الإلزام إذا الإيلاء أيضا يكون من المغايظة قوله صار موليا لسقوط الاستثناء مع أن الباقي من السنة الثانية مدة الإيلاء ولو أطلق بأن قال لا أقربك إلا يوما لا يكون موليا حتى يقر بها فإذا قربها صار موليا ولو قال سنة إلا يوما أقربك فيه لا يكون موليا أبدا لأنه استثنى كل يوم يقربها فيه فلا يكون ممنوعا أبدا وكذا لو أطلق مع هذا الاستثناء وإذا قال سنة فمضت أربعة أشهر ولم يقر بها فيها فوقعت طلقة ثم تزوجها ومضت أربعة أخرى لم يقر بها فيها وقعت أخرى فإذا تزوجها فمضت أربعة أخرى لا يقع لأن الباقي بالضرورة أقل من أربعة أشهر قوله ولو قال وهو بالبصرة إذا حلف لا يقر بها في مكان معين هي فيه أو زمان معين وهو في غيرهما إن كان بينهما قدر أربعة أشهر كان موليا على ما فرع قاضيخان والمرغياني فإنهما قالا لو كان بينهما مسيرة أربعة أشهر ففيؤه باللسان ولم يعتبر إمكان خروج كل منهما إلى الآخر فيلتقيان في أقل من ذلك وعلى ما في جوامع الفقه يعتبر أن يكون بينهما ثمانية أشهر فإنه قال لو كان في بلد وزوجته في بلد فحلف لا يدخله وبينهما أقل من ثمانية أشهر لا يصير موليا لجواز أهما يخرجان فيلتقيان في أقل من أربعة أشهر فيقر بها وإن كان بينهما أقل من ذلك لم يكن موليا عند الأئمة الأربعة إلا في رواية عن أحمد وهو قول ابن أبي ليلى فإنه يكون موليا فإن تركها أربعة أشهر بانت بتطليقة وينبغي أن يصير موليا على قول كل من قدمنا عند انعقاد الإيلاء إذا حلف على أقل من أربعة أشهر كما قال ابن أبي ليلى وغيره وكذا إذا قال والله لا أقربك إلا في المحرم وهو في شوال أو حتى تفطمى ولدك وإلى مدة الفطام أقل من أربعة أشهر والوجه المذكور للجمهور بناء على ما تقدم هناك من أن المولى من لا يمكنه القربان في الأربعة الأشهر إلا بشيء يلزمه وليس فليس وقد بحثنا هناك أن هذا فرع كون أقل مدة ينعقد الإيلاء بالحلف عليها أربعة أشهر وبالضرورة إنهم لا يلتزمون ذلك إلا أن يجعل هذا أصلا ممهدا في مذهب المانعين بعد ثبوت عدم انعقاده لأقل من أربعة أشهر بدليله من أقوال الصحابة فتعلل به الأحكام المذهبية لا عند قصد الإثبات على المخالف ثم أورد على هذا الأصل لو قال والله لا أقربكن لأربع نسوة فإنه مول فإذا تركهن في المدة طلقن ولو قرب ثلاثا
____________________
(4/202)
منهن يلزمه شيء فثبت أن إمكان القربان بغير شيء لا يمنع صحة الإيلاء أجيب بما حاصله أن الإيلاء متعلق بمنع الحق في المدة وقد وجد في هذه المسئلة فيكون موليا منهن وعدم لزوم شيء لعدم الحنث لأن الحنث بفعل المحلوف عليه وذلك بقربانهن والموجود قربان بعضهن وحاصل هذا تخصيص اطراد الأصل بما إذا حلف على واحدة بأدنى تأمل قوله ولو حلف بحج الخ بأن يقول إن قربتك فعلى حج أو عمرة أو صدقة أو صيام أو هدى أو اعتكاف أو يمين أو كفارة يمين أو فأنت طالق أو هذه لزوجة أخرى أو فعبدي حر أو فعلى عتق لعبد مبهم فهو مول أما لو قال فعلى صوم هذا الشهر مثلا فليس بمول لأنه يمكنه ترك القربان إلى أن يمضي ذلك ثم يطؤها بلا شيء يلزمه بخلاف قوله فعلي صوم يوم ولو قال فعلى اتباع جنازة أو سجدة تلاوة أو قراءة القرآن أو الصلاة في بيت المقدس أو تسبيحة فليس بمول ونقل في الصلاة خلاف محمد فعنده يكون موليا لأنها مما يلزم بالنذر وتقدم أول الباب ما يجاب به عنه ويجب صحة الإيلاء فيما لو قال فعلي مائة ركعة ونحوه مما يشق عادة وكذا خلافه ثابت في مسئلة الغزو المذكور أول الباب فإن قلت ينبغي في الصلاة في بيت المقدس أن يكون موليا اتفاقا لما فيه من مشقة السفر كالحج قلنا نعم لو لزم من نذر الصلاة في بيت المقدس أن لا يسقط إلا بالصلاة فيه لكن المذهب أن له أن يصليها في غيره ويسقط النذر به على ما عرف ولو قال فعلى أن أتصدق على هذا المسكين بهذا الدرهم أو مالي هبة في المساكين لا يصح إلا أن ينوي التصدق به ولو قال فكل مملوك أشتريه فيما يستقبل حرصا رموليا عندهما خلافا لأبي يوسف وهو رواية عنهما وكذا لو قال فكل امرأة أتزوجها فهي طالق يصير موليا عندهما خلافا لأبي يوسف ولو قال كل امرأة أتزوجها من أهل الإسلام يصير موليا وعلى هذا لو قال لا أقربك حتى أعتق عبدي أو حتى أطلق فلانة أو حتى أطلقك يصير موليا عندهما خلافا له لأنه يمكنه القربان بلا شيء بأن لا يشتري عبدا ولا يتزوج وبتقديم الغاية قلنا لم يمكنه إلا بضرر لازم إذ اللزوم لأجل قربانها كاللزوم به واعلم أن الأصل أنه متى جعل يمينه غاية لا توجد في المدة كقوله والله لا أقربك حتى تطلع الشمس من مغربها أو حتى تخرج يأجوج ومأجوج أو ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام أو حتى يخرج الدجال أو الدابة فهو مول استحسانا بناء على الظاهر وإن احتمل القرب وقت التكلم به وكذا إذا كانت الغاية لا تتصور مع بقاء النكاح كقوله حتى أموت أو تموتي أو أقتلك أو تقتليني أو أبينك وإن كانت توجد في المدة لكنها تصلح جزاء نحو حتى أعتق عبدي أو أطلق فلانة كان موليا عندهما خلافا لأبي يوسف وقد عرفت الوجه قوله وفيه خلاف أبي يوسف أي في ثبوت الإيلاء بالحلف بعتق عبده المعين فإن ضمير فيه لعتق عبده وهو المعين لا المبهم فإن تعليله لا يتم فيه قوله البيع موهوم أي غير مقدور له بنفسه لتوقفه على غيره من المشترين وقد لا يجد مشتريا في المدة فتمضي
____________________
(4/203)
قبل وجوده بخلاف الإخراج من الكوفة لأنه مقدور له وهو وإن توقف على امتثالها أيضا لكن امتثالها واجب والوجوب طريق الوجود بخلاف امتثال المشتري وإذا كان موهوما فلا يمنع المانعية الكائنة في الجزاء وهو عتق العبد بالقربان ولو باع هذا العبد سقط الإيلاء لأنه صار بحال يمكنه قربانها بغير شيء ولو ملكه بسبب شراء أو غيره عاد الإيلاء من وقت الملك إن لم يكن وطئها قبله فإن كان وطئها قبل تجدد الملك لم يعد لسقوط اليمين ولو مات العبد قبل البيع سقط الإيلاء لقدرته على الوطء بغير شيء وعلى هذا التفصيل موت المرأة المعلق طلاقها أو إبانتها ثم تزوجها قوله وإن آلى من المطلقة الرجعية كان موليا باتفاق الأئمة الأربعة بخلافه من البائنة فإن كانت من ذوات الأقراء فلاحتمال امتداد طهرها وإن كانت تعتد بالأشهر الثلاثة فلا حتمال رجعتها فينعقد الإيلاء ممتدا إلى ما بعد الرجعة فإن لم يطأها حتى مضى شهر من الرجعة بانت وهو مشكل على قول من يرى زوال الزوجية بالطلقة الرجعية وحرمة الوطء كالبائنة وعلى قولنا من حيث أنها لاحق لها في الجماع فلا يكون بالمنع ظالما والجواب أن العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعنى النص والمطلقة الرجعية من نسائنا بالنص وهو قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن والبعل الزوج حقيقة على ما أسلفناه في أول باب الرجعة فكانت المرأة من نسائه فيشملها نص الإيلاء ألا ترى أنه يثبت الإيلاء وإن أسقطت حقها في الجماع لخوف الغيل على ولد أو غيره فعلم أن التعلل بالظلم باعتبار بناء الأحكام على الغالب بخلاف البائن لانتفاء اسم الزوج حقيقة فينتفى كونها من نسائنا وقيل إنما لم يكن موليا من البائنة لأن الإيلاء تعليق طلاق بائن على مضي المدة بلا قربان والمطلقة البائنة لا يلحقها طلاق بائن منجز ولا معلق يعني إذا كان التعليق بعد الإبانة لما قدمنا من أنه إذا كان قبلها فوجد الشرط في عدتها من البائن يلحق وهذا الحصر يقتضي أنه لولا هذا صح الإيلاء منها وليس كذلك لعدم الزوجية ونسائنا والحق أن مبنى عدم لحوق البائنة هو مبنى عدم الإيلاء منها وهو عدم الزوجية فالإسناد إليه أولى ثم لا يخفى أن تخلف العلة في محل واحد نقض إلا لمانع فالحق أن الظلم حكمة ونفس الإيلاء هو العلة فلا
____________________
(4/204)
يلزم وجوده دائما قوله لأن هذا الكلام في مخرجه وقع باطلا لعدم المحلية وهي كونها من نسائنا في الإيلاء والظهار قال تعالى { للذين يؤلون من نسائهم } وقال تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } فلا بد من كونها محلا وقت التكلم بالإيلاء والظهار أو وقت وجود شرطهما لما عرف في باب الأيمان بالطلاق أن الإضافة إلى سبب الملك صحيحة وكذا في الإيلاء والظهار فإذا قال إن تزوجتك فوالله لا أقربك وقع صحيحا وكذا إن تزوجتك فأنت على كظهري أمي إلا أنه لا ينعقد الإيلاء والظهار إلا عقيب التزوج بها لأنها إذ ذاك تصير محلالا قبله ولأن الظهار لما كان تشبيه المحللة بالمحرمة استدعى انعقاده قيام حل وطئها قوله إذا اليمين منعقدة في حقه أي في حق الوطء لأن انعقاد اليمين يعتمد التصور حسا لا شرعا ألا ترى أنها تنعقد على ما هو معصية قوله كمدة العدة أي في الطلاق الرجعي فيتنصف بالرق لأنه من حقوق النكاح وعند مالك والشافعي رحمهما الله تستوي مدة إيلاء الحرة والأمة والقياس على مدة العدة بجامع كونها تربص هو أجل للبينونة كالعدة مدفوع فإن البينونة لا تحصل عند الشافعي بانقضاء المدة وأيضا تربص العدة للخطر وتعرف الفراغ وهو المؤثر وهو منتف في تربص الإيلاء والأوجه الاستواء لعموم نص الإيلاء لأن الأمة من نسائنا ولأن ضربها إيلاء لعذر الزوج ورفقا جريا على عادته تعالى من عدم المعاجلة بالعقوبة فأخرت عقوبته الدنيوية بظلمه إلى انقضاء أربعة أشهر وهذا المعنى لا يختلف في الحرة والأمة قوله وإن كان المولى مريضا لا يقدر على الجماع لا فرق بين كون عدم العذر للمرض أو للجب كما أنه في حقها لا فرق بين كون المانع مرضها أو الرتق أو القرن ومن الناس من منع إيلاء المجبوب ومن الرتقاء والقرناء لأنه لا يجب عليه الجماع فلا ظلم وجوابه ما قلنا في المطلقة الرجعية ولأن هذ تعليل فيه إبطال حكم النص وذلك باطل وفي جوامع الفقه لو عجز عن جماعها لرتقها أو قرنها أو صغرها أو بالجب أو العنة أو كان أسيرا في دار الحرب أو لكونها ممتنعة أو كانت في مكان لا يعرفه وهي ناشزة أو بينهما أربعة أشهر أو حال القاضي
____________________
(4/205)
بينهما لشهادة الطلاق الثلاث ففيؤه باللسان بأن يقول فئت إليها أو رجعت عما قلت أوراجعتها أو ارتجعتها أو أبطلت إيلاءها واختلف في الحبس صحح الفيء باللسان بسببه في البدائع وفي شرح الطحاوي لو آلى وهي مجنونة أو وهو محبوس أو كان بينهما أقل من أربعة أشهر إلا أن السلطان يمنعه أو العدو لا يكون فيؤه باللسان هو جواب الرواية نص عليه الحاكم في الكافي ووفق بحمل ما في الكافي وشرح الطحاوي على إمكان الوصول إلى السجن بأن تدخل عليه فيجامعها ومنع السلطان والعدو نادر على شرف الزوال والحبس بحق لا يعتبر في الفيء باللسان وبظلم يعتبر وهل يكفي الرضا بالقلب من المريض قيل نعم حتى إن صدقته كان فيئا وقيل لا وهو أوجه ثم هذا إن كان عاجزا من وقت الإيلاء إلى أن تمضي أربعة أشهر حتى لو آلى منها وهو قادر فمكث قدر ما يمكنه جماعها ثم عرض له العجز بمرض أو بعد مسافة أو حبس أو جب أو أسر ونحو ذلك أو كان عاجزا حين آلى وزال العجز في المدة لم يصح فيؤه باللسان خلافا لزفر في غير الأخيرة فإن العجز ثابت وهو المدار قلنا لما تمكن ولم يفعل فقد تحقق منه الإضرار فلا يكون فيؤه إلا بإيفاء حقها بالجماع بخلاف ما إذا استوعب العجز المدة لأنه لم يكن لها حق فيها فكان ظلمه في الإيلاء بأذى اللسان ففيؤه الذي هو ثوبته بتطيب قلبها به لأن التوبة على حسب الجناية ولو آلى إيلاء مؤبدا وهو مريض فبانت بمضي المدة ثم صح وتزوجها وهو مريض ففاء بلسانه لم يصح عند أبي حنيفة ومحمد وصح عند أبي يوسف وهو الأصح على ما قالوا لأن الإيلاء وجد منه وهو مريض وعاد حكمه وهو مريض وفي زمان الصحة هي مبانة لاحق لها في الوطء فلا يعود حكم الإيلاء فيه وهما يقولان إن ذلك بتقصير منه فإنه كان عليه الفيء باللسان قبل مضي المدة ولا تبين ولو كان المانع شرعيا بأن كان محرما وإلى وقت أفعال الحج أربعة أشهر فصاعدا فالفيء بالجماع وعند زفر باللسان وهو رواية عن أبي يوسف لأن الإحرام مانع من الجماع شرعا فثبت العجز فكان فيؤه باللسان وهم اعتبروا العجز الحقيقي وهو منتف وهذا لأنه المتسبب باختياره بطريق محظور فيما لزمه فلا يستحق تخفيفا قوله وقال الشافعي لا فيء إلا بالجماع وإليه ذهب الطحاوي لأنه لو كان فيئا لكان حنثا وضعف هذا لا يخفى على من له شمة لأنه حلف على الجماع فكيف يحنث بفعل غيره فإن
____________________
(4/206)
فإن أراد بقوله لو كان فيئا لكان حنثا لأن الفيء لا يكون إلا بالجماع فلو كان فيئا لكان بالجماع فكان حنثا لزم صريح المصادرة والنص وهو قوله تعالى { فإن فاؤوا } لا يوجب تعين كون الفيء لا الجماع لأن معناه فإن رجعوا عن عزمهم على ذلك الظلم وذلك يحصل بإرضائها بالجماع بالقول ووعد الجماع عند عجزه وهي مشاهدة لعجزه ذلك فلا يتم ما قالاه والحق أن مذهب الشافعي ومالك وأحمد كقولنا ولو وطئها بعد الفيء باللسان في مدة الإيلاء لزمه كفارة لتحقق الحنث لأن يمينه باقية في حق الحنث وإن بطلت في حق الطلاق قوله وصار فيؤه بالجماع حتى لو لم يجامعها حتى مضت المدة وقع الطلاق وهذا لأن المقصود عدم وقوع الطلاق عند تمام المدة وهذا فرع تمامها ولم تتم حتى قدر على الأصل وهو الجماع قبل حصول المقصود من البدل فيبطل حكم الخلف كالمتيمم إذا رأى الماء قوله سئل عن نيته هذا هو المذكور في كتب محمد رحمه الله وهو جواب الرواية لأن بيان المجمل وهو ظاهر الرواية وهو قول أبي بكر وعمر وابن مسعود وعائشة والحسن البصري وعطاء وطاوس وابن المسيب وسعيد بن جبير وغيرهم وعن علي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن أبي ليلى ومالك أن الحرام ثلاثة إلا أن مالكا قال ينوي في غير المدخولة ويروي عن علي رضي الله عنه التوقف وفيه نحو أحد عشر مذهبا غير ما ذكرنا قوله لأنه نوى حقيقة كلامه إذ حقيقته وصفها بالحرمة وهي موصوفة بالحل
____________________
(4/207)
فكان كذبا وعن هذا قال مسروق والشعبي في التحريم إنه كتحريم قصعة من ثريد ليس بشيء وأورد لو كان حقيقة كلامه لانصرف إليه بلا نية لكنكم تقولون عند عدم النية ينصرف إلى اليمين والجواب أن هذه حقيقة أولى فلا تنال إلا بالنية واليمين الحقيقة الثانية الثابتة بواسطة الاشتهار وقيل لا يصدق في القضاء قاله شمس الأئمة السرخسي بل فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يمين ظاهرا لأن تحريم الحلال يمين بالنص وهو قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى أن قال { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فلا يصدق في القضاء في نيته خلاف الظاهر وهذا هو الصواب ما عليه العمل والفتوى كما سنذكر والأول قول الحلواني وهو ظاهر الرواية لكن الفتوى على العرف الحادث قوله إلا أن ينوي الثلاث ولا تصح نية الثنتين إلا في الأمة خلافا لزفر والزهري ومر في الكنايات والتفصيل فيه بين كون الحالة حالة مذاكرة الطلاق أولا ولو طلق امرأته طلقة ثم قال أنت علي حرا ونوى ثنتين لم يقع شيء ولو نوى الثلاث وقعت ثنتان فكملت الثلاث قوله وإن قال أردت الظهار فهو ظهار وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف كذا ذكره القدوري وليس مذكور في ظاهر الرواية ولذا لم يذكره الحاكم الشهيد في مختصره ولا الطحاوي وإنما نقله شمس الأئمة عنهما من النوادر خلافا لمحمد وجه قوله أن الظهار تشبيه المحللة بالمحرمة وهو منتف وفي جوامع الفقه نقل عن محمد أنه ظهار إذا نوى به الظهار على ما يعرف النقل به عنه قوله ولهما أنه أطلق الحرمة الخ حاصله أن الحرمة أعم من الحرمة التي هي ظهار أو لا والأعم يحتمل الخصوصيات فنية الظهار نية محتمل كلامه لانية خلاف ظاهره فيصدق قضاء قوله وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئا فهو يمين يصير به موليا ونص في المحيط أنه خلاف قول محمد حيث قال فإن نوى اليمين أو لم ينو شيئا كان يمينا وينصرف إلى الطعام والشراب ولا تدخل امرأته إلا بالنية هكذا قال محمد ومن مشايخ بلخ من قال تدخل امرأته بلا نية فتبين وصحح في هذا الزمان وسئل نجم الدين عن امرأة قالت لزوجها حلال الله عليك حرام فقال نعم تحرم هذه المرأة على زوجها قال نعم وكذلك حلال المسلمين ثم على قول محمد رحمه الله إذا نوى امرأته حتى دخلت يخرج الطعام والشراب عن اليمين فيحنث بأي ذلك وجد فإذا تناول شيئا من الطعام أو الشراب حنث وانقضى حكم يمينه حتى لو قرب امرأته بعد ذلك لا يحنث ولا فرق بين أن يتناول قليلا أو كثيرا بخلاف ما إذا حلف لا يأكل هذا الطعام وهو مما يستوفيه واحد لا يحنث ما لم يستوف جميعه وكذا لا يدخل اللباس
____________________
(4/208)
إلا بالنية وإذا دخل لا يخرج الطعام والشراب ولو نوى الطعام والشراب فهو كما نوى ولو نوى الطلاق في نسائه واليمين في نعم الله تعالى فهو طلاق ويمين قوله ومن المشايخ هم المتأخرون لما ظهر من العرف في ذلك حتى لو قال لامرأته إن تزوجتك فحلال الله على حرام فتزوجها تطلق ولهذا لا يحلف به إلا الرجال ولو قالت هي أنا عليك حرام كان يمينا وإن لم ينو فلو مكنته حنثت وكفرت وصار كما إذا تلفظ بطلاقها غير ناو تطلق للصراحة والعرف هو الموجب لثبوت الصراحة وعن هذا قالوا لو نوى غير الطلاق لا يصدق في القضاء بل فيما بينه وبين الله تعالى قال الأستاذ ظهير الدين المرغيناني لا أقول لا تشترط النية لكن يجعل ناويا عرفا ولا فرق بين قوله أنت علي حرام أو حرمتك علي أو لم يقل علي أو أنت محرمة علي أو لم يقل على أو أنا عليك حرام أو محرم أو حرمت نفسي عليك ويشترط قوله عليك في تحريم نفسه فلو لم يقله لا تطلق وإن نوى الطلاق بخلاف نفسها وقوله أنت معي في الحرام بمنزلة قوله أنت علي حرام وفي الفتاوى لو قال لامرأته أنت علي حرام أو حلال الله على حرام فهو على ثلاثة أوجه أما إن كانت له امرأة أو أربع أو لم يكن له امرأة إن كان له واحدة فقد ذكرنا وإن كان له أربع طلقت كل واحدة تطليقة وإن لم يكن له امرأة لزمه كفارة يمين وعلى فتوى الأوزجندي والإمام مسعود الكشاني يقع واحدة وعليه البيان قال في الذخيرة والخلاصة هو الأشبه وعندي أن الأشبه ما في الفتاوى لأن قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة فإذا كان فيه عرف في الطلاق يكون بمنزلة قوله هن طوالق لأن حلال الله شملهن على سبيل الاستغراق لا على سبيل البدل كما في قوله إحداكن طالق وحيث وقع الطلاق بهذا اللفظ وقع بائنا ولو قال كذا فحلال الله علي حرام ثم قال لامرىء آخر إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ففعل أحدهما حتى وقع طلاق بائن ثم فعل الآخر قال الإمام ظهير الدين ينبغي أن يقع كما لو قال معلقا دون الأول
فروع تتعلق بالإيلاء لو قال لا قربتك ما دامت امرأتي فأبانها ثم تزوجها لم يصر موليا ويقر بها بلا حنث ولو قال إن قربت فعلى أن أنحر ولدي صح الإيلاء خلافا لزفر بناء على أنه يلزم بنذر ذبح الولد ذبح شاة عندهم ولا يلزم فيه شيء عند زفر ومالك يوجب فيه نحر جزور وروي عن أبي يوسف مثل قول زفر وهو قول الشافعي وهو الأوجه لأنه نذر معصية ولو جن المولى ووطئها انحلت وسقط الإيلاء ولو قال لنسائه الأربع
____________________
(4/209)
والله لا أقربكن يكون موليا من كلهن حتى لو مضت أربعة أشهر بن جميعا وقال زفر لا يكون موليا ما لم يطأ ثلاثا منهن لأن الحنث إنما يقع إذا وطىء الكل فقربان الثلاث يمكنه بغير حنث فلا يكون موليا منهن بل من الرابعة فكأنه قال إن قربت ثلاثا منكن فوالله لا أقرب الرابعة قلنا قصد الإضرار بهن كلهن فيكون موليا منهن فلما لم يوجد وطء جميعهن لا يتحقق الحنث وإذا وجد يضاف الحنث إلى وطء كلهن لا إلى الرابعة فقط بخلاف ما قاس عليه لأنه يمين معلقة فلا تنعقد ما لم يوجد شرطها ولو قال لهن والله لا أقرب إحداكن جعلناه موليا من واحدة وقال زفر مول من الأربع حتى لو مضت أربعة أشهر ولم يقرب إحداهن بانت واحدة منهن وعلى الزوج أن يعينها وعنده بن كلهن لأن قوله إحداكن وواحدة منكن سواء ولو قال لا أقرب واحدة منكن يصير موليا منهن جميعا فكذا هذا قلنا إحداكن لا تعم لأنه معرفة ولذا لا يصح أن يقال لكل إحداهن علي درهم وأما واحدة منكن فنكرة منفية فتعم ولذا صح لكل واحدة علي درهم ولو قال لزوجتيه والله لا أقرب إحداكما فمضت المدة بانت واحدة وإليه البيان ولو بين قبل مضي المدة لا يصح كما لو علق طلاق إحداهن بمجىء الغد وبين قبل الغد وإذا بين بعد المدة وتعينت المبانة ثم مضت أربعة أشهر أخرى فعند أبي يوسف لا تبين الأخرى وكذا إذا لم يبين وقالا تبين لأن اليمين باقية ما لم يحنث ولما زالت مزاحمة الأولى بالبيان تعينت الأخرى بالإيلاء كما لو ماتت إحداهما وله أنه آلى من إحداهما لا منهما وإحدى هنا ليست نكرة حتى تعم لأنها مضافة وتعينت فلا تبين الأخرى وفي المحيط لو قال أنتما علي حرام يكون موليا من كل واحدة منهما ويحنث بوطئها ولو قال لا أقربكما لا يحنث إلا بوطئهما والفرق أن هتك حرمة اسمه تعالى لا تتحقق إلا بوطئهما وفي قوله أنتما علي حرام صار إيلاء باعتبار معنى التحريم وهو موجود في كل منهما ولو آلى ثم ارتد ثم أسلم ثم تزوجها يكون موليا عند أبي حنيفة وروى أبو يوسف عنه أنه يبطل إيلاؤه وإن اختلفا في الفيء مع بقاء المدة فالقول له لأنه يملك الفيء وبعد مضي المدة فالقول لها لأنه ادعى الفيء في حالة لا يملكه فيها والله سبحانه الموفق & باب الخلع
هو لغة النزع خلع ثوبه ونعله ومنه خالعت المرأة زوجها إذا افتدت منه بمال وخالعها وتخالعا صيغ منها المفاعلة ملاحضة لملابسة كل الآخر كالثوب قال تعالى { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } وفي الشرع أخذه المال بإزاء ملك النكاح والأولى قول بعضهم إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع لاتحاد جنسه مع المفهوم
____________________
(4/210)
اللغوي والفرق بخصوص المتعلق والقيد الزائد وقول بعضهم هو إزالة ملك النكاح ببدل ولا بد من زيادة قولنا بلفظ الخلع فيه وببدل فيما يليه فالصحيح إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع فإن الطلاق على مال ليس هو الخلع بل في حكمه من وقوع البينونة لا مطلقا وإلا لجري فيه الخلاف في أنه فسخ وفي سقوط المهر لو كان المنال المسمى غيره وهو منتف ولو قيل إنه بالمفهوم الشرعي مما صدقات المفهوم اللغوي لأن النزع مطلقا أعم من كون متعلقه أمرا حسيا أو معنويا كقيد النكاح بمقابلة شيء أولا لم يبعد ولا ينافى ذلك النقل كما غلط من جعل أصول الفقه غير منقول لاندراج حقيقته في مطلق مسمى الأصول لغة لأن تخصيص الاسم بالأخص بعد كونه للأعم الصادق عليه وعلى غيره نقل بلا شك وشرطه شرط الطلاق وحكمه وقوع الطلاق البائن عندنا وصفته أنه يمين من جانب الزوج معاوضة من جانبها فتراعى أحكام اليمين من جانبه وأحكام المعاوضة من جانبها عند أبي حنيفة وعندهما هو يمين من الجانبين وستأتي ثمرة الخلاف قوله إذا تشاق الزوجان أي تخاصما وخافا أي علما كقوله ** ولا تدفني في الفلاة فإنني ** أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها **
أي اعلم وحدود الله تعالى ما حدده من المواجب التي أمر أن لا تتجاوز وهذا الشرط خرج مخرج الغالب إذ الباعث على الاختلاف غالبا ذلك لا أنه شرط معتبر وهو مشاقتهما كذا قيل وقد قيل جواب المسئلة في كلام القدوري الإباحة فإنه قال لا بأس أن تفتدي نفسها منه بمال وإباحة الأخذ منها مشروطة بمشاقتها فهو معتبر شرطا في ذلك قوله فإذا فعلا ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال هذا حكم الخلع عند جماهير الأئمة من السلف والخلف وذهب المزني إلى أن الخلع غير مشروع أصلا وقيدت الظاهرية صحته بما إذا كرهته
____________________
(4/211)
وخاف أن لا يوفيها حقها أو أن لا توفيه حقه ومنعته إذا كرهها هو وقال قوم لا يجوز إلا بإذن السلطان روى عن ابن سيرين وسعيد بن جبير والحسن وقالت الحنابلة لا يقع بالخلع طلاق بل هو فسخ بشرط عدم نية الطلاق لا ينقص عدد الطلاق وقال آخرون يقع ويكون رجعيا فإن راجعها رد البدل الذي أخذه رواه عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال فكان الزهري يقول ذلك وجه قول المزني إن قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } نسخ حكمها بقوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } أجيب بأنه متوقف على العلم بتأخر هذه وعدم إمكان الجمع والأول منتف وكذا الثاني ولأن هذا النهي متعلق بما إذا أراد الزوج استبدال غيرها مكانها والآية الأخرى مطلقة فكيف تكون هذه ناسخة لها مطلقا نعم لو أراد بالنسخ تقدم حكمها على المطلقة في تلك الصورة أعني صورة إرادة الزوج الاستبدال بها من غير نشوز منها كان حسنا وحاصله أنه يجب تقديم هذا الخاص على العام وهو حينئذ وجه مذهب الظاهرية فإن قيل الجواب مبني على تقديم الخاص مطلقا فالجواب لا يصح لأن هذا الموضع مما يجب فيه تقديم الخاص عندنا لأنا إذا قلنا يتعارضان كان الحكم الثابت حينئذ وجوب الترجيح إذا أمكن والترجيح يثبت للمحرم على المبيح لأن فيه الاحتياط وهو هنا في تقديم الخاص فيجب أن يقدم هذا الخاص هنا بحكم المعارضة لا بحكم التخصيص وكل موضع قدمنا فيه العام على الخاص عند تعارضهما في ذلك الفرد كان لثبوت الاحتياط بسبب كون حكم العام منعا والخاص يخرج منه بعض الأفراد كما في لا صلاة بعد الفجر والعصر مع قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار وإيجابا كقوله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر مع قوله ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وإلا فنفس كونه عاما لا يقتضي التقدم لعين مفهومه بل لما يشتمل عليه من الاحتياط بل الجواب القول بموجبها وهو عدم حل الأخذ إذا كان النشوز من قبله وهو ما ذكر المصنف بقوله كره له أن يأخذ يعنى كراهة التحريم المنهضة سببا للعقاب وإن قال الإمام المحبوبي في جوابهم تأويل الآية في الحل والحرمة لا في منع وجوب المال وتملكه لأن الحرمة لا تثبت مع معارضة موجبها فإن المعارضة تنفي القطيعة لتطرق احتمال نسخها بالمعارض لكنه أراد ما ذكرنا وسيأتي ما هو الحق فيه إن شاء الله تعالى وجه قول الحنابلة وهو قول الشافعي في القديم ما روى عن طاوس عن ابن عباس الخلع فرقة وليست بطلاق رواه الدارقطني عنه وروى عبد الرزاق عنه لو طلق رجل امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه حل له أن ينحكها قالوا ذكر الله تعالى الطلاق في أول الآية وفي آخرها والخلع بينهما وروى نافع مولى ابن عمر أنه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء تخبر ابن عمر أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان ابن عفان فجاء عمها إلى عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل فقال عثمان لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل فقال ابن عمر عثمان خيرنا وأعلمنا فهؤلاء أربعة من الصحابة فإن ربيع وعمها صحابيان قالوا بذلك ويستدل عليه أيضا بالآية قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى أن قال { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ثم
____________________
(4/212)
قال فإن طلقها يعني الثالثة المفاد شرعيتها بقوله تعالى أو تسريح بإحسان على ما أسلفناه من التقرير في فصل فيما تحل به المطلقة فيكون الافتداء غير طلاق وإلا كان الطلاق أربعا والثاني منتف وأيضا فإن النكاح عقد يقبل الفسخ وقد تحقق فسخه بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة فلا مانع من كونه كذلك في الافتداء قلنا أما هذا الأخير فحاصله أنه وجه مجوز لكونه فسخا لا يوجب كون الواقع في الواقع أحد الجائزين بعينه وهو أنه فسخ أو طلاق فلا يفيد وأما الآية فبالنظر إلى نفس التركيب يفيد بعد غاية التنزل أن الافتداء فرقة ليس غير فإن حاصل الثابت به كونه تعالى بعد ما أفاد شرعية الثلاث وبين ذلك نص على حكم آخر هو جواز دفعها البدل تخلصا من قيد النكاح وأخذه منها من غير تعرض لكونه غير طلاق أو طلاقا هو الثالثة أو لا فتعين أخذها من خارج البتة وهذا أوجه من قولهم بين الثالثة بعوض وبغيره لأنه لا يحتاج الجواب إليه كما سمعت ولأنه يقتضي أن لا يشرع الخلع إلا بعد ثنتين بل إنما نص على شرعية الثلاث وبين حكما آخر هو جواز الافتداء عن ملك النكاح من غير زيادة على ذلك وأما ما ذكروه عن عثمان فبتقدير ثبوته فيه سوى أنه قال لا عدة عليها ولا تنكح حتى تحيض حيضة وأصل هذا ما روي من حديث ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة فسمى الحيضة عدة رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه ثم رأيناه صلى الله عليه وسلم حكم في خلع امرأة ثابت بن قيس بأنها طلقة على ما في البخاري أنه قال له اقبل الحديقة وطلقها تطليقة فقول عثمان لا عدة عليها يعنى العدة المعهودة للمطلقات وللشارع ولاية الإيجاد والإعدام فهذا يفيدك بتقدير صحته عدم التلازم بين عدم العدة وكونه فسخا على أن الذي تعرفه من حديث عثمان هذا هو ما رواه مالك عن نافع أن ربيع بنت معوذ جاءت هي وعمها إلى عبدالله ابن عمر فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان فبلغ ذلك عثمان فلم ينكره فقال ابن عمر عدتها أو عدتك عدة المطلقة وقال بلغنا عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون عدة المختلعة ثلاثة قروء وقولهم إنه قول أربعة من الصحابة ممنوع لأنه ليس كل من اتصف باسم الصحابي يتبع أقضية النبي صلى الله عليه وسلم وآي الأحكام وعلم المتأخر والمتقدم وصار أهلا للاجتهاد بل يقلد بعضهم من اتصف بذلك وظاهر حال ربيع وعمها ذلك فإنهما قد استفتيا عثمان فقال لهما ما قال فاعتقداه فليس في المعنى إلا قول صحابيين لأن المقصود قول أهل الاجتهاد وهذا لو ثبت التلازم بين نفي العدة وكونه فسخا وهو منتف بما روي عن عثمان مما يخالف ذلك فلم يبق إلا قول ابن عباس وذلك ما روي مالك عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها فارتفعا إلى عثمان رضي الله عنه فأجاز ذلك وقال هي طلقة بائنة إلا أن تكوني سميت شيئا فهو على ما سميت ولا نعرفه فيه إلا أن جمهان لم يعرفه الإمام أحمد فرد الحديث لذلك وهو جمهان أبو العلي مولى الأسلميين ويقال مولى يعقوب القبطي يعد في أهل المدينة تابعيا روي عن سعيد ابن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبي هريرة وأم بكرة الأسلمية وروي عنه عروة بن الزبير وموسى بن عبيدة الربذي وغيرهما وقال ابن حبان في الثقات هو جد جدة علي بن المديني فهي ابنة عباس بن جمهان روي له ابن ماجة حديثا واحدا في الصوم عن
____________________
(4/213)
أبي هريرة لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم والصوم نصف الصبر فلهذا صرح أصحابنا بنقل مذهبنا عن عثمان وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم ثم يعارضه قول غيره بل والمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسند ابن أبي شيبة حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال لا تكون طلقة بائنة إلا في فدية أو إيلاء وروي عن علي أيضا وتقدم ما رويناه عن عثمان وقال عبدالرزاق حدثنا ابن جريج عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة ومراسيل سعيد لها حكم الوصل الصحيح لأنه من كبار التابعين وكبار التابعين قل أن يرسلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن صحابي وإن اتفق غيره نادرا فعن ثقة هكذا تتبعت مراسيله وبه يقوى ظن حجية ما رواه المصنف عنه صلى الله عليه وسلم الخلع طلقة بائنة وكذا ما أخرجه الدارقطني وسكت عليه وابن عدي وأعله بعباد بن كثير الثقفي من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة وإن كان لا يصح على طريق أهل الشأن لأن الحكم بالضعف إنما هو ظاهر مع احتمال الصحة في نفس الأمر فجاز أن يقوم دليل الصحة في نفس الأمر مع الضعف في الظاهر وههنا نظر على أصولنا وهو أن ابن عباس رضي الله عنهما روى حديث امرأة ثابت ابن قيس على ما في البخاري عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعتب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم قال صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ثم إن ابن عباس قال بأنه فسخ وعمل الراوي عندنا بخلاف روايته ينزل منزل روايته للناسخ اللهم إلا أن يثبت رجوعه كما قالوا والله أعلم به والجواب أن بتقدير أن ثابتا طلقها امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم لا يبقى من محل النزاع وهو الخلع بل يصير طلاقا على مال فقول ابن عباس بعد ذلك الخلع فسخ كلام في مسئلة أخرى فحينئذ ما يأتي من تسمية الراوي له خلعا حيث قال وكان أول خلع في الإسلام يعني أول طلاق بمال لأن الظاهر أن المخاطب بقوله صلى الله عليه وسلم طلقها امتثل قوله صلى الله عليه وسلم فطلق وكثيرا ما يطلق الخلع على الطلاق بمال وعلى كل حال فالأظهر من قول الصحابة ما قلناه مع ما فيه من المرفوع الصريح الذي لا يقاومه النقل التقديري ولو تركنا الكل يتعارض ورجعنا إلى النظر في المعنى أفاد ما قلناه فمن ذلك ما ذكره المصنف رحمه الله بقوله ولأنه أي الخلع من الكنايات حتى لو قال خلعتك ينوي الطلاق وقع الطلاق البائن عندنا لأن حقيقة الخلع لا تتحقق إلا به وقد قدمنا في الكنايات أنها عوامل بحقائقها والنكاح قائم بالرجعي فلم ينخلع ثم لم يخرج عن ذلك إلا بذكر المال وذلك لا يقتضي خروجه عن حاله وأيضا هذه فرقة بعد تمام النكاح والأصل فيه كونها طلاقا لأنه هو المعهود والحمل على ما عهد واجب حتى يدل على خلافه دليل ولم يثبت كما أريناك والفرقة بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة قبل تمامه لأن النكاح فيه خيار إذا بلغت وعتقت وخيار المولى فكان ذلك امتناعا عن إتمامه معنى وأيضا ملك النكاح ضروري لأنه وارد
____________________
(4/214)
على الحرة فيتقدر بقدر الضرورة وهو استيفاء منافع البضع فينتفي هذا الملك في حق الفسخ وأما وجه من قال لا بد من إذن الإمام فلم أره ويظهر أن قوله تعالى { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما } فإنه تعالى شرعه مشروطا لخوف الأئمة والحكام إذ هم المخاطبون بقوله تعالى { فإن خفتم } وهذا فرع الترافع إليهم وإن كان خطاب فلا تأخذوا للأزواج فهو غير مستغرب في القرآن أن يكون خطابان بتلو أحدهما الآخر والمخاطبون بأحدهما غيرهم بالآخر والجواب ما ذكرنا من قصة الربيع من الموطإ يفيد أن الخلع وقع دون علم عثمان رضي الله عنه به ولم ينكره وكذا ابن عمر حين سمع به فأفاد عدم فهمهما ذلك فيكون المراد من الآية إذن الأئمة من تمكينهم من الخلع إذا خافوا عليهما عدم القيام بالموجب فيما إذا ارتفعوا إليهم لا أنه لا بد من الترافع إليهم وعلى اعتبار هذا المفهوم يمنعونهم عند عدم هذا الخوف بالقول والفتوى وتبين حينئذ أنه ليس مباحا لقوله صلى الله عليه وسلم المختلعات هن المنافقات رواه الترمذي وفيه وفي أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير ما بأس به لم ترح رائحة الجنة لا بالحكم بعد النفاذ والصحة إذا وقع وأما وجه من قال إنه رجعي فذكر بعضهم فيه ما لا حاصل له ولا غبار على الوجه المذكور في الكتاب فيه وهو أنها إنما بذلت المال لتسلم لها نفسها والله تعالى شرع الافتداء لذلك وإلا لو كان رجعيا لم يحصل الغرض الذي شرع لأجله ولأنه معاوضة والزوج قد ملك المال حكما لصحة هذه المعاوضة فلا بد من أن تملك نفسها حكما لها تحقيقا لها كما في جانبه والله سبحانه أعلم قوله إلا إن ذكر المال استدراك مما يتوهم لزومه على قوله إنه كناية من افتقاره إلى النية ومقتضاه أنه إذا أنكرها يصدق قضاء وليس كذلك قالوا لا يصدق في لفظ الخلع والطلاق والمبارأة والبيع في عدم النية عند ذكر المال بأن يقول بارأتك على ألف أو بعت نفسك أو طلاقك على ألف وعند عدمه يصدق في إنكارها قضاء في الخلع والمبارأة لا في لفظ الطلاق والبيع لأنهما صريحان ذكره في الكافي فأجاب بأن ذكر المال يغني عنها إذ هو قرينة ظاهرة على إرادة الطلاق إذ من المعلوم أنه لا يستحقه إلا بسببه قوله وإن كان النشوز من قبله
____________________
(4/215)
كره له أن يأخذ منها شيئا لقوله تعالى فلا تأخذوا منه شيئا نهى عن الأخذ منها عند عدم نشوزها وكونه منه وتقدم ما قيل من أن ثبوت الكراهة دون التحريم للمعارضة وليس بشيء إذ لا معارضة في التحريم فإن إطلاق نفي الجناح في آية المطلقة مقيدا بالمشاقة فإن الآية هكذا { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } والنهي في الآية الأخرى مقيد بانفراده بالنشوز فلا يتلاقيان فلا تعارض في حرمة الأخذ على أنه لو تعارضا كان التحريم ثابتا بالعمومات القطعية فإن الإجماع على حرمة أخذ مال المسلم بغير حق وفي إمساكها لا لرغبة بل إضرارا وتضييقا ليقطع مالها في مقابلة خلاصها من الشدة التي هي فيها معه ذلك وقال تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } فهذا دليل قطعي على حرمة أخذ مالها كذلك فيكون حراما إلا أنه لو أخذ جاز في الحكم كما ذكره المصنف آخرا أي يحكم بصحة التملك وإن كان بسبب خبيث وعلله بقوله لأن مقتضى ما تلوناه يعنى قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } شيئان الجواز حكما يعني الصحة والنفاذ في القضاء فإنه ذكره مشبها بأخذ الزيادة وقد قال فيها جاز في القضاء والإباحة وقد ترك في حق الإباحة لمعارض وهو قوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } الآية فبقي معمولا به في الباقي أي الجواز في القضاء لا يقال الجواز هو والإباحة ويتلازمان وجودا وعدما لأنا نقول إن معنى الإباحة استواء الطرفين فلا أجر ولا وزر ومعنى الجواز من جار أي مر وبعد فهو النافذ شرعا أي الصحيح وهو المعتبر سببا لترتب الآثار الشرعية فهو أعم من كونه مع الحل أو الحرمة كما في كل نهى عن أمر شرعي لم يقم فيه دليل شرعي على أنه لعينه كالبيع وقت النداء والبيع بالخمر فلا تلازم وهنا كذلك فالأخذ حرام في حال عدم نشوزها وإن كان برضاها ولو فعل كان أخذه سببا للتملك كما في البيع فيما قلنا حيث يملك سبب ممنوع لا يقال النهي هنا عن أمر حسي فيعدم وجوده شرعا فيخرجه عن انتهاضه سببا مفيدا لحكم الملك كالنهي عن الزنا لأن ذلك مقتضاه إذا لم يدل الدليل على أن النهي لغيره لا لعينه وهنا دل على أنه لزيادة الإيحاش ولقائل أن يقول إذا ترك في حق الإباحة لمعارض يلزم انتفاء النفاذ شرعا وذلك لأن دلالته على النفاذ ليس إلا دلالة التزامية للإباحة لأن دلالته المطابقية على الإباحة إذ هي المعنى المطابقى لنفي الجناح ويلزم من ثبوت الإباحة النفاذ فإذا ارتفعت الإباحة ارتفعت يلازمها إلا أن يدل دليل مستقل آخر على ثبوت النفاذ شرعا وهو معدوم وعلى هذا يظهر قول الظاهرية قوله لإطلاق ما تلونا بدءا أي أولا وهو قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } يعني بطريق دلالته لا عبارته فإن عبارته رفع الجناح عند مشاقتهما ولا شك أن في مشاقتهما مشاقته فإذا كان له أن يأخذ ما افتدت به مطلقا فيما فيه مشاقة منه فأخذه ذلك فيما لا مشاقة منه فيه أولى قوله ووجه الأخرى قوله عليه الصلاة والسلام في امرأة ثابت الخ تقدم ذكر الحديث
____________________
(4/216)
من رواية البخاري وليس فيه ذكر الزيادة وقد رويت مرسلة ومسندة فروى أبو داود في مراسيله وابن أبي شيبة وعبد الرزاق كلهم عن عطاء وأقرب الأسانيد سند عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها فقال أتردين عليه حديقته التي أصدقك قالت نعم وزيادة قال أما الزيادة فلا وأخرجه الدار قطني كذلك وقال وقد أسنده الوليد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس والمرسل اصح وأخرج عن أبي الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتريدين عليه حديقته التي أعطاك قالت نعم و زيادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت نعم فأخذها وخلى سبيلها اه هـ قال سمعه أبو الزبير من غير واحد ثم أخرج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(4/217)
عليه وسلم قال لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد ورواه من طريق آخر وسماها فيه حبيبة بنت سهل ولم يذكر الزيادة وكذا رواه الإمام أحمد وسماها حبيبة بنت سهل الأنصارية وزاد فيه وكان ذلك أول خلع في الإسلام فقد علمت أنه لا شك في ثبوت هذه الزيادة لأن المرسل حجة عندنا بانفراده وعند غيرنا إذا اعتضد بمرسل آخر يرسله من روى عن غير رجال الأول أو بمسند كان حجة وقد اعتضد هنا بهما جميعا وظهر لك الخلاف في اسم المرأة جميلة أو حبيبة أو زينب وفي اسم أبيها عبد الله بن أبي بن سلول أو سلول أو سهل والمسئلة مختلفة بين الصحابة فذكر عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن نفيل أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته أنها اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه فخوصم في ذلك إلى عثمان ابن عفان فأجازه وأمره بأخذ عقاص رأسها فما دونه وذكر أيضا عن ابن جريح عن موسى بن عقبة عن نافع أن عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من زوجها من كل شيء لها ومن كل ثوب حتى نقبتها وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفعت إليه امرأة نشزت على زوجها فقال اخلعها ولو من قرطها ذكره حماد بن سلمة عن أيوب عن كثير بن أبي كثير وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ليث عن الحكم بن عتيبة عن على بن أبي طالب رضي الله عنه لا يأخذ منها فوق ما أعطاها ورواه وكيع عن أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه عن علي أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وقال طاوس لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وأورد أن شرط قبول خبر الواحد أن لا يعارض الكتاب وهذا معارض قوله { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أجيب إذا خص منه شيء أو عورض بنص آخر مثله خرج عن القطعية في الحكم فيجوز تخصيصه بخبر الواحد مع أن هذا الحديث إن كان معارضا لنص فهو موافق لآخر وهو قوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا } فكان في الحقيقة معارضة الكتاب بالكتاب فجاز التمسك به لأنه موافق لأحد النصين وفيه نظر لما قدمنا من أن النهي عن الأخذ في هذه الآية مقيد بنشوزه وحدة وإطلاق الأخذ منها قيد بنشوز كل منهما على الآخر فلا تعارض فلا تخصيص لأن مورد العام غير صادق على مورد كورد الخاص ليكون خلاف حكمه في بعض متناولاته تخصيصا لا يقال أخذ الزيادة أيضا غير متناول المطلقة لأنها في نشوزهما ونشوزها وحدها ليس نشوزهما لأنا نقول تثبت إباحة أخذ الزيادة في نشوزها وحدها بطريق أولى كما بينا وعلى هذا فيظهر كون رواية الجامع أوجه نعم يكون أخذ الزيادة خلاف الأولى ويكون محمل منعه صلى الله عليه وسلم ثابتا من أن يزداد الحمل على ما هو الأولى وطريق القرب إلى الله سبحانه والله أعلم قوله ولو طلقها الخ صورته أن يقول أنت طالق على ألف
____________________
(4/218)
أو بألف أما لو قال وعليك ألف فقبلت يقع الطلاق ولا يلزمها المال عنده خلافا لهما وسيأتي وقوله فقبلت وقع الطلاق أي غير متوقف على الأداء ولزمها المال فيطالبها به إن كانت حرة أو أمة اختلعت بإذن سيدها حتى تباع فيه وإن اختلعت بغير إذنه لا تطالب إلا بعد العتق وهذا بناء على جعل على للشرط واعتبار الفعل القدر القبول لا الأداء كما ذكره المصنف حيث قال وقد علقه بقبولها والمعين لذلك ذكره في مقام المعاوضة وفي المعاوضات يتعلق الحكم بالقبول لا الأداء وإلى هنا يتم التقرير ولا بد من كون القبول في المجلس وزاد في النهاية قوله ولو قلنا بتعليقه بالأداء كانت كلمة على للشرط المحض وهي إنما كانت كذلك في غير المعاوضات كما في قوله أنت طالق على أن تدخلي الدار يعني أن تعليقة بالأداء يخرج إلى أن المعنى إن أديت فأنت طالق وهو الشرط المحض وهو مضر في المفاوضات لا ستلزامه تعليق البيع على أداء الثمن ونحوه وقد يقال إن ذلك جائز في المعاوضات المحضة أما الخلع فليس محض معاوضة لما عرف من أنه يمين من جانبه أو الجانبين فليست هذه الزيادة محتاجا إليها في التقرير لاستغناء الدليل عن ذلك واعلم أن تعليق الوقوع بقبولها بحيث ينزل بمجرد هو فيما يتحقق فيه التحقيق أما فيما يحتمل فلا فلذا اختلفت فيما إذا قال خلعت نفسك مني بكذا فقالت قبلت قيل يصح مطلقا وقيل لا يصح مطلقا وقال الفقيه أبو جعفر ينوي الزوج إن أراد به التحقيق دون السوم يصح وهو المختار للفتوى قوله لما بينا يعني قوله ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها قوله وهي النفس أنث ضمير الآخر وهو مذكر لتأنيث اسمه الآخر أعني النفس قوله وإن بطل العوض في الخلع الخ حاصلة أنه إذا شرط في الفرقة عوضا غير متقوم
____________________
(4/219)
حتى بطل فإما أن يكون موقعا بلفظ الخلع أو الطلاق ففي الخلع يقع بائنا وفي الطلاق يقع رجعيا إن كانت مدخولا بها وهي دون الثلاث وترك المصنف التقييد بهما لاشتهار الحال في الطلاق الثلاث وطلاق غير المدخول بها بحيث لا يكاد يخفى على أحد وفيهما معا لا يجب شيء للزوج وجه الحكم الشامل أن ملك النكاح في الخروج غير متقوم ولذا لا يلزمه شيء في الطلاق إجماعا وإباحة الافتداء ليس وضعا لتقومه شرعا وإلا لتعينت القيمة ولو بالنوع كمهر المثل فإذا سمى غير المتقوم في غير المتقوم كان راضيا بسقوطه مجانا وجه الافتراق أن لفظ الخلع الكنايات التي لها دلالة على قطع الوصلة لأنه من خلع الخلف والنعل والقميص وقدمنا أن الكنايات عوامل بحقائقها كما أفاد حقيقتة منها قطع الوصلة كان الوقع به بائنا ومالا فرجعي ولفظ الخلع من الأول بخلاف لفظ اعتدى واستبرئي رحمك وأنت واحدة على ما سلف فإما يقع بها رجعى ولفظ الطلاق صريح لا يقتضي البينونة ولو لا ثبوت هذا الاعتبار عندنا في الكنايات لقلنا بالرجعي فيها كقول مالك و أحمد والشافعي يخالفنا في الاعتبار في الكنايات على ما أسلفناه فيها وقال هنا إن الواقع بائن بناء على أنه يوجب فيه رد مهر مثلها قياسا على بطلان العوض في المهر وهو ضعيف لأنه مع الفارق فإن الشارع جعل البضع متقوما حالة الدخول حتى لو سكتا عن المهر لزمت قيمته وهي مهر المثل ولم يجعله متقوما حالة الخروج لما بينا فلم يلزم من بطلان العوض لزوم القيمة وفي كتب المالكية لو خلعها على حلال وحرام فخمر ومال صح ولا يجب له إلا المال قيل هو قياس قول أصحابنا وهو صحيح وفي جوامع الفقه خالعها على عبد نفسه لا يلزمها شيء لأنه مال لا تستحقه بحال وعرف مما قررنا أن اقتصاره على قوله لأنه من الكنايات لا يستلزم البينونة قوله بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه لأنها سمت ما هو مال وهو ليس بمال فيصير مغرورا فيرجع عليها فعند أبي حنيفة ترد مهرها و عندهما مثل كيل الخمر خلا وسطا كما في الصداق على ما تقدم في باب المهر ولو علم الزوج بكونه خمرا لا شيء له قوله وبخلاف ما إذا كاتب أو أعتق على خمر أو نحوه مما هو مال لكنه ساقط التقوم واحترز به عما لو كاتب على ميته أو دم فإن الكتابة حينئذ باطلة حتى لو أدى الميتة أو الدم لا يعتق وههنا فاسدة فلو أدى الخمر عتق وعليه قيمة نفسه لأن ملك المولى فيه متقوم ولهذا لا يجوز اشتراط بدل العتق على الأجنبي كثمنه ابتداء وما رضي بزواله مجانا لأنه لو رضي لنجز عتقه ابتداء فتسمية مال غير متقوم لا يستلزم رضاه
____________________
(4/220)
بلا عوض والعتق لا يتوقف بعد وجوده فينزل ولا يكمن دفعه ولا إيجاب المسمى لفساده ولا وقوعه بلا بدل لما ذكرنا فيجب عليه رد ما احتبس عنده من ملك المولى وهو قيمة نفسه لأنه إذا تعذر البدل في موضع لزومه تجب قيمة المبدل ولقائل أن يقول أن عنى بكون العبد متقوما عند الخروج أو حالة البقاء لزوم قيمته عند خروجه شرعا فممنوع وإن عنى إمكان الاعتياض فالبضع كذلك حالة الخروج فلا يفيد هذا الفرق في الرجوع بينهما في تسمية الخمر والخنزير والجواب المراد أمر ثالث وهو كونه له قيمة في الواقع بان الشرع قوم أو لا ببيع أو هبة وليس هذا في البضع حالة الخروج قوله والفقه فيه أي في لزوم تقومه عند الدخول دون الخروج أنه أي البضع شريف فلم يشرع تملكه إلا بعوض فأما الإسقاط فنفسه شرف أي يحصل به الشرف البضع للتخلص به من المملوكية فلا حاجة إلى إيجاب المال إذ لم يجب إلا هذا الغرض وهو حاصل هنا بدونه قوله وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع ولا ينعكس كليا فالصادق بعض ما جاز بدل خلع جاز كونه مهرا والبعض لا كالأقل من العشرة وما في يدها وما في بطن عنمها وما في بطن جاريتها يجوز وله ما في بطونها ولا يجوز مهرا بل يجب مهر المثل والفرق أن ما في البطن ليس مالا في الحال بل في المآل فكان تعليقا بالانفصال من البطن وأحد العوضين وهو الطلاق هنا يقبل التعليق فكذا الآخر أعني المال ولا يقبله ما يقابل المال هناك وهو ملك النكاح فكذلك عوضه الآخر ولو لم يكن في بطونها شيء حالة الخلع فلا شيء له وما حدث في البطن بعد الخلع لها لا له لأنها غير غارة إذ ما في البطن لم يتعين كونه مالا إذا ظهر لجواز كونه ريحا أو ميتة فلا يلزمها شيء ويصح التأجيل في بدل الخلع مع جهالة مستدركة كالحصاد والدياس لا الفاحشة كالمطر وهبوب الريح والميسرة وحيث لا يصح التأجيل يجب المال حالا وهذا لأنه لما كان إسقاطا حتى جاز تعليقه وخلوه من العوض بالكلية وكان مما يجري فيه التسامح جاز المجهول وإلى الأجل المجهول المستدرك الجهالة وعلى هذا الأصل يجوز اختلاعها على زراعة أرضها وركوب دابتها وخدمتها على وجه لا يلزم خلوته
____________________
(4/221)
بها أو خدمة الأجنبي لأن هذه تجوز مهرا وفي الخلاصة قالت طلقتنى على أن أؤخر ما لي عليك فطلقها فإن كان للتأخير غاية معلومة صح به التأخير وإن لم يكن لا يصح والطلاق رجعي على كل حال وكذا لو طلقها على أن تبرئه عن الكفالة التي كفل بها لها عن فلان فالطلاق بائن انتهى كأنه لأن الأول ليس فيه مال لأن مطالبتها به لا تسقط بل تتأخر بخلاف الثاني لتحقق سقوط المال أو مطالبتها إياه به قوله أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم وهو البضع حالة الخروج بخلافه حالة الدخول فإنه متقوم وعن هذا جاز تزويج الأب ابنه الصغير على مال الصغير ولم يجز أن يخلع ابنته الصغيرة على مالها ولو تزوج المريض بمهر مثلها ينفذ من جميع المال ولو اختلعت المريضة يعتبر من الثلث فيكون له الأقل من ميراثه منها ومن بدل الخلع إذا كان يخرج من الثلث وإن لم يخرج فله الأقل من الإرث والثلث قوله لأنها لم تغره بتسمية المال لأن ما في يدها قد يكون متقوما وقد يكون غيره فكان بذلك راضيا إن لم يكن مالا أو كان ومثل هذا قولها على ما في بيتي أو ما في بيتي من شيء وليس فيه شيء لا يلزمها شيء لأن الشيء يصدق على غير المال فإن كان فيه شيء حال قولها فهو له كله ولو قالت على ما في بيتي من متاع وليس مال يرجع عليها بمهرها للغرور والوجه ظاهر في الكتاب وقوله لا وجه إلا إيجاب المسمى أي ما سمته المرأة وهو المال وقيمته للجهالة قيل عليه يجب أن يلزمها ما يصدق عليه اسم المال وأقله درهم لما
____________________
(4/222)
عرف الإقرار وهو مذهب احمد رحمه الله والجواب أن الجهالة توجب الفساد ولأن كون أقل ما هو مال درهما ممنوع قوله لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة فإن قيل هذا في قولها درهم ظاهر أما في المحلى فينبغي أن يلزمها درهم لبطلان الجمعية باللام إلى الجنسية وهو يصدق بالفرد فينبغي أن يلزمها درهم فالجواب أن ذلك عند عدم إمكان العهدية فأما إن أمكن اعتبر كونه المراد وهو كذلك هنا فإن قولها على ما في يدي إفاد كون المسمى مظروفا بيدها وهو عام يصدق على الدراهم وغيرها فصار بالدراهم عهد في الجملة من حيث هو مما صدقات لفظة ما وهو مبهم ولفظة من وقعت بيانا ومدخولها وهو الدراهم هو المبين لخصوص المظروف فصار كلفظ الذكر في قوله تعالى { وليس الذكر كالأنثى } للعهد لتقدم ذكره في قوله ما في بطني محررا وإن كان يخالفه في كون مدخول اللام هنا واقعا بيانا للمعهود بخلاف في وليس الذكر كالأنثى لأن المراد بلفظ ما فيه متعين لأن المنذور للبيعة إنما هو الذكر ولأنه لا يكون للجنس إلا عند إمكان الاستغراق لا عند عدمه ولذا يكون للجنس لا أشترى العبيد لإمكان الاستغراق في النفي دون لأشترين العبيد لعدم الإمكان فيحنث بشراء عبد واحد بالأول ولا يبر بشراء عبد في الثاني بل بشراء ثلاثة وبهذا التقرير تبين لك أن من لبيان الجنس لا صلة كما ذكره المصنف ألا ترى إلى صدق ضابطها وهو صلاحية وضع الذي موضعها موصولا بمدخولها حال كونه خبر
____________________
(4/223)
المبتدأ الذي هو ضمير المبهم هكذا ما في يدي الذي هو الدراهم كقوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } لصدق الرجس الذي هو الأوثان اللهم إلا أن يكون له في لفظ الصلة اصطلاح وما قبل إن تعين الثلاثة فيما إذا لم يكن في يدها شيء لأن البضع محترم فلا بد من عدد معتبر وهو الثلاثة دفع بأنه فرع تقوم البضع في الخروج وهو منتف وفيه نظر لأن المراد أنه لما لزم المال من قولها على ما في يدي من الدراهم وكان البضع محترما فالظاهر أن يراد ببدل إسقاط الملك عنه ما هو معتبر والدرهم الواحد وإن صدق عليه الجنس الذي صار إليه الجمع غير ذي خطر ولذا لم يقطع العضو به بخلاف الجمع فإنه ذو خطر وهو من محتملات الجنس كالفرد فيحمل عليه حملا لا دلالة بالمعين المذكور كما أنه يحمل على الفرد بمعين لكونه المتيقن عند عدم ما يعين غيره قوله على أنها بريئة يعني إن وجدته سلمته وإلا فلا شيء عليها قوله وعليها تسليم عينه الخ هذا فرع صحة التسمية وإنما صحت في الخلع لأن مبناه على المسامحة بسبب أنه اعتياص عن غير مال فالعجز عن تسليمه لا يفضي إلى المنازعة في القيمة فتدفع وكذا لو خالعها على عبد الغير صحت ووجب تسليمه إن رضي سيده وإلا فقيمته وهذا بطريق أولى لأنه يجوز التزوج على عبد الغير و حكمه كذلك فالخلع عليه أولى بخلاف البيع لأن مبناه على المشاححة فالعجز يفضي إليها وهو لم يشرع إلا لقطعها فلا يجوز تسمية الآبق فيه وبخلاف ما إذا خالعته على دابة وعلى أن تزوجه امرأة وتمهرها عنه يصح الخلع لا التسمية فيرجع بمهرها لأن الجهالة متفاحشة لاختلاف الأجناس فلا يمكن أيجاب شيء مسمى بعينه ولا قيمته بخلاف ما نحن فيه لأنه يمكن تسليمه أو قيمته وغاية الأمر أن يكون كتسمية عبد وسط فإذا صحت التسمية أوجبت تسليم المسمى فاشتراط البراءة عن ضمانه باطل لأنه اشتراط عدم البدل في عقد المعاوضة وهو اشتراط عدم حكمه فيبطل هذا الشرط بخلاف اشتراط البراءة من عيب العوض لأنه يصح وإن
____________________
(4/224)
كان مقتضى العقد يوجب سلامته كما يوجب أصله لأن وجوب سلامته تبع لوجوبه فوجوب أصله هو مقتضى العقد ثم يجب كونه سليما لأن وجوب مطلق الشيء يقتضي كماله لأن المعيب فائت من وجه فكان الموجب الأصلي هو العيب فاشتراط نفيه اشتراط نفي نفس مقتضاه بخلاف اشتراط كونه معيبا لأنه إثباته ثم إسقاط بعض الحقوق التابع وجوبها لوجوبه وذلك لا يخل بإثبات مقتضاه أو نقول السلامة إنما هي مقتضى العقد الذي لم يشرط فيه عدمها وهو المطلق لا غيره بخلاف أصل البدل فإنه حكم كل عقد مطلقا ولو اختلعت على عبد بعينه فمات في يد الزوجة فعليها قيمته ولو كان مات قبل الخلع رجع عليها بالمهر الذي أخذته لأنها غرته بتسمية العبد ولو كان حيا فاستحق لزمها قيمته لأنه تعذر تسليمه مع بقاء السبب الموجب لتسليمه ذكره شمس الأئمة ويجب في صورة ما إذا كان مات قبل الخلع إن كان الزوج علم بذلك أن لا يجب له شيء كما قدمنا عليها بقيمته كالاستحقاق وكذا لو كان وجب قطع يده فقطع عند الزوج رده وأخذ قيمته قوله فطلقها واحدة أي في المجلس حتى لو قام فطلقها لا يجب شيء قوله فعليها ثلث الألف وبه قال الشافعي وعن مالك تقع بالألف وعند أحمد تقع بغير شيء والدعوى موقوفة على إثبات التلازم بين طلبها الثلاث بألف وطلب الواحدة بثلثه فأثبته بقوله إن الباء تصحب الأعواض باتفاق والعوض ينقسم على المعوض بالضرورة وإلا لخلا بعضه عنه فيكون بعضه بلا عوض لكن الغرض أن لا تبرع بشيء منه لكن لازم هذا جعل كل طلقة بمقابلة ثلث الألف والمطلوب وهو طلب كل طلقة بثلثه لازمه لأنه إذا كان العلم محيطا بالانقسام في نفس الأمر يكون طلب الجملة بعوض طلب كل جزء منه بكل جزء منه لكن يبقى فيه أنه إنما هو طلب الطلقة بحصتها حال كونها مع الطلقتين الأخريين لا منفردة فإيقاعه الواحدة فقط إيقاع غير المسئول فيقع بغير شيء وهو وجه قول الإمام أحمد فلذا رتب في الكافي الدعوى على اللازم الأول وهو جعلها كل طلقة بثلثها وجعله نظير من يقول لغيره بع هؤلاء العبيد الثلاثة بألف فباع أحدهم بثلثها يجوز باعتبار أنه تحصيل بعض المقصود كذا هذا بل أولى فإن مقصودها الأصلي ملكها نفسها بقطع ملكه غير انها ذكرت إحدى صورتي ذلك وهو الثلاث بعد علمها بحصة كل منها فإبانتها بواحدة تحصيل أصل المقصود في صورة أخرى فهو أولى بجوازه بحصتها بخلاف عدم الجواز في قوله بعتك هذه الأعبد الثلاثة بألف كل واحد بثلثها فقبل في واحد لا يجوز على قول أبي حنيفة فإنه لمانع وهو تفريق الصفقة فإنه ضرر على البائع لأن عادة التجار ضم الجيد إلى الرديء في الصفقة ليروجوا الرديء فالقبول
____________________
(4/225)
في بعضها إلحاق الضرر به وبخلاف ما لو قال لها أنت طالق ثلاثا بألف فقبلت في واحدة لا يقع شيء ولا يجب شيء لأن الزوج هناك راض بالبينونة مقابلا بثلث الألف حيث كان الإيقاع منه وفي هذه لم يرض بها إلا وأن يكون بإزائها ألف ولم يوجد منه بعد الإيجاب ما يدل على الرضا ولو قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها ثلاثا متفرقة في مجلس واحد استحق الألف استحسانا وفي الذخيرة قالت طلقني ثلاثا على ألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة يلزمها الألف لأنها التزمته بإزاء الحرمة الغليظة وفي المرغيناني لو قال أنت طالق أربعا بألف فقبلت طلقت ثلاثا بألف ولو قبلت الثلاث بالألف لم يقع وفي الخلاصة قبيل الفصل الرابع في الأمر باليد عن أبي يوسف لو قالت طلقني أربعا بألف فطلقها ثلاثا فهي بالألف ولو طلقها واحدة فبثلث الألف قوله وهذا لأنه للزوم حقيقة واستعبر للشرط يبين أن قوله قبله إن كلمة على للشرط مراده مجازا وفي النهاية لا يتم تعليل أبي حنيفة إلا على تعليل المبسوط حيث ادعى أنها للشرط حقيقة لأنه على تقدير كونها مستعارة للشرط لهما أن يقولا لم صارت تلك الاستعارة أولى من استعارتها لمعنى الباء بل استعارتها لمعنى الباء أولى لأن حقيقتها الإلزام بالاتفاق والمناسبة بين الإلصاق واللزوم أكثر منها بين الإلزام والشرط ثم نقل ما في المبسوط أنها للشرط حقيقة وهو ممكن هنا إذ الطلاق مما يتعلق به فيجب اعتبارها فيه إذ لا يعدل إلى المجاز مع إمكان الحقيقة والحق أن يقال إنها حقيقة للاستعلاء إذا اتصلت بالأجسام المحسوسة كقمت على السطح والعتبة وجلست على
____________________
(4/226)
الأرض و البساط ومسحت على رأسي وهو محمل إطلاق أهل العربية كونها للاستعلاء وفي غير ذلك هي حقيقة في معنى اللزوم الصادق في ضمن ما يجب فيه الشرط المحض نحو قوله { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } أي بشرط ذلك ونحوه أنت طالق على أن تدخلي الدار وما يجب فيه المعاوضة الشرعية المحضة كبعني هذا على ألف واحمله على درهم والعرفية كافعل كذا على أن أنصرك أو أعطيك أو أشفع لك عند فلان و المحل المتنازع فيه مما يصبح فيه كل من الأمرين لأن الطلاق مما يتعلق على الشرط المحض والاعتياض به ولا مرجح وكون مدخولها ما لا يرجح معنى الاعتياض فإن المال يصح جعله شرطا محضا حتى لا تنقسم أجزاؤه على أجزاء مقابله كما لو قالت إن طلقتني ثلاثا فلك ألف حتى لا يكون شيء من الطلقات مقابلا بشيء بل المجموع ينزل عند المجموع كما يصح جعله عوضا منقسما كما في ألف فعلى اعتبار المعاوضة ثلث الألف بالطلقة وعلى اعتبار الشرط لا إذ الشرط لا تتوزع أجزاؤه على أجزاء المشروط بل مجموعه مجعول علامة على نزول كله فدار الأمر بين لزوم ثلث الألف وعدمه فلا يلزم بالشك ولا يحتاط في اللزوم إذ الأصل فراغ الذمة حتى يتحقق اشتغالها وعلى هذا التقرير يكون لفظا مشتركا بين الاستعلاء واللزوم وكونه لا يوجب التوقف عند إطلاقه كما في المشتركات لا ينفيه إذ غايته أنه للزوم القرينة المعينة لأحد المفهومين وهو خصوص المادة أعني كون مدخولها جسما محسوسا أو غيره وكون المجاز خيرا من الاشتراك هو عند التردد أما عند قيام دليل الحقيقة وهو التبادر بمجرد الإطلاق فلا ولا شك أن الاشتراك واقع وليس إلا لدليله على أنه لو سلم دعوى أن المعنى الحقيقي هو الاستعلاء والمجازى اللزوم ليس بأولى من القلب وكون ذلك قول أهل العربية لا يرجحه لأن أهل الاجتهاد هم أهل العربية وغيرها وأحد من الكل لا ينقل عن الواضع أن المعنى الحقيقي كذا بل ليس حكمهم به إلا بناء على ما رأوه متبادرا عند الإطلاق لأهل اللسان ونحن أوجدناك تبادر اللزوم في ذلك النوع كما يتبادر الاستعلاء في الآخر وهذا ولو تنزلنا إلى كونه في اللزوم مجازا لم يضرنا في المطلوب فنقول لما تعذرت الحقيقة أعني الاستعلاء كان في المجازي أعني اللزوم وهذا المعنى كلي صادق مع ما يجب فيه الشرطية وما يجب فيه المعاوضة إلى آخر ما قلناه بعينه قوله ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف تقدم وجه الفرق بين ابتدائها وابتدائه قوله ولو قال أنت طالق إلى قوله ولا بد من القبول لو قال أنت طالق بألف أو على ألف
____________________
(4/227)
أو خلعتك أو بارأتك أو طلقتك بألف أو على ألف يقع علي القبول في مجلسها وهو يمين من جهته فيصح تعليقه وإضافته ولا يصح رجوعه ولا يبطل بقيامه عن المجلس و يتوقف على البلوغ إليها إذا كانت غائبة لأنه تعليق الطلاق بقبولها المال وهو من جهتها مبادلة فلا يصح تعليقها وإضافتها ويصح رجوعها قبل قبول الزوج ويبطل بقيامها أما تعليقه بالقبول فلأن الباء للمعاوضة وقدمنا أن في المعاوضات يتعلق الحكم بالقبول وكذا على عندهما فلا إشكال وعنده هي للشرط فلا بدمن تقدير فعله فهو اما القبول أو الأداء ويتعين القبول بدلالة الحال وهو قصد المعاوضة فان قلت فلم لم تعتبر جهة المعاوضة في قولها طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة على قوله وكان يجب ثلثها فالجواب صلاحية هذا القدر لكونه قرينة معينة للشرط أنه القبول أو الأداء بعد لزوم إرادة أحدهما لا يستلزم لزوم جعله موجبا لأصل المال من غير أن يثبت لزومه بل قالوا ما هو أبلغ من هذا وهو لو قال أنت طالق على أن تعطيني ألفا تعلق بالقبول مصرح به في جواب الرواية من كتب محمد أما لو قال إذا أعطيتني أو إذا جئتني بألف فلا تطلق حتى تعطيه للتصريح بجعل الإعطاء شرطا بخلافه مع حتى إنه إذا كان على الزوج دين لها وقعت المقاصة في مثله في مسئلة على أن تعطيني دون إن أعطيتني إلا أن يرضى الزوج طلاقا مستقبلا بألف لها عليه وذلك لأنه يقال على أن تعطيني منك كذا ويراد قبوله في العرف قال تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } أي حتى يقبلوا للإجماع على أن بقبولها ينتهي الحرب معهم هذا ثم في قوله إن أعطيتني يشترط الإعطاء في المجلس لوقوع الطلاق وفي قوله إذا أو متى أعطيتني لا حاجة إلى الإعطاء في المجلس وهذا يبين أن معنى المعاوضة ملاحظ وإن ذكر بصريح الشرط وسنذكر نحوه من مختصر الحاكم وأما الثاني وهو اشتراط مجلسها فلأنه معاوضة من جانبها حتى صح رجوعها إذا أبتدأ قبل قبول الزوج ولا يصح تعليقها ولا إضافتها والمبادلات تستدعي جوابا في المجلس فإذا لم تجب حتى قامت لم يعتبر قبولها إذا ذاك وفي جانبه هو يمين على ما سنذكره فرع قال لأجنبية أنت طالق على ألف إن تزوجتك فقبلت ثم تزوجها لا يعتبر القبول إلا بعد التزوج ولم يحك خلافا في جوامع الفقه وغيره جعل هذا قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف إذا قبلت عند قوله ثم تزوجها طلقت والحق قول أبي حنيفة لأنه خلع بعد التزوج فيشترط القبول بعده قوله ولو قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف أو لعبده أنت حر وعليك ألف أو قالت هي أو العبد طلقني أو أعتقني ولك ألف ففي ابتدائه
____________________
(4/228)
يقع الطلاق والعتق بمجرد ذكرهما ولا شيء له قبلا اوردا وفي الثاني يقع إذا أجاب ولا شيء له وقالا لا يقع شيء ما لم يقبلا فإذا قبلا وقع و لزمهما المال لهما أن هذا الكلام يقع لقصد المعاوضة حتى إن قوله للخياط خطه ولك درهم وللحمال أحمله ولك درهم يفيدها ويلزم المسمى المعلوم بإرادة تسبب الخياطة والحمل لكنه ترك لإحاطة العلم بإرادته وطريقة إفادة اللفظ لذلك أن تجعل الواو للحال فعنده الحاصل أنت طالق أو خطه في حال وجوب الألف لي عليك أو لك علي ولا يتحقق هذا الحال إلا بقبوله فعنده يثبت شرط الطلاق إذ الأحوال شروط فيقع عقيبه ولزم المال فإن قيل إنما عرف ذلك للعلم بالمعاوضة لدلالة الحال عليه ولا كذلك ههنا قلنا الخلع أيضا معاوضة وله أن قوله وعليك وقولهما ولك ألف جملة تامة والأصل في الجملة التامة أن تستقل بنفسها فلا يعتبر فيها ما اعتبر فيما قبلها من القيود ولذا لو قال إن دخل فلان الدار فأنت طالق وضرتك طالق تطلق الضرة للحال إلا بقرينة تفيد مشاركتها فيه كما في قوله إن دخلت فأنت طالق وعبدي حر فإن العتق يتعلق أيضا بالدخول لأن قوله وعبدي حر وإن كان تاما إلا أنه في حق التعليق قاصر لأن الخبر الأول لا يصلح خبرا له بخلاف مسئلة الضرة لأنه يكفيه أن يقول وضرتك إن كان غرضه التعليق لأن خبر الأول يصلح خبرا له ولا دلالة هنا لأن الطلاق و العتاق لم يلزم فيهما المال ومع عدم اللزوم فالكرام يأبون قبول بدلهما أشد الإباء بخلاف الإجارة لأنها لم تشرع إلا معاوضة فلا بد فيها من المال حتى لو قال للخياط خطه مقتصرا لزم إذا خاطه أجرة المثل فوجب بقاء الواو على المعنى الحقيقي وهو العطف فيكون الزوج بعد الإيقاع عطف أخرى هي دعوى
____________________
(4/229)
مال عليهما أبتداء وفي قولهما ولك ألف إيجاب صلة مبتدأة وعدا منهما والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم فيبقى الطلاق والعتاق فيهما بلا بدل بخلاف قوله إد إلى ألفا وأنت حر لأن أول كلامه غير مفيد حكما معتبرا إلا بآخره إذ لا معنى لأمره بأدائها من غير موجب والقرينة في حق العبد لا تبلغ هذا فيصير به تعليقا للعتق بأداء المال فيتوقف الوقوع عليه أما هذا فأول الكلام مفيد بدون آخره منه ظاهر وكذا منها لأنه التماس صحيح كثيرا ما يفرد ذكره فلا يتوقف على مضمون آخره واعلم أن جعلهم الواو للعطف يستلزم عطف الخبر على الإنشاء وهو ممتنع على ما ذكروه في الأصول فيجب أن يكون واو الإستئناف وحينئذ إن ادعى أنها حقيقة فيه تبادر إليه المنع فيحتاج في ترجيحه على الحال إلى دليل والجواب أن احتمال الواو للحل والإستئناف حاصل و بأحدهما يلزم المال بالآخر لا فلا يلزم بالشك على أنا نمنع كون جملة أنت طالق إنشائية وكذا أنت حره وقدمنا في باب إيقاع الطلاق الدلالة على أنها خبرية والطلاق يقع عنده شرعا بالتطليق الثابت ضرورة فارجع إليه قوله فقبلت إي الطلاق على حكمه من التزام المال و الخيار فالخيار باطل إذا كان للزوج فبمجرد قبولها ذلك يقع الطلاق ويلزمها المال وهو جائز إذا كان للمرأة فلا يقع بقبولها حتى تسقط الخيار أو تمضي الأيام فإذا كان ذلك وقع ولزمها المال فإن ردت الخيار في الأيام يبطل الطلاق ولزوم المال وهذا التفصيل كله عند أبي حنيفة ولا يخفى أن العبارة الجيدة أن يقال فإن ردت اختيار الطلاق بأن قالت لا اختار الطلاق وعبارة قاضيخان فأن ردت الطلاق وقالا الخيار بالوجهين باطل والطلاق واقع بمجرد قبولها و عليها المال وجه قولهما أن الخيار للفسخ بعد الانعقاد لأنه لم يشرع إلا في عقد لازم كالبيع والكتابة لا للمنع من الانعقاد والتصرفان أعني إيجابه وقبولها لا يحتملان الفسخ من الجانبين أي لا منه ولا منها لأنه في جانبه يمين إذا حاصله تعليق الطلاق بقبولها المال وفي جانبها شرطه أي شرط هذه اليمين بتأويل الحلف فإذا قبلت كان ذلك
____________________
(4/230)
وجود الشرط وشرط اليمين إذا وجدت لا يتصور فسخها فتعذر فسخها ولم يمكن جعل الخيار مانعا من الانعقاد لما مر فيبطل من الجانبين وإذا بطل انبرم ما شرط فيه وله أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع يعني معاوضة ولذا صح رجوعها عنه إذا ابتدأت قبل أن يقبل هو ولا يتوقف على ما وراء المجلس بالاتفاق بيننا حتى لو قامت فقبل هو أو قامت ثم قبلت فيما إذا كان هو المبتدى لا يصح ولو ذكرته بصريح الشرط في الكافي للحاكم أبي الفضل إذا قالت إن طلقتني ثلاثا فلك علي ألف فإن فعل في المجلس فله الألف وإن فعله بعده فلا شيء له وفي جانبه يمين كما قالا حتى لا يصح رجوعه بعد قوله أنت أو هي طالق على كذا أو بكذا ويتوقف على ما وراء المجلس فلا يبطل إلا أن ينقضي مجلس خطابها أو مجلس بلوغها الخبر قبل أن يقبل ويصح تعليقه وإضافته حتى لو قال إذا جاء غد فقد خالعتك على ألف أو فقد طلقتك على ألف وقبلت في الغد في مجلس علمها وقع ولزمها المال ولا يصح قبولها قبل الغد لأن نفس الإيجاب معلق بالشرط وهو عدم قبله ولا يصح القبول قبل الإيجاب ولا خيار في الأيمان فبطل خياره ويصح في البيع فيصح خيارها وكونه شرط يمينه لا يبطل حقيقته في نفسه ألا ترى أنه لو قال إن بعتك هذا فعبدي حر يكون نفس البيع شرط يمينه حتى يعتق بوجوده ولم يبطل به كونه معاوضة مستلزمة لحكمها من وجوب التسليم والرد بالعيب و بالخيار بخلاف ما لو قال إن دخلت فأنت طالق على أنك بالخيار لا يصح لأنه خيار في الطلاق لا معاوضة فإن قيل ثبوت الخيار في البيع بالنص على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره فالجواب أنا أثبتناه هنا بدلالة النص فإن ثبوته في البيع لدفع الغبن في الأموال والغبن في النفوس أضر والحاجة إلى التروي فيه أكثر فإنه ربما يفوتها هذا الازدواج على وجه لا يحصل مثله لها أبدا وهذا المعنى يقف عليه كل لغوي بعد علمه بشرعيته في البيع فكان بدلالة النص قوله وجانب العبد في العتاق أي على مال كجانبها في الطلاق فيصح فيه شرط الخيار له إذا قال أنت حر على ألف على أنك بالخيار ثلاثة أيام
____________________
(4/231)
فرع من صور تعليق الخلع أن يقول إن دخلت الدار فقد خلعتك على ألف فترضيا عليه ففعلت صح الخلع ذكره في علامة السين من التجنيس لأن التعليق من الزوج يجوز لأنه طلاق وهذا يفيد أن قبولها قبل الشرط وفي الوجيز إذا قال إذا قدم فلان فقد خالعتك على ألف وإذا جاء غد الخ كان القبول إليها بعد مجيء الوقت وقدوم فلان قوله فالقول قول الزوج أي مع يمينه وحقيقة الفرق بين الصورتين أن قوله طلقتك أمس على ألف إقرار بمجرد اليمين لا بوقوع الطلاق إذ هو لازم وجود الشرط لا لازمه و الموجود بعد هذا منه ومنها اختلاف في وجود الشرط وهي تدعيه لتثبيت الطلاق وهو منكر غير مناقض إذ لم يقتض إنكاره القبول رجوعه عن شيء مما أقر به والقول للمنكر بخلاف قوله بعتك فإنه إقرار بقبول المشتري إذ البيع لا يقوم إلا به فإنكاره قبوله رجوع عما أقر به فلا يقبل حتى لو كان قال لها بعتك طلاقك أمس تقبلي فقالت بل قبلت كان القول قولها و قوله لعبده أعتقتك أمس على ألف فلم تقبل و بعتك أمس نفسك بألف فلم تقبل على قياس قول الزوج لها ولهذه المسئلة أخوات في كتب محمد رحمه الله تعالى هي قال لها قد طلقتك واحدة بألف فقبلت فقالت إنما سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة فلك ثلثها القول للمرأة مع يمينها فإن أقاما البينة فالبينة بينة الزوج وكذا لو اختلفا في مقدار الجعل بعد الاتفاق على الخلع أو قالت اختلعت بغير شيء فالقول قولها والبينة بينة الزوج أما إذا اتفقا أنها سألته أن يطلقها ثلاثا بألف وقالت طلقتني واحدة وقال هو ثلاثا فالقول قوله إن كانا في المجلس ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق في مجلس سؤالها الثلاث بألف كان له الألف فغاية هذا أن يكون موقعا الباقي في المجلس فيكون مثله وإن كان في غير ذلك المجلس لزمها الثلاث وإن كانت في العدة من المتفق عليه ولا يكون للزوج الا ثلث الألف وإن قالت سألتك أن تطلقني ثلاثا على ألف فطلقتني واحدة فلا شيء لك يعني على قول أبي حنيفة وقال هو بل سألتني واحدة على ألف فطلقتكيها فالقول قولها على قول أبي حنيفة رضي الله عنه وإن قالت سألتك ثلاثا بألف فطلقتني في ذلك المجلس واحدة و الباقي في غيره
____________________
(4/232)
فقال بل الثلاث فيه فالقول لها وإن قالت سألتك أن تطلقني أنا وضرتي على ألف فطلقتني وحدى وقال طلقتها معك وقد افترقا عن ذلك المجلس فالقول لها وعليها وحصتها من الألف والأخرى طالق بإقراره وكذا إن قالت فلم تطلقني ولا هي في ذلك المجلس ومسئلة خلع الثنتين بسؤال واحد تنبيه وهو أنه إذا خلع امرأتيه على ألف كانت منقسمة على قدر ما تزوجهما عليه من المهر حتى لو سألتاه طلاقهما على ألف أو بألف فطلق إحداهما لزم المطلقة حصتها من الألف على قدر ما تزوجها عليه فإن طلق الأخرى في ذلك المجلس أيضا لزمها أيضا حصتها لا أن الألف تنقسم عليهما بالسوية ولو طلقها بعد ما افترقوا فلا شيء له وإذا ادعت المرأة الخلع وأنكره الزوج فأقامت بينة مشهد أحدهما بالألف والآخر بألف و خمسمائة أو اختلفا في جنس الجعل فالشهادة باطلة وإن كان الزوج هو المدعي للخلع والمرأة منكرة فشهد أحد شاهديه بألف والآخر بألف و خمسمائة و الزوج يدعي ألفا و خمسمائة جاز شهادتهما على ألف وإن ادعى ألفا لم تجز شهادتهما ولزمه الطلاق بإقراره وكذا لا تجوز شهادتهما إذا اختلفا في جنس الجعل أيضا الكل من مختصر الحاكم أبي الفضل لكلام محمد رحمه الله ولو اختلفا في مقدار العوض فالقول لها عندنا وعند الشافعي رحمه الله يتحالفان قوله والمبارأة كالخلع بفتح الهمزة مفاعلة من البراءة وترك الهمزة خطأ كذا في المغرب وهو أن يقول بارأتك على ألف و تقبل و قوله يسقطان كل حق إلى آخره مقيد بالمهر والنفقة الماضية إذا كانت مفروضة بخلاف نفقة العدة والسكنى في العدة لا تقع البراءة منهما وإن كان من حقوق النكاح بل للمختلعة النفقة والسكنى إلا أن اختلعت على نفقة العدة فتسقط دون السكنى لأنها حق الشرع وإطلاق جواب المسئلة يقتضي سقوط المهر في جميع الصور سواء سميا شيئا في الخلع أولا
____________________
(4/233)
وليس كذلك وجملته أنهما إما أن لا يسميا شيئا بأن يقول خالعتك فقبلت ولم يذكرا شيئا أو سميا المهر أو بعضه أو مالا آخر فإن لم يسميا شيئا ففيه ثلاث روايات إحداها لا يبرأ الزوج عن المهر حتى تأخذه إن لم يكن مقبوضا والثانية يبرأ كل منهما عنه وعن وعن دين آخر سواه والثالثة يبرأ كل منهما عن المهر لا غير فلا يطالب به أحدهما الآخر وهو الصحيح على قول أبي حنيفة سواء كانا قبل الدخول أو بعده مقبوضا كان أو لا حتى ترجع عليه بشيء إن لم يكن مقبوضا ولا يرجع الزوج عليها به إن كان مقبوضا كله والخلع قبل الدخول وهذا لأن المال مذكور عرفا بالخلع فحيث لم يصرح به لزم ما هو من حقوق النكاح بقرينة أن المراد الانخلاع منه وان سميا المهر فان كان بعد الدخول وليس مقبوضا سقط عنه كله وإن كان مقبوضا رجع عليها بجميعه بالشرط وإن كان قبل الدخول فإن كان مقبوضا ففي القياس يرجع عليها به وبقدر نصفه كله بالشرط ونصفه بالطلاق قبل الدخول حتى لو كان ألفا رجع بألف وخمسمائة وفي الاستحسان بالمقبوض فقط لأن المهر اسم لما تستحقه المرأة وهو نصف المسمى قبل الدخول فيجب عليها رده بالشرط ورد النصف الآخر بالطلاق قبل الدخول لأنها قبضت مالا تستحقه فيجب عليها رده كذا ذكره قاضيخان قيل وينبغي أن لا يجب إلا النصف بالشرط ويسقط الباقي بحكم الخلع كما إذا خالعها على مال آخر قبل الدخول وقد قبضت كل المهر حيث لا يجب عليها رد شيء منه وسيأتي وكما إذا سميا بعض المهر فإنه يجب عليها المسمى بالشرط ويسقط الباقي بحكم الخلع ولكن قد يقال ينبغي أن يجب كل المسمى بالشرط لأن المهر اسم لما صحت تسميته في العقد غير أنه سقط نصفه بالطلاق قبل الدخول واشتراط المهر كله كان قبل الطلاق فينصرف إلى تمامه فإذا كانت قبضته ووقع الطلاق قبل الدخول رجع عليها بكله بالشرط وإن لم يكن مقبوضا ففي القياس يسقط عنه كله ويرجع عليها بخمسمائة لأنه يستحق قدره بالشرط وهى تستحق عليه خمسمائة بالطلاق قبل الدخول فيلتقيان قصاصا بقدره ويرجع عليها بالزائد وفي الاستحسان لا يرجع عليها بشيء أن المهر لما تستحقه وهو خمسمائة فيجب لها ذلك ويجب له مثل ما عليها بالشرط فيلتقيان قصاصا وإن سميا بعض المهر بأن خالعها على عشرة مثلا والمهر ألف فإن كان بعد الدخول وكله مقبوض رجع عليها بمائة بالشرط وسلم الباقي لها وان كان غير مقبوض سقط عنه كله مائة بالشرط والباقي بحكم الخلع وإن كان قبل الدخول وكله مقبوض ففي القياس يرجع عليها بستمائة بالشرط وخمسمائة بالطلاق قبل الدخول وفي الاستحسان يرجع عليها بخمسين لأنه عشر مهرها قبل الدخول و برئت المرأة عن الباقي بحكم لفظ الخلع و على ما بحثناه ينبغي أن يرجع بمائة و إن لم يكن مقبوضا سقط كله استحسانا عشره بدل الخلع و النصف بالطلاق قبل الدخول و الباقي بحكم الخلع و إن سميا مالا آخر غير المهر فإن كان بعد الدخول و المهر مقبوض فله المسمى ليس غير و إن لم يكن مقبوضا فله المسمى و سقط عنه المهر بحكم الخلع و إن كان قبل الدخول و المهر مقبوض فله المسمى و سلم لها ما قبضت ولا يجب عليها رد شيء منه و إن لم يكن مقبوضا فله المسمى بالشرط و سقط عنه المهر بحكم الخلع إذا عرفت هذا جئنا إلى الخلافية وجه قول محمد رحمه الله أن هذه معاوضة و أثر
____________________
(4/234)
المعاوضة ليس إلا في وجوب المسمى لا في إسقاط غيره و صار كما إذا وقع بلفظ الطلاق على مال و لذا لا يسقط دين آخر ولا نفقة العدة و إن كانت من آثار النكاح مع أن النفقة أضعف من المهر و لأبي يوسف أن المبارأة من البراءة فتقتضي البراءة من الجانبين و أنه مطلق في كل دين إلا أنا قيدناه بالواجب بالنكاح لدلالة الغرض فإن الغرض المبارأة من متعلقاته أما الخلع فإنما يقتضي فصلا و انخلاعا و حقيقته تتحقق في حق النكاح غير متوقفة على سقوط المهر و لأبي حنيفة رضي الله عنه أن الخلع صلح وضعا شرعا لقطع المنازعة الكائنة بسبب النشوز الكائن بسبب الوصلة القائمة بينهما بسبب النكاح فتمام تحقق مقصوده بجعله مسقطا لما وجب بسبب تلك الوصلة فيسقط المهر و إلا عاد على موضوعه بالنقص لأن لفظه و لفظ المبارأة يفيد إطلاقهما ذلك في المبارأة كما قال أبو يوسف و لفظ الخلع يفيد انخلاع الكل منهما عن الآخر دون أحدهما بعينه فإنه إذا انخلع أحدهما عن الآخر على وجه الكمال بأن ينخلع من كل وجه انخلع الآخر كذلك و ثبوته على هذا الوجه بسقوط مطالبة كل منهما الآخر بمواجب النكاح بخلاف لفظ الطلاق فإنه ليس فيه ما يدل على سقوط الحقوق الواجبة بالنكاح على أن على رواية الحسن عن أبي حنيفة أن الطلاق على مال كالخلع يسقط به ما يسقط بالخلع و بخلاف دين آخر لأن شرعية الخلع لقطع النزاع الحاصل بسبب وصلة النكاح لا مطلقا و بخلاف نفقة العدة فإنها ليست من مواجب النكاح بل يحدث وجوب تعلقها بعده حتى لو شرطا سقوطها في الخلع سقطت باعتبار ما تستحقه وقت الخلع و الباقي سقط تبعا في ضمن الخلع أما لو لم تسقطها حتى انخلعت ثم أسقطت لا تسقط فإسقاطها حينئذ قصدا لما لم يجب فإنها إنما تجب شيئا فشيئا بخلاف ذلك الإسقاط الضمني و أما السكنى فلما كانت في غير بيت الطلاق معصية لا يصح إسقاطها بحال إلا إن أبرأته عن مئونة السكنى بأن كانت ساكنة في بيت نفسها أو أنها تعطى الأجرة من مالها فإنه يصح حينئذ التزامها ذلك وفي القنية الإبراء وجد بعد وجود سبب النفقة فيصح و إن لم تكن واجبة عنده قيل ما سبق هو الصحيح و ما ذكره في القنية يبطل بالإبراء بعد الخلع فإنه لا يصح لكن في الينابيع لو
____________________
(4/235)
أبرأته عن نفقة العدة بعد الخلع صح قال هكذا ذكره الطحاوي انتهى بخلاف الإبراء منها حال قيام النكاح لأن الإبراء من النفقة المستقبلة لا يصح هذا و لقائل أن يقول الوجه الأول يقتضي سقوط المهر بالطلاق على مال و الثاني يوجب كون لفظ الطلاق مطلقا مسقطا له لأنه يفيد انطلاقها أي المرأة و انطلاقها عن الزوج يوجب مثله في حقه و تحقق حقيقة انطلاق كل منهما عن الآخر على الكمال يقطع مطالبة كل الآخر بمواجب النكاح كما قلنا في الخلع بعينه فالذي يظهر من جهة الدليل ترجيح الوجه الأول و التزام رواية الحسن عن أبي حنيفة في الطلاق على مال أنه أيضا يسقط المهر كالخلع و إلا فالحال ما علمت و لو كان الخلع بلفظ البيع و الشراء أي بأن قال بعتك نفسك بألف فقالت اشتريت اختلف المشايخ في أنه على قول أبي حنيفة رضي الله عنه كالخلع و المبارأة أولا و صحح في الفتاوى الصغرى أنه كالخلع و المبارأة و ترجيح قول محمد رحمه الله تعالى بأنه عقد معاوضة فلا يزداد على ما تراضيا عليه و اللفظ و إن كان ينبئ عن الفصل فالفصل وجد على مقدار رضيا به فكيف يسقط غيره ذهول عن التحقيق فإنه إذا أنبأ عن الانفصال في متعلقات النكاح و اقتضى ذلك أن تسقط مطالبة كل الآخر بالمهر ثم وقع التراضي على إثباته بمال فقد وقع التراضي على إثبات سقوط ملك النكاح و المهر بذلك المال فيثبت بمقتضاه مع ذلك المال بالضرورة
تنبيه لا يسقط المهر بخلع الأجنبي بمال نفسه لأنه لا ولاية للأجنبي في إسقاط حقها ذكره شمس الأئمة و كذا الأمة إذا اختلعت من زوجها بغير إذن المولى يقع الطلاق و لا يسقط المهر بخلاف ما إذا كان بإذنه فيسقط و تباع في بدل الخلع و فيما إذا كان بغير إذنه لا تطالب به إلا بعد العتق و أم الولد و المدبرة في الإذن يؤديان من كسبهما
فروع إذا شرطا بدلا للخلع البراءة من نفقة الولد وهى منوية الرضاع إن وقتا لذلك وقتا كسنة مثلا صح ولزم وإلا لا يصح وفي المنتقى إن كان الولد رضيعا صح وإن لم يبين المدة وترضع حولين 1 هـ بخلاف الفطم وفي الخلاصة امرأة اختلعت من زوجها على مهرها ونفقة عدتها وعلى أن تمسك ولدها منه ثلاث سنين أو عشرا بنفقته صح الخلع ويجب ذلك وإن كان مجهولا يعني قدر النفقة وهذا لما علمت أن الجهالة غير المتفاحشة متحملة في الخلع فإن تركته على زوجها وهربت فللزوج أن يأخذ قيمة النفقة منها ولها أن تطالبه بكسوة الصبي إلا إن اختلعت على نفقته وكسوته فليس لها المطالبة وإن كانت الكسوة مجهولة وسواء كان الولد رضيعا أو فطيما ولو اختلعت على دراهم ثم استأجرها يبدل الخلع على إرضاع الرضيع جاز ولو استأجرها به على إمساك الفطيم بنفقته وكسوته لا يجوز وفي المحيط ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى في امرأة اختلعت من زوجها بمالها عليه من المهر وبرضاع ولده الذي هى حامل به إذا ولدته إلى سنتين جاز فإن مات أو لم يكن في بطنها ولد ترد قيمة الرضاع ولو مات بعد سنة ترد قيمة رضاع سنة وكذا إذا مات هى عليها قيمته انتهى ولو كانت قالت عشر سنين رجع عليها بأجرة رضاع سنتين ونفقة باقي السنين إلا أن قالت عند الخلع إن مات أو مت فلا شيء على فهو على ما شرطت قاله أبو يوسف ولو اختلعت على أن تمسكه إلى وقت البلوغ صح في الأنثى
____________________
(4/236)
لا الغلام وإذا تزوجت فللزوج أن يأخذ الولد ولا يتركه عندها وإن اتفقا على ذلك لأن هذا حق الولد وينظر إلى مثل إمساك الولد في تلك المدة فيرجع به عليها ولو اختلعت على إرضاعه ثم صالحت الزوج على شيء يصح ولو خالعته على نفقة ولده عشرا وهى معسرة فطالبته بنفقته يجبر عليها وما شرط حق عليها وعليه الاعتماد لا على ما أفتاه بعضهم من سقوط النفقة ولو خالعها بمالها عليه من المهر ثم تذكر أنه لم يبق عليه شيء من المهر وقع ووجب عليها رد المهر ومثله لو خالعها على عبدها الذي لها عنده أو متاعها ثم ظهر أن ليس في يده شيء وقع على مهرها فإن لم تكن قبضته سقط وإن قبضته ردته أو مثله أو قيمته ولو خالعها بمهرها وهو يعلم أن ليس لها عليه مهر وقع بائنا مجانا ولو كان طلقها بمهرها فقبلت والزوج يعلم أنه لا مهر لها وقع رجعيا مجانا قوله لم يجز عليها يحتمل عدم وقوع الطلاق بسؤال الأب لأنه لم يضمن بدل الخلع فصار كأن الزوج خاطب البنت بالخلع فيتوقف على قبولها وإن كانت صغيرة ويحتمل عدم لزوم المال بعد وقوع الطلاق فلما صرح بأن الأصح وقوعه تعين أن المراد الثاني وهذا لأنه لا نظر لها فيه إذ البضع حالة الخروج غير متقوم والبدل متقوم فإعطاء المتقوم من مالها بعوض غير متقوم لا يجوز لأنه في معنى التبرع بمالها قوله بخلاف النكاح لأن البضع متقوم عند الدخول فلو زوج ابنه الصغير بمهر المثل جاز عليه ولزم المهر في مال الابن لأنه أعطى المتقوم من ماله بمتقوم قوله ولهذا يعتبر خلع المريضة متصل بكون البضع غير متقوم حالة الخروج وقدمنا في أول الباب أن الواجب للزوج إن ماتت في العدة الأقل من ميراثه ومن بدل الخلع إذا كان يخرج من الثلث وإن لم يخرج فله الأقل من الإرث والثلث إذا ماتت في العدة فإن ماتت بعدها أو كانت غير مدخول بها فله بدل الخلع إن خرج من الثلث قوله ونكاح المريض الخ متصل بأنه متقوم حال الدخول قوله والأول أصح نص عليه في المنتقى
____________________
(4/237)
ووجهه ما ذكر من انه تعليق بقبول الأب وقد وجد الشرط وما ذكر في وجه الرواية الأخرى من أن الأب لما لم يضمن المال صار كأنه خاطب الصغيرة فيتوقف على قبولها وإن لم يلزمها المال وما قيل من أن الخلع في معنى اليمين والأيمان لا تجري فيها النيابة فالملازمة الأولى ممنوعة وكون الموجود من الأب يمينا غير صحيح بل مجرد الشرط وشرط اليمين يصح من كل أحد هذا إذا قبل الأب فإن قبلت وهى عاقلة تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب وقع الطلاق بالاتفاق ولا يلزمها المال وفي جوامع الفقه طلقها بمهرها وهى صغيرة عاقلة فقبلت وقعت طلقة ولا يبرأ وإن قبل أبوها أو أجنبي روى هشام عن محمد رحمه الله أنه يقع وروى الهندواني عن محمد أنه لا يقع ولو بلغت فأجازت جاز قوله على أنه أى الأب ضامن المراد من الضمان هنا التزام المال لا الكفالة عن الصغيرة لعدم وجوب المال عليها فالخلع واقع سواء خلعها الأب على مهرها وضمنه أو ألف مثلا فيجب الألف عليه لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح فعلى الأب وأنه يملك التصرف في نفسها ومالها بالإقراض والإبداع والإجارة والإبضاع أولى بخلاف بدل العتق لا يجوز اشتراطه على الأجنبي لأنه يحصل به
____________________
(4/238)
للعبد ما لم يكن حاصلا وهو إثبات الأهلية وهو القوة عن ذلك الإسقاط بخلاف إسقاط الملك في الخلع لا يحصل عنه للمرأة ما لم يكن حاصلا قبل فصار الأجنبي والأب مثلها في أنه لم يحصل لها شيء بخلاف العبد فإنه حصل ما ذكرناه له والعوض لا يجب على غير من يحصل المعوض فصار كثمن المبيع إلا أن البيع يفسد بالشروط الفاسدة والخلع لا يفسد بها ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل في ولاية الأب فإذا بلغت تأخذ نصف الصداق إن كان قبل الدخول وكله إن كان بعده من الزوج ويرجع هو على الأب الضامن أو ترجع هى على الأب ولا يرجع هو على الزوج ولو كان المهر عينا أخذته من الزوج كله إن كان بعد الدخول ونصفه إن كان قبله ويرجع الزوج على الأب الضامن قيمته قوله وإن شرط أى لو شرط الزوج الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول بأن تكون مميزة وهى أهلية المرأة لقبول بدل الخلع إن شرط بأن تعرف أن النكاح جالب والخلع سالب فإن قبلت وقع الطلاق لوجوب الشرط وهو قبولها ولا يجب المال لأنها ليست من أهل الغرامة إذ البينونة بالخلع تعتمد القبول دون لزوم المال ألا يرى إلى بينونها بدونه فيما إذا سمت خمرا ونحوه وإن قبله الأب بدونه عنها ففي وقوع الطلاق روايتان في رواية يصح لأنه نفع محض إذ تتخلص من عهدته بلا مال ولذا صح منها فصار كقبول الهبة وفي أخرى لا يصح لأن قبولها شرط اليمين وهو لا يحتمل النيابة وهذا هو الأصح قوله وكذا إن خالعها أى خالع الصغيرة الزوج على مهرها ولم يضمن الأب توقف على قبولها إن كانت على ما قلنا آنفا فإن قبلت وقع الطلاق بائنا ولا يسقط المهر وإن قبله الأب فعلى الروايتين ما يضمنه فإن ضمنه صح ووقع
____________________
(4/239)
الطلاق لوجود الشرط وعرف من هذا أن الصغيرة العاقلة إذا قبلت الخلع من زوجها صح الخلع ووقع الطلاق ولا يسقط المهر ولا يلزم المال هذا ثم قيل تأويل المسئلة أن يخالعها على مال مثل مهرها أما على مهرها فلا يجوز لأن الأب ليس له ولاية إبطال ملكها بمقابلة ما ليس بمتقوم ولا يعتبر ضمانه والأصح أن الخلع على مهرها كالخلع على مال آخر لأن العقد مثله لا عينه وضمان الأب إياه صحيح ثم ينظر إن كان مهرها ألفا والخلع قبل الدخول وهو المراد بمسئلة الكتاب لزم خمسمائة وفي القياس يلزمه الألف وأصله أن الكبيرة إذا اختلعت على مهرها وهو الف قبل الدخول وقبل قبضة في القياس يجب خمسمائة لأنه وجب له عليها ألف بالشرط وهى وجب لها خمسمائة بالطلاق قبل الدخول فيلتقيان قصاصا بقدره فبقى عليها خمسمائة له وفي الاستحسان لا يجب عليها قبل القبض شيء لأن المهر يراد به عرفا ما تستحقه المرأة وهو نصف المهر فيسقط عن الزوج وبعد قبضه يجب له خمسمائة بالشرط وتبرأ عن الباقي بحكم الخلع هذا على خلاف ما ذكره قاضيخان وقد قدمنا الأقسام كلها وإذا عرفت هذا علمت أن الصواب أن يقول إذا خلعها على مهرها وهو ألف لا كما قال على ألف ومهرها ألف فإنه إذا خلعها كذلك يكون من الخلع على مال آخر غير أنه اتفق أنه مثل المهر ولا اثر لذلك والحكم فيه إذا كان قبل الدخول وجب المسمى له سقوط المهر عنه إن لم يكن مقبوضا وسلامته لها إن كان مقبوضا لا يرجع عليها بشيء كما قدمناه في التقسيم وإذ قد وقع الكلام في خلع الأجنبي فلا بد من ذكر نبذة منه واعلم أن الأجنبي إذا خاطب الزوج فإما أن يضيف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له أو ملكه إياه أو يرسله أو يضيفه إلى غيره فإن أضافه إلى نفسه كذلك بأن قال اخلعها على عبدي هذا أو ألفى هذه أو على ألف على أو على أنى ضامن ففعل فالخلع واقع والمسمى عليه فإن استحق لزم قيمته ولا يتوقف على قبولها لأنه إنما يتوقف على من يجب عليه البدل لا من يقع عليه الطلاق ولا إلى قبوله بل يكفي الأمر منه لأن الواحد يتولى طرفى الخلع كما في النكاح بخلاف ما لو قال اختلعت نفسك منى فقالت فعلت قيل لا يصح بلا قبول الزوج والمختار أنه يصح إن أراد به التحقيق دون السوم فإن قلت ما الفرق بين تسمية الأجنبي وسيد الأمة المنكوحة لعبد أو حر فإنه إذا خلعها من الزوج
____________________
(4/240)
على عبده فاستحق لا يضمن قيمته بل تجب قيمة العبد على الأمة حتى تباع فيه لظهور الدين في حق السيد فالجواب أن قبول الخلع هنا وجد منها حكما بسبب ولاية السيد عليها فكان قبوله كقبولها فكان الدين عليها إلا أن السيد التزم خصوص الأول فإذا فات عاد إليها وهو ظاهر في حق السيد فتباع فيه إلا أن يفديها وإذا بيعت إن كان عليها دين بدئ به لأن دين الخلع أضعف أما لو خلعها على رقبتها وهى تحت عبد صح فلو ضمن المولى الدرك في جميع ذلك فالمطالبة على المولى لالتزامه دونها لا قبل العتق ولا بعده ولأن القبول إنما يشترط لوجوب البدل لا لوقوع الطلاق وإن أرسله بأن قال على ألف أو على هذا العبد توقف على قبول المرأة لأن البدل لم يضف إلى أحد فإن قبلت لزمها تسليمه أو قيمته إن عجزت وإن أضافه إلى غيره بأن قال على عبد فلان اعتبر قبول فلان لأن البدل أضيف إليه وكذا لو قال الزوج لرب العبد خلعت امرأتي على عبدك لأن العبد أضيف إليه ولو كان الزوج قال لها خالعتك على عبد فلان أو قالت هى اخلعني على دار فلان توقف على قبولها لأن الخطاب جرى معها فكانت هى الداخلة في العقد ولو قالت اخلعني على ألف على أن فلانا ضامن فأجاب فالخلع معها لأنها العاقد وتوقف ضمان فلان على قبوله ولو وكلت من يخلعها بألف ففعل فالمال عليها دون الوكيل لأن حقوق العقد في الخلع ترجع إلى من عقد له لا إلى الوكيل ولو ضمنه الوكيل لزمه وإن أدى يرجع عليها لأنه يملك الخلع من مال نفسه ففائدة أمرها به الرجوع عليها بخلاف الوكيل بالنكاح إذا ضمن فأدى لا يرجع على الزوج إلا إذا ضمن بأمره فإن الفائدة الأمر جواز النكاح لأنه لا يملك إنكاحه بغير أمره والصلح عن دم العبد كالخلع في جميع ما ذكرناه
ففروع تتعلق بالباب المختلعة يلحقها صريح الطلاق عندنا وقد تقدم فيما سلف وبه قالت الظاهرية وهو قول ابن مسعود وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعيد بن المسيب وشريح وطاوس والزهرى والنخعي والحكم وحماد ومكحول وعطاء والثوري وعند مالك والشافعي واحمد لا يلحقها ولا يتناولها الطلاق في قوله نسائى طوالق عندهم ولو قال لها الكنايات التي يقع بها الرجعي مثل اعتدى استبرئي رحمك أنت واحدة ينوي الطلاق يقع عليها طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد رحمه الله لهم ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال المختلعة لا يلحقها صريح الطلاق وإن كانت في العدة ويروى عن ابن عباس ولنا ما رواه أبو يوسف بإسناده في الأمالي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة وحديثهم لا أصل له ذكره سبط ابن الجوزى في إيثار الإنصاف امرأة قالت خلعت نفسي منك بألف ثلاث مرات فقال الزوج رضيت أجزت كان ثلاثا بثلاثة آلاف ولو خلع أمته على رقبتها وزوجها عبد أو مدبر أو مكاتب صح لأنها تصير ملكا للمولى ولو كان حرا لا يصح لأنه لو صح ملكها الزوج به فيبطل النكاح ومتى بطل النكاح بطل
____________________
(4/241)
الخلع لكنه يقع طلاق بائن لأنه بطل البدل وبقى لفظ الخلع وهو طلاق بائن تحت حر امتان دخل بهما فخلعها سيدها على رقبة الصغرى فالخلع واقع على الكبرى وبطل الخلع في التي خلع على رقبتها وهى الصغرى لأن الطلاق في حقها يقارن ملك الزوج بعض رقبتها فتقسم الصغرى على مهريهما لأنه جعلها بدلا على طلاقهما فما أصاب مهر الكبرى فهو للزوج وما أصاب الصغرى يبقى للمولى ولو خلع كل منهما على رقبة الأخرى طلقتا مجانا لأن ملك رقبة كل منهما يقارن طلاقها فصح الخلع في حق الطلاق ولا يسلم للزوج شيء من البدل امرأة لها ابنا عم وهما وارثاها تزوجت أحدهما ودخل بها ثم خلعت بمهرها في مرض موتها ولا مال لها غيره وماتت في العدة فالمهر بينهما ولا يعتبر من الثلث فلا يصح ذكر البدل في حق الوارث فبقى لفظ الخلع فتبين ويرثان بالقرابة ولو كان طلقها على مهرها وماتت في العدة فهو طلاق رجعى فله النصف بميراث الزوجية والباقي بينهما نصفان
قاعدة في الطلاق على مال الأصل أنه متى ذكر طلاقين وذكر عقيبهما مالا يكون مقابلا بهما إذ ليس أحدهما يصرف البدل إليه أولى من الآخر إلا إذا وصف الأول بما ينافى وجوب المال فيكون المال حينئذ مقابلا بالثاني ووصفه بالمنافى كالتنصيص على أن المال بمقابلة الثاني وإن شرط وجوب المال على المرأة حصول البينونة لأنها إنما تلتزمه لتملك نفسها فلو قال لها أنت طالق الساعة واحدة وغدا أخرى بألف أو قال على أنك طالق غدا بألف أو قال اليوم واحدة وغدا أخرى رجعية بألف فقبلت تقع واحدة بخمسمائة في الحال وغدا أخرى بغير شيء إلا أن يعود ملكه قبله لأنه جمع بين تطليقة منجزة وتطليقة مضافة إلى الغد وذكر عقيبهما مال فانصرف إليهما ألا يرى أنه لو ذكر مكان البدل استثناء ينصرف إليهما فيقع اليوم واحدة بخمسمائة فإذا جاء غد تقع أخرى لوجود الوقت المضاف إليه ولا يجب شيء لأن شرط وجوب المال بالطلاق الثاني حصول البينونة ولم تحصل لحصولها بالأول حتى لو نكحها قبل مجيء الغد ثم جاء الغد تقع أخرى بخمسمائة لوجود شرط وجوب المال ولو قالت أنت طالق الساعة واحدة رجعية أن بائنة أو بغير شيء على أنك طالق غدا أخرى بألف يقع في الحال واحدة مجانا وغدا أخرى بألف لتعذر الصرف إليهما لأنه وصف الأولى بما ينافى وجوب المال إلا أن في قوله بائنة يشترط التزوج لوجوب المال بالثاني ولو قال طالق ثلاثا للسنة بألف فقبلت يقع في الطهر الأول واحدة بثلث الألف وفي الطهر الثاني أخرى مجانا لأنها بانت بالأولى ولا يجب بالثانية المال إلا إذا نكحها قبل الطهر الثاني فحينئذ تقع أخرى بثلث الألف وفي الطهر الثالث كذلك والله سبحانه أعلم
فروع لو خالعها ولم يذكر العوض ذكر شمس الأئمة يبرأ كل عن صاحبه وقال خواهر زاده هذه إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وهو الصحيح فإن لم يكن على الزوج مهر فعليها رد ما ساق إليها من المهر
____________________
(4/242)
لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع وفي رواية عن أبي حنيفة وهو قولهما لا يبرأ أحدهما عن صاحبه ولا يبرأ عن نفقة العدة ومئونة السكنى في قولهم جميعا إلا إذا شرطا في الخلع نقله في الخلاص وكذا ذكره السغدي أعنى ردها المهر وذكر في الوجيز فيما إذا قال اختلعي ولم يذكر البدل فقالت اختلعت عن خواهر زاده انه يقع طلاق بائن ولا يكون خلعا كأنه قال طلقى نفسك بائنا فقالت طلقت ثم استشكله على ما حكى عنه من ردها ما ساقه إليها من الصداق إذا كان مقبوضا إذ لم يجعل كأنه قال طلقتك بائنا فهذا مذكور في غير موضع ذكر في التجنيس إذا قال اختلعي فقالت اختلعت تطلق وفرق بينه وبين ما إذا قال اشترى نفسك مني فقالت اشتريت لا تطلق بأن قوله اختلعي أمر بالطلاق بلفظ الخلع والمرأة تملك الطلاق بأمر الزوج بخلاف اشترى نفسك لأنه أمر بالخلع الذي هو معاوضة إذا لم يكن البدل مقدرا فإن قدره بأن قال بمهرك ونفقة عدتك وقالت اشتريت صح على رواية وهو المختار يريد بالرواية الأخرى ما ذكر في غير موضع أنه إذا قال اشترى نفسك مني بكذا فقالت اشتريت لا يقع ما لم يقل الزوج بعت وكذا الروايتان فيما إذا قال اختلعي مني بكذا وذكر مالا مقدورا فقالت اختلعت في رواية كتاب الطلاق لا يصح ما لم يقل الزوج خلعت وفي رواية كتاب الوكالة يصح ويبرأ الزوج عن المهر وهو الأصح وأما الجواب عن الإشكال فبحمل سقوط المهر وجعله بدلا فيما إذا لم ينوبه كونه خلع بغير مال وحمل كونه طلاقا بائنا بلا مال على ما إذا نوى به كونه بلا مال وهذا لأن مطلق الخلع ينصرف إلى الفرقة بعوض فيحمل عليه إلا بموجب فإذا لم يسميا مالا انصرف إلى المهر إلا أن ينوي خلافه ويدل على هذا ما في المنتقى قال أبو يوسف إذا قال لها اختلعي نفسك فقلت قد خلعت نفسي لا يكون خلعا إلا على مال إلا أن ينوي بغير مال ولا فرق بين خلعتك وخالعتك فإذا قال خالعتك ينوي به الطلاق وقع ولا يبرأ الزوج عن المهر وعلى هذا فلا يلزم هذا الحكم إذا تصادقا على عدم النية ومما يوجب حمله على مجرد الطلاق التصريح بنفى المال كما إذا قال اختلعي مني بغير شيء فالخلع واقع بلا مال لأنه صرح بنفى المال نقله عن محمد الفضلى والطلاق بائن وعلى ما ذكرنا من أن حقيقته ما فيه المال لو قال لأجنبي اخلع امرأتي لم يملك خلعها بلا عوض ولم يجعل كقوله طلقها بائنا ولو قال اختلعي على مال او بما شئت ولم يقدره فقالت اختلعت على ألف لا يصح ما لم يقل الزوج خلعتك أو نحو أجزت فرق بين هذا وبين ما إذا قال الزوج اخلعي نفسك منى بألف والباقي بحاله حيث يتم والفرق أن التعويض في المسئلة الأولى لم يصح لأن البدل مجهول فلو صح صار الواحد مستزيدا مستنقصا وهذا مفقود في الثانية فلو لم يصح إنما لا يصح لمضادة الحقوق وحقوق الخلع لا ترجع إلى الوكيل إذا لقنها اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة بالعربية وهي لا تعلم معناه أو لقنها أبرأتك من نفقة العدة قيل يصح والأصح أنه لا يصح لأن التفويض كالتوكيل لا يتم الا بعلم الوكيل والإبراء عن نفقة العدة والمهر وإن كان إسقاطا لكنه إسقاط يحتمل الفسخ فصار شبه البيع والبيع وكل المعاوضات لا بد فيها من العلم وهذه صورة كثيرا ما تقع قال أبرئيني من كل حق يكون للنساء على الرجال فقالت أبرأتك من كل حق يكون للنساء على الرجال فقال في فوره طلقتك وهى مدخول بها يقع بائنا لأنه بعوض وإذا اختلعت بكل حق لها عليه فلها النفقة ما دامت في العدة لأنها لم تكن لها حقا حال الخلع فقد ظهر أن تسمية كل حق لها عليه وكل حق يكون للنساء صحيحة وينصرف
____________________
(4/243)
إلى القائم لها إذ ذاك وبعض الشافعية لا يصحح هذا للجهالة وهذا عندنا عموم لا إجمال ولو تزوجها على ألف ثم طلقها بائنا ثم تزوجها ثانيا على ألف أخرى ثم اختلعت منه على مهرها لم يبرأ الزوج إلا من الثاني دون المهر الأول ولو جاء رجل إلى آخر فذكر أنه وكيل لامرأته في خلعها على ألف فأنكرت التوكيل فإن كان ضمن المال للزوج وقع الطلاق وعليه البدل وإن لم يكون ضمن فإن صدقة الزوج على أنها وكلته وقع الطلاق ولم يجب له مال وإن لم يدع ذلك لا يقع الطلاق لأنه ظهر أن الخلع موقوف على قبولها فإن كان الزوج باع منه تطليقة بألف قال الصفار يقع الطلاق ضمن له المهر أولا لأن لفظة الشراء لفظة الضمان وقال أبو بكر الإسكاف هذا والخلع سواء وعليه الفتوى ولو ادعى رجل الرسالة عن امرأة الرجل إليه في أن يطلقها أو يمسكها فقال الزوج لا أمسكها بل أطلقها فقال الرسول أبرأتك من جميع مالها عليك فطلقها فأنكرت المرأة الإبراء والرسول يدعيه فإن ادعى الزوج رسالتها أو وكالتها إياه لذلك وقع وهى على حقها وإن لم يدع فإن كان الرسول قال أبرأتك من حقها عليك على أن تطلقها فالطلاق غير واقع لأن وقوع الطلاق بالمهر موقوف على إجازتها وإن لم يقل على أن تطلقها فالطلاق واقع وهى على حقها وهذه في أمر الحكمين لما كان سبب الخلع المشاقة وجب ذكر أمر الحكمين فيه وهو منصوص عليه في كتاب الله تعالى قال الله عز وجل { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ضمير يريد للحكمين وضمير بينهما للزوجين وقيل للحكمين أيضا وقيل الضميران للزوجين والأولى أن يكون الحكمان من أهليهما كما ذكر الله تعالى وإنما كان أولى لأنهما أخبر بباطن أمرهما وأشفق عليهما وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك يشترط كونهما من أهليهما إلا أن لا يوجد من أهليهما من يصلح لذلك وقلنا المعنى المفهوم الذي قلناه صارف عن تعيين كون المراد ذلك ثم قول الحكمين نافذ في الجمع والتفريق بتوكيلهما عندنا وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد وهو قول عطاء وقتادة والحسن وأبي ثور وقال مالك قولهما ذلك نافذ من غير توكيل وهو قول الأوزاعي وإسحاق وروى عن عثمان وعلي قلنا ليس للحاكم أن يطلق ولا يبرئ من مالهما فكيف يفعل ذلك نائبه وفي أحكام القرآن للرازي عن سعيد بن جبير يعظها الزوج فإن انتهعى والا هجرها فإن انتهت وإلا ضربها فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها وأيهما كان أظلم رده إلى السلطان فأخذ فوق يده كالعنين والمجبوب فالحاكم هو الذي يتولى النظر في ذلك والفصل بينهما ولو ادعى النشوز وادعت ظلمه وتقصيره في حقها يفعل الحاكم ما يتفقان عليه من الجمع والتفريق وليس لهما أن يجمعا ولا أن يفرقا بغير أمرهما وما زعم إسماعيل المالكي من أن أبا حنيفة وأصحابه لم يعرفوا أمر الحكمين إخبار بالنفى لعدم العلم والأولى بالإنسان حفظ اللسان وما قال إن الوكيل لا يسمى حكما ممنوع بل الوكالة تؤكد معنى الحكمية لقبول قولهما عليهما والحكمان يمضيان أمر الزوجين فإذا قصدا الحق وفقهما الله عز وجل للصواب إذ هما موكلان للجمع والتفريق فعليهما الإجتهاد وطلب الخير لهما وكل ما ورد عن السلف أن فعل الحكمين جاز عليهما فهو محمول على رضاهما إذ لم ينصوا على أنه جائز بغير رضا الزوجين وهذا لأنه غير جائز لهما أن يطلقا امرأة الغير بغير إذنه ولا أن يدفعا مالا بغير إذن صاحبه بخلاف قضاء دينه إذا امتنع منه لأن ذلك إيصال الحق إلى ما تستحقه ولا
____________________
(4/244)
للزوج في مالها قال تعالى { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال عليه الصلاة والسلام لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب من نفسه والحكمان إنما بعثا للصلح وليعلما ظلم الظالم منهما فينكرا عليه ظلمه فإذا لم يقبل أعلما الحاكم ليدفع ظلمه فالحكمان شاهدان في حال ومصلحان في حال إذا فوض الأمر إليهما وقول من قال إنهما يفرقان ويخلعان من غير توكيل غير مقبول عندنا وليس ما روى عن علي رضي الله عنه شاهدا في ذلك & باب الظهار
مناسبته بالخلع أن كلا منهما يكون عن النشوز ظاهرا وقدم الخلع لأنه أكمل في باب التحريم إذ هو تحريم يقطع النكاح وهذا مع بقائه والظهار لغة مصدر ظاهر وهو مفاعله من الظهر فيصح أن يراد به معان مختلفة ترجع إلى الظهر معنى ولفظا بحسب اختلاف الأغراض فيقال ظاهرت أي قابلت ظهرك بظهره حقيقة وإذا غابظته أيضا وأن لم تدابره حقيقة باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة وظاهرته إذ نصرته باعتبار أنه يقال قوي ظهره إذا نصره وظاهر من امرأته وتظاهر وإظهار وظهر وتظهر إذا قال لامرأته أنت على كظهر أمي وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي به كل منهما الآخر ظهرا للثوب وغاية ما يلزم كون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازا وكونه مجازا لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازا أيضا وإنما عدى بمن مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى التبعيد لأنه كان طلاقا وهو مبعد ثم قيل الظهر هنا مجاز عن البطن لأنه إنما يركب البطن فكظهر أمي أي كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده لكن لا يظهر ما هو لصارف عن الحقيقة من النكات وقيل خض الظهر لأن إتيان المرأة من ظهرها كان حراما فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ وفي الشرع هو تشبيه الزوجة أو جزء منها شائع أو معبر به عن الكل بما لا يحل من زنى بها أو بنتها لم يكن مظاهرا وسنذكر ما هو التحقيق إن شاء الله تعالى ولا فرق بين كون ذلك العضو الظهر أو غيره مما لا يحل النظر إليه وإنما خص باسم الظهار تغليبا للظهر لأنه كان الأصل في استعمالهم وشرطه في المرأة كونها زوجة وفي الرجل كونه من أهل الكفارة فلا يصح ظهار الذمي كالصبي والمجنون وركنه للفظ المشتمل على ذلك التشبيه وحكمة حرمه الوطء ودواعيه إلى وجود الكفارة واختلف في سبب وجوبها فقال في المنافع تجب بالظهار والعود لأن الظهار كبيرة فلا يصح سببا للكفارة لأنها عبادة أو المغلب فيها
____________________
(4/245)
معنى العبادة ولا يكون المحظور سببا للعبادة فعلق وجوبها بها ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك فيكون دائرا بين الحظر والإباحة فيصح سببا للكفارة الدائرة بين العبادة والعقوبة وقيل سبب وجوبها العود والظهار شرط ولفظ الآية يحتملهما وهي قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة } فيمكن حمل ترتيبها عليهما أو على الأخير لكن إذا أمكن البساطة صير إليها لأنها الأصل بالنسبة إلى التركيب فلذا قال في المحيط سبب وجوبها العزم على الوطء والظهار شرط وهو بناء على أن المراد من لفظ العود في الآية العزم على الوطء واعترض بأن الحكم يتكرر بتكرر سببه لأشرطه والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا العزم وكثير من مشايخنا على انه العزم على إباحة الوطء بناء على إرادة المضاف في الآية أي يعودون لضد ما قالوا أو لتداركه نزل القول منزلة المقول ويرد عليه ما يرد على ما قبله وهذا بناء على عدم صحة إرادة ظاهرها وهو تكرار نفس الظهار كما قال داود للحديثين اللذين يروونهما فإن ظاهرهما عدم تعلقهما بتكرره ويرد أن بمجرد العزم لا تتقرر الكفارة عندنا كما نص عليه في المبسوط حتى لو أبانها أو ماتت بعد العزم لاكفارة عليه قال فهذا دليل على أنها غير واجبه لا بالظهار ولا بالعود إذ لو وجبت لما سقطت بل موجب الظهار ثبوت التحريم فإذا أراد رفعه وجب عليه في رفعه الكفارة عندنا كما تقول لمن أراد الصلاة النافلة يجب عليك إن صليتها أن تقدم الوضوء وعند الشافعي رحمه الله هو سكوته بعد ظهاره قدر ما يمكنه طلاقها ورد بأن شرعية الكفارة لرفع الحرمة والجناية والظهار لم يوجب تحريم العقد ليكون الإمساك عن طلاقها جناية وأيضا فقد يكون الإمساك عن طلاقها ليسعى في أمر الكفارة وتحصيلها أو للتروي في طلاقها أو التكفير فلا يكون مجردة بعد الظهار جناية فلا ينهض سببا للكفارة واعلم أن هذه الحرمة لا ترفع إلا بكفارة لا يملك ولا بزوج ثان حتى لو طلقها بعد الظهار ثلاثا فعادت إليه بعد زوج آخر أو كانت أمه وملكها بعد ما ظاهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر فيهما وللمرأة أن تطالبه بالوطء وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعا للضرر عنها بحبس فإن أبى ضر به ولا يضرب في الديني ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب وألفاظه صريح وكناية وستأتى وسبب نزول شرعيته قصة خوله بنت مالك بن ثعلبه قالت ظاهر مني زوجي أوس ابن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله }
____________________
(4/246)
الى الفرض فقال يعتق رقبه فقلت لا يجد فقال يصوم شهرين متتابعين قلت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فيطعم ستين مسكينا قلت ما عنده شيء يتصدق به قال فإني ما عينه بعرق من تمر قلت يا رسول الله وإني سأعينه بعرق آخر قال قد أحسنت قال فاذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك قال والعرق ستون صاعا رواه أبو داود وقيل هو مكيال يسع ثلاثين صاعا قال أبو داود وهذا أصح وفي الحديث ألفاظ آخر ورواه ابن ماجة وغيره قوله وإذا قال الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي فقد حرمت عليه وعند محمد للمظاهر أن يقبلها إذا قدم من سفر للشفقة وكذا إذا قال أنت مني كظهر أمي أو أنت عندي أو معي وكذا إذا قال مظاهر وقد ظاهرت منك ومتى الحق لفظ المشيئة لا يثبت فلو قال أنت على كظهر أمي إن شاء الله تعالى لم يلزمه شيء ولو قال إن شاء فلان فالمشيئة إليه قوله وهذا أي ثبوت التحريم بالظهار ثم ارتفاعه بالكفارة لأنه أي الظهار جناية كبيرة محضة
____________________
(4/247)
لكونه منكرا من القول وزورا بالنص فيناسب المجازاة على هذه الجناية بالحرمة وارتفاع هذه الحرمة بالكفارة قوله ثم الوطء إذا حرم بدواعيه تفيد هذه العبارة أن هذا هو الأصل إذ طريق المحرم محرم وعلى هذا استمر في الاستبراء والإحرام والاعتكاف وثبت من الشرع خلافه في الصوم والحيض فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان يأمرني أن أتزر فيباشرني وأنا حائض فوجب البحث عن حكمة الفرق شرعا بين هذه الأمور لينظر هل الظهار من قبيل ما يقتضي الفرق تحريم الدواعي فيه كما قلنا نحن ومالك وهو قول الزهري والأوزاعي والنخعي وقول الشافعي ورواية عن احمد لأن حرمة الوطء نصا بقوله تعالى { من قبل أن يتماسا } وهو كناية عن الجماع فلا يتناول غيره أو تحليلها كما قال الشافعي وأحمد في قولهما الآخر فنظرنا فعقلنا كون حكمته لزوم الحرج لو حرمت الدواعي في الصوم والحيض لكثرة وقوعهما ووقوع ضدهما من الفطر والطهر فعلى كثرة وقوعهما يلزم الحرج بمنع الدواعي وعن كثرة وقوع الضدين الظاهرين في كثرة وجود الجماع ينتفي لزوم شرع الزاجر المبالغ فلا يحرم الدواعي بخلاف الظهار والاستبراء والإحرام لا تكثر بالنسبة إلى كل شخص فاستمر على الأصل وتقدم له في الاعتكاف الفرق بينه وبين الصوم في حرمة الدواعي فيه لا في الصوم بأن الجماع محظور الاعتكاف والإحرام بخلاف الصوم لأن الكف عنه ركنه فلا يتعدى إلى دواعيه وقرر بما حاصلة أن الفرق للفرق بين التحريم الثابت في ضمن الأمر والتحريم الثابت بالنهي لما كان الثاني أقوى بسبب أن النهي تناوله مقصودا فتعدى إلى الدواعي بخلاف الثابت في ضمن الأمر فإنه لم يتعلق به نهى أصلا بل طلب شيء يستلزم وجوده عدم ذلك فحرم ذلك لتأديته إلى تفويت المطلوب لا مقصودا فلم يتعد إلى دواعيه فافترق الحال بينهما وبين الاستبراء والإحرام والاعتكاف لثبوت حرمة الجماع فيها بالنهي قال تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } { فلا رفث ولا فسوق } نفي مستعار للنهي
____________________
(4/248)
لتأكيده وقال صلى الله عليه وسلم ألا لا تنكح الحبالى حتى يضعن ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة وقال تعالى في الأخيرين { فاعتزلوا النساء في المحيض } { ثم أتموا الصيام } ولما كان هذا يقتضي عدم حرمة الدواعي لأن المذكور في الآية الأمر بالكفارة قبل التماس وهو قوله تعالى { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } فإنه مصدر واقع بدلا من اللفظ بالفعل فيحرم الجماع لتفويته المأمور بة فهو كفارة قبل التماس مع أنه يقتضي حرمة الدواعي في الحيض لأن اعتزلوا هو نفس معنى النهي حتى أنهم لم يمثلوا للنهي عن البيع وقت النداء إلا بقوله تعالى { وذروا البيع } ولم سموه إلا منهيا عنه وهو صحيح لأن النهي للنفس طلب الترك عدل إلى ما ذكر والتحقيق أن الدواعي منصوص على منعها في الظهار والمذكور في وجه الفرق إنما هو حكمة الفرق بين الظهار وما ذكر أما كونها منصوصا على منعها فإن قوله تعالى { من قبل أن يتماسا } لا موجب فيه للحمل على المجاز لإمكان الحقيقة ويحرم الجماع لأنه من أفراد التماس فكل من القبلة والمس والجماع إفراد التماس فيحرم الكل بالنص وظهر فساد قول المخالف والله سبحانه أعلم قوله لقوله صلى الله عليه وسلم روى أصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على هذا قال رأيت خلخالها في ضوء القمر وفي لفظ بياض ساقيها قال فاعتزلها حتى تكفر ولفظ ابن ماجة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يقر بها حتى يكفر قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب ونفى كون هذا الحديث صحيحا رده المنذري في مختصره بأنه صححه الترمذي ورجاله ثقات مشهور سماع بعضهم من بعض وروى الترمذي عن ابن إسحاق إلى آخر السند عن سلمة بن صخر البياضي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال كفارة واحدة وقال حديث حسن غريب وأما ذكر الاستغفار في الحديث فالله أعلم به وهو في الموطأ من قول مالك ولفظه قال مالك فيمن يظاهر ثم يمسها قبل أن يكفر يكف عنها حتى يستغفر الله ويكفر ثم قال وذلك أحسن ما سمعت قوله فلو كان شيء آخر واجب لنبه عليه لأنه مقام البيان وتأخير للبيان عن وقت الحاجة لا يجوز فعلم أن المذكور تمام حكم الحادثة فلا تجب كفارتان كما نقل عن عمرو بن العاص وقبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة ولا ثلاث كفارات كما عن الحسن البصري والنخعي قوله وهذا اللفظ أي قوله أنت على كظهر أمي لا يكون إلا ظهارا وإن نوى به الطلاق أو الإيلاء أو قال لم أنو شيئا لأنه صريح فيه وإنما أليه اتباع المشروع لا تغييره وهذا يعم ما قلنا وما في الكتاب يخص قصد
____________________
(4/249)
الطلاق ولو قال أردت به الخير عن الماضي كذبا لا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى كذا في التحفه ولو قيل المنسوخ كون هذا اللفظ طلاقا وهو لا يستلزم نفى صحة إرادته به احتاج إلى الجواب ويصلح ما تقدم من قوله وإنما إليه اتباع المشروع لا تغييره أن يكون جوابا وهو كلفظ أنت طالق جعل شرعا لوقوع الطلاق على المخاطبة ويصح أن يراد غيره فلا يقع فيما بينه وبين الله تعالى كذا في التحفه قوله ليس إلا تشييه المحللة بالمحرمة اللام فيهما للعهد أي المحللة بعقد النكاح بالمحرمة على التأبيد لأنهما المعهودتان فيما سبق من ذكرهما قوله وهذا المعنى يعني تشبيه المحللة بالمحرمة يتحقق في التشبيه بعضو لا يحل النظر إليه على التأبيد لما كان الظهار كلاما تشبيهيا مشتملا على المشبهة والمشبه بها وجب إعطاء ضابطهما ففي المشبهة أن تذكر هي أو جزء شائع منها أو جزء معين يعبر به عن جملتها كالرأس والرقبة والفرج والوجه وتقدم بيان التعبير بهذه عن الكل في الطلاق والنصف والثلث في الأول وفي المشبه بها أن تذكر هي أو عضو منها لا يحل النظر إليه على التأبيد إلا أن مع ذكرها ينوى كما سيأتي إذا عرفت هذا فعبارته أعني قوله وكذا إذا شبهها بمن لا يحل له النظر إليها إلى قوله مثل أخته وعمته وأمه من الرضاع ليست جيده لأن ظاهرها حرمة النظر إلى هؤلاء من الرضاعة وإنما المعني إذا شبهها بجزء لا يحل النظر إليه فلو قال أنت على أو رأسك أو وجهك أو رقبتك او فرجك او نصفك أو ثلثك أو سدسك كظهر أمي أو خالتي أو أم زوجتي أو كفرجها أو بطنها أو فخذها أو أليتها كان مظاهرا ولو قال يدك أو رجلك أو شعرك أو ظفرك أو سنك أو بطنك أو فخذك أو جنبك أو ظهرك كظهر أمي أو فرجها إلى آخر ما ذكرنا لم يكن مظاهرا لانتفائه من جهة المشبهة ولو قال أنت على أو رأسك إلى آخر ما قلنا كيد أمي أو جنبها الخ لم يكن ظهارا لانتفائه من جهة المشبه بها لأن هذه الأشياء مما يجوز النظر إليها ومسها بغير شهوة وكذا لو قال يدك أو رجلك الخ على كيدها أو كرجلها الخ لم يكن ظهارا لانتفائه من الجهتين وإذا أحكمت ملاحظة الأصلين
____________________
(4/250)
أخرجت فروعا كثيرة عن تفريق ما جمعناه مثل فرجك كفرج أمي فرجك كفخذ أمي يكون ظهارا بطنك كفرجها لا يكون ظهارا ووجه الاعتبار في المشبهة يكون العضو مما يعبر به عن الجملة والجزء الشائع ما أحال عليه في الطلاق لأن المحرمة هنا كالمطلقة هناك وقد بيناه هناك وفي المشبه بها بكون العضو مما لا يحل النظر إليه من المحرمة ما ذكره بقوله لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة الخ وقد تممناه في أول هذا البحث قوله لأنهن أي أخته وعمته وأمه من الرضاع في التحريم المؤبد كلأم بخلاف قوله أنت على كظهر عمتك أو أختك لأن حرمتهما ليست على التأبيد بل موقفه بانقطاع عصمته لها ثم المراد أبد الحرمة باعتبار واصف لا يمكن زواله فإن المجوسية محرمة على التأبيد ولو قال كظهر مجوسية لا يكون ظهارا ذكره في الجوامع لأن التأبيد باعتبار دوام الوصف وهو غير لازم لجواز إسلامها بخلاف الأمية والأختية وغيرهما لا يقال يرد على اشتراط تأبد الحرمة ما لو ظاهر من امرأته ثم قال لأخرى أنت على مثل هذه ينوى الظهار فهو مظاهر ولو بعد موتها وبعد التكفير مع أن المظاهر منها ليست محرمة على التأبيد لأن ثبوت الظهار في هذه إنما هو باعتبار تضمن قوله لها أنت على كظهر أمي لأن تشبهها بمن قال لها ذلك إنما هو في ذلك فالظهار فيها باعتبار خصوص وجه الشبه المراد لا باعتبار نفس التشبيه بها وكذا لو كانت امرأة رجل آخر ظاهر زوجها منها فقال أنت على مثل فلانة ينوى ذلك صح ولو كان بعد موتها وفي التحفة لو شبه بامرأة محرمة عليه في الحال وهي ممن تحل له في حالة أخرى مثل أخت امرأته ومثل امرأة لها زوج أو مجوسية أو مرتدة لم يكن مظاهرا لأن النص ورد في الأم وهي محرمة على التأبيد وقد علمت أن هذه كنايات فلا تكون ظهارا ولا إيلاء إلا بالنية وبعد اشتراط تأبيد الحرمة هل يشترط الإجماع عليها شرطه في النهاية لتخرج أم المزني بها وبنتها لأنه لو شبهها بهما لم يكن مظاهرا وعزاه إلى شرح الطحاوي لكن الخلاف منقول في هذه فمنهم من قال عند أبي يوسف يكون مظاهرا خلافا لمحمد بناء على نفاذ حكم الحاكم لو قضى بحلها عند محمد ينفذ خلافا لأبي يوسف ومنهم من قال عند أبي حنفية وأبي يوسف يكون مظاهرا خلافا لمحمد بناء على نفاذ حكم الحاكم بحل نكاحها وعدمه فظهر مما نقلنا أن مبني ثبوت الخلاف في الظهار وعدمه ليس كون الحرمة المؤبدة مجمعا عليها أولا بل كونها يسوغ فيها الاجتهاد أو لا وعدم تسويغ الاجتهاد لوجود الإجماع أو النص الغير المحتمل للتأويل من غير معارضة نص آخر في نظر المجتهد وإن كانت المعارضة ثابتة في الواقع ولهذا يختلف في كون المحل يسوغ فيه الاجتهاد وفي نفاذ حكم الحاكم بخلافه ولذا فرق في المحيط بوجود النص على الحرمة بالوطء وعدمه حيث قال لو قبل امرأة أو لمسها بشهوة ثم شبه امرأته ببنتها لا يكون مظاهرا عند أبي حنيفة ولا يشبه هذا الوطء لأن حرمته منصوص عليها وحرمة الدواعي غير منصوص عليها وفي الدراية في كظهر أختي من لبن الفحل لا يصير مظاهرا من غير ذكر خلاف مع إنها محرمة على التأبيد كأنهم اتفقوا على تسويغ الاجتهاد
____________________
(4/251)
فيها مع أن في حرمتها عموم نص يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و قوله صلى الله عليه وسلم ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة لكن ذلك خص منه ما ذكر في الرضاع والثاني إنما يفيد ثبوت أختيه بنت الفحل من غير التي أرضعته بالالتزام و مثله ما رأيت لو شبهها بامرأته الملا عن منها لم يكن مظاهرا من غير ذكر خلاف مع أن أبا يوسف يرى تأبد حرمتها لتسويغ الاجتهاد أما إن أراد من أرضعهما نفس الفحل بأن نزل له لبن فلا إشكال لكنه بعيد من عادتهم في إطلاقه و لأنه لا أختيه هناك أصلا و مما يشكل ما ذكره في الدراية أيضا نقلا عن شرح القدوري رحمه الله زنى أبوه بامرأة أو إبنه فشبهها بأمها أو ابنتها يصير مظاهرا عند أبي يوسف رحمه الله و لا ينفذ عنده حكم الحاكم بحلها له و عند محمد لا يصير مظاهرا و ينفذ حكم الحاكم و هذا مشكل لأن غاية أم مزنية الأب و الابن أن تكون كأم زوجة الأب و الابن و لا تحرم أم زوجة الأب على الابن و لا أم زوجة الابن على الأب فليس التشبيه هنا بمحرمة ولو شبه بظهر أبيه أو قريبه أو بظهر أجنبي لم يكن مظاهرا ولو شبهها بفرج أبيه أو قريبه قال في المحيط ينبغي أن يكون مظاهرا لأن فرجهما في الحرمة كفرج أمه و في كافي الحاكم رحمه الله المرأة لا تكون مظاهرة من زوجها من غير ذكر خلاف و في الدراية لو قالت هي أنت علي كظهر أبي أو أنا عليك كظهر أمك لا يصح الظهار عندنا و في المبسوط عن أبي يوسف عليها كفارة يمين و قال الحسن بن زياد هو ظهار و قال محمد ليس بشيء وهو الصحيح و في شرح المختار حكى خلاف أبي يوسف و الحسن على العكس و كذا في غيره و في الينابيع و الروضة كالأول قال هو يمين عند أبي يوسف ظهار عند الحسن و لو ظاهر من امرأته ثم أشرك معها أخرى كان مظاهرا منهما قوله و لو قال أنت علي مثل أمي هنا ألفاظ أنت أمي مثل أمي كأمي حرام كظهر أمي ففي أنت أمي لا يكون مظاهرا و ينبغي أن
____________________
(4/252)
يكون مكروها فقد صرحوا بأن قوله لزوجته يا أخية مكروه و في حديث رواه أبو داود عن أبي تميمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لامرأته يا أخية فكره ذلك و نهى عنه و نحن نعقل أن معنى النهي هو أنه قريب من لفظ تشبيه المحللة بالمحرمة الذي هو ظهار و لولا هذا الحديث لأمكن أن يقال هو ظهار لأن التشبيه في قوله أنت أمي أقوى منه مع ذكر الأداة و لفظ أخية في يا أخية استعارة بلا شك وهي مبنية على التشبيه لكن الحديث المذكور أفاد كونه ليس ظهارا حيث لم يبين فيه حكما سوى الكراهة و النهي عنه فعلم أنه لا بد في كونه ظهارا من التصريح بأداة التشبيه شرعا و مثله أن يقول لها يا بنية أو يا أختي و نحوه و في مثل أمي أو كأمي ينوي فإن نوى الطلاق و قع بائنا كقوله أنت علي حرام و إن نوى الكراهة و الظهار فكما نوى كما في الكنايات و أفاد أنه كناية في الظهار فعلم أن صريحه يكون التشبيه بعضو و إن لم يكن له نية فليس بشيء عندهما وهو ظهار عند محمد رحمه الله وجه قوله أن المعنى الشرعي لهذا اللفظ الظهار لوجود التشبيه بالبعض في ضمن الكل غير أنه عدل عنه فيما إذا كان له نية شيء يصح إرادته من اللفظ إلى ذلك المنوي تصحيحا لإرادته و جعل على بمعنى عندي في الكرامة و ذلك أن من المفيد للكرامة بطريق الحقيقة لفظ أنت عندي مثل أمي أو كأمي فحين لم يصرفه عن مقتضاه نية عمل بموجبه في نفسه و لهما أن يمنعا كون الصراحة تثبت بالتشبيه بالجزء حال كونه في ضمن التشبيه بالكل بل إذا كان التشبيه به ابتداء ففيما إذا كان التشبيه بكلها يبقى مجملا في حق جهة التشبيه فما لم يتبين مراد مخصوص لا يحكم بشيء خصوصا و الحمل على الظهار حمل على المعصية و لا يجوز إلزام المسلم المعصية من غير قصد إليها و لا لفظ صريح فيها و ما أمكن صرف تصرفاته عنها وجب اعتبار ذلك في حقه و إن نوى به التحريم لا غير فالمصنف حكى فيه خلافا بينهما و كذا غيره فعند محمد ظهار لأنه بكاف التشبيه أي أداته فإن الكلام في مثل أمي و كأمي جميعا واحد مختص بالظهار كما قدمنا أنه حقيقة و قد نوى ما لا ينافيه فإن الحرمة موجب الظهار فيثبت المنوي في ضمن المعنى الحقيقي في الكلام و عند أبي يوسف إيلاء بناء على منع كونه المعنى الوضعي عند التشبيه بالكل فيبقى الثابت به لا يتعدى به المنوي و تحريمها مطلقا بلا ظهار و لا طلاق هو الإيلاء
____________________
(4/253)
ولأن الإيلاء أدنى الحرمتين من حيث السبب والحكم وأمور أخر أما السبب وهو الظهار نفسه فكبيرة محضة والإيلاء في نفسه من حيث هو يمين ليس معصية بل باعتبار أمر آخر يقترن به وأما الحكم فالكفارة فيه أغلظ حيث قدر الإطعام بستين مسكينا أو صيام ستين يوما والأمور الأخر هى أن حرمتها في الإيلاء لا تثبت في الحال فإنه وإن حلف أن لا يقربها فالشرع طلب منه أن يحنث ويطأها قبل التكفير ثم يكفر ولو طلقها ثلاثا فعادت إليه بعد زوج آخر عادت بلا إيلاء في حق وقوع الطلاق بمضي المدة بل في حق لزوم الكفارة إذا وطئ وكان الإيلاء مؤبدا وفي الظهار يثبت في الحال ثم يتعدى إلى الدواعي ثم لا يحل منها شيء آخر حتى يكفر أولا ولو طلقها ثلاثا والباقي بحاله تعود بالظهار ولا تحل مالم يكفر وكذا لو ملكها بأن كانت أمة فاشتراها وانفسخ العقد لا تحل ما لم يكفر ومنهم من قال الأصح أنه حينئذ ظهار عند الكل لانه تحريم مؤكد بالتشبيه وفيه نظر لأن هذا إنما ينطبق على قوله أنت على حرام كأمي وليس الكلام فيه بل في مجرد أنت كأمي وفي أنت على حرام كأمي فإنما له محتملان الطلاق والظهار لا البر لتصريحه بالحرمة فأيهما أراد ثبت فإن لم تكن له نية فعلى قول أبي يوسف إيلاء على قول محمد ظهار وههنا يتجه المذكور آنفا عن قاضيخان أنه ينبغي أن لا يختلف في كونه ظهارا لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه قوله والوجهان بيناهما يعني فيما قبلها يعني قوله من جهة أبي يوسف ليكون الثابت أدنى الحرمتين ومن جهة محمد ما ذكرنا وفي أنت على حرام كظهر أمي خلاف فعنده لا يكون إلا ظهارا سواء نوى طلاقا أو إيلاء أو لم ينو شيئا وقالا هو على ما نوى ظهارا أو طلاقا أو إيلاء وإن لم تكن له نية فظهار لأن التحريم يحتمل كل ذلك فإن نوى الطلاق أو الإيلاء يكون قوله بعده كظهر أمي تأكيدا له لا مغيرا غير أن عند محمد إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا معه لأنه يقع بائنا بأنت حرام ولا يمكن إثبات الظهار بعده بكظهر أمي وعند أبي يوسف يكونان فقيل لا بلفظ حرام إذ لا يراد باللفظ الواحد معنيان مختلفان بل كل لفظ وهذه رواية عنه في صحة الظهار من المبانة وقيل بل الظهار يقع بنفس اللفظ لأنه صريح فيه والطلاق باعترافه بنيته كما إذ قال من له امرأة معروفة زينب طالق ثم قال عنيت الأخرى يقع عليهما في الأخرى باعترافه في المعروف بصريح اللفظ في القضاء فإنه لا يصدق فيه في صرف النية عنها لأنه خلاف الظاهر وهذا يقتضي أن وقوع الطلاق والظهار فيما إذا قال عنيت الطلاق عنده إنما هو في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى فالواقع
____________________
(4/254)
ما نوى وفي شرح الكنز ولو نوى الإيلاء ينبغي أن يكون إيلاء وظهارا بالاتفاق لعدم التنافي قوله وقد عرف موضعه يعني المبسوط ولأبي حنيفة أنه أي لفظ كظهر أمي صريح في الظهار محكم فيه ولفظ حرام محتمل فيرد إليه إذا قرن معه قوله حتى لو ظاهر من أمته موطوءة كانت أو غير موطوءة لا يصح وهو مذهب الشافعي وأحمد وجمع كثير من الصحابة والتابعين خلافا لمالك والثوري في الأمة مطلقا ولسعيد بن جبير وعكرمة وطاوس وقتادة والزهري في الموطوءة لنا أن النص يتناول نساءنا بقوله تعالى { من نسائهم } والأمة وإن صح الطلاق لفظ نسائنا عليها لغة لكن صحة الإطلاق لا تستلزم الحقيقة لأن حقيقة إضافة النساء إلى رجل أو رجال إنما تحقق مع الزوجات لأنه المتبادر حتى يصح أن يقال هؤلاء جواريه لا نساؤه وحرمة بنت الأمة الموطوءة ليس لأن أمها من نسائنا مرادة بالنص بل لأنها بنت موطوءة وطأ حلالا عند الجمهور وبلا هذا القيد عندنا على أنه لو أريد بالنساء هناك ما تصح به الإضافة حتى تشمل المعنى الحقيقي وهن الزوجات والمجازي أعني الإماء بعموم المجاز لأمكن للاتفاق على ثبوت ذلك الحكم في الإماء كثبوته في الزوجات أما هنا فلا اتفاق ولا لزوم عندنا أيضا ليثبت بطريق الدلالة لأن الإماء لسن في معنى الزوجات لأن الحل فيهن تابع غير مقصود من العقد ولا من الملك حتى يثبت مع عدمه في الأمة المجوسية و المواضعة بخلاف عقد النكاح لا يصح في موضع لا يحتمل الحل ولأن القياس أن لا يوجب هذا التشبيه الذي هو كذب سوى التوبة ورد الشرع بثبوت التحريم به في حق من لها حق في الاستمتاع ولا حق للأمة فيه فيبقى في حقها على أصل القياس ولأن الظهار كان طلاقا
____________________
(4/255)
فنقل عنه إلى تحريم مغيا بالكفارة ولا طلاق في الأمة وليس هذا الوجه بشيء للمتأمل قوله لأنه صادق في التشبيه وقت التصرف والتشبيه إنما انعقد سببا للتحريم المغيا حين كان كذبا محضا فلا يتوقف بقى أن يقال فليتوقف على الإجازة كما يتوقف نكاحها على الإجازة فإن أجازت ظهر أنه كان التشبيه الممتنع أجاب عنه بقوله والظهار ليس بحق من حقوقه حتى يتوقف بتوقفه لأن عقد النكاح حلال والظهار حرام فتنافيا بخلاف العتق مع الملك فلا يتوقف ولا يثبت الظهار بعد الإجازة بخلاف إعتاق المشتري العبد من غاصب العبد لأن الإعتاق حق من حقوق الملك يعني يثبت بالملك حتى أن يعتق إذا شاء فيتوقف بتوقفه وينفذ بنفاذه ولا يثبت بملك النكاح ذلك بل هو منهي عنه وإن كان لو قاله لزمه حكمه فإذا أجاز المالك بيع الغاصب عتق قوله ومن قال لنسائه أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا بلا خلاف لأنه أضاف الظهار إليهن فكان كإضافة الطلاق إليهن يطلقن جميعا وإنما الخلاف في تعدد الكفارة فعندنا وعند الشافعي تتعدد بتعددهن أي كل من أراد وطأها وجب عليه تقديم كفارة وبه قال الحسن والنخعي والزهري والثوري وغيرهم وقال مالك وأحمد كفارة يمين واحدة وروى ذلك عن عمر وعلي وعروة وطاوس وعطاء اعتبروه باليمين بالله تعالى في الإيلاء
____________________
(4/256)
قلنا الكفارة لوضع الحرمة وهي متعددة بتعددهن وكفارة اليمين لهتك حرمة الاسم العظيم ولم يتعدد ذكره بخلاف ما لو كرر الظهار من امرأة واحدة مرتين أو أكثر في مجلس أو مجالس حيث تتكرر الكفارة بتعدده إلا أن نوى بما بعد الأول الأول تأكيدا فيصدق قضاء فيهما لا كما قيل في المجلس لا المجالس بخلاف الطلاق لأن حكم الظهار فيما بينه وبين الله تعالى وأورد لما ثبت بالظهار الأول حرمة موقتة فكيف تتكرر الحرمة بتكرار الظهار وما هو إلا تحصيل الحاصل أجيب بالأول تثبت الحرمة الموقتة مع بقاء ملك الحل فيصح الظهار الثاني والثالث ولا منافاة في اجتماع أسباب الحرمة كالخمر حرام على الصائم لعينها ولصومه وليمينه وهذا لا يدفع سؤال تحصيل الحاصل إلا أن يلتزم أن يثبت بكل سبب حرمة كما التزم في أسباب الحدث على ما تقدم في الطهارات
فروع لا يصح ظهار الذمي وبه قال مالك خلافا للشافعي وأحمد كالإيلاء وهي رواية البرامكة عن أبي حنيفة والأول رواية الأصل لنا قوله تعالى { الذين يظاهرون منكم } والكافر ليس منا وإلحاقه بالقياس متعذر لأن الظهار جناية حكمها تحريم يرتفع بالكفارة وشرك الكافر يمنع من رفع أثر الجناية عنه بالكفارة مع أنه ليس من أهلها لأنها عبادة حتى اشترطت النية فلم تصح من الكافر فيبقى تحريما مؤبدا وهو غير حكمه بالنص ولأنه لا يقدر عليها على رأيكم إذ لا يقدر على ملك رقبة مؤمنة وإلغاء قيد الإيمان في حقه بخلاف النص فيكون خلاف الكفارة ولا إجماع على ذلك ليكون كإلغاءه في { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وما أجيب من أنها عبادة في حق المسلم عقوبة في حق الكافر يقال عليه إنها تفتقر إلى النية اتفاقا فلزم كونها عبادة وما دفع به من أن افتقارها إليها كافتقار الكنايات إليها وليست عبادة مدفوع بأنه قياس بلا جامع لأن افتقار الكنايات إليها ليتعين به أحد المحتملات وهو الطلاق عن غيره وافتقار الكفارة لتقع عبادة وإلا فلماذا والفرق بين الظهار والإيلاء على قول أبي حنيفة حيث أجاز إيلاء الكافر خلافا لصاحبيه أن حكم الإيلاء أمران وقوع الطلاق بتقدير البر وهذا يتحقق في حقهم لأنهم يعتقدون حرمة الاسم الكريم ويصونونه فينعقد منهم نظرا إلى ذلك ولزوم الكفارة بتقدير الحنث فلو فرض منهم الحنث بالوطء انتفى حكم البر وتعذر التكفير ولو ظاهر واستثنى يوم الجمعة مثلا ثم كفر إن كفر في يوم الاستثناء لم يجز ولو ظاهر يوما أو شهرا صح تقييده ولا يبقى بعد مضى المدة ولو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصير مظاهرا بخلاف الإبانة المعلقة على ما سلف ويصح بشرط النكاح فإذا قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت على كظهر أمي فتزوجها لزمه حكم الظهار ولو قال أنت على كظهر أمي في رجب ورمضان وكفر في رجب أجزاه عنهما ولو ظاهر فجن ثم أفاق فهو على حكم الظهار ولا يكون عائدا بالإفاقة خلافا لأحد وجهين للشافعية فصل في الكفارة
