب القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا فحينئذ افتكه وقرأه عليه وإنما لم يقرأه إلا بحضوره لأنه أي الكتاب في المعنى بمنزلة الشهادة على الشهادة لأن القاضي ينقل ألفاظ الشهود بكتابه إلى المكتوب إليه كما أن شاهد الفرع ينقل شهادة شاهد الأصل بعبارته بخلاف القاضي الكاتب فإنه يسمع من الأصول الشهادة وإن كان الخصم المدعى عليه غائبا لأن سماعه ليس للحكم بل للنقل فكان سماعه بمنزلة تحمل الفرع لشهادة الأصل وفي التحمل
____________________
(7/293)
لا يشترط حضور الخصم كذا هذا وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد وقد علمت أن قول أبي يوسف الاكتفاء بشهادة أنه كتابه وختمه ولم يشترط في الكتاب ظهور العدالة في شهود الكتاب للفتح حيث قال فإذا شهدوا الخ فتحه ولم يقل فإذا شهدوا وعدلوا قال المصنف والصحيح أنه يفض الكتاب بعد ثبوت العدالة ذكره الخصاف واحترز به عما ذكر في المغني فإنه قال فيه وذكر الخصاف لا يفتح قبل ظهور العدالة ثم قال ما ذكر محمد أصح أي تجويز الفتح قبل ظهورها بعد الشهادة بأنه كتابه ووجهه المصنف بما ذكره الخصاف
____________________
(7/294)
من أنه ربما يحتاج إلى زيادة الشهود بأن ارتاب في هؤلاء فيقول زدني شهودا ولا يمكن أداء الشهادة من المزيدين إلا حال قيام الختم
فرع لو سمع الخصم بوصول كتاب القاضي إلى قاضي بلده فهرب إلى بلدة أخرى كان للقاضي المكتوب إليه أن يكتب إلى قاضي تلك البلدة بما ثبت عنده من كتاب القاضي فكما جوزنا للأول الكتابة نجوز للثاني والثالث وهلم جرا للحاجة ولو كتب فلم يخرج من يده حتى رجع الخصم لم يحكم عليه بتلك الشهادة التي سمعها من شهود الكتاب بل يعيد المدعي شهادتهم لأن سماعه الأول كان للنقل فلا يستفيد به ولاية القضاء وإنما يستفيدها لو كان الخصم حاضرا وقت شهادتهم وإنما يقبله المكتوب إليه هذا شرط آخر لقبول الكتاب والعمل به وهو أن يكون القاضي الكاتب على قضائه إلى أن يمضي أمر الكتاب فلو أنه مات أو عزل قبل أن يصل إلى المكتوب إليه أو خرج عن أهلية القضاء بجنون أو عمى قالوا أو فسق وإنما يتخرج على القول بالعزل بالفسق بطل الكتاب قال أبو يوسف والشافعي يعمل به وبه قال أحمد لأن كتاب القاضي إلى القاضي كالشهادة على الشهادة لأنه ينقل به شهادة الذين شهدوا عنده إلى المكتوب إليه والنقل قد تم بالكتابة فكان كشهود الفرع إذا ماتوا بعد أداء الشهادة قبل القضاء أو مات الأصل بعد أداء الفرع فإنه لا يمنع القضاء وحاصل الجواب في الذخيرة منع تمام النقل بمجرد الكتابة بل حتى يصل ويقرأه لأن هذا النقل بمنزلة القضاء ولهذا لا يصح إلا من القاضي فلا يتم إلا بوجوب القضاء ولا يجب إلا بقراءته وبهذا تبين أن العبارة الجيدة أن يقال لو مات قبل قراءة الكتاب لا قبل وصوله لأن وصوله قبل ثبوته عند المكتوب إليه وقراءته لا يوجب عليه شيئا فقول المصنف التحق بواحد من الرعايا يعني قبل تمام القضاء ولهذا لا يقبل إخباره قاضيا آخر غير المكتوب إليه في غير عمله أو غير عملهما ولو كان على قضائه لأنه بالنسبة إلى العمل الآخر كواحد من الرعايا غير أن الكتاب خص من ذلك بالإجماع ولو مات بعد وصول الكتاب وقراءته عمل به المكتوب إليه هكذا ذكر في ظاهر الرواية وكذا لو مات المكتوب إليه أو عزل وولي غيره لا يعمل الذي قام مقامه عندنا إلا إذا كان كتب إلى فلان قاضي بلد كذا وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين لأن غيره صار تبعا له وقد قدمنا ما هنا وقال الشافعي وأحمد يعمل به لأن المعول عليه شهادة الشهود على ما تحملوه ومن تحمل وشهد وجب على كل قاض الحكم بشهادته وصار
____________________
(7/295)
كما لو كتب والي كل قاض وصل إليه وأجيب بأن الكاتب لما خص الأول بالكتابة فقد اعتمد عدالته وأمانته والقضاة متفاوتون في أداء الأمانة فصح التعيين بخلاف ما إذا أردفه بقوله وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين لأن هناك اعتمد على علم الكل وأمانتهم فكأن الكل مكتوب إليهم معينين أما لو كتب ابتداء إلى كل من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم فقدمنا أنه أجازه أبو يوسف وهو مذهب الشافعي وأحمد ومنعه أبو حنيفة والظاهر أن محمدا مع أبي حنيفة والوجه قول أبي يوسف لأن إعلام المكتوب إليه وإن كان شرطا فالعموم يعلم كما يعلم الخصوص وليس العموم من قبيل الإجمال والتجهيل فصار قصديته وتبعيته سواء ولو مات الخصم ينفذ الكتاب على وارثه لقيامه مقامه سواء كان تاريخ الكتاب قبل موت المطلوب أو بعده ولا خلاف فيه قوله ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص وهو قول الشافعي وفي قول آخر يقبل وهو قول مالك وأحمد لأن الاعتماد على الشهود وقد شهدوا قلنا لأن فيه أي في كتاب القاضي شبهة البدلية فصار كالشهادة على الشهادة لا يقام بها الحد لأن مبنى الحدود والقصاص على الإسقاط بالشبهات وفي قبول الكتاب سعي واحتياط في إثباتهما وعرف من تقريرنا أن المعنى على عدم الواو في قوله ولأن مبناهما الخ
____________________
(7/296)
والله أعلم واعلم أنك ربما تطلع على فروع كثيرة في الكتب فيها تصريح بمنع الكتاب فيها مثل ما ذكر في الخلاصة وغيرها في رجل وامرأة ادعيا ولدا وقالا هو معروف النسب منا هو في يد فلان استرقه في بلدة كذا وطلبا الكتاب لا يكتب في قول أبي حنيفة ومحمد وإن ادعيا النسب ولم يذكرا الاسترقاق يكتب بالاتفاق لأنه دعوى النسب مجردا فكان كدعوى الدين بخلاف المسئلة الأولى لأنه يريد دفع الرق فهو كدعوى أنه عبدي
فرع هل يكتب القاضي بعلمه في الخلاصة هو كالقضاء بعلمه والتفاوت هنا أن القاضي يكتب بالعلم الحاصل قبل القضاء بالإجماع كذا قال بعضهم ولو أقام شاهدا واحدا عند القاضي وسأل أن يكتب بذلك كتابا إلى قاض آخر فعل فإنه قد يكون له شاهد في محل المكتوب إليه ويكتب في الدين المؤجل ويبين الأجل ليطالبه إذا حل هناك ولو قال استوفى غريمي دينه أو أبرأني منه وأقام عليه بينة وأنا أريد أن أقدم البلدة التي هو فيها وأخاف أن يأخذني به فعند محمد يكتب وعند أبي يوسف لا يكتب وأجمعوا أنه لو قال جحدني الاستيفاء أو الإبراء مرة يكتب وكذا إذا ادعى أن الشفيع الغائب سلم الشفعة وأقام بينة وطلب أن يكتب له هل يكتب هو على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد وكذا امرأة ادعت الطلاق على زوجها الغائب وأشهدت وطلبت الكتاب هو على الخلاف أيضا ولو قالت طلقني ثلاثا وانقضت عدتي وتزوجت بآخر وأخاف أن ينكر الطلاق فأحضرته وقالت للقاضي سله حتى إذا أنكر أقمت عليه البينة فالقاضي يسأله بلا خلاف والقياس في الكل سواء وهذا احتياط فصل آخر
قوله ويجوز قضاء المرأة في كل شيء إلا في الحدود والقصاص وقال الأئمة الثلاثة لا يجوز لأن المرأة ناقصة
____________________
(7/297)
العقل ليست أهلا للخصومة مع الرجال في محافل الخصوم قال صلى الله عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري قال المصنف وقد مر الوجه يعني وجه جواز قضائها وهو أن القضاء من باب الولاية كالشهادة والمرأة من أهل الشهادة فتكون من أهل الولاية وقيل هو قوله قبل لأن فيه شبهة البدلية ولا يخفى أن هذا إنما يخص وجه استثناء الحدود والقصاص والأحسن أن يجعل كلا منهما والمصنف لم ينصب الخلاف ليحتاج إلى الجواب عن الدليل المذكور والجواب أن ما ذكر غاية ما يفيد منع أن تستقضى وعدم حله والكلام فيما لو وليت وأثم المقلد بذلك أو حكمها خصمان فقضت قضاء موافقا لدين الله أكان ينفذ أم لا لم ينتهض الدليل على نفيه بعد موافقته ما أنزل الله إلا أن يثبت شرعا سلب أهليتها وليس في الشرع سوى نقصان عقلها ومعلوم أنه لم يصل إلى حد سلب ولايتها بالكلية ألا ترى أنها تصلح شاهدة وناظرة في الأوقاف ووصية على اليتامى وذلك النقصان بالنسبة والإضافة ثم هو منسوب إلى الجنس فجاز في الفرد خلافه ألا ترى إلى تصريحهم بصدق قولنا الرجل خير من المرأة مع جواز كون بعض أفراد النساء خير من بعض افراد الرجال ولذلك النقص الغريزي نسب صلى الله عليه وسلم لمن يوليهن عدم الفلاح فكان الحديث متعرضا لمولين ولهن بنقص الحال وهذا حق لكن الكلام فيما لو وليت فقضت بالحق لماذا يبطل ذلك الحق قوله وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء في صحة ولا مرض إلا أن يفوض ذلك إليه فيملكه كما أنه إذا صرح فيه بالمنع يمتنع منه وهذا لأنه قلد القضاء دون التقليد به فصار كالوكيل ليس له أن يوكل بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث جاز له أن يستخلف لأنه لتوقته بحيث لو عرض في وقته ما يمنعه كان لا إلى خلف ومعلوم ان الإنسان غرض للأعراض
____________________
(7/298)
فكان المولى له آذنا في استخلافه دلالة بشرط أن يكون المستخلف سمع الخطبة أما إذا لم يكن سمعها فلا لأنها من شرائط افتتاح الجمعة بخلاف ما لو سبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة حيث يجوز لأن المأمور هناك بان ولي وليس بمفتتح والخطبة شرط الافتتاح وقد وجد في حق الأصل ولذا لو أفسدها هذا الخليفة واستفتح يجوز وإن لم يشهد الخطبة لأن شروعه فيها صحيح وبهذا الشروع التحق بمن شهد الخطبة حكما وبخلاف المستعير فإن له أن يعير بشرطه لأنه يملك المنافع لنفسه فكان له تمليكها بخلاف ولاية القضاء فإنما هي إذن في أن يعمل لغيره وهذا ما قالوا من قام مقام غيره لغيره لا يكون له إقامة غيره مقام نفسه ومن قام مقام غيره لنفسه كان له وبخلاف الوصي يملك الإيصاء والتوكيل بطريق الدلالة أيضا لأن ثبوتها بعد الموت وربما يعجز الوصي عن المباشرة بنفسه والموصي قد مات فلا يمكن رجعه إلى رأيه فتضمن الإيصاء الإذن بالاستخلاف وقوله ولو قضى الثاني بمحضر من الأول أو قضى بغيبته فبلغه فأجاز جاز كما في الوكالة إذا وكل الوكيل غيره فتصرف بحضرته أو بغيبته فأجازه نفذ لأنه حضره رأي الأول وهو الشرط فإنه المقصود بتوكيله وتحقيق حاله أنه فضولي ابتداء وكيل انتهاء ولا يمتنع إذ قد يجوز في الانتهاء والبقاء مالا يجوز في الابتداء خصوصا وقد فرض زوال المانع من الصحة في الابتداء أو هو كونه ليس مما حضره رأيه وإذا فوض إليه الاستخلاف يملكه فيصير الثاني نائبا عن الأصيل يعني السلطان حتى لا يملك الأول عزله إلا إذا كان المقلد قال له ول من شئت واستبدل من شئت فحيئنذ يملك عزله أو قال جعلتك قاضي القضاة فإن قاضي القضاة هو الذي يتصرف فيهم مطلقا تقليدا وعزلا
____________________
(7/299)
وفيه خلاف الشافعي وأحمد قوله وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة المشهورة أو الإجماع بأن يكون قولا لا دليل عليه وفي بعض نسخ القدوري أو يكون قولا الخ وفي الجامع الصغير وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه قالوا إنما أعاده لأن في عبارة الجامع فائدتين ليستا في القدوري إحداهما تقييده بالفقهاء أفاد أنه لو يكن عالما بالخلاف لا ينفذ قال شمس الأئمة وهو ظاهر المذهب وعليه الأكثر والثانية التقييد بكون القاضي يرى غير ذلك فإن القدوري لم يتعرض لهذا فيحتمل أن يكون مراده أنه إذا كان رأيه في ذلك موافقا لحكم الأول أمضاه وإن كان مخالفا له لا يمضيه فأبانت رواية الجامع أن الإمضاء عام فيما سوى المستثنيات سواء كان ذلك مخالفا لرأيه أو موافقا يعني بالطريق
____________________
(7/300)
الأولى ولا يخفى أنه لا دلالة في عبارة الجامع على كونه عالما بالخلاف وإنما مفاده أن ما اختلف فيه الفقهاء في نفس الأمر فقضى القاضي بذلك الذي اختلف فيه عالما بأنه مختلف فيه أو غير عالم فإنه أعم من كونه عالما ثم جاء قاض آخر يرى خلاف ذلك الذي حكم به هذا أمضاه فربما يفيد أن الثاني عالم بالخلاف وليس الكلام فيه فإن هذا هو المنفذ والكلام في القاضي الأول الذي ينفذ هذا الآخر حكمه وليس فيه دليل على أنه كان عالما بالخلاف بطريق من طرق الدلالة نعم في الجامع التنصيص على أنه ينفذه وإن كان خلاف رأيه وكلام القدوري يفيده أيضا فإنه قال إذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه وهو أعم ينتظم ما إذا كان موافقا لرأيه أو مخالفا وإنما في الجامع النصوصية عليه إذا كان مخالفا وقوله إلا أن يخالف الخ حاصله بيان شرط جواز الاجتهاد ومنه يعلم كون المحل مجتهدا فيه حتى تجوز مخالفته أو لا فشرط حل الاجتهاد أن لا يكون مخالفا للكتاب أو السنة يعني المشهورة مثل البينة على المدعي واليمين على من أنكر فلو قضى بشاهد ويمين لا ينفذ ويتوقف على إمضاء قاض آخر ذكره في أقضية الجامع وفي بعض المواضع ينفذ مطلقا ثم يراد بالكتاب المجمع على مراده أو ما يكون مدلول لفظه ولم يثبت نسخه ولا تأويله بدليل مجمع عليه فالأول مثل { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية لو قضى قاض بحل أم امرأته كان باطلا لا ينفذ والثاني مثل { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ولا ينفذ الحكم بحل متروك التسمية عمدا وهذا لا ينضبط فإن النص قد يكون مؤولا فيخرج عن ظاهره فإذا منعناه يجاب بأنه مؤول بالمذبوح للأنصاب أيام الجاهلية فيقع الخلاف في أنه مؤول أو ليس بمؤول فلا يكون حكم أحد المتناظرين بأنه غير مؤول قاضيا على غيره بمنع الاجتهاد فيه نعم قد يترجح أحد القولين على الآخر بثبوت دليل التأويل فيقع الاجتهاد في بعض أفراد هذا القسم أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد أو لا ولذا نمنع نحن نفاذ القضاء في بعض الأشياء ويجيزونه وبالعكس ولقد نقل الخلاف في الحل عندنا أيضا وإن كان كثير لم يحكوا الخلاف ففي الخلاصة في رابع جنس من الفصل الرابع من أدب القاضي قال وأما القضاء بحل متروك التسمية عمدا فجائز عندهما وعند أبي يوسف لا يجوز انتهى وأما عدم تسويغ الاجتهاد بكونه مخالفا للإجماع وسواء كان ذلك على الحكم أو على تأويل السمعي أو بنقل عدم تسويغ فقهاء العصر اجتهاده وذلك مثل اجتهاد ابن عباس رضي الله عنهما في جواز بيع الدرهم بالدرهمين لم يقبله الصحابة منه فلو قضى به قاض لا ينفذ حتى روي أنه رجع عنه وهذا هو مراد المصنف بقوله وفيما اجتمع عليه الجمهور لا يعتبر مخالفة البعض ولا يعني أنه لا يعتبر في انعقاد الإجماع بل لا يعتبر في جواز الاجتهاد ولم يرد بالبعض ما دون النصف أو ما دون الكل بل الواحد والاثنين وإلا لم يعتبر قضاء في محل مجتهد فيه أصلا إذ ما من محل اجتهاد إلا وأحد الفريقين أقل من الفريق الآخر إذ لا يضبط تساوي الفريقين ولذا لم يمثلوه قط إلا بخلاف ابن عباس ونحوه وهو خلاف رجل واحد فالمراد إذا اتفق أهل الإجماع على حكم فخالفهم واحد لا يصير المحل بذلك محل اجتهاد حتى لا ينفذ القضاء بقول ذلك الواحد في مقابلة قول الباقين ثم هذا أعم من كونهم سوغوا اجتهاده ذلك أو لا والذي صححه شمس الأئمة واختاره أن الواحد المخالف إن سوغوا له
____________________
(7/301)
اجتهاده لا يثبت حكم الإجماع وإن لم يسوغوا لا يصير المحل مجتهدا فيه قال وإليه أشار أبو بكر الرازي لأن ذلك كما قال المصنف خلاف لا اختلاف ثم قال المصنف المعتبر الاختلاف في الصدر الأول يعني أن يكون المحل محل اجتهاد يتحقق الخلاف فيه بين الصحابة وقد يحتمل بعض العبارات ضم التابعين وعليه فرع الخصاف أن للقاضي أن ينقض القضاء ببيع أم الولد لأنه مخالف لإجماع التابعين وقد حكي في هذا الخلاف عندنا فقيل هذا قول محمد أما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيجوز قضاؤه ولا يفسخ وفي النوازل عن أبي يوسف لا ينفذ القضاء به فاختلفت الرواية عن أبي يوسف وقال شمس الأئمة السرخسي هذه المسئلة تنبني على أن الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عند محمد وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يرفع يعني اختلفت الصحابة في جواز بيعهن فعن علي الجواز وعمر وغيره على منعه ثم أجمع التابعون على عدم جواز بيعهن فكان قضاء القاضي به على خلاف الإجماع عند محمد فيبطله الثاني وعندهما لم أتم يرفع اختلاف الصحابة وقع في محل الاجتهاد فلا ينقضه الثاني ولكن قال القاضي أبو زيد في التقويم إن محمدا روى عنهم جميعا أن القضا ببيع أم الولد لا يجوز فقد علمت ما هنا من تشعب الاختلاف في الرواية وبناء على اشتراط كون الخلاف في الصدر الأول في كون المحل اجتهاديا قال بعضهم إن للقاضي ان يبطل ما قضى به القاضي المالكي والشافعي برأيه يعني إنما يلزم إذا كان قول مالك أو الشافعي وافق قول بعض الصحابة أو التابعين المختلفين فلا ينقض باعتبار أنه مختلف بين الصدر الأول لا باعتبار أنه قول مالك والشافعي فلو لم يكن فيها قول الصدر الأول بل الخلاف مقتضب فيها بين الإمامين للقاضي أن يبطله إذا خالف رأيه وعندي أن هذا لا يعول عليه فإن صح أن مالكا وأبا حنيفة والشافعي مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا وإلا فلا ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة ولقد نرى في أثناء المسائل جعل المسئلة اجتهادية بخلاف بين المشايخ حتى ينفذ القضاء بأحد القولين فكيف لا يكون كذلك إذا لم يعرف الخلاف إلا بين هؤلاء الأئمة يؤيده ما في الذخيرة عن الحلواني أن الأب إذا خلع الصغيرة على صداقها ورآه خيرا لها بأن كانت لا تحسن العشرة مع زوجها فإن على قول مالك يصح ويزول الصداق عن ملكها ويبرأ الزوج عنه فإذا قضى به قاض نفذ وفي حيض منهاج الشريعة عن مالك فيمن طلقها فمضى عليها ستة أشهر لم تر دما فإنها تعتد بعده بثلاثة أشهر فإذا قضى بذلك قاض ينبغي أن ينفذ لأنه مجتهد فيه إلا أنه نقل مثله عن ابن عمر قال وهذه المسئلة يجب حفظها لأنها كثيرة الوقوع ثم ذكر في المنتقى أن العبرة بكون المحل مجتهدا فيه اشتباه الدليل لا حقيقة الخلاف قال ألا ترى أن القاضي إذا قضى بإبطال طلاق المكره نفذ لأنه مجتهد فيه لأنه موضع اشتباه الدليل إذ اعتبار الطلاق بسائر تصرفاته ينفي حكمه وكذا لو قضى في حد أو قصاص بشهادة رجل وامرأتين ثم رفع إلى قاض آخر يرى خلاف ذلك ينفذه وليس طريق القضاء الأول كونه في مختلف فيه وإنما طريقه أن القضاء الأول حصل في موضع اشتباه الدليل لأن المرأة من أهل الشهادة إذ ظاهر قوله تعالى { فرجل وامرأتان } يدل على جواز شهادتهن مع الرجال مطلقا وإن وردت في المداينة لأن العبرة لعموم اللفظ ولم يرد نص قاطع في إبطال شهادة النساء في هذه الصورة ولو قضى بجواز نكاح بلا شهود نفذ لأن المسئلة مختلف فيها فمالك وعثمان البتي يشترطان الإعلان لا الشهود وقد اعتبر خلافهما لأن الموضع موضع اشتباه الدليل إذ اعتبار النكاح بسائر
____________________
(7/302)
التصرفات يقتضي أن لا تشترط الشهادة انتهى ولا يخفى أنه إذا كانت معارضة المعنى للدليل السمعي النص توجب اشتباه الدليل فيصير المحل محل اجتهاد ينفذ القضاء فيه فكل خلاف بين الشافعي ومالك أو بيننا وبينهم أو أحدهم محل اشتباه الدليل حينئذ إذ لا يخلو عن مثل ذلك فلا يجوز نقضه من غير توقف على كونه بين الصدر الأول ولا بأس بذكر مواضع نص فيها أهل المذهب بعينها إذا قضى القاضي بالقصاص يحلف المدعي أن فلانا قتله وهناك لوث من عداوة ظاهرة كقول مالك لا ينفذ لمخالفة السنة المشهورة البينة على المدعي واليمين على من أنكر مع أن معه ظاهرا في حديث محيصة وحويصة نذكره في القسامة إن شاء الله تعالى رب العالمين ولو قضى بحل المطلقة ثلاثا بمجرد عقد الثاني بلا دخول كقول سعيد بن المسيب لا ينفذ لذلك أيضا وهو حديث العسيلة وفي السير من الجامع الكبير إذا قضى أن الكفار لا يملكون ما استولوا عليه لا ينفذ لأنه لم يثبت في ذلك اختلاف الصحابة ولو قضى بشهادة الزوج لزوجته نفذ وفي الفصول نقلا عن فتاوى رشيد الدين الزوج الثاني إذا طلقها بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا وهي في العدة ثم طلقها قبل الدخول فتزوجها الأول قبل انقضاء العدة وحكم الحاكم بصحة هذا النكاح ينفذ لأن للاجتهاد فيه مساغا وهو صريح { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } وهو أيضا مذهب زفر ولو قضى في المأذون في نوع أنه مأذون فيه فقط كمذهب الشافعي يصير متفقا ولو قضى بنصف الجهاز فيمن طلقت قبل الدخول وقد قبضت المهر فتجهزت لا ينفذ لأنه خلاف الجمهور وينفذ القضاء بجواز بيع المدبر ولو قضى بعدم جواز عفو الزوجة عن دم العمد بناء على قول البعض أنه لا حق لها في القصاص لا ينفذ ولو زنى بأم امرأته فقضى بإقرار البنت معه نفذ وحكي في الفصول فيما إذا زنى بامرأة ثم تزوج بنتها فقضى بجوازه خلافا عند أبي يوسف لا ينفذ للنص عليه وعند محمد يجوز وبصحة السلم في الحيوان ينفذ وينفذ بالقرعة في رقيق أعتق الميت واحدا منهم وبالشهادة لأبيه وعكسه ينفذ عند أبي يوسف ولا ينفذ عند محمد وبالشهادة على الشهادة فيما دون مدة السفر نفذ وبشهادة شهود على وصية مختومة من غير أن يقرأها عليهم الميت أمضاه الآخر وبصحة النكاح الموقت بأيام نفذ ولو عقدا موقتا بلفظ المتعة نحو متعيني بنفسك عشرة أيام لا ينفذ ولو قضى برد زوجته بالعيوب من العمى والجنون نفذ لأن عمر رضي الله عنه يقول بردها بالعيوب الخمسة وكذا بصحة رد الزوجة له ولو قضى بسقوط المهر بالتقادم بلا إقرار ولا بينة لم ينفذ وكذا إذا قضى أن لا يؤجل العنين هذا في القضاء بالمجتهد فيه أما إذا كان نفس القضاء مجتهدا فيه فهذه فريعات منه وأصله أن الخلاف إذا كان في نفس القضاء والواقع توقف على إمضاء قاض آخر فإن أمضاه ليس للثالث نقضه لأن قضاء الثاني هو الذي وقع في مجتهد فيه أعني قضاء الأول وعليه فرع إذا قضى بالحجر على المفسد للفساد لا ينفذ لتحقق الخلاف في القضاء فيتوقف على إمضاء قاض آخر وقيل أن يمضيه الثاني نقضه لأنه ليس قضاء في مجتهد فيه وكذا لو قضى لامرأته بشهادة رجلين فالقاضي الثاني مخير بين أن يجيزه أو يرده لأن الخلاف وقع في نفس القضاء ومنه ما لو قضى المحدود أو الأعمى وأما قضاء السلطان في أمر فالأصح أنه ينفذ وقيل لا ينفذ فعلى القول بأنه لا ينفذ يحتاج في نفاذه إلى أن ينفذه قاض آخر وقيل في مسئلة الحجر في صحة نقض الثاني أن قضاء الأول ليس بقضاء لعدم المقضي له وعليه نفذ قضاء الثاني بإطلاقه عن الحجر قوله والأصل حاصله توجيه