____________________
(4/257)
قوله عتق رقبة أي أعتاقها فإنه لو ورث من يعتق عليه فنوى به الكفارة مقارنا لموت المورث لا يجزيه عنها قوله وكذا في الإطعام يعني يجب كونه قبل المسيس كأخويه والنص لا يوجد بلفظه ذلك فيه فعلله وألحقه بهما وحاصلة عقلية لأن الكفارة منهية بالتنصيص على إيجادهما قبل التماس وهذا كفارة مثلهما فيجب كونه قبل التماس وما قدمنا روايته من الحديث المصحح من قوله صلى الله علية وسلم للذي واقع قبل التكفير اعتزلها حتى تكفر مطلق من غير تفصيل فيجب إجراؤه على إطلاقه لا يقال هذا كله يتراءى أنه زيادة على إطلاق النص بالخبر والقياس وهو لا يجوز وذلك لأنه تعالى قيد التحرير بكونه قبل المسيس فقال { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا }
____________________
(4/258)
ثم أعاد القيد المذكور مع الصيام فقال { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } ثم أطلق الإطعام عنه بقوله تعالى { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } فلو أريد التقييد في الإطعام لذكر كما ذكر فيهما بل تخصيصه بالإطلاق بعد ما نص على تكرير القيد مع التخصيص غير مكتفى به لتقييده في التحرير قرينة على قصد الإطلاق فيه وما قيل ذكره مرتين تنبيه على إرادة تكرره مطلقا إذ هو دفع لتوهمها اختصاصه بالخصلة الأولى لو اقتصر عليه معها ولتوهم اختصاصه بالأخيرة لو اقتصر عليه معها وللتطويل لو أعاد معها بعدهما فكلامه غير جار على قوانين الاستدلال بل هو تحسين ثم هو معارض بما قلنا من أن تخصيصه بالإطلاق بعد تكرير القيد مع أخويه ظاهر في إرادة انفراده عنهما بمعنى الإطلاق فلا يتخرج على القواعد إلا إن تحقق فيه إجماع في عصر من الإعصار والثابت فيه الآن قولان عن الشافعي وروايتان عن أحمد لأنا نقول الثابت بالنص افتراض الإطعام شرطا لحل المظاهر منها مطلقا وقد جرينا على موجب ذلك ونحن لم نقيد اشتراطه للحل بكونه قبل المسيس فيكون زيادة بل أوجبنا ذلك بخبر الواحد والإلحاق بالخلصتين في وجوب التقديم لا في اشتراطه للحل والأصل وإن كان الافتراض فالمتعدى إلى الفرع منه الوجوب لا يقال حينئذ يختلف الحكم في الأصل والفرع لأنا نقول الوصف الذي زاد به الفرض على الوجوب ليس من الحكم فإن الحكم هو الإيجاب غير أنه إن كان ثبوته قطعيا سمى فرضا وليس كيفية الثبوت جزء ماهية الحكم بل جزء مفهوم لفظ الفرض فتأمل وعما قلنا من عدم اشتراطه للحل واعتبار الإطلاق في ذلك قال أبو حنيفة فيمن قرب التي ظاهر منها في خلال الصوم يستأنف ولو قربها في خلال الإطعام لا يستأنف لأن الله تعالى قيد الصيام بكونه الصيام بكونه قبل التماس وأطلق في الإطعام ولا يحمل الإطعام على الصيام لأنهما حكمان مختلفان وإن اتحدث الحادثة قوله من كل وجه متصل بالمرقوقة فلذا لو أعتق أم ولده ومدبره لا يجزيه عنها بخلاف المكاتب الذي لم يؤد شيئا وعن ذلك يصح إعتاق الرضيع لصدق الاسم عليه قوله والكفارة حق الله تعالى المشهور بناء الخلاف على أن المطلق هل يحمل على المقيد أولا فعنده نعم وعندنا لا إلا في حكم واحد في حادثة واحدة لأنه حينئذ يلزم ذلك لزوما عقليا إذا الشيء لا يكون نفسه مطلوبا إدخاله في الوجود مطلقا ومقيدا كالصوم في كفارة اليمين ورد مطلقا ومقيدا بالتتابع في القراءة المشهورة التي تجوز الزيادة بمثلها وللكلام في تحقيق هذا الأصل فمن غير هذا ولو تنزلنا إلى أصلها لم يلزم من التصديق في كفارة الأمر الأعظم وهو القتل ثبوت مثله فيما هو أخف منه ليكون التقييد فيه بيانا في المطلق وتقرير ما في الكتاب أن الكفارة وهي الإعتاق حق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى عدو الله إذ الإعتاق يتعلق به ويتحقق أثره له وهو العتق كالزكاة والجواب أن هذا لا يعارض
____________________
(4/259)
إطلاق النص إلا إذا كان مانعا عقليا منه وليس كذلك لجواز أن يأذن الله تعالى في الإحسان والتمليك تصدقا على الكافر بالأمور الدنيوية وقد ثبت ذلك على ما قدمناه في كتاب الزكاة قال صلى الله عليه وسلم تصدقوا على أهل الأديان والإتفاق على جواز الصدقة النافلة عليه مع أن المقصود منها التقرب إلى الله تعالى فلولا أن مقصود القربة إلى الله تعالى يحصل بذلك لم تشرع أصلا ولا يزيد الفرض على كونه قربة إليه تعالى إلا بكونه مأمورا به ولا يظهر لوصف المأمورية أثر في منافاة كون محله كافرا بعد ما ثبت أنه لا ينافى معنى القربة ولولا النص الذي يخص الزكاة لقلنا بجواز دفعها لفقراء أهل الذمة وهذا لأن التقرب بفعل الفاعل يحصل لا بخصوص محل فعله وهو إنما يعتقه لتمكنه من الطاعات بالإسلام شكرا لله تعالى على ما أنعم عليه من تخليصه من رقبة الرق لا لغير ذلك ثم افتراقه هو الكفر لسوء اختيار منه على نفسه فظهر ثبوت معنى التقرب بإعتاقه هذا ويدخل في الكافرة المرتد والمرتدة ولا خلاف في إعتاق المرتدة لأنها لا تقتل وإعتاق العبد الحربي في دار الحرب لا يجزيه عن الكفارة وإعتاق المستأمن يجزيه قوله ولا تجزئ العمياء الخ الأصل أن يكون المعتق كامل الرق مقرونا
____________________
(4/260)
بالنية وجنس ما يبتغى من المنافع بلا بدل فظهر أن اختلال جنس المنفعة لا يضر ولا ثبوت العيب وهذا لأن بفوات الجنس المنفعة تصير الرقبة فائتة من وجه بخلاف نقصانها ولم يعتبروا فوات الزينة على الكمال مع أنهم اعتبروه في الديات فألزموا بقطع الأذنين الشاخصتين تمام الدية وجوزوا هنا عتق مقطوعهما إذا كان السمع باقيا ومثله فيمن حلقت لحيته فلم تنبت لفساد المنبت وما عللوا به في جعل العنين والخصى والمجبوب من الفائت منفعة النسل وهو زائد على ما يطلب من المماليك يعلل به في فوات الزينة على الكمال لأن باعتبار ذلك لا يصير المرقوق هالكا من وجه بل الحر فعن هذا افترق الحال بين الإعتاق والدية فيه وتجوز الرتقاء و القرناء والعوراء والعمشاء والغشواء والبرصاء الرمداء والخنثى لا مقطوع اليدين أو الرجلين أو إحدى كل من اليدين والرجلين من جهة واجدة ويجوز من خلاف أما مقطوع إبهامي اليدين فلما في الكتاب ومثله مقطوع ثلاث أصابع غير الإبهامين من كل يد لأن الأكثر كالكل ويجوز مقطوع إصبعين غير الإبهام من كل يد لإسقاط الأسنان العاجز عن الأكل ولا يجوز المجنون المطبق لأن المنافع كلها في حقه فائتة لأن الانتفاع بها إنما هو بالعقل وأما الذي يجن ويفيق فيجزي عتقه أطلقه في الهداية والمراد إذا أعتقه في حال إفاقته وفي الأصم روايتان وما ذكر في الهداية يؤخذ منه التوفيق بين الروايتين فمحمل رواية النوادر الأصم الذي ولد أصم وهو الأخرس فإنه لا يسمع أصلا ولا يتكلم ومحمل ظاهر الرواية الذي إذا صيح عليه يسمع وروى إبراهيم عن محمد إذا أعتق عبدا حلال الدم قضى بدمه عن ظهاره ثم عفى عنه لم يجز وفي التجنيس من علامة عيون المسائل إذا أعتق عبدا مريضا عن ظهاره إن كان يرجى ويخاف عليه يجوز وإن كان لا يرجى لا يجوز لأنه ميت معنى هذا وقد منع فوات لزوم جنس المنفعة بقطع الإبهامين بل اللازم اختلالها ولو لزم ذلك لوجب بقطعهما دية كاملة لكن الشارع لم يعتبرهما إلا كغيرهما من الأصابع وأيضا رتب على الدليل نتيجة لا يستلزمها وذلك أن فوات قوة البطش ليست لازمة ولا عنه فوات جنس المنفعة بل ضعفها ولا يجوز عتق المدبر وأم الولد ويجوز إعتاق المكاتب الذي لم يؤد شيئا لا الذي أدى بعض الكتابة والشافعي منعه وألحق المكاتب بالمدبر وأم الولد بجامع أنه استحق العتق بجهة الكتابة فأشبه المدبر وأم الولد فنقص الرق فيه كما نقص فيهما بل هو أولى بعدم الإجزاء منهما فإنه لو قال كل مملوك في حر عتق ندبره وأم ولده ولا يعتق مكاتبه إلا بالنية فدل أنه أنقص رقا منهما وبهذا يبطل قولكم الكتابة إنما
____________________
(4/261)
اقتضت فك الحجر لا غير كالإذن في التجارة ولو صح ذلك لاستبد المولى بفسخها كالمنع من التجارة وهذا كله على وجه الإلزام لنا في المدبر فإن عنده بيع المدبر وإعتاقه جائز وهو مذهب أحمد بناء على جواز بيعه عندهما خلافا لنا وفي أم الولد على وجه الإثبات لنفسه ونحن نمنع أن استحقاق العتق بجهة تقبل الفسخ على تقدير تحققها يوجب نقصان الرق فإن ذلك معنى التعليق وهو الحاصل هنا فإن حاصل الكتابة تعليق العتق بالأداء ولو علق بسائر الشروط لم يلزم نقصان الرق فهذا أولى لأن سائر التعليقات لا تحتمل الانفساخ بخلاف هذا ولولا ثبوت النص المفيد لامتناع بيع المدبر وأم الولد لم يتبين نقصان الرق فيهما لأن الحاصل فيهما أيضا تعليق العتق بموت السيد ولو تمكن نقصان في رقه لما تصور فسخه وإعادته إلى الحالة الأولى لأن نقصان الرق بثبوت العتق بقدره وثبوته من وجه لا يحتمل الزوال كثبوته من كل وجه وهذا ما يقال حق العتق كحقيقته وهذا هو الثابت في المدبر وأم الولد لثبوت العتق في حقهما بجهة لازمة فظهر أن الكتابة إنما أوجبت فك الحجر في المكاسب وذا لا يمكن نقصانا في الرق إذ المكاسب غير الرقبة وبه يعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته شيء رواه أبو داود المراد به كامل في العبودية والرق وإنما يستبد المولى بفسخه لأن يبدل فانعقد لازما على المولى بخلاف الإذن في التجارة لأنه فك بلا بدل وعدم عتق المكاتب في كل مملوك له حر لنقصان الملك فيه فلا يدخل إلا بالنية لكن نقصان الملك لا يستلزم نقصان الرق لأن محل الملك أعم من محل الرق إلا يرى أن الملك يثبت فيما لا يتصور ثبوت الرق فيه كالأمتعة والحيوان غير الآدمي ففي العبد رق في رقبته وملك يحاذيه فيها ويتعدى إلى غيرها من منافعه وأكسابه والكتابة أوجبت الفك في حق ما يزيد على الرقبة وهو محل الملك لا الرق فنقص بها الملك لا الرق ولكن العتق إنما يعتمد الرق لأنه لو دار مع الملك ثبت في غير الآدمي أيضا فكان حينئذ كشرع السائبة ولا موجب لنقصانه فيبقى على ما كان عليه لعدم المزحزح قوله إلا أنه يسلم له الأكساب الخ جواب عما قد ياقال عتقه حيث وقع إنما يقع شرعا بجهة الكتابة وإن عين السيد جهة التكفير بدليل أنه يسلم له الأكساب والأولاد فعلم أنه بجهة الكتابة أجاب بوجهين الأول أن العتق في المكاتب واحد
____________________
(4/262)
والإعتاق من جانب المولى تختلف جهاته ففيما يرجع إلى حق المكاتب جعل هذا ذلك العتق لكونه متحدا وفيما يرجع إلى المولى جعل إعتاقا بجهة الكفارة لأنه قصد ذلك وهو كالمرأة إذا وهبت الصداق للزوج قبل القبض ثم طلقها قبل الدخول لا يرجع عليها بشيء وجعل هبتها في حق الزوج تحصيلا لمقصود الزوج عند الطلاق وفي حقها يجعل تمليكا بهبة مبتدأة وحقيقة الجامع بينهما إذا حصل عين المقصود فلا يبالي باختلاف السبب ففي مسئلة الزوج نفس حقه ليس إلا براءة ذمته عن نصف الصداق وقد حصل فلا يبالي بكونه عن سبب آخر غير الطلاق وكذلك هنا عين حق المكاتب ليس إلا عتقه عند الأداء وقد حصل عينه الثاني انفساخ الكتابة ضروري إذ هو ضرورة تصحيح عتقه عن الكفارة لأنه تصرف من عاقل مسلم فيما فيه مانع يحتمل الفسخ والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها فيظهر في حق جواز التحرير للتكفير لا في حق الإكساب والأولاد لأنه لا دلالة على الرضا فيهما فيعتق في حقهما مكاتبا فتسلم له ولا يلزم من كونه عتق مكاتبا كون عتقه بجهة الكتابة وإلا لتقرر بدل الكتابة إذ تسليم المبدل يوجب تقرر البدل قوله وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها هذا في الشراء أما لو ورث أحدهما فنوى الكفارة فقد قدمناه ولو وهب له أو أوصى له صح الحاصل أنه إذا دخل في ملكه بصنع منه إن نوى عند صنعه أن يكون عتقه عن الكفارة أجزاء وإلا فلا ولو قال إن دخلت الدار فأنت حر ونوى كون العتق وقت دخوله عن الكفارة لا يجوز ولو نواه وقت اليمين جاز قوله وضمن قيمة باقيه يعني أعتق ذلك الباقي أيضا لم يجز عند أبي حنيفة وعندهما يجوز بناء على تجزئ الإعتاق وعدمه عندهما لا يتجزأ فإعتاق نصفه إعتاق كله غير أن المعتق إن كان موسرا ضمن نصيب شريكه ويملكه فصار معتقا كله عن الكفارة وهو ملكه ولا سعاية على العبد حتى يكون إعتاقا بعوض
____________________
(4/263)
ولو كان المعتق معسرا لا يجوز بالاتفاق لأن على العبد السعاية عندهما فيكون عتقا ببدل وإن لم يكن ذلك البدل حاصلا للمعتق بل هو للشريك المقصود أنه لزم العبد بدل في مقابلة تحرير رقبته وعنده يتجزأ فإنما أعتق نصيبه في الابتداء ونصف الرقبة ليس رقبة وقد تمكن النقصان في الرق في النصف الآخر لتعذر استدامة الرق فيه فصار كأم الولد بل أشد لأن عتقها متعلق بالموت بخلاف هذا وهذا النقصان وقع في ملك شريكه ثم بالضمان ملكه ناقصا ومثله يمنع التكفير كالتدبير فصار كأنه أعتق عبدا إلا شيئا منه بخلاف المسئلة التي بعد هذه فإنه أعتق نصفه ثم نصفه بعد كون الكل على ملكه فتمكن النقصان على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة فيجوز كمن أضجع شاة ليذبحها أضحية فأصابت السكين عينها فاعورت فإن قيل الملك في المضمون يثبت مستندا إلى وقت وجود السبب وبه يظهر أن نصيب الساكت ملك للمعتق زمان الإعتاق وهو إذا ذاك لا نقصان فيه قلنا الملك إنما يثبت مستندا في حق الضامن والمضمون له لا في حق غيرهما فيتمكن النقصان في نصيب الساكت في حق غيرهما والكفارة غيرهما فلم تجز ولا يخفى أن التعيب ضروورة إقامة المأمور به ليس كالتعييب بصنعه مختارا حتى أنه لو فقأ عين الشاة مختارا عند الذبح نقول لا يجزيه فكان المشترك أولى بالإجزاء من العبد المختص لأن مالك
____________________
(4/264)
النصف لا يقدر على عتقه إلا بطريق عتق نصفه فحاله أشبه بذابح الشاة من مالكه على الكمال وجوابه أن المعنى أنه حصل بسبب إقامة الواجب وهذا القدر كاف في عدم ما نعيته لا يتوقف على كونه بحيث لا يمكن إقامة الواجب إلا كذلك فإن الشارع لما أطلق له العتق بمرة وبمرات كان لازمه أنه إذا حصل النقص بسبه مطلقا لا يمنع وعن هذا بحث بعضهم أنه يجب الإجزاء في الصورتين فإن النقص في الأول أيضا حصل بسبب العتق كالثاني والعمد وعدمه سواء لأنه نقصان حكمي فيستوي فيه العمد والخطأ ولأن الملك بالضمان يستند فيظهر ملكه في الكل عند إعتاق النصف فيكون كالصورة الثانية وأجاب عن قولهم إنما يستند في حق الضامن والمضمون له دون الكفارة بأن النقص لما كان حكميا فسواء وجد في ملكه بين إعتاق نصفه وإعتاق باقيه أو في ملك غيره بين الإعتاقين لأنه لو كان ينافي كمال الرقية منع مطلقا وجوابه أن منافاة الكمال لا تستلزم منافاة الإجزاء إلا إذا كان في غير ملكه لأنه أهدر لحصوله بسبب إقامة الواجب غير أنه إذا وقع في ملك غيره وضمنه كان مشتريا الناقص رقا معنى فمعتقه عن الكفارة بخلاف ما إذا وقع في ملكه حيث يتحقق فيه الإهدار دون الشراء معنى لناقص الرق ثم إعتاقه فحيث أهدر كان كأنه أعتق نصفه وبعض النصف الآخر ثم أعتق باقيه بخلاف الأول لا يمكن جعل النقصان في ذلك النصف مضافا إلى الكفارة لعدم ملكه لذلك النصف فبطل قدر النقصان إذا كان في ملك غيره فلم يقع عن الكفارة قوله وإعتاق النصف حصل بعده فإن قيل كل إعتاق بعد هذا وإن كان إعتاق عبد كامل فهو بعد المسيس فلو كان وقوعه بعد المسيس مانعا من الإجزاء عن الكفارة لم يجز عتق رقبة كاملة بعده أيضا قلنا إنما يجوز لأنه إعتاق رقبة كاملة قبل المسيس الثاني وبطل إعتاق ذلك النصف لأن الشرط للحل مطلقا إعتاق كل الرقبة قبل المسيس ولم يوجد فتقرر الإثم بذلك المسيس ثم لم يكن اعتبار ذلك النصف من الشرط حتى يكفى معه عتق النصف لأن المجموع حينئذ ليس قبل المسيس فليس هو الشرط فتبقى الحرمة بعد المجموع كما كانت إلى أن يوجد الشرط وهو عتق مجموع بجميع رقبة قوله وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق الخ في الخزانة لا يصوم من له خادم بخلاف المسكن وقال الشافعي والليث يجوز الصوم مع وجود الخادم
____________________
(4/265)
واعتبراه بالماء المعد للعطش والفرق عندنا أن الماء مأمور بإمساكه لعطشه واستعماله محظور عليه بخلاف الخادم كذا ذكره الرازي في أحكام القرآن ويرد عليه المسكن وجوابه أنه بمنزلة لباسه ولباس أهله بخلاف الخادم وفي الإسبيجابي يعتبر الإعسار واليسار وقت التكفير أي الأداء وبه قال مالك وقال أحمد والظاهرية وقت الوجوب وللشافعي أقوال كالقولين وثالثها يعتبر أغلظ الحالين قوله فكفارته صوم شهرين إن صامهما بالأهلة أجزأه وإن كانتا ثمانية وخمسين يوما وإن صامهما بغيرها فلا بد من ستين يوما حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه الاستئناف قوله فإن جامع التي ظاهر منها كونها المظاهر منها قيد في لزوم الاستقبال على قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه لو جامع زوجته الأخرى ناسيا لا يستأنف عنده أيضا كما لو أكل ناسيا لأن حرمة الأكل والجماع للصوم لئلا ينقطع التتابع ولا ينقطع بالنسيان بالنص فلا يوجب الاستقبال بخلاف حرمة جماع التي ظاهر منها فإنه ليس للصوم بل لوقوعه قبل الكفارة وتقدمها على المسيس شرط حلها فبالجماع ناسيا في أثنائه يبطل حكم الصوم المتقدم في حق الكفارة على وزان ما قلنا في الجماع بعد عتق نصف
____________________
(4/266)
العبد لصدق كون المجموع قبل التماس وكون السبب النسيان لا أثر له في نفي هذا الواقع وعدم إفساد الصوم بالنص على خلاف القياس وتقييده ليلا بكونه عامدا ليس بقيد بل جماعها ليلا عامدا أو ناسيا سواء لأن الخلاف في وطء لا يفسد الصوم قوله وإن أفطر يوما منها بعذر كمرض أو سفر لزم الاستقبال بخلاف ما لو أفطرت المرأة للحيض في كفار القتل أو الفطر في رمضان حيث لا تستأنف وتصل قضاءها بعد الحيض ولو أفطرت يوما قبل القضاء لزمها الاستئناف لأنها لا تجد شهرين ليس فيهما أيام الحيض عادة ووجود شهرين ليس فيهما أيام المرض والسفر ثابت عادة كشهرين ليس فيهما نفاسها فلذا لو نفست في صوم كفارة الفطر والقتل استقبلت كما لو
____________________
(4/267)
حاضت في خلال صوم كفارة اليمين فإنها تستقبل لأنها تجد ثلاثة أيام لا حيض فيها قوله لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه أوقعه تعليلا لقوله وإن أطعم المولى عنه أو أعتق فأفاد أن معناه أنه ملكه وأمره أن يعتق أو يطعم ليكون هو المكفر إذا لا بد من الاختيار في أداء ما كلف به أو معناه أن العبد أمره ففعل ذلك فإنه يتضمن تمليكه ثم إعتاقة عنه وإطعامه واعلم أن للسيد أن يمنع عبده من صوم الكفارات إلا كفارة الظهار لأنها يتعلق بها حق الزوجة قوله وإذا لم يستطع الصيام أي لمرض لا يرجى زواله أو كبر قوله أو قيمة ذلك أي من غير ما نص عليه فلو دفع منصوصا عن منصوص آخر بطريق القيمة لم يجز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة منه شرعا مثاله دفع نصف صاع تمر تبلغ قيمته نصف صاع بر أو صاعا من البر أو أقل من نصف صاع بر عن صاع تمر وقيمته تبلغه لم يجز فلو كان التمر صاعا عن نصف صاع بر جاز وهذا لأن الاعتبار في المنصوص عليه لعين النص لا لمعناه ولو جاز ذلك في الاعتبار لزم إبطال التقدير المنصوص عليه في كل صنف وهو باطل ثم إذا فعله فالواجب عليه أن يتم للذين أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه لهم فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم لا يقال لو كسا عشرة مساكين في كفارة اليمين ثوبا واحدا عن الإطعام جاز عنه إذا كانت قيمة نصيب كل منهم قدر قيمة الإطعام مع أن كلا منهما منصوص عليه قلنا المنصوص عليا الكسوة لا الثوب غير أنها لا تتحقق إلا بالثوب فلما لم يصب كلا ثوب لم يكن فاعلا لهذه الخصلة المنصوصة أعنى الكسوة أصلا لا أنه فاعل لها بطريق القيمة عن منصوص آخر إذ لا كسوة إلا بثوب يصير به مكتسيا فيكون فاعلا غير المنصوص بطريق القيمة عن المنصوص قوله في حديث أوس بن الصامت وسهل ابن صخر وصوابه سلمة بن صخر والحديث غريب عنهما وعند الطبراني في حديث أوس بن الصلت قال فأطعم ستين مسكينا ثلاثين صاعا قال لا أملك ذلك إلا أن تعينني فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر
____________________
(4/268)
صاعا وأعانه الناس حتى بلغ انتهى ومقتضاه أنه كان برا لأن التمر والشعير يجزى منه صاع وقدمنا عن أبي داود من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام في حديث أوس ابن الصامت قال صلى الله عليه وسلم فإني سأعينه بعرق من تمر قالت امرأته يا رسول الله وأنا أعينه بعرق آخر قال أحسنت قال فيه والعرق ستون صاعا وأخرج عنه أيضا الحديث بهذا الاسناد إلا أنه قال والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا وهذا أصح لأنه لو كان ستين لم يحتج إلى معاونتها أيضا بعرق آخر في الكفارة وأخرج أبو داود عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن قال العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا وهذه معارضة في أنه كان المخرج تمرا أو برا والله تعالى أعلم وأما الذي في حديث سلمة بن صخر البياضي قال فأطعم من تمر بين ستين مسكينا قال والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشيين ما أملك لنا طعاما قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها الحديث أخرجه أحمد وأبو داود ويكفي ما أثبتناه في صدقة الفطر من أن الواجب من البر نصف صاع إذ لا قائل بالفرق في كمية المخرج في الصدقات الواجبة قوله لأن الجنس متحد وهو جنس هذه الكفارة وهو الإطعام بخلاف الكسوة مع الإطعام وبخلاف إعتاقه نصفي عبدين مشتركين بينه وبين غيره على قول أبي حنيفة فإن الجنس وإن كان متحدا لكن امتنع الإجزاء فيه لمانع آخر وهو أن المأمور به إعتاق رقبة ونصفا رقبتين ليسا رقبة بخلاف الأضحية فإن الاشتراك فيها لا يمنع الأضحية من حيث هو اشتراك لما علم من جواز الاشتراك في البدنة شرعا
____________________
(4/269)
قوله فإن غداهم وعشاهم جاز لأن المعتبر أكلتان مشبعتان بخبز غير مأدوم إن كان خبز بر في سائر الكفارات ككفارة الظهار والإفطار واليمين وجزاء الصيد والفدية سواء كانتا غداء وعشاء أو غداءين أو عشاءين بعد اتحاد الستين فلو غدى ستين وعشى آخرين لم يجز والمعتبر الإشباع عن أبي حنيفة في كفارة اليمين لو قدم بين يدى عشرة أربعة أرغفة أو ثلاثة فشبعوا أجزأهم وإن لم يبلغ ذلك إلا صاعا أو نصف صاع فإن كان أحدهم شبعان اختلفوا قال بعضهم يجوز لأنه وجد إطعام عشرة وقد شبعوا وقال بعضهم لا يجوز لأن المعتبر إشباعهم وهو لم يشبعهم بل أشبع التسعة قوله وهو حقيقة في التمكين من الطعم الطعم بالضم بالطعام لا يقال الاتفاق على جواز التمليك فلو كان الحقيقة ما ذكرتم كان لفظ الإطعام مشتركا معمما أوفي حقيقته ومجازه لأن نقول بجواز التمليك عندنا بدلالة النص والدلالة لا تمنع العمل بالحقيقة كما في حرمة الضرب والشتم مع التأفيف كذا هذا فلما نص على دفع حاجة الأكل فالتمليك الذي هو سبب لدفع حاجة الأكل فالتمليك الذي هو سبب لدفع كل الحاجات التي من جملتها الأكل
____________________
(4/270)
أجوز فإنه حينئذ دافع لحاجة الأكل وغيره قوله وإن أطعم مسكينا واحد ستين يوما أجزأه وقال مالك والشافعي وهو الصحيح من مذهب أحمد لا يجزئه وهو قول أكثر العلماء لأنه تعالى نص على ستين مسكينا وبتكرر الحاجة في مسكين واحد لا يصير هو ستين فكان التعليل بأن المقصود سد خلة المحتاج إلى آخر ما ذكر مبطلا لمقتضى النص فلا يجوز وأصحابنا أشد موافقة لهذا الأصل ولذا قالوا في المسئلة الآتية عن قريب وهي ما إذا ملك مسكينا واحدا وظيفة ستين بدفعة واحدة لا يجوز لأن التفريق واجب بالنص فيكون المدفوع كله عن وظيفة واحدة كما إذا رمى الجمرات السبع بمرة واحدة تحتسب عن رمية واحدة مع أن تفريق الدفع غير مصرح به وإنما هو مدلول التزامي لعدد المساكين ستين فالنص على العدد أولى لأنه المستلزم وغاية ما يعطيه كلامهم أن بتكرر الحاجة يتكرر المسكين حكما فكان تعددا حكما وتمامه موقوف على أن ستين مسكينا مراد به الأعم من الستين حقيقة أو حكما ولا يخفى أنه مجاز فلا مصير إليه إلا بموجب فإن قلت المعنى الذي باعتبارة يصير اللفظ مجازا ويندرج فيه التعدد الحكمى ما هو قلت هو الحاجة بكون ستين مسكينا مجازا عن ستين حاجة وهو أعم من كونها حاجات ستين أو حاجات واحد إذا تحقق تكررها إلا أن الظاهر إنما هو عدد ومعدوده ذوات المساكين مع عقلية أن العدد مما يقصد لما في تعميم الجميع من بركة الجماعة وشمول المنفعة واجتماع القلوب على المحبة والدعاء قوله وهذا أي عدم الإجزاء المدلول عليه بقوله لم يجزه إلا عن يومه
____________________
(4/271)
يعني إذا دفع ستين مرة لواحد في يوم بطريق الإباحة لا يجوز من غير خلاف لأنه قبل تجدد الحاجة بتجدد اليوم الثاني فكان إطعام الطاعم أما لو كانت المرات تمليكات في اليوم الواحد اختلف فيه قيل لا يجوز أيضا إلا عن يومه ذلك وصححه في المحيط لأن المجوز سد الخلة وقد اندفعت حاجة الطعم في ذلك اليوم بصرف ما يقوم مقامه فالصرف إليه بعده في يومه إطعام الطاعم فلا يجوز كما لو كان إطعاما حقيقة وكالدفع إلى الغنى بخلاف الدفع في كفارة أخرى ودفع غيره من كفارة مثلها لأن المدفوع كالهالك بالنسبة إليهما فإن قيل لو كسا مسكينا واحدا عشرة أثواب في عشرة أيام يجوز لتفرق الدفع مع عدم تجدد الحاجة إلى الثوب بتجدد اليوم قلنا تجدد الحاجة إلى الثوب يختلف باختلاف أحوال الناس ولا يمكن تعليق الحكم في الثوب بغير الحاجة إليه فأقيم مضى الزمان مقامها لأنها به تتجدد وأدنى ذلك يوم لجنس الحاجات وما دونه ساعات لا يمكن ضبطها وقيل يجزئه لأن التمليك لما أقيم مقام حقيقة الإطعام وفرغ من ذلك نظر إليه من حيث إنه تمليك والحاجة بطريق التمليك ليس لها نهاية فكان المدفوع أولا هالكا بالنسبة إلى المدفوع ثانيا كما هو هالك بالنسبة إلى دافع آخر وكفارة أخرى وحينئذ فلا معنى لاشتراط زمان آخر لتجدد الحاجة إذا الحال قيامها وربما يشعر اقتصار المصنف بعد حكاية القولين على توجيه هذا القول باختيارة إلا أن الأول أحوط ونكتة جوابه منع كون التمليك لما أقيم مقام الإطعام اعتبر ذاته من حيث هو تمليك بل يجب اعتباره من حيث هو إطعام لأنه لما أقيم مقام الشيء اعتبرت فيه أحكام ذلك الشيء وأما ما نعتقده فعدم جواز التمليك كالإطعام لواحد ولو في اليوم الثاني لما فيه من مصادمة النص بالمعنى مع أنه معنى معارض بمعنى آخر وهو ما ذكرناه قوله وإن قرب التي الخ الحاصل أنه يجب تقديم الإطعام على المسيسر فإن قربها في خلاله لم يستأنف لأنه تعالى ما شرط فيه أن يكون قبل المسيس ونحن لا نحمل المطلق على المقيد وإن كان في حادثة واحدة بعد أن يكونا في حكمين والوجوب لم يثبت إلا لتوهم وقوع الكفارة بعد التماس بيانه أنه لو قدر على العتق أو الصيام في خلال الإطعام أو قبله لزمه التكفير بالمقدور عليه فلو جوز للعاجز عنهما القربان قبل الإطعام ثم اتفق قدرته فلزم التكفير به لزم أن يقع العتق بعد التماس والمفضى إلى الممتنع ممتنع وفيه نظر فإن القدرة حال قيام العجز بالفقر والمرض والكبر والمرض الذي لا يرجى زواله أمر موهوم وباعتبار الأمور الموهومة لا تثبت الأحكام ابتداء بل يثبت الاستحباب فالأولى الاستدلال بما ذكرنا أول الفصل من النص ولا يعلل بما ذكر لمعنى في غيره قوله لمعنى في غيره هو توهم القدرة على العتق أو الصوم لا يعدم
____________________
(4/272)
المشروعية فلم تنعدم مشروعية الكفارة بالإطعام بتخلل الوطء قوله عن ظهارين سواء كانا من امرأة أو امرأتين قوله له الخ حاصل الوجه أنه وجد المقتضى للوقوع عنهما فيقع وذلك لأن المقتضى للإجزاء عنهما صرف الكمية التي تجزى عن كفارتين إلى المحل مقرونا بنية كونه عما عليه والكل ثابت فيلزم حكمه وهو الإجزاء والجواب منع وجود المقتضى وإنما يوجد لو كانت تلك النية معتبرة لكنها في الجنس الواحد لغو لأنها إنما اعتبرت لتمييز بعض الأجناس عن بعض لاختلاف الأغراض باختلاف الأجناس فلا يحتاج إليها في الجنس الواحد لأن الأغراض لا تختلف باعتباره فلا تعتبر فبقي نية مطلق الظهار وبمجردها لا يلزم أكثر من واحد وكون المدفوع لكل مسكين أكثر من نصف صاع لا يستلزم ذلك نصف الصاع أدنى المقادير لا تمتنع الزيادة عليه بل النقصان بخلاف ما إذا فرق الدفع أو كانا جنسين وقد يقال اعتبارها للحاجة إلى التمييز وهو محتاج إليه في أشخاص الجنس الواحد كما في الأجناس وقد ظهر أثر هذا الاعتبار فيما صرحوا به من أنه لو أعتق عبدا عن أحد الظهارين بعينه صح نية التعيين ولم تلغ حتى حل وطء التي عينها ومن الصور ظن أنه ظاهر منها فأعتق ثم تبين أنه ظاهر من غيرها لا يجزيه ومنها نية كفارة عمرة لا يجزيه عن نية كفارة زينب فهنا أيضا يجب أن لا يلغو
____________________
(4/273)
لثبوت الغرض الصحيح في نية الظهارين وهو حلهما معا أجيب بما حاصله ادعاء ثبوت المانع هنا وهو عدم سعة المحل للكفارتين فإن محلهما في الإطعام مائة وعشرون مسكينا بخلاف صورة الإعتاق وهذا يصير أصل الجواب تسليم وجوب المقتضى وادعاء المانع وهو رجوع وانقطاع عن طريق الأول إذ قد ظهر صحة اعتبار النية في الجنس الواحد ثم قد يقال عليه أن اعتبار الستين مائة وعشرين بالنظر إلى كفارتين ليس بأبعد من اعتبار الواحد ستين في كفارة واحدة باعتبار تجدد الحاجة والاتفاق على أن وظيفة الواحد مستهلكة بالنسبة إلى كفارة أخرى فهو كمحتاج آخر بالنسبة إليها فما دفع إلا مع قيام الحاجة بالنسبة إلى كفارة أخرى قوله وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما هذا إذا كانت الرقبة مؤمنة فإن كانت كافرة صح عن الظهار لأن الكافرة لا تصلح كفارة للقتل فتعينت للظهار قوله في الفصلين هما صورتا اتحاد الجنس واختلافه قوله لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود وهو الستر وإذهاب أثر تلك الجناية جنس واحد ولذا حمل المطلق منهما على المقيد في الأخرى قوله لخروج الأمر من يده فإنه وقع نفلا إذ لا يصح إعتاق نصف رقبة عن كفارة
____________________
(4/274)
وبذلك خرج من يده إمكان أن يجعله عن إحداهما لأنه بعد ما وقع على وجه لا ينقلب إلى غيره قوله فتلغو وإذا لغت بقى نية مطلق الظهار فله أن يعين أيهما شاء كما لو أطلقها في الابتداء قوله واختلاف الجنس الخ لما اختلف باختلاف الجنس واتحاده أجوبة المسائل أفاد ما به الإختلاف والاتحاد فما اختلف سببه فهو المختلف وما لا فالمتحد والصلوات كلها من قبيل المختلف حتى الظهرين من يومين لاختلاف السببين اعني الوقتين حقيقة وحكما أما الحقيقة فظاهر وكذا حكما لأن الخطاب لم يتعلق بوقت يجمعهما بل بالدلوك وهو من يوم غيره من آخر بخلاف صوم رمضان لأنه معلق بشهود الشهر وهو واحد جامع للأيام كلها بلياليها فكل يوم وإن كان سببا لصومه فكذا شهود الشهر فاجتمع في وجوب صوم كل يوم سببان شهود الشهر وخصوص اليوم فباعتبار أحد السببين لا يحتاج في نية قضائه إلى تعيين يوم السبت مثلا أو يوم الأحد وشرط في الصلوات فإن تعذر عليه معرفة يومي الظهرين ينوي أول ظهر عليه أو آخر ظهر عليه إن لم يكن ساقط الترتيب وقد أسلفناه في باب شروط الصلاة وكذا شرط التعيين في اليومين من رمضانين فينوى عما على من الرمضان الأول أو الثاني لاختلاف السبب مطلقا لعدم تعلق الخطاب بصومهما بزمان يجمعهما ولو نوى ظهرا وعصرا أو ظهرا وصلاة الجنازة لم يكن شارعا في شيء منهما للتنافي وعدم الرجحان بخلاف ما لو نوى ظهرا ونفلا حيث يقع عن الظهر عند أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة ترجيحا بالأقوى ولا يصير شارعا عند محمد أصلا للتنافي ولو نوى صوم القضاء والنفل أو الزكاة والتطوع أو الحج المنذور والتطوع يكون تطوعا عند محمد لأن النيتين لما
____________________
(4/275)
بطلتا بالتعاوض بقي مطلق النية وبها يصح النفل وعند أبي يوسف يقع عن الأقوى لأن نية التطوع غير محتاج إليها فلغت فبقي نية القضاء ولو نوى حجة الإسلام والتطوع فهو عن حجة الإسلام اتفاقا عند أبي يوسف لما ذكرنا وعند محمد لأنه لما بطلت الجهتان بالتعارض بقي مطلق النية وبه تتأدى حجة الإسلام والله أعلم ولو نوى القضاء وكفارة الظهار كان عن القضاء استحسانا وفي القياس يكون تطوعا وهو قول محمد لتدافع النيتين فصار كأنه صام مطلقا وجه الاستحسان أن القضاء أقوى لأنه حق الله تعالى على الخاوص وكفارة الظهار لاستيفاء حق له فيترجح القضاء وعن محمد فيمن نذر صوم يوم بعينه فنواه وكفارة اليمين أنه عن النذر لأنه نفل في أصله وقدمنا هذا في كتاب الصوم وذكرنا إلزام محمد شروعه في النفل في صورة نية الظهر والنفل فارجع إليه فليكن هذا رواية عنه فيه هذا ومما يعكر على الأصل الممهد ما عن أبي يوسف في المنتقي أو تصدق عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا والله الموفق & باب اللعان
هو مصدر لا عن سماعي لا قياسي الملاعنة وكثير من النحاة يجعلون الفعال والمفاعلة مصدرين قياسيين لفاعل وهو من اللعن وهو الطرد والإبعاد يقال منه التعن أي لعن نفسه ولا عن إذا فاعل غيره ومنه رجل لعنة بفتح اللعين إذا كان كثير اللعن لغيره وبسكونها إذا لعنه الناس كثيرا قال ** والضيف أكرمه فإن مبيته ** حق ولا تك لعنة للنزل ** وفي الفقه هو اسم لم يجري بين الزوجين من الشهادات بالألفاظ المعروفة سمى ذلك به لوجود لفظ اللعن في الخامسة من تسمية الكل باسم الجزء ولم يسم باسم الغضب وهو أيضا موجود فيه لأنه في كلامها وذلك في كلامه وهو أسبق والسبق من أسباب الترجيح وشرطه قيام النكاح وما سيذكر وسببه قذفه زوجته بما يوجب الحد في الأجنبية وركنه ذلك المفهوم وحكمه حرمتها بعد التلاعن على ما سيأتي وأهله من كان أهلا للشهادة قوله إذا قذف الرجل امرأته بالزنا بأن يقول أنت زانية أو رأيتك تزنين أو يازانية هذا مذهب
____________________
(4/276)
الجمهور وفي المشهور عن مالك لا يجب بقوله يازنية بل يجب فيه الحد وهو قول الليث وعثمان البنى ويحيى بن سعيد واستضعف بأن الكل رمى بالزنا وهو السبب فلا فرق قوله وهما من أهل الشهادة أي من أهل أدائها على المسلم فلا يجرى اللعان بين الكافرين والمملوكين ولا إذا كان أحدهما مملوكا أو صبيا أو مجنونا أو محدودا في قدف وأورد أنه يجري بين الأعميين والفاسقين مع أنه لا أداء لهما ودفع بأنهما من أهله إلا أنه لا يقبل للفسق ولعدم تمييز الأعمى بين المشهود له وعليه وهنا هو يقدر على أن يفصل بين نفسه وامرأته فيكون أهلا لهذه الشهادة دون غيرها وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الأعمى لا يلاعن قوله ممن يحد قاذفها فلو كانت لا يحد قاذفها بأن تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها فيه أو كان لها ولد وليس له أب معروف أو زنت في عمرها ولو مرة أو وطئت وطأ حراما بشبهة ولو مرة لا يجرى اللعان وأورد ما فائدة تخصيص المرأة بكونها ممن يحد قاذفها وهو شرط في جانب الرجل أيضا حتى لو كان الزوج ممن لا يحد قاذفه لا يجرى اللعان أيضا وإن كانت هي ممن يحد قاذفها وأجاب في النهاية بأن اللعان في حقه قائم مقام حد القذف فلا بد من إحصانها حتى يقع مقام حد القذف وعند عدم إحصانها قذفها لا يكون موجبا شيئا لحد القذف ولا اللعان أما قذف الرجل عند عدم إحصانه فموجب ما هو الأصل وهو حد القذف فلم يخل قذفه عند عدم إحصانه عن موجب فلذلك لم يشترط كونه ممن يحد قاذفه إذ الحد أصل اللعان فكان في معنى اللعان قال في شرح الكنز هذا خطأ فاحش لأن من شرط اللعان أن يكونا من أهل الشهادة لأنه شهادة وكونه ممن لا يحد قاذفه كالزاني لا يخل بهذا الشرط
____________________
(4/277)
لأن اللعان يجرى بين الفاسقين وإنما اشترط ذلك فيها لتثبت عفتها لأن حد القذف لا يجب إلا إذا كان المقذوف عفيفا عن الزنا فكذا اللعان لأنه قائم مقام حد قذفها وهذا لأن من شرط اللعان أن تطالب المرأة بموجب القذف وهو الحد وإذا لم تكن ممن يحد قاذفها ليس لها المطالبة بذلك فلا يتصور اللعان ولم يوجد في حقه هذا المعنى فلأي معنى يمتنع أهل الحاصل أن المرأة هي المقذوفة دونه فاختصت باشتراط كونها ممن يحد قاذفها بعد اشتراط أهلية الشهادة بخلافه ليس بمقذوف وهو شاهد فاشترطت أهليه الشهادة دون كونه ممن يحد قاذفه قوله والأصل أي إن الأصل في اشتراط أهلية الشهادة فيهما واشتراط كونها مع ذلك عفيفة ممن يحد قاذفها أن اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان فلذلك اشترطنا أهلية الشهادة وأنه قام مقام حد القذف في حقه أي قذفه لها فلذلك اشترطنا كونها ممن يحد قاذفها ومقام حد الزنا في حقها إن كان صادقا قوله عندنا قيد بهذا الظرف ليفيد الخلاف فعند الشافعي اللعان أيمان مؤكدات بالشهادات وهو الظاهر من قول مالك وأحمد ممن كان أهلا لليمين وهو من يملك الطلاق فكل من يملكه فهو أهل له عنده فيجب اللعان من كل زوج عاقل وإن كان كافرا أو عبدا وعن مالك وأحمد رواية كقولنا وجه قوله قوله تعالى فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فقوله تعالى بالله محكم في اليمين والشهادة تحتمل اليمين ألا ترى أنه لو قال أشهد ينوى اليمين كان يمينا فحملنا المحتمل على المحكم لأن حمله على حقيقته متعذر لأن المفهوم في الشرع عدم قبول شهادة الإنسان لنفسه بخلاف يمينه وكذا المعهود شرعا عدم تكرر الشهادة في موضع بخلاف اليمين فإنه معهود في القسامة ولأن الشهادة محلها الإثباتات واليمين للنفي فلا يتصور تعلق حقيقتها بأمر واحد فوجب العمل بحقيقة أحدهما ومجاز الآخر فليكن المجاز لفظ الشهادة لما قلنا من الموجبين المذكورين وهذا التقرير يقتضي في حل مذهبه أن يقال أيمان مؤكدة بأيمان لا أيمان مؤكدة بالشهادة ولنا الآية المذكورة والحمل على الحقيقة يجب عند الإمكان وقوله تعالى ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم أثبت أنهم شهداء لأن الاستثناء من النفي إثبات وجعل الشهداء مجاز عن الحالفين يصير المعنى ولم يكن
____________________
(4/278)
لهم حالفون إلا أنفسهم وهو غير مستقيم لأنه يفيد أنه لما لم يكن للذين يرمون أزواجهم من يحلف لهم يحلفون هم لأنفسهم وهذا فرع تصور حلف الإنسان لغيره وهو لا وجود له أصلا فلو كان معنى اليمين حقيقيا للفظ الشهادة كان هذا صارفا عنه إلى مجازه فكيف وهو مجازى لها ولو لم يكن هذا كان إمكان العمل بالحقيقة موجبا لعدم الحمل على اليمين فكيف وهذا صارفا عن المجاز وما توهم صارفا مما ذكر غير لازم قوله قبول الشهادة لنفسه وتكرر الأداء لا عهد بهما قلنا وكل من الحلف لغيره والحلف لإيجاب الحكم لا عهد به بل اليمين لدفع الحكم فإن جاز لمن له ولاية الإيجاد والإعدام والحكم كيفما أراد شرعية هذين الأمرين في محل بعينه ابتداء جاز له أيضا شرعية ذلك ابتداء ثم هما أقرب في القول لعقلية كون التعدد في ذلك المحل أربعا بدلا عما عجز عنه من إقامة شهود الزنا وهم أربع وعدم قبول الشهادة لنفسه عند التهمة ولذا يثبت عند عدمها أعظم ثبوت قال الله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو فغير بعيد أن يشرع عند ضعفها بواسطة تأكيدها باليمين وإلزام اللعنة والغضب إن كان كاذبا مع عدم ترتب موجبها في حق كل من الشاهدين إذا موجب شهادة كل واحد إقامة الحد على الآخر وليس ذلك بثابت هنا بل الثابت عندهما ما هو الثابت بالإيمان وهو اندفاع موجب دعوى كل عن الآخر وإنما قلنا عندهما ولم نقل بهما لأن هذا الاندفاع ليس موجب الشهادتين بل هو موجب تعارضهما وأما قوله اليمين للنفي إلى آخره فمحله ما إذا وقعت في إنكار دعوى مدع وإلا فقد يحلف على أخبار بأمر نفي أو إثبات وهنا كذلك فإنها على صدقة في الشهادة والحق أنها على ما وقعت الشهادة به وهو كونه من الصادقين فيما رماها به كما إذا جمع أيمانا على أمر واحد يخبر به فإن هذا هو حقيقة كونها مؤكدة للشهادة إذ لو اختلف متعلقهما لم يكن أحدهما مؤكدا للآخر وثمرة الخلاف تظهر في اشتراط أهلية الشهادة وعدمها قوله قائمة مقام حد القذف في حقه
____________________
(4/279)
أي بالنسبة إلى كل زوجة على حدة لا مطلقا ألا يرى أنه لو قذف بكلمة أو بكلمات أربع زوجات له بالزنا لا يجزيه لعان واحد لهن بل لا بد من أن يلاعن كلا منهن على حدة ولو كن أجنبيات فقذفهن حد واحدا لهن وسبب هذا الافتراق أن المقصود يحصل في إقامة الحد الواحد للكل وهو دفع العار عنهن ولا يحصل ذلك في اللعان إلا بالنسبة إلى كل واحدة ويتعذر اجتماع الكل في كلمة قوله ويجب بنفي الولد هو أعم من كونه ولده منها أو ولدها من غيره ويجب إرادة هذا الإطلاق فقوله في الغاية أو نفي نسب ولدها المولود على فراشه لا يفيد لأنه لو نفي نسب ولدها من غيره عن أبيه المعروف يكون قذفا لها كما لو نفاه عنه أجنبي فيكون موجبه اللعان لما تلونا كذا في شرح الكنز قوله ولا يعتبر احتمال الخ جواب عن مقدر تقديره إن النفي ليس بقذف لها بالزنا يقينا لجواز كون الولد من غيره بوطء بشبهة لا زنا أجاب بأنه احتمال لا يعتبر لأن النسب وإن كان مما يثبت من الوطء بشبهة لكن الواقع انتفاء ثبوته إلا من هذا الفراش القائم فإذا نفاه عنه مع عدم ثبوته من غيره كان نفيا لثبوت نسبه مطلقا ويستلزم كونه عن زنا فكان قذفا ما لم يظهر خلافه ولم يظهر بعد وإنما بقى فيه احتمال كونه في نفس الأمر عن غير زنا ولا عبرة به فإن هذا الاحتمال قائم بعينه فيما إذا صرح بنسبة أمه إلى الزنا به ثم شبهه بما إذا نفى أجنبي نسبه عن أبيه المعروف يعني فإنه يكون قذفا موجبا للحد وإن كان ذلك الاحتمال قائما فيه وهذا مصرح بخلاف ما في المحيط من أنه إذا نفى الولد فقال ليس بابني ولم يقذفها بالزنا لا لعان بينهما لأن النفي ليس بقذف لها بالزنا يقينا لذلك الاحتمال وفي النهاية والدراية جعلا هذا قول الشافعي ثم قال وأجمعوا أنه لو قال لأجنبية ليس هذا الولد الذي ولدتيه من زوجك لا يصير قاذفا ما لم يقل إنه من الزنا
____________________
(4/280)
قال والقياس ما قاله الشافعي إلا أنا تركناه لضرورة في اللعان لأن الزوج قد يعلم أن الولد ليس منه إما لأنه لم يقربها أن عزل عنها عزلا بينا ولا يدرى من أين هو يعنى فيحتاج إلى نفيه لأنه لا يستحق من ليس منه يقينا ولا يتمكن منه إلا باللعان وثبوته فرع اعتباره قاذفا فاعتبر كذلك لهذه الضرورة وهذه الضرورة منعدمة في حق غيره وجواب الفصلين يخالف جوابهما المصرح في الهداية والعجب من صاحب الدراية حيث قال في تقريره قوله في الكتاب ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد الخ لأنه يصير قاذفا بالإجماع مع وجود هذا الاحتمال كما في نفي أجنبي نسبة عن أبيه المعروف ونقله من الإيضاح والمبسوط ثم نقل قول الشافعي كما في النهاية ثم أورد صورة الأجنبية مقيسا له عليه فقال كما لو قال لأجنبية ليس هذا الولد من زوجك ولم يمنعه في جوابه بل ذكر في جوابه الفرق الذي ذكره في النهاية بين قوله لأجنبية وبين قوله لزوجته وهو تناقض ظاهر ومخالفا لما ذكره في الكتاب وغيره من المواضع كالإيضاح والمبسوط وغيرهما وما في كتاب الحدود فإنه قال ومن نفى نسب غيره فقال لست لأبيك فإنه يحد قيل وذكر في جوامع الفقه وغيره لو قال وجدت معها رجلا يجامعها ليس بقذف لها لأنه يحتمل الحل والجماع بشبهة والنكاح الفاسد فكان ينبغي أن يكون كذلك هنا يعني في نفي نسب ولده من زوجته أجيب عنه بأنا جعلناه كالتصريح بالزنا للضرورة التي بيناها قلت وعلى ما هو الحق فالجواب أن الجماع لا يستلزم الزنا بخلاف قطع نسبه من كل وجه على ما قررناه فإنه يستلزمه قوله ويشترط طلبها وبه قالت الأئمة الثلاثة لأنه أي اللعان حقها لأنه لدفع العار عنها فيشترط طلبها بخلاف ما إذا كان القذف بنفي الولد فإن الشرط طلبه لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده عنه فإن امتنع حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد وعند الشافعي إذا امتنع حده حد القذف وكذا إذا لاعن فامتنعت عنده تحد حد الزنا وعندنا تحبس حتى تلاعن أو تصدقه فيرتفع سبب وجوب لعانها وهو التكاذب لأن اللعان إنما يجب إذا أكذب كل الآخر فيما ادعاه والأوجه كونه القذف فهو السبب والتكاذب شرط وفي بعض النسخ
____________________
(4/281)
فيرتفع الشين وهذا اعتراف بالقذف فلو أنكر فأقامت بينة قبلت ولزمه اللعان وفي الجامع لو مات الشاهدان أو غابا بعد ما عدلا لا يقضي باللعان وفي المال يقضي بخلاف ما لو عميا أو فسقا أو ارتدا حيث يلاعن بينهما وفي بعض نسخ القدوري أو تصدقه فتحد وهو غلط لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات لأن التصديق ليس بإقرار قصدا بالذات فلا يعتبر في وجوب الحد بل في درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ولو صدقته في نفي الولد فلا حد ولا لعان وهو ولدهما لأن النسب إنما ينقطع حكما للعان ولم يوجد وهو حق الولد فلا يصدقان في إبطاله وجه قول الشافعي أن الواجب بالقذف مطلقا الحد بعموم قوله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } إلا أنه يتمكن من دفعه فيما إذا كانت المقذوفة زوجة باللعان تخفيفا عليه فإذا لم يدفعه به يحد ومثله في المرأة إذا لم تلاعن بعد ما أوجب الزوج عليها اللعان بلعانه فإذا إمتنعت حدت بالزنا ويشير إليه قوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } قلنا قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى قوله تعالى { فشهادة أحدهم أربع شهادات } أي فالواجب شهادة أحدهم وقد عرف أن فاء الجزاء يحذف بعدها المبتدأ كثيرا فأفاد أن الواجب في قذف النساء اللعان فإما أن يكون ناسخا أو مخصصا لعموم ذلك العام للإجماع على أنه ليس بمنسوخ وعلى التقديرين يلزم كون الثابت في قذف الزوجات إنما هو هذا فلا يجب غيره عند الإمتناع عن إيفائه بل تحبس لإيفائه كما في كل حق امتنع من هو عليه عن إيفائه لا يعاقب ليوفيه والثابت عندنا أنه بطريق النسخ لأنه لم يقارن العام وهو مخصوص أول وللعمل بتأخره على ما رووا أنه صلى الله عليه وسلم قال للذي قذف امرأته ( ائت بأربعة شهداء وإلا فحد على ظهرك ) فنزلت آية اللعان ولم يتعين كون المراد من العذاب في الآية الحد لجواز كونه الحبس وإذا قام الدليل على أن اللعان هو الواجب وجب حمله عليه قيل والعجب من الشافعي لا يقبل شهادة الزوج عليها بالزنا مع ثلاثة عدول ثم يوجب الحد عليها بقوله وحده وإن كان عبدا فاسقا وأعجب منه أنه يمين عنده وهو لا يصلح لإيجاب المال ولا لإسقاطه بعد الوجوب وأسقط به كل من الرجل والمرأة الحد عن نفسه وأوجب به الرجم الذي هو أغلظ الحدود على المرأة فإن قال إنما وجب عليها لنكولها بإمتناعها عن اللعان قلنا هو أيضا من ذلك العجب فإن كون النكول إقرار فيه شبهه والحد مما يندفع بها مع أنه غاية ما يكون بمنزلة الإقرار مرة ثم إن عنده هذه الشبهة أثرت في منع إيجاب المال مع أنه يثبت مع الشبهة فكيف يوجب الرجم به وهو أغلظ الحدود وأصعب إثباتا وأكثر شروطا وفي كافي الحاكم إذا شهد الزوج وثلاثة نفر على امرأته بالزنا جازت شهادتهم فتحد هي وإن كان الزوج قذف وجاء بثلاثة نفر فشهدوا حد الثلاثة ولاعن الزوج
قوله أو كافرا
____________________
(4/282)
صورته ما إذا كان الزوجان كافرين فأسلمت هي فقذفها الزوج قبل عرض الإسلام عليه
قوله فيصار إلى الموجب الأصلي وهو الثابت بقوله تعالى { والذين يرمون المحصنات } يعني الحد ولا تحرير في هذا الكلام إلا أن يكون الموجب الأصلي هو الحد في حق العموم وقد جعل له أن يسقطه باللعان كما قال الشافعي وأما على ما قررنا من ثبوت نسخها في قذف الزوجات فلا يكون للحد وجود في قذفهن لإرتفاع المنسوخ فلا يجوز المصير إليه فيهم لأنه مصير إلى غير حكمة والدليل ينفيه والحق في التقرير أن يقال النص إنما نسخ حكم الحد في حق من كان من أهل الشهادة من الأزواج لا في كل زوج لأن لفظة الناسخ ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم تفيد ذلك فيبقى العام موجبا حكمه وهو وجوب الحد فيمن لم يكن أهلا فيعمل بمقتضاه
قوله وإن كان أي الزوج
من أهل الشهادة وهي ليست من أهلها أو من أهلها إلا أنها لا يحد قاذفها بأن تكون قد زنت في عمرها فلا حد ولا لعان وهو ظاهر فيما إذا كانت لا يحد قاذفها أما إذا كانت ممن يحد قاذفها إلا أنها ليست من أهل الشهادة بأن تكون عفيفة محدودة في قذف فقد يقال امتناع اللعان لعدم شرطه من أين يستلزم امتناع الحد والحال أنها ممن يحد قاذفها فصار كإمتناع اللعان من جهة الزوج ولم يسقط الحد عنه والجواب أن الزوج لما كان أهلا للعان بأن كان أهلا للشهادة لم يكن حكم قذفه إلا اللعان لا الحد فإذا امتنع من جهتها امتنع تمام الموجب بخلاف ما إذا امتنع من جهته بعدم أهليته للشهادة فإن حكم قذفه ليس اللعان بل الحد لما بيننا
قوله والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم أربعة لا لعان بينهم أخرج ابن ماجه في سننه عن ابن عطاء عن أبيه عطاء الخارساني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة من النساء لا ملاعنة بينهم النصرانية تحت المسلم واليهودية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك وأخرجه
____________________
(4/283)
الدارقطني عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن عمرو بن شعيب وأخرجه بالطريق الأول أيضا وقال تابعه يعني عثمان بن عطاء الخراساني يزيد ابن زريع عن عطاء وهو أيضا ضعيف وروى عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من قوله ولم يرفعاه ثم أخرجه كذلك موقوفا ثم أخرجه عن عمارة بن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وضعف رواته وأنت علمت أن الضعيف إذا تعددت طرقه كان حجة وهذا كذلك خصوصا وقد اعتضد برواية الإمامين إياه موقوفا على جد عمرو بن شعيب على أن معنى الحديث المذكور مما يدل عليه آية اللعان على التقرير الذي ذكرناه من أنه شهادات إلى آخره
قوله ولو كانا محدودين فعليه الحد لأن إمتناع اللعان بمعنى من جهته وكذا إن كان هو عبدا وهي محدودة في قذف يحد لما ذكرنا بخلاف ما إذا كانا كافرين أو مملوكين حيث لا يجب عليه الحد وإن إمتنع من جهته لأن قذف الأمة والكافرة لا يوجبه بخلاف قذف المحدودة إذا كانت عفيفة فإنه لو قذفها أجنبي يحد فكذا الزوج ولو قذف الكافرة أو الأمة أجنبي لا يحد فكذا الزوج فصار كما لو كانا صغيرين أو مجنونين وعند الشافعي وغيره يلاعن في الكل لأن كل من هو من أهل اليمين فهو أهل له إلا إذا كان أحدهم صغيرا أو مجنونا قيل عليه كما أن إمتناعه بمعنى من جهته كذلك هو بمعنى من جهتها فكان ينبغي أن تراعى الجهتان فبإعتبار جهته ينتغي أن ينفى اللعان فقط وبإعتبار جهتها يسقط اللعان فيتبعه سقوط الحد والجواب أن القذف يوجد أولا منه وهو مقتض اللعان إن كان أهلا للشهادة والحد إن لم يكن وعدم أهليتها مانع ولا إعتبار للمانع إلا بعد وجود المقتضى لأن مفهوم المانعية يقتضي ذلك إذ حقيقته نسبته إلى المقتضى بالمنع ولا وجود لمقتضى اللعان فلا يعتبر المانعية من جهتها للعان والحد إنما يسقط بما من جهتها تبعا لسقوط اللعان ولم يعتبر المسقط المستتبع من جهتها فيبقى على ما كان وقد كان ثابتا فإن قذف الزوج موجب للحد
____________________
(4/284)
قوله وصفه اللعان الخ ظاهر في تعيينه كذلك حتى لو أخطأ القاضي فبدأ بها لا يعتد بلعانها فتعيده وبه قال الشافعي وأحمد وأشهب من المالكية وفي البدائع ينبغي أن يعيد اللعان عليها لأن اللعان شهادة والمرأة بشهادتها تقدح في شهادة الزوج فلا يصح إلا بعد وجود شهادته ولهذا يبتدأ بشهادة المدعي في باب الدعوى ثم بشهادة المدعي عليه بطريق الدفع له كذا هنا فإن لم يعد حتى فرق بينهما نفذت الفرقة لأن تفريقه صادف محل الإجتهاد لأنه يزعم أن اللعان يمين لا شهادة ويجوز تقديم إحدى اليمينين على الأخرى كتحالف المتبايعين فإنه لا يلزم مراعاة الترتيب ومقتضاه لزوم الإعادة كقول الشافعي لكن في الغاية لو بدأ بلعانها فقد أخطأ السنة ولا تجب إعادته وبه قال مالك وهو الوجه لأن النص أعقب الرمي بشهادة أحدهم وشهادتها الدارئة عنها بقوله ويدرأ عنها العذاب أن تشهد ولأن الفاء دخلت على شهادته على وزان ما قلنا في سقوط الترتيب في الوضوء من أنه عقب جملة الأفعال للقيام إلى الصلاة وإن كان دخول الفاء على غسل الوجه فانظره ثمة
فروع قذفها ثم طلقها بائنا سقط اللعان ولا يجب الحد ولو تزوجها بعد ذلك لأن الساقط لا يعود وهو قول الأئمة الأربعة ولو قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها ثانيا وجب الحد بالأول واللعان بالثاني ويحد للأول ليسقط اللعان ولو طلبت اللعان أولا يلاعن ثم يحد بخلاف حدود القذف إذا اجتمعت فإنه يكفي حد واحد لإتحاد الجنس ولو قال قذفتك قبل أن أتزوجك أو زنيت قبل أن أتزوجك فهو قذف في الحال فتلاعن وقال مالك والشافعي يحد وما في خزانة الأكمل من أنه يلاعن في قوله زنيت قبل أن أتزوجك ويحد في قوله قذفتك قبل أن أتزوجك أوجه قذفها ثم زنت أو وطئت بشبهة فلا حد ولا لعان ويسقط العان بردتها ولو أسلمت بعده لا يعود ولو قذفها ثم أبانها يسقط اللعان ولو أكذب نفسه بعد ذلك لا يحد بخلاف ما لو أكذب نفسه بعد اللعان
قوله لأنه أقطع للإحتمال أي لإحتمال أن يضمر مرجعا للضمير الغائب غيرها بخلاف الخطاب وتقول هي أيضا أنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا والأولى أن يقيمهما القاضي متقابلين ويقول له التعن
قوله إذا انضمت إليه الإشارة أنقطع الإحتمال يعني انقطع إحتمال ضمير الغائب لا أن المراد أن إنقطاع الإحتمال مشروط بإجتماعهما لأن الإشارة بإنفرادها لا إحتمال معها
قوله لا تقع الفرقة حتى لو مات أحدهما قبل تفريق القاضي ورثه
____________________
(4/285)
الآخر ولو زالت أهلية اللعان في هذه الحالة بما لا يرجى زواله بأن أكذب نفسه أو قذف أحدهما إنسانا فحد للقذف أو وطئت هي وطأ حراما أو خرس أحدهما لم يفرق بينهما بخلاف ما إذا جن قبل التفريق حيث يفرق بينهما لأنه يرجى عود الإحصان ولو ظاهر منها في هذه الحالة أو طلقها أو آلى منها صح لبقاء النكاح غير أن وطأها محرم كما ستعلم ولو فرق القاضي بينهما بعد التعانهما ثلاثا خطأ نفذ تفريقه عندنا وعند زفر وبقية الإئمة لا ينفذ
قوله بالحديث يشير به إلى حديث المتلاعنان لا يجتمعان أبدا فإنه يفيد تعلق عدم الإجتماع باللعان كما هو المعروف من أن ترتيب الحكم على مشتق يفيد أن مبدأ اشتقاقه علة له وسيأتي الكلام على هذا الحديث وقال الشافعي رحمه الله بمجرد لعان الزوج تثبت الفرقة بينهما ولا نعلم له في ذلك دليلا مستلزما لوقوع الفرقة بمجرد لعانه قيل وينبغي على هذا أن لا تلاعن المرأة أصلا لأنها ليست زوجة والتمسك بمروي زفر إنما يفيد حرمتها بلعانهما لا بلعان أحدهما وهذا لأن حقيقته حال إشتغالهما باللعان وهو لا يدخل في الوجود جملة بل على
____________________
(4/286)
التعاقب فتعذر إرادتها وأقرب الأوقات إلى حقيقة ما يعقب فراغهما من غير مهلة فاعتبرناه وبه نقول وليس بلازم من حرمتها وقوع الفرقة وما ذكروه من المعنى وهو أنهما لا يأتلفان بعد اللعن فليس بقطعي في ذلك بل ولا ظاهر بل يجوز حدوث الألفة بعد غاية العداوة كما يجوز بقاء العداوة ولو كان ظاهرا لم يقتض وقوع الفرقة بل يوجب عليه التسريح بإحسان فإنه بثبوت الحرمة فات الإمساك بمعروف فيؤمر بالتسريح بإحسان كما فيما إذا ثبتت الحرمة بالظهار فإنها إذا طالبته أمره القاضي بالتسريح أو التكفير إلا أن الظلم هنا لا ينتهي بكل من الأمرين بل بأمر واحد هو الطلاق فينحصر أمره فيه فإذا امتنع ناب منابه لأنه نصب لدفع الظلم ويدل على هذا ما في الصحيحين عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه وما أخرجاه أيضا في حديث عويمر العجلاني لما فرغا من لعانهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي عنى المصنف بقوله يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الملاعن إلى آخره ولكن الصواب ما علمت أن القائل هو الرجل نفسه وكذبت بضم التاء على المتكلم قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين ورواه أبو داود فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قال سهل حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا قال البيهقي قال الشافعي إن عويمرا حين طلقها ثلاثا كان جاهلا بأن اللعان فرقة فصار كمن شرط الضمان في السلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر تفريق حكم لا لفرقة الزوج وقول الزهري وسهل فكانت سنة المتلاعنين أي الفرقة قال البيهقي والذي يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة هلال بن أمية ولعانه قال وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفي عنها وأجيب بأنه لو وقعت الفرقة بمجرد اللعان لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم تطليقة وقوله صلى الله عليه وسلم لا سبيل لك عليها إنما هو إنكار طلب ما له منها على ما يدل عليه تمام الحديث وهو قوله يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها فدل تفريقه صلى الله عليه وسلم على وقوع الطلاق فلا يعارضه قول ابن عباس رضي الله عنهما من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق فإنه من قوله وقد يقال ليس هذا مما يكون ترك الإنكار فيه حجة لأنا لم ندع فيه أنه محرم حتى يكون ترك الإنكار فيه حجة علينا إنما ادعينا أنه وقع لغوا فالسكوت عدم الإلتفات إليه ويجاب بأنه يستلزم مفسدة حينئذ لأن السكوت يفيد تقريره وأنه الواقع فلو كان الواقع وقوع الفرقة قبله كان السكوت مفضيا إلى المفاسد لأنه يفيد تقرير وقوعه الآن فيستلزم فيما لو فرض عدم طلاقه أو تأخيره الطلاق حتى اعترض موت أحدهما أو تكذيبه نفسه قبل طلاقه وطلاق القاضي حتى ظن حلها فيجامعها قبل تجديد النكاح وتوريث الآخر والواقع أن الفرقة وقعت قبله فلا يجوز السكوت مع الإفضاء إلى مثل هذا فإن دفع بأن المدة التي يتوهم فيها وقوع الموت يسيره جدا إذ الفرض أن بمجرد الفراغ عندنا يأمره القاضي أن يطلق فإن أبى طلق هو والموت أندر نادر قلنا ولو كان لا يجوز لأنه ترك هو علامة حكم وليس هو مشروعا وأيضا فحديث ابن عمر فإنه قال فيه فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أمضى ذلك الطلاق وهو حجة على من قال إن الطلاق الثلاث لا يقع أو تقع مرة واحدة ثم هو أولى من حديث ابن عباس لأنه رفع إمضاءه
____________________
(4/287)
صلى الله عليه وسلم الطلاق وذلك إنما يكون بمفهوم اعتبار ذلك منه صلى الله عليه وسلم
وقوله وهو خاطب الخ يعني إذا أكذب نفسه بعد اللعان والتفريق وحد أو لم يحد صار خاطبا من الخطبة يحل له تزويجها خلافا لأبي يوسف ولو أكذب نفسه بعد اللعان قبل التفريق حلت له من غير تجديد عقد النكاح كذا في الغاية ولو أكذب نفسه قبل اللعان نظر فإن لم يطلقها قبل إلا كذاب حد أيضا وإن أبانها ثم أكذب نفسه فلا حد عليه ولا لعان لأن اللعان أثره التفريق بينهما وهو لا يتأتى بعد البينونة ولا يجب الحد لأن قذفه وقع موجبا للعان فلا ينقلب موجبا للحد لأن القذف الواحد لا يوجب حدين بخلاف إكذاب نفسه بعد اللعان لأن حده حينئذ للقذف الذي تضمنه كلمات اللعان لا القذف الأول لأنه أخذ حكمه من اللعان ولذا يحد شهود الزنا إذا رجعوا لتضمن شهادتهم نسبته إلى الزنا وعلى هذا لو قال يا زانية أنت طالق ثلاثا لا يجب عليه الحد ولا اللعان لأنه قذفها وهي زوجة ثم بانت ولو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية حد وكما تحل له بإكذاب نفسه بعد اللعان كذلك تحل له لو قذفت شخصا أجنبيا بعده فحدت أو قذف هو أجنبيا فحد أو زنت أو ارتد أحدهما حتى خرج بذلك أحدهما من أن يكون أهلا للشهادة لإرتفاع السبب الذي لأجله افترق المتلاعنان وهو على ما قالوا أنه كي لا يتكرر اللعان بأن يقذفها مرة أخرى وهو لم يشرع بين الزوجين إلا مرة في العمر أو يخلو القذف عن الموجب في الدنيا فبخروج أحدهما عن الأهلية وقع الأمن من ذلك وقال أبو يوسف رحمه الله إذا افترق المتلاعنان فلا يجتمعان أبدا فيثبت بينهما حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع وبه قالت الأئمة الثلاثة وإذا كانت حرمة مؤبدة لا تكون طلاقا بل فسخا ويلزم على قول أبي يوسف أنه لا يتوقف على تفريق القاضي لأن الحرمة ثابتة قبله اتفاقا وكذا الخلاف في كون الزوجية قائمة معها كما تكون بالظهار أو زالت فإذا فرض أن هذه الحرمة من حيث تثبت تثبت مؤبدة لم يتصور توقفها على تفريق القاضي واستدلوا بالحديث المذكور في الكتاب وروى الدار قطني بسنده من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبدا وقد طعن الشيخ أبو بكر الرازي في ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن قال صاحب التنقيح إسناده جيد ومفهوم شرطه يستلزم أنهما لا يفترقان بمجرد اللعان للمتأمل فهو حجة على الشافعي على مقتضى رأيه وأخرجه الدارقطني أيضا موقوفا عن علي وابن مسعود قالا مضت السنة المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وروى عبد الرزاق عن عمر
____________________
(4/288)
وابن مسعود المتلاعنان لا يجتمعان أبدا ورواه ابن أبي شيبة موقوفا على عمرو ابن عمر وابن مسعود أجاب المصنف بقوله ولا يجتمعان ما داما متلاعنين ولم يبق التلاعن ولا حكمه يعني أن الحكم في هذه القضية بعدم الإجتماع بشرط وصفية الموضوع فهي القضية المسماه بالمشروطة ولم يبقيا بمجرد الفراغ من اللعان متلاعنين فلم يبقى اللعان حقيقة ولا حكما بالإكذاب لنفسه لثبوت النسب إن كان القذف بنفي الولد ولزوم الحد وحكمه عدمه فقد انتفت اللوازم الشرعية وذلك يستلزم انتفاء ملزومها شرعا فينتفي الحكم المذكور وهو عدم حل الإجتماع فثبت نقيضه وهو حل الإجتماع وهذا بناء على أن المراد بلفظ المتلاعنين من بينهما تلاعن قائم حكما لما قدمناه من أن إرادتهما بإعتبار قيام التلاعن حقيقة متعذر ولا شك أنه يثبت قيام التلاعن حكما بتقدير أن يراد من وجد بينهما تلاعن في الخارج وعلى هذا التقدير لا يجتمعان بعد الإكذاب إذ إرتفاع حكمه وقطع اعتباره قائما شرعا عند الإكذاب لا يوجب ارتفاع كونه قد تحقق له وجود في الخارج ولكن بقي النظر في أي الإحتمالين أرجح وأظن أن الثاني أسرع إلى الفهم والله أعلم وأما ما استدل به من المعنى وهو لزوم العداوة والضغينة بحيث يمتنع حصول الإنتظام فقدمنا منعه وما ذكره بعضهم من أنه سبب تأبد الحرمة كون أحدهما صار ملعونا أو مغضوبا عليه فما أبعده عن الفقه إذ لا شك في بقاء إسلام كل منهما غير أنه صنع كبيرة تصح منها التوبة بفضل ذي الفضل جل جلاله وهذا القدر لا يمنع التناكح
قوله ولو كان القذف بولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه شرط هذا الحكم أن يكون العلوق في حال يجري بينهما اللعان حتى لو علق وهي كافرة أو أمة ثم عتقت وأسلمت فنفي نسب ولدها لا ينتفي ولا تلاعن لأن إنتفاءه إنما يثبت شرعا حكما للعان ولا لعان بينهما ولأن نسبه كان ثابتا على وجه لا يمكن قطعه فلا ينقطع والله أعلم وفي الذخيرة لا يشرع اللعان بنفي الولد في المجبوب والخصي ومن لا يولد له ولد لأنه لا يلحق به الولد وفيه نظر لأن المجبوب ينزل بالسحق ويثبت نسب ولده على ما هو المختار ولا لعان في القذف بنفي الولد في نكاح فاسد وعند الشافعي وأحمد يجب اللعان به وكذذا في نفيه من وطء بشيهة وعند أبي يوسف فيهما الحد واللعان لأنه يلحقهما بالنكاح الصحيح وفي الذخيرة قذفها بنفي ولدها فلم يلتعنا حتى قذفها أجنبي به فحد الأجنبي يثبت نسب الولد من الزوج ولا ينتفي بعد ذلك لأنه لما حد قاذفها حكم بكذبه
قوله وصورة اللعان أي في القذف بنفي الولد
قوله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم نفى نسب ولد امرأة هلال
____________________
(4/289)
قيل إنه غلط فإنه لم يكن لامرأة هلال ولد ولا قذفها بنفي ولد وقيل المراد بنسب ولدها الذي أتت به فإنها حملت من الوطء الذي قذفها به والحديث في البخاري وأبي داود تختلف ألفاظهما وتتفق عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى ذلك بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهجمه حتى أصبح ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه فنزلت { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربي سبحانه وتعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فجاءت فتلا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا وقال هلال والله لقد صدقت عليها فقالت كذبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما فشهد هلال أربع شهادات وبالله إنه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قيل له اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه هي الموجبة التي توجب عليك العقاب فقال والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني الله عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إ ن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ثم قيل لها اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه هي الموجبة التي توجب عليك العقاب فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا يدعي ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا يثبت لها عليه سكنى ولا قوت من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءت به أصهيب أو أريصح أثيبج ناتيء الأليتين حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابع الأليتين فهو للذي رميت به فجاءت به أورق إلى آخر الأوصاف الثانية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الإيمان لكان لي ولها شأن قال عكرمة وكان ولدها بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب هذه في لفظ أبي داود وفي رواية أخرى سائر اليوم لا أفضح قومي وفي مسلم والنسائي عن أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا لبراء من مالك من أمه وكان أول رجل لاعن في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك ابن سحماء قال فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهذا وما قبله يدل على أنها كانت حاملا وقطع نسب الولد الذي تأتي به وفي سنن النسائي أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى وأخرجه عبد الرزاق هكذا أيضا وقال زوجها ما قربتها منذ
____________________
(4/290)
عفار النخل وعفار النخل كانت لا تسقى بعد الإبار بشهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين فجاءت بولد على الوجه المكروه وروى ابن سعد في الطبقات في ترجمة عويمر عن عبد الله بن جعفر قال شهد عويمر بن الحرث العجلاني وقد رمى امرأته بشريك بن سحماء وأنكر حملها فلاعن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حامل فرأيتهما يتلاعنان قائمين عند المنبر ثم ولدت فألحق الولد بالمرأة وجاءت به أشبه الناس بشريك بن سحماء وكان عويمر قد لامه قومه وقالوا امرأة لا نعلم فيها إلا خيرا فلما جاء الشبه بشريك عذره الناس وعاش المولود سنتين ثم مات وعاشت أمه بعده يسيرا وصار شريك بعد ذلك عند الناس بحال السوء قال الواقدي وحدثني غير الضحاك بن عثمان أن عويمرا فساق الحديث إلى أن قال ولم يحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عويمرا في قذفه شريك بن سحماء وشهد عويمر بن الحرث وشريك بن سحماء أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذا أن الولد عاش سنتين ومات ونسبه ما نسب في قصة هلال إلى شريك إليه أيضا في قصة عويمر قيل يجمع بينهما بأنهما واقعتان وفي النفس منه شيء وفي الصحيحين أيضا في قصة هلال عن ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجد عند أهله فلاعن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا أن اللعان بينهما كان بعد الوضع وفيما تقدم خلافه وهذا تعارض
قوله فيتضمنه القضاء الخ أي يثبت قطع النسب في ضمن القضاء بالتفريق
قوله وعن أبي يوسف أن القاضي يفرق إلخ أي لا يثبت قطع النسب ضمنا للتفريق لأنه أي التفريق باللعان
قوله ينفك عنه أي عن نفي الولد كما لو مات الولد قبل اللعان فإنه يفرق بينهما باللعان ولا ينقطع نسب ذلك الولد ولو نفى نسب أم الولد انتفى الولد ولا لعان ولا تفريق به
قوله فلا بد من ذكره حتى لو لم يقله لا ينتفي النسب عنه قال شمس الأئمة هذا صحيح ولو مات الولد عن مال فأدعى الملاعن لا يثبت نسبه ويحد فلو كان قد ترك ولدا يثبت نسبه من الأب وورثه الأب لإحتياج الحي إلى النسب ولو ترك بنتا ولها ابن فأكذب الملاعن نفسه يثبت نسبه عند أبي حنيفة خلافا لهما وقيل الخلاف على العكس له أن الإبن يعير بانتفاء نسب أمه كأبيه فهو محتاج إلى ثبوت نسبها
قوله فإن عاد الزوج فأكذب نفسه أي بعد اللعان ونفي الولد
____________________
(4/291)
قوله وهذا عندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد على ما سبق
قوله وكذلك إن قذف غيرها إلخ على وزان ما قدمنا في زوال الأهلية بعد اللعان بالقذف بمجرد الزنا
قوله وكذا إذا زنت فحدت قيل لا يستقيم لأنها إذا حدت كان حدها الرجم فلا يتصور حلها للزوج بل بمجرد أن تزني تخرج عن الأهليه ولذا أطقلنا فيما قدمناه ومنهم من ضبطه بتشديد النون بمعنى نسبت غيرها للزنا وهو معنى القذف فيستقيم حينئذ توقف حلها للأول على حدها لأنه حد القذف وتوجيه تخفيفها أن يكون القذف واللعان قبل الدخول بها ثم زنت فحدت فإن حدها حينئذ الجلد لا الرجم لأنها ليست بمحصنة واستشكل بأن زوال أهلية الشهادة بطر والفسق مثلا لا يوجب بطلان ما حكم به القاضي عنها في حال قيام العدالة فلا يجب بطلان ذلك اللعان السابق الواقع في حال الأهلية ليبطل أثره من الحرمة
قوله ولو قذفها وهي صغيرة أو مجنونة قذفا مقتصرا
فلا لعان وكذا لو أسند القذف وهي ممن يحد قاذفها في الحال بأن قال زنيت وأنت صبية أو مجنونة وجنونها معهود لم يكن قذفا في الحال لأن فعلها لا يوصف بالزنا بخلاف قوله زنيت وأنت ذمية أو منذ أربعين سنة وعمرها أقل من ذلك فإنه يقتصر
قوله لأنه أي اللعان يتعلق بالصريح
____________________
(4/292)
كحد القذف ولأنه شهادة حتى يختص بلفظ الشهادة فلو قال أحلف مكان أشهد لا يجوز ولا شهادة للأخرس في الأموال فههنا أولى وكذا إذا كانت خرساء لا لعان لأن قذفها لا يوجب الحد لإحتمال أنها تصدقه أو لتعذر الإتيان بلفظ الشهادة
قوله وفيه خلاف الشافعي ومالك والظاهرية فيلاعن بالإشارة عندهم اعتبروه بوقوع طلاقه وصحة بيعه وسائر تصرفاته وقالوا إن أمامة بنت أبي العاص أصمتت فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت أي نعم فرأوا أنها وصية قلنا لم يثبت ذلك ولو ثبت فتجويز الوصية ممن اعتقل لسانه بالإشارة لا يستلزم جواز حده بها فلا يجوز اللعان لأن الإشارة لا تعرى عن الشبهة والحد يندريء بها بخلاف غيره فإنه يثبت معها
قوله وهذا قول أبي حنيفة وزفر وبه قال أحمد والثوري والحسن البصري والشعبي وابن أبي ليلى وأبو ثور وبقولهما قال مالك وأبو حنيفة أولا
قوله وقال أبو يوسف ومحمد اللعان يجب ألخ يعني وقت الوضع إذا وضعته لأقل من ستة أشهر من وقت القذف للتيقن بقيام الحمل عند القذف وذكر الطحاوي عن أبي يوسف أنه يلاعن قبل الولادة كقول الشافعي لحديث هلال بن أمية أنه صلى الله عليه وسلم لاعن بينهما وكان قذفها حاملا على ما تفيده القصة التي ذكرناها
قوله يصير كالمعلق كأنه قال إن كان في بطنك ولد فهو من الزنا ولو قاله لا يلزمه الحد فكذا ما بمعناه وإن لم يكن حقيقة المعلق إذ بالولادة يظهر أنه كان قذفا منجزا لكن فيه شبهة التعليق إذ في كل موقوف شبهة التعليق إذ لا يعرف حكمه إلا بعافيته فهو كالشرط في حقنا وشبهة التعليق كحقيقته فيما يندريء بالشبهات وبثبوت الشبهة امتنع لعانها حاملا عندنا لأن الحمل وإن ترتب عليه أحكام كرد المبيعة به والإرث له والوصية به وله فلا يثبت مع الشبهة وهلال لم يكن قذفها بنفي الحمل بل بالزنا قال وجدت شريك بن سحماء على بطنها يزني بها وقوله صلى الله عليه وسلم أنظروا فإن جاءت به كذا إلى
____________________
(4/293)
آخر ما قدمناه فانظره كان إما لعلمه صلى الله عليه وسلم بحملها من طريق الوحي أو لأن اللعان تأخر حتى ظهر الحمل وكذا أنكر أحمد ابن حبنل لعان هلال بالحمل قاله ابن الجوزي على أن كون لعانهما كان قبل الوضع معارض فقد قدمنا في الصحيحين عن ابن عباس ما يفيد أنه كان بعد وضعها وهو قوله فقال صلى الله عليه وسلم اللهم بين فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عند أهله فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فلا يستدل بأحدهما بعينه لأن التعارض يوجب التوقف
قوله ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه أي على الحمل إلا بعد الولادة للإحتمال قبلها إذا يحتمل كونه نفخا أو ماء وقد أخبرني بعض أهلي عن بعض خواصها أنها ظهر بها حبل واستمر إلى تسعة أشهر ولم يشككن فيه حتى تهيأن له بتهيئة ثياب المولود ثم أصابها طلق وجلست الداية تحتها ولم تزل تعصر العصرة بعد العصرة وفي كل عصرة تجد ماء حتى قامت فارغة من غير ولد وأما توريثه والوصية به وله فلا يثبت له إلا بعد الإنفصال فيثبتان للولد لا للحمل وأنا العتق فإنه يقبل التعليق بالشرط فعتقه معلق معنى وأما رد الجارية المبيعة بالحمل فلأن الحمل ظاهر والرد بالغيب لا يمتنع بالشبهة وفي البدائع لا ينقطع نسب الحمل قبل وضعه بلا خلاف بين الأصحاب أما عند أبي حنيفة فظاهر وأما عندهما فلأن الأحكام تثبت للولد لا للحمل وإنما يثبت له حكم الولد بالإنفصال ولهذا يستحق الميراث والوصية بعد الإنفصال بخلاف الرد بعيب لأن الحمل ظاهر واحتمال الر يح شبهة والرد بالعيب لا يمتنع بالشبهة ويمتنع اللعان بها لأنه من قبيل الحدود والنسب يثبت بالشبهة فلا يقاس على العيب
قوله وإذا نفى الرجل الحاصل من هذه المسألة بيان شرط اعتبار صحة نفي الولد وله
____________________
(4/294)
شرطان متفق ومختلف فالمتفق أن لا يقبل التهنئة أو لا يسكت عندها وهذا من المواضع التي اعتبر فيها السكوت رضا وقد أوردناها منظومة في كتاب النكاح إلا في رواية عن محمد في ولد الأمة إذا هنىء به فسكت لا يكون سكوته قبولا بخلاف ولد المنكوحة لأن ولد الأمة غير ثابت النسب إلا بالدعوة فالحاجة إلى الدعوة والسكوت ليس دعوة ونسب ولد المنكوحة ثابت منه فسكوته يسقط حقه في النفي والمختلف فيه أن يقع أعني النفي في زمان التهنئة عادة وابتياع آلة الولادة عند أبي حنيفة ولو وقع بعده إن كان لم يقبل تهنئة لا ينتفي إلا إذا كان غائبا على ما سيذكر ثم لم يعين لها مقدار في ظاهر الرواية وذكر أبو الليث عن أبي حنيفة تقديرها بثلاثة أيام وروى الحسن عنه سبعة لأنها أيام التهنئة وضعفه السرخسي بأن نصب المقادير بالرأي متعذر وعندهما هي مقدرة بمدة النفاس لأنها أثر الولادة وكان القياس أن لا يجوز النفي إلا على فور الولادة كقول الشافعي إلا أنا استحسنا جواز تأخيره مدة يقع فيها التأمل لأن النفي يحتاج إليه كي لا يقع في نفي ولده أو استلحاق غير ولده وكلاهما حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية الملاعنة أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين رواه أبو داود والنسائي وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام والإتفاق على أن المدة إذا طالت لا يجوز النفي فجعلا القصيرة مدة النفاس لأنه أثر الولادة ولذا أحكام الولادة ثابتة فيها من عدم حل الصلاة والصوم والقربان فكأنهما فور الولادة وقال لا معنى لتعيين مدة أصلا لأنها للتأمل والناس مختلفون فيه والأحوال أيضا تختلف في إفادته فاعتبرنا ما يدل عليه وهو قبول التهنئة وهو ذكر ما يدل على القبول مثل أحسن الله بارك الله جزاك الله رزقك مثله أو أمن على دعاء المهني أو سكوته عند تهنئته أو ابتياعه متاع الولادة أو مضى ذلك الوقت وقد يقال أن اعتبار مضي ذلك الوقت وما قبله لجواز النفي لم يخرج عن التعيين فينافيه قوله لا معنى للتعيين أصلا انتهى
قوله وإن كان غائبا ما تقدم كان إذا كان حاضرا فلو كان غائبا لم يعلم بالولادة تعتبر
____________________
(4/295)
المدة التي ذكرناها على الإصلين بعد قدومه عندهما قدر مدة النفاس وعنده قدر مدة القبول التهنئة وعن أبي يوسف إن قدم قبل أن تمضي مدة الفصال فله أن ينفيه إلى أربعين يوما وإن قدم بعدها فليس له أن ينفيه أصلا لأنه لو جاز ذلك لجاز بعد ما صار شيخا وهو قبيح فلو بلغه الخبر في مدة ا لنفاس فله نفيه إلى تمام الأربعين عند أبي حنيفة ومحمد وذكر في غير رواية الأصول عن أبي يوسف إذا بلغه الخبر لتمام الحولين ليس له نفيه ويلاعن وقال محمد لو نفاه بعد الحولين إلى أربعين يوما من حين بلغه يلاعن بينهما ويقطع نسبه
قوله لأنهما توءمان هما اللذان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر
قوله وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني وعلى هذا في أولاد ثلاثة أقر بالأول والثالث ونفى الثاني
قوله والإقرار بالعفة وهو ما يتضمنه الإعتراف بالأول
سابق على القذف بنفي الثاني حقيقة فصار كأنه قال هي عفيفة ثم قذفها لا يقال ثبوت نسب الأول معتبر باق بعد نفي الثاني فباعتبار بقائه شرعا يكون مكذبا نفسه بعد نفي الثاني وذلك يوجب الحد لأنا نقول الحقيقة انقطاعه وثبوته أمر حكمي والحد لا يحتاط في إثباته فكان اعتبار الحقيقة هنا متعينا لا الحكمى هذا ومن الشارحين من جعل قوله في الكتاب والإقرار بالعفة سابق الخ هو هذا الجواب عن السؤال المذكور مقدرا وهو غير مفهوم من اللفظ
فروع لو نفاهما فمات أحدهما أو قتل قبل اللعان لزماه لأنه لا يمكن نفي الميت لإنتهائه بالموت واستغنائه عنه فلا ينتفي الحي لأنه لا يفارقه ويلاعن بينهما عند محمد لوجود القذف واللعان ينفك عن نفي الولد لأنه مشروع لقطع الفراش ويثبت النفي تبعا له إن أمكن ولا يلاعن عند أبي يوسف لأن القذف أوجب لعانا يقطع النسب على خلاف ما وجب ولو ولدت فنفاه ولا عن ثم ولدت آخر بعده بيوم لزم الولدان لأن القاطع وهو اللعان لم يوجد في حق الثاني ولا يجوز نفيه الآن لأنها غير منكوحة فيثبت نسبه ومن ضرورته ثبوت نسب الأول واللعان ماض لأنه يقبل الفصل عن انتفائه ولو قال بعد ذلك هما ولداي لا حد عليه لأنه صادق لثبوت نسبهما ولا يكون رجوعا لعدم إكذاب نفسه بخلاف ما إذا قال كذبت عليها لأنه للتصريح بالرجوع ولو قالا ليسا ابني كانا ابنيه ولا يحد لأن القاضي نفى أحدهما وذلك نفى للتوءمين فليسا ولديه من وجه فلم يكن قاذفا لها مطلقا بل من وجه وفي النوادر ذكر الحسن عن أبي حنيفة أن في امرأة جاءت بثلاثة أولاد فأقر بالأول والثالث ونفي الثاني يلاعن وهم بنوه ولو نفى الأول والثالث وأقر بالثاني يحد وهم بنوه وكذا في ولد واحد إذا أقر به ونفاه ثم
____________________
(4/296)
أقر به يلاعن ويلزمه لأن الإقرار بثبوت نسب بعض الحمل إقرار بالكل كمن قال يده أو رجله اليمنى
وأعلم أن ولد الملاعنة إذا قطع نسبه من الأب وألحق بالأم لا يعمل القطع في جميع الأحكام بل في بعضها فيبقى النسب بينهما في حق الشهادة والزكاة والقصاص والنكاح وعدم اللحوق بالغير حتى لا يجوز شهادة أحدهما للآخر ولا صرف زكاة ماله إليه ولا يجب القصاص على الأب بقتله وإن كان لإبن الملاعنة ابن وللزوج بنت من امرأة أخرى لا يجوز للإبن أن يتزوج بتلك البنت ولو ادعى إنسان هذا الولد لا يصح وإن صدقه الولد في ذلك ولا يبقى في حق النفقة والإرث كذا في الذخيرة وهو مشكل في ثبوت النسب إذا كان المدعي ممن يولد مثله لمثله وادعاه بعد موت الملاعن لأنه مما يحتاط في إثباته وهو مقطوع النسب من غيره ووقع الإياس من ثبوته من الملاعن وثبوت النسب من أمه لا ينافيه والله أعلم & باب العنين وغيره
لما ذكر أحكام الأصحاء المتعلقة بالنكاح والطلاق أعقبها بذكر أحكام تتعلق بهما ممن به مرض له نسبة إلى النكاح والعنيني من لا يقدر على إتيان النساء مع قيام الآلة من عن إذا حبس في العنة وهي حظيرة الإبل أو من عن إذا عرض لأن ذكره يعن يمينا وشمالا ولا يقصده لإسترخائه وجمع العنين عنن ويقال عنين بين التعنن ولا يقال بين العنة ولو كان يصل إلى الثيب لا إلى البكر لضعف الآلة أو إلى بعض النساء دون بعض أو لسحر أو لكبر سن فهو عنين بالنسبة إلى من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها وما عن الهندواني يؤتى بطست فيه ماء بارد فيجلس فيه العنين فإن نقص ذكره وانزوى علم أنه لا عنة به وإلا علم أنه عنين لو اعتبر علم فلا يؤجل سنة لأن التأجيل ليس إلا ليعرف أنه عنين على ما قالوا وإلا فلا فائدة فيه إن أجل مع ذلك لكن التأجيل لا بد منه لأن حكمه وفي المحيط آلته قصيرة لا يمكن إدخالها إلى داخل الفرج لا حق لها في المطالبة بالتفريق انتهى
ولو كان صغيرا جدا كالزر فحكمه كالمجبوب
قوله أجله الحاكم سنة أي من وقت الخصومة ولا يعتبر تأجيل
____________________
(4/297)
غير الحاكم كائنا من كان ولو عزل بعد ما أجله بني المتولى على التأجيل الأول قوله هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود أما الرواية عن عمر فلها طرق فمنها طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العنين أن يؤجل سنة قال معمر وبلغني أن التأجيل من يوم يخاصم وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة حدثنا هشيم عن محمد بن سلمة عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم يرفع اليه الحديث ورواه ابن أبي شيبة بسند أن عمر أن أجل العنين سنة زاد في لفظ وقال إن أتاها وإلا فرقوا بينهما ولها الصداق كاملا ورواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة قال حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر بن الخطاب أن امرأته أتته فأخبرته أن زوجها لا يصل إليها فأجله حولا فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها فاختارت نفسها ففرق بينهما عمر وجعلها تطليقة بائنة
وأما حديث علي رضي الله عنه فرواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسنديهما وحديث ابن مسعود رواه ابن أبي شيبة بسنده عنه يؤجل العنين سنة فإن جامع وإلا فرق بينهما ورواه أيضا عبد الرزاق والدار قطني وروى ابن أبي شيبة عن المغيرة بن شعبة أنه أجل العنين سنة وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن والشعبي والنخعي وعطاء وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم أنهم قالوا يؤجل العنين سنة
قوله فلا بد من مدة معرفة ذلك أي معرفة لكون الإمتناع لعلة معترضة أو آفة أصلية في أصل الخلقة فقدرناها بالسنة لأنها معروفة لذلك لأنه إن كان من علة معترضة فلا يخلو من كونها من غلبة حرارة أو برودة أو رطوبة أو يبوسة والسنة تشتمل على الفصول الأربعة وكل فصل بأحد هذه الكيفيات فالصيف حار يابس والخريف بارد يابس وهو أردأ الفصول والشتاء بارد رطب والربيع حار رطب فإن كان مرضه عن أحد هذه تم علاجه في الفصل المضاد له فيه أو من كيفيتين فيتم في مجموع فصلين مضادين فكانت السنة تمام ما يتعرف به الحال
قوله فإذا مضت السنة ولم يصل إليها عرف أن ذلك بآفة أصلية وفيه نظر فإن ظاهره أن موجب التفريق كونه من علة أصلية
____________________
(4/298)
والسنة ضربت لتعريفه وهو ممنوع إذ لا يلزم من عدم الوصول إليها سنة كون ذلك لآفة أصلية في الخلقة إذ المرض قد يمتد سنة وأيضا مما له حكم العنين المسحور ومقتضى السحر مما قد يمتد السنين وبمضي السنة يفرق بينهما إذا طلبت ذلك مع العلم بعدم الآفة الأصلية لغرض العلم بأنه يصل إلى غيرها من النساء
فالحق أن التفريق منوط إما بغلبة ظن عدم زواله لزمانته أو للأصلية ومضي السنة مع عدم الوصول موجب لذلك أو هو عدم إيفاء حقها فقط بأي طريق كان والسنة جعلت غاية في الصبر وإبلاء العذر شرعا حتى لو غلب على الظن بعد انقضائها قرب زواله وقال بعد مضي السنة أجلني يوما لا يجيبه إلى ذلك إلا برضاها فلو رضيت ثم رجعت كان لها ذلك ويبطل الأجل لأن السنة غاية في إبلاء العذر وقال لبيد لابنتيه حين حضرته الوفاة ** تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ** ** وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر ** فقوما وقولا بالذي قد علمتما ** ** ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر ** ** إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر **
قوله ولا بد من طلبها هذا إذا كانت حرة غير رتقاء فإن كانت رتقاء فلا حق لها في الفرقة وإن كانت أمة فالطلب عند أبي يوسف لها وعند أبي حنيفة لسيدها وهو فرع من المسئلة الإذن في العزل وقيل محمد مع أبي يوسف وقد مرت ولا يسقط حقها في طلب الفرقة بتأخير المرافعة قبل الأجل ولا بعد انقضاء السنة بعد التأجيل مهما أخرت لأن ذلك قد يكون للتجربة وترجي الوصول لا بالرضا بالمقام على ذلك أبدا فلا يبطل حقها بالشك ولو وجدت كبيرة زوجها الصغير عنينا ينتظر بلوغه لأن للصبا أثرا في عدم الشهوة قال قاضيخان الغلام الذي بلغ أربع عشرة سنة إذا لم يصل إلى امرأته ويصل إلى غيرها يؤجل ولو وجدت زوجها المجنون عنينا فخاصم عنه وليه يؤجل لسنة لأن المجنون لا يعدم الشهوة بخلاف ما لو وجدته مجبوبا وطلبت الفرقة ممن يخاصم عنه وليه فإنه لا فائدة في انتظار بلوغه فيجعل وليه خصما وإلا نصب القاضي عنه خصما وفرق للحال ولو جاء الولي في المسألتين ببينة على رضاها بعنته وجبه أو على علمها بحاله عند العقد لزم النكاح ولا يفرق بينهما ولو طلب يمينها على ذلك تحلف فإن نكلت لم يفرق وإلا فرق ولو وكلت الكبيرة بالتفريق وغابت هل يفرق بطلب الوكيل لم يذكره محمد واختلفوا فيه ولو اختلفا في الجب فادعته فأنكره يريه رجلا فإن أمكن علمه به بالجس من وراء ثوب لا يكشف عورته وإن لم يتيقن بذلك إلا بكشفها كشفها للضرورة ولو جاءت امرأة المجبوب بولد بعد الفرقة إلى سنتين ثبت نسبه منه ولا يبطل التفريق بخلافه في العنين حيث ثبت نسبه ويبطل التفريق ذكره في الغاية قال في شرح الكنز وفيه نظر لأنه وقع الطلاق بتفريقه وهو بائن فكيف يبطل بعد وقوعه ألا يرى أنها لو أقرت بعد الفرقة أنه كان قد وصل إليها لا يبطل التفريق انتهى
لكن وجه التفرقة يبعد هذا البحث وهو أن التفريق بناء على ثبوت العنه والجب وثبوت النسب من المجبوب وهو مجبوب بخلاف
____________________
(4/299)
ثبوته من العنين فإن بثبوت النسب منه يثبت أنه ليس بعنين فيظهر بطلان معنى الفرقة بخلاف إقرارها بعد المدة بالوطء لإحتمال الكذب بل هي مناقضة فلا يبطل القضاء بالفرقة ولو كانت زوجة العنين أو المجبوب صغيرة لا يفرق بينهما بل ينتظر بلوغها لإحتمال أن ترضى به إذا بلغت وإذا رضيت قبل التأجيل أو بعده قبل إنقضاء السنة أو بعدها سقط حقها وليس لها المطالبة بالفرقة بعد ذلك ولو كان الزوج يجامع ولا ينزل الحفاف مائه لم يكن لها طلب الفرقة
قوله وتلك الفرقة تطليقة بائنة وهو قول مالك والثوري وغيرهما وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله فسخ لأنها من جهتها وقاس الماوردي على الفرقة بالجب قلنا بل من جهته فإنه وجب عليه التسريح بالإحسان حين عجز عن الإمساك بالمعروف فإذا امتنع كان ظالما فناب القاضي عنه فيه فيضاف فعله إليه والقياس على الجب ممنوع لأن الفرقة بسبب عندنا أيضا طلاق
قوله لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا أي النكاح الصحيح التام النافذ اللازم لأنه النكاح المطلق فخرج الفاسد والموقوف والفسخ بعدم الكفاءة وخيار العتق والبلوغ وفسخ قبل التمام فكان في معنى الإمتناع من الإتمام بخلاف ما نحن فيه لأنه فرقة بعد التمام فلا يقبلها كما لا يقبل الفسخ بالإقالة وقد ذكرنا في رواية أبي حنيفة عن عمر رضي ا لله عنه أنه جعلها تطليقة بائنة ولها كمال المهر للخلوة الصحيحة لأن خلوة العنين صحيحة إذ لا وقوف على حقيقة العنة لجواز أن يمتنع من الوطء اختيارا تعنتا فيدار الحكم على سلامة الآلة ولا يحل ترك وطئها ولو تزوجها بعد ذلك لا خيار لها لأنها رضيت حيث نكحته بعد العلم بالحال ولو تزوجت به أخرى عالمة بحاله ففي الأصل كذلك يكون رضا وعليه الفتوى وقيل لا يكون رضا لجواز تأميلها برأه ودفع بأنه احتمال بعيد بعد أن لم يبرأ في أكثر من سنة فالظاهر لزومه وزمانته فتكون بالتزوج به راضية بالعيب
قوله هذا أي هذا الذي ذكرنا من أنها إذا طالبته بالفرقة أجله الحاكم سنة ثم بعده فرق بينهما إذا اعترف الزوج بعدم الوصول اليها في هذا النكاح وان تصادفا انه وصل اليها في نكاح قبله ثم طلقها لانه اذا واطئها في نكاح ثم ابانها ثم تزوجها ثانيا ولم يصل اليها لها المطالبة بالفرقه فإن اختلفا وادعى الوصول
____________________
(4/300)
وقالت لا فالقول قوله والوجه ظاهر في الكتاب
قوله وإن نكل أجل سنة سواء جعل النكول إقرارا أو بذلا فكأنه أقر بعدم الوصول إليها
قوله وإن كانت بكرا يعني إذا نكل وكانت بكرا وقت النكاح لا يستحلف بل تراها النساء فإن قلن هي بكر أجل سنة من غير احتياج إلى الإستحلاف والنكول لتيقن كذبه وقوله فإن قلن خرج على ما هو الأولى ما إراءتها لامرأتين ثم جعلهما جمعا وإلا فالواحدة العدلة تكفي نص على العدالة في كافي الحاكم والثنتان أحوط وطريق معرفة أنها بكر أن تدفع في فرجها أصغر بيضة للدجاج فإن دخلت من غير عنف فهي ثيب وإلا فبكر أو تكسر وتسكب في فرجها فإن دخل فثيب وإلا فبكر وقيل إن أمكنها أن تبول على الجدار فبكر وإلا فثيب وإن قلن ثيب تثبت الثيوبة ولا يثبت وصوله إليها لأن البكارة قد تزول بغير كوثبة ونحوها غير أن القول قوله لو قالت زالت البكارة بإصبعه ونحوه فيحلف أنه وصل إليها فإن حلف تقرر النكاح وإن نكل أجله سنة ثم فرق بينهما إن لم يصل إليها ثم إذا أجل ومضت السنة فاختلفا في الوصول في السنة فعلى ما إذا اختلفا قبل التأجيل إن كانت بكرا نظرن إليها فإن قلن بكر خيرت للحال بين الإقامة والفرقة وإن قلن ثيب حلف فإن نكل خيرت وإن حلفا استقر النكاح وإن كانت ثيبا في الأصل فاختلفا قبل التأجيل أو بعده فالقول له فإن حلف استقر النكاح ولو نكل أجل وخيرت بعده وفي موضع تخير المجلس كتخيير الزوج فإن قامت من مجلسها قبل أن تختار نفسها أو أقامها أعونة القاضي ولو مكرهة لزم النكاح لأنه كان يمكنها اختيار نفسها قبل أن تقام وإذا اختارت نفسها أمره القاضي أن يطلقها فإن أبى فرق بينهما كذا كره محمد في الأصل وقيل تقع الفرقة بإختيار نفسها ولا تحتاج إلى القضاء كخيار المخيرة
قوله لأنه لا فائدة في التأجيل لأنه لتوقع الوقوع ولا توقع لفقد الآلة بخلاف الخصي لأن آلته قائمة وإنما سلت خصيتاه أو وجيء والموجوء الذي رض خصيتاه
____________________
(4/301)
قال لي بعض أهل الماشية إنه تمرس الخصيتان وهو صغير مرسا شديدا ثم يحبسان إلى فوق أن يرتفعا إلى ظهره فلا يعودان ويكون نشيطا كثير الجماع إلا أنه لا يحبل فالتوقع واقع فيؤجل كالعنين
قوله وإذا أجل العنين سنة فقال إلخ قد وصلنا هذا الإختلاف الكائن بعد التأجيل بالإختلاف قبله فلا نعيده
فرع الخنثى إذا كان يبول من مبال الرجال فتزوج امرأة فهو جائز فإن وصل إليها وإلا أجل كالعنين كره الحاكم وكل من تزوجت واحدا من هؤلاء أعني المجبوب والخصي والعنين وهي عالمة بحاله فلا خيار لها وإن لم تكن عالمة به فلها المطالبة بالفرقة
قوله هو الصحيح صححه أيضا صاحب الواقعات احترازا عما اختاره شمس الأئمة السرخسي وقاضيخان وظهير الدين من اعتبارها شمسة وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة وما ضربت السنة إلا للتوصل إلى صلاح الطبع ورفع المانع فيجوز أن يوافق طبعه مدة زيادة السنة الشمسية على القمرية فوجب اعتبارها وجه الأول أن الثابت عن الصحابة كعمر رضي الله عنه ومن ذكرنا معه اسم السنة قولا وأهل الشرع إنما يتعارفون الأشهر والسنين بالأهلة فإذا أطلق السنة انصرف إلى ذلك ما لم يصرحوا بخلافه ثم زيادة الشمسية قيل أحد عشر يوما وعن الحلواني السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وجزء من مائة وعشرين جزءا من اليوم والقمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون كذا رأيت في نسخة ورأيت في أخرى عنه في الشمسية زيادة ربع يوم مع ما ذكرنا وقيل القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم وسدسه والشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا جزءا من يوم وفضل ما بينهما عشرة أيام وثلث وربع عشر يوم بالتقريب والذي يظهر أن هذا كله محدث وعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كتب إلى شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم ترفع الدعوى إليه وكذا قول الراوي عن عمر في المرأة التي أتت إليه فأجله حولا من غير تقييد في السنة والحول لم يرد حينئذ إلا ما بالأهلة هذا الذي تعرفه العرب وأهل الشرع على أن الحول
____________________
(4/302)
لم يعرف بعرف آخر بل اسم السنة هو الذي توارد عليه العرفان والله سبحانه أعلم
قوله وتعتبر بأيام الحيض أي تحتسب من السنة لوجودها في السنة يقينا وعادة
وقوله ولا تحتسب بمرضه ومرضها هكذا مطلقا وعن أبي يوسف إذا مرض أحدهما مرضا لا يستطيع معه الجماع فإن كان أقل من نصف شهر احتسب عليه وإن كان أكثر لم يحتسب وعوض عنه لأن شهر رمضان محسوب عليه وهو قادر على الوطء فيه بالليل ولا بالنهار وذلك نصفه فكذا النصف من كل شهر وهذا أصح الروايات عن أبي يوسف وفي رواية إن ما فوق الشهر كذلك لا يحتسب به وفي رواية إن مدة الكثرة سنة وفي رواية أكثر السنة وعن محمد لو مرض في السنة يؤجل مقدار مرضه قيل عليه الفتوى فإن حج أو غاب هو احتسب عليه لأن العجز جاء بفعله ويمكنه أن يخرجها معه أو يؤخر الحج والغيبة ولو كان محرما وقت الخصومة قال محمد يؤجل بعد إحرامه فلا يكون عذرا بخلاف ما إذا حجت هي أو غابت لا يحتسب عليه لأن العجز من قبلها فكان عذرا فيعوض فإن حبس الزوج ولو بمهرها وامتنعت من المجيء إلى السجن لم يحتسب عليه وإن لم تمتنع وكان له موضع خلوة فيه احتسب عليه وإن لم يكن له موضع خلوة يمكنه جماعها فيم لم يحتسب ولو رافعته وهو مظاهر منها تعتبر المدة من حين المرافعة إن كان قادرا على الإعتاق وإن كان عاجزا أمهله شهري الكفارة ثم أجله فيتم تأجيله سنة وشهرين ولو ظاهر بعد التأجيل لم يلتفت إلى ذلك ولم يزد على المدة المقدرة
قوله وإذا كان بالزوجة عيب ألخ الحاصل أنه ليس
____________________
(4/303)
لواحد من الزوجين خيار فسخ النكاح بعيب في الآخر كائنا من كان عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهو قول عطاء والنخعي وعمر بن عبد العزيز وأبي زياد وأبي قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والخطابي وداود الظاهري وأتباعه وفي المبسوط إنه مذهب علي وابن مسعود رضي الله عنهم وعند محمد لا خيار للزوج بعيب في المرأة ولها هي الخيار بعيب فيه من الثلاثة الجنون والجذام والبرص وقال الشافعي رحمه الله لكل منهما خيار الفسخ بهذه الثلاثة وللزوج الفسخ إذا كانت رتقاء أو قرناء أيضا فله الخيار في خمسة عيوب ولها في ثلاثة وهو قول مالك وأحمد وقال الزهري وشريح وأبو ثور وترد بجميع العيوب وكذا من الجنون العارض والجذام والبرص والجنون مشهورات والفعل من الأول والآخر على البناء للمفعول فيقال جذم وجن إذا أصيب بالجام والجنون فهو مجذوم ومجنون ولا يقال أجذم ولا أجن ولا مجن وثلاثة من أسماء المفعولين من أفعل جاءت على مفعول دون مفعل على غير قياس مجنون ومحزون من أحزنه الله ومحبوب من أحبه الله وجاء على القياس في الثالث في قول عنترة ** ولقد نزلت فلا تظني غيره ** ** مني بمنزلة المحب المكرم ** والفعل من البرص برص فهو أبرص وأبرصه الله والرتق الإلتحام والرتقاء هي الملتحمة والقرن في الفرج إما غدة غليظة أو عظم يمنع سلوك الذكر للشافعي رحمه الله ومن معه النص في بعضها وقياسان في بعضها وثلاثة أقيسة في بعضها أما النص فما روى أنه صلى الله عليه وسلم رد بالعيب قال للتي رأى بكشحها وضحا أو بياضا إلحقي بأهلك فصار البرص منصوصا عليه فيلحق به الجذام والجنون بجامع أنه ينفر منه الطبع وهذا الوصف وهو كونه منافرا للطبع دل الشرع على إعتباره في جنس العلل وهو المباعدة والفرار فإنه جنس الفسخ قال النبي صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد ويجعل الجذام منصوصا عليه في هذا الحديث لأن الفرار يثبت بفسخ نكاحه والحديث رواه البخاري تعليقا عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم فرارك من الأسد ويقاس النكاح على البيع في أنه يفسخ بهذه العيوب هكذا عيوب يفسخ بها البيع فيفسخ النكاح وقياسا على المجبوب بجامع المنافع الحسي فيما به فوات مقصود النكاح في حق كل منهما قلنا أما الحديث الأول فلم يصح لأنه من رواية جميل بن زيد وهو متروك عن زيد ابن كعب بن عجرة وهو مجهول لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد ولو سلم جاز أن يكون طلاقا فإن لفظ إلحقي بأهلك من كنايات الطلاق وأما الثاني فظاهره غير مراد للإتفاق على إباحة القرب منه ويثاب بخدمته وتمريضه وعلى القيام بمصالحه وأما القياس فتخلف فيه جزء المقتضى أو شرطه فإن المقتضى يفسخ العيب مع وقوعه في عقد مبادلة تجري فيه المشاححة والمضايقة بسبب كون المراد منه من الجانبين المال وهذا شرط عمله والنكاح ليس كذلك فإن المال فيه تابع غير مقصود وإنما شرع إظهار الخطر المحل ولهذا اختلف لوازمهما حتى
____________________
(4/304)
أجزناه على عبد وفرس موصوفين وصحح مع عدم رؤية المرأة أصلا بخلاف البيع عنده ثم إذا رأى عندنا المبيع يثبت له خيار للرد بلا عيب وفي النكاح لو شرط وصفا مرغوبا فيه كالعذرة والجمال والرشاقة وصغر السن فظهرت ثيبا عجوزا شوهاء ذات شق مائل ولعاب سائل وأنف هائل وعقل زائل لا خيار له في فسخ النكاح به وفي البيع يفسخ بدون ذلك ولو هزلا بالبيع لم ينفذ وينعقد النكاح بالهزل به فكذلك بالعلة مقتضية وعن القياس الثالث بمنع وجود العلة في الفرع وهو امتناع حصول المقصود لجواز أن يطأ من هي كذلك ويتوصل بالشق والقطع والكسر غاية ما فيه نفرة طبيعية وذلك لم يوجب الفسخ اتفاقا للإتفاق على عدمه في ذات القروح الفاحشة والبخر الزائد وحينئذو قول محمد إن وجود ذلك فيه يعطل عليها المقصود للوجه الأخير بخلافه هو إذا وجدها كذلك لأنه يتمكن من إزالة الضرر عن نفسه بالطلاق ووجه دفعه ودفع قول الزهري ومن معه انتظمه دفع أقيسة الشافعي ومن معه
قوله ولنا أن فوات الإستيفاء أصلا بالموت قبل الدخول لا يوجب الفسخ فاختلاله بهذه العيوب أولى أن لا يوجب الفسخ ونظر فيه بأن النكاح مؤقت بحياتهما
قوله وهذا أي كون هذه العيوب لا توجب الفسخ لأن الإستيفاء من الثمرات فلا تراعى من كل وجه على الكمال والمستحق التمكن أي التمكن من الوطء وهو غير ممتنع لما قلنا
قوله لأنهما مخلان بالمقصود فإن قيل جعل في المسألة التي قبلها الإستيفاء للوطء
____________________
(4/305)
الفسخ وفي مسألة الجب والعنة جعله المقصود المشروع له النكاح ويلزم عن ذلك أن يكون المقصود المشروع له النكاح وأن لا يكون بإعتبار الموضعين وذلك تحكم قلت هذا السؤال نشأ من تفسير المشروع له النكاح بالوطء وليس ذلك بمراد وإنما المراد به التمكن كما تقدم وهما بخلاف به بخلاف العيوب الثلاثة والله أعلم & باب العدة
العدة لما كانت أثر ا لفرقة بالطلاق وغيره أعقبها لذكر وجوه التفريق على حدة لأن الأثر يعقب المؤثر والعدة في اللغة أيام أقراء المرأة وفي الشريعة تربص المرأة عند زوال ملك المتعة متأكدا بالدخول أو الخلوة بالموت وهو أي هذا الزوال سببها وشرطها وقوع الفرقة وركنها حرمات ثابتة إلى أجل ينقضي
____________________
(4/306)
واللعان وأحكام العنين وهي في اللغة الإحصاء عددت الشيء عدة أحصيته إحصاء وتقال أيضا على المعدود وفي الشرع تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح المتأكد بالدخول أو ما يقوم مقامه من الخولة والموت وينبغي أن يزاد وشبهته بالجر عطفا على النكاح والتربص الإنتظار أي إنتظار انقضاء المدة بالتزويج فحقيقته ترك لزم شرعا للتزويج والزينة في مدة معينة شرعا ولا شك أن سببها النكاح أو شبهته وزوال ذلك شرط فالإضافة في قولنا عدة الطلاق إلى الشرط ولم يخص الزوال بالنكاح فعم الشبهة قالوا وركنها حرمات تثبت عند الفرقة وعند الشافعي الكف عنها وينبغي على ذلك أن العدتين إذا وجبتا من رجلين تتداخلان وتنقضيان بمدة واحدة عندنا وعنده لا وعلى هذا ينبغي أن يقال في التعريف هي لزوم التربص ليصح كونها ركنها حرمات لأنها لزومات وإلا فالتربص فعلها والحرمات أحكام الله تعالى فلا يكون نفسه فعلا وعلى هذا فما قيل في حكمها إنه حرمة نكاحها غيره عليها وحرمة نكاح أختها وأربع سواها عليه لا يصح لأن الحرمات التي تثبت عند الفرقة ركنها بالفرض وحرمة تزويجها بغيره من تلك الحرمات نعم حرمة تزوجه بأختها لا يكون من العدة فهو حكم عدتها ولا شك أنه معنى كونه أيضا في العدة لأن معنى العدة وجوب الإنتظار بالتزوج إلى مضي تلك المدة وهو كذلك فهو في العدة أيضا غير أن اسم العدة اصطلاحا خص بتربصها لا بتربصه ولزم مما ذكر أن لا يقال في حق الصغيرة وجب عليها العدة وسنوضحه
قوله إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا رجعيا وليس رجعيا في بعض النسخ وشمل طلاق الخلع واللعان خلافا لمن قال عدة المختلعة حيضة واحدة قيل هو بناء على أنها فسخ والحق أنه ابتداء لما تقدم في باب الخلع من المنقول إذ لا يعقل كون الفسخ مؤثرا في نقصان العدة ولذا وجبت ثلاثة أقراء في الفسخ بخيار البلوغ وغيره وخلافا لإبن عباس في قوله عدة الملاعنة تسعة أشهر
قوله هي حرة ممن تحيض يعني ممن تحقق حيضها ولم تبلغ سن الإياس سواء كانت تحيض أو لا حتى لو بلغت فرأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع سنة أو أكثر لم تنقض عدتها حتى تحيض ثلاث حيض أو تدخل الإياس فتعتد بالأشهر بخلاف ما لو لم تر شيئا أو رأت أقل من ثلاثة أيام فإنها تعتد بالأشهر
قوله أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق مثل الإنفساخ بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة وملك أحد الزوجين الآخر والردة في بعض الصور والإفتراق عن النكاح الفاسد والوطء بشبهة
قوله فعدتها ثلاثة أقراء مقتضى ما ذكر من ركن العدة كون عدتها في مدة ثلاثة أقراء لأن الحرمات تتعلق في مدة الأقراء فكان الأصل أن ينتصب لأنه طرف زمان معرب واقع خبرا عن اسم معنى
____________________
(4/307)
نحو السفر غدا لكنه اعتبر فيه الإطلاق المجازي أعني إطلاق العدة على نفس المدة ثم لا يخفى أن سبب العدة مأخوذ منه تأكده بالدخول أو ما يقوم مقامه كما ذكرنا وإنما تركه المصنف لشهرة أن الطلاق قبل الدخول لا تجب فيه العدة قال الله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها }
قوله والفرقة إذا كانت الخ لما جمع بين الطلاق والفرقة بلا طلاق في حكم العدة والدليل السمعي لا يتناول إلا الطلاق ألحقه بالجامع وهو أن وجوبها في محل النص وهو الطلاق لتعرف براءة الرحم وجعله ثابتا بدلالة النص حيث قال في معنى الطلاق يعني يتبادر لكل من علم بوجوب تركها النكاح إلى أن تحيض عند الطلاق بعد الدخول أنه لذلك ثم كونها تجب للتعرف لا ينفي أن تجب لغيره أيضا وقد أفاد المصنف فيما سيأتي أنها أيضا تجب لقضاء حق النكاح بإظهار الأسف عليه فقد يجتمعان كما في مواضع وجوب الأقراء وقد ينفرد الثاني كما في صور الأشهر بخلاف غير المتأكد وهو ما قبل الدخول لا يؤسف عليه إذ لا إلف ولا مودة فيه
قوله والإقراء الحيض عندنا وقال الشافعي الأطهار وقول الشافعي قول مالك ونقل عن عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت وقولنا هو قول الخلفاء الراشدين والعبادلة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وعبادة ابن الصامت وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وزاد أبو داود والنسائي معبدا الجهني وما ذكرناه أنه قول العبادلة بناء على أنه ثبت عن ابن عمر فتعارض عنه النقل وممن رواه عن الطحاوي وثبته عنه بعض الحفاظ من الحنابلة وأسند الطحاوي إلى قبيصة بن ذؤيب أنه سمع زيد بن ثابت يقول عدة الأمة حيضتان فعارض روايتهم عن زيد أيضا وبه قال سعيد ابن المسيب وابن جبير وعطاء وطاوس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك والحسنان ابن حيي والبصري ومقاتل وشريك القاضي والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وربيعة والسدي وأبو عبيدة وإسحاق وإليه رجع أحمد وقال محمد بن الحسن في موطئه حدثنا عيسى ابن أبي عيسى الخياط المدني عن الشعبي عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم قال الرجل أحق بامرأته حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وهذا الإطلاق إنما يصح منهم إذا كانت الحيض لا الطهر إلا إذا كان طلقها في الحيض فأما الطهر فيحتسب به فيلزم انقضاء العدة بالشروع في الحيضة والطلاق في الطهر هو المعروف عندهم فعليه ينبني قولهم
قوله إذ هو من الأضداد استدلال على كونه حقيقة فيهما وهذا على طريقة أهل الأصول والفقه من
____________________
(4/308)
عدم التجوز بإسم الضد في الضد وقد وضع بعض أهل العقول من معرفات الإشتراك كون المفهومين متضادين وأما على طريقة أهل الأدب فيجوز لغرض تمليح أو تهكم كما يقال للجبان أسد أو تفاؤل كالبصير على الأعمى إلا أنها بمعزل من إفادات الأحكام الشرعية فلم يعتبر فيها وأما في خصوص هذا المقام فالإتفاق على الإشتراك وعلى أنه لم يعصم إنما الخلاف في تعيين المراد من المفهومين فلا حاجة إلى الإستدلال بعدم الإنتظام على الإشتراك كما فعل المصنف وهو محل النزاع ولو استدل عليه بتضاد المفهومين كما استدل به على كونه حقيقة فيهما كان أحسن لا يقال استدلاله على أنه حقيقة فيهما استدلال على الإشتراك لأنا نقول لا يلزم من كون اللفظ حقيقة في متعدد اشتراكه لفظا لجواز التواطؤ والتشكيك لا يقال ليس محل النزاع كما ذكرت للتضاد لأنا نقول إنما وافق من جعل تعميم المشترك على منع تعميمه أنه لا يمكن الجمع وليس يلزم من التضاد ذلك لجواز أن يراد كل من الحيض والطهر فتعتد بمضي ثلاثة أطهار وثلاث حيض إنما يمتنع إذا أريد تحقيقهما في زمن أحدهما
قوله والحمل على الحيض أولى أدعى الحقيقة في محل الخلاف واقتصر على دليل نفسه كأنه لعدم دليل معتمد لهم وذلك أن قولهم القرء بمعنى الطهر هو الذي يجمع على قروء وأما بمعنى الحيض فإنما يجمع على أقراء دعوى لا دليل عليها وكونه وقع في شعر الأعشى كذلك حيث قال ** أفي كل عام أنت جاشم غزوة ** ** تشد لأقصاها عزيم عزائكا **
____________________
(4/309)
** موروثة مالا وفي الحي رفعة ** ** لما ضاع فيها من قروء نسائكا ** أي من أطهارهن للشغل بالغزو عنهن لا يوجب القصر عليه وكذا الإستشهاد بقوله صلى الله عليه وسلم دعي الصلاة أيام أقرائك لا يوجبه فقد روى أبو داود والنسائي قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش فأنظري فإذا أتاك قرؤك فلا تصلي فإذا مر قرؤك فتطهري وصلي وقال الراجز ** يا رب ذي ضغن وضب فارض ** ** له قروء كقروء الحائض ** يريد كحيض الحائض فإن المغني أن عداوته تجتمع فتهيج كدم الحائض على أنه قد قيل في بيت الأعشى إن المراد نفس الزمان أي زمان الطهر فإن القرء يقال للزمان لغة كثيرة واستدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر مرة فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم ليطلقها إن شاء فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء يعني بالأمر قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } لا يصح لأنه بناء على أن اللام فيه بمعنى في وهو غير معهود في الإستعمال ويستلزم تقدم العدة على الطلاق أو مقارنة له لإقتضائه وقوعه في وقت العدة وقراءة / < لقبل عدتهن > / في صحيح مسلم تنفيه إذا أفادت أن اللام فيه مفيدة معنى إستقبال عدتهن وهذا استعمال محقق من العربية يقال في التاريخ بإجماع العربية خرج لثلاث بقين ونحوه ويؤيده ما قال الطحاوى أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب ابن ابن عمر بذلك ومذهب ابن عمر أن الأقراء الحيض فلم يفهم أنها الأطهار وهذا بناء على ما بيناه عنه من خلاف ما نقلوه عنه ذكرناه آنفا وتمسكهم بتأنيث العدد في قوله تعالى { ثلاثة قروء } وهو يقتضي تذكير المعدود والطهر هو المذكر لا الحيض فلو أريد الحيض لقيل ثلاثة قروء وهو ليس بشيء لأن الشيء إذا كان له إسمان مذكر كالبر والحنطة ولا تأنيث حقيقي يؤنث عدده إذا أضيف إلى اللفظ المذكر ويذكر إذا أضيف إلى المؤنث وفي العربية إذا كان المعدود مؤنثا واللفظ مذكرا أو بالعكس فوجهان وما نحن فيه كذلك فإن للدم اسمين مذكرا وهو القرء ومؤنثا وهو الحيض فحين أضيف إلى المذكر أنث وكذا على الأصل الآخر فإن ا لدم مذكر والقرء مذكر فيؤنث عدده ثم ذكر المصنف ثلاثة أوجه الأول قوله عملا بلفظ الجمع أي العدد فإنه جمع معنى لا صيغة أو يريد الجمع الصيغي المقرون بالعدد تنصيصا على المراد بكميته أعني لفظ قروء المقيدة بثلاثة فإنه منقطع عنه إحتمال أن يراد به غير الكمية العددية المذكورة لو كانت من كميات الجموع فكيف بالكمية التي ليست حقيقة الجمع وهي اللازمة من حملة على الأطهار حيث يصير طهرين وبعض الثالث إذا وقع في الطهر وإلا لزم إحداث قول ثالث إذ كل من قال إنه الطهر قال تحتسب بالطهر الذي وقع فيه الطلاق وهو نقص عن التقدير القطعي الدلالة والثبوت بخلاف ما إذا حمل على الحيض فإنه لو وقع الطلاق في الحيض لا يحتسب بتلك
____________________
(4/310)
الحيضة فتكمل الثلاث فيتحقق فيه حقيقة العدد وزيادة تثبت ضرورة التكميل وهو جائز إذ لا يمكن التوصل إلى حقيقة إقامة الواجب إلا بها بخلاف طهرين وبعض الثالث فإنه لم يتحقق فيه حقيقته أصلا لا يقال قد أريد بالعدد غير كميته المفادة به في قوله تعالى { إن تستغفر لهم سبعين مرة } لأنا نقول لم يرد بالعدد عدد آخر مباين له بل مجرد التكثير وأين هذا من أن يراد بسبعين مثلا ثمانون أو مائة الثاني قوله ولأنه أي الحيض هو المعرف بالذات لبراءة الرحم بخلاف الطهر لأنه وإن دل فبواسطة الحيض الذي يستلزمه لأنه هو المفيد لعدم انسداد فم الرحم بالحبل إذ لو أنسد به لم تحض عادة ولذا نص عليه الصلاة والسلام أن مفيد البراءة الحيض حيث قال في السبايا حتى يستبرأن بحيضة ولم يقل بطهر الثالث هو قوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان وتقدم في باب الطلاق تخريجه وأسند الشافعي حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر رضي الله عنه قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا وكذا رواه الدار قطني والإجماع على أنها لا تخالف الحرة فيما به من الإعتداد بل في الكمية فيلتحق قوله تعالى ثلاث قروء للإجمال الكائن بالإشتراك بيانا له ومن الأدلة الظاهرة فيه قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إلى قوله فعدتهن ثلاثة أشهر إذ لا شك في أن الإعتداد بالأقراء أصل والأشهر خلف عنه إنما يصار إليه عند عدمها فلما علق سبحانه وتعالى المصير إليه بعدم الحيض دل على أن الحيض هو المراد بالأقراء في الآية وكونه ينعدم الطهر بعدم الحيض فالتعليق بعدم الحيض إنما هو لعدم الطهر إحتمال يقابله الظهور إذ الظاهر تعليق المصير إلى الخلف بعدم عين ما شرع أصلا لا بعدم شيء آخر يستلزمه فكان الأصل أن يقال واللائي يئسن من القروء فلما جاء قوله تعالى بلفظ الحيض مكانه وهو مشترك علم أنه لإفادة أنه هو
فرع تنقضي عدة الطلاق البائن والثلاث بالوطء المحرم بأن وطئها وهي معتدة عالما بحرمتها بخلاف ما لو ادعى الشبهة أو كان منكرا إطلاقها فإنها تستقبل العدة وإذا كان منكرا حتى لم تتقض العدة ليس لها أن تطالبه بنفقة هذه العدة ولو طلقها في هذه العدة لا يقع ويحل له نكاح أختها
قوله وإن كانت لا تحيض لصغر بأن لم تبلغ سن الحيض على الخلاف فيه وأقله تسع على المختار أو كبر بأن بلغت سن الإياس وانقطع حيضها فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } ذكر أن بعضهم لما نزلت آية القروء قالوا قد علمنا عدة التي تحيض فالتي لا تحيض لا ندري ما عدتها فأنزل الله تعالى هذه الآية والمعنى إن أرتبتم في عدة التي لم تحض فلم تعلموها فإنها ثلاثة أشهر وقيل إن ارتبتم في الدم الذي تراه من بلغت سن الإياس أهو حيض أو فساد فعدتهن ثلاثة أشهر ثم قال المصنف وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض بآخر الآية يعني قوله تعالى { واللائي لم يحضن } يعني التي لم تبلغ بالحيض بل بالسن بأن بلغت خمس عشرة سنة على
____________________
(4/311)
قولهما وسبع عشرة سنة على قول أبي حنيفة ومالك ولم تحض إذا طلقت تعتد بالأشهر أيضا ثم إن وقع الطلاق في أول الشهر اعتدت بأشهر هلالية اتفاقا وإن وقع في أثناء الشهر اعتبر كلها بالأيام فلا تنقضي إلا بتسعين يوما عند أبي حنيفة وعندهما يكمل الأول ثلاثين من الشهر الأخير والشهران المتوسطان بالأهلة والله أعلم
ثم لا يخفى ما في كلام المصنف من عدم التحرير فإنه جمع بين التي لا تحيض لصغر أو كبر في الإعتداد بثلاثة أشهر واستدل على ذلك بقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض } الآية ثم خص التي بلغت بالسن ولم تحض بآخرها حيث قال وكذلك التي بلغت بالسن بآخر الآية ولا يخفى أن آخرها أعني قوله تعالى { واللائي لم يحضن } هو المفيد للإعتداد بثلاثة أشهر التي لم تحض لصغر كما أنه المفيد للإعتداد بها في التي بلغت بالسن والحاصل أن من كان طهرها أصليا فعدتها بالأشهر سواء بلغت بالسن ولم تحض وإن استمرت لا تحيض إلى ثلاثين سنة فعدتها ثلاثة أشهر أو هي مراهقة أو لم تبلغ إلى سن يحكم بالبلوغ فيه على اختلافهم فيه أنه تسع أو سبع والأول أصح وعن الشيخ أبي بكر محمد بن الفضل أنها إذا كانت مراهقة لا تنقضي عدتها بالأشهر بل يوقف حالها حتى يظهر هل حبلت من ذلك الوطء أم لا فإن ظهر حبلها اعتدت بالوضع وإن لم يظهر فبالأشهر وينبغي على هذا أن تحتسب بالأشهر التي وقفت ليظهر حبلها إذا لم يظهر فإنه ظهر بعدم الحبل أن تلك الأشهر كانت هي العدة وغاية الأمر أنها لم تدر وجه عدتها حتى انقضت ولو حاضت التي بلغت بالسن والمراهقة في أثناء الأشهر الثلاثة استأنفت العدة بالحيض هذا وممكن ذكر أنها تعتد بالأشهر المستحاضة التي نسيت عادتها وهو مما يلغز فيه فيقال مطلقة شابة ترى ما يصلح حيضا في كل شهر وعدتها بالأشهر لكن في التحقيق ليس عدتها إلا بالحيض لكن لما نسيت عادتها جاز كونها أو كل شهر أو آخره فإذا قدرت بثلاثة أشهر علم أنها حاضت ثلاث حيض بيقين بخلاف التي لم تنس فإنها ترد إلى أيام عادتها فجاز كون عادتها أول الشهر فتخرج من العدة في خمسة أو ستة من الثالث وأعلم إن إطلاقهم في الإنقضاء بثلاثة أشهر في المستحاضة الناسية لعادتها لا يصح إلا فيما إذا طلقها أول الشهر أما لو طلقها بعد ما مضى من الشهر قدر ما يصح حيضة ينبغي أن يعتبر ثلاثة أشهر غير باقي هذا الشهر والوجه ظاهر ويجب في التي بلغت مستحاضة مثل المستحاضة التي ضلت عادتها ثلاثة أشهر ثم أكثر المشايخ لا يطلقون لفظ الوجوب على هذه الصغيرة لأنها غير مخاطبة بل يقولون تعتد وفي المبسوط قال بعض علمائنا هي لا تخاطب بالإعتداد ولكن الولي يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضي المدة فثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجيه خطاب الشرع عليها ولا يخفى أن القائل الأول قوله مبني على أنه يراها الحرمات أو التربص الواجب فإن قلت وعلى تقدير كونها مضي المدة أليس أن فيها يجب أن لا تتزوج فلا بد أن يتعلق
____________________
(4/312)
خطاب نهي التزوج بالولي فجعلها المدة كما قال شمس الأئمة لا يستلزم انتفاء قول الأول يخاطب الولي بأن لا يزوجها فالجواب لا يلزم فإنا إذا قلنا بأنها المدة فالثابت فيها عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم الصحة لو فعل
قوله وإن كانت حاملا يعني المطلقة فعدتها بالوضع بالآية المذكورة وإن كانت أمة وأطلق فيتناول الحمل الثابت النسب وغيره فلو طلق كبير زوجته بعد الدخول فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من العقد فعدتها بوضع الحمل عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف بالحيض في رواية عنه وسنبين ذلك في مسألة الصغير وفي المنتفى إذا خرج من الولد نصف البدن من قبل الرجلين سوى الرجلين أو من الرأس سوى الرأس انقضت العدة والبدن من المنكبين إلى الأليتين وفي الخلاصة كل من حبلت في عدتها أن تضع حملها والمتوفى عنها زوجها إذا حبلت بعد موت الزوج فعدتها بالشهور
قوله وإن كانت أي المطلقة أمة فعدتها حيضتان لقوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ولأن الرق منصف وقد تقدم توجيهه في فصل المحرمات وغيره والحيضة لا تتجزأ فكملت وثبوت الزيادة لضرورة التكميل واجب لأن فيه تحقيق الواجب على ما تقدم آنفا
قوله وإليه أشار عمر أي إلى أن تكميل الثانية ضرورة بقوله لو استطعت إلى آخره أخرج عبد الرزاق حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع عمرو بن أوس الثقفي يقول أخبرني رجل من ثقيف قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لو استطعت أن أجعلها حيضة ونصفا فعلت فقال له رجل لو جعلتها شهرا ونصف فسكت عمر ورواه الشافعي في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا سقيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بباقي سند عبد الرزاق ويشبه أن يكون سكوت عمر لعدم الإلتفات لقوله لأنه كان يتكلم في ذات الأقراء والعدة بالأشهر لا تكون إلا لمن أيس منها فمشورة الرجل في غير محل الحكم المذكور وأما إذا كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها شهر ونصف لأنه متجزيء فأمكن تنصيفه والمدبرة والمكاتبة وأم الولد في الطلاق والفسخ كالأمة
قوله وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت مدخولا بها أو لا مسلمة أو كتابية تحت مسلم صغيرة أو كبيرة أو آيسة وزوجها عبد أو حر حاضت في هذه المدة أو لم تحض ولم يظهر حبلها وعن بعض السلف عدتها عزيمة عام ورخصة الأربعة أشهر والعشرة الأيام لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم } الآية والجمهور على نسخها بآية الأشهر أعني ما كان من وجوب الإيصاء والإيقاف إلى الحول وقال الأوزاعي أربعة أشهر وعشر ليال فلو تزوجت في اليوم العاشر جاز أخذا من تذكير العدد أعني العشر في الكتاب والسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث أيام إلا على زوج أربعة أشهرا وعشرا فيجب كون المعدود الليالي وإلا لأنثه قلنا الإستعمال في مثله من ذكر عدة الليالي يدخل ما بإزائها من الأيام على ما عرف بالتاريخ حيث يكتب بالليالي فيقال لسبع خلون مثلا ويراد كون عدة الأيام كذلك وإن كانت أمة فشهران وخمسة أيام على وزان ما تقدم ثم ابتداء المدة من وقت الموت وعن علي رضي الله عنه من وقت علمها حتى لو مات في سفر فلم يبلغها حتى مضت أربعة أشهر وعشر انقضت عدتها بذلك عند الجمهور وعنده رضي الله عنه لا تنقضي العدة حتى تمر عليها من حين علمت لأن عليها الإحداد ولا يمكنها إقامته إلا بالعلم قلنا قصاراه أن تكون كالعالمة ولم تحد حتى مضت المدة تخرج اتفاقا من العدة على أن المقصود الأصلي منها عدم التزوج وقد وجد ومعنى العبادة تابع لما سيذكر
____________________
(4/313)
ووجوبها على الكتابية تحت المسلم يؤيده قوله وإن كانت أي المتوفي عنها حاملا فعدتها أن تضع حرة كانت أو أمة كالمطلقة والمتاركة في النكاح الفاسد والوطء بشبهة إذا كانت حاملا كذلك لإطلاق قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وكان علي رضي الله عنه يقول لا بد من الوضع والأربعة أشهر وعشر وهو قول ابن عباس لأن هذه الآية توجب العدة بوضع الحمل وقوله تعالى { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } يوجبها عليها فيجمع احتياطا وفي موطأ مالك عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفوا في المرأة تنفس بعد زوجها بليال فقال أبو سلمة إذا وضعت ما في بطنها فقد حلت وقال ابن عباس آخر الأجلين فقال أبو هريرة رضي الله عنه أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فأرسلوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يسألها عن ذلك فأخبرهم أنها قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت وفي الترمذي أنها وضعت بعد وفاته بثلاث وعشرين أو خمسة وعشرين يوما وأخرج البخاري عن ابن مسعود قال أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولي يريد بالقصرى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء والطولي البقرة والمباهلة الملاعنة كانوا إذا اختلفوا في شيء اجتمعوا وقالوا بهلة الله على الظالم منا وقيل هي مشروعة في زماننا وقد ورد بلفظ الملاعنة أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة أشهر وعشر وأخرجه البزار بلفظ من شاء حالفته وأسند عبد الله بن أحمد ابن حنبل في مسند أبيه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها زوجها فقال هي المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها وفيه المثنى بن صباح وهو متروك وقول عمر رواه في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل فقال إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر قال لو وضعت وزوجها على سريره ولم يدفن بعد حلت وفيه رجل مجهول وفي الصحيحين حديث عمر بن عبد الله بن الأرقم أنه دخل على سبيعة بنت الحرث الأسلمية فسألها عن حديثها فأخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال مالي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح والله ما أنت بناكحة حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت فلما قال لي جمعت على ثيابي حين أمسيت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني أني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي وكلما كان الإعتداد بالوضع لا تنقضي العدة إلا بوضع الكل فلو وضعت ولدا وفي بطنها آخر لم تنقض عدتها وقوله أفتاني أني قد حللت حين وضعت يرد قول من قال من السلف لا تحل حتى تنقضي مدة نفاسها كأنهم أخذوه من
____________________
(4/314)
قوله فلما تعلت من نفاسها قال لها انكحي من شئت رتب الإحلال على التعلي فيتراءى توقفه على الطهر فيتقيد به لكن ما ذكرنا صريح في ثبوت الحل بالوضع ولو تزوجت بعد الأشهر ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من المدة ظهر فساد النكاح ولحق بالميت
قوله وإذا ورثت المطلقة في المرض يتعلق بالمطلقة أي ورثت التي طلقت في المرض بأن طلقها بغير رضاها بحيث صار فارا ومات وهي في العدة
فعدتها أبعد الأجلين أي الأبعد من اربعة أشهر وعشر وثلاث حيض فلو تربصت حتى مضت ثلاث حيض ولم تستكمل أربعة أشهر وعشرا لم تنقض عدتها حتى تستكملها وإن مضت أربعة أشهر وعشر ولم تمض لها ثلاث حيض بأن امتد طهرها لم تنقض عدتها حتى تمضي وإن مكثت سنين ما لم تدخل سن الإياس فتعتد بالأشهر إذا عرفت هذا فمن فسر أبعد الأجلين بأنها تعتد بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض مقصر إذ لا يصدق إلا إذا كانت الأربعة أشهر وعشر أبعد من الثلاث حيض وحقيقة الحال أنه لا بد من أن تتربص آخر الأجلين وهذا الحكم ثابت في صور إحداها هذه
والثانية إذا قال لزوجته أو زوجاته إحداكن طالق بائن ومات قبل البيان فعل كل واحدة الإعتداد بأبعد الأجلين ولو بين في إحداهما كان ابتداء العدة من وقت البيان
والثالثة أم الولد إذا مات زوجها وسيدها ولم يدر أيهما مات أولا وعلم أن بينهما شهرين وخمسة أيام فصاعدا وسنفصلها إن شاء الله تعالى ثم المراد بذلك الطلاق البائن واحدة أو ثلاثا أما إذا طلقها رجعيا فعدتها عدة الوفاة سواء طلقها في مرضه أو في صحته ودخلت في عدة الطلاق ثم مات الزوج فإنها تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة وترث بخلاف ما إذا طلقها بائنا في صحته ثم مات لا تنتقل ولا ترث بالإتفاق
قوله لأبي يوسف أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالبائن ولزمها ثلاث حيض حكما له وإنما تلزم عدة الوفاة إذا انقطع بالموت وليس فليس وإنما بقي في حق الإرث لإجماع الصحابة ردا لقصده السيء عليه وهذا لا يستلزم الحكم ببقائه في حق العدة فلا تتغير به العدة بخلاف الرجعي لأن النكاح قائم من كل وجه
____________________
(4/315)
وإنما انقطع بالموت فتجب عدة الوفاة فيه
قوله فيجمع بينهما أي بين عدة الطلاق والوفاة ولك لأنه انقطع بالوفاة حقيقة وبالموت حكما أما الأول فبفرض المسألة أنه أبانها قبل الموت وبإعتباره يجب عدة الطلاق وأما الثاني فإعتبار قيام النكاح عند الموت فإن توريثها يستلزم ذلك ولازمه لزوم عدة الوفاة ولازم اللازم لازم فيلزم توريثها الإعتداد بعدة الوفاة فتجب عدة الوفاة لكن بقي قول أبي يوسف إن اعتباره قائما لرد قصده عدم توريثها عليه لا يستلزم أن يبقى في حق العدة وجوابه أن الإرث لا يثبت بالشك والعدة تثبت به فإذا بقي النكاح شرعا في حق الإرث فلأن يبقى في حق العدة أولى مع أن الأصل أن الشيء إنما يثبت بلازمه وهذا هو معنى قول المصنف احتياطا
قوله ولو قتل على ردته الخ جواب عن مقيس عليه مقدر لأبي يوسف وهو أنه لو ارتد زوج المسلمة فمات أو قتل على ردته ترث زوجته المسلمة وليس عليها عدة الوفاة بل الحيض لأن زوال النكاح كان بالرد لا بالوفاة فكذا هنا زواله بالطلاق لا بالموت فلا تجب عدة الموت فأجاب بمنع حكم الأصل أولا فقال لا نسلم أنه لا يلزمها عدة الوفاة بل تلزمها إليه أشار الكرخي وما ذكرت من مذهبك فهو على الخلاف فيلزمها الجمع بين المدة والحيض فلا يصح به الإلزام ولئن سلمنا أن لزوم الحيض اتفاقي فالفرق أن توريثها وهو الحكم الثابت يفيد أنه لم يعتبر النكاح شرعا قائما إلى الموت لأنه لو اعتبر كذلك لم ترث إذ لا يرث المسلم الكافر فيلزم العلم بإعتبار استناد الإرث إلى وقت حدوث الردة اعتبار للردة موتا حكما وقد تحقق هذا الموت وهما مسلمان غير أنه زال به إسلامه وبذلك السبب لزمها العدة بالحيض فلا يلزمها عدة الوفاة
قوله فإذا عتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر فتكمل ثلاث حيض لقيام النكاح من كل وجه أي بعد الطلاق
____________________
(4/316)
الرجعي فلما اعتقت والحال قيامه من كل وجه كمل ملك الزوج عليها والعدة في الملك الكامل مقدرة شرعا بعدة الحرائر ثلاث حيض كذا في الكافي ووضع في شرح الكنز لفظ الطلاق مكان لفظ العدة فقال والطلاق في الملك الكامل يوجب عدة الحرائر ولا يخفي أن الطلاق لم يحدث في الملك الكامل بل طرأ كمال الملك بعده بالعتق اللهم إلا أن يجعل لبقائه الحكمي حكم ابتدائه وهو ممكن لو كانت إجماعية لكن هي خلافية وبقولنا قال الشافعي في الأظهر وأحمد وإسحاق والحسن والشعبي والضحاك وقال مالك وأبو ثور لا تكمل عدتها في الرجعي والبائن وعن الزهري وعطاء وقتادة تكمل فلا بد من إثبات اعتبار بقائه كابتدائه وجه قول مالك أن بمجرد الطلاق نم سبب عدة الإماء وشرطها وهو ورود الطلاق على أمة عقيب نكاح متأكد فلو وجبت عدة الحرائر كان على خلاف مقتضى السبب وتحقيق الجواب منع تأثير سبب العدة في كمية مخصوصة فالنكاح سبب للعدة عند الطلاق فقط لا بقيد كمية خاصة إذ لا يعقل تأثير النكاح في خصوص كمية بل في مطلق التربص تعرفا وتأسفا وتقدير الكمية لحكمة أخرى سنذكرها في عدة النكاح الفاسد وحينئذ سلم الوجه المذكور للإنتقال عن المعارض وقد صور الإنتقال إلى جميع كميات العدة البسيطة وهي أربعة صورتها أمة صغيره منكوحة طلقت رجعيا فعدتها شهر ونصف فلو حاضت في أثنائها انتقلت إلى حيضتين فلو اعتقت قبل مضيهما صارت ثلاث حيض فلو مات زوجها قبل انقضائها انتقلت إلى أربعة أشهر وعشر
قوله وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور يمكن كون كان تامة يعني إذا وجدت امرأة آيسة فاعتدت بالشهور
قوله ثم رأت الدم بعد انقضاء الأشهر أو في خلالها
انتقض ما مضى من عدتها وظهر فساد نكاحها الكائن بعد تلك العدة حتى لو كانت حبلت من الزوج الآخر انتقضت عدتها وفسد نكاحها صرحوا به ويندرج في إطلاق الإنتقاض وهو لازم للتعليل الذي ذكره في الكتاب بقوله لأن عودها يبطل الإياس هو الصحيح فظهر أنه لم يكن خلفا وعلله بأن شرط الخلفية أي خلفية الإعتداد بالأشهر عن الحيض تحقق الإياس بالنص وهو قوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض } الآية والإياس لا يتحقق
____________________
(4/317)
إلا بإستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني فإذا ظهر الدم ظهر عدم الخلفية فظهر عدم انقضاء العدة إلا أن هذا يتوقف على كون ذلك الدم حيضا وهذا ليس بلازم من مجرد وجوده لجواز كونه دما فاسدا فلذا قيده بقوله ومعناه إذا رأت الدم على العادة لأنه حينئذ ظاهر في أنه ذلك المعتاد وعود العادة يبطل الإياس ثم فسر بعضهم هذا بأن تراه سائلا كثيرا جعله احترازا عما إذا رأت بلة يسيرة ونحوها وقيدوه أيضا بأن يكون أحمر أو أسود فلو كان أصفر أو أخضر أو تربية لا يكون حيضا ومنهم من لم يتصرف فيه فقال معناه إذا رأته على العادة الجارية وهو يفيد أنها إذا كانت عادتها قبل الإياس أصفر فرأته كذلك أو علقا فرأته كذلك كان حيضا مظهرا عدم انقضاء العدة بالأشهر ثم أطلق المصنف انتقاض العدة والإستئناف فاقتضى ثبوت ذلك سواء قلنا بتقدير الإياس بمدة أولا وذكر في المحيط أن في ذلك روايتين في رواية لا تقدير فيه وإياسها على هذه أن تبلغ من السن مالا يحيض فيه مثلها فإذا بلغت هذا المبلغ وانقطع الدم حكم بإياسها فإن رأت بعد دما يكون حيضا على هذه الرواية فيبطل الاعتداد بتلك الأشهر ويظهر فساد النكاح ويمكن كون المراد بمثلها فيما ذكر المماثلة في تركيب البدن والسمن والهزال وفي رواية يقدر بخمس وخمسين سنة وهو رواية الحسن وعليه أكثر المشايخ وفي المنافع وعليه الفتوى وعن محمد أنه قدره في الروميات بخمس وخمسين سنة وفي غيرهن بستين وعنه بسبعين وبه قال الصفار وقال أبو الليث لو حاضت ثم انقطع عنها الدم تصير ستين سنة وتعتد ولو كانت عادة أمها وأخوتها انقطاعه قبل الستين تأخذ بعادتهن وبعد الستين لا تأخذ بعادتهن وقال الأقطع فإذا رأت الدم بعد ذلك لا يكون حيضا كالدم الذي تراه الصغيرة التي لا تحيض مثلها وهذه العبارة تفيد أنه لا يحتاج إلى حكم القاضي بالإياس وكذا العبارة القائلة إذا بلغت المقدر يعني وانقطع حيضها حكم بإياسها فإن رأت الدم بعد ذلك لا يكون حيضا إنما يقتضي أن يكون عند بلوغ المقدر مع الإنقطاع يحكم به شرعا وقيل يكون حيضا ويبطل به الإعتداد بالأشهر ويظهر فساد النكاح لأن الحكم بالإياس بعد خمس وخمسين إذا لم تر الدم بالإجتهاد والدم حيض بالنص فإذا ر أته فقد وجد النص بخلاف الإجتهاد فيبطل كذا نقله بعضهم وهو يفيد كون الخلاف إنما هو على رواية التقدير وأما على رواية عدمه فلا خلاف في الإنتقاض وفي الغاية معزيا إلى الإسبيجابي على رواية عدم التقدير قالوا ولو اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم لا تبطل الأشهر وهو المختار عندنا فثبت اختلاف المشايخ على الروايتين وفي بعض العبارات ما يفيد أن عدم الإنتقاض إذا حكم القاضي بالإياس ويقيد الإنتقاض بعدم حكمه به ففي الخلاصة نقل من نوادر الصلاة عن محمد في العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة الحيض فهو حيض ثم نقل قول ابن مقاتل إنها محمولة على ما إذا لم يحكم بإياسها أما إذا انقطع وحكم بإياسها وهي ابنة سبعين سنة أو نحوه فرأت الدم لا يكون حيضا وقال بعده بخطوط وطريق القضاء أن يدعي أحد الزوجين فساد النكاح بسبب قيام العدة فيقضي القاضي بجوازه بإنقضاء العدة بالأشهر قال وكان الصدر الشهيد يفتي بأنها لو رأت بعد ذلك دما يكون حيضا ويفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل تمام الأشهر وإن كانت رأته بعد تمام الاعتداد بالأشهر لا تبطل الأنكحة قضى القاضي بجواز النكاح أو لم يقض ثم ذكر الخلاف صريحا مبنيا على ما قلناه من مجموع النوازل أن الآيسة إذا اعتدت بالشهور وتزوجت ثم رأت الدم
____________________
(4/318)
يكون النكاح فاسدا عند بعض المشايخ رحمهم الله إلا إذا قضى القاضي بجواز النكاح ثم رأت الدم لا يكون النكاح فاسدا ثم قال والأصح أن النكاح يكون جائزا ولا يشترط القضاء وفي المستقبل العدة بالحيض انتهى فتحصل في المسألة أقوال على التقدير وعدمه وهي تنتقض إذا رأته قبل انقضاء الأشهر وبعدها في الماضي والمستقبل قدر أقل مدة الإياس أولا حكم بالإياس أولا وهو ظاهر مختار المصنف من التصوير والتعليل لا تنتقض مطلقا تنتقض كذلك إذا رأته قبل تمام الأشهر وإن كان بعدها فلا يبطل فلا تنتقض الأنكحة قضى بالإياس أولا وهو قول الشهيد تنتقض إذا لم يكن قضى بإياسها كما قلنا لا تنقض إن كان حكم إياسها وهو بأن يدعي فساد النكاح فيحكم بصحته وبإنقضاء العدة وتنتقض إذا لم يكن حكم بالإياس والقول الصحيح لمصحح في النوازل انتقض في المستقبل فلا تعتد إلا بالحيض لا الماضي فلا تفسد الأنكحة المباشرة عن الإعتداد بالأشهر وإذا عرفت هذا فقول المصنف هو الصحيح احتراز عن كل قول يخالف إطلاق الإنتقاض مطلقا كان أو مفصلا ومبني مختارة على اشتراط تحقق الإياس لخلفية الأشهر بالنص وإن تحقق اليأس لا يكون إلا بإستدامة الإنقطاع إلى الممات ولا شك في الأول لكن كون تحققه موقوفا على إستدامة الإنقطاع لا أعلم فيه دليلا سوى ما يتوهم من لفظ اليأس أنه يقتضي ذلك ولا شك أن اليأس من مقولة الإدراك فإنه ليس إلا اعتقاد أن الشيء لا يقع أبدا أما إنه يستدعي كون ذلك الإعتقاد علما حتى لا يتصور وجود خلاف متعلقة فلا ولذا قد يتحقق اليأس من الشيء ثم يوجد وكثيرا ما يقال في الوقائع كنت أيست من كذا ثم وجدته فإنما يستدعي سببا له وكونه بأن ينعدم الحيض ويمتد وينتفي مخايل وجوده في باقي العمر لكبر السن كاف فيه وعلى هذا إذا رأته بعد الإياس لا ينتقض ما مضى ولا يفسد النكاح المباشر عن اعتداد بالأشهر لوقوعه معتبرا لوجود شرطه ويبقى النظر بعد ذلك في أنه هل ينتقض فيما يستقبل فلا تعتد إلا بالحيض فيكون هذا ما صححه في مجموع النوازل أو لا ينتقض فيما يستقبل أيضا كقول الصفار وغيره وهو يبني على النظر فيما يترجح في هذا المرئي بعد الإياس أهو حيض أم دم فاسد ولا تعلق له بالقضاء وبالإياس وعدمه إذ القضاء لا يرفع وجود المحسوسات في المستقبل والوجه يقتضي الإختلاف في المستقبل فلا ينتقض ما مضى لوجود الشرط وهو الإياس لوجود سببه وهو الإنقطاع في سنه وهو الذي يغلب فيه ارتفاع الحيض وهو الخمس والخمسون وعدم مخايل كونه امتدادا للطهر ولا يجوز في المستقبل إلا الحيض لتحقق الدم المعتاد خارجا من الفرج على غير وجه الفساد بل على الوجه المعتاد وقد علمت أن الإياس لا ينافيه فإذا تحقق حكمه وإذا تحقق الحيض تحقق حكمه والله سبحانه وتعالى أعلم وأما كون العجز المستدام شرطا في الشيخ الفاني فلا يستلزم مثله في الإياس إذ لا ملازمة بينهما تثبت شرعا والمسألة نصية لا قياسية نص تعالى على تعليق الاعتداد بالأشهر عند الإياس وقد وجد فثبت الإعتداد بها بالنص ثم زال الإياس فثبت الاعتداد بالإقراء بالنص
قوله ولو حاضت حيضتين ثم آيست بأن بلغت سن الإياس عند الحيضتين وانقطع أو انقطع عندهما في سن لم تحض فيه أمها وأخواتها على ما ذكر الفقيه وقوله تحرزا عن الجمع بين البدل والمبدل هذا التعليل هو المفيد لكون المراد من قوله تعتد بالشهور أنها تستأنف العدة بالشهور وأورد عليه أن المتوضيء إذا سبقه الحدث في الصلاة ولا ماء يتيمم ويبني وكذا لو صلى أول صلاته
____________________
(4/319)
بركوع وسجود ثم عجز جاز له البناء بالإيماء وهما بدلان أجيب بالمنع فليس الصلاة بالتيمم بدلا منها أو وضوء بل التراب خلف عن الماء والطهارة به خلف عن الماء والجمع أن يجمع بين التراب والماء في رفع حدث واحد وليست هذه كذلك بل رفع الحدث الأول بالماء ورفع الثاني بالتراب ولا الإيماء خلف عن الأركان لأنه موجود فيها وزيادة ولكن سقط عنه بعض مالا يقدر عليه للتعذر وبقي البعض على حاله وبعض الشيء لا يكون خلفا عن الكل لوجوده فيستلزم كونه خلفا عن نفسه فإنما تكون الخلفية بشيء آخر
قوله والمنكوحة نكاحا فاسدا وهي المنكوحة بغير شهود ونكاح امرأة الغير ولا علم للزوج الثاني بأنها متزوجة فإن كان يعلم لا تجب العدة بالدخول حتى لا يحرم على الزوج وطؤها لأنه زنا وإذا زنى بامرأة حل لزوجها وطؤها وبه يفتي كذا في الذخيرة ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل الفاسد عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما والموطوءة بشبهة كالتي زفت إلى غير زوجها والموجودة ليلا على فراشه إذا ادعى الإشتباه
قوله عدتهما الحيض في الفرقة الكائنة بتفريق القاضي أو عزم الواطيء على ترك وطئها
والموت أي موت الواطيء وذلك لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } ومطلق اسم الزوج إنما يقع على المتزوج بنكاح صحيح فالعدة في حقهما للتعريف لا لإظهار خطر النكاح بإظهار التأسف على زواله غير أن الفاسد ملحق بالصحيح فتعرف البراءة فيه يجب أن يكون على الوجه الذي هو ثابت في الصحيح فلذا وجبت ثلاث حيض ولم يكتف بواحدة كما في الإستبراء وإنما وجبت في الصحيح ثلاثا لأن المقصود فيه التعرف على وجه الإحتياط وحيض الحامل مما يجوز لأنه مجتهد فيه فلا يقوى بظن الفراغ بمرة لجواز كونه حيضا مع الحمل عند من يقول به أو استحاضة معه عندنا وغاية الأمر أنه مخالف للعادة بخلاف ما إذا تكرر في الأشهر فإنه يضعف تجويز الحمل معه لضعف تجويز مخالفة العادة كثيرا
____________________
(4/320)
بالحيض أو الإستحاضة مع الحمل بالنسبة إلى مخالفتها قليلا وهو ثبوت الحمل مع الدم مرة بخلاف الإستبراء فإن التعرف مقصود فيه لا على هذا الوجه فإنه لم يتمحص له ألا ترى أنه يجب بإستحداث الملك من المرأة فعرفنا بذلك أن فيه شائبة التعبد
قوله وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض فإن لم تحض فثلاثة أشهر يعني إذا لم تكن حاملا ولا تحت زوج ولا في عدته فإن كانت كذلك فعدتها بوضع الحمل في الأول وفي الثاني والثالث لا يجب عليها عدة من المولى لعدم ظهور فراش المولى ولو مات زوجها ومولاها ولا يدري أيهما أول فإما أن يعلم أن بين موتيهما أقل من شهرين وخمسة أيام كائنا ما كان ذلك من يوم إلى شهرين وأربعة أيام أو يعلم أنه شهران وخمسة أيام فصاعدا أو لا يعلم كم بينهما ففي الأول تعتد بأربعة أشهر وعشر لأنه إن كان موت المولى أولا فلا عدة منه لأنها ذات بعل ثم موت الزوج بعده وهي حرة موجب لأربعة أشهر وعشر وإن كان موت الزوج أولا لزمها شهران وخمسة أيام ثم موت المولى قبل عام عدتها موجب للعتق غير موجب للعدة لأنها معتدة ولا لتغيرها لأنها تختص بفرقة الرجعي فتيقنا بعدم وجوب العدة من جهة المولى ودارت في الزوج بين كونها أربعة أشهر وعشرا وشهرين وخمسة أيام فوجب الإحتياط فلزمها أربعة أشهر وعشر وفي الثاني يجب أن تعتد بأبعد الأجلين يعني تجمع بين أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض لأن السيد إن كان مات أولا ثم مات الزوج فعليها أربعة أشهر وعشر لما قلنا وإن كان الزوج مات أولا فعدتها شهران وخمسة أيام ثم موت السيد بعدها يوجب عليها ثلاث حيض لأنه بعد انقضاء عدة الزوج فعلى تقدير عدتها أربعة أشهر وعشر وعلى تقدير عدتها شهران وخمسة أيام وثلاث حيض فلما لم يعلم الواقع كان الإحتياط بأن تعتد بأكثر ما يلزمها وفي الثالث كذلك عندهما لإحتمال كون الواقع على الوجه الذي ذكرناه وعند أبي حنيفة تعتد بأربعة أشهر وعشر فقط لإحتمال أن الزوج هو المتأخر ولا يعتبر فيها الحيض لأن سبب وجوب العدة للمولى وهو ظهور فراشه لم يوجد والإحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب لأنه العمل بأقوى الدليلين ولا يخفى أنه مشترك الإلزام
قوله وقال الشافعي حيضة واحدة وهو قول مالك وأحمد وقولهم قول ابن عمر وعائشة وعن سعيد بن المسيب وابن جبير وابن سيرين ومجاهد والزهري والأوزاعي وإسحاق أنها تعتد بأربعة أشهر وقولنا قول عمر وعلي وابن مسعود وعطاء والنخعي والثوري وعند الظاهرية لا استبراء عن أم الولد وتتزوج إن شاءت إذا لم تكن حاملا وهذا بناء على عدم اعتبارهم القياس الجلي وهو المسمى عندنا بدلالة النص وعند غيرنا بمفهوم الموافقة وهذه المسألة قياسية ولا شك أنه يتحقق بموت المولى وعتقه كل من أمرين زوال ملك اليمين وزوال الفراش فقاسوا على الأول هكذا تربص
____________________
(4/321)
يجب بزوال ملك اليمين فيقدر بحيضة كالإستبراء وقلنا تربص يجب بزوال الفراش فيقدر بثلاث حيض كالتربص في الطلاق وهذا أرجح لأن العدة مما يحتاط في إثباتها فالقياس الموجب للأكثر واجب الإعتبار على أن التحقيق أنه لا معارضة بينهما في إيجاب الزائد على الحيضة وذلك لأن نفي وجوب الزائد على الحيضة ليس مقتضى قياس الإستبراء بل مقتضى القياس ليس إلا تعدية حكم الأصل وهو وجوب التربص حيضة فقط وعدم وجوب الزائد بالعدم الأصلي لا أنه مقتضاه فإن أثر العلة فيه وفي كل قياس إنما هو تعدية حكم الأصل لا في غيره بنفي ولا إثبات ثم لا يجب ذلك الغير لعدم الدليل المقتضى لوجوبه فإذا علمت هذا فإيجاب الزائد على الحيضة يقتضيه القياس الذي عيناه ولا يقتضي نفيه ما عينوه فيسلم إيجابه عن المعارض وعلى هذا التحقيق فالمعارضة إنما تثبت بين كل قياسين إذا لم يكن موجب أحدهما بعض موجب الآخر وحينئذ يثبت بطريق اللزوم لما قلناه من أنه ليس من مقتضى العلة التعرض لغير حكم الأصل بنفي ولا إثبات فإذا كان في الفرع جامعان بلا مانع أحدهما يقتضي فيه حكما وجوديا والآخر غيره بالكلية فإنه يلزم من إعتبار أحدهما ثبوت حكمه ويلزم من ذلك انتفاء حكم الآخر اللهم إلا أن يقال يجوز القياس والتعليل لنفي حكم فإن النفي حينئذ مقتضاه وفيه كلام في الأصول ومن اختاره شرط كون العلة أمرا عدميا والمحققون على نفيه لأن العدم لا يؤثر شيئا وما وقع في الفقه بما ظاهره التعليل به كقول محمد في عدم الخمس في موضع لأنه لم يوجف عليه المسلمون ونحوه فإنما حقيقته بناء الحكم على العدم الأصلي بناء على أنه لم يعلم من الشرع ما اعتبر منوطا به الخمس إلا ذلك وهو منتف في تلك الصورة فينتفي الخمس أي يبقى على عدمه الأصلي لا أنه إلحاق بجامع مؤثر بخلاف ما إذا كان موجب أحدهما بعض موجب الآخر كما نحن فيه فإن الجامعين متظافران على إثبات ذلك البعض وينفرد أحدهما بإثبات أمر آخر ليس نفيه مقتضى الآخر
قوله وإمامنا فيه عمر رضي الله عنه وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إن عمرو بن العاص أمر أم الولد إذا عتقت أن تعتد ثلاث حيض وكتب إلى عمر فكتب بحسن رأيه فأما أنه قال في الوفاة كذلك فالله أعلم وليس يلزم من القول بثلاث حيض في العتق من شخص قوله به في الوفاة ألا يرى إلى ما ذكرناه عن عمرو بن العاص أنه قال بها في العتق وروى ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن قبيصة عن عمرو بن العاص قال لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر لكن قال الدار قطني وقبيصة لم يسمع من عمرو فهو منقطع وهو عندنا غير ضائر إذا كان قبيصة ثقة وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحرث عن علي وعبد الله قالا ثلاث حيض إذا مات عنها يعني أم الولد وأخرجه عن إبراهيم النخعي وابن سيرين والحسن البصري وعطاء فعلى هذا تعارض النقل عن ابن سيرين والحرث ضعيف إلا أن غالب نقل المذاهب فلما يخلو عن مثله والمتحقق أنها مختلفة بين السلف
____________________
(4/322)
وهو راجع إلى اختلاف الرأي وقد بينا ترجيح ما يوافق رأينا
قوله وإذا مات الصبي عن امرأته وبها حبل احتراز عما إذا مات وظهر بها حبل بعد موته فإنها تعتد بالشهور اتفاقا ثم معرف ذلك أن تضع لأقل من ستة أشهر من موته في الأصح فإذا وضعته كذلك انقضت عدتها عن أبي حنيفة ومحمد وإن وضعته لستة أشهر من موته فأكثر لم يكن محكوما بقيامه عند موته بل بحدوثه بعده فلا يكون تقدير العدة بالوضع عندهما بل بأربعة أشهر وعشر اتفاقا وقيل المحكوم بحدوثه أن تلده لأكثر من سنتين من موته وفيما دون ذلك يكون الإنقضاء بالوضع وليس بشيء لأن التقدير للحدوث بأكثر من سنتين أو بسنتين كوامل ليس إلا للإحتياط في ثبوت النسب ولا يمكن ثبوته في الصبي فلا حاجة إلى تأخير الحكم بالحدوث إلى السنتين
قوله وقال أبو يوسف عدتها أربعة أشهر وعشر وهذه رواية عن أبي يوسف إذ لم يحك في الظاهر خلاف ولم يذكر محمد ولا جامع كلامه الحاكم وقول فخر الإسلام وهذا يعني الإعتداد بوضع الحمل استحسان من علمائنا يدل عليه فإنما هي رواية عنه وكذا قال شمس الأئمة وعن أبي يوسف أن عدتها بالشهور وهو القياس وهو قول زفر انتهى وإذا قال أبو يوسف في المطلقة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين تعتد بوضعه مع أنه منفي النسب ومحكوم بحدوثه فكيف يقول في المحكوم بقيامه عند الفرقة لا تعتد بوضعه فإنما هي رواية شاذة وهو قول مالك وأحمد وهي رواية عن أبي حنيفة ثم يجيب كون ذلك الصغير غير مراهق أما المراهق فيجب أن يثبت النسب منه إلا إذا لم يمكن بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر من العقد وعلى هذا الخلاف إذا طلق الكبير امرأته فأتت بولد غير سقط لأقل من ستة أشهر من وقت العقد بأن تزوجها حاملا من الزنا ولا يعلم الحال ثم وضعته كذلك بعد الطلاق تعتد بالوضع عندهما وعندهم لا إعتبار به وإنما قلنا ولا يعلم لصحة كونه على هذا الخلاف لأنه لو علم لم يصح العقد عند أبي يوسف لأنه يمنع العقد على الحامل من الزنا بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه وإن لم يصححه لكن يجب من الوطء فيه العدة لأنه شبهة فيقع الخلاف في أنها بالوضع أو بالأشهر وحاصل متمسكهم القياس على الحادث بعد موت الصغير هكذا حمل منفي النسب فلا تعتد بوضعه كالحمل الحادث بعد موت الصغير
ولهما إطلاق قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } من غير فصل بين كونه منه أو من غيره
ولأنها أي عدة الوفاة في حق الحامل وقت
____________________
(4/323)
الموت
مقدرة بوضع الحمل في أولات الأحمال لا لتعرف فراغ الرحم لشرعها أي لشرع عدة الوفاة
بالأشهر مع وجود الإقراء لكن لقضاء حق النكاح وهذا المعنى وهو قضاء حق النكاح
يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه كما يتحقق في الكبير والنسب منه وتلخيص هذا الوجه أنه قياس زوجة الصغير الحامل وقت موته بغير ثابت النسب على زوجة الكبير الحامل وقت موته بثابت النسب في حكم هو الإعتداد بوضع الحمل بجامع أنه لقضاء حق النكاح إظهارا لخطره متعرضا فيه لإلغاء الفارق وهو وصف ثبوت نسب الحمل وعدمه ودليل الإلغاء شرع الأشهر مع تحقق الإقراء وبه يظهر فساد ما ذكروه من صورة القياس فإن حقيقته ليس إلا نفي الحكم لنفي العلة المساوية وهي ثبوت نسب الحمل فإنه المعتبر علة مساوية للإعتداد بالوضع وهو منتف في الخلافية فينتفى الإعتداد بوضع الحمل كما انتفى في الحامل بحادث بعد موت الصبي ونحن منعنا عليته فضلا عن مساواته لكن لا يخفى أن كون الإعتداد بالوضع ليس إلا لقضاء حق النكاح ممنوع بل لذلك وليثبت الفراغ ليتمكن من النكاح وقدمنا أن شرعيته لكل من الأمرين فقد ينفرد أحدهما وقد يجتمعان فالأولى عدم التعرض للنفي ويكفي كون العدة مطلقا للقضاء فإنه إذا ثبت أمر للأعم ثبت لكل خصوصياته فثبت كونها بوضع الحمل للنفي أيضا وأعلم أن قول أبي حنيفة ومحمد في المسألة التي استبعدنا بها قول أبي يوسف أعني المطلقة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين أن عدتها تنقضي من ستة أشهر تلي الوضع فيرجع بنفقتها إن كانت تعجلتها إضافة للحادث وهو الحمل إلى أقرب زمانه
قوله بخلاف الحمل الحادث شرع يفرق بين ما قاسوا عليه في الصورة وبين محل الخلاف
____________________
(4/324)
والحاصل أنه تعالى إنما شرع العدة بوضع الحمل إذا كان الحمل ثابتا حال الموت وإن كان لفظ الآية مطلقا يخص بالعقل للعلم بأن حال الموت حال زوال النكاح وعنده يتم السبب الموجب للعدة فلا بد من أن تثبت ا لعدة إذ ذاك والفرض أن لا حمل حينئذ ليثبت بالوضع فكان اعتبار قيام الحمل عند الموت وعدمه للإعتداد بالوضع أو بالأشهر من ضروريات العقل بعد العلم بما ذكرناه فعند عدمه والفرض أن العدة تثبت لا يتوقف فإنما تثبت بالأشهر وبهذا لزم أن مراد الآية بأولات الأحمال الأحمال حالة الفرقة
قوله ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث بها حبل بعد موته بأن جاءت بولد لأقل من سنتين مع حدوثه في نفس الأمر حيث تعتد بالوضع لا بالأشهر مع فرض حدوثه في نفس الأمر وأجاب بمنع الحكم بحدوثه فإنه محكوم بثبوت نسبه شرعا وذلك يستلزم الحكم بقيامه عند الموت والأصل التوافق بين الحكمي والواقع إلا أن يتحقق خلافه فوجب كونه قائما عند الموت حقيقة وحكما حتى لو ولدته بعد الحولين حتى يتيقن بحدوثه كان الحكم أن تعتد بالأشهر وعند التأمل لا معنى للإيراد المجاب عنه بما ذكر أصلا
قوله ولا يثبت نسب الولد في الوجهين أي في الحادث بعد الموت وغيره لأن الصبي لا ماء له فلا يتصور منه العلوق وقوله والنكاح يقوم مقامه أي مقام العلوق في موضع التصور لأن الشيء إنما يقدر تقديرا إذا أمكن تصوره تحقيقا
قوله وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم يحتسب بالحيضة التي وقع فيها الطلاق لأن العدة ثلاث حيض كوامل لأنه مسمى الإسم في ثلاثة قروء وقوله عليه الصلاة والسلام وعدتها حيضتان
قوله وإذا وطئت المعتدة بشبهة من أجنبي أو من الزوج ووافق الشافعي في أحد قوليه فيما إذا كان الواطيء المطلق
____________________
(4/325)
والوطء بشبهة يتحقق بصور منها التي زفت إلى غير زوجها والموطوءة للزوج بعد الثلاث في العدة بنكاح قبل نكاح زوج آخر أو في العدة إذا قال ظننت أنها تحل لي والتي طلقها بالكناية ثم وطئها في العدة أو كانت في عدة فوطئها آخر بشبهة أو في عصمة فوطئها آخر بشبهة ثم طلقها الزوج ففي هذه تجب عدتان ويتداخلان وهو قول مالك وعدمه قول الشافعي وأحمد رحمهم الله وما في الغاية من أن الشبهة في المطلقة الطلاق الثلاث في الفعل والشبهة في الفعل لا يثبت النسب بالوطء وإن قال ظننت أنها تحل لي وإذا لم يثبت النسب لا تجب العدة سيأتي دفعه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى ثم معنى التداخل جعل المرئي عنهما حتى لو كانت وطئت بعد حيضة من العدة الأولى فعليها حيضتان تمامها وتحتسب بهما من عدة الثاني وللآخر أن يخطبها إذا انقضت عدتها من الأول لأنها في عدته ولا يخطبها غيره فإن كان الأول طلقها رجعيا فله أن يراجعها إذا شاء ثم لا يقربها حتى تنقضي عدتها من الآخر وإن طلقها بائنا فليس له أن يخطبها بعد وجوب العدة عليها من الثاني حتى تنقضي عدتها منه وكذا إن كانت العدتان بالشهور قالوا والخلاف مبني على أن ركن العدة ما ذا فعند الشافعي كف النفس عن الحرمات في مدة معينة فإذا وجب كف عنها في مدة بسبب وكف عنها كذلك بسبب آخر لا يتداخلان لأن هذا الكف عبادة والعبادات لا تتداخل إنما التداخل لائق بالعقوبات ألا ترى أن من وجب عليه الكف عن الشهوتين في يوم بسبب ثم وجب مثله بسبب آخر لا يخرج عن عهدة ذلك بصوم يوم واحد وعندنا أن الركن نفس تلك الحرمات الكائنة في تلك المدة ويمكن إجتماع حرمات في الشيء الواحد كالخروج والتزوج فيما نحن فيه في زمان واحد بأسباب مختلفة كحرمة الخمر المحلوف على عدم شربها نهارا للصائم ونحو ذلك ومعنى العبادة تابع بدليل أنها تنقضي بدون علمها ومع تركها الكف ونحن نستأنف الكلام ونقول لا شك انه يثبت عند تمام سبب العدة أمور هي حرمة الخروج وحرمة الزينة وحرمة التزوج في مدة معينة تنتهي هذه الحرمات بانتهائها ووجوب التربص في تلك المدة أيضا الثابت بقوله تعالى { والمطلقات يتربصن } مع أن هذا الوجوب لا بد أن يثبت لازما للحرمة بأدنى تأمل ومتعلق الوجوب ليس إلا فعل المكلف والتربص وإن كان الإنتظار فهو
____________________
(4/326)
من أفعال النفس فإن أردنا تعيينه لم نر أنسب به من كونه ترك تلك الحرمات إلى انقضاء المدة وترك الشيء لا يخرج عن كون كف النفس عنه أو حبسها فمن ظن المقابلة بين الكف والترك بعد عن التحقيق وحينئذ يكون حاصل يتربصن نهيا عن تلك الأمور لأنه طلب الكف عنها كما جعلوا قوله تعالى وذروا البيع نهيا عنه فالثابت تحريم هذه الأمور ومن المعلوم ان لزوم الكف لا يتعلق بالمرأة إلا عند علمها بالسبب إذ التكليف بالمقدور ولا قدرة بدون العلم فيحكم بهذه المقدمة وهي أن الحكم إنما يثبت في الحق المكلف باعتبار علمه بالسبب والمقدمة القائلة إن الحكم المقيد بمدة ينتهي بانتهائها لزم أنها إذا لم تعلم بالطلاق حتى تمت العدة خرجت عن العدة غير آثمة لأن الثابت في حقها لم يكن حكم الخطاب بل غايته أصل الوجوب الثابت بالسبب ولا طلب في أصل الوجوب على ما عرف أو علمت ثم لم تكف أي لم تتربص عن الخروج والنكاح حتى انتهت إلى حد الزنا إلى أن تمت المدة خرجت عن العدة آثمة فلا يكون انقضاؤها بلا علمها ومع تركها الكف دليلا على أن معنى العبادة تابع كما قال المصنف بل الدليل على ذلك تحققها في حق من لا تصح العبادة منه ولا تجب عليه كالمجنونة والصغيرة فعلم أن تحقق العدة في الشرع بالأصالة إنما هو لتعرف فراغ الرحم ولإظهار خطر النكاح والبضع فقد يجتمعان كما في ذات الأقراء وقد لا كما في الآيسة والصغيرة ومعنى العبادة تابع وهو كف القادرة المختارة نفسها عن متعلقات تلك الحرمات ولا شك أن العدة تطلق على كل من تلك الأمور أما على التربص ففي قولنا وجبت العدة ونحوه
____________________
(4/327)
وأما على نفس المدة ففي نحو قولنا انقضت العدة وما سنذكر أيضا وأما على نفس الحرمات فبفرض دعوانا أنها الركن لكن الشأن في بيان أن مسمى لفظ العدة في الشرع ماذا فالذي يفيده حقيقة نظم كتاب الله تعالى وهو قوله عز وجل فعدتهن ثلاثة أشهر أنه نفس المدة الخاصة التي تعلقت الحرمات فيها وتقيدت بها لا الحرمات الثابتة فيها ولا وجوب الكف ولا التربص وقوله تعالى { يتربصن } إنما يفيد لزوم التربص لا أنه مسمى لفظ العدة وقد قلنا إن كلا من الأمور ثابت عند تمام السبب والكلام الآن ليس فيه وأما قوله تعالى { أجلهن أن يضعن حملهن } حتى يبلغ الكتاب أجله فإذا بلغن أجلهن فالأجل هو ما كان من المدة لتأخير ما ثبت عند مضيه كالمطالبة في الدين ثم الثابت بمضي هذا الأجل حل النكاح والخروج فيكون الثابت قبله حرمتهما ولا دليل فيه أيضا إلا على مجرد الثبوت وهو لا يستلزم كونه الركن كما قلنا في التربص وأما وصف العدة بالوجوب في قولنا العدة واجبة ووجبت فإنما يقتضي أن المراد بها فعل كالتربص والكف وهو لا يستلزم كونه المفهوم الحقيقي إلا ظاهرا وذلك لو لم يعارضه النظم القرآني فتلخص أنه يجب كون مسمى العدة المدة الخاصة التي تعلقت فيها الحرمات عند الكل وحينئذ نقول لا يلزم بناء الخلاف في تداخل العدتين على كون ركن العدة الكف أو الحرمات بل يصح ثبوته مع الإتفاق على أنها المدة حقيقة وذلك لأن العدة حينئذ تعلقت فيها حرمات يجب لها كف النفس عن متعلقاتها فتداخل العدتين يستلزم تداخل تلك العبادات الواجبة فيها لا أن تداخلها واللازم متحد حينئذ وهو امتناع تداخل العبادات سواء جاء لازما لتداخل العدة أو كان عين تداخلها فلذا والله أعلم اقتصر المصنف عن كون المبني ما هو والدفع على هذا التقدير أن الكف الواجب لم يجب تحققه على وجه العبادة بل مطلقا إذ لا دليل يوجب كونه وجب إيجاده على ذلك الوجه بل الدليل قام على عدمه للإتفاق على أن البالغة العاقلة لو وقع الكف منها بغير نية بل اتفاقا أو لغرض مباح حتى انقضت المدة لم يحكم بكونها آثمة مع أنه لم تتحقق العبادة لعدم نية الإحتساب لله تعالى فعلم أنه لم يجب على أنه عبادة نعم هو له عرضية أن يصير عبادة فإن البالغة العاقلة إذا كفت نفسها عن الخروج وغيره مع فروغ النفس لذلك احتسابا لله وقصدا لطاعته وقع ذلك عبادة لله تعالى لا أنه يجب إيقاعه كذلك لما ذكرنا
قوله والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه من الحيض فيها
____________________
(4/328)
فلو لم تر دما يجب أن تعتد بعد الأشهر بثلاث حيض
قوله وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق لأن سبب وجوب العدة الطلاق تساهل فقد قدموا أن سببها النكاح والطلاق شرط وأن الإضافة في قولنا عدة الطلاق إلى الشرط فالأولى أن يقال لأن عند الطلاق والموت يتم السبب فيستعقبها من غير فصل فيكون مبدأ العدة من غير فصل بالضرروة
قوله ومشايخنا يفتون في الطلاق أن ابتداءها من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة بأن يتواضعا على الطلاق وانقضاء العدة ليصح إقرار المريض لها بالدين أو يتواضعا عليه ليتزوج أختها أو أربعا سواها وإذا كان مخالفة هذا الحكم وهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين لهذه التهمة فينبغي أن يتحرى به محل التهمة والناس الذين هم مظانها ولذا فصل السغدي حيث قال ما ذكر محمد يعني من أن ابتداء العدة من وقت الطلاق محمول على ما إذا كانا منفرين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر فلا يصدقان في الإسناد قال محمد وعلى هذا إذا فارقها زمانا ثم قال لها كنت طلقتك منذ كذا وهي لا تعلم بذلك يصدق وتعتبر عدتها من ذلك الوقت ثم لا يجب عليه نفقة ولا سكنى لإعترافها بالسقوط وعلى قول هؤلاء ينبغي أن لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها وعرف أن تقييده بالإقرار يفيد أن الطلاق المتقدم إذا ثبت بالبينة ينبغي أن تعتبر العدة من وقت قامت لعدم التهمة لأن ثبوتها بالبينة لا بالإقرار وأن سقوط النفقة والسكنى على قول هؤلاء إنما هو إذا صدقته أما إذا كذبته في الإسناد فلا وكذا إذا قالت لا أدري فالحكم في الفصول الثلاثة على قول المشايخ أن العدة من وقت الإقرار ولا يصدق في الإسناد ثم المراد من قوله ومشايخنا مشايخ بخاري وسمرقند واقتصار النهاية والدراية على قوله من مشايخ بلخ غير جيد ثم فيه ترك لشرح الكتاب فإن كان غائبا فأتاها موته أو طلاقه لمدة تنقضي بها العدة فلا عدة وإذا شكت في العدة اعتدت من الوقت الذي تستيقن فيه بموته ولو جعل أمر امرأته بيدها إن ضربها فطلقت نفسها فأنكر الزوج الضرب فأقامت البينة عليه وقضى القاضي بالفرقة فالعدة من وقت القضاء أو من وقت الضرب ينبغي أن تكون من وقت الضرب ولو طلقها
____________________
(4/329)
وأنكر فأقيمت البينة فقضى بالطلاق فالعدة من وقت الطلاق لا القضاء
قوله أو عزم الواطيء بأن أخبرها أنه ترك الوطء فإن الإخبار أمر ظاهر فيدار الحكم عليه أما آخر الوطآت لا يعلم لأحتمال وجود آخر بعده وفي الخلاصة والنصاب المتاركة في النكاح الفاسد بعد الدخول لا تكون إلا بالقول كقوله تركتك وما يقوم مقامه كتركتها وخليت سبيلها إما عدم المجيء فلا إذا الغيبة لا تكون متاركة لأنه لو عاد يعود ولو أنكر نكاحها لا يكون متاركة
قوله ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة لإستناد الكل أي كل الوطآت
إلى حكم عقد واحد وهو شبهة النكاح الصحيح ولهذا أي لإعتبار الكل واحدا يكتفي بمهر واحد فلو لم يعتبر ذلك تعددت المهور بتعدد الوطء لما عرف فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت كل الوطآت لجواز غيره فلا تثبت العدة لكن حقيقة كلام زفر أنها إذا حاضت بعد الوطء أي وطء كان قبل التفريق ثلاث حيض انقضت عدتها وحلت للأزواج فإذا تزوجت ظهر أن ذلك كان آخر الوطآت وإن كان وطئها بعد ذلك عاد هذا التقدير فنقول إن تركها حتى حاضت ثلاث الخ ولو حاضت حيضة بعد وطئه ثم قال عزمت على تركه احتسب بتلك الحيضة عنده من العدة فتتزوج بعد حيضتين أخريين وعندنا لا تحتسب بها ولأن التمكن من الوطء
على وجه الشبهة بسبب ذلك
____________________
(4/330)
العقد
أقيم مقام حقيقة الوطء لخفاء الوطء ومسيس الحاجة إلى معرفة الحكم في حق غيره أي في غير الواطيء وهو حلها للأزواج والخفي لا يعرف الحكم وإذا أقيم مقام حقيقة الوطء لا تثبت العدة ما دام التمكن على وجه الشبهة قائما ولا ينقطع التمكن كذلك إلا بالتفريق أو المتاركة صريحا فلا تثبت العدة إلا عندهما واختار أبو القاسم الصفار قول زفر ومقتضى ما قدمنا في باب المهر من قول طائفة من المشايخ وهو الوجه أنها لو تزوجت عالمة بأنها حاضت ثلاث حيض بعد وطئه كان صحيحا فيما بينه وبين الله تعالى إنما اشتراط كونها بعد الترك في القضاء
قوله فالقول قولها مع اليمين لا بد أن يكون محل هذا ما إذا كذبها مع كون المدة تحتمل انقضاءها على الخلاف الذي قدمناه وهو شهران عنده وتسعة وثلاثون يوما عندهما لأنه إذا لم تحتمله المدة لا يقبل قولها أصلا
قوله كالمودع إذا ادعى رد الوديعة أو الهلاك وأنكر المودع فالقول قول مدعي الرد مع أن عليه اليمين إذا كذبه وعكس هذه المسألة إذا قال الزوج أخبرتني بأن عدتها قد انقضت فإن كان في مدة لا تنقضي في مثلها لا يقبل قوله ولا قولها إلا أن يبين ما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين فحينئذ يقبل قولها ولو كان في مدة تحتمله فكذبته لم تسقط نفقتها وله أن يتزوج بأختها لأنه أمر ديني يقبل قوله فيه
قوله وإذا طلق الرجل امرأته المدخول بها
طلاقا بائنا دون الثلاث ثم تزوجها في العدة وطلقها قبل الدخول فعليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال زفر نصف المهر أو المتعة إن لم يكن سمى فيه شيء وليس عليها عدة مستقبلة ولا تكمل العدة الأولى وقال محمد لها نصفه أو المتعة وعليها إتمام العدة الأولى لزفر أن العدة الأولى بطلت بالتزوج ولا تجب عدة بالطلاق الثاني ولا كمال المهر لأنه قبل الدخول ومحمد يقول كذلك غير أن إكمال العدة الأولى وجب بالطلاق الأول لكنه لم يظهر حكمه حال
____________________
(4/331)
التزويج الثاني فإذا ارتفع بالطلاق ظهر حكمه
قوله كما لو اشترى أم ولده أي زوجته التي هي أم ولده إذا كانت أمة فإنه ينفسخ النكاح بالشراء ولم تظهر العدة حتى حل وطؤها بملك اليمين ثم بالعتق تظهر غير أن هنا تجب عليها عدة أخرى لأنها أم ولد اعتقت وتداخلت العدتان فيجب عليها الإحداد إلى أن تذهب عدة النكاح وهي حيضتان من وقت الشراء لأنها عدة النكاح ولا يجب عليها فيما بقي من الحيضة الأخرى لأنها عدة أم ولد اعتقت وكذا لو طلقها طلقة بائنة ثم اشتراها ثم أعتقها ولها ولد منه أو لا ولد لها منه فإنه يجب عليها العدة بالطلاق ثم تبطل في حقه بالشراء حتى يجوز له وطؤها فإذا زال بالعتق تظهر حتى يجب عليها تمام العدة الأولى لأنه كان واجبا بالطلاق السابق وما قاله زفر فاسد لأنه يستلزم إبطال المقصود من شرعهما وهو عدم اشتباه الأنساب فإنه لو كان تزوجها قبل أن تحيض في العدة ثم طلقها من يومه حلت للأزواج من غير عدة من الطلاق وفي ذلك اشتباه النسب وفساد كبير ولهما أن الوطء قبض وهي مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى وبقي أثر هذا القبض بقيام العدة إذ هي أثره فإذا جدد النكاح والحال قيام قبضها ناب قبضها القائم مقام استحداث قبض آخر فكان بمجرد العقد قابضا كالغاصب إذا اشترى المغصوب وهو في يده بالغصب ناب ذلك القبض عن التسليم المستأنف ولا يقال وجب على هذا أن يملك الرجعة لأن الطلاق الصريح بعد الدخول يعقب الرجعة وهو منتف لأنا نقول نحن ما جعلنا النكاح الثاني قائما مقام النكاح والدخول من كل وجه بل في حق تميل المهر ووجوب استئناف العدة للإحتياط فلا يلزم منه إقامته مقامه في حق جميع الأحكام وإلا كان إقامة في حق ترك الإحتياط لأن الإحتياط في انقطاع الرجعة ألا يرى أن صريح الطلاق بعد الخلوة لا يثبتها مع أن الخلوة قائمة مقام الدخول في تكميل المهر ووجوب العدة فعلم بهذا أنه لم يلزم من إقامة النكاح مقام الدخول في ذينك الحكمين إقامته مقامه وثبوت الرجعة
____________________
(4/332)
بصريح الطلاق وهذه إحدى المسائل المبنية على هذا الأصل وهو أن الدخول في النكاح الأول دخول في الثاني أولا وثانيها لو تزوجها نكاحا فاسدا ودخل بها ففرق بينهما ثم تزوجها صحيحا وهي في العدة عن ذلك الفاسد ثم طلقها قبل الدخول يجب عليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة عندهما ولو كان على القلب بأن تزوجها صحيحا أولا ثم طلقها بعد الدخول ثم تزوجها في العدة فاسدا لا يجب عليه مهر ولا عليها استقبال العدة ويجب عليها تمام العدة الأولى بالإتفاق والفرق لهما أنه لا يتمكن من الوطء في الفاسد فلا يجعل واطئا حكما لعدم الإمكان حقيقة ولهذا لا يجعل واطئا بالخلوة في الفاسد حتى لا يجب عليها العدة بها ولا عليه المهر وثالثها لو دخل بها في الصحة وطلقها بائنا ثم تزوجها في المرض في عدتها وطلقها بائنا قبل الدخول هل يكون فارا أم لا ورابعها لو تزوجت بغير كفؤ ودخل بها ففرق القاضي بينهما بطلب الولي ثم تزوجها هذا الرجل في العدة بمهر وفرق القاضي بينهما قبل أن يدخل بها كان عليه المهر الثاني كاملا وعدة مستقبلة عندهما استحسانا وعند محمد نصف المهر الثاني وعليها إتمام العدة الأولى وخامسها تزوجها صغيرة ودخل بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة فبلغت فاختارت نفسها قبل الدخول وسادسها تزوجها صغيرة فدخل بها فبلغت فاختارت نفسها ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول وسابعها تزوجها ودخل بها ثم ارتدت ثم أسلمت فتزوجها في العدة ثم ارتدت قبل الدخول بها وثامنها تزوجها ودخل بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة ثم ارتدت قبل الدخول بها وتاسعها تزوج أمة ودخل بها ثم أعتقت فاختارت نفسها ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول وعاشرها تزوج أمة ودخل بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة فأعتقت فاختارت نفسها قبل الدخول
قوله وإذا طلق الذمي الذمية أو مات عنها
فلا عدة عليها فلو تزوجها مسلم أو ذمي في فور طلاقها جاز وهذا إذا كانت لا تجب في معتقدهم بخلاف ما إذا طلقها المسلم أو مات عنها فإن عليها العدة بالإتفاق لأنها حقه ومعتقده
قوله وكذا إذا خرجت الحربية إلينا مسلمة ليس بقيد بل المعتبر أن تصير بحيث لا تمكن من العود إما بخروجها مسلمة أو ذمية أو مستأمنة ثم أسلمت أو صارت ذمية لا عدة عليها
____________________
(4/333)
فإن تزوجت جاز إلا أن تكون حاملا وعنه لا يطؤها الزوج حتى يستبرئها بحيضة وعنه لا يتزوجها إلا بعد الإستبراء
وقالا عليها أي الحربية التي خرجت مهاجرة العدة
وعلى الذمية العدة أما الذمية فالخلاف فيها نظير الإختلاف في نكاحهم محارمهم وقد بيناه في النكاح أي الإختلاف المشبه وهو عين المتنازع فيه هنا وهو قوله في باب نكاح أهل الشرك وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز إلى آخره أو المراد كلا من الإختلافين
وأما المهاجرة فوجه قولهما أن الفرقة لمسلمة في دار الإسلام
لو وقعت بسبب آخر غير التباين في دار الإسلام كالمطاوعة والموت والطلاق
وجبت العدة فكذا بسبب التباين وإنما قيدنا بالمسلمة ليتجه خصوص هذا الدليل عليه فهو دليل يخص الخارجة مسلمة ولو لم يخص بها لم تظهر الملازمة عليه لأنه قائل بعدم العدة عن طلاق الذمي ذمية إذا كانوا يدينون ذلك
قوله بخلاف ما إذا هاجر الزوج مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم صار مسلما أو ذميا وتركها فإنه لا عدة عليها هناك إجماعا حتى جاز له أن يتزوج أختها أو أربعا سواها كما دخل دار الإسلام
لعدم تبليغ الأحكام لها في دار الحرب لا لأنها غير مخاطبة بالعدة لما قدمنا في باب نكاح أهل الشرك أنها حق الآدمي فنخاطب بها وقوله
وله قولان تعالى { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } بعد قوله تعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } والزيادة على النص لا تجوز بالظني وقوله تعالى { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } في المطلقات فإلحاق التباين بالطلاق قياسا يقيده بما بعد العدة ولا تجوز الزيادة بالقياس هذا والكتابية تحت المسلم تعتد كالمسلمة والخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد لا تجب معها العدة عند الفرقة كما لا يجب معها
____________________
(4/334)
المهر لأن التسليم لا يجوز لها فلا تقام الخلوة مقام الوطء ولا إشكال في وجوبها بالخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح وأما الخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح فإن كان يمكن الوطء مع المانع كالحيض والإحرام ونحو ذلك تجب العدة وإن لم يجب كمال المهر وإن اعترفا بعدم الدخول لأنها حق الشرع والولد فلا يصدقان في حق إبطال حق غيرهما وتقدمت هذه في باب المهر وأن هذا قول القدوري ومن تبعه ومختار غيرهم وجوب العدة في كل صور الخلوة وعدة المستحاضة كغيرها لأنها تركت إلى أيام عدتها فإن نسيت عادتها اعتدت بثلاثة أشهر وكذا التي لم تحض قط وحيث وجب الإعتداد بالأشهر فإما أن يكون الطلاق أو الموت في غرة الشهر أو في أثنائه ففي الأول يعتبر ثلاثة أشهر في الطلاق أو أربعة في الوفاة بالأهلة وفي الثاني قال أبو حنيفة تعتبر الأيام تسعين في الطلاق ومائة وعشرين في الوفاة وقال محمد تعتد بقية الشهر بالأيام ثم تعتد شهرين بالأهلة وتكمل الشهر الأول من الشهر الثالث بالأيام وعن أبي يوسف روايتان كالقولين آخرهما كقول محمد رحمه الله فصل
لما ذكر نفس وجوب العدة وكيفية وجوبها أخذ يذكر ما يجب فيها على المعتدات فإنه في المرتبة الثانية من
____________________
(4/335)
أصل وجوبها
قوله وعلى المبتوتة يعني ويجب بسبب التزوج على المبتوتة وأصله المبتوت طلاقها ترك ذلك للعلم به لكثرة الإستعمال وهي المختلعة والمطلقة ثلاثا أو واحدة بائنة ابتداء ولا نعلم خلافا في عدم وجوبه على الزوجة بسبب غير الزوج من الأقارب وهل يباح قال محمد في النوادر لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو أمها أو ابنها أو أخوها وإنما هو في الزوج خاصة قيل أراد بذلك فيما زاد على الثلاث لما في الحديث من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام والتقييد بالمبتوتات يفيد نفي وجوبه على الرجعية وينبغي أنها لو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام ولها زوج له أن يمنعها لأن الزينة حقه حتى كان له أن يضربها على تركها إذا امتنعت وهو يريدها وهذا الإحداد مباح لها لا واجب عليها وبه يفوت حقه
قوله فلقوله صلى الله عليه وسلم الخ في الصحيحين من حديث زينب بنت أبي سلمة قالت توفي حميم لأم حبيبة فدعت بصفرة فمسحته بذراعيها وقالت إنما أصنع هذا لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا والحميم القريب وقد روي بلفظ آخر ووقع فيه مفسرا هكذا لما توفي أبوها أبو سفيان وفي لفظ البخاري فيه فوق ثلاثة أيام ولا يخفى أنه لا دليل فيه على إيجاب الإحداد لأن حاصله استثناؤه من نفي الحل فيفيد ثبوت الحل ولا كلام فيه وما قيل من أن نفي حل الإحداد نفي الإحداد فاستثناؤه استثناء من نفيه وهو إثباته فيصير حاصله لا إحداد إلا من زوج فإنها تحد وذلك يقتضي الوجوب لأن الإخبار
____________________
(4/336)
يفيده على ما عرف ومن أن نفي حل الإحداد إيجاب الزينة فاستثناؤه استثناء من الإيجاب فيكون إيجابا لأن الأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه غير لازم إذ يمنع كون نفي حل الشيء الحسي نفي له عن الوجوب لغة أو شرعا ليتضمن الإستثناء الإخبار بوجوده بل نفي له عن الحل ولو سلم فوجود الشيء في الشرع لا يستلزم الوجوب لتحققه بالإباحة والندب ولا وجوب وأيضا استثناء الإحداد من إيجاب الزينة حاصلة نفي وجوب الزينة وهو معنى حل الإحداد واتحاد الجنس حاصل مع هذا فإن المستثنى والمستثنى منه الإحداد ولا يتوقف اتحاد الجنس على صفة الوجود فيهما فهو كالأول فلذا قال ظهير الدين وما فاهوا به بما فيه ثلج الفؤاد وعن هذا ذهب الشعبي والحسن البصري إلى أنه لا يجب ولكن يحل ويدل عليه ما أخرجه أبو داود في مراسيله عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها وعلى من سواه ثلاثة أيام والحق أن الإستدلال بنحو حديث حفصة في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا فإن فيه تصريحا بالإخبار ويكون الحديث المذكور للمصنف محكوما بإرادة الإخبار بوجود فعلها منه بطريق الحمل لظهر إرادته في حديث آخر ولم يخف أن الإخبار الموجب للوجوب الإخبار بصدور الفعل بالنسبة إلى المكلف لا بالنسبة إلى ثبوته شرعا مثلا إذ قال الحداد تفعله المرأة أفاد الوجوب لا إذا قال الحداد ثابت شرعا فإنه أعم ومن الأدلة فيه حديث أم عطية في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا ظهرت نبذة من قسط أو أظفار فصرح بالنهي في تفصيل معنى ترك الإحداد والنبذة بضم النون الشيء اليسير والقسط والإظفار نوعان من البخور رخص فيه في الغسل من الحيض في تطيب المحل وإزالة كراهته وحديث أم سلمة في الصحيحين أيضا قالت جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها بضم الحاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره الحفش بكسر الحاء المهملة ثم فاء ثم شين معجمة البيت الصغير قريب السقف حقير وتفتض بفاء ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة قيل أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر أو نحوه تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش ما تفتض به فهو من فض الله فاه ولا فض الله فاك وقيل الإفتضاض الإنقاء بالغسل ليصير كالفضة فهو منه والأول أحسن
قوله وقال الشافعي رحمه الله لا إحداد عليها أي على المبتوتة لأنه لإظهار التأسف وهو في الموت لصبره على صحبتها إلى الموت بخلاف ابتدائه
____________________
(4/337)
لطلاقها ثلاثا فإنه موحشها وخلعه لأنها راغبة فيه لمكان سؤالها قلنا في محل النزاع نص وهو ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال الحناء طيب ذكره السروجي حديثا واحدا وعزاه للنسائي وهكذا ولفظه نهي المعتدة عن الكحل والدهن والخضاب بالحناء وقال الحناء طيب والله أعلم به ويجوز كونه في بعض كتبه وأما جعله حديثين حديث الحناء طيب المتقدم وحديث أبي داود عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها عن أم سلمة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في عدتي من وفاة أبي سلمة لا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت فبأي شيء أمتشط يا رسول الله قال بالسدر تغلفين به رأسك فمع الطعن في إسناده لا يفيد المقصود فإنه في معتده عن وفاة ولو سلم ثبت المطلوب بالقياس على عدة المتوفى عنها بجامع إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح وبتقدير تسليم أن ما عينه الشافعي مناسب معتبر في محل النص وهو المتوفى عنها زوجها لكنه ليس هو المناسب المعتبر على الحصر بل في المحل أيضا إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح التي هي من أسباب النجاة في المعاد والدنيا فإنه ضابط للحكمة المقصودة لفوات الزوج وكون الزينة والطيب من مهيجات شهوة الجماع وهي ممنوعة عن النكاح شرعا في هذه المدة فتمتنع دواعيه دفعا لما يدافع عن أداء الواجب وقد ذكر المصنف هذا المعنى أيضا عند قوله وفيه وجهان إلى آخره لكن ظاهره أنه ذكر على أنه علة أخرى والتحقيق أنه حكمة لأن المنضبط فوات ما قلناه بخلاف ما هو دواعيه وكل من الأمرين يستقل بالحكم فإذا وجد في محل ثبت معه ذلك الحكم ففي المبتوتة إن فقد التأسف على الزوج فالآخر وهو إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح موجود ولو تم ما ذكر من إظهار التأسف مطلقا ليس علة لأنه ممنوع بقوله تعالى { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } فلا يكون الإحداد في المتوفى عنها منوط به لزم كون وجوبه تبعا للعدة بالنص أو معلولا بالآخر فقط لكن منع بأن المارد بقوله تعالى { لكي لا تأسوا }
____________________
(4/338)
الآية الأسى مع الصياح والفرح مع الصياح نقل عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا
قوله والحداد ويقال الإحداد فمن الأول يقال حدت المرأة تحد من باب نصر ومن باب ضرب أيضا حداد فهي حاد ومن الثاني يقال أحدت تحد إحدادا فهي محد
قوله أن تترك الطيب ولا تحضر عمله ولا تتجر فيه وإن لم يكن لها كسب إلا فيه قوله وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم
قوله والدهن لا يعرى عن نوع طيب إما في ذاته أو في المدهن به لما فيه من طيب نفسه به وزينته وقد وقع للزيغلي مخرج الأحاديث هنا وهم وذلك أنه جعل لفظة الدهن عطفا على الإكتحال فقال عن المصنف أنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن للمعتدة في الإكتحال والدهن فخرج حديث منعه الإكتحال ثم قال وأما الدهن فقريب وهو سهو فإن الدهن مبتدأ خبره قوله لا يعرى عن نوع طيب فألحقه إلحاقا
قوله قال إلا من عذر لأن فيه ضرورة هذا مذهب جمهور الأئمة وذهبت الظاهرية إلى
____________________
(4/339)
أنها لا تكتحل ولو من وجع وعذر لما تقدم من الحديث الصحيح نهى نهيا مؤكدا عن الكحل التي اشتكت عينها والجمهور حملوه على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وكذا قال المصنف فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها ذلك بشهادة الكتاب والسنة على ذلك من حيث العمومات وقد جاء في حديث أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها فتكتحل بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحل منه إلا من أمر لا بد منه يشتد عليك فتكتحلي بالليل وتمسحيه بالنهار ثم قالت عند ذلك دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هي صبر يا رسول الله فقال إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وانزعيه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب الحديث رواه أحمد وغيره لكن أمها مجهولة وتمتشط بأسنان المشط الواسعة لا الضيقة ذكره في المبسوط وأطلقه الأئمة الثلاثة وقد ورد في الحديث مطلقا وكونه بالضيقة يحصل معنى الزينة وهي ممنوعة وبالواسعة يحصل دفع الضرر ممنوع بل قد تحتاج لإخراج الهوام إلى الضيقة نعم كل ما أرادت به معنى الزينة لم يحل وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة واختلفوا في غير المطيبة كالزيت والشيرج البحتين والسمن فمنعناه نحن والشافعي إلا لضرورة لحصول الزينة به وأجازه الإمامان والظاهرية
قوله لعذر كالحكة والقمل والمرض وقال مالك يباح لها الحرير الأسود والحلي والمعنى المعقول من النص في منع المصبوغ ينفيه وقد صرح بمنع الحلي في الحديث على ما سنذكره ولم يستثن من المصبوغ في الحديث السابق إلا العصب فشمل منع الأسود
قوله لأنه يفوح الخ يفيد أنه إذا كان خلقا لا رائحة له يجوز وفي الكافي قال إذا لم يكن لها ثوب إلا المصبوغ فإنه لا بأس به لضرورة ستر العورة لكن لا تقصد الزينة وينبغي تقييده بقدر ما تستحدث ثوبا غيره إما ببيعه والإستخلاف بثمنه أو من مالها إن كان لها وروى مالك وأبو داود والنسائي عن أم سلمة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل هذا لفظ أبي داود والمشق المغرة ولا تلبس العصب عندنا وأجاز الشافعي رقيقه وغليظه ومنع مالك رقيقه دون غليظه واختلف الحنابلة فيه وفي تفسيره في الصحاح العصب ضرب من برود اليمن ينسج أبيض ثم يصبغ بعد ذلك وفي المغني الصحيح أنه نبت يصبغ به الثياب وفسرت في الحديث بأنها ثياب من اليمن فيها بياض وسواد ويباح لها لبس الأسود عند الأئمة الأربعة وجعله الظاهرية كالأحمر والأخضر
قوله ولا حداد على كافرة لا حداد عندنا على كافرة ولا صغيرة ولا مجنونة خلافا للشافعي ومالك لأنه يجب لموت الزوج
____________________
(4/340)
فيعم النساء كالعدة قلنا يجب ا لحداد عند موت الزوج حقا من حقوق الشرع ولهذا لو أمرها لزوج بتركه لا يجوز لها تركه فلا يخاطب هؤلاء به ولذا شرط الإيمان فيه حيث قال صلى الله عليه وسلم لا يحل لإمرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر الحديث قولهم كما تعم العدة عليهن قلنا العدة قد تقال على كف النفس عن الحرمات الخاصة وعلى نفس الحرمات وعلى مضي المدة على ما أسلفناه بتحقيقه والعدة اللازمة لهن بكل من المفهومين الآخرين على معنى أن عند البينونة بالموت والطلاق يثبت شرعا عدم صحة نكاحهن إلى إنقضاء مدة معينة فإذا باشره ولي الصغيرة والمجنونة قبلها لا يصح شرعا ولا خطاب للعباد فيه تكليفي بل هو من ربط المسببات بالأسباب بخلاف منعها عن اللبس والطيب فإنه فعلها الحسي محكوم بحرمته فلا بد فيه من خطاب التكليف بخلاف الأول فإنه محكوم بعدم صحته ولا يتوقف على خطاب التكليف فلو اكتحلن أو لبسن المزعفر أو اختضبن لا يأثمن لعدم التكليف به نعم قد ثبت على الكافرة في العدة خطاب عدم التزويج لحق الزوج فإن في العدة بهذا المعنى جهتين
قوله وعلى الأمة الحداد يعني إذا كانت منكوحة في الوفاة والطلاق البائن وكذا المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة لثبوت العلة الموجبة لأنها مخاطبة بحقوقه تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى وليس في الإحداد فوات حقه في الإستخدام بخلاف المنع من الخروج فإنه لو لزمها في العدة ثبت ذلك فقلنا لا تمنع من الخروج في عدتها كي لا يفوت حقه في إستخدامها وحق العبد مقدم على حق الشرع بإذنه لفناه قال تعالى { إلا ما اضطررتم إليه } فإن قيل لو وجب الحداد لعلة فوات نعمة النكاح لوجب بعد شراء المنكوحة فالجواب أنها لم تفت لقيام الحل والكفاية غاية الأمر أنه ثبت على وجه أحط من الحل الثابت بالعقد بإعتبار ثبوت النسب بلا دعوة في العقد بخلاف الملك ولا أثر لهذا القدر من الأحطية فإن نعمة النكاح ليس فواتها مؤثرا بإعتبار ذلك القدر من الخصوصية بل بإعتبار فوات ما فيها من أنها سبب لصونها وكفاية مئونتها وهذا القدر لم يفت فلا موجب للحداد وبهذا التقرير يندفع إشكال أنه لا ينوب الأدنى وهو هذا الحل عن الأعلى والتفصي عنه بإلتزام وجوب الحداد على الزوجة المشتراه إلا أنه لم يظهر لكونها حلالا حتى لو أعتقها ظهر فإنه دعوى بلا دليل عليها بل دليل نفيها أنه وجوب
____________________
(4/341)
لا فائدة فيه لأن لها الزينة والتطيب بعد شرائها والوجوب يستتبع الفائدة
قوله وليس في عدة أم الولد من وفاة سيدها أو إعتاقها حداد وكذا الموطوءة بشبهة والمنكوحة فاسدا لأنهن ما فاتهن نعمة النكاح
والأصل الإباحة أي إباحة الزينة وهذا لأن بالإعتاق يزول الرق الذي هو أثر الكفر فهو موضع السرور لا الأسف والنكاح الفاسد والموطوءة بشبهة ظاهر وأورد عليه أنه فوات علة معينة وقدم المصنف للإحداد علة أخرى وهو كون هذه الأشياء دواعي الرغبة وكل منهما يستقل وهذه موجودة هنا فينبغي أن يجب الحداد وأجيب بأن كونهما ممنوعتين عن النكاح حكم وجوب الحداد لا علته بل علته فوات نعمة النكاح وهو يدور معها وجودا وعدما كذا قيل وهو بالضعيف جدير وفي النهاية تلك حكمة لا علة لما ذكرنا من دوران وجوب الإحداد بفوات نعمة النكاح والحكم يدور مع العلة لا الحكمة لما عرف في مسألة الإستبراء
قوله ولا بأس بالتعريض في الخطبة أراد المتوفى عنها زوجها إذ التعريض لا يجوز في المطلقة بالإجماع فإنه لا يجوز لها الخروج من منزلها أصلا فلا يتمكن من التعريض على وجه لا بخفى على الناس ولإفضائه إلى عداوة المطلق والتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره لقول ابن عباس فيما أخرج البخاري عنه قال لا جناح عليكم فيما عرضتم به يقول إني أريد أن أتزوج أو وددت أن يتيسر لي امرأة صالحة وقال القاسم يقول إنك على كريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا أو نحو هذا وأخرج البيهقي عن سعيد بن جبير إلا أن تقولوا قولا معروفا قال يقول إني فيك لراغب وإني لأرجو أن نجتمع وليس في هذا تصريح بالتزويج والنكاح ونحوه إنك لجميلة أو صالحة ولا يصرح بنكاحها فلا يقول إني أريد أن أنكحك أو أتزوجك وسبك الآية ولا جناح عليكم فيما عرضتم به أي فيما ذكرتم لهن من الألفاظ الموهمة لإرادة نكاحهن أو أكنتم أي أضمرتم في أنفسكم فلم تنطقوا يه تعريضا ولا
____________________
(4/342)
تصريحا علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا أي نكاحا فلا تقولوا أريد أن أتزوجك وسمى النكاح سرا لأنه سبب السر الذي هو الوطء فإنه مما يسر وحديث السر النكاح المذكور في الكتاب غريب إلا أن تقولوا قولا معروفا والإستثناء يتعلق بلا تواعدوهن وهو منقطع لأن القول المعروف ليس داخلا في السر والإستدراك يتعلق بالمحذوف الذي أبرزنا صورته وهو فاذكروهن والله أعلم
قوله وبعض الليل يخصه من التعليل قوله وقد يمتد إلى أن يهجم الليل وقد روي عن محمد المتوفى عنها لا بأس أن تغيب عن بيتها أقل من نصف الليل قال الحلواني هذه الرواية صحيحة لأن المحرم عليها البيتوته في غير منزلها والبيتوتة هي الكينونة في جميع الليل نقله في الكافي وقد مر قبله ما ينفي اختيار صحتها وهو قوله لأن نفقتها عليها وعسى لا تجد من يكفيها مؤنتها فتحتاج إلى الخروج لنفقتها غير أن أمر المعاش يكون بالنهار عادة دون الليالي فأبيح الخروج لها بالنهار دون الليالي انتهى ويعرف من التعليل أيضا أنها إذا كان لها قدر كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها أن تخرج لزيارة ونحوها ليلا ولا نهارا والحاصل أن مدار الحل كون غيبتها بسبب قيام شغل المعيشة فيتقدر بقدره فمتى انقضت حاجتها لا يحل لها بعد ذلك صرف الزمان خارج بيتها
قوله أما المطلقة فلقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } الآية اشتملت على نهي الأزواج عن إخراجهن غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن أو لحاجتهم إلى المساكن وعلى نهي المطلقات عن الخروج ونهيهن أبلغ لأنه أوقع بلفظ الخبر إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قيل الفاحشة نفس الخروج قال النخعي وبه أخذ أبو حنيفة وقيل الزنا فيخرجن لإقامة الحد عليهن وهو قول
____________________
(4/343)
ابن مسعود وبه أخذ أبو يوسف وقال ابن عباس الفاحشة نشوزها وأن تكون بذية اللسان على أحمائها وقول ابن مسعود أظهر من جهة وضع اللفظ لأن إلا أن غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وما قاله النخعي أبدع وأعذب في الكلام كما يقال في الخطابيات لا تزني إلا أن تكون فاسقا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم ونحوه وهو بديع بليغ جدا يخرج إظهار عذوبته عن غرضنا
قوله حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل تخرج نهارا لأنها قد تحتاج كالمتوفى عنها وقيل لا يباح لها الخروج لأنها هي التي أبطلت النفقة فلا يصح هذا الإختيار في إبطال حق عليها وبه كان يفتي الصدر الشهيد وصححه في جامع قاضيخان وهذا كما لو اختلعت على أن لا سكنى لها فإن مئونة السكنى تبطل عن الزوج ويلزمها أن تكتري بيت الزوج وأما أن يحل لها الخروج فلا والحق أن على المفتي أن ينظر في خصوص الوقائع فإن علم في واقعة عجز هذه المختلعة عن المعيشة إن لم تخرج أفتاها بالحل وإن علم قدرتها أفتاها بالحرمة
قوله ولهذا أي لأن البيت المضاف إليها هو الذي تسكنه لو زارت أهلها والزوج معها أو لا فطلقها كان عليها أن تعود إلى منزلها ذلك فتعتد
قوله وقال صلى الله عليه وسلم تأييدا للإستدلال بالكتاب بأن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت على وفق ما قلنا أنه مدلول الكتاب وهو ما أخرج أصحاب السنن الأربعة عن سعيد بن إسحاق بن كعب ابن عجرة عن عمته زينب بنت كعب عن ذريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال كيف قلت قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي قال أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فأتبعه انتهى ورواه مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه وأخرجه الحاكم عن إسحاق ابن سعيد بن كعب بن عجرة حدثتني زينب به قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد من الوجهين جميعا
____________________
(4/344)
ولم يخرجاه قال محمد بن يحيى الذهلي هذا حديث صحيح محفوظ وهما اثنان سعيد ين إسحاق وهو أشهرهما وإسحاق بن سعد بن كعب وقد روى عنهما جميعا يحيى بن سعيد الأنصاري وقد ارتفعت عنهما الجهالة انتهى وقول ابن حزم زينب بنت كعب مجهولة لم يرو حديثها غير سعيد بن إسحاق وهو غير مشهور بالعدالة دفعه ابن القطان بأن الحديث صحيح فإن سعيد بن إسحاق ثقة وممن وثقه النسائي وزينب وكذلك ثقة وقال الترمذي حديث صحيح وفي تصحيحه توثيقهما ولا يضر الثقة أن لا يروى عنه إلا واحد وقد قال ابن عبد البر إنه حديث مشهور فوجب إعتباره والعمل به وأما ما روى الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت فقال فيه لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف وقال ابن القطان ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء بن المسيب مختلط وأبو بكر بن مالك أضعفهم فلذلك أعله الدار قطني به وذكر الجمع أصوب لاحتمال أن تكون الجناية من غيره انتهى كلامه
قوله وصار كما إذا خافت على متاعها اللصوص الخ أي فإنها تخرج لأنه عذر وإذا خرجت إلى منزل للعذر صار الثاني كالأول فلا تخرج منه إلا لعذر وتعيين الموضع الذي تنتقل إليه في عدة الطلاق إلى الزوج وفي عدة الوفاة إليها لأنها مستبدة في أمر السكنى حتى أن أجرة المنزل إن كان بأجر عليها وعليها أن تسكن فيه إلا أن لا تجد الكراء وتجد ما هو بلا كراء فلها أن تتحول إليه وكذا في الزوج الغائب ولا تخرج المعتدة إلى صحن الدار التي فيها منازل الجانب لأنه كالخروج إلى السكة ولهذا يقطع السارق بإخراج المتاع إليه فإن لم يكن في الدار منازل بل بيوت جاز لها الخروج إلى صحنها ولا تصير به خارجة عن الدار وتبيت في أي بيت شاءت منها
قوله ثم لا بد من سترة بينهما يعني إذا لم يكن للزوج إلا بيت واحد كي لا تقع الخلوة بالأجنبية وكذا هذا في الوفاة إذا كان من ورثته من ليس بمحرم لها ثم لا بأس بالمساكنة بعد اتخاذ الحجاب اكتفاء بالحائل وإنما اكتفى به لأن الزوج يعتقد الحرمة فلا يقدم على المحرم إلا أن يكون فاسقا فحينئذ تخرج لأنه عذر والأولى أن يخرج هو وكذا في كل موضع يتحقق عذر يبيح الخروج الأولى أن يخرج هو ولعل المراد أنه أرجح فيجب الحكم به كما يقال إذا تعارض محرم ومبيح ترجح المحرم أو فالمحرم أولى ويراد ما قلناه وهذا لأنهم عللوا أولوية خروجه بأن مكثها واجب لأمكثه ومتى انتقلت فتعيين المكان إليه كما ذكرنا آنفا
____________________
(4/345)
قوله وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة أو غيرها المقصود إذا سافر بها فطلقها فإما رجعيا أو بائنا ففي الرجعي تتبع زوجها حيث مضى لأن النكاح قائم وإن كان بائنا أو مات عنها وبينها وبين كل من مصرها ومقصدها أقل من السفر فإن شاءت مضت إلى المقصد وإن شاءت رجعت سواء كانت في مصر أو لا معها محرم أو لا لأنه ليس في ذلك إنشاء سفر وخروج المطلقة والمتوفى عنها زوجها ما دون السفر مباح إذا مست الحاجة إليه بمحرم وبغيره إلا أن الرجوع أولى ليكون الإعتداد في منزل الزوج كذا في الدراية وإطلاق المصنف يقتضي أنه إذا كان بينها وبين مصرها أقل من مدة السفر رجعت سواء كان بينها وبين مقصدها سفر أو دونه أما إن كان مدة سفر فظاهر لأن المضى إلى مقصدها سفر والرجوع ليس بسفر وأما إن كان ما دونها فترجع أيضا لأنها كما رجعت تصير مقيمة وإذا مضت تكون مسافرة ما لم تصل إلى المقصد فإذا قدرت على الإمتناع عن استدامة السفر في العدة تعين عليها ذلك كذا في النهاية وهو أوجه
قوله ومعناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام فصاعدا فإذا كان دونها إلى المقصد لا تتخير بل يتعين عليها الذهاب إلى المقصد قوله إلا أن يكون استثناء من قوله إن
____________________
(4/346)
إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت أي في جميع الأحوال إلا في حال يكون طلقها أو مات عنها في مصر فإنها لا تتخير بل يتعين عليها أن تعتد فيه عند أبي حنيفة سواء كان معها محرم أو لا وحاصل وجوه المسألة إما أن يكون بينها وبين مصرها ومقصدها أقل من السفر فتتخير والأولى الرجوع على ما في الكافي وعلى ما في النهاية وغيرها يتعين الرجوع أو كان أحدهما سفرا والآخر دونه فتختار ما دونه لأنها بإختيار مقابلة منشئة سفرا دون اختياره فإن كان كل منهما سفرا فلا يخلو من أن تكون في مفازة أو مصر فإن كانت في مفازة فإن شاءت مضت وإن شاءت رجعت بمحرم أولا لأن ما يخاف عليها في ذلك المكان أشد مما يخاف عليها في الخروج والأولى أن تختار الرجوع لما قلنا وإن كانت في مصر لم تخرج بغير محرم لأن ما يخاف في السفر بغير محرم أعظم مما يخاف عليها في المصر فكان المكث في المصر أولى بخلاف المفازة فإن كان معها محرم لم تخرج عند أبي حنيفة في العدة وقالا تخرج وهو قول أبي حنيفة أولا وقوله الآخر أظهر لهما أنها في غير منزلها فلها أن تخرج بمحرم كما لو كانت في غير المصر وهذا لأن أصل الخروج مطلق لها إجماعا لما يلحقها من ضرر الغربة ووحشة الإنفراد ومتى قلنا لها أن تخرج إلى ما دون السفر بلا محرم فإذا بطل معنى السفر بالمحرم بقي مجرد الخروج وهو مطلق لمكان الغربة إذ الغريب يؤذى ويهان فأشبه المفازة وله أن تأثير العدة في المنع من الخروج أقوى من تأثير عدم المحرم في المنع من السفر فالعدة أولى وما دون السفر إنما أبيح مع قيام العدة بإعتبار أنه ليس بخروج لأنه بناء على الخروج الأول لا لأن أصل الخروج مباح وهي هنا منشئة للخروج بإعتبار السفر فيتناوله التحريم وإذا تناوله لم يسقط بالمحرم لأنه لا يرتفع به حرمة الخروج بسبب العدة وفي البدائع لو كانت الجهتان مدة سفر فمضت أو رجعت وبلغت أدنى المواضع التي تصلح للإقامة أقامت فيه واعتدت إن لم تجد محرما بلا خلاف وكذا إن وجدت عند أبي حنيفة
____________________
(4/347)
ومثله في المحيط وفيه البدوي طلق امرأته فأراد نقلها إلى مكان آخر في الكلأ والماء فإن لم تتضرر بتركها في ذلك الموضع في نفسها أو مالها ليس له ذلك وإن تضررت فله ذلك إذ الضرورات تبيح المحظورات والله سبحانه أعلم & باب ثبوت النسب
أعقبه العدة لأنه مما وجبت له العدة تعرف حال الرحم من الحمل فيثبت نسبه وتثبت مواجبه وعدمه فينصرف كل عن الآخر في الحال أي في حال معرفة عدم الحمل على وجه الإحتياط وذلك عند قام العدة
قوله ومن قال إن تزوجت فلانة أو امرأة فهي طالق فتزوج فجاءت بولد لستة أشهر من يوم تزوجها لا أقل ولا أكثر
فهو ابنه وعليه المهر يريد من وقت تزوجها لأنه قرن اليوم بفعل لا يمتد وقد نبه المصنف على هذه الإرادة لأنه لما علل ثبوت نسبه بأنها فراشه قال في إثبات كونها فراشا لأنها لما جاءت به للستة أشهر من وقت النكاح ولم يقل من يوم النكاح فأفاد أن المراد بلفظ اليوم الوقت وهذا لأن الطلاق جزاء الشرط فيتأخر عنه لا بزمان وإن لطف كما قيل لأنه لا يتخلل بينهما آن خال بل أول آنات تعقب وجود الشرط يثبت فيه الجزاء من غير افتقار إلى تحقيق زمان يسع التلفظ بأنت طالق كما حققناه في الطلاق لأنه ثبوت حكمي وإذن فيكون العلوق مقارنا للنكاح فيثبت
____________________
(4/348)
النسب وتصور العلوق مقارنا للنكاح ثابت بأن تزوجها وهو يخالطها وطأ وسمع الناس كلامهما فوافق الإنزال النكاح والأحسن تجويز أنهما وكلا به فباشر الوكيل وهما كذلك فوافق عقدة الإنزال وحاصله أن الثبوت يتوقف على الفراش وهو يثبت مقارنا للنكاح المقارن للعلوق فتعلق وهي فراش فيثبت نسبه وقد يقال الفراشية أثر النكاح أعني العقد فيتعقبه فيلزم سبق العلوق على الفراش نعم إذا فسر الفراش بالعقد كما عن الكرخي وهو يخالف تفسيرهم السابق له في فصل المحرمات بكون المرأة بحيث يثبت نسب الولد منها إذا جاءت به فإن هذا الكون إنما يثبت بعد العقد إلا أن قلنا إن العلة مع المعلول في الخارج وكلامهم ليس عليه وتقرير قاضيخان أن العلوق يكون بعد تمام النكاح مقارنا للطلاق قبل الدخول فيكون حاصلا قبل زوال الفراش فيثبت النسب يعني أن زوال الفراش بعد الطلاق قبل الدخول لا معه لأن زواله أثره لا يقال مقتضاه أن تكون جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح إذ لا بد من كون مدة الحمل ستة أشهر وقد عينوا الثبوت نسبة أن لا يكون أكثر من ستة أشهر من النكاح ولا أقل لأنا نقول إنما لم يثبتوه في الأقل لأن العلوق حينئذ من زوج آخر قبل النكاح وأما في الزيادة فلإحتمال حدوثه بعد الطلاق وهو منتف هنا لأنه لم يزد على ما بعد الطلاق بما يسع وطأ بالفرض فيجب استثناء هذا القدر ويجب تقديره كذلك ولا يخفى أن نفيهم النسب فيما إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر في مدة يتصور أن يكون منه وهو سنتان ولا موجب للصرف عنه ينافي الإحتياط في إثباته وإحتمال كونه حدث بعد الطلاق فيما إذا جاءت به لستة أشهر ويوم في غاية البعد فإن العادة المستمرة كون الحمل أكثر منهما وربما تمضي دهور لم يسمع فيها ولادة لستة أشهر فكان الظاهر عدم حدوثة وحدوثه احتمال فأي احتياط في إثبات النسب إذا نفيناه لإحتمال ضعيف يقتضي نفيه وتركنا ظاهرا يقتضي ثبوته وليت شعري أي الإحتمالين أبعد الإحتمال الذي فرضوه لتصور العلوق منه ليثبتوا النسب وهو كونه تزوجها وهو يطؤها وسمع كلامهما الناس وهما على
____________________
(4/349)
تلك الحالة ثم وافق الإنزال العقد أو إحتمال كون ا لحمل إذا زاد على ستة أشهر بيوم يكون من غيره ولإستبعاد هذا الفرض قال بعض المشايخ لا يحتاج إلى هذا التكلف بل قيام الفراش كاف ولا يعتبر إمكان الدخول بل النكاح قائم مقامه كما في تزويج المشرقي بمغربية والحق أن التصور شرط ولذا لو جاءت امرأة الصبي بولد لا يثبت نسبه والتصور ثابت في المغربية لثبوت كرامات الأولياء والإستخدامات فيكون صاحب خطوة أو جنيا وأما لزوم المهر كاملا فلأنه لثبوت النسب منه جعل واطئا حكما فعليه المهر وما قيل لا يلزم من ثبوت النسب منه وطؤه لأن الحبل قد يكون بإدخال الماء الفرج دون جماع فنادر والوجه الظاهر هو المعتاد وفي النهاية وفي القياس وهو رواية أبي يوسف مهر ونصف أما النصف فللطلاق قبل الدخول وأما المهر فللدخول انتهى وعبارة أبي يوسف في الأمالي على ما نقله الفقيه أبو الليث ينبغي في القياس أن يجب على الزوج مهر ونصف لأنه قد وقع الطلاق عليها فوجب نصف المهر ومهر آخر بالدخول قال إلا أن أبا حنيفة استحسن وقال لا يجب إلا مهر واحد لأنا جعلناه بمنزلة الدخول من طريق الحكم فتأكد ذلك الصداق واشتبه وجوب الزيادة انتهى وهذه العبارة للمتأمل لا توجب قوله بلزوم مهر ونصف بل ظاهرة في نفيه ذلك لأن الإستحسان مقدم على القياس فلا تسوغ الرواية عنه بذلك وإنما اشتبه وجوب الزيادة لأنها مبنية على وقوع الطلاق قبل الدخول ولا يحكم بذلك وإلا لم يثبت النسب لآن الوطء حينئذ في غير عصمة ولا عدة بل يحكم بأنه مقارن له أو للنكاح فأقل الأمر كونه قبله أولا مشتبه ذلك وضمير به في قوله فتأكد المهر به لثبوت النسب وأعلم أنه إذا كان الأصح في ثبوت هذا النسب إمكان الدخول وتصوره ليس إلا بما ذكر من تزوجها حال وطئها المبتدأ به قبل التزويج وقد حكم فيه بمهر واحد في صريح الرواية يلزم كون ما ذكر مطلقا ومنسوبا وقدمناه في باب المهر من أنه لو تزوجها في حال ما يطؤها عليه مهران مهر بالزنا لسقوط الحد بالتزوج قبل تمامه ومهر بالنكاح لأن هذا أكثر من الخلوة ولا يصير به محصنا مشكلا لمخالفته لصريح المذهب وأيضا الفعل واحد وقد اتصف بشبهة الحل فيجب مهر واحد به بخلاف ما لو قال إن تزوجتها فهي طالق ونسي فتزوجها ووطئها حيث يجب مهر ونصف لأن الطلاق قبل الوطء أما هنا الطلاق مع الوطء الحلال في فعل متحد فصار الفعل كله له شبهة الحل وقد وجب المهر فلا يجب غيره وفي شرح أبي اليسر قال إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا فتزوجتها ودخل بها ينبغي أن لا يجب عليهما الحد ويجب مهر المثل وقالوا يجب عليهما قال قد كنت أفتيت بالوجوب على الحالف وهو الظاهر
____________________
(4/350)
من مذهب أصحابنا ومن مال إليه لم يكن مخطئا ولو جاءت بولد ورثه منصوص عن أصحابنا وإن حرمت عليه بالثلاث فلم يبق بنكاح ولا عدة ولكن لما كان فصلا مجتهدا فيه لم ينقطع النسب
قوله ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ولو عشرين سنة أو أكثر
ما لم تقر بإنقضاء عدتها فإن أقرت بإنقضائها والمدة تحتمله بأن تكون ستين يوما على قول أبي حنيفة وتسعة وثلاثين يوما على قولهما ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فإنه يثبت نسبه للتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار فيظهر كذبها وكذا هذا في المطلقة البائنة والمتوفى عنها زوجها إذا ادعت بعد أربعة أشهر وعشر انقضاءها ثم جاءت بولد لتمام ستة أشهر لا يثبت نسبه من الميت وإن جاءت به لأقل منها ثبت نسبه منه أما ثبوت نسب ولد الرجعية إذا جاءت به لأقل من سنتين فظاهر وأما ثبوته إذا جاءت به لأكثر منهما فلإحتمال العلوق في عدة الرجعى لإنتفاء الحكم بزناها أو بوطئها بشبهة لجواز كونها ممتدة الطهر بأن أمتد إلى ما قبل سنتين من مجيئها به أو أقل ثم وطئها فحبلت وعن هذا حكمنا بأنها إذا جاءت به لأكثر من سنتين تكون زوجة بالرجعة الكائنة بالوطء في العدة للمطلقة الرجعية بخلاف ما إذا جاءت به لأقل من سنتين لا تثبت رجعتها فإن العلوق يحتمل أنه كان في العصمة كما يحتمل أنه كان في العدة وإحالة الحادث إلى أقرب الأوقات إذا لم يعارضه ظاهر آخر والظاهر الوطء في العصمة لا العدة لأنه هو المعتاد وما قضت به العادة أرجح من إضافة الحادث إلى الزمن القريب مع ما فيه من مخالفة السنة في الرجعة ومخالفة العادة أيضا فيها إذ معتاد الناس في الرجعة أن يراجعوا باللفظ فإن قيل هنا احتمال آخر وهو كونها
____________________
(4/351)
تزوجت وجاءت به من الزوج الآخر قلنا الفرض أنها لم تكن أقرت بإنقضاء العدة وما لم تقر بذلك وما لم يظهر تزوجها فالظاهر أنها في العدة ولأن فيه إنشاء نكاح وإبقاء الأول أسهل وأخف
قوله والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين لأنه يجوز كون الحمل كان قبل الطلاق فيثبت النسب
وإن جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت نسبه لتيقن العلوق بعد البينونة ووطؤه بعد البينونة حرام قيل إن هذه الرواية مخالفة لرواية الإيضاح وشرح الطحاوي والأقطع والرواية التي تجيء بعد هذا في الكتاب أيضا وهي قوله وأكثر مدة الحمل سنتان فإن فيها ألحقت السنتان بأقل من السنتين حتى أنهم أثبتوا النسب إذا جاءت به لتمام سنتين وإن لفظ الحديث يؤيد صحة تلك الروايات فأما قوله إن لفظ الحديث إلى آخره فليس بصحيح لأن حاصله أنه لا يمكث الولد في البطن أكثر من سنتين وهذا لا يقتضي أنها إذا جاءت به لتمام سنتين من الطلاق أن يثبت نسبه إلا إذا كان العلوق حال قيام الفراش والوجه أن يحمل على تقرير قاضيخان المتقدم من أنه يجعل العلوق في حال الطلاق لأنه حينئذ قبل زوال الفراش
قوله إلا أن يدعيه استثناء من قوله لم يثبت نسبه وهو مفرغ للمتعلق أي لم يثبت في حال من الأحوال إلا في الحال التي هي دعواه لأنه التزمه وله وجه وهو كونه وطئها بشبهة في العدة وهل يشترط تصديق المرأة في روايتان والأوجه أنه لا يشترط لأنه ممكن منه وقد ادعاه ولا معارض ولهذا لم يذكر الاشتراط في رواية الإمام السرخسي في المبسوط والبيهقي في الشامل وذلك ظاهر في ضعفها وغرابتها واعترض بأن هذه مناقضة لما في كتاب الحدود من أن النسب لا يثبت من المبانة بالوطء في العدة ونص في التبيين أن المبتوتة بالثلاث إذا وطئها الزوج بشبهة كانت شبهة الفعل وفيها لا يثبت النسب وإن ادعاه نص عليه في كتاب الحدود وأجيب بحمل المذكور هناك على المطلقة ثلاثا والمطلقة على مال وبحمل المذكور هنا على المبتوتة بالكنايات فيندفع التناقض وليس بشيء لأن المراد من المذكور هناك إذا لم يدع شبهة والمذكور هنا محمول على
____________________
(4/352)
كونه وطأ بشبهة والمعتدة عن ثلاث لا تكون أبعد من الأجنبية بالكلية والنسب يثبت بوطئها بشبهة فكيف بالمعتدة فيجب الجمع مثلا بأن يقال ينبغي أن يصرح بدعوى الشبهة المقبولة غير مجرد شبهة الفعل لأن المذكور في الحدود عدم ثبوت النسب إذا وطيء المطلقة ثلاثا والبائنة بالطلاق على مال فجعل هذا حكم وطء المطلقة ثلاثا إذا جاءت به مطلقا فيثبت عنده فيجب أن لا ينتقل عنه إلا إذا ادعى الشبهة التي هي غير مجرد ظن الحل والمذكور في الكتاب لم يشترط ذلك بل أفاد ثبوت نسبه بمجرد دعواه غير أن توجيه ذلك إمكان صحته بكون الوطء بشبهة والوجه أنه لا يشترط غير دعواه لأنه لم يشترط في الكتاب سواه ثم يحمل على ثبوت الشبهة التي هي غير مجرد ظن الحل ثم إذا لم يثبت نسبه فيما إذا جاءت به لأكثر من سنتين يحكم بإنقضاء عدتها قبل ولادتها بستة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد وهو رواية بشر عن أبي يوسف فيجب أن ترد نفقته بستة أشهر وقال أبو يوسف لا تنقضي إلا بوضع الحمل وقد ذكرناه ولا يلزمها رد شيء لهما أن الولد من غيره والظاهر أنه من نكاح صحيح دون الزنا والوطء بشبهة وأقل مدة الحمل ستة أشهر وحكمنا بإنقضاء العدة من ذلك الوقت وحينئذ أخذت مالا تستحقه لأنها منقضية العدة فترده وأبو يوسف يقول هي في العدة ولذا لا تتزوج بغيره قبل وضعه فكأنها وطئت بشبهة ولو جاءت المبتوتة بولدين أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر من سنتين ثبت نسبهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف اعتبراه بمن باع جارية فجاءت بولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من سنتين ثبت نسبهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف اعتبراه بمن باع جارية فجاءت بولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر فادعاهما البائع يثبت نسبهما وينقض البيع وعند محمد لا يثبت لأن الثاني من علوق حادث بعد الإبانة فيتبعه الأول لأنهما توءمان قيل هو الصواب وليس ولد الجارية نظيره لأن الولد الثاني يجوز كونه حدث على ملك البائع قبل بيعه بخلاف الولد الثاني في المبتوتة ولو خرج بعضه لأقل من سنتين وباقيه لأكثر من السنتين لا يلزمه حتى يكون الخارج لأقل من سنتين نصف بدنه أو يخرج من قبل الرجلين أكثر البدن لأقل والباقي لأكثره ذكره محمد وفي شرح التكملة تزوج أمة ودخل بها ثم طلقها واحدة يلزمه ولدها إن جاءت به لأقل من ستة أشهر ولا يلزمه إن جاءت به لستة أشهر فصاعدا لأنه ولد النكاح في الأول وفي الثاني يضاف إلى ملك اليمين لأن وطأها حلال ولا يلزمه إلا بالدعوة ولا فرق بين أن تكون الطلقة بائنة أو رجعية وإن طلقها ثنتين ثبت نسبه إلى سنتين لأن وطأها لا يحل بملك اليمين فكان الولد من النكاح ولا يخفى أن معنى المسألة طلقها ثم ملكها وأن لا يتصور وطؤها بملك اليمين وأعلم أن ثبوت النسب فيما ذكر من ولد المطلقة الرجعية والبائنة مقيد بأحد أمور أن يكون هناك إما شهادة بالولادة أو إعتراف من الزوج بالحبل أو حبل ظاهر كما سيجيء عن قريب
قوله فإن كانت المبتوتة صغيرة يجامع مثلها الخ قيل هو مستدرك لأن الحبل دليل أنه يجامع مثلها ومنعه ليس بشيء لأنه إن كان بإعتبار
____________________
(4/353)
أن الحبل يكون بلا جماع فلا شك أنه لا يكون إلا بالبلوغ وبعيد أن لا تحتمل البالغة الجماع وحاصل المسألة أن الصغيرة إذا طلقت فإما قبل الدخول أو بعده فإن كان قبله فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه للتيقن بقيامه قبل الطلاق وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يثبت لأن الفرض أن لا عدة عليها وما جاءت به لا يستلزم كونه قبل الطلاق لتلزم العدة بناء على الحكم بالدخول للحكم بالعلوق قبل الطلاق وإن طلقها بعد الدخول فأما إن أمرت بإنقضاء العدة بعد ثلاثة أشهر أو لم تقر فإن أقرت ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ثبت نسبه وإن جاءت به لستة أشهر أو أكثر لم يثبت النسب لإنقضاء العدة بإقرارها وما جاءت به لا يلزم كونه قبلها ليتيقن بكذبها وإن لم تقر بإنقضائها ولم تدع حبلا فعند أبي حنيفة ومحمد إن جاءت به لأقل من تسعة أشهر من وقت ا لطلاق ثبت نسبه وإلا فلا وعند أبي يوسف يثبت إلى سنتين في الطلاق البائن وإلى سبعة وعشرين شهرا في الرجعي لإحتمال أنه وطئها في آخر عدتها الثلاثة أشهر فعلقت سنتين وإن كانت ادعت حبلا فهي كالكبيرة من حيث أنها لا يقتصر انقضاء عدتها على أقل من تسعة أشهر لا مطلقا فإن الكبيرة يثبت نسب ولدها في الطلاق الرجعي لأكثر من سنتين وإن طال إلى سن الإياس لجواز إمتداد طهرها ووطئه إياها في آخر الطهر وجه قول أبي يوسف أنها يحتمل كونها حاملا لفرض أنها في سن يجوز فيه بلوغها لأنه فرض المسألة ولم تقر بإنقضاء
____________________
(4/354)
عدتها فأشبهت الكبيرة في إحتمال حدوث العلوق ساعة فساعة فيثبت نسب ما تأتي به إلى سنتين وأعلم أن قياس ما قدمه في الكبيرة المبتوتة من أنها إذا جاءت به لتمام سنتين لا يثبت أن يقول إلى أقل من سنتين هنا وجه قولهما وهو الفرق أن لأنقضاء عدة الصغيرة جهة واحدة في الشرع فبمضيها يحكم الشرع بالإنقضاء وهو في الدلالة فوق إقرارها بالإنقضاء لأنه لا يحتمل الخلف وعدم المطابقة بخلاف إقرارها فغاية الأمر أن يجعل إنقضاؤها بمنزلة إقرارها ولو أقرت بالأنقضاء بعد الأشهر الثلاثة ثم جاءت به لأكثر من ستة أشهر أو لستة أشهر لا يثبت فكذلك هنا فلزم أن لا يثبت حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر أما إذا كانت الصغيرة أدعت الحبل في العدة فالجواب فيها كالكبيرة لأن بإقرارها بالحبل حكم ببلوغها
قوله وثبت نسب ولد المتوفى عنها ما بين وفاة زوجها وبين سنتين وقال زفر إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه ولستة أشهر لا يثبت فوجهه كوجههما في الصغيرة وهو أن لعدتها جهة واحدة هي إنقضاء أربعة أشهر وعشر فإذا لم تقر قبلها بالحبل فقد حكم الشرع بإنقضائها بها فإذا جاءت بالولد بعدها لتمام ستة أشهر أو أكثر لا يثبت نسبه بخلاف ما إذا جاءت به لأقل على ما عرف ويمنع تعين الجهة الواحدة في حقها بل لها كل من الجهتين بخلاف الصغيرة لأن الأصل فيها عدم الحبل فتستمر ما لم تعترف بالحبل
قوله وإذا اعترفت ظاهر وتقدمت غير مرة وإنما لم يثبت إذا أتت به لأكثر من
____________________
(4/355)
ستة أشهر من وقت الإقرار وإن كانت المدة تحتمل كون الحمل من الزوج لأنهن أمينات شرعا في إخبارهن عن عدتهن فإذا أخبرن لزم إلى أن يتحقق الخلاف قطعا وقوله وهذا اللفظ يتناول بإطلاقه كل معتدة لعدم التفضيل في المعتدة عن طلاق ووفاة ومما يشمل أيضا الآيسة إذا ولدت بعد الرجعي أو البائن فهي كذوات الإقراء يثبت نسب ما تأتي به إلى أقل من سنتين في البائن وأكثر منها في الرجعي ما لم تقر بإنقضاء العدة فإن أقرت بإنقضائها مفسرا بثلاثة أشهر أو مطلقا في مدة تصلح لثلاثة أقراء ثم ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ثبت النسب وإلا فلا لأن مطلق إقرارها يحمل على الإقراء لما بطل اليأس هذا والمنصوص عليه في فتاوى قاضيحان أن الآيسة تعتد بالأشهر وإذا ولدت يثبت نسب ولدها في الطلاق إلى سنتين سواء أقرت بإنقضاء العدة أو لم تقر وكذا نقل عن المرغيناني
قوله وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان أو يعلم اعتراف من الزوج بالولادة أو يكون الحبل ظاهرا فيثبت النسب بلا شهادة وإطلاق المصنف يشمل المعتدة عن وفاة وعن طلاق بائن أو رجعي فيوافق تصريح قاضيحان وفخر الإسلام بجريان الخلاف في الرجعي وشمس الأئمة قيد صورة المسئلة بأن يكون الطلاق بائنا فقال لو أن رجلا طلق امرأته ثلاثا أو تطليقا بائنا ثم جاءت بولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب في قول أبي حنيفة ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ونحوه فعل صاحب المختلف حيث قال شهادة القابلة على الولادة لا تقبل إلا بمؤيد إلى قوله حتى أن المعتدة عن وفاة إذا كذبها الورثة في الولادة وفي الطلاق البائن إذا كذبها الزوج إلى آخر ما ذكره واتفقوا على قيد إنكار الزوج وكذا لو وقع إنكار الولادة والحبل من الورثة فعندهما يثبت بشهادة امرأة حرة عدلة ويرث بذلك ويشترط لفظة الشهادة على قولهما عند مشايخ خراسان لأنها موجبة حقا على الغير ولا يشترط عند العراقيين قياسا على العدد وقوله في جميع ذلك أي فيما إذا كان حبل ظاهر أولا أو اعتراف من الزوج أولا وهل يقبل شهادة رجل واحد عندهما قيل نعم ولا
____________________
(4/356)
يفسق كما لو شهد رجلان أو رجل وامرأتان وفي جامع قاضيحان وعلى هذا الخلاف كل ما لم يطلع عليه الرجال وأجمع علماؤنا على أنه يقضي بالنسب بشهادة الواحدة عند قيام النكاح وحقيقة الحال أنه يثبت تعيين الولد بهذه الشهادة والنسب بقيام الفراش وإذا تقرر أن النكاح بعد الرجعي قائم من كل وجه يتجه تقييد الخلاف بالبائن كما نقله شمس الآئمة ويكون الرجعي كالعصمة القائمة حتى حل الوطء ودواعيه والخلاف إنما هو بعد الموت وبالطلاق البائن وبقولهما قال أحمد وعند الشافعي يشترط أربع نسوة عدول وعد مالك وابن أبي ليلى امرأتان وجه قولهما ان الفراش قائم بقيادة العدة وهو أي الفراش ملزم للنسب فيما تأتي به كما قبل الطلاق والحاجة
____________________
(4/357)
إلى شهادة المرأة لتعيين الولد فيتعين بشهادتها على الولادة كما قبل الطلاق اقتصر المصنف على هذا القدر فيثبت النسب والجامع قيام الفراش وله أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل فصارت أجنبية والفراش المنقضي ليس بحجة ليصلح مؤيدا للحجة للضعيفة أعني شهادة المرأة الواحدة فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات النسب ابتداء وذلك بكمال النصاب على ولادتها المتصلة بفراشيتها المستلزمة لثبوت النسب لكونها في وقت يلزم منه ثبوت النسب شرعا بخلاف ما إذا كان الحبل ظاهرا قبل دعواها أو صدر الإعتراف به من الزوج أو كان الفراش قائما وقت دعواها الولادة لأن النسب ثابت قبل الولادة لما في البطن وقيام الحمل ظاهرا أو اعترافا وكذا قيام الفراش يؤيد شهادة القابلة به وقولهما لا يطلع عليه الرجال ممنوع بل يطلع عليه فيما إذا دخلت المرأة بحضرتهم بيتا يعلمون أنه ليس فيه غيرها ثم خرجت ثم خرجت مع الولد فيعلمون أنها ولدته وفيما إذا لم يتعمدوا النظر بل وقع اتفاقا وبهذا يندفع ما قد أورد من أن شهادة الرجال تستلزم فسقهم فلا تقبل والحاصل أن حقيقة محل الخلاف أن شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة وغيرها هل تكفي للإثبات أو لا بد أن تتأيد بمؤيد فالوجه أن يجعل الإستدلال عليه ولهما فيه قوله صلى الله عليه وسلم شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه فإنه يتناول الواحدة لأنه جنس وأما الوجه الذي ذكراه فتمامه بإلغاء الفارق بينه وبين المقيس عليه من حال قيام الفراش وهو يدفعه بأنه لا يلزم من جوازها مع مؤيد جوازها بدونه ويبقى عليه إطلاق الحديث والمعروف منه ما رواه ابن أبي شيبة عن الزهري مرسلا مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء وعيوبهن وتجوز شهادة القابلة وحدها في الإستهلال وامرأتان فيما سوى ذلك وهذا حجة لأنه مرسل وإنما قلنا إنه مرسل لأن قول الراوي مضت السنة إنما يكون حكمه الرفع إذا كان صحابيا وهو هنا ليس صحابيا وحديث الدارقطني عن محمد بن عبدا الملك الواسطي عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وإن كان بين ابن عبد الملك والأعمش رجل مجهول وهو أبو عبد الرحمن المدايني فقد تظافرا وقوى ما هو حجة به ولو كانت معتدة عن وفاة فادعت الولادة فصدقها الورثة عليها ولم يشهد بها أحد فهو ابن الميت في قولهم جميعا وهذا في حق الإرث ظاهر لأنه خالص حقهم فيقبل تصديقهم فيه أما في حق ثبوت النسب من الميت ليظهر في حق الناس كافة قالوا إذا كانوا أي الورثة من أهل الشهادة بأن يكونوا ذكورا أو ذكورا مع إناث وهم عدول ثبت لقيام الحجة فيشارك المقرين منهم والمنكرين ويطالب غريم الميت بدينه وعن هذا قيل يشترط لفظة الشهادة أي في مجلس الحكم من الورثة لقيام الحجة وقيل لا يشترط هو الصحيح لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم ولا يراعى للتبع شرائطه إذا ثبت أصاله وعلى هذا فلو لم يكونوا من أهل الشهادة لا يثبت النسب إلا في حق المقرين منهم والله أعلم
قوله وإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها لم يثبت نسبه لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فلزم كونه من علوق قبل النكاح وإن جاءت به لأكثر منها ثبت ولا إشكال سواء اعترف به الزوج أو سكت وكذا إذا جاءت به لتمام السنة بلا
____________________
(4/358)
زيادة لإحتمال أنه تزوجها واطئا لها فوافق الإنزال النكاح والنسب يحتاط في إثباته وهذا من المصنف خلاف ما تقدم في المبتوتة حيث نفي نسب ما أتت به لتمام سنتين مع تصحيحه بما قدمناه من كونه طلقها حال جماعها وصادف الإنزال الطلاق وأجيب عن المصنف بأن ثبوت النسب هنا لا هناك لحمل أمرها على الصلاح إذ لو لم يثبت هنا لزم كونه من زنا أو من زوج فتزوجت وهي في العدة وأما عدم الثبوت هناك للشك فلا يستلزم نسبة فساد إليها لجواز كون عدتها انقضت وتزوجت بزوج آخر فعلقت منه وحاصل هذا رفع المانع من عدم الثبوت هناك وليس بجواب أصلا لأن معنى السؤال وجد المقتضى وهو الإمكان بالطريق الذي ذكرناه مع وجوب الإحتياط فكان يجب أن يثبت النسب كما هنا وأنت علمت أن الوجه أن ثبوت النسب فيه لوجود المقتضى وهو الإمكان مع الإحتياط
قوله فإن جحد الولادة يعني فيما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا ثبت بشهادة امرأة واحدة اتفاقا أما عندهما فظاهر وعنده لتأيدها بقيام الفراش حتى لو نفاه بعد شهادتها لاعن ولا يكون هذا اللعان لزم بشهادة الواحدة ليلزم أنه قائم مقام الحد والحد لا يثبت بشهادة امرأة واحدة فيجب أن لا يحب اللعان هنا وأيضا يلزم خطأ أبي حنيفة حيث لم يثبت بها النسب وأثبت بها اللعان بل اللعان إنما وجب بالقذف الثابت في ضمن نفي الولد لا بنفي الولد من حيث هو نفيه فإنه ليس من ضرورة لزومه وجود الولد أصلا فضلا عن نفيه بعد وجوده لتحققه بدونه وإن اتفق هنا وقوعه في ضمن النفي
قوله وإن ولدت ثم اختلفا فقال تزوجتك لأربعة أشهر وقالت لستة أشهر فالقول لها لأن الظاهر شاهد لها وهو أنه ولد من نكاح لا من سفاح ولا من زوج
____________________
(4/359)
تزوجت بها الزوج في عدته وهو متقدم على الظاهر الذي يشهد له وهو إضافة الحادث وهو النكاح هنا إلى أقرب الأوقات لأنه إذا تعارض ظاهر أن في ثبوت نسب قدم المثبت له لوجوب الإحتياط فيه حتى أنه يثبت بالإيماء مع القدرة على النطق بخلاف سائر التصرفات مع أن ظاهرها متأيد بظاهره وهو عدم مباشرته النكاح الفاسد إن كان الولد من زوج أو حبل من زنا وإن صح على الخلاف فيه ثم لا تحرم عليه بهذا النفي لأنه لا يلزم منه تزوجها حاملا بثابت النسب ليكون إقرارا بالفساد كما إذا تزوجها بلا شهود لجوازه وهي حامل من زنا فإنه صحيح على الصحيح ولأن الشرع كذبه حيث أثبت النسب والشرع إذا كذب الإقرار يبطل
قوله ولم يذكر أي محمد الاستحلاف أي استحلافها وهو على الخلاف المعروف في الأشياء الستة فعندهما تستحلف وعنده لا تستحلف لأن الخلاف واقع في النكاح والنسب
قوله ومن قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فشهدت امرأة على الولادة
____________________
(4/360)
والزوج ينكرها ولم يكن حبلها ظاهرا ولا أقر هو به
لم تطلق عند أبي حنيفة ولكن ثتبت النسب وقالا تطلق أيضا لأن شهادتها حجة في ذلك أي في ثبوت ولادتها للحديث السابق وإذا كانت حجة مقبولة فيها تقبل فيما يبتنى عليها وهو الطلاق المعلق به وبهذا التقرير يتبين أن قوله ولأنها لما قبلت في الولدة إلى آخره ليس وجها آخر بل هو تمام الوجه الأول وصارت كثبوت الأمومة بناء على ثبوت النسب بشهادة القابلة فيما إذا قال إن كان بأمتي هذه حمل فهو مني فولدت بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر فأنكر ولادتها فشهدت بها امرأة وكثبوت اللعان بناء على ثبوت النسب فيما إذا جاءت زوجة بولد فقال ليس مني ولا أدري أولدتيه أم لا فشهدت بالولادة امرأة فإنه يجب اللعان إلا أن يكون الزوج عبدا أو حرا محدودا فيحد للقذف ولأبي حنيفة أنها ادعت الحنث وزوال ملكه الثابت فلا بد من حجة تامة وشهادة المرأة الواحدة ليست حجة كذلك إلا في موضع الضرورة وهو الولادة ولازمه المختص به فقبلت فيها وثبت النسب وأمومة الولد ولأنه حكمة اللازم شرعا أما اللعان فإنما يثبت بالقذف وإن إتفق أنه وقع في ضمن نفي الولد كما تقدم وأما وقوع الطلاق والعتاق فليس حكما مختصا به فلا ثبت عند هذه الشهادة كمن اشترى لحما فأخبره مسلم أنه ذبيحة مجوسي قبل في الحرمة ولا يثبت تمجس الذابح وكقوله إذا حضت فأنت طالق وفلانة فقالت حضت طلقت هي لم تطلق فلانة وهما حكمان مقترنان ويمكن جعل هذا إشكالا على أبي حنيفة فإن طلاقها هي زوال ملكه وهو ليس لازما شرعيا لحيضها بل لازمه الشرعي حرمة قربانها فقد ثبت بقولها لازمه الشرعي ولازمه الجعلي المنفك وهو حنثه وسيأتي الفرق ولو كان الزوج قد أقر بالحبل طلقت بلا شهادة عند أبي حنيفة وعندهما يشترط شهادة القابلة لأنه لا بد من الحجة لدعواها الحنث وشهادتها حجة فيه
وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة للعلم بأن الحبلى تلد بعده ولأنه أقر بأنها مؤتمنة في إخبارها بالولادة حيث أقر بأنها حامل فيقبل قولها في رد الأمانة كما إذا علق بحيضها فقالت حضت فإذن ظهر الفرق الدافع للإشكال المذكور وهو أن التعليق إن كان بما هو معلوم الوقوع بعده وعلمه من جهتها كما بحيضها وبولادتها بعد الإقرار بحبلها أو بظهور حبلها كان التزاما لتصديقها عند إخبارها به وإعترافا بأنها مؤتمنة
____________________
(4/361)
فيه وإن لم يكن كذلك وهو التعليق بولادتها قبل الإعتراف بحبلها سابقا ولا ظهور حبل حال التعليق لم يستلزم ذلك فيحتاج عند إنكاره إلى الحجة
قوله وأكثر مدة الحمل سنتان وعند ا لشافعي ومالك أربع سنين وعن الليث ثلاث سنين وعن الزهري سبع سنين واستدل المصنف رحمه الله بقول عائشة رضي الله عنها الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بظل مغزل أخرج الدار قطني والبيهقي في سننهما من طريق ابن المبارك حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل وفي لفظ قالت لا يكون الحمل أكثر من سنتين الحديث وأخرج الدار قطني ومن جهته البيهقي عن الوليد بن مسلم قال قلت لمالك بن أنس أفي حديث عن عائشة أنها قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل مغزل فقال سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثني عشرة سنة كل بطن في أربع سنين ولا يخفى أن قول عائشة رضي الله عنها مما لا يعرف إلا سماعا وهو مقدم على المحكي عن امرأة ابن عجلان لأنه بعد صحة نسبته إلى الشارع لا يتطرق إليه الخطأ بخلاف الحكاية فإنها بعد صحة نسبتها إلى مالك والمرأة يحتمل خطؤها فإن غاية الأمر أن يكون انقطع دمها أربع سنين ثم جاءت بولد وهذا ليس بقاطع في أن الأربعة بتمامها كانت حاملا فيها لجواز أنها امتد طهرها سنتين أو أكثر ثم حبلت ووجود الحركة مثلا في البطن لو وجد ليس قاطعا في الحمل لجواز كونه غير الولد ولقد أخبرنا عن امرأة أنها وجدت ذلك مدة تسعة أشهر من الحركة وإنقطاع الدم وكبر البطن وإدراك الطلق فحين جلست القابلة تحتها أخذت في الطلق فكلما طلقت اعتصرت ماء هكذا شيئا فشيئا إلى أن انضمر بطنها وقامت عن قابلتها عن غير ولادة وبالجملة مثل هذه الحكايات لا يعارض الروايات وما روى أن عمر رضي الله عنه أثبت نسب ولد المرأة التي غاب عنها زوجها سنتين ثم قدم فوجدها حاملا فهم برجمها فقال له معاذ إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها حتى ولدت ولدا قد نبتت ثنيتاه يشبه أباه فلما رآه الرجل قال ولدي ورب الكعبة فإنما هو بقيام الفراش ودعوى الرجل نسبه
قوله وأقله ستة أشهر ولا خلاف للعلماء فيه لقوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } مع تفسير الفصال في الآية الأخرى بكونه
____________________
(4/362)
في عامين فيلزم كون الفاضل للحمل ستة اشهر وأورد عليه أنه مخالف لما قرره لأي حنيفة في الرضاع من أن هذه المدة مضروبة بتمامها لكل من الحمل والفصال غير أن المنقص قام في أحدهما وهو الحمل وهو حديث عائشة قلنا قدمنا هناك أنه غير صحيح لما يلزم من أنه يراد بلفظ الثلاثين في إطلاق واحد حقيقة ثلاثين وأربعة وعشرين باعتبار إضافتين فلعله رجع إلى الصحيح وأجيب بأن هذا تأويل ابن عباس رضي الله عنهما ذكره هنا وموضع الاستدلال في الحقيقة مورده لا هو فنقل بعضه لينبه به عليه وهو ما روى أن رجلا تزوج امرأة فولدت لستة أشهر فهم عثمان برجمها فقال ابن عباس رضي الله عنهما أما إنها لو خاصمتكم بكتاب الله تعالى لخصمتكم قال الله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وفصاله في عامين فلم يبق للحمل إلا ستة أشهر فدرأ عثمان رضي الله عنه الحد عنها فالتمسك بدرء عثمان مع عدم مخالفة أحد فكان إجماعا وهذا صحيح في نفسه ومفيد لقطعية إرادة كون المدة بمجموع الحمل والفصال لاتفاقهم على صحته حيث سكتوا ورتبوا الحكم باعتباره وهو يبطل تمسكه في الرضاع على ذلك الوجه فلا يندفع به التناقض على المصنف
قوله ومن تزوج أمة فطلقها أي بعد الدخول واحدة بائنة أو رجعية ثم اشتراها قبل أن تقر بانقضاء عدتها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها لزمه أي ثبت نسبة منه ولفظ يوم بعد منذ مستغنى عنه وقيدنا ببعد الدخول وواحدة لأنه لو كان قبل الدخول لا يلزمه الولد إلا أن تجيء به لأقل من ستة أشهر منذ فارقها لأنه لا عدة لها أو بعده والطلاق ثنتان ثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق كما سيذكره المصنف
قوله وإلا أي وإن لم تجيء به لأقل بل لتمام ستة أشهر أو
____________________
(4/363)
أكثر من وقت الطلاق لم يلزمه إلا أن يدعيه
قوله لأنه في الوجه الأول وهو ما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر ولد المعتدة للتيقن بكون العلوق سابقا على الشراء وولد المعتدة يثبت نسبه بلا دعواه وفي الوجه الثاني وهو ما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا ولد المملوكة فلا يثبت إلا بدعواه وهذا لأن الطلاق إذا كان واحدة حل له وطؤها بعد الشراء إذ لا يظهر عدتها في حقه لأنها معتدته والمرأة متى ولدت والوطء حلال يقضي بالعلوق من أقرب الأوقات لأن فيما زاد عليه شكا وأقرب الأوقات ستة أشهر واعتبارها في الأول يوجب أنه ولد المعتدة وفي الوجه الثاني يوجب أنه ولد المملوكة فلا يثبت إلا بدعوة بخلاف ما لو كان الطلاق ثنتين حيث يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الشراء لأن به تحرم الأمة حرمة غليظة فلا يحلها الشراء لأن حل المحرمة حرمة غليظة مغياة بنكاح زوج آخر على ما عرف فتعذر القضاء بالعلوق من أقرب الأوقات لأنه قضاء عليهما بالوطء الحرام فقضينا بالعلوق من أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق حملا لأمرهما على الصلاح وقبل الطلاق كانت منكوحة فيثبت نسب ولدها بلا دعوة ثم إذا كانت الواحدة رجعية وهو ولد
____________________
(4/364)
المعتدة فيلزمه وإن جاءت به لعشر سنين بعد الطلاق فأكثر بعد كونه لأقل من ستة أشهر من الشراء وإن كانت بائنا ثبت إلى أقل من سنتين بعد كونه لأقل من ستة أشهر من الشراء وأعلم آن ما ذكر من حكم المطلقة الرجعية ثابت عند عدم الطلاق يعني لو اشتراها من غير طلاق كان الحكم المذكور للرجعية ثابتا ولو اشترى زوجته الموطوءة ثم أعتقها فولدت لأكثر من ستة أشهر منذ اشتراها لا يثبت النسب إلا أن يدعيه الزوج لأن النكاح بطل بالشراء وصارت بحال لا يثبت نسب ولدها منه لو ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت الشراء إلا بدعوة والعتق ما زادها إلا بعدا منه وعند محمد يثبت النسب إلى سنتين بلا دعوة من يوم الشراء لأنه بالشراء بطل النكاح ووجبت العدة لكنها لا تظهر في حقه للملك وبالعتق ظهرت وحكم معتدة عن بائن لم تقربا بانقضاء عدتها ذلك ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر لزمه للعلم بثبوته قبل الشراء وإن كان لأكثر من سنتين من العقد وكذا لو لم يعتقها ولكن باعها فولدت لأكثر من ستة أشهر مذ باعها فعند أبي يوسف لا يثبت النسب وإن ادعاه إلا بتصديق المشتري لما مر أن النكاح بطل وعند محمد يثبت بلا تصديق كما قال في العتق إلا أنه هنا لا يثبت بلا دعوة لأن العدة ظهرت ثم ولم تظهر هنا ولو أسلمت كتابية تحت مسلم ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر ولأقل من سنتين من وقت الإسلام فنفاة لا عن ويقطع نسب الولد منه وإن احتمل علوقة قبل الإسلام وهو باعتباره لا لعان لكن العلوق حادث والأصل في الحوادث ما قلنا وكذا حر تحته أمة أعتقها مولاها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر ولأقل من سنتين من وقت الإعتاق فنفاه الزوج لا عن وإن احتمل العلوق قبل الإعتاق فإن قيل ما ذكر تم ينتقض بمسائل إحداها ما لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثلاثا ولم يبين حتى ولدت إحداهما لأكثر من ستة أشهر من وقت الإيجاب ولأقل من سنتين منه فالإيجاب على إبهامه ولا تتعين ضرتها للطلاق ذكره في الزيادات وثانيتها ما لو قال لها إذا حبلت فأنت طالق فولدت لأقل من سنتين من وقت التعليق لا يقع الطلاق فكذا لو كان هذا في تعليق العتاق بالحبل وثالثها المطلقة الرجعية إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق لا يصير مراجعا ولو كانت الحوادث تضاف إلى أقرب الوقات لثبتت هذه الأحكام اعني البيان والطلاق والرجعة قلنا الحوادث إنما تضاف إلى أقرب الأوقات إذا لم تتضمن إبطال ما كان ثابتا بالدليل آو ترك العمل بالمقتضى أما إذا تضمنت فلا فمتى عولت على ما قلناه ثم استقريت المسائل وجدت الأمر عليه ففي ثبوت الطلاق في الصورتين الأوليين إبطال ما كان ثابتا بيقين بلا يقين وفي الرجعة كذلك مع العمل بخلاف الدليل الدال على استكراه الرجعة بغير القول
قوله فهي أم ولده بالإجماع لأن سبب وجود النسب قد وجد وهو الدعوة والحاجة إلى
____________________
(4/365)
تعيين الولد وشهادة القابلة حجة في ذلك بالإجماع أي باتفاق أصحابنا هذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ولو ولدته لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال أنها حبلت بعد مقالة المولى فلم يكن المولى مدعيا هذا الولد بخلاف الأول لتيقننا بقيامه في البطن وقت القول فتيقنا بالدعوى
قوله يرثانه الخ فإن قيل ثبوت النكاح هنا اقتضائي فيثبت بقدر الضرورة وهي تصحيح النسب دون الإرث قلنا النكاح غير متنوع إلى ما هو سبب استحقاق الإرث وما ليس كذلك بل هو ملزوم لاستحقاقه وإذا ثبت الشيء ثبت بلازمه الشرعي وإن لم يكن لازما بخلاف نكاح الأمة والكتابية
قوله وجه الاستحسان أن المسألة مفروضة فيما إذا كانت معروفة بحرية الأصل وأنها أم الولد وإذا ثبت كونها حرة هي أم ابنه لزم كونه من نكاح صحيح عادة وعرفا لأنه الموضوع لحصول الأولاد دون الفاسد والوطء بشبهة فهما احتمالان لا يعتبران في مقابلة الظاهر القوي وكذا احتمال كونه طلقها في صحته وانقضت عدتها لأنه لما ثبت النكاح وجب الحكم بقيامه ما لم يتحقق زواله
قوله فلا ميراث لها قال التمرتاشي ولكن لها مهر المثل لأنهم أقروا بالدخول بها ولم يثبت كونها أم ولد بقولهم
قوله لا في استحقاق الإرث فلا يقضي به كالمفقود يجعل حيا في ماله حتى لا يرث غيره منه لا بالنسبة إلى غيره حتى لا يرث مفقود من أحد
____________________
(4/366)
& باب الولد
من أحق به لما ذكر ثبوت نسب الولد عقيب أحوال المعتدة ذكر من يكون عنده الولد
قوله وإذا وقعت الفرقة الخ هو على الإطلاق في غير ما إذا وقعت بردتها لحقت أولا لأنها تحبس وتجبر على الإسلام فإن تابت فهي أحق به وما إذا لم تكن أهلا للحضانة بأن كانت فاسقة أو تخرج كل وقت وتترك البنت ضائعة أو كانت أمة أو أم ولد أو مدبرة أو مكاتبة ولدت ذلك الولد قبل الكتابة أو متزوجة بغير محرم وما إذا كان الأب معسرا وأبت الأم أن تربى إلا بأجر وقالت العمة أنا أربي بغير أجر فإن العمة أولى هو الصحيح
قوله فالأم أحق بالولد بالإجماع فأن كانت كتابية أو مجوسية لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين
قوله لما روى أن امرأة في سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي رواه الحاكم وصححه وعمرو هذا هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فإذا أراد بجده محمدا كان مرسلا وإذا أراد به عبد الله كان متصلا فما لم ينص عيه يصير محتملا للإرسال والاتصال وهنا نص على جده عبد الله وحجر الإنسان بالفتح والكسر والحواء بالكسر بيت من الوبر والجمع الأحوية
قوله ولأن الأم أشفق عليه إبداء لحكمة خصوص هذا الشرع وإنما كانت أشفق عليه لأنه كان جزاء لها حقيقة حتى قد يقرض بالمقراض وأقدر على الحضانة لتبتلها بمصالحه
____________________
(4/367)
والرجل أقدر على الاكتساب فلذا جعلت نفقته عليه إذا لم يكن هو له مال وجعل عندها وقوله وإليه أشار الصديق الخ يشير إلى ما في موطأ مالك حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال كانت عند عمر امرأة من الأنصار فولدت له عاصما ثم فارقها عمر رضي الله عنه فركب يوما إلى قباء فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه فأقبلا حتى أتيا أبا بكر فقال عمر هذا ابني وقالت المرأة ابني فقال أبو بكر خل بينه وبينها فما راجعه عمر الكلام وكذا رواه عبد الرزاق ورواه البيهقي وزاد ثم قال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا توله والدة عن ولدها وفي مصنف ابن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن يحيى بن سعيد عن القاسم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلق جميلة بنت عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فتزوجت فجاء عمر فأخذ ابنه فأدركته شموس أم ابنة عاصم الأنصارية وهي أم جميلة فأخذته فترافعا إلى أبي بكر فقال خل بينها وبين ابنها فأخذته ولابن أبي شيبة أيضا عن عمر أنه طلق أم عاصم ثم أتى عليها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام فانطلقا إلى أبي بكر فقال له مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبي فيختار لنفسه
قوله والنفقة على الأب على ما نذكر أي في باب النفقة وهذا إن كان حيا فإن كان ميتا فعلى ذي الرحم الوارث على قدر المواريث
قوله ولا تجبر يعني إذا طلبت الأم فهي أحق به وإن أبت لا تجبر على الحضانة وهو قول الشافعي وأحمد والثوري ورواية عن مالك وفي رواية أخرى وهو قول ابن أبي ليلى وأبي ثور والحسن بن صالح تجبر واختاره أبو الليث والهنداوني من مشايخنا لأن ذلك حق الولد قال تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } والمراد الأمر وهو الوجوب والمشهور عن مالك لا تجبر الشريفة التي لا عادة لها بالإرضاع وتجبر التي هي ممن ترضع وإن لم يوجد غيرها أو لم يأخذ الولد ثدي غيرها أجبرت بلا خلاف ويجبر الأب على أخذ الولد بعد استغنائه عن الأم لأن نفقته وصيانته عليه بالإجماع ولنا قوله تعالى { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } وإذا اختلفا فقد تعاسرا فكانت الآية للندب أو محمولة على حالة الاتفاق وعدم التعاسر ولأنها عسى أن تعجز عنه لكن في الكافي للحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد لو اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما كان إليها محتاجا هذا لفظه فأفاد أن قول الفقيهين جواب الرواية وأما قوله تعالى { فسترضع له أخرى } فليس الكلام في الإرضاع بل في الحضانة قال في التحفة ثم الأم وإن كانت أحق بالحضانة فإنه لا يجب عليها إرضاعه لأن ذلك بمنزلة النفقة ونفقة الولد على الوالد إلا أن لا يوجد من ترضعه فتجبر
قوله فإن لم تكن أي لم تكن له أم تستحق الحضانة بأن كانت غير أهل للحضانة أو متزوجة بغير محرم أو ماتت فأم الأم أولى من كل أحد وإن علت وعن أحمد أم الأب أولى وإن استضعف بأن
____________________
(4/368)
أم الأم تدلي بالأم وهي المقدمة على الأب فمن يدلي بها ولادا أحق ممن يدلي به فإن لم تكن للأم أم فأم الأب أولى ممن سواها وإن علت وعند زفر الأخت الشقيقة أو الخالة أولى منها وعن مالك الخالة أولى من الجدة لأب لما في الصحيحين أن عليا وجعفر الطيار وزيد بن حارثة اختصموا في بنت حمزة فقال علي أنا أحق بها هي ابنة عمي وقال زيد بنت أخي وقال جعفر بنت عمي وخالتها تحتي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر اشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا ورواه أبو داود وقال فيه إنما الخالة أم ورواه إسحاق بن راهويه وقال بعد قوله وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة قلنا هذا كله تشبيه فيحتمل كونه في ثبوت الحضانة أو غيره إلا أن السياق أفاد إرادة الأول فيبقى أعم من كونه في ثبوت أصل الحضانة أو كونها أحق به من كل من سواها ولا دلالة على الثاني والأول متيقن فيثبت فلا يفيد الحكم بأنها أحق من أحد بخصوصه أصلا ممن له حق في الحضانة فيبقى المعنى الذي عنيناه بلا معارض وهو أن الجدة ام ولهذا تحرز ميراث الأم من السدس وغلبة الشفقة تتبع الولاد ظاهرا فكانت مقدمة على الأخوات والخالات فإن لم تكن جدة سفلى ولا عليا فالأخوات أولى من العمات والخالات لأنهن بنات الأبوين وأولئك بنات الأجداد والجدات والشقيقة أولى من
____________________
(4/369)
غيرها والتي لأم أولى من الأخت لأب وبعد الأخت لأب الخالة وفي رواية كتاب الطلاق الخالة أولى من الأخت لأب لأنها تدلي بالأم وتلك بالأب وفي رواية كتاب النكاح الأخت لأب أولى من الخالة اعتبارا لقرب القرابة وتقديم المدلى بالأم على المدلى بالأب عند اتحاد مرتبتهما قربا فعلى رواية كتاب النكاح تدفع بعد الأخت لأب إلى بنت الأخت الشقيقة ثم إلى بنت الأخت لأم ثم إلى بنت الأخت لأب ثم إلى الخالة الشقيقة ثم إلى الخالة لأم ثم لأب ثم العمات على هذا الترتيب ثم إلى خالة الأم لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم إلى عماتها على هذا الترتيب وخالة الأم أولى من خالة الأب عندنا ثم خالات الأب وعماته على هذا الترتيب وقد تبين أن أولاد الأخوات لأب وأم أحق من الخالات والعمات وأن الأخت لأم أحق من ولد الأخت الشقيقة وبنات الأخت أولى من بنات الأخ لأن بنت الأخت تدلى إلى من له حق الحضانة وأما بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات بمعزل عن حق الحضانة لأن قرابتهن لم تتأكد بالمحرمية
قوله لما روينا وهو قوله صلى الله عليه وسلم ما لم تتزوجني والنزر القليل والشزر نظر البغض ولو ادعى الأب أن الأم تزوجت وأنكرت فالقول لها ولو أقرت بالتزوج إلا أنها ادعت الطلاق وعود حقها فإن لم تعين الزوج فالقول لها وإن عينته لا يقبل قولها في دعوى الطلاق حتى يقربه الزوج
قوله فاختصم المقصود أنه إذا لم يكن للصغير امرأة من أهله أو وجب الانتزاع
____________________
(4/370)
من النساء أخذه الرجال وأولاهم أقربه تعصيبا لأن الولاية عليه بالقرب ولذلك إذا استغنى عن الحضانة كان الأولى بحفظه أقربهم تعصيبا وقد عرف في موضعه أي في الفرائض وأولى العصبات الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب وكذا كل من سفل من أولادهم ثم العم شقيق لأب ثم الأب فأما أولاد الأعمام فإنه يدفع إليهم الغلام فيبدأ بابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب ولا تدفع الصغيرة إليهم لأنهم غير محارم وإنما يدفع إليهم الغلام وإذا لم يكن للصغيرة عصبة تدفع إلى الأخ لأم ثم إلى ولده ثم إلى العم لأم ثم إلى الخال لأب وأم ثم لأب ثم لأم لأن لهؤلاء ولاية عند أبي حنيفة رحمه الله في النكاح ويدفع الذكر إلى مولى العتاقة لأنه آخر العصبات ولا تدفع الأنثى إليه ولو كان في المحارم من الإخوة والأعمام من لا يؤمن على صبي وصبية لفسقه ليس له حق في الإمساك الكل من الكافي وإذا اجتمع مستحقوا الحضانة في درجة كإخوة وأعمام فأصلحهم أولى فإن تساووا فأسنهم وفي الفتاوى الصغرى فإن لم يكن عصبة فإلى ذوي الأرحام على الترتيب
قوله حتى يأكل الخ الذي في الأصل حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده وفي بعض نسخ النوادر ويستنجي وحده فضمه المصنف إلى ما تقدم وفي نوادر ابن رشيد ويتوضأ وحده وذكر شمس الأئمة أنه لا بد من أن يستنجي وحده أنه لا بد منه ليحصل الاستغناء ثم من المشايخ من قال المراد من الاستنجاء تمام الطهارة بأن يطهر وجهه وحده بلا معين ومنهم من قال بل من النجاسة وإلا لم يقدر على تمام الطهارة
قوله والخصاف رحمه الله قدر الاستغناء بسبع سنين وعليه الفتوى كذا في الكافي وغيره لا ما قيل إنه يقدر بتسع لأن الأب مأمور بأن يأمره بالصلاة إذا بلغها وإنما يكون ذلك إذا كان الولد عنده ولو اختلفا فقال ابن سبع وقالت ابن ست لا يحلف القاضي أحدهما ولكن ينظر إن كان يأكل وحده ويلبس وحده دفع وإلا فلا
قوله وعن محمد رحمه الله أنها تدفع إلى الأب إذا بلغت حد الشهوة وهي
____________________
(4/371)
رواية هشام عنه وفي غياث المفتي لاعتماد على رواية هشام عن محمد لفساد الزمان وعن أبي يوسف مثله واختلف في حد الشهوة ليبني عليها أخذ الأب وثبوت حرمة المصاهرة قالوا بنت تسع مشتهاة وخمس ليست مشتهاة وست وسبع وثمان إن كانت عبلة مشتهاة وإلا فلا
قوله ومن سوى الأم والجدة يعني الجدتين من قبل الأم والأب
قوله لأنها لا تقدر على استخدامها شرعا وتعليم آداب النساء من الخبز والطبخ والغزل وغسل الثياب إنما يحصل بالاستخدام
بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا ولذا جاز أن تؤاجرها قال الحاكم الجليل الشهيد فإن كانت البكر دخلت في السن واجتمع عقلها ورأيها وأخوها مخوف عليها فلها أن تنزل حيث أحبت في مكان لا يتخوف عليها
قوله والأمة إذا أعتقها مولاها وأم الولد اذا أعتقت كالحرة في حق الولد وحال الحرة فيه أنه إن كان الولد رقيقا كان مولاه أحق به منها وإن كان حرا كانت أحق به من الزوج بعد الطلاق ومن مولاه إن كان له مولى أعتقه ومن مولاها إن كان ابنها منه قبل عتقها ولو فارقها زوجها وهي أمة فالولد لمولاها وهو أولى به من الأب لأنه مملوكه وكذا إذا كان الزوج حرا ولم يفارق أمه فالمولى أحق بالولد لكن لا يفرق بينه وبين أمه للنهي عن ذلك ذكره في الكافي وفي التحفة المكاتبة إن ولدت قبل الكتابة لا حق لها وإن ولدت بعده فهي أولى به لدخوله تحت الكتابة
قوله ويخاف بالرفع استئنافا وفي بعض النسخ أو يخف
____________________
(4/372)
بالجزم عطفا على يعقل وتمنع آن تغذيه الخمر أو لحم الخنزير وإن خيف ضم إلى ناس من المسلمين ويروي بالنصب أيضا على معنى إلى أن يخاف مثله في قوله لألزمنك أو تقضيني حقي ولكن هذا في أو لا الواو وقال الشافعي وأحمد ورواية عن مالك لا حضانة لها والمشهور عن مالك كقولنا وهو قول ابن القاسم وأبي ثور وقوله للنظر قبل ذلك دافع لقولهم وحاصله أن الأنظر للصغير أن يكون عند الأم لوفور شفقتها وزيادة قدرتها على التبتل بملاحظته ومصالحه وما فيه من احتمال الضرر الديني يرتفع بما ذكرنا
قوله ولا خيار للغلام يعني إذا بلغ السن الذي يكون الأب أحق به كسبع مثلا أخذه الأب ولا يتوقف على اختيار الغلام ذلك وعند الشافعي يخير الغلام في سبع أو ثمان وعند أحمد وإسحاق يخير في سبع فإذا اختار أحدهما وسلم إليه ثم اختار الآخر فله ذلك فإن عاد واختار الأول أعيد إليه هكذا أبدا قال في المغنى وهذا لم يقل به أحد من السلف والمعتوه لا يخير ويكون عند الأم
قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير أخرج الأربعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه قال الترمذي حديث حسن صحيح ولأبي داود والنسائي فيه قصة لأبي هريرة قبل أن يروي الحديث حاصلها أنه خير غلاما في واقعة رفعت إليه ثم روى الحديث ولفظه سمعت امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد إمه فانطلقت به واستدل المصنف بالمعنى على عدم التخيير وهو ظاهر وأجاب عن الحديث بوجهين أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم دعا أن يوفق لاختيار الأنظر على ما رواه أبو داود في الطلاق والنسائي في الفرائض
____________________
(4/373)
عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاءا بابن لهما صغير لم يبلغ فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب هنا والأم هنا ثم خيره وقال اللهم اهده فذهب إلى أبيه وفي لفظ آخر أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم وقال رافع ابنتي فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم ناحية والاب ناحيه وأقعد الصبية ناحية وقال لهما ادعواها فمالت الصبية إلى أمها فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها وأخرجه الدارقطني من طريق أبي عاصم النبيل عن عبد الحميد وسمى البنت عميرة وأخرج ابن ماجة والنسائي في سننه عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية رضي الله عنه حدثنا عثمان البتي عن عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده أبي سلمة آن أبوين اختصما في ولد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما كافر فخيره النبي صلى الله عليه وسلم فتوجه إلى الكافر فقال اللهم اهده فتوجه إلى المسلم فقضى له به قال ابن القطان بعد ذكر الروايتين اختلف في أنه غلام أو جارية ولعلهما قضيتان قال وقد روى من طريق عثمان البتي عن عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده أن أبويه اختصما فيه رواه ابن أبي شيبة ورواه غيره وقال فيه عبد الحميد عن يزيد بن سلمة ولا يصح ذلك لأن عبد الحميد بن سلمة وأباه وجده لا يعرفون ولو صحت لا ينبغي أن يجعل خلافا لرواية أصحاب عبد الحميد بن جعفر عن عبد الحميد بن جعفر فإنهم ثقات وهو وأبوه ثقتان وجده رافع بن سنان معروف وأفاد أن المراد بقوله عن أبيه عن جده جد ابيه قال فإنه عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان ونحن نقول إنه إذا اختار من اختاره الشرع دفع له لكن الوقوف على ذلك متعذر بتخيير غيره صلى الله عليه وسلم مع دعائه فيجب بعده صلى الله عليه وسلم اعتبار مظنة الأنظرية وهو فيما قلنا ثانيهما أنه كان بالغا بدليل الاستقاء من بئر أبي عنبة ومن دون البلوغ لا يرسل إلى الآبار للاستقاء للخوف عليه من السقوط فيه لقلة عقله وعجزه عنه غالبا ونحن نقول إذا بلغ فهو مخير بين آن ينفرد بالسكنى وبين أن يكون عند أيهما أراد اللهم إلا أن يبلغ سفيها مفسدا فحينئذ يضمه إلى نفسه اعتبارا لنفسه بماله ولا نفقة له على الأب إلا أن يتطوع أما الجارية فإن بلغت بكرا ضمها إلى نفسه وإن بلغت ثيبا فلها أن تنفرد بالسكنى إلا أن تكون غير مأمونة على نفسها لا يوثق بها فللأب آن يضمها إليه وكذا الأخ وللعم الضم إذا لم يكن مفسدا وإن كان فحينئذ يضعها القاضي عند امرأة ثقة ولهذا صح أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخيروا على ما تقدم من قصة عمر مع أبي بكر وما أسند عبد الرزاق عن عمر أنه خير ابنا بين أبيه وأمه فاختار أمه فانطلقت به محمول على أنه عرف ميل الابن إلى أمه وهي في الواقع أحق بحضانته فأحب تطييب قلب الأب من غير مخالفة للشرع فخيره يدل عليه ما تقدم أنه لم يراجع أبا بكر الكلام والجواب أن عدم المراجعة ليس دليلا لأن أبا بكر كان إماما يجب نفاذ ما يحكم به من رأيه وإن خالف رأى المحكوم عليه فالوجه ما ذكرنا ليوافق المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قدمناه أول الباب
____________________
(4/374)
فصل
إذا ثبت حق الحضانة للأم فأرادت أن تخرج بالولد إلى بلد آخر والنكاح قائم كان للزوج منعها لأن حق السكنى له بعد إيفاء معجل المهر خصوصا بعد ما خرجت معه وإن كانت بائنة وقد انقضت عدتها فلا يخلو من كون البلدة التي تريد الخروج إليها بلدها وقد وقع العقد فيها أو لا ففي الأول ليس للأب منعها وإن بعدت كالكوفة من الشام إلا أن تكون دار حرب وهو مسلم أو ذمي وإن كانت هي حربية ولو كان كلاهما مستأمنا جاز لها ذلك لأنه لما عقد النكاح به فالظاهر أنه يقيم به غير أنه إذا خرج بعد ذلك وقد أعطاها المهر وجب عليها المتابعة أو تابعته بلا وجوب وإذا زالت الزوجية لم تجب المتابعة فيعود الأمر إلى لأول ولو كانت الأولاد غيبا بأن تزوجها مثلا بالبصرة فولدت له أولادا فخرج بهم إلى الكوفة ثم طلقها فخاصمته فيهم ليردهم إليها فإن أخرجهم بإذنها ليس عليه أن يجيء بهم إلينا ويقال لها اذهبي إليهم فخذيهم وإن كان بغير إذنها فعليه آن يجيء بهم إليها وفي الثاني له منعها سواء كان مصرها ولم يعقد فيه أو عقد فيه وليس مصرها على أصح الروايتين كما سيذكره المصنف إلا أن تخرج إلى مصر قريب بحيث لو خرج الأب لمطالعة الولد أمكنه أن يبيت في أهله أو قريته كذلك وكان العقد في قرية لأنه كالانتقال من حارة إلى حارة وإن لم يكن العقد في قرية بل مصر فليس لها إخراجه إلى القرية القريبة هذا فيما بين الأب والأم أما لو كانت الأم ماتت وصارت الحضانة للجدة فليس لها أن تنتقل بالولد إلى مصرها لأنه لم يكن بينهما عقد وكذا أم الولد إذا أعتقت لا تخرج الولد من المصر الذي فيه للغلام لأنه لا عقد بين الأب وأم الولد ولنتكلم على فصول الكتاب
قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(4/375)
في مسند ابن أبي شيبة حدثنا المعلي بن منصور عن عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن عبد الرحمن بن الحرث بن أبي ذياب أن عثمان رضي الله عنه صلى بمعنى أربعا ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تأهل في بلدة فهو من أهلها يصلي صلاة المقيم وإني تأهلت منذ قدمت مكة ورواه أبو يعلي كذلك ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله وإنما أتممت لأني تزوجت بها منذ قدمتها وقد ضعف عكرمة الأزدي ولهذا يصير الحربي به ذميا ظاهره أن بالتزوج يصير الحربي ذميا ودفع في الكافي بأنه خلاف المصرح به بل لا يصير الحربي بالتزوج في دار الإسلام ذميا لأنه لا يستلزم التزام المقام لتمكنه من الطلاق والعود وإنما ذلك في الحربية إذا تزوجت في دار الإسلام تصير ذمية لعدم كون الطلاق في يدها فيكون التزاما وإنما يصح بحمل الحربي على إرادة الشخص الحربي فيصح مرادا به الحربية وبتجويز أن يكون مرجع الضمير التزام المقام قال وهو ظاهر لو سيق الكلام له وفي النهاية وجدت بخط شيخي ليس في النسخة التي قوبلت مع نسخة المصنف هذه الجملة بل اتصل قوله وإن أرادت الخروج بقوله فهو منهم وما ذكر هنا في بعض النسخ وقع سهوا انتهى وعلى هذا لا حاجة إلى تكلف توجيهه بما قلنا وبغيره وتحميل المصنف إياه مع أنه لا يصح لأن مرجع الضمير إن كان التزوج فهو تزوج الرجل فلا يصح الاستيضاح بتزوج المرأة الحربية على صيرورته من أهلها والحال أن صيرورتها كذلك لأمر يخصها لا يوجد في حقه وإن كان التزام المقام فليس السوق لإثباته
قوله أشار في الكتاب أي القدوري وقيل المبسوط والأول أولى لأنه معتاد المصنف ولا يستفاد الثاني لعدم المعهودية ووجهه أن قوله إلا أن تخرج بها إلى وطنها يفيد أن غيره داخل في الحظر والذي وقع فيه التزوج غير وطنها وقوله وهو رواية كتاب الطلاق أي من الأصل وفي العكس وهو ما إذا أرادت الانتقال إلى مصرها ولم يقع فيه العقد لم يكن لها الانتقال به باتفاق الروايات
قوله كما يوجب البيع التسليم في مكانه أي إذ كان
____________________
(4/376)
المبيع في ذلك المكان لا مطلقا فإن في الفتاوي من باع شعيرا والشعير في القرية والمشتري يعلم ذلك يستحق تسليمه في مكانه لا في مكان العقد وإن لم يعلم فهو بالخيار إن شاء تسلمه في مكانه وإن شاء فسخ ولو تعين مكان العقد لم يكن له خيار فكذا حق إمساك الأولاد لأن الأولاد من ثمرات النكاح فيجب مراعاة الثمرات في مكان العقد اعتبارا للثمرات بالأحكام من وجوب التسليم والتسلم
قوله تفاوت أي بعد وفي عكسه وهو أن ينتقل من المصر إلى القرية لا يجوز وإن كانت القرية قريبة إلا إذا وقع العقد فيها وهي قريتها فحينئذ لها ذلك ذكره في شرح الطحاوي وفي شرح البقالي ليس لها ذلك بحال وقع العقد هناك أولا والأول هو المنصوص ذكر الحاكم الشهيد في الكافي الذي هو كلام محمد إذا كان أصل النكاح في رستاق وله قرى متفرقة فأرادت أن تخرج بهم من قرية إلى قرية فلها ذلك إن كانت القرى قريبة ينظر بعضها إلى بعض ما لم يكن ذلك يقطعه عن أبيه إذا أراد أن ينظر إليه من يومه وإذا أرادت أن تخرجه من مصر جامع إلى قرى إن كانت قريبة منها فليس لها ذلك إلا أن يكون النكاح وقع في تلك القرى وفيه أيضا وليس للمرأة أن تشتري لولدها وتبيع وإن كانت أحق به إلا أن تكون وصية والله أعلم
____________________
(4/377)
& باب النفقة
النفقة مشتقة من النفوق وهو الهلاك نفقت الدابة تفوقا هلكت أو من النفاق وهو الرواج نفقت السلعة نفاقا راجت وذكر الزمخشري أن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج والذهاب مثل نفق ونفر ونفخ ونفس ونفي ونفذ وفي الشرع الإدرار على الشيء بما به بقاؤه ثم نفقة الغير تجب على الغير بأسباب الزوجية والقرابة والملك فبدأ بالزوجات إذ هي الأصل في ثبوت النفقة للولد لأنه فرعها ثم بالسبب الأبعد والأصل في ذلك قوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } مرجع الضمير للوالدات المتقدم ذكرهن قيل
____________________
(4/378)
هي الزوجات وقيل هي المطلقات والأول هو الظاهر وقال تعالى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وقال تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وقرأ ابن مسعود أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بعرفة في حجة الوداع كما قدمناه في ضمن حديث جابر الطويل في الحج فاتقوا الله في النساء فإنهم عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف رواه مسلم وغيره وفي الصحيحين أن هندا بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما آخذ من ماله بغير علم فقال صلى الله عليه وسلم خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك والأحاديث كثيرة في الباب وعليه إجماع العلماء وما نقل عن الشعبي رحمه الله من قوله ما رأيت أحدا جبر على نفقة أحد يجب تأويله والله أعلم بصحته
قوله وكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره أي لمنفعة ترجع إلى غيره كان نفقته عليه فخرج الرهن فإن نفقته على الراهن لأن منفعة حبسه ليست متمحضة للمرتهن بل مشتركة وخرج المنكوحة نكاحا فاسدا حتى لو تعجلت نفقة شهر ثم ظهر انه فاسد رجع عليها بما أخذت أما لو أنفق عليها بلا فرض القاضي فلا يرجع وفي الفتاوى رجل اتهم بامرأة فظهر بها حبل فزوجت منه فإن لم يقر بأن الحبل منه كان النكاح فاسدا عند أبي يوسف وعندهما صحيح فتستحق النفقة وذكر في موضع آخر لا تستحقها عندهما أيضا لأنه ممنوع من وطئها ولو أقر أنه منه تجب النفقة بالاتفاق لصحة النكاح عند الكل وحل وطئها وتقدم أصله في المحرمات والله أعلم
قوله أصله العامل في الصدقات والمفتي والوالي والقاضي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة والمقاتلة إذا قاموا بدفع عدو المسلمين والنساء محبوسات صيانة للمياه عن الاشتباه فتجب نفقتهن عليهم مسلمات كن أو لا ولو غنيات وقوله إذا سلمت نفسها في منزله ليس شرطا لازما في ظاهر الرواية بل من حين العقد الصحيح وإن لم تنتقل إلى منزل الزوج إذا لم يطلب الزوج انتقالها فإن طلبه فامتنعت لحق لها كمهرها لا تسقط النفقة أيضا وإن كان لغير حق حينئذ لا نفقة لها لنشوزها وقال بعض المتأخرين لا نفقة لها حتى تزف إلى منزل الزوج وهو رواية عن أبي يوسف واختارها القدوري وليس الفتوى عليه وقول الأقطع الشيخ أبي نصر في شرحه إن تسليمها نفسها شرط بالإجماع منظور فيه ثم قرره على وجه يرفع الخلاف وهو انه إذا لم ينقلها إلى بيته ولم تمتنع هي تجب النفقة لأنها سلمت نفسها ولكنه رضي ببطلان حقه حيث ترك النقلة فلا يسقط
____________________
(4/379)
حقها
قوله وعيه الفتوى اختار المصنف قول الخصاف وقول الكرخي هو ظاهر الرواية وقال به جمع كثير من المشايخ ونص عليه محمد رحمه الله وقال في التحفة إنه الصحيح ولا خلاف في وجوب نفقة اليسار في يسارهما والإعسار في إعسارها وإنما يظهر الخلاف في الاختلاف كما إذا كانت موسرة وهو معسر فعلى مختار المصنف يجب في الأول نفقة فوق نفقة المعسرة ودون نفقة الموسرة وكذا في عكسه وعلى ظاهر الرواية يجب في الأول نفقة الإعسار لأنها وإن كانت موسرة لما تزوجت معسرا فقد رضيت بنفقة المعسرين وفي الثاني نفقة الموسرين والمصنف لم يذكر تمام الأقسام التي بها يتم تفسير قول الخصاف بل ترك ما إذا كانت موسرة والزوج معسر وكأنه لاتحاد جوابه بجواب ما ذكره وهو ما إذا كانت معسرة وهو موسر وكان الأولى حينئذ آن يقول فإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا واقتصر في الاستدلال لمذهب الخصاف على حديث هند وقال فيه اعتبر حالها ووجهه أنه يصلح ردا لاعتبار حاله فقط يعني إذا ثبت اعتبار حالها في هذا الحديث بطل قولكم يعتبر حاله فقط ثم اعتبار حاله ثابت لا بد منه باتفاق القائلين القائل باعتبار حاله والقائل باعتبار حالهما ويورد عليه أن حديث هند خبر واحد وقوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله مطلق في اعتبار ثبوت حال الموسر معسرة كانت الزوجة أولا والمعسره معسره كانت أولا فاعتبار حالهما زيادة موجبة لتغيير حكم النص إذ توجب الزيادة في موضع يقتضي النص فيه عدمها وعدمها في موضع يقتضي فيه وجودها وذلك لا يجوز وأفاد المصنف دفع هذا بقوله وأما النص فنقول بموجبه إنه مخاطب بقدر وسعه والباقي في ذمته فإنه يفيد أن المفاد بالنص اعتبار حاله في الإنفاق ونحن نقول إن المعسر لا ينفق فوق وسعه وهو لا ينفي اعتبار حالها
____________________
(4/380)
في قدر ما يجب لها والحديث أفاده فلا زيادة على النص لأن موجبه تكليفه بإخراج قدر حاله والحديث أفاد اعتبار حالها في القدر الواجب لا المخرج فيجتمعان بأن يكون الواجب عليه أكثر مما إذ كانت موسرة وهو معسر ويخرج قدر حاله فبالضرورة يبقى الباقي في ذمته اللهم إلا أن يقال يجوز علمه صلى الله عليه وسلم بأن زوجها كان موسرا فلم ينص على حاله وأطلق لها أن تأخذ كفايتها وهذا ليس فيه اعتبارا حالها فإن الكفاية تختلف ثم هذا البحث يتجه بالنسبة إلى هذه الآية أما بالنسبة إلى قوله تعالى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فلا لأنه اعتبر في نفس الواجب المفاد بلفظ على حاله إلا أن هذه في المتعة لا في النفقة ويدعى الفرق بين المتعة والنفقة بناء على أنها ليست مسلوكا بها مسلك الكسوة بل هي بدل نصف المهر أو أن قوله متاعا بالمعروف الآية يقيده بالقدرتين أي على الموسع قدره مع قدرها وكذا الآخر وهذا لأن المعروف أن لا يدفع للفائقة ما يدفع للفقيرة
قوله وهو الواجب آي الوسط هو الواجب بعد اعتبار حالهما وقد يقال لا يتمشى على جميع أقسام تفسير قول
____________________
(4/381)
الخصاف رحمه الله بل في أوساط الحال وفي اختلافهما باليسار والإعسار فإن الواجب فوق الإعسار ودون نفقة اليسار وهذا وسط وأما في يسارهما فيمكن أن يقال تجب نفقة هي وسط في اليسار وأما في إعسارهما فيجب أيضا نفقة وسط في الإعسار وهو بعيد فإنه إذا فرض أن إعسارهما غاية في الإعسار فإنما تجب الغاية فيه لأن اعتبار حاله آو حالمهما لا يوجب غير ذلك والوجه آن المراد بالمعروف في قوله صلى الله عليه وسلم خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ما يقابل المنكر فيستقيم فإن المعروف في متوسطة الحال أن كفايتها دون كفاية الفائقة فيجب ذلك ليساره وعند غاية إعسارها وإعساره المعروف دون التوسط فيه والحاصل أن على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما فرض في كل وقت وباعتبار الحال من اليسار والإعسار وكما يفرض لها قدر الكفاية من الطعام كذلك من الإدام لأن الخبز لا يؤكل إلا مأدوما
قوله لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه لأنه يختلف باختلاف الطبائع وأحوال الناس وباختلاف الأوقات وفي المبسوط وكل جواب عرف من اعتبار حاله أو حالهما في النفقة ففي الكسوة مثله وإذا اختلفا في اليسار والإعسار فالقول قول الزوج في العسرة كذا في الأصل وأشار شيخ الإسلام إلى أن القول قولها إنه قادر وهو ما ذكره محمد في الزيادات ومن المتأخرين من قال ينظر إلى زيه إلا في العلوية والفقهاء وإذا كان القول قوله ولا بينة لها فسألت القاضي أن يسأل عن يساره في السر فليس ذلك على القاضي وإن فعله فأتاه عنه أنه موسر لم يفرض عليه نفقة الموسر إلا أن يخبره بذلك عدلان أنهما علما ذلك ويكونان بمنزلة الشاهدين فإن اخبراه من وراء وراء لم يؤخذ بقولهما فإن أقامت البينة أنه موسر فأقام الزوج أنه محتاج أخذ ببينتها وفرض عليه نفقة الموسر كذا في كافي الحاكم
قوله حتى تعود إلى منزله
____________________
(4/382)
يفيد أن النشوز المستعقب لسقوط النفقة مأخوذ فيه خروجها من منزله والتحرير أن المأخوذ فيه عدم موافقتها على المجيء إلى المنزل سواء كان بعد خروجها أو امتنعت عن أن تجيء إلى منزله ابتداء بعد إيفائه معجل مهرها أو عدم تمكينها إياه من الدخول في منزلها المملوك لها الذي كانت تسكن معه فيه قبل أن تسأله أن يحولها إلى منزله أو يكتري لها منزلا فإن كانت سألته في ذلك لتنتفع بملكها فأبى فمنعته الدخول كان لها النفقة وفي الفتاوى وقالت إنما خرجت لأنك ساكن في أرض مغصوبة لا تكون ناشزة وفي الفتاوى للنسفي لو كان بسمرقند وهي بنسف فبعث إليها أجنبيا ليحملها إليه فأبت لعدم المحرم لها النفقة
قوله لا يستمتع بها أي لا توطأ وصرح في الذخيرة بأن المراد من الاستمتاع الوطء وبه قيد الحاكم قال لا نفقة للصغيرة التي لا تجامع فلا نفقة لها إلى أن تصير إلى حالة تحتمل الوطء سواء كانت في بيت الزوج أو الأب واختلف فيها فقيل أقلها سبع سنين وقال العتابي اختيار مشايخنا تسع سنين والحق عدم التقدير فإن احتماله يختلف باختلاف البنية وعلى قولنا جمهور العلماء والشافعي في قوله المختار عندهم وفي قول له تجب وإن كانت في المهد لإطلاق النص وهو قول الثوري والظاهرية قلنا أما قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن فمرجع الضمير للوالدات فلا يتناول الصغائر وأما قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته فإنما فيه الأمر بالإنفاق يعني على من يستحقها ولم ينص على من يستحقها فثبوت من يستحقها خارج على أنه لو صرح بالزوجات فيها كان المراد بعضهن ألا ترى أن ليس كل زوجة تستحقها كالناشزة فيعمل في تعيين ذلك البعض بالدليل الذي يعينه وأما حديث جابر فقوله صلى الله عليه وسلم فيه ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف فمرجع الضمير فيه النساء اللاتي حلت فروجهن ونقول لا يحل فرج من لا تطيق الجماع فإنه إهلاك أو طريقه ولو سلم فالإنفاق على أن عمومه غير مراد فإن الناشزة لا نفقة لها وهي زوجة فجاز تخصيصه بعد ذلك بالمعنى وهو ما ذكره في الوجه وحاصله أن الزوجة أجنبية فاستحقاقها النفقة إما أن يكون لذلك النوع من الملك الوارد عليها على قصوره إلحاقا للمالك القاصر بالملك الكامل في المرقوقة
____________________
(4/383)
أو لاحتباسها لاستيفاء المنفعة المقصودة من التزويج أعني الوطء أو دواعيه أو لاحتباسها مطلقا لا يجوز الأول لأن إيجابها بسبب ملك كامل لا يستلزم إيجابها بسبب ملك ناقص إذ ليس هو في معناه إلا أن يكون إيجابها في الكامل لمعنى تضمنه وهو موجود في الناقص فتجب فيه لذلك المشترك لا للملك ولو عين ذلك المشترك لكان احتباسها على أحد الأوجه التي ذكرناها وسنوردها وجها وجها وأيضا عوض الملك هنا المهر فلا تكون النفقة أيضا عوضا وإلا اجتمع عن المعوض الواحد عوضان ولا يمكن جعل العوض الواحد مجموع المهر والنفقة كما لو تزوجها على ألف وعبد لأن الملك معوض يثبت جملة وهو تمام العلة لعوضه فلا بد من كون عوضه يثبت أيضا كذلك وذلك المهر دون النفقة لأنها تجب شيئا فشيئا ولو كانت جزءا من العوض لزم جهالة أي العوضين فإنما تجب بحادث شيئا فشيئا وهو الاحتباس نظرا إلى بقائه وهذا طريق المصنف وعلى هذا يجب أن يقول النفقة في المرقوقة أيضا جزاء الاحتباس لما هو من مقاصد ذلك الملك من الاستخدام الذي من جملته الوطء إن أمكن لا للملك وهذا حق ألا يرى أنه لا نفقة للآبق مع قيام الملك ولا يجوز الأخير لانتقاضه بالناشزة وأما الثاني فهو العلة لظهور أثره في حق القاضي والمفتي والعامل على الصدقات ومن تقدم وإنما لم نقل فتعين الثاني عقيب إبطال الأقسام لئلا يكون مبرأ فلما أثبتنا المناسبة بظهور الأثر لم يبق إلا سورة السبر وإنما هو في الحقيقة إثبات علية ما عيناه بظهور أثره وإبطال ما عينوه هذا وقد نقض بالرتقاء والقرناء والتي أصابها مرض يمنع الجماع والكبيرة التي لا يمكن وطؤها لكبرها فإن لهن النفقة ولا احتباس للوطء وأجيب بأن المعتبر في إيجاب النفقة احتباس ينتفع به الزوج انتفاعا مقصودا بالنكاح وهو الجماع أو الدواعي والانتفاع من حيث الدواعي موجود في هؤلاء بأن يجامع فيما دون الفرج بخلاف الصغيرة التي لا يجامع مثلها فإنها لا تكون مشتهاة أصلا فلا تجامع فيما دون الفرج حتى إن كل عاقل يستنكر جماع الرضيعة فيما دون الفرج ولا يستنكر ذلك في العجوز والمريضة قالوا فعلى هذا التعليل إذا كانت صغيرة مشتهاة يمكن جماعها فيما دون الفرج تجب النفقة كذا في الذخيرة وهذا على من قيد الصغيرة بكونها لا تشتهي للجماع فرض محال لأنها إذا لم تكن بحيث تشتهي للجماع لا تكون مشتهاة للجماع فيما دون الفرج نعم هنا شيء وهو أن قولنا الصغيرة التي لا يوطأ مثلها هل معناه لا تشتهي للوطء أو لا تطيق الوطء فإن كان الأول فالملازمة حقة وإن كان الثاني فإن ثبت التلازم بين عدم الإطاقة وعدم الاشتهاء فكذلك وإلا فهو فرض صحيح والظاهر التلازم بناء على أن المراد عدم الإطاقة مطلقا ولا من واحد ممن يطيق الوطء والظاهر أن من كانت بحيث تشتهي للجماع فيما دون الفرج فهي مطيقة للجماع في الجملة وإن لم تطقه من