____________________
(7/303)
أن القاضي الثاني ينفذ خلاف رأيه في المرفوع إليه وهو أن اجتهاد الثاني في البطلان كاجتهاد الأول في الصحة مثلا فتعارض اجتهاداهما وترجح الأول باتصال القضاء به فلا ينقضه الثاني باجتهاد هو دونه قوله ولو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة رواية واحدة وإن كان عامدا ففيه روايتان عنه ووجه النفاذ أنه ليس بخطأ بيقين لأن رأيه يحتمل الخطإ وإن كان الظاهر عنده الصواب ورأي غيره يحتمل الصواب وإن كان الظاهر عنده خطأه فليس واحد منهما خطأ بيقين فكان حاصله قضاء في محل مجتهد فيه فينفذ ووجه عدم النفاذ أن قضاءه مع اعتقاد أنه غير حق عبث فلا يعتبر كمن اشتبهت عليه القبلة فوقع تحريه إلى جهة فصلى إلى غيرها لا يصح لاعتقاده خطأ نفسه فكذا هذا وبه أخذ شمس الأئمة الأوزجندي وبالأول أخذ الصدر الشهيد وفرع بعضهم عليه أن ما يفعله القضاة من الإرسال إلى الشافعي ليحكم ببطلان اليمين المضافة لا يجوز إلا بشرط كون القاضي المرسل يرى بطلانه كالشافعي وإلا كان مقلدا لغيره ليفعل ما هو الباطل عنده وهو باطل قال الشيخ أبو المعين هذا خلاف ما عليه السلف فإنهم كانوا يتقلدون القضاء من الخلفاء ويرون ما يحكمون به نافذا وإن كان مخالفا لرأي الخلفاء انتهى وأوكد الأمور في هذا حكم شريح بما يخالف رأي علي كثيرا وهو يعلم ويوافقه كما علم في رده شهادة الحسن له وعمر قبله فقيل صح عن عمر رضي الله عنه أنه قلد أبا الدرداء القضاء فاختصم إليه رجلان فقضى لأحدهما ثم نفى المقضي عليه عمر فسأله عن حاله فقال قضى علي فقال لو كنت مكانه قضيت لك قال فما يمنعك فقال عمر ليس هنا نص والرأي مشترك وغير ذلك وتحقيقه أن القاضي المرسل
____________________
(7/304)
يقطع بأن ما يفعله القاضي المرسل إليه مأمور به من عند الله فظنه بطلانه معناه ظنه عدم مطابقته لحكم الله الثابت في نفس الأمر لكن القطع بأن المكلف به منه تعالى ليس إصابة ذلك بل العمل بمظنونه وإن خالف حكمه تعالى فقد أوجب عليه أن يعمل بخلاف حكمه تعالى فكان إرسال الحنفي إليه إرسالا لأن يحكم بما أمره الله تعالى ولا جناح عليه في ذلك مع علمه أن الله جوز له أن يقول هذا القول وأن يعمل به من أفتاه به أو حكم به عليه واقتصار المصنف على وجه النفاذ دليل أنه المرجح عنده هذا عند أبي حنيفة وعندهما لا ينفذ في الوجهين يعني وجه النسيان والعمد لأنه قضى بما هو خطأ عنده وقد تضمن وجه أبي حنيفة جوابه بيسير تأمل ومع
____________________
(7/305)
ذلك ذكر المصنف كصاحب المحيط الفتوى على قولهما وذكر في الفتاوى الصغرى أن الفتوى على قول أبي حنيفة فقد اختلف الفتوى والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره وهذا كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة مثلا فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم هذا وفي بعض المواضع ذكر الخلاف في حمل الإقدام على القضاء بخلاف مذهبه وقال وجه من قال بالجواز أن القاضي مأمور بالمشاورة وقد تقع على خلاف رأيه وجه المنع قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } الآية واتباعه غير رأيه اتباع هوى غيره والوجه الصحيح أن المجتهد مأمور بالعمل بمقتضى ظنه إجماعا وهذا بخلاف مقتضى ظنه وعمله هنا ليس إلا قضاؤه بخلاف المرسل إلى من يرى خلاف رأيه ليحكم هو فإنه لم يحكم فيه بشيء هذا ومن تتمة اليمين المضافة أنه إذا فسخ اليمين المضافة بعد التزوج لا يحتاج إلى تجديد العقد ولو وطئها الزوج بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ حكي عن برهان الأئمة يكون الوطء حلالا ولو كانت اليمين كل امرأة أتزوجها فتزوج امرأة وفسخت اليمين ثم تزوج بأخرى هل يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة ذكر فيه خلاف عند أبي يوسف يحتاج وعند محمد لا وفي المنتقى ذكر أن عند أبي حنيفة يحتاج وعند أبي يوسف لا يحتاج واختلف فيه المشايخ أيضا وحيلة أن لا يحتاج في كل امرأة أن يقضي القاضي عند تزوج امرأة ببطلان اليمين الواقعة مطلقا من غير قيد فسخها في حق تلك المرأة وسنذكر في أمر الفتوى فيها كلاما آخر في باب التحكيم قوله وكل شيء قضى به القاضي في الظاهر بتحريمه فهو في الباطن كذلك أي هو عند الله حرام وإن كان الشهود الذين قضى بهم كذبة والقاضي لا يعلم ذلك وكذا إذا قضى بإحلال يكون حلالا عند الله تعالى وإن كان بشهادة الزور وهذا عند أبي حنيفة وهو مشروط
____________________
(7/306)
بما إذا كانت الدعوى بسبب معين للحل والحرمة كالبيع والنكاح والطلاق وهذه المسئلة هي التي تقدمت في النكاح المعنونة بأن القضاء بالعقود والفسوخ بشهادة الزور بغير علم القاضي نافذ عند أبي حنيفة باطنا خلافا لصاحبيه وباقي الأئمة ومن المثل ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي جاحدة واقام بينة زور فقضى بالنكاح بينهما حل للمدعي وطؤها ولها التمكين خلافا لهم وكذا إذا ادعت نكاحا على رجل وهو يجحده ومنها قضى ببيع أمة بشهادة زور بأن ادعى على رجل أنه باعها منه أو أنك اشتريتها حل للمنكر وطؤها إذا قامت البينة الزور وقضى بها وكذا في الفسوخ بالبيع والإقالة وفي الهبة روايتان ومنها ادعت أن الزوج طلقها ثلاثا وهو ينكر فأقامت بينة زور فقضى بالفرقة فتزوجت بآخر حل له وطؤها عند الله تعالى وإن علم بحقيقة الحال ولا يحل عند الأئمة إذا كان عالما بكذب الشهود ومن صور التحريم صبي وصبية سبيا فكبرا وأعتقا ثم تزوج أحدهما بالآخر فجاء حربي مسلما وأقام بينة أنهما ولداه قضى القاضي بينهما بالفرقة فإن رجع الشهود أو تبين أنهم شهود زور لا يحل للزوج وطؤها عنده لأن القضاء بالحرمة نفذ باطنا وظاهرا ومحمد في هذا الفرع مع أبي حنيفة لأنه لايعلم حقيقة كذب الشهود وأجمعوا في الأملاك المرسلة عن تعيين سبب أنه لا يحل باطنا والوجه في الأصل والفرق تقدم قبيل باب الأولياء والأكفاء ومن الأوجه لأبي حنيفة أنه لو فرق بينهما بأمر الزوج نفذ ظاهرا وباطنا فبأمر الله أولى والقاضي مأمور بذلك منه جل وعلا وأما الاستشهاد بتفريق المتلاعنين ينفذ باطنا وإن كان أحدهما كاذبا فليس بشيء وفي الخلاصة وأجمعوا على أنه لو أقر بالطلاق الثلاث ثم أنكر وحلف فقضى له بها لا يحل وطؤها وأن الشهود لو ظهروا عبيدا أو كفارا أو محدودين لا ينفذ باطنا وفيها رجل قال لامرأته أنت طالق البتة ونوى واحدة بائنة أو رجعية فقضى القاضي بأنها ثلاثا أخذا بقول علي نفذ القضاء ظاهرا وباطنا ثم بعد ذلك إ نكان الزوج مجتهدا يتبع رأي القاضي عند محمد وعند أبي يوسف يتبع رأي القاضي إن كان مقضيا عليه وإن كان مقضيا له يتبع أشد الأمرين عليه وإن كان عاميا فإن استفتى فما أفتاه به المفتي صار كالثابت بالاجتهاد عنده
____________________
(7/307)
وإن لم يستفت أخذ بما قضى به انتهى والوجه عندي قول محمد لأن اتصال القضاء بالاجتهاد الكائن للقاضي يرجحه على اجتهاد الزوج والأخذ بالراجح متعين وكونه لا يرى حلالا إنما يمنعه من القربان قبل القضاء أما بعده وبعد نفاذه باطنا كما فرضت المسئلة فلا قوله ولا يقضي القاضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه وقال الشافعي يجوز إذا كان غائبا عن البلد أو فيها وهو مستتر قولا واحدا وهو قول مالك وأحمد وإن كان في البلد غير مختف فله قولان أصحهما لا يحكم عليه بدون حضوره وهو قول مالك والفرق أن في المستتر تضييع الحقوق لو لم يحكم وفي غيره لا احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر فاشتراط حضور الخصم زيادة عليه بلا دليل ولنا قوله صلى الله عليه وسلم لعلي حين استقضاه على اليمن لا تقض لأحد الخصمين بشيء حتى تسمع كلام الآخر وقدمناه من رواية أبي داود وغيره وتصحيحه وتحسينيه فعلم أن جهالة كلامه مانعة من القضاء وذلك ثابت مع غيبته وغيبة من يقوم معه ولأن حجية البينة على وجه يوجب العمل بها موقوف على عجز ا لمنكر عن الدفع والطعن فيها والعجز عنه لا يعلم إلا مع حضوره أو نائبه ولأن شرط العمل بها الإنكار حتى لا تسمع على مقر ولا يقضى بها إذا اعترض الإقرار قبل القضاء وبغيبته يفوت
____________________
(7/308)
العلم بوجود شرط العمل بها وهو الإنكار ومالم يعلم بوجود الشرط لا يحكم بثبوت المشروط وهو صحة الحكم ولا يكفى في الحكم بثبوته كونه الأصل لأنه يترتب عليه وجود أمر فلا بد من ثبوت وجوده ولذا قلنا جميعا فيمن قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وقال السيد دخلت وقال العبد لم أدخل لا يحكم بوجود العتق لوجود الشرط بناء على أن الأصل عدم الدخول لما ذكرنا أنه جعل شرطا لحدوث أمر آخر فلا يحكم بوجوده
____________________
(7/309)
بناء على الأصل فإن قيل الخلاف ثابت فيما لو حضر وأنكر ثم غاب قلنا لأن بقاء الإنكار شرط القضاء بالبينة وهو محتمل لجواز الرجوع عنه إلا بالنظر إلى الأصل ولا عبرة به وإنما يقضى عليه بالبينة إذا حضر وسكت لإنزال الشرع إياه منكرا لا لأنه غير منكر وما قيل وقف البينة على حضوره غير مفيد لأنه إما أن يقر أو ينكر وعلى الوجهين الدعوى لازمة عليه فليس بشيء لأن مع حضوره يحتمل أن يقر فيبطل حكم البينة أولا فيطعن في البينة ويثبته أو لا يطعن فيقضى عليه بالبينة ومع غيبته يشتبه وجه القضاء فلا يجوز وهذا لأن حكم الحاكم بالبينة أن ينفذ في حق سائر الناس وبالإقرار يقتصر على المقر ويظهر ذلك فيمن اشترى جارية فولدت عنده فاستحقها رجل بالبينة يأخذها وولدها ولو أقر بها لرجل لم يأخذ ولدها ولا يرجع بالثمن على بائعها وبالبينة ترجع الباعة بعضهم على بعض وما ذكرناه فيما لو أنكر ثم غاب قول أبي حنيفة لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء وفيه خلاف أبي يوسف فإنه قال يحكم بها لأن إنكاره سمع نصا فوجد شرط حجيتها كما لو أقر ثم غاب يقضى بالإقرار وفي نوادر ابن سماعة عن محمد أنه لا يقضى بالبينة ويقضى بالإقرار وهو قول أبي حنيفة لأن في البينة للمدعى عليه حق الطعن في البينة والقضاء عليه حال غيبته يبطل هذا الحق أما ليس له حق الطعن في إقراره فالقضاء عليه حال غيبته ثم لا يبطل حقا له وكان أبو يوسف يقول أولا لا يقضى بالبينة والإقرار على الغائب جميعا ثم رجع لما ابتلى بالقضاء وقال يقضى فيهما جميعا واستحسنه حفظا لأموال الناس فإذا علمنا أنه لا بد من حضوره أو حضور من يقوم مقامه فمن يقوم مقامه أحد ثلاث نائب بإنابته كوكيله أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي وقد يكون حكما يعني شخصا يقوم مقامه حكما أي يكون قيامه عنه حكما لأمر لازم له واقتصر المصنف عليها نفيا للمسخر من جهة القاضي فإن فيه اختلاف الروايتين وهو الذي ينصبه القاضي ليسمع عليه الدعوى وكذا لو أحضر المدعي رجلا غير خصمه ليسمع القاضي الخصومة والقاضي يعلم أنه ليس بخصم لا يسمع الخصومة عليه ولا على المسخر من جهته وإنما يجوز نصب القاضي الوكيل عن خصم اختفى في بيته ولا يحضر مجلس الحكم ولكن بعد أن يبعث أمناءه إلى باب داره فينادي على باب داره ويقول
____________________
(7/310)
احضر مجلس الحكم وإلا يحكم عليك أما في غير ذلك الموضع فلا وذكر محمد في الجامع رجل غاب وجاء رجل فادعى على رجل ذكر أنه غريم الغائب والغائب وكله بطلب كل حق له على غرمائه بالكوفة وبالخصومة والمدعى عليه ينكر وكالته فأقام بينة على وكالته قضي عليه بالوكالة يعني على الغائب قال شيخ الإسلام فيه دليل على جواز الحكم على المسخر فإنه قال ذكر أنه غريم الغائب ولم يقل هو غريم الغائب قال الصدر الشهيد هذا محمول على ما إذا لم يعلم القاضي أنه مسخر والوجه أن يحمل على إحدى الروايتين كما ذكر ظهير الدين في فتاواه أن في نفاذ قضاء القاضي على الغائب روايتين ذكر شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام أنه ينفذ وغيرهما من المشايخ قالوا لا ينفذ وفي مفقود خواهر زاده لا ينبغي للقاضي أن يقضي للغائب من غير خصم كما لا ينبغي للقاضي أن يقضي على الغائب إلا أن مع هذا لو وكل وكيلا وأنفذ الخصومة بينهم فهو جائز وعليه الفتوى انتهى والذي يقتضيه النظر أن يقال إن نفاذ القضاء على الغائب موقوف على إمضاء قاض لأن نفس القضاء هو المجتهد فيه فهو كقضاء المحدود في قذف ونحوه وحيث قضى على غائب فلا يكون عن إقرار عليه ومن فروعه مسئلة عجيبة في الفصل الأول من الفتاوى الصغرى عين في يد رجل ادعى آخر أنه ملكه اشتراه من فلان الغائب وصدقه ذو اليد فالقاضي لا يأمر ذا اليد أن يسلمها إلى المدعي حتى لا يكون قضاء على الغائب بالشرء بإقراره وهي عجيبة لأنه اعترف بالملك للمدعي ولا يقضى عليه بالتسليم قال وأحال الصدر الشهيد هذه المسئلة إلى باب اليمين من أدب القاضي ولم أجدها ثمة وأما الثالث فما إذا كان ما يدعيه على الغائب سببا لا محالة لما يدعيه على الحاضر بحيث لا ينفك عنه وهو في غير صورة في الكتب بخلاف ما إذا كان ما يدعيه الغائب شرطا لحقه لا سببا لا محالة أو قد يكون سببا وقد لا يكون فإنه لا معتبر به في جعل الحاضر خصما
____________________
(7/311)
عن الغائب قال المصنف وقد عرف تمامه في الجامع مثال السبب الملزوم لا محالة في ست مسائل ثلاث فيما يكون المقضي شيئين وثلاث فيما يكون واحدا أما ثلاث الواحد إحداها ادعى دارا في يد رجل أنها ملكه وأنكر ذو اليد فأقام البينة أنها داره اشتراها من فلان الغائب وهو يملكها فإنه يقضى بها في حق الحاضر والغائب لأن الشراء سبب لثبوت ما يدعيه على الحاضر لأن الشراء من المالك سبب لا محالة لملكه والثانية ادعى على آخر أنه كفل عن فلان الغائب بما يذوب له عليه فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر الذوب فأقام المدعي البينة أنه ذاب له على فلان ألف يقضى بها على الكفيل والغائب حتى لو حضر وأنكر لا يلتفت إلى إنكاره الثالثة ادعى شفعة في دار في يد إنسان فقال ذو اليد الدار داري ما اشتريتها من أحد فأقام المدعي البينة أن ذا اليد اشتراها من فلان الغائب بألف وهو يملكها وأنا شفيعها يقضى بالشراء في حق ذي اليد والغائب ومثال ثلاث الشيئين إحداها قذف محصنا فادعى عليه الحد فقال القاذف أنا عبد وعلي حد العبيد وقال المدعي المقذوف بل أعتقك مولاك فعليك حد الأحرار والمولى غائب فأقام البينة على ذلك تقبل هذه البينة ويقضى بالعتق في حق الحاضر والغائب جميعا حتى لو حضر وأنكر العتق لا يلتفت إلى إنكاره فالعتق سبب لكمال الحد وهو المدعي على الحاضر فهما شيئان الثانية شاهدان شهدا على رجل بمال فقال المشهود عليه هما عبدان لفلان الغائب فأقام المشهود له البينة أن مولاهما أعتقهما قبل هذا وهو يملكهما تقبل البينة ويثبت العتق في حق المشهود عليه والمولى الغائب لأن العتق لا ينفك عن ولاية الشهادة الثالثة رجل قتل رجلا عمدا وله وليان غاب أحدهما وادعى الحاضر على القاتل أن الغائب عفا عن نصيبه وانقلب نصيبي مالا وأنكر القاتل فأقام المدعي البينة على ذك تقبل ويقضى بها على الحاضر والغائب جميعا فإن قيل هذا منتقض بما إذا كان العبد بين غائب وحاضر فادعى العبد على الحاضر منهما أن الغائب أعتق نصيبه وهو موسر وادعى قصر يد الحاضر عن نفسه لصيرورته مكاتبا عند أبي حنيفة وأقام البينة على الحاضر بذلك لا تقبل هذه البينة أصلا مع أن إعتاق الغائب نصيبه سبب لقصر يد الحاضر عنه لا محالة أجيب بأن عدم القبول عنده هنا لا لعدم الخصم عن الغائب بل لجهالة المقضي عليه بالكتابة لأن الساكت إذا اختار تضمين المعتق يصير العبد مكاتبا من جهة المعتق وإن اختار الاستسعاء يصير مكاتبا من جهة الساكت فكان المقضي عليه بالكتابة مجهولا فلم يقبل وأما مالا يكون فيه ما يدعى به على الغائب سببا لا محالة لما يدعيه على الحاضر بل قد يكون وقد لا يكون فقد يكون أيضا شيئين وقد يكون واحدا وبيانه في مسئلتين إحداهما قال لعبد رجل مولاك وكلني بحملك إليه فأقام العبد البينة أن مولاه أعتقه تقبل في حق قصر يد الحاضر ولا تقبل في حق العتق على الغائب حتى لو حضر الغائب وأنكر العتق يحتاج العبد إلى إعادة البينة به والثانية رجل قال لامرأة غائب وكلني زوجك بحملك إليه فأقامت بينة أنه طلقها ثلاثا يقضى بقصر يد الوكيل عنها دون الطلاق فلو حضر وأنكر
____________________
(7/312)
الطلاق يحتاج إلى إعادتها أو بينة أخرى فالمدعي العتق وقصر اليد والطلاق وقصر اليد لأن العتق والطلاق قد يتحقق ولا يوجب انعزال الوكيل بأن لا يكون هناك وكالة وقد يتحقق موجبا للانعزال بأن وجد بعد الوكالة فليس انعزال الوكيل حكما أصليا للطلاق والعتاق فمن حيث أنه ليس سببا لحق الحاضر في الجملة لا يكون الحاضر فيه خصما عن الغائب ومن حيث أنه قد يكون سببا قبلنا البينة فيما يرجع إلى حق الحاضر في قصر يده وانعزاله عن الوكالة لأنه ليس من ضرورة انعزال الوكيل تحقق الطلاق والعتاق ولا من ضرورة تحقق الطلاق والعتاق انعزال الوكيل فلا يقضى بالطلاق والعتاق ومن هذا القسم وهو دعوى شيئين إلا أن ما يدعيه على الغائب ليس سببا لما يدعيه على الحاضر إلا باعتبار البقاء فبيانه في مسائل إحداها قالوا فيمن اشترى جارية فادعى المشتري على البائع أنه كان زوجها من فلان الغائب ولم يعلم المشتري ويريد أن يردها بهذا العيب وأنكر البائع فأقام المشتري على ذلك بينة فإنه لا يقضى بها لا في حق الحاضر ولا في حق الغائب لأن المدعي شيئان الرد بالعيب على الحاضر والنكاح على الغائب والنكاح المدعى به على الغائب ليس سببا لما يدعى على الحاضر إلا باعتبار البقاء لجواز أن يكون تزوجها ثم طلقها فإن اقام البينة على البقاء بأن شهدوا على أنها امرأته للحال لا تقبل أيضا لأن البقاء تبع للابتداء والثانية المشترى شراء فاسدا إذا أراد البائع الاسترداد فأقام البينة أنه باع من فلان الغائب لا تقبل لإبطال حق الاسترداد لا في حق الحاضر ولا في حق الغائب لأن نفس البيع ليس سببا لبطلان حق البائع في الاسترداد لجواز أنه باع ثم انفسخ البيع بينهما فيعود حق البائع في الاسترداد وإذا لم يكن خصما في إثبات نفس البيع لم يكن خصما في إثبات البقاء لأن البقاء تبع للابتداء كما ذكرنا الثالثة رجل في يده دار بيعت بجنبها دار فأراد ذو اليد أن يأخذ المشتراة بالشفعة فقال المشتري له الدار التي بيدك ليست لك إنما هي لفلان فأقام الشفيع البينة أنها داره اشتراها من فلان الغائب لا يقضى بالشراء لا في حق الحاضر ولا في حق الغائب لأن المدعي شيئان والمدعي على الغائب من شراء الدار ليس سببا لثبوت حقه في الشفعة مالم يثبت البقاء لأنه لو فسخ بعد الشراء وأزالها عن ملكه بسبب من الأسباب لا يكون له شفعة وإنما تكون الشفعة باعتبار البقاء ولا بينة عليه ولو أقام على البقاء لم تقبل أيضا لما ذكرنا وأما ما يكون شرطا فعامة المشايخ فيه على أنه لا ينتصب الحاضر خصما عن الغائب فيما يدعيه وصورته قال لامرأته إن طلق فلان امرأته فأنت طالق فادعت أن فلانا طلق زوجته وأقامت البينة على ذلك لا يقضى بوقوع الطلاق بها لأنه ابتداء القضاء على الغائب وقد أفتى بعض المتأخرين كفخر الإسلام والأوزجندي فيه بانتصاب الحاضر خصما عن الغائب ويقضى بوقوع الطلاق كما لو قال إن دخل فلان الدار فأنت طالق فبرهنت على دخول فلان حيث يصح وإن كان فلان غائبا والجواب أنه ليس في هذا قضاء على الغائب بشيء إذ ليس فيه إبطال حق له فصار الأصل أن ما كان شرطا لثبوت الحق للحاضر من غير إبطال حق الغائب قبلت البينة فيه إذ ليس فيه قضاء على الغائب وما تضمن إبطالا عليه لا يقبل قوله ويقرض القاضي أموال اليتامى ويكتب ذكر الحق وهو المسمى في عرفنا بالصك والحق هنا هو الإقراض وهذا
____________________
(7/313)
لأن في الإقراض مصلحتهم لأن بقاءه على وجه الأرض لا يؤمن معه السارق والغاصب المكابر وفي القرض بقاؤها محفوظة عن ذلك مضمونة والقاضي يقدر على الاستخراج فكان النظر في الإقراض بخلاف الوصي فإنه لا يقدر على الاستخراج إذ ربما لا يوافقه الشهود أو لا يجدهم ولو وجدهم فليس كل بينة تعدل ولا كل قاض يعدل وفي الجثو بين يدي القضاة ذل وصغار فكان إضرارا بالصغار على الاعتبار والأب كالوصي في اصح الروايتين لأنه لا يقدر على الاستخراج ووجه الأخرى أنه أعم ولاية من الوصي لأنها في المال والنفس كولاية القاضي ويزيد عليها بزيادة الشفقة المانع من ترك النظر والظاهر أنه يقرض ممن يأمن جحوده وعلى هذا قالوا لو أخذه الأب قرضا لنفسه يجوز وإن روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز والجواب أن الاعتبار في جواز القرض وعدمه ليس لقرب القرابة ولا لزيادة الولاية بل لتمام القدرة على الاسترجاع بعد وجود أصل الولاية ولا قدرة للأب عليه بخلاف القاضي فإنه لو لم يجد الشهود لموت أو غيبة قضى بعلمه واستخرج ولا يخفى أن قدرة هذا إنما تفيد مع وجود الملاءة أما لو أعسر المستقرض صار القاضي كغيره في عدم القدرة وعن هذا قال الخصاف ينبغي للقاضي أن يتفقد أحوال الذين أقرضهم المال حتى لو اختل حال أحد منهم يأخذ منهم المال قبل أن يعسر فلا يقدر وكذا لو كان المستقرض معسرا في الابتداء لا يجوز للقاضي إقراضه وقد انتظم ما ذكرنا حكم القاضي بعلمه ولنفصلها فعندنا وفي قول للشافعي أنه يجوز وظاهر مذهب مالك وأحمد لا يجوز وعن كل منهما رواية بالجواز كقولنا لأنه صلى الله عليه وسلم قال لهند بنت عتبة خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف فهذا قضاء بعلمه وشرطه عند أبي حنيفة أن يعلم في حال قضائه في المصر الذي هو قاضيه بحق غير حد خالص لله من قرض أو بيع أو غصب أو تطليق رجل امرأته أو قتل عمد أو حد قذف وأما إذا علم قبل القضاء في حق العباد ثم ولي فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها في حال قضائه في غير مصره ثم دخله فرفعت إليه لا يقضى عنده وقال يقضى وفي التجريد جعل قول محمد مع أبي حنيفة ولو علم في رستاق مصره عندهما يقضى واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة وسواء كان مقلدا للرستاق أو لم يكن وأصل هذا أن قضاء القاضي في القرية والمفازة لا ينفذ عند
____________________
(7/314)
أبي حنيفة ومحمد ونص أصحاب الأمالي عن أبي يوسف أنه ينفذ قضاؤه في السواد وهكذا في النوادر عن محمد ولو علم بحادثة وهو قاض في مصره ثم عزل ثم أعيد إلى القضاء فعند أبي حنيفة لا يقضي وعندهما يقضي وأما في حد الشرب والزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا والله الموفق & باب التحكيم
هذا أيضا من فروع القضاء والمحكم أحط رتبة من القاضي فإن القاضي يقضي فيما لا يقضي المحكم فأخره عنه ولهذا قال ابو يوسف إنه لا يجوز تعليق التحكيم بالشرط وإضافته بخلاف القضاء لأن حكمه بمنزلة الإصلاح والواقع منه كالصلح أو هو صلح من وجه فلا يكون مثله بالشك والتحكيم جائز بالكتاب قوله تعالى { فابعثوا حكما من أهله } الآية وفيه نظر وأما السنة فما قال أبو شريح يا رسول الله إن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي عني الفريقان فقال عليه الصلاة والسلام ما أحسن هذا رواه النسائي وأجمع على أنه صلى الله عليه وسلم عمل بحكم سعد بن معاذ في بني قريظة لما اتفقت اليهود على الرضا بحكمه فيهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي أنه كان بين عمر وأبي بن كعب منازعة في نخل فحكما بينهما زيد بن ثابت فأتياه فخرج زيد وقال لعمر هلا بعثت إلي فآتيك يا أمير المؤمنين فقال عمر في بيته يؤتى الحكم فدخلا بيته فألقى لعمر وسادة فقال عمر هذا أول جورك فكانت اليمين على عمر فقال زيد لأبي لو أعفيت أمير المؤمنين فقال عمر يمين لزمتني فقال أبي نعفي أمير المؤمنين ونصدقه وليعلم أنه لا يظن بأحد منهما في هذه الخصومة التلبيس وإنما هي لاشتباه الحادثة عليهما فتقدما إلى الحكم للتبيين لا للتلبيس وفي الحديث جواز التحكيم وأن زيدا كان معروفا بالفقه وقد روي أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يختلف إليه ويأخذ بركابه عند ركوبه وقال هكذا أمرنا أن نصنع بفقهائنا فقبل زيد يده وقال هكذا أمرنا أن نصنع بأشرافنا وفيه أن الإمام لا يكون قاضيا في حق نفسه وأنه ينبغي أن من احتاج إلى العلم يأتي إلى العالم في بيته ولا يبعث إليه ليأتيه وإن كان أوجه الناس وأما إلقاء زيد الوسادة فاجتهاد من قوله صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداء لعدي بن حاتم وأن الخليفة ليس كغيره واجتهاد عمر على تخصيص هذه الحالة من عموم الأول وأنه لا بأس بالحلف صادقا وامتناع عثمان عن اليمين حين لزمته كان لأمر آخر وأن
____________________
(7/315)
اليمين حق المدعي له أن يستوفيها وتسقط بإسقاطه قوله وإذا حكم رجلان رجلا أو امرأة فحكم بينهما ورضيا بحكمه إلى أن حكم جاز لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما وسنذكر لهذا تخصيصات أولها قوله وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم بأن يكون أهلا للشهادة فلا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي إلا أن يحكمه ذميان لأنه من أهل الشهادة عليهم فهو من أهل الحكم عليهم وكذلك المحدود في القذف والفاسق لا يجوز تحكيم أحد من هؤلاء لعدم أهلية القضاء لعدم أهلية الشهادة والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر في المولى الفاسق ينفذ حكمه وقوله وينفذ حكمه عليهما عطف على جواب المسئلة أعني قوله جاز وهذه شروط التحكيم فقدمناها على الجواب ولو قدم المجرور فقال وعليهما ينفذ حكمه كان مفيدا للحصر فيفيد أنه
____________________
(7/316)
لا ينفذ على غيرهما فلو حكماه في عيب بالمبيع فقضى برده ليس للبائع أن يرده على بائعه إلا أن يتراضى البائع الأول والثاني والمشتري على تحكيمه فحينئذ يرده على الأول ولو اختصم الوكيل بالبيع مع المشتري منه في العيب فحكم برده على الوكيل لم يلزم الموكل إذا كان العيب يحدث مثله رواية واحدة إلا أن يرضى الموكل بتحكيمه معهما وإن كان العيب لا يحدث مثله ولم يدخل الموكل معهم في التحكيم ففي لزومه للموكل روايتان وإنما اقتصر حكمه ولم يتعد لأنه كالمصالح ثم تشترط هذه وقت التحكيم ووقت القضاء جميعا حتى لو حكما عبدا فعتق أو صبيا أو ذميا فبلغ وأسلم ثم حكم لا ينفذ كما في المقلد وكذا لو كان مسلما وقت التحكيم ثم ارتد لا ينفذ حكمه ثم الإضافات في قوله ولا يجوز تحكيم العبد الخ من إضافة المصدر إلى المفعول ولو اعتبرت إلى الفاعل جاز في بعضها دون بعض وفي المغني يجوز تحكيم المكاتب والعبد المأذون كالحر وتحكيم الذمي ذميا ليحكم بينه وبين ذمي يجوز لما ذكرنا قوله ولكل واحد من الحكمين أن يرجع مالم يحكم عليهما لأنه مقلد من جهتهما إذ هما الموليان له فلهما عزله قبل أن يحكم كما أن للسلطان أن يعزل القاضي قبل أن يحكم ولو حكم قبل عزله نفذ وعزله بعد ذلك لا يبطله فكذا هذا وإذا نفذ حكمه لزمهما لصدور حكمه عن ولاية كاملة عليهما فقط لأنه لا يكون دون الصلح وبعدما تم الصلح ليس لواحد أن يرجع قوله وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه لأنه لا فائدة في نقضه ثم إبرامه على ذلك الوجه بعينه وإن خالفه أبطله وقال مالك وابن أبي ليلى هو كالمقلد فلا يبطله إلا ان يكون جورا بينا لم يختلف فيه أهل العلم ونحن فرقنا بأن ولاية القاضي عامة على الناس لعموم ولاية الخليفة المقلد له بخلاف الموليين له إنما لهما ولاية على أنفسهما فقط لا على القاضي فلا يلزم حكمه القاضي لأنه لم يحكمه ولأن تقليدهما إياه بمنزلة اصطلاحهما على شيء في المجتهدات كان للقاضي أن يبطله أو ينفذه فكذا هذا وهذا يبين لك أن المراد من قوله وإن خالفه أبطله ليس ما يعفيه ظاهره من لزوم إبطال القاضي إياه بل جواز
____________________
(7/317)
أن يبطله وأن ينفذه وعبارة المبسوط بعد أن ذكر الوجه فلا يجب تنفيذ حكمه على القاضي قوله ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص وهذا إحدى الروايتين في القصاص وهي رواية الخصاف قال شمس الأئمة في شرح أدب الخصاف من أصحابنا من قالوا هذا في الحدود الخالصة حقا لله تعالى لأن الإمام هو المتعين لاستيفائها وليس لهما ولاية على سائر الناس وأما القصاص وحد القذف فيجوز التحكيم فيهما ولكن صاحب الكتاب يريد الخصاف أطلق وقال لا يجوز وهو الصحيح لأن حكم الحكم بمنزلة الصلح ولا يجوز استيفاء القصاص وحد القذف بالصلح ولأنهما يندرئان بالشبهات وفي حكمه شبهة لأنه حكم في حقهما لا في حق غيرهما وأي شبهة أعظم من هذا قال المصنف قالوا وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات وهو صحيح وفي الخلاصة قضاء الحكم في الطلاق والعتاق والنكاح والكفالة بالمال والنفس والديون والبيوع والكفارات والقصاص وأرش الجنايات وقطع يد عمدا ببينة عادلة جائز إذا وافق رأي القاضي وعن أبي حنيفة لا يجوز في القصاص ونقل الناصحي عن أبي بكر الرازي في القصاص ينبغي أن يجوز لأن ولي القصاص لو استوفى القصاص من غير أن يرفع إلى السلطان جاز فكذا إذا حكم فيه لأنه من حقوق بني آدم وتوجيه المصنف بأنهما لا ولاية لهما على دمهما ولذا لا يملكان الإباحة يعني لو قال لشخص اقتلني لا يصح أمره ولا يحل للآخر قتله لا يدفعه وهذا لأن المقضي عليه هو الأصل في التحكيم والآخر أعني الطالب تبع فكون
____________________
(7/318)
أحدهما وهو الذي تحكيمه ليس الأقوى يملك أن يستوفيه لا يقتضي صحة التحكيم فيه بل حتى يرضى الآخر والآخر لا يملك ما حكم فيه فلا يصح التحكيم فيه وفي الفتاوى الصغرى حكم المحكم في الطلاق والمضاف ينفذ لكن لا يفتى به وفيها روي عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا وهو أن صاحب الحادثة لو استفتى فقيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين المضافة وسعه اتباع فتواه وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها وروي عنهم ما هو أوسع من هذا وهو أنه إذا استفتى أولا فقيها فأفتاه ببطلان اليمين وسعه إمساك المرأة فإن تزوج أخرى وكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها فاستفتى فقيها آخر فأفتاه بصحة اليمين فإنه يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملا بفتواهما وفي الذخيرة فيمن تزوج امرأة بغير ولي فطلقها ثلاثا فبعث القاضي إلى شافعي ليحكم بينهما ببطلان ذلك النكاح وببطلان الثلاث يجوز وكذا لو حكما بذلك حكما يجوز ولا يفتي به لما مر يعني ما قدمه من خشية تجاسر العوام يعني على هدم المذهب قال وكذا من غاب عن امرأته غيبة منقطعة ولم يخلف لها نفقة فبعث إلى شافعي ليحكم بفسخ النكاح لعجز النفقة يجوز ثم قال المصنف ولو حكماه في دم خطإ فقضى بالدية على العاقلة لا ينفذ لأنه لا ولاية له على العاقلة إذ لم يحكموه وكذا لو حكم على القاتل بالدية في ماله فإن القاضي يرده ويقضي بما هو الحق وهو كونه على العاقلة لأنه مخالف لرأيه وللنص وهو حديث حمل بن مالك إلا إذا ثبت القتل وهو قتل الخطإ بإقراره فحينئذ يجوز قضاؤه بالدية حينئذ على القاتل لأن العواقل لا تعقل القتل الثابت بالإقرار كما لا تعقل العمد والصلح على الدية لأن إقراره لا ينفذ في حقهم إذ لا ولاية له عليهم فاقتصر على نفسه فوجبت الدية في ماله وعلى هذا التفصيل أروش الجراحات إن كانت بحيث لا تعقلها العاقلة بل تجب في مال الجاني بأن كانت دون أرش الموضحة وهو خمسمائة درهم وثبت ذلك بالإقرار والنكول أو كان عمدا وإن بلغ خمسمائة
____________________
(7/319)
فقضى الحكم على الجاني جاز لأنه لا يخالف الشرع وإن كانت بحيث تتحملها العاقلة لا يجوز قضاؤه بها أصلا لأنه إن قضى على الجاني خالف الشرع وعلى العاقلة لا يجوز لأنهم لم يحكموه قوله ولو أخبر يعني المحكم لو قال لأحدهما أقررت عندي أو قامت عندي بينة عليك بهذا فعدلوا عندي وقد ألزمتك ذلك وحكمت بهذا فأنكر المقضي عليه أن يكون أقر وأقام البينة لم يلتفت إلى قوله ومضى القضاء عليه ما دام المجلس باقيا لأن الحكم ما دام تحكيمهما قائما كالقاضي المقلد ولو قال المقلد ذلك لا يلتفت إنكار إلى المقضي عليه فكذا الحكم إلا أن يخرجه المخاطب عن الحكم ويعزله قبل أن يقول حكمت عليك ثم قال المحكم ذلك أو قاله بعد أن قام من المجلس لأنه بالقيام من المجلس ينعزل كما ينعزل بعزل أحدهما قبل الحكم فصار كالقاضي إذا قال بعد العزل قضيت بكذا لا يصدق كذا هذا قوله وحكم الحاكم سواء كان قاضيا أومحكما لأبويه وولده وزوجته وكل من لا تقبل شهادته له باطل لمكان التهمة بخلاف ما إذا حكم عليهم يجوز لانتفائها قوله ولو حكما رجلين لا بد من اجتماعهما لأن الحكم أمر يحتاج فيه إلى الرأي وإنما رضي الخصمان برأيهما فلا ينفرد أحدهما ثم لا يصدق الحكمان في إخبارهما عن الحكم إذا قاما لما ذكرنا من انعزالهما فالتحقا بسائر الرعايا فلا تقبل شهادتهما على فعل باشراه حتى يشهد على ذلك غيرهما ولو شهد عند الحكمين شاهدان ثم مات الشاهدان أو غابا فسأل المدعي الحكمين أن يشهدا له على شهادتهما لم يجز لأنهما ما حملاهما فلا يجوز أن يشهدا على شهادتهما وإذا عرف أن أحد الحكمين لا ينفرد فلو حكما عبدا وحرا لم يجز ولو حكم مسلم ومرتد رجلا فحكم بينهما ثم قتل المرتد أو لحق بدار الحرب لم يجز حكمه عليهما ولو أمر الإمام رجلا بأن يحكم بين الناس وهو ممن تجوز شهادته جاز ويصير كالقاضي ولو أمر القاضي رجلا لم يجز إلا بإذن الإمام إلا أن يجيزه بعد الحكم أو يتراضى به الرجلان بعد الحكم ولو حكما رجلا فأخرجه القاضي من الحكومة فحكم بعده بينهما فأجازاه جاز وليس للحكم أن يفوض إلى غيره ولو فوض وحكم الثاني بلا
____________________
(7/320)
رضاهما فأجاز القاضي لم يجز إلا أن يجيزاه بعد الحكم وقيل ينبغي أن يكون كالوكيل الأول إذا أجاز فعل الوكيل الثاني ولو حكما واحدا فحكم لأحدهما ثم حكما آخر ينفذ حكم الأول إن كان جائزا عنده وإن كان جورا أبطله وكتاب الحكم إلى القاضي وقلبه لا يجوز فإن كتب إليه قاض فرضي به الخصمان حكم حينئذ بمقتضى الكتاب مسائل منثورة من كتاب القضاء
قوله وإذا كان علو لرجل وسفل لآخر فليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا ولا ينقب فيه كوة عند أبي حنيفة رضي الله عنه أي بغير رضا صاحب العلو وكذا ليس له أن يدخل فيه جذعا والاتفاق على أن ليس له أن يهدم سفله لما فيه من إبطال حق صاحب العلو في سكناه العلو وقالا يصنع مالا يضر بالعلو وعلى هذا الخلاف إذا أراد صاحب العلو أن يبني على علوه أو يضع عليه جذعا أو يشرع كنيفا والكوة بفتح الكاف ويقال وتد وتدا يتده من باب ضربه قيل ما حكي عنهما تفسير لقول أبي حنيفة لأنه إنما يمنع ما فيه ضرر ظاهر لا مالا ضرر فيه فلا خلاف بينهم وقيل بل بينهما خلاف وهو في محل وقوع الشك فما لا شك في عدم ضرره كوضع مسمار صغير أو وسط يجوز اتفاقا وما فيه ضرر ظاهر كفتح الباب ينبغي أن يمنع اتفاقا
____________________
(7/321)
وما يشك في التضرر به كدق الوتد في الجدار والسقف فعندهما لا يمنع لأن الأصل فيه الإباحة لأن تصرف في ملكه والحظر بعارض الضرر فإذا أشكل لم يجزالمنع لأن اليقين لا يزال بالشك كما لو باع نصيبه من العبد المشترك يجوز ولو كاتب نصيبه لا يجوز وللشريك حق فسخه وعنده الأصل الحظر لأنه تصرف في محل تعلق به حق محترم للغير ولهذا يمنع من هدمه اتفاقا وتعلق حق الغير بملكه يمنع تصرفه به كالمرهون والمستأجر تعلق به حق المرتهن فمنع الراهن من التصرف فيه وذكر شيخ الإسلام عن بعضهم أن على قول أبي حنيفة صاحب العلو لا يملك التصرف فيه وإن لم يضر بالسفل رواية واحدة وقال شيخ الإسلام أيضا إذا أشكل تصرف صاحب العلو وهل يضر بالسفل أولا لا يملكه بالاتفاق وقال الصدر الشهيد المختار أنه إذا أشكل لا يملكه وإذا لم يضر يملكه وذكر قاضيخان لو حفر صاحب السفل في ساحته بئرا وما أشبه ذلك عند أبي حنيفة له ذلك وإن تضرر به صاحب العلو وعندهما الحكم معلول بعلة الضرر وعلمت أن ليس لصاحب السفل هدمه فلو هدمه يجبر على بنائه لأنه تعدى على حق صاحب العلو وهو قرار العلو كالراهن إذا قتل المرهون والمولى إذا قتل عبده المديون وهذا أصل كلي كل من أجبر على أن يفعل مع شريكه فإذا فعل أحدهما بغير أمر شريكه فهو متطوع لأنه له طريق وهو المطالبة بالمشاركة في الفعل كنهر بينهما امتنع أحدهما عن كريه وكرى الآخر أو سفينة تتخوف الغرق أو بيت أو دار أو حمام أو طاحونة فأصلحه أحدهما أو عبد مشترك جنى ففداه أحدهما فهو متطوع لأن الآخر يجبر وإن كان لا يجبر لم يكن متطوعا كعلو لرجل وسفل لآخر وسقط السفل فبناه الآخر لا يكون متطوعا لأنه لا يجبر صاحب السفل على بنائه فكان في بنائه إياه مضطرا ليصل إلى حقه وإذا بناه وبنى عليه علوه له منع صاحب السفل من الانتفاع به والسكنى حتى يؤدي قيمته واختلف في أن القيمة هل تعتبر وقت البناء أو وقت الرجوع والصحيح وقت البناء وإنما قلنا في الدار والبيت والطاحونة والحمام ما ذكرنا إذا كان يمكنه
____________________
(7/322)
قسمة الساحة ليبني في نصيبه وفي الخلاصة في الفصل الثاني في الحائظ وعمارته قال وذكر الخصاف أنه يرجع بما أنفق وهذا عندي في غاية الحسن إذا كان بقضاء ويجب أن لا يضمن لو علا بناء السفل على قدر ما كان عليه ذلك القدر أما إذا كانت الساحة صغيرة لا يمكن بناء ذلك فيها بعد القسمة فإنه إذا بنى لا يكون متطوعا وكذا إذا انهدم بعضه لأنه لا يمكن الانتفاع بنصيبه إلا ببنائه فلا يكون متطوعا وفي فتاوى النسفي دار لجارين سطح إحداهما أعلى ومسيل ماء العليا على الأخرى فأراد صاحب السفل أن يرفع سطحه أو يبني عليه له ذلك وليس للجار منعه ولكن يطالبه بتسييل مائه إلى طرف الميزاب وإذا انهدم السفل أو هدمه المالك ليس للآخر أن يكلفه العمارة لأجل إسالة الماء لكن يبني هو ويمنع صاحبه من الانتفاع انتهى فرق بين حق التعلي وبين حق التسييل حيث لو هدم في الأول يجبر على البناء ولو هدم في الثاني لا يجبر وفي الحائط بين اثنين لو كان لهما عليه خشب فبنى أحدهما للباني أن يمنع الآخر من وضع الخشب على الحائط حتى يعطيه نصف قيمة البناء مبنيا وفي الأقضية حائط مشترك أراد أحدهما نقضه وأبى الشريك إن كان بحال لا يخاف سقوطه لا يجبر وإن كان بحيث يخاف عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل يجبر وإن هدماه وأراد أحدهما أن يبني وأبى الآخران كان أس الحائط عريضا يمكنه أن يبني حائطا في نصيبه بعد القسمة لا يجبر الشريك وإن كان لا يمكن يجبر كذا عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل وعليه الفتوى وتفسير الجبر أنه إن لم يوافقه الشريك وأنفق على العمارة رجع على الشريك بنصف ما أنفق إن كان الحائط لا يقبل القسمة وفي شهادات فتاوي الفضلي لو هدماه وامتنع أحدهما يجبر ولو انهدم لا يجبر ولكن يمنع من الانتفاع به مالم يستوف نصف ما أنفق فيه إن فعل ذلك بقضاء القاضي وإن كان بلا قضاء فبنصف قيمة البناء انتهى فهو حمل ما تقدم من كون الرجوع بقيمة البناء على ما إذا كان بلا قضاء وقول الخصاف مع قول ابن الفضل بما أنفق على ما إذا كان بقضاء ارتفع الخلاف الظاهري فليكن هو المحمل وهذا لأنه لما كان مضطرا في البناء كان له تضمين ما صرف لذلك غير أنه ليس مضطرا في ترك مراجعة من له الولاية على الشريك وهو القاضي فيرجع بالقيمة ولو كان الحائط صحيحا فهدم أحدهما بإذن الشريك لا شك أنه يجبر الهادم على البناء إن أراده الآخر كما لو هدماه وإن هدمه بغير إذن الشريك وفي كتاب الحيطان رجل أراد أن يهدم داره ولأهل السكة ضرر لأنه يخرب السكة المختار أنه يمنع فلو هدم مع هذا وأنه يضر بالجيران إن كان قادرا على البناء يجبر على البناء قيل والأصح أنه لا يجبر وفي كتاب الغصب من الخلاصة رجل هدم داره فانهدم دار جاره لا يضمن قوله وإن كانت زائغة مستطيلة تنشعب منها زائغة أخرى مستطيلة وهي غير نافذة يعني المنشعبة فليس لأحد من أهل الزائغة الأولى إذا كان له جدار في الزائغة المنشعبة أن يفتح في جداره ذلك بابا في الزائغة المنشعبة وهذه صورتها
____________________
(7/323)