____________________
(4/384)
خصوص زوج مثلا فتجب لها النفقة ومن لا فلا تجب لها نفقة وفي خزانة الفقيه أبى الليث عشر من النساء لا نفقة لهن الصغيرة التي لا تحتمل الجماع والناشزة إذا لم يكن لها عليه مهر وإذا اغتصبها ظالم فذهب بها والمحبوسة في دين والمسافرة بحج إذا لم يكن معها زوجها والأمة إذا لم يبوئها مولاها والمنكوحة نكاحا فاسدا والمرتدة والمتوفى عنها زوجها والمرأة إذا قبلت ابن زوجها أو أباه بشهوة
قوله وإن كان صغير الخ ذكر حكم العجز من الطرفين منفردا ولم يذكر حكمه من الطرفين جميعا بأن كانا صغيرين لا يطيقان ولو اعتبر جانبه تجب ولو اعتبر جانبها لا تجب وفي الذخيرة لا نفقة لها وأكثر ما في الباب أن يجعل المنع من قلبه كالمعدوم فالمنع من جهتها قائم ومعه لا تستحق النفقة وعن هذا قلنا إذا تزوج المجبوب صغيرة لا تصلح للجماع لا يفرض لها نفقة ولا يخفى إمكان عكس الكلام فيقال يجعل المنع من جهتها كالمعدوم فتجب إلى آخره والتحقيق أن النفقة لا تجب إلا لتسليمها لاستيفاء منافعها المقصودة بذلك التسليم فيدور وجوبها معه وجودا وعدما فلا تجب في الصغيرين وتجب في الكبيرة تحت الصغير
قوله وعن أبي يوسف لها النفقة أي في صورتي حبسها وغصبها لأنه لا منع من جهتها واختاره السغدي والفتوي على الأول وهو قول محمد لأن النفقة عليه عوضا عن احتباسه إياها غير أنه إذا فات الاحتباس لمعنى من جهته جعل باقيا تقديرا فتجب مع فواته فإذا كان لا لمعنى من جهته لم يكن تقديرا قائما ففات حقيقة وحكما وهو الموجب ليس غير فعند عدمه ينعدم الحكم ونظيره ما لو غصب العين من يد المستأجر لا يجب الأجر عليه لفوات التمكن من الانتفاع لا من جهة المستأجر وإن لم يكن من جهة الآخر بخلاف ما لو حبس هو ظلما أو في حق يقدر على إيفائه أو لا يقدر أو هرب أو ارتد أو أسلمت وأبى هو الإسلام أو طلقها بعد الدخول وكذا كل فرقة جاءت من قبلها بحق لا تسقط النفقة كالفرقة بخيار العتق والبلوغ وعدم الكفاءة أو بسبب الجب واللعنة ما دامت في العدة حيث يجب لها النفقة لفواته من جهته حقيقة أو معنى وإن لم يكن له تعمد
____________________
(4/385)
فيه
قوله وكذا الخ أي لا نفقة لها إذا حجت مع محرم بخلاف ما إذا حجت مع الزوج فإن لها النفقة اتفاقا
قوله لأن إقامة الفرض عذر قلنا نعم ولكنه من جهتها والاحتباس الفائت إنما يجعل باقيا تقديرا إذا كان الفوات من جهته ثم إذا وجبت عليه فالواجب نفقة الحضر بأن يعتبر ما كان قيمة الطعام في الحضر فيجب دون نفقة السفر لأن هذه الزيادة لحقها بإزاء منفعة تحصل لها فلا تكون على الزوج كالمريضة التي لا تستحق المداواة عليه
قوله لما قلنا أي من إن نفقة الحضر هي المستحقة وأجمعوا على أن بالصوم والصلاة لا تسقط النفقة
قوله ويمسها أي ويمسها استمتاعا ويدخل في مسها كذلك الجماع فيما دون الفرج والقبلة وغيرهما فكان الاحتباس الموجب قائما وكذلك الرتقاء والقرناء على ما ذكرنا لحصول الانتفاع بالدواعي والاستئناس والله أعلم
وقوله قالوا هذا حسن وفي لفظ الكتاب إشارة إليه وهو قوله وإن مرضت في منزل الزوج وهو عبارة عن تسليم نفسها صحيحة ثم طرأ المرض ولا يخفى أن إشارة الكتاب هذه مبنية على ما اختاره من عدم وجوب النفقة قبل التسليم في منزله على ما قدمه من قوله النفقة واجبة للزوجة على زوجها إذا سلمت نفسها في منزله وقدمنا أنه مختار بعض المشايخ ورواية عن أبي يوسف وليس الفتوى عليه بل ظاهر الرواية وهو الأصح تعليقها بالعقد الصحيح ما لم يقع نشوز فالمستحسنون لهذا التفصيل هم المختارون لتلك الرواية عن أبي يوسف وهذه فرعيتها والمختار وجوب النفقة لتحقق الاحتباس لاستيفاء ما هو من مقاصد النكاح من الاستئناس والاستمتاع بالدواعي وهو ظاهر الرواية قال في الأصل نفقة المرأة واجبة على الزوج وإن مرضت أو جنت أو أصابها بلاء يمنع عن الجماع أو كبر حتى لا يستطاع جماعها وفي شرح الطحاوي إذا كبرت ولا تطيق الجماع أو بها رتق يمنع الجماع أو قرن كان لها النفقة وقال الحلواني قالوا إذا مرضت مرضا لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه تسقط النفقة وإن كان مرضا يمكن الانتفاع بها بنوع انتفاع لا تسقط وهذا تقييدا للأول قال في الخلاصة لو كانت مريضة
____________________
(4/386)
ومعها زوجها أو لا قبل الدخول أو بعده تجب وفي الأقضية لو كانت محرمة أو رتقاء أو قرناء تجب وفي الجامع الكبير سواء أصابتها هذه العوارض بعد ما انتقلت إلى بيت الزوج أو قبله فيما إذا لم تكن مانعة نفسها وهذا جواب ظاهر الرواية وعن أبي يوسف لا نفقة للرتقاء والمريضة التي لا يمكن وطؤها قبل أن ينقلها وإن انتقلت من غير رضاه يردها إلى أهلها أما إذا نقلها هو إلى بيته مع علمه بذلك لا يردها إلى أهلها انتهى كله من الخلاصة وبه يظهر لك ما حكمنا به فيمن اختار قول أبي يوسف ثم عن أبي يوسف في التي مرضت في منزله إذا تطاول مرضها تعتبر كالرتقاء فيها
قوله وتفرض على الزوج النفقة الخ قال المصنف والمراد بهذا بيان نفقة الخادم وهو اعتذار عن تكرار نفقتها ولا يخفى على متأمل أن التكرار ليس بلازم أصلا ليحتاج إلى الاعتذار عنه فإن ما تقدم ليس إلا بيان وجوب النفقة للزوجة على زوجها وبيان وجوبها ووجوبها ليس نفس بيان جواز الفرض للقاضي ولا جوازه له ولا هو ملزومه فإن الفرض قد يتخلف مع قيام وجوب النفقة بدليل ما في الأقضية الرجل إذا كان صاحب مائدة وطعام كثير تتمكن هي من التناول قدر كفايتها ليس لها أن تطالب زوجها بفرض النفقة وإن لم يكن على هذه الصفة تفرض إذا طلبت فأفاد ما قلناه ثم إذا فرض فالزوج هو الذي يلي الإنفاق إلا إذا ظهر عند القاضي مطله فحينئذ تفرض النفقة ويأمره أن يعطيها لتنفق على نفسها فإن لم يعط حبسه كذا في الخلاصة وقيد اليسار أثره في المجموع من نفقتها ونفقة الخادم من حيث هو مجموع فعند عدمه ينتفي الفرض لكن بانتفاء فرض نفقة الخادم ثم يعبر في الفرض الأصلح والأيسر ففي المحترف يوما يوما أي عليه أن يدفع نفقة يوم بيوم لأنه قد لا يقدر على تعجيل نفقة شهر مثلا دفعة وهذا بناء على أن عليه أن يعطيها معجلا ويعطيها كل يوم عند المساء عن اليوم الذي يلي ذلك المساء لتتمكن من الصرف في حاجتها في ذلك اليوم وإن كان تاجرا يفرض عليه نفقة شهر بشهر أو من الدهاقين فنفقة سنة بسنة أو من الصناع الذين لا ينقضي عملهم إلا بانقضاء الأسبوع كذلك ولو فرض عليه أكثر من قدر حاله له أن يمتنع من إعطاء الزائد وفي الأقضية يفرض الإدام أيضا أعلاه اللحم وأدناه الزيت وأوسطه اللبن وقيل في الفقيرة لا يفرض الإدام إلا إذا كان خبز شعير والحق الرجوع في ذلك إلى عرفهم ويعتبر فيما على الزوج الحطب والصابون والأشنان والدهن للاستصباح وغيره وثمن ماء الوضوء عليها فإن كانت غنية تستأجر من ينقله ولا تنقله بنفسها وإن كانت فقيرة فإما أن ينقله الزوج لها أو يدعها تنقل بنفسها وثمن ماء الاغتسال على الزوج في الفتاوى لأنه مئونة الجماع وفي كتاب رزين جعله عليها وفصل في ماء الطهر من الحيض بين أن يكون حيضها عشرة أيام فعليها أو أقل فعليه وأجرة القابلة على من استأجرها من الزوجة والزوج فإن جاءت بغير استئجار فلقائل أن يقول عليه لأنه مئونة الجماع ولقائل أن يقول عليها كأجرة
____________________
(4/387)
الطبيب وفي المحيط إذ كان للزوج عليها دين فقال احسبوا لها منه نفقتها كان له ذلك بخلاف سائر الديون حيث تقع المقاصة وإن لم يتقاصاه وتفرض الكسوة كل ستة أشهر إلا إذا تزوجها وبنى بها قبل أن يبعث إليها الكسوة فإن لها أن تطالبه بها قبل مضي ستة أشهر والكسوة كالنفقة في أنه لا يشترك مضي المدة وللزوج أن يرفع إلى القاضي ليأمرها بلبس الثوب لأن الزينة حقه وإذا فرض لها كسوة ستة أشهر فتخرقت قبل مضيها إن لبست لباسا معتادا تبين أن ذلك لم يكفها فتجدد لتبين خطئه في التقدير وإن تخرقت لخرق استعمالها لا يفرض لها أخرى ولو سرقت الكسوة أو هلكت النفقة لا يفرض لها أخرى بخلاف المحارم ولو لم تلبس حتى مضت ستة أشهر تفرض لها أخرى بخلاف المحارم كذا في الأقضية ولو كانت تلبس يوما وتترك يوما توفيرا يجدد لها الكسوة إذا فرغ الفصل ولو لبست دائما ولم تتخرق لم يجدد لها إذا فرغ الفصل ولو فرض لها دراهم فبقيت كلها بعد انقضاء المدة أو بقي منها شيء في الشهر الآخر أيضا يفرض وفي المحارم لا يفرض وفي أدب القاضي للخصاف يفرض قميص ومقنعة وملحفة وتزاد في الشتاء سراويل وجبة باعتبار عسرته ويسرته ذكر الخصاف السراويل في كسوة الشتاء دون الصيف ولم يذكره محمد أصلا قال السرخسي لم يوجب محمد الإزار لأنه للخروج وليس لها ذلك ولهذا لم يوجبوا لها المكعب والخف انتهى وقيل اختلاف عرف والعرف إيجاب السراويل في الصيف والشتاء للبسه في البيت فالقاضي ينظر إلى عرف كل قوم فيفرض بالعرف فعلى المعسر قال محمد درع يهودي وملحفة زطية وخمار سابوري أرخص ما يكون مما يدفئها في الشتاء وعلى الموسر درع يهودي أو هروى وملحفة دينورية وخمار إبريسم وكساء أذربيجاني ولها في الصيف درع سابوري وملحفة كتان وخمار إبريسم فذكر في الأصل الدرع والخصاف القميص وهما سواء إلا أن القميص يكون مجيبا من قبل الكتف والدرع من قبل الصدر ويجب لها في الشتاء اللحاف وفراش النوم وفي كسوة الخادم ذكروا الإزار والخف والمكعب وفي الخلاصة هذا في ديارهم بحكم العرف أما في ديارنا يفرض المكعب ويفرض ما تنام عليه وينبغي أن يكون لها فراش على حدة ولا يكتفي بفراش واحد لهما لأنها قد تنفرد في الحيض والمرض وفي الأثر فراش لك وفراش لأهلك وفراش للضيف والرابع للشيطان وإذا أرسل ثوبا فاختلفا فقالت هدية وقال من الكسوة فالقول له فإن أقاما البينة على إقرار كل منهما بدعوى الآخر أو على نفس مدعاه فالبينة بينة الزوج لأنه هو المدعي للقضاء وكذا في دراهم فقالت هدية وقال نفقة أو قال من المهر وقالت نفقة وكذا في جميع قضاء الديون إذا كانت من وجوه مختلفة
قوله ووجهه أن كفايتها الخ ظاهر من الكتاب ثم هل يراد بالخادم مملوكها أو أعم منه قال بعضهم المملوك فلو لم يكن لا تستحق وقال بعضهم كل من يخدمها حرة كانت أو أمة لها أو لغيرها وفي الفتاوي الصغرى لو كانت المنكوحة أمه لا تستحق نفقة الخادم ونفقة الخادم لبنات الأشراف ويوافقه م ما قيد به الفقيه أبو الليث كلام الخصاف حيث قال في أدب القاضي فرض ما تحتاج إليه من الدقيق والدهن واللحم والإدام فقالت لا اخبز ولا أعجن ولا أعالج شيئا من ذلك لا تجبر عليه وعلى الزوج أن يأتي بمن يكفيها عمل ذلك وقال الفقيه هذا إذا كان بها علة لا تقدر على الطبخ والخبز أو كانت ممن لا تباشر ذلك بنفسها فإن
____________________
(4/388)
كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليه أن يأتيها بمن يفعله وفي بعض المواضع تجبر على ذلك قال السرخسي لا تجبر ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها الإدام وهو الصحيح وقالوا إن هذه الأعمال واجبة عليها ديانة ولا يجبرها القاضي على ما سنذكره أيضا إن شاء الله تعالى
قوله وقال أبو يوسف لخادمين وهكذا ذكره في فتاوى أهل سمرقند ووجه الدفع ظاهر من الكتاب
قوله ولأنه لو تولى أي الزوج كفايتها بنفسه خدمة كان كافيا قد يمنع هذا على رواية عن أبي يوسف في الأقضية لو قال الزوج أنا أخدمها عن أبي يوسف لا يقبل منه ذلك وقال بعض مشايخنا يقبل وعن أبي يوسف في رواية أخرى إذا كانت فائقة في الغنى زفت إليه مع خدم كثير استحقت نفقة الكل عليه وهي رواية هشام عن محمد واختارها الطحاوي
قوله خلافا لما يقوله محمد رحمه الله وهو أنه إذا كان لها خادم يفرض لها لأنها لم تكتف بخدمة نفسها فيفرض ولو كان معسرا وجه الظاهر أنها بحيث تكتفي بخدمة نفسها وإنما الخادم لزيادة التنعم فلا يلزمه إلا حالة اليسار لأن المعسر إنما يلزمه أدنى الكفاية فقط وهذا يخالف ما ذكره المصنف من لزوم اعتبار حالهما وأنه عند إعساره دونها ينفق بقدر حاله والباقي دين عليه وقياسه أنه تجب نفقة الخادم دينا عليه ولو لم يكن للمرأة خادم لا تجب لها نفقته لأن استحقاقها لدفع حاجتها وحاجتها إلى نفقة الخادم إنما تتحقق عند وجوده وصار كالقاضي إذا لم يكن له خادم لا يستحق كفاية الخادم في بيت المال والغازي إذ شهد الوقعة بلا فرس وأغنى غناء الفارس لا يسهم له سهم الفرس والله أعلم ولو كانت له أولاد لا يكفيهم خادم واحد فرض عليه لخادمين أو أكثر اتفاقا وفي التجنيس امرأة لها مماليك قالت لزوجها أنفق عليهم من مهري فأنفق فقالت لا أجعلها من المهر لأنك استخدمتهم فما أنفق بالمعروف محسوب عليها لأنه بأمرها
قوله ومن أعسر بنفقة امرأته الخ بقولنا قال الزهري وعطاء وابن يسار والحسن البصري والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وحماد بن أبي سليمان والظاهرية ومعنى الاستدانة أن تشتري الطعام على أن
____________________
(4/389)
يؤدي الزوج ثمنه وقال الخصاف الشراء بالنسيئة ليقضي الثمن من مال الزوج وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في ظاهر قوله وعنه رواية كقولنا وعلى هذا الخلاف العجز عن الكسوة والعجز عن المسكن وهذا التفريق فسخ عند الشافعي وأحمد طلاق عند مالك ولو امتنع عن الإنفاق عليها مع اليسر لم يفرق ويبيع الحاكم عليه ماله ويصرفه في نفقتها فإن لم يجد ماله يحبسه حتى ينفق عليها ولا يفسخ وعن هذا ما ذكر في النهاية حيث قال ثم أعلم أن ظهور العجز عن النفقة إنما يكون إذا كان الزوج حاضرا أما إذا غاب غيبة منقطعة ولم يخلف لها نفقة فرفعت الأمر إلى القاضي فكتب القاضي إلى عالم يرى التفريق بالعجز عن النفقة ففرق بينهما هل تقع الفرقة قال الشيخ الإمام أبو الحسن السغدي نعم إذ تحقق العجز عن النفقة قال صاحب الذخيرة في هذا الجواب نظر والصحيح أنه لا يصح قضاؤه لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الإنفاق لا العجز عنه فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر فأمضاه جاز قضاؤه والصحيح أنه لا ينفذ لأن هذا القضاء ليس في مجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت ذكره في الفصل الثاني من فصول الإمام الاستروشنني فتكون الشهود علمت مجازه مجازفتهم فلا يقضي بها كما ذكره ظهير الدين وأعلم أن الفسخ إذا غاب ولم يترك لها نفقة يمكن بغير طريق إثبات عجزه بمعنى فقره ليجيء ما قال وهو أن تتعذر النفقة عيها قال القاضي أبو الطيب من الشافعية إذا تعذرت النفقة عليها بغيبته ثبت لها الفسخ قال في الحلية وهو وجه جيد فلا يلزم مجيء ما قال ظهير الدين
قوله لأنه عجز الخ استدلوا بالمنقول والمعقول أما المنقول فما في سنن النسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق الحديث إلى أن قال وابدأ بمن تعول فقيل من أعول يا رسول الله قال امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني خادمك يقول أطعمني واستعملني ولدك يقول أطعمني إلى من تتركني هكذا في جميع نسخ النسائي وهو عنده من حديث سعيد بن أيوب عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة وسعيد ومحمد ثقتان وقال الدارقطني حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن بشر بن مطر حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تقول لزوجها أطعمني أو طلقني الحديث وقال الدارقطني حدثنا حماد بن أحمد السماك وعبد الباقي بن قانع وإسماعيل بن علي قالوا أخبرنا أحمد بن علي الخزان حدثنا إسحاق بن إبراهيم البارودي حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما وبهذا الأسناذ إلى حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن ابي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما قال نعم قلت سنة قال سنة وهذا ينصرف إلى سنته صلى الله عليه وسلم وغايته أن يكون من مراسيل سعيد والشافعي يقول بها وأنتم تقولون بالمرسل مطلقا وأما المعقول فالقياس على الجب والعنة بل أولى لأن البدن يبقى بلا وطء ولا يبقى بلا قوت وأيضا منفعة الجماع مشتركة بينهما فإذا
____________________
(4/390)
ثبت في المشترك جواز الفسخ لعدمه ففي المختص بها أولى وقياسا على المرقوق فإنه يبيعه إذا أعسر بنفقته
قوله ولنا المنقول والمعنى أما المنقول فقوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وغاية النفقة أن تكون دينا في الذمة وقد أعسر بها الزوج فكانت المرأة مأمورة بالإنظار بالنص وأما المعنى فهو أن في إلزام الفسخ إبطال حقه بالكلية وفي إلزام الإنظار عليها والاستدانة عليه تأخير حقها دينا عليه وإذا دار الأمر بينهما كان التأخير أولى وبه فارق الجب والعنة والمملوك لأن حق الجماع لا يصير دينا على الزوج ولا نفقة المملوك تصير دينا على المالك ويخص المملوك أن في إلزام بيعه إبطال حق السيد إلى خلف هو الثمن فإذا عجز عن نفقته كان النظر من الجانبين في إلزامه بيعه إذ فيه تخليص المملوك من عذاب الجوع وحصول بدله القائم مقامه للسيد بخلاف إلزام الفرقة فإنه أبطال حقه بلا بدل وهو لا يجوز بدلالة الإجماع على أنها لو كانت أم ولد عجز عن نفقتها لم يعتقها القاضي عليه وأما المروي عن سعيد بن المسيب في قوله إنه سنة فلعله لا يريد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه إطلاق مثل ذلك غير مريد به ذلك قال الطحاوي كان زيد بن ثابت يقول المرأة في الأرش كالرجل إلى ثلث الدية فإذا زاد على الثلث فحالها على النصف من الرجل قال ربيعة بن عبد الرحمن قلت لسعيد بن المسيب ما تقول فيمن قطع إصبع امرأة قال عشر من الإبل قلت فإن قطع إصبعين قال عشرون من الإبل قلت فإن قطع ثلاثا قال ثلاثون من الإبل قلت فإن قطع أربعا من أصابعها قال عشرون من الإبل قلت سبحان الله لما كثر ألمها واشتد مصابها قل أرشها قال إنه ألسنة قال الطحاوي لم يكن ذلك إلا عن زيد بن ثابت فسمى قوله سنة فيكون ما قاله اعتمادا على ما عن أبي هريرة موقوفا عليه هذا بعد تسليم صحته وإلا فقد روى عن سعيد كقولنا فاضطرب المروي منه فبطل ذكره ابن حزم وابن عبد البر وأما المروي عن أبي هريرة مرفوعا عند النسائي والدارقطني فلا شك في أن رفعه غلط وإنما هو من قول أبي هريرة روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما ترك
____________________
(4/391)
غني وفي لفظ ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الولد أطعمني إلى من تدعني قالوا يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا هذا من كيس أبي هريرة فثبت أنه موقوف عليه بلا شبهة ثم ليس في قول أبي هريرة هذا ما يدل على أن الزوج يلزم بالطلاق وكيف وهو كلام عام منه لا يخص المعسر ولا الموسر ولا خلاف أن الموسر إذا لم يطعم لا يجبر على الفراق بل يحبس على احد الأمرين عينا وهو الاتفاق فعلى هذا لو سلم أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على ما رواه الدارقطني كان معناه الإرشاد إلى ما ينبغي مما يدفع به ضرر الدنيا مثل وأشهدوا إذا تبايعتم يعني ينبغي أن يبدأ بنفقة العيال وإلا قالوا لك مثل ذلك وشوشوا عليك إذا استهلكت النفقة لغيرهم كما ذكرنا وأما ما تقدم من رواية الدارقطني عن أبي هريرة وقال مثله فليس المراد مثل ما يليه من قول سعيد بن المسيب بل مثل ما قبله من حديث أبي هريرة الذي سبق ذكره من رواية النسائي وروايته ذكره ابن القطان في الوهم والإيهام
قوله إحالة الغريم على الزوج أي وإن لم يرض الزوج وفي التحفة فائدة الأمر بالاستدانة أن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من الزوج أو من المرأة وبدون الأمر بالاستدانة ليس لرب الدين أن يرجع على الزوج بل عليها وهي ترجع على الزوج وهذا لأن الاستدانة إيجاب الدين عليه منها وليس لها عليه هذه الولاية وقائدة أخرى وهي أنها لا تسقط بموت احدهما في الصحيح بخلاف القضاء وحده على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وفي شرح المختار المرأة المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسرا وأخ فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن آو الأخ بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر ويحبس الابن أو الأخ إن امتنع لأن هذا من المعروف قال شارح الكنز تبين بهذا أن الإدانة لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب على من كان تجب عليه نفقتها لولا الزوج وعلى هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على نفقتهم تجب نفقتهم على من تجب عليه لولا الأب كالأم والأخ والعم ثم يرجع به على الأب
قوله تمم لها نفقة اليسار هكذا مشى عليه أيضا صاحب الكنز بعد اعتبار حال الزوج والزوجة في وجوب النفقة فاعترض عليه شارحه بأنه نوع تناقض فإن ما ذكره أول الباب قول الخصاف ثم بنى الحكم على قول الكرخي ولو كان فرض على قدر حاله وحالها مقدارا ثم غلا السعر كان لها أن تطالبه بأن يزيد في الفرض ولو كان على قلبه كان للزوج آن ينقص
قوله وما قضى به
____________________
(4/392)
تقدير لنفقة لم تجب لان النفقة تجي شيئا فشيئا في المستقبل فلا يتقرر حكم القاضي فيها بخصوص مقدار ولانه كان بشرط الاعسار وعلى تقديره وقد زال فيزول بزواله
قوله لم ينفق عليها بأن غاب عنها او كان حاضرا وامتنع
والحاصل ان نفقتها لا تثبت دينا في ذمته الا بقضاء القاضي بفرض او اصطلاحهما على مقدار فإنه يثبت ذلك المقدار في ذمته دينا اذا لم يعطها وهو رواية عن احمد وفي رواية اخرى وهو قول مالك والشافعي تصير دينا عليه الا ان كانت اكلت معه بعد الفرض فإنها تسقط بالمضي عند مالك والشافعي في الاصح
قوله لانها صلة أي من وجه
قوله ولست بعوض أي من كل وجه بل هي عوض من وجه دون وجه وذلك لانها جزاء الاحتباس فمن حيث انه احتباس لاستيفاء حقه من الاستمتاع وقضاء الشهوة واصلاح امر المعيشة والاستئناس هي عوض ومن هذا الوجه وجبت على المكاتب ومن حيث انه لاقامة حق الشرع وامور مشتركة كإعفاف كل الاخر وتحصينه عن المفاسد وحفظ النسب وتحصيل الولد ليقيم التكاليف الشرعية هي صلة كرزق القاضي والمفتي فلا تملك الا بالقبض فلا اعتبار انها عوض قلنا تثبت اذا قضى بها او اصطلاحا لان ولايته على نفسه اعلى من ولاية القاضي عليه ولاعتبار انها صلى قلنا تسقط اذا مضت المدة من غير قضاء ولا اصطلاح عملا بالدليلين بقدر الامكان وذكر في الغاية معزوا الى الذخيرة ان نفقة ما دون الشهر لا تسقط فكأنه جعل القليل مما لا يمكن الاحتراز عنه اذا لو سقطت بمضى يسير من الزمان لما تمكنت من الاخذ اصلا وهذا حق وقد تقدم الوجه
وقوله في الكتاب فلا يستحكم الوجوب فيها الا بالقضاء على ما حملنا كلامه فيه من اثبات انه صلة من وجه مترتب على ترددها بين الصلة المحضة والعوض المحض ولو اختلفا فيما مضى من المدة من وقت القضاء القول قول الزوج والبينة بينة المرأة ومن ادعى على امرأة نكاحا وهي تجحد فأقام البينة لا نفقة لها وكذا اذا كان الزوج هو المنكر ولقائل ان يقول ينبغي ان تجب لانها صارت مكذبة شرعا وكذا الزوج والا فلا يخفى ما فيه من الاضرار وفتح باب
____________________
(4/393)
الفساد خصوصا عند اضطرارها للنفقة مع حبسها
قوله وان مات الزوج بعد ما قضى عليه بالنفقة ومضى شهور سقطت هذا تقييد لعدم السقوط بالقضاء بحالة حياتهما واطلقه فشمل ما اذا كان القاضي امرها بالاستدانة او لم يأمرها فوافق قول الخصاف والصحيح ما ذكر الحاكم الشهيد انه اذا كان امرها بالاستدانة لا تسقط بالموت لان الاستدانة بأمر من له ولاية تامة عليه عند رفع قضيتها له وهو القاضي فكان كاستدانته أي الزوج بنفسه فلا تسقط بموت احدهما وعلى هذا الخلاف سقوطها بعد الامر بالاستدانة بالطلاق والصحيح لا تسقط
قوله لان النفقة صلة والصلة تبطل بالموت فإن قيل قد قلتم انه استحكم هذا الدين بحكم القاضي وجعلتموه مؤكدا للاستحقاق كالقبض في الهبة فينبغي ان يبقى الوجوب بعد الموت كالهبة المقبوضة فالجواب ان بالقضاء لا ليبطل معنى الصلة بل يوجب تأكد هذه الصلة فتصير الصلة كغير الصلة واذا كان معنى الصلة باقيا اثر الموت في سقوطه بسبب انه يبطل الاهلية بالكلية فكان اقوى في ابطاله الصلة فيحتاج للاستحكام على وجه يلزم بعد الموت الى زيادة وهو الامر بالاستدانة وفي حال الحياة لم تبطل الاهلية فيستحكم بمجرد التأكد بالقضاء بها فرع
ابراء الزوجة من النفقة هل يصح ويلزم ان كانت غير مفروضة لا يصح لانه ابراء قبل الوجوب وان كان القاضي فرضها كل شهر كذا وكذا صح في الشهر الاول فقط وكذا لو قالت ابرأتك من نفقة سنة لا يبرأ الا من شهر الا ان يكون فرض لها كل سنة كذا لان القاضي اذا فرض كذا كل شهر فإنما فرض مهما يتجدد الشهر فما لم يتجدد لم يتجدد الفرض وما لم يتجدد الفرض لم تجب نفقة الشهر فلا يصح الابراء
____________________
(4/394)
عنها ولو أبرأته بعد ما مضى اشهر عما مضى وعما يستقبل بريء عما مضى وعن شهر
قوله وما بقي للزوج فترده وكذا ترد قيمة المستهلك ولا ترد قيمة الهالك بالاتفاق والفتوى على قولهما والموت والطلاق قبل الدخول سواء وفي نفقة المطلقة اذا مات الزوج اختلفوا فقيل ترد وقيل لا تسترد بالاتفاق لان العدة قائمة في موته كذا في الاقضية
قوله ولا رجوع في الصلاة بعد الموت بخلاف القاضي ونحوه لان تصرف الامام في بيت المال مقيد بشرط النظر والنظر ان يؤخذ منه ويعطي لمن يلي بعده من القضاة
قوله وعن محمد وهو رواية ابن رستم عنه لا ترد نفقة الشهر وما دونه فلهذا وضعها في السنة حتى لا يكون فيها خلاف عن محمد ولذا لو قبضت نفقة اشهر فمات احدهما والباقي شهر فأقل لا يرجع بشيء وفي الذخيرة نفقة العدة تسقط بمضى المدة كنفقة النكاح فلو فرض لها نفقة فيها فلم تقبضها حتى انقضت عدتها لم يذكره محمد وهل يقاس على الموت قال الحلواني فيه كلام وفي الخلاصة من الفتاوي الصغرى عن الحلواني قال المختار عندي لا تسقط
قوله فنفقتها دين عليه أي اذا قضى القاضي بها فيباع فيها فإذا اشتراه من علم به او لم يعلم ثم علم فرضي ظهر السبب في حقه ايضا فإذا اجتمعت عليه النفقة مرة اخرى يباع ثانيا وكذا حاله عند المشترى وهلم جرا ولا يباع مرة بعد اخرى الا في دين النفقة لانها تتجدد شيئا فشيئا على حسب تجدد الزمان على وجه يظهر في حق السيد فهو في الحقيقة دين حادث عند المشتري واما اذا لم يعلم المشتري بحاله او علم بعد الشراء ولم يرض فله رده لانه عيب اطلع عليه
قوله اذن المولى لانه لو كان بغير اذنه فلا نفقة لها ولا مهر لعدم الصحة ودخل بها طولب بالمهر بعد العتق ولم مات العبد بعد النكاح الصحيح والفرض سقطت النفقة والمهر ولا يطالب المولى بشيء لفوات محل الاستيفاء ولو كان مدبرا او مكاتبا او ولد ام ولد ولا يباع بالنفقة بعدم جواز البيع الا ان المكاتب اذا عجز يباع حينئذ لانه حينئذ قبل النقل هذا ولا نفقة تجب لولد العبد عليه لان امه ان كانت امة فالولد عبدا لمولاها فنفقته على المولى وإن
____________________
(4/395)
كانت حرة فولده حر ولا تجب نفقته على مملوك ولا على مولاه لان ولده اجنبي منه وكذا المكاتب لا تجب عليه نفقة ولده سواء كانت امرأة حرة او امة لهذاالمعنى واذا كانت امرأة المكاتب مكاتبة وهما لمولى واحد فنفقة الولد على الام لان الولد تابع للآم في كتابتها حتى كان كسب الولد لها وكذا ارش الجناية عليه
قوله في الصحيح احتراز عما عن الكرخي انها تنتقل الى قيمته لانها خلفه قال الشيخ ابو الحسين القدوري هذا ليس بصحيح لان النفقة تسقط بالموت لانها في معنى الصلة والصلات تبطل بالموت قبل القبض والقيمة انما تقام مقام الرقبة في دين لا يسقط بالموت
قوله وان تزوج الحر امة قيد الحر اتفاقي لا فرق بين الحر والعبد والمدبر والمكاتب في عدم وجوب النفقة قبل التبوئة وانما خصه بالذكر ليعلم النفي في الباقي بطريق الاولى فإنه اذا لم تجب على الحر الذي هو ادخل في اهلية وجوب المال عليه يلزم ان لا تجب على ما ذكر
قوله لعدم الاحتباس أي من الزوج والمنع من السيد وان كان لحقه لا يثبت معه الموجب وهو احتباس الزوج ولا موجب غيره بخلاف منعها لنفسها لحقها كالمهر فإن فوات الاحتباس الموجب من قبل الزوج فيجعل ثابتا وليس هنا كذلك
قوله والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح في باب نكاح الرقيق ولا شك ان حق الاستخدام يتجدد بتجدد المنافع التي تتجدد على ملكه فإذا بوأها فقد ترك حقه ما دام لم يستردها واستردادها بعد ذلك ليس رجوعا فيما اسقط بل طلب حقه فيما يستقبل او الحال وله ذلك ولذا كان له ان يبوئها ثم يستردها ثم يبوئها ثم يستردها وهلم جرا فكلما استردها سقطت فإذا رجع فبوأها وجبت ولو خدمت المولى احيانا من غير استخدام واسترداد لا تسقط نفقتها لانه لم تبطل التبوئة بذلك لعدم الاسترداد
قوله والمدبرة وام الولد في هذا أي في وجوب النفقة على الزوج بشرط التبوئة
كالامة
____________________
(4/396)
ولم يذكر معهما المكاتبة لانها في استحقاق النفقة اذا تزوجت بإذن المولى كالحرة لاختصاصها لنفسها ومنافعها بحكم عقد الكتابة فصل
قوله ليس فيها احد من اهله واما امته فقيل ايضا لا يسكنها معها الا برضاها والمختار ان له ذلك لانه محتاج الى استخدامها في كل وقت فإذا افردها في بيت لا يتمكن من ذلك غير انه لا يطؤها بحضرتها كما انه لا يحل له وطء زوجته بحضرتها ولا بحضرة الضرة
قوله مقرونا بالنفقة في قوله تعالى اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فان المراد وانفقوا عليهن من وجدكم وكذلك قرأ ابن عباس والسكنى بالملك او الاجارة او العارية واجبة اجماعا
قوله ليس له ان يسكنه معها قيل الا ان يكون صغيرا لا يفهم الجماع فله اسكانه معها
قوله ولو اسكنها في بيت من الدار مفرد وله غلق كفاها اقتصر على الغلق افاد انه وان كان الخلاء مشتركا بعد ان يكون له غلق يخصه وليس لها ان تطالبه بمسكن آخر وبه قال القاضي الامام لان الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال ولابد من كون المراد كون الخلاء مشتركا بينهم وبين غير الاجانب والذي في شرح المختار ولو كانت في الدار بيوت وابت ان تسكن مع ضرتها او مع احد من اهله ان اخلى لها بيتا وجعل له
____________________
(4/397)
مرافق وغلقا على حدة ليس لها ان تطلب بيتا ولو شكت انه يضربها او يؤذيها ان علم القاضي ذلك زجره وان لم يعلم سأل من جيرانه فإن لم يوثق بها او كانوا يميلون اليه اسكنها بين قوم اخيار يعتمد القاضي على خبرهم
قوله لما فيه أي المنع من المكالمة من قطيعة الرحم في الصحيح لا يدخل الجنة قاطع وفيه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته والشجنة بكسر الشين وضمها قال ابو عبيد قرابة مشتبكة كاشتباك العروق وقال الخطابي يعني بالشجنة الوصلة
قوله وقيل لا يمنعها من الخروج الى الوالدين ولا يمنعهما من الدخول اليها في كل جمعة ظاهر الخلاصة ان في كل جمعة يتصل بكل من خروجها ودخولهما فإنه قال في الفتاوى للزوج ان يضرب المرأة على اربع خصال وما هو في معنى الاربع ترك الزينة والزوج يريدها وترك الاجابة اذا دعاها الى فراشه وترك الصلاة وفي رواية والغسل والخروج من البيت اما مالا تمنع من زيارة الابوين في كل جمعة وفي زيارة غيرهما من المحارم في كل سنة وكذا اذا اراد ابوها ان قريبها ان يجيء اليها على هذا الجمعة والسنة انتهى
وقوله هو الصحيح احتراز عما ذهب اليه ابن مقاتل من انه لا يمنع المحرم من الزيارة في كل شهر وعن ابي يوسف في النوادر تقييد خروجها بأن لا يقدرا على اتيانها فإن كانا يقدران على اتيانها لا تذهب وهو حسن فإن بعض النساء لا يشق عليها مع الاب الخروج وقد يشق ذلك على الزوج فتمنع وقد اختار بعض المشايخ منعها من الخروج اليهما وقد اشار الى نقله في شرح المختار والحق الاخذ بقول ابي يوسف اذا كان الابوان بالصفة التي ذكرت وان لم يكونا كذلك ينبغي ان يأذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف اما في كل جمعة فهو بعيد فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا اذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات بخلاف خروج الابوين فانه ايسر ولو كان ابوها زمنا مثلا وهو محتاج الى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده فعليها ان تغضبه مسلما كان الاب او كافرا وفي مجموع النوازل فإن كانت قابلة او غسالة او كان لها حق على آخر او لآخر عليها حق تخرج بالاذن ويغير الاذن والحج على هذا وما عدا ذلك من زيارة الاجانب وعيادتهم والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج ولو اذن وخرجت كانا عاصيين وتمنع من الحمام فإن ارادت ان تخرج الى مجلس العلم بغير رضا الزوج ليس لها ذلك فإن وقعت لها نازلة ان سأل الزوج من العالم واخبرها بذلك لا يسعها الخروج وان امتنع من السؤال يسعها ان تخرج من غير رضاه وان لم يكن لها نازلة ولكن ارادت ان تخرج لتتعلم مسئلة من مسائل الوضوء
____________________
(4/398)
والصلاة ان كان الزوج يحفظ المسائل ويذكر معها له ان يمنعها وان كان لا يحفظ الاولى ان يأذن لها احيانا وان لم يأذن فلا شيء عليه ولا يسعها الخروج ما لم يقع لها نازلة وفي الفتاوى في باب القراءة المرأة قبل ان تقبض مهرها لها ان تخرج في حوائجها وتزور الاقارب بغير اذن الزوج فإن اعطاها المهر ليس لها الخروج الا بإذن الزوج ولا تسافر مع عبدها خصيا كان او فحلا وكذا ابوها المجوسي والمحرم غير المراهق بخلاف المراهق وحده ثلاثة عشر او اثنتا عشرا سنة ولا تكون المرأة محرما لامرأة وحيث ابحنا لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة الى ما لا يكون داعية الى نظر الرجال والاستمالة قال الله تعالى { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } وقول الفقيه وتمنع من الحمام خالفه فيه قاضيخان قال في فصل الحمام من فتاواه دخول الحمام مشروع للنساء والرجال جميعا خلافا لما قاله بعض الناس روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الحمام وتنور وخالد بن الوليد دخل حمام حمص لكن انما يباح اذا لم يكن فيه انسان مكشوف العورة انتهى وعلى ذلك فلا خلاف في منعهن من دخوله للعلم بأن كثيرا منهن مكشوف العورة وقد وردت احاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤيد قول الفقيه منها النسائي والترمذي وحسنة والحاكم وصححه على شرط مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحمام حرام على نساء امتي رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد ورد استثناء النفساء والمريضة رواه ابو داود وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ستفتح عليكم ارض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال الا بالازار وامنعوها النساء الا مريضة او نفساء وفي سندهما عبد الرحمن بن زياد بن انعم الافريقي وهو مختلف فيه قال احمد ليس بشيء قال ابن حبان يروى الموضوعات عن الثقات قال الحافظ المنذري وفيما قاله نظر لم يذكره البخاري في كتاب الضعفاء وكان يقوى أمره ويقول ومقارب الحديث وقال الدارقطني ليس بالقوى ووثقه يحيى بن سعيد وروى عياش عن يحيى بن معين ليس به بأس وقال ابو داود قلت لاحمد بن صالح ايحتج به يعنى عبد الرحمن بن زياد فقال نعم
قوله يعترف به وبالزوجية في حق الزوجة كان ينبغي ان يزيد قوله وبالنسب في الولد والوالد لانه رتب على ما ذكرا من الاعتراف قوله فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه
قوله وكذا اذا علم القاضي ذلك أي كلا الامرين اما لو علم احدهما احتاج القضاء بالدفع اليهم الى اقرار من عنده او عليه في الصحيح دون البينة
قوله واقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما هنا فإنه اولى ان يقبل اقراره على نفسه بثبوت حق الاخذ لها مما في يده او عليه اذا كان دينا وذلك
____________________
(4/399)
لأنه لا طريق إلى إثبات حق الأخذ لها مما في يده أو عليه إذا كان دينا إلا اعترافه بخلاف غيره فإن الحق يثبت فيه بالبينة كما يثبت بالإعتراف ولا سيما مركب من لا النافية للجنس ومنفيها وهو سي ومعناه المثل قال الشاعر
فإياكم وحية بطن واد ** ** هموس الناب ليس لكم بسي **
أي بمثل ولا شبيه وهو واحد سيان من قولك هما سيان وأصله سوى قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة أو لاجتماعها مع الياء وسبق أحداهما بالسكون فإن جررت ما بعد ما كزيد مثلا في قولك أكرمني القوم لا سيما زيد فهو على أن سيا مضاف إلى زيد وما زائد مقحم كقوله
كل ما حي وإن أمروا ** ** وأرادو الحوض الذي وردوا ** وإن رفعته فعلى أن سيا يضاف إلى ما وهو موصول أسمى حذف صدر صلته والتقدير لا مثل الذي هو زيد وجاز كونه مضافا مع أن إسم لا يجب كونه نكرة لأنه بمعنى مثل ومثل لا يتعرف بالإضافة وخبر لا محذوف وإذا كان كذلك ففي كلا الوجهين خروج عن الأصل في الجر بالزيادة بين المضاف والمضاف إليه وفي الرفع بحذف صدر صلة الموصول وهو إنما يقاس إذا طالت الصلة واختار المحققون الجر على الرفع لأن زيادة ما أوسع من حذف المبتدأ مع ما ينضم إليه من كونه في خصوص ذلك الموقع وقد يقال زيادة ما في نفسه كثير ولكن بين المتضايفين ممنوع فتكافآ وأما نصب ما بعد ما فقال إبن الدهان صاحب الغرة لا أعرف له وجها وعن هذا لم يذكر إبن معط في فصوله في المستثنى بلا سيما سوى الجر والرفع وذكر بيت أمرىء القيس
** ألا رب يوم لك منهن صالح ** ** ولا سيما يوم بداره جلجل **
بالوجهين ولم يذكر فيه النصب لكن قد روى النصب فيه أيضا فقيل على الظرف وقيل على التشبيه بالمفعول وقيل مجموع لا سيما بمنزلة إلا ومعنى الإخراج الذي يقتضيه إلا فيها هو الإخراج من ذلك الحكم بإثبات ما هو أبلغ منه فإذا قلت اكرمني القوم لا سيما زيد فقد أثبت له أبلغ من إكرامهم وقد جاء تخفيفها بحذف إحدى الياءين
____________________
(4/400)
فقيل الأولى لأنها ساكنة وهو أضعف من المتحرك فكان حذفه أولى وقيل الثانية لأنها لام والإعلال في اللام أولى
قوله وإذا ثبت في حقه بإقراره أن حق الأخذ لها مما في يده تعدى إلى الغائب ضرورة أو رد عليه طلب الفرق بين هذا وبين ما لو جاء صاحب الدين بمودع او بمديون للغائب معترف بالدين والوديعة فإنه لا يقضي عليه بالدفع إلى صاحب الدين وأجيب بأن القضاء يتبع النظر للغائب ففي الأمر بالإنفاق نظر له بإبقاء ملكه الثابت بالنكاح وإبقاء ما هو في معنى نفسه أعنى قرابة الولاد وليس في قضاء دينه ذلك بل هو قضاء عليه بقول الغير
قوله فإنه لا يباع على الحاضر
حتى لو امتنع عن أداء الدين وعنده أموال غير الأثمان لا يبيع عليه القاضي بل يأمره أن يبيع هو ويقضي فإن لم يفعل حبسه أبدا حتى يبيع لأن البيع عليه حجر عليه ولا يحجر على العاقل الباغ وعندهما
____________________
(4/401)
يبيع على الحاضر إذا امتنع من البيع
قوله ويحلفها بالله ما أعطاها النفقة
ثم إذا جاء الغائب فهو على حجته في إعطاء النفقة وفي كل موضع جاز القضاء بالدفع كان لها أن تأخذ بغير قضاء من ماله شرعا أصله حديث هند امرأة أبي سفيان المتقدم وعن هذا قلنا لو كان للغائب حال حاضر في بيته والقاضي يعلم الزوجية أطلق الأخذ منه ولا يكون هذا قضاء بل إيفاء والإيفاء لا يمتنع بسبب الزوجية ألا يرى أن من أقر بدين ثم غاب وله مال حاضر من جنس الدين فطلب المقر له من القاضي الإيفاء منه أجابه إلى ذلك
قوله إلا لهؤلاء
وهو الزوجة والوالدان والوالد الصغير ويستدرك عليه الأولاد الكبار الإناث والذكور الكبار الزمني ونحوهم لأنهم كالصغار للعجز عن الكسب
قوله فنفقتهم إنما تجب بالقضاء لا شك أن الوجوب ثابت بدليله قبل القضاء حتى كان عليه أن ينفق عليهم إذا كانوا فقراء ديانة وإنما المراد أنه لما كان مجتهدا فيه فقد يمتنع تمسكا بقول من يرى أن لا تجب النفقة فلا يعين عليه قول الوجوب إلا القضاء به فينتفي تأويله ويتقرر في ذمته ويجبر عليه إذا امتنع وفي الكافي لو أنفق المديون أو المودع نفقه هؤلاء بغير امر القاضي ضمن المودع ولا يبرأ المديون ولكن لا يرجع على من أنفق
____________________
(4/402)
عليه ولو اجتمع الدين والوديعة فالقاضي يامر بالإنفاق من الوديعة أولا لأنه انظر للغائب فإن الدين محفوظ لا يحتمل الهلاك بخلاف الوديعة
قوله وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها
منها قول أبي حنيفة أولا إذا جحد المديون أو المودع الزوجية تسمع بينتها على الزوجية لأنها تدعي حقا فيما في يده من المال بسبب فكان خصما في إثبات ذلك السبب كمن ادعى بيتا في يد إنسان أنه له اشتراه من فلان الغائب ثم رجع إلى أنها لا تقبل منه وهو قولهما لأنها تثبت النكاح على الغائب ومن عنده المال ليس خصما فيه ومنها ما قال به زفر رحمه الله من سماع بينتها على الزوجية ليفرض لها إذا لم يكن له مال حاضر ويأمرها بالإستدانة ثم رجع إلى قولهما وقول زفر في ذلك متقرر ونقل مثل قول زفر عن ابي يوسف فقوى عمل القضاة لحاجة الناس إلى ذلك
فروع في الفتاوى إمراة قالت إن زوجي يطيل الغيبة عني فطلبت كفيلا بالنفقة قال أبو حنيفة ليس لها ذلك وقال أبو يوسف آخذ كفيلا بنفقة شهر واحد استحسانا وعليه الفتوى فلو علم أنه يمكث في السفر أكثر من شهر أخذ عند أبي يوسف الكفيل بأكثر من شهر وعن أبي يوسف أيضا لو كفل بنفقتها ما عاشت أو كل شهر أو ما بقي النكاح بينهما صح وقال أبو حنيفة هو على شهر واحد ولو ضمن لها نفقة سنة جاز وإن لم تكن واجبة ولو طلقها رجيعا أو بائنا والمسئلة بحالها كفل بنفقة عدتها كل شهر لأن العدة من أحكام النكاح
____________________
(4/403)
وقوله وقال الشافعي رحمه الله لا نفقة للمبتوتة وهي المطلقة ثلاثا والمختلعة إذ لا بينونة عنده بغير ذلك
إلا أن تكون حاملا
فإن في بطنها ولده وحديث فاطمة بنت قيس رواه في صحيح مسلم أن ابا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من سبيل فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليس لك نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك إمرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند أبن أم مكتوم فإنه رجل اعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به واخرجه مسلم أيضا وقال فيه لا نفقة لك ولا سكنى ورواه أيضا وقال فيه أن أبا حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب رضي الله فأرسل إلى أمرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من تطليقها وعلى هذا فتحمل رواية الثلاث على أنه أوقع واحدة هي تمام الثلاث وأمر لها الحرث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة فسخطتها فقالا والله ليس لك نفقة إلا أن تكوني حاملا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهما فقال لا نفقة لك زاد أبو داود في هذا بإسناد مسلم عقيب قول عياش بن أبي ربيعة والحرث بن هشام ولا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا وفي شرح الكنز نسبة إلى مسلم لكن الحق ما علمت وفي رواية لمسلم أن أبا حفص
____________________
(4/404)
ابن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثا ثم انطلق الى اليمن فقال لها أهله ليس لك علينا نفقة فانطلق خالد بن الوليد في نفر فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة الحديث والجواب أن شرط قبول خبر الواحد عدم طعن السلف فيه وعدم الإضطراب وعدم معارض يجب تقديمه والمتحقق في هذا الحديث ضد كل من هذه الأمور أما طعن السلف فقد طعن عليها فيه أكابر الصحابة ممن سنذكر مع أنه ليس من عادتهم الطعن بسبب كون الرواي أمرأة ولا كون الراوي أعرابيا فقد قبلوا حديث فريعه بنت مالك بن سنان اخت أبي سعيد الخدري في أعتداد المتوفي عنها زوجها في بيت زوجها مع أنها لا تعرف إلا في هذاالخبر بخلاف فاطمة بنت قيس فإنها تعرف بذلك الخبر وبخبر الدجال حفظته مع طوله ووعته وادته ثم قد ظهر لها من الفقه ما أفاد علما وجلالة قدر وهو ما في صحيح مسلم من ان مروان أرسل إليها قبيصة بن أبي ذؤيب يسألها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من إمرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان بيني وبينكم القرآن قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة إلى قوله تعالى
لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قالت هذا لمن كانت له مراجعة فأي أمر يحدث بعد ذلك فكيف تقولون لا نفقة لها إذا لم تكن حاملا فعلام تحبسونها وقبل عمر خبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي فجزمنا ان رد عمر وغيره لخبرها ليس إلا لما علموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفا له وقد استقر الحال عليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بين السلف إلى أن روت فاطمة رضي الله عنها هذا الخبر مع أن عمر رده وصرح بالرواية بخلافة في صحيح مسلم عن أبي إسحاق قال كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا
____________________
(4/405)
نفقة فأخذ الاسود كفا من حصا فحصبه به وقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا تترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت ام نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فقد اخبر ان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لها النفقة والسكنى ولا ريب في ان قول الصحابي من السنة كذا رفع فكيف اذا كان قائله عمر رضي الله عنه وفيما رواه الطحاوي والدارقطني زيادة قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للمطلقة ثلاثا النفقة والسكنى وقصارى ما هنا ان تعارض روايتها بروايته فأي الروايتين يجب تقديمها وقال سعيد بن منصور حدثنا ابو معاوية حدثنا الاعمش عن ابراهيم قال كان عمر رضي الله عنه اذا ذكر عنده حديث فاطمة قال ما كنا نغير في ديننا بشهادة امرأة فهذا شاهد على انه كان الدين المعروف المشهور وجوب النفقة والسكنى فينزل حديث فاطمة من ذلك منزلة الشاذ والثقة اذا شذ لا يقبل ما شذ فيه ويصرح بهذا ما في مسلم من قول مروان سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها والناس اذ ذاك هم الصحابة فهذا في المعنى حكاية اجماع الصحابة ووصفه بالعصمة وفي الصحيحين عن عروة انه قال لعائشة الم ترى الى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت بئس ما صنعت فقال الم تسمعي الى قول فاطمة فقالت اما انه لا خير لها في ذكر ذلك فهذا غاية الانكار حيث نفت الخبر بالكلية عنه وكانت عائشة اعلم بأحوال النساء فقد كن يأتين الى منزلها ويستفتين منه صلى الله عليه وسلم وكثر وتكرر وفي صحيح البخارى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لفاطمة الا تتقي الله تعالى تعنى في قولها لا سكنى ولا نفقة وقال القاضي اسماعيل حدثنا نصر بن علي حدثني ابي عن هارون عن محمد ابن اسحاق قال احسبه عن محمد بن ابراهيم ان عائشة قالت لفاطمة بنت قيس انما اخرجك هذا اللسان يعني انها استطالت على احمائها وكثر الشر بينهم فأخرجها عليه الصلاة والسلام لذلك ويفيد ثبوته عن عائشة ان سعيد بن المسيب قد احتج به وهو معاصر عائشة واعظم متتبع لاقوال من عاصره من الصحابة حفظا ودراسة ولولا انه علمه عنها ما قاله وذلك ما في ابي داود من حديث ميمون بن مهران قال قدمت المدينة فدفعت الى سعيد بن المسيب فقلت فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها فقال سعيد تلك امرأة فتنت الناس كانت لسنة فوضعت على يد ابن ام مكتوم وهذا هو المناسب لمنصب ابن المسيب فإنه لم يكن لينسب الى صحابية ذلك من عند نفسه وكذا هو والله اعلم مستند سليمان بن يسار حيث قال خروج فاطمة انما كان عن سوء الخلق رواه ابو داود في سننه عنه وممن رده زوجها اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بن سعد حدثني جعفر عن ابي هرمز عن ابي سلمة بن عبد الرحمن قال كان محمد ابن اسامة بن زيد يقول كان اسامة اذا ذكرت فاطمة شيئا من ذلك يعنى من انتقالها في عدتها رماها بما في يده انتهى هذا مع انه هو الذي تزوجها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اعرف بالمكان الذي نقلها عنه الى منزله حتى بنى بها فهذا لم يكن قطعا الا لعلمه بأن ذلك غلط منها او لعلمه بخصوص سبب جواز انتقالها من اللسن او خيفة المكان وقد جاء ذلك ايضا ولم يظفر المخرج رحمه الله بحديث اسامة فاستغربه والله الميسر وقال
____________________
(4/406)
الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال اخبرنا ابو سلمة بن عبد الرحمن فذكر حديث فاطمة قال فأنكر الناس عليها ما كانت تحدث من خروجها قبل ان تحل وفي معجم الطبراني بسنده عن ابراهيم ان ابن مسعود وعمر رضي الله عنهما قالا المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة واخرج الدارقطني عن حرب بن ابي العالية عن ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المطلقة ثلاثا لها النفقة والسكنى قال عبد الحق انما يؤخذ من حديث ابي الزبير عن جابر ما ذكر فيه السماع او كان عن الليث عن ابي الزبير وحرب بن ابي العالية ايضا لا يحتج به ضعفه ابن معين والاشبه وقفه على جابر وهذا بتقدير تسليم ما ذكره من توهين رفعه يرد قول من ذكر ان جابرا على قول فاطمة وقد تم بما ذكرنا بيان المعارض والطعن واما بيان الاضطراب فقد سمعت في بعض الروايات انه طلقها وهو غائب وفي بعضها انه طلقها ثم سافر وفي بعض الروايات انها ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته وفي بعضها ان خالد بن الوليد ذهب في نفر فسألوه صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات سمى الزوج أبا عمرو بن حفص وفي بعضها أبا حفص بن المغيرة والاضطراب موجب لضعف الحديث على ما عرف في علم الحديث وممن رد الحديث زيد بن ثابت ومروان بن الحكم ومن التابعين مع ابن المسيب شريح والشعبي والحسن بن حي والاسود بن يزيد وممن بعدهم الثورى واحمد بن حنبل وخلق كثير ممن تبعهم فإن قيل هذا العذر بتقدير ثبوته انما اسقط تلك للسكنى والحال انه صلى الله عليه وسلم قال لها لا نفقة لك ولا سكنى قلنا ليس علينا اولا ان نشتغل ببيان العذر عما روت بل يكفي ما ذكرنا من انه شاذ مخالف لما كان الناس عليه ولمروى عمر في تركه كائنا هو في نفسه ما كان الا ان الاشتغال بذلك حسن حملا لمرويها على الصحة ونقول فيه ان عدم السكنى كان لما سمعت واما عدم النفقة فلان زوجها كان غائبا ولم يترك مالا عند احد سوى الشعير الذي بعث به اليها فطالبت هي اهله على ما في مسلم من طريق انه طلقها ثلاثا ثم انطلق الى اليمن فقال لها اهله ليس لك علينا نفقة الحديث فلذلك قال صلى الله عليه وسلم لها لا نفقة لك ولا سكنى على تقدير صحته لانه لم يخلف ما لا عند احد وليس يجب لك على اهله شيء فلا نفقة لك على احد بالضرورة فلم تفهم هي الغرض عنه صلى الله عليه وسلم فجعلت تروى نفي النفقة مطلقا فوقع انكار الناس عليها ثم ان في كتاب الله تعالى من غير ما نظرت فيه فاطمة بنت قيس ما يفيد وجوب السكنى والنفقة لها وهو قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } قد علم ان المراد وانفقوا عليهن من وجدكم وبه جاءت قراءة ابن مسعود المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرة له وهذه الآية انما هي في البوائن بدليل المعطوف وهو قوله تعالى ( عقيبه ) { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ولو كانت الآية في غير المطلقات او في الرجعيات كان التقدير اسكنوا الزوجات والرجعيات من حيث سكنتم وانفقوا عليهن من وجدكم وان كن اولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ومعلوم انه لا معنى حينئذ لجعل غاية ايجاب الانفاق عليها الوضع فإن النفقة واجبة لها مطلقا حاملا كانت او لا وضعت حملها او لا بخلافه ما اذا كانت في البوائن فإن فائدة التقييد بالغاية دفع توهم عدم النفقة على المعتدة الحامل في تمام مدة الحمل لطولها والاقتصار على
____________________
(4/407)
ثلاث حيض او ثلاثة اشهر وكذا قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فإنه عام في المطلقات وقوله تعالى { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } يرجع الى الرجعيات منهن وذكر حكم خاص ببعض ما ينتاوله الصدر لا يبطل عموم الصدر
قوله الا يرى ان معنى التعرف عن براءة الرحم ليس مراعى فيها استيضاح على ان وجوبها لحق الشرع عبادة فإنها لو لم تحض فيها انقضت العدة ما لم يظهر حبل وكذا يدل عليه وجوبها بالموت قبل الدخول ويعارض ذلك انقضاؤها اذا لم تعلم بموته حتى مضت مدة العدة وانت اذا انعمت النظر فيما ذكرنا في باب العدة في المسئلة تداخل العدتين ظهر لك جواب هذا فارجع اليه واتقنه
قوله وكل فرقة جاءت من قبل الزوجة بمعصية احترز به عما يجيء من قبل الزوج مطلقا وعما يجيء من قبلها بغير معصية فإن لها النفقة فيهما والحاصل ان الفرقة اما من قبله او قبلها ففي الاول لها النفقة مطلقا سواء كانت بغير معصية مثل الفرقة بطلاقه او لعانه او عنته او جبه بعد الخلوة ويشكل على ايجاب النفقة للملاعنة ما قدمناه في باب اللعان في الحديث من انه صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها بيتا ولا قوتا عليه او بمعصية مثل الفرقة بتقبيله بنت زوجته او ايلائه مع عدم فيئه حتى مضت اربعة اشهر او إبائه الاسلام اذا اسلمت هي او ارتد هو فعرض عليه الاسلام فلم يسلم لان بمعصيته لا تحرم هي النفقة واما الثاني فإما بمعصية مثل تمكينها ابن الزوج او ابائها اذا اسلم هو وهي وثنية او مجوسية وردتها فلا تجب لها نفقة لانها والحالة هذه حابسة نفسها بغير حق فكانت كالناشزة واما بغير معصية مثل الفرقة بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة ووطء ابن الزوج لها مكرهة تجب لانها حبست نفسها بحق لها او عذرت شرعا فيه ولها السكنى في جميع الصور لان القرار في منزل الزوج حق عليها فلا يسقط بمعصيتها اما النفقة فحق لها فتجازى بسقوطه بمعصيتها
قوله بخلاف المهر بعد الدخول يعنى انه يجب لها وان جاءت الفرقة من جهتها بمعصية لانه وجد الموجب له وهو تسليم نفسها فتقرر الحق لها فيه قبل طرو المعصية
قوله وان طلقها ثلاثا ثم ارتدت سقطت نفقتها لا لعين الردة هنا لان الفرقة لم تجيء بسببها فهي وتمكينها ابن الزوج بعد الطلاق الثلاث
____________________
(4/408)
سواء فكما لا تسقط النفقة بالتمكين هنا لا تسقط والعياذ بالله بالردة وانما تسقط في هذه الردة اذا اخرجت وحبست اذ لا نفقة للمحبوسة كما اشار اليه المصنف في التعليل او اذا لحقت حتى لو لم تلحق بدار الحرب ولم تخرج بعد هذه الردة كان لها النفقة ولو حبست او لحقت فعادت الى الاسلام ورجعت الى بيتها عاد استحقاقها للنفقة وما ذكر في الجامع من قوله ولو عادت الى بيتها مسلمة او مرتدة عادت نفقتها بخلاف ما بعد اللحاق يخالفه ما ذكر في الذخيرة لو عادت الى دار الاسلام فلها النفقة والسكنى ووفق بحمل المذكور في الجامع على ما اذا حكم بلحاقها وما في الذخيرة على ما قبل الحكم به بخلاف ما اذا وقعت الفرقة بالردة فإنها لو اسملت وعادت الى منزله لا تجب لها نفقة لانها المفوته لملك النكاح وهو لا يعود بعودها الى المنزل مسلمة ولو كان تمكينها وردتها في عدة الطلاق الرجعي سقطت النفقة كما لو كانا قبل الطلاق لقيام النكاح في الرجعي وفي شرح الطحاوي الاصل ان كل امرأة كانت لها نفقة يوم طلقت ثم صارت الى حال لا نفقة لها فلها ان تعود وتأخذ النفقة وكل امرأة لا نفقة لها يوم طلقت فليس لها نفقة بعده فلو طلق الامة بائنا وكانت مبوأة معه بيتا فأخرجها المولى الى خدمته بعد الطلاق سقطت نفقتها فإن اعادها الى بيت الزوج تأخذ النفقة ولو لم يكن بوأها المولى فطلقت فأراد ان يبوئها مع الزوج في العدة وتأخذ نفقتها لا تجب النفقة واورد عليه ما لو كانت ناشزة يوم الطلاق ثم عادت الى المنزل في العدة فإنها تعود نفقتها واجيب بأن النفقة كانت واجبة الا انها منعت نفسها عن حق واجب لها فلها ان تعود فتأخذه وهذا لا يدفع الوارد على لفظ الاصل المذكور ولو تطاولت العدة كانت لها النفقة ما لم تدخل في سن الاياس فتعتد بثلاثة اشهر وعن هذا قلنا لو صالح المعتدة على نفقة العدة بشيء معلوم ان كانت العدة بالشهور جاز لانها معلومة وان كانت بالحيض لا يجوز لانها مجهولة لاحتمال ان يمتد الطهر بها واذا لم تطالب بالنفقة حتى انقضت العدة سقطت كالتي في العصمة الا ان تكون مفروضة ولو ابرأته عن النفقة في المستقبل وهي زوجة لم يصح ولو ابرأته عنها في عقد الخلع صح لان الابراء في الخلع ابراء بعوض وهو استيفاء والاستيفاء قبل الوجوب يجوز واما الاول فالابراء اسقاط واسقاط الشيء قبل وجوبه لا يجوز ثم القول قول المطلقة في انقضاء العدة مع يمينها اذا كانت من ذوات الحيض ولو كانت ادعت حبلا وانفق عليها الى سنتين فإن قالت بعدهما كنت اعتقدته حبلا فظهر انه ليس اياه وانا حائل لم احض وقال بل ادعيت الحبل كذبا وظهر كذبك فلا نفقة لك لا يلتفت القاضي الى قوله ويأمره بالانفاق حتى تحيض ثلاث حيض او تدخل في سن الاياس فتعتد بثلاثة اشهر ولو كانت صغيرة يجامع مثلها ينفق عليها الى ثلاثة اشهر وقال الفضلي لا تنقضي عدتها بذلك بل يوقف حالها لاحتمال حبلها فينفق عليها حتى تنقضى عدتها كذا ذكر هذا الفرع بعضهم وفي الخلاصة عدة الصغيرة ثلاثة اشهر إلا
____________________
(4/409)
اذا كانت مراهقة فينفق عليها ما لم يظهر فراغ رحمها هذا في المحيط اه من غير ذكر خلاف وهو حسن وفيها رجل غاب فتزوجت امرأته بآخر ودخل بها الزوج الثاني فحضر الزوج الاول فرق بينها وبين الزوج الثاني ولا نفقة لها على الزوج الاول حتى تنقضى عدة الثاني فإن طلقها وهي في عدة الثاني لم تجب نفقة العدة على الزوج الاول ولا على الثاني ما دامت في عدة الثاني فإذا انقضت عدة الثاني تجب ولو تزوجت المعتدة ودخل بها زوجها لا تجب نفقة العدة على الزوج كذا في الاقضية وفي الفتاوى قال تجب على الزوج الاول هكذا ذكر في المحيط وتأويله اذا تزوجت في بيت العدة اما اذا خرجت فلا فصل
قوله ونفقة الاولاد الصغر على الاب لا يشاركه فيها احد قيد بالصغر فخرج البالغ وليس هذا على الاطلاق بل الاب اما غني او فقير والاولاد اما صغار او كبار فالاقسام اربعة الاول ان يكون الاب غنيا والاولاد كبارا فإما اناث او ذكور فالاناث عليه نفقتهن الى ان يتزوجن اذا لم يكن لهن مال وليس له ان يؤاجرهن في عمل ولا خدمة وان كان لهن قدرة واذا طلقت وانقضت عدتها عادت نفقتها على الاب والذكور اما عاجزون عن الكسب لزمانة او عمى او شلل او ذهاب عقل فعليه نفقتهم وكذا اذا كان من ابناء الكرام لا يجد من يستأجره فهو عاجز وكذا طلبة العلم اذا كانوا لا يهتدون الى الكسب نفقتهم على آبائهم قال الحلواني ورأيت في موضع هذا اذا كان بهم رشد وقوله لا يشاركه فيها احد على الاطلاق في الصغار اما الكبار فعلى الظاهر كما سيأتي وان لم يكونوا عاجزين لا نفقة لهم الثاني ان يكون الاب غنيا وهم صغار فإما ان يكون لهم مال او لا فإن لم يكن فعليه نفقتهم الى ان يبلغ الذكر حد الكسب وان لم يبلغ الحلم فإذا كان هذا كان للاب ان يؤاجره وينفق عليه من اجرته وليس له في الانثى ذلك فلو كان الاب مبذرا يدفع كسب الابن الى امين كما في سائر املاكه وان كان لهم مال فإما حاضر او غائب فإن كان حاضرا فنفقتهم في مالهم لا يجب على الاب شيء منها وان كان غائبا وجبت على الاب فإن اراد ان يرجع في ما لهم ينفق بإذن القاضي في ذلك فلو انفق بلا امره ليس له الرجوع في الحكم الا ان يكون اشهد انه انفق ليرجع ولو لم يكن اشهد لكن انفق بنية الرجوع لم يكن له في الحكم رجوع وفيما بينه وبين الله تعالى يحل له ان يرجع الثالث ان يكون الاب فقيرا فإن كانوا اغنياء وكبارا
____________________
(4/410)
قادرين فلا اشكال ان نفقته هو عليهم وان كانوا صغارا اغنياء فكذلك ايضا الرابع ان يكونوا فقراء وهم صغار أو كبار عاجزون والاب ايضا عاجز عن الكسب فالخصاف قال يتكفف الناس وينفق عليهم وقيل نفقتهم في بيت المال وان كان قادرا على الكسب اكتسب فإن امتنع عن الكسب حبس بخلاف سائر الديون ولا يحس والد وان علا في دين ولد له وان سفل الا في النفقة لان الامتناع اتلاف النفس ولا يحل للاب ذلك وكذا عدا الاب على ابنه بسيف بحيث لا يندفع عنه الا بقتله حل له قتله واذا لم يف كسبه بحاجتهم او لم يكتسب لعدم تيسرالكسب انفق عليهم القريب ورجع على الاب اذا ايسر وفي جوامع الفقه اذا لم يكن للاب مال والجد او الام او الخال او العم موسر يجبر على نفقة الصغير ويرجع بها على الاب اذا ايسر وكذا يجبر الابعد اذا غاب الاقرب ثم يرجع عليه فإن كان له ام موسره فنفقته عليها وكذا اذا لم يكن له اب الا انها ترجع في الاول وما فقل ابن قدامة عن الائمة الاربعة من عدم الرجوع فيه نظر وان كان له جد وام موسران فنفقته عليهما على قدر ميراثهما في ظاهر المذهب وروى الحسن عن ابي حنيفة انها على الجد وحده لجعله كالاب وبه قال الشافعي وفي نفقات الشهيد خلع امرأته وغاب عنها فطالبت عمهم فعلى العم ثلثا نفقتهم وعلى الام الثلث اذا كانا موسرين ويكون دينا على الاب يرجعان عليه اذا كان بأمر الحاكم قال القاضي هذا اذا كانت الغيبة منقطعة
قوله لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وجه الاستدلال انه اوجب على الاب رزق الوالدات وعبر عنه بالمولود له للتنبيه على علة الايجاب عليه وهو الولاد له لما عرف من ان تعليق الحكم بمشتق يفيد كون مبدأ الاشتقاق علة له فإذا وجب نفقة غيره بسببه فوجوب نفقة نفسه اولى وحين ثبتت نفقته بطريق اولى تبين ان نفقة الوالدة هي نفقة الولد لان الولد يحتاج اليها في الخدمة والتربية والرضاع حتى ان اللبن الذي هو مئونته انما يستحيل لبنا من غذائها فإيجاب نفقتها عليه ايجاب نفقته عليه اذ ليست النفقة سوى اخراج ما يحتاجه المحتاج اليه لكفايته وقد تقدم في الكتاب ما يشير الى ان نفقة الخادم من نفقة المرأة وان كانت نفقة شخص آخر بل يدخل فيها الكسوة والسكنى في الخلاصة قال هشام سألت محمدا عن النفقة فقال هي الطعام والكسوة والسكنى ولانه جزؤه
____________________
(4/411)
فكان كنفسه
قوله وليس على الام ان ترضعه يعنى في الحكم اذا امتنعت وان كانت الزوجية قائمة وهو مقيد بالقيد الذي سنذكره
قوله وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم أي عدم الجبر بيان الحكم قضاء بمعنى انها اذا امتنعت لا يجبرها القاضي عليه وهو واجب عليها ديانة وكذا غسل الثياب والطبخ والخبز وكنس البيت واجب عليها ديانة ولا يجبرها القاضي عليه اذا امتنعت لان المستحق عليها بالنكاح تسليم نفسها للاستمتاع
قوله ذلك أي عدم الجبر اذا وجد من ترضعه فإذا لم يوجد او وجد ولم يقبل هو ثدي غيرها اجبرت على ارضاعه صيانة له عن الضياع وذكر الحلواني ان ظاهر الرواية لا تجبر لان الولد قد يتغذى بالدهن والشراب فلا يؤدي ترك اجبارها الى التلف والى الاول مال القدوري والسرخسي وهو الاصوب لان قصر الرضيع الذي لم يأنس الطعام على الدهن والشراب سبب تمريضه وموته
قوله معناه اذا ارادت ذلك لان الحجر لها أي التربية لها بحق الحضانة وهذا بناء على ما تقدم وقد قدمنا من اختيار الفقيهين الهنداوني والسمرقندي انها تجبر على الحضانة وفي كلام الحاكم الشهيد ما يفيده مما قدمناه ثم لا يلزم المرضعة ان تمكث في بيت الام الا ان يشترط ذلك بل لها ان ترضعه ثم ترجع الى منزلها فيما يستغنى عنها فيه من الزمان او تحمل الصبي معها اليه او تقول اخرجوه فترضعه عند فناء الدار ثم تدخل الصبي الى امه
قوله وجه الاولى لما كان التشبيه لا يستلزم عموم وجه الشبه لم يكتف بقوله قبل هذا وكذا في المبتوتة في رواية بعد قوله وهذا يعني عدم الاستئجار في المعتدة عن طلاق رجعي رواية واحدة لان النكاح قائم والا لو اعتبر عموم الشبه كان ذلك تشبيها في الحكم والوجه وايضا ربما يكون تأخير ذكر وجهه للايماء الا انه المختار عنده وكذا ظاهر اطلاق القدوري المعتدة في قوله او معتدته وان كان مقابلة هو ظاهر الرواية كما صرح به بعضهم اذ من عادته تاخير وجه القول المختار والحاصل ان قيام العدة هو قيام نفس النكاح من وجه على ما حققناه في فصل المحرمات من كتاب النكاح فارجع اليه ولهذا وجبت النفقة وامتنع
____________________
(4/412)
شهادته لمعتدته عن ثلاث او بائن وكذا لا يجوز استئجارها للارضاع
قوله وان انقضت عدتها فاستأجرها اعلم ان حاصل كلامهم ان الارضاع واجب عليها مقيد بعدم الضرر بقوله تعالى { لا تضار والدة بولدها } والضرر يتحقق عند العجز عن ارضاعه اذا الزمت والعجز مبطن فأقيم امتناعها عنه مقام حقيقته لان امتناعها عن الارضاع كان مع داعية حنو الوالدة ظاهر في عجزها عنه فلذا لم تجبر عليه اذا امتنعت فإذا اقدمت عليه بالاجر وهي منكوحة أو معتدة عن رجعي او مطلقا على ما هو الاوجه ظهر عدم عجزها فظهر الوجوب عليها ولا اجر يستحق في مقابلة فعل الواجب ولا يخفى ان هذا المعنى بعينه ثابت فيما اذا استأجرها لارضاع ولدها منه بعد انقضاء العدة ومقتضاه ان لا يجوز بعد العدة ايضا كما قبلها وهذا لان الوالدات في قوله تعالى { والوالدات يرضعن } اعم من البائنات فكان الايجاب عاما على المنكوحات والرجعيات والبوائن قبل العدة وفيها وبعدها والمانع من اخذ الاجرة
____________________
(4/413)
والاستئجار هو الوجوب وهو عام فيعم المنع الكل اذا ظهرت قدرتهن وذلك بالاقدام على الارضاع بأجر وغاية ما يقال ان الارضاع من نفقته وهي على الاب لا على الام ويدفع بأن هذه النفقة اوجبها الذي له ولاية الايجاب على الام بعد ان اوجب رزقه لها بإدرار الثدي فلم يبق منها سوى الفعل الاختياري فأوجب عليها القامه ثديها وثبوت هذا الايجاب بالنص المذكور اعنى يرضعن اولادهن والحق انه اوجب عليها مقيدا بإيجاب رزقها عليه بقوله { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } ففي حال الزوجية والعدة وهو قائم برزقها وفيما بعد العدة لا يقوم بشيء فتقوم الاجرة مقامه
قوله وفي جميع ما ذكرنا انما تجب النفقة على الاب اذا لم يكن للصبي مال واطلقه فعم جميع اصناف المال من العروض والحيوان والعقار حتى اذا كان له ذلك فقط فللاب ان يبيعه وينفقه عليه وكذا يعطى منه اجر رضاعه وهذا لان ايجاب نفقة احد الموسرين على الآخر اذا لم يكن الاحتباس ذلك له ليس بأولى من ايجاب نفقة ذلك عليه بخلاف نفقة الزوجة فإنها محتبسة لغرض الآخر فنفقتها عليه وان كانت غنية اما الولد فنفقته للحاجة وبغناه اندفعت حاجته فلا تجب على غيره كنفقة المحارم والله اعلم فصل
____________________
(4/414)
قوله وعلى الرجل أي الموسر
قوله واجداده يدخل فيه الجد لاب والجد لام وان علوا وفي جداته جداته لابيه وجداته لامه وان علون وقوله اذا كانوا فقراء يوافق بإطلاقه قول السرخسي حيث قال اذا كان الاب قادرا على الكسب يجبر الابن على نفقته بخلاف قول الحلواني انه لا يجبر اذا كان الاب كسويا لانه كان غنيا باعتبار الكسب فلا ضرورة في ايجاب النفقة على الغير واذا كا الابن قادرا على الكسب لا تجب نفقته على الاب فلو كان كل منهما كسوبا يجب ان يكتسب الابن وينفق على الاب فالمعتبر في ايجاب نفقة الوالدين مدجرد الفقر قيل هو ظاهر الرواية لان معنى الاذى في ايكاله الى الكد والتعب اكثر منه في التأفيف المحرم بقوله تعالى { فلا تقل لهما أف } ولا خلاف في استحقاق الزوجة الغنية لانه في مقابلة احتباسه اياها لاستبفاء حق مقصود له فكان كاستحقاق القاضي الغني
قوله نزلت في الابوين الكافرين بدليل ما قبله وهو قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي } فرض سبحانه مصاحبتهما بالمعروف وليس من المعروف ان يتركهما مع الجوع والعري ويتقلب هو في النعم الى ان محملها على غير الحربيين فأما الآباء الحربيون وان كانوا مستأمنين في دارنا لا يجبر الابن على النفقة عليهم لقوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم } الى قوله { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } الآية بينها وبين آية الابوين عموم وخصوص من وجه فيتصادقان في الابوين الحربيين وتنفرد آية المصاحبة في غير الحربيين وآية النهي في غير الابوين فتعارضا في الابوين الحربيين فقدمت آية النهي لتقديم المحرم على المبيح ولقائل ان يقول النهي انما يتعلق بالذين تحقق منهم قتال في الدين واخراج المسلمين من ديارهم وهم اهل مكة فلا يتناول الابوين الحربيين اللذين لم يتحقق منهما قتال ولا مظاهرة على اخراج ولا يصح القياس على اهل مكة بمجرد جامع كونهم حربا لان الحكم علق بمجموع من تحقق القتال والاخراج منه وايضا صرح النص بعدم النهي عنه بقوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } ومعلوم ان الذين لم يقاتلوا ايضا حربيون
قوله واما الاجداد والجدات فلانهم من الآباء والامهات ظاهرة انهم يدخلون في اللفظ
____________________
(4/415)
اعني لفظ الابوين الذي هو مرجع الضمير في قوله { وصاحبهما في الدنيا معروفا } وفيه نظر وفإنهم في مسئلة الامان فيما اذا قالوا آمنونا على آبائنا صرحوا بعدم دخول الاجداد لعموم انتظام اللفظ فإن اراد الحاقهم بالقياس فلا حاجة بل لا ينبغي ان يعلل بأنهم من الآباء بل يعلل استحقاق الابوين النفقة بتسببهم في وجوده ويلحق بهم الاجداد ويعتبره في عموم المجاز ومن العجب عدم اعتبارهم اياه في عموم المجاز في الامان ليدخل الاجداد مع ان الامان يحتاط في اثباته
وقوله ولهذا يقوم الجد الخ قيامه مقامه في الوراثة وولاية الانكاح والتصرف في مال ولد الولد هذا ولو قال انهم من الوالدين والوالدات كان اقرب لان مرجع ضمير صاحبهما الوالدان لا الابوان
قوله اما الزوجة الخ عرف من قوله واجبة بالعقد لاحتباسها انه حيث اضاف ايجاب النفقة الى العقد فهو اضافة الى العلة البعيدة وان المؤثر بالذات هو الاحتباس الخاص على ما قدمنا
قوله فكما لا يمتنع الخ الاحسن ان يقال فكما يجبر على انفاقه على نفسه مع كفره وذمته يجبر على نفقة جزئه لان عدم الامتناع لا يستلزم الوجوب وهو المطلوب بل اخص منه وهو الجبر عليه وكونه يجبره الحاكم على انفاقه على نفسه محل نظر اما فتواه بوجوب ذلك فلا شك فيه وكذا امره بالمعروف من ذلك
قوله ولا تجب على النصراني نفقة اخيه المسلم اظهار لبعض
____________________
(4/416)
صور ذلك الكلى وهو قوله ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين الا للزوجة والابوين والاجداد والجدات والولد
وقوله لان النفقة أي نفقة غير الاولاد متعلقة بالارث يعني بالقرابة والمحرمية مقيد بالارث بالنص وهو قوله تعالى بعد ان قال سبحانه { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } { وعلى الوارث مثل ذلك } فعلقه به ولا ارث بين المسلم والكافر بخلاف العتق فإنه تعلق بالمحرمية بسبب القرابة لا بقيد كونه وارثا بالحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وسيأتي الكلام عليه
قوله فاعتبرنا في الاعلى وهو دوام ملك اليمين اصل العلة وهو القرابة المحرمة وفي الادنى وهو النفقة العلة المؤكدة بالتوارث وهذا في الحقيقة إبداء لحكمة الشرع يعنى انما شرع سبحانه ايجاب النفقة على القريب مفيدا بالارث وشرع عتق القريب اذا ملك قريبه المحرم بلا ذلك القيد لهذا الفرق وهو ان عدم النفقة قطيعة واستمرار ملكه رقبة القريب فوقه في القطيعة فأوجب رفعها بلا بمؤكد بخلاف ما لم يبلغ مبلغه في القطيعة فإنه لم يرفعه حينئذ الا بمؤطد وما قيل الضابط عندنا الرحم والمحرمية والارث ليس بشرط حتى وجبت النفقة على الخال والخالة والعمة ولهم دون ابن العم والحق في الجواب ان ليس المراد من قوله تعالى { وعلى الوارث } سوى من يثبت له ميراث والخال كذلك لا من يثبت له ميراث بقيد كونه في صورة وجوب النفقة عليه لا يقال هذا حينئذ استدلال بمفهوم الصفة على اخراج الكافر الذمي لانا نقول بل هو اثبات الحكم في محل النطق وهو الوارث ونفيه عن غيره لعدم دليل الوجوب عليه فيبقى على العدم الاصلي لا ان نفيه مضاف الى اللفظ
قوله لان لهما تأويلا في مال الولد يفيد انه ملكهما يالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام انت ومالك لابيك رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(4/417)
جماعة من الصحابة وسيأتي في باب الوطء الذي يوجب الحد واخرج اصحاب السنن الاربعة عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اطيب ما اكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه حسنة الترمذي فإن قيل هذا يقتضي ان له ملكا ناجزا في ماله قلنا نعم لو لم يقيده حديث رواه الحاكم وصححه والبيهقي عنها مرفوعا ان اولادكم هبة لكم يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور واموالهم لكم اذا احتجتم اليها ومما يقطع بأن مؤول انه تعالى ورث الاب من ابنه السدس مع ولد ولده فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء مع وجوده
قوله هو الصحيح احتراز عن رواية الحسن عن ابي حنيفة ان النفقة بين الذكور والاناث اثلاثا على الذكر مثل حظ الانثيين كما في الميراث قياسا على نفقة ذوى الارحام وبه قال الشافعي واحمد والحق الاستواء فيها لتعلق الوجوب بالولاد وهو يشملهما بالسوية بخلاف غير الولاد لان الوجوب علق فيه بالارث ولهذا ثبت في الولاد مع اختلاف الدين ولا توارث فإن كان الولد معسرا وهما موسران فلا نفقة لاحد على احد ويجب التفصيل بين ان يكون الابن قادرا على الكسب مع اعتباره او لا فيجرى فيه الخلاف السابق بين شمس الائمة السرخسي والحلواني وعن ابي يوسف قال اذا كان الاب زمنا وكسب الابن لا يفضل عن نفقته فعليه ان يضم الاب اليه كي لا يضيع ولا يخشى بذلك الهلاك على الولد لان الانسان لا يهلك على نصف بطنه وقال الشاعر ** كلوا في بعض بطنكمو تعفوا **
وفي الفتاوى يجبر الابن على نفقة زوجة إليه ولاي يجبر الاب على نفقة
____________________
(4/418)
زوجة ابنه وفي نفقات الحلواني قال فيه روايتان في رواية كما قلنا وفي رواية انما تجب نفقة زوجة الاب اذا كان الاب مريضا او به زمانة يحتاج الى الخدمة اما اذا كان صحيحا فلا قال في المحيط فعلى هذا لا فرق بين الاب والابن فإن الابن اذا كان بهذه المثابة يجبر الاب على نفقة خادمه ثم الاصل في نفقة الوالدين والمولودين انه يعتبر القرب بعد الجزئية دون الميراث ولذا لو كان له اخ شقيق وبنت بنت وان سفلت او ابن بنت كانت نفقته على بنت البنت وان كان ميراثه لاخيه ولو كان له بنت ومولى عتاقة فالنفقة عليها مع اشتراكهما في الميراث واذا كان للفقيه ولد وابن ابن موسران فالنفقة على الولد لانه اقرب واذا كانت له بنت وابن ابن فعلى البنت خاصة وان كان الميراث بينهما لقرب البنت فإذا استويا فالنفقة عليهما الا ان يترجح احدهما بمرجح وهما وارثان واذا كان له ولد ابن وولد بنت فهما سواء في النفقة وان كان الارث لولد الابن وكذا اذا كان له ابنان مسلم ونصراني فالنفقة عليهما والميراث للمسلم فقط ولو كان له والد وولد فهي على الولد لاستوائهما في القرب ويترجح الولد باعتبار التأويل ولو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما لاستوائهما في القرب وعدم الترجيح الكل من المحيط واذا اختلفا فقال الابن هو غني وليس على نفقته وقال الاب انا معسر ذكر في المنتقى ان القول للاب والبينة بينة الابن
قوله والنفقة لكل ذي رحم محرم أي واجبة يجبر عليها فهو من حذف الخبر لقرينة لا من الاخبار بالجار والمجرور نائبين عن الخبر لوجوب تعلقهما بالكون المطلق وليس هو كذلك هنا وقال احمد على كل وارث محرما كان اولا وهو قول ابن ابي ليلى وقال الشافعي لا تجب لغير الوالدين والمولودين كالاخوة والاعمام وجهه انه يجعل الاشارة في قوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } لنفي المضارة لا لاايجاب النفقة فلا يبقى دليلا على ايجاب النفقة فيبقى على العدم لعدم دليلها الشرعي قلنا نفيها
____________________
(4/419)
لا يختص بالوارث ثم هو مخالف للظاهر من الاشارة المقرونة بالكاف فإنها بحسب الوضع للبعيد دون القريب وجه قول احمد انه تعالى علقها بالوارث فقيد المحرمية زيادة قلنا في قراءة ابن مسعود وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك فيكون بيانا للقراءة المتواترة فإن قيل القراءة الشاذة بمنزلة خبر الواحد ولا يجوز تقييد مطلق القاطع به فلا يجوز تقييده بهذه القراءة اجيب بادعاء شهرتها واستدل على الاطلاق بما في النسائي من حديث طارق قال قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول امك واباك واختك واخاك ثم ادناك ادناك وما رواه احمد وابو داود والترمذي عن معاوية بن حيدة القشيرى قلت يا رسول الله من ابر قال امك قال ثم من قال امك قال ثم من قال اباك ثم الاقرب فالاقرب قال الترمذي حسن وفي صحيح مسلم فإن فضل عن اهلك شيء فلذوي قرابتك فهذه تفيد وجوب النفقة بلا تقييد بالارث ولا يخفى ان الثاني لا يفيد وجوب النفقة اصلا لانه جواب قول السائل من ابر وهو لا يستلزم كونه سؤالا عن البر المفروض لجواز كونه سؤالا عن الافضل منه فيكون الجواب عنه بخلاف الاول وليس هذا معارضا للنص لان الايجاب على الوارث بالنص لا ينفى ان يجب على غيره فيثبت على غيره بالحديث عند من لا يقول بمفهوم الصفة على ان القائل ان يلزمهم ان الوارث اريد به القريب عند من عبر به عنه خصوصا على رأيكم وهو ان كل قريب وارث لتوريثكم ذوي الارحام مع قولكم ان المراد به اهلية الارث في الجملة حتى قالوا اذا كان له خال وابن عم ان نفقته على خاله وميراثه لابن عمه اللهم الا ان يثبت قولنا نقطع بأن ايجاب النفقة لوجوب الوصل والقرابة التي يفترض وصلها بالنصوص هي على المحرمية بخلاف غيرها لا يفترض وصلها لان التحريم انما يثبت للوصل وهو الظاهر لما تقرر انه سبب التحريم في المحرمات من القرائب لان الافتراش اما عدم وصل او يؤدي اليه
قوله فإن القادر على الكسب غني بكسبه وقدرته على الكسب تتحقق بصحة البدن بعد كونه بالغا ولهذا اخذ في البالغ الذي تجب نفقته من غير الاولاد الزمانة حيث قالوا والابن الزمن البالغ ويصرح بما قلنا ما في الكافي للحاكم حيث قال في باب نفقة ذوي الارحام ولا يجبر الموسر على نفقة احد من قرابته اذا كان رجلا صحيحا وان كان لا يقدر على الكسب الا في الولد خاصة او في الجد ابي الاب اذا مات الولد فإني اجبر الولد على نفقته وان كان صحيحا انتهى وهذا جواب الرواية وهو يشد قول شمس الائمة
____________________
(4/420)
السرخسي بخلاف الحلواني على ما قدمناه
قوله لان التنصيص على الوارث تنبيه على اعتبار المقدار بطريق انه يفيد عليه مأخذ الاشتقاق وهو الارث فيثبت الحكم في محل وجود العلة على قدر وجودها مثاله اذا كان له اخ شقيق او لاب واخت شقيقة او لاب فالنفقة عليهما اثلاثا على الاخ الثلثان وعلى الاخت الثلث لان ميراثهما منه كذلك ولو كانا لام وجبت عليهما نصفين كإرثهما ولو كان معهما اخ لابوين او لاب او عصبة اخرى فالثلثان على العاصب ولو كان اخ لاب واخ لام فالسدس على الاخ لام وخمسة الاسداس على الاخ لاب وعلى هذا فقس
قوله وجه الفرق أي بين نفقة الولد الصغير والكبير الزمن
قوله فاختص بنفقته لانه باعتبار الولاية الكاملة صار كنفسه بخلاف البالغ فإنه ليس للاب ولاية عليه ليكون في معنى نفسه فاعتبر كسائر المحارم
قوله على الاخوات المتفرقات بأن تكون اخت شقيقة واخرى لاب واخرى لام اخماسا ثلاثة اخماسها على الشقيقة وخمس
____________________
(4/421)
على التي لاب وخمس على التي لام لان ميراثهن منه كذلك بواسطة الرد عليهن
قوله غير ان المعتبر اهلية الارث هذا هو الجواب الذي اسلفناه وقدمنا تقريره وايضاحه ان حقيقة الوارث غير مرادة فإنه لمن قام به الارث بالفعل وهذا لا يتحقق الا بعد موت من تجب له النفقة ولا نفقة بعد الموت فتعذرت ارادة الحقيقة فكان المراد من يقبت له ميراث والخال كذلك فوجبت نفقته عليه ولم تجب على ابن العم لعدم المحرمية بخلاف مالو كان له خال وعم او عمة فإن النفقة حينئذ على العم لاشتراكهما في المحرمية واحراز العم الميراث في الحال لو مات فلو كان العم معسرا وجبت بين العمة والخال اثلاثا على العمة الثلث ويجعل المعسر كالميت والحاصل ان قوله اهلية الميراث لا احرازه فيما اذا كان المعرز للميراث غير محرم ومعه محرم اما اذا ثبتت محرمية كلهم وبعضهم لا يحرز الميراث في الحال كالخال والعم اذا اجتمعا فإنه يعتبر احراز الميراث في الحال وتجب النفقة على العم واذا اتفقوا في المحرمية والارث في الحال وكان بعضهم فقيرا جعل كالمعدوم ووجبت على الباقين على قدر ارثهم كأن ليس معهم غيرهم
قوله ثم اليسار مقدر بالنصاب أي بنصاب الزكاة على ما روى عن ابي يوسف وعن محمد روايتان احداهما بما يفضل عن نفقة شهر والاخرى بما يفضل عن كسبه كل يوم حتى لو كان كسبه درهما ويكفيه اربعة
____________________
(4/422)
دوانق وجب عليه الدانقان للقريب ومحمل الروايتين على حاجة الانسان ان كان مكتسبا ولا مال له حاصل اعتبر فضل كسبه اليومي وان لم يكن بل كان له مال اعتبر نفقة شهر فينفق ذلك الشهر فإن صار فقيرا ارتفعت نفقتهم عنه ومال السرخسي الى قول محمد في الكسب فإنه علله بأن قال لان الاستحقاق باعتبار الحاجة فيعتبر في جانب المؤدي بتيسير الاداء وتيسير الاداء موجود اذا كان كسبه يفضل عن نفقته وقال صاحب التحفة قول محمد ارفق ومال الولواجي الى قول ابي يوسف قال لان النفقة تجب على الموسر ونهاية اليسار لا حد لها وبدايته لنصاب فيتقدر به وقال في الخلاصة بعد ما نقل انه نصاب الزكاة وبه يفتى واختار صاحب الهداية انه نصاب حرمان الصدقة
قوله والفتوى على الاول أي على ان اليسار مقدر بالنصاب لكن لا كما يقول ابو يوسف وتقدم تفصيل النصب في باب صدقة الفطر الا ان النفقة لما كانت حق الآدمي نفسه تعتبر مجرد القدرة عليه بعد كونه فاضلا عن حاجته وصدقة الفطر حق يجب لله تعالى بسبب الآدمي وحقوق الله تعالى يراعى فيها من التيسير ما لا يعتبر في حق العبد المحتاج وليس ذلك مطلقا بل اذا لم يكن كسوبا يعتبر ان يكون له قدر نصاب فاضل لتجب عليه النفقة فإذا انفق ولم يبق له شيء سقطت وان كان كسوبا يعتبر يعتبر قول محمد وهذا يجب ان يعول عليه في الفتوى
قوله واذا كان للابن الغائب مال قضى فيه بنفقة ابويه لما قدمنا ان كل من يقضى له بالنفقة عند غيبة من عليه جاز له ان يأخذ اذا قدر بلا قضاء فالوالدان والولد والزوجة اذا قدروا على مال من جنس حقهم جاز لهم ان ينفقوه على انفسهم اذا احتاجوا
قوله وقد بينا الوجه فيه عند قوله فيما سبق ولا يقضى بنفقة في مال غائب الا لهؤلاء وهو قوله ووجه الفرق ان نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء ولهذا كان لهم ان يأخذوا فكان قضاء القاضي اعانة لهم
قوله وان باع العقار لم يجز ولا يجوز للاب بيع عقار الابن الا اذا كان الابن صغيرا او مجنونا ولا يجوز لغيره مطلقا
قوله لانه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ وقرر في النهاية وجه
____________________
(4/423)
القياس بأن ولاية الاب تنقطع ببلوغ الصبي رشيدا الا فيما يبيعه تحصينا على الغائب ولا يخفى ان قيد الرشيد ليس معتبرا في انقطاع ولاية الاب نعم اذا بلغ غير رشيد لا يسلم اليه ماله حتى يؤنس منه الرشد او يبلغ خمسا وعشرين سنة على ما عرف ومع ذلك لا حجر عليه حتى امكنه ان يباشر العقود الموجبة للدين عليه ولذا قال في جواب ابي حنيفة هناك ان منع المال لا يفيد مع فك الحجر لانه يتلفه بلسانه بأن يباشر العقود الى آخر ما عرف في باب الحجر
قوله وكذا لا تملك الام في نفقتها مع انها مساوية للاب في استحقاق النفقة وكذا ليس للقاضي ان يحكم به مع عموم ولايته
قوله ولابي حنيفة حاصله الفرق بين الاب وغيره بثبوت ولاية حفظ مال الابن الكبير الغائب وبيع العروض من باب الحفظ لأنه يخشى عليه التلف وإذا ملكه الوصى فلأن يملكه الأب أولى لأن الوصي يستفيد الولاية من جهته فمن المحال ان لا يكون له ولاية وغيره يستفيدها منه واذا جاز بيعه صار الحاصل عنده الثمن وهو جنس حقه فيأخذه بخلاف العقار لانه محصن بنفسه فلا يحتاج الى الحفظ بالبيع فليس للاب بيعه الا بمحض الولاية وذلك عند صغر الولد أو جنونه ومقتضى هذا صحة بيع الأب للعروض على الكبير إذا لم يكن للدين بخلاف غير الاب ليس له ولاية الحفظ فليس له البيع لكن نقل في الذخيرة عن الاقضية جواز بيع
____________________
(4/424)
الابوين وهكذا ذكر القدوري في شرحه فإنه اضاف البيع اليهما فيحتمل ان يكون في المسئلة روايتان وجه رواية الأقضية ان معنى الولاد يجعمعهما وهما في استحقاق النفقة سواء وعلى تقدير الانفاق فتأويله ان الاب هو الذي يتولى البيع وينفق عليه وعليها اما بيعها بنفسها فبعيد لان جواز البيع غير منوط بالولاد ولا باستحقاق النفقة بل بثبوت ولاية الحفظ
قوله فأنفق عليهما بغير اذن القاضي ضمن أي في القضاء اما فيما بينه وبين الله تعالى فلا ضمان عليه ولو مات الغائب حل له ان يحلف لورثته انهم ليس لهم عليه حق لانه لم يرد بذلك غير الاصلاح وفي النوادر لو لم يكن في مكان يمكن استطلاع رأي القاضي لايضمن استحسانا وقالوا في رفقة في سفر اغمى على احدهم او مات فأنفقوا عليه وجهزوه من ماله لا يضمنون استحسانا ومات من جماعة من اصحاب محمد خرجوا الى الحج واحد فباعوا ما كان له معهم فلما وصلوا سألهم محمد فذكروا له ذلك فقال محمد لو لم تفعلوا ذلك لم تكونوا فقهاء وكذا باع محمد كتب تلميذ له مات وانفق في تجهيزه فقيل له انه لم يوص بذلك فتلا قوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } وقالوا في عبد مأذون مات مولاه في بلاد بعيدة فأنفق على نفسه وما معه من الدواب والامتعه لا يضمن وكذا عن مشايخ بلخ في مسجد له اوقاف ولا متولى له فقام رجل من اهل المحلة في جمع ريعها وانفق على مصالح المسجد فيما يحتاج من شراء الزيت والحصر والحشيش لا يضمن استحسانا
قوله فظهر الخ يعنى اذا ضمنه الغائب ظهر ملكه لما دفعه للابوين حال دفعه لهما فيظهر انه كان متبرعا بملكه لهما فلا رجوع له عليهما
قوله فمضت مدة سقطت هذا اذا طالت المدة فأما اذا قصرت لا تسقط وما دون الشهر قصيرة فلا تسقط قيل وكيف لا تصير القصيرة دينا والقاضي مأمور بالقضاء ولو لم تصر دينا لم يكن للامر بالقضاء بالنفقة فائدة ولو كان كل ما مضى سقط لم تكن استيفاء شيء ومثل هذا قدمناه في غير المفروضة من نفقة الزوجات
قوله لان نفقة هؤلاء تجب للحاجة وعن هذا ما قدمناه من انه لو اعطاهم نفقة او كسوة فسرقت او هلكت كان عليه اخرى لان الحاجة لم تندفع بما سرق ولو ان كان مثل ذلك في حق الزوجة ليس عليه اخرى حتى تنقضى مدة تلك النفقة والكسوة لانها للزوجة ليست شرعا لحاجتها بل لاحتباسها في تلك المدة وبالتلف قبل مضي تلك المدة لم ينتف الاعتياض عنها
قوله الا ان يأذن القاضي بالاستدانة فلا تسقط وان كان في نفقة
____________________
(4/425)
ذوى الارحام لما ذكر في الكتب وما ذكره في زكاة الجامع ان دين نفقة الزوجات والاقارب بعد القضاء مانع من وجوب الزكاة لان له مطالبا من جهة العباد فسوى نفقة الزوجات والاقارب اختلفوا فيه قيل محمله في نفقة الاقارب ما اذا اذن القاضي في الاستدانة واستدانوا حتى احتاجوا الى وفاء الدين اما اذا لم يستدينوا بل اكلوا من الصدقة لا تصير النفقة دينا والى هذا مال السرخسي وحكم به كثير من القضاة المتأخرين ونصروه وقيدوا اطلاق الهداية به وقيل محمله ما اذا قصرت المدة بأن تكون شهرا فأقل والله سبحانه اعلم فصل
قوله وعلى المولى ان ينفق على عبده وامته عليه اجماع العلماء قيل الا الشعبي الاولى ان يحمل قوله على ما اذا كانوا يقدرون على الاكتساب فإنه لا يجب على المولى كما سنذكره ولو كان العبد بين رجلين فغاب احدهما فأنفق الآخر بغير اذن القاضي وبغير اذن صاحبه فهو متطوع وكذا النخل والزرع والمودع والملتقط اذا انفقا على الوديعة واللقطة والدار المشتركة اذا كان انفق احدهما في مرمتها بغير اذن صاحبه وبغير امر القاضي فهو متطوع كذا في الخلاصة وفيها اذا شهد شاهدان على رجل في يده امة ان هذه حرة قبل القاضي هذه الشهادة ادعت الامة او جحدت ويضعها على يد عدل وتفرض نفقة الامة ان طلبت على الذي كانت في يده اه ولو ان عبدا صغيرا في يد رجل فقال لغيره هذا عبدك اودعته عندي فأنكر يستحلف ما اودعه ثم يقضى بنفقته على من هو في يده لانه اقر برقة ولم يثبت لغيره فيبقى على حكم ملكه ولو كان كبيرا لا يحلف لانه في يد نفسه والقول له في الرق والحرية والحديث الذي ذكره في الصحيحين من حديث ابي ذر انه صلى الله عليه وسلم قال هم اخوانكم خولكم جعلهم الله تحت ايديكم فمن كان اخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ورواه ابو داود بسند صحيح وزاد فيه ومن لم يلائمكم منهم فبيعوهم
____________________
(4/426)
ولا تعذبوا خلق الله وعن علي رضي الله عنه قال كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت ايمانكم رواه احمد والمراد من جنس ما تأكلون وتلبسون لا مثله فإذا البسه من الكتان والقطن وهو يلبس منهما الفائق كفى بخلاف الباسه نحو الجوالق والله اعلم ولم يتوارث عن الصحابة انهم كانوا يلبسون مثلهم الا الافراد
قوله فإن امتنع وكان لهما كسب اكتسبا وانفقا على انفسهما حتى لو كان يتمكن من الانفاق على نفسه من مال السيد ليس له ان يتناول منه الا اذا نهاه عن الكسب اما اذا كان عاجزا عن الكسب فله ان يتناول من مال السيد اذا ابى ان ينفق عليه
قوله بأن كان عبدا زمنا يفيد انه اذا كان صحيحا الا انه غير عارف بصناعة لا يكون عاجزا عن الكسب لانه يمكن ان يؤاجر نفسه في بعض الاعمال كحمل شيء وتحويل شيء كمعين البناء وما قدمناه نقلا من الكافي في نفقة ذوى الارحام ثبوته هنا اولى وكذا اذا كانت جارية لا يؤاجر مثلها بأن كانت حسنة يخشى من ذلك الفتنة اجبر على الانفاق او البيع بخلاف المدبر والمدبرة وام الولد فإنه يجبر على الانفاق عليهم عينا ان لم يقدروا على الكسب بخلاف المكاتب حيث لا يؤمر على حقه بشيء ولو اعتق عبدا زمنا سقطت نفقته عنه وتجب في بيت المال وكذا العبد الصغير لانه ليس بينهما محرمية وان كان عصبة له كابن العم
قوله بخلاف سائر الحيوانات الخ ظاهر الرواية انه لا يجبره القاضي على ترك الانفاق
____________________
(4/427)
عليها لان في الاجبار نوع قضاء والقضاء يعتمد المقضى له ويعتمد اهلية الاستحقاق في المقضى له وليس فليس لكنه يؤمر به ديانة فيما بينه وبين الله تعالى ويكون آثما معاقبا بحبسها عن البيع مع عدم الانفاق وفي الحديث امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي اطلقتها تأكل من خشاش الارض ولا هي اطعمتها وذكر المصنف انه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان يعنى ما تقدم من رواية ابي دواد لا تعذبوا خلق الله ونهى عن اضاعة المال وهو ما في الصحيحين من انه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن اضاعة المال وكثرة السؤال وعن هذا ما ذكر انه يكره في غير الحيوان ان لا ينفق عليها يعنى كالاملاك من الدور والزروق فإنه يؤدى الى ضياع المال وعن ابي يوسف انه يجبر في الحيوان وهو قول الشافعي ومالك واحمد رحمهم الله وغاية ما فيه ان يتصور فيه دعوى حسبة فيجبره القاضي على ترك الواجب ولا بدع فيه وظاهر المذهب الاول والحق ما عليه الجماعة بخلاف ما لو كانت الدابة بين شريكين فطلب احدهما من القاضي ان يأمره بالنفقة حتى لا يكون متطوعا بالانفاق عليها فالقاضي يقول للآبى اما ان تبيع نصيبك من الدابة او تنفق عليها رعاية لجانب الشريك ذكره الخصاف وفي المحيط يجبر صاحبه لانه لو لم يجبر لتضرر الشريك
فروع وتجب النفقة على من له المنفعة مالكا كان او لا مثاله اوصى بعبد لرجل وخدمته لآخر فالنفقة على من له الخدمة ولو اوصى بجارية لانسان وبما في بطنها لآخر فالنفقة على من له الجارية ومثله اوصى بدار لرجل وسكناها لآخر فالنفقة على صاحب السكنى لان المنفعة له فإن انهدمت فقال صاحب السكنى انا ابنيها واسكنها كان له ذلك ولا يكون متبرعا لانه مضطر فيه لانه لا يصل الى حقه الا به فصار كصاحب العلو مع صاحب السفل اذا انهدم السفل وامتنع صاحبه من بنائه كان لصاحب العلو ان يبنيه ويمنع صاحبه منه حتى يعطيه ما غرم فيه ولا يكون متبرعا وكذا لو اوصى بنخل لواحد وبتمرها لآخر فالنفقة على صاحب الثمرة وفي التبن والحنطة ان بقي من ثلث ماله شيء فالنفقة في ذلك المال وان لم يبق فالتخليص عليهما لان المنفعة لهما واقول ينبغي ان يكون على قدر قيمة ما يحصل لكل منها والا يلزم ضرر صاحب القليل الا يرى الى قولهم في السمسم اذا اوصى بدهنه لواحد وبشجره لآخر فإن النفقة على من له الدهن لعده عدما وان كان قد يباع وينبغي ان يجعل كالحنطة والتبن في ديارنا لان الكسب يباع لعلف البقر وغيره وكذا أقول فيما عن محمد ذبح شاة فأوصى بلحمها لواحد وبجلدها لآخر فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن انه يكون على قدر الحاصل لهما وقبل الذبح اجرة الذبح على صاحب اللحم لا الجلد ونفقة المبيع قبل ان يقبض قيل على المشترى فتكون تابعة للملك كالمرهون والصحيح انه على البائع ما دام في يده ويجوز وضع الضريبة على العبد ولا يجبر عليها بل ان اتفاقا على ذلك والله سبحانه اعلم
____________________
(4/428)
= كتاب العتاق
اشترك كل من الطلاق والاعتاق في انه اسقاط الا انه اسقاط ملك الرقبة والطلاق اسقاط ملك منافع البضع واما اسقاط ملك ما في الذمة فيسمى ابراء واسقاط ملك القصاص يسمى عفوا فقد ميزت انواع الاسقاطات بأسماء لينسب اليها مع اختصار وتسرى اضافة للبعض الى الكل وهذا على ظاهر قولهما وعلى قوله بتأويل الاول الى الكل ويلزم حتى لا يقبل الفسخ الا انه قدم الطلاق وان كان غير مندوب اليه على العتق المندوب اليه وصلا له بمقابلة وهو النكاح ولانه يقع على محله بشرط وجوده فكان متصلا به او هو من بيان احكام النكاح لان النكاح يوجب ملك
____________________
(4/429)
الطلاق وبيان متعلق الحكم يبين نفس الحكم المتعلق لانه في بيان انه يملكه على أي وجه من الحل والحرمة والندب والسريان وغير ذلك ولا يخفى ما في الاعتاق من المحاسن فإن الرق اثر الكفر فالعتق ازالة اثر الكفر وهو احياء حكمى لاثر حكمي لموت حكمي فإن الكافر ميت معنى فإنه لم ينتفع بحياته ولم يذق حلاوتها العليا فصار كأنه لم يكن له روح قال تعالى { أو من كان ميتا فأحييناه } أي كافرا فهديناه ثم اثر ذلك الكفر الرق الذي هو سلب اهليته لما تأهل له العقلاء من ثبوت الولايات على الغير من انكاح البنات والتصرف في المال والشهادات وعلى نفسه حتى لا يصح نكاحه ولا بيعه ولا شراؤه وامتنع ايضا بسبب ذلك عن كثير من العبادات كصلاة الجمعة والحج والجهاد وصلاة الجنائز وفي هذا كله من الضرر مالا يخفى فإنه صار بذلك ملحقا بالاموات في كثير من الصفات فكان العتق احياء له معنى ولذا والله اعلم كان جزاؤه عند الله تعالى اذا كان العتق خالصا لوجهه الكريم الاعتاق من نار الجحيم التي هي الهلاك الاكبر قوبل احياؤه معنى بإحيائه معنى اعظم احياء كما وردت به الاخبار عن سيد الاخيار منها الحديث الذي ذكره المصنف رواه الستة في كتبهم عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ايما امرىء مسلم اعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار وفي لفظ من اعتق رقبة مؤمنة اعتق الله بكل عضو منها عضوا من اعضائه من النار حتى الفرج بالفرج اخرجه الترمذي في الايمان والنذور ورواه ابن ماجه في الاحكام والباقون في العتق واخرج ابو داود وابن ماجة عن كعب بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ايما رجل مسلم اعتق رجلا مسلما كان فكاكه من النار وايما امرأة مسلمة اعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار وزاد ابو داود وايما رجل اعتق امرأتين مسلمتين الا كانتا فكاكه من النار يجزى مكان عظمين منهما عظما من عظامه وهذا يستقل بما ذكره المصنف من استحباب عتق الرجل الرجل والمرأة المرأة لأنه ظهر ان عتقه بعتق المرأتين بخلاف عتقه رجلا والعتق والعتاق لغة عبارتان عن القوة ومنه عتاق الطير لجوارحها وعتق الفرخ اذا قوى على الطيران وفرس عتيق اذا كان سابقا وذلك عن قوته والبيت العتيق لاختصاصه بالقوة الدافعة عنه ملك احد في عصر من الاعصار وقيل للقديم عتيق لقوة سبقه وللخمر اذا تقادمت لزيادة قوتها لقوة تأثيرها وباعتبار القدم والسبق جاء بيت اوس بن حجر حيث قال ** على آلية عتقت قديما ** ** وليس لها وان طلبت مرام **
يعنى قدمت وانها لا ترام بحل وبعده ** بأن الغدر قد علمت معد ** ** على وجارتي منى حرام **
المعنى انه حلف من قديم انه لا يغدر ولا يزني بجارته وكذا تقول عتقت اذا سبقت وذلك لفضل القوة والعتق ايضا يقال للجمال ومنه سمى الصديق عتيقا لجماله وقيل لقدمه في الخير وقيل لعتقه من النار وقيل لشرفه فإنه قوة في الحسب وهو معنى ما ذكر انه يقال للكريم يعنى الحسيب وقيل قالت امه لما وضعته هذا عتيق من الموت وكان لا يعيش لها ولد وكل هذه المفهومات ترجع الى زيادة قوة في معانيها وقيل هو اسمه العلم فيمكن ان يكون سبب وضعه له الجمال او تفاؤلا له بالحسب المنيف او بعدم الموت واذا كان العتق لغة القوة فالاعتاق اثبات القوة كما قاله في المبسوط والعتق في الشرع خلوص حكمي يظهر في الآدى عما قدمناه ثابتا بالرق ولا يخفى ثبوت القوة الشرعية به لقدرته على ما لم يكن يقدر عليه فعن هذا يقال انه القوة الشرعية ويمكن ان يكون
____________________
(4/430)
هذا المعنى من افراد المعنى اللغوي وعن هذا قال في الصحاح العتق الحرية بناء على ان القوة المفسر هو بها لغة اعم من كونها في البدن او ما يرجع الى معنى آخر ولذا اطلقوه في المواضع التي عددناها باعتبار قوة ترجع الى معان مختلفة الا انه مقيد بالحرية الطارئة على الرق وبه صرح في المغرب حيث قال العتق الخروج عن المملوكية فالاعتاق شرعا اثبات القوة الشرعية وهو التحرير اثبات الحرية هي الخلوص يقال طين حر للخالص عما يشوبه ومنه يقال ارض حرة لاخراج عليها والكل يرجع الى معنى القوة والرق في اللغة الضعف ومنه ثوب رقيق وصوت رقيق وقد يقال العتق بمعنى الاعتاق في الاستعمال الفقهي تجوز باسم المسبب عن السبب كقول محمد انت طالق مع عتق مولاك اياك وسببه الباعث في الواجب تفريغ ذمته وفي غيره قصد التقرب الى الله تعالى واما سببه المثبت له فقد يكون دعوى النسب وقد يكون نفس الملك في القريب وقد يكون الاقرار بحرية عبد انسان حتى لو ملكه عتق وقد يكون بالدخول في دار الحرب فإن الحربي لو اشترى عبدا مسلما فدخل به الى دار الحرب ولم يشعر به عتق عند ابي حنيفة وكذا زوال يده عنه بأن هرب من مولاه الحربي الى دار الاسلام وقد يكون اللفظ المذكور كما سنذكره وهو نفسه ركن الاعتاق اللفظي الانشائي وشرطه ان يكون العتق حرا بالغا عاقلا وحكمه زوال الرق عنه والملك وصفته في الاختيارى انه مندوب اليه غالبا ولا يلزم في تحققه شرعا وقوعه عبادة فإنه يوجد بلا اختيار ومن الكافر بل قد يكون معصية كالعتق للشيطان والصنم وكذا اذا غلب على ظنه انه لو اعتقه يذهب الى دار الحرب او يرتد او يخاف منه السرقة وقطع الطريق وينفذ عتقه مع تحريمه خلافا للظاهرية وقد يكون واجبا كالكفارة وقد يكون مباحا كالعتق لزيد والقربة ما يكون خالصا لله عز وجل فتحصل ان العتق يوصف بالاحكام من الوجوب والندب والاباحة والتحريم هذا وفي عتق العبد الذمي ما لم يخف ما ذكرنا اجر لتمكينه من النظر في الآيات والاشتغال بما يزيل الشبهة عنه واما ما عن مالك انه اذا كان اغلى ثمنا من العبد المسلم يكون عتقه افضل من عتق المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم افضلها اغلاها بالمهملة والمعجمة فبعيد عن الصواب ويجب تقييده بالاعلى من المسلمين لانه تمكين المسلم من مقاصده وتفريغه واما ما يقال في عتق الكافر ما ذكرنا فهو احتمال يقابله ظاهر فإن الظاهر رسوخ الاعتقادات والفها فلا يرجع عنها ولذا نشاهد الاحرار بالاصالة منهم لا يزدادون الا ارتباطا بعقائدهم فضلا عمن عرضت حريته نعم الوجه الظاهر في استحباب عتقه تحصيل الجزية منه للمسلمين واما تفريغه للتأمل فيسلم فهو احتمال والله اعلم
قوله ولا ملك للمملوك عن هذا قلنا ان مال العبد لمولاه بعد العتق وهو مذهب الجمهور وعند
____________________
(4/431)
الظاهرية للعبد وبه قال الحسن وعطاء والنخعي والشعبي ومالك لما عن ابن عمر رضي الله عنهما انه صلى الله عليه وسلم قال من اعتق عبدا وله مال فالمال للعبد رواه احمد وكان عمر اذا اعتق عبدا لم يتعرض لماله قيل الحديث خطأ وفعل عمر من باب الفضل وللجمهور ما عن ابن مسعود انه قال لعبده يا عمير اني اريد ان اعتقك عتقا هيا فاخبرني بمالك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ايما رجل اعتق عبده او غلامه فلم يخبره بماله فهو لسيده رواه الاثرم
قوله وكذا اذا قال الصبي الخ وكذا اذا قال المجنون اذا افقت فهو حر لا ينعقد كلامهما سببا عند الشرط لعدم الاهلية حال التكلم الملزم فلم يقع تعليقا معتبرا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم الخ روى ابو داود والترمذي في الطلاق عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال صلى الله عليه وسلم لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك قال الترمذي حديث حسن صحيح وهو احسن شيء روى في هذا الباب وقوله حتى لو اعتق عبد غيره لا ينفذ مقيد بعدم الوكالة قوله لان هذه الالفاظ صريح فيه أي الالفاظ التي تستعمل لانشاء الاعتاق صريح وكناية فالصريح المولى والحرية والعتق بأي صيغة كان فعلا او وصفا او مصدرا فالفعل نحو اعتقتك وحررتك واعتقك الله على الاصح وقيل بالنية والوصف نحو انت حر محرم عتيق معتق ولو في النداء كياحر يا عتيق فإنه هكذا حر والمولى كقوله هذا مولاي او يا مولاي يعتق وان لم ينو والمصدر العتاق عليك وعتقك على ولو زاد قوله واجب لم يعتق لجواز وجوبه عليه بكفارة او نذر ولو قال انت عتق او عتاق او حرية عتق بالنية ذكره في جوامع الفقه فعلى هذا لابد من اصلاح ضابط الصريح ثم حكم الصريح ان يقع به نواه او لم ينوه لا ان نوى غيره الا في القضاء اما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يقع اذا نوى غيره فلو قال نويت بالمولى الناصر لا يصدق في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى هو على ما نوى وينبغي ان يكون هذا اذا لم يكن هازلا فإن كان هازلا فإنه يقع فيما بينه وبين الله تعالى وان نوى غيره وهو الكذب هزلا هكذا يقتضيه ما صدر به الحاكم كتاب العتق من الكافي من قوله ذكر محمد بن الحسن
____________________
(4/432)
عن ابي يوسف عن اسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن ابي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال من لعب بطلاق او عتاق فهو جائز عليه ونزلت هذه الاية { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } في ذلك فإنه يقتضي وقوعه عند الله تعالى عند الهزل به وذكر يعنى محمدا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من تكلم بطلاق او عتاق او نكاح فهو جائز عليه وزاد الشافعية في الصريح فك الرقبة ودفع بأنه خلاف الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لذلك القائل اليسا سواء فك الرقبة ان تعين في عتقها وقوله تصبح حرا اضافة للعتق وتقوم حرا وتقعد يعتق في الحال ولو قال انت حر النفس عتق في القضاء وان قال في افعالك واخلاقك لا يعتق هكذا روى محمد عن يعقوب عن ابي حنيفة وقال اما انا ارى ان يعتق اذا اراد به الحرية وعن ابي يوسف يعتق بالنية قيل والظاهر قول محمد رحمه الله وبأدنى تأمل يظهر أن لا فرق بين هاتين العبارتين في المعنى فإذا كان كذلك فلا خلاف بينهما على هذا النقل وعن احمد انه صريح واستبعد
قوله لانها مستعملة فيه شرعا وعرفا على وجه يتبادر بلا قرينة مع الشهرة فيه وذلك امارة الوضع فوافق قول الايضاح وغيره حيث قالوا الصريح ما وضع له والوضع يغنى عن النية قوله فأغنى عن النية يعنى أنه لا يشترط النية لثبوت العتق أما نية عدمه بأن ينوى به شيئا آخر فمعتبر فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء على ما سيذكر
قوله والوضع أي وضع التركيب لا المفرد على ما لا يخفى ولا المركب حتى يجيء فيه الخلاف في وضع المركب بل التركيبات موضوعة وضعا نوعيا مثلا وضع نسبة الفعل الذي عين الواضع صيغته للدلالة على مضى حدثه الى شيء ليفيد الاخبار بأنه وقع منه فيما تقدم على وقت النطق فجعله لاثبات امر لم يكن وضع آخر له والحاصل ان الحاجة قائمة الى اثبات هذه المعاني عند النطق ولا بد من دفعها وقد استعمل الشرع والعرف واللغة في ذلك هذه الألفاظ فكانت حقائق شرعية على وفق اللغة فيها وهذا لان اهل اللغة ايضا يثبتون هذا المعنى المني تحرير العبيد والاماء ببعض هذه الالفاظ فقوله فقد جعل انشاء في التصرفات الشرعية لم يصرح بفاعل الجعل المذكور ولا شك انه الشارع ويفيده قوله كما في البيع ايضا وحينئذ فيجب ان يكون المراد بجعل الشارع تقريره وكذا في الطلاق والعتاق وقد قدمنا في باب ايقاع الطلاق تقرير كلام الاصحاب من ان الطلاق يثبت اقتضاء تصحيحا لاخباره قبيله وكلام الكافي في العتق ايضا مثله وهو يقتضي انه على خبريته لم يجعل انشاء اصلا وعلى هذا قرره المصنف في الطلاق ولفظه في البيع يخالف ذلك وانما لا تعتبر النية لانها انما تعتبر اذا كان المراد مشتبها والحق ان المعنى متبادر في خصوص المادة وهو ما إذا كان الخطاب لعبد أو بالإشارة كقوله هذا حر فإنه يعتق به أيضا والوضع يعهد باعتبار خصوص مخاطب ومتكلم فلم يكن وضعا جديدا فليكن ثبوت العتق عنده بحكم الشرع به اقتضاء تصحيحا لاخباره كما مشى عليه في الكافي هنا وهو وغيره في الطلاق ثم هذا التقرير انما يجري في غير النداء اما في النداء فالتحرير فيه لا يثبت وضعا بل اقتضاء على ما سيذكره المصنف هذا ويلحق بالصريح قوله لعبده وهبتك نفسك او بعتك نفسك منك فإنه يعتق وان لم ينو لان موجب هذا اللفظ ازالة ملكه الا انه اذا اوجبه لآخر
____________________
(4/433)
يتوقف على قبوله واذا اوجبه للعبد يكون مزيلا بطريق الاسقاط فلا يحتاج الى قبوله ولا يرتد بالرد اما اذا قال بعتك نفسك بكذا فإنه يتوقف على القبول
قوله ولا يدين لانه خلاف الظاهر بخلاف ما لو قال عنيت انه كان حرا في وقت فإنه ينظر ان كان العبد من السبي دين وان كان مولدا لا يدين كذا في الغاية
فروع في البدائع دعا عبده سالما فأجابه آخر فقال انت حر ولا نية له عتق المجيب ولو قال عنيت سالما عتقا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى انما يعتق الذي عناه ولو قال يا سالم انت حر فإذا هو عبد آخر عتق سالم لانه لا مخاطب هنا الا سالم وفيه قال لعبد انت حر او لزوجته انت طالق ان نوى العتق والطلاق وقع لانه يفهم من هذه عنه الانفراد ما يفهم عند التركيب الا انها ليست صريحة لانها عند الانفراد لم توضع للمعنى فصارت كالكناية فتقف على النية ولو قال انت حر اليوم من هذا العمل عتق قضاء لانه اذا صار حرا في شيء صار حرا في كل الاشياء
قوله وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور هذا هو حقيقته تكلم في النداء في مواضع اولها هذا وتمام عبارته فيه فيقتضي تحقيق الوصف فيه وانه ثبت من جهته فيقضى بثبوته تصديقا له وسنقرره من بعد أي في مسئلة يا ابني ثانيها فيما اذا لقبه حرا ثم ناداه يا آزاد او آزاد وناده يا حر انه يعتق فقال لانه ليس بنداء باسم علمه فيعتبر اخبارا عن الوصف المذكور وهذان معا يفيدان ان عتقه باعتبار اخباره عن ثبوت الوصف الذي هو الحرية فيه فيثبت تصديقا له ولا يخفي أنه لا إخبار في النداء إلا ضمنا فإن قوله يا حر يتضمن معنى يا من اتصف بالحرية فتثبت الحرية شرعا تصحيحا لكلامه وهذا يفيد ان ثبوتها اقتضاء تصحيحا لاخباره الضمني وهو لا يقتضي نقل الاخبار الى الانشاء واما كلامه في الموضع الثالث وهو قوله يا ابني يا اخي حيث لا يعتق فزاد فيه في ثبوت الاعتاق قيد آخر وهو ان يكون ذلك الوصف الذي عبر به عن المنادى يمكن اثباته من جهته كالعتق وما لايمكن فيه ذلك يجعل لمجرد اعلامه باستحضاره والبنوة لا يمكن اثباتها حالة النداء لانه لو خلق من مائة كان ابنا له قبل النداء لا به
فرع في جوامع الفقه قال لعبد غيره يا حر اسقني ثم اشتراه يعتق قيل هذا نقض للقاعدة اجيب بأنه يمكن اثباته حال النداء بأن اعتق عبد غيره فأجاز المولى فإنه يعتق
قوله لان مراده الاعلام أي اعلام العبد باسم علمه ليحضر بندائه وهذا ظاهر اذا كان علميته له معلومة فيكون قصد غيره استحضار الذات هو الاحتمال دون الظاهر فلا يعتق الا ان يريده فيعتق حينئذ
قوله او قال لامته فرجك حر خص الامة لان قوله لعبده فرجك
____________________
(4/434)
حر فيه خلاف قيل يعتق كالامة وعن محمد لا يعتق لانه لا يعبر به عنه بخلاف الامة ولو قال لها فرجك علي حرام ينوى العتق لا تعتق لان حرمة الفرج مع الرق يجتمعان وفي لسانك حر يعتق لانه يقال هو لسان القوم وفي الدم روايتان ولو قال لها فرجك حر عن الجماع عتقت وفي الدبر والاست الاصح انه لا يعتق لانه لا يعبر به عن البدن وفي العتق روايتان والاولى ثبوت العتق في ذكرك حر لانه يقال في العرف هو ذكر من الذكور وفلان فحل ذكر وهو ذكرهم
قوله وسيأتيك الاختلاف فيه عند ابي حنيفة يقتصر على ذلك المقدار وعنهما يعتق كله وهي مسئلة تجزى الاعتاق الآتية
قوله ولو قال لا ملك لي عليك شروع في الكنايات والحاصل ان ما ليس بصريح من الالفاظ منها ما يقع العتق به اذا نواه ومنها ما لا يقع به شيء وان نواه فالاول نحو لا ملك لي عليك لا سبيل لي عليك خرجت من ملكي لا رق لي عليك خليت سبيلك ولا حق لي عليك عند ابي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقوله لامته اطلقتك او انت حر او قال لعبده انت حرة عتق في الجميع ان نوى ولو قال
____________________
(4/435)
انت لله او جعلتك لله خالصا روى عن ابي حنيفة انه لا يعتق وان نوى لان الاشياء كلها لله بحكم التخليق وعنهما انه يعتق لان الخلوص لا يتحقق الا بالعتق والثاني نحو ان يقول لعبده بنت منى ولامته بنت عنى او حرمت على او انت برية او بائن او بتة او اخرجي او اغربي او استتري او تقنعي او اذهبي او اختاري فاختارت نفسها لانه يثبت العتق بها وان نواه وكذا طلقتك وكذا سائر صرائح الطلاق وكناياته لما سنذكر وكذا اذا قال اذهب او توجه حيث شئت من بلاد الله لا يعتق وان نوى وفي المعنى اذهب حيث شئت كناية ولو قال انت مثل الحر لا يعتق لان التشبيه للمشاركة في بعض المعاني وقد تحقق ذلك وقال بعض المشايخ يعتق اذا نوى كقوله لامرأته انت مثلا امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته يصير به موليا ان نوى الايلاء
قوله لان السلطان عبارة عن اليد قيل فيه تسامح بل هو عبارة عن صاحب اليد والسلطنة اليد لكن كلام المصنف يفيد انه التحقق لا التساهل والتجوز فإنه قال وسمى السلطان به لقيام يده فإنه يقتضي ان المعنى الحقيقي الاصلي للسلطان هو اليد وتسمية غيره به لاتصافه باليد كما تسمى رجلا بالفضل لاتصافه به ثم قيل هو مشترك بين الحجة لقول ابن عباس كل سلطان في القرأن هو الحجة واليد فإذا قال لا سلطان لي عليك فإنما نفي الحجة واليد ونفي كل منهما لا يستدعي نفي الملك كالمكاتب بخلاف نفي السبيل لانه نفي الطريق والطريق المسلوك لا يراد حقيقة هنا فجعل كناية عن الملك لان الطريق ما يتوصل به الى غيره والملك في العبد يتوصل به شرعا الى انفاذ التصرفات فإذا صح جعله كناية عنه عتق اذا اراده بخلاف السلطان فإنه اليد فنفيه نفي اليد وهو غير مستلزم نفي الملك كما في المكاتب فلو جعل كناية عن العتق وفيه ازالة اليد والملك لثبت باللفظ اكثر مما وضع له وانه لا يجوز وكذا لا حجة لي عليك واعلم ان بعض المشايخ مال انه يعتق بالنية في لا سلطان لي عليك وبه قال الائمة الثلاثة وقال بعض المشايخ انه ليس ببعيد وعن الكرخي رحمه الله فني عمرى ولم يتضح لي الفرق بين نفي السلطان والسبيل ومثل هذا الامام لا يقع له مثل هذا الا والمحل مشكل وهو به جدير اما اولا فإن اليد المفسر بها السلطان ليس مرادا بها الجارحة المحسوسة بل القدرة فإذا قيل له سلطان أي يد يعني الاستيلاء وقد صرح في الكافي بأن السلطان يراد به الاستيلاء واذا كان كذلك كان نفيه نفي الاستيلاء حقيقة او مجازا فصح ان يراد منه ما يراد بنفي السبيل بل اولى بأدنى تأمل واما ثانيا فالمانع الذي عينه من ان يراد به العتق وهو لزوم ان يثبت باللفظ اكثر مما
____________________
(4/436)
وضع له غير مانع اذ غاية الامر ان يكون المعنى المجازي اوسع من الحقيقي ولا بدع في ذلك بل هو ثابت في المجازات العامة فإن المعنى الحقيقي فيها يصير فردا من المعنى المجازي كذا هذا يصير زوال اليد من افراد المجازي اعنى العتق او زوال الملك فالذي يقتضيه النظر كون نفي السلطان من الكنايات
قوله وثبت على ذلك قيل هذا قيد اتفاقي لا معتبر ولذا لم يذكره في المبسوط وذكر في الينابيع الثبات ليس بلازم وفي النهاية رأيت بخط شيخي وفي شرح القدوري لابي الفضل اراد بقوله وثبت على ذلك انه لم يدع به الكرامة والشفقة حتى لو ادعى ذلك يصدق وفي اصول فخر الاسلام الثبات على ذلك شرط لثبوت النسب لا العتق ويوافقه ما في المحيط وجامع شمس الائمة والمجتبى هذا ليس بقيد حتى لو قال بعد ذلك اوهمت او اخطأت يعتق ولا يصدق ولو قال لاجنبية يولد مثلها لمثله هذه بنتي ثم تزوجها بعد ذلك جاز اصر على ذلك ام لا قالوا هذا في معروفة النسب اما مجهولة النسب ان دام على ذلك ثم تزوجها لم يجز والا جاز قال في المجتبى عرف بهذا ان الثبات شرط الفرقة وامتناع جواز النكاح لا العتق وانما شرط الثبات لثبوت النسب لا العتق لان ثبوت النسب يصح الرجوع عن الاقرار به دون العتق على ما سمعت من التزوج بمن اقر ببنتيتها وفي مختصر الكرخي اذا اقر في مرضه بأخ من ابيه وامه وابن ابن او بعم وصدقه المقر له ثم انكره المريض وقال ليس بيني وبينه قرابة ثم اوصى بماله لرجل ولا وارث له فإن المال كله للموصى له ولا شيء للمقر له لان المريض جحد ما اقر به من ذلك ولم يكن اقراره لازما ثم اذا قال هذا ابني هل تصير امه ام ولد له اذا كانت في ملكه قيل لا سواء كان الولد مجهول النسب او معروف النسب وقيل تصير ام ولد في الوجهين وقيل ان كان معروف النسب حتى لم يثبت نسبه منه لا تصير ام ولد له وان كان مجهولة حتى ثبت نسبه منه صارت ام ولد له وهذا اعدل
قوله اذا كان يولد مثله لمثله يعني اذا كان مثله في السن يجوز شرعا ان يكون ابنا لمثل المدعى في السن هذا هو المراد وحاصله اذا كان سنه يحتمل كونه ابنه لا المشاكلة حتى لو كان المدعى ابيض ناصعا والمقول له اسود حالك او بالقلب وسنة يحتمل
____________________
(4/437)
كونه ابنه ثبت النسب
قوله وان كان ينتظم الناصر قال تعالى { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } وابن العم كما ذكر في قوله تعالى حكاية عن زكريا { وإني خفت الموالي من ورائي }
قوله فتعين الاسفل فالتحق بالصريح او رد عليه شارح انه مشترك استعمل في معان فلا يكون مكشوف المراد فلا يكون صريحا فلا بد من النية وقولهم المولى لا يستنصر بمملوكه عادة ممنوع بل تحصل له النصرة بهم على انا نقول الصريح يفوق الدلالة والمتكلم ينادى انا غنيت الناصر بلفظ المولى وله دلالة عليه حقيقة وهم يقولون دلالة الحال من كلامك تدل على ان المراد الاسفل ولا تعتبر ارادة الناصر ونحوه وهذا في غاية المكابرة اه والجواب ان قوله استعمل في معان فلا يكون مكشوف المراد ان اراد دائما منعناه لجواز ان ينكشف المراد من المشترك في بعض الموارد الاستعمالية لاقترانه بما ينفي غيره اقترانا ظاهرا كما هو فيما نحن فيه ومنعه ان المولى لا يستنصر بعبده لا يلائم ما اسنده به من قوله تحصل النصرة بهم لان المراد انه اذا حزبه امر لا يستدعي للنصر عبده بل بني عمه وان كان العبيد والخدم ينصرونه لكنه يأنف من دعائهم عادة وندائهم لذلك فأين دعاؤه اياهم لذلك من كونهم ينصرونه واما قوله الصريح يفوق الدلالة فكأنه اراد الكناية فطغا قلمه فنقول هذا الصريح وهو قوله اردت الناصر بلفظ المولى انما قاله بعد قوله عما هو ملحق بصريح في ارادته العتيق فأثبت حكمه ذلك ظاهرا وهذا الصريح بعده رجوع عنه فلا يقبله القاضي والكلام فيه ونحن نقول فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى لو اراد الناصر لم يعتق فأين المكابرة واعلم ان في المسئلة خلافا ذهب بعض المشايخ انه لا يعتق في هذا مولاي الا بالنية وانه بين الصريح والكناية
قوله وقال زفر لا يعتق في الثاني وهو يا مولاي الا بالنية وبقوله قال الشافعي ومالك واحمد لانه يراد به الاكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي افاد انهما من الكنايات بالاتفاق فإذا قال لعبده ذلك ناويا للعتق عتق وهكذا في يا سيد وقد قيل انه يعتق بهما وان لم ينو وقيل اذا لم ينو عتق في يا سيدي لا في يا سيد والمختار انه لا يعتق فيهما الا بالنية
قوله بخلاف ما ذكر وهو يا سيدي يا مالكي لانه ليس فيه ما يختص بالعتق في الحال ولا
____________________
(4/438)
بعد العتق لانه لا يصير سيدا بالعتق لسيده والوجه ان حقيقته متعذرة لفرض ان المتكلم حر غير عبد فتعين المجاز ولم يلزم خصوص المجازي الذي هو العتق لجواز ان يريد مجازيا آخر هو الاكرام فلا يتعين لاحدهما الا بالنية فقلنا اذا نوى بياسيدي العتق عتق اما اذا لم تكن له نية صير الى الاخف الذي هو الاكرام لان زوال الملك لا يثبت مع الاحتمال بلا نية بخلاف يا مولاي لانه بحقيقته في الاسفل يثبت العتق وبعد انتفاء الحقائق الآخر بالنافي
قوله ولو قال يا ابني او يا اخي لم يعتق لان النداء لاعلام المنادى بمطلوبية حضوره فإن كان بوصف يمكن اثباته من جهته تضمن تحقيق ذلك الوصف تصديقا له كما سلف وان لم يمكن تجرد للاعلام والبنوة لا يمكن اثباتها من جهة العتق الا تابعا لو تخلق من ماء غيره ولا تثبت لثبوت النسب وعلى هذا فينبغي ان يكون محل المسئلة ما اذا كان العبد معروف النسب والا فهو مشكل اذ يجب ان يثبت النسب تصديقا له فيعتق وفي نوادر ابن رستم عن محمد رحمه الله لو قال لعبده يا عمي يا خالي او يا ابي يا جدي او يا ابني او لجاريته يا عمتي يا خالتي او يا اختي او لعبده يا اخي لا يعتق في جميع ذلك ووجهه على وجه يدفع واعلم انه اذا كان المقصود من النداء استحضار الذات الا انه اذا كان يوصف يمكن اثباته من جهة المنادى بذلك اللفظ جعل مثبتا له مع النداء والا لا ولا شك ان الابنية لا يمكن اثباتها لذلك اللفظ سواء خلق من مائه او من ماء غيره فقول المصنف لانه لو خلق
____________________
(4/439)
من ماء غيره الى آخره لا فائده فيه للقطع بأنه اذا خلق من مائه لا تثبت الابنية الا بذلك التحقيق من ذلك الماء لا باللفظ وهذا على ان ثبونه لا بطريق الاقتضاء وذلك لان ما يثبت لتصحيحه يجب كونه خبرا صريحا بخلاف ما تضمنه النداء بالوصف وعلى هذا فما قدمنا تقريره في يا حر مساهلة لعدم اختلاف الجواب فإن الثابت الحرية فإن قرر ثبوتها اقتضاء للخبر الضمني او اثباته منه بلفظ النداء بالوصف يحصل المقصود واما الرواية عن ابي حنيفة التي ذكرها المصنف شاذة فليس وجهها الا لزوم الثبوت اقتضاء للخبر الضمني بتحقق وصف الابنية غير انه يستلزم ثبوت النسب اذا كان العبد مجهول النسب ومثله يولد له وعدم العتق اذا كان معلوم النسب
قوله لهم ان هذا كلام محال أي معناه الحقيقي محال فيرد فيلغوا نفسه واذا عد لغوا لم يوجب حكما اصلا لا باعتبار الحقيقة وهو ثبوت النسب ولا باعتبار المجاز وهو ثبوت العتق كما انه لما لغا قوله اعتقتك قبل ان اخلق
____________________
(4/440)
لم يثبت به العتق وهذا بناء على ان شرط صحة المجاز عندهما تصور حكم الاصل فإن المجازى ليس محلا وعنده لا بل الشرط صحة التركيب لغة بأن يكون مثلا مبتدأ وخبرا ومن سعد بانتهاض وجهه في المبنى سعد بهذا الفرع ونحوه وبه يعرف ان استدلال المصنف كله في غير محل النزاع لانهم لا ينكرون ان البنوة سبب للعتق وانه طريق المجاز بل يشترطان بعد ذلك شرطا آخر وهو تصور حكم الاصل أي الحقيقي فتحرير محل النزاع ان تقول اتفقوا على ان المجاز خلف عن الحقيقة لوجود معنى الخلف به والاصل ان لا يصار الى المجاز الا عند تعذر معنى الحقيقة او تعيين المجاز بدليل آخر واختلفوا في جهة الخلفية فعندهما الخلفية بينهما في الحكم يعنى ان الحكم الذي يثبته المجاز كثبوت الحرية بلفظ هذا ابني خلف عن الحكم الذي يثبته نفس هذا اللفظ اذا كان حقيقة وهو ثبوت النسب وعند ابي حنيفة في التكلم يعني نفس الكلام فيكون لفظ هذا ابني مستعملا في الحرية خلفا عن هذا ابنى مستعملا في ثبوت البنوة وقيل بل خلف عن لفظ هذا حر وهو الأصل والأول اوجه وان كان معنى الآخر صحيحا لانهم لم يحكوا خلافا سوى في جهة الخلفية وعلى ما قيل يكون فيها وفي الاصل ايضا انه نفس اللفظ الذي هو المجاز في الاستعمال الحقيقي او اللفظ الذي يؤدي ذلك المعنى المجازي بطريق الحقيقة وقال فخر الاسلام في تحرير قول ابي حنيفة يشترط صحة الاصل من حيث انه مبتدأ وخبر موضوع للايجاب بصيغته فإذا وجد وتعذر الحمل بحقيقته الى آخر ما ذكره ولا شك ان صحة الاصل من تلك الجهة مع تعذر معناه الحقيقي انما هو في هذا ابنى للاكبر منه اما في هذا حر فصيح لفظه ولم يتعذر معناه الحقيقي واستدل لهما مرة بأنه لابد في المجاز من انتقال الذهن من الموضوع له الى المتجوز فيه لتوقف اللازم على الملزوم فلا بد من امكانه والا استحال لان الموقوف على المحال محال ومرة بالقياس على مسئلة الحلف على مس السماء وشرب ما في هذا الكوز ولا ماء فيه حيث يحنث عقيب اليمين في الاولى وتجب الكفارة فيه دون الثانية فوجوب الكفارة خلف عن البر ولما امكن البر في الاولى لتصور مس السماء انعقدت في حق الخلف ولما لم يتصور في الثانية لم تنعقد فرأينا الخلف يعتمد قيامه امكان الاصل وتارة بأن الحكم هو المقصود باللفظ فاعتبار الخلفية بين اللفظين من جهة ما هو المقصود اولى من غيره واجيب عن الاول بأن توقفه على فهم الموضوع له على انه غير مراد لينتقل عنه الى اللازم المراد وفهمه لا يستلزم امكان تحققه في الخارج ونجيب عن الثاني ان تلك الخلفية بين حكمين شرعيين ومعنى خلفية حكم شرعي لآخر هو كونه انما يتعلق شرعا بتقدير تعذر
____________________
(4/441)
امتثال الاول وهذا فرع تعلق الاول وتعلق الخطاب دائر مع الامكان الذاتي كالكفارة في الحلف على المس والتيمم للوضوء فلا يتصور شرعا خلف استحال اصله لانه لا تعلق اذ ذاك ولم تجب في مسئلة الكوز لعدم تعلق وجوب البر وحينئذ ظهر انه لا ملازمة بين لزوم امكان محل حكم شرعي لتعلق الحكم بخلفه ولزوم امكان معنى وضع له لفظ لصحة استعمال ذلك اللفظ مجازا وظهر مما ذكرنا ان حكم اليمين الاصلي هو وجوب البر لا البر نفسه والجواب عن الثالث ان هذا تصرف باللفظ بأن يستعمل مرة فيما وضع له واخرى فيما لم يوضع ولم يعلم من جهة اهل اللسان انهم اشترطوا لذلك سوى وجود مشترك يجوز التجوز وهو لا يحتاج شيئا سوى الى ادراك الحقيقي ثم الحاجة الى ادراكه ليس لنفسه بل لتستعلم العلاقة فإنه ما لم يتصور لم تعلم العلاقة فكانت الحاجة الى مجرد فهمه ايضا غير مقصود بالذات فاشتراط امكان وجود المعنى الحقيقي في الخارج لم يدل عليه دليل بل اللغة تنفيه فإنه يستلزم ان لا يجوز زيد اسد فإنه وزان هذا ابني للاكبر منه فإن معنى المركب الحقيقي مستحيل لاستحالة كون الإنسان أسدا والاتفاق على جوازه بل وعلى بلاغته وما فرق به من أن هذا مستعار بجملته بخلاف هذا اسد لان المجاز في نسبته دون الالفاظ ممنوع واذا ثبت انتفاء هذا الشرط فإذا تكلم بكلام وتعذر الحقيقي له وللكلام طريق يتجوز به فيه تعين نوى او لم ينو اذ لا مزاحم كي لا يلغى كلام العاقل وما نحن فيه كذلك فإنه يكون مجازا في معنى عتق على من حين ملكته استعمالا لاسم الملزوم في لازمه ثم ان كان هذا دخل في الوجود عتق ديانة قضاء والا فقضاء ولا تصير امه بذلك ام ولد له بخلاف اعتقتك قبل ان اخلق او تخلق لانه لا طريق فيه الى المجاز فلغا ضرورة وقوله وهذا بخلاف ما اذا قال لغيره الخ جواب عن مقيس آخر لهما وهو اذا كان قال لآخر قطعت يدك خطأ فأخرجهما صحيحتين فإنه يلغو هذا الكلام بالاتفاق ولم يجعل مجازا عن الاقرار بالمال لعدم امكان معناه الحقيقي فاجاب بأن لغوه ليس لتعذر الحقيقي بل لتعذر كل منه ومن المجازي لان المال الذي انقطع سببه مال مخصوص وهو الارش الواجب على العاقلة في سنتين ولا يمكن اثباته الا عن حقيقة القطع فلا يمكن جعل اللفظ تجوزا بالسبب عن المسبب والذي يمكن اثباته وهو مطلق المال ليس القطع سببا له فامتنع ايجاب المال مطلقا فلغا ضرورة بخلاف ما نحن فيه لان الحرية لا تختلف ذاتها حاصلة عن لفظ حر او لفظ ابني فأمكن المجازي حين تعذر الحقيقي فوجب صونه عن اللغو
وقوله ولو قال هذا ابي الخ جواب عما قيل
____________________
(4/442)
انه يلغو فقال بل هو على الخلاف ايضا فعند ابي حنيفة يعتق واما لو قال لعبده الصغير هذا جدي فأجاب عنه اولا بأنه على الخلاف وقيل هو الاصح لانه وصفه بصفة من يعتق بملكه وثانيا بالفرق وانه لا يعتق اتفاقا وهو ان هذا الكلام لا موجب له في الملك الا بواسطة الاب ولا وجود له في اللفظ
قوله ولو قال هذا اخي أي لعبده لا يعتق في ظاهر الرواية وعن ابي حنيفة يعتق وهي رواية الحسن وجه الروايتين ما بيناه فحواله وجه رواية الحسن على قوله ان البنوة سبب الحرية في المملوك ويعرف منه وجه هذه وهو ان الاخوة سبب لعتق المملوك وحوالة الظاهر على قوله في هذا جدي وقيل لا يعتق بالاجماع لان هذا الكلام لا موجب له في الملك الى آخر ما ذكر ونظيره هنا ان هذا الكلام لا موجب له في الملك الا بواسطة الاب او الام ولا ذكر لما به يفيد الحكم في التركيب فلا يفيد حكما ولان الاخوة تقال لما بالنسب والرضاع والدين فلا يتعين النسب الا بدليل حتى لو قال من ابى او من امى او من النسب عتق اذا عرف هذا فلا شك في صحة الاصل المذكور لكن تخريج الفرع عليه قد يرد عليه منع التعيين لثبوت استعماله كثيرا في معنى الشفقة فيجب المصير اليه فلا يتعين واحد من المعنيين المجازيين او يتعين هذا لانه ايسر كما قررناه في يا سيدي يا مالكي لما تعذر الحقيقي لم يعتق عليه في القضاء الا بالنية فإن اجيب بأن اعتبار الفائدة الشرعية اولى وهي المتعينة هنا ورد عليهم هذا اخي فإنه لا يعتق به ودفعه بانه مشترك بين المشارك في النسب والدين والقبيلة وحكم المشترك التوقف الى القرينة حتى لو قال من ابى ونحوه عتق وبأن العتق بعلة الولاد ولا ذكر له في اللفظ ليكون مجازا عن لازمه فامتنع لعدم طريقه يرد عليه منع الاشتراك بل هو حقيقة في النسب مجاز في الباقيات ولو دار بينهما كان المجاز اولى وان علة عتق القريب عندنا القرابة المحرمة لا خصوص الولاد ولذا يعتق في هذا خالي وعمي وهي بلا خلاف بين اصحابنا ذكره في البدائع وفرق بينه وبين هذا اخي بأنه يحتمل الاكرام والنسب بخلاف العم فإنه لا يستعمل للاكرام عادة وهذا يقوى ما اوردناه في هذا ابني فلا يخلص الا بترجيح رواية العتق في هذا اخي وهي ما نقلها المصنف
قوله ولو قال لعبده هذا بنتي وكذا
____________________
(4/443)
اذا قال لامته هذا ابني لا يعتق وان كان يولد مثله لمثله لان الاول مجاز عن عتق في المذكر لانه لجهة البنتية حقيقة والثاني عنه في الانثى فانتفى حقيقته لانتفاء محل ينزل فيه ولا يتجوز بلفظ الابن في البنت وقلبه اتفاقا لعدم لازم مشهور وغيره ولئلا يلزم تعميم اللفظ في معنيين مجازيين احدهما من حيث هو والاخر من حيث هو مضاف وقد ذكرنا فيما كتبناه على البديع ان الاتفاق على منعه اللهم الا ان يعتبر المجاز عقليا في نفس إضافة البنت وكل من لفظ الاشارة والبنت والياء حقيقة فالتجوز في نسبه المراد بالاشارة بالبنتية الى مسمى الياء عن نسبته اليه بالعتق فيتعين الاول وما ذكره المصنف بيان تعذر عتقه بطريق آخر وهو انه اذا اجتمعت الاشارة والتسمية والمسمى من جنس المشار تعلق بالمشار وان كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى وبين هذا الاصل في باب المهر وهو الذي اراده بقوله حققناه في النكاح والمشار اليه هنا مع المسمى جنسان لان الذكر والانثى في الانسان جنسان لاختلاف المقاصد فيلزم ان يتعلق الحكم بالمسمى اعنى مسمى بنت وهو معدوم هنا لان الثابت ذكر
قوله وكذا على هذا الخلاف جميع الفاظ الصريح كانت مطلقة والطلاق والكناية كما لو قال لامته انت على حرام او بائن او بتلة او بتة او بنت منى او خلية او برية وحبلك على غاربك واخرجي وقومي واذهبي واغربي واختاري فاختارت نفسها وتقنعي او قال ذلك لعبده او قال له طلقتك لا يعتق في ذلك كله وان نوى بخلاف ما تقدم من قوله اطلقتك ونوى حيث يعتق بالاتفاق وقال الشافعي يعتق في ذلك كله اذا نوى وعن احمد روايتان احداهما كقولنا والاخرى كقوله
قوله لان بين الملكين أي ملك الرقبة وملك النكاح موافقة
قوله اذ كل منهما الخ حاصله انه اثبات للمشابهة بين الملكين اعنى ملك الرقبة وملك النكاح وبين التصرفين الواردين عليهما اما الاول فإن النكاح في حكم ملك العين شرعا لا ملك المنفعة لترتب لازم ملك العين شرعا عليه وهو اشتراط التأبيد
____________________
(4/444)
له كما في البيع وانتفاء لازم ملك المنفعة عنه وهو التوقيت حتى يبطل به اذ هو لازم لملك المنفعة اعنى الاجارة ويستفاد بكل منهما ملك الوطء بخلاف الاجارة واما الثاني فإن كلا من التصرفين اسقاط للملك ولهذا يصح تعليقه بالشر ولزمت السراية فيه واما الاحكام التي هي ملك البيع والشراء والشهادة والقضاء وتملك الاموال وهي معنى القوة الشرعية فليس العتق هو المثبت لها بل تثبت بسبب سابق على العتق وهو كون العبد آدميا مكلفا فإن هذه خصائص الادمية فالادمية مع التكليف هي السبب وانما امتنعت بمانع الرق وبالعتق يزول المانع فيظهر اثر المقتضى كالزوجة في حق الخروج والتزوج امتنع بمانع الزوجية حفظا للنسب ولا يسلب اهليتها عنه ثم بالفرقة يزول المانع لها عنه ولهذا يصح لفظه العتق والتحرير كناية عن الطلاق فيجب ان يصح الطلاق كناية عن العتق لان صحة الاول للمناسبة وهي مشتركة لانها نسبة بين الطرفين فإذا ناسب الشيء غيره ناسبه الآخر
قوله ولنا انه نوى ما لا يحتمله لفظه أي ما لا يسوغ استعماله فيه فلم يبق سوى مجرد النية ومجرد النية من غير لفظ مستعمل في المعنى جائز الاستعمال فيه لا يوجب شرعا ثبوت ذلك المسمى الشرعي كما لو قال
____________________
(4/445)
اسقني ينوى به العتق او الطلاق لا يقعان وانما قلنا انه لا يسوغ استعماله فيه لان مسوغ استعمال اللفظ في المعنى اما وضعه له او التجوز به فيه والاول منتف وكذا الثاني لان التجوز له طرق مخصوصة لغة وضع واضع اللغة انواعها وهذا ما يقال ان نوع العلاقة موضوع ووضع نفس اللفظ للمعاني المجازية وضعا عاما وهذا ما يقال المجاز موضوع وضعا نوعيا وحقيقة الحاصل معنى قوله كل لفظ وجد بين مسماه ومعنى اخر مشترك اعتبرته فلمتكلم ان يطلقه على ذلك المعنى وثبوت اعتباره عنه بأن يثبت عنه انه استعمل اللفظ باعتبار جزئي من جزئيات ذلك المشترك فثبت به اعتباره لذلك النوع لتحققه في ذلك الجزئي او نقل اعتباره والثابت عنه في علاقة المشابهة ان يكون في وصف خارج ظاهر في المتجوز عنه ثبوته فيه اقوى منه في المتجوز به فيصير المتجوز به مشبها والتجوز عنه مشبها به وقولهم يشترط كونه وصفا مختصا مرادهم كونه ظاهرا في المشبه به المتجوز عنه لا حقيقة الاختصاص وإلا لم يكن مشتركا فلا يتجوز باعتباره إلى ما ليس هو فيه فللأول لا يجوز التجوز بأسد للابخر والمحموم مع انهما وصفان ملازمان للاسد لعدم ظهورهما وشهرتهما وللثاني وجب ان لا يكون المعنى المشترك في محل المجاز اكثر منه في محل الحقيقة اذا عرف هذا فنقول الاعتاق انما هو اثبات تلك القوة التي فصلنا فروعها للعلم بعدم ملك تلك الامور قبله والاصل في اضافة عدم الشيء ان يكون الى عدم المقتضى لا الى قيام المانع لان عدمه هو الأصل في عدم الحكم لأن الغالب ثبوت الحكم عند ثبوت المقتضي ولو سلم فالأصل عدم المقتضي فيبقي على العدم ما لم يثبت وجوده ولم يثبت ودعواه انه الآدمية مع التكليف ممنوعة بل مجرد ذلك لا يقتضي ملكا اما عقلا فظاهر وشرعا لم يثبت بل انما يثبت شرعا دوران ذلك الملك مع الحرية فلتكن هي السبب الشرعي والطلاق لازالة قيد النكاح فيعمل ملكها القائم علمه حتى يجوز الخروج والتزوج وهذا لان ملكها متحقق الثبوت بعد التزوج حتى جاز بيعها وشراؤها وشهادتها ولم يمتنع منها سوى ما قلنا لحفظ النسب ولا مناسبة بين ازالة المانع في محل ليعمل الملك القائم عمله وبين اثبات الملك الزائل لمحل لعلاقة تجوز التجوز وهي ان تكون مختصة بالمتجوز عنه أي ظاهرة مشهورة ثبوتها فيه اقوى منه في محل المجاز المشبه بل هو هنا عكس هذا فإن الاسقاط المشترك ثبوته في العتق اكثر واوفر منه في الطلاق والتجوز بلفظ الطلاق يقتضي كون الطلاق هو الاكثر اسقاطا واشهر به فلذا جاز التجوز بلفظ العتق عن الطلاق لوقوعه على وفق الشرط المذكور وامتنع عكسه ولان العتق سبب لزوال ملك المتعة حيث كان سبب زوال ملك الرقبة فهو فيه لفظ السبب في المسبب بخلاف قلبه فإنه المسبب في السبب وهو ممنوع الا ان اختص والا وجد المسبب دون السبب المعين فلا تلازم فلا علاقة وما قيل ليس سببا ايضا بدليل ان الامة لو كانت متزوجة فاعتقها لا يوجب زوال ملك المتعة انما هو بناء على اعتقاد ان المراد بالسبب العلة وهو منتف ولو سلم فالعلة انما تؤثر عند كون الحكم معدوما قبلها الا يرى ان البول بعد الريح لا يوجب حدثا ولم يخرج بذلك عن كونه علة للحدث وعلى من يلتزم انه يوجب حدثا اخر يمكن ان يقال اوجب العتق حرمة اخرى للمتعة فعن هذا قيل الكنايات منها ما يقع العتق به بلا نية كقوله تصدقت عليك بنفسك