والذي يمكنه أن يفتح بابا في الزائغة القصوى هو صاحب الدار التي في ركن الزائغة الثانية وإنما قلنا ليس له ذلك لأن فتحه للمرور ولا حق لأهل الزائغة الأولى في المرور في الزائغة القصوى بل هو لأهلها على الخصوص ولذا لو بيعت دار في القصوى لم يكن لأهل الأولى شفعة فيها بخلاف أهل القصوى فإن لأحدهم أن يفتح بابا في الأولى لأن له حق المرور فيها وبخلاف النافذة فإن المرور فيها حق العامة ولا خلاف أن له أن يفتح قال بعض المشايخ لا يمنع من فتح الباب بل من المرور لأن فتح الباب رفع بعض جداره وله أن يرفعه كله فكذا له أن يرفع بعضه والأصح أن يمنع من الفتح لأنه منصوص عليه في الرواية بنص محمد في الجامع ولأن المنع بعد الفتح لا يمكن إذ لا يمكن مراقبته ليلا ونهارا في الخروج فيخرج ولأنه عساه يدعي بعد تركيب الباب وطول الزمان حقا في المرور ويستدل عليه بتركيب الباب فيكون بتركيب الباب ممهد لنفسه دعوى حق المرور ويكون القول
____________________
(7/324)
قوله للظاهر الذي معه وهو فتح الباب ولو كانت المنشعبة مستديرة فلهم أن يفتحوا لأن لكل منهم حق المرور في كلها إذ هي ساحة مشتركة غاية الأمر أن فيها اعوجاجا ولهذا يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار منها وهذه صورتها وفي الحيطان زقاق غير نافذ أراد إنسان يعني من أهله أن يتخذ طينا إن ترك من الطريق قدر الممر للناس ويرفعه سريعا ويفعل في الأحايين مرة لا يمنع منه وكذا لو أراد أن يبني آريا أو دكانا وهو الذي نسميه في عرفنا مصطبة ولو استأذن رجلا في وضع جذوع على حائطه أو حفر سرداب تحت داره ففعل ثم باع الآذن داره للمشتري أن يأخذه برفعها إلا إذا شرط بقاءها عند البيع وكذا لو كان نصب أعمدة ملاصقة لجدار الرجل مقابلة لبابه ونصب عليها وعلى وجه داره سقيفة للمشتري أن يطالبه بإزالتها إلا إذا شرطها ولو أن لرجل حائطا ووجهه في دار رجل فأراد ان يطين حائطه ولا سبيل إليه إلا بدخول دار الرجل أو انهدم الحائط فوقع نقضه في داره فأراد أن يدخل ليبل الطين وغيره فمنعه صاحب الدار أو له مجرى ماء في داره فأراد حفره وإصلاحه ولا يمكن إلا بدخول دار الرجل وهو يمنعه يقال له إما أن تتركه يدخل ويصلح ويفعل بماله أو تفعل بمالك كذا روي عن محمد وبه أخذ الفقيه أبو الليث وفي وقف النوازل دار مشتركة بين قوم لبعضهم أن يربطوا الدابة فيها وأن يضعوا الخشب على وجه لا يضر بصاحبه وأن يتوضأوا بحيث لا تضيق عليهم الطريق لمرورهم ولو عطب بها أحد لا يضمن ولو حفر الأرض يؤمر أن يسويها فإن نقص الحفر يضمن النقصان وكذا لو كان الطريق بين قوم وهو غير نافذ غير أن في الطريق لا يضمن نقصان الحفر وفي أول قسمة الأصل قبيل باب قسمة الدار رجل اصاب ساحة في القسمة فأراد أن يبنيها ويرفع بناءها وأراد الآخر منعه وقال تسد علي الريح والشمس له أن يرفع بناءه وله أن يتخذ فيها حماما أو تنورا وإن كف عما يؤذي جاره فهو حسن ولا يجبر على ذلك ولو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة لم يكن لصاحب الساحة منعه ولصاحب الساحة أن يبني في ملكه ما يستر مهبه ولو اتخذ بئرا في ملكه أو كرياسا أو بالوعة فنز منها حائط جاره وطلب جاره منه تحويله لم يجبر عليه فإن سقط الحائط من ذلك لا يضمن هذا كله ظاهر المذهب وجواب الرواية وحكي عن أبي حنيفة أن رجلا شكا إليه من بئر حفرها جاره في داره فقال
____________________
(7/325)
احفر في دارك بقرب تلك البئر بالوعة ففعل فسجست البئر فكبسها صاحبها ولم يفته بمنع الحافر بل هداه إلى هذه الحيلة وبذلك كان يفتي الشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني وفي مضاربة النوازل لو اتخذ داره حظيرة للغنم والجيران يتأذون من نتن السرقين ولا يأمنون على الرعاة ليس لهم في الحكم منعه وبه قال الشافعي وأحمد ولو حفر في داره بئرا فنز منها حائط جاره ليس له منعه قال في فصول العمادي نقلا عن الذخيرة بعد أن نقل عن نصير بن يحيى أن للقاضي منع الجار من ذلك وذكر غيره تمسكهم بقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار والوجه لظاهر الرواية لأن صاحب البناء كان ينتفع بهواء ملك صاحب الساحة قبل البناء فصاحب الساحة إذا سد الهواء بالبناء فإنما منعه عن الانتفاع بملكه ولم يتلف عليه ملكا ولا منفعة فصار كما لو كان لرجل شجرة يستظل بها جاره فأراد قطعها لا يمنع من ذلك وإن تضرر به الجار يمنعه من ذلك الانتفاع وتصير هذه المسئلة رواية في مسئلة لا رواية لها في الكتب وصورتها بالفارسية في الذخيرة وغيرها وحاصلها بالعربية بيتان لرجلين لكل منهما سقف واحد فأراد أحدهما أن يرفع البناء ويجعله ذا سقفين قال في الفتاوي الصغرى إن كانا في القديم بسقف واحد للآخر أن يمنعه وإن كان بسقفين فليس له منعه قال وحد القديم أن لا تحفظ أقرانه وراء هذا الوقت كيف كان قال في الخلاصة فلو أقام أحدهما البينة على أنه قديم والآخر على أنه محدث فبينة القديم أولى قال ولا تقبل شهادة أهل السكة في هذا قال في الذخيرة ينبغي أن لا يكون له المنع على قياس هذه المسئلة لأن صاحب البيت الآخر يجعل بيته ذا سقفين ويمنعه من الانتفاع بهواء ملك نفسه انتهى وعلى تقدير الفرق فالفرق أن في هذه المسئلة وهي مسئلة البيتين يريد أن يمنعه من الضوء والضوء من الحوائج الأصلية وفي مسئلة الأصل يمنعه عن الشمس والريح وذا من الحوائج الزائدة انتهى وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار فلا شك أنه عام مخصوص للقطع بعدم امتناع كثير من الضرر كالتعازير والحدود ونحو مواظبة طبخ ينتشر به دخان قد ينحبس في خصوص أماكن فيتضرر به جيران لا يطبخون لفقرهم وحاجتهم خصوصا إذا كان فيهم مريض يتضرر به وكما أريناك من التضرر بقطع الشجرة المملوكة للقاطع للقاطع فلا بد أن يحمل على خصوص من الضرر وهو ما يؤدي إلى هدم بيت الجار ونحوه من الضرر البين الفاحش وفي الذخيرة حكي عن بعض مشايخنا رحمهم الله أن الدار إذا كانت مجاورة لدور فأراد صاحب الدار أن يبني فيها تنورا للخبز الدائم أو رحى للطحن أو مدقة للقصارين يمنع منه لأنه يتضرر به جيرانه ضررا فاحشا قيل وأجمعوا على منع الدق الذي يهدم الحيطان ويوهنها ودوران الرحى من ذلك والحاصل أن القياس في جنس هذه المسائل أن يفعل صاحب الملك ما بدا له مطلقا لأنه يتصرف في خالص ملكه وإن كان يلحق الضرر بغيره لكن يترك القياس في موضع يتعدى ضرره إلى غيره ضررا فاحشا كما تقدم وهو المراد بالبين فيما ذكر الصدر الشهيد وهو ما يكون سببا للهدم وما يوهن البناء سبب له أو يخرج عن الانتفاع بالكلية وهو ما يمنع من الحوائج الأصلية كسد الضوء بالكلية على ما ذكر في الفرق المتقدم واختاروا الفتوى عليه وأما التوسع إلى منع كل ضرر ما فيسد باب الانتفاع بملك الإنسان كما ذكرنا قريبا ومنه ما ذكر أبو الليث في فتاواه حجرة سطحها وسطح جاره متساويان فأخذ جاره حتى يتخذ حائطا بينه وبين جاره ليس له ذلك فلو أراد أن يمنعه من الصعود حتى يتخذ سترة إن كان إذا صعد يقع بصره في دار جاره له المنع وإن كان لا يقع
____________________
(7/326)
لكن يقع إذا كانوا على السطح ليس له المنع قال في فصول العمادي وعلى قياس المسئلة المتقدمة وهي أن لا يمنع صاحب الساحة من أن يفتح صاحب العلو كوة ينبغي أن يقال في هذه ليس للجار حق المنع من الصعود وإن كان بصره يقع في دار جاره ألا ترى أن محمدا رحمه الله لم يجعل لصاحب الساحة حق منع صاحب البناء عن فتح الكوة في علوه مع أن بصره يقع في الساحة والمراد من قوله يأخذ جاره ببناء السترة أن يشاركه في بنائها لا أن يستقل هو بذلك ويدل عليه بعض العبارات في كتاب الحيطان دار بين رجلين قسماها وقال أحدهما نبني حاجزا بيننا ليس على الآخر إجابته وإن كان أحدهما يؤذي الآخر بالاطلاع عليه كان للقاضي أن يأمرهما ببنائه يتخارجان نفقته بقدر حصة كل منهما يفعله القاضي للمصلحة ونظيرها في فتاوى أبي الليث رجل في داره شجرة فرصاد فإذا ارتقاها يطلع على عورات الجار يمنعه القاضي منه إذا رآه قال في الذخيرة وعلى قياس مسئلة فتح الكوة ليس للجار ولاية المرافعة ولا للقاضي المنع انتهى ولقد أحسن الصدر الشهيد في واقعاته حيث قال المختار أن المرتقى يخبرهم وقت الارتقاء مرة أو مرتين حتى يستروا أنفسهم لأن هذا جمع بين الحقين قوله ومن ادعى في دار دعوى وأنكرها الذي هي في يده ثم صالحه منها فهو جائز وهي مسئلة الصلح على الإنكار وسنذكرها في الصلح إن شاء الله تعالى ونقل في النهاية عن بعضهم أنه أراد بالدعوى مقدارا معينا كالثلث ونحوه لتصح الدعوى فإنها لا تصح مع جهالة المدعى به ونقل عن والد ظهير الدين أنه كان يقول الصلح عن الدعوى إنما يصح إذا كانت صحيحة لأن الصلح إنما يصح لافتداء اليمين واليمين إنما تتوجه إذا صحت الدعوى قال وهذا يشكل على قول أبي حنيفة فإنه لو ادعى رجل على امرأة نكاحا فصالحته على مال دفعته إليه صح مع أن اليمين لا تتصور في النكاح عنده فالحق أن الصلح يتحقق لدفع الشغب والخصام صحت الدعوى أو لم تصح ولذلك قال المصنف والمدعي وإن كان مجهولا فالصلح عن مجهول على معلوم جائز عندنا لأنه جهالة في الساقط فلا تفضي إلى المنازعة يعني وهو المانع
____________________
(7/327)
قوله ومن ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت يعني ذكر وقتا عينه كقوله منذ شهر وسلمها إلى فملكتها وهي الآن في يده وأطالبه بدفعها إلي فطالبه القاضي بالبيان فقال ليس لي بينة على الهبة بل على الشراء لأنه بعد الهبة والتسليم ظفر بها فحبسها عني فاشتريتها منه وأقام بينة فشهدوا وأرخوا وقتا قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل لظهور التناقض بين الدعوى والبينة لأن الدعوى أن الشراء في تاريخ بعد تاريخ الهبة وهم يشهدون بأنه قبل الهبة وبين نفس أجزاء الدعوى لأنه بمقتضى البينة وقوله كأنه قال وهب لي هذا الشيء وكان ملكي بالشراء قبل فلا يثبت الملك بالهبة بعد الشراء فكان مناقضا ولو شهدوا به بعدها تقبل لوضوح التوفيق الذي وفقه ولو ادعى الهبة يعني وأرخ فطولب بالبينة فقامت على الشراء قبله ولم يقل جحدني الهبة فاشتريتها توفيقا لم تقبل أيضا ذكره في بعض النسخ كأنه يريد نسخ الأصل لأن دعوى الهبة إقرار منه بالملك للواهب عندها ودعوى الشراء رجوع منه فعد مناقضا بخلاف ما إذا ادعى الشراء بعد الهبة لأنه تقرر ملك الواهب عندها أي عند الهبة ولو لم يؤرخ الشراء تقبل البينة كما لو ذكر تاريخا بعد الهبة لإمكان الحمل على ما ينتفي به التناقض
____________________
(7/328)
وهذا على إحدى الروايتين في تصحيح الدعوى إذا أمكن التوفيق وإن لم يوفق المدعي وشاهده ما ذكر في رجل ادعى دارا في يد رجل أنها داره اشتراها من أبيه في صحته وهو ينكر واقام المدعي على ذلك بينة ولم تزك أولم تقم بينة وحلف المدعي عليه ثم أقام بينة أنها داره ورثها من ابيه قبل القاضي بينته ولا يكون دعواه الإرث تناقضا ولو ادعى الإرث من الأب أولا ثم ادعى الشراء منه بعد ذلك واقام عليه بينة لا يقضي له بالدار لإمكان التوفيق في الأول بخلاف الثاني قال شيخ الإسلام إذا أمكن التوفيق تصح الدعوى وإن لم يدع المدعي التوفيق وفي دعوى المبسوط إشارة إلى أنه لا تقبل بينة إلا ان يوفق المدعي فكان التوفيق من المدعي شرطا في رواية وليس شرطا في أخرى وفي المحيط قيل ما قالوا يوفق بغير دعوى المدعي قياس وما قالوا لا يوفق بدون دعواه استحسان فإن قيل ينبغي أن لا تقبل هذه البينة لأنه يدعي شراء ما ملكه بالهبة والتسليم أجيب بأن سائر العقود تنفسخ بالتجاحد إلا النكاح وهنا كذلك فإن الفسخ يتحقق من جهة الواهب يجحده وحين أقدم الآخر على الشراء منه فقد رضي بذلك فانفسخت الهبة بتراضيهما فإذا اشترى هو ذلك فقد اشترى مالا يمكله قوله ومن قال لآخر اشتريت مني هذه الجارية فأنكر إن أجمع البائع على ترك الخصومة وسعه أن يطأها لوجهين أحدهما أن المشتري لما جحد كان فسخا من جهته إذ الفسخ يثبت بالجحد كما إذا تجاحدا معا حيث ينقسم قطعا فإن عزم البائع على ترك الخصومة تم الفسخ وأورد عليه أن مجرد العزم لا يحصل به الفسخ ألا ترى أن من له خيار الشرط إذا عزم بقلبه على فسخ العقد لا ينفسخ الجواب بأن المراد العزم المؤكد بفعل اقترن به من إمساكها
____________________
(7/329)
أو نقلها إلى بيته فإن إمساكها لا يحل بلا فسخ فكان الفسخ ثابتا به دلالة كمن قال لآخر أجرتك هذه الدابة يوما بكذا لتركبها إلى مكان كذا فأخذ المستأجر ليركبها كان ذلك قبولا دلالة لأن الأخذ والاستعمال لا يحل بلا قبول وفي المحيط تفسير العزم على ترك الخصومة بالقلب عند بعضهم وقيل أن يشهد بلسانه على العزم بالقلب ولا يكتفى بمجرد النية وبني في الفوائد الظهيرية عليه فرعا ذكره في الجامع اشترى عبدا ثم باعه من آخر فجحد المشتري الثاني البيع فخاصمه المشتري الأول إلى القاضي ولا بينة له فعزم المشتري الأول على ترك الخصومة ثم اطلع على عيب كان عند البائع الأول وأراد رده فاحتج البائع الأول عليه بدعواه البيع على الثاني فإن كان عزم المشتري على ترك الخصومة بعد تحليف الثاني يرده أو قبله فلا لأنه غير مضطر في فسخ البيع الثاني وهذا بخلاف ما لو جحد الزوج النكاح وحلف وعزمت الزوجة على ترك الخصومة لم يكن لها أن تتزوج والنكاح لا يحتمل الفسخ بسبب من الأسباب الوجه الثاني التزام أن الفسخ يحصل بواحد وهو قوله ولأنه لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري فات رضا البائع فيستبد بفسخه لفوات شرط البيع وهو التراضي وسنذكر نظر صاحب الكافي في تدافع الوجهين قريبا قوله ومن أقر هنا مسائل الإقرار بالقبض ومسائل الإقرار بالدين أما مسائل القبض ما إذا أقر أنه قبض من فلان عشرة دراهم ثم ادعى أنها زيوف صدق وفي بعض النسخ اقتضى وهو أيضا القبض يعني أقر
____________________
(7/330)
أنه قبض من مديونه بدين قرض اقترضه أو ثمن مبيع أو بدل إجارة أو قال غصبت منه أو أودعني ألف درهم ثم قال إلا أنها زيوف أو نبهرجة أو قال بعد نعم هي زيوف أو نبهرجة يصدق في الوصل والفصل وفي المبسوط أقر الطالب أنه قبض مما له على فلان مائة درهم ثم قال وجدتها زيوفا فالقول قوله وصل أم فصل وإطلاق المصنف قوله صدق يفيده وهذا بخلاف ما إذا أقر بالدين في المبسوط في باب الإقرار بالدين لو قال لفلان علي
____________________
(7/331)
ألف درهم من ثمن مبيع أو قرض أو إجارة إلا أنها زيوف أو نبهرجة لم يصدق في دعوى الزيافة وصل أم فصل في قول أبي حنيفة وعندهما يصدق إن وصل لا إن فصل ولو قال لفلان علي ألف درهم من غير ذكر سبب تجارة أو غصب قال بعض المشايخ هو على الخلاف أيضا لأن مطلق الإقرار بالدين ينصرف إلى الالتزام بالتجارة إذ هو اللائق بحال المسلم وقيل يصدق هنا إذا وصل بالاتفاق لأن صفة الجودة تصير مستحقة بعقد التجارة فإذا لم يصرح في كلامه بجهة التجارة لا تصير صفة الجودة مستحقة وتأتي الحجج إن شاء الله تعالى من الجانبين وقال الشافعي وأحمد إذا فصل لا يقبل في جميع الصور لأنه كما ذكر العشرة فهم الجياد وقوله هي زيوف رجوع عما أقر به قلنا في مسئلتنا إنما أقر بقبض الدراهم وقبض الدراهم لا يختص بالجياد لأن اسم الدراهم لا يختص بالجياد بل يقع على الزيوف والنبهرجة فإذا قال هي زيوف أو نبهرجة كان حاصله أنه اعترف بقبض عدة من الدراهم منكرا أنه قبض حقه أعني الجياد فيصدق مع يمينه إذا كان الآخر يكذبه ولم يكن رجوعا عن شيء لأن الأعم يصدق على كل أخص فإذا نفى أنه بعد ما صدق عليه بعينه وأنه مما صدقاته الأخرى لا يكون مناقضا بخلاف ما لو قال هي ستوفة أو رصاص لا يقبل لأنها ليست من جنسها فكان رجوعا وأما لو اعترف أنه قبض الجياد أو حقه أو الثمن أو استوفى ماله عليه لا يصدق في دعواه الزيوف والنبهرجة لأنه في هذا مقر بقبض الجياد صريحا في الأول ودلالة فيما بعده لأن حقه والثمن وكذا بدل الإجارة هي الجياد قال في النهاية جمع المصنف بين هذه المسائل الأربع في الجواب بأنه لا يصدق وليس الحكم فيها على السواء فإنه إذا أقر بقبض الجياد ثم ادعى أنها زيوف لا يصدق لا موصولا ولا مفصولا وفيما بقي يصدق موصولا لا مفصولا والفرق أن قوله قبضت مالي عليه أو حقي إقرار بقبض القدر والجودة بلفظ واحد فإذا استثنى الجودة فقد استثنى البعض من الجملة فيصح موصولا كما لو قال علي ألف إلا مائة أما إذا قال قبضت عشرة جيادا فقد أقر بالقدر بلفظ على حدة وبالجودة بلفظ على حدة فإذا قال إلا أنها زيوف فقد استثنى الكل من الكل في حق الجودة وذلك باطل كما إذا قال علي مائة درهم ودينار إلا دينارا فإن الاستثناء باطل وإن كان موصولا فإن قيل يجب أن لا يصح استثناء الجودة وإن دخلت تحت الإقرار بلفظ واحد لأن الجودة تبع للدراهم وصفة لها واستثناء التبع موصولا لا يصح كاستثناء
____________________
(7/332)
البناء من الدار لا يصح وإن كان موصولا قلنا إنما لا يصح استثناء البناء لأنه دخل تحت اسم الدار تبعا فلا يجوز إخراجه موصولا وأما الجودة فدخلت تحت اللفظ مقصودا كالوزن لأنه أقر بقبض ما عليه وكما عليه تسليم الوزن عليه الجودة فكانت داخلة تحت قوله مالي عليه وحقي عليه مقصودا لا تبعا فيجوز استثناؤه موصولا انتهى وقال صاحب الدراية بعد أن نقله فيه نوع تأمل وعندي أن التأمل يشده لا يرده وكأنه والله أعلم أشكل عليه تبعية الجودة لما ذكر في السؤال من أنها تبع وصفة للدراهم والصفة أبدا تابعة للموصوف وهذا سهو عن قوله دخلت تحت اللفظ مقصودا فحاصل رده على السائل أن ما يكون تبعا في الوجود قد يكون مقصودا للمتكلم باللفظ وصحة الاستثناء باعتبار كونه مقصودا من اللفظ كقصد الباقي سواء كان تبعا في الوجود له أو أصلا مثله وإنما كانت الستوقة ليست من جنس الدراهم لأن غشها غالب واسم الدراهم باعتبار الفضة والنسبة إلى الغالب متعين فإذا كان الغالب هو الغش فليست دراهم إلا مجازا ولذا قيل هو معرب سه طاقه يعني ثلاث طاقات الطاق الأعلى والأسفل فضة والأوسط نحاس وهي شبه المموه وتعقب في النهاية إطلاق قوله في الستوقة لا يصدق بل ذاك إذا قال مفصولا أما في الموصول يجب ان يصدق لأنه قال في إقرار المبسوط لو أقر أنه قبض خمسمائة درهم مما له على المديون ثم قال بعد ما سكت هو رصاص لم يصدق لأن اسم الدراهم لا يتناول الرصاص حقيقة وإن قال موصولا فالقول قوله لأن الرصاص من الدراهم صورة وإن لم يكن منها معنى فكان بيانا مغيرا لظاهر كلامه إلى ما هو محتمل فيصح موصولا ففي الستوقة أولى لأن الرصاص أبعد منها إلى الدراهم وذكر المحبوبي في جامعه مصرحا فقال فأما إذا قال وجدتها ستوقة أو رصاصا قال شيخ الإسلام خواهر زاده ذكر محمد أنه يصح إذا كان موصولا وقدمنا أن القول قول القابض مع يمينه فلا يمين على الطالب أنها كانت جيادا في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف أحلفه إذا اتهمته قوله ومن قال لآخر لك علي ألف درهم فقال ليس لي عليك شيء أو قال هي لك أو قال هي لفلان فقد رد إقراره فلو عاد إلى تصديقه وادعى الألف لم يسمع منا لا إن عاد المقر إلى الإقرار بها بعد رد المقر له فصدقه بعد الإقرار الثاني فإنه يثبت استحسانا لا قياسا
____________________
(7/333)
بخلاف ما لو أقر سيد العبد بنسبه لإنسان فكذبه المقر له ثم ادعاه المقر لنفسه حيث لا يثبت عند أبي حنيفة رحمه الله لأن الإقرار بالنسب لا يرتد بالرد حتى كان للراد أن يعود ويدعيه فلما لم يبطل بالرد بقي مقرا بنسبه لغيره فلا يمكن أن يدعيه لنفسه ولو كان الإقرار بسبب المال مثل أن يقول اشتريت مني وأنكر له أن يعود فيصدقه لأن أحد المتعاقدين لا ينفرد بالفسخ فإنكاره إن كان فسخا من جهته لا يحصل به الانفساخ وكان العقد قائما بعد إنكاره فله أن يصدقه بعد ذلك أما المقر له بالمال فيتفرد بالرد فافترقا وناقضه في الكافي بأنه ذكر هنا أن أحد المتعاقدين لا ينفرد بالفسخ وفيما تقدم يعني من مسئلة التجاحد قال ولأنه لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري فات رضا البائع فيستبد بالفسخ والتوفيق بين كلاميه صعب انتهى وهو صحيح ويقتضي أنه لو تعذر الاستيفاء مع الإقرار بأن مات ولا بينة أن له أن يفسخ ويستمتع بالجارية فالوجه ما قدمه أولا
وهذه فروع ذكرها في النهاية لو صدقه ثم رد إقراره لا يرتد لو وهبت المرأة صداقها لزوجها وقبل ثم رده فرده باطل وكذا لو قبل المديون الإبراء ثم رده وكذا لو قال لعبده وهبت لك رقبتك فرده لا يرتد بالرد لأنه إعتاق هذا كله في رد المقر له إقرار المقر فأما لو رد المقر إقرار نفسه كأن أقر بقبض المبيع أو الثمن ثم قال لم أقبض وأراد تحليف الآخر أنه أقبضه أو قال بعد أن أقر بقبض المبيع لم أقبض أو قال هذا لفلان ثم قال هو لي وأراد تحليف فلان أو أقر بدين ثم قال كنت كاذبا وأراد تحليف الدائن أنه أقبضه لا يحلف في المسائل كلها عند أبي حنيفة ومحمد لأنه متناقض فهو كما لو قال ليس لي على فلان شيء ثم ادعى عليه مالا وأراد تحليفه لا يحلف وعند أبي يوسف والشافعي يحلف وهو رواية عن أحمد لأن العادة جرت على هذه الأشياء قبل تحققها تحرزا من امتناع القابض عن الإشهاد بعد أن يسلمه فيجب أن يراعى العادة وصار كما لو أقر بالبيع وقال كان تلجئة وطلب يمين الآخر حلف عليه كذا هذا وقال الصدر الشهيد الرأي في التحليف إلى القاضي يريد أنه يجتهد في خصوص الوقائع فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر وأشهد يحلف له خصمه وإن لم يغلب على ظنه فيه ذلك لا يحلفه وهذا إنما هو بالتفرس في الأخصام والله الهادي قوله ومن ادعى على آخر مالا معلوم
____________________
(7/334)
القدر وما تصح به الدعوى فقال المدعى عليه ما كان لك علي شيء قط فأقام المدعي البينة على ألف وأقام هو بينة على القضاء قبلت بينته وكذلك لو أقامها على الإبراء وقال زفر لا تقبل ونقل عن ابن أبي ليلى لأن القضاء يتلو الوجوب وقد أنكر الوجوب حيث قال ما كان لك علي شيء قط فإذا اقام بينة على أنه قضاه ناقض ولنا أن التوفيق ممكن لأن غير الحق قد يقضى دفعا للشغب وإن لم يكن عليه حق ويبرأ منه ولذا يقال قضى بباطل وأيضا قد يصالح على شيء فيثبت ثم يقضى وكذا لو قال ليس لك علي شيء قط لأن التوفيق أظهر لأنه نفي في الحال وهو لا يستلزم النفي مطلقا لجواز القضاء أو الإبراء بعد اللزوم فينتفي في الحال بعد وجوده وهذا الإطلاق يقتضي قبول البينة إذا احتاج إلى التوفيق من غير دعوى التوفيق وفي بعض المواضع شرط محمد دعوى التوفيق ولم يذكر في بعض المواضع فقيل يشترط الدعوى في الكل ويحمل ما سكت فيه على ما ذكر فيه حتى قال في الأقضية لا ينبغي للقاضي أن يوفق لأنه نصب لفصل الخصومات لا لإنشائها ولأن القاضي لا يدري ما يوفق به المدعي وفي الفوائد الظهيرية كان والدي يفتي بأن التوفيق إذا كان ممكنا يجب على الحاكم التوفيق كي لا تتعطل حجج الشرع والتوسط في هذا أن وجه التوفيق إذا كان ظاهرا متبادرا يجب أن يسمع البينة بلا توفيق المدعي كقوله ليس لك علي شيء ثم أقامها على أنه قضاه ونحوه وإن كان متكلفا لا يعتبره القاضي واقعا مالم يذكره المدعي والله سبحانه أعلم وذلك مثل قوله وهبها لي ثم أنكرها فاشتريتها وكذا فيما يأتي في الجارية لم أبعها له ولكن أقام بينة كاذبة بالبيع فسألته أن يبرئني من العيوب فإن مثل هذا في الحقيقة تلقين للحجة هذا فلو زاد على ذلك فقال ما كان لك علي شيء قط ولا أعرفك أو قال ولا رأيتك أو قال ولا جرى بيني وبينك مخالطة ولا أخذ ولا إعطاء أو ما اجتمعت معك في مكان وما أشبه ذلك ثم أقام بينة على القضاء أو الإبراء لم تقبل لتعذر التوفيق وذكر القدوري عن أصحابنا أنها تقبل أيضا لأن المحتجب أو المخدرة قد يؤذى بالشغب على بابه
____________________
(7/335)
فيأمر بإرضائه ولا يعرفه ثم يعرفه بعد ذلك فأمكن التوفيق فعلى هذا قالوا يجب التفصيل فإن كان المدعى عليه ممن يتولى الأعمال بنفسه لا تقبل بينته وإلا قبلت وفي الشافي لو قال لم أدفع إليه شيئا ثم ادعى الدفع لم يسمع لأنه يستحيل أن يقول لم أدفع إليه شيئا وقد دفعته أما لو ادعى إقراره بالدفع إليه أو القضاء ينبغي أن يسمع لأن المناقض هو الذي يجمع بين كلامين وهنا لم يجمع ولهذا لو صدقه المدعي عيانا لا يكون مناقضا ذكره التمرتاشي وقيل تقبل البينة على الإبراء في هذا الفصل باتفاق الروايات لأن الإبراء يتحقق بلا معرفة قوله ومن ادعى على آخر أنه باعه جارية فقال لم أبعها منك قط فأقام المدعي البينة على شرائه إياها منه فقبضها فوجد بها أصبعا زائدة أو نحوه من عيب لا يحدث مثله في تلك المدة ليعلم أنه كان في يد البائع وأراد ردها فأقام البائع بينة أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل وعن أبي يوسف أنها تقبل اعتبارا بما ذكرنا يعني التوفيق في الدين وقوله وعن أبي يوسف يشير إلى أنها ليست ظاهر الرواية عنه ولذا لم يذكر محمد فيه خلافا بين أصحابنا في الجامع الصغير وإنما حكاه الخصاف عن أبي يوسف رحمه الله ووجه التوفيق هنا أن يقول لم يكن بيننا بيع ولكنه لما ادعى علي البيع سألته أن يبرئني من العيب فأبرأني قال شارح ولأن البيع غير البراءة من العيب فجحود أحدهما لا يمنع دعوى الآخر ولا يخفى ما فيه وذكر في وجه التوفيق أيضا أن يكون البائع وكيلا عن المالك في البيع فكان قوله للمالك ما بعتها لك قط صدقا فإقامة البينة على البراءة من العيوب ليس مناقضا والوجه أعم لأنه لو كانت هذه الدعوى على الوكيل نفسه لا يوفق بذلك ونظيره ما ذكر التمرتاشي أقام بينة على الشراء وذو اليد ينكر ثم أقام المنكر بينة على أن المدعي قد رد البيع قبلت ولا يبطل إنكاره البيع بينته لأنه يقول أخذها مني ببينة كاذبة ثم استقلته فأقالني
____________________
(7/336)
ووجه الظاهر أن شرط البراءة تغيير للعقد من اقتضائه وصف السلامة إلى غيره فيستدعي وجود البيع وقد أنكره فكان مناقضا بخلاف الدين لأنه قد يقضي وإن كان باطلا ولا يخفى أن كلا من وجهي التوفيق الأول والثالث يدفع هذا قوله ذكر حق يعني صكا في إقرار بدين قال في آخره ومن قام بهذا الذكر فهو ولي ما فيه يعني من أخرجه كان له ولاية المطالبة بما فيه من الحق ثم كتب إن شاء الله متصلا بهذه الكتابة أو صك شراء كتب فيه وما أدرك فلانا المشتري من الدرك فعلى فلان خلاصة إن شاء الله فعند أبي حنيفة يبطل الصك كله الدين في الأول والشراء في هذا والخلاص وعندهما كل من الدين والشراء صحيح وقوله إن شاء الله ينصرف إلى ما يليه وهو وكالة من قام به وضمان الدرك خاصة وقولهما استحسان له أن الكل بواسطة العطف كشيء واحد اتصل به الاستثناء فينصرف إلى الكل للاتفاق على أن قول القائل عبده حر وامرأته طالق وعليه المشي إلى بيت الله إن شاء الله يبطل الكل فلا يقع طلاق ولا عتاق ولا يلزم نذر ولهما أن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه لأن الذكر للاستيثاق وكذا الأصل في الكلام الاستبداد فقام العلم بالمقصود من كتب الصك دلالة على قصر انصرافه إلى الأخير هذا هو العادة وعليه يحمل الحادث لا على أنه قد يكتب للإبطال لغرض قد يتفق وظاهر الوجه من الجانبين أن إن شاء الله أجرى بالاتفاق مجرى الاستثناء غير أن أبا حنيفة خالف مقتضاه وهو انصراف الاستثناء إلى ما يليه خاصة بسبب العطف وهما سلما ذلك لولا عروض فهم الغرض من كتبه وهو بعيد إذ لو
____________________
(7/337)
كان كذلك لم يتصور وجود جمل متعددة ببعضها استثناء فينصرف إلى الأخيرة لأن وجود الجمل المتعددة إنما يكون بالعطف فإذا كان العطف يصيرها كواحد لزم في كل استثناء متصل بجمل منسوق بعضها على بعض أن ينصرف إلى الكل ويستحيل وجود المسئلة بل الوجه إن شاء الله شرط وحكم الشرط إذا تعقب جملا منسوقة بعضها على بعض أن ينصرف إلى الكل ولذلك لم يعتق ولم تطلق ولم يلزم النذر فيما ذكرنا فمشى أبو حنيفة على حكمه وهما أخرجا صور كتب الصك من عمومه بعارض اقتضى تخصيص الصك من عموم حكم الشرط المتعقب جملا متعاطفة وهو ما ذكرناه ولذا كان قولهما استحسانا راجحا على قوله هذا إذا كان إن شاء الله مكتوبا متصلا بالكتابة فلو فصل ببياض وهو الفرجة صار كفاصل السكوت فلا يعمل شيئا اتفاقا وقد أورد أن هذا الكلام يقتضي أنه لو لم يكتب إن شاء الله لم يبطل شيء ويلزمه صحة الوكالة للمجهول بالخصومة في قوله ومن قام بهذا الذكر فهو ولي ما فيه وتوكيل المجهول لا يصح أجيب بأن الغرض من الكتابة إثبات رضا المدعى عليه بتوكيل من يوكله المدعي فلا يمتنع المديون عن سماع خصومة الوكيل بالخصومة عند أبي حنيفة فإن التوكيل بالخصومة لا يصح إلا برضا الخصم عنده ودفع بأنه لا يفيد على قوله لأن بهذا يثبت الرضا بتوكيل وكيل مجهول والرضا بتوكيل وكيل مجهول باطل فلا يفيد على قوله أيضا وقيل بل فائدته التحرز عن قول ابن أبي ليلى فإنه لا يصحح التوكيل بالخصومة بلا رضا الخصم إلا إذا وجد الرضا بتوكيل وكيل مجهول فحينئذ يجوز لكن ذكر في كتب المذاهب الأربعة أن عند ابن أبي ليلى يجوز التوكيل بالخصومة بغير رضا الخصم مطلقا
____________________
(7/338)
فصل في القضاء بالمواريث
وإذا مات نصراني فجاءت امرأته مسلمة وقالت أسلمت بعد موته فأنا أستحق في ميراثه وقالت الورثة بل أسلمت قبل موته فلا ميراث لك فالقول قول الورثة وكان ا لأولى أن يقال بدل قوله فالقول قول الورثة لا تصدق إلا ببينة لأن العادة أن من كان القول له يكون مع يمينه ولا حلف عليهم إلا إن ادعت أنهم يعلمون كفرها بعد موته فلها أن تحلفهم على العلم وقال زفر القول لها لأن الإسلام حادث فالظاهر إضافته إلى أقرب الأوقات ولنا أن سبب الحرمان من الميراث ثابت في الحال فيثبت فيما مضى تحكيما للحال كما في جريان ماء
____________________
(7/339)
الطاحونة وهذا ظاهر هو استصحاب أعني استصحاب الماضي للحال نعتبره للدفع وما ذكره استصحاب هو عكس ذلك لأن الاستصحاب يكون من الماضي للحال ومن الحال إلى الماضي ولكنه اعتبره للاستحقاق وليس حكم الاستصحاب كذلك والمراد بجريان ماء الطاحونة ما إذا اختلف مالكها مع المستأجر إذا طالبه بمدة فقال كان الماء منقطعا حكم جريانه في الحال فإذا كان منقطعا في الحال فيعطف على الماضي لدفع استحقاق أجرة الماضي فكذا هذا والتعبير بالاستصحاب أحسن من التعبير بالظاهر فإن ما يثبت به الاستحقاق كثيرا ما يكون ظاهرا كأخبار الآحاد قد أثبت ما يوجب استحقاقا ولو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت أسلمت قبل موته وقالت الورثة أسلمت بعد موته فالقول لهم أيضا ولا يحكم الحال هنا لأن الاستصحاب للاستحقاق وهي محتاجة إليه أما الورثة فهم الدافعون والاستصحاب يكفى لهم في ذلك وهو
____________________
(7/340)
استصحاب ما في الماضي من كفرها إلى ما بعد موته فالمسئلتان مبنيتان على أصل واحد وهو أن الاستصحاب اعتبر فيهما للدفع لا للاستحقاق فإن قيل اعتبار الحال في ماء الطاحونة شاهدا للماضي عمل بإثبات الاستحقاق بالاستصحاب فإن به يستحق مالكها أجر الماضي إذا كان جاريا أجيب بأن هناك اتفقا على وجود سبب الوجوب وهو العقد ولكن اختلفا في التأكيد والظاهر يصلح حجة للتأكيد وفي مسئلة الميراث نفس السبب مختلف فيه وهو الزوجية مع اتفاق الزوجين في الدين عند الموت واستشكل بما ذكر محمد في الأصل إذا مات وترك ابنين فقال أحدهما مات أبي مسلما وقد كنت مسلما حال حياته وقال الآخر صدقت وأنا أيضا أسلمت حال حياته وكذبه الابن المتفق على إسلامه وقال بل أسلمت بعد موته فالقول للابن المتفق على إسلامه ولم يجعل الحال حكما على إسلامه فيما مضى مع قيام السبب في الحال وهو البنوة أجيب بأنه حكما إنما يصار لما ذكر من الطريق إذا اختلفا في تمام الماضي في ثبوت ما هو ثابت للحال وأما إذا اختلفا في مقدار منه فلا يصار إلى تحكيم الحال وإن كان السبب قائما حتى أن في مسئلة الطاحونة إذا اتفقا على الانقطاع في بعض مدة الإجارة بأن قال المستأجر كان الماء منقطعا شهرين وقال الآجر شهرا فالقول للمستأجر مع يمينه منقطعا كان الماء أو جاريا في الحال لأنهما اختلفا في جريان مقدر هو غير ثابت للحال وفي مسئلة الابنين ومسئلة الكتاب الاختلاف واقع في مقدار مدة الإسلام لا في نفس الإسلام أنه كان أو لم يكن والثابت في الحال نفس الإسلام لا إسلام مقدر فهذا هو المأخذ في المسئلة وذكر الإمام التمرتاشي مسئلة وهي ترد أيضا شبهة على الأصل أعني كون الاستحقاق لا يثبت بالظاهر وهو لو ادعت المرأة أنه أبانها في المرض فصار فارا فأنا أرث وقالت الورثة بل في الصحة فالقول قولها لأنها أنكرت
____________________
(7/341)
المانع من الإرث وهو الطلاق في الصحة يعني والأصل عدم المانع قوله ومن مات وله في يد رجل أربعة آلاف درهم مثلا وديعة فأقر المستودع أنه ابن الميت لا وارث له غيره فإن القاضي يقضي عليه بالدفع إليه لأنه أقر أن ما في يده حق الوارث ملك له خلافة فهو كما إذا أقر أنه حق المورث وهو حي أصالة بخلاف ما إذا أقر المودع لرجل أنه وكيل المودع بالقبض أي بقبض الوديعة أو أنه اشتراه أي اشترى الوديعة التي في يده من المودع حيث لا يؤمر بالدفع إليه لأنه أقر بقيام حق المودع وملكه في الوديعة الآن إذ هو حي فيكون إقرارا على مال الغير ولا كذلك بعد موته لزوال ملكه فإنه أقر له بملكه لما في يده من غير ثبوت ملك مالك معين فيه للحال وفي فصل الشراء وإن كان قد أقر بزوال ملك المودع لكن لا ينفذ في حق غيره أعني المالك لأنه لا يملك إبطال ملكه بإقراره فصار كالإقرار بالوكالة بقبض الوديعة ثم لو دفع إلى الذي اعترف له بالوكالة بقبض الوديعة هل له أن يستردها قيل لا لأنه يصير ساعيا في نقض ما تم به وقال ظهير الدين كان والدي يتردد في جواب هذه المسئلة ولو لم يدفع الوديعة للذي أقر له بالوكالة حتى هلكت قيل يضمنها لأنه منعها من وكيل المودع في زعمه فهو كما لو منعها من نفس المودع وقيل لا لأنه لم يجب عليه الدفع بخلاف المديون إذا أقر لرجل أنه وكيل الدائن بقبض ماله عليه فإنه يؤمر بالدفع إليه لأنه غير مقر على مال غيره إذ الديون تقضى بأمثالها والمثل ملك المقر فإنما أقر على نفسه حتى يرجع عليه الدائن إذا لم يعترف بالوكالة إذا قدم فيؤمر بالدفع ولو قال المودع لآخر هذا ابنه أيضا وأنكر الابن الأول قضى بالمال للأول وحده لأنه لما صح إقراره للأول على ذلك الوجه انقطع يده على المال فيكون إقرارا على الغير وهو الابن الأول فلا يصح كما لو كان الأول ابنا معروفا ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له فصح وحين أقر للثاني له مكذب وهو
____________________
(7/342)
الأول فلا يصح وهل يضمن للابن الثاني شيئا قال في غاية البيان إنه لا يغرم المودع للابن الثاني شيئا بإقراره له لأن استحقاقه لم يثبت فلم يتحقق التلف وهذا لأنه لا يلزم من مجرد ثبوت البنوة ثبوت الإرث فلا يكون الإقرار بالبنوة إقرارا بالمال وفي الدراية والنهاية وغيرهما يضمن المودع نصف ما أدى للابن الثاني الذي أقر له إذا دفع الوديعة بغير قضاء القاضي وبه قال الشافعي في قول وأحمد في قول وفي قول لا يضمن لأن إقراره للثاني صادف ملك الغير فلا يلزم منه شيء وقال في النهاية فإن قيل كان ينبغي أن يضمن المودع للابن الثاني الذي أقر له أنه ابن الميت كما لو بدأ المودع بالإقرار لغير القاضي المعزول بالوديعة ثم أقر بتسليم القاضي إليه وقد ذكر في أدب القاضي من الكتاب أنه يضمن للقاضي قيمته قلنا هنا أيضا يضمن إذا دفع الوديعة إلى الابن الأول بغير قضاء القاضي نصف ما أدى إلى الأول انتهى وهذا هو الصواب واختلف في اللقطة إذا أقر الملتقط بها لرجل هل يؤمر بالدفع إليه مذكور في اللقطة وفي الجامع الصغير لو ادعى الوصاية وصدقه مودع الميت أو الغاصب منه لا يؤمر بالدفع هذا كله في الابن فلو أقر المودع لرجل أنه أخو الميت شقيقه وأنه لا وارث له غيره وهو يدعيه أو لمن ادعى وصية بألف مثلا أنه صادق فالقاضي يتأنى في ذلك لأن استحقاق الأخ بشرط عدم الابن بخلاف الابن لأنه وارث على كل حال غير أنه احتمل مشاركة غيره وهو موهوم والبنت كالابن وفي الوصية هو مقر على الغير لأنه أقر أنه ليس بخلف عن الميت وإذا تأنى إن حضر وارث آخر دفع المال إليه لأنه خلف عن الميت وكان القول قوله في الوصية وإن لم يحضر وارث آخر أعطى كل مدع ما أقر به لكن بكفيل ثقة وإن لم يجد كفيلا أعطاه المال وضمنه إن كان ثقة حتى لا يهلك أمانة وإن كان غير ثقة تلوم القاضي حتى يظهر أنه لا وارث للميت أو أكبر رأيه ذلك ثم يعطيه المال ويضمنه ولم يقدر مدة التلوم بشيء بل موكول إلى رأي القاضي وهذا أشبه بأبي حنيفة وعندهما مقدر بحول هكذا حكى الخلاف في الخلاصة عن الأقضية قال وعن ابي يوسف مقدر بشهر هذا إذا قال ذو اليد لا وارث له غيره فإن قال له وارث ولا أدري أمات أم لا لا يدفع إلى أحد منهم شيئا لا قبل التلوم ولا بعده حتى يقيم المدعي بينة تقول لا نعلم له وارثا غيره وكل من يرث في حال دون حال كالأخ والأب والأم والبنت كالابن ولو ادعى أنه أخو الغائب وأنه مات وهو وارثه لا وارث له غيره أو ادعى أنه ابنه أو أبوه أو مولاه أعتقه أو كانت امرأة وادعت أنها عمة الميت أو خالته أو بنت أخيه وقال لا وارث له غيري وادعى آخر أنه زوج أو زوجة للميت أو أن الميت أوصى له بجميع ماله
____________________
(7/343)
أو ثلثه وصدقهما ذو اليد وقال لا أدري للميت وارثا غيرهما أو لا لم يكن لمدعي الوصية شيء بهذا الإقرار ويدفع القاضي إلى الأب والأم والأخ ومولى العتاقة أو العمة أو الخالة أو بنت الأخ إذا انفرد أما عند الاجتماع فلا يزاحم مدعي البنوة مدعي الأخوة لكن مدعي هذه الأشياء إذا زاحمه مدعي الزوجية أو الوصية بالكل أو الثلث مستدلا بإقرار ذي اليد فمدعي الأخوة أو البنوة أولى بعد ما يستحلف الابن ما هذه زوجة الميت أو موصى له هذا إذا لم تكن بينة على الزوجية أو الوصية فإن قام أخذ بها وهل يؤخذ منه الكفيل تقدم ولو أقر ذو اليد أن الميت أقر أن هذا ابنه أو أبوه أو مولاه أعتقه أو أوصى له بالكل أو ثلثه أو أن هذه زوجته فالمال للابن والمولى كما لو عايناه أقر بخلاف النكاح وولاء الموالاة والوصية لأن ذا اليد أقر بسبب منتقض قوله وإذا قسم الميراث بين الغرماء أو بين الورثة لا يؤخذ منهم كفيل عند أبي حنيفة وقال هذا شيء احتاط فيه بعض القضاة وهو ظلم كأنه عنى به ابن أبي ليلى فإنه كان يفعله بالكوفة وقالا يؤخذ الكفيل أي لا يدفع إليهم حتى يكفلوا والمسئلة فيما إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة ولم يقل الشهود لا نعلم له وارثا غيره أما إذا ثبتا بالإقرار فيؤخذ
____________________
(7/344)
الكفيل بالاتفاق وإذا قال الشهود لا نعلم له وارثا غيره لا يكفل بالاتفاق ولا يتأنى القاضي سواء كان ذلك الوارث ممن يحجب أو لا يحجب ولو قالوا لا وارث له غيره فكذلك استحسانا ثم ما ذكر من نفي الدفع إذا لم يقل الشهود لا نعلم له وارثا آخر هو فيما إذا كان وارثا لا يحجب بغيره وتفصيل المسئلة في أدب القاضي للصدر الشهيد قال وإذا حضر الرجل وادعى دارا في يد رجل أنها كانت لأبيه مات وتركها ميراثا له وأقام على ذلك بينة ولم يشهدوا على عدد الورثة ولم يعرفوهم بل قالوا وتركها لورثته لا تقبل ولا يدفع إليه شيئا حتى يقيم بينة على عدد الورثة ليصير نصيب هذا الواحد معلوما والقضاء بغير المعلوم متعذر وهنا ثلاثة فصول الأول هذا وهو ما إذا لم يشهدوا على عدد الورثة ولم يعرفوهم والثاني أن يشهدوا أنه ابنه ووارثه لا نعلم له وارثا غيره فإن القاضي يقضي بجميع التركة بلا تلوم الثالث أن يشهدوا أنه ابن فلان مالك هذه الدار ولم يشهدوا على عدد الورثة ولم يقولوا لا نعلم له وارثا غيره فإن القاضي يتلوم زمانا على قدر ما يرى فإن حضر وارث آخر قسم المال بينهم وإن لم يحضر دفع الدار إليه ويأخذ كفيلا عندهما ولا يأخذ عند أبي حنيفة رضي الله عنه ثم إنما يدفع إلى الوارث الذي حضر جميع المال إذا كان ممن لا يحجب كالأب والابن فإن كان يحجب بغيره كالجد والأخ والعم لا يدفع إليه وإن كان ممن يحجب حجب نقصان كالزوج والزوجة يدفع إليه أقل النصيبين عند ابي يوسف وعند محمد أوفرهما وهو النصف للزوج والربع للزوجة وقول أبي حنيفة مضطرب هذا إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة فأما إذا ثبت بالإقرار فيؤخذ الكفيل بالاتفاق ومن صوره ما إذا أقر المودع لرجل أنه ابن الميت ولم يزد عليه فالقاضي يتأنى على حسب ما يرى ولا تقدير فيه وهو أليق بقول أبي حنيفة رحمه الله وهو أن ينتظر زمانا يغلب على ظنه أنه لو كان له ابن آخر لظهر وقدره الطحاوي بعام فإن لم يظهر وارث آخر دفع المال وأخذ كفيلا لاحتمال أن يظهر وارث آخر قيل هذا قولهما وعند أبي حينفة لا يأخذ وقيل يأخذ عند الكل لأن الثابت بالإقرار دون الثابت بالبينة لهما أن القاضي ناظر للغيب أي مأمور بالنظر لهم والظاهر أن في التركة وارثا غائبا أو غريما غائبا لأن الموت قد يقع بغتة فيحتاط بالكفالة كما إذا دفع القاضي الآبق واللقطة إلى
____________________
(7/345)