____________________
(4/446)
او ملكتكها او وهبت نفسك منك او اوصيت لك بنفسك او بعت نفسك منك فهذه كنايات لا يحتاج الى النية لان الاحتياج اليها اذا كانت تحتمل معاني وهذه لا تحتمل غير العتق فاستغنت عنها ومنها ما يقع بالنية كما تقدم ومنها ما لا يقع وان نوى كلفظ الطلاق وكناياته والتحقيق في مثل الاول ان يقال انه ملحق بالصريح كما في مولاي من حيث ان ما سوى العتق انتفت ارادته فتعين فألحق بالصريح والانتفاء المعنى المزاحم هنا بسبب تعذر حقيقة الملك للعبد فتعين المعنى المجازي وهذا بناء على ان الصريح يخص الوضعي وإلا فيجعلان صريحا وبه قال جماعة وهو الحق وقد اخترناه في كتبنا
قوله ولو قال ما انت الا حر عتق لان الاستثناء من النفي اثبات على وجه التأكيد هذا هو الحق المفهوم من تركيب الاستثناء لغة وهو خلاف قول المشايخ في الاصول وقد بيناه في الاصول وانه لا ينافي قولهم الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا واما كونه اثباتا مؤكدا فلوروده بعد النفي بخلاف الاثبات المجرد
قوله ولو قال رأسك رأس حر لا يعتق لانه تشبيه بخذف حرفه ولو قال رأس حر عتق لانه اثبات الحرية فيه اذ الرأس يعبر به عن جميعه وهذا يقتضي انه لا ينوى كما لو قال رأسك حر فانه لا يحتاج الى النية لكن المسئلة منقولة في نوادر ابن سماعة لو قال راسك حر عتق اذا نواه وفي نوادر هشام قال ابو يوسف لو خاط مملوكه ثوبا فقال هذه خياطة حر لا يعتق وفي الهاروني لو رآها تمشي فقال هذه مشية حر او تتكلم فقال هذا كلام حر لم تعتق الا ان يقول اردت العتق وهذا قول ابي يوسف وقال الحسن بن زياد من قول نفسه يعتق في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وفي نوادر ابن سماعة عن محمد قال حسبك حر او اصلك حر وعلم انه من سبي لا يعتق لانه صادق وكذا لو قال ابواك حران وفي نوادر المعلى قال ابو يوسف لو قال فرجك حر من الجماع فهي حرة في القضاء ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولا تعتق وفي نوادر ابن سماعة عن محمد لو قال استك حر كان حرا وكذا ذكرك حر وتقدم فصل
____________________
(4/447)
اعقب العتق الاختياري بالاضطراري
قوله وهذا اللفظ مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثورى عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم عتق عليه وضعفه البيهقي والنسائي بسبب ان ضمرة انفرد به عن سفيان وصححه عبد الحق وقال ضمرة ثقة واذا اسند الحديث ثقة فلا يضر انفراده به ولا ارسال من ارسله ولا وقف من وقفه وصوب ابن القطان كلامه وممن وثق ضمرة ابن معين وغيره وان لم يحتج به في الصحيح واما الحديث الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر فاخرجه اصحاب السنن الاربعة عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو داود وغيره انفرد به عن الحسن عن سمرة قال وقد شك فيه فان موسى بن اسماعيل قال في موضع اخر عن سمرة فيما يحسب حماد وقد رواه شعبة مرسلا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وشعبة احفظ من حماد انتهى وفيه مثل ما تقدم من كلام عبد الحق وابن القطان وهو ان رفع الثقة لا يضره ارسال غيره ورواه الطحاوى من حديث الاسود عن عمر موقوفا وروى من حديث ابن عمر موقوفا وعائشة وعلى باسانيد ضعيفة وروى الطحاوى باسناده الى سفيان الثورى عن سلمة بن كهيل عن المستورد ان رجلا زوج ابن اخيه مملوكته فولدت اولادا فاراد ان يسترق اولادها فاتى ابن اخيه عبد الله بن مسعود فقال ان عمي زوجني وليدته وانها ولدت لي اولادا فأراد ان يسترق ولدي فقال ابن مسعود كذب ليس له ذلك وفي المبسوط ان ابن عباس قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله اني دخلت السوق فوجدت اخي يباع فاشتريته واني اريد ان اعتقه فقال صلى الله عليه وسلم
____________________
(4/448)
فان الله قد اعتقه
قوله والشافعي الخ وبقولنا قال احمد وذكر الخطابي في معالم السنن انه قول اكثر العلماء وفي الغاية روى ذلك عن عمر وابن مسعود ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وبه قال الحسن البصرى وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والزهري وحماد والحكيم والثوري وابن شبرمة وابو سلمة والحسن ابن حي والليث وعبد الله بن وهب واسحاق والظاهرية وقال مالك يعتق في قرابة الولادة والاخوة والاخوات لا غير وفي المبسوط قال داود الظاهري اذا ملك قريبه لا يعتق بدون الاعتاق لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لا يجزى ولد والده الا ان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ولو عتق بنفس الشراء لم يبق لقوله فيعتقه فائدة ولان القرابة لا تمنع ابتداء الملك فلا تمنع بقاءه ولنا قوله تعالى { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا } { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } ثبت به ان الا بنية تنافي العبدية فاذا ثبتت الابنية انتفت العبدية والمراد بالنص فيعتقه بذلك الشراء كما يقال اطعمه فاشبعه وسقاه فارواه والتعقيب حاصل اذ العتق يعقب الشراء وانما اثبتنا له الملك ابتداء لان العتق لا يحصل قبله بخلاف ملك النكاح لم يثبت ابتداء لانه لا فائدة في اثباته لاستعقاب البينونة
قوله له ان ثبوت العتق من غير مرضاة المالك في الولاد ينفيه القياس على غير القريب من العبيد وعلى سائر الاملاك اذ لا تخرج عن ملك مالكها من غير رضا واختيار او لا يقتضيه القياس ولا ينفيه وقد ثبت العتق في الولاد بالنص والاجماع الا من لا يعتد بخلافه والاخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد فامتنع الالحاق أي الحاق غير الولاد بطريق القياس والاستدلال أي الالحاق بطريق الدلالة لعدم الاولوية والمساواة بل يجب الالحاق بغير المحارم من القرابات فالقرابات ثلاث ولاد وغيره مع المحرمية وعدمها كأبناء الاعمام والعمات وابناء الاخوال والخالات ويجب رد المتنازع فيه الى ما هو اشبه به من قرابتي الولاد وغير المحارم وهو بالثاني اشبه حقيقة وحكما اما حقيقة فلان قرابتهم قرابة مجاورة في الرحم وقرابة الولاد بعضية واما الثاني فلانا رأينا احكامهم متحدة بغير المحارم في الشهادة والقود وحل الحليلة وامتناع التكاتب فكذا في هذا الحكم
قوله ولنا ما روينا فيضمحل معه جميع المعاني المعينة والقياس الصحيح بل دلالة النص تقريره ملك قريبة قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه كما في الولاد وهذا اعنى كونه قرابة مؤثرة في المحرمية
____________________
(4/449)
وهو المؤثر في الاصل وهو قرابة الولاد يعني هو الذي تعلق به الحكم فيه والولاد ملغى ولو سلم فغاية ما صنع انه ارانا عدم العلة في الفرع وهو لا يستلزم عدم الحكم فيه لجواز ان يعلل الاصل باخرى متعدية الى مالم يتعد اليه تلك وهي ما عيناه من القرابة المحرمية لانها قد ظهر اثرها في جنس هذا الحكم وهو دفع ملك النكاح الذي هو ادنى الذلتين فلان يؤثر في دفع اعلاهما وهو ملك الرقبة اولى وهذا المسلك من مسالك العلة هو الذي لا نزاع في صحته والنص ايضا يدل على تعيينه وهو ما روينا فانه يفيد تعليق الحكم بالقرابة المحرمية لما عرف وهذا يفيد الغاء ما عينه وقول المصنف حتى وجبت النفقة الزام بمختلف فيه لكنه لما ثبت بالدليل وهو قوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك }
____________________
(4/450)
الزم به غير معتبر خلافه وكانه ثابت اتفاقا وقولهم ان الحديث لم يثبت غير صحيح لثقة الرواة وليس فيه سوى الانفراد بالرفع وهو غير قادح لان الراوي قد يصل وكثيرا ما يرسل ومعلوم انه اذا ارسل فلابد ان يكون عن واسطة وغاية الامر انه عين الواسطة مرة وترك اخرى ولو كان مرسلا كان من المرسل المقبول اما على قول الجمهور وهو قولنا وقول مالك واحمد فيقبل بلا شرط بعد صحة السند وقد علمت صحته وأما على قول الشافعي فيقبل إذا عملت الصحابة على وفقه وانت سمعت ان الثابت قول بعض الصحابة ولم يثبت عن غيرهم خلافهم فثبت بهذا مشاركة هذه القرابة للولاد في هذا الحكم فان شاركوا غير المحارم في غيره فلا يعارضه اعتبارهم بهم فيه لانه الحاق بالاشبهية ولا اثر له ولو كان صحيحا عنده فالمعنى الي ظهر اثره في جنس الحكم اولى منه فكيف مع النص على نفس حكم الفرع
قوله والافتراض عند القدرة جواب عن اعتباره لعدم التكاتب فقال عليه العلة التي عينها الشرع افتراض الوصل والافتراض انما يثبت عند القدرة وانما هي قائمة بالحر والمكاتب عبد لا يقدر على الاعتاق والكتابة نوع اعتاق فليس كتابة غير الولاد مما تنتظم كتابته بخلاف كتابة الولاد فانه لكون الجزئية قائمة يدخل لان الكتابة ترد على جميع اجزائه على ان عن ابي حنيفة انه بتكاتب على الاخ وهو قولهما فلنا ان نمنع والجواب عن الشهادة والزكاة ان عدم جوازهما في قرابة الولاد باعتبار انه تمليك من نفسه وشهادة لها من وجه وهذا المانع منتف في غير الولاد
قوله ولا فرق بين ما اذا كن المالك مسلما او كافرا في دار الاسلام وكذا لا فرق بين ما اذا كان العبد مسلما او كافرا في دار الاسلام لعموم العلة وهي
____________________
(4/451)
القرابة المحرمية وقيد بقوله في دار الاسلام لانه لا حكم لنا في دار الحرب فلو ملك قريبه في دار الحرب او اعتق المسلم قريبه في دار الحرب لا يعتق خلافا لابي يوسف وعلى هذا الخلاف اذا اعتق الحربي عبده في دار الحرب ذكر الخلاف في الايضاح وفي الكافي للحاكم عتق الحربي في دار الحرب قريبه باطل ولم يذكر خلافا اما اذا اعتقه وخلاه قال في المختلف يعتق عند ابي يوسف وولاؤه له وقال لا ولاء له لكن عتقه بالتخلية لا بالاعتاق فهو كالمراغم ثم قال المسلم اذا دخل دار الحرب فاشترى عبدا حربيا فأعتقه ثمة القياس ان لا يعتق بدون التخلية لانه في دار الحرب ولا تجرى عليه احكام الاسلام وفي الاستحسان يعتق من غير تخلية لانه لم تنقطع عنه احكام المسلمين ولا ولاء له عندهما وهو القياس وقال ابو يوسف له الولاء وهو الاستحسان وذكر قول محمد مع ابي يوسف في كتاب السير وعلى هذا فالجمع بينه وبين ما في الايضاح ان يرادج بالمسلم ثمة الذي نشأ في دار الحرب وهنا نص على انه داخل هناك بعد ان كان هنا فلذا لم تنقطع عنه احكام الاسلام وهذا بخلاف استحقاق النفقة لانها منوطة بعلة القرابة المورثة بالنص فلم تجب مع اختلاف الدين
قوله وعتق المكره والسكران واقع في المكره خلاف الائمة الثلاثة والاكراه لا يزيل الا الرضا والعتق لا يتوقف عليه ولذا جاز عتق الهازل وفي السكران اتفاقهم على الوقوع على المختار عندهم وتقدم في الظلاق
قوله اما الاضافة الى الملك كما يقول ان ملكتك او ملكت عبدا ونحوه فهو حر ففيه خلاف الشافعي أي وحده فإن مالكا يوافقنا فيه وكذا عن احمد وفرق بينه وبين الطلاق اذ لم يجوز اضافته الى الملك بخلاف العتق بان العتق مندوب اليه بخلاف الطلاق وعندنا
____________________
(4/452)
المصحح مطرد فيهما على ما عرف لم يفترقا في ذلك
قوله فيجرى فيه التعليق لا خلاف فيه بيننا وبين الشافعي رحمه الله انما الخلاف في انه هل يشترط للوقوع بقاء الملك من حين التعليق الى وجود الشرط فعندنا زوال الملك فيما بين التعليق ووجود الشرط لا يبطل اليمين وعنده يبطله والخلاف مبني على انعقاد المعلق سببا في الحال عنده وعندنا عند وجود الشرط
قوله واذا خرج عبد الحربي الينا مسلما عتق سواء خرج سيده بعد ذلك مسلما او لا وقيد بالخروج لانه لو اسلم ولم يخرج لم يعتق وبقولنا قالت الائمة الثلاثة وقال الاوزاعي اذا خرج سيده مسلما يرد اليه وعند الظاهرية اذا اسلم عتق خرج او لم يخرج واورد ابن حزم عليه ان سلمان اسلم وسيده كافر ولم يعتق بذلك ثم اجاب بانا لم نقل بهذا الا لعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج اليه مسلما من عبيد اهل الطائف وهي بعد الخندق بدهر وبدعوى نسخ تملك الكافر للمؤمن بقوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولا شك في اتجاه الايراد وهو مما يصلح دليلا لنا وفي الجواب ما لا يخفى
قوله لقوله صلى الله عليه وسلم في عبيد الطائف اخرج ابو داود في الجهاد والترمذي في المناقب عن علي رضي الله عنه واللفظ لابي داود قال خرج عبدان بكسر العين الى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قبل الصلح فقال مواليهم يا محمد والله ما خرجوا رغبة في دينك وانما خرجوا هربا من الرق فقال ناس صدقوا يا رسول الله ردهم اليهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وابى ان يردهم اليهم وقال هم عتقاء الله سبحانه قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وذكر الواقدي في غزوة الطائف من كتاب المغازي جماعة من العبيد خرجوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عدهم واحدا واحدا ابو بكرة ووردان والمنبعث والازرق ومحسن النبال وابراهيم بن جابر ويسار ونافع ومرزوق كل هؤلاء اعتقهم صلى الله عليه وسلم فلما اسلمت ثقيف تكلموا في هؤلاء ان يردوا الى الرق فقال صلى الله عليه وسلم اولئك عتقاء الله لا سبيل اليهم واخرج عبد الرزاق حدثنا معمر عن عاصم بن سليمان حدثنا ابو عثمان النهدي عن ابي بكرة انه خرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر اهل الطائف بثلاثة وعشرين عبدا فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين يقال لهم العتقاء وفي مراسيل ابي داود فلما اسلم مواليهم رد النبي صلى الله عليه وسلم الولاء اليهم وفيه مجهول واخرجه البيهقي مرسلا وقال ثم وفد اهل الطائف فأسلموا وقالوا يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين اتوك فقال لا اولئك عتقاء الله ورد الى كل رجل ولاء عبده
____________________
(4/453)
قوله ابتداء احتراز عن بقاء الرق فإنه يبقى بعد الاسلام بعد ثبوته بطريقه
قوله عتق حملها بإجماع الاربعة ولو استثناه لا يصح كاستثناء جزء منها خلافا لاحمد واسحاق والنخعي والشعبي وعطاء وابن سيرين وقولهم مروى عن ابن عمر وابي هريرة وقال ابو يوسف اذا خرج اكثر الولد فاعتقت لا يعتق هو لانه كالمنفصل في حق الاحكام حتى تنقضي به العدة ولو مات وهو في هذه الحالة ورث بخلاف ما اذا مات قبل خروج الاكثر
قوله ثم اعتاق الحمل صحيح عند الجمهور خلافا للظاهرية فانهم لا يجوزون عتق الجنين دون امه بعد نفخ الروح بل قبله وتعتق امه تبعا له ولا يجوز بيع الام اذا عتق ما في بطنها ويجوز هبتها والفرق ان استثناء ما في بطنها عند بيعها لا يجوز قصدا فكذا حكما بخلاف الهبة
قوله لما فيه من قلب الموضوع واما استحقاق ام الولد العتق بولدها ثم عتقها عند موت السيد بذلك السبب فبالنص على خلاف القياس وقد يقال هذا انما يرد نقضا لو كان عتق ام الولد تبعا لعتق ابنها بالنص وهو منتف اذ هو فرع عتقه وهو فرع سابيقية رقه وليس كذلك لانه يعلق حرا فلا يرد نقضا اصلا ليحتاج الى الجواب بأنه خرج بالنص على خلاف القياس وسنذكر انه انما يعتق اذا جاءت به لاقل من ستة اشهر من حين اعتقه
قوله والقدرة عليه أي على التسليم فلذا لم يجز بيع الآبق ويجوز عتقه
____________________
(4/454)
قوله على ما مر في الخلع الحوالة غير رائجة فانه لم يذكره في هذا الكتاب والفرق بين هذا والخلع حيث يجوز اشتراط بدله على اجنبي ان العتق على مال معاوضة فانه يملك العبد به نفسه وتحدث لها القوة الشرعية وذلك أي شيء نفيس ولا يجوز اشتراط العوض الا على من يسلم له المعوض كما في البيع والاجارة بخلاف المرأة فانها لا تحدث لها قوة به ولا تملك نفسها لان ذلك كان ثابتا لها قبله على ما قدمناه فلا فرق بينها وبين الاجنبي فاذا جاز اشتراطه عليها جاز عليه وكذا لا يصح بطريق الكفالة لانه لا يجب على الجنين فكيف يجب على الكفيل فلذا لو قال للامة اعتقت ما في بطنك على الف عليك فقبلت فجاءت بولد لاقل من ستة اشهر منه عتق بلا شيء لانه لا يجب له على امته شيء بسبب غيرها
قوله لاقل من ستة اشهر منه أي من وقت العتق فلو جاءت به لستة اشهر فصاعدا منه لا يعتق الا ان يكون حملها توئمين جاءت باولهما لاقل من ستة اشهر ثم جاءت بالثاني لستة اشهر او اكثر او تكون هذه الأمة معتدة عن طلاق أو وفاة فولدت لأقل من سنتين من وقت الفراق وإن كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الاعتاق حينئذ فيعتق لانه كان محكوما بوجوده حين اعتقه حتى ثبت نسبه وعلى هذا فرع ما لو قال ما في بطنك حر ثم ضرب بطنها فالقت حنينا ميتا ان ضربها بعد العتق لاقل من ستة اشهر تجب دية الجنين لابيه ان كان له اب حر لانه حر وان لم يكن تكون لعصبة المولى لأن المولى قاتل فلا يستحق الارث وان ضرب لستة اشهر لا شيء عليه لانه عبده كذا ذكر
قوله فيعتق عليه التحقيق انه يعلق حرا الا انه يعلق مملوكا ثم يعتق كما يقتضيه
____________________
(4/455)
ظاهر العبارة فانه يجب القطع بان ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قط الا حرا وفي المبسوط الولد يعلق حرا من الماءين لان ماءه حر وماء جاريته مملوك لسيدها فلا تتحقق المعارضة بخلاف ابنه من جارية الغير فان ماءها مملوك لغيره فتتحقق المعارضة فيترجح جانبها بانه مخلوق من مائها بيقين بخلاف الرجل ولذا لا ينتفي عنها بحال وقد ينتفي عن الاب ويثبت النسب منها بالزنا وبعد الملاعنة حتى بتوارثان دون الاب فكان ماؤها اولى بالاعتبار عند التعارض او لاستهلاك مائه بمائها لانه في موضعه ويزداد قوة منها لامته او ترجح بالحضانة والتربية او لانه قبل الانفصال كعضو منها حتى قد يقرض بالمقراض ويعتق بعتقها ويستثنى من بيعها والزوج قد رضي برق الولد حيث اقدم على تزوجها مع العلم برقها وفي هذا اجماع حتى لو كان الزوج هاشميا كان ولده هاشميا مرقوقا بخلاف المغرور فانه لم يرض به لعدم علمه فلذا قلنا يعلق حرا في حقه فتجب قيمته
قوله كما يتبعها في المملوكية والمرقوقية
____________________
(4/456)
أورد هذين اللفظين ليفيد تغير مفهوميهما فالرق هو الذل الذي ركبه الله تعالى على عباده جزاء استنكافهم عن طاعته وهو حق الله تعالى او حق العامة على ما اختلفوا فيه والملك هو تمكن الانسان من التصرف فيه ما لم يقم به مانع سلب الولاية على نفسه وهو حقه فاول ما يؤخذ الاسير يوصف بالرق لا المملوكية حتى يحرز بدار الاسلام فالملك عام يتعلق بالجماد والحيوان والرق خاص بالانسان وبالبيع يزول عنه ملكه ولا يزول الرق وبالعتق يزول كل منهما لكن زوال الملك قصدا ثم يتبعه الرق ضرورة فراغه بذلك الزوال عن تعلق حقوق العباد برقبته فبين بهما أنه يتبع الأم في الخاص والعام ولذا إذا تولد بين المأكول وغير المأكول كالحمار الانسي مع الحمار الوحشي يؤكل واذا تولد بين الوحش والانسية كالبقرة ينزو عليها حمار وحش يجوز التضحية به ولا ختلاف مفهوميهما قد يختلفان في الكمية في شخص فهما كاملان في القن ورق ام الولد والمدبر ناقص حتى لا يجوز عتقهما عن الكفارة والملك فيهما كامل والمكاتب عكسه رقه كامل حتى جار عتقه عن الكفارة وملكه ناقص حتى خرج من يد المولى ولا يدخل تحت قوله كل مملوك لي حر وما اورد من ان الرق لا يقبل التجزي فكيف يقبل النقصان يندفع بان المراد بنقصان الرق نفصان حاله لا نقصان ذاته والحاصل ان الولد يتبع الام في الحرية والرق والتدبير والكتابة وحكم امية الولد وفي النسب يتبع الاب وفي الدين يتبع خير الابوين دينا والله سبحانه اعلم & باب العبد يعتق بعضه
لا شك في كثرة وقوع عتق الكل وندرة عتق البعض وفي ان ما كثر وجوده فالحاجة الى بيان احكامه امس منها الى ما يندر وجوده وان دفع الحاجة الماسة مقدم على النادرة فلذا اخر هذا عما قبله
قوله واذا اعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر ويسعى في بقية فيمته لمولاه عند ابي حنيفة وتعتبر قيمته في الحال والاستسعاء ان
____________________
(4/457)
يؤاجره فياخذ نصف قيمته من الاجرة ذكره في جوامع الفقه وسيجيء انه اذا امتنع عن السعاية فعل ذلك اذا
____________________
(4/458)
كان له عمل معروف وهو يفيد ان معنى الاستسعاء غير هذا وانما يصار اليه عند امتناعه فتكون الاجازة تنفذ عليه جبرا وظاهر ان هذا إذا عين مقدارا كربعك حر ونحوه فلو قال بعضك حر او جزء منك او شقص امر بالبيان ولو قال سهم منك حر فقياسه في قول ابي حنيفة ان يعتق سدسه كما في الوصية بالسهم من عبده فيسعى في خسمه اسداسه وقوله عتق ذلك القدر تعبير بالعتق عن زوال الملك لا عن زوال الرق فانه عند ابي حنيفة رقيق كله بخلافة في قول المصنف وقالا يعتق كله فانه عن زوال الرق أي وقالا يزول الرق عنه كله ثم قال المصنف رحمه الله بعد واصله ان الاعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما اعتق وعندهما لا يتجزأ وهو قول
____________________
(4/459)
الشافعي يعني فيما إذا كان المولى واحد أو كان لشريكين والمعتق موسر أما إذا كان لشريكين والمعتق معسر فيبقى ملك الساكت كما كان حتى جاز له بيعه عنده والمراد من تجزى الإعتاق تجزي المحل في قبول حكمة فيثبت في البعض دون البعض والذي يقتضيه النظر أن هذا غلط في تحرير محل النزاع فإنهم لم يتواردوا على محل واحد في التجزي وعدمه فإن القائل العتق أو الإعتاق يتجزأ لم يرده بالمعنى الذي يريده به القائل أنه لا يتجزأ وهو زوال الرق أو إزالته إذ لا خلاف بينهم في عدم تجزيه بل زوال الملك أو أزو إزالته ولا خلاف في تجزيه فلا ينبغي أن يقال اختلف في تجزي العتق وعدمه أو الإعتاق بل الخلاف في التحقيق ليس إلا فيما يوجبه الإعتاق أولا وبالذات فعنده زوال الملك ويتبعه زوال الرق فلزم تجزي موجبه غير أن زوال الرق لا يثبت إلا عند زوال الملك عن الكل شرعا كحكم الحدث لا يزول إلا عند غسل كل الأعضاء وغسلها متجزئ وهذا لضرورة أن العتق قوة شرعية هي قدرة على تصرفات شرعية من الولايات كالشهادة والقضاء والبيع وإنكاح بنته ونفسه ولا يتصور ثبوت هذه في بعضه شائعا فقطع بعدم تجزيه والملك متجزيء قطعا فلزم ما قلناه من زوال الملك عن البعض وتوقف زوال الرق على زوال الملك عن الباقي وحينئذ فينبغي أن يقام الدليل من الجانبين على أن الثابت به أولا زوال الملك أو الرق لأنه محل النزاع والوجه منتهض لأبي حنيفة أما المعنى فلأن تصرف الإنسان يقتصر على حقه وحقه الملك أما الرق فحق الله أو حق العامة على ما تقدم فليزم أن الثابت بالإعتاق زوال الملك أولا ثم يزول الرق شرعا أتفاقا إذا زال لا إلى مالك وبهذا يندفع ما قيل زوال الملك لا يسمى إعتاقا وإلا لكان البيع والهبة إعتاقا فإنه إنما يلزم لو كان البيع والهبة إزالة الملك لا إلى مالك لأن ذلك هو المسمى بالعتق لا إزالة الملك كيفما كان وأما السمع فما في الصحيحين وغيرهما من حديث إبن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق أفاد تصور عتق البعض فقط وقول أيوب لا ندري أشيء قاله نافع أو هو شيء في الحديث لا يضر إذ الظاهر بل الواجب أنه منه إذ لا يجوز إدراج مثل هذه من غير نص قاطع في إفادة أنه
____________________
(4/460)
ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يوجب في الحديث علة قادحة وكذا ما رواه البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شقصا في مملوك فخلاصة عليه في ماله وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه أي لا يغلي الثمن أفاد عدم سراية العتق إلى الكل بمجرد عتق البعض وإلا لكان قد خلص قبل تخليص المعتق هذا هو الظاهر وأما ما روى لهما من حديث إبن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة عدل فهو عتيق وفي لفظ فقد عتق كله فإنما يقتضي عتق كله إذا كان له مال يبلغ قيمته وليس مدعاهما ذلك بل يعتق كله بمجرد إعتاق بعضه كان له مال أو لا فقد أفادت الأحاديث أن العتق مما يقتصر ولا يستلزم وجوده السراية وإن وردت في العبد المشترك واستدل أيضا بدلالة الإجماع وهو أن المعتق إذا كان معسرا لا يضمن بالإجماع ولو كان إعتاق البعض إعتاقا للكل وإتلافا له لضمن مطلقا كما إذا أتلفه بالسيف أو بالشهادة به لإنسان ثم رجع بعد القضاء فإنه يضمن موسرا كان أو معسرا لكن قد يقال في هذا إن السعاية تقوم مقامه فلا يتعين وحيث ثبت الاقتصاد لزم أن يكون المراد بالعتق في قوله عليه الصلاة والسلام فقد عتق منه ما عتق زوال الملك وكذا يلزم في قول كل من نقل عنه القول بتجزية كالحسن وهو مروى عن على وعمر بخلاف ما قيل إن قول عمر قولهما فقد أسند الطحاوي إلى عبد الرحمن بن يزيد قال كان لنا غلام شهد القادسية فأبلى فيها وكان بيني وبين أمي وأخي الأسود فأرادوا عتقه وكنت يومئذ صغيرا فذكر الأسود ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أعتقوا أنتم فإذا بلغ عبد الرحمن ورغب فيما رغبتم فيه أعتق وإلا ضمنكم أثبت لعبد الرحمن الإعتاق بعد بلوغه بعد أن ثبت في العبد إعتاقهما وإنما قلنا ذلك لأن الرق لا يتجزأ زوالا عند أحد فلزم المطلوب وهو أن النازل بالإعتاق بالذات زوال الملك وإذا ثبت ذلك لزم في إعتاق بعض العبد الخاص به أن يعتق ذلك القدر أي يزول ملكه عنه ويبقى كمال الرق فيه كله وهو المسئلة المتكلم فيها وإذا ظهر أن مازال بالإعتاق هو الملك والرق ثابت في كله ولازمه شرعا أن لا يبقى في الرق لزم أن يسعى العبد في باقي قيمته لاحتباس مالية الباقي عنده وما لم يؤد السعاية فهو كالمكاتب حيث يتوقف عتق كله على أداء البدل وكونه أحق بمكاسبه ولا يد للسيد عليه ولا إستخدام وكونه رفيقا كله إلا أنه يخالفه في أنه لو عجز لا يرد إلى الإستخدام بخلاف المكاتب بسبب أن المستسعى زال الملك عن بعضه لا إلى مالك صدقة عليه به وإنما يلزم المال ضرورة الحكم الشرعي وهو تضمينه قسرا بخلاف المكاتب فإن عتقه في مقابلة التزامه بعقد باختياره يقال ويفسخ يتعجيزه نفسه وعلى هذا ما إذا أعتق أمة مشتركة بينه وبين آخر ثم ولدت فللشريك أن يضمن المعتق القيمة عن نصيبه يوم أعتق ولا يضمنه شيئا من قيمة الولد لأنه ما صنع في الولد شيئا ولأنه لم يثبت حق الشريك في الولد لأنها كانت مكاتبة حين ولدت والمكاتبة أحق بولدها كما أنها أحق بكسبها والإعتراض أنه ليس كالمكاتب لهذا الفرق ليس بشيء لأن التشبيه لا يستلزم عموم وجه الشبه فيه وإذا تحققت ما ذكرناه من محل النزاع ظهر لك أن ما ذكروا من إلحاقهم بالطلاق والعفو عن القصاص والاستيلاد غير مفيد لأنه إن أريد إلحاق إزالة الرق بها في عدم التجزي
____________________
(4/461)
فغير محل الخلاف للاتفاق على ان الرق لا يتجزأ زوالا او الحاق ازالة الملك بها فيه فغير صحيح لانهم وغيرهم لا يقولون بانه لا يتجزأ واقصى ما يمكن في تقريره ان يجعل الحاقا لزوال الملك لا الى مالك في عدم التجزي بأن يتنزل ويدعى ان المتجزيء زوال الملك الى مالك لا الى غير مالك الحاقا بالامور المذكورة فإن في الطلاق زوال ملك لا الى مالك وفي العفو زوال حق لا الى مستحق اخر والاستيلاد زوال ملك كذلك اعنى ملك بيعها وهبتها والجراب اولا انه الحاق بلا جامع لان عدم التجزي في الاصول لعدم التصور اذ لا يمكن نصف المرأة منكوحة ونصفها مطلقة ولا نصفها مستولدا ونصفها لا ولا اسقاط نصف حق القتل فإن القتل بثبوت حقه لا نصفه فمعه لا يثبت وهو معنى سقوط القصاص وليس عدم التجزي فيها لان الزوال لا الى مالك بل الا اثر لكون الزوال الى مالك اولا اليه بخلاف زوال ملك الرقبة وهذا معنى قول المصنف وليس في الطلاق والعفو حالة متوسطة أي ليس فيهما الا زوال كليهما او بقاؤهما فاثبتناه في الكل أي فاثبتنا زوال الملك في الكل ترجيحا للمحرم وهو الحرمة فانه اجتمع فيهما موجب الحرمة وهو الطلاف والعفو وموجب الحل وهو عدم اتصاف البعض به واما الاستيلاد فمتجزيء عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة اقتصر عليه حتى لو مات المستولد تعتق من جميع ماله ولو مات المدبر عتقت من ثلث ماله وانما كمل في القنة لانه لما ضمن نصيب صاحبه بالافساد ملكه من حين الاستيلاد فصار مستولدا جارية نفسه فثبت عدم التجزي ضرورة
قوله واذا كان العبد بين شريكين فأعتق احدهما نصيبه عتق أي زال ملكه عنه فإن كان المعتق موسرا فشريكه بالخيار ان شاء المتعق نصيبه منجزا او مضافا وينبغي اذا اضافه ان لا تقبل منه اضافته الى زمان طويل لانه كالتدبير معنى ولو دبره وجب عليه السعاية في الحال فيعتق كما صرحوا به فينبغي ان يضاف الى مدة تشاكل مدة الاستسعاء وان شاء ضمن المعتق فيمته اذا لم يكن باذنه فان كان بإذن الشريك فلا ضمان عليه له وان شاء استسعى العبد فيها فإن ضمن رجع المعتق على العبد والولاء للمعتق وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما في الوجهين أي في الاعتاق والسعاية حنيفة رحمه الله هكذا ذكر في الاصل وذكر في التحفة خمس خيارات هذه الثلاثة وان يدبره وعلمت حكمه ان يستسعى وان يكاتبه وهو يرجع الى معنى الاستسعاء ولو عجز استسعى ولو امتنع العبد عن السعاية يؤاجره جبرا ويدل على ان الكتابة في معنى الاستسعاء انه لو كاتبه على اكثر من قيمته ان كان من النقدين لا يجوز الا ان يكون قدرا يتغابن الناس فيه لان الشرع اوجب السعاية على قيمته فلا يجوز الاكثر وكذا لو صالحه على عوض اكثر وان كاتبه على عروض
____________________
(4/462)
قيمتها اكثر من قيمته جاز ولو كان الساكت صبيا والمعتق موسرا فالخيار بين التضمين والسعاية لولية والتضمين اولى لانه انظر ولو لم يكن له ولى انتظر بلوغه ليختار قيل هذا في موضع ليس فيه قاض فإن كان في موضع فيه قاض نصب القاضي له قيما ليختار التضمين او الاستسعاء وليس للولى اختيار العتق لانه تبرع بمال الصبي وكذا لو كان مكان الصبي مكاتب او عبد مأذون ليس لهما الا التضمين او الاستسعاء اما المكاتب فإن له ان يكاتب والاستسعاء بمنزلة الكتابة واما العبد المأذون فالقياس ان يكون له حق التضمين فقط لان الاستسعاء بمنزلة الكتابة وليس للعبد المأذون ان يكاتب ولكن قال سبب الاستسعاء قد تقرر وهو عتق الشريك على وجه لا يمكن ابطاله وربما يكون الاستسعاء انفع من التضمين فلهذا ملك المأذون ذلك وان كان لا يملك الكتابة ابتداء واذا احتار المكاتب او المأذون التضمين او الاستسعاء فولاء نصيبهما لمولاهما لانهما ليسا من اهل الولاء فيثبت الولاء لاقرب الناس اليهما وهو المولى وان لم يكن على العبد دين فالخيار للمولى لان كسبه مملوك للمولى في هذه الحالة وتقدير القيمة يوم الاعتاق فلو كان فيه صحيحا ثم عمى يجب نصف قيمته صحيحا وقلبه لو كان اعمى يوم العتق فانجلى بياض عينيه يجب نصف قيمته اعمى لانه حال ثبوت سبب الضمان وكذا يعتبر اليسار والاعسار وقت العتق فلو كان موسرا وقت العتق فأعسر لا يسقط عنه الضمان ولو كان معسرا فأيسر لا ضمان ولو اختلفا في قيمته يوم اعتقه فإن كان العبد قائما نظر الى قيمته يوم ظهر العتق حتى إذا لم يتصادقا على العتق فيما مضى يقوم للحال لأن العتق حادث فيحال على أقرب أوقات ظهوره وكذلك ان اراد ان يستسعى العبد ولو تصادقوا على وقت العتق واختلفوا في قيمته في ذلك الوقت فالقول قول المعتق كالغاصب لانه ضامن وينكر الزيادة ولو اختلفا في اليسار والاعسار فقال المعتق اعتقت وانا معسر وقال الشريك بل وانت موسر نظر الى حاله يوم ظهر العتق اما لانه كالمنشيء للعتق في الحال او لانه لما وقع الاختلاف فيما مضى يحكم الحال فإن كان في الحال موسرا فالظاهر شاهد لمن يدعى اليسار فيما مضى وان كان معسرا في الحال فالظاهر شاهد لمن يدعى العسرة فيما مضى وهو كالمستأجر مع رب الطاحونة اذا اختلفا في جريان الماء في المدة يحكم الحال ولو تصادقا على ان العتق كان سابقا عليه في مدة يختلف حاله فيه فالقول قول المعتق في انكار يساره لانه ينكر المعنى الموجب للضمان واذا كان موسرا يوم المتقه فاختار الشريك ضمانه ثم بدا له ان يبرئه ويستسعى الغلام لم يكن له ذلك وروى ابن سماعة عن محمد انه ان قضى القاضي له بالضمان او رضي به المعتق فليس له ان يستسعى الغلام بعد ذلك وإلا فله قيل ما ذكر في الاصل من الإطلاق محمول على ذلك التفصيل وقيل بل في المسئلة روايتان ولو مات الساكت قبل ان يختار شيئا فلورثته من الخيار ما كان له لانهم قائمون مقامه بعد موته وليس هذا توريث الخيار بل المعنى الذي اوجب الخيار للمورث ثابت للورثة فإن شاءوا اعتقوا وان شاءوا استسعوا العبد وان شاءوا ضمنوا المعتق فإن ضمنوه فالولاء كله للمعتق لانه بأداء الضمان اليهم يملك نصيبهم كما كان يتملك بالاداء الى المورث وان اختاروا الاعتاق او الاستسعاء فالولاء في هذا النصيب للذكور من اولاد الميت دون الاناث لان معتق البعض كالمكاتب والمكاتب لا يورث عينه وانما يورث ما عليه من المال فيعتق نصيب
____________________
(4/463)
الساكت على ملكه والولاء يكون له فيخلفه في ذلك الذكور من اولاده دون الاناث اذ الولاء لا يورث وان اختار بعض الورثة السعاية وبعضهم الضمان فلكل واحد منهم ما اختار من ذلك لان كل واحد منهم فيما ورث قائم مقام الميت وروى الحسن عن ابي حنيفة انه ليس لهم ذلك الا ان يجتمعوا على التضمين او الاستسعاء قال في المبسوط هذا هو الاصح لانه صار كالمكاتب لا يملك بالارث فكذلك هم لا يملكون نصيب الساكت بعد موته والدليل عليه فصل الولاء الذي تقدم لا يثبت لهم بالاعتاق ابتداء ولكنهم خلفاء المورث يقومون مقامه وليس للمورث ان يختار التضمين في البعض والسعاية في البعض فكذا الورثة ولو لم يمت الساكت ولكن مات العبد قبل ان يختار الساكت شيئا فله ان يضمن المعتق قيمة نصيبه ان كان موسرا وروى ابو يوسف عن ابي حنيفة انه ليس له ان يضمنه قيمة نصيبه بعد موت العبد لان نصيبه من العبد باق على ملكه والضمان غير متعين على المعتق ما لم يختر ضمانه فإذا هلك على ملكه فليس له ان يتقرر الضمان على شريكه بعد ذلك وهذا لان صحة اختيار التضمين معلق بشرط هو ان يملك نصيبه منه بالضمان وقد فات هذا الشرط بموته لان الميت لا يحتمل التمليك وجه ظاهر الرواية ان وجوب الضمان عليه بالاعتاق لان السبب وهو الافساد قد تحقق به فكان بمنزلة الغصب وموت العبد بعد الغصب لا يمنع من تضمين الغاصب وهذا لان تصمينه من وقت العتق وكان محلا للتمليك عند ذلك بخلاف ما لو باعه نصيبه او وهبه على عوض حيث لا يجوز في الاستحسان وان كان القياس جوازه كالتضمين لان هذا تمليك للحال وهو غير محل له وفي جامع قاضيخان لو اعتق احد الشريكين في مرض موته وهو موسر ثم مات لا يؤخذ ضمان العتق من تركته في قول ابي حنيفة رحمه الله بل يسقط لان الضمان يجب بطريق التحمل صلة والصلات تسقط بالموت وعندهما يؤخذ به لانه ضمان اتلاف وانما عرف استسعاء العبد عند عسرته بالنص بخلاف القياس
قوله وقالا ليس له أي الساكت الا الضمان مع اليسار والسعاية مع الاعسار ولا يرجع المعتق على العبد اذا ضمن والولاء للمعتق قال المصنف وهذه المسئلة تبتنى على حرفين احدهما تجزى الاعتاق عنده وعدمه عندهما فيسعى وهو حر مديون وتقدم بيانه والثاني ان يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وعندهما يمنع
____________________
(4/464)
لهما فيه ان جميع النصوص التي ظاهرها تجزى الاعتاق كقوله فقد عتعق منه ما عتق وحديث فعليه خلاصة في ماله وقوله عليه الصلاة والسلام من اعتق عبدا بينه وبين اخر قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط ثم عتق عليه في ماله ان كان موسرا في الصحيحين وكذا ما انفرد به البخاري عن مسلم من اعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق والتي ظاهرها عدم تجزية كحديث ابي المليح عن ابيه ان رجلا اعتق شقصا له من غلام فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك واجاز عتقه رواه احمد وابو داود وزاد رزين في ماله وفي لفظ هو حر كله ليس لله شريك وحديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم من المتق نصيبا له في مملوك او شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق كلها تفيد ان الحكم الثابت عند يساره التضمين ليس غير ولذا اختار الطحاوي قولهما ووجهه انه قسم فجعل الحكم عند يساره تضمينه وعند اعساره الاستسعاء والقسمة تنافي الشركة واستدل لابي حنيفة رحمه الله بقوله انه أي الساكت احتبست على البناء للفاعل مالية نصيبه عند العبد فله ان يضمنه وان وقع احتباسها عنده بغير اختياره كما اذا هبت الريح فألقت ثوب انسان في صبغ غيره فانصبغ به فإن لصاحب الصبغ ان يضمن مالك الثوب قيمة صبغة موسرا كان او معسرا لما قلنا الا ان العبد فقير فيستسعيه ويأخذ فضل كسبه كالمعسر المديون وهذا يفيد ان تضمين المعتق على خلاف القياس لانه اذا كان القياس تضمين
____________________
(4/465)
العبد كان تضمين غيره غيره وهذا لانه وان حصل افساد نصيبه بعتقه الاختياري لكنه تصرف في ملك نفسه فصار كما اذا هدم داره فانهدمت لذلك دار جاره واورد عليه انه معارضة للنصوص بالتعليق فإنها اوجبت السعاية اذا كان المعتق معسرا لا اذا كان موسرا واجيب بأن الشرط يويجب الوجود عند الوجود ولا يوجب العدم عند العدم فلا يلزم نفي الاستسعاء عند نفي الاعسار فجاز ان يثبت عند عدمه ايضا بالدليل وهو ما ذكرنا من الاحتباس كذا اورده شارح واجاب والتحقيق في ايراده ان النصوص قسمت فأعطت حكم وجود الشرط وحكم عدمه فقال عند اليسار التضمين وعند عدمه وهو الاعسار الاستسعاء والقسمة تفيد اختصاص كل قسم بحكمه فلا يوجد الاستسعاء عند اليسار كما لا يوجد التضمين عند الاعسار وحينئذ يندفع ذلك الجواب وقد اجيب ايضا بنحوه وهو ان القسمة ذكرت بلفظ الشرط وهو انما يقتضي الوجود عند الوجود وحقيقة هذا الجواب منع ان القسمة تنافي الشركة مطلقا بل ذاك اذا لم تكن بشرطين بل بشرط واحد مثل قوله عليه الصلاة والسلام واذا قال سمع الله لمن حمده فقولا ربنا لك الحمد وليس بشيء اذ لا اثر لتعدد الشرط ووحدته في اختلاف حكم القسمة وفي الكافي جعل فائدة القسمة نفي الضمان لو كان فقيرا ولا يخفى ان هذه القسمة كما تفيد نفي الضمان لو كان فقيرا تفيد نفي الاستسعاء لو كان موسرا بعين الجهة التي تفيد بها تلك الافادة فإن قيل فمن أي وجه افادت القسمة نفي الشركة فالجواب انه لما اعطى فيها حكم الشرط وحكم نقيضه كان ظاهرا في ان المذكور مع كل من النقيضين تمام حكمه فلا يكون له حكم آخر غيره وغاية ما يمكن ان يقال ان اقتصار الشارع على التضمين عند اليسار لانه المحتاج الى بيانه اذا كان على خلاف الدليل الظاهري وذلك ان الدليل وهو الاحتباس يقتضي قصر الاستسعاء على عتق الشريك سواء كان موسرا او معسرا فلا يجوز تضمين المعتق فبين الشارع موضع مخالفته وهو التضمين في صرة اليسار وترك الآخر وهو جواز استسعاء العبد فيها لان الدليل منصوب عليه وهذا لان الدليل افاد جواز الاستسعاء مقصورا فنفى القصر وبقي جوازه ولا يخفي أن في هذا تقليل معارضة الدليلين لأنه في قصر الجواز على الاستسعاء أقل منه في نفي أصل جوازه وهذا الاعتبار واجب ما امكن وتحقيقه ان النص ورد مخصصا للقياس اذ بين بشرعية التضمين مع اليسار ان تعين الاستسعاء انما هو في غير ما اذا كان المقصود التقرب الى الله تعالى بنفس التصرف في المحل اما اذا كان وله قدرة على اتمامها وجب كالشروع في صوم التطوع خصوصا وعدم اتمامها يوجب اتعابا للاخر وهو العبد بخلاف ما اذا لم يكن قادرا فانه لا يلزمه ويكتب له ثواب ما قدر عليه من القربة واما على قولهما فالنص على وفق القياس على ما ذكرنا من أن الاستسعاء عندهما على خلاف القياس في صورة الإعسار بناء على أنه ضمان إتلاف وهو بعيد عن التوجيه اذ لا شك في ان عتق ما يملكه مشروع وعبادة والاتلاف وقع باتفاق الحال وهو لا يوجب ضمانا لانه ليس جناية على الغير وان فسدت مالية باقي العبد كمن هدم جداره فانهدم جدار غيره فالحق ان القياس ليس الا الاستسعاء والنص خصصه وفي المسئلة قول الثورى والليث ان الساكت بالخيار ان شاء اعتق وان شاء ضمن ولا سعاية
____________________
(4/466)
اصلا وسبب هذا القول اعلالهم لفظ السعاية في حديث ابي هريرة قال النسائي اثبت اصحاب قتادة شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن ابي عروبة وقد اتفق شعبة وهشام على خلاف سعيد بن ابي عروبة يعني في ذكر السعاية قال وبلغني ان هماما روى هذا الحديث عن قتادة فجعل الكلام الاخير وان لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه من قول قتادة وقال عبد الرحمن بن مهدي احاديث همام عن قتادة اصح من حديث غيره لانه كتبها املاء وقال الدارقطني سمعت ابا بكر النيسابوري يقول ما احسن ما رواه همام وضبطه فصل قول النبي صلى الله عليه وسلم من قول قتادة ورواه ابن ابي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة فجعلا الاستسعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم واحسبهما وهما فيه لمخالفة شعبة وهشام قال الخطابي اضطرب سعيد بن ابي عروبة في السعاية فمرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على ان ذلك ليس من متن الحديث ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر في الستة عنه عليه الصلاة والسلام من اعق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد والا فقد عتق منه ما عتق قال صاحب تنقيح التحقيق فيما قالوه نظر فإن سعيد بن ابي عروبة من الاثبات في قتادة وليس هو بدون همام عنه وقد تابعه جماعة على ذكر الاستسعاء فيه ورفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم وهم جرير بن حازم وابان بن يزيد العطار وحجاج بن ارطاة ويحيى بن صبيح الخراساني وقال الشيخ تقي الدين وقد اخرجه الشيخان في صحيحهما وحسبك بذلك يعنى برفعهما الاستسعاء وفي المسئلة مذاهب اخرى ضعيفة مثل انه لا يعتق شيء اصلا ولو بإذن الشريك وانه لا يعتق الباقي ويستمر على مملوكيته وان له التضمين وان كان معسرا وهو منقول عن زفر وبشر المريسي وانه يعتق الباقي من بيت المال وهو قول ابن سيرين
قوله ثم المعتبر يسار التيسير وهو ان يملك من المال قدر قيمة نصيب الساكت وهو ظاهر الرواية وهو قول الشافعي ومالك واحمد وفي رواية الحسن استثنى الكفاف وهو المنزل والخام وثياب البدن لا يسار الغنى أي الغنى المحرم للصدقة كما اختاره بعض المشايخ لان بيسار التيسير بعتدل النظر من الجانبين جانب المعتق وجانب الساكت لان مقصود المعتق القربة وتتميمها بضمانه
____________________
(4/467)
ومقصود الساكت بدل حصته وتحقيقه بالضمان لانه اسرع من الاستسعاء فكان اعتبار نصاب التيسير اسرع في تحقيق مقصودهما فوجب وهذا في الحقيقة تعليل للنص والا فصريح النص اوجب الضمان عند مجرد تملك قيمته الحصة لانه المراد بقوله عليه الصلاة والسلام وكان له مال يبلغ ثمن العبد باتفاق المتكلمين عليه
قوله ثم التخريج على قولهما أي تخريج تفصيل المسئلة على قولهما قعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد لعدم السعاية على العبد في حالة اليسار فلم يكن الضمان منقولا اليه عما وجب على العبد بل هو شيء واجب عليه ابتداء فلا وجه لرجوعه على غيره واما جعلهما الولاء كله للمعتق للحصة فلان العتق كله من جهته لعدم التجزى فكان اعتاق بعضه اعتاق كله ويسعى في حالة اعساره حرا مديونا واما التخريج على قول ابي حنيفة فاثباته خيار الاعتاق للساكت لقيام ملكه في الباقي اذ الاعتاق منجز عنده فلا يعتق الباقي بعتق المعتق نصيبه والتضمين بالحر أي وخيار التضمين للمعتق لان المعتق جان عليه بافساد نصيبه حيث امتنع عليه بالبيع والهبة ونحو ذلك من الوصية والصدقة والاجارة والاعارة والامهار والاستخدام ونحو ذلك مما سوى الاعتاق وتوابعه من التدبير والاستيلاء والكتابة وقوله والاستسعاء بالجر عطفا على التضمين أي واثبات خيار الاستسعاء لما بينا من انه احتبس مالية نصيبه عنده وانما يرجع المعتق بما ضمن على العبد لانه قالم مقام الساكت لانه ملكه بأداء الضمان من وقت الاعتاق فصار كالساكت وللساكت ولاية الاستسعاء فكذا لمن قام مقامه وصار كالغاصب اذا قتل المغصوب في يده وضمن للمالك فإنه يرجع على القاتل لانه ملكه بالضمان وللمالك التضمين فكذا
____________________
(4/468)
للغاصب ولانه بذلك يصير كعبد خاص به اعتق بعضه فله عتق الباقي او استسعاؤه
وقوله ضمنا جواب عن سؤال هو ان معتق البعض كالمكاتب وهو لا يقبل النقل من ملك الى ملك فأجاب بأن ذلك في الملك قصدا حتى لو باع الساكت نصيبه من المعتق لا يجوز عند ابي حنيفة لانه تمليك قصدا ولا يلزم من عدم الثبوت قصدا عدمه ضمنا والولاء للمعتق في هذا الوجه لان العتق كله من جهته لانه ملكه بالضمان غايته ان بعضه ببدل وهو لا يمنع الولاء و اما في حال اعسار المعتق ان شاء اعتق لبقاء ملكه وان شاء استسعى لما بينا من احتباس ملكه والولاء له أي للساكت أي مشتركا بينه وبين المعتق في الوجهين أي في الاعتاق والاستسعاء ولا يرجع المستسعى على المفعول أي العبد على المعتق بشيء بإجماع بيننا خلافا لابن ابي ليلى فإنه يرجع عنده على المعتق اذا ايسر وانما لا يرجع بالاتفاق اما على قوله فانه يسعى لفكاك رقبته واما على قولهما فلانه ان لم يكن ساعيا لفكاك رقبته فليس هو بسعايته يقضي دينا على المعتق اذ لا شيء على المعتق اذا كان معسرا بخلاف العبد المرهون اذا اعتقه الراهن المعسر لانه يسعى في رقبة قد فكت او يقضي دينا على الراهن فلذا يرجع على المعتق اذا ايسر ونظير الاول ما اذا اعتق امته على ان تتزوجه فأبت تسعى في قيمتها وهي حرة وكذا لو اعتقها على خمر مثلا تسعى في قيمتها وهى حرة وكذا لو باع نفس العبد منه بجاريه فاستحقت عتق ويسعى في قيمته وهو حر عند ابي حنيفة وابو يوسف وعند محمد وزفر تجب عليه قيمة الجارية بخلاف المريض اذا اعتق عبده فانه يسعى وهو رقيق لان تصرف المريض فيما لا يحتمل النقض موقوف عنده وقول الشافعي في الموسر كقولهما وقال في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب وهذا قول للشافعي وجهه عنده انه لا وجه لتضمين
____________________
(4/469)
الشريك لاعساره ولا لاستسعاء العبد لانه ليس بجان ولا راض به ولا لاعتاق الكل لانه اضرار بالساكت فتعين ما عيناه قلنا نختار ان يستسعى قوله غير جان الخ قلنا لا يفتقر الى الجناية بل مدار لزومه احتباس المالية عنده كما ذكرنا في صبغ الثوب المطار وقد يتمسك له بما روى من الزيادة في قوله فقد عتق منه ما عتق ورق ويدفع بأنها كما قال اهل الشأن ضعيفة مكذوبة ولو ثبت لزم كون المراد بالرق فيها الملك مجاز لامتناع اتصاف الجزء الشائع بالقوة الموجبة للمالكية والضعف السالب لها في شخص واحد والحق انه لا يحتاج اليها بل بقوله عتق منه ما عتق كفاية فإنه اذا لم يعتق الا ذلك القدر ان لم يلزم بقاء الباقي رقيقا يلزم بقاؤه مملوكا والملك هو المطلق للتصرف والجواب ان ما في حديث ابي هريرة المتقدم من قوله فعليه خلاصه في ماله ان كان له مال والا استسعى غير مشقوق عليه يوجب استسعاءه عند اعساره ولا اعتراض على الشارع مع أن وجهه ما قدمنا واعلم أنه نقل عن بعض العلماء النافين صحة رواية الاستسعاء ان المراد بها على تقدير صحتها انه يستسعى ان اختار ذلك وان هذا هو معنى قوله غير مشقوق عليه والاوجه الاستدلال بما قدمنا من قوله ليس لله شريك فإنه يفيد تتجيز العتق كله كما قالا او عدم تقرره وهو الاولى واذا لم يقرر ولا ضمان على المعسر لزم الاستسعاء وإلا بطل حقه مجانا جبرا بفعل غيره ولا نظير له في الشرع والاستسعاء بلا جناية في الشرع ثابت كما في العبد المرهون اذا اعتقه سيده المعسر ولان الشرع اضطره الى فكاك رقبته حيث حكم وله ولاية الايجاد والاعدام بنفاذ عتق ذلك القدر وان لا يقر الباقي في الملك ولا يذهب مال الساكت بفعل غير مختار فيه وللشافعي قول آخر هو كقولهما في اليسار والاعسار واختاره المزني من اصحابه
قوله ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منمها في نصيبه موسرين كانا او معسرين عند ابي حنيفة وعتق وكذا اذا كان احدهما موسرا والآخر معسرا لان كل واحد منهما يزعم ان صاحبه اعتق نصيبه فصار العبد بذلك مكاتبا له أي في حكم المكاتب ويزعم انه حرم عليه استرقاقه فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه
____________________
(4/470)
ويستسعيه ان شاء او يعتقه لانا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا كان في دعواه عتق الشريك او صادقا لانه مكاتبه ان كان صادقا او مملوكه ان كان كاذبا فلهذا يستسعيانه اما في الصدق فظاهر واما في الكذب فلتمكن الانسان من امر عبده ان يسعى ويأتيه بأكسابه ولا يختلف ذلك باليسار والاعسار لان حقه أي حق كل منهما في الحالين حال يسار الآخر واعسارة في احد شيئين السعاية او التضمين الا ان في اليسار حقه في احدهما من التضمين والسعاية غير عين وفي الاعسار حقه في احدهما عينا وهو السعاية وهذا لان يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده أي عند ابي حنيفة وقد تعذر التضمين لانكار الشريك الاعتاق وشهادة الاخر ليست
____________________
(4/471)
نافذة عليه لانه فرد ويشهد لنفسه ولهذا لو كان الشركاء ثلاثة فشهد كل اثنين منهم على الاخر انه اعتق لم تقبل للمعنى الثاني فإنهما يثبتان لانفسهما حق التضمين او يشهدان لعبدهما وانما اثبتنا ما اثبتنا في المسئلة المذكرة باعتراف كل منهما على نفسه بحرمة استرقاقه ضمنا للشهادة فتعين السعاية وهو عبد عند ابي حنيفة حتى يؤدي لان المستسعى كالمكاتب واورد ان التضمين غير متعذر لانه لما انكر يحلف فإن نكل جاز التضمين واجيب بانه لما كان اعتقاد كل ان صاحبه هو الذي يحلف اعتقه ولا يجب الضمان فلا فائدة في التحليف لان المآل الى السعاية وهذا صريح في ان لا تحليف في المسئلة وحينئذ لا معنى لقوله في الكتاب كاذبا كان او صادقا بل يجب ان يحكم بصدق كل منهما وقال شارح هذا كله أي تعين استسعائهما العبد الخ بعد ان يحلف كل منهما على دعوى صاحبه لان كلا يدعى على الاخر الضمان والضمان مما يصح له فيستحلف عليه وهو اوجه فيجب في الجواب المذكور وهو لزوم استسعاء كل منهما للعبد انه فيما اذا لم يترافعا الى قاض بل خاطب كل منهما الآخر بأنك اعتقت نصيبك وهو ينكر فإن هذه ليس حكمها الا الاستسعاء اما لو اراد احدهما التضمين او اراداه ونصيبهما متفاوت فترافعا او رفعهما ذو حسبة فيما لو استرقاه بعد قولهما فإن القاضي لو سألهما فأجابا بالانكار فحلفا لا يسترق لان كلا يقول ان صاحبه حلف كاذبا واعتقاده ان العبد يحرم استرقاقه ولكل منهما استسعاؤه ولو اعترفا انهما عتقا معا او على التعاقب وجب ان لا يضمن كل الآخر ان كانا موسرين ولا يستسعى العبد لانه عتق كله من جهتهما ولو اعترف احدهما وانكر الآخر فإن المنكر يجب ان يحلف لان فيه فائدة فإنه ان نكل صار معتفرا او باذلا فصارا معترفين فلا تجب على العبد سعاية كما قلنا
قوله وقال ابو يوسف ومحمد ان كانا موسرين فلا سعاية عليه لواحد منهما لان كل واحد منهما يتبرأ عن سعايته وانما يدعى الضمان على صاحبه لان يسار المعتق يمنع السعاية عندهما الا ان الدعوى لم تثبت عليه لانكاره والبراءة من السعاية قد ثبتت لاقراره على نفيه بثبوت سببها حيث اقر بعتق الشريك مع يساره وان كانا معسرين سعى لهما لان كل واحد منهما يدعى السعاية عليه صادقا كان او كاذبا لفرض ان المعتق معسر وقوله على ما بيناه أي من ان العبد مملوكه او مكاتبه الا ان عندهما لا يكون مكاتبا بل حر مديون وان كان احدهما موسرا والآخر معسرا سعى للموسر منهما لانه لا يدعى الضمان على صاحبه لاعساره وانما يدعى السعاية عليه فلا يتبرأ عنه ولا يسعى للمعسر لانه يدعى الضمان على صاحبه ليساره فيكون مبرئا للعبد من السعاية والولاء موقوف في جميع ذلك لان كل واحد منهما يحيله
____________________
(4/472)
أي يثبته لصاحبه حيث ادعى انه هو الذي اعتق والعتق لا يتجزأ أي لا يثبت به الا ما لا يتجزأ اصلا من زوال الرق وهو أي صاحبه يتبرأ عنه فيبقى موقوقا الى ان يتفقا على اعتاق احدهما فلو لم يتفقا حتى مات وجب ان يأخذه بيت المال
قوله ولو قال احد الشريكين في عبد ان لم يدخل فلان يعني العبد الدار غدا فهو حر وقال الآخر ان دخلها غدا فهو حر فمضى الغد ولا يدري ادخل ام لا عتق النصف وسعى لهما في النصف الآخر بينهما وهذا عند ابي حنيفة وابي يوسف على تفصيل يقتضيه مذهب ابي يوسف وهو انه انما يسعى في النصف لهما اذا كانا معسرين فلو كان احدهما موسرا يسعى في الربع للموسر ولو كانا موسرين لا يسعى لاحد واليه اشار المصنف بعد هذا بقوله ويتأتى التفريع فيه على ان اليسار يمنع السعاية او لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق فانما جمع بينه وبين قول ابي حنيفة في انه لا يجب الا النصف وقال محمد يسعى في جميع قيمته لهما ان كانا معسرين وبنصفه للموسر ان كان احدهما معسرا ولا يسعى في شيء ان كانا موسرين وهذه على وزان المسألة السابقة اعنى اقرار كل منهما انه هو الذي اعتق وهناك اذا كان احدهما معسرا والآخر موسرا لا يسعى الا للموسر فكذا هذا وهذا لان الذي يأخذ السعاية وعلى انزال ابدا يكون المعسر هو الساكت والاخر معتق فإذا كان احدهما موسرا فإنه يتبرأ من تضمين المعسر فيأخذ السعاية وعلى انزال المعسر هو الساكت فزعمه ان لا سعاية له على العبد وانما حقه في تضمين المعتق الموسر وتضمينه متعذر للشك في ان العتق من جهته بمباشرة شرطه او من جهة الاخر فتعذر عليه الوصول الى شيء مطلقا كما لو كانا موسرين فإن كلا يزعم ان حقه تضمين الآخر ليس غير وهو عاجز عنه فلا تضمين ولا سعاية
قوله لان المقضى عليه بسقوطه السعاية مجهول وهو الذي تحقق شرطه الذي علق عليه عتق العبد ولا يمكن القضاء على المجهول ولا التوزيع لانه يؤدي الى اسقاط بعض حق من له الحق وهو الذي لم يقع شرطه ولم يعتق العبد من جهته واعطائه لغير مستحقه وهو الذي وقع شرطه وعتق من جهته بخلاف العتق المبهم
____________________
(4/473)
لانه غير واقع في المعين فلم ينافه التوزيع فصار كما اذا قال لغيره لك على احدنا الف فإنه لا يقضي بشيء للجهالة فكذا لا يقضى بسقوط شيء لذلك واذا لم يحكم بسقوط شيء وجب الكل
قوله ولهما انا تيقنا بسقوط نصف السعاية لان احدهما حانث بيقين ومع التيقن بالسقوط كيف يقضي به والجهالة المانعة من القضاء بالسقوط ترتفع بالشيوع أي شيوع النصف الذي عتق في نصيب الشريكين وتوزيعه عليهما فصار المقضى عليه بالسقوط الموليين فلا جهالة في المقضى عليه وانما تلزم لو قضى على احدهما غير عين وهو منتف للضرورة الموجبة للتوزيع وهو عدم اولوية احدهما بتمامه وكون التعيين في نفس الامر يمنع التوزيع منتف بما في كتاب التحري عشرة رجال لكل منهم جارية اعتق احدهم جاريته ثم صار لا يدري المعتق ولا المعتقة ثم اجتمعن في ملك واحد ثم مات فإنه يحكم بعتقهن وتسعى كل واحدة في تسعة اعشار قيمتها وصار كما اذا اعتق احد عبديه لا بعينه او بعينه ونسيه ومات قبل التذكر في الثاني او البيان في الاول فإن العتق يوزع عندنا لعدم الاولوية فيعتق من كل نصفه ويسعى في قيمة نصفه للورثة وقيد موته معتبر لانه اذا لم يمت انما يطالب بالبيان خلافا للشافعي في انه يقرع بينهما في قول وفي قول الوارث يقام مقامه فإنه اثبات الوراثة فيما لم يجعل الشرع فيه وراثة في الثاني واسقاط جميع حق المستحق في الاول واسقاط بعضه للضرورة اولا وقيل ان الجهالة في المقضي عليه لا تمنع القضاء اذا كان المقضي له معلوما بدليل ان من طلق احدى نسائه الاربع قبل الدخول ومات بلا بيان سقط نصف المهر للتيقن به وان كان المقضى عليها منهن مجهولة لكن لما كان المقضى له معلوما جاز القضاء كذا هنا المقضى له معلوم وهو العبد وهذا ولا يخفى ان من صورة المسئلة ان يتفقا على ثبوت الملك لكل الى آخر النهار
قوله ولو حلفا على عبدين الخ يريد ان يفرق بين السابقة وهي ما اذا حلف كل من رجلين على عبد واحد وهذه وهي ما اذا حلف كل على عبد له غير الاخر فقال احدهما ان دخل فلان غدا فعبدي حر وقال
____________________
(4/474)
الاخر أن لن لم يدخل فلان فعبدي حر فمضى الغد ولم يدر الدخول وعدمه لم يعتق واحد منهما ولا شيء منهما في قول الكل لان المقضى عليه بعتق عبده وهو احد الموليين مجهول والمقضى له وهو المعتق مجهول فتفاحشت الدهالى فامتنع القضاء ولو اشتراهما انسان صح وان كان عالما بحنث احد المالكين لان كلا منها يزعم انه يبيع عبده وزعم المشتري في العبد قبل ملكه له غير معتبر كما لو امر بحرية عبد ومولاه ينكر ثم اشتراه صح واذا صح شراؤه لهما واجتمعا في ملكه عتق عليه احدهما لان زعمه معتبر الان ويؤمر بالبيان لان المقضى عليه معلول ولو قال عبده حر ان لم يكن فلان دخل هذه الدار اليوم ثم قال امرأته طالق ان كان دخل اليوم عتق وطلقت لان باليمين الاول هو مقر بوجود شرط الثانية وبالثانية صار مقر بوجود شرط الاولى وقيل لم يعتق ولم تطلق لان احدهما معلق بعدم الدخول والاخر بوجوده وكل منهما يحتمل تحققه وعدم تحققه قلنا ذاك في مثل قوله ان لم يدخل فعبدي حر بخلاف ان لم يكن دخل فإنه يستعمله المماري في الدخول وعدمه في الماضي لتحقق الدخول فيه وحقيقة شرطه ظهور انه لم يدخل في الماضي وكذا ان كان دخل بخلاف ان دخل وعن ابي يوسف يعتق ولا تطلق لانه باليمين الثانية صار مقرا بنزول العتق ولم يوجد بعد الثانية ما يوجب اقراره بنزول الطلاق
قوله واذا اشترى الرجلان ابن احدهما بعقد واحد بأن خاطب البائع الاب والاخر معا بأن قال بعتكما هذا العبد بكذا فقبلا عتق نصيب الاب لانه ملك شقصا من ابنه فيعتق عليه ثم لا يضمن لشريكه شيئا ولو كان موسرا سواء علم الشريك انه ابن الاخر او لم يعلم ولكن يسعى العبد في نصف قيمته لشريك ابيه ان شاءو وان شاء اعتقه وهذا عند بي حنيفة واجمعوا انهما لو ورثاه لا يضمن الاب وكذا في كل قريب يعتق وهو قول الشافعي ومالك واحمد رحمهم الله لعدم الصنع منه ولفظ الحديث اعنى قوله عليه الصلاة والسلام من اعتق شركا له الخ يفيد كون العتق اختياريا وقال في الشراء يضمن الاب نصف قيمته ان كان موسرا وان كان معسرا سعى الابن فيه وعلى هذا الخلاف اذا ملكاه بهبة معا او صدقة او وصية وعلى هذا الخلاف ايضا اذا اشتراه رجلان احدهما حلف بعتقه ان اشترى نصفه اما لو حلف بعتقه ان اشتراه لا يعتق لانه لم يوجد الشرط وهو
____________________
(4/475)
شراء كله لهما انه أي الاب ابطل نصيب صاحبه بالاعتاق الاختياري لترتبه على الشراء وهو اختيار وشراء القريب اعتاق وصار كما اذا كان العبد بين اجنبيين فأعتق احدهما نصيبه لاتحاد الجامع وهو وقوع العتق من جهته مختارا فيه ولو ان شرط التضمين مع العتق الاختياري ان لا يكون برضا من له حق التضمين ولما باشر العقد معه مختارا وهو على الملك الذي وهو علة الملك الذي هو علة العتق والحكم يضاف الى علة العلة كما يضاف الى العلة كان راضيا بإفساد نصيب نفسه فلا يضمنه فصار كما اذا اذن له بإعتاقه صريحا وعلم مما ذكر ان المراد من العلة في قوله شاركه فيما هو علة العتق علة العلة والدليل على ان اعتاقه يثبت اختياريا بالشراء انه يخرج به عن عهدة الكفارة اذا نوى بالشراء عتقه عنها وهذابخلاف ما لو قال احد الشريكين للآخر ان ضربته فهو حر فضربه عتق نصيبه فإن له ان يضمنه ولم يعتبر رضاه بمباشرته شرط العتق رضا بالعتق لان وجود الشرط ليس عله الوقوع بل العلة هي قول الشريك هو حر الواقع جزاء للشرط بخلاف قبول الايجاب في البيع لانه مباشرة العلة لان العلة هو العقد وكل من باشره فهو مباشر علة العتق ولو قيل سلمنا انه ليس بعلة اليس انه يفيد رضاه بوقوع الجزاء والمدار هو وجود دلالة الرضا قلنا لا شك ان له تأديب عبده اذا اقتضاه حاله ومنعه منه ضرر لا يلزمه بإلزامه اياه فحلفه عليه ان لا يضريه ظلم منه فلا يصح ان يقال ان لم يلتزمه يبطل حقه في التضمين لكنه يقتضي انه لو قال ان ضربت هذا العبد اليوم ظلما فهو حر فضربه حتى عتق ليس له تصمينه واطلاق الجواب بخلافه واما ما اورد من منع ان مباشرته للعقد رضا لانه ضرر والعاقل لا يرضى به ولان وضعه لاثبات ملكه لا لزواله فمدفوع بالضرورة لان من علم ان عند فعل كذا يثبت كذا ثم فعله مختارا جزم العقل بأنه رضا منه بما يترتب عليه وتحقيق الملك قد يكون الغرض منه إثبات ما يترتب عليه وللعاقل في ذلك اغراض صحيحة دنيوية من استفادة المدح والولاء وقد تكون قيمته اكثر من الثمن واخروية من الاجر لايقال رضا الاب بالشراء رضا بالاعتاق والرضا بالاعتاق رضا بالضمان وابو حنيفة رحمه الله يثبته اذا كان المعتق موسرا واختار الساكت التضمين فكيف ينفيه لانا نقول كونه رضا بالضمان لا يوجب امكان تضمين الاخر له الا اذا لم
____________________
(4/476)
يكن رضا بإعتاقه كما ذكرنا واما ايراده على قولهما هكذا الاعتاق لا يتجزأ على قولهما قإعتاق البعض اعتاق الكل ولا يمكن اعتاق الكل الا بتملك نصيب الاخر ولا يملك الا بالضمان والجواب انه تملك ضمني فلا توجه له هنا
قوله وهذا ضمان افساد جواب عما يقال كونه رضى بإعتاق شريكه لا يوجب اسقاط الضمان كما لو استولد الامة بإذن الشريك يصح ويجب الضمان فقال ذلك في ضمان التملك وما نحن فيه ضمان افساد وبسطه ان الضمان في العتق ضمانات ضمان تملك ولا يسقطه الرضا بسببه وذلك ضمان الاستيلاد فلو استولد احد الشريكين الجارية بإذن شريكه لا يسقط ضمانها له ومن حكم ضمان التملك ايضا انه يثبت مع اليسار والاعسار وانما جعلنا ضمان الاستيلاد ضمان تملك لان وضع الاستيلاد لطلب الولد وهو يستدعي التملك فأثبتناه وضمان اتلاف وهو ضمان الاعتاق ويقال ضمان جناية وليس بصواب لانه لا جناية في عتق الانسان ما يملكه لله سبحانه وتعالى حتى يثاب عليه ثم يفسد به نصيب الشريك فصح ان يقال ضمان اتلاف وضمان افساد وان لم يكن عليه اثم في هذا الافساد نعم لو قصد بعتقه قصدا فاسدا اثم به اما وضع العتق فليس مقتضيا لزومه ثم كون ضمان الاعتاق ضمان اتلاف هو ظاهر الرواية عن علمائنا ويختلف باليسار والاعسار بالنص بخلاف القياس ولا يختلف الجواب بين علم الشريك بالابنية وعدمها وروى عن ابي يوسف انه ضمان تملك فلا يختلف باليسار والاعسار وروى الحسن عن ابي حنيفة انه فصل بين كون الشريك عالما بالابنية فلا يضمن الاب او غير عالم فنضمنه لان رضاه لا يتحقق اذا لم يكن عالما وفي ظاهر الرواية لا فرق بينهما لان المسقط لحقه في التضمين مباشرته لسبب اسقاطه فلا يختلف بعلمه وجهله كما اذا اطعم الغاصب المغصوب للمغصوب منه وهو لا يعلم انه ماله سقط تضمينه الغاصب والنظير المذكور في الكتاب ما اذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الامر به حاله فإنه ليس له ان يضمن الآكل اذا علم مستقيم ايضا وانما قلنا على خلاف القياس لان القياس ان لا يختلف ضمان الاتلاف باليسار والاعسار الا يرى ان من اتلف مال غيره لا يتقيد ضمانه بكونه موسرا فإن قلت قد اسلفت ان القياس ليس الا الاستسعاء لان العبد هو محتبس حق الساكت والمذكور هنا ان القياس هو
____________________
(4/477)
التضمين للاتلاف قلنا قد حكى خلاف في القياس ما هو على الوجهين المذكورين للوجهين المذكورين ولا شك ان كون القياس الاستسعاء هو اقرب القياسين لما ذكرنا من الاحتباس عند العبد وعدم جناية المعتق ولذا يثاب عليه وكل منهما غير صحيح في نفس الامر لفرض ورود النص على خلاف اطلاق مقتضاهما من الاستسعاء وانما التضمين دائما وكل قياس خالفه النص فهو باطل سواء ظهر للمجتهد القياس الصحيح الموافق للنص او خفي عليه والقياس الصحيح هنا هو على من شرع في صوم التطوع او صلاته قادرا على اتمامه حيث يجب عليه اتمامه فإن لم يقدر لم يجب ووجب له اجر قدر عمله وتقدم تقريره فارجع اليه
قوله وان بدأ الاجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى الاب النصف الاخر وهو موسر فالاجنبي بالخيار ان شاء ضمن الاب قيمة نصيبه لانه ما رضي بإفساد نصيبه لان دلالة ذلك ما كان الا قبوله البيع معه وهو منتف هنا فلذا وقع اتفاقهم هنا انه يضمنه وان شاء استسعى الابن في نصف قيمته لاحتباس ماليته عنده وهذا عند ابي حنيفة وحده بناء على ما تقدم من ان يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقالا لا خيار له أي للاجنبي بل يتعين التضمين على ما مر من ان يسار المعتق يمنع السعاية عندهما
قوله ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند ابي حنيفة للبائع وقالا ان كان موسرا يضمن ومعناه اذا اشترى نصفه ممن يملك كله والوجه قد ذكرناه وهو انه لما باعه منه فقد رضى بعتق نصيبه ولرضا بعتق نصيبه يمنع التضمين وهذا هو المراد بقوله قد ذكرناه والا فهو لم يذكر ان البيع ممن يعتق عليه رضا بعتق نصيبه بل ذكر المقدمة الثانية وهو ان الرضا يمنع
قوله واذا كان العبد بين ثلاثة نفر فدبره احدهم وهو موسر ثم اعتقه الاخر وهو موسر فأراد كل من الساكت وهو الذي لم يعتق ولم يدبر والمدبر الضمان وهما المراد بقوله فارادوا الضمان فللساكت ان يضمن المدبر ثلث قيمة العبد قنا وليس له ان يضمن المعتق شيئا واذا ضمن المدبر الثلث رجع به على العبد ان شاء وعلى وزان ما تقدم فيما اذا اعتق احد الشريكين وهو موسر حصته
____________________
(4/478)
فضمنه الساكت حيث كان له الرجوع به على العبد عند ابي حنيفة وللمدبر ان يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن اعني ثلثه قنا وهذا كله عند ابي حنيفة وقالا العبد كله للذي دبره اولا ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان او معسرا واصل هذا الخلاف ان التدبير يتجزأ عند ابي حنيفة خلافا لهما كالاعتاق لانه شعبة من شعب العتق اذ هو عتق مضاف فيكون معتبرا به ولما كان التدبير متجزئا عنده اقتصر على نصيبه وقد افسد بالتدبير تصيب الاخرين حيث امتنع على كل منهما البيع وما في معناه من الهبة والوصية والصدقة والامهار فثبت لكل منهما خمس خيارات ان يدبر نصيبه او يعتق او يكاتب او يضمن المدبر او يستسعى العبد او يتركه على حاله لان نصيبه باق على ملكه فاسدا بإفساد شريكه حيث سد عليه ما ذكرنا فاذا اختار احدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للساكت هو الثالث الذي لم يعتق ولم يدبر سببا ضمان احدهما تدبير المدبر الذي افسد عليه ما افسد والاخر عتق هذا المعتق فإنه تغير نصيب المدبر والساكت حيث كان لهما ولاية الاستخدام بعد التدبير وبطل ذلك بعتق المعتق حيث استحق به العبد خروجه الى الحرية بالسعاية او التضمين غير ان الساكت له تضمين المدبر ليس غير ليكون الضمان ضمان معاوضة اذ هو الاصل في الضمان لان به يعتدل جانبا الضامن والمضمون له فإنه لما ملك المضمون له بدل ملكه
____________________
(4/479)
وجب في تحقيق المعادلة ان يملك معطيه وهو الضامن ما دفع بدله فحيث امكن هذا لا يعدل عنه ولهذا ضمان الغصب ضمان معاوضة على اصلنا خلافا للشافعي حيث جعله ضمان اتلاف فإذا جعل الضمان فيما هو عدوان ضمان معاوضة ففي العتق وشعبه من التدبير ونحوه اولى وهذا يحقق ما ذكرت لك في قولهم ضمان جناية والدليل على اعتبارهم اياه ضمان جناية ما في قاضيخان لو غصب عبدا فأبق وقضى على الغاصب بقيمته ثم عاد فللغاصب ان يبيع العبد مرابحة على القيمة التي اداها والمرابحة مخصوصة بالمعاوضات المحضة وكذا لو غصب مدبرا فاكتسب عنده اكسابا ثم ابق ولم يرجع حتى مات كانت الاكساب للغاصب لصيرورته ملكا له عند اداء الضمان ومما يدل على ذلك صحة اقرار المأذون بالغصب في الحال مع ان اقراره بالاتلافات مؤخر الى ما بعد العتق واذا وجب ان لا يعدل عن ضمان المعاوضة ما امكن وجب هنا لانه ممكن لكونه أي نصيب الساكت قابلا للنقل من ملك الى ملك في المصمون ثم بعد ذلك لا يحتمل النقل فامتنع جعل العتق الكائن بعده سببا لضمان المعاوضة لانه أي العبد عند ذلك مدبرا وفي بعض النسخ حر او مكاتب على اختلاف الاصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال فقال الشيخ جلال الدين ولد المصنف هو غير مستقيم لأنه عند
____________________
(4/480)
الاعتاق ليس حرا ولا مكاتبا بل بعد العتق يصير كذلك والمستسعى عند ابي حنيفة وان كان بمنزلة المكاتب لكن لا تنفسخ هذه الكتابة بالعجز ولا بالتفاسخ واذا كان كذلك فإذا وجب الضمان على المعتق للساكت لزم ان لا يكون ضمان معاوضة اذ لا يمكن ملك هذا المضمون فكان ضمان افساد فلهذا يضمن الساكت المدبر ليس غير ثم للمدبر ان يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لانه انما افسد عليه نصيبه مدبرا فإن المدبر كان متمكنا ليس غير ثم للمدبر ان يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لانه انما افسد عليه نصيبه مدبرا فإن المدبر كان متمكنا قبل عتقه من استخدامه واجارته واعارته الى موته فامتنع بعتقه كل ذلك وهذا معنى الافساد عليه وانما افسده مدبرا والمدبر مال متقوم حتى لو كان مدبرا لشريكين فأعتقه احدهما وهو موسر ضمن نصيب الآخر مدبرا وان لم يتملكه بالضمان
قوله وقيمة المدبر ثلثا قيمته قلنا فلو كانت قيمته قلنا سبعة وعشرين دينارا ضمن له ستة دنانير لان ثلثيها وهي قيمة المدبر ثمانية عشر وثلثها وهو المضمون ستة
قوله على ما قالوا طريقته في مثله الاشعار بالخلاف فقيل قيمته قيمته قلنا وهو غير سديد لان القيم تتفاوت بتفاوت المنافع الممكنة وقيل نصف قيمته قلنا لانه ينتفع بالمملوك بعينه وبدله وفات الثاني دون الاول وقيل تقوم خدمته مدة عمره حزرا فيه فما بلغت فهي قيمته وقيل ثلث قيمته قلنا لان الانتفاع بالوطء والسعاية والبدل وانما زال الاخير فقط واليه مال الصدر الشهيد وعليه الفتوى الا ان الوجه يخص المدبرة دون المدبر وقيل يسأل اهل الخبرة ان العلماء لو جوزوا بيع هذا فائت المنفعة المذكورة كم يبلغ فما ذكر فهو قيمته وهذا حسن عندي واما قيمة ام الولد فثلث قيمة القن لان البيع والاستسعاء قد النفيا وبقي ملك الاستمتاع وقيل قيمة خدمتها مدة عمرها على الحزر كما تقدم والوجه ان يقال مدة عمر احدهما منها ومن مولاها وقيل يسأل اهل الخبرة ان العلماء لو جوزوا بيعها على ما ذكرنا
____________________
(4/481)
وقيمة المكاتب نصف قيمة نصف القن لانه جريدا وأن ابقيت الرقبة
قوله ولا يضمنه أي لا يضمن المدبر المعتق قيمه ما ملكه بالضمان من جهة الساكت وهو ثلثه قنا فيكون قد ضمنه ثلثي قيمته ثلثها قنا وثلثها مدبرا لان ملكه فيه أي في ثلثه قنا يثبت مستندا الى وقت التدبير وهو ثابت من وجه وهو بالنظر الى حال اداء الضمان دون وجه وهو بالنظر الى الحقيقة حال التدبير فلا يظهر في حق التضمين بل الملك الممكن من الضمان هو الثابت حال العتق واستشكل بما اذا اعتق احد الشريكين وهو موسر فضمنه الساكت فإنه يرجع به على العبد مع ثبوت الملك له مستندا اجيب بأنه لما انتقل نصيب الساكت اليه مقام مقام الساكت وكان للساكت الاستسعاء فكذا للمعتق اما هنا فليس للساكت تضمين المعتق فكذا ليس للقائم مقامه وهو المدبر ولذا كان للمدبر استسعاء العبد كما كان للساكت القائم هو مقامه ولا يخفى ان هذا لا يدفع الوارد على قوله ان الملك المستند لا ينتهض سببا للتضمين اذ قد ثبت التضمين به للعبد غير ان المدبر وجد فيه مانع منه وهو قيامه مقام الساكت الذي لا ضمان له على المعتق فكان الاوجه ان يقال من الابتداء لا يضمنه ما ضمن للساكت لانه بالضمان له قائم مقامه وليس له ان يضمن المعتق ذلك الثلث فكذا ليس للقائم مقامه بخلاف ثلث نفسه اعنى ثلث المدبر فإنه لم يقم فيه مقام احد ويمكن ان يدفع ورود اصل السؤال بأن الكلام في ان الملك المستند لا ينتهض سببا لضمان مفسده كالمعتق المفسد بإعتاقه ملك المدبر في نصيب الساكت والرجوع على العبد ليس تضمينا لمفسد الملك المستند لان العبد ليس مفسدا شيئا بل تضمينه لقيامه بالضمان للساكت مقام الساكت وللساكت ان يضمنه فكذا من صار الملك له وقام مقامه
____________________
(4/482)
واعلم انه لو لم يعتق المعتق الا بعد اداء المدبر الضمان للساكت كان للمدبر تضمينه ما ضمنه من ثلث قيمته عبدا مع ثلثه مدبرا لان الاعتاق وجد بعد تملك المدبر نصيب الساكت فله تضمين كل ثلث بصفته كذا عللوا والوجه على هذا ان يقال في اصل التعليل ليس له ان يضمن المعتق ما ضمنه لانه لم يكن له في ملك حال عتق المعتق وان لم يدفع الوارد ايضا لانه ظهر ملكه حال العتق بأداء الضمان مستندا ويحتاج الى تتميمه بقولنا فيكون ثابتا حال الاعتاق من وجه دون وجه ويعود السؤال بعتق احد الشريكين ويدفع بما ذكرنا من عدم وروده هذا واورد الطلبة على هذا انه ينبغي ان يضمنه قيمة ثلثيه مدبرا لانه حين ملك ثلث الساكت بالضمان صار مدبرا لاقنا ولذا قلنا في وجه كون ثلثي الولاء له لانه صار كأنه دبر ثلثيه ابتداء والجواب لا يتم الا بمنع كون الثلث الذي ملكه بالضمان للساكت صار مدبرا بل هو قن على ملكه اذ لا موجب لصيرورته مدبرا لان ظهور الملك الان لا يوجبه والتدبير يتجزأ وذكرهم اياه في وجهه كون ثلثي الولاء له غير محتاج اليه اذ يكفي فيه انه باق على مكله حين اعتق الاخر وادى الضمان وانما لم يكن ولاؤه له لما ذكرنا من انه ضمان جناية لاتملك
قوله والولاء بين المعتق والمدبر اثلاثا ثلثاه للمدبر والثلث للمتق لان العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار فإن احد ثلثيه كان نصيبه بالاصالة والاخر تملكه باداء الضمان للساكت فصار كانه دبر ثلثيه من الابتداء بخلاف المعتق فانه وان كان له ثلث اعتقه وثلث ادى ضمانه للمدبر ليس له الا ثلث الولاء لان ضمانه ليس ضمان تملك ومعاوضة بل ضمان افساد لما ذكرنا من ان المدبر غير قابل للنقل وحين اعتقه كان مدبرا ولو كان الساكن اختار سعاية العبد فالولاء بينهم جميعا اثلاثا لكل ثلثه وفي النهاية وغيرها في قوله والولاء بين المعتق والمدبر أي بين عصبة المدبر والمعتق لانه انما يعتق بعد الموت ونسبه لقاضيخان وهو غلط لان العتق المتجزيء يوجب اخراجه الى الحرية بتنجيز احد الامور من التضمين مع اليسار والسعاية والعتق حتى منع استخدام المدبر اياه من حين وجوده كما لو اعتق احد الامور الشريكين ابتداء ودبره الاخر الساكت فانه لا تتأخر حرية باقية الى موته كما قدمناه اول الباب بخلاف ما لو لم يكن عتق منجز بل تدبير من احدهما ثم كتابة الاخر او قلبه او كان مكاتبا لشريكين فدبره احدهما تقيد في نصيبه وبقي نصيب الاخر مكاتبا من غير ضمان ولا سعاية عند ابي حنيفة لان نصيب الاخر على حاله عنده واما ما في الزيادات مكاتب بين اثنين اعتقه احدهما عتق نصيبه ونصيب شريكه على حاله كما كان فلا ضمان عليه ولا سعاية الا بعد عجزه عند ابي حنيفة لان الكتابة تتجزأ عنده وعندهما عتق كله والولاء له لان حاصل عقد الكتابة استسعاء خاص فيبقى الى ان يعجز عنه فيتخير حينئذ بين تضمين المعتق اذا كان موسرا
____________________
(4/483)
واستسعاء العبد مختارا او جبرا باجارته فهو يحقق ما قلنا من انه لا يبقى فيه الرق الى ان يؤدي السعاية والله اعلم
قوله واذا لم يكن التدبير متجزئا عندهما الخ يعنى ان ما ذكرناه الى هنا قول ابي حنيفة فاما على قولهما فلما لم يتجزأ التدبير عندهما يصير كله مدبرا لشريكه المدبر وقد افسد نصيب شركيه لما بينا فيضمن ثلثي قيمته لشريكيه ولا يختلف باليسار والاعسار لانه ضمان تملك لانه امكن على ما ذكرنا فاشبه الاستيلاد أي ما اذا استولد احد الشريكين الجارية المشتركة حيث يضمن نصيب شريكه موسرا كان او معسرا بخلاف ضمان الاعتاق لانه ضمان افساد لا ضمان تملك وقد اختلف باليسار والاعسار بالنص على خلاف القياس وضمان التملك ليس في معناه من كل وجه ليكون نص الاختلاف بالاعسار واليسار واردا فيه والولاء كله على قولهما للمدبر وهو ظاهر لان العتق كله من جهته واعلم انه يجب على قولهما ان ضمان الافساد في الاعتاق لا ينافي ضمان التملك لانهما حيث قالا ان العتق يثبت من جهة المعتق في كل الدعب حتى كان الولاء كله له يلزمه القول بانتقال ملك نصيب الساكت اليه والا فكيف ينزل عتقه في جز لا يملكه وحينئذ يجب ان يقال ضمان الاعتاق وان كان ضمان تملك فقد اختلف باليسار والاعسار بالنص على خلاف القياس فيبقى ضمان التدبير على اصل القياس
قوله واذا كانت جارية بين رجلين فزعم احدهما انها ام ولد لصاحبه وانكر الاخر فعند ابي حنيفة وابي يوسف هي موقوفة يوما أي لا تخدم فيه احد ويوما تخدم المنكر ولو مات المنكر قبل تصديقه عتقت بشهادة الاخر ولا سعاية عليها له وتسعى لورثة المنكر في نصف قيمتها في قول ابي حنيفة كذا ذكره الفقيه ابو الليث ووجه
____________________
(4/484)
هذا التفريغ انه عند موت الشريك كانه قال عتقت الجارية من جهة شريكي ولو قال احد الكشريكين في حياة صاحبه اعتق شريكي نصيبه فانه ان لم يتمكن من تضمينه ان كان موسرا وهو منكر لكنه يفسد الرق فيه لانه لما كان متمكنا من افساده باعتاقه اعتبر اقراره بفساده ثم يسعى العبد في تمام قيمته بينهما في قول ابي حنيفة موسرين كانا او معسرين او احدهما موسرا والاخر معسرا وعندهما كذلك ان كان المقر عليه معسرا فان كان موسرا سعى له ولم يسع للمقر لانه معترف بان لاحق له في السعاية بل في تضمين الشريك وهو عاجز عنه لانكاره ولا بينة له وقال محمد ان شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم تكون حرة لا سبيل عليها وضمه في الكتاب قول ابي يوسف مع محمد بقوله وقالا باعتبار قول مرجوع لابي يوسف ولا ينبغي مثله ان يفعل الا ان يقرن بالبيان فيقال في قوله الاول مثلا والا اوهم ان ينسب اليه الان ما ليس هو قائلا به واختلف المشايخ في ان خدمة المنكر هل هي واجبة عليها على قول محمد وابي يوسف الاول والصواب ان لا خدمة له عليها بل بمجرد اقرار المقر صار حق المنكر في سعايتها وتخرج بها الى الحرية وفي المختلف في باب محمد ان نفقتها في كسبها فان لم يكن لها كسب فنفقتها على المنكر ولم يذكر خلافا في النفقة وقال غيره نصف كسبها للمنكر ونصفه موقوف ونفقتها من كسبها فان لم يكن لها كسب فنصف نفقتها على المنكر لان نصف الجارية للمنكر وهذا اللائق بقول ابي حنيفة وينبغي على قول محمد ان لا نفقة لها عليه اصلا لانه لا خدمة له عليها ولا احتباس واما جنايتها فتسعى فيها على قول محمد كالمكاتب وتاخذ الجناية عليها أي تاخذ جنايتها ممن جنى عليها لتستعين بها وعلى قول ابي حنيفة جنايتها موقوفة الى تصديق احدهما صاحبه
قوله لهما انه لما لم يصدقه صاحبه انقلب اقراره عليه فصار كانه هو استولدها كما لو اقر المشتري على البائع انه اعتق المبيع قبل البيع يجعل كانه هو الذي اعتق حتى لو اشتراه عتق عليه واذا صار له حكم المستولد امتنع الاستخدام على المنكر كما لو استولدها المقر حقيقة فانه لا يكون للاخر الاستخدام والمقر ايضا امتنع عليه الاستخدام لانه يدعى الملك على المنكر واذا امتنع الاستخدام على المنكر والحال ان نصيبه على ملكه في الحكم ثبت له حق استسعائها لاحتباس ماليتها ومنافعها عندها ولا وجه الى تضمين شريكه فاذا استسعاها فلا سبيل لاحد عليها فان المنكر اخذ حصته والمقر يبرئها
____________________
(4/485)
منه ويدعى ان حقه في تضمين المنكر لدعواه الاستيلاد فصارت كام ولد النصراني اذا اسلمت لما امتنع باسلامها مقاصد الملك عليه ولم يكن اخراجها عن ملكه مجانا للاضرار به وجب ان تعتق بالسعاية
قوله ولابي حنيفة وعلمت ان ابا يوسف معه ان استحقاق المنكر نصف خدمتها ثابت بيقين لان المقر اما صادق فيكون جميع خدمتها له لانها ام ولده وهو مستحق خدمتها او كاذب فله نصفها والاخر للمقر فاسحقاقه نصفها متيقن واما الشريك المقر فلا استخدام له عليها ولا استسعاء لانه يبرئها عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان على شريكه وهو لف ونشر مرتب وقولهما انقلب اقراره عليه قلنا ممنوع لان الاقرار بامومية الولد اقرار بالنسب وهو امر لازم لا يرتد بالرد فلا يمكن ان يجعل المقر كالمستولد بنفسه حكما نعم يوجب ذلك ان يؤاخذ باقراره فيمتنع استخدامه واستسعاؤه وقد قلنا بذلك ولا يسري قوله في حق شريكه فيبقى حقه على ما كان وعتق العبد عليه لو اشتراه من هذا لاقراره على نفسه لا من الانقلاب وحاصله منع الانقلاب والجواب عما استدل به عليه قوله وان كانت ام ولد بينهما بان ادعى كل منهما انها ام ولد له فاعتقها احدهما وهو موسر فلا ضمان عليه للاخر عند ابي حنيفة وقالا يضمن نصف قيمتها وان كان معسرا سعت للساكت فيه واصل الخلاف في تقوم ام الولد فعنده غير متقومه وعندهما متقومة وهو قول سائر الفقهاء غير ابي حنيفة وعلى هذا الاصل تبتنى عدة من المسائل
____________________
(4/486)
ذكرها المصنف في كفاية المنتهى احداها هذا والثانية ام الولد اذا ولدت ولدا وهي بين اثنين فادعاه احدهما ثبت نسبه منه وعتق ولا يضمن من قيمته شيئا لشريكه عنده وعندهما يضمن نصف قيمة الولد لشريكه ان كان موسرا وان كان معسرا استسعى الولد في النصف يعني اذا بلغ حدا يستسعى فيه مثله ومنها ام الولد المشتركة بين اثنين اذا مات احدهما لا تسعى للاخر عنده في نصف قيمتها وتسعى عندهما ومنها لو غصب ام الولد غاصب فماتت في يده لا يضمنها عنده ويضمن عندهما وذكر في الرقيات يضمنها عنده بالغصب كما يضمن به الصبي الحر حتى لو وضعها في مسبعة فافترسها سبع يضمن عنده كما يضمن الصبي الحر بذلك لانه ضمان جناية لا ضمان غصب كما لو قتلها حيث يضمن بالاتفاق ومنها لو باعها وسلمها فماتت في يد المشتري لا يضمن عنده ويضمن عندهما ومنها امة حبلى بيعت فولدت لاقل من ستة اشهر من وقت البيع ثم ماتت الام عند المشتري فادعى البائع الولد صح وعليه ان يرد جميع الثمن عنده وعندهما يحبس ما يخصها من الثمن
قوله وجه قولهما وهو قول الجمهور انها منتفع بها وطأ واجارة واستخداما وكذا يملك كسبها ولو قال كل مملوك لي حر عتقت وهذا هو دلالة التقوم والفائت ليس الا مكنة البيع وهو لا ينفي التقوم كما في المدبر والآبق وامتناع سعايتها لغرماء المولى او ورثته اذا لم يكن له مال سواها مثلا لانها مصروفة الى حاجتها لدفع حاجدته كي لا يضيع نسبه وماه وهذا مانع يخصها لا يوجد في المدبر فلذا افترقا في السعاية وعدمها وهذا أي الانتفاع المطلق شرعا على هذه الوجوه دلالة التقوم لان هذه الافعال لا تكون الا بملك اليمين فيها لعدم عقد النكاح والاجارة ولا زيادة بعد هذا الا بثبوت حق الحرية ولا تنافي بين حق الحرية والتقوم الا يرى ان ام ولد النصراني إذا أسلمت سعت له وهذا آية التقوم في أم الولد مطلقا لأنه لا قائل بالفصل بين أم ولد المسلم وأم ولد النصراني فإذا ثبت التقوم في احداهما ثبت في الاخرى وكذا ولد المغرور اذا كانت امه ام ولد فان المغرور يضمن قيمة ولده منها عندنا وحاصله دليلان الاول قياس على المدبر والثاني اجماع مركب وايضا ثبتت ماليتها فلا تخرج عنها الا بمقتضى وحق الحرية الطاريء بالاستيلاد ليس مقتضيا لذلك لثبوته مع انتفاء ذلك في المدبر فان فيه حق الحرية مع انتفاء عدم
____________________
(4/487)
المالية والتقويم لثبوتهما فيه
قوله غير ان قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعتين منفعة البيع والسعاية بعد الموت والباقي منفعة من ثلاث فحصتها ثلث القيمة بخلاف المدبر فان الفائت منفعة البيع فقط لانه يسعى بعد الموت اذا لم يخرج من الثلث بعد قضاء الدين ويستخدم فكانت قيمته ثلثي قيمته قنا وقوله عل ما قالوا يفيد الخلاف وقد بيناه في الكلام على قيمة المدبر في المسئلة عبد بين ثلاثة نفر دبره احدهم واعتقه الآخر وسكت الآخر
قوله ولابي حنيفة الحاصل ان ما ذكر من اللوازم انما هي لوازم الملك بعضها اعم منه يثبت مع غيره كالوطء والاستخدام والاجارة فان الوطء يثبت ولا ملك له في المنكوحة والاستخدام والاجارة تثبت بالاجارة واللازم الخاص هو ملك الكسب ولا كلام في ملك الرقبة انما الكلام في التقوم والمالية والتقوم يثبت بالاحراز على قصد التمول حتى لا يكون العبد قبل الاحراز مالا متقوما لا بالملك وان ثبت معه والادمي وان صار مالا متقوما بعد ان لم يكن في الاصل مالا لانه خلق لان يكون مالكا للمال ولكن ذلك اذا احرز للتمول وام الولد اذا احرزها واستولدها كان احرازه لها للنسب لا للتمول وان كان اول تملكها كان للتمول لكن عند ما استولدها تحول صفتها عن المالية الى ملك مجرد عنها فصارت محرزة لما ذكرناه وهذه المقدمة تقبل المنع اعنى انتفاء صفة المالية والتقوم بالاحراز للنسب بأن يقال لا نسلم الملازمة بين الإحراز للنسب وانتفاء التقوم وجوابه أنه وإن لم ينافه لكنه تابع فصار الإحراز في حق التقوم كالمنتفى ويدل على ذلك ثبوت لوازم الانتفاء شرعا وهو عدم سعايتها لغريم او وارث وان لم تخرج من الثلث او لا مال له سواها وعليه ديون وان ما كان مالا متقوما في حياته يتعلق به حق ورثته وغرمائه ولو في بعض الصور كالمدبر لما لم يخرج من الثلث او خرج والتركة مستغرقة تعلق به فيظهر انه يعتبر حالة الحياة ما لا غير انه موصى به وادا لم يمكن اعتبار صحة الوصية فيه لما ذكرنا بطلت فسعى في قيمته فظهر الفرق بين المدبر المقيس عليه وام الولد وحيث ثبت التقوم في المدبر ورد عليه لو كان متقوما جاز بيعه فاجاب عنه بأن عدم جواز بيعه لتحقق مقصود المدبر من نيله ثواب عتقه بعد موته والجواب عن الزام التقوم بام ولد النصراني بمنع تقومها والزام السعابة فيها ليس لذلك بل للضرورة اذ لا يمكن بقاؤها مسلمة مملوكة له ولا اخراجها عن ملكه مجانا وهو ملك صحيح فانزلت مكاتبة عليه على قيمتها ونقول لا يفتقر بدل الكتابة الى التقوم لانه في اصله بمقابلة ما ليس بمتقوم وهو فك الحجر ولو سلم فالأمور الضرورية لا يقاس عليها ما ليس في محلها من تلك الضرورة او نقول هو يعتقد المالية فيها وجواز بيعها والحكم المتعلق بهم يبتنى
____________________
(4/488)
على اعتقادهم كما في مالية الخمر او ان ملكه لما احتبس عندها لمعنى من جهتها كان مضمونا عليها وان لم يكن متوقما كالقصاص اذا احتبس نصيب احد الشريكين عند القاتل بعض الاخر يلزمه بدله وبهذا تم الوجه لابي حنيفة واما قوله في الكتاب وهذا لان السبب فيها أي في ام الولد متحقق في الحال وهو الجزئية الثابتة بواسطة الولد فغير متوقف عليه الاثبات اذ قد ثبت شرعا بما ذكرنا عدم تقومها وإنما هو بيان حكمة شرعية عدم تقومها يعني أن حكمة اسقاط الشرع تقومها ثبوت الجزئية بينها وبين مولاها الحر الى اخر ما ذكر في المصاهرة كما اشار اليه عمر حيث قال كيف تبيعوهن وقد اختلطت لحومهن بلحومكم ودماؤهن بدمائكم فلثبوت ذلك ثبت عدم المالية والتقوم وكان مقتضاه ان تنجز حريتها لكن انعقد الاجماع على عدمه فبقي فما سواه وهو عدم التقوم لعدم الاجماع عليه وكذا يدل على عدم التقوم قوله عليه الصلاة والسلام اعتقها ولدها بهذا الطريق وهو انه يدل على تنجز العتق لكن الاجماع على ان المراد اثبت لها الولد حق الحرية فبقي فيما سوى حقيقة العتق معمولا به ومنه سقوط التقوم فان قيل فالتدبير ايضا كذلك أي سبب في الحال للعتق لما ذكر في بابه فيجب ان ينتفى تقوم المدبر على وزان انتفائه بسبب امومية الولد فالجواب ان ثبوت سببية التدبير في الحال على خلاف القياس في سائر التعليقات لضرورة هي ان تاخيره كغيره من التعليقات يوجب بطلانه لان ما بعد الموت زمان زوال اهلية التصرف فلا يتاخر سببية كلامه اليه فيتقدر بقدر الضرورة فيظهر اثره في حرمة البيع خاصة لا في سقوط التقوم بل يبقى في حق سقوط التقوم على الاصل يعنى فتتأخر سببيته لسقوط التقوم
____________________
(4/489)
الى ما بعد الموت وعلى هذا يحمل قول المصنف وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت ويندفع عنه ازام التناقض وذلك ان كلامه في سقوط التقوم لام الولد فحاصل كلامه ان سبب سقوط التقوم في ام الولد ثابت في الحال وسبب سقوطه في المدبر متأخر الى ما بعد الموت كما بينا & باب عتق احد العبدين
هذا ايضا من عتق البعض غير ان الاول في بعض الواحد وهذا الكلام في بعض المتعدد فنزل الاول من هذا منزلة الجزء وهو مقدم على الكل لان الاول في عتق بعض ما هو بعض لهذا وهو الواحد
قوله ومن كان له ثلاثة اعبد دخل عليه اثنان فقال احدكما حر ثم خرج واحد منهما ودخل آخر وهو الباقي من الاعبد الثلاثة فقال المولى احدكما حر فالمسئلة على ثلاثة اوجه احدها ان يبين العتق قبل الموت والثاني ان يموت المولى قبل بيانه وهي مسئلة الكتاب والثالث ان يموت العبد قبل البيان وحكم هذا القول اذا وقع منه ان يؤمر
____________________
(4/490)
المولى بالبيان وللعبيد مخاصمته في ذلك فإذا بين العتق في الثابت وهو العبد الذي لم يخرج بالكلام الاول عتق وبطل الكلام الثاني لانه حينئذ جمع بين حر وعبد وقال احدكما حر انشاء في المبهم الدائر بينهما ولا يمكن ذلك الا اذا كان كل منهما محلا لحكمه والحر ليس كذلك فبطل انشائيته وصار خبرا بأن احدهما حر وهو الثابت فلا يفيد في الخارج عتقا فإن قيل البيان له حكم الانشاء لانه في المعين والعتق المبهم لا ينزل في المعين فصار بيانه في الثابت كأنه انشاء لان العتق فيه بعد ما اعتق الاحد الدائر بينه وبين الخارج بالكلام الثاني ولو نجز عتق الثابت بعتق مستقل عتق الخارج فكذا يعتق بالبيان اجيب بأن البيان انشاء من وجه لا من كل وجه بل من حيث ان وقوع العتق الاول في المعين به لا يكون بالعتق الاول فقط لانه عتق مبهم وهو غير المعين يكون انشاء ومن حيث ان المولى يجبر على البيان اذا خاصمه العبدان ولا يجبر على انشاء العتق يكون اظهارا فعلى تقدير الانشاء يعتق الداخل وعلى تقدير الاخبار لا يعتق فلا يعتق بالشك وان بين بالكلام الاول عتق الخارج فلا اشكال ويؤمر ببيان الكلام الثاني ويعمل ببيانه وان بدأ ببيان الكلام الثاني فقال عنيت بالكلام الثاني الداخل عتق ويؤمر ببيان الاول فأيهما بينه من الخارج والثابت عمل به وان قال عنيت بالكلام الثاني الثابت عتق وتعين عتق الخارج بالكلام الاول ولا يبطل لان حال وجوده كان رقيقين وان لم يبين المولى شيئا حتى مات احد العبيد فالموت بيان ايضا فإن مات الخارج تعين الثابت للعتق بالايجاب الاول والخارج بالإيجاب الاول لزوال المزاحم وبطل الايجاب الثاني لما ذكرنا وان مات الثابت تعين الخارج بالإيجاب الاول والداخل بالايجاب الثاني لان الثابت هو المزحم لهما ولم يبق وان مات الداخل امر ببيان الاول فإن عني به الخارج عتق الثابت ايضا بالايجاب الثاني وان عني به الثابت بطل الايجاب الثاني لما ذكرنا وان مات المولى قبل البيان فهي مسئلة الكتاب واتفقوا فيها على عتق نصف الخارج وثلاثة ارباع الثابت واختلف في الداخل ومذهب ابي حنيفة وأبي يوسف أنه يعتق نصفه أيضا وعند محمد يعتق ربعه واستشكل قولهما بعتق النصف وثلاثة الأرباع مع قولهما بعدم تجزي الاعتاق والجواب ان قولهما بعدم تجزية اذا وقع في محل معلوم اما اذا كان الحال انما هو الحكم بثبوته بالضرورة وهي مقتضية لانقسامه انقسم ضرورة والحاصل ان عدم التجزي عند الامكان والانقسام هنا ضروري ورده بعض الطلبة بمنع ضرورة الانقسام لان الواقع ان كل من عتق منه البعض الذي ذكر لا يقر في الرق بل يسعى في باقيه حتى يخلص كله حرا فيمكن ان يقول يعتق جميع كل واحد عندهما ويسعى في ذلك القدر فيتحد الحاصل على قولهما وقول ابي حنيفة غير انهم يسعون وهم عبيد عنده وعندهما يسعون وهم القدر فيتحد الحاصل على قولهما وقول ابي حنيفة غير انهم يسعون وهم عبيد عنده وعندهما يسعون وهم احرار اذ الحاصل ان الضرورة اوجبت ان لا يعتق جميع واحد مجانا لا ان يعتق بعض فقط ثم يتأخر عتق الباقي الى
____________________
(4/491)
اداء السعاية فلا يلزمهما مخالفة اصلهما ورد على ذلك الطالب بأنه لو عتق الكل من كل واحد ابتداء ثم يسعى وهو حر لزم ان يكون موجب قول المولى احدكما حر اعتاق الاثنين وهو باطل بل احدكما لا يؤدي معنى كلاكما وقد يدفع عنه هذا بمنع كون الموجب ذلك بل موجبه عتق رقبة شائعة وانما عتق الكل من كل منهما للضرورة التي اقتضت توزيعه وحين لزم التوزيع فوجب عتق بعض وجب وقوعه في الكل فكان التوزيع مقتضى الضرورة فوقوع عتق النصف مثلا موجبا للتوزيع كوقوعه موجبا لقوله اعتقت نصفك فكما يقع انعتاق النصف انعتاقا للكل اذا وقع عن موجبه كذلك يقع هنا والحاصل انه لا موجب اصلا لخروجهما عن اصلهما وموافقة ابي يوسف ابا حنيفة في عتق نصف الداخل لا توجب موافقته في التجزي ووجه الاتفاقية ما ذكره المصنف بقوله اما الخارج فلان الايجاب الاول دائر بينه وبين الثابت وهو الذي اعيد عليه القول فاوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما فيصيب كلا منهما النصف اذ لا مرجح غير ان الثابت استفاد بالايجاب الثاني ربعا آخر لانه دائر بينه وبين الداخل فيتنصف بينهما لكن نصف الثابت شاع في نصف الثابت شاع في نصفيه فما اصاب منه المعتق بالاول لغا وما اصاب الفارغ من العتق عتق فيسلم له الربع مضافا الى عتق النصف بالاول فتم له عتق ثلاثة ارباعه ولانه لو اريد الثابت بالثاني يعتق نصفه الباقي ولو اريد الداخل لا يعتق منه شيء فعتق نصفه في حال ولم يعتق منه شيء في حال فيقسم النصف له فيعتق ربعه وقد كان عتق له النصف بالاول فيكمل له عتق ثلاثة الارباع وجه المذكور لمحمد في الداخل أن الإيجاب الثاني دائر بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع فكذلك يصيب الداخل
قوله وهما يقولان حاصله ان اصابة الربع عندهما ليس قضية للكلام بل قضيته عتق نصفه لكنه لشيوعه في كله ونصفه شائعا معتق فما اصاب منه هذا النصف لغا وما اصاب القن عتق فلغا ربعه وهذا المعنى منتف في النصف الذي اصاب الداخل وقد علمت آنفا ان محمدا لم يوافق على هذا التوجيه وتقدم له ايضا ان الايجاب الثاني صحيح في حاله وهي ان يريد بالكلام الاول الخارج غير صحيح في حالة اخرى وهي ان يريد به الثابت لما تقدم وعلى تقدير صحته يثبت به عتق كامل بينهما لكل نصفه وعلى تقدير عدم صحته لا يثبت به شيء اصلا فانتصف الثابت به فأصاب كلا ربعه فلذا عتق من الثابت ثلاثة ارباعه ومن الداخل ربعه واذا عرفت هذا ظهر
____________________
(4/492)
ان المذكور في وجه الاتفاقية ليس على الاتفاق لان عتق ثلاثة ارباع الثابت على قول محمد ليس لذلك الوجه المذكور فإنه لم يصبه النصف اصلا بل اصابه الربع ابتداء بما ذكر من الوجهين واعلم ان قولهم يريد الخارج بالكلام الاول معناه يحتمل ان يبين الميت العتق فيه لو بينه قبل موته والا فالعتق المبهم لم يرد به المعين حال صدوره بل المبهم ثم بالتعيين ينزل ذلك المبهم فيه وللشافعي في اصل المسئلة قولان في قول يقرع بينهم وفي الاصح يقوم الوارث مقام المولى في البيان وعند احمد يقرع بينهم وكذا اذا قال لعبديه احدكما حر يقرع بينهما فمن خرجت القرعة باسمه فهو حر ولا يصح بيانه الا ان يقول كنت نويته عند التلفظ لنا في تأصيل اعتبار الاحوال ما روى انه عليه الصلاة والسلام بعث سرية الى خثعم للقتال فاعتصم ناس منهم بالسجود فقتلهم بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بنصف العقل وليس هذا الا لاعتبار الاحوال لان السجود جاز كونه لله فيكون اسلاما فيجب كمال العقل وجاز كونه تعظيما للظاهرين عليهم تقية من القتل كما يفعلونه فكان موجبا لكماله في اعتبار غير موجب في اعتبار فقضى بالنصف وجه اعتبار القرعة حديث عمران ابن الحصين ان رجلا اعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم اثلاثا ثم اقرع بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة رواه الجماعة الا البخاري وهذا الحديث صحيح لكنهم لم يقبلوه لانقطاعه باطنا وقد علمت ان ما صح سنده جاز ان يضعف بعلة قادحة ومن العلل مخالفة الكتاب والسنة المشهورة وكذا مخالفة العادة القاضية بخلافه قالوا هذا يخالف نص القرآن بتحريم الميسر فإنه من جنسه لان حاصله تعليق الملك او الاستحقاق بالخطر والقرعة من هذا القبيل لانها توجب استحقاق العتق ان ظهر كذا لا ان ظهر كذا واما قضاء العادة بخلافه فإنها قاضية بنفي ان واحدا يملك ستة اعبد ولا يملك غيرهم من درهم ولا ثوب ولا نحاس ولا دابة ولا قمح ولا دار يسكنها ولا شيء قليل ولا كثير وما قيل من انه قد يتفق للعرب ذلك ليأخذوا غلتهم او يكون وقع له ذلك في غنيمة ان كان مع الفرض الذي فرضناه من عدم شيء قليل او كثير من كل نوع فهو ايضا مما تقضي العادة بنفيه لانه اندر نادر فكان مستحيلا في العادة والعرف فوجب رد الرواية لهذه العلة الباطنة كما قالوا في المتفرد بزيادة من بين جماعة لا يغفل مثلهم عن مثلها مع اتحاد المجلس انه يحكم بغلطه وصار هذا من جنس خبر الواحد فيما تعم به البلوى واما ما قيل انها واقعة حال فلا تعم فليس بشيء لان الفعل وان لم يعم فإنه يدل على طريق صحيح واذا كان طريقا صحيحا جاز ارتكابه وتقرر الحكم به والا فمثله يلزم فيما استدللتم به لاعتبار الاحوال من قصة الخثعميين بلا فرق وكذا نحوه من اوجه ضعيفة وحقيقة الوجه ليس الا دلالة العادة والكتاب على نفي مقتضاه فيحكم بغلطه من بعض رواته عن عمران ولذلك اجمع على عدم الاقراع عند تعارض البينتين للعمل بأحدهما وعلى عدمها ايضا عند تعارض الخبرين ونحن لا ننفي شرعية القرعة في الجملة بل نثبتها شرعا لتطييب القلوب ودفع الاحقاد والضغائن كما فعل عليه الصلاه والسلام للسفر بنسائه فإنه لما كان سفره بكل من شاء منهن جائزا الا انه ربما يتسارع الضغائن الى من يخصها من بينهن فكان الاقراع لتطييب قلوبهن وكذا اقراع القاضي في الانصباء المستحقة والبداية بتحليف احد المتحالفين انما
____________________
(4/493)
هو لدفع ما ذكرنا من تهمة الميل والحاصل انها انما تستعمل في المواضع التي يجوز تركها فيها لما ذكرنا من المعنى ومنه استهام زكريا عليه السلام معهم على كفالى مريم عليها السلام كان لذلك والا فهو كان احق بكفالتها لان خالتها كانت تحته والله اعلم فأما ان يتعرف بها لاستحقاق بعد اشتراكهم في سببه فأولى منه ظاهر التوزيع لان القرعة قد تؤدي الى حرمان المستحق بالكلية لان العتق اذا كان شائعا فيهم يقع في كل منهم منه شيء فإذا جمع الكل في واحد فقد حرم الاخر بعض حقه بخلاف ما اذا وزع فإنه ينال كلا شيء واما اذا لم يكن شائعا فيهم كما تقدم في العشرة المالكين لعشر جوار اذا اعتق احدهم جاريته ثم لم تدر وصار ملك العشر لواحد حيث يعتق من كل عشرها وتسعى في تسعة اعشارها ففيه اصابة المستحق بعض حقه يقينا ومع القرعة جاز ان يفوتها كل حقها
قوله فإن كان هذا القول منه في المرض قسم الثلث على هذا لان العتق في المرض وصية ومحل نفاذ الوصية الثلث فإن كانوا يخرجون من الثلث فلا اشكال وان لم يخرجوا وليس له مال سواهم ولم تجز الورثة قسم الثلث وهو عتق رقبة بينهم على قدر سهامهم من الوصية فيضرب كل بقدر وصيته قال المصنف وشرح ذلك ان يجمع بين سهام العتق وهي سبعة على قولهما أي قول ابي حنيفة وابي يوسف اما على قول محمد فستة وذلك لانا نجعل كل رقبة على اربعة وانما نجعل كل رقبة على اربعة لحاجتنا الى ثلاثة ارباع فنقول يعتق من الثابت ثلاثة منه من اربعة ومن الاخرين من كل واحد منهما سهمان فيبلغ سهام العتق سبعة خارجة من الثلث فلابد من
____________________
(4/494)
كون سهمان الورثة ضعفها لان الثلثين ضعف الثلث وهما سهامهم فيبلغ كل المال احدا وعشرين وكل المال هو الأعبد الثلاثة فيكون كل منهم سبعة اسهم وهو ثلث المال بالضرورة فيعتق من الثابت ثلاثة من سبعة ويسعى في اربعة ومن الاخرين الداخل والخارج من كل منهما سهمان ويسعى في خمسة فصار ثلاثة ارباع الثابت الى ثلاثة اسباعه وذلك اقل من نصفه بنصف سبع وصار نصف كل من الاخرين سبعين وذلك اقل من ثلثه بثلث سبع واما قول محمد فإنما يضرب الداخل بسهم ويسعى في خمسة فصار ربعه سدسا وعلى هذا تكون سهام العتق ستة وسهام الورثة ضعفها البتة فتكون كل التركة ثمانية عشر فيجعل كل عبد على ستة فيعتق من الثابت ثلاثة ويسعى في ثلاثة فكان المعتق من مستحق ثلاثة الارباع على قوله نصفه وعلى قولهما يعتق منه نصفه الا نصف سبع ومن الخارج سهمان وهما ثلثه ويسعى في اربعة وعلى قولهما يعتق ثلثه الا ثلث سبع ومن الداخل سهم واحد وهو سدسه وعلى قولهما يعتق سبعاه ولا يخفى ان الحاصل للورثة لا يختلف
قوله ولو كان هذا في الطلاق يعنى قال لزوجتين له احداكما طالق فخرجت احداهما ودخلت زوجة له ثالثة فقال احداكما طالق وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من المهر الخارجة ربعه ووجب لها ثلاثة ارباعه ومن مهر الثابتة ثلاثة اثمانه ووجب لها خمسة اثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه ووجب لها سبعة اثمانه فألزمهما محمد رحمه الله المناقضة فإن سقوط ربع مهر الخارجة لوقوع طلاق بينها وبين الثابتة يسقط به نصف مهر من مهريهما ليست احداهما اولى بسقوطه من الاخرى فوزع بينهما فسقط من كل من الخارجة والثابتة ربع مهرها والكلام الثاني موجب في حال هي ان تراد الخارجة دون حال وهي ان تراد الثابتة لانه يصير جامعا بين اجنبية ومنكوحة لانه
____________________
(4/495)
لا عدة لانه قبل الدخول فيتنصف ويثبت به سقوط الربع موزعا ليسقط ثمن مهر الداخلة ومثله من مهر الثابتة فيضم الى ما سقط مع الاولى فيتم لها ثلاثة اثمانه فيجب مثله في مسئلة العتق فيعتق ربع الداخل لان الثمن في الطلاق قبل الدخول بمنزلة الربع لان الساقط به نصف المهر والثمن هو ربع النصف قال المصنف في جوابه قيل هذا أي المذكور في الطلاق قول محمد وحده اما عندهما فيسقط ربع مهر الداخلة لا الثمن فلا يتم به الالزام وقيل بل هو قولهما ايضا والفرق ذكر المصنف انه ذكره في زياداته وذكر تمام تفريعاتها ايضا فيها اما التفربعات فما قدمناه في بيان العتق قبل موت احد وبعد موت احد العبدين واما التفريعات في الطلاق فمنها ان ميراث
____________________
(4/496)
النساء وهو الربع او الثمن ينقسم بين الداخلة والاوليين نصفين نصفه للداخلة لانه لا يزاحمها الا احدى الاوليين اعنى الثابتة والنصف الاخر بين الاوليين لان احداهما ليست اولى به من الاخرى ومنها ان الثابتة لو ماتت والزوج حي طلقت الخاجرة والداخلة لما ذكرنا في العتاق ولكل واحدة على الزود ثلاثة ارباع المهر وان ماتت الداخلة كان عليه بيان الكلام الاول فإن اوقعه على الخارجة طلقت الثابتة ايضا لعدم مزاحمة الداخلة بالموت وان اوقعه على الثابتة لم تطلق الخارجة وان ماتت الخارجة طلقت الثابتة دون الداخلة لما ذكرنا في مسئلة العتق ولو لم تمت واحدة منهن حتى بين الزوج الطلاق الاول في الخارجة صح وعليه بيان الثاني وله الخيار في تعيين الثابتة او الداخلة به وان بين الطلاق الاول على الثانية لغا الكلام الثاني وان اوقع الطلاق الثاني على الداخلة كان له الخيار في تعيين الخارجة او الثابتة بالكلام الاول وان اوقعه على الثابتة طلقت وطلقت الخارجة ايضا لما تقدم واما الفرق فهو ان الكلام الثاني في العتق صحيح من كل وجه في حق الداخل ولا اشكال فيه وكذا في حق الثابت اما على قول ابي حنيفة رحمه الله فظاهر لانه عتق نصفه وهو يقول يجزى الاعتاق ومعتق البعض كالمكاتب والمكاتب محل للعتق فصح اللفظ الثاني بالنسبة اليه ايضا بخلاف الطلاق لانه ليس بين كون المرأة محلا للطلاق وغير محل له واسطة والطلاق المذكور قبل الدخول فلزم كون الايجاب الثاني فيه دائرا بين كونه موجبا لسقوط النصف وكونه غير موجب شيئا بخلافه في العتق واما على قول ابي يوسف وهو لا يقول بتجزى الاعتاق فلان الثابت دائر بين ان يكون حرا وبين ان يكون عبدا فكان كالمكاتب والمكاتب محل للعتق الى آخر ما ذكرنا لابي حنيفة ولا يخفى ان المراد من كون الثابت عتق نصفه على قول ابي حنيفة فيصير بذلك مكاتبا في الايجاب الثاني انما هو بعد موت المولى والا فالايجاب الاول انما مقتضاه عتق واحد من الاثنين بكماله فلا يحكم بعتق نصف احد به لكن عند تعذر الوقوف على ذلك الواحد بموت المولى قسمناه بينهم فقد يقال من طرف محمد رحمه الله ان اعتبار الاحوال انما هو حال صدور ما يجب اعتباره وحال صدور الايجاب الثاني لم يكن في الثابت عتق اصلا ويجاب بأنه انما يجب الاعتبار حال صدوره اذا كان لتعرف حكمه اذ ذاك ونحن انما نريد ان نتعرف حكم الكلام بعد الموت وفرق آخر وهو ان الكلام الاول يعتبر تعليقا في حق الداخل بحكم يقبل التعليق وهو وقوع العتق اما البراءة عن المهر فلا تحتمله من جهة الزوج فإن البراءة انما تكون من قبل المرأة فيعتبر تنجيزا في حق البراءة واذا اعتبر تنجيزا كان الكلام الثاني مترددا بين ان يوجب او لا يوجب شيئا فأوجب سقوط ربع المهر من الثابتة والداخلة فيسقط من الداخلة ثمن وتستحق ثلاثة اثمان مهرها ومن الثابتة كذلك وكان سقط ربعها بالاول فيسقط ثلاثة اثمان مهر وتستحق ثمنا واحدا هذا ولا يخفى ان تخصيص ابي يوسف
____________________
(4/497)
في الفرق بما ذكر يقتضي انه لا يقول بتجزي الاعتاق في الاعبد فيقوى به ما ذكرنا من سقوط ذلك السؤال
قوله ومن قال لعبديه احدكما حر فباع احدهما او مات او قال له أي لاحدهما انت حر بعد موتي عتق الآخر المقصود ذكر ما يقع به البيان في العتق المبهم ومعلوم ان العتق المبهم يوجب البيان كالاطلاق المبهم عندنا وعند الشافعي ومالك وعند احمد لا بيان الا بالقرعة وباللفظ لا يصح الا ان يقول كنت نويته عند التلفظ به وعند الظاهرية لا يعتق اصلا والبيان يقع صريحا كقوله اخترت ان يكون هذا حرا بذلك اللفظ الذي قلته او يقول انت حر بذلك العتق او اعتقتك بذلك العتق اما اذا اقتصر على قوله انت حر ثم قال اردت بذلك العتق فإنه يصدق قضاء فلا يعتق الآخر ولو لم يقل شيئا عتق هو والاخر معا لان هذا عتق اخر نازل بغير الاول وبه لم يبق محلا لنزول عتق اخر فكان كالموت 2 فتعين الاخر للعتق بذلك الاعتاق ودلالة كما اذا باع مطلقا او بشرط الخيار لاحد المتبايعين بيعا صحيحا او فاسدا مع قبض ودونه في الصحيح لان البيان يقع بتصرف مختص بالملك سواء كان مخرجا له عن الملك كما لو نجز عتق احدهما او باعه او لا ولذا عتق الاخر بالمساومة في صاحبه وهذا لان ذلك يدل على قصده استبقاء ملكه في الذي تصرف فيه فيقع بيانا لعتق الاخر وحكما كما اذا مات احدهما فإنه يعتق الاخر وليس بيانا من المتكلم لانه ليس اختياريا ولان البيان انشاء من وجه ولا انشاء في الاخر بموت قرينه لان الانشاء صفة اللفظ بل لزم من طريق الحكم ذلك بسبب فوات محلية الذي مات لنزول العتق فيه ولا بد من عتق احدهما بعينه فلزم لذلك الكلام عتق الحي وما يقع به البيان في العتق المبهم المنجز يقع به في المعتق المبهم المعلق كأن قال اذا جاء زيد فأحدكما حر فلو مات احدهما قبل الشرط او تصرف فيه بإزالة الملك ثم جاء زيد عتق الباقي وفرق بين البيان الحكمي والصريح فإن الحكمي قد رأيت انه يصح قبل الشرط بخلاف الصريح فإنه لو قال قبل الشرط اخترت ان يعتق فلان ثم وجد الشرط لا يعتبر لانه احتيار قبل وقته كما لو قال انت حر ان دخلت هذه الدار او هذه ثم عين احداهما للحنث لا يصح تعيينه ولو باع احدهما او كلاهما ثم اشتراهما ثم جاء زيد ثبت حكم العتق المبهم فيعتق احدهما ويؤمر بالبيان لان زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها وعن محمد لو كان اليمين قبل الحرية المجهولة يعني قال لعبده ان دخلت فأنت حر ثم قال له مع آخر احدكما حر ثم وجد الشرط فعتق ذلك المحلوف بعتقه عتق الاخر لفوات محلية المحلوف بعتقه بالعتق فصار كموته ولو كاتب او رهن او آجر يكون بيانا ولو استخدم احدهما او قطع يده او جنى عليه لا يكون بيانا
قوله لانه لم يبق محلا للعتق اصلا بالموت وللعتق من جهته بالبيع أي ولم يبق محلا للعتق من كل جهة المولى المتكلم بالعتق المبهم بسبب بيعه اياه وللعتق من كل وجه أي ولم يبق محلا للعتق من كل وجه وهو العتق الملتزم بقوله احدكما حر فإن حاصله تعليق عتق كامل بالبيان وبالتدبير لم يبق عتقه عتقا كاملا لاستحقاقه العتق عند الموت فتعين الاخر ولانه بالبيع قصد الوصول الى الثمن وبالتدبير قصد استبقاء الانتفاع به مدة حياته وان يعتقه بعد موته والمقصودان
____________________
(4/498)
يعني الوصول الى الثمن والانتفاع المستمر الى الموت ينافيان العتق الملتزم بالايجاب المبهم فيتعين له الاخر دلالة
قوله وكذا اذا استولد احداهما أي اذا وطيء احداهما فعلقت لانها صارت ام ولد له فتعينت الاخرى للعتق للمعنيين وهما كونها لم تبق محلا للعتق من كل وجه كالمدبر وقصد ابقائها للانتفاع بها الى الموت وانما قيدنا الوطء بالمعلق لان الوطء غير المعلق ليس بيانا عند ابي حنيفة كما سنذكر واستشكل على تعين الاخر بموت احدهما ما لو اشترى احد العبدين وسمى ثمن كل منهما على انه بالخيار يأخذ ايهما شاء فمات احدهما حيث يتعين للبيع الميت لا الحي مع ان بالموت لم تبق محلية البيع كما لم تبق محلية العتق وما لو قال لامتيه احدى هاتين بنتي او ام ولدي ثم ماتت احداهما لا تتعين الحية للاستيلاد ولا للحرية وجواب الاول الاول بالفرق بأن عند اشراف احدهما على الموت تعين البيع فيه لانه تعذر رده كما قبضه فإنه لا يخلو عن مقدمة تعييب فإنما تعين للبيع وهو حي لا ميت ولا يتعين العتق بالاشراف على الموت فلو عتق كان بعد الموت فامتنع فمات رقيقا لعدم موجب النقل فتعين الآخر للعتق وجواب الثاني بأنه ليس ايقاعا بصيغته بل اخباره ويجوز ان يخبر بهذا عن الحي والميت فيرجع الى بيان المولى وقوله لاطلاق جواب الكتاب يريد الجامع الصغير وقوله والمعنى ما قلنا أي من انه قصد الوصول الى الثمن والوصول الى الثمن ينافي العتق فتعين الآخر للعتق
قوله والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع لانه تمليك وروى عن محمد في الاملاء اذا وهب احدهما واقبض او تصدق واقبض عتق الآخر
____________________
(4/499)
قالوا ذكره الاقباض توكيد لا للشرط لما في المبسوط والمحيط وغيرهما ان البيان باعتبار دلالة تصرف مختص بالملك ولان المساومة اذا عينت الآخر وليس فيها خروج عن الملك فعقد الهبة والصدقة والبيع الفاسد وهو ادخل في طريق الملك اولى ان يعينه
قوله وكذلك لو قال لامرأتيه احداكما طالق ثم ماتت احداهما يعني تطلق الحية لما قلنا في العتق من عتق الباقي بموت احدهما لعدم محلية العتق وكذا لو وطيء احدى المرأتين تطلق الاخرى لما نبين في مسئلة الامتين التي تليها
قوله ولو قال لامتيه احداكما حرة ثم جامع احداهما ولم تعلق لم تعتق الاخرى عند ابي حنيفة وبه قال احمد اما لو علقت عتقت الاخرى اتفاقا ولو قال احداكما مدبرة ثم وطيء احداهما لا يكون بيانا بالاجماع لان التدبير لا يزيل ملك المنافع بخلاف العتق وقالا تعتق وبه قال الشافعي ومالك في رواية لهما ان الوطء لا يحل الا في ملك واحداهما ليست في الملك لعتق احداهما بذلك الكلام ولذا لو قتلهما انسان وجب نصف دية وقيمة لكل منهما فكان بوطء احداهما مبينا للمستبقي لملكها فتعينت الاخرى لزواله بذلك العتق كما في الطلاق المبهم فإنه اذا قال لزوجتيه احداكما طالق ولم يدخل بهما او دخل فقال طالق بائن او ثلاثا فوطيء احداهما طلقت الاخرى اتفاقا وانما قيدنا الطلاق بما ذكرنا لانه لو كان رجعيا لا يكون الوطء بيانا لطلاق الاخرى لحل وطء المطلقة الرجعية ذكره في النوادر وهل يثبت البيان في الطلاق بالمقدمات في الزيادات لا يثبت وقال الكرخي يحصل بالتقبيل كما يحصل بالوطء وله ان الملك قائم فيهما جميعا حتى
____________________
(4/500)
قال يحل وطؤهما ولهذا لو وطئتا بشبهة كان الواجب عقر مملوكتين ويكون كله للمولى وانما يملك البدل بملك الاصل وهذا لان العتق في المنكرة أي المبهمة الدائرة بين كل منهما وهي غير المعينة وتنافيها لان المعينة ليست دائرة بين نفسها والمعينة الاخرى في حق العلم والمبهمة احد دائرة بينهما ووقوعه في المعينة مشروط بالبيان فكان عتق المعينة معلقا به والمعلق بالشرط عدم قبله فهو كما لو قال لزوجته ان طلقتك فأنت طالق او لامته ان دخلت فأنت حرة فان له وطأهما قبل الشرط لقيام الملك في الحال فقولهما احداهما حرة ان اريد المعينة منعناه او المبهمة سلمناه ولا يفيد لان الوطء انما يقع في المعينة فوطؤهما لم يقع في محل الحرمة فحل فإذا حل وطء كل منهما لم يكن وطء احداهما دليلا على تحريم الاخرى بعتقها وانما يلزم اذا كان الحلال وطء احداهما فقط وهو ممنوع وحينئذ يرد النقض بالوطء بالطلاق المبهم فإنه لو صح ما ذكر لزم حل وطئهما لوقوعه في معينة والمطلقة هي المبهمة فإذا اجيب عنه بتقييد حلهما بما اذا لم تتعين احدهما للطلاق وبمجرد وطء احداهما تتعين الاخرى فتحرم بخلافة في العتق عاد اول المسئلة وهو انه كما كان الوطء بيانا في الطلاق يجب ان يكون بيانا في العتق لان الملك في الزوجتين المعينتين قائم وانما المطلقة هي المبهمة ولا جواب له سوى ان الدال في الاصل اعنى الطلاق المبهم ليس الا قصد الاستبقاء فإنه هو الدليل على نفي الاخرى اذا كان الواجب اخراج احداهما عن الملك وهو مبطن فيدار على دليله وهو الوطء لطلب الولد فإن طلبه يفيد استبقاء من هو منها كي لا يضيع حاله ووطء
____________________
(4/501)
المنكوحة هو المفيد لطلب الولد ظاهرا لانه هو الذي وضع له عقدها لا وطء الامة لان عقدها لم يوضع لذلك بل للاستخدام ووطؤها من جملة الاستخدام قضاء للشهوة فلم يكن وجوده دليلا على قصد الولد دلالة ظاهرة وعلى هذا فيكفي في دليلهما ان يقال وطء احداهما دليل استبقائها كالوطء في الطلاق المبهم وفي وجه قوله منع دلالته والفرق بما ذكرنا ولا حاجة الى اثبات الملك فيهما وحل وطئهما ثم القول بأنه لا يفتى به لترك الاحتياط فالحق انه لا يحل وطؤهما كما لا يصح بيعهما وقد وضع في الاصول مسئلة يجوز ان يحرم احد اشياء كما يجوز ايجاب احد اشياء كما في خصال الكفارة وحكم تحريم احد اشياء جواز فعلها الا واحدا لانه لو عمها فعلا كان فاعلا للمحرم قطعا ولا يعلم خلاف في ذلك وثبوت المك قد يمتنع معه الوطء لعارض كالرضاع والمجوسية فلا يستلزم قيامه حل الوطء وهنا كذلك فإن موجب اللفظ وهو عتق احداهما لا يعدوهما ففي وطئهما وطء المحرمة بيقين فلا يحل قطعا وان كان الملك قائما فيهما بخلاف اخذه ارش الجناية عليهما لانه بدل الملك غير مقيد بحل الوطء وغرامه قيمة مملوكين كذلك ايضا وانما وجب نصف قيم ودية لكل منهما اذا قتلهما رجل لصحة اثباته بدون التعيين وانما يتنصف لان احداهما حرة بيقين ولا تعرف فتنصف في الضمان ثم ما هو قيمة للمولى وما هو دية للورثة بخلاف ما لو قتلهما رجلان فإن على كل منهما قيمة امة اذ ليست كل منهما حرة في نفس الامر فكل من الرجلين يقول ذلك فتعذر الايجاب على العاقلة من غير يقين بالضمان عليهم بخلاف قتل واحد فإن الحرة لا تعدوهما فتحقق عليه ضمان حرة غير معلومة بعينها فتوزع فيهما وقولهم وقوع الطلاق فيهما معلق بالبيان فجاز وطؤهما غير صحيح اذ لا تعليق بل تنجيز مأمور في الشرع بتعيين محله ولو كان يمينا محضا لم يجبر على ايقاع شرطه كسائر الايمان وهنا يجبر على البيان الذي هو بمنزلة الشرط فعرف انه شبيه به من حيث توقف الوقوع في المعينة عليه شبها لا يوجب حقيقة احكامه من حل الوطء قبل الشرط فيهما وابو حنيفة لم ينقل عنه ذلك صريحا بل خرج من تعليله الملك فيهما بحل وطء احداهما
فروع من البيان لو قال لامتيه احداكما حرة ثم قال لم اعن هذه عتقت الاخرى ولو قال بعد ذلك لم اعن هذه الاخرى عتقت الاولى فتعتقان لان قوله لم اعن هذه اقرار بعتق الاخرى فقد اقر بعتقهما وكذا هذا في الطلاق بخلاف ما لو قال لاحد هذين على الف فقيل له اهو هذا فقال لا لم يجب للاخر شيء والفرق ان البيان في الاقرار المبهم ليس واجبا بخلافه في انشاء الطلاق والعتاق المبهم ولو قال امة وعبد من رفيقي حران ومات قبل البيان فإن كان له امة وعبدان عتقت الامة ومن كل عبد نصفه وان كانوا ثلاثة عتق من كل ثلثه ويسعون في الباقي ولو تعددت الاماء فعلى هذا القياس ان كانتا امتين عتق من كل نصفها او ثلاثا عتق من كل ثلثها وتسعى في الباقي والله سبحانه وتعالى اعلم
قوله ومن قال لامته ان كان اول ولد تلدينه غلاما فإنت حرة فولدت غلاما وجارية ولا يدري ايهما ولد اولا عتق نصف الام وتسعى في قيمة نصفها ونصف الجارية وتسعى في النصف والغلام عبد لان كل واحدة من الام والجارية تعتق في حال وهو ما اذا ولدت الغلام اولا
____________________
(4/502)
فعتق الام لوجود شرط عتقها والجارية لكونها تبعا للام في الرق والحرية وقد ولدتها وهي حرة وترق في حال وهو ما اذا ولدت الجارية اولا لعدم الشرط فإذا عتقتا في حال دون حال فيعتق نصف كل منهما والغلام عبد في الحالين لانه ولد امه قنة فإنها انما تعتق بعد ولادتها اياه اولا لان ولادته شرط عتقها والمشروط يتعقب الشرط وهذا الجواب كما ترى في الجامع الصغير من غير خلاف فيه والمذكور لمحمد في الكيسانيات في هذه المسئلة أنه لا يحكم بعتق واحد منهم لانا لم نتيقن بعتقه واعتبار الاحوال بعد التيقن بالحرية ولا يجوز ايقاع العتق بالشك فعن هذا حكم الطحاوي بأن محمدا كان اولا مع ابي حنيفة وابي يوسف ثم رجع وفي النهاية عن المبسوط ان هذا الجواب ليس جواب هذا الفصل بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم انها ولدت الغلام اولا فإن نكل فنكوله كاقراره وان حلف فكلهم ارقاء وان جواب هذا الفصل انما هو فيما اذا قال ان كان اول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وان كان جارية فهي حرة فولدتهما ولا يدري الاول فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الام ولا شك ان هذا ليس جواب الكتاب لان في هذه الصورة يعتق جميع الجارية على كل حال لانها ان ولدت الجارية اولا عتقت بالشرط وان ولدت الغلام اولا عتقت تبعا للام واما انتصاف عتق الام فلانها تعتق في ولادة الغلام اولا وترق في الجارية وجواب الكتاب عتق نصفها مع نصف الام وصحح في النهاية ما في الكسانيات لان الشرط الذي لم يتيقن وجوده اذا كان في طرف واحد
____________________
(4/503)
كان القول قول من انكر وجوده كما اذا قال ان دخلت غدا فأنت حر فمضى الغد ولا يدري ادخل ام لا للشك في شرط العتق فكذا وقع الشك في شرط العتق وهو ولادة الغلام اولا واما اذا كان الشرط مذكور في طرفي الوجود والعدم كان احدهما موجودا لا محالة فحينئذ يحتاج الى اعتبار الاحوال فإن قلت المفروض في صورة الكتاب تصادقهم على عدم علم المتقدم والمتأخر فكيف يحلف ولا دعوى ولا منازع قلنا هو محمول على دعوى من خارج حسبة عتق الامة او بنتها لوجود الشرط وقد عرف ان الامة لو انكرت العتق وشهد به تقبل فعلى هذا جاز ان يدعى رجل حسبة اذا لم تكن بينة ليحلف لرجاء نكوله هذا ولكن المذكور في المبسوط في تعليله صرح بأن الام تدعى العتق والمولى ينكر والقول للمنكر مع يمينه فأفاد ان ذلك في صورة دعوى الام وهي غير هذه الصورة التي في الكتاب واعلم ان ما ذكر في النهاية من ترجيح ما في الكياسانيات حقيقة ابطال قول ابي حنيفة وابي يوسف مع انه لم ترد عنهما رواية شاذة تخالف ذلك الجواب واستدلاله بأن الشرط الكائن في طرف واحد الخ قد ينظر فيه بأن ذلك في الشرط الظاهر لا الخفي ولهذا قيد في المبسوط حيث قال اذا قال ان فعلت كذا فأنت حر وذلك من الامور الظاهرة كالصوم والصلاة ودخول الدار فقال العبد فعلت لا يصدق الا كبينه بخلاف قوله ان كنت تحبيني الخ فيمكن ان تكون الولادة من الامور التي ليست ظاهرة فيوجب الشك فيها اعتبار الاحوال فيعتق نصف الام كما في الجامع
قوله وان ادعت الام ان الغلام هو المولود اولا وانكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين بالله ما يعلم ان الغلام ولد اولا لانكاره شرط العتق فإن حلف لم ي * عتق واحد منهم وان نكل عتقت الام والجارية معا لان دعوى الام حرية الصغيرة تثبت في ضمن دعواها حرية نفسها لانها نفع محض مع ثبوت ولايتها عليها في الجملة وعجز الصغيرة عن دعواها لنفسها فاعتبر نكوله في حق حريتها فعتقتا فلو كانت الجارية كبيرة ولم تدع شيئا من الحرية لنفسها وباقي المسألة بحالة يعني ولدتها فادعت الام تقدم الغلام وانكر المولى والجارية بالغة فحلف فنكل عتقت الام خاصة بنكوله لان دعوى الام حريتها غير معتبرة في الجارية الكبيرة لان الدعوى عن الغير انما تصح بولاية او انابة وهما منتفيتان عن الكبيرة فلا تتضمن دعوى الام حرية نفسها دعواها حرية البنت فإن قيل اذا ثبت عتق الام ينبغي ان تثبت حرية بنتها لانه لازم له فالاقرار بحريتها اقرار بحرية الاخرى اجيب بمنع كون عتق الام بالنكول عتقا بوجود الشرط لجواز كونه بذلا لماليتها من المولى ليترك الحلف او اقرارا بحريتها بدون ذلك الشرط فلا يوجب عتق البنت وبأن النكول جعل اقرارا على قولهما بطريق الضرورة ولهذا لا يثبت العتق بمجرد النكول قبل القضاء ولهذا قال محمد فيمن قال لغيره انا كفيل بكل ما يقر لك به فلان فادعى المكفول له على فلان مالا فأنكر فحلف فنكل
____________________
(4/504)
يقضي عليه بالمال ولا يصير الرجل كفيلا ولو كان اقرارا من كل وجه صار كفيلا
قوله ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والام ساكتة والباقي بحاله ثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الام لما قلنا في ان دعوى الام حرية نفسها غير معتبرة في حق الجارية من عدم صحة الدعوى والنكول يبنى على صحة الدعوى
قوله وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا في كفاية المنتهى من الوجوه الباقية وهي ما اذا اتفقوا على ان ولادة الغلام اولا واتفقوا على ان ولادة الجارية اولا فلا يعتق احد في الثاني ويعتق كل الام والجارية في الاول وبهما تتم الاوجه للمسئلة ستة
فرع في المحيط لو قال ان كان اول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وان كان جارية ثم غلاما فهما حران فولدت غلاما وجاريتين ولا يعلم الاول عتق نصف الام ونصف الغلام وربع كل واحدة من الجاريتين اما الام فلانها تعتق في حال دون حال وهو رواية وفي عامة الروايات يجب ان يعتق ثلثها لانها تعتق في حال وترق في حالين بأن كانت ولادة احدى الجاريتين اولا واما الغلام فإنه يعتق في حال بأن ولدت احدى الجاريتين اولا ويرق في حال بأن ولدت الغلام اولا واما الجاريتان فيعتق من كل ربعها في عامة الروايات لان اصابة الحرية بجهتين متعذر لان الشخص اذا عتق تبعا للام لا يتصور ان يعتق بعتق نفسه ومتى عتق بعتق نفسه لا يعتق تبعا للام فلا بد من الغاء احدى الجهتين فألغينا اصابة العتق من جهة الام واعتبرنا الاصابة بعتق انفسهما لانهما اقل وهو المتيقن فإن كانت ولادة الغلام اولا لا يعتقان بعتق انفسهما وان كانت ولادة الجارية اولا تعتق الاخيرة بعتق نفسها فتثبت لهما حرية في حال دون حال فيثبت نصفه بينهما وقال ابو عصمة ينبغي ان يعتق من كلا ثلاثة ارباعها لان الغلام لو كان اولا تعتق الام فتعتق الجاريتان بعتقها ولو كانت احدى الجاريتين اولا ثم الغلام عتقت الجارية الاولى والاخرى رقيعة فكان لهما عتق ونصف بينهما واختار شمس الأئمة
____________________
(4/505)
قول ابي عصمة وقال هو الذي يوافق ما تقدم
قوله وان شهد رجلان على رجل انه اعتق احد عبديه فالشهادة باطلة عند ابي حنيفة الا ان تكون في وصية استحسانا ذكره في العتاق أي عتاق الاصل بأن شهد انه اعتق احد عبديه في مرض موته او شهدا بتدبيره احدهما مطلقا في صحته او مرضه لان التدبير حيث وقع كان وصية وعندهما تقبل ويؤمر بتنجيز عتق أحدهما وهو قول الشافعي ومالك وأحمد قوله وأصل هذا أي أصل هذا الخلاف أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل عند ابي حنيفة من غير دعوى العبد مطلقا لا في حرية الاصل ولا في الحرية العارضة على ما هو الصحيح خلافا لما قاله رشيد الدين ان الدعوى عنده ليست شرطا في حرية الاصل بل في العارضة فقط وعندهما تقبل بلا دعوى والشهادة على عتق الامة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق وان انكرت الامة العتق لا يلتفت الى انكارها وتعتق لانها متهمة وكذا على طلاق احدى النساء مقبولة من غير دعوى بالاتفاق وان انكرت ويجبر على ان يوقع على احداهن
قوله والمسئلة معروفة وجه قولهم ان المشهود به وهو العتق حق الشرع اذ يتعلق به تكميل الحدود ووجوب الجمعة والجهاد والزكاة ويصح نذره به وحلفه به ولهذا لا يحتاج الى قبول ولا يرتد اقرار السيد بحرية العبد ولا يبطل بالتناقض حتى لو اقر بالرق ثم ادعى حرية الاصل واقام البينة تقبل ولو كانت الدعوى شرطا لمنع لان التناقض يبطل صحة الدعوى وانما لا تكفي شهادة الواحد لانه وان كان امرا دينيا يتضمن ازالة ملك العبد وابطال مالية ماله فلذا شرط في الشهادة عليه اثنان ولابي حنيفة ان العتق اما زوال الملك المستلزم لثبوت القوة من مالكيته او هو نفسها وكلا
____________________
(4/506)
الامرين حق العبد لانه المنتفع به على الخصوص في الحقيقة ثم بعد ذلك يثبت ما ذكر من حقوقه تعالى ثمرات لهذا الثبوت فصح كونه حقه على الخصوص في الحقيقة ولا يكون ثبوت اللازم الا بعد الملزوم واذا كان المستلزم حقه لا يثبت الا بدعواه ولا يخفى انه يرد على هذا عتق الامة لانه يقال حرمة فرجها التي هي حقه تعالى تثبت بعد ثبوت حقها من العتق فوجب ان يشترط دعواها فإن قيل الفرق انها متهمة لرغبتها في صحبة مولاها حتى نقول لو كان العبد ايضا متهما قبلت بلا دعواه وذلك بأن لزمه حد قذف او قصاص في طرف حتى لو انكر العتق لا يلتفت الى انكاره قلنا نفرض الكلام فيما اذا لم تنكر ولكنها ساكتة لعدم علمها بحريتها ثم قد يمنع تأثير كون الثابت بالعتق اولا ما هو حق العبد مستلزما لحق الله تعالى في اشتراط الدعوى لانه اذا ثبت استلزامه لحق الله تعالى ثبت حكمه من عدم اشتراط الدعوى سواء ثبت اولا او ثانيا فإن حول التقرير هكذا العتق يتضمن حق العبد وحق الله سبحانه وتعالى اما حقه سبحانه فما ذكرتم واما حق العبد فلانه يصير به مالكا لاكساب نفسه فيتمكن من اقامة مصالحة وتثبت ولاياته من نفاذ قوله في الشهادة وانكاح بنته وحصول الميراث له اذا مات قريبه فهو بما فيه من حق العبد يحتاج الى الدعوى وان لم يحتج الى دعوى بما فيه من حق الله تعالى على ان الاستدلال بعدم الارتداد بالرد وعدم التوقف على قبوله لا يستلزم كونه حق الله سبحانه وتعالى خالصا الا يرى ان العفو عن القصاص وابراء الكفيل من حقوق العباد ولا يرتد بالرد ولا يتوقف على القبول وكذا التناقض فإن عدم منعه لخفاء رق الاصل وحريته كما في دعوى النسب ولو لم يكن ذلك فلما انه لما اجتمع في العتق الحقان فلحق الله تعالى قلنا لا يمنع التناقض في حرية الاصل ولا في الحرية العارضة ولحق العبد شرطنا الدعوى والشاهدين ايضا ورد عليه ايضا عتق الامة فان فيها الحقين فتجب الدعوى والشاهدان لحق العبد ولا يمنع التناقض لحق الله سبحانه وايضا اذا كان بما تضمنه من حق العبد يحتاج الى الدعوى لا يلزم ثبوتها لانه بما فيه من حق الله يعرضه لان الثابت معه عدم الاحتياج الى الدعوى وانهما يتعارضان لانه اذا وقعت الشهادة بلا دعوى في حق الله تعالى اقتضى وجوب ترتيب مقتضاها والاخر يقتضى ان لا يثبت والحق ان المنظور اليه اجتماع الحقين وتعارض مقتضاهما فترجح ما ثبت شرعا لاحتياط في امره وتوكيده وامر الفروج محتاط فيه فالاحتياط ان لا يتوقف اثباته بعد الشهادة على شيء آخر بخلاف ما لم يثبت فيه مثله فلذا وقع الفرق عنده بين عتق الامة والطلاق وبين عتق العبد لان حقه سبحانه الثابت وهو حرمة الاسترقاق المقتضى لنفي الدعوى ليس
____________________
(4/507)
من التأكيد بحيث يجب ان يثبت بلا دعوى وهما يقولان جميع حقوق الله تعالى يجب ان تثبت بلا دعوى لانه تعالى هو الخصم فيها والعبد والشاهد نائبه فتضمن شهادته دعواه واما حق العبد فإن افتقر ثبوته الى الدعوى فقد انتصب النائب عن الله تعالى نائبا عنه وهذا القدر يحصل به المقصود فإن المثبت في الحقيقة ليس الا الشهادة وانما يبقى فيه ما لو انكر العبد العتق ولا تهمة وحينئذ يجب الترجيح ويترجح حقه سبحانه وتعالى ولا يقال المقرر ترجح حق العبد لانا نقول ذلك عند التعارض بأن كان ثبوت احدهما ينتفي معه الاخر وهنا يثبت حق العبد مع حق الله تعالى بل اذا اثبتنا حق الله تعالى كان اثباتا لحق العبد سابقا عليه وانما فيه انه يثبت على رغمة
قوله واذا كان دعوى العبد شرطا عنده لا تتحقق في مسئلة الكتاب أي الجامع الصغير وهي ما اذا شهدا انه اعتق احد عبديه لانه عتق المجهول والدعوى من المجهول لا تتحقق وانما تتحقق من المعين فتنتفي المطابقة بين الدعوى والبينة وعندهما ليس شرطا مطلقا فتقبل ويجبر على تعيين احدهما
قوله ولو شهد انه اعتق احدى أمتيه الخ جواب عما قد يقال اذا كانت الدعوى ليست بشرط عنده في الشهادة على عتق الأمة فينبغي ان تقبل على عتق احدى امتيه والواقع انها لا تقبل عنده وأجاب بأنه انما لا يشترط الدعوى في الشهادة على عتق الامة المعينة لما فيه من تحريم فرجها على مولاها وهو حق الله تعالى خالصا فشابه الطلاق وفيه لا يشترط للشهادة به الدعوى لذلك فكذا هذا والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرناه فانتفى المسقط فيه فصار كالشهادة على عتق
____________________
(4/508)
احد العبدين فإن قيل لو كانت علة سقوط الدعوى في عتق الامة تحريم 2 فرجها على المعتق لشرطت في عتق الامة المجوسية والتي هي اخته من الرضاع وفي الشهادة على الطلاق الرجعي لان الشهادة بذلك لم تتصمن تحريم فرجها لحرمته في الاوليين قبل الشهادة وحلها في الرجعي بعدها فالجواب انه يثبت بالشهادة بعتقها نوع اخر من التحريم فإن وطء الاخت من الرضاع المملوكة ليس بزنا حتى لا يلزمه الحد بوطئها قبل عتقها وبعده يلزمه والطلاق الرجعي ينعقد به سبب حرمة فرجها فأثبتت تحريما مؤجلا بانقضاء العدة واما الامة المجوسية فينبغي ان تشترط الدعوى عنده وما قيل ان وطأها مملوك له وانما منع منه خبثها كالحائض فبالشهادة يمتنع ذلك الوطء فيه ما فيه
قوله وهذا كله اذا شهدا بعتق احد العبدين في صحته اما اذا شهد انه اعتق احد عبديه في مرض موته او شهد على تدبيره في صحته او في مرضه لتكون شهادتهما بعتق هو وصية وهو المستثنى في اول المسئلة وقدمنا
____________________
(4/509)
ان التدبير حيثما وقع يكون وصية معتبرا من الثلث ولو في حال الصحة وسواء كانت شهادتهما بهذه الوصية في مرض موته او بعد وفاته تقبل استحسانا لان عدم القبول فيما تقدم عنده لعدم خصم معلوم فلا يتصور الدعوى واذا كان وصية فالخصم فيها هوالموصي لان تنفيذ الوصية من حقوق الموصى فهو الخصم المدعى فيها وهو معلوم وعنه نائب معلوم هو الوصي او الوارث بخلاف حالة الحياة فان الخصم في اثبات العتق ليس هو السيد لانكاره بل هو العبد وهو مجهول ووجه آخر للاستحسان وهو ان الخصم بعد الموت في العتق لو لم يكن الموصى كان كلا من العبدين وهما معينان وفي حالة الحياة لا تصح خصومتهما لانه لم يعتق منهما شيء والمعتق المبهم بخلاف ما اذا مات المولى قبل البيان فان العتق حينئذ يشيع فيهما فيعتق من كل نصفه على ما عرف فيمن اعتق احد عبديه ومات قبل البيان فيكون كل منهما خصما معلوم ولا يخفى ان المراد بالخصم هنا من تكون الشهادة على وفق دعواه ولا تقام البينة الا على منكر ففرض بعض الشارحين ان يكون الورثة منكرين فعلى هذا يكون قوله وعنه خلف وهو الوصي او وارثه يعني الوصي ان كان الورثة منكرين او الورثة ان كان الوصي منكرا فقيل فيشكل ما لو كان كل من الوصي والوارث منكرا اذ لا تبطل البينة لانها شهادة بوصية وليس واحد منهم خلفا ولا مخلص الا باعتبار جعل الميت مدعيا تقديرا وايضا قوله واديا الشهادة في مرض موته الخ يفيد انها تقبل في حياته وانت علمت ان قبولها بعد موته باعتبارها وصية لاعتباره مدعيا وعدم قبولها قبل موته باعتبارها وصية لاعتباره مدعيا وعدم قبولها قبل موته لان المدعى العبدان وهما غير من اثبت فيه العتق اعنى المبهم والحاصل ان انزاله مدعيا لا يكون الا بعد موته واما قبل موته فهو منكر ولهذا احتيج الى الشهادة وردت لعدم المدعى ولا مخلص الا بتقييده بما اذا كان المريض قد اصمت حال اداء الشهادة واستمر كذلك حتى مات وعلى هذا يجب ان يؤخر القضاء بهذه الشهادة الى ان يموت فيقضى بها ولا يحتاج الى اعادتها او يعيش فيطلق لسانه فيرد لعدم الخصم المدعى