الذي أثبت عنده أنه صاحبه أخذ كفيلا للمعنى الذي ذكرنا وهو أن القاضي مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه وكذا إذا أعطى امرأة الغائب يعني إذا كانت تستنفق أي تطلب النفقة وزوجها غائب وله في يد رجل وديعة وهو مقر بالزوجية والوديعة فالقاضي يعطيها من ماله ويأخذ كفيلا ولأبي حنيفة رحمه الله أن الحق ثابت قطعا أي فيما إذا كان الوارث الآخر معدوما أو ظاهرا فيما إذا كان موجودا والقاضي لم يكلف بإظهاره على وجه يوجب حق الحاضر بل هو مكلف بالعمل بما ظهر عنده فلا يؤخر إلى زمان التكفيل لحق موهوم أرأيت لو لم يجد كفيلا كان منع حقه هذا ظلما وصار كمن أثبت الشراء ممن في يده لا يؤخذ كفيل من المشتري بعد ما أثبت شراءه بالحجة ولا يؤخذ الكفيل من رب الدين الذي أثبت دينه على العبد بالبينة حتى بيع العبد لأجل دينه وإن كان يتوهم حضور مشتر آخر قبله وغريم آخر للعبد ولأن المكفول له مجهول فهو كما لو كفل لأحد الغرماء بخلاف النفقة لأن حق الزوج ثابت والزوج معلوم فأما الآبق واللقطة ففي أخذ الكفيل روايتان عنه والأصح أنه على الخلاف وقيل إن دفع اللقطة بعلامة أو بإقرار العبد يكفل بالإجماع لأن الحق غير ثابت ولهذا كان له أن يمنع مع العلامة وإقرار العبد بالإباق لا يقال يأخذ الكفيل لنفسه صيانة لقضائه عن النقض لأنه ليس بخصم ولا يقال يأخذ للميت لأن حقه في تسليم ماله إلى وارثه وقد أثبت وراثته فلا معنى للاشتغال بأخذ الكفيل فإن قيل القاضي يتلوم في هذه الصورة بالإجماع ذكره في الأسرار وكذا ذكر الصدر الشهيد والتلوم إنما هو لتوهم وارث أو غريم آخر وبعد التلوم ما انقطعت الشبهة فينبغي أن يأخذ الكفيل لبقاء الشبهة ويدفع إلى الحاضر لقيام الحجة لأن الحجة راجحة على الشبهة فأظهرنا رجحانها في الدفع إليه فيجب أن يظهر قيام الشبهة في حق الكفيل عملا بالجهتين أجيب بأن العمل يجب بالحجة بعد قيامها لا بالشبهة وليس التكفيل كالتلوم لأن التلوم لطلب علم زائد له ليتم علمه بالقدر الممكن فإن التلوم يقوم مقام قول الشهود لا وارث له غيره فإن هذا ليس بشهادة لأنها على النفي بل هو خبر يؤكد ظن انتفاء غيره أما الكفالة فطلب
____________________
(7/346)
أمر زائد من المستحق فلا يجوز إلا بتوجه حق عليه ولا يتوجه بالموهوم قال المصنف وقوله ظلم أي قول أبي حنيفة يكشف عن مذهبه أن المجتهد يخطئ ويصيب لا كما ظنه البعض أنه قائل بأن كل مجتهد مصيب كقول المعتزلة جرهم إلى هذا القول بوجوب الأصلح فكان صيانة المجتهدين عن الخطإ وتقريرهم على الصواب واجبا وسبب نسبة هذا القول إلى أبي حنيفة ما روي عنه أنه قال ليوسف بن خالد السمتي كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد ولو حمل على ظاهره لكان متناقضا إذ قوله والحق عند الله واحد يفيد أنه ليس كل مجتهد أصاب الحق وإلا لكان الحق متعددا فلزم أن معنى قوله كل مجتهد مصيب أي يصيب حكم الله تعالى بالاجتهاد فإنه تعالى أوجب الاجتهاد على المتأهل له فإذا اجتهد فقد أصاب بسبب قيامه بالواجب وقال محمد ولو تلاعنا ثلاثا ففرق القاضي بينهما نفذ وقال أخطأ السنة قوله وإذا كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر البينة أن أباه مات وتركها ميراثا بينه وبين أخيه فلان الغائب قضى له بالنصف وترك النصف الآخر في يد الذي هي في يده إلى أن يحضر الغائب ولا يستوثق منه بكفيل وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقالا إن كان الذي هي في يده قد جحد فأقيمت عليه البينة أخذ منه النصف فوضع على يد أمين وإن لم يكن جحد ترك في يده لهما أن الجاحد خائن ظهرت خيانته بالجحد فلا يترك في يده لقرب أن يتصرف فيه إما لاعتقاده أنها ملكه وأن البينة كذبة أو للخيانة بخلاف ما لو أقر أنها مال الميت مودع عنده فإنه لم تظهر منه خيانة وقد رضيه الميت فكان أولى بحفظها ولأبي حنيفة أن القضاء إنما يقع أولا للميت مقصودا لأنه بعد ثبوت أنه ماله
____________________
(7/347)
حينئذ تقضي ديونه ويقسم المال وكونه مختار الميت ثابت مع جحده فلا تنقض يده كالمقر وجحوده قد ارتفع بقضاء القاضي بها للميت والظاهر عدم جحوده بعد ذلك لصيرورة الحادثة معلومة له وللقاضي وموت القاضي وعزله قبل أن يصل الغائب وكذا احتراق المحضر والتلف نادر لا يوجب اختلاف الحكم لندرته فلو كانت الدعوى في منقول وأنكر والباقي بحاله فقد قيل يؤخذ منه النصف بالاتفاق لأنه محتاج إلى الحفظ
____________________
(7/348)
والنزع أبلغ في الحفظ من تركه في يده إذ ربما يتصرف فيه متأولا كما ذكرنا أو خيانة بخلاف العقار لأنها محصنة بنفسها ولهذا أي ولأجل أن المنقول محتاج إلى الحفظ دون العقار والنزع أبلغ في حفظه من تركه بملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير يملك بيع المنقول مع أن هؤلاء ليس لهم ولاية في المال وقيل المنقول على الخلاف أيضا عنده يترك في يد الذي جحد وعندهما يؤخذ منه وإنما لا يؤخذ الكفيل على قول ابي حنيفة من الذي هي في يده لأنه إنشاء خصومة والقاضي إنما نصب لقطعها وهذا لأنه ربما لا يجد كفيلا أو لا يسمح بإعطائه والأخ الحاضر يطالبه به فتثور الخصومة ثم إذا حاضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة البينة ويسلم النصف إليه بذلك القضاء الكائن في غيبته لأن أحد الورثة
____________________
(7/349)
ينتصب خصما عن بقية الورثة فيما لهم وعليهم دينا كان أو عينا فقد قامت على خصم حاضر بالنسبة إلى كل الورثة وهذا منهم وقوله لأن المقضي له وعليه إنما هو الميت في الحقيقة على ما ذكرنا من قريب وواحد من الورثة يصلح خليفة عنه في ذلك بخلاف الاستيفاء أي استيفاء نصيبه لأنه عامل فيه لنفسه لا للميت فلا يصلح نائبا عن غيره فلهذا لا يستوفي إلا نصيب نفسه وصار كما إذا قامت البينة بدين للميت فإنه يقضى بالكل ولا يأخذ إلا نصيب نفسه وقوله إلا أنه إنما يثبت استحقاق الكل على أحد الورثة استثناء من قوله لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له وعليه ويكون قضاء على جميع الورثة إذا كانت التركة كلها في يده
____________________
(7/350)
أي في يد الحاضر حتى لو كان البعض في يده ينفذ بقدره لأنه لا خصومة بدون اليد ذكره في الجامع الكبير قال في شهادات المواريث ولو مات وترك دارا وثلاثة بنين وابنان غائبان والدار في يد الحاضر فادعى رجل الدار على الحاضر فقص عليه القصة وقال مات والدنا وأخواي فلان وفلان قبضا نصيبهما وأودعاني وغابا وقال المدعي كانت داري في يد أبيكم وأعلم أن الغائبين قبضا ثلثيها شائعا وأودعاها عندك وأنا أقيم البينة أنها داري تقبل وذو اليد خصم لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الميت فيما يدعي عليه فإن حضر الغائبان وصدقا في الإرث وجحدا حق المدعي فالقضاء ماض وإن كذباه وقالا لم نرثها من أبينا بل ثلثاها لنا لا بالإرث يقال للمدعي أعد بينتك عليهما في ثلثي الدار لأن ذلك على غير خصم لأن إقرار الحاضر يعمل في حقه لا في حق الغائبين قال العتابي قال مشايخنا هذا إذا لم تكن الدار مقسومة أما إذا اقتسموها وأودع اثنان نصيبهما الحاضر وغابا لا تقبل بينة المدعي في نصيبهما على الحاضر والتحق هذا بسائر أموالهما فلا يكون الحاضر خصما فيها بخلاف ما قبل القسمة لأنه مبقى على حكم ملك الميت على ما عرف ولو كان ثلثا الدار في يد رجل مقسوم أو غير مقسوم أودعه عنده الغائبان وهو مقر بأنه وديعة لهما ميراث من أبيهما لم يكن خصما للمدعي وكذلك الابن الحاضر لا يكون خصما في ذلك لأن الوارث إنما يكون خصما للمدعي على الميت فيما في يده لا فيما في يد غيره قال الاستروشني فالحاصل أن أحد الورثة ينتصب خصما عن الميت في عين هو في يده لا في عين ليس في يده حتى أن من ادعى عينا من التركة وأحضر وارثا ليس في يده ذلك العين لا تسمع دعواه وفي دعوى الدين ينتصب خصما عن الميت وإن لم يكن في يده شيء قوله ومن قال مالي في المساكين صدقة فهو على ما فيه الزكاة فيلزمه التصدق بجميع ما يملكه من النقدين والسوائم وأموال التجارة ويمسك قوته فإذا أصاب شيئا تصدق بقدر ما أمسك وإذا وجب التصدق بكله فلا فرق بين أن يبلغ ما عنده نصابا أولا لأن المعتبر جنس ما فيه الزكاة دون قدره ولذا قالوا نذر أن يتصدق بماله وعليه دين محيط بكل ماله لزمه أن يتصدق به فإن قضى به دينا لزمه أن يتصدق بما يكتسبه بعد إلى أن يوفي ولو أوصى بثلث ماله فهو على كل مال والقياس أن يلزمه التصدق بالكل فيهما وبه قال زفر والبتي والنخعي والشافعي وقال مالك وأحمد يتصدق بثلث ماله لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة حين قال إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة يجزئك الثلث لعموم اسم المال كالوصية وقال عليه
____________________
(7/351)
الصلاة والسلام من نذر أن يطيع الله فليطعه وجه الاستحسان أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى فينصرف إلى ما أوجب الشرع فيه الصدقة وما أوجب به التصدق ذكره بلفظ العموم وعلق الإيجاب ببعضه قال تعالى { خذ من أموالهم صدقة } ولم يعم كل مال وهذا بناء على أن مقتضى اللفظ إنما يصدق بالأخذ من كل مال وذكرنا في الأصول أن بالأخذ من جنس الأموال يصدق بأنه أخذ من أموالهم حقيقة وإنما ذاك قول الشافعي والأحسن أن حمله على العموم مخالف للشرع إذ منع منه قوله تعالى { ولا تبسطها كل البسط } فوجب تقييدها ببعضها ثم عينا ذلك البعض بتعيين الله تعالى إياها بإيجاب التصدق منها وأما قوله عليه الصلاة والسلام من نذر أن يطيع الله فليطعه لا ينافيه لأن إخراج ما ذكرنا من أجناس المال طاعة وإنما يلزم لو تقيد بجميع ما تلفظ به وهو منتف بلزوم المعصية وحديث أبي لبابة ليس فيه تصريح بأنه نذر ذلك فهو على أنه نوى ذلك وقصده وأما الوصية فجرينا فيها على نحو ذلك أيضا فقلنا لو أوصى بجميع ماله وله ورثة لا ينفذ لأن في تنفيذه ارتكاب المعصية فيقتصر على الثلث المفسوخ له فيه مع وجود الورثة وأما نفاذه في الكل إذا لم يكن له ورثة فلأنها إنما توجب ذلك في حال استغنائه بالموت فانتفى المانع الشرعي وهذا لأن النهي ما كان في حالة الحياة إلا لقيام حاجته الناجزة في الحياة وعدم البداءة بنفسه المأمور بها في قوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول فيؤدي إلى ضيق نفسه وحرجها وهو قد يكون سبب المعصية وهذا المعنى منتف بعد الموت وقول المصنف ولأن الظاهر أنه إنما يلتزم الصدقة الخ يصلح تقريرا لإبداء المخصص يعني ان العموم وإن كان ثابتا لكن هنا معنى يخصصه
____________________
(7/352)
وهو أن الظاهر من إرسال لفظ عام بالخروج عن كل ماله مع قيام حاجته المستمرة لنفسه وعياله عدم كونه على وجه يدخل الضرر عليه وعليهم فكان ظاهرا في إرادة الخصوص وما ذكرناه من لزوم المعصية بتقدير اعتبار عمومه هو أيضا من إبداء المخصص وهذا من أفراد ترك الحقيقة بدلالة وهل تدخل الأرض العشرية فيجب التصدق بها عند أبي يوسف نعم لأن جهة الصدقة غالبة في العشر وروي ذلك عن أبي حنيفة وعند محمد لا لأن جهة المؤنة غالبة عنده ولا تدخل الخراجية اتفاقا لتمحض الخراج مؤنة ولذا وجب في أرض الصبي والوقف ولو كان قال ما أملك صدقة قيل يجب الكل لأن المقيد في الشرع المذكور بلفظ المال قال المصنف والصحيح أنهما سواء لأن الملتزم باللفظين الفاضل عن الحاجة وهذا يؤذنك بقصدهم إلى التخصيص بذلك المعنى بقليل تأمل وكان مقتضى ما ذكر في اللفظين أن يثبت مثله في قوله لله علي أن أهدي جميع مالي أو جميع ملكي إلا أن الطحاوي ذكر أنه يجب الكل بخلاف ما لو حلف به فقال إن فعلت كذا فلله علي أن أهدي جميع مالي حيث يجب الكل بلا إشكال لأن عقد اليمين لمنع النفس عن المذكور بالتزام ما يكرهه على تقديره فانفتح باب إرادة العموم إلا أن هذا على جعل المخصص المعنى الذي عينه المصنف وأما على جعله لزوم المعصية فيجب أن يخص أيضا فكان تعويلهم ليس عليه وقوله على ما مر يريد وجه الاستحسان هذا
____________________
(7/353)
ثم إذا لم يكن له مال إلا ما دخل تحت الإيجاب يعني مال الزكاة على بعد ذلك يمسك منه قوته ويتصدق بما سواه وإذا استفاد شيئا تصدق بقدر ما أمسك ولم يقدر محمد مقدارا في أصل المبسوط لاختلاف أحوال الناس من قلة العيال أو كثرتهم والرخاء والغلاء فيختلف الاعتبار وقيل المحترف يمسك ليوم لأنه يكتسب يوما فيوما وصاحب الغلة وهو من له حوانيت أو دور يجبيها يمسك شهرا لأن يده تصل إلى نفقته بعد شهر وصاحب الضياع لسنة لأن غلتها كذلك وأما في عرف ديارنا فبعضهم كذلك وبعضهم يؤجرها بدارهم على ثلاثة أقساط كل أربعة أشهر قسط فينبغي أن يمسك إلى تمام أربعة أشهر وعلى هذا فصاحب التجارة يمسك بقدر ما يرجع إليه ماله قوله ومن أوصى إليه ولم يعلم بالوصية حتى باع شيئا من التركة فالبيع جائز وهو وصي بخلاف الوكيل إذا باع ثم علم بالوكالة لا ينفذ لأنه لا يصير وكيلا حتى يعلم وعن أبي يوسف لا يجوز في الوصية أيضا لأن الوصاية إنابة أي استنابة والمعروف من اللغة في الإنابة إنما هو معنى الرجوع والإقلاع من أناب إلى الله واستدل في النهاية أنها بمعنى الاستنابة باستعمال الزمخشري لها كذلك في تفسير سورة الروم والزمخشري نفسه يفعل كذلك فينزل علم المتكلم بمنزلة روايته فربما يستشهد ببيت لأبي تمام وأبي الطيب ووجه الفرق على ظاهر الرواية بين الوصاية والتوكيل أن الوصاية خلافة في التصرف عن الميت كالوراثة فلا تتوقف على العلم كالوكالة لإضافتها إلى ما بعد الموت فيتصرف كتصرف الوارث ولذا لو باع شيئا ثم ظهر موت المورث ظهر نفاذه حين صدر
____________________
(7/354)
والوصاية استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت أيضا وهو زمان بطلان الإنابة فلا يتوقف على العلم كالوراثة لقيام ولاية المنوب عنه ولهذا ينعزل الوكيل بالموت بخلاف الميت فيتوقف على العلم وهذا لأنه إذا وقفناه على العلم لا يفوت النظر لقيام ولاية الموكل وقدرته وفي الأول يفوت لعجز الموصي بالموت وهذا إذا ثبتت الوكالة قصدا أما إذا ثبتت في ضمن الأمر بالفعل ففيه روايتان وذلك مثل أن يقول لعبده اذهب إلى فلان يبيعك أو لامرأته اذهبي إلى فلان يطلقك أو اذهب بعبدي إلى فلان فيبيعه منك فذهب كما أخبره ففعل ذكر محمد في كتاب الوكالة أنه جائز وذكر في الزيادات أنه لا يجوز فكان فيه روايتان في إحداهما لا يتوقف على العلم وفي أخرى لا بد من العلم وذكر في المأذون ما يوافق الأول وهو أنه إذا قال للناس بايعوا عبدي فإني أذنت له في التجارة فبايعوه جاز مع أنه لا علم للعبد بالإذن وإذا توقفت الوكالة على العلم فلنذكر بماذا يحصل العلم المثبت للوكالة فقال كل من أعلمه بالوكالة جاز به تصرفه بشرط كونه مميزا رجلا كان أو امرأة فاسقا كان أو عدلا مسلما كان أو ذميا وقال الشافعي وأحمد لا تثبت الوكالة بخبر الواحد أصلا لأنها تتضمن عقدا كغيره من العقود ولأنه تسليط على مال الغير قلنا إنه إثبات حق هو حق أن يتصرف لا إلزام أمر فإنه مختار في القبول وعدمه وكان كقبول الهدية ممن ذكر أنها على يده وهو محل الإجماع والنص فقد كان صلى الله عليه وسلم يقبلها من العبد والتقي ويشتري من الكافر وأما العزل عن الوكالة فعندهما هو والإخبار بها سواء وعند أبي حنيفة لا يثبت حتى يشهد عنده شاهد عدل أو شاهدان أي مخبران لأن لفظة الشهادة ليست بشرط عدلا أو لم يعدلا وجه قولهما إنه من المعاملات وبالواحد فيها كفاية وروى الحسن عنه أنه لا بد من عدالة المخبر واحدا كان أو أكثر وبه أخذ الفقيه أبو جعفر الهندواني وزعم أنه مذهب أبي حنيفة وقال معنى إطلاق الكتاب أن لا يعلم
____________________
(7/355)
حالهما إلا أن يعلمهما بالفسق وقيل بل هو على إطلاقه لأن تأثير العدد فوق تأثير العدالة ألا ترى أن القضاء بواحد عدل لا ينفذ وبفاسقين ينفذ فبطريق أولى يثبت به وهو الصحيح وهذا لأنه خبر ملزم أي من كل وجه فإنه يمنع الوكيل من التصرف من كل وجه وما قيل ملزم من وجه دون وجه بناء على مجرد اصطلاح أن يراد بالملزم من كل وجه ما كان إلزاما على خصم منكر بشرط لفظ الشهادة وحكم الحاكم ولما لم يكن هذا الإلزام كذلك كان إلزاما فيه قصور ووجوب الضمان لو تصرف بناء على الإلزام من وجه ثم يكفي لاشتراط العدد أو العدالة كونه ملزما من وجه بالمعنى الذي ذكرنا بخلاف الإعلام بالوكالة فإنه لما لم يكن فيه إلزام أصلا لم يلزم أحد شطري الشهادة وأجمعوا على أن المخبر بالعزل لو كان فاسقا وصدقه ينعزل قوله وعلى هذا إذا أخبر المولى بجناية عبده الخ هذه ست مسائل ذكر محمد منها ثلاثة في الأصل واثنتين في النوادر والسادسة قاسها مشايخنا على هذه أما الثلاث فإحداها عزل الوكيل والثانية العبد المأوذن إذا أخبره واحد بالحجر إن كان رسولا ينحجر فاسقا كان أو عدلا وإن كان فضوليا يشترط أحد شطري الشهادة فينحجر صدقه العبد أو كذبه وإن كان فاسقا إن صدقه انحجر وإلا فالمسئلة على الخلاف والثالثة العبد إذا جنى جناية ولم يعلم به المولى حتى أعتقه
____________________
(7/356)
أو باعه يلزمه الأقل من قيمته ومن الدية فإن أخبره واحد بالجناية فكذلك إن كان فاسقا إن صدقه ثم باع أو أعتق يصير مختارا للدية وإن كذبه فهو على الخلاف عند أبي حنيفة لا يكون مختارا للدية وعندهما يصير مختارا لها
وأما اللتان في النوادر فإحداهما الحربي إذا أسلم في دار الحرب فأخبره إنسان بما عليه من الفرائض إن كان المخبر عدلا أو أخبره اثنان لزمته حتى لو ترك شيئا منها كان عليه قضاؤه إجماعا وإن كان فاسقا فإن صدقه فكذلك وإن كذبه فعلى الخلاف قال شمس الأئمة السرخسي الأصح عندي أنه يلزمه القضاء هاهنا اتفاقا لأن المخبر له رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه نظر ذكرناه في كتابنا المسمى بتحرير الأصول والثانية الشفيع إذا أجبر بالشراء فسكت فعلى ما قلنا إن أخبره فاسق فصدقه ثبت الشراء في حقه وإن كذبه فهي على الخلاف فإذا سكت لا تبطل شفعته عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما تبطل والسادسة البكر إذا زوجت بلا استئذان فأخبرت فسكتت فهو على ما ذكرنا من الوجوه قوله وإذا باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء أي لأجلهم ليوفي ديونهم التي كانت على الميت وأخذ المال أي الثمن فضاع عنده ثم استحق العبد أو مات قبل قبض المشتري لم يضمن القاضي ولا أمينه للمشتري شيئا لأن أمين القاضي بمنزلة القاضي والقاضي كالإمام وكل من هؤلاء لا يلحقه ضمان كي لا يتقاعد الناس عن قبول هذه الأمانة وإذا لم يرجع المشتري على البائع من هؤلاء يرجع بالثمن على الغرماء أو الغريم لأن البيع والتصرف واقع لأجلهم فترجع العهدة عليهم وصار كما إذا كان العاقد محجورا عليه
____________________
(7/357)
عبدا أو صبيا يعقل البيع وكله رجل ببيع ماله جاز العقد بمباشرتهما ولا تتعلق الحقوق بهما بل بموكلهما لأن التزام العهدة لا يصح منهما لقصور الأهلية في الصبي وحق السيد في العبد والأصل أنه إذا تعذر تعلق الحقوق بالعاقد تتعلق بأقرب الناس إلى العقد وأقرب الناس في مسئلتنا من ينتفع بهذا العقد وهو الغريم ألا يرى أن القاضي لا يأمر الوصي أو أمينه بالبيع حتى يطلب الغريم فلذا يرجع المشتري بالثمن عليه عند الاستحقاق ولو كان البائع الوصي يرجع المشتري عليه بالثمن لأنه عاقد نيابة عن الميت وإن كان بإقامة القاضي إياه عنه ثم الوصي يرجع به على الغريم وكذا لو باع الوصي العبد لنفقة الوارث فإن المشتري يرجع على الوصي والوصي يرجع على الوارث لما قلنا إن البيع لأجله وهو الذي ينتفع به فلو كان الوارث صغيرا نصب القاضي عنه من يقضي دينه فلو ظهر للميت مال يرجع الغريم فيه بدينه بلا شك هل يرجع بما ضمن للمشتري قال المصنف قالوا ويجوز أن يقال يرجع بالمائة التي غرمها أيضا يريد بالمائة ما ضمن للمشتري فرضها مائة لأنه لحقه ذلك في أمر الميت وينبغي أن يكون هذا بالاتفاق أعني جواز أن يقال وأما الواقع من القول بالرجوع بما ضمن ففيه خلاف قيل نعم وقال مجد الأئمة السرخسي لا يأخذ في الصحيح من الجواب لأن الغريم إنما ضمن من حيث أن العقد وقع له فلم يكن له أن يرجع على غيره وفي الكافي الأصح الرجوع لأنه قضى ذلك وهو مضطر فيه فقد اختلف في التصحيح كما سمعت فصل آخر
____________________
(7/358)
لما كانت مسائل هذا الفصل ترجع إلى أصل واحد وهو أن قول القاضي بانفراده هل يقبل مولى ومعزولا أخره قوله وإذا قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه أو بالقطع فاقطعه أو بالضرب فاضربه وسعك أن تفعل بمجرد إخباره هذا وعن محمد رحمه الله أنه رجع عن هذا وقال لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة التي عنها حكم فيه بذلك قال الفقيه أبو الليث روي عن محمد بن سماعة عن محمد بن الحسن أنه قال لا يسعه ذلك مالم تكن الشهادة بحضرته وزاد جماعة على هذا فقالوا أو يشهد مع القاضي شاهد عدل على ذلك وهذا يفيد أن القاضي يشهد وليس معناه إلا أن يشهد القاضي والعدل على شهادة الذين شهدوا بسبب الحد لا على حكم القاضي وإلا كان القاضي شاهدا على فعل نفسه وليس هنا من يشهد عنده إلا المأمور بإقامة الحد وهذا بعيد في العادة أعني أن يشهد القاضي عند الجلاد بأنه شهد على فلان وفلان ويؤدي الآخر عنده ولذا اقتصر محمد على معاينة حضور الشهادة من المأمور وهذا لأن الغلط والخطأ في الحكم محتمل لأن القطع بنفيهما ليس إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعلى هذا لا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي لأن الاعتماد فيه على خبر القاضي الكاتب بمفرده واستحسن المشايخ هذه الرواية في هذا الزمان لفساد حال أكثر القضاة إلا في كتاب القاضي إلى القاضي لأن فيه ضرورة إحياء الحقوق ولما كان عدم الاعتماد معللا بالفساد والغلط اقتضى الحال التفصيل في التوقف لا إطلاقه فقال الإمام أبو منصور إن كان القاضي عدلا عالما يقبل قوله لانتفاء التهمة في الدين بالعدالة والخطإ في الحكم بالعلم وإن كان عدلا جاهلا استفسر فإن أحسن في بيان سبب حكمه وشروطه وجب تصديقه للعدالة وترك المصنف قسمين آخرين وهو ما إذا كان فاسقا عالما أو جاهلا فإن الفسق مانع من الركون لإخباره بالاستفسار وحكمه بقصد المخالفة فلا يؤخذ بقوله ولا بتفسيره وجه الظاهر أنه أخبر عن أمر يملك إنشاءه في الحال فيقبل لخلوه عن التهمة لأن التهمة إنما تتحقق في إخبار بأمر لا يمكن إنشاؤه
____________________
(7/359)
في الحال فيحتمل عدم المطابقة أما إذا كان ذلك مما يقدر على إنشائه في الحال فيجعل كأنه أنشأه في الحال بمعاينة الحاضرين ولا يخفى ان الذي يملك إنشاءه ليس إلا الحكم وهو لا يفيد فإن الاحتمال المانع قائم إذا عاين الحاكم وإن لم يعاين الشهادة والشروط ولذا قال محمد لا يسعه ذلك مالم تكن الشهادة بحضرته ولم يقل الحكم فلا يفيد هذا الوجه شيئا ولما زاد من زاد على ما ذكر محمد قولهم أو يشهد مع القاضي عدل على ذلك احتاجوا أن يزيدوا وجها آخر وهو أن العادة أن ينصب في كل بلدة قاض واحد ولو لم يكن خبر القاضي بانفراده حجة في الإلزام لقلد في كل بلدة قاضيان وأنت سمعت ما قدمناه في تلك الزيادة وعلمت أن الاحتمال المذكور لا يزول إلا بالعلم بسبب القضاء وهذا لا يتحقق عند المأمور إلا أن يحضر وقوع السبب أو يشهد عنده عدلان أنه شهد عند القاضي الآمر فلان وفلان على الوجه الفلاني ويشهدوا توفر الشروط وهذا لا يتوقف على تكثير القضاة بل على وجود الشهود قضاة كانوا أو لا فلا يلزم لذلك تكثيرهم فالملازمة بين عدم قبول خبره بانفراده وتكثير القضاة ممنوعة قوله وإذا عزل القاضي فقال لرجل الخ صورتها عزل القاضي فادعى عليه رجل أنه أخذ منه ألفا بغير حق أو قطع يده بغير حق فقال قضيت بها عليك لفلان ودفعتها إليه وقضيت بقطعك في حق فالقول قول القاضي ولم يحك في هذا جريان تلك الرواية عن محمد رحمه الله لأن هذا في أمر فات فلا بد أن يكون القول للقاضي وإلا امتنع الناس من قبول القضاء إذا كان يتوجه عليه بعد العزل خصومات في أنفس وأموال لا تحصر حينئذ فلا بد من كون القول له في هذا بخلاف ما قبله لأن القتل والقطع بعد لم يقع فكان إعمال ذلك الاحتمال مفيدا نعم كون القول له على الاتفاق مقيد بما إذا كان المدعي مقرا بأنه فعل ذلك وهو قاض لأنهما لما توافقا
____________________
(7/360)
على ذلك صار كأن هذه الدعوى جرت وهو قاض والقول قوله في ذلك لما قلنا ولأن الظاهر أنه لا يقضى بالجور ثم لا يمين على المعزول لأنه ثبت فعله وهو في حال قضائه بالتصادق ولو ادعى عليه في حال قضائه بذلك لا يمين عليه فكذا بعده ولو أقر القاطع المأمور أو الآخذ للمال بأمر القاضي بما أقر به القاضي وهو أن القطع منه والأخذ كان بقضاء القاضي بالأخذ وأمره بالدفع لا يضمن أيضا كالقاضي لأنه أقر أنه فعله في حال قضائه وهو كما لو كان دفع القاضي المال إلى الآخذ معاينا للمأخوذ منه في حال قضائه ويصير القطع بإقرار المقطوع أنه قطعه في حال قضائه كالمعاين للحاكم الذي رفع إليه المقطوع واقعته فأما لو زعم المقطوع والمأخوذ ماله أنه فعله قبل التقليد أو بعده والقاضي يقول بل فعلته في حال قضائي ففيه
____________________
(7/361)
خلاف والصحيح أن القول أيضا للقاضي لأنه أي القاضي أضافه إلى حالة معهودة منافية للضمان فصار كما إذا اتفقا على الطلاق والعتاق وقالت المرأة والعبد كان ذلك في صحة عقلك وقال بل وأنا مجنون وكان جنونه معهودا فالقول له وكما لو قال أقررت لك وأنا ذاهب العقل من برسام وهو معلوم أنه كان به واحترز بقوله هو الصحيح عما قال شمس الأئمة في شرحه للجامع الصغير إن القول للمدعي لأن هذا الفعل حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات وهذا يخص ما إذا كانت الدعوى بعد العزل خاصة وكذا أفرضه شمس الأئمة فإنه قال فأما إذا زعم أي المدعي أنه فعل ذلك بعد العزل فإن القول قوله لأن هذا الفعل حادث الخ قال ومن ادعى فيه تاريخا سابقا لا يصدق إلا ببينة فالتصحيح يخص ما إذا كانت دعواه أنه فعله بعد العزل ولكنه ذكر في تعليله ما يعمم كون القول للقاضي فإنه قال لأن الأصل أن المنازعة متى وقعت في الحالة الماضية يحكم الحال كمسئلة الطاحونة وفي الحال فعله موجب للضمان عليه وبهذا الإسناد يدعي سقوطه بخلاف الأول حيث تصادقا أنه فعله وهو قاض إلى آخر ما ذكر ولكن المذكور في عامة نسخ شروح الجامع أن القول للقاضي وهو اختيار فخر الإسلام والصدر الشهيد لأنه بالإسناد إلى الحالة المعهودة المنافية للضمان منكر للضمان فالقول قوله كما لو قال الوكيل بالبيع بعد العزل بعت وسلمت قبل العزل فقال الموكل بعده فالقول للوكيل إن كان المبيع مستهلكا وإن كان قائما بعينه لم يصدق لأنه أخبر عن أمر لا يملك إنشاءه فيصير مدعيا وكذا لو قال العبد بعد العتق لرجل قطعت يدك خطأ وأنا عبد وقال المقر له بل وأنت حر فالقول للعبد ولا ضمان وكذا إذا قال أخذت مني كل شهر كذا من المال بعد العتق فقال السيد قبله فالقول للسيد إن كانت الغلة هالكة وإن كانت قائمة فالقول للعبد ويأخذه من المولى لأنه أقر بالأخذ ثم بالإضافة يريد التملك عليه فكان مدعيا وكذا الوصي لو ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه أنفق عليه كذا وهو في يده وادعى اليتيم أنه استهلكه فالقول قول الوصي ذكره المحبوبي واستشكل بما ذكره في باب جناية المملوك فيمن أعتق جاريته ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي فقالت بل وأنا حرة فالقول لها وكذا كل ما أخذ منها عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه منكر بإسناده إلى الحالة المعهودة المنافية للضمان ولو قلت أقر هناك بسبب الضمان وهو القطع ثم ادعى ما يبرئه فلا يسمع فهاهنا أيضا أقر بسبب الضمان وهو إقراره للمقر له بشيء ثم ادعى ما يبرئه بذهاب العقل وكذا القاضي إذا أقر بعد العزل بالأخذ ثم ادعى ما يبرئه بالإسناد وكذا الوصي أجيب بالفرق بأن المولى أقر بأخذ مال الغير وادعى جهة التملك لنفسه فيصدق في الإقرار لا في جهة التملك كما لو قال أخذت منك ألفا هي ديني عليك أو الهبة التي وهبتها وأنكر الآخر كان القول للآخر وكذا لو قال أكلت طعامك بإذنك وقال بغير إذني فالقول لصاحب الطعام بخلاف القاضي والوكيل والوصي لأنهم ما ادعوا جهة التملك لأنفسهم وكذا في دعوى الطلاق والعتاق ما ادعوا التملك لأنفسهم لما هو ملك الغير فكان القول
____________________
(7/362)
قولهم في إضافتهم إلى الحالة المعهودة المنافية قوله ولو أقر القاطع أو الآخذ في هذا الفصل وهو فصل زعم لمأخوذ منه والمقطوع أن القاضي فعل ذلك قبل التقليد أو بعد العزل فأقر القاطع والقابض إني فعلت ذلك بأمر القاضي وهو على قضائه والمأخوذ منه والمقطوع يده يقول بل قبله أو بعده يضمنان ولا يضمن القاضي لأنهما أقرا بسبب الضمان وهو مباشرتهما الأخذ والقطع وقبول قول القاضي في ذلك لدفع الضمان عن نفسه بسبب يخصه وهو كي لا يمتنع الناس عن قبوله فتضيع الحقوق وهي مفسدة عظيمة فلا يوجب بطلانه عن غيره لعدم الاشتراك في ذلك السبب وقوله ولو كان المال في يد الآخذ قائما هذا قيد فيما يلزم جواب المسئلة المذكورة في الصورتين بحسب الظاهر فإن لازم كون القول للقاضي وللقاطع والآخذ في صورة التصادق على أن الفعل كان في حالة القضاء أنه لا رجوع بالمال المأخوذ للمأخوذ منه مطلقا فإنه قد حكم بنفاذ قوله فأفاد أن ذلك أعني عدم الرجوع فيما إذا كان المأخوذ هالكا أما إذا كان قائما فيؤخذ من القابض سواء صدق
____________________
(7/363)
القابض في أنه أخذه في حال قضائه أو كذبه وقال بل قبل التقليد أو بعد العزل علله محمد في الزيادات فقال لأن الشيء قائم بعينه فلا يصدق أنه أخذه على وجه الحكم قالوا معناه ان القاضي لما أقر بالأخذ يصير شاهدا لغيره بالكلام الثاني وإقراره بالأخذ صحيح وشهادته بالملك لغيره باطلة ولأن القابض أقر بسبب الضمان حيث أقر أن اليد كانت للمأخوذ منه فلا تسمع دعواه التملك عليه إلا ببينة وقول المعزول ليس ببينة عليه لأنه ليس شاهدا بالدين بل بفعل نفسه المنافي للضمان = كتاب الشهادات
يتبادر أن تقديمها على القضاء أولى لأن القضاء موقوف عليها إذ كان ثبوت الحق بها إلا أنه لما كان القضاء هو المقصود من الشهادة قدمه تقدمة للمقصود على الوسيلة والشهادة لغة إخبار قاطع وفي عرف أهل الشرع إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء فتخرج شهادة الزور فليست شهادة وقول القائل في مجلس القاضي أشهد برؤية كذا لبعض العرفيات وسبب وجوبها طلب ذي الحق أو خوف فوت حقه فإن من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق يجب عليه أن يشهد بلا طلب وشرطها البلوغ والعقل والولاية فخرج الصبي والعبد والسمع والبصر للحاجة إلى التمييز بين المدعي والمدعى عليه ولم يذكر الإسلام لأن الدين أصل الشهادة في الجملة وركنها اللفظ الخاص الذي هو متعلق الإخبار وحكمها وجوب الحكم على القاضي والقياس يأبى جوازها لكنه ترك بقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } ونظائره من الكتاب
____________________
(7/364)
والسنة كثيرة وسببية الطلب ثبتت بقوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } وسببية خوف الفوت بالمعنى وهو أن سببية الطلب إنما ثبتت كي لا يفوت الحق قوله الشهادة فرض يعني أداؤها بعد التحمل فإنها تقال للتحمل كما يقال للأداء في العرف من غير ملاحظة المتكلم مسوغا للإطلاق في قصد التحمل فيكون معتبرا مشتركا لفظيا عند عرف أهل التكلم وافتراض الأداء إلا في الحدود مجمع عليه وقوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } محتمل أن يراد النهي عن الإباء عن التحمل إذا دعي إليه ويكون اسم الشهداء مجازا فيمن سيتصف بالشهادة فيكون النهي لكراهة الإباء عن التحمل كراهة تنزيه ومرجعها خلاف الأولى لأن التحمل لما فيه من إعانة المسلم
____________________
(7/365)
على حفظ حقه أولى ويحتمل أن يراد نهي مسمى الشهداء عن الإباء وحقيقة الشهداء من اتصف بالشهادة فيكون نهي من اتصف بالشهادة حقيقة عن الإباء إذا ادعى ولا اتصاف قبل الدعاء إلا بالتحمل فيلزم كون النهي عن إباء الأداء وهو الراجح لما فيه من المحافظة على حقيقة اللفظ والأداء المفروض لا يكون إلا عند الحاكم فقد فرض سبحانه وتعالى على المتحمل أن يذهب إذا دعي إلى الحاكم للأداء وقال الله تعالى { ولا تكتموا الشهادة } وهو تحريم الكتمان عن القاضي فيكون الإظهار للقاضي وهو الأداء فرضا عليهم لأنه الضد الذي لا يتحقق الانتهاء عن المحرم الذي هو الكتمان إلا به ثم أكد سبحانه التحريم المفاد بالنهي قوله تعالى { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } وهو تأكيد في تأكيد لأن قوهل تعالى { فإنه آثم } تأكيد وإضافة الإثم إلى القلب الذي هو أشرف أعضاء البدن ورئيسها تأكيد في تأكيد ولأنه هو محل الكتمان فهو محل المعصية بتمامها هنا بخلاف سائرالمعاصي التي تتعلق بالأعضاء الظاهرة فإنها وإن كانت مسبوقة بمعصية القلب وهو الهم المتصل بالفعل فليس هو محلا لتمامها قالوا يلزم إذا كان مجلس القاضي قريبا فإن كان بعيدا فعن نصر إن كان بحال يمكنه الرجوع إلى أهله في يومه يجب لأنه لا ضرر عليه ولو كان شيخا لا يقدر على المشي فأركبه الطالب لا بأس به وعن أبي سليمان فيمن أخرج الشهود إلى ضيعة فاستأجر لهم حميرا فركبوها لا تقبل شهادتهم وفيه نظر لأنها العادة وهي إكرام الشهود وهو مأمور به وفصل في النوازل بين كون الشاهد شيخا لا يقدر على المشي ولا يجد ما يستأجره دابة فتقبل وما ليس كذلك فلا تقبل ولو وضع للشهود طعاما فأكلوا إن كان مهيأ قبل ذلك تقبل وإن صنعه لأجلهم لا تقبل وعن محمد لا تقبل فيهما وعن أبي يوسف رحمه الله تقبل فيهما وهو الأوجه للعادة الجارية بإطعام من حل محل الإنسان ممن يعز عليه شاهدا أولا ويؤنسه ما تقدم من أن الإهداء إذا كان بلا شرط ليقضي حاجته عند الأمير يجوز كذا قيل وفيه نظر فإن الأداء فرض بخلاف الذهاب إلى الأمير وعند الفقيه أبي بكر فيمن لا يعرفه القاضي إن علم أن القاضي لا يقبله نرجو أن يسعه أن لا يشهد وفي العيون إن كان في الصك جماعة تقبل شهادتهم وسعه أن يمتنع وإن لم يكن أو كان لكن قبولها مع شهادته أسرع وجب وقال شيخ الإسلام إذا دعي فأخر بلا عذر ظاهر ثم أدى لا تقبل لتمكن التهمة فيه إذ يمكن أن تأخيره بعذر ويمكن أنه لاستجلاب الأجرة انتهى
____________________
(7/366)
والوجه أن تقبل ويحمل على العذر من نسيان ثم تذكر أو غيره قوله والشهادة في الحدود أي الأداء في الحدود يخير فيها بين الأداء والترك لأن النهي في القرآن وإن كان عاما لكن ثبت تخصيصه بالشهادة على الحدود لما فيه من الستر فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده لو سترته بثوبك لكان خيرا لك كذا ذكره المصنف والمعروف في الحديث أن هذا قاله صلى الله عليه وسلم لهزال ذكره مالك في الموطإعن يحيى بن سعيد بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من اسلم يقال له هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك والمراد بمرجع الضمير في قوله سترته ماعز رضي الله عنه روى أبو داود عن يزيد بن نعيم عن أبيه أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه وقال لهزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك وإن هزالا هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويقر عنده ولم يكن شاهدا لأن ماعزا إنما حد بالإقرار أخرج أبو داود عن ابن المنكدر أن هزالا أمر ماعزا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره ورواه الحاكم
____________________
(7/367)
وزاد وقال شعبة قال يحيى فذكرت هذا الحديث بمجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال فقال يزيد هذا هو الحق هذا حديث جدي وقال صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وفيه قال في هزال بئسما صنعت لو سترته بطرف ردائك لكان خيرا لك قال يا رسول الله لم أدر أن في الأمر سعة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة رواه البخاري ومسلم وتلقين الدرء من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تلقين ما يحصل به الدرء دلالة ظاهرة على قصده إلى الستر والستر يحصل بالكتمان فكان كتمان الشهادة بالحدود مخصوصا من عموم تحريمه فمن ذلك ما أسند الطحاوي إلى أبي هريرة قال أتي بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله إن هذا سرق فقال ما إخاله سرق وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال له صلى الله عليه وسلم ما إخالك سرقت قال فأعاد مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع الحديث وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا الحديث قدمناه في الحدود فإن قلت كيف صح لك القول بتخصيص العام من الكتاب بهذه وهي أخبار آحاد وأيضا شرط التخصيص عندكم المقارنة ومن أين ثبت لك ذلك قلت هذه الأخبار الواردة في طلب الستر بلغت مبلغا لا تنحط به عن درجة الشهرة لتعدد متونها مع قبول الأمة لها فصح التخصيص بها أو هي مستند الإجماع على تخيير الشاهد في الحدود فثبوت الإجماع دليل ثبوت المخصص وأما المقارنة فإنما هي شرط التخصيص في نفس الأمر وهذا التخصيص الذي ادعيناه هنا ليس بذاك بل هو جمع للمعارضة على ما كتبناه في التعارض من كتاب تحرير الأصول من أن الجمع بين العام والخاص إذا تعارضا بأن يحمل على تخصيصه به فإذا وجب للجمع حمله على ذلك تضمن الحكم منا بأنه كان مقارنا أو أنها ليست تخصيصات أول كما أنا إذا رجحنا في التعارض المحرم على المبيح وثبت صحتهما تضمن حكمنا أن المبيح كان مقدما على التحريم فنسخ حكما لوجوب ترجيح المحرم وإن لم يعلم تقدمه بعلم تاريخه وكثيرا ما يعترض بعض متأخري الشارحين على كثير من المواضع المحكوم فيها بالتخصيص من أصحابنا بأن المقارنة غير معلومة فلا يثبت التخصيص ومرادهم في تلك الأماكن ما ذكرنا هذا كله إذا نظرنا إلى مجرد إطلاق قوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } فأما إذا قيدناه بما إذا دعوا للشهادة في الدين المذكور أول الآية أي قوله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ثم قال { ولا يأب الشهداء } يعني بذلك الدين فظاهر قوله إلا أنه يجب أن يشهد بالمال استدراك من قوله مخير في الحدود فإنه يقتضي أن لا يشهد بالسرقة فقد يتبادر أنه لا يشهد فيها
____________________
(7/368)
مطلقا لاستلزامه الحد فقال يجب أن يشهد بالمال إحياء لحق مالكه على وجه لا يوجب الحد فيقول أخذ المال ولا يقول سرق فإن الأخذ أعم من كونه غصبا أو على ادعاء أنه ملكه مودعا عند المأخوذ منه وغير ذلك فلا تستلزم الشهادة بالأخذ مطلقا ثبوت الحد بها مع أن فيه مصلحة للمسروق منه لأنه إذا قال سرق فثبتت السرقة وجب القطع وبه ينتفى ضمان المال إن كان أتلفه قوله والشهادة على مراتبها أربعة منها الشهادة في الزنا والشهادة في بقية الحدود والقصاص والشهادة فيما سواها من المعاملات والشهادة فيما لا يطلع عليه الرجال من النساء أما على الزنا فيعتبر فيها أربعة من الرجال لقوله تعالى { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وروى ابن أبي شيبة حدثنا حفص عن حجاج عن الزهري قال مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود والدماء انتهى وتخصيص الخليفتين يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لأنهما
____________________
(7/369)
اللذان كان معظم تقرير الشرع وطرق الأحكام في زمانهما وبعدهما ما كان من غيرهما إلا الاتباع ولأن النص أوجب أربعة رجال بقوله تعالى { أربعة منكم } فقبول امرأتين مع ثلاثة مخالف لما نص عليه من العدد والمعدود وغاية الأمر المعارضة بين عموم { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } وبين هذه فتقدم هذه لأنها مانعة وتلك مبيحة وأيضا هذه تفيد زيادة قيد وزيادة القيد من طرق الدرء فإنه كلما كثرت قيود الشيء قل وجوده بالنسبة إلى ما ليس فيه زيادة تقييد ولأن فيها شبهة البدلية ولذا لا تقبل فيها الشهادة على الشهادة وذلك لأن قوله تعالى { فإن لم يكونا رجلين } الآية ظاهرة أنه لا تقبل شهادتهن إلا عند عدم رجال يشهدون وقد روي عن بعض العلماء ذلك فاعتبر حقيقة البدلية لكن لما لم يكن ذلك معمولا به عند أهل الإجماع نزلت إلى شبهة البدلية والشبهة كالحقيقة فيما يندرئ بالشبهات وسائر ما سوى حد الزنا من الحدود يقبل فيها شهادة رجلين ولا تقبل النساء لما ذكرنا وكذا القصاص وما سوى ذلك من المعاملات أي وكل ما سوى ذلك يقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان سواء كان الحق مالا أولا كالنكاح والطلاق والوكالة والوصية ونحو ذلك كالعتق والرجعة والنسب وقال الشافعي لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها كالإذن وشرط الخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطإ وكل جرح لا يوجب إلا المال وكذا فسخ العقود وقبض نجوم الكتابة إلا النجم الأخير ففيه وجهان لترتب العتق عليه لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل واختلال الضبط وكقول الشافعي
____________________
(7/370)