قوله ولو شهدا بعد موته انه قال في صحته احدكما حر لا رواية فيه عن ابي حنيفة واختلف المشايخ في تفريغها على قوله فقيل لا تقبل لانه ليس بوصية لاسنادهما العتق المنجز الى حالة الصحة فلم يكن الميت مدعيا تقديرا وقيل تقبل لان العتق شاع بعد الموت فيصح دعواهما كما ذكرنا وصحح فخر الاسلام في شرح الجامع الصغير قبولها قال لجواز ان يكون الحكم معلولا بعلتين فيتعدى باحدهما وتبعه صاحب الكافي وقال هو الاصح ولقائل ان يقول شيوع العتق الذي هو مبني صحة كون العبدين مدعيين يتوقف على ثبوت قوله احدكما حر ولا مثبت له الا الشهادة وصحتها متوقفة على الدعوى الصحيحة من الخصم فصار ثبوت شيوع العتق متوقفا على ثبوت الشهادة فلو اثبتت الشهادة بصحة خصومتهما وهي متوقفة على ثبوت العتق فيهما شائعا لزم الدور واذا لم يتم وجه ثبوت هذه الشهادة على قوله لزم ترجيح القول بعدم قبولها وعلى هذا يبطل الوجه الثاني من وجهي الاستحسان في المسئلة التي قبل هذه
____________________
(4/510)
فروع شهدا انه حرر امة بعينها وسماها فنسيا اسمها لاتقبل لانهما لم يشهدا بما تحملاه وهو عتق معلومة بل مجهولة وكذا الشهادة على طلاق احدى زوجتيه وسماها فنسياها وعند زفر تقبل ويجبر على البيان ويجب ان يكون قولهما كقول زفر في هذه لانها كشهادتهما على عتق احدى امتيه وطلاق احدى زوجتيه ولو شهد انه اعتق عبده سالما ولا يعرفون سالما وله عبد واحد اسمه سالم عتق لانه كان معينا لما اوجبه وكون الشهود لا يعرفون عين المسمى لا يمنع قبول شهادتهم كما ان القاضي يقضي بالعتق بهذه الشهادة وهو لا يعرف العبد بخلاف ما لو شهدوا ببيعه ولو كان له عبدان كل واحد اسمه سالم والمولى يجحد لم يعتق واحد منهما في قول ابي حنيفة لانه لابد من الدعوى لقبول هذه الشهادة عنده ولا تتحقق هنا من المشهود له لانه غير معين منهما فصارت كمسئلة الكتاب الخلافية وهذا فصل في الشهادة على العتق
اذا ادعى العبد العتق واقام شاهدا لا يحال بينه وبين المولى وفي الامة اذا قالت شاهدي الاخر حاضر يحال ولو اقام العبد شاهدين ان كان المولى مخوفا على العبد حيل بينهما حتى ينظر في امر الشهود لان الحجة تمت ظاهرا حتى لو قضى بشهادتهما نفذ فثبتت به الحيلولة احتياطا بخلاف ما اذا اقام شاهدا واحدا شهدا بعتق عبده واختلفا في الوقت او المكان او اللفظ او اللغة او شهد احدهما انه اعتقه والاخر انه أقر انه اعتقه فالشهادة جائزة لان العتق قول يعاد ويكرر فلا يلزم اختلاف المشهود به اختلاف الشهادة فيما ذكرنا بخلاف ما لو شهد احدهما انه اعتقه والاخر انه وهبه نفسه لاختلاف المشهود به وضعا لان الهبة تمليك والاعتاق احداث القوة او ازالة الملك كذا في المبسوط فيحمل ما ذكر قبله من ان اختلافهما في اللفظ لا يمنع على ما اذا كان مؤدى اللفظين واحدا وضعا ولا يخفى ان التعليل الذي علل به لقبولها عند الاختلاف لفظا من ان العتق لفظ يعاد ويكرر يقتضي انهما اذا اختلفا في انه اعتقه او وهبه لنفسه انه يقبل ولو اختلفا في الشرط الذي علق به العتق فأحدهما جعله كلام زيد والاخر الدخول مثلا لم يجز اذ لا يتمكن القاضي من القضاء بواحد من الشرطين ولو اتفقا على انه الدخول مثلا وقال المولى بل كلام فلان فأيهما فعل فهو حر لثبوت الدخول شرطا بالشهادة والكلام بقول المولى ولو شهد احدهما انه اعتقه بجعل والاخر بغير جعل لم تجز لان العتق بجعل يخالف العتق بغير جعل في الاحكام وكذا لو اختلفا في مقدار الجعل والمولى ينكر الجعل سواء ادعى العبد اقل المالين او اكثرهما ولو كان المولى يدعى اقل المالين والعبد ينكر عتق لاقرار المولى بحريته ولا شيء عليه لاكذابه احد شاهديه وهو الذي يشهد له بالاكثر وان ادعى العتق بألف درهم وخمسمائة واحدهما يشهد بألف والاخر بألف وخمسمائة قضى عليه بألف لان الشهادة لا تقوم هنا على العتق لان العبد عتق بإقرار المولى وانما تقوم على المال ومن ادعى الفا وخمسمائة وشهد له شاهد بالف والاخر بألف وخمسمائة يقضى بألف لاتفاقهما على الالف لفظا ومعنى بخلاف الألف والألفين كما سيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى ولو شهد أنه أعتقه إن كلم زيدا والآخر ان دخل بأيهما فعل عتق لثبوت كل من التعليقين بحجة تامة ولو تعارضت بينتا العبد والمولى في مقدار ما اعتقه ارجحت بينة المولى لاثباتها الزيادة بخلاف ما لو اقام العبد البينة على انه قال ان اديت الى الفا فأنت حر وانه
____________________
(4/511)
اداها واقام المولى انه انما قال اذا اديت الى الفين الخ فالعبد حر لا شيء عليه لانه اثبت ببينته تنجز الحرية فيه ولو اقام العبد بينة انه باعه نفسه بألف واقام المولى انه باعه نفسه بألفين كانت البينة بينة المولى لان العتق تنجز بالقبول فكان اثبات الزيادة في بينة المولى قال في الاصل ولو باعه نفسه بألف فأداها من مال المولى كان حرا وللمولى ان يرجع عليه بمثلها قال في المبسوط العتق هنا حصل بالقبول لا بأداء المال وانما يتحقق هذا الفصل فيما اذا علقه بالاداء لان نزول العتق بوجود الشرط وقد وجد وان كان المؤدى مسروقا او مغصوبا من المولى ثم رد هذا المال على المولى وان كان مستحقا عليه فيقع عن الوجه المستحق في الحكم ويكون له ان يرجع عليه بمثله واذا رجع شهود العتق بعد القضاء به لم يبطل العتق لانهما لا يصدقان في ابطال الحكم ولا في ابطال حق العبد ولكنهما يضمنان قيمة ما اتلفا من ماليته على المولى اذ قد اعترفا بالرجوع انهما اتلفا ماليته على المولى بغير حق ولو ضمنا ثم قامت بينة غيرهم بأن المولى كان اعتقه ان شهدو انه اعتقه بعد شهادة هؤلاء لم يسقط عنهم الضمان بالاتفاق لانهم شهدوا بما هو لغو وعتق بقضاء القاضي والمعتق لا يعتق وان شهدوا انه اعتقه قبل شهادتهم لم يرجعوا بما ضمنوا عند ابي حنيفة وفي قول ابي يوسف ومحمد رحمهما الله يرجعون على المولى بما ضمنوا وهذا بناء على ما بينا ان عندهما الشهادة على عتق العبد تقبل من غير دعوى فثبتت بشهادة الفريق الثاني حرية العبد من الوقت الذي شهدوا به وان لم يكن ثمة مدع لذلك ويتبين به ان الفريق الاول لم يتلفوا على المولى شيئا بشهادتهم وانه اخذ منهم بغير حق وعنده لا تقبل بلا دعوى ولا مدع لما شهد به الفريق الثاني فإن العبد حكم بحريته فلا يمكنه ان يدعي والله اعلم & باب الحلف بالعتق
الحلف بالكسر مصدر حلف سماعي وله مصدر آخر اعنى حلفا بالاسكان يقال حلف حلفا وحلفا وتدخله الفاء للمرة كقول الفرزدق ** على حلفة لا اشتم الدهر مسلما ** ** ولا خارج من في زور كلام **
وقال امرؤ القيس ** حلفت لها بالله حلفة فاجر ** ** لناموا فما ان من حديث ولا صالأ **
والمراد بالحلف بالعتق تعليقه بشرط ولما كان المعلق قاصرا في السببية عن المنجز قدمه عليه ولما جرى المصنف على ان يولى التصرف الذي يصح تعليقه الحلف به كما فعل في الطلاق ولا يضم الكل الى كتاب الايمان ليكون اضبط لاحكام التصرف الواحد حيث يجتمع في بابه ولا تتفرق احكامه في الابواب اولى العتق الحلف به
____________________
(4/512)
واعلم ان بعض من لا يجيز تعليق الطلاق بالملك قبل الملك اجازه في العتق روى ذلك عن احمد للفرق بأن الشارع متشوف الى العتق دون الطلاق وعندنا المصحح مطرد فيهما
قوله ومن قال اذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر ولم يكن له مملوك فاشترى مملوكا ثم دخل عتق أي ذلك المملوك الذي اشتراه ولما كان عتق غير المملوك لا يكون بكلام قبل الملك الا ان يكون اضافة الى الملك قرره ليرده اليه بقوله لان التنوين في يومئذ عوض عن الجملة المضاف اليها لفظ اذ تقديره اذ دخلت ولفظ يوم ظرف لمملوك فكان التقدير كل من لا يكون في ملكي يوم الدخول حر وهذا في الحقيقة اضافة عتق المملوك يوم الدخول الى يوم الدخول والمملوك لا يكون الا بملك فصار كأنه قال ان ملكت مملوكا وقت الدخول فهو حر وهو يصدق بملك قبل الدخول يقارن بقاؤه الدخول فكان اضافة العتق الى الملك الموجود عند الدخول معنى بخلاف قوله لعبد غيره ان دخلت فأنت حر فاشتراه فدخل لا يعتق لانه لم يضف العتق الى ملكه لا صريحا ولا معنى وعدول المصنف الى لفظ وقت عن لفظ يوم في قوله فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول يفيد ان لفظ يوم مراده به الوقت حتى لو دخل ليلا عتق ما في ملكه لانه اضيف الى فعل لا يمتد وهو الدخول وان كان في اللفظ انما اضيف الى لفظ اذ المضافة للدخول لكن معنى اذ غير ملاحظ والا كان المراد يوم وقت الدخول وهو وان كان يمكن على معنى يوم الوقت الذي فيه الدخول تقييدا لليوم به لكن اذا اريد به مطلق الوقت يصير المعنى وقت وقت الدخول ونحن نعلم مثله كثيرا في الاستعمال الفصيح كنحو ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ولا يلاحظ فيه شيء من ذلك فإنه لا يلاحظ في هذه الآية وقت وقت يغلبون يفرح المؤمنون ولا يوم وقت يغلبون يفرحون وله نظائر كثيرة في كتاب الله وغيره فعرف ان لفظ اذ لم يذكر الا تكثيرا للعوض عن الجملة المحذوفة او عمادا له اعنى التنوين لكونه حرفا واحدا ساكنا تحسينا ولم يلاحظ معناها ومثله كثير في اقوال اهل العربية في بعض الالفاظ لا تخفى على من له نظر فيها وكذا لو كان في ملكه عبد حين حلف فبقي في ملكه حتى دخل عتق لما قلنا وفي بعض النسخ لما بينا أي من ان المعتبر قيام الملك وقت الدخول لا وقت التكلم
قوله ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ بل قال اذا دخلت
____________________
(4/513)
فكل مملوك لي حر لا يعتق ما اشتراه بعد التكلم بل الذي كان في ملكه وقت التكلم ووجهه المصنف بقوله لان قوله كل مملوك لي يختص بالحال والجزاء حرية المملوك في الحال يتعلق في الحال بملوك أي المملوك في الحال حريته هي الجزاء فلما دخل الشرط عليه تأخرت الى وجود الشرط فيعتق عند الشرط من كان مملوكا عند التكلم ووجه كون كل مملوك لي حالا ان المختار في الوصف من اسم الفاعل والمفعول ان معناه قائم حال التكلم بمن نسب اليه على وجه قيامه به او وقوعه عليه واللام للاختصاص اى الاختصاص من جرت معنى متعلقها اليه به أي بمعنى المتعلق وهو مملوك فلزم من التركيب اختصاص ياء المتكلم بالمتصف بالمملوكية للحال وهي اثر ملكه فلزم قيام ملكه في الحال ضرورة اتصافه بأثرها في الحال والا ثبت الاثر بلا مؤثر هذا ويعتق بقول القائل كل مملوك لي حر العبيد ولو مرهونين او مأذونين او مؤجورين والاماء ولو كن حوامل او امهات اولاد والمدبرون واولادهم ولا يدخل المكاتب خلافا لزفر لانه مملوك من وجه اذ هو حر يدا ولو نوى الذكور فقط لم يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر في عرف الاستعمال ويصدق ديانة مع ان طائفة من الاصوليين على ان جمع الذكور يعم النساء حقيقة وضعا ولا يدخل المملوك المشترك ولا الجنين الا ان يعنيهم ولا عبيد عبد التاجر وهو قول ابي يوسف الا ان ينويهم وسواء كان على العبد التاجر دين او لا وفي قول محمد يعتقون نواهم اولا عيه دين اولاء وعلى قول ابي حنيفة ان لم يكن عليه دين عتقوا اذا نواهم والا فلا وان كان عليه دين لم يعتقوا ولو نواهم ولو قال عنيت ما يستقبل عتق ما كان في ملكه وما سيملكه اذا ملكه لانه قصد تغيير ما يدل عليه ظاهر لفظه فلم تعتبر نيته في ابطال حكم الظاهر واعتبرنا اعترافه لاثبات العتق فيما يستقبل ولا يخفى ان التعليل يرشد الى ان عتق ما هو في ملكه مع هذه النية انما هو في القضاء وفي الذخيرة قال مماليكي كلهم احرار ونوى الرجال دون النساء لم يذكره وقالوا لا يصدق ديانة بخلاف قوله كل مملوك لي ونوى التخصيص يصدق ديانة انتهى فإن قلت ما الفرق وفي الوجهين تخصيص العام فالجواب ان كلهم تأكيد للعام قبله وهو مماليكي لانه جمع مضاف فيعم وهو يرفع احتمال المجاز غالبا والتخصيص يوجب المجاز فلا يجوز بخلاف كل مملوك لي فإن الثابت به اصل العموم فقط فقيل التخصيص
قوله ومن قال كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لم يعتق سواء ولدته لستة اشهر من وقت القول او اقل اما اذا ولدته لسته اشهر
____________________
(4/514)
فلان اللفظ أي لفظ كل مملوك لي للحال على ما بينا من وجهه وفي قيام الحمل حال التكلم احتمال لوجود تمام مدة الحمل بعده فجاز ان لا يكون قائما عنده فلا يعتق مع هذا الاحتمال ولم يقل لا يعتق بالشك لانه لا شك لان الظاهر ان مدة الحمل لا تكون الا اكثر من ستة اشهر واما اذا ولدته لاقل من ستة اشهر فلان التيقن لوجوده حال التكلم وان كان قائما لكن لفظ المملوك المطلق انما ينصرف الى المملوك بالاصالة والاستقلال والحمل مملوك تبعا لامه كعضو من اعضائها حتى ينتقل بانتقالها ويتغذى بغذائها كما يتغذى العضو به ولهذا لا يملك بيعه منفردا بل تبعا للحامل والدليل على انه لم يعتبر في الشرع نفسا مملوكة انه لا يجزىء عن الكفارة ولا تجب صدقة فطره قال المصنف رحمه الله وفائدة التقييد بالذكورة انه لو قال كل مملوك ولم يقل ذكر تدخل الانثى فتدخل الحامل فيعتق حملها تبعا وهذا بناء على ان لفظه مملوك اما لذات متصفة بالمملوكية وقيد التذكير ليس جزء المفهوم وان كان التأنيث جزء المفهوم مملوكه فيكون مملوك اعم من مملوكة فالثابت فيه عدم الدلالة على التأنيث لا الدلالة على عدم التأنيث واما ان الاستعمال استمر فيه على الاعمية فوجب اعتباره كذلك
قوله وان قال كل مملوك املكه حر بعد غد يعنى ان بعد غد ظرف لحر لا لاملكه او قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله مملوك واحد في الصورتين فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي كان في ملكه يوم حلف دون المشتري ولفظ بعد غد بالرفع لانه فاعل لجاء لا ظرف ووجهه ان كل مملوك تقدم انه للحال
____________________
(4/515)
وكذا لفظ املك للحال حقيقة يقال انا املك كذا فيتبادر منه الحال والتبادر دليل الحقيقة ولذا استعمل فيه من غير قرينة وفي الاستقبال بقرينة السين وسوف وغيرهما كأسناده الى متوقع واقتضائه طلبا على ما عرف في النحو وهذا احد المذاهب لاهل العربية وقيل بقلبه وعليه مشى في المحيط حيث قال أملك وان كان حقيقة في الاستقبال الا انه صار للحال شرعا كما في الشهادة وعرفا يقال املك كذا درهما فكان كالحقيقة في الحال والمذهب الثالث انه مشترك للحال والاستقبال وهو الذي اورده بعض الشارحين على كلام المصنف ظنا ان مذهب النحاة ليس الا انه مشترك وهو ظاهر مذهب سيبويه واعجب منه جواب من رام دفعه عن المصنف بأن قول المصنف أنه للحال لا يدل على أنه للاستقبال ليس حقيقة لأن المشترك حقيقة في المعنيين اه فترك النظر إلى قول المصنف ولذا يستعمل له بغير قرينة وفي الاستقبال بقرينة وهذا صريح في انه في الاستقبال مجاز لانه هو المشروط بالقرينة بل الجواب ما ذكرنا ان الاشتراك ليس مذهب كل النحاة بل المذاهب ثلاثة وما اختاره المصنف رحمه الله مذهب المحققين منهم كأبي على الفارسي وغيره واستدل عليه بما ذكره المصنف من انه لا يراد الاستقبال الا بقرينة كما ذكرنا بخلاف الحال واما اختيار عكسه كما في المحيط فورد عليه ان الحقيقة المستعملة اولى من المجاز المتعارف عند ابي حنيفة فكان ينبغي ان يكون الجواب عنده على الخلاف المذكور واما تفريغه على الاشتراك فغاية ما وجه به ان تعين الحال بغلبة الاستعمال عند عدم القرينة أي المعينة لاحد المفهومين الحقيقين بخلاف نحو اسافر واتزوج فأنه محفوف بقرينة الاستقبال وهي المشاهدة واذا ثبت انه يراد به الحال على اختلاف التخريج كان الجزاء حرية عبد مملوك في الحال مضافا الى ما بعد الغد فلا يعتق المملوك بعد الحال
قوله ولو قال كل مملوك املكه او كل مملوك لي حر بعد موتي وله مملوك فاشترى آخر ثم مات فالذي كان عنده مدبر مطلق لا يصح بيعه بعد هذا القول والذي اشتراه ليس بمدبر مطلق بل مدبر مقيد حتى جاز بيعه ولو لم يبعه حتى مات عتقا جميعا من الثلث ان خرجا منه عتق جميع كل منهما وان ضاق عنهما يضرب كل منهما بقيمته فيه وهذا ظاهر المذهب عن الكل وعن ابي يوسف في النوادر انه لا يعتق ما استفاد بعد يمينه وانما يعتق
____________________
(4/516)
ما كان في ملكه يوم حلف وكذا اذا قال كل مملوك لي اذا مت فهو حر وهذ لان اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه من ان المضارع للحال وكذا الوصف فلا يعتق به ما سيملكه ولهذا صار به الكائن في ملكه حال التكلم مدبرا في الحال دون الاخر وبهذا الوجه طعن عيسى بن ابان في جواب المسئلة فأوجب المروى عن ابي يوسف وايضا لو لم يرد به الحال فقط فإما ان يراد كل منه ومن المملوك في المستقبل فيلزم اما تعميم المشترك او استعماله في حقيقة ومجازه ثم يلزم تدبير كل منهما ذاك في الحال والمستحدث عند ملكه لانه حينئذ في المعنى كل مملوك لي او سأملكه مدبرا وكذا اذا اريد باللفظ المجتمع في الملك عند الموت وهو عموم المجاز كما ذهب اليه محمد رحمه الله فيمن قال كل مملوك املكه غدا فهو حر ولا نية له عتق ما اجتمع في ملكه غدا ممن كان مملوكا له حال التكلم أو ملكه إلى غد خلافا لأبى يوسف فإن على قوله لا يتناول إلا المملوك في الغد فيلزم تدبير كل منهما تدبيرا مطلقا على قول محمد كما لو قال كل من كان في ملكي عند الموت مدبرا وهو منتف او يراد السمتقبل فقط كما لو قال كل مملوك املكه الى سنة او شهر او الى ان اموت او ابدا لزم ان لا يعتق ما كان في ملكه ولا يصير مدبرا وهو منتف فبطلت الاقسام فتعين الاول وهو ان يعتق الكائن في ملكه وقت التكلم فقط ولازمه ما ذكرنا وعرف من هذا ان صورة التراكيب ثلاثة اقسام ما يتناول الحال فقط اتفاقا وهو كل مملوك املكه او كل مملوك لي حر ولا نية له فهو على ما كان في ملكه يوم قاله ولا يعتق ما يستقبل ملكه وما يتناول المستقبل لا غير اتفاقا وهو كل مملوك املكه الى سنة ونحوه وما فيه خلافهما وهو نحو كل مملوك املكه غدا ففي قول محمد رحمه الله
قوله ولهما ان هذا أي محموع التركيب لا لفظ املكه فقط كما في بعض الشروح ايجاب عتق وايصاء لان حاصل التدبير ايجاب للعتق مضافا الى ما بعد الموت وهذا هو الايصاء به فوجب ان يعمل بمقتضى كل من الايجاب والايصاء اللذين هما معنى التدبير ومقتضى ايجاب عتق ما يملكه وقوعه في الحاصل في الملك حال التكلم ثم هو مضاف الى الموت فكان تدبيرا مطلقا فلا يجوز بيعه ومقتضى الوصية بما يملكه دخول ما في الحالة الراهنة أي
____________________
(4/517)
الحابسه لما فيها والرهن هو الحبس وزمن الحال هو الحابس لما فيه دون ما قبله وما بعده ودخول ما في الحالة المنتظرة ايضا للاتفاق على انه لو اوصى بثلث ماله دخل المستحدث من المال بعد الوصية ولو اوصى لولد فلان ولا ولد له فولد له بعد ذلك اولاد دخلو واستحقوا الموصى به وانما اعتبر في الوصية دخول كل ما في الحالين تحصيلا لغرض الميت من تحصيل الثواب والبر فيصير كأنه قال عند الموت كل عبد حر فيعتق م دخل في ملكه قبل ذلك ومنه ما ملكه بعد قوله الصريح بخلاف قوله كل عبد املكه غدا فهو حر ليس فيه الا جهة واحدة هي جهة الايجاب فلا يدخل الحاصل في الحال ولما كان هذا لا ينفى استعمال اللفظ في معنييه اعنى لفظ املك وهو ممنوع عندنا أورده المصنف واجاب بأن الممتنع الجمع بسبب واحد لا بسببين وانت تعلم ان هذا قول للعراقيين غير مرضى في الاصول والا لم يمتنع الجمع مطلقا ولم يتحقق خلاف فيه لان الجمع
____________________
(4/518)
قط لا يكون الا باعتبارين وبالنظر الى شيئين ولو امكن ان يقال ان لفظه اوجب تقدير لفظ اذ كان وصية وهو ما قدرناه عند موته من قوله كل عبد لي حر فيعتق به ما استحدث ملكه والموجب للتقدير ما ذكرنا من تحقيق مقصود الوصية من الثواب والبر للاصحاب وهذ الموجب لا يحتاج الى تقديم تقديره عند ملك العبد والا كان مدبرا مطلقا وانما يحتاج اليه عند موته فلا تتعلق به عبارته عند ملكه لا الصريحة لانها لم تتناول الا الحال ولا المقدرة لتأخير تقديرها الى ما قبل الموت فلا يكون مدبرا لا مطلقا ولا مقيدا كان دافعا للاشكال فروع من تعليق العتق
قال لعبده ان بعتك فأنت حر فباعه لم يعتق لان نزول العتق المعتق بعد الشرط وبعد البيع هو ليس بمملوك فلا يعتق الا ان يكون البيع فاسدا فيعتق لان الملك فيه بعد البيع باق لا يزول الا بتسليمه الا ان يكون المشترى تسلمه قبل البيع فحينئذ يزول ملكه بنفس البيع فلا يعتق كذا في المبسوط وحقيقة الوجه ان يقال وقت نزول العتق هو وقت زوال الملك لانهما معا يتعقبان البيع فلا يثبت العتق في حال زوال الملك كما لا يثبت في حال تقرر زواله ولو قال لعبده ان دخلت فأنت حر فباعه فدخل ثم اشتراه فدخل لم يعتق لان اليمين انحلت بالدخول الاول في غير الملك اذ ليس يلزم من انحلال اليمين نزول الجزاء ولو لم يدخل بعد البيع حتى اشتراه فدخل عتق خلافا للشافعي لعدم بطلان اليمين عندنا بزوال الملك ومثله في الطلاق ولو قال ان دخلت هاتين الدارين فأنت حر فباعه فدخل احداهما ثم اشتراه فدخل الاخرى عتق لان الشرط اذا كان مجموع امرين كان الشرط وجود الملك عند أخرهما وبينا مثله في الطلاق ولو دخل احداهما قبل البيع والاخرى بعد البيع ثم اشتراه لا يعتق لعدم الملك عن آخرهما وليس يلزم من كون الشرط مجموع امرين اعتراض الشرط فلو قال اذا دخلت فأنت حر اذا كلمت فلانا فباعه فدخل ثم اشتراه فكلم فلانا لم يعتق لان شرط العتق ليس الا الكلام غير انه علق اليمين المنعقدة من شرط الكلام وجزائه الذي هو العتق بالدخول فالدخول شرط اليمين فيصير كأنه قال عند الدخول الكائن في غير ملكه انت حر اذا كلمت فلانا لان المعلق كالمنجز عند وجود الشرط واليمين لا ينعقد في غير ملكه فكلامه غير موقع ولو قال إن دخلت فأنت حر بعد موتى فباعه فدخل ثم اشتراه ومات لم يعتق لأنه علق التدبير بدخول الدار فيصير كالمنجز عنده وعنده لم يكن الملك قائما والتذبير لا يصح الا في الملك او مضافا اليه واذا لم يصح التدبير لم يعتق بموته ولو علق عتق عبد مشترك بينه وبين غيره ثم اشترى باقية ففعل ما علق عتقه عليه لم يعتق الا نصفه لانه انما ينزل المعلق والمعلق كان النصف والعتق يتجزأ عند ابي حنيفة فيسعى في قيمة نصفه لسيده وعندهما يعتق كله فلا يسعى ولو كان باع النصف الاول ثم اشترى نصف شريكه ثم دخل الدار لم يعتق منه شيء لان المعلق النصف المبتاع لا المستحدث وقد وجد الشرط في غير ملكه ولو جمع بين عبده وبين مالا يقع فيه العتق من ميت او حجر او حمار وقال احدكما حر او قال هذا او هذا عتق عبده عند ابي حنيفة وان لم ينوه وقالا لا يعتق الا ان ينوه ومثله واصله مر في الطلاق وروى ابن سمعة عن محمد انه اذا جمع بين عبده واسطوانة وقال احدكما حر عتق عبده لان كلامه ايجاب الحرية للجزم ولو قال هذا حر
____________________
(4/519)
او هذا لم يعتق عبده لان هذا اللفظ ليس بايجاب لها كقوله هذا حر اولا وهذه مسئلة في الشهادة على الشرط قال ان دخلت دار فلان فأنت حر فشهد فلان وآخر انه قد دخل عتق لان الدخول فعل العبد وصاحب الدار في شهادته به غير متهم فصحت شهادته بخلاف ما لو قال ان كلمته فشهد هو وآخر انه كلمه لم يعتق لان فلانا في هذه شاهد على فعل نفسه فلم يبق الا شاهد واحد على الشرط ولو شهد ابنا فلان انه كلم اباهما فإن جحد الاب جازت شهادتهما لانهما شهدا على ابيهما بالكلام وعلى انفسهما بوجود الشرط وان دعاه ابوهما فعند ابي يوسف هي باطلة وعند محمد جائزة لانه لا منفعة للمشهود به لابيهما فمحمد يعتبر المنفعة لثبوت التهمة وابو يوسف يعتبر مجرد الدعوى والانكار لان شهادتهما يظهران صدقه فيما يدعيه وتقدم مثل هذه في النكاح والله اعلم
____________________
(4/520)
بسم الله الرحمن الرحيم & باب العتق على جعل
أخر هذا الباب عن أبواب العتق منجزها ومعلقها كما أخر الخلع فى الطلاق لأن المال فى هذين البابين من الإسقاط غير أصل بل الأصل عدمه فأخر ما ليس بأصل عما هو أصل والجعل ما يجعل للإنسان على شىء يفعله وكذا الجعبلة ويقال الجعالة ضبط جيمها بالكسر فى الصحاح وفى غيره من غريب الحديث للقتبى وديوان الأدب للفارابى بالفتح فيكون فيه وجهان قوله ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم أو على أن لى عليك ألفا أو على ألف تؤديها أو على أن تعطينى ألفا أو على أن تجيئنى بألف أو بعتك نفسك بألف أو وهبتكها على أن تعوضنى ألفا فإنه يعتق إذا قبل وإنما يعتق بمجرد قبوله والولاء للمولى لأنه أعتق على ملكه وهو موجب للولاء بعوض وبلا عوض لأنه معاوضة ومن
____________________
(5/3)
حكم المعاوضات ثبوت الحكم بقبول العوض فى الحال كما فى البيع وكما إذا طلقها على مال فقبلت وهذا لأن المولى ثبت ملكه فى العوض الكائن من جهة العبد بقبوله فيلزم زوال ملكه عن المعوض وإلا اجتمع العوضان فى ملكه حكما للمعاوضات وصار كالبيع فيشترط القبول فى مجلسه ذلك إن كان حاضرا وإن كان غائبا اعتبر مجلس علمه
فإن قبل عتق ولزمه المال دينا يطالب به بعد الحرية وإن رده أو أعرض إما بالقيام أو باشتغاله بعمل آخر بطل وليس له أن يقبل بعده وإذا صار دينا على حر صحت الكفالة به وعليه ما ذكر فى الأصل
أعتق أمته على مال فولدت ثم ماتت ولم تترك شيئا فليس على المولود من ذلك المال شىء لأنه ليس على الوارث من دين الورث شىء ولو كانت أعطته فى حال حياتها كفيلا بالمال الذى أعتقها عليه جاز لأنها حرة مديونة بخلاف بدل الكتابة لاتصح به الكفالة لأنه دين ثبت مع المنافى لثبوته بالشرع لضرورة حصول المعتق للعبد والبدل
____________________
(5/4)
للمولى فيتقدر بقدره فلا يتعدى إلى الكفيل والمنافى هو الرق فإنه ينفى أن يكون للمولى على مرقوقة دين ولأن الكفالة إنما تصح بدين صحيح وهو مالا يخرج المديون عنه إلا بأداء أو إبراء ممن له وبدل الكتابة يسقط بدونهما بأن عجز نفسه وكما تصح الكفالة به جاز أن يستبدل به ما شاء يدا بيد لأنه دين لا يستحق قبضه فى المجلس فيجوز أن يستبدل به كالأثمان ولا خير فيه نسيئة لأن الدين بالدين حرام قوله وإطلاق لفظ المال أى فى قوله على مال ينتظم أنواعه من النقد والمكيل والموزون والعرض والحيوان وإن كان بغير عينه بعد كونه معلوم الجنس كمائة قفيز حنطة وإن لم يقل جيدة أو صعيدية وكفرس أو حمار أو عبد لأن الجهالة يسيرة فتتحمل لأنه معاوضة مال بغير المال فشابه النكاح
وعلل المصنف كونه معاوضة بما ليس بمال بأن العبد لايملك نفسه يعنى الحاصل له فى مقابلة المال ليس مالا لأن نفسه بالنسبة إليه ليس مالا لأنه مبقى على أصل الحرية بالنسبة إلى نفسه حتى صح إقراره بالحدود والدين وإن تأخر عنه إلى الحرية وكذا الخلع والصلح عن دم العمد وفيها يغتفر ذلك كما تقدم ويلزمه الوسط فى تسمية الحيوان والثوب بعد تسمية جنسهما من الفرس والحمار والعبد والثوب الهروى
ولو أتاه بالقيمة أجبر المولى على القبول كما فى المشهور وهو مذهب مالك وأحمد ولو لم يسم الجنس بأن قال على ثوب أو حيوان أو دابة فقبل عتق ولزمه قيمة نفسه
ولو أدى إليه العبد أو العرض فاستحق إن كان بغير عينه فى العقد فعلى العبد مثله وقد علمت أن القيمة فى مثله مخلص وإن كان معينا بأن قال أعتقتك على هذا العبد أو الثوب أو بعتك نفسك بهذه الجارية فقبل وعتق وسلمه فاستحق رجع على العبد بقيمة نفسه عند أبى حنيفة وأبى يوسف
وقال محمد يرجع بقيمة المستحق وعلى هذا الخلاف إذا هلك قبل التسليم وإذا كان الحكم أنه لو اشترى شيئا بعبد الغير صح البيع فكذا هنا إلا أن فى البيع إذا لم يجز مالك العبد يفسخ العقد وهنا لا يفسخ بعد نزول العتق بالقبول
ولو اختلفا فى المال جنسه أو مقداره بأن قال المولى أعتقتك على عبد وقال العبد على كر حنطة أو على ألف وقال العبد على مائة فالقول للعبد مع يمينه وكذا لو أنكر أصل المال كان القول له لأنه عتق باتفاقهما والمال عليه للمولى فالقول فى بيانه قوله والبينة بينة المولى إما لإثبات الزيادة أو لأنه يثبت حق نفسه ببينته ولو كان هذا الأختلاف فى مسئلة التعليق بالأداء وهى التى تلى هذه المسئلة أعنى قوله إن أديت إلى ألفا فأنت حر فالقول قول المولى مع يمينه لأن التعليق بالشرط تم به فالقول قوله فى بيانه بخلاف ما قبلها فإن العبد عتق بالقبول فيكون الأختلاف بينهما فى الدين الواجب عليه أما هنا فلا يعتق إلا بالأداء وإنما الأختلاف بينهما فيما يقع به العتق فكان القول للمولى فإن أقاما البينة فالبينة بينة العبد إذ لا منافاة بين البينتين لأنه يجعل كأن الأمرين كانا فأى الشرطين أتى به العبد يعتق ولأن البينتين للإلزام وفى بينة العبد معنى الإلزام أتم فإنها إذا قبلت عتق العبد بأداء خمسمائة وليس فى بينة المولى إلزام فانها إذا قبلت لا يلزم العبد أداء المال هكذا فاعرف هاتين المسئلتين
ولو قال المولى أعتقتك أمس على ألف فلم تقبل وقال العبد قبلت فالقول قول المولى مع يمينه لأنه أقر بتعليق العتق بقبوله المال وهو يتم بالمولى ولهذا يتوقف بعد المجلس إذا كان العبد غائبا
____________________
(5/5)
ثم العبد يدعى وجود الشرط بقبوله وزوال ملك المولى به والمولى ينكر فالقول قوله كما لو قال قلت لك أمس أنت حر إن شئت ولم تشأ وقال العبد بل قد شئت فالقول قول المولى بخلاف قوله لغيره بعتك هذا الثوب أمس بألف فلم تقبل وقال الآخر بل قبلت القول للمشترى لأن القائل أقر بالبيع ولا يتحقق البيع إلا بقبول المشترى فهو فى قوله لم تقبل راجع عما أقر به قوله ولو علق عتقه بأداء المال صح وصار مأذونا وذلك مثل أن يقول إن أديت إلى ألفا فأنت حر ومعنى صح قوله أى التعليق فيستعقب مقتضاه وهو أنه يعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا لأنه صريح فى تعليق العتق بالأداء وإن كان فيه معنى المعاوضة فى الأنتهاء على ما نبين فى خلافية زفر والكتابة ليست صريحا فى التعليق بل صريحة فى عقد المعاوضة وصار العبد مأذونا ضرورة الحكم الشرعى بصحة هذا التعليق واستعقابه آثاره من العتق عند الأداء وذلك يقتضى أن يتمكن شرعا من الأكتساب حيث علق عتقه بأداء المال ويستلزم طلب المولى منه المال فلزم أن يجعله مأذونا لأنه الموضوع للأكتساب فى العادة وخصوصا عادة المتحققين بصفة أنهم موالى العبيد هو التجارة لا التكدى لأنه خسة يلحق المولى عارها لكنه لو اكتسب منه فأدى عتق لوجود الشرط قوله وإن أحضر المال أجبره الحاكم على قبضه وعتق العبد ومعنى الإجبار فيه وفى سائر الحقوق من ثمن المبيع وبدل الإجارة وغيرها أن ينزل قابضا بالتخلية بينه وبينه بأن يكون بحيث لو مد يده أخذه وعلى هذا فمعنى نسبة الإجبار للحاكم ان يحكم بأنه قبض هذا إذا كان العوض صحيحا أما لو كان خمرا أو مجهولا جهالة فاحشة كما لو كان قال له إن أديت إلى كذا خمرا أو ثوبا فأنت حر فأدى ذلك لا يجبر على قبولهما أى لا ينزل قابضا إلا إن
____________________
(5/6)
أخذه مختارا وأما عدم العتق فى قوله إن أديت إلى ألفا فحجت بها فأنت حر لايجبر على القبول لأن التعليق بشيئين المال والحج فلا يعتق بمجرد المال لبطلان معنى المعاوضة ولذا إن كان قال إن أديت إلى ألفا أحج بها يجبر على القبول لأن الأداء إتمام الشرط والحج وقع مشورة
وقال زفر لا يجبر على القبول أى لا ينزل قابضا بالتخلية بل إن أخذه كان قابضا وعتق العبد
وقوله هو القياس لأنه تصرف يمين إذ هو تعليق العتق بالشرط لفظا ولهذا لا يتوقف صحته على قبول العبد ولا يحتمل الفسخ وإذا كان يمينا فلا إجبار على مباشرة شروط الأيمان لأنه لا استحقاق قبل الشرط بل الشرط ولا يجبر على أن يباشر الإنسان سببا يوجب عليه شيئا بخلاف الكتابة لأنه عقد معاوضة لازمة والبدل فيها واجب على العبد فيجبر على قبضه إذا أتى به أما هنا البدل ليس واجبا على العبد فلا يلزم المولى قبوله
وأعلم أن الكتابة قد تثبت بصيغة الشرط إذا حف بما يقتضيها كقوله إن أديت إلى ألفا كل شهر مائة فأنت حر فإنه يصير مكاتبا لا يجوز بيعه كذا ذكره فى الدارية مقتصرا ونسبه إلى الخزانة والمسئلة فى مبسوط شمس الأئمة
وذكر أن هذا هو المذكور فى نسخ أبى سليمان وفى نسخ أبى حفص لا يكون مكاتبا وله بيعه لأنه تعليق بشروط وهو أن يؤدى المال عشر مرات والتعليق بشرط واحد وشروط سواء
ووجه رواية أبى سليمان أنه جعله منجما والتنجيم من حكم الكتابة والعبرة للمعانى لا للألفاظ واستشهد لأبى حفص بما لو قال إن أديت إلى ألفا فى هذا الشهر فلم يؤده فيه وأداه فى غيره لا يعتق اتفاقا
وأجيب بأنه ليس فى هذا تنجيم والمسئلة تحتمل التأمل قوله ولنا أنه تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة بالنظر إلى المقصود لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية من جهة السيد وينال السيد
____________________
(5/7)
المال عوضا عنه وهو معنى المعاوضة وقد فرض صحة هذا التصرف لتحقيق هذا الغرض شرعا فلا بد من اعتباره معاوضة ولذا كان عوضا في الطلاق إذا قال إن أديت إلى ألفا فأنت طالق حتى وقع بائنا لكن لما لم يكن المال لازما على العبد تأخر هذا الأعتبار إلى وقت أدائه إياه ويلزم اعتباره مكاتبا لأن ما بالضرورة يتقدر بقدرها فيثبت ملكه لذلك قبيله ويلزم قبوله على السيد وبه يندفع الإيراد القائل فيه كيف تصح المعاوضة وكل من البدل والمبدل للمولى لأن على ما ذكر يكون المال للعبد لا للمولى
وقد أجيب بأن هذه مغالطة لأن العتق حصل للعبد وهذا يتم إن أريد بالمبدل العتق أما إن أريد به الإعتاق الذى هو فعله فلا ولو حول تقرير الإشكال إلى أن المال ملك السيد فكيف يعتق بأدائه وإن أنزل مكاتبا كما أن المكاتب لا يعتق بأداء ما كان اكتسبه قبل الكتابة لم يقع هذا الجواب دافعا بخلاف ذلك الجواب فإنه يدفع الإشكال كيفما قرر
فأما ما قبل الأداء فالواجب اعتبار الشرط وإلا لتضرر السيد إذ يمتنع بيعه عليه ويصير العبد أحق بمكاسبه من سيده مع أنه لم يجب عليه أداء مال وتسرى الحرية إلى المولود للأمة المعلق عتقها بالأداء بخلاف ما لو كان عبدا لأن رق الولد وحريته تابعة لأمه
والحاصل أنه ثبت له جهتا التعليق والمعاوضة فوجب توفير مقتضى كل عليه وعلى هذا يدور الفقه أى على ترتيب مقتضى كل شبه عليه وتخرج المسائل المختلفة التى بعضها يقتضى اعتباره تعليقا وبعضها يقتضى اعتباره معاوضة إلا أنه لما تأخر اعتبار المعاوضة إلى وقت الأداء كانت أحكام الشرط أكثر من أحكام المعاوضة فلم يثبت من أحكامها إلا ما هو بعد الأداء وهو ما إذا وجد السيد بعض المؤدى زيوفا فإن له أن يرجع بقدره جيادا وما كان من
____________________
(5/8)
ضروريات المعاوضة وهو تقديم ملك العبد لما أداه وإنزاله قابضا إذا أتاه به وفيما قبل ذلك المعتبر جهة التعليق فكثرت آثاره بالنسبة إلى المعاوضة فلهذا خالف المعاوضة التى هى الكتابة فى صور كثيرة الأولى ما إذا مات العبد قبل الأداء وترك مالا فهو للمولى ولا يؤدى منه عنه ويعتق بخلاف الكتابة
الثانية لو مات المولى وفى يد العبد كسب كان لورثة المولى ويباع العبد بخلاف الكتابة
الثالثة لو كانت أمة فولدت ثم أدت فعتقت لم يعتق ولدها لأنه ليس لها حكم الكتابة وقت الولادة بخلاف الكتابة
الرابعة لو قال العبد للمولى حط عنى مائة قحط المولى عنه مائة وأدى تسعمائة لايعتق بخلاف الكتابة
الخامسة لو أبرأ المولى العبد عن الألف لم يعتق ولو أبرأ المكاتب عتق كذا ذكروها والظاهر أنه لاموقع لها إذ الفرق بعد تحقق الإبراء فى الموضعين يكون والإبراء لا يتصور فى هذه المسئلة لأنه لادين على العبد بخلاف الكتابة
السادسة لو باع المولى العبد ثم اشتراه أو رد عليه بخيار عيب ففى وجوب قبول ما يأتى به خلاف عند أبى يوسف نعم وعند محمد لا ولكن لو قبضه عتق بخلاف الكتابة فإنه لا خلاف فى أنه يجب أن يقبله ويعد قابضا
ووجه قول محمد إن وجوب القبول وإنزاله قابضا كان من حكم الكتابة وقد بطلت بالبيع فلا يجب القبول غير أنه لو قبله عتق بحكم التعليق وهو لا يبطل بالخروج عن الملك لما عرف فى الأيمان بالطلاق وقول أبى يوسف عندى أوجه لأن الكتابة التى تبطل بالبيع هى القائمة عنده
وأنت علمت أن إنزاله مكاتبا إنما هو فى الأنتهاء وهو ما عند أدائه فلا ينزل مكاتبا قبله بل الثابت قبله ليس إلا أحكام التعليق والبيع كان قبله ولا كتابة حينئذ معتبرة شرعا فتبطل وقد فرض بقاء هذه اليمين واعتبار صحتها بعد البيع فيجب ثبوت أحكامها ومنها وجوب القبول إذا أتى بالمال
السابعة أنه يقتصر على المجلس فلا يعتق ما لم يؤد فى ذلك المجلس فلو اختلف بأن أعرض أو أخذ فى عمل آخر فأدى لا يعتق بخلاف الكتابة هذا إذا كان المذكور من أدوات الشرط لفظة إن فإن كان لفظة متى أو إذا فلا يقتصر على المجلس
الثامنة أنه يجوز للمولى بيع العبد بعد قوله ذلك قبل أن يؤدى بخلاف المكاتب
التاسعة أن للسيد أن يأخذ ما يظفر به مما اكتسبه قبل أن يأتيه بما يؤديه بخلاف المكاتب
العاشرة أنه إذا أدى وعتق وفضل عنده مال مما اكتسبه كان للسيد فيأخذه بخلاف المكاتب
الحادية عشرة لو اكتسب العبد مالا قبل تعليق السيد فأداه بعده اليه عتق وإن كان السيد يرجع بمثله على ما سيذكر بخلاف الكتابة لا يعتق بأدائه لأنه ملك المولى إلا أن يكون كاتبه على نفسه وماله فإنه حينئذ يصير به أحق من سيده فإذا أدى منه عتق قوله ولو أدى البعض يجبر على القبول إلا أنه لا يعتق لأن شرط العتق أداء الكل
____________________
(5/9)
ولم يوجد كما لو حط عنه البعض وأدى الباقى فإنه لايعتق كما ذكرنا فى المسائل لعدم الشرط وإنما يجبر على قبوله لأنه بعض ما يجب عليه قبوله فكما يجب قبول الكل يجب قبول بعضه ولا خفاء فى ورود منع هذه الملازمة وذلك لأن وجوب قبول الكل لأن به يتحقق شرط العتق الذى هو حق العبد وليس أداء البعض كذلك إلا إذا كان فى ضمن الكل فإنه يجب قبوله باعتبار أنه محقق للكل لا باعتبار أنه بعضه فلذا كان فى هذه المسئلة خلاف وما ذكره المصنف هو المذكور فى الإيضاح
وذكر شيخ الإسلام أنه لايجب قبوله كما ذكرنا وذكر فى شرح الطحاوى أن عدم وجوب قبوله قول أبى يوسف وأنه القياس والأستحسان هو أن يجبر على القبول كالمكاتب والأوجه وهو وجه الاستحسان أن وجوب قبوله البعض لدفع الضرر عن العبد لأنه قد يعجز عن أداء الكل دفعة وما تحمل مشقة الأكتساب إلا لذلك الغرض فلو وقفناه على تحصيل الكل ذهب تحمله كد سعيه خاليا عن غرضه ومما تقدم يعلم أن السيد لو خطفه منه قبل أن يأتيه به جاز ولا يحتسب له به من أداء المشروط قوله ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق يعتق ويرجع المولى عليه بمثلها أما العتق فلوجود الشرط وهو أداء الألف حتى يعتق لو كانت ألفا مغصوبة إلا أنه لا يجب عليه قبول المغصوبة وأما رجوع المولى بمثلها فلاستحقاقه إياها وهو المراد بقول المصنف لأستحقاقها إضافة للمصدر إلى المفعول وهو تعليل للرجوع وهذا لأنها ملكه والعبد وإن قلنا إنه يملك ما اكتسبه عند الأداء ويصير عنده كالمكاتب لكن ذلك فيما اكتسبه بعد التعليق وهذا يوجبه النظر فى الغرض وهو أن يعتقه بأداء ألف يحدث حصولها له فيملك ما لم يكن مالكا له وتلك الألف ليست كذلك فيرجع بمثلها دفعا للضرر عن المولى قوله ثم الأداء فى قوله إن أديت يقتصر على المجلس فلو اختلف
____________________
(5/10)
المجلس بأن قام العبد أو أعرض أو أخذ فى عمل آخر ثم أدى لا يعتق وهذا لأنه تخيير محض إذ ليس فى كلامه ما يدل على الوقت لأن إن للشرط فقط بخلاف إذا ومتى لدلالتهما عليه لايتوقف ففى أى وقت أدى عتق
وعن أبى يوسف أن إن بمنزلة إذا ومتى
وقد يوجه بأن إن لما لم تدل على الوقت صار المعلق به الأداء فى مطلق الوقت فيتخير فيه كالأمر المطلق عن الوقت يتخير فى أى وقت شاء
ويجاب بأنه لما لم يدل على الوقت فإنما يثبت مقتضى للفعل ووقت مجلس الإيجاب حاضر متيقن فيتقيد به
ولا يخفى أن معنى كونه ضرورة الفعل أن تحقيق الفعل بدونه لايمكن فلا يثبت مدلولا أصلا فإنما يثبت للفعل وقت وجوده أى وقت وجد
لايقال بالأداء يختلف المجلس فلا يتصور العتق بالأداء
لأنا نقول يجب أن يستثنى مقدار الحنث كما يستثنى مقدار البر فى حلفه لايلبس هذا الثوب وهو لابسه حتى لم يحنث بقدر شغله بنزعه فلا يتبدل المجلس بالأداء
فرع قال إن أديتما إلى ألفا فأنتما حران فأدى أحدهما حصته لم يعتق لأن شرط العتق أداؤهما جميع المال وجملة الشرط تقابل جملة المشروط من غير انقسام الأجزاء على الأجزاء وإنما الأنقسام فى المعاوضات ولذا لو أدى أحدهما جميع الألف من عنده لم يعتق لأن الشرط أداؤهما فلا يتم بأحدهما فإن قال المؤدى خمسمائة من عندى وخمسائة بعث بها صاحبى لأؤديها إليك عتقا لأن أداء الرسول كأداء المرسل فتم الشرط وهو أداؤهما ولو أدى عنهما أجنبى لايعتقان لأنه ليس أداءهما ولا ينتقل إليهما بخلاف الكتابة وللؤدى أن يرجع على المولى لأنه أدى ليعتقا ولم يحصل مقصوده فإن قال أؤديها إليك على أنهما حران أو على أن تعتقهما فقبل على ذلك عتقا ويرجع المؤدى بالمال على السيد
أما المعتق فلأن قبول المولى على هذا الشرط بمنزلة الإعتاق منه لهما وأما حق الرجوع فلأن عوض العتق لايجب على الأجنبى ولو قال هما أمرانى أن أؤديها إليك فقبلها عتقا لأنه رسول عنهما قوله ومن قال أنت حر بعد موتى على ألف فالقبول بعد الموت لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت فصار كما إذا قال أنت حر غدا بألف فإن القبول محله الغد وهذا لأن جواب الإيجاب فى عقد المعاوضة وهو القبول إنما
____________________
(5/11)
يعتبر فى مجلسه ومجلسه وقت وجوده والإضافة تؤخر وجوده إلى وجود المضاف إليه وهو هنا ما بعد الموت ولو أمكنت إضافة فى البيع ونحوه وجب فيه أيضا كون قبول البيع يتأخر إلى وقت وجود المضاف فيكون محل القبول ذلك بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه فى الحال لأنه إيجاب للتدبير فى الحال إلا أنه لايجب المال لقيام الرق فى المدبر ولا يستوجب المولى على عبده دينا صحيحا وإذا عتق بعد الموت لا يلزمه شىء لأنه لما لم يجب عليه عند القبول لم يجب عليه بعده وعلى هذا لا فائدة فى تعليقه بالقبول إلا ليظهر اختيار التدبير من العبد كما لو قال إن اخترت التدبير فأنت مدبر وصار كما إذا علق تدبيره بدخوله الدار
وأورد أن قوله أنت مدبر على ألف هو معنى أنت حر بعد موتى على ألف فينبغى أن يشترط فى مسئلة الكتاب القبول فى الحال أجيب بأن مسئلة الكتاب تصرف يمين من السيد لا يمكن من الرجوع وفى الأيمان يعتبر اللفظ وليس فى قوله أنت مدبر على ألف إضافة لفظا ليكون يمينا فلا يشترط القبول بعده
وفى النهاية إنما افترق وقت القبول فاعتبر فى الحال فى أنت مدبر على ألف لأنه قابل الألف فى التدبير بحق الحرية وحق الحرية متحقق قبل الموت واعتبر بعد الموت فى أنت حر بعد موتى على الألف لأنه قابلها بحقيقة الحرية وحقيقة الحرية بعد الموت فيعتبر القبول بعد الموت ولا يخفى أن التدبير ليس معناه إلا الإعتاق المضاف إلى ما بعد الموت وذلك هوالثابت فى كل من قوله أنت مدبر أو أنت حر بعد موتى بلا فرق بل المعنى واحد دل عليه بلفظ مفرد ومركب كلفظ الحد والمحدود من نحو إنسان وحيوان ناطق ثم يثبت حق الحرية فرعا عن صحة تلك الإضافة التى هى التدبير لا أن حق الحرية هو معنى التدبير ابتداء فلم يتحقق الفرق
واعلم أنه روى عن أبى حنيفة فى نوادر بشر بن الوليد إذا قال أنت مدبر على ألف ليس له القبول الساعة وله أن يبيعه فإذا مات المولى وهو فى ملكه وقال قبلت أداء الألف عتق فعلى هذا استوت المسئلتان فى أن القبول بعد الموت
وروى عن أبى يوسف فيها إن لم يقبل حين قال له ذلك فليس له أن يقبل بعده وإن قبل كان مدبرا وعليه الألف إذا مات السيد
وعن أبى يوسف فى الإملاء إذا قال إن مت فأنت حر على ألف درهم القبول على حالة الحياة لا الوفاة فإذا قبل صح التدبير فإذا مات عتق ولا يلزمه المال لأنه لا يلزمه وقت القبول لأنه لا يعتق بالقبول فلا يلزمه وقت وقوع العتاق فسوى بين المسئلتين فى أن القبول حالة الحياة إلا أنه اختلف كلامه فيهما فى لزوم المال
وذكر السرخسى عن ابن سماعة عن محمد لو قال أنت مدبر على ألف فالقبول بعد الموت ليعتق فيلزمه المال ومعلوم أنه ذكر فى الجامع فى مسئلة أنت حر بعد موتى على ألف أن القبول بعد الموت فقد سوى بينهما فى هذه الرواية فى أن القبول بعد الموت كما سوى أبو حنيفة فيما ذكرنا عنه كذلك وحينئذ فما قيل إنهم أجمعوا أنه لو قال أنت حر على ألف بعد موتى فالقبول بعد الوفاة لا يصح إذ يجب أن يجعل قول أبى يوسف فى قوله إذا مت فأنت حر على ألف أن القبول فى حالة
____________________
(5/12)
الحياة رواية فى أنت حر بعد موتى على ألف أن القبول فى حالة الحياة بل أولى لأن هناك الإيجاب معلق صريحا بالموت ومع ذلك جعل القبول فى الحال وهنا هو بالموت مضاف
ثم لايخفى أن الأعدل هو لزوم المال على ما ذكرناه عن أبى يوسف ومحمد لأن الظاهر من تعليقه بخصوص هذا الشرط ليس إلا حصول المال عوضا عن العتق وإلا لقال إن اخترت التدبير فأنت مدبر وهذا لأن المولى ما رضى بعتقه إلا ببدل وتعليقه بقبول المال ظاهر فى ذلك ولا مانع شرعى منه إذ المولى يستحق على عبده المال إذا كان بسبب العتق كما فى المكاتب وإن لم يستحق عليه بسبب غيره على أن المروى عن أبى يوسف ومحمد فى المسئلة إنما هو استحقاق المال بعد الموت السيد وحينئذ يكون حرا
فالحاصل تأخر وجوب المال إلى زمن حريته فلا يلزم ما ذكر من ثبوت الدين للسيد على عبده والله الموفق
وأما وقوع العتق عند القبول فقال المصنف عن المشايخ لا يعتق ما لم يعتقه الورثة وزاد غيره أو الوصى أو القاضى إن امتنعوا إلا أن الوارث يملك عتقه تنجيزا وتعليقا والوصى لا يملكه إلا تنجيزا فلو قال إن دخلت الدار فأنت حر فدخل لا يعتق وإذا أعتقه الوارث فولاؤه للميت لأن عتقه يقع له ولذا لو أعتقه الوارث عن كفارة عليه لا يعتق وعلله بأن الميت ليس أهلا للإعتاق قال وهذا صحيح وكذا قال غيره
واعترض بأن الأهلية ليست بشرط إلا عند الإضافة والتعليق ولذا لو جن بعد التعليق ثم وجد الشرط وقع الطلاق المعلق والعتاق ولذا يعتق المدبر بعد الموت وليس التدبير إلا تعليق العتق بعد بالموت
وأجيب بالفرق بين هذه المسئلة وتلك المسائل بأن هناك الموجود بطلان أهلية المعلق فقط وهنا الثابت هذا وزيادة فى المحل وهو خروجه عن ملك المعلق الى ملك الورثة فلم يوجد الشرط الا وهو في ملك غيره ولا يخفى أن هذا ليس دافعا للسؤال وهوأن ما علل به من فوات أهلية المعلق لا أثر له وما ذكر من خروج المحل عن محليته عتقه إن أراد المجيب أنه جزء المانع فليس بصحيح للعلم بأن انتفاء أهلية المعلق ليس له أثر فى عدم الوقوع عند الشرط فصار الحاصل من الإيراد أنه علل بما لا أثر له
فأجاب المجيب بإبداء علة أخرى أو مانع وقال هذا جواب هذا السؤال والصواب فى الجواب أن المصنف حيث علل بأن الميت ليس أهلا للإعتاق لم يبين أن عدم أهليته لذلك بسبب الموت أو غيره ومبنى السؤال على فهم أنه الموت
ويمكن كون مراده أنه ليس أهلا لإعتاقه لخروجه عن ملكه إلى ملك الورثة فصار أجنبيا عنه وإنما لزم خروجه إلى ملكهم لأنه لا يعتق بمجرد الموت كالمدبر بل بعد القبول الكائن بعد الموت وإذا تأخر العتق عن الموت ولو بساعة لا يعتق الا بعتق الورثة وصار كما لو قال أنت حر بعد موتى بشهر فإنه
____________________
(5/13)
لا يعتق إلا بعتقهم وبهذا يندفع ما أورده شارح فقال ينبغى أن يعتق حكما لكلام صدر من الأهل فى المحل وإن كان الميت ليس أهلا للإعتاق لما قلنا إن الكلام صدر فى حال أهليته ثم استدل على ذلك بأن القبول بعد الموت معتبر وهو فرع كون الإيجاب معتبرا بعد الموت فلو لم يعتق بعد الموت إلا بإعتاق واحد من الورثة لم يبق معتبرا بعد الموت فلا يبقى فائدة لقوله فالقبول بعد الموت ولا يخفى أن بعد كون الكلام حين صدوره معتبرا يشترط أن يكون فى ملكه عند نزول العتق ثم نفى الفائدة ممنوع فإن بالقبول يثبت لزوم العتق على الوارث فإن لم يفعل أعتقه القاضى ولم يكن لولا القبول ذلك بل يباع ويورث فكيف يقال لا فائدة له
نعم يقال إذا كان العتق لا بد منه فما السبب إلى نقله إلى ملكهم ثم أمرهم بالإعتاق إن كان بسبب أنه لا سائبة
فلو بقى فى ساعة القبول بلا ملكهم لزم السائبة فلم لم يبق على ملك الميت ويجعل مثل ما هو من حوائجه وهو نفاذ إيجابه وصحته ولهذا كان قبوله معتبرا فلا مانع من أن يبقى على حكم ملك الميت مقدار مجلس العلم بموته لأن القبول لا يعتبر بعده بل يتقيد به
وما تقدم من نوادر بشر من قول أبى حنيفة فإذا مات المولى وقال قبلت أداء الألف عتق ظاهر فى عدم تأخر عتقه إلى عتق الوارث كما استدل به ذلك الشارح أيضا مع أن في المسئلة خلافا كما يفيده قول الصدر الشهيد حيث قال ومن المتأخرين من قال ينبغى أن لا يعتق ما لم يعتقه الورثة لأن الإعتاق من الميت لا يتصور ثم قال وهذا أصح فإنه يفيد بعد ثبوت الخلاف ثم نقول العتق ما وقع إلا من الحى لأن العتق بقوله أنت حر المعلق أو المضاف الصادر منه حال حياته وإن كان نزول أثره بعد موته إلا أن يبقى عليه إشكال هو لزوم أن يبقى على ملك الميت شهرا فيما إذا قال أنت حر بعد موتى بشهر اعتبارا لحاجته إلى نفاذ إيجابه واعتباره وطول المدة وقصرها لا أثر له فإن الموجب حاجته إلى ما ذكر وهى متحققة فيهما وسيأتى لبعضهم فرق فى الباب بعده قوله ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين مثلا أو أقل أو أكثر فقبل العبد فعتق ثم مات المولى من ساعته فعليه أى على العبد قيمته عند أبى حنيفة فى قوله الآخر وهو قول أبى يوسف وفى قوله الأول وهو قول محمد عليه قيمة خدمة أربع سنين أما العتق فلأنه جعل الخدمة وهى معلومة إذ هى خدمة البيت المعتادة فى مدة معلومة عوضا فتعلق العتق بقبولها
____________________
(5/14)
كما فى غيره من المعاوضات لأنه صلح عوضا لأن المنفعة أخذت حكم المال بالعقد ولذا صحت مهرا مع أنه تعالى أمر بابتغاء النكاح بالمال ثم إذا مات العبد أو المولى قبل حصول ما عقد عليه تحقيق الخلاف المذكور وهو بناء على الخلاف فى مسئلة أخرى وهى ما إذا باع نفس العبد منه بجارية بعينها ثم استحقت أو هلكت قبل تسليمها يرجع عليه بقيمة نفسه عندهما وعند محمد بقيمة الجارية وكذا لو ردت بعيب فاحش فهو على هذا الخلاف وإن كان غير فاحش فكذا عندهما وعند محمد لا يقدر على ردها بالعيب اليسير ووجه البناء ظاهر وإن ذكره فى الكتاب ولا يخفى أن بناء هذه على تلك ليس بأولى من عكسه بل الخلاف فيهما معا ابتدائى ولم يقل أحد إنه ترجع الورثة فى موت المولى بعين الخدمة
قيل لأن الناس يتفاوتون فى الأستخدام وقيل بل الخدمة هى المعتادة من خدمة البيت لكن لأن الخدمة منفعة وهى لا تورث
وجه قول الشافعى وزفر أن الجارية أو الخدمة جعلت بدل ما ليس بمال وهو العتق وقد حصل العجز عن تسليم البدل ولا يمكن الفسخ إذ العتق لا يفسخ فتجب قيمته أو مثله لو كان مثليا وصار كما إذا تزوج على جارية أو خالع عليها أو صالح عن دم
____________________
(5/15)
عمد ثم استحقت أو هلكت حيث يرجع بقيمة البدل اتفاقا
وجه قولهما أنها بدل ما هو مال وهو العبد وإن كان لا يملك نفسه كما إذا اشترى عبدا أقر بحريته لا يملكه وهو معاوضة مال بمال لأن العبد مال بالنسبة إلى السيد حيث أخذ مالا فى مقابلة إخراجه مالا عن ملكه
نعم هنا ملاحظة أخرى وهى اعتبار ما أخذ فى مقابلة ما به خرج المال عن ملكه وهو تلفظه بالإعتاق وهذا الأعتبار لا ينفى الأمر الثابت فى نفس الأمر وهو خروج مال عن ملكه بذلك العوض فصار كما إذا باع عبدا بجارية ثم استحقت إنما يرجع بقيمة العبد بخلاف ما قيس عليه لأنه مبادلة مال بما ليس بمال ولهذا لو شهدوا بإسقاط القصاص وإبطال ملك النكاح ثم رجعوا لا يضمنون الدية وقيمة البضع
ولو شهدوا بالإعتاق ورجعوا ضمنوا ولو خدمة سنة مثلا ثم مات أحدهما أخذ بقيمة خدمته ثلاث سنين عند محمد وعندهما بقيمة ثلاثة أرباع رقبته وعلى هذه النسبة قس وعلى هذا لو أعتق ذمى عبده على خمر أو خنزير يعتق بالقبول فإن أسلم أحدهما قبل قبضه فعندهما على العبد قيمة نفسه وعند محمد قيمة الخمر هذا فى المعاوضة
أما لو كان قال إن خدمتنى أربع سنين أو سنة مثلا فخدم بعضها ثم مات أحدهما لا يعتق لعدم الشرط ويباع إن كان الميت المولى وكذا لو أعطاه مالا عوضا عن خدمته أو أبرأه المولى منها أو بعضها على ما تقدم وكذا لو قال إن خدمتنى وأولادى فمات بعضهم قبل استيفاء المدة يتعذر العتق قوله ومن قال لآخر أعتق جاريتك على ألف درهم على أن تزوجنيها وفى بعض النسخ زيادة لفظ على قبل على أن تزوجنيها وليس فى عامة النسخ وهى أدل منه على إيجاب المال على المتكلم وإن كان كذلك مع تركها أيضا فإذا عتق فإما أن تزوجه أولاو لا يلزمها تزوجه لأنها ملكت نفسها بالعتق فإن لم تتزوجه لا يجب على الآمر شىء أصلا لأن حاصل كلامه أمره المخاطب بإعتاقه أمته وتزويجها منه على عوض ألف مشروطة عليها عنها وعن مهرها فلما لم تتزوجه بطلت عنه حصة المهر منها وأما حصة العتق فباطلة إذ لا يصح اشتراط بدل العتق على الأجنبى بخلاف الخلع لأن الأجنبى فيه كالمرأة لم يحصل لها ملك ما لم تكن تملكه بخلاف العتق فإنه يثبت للعبد فيه قوة حكمية وهى ملك البيع والشراء والإجارة والتزويج والتزوج وغير ذلك من الشهادات والقضاء ولا يجب العوض إلا على من حصل له المعوض وإن تزوجته قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها فما أصاب قيمتها سقط منه وما أصاب مهرها وجب لها عليه فإن استويا بأن كان قيمتها مائة ومهرها مائة وكان مهرها ألفا وقيمتها ألفا سقط عنه خمسمائة ووجب عليه خمسمائة عليه وإن تفاوتا بأن كان قيمتها مائتين أو ألفين ومهرها مائة أو ألف سقط ستمائة وستة وستون وثلثان ووجب لها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث
وقوله وقد قررناه من قبل يعنى ما ذكر فى خلع الأب ابنته الصغيرة حيث قال لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبى صحيح لكنه
____________________
(5/16)
لم يذكر أن اشتراط بدل العتق على الأجنبى غير صحيح قوله ولو قال أعتق أمتك عنى على ألف درهم على أن تزوجنيها وهو معنى قوله والمسئلة بحالها ففعل أى أعتق قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها على ما بيناه فما أصاب قيمتها أداه للمأمور وما أصاب المهر سقط عنه يعنى إن لم تكن زوجت نفسها منه وإن زوجت نفسها وجب لها عليه وإنما وجب للمأمور حصة قيمته هنا لأنه لما قال عنى تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف فى الأصول والفروع لكنه ضم إلى رقبتها تزويجها وقابل المجموع بعوض ألف فانقسمت عليها بالحصة وكان هذا
____________________
(5/17)
كمن جمع بين عبده ومدبره فى البيع بألف حيث يصح البيع وينقسم على قيمتها فما أصاب قيمة المدبر سقط وما اصاب قيمة العبد وجب ثمنا بناء على دخول المدبر فى البيع لكونه مالا ثم خروجه باستحقاقه نفسه ومنافع البضع وإن لم تكن مالا لكن أخذت حكم المال لأنها متقومة حال الدخول وإيراد العقد عليها
فإن قيل إذا لم يتحقق فساد هذا البيع من جهة جمع ما ليس بمال إلى ما هو مال فى صفقة واحدة ينبغى أن يفسد لأنه إدخال صفقة فى صفقة وإذا فسد وجب إما عدم وقوع العتق لأنه من جهة الآمر وهو لم يقبضها والمبيع فى البيع الفاسد لا يملك إلا بالقبض فلا عتق فيما لم يملك وإما وجوب كل القيمة للمأمور إن اعتبر قبضها نفسها بالعتق قبضا للمولى وإن ضعف فيكتفى به لأن القيمة حيث وجبت بالقبض فى البيع الفاسد وجبت كلها أجيب بأنه بيع صحيح والنكاح وقع مندرجا فى البيع ضمنا له فلا يراعى من حيث هو مستقلا ولا يفسد به
ولا يخفى أنه يمكن ادعاؤه فى كل صفقة فى صفقة فلا يتصور كونه من المفسدات
وقول المصنف لم يذكره يعنى محمدا فى الجامع الصغير وقوله فى الوجه الأول يعنى الذى لم يذكر فيه لفظ عنى والوجه الثانى هو ما ذكر فيه وقوله فى الوجهين يعنى ما ذكر فيه عنى وما لم يذكر إذا زوجت نفسها وقد بيناه من قبل & باب التدبير
لما فرغ من بيان العتق الواقع فى حال الحياة شرع فى بيان العتق الواقع بعد الموت ووجه الترتيب ظاهر وهذا أحسن مما قيل فيه إنه مقيد والمقيد مركب وهو بعد المفرد لأن مسائل باب الحلف بالعتق كله كذلك فإنها تقييد للعتق بشرط غير الموت كما أن التدبير تقييده بشرط الموت ولم يؤخرها إلى ههنا ثم التدبير لغة النظر فى عواقب الأمور
وشرعا العتق الموقع بعد الموت فى المملوك معلقا بالموت مطلقا لفظا أو معنى
وشرطه الملك فلا يصح تدبير المكاتب لأنتفاء حقيقة الملك عنه فإنه مالك يدا ولا معنى فى التحقيق لقولهم مالك يدا بل الواجب أن يقال ملكه متزلزل اذ لا مثك فى أنه مالك شرعا لكنه بعرض أن يزول بتعجيزه نفسه وغاية الأمر أن بعض آثار الملك منتف وهو لا يوجب نفى حقيقة الملك كملك الأمة المجوسية والوثنية والبلوغ والعقل فلا يصح تدبير الصبى والمجنون
وفى المبسوط فأما السكران والمكره فتدبيرهما جائز عندنا كإعتاقهما ولو قال العبد أو المكاتب إذا أعتقت فكل مملوك أملكه حر فعتق فملك مملوكا عتق لأنه مخاطب له قول معتبر وقد أضاف العتق إلى ما بعد حقيقة
____________________
(5/18)
الملك له فيصح ويكون عند وجود الملك كالمنجز له بخلاف ما لو قال كل مملوك أملكه إلى خمسين سنة فهو حر فعتق قبل ذلك فملك لا يعتق عند أبى حنيفة وقالا يعتق وما ذكرنا من اشتراط البلوغ والعقل هو فى تدبير المالك أما الوكيل فلا
فى المبسوط لو قال لصبى أو مجنون دبر عبدى إن شئت فدبره جاز وهذا على المجلس لتصريحه بالمشيئة ونظيره فى العتق والطلاق
وإذ قد أنجز الكلام إلى الوكالة فهذا فرع منه
قال لرجلين دبرا عبدى فدبره أحدهما جاز ولو جعل أمره فى التدبير إليهما بأن قال جعلت أمره إليكما فى تدبيره فدبره أحدهما لا يجوز لأنه ملكهما هذا التصرف فلا ينفرد به أحدهما بخلاف الأول لأنه جعلهما معبرين عنه وعبارة الواحد وعبارة المثنى سواء ألا ترى أن له أن ينهاهما قبل أن يدبراه فى هذا الفصل وليس له ذلك فى جعل الأمر إليهما كذا فى المبسوط قوله إذا قال المولى لمملوكه إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر منى أو أنت مدبر أو قد دبرتك صار مدبرا لأن هذه الألفاظ صريح فى التدبير فإنه أى التدبير إثبات العتق عن دبر
وهذه تفيد ذلك بالوضع فأفاد أن كلما أفاد إثباته عن دبر كذلك فهو صريح وهو ثلاثة أقسام الأول ما يكون بلفظ إضافة كبعض ما ذكرنا ومنه حررتك أو أعتقتك أو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق بعد موتى
والثانى ما يكون بلفظ التعليق كإن مت أو إذا مت أو متى مت او حدث بى حدث أو حادث فأنت حر وتعورف الحدث والحادث فى الموت وكذا أنت حر مع موتى أو فى موتى فإنه تعليق العتق بالموت بناء على أن مع وفى تستعار فى معنى حرف الشرط وروى هشام عن محمد إذا قال أنت مدبر بعد موتى يصير مدبرا فى الحال لأن المدبر اسم لمن يعتق عن دبر موته فكان هذا وأنت حر بعد موتى سواء وكذا أعتقتك أو حررتك بعد موتى
والثالث ما يكون بلفظ الوصية كأوصيت لك برقبتك أو بنفسك أو بعتقك وكذا إذا قال أوصيت لك بثلث مالى فتدخل رقبته لأنها من ماله فيعتق ثلث رقبته
وفي الكافي أنت حر أو مدبر أو عتيق يوم يموت يصير مدبرا والمراد باليوم الوقت لأنه قرن به مالا يمتد ولو نوى النهار فقط لا يكون مدبرا مطلقا لجواز أن يموت ليلا
يعنى فيجوز بيعه فإن لم يبعه حتى مات عتق كالمدبر وإنما كانت صرائح لأنها استعملت فى الشرع كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أم الولد فهى معتقة عن دبر منه ذكره فى المبسوط ثم توورثث بلا شبهة فى هذا المعنى
ولو قال أنت حر بعد موتى وموت فلان فليس بمدبر مطلق لأنه لم يتعلق بموته مطلقا فإن مات المولى قبل فلان لم يعتق لأن الشرط لم يتم فصار ميراثا للورثة وكان لهم أن يبيعوه وإن مات فلان أولا يصير مدبرا مطلقا فليس له أن يبيعه خلافا لزفر لأنه كما لو قال إذا كلمت فلانا فأنت حر بعد موتى فكلمه أو قال أنت حر بعد كلامك فلانا أو بعد موتى فإذا كلم فلانا صار مدبرا
ولو قال بعد موتى إن شئت ينوى فيه فإن نوى المشيئة الساعة فشاء العبد ساعته فهو حر بعد موته من الثلث لوجود شرط التدبير فيصير مدبرا وإن نوى المشيئة بعد الموت فإذا مات
____________________
(5/19)
المولى فشاء العبد عند موته فهو حر بوجود الشرط لا باعتبار التدبير
وكان الشيخ أبو بكر الرازى يقول الصحيح أنه لايعتق هنا الا بإعتاق من الورثة أو الوصى بمثل ما تقدم فى الباب المتقدم من أنه لما لم يعتق بنفس الموت صار ميراثا فلا يعتق بعده إلا بإعتاق منهم ويكون هذا وصية يحتاج إلى تنفيذها كما لو قال أعتقوه بعد موتى إن شاء وهو نظير ما لو قال أنت حر بعد موتى بشهر فإنه لا يعتق إلا بإعتاق منهم بعد الشهر نص عليه ابن سماعة فى نوادره وكذا بيوم
وفى الإسبيجابى إذا لم يعتق إلا بإعتاق الوارث أو الوصى فللوارث أن يعتقه تنجيزا أو تعليقا والوصى لا يملكه إلا تنجيزا ولو أعتقه عن كفارته عتق عن الميت دون الكفارة والذى ينبغى أن يفصل فى التعليق فإن علقه بشرط من جهة نفسه ثم لم يفعله أو بمضى زمان طويل أو على فعل العبد وهو مما يتعذر عليه أو يتعسر لا يلزم العبد توقفه عليه بل إن شاء رفع إلى القاضى لينجز عتقه ثم فى ظاهر الجواب يعتبر وجود المشيئة من العبد فى مجلس موته أو علمه بموته كما يتقيد بهذا مشيئتة في حياته بمجلس التفويض إليه إذا كان بهذا اللفظ
وعن أبى يوسف لا يتوقف به لأنه في معنى الوصية ولا يشترط في الوصية القبول فى المجلس
وفى الأصل لو قال بعد موتى بيوم لم يكن مدبرا وله أن يبيعه لأنه ما علقه بمطلق الموت بل بمضى يوم بعده فإن مات لم يعتق فى الوقت الذى سمى حتى يعتقه الورثة وهذا يؤيد ما ذكر أبو بكر الرازى ومن المشايخ من فرق بين هذه وبين الأولى فقال إذا أخر العتق عن موته بزمان ممتد بيوم أو شهر وتقرر ملك الوارث فى ذلك الزمان عرفنا أن مراده الأمر بإعتاقه فلا يعتق ما لم يعتقوه وأما فى مسئلة المشيئة فإنها تتصل بمشيئة العبد بموت المولى قبل تقرر الملك للوارث فيعتق بإعتاق المولى ولا تدعو حاجة إلى إعتاق الوارث وهذا إن تم إشكال على ما تقدم فى مسئلة أنت حر بعد موتى بألف فإن زمن القبول كزمن المشيئة فإنه يجب أن يوصل بموت المولى أو بعلمه بموته
لا يقال ينبغى أن يجعل العبد فى هذه المسئلة وتلك باقيا على حكم ملك الميت لحاجته إلى نفاذ إيجابه وثبوت اعتباره شؤعا وما قدمناه من أن القبول غير معلوم يدفع بإنه وإن كان كذلك لكنه متوقع
وعلى تقدير وجوده يلزم إخراجه عن ملكهم بعد الدخول واستصحاب الملك الأول أسهل من رفعه ثم إدخاله فى ملك شخص ثم إخراجه عنه فوجب أن يبقى لحاجته
ثم لا شك أن هذه المسئلة أقرب لأن العتق هنا يقع مجانا فوجب عتقه من جهة المولى
لأنا نقول لو صح ذلك لزم فى أنت حر بعد موتى بيوم عدم توقفه بل أولى لأن مجىء اليوم بعده معلوم غير مشكوك وهى من مواضع النص على أنه لا يعتق إلا بإعتاقهم قوله ثم لا يجوز بيعه أى المدبر المطلق وهو الذى علق عتقه بمطلق موت المولى ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية بلا بدل أو بكتابة أو عتق على مال وما سواه من التصرفات التى لا تبطل حقه فى الحرية يجوز فيجوز استخدامه وإجارته وأخذ أجرته وتزويج المدبرة ووطؤها وأخذ مهرها وأرش جنايتها وعلله المصنف فيما يأتى بقوله لأن الملك فيه ثابت وبه تستفاد ولاية هذه التصرفات وإنما لم يكن له أن يرهنه لفوات شرط عقد الرهن وهو ثبوت يد الأستيفاء من مالية المرهون بطريق البيع ولا مالية للمدبر كأم الولد وليس على المولى فى جنايات المدبر إلا قيمة واحدة لأنه مامنع إلا رقبة واحدة وأما ما استهلكه فدين فى رقبته يسعى فيه وعرف من هذا أن ليس للمولى دفعة بالجناية الموجبة
____________________
(5/20)
للأرش وفى الجناية على المدبر ما فى الجناية على المماليك لأنه مملوك بعد التدبير واستشكل على عدم جواز بيع المعلق عتقه بمطلق موت المولى ما إذا قال كل مملوك أملكه فهو حر بعد موتى وله مماليك واشترى مماليك ثم مات فإنهم يعتقون فكان عتقهم معلقا بمطلق موت السيد
ثم إنه لو باع الذين اشتراهم صح ولم يدخلوا تحت الوصية بالعتق إلا عند الموت
أجيب بأن الوصية بالنسبة إلى المعدوم تعتبر يوم الموت وبالنسبة إلى الموجود عند الإيجاب حتى لو أوصى لولد فلان وله ثلاثة أولاد فمات واحد منهم بطل ثلث الوصية لأنها تناولتهم بعينهم فبطل بموت أحدهم حصته ولو لم يكن له ولد فولد له ثلاثة أولاد ثم مات احدهم ثم مات الموصي كان الكل للإثنين لأن الثالث لم يدخل فى الوصية لكونهم معدومين عند الإيجاب فتناولت من يكون موجودا عند الموت قوله وقال الشافعى يجوز بيعه وهبته للمنقول والمعنى
أما المنقول فما فى الصحيحين من حديث جابر أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه النبى صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه
وفى لفظ أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عيه وسلم بثمانمائة درهم فأعطاه فقال اقض دينك وأنفق على عيالك ولحديث جابر هذا ألفاظ كثيرة
وروى أبو حنيفة بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع االمدبر وفى موطإ مالك بسنده إلى عائشة أنها مرضت فتطاول مرضها فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا له مرضها فقال إنكم تخبرونى عن امرأة مطبوبة قال فذهبوا ينظرون فإذا جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فدعتها ثم سألتها ماذا أردت قالت اردت أن تموتى حتى أعتق قالت فإن لله على أن تباعى من أشد العرب ملكة فباعتها وأمرت بثمنها فجعل فى مثلها ورواه الحاكم وقال على شرط الشيخين
والجواب أنه لا شك أن الحر كان يباع فى ابتداء الإسلام على ما روى أنه صلى الله عليه وسلم باع رجلا يقال له سرق فى دينه ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ذكره فى الناسخ والمنسوخ فلم يكن فيه دلالة على جواز بيعه الآن بعد النسخ وإنما يفيده استصحاب ما كان ثابتا من
____________________
(5/21)
جواز بيعه قبل التدبير إذا لم يوجب التدبير زوال الرق عنه ثم رأينا أنه صح عن ابن عمر رضى الله عنهما لا يباع المدبر ولا يوهب وهو حر من ثلث المال وقد رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ضعف الدارقطنى رفعه وصحح وقفه
وأخرج الدارقطنى أيضا عن على بن ظبيان بسنده عن ابن عمر قال المدبر من الثلث وضعف ابن ظبيان
والحاصل أن وقفه صحيح وضعف رفعه فعلى تقدير الرفع لا اشكال وعلى تقدير الوقف فقول الصحابى حينئذ لا يعارضه النص البتة لأنه واقعة حال لا عموم لها وإنما يعارضه لو قال صلى الله عليه وسلم يباع المدبر
فإن قلنا بوجوب تقليده فظاهر وعلى عدم تقليده يجب أن يحمل على السماع لأن منع
____________________
(5/22)
بيعه على خلاف القياس لما ذكرنا أن بيعه مستصحب برقة فمنعه مع عدم زوال الرق وعدم الأختلاط بجزء المولى كما فى أم الولد خلاف القياس فيحمل على السماع فبطل ما قيل حديث ابن عمر رضى الله عنه لا يصلح لمعارضة حديث جابر
وأيضا ثيت عن أبى جعفر أنه ذكر عنده أن عطاء وطاوسا يقولان عن جابر فى الذى أعتقه مولاه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عتقه عن دبر فأمره أن يبيعه فيقضى دينه الحديث
قال أبو جعفر شهدت الحديث عن جابر إنما أذن فى بيع خدمته رواه الدارقطنى عن عبد الغفار بن القاسم الكوفى عن
____________________
(5/23)
أبى جعفر
وقال أبو جعفر هذا وإن كان من الثقات الأثبات ولكن حديثه هذا مرسل
وقال ابن القطان هو مرسل صحيح لأنه من رواية عبد الملك بن أبى سليمان العزرمى وهو ثقة عن أبى جعفر انتهى
فلو تم تضعيف عبد الغفار لم يضر لكن الحق عدمه وإن كان متشيعا فقد صرح أبو جعفر وهو محمد الباقر الإمام بن على زين العابدين بأنه شهد حديث جابر وأنه إنما أذن فى بيع منافعه ولا يمكن لثقة إمام ذلك إلا لعلمه بذلك من جابر راوى الحديث
وقال ابن العز قول من قال يحمل الحديث على المدبر المقيد أو أن المراد أنه باع خدمة العبد من باب دفع الصائل لأنه لما اعتقد أن التدبير عقد لازم سعى فى تأويل ما يخالف اعتقاده من السنة على خلاف تأويله
والنص مطلق فيجب العمل به إلا لمعارضة نص آخر يمنع من العمل بإطلاقه وأنت إذا علمت أن الحر كان يباع للدين ثم نسخ وأن قوله فى الحديث باع مدبرا ليس إلا حكاية الراوى فعلا جزئيا لا عموم لها وأن قوله أعتق عن دبر أو دبر أعم من المطلق والمقيد إذ يصدق على الذى دبر مقيدا أنه أعتق عن دبر منه وأن ما عن ابن عمر موقوف صحيح وحديث أبى جعفر مرسل تابعى ثقة وقد أقمنا الدلالات على وجوب العمل بالمرسل بل وتقديمه على المسند بعد أنه قول جمهور السلف علمت قطعا أن المرسل حجة موجبة بل سالمة عن المعارض وكذا قول ابن عمر إن لم يصح رفعه يعضده ولا يعارضه المروى عن عائشة رضى الله عنها لجواز كون تدبيرها كان مقيدا ولأنه أيضا واقعة حال لا عموم لها فلم يتناول حديث جابر وعائشة رضى الله عنهما محل النزاع البتة فكيف وقد وجب حمله على السماع بما ذكرنا فظهر لك تحامله أو غلطه
وأما المعنى الذى أبطل به الشافعى منع بيعه فما ذكر فى الكتاب من قوله لأنه تعليق العتق بالشرط وبه لا يمتنع البيع فى سائر التعليقات بسائر الشروط غير الموت وكذا إن اعتبر جهة كونه وصية فإن الرجوع عن الوصية وبيع الموصى به جائز فظهر أنه على اعتبار شبهى التعليق والوصية لا يمتنع بيعه وقد قدم المصنف من قريب قوله وعلى هذا أى إعمال الشبهين يدور الفقه
وجوابه ما ذكر المصنف بقوله ولأنه سبب الحرية لأنها تثبت بعد الموت ولا ثبوت إلا بسبب غيره أى غير قوله أنت حر المعلق فى إذا مت أو المضاف فى بعد موتى فإما أن يجعل سببا فى الحال أو بعد الموت وجعله سببا فى الحال أولى لأنه حال وجوده بخلاف ما بعد الموت فإنه معدوم إنما له ثبوت حكمى فإضافة السببية إليه حال وجوده أولى فهذا وجه أولوية السببية فى الحال
ووجه آخر يوجب عدم إمكان غيره وهو قوله ولأن ما بعد الموت الخ يعنى لا بد لثبوت الملك وزواله من ثبوت الأهلية لهما والموت يبطلها بخلاف الجنون لأن المجنون أهل لثبوت ملكه كما إذا مات مورثه أو وهب له وقبل وليه وزواله كما لولم تشترط الأهلية بالعقل عند وجود الشرط ليزول الحكم لأن ذلك شرط لأبتداء التصرف لا لمجرد زوال الملك والمجنون أهل لذلك بخلاف الموت فإنه سالب لأهلية الأمرين فامتنع أن يجعل قوله المذكور حال حياته سببا بعد موته فلزمت سببيته فى الحال وإلا انتفت لكنها لم تنتف شرعا ولأن سائر التعليقات فيها مانع من كون المعلق سببا فى الحال لأنها أيمان واليمين فى مثله تعقد للمنع كما قد تعقد للحمل فالمنع من وقوع الطلاق والعتاق هو
____________________
(5/24)
المقصد فيها لأنها تعقد للبر وأنه يضاد وقوعهما ووقوعهما هو المقصود فى التعليق الذى هو التدبير فلزم من كلامه أن التعليق منه ما ليس بيمين وهو التدبير بلفظ التعليق ومنه ما هو يمين فلا يمكن سببية المعلق قبل الشرط لما ذكرنا وأمكن فى التدبير إذ ليس فيه معنى اليمين فلزمت سببية فى الحال وإذا انعقدت سببية العتق فى الحال يتحقق ثبوت حق العتق له وهو ملحق بحقيقته فلا يقبل الفسخ ولا شك أنه يرد عليه النقض بما إذا قال إذا جاء غد فأنت حر فإنه لما علق بأمر كائن البتة لزم أن المراد ثبوت المعلق فيه لا منعه فلم يكن يمينا فانتفى مانع السببية فى الحال فينعقد فيه فيلزم أن لا يجوز بيعه قبل الغد وهو منتف وهذا الإشكال لا يندفع عن هذا الوجه بمنع كونه كائنا لا محالة لجواز قيام القيامة قبل الغد فإنما يستقيم إذا كان التعليق بمجىء الغد بعد وجود أشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام وغيرهما أما قبل ذلك فليس بصحيح
والجواب بأن الكلام فى فى الأغلب فيلحق الفرد النادر به اعثراف بالإيراد على أن كون التعليق بمثل مجىء الغد ورأس الشهر نادر غير صحيح
وأجيب أيضا بما هو حاصل الوجه الثانى وهو أن التعليق الذى هو التدبير وصية والوصية خلافة فى الحال كالوراثة
ويرد عليه أنه يجوز الرجوع عن الوصية وهذا وارد على عبارته إلا بعناية وهو أن المراد بقوله والوصية خلافة أى الوصية المذكورة وهى الوصية برقبته خلافة كالورثة حتى منعت من لحوق الرجوع عنها
ويفرق بين قوله إذا مت فأنت حر وأنت حر بعد موتى وبين قوله أعتقوه بعد موتى فإن الأول استخلاف موجب لثبوت حق الحرية فى الحال بخلاف أعتقوه
وأورد عليه أن هذا فرق بعين محل النزاع لأن حاصله أن الوصية بالعتق إذا كانت تدبيرا كانت خلافة تستدعى لزوم الموصى به وعدم جواز الرجوع عنه وإن كانت غيره كأعتقوا هذا العبد لا تكون كذلك وجاز بيعه وهذا عين المتنازع فيه فإن الخصم يقول الوصية بالعتق بهذه الصيغة وبالصيغة الأخرى سواء ولا مخلص إلا أن تبدى خصوصية فى تلك العبارة تقتضى ذلك وليس هنا إلا كون العبد خوطب به أو كون العتق علق صريحا بالموت أو أضيف وكون فى الشرع يقتضى ما ذكرتم من اللزوم وعدم جواز الرجوع ممنوع فالحق أن الأستدلال إنما هو بالسمع المتقدم بناء على عدم معارضة حديث جابر له لما قدمناه ثم المذكور بيان حكمة الشرع لذلك قوله فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله لما روينا أول الباب ولأن التدبير وصية ونفاذها من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره عتق ثلثه ويسعى فى ثلثيه للورثة ولو كان على المولى دين فى هذه الصورة يستغرق رقبة المدبر يسعى فى كل قيمته لأن الدين مقدم على الوراثة فكيف بالوصية ولا يمكن نقض العتق فيرد قيمته قوله وولد المدبرة مدبر فيعتق بموت سيد أمه
____________________
(5/25)
والمراد ولد المدبرة المطلق أما ولد المدبرة تدبيرا مقيد فلا يكون مدبرا هذا هو الصحيح من النسخ وفى بعضها ولد المدبر مدبر
وليس بصحيح لأن الولد يتبع أمه لا أباه فإن زوجة المدبر لو كانت حرة كان ولدها حرا أو أمة فولدها عبد سواء كان أبوه حرا عبدا مدبرا أو لا
ثم المراد الولد الذى كانت حاملا به وقت التدبير أو الولد الذى حملت به بعد التدبير أما ولدها المولود قبله فلا يصير مدبرا بتدبيرها أما الذى كان حملا فبالإجماع كما لو أعتقها وهى حامل وأما الذى حملت به بعده ففى قول أكثر أهل العلم وهو المروى عن عمر بن عبد العزيز والزهرى والبصرى وشريح ومسروق والثورى ومجاهد وقتادة وعطاء وطاوس والحسن بن صالح ومالك وأحمد وللشافعى فيه قولان قال المصنف وعلى هذا إجماع الصحابة يعنى الإجماع السكوتى فإنه روى عن عمر وابن عمر وعثمان وزيد بن ثابت وجابر وابن مسعود رضى الله عنهم ولم يرو عن غيرهم خلاف ولا يخفى أن سريان التدبير إلى الولد على خلاف القياس بالإجماع فلا يقبل فيه إشكال مما ذكر من طرف الشافعى
ولو اختلف المولى والمدبرة فى ولدها فقال ولدته قبل للتدبير وقالت بعده فالقول للمولى لأنها تدعى حق العتق لولدها ولو ادعته لنفسها كان القول له مع يمينه فلولدها كذلك والبينة بينتها لإثباتها زيادة حق العتق
واعلم أنه إذا حلف المولى يحلف على العلم لأنه تحليف على فعل الغير وهو ما ادعت من ولادتها بعد التدبير ذكره فى المبسوط فى باب الشهادة فى التدبير
واعلم أنه إذا دبر الحمل وحده فإنه جائز كعتقه وحده فإن ولدته لأقل من ستة أشهر كان مدبرا وإلا لا ولو كانت بين اثنين فدبر أحدهما حملها وولدته لأقل من ستة أشهر فالشريك بالخيار بين التدبير وتضمين المدبر والأستسعاء له بعد أن يقدر على السعاية ولو دبر أحدهما ما فى بطنها بأن قال ما فى بطنك حر بعد موتى وقال الآخر أنت حرة بعد موتى فولدت لأقل من ستة أشهر بعد كلام الأول فالولد مدبر بينهما لأنه كان موجودا حين دبر الأول فتدبر نصيبه وبتدبيره وتدبير نصيب الآخر بتدبير أمه وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من الأول ولأقل منها من تدبير الأم فالولد كله مدبرا للذى دبر الأم لأن ثبوت التدبير فيه بطريق التبعية للأم باعتبار أنه كالجزء وفى هذا لا ينفصل بعضه عن بعض فكان كله مدبرا للذى دبر الأم وأما الأم فنصفها مدبرللذى دبرها وللآخر الخيار بين أن يضمنه نصف قيمتها إن كان موسرا وبين أن يستسعيها فتعتق الأم بضمان والولد المدبر بلا ضمان لأن الضمان إنما يلزمه من حين دبر وعلوق الولد بعده فى الحكم فلا يثبت فيه حق الشريك ألا يرى أنها لو زادت قيمتها فى مدة لم يكن للشريك إلا تضمين نصف القيمة وقت التدبير فكذا فى الزيادة المنفصلة ولأنها صارت فى حكم المستسعاة حين ثبت لها حق أن يستسعيها والمستسعاة كالمكاتبة تكون أحق بولدها وإذا دبر ما فى بطن أمته لم يكن له أن يبيعها ولا يهبها ولا يمهرها
وذكر فى كتاب الهبة من الأصل إذا أعتق ما فى بطن أمته ثم وهبها جازت الهبة بخلاف ما لو باعها
وقيل فى المسئلة روايتان والأصح هو الفرق بين التدبير والعتق بأنه إذا دبر ما فى البطن لو وهب الأم لا يجوز عتقه ولو أعتقه جاز هبتها لأن بالتدبير لا يزول ملكه عما
____________________
(5/26)
فى البطن فلو وهب الأم فالموهوب متصل بما ليس من ملك الواهب فيكون فى معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وأما بعد عتقه فغير مملوك فلم يتصل الموهوب بملك الواهب فهو كما لو وهب دارا فيها ابن الواهب وسلمها
ولو دبر ما فى بطنها فولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر بيوم واالآخر لأكثر بيوم فهما مدبران لأنهما توءمان وتيقنا بوجود أحدهما حال التدبير فى البطن ولو دبر ما فى بطنها ثم كاتبها جاز وإن وضعت بعد هذا لأقل من ستة أشهر كان التدبير فى الولد صحيحا لكنه يدخل فى الكتابة أيضا تبعا للأم فإذا أدت عتقا جميعا وإن مات المولى قبل أن تؤدى عتق الولد بالتدبير وإن ماتت الأم قبل المولى فعلى الولد أن يسعى فيما على الأم لأنه دخل فى الكتابة فإن مات المولى فالولد بالخيار فى اختياره الحرية بالتدبير أو بأداء الكتابة فيختار الأنفع له وإن كان خرج من الثلث عتق ولا شىء عليه لأن مقصوده حصل
ولو قال لأمته ولدك الذى فى بطنك ولد مدبرة أو ولد حرة ولا يريد به عتقا لم تعتق لأن هذا تشبيه وليس بتحقيق فكأنه قال أنت مثل الحرة أو المدبرة قوله وإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول إن مت من مرضى هذا أو سفرى هذا أو مرض كذا أو قتلت أو غرقت فليس بمدبر فيجوز بيعه لأن السببية لم تنعقد فى الحال للتردد فى تلك الصفة هل تقع أو لا بخلاف المدبر المطلق لأنه تعلق عتقه بمطلق الموت وهو كائن لا محالة
ثم إن مات المولى على الصفة التى ذكرها عتق كما يعتق المدبر يعنى من الثلث لأنه ثبت حكم التدبير له في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق تلك الصفة فيه فإذ ذاك يصير مدبرا مطلقا لا يجوز بيعه بل لا يمكن فأما ما قيل آخر جزء من حياته فلم يكن مدبرا فجاز بيعه وإن برىء من ذلك المرض أو رجع من ذلك السفر ثم مات لم يعتق لأن الشرط الذى علق به قد انعدم
واستشكل بما إذا قال أنت حر قبل موتى بشهر ومضى شهر فإنه بعد مضى الشهر يعتق بمطلق موت المولى مع أنه مدبر مقيد حتى جاز للمولى بيعه
أجيب بأنه إنما كان كذلك لأنه يعتق بالشهر قبل موته كما سمى فيجب اعتباره بالعتق المضاف إلى غد وأنه لا يثبت حقا للعبد للحال فكذا هنا
ولو قال إذا مت أو قتلت فأنت حر على قول
____________________
(5/27)
زفر هو مدبر لأن عتقه تعلق بمطلق موته حتى يعتق إذا مات على أى وجه كان
وعلى قول أبى يوسف ليس مدبرا لأنه علقه بأحد الشيئين من الموت والقتل والقتل وإن كان موتا فالموت ليس بقتل وتعليقه بأحد الأمرين يمنع كونه عزيمة فى أحدهما خاصة فلا يصير مدبرا حتى يجوز بيعه
وقول زفر أحسن لأن التعليق فى المعنى بمطلق موته لأنه لا تردد فى كون الكائن أحد الأمرين من الموت قتلا أو غير قتل فهو فى المعنى مطلق الموت كيفما كان
وروى الحسن عن أبى حنيفة إذا قال إذا مت وغسلت فأنت حر لا يكون مدبرا لأنه علقه بالموت وشىء آخر بعده ثم إذا مات ففى القياس لا يعتق وإن غسل ما لم يعتقوه لأنه بنفس الموت انتقل إلى ملكهم فهو كقوله إن مت ودخلت الدار فأنت حر
وفى الأستحسان يعتق لأنه يغسل عقيب الموت قبل أن يتقرر ملك الوارث فهو نظير تعليقه بموت بصفة فإذا وجد ذلك يعتق من الثلث بخلاف دخوله الدار لأنه لا يتصل بالموت فيتقرر ملك الوارث فيه كذا فى المبسوط قوله ومن المقيد أى ومن التدبير المقيد أن يقول إن مت إلى سنة أو إلى عشر سنين فأنت حر فإن مات قبل السنة أو العشر عتق مدبرا وإن مات المولى بعد السنة أو العشر لم يعتق ومقتضى الوجه كونه لو مات فى رأس السنة يعتق لأن الغاية هنا لولاها تناول الكلام ما بعدها لأنه تنجيز عتقه فيصير حرا بعد السنة والعشر فتكون للإسقاط ومنه أنت حر قبل موتى بشهر أو بيوم فإنه مدبر مقيد حتى ملك بيعه وعند زفر مدبر مطلق قلنا لم يوجد تعليقه بمطلق موته لاحتمال موته قبل شهر فلم يتعلق بشرط كائن لا محالة ولو مات بعد شهر قبل يعتق من الثلث وقيل من جميع المال لأن على قول أبى حنيفة يستند العتق إلى أول الشهر وهو كان صحيحا فيعتق من كله وعلى قولهما يصير مدبرا بعد مضى الشهر قبل موته قوله بخلاف ما إذا قال إلى مائة سنة ومثله لا يعيش إليها فى الغالب لأنه كالكائن لا محالة فيكون تدبيرا مطلقا فلا يجوز بيعه وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة وقال قاضيخان على قول أصحابنا مدبر مقيد وكذا ذكره فى الينابيع وجوامع الفقه لأنه لم يخرج عن التعيين وعلى قول الحسن ذكر مالا يعيش إليه غالبا تأبيد معنى وهو كالخلاف فى النكاح المؤقت لو سميا مدة لا يعيشان إليها غالبا صح النكاح عند الحسن لأنه تأييد معنى والمذهب أنه توقيت فلا يصح والمصنف كالمناقض فإنه فى النكاح اعتبره توقيتا وأبطل به النكاح وهنا جعله تأييدا موجبا للتدبير
فروع كاتب مدبره ثم مات وهو يخرج من ثلث ماله عتق بالتدبير وسقط عنه بدل الكتابة للاستغناء عن
____________________
(5/28)
أداء المال بالعتق الحاصل عن التدبير فإن لم يكن له مال غيره فإنه يعتق ثلثه بالتدبير ثم لا يسقط عنه شيء من بدل الكتابة فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد سقط ثلث بدل الكتابة ايضا أعتبارا للجزء بالكل وقياسا على ما لو كاتبه أولا ثم دبره ثم مات ولا مال له سواه فإنه يسقط عنه ثلث بدل الكتابة لما عتق ثلثه بالتدبير فكذا إذا سبق التدبير الكتابة
ولا معنى لقول من يقول المستحق بالتدبير لا يرد عليه عقد الكتابة لأنه لو أدى جميع بدل الكتابة فى حياته يعتق كله ولو كان المستحق بالتدبير لم ترد عليه الكتابة لما عتق بالأداء ولأن استحقاق المدبر ثلثه بالتدبير كاستحقاق أم الولد جميعها بالأستيلاد
ولو كاتب أم ولده صح ووجب المال فعرفنا أن هذا الأستحقاق لا يمنع ورود العقد عليه
ولهما طريقان أحدهما أن بدل الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير لأن موجب الكتابة ثبوت ما لم يكن ثابتا فى المكاتب والبدل بمقابلته وعرف أن التدبير يوجب استحقاق شىء له فلا يتصور استحقاق ذلك بالكتابة فيكون البدل بمقابلة ما وراء ذلك فهو كما لو طلق زوجته ثنتين ثم طلقها ثلاثا بألف كانت الألف كلها بإزاء الطلقة الثالثة ألا يرى أنه لو خرج كله من الثلث بطلت الكتابة فأما قبل الموت الكتابة صحيحة لأن الأستحقاق بالتدبير غير متقرر لجواز أن لايموت المولى قبله وإذا ثبت أن بدل الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير وشىء من ذلك لم يسلم للعبد بموت المولى لا يسقط شىء عنه بخلاف ما لو كاتبه أولا لأن بدل الكتابة هناك بمقابلة جميع الرقبة فإنه لم يكن مستحقا لشىء من رقبته عند الكتابة فإذا عتق بعض الرقبة بعد ذلك بالتدبير عند الموت سقط حصته من بدل الكتابة
والطريق الآخر أن التدبير وصية برقبته له وهى عين والوصية بالعين لا تنفذ من مال آخر كما لو أوصى بعبد لإنسان ثم باعه أو قتل لا تنفذ الوصية فى قيمته ولا ثمنه من مال الموصى وفى إسقاط بعض بدل الكتابة ذلك فامتنع بخلاف ما لو كاتبه أولا ثم دبره لأن حقه عند التدبير أحد الشيئين إما بدل الكتابة إن أدى أو مال رقبته إن عجز فيكون موصيا له بما هو حقه فلهذا ينفذ من بدل الكتابة
إذا عرف هذا فتخرج المسئلة على قول أبى حنيفة فيما إذا دبره ثم كاتبه أنه يتخير بعد موت المولى إن شاء سعى فى جميع بدل الكتابة بجهة عقد الكتابة وإن شاء سعى فى ثلثى قيمته بالتدبير لأن عنده العتق يتجزأ وقد تلقاه جهتا حرية فيختار أيهما شاء
وعند أبى يوسف يسعى فى الأقل منهما بغير خيار لأن العتق لا يتجزأ عنده فقد عتق كله والمال عليه ولا يلزمه إلا أقل المالين وعند محمد يسعى فى الأقل من ثلثى قيمته ومن ثلثى بدل الكتابة لأن ثلثها سقط عنه ولا يتخير لأنه عتق كله كما ذكر أبو يوسف
ولو كاتبه ثم دبره فعند أبى حنيفة يتخير بين أن يسعى فى ثلثى قيمته أو ثلثى بدل الكتابة وعندهما يسعى فى أقلهما عينا
ولو كاتب مدبرته فولدت ثم ماتت يسعى الولد فيما عليها لأنه مولود فى كتابتها فيبقى عقد الكتابة ببقائه لأنه جزء منها فإن كانا ولدين فأدى أحدهما المال كله لم يرجع على أخيه بشىء لأنه ما أدى عنه شيئا إنما أدى عن الأم فإن بدل الكتابة عليها ولأن كسب كل منهما لها حتى لو كانت حية كانت أحق به فكان أداء من أدى أحدهما أو كليهما أداء من مال الأم ومثله لو كاتب عبدين مدبرين جميعا وكل كفيل عن الآخر ثم ماتا وترك أحدهما ولدا ولد له فى كتابته من أمته فعليه أن يسعى فى جميع الكتابة لأنه قائم مقام أبيه وإنما يسعى لتحصيل العتق لأبيه ولنفسه ولا يحصل العتق لأبيه إلا بأداء جميع بدل الكتابة فلذا كان عليه السعاية فى جميع بدل الكتابة
____________________
(5/29)
& باب الاستيلاد
لما اشترك كل من المدبر وأم الولد فى استحقاق العقد وتعلقه بالموت وصل بينهما ولما كان التدبير أنسب بما قبله من حيث أن العتق به بإيجاب اللفظ بخلاف الأستيلاد قدمه عليه
والأستيلاد مصدر استولد أى طلب الولد وهو عام أريد به خصوص وهو طلب ولد أمته أى استلحاقه أى باب بيان أحكام هذا الأستلحاق الثابتة فى الأم وأصله استولاد ومثله يجب قلب واوه ياء كميعاد وميزان وميقات فصار استيلادا وأم الولد تصدق لغة على الزوجة وغيرها ممن لها ولد ثابت النسب وغير ثابت النسب
وفى عرف الفقهاء أخص من ذلك وهى الأمة التى ثبت نسب ولدها من مالك كلها أو بعضها قوله وإذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد له يعني إذا ثبت نسبه منه وليس ولادتها منه ثبوته ففي العبارة قصور وذلك لأنه لا يريد أنها إذا ولدت منه صارت أم ولد بالمفهوم اللغوى بل بالأصطلاح الفقهى ولذا رتب عليه الأحكام المذكورة حيث قال لا يجوز بيعها ولا تمليكها ولا هبتها بل إذا مات ولم ينجز عتقها تعتق بموته من جميع المال ولا تسعى لغريم ولو
____________________
(5/30)
كان السيد مديونا مستغرقا وهذا كله مذهب جمهور الصحابة والتابعين والفقهاء إلا من لا يعتد به كبشر المريسى وبعض الظاهرية فقالوا يجوز بيعها واحتجوا بحديث جابر قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فلما كان عمر نهانا عنه فانتهينا رواه أبو داود وقال الحاكم على شرط مسلم وأخرج النسائى عن زيد العمى إلى أبى سعيد الخدرى كنا نبيعهن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صححه الحاكم وأعله العقيلى بزيد العمى وقال النسائى زيد العمى ليس بالقوى ونقل هذا المذهب عن الصديق وعلى وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن الزبير رضى الله عنهم لكن عن ابن مسعود بسند صحيح وابن عباس تعتق من نصيب ولدها ذكره ابن قدامة فهذا يصرح برجوعهما على تقدير صحة الرواية الأولى عنهما واستدل بعضهم للجمهور بما فى حديث أبى داود من طريق محمد بن إسحاق عن خطاب بن صالح عن أمه عن سلامة بنت مغفل امرأة من خارجة قيس عيلان وذكر البيهقى أنه أحسن شىء روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا قالت قدم بى عمى فى الجاهلية فباعنى من الحباب بن عمرو أخى أبى اليسر بن عمرو فولدت له عبد الرحمن بن الحباب ثم هلك فقالت امرأته الآن والله تباعين فى دينه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنى امرأة من خارجة قيس عيلان قدم بى عمى المدينة فى الجاهلية فباعنى من الحباب ابن عمرو أخى أبى اليسر بن عمرو فولدت له عبد الرحمن فمات فقالت لى امرأته الآن والله تباعين فى دينه فقال عليه الصلاة والسلام من ولى الحباب قيل أخوه ابو اليسر كعب بن عمرو فبعث إليه فقال أعتقوها فإذا سمعتم برقيق قدم على فأتونى أعوضكم قالت فأعتقونى وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق فعوضهم منى غلاما ولا يخفى أن هذا لا يدل على أنها تعتق بمجرد موته بل على أنه سألهم أن يعتقوها ويعوضهم لما أسترقت قلبه عليه الصلاة والسلام بل يفيد أنها لا تعتق وإلا لبين الحكم الشرعى فى ذلك من أنها عتقت ولم يأمرهم بعتقها بعوض يقوم هو عليه الصلاة والسلام به لهم نعم يحتمل أن يراد بأعتقوها خلوا سبيلها كما فسره البيهقى وأن العوض من باب الفضل منه عليه أفضل أفضل الصلاة والسلام لكن هذا احتمال غير الظاهر والعبرة للظاهر فلا يصار إلى هذا إلا بدليل من خارج يوجبه ويعينه فمن ذلك ما ذكر المصنف عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يعنى فى مارية القبطية رضى الله عنها أعتقها ولدها وهو حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعتقها ولدها وطريقة معلول بأبى بكر بن عبد الله بن أبى سبرة وحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عباس وبسند ابن ماجه رواه ابن عدى فى الكامل لكن أعله بابن أبى سبرة فقط فإنه يرى أن حسينا ممن يكتب حديثه وأخرج ابن ماجه أيضا عن شريك عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أمة ولدت من سيدها فهى حرة بعد موته ورواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد وهذا توثيق الحسين بن عبد الله ورواه أبو يعلى الموصلى فى مسنده حدثنا زهير حدثنا إسماعيل بن أبى أويس حدثنا أبى عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم قال إيما أمة ولدت من سيدها فإنها
____________________
(5/31)
حرة إذا مات إلا أن يعتقها قبل موته ورواه أحمد عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أيما رجل ولدت منه أمته فهى معتقة عن دبر منه والطرق كثيرة فى هذا المعنى ولذا قال الأصحاب إنه مشهور تلقته الأمة بالقبول وإذ قد كثرت طرق هذا المعنى وتعددت واشتهرت فلا يضره وقوع راو ضعيف فيه مع أن ابن القطان قال فى كتابه وقد روى بإسناد جيد قال قاسم بن أصبغ فى كتابه حدثنا محمد بن وضاح حدثنا مصعب بن سعد أبو خثيمة المصيصى حدثنا عبد الله بن عمرو هو الرقى عن عبد الكريم الجزرى عن عكرمة عن ابن عباس قال لما ولدت مارية القبطية إبراهيم قال صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها ومن طريق ابن أصبغ رواه ابن عبد البر فى التمهيد ومما يدل على صحة حديث أعتقها ولدها ما قال الخطابى ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة فلو كانت مارية مالا بيعت وصار ثمنها صدقة
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن التفريق بين الأولاد والأمهات وفى بيعهن تفريق
وإذا ثبت قوله أعتقها الخ وهو متأخر إلى الموت إجماعا وجب تأويله على مجاز الأول فيثبت فى الحال بعض مواجب العتق من امتناع تمليكها
وروى الدارقطنى عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن مسلم بن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد فقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها سيدها ما دام حيا فإذا مات فهى حرة ثم أخرجه بسند فيه عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن دينار وأعله ابن عدى بعبد الله بن جعفر بن نجيح المدينى وأسند تضعيفه عن النسائى وغيره ولينه هو وقال يكتب حديثه ثم أخرجه عن أحمد بن عبد الله العنبرى حدثنا معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر موقوفا عليه وأخرجه أيضا عن فليح بن سليمان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر موقوفا قال ابن القطان هذا حديث عن عبد العزيز بن مسلم القسملى وهو ثقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
واختلف عنه فقال عنه يونس بن محمد وهو ثقة وهو الذى رفعه
وقال عنه يحيى بن إسحاق وفليح بن سليمان عن عمر لم يتجاوزوه وكلهم ثقات وهذا كله عند الدارقطنى وعندى أن الذى أسنده خير ممن وقفه
وأخرج مالك فى الموطإ عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو يستمتع منها فإذا مات فهى حرة وهكذا رواه سفيان الثورى وسليمان بن بلال وغيرهما عن عمر موقوفا
وأخرج الدارقطنى من حديث عبد الرحمن الإفريقى عن سعيد بن المسيب أن عمر أعتق أمهات الأولاد وقال أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم والإفريقى وإن كان غير حجة فقد تقدم ما يعضد رفعه مع ترجيح ابن القطان فثبت الرفع بما قلنا ولا شك فى ثبوت وقفه على عمر
وذكر محمد فى الأصل حديث سعيد بن المسيب قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث وقال لا يبعن فى دين وعدم مخالفة أحد لعمر حين أفتى به وأمر فانعقد إجماع الصحابة على عدم بيعهن فهذا يوجب أحد الأمرين إما أن ما كان من بيع أمهات الأولاد فى زمنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بعلمه
____________________
(5/32)
وإن كان مثل قول الراوى كنا نفعل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه الرفع لكن ظاهرا لا قطعا فإذا قام دليل فى خصوص منه على عدمه وجب اعتباره
وإما أنه كان بعلمه وتقريره ثم نسخ ولم يظهر الناسخ لأبى بكر رضى الله عنه لقصر مدته مع اشتغاله فيها بحروب مسيلمة وأهل الردة وما نعى الزكاة ثم ظهر بعده كما عن ابن عمر كنا نخابر أربعين سنة ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة فتركناها وأياما كان وجب الحكم الآن بعدم جواز بيعهن
هذا إذا قصرنا النظر على الموقوف فأما بملاحظة المرفوعات المتعاضدة فلا شك
ومما يدل على ثبوت ذلك الإجماع ما أسنده عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلمانى قال سمعت عليا يقول اجتمع رأيى ورأى عمر فى أمهات الأولاد أن لا يبعن ثم رأيت بعد ذلك ان يبعن فقلت له فرأيك ورأى عمر فى الجماعة أحب إلى من رأيك وحدك فى الفرقة فضحك على
واعلم أن رجوع على رضى الله عنه يقتضى أنه يرى اشتراطا انقراض العصر فى تقرر الإجماع والمرجع خلافه
وسئل داود عن بيع أم الولد فقال يجوز لأنا اتفقنا على جواز بيعها قبل أن تصير أم ولد فوجب أن يبقى كذلك
إذ الأصل فى كل ثابت دوامه واستمراره
وكان أبو سعيد البردعى حاضرا فعارضه فقال قد زالت تلك الحالة بالأتفاق وامتنع بيعها لما حبلت بولد سيدها والأصل فى كل ثابت دوامه فانقطع داود وكان له أن يجيب ويقول الزوال كان بمانع عرض وهو قيام الولد الحر فى بطنها وزوال بانفصاله فعاد ما كان فيبقى إلى أن يثبت المزيل قوله ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطىء والموطوءة بواسطة الولد فإن الماءين اللذين خلق منهما قد اختلطا وهو جزؤهما بحيث لا تمييز وهذه الجزئية وإن زالت بانفصال الولد لكنها بقيت حكما ولم تنقطع لأن تلك الجزئية أوجبت نسبتها إليه بواسطة الولد وبالأنفصال تقرر ذلك حتى قيل أم ولده فقد بقى أثرها شرعا وإليه أشار عمر فيما رواه محمد بن قارب قال اشترى ابنى أمة من رجل قد أسقطت منه فأمر عمر بردها وقال أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهن ودماؤكم بدمائهن إلا أن السبب يضعف بالأنفصال فأوجب حكما مؤجلا إلى الموت ولما ورد على هذا التقرير أن مقتضاه أن المرأة الحرة
____________________
(5/33)
لو ملكت زوجها العبد بعد ما ولدت له أنه يعتق بموتها لأن النسبة الكائنة بتوسط الولد مشتركة بينهما لكل من الأم والأب قسط منها
أجاب المصنف بقوله إن بقاء الجزئية حكما بعد الأنفصال إنما هو باعتبار النسب لأنه لم يبق بعد الأنفصال سواه والنسب إلى الرجال أى إلى الآباء لا إلى الأمهات فكذا الحرية التى تبتنى على النسب بالحاء المهملة لا بالجيم تثبت للنساء فى حق الرجال لأن النسب إليهم فتفرع عليه أن الحر لو تزوج أمة فولدت له ثم اشتراها صارت أم ولد له تعتق بموته دون العكس إذ ليس النسب إليهن فلو ملكت الحرة زوجها العبد بعد ما ولدت له لا يعتق بموتها ولما تعلق بالآخرة بالنسب لم تثبت الأمومة بدونه فلو ولدت أمة لرجل بزنا ثم ملكها لا تكون أم ولد له فلا تعتق بموته
وأورد عليه ما ذكره فى دعوى الأصل أمة بين رجلين ولدت ولدا فقال كل منهما لصاحبه هو ابنك لا يكون ابن واحد منهما وهو حر وأمه بمنزلة أم الولد موقوفة لا يملكها واحد منهما فقد ثبتت الأمومة بلا ثبوت نسب
أجيب بأنه قد ثبت النسب فى الجملة فإنهما اتفقا على ثبوت نسبه ولذا كان حرا فلم تثبت دون نسب
والحق أن ثبوت الأمومة فى نفس الأمر لا يكون إلا تابعا لثبوت النسب وأما ثبوته ظاهرا فى القضاء فبكل من ثبوت نسب الولد والإقرار به وإن لم يثبت لما سيجىء فيما إذا ادعى ولد أم ولده المزوجة قوله وبثبوت عتق الخ يعنى قد ثبت مما ذكرنا أنه يثبت لها عتق مؤجل ويلزم من ثبوت عتقها مؤجلا أن يثبت لها فى الحال حق العتق فيمتنع بيعها وإخراجها إلا إلى الحرية
ولقائل أن يقول ثبوت العتق المؤجل إلى أجل معلوم ثابت فى قوله إذا جاء رأس الشهر فأنت حر ومع ذلك لم يمتنع البيع فله أن يبيعه قبله ولم يلزم من ثبوت العتق إلى أجل معلوم الوقوع ثبوت استحقاقها فى الحال بل عند حلول الأجل
فالحق أن استحقاقها فى الحال للعتق عند الموت ليس إلا حكم النص حيث صرح النص بأنهن لا يبعن ولا يوهبن لمعنى الجزئية التى أشار إليها عمر رضى الله عنه قوله وكذا إذا كان بعضها مملوكا له والبعض الآخر مملوكا لغيره بأن كانت مشتركة بين اثنين فادعى أحدهما ولدها ثبت نسبه وتصير أم ولد له فهذان حكمان وقع التشبيه فى أحدهما وهو أمومة الولدلأنه لم يسبق لثبوت النسب ذكر فقصر التعليل عليه وهو قوله لأن الأستيلاد لا يتجزأ أى فيما يمكن نقل الملك فيه وهى القنة فتصير كلها أم ولد له ويضمن قيمة نصيب شريكه له بخلاف ما إذا وقع فيما
____________________
(5/34)
لا يقبل النقل كالمدبرة فإنه يتجزأ ضرورة عدم قبوله للنقل فيقتصر بالضرورة فلذا قدم فى باب العبد يعتق بعضه أنه لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه فلا تناقض فصار الحاصل أن الأستيلاد لا يتجزأ أى لا يكون معه بعض المستولدة مملوكا لغير المستولد إلا لضرورة لأنه مبنى على ثبوت النسب وهو لا يتجزأ
وأما احتمال أن يكون فيه روايتان فبعيد فلذا لما قال المصنف إنه يتجزأ فى باب العبد يعتق بعضه لم يجعل أثره إلا فيما استولد نصيبه من مدبرة وأما تعليل ثبوت النسب فإنما هو بوجود الدعوة فى المملوكة والأتفاق على أن ملك البعض يكفى لصحة الأستيلاد قوله وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها لأن الملك قائم فيها وهو مطلق لهذه الأمور فأشبهت المدبرة ومنع مالك إجارتها كبيعها وهو بعيد وامتناع البيع لنقل ملك الرقبة لا غير وهو منتف فى الإجارة ويملك كسبها وله إعتاقها وكتابتها
وأورد ينبغى أن لا يملك تزويجها لأن توهم شغل رحمها بماء المولى قائم وتوهم الشغل مانع من النكاح كما فى المعتدة غير أن المعتدة جعل لها الشرع حالا يحكم فيه بالفراغ فجاز نكاحها عند وجوده ولم يجعل لأم الولد مثله سوى الأستبراء فكان ينبغى أن لا يصح قبله
وأجيب بأن جواز النكاح كان ثابتا قبل الوطء ووقع الشك فى خروجه فلا يخرج بالشك بخلاف المعتدة فإنها قد تحقق خروجها عن محلية نكاح الغير فلا تعود إلا بموجب وجعله الشارع انقضاء العدة الدال على الفراغ حقيقة فلا تزوج قبله
ولقائل أن يقول إذا سلم أن احتمال الشغل مانع ولا شك فى ثبوته بعد الوطء لزم تحقق خروج الجواز لا وقوع الشك فيه كالعدة ووجب أن لا يزوجها إلا بعد استبرائها
والمذهب جوازه قبل الأستبراء وإنما هو بعده أفضل
واعلم أن المسئلة ذكرها المصنف فى فصل المحرمات من كتاب النكاح حيث قال وإن زوج أم ولده وهى حامل منه فالنكاح باطل لأنها فراش لمولاها حتى يثبت نسب ولدها منه بالدعوة فلو صح النكاح حصل الجمع بين
____________________
(5/35)
الفراشين إلا أنه غير متأكد حتى ينتفى ولدها بالنفى من غير لعان فلا يعتبر ما لم يتصل به الحمل فأفاد أن المانع من صحة النكاح ليس إلا الجمع بين الفراشين لاتوهم الشغل وهذا حق لما عرف من مسئلة ما إذا رأى امرأة تزنى فتزوجها حيث يصح النكاح ويحل الوطء مع أن احتمال الشغل ثابت لكن لما كان الحمل من الزنا ليس ثابت النسب جاز النكاح والوطء لأنتفاء الجمع بين الفراشين ولذا جاز عند أبى حنيفة ومحمد تزوج الحامل من الزنا لأنتفاء الفراش غير أنه لا يحل وطؤها إذا كان الحمل من غيره حتى تضع وامتناع نكاح المهاجرة الحامل لثبوت نسبه إلى غيرها وحينئذ فالجواب الحق منع كون احتمال الشغل بالماء مانعا فلذا جاز النكاح عقيب وطئها وإن كان يستحب أو يجب الأستبراء إنما المانع الجمع بين الفراشين القويين وفراش أم الولد ليس قويا على ما صرح به فى المسئلة فلا يكون مانعا ما لم يتصل به الحمل بخلاف المعتدة فإنها فراش حال العدة ألا ترى أنها متعينة لثبوت نسب ما تأتى به ففى تزوجها جمع بين الفراشين
فرع إذا باع خدمة أم ولده منها عتقت كما إذا باع رقبة العبد منه رواه ابن سماعة عن أبى يوسف رحمه الله تعالى
وعن أبى سماعة عن أبى يوسف لا تعتق بخلاف بيع رقبتها منها حيث تعتق قوله ولا تثبت نسب ولدها أى ولد الأمة لا أم الولد وهذا رجوع إلى المذكور أول الباب فى قوله إذا ولدت الأمة من مولاها فلا يثبت نسبه إلا أن يعترف به وإن اعترف بوطئها وهو قول الثورى والبصرى والشعبى ومروى عن عمر وزيد ابن ثابت مع العزل
وقال الشافعى ومالك وأحمد يثبت إذا أقر بوطئها وإن عزل عنها إلا أن يدعى أنه استبرأها بعد الوطء بحيضة وهو ضعيف فإنهم زعموا أنها بالوطء صارت فراشا كالنكاح وفيه يلزم الولد وإن استبرأها مع أن الحامل تحيض عند مالك والشافعى فلا يفيد الأستبراء وهم ينفصلون عن هذا بأن الغالب أن لا تحيض والأمر بالأستبراء اعتبارا للغالب فيحكم عند وجوده بعدم الحمل حكما بالغالب مضعف ولو وطئها فى دبرها يلزمه الولد عند مالك ومثله عن أحمد وهو وجه ضعيف للشافعية قوله لأنه لما ثبت هذا وجه قول الجمهور فى أن النسب يثبت بما تأتى به الأمة بمجرد وطئها وهو أنه لما ثبت النسب بعقد البالغ حتى ثبت نسب ما تأتى به المنكوحة به بعد العقد وإن لم يعلم الوطء لوجوده بعد المفضى إلى الولد فثبوته بعد الوطء البالغ وأنه أكثر إفضاء إلى وجود الولد أولى وإنما قيدنا بالبالغ لأن الزوج الصبى لا يثبت به نسب وإن كان بعقد وضع للولد ولنا أن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع من قصده وهو سقوط تقومها عند أبى حنيفة ونقصانه عندهما فكان
____________________
(5/36)
الظاهر عدم قصده فكان الظاهر العزل
وبه يندفع ما قيل فلا يلزمه بمجرد الوطء وما قيل الوطء قد يقصد به وقد لايقصد به فلا يتعين عدمه
قلنا ولا يتعين وجوده كما قلتم فيبقى على الأصل من العدم
واعلم أن أصل دليلهم فيه المنقول من حديث عائشة رضى الله عنها قالت اختصم سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى فى ابن وليدة زمعة فقال سعد يا رسول الله ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخى يا رسول الله ولد على فراش أبى فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجى منه يا سودة فلم تره سودة قط رواه الجماعة إلا الترمذى
وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما قضى به لعبد ابن زمعة على أنه عبد له ورثه لا على أنه أخوه ولذا قال هو لك ولم يقل هو أخوك وقال احتجى منه يا سودة ولو كان أخا لها بالشرع لم يجب احتجابها منه فهذا دفع بانتفاء لازم الأخوة شرعا والأول باللفظ نفسه
ويدفع الأول بأن فى رواية أخرى هو أخوك يا عبد وأما الأمر بالأحتجاب فلما رأى من الشبهة البين بعتبة
ويدفع الأول بأن هذه الرواية حينئذ معارضة لرواية هو لك وهى أرجح لأنها المشهورة المعروفة فلا تعارضها الشاذة والشبه لا يوجب احتجاب أخته شرعا منه وإلا لوجب الآن وجوبا مستمرا أن كل من أشبه غير أبيه الثابت نسبه منه يجب حكما للشبه احتجاب أخته وعمته وجدته لأبيه منه وهو منتف شرعا
وإذن قوله للفراش الولد ينتفى به نسبه عن سعد بأنه ابن أخيه وعن عبد بأنه أخوه يعنى أن الولد للفراش ولا فراش الواحد من عتبة وزمعة فهو حينئذ عبد لك يا عبد ميراث لك من أبيك
واعلم أنه روى عند الإمام أحمد أما الميراث فله وأما أنت فاحتجبى منه فإنه ليس لك بأخ فتصريحه بأنه ليس أخاها يفيد أنه ليس أخا لعبد بن زمعة وبه تقوى معارضة رواية هو أخوك
وقوله أما الميراث فله يفيد أنه أخوهما فإما أن يحكم بضعف الحديث لتدافع معناه أو يجمع بأن المثبت الأخوة الشرعية والمنفى الأخوة الحقيقة وهو أن يخلقا من ماء رجل واحد وأن الحكم الشرعى فى عدم الأحتجاب أن يترتب على الأخوة بمعنى التخلق من ماء واحد مع ثبوت النسب منه إلا أن هذا يتعذر الوقوف عليه فاعتبر ثابتا بثبوت النسب ما لم يعارضه شبه غير المنسوب كما هو فى الصورة المروية ثم يجعل هذا إذ ليس حكما مستمرا على ما ذكرنا خاصا بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حجابهن منيع وقد قال الله تعالى لهن { لستن كأحد من النساء } وعلى هذا يجب حمل الوليدة على أنها كانت ولدت لزمعة قبل ذلك ويكون قوله الولد للفراش يعنى أم الولد وحينئذ فقوله هو لك أى مقضى به لك ويكون المراد أنه أخوك كما هو الرواية الأخرى
وأما ما نقل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعتزلونهن لا تأتينى وليدة يعترف سيدها أنه قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعتزلوا بعد ذلك أو اتركوا
رواه الشافعى فمعارض بما روى
____________________
(5/37)
عن عمر أنه كان يعزل عن جاريته فجاءت بولد أسود فشق عليه فقال ممن هو فقالت من راعى الإبل فحمد الله وأثنى عليه ولم يلتزمه
وأسند الطحاوى عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يأتى جارية فحملت فقال ليس منى أنى أتيتها إتيانا لا أريد به الولد
وعن زيد بن ثابت أنه كان يطأ جارية فارسية ويعزل عنها فجاءت بولد فأعتق الولد وجلدها
وعنه أنه قال لها ممن حملت فقالت منك فقال كذبت ما وصل إليك ما يكون منه الحمل ولم يلتزمه مع اعترافه بوطئها
والمروى عن عمر من قوله أنه يلحق بالواطىء مطلقا جاز لكونه علم من بعضهم إنكار من يجب عليه استلحاقه وذلك أنا بينا أن الواطىء إذا لم يعزل وحصنها وجب عليه الأعتراف به فقد يكون علم من الناس إنكار أولاد الإماء مطلقا فقال لهم إنى ملحق بكم إياهم مطلقا وأما من علم منه الأعتدال فى الأمر بأن يعترف بمن يجب عليه الأعتراف به وينفى من يجب عليه نفيه أو يجوز فإنه لا يتعرض له قوله فإن جاءت بعد ذلك أى بعد أن اعترف بولدها الأول بولد نسبه بغير إقرار لأنه بالأعتراف بالولد الأول تبين كون الولد مقصودا من الوطء فصارت فراشا وبهذا تبين أن الأولى فى تعريف الفراش كون المرأة مقصودا من وطئها الولد ظاهرا كما فى أم الولد فإنه إذا اعترف به ظهر قصده إلى ذلك أو وضعا شرعيا كالمنكوحة وإن لم يقصد الولد يثبت نسب ما تأتى به فإنها حينئذ تكون متعينة لثبوت نسب ما تأتى به وهو الذى عرفوا به الفراش وظهر أن ليس الفرش ثلاثة كما تقدم فى فصل المحرمات بل فراشان قوى وهو فراش المنكوحة وضعيف وهو فراش أم الولد بسبب أن ولدها وإن ثبت نسبه بلا دعوة ينتفى نسبه بمجرد نفيه بخلاف المنكوحة لا ينتفى نسب ولدها إلا باللعان وقد صرح المصنف فيما تقدم فقال لأن الأمة ليست بفراش لمولاها وذلك لعدم صدق حد الفراش عليها وهو كون المرأة متعينة لثبوت نسب ما تأتى به أو كونها يقصد بوطئها الولد إلى آخر ما قلناه ومن الدلالة على ضعفه كونه يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة وعلى هذا ينبغى أنه لو اعترف فقال كنت أطأ بقصد الولد عند مجيئها بالولد أن يثبت نسب ما أتت به وإن لم يقل هو ولدى لأن ثبوته بقوله هو ولدى بناء على أن وطأه حينئذ بقصد الولد
وعلى هذا قال بعض فضلاء الدرس ينبغى أنه إذا أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف على دعواه وإن كنا نوجب عليه فى هذه الحالة الأعتراف به فلا حاجة إلى أن يوجب عليه الأعتراف ليعترف فيثبت نسبه بل يثبت نسبه ابتداء وأظن أن لا بعد فى أن يحكم على المذهب بذلك
وفى المبسوط إنما يملك نفيه أى نفى ولد أم الولد إذا لم يقض القاضى به أو لم يتطاول الزمان فأما بعد القضاء فقد لزمه بالقضاء فلا يملك إبطاله والتطاول دليل إقراره لأنه يوجد منه فيها دليل إقراره من قبوله التهنئة ونحوه فيكون
____________________
(5/38)
كالتصريح بإقراره واختلافهم فى التطاول سبق فى اللعان هذا وإنما يثبت نسب ما تأتى به فى حال وطئها له بعد الولد أما لو عرض بعده حرمة مؤبدة بأن وطئها أبو سيدها او ابنه أووطيء السيد أمها أو ابنتها أو حرمت عليه برضاع أو بكتابة فإنه لا يثبت نسبه منه إلا باستلحاقه
ولا يخفى أنه يجب أن يفصل بين أن تأتى به لأقل من ستة أشهر من حين عروض الحرمة أو لتمامها ففى الأول يجب أن يثبت نسبه بلا دعوة للتيقن بأن العلوق كان قبل عروض الحرمة
ولو أعتقها ثبت نسب ولدها منه إلى سنتين من يوم الإعتاق وكذا إذا مات لأنها معتدة ولا يمكن نفيه لأن فراشها تأكد بالحرية حتى لا يملك نقله فالتحق بفراش المنكوحة فى العدة بخلاف ما لو عرضت الحرمة بحيض أو نفاس أو صوم أو إحرام حيث يثبت نسبه بالسكوت لأن الفعل لم يحرم مطلقا ولا متعلقا باختيارها بل مع ذلك العارض الذى عرض لا باختيارها المنقضى عادة بلا اختيارها قوله وهذا الذى ذكرناه يعى من عدم لزومه الولد وإن اعترف بالوطء ما لم يدعه حكم أى فى القضاء يعنى لا يقضى عليه بثبوت نسبه منه بلا دعوة فأما الديانة فيما بينه وبين ربه تبارك وتعالى فالمروى عن أبى حنيفة رحمه الله أنه كان حين وطئها لم يعزل عنها وحصنها عن مظان ريبة الزنا يلزمه من قبل الله تعالى أن يدعيه بالإجماع لأن الظاهر والحالة هذه كونه منه والعمل بالظاهر واجب وإن كان عزل عنها حصنها أولا أو لم يعزل ولكن لم يحصنها فتركها تدخل وتخرج بلا رقيب مأمون جاز له أن ينفيه لأن هذا الظاهر وهو كونه منه بسبب أن الظاهر عدم زنا المسلمة يقابله أى يعارضه ظاهر آخر وهو كونه من غيره لوجود أحد الدليلين على ذلك وهما العزل أو عدم التحصين وبهذا ظهر أن لفظة أو فى قوله وإن عزل عنها أو لم يحصنها أولى من الواو لتنصيصها على المراد
وصرح فى المبسوط بذلك حيث قال فأما إذا عزل عنها أو لم يحصنها فله أن ينفيه اه
ولا شك فى أن كونه من غيره عند ضبطه العزل ظاهر وأما ظهور كونه من غيره إذا أفضى إليها ولم يعزل عنها محل نظر بل أورد أن المصنف علل وجوب الغسل بالتقاء الختانين من غير إنزال بأنه سبب الإنزال ونفسه يتغيب عن بصره وقد يخفى عليه لقلته فيقام مقامه فيقتضى هذا ثبوت النسب بعد الوطء وإن لم ينزل وإلاتناقض
ولا يخفى أنه لا أحد يقول بثبوت نسب ما تأتى به الأمة بمجرد غيبوبة الحشفة بلا إنزال بل إنه يثبت عزل عنها أو لم يعزل وهذا فرع الإنزال
وحينئذ فالمذكور فى الغسل بيان حكمة النص فإنه قد نص على إيجاب الغسل بمجرد الإيلاج فظهر من الشرع فيه غاية الأحتياط ولم يثبت من الشرع مثله فى الأستلحاق بل يجوز أن يستلحق نسب من ليس منه كما لا يجوز أن
____________________
(5/39)
لا يستلحق نسب من هو منه فكان أمر الأستلحاق مبنيا على اليقين أو الظهور الذى لا يقابله ما يوجب شكا قوله وفيه روايتان أخريان عن أبى يوسف وعن محمد ذكرهما فى المبسوط فقال وعن أبى يوسف إذا وطئها ولم يستبرئها بعد ذلك حتى جاءت بولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أو لم يعزل حصنها أو لم يحصنها تحسينا للظن بها وحملا لأمرها على الصلاح ما لم يتبين خلافه وهذا كمذهب الشافعى والجمهور لأن ما ظهر سببه يكون محالا به عليه حتى يتبين خلافه
وعن محمد لا ينبغى أن يدعى ولدها إذا لم يعلم أنه منه ولكن ينبغى أن يعتق الولد
وفى الإيضاح ذكرهما بلفظ الأستحباب فقال قال أبو يوسف أحب أن يدعيه وقال محمد أحب أن يعتق الولد فهذا يفيد الأستحباب وعبارة المبسوط تفيد الوجوب قوله فإن زوجها المولى فجاءت بولد يعنى من الزوج فهو فى حكم أمه حتى لا يجوز للسيد بيعه ولا هبته ولا رهنه ويعتق بموته من كل المال ولا يسعى لأحد وله
____________________
(5/40)
استخدامه وإجارته إلا أنه إذا كان جارية لا يستمتع بها لأنه وطىء أمها وهذه إجماعية وهى واردة على إطلاقه حيث قال هو فى حكم أمه وهذا لأن الصفات القارة فى الأمهات تسرى إلى الولد لأنه جزؤها فيحدث الولد على صفتها كالتدبير ولهذا كان ولد القنة قنا وولد الحرة حرا وإن كان أبوه بخلافه ولو ادعاه لا يثبت نسبه منه لأنه ثابت النسب من الزوج لأن فراشه أقوى وإن كان النكاح فاسدا فإنه يلحق بالصحيح فى حق الأحكام وهذا إذا اتصل به الدخول والنسب لا يتجزأ ثبوتا فلا يثبت من المولى والأوجه الأقتصار على قوة الفراش فلا يثبت معه المرجوح وإلا فالولد يثبت من اثنتين كما سيذكر وقول المصنف لأن الفراش له يقتضى أن لا فراش للمولى حال كونها زوجة للغير أصلا وهذا إذا جاءت به لستة أشهر من النكاح فإن جاءت به لأقل فهو ابن للسيد والنكاح فاسد ويستحب بل يجب أن لا يزوجها حتى يستبرئها بحيضة احتياطا ولو لم يفعل صح النكاح ويثبتت نسب الولد من الزوج ثم يعتق بدعوة المولى وإن لم يثبت نسبه منه لإقراره بحريته حيث اعترف بأنه ابنه فإن ابنه من أمته يعلق حرا كما تقدم غير أنه عارضه فى ثبوت النسب منه معارض أقوى منه فلم يثبت نسبه به ولم يعارضه فى ثبوت الحرية به ذلك فأخذ بزعمه
ولم يستحسن قول المصنف وتصير أم ولد له لأن الكلام فى تزويج أم الولد وإنما يستحسن لو كان فى تزويج الأمة التى ليست أم ولد كالصورة المذكور فى المبسوط زوج أمته من عبده فولدت فادعاه لا يثبت نسبه منه ولكن تصير أم ولد تعتق بموته لأنه أقر لها بحق الحرية وقد تكلف له أن قوله وولد القنة قن ابتداء وما بعده بناء عليه فكأنه قال ولد القنة قن ونسبه يثبت من الزوج إذا تزوجها مولاها وحينئذ يستقيم إلا أنه خلاف الظاهر لأنه إنما ذكر لبيان سراية وصف الأم إلى الولد فيكون ابن أم الولد بمنزلتها قوله ويعتق الولد أى ولد أم الولد المزوجة الذى ادعاه بعتق لأنه ملكه وهو يزعم أنه ابنه وتصير أمه أم ولد له تعتق بموته لأنه أقر لها بحق الحرية حيث ادعى أن ولدها منه وعتق الولد ظاهر بل قد اعترف بأنه علق الولد حرا من الأصل
فإن قيل فكيف تثبت أمومية الولد مع عدم ثبوت النسب وهى مبنية عليه أجيب بأن مجرد الإقرار بالأستيلاد كاف لثبوت الأستيلاد وإن كان فى ضمن ما لم يثبت وهذا ما تقدم وعده مع عدم احتمال كونه من السيد قائم لجوازه بوطء قبل النكاح إلا أنه لم يظهر هذا الأحتمال فى حق ثبوت النسب لثبوته من الزوج فبقى معتبرا فى الأم لحاجتها إلى الأمومية الموصلة إلى العتق قوله وإذا مات المولى عتقت يعنى أم الولد من جميع المال لحديث سعيد بن المسيب أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن فى دين ولا يجعلن من الثلث وفى نسخة مكان لا يبعين لا يسعين وهو الموافق لتعليله ولا
____________________
(5/41)
سعاية الخ بقوله لما روينا أى لأنه صلى الله عليه وسلم نفى السعاية عنها حيث قال وأن لا يسعين وما قيل وأن لا يبعن يدل على عدم وجوب السعاية لأن عدم جواز البيع يدل على عدم المالية الخ منقوض بالمدبر ثم لم يعرف هذا الحديث والشيخ جمال الدين الزيلعى بعد ذكره أنه غريب قال وفي الباب أحاديث وساق كثيرا مما قدمنا مما ليس فيه زيادة على أنها لا تملك وتعتق بالموت ولا يخفى أن كلها فى غير المقصود فإن المقصود أنها تعتق من كل المال وليس فى شىء منها ذلك فإن عتقها لا يسلتزم كونها من كل المال كالمدبر يعتق بالموت ولا يكون من كله وقد رواه عبد الملك بن حبيب المالكى في كتابه عن سعيد بن المسيب إلا أن جماعة تكلموا فى عبد الملك قوله ولأن الحاجة إلى الولد أصلية كحاجته إلى الأكل أى وحاجته إلى أمه مساوية لحاجته إلى الولد ولهذا جاز استيلاده جارية ابنه بغير إذنه لحاجته إلى وجود نسله كما جاز له أكل ما له للحاجة وحاجته الأصلية مقدمة على الدين فلا تسعى للغرماء وعلى الإرث فلا تسعى للورثة فيما زاد على الثلث إذا لم تخرج منه فصار إعتاقها كالدفن والتكفين بخلاف التدبير لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج لا من الأصلية إذ ليس ثم نسب ولد يتبعه أمومة فلا يقدم عتق المدبر على الدين ولا على حق الورثة فيعتق من الثلث فإن لم يسعه سعى فى باقى قيمته ولو كان دين السيد مستغرقا سعى فى كل قيمته على ما سلف قوله ولأنها أى أم الولد ليست بمال متقوم عند أبي حنيفة على ما تقدم حتى لا تضمن بالغضب عنده يعنى إذا ماتت عند الغاصب حتف أنفها بخلاف المدبر إذا مات عند الغاصب فإنه يضمن وكذا لا تضمن بالقبض في البيع الفاسد ولا بالإعتاق بأن كانت أم ولد بين اثنين فأعتقها أحدهما لا يضمن لشريكه شيئا ولا تسعى هى فى شىء أيضا وعندهما تضمن فى ذلك كله بخلاف المدبر وإنما تضمن بما يضمن به الصبى الحر عند أبى حنيفة بأن ذهب بها إلى طريق فيها سباع فأتلفها وأجمعوا أنها تضمن بالقتل لأنه ضمان دم وإذا لم تكن مالا متقوما لا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص يعنى إذا مات من له القصاص
____________________
(5/42)
وهو مديون فليس لأصحاب الديون أن يطالبوا من عليه القصاص بدينهم لأن القصاص ليس مالا متقوما حتى يأخذوا بمقابلة ما وجب عليه من القصاص مالا
وقيل معناه إذا قتل المديون شخصا لا يقدر الغرماء على منع ولى القصاص من قتله قصاصا
وقيل معناه إذا قتل رجلا مديونا وعفا المديون قبل موته صح وليس لأرباب الديون أن يمنعوه من العفو
وقيل إذا قتل شخص من وجب عليه القصاص لا يضمن القاتل لولى القصاص شيئا لأنه ليس حقا ماليا والأقرب المتبادر الأول قوله وإذا أسلمت أم ولد النصرانى فعليها أن تسعى فى قيمتها يعنى إذا أسلمت فعرض الإسلام على مولاها فأنى فإنه يخرجها القاضى عن ولايته بأن يقدر قيمتها فينجمها عليها فتصير مكاتبة إلا أنها لا ترد إلى الرق ولو عجزت نفسها لأنها لو ردت إلى الرق ردت الى الكتابة لقيام إسلامها وهو الموجب فلا فائدة فى إثبات حكم التعجيز وعلى هذا إذا أسلم مدبر النصرانى وتسمية مثل هذا دورا على التشبيه وإلا فاللازم ليس إلا ما ذكرنا من عدم الفائدة وهذا بحسب الظاهر أنها لا تقدر إلا كذلك وإلا لو وجدت المال فى الحال لم يحتج إلى ذلك وقال زفر تعتق للحال أى لحال إباء مولاها الإسلام والسعاية دين عليها تطالب بها وهى حرة فإن أسلم عند العرض فهى على حالها بالأتفاق بخلاف ما لو أسلم بعده
وقال مالك والظاهرية تعتق مجانا
وقال الشافعى وأحمد يحال بينهما فلا يمكن من الخلوة بها فضلا عن انتفاع من الأنتفاعات ويجبر على نفقتها إلى أن يموت فتعتق بموته أو يسلم فتحل له
وجه قول زفر أن النظر ودفع الضرر عن الذمى واجب لذمته وعن المسلم لإسلامه وذذلك فى إعتاقها بالقيمة له بخلافه مجانا كما قال مالك فإنه إهدار ما يجب له من النظر إذا أمكن
وأما قول الشافعى ففيه زيادة إضرار به من إيجاب النفقة بلا انتفاع مع إمكان دفعه عنه
قلنا الأمر كما ذكرت غير أن قولنا أدفع للضرر عنه وعنها فإنه لا يصل إلى البدل عقيب عتقها لأنها تعتق مفلسة وربما تتوانى فى الأكتساب إذا كان مقصود العتق قد حصل لها قبله فيتضرر الذمى لذلك وتتضرر هى بشغل ذمتها بحق ذمى وربما تموت قبل إيفائها حقه وقد قال علماؤنا خصومة الذمى والدابة يوم القيامة أشد من خصومة المسلم بخلاف ما إذا وقف عتقها على الأداء فإنه حامل على الإيفاء فكان اعتبارنا أولى إذ كان أنظر للجانبين
وقوله ومالية أم الولد الخ جواب سؤال يرد على أبى حنيفة فى قوله بنفى مالية أم الولد هو أنها كيف تسعى
فى قيمتها ولا قيمة لها لأنتفاء المالية عندك فقال الذمى يعتقد تقومها فيترك وما يعتقده أى مع ما يعتقده
ولأنا
____________________
(5/43)
أمرنا بذلك فقد أمرنا باعتبارها متقومة فى حقه وقد تقدم أن قيمة أم الولد ثلث قيمتها قنة مع الخلاف فيه ولو سلم أنها ليست متقومة مطلقا فهى محترمة وهذا يكفى لإيجاب الضمان وإن لم يكن المضمون مالا كما فى القصاص المشترك بين مستحقين إذا عفا أحد الأولياء المستحقين له يجب المال للباقين لأنه احتبس نصيبهم عند القاتل بعفو من عفا وليس نصيبهم حقا ماليا بل حق محترم فيلزمه بدله بمنزلة إزالة ملكه بلا بدل فيتضرر الذمى إلا أن هذا لو تم استلزم التضمين بغصب المنافع وغصب أم الولد حيث اعتبر للضمان مجرد الأحترام
ووجه أيضا بأن بدل الكتابة بمقابلة ما ليس بمال وهو فك الحجر فلم تدل السعاية على تقوم أم الولد وأنت سمعت فى العتق على جعل وجه كون ذلك المال عند أبى حنيفة بدل ما هو مال فارجع إليه وأن كونه بدل ما ليس بمال قول محمد قوله وإذا مات مولاها النصرانى عتقت وسقطت عنها السعاية لأنها أم ولد له قوله ومن استولد أمة غيره بنكاح يعنى تزوج أمة لغيره فولدت له ثم ملكها صارت أم ولد بذلك الولد الذى ولدته بعقد النكاح ولو كان نكاحا فاسدا وهو قول أحمد فى رواية وقال الشافعى لا تصير أم ولد له وهو قول مالك وعلى هذا الخلاف لو جاءت به من وطء بشبهة فملكها ثم عندنا تصير أم ولد له من وقت ملكها لا من وقت العلوق وعند زفر من وقت ثبوت النسب منه لأن أمومية الولد عند الملك بالعلوق السابق فبعد ذلك العلوق كل من ولد لها ثبت له حق الحرية ونحن نقول إنما ثبت فيها وصف الأمية بعد الملك وإن كان بأمر متقدم فقبله الولد منفصل ولا سراية فى المنفصل قبل الأمومة
ويتفرع على هذا أنه لو ملك ولدا لها من غيره قبل أن يملكها له بيعه عندنا خلافا له لأنه ليس ابن أم ولد له بخلاف ما لو ملك ولده منها قبل ملكها فإنه يعتق عليه اتفاقا
وفى المبسوط لو طلقها فتزوجت بآخر فولدت منه ثم اشترى الكل صارت أم ولد له وعتق ولده وولدها من غيره يجوز بيعه خلافا لزفر بخلاف الحادث فى ملكه من غيره فإنه فى حكم أمه ولو استولدها بملك اليمين ثم استحقت أو بنكاح على أنها حرة فظهرت أمة تصير أم ولد له عندنا
وللشافعي فيه قولان تصير أم ولد له وفى آخر
____________________
(5/44)
لا تصير أم ولد له وهو ولد المغرور وهو حر بالقيمة يوم الخصومة قوله له أى للشافعى أنها علقت برقيق فلا تكون أم ولد له كما إذا علقت من الزنا ثم ملكه الزانى وهذا لأن أمومة الولد باعتبار علوق الولد حرا وإنما قلنا إن الأمومة باعتبار علوق الولد حرا لأنه جزء الأم فى تلك الحالة والجزء لا يخالف الكل وهو حر فلا بد أن تستحق هى الحرية
واعترض من قصر نظره على خصوص المذكور بأن الرق فى أم الولد مستمر إلى موت سيدها والولد علق حرا فقد خالف الجزء الكل وهذا لأنه جزء منفصل وليس كالمتصل وتمام تقرير المذكور يدفع هذا الأعتراض وإنما اقتصر المصنف اقتصارا للعلم ببقية التقرير
وحاصل الوجه المذكور أن جزأها حر ومقتضاه حريتها إذ لايخالف الجزء الكل إلا أن الأتصال بعرضية الأنفصال والولد وإن كان جزءا حالة الأتصال لكنه جعل كشخص على جدة فى بعض الأحكام حتى جاز إعتاقه دونها فثبت به حق الحرية عملا بشبهى الجزئية وعدمها لما بقى منها فى الحال وهذا المعنى لا يوجد إذا علقت برقيق وتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم أيما أمة ولدت من سيدها فهى حرة بعد موته وتقدم الحديث فشرط فى ثبوت حق العتق أن تلد من سيدها وهذه ولدت من زوجها ولنا أن سبب الأمومة فى محل الإجماع وهو الأصل هو الجزئية على ما ذكرنا من قبل يعنى عند قوله أول الباب ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطىء والموطوءة بسبب الولد والجزئية إنما ثبتت بينهما بنسبة الولد إلى كل منهما كملا فتثبت الجزئية بناء على ثبوت النسب فثبوت استحقاق الحرية بناء على ثبوت
____________________
(5/45)
الجزئية الثابت بناء على ثبوت النسب وهو ثابت فى الزوج فتثبت الأمومة بخلاف الزنا فإنه لا نسب يثبت للولد من الزانى فلا تصير الأمة التى جاءت بولد من الزنا إذا ملكها الزانى أم ولد له استحسانا خلافا لزفر حيث قال تصير أم ولد له وهو القياس
فإن قيل فكان ينبغى أن لايعتق الولد إذا ملكه أبوه من الزنا إذا كان لا يثبت نسبه منه
أجاب بقوله وإنما يعتق على الزانى إذا ملكه لأنه جزؤه حقيقة بغير واسطة نظيره أى نظير أم الولد من الزنا حيث لا تعتق عليه لعدم انتسابه إلى أبيه من اشترى أخاه من الزنا لا يعتق عليه لأنه لا ينسب إليه بغير واسطة بل بواسطة نسبته إلى الوالد وهى غير ثابتة حتى لو كانت ثابتة عتق كما إذا كان أخاه لأمه فصار الحاصل أن الأمومة تتبع ثبوت النسب عند الملك
والعتق المنجز يتبع حقيقة الجزئية عند الملك أو ثبوت الأنتساب إليه بواسطة ثابتة وقوله صلى الله عليه وسلم أيما أمة الحديث ليس فيه قصر الأمومة على السيد بل إنها تثبت منه غير متعرض لنفيها عن غيره فإذا صح تعليله بثبوت نسب ما تأتى به منه ثبتت من غيره إذا ثبت النسب منه وقد صح من الزوج فتثبت بالولادة منه وهذا لأنا ننفى المفهوم المخالف وهم وإن أثبتوه قدموا عليه القياس فإذا صح قياس الزوج على السيد فى ثبوت الأمومة لزم على المذهبين إلا أنه يشكل على تعليلنا ما إذا ادعى نسب ولد أمته التى زوجها من عبده فإن نسبه إنما يثبت من العبد لا من السيد وتصير أم ولد له
وجوابه أن ثبوت الأمومة لإقراره بثبوت النسب منه وإن لم يصدقه الشرع فكان دائرا مع ثبوت النسب شرعا أو اعترافا
ومما تنتفى فيه الأمومة ما ذكر فى الإيضاح أمة جاءت بولد فادعاه أجنبى لا يثبت نسبه صدقه المولى أو كذبه فإن ملكه المدعى عتق ولا تصير أمه أم ولد له قوله وإذا وطىء جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه
____________________
(5/46)
وصارت أم ولد للأب سواء كان الأبن وطئها أو لا لأن حرمة الوطء لا تمنع ثبوت النسب كوطء الحائض وعليه قيمتها لأنه ملكها قبيل الوطء بالقيمة ليقع الوطء فى ملكه وليس عليه عقرها لسبق ملكه الوطء ولا قيمة ولدها لأنه انعلق حرا لتقدم الملك على الأم وقد ذكرنا المسئلة بدلائلها فى باب نكاح الرقيق من كتاب النكاح وللشافعى قولان أحدهما تصير أم ولد ويضمن قيمتها ومهرها وهو بناء على إثباته الملك حكما للوطء إذ لو أثبته سابقا عليه لم يتجه له إيجاب المهر والقول الآخر لا تصير أم ولد ويلزمه المهر لأنه لم يملكها وهو قول أحمد وعلى هذا تستمر على ملك الأبن
ومذهب مالك أنه يملكها بالقيمة بمجرد الوطء حملت أو لا وإذا كان تملكها لازما عرف أنه لايصح دعوة ولد مدبرة ابنه ولا أم ولده إذ لايقبلان انتقال الملك فيهما فإن كان فى لفظ الجارية عرف يخرجهما فقد أخرجهما باللفظ وإلا فبالحكم المذكور فى المسئلة وشرط صحة هذا الأستيلاد أن تكون الجارية فى ملك الأبن من وقت العلوق إلى وقت الدعوة وأن يكون الأب صاحب ولاية من ذلك الوقت إلى الدعوة أيضا فلو باع الأبن الجارية ثم عادت إليه بشراء أو رد وولدت لأقل من ستة أشهر منذ باعها فادعاه الأب لم تصح دعوته إلا أن يصدقه الأبن كما إذا ادعى الأجنبى ذلك وصدقه وكذا دعوة الجد لو كان مكان الأب وكذا لو كان الأب كافرا ثم اسلم أو عبدا فعتق أو مجنونا فأفاق فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من الإسلام والعتق والإفاقة إلى الدعوة فادعاه لا تصح لعدم الولاية إلا أن يصدقه أما المعتوه لو ادعاه بعد إفاقته وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر من إفاقته ففى القياس لا تصح لعدم ولايته عند العلوق
وفى الأستحسان تصح لأن العته لايبطل الحق والولاية بل يعجز عن العمل ولو كان الأب المدعى مرتدا فهى موقوفة عند أبى حنيفة رحمه الله إن عاد إلى الإسلام صحت وإلا لا
وعندهما صحيحة وهى فرع تصرفات المرتد لأنه يملكها بالقيمة فكان كالبيع وهو موقوف عنده خلافا لهما وكان ينبغى أن تتوقف عندهما أيضا لأن تصرف المرتد فى مال ولده موقوف عندهما أيضا لكنها تضمنت التصرف فى مال نفسه وفيه لا يتوقف لا سيما فى النسب لأنه يحتاط فى إثباته فينفذ قوله وإن وطىء أبو الأب مع بقاء الأب مسلما حرا عاقلا لم يثبت النسب منه لأن شرط الصحة قيام الولاية على ما ذكرنا ولا ولاية للجد مع وجود الأب متصفا بما قلنا بخلاف ما إذا كان الأب ميتا أو حيا كافرا أو عبدا أو مجنونا فإن الجد حينئذ يصح استيلاده جارية ابن ابنه لقيام ولايته فى هذه الأحوال ولو كان الأب مرتدا لم تصح دعوة الجد عندهما لأن تصرفات المرتده نافذة عندهما فمنعت تصرف الجد
وعند أبى حنيفة موقوفة فإن أسلم الأب لم تصح دعوة الجد وإن مات على ردته أو لحق وقضى بلحاقه صحت ولو باع ابن الأبن الجارية حاملا ثم استردها فولدت لأقل من ستة أشهر منذ باعها لم تصح دعوة الجد كما ذكرنا فى الأب
____________________
(5/47)
قوله وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه سواء كان فى المرض أو فى الصحة وكذا إذا ادعى أحدهما وأعتق الاخر معا فالدعوة أولى لتضمنها ثبوت نسب الولد دون إعتاق الآخر وسواء كان المدعى مسلما أوكافرا لأنه لما ثبت النسب فى نصفه المملوك له من الجارية ثبت فى الباقى ولفظ فى يحمل على معنى من التى لأبتداء الغاية أى ثبت من يصف الأمة المملوك له ولا يكون للتعليل كقوله صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة النار فى هرة أى لما ثبت نسب الولد بسبب نصفه المملوك له لأن قوله ثبت فى الباقى ينبو عنه
وحاصل المعنى أنه ثبت النسب من نصف الأم فيثبت من كلها لأنه أى النسب لا يتجزأ ثبوته من امرأة فثبوته من بعضها هو عين ثبوته من كلها
ولا يقال سبأتى أنه يثبت من رجلين بالنسبة إلى امرأة واحدة
لأنا نقول ليس فى ذلك تجزئة من امرأة لأن النسب ثبت من كلها لكل منهما لا من بعضها لواحد ومن البعض الآخر للآخر وإنما لا يتجزأ لأن سببه وهو العلوق لا يتجزأ فى امرأة بأن علق الولد من ماء رجلين على قولنا لأنها إذا علقت من الأول انسد فم الرحم فلا تعلق من الآخر وعلى قول غيرنا لا يمتنع بل واقع على قول بعض مثبتى القيافة على ما سيأتى فعدم التجزى أن لا يعلق الولد بنصفها قوله وصارت أم ولد له اتفاقا أما عندهما فلأن الأستيلاد لا يتجزأ كما لا يتجزأ
____________________
(5/48)
ثبوت النسب فلا يصير نصفها أم ولد له ثم يتملك نصيب شريكه بل تصير كلها أم ولد وعنده يصير نصفها أم ولد له ثم يتملك الآخر لأنه قابل للنقل ولا يمتنع تجزى الأمومة كما امتنع تجزى ثبوت النسب لأن معنى كونها أم ولد هو ثبوت استحقاقها العتق بالموت والعتق يتجزأ عنده بمعنى زوال الملك فجازت أمومة نصفها بمعنى أنه يعتق نصفها بالموت ثم يثبت حكم عتق البعض من الأستسعاء فى الباقى أو إعتاقه إلى آخر ما عرف لكن لما كان النص المفيد لتجزى العتق أوجب أن لا يقر بعضه عتيقا وبعضه رقيقا والأمومة شعبة من العتق وجب فيها إذا صار بعضها أم ولد بمعنى استحق بعضها العتق أن يستحقه كلها ولا يبقى بعضها رقيقا وبعضها مستحقا للعتق
والحاصل أن الأتفاق على أنه لا يستقر تجزيها في حق الأمومة بل التجزى فى الابتداء ثم يتمم الكل عنده وعندهما صارت أم ولد من أول الأمر ثم لا يخفى أن تعليل تملك نصيب شريكه بأنه قابل للتملك تعليل بعدم المانع وهو لا يصلح للتعليل يقال سافر للتجارة والعلم ولو قيل لا من الطريق عد جنونا وكونه أفسد نصيب شريكه بالإستيلاد لا يستلزم تعين الضمان على معنى لا يجوز تركه من الشريك بل الثابت به جواز أن يضمنه وفلإنسان ترك حقه وها هنا لو رضى الشريك بترك تضمينه ويصير نصفها ملكا له ونصفها أم ولد للآخر فلو مات المستولد يعتق نصفها ويرق نصفها الآخر أو تسعى له إذ ذاك لا يجوز فليس الموجب للنقل إلا ما قلنا من النص الدال على انه إذا عتق البعض لا يبقى البعض رقيقا وألحق حق الحرية بحقيقتها وتعتبر قيمة نصفها يوم وطئها الذى علقت منه وكذا نصف العقر وإنما وجب نصف عقرها على المستولد لأنه وطىء جارية مشتركة لأن الملك فى نصف شريكه يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه وهو وإن كان مقارنا للعلوق لاستناده إليه فهو مسبوق بالوطء وبابتدائه يثبت المهر فلا يسقط بالإنزال فلزم سبق وجوب المهر الاستيلاد بالضرورة على كل حال فيسقط ما أصاب حصته ويضمن حصة شريكه وما قيل الأصح أن حكم العلة يقارنها فى الخارج لم يختره المصنف وقد ملأ الكتاب من ذلك وأوله من باب من يجوز دفع الصدقة إليه فى خلافية زفر فيما إذا دفع النصاب إلى الفقير منعه زفر لأن الدفع قارن الغنى فأجاب بأنه حكم الدفع فيتعقبه فحصل الدفع إلى الفقير ثم لم يزل يكرره فى كل ما هو مثله ثم ضمان قيمة نصف الشريك لازم فى يساره وإعساره لأنه ضمان تملك كالبيع وعن أبى يوسف إن كان المدعى معسرا سعت أم الولد لأن منفعة الاستيلاد حصلت لها وإنما لا يضمن الأب إذا استولد جارية ابنه العقر لأن ملكها يثبت شرطا للاستيلاد لأنه لا ملك له يكفى لصحة الاستيلاد فيتقدم ليقع الوطء فى ملكه فإن قيل الملك يثبت ضرورة الاستيلاد وهو بالعلوق ولا يلزم من تقدمه على العلوق تقدمه على الوطء أجيب بأن الاستيلاد عبارة عن جميع الفعل الذى يحصل به الولد فلم يعتبر تعدد الفعل مع اتحاد المطلوب فالتقدم على العلوق تقدم على الفعل الذى به الاستيلاد ومنه الوطء فاعتبر مقدما عليه ولا يغرم قيمة ولدها لأن النسب ثبت مستندا إلى وقت العلوق وملكه يثبت من ذلك الوقت أيضا فلم يتعلق شىء منه على ملك الشريك بل علق حرا فلا يضمن