رحمه الله قال مالك وعن أحمد روايتان رواية كقولنا ورواية كقولهما وقصور الولاية حتى أنها لا تصلح للإمارة ولا تقبل شهادة الأربع منهن لكن خرج عن الأصل شرعا في الأموال ضرورة لكثرة وقوع أسبابها فيلحق الحرج بطلب رجلين في كل حادثة وكذا العادة أن يوسع فيما يكثر وقوعه بخلاف النكاح فإنه مع كونه أعظم خطرا أقل وقوعا فلا يلحق الحرج بالاشتراط ولذا قال تعالى في الرجعة { وأشهدوا ذوي عدل منكم } والرجعة من توابع النكاح فألحقت بقية التوابع به كالخلع والطلاق قال المصنف ولنا أن الأصل فيها القبول فابتدأ بتضمين منع مقدمته القائلة الأصل عدم القبول ثم أثبت هذه بوجود ما ينبني عليه أهلية الشهادة وهو المشاهدة الخ واعترض بأن المشاهدة والضبط أهلية الأداء لا أهلية الشهادة بل هي كما قال في الأسرار إن أهليتها بالولاية والولاية مبنية على الحرية والإرث والنساء في هذا كالرجال بقي أهلية التحمل وهو بالمشاهدة والضبط والنساء في ذلك كالرجال ولهذا قبلت روايتهن لأحاديث الأحكام الملزمة للأمة فعن هذا قد يقال والله تعالى أعلم إن جعل الشارع الثنتين في مقام رجل ليس لنقصان الضبط ونحو ذلك بل لإظهار درجتهن عن الرجال ليس غير ولقد نرى كثيرا من النساء يضبطن أكثر من ضبط الرجال لاجتماع خاطرهن أكثر من الرجال لكثرة الواردات على خاطر الرجال
____________________
(7/371)
وشغل بالهم وبالمعاش والمعاد وقلة الأمرين في جنس النساء سلمنا أنه لنقصان الضبط وزيادة النسيان في جنسهن وإن كان بعض أفرادهن أضبط من بعض أفراد الرجال لقوله تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } لكن ذلك انجبر بضم الأخرى إليها فلم يبق حينئذ إلا الشبهة فلم تقبل فيما يندرئ بالشبهات وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات وأما عدم قبول الأربع فعلى وخلاف القياس كأنه كي لا يكثر خروجهن قوله وتقبل في الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في موضع لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة مسلمة حرة عدلة والثنتان أحوط
____________________
(7/372)
وبه قال أحمد وشرط الشافعي أربعا ومالك ثنتين له أن كل ثنتين يقومان مقام رجل ولمالك أن المعتبر في الشهادة أمران العدد والذكورة وقد سقط اعتبار الذكورة فبقي العدد ولنا ما روى محمد بن الحسن في أول باب شهادات النساء من الأصل عن أبي يوسف عن غالب بن عبدالله عن مجاهد وعن سعيد بن المسيب وعن عطاء بن أبي رباح وطاوس قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه وهذا مرسل يجب العمل به وجه الاستدلال بهذا الحديث قد اتفقنا على أن اللام لما لم يكن اعتبارها في العهد إذ لا عهد في مرتبة بخصوصها من مراتب الجمع كانت للجنس وهو يتناول القليل والكثير فتصح بواحدة والأكثر أحسن فقلنا كذلك وروى عبدالرزاق أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن الزهري قال مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء وعيوبهن وهذا مرسل حجة عندنا وهو مثل ما ذكره المصنف ورواه ابن أبي شيبة وروى عبدالرزاق أيضا أخبرنا أبو بكر بن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن القعقاع بن حكيم عن ابن عمر رضي الله عنه قال لا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا على مالا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء وله مخارج أخر قال المصنف ثم حكمها في الولادة شرحناه في كتاب الطلاق
____________________
(7/373)
أي في باب ثبوت النسب منه وفي المبسوط لو شهد بالولادة رجل فقال فاجأتها فاتفق نظري إليها تقبل إذا كان عدلا ولو قال تعمدت النظر لا تقبل وبه قال بعض أصحاب الشافعي وقال بعض مشايخنا إن قال تعمدت النظر تقبل أيضا وبه قال بعض أصحاب الشافعي رحمه الله وأما حكم البكارة فإن شهدت أنها بكر يؤجل العنين سنة فإذا مضت فقال وصلت إليها فأنكرت ترى النساء فإن قلن هي بكر تخير فإن اختارت الفرقة فرق للحال وإنما فرق بقولهن لأنها تأيدت بمؤيد وهو موافقة الأصل إذ البكارة أصل ولو لم تتأيد شهادتهن بمؤيد اعتبرت في توجه الخصومة لا في إلزام الخصم وكذا في رد المبيع إذا اشتراها بشرط البكارة فقال المشتري هي ثيب يريها النساء فإن قلن هي بكر لزمت المشتري لتأيد شهادتهن بمؤيد هو الأصل وإن قلن هي ثيب لم يثبت حق الفسخ لأن حق الفسخ قوي وشهادتهن ضعيفة ولم تتأيد بمؤيد لكن ثبت حق الخصومة فتتوجه اليمين على البائع لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر فإن لم يكن قبضها حلف الله لقد بعتها وهي بكر فإن نكل ردت عليه وإن حلف لزم المشتري وأما شهادتهن على استهلال الصبي فتقبل في حق الصلاة عليه بالاتفاق وأما في حق الإرث فعندهما كذلك وعند أبي حنيفة لا تقبل إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأن الاستهلال صوت مسموع والرجال والنساء فيه سواء فكان مما يطلع عليه الرجال بخلاف الولادة فإنها انفصال الولد من الأم فلا يطلع عليه الرجال
____________________
(7/374)
وهما يقولان صوته يقع عند الولادة وعندها لا يحضر الرجال فصار كشهادتهن على نفس الولادة وبقولهما قال الشافعي وأحمد وهو أرجح قوله ولا بد في ذلك كله من العدالة ولفظة الشهادة حتى لو قال الشاهد أعلم أو أتيقن لا تقبل وثالث وهو التفسير حتى لو قال أشهد على شهادته أو مثل شهادته لا تقبل وكذا مثل شهادة صاحبي عند الخصاف للاحتمال أما اشتراط العدالة فلقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال تعالى { ممن ترضون من الشهداء } ولأن العدالة هي المعينة لجهة الصدق فإن الشهادة إخبار يحتمل الصدق والكذب على السواء بالنظر إلى نفس المفهوم فبذلك لا يلزم كونه صدقا حتى يعمل به فإن قيل المنكر أيضا قد يكون عدلا فالجواب أنه يعارضه اختلاف المدعي فيتساقطان وتسلم الشهادة عن المعارض أو يترجح إخبار المدعي بالشهادة وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا كان وجيها في الناس كمباشري السلطان والمكسة وغيرهم تقبل شهادته لأنه لا يستأجر لشهادة الزور لوجاهته ويمتنع عن الكذب لمروءته والأول أصح لأن هذا التعليل في مقابلة النص فلا يقبل
____________________
(7/375)
إلا أن القاضي إن قضى بشهادة الفاسق ينفذ عندنا ويكون القاضي عاصيا وأما اشتراط لفظة الشهادة فلأن النصوص نطقت باشتراطها إذ الأمر فيها أي في النصوص بهذه اللفظة قال تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } { وأشهدوا إذا تبايعتم } { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } { وأقيموا الشهادة لله } وقال عليه الصلاة والسلام إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وحاصل هذا أن النصوص وردت بلفظ الشهادة فإن قيل غاياتها وردت بلفظ الشهادة وذلك لا يوجب على الشاهد لفظ الشهادة كما قال تعالى { وربك فكبر } ولم يرد من السنة في تكبير الافتتاح إلا بلفظ التكبير كقوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير ولم يشترط لذلك لفظ التكبير عند أبي حنيفة فمن أين لزم في الشهادة قلنا لفرق معنوي وهو أن لفظة الشهادة أقوى في إفادة تأكيد متعلقها من غيرها من الألفاظ كأعلم وأتيقن لما فيها من اقتضاء معنى المشاهدة والمعاينة التي مرجعها الحس ولأنها من ألفاظ الحلف فالامتناع مع ذكرها عن الكذب أظهر وقد وقع الأمر بلفظ الشهادة في قوله تعالى { وأقيموا الشهادة لله } وقوله عليه الصلاة والسلام إذا رأيت مثل الشمس فاشهد فلزم لذلك لفظ الشهادة بخلاف التكبير فإنه التعظيم وليس لفظ أكبر أبلغ من أجل وأعظم فكانت الألفاظ سواء فلم تثبت خصوصية توجب تعيين لفظ أكبر وقوله في ذلك كله أي في المراتب الأربع كلها تشترط فيها العدالة ولفظ الشهادة في شهادة النساء وغيرها وقوله هو الصحيح احتراز عما قال العراقيون من عدم اشتراط لفظ الشهادة لأنها
____________________
(7/376)
خبر كالشهادة على هلال رمضان ووجه الظاهر وهو قول سائر الناس ومنهم مشايخ المذهب من البخاريين والبلخيين وغيرهم ما ذكرنا من النصوص مع وجه إفادة اشتراطها بخلاف رمضان فإن اللازم فيه ليس الشهادة بل الإخبار ذكر في الخلاصة في كتاب الشهادات لو أخبر عدل القاضي بمجيء رمضان يقبل قوله ويأمر الناس بالصوم يعني في يوم الغيم ولا يشترط لفظ الشهادة وشرائط القضاء أما في العيد فيشترط لأنه يدخل تحت الحكم لأنه من حقوق العباد انتهى ولهذا احتاجوا إلى الحيلة في إثبات الرمضانية قالوا يدعي عند القاضي بوكالة معلقة بدخول رمضان بقبض دين فيقر الخصم بالدين وينكر دخول رمضان فيشهد الشهود بذلك فيقضي بالمال فيثبت مجيء رمضان لأن إثبات مجيء رمضان لا يدخل تحت الحكم ذكره أيضا في شهادات الخلاصة واتفق الكل على اشتراط الحرية والبلوغ والعقل والإسلام يعني في الشهادة على المسلم وإلا فالذمي يجوز أن يشهد على مثله عندنا قوله قال أبو حنيفة يعني لما اتفق الأئمة الأربعة على وجوب العدالة قال أبو حنيفة يقتصر الحاكم على
____________________
(7/377)
ظاهر عدالة المسلم لأن كل مسلم ظاهر حاله من التزام الإسلام التزام الاجتناب عن محظوراته فيقبل كل مسلم بناء على أنه عدل وقال صلى الله عليه وسلم المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومثل ذلك عن عمر رضي الله عنه قال في كتابه الذي كتبه لأبي موسى الأشعري وقدمنا بعضه وفيه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في قذف أو مجربا في شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة رواه الدارقطني من طريق فيه عبدالله بن أبي حميد وهو ضعيف ومن طريق آخر حسنة وأخرجه البيهقي من طريق آخر غير الطريقين جيدة وإذا كان الثابت ظاهرا هي العدالة اكتفي بها إذ القطع لا يحصل ولو مع الاستقصاء نعم تزداد قوة الظن ولا موجب لطلب الزيادة إلا بدليل ولم يوجد ولهذا لم يكن السلف يسألون قبل وأول من سأل ابن شبرمة بخلاف الحدود والقصاص لأنه وجد فيها دليل طلب الزيادة فيسأل على ما عرف احتيالا للدرء إذ ربما يعجز عن التزكية فيندرئ الحد وهو مطلوب وأورد أن الظاهر إنما يكفي للدفع والشهادة توجب الاستحقاق وأجيب بأن الظاهر في الشهادة كالقطع لما لم يمكن الوصول إلى القطع ولا بالتزكية والحق أن الظاهر يوجب الاستحقاق والمراد بالظاهر الذي لا يثبت به الاستحقاق هو الاستصحباب وأما إذا طعن الخصم فقد تقابل ظاهران فيسأل وقال أبو يوسف ومحمد لا بد أن يسأل عنهم طعن الخصم أو لم يطعن في سائر الحقوق في السر والعلانية وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك من كا مشهورا بالعدالة لا يسأل عنه ومن عرف جرحه ردت شهادته وإنما يسأل إذا شك وإنما قلنا لا بد من السؤال مطلقا لأن القضاء ينبني على الحجة وهي شهادة العدول فلا بد أن يثبت عنده العدالة وذلك بذلك ولا يخفى قوة دليل أبي حنيفة على ذلك وكونه لا بد أن يثبت العدالة لم يخالف فيه أبو حنيفة ولكن يقول طريق الثبوت هو البناء على ظاهر عدالة المسلم خصوصا ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف ومع ذلك الفتوى على قولهما لاختلاف حال الزمان ولذلك قالوا هذا الخلاف خلاف زمان لا حجة وبرهان وذلك لأن الغالب في زمان أبي حنيفة الصلاح بخلاف زمانهما وما قيل بأنه أفتى في القرن الثالث وهو المشهود لهم بالصلاح منه صلى الله عليه وسلم حيث قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وهما
____________________
(7/378)
أفتيا في القرن الرابع ففيه نظر فإن أبا حنيفة رحمه الله توفي في عام خمسين ومائة فكيف أفتى في القرن الثالث وقوله خير القرون الخ إثبات الخيرية بالتدريج والتفاوت لا يستلزم أن يكون في الزمان المتأخر غلبة الفسق والظاهر الذي يثبت بالغالب أقوى من الظاهر الذي يثبت بظاهر حال الإسلام وتحقيقه أنه لما قطعنا بغلبة الفسق فقد قطعنا بأن أكثر من التزم الإسلام لم يجتنب محارمه فلم يبق مجرد التزام الإسلام مظنة العدالة فكان الظاهر الثابت بالغالب بلا معارض
فرع لوتاب الفاسق لا تقبل شهادته مالم تمض ستة أشهر وقال بعضهم سنة ولو كان عدلا فشهد بالزور ثم تاب فشهد تقبل من غير مدة قوله ثم التزكية في السر أن يبعث المستورة وهي الورقة التي يكتب فيها القاضي أسماء الشهود ونسبهم وحلاهم والمصلى أي مسجد محلتهم وينبغي أن لا يختار إلا معدلا صالحا زاهدا كي لا يخدع بالمال مأمونا أعظم من يعرفه في هذه الأوصاف فيكتب إليه ثم هو يسأل عنهم أهل محلتهم وسوقهم ومن يعرفهم ويكون المزكي صاحب خبرة بالناس مداخلا لهم لا منزويا عنهم فإن هذا الأمر لا يعرف إلا بالمخالطة والمداخلة فإن لم يجد إلا أهل مجلسه يسألهم عنه فإن وجدهم غير ثقات يعتبر تواتر الأخبار وعن ابن سماعة عن أبي حنيفة يجوز في تزكية السر المرأة والعبد والمحدود إذا كانوا عدولا ولا يجوز في تزكية العلانية إلا من
____________________
(7/379)
تجوز شهادته فيشترط فيها ما يشترط فيها إلا لفظة الشهادة فقط لأن تزكية السر من الإخبار بالأمور الدينية وكل من هؤلاء يقبل خبره في الأمر الديني إذا كان عدلا كما تقبل روايته للأخبار فإذا قال المسئول عنه هو عدل كتب المزكي هو عدل مرضي مقبول جائز الشهادة وإلا يكتب هو غير عدل وفي فتاوى قاضيخان إن عرف فسقه لا يكتب تحت اسمه ذلك بل يسكت احترازا عن الهتك أو يقول الله أعلم إلا إذا خاف أن يقضي القاضي بشهادته فيصرح حينئذ بذلك ومن لا يعرفه لا بعدالة ولا بفسق يكتب مستور ثم يرد المستورة مع أمين القاضي إليه كل ذلك في السر كي لا يظهر الأمر فيخدع المزكي أو يقصد بالأذى وأما العلانية فلا بد أن يجمع بين الشاهد والمعدل لتنتفي شبهة تعديل المعدل لغير هذا الشاهد المسئول عنه القاضي إذ قد يتفق اسم وشهرة وصفة لاثنين وقد كانت العلانية وحدها في الصدر الأول لأنهم كان يغلب عليهم الصبر للحق ووقع الاكتفاء بالسر في زماننا
____________________
(7/380)
لغلبة النفوس فيه فيوجب الفتنة وقد روي عن محمد أنه قال تزكية العلانية بلاء وفتنة ثم قيل لا بد أن يقول المعدل هو عدل جائز الشهادة لأن العبد قد يكون عدلا وهو غير جائز الشهادة وقيل يكتفى بقوله هو عدل لأن الحرية ثابتة بالدار وهو من أهلها فلا تلزم تلك الزيادة وهذا أصح لما ذكرنا من أن الظاهر الحرية نظرا إلى الدار فيكتفى به مالم يطعن الخصم بالرق ثم قال أبو حنيفة رحمه الله تفريعا على قول محمد من رأى أن يسأل عن الشهود بلا طعن لا يقبل قول الخصم يعني المدعى عليه إذا قال في شهود المدعي هم عدول فلا تقع به التزكية لأن في زعم المدعي وشهوده أن الخصم كاذب في إنكاره مبطل في إصراره فلا يصلح معدلا لأن العدالة شرط في المزكي بالإجماع وعن أبي يوسف ومحمد يجوز قوله ذلك تعديد لكن عند محمد يضم تزكية آخر إلى تزكيته أي تزكية الخصم لأن العدد عند محمد في المزكى شرط وموضوع المسئلة أن يقول هم عدول إلا أنهم أخطئوا أو نسوا أما لو قال صدقوا أو هم عدول صدقة أو معنى هذا فقد اعترف بالحق وانقطع النزاع وعن محمد فيما إذا قال هم عدول فالقاضي يسأل المدعى عليه أشهدوا عليك بحق أم بباطل فإن قال بحق فهو إقرار وإن قال بغير حق لا يقضي بشيء
فرع إذا شهد فعدل ثم شهد لا يستعدل إلا إذا طال فوقت محمد شهرا وأبو يوسف سنة ثم رجع وقال ستة أشهر قوله وإذا كان رسول القاضي الذي يسأل عن الشهود واحدا جاز والاثنان أفضل وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يجوز إلا اثنان والمراد من رسول القاضي المزكي وهو المسئول منه عن الشهود فيجب أن يقرأ قوله الذي يسأل عن الشهود بالبناء للمفعول والحاصل أنه يكفي في التزكية الواحد وكذا الرسالة إليه والرسالة منه إلى القاضي وكذا في الترجمة عن الشاهد وغيره عند أبي حنيفة وأبي يوسف وبه قال مالك وأحمد في رواية وعند محمد لا بد من اثنين وبه قال الشافعي وأحمد في رواية لمحمد أن التزكية في معنى الشهادة لأن ولاية القاضي تنبني على ظهور العدالة وهي بالتزكية فتوقفت عليها كما توقفت عليها فيشترط فيه
____________________
(7/381)
العدد كما يشترط العدالة ولذا اشترطت الذكورة في المزكي في الحدود كما اشترطت في الشهادة عليها ولهما أنه ليس في معنى الشهادة والتوقف لا يستلزم اشتراك كل ما توقف عليه في كل حكم بل ما كان في معنى الشهادة التي التي بها ثبوت الحق يكون مثلها ومالا فلا يلزم والتزكية لا يستند إليها ثبوت الحق بل إلى الشهادة فكانت التزكية شرطا لا علة ولهذا وقع التفرقة بينها وبين الشهادة بالإجماع في عدم اشتراط لفظ الشهادة في التزكية فلا يلزم من اشتراط العدد في الشهادة اشتراطها في التزكية على أن التعدية تكون بجامع يعلم اعتباره واشتراط العدد في الشهادة أمر تحكمي في الشهادة يعني تعبدي وفي المبسوط هو بخلاف القياس وهذا زيادة على كونه تعبديا إذ في القياس يكفي الواحد العدل لأن خبره موجب للعمل لا علم اليقين وكما لا يثبت العلم بخبر الواحد لا يثبت بخبر الاثنين فلا يتعداها أي لا يتعدى الشهادة إلى التزكية وهذا الخلاف في تزكية السر فأما تزكية العلانية فيشترط العدد بالإجماع على ما ذكره الخصاف مع أن الوجه المذكور يجري فيه وقدمنا أنه زيادة شبه لها بالشهادة من حيث اشتراط مجلس القضاء لها اتفاقا ولما ظهر من محمد اعتبار التزكية بالشهادة في حق العدد قال المشايخ فيجب عنده اشتراط أربعة من المزكين في شهود الزنا والله أعلم فصل يتعلق بكيفية الأداء ومسوغه
____________________
(7/382)
قوله وما يتحمله الشاهد على قسمين أحدهما ما يثبت حكمه بنفسه أي يكون هو تمام السبب لذلك الحكم قولا كان مثل البيع والطلاق والإقرار وحكم الحاكم أو فعلا كالغصب والقتل فإذا سمع الشاهد القول كأن سمع قاضيا يشهد جماعة ما على حكمه أو رأى الفعل كالقتل والغصب وسعه أن يشهد بذلك فيقول أشهد أنه باع
____________________
(7/383)
أشهد أنه قضى فلو كان البيع بيع معاطاة ففي الذخيرة يشهدون على الأخذ والإعطاء وقيل يشهدون على البيع كالقولي ولا يقول أشهدني لأنه كذب وإنما جاز الأداء بلا إشهاد لأنه علم الموجب بنفسه وهو أي علم الموجب الركن المسوغ لأداء الشهادة لأنه لا حقيقة لمسوغ الأداء سواه وقوله في إطلاق يعني مطلق الأداء واستدل على تسويغ الشرع للأداء في ذلك بقوله تعالى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } فأفاد أن من شهد عالما بحق كان ممدوحا فلزم أن ذلك مطلق شرعا وإلا لم يكن ممدوحا وقال عليه الصلاة والسلام إذا علمت مثل الشمس فاشهد فأمر بالشهادة عند العلم يقينا فعن هذا صرحوا بأنه لو قال له لا تشهد علي بما سمعته مني ثم قال بحضرته لرجل بقي لك علي كذا وغير ذلك حل له بل يجب أن يشهد عليه بذلك وفي الخلاصة اشترى عبدا وادعى على البائع عيبا به فلم يثبته فباعه من رجل فادعى المشتري الثاني عليه هذا العيب فأنكر فالذين سمعوا منه حل لهم أن يشهدوا على العيب في الحال والحديث رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في المعرفة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال هل ترى الشمس قال نعم قال على مثلها فاشهد أو دع صححه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن محمد بن سليمان بن مشمول ضعفه غير واحد انتهى والمعلوم أن النسائي ضعفه ووافقه ابن عدي وفي العبارة المذكورة ما يفيد أنه مختلف فيه ولو سمع من وراء حجاب كثيف لا يشف من ورائه لا يجوز له أن يشهد ولو شهد وفسره للقاضي بأن قال سمعته باع ولم أر شخصه حين تكلم لا يقبله لأن النغمة تشبه النغمة إلا إذا أحاط بعلم ذلك لأن المسوغ هو العلم غير أن رؤيته متكلما بالعقد طريق العلم به فإذا فرض تحقق طريق آخر جاز وذلك بأن يكون دخل البيت فرآه فيه وعلم أنه ليس به أحد غيره ولا منفذ غير الباب وهو قد جلس عليه وسمع الإقرار أو البيع فإنه حينئذ يجوز له الشهادة عليه بما سمع لأنه حصل به العلم في هذه الصورة ونحوه ما في الأقضية ادعى على ورثة مالا فقالا نشهد أن فلانا المتوفى قبض من المدعي صرة فيها دراهم
____________________
(7/384)
ولم يعلما كم وزنها إن فهما قدرها وأنها دراهم وأن كلها جياد بما يقع عليه يقينهما بذلك فإذا شهدا به جاز وفي الفتاوى إذا أقرت المرأة من وراء حجاب لا يجوز لمن سمع أن يشهد على إقرارها إلا إذا رأى شخصها فحينئذ يجوز أجمل في هذه المسئلة ووضعها في الخلاصة وغيرها هكذا الشهادة على امرأة لا يعرفها سأل ابن محمد بن الحسن أبا سليمان عنها قال لا يجوز حتى يشهد جماعة أنها فلانة أما عند أبي يوسف وأبيك فيجوز إذا شهد عنده عدلان أنها فلانة وهل يشترط رؤية وجهها اختلف المشايخ فيه منهم من لم يشترط وإليه مال الإمام خواهر زاده وفي النوازل قال يشترط رؤية شخصها وفي الجامع الأصغر يشترط رؤية وجهها وأنت تعلم أنه لا بد من معرفة تفيد التمييز عند الأداء عليها فإذا ثبت أن التعريف يفيد التمييز لزم أن لا حاجة إلى رؤية وجهها ولا شخصها كما اختاره شيخ الإسلام جواهر زاده إلا إذا لم يوجد من يعرفها وإذا وجد حينئذ يجري الخلاف المذكور أنه يكفي في المعرفة عدلان أو لا بد من جماعة ويوافقه ما في المنتقى تحمل الشاهد الشهادة على امرأة فماتت فشهدا عنده أن المقرة فلانة جاز له أن يشهد عليها نقله في الخلاصة وفي المحيط شهدا على امرأة سمياها ونسياها وكانت
____________________
(7/385)