____________________
(5/49)
له شيئا واعلم أن مقتضى ما ذكره المصنف من أن الملك فى نصف شريكه يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه أن العلوق قبل ملك نصيب شريكه فيحصل مملوك النصف له ونصفه لشريكه واستناد النسب إلى العلوق بعد ما وقع فى ملك الشريك لا يوجب أن لا يعلق منه شىء على ملكه لا يقال يمكن كونه أراد بالاستيلاد فى قوله حكما للاستيلاد الوطء لأنا نقول الاستيلاد إما أن يطلق على العلوق أو على مجموع الوطء مع الإنزال والعلوق أما مجرد الوطء بلا إنزال فلا ولو سلم لم يصح ثبوت الملك حينئذ لأن نقله من ملك الشريك إلى ملك المستولد ضرورة صيرورتها أم ولد له ولا تصير إلا بالعلوق فلا يجوز نقله قبله لأنه بلا موجب والاعتراض السابق بأن حكم العلة معها فى الأصح لا يفيد لأن نقله مع العلوق أيضا بلا موجب لأنها ما لم تصر أم ولد لم يلزم النقل فالوجه جعله معقبا للعلوق بلا فصل قليل ولا كثير ولا ضمان لأنه حينئذ ماء مهين لا قيمة له فلا يضمن وحين صار بحيث يضمن لم يكن على ملك الشريك لأن الأم حين انتقلت إلى ملك المستولد انتقلت بأجزائها ومن جملتها ذلك الماء هذا إذا حملت على ملكهما فإن اشترياها حاملا فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه ويضمن لشريكه نصف قيمة الولد لأنه لا يمكن استناد الاستيلاد إلى وقت العلوق لأنه لم يحصل فى ملكهما ولذا لا يجب عليه عقر لشريكه هنا لكن لما ادعى نسب ولد مشترك بينهما كانت دعوته ملك وهى كالإعتاق الموقع إلا أنه يضمن نصيب شريكه فى اليسار والإعسار لأنه ضمان تملك كالبيع ولا عقر لشريكه ههنا لأن الوطء لم يوجد فى ملك شريكه قوله وإن ادعياه معا ثبت نسبه منهما وكانت الأمة أم ولد لهما فتخدم كلا منهما يوما وإذا مات أحدهما عتقت ولا ضمان للحى فى تركه الميت لرضا كل منهما بعتقها بعد الموت ولا تسعى للحى عند ابي حنيفة لعدم تقومها وعلى قولهما تسعى في نصف قيمتها له ولو اعتقها أحدهما عتقت ولا ضمان عليه للساكت ولا سعاية فى قول أبى حنيفة وعلى قولهما يضمن إن كان موسرا وتسعى إن كان معسرا وعلى كل واحد منهما نصف العقر فيلتقيان قصاصا بما له على الآخر وفائدة إيجاب العقر مع التقاص به أن أحدهما لو أبرأ أحدهما عن حقه بقى حق الآخر وايضا لو قوم نصيب أحدهما بالدراهم والآخر بالذهب كان له أن يدفع الدراهم ويأخذ الذهب ويرث
____________________
(5/50)
الابن من كل منهما ميراث ابن كامل ويرثان منه ميراث أب واحد فهذه أحكام دعوتهما ذكرها القدورى ومنها أنه للباقى منهما حتى إذا مات أحدهما كان كل ميراث الابن للباقى منهما وفرق المصنف بينها بوجه كل منهما فقال وإن ادعياه معا ثبت نسبه منهما جميعا وسيقيده بما إذا لم يكن مع أحدهما مرجح فلو كان بأن كان الشريكان أبا وابنا فإن النسب يثبت من الأب وحده وكذا إذا كان أحدهما ذميا يثبت من المسلم وحده وفيه خلاف زفر فيثبت منهما ويكون مسلما وقيده ههنا بما إذا حملت على ملكهما وهو أن تلده لتمام ستة أشهر يعنى فصاعدا ولو سنتين منذ ملكاها واحترز به عما إذا كان الحمل على ملك أحدهما نكاحا ثم اشتراها هو وآخر فولدت لأقل من ستة أشهر من الشراء فادعياه فهى أم ولد الزوج فإن نصيبه صار أم ولد له والاستيلاد لا يحتمل التجزى عندهما ولابقاءه عنده فيثبت نصيبه شريكه ايضا وأيضا ما اذا حملت على ملك أحدهما رقبة فباع نصفها من آخر فولدت يعنى لتمام ستة أشهر من بيع النصف فادعياه يكون الأول أولى لكون العلوق فى ملكه وعما إذا كان الحمل قبل ملك كل منهما بأن اشتريا أمة فولدت لأقل من ستة أشهر من حين ملكاها أو ولدته قبل ملكهما أياها فاشترياها فادعياه لا تكون أم ولدهما لأن هذه دعوة عتق لا دعوة استيلاد فيعتق الولد مقتصرا على وقت الدعوة بخلاف الاستيلاد فإن شرطها كون العلوق فى الملك وتستند الحرية إلى وقت العلوق فيعلق حرا وقدمنا فى كتاب العتق اختلاف المشايخ فيما إذا قال لعبده هذا ابنى وأمه فى ملكه هل تصير أم ولد له أو لا قيل نعم مجهول النسب أو معلومه وقيل لا فيهما وقيل نعم فى مجهوله لا فى معلومه فيحمل ذلك على أنه حكمنا عند جهلنا بحال العلوق وبقولنا قال سفيان الثورى وإسحاق بن راهويه وكان الشافعى يقوله فى القديم ورحج عليه أحمد حديث القافه وقيل يعمل به إذا فقدت القافه وقال الشافعى يرجع إلى قول القائف فإن لم يوجد قائف وقف حتى يبلغ الولد فينتسب إلى أيهما شاء فإن لم ينتسب إلى واحد منهما كان نسبه موقوفا لا يثبت له نسب من غير أمه والقائف هو الذى يتبع آثار الآباء فى الآبناء وغيرها من الآثار من قاف أثره يقوفه مقلوب قفا أثره مثل راء مقلوب رأى والقيافة مشهورة فى بنى مدلج فإن لم يكن مدلجى فغيره وهو قول أحمد وقال به مالك فى الإماء وهذا لأن إثبات النسب من شخصين مع علمنا بأن الولد لا يتخلق من ماءين لأنها كما تعلق من رجل انسد فم الرحم متعذر فعلمنا بالشبه وهذا يفيد أن القافه لو ألحقوه بهما لا يلحق وهو قول الشافعى أنه يبطل قولهم إذا ألحقوا بهما وقد ثبت العمل بالشبه بقول القائف حيث سر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أخرج الستة فى كتبهم كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا فقال يا عائشة ألم ترى أن مجرزا المدلجى دخل على وعندى أسامة بن زيد وزيد وعليهما قطيفة وقد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال هذه الأقدام بعضها من بعض وقال أبو داود وكان أسامة أسود وكان زيد أبيض ولنا كتاب عمر رضى الله عنه إلى شريح فى هذه الحادثة ذكر أن شريحا كتب إلى عمر بن الخطاب فى جارية بين شريكين جاءت بولد فادعياه فكتب إليه عمر أنهما لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقى منهما وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل
____________________
(5/51)
الإجماع والله أعلم بذلك قال ولأنهما استويا فى سبب الاستحقاق يعنى الدعوة مع الملك فيستويان فيه والنسب وإن كان لا يتجزأ ولكن يتعلق به أحكام متجزئة كالإرث والنفقة وصدقة الفطر وولاية التصرف فى ماله والحضانة فما يقبل التجزى كالإرث وما ذكرنا يثبت فى حقهما على التجزئة وما لا يقبلها كالنسب وولاية الإنكاح يثبت لكل منهما كملا كأن ليس معه غيره واعلم أن المعروف فى قصة عمر هو ما قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر رضى الله عنه فى امرأة وطئها رجلان فى طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وقال الشعبى وعلى يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه ذكره سعيد أيضا وروى الأثرم يإسناده عن سعيد بن المسيب فى رجلين اشتركا فى طهر امرأة فحملت فولدت غلاما يشبههما فرفع ذلك إلى عمر فدعا القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما ويرثانه وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن عروة بن الزبير أن رجلين ادعيا ولدا فدعا عمر القافة واقتدى فى ذلك ببصر القافة وألحقه أحد الرجلين ثم ذكر أيضا عبد الرزاق بعد ذلك عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال لما دعا عمر القافة فرأوا شبهه فيهما ورأى عمر مثل ما رأت القافة قال قد كنت أعلم أن الكلبة تلد لأكلب فيكون كل جزء لأبيه ما كنت أرى أن ماءين يجتمعان فى ولد واحد وأسند عبد الزراق أيضا عن معمر عن قتادة قال رأى القافة وعمر جميعا شبهه فيهما وشبههما فيه وقال هو بينكما يرثكما وترثانه قال فذكرت ذفلك لابن المسيب فقال نعم هو للآخر منهما وقول المصنف وعن على مثل ذلك يشير إلى ما أخرج الطحاوى فى شرح الآثار عن سماك عن مولى لآل مخزوم قال وقع رجلان على جارية فى طهر واحد فعلقت الجارية فلم يدر من أيهما هو فأتيا عليا فقال هو بينكما يرثكما وترثانه وهو للباقى منكما ورواه عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثورى عن قابوس عن أبى ظبيان عن على قال أتاه رجلان وقعا على امرأة فى طهر فقال الولد بينكما وهو للباقى منكما وضعفه البيهقى فقال يرويه سماك عن رجل مجهول لم يسمه وقابوس وهو غير محتج به عن أبى ظبيان عن على قال وقد روى على مرفوعا خلاف ذلك ثم أخرج من طريق أبى داود حدثنا حبيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثورى عن صالح الهمدانى عن الشعبى عن عبد خير عن زيد بن أرقم قال أتى على رضى الله عنه وهو باليمن بثلاثة وقعوا على امرأة فى طهر واحد فسأل اثنين أثقران لهذا بالولد قالا لا حتى
____________________
(5/52)
سألهم جميعا فجعل كلما سأل اثنين قالا لا فأقرع بينهم فألحق الولد بالذى صارت عليه القرعة وجعل عليه ثلثى الدية قال فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه انتهى واعلم أن أبا داود رواه أيضا موقوفا وكذا النسائى على على بإسناده أجود من إسناد المرفوع وكذا رواه الحميدي فى مسنده وقال فيه فأغرمه ثلثى قيمة الجارية لصاحبيه وهو حسن مبين المراد بالدية فيما قبله وحاصل ما تحصل من هذا أنه صلى الله عليه وسلم سر بقول القافة وإن عمر قضى على وفق قولهم وإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر إثبات على النسب بالقرعة ولا شك أن المعول عليه ما ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك هو سروره بقول القافة فأجاب المصنف عنه بأن سروره كان لأن الكفار كانوا يطعنون فى نسب أسامة رضى الله عنه لما تقدم من حديث أبى داود أنه كان أسود وكان زيد أبيض فكانوا لذلك يطعنون فى ثبوت نسبه منه وكانوا مع ذلك يعتقدون قول القافة فكان قول القائف مقطعا لطعنهم فسروره لا شك أنه لما يلزمه من قطع طعنهم واستراحة مسلم من التأذى بنفى نسبه وظهور خطئهم والرد عليهم ثم يحتمل مع ذلك كون القيافة حقا فى نفسها فتكون متعلق سروره أيضا أو ليست حقا فيختص سروره بما قلنا فلزم أن حكمنا بكون سروره بها نفسها فرع حكمنا بأنها حق فيتوقف على ثبوت حقيتها ولم يثبت بعد وطعن يطعن بضم عين المضارع بالرمح وفى النسب واعلم أنه استدل على صحة القيافة بحديث اللعان حيث قال صلى الله عليه وسلم فيه إن جاءت به أصهيب أثيبج حمش الساقين فهو لزوجها وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذى رميت به وهذه هى القيافة والحكم بالشبه وأجاب أصحابنا بأن معرفته ذلك صلى الله عليه وسلم من طريق الوحى لا القيافة وقد يقال الظاهر عند إرادة تعريفه أن يعرف أنه ابن فلان والحق أن ينقلب عليهم لأنه لو كانت القيافة معتبرة لكان شرعية اللعان تختص بما إذا لم يشبه المرمى به أشبه الزوج أولا لحصول الحكم الشرعى حينئذ بأنه ليس ابنا للنافى وهو يستلزم الحكم بكذبها فى نسب الولد وأجيب أيضا بأنه لا يلزم من حقية قيافته صلى الله عليه وسلم حقية قيافة غيره وفيه نظر فإن القيافه ليس الا باعتبار امور ظاهرة يستوى الناس في معرفتها ثم انه صلى الله عليه وسلم سر بفعل على رضى الله عنه وهو إلحاقه بالقرعة وقد نقل ذلك عن بعض العلماء وطرقه صحيحة كما تقدم وهو يستلزم أن القرعة طريق صحيحة لتقريره صلى الله عليه وسلم إياه بل سر به فإن الضحك دليله مع عدم الإنكار وإذا لم يقل به يلزمه الحكم بنسخه غير أنه يبقى ما ثبت عن عمر من العمل بقول القافة فإنه من القوة بكثرة الطرق بحيث لا يعارضه المروى عنه من قصة شريح لخفائها وعدم تثبيتها وإن كانت قصة مرسلة فإن سليمان بن يسار عن عمر مرسل وكذا عروة عنه لكنهما إمامان لا يرويان إلا عن قوى أمين مع حجية المرسل عندنا فكيف به من هذين على أن قول سعيد ابن المسيب نعم فى إسناد عبد الرزاق ربما يكون كالموصول بعمر لأن سعيدا روى عن عمر وبالجملة فلا خلاف فى ثبوت مثل هذا وإذا ثبت عمل عمر بالقيافة لزم أن ذلك الاحتمال فى سروره صلى الله عليه وسلم وهو كون الحقية من متعلقاته ثابت والشافعى رحمه الله لما لم يقل بنسبة الولد إلى اثنين يلزمه اعتقاد أن فعل عمر كان عن رأيه لا بقول القافة فيلزمه القول بثبوت النسب من اثنين إذ حل محل الإجماع من الصحابة وهو ملزوم لأحد الأمرين إما أن سروره صلى الله عليه وسلم لم يكن متعلقا إلا برد طعنهم أو ثبوت نسخه وبه نقول إلا أنا
____________________
(5/53)
لا نقول إنه من مائهما كما يفهم من بعض الروايات لأن الماءين لا يجتمعان فى الرحم إلا متعاقبين فإذا فرض أنه خلق من الأول لم يتصور خلقه من الثانى بل أنه يزيد فى الأول فى سمعه قوة وفى بصره وأعضائه وأما التعليل بأنه ينسد فم الرحم فقاصر على قولنا إن الحامل لا تحيض فأما من يقول تحيض لا يمكنه القول بالانسداد فيثبت النسب من اثنين مع الحكم بأنه فى نفس الأمر من ماء أحدهما ثم كما يثبت نسبه من اثنين يثبت نسبه من ثلاثة وأربعة وخمسة وأكثر وقال أبو يوسف لا يثبت من أكثر من اثنين لأن القياس ينفى ثبوته من اثنين لكنه ترك لأثر عمر وقال محمد لا يثبت لأكثر من ثلاثة لقرب الثلاثة من الاثنين ولأبى حنيفة أن سبب ثبوت النسب من أكثر من واحد الاشتباه والدعوة فلا فرق فلو تنازع فيه امرأتان قضى به بينهما عند أبى حنيفة وعندهما لا يقضى للمرأتين فلا يلحق إلا بأم واحدة ولا فرق بين كون الأنصباء متفاوتة أو متساوية فى الجارية فى دعوى الولد ولو تنازع فيه رجلان وامرأتان كل يزعم أنه ابنه من هذه المرأة هى تصدقه فعند أبى حنيفة يقضى به بين الرجلين والمرأتين وعندهما يقضى به بين الرجلين فقط فلو تنازع فيه رجل وامرأتان يقضى به بينهم وعندهما يقضى به للرجل لا للمرأتين قوله إلا إذا كان أحد الشريكين أبا للآخر استثناء من قوله ومالا يقبلها وعلمت أن النسب يثبت فى حق كل منهما كملا وفى المبسوط أمة بين مسلم وذمى ومكاتب ومدبر وعبد ولدت فادعوه فالحر المسلم أولى لاجتماع الحرية والإسلام فيه مع الملك فإن لم يكن فيهم مسلم بل من بعده فقط فالذمى لأنه حر والمكاتب والعبد وإن كانا مسلمين لكن بيد الولد تحصيل الإسلام دون الحرية ثم المكاتب لأن له حق ملك والولد على شرف الحرية بأداء المكاتب وإن لم يكن مكاتب وادعى المدبر والعبد لا يثبت من واحد منهما النسب لأنه ليس له لهم ملك ولا شبهة ملك قيل ويجب أن يكون هذا الجواب فى العبد المحجور وهبت له أمة ولا يتعين ذلك بل أن يزوج منها أيضا ولو كانت الدعوة بين ذمى ومرتد فالولد للمرتد لأنه أقرب إلى الاسلام وغرم كل لصاحبه نصف العقر قوله وكانت الأمة أم ولد لهما لصحة دعوة كل منهما فى نصيب الولد فيصير نصيبه منها أم ولد له تبعا لولدها ولا يضمن واحد منهما لشريكه شيئا لأنه لم ينتقل
____________________
(5/54)
إليه من نصيب شريكه شىء قوله ويرث الابن من كل منهما ميراث ابن كامل لأنه أقر له بميراثه كله حيث ادعى أنه ابنه وحده وإقراره حجة فى حقه ويرثان منه ميراث أب واحد لأن دعوى كل منهما الانفراد بالأبوة لا تسرى فى حق الآخر وقد استويا فى سبب الاستحقاق وهو الدعوة المقرونة بالملك وصار كما إذا أقاما البينة على شىء يصير مشتركا بينهما فكذا إذا أقاما البينة على ابن مجهول النسب يكون بينهما لاتحاد الجامع قوله وإذا وطىء المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه فإن صدقه المكاتب يثبت نسب الولد منه وإن كذبه لا يثبت نسب الولد لكن إذا ملكه يوما من الدهر فحينئذ يثبت نسبه منه لما سيذكر وعن أبى يوسف رحمه الله أنه لا يعتبر تصديقه بل يثبت نسبه منه بمجرد دعوته غير مفتقر إلى تصديقه وقوله وهذا قول سائر العلماء اعتبارا بالأب يدعى ولد جارية ابنه بجامع أن الموطوءة كسب كسب المدعى أو بطريق أولى لأن للمولى فى المكاتب ملك رقبته وهو مقتض لحقيقة ملك كسبه وإن لم يكن له فيه ملك كان له فيه حق الملك وليس للوالد ملك حقيقة فى رقبة ولده بل له حق التملك بماله عند الحاجة وحق الملك أقوى من حق التملك فلما ثبت نسب ولد جارية الابن من الأب بمجرد دعوته من غير افتقار إلى تصديقه فالثبوت من المولى أولى ووجه الظاهر وهو الفرق بين جارية الابن وجارية المكاتب أن المولى لا يملك التصرف فى أكساب مكاتبه بسبب حجره نفسه عن ذلك بعقد الكتابة حتى لا يثبت له حق تملكه والأب يملك تملكه لحاجته على ما عرف فلا معتبر بتصديقه وهذا بخلاف الوارث يستولد أمة من تركة مستغرقه بالدين يصح بلا تصديق أحد لأنه صاحب حق حتى ملك استخلاص ما يشاء من
____________________
(5/55)
التركة بإعطاء قيمته فليس أحد أحق منه ليحتاج إلى تصديقه بخلاف البائع يدعى ولد المبيعة بعد البيع يصح لاتصال العلوق بملكه ووجب للولد حق العتق فلم يبطل باعتراض البيع وههنا إن حصل العلوق فى ملك المولى لرقبة المكاتب لكن لم يحصل فى ملكه للجارية ملكا خالصا واعترض بأنه لا معنى لاشتراط التصديق لأنه إذا لوحظ حجر المولى عن التصرف فى مال المكاتب فتصديقه لا يوجب فك الحجر بل غايته أنه اعترف له أنه وطىء الجارية فيقتضى أن لا يثبت النسب إذ لم يرتفع به المانع من ثبوته ألا ترى أنه لو أقام البينة على أنه وطئها لا يثبت نسبه إذا كان مكذبا له مع أن الثابت بالبينة أقوى من التصديق فظهر ضعف اشتراط التصديق وقد يجاب بأن هذا الحجر لحق آدمى لكونه هو أحق بالدعوى فلا يظهر حقه فى الاستلحاق فى مقابلة من هو أحق به منه إلا أن يصدقه لجواز أن يكذبه بأن يدعيه هو فلا بد من استعلام تصديقه وتكذيبه بخلاف ما إذا أقام بينة على الوطء فإن تكذيبه قائم واختبار التصديق ليس لاستعلام الوطء قطعا بل تقديما للأحق على غيره بخلاف أحد الشريكين إذا استلحق فإنه لا يتوقف على تصديق الآخر لأنه ليس أحدهما أحق من الآخر قوله وعليه عقرها للمكاتب لأنه أى لأن وطأة المدلول عليه بقوله فإذا وطىء المولى لا يتقدمه الملك لأن ماله من الحق أى حق الملك كاف لصحة الاستيلاد لما نذكره يعنى من قوله عقيبة أنه كسب كسبه بخلاف الأب فإنه ليس له حق ملك فى الجارية فيتقدم ملكه إياها لتصحيح الاستيلاد فلا يجب العقر لأنه وطىء أمة نفسه وإذا وجب لنفس المكاتبة العقر إذا وطئها المولى مع ثبوت حقيقة ملكه فيها فلأن يجب بوطء أمتها أولى وأبعد شارح فقال أى لما نذكره فى كتاب المكاتب من أنه يثبت للمولى فى ذمة المكاتب حق مع أن مجرد ثبوت حق فى ذمة
____________________
(5/56)
سيد أمة لا يصحح استيلاد صاحب الدين فلقد تناوله من مكان بعيد وهو أقرب من حبل الوريد قوله وقيمة ولدها عطف على عقرها أى وعليه قيمة الولد لأنه معنى المغرور حيث اعتمد دليلا وهو أنه أى الجارية بتأويل الشخص كسب وكسبه فلم يرض برقه حيث اعتمد دليلا يوجب حريته فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه كما أن المغرور بشراء أمة استولدها فاستحقت اعتمد دليلا هو البيع فجعل عذرا فى حرية الولد بالقيمة إلا أن قيمة الولد هنا تعتبر يوم ولد وقيمة ولد المغرور يوم الخصومة والفرق أن العلوق هنا حصل فى ملك المولى وهو مقتض ثبوت نسبه بحق ملكه لمالكها إلا أنه محجوز بحجر شرعى عنها فشرط تصديقه فإذا جاء التصديق صحت الدعوى وثبت له حق التملك بالقيمة فوجب اعتبارها فى أقرب أوقات الإمكان وأما المغرور فضمانه قيمة الولد لأنه أمانة حبسها عن صاحبها تقديرا فتعتبر القيمة يوم الحبس وتحقق هذا الحبس والمنع إنما يكون يوم الخصومة فيعتبر يومها ثم لا تصير الجارية أم ولد لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما فى أم ولد المغرور المبيعة المستحقة لا تكون أم ولد له ولا تناقض بين قوله لا تصير أم ولد وبين قوله إن ماله من الحق يكفى لصحة الاستيلاد لأن المراد من الاستيلاد استلحاق الولد كما قررناه أول الباب وصحته بثبوت نسب الولد منه وأما ثبوت أمومية الولد للأم فإنما هو لازم فى بعض الصور وهو أكثرها دون بعض وليس عينا ليلزم نفى ما أثبته ثم إذا ملك هذه الجارية يوما من الدهر صارت أم ولد له لأنه ملكها وله منها ولد ثابت النسب قوله وإن كذبه المكاتب فى النسب لم يثبت نسبه من المولى لما بينا أى من أنه لا يملك التصرف فى أكساب مكاتبه فلو ملكه أى لو ملك الولد يوما من الدهر ثبت نسبه منه وكان ولدا له لقيام الموجب وهو إقراره بالاستيلاد وزوال المانع وهو حق المكاتب
____________________
(5/57)
فروع رجل فجر بأمة فولدت ثم اشتراها لا تصير أم ولد له استحسانا وإن اشترى الولد عتق الولد عليه وفى المحيط يجوز إعتاق أم الولد وكتابتها لتعجيل الحرية وكذا تدبيرها لأنه يجتمع لها سببا حرية وفى غيرها لا يصح تدبيرها لأنه لا يفيد وفى جوامع الفقه استولد مدبرته بطل التدبير وتعتق من جميع المال ولا تسعى فى دين وفى الكافى أمة بين رجلين قالا فى صحتهما هى أم ولد أحدنا ثم مات أحدهما يؤمر الحى بالبيان دون الورثة لأنه يخبر عن نفسه والورثة تخبر بفعل غيرهم فإن قال الحى هى أم ولدى فهى أم ولده ويضمن نصف قيمتها ولا يضمن من العقر شيئا لأنه لما أقر بوطئها بعد ملكها فلعله استولدها بنكاح قبل ولو قال هى أم ولد الميت عتقت صدقته الورثة أو كذبته لأنه إن صدق فهى حرة وإن كذب فكذلك لإقراره بعتقها بموته ولا سعاية للحى لأنه يدعى الضمان على الميت وكذا للورثة لأنهم يدعون عليه الضمان إن كذبوه فى إقراره وإن صدقوه فقد أقروا بعدم السعاية والله الموفق & كتاب الأيمان
اشترك كل من اليمين والعتاق والطلاق والنكاح فى أن الهزل والإكراه لا يؤثر فيه إلا أنه قدم على الكل النكاح لأنه أقرب إلى العبادات كما تقدم والطلاق رفعه بعد تحققه فإيلاؤه إياه أوجه واختص الإعتاق عن الإيمان بزيادة مناسبة بالطلاق من جهة مشاركته إياه فى تمام معناه الذى هو الإسقاط وفى لازمه الشرعى الذى هو السراية
____________________
(5/58)
فقدمه على اليمين ولفظ اليمين مشترك بين الجارحة والقسم والقوة لغة والأولان ظاهران وشاهد القوة قوله تعالى { لأخذنا منه باليمين } وقول الشماخ وقيل الحطيئة ** رأيت عرابة الأوسى يسمو ** إلى الخيرات منقطع القرين ** ** إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين **
أى بالقوة ثم قولهم إنما سمى القسم يمينا لوجهين أحدهما أن اليمين هو القوة والحالف يتقوى بالإقسام على الحمل أو المنع والثانى أنهم كانوا يتماسكون يأيمانهم عند القسم فسميت بذلك يفيد انه لفظ منقول ومفهومه اللغوى جملة أولى إنشائية صريحة الجزءين يؤكد بها جملة بعدها خبرية وترك لفظ أولى يصيره غير مانع لدخول نحو زيد قائم زيد قائم وهو على عكسه فإن الأولى هى المؤكدة بالثانية من التوكيد اللفظى وجملة أعم من الفعلية كحلفت بالله لأفعلن أو أحلف والاسمية مقدمة الخبر كعلى عهد الله أو مؤخرته نحو لعمرك لأفعلن وهو مثال أيضا لغير المصرح بجزءيها ومنه والله وتالله فإن الحرف جعل عوضا عن الفعل وأسماء هذا المعنى التوكيدى ستة الحلف والقسم والعهد والميثاق والإيلاء واليمين وخرج بإنشائية نحو تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست إنشاء فليست التعاليق أيمانا لغة وأما مفهومه الاصطلاحى فجملة أولى إنشائية مقسم فيها باسم الله تعالى أو صفته ومؤكد بها مضمون ثانية في نفس السامع ظاهرا وتحمل المتكلم على تحقيق معناها فدخلت بقيد ظاهر الغموس او التزام مكروه كفر أو زوال ملك على تقدير ليمنع عنه أو محبوب ليحمل عليه فدخلت التعليقات مثل إن فعل فهو يهودى وإن دخلت فأنت طالق بضم التاء لمنع نفسه وبكسرها لمنعها وإن بشرتنى فأنت حر وسببها الغائى تارة إيقاع صدقه فى نفس السامع وتارة حمل نفسه أو غيره على الفعل أو الترك فبين المفهوم اللغوى والشرعى عموم من وجه لتصادقهما فى اليمين بالله وانفراد اللغوى فى الحلف بغيره مما يعظم وانفراد الاصطلاحى فى التعليقات ثم قيل يكره الحلف بالطلاق والعتاق لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله الحديث والأكثر على أنه لا يكره لأنه لمنع نفسه أو غيره ومحمل الحديث غير التعليق مما هو بحرف القسم وركنها اللفظ الخاص وأما شرطها فالعقل والبلوغ وحكمها الذى يلزم وجودها وجوب البر فيما إذا عقدت على طاعة أو ترك معصية فيثبت وجوبان لأمرين الفعل والبر ووجوب الحنث فى الحلف على ضدهما أو ندبه فيما إذا كان عدم المحلوف عليه جائزا وسيأتى وإذا حنث فيما يجوز فيه الحنث أو يحرم لزمته الكفارة قوله اليمين على ثلاثة أضرب يمين الغموس
____________________
(5/59)
والأصح من النسخ اليمين الغموس على الوصف لا الإضافة أو يمين غموس وأم يمين الغموس فإضافة الموصوف إلى صفته وهى ممنوعة وما قيل هو كعلم الطب رد بأنه إضافة الجنس إلى نوعه لأن الطب نوع لا وصف للمضاف ومثل صلاة الأولى مقصور على السماع وسميت غموسا لغمسها صاحبها فى الإثم ثم فى النار فعول بمعنى فاعلة بصيغة المبالغة قوله فالغموس هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب به وليس هذا بقيد بل الحلف على الحال أيضا كذلك كوالله ما لهذا على دين وهو يعلم خلافه والحديث المذكور غريب بهذا اللفظ ومعناه ثابت بلا شبهة وأقرب الألفاظ إليه ما فى صحيح ابن حبان من حديث أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار وفى الصحيحين لقى الله وهو عليه غضبان وفى سنن أبى داود من حديث عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ مقعده من النار والمراد بالمصبورة الملزمة بالقضاء والحكم أى المحبوس عليها لأنها مصبور عليها قوله ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار وهو قول أكثر العلماء منهم مالك وأحمد رضى الله عنهما وقال الشافعى رحمه الله فيها الكفارة لأنها شرعت فى الأصل وهى المعقودة لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى وقد تحقق فى الغموس فيتعدى إليه وجوبها ولنا أنها كبيرة محضة لما ثبت فى صحيح البخارى من حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل
____________________
(5/60)
النفس واليمين الغموس والكفارة عبادة حتى تتأدى بالصوم ويشترط فيها النية فلا تناط بها أى بما هو كبيرة بخلاف المعقودة لأنها مباحة ولو كان فيها ذنب بأن يحنث فى موضع وجوب البر على ما ذكرنا من التفصيل فهو متأخر متعلق باختيار مبتدإ غير مقارن متعمد بنفس اليمين كما فى الغموس فامتنع الإلحاق وحاصل هذا إبداء وصف فى الأصل وهو كونه مباحا وادعاء كونه جزء المؤثر لكونه غير مناسب للحكم وقد نقض بالظهار ويجاب بأن الموجب فيه العود لا نفس الظهار قال تعالى { ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة } وهو مباح لكونه إمساكا بالمعروف وبالإفطار فى رمضان ولو بخمر أوزنا وأجيب الكفارة باعتبار الفطر العمد المشتهى ويجب الحد باعتبار أنهما فى أنفسهما كبيرة ولخصه آخر بأن ذلك حرام فى نفسه وحرام لغيره وهو الصوم فوجب الحد بالأول والكفارة بالثانى ونقض أيضا بقتل المحرم صيدا عمدا وأجيب بأن عين الفعل ليس حراما حتى لو فعله فى غير الإحرام والحرم لم يحرم وإنما حرم بإحرامه وبالحرم لا بنفسه وصحح شارح الإيراد ومنع نفى كون المعصية سببا للكفارة وجعل المذكور من الأجوبة خبطا ولم يبين موضع الفساد فيها وهو واضح لأن كلامهم هذا يقتضى تقييد قولهم المعصية لا تصلح سببا للكفارة لكونها عبادة بما إذا كان حراما لعينه ومرجعه إلى التحسين والتقبيح فى الفعل لذاته وهو منتف عند الأشعرية وهو قليل جدا كأنه لا يزيد على الكفر والظلم وكون اليمين الغموس منه قد يمنع لأن اليمين في نفسه مباح او عبادة اذ هو ذكر الله تعالى على وجه التعظيم وهذالايسقطمن قلب المؤمن الحالف غموسا وإلاكانت كفرا وإنما روج به باطله فقبحها ليس
____________________
(5/61)
إلا بعدم مطابقة المحلوف عليه أو لقصده ذلك وذلك خارج عن اليمين موجب لحرمتها فكان من قبيل ما حرم لغيره
على أن كون حرمة السبب تمنع مناسبتها للعبادة لا يفصل بين كون الحرمة لعينه أو لغيره ولو قيل لا يلزم من شرعية الكفارة جابرة أو ساترة فى ذنب أخف شرعيتها كذلك فى ذنب أعظم كان أوجه
وللشافعى أيضا الغموس مكسوبة بالقلب والمكسوبة يؤاخذ بها لقوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وبين سبحانه وتعالى المراد بالمؤاخذة بقوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته } فبين أن المراد بها الكفارة
والجواب أن المؤاخذة مطلقا فى الآخرة فهى المراد بالمؤاخذة فى المكسوبة والمراد بها فى المعقودة الكفارة كما ذكرنا قالوا الغموس داخلة فى المعقودة فتجب الكفارة بها بالنص من غير حاجة إلى زيادة تكلف
الجواب منع أنها معقودة لأنها ربط فى الشرع للأسم العظيم بمعنى على وجه حمله عليه فى المستقبل أو منعه منه فإذا حنث انحلت لأرتفاع المانع والحامل أو لتوكيد صدقة الظاهر فإذا طابق الخبر بر وانحلت ولا شك أن بالحنث تنحل اليمين الغموس قارنها ما يحلها وهو ما لو طرأ عليها رفعها وحلها فلم تنعقد لأنه إذا قارنها منع انعقادها كالردة والرضاع فى النكاح بخلاف مس السماء ونحوه فإنه لم يقارنها لأنها عقدت على أمر فى المستقبل فما يحلها هو انعدامه فى المستقبل لا فى الحال وعلى هذا قيل الغموس ليست بيمين حقيقة لأن اليمين الشرعية تعقد للبر وهو غير ممكن فيها وما قطع بانتفاء فائدته شرعا يقطع بأنتفائه شرعا وتسميتها يمينا مجاز بعلاقة الصورة كالفرس للصورة المنقوشة أو هو من الحقيقة اللغوية وعلى أحدهما يحمل قوله عليه الصلاة والسلام واليمين الفاجرة ونحوه على ما ذكرناه
واعلم أن المعقودة عند الشافعى ليست سوى المكسوبة بالقلب وكون الغموس قارنها الحنث لا ينفى الأنعقاد عنده وكونها لا تسمى يمينا لأنها لم تنعقد للبر بعيد إذ لاشك فى تسميتها يمينا لغة وعرفا بحيث لا تقبل التشكيك فليس الوجه الا ما قدمنا من أن شرعية الكفارة لرفع ذنب أصغرلا يستلزم شرعها لرفع أكبر وإذا أدخلها فى مسمى المنعقدة وجعل المنعقدة تنقسم إلى غموس وغيرها عسرالنظر معه إلا أن يكون لغة أو سمع
وقد روى الإمام أحمد فى مسنده بإسناد جيد صرح بجودته ابن عبد الهادى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث مطول قال فيه خمس ليس لهن كفارة الشرك بالله عز وجل وقتل النفس بغيرحق وبهت مؤمن والفرار من الزحف واليمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق انتهى
وكل من قال لا كفارة فى الغموس لم يفصل بين اليمين المصبورة على مال كاذبا وغيرها وصابرة بمعنى مصبورة كعيشة راضية وتقدم أن المصبورة المقضى بها لأنها مصبور عليها أى محبوس والصبر حبس النفس على المكروه ومنه قتله صبرا إذا لم يكن فى حال تصرفه ودفعه مختارا عن نفسه قوله والمنعقدة ما يحلف على أمر فى المستقبل أن يفعله أو لا يفعله فإذا حنث لزمته الكفارة لقوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته } الآية وما فى قوله ما يحلف مصدرية أى الحلف على أمر فى المستقبل وهذا يفيد أن الحلف على ماض صادقا فيه كوالله لقد قدم زيد أمس لا تسمى منعقدة ويقتضى أنها إما ليست بيمين وهو بعيد أو زيادة أقسام اليمين على الثلاثة وهو مبطل لحصرهم السابق وفى كلام شمس الأئمة ما يفيد أنها من قبيل اللغو فإن أراد لغة فممنوع لأنه مالا فائدة له فيه وفى هذا اليمين فائدة
____________________
(5/62)
تأكيد صدقه فى خبره عند السامع وإن أراد دخولها فى اللغو المذكور فى الآية بحسب الإرادة فقد فسره السلف واختلفوا فيه ولم يقل أحد بذلك فكان خارجا عن أقوال السلف
والجواب أن الأقسام الثلاثة فيما يتصور فيه الحنث لا فى مطلق اليمين قوله ويمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه كما قال والأمر بخلافه مثل والله لقد دخلت الدار والله ما كلمت زيدا ونحوه ويدخل فى ذلك الأفعال كما ذكرنا والصفات
ومن الثانى ما فى الخلاصة رجل حلفه السلطان أنه لم يعلم بأمر كذا فحلف ثم تذكر فعلم أنه كان يعلم أرجو أن لا يحنث فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها وإنما قيد محمد عدم المؤاخذة بالرجاء مع أنه مقطوع به فى كتاب الله تعالى حين قال { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } للأختلاف فى معنى اللغو ففسره محمد بما ذكر وهو مروى عن ابن عباس وبه قال أحمد
وقال الشافعى كل يمين صدرت عن غير قصد فى الماضى وفى المستقبل
وهو مباين للتفسير المذكور لأن الحلف على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد وهو
____________________
(5/63)
رواية عن أحمد وهو معنى ما روى صاحب السنن عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كلام الرجل فى بيته كلا والله وبلى والله وقال الشعبى ومسروق لغو اليمين أن يحلف على معصية فيتركها لاغيا بيمينه
وقال سعيد بن جبير أن يحرم على نفسه ما أحل الله له من قول أو عمل
فلما اختلف فى معنى اللغو علقه بالرجاء
والأصح أن اللغو بالتفسيرين الأولين وكذا بالثالث متفق على عدم المؤاخذة به فى الآخرة وكذا فى الدنيا بالكفارة فلم يتم العذر عن التعليق بالرجاء فالأوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق بل التبرك باسم الله والتأدب فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لأهل المقابر وإنا إن شاء الله بكم لاحقون
وأما التفسير الرابع فغير مشهور وكونه لغوا هو اختيار سعيد قوله والقاصد فى اليمين والمكره عليه والناسى وهو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ثم تذكر أنه تلفظ به
وفى بعض النسخ الخاطىء وهو من أراد أن يتكلم بكلام غير الحلف فجرى على لسانه اليمين فإذا حنث لزمته الكفارة لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث جد هن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين هكذا ذكره المصنف وبعضهم كصاحب الخلاصة جعل مكان اليمين العتاق والمحفوظ حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث جد هن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وقد ورد حديث العتاق فى مصنف عبد الرزاق من حديث أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز وروى ابن عدى فى الكامل من حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ثلاث ليس فيهن لعب من تكلم بشىء منهن لاعبا فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح وأخرج عبد الرزاق عن على وعمر موقوفا أنهما قالا ثلاث لا لعب فيهن النكاح والطلاق والعتاق وفى رواية عنهما أربع وزاد والنذر ولا شك أن اليمين فى معنى النذر فيقاس عليه
واعلم أنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد لليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته السبب مختارا والناسى بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع وكذا المخطىء لم يقصد قط التلفظ به بل بشىء آخر فلا يكون الوارد فى الهازل واردا فى الناسى الذى لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت فى حقه نصا ولا قياسا وإذا كان اللغو بتفسيرهم وهو أن يقصد اليمين مع ظن البر ليس لها حكم اليمين فما
____________________
(5/64)
لم يقصده أصلا بل هو كالنائم يجرى على لسانه طلاق أو عتاق لا حكم له أولى أن لا يكون لها حكم اليمين وأيضا فتفسير اللغو المذكور فى حديث عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه كلام الرجل فى بيته كلا والله وبلى والله و إن لم يكن هو نفس التفسير الذى فسروا به الناسى فإن المتكلم كذلك فى بيته لا يقصد التكلم به بل يجرى على لسانه بحكم العادة غير مراد لفظه ولا معناه ولو لم يكن إياه كان أقرب إليه من الهازل فحمل الناسى على اللاغى بالتفسير المذكور أولى من حمله على الهازل وهذا الذى أدينه وتقدم لنا مثله فى الطلاق فلا تكن غافلا قوله والشافعى يخالفنا فى ذلك فيقول لا تنعقد يمين المكره ولا الناسى ولا المخطىء للحديث المشهور رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه قال المصنف وسبنين ذلك فى الإكراه إن شاء الله تعالى واستدل ابن الجوزى فى التحقيق للشافعى وأحمد رضى الله عنهما فى عدم انعقاد يمين المكره بما رواه الدراقطنى عن واثلة بن الأسقع وأبى أمامة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على مقهور يمين ثم قال عنبسة ضعيف قال صاحب تنقيح التحقيق حديث منكر بل موضوع وفيه جماعة لا يجوز الاحتجاج بهم قوله ومن فعل المحلوف عليه مكرها أو ناسيا فهو سواء فتجب عليه الكفارة كما لو فعله ذاكرا ليمينه مختارا وعن كل من الشافعى وأحمد روايتان يحنث ولا يحنث وهو الأصح عند الشافعى للحديث المذكور وقد مر جوابه فى طلاق المكره من كتاب الطلاق وهذا لأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه وهو الشرط يعنى بالشرط السبب لوجوب الكفارة لأن الحنث هو السبب عندنا وإنما يناسب حقيقة مذهب الشافعى لأن السبب عنده اليمين والحنث شرط على ما عرف والحاصل أن الوجوب يثبت عنده سببا كان أو شرطا وبالنسيان والإكراه لم ينعدم وجوده فاستعقب وجوب الكفارة وكذا إذا فعل المحلوف عليه وهو مغمى عليه أو مجنون تلزمه الكفارة
____________________
(5/65)
فيخرجها عنه وليه أو هو إذا أفاق لما ذكرنا من تحقق الشرط أى السبب حقيقة وقوله ولو كانت الحكمة فى إيجاب الكفارة رفع الذنب جواب عن سؤال مقدر هو أن وجوب الكفارة لرفع الذنب الحاصل بالحنث ولا ذنب على الحانث إذا كان مغمى عليه أو مجنونا فأجاب بأن الحكمة لا يجب حصولها مع شرع الحكم دائما بل تناط بمظنتها وهو كون شرع الحكم مع الوصف يحصل مصلحة أو يدفع ضررا كما فى الاستبراء شرع وجوبه مع الملك المؤكد بالقبض يحصل معه دفع مفسدة اشتباه النسب فأدير على نفس الشراء مع القبض سواء كان ذلك الوهم حاصلا أو لا كما فى شراء الأمة الصغيرة التى لم تبلغ حدالبلوغ وأما قولهم كما فى شراء الأمة البكر ومن المرأة فليس بصحيح لأن التوهم حاصل لجواز حبل البكر ومملوكه المرأة على أن كونها لرفع الذنب دائما ممنوع بل لتوفير تعظيم الاسم أن ينعقد على أمر ثم يحلف عنه مجانا للعلم بذلك فى موضع يجب فيه الحنث أو يندب والله أعلم & باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا
قوله واليمين بالله أو باسم آخر من أسمائه تفيد لفظه آخر أن المراد بالله اللفظ فتأمل والاسم الآخر كالرحمن
____________________
(5/66)
والرحيم والقدير ومنه والذى لا إله إلا هو ورب السموات والأرض ورب العالمين ومالك يوم الدين و الأول الذى ليس قبله شىء والآخر الذى ليس بعده شىء و إذا قالوا فى قوله والطالب الغالب إنه يمين لأنه تعارف أهل بغداد الحلف به لزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب فى قوله تعالى { والله غالب على أمره } وإما كونه بناء على القول المفصل فى الأسماء ويفيد قوله آخر أنه لا بد من كونه اسما خاصا فلو قال واسم الله وهو عام يقتضى أن لا يكون يمينا والمنقول أنه لو قال باسم الله ليس بيمين وفى المنتفى رواية ابن رستم عن محمد أنه يمين فليتأمل عند الفتوى ولو قال وباسم الله يكون يمينا ذكر ذلك فى الخلاصة وقوله أو بصفة من صفاته التى يحلف بها عرفا قيد فى الصفة فقط فأفاد أن الحلف بالاسم لا يتقيد بالعرف بل هو يمين تعارفوه أو لم يتعارفوه وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح وهو قول مالك وأحمد والشافعى فى قول وقال بعض مشايخنا كل اسم لا يسمى به غير الله كالله والرحمن فهو يمين وما يسمى به غير الله تعالى كالحكيم والعليم والقادر والعزيز فإن أراد به يمينا فهو يمين وإن لم يرد به فليس يمينا ورجحه بعضهم بأنه إن كان مستعملا لله سبحانه وتعالى ولغيره لا يتعين إرادة أحدهما إلا بالنية وأما الصفة فالمراد بها اسم المعنى الذى لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة بخلاف نحو العظيم فقيده بكون الحلف بها متعارفا سواء كان من صفات الفعل أو الذات وهو قول مشايخ ما وراء النهر ولهذا قال محمد فى قولهم وأمانة الله أنه يمين ثم سئل عن معناه فقال لا أدرى لأنه رآهم يحلفون به فحكم بأنه يمين ووجهه أنه أراد معنى والله الأمين فالمراد الأمانة التى تضمنتها لفظة الأمين كعزة الله التى هى ضمن العزيز ونحو ذلك وعلى هذا فعدم كون وعلم الله وغضبه وسخطه ورحمته يمينا لعدم التعارف ويزداد العلم بأنه يراد المعلوم فقول الشيخ أبى المعين فى تبصرة الأدلة إن الحلف بالعلم والرحمة والغضب مشروع إن كان مراده الصفة القائمة به فليس على هذا الأصل بل هو على محاذاة قول القائلين فى الأسماء إن ما كان بحيث يسمى به الله تعالى وغيره إن أراد به الله تعالى كان يمينا وإلا لا فجعل مثله فى الصفات المجردة عن الدلالة على الذات إن أريد صفته القائمة به فهو يمين وإلا لا لا يقال مقتضى هذا أن يجرى فى قدرة الله مثله إن أريد به الصفة كان يمينا أو المقدور على أن يراد بالمصدر المفعول أو المصدر ويكون على حذف مضاف أى أثر قدرته لا يكون يمينا وليس المذهب ذلك لأنا نقول إنما اعتبر ذلك فيما لم يتعارف الحلف به وقدرة الله الحلف بها متعارف فينصرف إلى الحلف بلا تفصيل فى الإرادة ولمشايخ العراق تفصيل آخر هو أن الحلف بصفات الذات يكون يمينا أو بصفات الفعل لا يكون يمينا وصفات الذات ما يوصف سبحانه بها ولا يوصف بأضدادها كالقدرة والجلال والكمال والكبرياء والعظمة والعزة وصفات الفعل ما يصح أن يوصف بها بأضدادها كالرحمة والرضا لوصفة سبحانه بالغضب والسخط وقالوا ذكر صفات الذات كذكر الذات وذكر صفات الفعل ليس كالذات قيل يقصدون بهذا الفرق الإشارة إلى مذهبهم أن صفات الفعل غير الله والمذهب عندنا أن صفات الله لا هو ولا غيره وهذا لأن الغير هو ما يصح انفكاكه بزمان أو بمكان أو بوجود ولا يخفى أن هذا اصطلاح محض لا ينبغى أن يبتنى الفقه باعتباره وظاهر قول هؤلاء أنه لا اعتبار بالعرف وعدمه بل صفة الذات مطلقا
____________________
(5/67)
يحلف بها تعورف أولا وصفة الفعل لا يحلف بها ولو تعورف وعلى هذا فليلزم أن سمع الله وبصره وعلمه يكون يمينا على قول هؤلاء وعلى اعتبار العرف لا يكون يمينا لأنه لم يتعارف الحلف بها وإن كانت من صفات الذات وقال بعضهم الأسماء التى لا يسمى بها غيره كرب العالمين والرحمن ومالك يوم الدين إلى آخر ما قدمنا أول الباب يكون الحلف بها يمينا بكل حال وكذا الصفات التى لا تحتمل أن تكون غير صفاته كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه فينعقد بها اليمين بكل حال ولا حاجة إلى عرف فيها بخلاف الأسماء التى تطلق على غيره تعالى كالحى والمؤمن والكريم يعتبر فيها العرف أو نية الحالف وكذا ما يكون من صفته تعالى كعلم الله وقدرته فإنه قد يستعمل فى المقدور والمعلوم اتساعا كما يقال اللهم اغفر علمك فينا وكذا صفات الفعل كخلقه ورزقه ففى هذه يجرى التعليل بالتعارف وعدمه ووجه الله يمين إلا أن أراد الجارحة قوله إلا قوله وعلم الله استثناء من صفة من صفاته لكن قيد هناك بقوله التى يحلف بها عرفا فيقضى أن علمه مما يحلف به عرفا فيتناوله الصدر فأخرجه من حكمه بعد دخوله فى لفظه وليس كذلك لأنه علله بأنه غير متعارف فكان استثناء منقطعا لأنه لم يدخل وأورد على تعليله الثانى القدرة فإنها تذكر ويراد بها المقدور وأجيب بالمنع فإن المقدور بالوجود خرج عن أن يكون مقدورا لأن تحصيل الحاصل محال فلم يحتمل إرادته بالحلف وقيل الوجود معدوم ولا تعارف بالحلف بالمعدوم فلم يكف المراد بالحلف بالقدرة إلا الصفة القائمة بذاته تعالى بخلاف العلم إذا أريد به المعلوم فإنه لا يخرج المعلوم عن أن يكون معلوما بالوجود فظهر الفرق وهذا يوجب أن لا تصح إرادة المقدور بعد الوجود وهو غير صحيح أما وقوعا فقالوا انظر إلى قدرة الله تعالى وليس المقصود قطعا إلا الموجود وأما تحقيقا فلأن القدرة فى المقدور إذا كان مجازا لا يمتنع أن يطلق عليه مقدور بعد الوجود باعتبار ما كان فيكون لفظ قدرة فى المقدور بعد الوجود مجازا فى المرتبة الثانية نعم الحق أن لا موقع للتعليل الثانى لأن تفريع كون الحلف بالعلم ليس يمينا إلا على قول معتبرى العرف وعدمه فى اليمين فالتعليل ليس إلابنفى التعارف فيه وأما لو فرع على القول المفصل بين صفة الذات وغيرها وجب أن يكون يمينا لأن العلم من صفات الذات فلا معتبر بأنه يراد بالصفة المفعول
____________________
(5/68)
على القولين فلا موقع للتعليل به قوله من حلف بغير الله لم يكن حالفا كالنبى والكعبة لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه قال وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف قال ومعناه أن يقول والنبى والقرآن أما إذا حلف بذلك بأن قال أنا برىء من النبى والقرآن كان يمينا لأن التبرؤ منهما كفر فيكون فى كل منهما كفارة يمين كما سيأتى وكذا إذا قال هو برىء من الصلاة والصوم يكون يمينا عندنا وكذا هو برىء من الإسلام إن فعل كذا وبحرمة شهد الله أو لا إله إلا الله ليس يمينا
ولو رفع كتاب فقه أو حساب فيه البسملة فقال هو برىء مما فيه إن فعل ففعل تلزمه الكفارة
ثم لا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف فيكون يمينا كما هو قول الأئمة الثلاثة وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى لأنه مخلوق لأنه حروف وغير المخلوق هو الكلام النفسى منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق
ولا يخفى أن المنزل فى الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة وما ثبت قدمه استحال عدمه غير أنهم أوجبوا ذلك لأن العوام إذا قيل لهم القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا وأما الحلف بكلام الله تعالى فيجب أن يدور مع العرف وأما الحلف بجان سرتو ومثله الحلف بحياة رأسك ورأس السلطان فذلك إن اعتقد أن البر واجب فيه يكفر
وفى تتمة الفتاوى قال على الرازى أخاف على من قال بحياتى وحياتك أنه يكفر ولولا أن العامة يقولونه ولا يعلمون لقلت إنه شرك
وعن ابن مسعود رضى الله عنه لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغير الله صادقا قوله والحلف بحروف القسم إلى قوله ومذكور فى القرآن قال تعالى { فورب السماء والأرض إنه لحق } { والله ربنا ما كنا مشركين } وقال تعالى
____________________
(5/69)
{ ولقد أرسلنا رسلا } الآية ومثل للباء بقوله تعالى { بالله إن الشرك لظلم عظيم } وفيه احتمال كونه متعلقا بقوله تعالى { لا تشرك } ثم قالوا الباء هى الأصل لأنها صلة الحلف والأصل أحلف أو أقسم بالله وهى للإلصاق تلصق فعل القسم بالمحلوف به ثم حذف الفعل لكثرة الأستعمال مع فهم المقصود ولأصالتها دخلت فى المظهر والمضمر نحو بك لأفعلن ثم الواو بدل منها لمناسبة معنوية وهى ما فى الإلصاق من الجمع الذى هو معنى الواو فلكونها بدلا انحطت عنها بدرجة فدخلت على المظهر لا المضمر والتاء بدل عن الواو لأنهما من حروف الزيادة وقد أبدلت كثيرا منها كما فى تجاه وتخمة وتراث فانحطت درجتين فلم تدخل من المظهر إلا على اسم الله تعالى خاصة وما روى من قولهم تربى وترب الكعبة لا يقاس عليه وكذا تحياتك
فرع قال باسم الله لأفعلن كذا اختلفوا فيه والمختار ليس يمينا لعدم التعارف وعلى هذا بالواو إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله قوله وقد يضمر الحرف فيكون حالفا كقوله الله لا أفعل كذا لأن حذف الحرف من عادة العرب يريد بالحذف الإضمار والفرق ان الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف وعلى هذا فينبغى أن يكون فى حالة النصب الحرف محذوفا لأنه لم يظهر أثره
وفى حالة الجر مضمرا لظهور أثره وهو الجر فى الأسم
وقوله ثم قيل ينصب لأنتزاع الخافض وقيل يخفض فتكون الكسرة دالة على المحذوف ظاهر فى نقل الخلاف فى ذلك وهو تبع للمبسوط حيث قال النصب مذهب أهل البصرة والخفض مذهب أهل الكوفة ونظر فيه بأنهما وجهان سائغان للعرب ليس أحد ينكر أحدهما ليتأتى الخلاف
وحكى الرفع أيضا نحو الله لا أفعلن على إضمار مبتدأ والأولى كونه على إضمار خبر لأن الأسم الكريم أعرف المعارف فهو أولى بأن يكون مبتدأ والتقدير الله قسمى أو قسمى الله لأفعلن غير أن النصب أكثر فى الأستعمال
وقوله فى النصب لأنتزاع الخافض خلاف أهل العربية بل هو عندهم بفعل القسم لما حذف الحرف اتصل الفعل به إلا أن يراد عند انتزاع الخافض أى بالفعل عنده
وأما الجر فلا شك أنه بالحرف المضمر وهو قليل شاذ فى غير القسم كقوله ** إذا قيل أى الناس شر قبيلة ** أشارت كليب بالأكف الأصابع **
أى إلى كليب قوله وكذلك إذا قيل لله لأن الباء تبدل بها أى باللام قال تعالى { آمنتم له } { آمنتم به } والقصة
____________________
(5/70)
واحدة
أورد عليه أنها لا تبدل بها بمعنى أن توضع مكانها دالة على عين مدلولها وفى الآيتين المعنى مختلف فإن قوله تعالى { آمنتم له } أى صدقتموه وانقدتم إليه طاعة { آمنتم به } لا يفيد تلك الزيادة ولو سلم فكونها وقعت صلة فعل خاص كذلك وهو آمنتم لا يلزم فى كل فعل لجواز كون معنى ذلك الفعل يتأتى معناهما فيه بخلافه فى القسم ولا تستعمل اللام إلا فى قسم متضمن معنى التعجب كقول ابن عباس دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج
وكقولهم لله لا يؤخر الأجل فاستعمالها قسما مجردا عنه لايصح فى اللغة إلا أن يتعارف كذلك
وقوله فى المختار احتراز عما عن أبى حنيفة أنه اذا قال لله على أن لا أكلم فلانا أنها ليست بيمين إلا أن ينوى لأن الصيغة للنذر وتحتمل معنى اليمين ولم يذكر فى كثير من الشروح فائدة الأحتراز لأن لفظ فى المختار فى بعض النسخ لا كلها فكان الواقع لهم ما ليس هو فيه
هذا ولا فرق فى ثبوت اليمين بين أن يعرب المقسم به خطأ أو صوابا أو يسكنه خلافا لما في المحيط فيما إذا أسكن من أنه لا يكون يمينا إلا بالنية لأن معنى اليمين وهو ذكر اسم الله تعالى للمنع أو الحمل معقودا بما أريد منعه أو فعله ثابت فلا يتوقف على خصوصية فى اللفظ قوله وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا قال وحق الله فليس بحالف وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبى يوسف وعنه أى عن أبى يوسف رواية أخرى أن يكون يمينا يعنى إذا أطلق لأن الحق من صفات الله تعالى وقد عد فى أسمائه الحسنى قال تعالى ولو اتبع الحق اهواءهم وهو حقيقته اى كونه تعالى ثابت الذات موجودها فكأنه الحسنى والله الحق والحلف به متعارف فوجب كونه يمينا وهذا قول الأئمة الثلاثة حتى قال أحمد لا يقبل قوله يعني في عدم اليمين لأنه انصرف بعرف الاستعمال الى اليمين فانصرف الحق الى ما يستحقه لنفسه من العظمة والكبرياء فصار كقدرة الله تعالى قوله ولهما أنه أى حق الله يراد به طاعة الله إذ الطاعات حقوقه وصار ذلك متبادرا شرعا وعرفا حتى كأنه حقيقة حيث لا يتبادر سواه إذ يعلم أنه لا يخطر من ذكره وجوده وثبوت ذاته والحلف بالطاعات حلف بغيره وغير صفته فلا يكون يمينا والمعدود من الاسماء الحسنى هو الحق المقرون باللام وبهذا الوجه من التقرير اندفع ترجيح بعضهم القول بأنه يمين بأنه تقدم أن ما كان من صفات الله يعبر به عن غيرها يعتبر فيه العرف وبه حصل الفرق بين علم الله وقدرته وإذا كان الحلف بقدرة الله يمينا للتعارف فبحق الله كذلك للتعارف فإن التعارف يعتبر بعد كون الصفة مشتركة فى الأستعمال بين صفة الله تعالى وصفة غيره وقد بينا أن لفظ حق لا يتبادر منه ما هو صفة الله بل ما هو من حقوقه فصار نفس وجوده ونحوه كالحقيقة المهجورة وأما الأستدلال على أنه يراد به الطاعات بقول السائل للنبى عليه الصلاة والسلام ما حق الله تعالى على العباد فقال أن لا يشركوا به شيئا إلى آخره كما وقع لبعض الشارحين فليس بشىء لأن صلته بلفظ على العباد يبين المراد بالحق أنه غير وجوده وصفته والكلام فى لفظ حق غير مقرون بما يدل على أحد المعنيين بخصوصه فليس الجه إلا ما ذكرنا قوله ولو قال والحق يكون يمينا أى بالإجماع كذا ذكره غير واحد
واعترضه
____________________
(5/71)
شارح بأن الحق بالتعريف يطلق على غيره تعالى كقوله تعالى { فماذا بعد الحق إلا الضلال } { فلما جاءهم الحق من عندنا } فكيف يكون يمينا بلا خلاف لكن جوابه أنه إن نوى اليمين باسم الله تعالى يكون يمينا وإلا فلا انتهى
وأنت علمت أنه إذا ثبت كونه اسما له تعالى لا يعتبر فيه النية وإن أطلق على غيره وإنما ذلك القول المقابل للمختار وأما على قول المفصل بين أن يريد به اليمين وأن لا يريد فالحق يتبادر منه ذاته تعالى فصار غيره مهجور لا بدليل وبه يندفع قول أبى نصر إن نوى بالحق اليمين كان يمينا وإلا فلا ولا يلزم بطلان قول من حكى الإجماع من الشارحين لأنه يريد إجماع علمائنا الثلاثة فإنه لا عبرة بخلاف غير المجتهدين فى انعقاد الإجماع
ولو قال حقا بأن قال حقا على أن أعطيك كذا ونحوه لايكون يمينا لأن الحق من أسمائه تعالى فينعقد به اليمين والمنكر يراد به تحقق الوعد وما نقل عن الشيخ إسماعيل الزاهد والحسن بن أبى مطيع أنه يمين لأنه لم يصفه إلى الله تعالى فصار كالحق مردود بأن المنكر ليس اسما لله تعالى ومن الأقوال الضعيفة ما قال البلخى إن قوله بحق الله يمين لأن الناس يحلفون به وضعفه لما علمت أنه مثل وحق الله بالإضافة وعلمت المغايرة فيه وأنه ليس يمينا فكذا بحق الله قوله ولو قال أقسم الخ إذا حلف بلفظ القسم فإما بلفظ الماضى أو المضارع وكل منهما إما موصول باسم الله تعالى
____________________
(5/72)
أو بصفته أو لا فإذا كان ماضيا موصولا بالأسم مثل حلفت بالله أو أقسمت أو شهدت بالله لأفعلن وكذا عزمت بالله لأفعلن فهو يمين بلا خلاف وإذا كان مضارعا مثل أقسم بلله أو أعزم بالله الخ فكذلك عندنا الشافعى لا يكون يمينا إلا بالنية لأحتمال أن يريد به المستقبل وعدا
ووجه قولنا إن هذه الصيغة حقيقة فى الحال ومجاز فى الأستقبال على ما تقدم فى العتق للمصنف ولهذا لا ينصرف إليه إلا بقرينة السين ونحوه فوجب صرفه إلى حقيقته
وأما الأستشهاد بأن العرف كذلك كقولهم أشهد أن لا إله إلا الله ففيه نظر لأن ذلك بدلالة الحال للعلم بأن ليس المراد الوعد بالشهادة وكذا قول الشاهد أشهد بذلك عند القاضى ليس فيه دليل على أنه فى نفس كذلك عرفا فجاز أن يقال هى للمستقبل ويستعمل للحال بقرينة حالية أو مقالية كالتقييد بلفظ الآن ونحوه وإن ذكره من غير ذكر اسمه تعالى فيها مثل أحلف لأفعلن أو أقسم أو أشهد أو أعزم أو حلفت فعندنا هو يمين نوى أو لم ينو وهو رواية عن أحمد
وقال زفر إن نوى يكون يمينا وإلا لا
وقال الشافعى ليس بيمين نوى أو لم ينو وهو رواية اخرى عن أحمد
وقال مالك إذا نوى فى قوله أقسم بالله الخ يكون يمينا وإن أطلق فلا
وجه قولهم أن أقسم يحتمل أن يكون بالله أو بغيره فلا يكون يمينا وكذا يحتمل العدة والإنشاء للحال فلا يتعين يمينا كذا قيل وإنما يشهد لقول القائل إن نوى كان يمينا وإلا فلا
وجوابه ما ذكره المصنف من أنه حقيقة فى الحال فانصرف إليه ومن أن الحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فصرف إليه أى إلى الحلف بالله ولهذا قيل لا يحتاج إلى النية وقيل لا بد من النية لأحتمال العدة أى لأحتمال استعماله فى المستقبل ولأحتمال اليمين بغير الله تعالى فقد حكى المصنف وغيره هذا الخلاف صريحا فى المذهب
ومنهم من صرح بأنه إذا لم يذكر المقسم به يكون يمينا عند علمائنا الثلاثة نوى أو لم ينو يعنى إذا نوى اليمين أو لم ينو شيئا
أما إذا نوى غيره فلا شك أنه لايكون يمينا فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن يكون حالفا لمن يستحق اليمين عليه شرعا فإن اليمين على نية المستحلف لا الحالف حينئذ
وقد وقع فى هذه المسئلة خبط فى موضعين أشدهما فى الحكم وهو توهم صاحب النهاية أن مجرد قول القائل أقسم أو أحلف موجب للكفارة من غير ذك محلوف عليه ولا حنث إذ أورد السؤال القائل اليمين ما كان حاملا على فعل شىء أو تركه موجبا للبر وعند فواته موجبا للكفارة على وجه الخلافة فقوله أقسم ههنا ليس موجبا شيئا من البر بمجرده لأنه لم يعقد يمينا على فعل شىء أو تركه فكيف يكون يمينا ولأن الكفارة
____________________
(5/73)
لستر ذنب هتك حرمة الأسم وليس فى أقسم مجرد أهتك فكيف يوجب الكفارة
ثم أجاب بأن قوله أقسم ألحق بقوله على يمين فإن ذلك يوجب الكفارة ذكره فى الذخيرة وغيرها فقال لو قال على يمين أو يمين الله فهو يمين وفى المنتقى لو قال على يمين لا كفارة لها تجب الكفارة وإن نفى الكفارة صريحا لأن قوله على يمين لما كان موجبا للكفارة لا يفيد قوله لا كفارة لها ثم قال وإنما كان كذلك لأن كلمة على للإيجاب فلما كان كذلك كان هذا إقرارا عن موجب اليمين وموجبها البر إن أمكن وإلا فالكفارة ولم يمكن تحقيق البر ههنا لأنه لم يعقد يمينه على شىء فكان إقرارا عن الموجب الآخر وهو الكفارة على وجه الخلافة وبالإقرار يجب الحد فكذا الكفارة وكذا فى قوله على نذر فيه كفارة يمين على ما يجىء بعد هذا
فلما كان كذلك فى قوله على يمين وعلى نذر كان فى قوله أقسم عند قران النية بالقسم كذا لأن أصله الحال فى استعمال الفقهاء
ثم قال وحاصل ذلك أن قوله أقسم لما كان عبارة عن الإقرار بوجوب الكفارة لم يحتج إلى وجوب البر ابتداء ولا إلى تصور هتك حرمة الاسم وقد شنع على هذا بأن اليمين بذكر المقسم عليه وما ذكر فى الذخيرة من أن قوله على يمين موجب للكفارة معناه إذا وجد ذكر المقسم عليه ونقضت اليمين ولا شك فى ذلك وإنما ترك ذلك للعلم به فإن المقصود الذى يحتمل أن يخفى هو أن قوله على يمين هل يجرى مجرى قول القائل والله أو لا فأما أن بمجرد ذكر ذلك يحتمل أن تجب الكفارة فلا خفاء فيه فيحتاج إلى التنصيص عليه ألا يرى إلى قول محمد فى الأصل وإن حلف بالله أو باسم من أسمائه أو قال والله او بالله أو على عهد الله أو ذمته أو هو يهودى أو نصرانى او برىء من الإسلام أو قال أشهد أو أشهد بالله أو أحلف أو أحلف بالله أو أقسم أو أقسم بالله أو على نذر الله أو أعزم أو أعزم بالله أو على يمين أو يمين الله أو ما أفاد عين ذلك ثم قال فهذه كلها أيمان وإذا حلف بشىء منهما ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة وقد ذكر منها هو يهودى أو نصرانى وأن يقول والله وبالله وتالله وحكم على كل منها أنه يمين ولم يلزم من ذلك أن بمجرد قوله والله أو قوله هو يهودى تلزمه الكفارة بل صرح باشتراط الحنث فى كل منها للزوم الكفارة كما سمعت قوله وإذا حلف بشىء منها ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة ولأن من الظاهر أن مجرد الإقرار بوجوب الكفارة لا يوجب الكفارة إلا أن كان فى القضاء لأنه يؤاخذ بإقراره وليس الكلام فى أن يقول أقسمت عند القاضى بل لو أقر به كان سبيله أن يفتيه بقوله إن كنت صادقا فعليك الكفارة وإنما الكلام فى الحنث فى اليمين وهو الإنشاء والحق أن قوله على يمين إذا لم يزد عليه على وجه الإنشاء لا الإخبار يوجب الكفارة بناء على أنه التزم الكفارة بهذه العبارة ابتداء كما يأتى فى قوله على نذر إذا لم يزد عليه فإنه مثله من صيغ النذر ولو لم يكن كذلك لغا بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما ليست من ضيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء والموضع الآخر استدلال صاحب النهاية وغيره على أن مجرد قوله أحلف أو اقسم يمين بقوله تعالى { يحلفون لكم لترضوا عنهم } وقوله تعالى { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين } ولا يخفى على أحد أن قوله أقسموا إخبار عن وجود قسم منهم وهو لا يستلزم أن ذلك القسم كان قولهم نقسم لنصرمنها فإنهم لو قالوا والله لنصرمنها مصبحين لصح أن يقال فى الإخبار عنهم أقسموا ليصرمنها ومثله فى { يحلفون لكم لترضوا عنهم } لا يلزم كون حلفهم كان بلفظ الحلف أصلا فضلا عن لفظ الحلف بلا ذكر اسم الله تعالى وإنما استدل على ذلك بحديث الذى رأى
____________________
(5/74)
رؤيا فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر ائذن لى فلأعبرها فأذن له فعبرها ثم قال أصبت يا رسول الله فقال أصبت وأخطأت فقال أقسمت يا رسول الله لتخبرنى قال لا تقسم هكذا رواه أحمد وهو فى الصحيحين بلفظ آخر قوله ولو قال بالفارسية سوكندمى خورم بخداى يكون يمينا لأنه للحال لأن معناه أحلف الآن بالله ولو قال سوكند خورم قيل لا يكون يمينا لأنه مستقبل ولو قال سوكند خورم بطلاق زنم يعنى أحلف بطلاق زوجتى لا يكون يمينا لعدم التعارف فى الطلاق كذلك قوله وكذا قوله لعمر الله وأيم الله يعنى يكون حالفا كما هو حالف فى اقسم بالله وأخواته لأن عمر الله بقاؤه وفيه ضم العين وفتحها إلا أنه لا يستعمل المضموم فى القسم ولا يلحق المفتوحة الواو فى الخط بخلاف عمرو العلم فإنها ألحقت للفرق بينه وبين عمر والبقاء من صفة الذات على ما مر من قاعدته وهو أن يوصف به لا بضده فكأنه قال وبقاء الله كقدرة الله وكبريائه وإذا أدخل عليه اللام رفع على الابتداء وحذف الخبر أى لعمر الله قسمى وإن لم تدخله اللام نصب نصب المصادر فتقول عمر الله ما فعلت ويكون على حذف حرف القسم كما فى الله لأفعلن وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك بالبقاء وينبغى أن لا ينعقد يمينا لأنه حلف بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده وأما أيم الله فمعناه أيمن الله وهو جمع يمين على قول الأكثر فخفف بالحذف حتى صار أيم الله ثم خفف أيضا فقيل م الله لأفعلن كذا فيكون ميما واحدة وبهذا نفى سيبويه أن يكون جمعا لأن الجمع لا يبقى على حرف واحد ويقال من الله بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما وهمزة أيمن بالقطع وإنما وصلت فى الوصل تخفيفا لكثرة الاستعمال ومذهب سيبويه أنها همزة وصل اجتلبت ليمكن بها النطق كهمزة ابن وامرىء من الاسماء الساكنة الأوائل وإنما كان كل منهما يمينا لأن الحلف بهما متعارف قال تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } وقال صلى الله عليه وسلم فى حديث إمارة أسامة بن زيد حين طعن بعض الناس فى إمارته إن كنتم تطعنون فى إمارته فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل وايم الله إن كان لخليقا للإمارة الحديث فى البخارى قوله وكذا قوله وعهد الله وميثاقه يعنى إذا أطلق عندنا وكذا عند مالك وأحمد وعند الشافعى لا يكون يمينا إلا بالنية لأن العهد والميثاق
____________________
(5/75)
يحتمل العبادات فلا يكون يمينا بغير النية وقوله تعالى { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان } لا يفيد أن العهد يمين لجواز كونهما شيئين الأمر بالإيفاء بالعهد والنهى عن نقض الأيمان المؤكدة بأى معنى فرض النقض فاستدلالهم على أنها عين لا يتم وهذا لأن إيجاب الوفاء بالعهد لا يستلزم إيجاب الكفارة بإخلاف ما عقد عليه إلا لو ثبت فى مكان آخر فى الشرع أنه كذلك قلنا إن أهل التفسير لما جعلوا المراد بالأيمان هى العهود المتقدم ذكرها أو ما هو فى ضمنها وجب الحكم باعتبار الشرع إياها يمينا وإن لم يكن حلفا بصفة الله تعالى كما حكم بأن أشهد يمينا وإن لم يكن فيه ذلك وأيضا غلب الاستعمال لهما فى معنى اليمين فيصرفان إليه فلا يصرفهما عنه إلا نية عدمه فالحالات ثلاثة إذا نوى اليمين أو لم ينو يمينا ولا غيره فهو يمين وإن قصد غير اليمين فليس بيمين فيما بينه وبين الله تعالى وكذا الذمة والأمانة كأن يقول وذمة الله أو وأمانة الله لأفعلن واستدل على كونها يمينا بأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بعت جيشا يقول إذا حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم على أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تعطوهم فدل على أنها يمين ولا يخفى انه لا يستلزم ذلك والميثاق بمعنى العهد وكذا الذمة ولهذا يسمى الذمى معاهدا والأمانة على هذا الخلاف فعندنا ومالك وأحمد هو يمين وعند الشافعى بالنية لأنها فسرت بالعبادات قلنا غلب إرادة اليمين بها إذا ذكرت بعد حرف القسم فوجب عدم توقفها على النية للعادة الغالبة واعلم أن فى سنن أبى داود من حديث بريدة عنه صلى الله عليه وسلم من حلف بالأمانة فليس منا فقد يقال إنه يقتضى عدم كونه يمينا والوجه أنه إنما يقتضى منع الحلف به ولا يستلزم ذلك أنه لا يقتضى الكفارة عند الحنث والله اعلم ولو قال على عهد الله وأمانته وميثاقه ولا نية له فهو يمين عندنا ومالك وأحمد ولو حنث لزمته كفارة واحدة وحكى عن مالك يجب عليه بكل لفظ كفارة لأن كل لفظ يمين بنفسه وهو قياس مذهبنا إذا كرر الواو كما لو قال والله والرحمن والرحيم إلا فى رواية الحسن عن أبى حنيفة وعند الشافعى إذا قصد بكل لفظ يمينا تعددت الأيمان وإلا يكون الجمع بين الألفاظ للتوكيد فتجب كفارة واحدة قلنا الواو للعظف وهو موجب للمغايرة قوله وكذا إذا قال على نذر أو على نذر الله يعنى يكون يمينا إذا ذكر المحلوف عليه بأن قال على نذر الله لأفعلن أو لا أفعل كذا حتى إذا لم يف بما حلف عليه لزمته كفارة يمين هذا إذا لم ينو بهذا النذر المطلق شيئا من القرب كحج أو صوم فإن كان نوى بقوله على نذر إن فعلت كذا قربة مقصودة يصح النذر بها ففعل لزمته تلك القربة قال الحاكم وإن حلف بالنذر فإن نوى شيئا من حج أو عمرة فعليه ما نوى وإن لم يكن له نية فعليه كفارة يمين ولا شك أن قوله صلى الله عليه وسلم من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين رواه أبو داود من حديث ابن عباس رضى الله عنهما يوجب فيه الكفارة مطلقا إلا أنه لما نوى بالمطلق فى اللفظ قربة معينة كانت كالمسماة لأنها مسماة بالكلام النفسى فإنما ينصرف الحديث إلى ما لا نية معه من لفظ النذر فأما إذا قال على نذر أو نذر الله ولم يزد على ذلك فهذه لم تجعله يمينا لأن اليمين إنما يتحقق بمحلوف عليه فالحكم فيه أن تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة فأما إذا ذكر صيغة النذر بأن
____________________
(5/76)
يقول لله على كذا صلاة ركعتين مثلا أو صوم يوم مطلقا عن الشرط أو متعلقا به أو ذكر لفظ النذر مسمى معه المنذور مثل لله على نذر صوم يومين معلقا أو منجزا فسيأتى فى فصل الكفارة فظهر الفرق بين صيغة النذر ولفظ النذر قوله ولو قال إن فعلت كذا فهو يهودى أو نصراني أو كافر يكون يمينا فإذا فعله لزمه كفارة يمين قياسا على تحريم المباح فإنه يمين بالنص وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حرم مارية على نفسه فأنزل الله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } ثم قال { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } ووجه الإلحاق أنه لما جعل الشرط وهو فعل كذا علما على كفره ومعتقدة حرمة كفره فقد اعتقده أي الشرط واجب الأمتناع حرمة كفره قال حرمت على نفسي فعل كذا كدخول الدار
ولو قال دخول الدار مثلا على حرام كان يمينا فكان تعليق الكفر ونحوه على فعل مباح يمينا إذا عرف هذا فلو قال ذلك لشيء قد فعله كأن قال إن كنت فعلت كذا فهو كافر وهو عالم أنه قد فعله فهي يمين الغموس لا كفارة فيها إلا التوبة وهل يكفر حتى تكون التوبة اللازمة عليه التوبة من الكفر وتجديد الإسلام قيل لا وقيل نعم لأنه تنجيز معنى لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر
____________________
(5/77)
والصحيح أنه إن كان يعلم أنه يمين فيه الكفارة إذا لم يكن غموسا لا يكفر وإن كان في اعتقاده أنه يكفر به يكفر فيهما لأنه رضى بالكفر حيث أقدم على الفعل الذي علق عليه كفره وهو يعتقد أنه يكفر إذا فعله
واعلم أنه ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال فهذا يتراءى أعم من أن يعتقده يمينا أو كفرا والظاهر أنه أخرج مخرج الغالب فإن الغالب ممن يحلف بمثل هذه الأيمان أن يكون من أهل الجهل لا من أهل العلم والخير وهؤلاء لا يعرفون إلا لزوم الكفر على تقدير الحنث فإن تم هذا وإلا فالحديث شاهد لمن أطلق القول بكفره قوله ولو قال إن فعلت كذا فعليه غضب الله أو سخطه فليس بحالف لأنه دعاء على نفسه ولا يتعلق بالشرط أي لا يلزم سببية الشرط له غاية الأمر أن يكون نفس الدعاء معلقا بالشرط فكأنه عند الشرط دعا على نفسه ولا يستلزم وقوع المدعو بل ذلك متعلق باستجابة دعائه ولأنه غير متعارف وكذا إن قال إن فعلت كذا فهو زان أو فاسق أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا لا يكون يمينا أما أولا فلأن معنى اليمين أن يعلق ما يوجب امتناعه عن الفعل بسبب لزوم وجوده عند الفعل
وليس بمجرد وجود الفعل يصير زانيا أو سارقا لأنه لا يصير كذلك إلا بفعل مستأنف يدخل في الوجود ووجود هذا الفعل ليس لازما لوجود المحلوف عليه حتى يكون موجبا امتناعه عنه فلا يكون يمينا بخلاف الكفر فإنه بالرضابه يكفر من غير توقف على عمل آخر أو اعتقاد والرضا يتحقق بمباشرة الشرط فيوجب عنده الكفر لولا قول طائفة من العلماء بالكفارة
وأما ثانيا فلأن حرمة هذه الأشياء تحتمل السقوط وهو المراد بقوله تحتمل النسخ والتبديل
أما الخمر فظاهر وأما السرقة فعند الاضطرار إلى أكل مال الغير وكذا إذا أكرهت المرأة بالسيف على الزنا وحرمة الاسم لا تحتمل السقوط فلم تكن حرمة هذه الأشياء في معنى حرمة الاسم وهذا فيه نظر لأن كون الحرمة تحتمل الارتفاع أو لا تحتمله لا أثر له فإنه إن كان يرجع إلى تحريم المباح فهو يمين مع أن ذلك المباح يحتمل تحريمه الارتفاع وإن لم يرجع إليه لا يكون يمينا ولا معنى لزيادة كلام لا دخل له ولأنه ليس بمتعارف أن يقال إن فعلت فأنا زان فلا يكون يمينا
____________________
(5/78)
فروع في تعدد اليمين ووحدتها وغير ذلك إذا عدد ما يحلف به بلا واو مع اختلاف اللفظ أو عدم اختلافه فهو يمين واحدة كأن يقال والله الرحمن الرحيم أو يقول والله الله إلا أن تعليل هذا بأنه جعل الثاني نعتا للأول مؤول وكذا بلا اختلاف مع الواو ونحو والله والله أو هو بريء من الله ورسوله وإن كان بواو في الاختلاف نحو والله والرحمن والرحيم تعددت اليمين بتعددها وكذا بواوين مع الاتحاد نحو والله والله فيتفرغ أنه لو قال والله ووالله والرحمن أنها ثلاثة أيمان أو هو بريء من الله وبريء من رسوله فيمينان حتى لو قال هو بريء من الله وبريء من رسوله والله ورسوله منه بريئان إن فعل كذا فهي أربعة أيمان فيلزمه لفعل ما سماه أربع كفارات هذا كله ظاهر الرواية
وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه في المختلفة كفارة واحدة لأن الواو الكائنة بين الأسماء للقسم لا للعطف وبه أخذ مشايخ سمرقند وأكثر المشايخ على ظاهر الرواية فلو قال بواوين كوالله ووالرحمن فكفارتان في قولهم
وروى ابن سماعة في غير المختلفة عن محمد نحو والله والله مطلقا هذا قبل ذكر الجواب
أما لو قال والله لا أفعل كذا ثم أعاده بعينه فكفارتان وكذا لو قال لامرأته والله لا أقربك ثم قال والله لا أقربك فقربها مرة لزمه كفارتان روى ذلك عن أبي يوسف رحمه الله وسواء كان في مجلس أو مجالس
وروى الحسن أنه إن نوى بالثاني الخبر عن الأول صدق ديانه وهي عبارة متساهل فيها وإنما المراد أن يريد بالثاني تكرار الأول وتأكيده اختار هذا الإمام أبو بكر محمد بن الفضل قال فإن نوى به المبالغة أو لم ينو شيئا يلزمه كفارتان وقد مر في الإيلاء في التجريد عن أبي حنيفة إذا حلف بأيمان عليه لكل يمين كفارة والمجلس والمجالس فيه سواء
ولو قال عنيت بالثاني الأول لم يستقم في اليمين بالله سبحانه وتعالى ولو حلف بحجة أو عمرة يستقيم وهذا يخالف ما روى الحسن
وفي الخلاصة عن نسخة الإمام السرخسي في أيمان الأصل إذا حلف على أمر أن لا يفعله ثم حلف في ذلك المجلس أو في مجلس آخر أن لا يفعله أبدا ثم فعله إن نوى يمينا مبتدأة أو التشديد أو لم ينو فعليه كفارة يمينين أما إذا نوى بالثاني الأول فعليه كفارة واحدة وقدمنا في الإيلاء لو قال والله لا أكلم فلانا يوما والله لا أكلمه شهرا والله لا أكلمه سنة إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاثة أيمان لأنه انعقد على تلك الساعة ثلاثة أيمان يمين اليوم ويمين الشهر ويمين السنة فعليه إذا كلمه بعد ساعة ثلاث كفارات وإن كلمه بعد يوم فعليه كفارتان لأن يمين اليوم انحلت قبله فبقي على ذلك اليوم يمينان وإن كلمه بعد شهر فكفارة واحدة وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه وعرف في الطلاق أنه لو قال إن دخلت فأنت طالق إن دخلت فأنت طالق إن دخلت فأنت طالق فدخلت وقع عليها ثلاث تطليقات
وما في الأصل من أنه إذا قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا فهي يمين واحدة ولو قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فيمينان يفيد أن في مثله تعدد اليمين منوط بتكرر المحلوف عليه مع تكرر الالتزام بالكفر ولو قال أنا بريء من الكتب الأربعة فهي يمين واحدة وكذا لو قال هو بريء من التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فهي يمين واحدة ولو قال هو بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور وبريء من الفرقان فهي أربعة أيمان ولو قال هو شريك اليهودي فهو كقوله يهودي ولو قال بريء من هذه الثلاثين يوما يعني شهر رمضان إن أراد عن فرضيتها يكون يمينا أو عن أجرها أو لم ينو شيئا لا يكون يمينا والاحتياط هو يمين ولو قال من الصلاة التي صليتها وحنث لا يلزمه شيء بخلاف قوله من
____________________
(5/79)
القرآن الذي تعلمت
واختلف في بريء من الشفاعة
وفي مجموع النوازل الأصح أنه ليس بيمين
ولو قال دخلت الدار أمس فقال نعم فقال له والله لقد دخلتها فقال نعم فهو حالف
وروى بشر عن أبي يوسف قال لآخر إن كلمت فلانا فعبدك حر فقال نعم إلا بإذنك فهذا إن كلمه بغير إذنه يحنث ولو قال رجل لآخر الله لتفعلن كذا أو والله لتفعلن كذا فقال الآخر نعم فإن أراد المبتديء الحلف وكذا المجيب فهما حالفان على كل منهما كفارة إن لم يفعل المجيب لأن قوله نعم جواب وهو يستدعي إعادة ما في السؤال فكأنه قال نعم والله لأفعلن كذا وإن نوى المبتديء الاستحلاف والمجيب الحلف فالمجيب هو الحالف وإن لم ينو كل منهما شيئا فالحالف هو المجيب في قوله الله وفي قوله والله بالواو فالحالف هو المبتديء وإن أراد المبتديء الاستحلاف فأراد المجيب أن لا يكون عليه يمين وأن يكون قوله نعم وعدا بلا يمين فهو كما نوى ولا يمين على واحدة منهما ولو قال بالله فهو كقوله والله في جميع ذلك ولو قال لمديونه إن لم تقض ديني غدا فامرأتك طالق فقال المديون نعم فقال له الرجل قل نعم فقال نعم وأراد جوابه يلزمه اليمين ثانيا فتطلق ثنتين وإن دخل بينهما انقطاع
في الفتاوى وفي مجموع النوازل قال لآخر والله لا أجيء إلى ضيافتك فقال الآخر ولا تجيء إلى ضيافتي فقال نعم يصير حالفا ثانيا & فصل في الكفارة
الكفارة فعالة من الكفر وهو الستر وبه سمى الليل كافرا قال في ليلة كفر النجوم غمامها وتكفر بثوبه اشتمل به وإضافتها إلى اليمين في قولنا كفارة اليمين إضافة إلى الشرط مجازا
وعند الشافعي إضافة إلى السبب فاليمين هو السبب وسيذكر المصنف المسئلة قوله كفارة يمين عتق رقبة أي إعتاقها لا نفس العتق فإنه لو ورث من يعتق عليه فنوى عن الكفارة لا يجوز ويجزي فيها ما يجزي في الظهار وتقدم المجزيء في الظهار من أنها المسلمة والكافرة والذكر والأنثى والصغيرة ولا يجزىء فائت جنس المنفعة بخلاف غيره فتجزي العوراء لا العمياء ومقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف ولا يجوز مقطوعهما من جهة واحدة ولا مقطوع اليدين والرجلين وفي الأصم اختلاف الرواية
والأصح أنه إذا كان بحيث إذا صيح عليه يسمع جاز ولا يجوز المجنون الذي لا يفيق وفيمن يفيق ويجن يجوز ولا المدبرة وأم الولد لأنهما لا ستحقاقهما الحرية نقص الرق فيهما بخلاف المكاتب الذي لم يؤد شيئا يجوز بخلاف الذي أدى بعض شيء لأنه كالمعتوق بعوض وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحد ثوبا فما زاد يعني إن كسا ثوبين أو ثلاثة فهو أفضل وأدناه ما يجوز فيه الصلاة وإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار وهي نصف صاع من بر أو صاع من تمر
____________________
(5/80)
أو شعير ذكره الكرخى بإسناده إلى عمر رضى الله عنه قال صاع من تمر أو شعير ونصفه من بر وبإسناده إلى على رضى الله عنه قال كفارة اليمين نصف صاع من حنطة وبسنده إلى الحسن رضى الله عنه قال يغديهم ويعشيهم ويإسناده إلى مجاهد قال كل كفارة فى القرآن نصف صاع من بر لكل مسكين ولو غداهم وعشاهم وفيهم فطيم أو فوقه سنا لم يجز عن إطعام مسكين ويجوز أن يغديهم ويعشيهم بخبز إلا أنه إن كان برا لا يشترط الإدام وإن كان غيره فبإدام ويجوز فى الإطعام كل من التمليك والإباحة وتقدم والأصل فيه قوله تعالى { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة } وكلمة للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة وللعبد الخيار فى تعيين أيها شاء ويتعين الواجب عينا بفعل العبد والمسئلة طويلة فى الأصول ودخل فيمن لم يقدر على العتق والكسوة والإطعام العبد فلا يكون كفارة يمينه إلا بالصوم ولو أعتق عنه مولاه أو أطعم أو كسا لا يجزيه وكذا المكاتب والمستسعى ولو صام العبد فيعتق قبل أن يفرغ ولو بساعة فأصاب مالا وجب عليه استئناف الكفارة بالمال قوله فإن لم يقدر على أحد الأشياء الثلاثة من الإعتاق والكسوة والإطعام كان عليه صوم ثلاثة أيام متتابعات وقال الشافعى يخير بين التتابع والتفريق لإطلاق النص وهو قوله تعالى { فصيام ثلاثة أيام } وهو قول مالك وفى قول آخر شرط التتابع كقولنا وهو ظاهر مذهب أحمد ولنا قراءة ابن مسعود رضى الله عنه / < فصيام ثلاثة أيام متتابعات > / وهى كالخبر المشهور لشهرتها على ما قيل إلى زمن أبى حنيفة رضى الله عنه والخبر المشهور يجوز تقييد النص القاطع به فيقيد ذلك المطلق به فإن قيل الشافعى كان أولى بذلك منكم لأنه يحمل المطلق على المقيد وإن كانا في حادثتين وأنتم تحملونه فى حادثة ثم إنكم جريتم على موجب ذلك هنا وتركتموه فى صدقة الفطر فى قوله أدوا عن كل حر وعبد وقوله أدوا عن كل وعبد من المسلمين
أجيب عنا بأنا انما تحمل فى الحادثة الواحدة للضرورة ويستحيل أن يكون الفعل الواحد مطلوبا بقيد زائد على المطلق وبقيد إطلاقه للتنافى بينهما فإن الأول يقتضى أن لا يجوز إلا بقيد التتابع ولا يجزى التفريق والثانى يقتضى جوازه مفرقا كجوازه متتابعا وإذا وجب القيد الأول لزمه انتفاء الثانى فلزم الحمل ضرورة وهذه الضرورة منتفية فى صدقة الفطر لورود النصين المطلق والمفيد فى الأسباب ولا منافاة فى الأسباب فيكون كل من المطلق والمقيد سببا وهذا كلام محتاج إلى تحقيق وتحقيقه أن الحمل لما لم يجب إلا لضرورة وهى المعارضة بين المطلق والمقيد ولا معارضة بينهما إلا لو قلنا بمفهوم المخالفة فإنه حينئذ يكون الحاصل من المطلق أن ملك العبد سبب لوجوب الأداء عنه مسلما كان أو كافرا والحاصل من المقيد أن ملك العبد المسلم سبب وغير المسلم ليس سببا لفرض دلالة المفهوم فيتعارضان فى غير المسلم فإذا فرض تقديم المفهوم على الإطلاق لزم انتفاء سببية غير المسلم ولزم أن المراد أن المسلم فقط هو السبب وهو الحمل ضرورة لكنا لم نقل به فبقى مقتضى المطلق بلا معارض وهو أن المسلم وغيره
____________________
(5/81)
سبب وأجابوا عما لزم الشافعى رحمه الله تعالى بأن هذه الكفارة تجاذبها أصلان فى التتابع وعدمه فحمل المطلق على المقيد بالتتابع فى كفارة القتل يوجب التتابع وحمله على صوم المتعة بناء على أنه عنده دم جبر يوجب التفريق فترك الحمل على كل منهما للتعارض وعمل بإطلاق نص الكفارة قوله ثم المذكور فى الكسوة فى الكتاب أى المبسوط أو مختصر القدورى فى بيان أدنى الكسوة المسقطة للواجب من أنه ما يجوز فيه الصلاة مروى عن محمد رحمه الله فيجزيه دفع السراويل وعنه تقييده بالرجل فإن أعطى السراويل امرأة لا يجوز لأنه لا يصح صلاتها فيه وعن أبى حنيفة وأبى يوسف إن أدناه ما يستر عامة بدنه ولا يجوز السراويل على هذا وهو الصحيح لأن لابس السراويل يسمى عريانا عرفا فعلى هذا لا بد أن يعطيه قميصا أوجبة أو رداء أو قباء أو إزارا سابلا بحيث يتوشح به عند أبى حنيفة وأبى يوسف وإلا فهو كالسراويل ولا تجزىء العمامة إلا أن أمكن أن يتخذ منها ثوب مجزىء مما ذكرنا جاز وأما القلنسوة فلا تجزىء بحال وإن كان قد روى عن عمران بن الحصين أنه سئل عن ذلك فقال إذا قدم وفد على الأمير وأعطاهم قلنسوة قلنسوة قيل قد كساهم فلا عمل على هذا وعن ابن عمر رضى الله عنه لا يجزى أقل من ثلاثة أثواب قميص ومئزر ورداء وعن أبى موسى الأشعرى ثوبان قال الطحاوى هذا كله إذا دفع إلى الرجل أما إذا دفع إلى المرأة فلا بد من خمار مع الثوب لأن صلاتها لا تصح دونه وهذا يشابه الرواية التى عن محمد فى دفع السراويل أنه للمرأة لا يكفى وهذا كله خلاف ظاهر الجواب وإنما ظاهر الجواب ما يثبت به اسم المكتسى وينتفى عنه اسم العريان وعليه بنى عدم إجزاء السراويل لا صحة الصلاة وعدمها فإنه لا دخل له فى الأمر بالكسوة إذ ليس معناه إلا جعل الفقير مكتسيا على ما ذكرنا والمرأة إذا كانت لابسة قميصا سابلا وإزارا وخمارا غطى رأسها وأذنيها دون عنقها لا شك فى ثبوت اسم أنها مكتسبة لا عريانة ومع هذا لا تصح صلاتها فالعبرة لثبوت ذلك الاسم صحت الصلاة أولا ثم اعتبار الفقر والغنى عندنا إرادة التكفير وعند الشافعى عند الحنث فلو كان موسرا عند الحنث ثم أعسر عند التفكير أجزأه الصوم عندنا وبعكسه لا يجزيه وعند الشافعى على القلب قاسه على الحد فإن المعتبر وقت الوجوب للتنصيف بالرق وقلنا الصوم خلف عن المال كالتيمم فإنما يعتبر فيه وقت الأداء أما حد العبد فليس ببدل عن حد الحر فلا يصح قياسه عليه قوله لكن ما لا يجزيه الخ يعنى لو أعطى الفقير ثوبا لا يجزيه عن الكسوة الواقعة كفارة بطريق الكسوة مثل السراويل على المختار أو نصف ثوب مجزىء وقيمته تبلغ قيمة نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أجزأه عن إطعام فقير من الكفارة وكذا إذا أعطى عشرة مساكين ثوبا كبيرا لا يكفى كل واحد حصته منه للكسوة
____________________
(5/82)
وتبلغ حصة كل منهم قيمة ما ذكرنا أجزأه عن الكفارة بالإطعام ثم ظاهر المذهب أنه لا يشترط للإجزاء عن الإطعام أن ينوى به عن الإطعام وعن أبى يوسف لا يجزيه إلا أن ينويه عن الإطعام وعند زفر لا يجزيه نوى أو لم ينو واعترض بقوله صلى الله عليه وسلم وإنما لكل امرىء ما نوى فإذا لم ينو عن الإطعام لا يقع عنه ولأنه تعالى خير المكفر بين خصال ثلاث فإذا اختار أحدها صار كأنه هو الواجب ابتداء وتنحى الآخران والجواب أنه إن أراد أنه لا بد من نية الكفارة فصحيح وبه نقول وقوله صلى الله عليه وسلم وإنما لكل امرىء ما نوى دليله فلا ينصرف المؤدى طعاما أو كسوة إلى كونه كفارة إلا بنية وإن أراد أنه لا بد أن ينوى التكفير بالإطعام والتكفير بالكسوة مثلا فممنوع فإن الواجب التكفير بأحد الأشياء التى كل منها متعلق الواجب وهو فعل الدفع الذى هو نفس الواجب فإذا دفع أحدها ناويا الامتثال فقد تم الواجب سواء كان يصح إطعاما أو غيره مما هو أحد الثلاثة ولو توقف السقوط على أن ينوى بدفع أحدها أنه عن الآخر إذا لم يكف لنفسه لزم أن ينوى كل خصلة فى نفسها فيجب أن ينوى فى الإطعام أنه إطعام وفى دفع الثوب أنه كسوة ولا حاجة إلى ذلك بل المحتاج إليه نية الامتثال بالفعل إذا كان مما يصلح للإسقاط بوجه وقد نوى الإسقاط فانصرف إلى ما به الإسقاط فظهر ضعف كلام المعترض على أن كونه مختارا للكسوة إذا دفع مالا يستقيم كسوة ممنوع وقد طولب بالفرق بين هذا وبين ما إذا أعطى نصف صاع تمر فى صدقة الفطر قيمته نصف صاع بر لا يجزى عنه بطريق القيمة وأجيب بأن جنس الكفارة فى التمر والبر متحد منصوص عليه وهو سد حاجة البطن من التغذى فلا يدفع أحدهما عن الآخر كالقمح عن الشعير بخلاف الكسوة مع الإطعام فإنهما جنسان من الكفارة لدفع حاجتين متباينتين دفع حاجة البرد والحر ودفع حاجة التغذى فجاز جعل إحداهما عن الأخرى وإنما نظير المورد من صدقة الفطر لو دفع ثوبا صغيرا نفيسا تبلغ قيمته ثوب كرباس يجزى عن الكسوة ينبغى أن لا يجزيه عن الكسوة بل عن الإطعام قوله وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجز وقال الشافعى يجزيه بالمال دون الصوم لأنه أدى بعد السبب وهو اليمين وإنما كان السبب للكفارة هو اليمين لأنه أضيف إليه الكفارة فى النص بقوله تعالى { ذلك كفارة أيمانكم } وأهل اللغة والعرف يقولون كفارة اليمين ولا يقولون كفارة الحنث والإضافة دليل سببية المضاف إليه للمضاف الواقع حكما شرعيا أو متعلقة كما فيما نحن فيه فإن الكفارة متعلق الحكم الذى هو الوجوب وإذا ثبت سببيته جاز تقديم الكفارة على الحنث لأنه حينئذ شرط والتقديم على الشرط بعد وجود السبب ثابت شرعا كما جاز فى الزكاة تقديمها على الحول بعد السبب الذى هو ملك النصاب وكما فى تقديم التكفير بعد الجرح على الميت بالسراية ومقتضى هذا أن لا يفترق المال والصوم وهو قوله القديم وفى الجديد لا يقدم الصوم لأن العبادات البدنية لا تقدم على الوقت يعنى أن تقدم الواجب بعد السبب قبل الوجوب لم يعرف شرعا إلا فى المالية كالزكاة
____________________
(5/83)
فيقتصر عليه وذهب جماعة من السلف إلى التكفير قبل الحنث مطلقا صوما كان أو مالا وهو ظاهر الأحاديث التى يستدل بها على التقديم كما سيذكر ولنا أن الكفارة لستر الجناية من الكفر وهو الستر قال القائل فى ليلة كفر النجوم عمامها وبه سمى الزارع كافرا لأنه يستر البذر فى الأرض ولا جناية قبل الحنث لأنها منوطة به لا باليمين لأنه ذكر الله على وجه التعظيم ولذا أقدم النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة على الأيمان وكون الحنث جناية مطلقا ليس واقعا إذ قد يكون فرضا وإنما أخرج المصنف رحمه الله تعالى الكلام مخرج الظاهر المتبادر من إخلاف المحلوف عليه والحاصل أن السبب الحنث سواء كان به معصية أو لا والمدار توفير ما يجب لاسم الله عليه وهذا يفيد أن السبب الحنث واليمين ليست بسبب لأن أقل ما فى السبب أن يكون مفضيا إلى المسبب واليمين ليس كذلك لأنه مانع عن عدم المحلوف عليه فكيف يكون مفضيا إليه نعم قد يتفق تحققه اتفاقا لا عن اليمين للعلم بأن نفس أكل الفاكهة لم يتسبب فيه نفس الحلف على تركه بخلاف الجرح فإنه مفض إلى التلف فلزم أن الإضافة المذكورة إضافة إلى الشرط فإن الإضافة إلى الشرط جائزة وثابتة فى الشرع كما فى كفارة الإحرام وصدقة الفطر على أنه لو سلم أن اليمين سبب فلا شك فى أن الحنث شرط الوجوب للقطع بأن الكفارة لا تجب قبله وإلا وجبت بمجرد اليمين والمشروط لا يوجد قبل شرطه فلا يقع التكفير واجبا قبله فلا يسقط الوجوب قبل ثبوته ولا عند ثبوته بفعل قبله لم يكن واجبا فهذا مقتضى الدليل وقع الشرع على خلافه فى الزكاة والجرح وصدقة الفطر على ما قدمناه فى باب صدقة الفطر فيقتصر على مورده فلا يلحق غيره به فإن قيل قد ورد السمع به فى قوله صلى الله عليه وسلم فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذى هو خير قلنا المعروف فى الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذى هو خير وفى مسلم من حديث أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذى هو خير وحديث البخارى وليس فى شىء من الروايات المعتبرة لفظ ثم إلا وهو مقابل بروايات كثيرة بالواو فمن ذلك حديث عبد الرحمن بن سمرة فى أبى داود قال فيه فكفر عن يمينك ثم ائت الذى هو خير وهذه الرواية مقابلة بروايات عديدة كحديث عبد الرحمن هذا فى البخارى وغيره بالواو فينزل منزلة الشاذ منها فيجب حملها على معنى الواو حملا للقليل الأقرب إلى الغلط على الكثير ومن ذلك حديث عائشة فى المستدرك كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا حلف لا يحنث حت أنزل الله كفارة اليمين فقال لا أحلف على يمين إلى أن قال إلا كفرت عن يمينى ثم أتيت الذى هو خير وهذا
____________________
(5/84)
فى البخارى عن عائشة أن أبا بكر كان إلى آخر ما فى المستدرك وفيه العطف بالواو وهو أولى بالاعتبار وقد شذت رواية ثم لمخالفتها روايات الصحيحين والسنن والمسانيد فصدق عليها تعريف المنكر فى علم الحديث وهو ما خالف الحافظ فيها الأكثر يعنى من سواه ممن هو أولى منه بالحفظ والإتقان فلا يعمل بهذه الرواية ويكون التعقيب المفاد بالفاء لجملة المذكور كما فى ادخل السوق فاشتر لحما وفاكهة فإن المقصود تعقيب دخول السوق بشراء كل من الأمرين وهكذا قلنا فى قوله تعالى { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق } الآية وهذا لأن الواو لما لم تقتض التعقيب كان قوله فليكفر لا يلزم تقديمه على الحنث بل جاز كونه قبله كما بعده فلزم من هذا كون الحاصل فليفعل الأمرين فيكون المعقب الأمرين ثم وردت روايات بعكسه منها ما فى الصحيح مسلم من حديث عدى بن حاتم عنه صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير ثم ليكفر عن يمينه ومنها ما أخرج النسائى أخبرنا أحمد بن منصور عن سفيان حدثنا أبو الزعراء عن عمه أبى الأحوص عن أبيه قال قلت يا رسول الله رأيت ابن عم لى آتيه أسأله فلا يعطينى ولا يصلنى ثم يحتاج إلى فيأتينى ويسألنى وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله فأمرنى أن آتى الذى هو خير وأكفر عن يمينى ورواه ابن ماجه بنحوه ثم لو فرض صحة رواية ثم كان من تغيير الرواية إذ قد ثبتت الروايات فى الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث بالواو ولو سلم فالواجب كما قدمنا حمل القليل على الكثير الشهير لا عكسه فتحمل ثم على الواو التى امتلأت كتب الحديث منها دون ثم وأما لفظ الحديث على ما ذكره المصنف فلم يعرف أصلا أعنى قوله من حلف يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير ثم ليكفر عن يمينه إلا أن المطلوب لم يتوقف عليه كذلك هذا ولفظ اليمين فى قوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين مجاز من إطلاق اسم الكل على الجزء وهو المقسم عليه لأن اليمين اسم لمجموع القسم والمقسم عليه هو المراد قوله لا يسترد من الفقير يعنى إذا دفع الى الفقير الكفارة قبل الحنث وقلنا لا يجزيه فليس له أن يستردها منه لأنه تمليك لله قصد به القربة مع شىء آخر وقد حصل التقرب وترتب الثواب فليس له أن ينقضه ويبطله قوله ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلى أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانا ينبغى أن يحنث أى يجب عليه أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها
____________________
(5/85)
فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه وقد ذكرناه آنفا ولأن فيما قلناه من تحنيث نفسه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة وثبوت جابر الشىء كثبوت نفسه فكان المتحقق البر ولا جابر للمعصية فى ضده أى فى ضد ما قلناه وهو تحنيث نفسه وضد تحنيث نفسه هو أن يبر فى يمينه بفعل المعصية فإنه حينئذ تتقرر المعصية دون جابر يجبرها واعلم أن المحلوف عليه أنواع فعل معصية أو ترك فرض فالحنث واجب أو شىء غيره أولى منه كالحلف على ترك وطء زوجته شهرا ونحوه فإن الحنث أفضل لأن الرفق أيمن وكذا إذا حلف ليضربن عبده وهو يستأهل ذلك أو ليشكون مديونه إن لم يوافه غدا لأن العفو أفضل وكذا تيسير المطالبة أو على شىء وضده مثله كالحلف لا يأكل هذا الخبز أو لا يلبس هذا الثوب فالبر فى هذا وحفظ اليمين أولى ولو قال قائل إنه واجب لقوله تعالى { واحفظوا أيمانكم } على ما هو المختار فى تأويلها أنه البر فيها أمكن قوله وإذا حلف الكافر ثم حنث فى حال الكفر أو بعد إسلامه فلا حنث عليه أى لا كفارة عليه فالمراد حكم الحنث المعهود وكذا إذا حلف مسلما ثم ارتد
____________________
(5/86)
ثم أسلم فحنث لا يلزمه شىء وعلى هذا الخلاف إذا نذر الكافر ما هو قربة من صدقة أو صوم لا يلزمه شىء عندنا بعد الإسلام ولا قبله وبقولنا فى مسئلة الكتاب قال مالك وعند الشافعى واحمد يلزمه الكفارة بالمال لأنه أهل لإيجابه دون الصوم لأنه عبادة وليس أهلا لها وصار كالعبد لما تعذر عليه الكفارة بالمال تعين عليه إحدى الخصال فكذا هذا لما تعذر عليه الصوم تعين ما سواه وأيضا هو أهل للبر فإنه يعتقد حرمة أسم الله جل وعلا ويمتنع عن إخلاف ما عقده به عليه ولهذا يستحلف فى الدعاوى ويدخل فى المال العتق فإنه يقبل الفصل عن العبادة كالعتق للشيطان ونحوه فيكون فى حقه مجرد إسقاط المالية ثم ثبت فى ذلك سمع وهو ما فى الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال يا رسول الله إنى تذرت فى الجاهلية أن أعتكف ليلة فى المسجد الحرام
وفى رواية يوما فقال أوف بنذرك وفى حديث القسامة من الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم تبرئكم يهود بخمسين يمينا ولنا قوله تعالى { إنهم لا أيمان لهم } وأما قوله بعده { نكثوا أيمانهم } فيعنى صور الأيمان التى أظهروها والحاصل لزوم تأويل إما فى { لا أيمان لهم } كما قال الشافعى أن المراد لا إيفاء لهم بها أو فى { نكثوا أيمانهم } على قول أبى حنيفة أن المراد ما هو صور الأيمان دون حقيقتها الشرعية وترجح الثانى بالفقه وهو أنا نعلم أن من كان أهلا لليمين يكون أهلا للكفارة وليس الكافر أهلا لها لأنها إنما شرعت عبادة يجبر بها ما ثبت من إثم الحنث إن كان أو ما وقع من إخلاف ما عقد عليه اسم الله تعالى إقامة لواجبه وليس الكافر أهلا لفعل عبادة وقولهم إيجاب المال والعتق يمكن تجريده عن معنى العبادة ليس بشىء لأن ذلك فى إيجاب المال والعتق من حيث هو إيجابهما والكلام فى إيجابهما كفارة وإيجابهما كفارة لا يقبل الفصل عما ذكرنا إذ لو فصل لم يكن كفارة لأن ما شرع بصفة لا يثبت شرعا إلا بتلك الصفة وإلا فهو شىء آخر وأما تحليف القاضى وقوله صلى الله عليه وسلم تبريكم يهود بخمسين يمينا فالمراد كما قلنا صور الإيمان فإن المقصود منها رجاء النكول والكافر وإن لم يثبت فى حقه شرعا اليمين الشرعى المستعقب لحكمه فهو يعتقد فى نفسه تعظيم اسم الله تعالى وحرمة اليمين به كاذبا فيمتنع عنه فيحصل المقصود من ظهور الحق فشرع التزامه بصورتها لهذه الفائدة وما فى الهداية من أنه مع الكفر لا يكون معظما ليس بصحيح إلا أن يريد تعظيما يقبل منه ويجازى عليه واما قوله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فالمشهور من مذهب الشافعى أن نذر الكافر لا يصح فالاستدلال به كاللجاج وهم يؤولونه أنه أمره أن يفعل قربة مستأنفة فى حال الإسلام لا على أنه الواجب بالنذر دعا إلى هذا العلم من الشرع أن الكافر ليس أهلا لقربة من القرب فليس أهلا لالتزامها ألا ترى أنه لو فعلها لم تصح منه وتصحيح الالتزام ابتداء يراد لفعل نفس الملتزم لا لإضعاف العذاب وقول الطحاوى إنه ليس متقربا إلى الله تعالى بل إلى ربه الذى يعبده من دون الله إنما يستقيم فى بعض الكفار وهم المشركون على تقدير قصده بنذره الذى أشرك به ففيه قصور عن محل النزاع قوله ومن حرم على نفسه شيئا مما يملكه كهذا الثوب على حرام أو هذا الطعام أو هذه الجارية أو الدابة لم يصر محرما وعليه إن استباحة كفارة يمين وليس ملكه شرطا للزوم حكم اليمين فإنه جار فى نحو كلام زيد على
____________________
(5/87)
حرام ولو أريد بلفظ شيئا ما هو أعم من الفعل دخل نحو كلام زيد ولم يدخل نحو هذا الطعام على حرام لطعام لا يملكه لأنه حرام عليه التصرف فيه مع أنه يصير به حالفا حتى لو أكله حلالا أو حراما لزمته الكفارة والحاصل أن حرمته لا تمنع تحريمه حلفا ألا يرى إلى قولهم لو حرم الخمر على نفسه فقال الخمر على حرام أن المختار للفتوى إنه إن أراد به التحريم يعنى الإنشاء تجب الكفارة إذا شربها كأنه حلف لا أشرب الخمر وإن أراد الإخبار أو لم يرد شيئا لا تجب الكفارة لأنه أمكن تصحيحه إخبارا والمنقول فيه خلاف بين ابى يوسف وأبى حنيفة عند أحدهما يحنث مطلقا وعند الآخر لا يحنث من غير نظر إلى نية ولو قال الخنزير على حرام فليس بيمين إلا أن يقول إن أكلته وقيل هو قياس الخمر وهو الوجه واعلم أن الظاهر من تحريم هذه الأعيان انصراف اليمين إلى الفعل المقصود منها كما فى تحريم الشرع لها فى نحو { حرمت عليكم أمهاتكم } وحرمت الخمر والخنزير أنه ينصرف إلى النكاح والشرب والأكل ولذا قال فى الخلاصة لو قال هذا الثوب على حرام فلبسه حنث إلا أن ينوى غيره وإن قال إن أكلت هذا الطعام فهو على حرام فأكله لا يحنث وذكر فى المنتقى لو قال كل طعام آكله فى منزلك فهو على حرام ففى القياس لا يحنث إذا أكله هكذا روى ابن سماعة عن أبى يوسف وفى الاستحسان يحنث والناس يريدون بهذا أن أكله حرام انتهى
وعلى هذا فيجب فى التى قبلها وهو قوله إن أكلت هذا فهو على حرام أن يحنث إذا أكله وكذا ما ذكر فى الحيل إن أكلت طعاما عندك أبدا فهو حرام فأكله لم يحنث ينبغى أن يكون جواب القياس ولو قال لقوم كلامكم على حرام أيهم كلم حنث وفى مجموع النوازل وكذا كلام فلان وفلان على حرام يحنث بكلام أحدهما وكذا كلام أهل بغداد وكذا أكل هذا الرغيف على حرام يحنث بأكل لقمة بخلاف ما لو قال والله لا أكلمهم لا يحنث حتى يكلمهم وفى الخلاصة لو قال هذا الرغيف على حرام حنث بأكل لقمة وفى فتاوى قاضيخان قال مشايخنا رحمهم الله الصحيح أنه لا يكون حانثا لأن قوله هذا الرغيف على حرام بمنزلة قوله والله لا آكل هذا الرغيف ولو قال هكذا لا يحنث بأكل البعض وإن قالت لزوجها أنت على حرام أو حرمتك يكون يمينا فلو جامعها طائعة أو مكرهة تحنث بخلاف ما لو حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل لا يحنث ولو قال لدراهم فى يده هذه الدراهم على حرام إن اشترى بها حنث وإن تصدق بها أو وهبها لم يحنث بحكم العرف قوله وقال الشافعى رحمه الله لا كفارة عليه يعنى إلا فى الجوارى والنساء وبه قال
____________________
(5/88)
مالك لأن تحريم الحلال قلب المشروع فلا ينعقد به تصرف مشروع وهو اليمين إلا أن الشرع ورد به فى الجوارى والنساء فى معناها فيقتصر على مورده والاستدلال بعد هذا بقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فبين سبحانه أنه صلى الله عليه وسلم حرم شيئا مما هو حلال وأنه فرض له تحلته فعبر عن ذلك بقوله { تحلة أيمانكم } وعلم أنه سبحانه جعل تحريم ما أحل الله له يمينا فيها الكفارة غير مفيد لأن الكلام الآن فى تخصيصه بمورده أو تعميمه أجيب بأن العبرة لعموم اللفظ وهو قوله { ما أحل الله } وقد يدفع بأن المراد به خصوص ما وقع تحريمه أى لم حرمت ما كان حلالا لك ولذا قال { تبتغي مرضات أزواجك } وابتغاء مرضاتهن لا يتعلق بعموم تحريم المباحات بل ببعض يسير بل الجواب أنه كما ورد أنها أنزلت فى تحريم مارية ورد أنها أنزلت فى تحريم العسل فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة على أن أيتنا إن دخل عليها فلتقل إنى أجد منك ريح مغافير فدخل على إحدانا فقالت له ذلك فقال لا بل شربت عسلا عند زينب ولن أعود إليه فنزلت { يا أيها النبي لم تحرم } وهذا أولى بالاعتبار لأن راوية صاحبة القصة وفيه زيادة الصحة وحينئذ لا مانع من كون نزولها فى الأمرين جميعا وقوله تعالى { تبتغي مرضات أزواجك } وإن كان ظاهرا فى أنها فى تحريم مارية لأن مرضاتهن كان فى ذلك لا فى ترك العسل فلا شك أنه أيضا فى ترك شربه عند الضرة فإن قيل إنه روى أنه قال والله لا أذوقه فلذلك سمى تحريما ولزمت التحلة أجيب بأنه لم يذكر فى الآية ولا فى الحديث الصحيح فلا يجوز أن يحكم به ويقيده به حكم النص واعلم أن الذى فى الحديث الصحيح هو قوله ولن أعود إليه ولا شك أن هذا ليس بيمين موجب للكفارة عند أحد فحيث ذكر الله تعالى ما يفيد أن الواقع منه كان يمينا وجب الحكم بأنه كان منه صلى الله عليه وسلم مع ذلك القول قول آخر لم يرو فى تلك الرواية ثبت به اليمين فجاز كونه قوله والله لا أذوقه وجاز كونه لفظ التحريم إلا أن لفظ حرم على نفسه ظاهر فى إرادة قال حرمت كذا ونحوه بخلاف الحلف على تركه وحاصل الوجه الذى اقتصر عليه المصنف وهو أن لفظه ينبىء عن إثبات الحرمة وقد أمكن إعماله بإثبات حرمته أى حرمة ذلك الشىء لغيره وهو اليمين بإثبات موجب اليمين وهو البر إذا لم يفعله والكفارة إن فعله صونا لكلامه عن الإلغاء فضلا من الله عليه فعم المعنى المذكور النساء وغيرهن قوله ثم إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث ووجبت الكفارة وهو المعنى من الاستباحة المذكورة فى قوله وعليه إن استباحة كفارة يمين وبه عرف أن مراده بقوله لم يصر محرما عليه المحرم لنفسه وإلا لم يصح قوله استباحة وإنما يحنث بالقليل والكثير لأن التحريم إذا ثبت تناول كل جزء منه فبتناول جزء يلزمه الحنث وهذا بخلاف ما تقدم
____________________
(5/89)
من قوله والله لا أكلمهم وهذا الرغيف على حرام على ما نقل قاضيخان عن المشايخ قوله ولو قال كل حلال على حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوى غير ذلك فإذا أكل أو شرب حنث ولا يحنث بجماع زوجته والقياس أن يحنث كما فرغ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه كفتح العينين وتحريك الجفنين وهو قول زفر بناء على انعقاده على العموم كما هو ظاهر اللفظ وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم والظاهر أنه لم يعقد للحنث ابتداء أى لا يكون الغرض من عقد اليمين الحنث فكان ذلك قرينة صارفة عن صرافة العموم وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه أى هذا اللفظ يستعمل فيما يتناول عادة وهو الطعام والشراب فظهر أن ما قيل إنه تعذر الحمل على العموم فيحمل على أخص الخصوص لا يصح إذ ليس مجموع الطعام والشراب أخص الخصوص بل حمل على ما تعورف فيه اللفظ ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم فى غير الطعام والشراب مع صلاحية اللفظ فإذا نواها اتصلت النية بلفظ صالح فصح فيه دخولها فى الإرادة بخلاف نحو اسقنى إذا أريد به الطلاق لا يقع لعدم الصلاحية فلو وقع كان بمجرد النية وإذا نواها كان إيلاء لأن الحلف على قربانها إيلاء ولا ينصرف عن الطعام والشراب فأيها فعل حنث وإذا كان إيلاء فهو إيلاء مؤبد فإن تركها أربعة أشهر بانت إلى آخر أحكام الإيلاء المؤبد وهذا كله جواب ظاهر الرواية ومشايخنا أى مشايخ بلخ كأبى بكر الاسكاف وأبى بكر بن أبى سعيد والفقيه أبى جعفر قالوا يقع به الطلاق منجزا لغلبة الاستعمال فى الطلاق فينصرف إليه من غير نية وبه أخذ الفقيه أبو الليث قال المصنف وعليه الفتوى وقال البزدوى فى مبسوطه هكذا قال مشايخ سمرقند ولم يتضح لى عرف الناس
____________________
(5/90)
فى هذا لأن لا من امرأة له يحلف به كما يحلف ذو الحليلة ولو كان العرف مستفيضا فى ذلك لما استعمله إلا ذو الحليلة فالصحيح أن يقيد الجواب فى هذا ويقول إن نوى الطلاق يكون طلاقا فأما من غير دلالة فالاحتياط أن يقف الإنسان فيه ولا يخالف المتقدمين واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف فى ديارنا بل المتعارف فيه حرام على كلامك ونحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة وتعارفوا أيضا الحرام يلزمنى ولا شك فى أنهم يريدون الطلاق معلقا فإنهم يذكرون بعده لا أفعل كذا أو لأفعلن وهو مثل تعارفهم الطلاق يلزمنى لا أفعل كذا فإنه يراد به إن فعلت كذا فهى طالق ويجب إمضاؤه عليهم وفى التتمة لو قال حلال الله على حرام أو قال حلال خداى وله امرأة ينصرف إليها من غير نية وعليه الفتوى وإن لم يكن له امرأة يجب عليه الكفارة قال المصنف وكذا ينبغى فى حلال بروى حرام للعرف يعنى يقع به الطلاق على ما اختاره للفتوى واختلفوا ففى قوله هرجه بردست راست كيرم بروى حرام أنه هل يشترط النية أولا والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف قال فى الخلاصة لا يصدق أنه لم ينو ولو قال هرجه بدست راست كيرفته أم فهو بمنزلة قوله كيرم ولو قال هرجه بدست حب كيرم فى مجموع النوازل لا يكون طلاقا وإن نوى ولو قال هرجه بدست راست كيرفتم لا يكون طلاقا لأن العرف فى قوله كيرم ولا عرف فى قوله كيرفتم ولو قال هرجه بدست كيرم ولم يقل راست أوجب فهو كقوله هرجه بدست كيرم والحاصل أن المعتبر فى انصراف هذه الألفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه فإن لم يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضى وفيما بينه وبين الله تعالى هو مصدق قوله ومن نذر نذرا مطلقا أى غير معلق بشرط كأن يقول لله على صوم شهر أو حجة أو صدقة أو صلاة ركعتين ونحوه مما هو طاعة مقصودة لنفسها ومن جنسها واجب فعليه الوفاء بها وهذه شروط لزوم النذر فخرج النذر بالوضوء لكل صلاة فإنه لا يلزم لأنه غير مقصود لنفسه وكذا النذر بعيادة المريض لأنه ليس من جنسه واجب واما كون المنذور معصية يمنع انعقاد النذر فيجب أن يكون معناه إذا كان حراما لعينه أو ليس فيه جهة القربة فإن المذهب أن نذر صوم يوم العيد ينعقد ويجب الوفاء بصوم يوم غيره ولو صامه خرج عن العهدة ولنا فيه بحث ذكرناه فى مختصر الأصول ومذهب أحمد رحمه الله فيه كفارة يمين عينا لحديث ورد فيه وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا نذر فى معصية وكفارته كفارة يمين رواه الترمذى بسند قال فيه صاحب التنقيح كلهم ثقات ومع ذلك فالحديث غير صحيح وبين علته وكذا قال الترمذى وقوله فعليه الوفاء به أى من حيث هو قربة لا بكل وصف التزمه به أو عين وهو خلافية زفر فلو نذر أن يتصدق بهذا الدرهم فتصدق بغيره عن نذره أو نذر التصدق فى هذا اليوم فتصدق فى غد او نذر أن يتصدق على هذا الفقير فتصدق على غيره عن نذره أجزأه فى ذلك خلافا لزفر له أنه أتى بغير اما نذره ولنا أن الروم ما التزمه باعتبار ما هو قربة لا باعتبارات أخر لا دخل لها فى صيرورته قربة وقد أتى بالقربة الملتزمة وكذا إذا نذر
____________________
(5/91)
ركعتين فى المسجد الحرام فأداها فى أقل شرفا منه أو فيما لا شرف له أجزأه خلافا لزفر وأفضل الأماكن المسجد الحرام ثم مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ثم مسجد بيت المقدس ثم الجامع ثم مسجد الحى ثم البيت له أنه نذر بزيادة قربة فيلزمه قلنا عرف من الشرع أن التزامه ما هو قربة موجب ولم يثبت من الشرع اعتبار تخصيص العبد العبادة بمكان بل إنما عرف ذلك لله تعالى فلا يتعدى لزوم أصل القربة بالتزامه إلى لزوم التخصيص بمكان فكان ملغى وبقى لازما بما هو قربة فإن قلت من شروط النذر كونه بغير معصية فكيف قال أبو يوسف إذا نذر ركعتين بلا وضوء يصح نذره خلافا لمحمد فالجواب أن محمدا أهدره لذلك وأما أبو يوسف فإنما صححه بوضوء لأن التزام المشروط التزام الشرط فقوله بعد ذلك بغير وضوء لغو لا يؤثر ونظيره إذا نذرهما بلا قراءة ألزمناه ركعتين بقراءة أو نذر أن يصلى ركعة واحدة ألزمناه ركعتين أو ثلاثا ألزمناه بأربع وقال زفر لا يصح النذر فى الأوليين لأن الصلاة بلا قراءة والركعة الواحدة غير قربة وفى الثالثة وهى ما إذا نذر بثلاث بلزمه ركعتان لأنه التزم ركعة بعد الثنتين فصار كما إذا التزمها مفردة على قوله ولنا معنى ما قدمناه وهو أن الالتزام بشىء التزام بما لا صحة له إلا به ولا صحة للصلاة بلا قراءة ولا للركعة الواحدة إلا بضم الثانية فكان القراءة والثانية واحتاج محمد إلى الفرق بين التزام الصلاة بلا وضوء حيث أبطله والتزامها بلا قراءة حيث أجازه والفرق أن الصلاة بلا طهارة ليست عبادة أصلا وبلا قراءة تكون عبادة كصلاة الأمى وهذه المسائل وإن كانت تقدمت متفرقة إلا أن هذا المكان محلها بالأصالة فلم أر إخلاء منها نصيحة لدين رب العالمين قوله لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى وهذا دليل لزوم الوفاء بالمنذور وهو حديث غريب إلا أنه مستغنى عنه ففى لزوم المنذور الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى { وليوفوا نذورهم } وصرح المصنف فى كتاب الصوم بأن المنذور واجب للآية وتقدم الاعتراض بأنها توجب الافتراض للقطعية والجواب بأنها مؤولة إذ خص منها النذر بالمعصية وما ليس من جنسه واجب فلم تكن قطعية الدلالة ومن السنة كثير منها حديث فى البخارى من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه روته عائشة رضى الله عنها والإجماع على وجوب الإيفاء به وبه استدل من قال من المتأخرين بافتراض الإيفاء بالنذر
فروع إذا نذر شهرا فإما بعينه كرجب وجب التتابع لكن لو أفطر يوما لا يلزمه الاستقبال كرمضان لو أفطر فيه يوما لا يلزمه إلا قضاؤه كذا هذا وإن بغير عينه كشهر إن شاء تابعه وإن شاء فرقه وإن شرط التتابع لزمه ولو التزم بالنذر أكثر مما يملكه لزمه ما يملكه هو المختار قال الطحاوى إذا أضاف النذر إلى سائر المعاصى كلله على أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمه الكفارة بالحنث ولله على أن أطعم المساكين يقع على عشرة عند أبى حنيفة لله على طعام مسكين لزمه نصف صاع حنطة استحسانا لله على أن أعتق هذه الرقبة وهو يملكها فعليه أن يعتقها فإن لم يعتقها أثم ولا يجبره القاضى قال إن برئت من مرضى فعلى شاة أذبحها أو ذبحت شاة سبع شياه جاز قوله وإن علق النذر بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس النذر لإطلاق الحديث الذى رويناه
____________________
(5/92)
من البخارى وغيره فإنه أمر بذلك من غير تقييد بمنجز ولا معلق ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده فصار كأنه قال عند الشرط لله على كذا وعن أبى حنيفة رحمه الله عنه أنه رجع عنه أى عن لزوم عبن المنذور إذا كان معلقا بالشرط أى أنه مخير بين فعله بعينه وكفارة يمين وهو قول محمد فإذا قال إن فعلت كذا فعلى حجة أو صوم سنة إن شاء حج أو صام سنة وإن شاء كفر فإن كان فقيرا صار مخيرا بين صوم سنة وصو م ثلاثة أيام والأول وهو لزوم الوفاء به عينا هو المذكور فى ظاهر الرواية والتخيير عن أبى حنيفة فى النوادر وروى عن عبد العزيز ابن خالد الترمذى قال خرجت حاجا فلما دخلت الكوفة قرأت كتاب النذور والكفارات على أبى حنيفة
____________________
(5/93)
فلما انتهيت إلى هذه المسئلة قال قف فإن من رأيى أن أرجع فلما رجعت من الحج إذا أبو حنيفة قد توفى فأخبرنى الوليد بن أبان أنه رجع قبل موته بسبعة أيام وقال يتخير وبهذا كان يفتى إسماعيل الزاهد وقال الولوالجى مشايخ بلخ وبخارى يفتون بهذا وهو اختيار شمس الأئمة قال لكثرة البلوى فى هذا الزمان وجه الظاهر النصوص من الآية الكريمة والأحاديث ووجه رواية النوادر ما فى صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين فهذا يقتضى أن يسقط بالكفارة مطلقا فيتعارض فيحمل مطلق الإيفاء بعينه على المنجز ومقتضى سقوطه بالكفارة على المعلق ولا يشكل لأن المعلق منتف فى الحال فالنذر فيه معدوم فيصير كاليمين فى أن سبب الإيجاب وهو الحنث منتف حال التكلم فيلحق به بخلاف النذر المنجز لأنه نذر ثابت فى وقته فيعمل فيه حديث الإيفاء واختار المصنف والمحققون أن المراد بالشرط الذى تجزىء فيه الكفارة الشرط الذى لا يريد كونه مثل دخول الدار وكلام فلان فإنه إذا لم يرد كونه يعلم أنه لم يرد كون المنذور حيث جعله مانعا من فعل ذلك الشرط لأن تعليق النذر على ما لا يريد كونه بالضرورة يكون لمنع نفسه عنه فإن الانسان لا يريد إيجاب العبادات دائما وإن كانت مجلبة للثواب مخافة أن يثقل فيتعرض للعقاب ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال إنه لا يأت بخير الحديث وأما الشرط الذى يريد كونه مثل قوله إن شفى الله مريضى أو قدم غائبى أو مات عدوى فلله على صوم شهر فوجد الشرط لا يجزيه إلا فعل عين المنذور لأنه إذا أراد كونه كان مريدا كون النذر فكان النذر فى معنى المنجز فيندرج فى حكمه وهو وجوب الإيفاء به فصار محمل ما يقتضى الإيفاء المنجز والمعلق المراد كونه ومحمل ما يقتضى إجزاء الكفارة المعلق الذى لا يراد كونه وهو المسمى عند طائفة من الفقهاء نذر اللجاج ومذهب أحمد فيه كهذا التفصيل الذى اختاره المصنف واستدل ابن الجوزى فى التحقيق للاكتفاء فى خصوص هذا النذر بحديث مسلم مع أنه مطلق وليس هذا إلا لما قلنا وهذا التقرير أولى مما قيل لأن الشرط إذا لم يرد كونه كان فى معنى اليمين فإنها تعقد للمنع فأجزأ فيه الكفارة بخلاف الذى يريد كونه فإنه ورد على هذا التقرير أن اليمين كما يكون للمنع يكون للحمل فلا يختص معناها بما لا يراد كونه فالفرق على هذا تحكم قوله ومن حلف على يمين أى على محلوف عليه فقال إن شاء الله متصلا بيمينه فلا حنث عليه وكذا إذا نذر وقال إن شاء الله متصلا لا يلزمه شىء قال محمد بلغنا
____________________
(5/94)
ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم وكذلك قال موسى عليه الصلاة والسلام ستجدنى إن شاء الله صابرا ولم يصبر ولم يعد مخلفا لوعده وتقدم فى الطلاق وهو قول أكثر أهل العلم وقال مالك يلزمه حكم اليمين والنذر لأن الأشياء كلها بمشيئة الله تعالى فلا يتغير بذكره حكم وللجمهور قوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين وقال إن شاء الله فلا حنث عليه رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وقال الترمذى حديث حسن ولأنه تعليق للمحلوف عليه بمشيئة الله تعالى أعنى إذا قال والله لا أخرج اليوم إن شاء الله فقد علق خروجه بمشيئة الله تعالى فإذا خرج لا يحنث فإن المعنى إن شاء الله عدم الخروج لا أخرج فإذا خرج تبين أنه تعالى لم يشأ عدم الخروج وهذا ينتهض على مالك رحمه الله فى اليمين بالله تعالى أما فى الطلاق فالكلام معه بحسب المعنى عسر فإنه إذا قال أنت طالق إن شاء الله فالظاهر أن المعلق بالمشيئة هو انت طالق ولا معنى له لأنه قد شاء الله قوله وقوله أنت طالق هو الموجب للقطع بشرطه فلا يمكن إعدامه فلو جعل مصروفا إلى الوقوع على معنى أنت طالق إن شاء الله وقوع طلاقك فخلاف اللفظ ثم لا يجدى لأنه قد شاء الله وقوع طلاقها إذ قد شاء تلفظه بأنت طالق غير معلق بشرط لما ذكرنا أن المعلق بالمشيئة إن كان لفظ أنت طالق فقد شاء حيث وجد فيوجد حكمه أو نفس الوقوع فقد شاءه حيث شاء علته وهو تلفظه وما فى الطلاق تقدم تضعيفه وهذا ما وعدناه فى الطلاق ثم شرط عمل الاستثناء فى الإبطال الاتصال فلو انقطع بتنفس أو سعال ونحوه لا يضر & باب اليمين فى الدخول والسكنى
أرااد بيان الأفعال التى يحلف عليها فعلا فعلا فبدأ بفعل السكنى لأن أول الأفعال التى يحتاج إليها الإنسان أن يحل مكانا ثم يفعل ما يحتاج إليه من اللبس والأكل وغيره وكل من الأكل والشرب وإن كان من الضروريات
____________________
(5/95)
لكن حاجة الحلول فى مكان ألزم للجسم من أكله ولبسه قوله ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو الكنيسة وهو متعبد اليهود أو البيعة وهو متعبد النصارى لم يحنث لأن الأصل أن الأيمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعى رحمه الله ولا على الاستعمال القرآنى كما عن مالك رحمه الله ولا على النية مطلقا كما عن أحمد رحمه الله لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفى أعنى الألفاظ التى يراد بها معانيها التى وضعت لها فى العرف كما أن العربى حال كونه بين أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد انه المراد بها
ثم من المشايخ ما جرى على هذا الإطلاق فحكم فى الفرع الذى ذكره صاحب الذخيرة والمرغينانى وهو ما إذا حلف لا يهدم بيتا فهدم بيت العنكبوت أنه يحنث بأنه خطأ ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يكن العملى بحقيقته ولا يخفى أن هذا يصير المعتبر الحقيقة اللغوية إلا ما من الألفاظ ليس له موضع لغوى بل أحدثه أهل العرف وأن ماله وضع لغوى ووضع عرفى يعتبر معناه اللغوى وإن تكلم به متكلم من أهل العرف وهذا يهدم قاعدة حمل الأيمان على العرف فإنه لم يصير المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر وهذا بعيد إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم إلا بالعرف الذى به التخاطب سواء كان عرف اللغة إن كان من أهل اللغة أو غيرها إن كان من غيرها نعم ما وقع استعماله مشتركا بين أهل اللغة وأهل العرف تعتبر اللغة على أنها العرف فأما الفرع المذكور فالوجه فيه انه ان كان نواه في عموم بيتا حنث وان لم يخطر له وجب ان لا يحنث لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت وظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف أنه إذا لم يكن له نية كان موجب الكلام ما يكون معنى عرفيا له وإن كان له نية شىء واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتباره إذا عرفنا هذا فالكعبة وإن أطلق عليها بيت فى قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة } وكذا المسجد فى قوله تعالى
____________________
(5/96)
{ في بيوت أذن الله أن ترفع } وكذا بيت العنكبوت وبيت الحمام ولكن إذا أطلق البيت فى العرف فإنما يراد به ما بيات فيه عادة فدخل الدهليز إذا كان كبيرا بحيث يبات فيه لأن مثله يعتاد بيتوتة للضيوف فى بعض القرى وفى المدن يبيت فيه بعض الأتباع فى بعض الأوقات فيحنث والحاصل أن كل موضع إذا أغلق الباب صار داخلا لا يمكنه الخروج من الدار وله سعة يصلح للمبيت مسقف يحنث بدخوله وعلى هذا يحنث بالصفة سواء كان لها أربع حوائط كما هى صفاف الكوفة أو ثلاثة على ما صححه المصنف بعد أن يكون مسقفا كما هى صفاف ديارنا لأنه يبات فيه غاية الأمر أن مفتحه واسع وكذا الظلة إذا كان معناها ما هو داخل الباب مسقفا بخلاف ما إذا كان ساباطا وهو ما على ظاهر الباب فى الشارع من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب وأطرافها الأخرى على جدار الجار المقابل له وسيأتى أن السقف ليس شرطا فى مسمى البيت فيحنث وإن لم يكن الدهليز مسقفا قوله ومن حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة لم يحنث ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث لأن اسم الدار للعرصة عند العرب والعجم فيقال دار عامرة ودار غير عامرة فى العجم والعرب وقد شهدت أشعار العرب بذلك قال نابغة ذيبان واسمه زياد بن معاوية ** يا دار مية بالعلياء فالسند ** أقوت وطال عليها سالف الأبد **
____________________
(5/97)
** وقفت فيها أصيلانا أسائلها ** عيت جوابا وما الربع من أحد ** ** إلا الأوارى لأيا ما أبينها ** والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد **
إذا كانت الدار بالعلياء فالسند وهو ارتفاع الجبل بحيث يسند إليه أى يصعد لم يضرها السيل وأقوت أقفرت وطال عليها سالف الأبد بالباء السالف الماضى والأبد الدهر أى طال عليها ماضى الزمان وهذا كناية عن خرابها وأصيلانا تصغير جمع أصيل أصلان كبعير وبعران وهو عشية النهار وقد تبدل نونه لا ما فيقال أصيلال وإنما صغره للدلالة على قصر الوقت الذى وقف فيه للمساءلة وهذ السؤال توجع وتحسر وعيت جوابا عجزت يقال فى تعب البدن إعياء والفعل أعيا وفى كلام اللسان عيى ورئى فاضل قادما إلى المدينة ماشيا فقال له
____________________
(5/98)
مولانا عيى أم أعيا فقال بل أعييت فوضع أعيت جوابا فى البيت المذكور مكان عيت خلاف المعروف والأوارى جمع آرى وهى محابس الخيل ومرابطها واللآى البطء أى تبينى لها ببطء فاستلزم تعبا فمن فسر اللأى بالشدة فهو باللازم فإن البطء فى التبين لا يكون إلا لتعب فيه والنؤى حاجز من تراب يجعل حول الخباء لمنع السيل من دخوله وما وقع فى بعض المواضع أنه حفيرة غلط وما عسى أن يبلغ عمق الحفيرة حتى تمنع السيل فإنها لو كانت بئرا امتلأت فى لحظة وفاضت وإنما هو ما ذكرنا ولذا قال فى البيت بعده ** ردت عليه أقاصيه وليدة ** ضرب الوليدة بالمسحاة فى الثأد **
يعنى ردت الوليدة وهى الأمة الشابة ما تباعد من تراب النؤى بسبب تهدمه عليه بضرب المسحاة فى الثأد وهى الأرض الندية قال الأعلم وهو مصدر وصف به وأراد بالمظلومة الأرض التى لم تمطر والجلد الصلبة فيكون النؤى والوتد أشد ثباتا فيها وقال امرىء القيس ** يا دار ماوية بالحائل ** فالسهب فالحبتين من عاقل ** ** صم صداها وعفا رسمها ** واستعجمت عن منطق السائل **
يريد أنها مقفرة لا أنيس بها فيسمع صوته ولا أحد يتكلم فيجيبه الصدى وهو الذى يسمى بابنة الجبل وقال امرؤ القيس ** لمن طلل أبصرته فشجانى ** كخط زبور فى عسيب يمانى ** ** ديار لهند والرباب وفرتنى ** ليالينا بالنعف من بدلانى **
يريد أنها درست وخفيت الآثار كخفاء خط الكتاب ودقته إذا كان فى عسيب يمان وكان أهل اليمن يكتبون عهودهم فى عسيب النخلة فهذه الأشعار وما لا يحصى كثرة تشهد بأن اسم الدار للعرصة ليس غير لأن هؤلاء المتكلمين بهذه الأشعار لا يريدون بالاسم إلا العرصة فقط فإن هذه الديار التى ذكروها لم يكن فيها بناء أصلا بل هى عرصات منزولات إنما يضعون فيها الأخبية لا أبنية الحجر والمدر فصح أن البناء وصف فيها غير لازم وإنما اللازم فيها كونها قد نزلت غير أنها فى عرف أهل المدن لا يقال إلا بعد البناء فيها ولو انهدم بعد ذلك
____________________
(5/99)
بعضها قيل دار خراب فيكون هذا الوصف جزء المفهوم لها فأما إذا محيت الأبنية بالكلية وعادت ساحة فالظاهر أن أطلاق اسم الدار فى العرف عليها كهذه دار فلان مجاز باعتبار ما كان فالحقيقة أن يقال كانت دارا وإذا عرف ذلك فإذا حلف لا يدخل دار فدخل دار خربة بأن صارت لابناء لا يحنث وهذا هو المراد فإنه قال فى مقابله فيما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما صارت صحراء حنث وإنما تقع المقابلة بين المعين والمنكر فى الحكم إذا توارد حكمهما على محل فأما إذا دخل بعد ما زالت بعض حيطانها فهذه دار خربة فينبغى أن يحنث فى المنكر إلا أن يكون له نية وإنما وقعت هذه المفارقة لأن البناء وإن كان وصنفا فيها يعنى معتبرا فيها غير أن الوصف فى الحاضر لغو لأن ذاته تتعرف بالإشارة فوق ما تتعرف بالوصف وفى الغائب معتبر لأنه المعرف له قوله ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت دارا أخرى فدخلها حنث لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام ولو بنيت مسجدا أو حماما أو بستانا أو بنيت بيتا فدخله لم يحنث لأنها لم تبق دارا وكذا إذا غلب عليها الماء او جعلت نهرا فدخله لاعتراض اسم آخر عليه وكذا إذا دخله بعد ما انهدم المبنى ثانيا من الحمام وما معه لأنه لا يعود اسم الدارية بياء مشددة وكذا إذا بنى دارا بعد ما انهدم ما بنى ثانيا من الحمام ونحوه لأنها غير تلك الدار التى منع نفسه من الدخول فيها ويرد على هذا التفصيل أن البناء إن كان جزء مفهوم الدار عرفا فعدم الحنث إذا زال فى المنكر حق لكن ثبوت الحنث فى المشار إليها بعد ما صارت صحراء مشكل لأن كون الإشارة تعين الذات إنما يقتضى تعين هذا البناء مع الساحة محلوفا عليه وقد انتفى ويقتضى أيضا أنه لو دخلها بعد ما انهدمت وبنيت دارا أخرى لا يحنث لأن هذا البناء الثانى ليس عين ذلك والحكم عندهم خلافه فإن قيل الحلف إذا وقع على معين وقع على كل جزء فيحنث بوجود الجزء الواحد قلنا ممنوع بل على المجموع كما لو حلف لا يكلم زيدا وعمرا أو أهل الكوفة لا يحنث بكلام أحدهم وإن لم يكن جزءا بل المعتبر كون العرصة بنيت أشكل عليه عدم الحنث فى المنكر فيما إذا دخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء لوجود تمام المسمى قوله وإذا حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم وصار صحراء لم يحنث لأن اسم البيت قد زال بالانهدام لزوال مسماه وهو البناء الذى يبات فيه بخلاف الدار لأنها تسمى دارا ولا بناء فيها فلو بقيت الحيطان وزال السقف حنث لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه وهذا
____________________
(5/100)
يفيدك أن ذكر السقف فى الدهليز من قوله وهو مسقف لا حاجة إليه لأنه معتاد للبيتوتة كما قدمنا والبيت لا يلزم فى مفهومه السقف فقد يكون مسقفا وهو البيت الشتوى وغير مسقف وهو الصيفى وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لا يحنث لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام وهذا المبنى غير البيت الذى منع نفسه دخوله ولو حلف لا يدخل بيتا فدخل بيت شعر أو فسطاطا إن كان من أهل البادية حنث وإلا لا يحنث قوله ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها من غير دخول من الباب بأن ظفر من سطح إلى سطحها حنث لأن السطح من الدار ألا يرى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد فلو عد السطح خارجا فسد وقد يقال المبنى مختلف فإن الأيمان مبنية على العرف فجاز كون بعض ما هو فى حكم المسجد خارجا فى العرف ألا يرى أن فناء المسجد له حكم المسجد فى بعض الأشياء حتى جاز اقتداء من فيه بمن فى المسجد ولا شك أنه خارج فالأقرب ما قيل الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة وهذا حاصل فى علو الدار وسطحها وهذا يتم إذا كان السطح بحضير فلو لم يكن له حضير فليس هو إلا في هواء الدار فلا يحنث من حيث اللغة إلا أن يكون عرف أنه يقال إنه داخل الدار والحق أن السطح لا شك أنه من الدار لأنه من أجزائها حسا لكن لا يلزم من القيام عليه أن يقال فى العرف دخل الدار بل لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف الدار حتى صح أن يقال لم يدخل الدار ولكن صعد السطح من خارج بحبل وهذا فى عرف من ليس من أهل اللسان فطابق عرف العجم ولو جمع بين قول المتقدمين والمتأخرين بأن يحمل جواب المتقدمين بالحنث على ما إذا كان للسطح حضير وجواب المتأخرين المعبر عنهم بقوله وقيل فى عرفنا يعنى عرف العجم على ما إذا لم يكن له حضير اتجه وهذا اعتقادى قوله وقيل فى عرفنا لا يحنث أى بالوقوف على السطح وكذا لا يحنث بالصعودعلى شجرة داخلها لأنه لا يسمى داخل الدار ما لم يدخل جوفها وكذا إذا قام على حائط منها قوله وكذا إذا دخل دخل دهليزها يعنى يحنث ويجب فيه التفصيل المتقدم وهو أن يكون له حوائط وهو مسقف وأنت علمت أن السقف ليس لازما فى مسمى البيت بل فى مسمى البيت الشتوى
____________________
(5/101)
قوله وإن وقف فى طاق الباب وهو بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا عن الباب لم يحنث لأن الباب لإحراز الدار وما فيها فلم يكن الخارج عن الباب فى الدار ولو أدخل رأسه أو إحدى رجليه أو حلف لا يخرج فأخرج إحداهما أو رأسه لم يحنث وبه قال الشافعى وأحمد ومالك رحمهم الله وقد كان صلى الله عليه وسلم يناول عائشة رأسه لتصلحه وهو معتكف فى المسجد وهى فى بيتها لأن قيامه بالرجلين فلا يكون فإحداهما داخلا ولا خارجا وفى هذا خلاف فإنه ذكر فى الخلاصة لو قال لامرأته إن خرجت إلا بأذنى فأنت طالق فقامت على أسقفه الباب وبعض قدمها بحال لو أغلق الباب كان ذلك المقدار داخلا وبعضه الباقى خارجا إن كان اعتمادها على النصف الخارج حنث وإن كان على النصف الداخل أو عليهما لا يحنث قال وفى المحيط لو أدخل إحدى رجليه لا يحنث وبه اخذ الشيخان الإمامان شمسا الأئمة الحلوانى والسرخسى هذا إذا كان يدخل قائما فأما إذا كان يدخل مستلقيا على ظهره أو بطنه أو جنبه فقد خرج حتى صار بعضه داخل الدار إن كان الأكثر داخل الدار يصير داخلا وإن كان ساقاه خارجها ولو تناول بيده شيئا من داخل لا يحنث
فروع حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل مكرها أى محمولا لا يحنث فإن أدخل وهو بحال لا يقدر على المنع لكن رضى بقلبه اختلفوا والأصح لا يحنث فلو خرج بعد دخوله مكرها أى محمولا ثم دخل هل يحنث اختلفوا قال السيد أبو شجاع لا يحنث وهكذا فى شرح الطحاوى وقال القاضى الإمام الأصح أنه يحنث وسيأتى له تتمة ولو اشتد فى المشى فوقع فى الباب يحنث ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخل بيتا منها قد أشرع إلى السكة حنث إذا كان أحد بابيه فى السكة والاخر فى الدار وكذا لو دخل فى علوها على الطريق وله باب فى الدار وكذا الكنيف إذا كان بابه فى الدار ولو حلف لا يدخل بلخ أو مدينة كذا فعلى العمران بخلاف كورة بخارى أو رستاق كذا إذا دخل أرضها حنث والفتوى فى زماننا أن كورة بخارى على العمران وعلى هذا القياس إذا حلف لا يدخل كورة مصر وهو بالشام فبدخول العريش يحنث وعلى الحمل على العمران لا يحنث حتى يدخلها ولو حلف لا يدخل بغداد فمر بها في سفينة بدجلة عند محمد يحنث وعندهما لا يحنث وعليه الفتوى ولو حلف لا يدخل الفرات فدخلت سفينته فى الفرات أو دخل جسرا لا يحنث ولو قال إن وضعت قدمى فى دار فلان فكذا فوضع إحدى رجليه فيها لا يحنث على جواب ظاهر الرواية لأن وضع القدم هنا مجاز عن الدخول ولا يحنث في الحلف لا يدخل بوضع احدى رجليه ولو حلف لا يدخل هذا المسجد فهدم ثم بنى مسجدا فدخله يحنث كالدار ولو حلف لا يدخل سكة فلان فدخل مسجدا فيها ولم يدخلها لا يحنث فى المختار قال فى مجموع النوازل هذا لم يكن للمسجد باب فى السكة وكذا إذا دخل بيتا فى طريق السكة إن كان له باب فيها حنث وإن كان ظهره فيها وبابه فى سكة أخرى لا يحنث هذا هو الصحيح ولو كان له بابان باب فيها وباب فى غيرها حنث ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار فدخلها من غير بابها لا يحنث ولو كان لها باب
____________________
(5/102)
حين حلف فجعل لها باب آخر فدخل منه حنث لأن الحلف على باب منسوب إليها فيستوى القديم والحادث إلا إن عين ذلك الباب فى حلفه ولو نواه ولم يعينه فى حلفه لا يدين فى القضاء ولو حلف لا يدخل دارا فدخل قناة حتى صار تحتها إن كان لها مفتح فى الدار ينتفع به بأن يستقوا منه حنث إذا وصل هناك وإن كان لا ينتفعون به إنما هو لإضاءة القناة لا يحنث ولو حلف لا يدخل هذا الفسطاط فقوض وضرب فى مكان آخر فدخله حنث قوله ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالمكث فيها أياما وهو المراد بالقعود المذكور فى الكتاب حتى يدخل بعد خروجه منها استحسانا والقياس أن يحنث بالمكث وإن قصر لأن الدوام له حكم ابتداء الدخول حتى صحت إرادته به أعنى لو حلف لا يدخل هذه الدار ونوى به المكث والقرار فيها صح حتى لو دخل ابتداء لا يحنث فيها صح حتى لو دخل ابتداء لا يحنث فيما بينه وبين الله تعالى وجه الاستحسان أن الدخول حقيقة لغة وعرفا فى الانفصال من الخارج إلى الداخل ولا دوام لذلك فليس الدوام مفهومه ولا جزء مفهومه وكونه مما يصح أن يراد باللفظ مجازا لأنه لازم للدخول عادة وإن قل إذ كان الدخول يراد للمكث لا يقتضى الحنث به لأن اليمين لا تنعقد على المعنى المجازى اللفظ بل الحقيقى وكذا لو كان حلف ليدخلنها غدا هو فيها فمكث حتى مضى الغد حنث لأنه لم يدخلها فيه إذ لم يخرج ولو نوى بالدخول الإقامة فيه لم يحنث وعلى هذا قد يقال ليس هنا قياس فى مقابلة الاستحسان فإن القياس الكائن فى مقابلته هو ما يتبادر ويتسارع إلى الذهن ولا يتسارع لأحد من لفظ أدخل معنى استمر مقيما فيقضى العجب من زفر بقوله بالحنث وهذه المسئلة عليها الأئمة الأربعة إلا فى وجه عند الشافعية كقول زفر ونظير المسئلة حلف لا يخرج وهو خارج لا يحنث حتى يدخل ثم يخرج وكذا لا يتزوج وهو متزوج ولا يتطهر وهو متطهر فاستدام النكاح والطهارة لا يحنث بخلاف المسائل التى ذكرها بقوله لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه وكذا لا يركب هذه الدابة وهو راكبها أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فمكث قليلا حنث فلو نزع الثوب من ساعته أو نزل أو أخذ فى النقلة لم يحنث خلافا لزفر أما الأول وهو الحنث بمكثه فلأن هذه الأفاعيل لها دوام بحوث أمثالها ولهذا لو قال لها كلما ركبت دابة فأنت طالق وهى راكبة فمكثت ساعة يمكنها النزول فيها طلقت فإن مكثت ساعة أخرى كذلك طلقت أخرى بخلاف ما لو قال كلما ركبت دابة فركب لزمه طلقة واحدة وإن طال مكثه لأن لفظ ركبت إذا لم يكن الحالف راكبا يراد به إنشاء الركوب فلا يحنث بالاستمرار وإن كان له حكم الابتداء بخلاف حلف الراكب لا يركب فإنه يراد به الأعم من ابتداء الفعل وما فى حكمه عرفا واستوضح على أن هذه الأفعال لها دوام بتجدد أمثالها بقوله ألا يرى أنه يضرب لها مدة فيقال ركبت يوما ولبست يوما وسكنت شهرا بخلاف الدخول فإنه لا يقال دخلت يوما بمعنى ضرب المدة والتوقيت لنفس الدخول بل يقال فى مجارى الكلام دخلت عليه يوما مرادا به إما مجرد بيان الظرفية لا التقدير وإما مطلق
____________________
(5/103)
الوقت إذا كان لا يمتد فيراد به ما يعم النهار والليل وذلك أعنى عدم ضرب المدة تقديرا للدخول دليل أنه ليس فيه تجدد أمثال يصير به متكررا ليحنث بحدوث المتكررات فلا يحنث إلا بإبتداء الفعل إلا أن ينوى به البقاء وهذه على عكسه ينعقد بمقتضى مطلق اللفظ على الأعم من الابتداء والبقاء وأما الابتداء فقط فمحتمله حتى لو أراد بقول لا أسكن وأركب وألبس ابتداء الفعل فقط صدق لأنه محتمل كلامه فلا يحنث باستمراره ساكنا وراكبا وفرع بعض أهل العلم على كون هذه لها تجدد أمثال يصير بها فى معنى الابتداء أنه لو حلف وهو لابس ليلبس هذا الثوب غدا واستمر لابسه حتى مضى الغد لا يحنث بمنزلة مالو نزعه ثم لبسه فى الغد ثم إنه إنما يحنث بتأخير ساعة إذا أمكنه النقل فيها فأما إذا لم يقدر بأن كان بعذر الليل وخوف اللص أو منع ذى السلطان عدم موضع ينتقل إليه حينئذ أو أغلق عليه الباب فلم يستطع فتحه أو كان شريفا أو ضعيفا لا يقدر على حمل المتاع بنفسه ولم يجد من ينقلها لا يحنث ويلحق ذلك الوقت بالعدم للعذر وأورد ما ذكر الفضلى فيمن قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فهى طالق فقيد أو منع من الخروج حنث وكذا إذا قال لامرأته وهى فى منزل أبيها إن لم تحضرى الليلة منزلى فطالق فمنعها أبوها حنث أجيب بالفرق بين كون المحلوف عليه عدما فيحنث بتحققه كيفما كان لأن العدم
____________________
(5/104)
لا يتوقف على الاختيار وكونه فعلا فيتوقف عليه كالكسنى لأن المعقود عليه الاختيارى وينعدم بعدمه فيصير مسكنا لا ساكنا فلم يتحقق شرط الحنث وسنذكره فى فروع ونوضح الوجه بأتم إن شاء الله وكذا لو بقى أياما فى طلب مسكن وترك الأمتعة والأهل فى هذه الأيام لا يحنث فى الصحيح لأن طلب المنزل من عمل النقل وصار مدة الطلب مستثناه إذا لم يفرط فى الطلب وهذا إذا خرج من ساعته فى طلب المنزل ولو أخذ فى النقلة شيئا فشيئا فإن كانت النقلات لا تفتر لا يحنث ولو أمكنه أن يستأجر من ينقل متاعه فى يوم ليس عليه ذلك ولا يلزمه النقل بأسرع الوجوه بل بقدر ما يسمى ناقلا فى العرف وأما الثانى فوجه قول زفر رحمه الله إن الحنث قد وجد بما وجد من القدر اليسير من السكنى والركوب واللبس ولنا أن اليمين تعقد للبر لا للحنث ابتداء وإن وجب الحنث فى بعض الأوقات وإذا كان المقصود من اليمين وضعا البر وجب استثناء مقدار ما يحققه من الزمان وهو قدر ما يمكنه فيه النزول والنقلة والنزع قوله ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج هو وترك متاعه وأهله فيها ولم يرد الرجوع حنث وهذه المسئلة فرع التى قبلها لما كان بالأخذ فى النقلة من ساعته يبر ذكر معنى النقلة التى بها يتحقق البر فبين أنه لا بد فى كونه منتقلا من الدار من نقل الأهل والمال وكذا الحلف على أن لا يسكن فى هذه المحلة أو السكة لو خرج بنفسه عازما على عدم العود أبدا حنث وإن خرج على عزم ان يرسل من ينقلهم لأنه يعد المتأهل ساكنا بمحل سكنى أهله وماله عرفا واستشهد للعرف بأن السوقى عامة نهاره فى السوق بحيث لا يخرج عنه إلا ليلا أو بعض الليل أيضا ويقول أنا ساكن فى محلة كذا وذلك لقرار أهله وماله بها وبهذا القول قال أحمد ومالك وعند الشافعى لا يحنث إذا خرج بنية التحويل قيل وهذا الخلاف بيننا وبينه مبنى على أن العبرة عنده لحقيقة اللفظ ولا تعتبر العادة بخلافها وهو إذا خرج بنية عدم العود فقد انتقل إذ لا شك فى أنه بنفسه انتقل
وعندنا العبرة للعادة لطروها على الحقيقة والحالف يريد ذلك ظاهرا فيحمل كلامه عليه والعادة أن من كان أهله بمكان ببلدة هو بها فهو ساكن فيه عملا بالعرف فبنى اللفظ عليه وهذا إذا كان الحالف مستقلا بسكناه قائما على عياله فإن كان سكناه تبعا كابن كبير ساكن مع أبيه أو أمرأة مع زوجها فلو حلف أحدهما لا يسكن هذه فخرج بنفسه وترك أهله وماله وهى زوجها ومالها لا يحنث وقيده الفقيه أبو الليث أيضا بأن يكون حلفه بالعربية فلو عقد بالفارسية لا يحنث إذا خرج بنفسه وترك أهله وماله وإن كان مستقلا بسكناه نعم لقائل أن ينظر فيما استشهد به للعرف وذلك أن السوقى إنما يقول أنا ساكن فى محلة كذا وهو على نية العود فلا يكون دليلا على ثبوت الكسنى فيما إذا خرج عازما على عدم العود كما هى صورة المسئلة فالوجه ترك خصوص هذا الشاهد ويدعى أن العرف على أنه ساكن ما لم ينقل أهله وماله حتى أنه يقال بعد خروجه كذلك فلان يريد أن ينتقل عن
____________________
(5/105)
مسكنه ولكن لم ينتقل بعد قوله ولو كان اليمين على المصر إلى آخره ما تقدم كان فيما إذا حلف لا يسكن هذه الدار ومثله البيت والسكة والمحلة وهى تسمى فى عرفنا الحارة فلو كان حلف لا يسكن هذا المصر أو هذه المدينة قال لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل فيما روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى نقله الفقيه أبو الليث عن أمالى أبى يوسف رحمه الله لأنه لا يعد ساكنا فى المصر الذى انتقل عنه بنفسه وإن ترك أهله وماله عرفا فلا يقال لمن أهله بالبصرة وماله وهو بنفسه قاطن بالكوفة هو ساكن بالبصرة والقرية بمنزلة المصر فى الصحيح من الجواب فلو حلف لا يسكن هذه القرية او البلدة وهى قرية فانتقل إلى قرية أخرى وترك أهله وماله فى الأولى لا يحنث وقوله فى الصحيح احتراز عمن قال هى كما لو حلف لا يسكن الدار فيحنث قوله ثم قال أبو حنيفة لا بد فى كونه انتقل من الدار وما شاكلها مما ذكرنا من نقل كل المتاع حتى لو بقى وتد ونحوه يحنث لأن السكنى من الحالف تثبت بالكل فتبقى ما بقى منه شىء فى المبسوط وهذا أصل لأبى حنيفة حتى جعل صفة السكون فى العصير مانعا من أن يكون خمرا وبقاء مسلم واحد منا فى بلدة ارتد أهلها مانعا من أن تصير دار حرب إلا أن مشايخنا قالوا هذا إذا كان الباقى يتأتى به السكنى وأما بقاء مكنسة أو وتد أو قطعة حصير لا يبقى فيها ساكنا فلا يحنث وحقيقة وجه دفعه أن قوله السكنى تثبت بالكل إن أراد أن مجموع الكل هو العلة فى سكناه مع انقطاع نفسه إلى القرار فى المكان منعناه وإلا لزم أنه لو سرق بعض تلك الأمتعة انتفت السكنى فعلم أن السكنى تثبت مع الكل بإتفاق الحال فإنما هى منوطة فى العرف بقراره على وجه الانقطاع إليه مع ما يتأتى به دفع الحاجات الكائنة فى السكنى فكانت السكنى ثابتة مع الكل وبدون الكل على أن الكلام هنا باعتبار العرف والعرف يعد من خرج لا يريد العود ونقل أهله وبعض ماله يريد ان ينقله بعد ذلك أو تركه لتفاهته وعدم الالتفات إليه تاركا لسكنى ذلك المكان وقال أبو يوسف يعتبر فى البر نقل الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر بأن يغفل عن شىء كإبرة فى شق حائط أو يتعسر وقال محمد يعتبر فى البر نقل ما يقوم به كدخدائيته أى سكناه فيما انتقل إليه لأن ما وراء ذلك ليس من السكنى إذ ليس من حاجتها قال المصنف رحمه الله قالوا هذا أحسن وأرفق بالناس فى نفى الحنث عنهم ومنهم من صرح بأن الفتوى عليه وكثير منهم كصاحب المحيط والفوائد الظهيرية والكافى على أن الفتوى
____________________
(5/106)
على قول أبى يوسف ولا شك أن المدار هنا ليس على نقل الكل ليقوم الأكثر مقامه بل على العرف فى أنه ساكن أولا والحق أن من خرج على نية ترك المكان وعدم العود إليه ونقل من أمتعته فيه ما يقوم به أمر سكناه وهو على نية قفل الباقى يقال ليس ساكنا فى هذا المكان بل انتقل عنه وسكن فى المكان الفلانى وهذا الخلاف فى نقل الأمتعة أما الأهل فلا بد فى البر من نقلهم كلهم اتفاقا قوله وينبغى أن ينتقل إلى منزل آخر حتى يبر بالاتفاق فإنه لو انتقل إلى السكة أو المسجد لم يبر بالاتفاق فإنهم اختلفوا قيل يحنث وعليه اقتصر نقل المصنف استدلالا بما فى الزيادات كوفى نقل عياله إلى مكة يتوطن فلما توطن بمكة بدا له أن يرجع إلى خراسان فمر بالكوفة يصلى بها ركعتين لأن وطنه بالكوفة انتقض بوطنه بمكة وإن بدا له فى الطريق قبل أن يدخل إلى مكة صلى بالكوفة مارا عليها أربعا لأن وطنه الأول بالكوفة قائم مالم يتخذ وطنا آخر فكذا هنا يبقى وطنه الأول مالم يتخذ وطنا آخر وقيل لا يحنث لأنه لم يبق ساكنا وقال أبو الليث إن سلم داره بإجارة أورد المستأجرة إلى المؤاجر لا يحنث وإن لم يتخذ دارا أخرى وإطلاق عدم الحنث أوجه وكون وطنه باقيا فى حق إتمام الصلاة مالم يستوطن غيره لا يستلزم تسميته ساكنا عرفا بذلك المكان بل يقطع من العرف فيمن نقل أهله وأمتعته وخرج مسافرا أن لا يقال فيه إنه ساكن فى تلك الحال بل يقال فيه حال السفر انتقل عن سكنى هذا المكان وهو قاصد سكنى كذا وإذا لم يتحرر له قصد مكان معين قيل هو الآن غير ساكن فى مكان حتى ينظر أين يسكن وإذا ثبت نفى تلك السكنى ثبت البر والله تعالى أعلم
____________________
(5/107)
& باب اليمين فى الخروج والإتيان والركوب
الخروج مقابل للدخول فناسب إعقابه به ويعقب الخروج الركوب ثم الرجوع وهو الإتيان فلما ارتبطت أوردها فى باب الخروج قوله ومن حلف لا يخرج من المسجد أو الدار أو البيت أو غير ذلك فإمر إنسانا فحمله فأخرجه حنث لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما لو ركب دابة فخرجت به فإنه يحنث لأن فعل الدابة مضاف إليه كذا هذا ولو أخرجه مكرها لم يحنث لأن الفعل وهو الخروج لم ينتقل إلى الحالف لعدم الأمر وهو الموجب للنقل والمراد من الإخراج مكرها هنا أن يحمله ويخرجه كارها لذلك لا الإكراه المعروف وهو أن يتوعده حتى يفعل فإنه إذا توعده فخرج بنفسه حنث لما عرف أن الإكراه لا يعدم الفعل عندنا ونظيره ما لو حلف لا يأكل هذا الطعام فأكره عليه حتى أكله حنث ولو أوجر فى حلقه لا يحنث ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث
____________________
(5/108)
فى الصحيح وقيل يحنث لأنه لما كان يقدر على الامتناع فلم يفعل صار كالآمر وجه الصحيح أن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضا ولم يوجد الأمر ولا الفعل منه فلا ينسب الفعل إليه ولو قيل قصر الانتقال على الآمر محل النزاع لأن من يقول يحنث يجعل الرضا أيضا فلا دفع بفرع اتفاقى وهو ما إذا أمره أن يتلف ماله ففعل لا يضمن المتلف لانتساب الإتلاف إليه بالأمر فلو أتلفه وهو ساكت ينظر فلم ينهه ضمن من غير تفصيل لأحد بين كونه راضيا أولا ثم إذا لم يحنث بإخراجه محمولا لإنسان أو بهبوب ريح حملته هل تنحل اليمين قال السيد أبو شجاع تنحل وهو أرفق بالناس وقال غيره من المشايخ لا تنحل وهو الصحيح ذكره التمرتاشي وقاضيخان وذلك لأنه إنما لا يحنث لانقطاع نسبة الفعل إليه وإذا لم يوجد منه المحلوف عليه كيف تنحل اليمين فبقيت على حالها فى الذمة ويظهر أثر هذا الخلاف فيما لو دخل بعد هذا الإخراج هل يحنث فمن قال انحلت قال لا يحنث وهذا بيان كونه أرفق بالناس ومن قال لم تنحل قال حنث ووجبت الكفارة وهو الصحيح قوله ومن حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة ونحوه فخرج إلى جنازة ثم ذهب إلى حاجات له أخرى لم يحنث لأن الخروج الموجود منه إلى الجنازة مستثنى من الخروج المحلوف عليه والمضى بعد ذلك ليس بخروج لأنه ليس إلا الانفصال من الباطن إلى الظاهر والذهاب ليس كذلك قوله ولو حلف لا يخرج إلى مكة أو دار فلان فخرج مريدا مكة أو دار فلان ثم بدا له فرجع قبل أن يصل حنث وهذا لأن الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج وقد وجد بقصد مكة وهو المحلوف على عدمه فيحنث به رجع أو لم يرجع ومقتضى هذا أن يحنث إذا رجع وإن لم يجاوز عمران مصره وقد قالوا إنما يحنث إذا جاوز عمرانه على قصدها كأنه ضمن لفظ أخرج معنى أسافر للعلم بأن المضى إليها سفر لكن على هذا لو لم يكن بينه وبينها مدة سفر ينبغى أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل قوله ولو حلف لا يأتيها فخرج بقصدها لم يحنث حتى يدخلها لأن الإتيان عبارة عن الوصول قال تعالى { فأتيا فرعون فقولا } ولو حلف لا يذهب إليها قيل هو كالإتيان فلا يحنث حتى يدخلها وهو قول نصير قال تعالى { اذهبا إلى فرعون } والمراد الوصول إليه وتبليغه الرسالة وقيل الذهاب كالخروج وهو قول محمد بن سلمة واختاره فخر
____________________
(5/109)
الإسلام قال المصنف وهو الأصح قال تعالى { ليذهب عنكم الرجس } أى يزيله فبمجرد تحقق الزوال تحقق الحنث وكونه استعمل مرادا به الوصول فى { اذهبا إلى فرعون } لا يدل على أنه لازم فى استعمالاته غاية الأمر أن يكون صادقا مع الوصول ومع عدمه فيكون للقدر المشترك بين الخروج بلا وصول والخروج المتصل به وصول فلا يتعين أحدهما لتحقق المسمى بمجرد الانفصال وهذا إذا لم ينو بالذهاب شيئا ولو نوى به الخروج أو الإتيان صحت نيته ثم فى الخروج والذهاب إليه يشترط للحنث الخروج عن قصد وفى الإتيان إليه لا يشترط القصد للحنث بل إذا وصل إليه حنث قصد أو لم يقصد كذا فى جامع قاضيخان والفوائد الظهيرية قوله وإن حلف ليأتين البصرة هذا ونحوه من الأفعال المستقبلة إذا حلف على أن يفعلها فى المستقبل فإما أن يطلقها أو يؤقتها بوقت مثل لأفعلن غدا أو فيما بينى وبين يوم الجمعة ففى المطلقة مثل ليضربن زيدا أو ليعطين فلانا أو ليطلقن زوجته لم يحنث حتى يقع اليأس عن البر لأن اليمين تبقى ما امكن البر وحيث لم يقيد اليمين بوقت يفوت البر بفواته لم تسقط اليمين ولم يلزم انحلالها فتبقى إلى أن يقع اليأس عن البر فيحكم حينئذ بالحنث ولا يقع اليأس إلا فى آخر جزء من أجزاء الحياة فإن كان الحلف بطلاقها ليفعلن ولم يفعل حنث بموت أحدهما ولا فرق فى ذلك بين موته وموتها فى الصحيح وتقدمت هذه فى الطلاق وفى المقيدة تتعلق بآخر الوقت فلو مات قبل مضى الوقت ولم يفعل لم يحنث فإذا قال إن لم أفعل كذا غدا فعبدى حر فمات قبل الغروب ولم يفعل لا يعتق عبده قوله ولو حلف أى بالله أو بطلاق أو عتاق ليأتينه غدا إن استطاع وصورته فى التعليق أن يقول امرأتى طالق إن لم آتك غدا إن استطعت ولا نية له تصرف الاستطاعة إلى سلامة آلات الفعل المحلوف عليه وصحة أسبابه لأنه هو المتعارف فعند الإطلاق ينصرف إليه وهذا ما أراد بقوله استطاعة الصحة دون الاستطاعة التى هى القدرة
____________________
(5/110)
التى لا تسبق الفعل بل تخلق معه بلا تأثير لها فيه لأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ولو أراد هذه بقوله إن استطعت صحت إرادتها فإذا لم يأته لعذر منه أو لغير عذر لا يحنث كأنه قال لآتينك إن خلق الله تعالى إتيانى أو إلا أن لا يخلق إتيانى وهو إذا لم يأت لم يخلق إتيانه ولا استطاعة الإتيان المقارنة وإلا لأتى وإذا صحت إرادتها فهل يصدق ديانة وقضاء أو ديانة فقط قيل يصدق ديانة فقط لأنه نوى خلاف الظاهر وهو قول الرازى وقيل ديانة وقضاء لأنه نوى حقيقة كلامه إذا كان اسم الاستطاعة يطلق بالإشتراك على كل من المعنيين والأول أوجه لأنه وإن كان مشتركا بينهما لكن تعورف استعماله عند الإطلاق عن القرينة لأحد المعنيين بخصوصه وهو سلامة آلات الفعل وصحة أسبابه فصار ظاهرا فيه بخصوصه فلا يصدقه القاضى فى خلاف الظاهر قوله ومن حلف لا يخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها مرة فخرجت ثم خرجت مرة اخرى بغير إذنه حنث ولا بد من الإذن فى كل خروج ومثله إن خرجت إلا بقناع ونحوه لأن المستثنى فى قوله إلا بإذنى خروج مقرون بالإذن فما وراء ذلك الخروج الملصق بالإذن داخل فى الحظر العام وهو النكرة المؤولة من الفعل فى سياق النفى فإن المعنى لا تخرجى خروجا إلا خروجا بإذنى وطريق إسقاط هذا الإذن أن يقول كلما أردت الخروج فقد أذنت لك فإن قال ذلك ثم نهاها لم يعمل نهيه عند أبى يوسف خلافا لمحمد وجه قول محمد أنه لو أذن لها مرة ثم نهى عمل نهيه اتفاقا فكذا بعد الإذن العام ولأبى يوسف أنه إنما عمل نهيه بعد المرة لأنه مقيد لبقاء اليمين بعده بخلاف النهى بعد الإذن العام لأنه لا يفيد لارتفاع اليمين بالإذن العام ولو أذن لها إذنا غير مسموع لم يكن إذنا فى قول أبى حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف هو إذن لأنه لم يفصل بين المسموع وغيره ولهما أن الإذن إنما سمى إذنا لكونه معلما أو لوقوعه فى الإذن ولم يوجد ثم انعقاد اليمين على الإذن فى قوله إن خرجت إلا بإذنى فأنت طالق أو والله لا تخرجين إلا بإذنى مقيد ببقاء النكاح لأن الإذن إنما يصح لمن له المنع وهو مثل السلطان إذا حلف إنسانا ليرفعن إليه خبر كل داعر فى المدينة كان على مدة ولايته فلو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لا تطلق وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لأنها لم تنعقد على مدة بقاء النكاح ولو نوى الإذن مرة واحدة باللفظ المذكور يصدق ديانة لا قضاء لأنه محتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر فلذا لا يصدق القاضى أما أنه خلاف الظاهر فظاهر مما قررناه
____________________
(5/111)
وأما إنه محتمل كلامه فلأن الإذن مرة موجب الغاية فى قوله لا تخرجى حتى آذن لك وبين الغاية والاستثناء مناسبة من حيث أن حكم كل واحد منهما بعد الاستثناء والغاية مخالف لما قبلها فيستعار إلا بإذنى لمعنى حتى آذن وفى حتى آذن تنحل بمرة واحدة وقد بحث بعضهم فى حتى أنها أيضا توجب التكرار واستدل بقوله تعالى { حتى تستأنسوا } { فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم } ونحن نقول إن قام الإجماع على أن التكرار يراد فلا نزاع وإنما الكلام فى أنه هل هو مؤدى اللفظ فقلنا لا فإنه إذا قال حتى آذن لك يكون قد جعل النهى عن الخروج مطلقا مغيا بوجود ما هو إذن وبمرة واحدة من الإذن يتحقق ما هو إذن فيتحقق غاية النهى فيزول المنع المضاف إلى اللفظ فإن كان منع آخر فبغيره من دليل آخر او علم انه اريد به خلاف مقتضاه وظاهر مذهب الشافعى في قوله الا بإذني انه تنتهى اليمين بخرجة واحدة بإذن الزوج أو بغير إذنه فلا تطلق بالخروج بعده بلا إذن وفى وجه كقولنا وهو اختيار المزنى والقفال قوله ولو قال إلا أن آذن لك فأذن لها مرة واحدة ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث ونقل عن أحمد لزوم تكرار الإذن فيه أيضا مثل إلا بإذنى وهو قول الفراء لأن المعنى إلا خروجا بإذنى لأن أن والفعل فى تأويل المصدر ولا يصح إلا خروجا إذنى فلزم إرادة الباء فصار بإذنى والجواب أنه لا بد من أحد الأمرين أما ما ذكر من إرادة الباء محذوفة او ما قلنا من جعلها بمعنى حتى مجازا أى حتى آذن لك وعلى الأول يكون كالأول وعلى الثانى ينعقد على إذن واحد وإذا لزم فى إلا أن آذن لك أحد المجازين وجب الراجح منهما ومجاز غير الحذف أولى من مجاز الحذف عندهم لأنه تصرف فى وصف اللفظ ومجاز الحذف تصرف فى ذاته بالإعدام مع الإرادة ثم هو موافق للاستعمال القرآنى قال تعالى { لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم } فإن قيل قد تحقق بمعنى ما بإضمار الباء أيضا فى قوله تعالى { لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } الآية والثابت وجوب تكرار الإذن أجيب بالمنع بل وجوب التكرار بغيره من الأدلة الموجبة منع دخول الإنسان بيت غيره فضلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه وكذا كل ما كان مثل هذا وهو كثير مثل { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } { ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا } { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }
____________________
(5/112)
وغير ذلك فإن كلا منها يستقل فيه دليل على المنع أو الفعل مع كل متكرر فإنما يلزم لو لم يكن دليل على التكرار سواه وقد أجيب أيضا عن الآية الأولى أن لزوم تكرار الإذن للعلة المنصوصة فيها من قوله تعالى { إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم } فألزم بعض المحشين أن يكون كذلك فيما نحن فيه لأن خروج المرأة بغير إذن الزوج مما يؤذى الزوج أيضا وهذا ذهول عظيم لأن الثابت بالعلة المنصوصة فى قوله تعالى { إن ذلكم كان يؤذي النبي } المنع الذى هو حكم شرعى وهو يثبت بالعلل الشرعية أما هنا فالنظر فيما تنعقد عليه يمين الحالف ويلزم بعدمه الكفارة وذلك لا يكون إلا باللفظ الناص على المحلوف عليه لا بالعلة لو صرح بها بأن قال والله لا أشرب ماء العنب المشتد لإسكاره فإنه لو شرب مزرا لا يقول أحد إنه حنث ولزمه كفاره مع أنه لم يحلف عليه بخلاف ما لو حلف لا يشرب مسكرا فكيف إذا لم يصرح بها بل استنبطت كما فعل هذا الباحث حيث استنبط أن الزوج يكره خروج زوجته بلا إذن نعم قد يقال لا نجد دليلا يدل على منع كل دخول إلا بإذن وكل مشيئة للعباد إلا بمشيئة الله تعالى وكل قول إنى فاعل غدا كذا إلا بقرانه بالمشيئة سوى الأدلة المذكورة خصوصا فى الأخير ولو فرض الإجماع على ذلك فمستند الإجماع ليس إلا هذه الأدلة وأقل ما فى الباب أن يكون وجود هذا المجاز أكثر والكثرة من أسباب الترجيح وحينئذ كون غير مجاز الحذف أولى يجب أن يكون فى غير ما يكون الحذف فيه مطردا مستمرا مفهوما من اللفظ بلا زيادة تأمل وانت علمت أن حذف حرف الجر مع أن وأن مطرد وهنا لفظان آخران هما إلى أن آذن لك ويجب أن يسلك به مسلك حتى وبغير إذنى ويجب فيه تكرار الإذن مثل إلا بإذنى لأن يأذن او إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم أو قال لرجل فى داره والله لا تخرج إلا بإذنى فإنه لا يتكرر اليمين فى هذا كله لأن قدوم فلان لا يتكرر عادة والإذن فى الكلام يتناول كل ما يوجد من الكلام بعد الإذن وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة بخلاف الإذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه عادة لا كل خروج إلا بنص صريح فيه مثل أذنت لك أن تخرجى كلما أردت الخروج ونحوه فكان الاقتصار فى هذا الوجود الصارف عن التكرار لا لأن العرف في الكل على التفصيل المذكور بل مؤدى اللفظ ما ذكرنا وثبوت خلافه للصارف العرفى ثم ذلك المؤدى اللفظى فى مثل إن خرجت إلا بإذنى وإلا أن آذن لك لم يقع العرف بخلافه فوجب اعتباره كذلك قوله ولو أرادت المرأة الخروج فقال إن خرجت فأنت طالق فجلست ثم خرجت لم يحنث وكذلك إذا أراد رجل ضرب عبده فقال له آخر إن ضربته فعبدى حر فتركه ثم ضربه وهذه تسمى يمين الفور انفرد أبو حنيفة رضى الله عنه بإظهارها وكانت اليمين فى عرفهم قسمين مؤبدة وهى أن يحلف مطلقا
____________________
(5/113)
ومؤقتة وهى أن يحلف أن لا يفعل كذا اليوم أو هذا الشهر فأخرج أبو حنيفة رضى الله عنه يمين الفور وهى يمين مؤبدة لفظا مؤقتة معنى تتقيد بالحال وهى ما يكون جوابا لكلام يتعلق بالحال مثل أن يقال لآخر تعال تغد عندى فيقول إن تغديت فعبدى حر فيتقيد بالحال فإذا تغدى فى يومه فى منزله لا يحنث لأنه حين وقع جوابا تضمن إعادة ما فى السؤال والمسئول الغداء الحالى فينصرف الحلف إلى الغداء الحالى لتقع المطابقة فلزم الحال بدلالة الحال بخلاف ما لو قال إن تغديت اليوم فإنه يحنث إذا تغدى فى منزله من يومه لأنه زاد على الجواب فيعتبر مبتدئا لا مجيبا فيعمل بظاهر لفظه ويلغى ظاهر الحال وإلغاؤه أولى من إلغاء لفظ صريح فى معناه أو ما يكون بناء على أمر حالى كامرأة تهيأت للخروج فحلف لا تخرج فإذا جلست ساعة ثم خرجت لا يحنث لأن قصده أن يمنعها من الخروج الذى تهيأت له فكأنه قال إن خرجت الساعة ومنه من أراد أن يضرب عبده فحلف عليه لا يضربه فإذا تركه ساعة بحيث يذهب فور ذلك ثم ضربه لا يحنث لذلك بعينه وقال زفر رحمه الله يحنث وهو قول الشافعى لأنه عقد يمينه على كل غداء وخروج وضرب فاعتبر الإطلاق اللفظى وهو القياس وجه الاستحسان ما ذكرنا والكلام فيما إذا لم يكن للحالف نية قوله ومن حلف لا يركب دابة فلان اعلم أنه إذا
____________________
(5/114)
حلف لا يركب دابة فلان انعقد على حماره وبغلته وفرسه فلو ركب جملة أو فيله لم يحنث وإن كان اسم الدابة لما يدب على الأرض لأن العرف خصصه بالمركوب المعتاد والمعتاد هو ركوب هذه الأنواع الثلاثة فيتقيد به وإن كان الجمل مما يركب أيضا فى الأسفار وبعض الأوقات فلا يحنث بالجمل إلا إذا نواه وكذا الفيل والبقر إذا نواه حنث وإلا لا وينبغى إن كان الحالف من البدو أن ينعقد على الجمل أيضا بلا نية لأن ركوبها معتاد لهم وكذا إذا كان حضريا جمالا والمحلوف على دابته جمال دخل فى يمينه بلا نية وإذا كان مقتضى اللفظ انعقادها على الأنواع الثلاثة فلو نوى بعضها دون بعض بأن نوى الحمار دون الفرس مثلا لا يصدق ديانة ولا قضاء لأن نية الخصوص لا تصح فى غير اللفظ وسيأتى تمامه فى الفصل الذى بعده ولو حمل على دابته مكرها لا يحنث على وزان ما تقدم فى أول الفصل ولو حلف لا يركب مركبا ولا نية له حنث بكل مركب سفينة أو محمل أو دابة
____________________
(5/115)
ولو ركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون لم يحنث عند أبى حنيفة إلا أن ينوى دابة عبده فيحنث به إلا إذا كان على العبد دين مستغرق فإنه لا يحنث حينئذ بركوبها وإن نوى دابة العبد أيضا لأنه لا ملك للمولى فيه عند أبى حنيفة رحمه الله وأما أنه لا يحنث بركوب دابة العبد وإن لم يكن عليه دين أو كان لكنه غير مستغرق إلا أن ينويه فلأن الملك فيه وإن كان للمولى لكنه عرضت إضافته إلى العبد عرفا وشرعا قال صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فما له للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وإن باع نخلا قد أبرت فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع أخرجه الستة كلهم عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم فاختلت إضافة المال إلى المولى وإن كان ملكا له فقصر الإطلاق عن تناوله إلا بالنية وقال أبو يوسف فى الوجوه كلها وهو ما إذا لم يكن عليه دين أو عليه مستغرق أو غير مستغرق يحنث إذا نواه فتحقق خلافه لأبى حنيفة فيما إذا كان عليه دين مستغرق ونواه فإن عند أبى حنيفة لا يحنث لعدم ملك السيد لما فى يده وعند أبى يوسف هو مملوك للسيد وإن استغرق فيحنث بنيته وقال محمد يحنث فى الوجوه الخمسة وهى ما إذا لم يكن عليه دين أو عليه دين مستغرق او غير مستغرق نوى دابة العبد أو لم ينو لاعتباره حقيقة الملك فى الدابة المحلوف عليها أى انعقدت يمينه على كل دابة يملكها المحلوف على دابته وما فى يد المأذون ملك السيد وإن كان مديونا مستغرقا فيتحقق الحنث بركوبها وقول محمد هو قول مالك والشافعى واحمد والظاهر أن أبا جنيفة رحمه الله أسعد بالعرف هنا فإنه يقال هذه دابة عبد فلان وتلك دابة سيده فينصرف اليمين إلى مات يضيفه العرف إليه لا إلى ما يضيفه الملك إليه مع إضافة العرف إياه إلى غيره وأقل ما يجب إذا صارت هذه الدابة تضاف إلى كل منهما أن لا ينعقد عليها إلا بقصدها لأنه إن نظر إلى إضافتها إليه انعقدت عليها وإن نظر إلى إضافتها إلى غيره لم تنعقد عليه فلا ينعقد عليها إلا أن ينويها غير أنه يقول إذا كان دينه مستغرقا انقطعت الإضافة إلى السيد بالكلية لانعدام الملك لأن العرف ما كان يضيفه إلى السيد مع إضافته إلى العبد إلا باعتبار ملكه فإذا انتفى انتفى & باب اليمين فى الأكل والشرب
أعقبه الخروج لأن الخروج من المنزل يراد لتحصيل ما به بقاء البنية من المأكول والمشروب إليه الأشارة بقوله تعالى { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } على ما يقال والأكل إيصال ما يتأتى فيه المضغ إلى الجوف
____________________
(5/116)
وإن ابتلعه بلا مضغ والشرب إيصال مالا يتأتى فيه المضغ كالماء واللبن والنبيذ هكذا فى التجريد وذكر الزندويستى أن الأكل عبارة عن عمل الشفاه والحلق والذوق عبارة عن عمل الشفاه دون الحلق والابتلاع عبارة عن عمل الحلق دون الشفاه والمص عبارة عن عمل اللهاة فعلى هذا لو كان فى فمه شىء فحلف لا يأكل فابتلعه ينبغى أن لا يحنث وفى فتاوى أبى الليث ما يدل على أنه يحنث وهو الصواب إذ لا شك فى أنه أكل إذا كان مما يمضغ على تفسيره بإيصال ما يحنث يمضغ إلى الجوف ولا شك أن قوله عمل الشفاه إنما يراد حركتها فهو فى الكل ويلزم أن يحنث ببلع ما كان فى فمه لأنه لا بد من حركة شفتيه وهذا لأنه لا يمكن أن يراد من عمل الشفاه هشمها والحق أن الذوق عمل الفم لمجرد معرفة الطعم وصل إلى الجوف أولا قيل فكل أكل ذوق وليس كل ذوق أكلا فيكون بينهما عموم مطلق ولا يخفى أن الأكل إذا كان إيصال ما يحنث يهشم لم يكن عمل الفم معتبرا فى مفهومه وإن كان قد يتحقق معه فقد لزم أن بينهما عموما من وجه فيجتمعان فى إيصال ما هشم فإن الهشم عمل الفم أعنى الحنكين وينفرد الذوق فيما لهم يوصل والأكل فيما ابتلع بلا مضغ مما بحيث يمضغ ولا يعرف طعمه إلا بالمضغ كقلب اللوز والجوز لكن فى المحيط حلف لا يذوق فأكل او شرب يحنث ولو حلف لا يأكل او لا يشرب لا يحنث بالذوق وما روى هشام حلف لا يذوق فيمينه على الذوق حقيقة وهو أن لا يصل إلى جوفه إلا أن يتقدمه كلام يدل عليه نحو أن يقول تعال تغد معى فحلف لا يذوق معه طعاما وشرابا فهذا على الأكل والشرب يدل على أن عدم الوصول إلى الجوف مفهوم من مفهوم الذوق فعلى هذا ينبغى أن لا يحنث بالأكل فى الحلف على الذوق والذى يغلب ظنه أن مسئلة المحيط يراد بها الأكل المقترن بالمضغ أو البلع لما لا يتوقف معرفة طعمه على المضغ لأنا نقطع بأن ابتلاع قلب لوزة لا يقال فيه ذاق اللوز ولا يحنث ببلعها وإذا حلف لا يأكل شيئا مما لا يتأتى فيه المضغ فخلطه بغيره مما يؤكل فأكله معه حنث ولو عنى بالذوق الأكل لم يصدق فى القضاء ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمتصه ويرمى ثقله ويبتلع المتحصل بالمص لا يحنث لأن هذا ليس أكلا ولا شربا بل مص ولو حلف لا يأكل لبنا فشربه لا يحنث ولو ثرد فيه فأوصله إلى جوفه حنث ولو حلف لا يشرب لبنا فثرد فيه فأكله لا يحنث ولو شربه حنث قيل هذا إذا حلف بالعربية أما إذا حلف بالفارسية فإنه يحنث مطلقا وهو الصحيح لأن كلا من الأكل والشرب يسمى خردن فإذا قال نمى خرم بلا نية صدق عليهما فيحنث بكل منهما وهذا حق وعليه الفتوى ولو حلف لا يأكل هذا الرغيف فجففه ودقه ثم مرسه بالماء فشربه لا يحنث ولو أكله مبلولا حنث والسويق إذا شربه بالماء يكون شرابا لا أكلا فإن بله بالماء فأكله حنث قوله ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها بالمثلثة أى ما يخرج منها لأنه أضاف
____________________
(5/117)
اليمين إلى مالا يؤكل ومثله لا يحلف على عدم أكله لأنه ممتنع الأكل قبل اليمين فيلغو الحلف فوجب لتصحيح كلام العاقل صرفها إلى ما يخرج منها تجوزا باسم السبب وهو النخلة فى المسبب وهو الخارج لأنها سبب فيه لكن بلا تغير بصنع جديد فلا يحنث بالنبيذ والخل والناطف والدبس المطبوخ واحترز به عن غير المطبوخ وهو ما يسيل بنفسه من الرطب وهو الذى يسمى فى عرفنا صقر الرطب فإنه يحنث بالرطب والتمر والبسر والرامخ والجمار والطلع وهذا لأن ما توقف على الصنعة ليس مما خرج مطلقا ولذا عطف عليه في قوله تعالى ليأكلوا من ثمره وما عملته ايديهم وقيل لأن ما تحصل بالصنعة ليس مما خرج ابتداء من النخلة ومن لابتداء الغاية وكل ما يخرج على وجه الابتداء انعقد عليه يمينه ولا يخفى أن من المذكورة فى كلامه داخلة على النخلة تبعيضية لا ابتدائية نعم من المذكورة فى التأويل أعنى قوله لا آكل مما يخرج من النخلة ابتدائية وهو غير مذكور وكأنه اعتبر كالمذكور ومثله حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبه وعصيره وفى بعض المواضع دبسه والمراد عصيره فإنه ماء العنب وهو ما يخرج بلا صنع عند انتهاء نضج العنب ولأنه كان كامنا بين القشر بخلاف مالو حلف لا يأكل من هذا العنب لا يحنث بزبيبه وعصيره لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى العنب ثم انصراف اليمين إلى ما يخرج فى الحلف لا يأكل من الشجرة فيما إذا كان لها ثمرة فإن لم يكن لها ثمرة انعقدت على ثمنها فيحنث به أى إذا اشترى به مأكولا
فرع حلف لا يأكل من هذه الشجرة فقطع غصنا منها ووصله بشجرة أخرى فأكل من ثمرة تلك الشجرة من هذا الغصن لا يحنث وقال بعضهم يحنث قوله وإن حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبا فأكله لم يحنث وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب فصار تمرا أو من هذا اللبن فصار شيرازا أى رائيا وهو الخائر إذا استخرج ماءه فأكله لا يحنث لأن الأصل أن المحلوف عليه إذا كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به فى المعرف
____________________
(5/118)
والمنكر فإذا زالت زال اليمين عنه وما لا تصلح داعية اعتبر فى المنكر دون المعرف وصفة البسورة والرطوبة مما قد تدعو إلى اليمين بحسب الأمزجة وكذا صفة اللبنية فإذا زالت زال ما عقد عليه اليمين فأكله أكل ما لم تنعقد عليه ويخص اللبن وجه ذكره بقوله ولأن اللبن مأكول فلا ينعقد إلا على عينه لا على ما يصير إليه لأن الحقيقة غير مهجورة فلا يحنث بشيرازه ولا بسمنه وزبده بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبى أو هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ لأن هجران المسلم بمنع الكلام معه منهى عنه فلم يعتبر ما يخال داعيا إلى اليمين من جهله وسوء أدبه إذا كان الشارع منعنا من هجران المسلم مطلقا مع علمه بأن الداعى قد يكون كذا وكذا فوجب الاتباع ونظر فيه بأن الهجران قد يجوز أو يجب إذا كان لله بأن كان يتكلم بما هو معصية أو يخشى فتنة أو فساد عرضه بكلامه فلا نسلم أن الشارع منع الهجران مطلقا فحيث حلف لا يكلمه لا يحكم إلا أنه وجد المسوغ وإذا وجد اعتبر الداعى فتقيد بصباه وشيببته ونذكر ما فيه فى المسئلة التى تليها قوله ولو حلف لا يأكل من لحم هذا الحمل فأكل منه بعد ما صار كبشا حنث لأن صفة الصغر فى هذا ليست داعية إلى اليمين فلا تتقيد به فانعقدت على ذاته فيحنث به كبشا لوجود ذاته فيه وإنما قلنا ليست داعية لأن الصغر داع إلى الأكل لا إلى عدمه فالممتنع عنه مع صلوحه أشد أمتناعا عنه كبشا وفى هذا نظر لأن الحمل ليس محمودا فى الضأن لكثرة رطوباته زيادة حتى قيل فيه النحس بين الجيدين بخلافه كبشا فإن لحمه حينئذ أكثر قوة وتقوية للبدن لقلة رطوباته فصار كالحلف لا يأكل من هذا الرطب فأكله تمرا لا يحنث واعلم أن إيراد مثل هذا وما قبله فى مسئلة لا أكلم هذا الصبى ذهول عن وضع هذه المسائل ونسيان أنها بنيت على العرف فيصرف اللفظ إلى المعتاد فى العمل والعرف فى القول وأن المتكلم لو أراد معنى تصح إرادته من اللفظ لا يمنع منه ففى مسئلة الحمل العموم يفضلونه وهو عندهم غذاء فى غاية الصلاح وما يدرك نحسه إلا أفراد عرفوا شيئا من الطب فوجب بحكم العرف إذا لم يكن له نية أن يصرف اليمين إلى ذات الحمل لأنه لما كان صالحا فى الغاية عند العموم لا يحكم على الفرد من العموم أنه على خلافهم فينصرف حلفه إليهم فيلزم أن لا تعتبر الحملية قيدا وكذا الصبى لما كان موضع الشفقة والرحمة عند العموم وفى الشرع لم يجعل الصبا داعية إلى اليمين فى حق العموم فينصرف إلى ذاته وهذا لا ينفى كون حالف من الناس عرف عدم طيب الحمل وسوء أدب
____________________
(5/119)
صبى علم أنه لا يردعه إلا ترك الكلام معه أو علم أن الكلام معه يضره فى عرضه أو دينه فعقد يميته فى الأول على مدة كونه حملا وفى الثانى على مدة صباه فإنا نقول لو أراد حالف تقييده بالحملية والصبا لم نمنعه وصرفنا يمينه حيث صرفها وإنما الكلام إذا لم ينو شيئا فإنما يسلك به ما عليه العموم أخطاوا فيه او أصابوا فليكن هذا منك ببال فإنك تدفع به كثيرا من أمثال هذا الغلط المورد على الأئمة قوله ومن حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث لأنه ليس ببسر واليمين انعقدت على خصوص صفة البسرية لما ذكرنا أنها داعية لليمين قوله ومن حلف لا يأكل بسرا أو رطبا أو حلف لا يأكل بسرا ولا رطبا فأكل بسرا مذنبا بكسر النون وهو ما بدا الإرطاب من ذنبه حنث عند أبى حنيفة وقالا لا يحنث هكذا ذكر المصنف الخلاف وأكثر كتب الفقه المعتبرة مثل المبسوط وشروحه وكافى الحاكم وشرح الطحاوى للإسبيجابى وشروح الجامعين والإيضاح والأسرار والمنظومة وغيرها مما يغلب ظن
____________________
(5/120)
خطأ خلافه ذكر فيها قول محمد مع أبى حنيفة رحمهما الله وصور المسئلة أربع اتفاقيتان وهما ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل بسرا مذنبا فإنه يحنث فى هاتين اتفاقا وخلافيتان وهما ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل بسرا مذنبا وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا مذنبا فإنه يحنث فى هاتين عند أبى حنيفة ومحمد خلافا لأبى يوسف وجه قول أبى يوسف أن البسر المذنب لا يسمى رطبا لأن الرطب فيه مقلوب وأن الرطب الذى فيه شىء من البسرية لا يسمى بسرا فلم يفعل المحلوف عليه فلا يحنث وكذا لا يحنث في شرائهما بحلفه لا يشتري بسرا أو رطبا
ووجه قولهما أن أكل ذلك الموضع هو أكل رطب وبسر فيحنث به لا بالكل وهذا لأن أكل كل جزء مقصود لأنه يمضغ ويبلع بمضغ وابتلاع يخصه فلا يتبع القليل منه الكثير بخلاف الشراء فإنه يتعلق بجملة المشترى منهما فيكون القليل فيه تبعا للكثير وكذا لو حلف ان لا يشترى رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطب لا يحنث لأن الشراء صادف المجموع فكان الرطب تابعا وكذا لو حلف لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها شعير حبة حبة حنث وإن حلف على الشراء لم يحنث ذكره الشهيد في كافيه
وقد يقال أولا التعليل المذكور يقتصر على ما فصله فأكله وحده
أما لو أكل ذلك المحل مخلوطا ببعض البسر تحققت التبغية في الأكل وثانيا هو بناء على انعقاد اليمين على الحقيقة لا العرف وإلا فالرطب الذى فيه بقعة بسر لا يقال لآكله آكل بسر فى العرف فكان قول أبى يوسف أقعد بالمبنى والله أعلم قوله ومن حلف لا يأكل لحما الخ تنعقد هذه اليمين على لحم الإبل والبقر والجاموس والغنم والطيور مطبوخا ومشويا وفى حنثه بالنىء خلاف الأظهر لا يحنث وعند الفقيه أبى الليث يحنث فلو أكل لحم السمك لا يحنث والقياس أن يحنث وهو رواية شاذة عن أبى يوسف لأنه سمى لحما فى القرآن قال تعالى لتأكلوا منه لحما طريا أى من البحر وهو السمك وبه استدل سفيان لمن استفتاه فيمن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا فرجع إلى أبى حنيفة فأخبره فقال ارجع فاسأله فيمن حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض فسأله فقال لا يحنث فقال أليس أنه قال تعالى والله جعل لكم الأرض بساطا فقال له سفيان كأنك السائل الذى سألتنى أمس فقال نعم فقال سفيان لا يحنث فى هذا ولا فى الأول فرجع عن ذلك القول
وظهر أن تمسك أبى حنيفة إنما هو بالعرف لا بما ذكره المصنف فى وجه الاستحسان أن التسمية التى وقعت فى القرآن مجازية لا حقيقة لأن اللحم منشؤة من الدم ولا دم فى السمك لسكونه الماء ولذا حل بلا ذكاة
فإنه ينقض بالألية فإنها تنعقد من الدم ولا يحنث بأكلها لمكان العرف وهو أنه لا يسمى لحما ولا تذهب أوهام أهل العرف إليه عند إطلاق اسم اللحم ولذا لو قال اشتر لحما فاشترى سمكا عد مخالفا
____________________
(5/121)
وأيضا يمنع أن اسم اللحم باعتبار الانعقاد من الدم بل باعتبار الالتحام والأيمان لا تبنى على الاستعمال القرآنى ألا ترى أنه حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد فجلس على جبل لا يحنث مع تسميتها فى القرآن دابة وأوتادا وهذا كله إذا لم ينو أما إذا نواه فأكل سمكا طريا أو مالحا حنث
فرع لو حلف لا يأكل لحما فأكل من مرقة لا يحنث إلا إذا كان نواه قوله وإن أكل لحم خنزير أو لحم إنسان يحنث لأنه لحم حقيقة إلا أنه حرام واليمين تنعقد على الحرام منعا وحملا وإن وجب فى الحمل أن يحنث بخلاف النذر للنص لا نذر فى معصية الله تعالى ولما كان يرد عليه أن الأيمان تبنى على العرف ولا تذهب الأوهام فى أكل اللحم إلى أكل لحم الآدمى والخنزير وإن سمى فى العرف لحم الآدمى لحما وكذا لحم الخنزير لأن الواجب العرف فى قولنا أكل فلان لحما كما فعلنا فى لا يركب دابة فلان اعتبر العرف فى ركب فإن المتبادر منه ركوب هذه الأنواع فتقيد الركوب المحلوف عليه به
ثم نقل العتابى خلافه فقال قيل الحالف إذا كان مسلما ينبغى أن لا يحنث لأن أكله ليس بمتعارف
ومبنى الأيمان على العرف قال وهو الصحيح
وفى الكافى عليه الفتوى
وما قيل العرف العملى لا يقيد اللفظ غير صحيح وقد قدمناه فى نكاح الفضولى ردا على المصنف هناك
وأورد أن الكفارة فيها معنى العبادة فكيف تجب بفعل هو حرام محض وأجيب بأن الحل والحرمة إنما يراعيان فى السبب والسبب فى وجوب الكفارة اليمين وإن كان متعلقا باليمين والحنث وإنما علق بهما حتى لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث وإن كان السبب هو اليمين وحده ليكون سبب الكفارة موصوفا بالإباحة والحرمة لليمين والحظر للحنث وهذا انصراف عن المذهب المجمع على نقله من أن السبب هو الحنث وكونه اليمين مذهب الشافعى وإلقاء الشراشر عليه وكان يغنى عن التهالك فى إثباته فيما تقدم تسليما أن اليمين سبب ولكنا شرطنا لوجوب الكفارة الحنث لما ذكر وحينئذ لاخلاف بيننا وبينهم ويوجب بطلان ما اتفقوا عليه فى الجواب من أن الإضافة فى كفارة اليمين إلى الشرط لا إلى السبب وكل هذا بسبب التزام أن الكفارة فى اليمين لستر الجناية الثابتة بالحنث ونحن جعلناها جبرا لحرمة اسم الله تعالى الفائتة بالحنث معصية كان الحنث أو طاعة واجبة أو مندوبة وهذا لأن الحنث إذا كان واجبا استحال أن يكون حراما وما يظن من أنه يصح واجبا حراما من وجهين توهم وإلا فمعنى الواجب
____________________
(5/122)
الحرام ما تعلق به خطاب الشرع نهيا عنه وطلبا له فكيف يكون بعينه مطلوب الإيجاد فى وقت واحد فليس ذلك إلا وهما من الأوهام ومثله فى كفارة الإحرام تثبت ولا جناية إذا كان مريضا أو به أذى من رأسه قوله وكذا إذا أكل كبدا أو كرشا أو رئة أو قلبا أو طحالا يعنى يحنث لأن نموه من الدم ويستعمل استعمال اللحم
وقيل فى عرفنا لا يحنث لأنه لا يعد لحما
قال فى الخلاصة هذا فى عرف أهل الكوفة وفى عرفنا لا يحنث وذكره فى المحيط أيضا
ولو أكل الرأس والأكارع يحنث وبه قال الشافعى فى الأصح ولا يحنث بأكل الشحم والألية إلا إذا نواه فى اللحم بخلاف شحم الظهر يحنث به بلا نية لأنه تابع للحم فى الوجود ويقال فى العرف لحم سمين قوله ولو حلف لا يأكل أو لا يشترى شحما لم يحنث إلا فى شحم البطن عند أبى حنيفة
وقالا يحنث فى شحم الظهر وهو اللحم السمين لوجود خاصية الشحم فيه وهو الذوب بالنار فلزم كونه من نفس مسماه ولذا استثنى فى قوله تعالى حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما فيحنث به وله أنه لحم حقيقة لأنه ينشأ من الدم ويستعمل استعمال اللحم فى اتخاذ ألوان الطعام والقلايا فيجعل قطعا ويلقى فيها ليؤكل أكل اللحم ولا يفعل ذلك بالشحم وتحصل به قوته ولهذا يحنث بأكله فى اليمين على أن لا يأكل اللحم ولا يحنث ببيعه فى اليمين على أن لا يبيع شحما والقاطع بنفى قولهما إن العرف لا يفهم من اسم الشحم إلا ما فى البطن وهو الذى يسمى بائعه شحاما فى العرف وبائع ذلك يسمى لحاما والأيمان لا تبنى على الأسماء الشرعية فلا يضر تسميتها شحما فى آية الاستثناء
وقول بعض الشارحين شحم الظهر إما ألية أو لحم أو شحم لا قائل إنه ألية وليس بلحم لأنه يذوب دون اللحم
وأيضا يقال له شحم الظهر لا لحم الظهر فتعين أنه شحم فيحنث بأكله بعد ما ذكرنا لا يفيد على أنا نمنع كونه ليس بلحم والاستدلال عليه بأنه يذوب معارض بأنه يستعمل استعمال اللحم كما ذكرنا وبه يلزم كون الذوب ليس لازما مختصا واللوازم جاز كونها مساوية لملزومها وكونها أعم منه فتشترك الأنواع المتباينة فى لازم واحد فكاز كون الذوب يتحقق فيما ليس بلحم وفى بعض ما هو لحم ولا ضرر فى ذلك وكذا نمنع أنه لا يقال له لحم الظهر بل نقطع أنه يقال له لحم سمين ولو قيل هذا لحم الظهر أو من الظهر لم يعد مخطئا ولذا صحح غير واحد قول أبى حنيفة وذكر الطحاوى قول محمد مع أبى حنيفة وهو قول مالك والشافعى فى الأصح وما فى الكافى من قوله فصارت الشحوم أربعة شحم الظهر وشحم مختلط بالعظم وشحم على ظاهر الأمعاء وشحم البطن ففى شحم البطن يحنث بالاتفاق والثلاثة على الاختلاف لا يخلو من نظر بل لا ينبغى خلاف فى عدم الحنث بما فى العظم
قال الإمام السرخسى إن أحدا لم يقل بأن مخ العظم شحم اه
وكذا لا ينبغى خلاف فى الحنث بما على الأمعاء لأنه لا يختلف فى تسميته شحما قوله وقيل هذا أى الخلاف فيما
____________________
(5/123)
إذا قال بالعربية فأما اسم بيه بالفارسية فلا يقع على شحم الظهر بحل فلا يحنث إذا عقد بالفارسية بأن قال نمى خرم بيه ثم أكل شحم الظهر قوله ولو حلف لا يأكل أو لا يشترى لحما أو قال شحما فاشترى ألية أو أكلها لم يحنث لأنه نوع ثالث لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم والحق أنه لا يحنث به فى حلفه على اللحم خلافا لبعض الشافعية ولا فى يمين الشحم خلافا لأحمد للعرف والعادة وأما أنه لا يستعمل استعمال الشحم ففيه نظر إلا أن يراد جميع استعمالاته
فروع حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز يحنث
وقال أبو الليث لا يحنث مصريا كان الحالف أو قرويا وعليه الفتوى لتغير العرف فيه
ولو حلف لا يأكل لحم بقر فأكل لحم الجاموس يحنث لا فى عكسه لأنه نوع لا يتناول الأعم
وفى فتاوى قاضيخان ينبغى أن لا يحنث فى الفصلين لأن الناس يفرقون بينهما
ولو حلف لا يأكل طعاما سماه فمضغه حتى دخل جوفه شىء من مائه ثم ألقاه لا يحنث ولو فعل هذا فى العنب فازدرد فإن رمى القشر والحب وابتلع الماء لا يحنث وإن رمى قشرة فقط وابتلع الماء والحب حنث لأنه أكل الأكثر
ولو حلف لا يأكل شيئا من الحلوى فأى شىء أكله من الحلوى من الخبيص أو العسل أو السكر أو الناطف حنث ذكره فى الأصل
قال الأمام النسفى فى شرح الشافى هذا فى عرفهم أما فى عرفنا لا يحنث بالعسل والسكر والخبيص
ولو حلف لا يأكل ملى فأكل طعاما مالحا يحنث كما لو حلف لا يأكل الفلفل فأكل طعاما فيه فلفل إن وجد طعم الفلفل يحنث
والفقيه يفرق بين الملح والفلفل فى الفلفل يحنث لأن عينه غير مأكول فينصرف اليمين إلى ما يتخذ فيه بخلاف الملح فلا يحنث ما لم يأكل عينه مفردا أو مع غيره إلا إذا كان وقت الحلف دلالة على صرفه إلى الطعام المالح ويقول الفقيه يفتى
وفى الخلاصة فيمن حلف لا يأكل من ملح ختنه فأخذ ماء وملحا وجعلهما فى العجين لا يحنث لأنه تلاشى
ولو حلف لا يأكل لبنا فطبخ بأرز فأكله ذكر النسفى لا يحنث وإن رؤيت عينه ولم يجعل فيه ماء
وفى مجموع النوازل إذا كان يرى عينه ويوجد طعمه يحنث
ولو حلف لا يأكل زعفرانا فأكل كعكا على وجهه زعفران يحنث
ولو حلف لا يأكل هذا السمن فجعله خبيصا فأكله يحنث إلا إذا وجد طعمه ولم ير عينه فلا يحنث
وكذا على هذا التمر إذا حلف لا يأكله فجعله عصيدة فأكلها لا يحنث وفى أكل هذا السكر لا يحنث بمص مائه ولا يأكل لحما يشتريه فلان فأكل من لحم سخلة اشتراها فلان لا يحنث وعلى أن ليس فى بيته مرقة وهى فى بيته قليلة لا يعدها إذا علم بها أو كثيرة فاسدة لا يحنث ولا يأكل من هذا القدر وقد غرف منه شىء قبل اليمين لا يحنث بأكله كما لو سخنت المحلوف على طعامها ما طبخه غيرها فى التجريد قيل اسم الطبخ يقع بوضع القدر لا بإيقاد النار وقيل لو أوقد غيرها فوضعت هى القدر لا يحنث
اه
وفى عرفنا ليس واضع القدر طابخا قطعا ومجرد الإيقاد كذلك ومثله يسمى صبى الطباخ يعنى معينه والطباخ هو المركب بوضع التوابل وإن لم يوقد
وفى المنتقى عن محمد حلف على ما لا يؤكل أن لا يأكله فاشترى به ما يؤكل فأكله حنث ولو حلف على ما يؤكل فاشترى به ما يؤكل فأكله لا يحنث فعقد اليمين فى الأول على بدله
حلف لا يأكل مما يملكه فلان فأكل منه بعد خروجه عن ملكه لا يحنث وكذا مما اشتراه إذا باعه فأكله وكذا من ميراثه إذا أخرجه الوارث عن ملكه ويحنث قبله بخلاف ما زرع فلان يحنث به عند
____________________
(5/124)
الزارع ومن اشترى منه لأن الزرع لا ينسخه الشراء أما لو اشترى شخص ذلك الزرع فبذره وأكل منه لا يحنث ومثله من طعام يصنعه فلان فصنعه وباعه فأكل يحنث وكذا من كسب فلان فاكتسب ومات فورث عنه فأكله حنث ولو انتقل بشراء أو هبة أو وصية ونحوها لم يحنث ولا يشترى ثوبا مسه فلان فمسه فباعه منه حنث
حلف لا يأكل حراما فاشترى بدرهم غصب طعاما فأكله لا يحنث لما عرف أن الثمن إنما يثبت فى الذمة فيصير عليه إثم الدرهم أما لو أكل خبزا غصبه حنث ولو اشترى بذلك الخبز لحما لا يحنث يعنى إذا أكل اللحم
ولو أكل لحم كلب أو قرد لا يحنث عند أسد بن عمرو وقال نصر به نأخذ وقال الحسن كله حرام
قال الفقيه أبو الليث ما كان فيه اختلاف العلماء لا يكون حراما مطلقا وهو حسن ولو اضطر لأكل الحرام أو الميتة اختلفوا والمختار يحنث وعن محمد روايتان
ولو كان المغصوب برا فطحنه إن أعطى مثله قبل أن يأكله لم يحنث وإن أكله قبل ذلك حنث لأن الحرمة ثابتة ما لم يؤد الضمان
وفى الأجناس المعتوه والمكره إذا فعلا شيئا حراما فهو ليس بحلال لهما
ولو أكل من الكرم الذى دفعه معاملة لا يحنث أما عندهما فلا يشكل وعنده كذلك لأنه عقد فاسد فإنما أكل ملك نفسه قوله ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة يعنى ولا نية له لم يحنث حتى يقضمها غير نيئة ولو قضمها نيئة لم يحنث وكذا لو أكل من خبزها أو دقيقها أو سويقها وهو قول الشافعى وقالا إن أكل من خبزها أيضا حنث لأن الأكل من خبزها مفهوم منه عرفا ولأبى حنيفة أن له حقيقة مستعملة يعنى يستعمل لفظ أكل الحنطة حقيقة أى فى معناه الحقيقى وهو أن يأكل عين الحنطة فإنه معنى ثابت فإن الناس يغلون الحنطة ويأكلونها وهى التى تسمى فى عرف بلادنا بليلة وتقلى أى توضع جافة فى القدر ثم تؤكل قضما وليس المراد حقيقة القضم بخصوصها وهو الأكل بأطراف الأسنان بل أن يأكل عينها بأطراف الأسنان أو بسطوحها فإذا ثبت اللفظ حقيقة مستعملة فهى أولى عند أبى حنيفة من المجاز المتعارف وهو أن يراد بأكل الحنطة أكل خبزها وصار كما إذا حلف لا يأكل من هذه البقرة أو الشاة فأكل لبنها أو سمنها أو زبدها أو من هذه البيضة فأكل من فرخها لا يحنث لأنعقاد اليمين على عينها إذا كان مأكولا وهما يعكسان هذا الأصل ويريان المجاز المتعارف أولى ورجح قولهما بأن المتكلم إنما يريد العرف فإذا لم يكن له نية انصرف إليه بخلاف مسئلة البقرة والبيضة فإنه ليس للفظ مجاز أشهر ليرجح على الحقيقة
والذى يغلب أن التعارف والأكثرية لوجود المعنى وهو نفس فعل أكل خبز الحنطة لا لأستعمال لفظ أكلت اليوم الحنطة أو لا آكل حنطة فيه بل لفظ أكلت
____________________
(5/125)
حنطة يحتمل أن يراد به أكل عينها كما يراد ما يخبز من دقيقها فيترجح قول أبى حنيفة لترجح الحقيقة عند مساواة المجاز لا يقال أكثرية المعنى توجب أكثرية اللفظ الذى يدل به عليه
لأنا نقول لا يلزم ذلك إلا إذا لم يكن إلا لفظ واحد يدل به وليس هنا كذلك لأنه يقال أكلت خبز الحنطة ويقال أكلت الحنطة بل الآن لا يتعارف فى أكل الخبز منها إلا بلفظ آخر وهو أكلت الخبز اللهم إلا أن ينوى أكل الخبز فيحنث به لا بالقضم أو القضم فلا يحنث بأكل الخبز اتفاقا وقضم يقضم بكسر العين فى الماضى وفتحها فى المستقبل
وقوله هو الصحيح احتراز عن رواية الأصل أنه لا يحنث عندهما إذا قضمها وصححها فى الذخيرة ورجح شمس الأئمة وقاضخيان رواية الجامع أنه يحنث
قال المصنف وإليه الإشارة بقوله حنث فى الخبز أيضا فإنه يفيد أنه يحنث بالقضم ولا يلزم استعمال اللفظ حقيقية ومجازا بل يكون من عموم المجاز كمن حلف لا يضع قدمه فى دار فلان يحنث بالدخول زحفا لجعله مجازا فى الدخول
ولو أكل من سويقها حنث عند محمد خلافا لأبى يوسف فيحتاج أبو يوسف إلى الفرق بين الخبز والسويق
والفرق أن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالأكل يراد بها الخبز دون السويق ومحمد اعتبر عموم المجاز وهذا الخلاف إذا حلف على حنطة معينة أما لو حلف لا يأكل حنطة ينبغى أن يكون جوابه كجوابهما ذكره شيخ الإسلام
ولا يخفى أنه تحكم
والدليل المذكور المتفق على إيراده فى جميع الكتب يعم المعينة والمنكرة وهو أن عينها مأكول قوله ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه حنث لأن عينه غير مأكول فانصرف اليمين إلى ما يتخذ منه فيحنث بعصيدته
وفى النوازل لو اتخذ منه خبيصا أخاف أن يحنث فلو استف عينه لا يحنث لتعين المجاز وهو ما يتخذ منه مرادا فى العرف فلا يحنث بغيره إلا أن ينويه وإذا نواه لا يحنث بأكل الخبز وقوله هو الصحيح احتراز عن قول من قال يحنث لأنه حقيقة كلامه
قلنا نعم ولكن حقيقة مهجورة ولما تعين إرادة المجاز سقط اعتبار الحقيقة كمن قال لأجنبية إن نكحتك فعبدى حر فزنى بها لا يحنث لانصراف يمينه إلى العقد فلم يتناول الوطء إلا أن ينويه قوله ولو حلف لا يأكل خبزا فيمينه على ما يعتاده أهل مصره خبرا وذلك خبز الحنطة والشعير لأنه المعتاد فى غالب البلدان ولو كان أهل بلده لا يعتادون أكل الشعير لا يحنث به ولو اعتادوا خبز الذرة كالحجاز واليمن حنث بأكله ولا يخنث بأكل القطائف وينبغى أن يحنث بأكل للكماج لأنه
____________________
(5/126)
خبز وزيادة فالاختصاص باسم للزيادة ولا للنقص ولا يحنث بالثريد لأنه يسمى خبزا مطلقا وفى الخلاصة حلف لا يأكل من هذا الخبز فأكله بعد ما تفتت لا يحنث لأنه لا يسمى خبزا ولا يحنث بالعصيد والططماج ولا ولا يحنث لو دقه فشربه وعن أبى حنيفة فى حيلة أكله أن يدقه فيلقيه فى عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا ولا يحنث فى خبز الأرز إلا أن يكون هذا الحالف فى بلده يعتادونه كما فى طبرستان والنسبة إليها طبرى وهو اسم آمل وأعمالها قال السمعانى سمعت القاضى أبا بكر الأنصارى ببغداد إنما هى تبرستان لأن أهلها كانوا يحاربون بالفاس فعرب فقيل طبرستان وقال القتبى طبرستان معناه بالفارسية أخذه الفاس بيده اليمنى والمراد بالفاس الطبر وهو معرب تبر وهذا لا ينافى ما قال المسعانى بقليل تأمل
قال العبد الضعيف غفر الله تعالى له وقد سئلت لو أن بدويا اعتاد أكل خبز الشعير فدخل بلدة المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير فحلف لا يأكل خبزا فقلت ينعقد على عرف نفسه فيحنث بالشعير لأنه لم ينعقد على عرف الناس إلا إذا كان الحالف يتعاطاه فهو منهم فيه فيصرف كلامه إليه لذلك وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم قوله ولو حلف لا يأكل شواء فهو على اللحم فقط دون الباذنجان والجزر المشويين لأنه يراد به فى العرف ذلك عند الإطلاق إلا أن ينوى غير ذلك مما يشوى من بيض أو غير ذلك كالفول الأخضر الذى يسمى فى عرفنا شوى العرب وقولنا فى ذلك قول أحمد قوله ولو حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم يعنى بالماء حتى أن ما يتخذ قلية من اللحم لا يسمى طبيخا فلا يحنث به وهذا استحسان بالعرف لأن التعميم متعذر لأن الدواء مما يطبخ وكذا الفول الذي يسمى فى عرفنا الفول الحار ولا يقال لآكله آكل طبيخا فينصرف إلى خاص هو أخص الخصوص وهو اللحم المطبوخ بمرق وهو متعارف إلا أن ينوى غيره من الباذنجان مما يطبخ فيحنث به وهذا يقتضى أن لا يحنث بالأرز المطبوخ بلا لحم وفى الخلاصة يحنث بالأرز إذا طبخ بودك فإنه يسمى طبيخا بخلاف مالو طبخ بزيت أو سمن قال ابن سماعة الطبيخ يقع على الشحم أيضا ولا شك أن اللحم بالماء طبيخ وإنما الكلام فى أنه هو المتعارف الظاهر أنه لا يختص به ولو أكل من مرق اللحم حنث قال المصنف لما فيه من أجزاء اللحم وهذا يقتضى أن من حلف لا يأكل لحما فأكل المرق الذى طبخ فيه اللحم حنث وقدمنا من المنقول خلافه والوجه ما ذكره ثانيا من قوله ولأنه يسمى طبيخا يعنى فى العرف بخلاف مرق اللحم فإنه لا يسمى لحما فى العرف قوله ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه على ما يكبس فى التنانير فى تلك البلدة ويباع فيها من رءوس الإبل والبقر والغنم
____________________
(5/127)
وفى الجامع الصغير لو حلف لا يأكل رأسا فهو على رءوس البقر والغنم عند أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على الغنم خاصة وهذا اختلاف عصر فكان العرف فى زمنه فيها ثم صار فى البقر والغنم فرجع أبو حنيفة عن انعقاده فى حق رءوس الإبل وفى زمانهما فى الغنم خاصة فوجب على المفتى أن يفتى بما هو المعتاد فى كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما هو فى مختصر القدورى رحمه الله وأورد أن العادة كما هى فى الرءوس مقتصرة على رءوس الغنم أو البقر معها كذلك في فى اللحم مقتصرة على لحم ما يحل إذ لم تجر العادة ببيع لحم الآدمى والخنزير وأكله مع أن اليمين انعقدت باعتبارهما فحنث بأكل لحمهما إذا حلف لا يأكل لحما أجيب بأن الأصل فى جنس هذه المسائل أنه فيها يجب العمل بالحقيقة يعنى اللغوية فإن لم يكن وجب اعتبار التعارف حينئذ واللحم يمكن فيه أكل كل ما يسمى لحما فانعقد باعتباره بخلاف الرءوس لا يمكن أكل حقيقتها إذ هى مجموع العظم مع اللحم فيصير إلى المتعارف ونقض بالشراء فإنه يمكن فى الرءوس على العموم ومع ذلك لم ينعقد يمين الشراء على العموم فيها أجيب بالمنع بل من الرءوس مالا يمكن بيعه كرأس الآدمى وبهذا خرج الجواب عما أورد على مسئلة الحلف لا يركب دابة أنه لا يحنث إذا ركب كافرا وهو دابة حقيقة فأمكن العمل بالحقيقة ومع ذلك لم يجر على عمومه فإن إمكان العمل بحقيقة عمومه منتف إذ من الدواب النمل وما هو أصغر منها ولا يمكن ركوبه فيصير إلى المتعارف وهذا يهدم ما تقدم من أن المتكلم إنما يتكلم بالعرف الذى به التخاطب فوجب عند عدم نيته أن يحكم بأن المراد ما عليه العرف وتقدم تصحيح العتابى وغيره فى لحم الخنزير والآدمى عدم الحنث وليس إلا بناء على هذا الأصل ولو كان هذا الأصل المذكور منظور إليه لما تجاسر أحد على خلافه فى الفروع قوله ومن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو رمانا أو رطبا أو قثاء أو خيار لم يحنث وإن أكل تفاحا أو بطيخا أو مشمشا حنث
____________________
(5/128)
وكذا يحنث بالخوخ والسفرجل والإجاص والكمثرى وهذا التفصيل عند أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يحنث فى العنب والرطب والرمان أيضا والأصل المتفق عليه أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده أى يتنعم ويتلذذ به زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلى ولهذا يقال النار فاكهة الشتاء والمزاح فاكهة والرطب واليابس فيه أى فى معنى التفكه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا فى الحالين فإن خصت العادة التفكه بإحدى الحالتين دون الأخرى كالبطيخ فإنها خصت التفكه به فى حال رطوبته دون حال يبسه لم يحنث بأكله يابسا وهذا المعنى أى معنى التفكه بأن يؤكل زيادة على الغذاء موجود فى التفاح والبطيخ والمشمش فيحنث بها اتفاقا وغير موجود فى القثاء والخيار لأنهما من البقول بيعا وأكلا حتى يوضعان على المائدة كما يوضع البقل ونحوه فلا يحنث بهما اتفاقا وأما العنب والرطب والرمان وهى محل الخلاف فوجه قولهما أن معنى التفكه موجود فيها بل هى أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها من الفواكه فيحنث بها وأبو حنيفة يقول هى مما يتغذى بها منفردة حتى يستغنى بها فى الجملة فى قيام البدن ومقرونة مع الخبز ويتداوى ببعضها كالرمان فى بعض عوارض البدن ولا ينكر أنها يتفكه بها ولكن لما كانت قد تستعمل أصالة لحاجة البقاء قصر معنى التفكه فلا يحنث بأحدها إلا أن ينويه فيحنث بالثلاثة اتفاقا ولهذا كان اليابس منها من التوابل كحب الرمان ومن الأقوات وهو التمر والزبيب والمشايخ قالوا هذا اختلاف زمان ففى زمانه لا يعدونها من الفواكه فأفتى على حسب ذلك
____________________
(5/129)
وفى زمانهما عدت منها فأفتيا به فإن قيل الاستدلال المذكور لأبى حنيفة يخالف هذا الجمع فإن مبنى هذا العرف والاستدلال المذكور صريح فى أن مبناه اللغة حيث قال الفاكهة ما يتفكه به ولا شك أن ذلك لغة والتفكه بالشىء ما يتنعم به زيادة على المحتاج إليه أصالة وهذا معنى اللغة واستعمال العنب وأخويه ليس كذلك دائما فقصر الخ أمكن الجواب بجواز كون العرف وافق اللغة فى زمنه ثم خالفها فى زمانهما فإن قيل وفيه دليل على عدم ما ذكر آنفا من أن المعتبر اللغة إلا أن لا يمكن فيعتبر العرف فإن هذا يدل على عدم اعتبارهما ذلك فالجواب أنه غير لازم لجواز أن يمنعاه كون الاستقلال به أحيانا بالنسبة إلى بعض الناس يؤثر فى نقص كونه مما يتفكه به قوله ومن حلف لا يأتدم فكل شىء اصطبغ به فهو إدام كالخل والزيت والعسل واللبن والزبد والسمن والمرق والملح لأنه يئول إلى الذوب فى الفم ويحصل به صبغ الخبز واصطبغ مبنى للمفعول وهو افتعال من الصبغ ولما كان ثلاثيه وهو صبغ متعديا إلى واحد جاء الافتعال منه لازما فلا يقال اصطبغ الخبز لأنه لا يصل إلى المفعول بنفسه حتى يقام مقام الفاعل إذا بنى الفعل له فإنما يقام غيره من الجار والمجرور ونحوه فلذا يقال
____________________
(5/130)
اصطبغ به ولا يقال اصطبغ الخبز وما لم يصبغ الخبز مما له جرم كجرم الخبز وهو يحنث يؤكل وحده ليس بإدام كاللحم والبيض والتمر والزبيب وهذا التفصيل عند أبى حنيفة وابى يوسف وقال محمد ما يؤكل مع الخبز غالبا فهو إدام وهو رواية عن أبى يوسف وقول الشافعى وأحمد رحمهم الله والحاصل أن ما يصبغ به كالخل وما ذكرنا إدام بالإجماع وما يؤكل وحده غالبا كالبطيخ والعنب والتمر والزبيب وأمثالها ليس إداما بالإجماع أى بالإتفاق على ما هو الصحيح فى البطيخ والعنب كما ذكره المصنف خلافا لما قيل إنهما على الخلاف وممن صحح الاتفاق شمس الأئمة وفى المحيط قال محمد التمر والجوز ليسا بإدام وكذا العنب والبطيخ والبقل وكذا سائر الفواكه ولو كان فى بلد يؤكلان تبعا للخبز يكون إداما أما البقول فليست فإدام بالاتفاق لأن آكلها لا يسمى مؤتدما إلا ما قد يقال فى أهل الحجاز بالنسبة إلى أكلهم الكراث وعند الشافعى البقول والبصل وسائر الثمار إدام وفى التمر عنده وجهان فى وجه إدام لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة وقال هذه إدام هذه رواه أبو داود وفى وجه آخر ليس إداما لأنه فاكهة كالزبيب واختلفوا فى الجبن والبيض واللحم فجعلها محمد إداما لأنها لا تؤكل وحدها غالبا فكانت تبعا للخبز وموافقة له والمؤادمة الموافقة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة حين خطب امرأة لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أى يوفق فما يؤكل غالبا تبعا للخبز موافقا له إدام والجبن وأخواه كذلك ويؤيده ما روى عنه صلى الله عليه وسلم سيد الإدام فى الدنيا والآخرة اللحم رواه ابن ماجه ويقال إن ملك الروم كتب إلى معاوية أن أبعث إلى بشر إدام على يد شر رجل فبعث إليه جبنا على يد رجل يسكن فى بيت أصهاره وهو من أهل اللسان وبقول محمد أخذ الفقيه أبو الليث ولهما أن الإدام ما يؤكل تبعا فما يؤكل وحده ولو أحيانا ليس إداما وهذا لأنه من المؤادمة وهى الموافقة وذلك بأن يصير مع الخبز كشىء واحد وهى بأن يقوم به قيام الصبغ بالثوب وهو ان ينغمس فيه جسمه إذ حقيقة القيام غير مرادة لأن الخل ونحوه ليس عرضا يقوم بالجوهر والأجرام المذكورة من البيض وما معه ليس كذلك فليست بإدام ويرد عليه أنه إن اعتبر فى مسمى الإدام بحيث يؤكل تبعا للخبز موافقا سلمناه ولا يستلزم نفى ما ذكر لأنه كذلك وإن اعتبر فيه كونه لا يؤكل إلا تبعا منعناه نعم مالا يؤكل إلا تبعا موافقا أكمل فى مسمى الإدام لكن الإدام لا يخص اسمه الأكمل منه واستدل لأبى حنيفة وأبى يوسف أيضا بأنه يرفع إلى الفم وحده بعد الخبز أو قبله فلا تحقق التبعية بخلاف المصطبغ به وأجيب عن الحديث بأن كونه سيد الإدام لا يستلزم كونه إداما إذ قد يقال فى الخليفة سيد العجم وليس هو منهم وأما حكاية معاوية فيتوقف الاستدلال بها على صحتها وهى بعيدة منها إذ يبعد من إمام عالم أن يتكلف إرسال شخص إلى بلاد الروم ملتزما لمؤنته لغرض مهمل لكافر والسكنى فى بيت الصهر قط لا يوجب أن يكون الساكن شر رجل فآثار البطلان تلوح على هذه القصة ودفع الاستدلال لهما بأن المعتبر التبعية فى الأكل والأكل هو فعل الفم والحلق وهما مختلطان فيه ثمة فتحصل التبعية حينئذ ويدفع بأن كون التبعية فى الفم بعد رفع كل على حدته تحكم إذ هما فيه إذا جسمان متكافئان لا يكون أحدهما تبعا للآخر بخلاف ما رفع صبغا للخبز فإن المقصود به سد الجوع بالخبز لا بالصبغ وأما الجسمان المتكافئان فكل يصلح لرفع الجوع غير مفتقر إلى الآخر فى رفعه
____________________
(5/131)
قال التمرتاشى وهذا الاختلاف بينهم على عكس اختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا رغيفا فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث عندهما وحنث عند محمد قوله وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر والعشاء بفتح العين والمد من صلاة الظهر إلى نصف الليل وهذا تساهل معروف المعنى لا يعترض به فإن الغداء والعشاء اسم لما يؤكل فى الوقتين لا للأكل فيهما فالوجه أن يقال فالتغدى الأكل من طلوع الفجر والتعشى الأكل من الظهر الخ لأن ما بعد الظهر يسمى عشاء بكسر العين ولهذا تسمى الظهر إحدى صلاتى العشاء فى الحديث إذ فى الصحيحين من رواية أبى هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشاء وفسرت بأنها الظهر فى بعض الروايات هذا وتفسير التغدى بالأكل من الفجر إلى آخره مذكور فى التجريد وفى الخلاصة ووقت التغدى من طلوع الشمس إلى الزوال ويشبه كونه نقلا عن الفتاوى الصغرى وفيها التسحر بعد ذهاب ثلثى الليل ويوافقه ما عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال إذا دخل ثلث الليل الأخير فكلمه لم يحنث وقال الإسبيجابى فى شرح الطحاوى وقت الغداء من طلوع الشمس إلى وقت الزوال ووقت العشاء من بعد الزوال إلى أن يمضى أكثر الليل ووقت السحور من مضى أكثر الليل إلى طلوع الفجر ثم قال هذا فى عرفهم وأما فى عرفنا وقت العشاء من بعد صلاة العصر انتهى
فعرفهم كان موافقا للغة لأن الغدوة اسم لأول النهار وما قبل الزوال أوله فالأكل فيه تغد وقد أطلق على السحور غداء فى قوله صلى الله عليه وسم لعرباض ابن سارية هلم إلى الغداء المبارك وليس إلا مجازا لقربه من الغداة وكذا السحور لما كان لا يؤكل فى السحر والسحر من الثلث الأخير سمى ما يؤكل فى النصف الثانى لقربه من الثلث الأخير سحورا بفتح السين والأكل فيه تسحرا والتضحى الأكل فى وقت الضحى ويسمى الضحاء أيضا بالفتح والمد ووقت الضحى من حين تحل الصلاة إلى أن تزول وأصل هذه فى مسائل القضاء قال السرخسى فيمن حلف ليعطين فلانا حقه ضحوة فوقت الضحوة من حين تبيض الشمس إلى أن تزول وإن قال عند طلوع الشمس أو حتى تطلع فله من حين تطلع إلى أن تبيض لأن صاحب الشرع نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس والنهى يمتد إلى أن تبيض والمساء مساءان أحدهما ما بعد الزوال والآخر بعد غروب الشمس فأيهما نوى صحت نيته وعلى هذا لو حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسى ولا نية له فهو على غيبوبة الشمس لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل
____________________
(5/132)
على المساء الثانى وهو ما بعد الغروب وذكر الولوالجى والضحوة بعد طلوع الشمس من الساعة التى تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار والتصبيح ما بين طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحوة يعنى الكبرى لأنه من الإصباح وهذا يعرف بتسمية أهل اللغة ولو حلف ليأتينه غدوة فهذا بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار قوله ثم الغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عادة وكذا السحور فلو أكل لقمة أو لقمتين أو أكثر مما لم يبلغ نصف الشبع لا يحنث بحلفه ما تغديت ولا تعشيت ولا تسحرت ويرد أنه صلى الله عليه وسلم قال فى رواية الترمذى تعشوا ولو بكف من حشف فإن ترك العشاء مهرمة ومعلوم أن كفا من حشف لا يبلغ فى العادة نصف الشبع وأجيب بأن العرف الطارىء يفيد أنه مع الشبع للقطع بقولهم ما تغديت اليوم أو ما تعشيت البارحة وإن كان أكل لقمة أو لقمتين وكذا يعتبر فى الغداء وأخويه فى حق أهل كل بلد ما يعتادونه من مأكولهم فلو كان عادتهم أكل الخبز فى الغداء او اللحم أو اللبن ينصرف إليه حتى أن الحضرى إذا حلف على ترك الغداء فشرب اللبن لم يحنث والبدوى يحنث لأنه غذاء أهل البادية ولو أكل غير الخبز من أرز أو تمر أو غيرهما مما هو غير معتاد التغدى به حتى شبع لم يحنث أيضا قوله ومن قال إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدى حر وقال نويت شيئا دون شىء من
____________________
(5/133)
الملبوس أو المأكول أو المشروب فى أن أكلت وإن شربت لم تصح نيته لا فى القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى فأى شىء أكل أو لبس أو شرب حنث وعند الشافعى تصح نيته ديانة وهو رواية عن أبى يوسف واختارها الخصاف لأن النية إنما تصح فى الملفوظ لتعيين بعض محتملاته والثوب فى إن لبست والمأكول والمشروب فى إن أكلت وإن شربت غير مذكور تنصيصا فلم تصادف النية محلها فلغت فإن قيل إن لم يكن مذكورا تنصيصا فهو مذكور تقديرا وهو كالمذكور تنصيصا أجيب بأن تقديره لضرورة اقتضاء الأكل مأكولا وكذا اللبس والشرب والمقتضى لا عموم له عندنا ولأن ثبوته ضرورى فيتقدر بقدرها والضرورة فى تصحيح الكلام وتصحيحه لا يتوقف إلا على مأكول لا على مأكول هو كذا فلا تصح إرادته فمبنى الخلاف فى هذه الفروع بيننا وبين الشافعى الاختلاف فى أن المقتضى لا عموم له أو له عموم على ما ذكروا أما لو قال إن لبست ثوبا أو أكلت طعاما أو شربت شرابا وقال عنيت شيئا دون شىء فإنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لافى القضاء لأنه ذكر اللفظ العام القابل للتخصيص فصحت نيته وهذا لأنه نكرة فى سياق الشرط فتعم لمآلها إلى كونها فى سياق النفى بسبب أن الشرط المثبت فى اليمين يكون الحلف على نفيه لأن المعنى نفى لبس الثوب فكأنه قال لا ألبس ثوبا إلا أنه خلاف الظاهر فلا يقبله القاضى منه فإن قيل يعتبر تخصيصا للمصدر المدلول عليه بالفعل فإنه مذكور بذكر الفعل على ما عرف فى الطلاق أجيب بأن المصدر أيضا ضرورى للفعل والضرورة مندفعة بلا تعميم وهذا يخالف ما تقدم فى مسئلة طلقى نفسك حيث جعل المصدر مذكورا بذكر الفعل فقبل العموم حتى صحت نية الثلاث بل الحق على هذا أنه عام وكما قلتم فى قوله إن خرجت فعبدى حر ونوى السفر مثلا يصدق ديانة فلا يحنث بالخروج إلى غيره تخصيصا لنفس الخروج بخلاف ما لو نوى الخروج إلى مكان خاص كبغداد حيث لا يصح لأن المكان غير مذكور فكذا يراد تخصيص فعل الأكل وهكذا قولكم فيما إذا حلف لا يساكن فلانا ونوى المساكنة فى بيت واحد أنه يصح وهو تخصيص للمصدر المضون للفعل قلنا ذلك المصدر وإن عم بسبب أنه فى سياق النفى لأن الفعل فى سياقه لكنه لا يقبل التخصيص لأن عمومه ضرورة تحقق الفعل فى النفى فإنه لا يتحقق فى خصوص محله الخاص أعنى بعد لفظة لا فى لا آكل إلا بتحقق ذلك المصدر هناك وما ليس ثبوته إلا ضرورة أمر لا يثبت باعتبار غيره ولا يثبت ما هو زائد عليه ومعلوم أن من ضرورة ثبوت الفعل فى النفى ثبوت المصدر العام وليس من ضرورة ثبوت الفعل ثبوت التصرف بالتخصيص فلا يقبله بخلاف إن أكلت أكلا فإن الإسم حينئذ مذكور صريحا فيقبل نية التخصيص ولا يشكل الفرق لأن أكلا المذكورين ليس عين الأكل الضمنى للفعل الضرورى الثبوت فقام المذكور مقام الاسم وقبل التخصيص وأما مسئلة الخروج فقد أنكرها القضاة الأربعة القاضى أبو الهيثم والقاضى أبو خازم والقاضى القمى والقاضى أبو طاهر الدباس وحملوا ما روى عن محمد فيها على ما لو قال إن خرجت خروجا وكأنها سقطت من الكاتب ومن التزمها أجاب بأن الخروج فى نفسه متنوع إلى سفر وغيره حتى اختلفت أحكامهما فقبلت إرادة أحد نوعيه وبه أجيب عن مسئلة المساكنة فإنها متنوعة إلى كاملة وهى المساكنة فى بيت واحد ومطلقة وهى ما تكون فى دار فإرادة المساكنة فى بيت إرادة أخص أنواعها وهذا بخلاف ما إذا حلف لا يغتسل أو لا ينكح ثم قال عنيت من جنابة أو امرأة دون امرأة لا يصدق قضاء ولا ديانة لأن الاغتسال غير متنوع لأنه عبارة عن امرار الماء والتنوع فى أسبابه وكذا لا يسكن دار
____________________
(5/134)
فلان وقال عنيت بأجر ولم يسبق قبل ذلك الكلام بأن استأجرها منه أو استعارها فأبى فحلف ينوى السكنى بالإجارة أو الإعارة لا يصح حتى لو سكنها بغير أجر حنث بخلاف ما لو حلف لا يسكن دارا اشتراها فلان وعنى اشتراها لنفسه فإنه يصدق لأنه أحد نوعى الشراء لأنه متنوع إلى ما يوجب الملك للمشترى وما يوجبه لغيره فتصح نية أحد النوعين بخلاف السكنى نفسها لأنها لا تتنوع لأنها ليست إلا الكينونة فى الدار على وجه القرار وإنما تختلف بالصفة ولا يصح تخصيص الصفة لأنها لم تذكر بخلاف الجنس وكذا لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح لأنه تخصيص الصفة ولو نوى حبشية أو عربية صحت فيما بينه وبين الله تعالى لأنه تخصيص فى الجنس كأن الاختلاف بالنسبة إلى ألاباء اختلاف بالجنس وبالنسبة إلى البلاد اختلاف بالصفة وكأن السر فى ذلك والله أعلم أن ذكر لفظ امرأة أو رجل عين ذكر ولد له آباء إلى آدم فكأنه قال كل من كان لها أب من ولد آدم وأراد بعض الآباء دون بعض وليس الصفات مذكورة بعين ذكر ولد آدم وإن كان لا يخلو الموجود عن صفة فثبوتها مقتضى الوجود لا اللفظ والحق أن الأفعال الخارجية لا تتصور أن تكون إلا نوعا واحدا لا فرق فى ذلك بين الغسل ونحوه ولا بين الخروج ونحوه من الشراء فكما أن أتحاد الغسل بسبب أنه ليس إلا إمرار الماء كذلك الخروج ليس إلا قطع المسافة غير أنه يوصف بالطول والقصر فى الزمان فلا تصير منقسمة إلى نوعين إلا باختلاف الأحكام شرعا فإن عند ذلك علمنا اعتبار الشرع إياها كذلك كما فى الخروج المختلف الأحكام فى السفر وغيره والشراء لنفسه وغيره فإنه مختلف حكمهما فيحيكم بتعدد النوع فى ذلك ولا يخفى أن المساكنة والسكنى ليس فيهما اختلاف أحكام الشرع لطائفة منهما بالنسبة إلى طائفة أخرى وكل فى نفسه نوع لأن الكل قرار فى المكان ثم اعلم أن التحقيق أن المفعول فى لا آكل ولا ألبس ليس من باب المقتضى لأن المقتضى ما يقدر لتصحيح المنطوق وذلك بأن يكون الكلام مما يحكم بكذبه على ظاهره مثل رفع الخطأ والنسيان أو بعدم صحته شرعا مثل أعتق عبدك عنى وليس قول القائل لا آكل يحكم بكذب قائله بمجرده ولا متضمنا حكما لا يصح شرعا نعم المفعول أعنى المأكول من ضروريات وجود فعل الآكل ومثله ليس من باب المقتضى وإلا كان كل كلام كذلك إذ لا بد أن يستدعى معناه زمانا ومكانا فكان لا يفرق بين قولنا الخطأ والنسيان مرفوعان وبين قام زيد وجلس عمرو فإنما هو من باب حذف المفعول اقتصارا وتناسبا وطائفة من المشايخ وإن فرقوا بين المقتضى والمحذوف وجعلوا المحذوف يقبل العموم فلنا أن نقول عمومه لا يقبل التخصيص وقد صرح من المحققين جمع بأن من العمومات مالا يقبل التخصيص مثل المعانى إذا قلنا بأن العموم من عوارض المعانى كما هو من عوارض الألفاظ وغير ذلك فكذلك هذا المحذوف إذ ليس فى حكم المنطوق لتناسبه وعدم الالتفات إليه إذ ليس الغرض إلا الأخبار بمجرد الفعل على ما عرف من أن الفعل المتعدى قد ينزل منزلة اللازم لما قلنا والاتفاق على عدم صحة التخصيص فى باق المتعلقات من الزمان والمكان حتى لو نوى لا يأكل فى مكان دون آخر أو زمان لا تصح نيته بالاتفاق ومن صور تخصيص الحال أن يقول لا أكلم هذا الرجل وهو قائم ونوى فى حال قيامه فنيته لغو بخلاف ما لو قال لا أكلم هذا الرجل القائم فإن نيته تعمل فيما بينه وبين الله تعالى والفرق بأن المفعول فى حكم المذكور إذ لا يعقل الفعل إلا بعقليته ممنوع بل نقطع بتعقل معنى المتعدى بدون إخطاره فإنما هو لازم لوجوده
____________________
(5/135)
لا مدلولا للفظ هذا وكون إرادة نوع ليس تخصيصا من العام مما يقبل المنع لأنه لا يخرج عن قصر عام على بعض متناولاته وأقرب الأمور إليك قوله لا تقتلوا النساء والصبيان تخصيص لاقتلوا المشركين والنساء نوع مندرج تحت المشركين ومعنى تخصيص النوع ليس إلا إخراج جميع أفراده كما نحن فيه تخصيص السفر تخصيص كل ما يصدق عليه اسم السفر فيستمر الإشكال فى يمين المساكنة والخروج وقد أنكر هذه من ذكرنا ولا يجاب بما ذكر فى الذخيرة جوابا عن إيراد قائل لو صحت نية الشراء لنفسه فمن حيث أنه بيان نوع لا بيان تخصيص كان يجب أن يصدق فى القضاء كما فى الخروج وكما فى قوله أنت بائن قلنا نية الشراء لنفسه بيان نوع من وجه وتخصيص عام من وجه فى حق الحقوق لأن الشراء لنفسه ولغيره سواء فى حق الحقوق فمن هذا الوجه هو شىء وله عموم فإذا نوى أحدهما كان تخصيصا ولكن فى حق الملك بيان نوع لأنهما مختلفان فى حق الملك فوفرنا على الشبهين حظهما فقلناه من حيث أنه بيان نوع يصح هذا البيان فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يكن الاسم ملفوظا ومن حيث أنه تخصيص لم يجز فى القضاء وهذا بخلاف قوله أنت بائن يصح نية أى أنواع البينونة شاء من عصمة النكاح وغيرها لأن الأعم فى الإثبات لا يعم استغراقا بخلافه فى النفى لو قلت رأيت رجلا لا يعم أصناف الرجال استغراقا بخلاف ما رأيت رجلا قوله ومن حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعا أى يتناول بفمه من نفس النهر عند أبى حنيفة يعنى إذا لم تكن له نية أما إذا نوى بإناء حنث به إجماعا وقالا إن شرب منها كيفما شرب بإناء أو بيده أو كرعا حنث لا فرق بين ذلك وبين قوله من ماء دجلة حيث يحنث بالشرب من مائها بإناء أو كرعا فى دجلة أو نهر آخر بأخذ من دجلة لأن نسبة الماء إليها ثابتة فى جمع هذه الصور وقولهما قول الشافعى وأحمد وجهه أنه هو المتعارف المفهوم من قولنا شربت من دجلة وهو وإن كان مجازا إما مجاز حذف أى من ماء دجلة أو مجاز علاقة بأن يعبر بدجلة عن مائها وهو أولى من مجاز الحذف لأكثريته بالنسبة إليه ولشهرة جرى النهر مقررين له بأن علاقته المجاورة ثم هو أشهر من أن يراد به
____________________
(5/136)
نفس الكرع فيصرف إليه فيعم الكرع وغيره كما لو حلف لا يضع قدمه فى دار فلان يحنث بالدخول كيفما كان بخلاف ما لو استلقى وأدخل قدميه فقط لا يحنث لأن هذا ليس دخولا واليمين انعقدت عليه وله أن المعنى الحقيقي للكلام الكرع وهو مستعمل للعرب وأهل العرف لأن كثيرا من الرعاء وغيرهم من أهل العرف يفعلونه وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه أتى قوما فقال هل عندكم ماء بات فى شن وإلا كرعنا وإذا كان المعنى الحقيقي مستعملا كانت الحقيقة مستعملة فينعقد عليها اليمين لأن الحقيقة لما لم تهجر كانت أولى من المجاز ولهذا يحنث بالكرع إجماعا إلا أنهما يقولان حنث به باعتبار أنه من أفراد المجاز لا باعتبار إرادة الحقيقة بذلك فلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا إهدار هذا القسم وإنما قلنا إن الكرع حقيقة اللفظ لأن من هنا لابتداء الغاية فالمعنى ابتداء الشرب من نفس دجلة وذلك إنما يكون بوضع الفم عليها نفسها فإذا وضع الفم على يده أو كوز ونحوه فيه ماؤها لم يصدق حقيقة اللفظ وهو وضع فمه على نفسها وأما ما فى الهداية من أنها للتبعيض فإنما يصلح توجيها لقولهما لأن المعنى حينئذ لا أشرب بعض ماء دجلة إذ لو أريد حقيقة دجلة لم يكن للكلام معنى لأن نفس دجلة وهو الأرض المشقوقة نهرا ليس مما يشرب ولو أريد مجاز دجلة وهو ماؤها صحت للتبعيض ويصير المراد لا أشرب من ماء دجلة وهو نفس قولهما فيحنث بالكرع وغيره لأنه ماء دجلة وعلى هذا فيتجه قولهما بعد الوجه المشهور وفى تقدم المجاز المتعارف وهو أن الكلام عند عدم قرينة إرادة المعنى الأصلى انصرف إلى المشهور منه وإن جعلت من للبيان بأن يقال وضع الفم على نفس دجلة لا يفعل وهو الحقيقة على تقدير كونها للابتداء فلزم أن يراد بلفظ دجلة ماؤها وحينئذ جاز أن تكون من للتبعيض فالمعنى لا يشرب بعض ماء دجلة أو للابتداء والمعنى لا يكون ابتداء الشرب من ماء دجلة فيحنث بشرب مائها كرعا وغيره وأما الاستدلال له بقوله تعالى { إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه } إلى قوله { إلا من اغترف غرفة بيده } من جهة أنه يفيد أن ما باليد يخالف الشرب منه فغلط وهو بناء على أنه استثناء منقطع والاتصال أولى إذا أمكن وهو ممكن بل المعنى عليه فإن المراد أنهم ابتلوا بترك الشرب من النهر شرب كفاية ورى فإن حاصل المعنى من شرب منه مطلقا قليلا أو كثيرا كافيا فليس منى إلا من شرب منه قدر كفه تحقيقا بأن اغترفها والذى انتظم عليه رأى أصحابنا فى الدرس فى توجيه قول أبى حنيفة رحمه الله أن اسم الدجلة على قول الكل حقيقة فى نفس النهر دون الماء وإرادة وضع فمه على نفس أجزائه منتف فالمراد ليس إلا وضعه على الماء الكائن فيها وحينئذ جاز كون الاسم حقيقة فيه مشتركا أو مجازا فإن فرض مشتركا فلا إشكات أن حقيقة اللفظ أعنى مجموع التركيب بوضع الفم فى مائها حال كونه فى خصوص ذلك المحل وإن فرض مجازا فى هذا الماء فمعنى قوله اللفظ حقيقة مستعملة الخ أن التركيب حقيقة فى وصل المعنى الحقيقى للاأشرب بالمعنى المجازى لدجلة وهو الماء الكائن فى النهر الخاص وحينئذ جاز كون من للتبعيض والمعنى لا أشرب بعض دجلة أى الماء الخاص فى المكان الخاص فظهر إمكان كونها
____________________
(5/137)
للتبعيض مع صحة قوله للفظ أى التركيب حقيقة مستعملة هى الشرب من نفس الماء الكائن فى المكان الخاص ثم يترجح مجازه فى المفرد أعنى دجلة المستعمل فى مائها بقيد كونه فى نفس النهر على مجازهما وهو دجلة فى مائها لا بهذا القيد حتى حنث بالشرب منه بإناء ومن نهر صغير يأخذ منها بأنه مجاز أقرب إلى الحقيقة أعنى دجلة بمعنى النهر ونظير المسئلتين ما لو حلف لا يشرب من هذا الكوز فصب الماء الذى فيه فى كوز آخر فشرب منه لا يحنث بالإجماع ولو قال من ماء هذا الكوز فصب فى كوز آخر فشرب منه حنث بالإجماع وكذا لو قال من هذا الحب أو من ماء هذا الحب فنقل إلى حب آخر ولو قال من هذا الحب أو من هذا البئر قال أبو سهل الشرعى لو كان الحب أو البئر ملآن فيمينه على الكرع عند أبى حنيفة رحمه الله لإمكان العمل بالحقيقة وعندهما على الاغتراف وينبغى أن يقال على ما هو أعم من الاغتراف وإن لم يكن ملآن فيمينه على الاغتراف ولو تكلف فى هذه الصورة وكرع من أسفل الحب والبئر اختلفوا والصحيح أنه لا يحنث لعدم العرف بالكرع فى هذه الحالة
فروع لو قال لا أشرب من الفرات فشرب من نهر أخذ منه لم يحنث إجماعا أما عنده فلأن يمينه على الكرع وأما عندهما فلأنه مثل الفرات فى إمساك الماء فيقطع النسبة فخرج عن عموم المجاز أما لو قال لا أشرب من ماء الفرات فشرب من نهر أخذ منه حنث لأن يمينه على ماء منسوب إلى الفرات والنسبة لا تنقطع بالأنهار الصغار ولو قال لا أشرب ماء فراتا يحنث بكل ماء عذب فى أى موضع كان ولو حلف لا يشرب من ماء المطر فجرت الدجلة بماء المطر فشرب لم يحنث ولو شرب من ماء واد سال من المطر ولم يكن فيه ماء قبل ذلك أو من ماء مطر مستنقع حنث ولو حلف لا يشرب من هذا الماء فانجمد فأكله لا يحنث فإن ذاب فشرب حنث قال الفقيه أبو الليث هذا بمنزلة ما إذا حلف لا يجلس على البساط فجعله خرجا فجلس عليه لا يحنث فإن فتقه فصار بساطا فجلس عليه حنث وفى فتاوى محمد بن الوليد لا يحنث إذا شربه لانقطاع النسبة الأولى لا تنسابه إلى الجمد ولو كان فى الحل حنث لأن النسبة لا تنقطع ولو حلف لا يشرب من وسط دجلة فوسطه مالم يطلق عليه اسم الشط وذلك قدر ثلث النهر أو ربعه والظاهر أن هذا لا يتأتى فى النيل لأن الشط ينتفى قبل الربع أيضا لسعته ومن حلف لا يشرب نبيذا فهو المسكر من ماء العنب ولو مطبوخا لأن الصالحين يسمونه شارب خمر ولو نوى المسكر يحنث بكل مسكر ولو حلف لا يشرب شرابا حنث بشرب الماء والنبيذ وكذا بالمسمى عندنا أقسمة وفقاعا لا يشرب الخل والسمن والزيت والعسل وقيل لا يحنث بالماء وهو الظاهر لأن العرف فى اسم الشراب لغير الماء ويحنث بشرب اللينوفر وقيل لا يقع على المتخذ من الحبوب حلف لا يشرب بغير إذن فلان فأعطاه فلان ولم يأذن بلسانه فى الخلاصة ينبغى أن يحنث وهذا دليل الرضا وليس بإذن ولو حلف لا يشرب خمرا فمزجها بغير جنسها كالأقسمة ونحوه بعتبر بالغالب وإنما تعرف الغلبة باللون والطعم فيعتبر الغالب منهما كذا روى عن أبى يوسف فى النوادر فيما إذا حلف لا يشرب لبنا فصب عليه ماء وشربه يحنث إن كان اللون لون اللبن ويوجد طعمه وإن كان لون الماء لا يحنث وعن محمد تعتبر الغلبة من حيث القلة والكثرة بالأجزاء وإن كان سواه حنث استحسانا وأما إذا خلطه بجنسه بأن حلف على لبن بقرة فخلطه بلبن بقرة أخرى فعند أبى يوسف هو كالجنسين يعتبر الغالب وعند محمد يحنث بكل حال لأن الجنس عنده لا يغلب الجنس بل يتكثر بجنسه وهذا الخلاف فيما يمتزج بالمزج
____________________
(5/138)
أما فيما لا يمتزج كالدهن يحنث بالاتفاق إذا عقد يمينه على الدهن قوله ومن قال إن لم أشرب الماء الذى فى هذا الكوز اليوم فامرأته طالق وليس فى الكوز ماء لم يحنث وإن كان فيه ماء فأهريق قبل الليل لم يحنث وهذا عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله سواء علم وقت الحلف أن فيه ماء أو لم يعلم وقال أبو يوسف رحمه الله يحنث فى ذلك كله إذا مضى اليوم وعلى هذا الخلاف إذا كان اليمين بالله تعالى وأصله أى أصل هذا الخلاف أن تصور البر شرط لانعقاد اليمين المطلقة عن الوقت ولبقاء اليمين المقيدة بالوقت عندهما إلى وقت وجوب البر وهو قول مالك ووجه عند الشافعية وعند أبى يوسف لا يشترط تصور البر فى انعقاد اليمين المطلقة ولا لبقاء المقيدة وهو وجه آخر للشافعية وما ابتنى على الخلاف لو حلف ليقتلن زيدا اليوم فمات زيد قبل مضى اليوم لا يحنث عندهما ويحنث عند أبى يوسف فى آخر جزء من اليوم وكذا لو حلف ليقتلنه وهو ميت والحالف جاهل بموته لا يحنث عندهما خلافا له وإنما شرطنا جهله بموته عندهما لأنه لو كان عالما بموته انعقدت وحنث بالاتفاق لأن اليمين انعقدت على إزالة حياة يحدثها الله فيه بخلاف ما إذا لم يكن عالما لأنه عقدها على حياته القائمة فى ظنه والواقع انتفاؤها فكان البر غير متصور كمسئلة الكوز فإنه وإن أمكن إحداث الله تعالى الماء فيه لكنه ماء آخر غير
____________________
(5/139)
المحلوف عليه فإن الحلف كان على الماء الكائن فيه حال الحلف ولا ماء فيه إذ ذاك فلذا لا ينعقد عندهما وكذا إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم فأكل قبل الليل أو ليقضين فلانا دينه غدا وفلان قد مات ولا علم له أو مات أحدهما قبل مضى الغد أو قضاه قبله أو أبرأه فلان قبله لم تنعقد عندهما وانعقدت عند أبى يوسف رحمه الله وكذا لو قال لزيد إن رأيت عمرا فلم أعلمك فعبدى حر فرآه زيد فسكت ولم يقل شيئا أو قال هو عمرو لا يعتق عندهما لفوات الإعلام فلم تبق اليمين وعنده يعتق لبقاء اليمين وفوات المعقود عليه وكذا إذا حلف لا يعطيه حتى يأذن فلان فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث خلافا له وكذا ليضربنه أو ليكلمنه وجه قولهما أن اليمين إنما تعقد للبر حملا أو منعا أو لأظهار معنى الصدق فكان محلها خبرا يمكن فيه البر فإذا لم يكن فات محلها ولا انعقاد إلا فى محلها وإذا لم تعقد فلا حنث ولأبى يوسف أنه أمكن اعتبارها منعقدة للبر على وجه يظهر فى الحلف وهو الكفارة كما قلنا في الحلف على مس السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حيث ينعقد مع استحالته عادة ثم يحنث في الحال لما قلنا قلنا لا بد من تصور الأصل لينعقد فى حق الحلف لأنه فرع الأصل فينعقد أولا فى حقه ثم ينتقل إلى الحلف للعجز الظاهر ولذا لم تنعقد الغموس موجبة للكفارة حيث كان للبر مستحيلا فيها ولو كانت اليمين مطلقة عن الوقت بأن لم يذكر اليوم ففى الوجه الأول وهو ما إذا لم يكن فى الكوز ماء لا يحنث عندهما لعدم انعقادها لعدم تصور البر وعند أبى يوسف يحنث للحال وفي الوجه الثاني وهو ما إذا كان فيه ماء فأهريق يحنث في قولهم جميعا قوله فأبو يوسف فرق الخ لا شك أن هنا أربع صور صورتان فى المقيدة باليوم أو وقت آخر جمعة او شهر وهما أن يكون فى الكوز ماء وقت الحلف وأن لا يكون وصورتان فى المطلقة عندهما هاتان أيضا ففى المقيدة ولا ماء لا تنعقد عندهما لعدم تصور البر فلا يتصور الحنث وتنعقد عنده ويحنث للحال للعجز الدائم عن
____________________
(5/140)
البر من وقت الحلف الى الموت وفى المقيدة مع وجود الماء تنعقد به اتفاقا فإذا أهريق قبل آخر الوقت بطلب عندهما لانعقادها ثم طرأ العجز عن الفعل قبل آخر المدة لفوات شرط بقائها وهو تصور البر حال البقاء الى آخر الوقت وعنده يتأخر الحنث إلى آخر جزء من الوقت فهناك يحنث وفى المطلقة ولا ماء لا تنعقد عندهما وعنده تنعقد ويحنث للعجز الحالى الذى لا يرجى زواله وفى المطلقة وفيه ماء تنعقد اتفاقا لإمكان البر عندهما فإذا أريق حنث اتفاقا أما عند أبى يوسف فبطريق أولى مما قبله وأما عندهما فلأن تصور البر ليس شرطا فى المطلقة إلا لانعقادها فقط وقد وجد حال الانعقاد لفرض وجود الماء حال الحلف فقد فرق أبو يوسف بين المقيدة فأوجب الحنث مطلقا آخر الوقت وبين المطلقة إذا كان الماء موجودا حال الحلف فأوجب الحنث حال الإراقة فإذا لم يكن موجودا فالحنث بعد فراغه من اليمين والفرق أن التأقيت للتوسعة على نفسه فى الفعل فلا يتعين الفعل عليه إلا فى آخر جزء من الوقت وإن كان التأخير لا يرجى له فائدة فيما إذا لم يكن ماء وقت الحلف لكن اللفظ ما أوجب انعقاد اليمين فى حق الفعل مضيقا متعينا إلا فى آخر جزء منه فلا يحنث قبله وكذا إذا كان فيه ماء فصب لهذا بعينه بخلاف المطلقة ولا ماء فإنه لا فائدة فى تأخير الحنث وإن كانت اليمين المطلقة لا يقع الحنث فيها إلا بموت الحالف أو المحلوف عليه فى مثل حلفه على ضربه أو طلاقها فإن ذلك إذا كان البر مرجوا ولا رجاء له هنا وفيما إذا كان الماء موجودا لا يثبت هذا اليأس إلا عند الإراقة فيحنث إذ ذاك وهما أيضا يحتاجان إلى الفرق لأنه لا يحنث عندهما إذا ذكر الوقت فأهريق قبل آخره وإذا لم يذكر فأهريق يحنث والفرق أن الوقت إذا ذكر كان البر واجبا عليه فى الجزء الأخير وعنده المحلوف عليه فائت فكأنه حلف إذ ذاك ليشربن ما فى هذا الكوز اليوم وعلمت بهذا أن اشتراطهما بقاء التصور لبقاء اليمين المؤقتة هو فى المعنى اشتراط التصور لانعقاد اليمين المطلقة بخلاف ما إذا لم يذكر الوقت فإن البر واجب عليه فى الحال فإذا فات المحلوف عليه حنث ولقائل أن يقول وجوب البر فى المطلقة فى الحال إن كان بمعنى تعينه حتى يحنث فى ثانى الحال فلا شك أنه ليس كذلك وإن كان بمعنى الوجوب الموسع إلى الموت فيحنث فى آخر جزء من الحياة فالمؤقتة كذلك لأنه لا يحنث إلا فى آخر جزء من الوقت الذى ذكره فلذلك الجزء بمنزلة آخر جزء من الحياة فلأى شىء تبطل اليمين عند آخر أجزاء الوقت فى المؤقتة ولم تبطل عند آخر جزء من الحياة فى المطلقة ومن فوائد هذه الخلافية ما لو قال رجل لامرأته إن لم تهبى لى صداقك اليوم فأنت طالق فقال أبوها إن وهبت له صداقك فأمك طالق فحيلة عدم حنثهما أن تشترى منه بمهرها ثوبا ملفوفا وتقبضه فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها لأنها لم تهب صداقها ولا الزوج لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب لأن الصداق سقط عن الزوج بالبيع ثم إذا أرادت عود الصداق ردته بخيار الرؤية قوله ومن حلف ليصعدن السسماء أو ليقبلن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه وحنث عقيبها يعنى إذا حلف
____________________
(5/141)
مطلقا كما هى فى الكتاب أما إذا وقت اليمين فقال لأصعدن غدا لم يحنث حتى يمضى ذلك الوقت حتى لو مات قبله لا كفارة عليه إذ لا حنث وقال زفر لا تنعقد أصلا لأنه مستحيل عادة فيجعل كالمستحيل حقيقة كماء الكوز فلا تنعقد ولنا أن صعود السماء ممكن ولذا صعدته الملائكة وبعض الأنبياء وكذا تحويل الحجر ذهبا بتحويل الله بخلعه صفة الحجرية وإلباس صفة الذهبية بناء على أن الجواهر كلها متجانسة مستوية فى قبول الصفات أو بإعدام الأجزاء الحجرية وإبدالها بأجزاء ذهبية والتحويل فى الأول أظهر وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق ولعله من إثبات كرامات الأولياء فكان البر متصورا فتنعقد اليمين موجبة لخلفه وهو الكفارة للعجز الثابت عادة فلا يرجى زواله وصار كما إذا مات الحالف فإنه يحنث فى آخر جزء كما قلنا مع احتمال إعادة الحياة فيه فيثبت معه احتمال أن يفعل المحلوف عليه ولكن لم يعتبر ذلك الاحتمال بخلاف العادة فحكم بالحنث إجماعا بخلاف مسئلة الكوز لأن شرب الماء الذى فى الكوز الذى لا ماء فيه لا يمكن ولا تتعلق القدرة به فلذا لم تنعقد فمحط الخلاف أنه ألحق المستحيل عادة بالمستحيل حقيقة ونحن نمنعه وكل ما وقع فى هذه المسائل من لفظ متصور فمعناه ممكن وليس معناه متعقلا منفهما والله أعلم & باب اليمين فى الكلام
لما فرغ من ذكر الأفعال التى هى أهم من الكلام كالأكل والسكنى وتوابعهما شرع فى الكلام إذ لا بد من وقوعه لأن الأنسان لا بد له من إيصال ما فى نفسه إلى غيره لتحصيل مقاصده وبدأ بالكلام الأعم من خصوصيات
____________________
(5/142)
العتق والطلاق وغيرها لتقدم الأعم على الخصوصيات قوله ومن حلف لا يكلم فلانا فكلمه وهو بحيث يسمع كلامه لقرب مكانه منه إلا أنه نائم حنث لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه إلا أنه لم يفهم لنومه فصار كما إذا ناداه وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله أى لغفلته فإنه يحنث وهذا لأن العلم بوصول صوته إلى صماخه غير ثابت فأدير على مظنة ذلك فحكم به وهو كونه بحيث لو كان مصغيا سالما سمع ولهذا لو كان أصم حنث
وفى بعض روايات المبسوط شرط أن يوقظه فإنه قال فى بعضها فناداه أو أيقظه وفى بعضها فناداه وأيقظه
قال واختاره مشايخنا لأنه إذا لم ينتبه بكلامه صار كما إذا ناداه من بعيد جدا بحيث لا يسمع صوته فضلا عن أن يميز حروفه وفى ذلك يكون لاغيا لا متكلما مناديا وصار كما لو كان ميتا لا يحنث بكلامه بخلاف الأصم لأنه يصح أن يقال كلمه إذا كان بحيث لولا الصمم سمع
لا يقال يصح مثل هذا فى الميت
لأنا نقول يمينه لا تنعقد إلا على الحى لأن المتعارف هو الكلام معه ولأن الغرض من الحلف على ترك الكلام إظهار المقاطعة وذلك لا يتحقق فى الميت والبعيد الذى لا شعور له بندائه وكلامه لكن ما ذكر محمد فى السير الكبير إذا نادى المسلم أهل الحرب بالأمان من موضع يسمعون صوته إلا أنهم لا يسمعون لشغلهم بالحرب فهو أمان
قال السرخسى هذا يبين أن الصحيح فى مسئلة الأيمان الحنث وإن لم يوقظه انتهى
وقد فرق على هذه الرواية بأن الأمان يحتاط فى إثباته
وقيل يحكم فيها باخلاف فعنده يحنث لأنه يجعل النائم كالمستيقظ وعندهما لا يحنث والمراد بما نسب إليه ما ذكر فى باب التيمم من أن المتيمم إذا مر وهو نائم على ماء ولا علم له به ينتقض تيممه وقد تقدم هناك ما فيها من الأستبعاد للمشايخ فإنه لو كان مستيقظا حقيقة وإلى جانبه حفيرة ماء لا يعلم بها لا ينتقض تيممه فكيف بالنائم حتى حمله بعضهم على الناعس وأضيف إلى هذه المسائل تزيد على عشرين جعل فيها النائم كالمستيقظ
وفى الذخيرة لا يحنث حتى يكلمه بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها لا متصل فلو قال موصولا إن كلمتك فأنت طالق فاذهبى أو اخرجى أو قومى أو شتمها أو زجرها متصلا لا يحنث لأن هذا من تمام الكلام الأول فلا يكون مراد باليمين إلا أن يريد به كلاما مستأنفا وهو وجه لأصحاب الشافعى وبه قال الشافعى فى الأظهر وأحمد ومالك وفى المنتقى لو قال فاذهبى أو واذهبى لا تطلق ولو قال اذهبى طلقت لأنه منقطع عن اليمين
وأما ما فى نوادر ابن سماعة عن محمد لا أكلمك اليوم أو غدا حنث لأنه كلمه اليوم بقوله أو غدا فلا شك فى عدم صحته لأنه كلام
____________________
(5/143)
واحد فإنه إذا أراد أن يحلف على أحد الأمرين لا يقال إلا كذلك وعلى هذا إذا قال لآخر إن ابتدأتك بكلام فعبدى حر فالتقيا فسلم كل على الآخر معا لا يحنث وانحلت يمينه لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء
ولو قال لها إن ابتدأتك بكلام وقالت هى له كذلك لا يحنث إذا كلمها لأنه لم يبتدئها ولا تحنث بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها
ولو حلف لايكلمه فسلم على قوم هو فيهم حنث لا أن لايقصده فيصدق ديانة لا قضاء وعند مالك والشافعى رحمهما الله قضاء أيضا
أما لو قال السلام عليكم إلا على واحد صدق قضاء عندنا ولو سلم من الصلاة فإن كان إماما قيل إن كان المحلوف عليه عن يمينه لا يحنث وإن كان عن يساره يحنث لأن فى الأولى واقعة فى الصلاة فلا يحنث بها بخلاف الثانية
وقيل لا يحنث بها لأنها فى الصلاة من وجه وكذا عن محمد لا يحنث بهما وهو الصحيح
والأصح ما فى الشافى أنه يحنث إلا أن ينوى غيره
وفى شرح القدورى فيما إذا كان إماما يحنث إذا نواه وإن كان مقتديا فعلى ذلك التفصيل عندهما
وعند محمد لا يحنث مطلقا لأن سلام الإمام يخرج المقتدى عن الصلاة عنده خلافا لهما وبه قال مالك
ولو دق عليه الباب فقال من حنث
وقال أبو الليث لو قال بالفارسية كيست لا يحنث ولو قال كى تر حنث وبه أخذ وهو المختار
ولو ناداه المحلوف عليه فقال لبيك أو لبى حنث ولو كلمه الحالف بكلام لا يفهمه المحلوف عليه ففيه اختلاف الروايتين
ولو أراد أن يأمره بشىء فقال وقد مر المحلوف عليه يا حائط اسمع افعل كيت وكيت فسمعه المحلوف عليه وفهمه لا يحنث قاله فى الذخيرة
ولو حلف لا يتكلم فناول امرأته شيئا وقال ها حنث
ولو جاء كافر يريد الإسلام فبين صفة الإسلام مسمعا له ولم يوجه إليه لم يحنث
وفى المحيط
لو سبح الحالف للمحلوف عليه للسهو أو فتح عليه القراءة وهو مقتد لم يحنث وخارج الصلاة يحنث
ولو كتب إليه كتابا أو أرسل رسولا لا يحنث لأنه لا يسمى كلاما عرفا خلافا لمالك وأحمد
واستدلالهم بقوله تعالى { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا } أجيب عنه بأن مبنى الأيمان على العرف
واعلم أن الكلام لا يكون إلا باللسان فلا يكون بالإشارة ولا الكتابة والإخبار والإقرار والبشارة تكون بالكتابة لا بالإشارة والإيماء والإظهار والإفشاء والإعلام يكون بالإشارة أيضا
فإن نوى فى ذلك كله أى في الإظهار والإفشاء والإعلام والإخبار كونه بالكلام والكتابة دون الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى
ولو حلف لا يحدثه لا يحنث إلا أن يشافهه وكذا لا يكلمه يقتصر على المشافهة
ولو قال لا أبشره فكتب إليه حنث
وفى قوله إن أخبرتنى أن فلانا قدم ونحوه يحنث بالصدق والكذب
ولو قال بقدومه ونحوه فعلى الصدق خاصة وكذا إن أعلمتنى وكذا البشارة ومثله إن كتبت إلى أن فلانا قدم فكتب قبل قدومه فوصل إليه الكتاب حنث سواء وصل إليه قبل قدومه أو بعده بخلاف إن كتبت إلى بقدومه لم يحنث حتى يكتب بقدومه الواقع
ذكر هشام عن محمد سألنى هارون الرشيد عمن حلف لا يكتب إلى فلان فأمر من يكتب إليه بإيماء أو إشارة هل يحنث فقلت نعم يا أمير المؤمنين إذا كان مثلك
قال السرخسى وهذا صحيح لأن السلطان لا يكتب بنفسه وإنما يأمر ومن عادتهم بالإيماء والإشارة
ولو حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه لا يحنث عند أبى يوسف ويحنث عند محمد لأن المقصود الوقوف على ما فيه لا عين التلفظ به
ولو حلف لايكلم فلانا وفلانا لم يحنث بكلام أحدهما إلا أن ينوى كلا منهما فيحنث بكلام أحدهما وعليه الفتوى وإن ذكر خلافه
____________________
(5/144)
فى بعض المواضع قوله ومن حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم بالأذن حتى كلمه حنث لأن الإذن مشتق من الأذان أى بالأشتقاق الكبير أو من وقع في الإذن وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع قال المصنف وقال أبو يوسف لا يحنث وهذه رواية عنه كما ذكره الأقطع فى شرحه حيث قال ظاهر قولهم يحنث
وعن أبى يوسف لا يحنث
ووجه هذه الرواية عنه أن الإذن هو الإطلاق وأنه يتم بالآذان كالرضا فإنه لو حلف لا يكلمه إلا برضا فلان فرضى ولم يعلم الحالف حتى كلمه لا يحنث
أجاب المصنف بأن الرضا من عمل القلب ولا كذلك الإذن نعم هو يتضمن الرضا ظاهرا لكن معناه الإعلام بالرضا فلا يتحقق بمجرد الرضا وما نوقض به من أنه ذكر فى التتمة والفتاوى الصغرى إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم يصح الإذن حتى إذا علم يصير مأذونا
دفع بأنه يدل على نقيض مقصود المورد لدلالته على عدم الإذن قبل العلم حيث قال حتى إذا علم صار مأذونا فعرف أنه ليس له قبل العلم حكم الإذن
يدل عليه ما فى الشامل في قسم المبسوط أذن لعبده فلم يعلم به ولا أحد من الناس فتصرف العبد ثم علم بإذنه لم يجز تصرفه غاية ما فيه أن الإذن يثبت موقوفا على العلم فقسط تكلف جوابه
وقوله على ما مر يعنى ما تقدم آنفا من قوله لأن الأذان مستق من الأذان الخ قوله وإن حلف لا يكلمه شهرا فهو أى ابتداء الشهر من حين حلف لأن دلالة حاله وهو غيظه الباعث على الحلف يوجب ترك الكلام من الآن ونظيره إذا أجره شهرا لأن العقود تراد لدفع الحاجة القائمة فى الحال ظاهرا فكان ابتداؤه من وقت العقد ولأنه لو لم يعتبر
____________________
(5/145)
من الحال فسد العقد لجهالة المدة بجهالة ابتدائها وكذا آجال الديون وأما الأجل فى قوله كفلت لك بنفسه إلى شهر اختلف فى أنها لبيان ابتداء المدة أو لانتهائها
فعن أبى يوسف لانتهاء المطالبة فلا يلزم بإحضاره بعد الشهر وألحقاها بآجال الديوان فجعلاها لبيان ابتدائها فلا يلزم بإحضاره قبل الشهر وهو أحسن لأن الأجل فى مثله للترفيه بخلاف ما لو قال والله لأصومن شهرا فإنه نكره فى الإثبات وإنما يوجب شهرا شائعا يعينه الحالف ولا موجب لصرفه إلى الحال
وأما قول المصنف لو لم يذكر الشهر تتأبد فكان ذكر الشهر لإخراج ما وراءه فبقى ما يلى يمينه داخلا عملا بدلالة حاله فظاهره أنه وجه واحد حيث لم يعطف قوله عملا بدلالة حاله بالواو ومن الشارحين من قرره وجهين لأن دلالة الحال وحدها تستقل بصرف الابتداء إلى ما يلى الحلف كما ذكرنا وما قبله وجه آخر وهو أنه لو أطلق تأبد متصلا بالإيجاب
ولا يخفى أن ذكر الشهر لا دلالة له سوى على تقدير المدة الخاصة ثم الزائد عليه منتف بالأصل لا بدلالته على النفى ولو فرض له دلالة على نفى الزائد عليه لم يلزم كون ذلك الزائد هو ما يلى شهرا ابتداؤه من الحال فلذا جعل المصنف قوله عملا بدلالة حاله هو المعين لابتدائها فكان وجها واحدا إلا أنك علمت من تقريرنا أن لا حاجة إلى ما قدمه من لزوم التأبيد والإخراج
وأما ما فرع على استقلال الإخراج مما ذكره التمرتاشى من قوله إن تركت الصوم شهرا أو كلامه شهرا تناول شهرا من حين حلف لأن ترك الصوم والكلام مطلقا يتناول الأبد فذكر الوقت لإخراج ما وراءه وكذا إن لم أساكنه فالكل مشكل بل لو ترك الصوم شهرا فى عمره حنث وإن لم يتركه متصلا بالحلف وهو تحميل اللفظ مالم يوجبه نعم إن كان فى مثله عرف يصرفه إلى الوصل بالحلف وإلا فلا قوله ولو حلف لا يتكلم فقرأ القرآن فى الصلاة لا يحنث وإن قرأ فى غير الصلاة حنث وعلى هذا التسبيح والتهليل والتكبير إذا فعله فى الصلاة لا يحنث وخارجها يحنث وهذا جواب الاستحسان وفى القياس يحنث فيهما وهو قول الشافعى لأنه أى القرآن والذكر كلام حقيقة ولنا أنه فى الصلاة ليس بكلام عرفا ولا شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يحدث من امره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا يتكلم فى الصلاة متفق عليه وأما الحديث الذى ذكره المصنف من قوله صلى الله عليه وسلم إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شىء من كلام الناس فقيل عليه إنما نفى عنها كلام الناس ولا يستلزم نفى الكلام مطلقا وهذا التفصيل جواب ظاهر المذهب ولما كان مبنى الأيمان على العرف وفى العرف المتأخر لا يسمى التسبيح والقرآن أيضا وما معه كلاما حتى أنه يقال لمن سبح طول يومه أو قرأ لم يتكلم اليوم بكلمة اختار المشايخ أنه لا يحنث أيضا بجميع ذلك خارج الصلاة واختير
____________________
(5/146)
للفتوى من غير تفصيل أى تفريق بين عقد اليمين بالعربية والفارسية وما ذكر فى بعض المواضع من أنه لو قال كلما تكلمت بكلام حسن فأنت طالق فقالت بحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر طلقت واحدة ولو قالت بلا عطف سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر طلقت ثلاثا لأنه كلام متعدد بالاستئناف كل بخلاف المعطوف لأنه كلام واحد وقد يدفع بأن الكلام فى مطلق الكلام عرفا لا فيما قيد بقيد أصلا وأما الشعر فإنه يحنث به لأنه كلام منظوم وفى الحديث أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ** ألا كل شىء ما خلا الله باطل ** وكل نعيم لا محالة زائل **
وعرف مما تقدم أنه لا يحنث بالكتابة والإيماء ونحوه قوله ولو قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار فإن كلمة ليلا أو نهارا حنث ثم قال المصنف فى وجهه لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت قال الله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } ولا فرق بين التولية ليلا أو نهارا والكلام لا يمتد قيل فى وجهه لأنه عرض لا يقبل الامتداد إلا بتجدد الأمثال كالضرب والجلوس والسفر والركوب ونحو ذلك وذلك عند الموافقة صورة ومعنى والكلام الثانى يفيد معنى غير مفاد الأول فليس مثلا وما قيل الكلام يتنوع إلى خير واستخبار وأمر ونهى فلا يحمل على الكلام المطلق أنه ممتد فقد يقال ولا يحمل عليه مطلقا أنه غير ممتد إذ كل نوع منه على هذا ممتد على أنه اسم الكلام ليس إلا الألفاظ مفيدة معنى كيفما كان فتحققت المماثلة سواء كان المفاد من نوع الأول أولا وبه يندفع القولان ولذا قال الشيخ عبد العزيز الصحيح أن يقال الطلاق مما لا يمتد لأن الكلام مما يمتد يقال كلمته يوما ولأن اعتبار المظروف أولى من اعتبار المضاف إليه كما فى قوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان وقد تقدم تحقيق هذا الأصل فى الطلاق واختلاف عباراتهم فيه وأن الأولى الاعتبار بالعامل المعتبر واقعا فيه عند تحقق معنى ما أضيف إليه الظرف وعدمه لجعل اليوم لمطلق الوقت وعدمه لأنه هو المقصود الأصلى بخلاف ما أضيف إليه لأنه ليس مقصودا إلا لتعيين ما يتحقق فيه ما قصد إلى إثبات معناه بالقصد الأول واستشكل بما لو قال والله لا أكلم فلانا اليوم ولا غدا ولا بعد غد فكلمه ليلا لا يحنث لأن الليل لم يدخل وكذا لو قال فى كل يوم لم يدخل الليل ذكر ذلك فى التتمة وبه قال الشافعى وهذا لا يرد على ما هو المختار من اعتبار المقصود من التركيب كما ذكرنا بل على ما ذكر المصنف وجوابه أن المراد باليوم فيه النهار فى المسئلة الأولى بدلالة إعادة حرف النفى عند ذكر الغد وإلا لم يكن لذكره فائدة حتى لو قال لا أكلمه اليوم وغدا وبعد غد تدخل الليلة وبه قال الشافعى وهو كقوله ثلاثة أيام وفى المسئلة الثانية ذكر كلمة في فى كل يوم لتجديد الكلام على ما عرف فى أنت طالق فى كل يوم تطلق ثلاثا فى ثلاثة أيام ولو قال كل يوم تطلق واحدة ولا يتحقق التجديد لو أريد باليوم مطلق الوقت قوله وإن عنى النهار خاصة أى بلفظ اليوم دين أى صدق فى القضاء لأنه مستعمل فيه أى لأنه حقيقة مستعملة كثيرا فيقبله القاضى وإن كان فيه تخفيف على نفسه أو هو مشترك بين النهار ومطلق الوقت وعن أبى يوسف لا يدين فى القضاء لأنه خلاف المتعارف فكان خلاف الظاهر فلا يصدق فى القضاء
____________________
(5/147)
قوله ولو قال ليلة أكلم فلانا فهو على الليل خاصة لأنه حقيقة فى سواده كالنهار للبياض خاصة وما نافية وجاء استعماله فى مطلق الوقت كما جاء فى لفظ اليوم وأورد عليه قول القائل ** وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ** ليالى لاقينا جذاما وحميرا ** ** سقيناهم كأسا سقينا بمثلها ** ولكنهم كانوا على الموت أصبرا **
والمراد مطلق الوقت فإن الحرب لم تكن ليلا أجاب شمس الأئمة بأن المذكور الليالي بصيغة الجمع وذكر أحد العددين بصيغة الجمع ينتظم ما بإزائه من الآخر ولا كذلك المفرد يعنى ذكر الليالى ينتظم النهر التى بإزائها كما أن ذكر الأيام ينتظم الليالى التى بإزائها قال تعالى { ألا تكلم الناس ثلاثة أيام } وفى آية أخرى { ثلاث ليال سويا } والقصة واحدة وليس الكلام إلا فى المفرد فإن ذكر الليلة لا يستتبع اليوم ولا بالقلب ونظر فيه بعضهم بأنه يقتضى أن الشاعر قصد أن الملاقاة كانت مستوعبة لليالى تتبعها أيام بقدرها والمتعارف فى مثل هذا الكلام أنه إنما يقصد به الوقت لا الجمع بين الأيام والليالى وليس هذا بشىء لأن الواقع قد يكون أن الحرب دامت بينهم أياما ولياليها وهذا كثير الوقوع فأراد أن يخبر بالواقع فعبر عنه بما يفيده ولا دخل لذلك فى خصوص عرف قوله ولو قال إن كلمت فلانا إلا أن يقدم فلان أو قال حتى يقدم فلان أو إلا أن يأذن فلان أو حتى يأذن فلان فامرأته طالق فكلمه قبل القدوم أو الإذن حنث ولو كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث لأنه غاية أى لأن القدوم والإذن غاية لعدم الكلام لما قدمنا أن فعل الشرط المثبت فى اليمين يكون للمنع منه فيكون فى معنى المنفى به وبالقلب فقوله إن كلمته حتى يقدم بمعنى لا أكلمه حتى يقدم وإن وقع خلاف ذلك فامرأته طالق وإذا كان غاية لعدم الكلام فاليمين معقودة على الكلام حال عدم الإذن فتبقى اليمين ما بقى عدم الإذن الواقع غاية فيقع الحنث بالكلام حال عدمه وينتهى بعد الغاية لأنها مقيدة به فلا يحنث بالكلام بعد محيئه وإذنه أما أن حتى غاية فظاهر
____________________
(5/148)
وإما أن إلا أن غاية فلأن به ينتهى منع الكلام فشابهت الغاية إذا كانت الغاية لمنعه فأطلق عليها اسمها ومثله قوله تعالى { لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم } أى إلى موتهم وقيل هى اسثناء على حالها وفيه شىء وهو أن تقدير الاستثناء فيها إنما يكون من الأوقات أو الأحوال على معنى امرأته طالق فى جميع الأوقات أو الأحوال إلا وقت قدوم فلان أو إذنه وإلا حال قدومه أو أذنه بتقدير مضاف إلى المصدر المنسبك من أن يقدم وأن يأذن فإن تقدير إلا أن يأذن إلا أذنه وهو يستلزم تقييد الكلام بوقت الإذن والقدوم فيقتضى أنه لو كلمه بعد القدوم أو الإذن حنث لأنه لم يخرج عن أوقات وقوع الطلاق إلا ذلك الوقت وهو غير الواقع ثم أورد أن إلا أن شرط لا غاية لأنها شرط فى قوله امرأته طالق إلا أن يقدم زيد فإن المعنى إن لم يقدم زيد وأجيب بأنها إنما تكون للغاية فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله يعنى فتكون فيه للشرط اه وهذا يؤيد ما تقدم من أن الكلام مما يمتد لأنه الشرط هنا بخلاف ما ذكر المصنف ولما كان مظنة أن يعترض بأن الشرط وهو إلا أن يقدم مثبت فالمفهوم أن القدوم شرط الطلاق لا عدمه وجهه شارح آخر فقال وإنما حمل على إن لم يقدم فى مسئلة الطلاق لا على أن قدم لأنه جعل القدوم رافعا للطلاق فيكون القدوم علما على الوقوع وتحقيقه أن معنى التركيب وقوع الطلاق فى الحال مستمر إلى قدوم فلان فيرتفع فيكون قدومه علما على الوقوع قبله والمتحقق من ذلك أن الطلاق يقع حال قدوم فلان وهو المعبر عنه بقولنا إن لم يقدم فحيث لم يمكن ارتفاعه بعد وقوعه بالقدوم وأمكن وقوعه عند عدم القدوم اعتبر الممكن فجعل عدم القدوم شرطا وهو حاصل أنت طالق إن لم يقدم فلا يقع الطلاق إلا أن يومت فلان قبل أن يقدم أو يأذن لأنه مطلق كقوله إن لم أطلقك فأنت طالق قال تاج الشريعة ومهما أمكن المصير إلى هذا المجاز يعنى الغاية لا يصار إلى ذلك المجاز يعنى الشرط لأن فى هذا إجراء المجاز فى مجرد الاستثناء وفى ذلك إجراؤه فى استثناء القدوم لأنا نجعل استثناء القدوم مجازا عن اشتراط عدم القدوم وإجراء المجاز فى الجزء أولى منه فى المجموع قوله وإن مات فلان سقطت اليمين خلافا لأبى يوسف لأن الممنوع منه كلام ينتهى المنع منه بالإذن والقدوم ولم يبق الإذن ولا القدوم بعد موت من إليه الإذن والقدوم متصور الوجود فلم يبق البر متصور الوجود وبقاء تصوره شرط لبقاء اليمين الؤقتة عند أبى حنيفة ومحمد على ما مر وهذا اليمين مؤقتة بوقت الإذن والقدوم إذ بهما يتمكن من البر إذ يتمكن من الكلام بلا حنث فيسقط بسقوط تصور البر وعند أبى يوسف التصور ليس بشرط فعند سقوط الغاية تتأبد اليمين فأى وقت كلمه فيه يحنث فإن قيل لا نسلم عدم تصور البر بموته لأنه سبحانه قادر على إعادة فلان فيمكن أن يقدم ويأذن
____________________
(5/149)
فالجواب أن الحياة المعادة غير الحياة المحلوف على إذنه فيها وقدومه وهى الحياة القائمة حالة الحلف لأن تلك عرض تلاشى لا يمكن إعادتها بعينها وإن أعيدت الروح فإن الحياة غير الروح لأنه أمر لازم للروح فيما له روح قوله ومن حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدا له بعينه إنما أراد من ينسب إليه بالعبودية أو امرأة فلان الخ اعلم أنه إذا حلف على هجران محل مضاف الى فلان كلا يكلم عبد فلان أو زوجته أو صديقه أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب فرسه أو لا يأكل من طعامه فلا شك أن هذه الإضافة فى الكل معرفة لعين ما عقد اليمين على هجره سواء كانت إضافة ملك كعبده وداره ودابته أو إضافة نسبة أخرى غير الملك كزوجته وصديقه فالإضافة مطلقا تفيد النسبة والنسبة أعم من كونها نسبة ملك أو غيره فلا يصح جعل إضافة النسبة تقابل إضافة الملك كما فعل المصنف وغيره لأنه لا تقابل بين الأعم والأخص إلا أن يكون بخصوص عرف اصطلاحى وهو محمل الجعل المذكور للمصنف وإذا كانت هذه الإضافة مطلقا للتعريف فبعد ذلك إما أن يقرن به لفظ الإشارة كقوله لا يكلم عبده هذا أو زوجته هذه أولا فعلى تقدير عدم الإشارة الظاهر أن الداعى فى اليمين كراهته فى المضاف إليه وإلا لعرفه باسم العلم ثم أعقبه بالإضافة أن عرض اشتراك مثل لا أكلم راشدا عبد فلان ليزيل الاشتراك العارض فى اسم راشد أو فلانة زوجة فلان كذلك فلما اقتصر على الإضافة ولم يذكر اسمه ولا أشار إليه كان الظاهر أنه لمعنى فى المضاف إليه وإن احتمل أن يهجر بعضها لذاته أيضا كالزوجة والصديق فلا يصار إليه بالاحتمال وحينئذ فاليمين منعقدة على هجر المضاف حال قيام الإضافة وقت الفعل بأن كان موجودا وقت اليمين ودامت فالإضافة إلى وقت الفعل أو انقطعت ثم وجدت بأن باع وطلق ثم استرد أو لم يكن وقت اليمين فاشترى عبدا فكلمه حنث وكذا لو لم تكن له زوجة فاستحدث زوجة ينبغى أن يحنث فى قول أبى حنيفة ولو ارتفعت النسبة الثابتة التى عنها صححت بأن باع فلان عبده وداره وثوبه ودابته وعادى صديقه وطلق زوجته فكلم العبد والمرأة والصديق لا يحنث وكذا إذا لبس الثوب أو دخل الدار أو ركب الدابة لا يحنث لما قلنا إن اليمين انعقدت باعتبار النسبة القائمة وقت الفعل والحال أنها زائلة عنده وهذا الأصل على قول أبى حنيفة
وأما عند محمد فاليمين منعقدة فى الملوك على الإضافة القائمة وقت الفعل كما ذكرنا وفى إضافة النسبة على القائمة وقت اليمين فتفرغ على هذا أنه لو طلق زوجته وعادى صديقه واستحدث زوجة وصديقا فكلم المستحدث لا يحنث ولو كلم المتروكة حنث وهذا ما نقله المصنف عنه من الزيادات
ووجهه ما جوزناه فى أصل أبى حنيفة من أنهما
____________________
(5/150)
يقصدان بالهجر لانفسها لا لغيرهما فكانت الإضافة لمجرد تعريف الذات المهجورة فلا يشترط دوامها أو وجودها وقت الفعل فتعلق الحكم أى الهجر بعينه كما فى الإشارة فإنه إذا قال زوجة فلان هذه ونحوها مما إضافته إضافة نسبة فالاتفاق أنه يحنث بكلامه بعد انقطاعها كما سيذكر وجه المذكور فى الجامع
لأبى حنيفة ما تقدم من أن الظاهر أن الهجر للمضاف إليه بما ذكرنا من الوجه وأقل ما فى الباب جواز كون هجره لنفسه وأن يكون للمضاف إليه وعلى الأول يحنث وعلى الثانى لا فلا يحنث بالشك فظهر بما ذكرنا أن ما ذكره فى النهاية وغيرها من قوله الأصل فى جنس هذه المسائل أنه متى عقد يمينه على فعل فى محل منسوب إلى الغير بالملك يراعى للحنث وجود النسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه ولا معتبر بالنسبة وقت اليمين إذا لم توجد وقت الفعل وإن كان منسوبا إلى الغير لا بالملك يراعى وجود النسبة وقت اليمين ولا معتبر بها وقت الفعل
ثم وجه الفرق بأن فى إضافة الملك الحامل على اليمين معنى فى المالك لأن هذه الأشياء لا تعادى لعينها وفى إضافة النسبة معنى فيهم لأن الأذى يتصور منهم
واستشكل بأن العبد يتصور منه الأذى
أجيب بأن ابن سماعة ذكر فى نوادره أنه يحنث عند أبى حنيفة لهذا
ووجه الظاهر أن العبد ساقط الاعتبار عند الأحرار فإنه يباع فى الأسواق كالحمار فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه ولا يخفى أنه أعنى هذا الأصل لا يصح إلا لمحمد فقط فإطلاق جعله أصلا لهذه المسائل ليس بصحيح لأن الاقتصار عليه يوهم الاتفاق عليه أو أنه الأصل لصاحب المذهب
هذا وروى أن هشاما أخبر أن محمدا رجع إلى قول أبى حنيفة وقال لا يحنث هذا إذا لم يعينه فلم يذكر الإشارة فأما إن عينه فذكر الإشارة بأن قال عبد فلان هذا أو داره أو امرأته هذه أو صديقه هذا فباع العبد والدار وطلق وعادى فكلمه ودخل لم يحنث فى المملوك من العبد والدار وحنث في غيره من المرأة والصديق عند أبى حنيفة وأبى يوسف وعند محمد وزفر يحنث فى الكل وهو قول الشافعى ومالك وأحمد لأن الإضافة فى الكل للتعريف كما قدمنا والإشارة أبلغ منها فيه لكونها قاطعة للشركة بخلاف التعريف الآخر فلزم اعتبارها وسقوط الأخرى
____________________
(5/151)
وإذا اعتبرت انعقدت اليمين على خصوص العين فلزم الحنث بترك هجرانها بعد الإضافة كما قبله وهما يقولان إن هجران المضاف إذا كان مملوكا ليس لذاته لسقوط اعتبارها فتقيد ببقاء النسبة مع الإشارة وعدمها بخلاف غير المملوك فإنه لما كان مما يعادى لنفسه كما يعادى لغيره فعند عدم الإشارة استوى الحال فلا يحنث بالشك ومع زيادة الإشارة ترجح كون هجره لمعنى فى نفسه فلا يتقيد الحنث بدوام الإضافة لأن كون الداعى إلى اليمين معنى في المضاف إليه في غير ظاهر لعدم التعيين أى لأنه لم يتعين بخلاف ما تقدم وهو إضافة الملك لأن الدعى كما يجوز كونه معنى فى المضاف إليه يجوز كونه نفس المضاف حيث كان صالحا لأن يعادى لنفسه وقوله لغت الإضافة ممنوع وإنما يلزم لو لم تكن لها فائدة أخرى لكن الواقع أن لها فائدة وهى إفادة أن الهجران منوط بنسبته إلى المضاف إليه لغيظ منه فيعتبر كل منها لفائدته
وقد رجح ابن العز قول محمد وزفر بأن العبد وإن كان ساقط المنزلة قد يقصد بالهجران والحالف لو أراد هجرانه لأجل سيده لم يحتج إلى الإشارة فلما أشار
____________________
(5/152)
إليه بقوله هذا علم أن مراده قصده بالهجران قال وكذلك الدار ولكن العبد أظهر لظهور صحة قصده بالهجران كما فى المرأة والصديق انتهى
وما ذكر من أن لكل فائدة ففائدة الإشارة التعريف وفائدة الإضافة بيان مناط الهجر
قد يدفع بأن الإضافة تستقل بالفائدتين فإنها أيضا تعرف الشخص المحلوف على هجره كما تفيد الآخر
وجوابه أن الإشارة كما تفيد التعريف يحصل بها التخصيص أيضا وهذا لا يحصل بالإضافة وحدها فإنه لو قال عبد فلان انعقدت على كل عبد له وفى قوله عبد فلان هذا لا يحنث بكلام عبد آخر لفلان وإن كانت الإضافة تفيد أن سبب هجر العبد نسبته لسيده لكن الحنث فى الأيمان لا يثبت بالقياس بل بفعل عين المحلوف عليه ولو حلف لتعطين هذا الفقير لفقره لم يحنث إذا لم يعط غيره من الفقراء وهذا الخلاف إذا لم تكن له نية أما لو نوى أن لا يدخلها ما دامت لفلان أو لا يدخلها وإن زالت الإضافة فعلى ما نوى لأنه شدد على نفسه فى الثانى ونوى محتمل كلامه فى الأول
وروى شذوذا عن أبى يوسف فى دار فلان هذه أنه يحنث بعد زوال الإضافة وليس بشىء وعنه أيضا لا يحنث بالدار المتجدد ملكها لأن الملك لا يستحدث فيها عادة فإنها آخر ما يباع وأول ما يشترى عادة فتقيدت اليمين بالقائمة فى ملكه وقت الحلف
أجيب بأن العرف مشترك فإن الدار قد تباع وتشترى مرارا فلا يصلح مقيدا
وعنه أيضا أن اليمين تتقيد فى الكل بالقائم فى ملكه وقت الحلف
رواه بشر عنه قال إذا قال دار فلان لا يتناول ما يستحدث ملكه بخلاف قوله دارا لفلان لأن قوله دار فلان تمام الكلام بذكر الإضافة وإلا كان مجملا فلا بد من قيام الملك لفلان وقت يمينه
وفى قوله دارا لفلان الكلام تام بلا ذكر فلان فكان ذكر فلان تقييدا لليمين بما يكون مضافا إلى فلان وقت السكنى ثم فى الحلف لا يسكن دارا لفلان لا يحنث بسكنى دار مشتركة بين فلان وغيره وإن قل نصيب غيره
وفى بعض الشروح لا أتزوج بنت فلان لا يحنث بالبنت التى تولد بعد اليمين بالإجماع وهو مشكل فإنها إضافة نسبة فينبغى أن تنعقد على الموجودة حال التزوج فلا جرم أن فى التفاريق عن أبى يوسف إن تزوجت بنت فلان أو أمته أنه على الموجود والحادث قوله وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه صاحبه ثم كلمه حنث بالإجماع لأن هذه الإضافة لا تحتمل إلا التعريف لأن الإنسان لا يعادى لمعنى فى الطيلسان فصار كما أشار إليه أى إلى صاحب الطيلسان بأن قال لا أكلم هذا الرجل فتعلقت اليمين بعينه والطيلسان معرب تيلسان أبدلوا التاء طاء من لباس العجم مدور أسود لحيته وسداه صوف قوله ومن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخا حنث لأن الحكم معلق بالمشار إليه إذ الصفة فى الحاضر لغو ولا تتقيد بشبيبته
وأراد عليه أنه تقدم لو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعد ما صار تمرا لا يحنث مع أن الصفة
____________________
(5/153)
فى الحاضر لغو فأجاب بقوله وهذه الصفة ليست بداعية الخ يعنى أن الصفة تعتبر فى الحاضر إذا كانت داعية وصفة الرطبية مما تدعو بعض الناس إلى الحلف على تركه فتقيد به بخلاف الشيبة هنا فإنها ليست بداعية على ما تقدم وفى الوجيز لبرهان الدين محمود البخارى حلف لا يكلم صبيا أو غلاما أو شابا أو كهلا فالكلام فى معرفة هؤلاء فى ثلاثة مواضع فى اللغة والشرع والعرف أما اللغة قالوا الصبى يسمى غلاما إلى تسع عشرة ومن تسع عشرة شاب إلى أربع وثلاثين ومن أربع وثلاثين كهلا إلى إحدى وخمسين ومن إحدى وخمسين شيخ إلى آخر عمره وأما الشرع فالغلام لمن لم يبلغ حد البلوغ معلوم فإذا بلغ صار شابا وفتى وعن أبى يوسف أن من ثلاث وثلاثين الكهولة فإذا بلغ خمسين فهو شيخ قال القدورى قال أبو يوسف الشاب من خمس عشرة إلى خمسين سنة إلا أن يغلب عليه الشمط قبل ذلك والكهل من ثلاثين إلى آخر عمره والشيخ فيما زاد على الخمسين وكان يقول قبل هذا الكهل من ثلاثين إلى مائة سنة وأكثر والشيخ من أربعين إلى مائة وهنا روايات أخرى وانتشار والمعول عليه ما به الافتاء & باب فى يمين من حلف لا يكلم حينا أو زمانا
لما كان ما فيه كالتبع لما تقدم ترجمة بالفصل قوله ومن حلف لا يكلمه حينا أو زمانا أو الحين أو الزمان فهو على ستة أشهر فى النفى كلا أكلمه الحين أو حينا والإثبات نحو لأصومن حينا أو الحين أو الزمان أو زمانا
____________________
(5/154)
كل هذا إذا لم ينو مقدارا معينا من الزمان فإن نوى مقدارا صدق لأنه نوى حقيقة كلامه لأن كلا من الحين كلا والزمان للقدر المشترك بين القليل والكثير والمتوسط واستعمل فى كل ذلك ففى القليل قول نابغة ذيبان ** فبت كأنى ساورتنى ضئيلة ** من الرقش فى أنيابها السم ناقع ** ** تبادرها الراقون من سوء سمها ** تطلقه حينا وحينا تراجع **
يريد أن السم تارة يخف ألمه وتارة يشتد وأما فى الكثير فالمفسرون فى { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } أنه أربعون سنة وأما فى المتوسط فقوله تعالى { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } وذلك ستة أشهر عن ابن عباس رضى الله عنه لأن من حين يخرج الطلع إلى أن يصير رطبا ستة أشهر ولما وقع الاستعمال كذلك ولا نية معينة للحالف حملناه على الوسط من ذلك وهو ستة أشهر ولآن اليسير لا يقصد بالحلف وإلا لم يحلف لتحقق الامتناع عنه عادة بلا يمين والمديد وهو أربعون سنة لا يقصد بالحلف عادة لأنه فى معنى الأبد فمريده خارج عن العادة إذ لم يسمع من يقول لا أكلمه أربعين سنة مقيدا بها ولو سكت عن الحين وما معه تأبد فالظاهر أنه حينئذ لم يرد أقل ما ينطلق عليه الاسم من الزمان ولا الأبد ولا الأربعين فيحكم بالوسط فى الاستعمال وهو ما ذكرنا والشافعى يصرفه إلى الأقل وهو ساعة وعرفت أنه لم يقصد والإترك ذكره ويحصل بلا حلف والزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ زمان كما يقال منذ حين وليس المراد من هذا أنه ثبت استعماله لستة أشهر ولأربعين سنة لأقل ما ينطلق عليه بل إنه ثبت استعماله في المديد والقصير والمتوسط وهو أخو الحين في الوضع والاستعمال فى ذلك وإن يكن مثله فى خصوص المدة فيصرف إلى ما سمع متوسطا ثم قيل هذا إن تم فى زمان المنكر لم يتم فى العرف بل الظاهر فيه أنه للأبد كالدهر والعمر ولذا صح الاستثناء منه فلو قال لا أكلمه الزمان إلا سنة صح وعهدية الستة أشهر إنما تثبت فى لفظ الحين وكون الزمان مثله إن أريد فى الوضع فمسلم ولا يفيد لأن المقصود أن يحمل اللفظ عند عدم المعين لخصوص مدة على المدة التى استعمل فيها وسطا وإن أريد فى الاستعمال فيحتاج إلى ثبت من موارد الاستعمال ولم يوجد هذا ويعتبر ابتداء الستة أشهر من وقت اليمين بخلاف لأصومن حينا أو زمانا كان له أن يعين أى ستة أشهر شاء وتقدم الفرق قوله وكذلك الدهر عند أبى يوسف ومحمد يعنى المنكر ينصرف إلى ستة أشهر إذا لم تكن له نية فى مقدار من الزمان فإن كان عمل به
____________________
(5/155)
اتفاقا وقال أبو حنيفة الدهر لا أدرى ما هو وهذا الاختلاف فى المنكر هو الصحيح احترازا عما ذكر الشيخ أبو المعين من رواية بشر بن الوليد عن أبى يوسف أنه قال لا فرق على قول أبى حنيفة بين قوله دهرا والدهر والصحيح أن المعرف بالاتفاق يصرف إلى الأبد وإنما توقفه فى المنكر لأن استعمالاته لم تثبت على الأنحاء الثلاثة المديد والقصير والوسط فلم يدر بماذا يقدر وتقديره بالمتيقن وهو أقل ما ينطلق عليه اسم الزمان فيه من الاستبعاد ما تقدم ولم يثبت توقيت فى زائد عليه فلزم التوقف وقيل لأنه جاء فى الحديث أن الدهر هو الله تعالى فى قوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله فإذا قال لا أكلمه الدهر احتمل أن اليمين مؤبدة والمعنى والله لا أكلمه والله فإنك علمت أن حرف القسم يحذف وينصب الاسم ويحتمل أنه أراد الظرف وهو الأبد وقول الشاعر ** هل الدهر إلا ليلة ونهارها ** وإلا طلوع الشمس ثم غيارها **
فالنكرة وإن كانت فى الإثبات فهى للعموم بقرينة أى كل طلوع وكل غروب الخ وعرف أنها تستعمل فى الإثبات للعموم بقرينة مثل علمت نفس ما أحضرت وهذا الوجه يوجب توقفه فى المعرف أيضا لأن الذى يراد به الله سبحانه وتعالى هو المعرف لا المنكر وتوقفه دليل فقهه ودينه وسقوط اعتباره نفسه رحمنا الله به وقد نظم جملة ما توقف فيه فقال بعضهم ** من قال لا أدرى لما لم يدره ** فقد اقتدى فى الفقه بالنعمان ** ** فى الدهر والخثنى كذاك جوابه ** ومحل أطفال ووقت ختان **
والمراد بالأطفال أطفال المشركين على ما قدمنا فى الجنائز
____________________
(5/156)
فرع إذا قال لا أكلمه العمر فهو على الأبد واختلف جواب بشر بن الوليد فى المنكر نحو عمرا فمرة قال فى لله على صوم عمر يقع على يوم واحد ومرة قال هو مثل الحين ستة أشهر إلا أن ينوى أقل أو أكثر قوله ولو حلف لا يكلمه أياما فهو على ثلاثة أيام ذكره فى الجامع الكبير وذكر فيه أنه بالاتفاق فإنه قال وأجمعوا فيمن قال إن كلمتك دهورا أو أزمنة أو شهورا أو سنين أو جمعا أو أياما يقع على ثلاثة من هذه المذكورات لأنها أدنى الجمع المتفق عليه وذكر فى كتاب الأيمان أنها على عشرة أيام عنده كالمعرف قال الإسبيجابى والمذكور فى الجامع أصح ووجهه المصنف بقوله لأنه اسم جمع منكر فيتناول أقل الجمع وهو الثلاث كما يتناول أكثر منه لكن لا معين للزائد فلزم المتيقن كما لو حلف لا يشترى عبيدا ولا يتزوج نساء يقع على ثلاثة وأورد أن حكاية الاتفاق فى المثل المذكورة توجب عدم توقف أبى حنيفة فى معنى الدهر لأن من لا يدرى معنى المفرد لا يدرى معنى الجمع وهذا ليس بشىء إذ قوله الدهور لثلاثة مما يراد به ليس فيه تعيين معناه أنه ما هو نعم يلزم لكل عاقل نفى أن يراد به الله سبحانه وتعالى لمكان الجمع ومن فروع المنكر حلف لا يكلمه يوما إن حلف قبل الطلوع فهو على ما من الطلوع إلى الغروب وإن حلف بعده فهو على مامن وقت حلفه إلى مثله من اليوم الثانى ويدخل الليل فإن كلمه ليلا حنث ولو قال اليوم وقع على بقية يومه ولو حلف لا يكلمه يومين دخل الليل سواء حلف بعد الطلوع أو قبله والجواب فى الليل مثله فى اليوم قوله ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبى حنيفة وكذلك الجمع والشهور والسنين والدهور والأزمنة للتعريف ينصرف إلى عشرة من تلك
____________________
(5/157)
المعدودات ففى غير الأزمنة ظاهر وفى الأزمنة يلزمه خمس سنين لأن كل زمان ستة أشهر عند عدم النية وقالا فى الأيام ينصرف إلى أيام الأسبوع وفى الشهور إلى اثنى عشر شهرا وفى الجمع والنسين والدهور والأزمنة ينصرف إلى جميع العمر وهو الأبد وجه قولهما أن اللام للعهد إذا أمكن وإذا لم يمكن صرفت إلى الاستغراق والعهد ثابت فى الأيام السبعة فانصرفت الأيام إليها وفى الشهور شهور السنة فينصرف التعريف إليها ولا عهد فى خصوص فيما سواهما فينصرف إلى استغراق الجمع والسنين والدهور والأزمنة وذلك هو جميع العمر أو هى للعهد فيها أيضا فإن المعهود بعد ما ذكرنا ليس إلا العمر وهو قول المصنف لأنه لا معهود دونه أى دون العمر وحاصله استغراق سنى العمر وجمعه وله أنه جمع معرف باللام فينصرف إلى أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع على اليقين وذلك عشرة وعهديته كذلك فيما إذا وقع مميز العدد قبله فإنه يقال ثلاثة أيام فيكون لفظ أيام مرادا بها الثلاثة بيقين وكذا أربعة أيام وخمسة أيام إلى عشرة فكانت العشرة منتهى ما قطع بإرادته بلفظ الجمع فيما لا يحصى من الاستعمالات فكان معهودا من لفظ الجمع بخلاف قوله تعالى { وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما } و { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا } فإن الجمع هنا وإن أريد به يقينا ما يزيد على العشرة لكنه بوجود ذلك مرادا مرة لا يصير معهودا من اللفظ بحيث يصرف إليه متى ذكر بلا معين وكان المعهود مما يستعمل فيه لفظ الجمع يقينا مستمرا ليس إلا العشرة فما دونها والعشرة منتهى ما عهد شائعا إرادته به قطعا فيجب الحمل عليه وبخلاف ما إذا لم يقع مميزا لعدد نحو { وتلك الأيام نداولها بين الناس } حيث أريد به جميع الأيام فإن اللام فيه للجنس على سبيل الاستغراق ولا ينكر أن يراد باللام ذلك لكن المقرر أنه حيث أمكن العهد حمل عليه دون الجنس والاستغراق والعهد ثابت فيما يراد بالجمع عند عدم قرينة والفرض أن الحالف لم يرد شيئا بعينه فالواجب أن يصرف إلى المعهود المستمر وإنما اعتبر أقصى المعهود وإن كان ما دونه معهودا أيضا لأنه كما عهد استعماله مميزا فى العشرة عهد فيما دونها لاستغراق اللام ولما كان الاستغراق الذى حكم به عند عدم العهد إنما ثبت لأن مدخول اللام لما لم يكن عهد ولا قرينة تعين غير الاستغراق من المراتب حتى صرف إلى الجنس الصالح للقليل والكثير كان للاستغراق وهنا أيضا كذلك لما انصرف إلى المعهود والمعهود كل مرتبة من المراتب التى أولها ثلاثة وأقصاها عشرة ولا معين كانت لاستغراق المعهود وبهذا التقرير يندفع ما أورده ابن العز من قوله وهذا أى كونه أقصى ما يراد به العشرة إنما يكون عند ذكر العدد وإذا لم يذكر يسمى الزائد عليه بالجمع بلا ريب وذكر شاهد ذلك قوله تعالى { وتلك الأيام نداولها } و { إن عدة الشهور } قال وليس فى قول الحالف لا أكلمه الشهور اسم العدد فلا يصح أن يقال إنه أقصى ما يذكر بلفظ الجمع وكذلك الأيام وإنما قلنا إنه اندفع لأنك علمت أن القصد تعيين ما عهد مرادا بلفظ الجمع على وجه الاستمرار ليحمل عليه لفظ الجمع الخاص عند عدم إرادة شىء بعينه فكون لفظ أريد به غير ما عهد مستمرا كثيرا لا يوجب نفى عهديته فى غيره وأما مشاحته الخبازى حيث قال الخبازى اسم الجمع للعشرة وما دونها إلى الثلاثة حقيقة حالتى الإطلاق واقترانه بالعدد ولما زاد على العشرة عند الإطلاق عن العدد والاسم متى كان للشىء فى جميع الأحوال كان أثبت مما هو اسم له فى حال دون حال فليست بشىء فإنه دفع كلامه هذا بقوله كأنه لم يبلغه الفرق بين الجمع واسم الجمع فلهذا قال إنه للعشرة وما
____________________
(5/158)
دونها حقيقة فى حالين ولما فوقها فى حالة واحدة وإنما قالوا هذا فى بعض أسماء الجموع أنه يطلق من الثلاثة إلى العشرة كما فى رهط وذود ونفر إلى آخر ما ذكره ولم يعلم أن الإضافة فى قول الخبازى اسم الجمع بيانية والمعنى الاسم الذى هو الجمع ومثل هذا فى عبارات جميع أهل الفنون أكثر وأشهر من أن يخفى على ناظر فى العلم فحاصل كلام الخبازى أن الجمع فى العشرة فما دونها أثبت منه فما زاد عليه لأن الأول يراد به فى حالتين والثانى فى حالة يعنى فكان الحمل على ما عهد له فى الحالتين عند عدم المعين لازما وحقيقة ما ذكرناه فى مبدأ التقرير شرح له والله الموفق نعم لقائل أن يرجح قولهما فى الأيام والشهور بأن عهدهما أعهد وذلك لأن عهدية العشرة إنما هو للجمع مطلقا من غير نظر إلى مادة خاصة يعنى الجمع مطلقا عهد للعشرة فإذا عرض فى خصوص مادة من الجمع كالأيام عهدية عدد غيره كان اعتبار هذا المعهود أولى وقد عهد فى الأيام السبعة وفى الشهور الاثنى عشر فيكون صرف خصوص هذين الجمعين إليهما أولى بخلاف غيرهما من الجموع كالسنين والأزمنة فإنه لم يعهد فى مادتيهما عدد آخر فيصرف إلى ما استقر للجمع مطلقا من إرادة العشرة فما دونها فإن قيل هذه مغالطة فإن السبعة المعهودة نفس الأزمنة الخاصة المسماة بيوم السبت ويوم الأحد إلى آخره والكلام فى لفظ أيام إذا أطلق على عهد منه تلك الأزمنة الخاصة للسبعة لا شك فى عدم ثبوته فى الاستعمال إذ لم يثبت كثرة إطلاق لفظ أيام وشهور ويراد به يوم السبت والأحد إلى الجمعة والمحرم وصفر إلى آخرها على الخصوص بل الأزمنة الخاصة المسميات متكررة وغير متكررة وغير بالغة السبعة بحسب المرادات للمتكلمين فالجواب منع توقف انصراف اللام إلى العهد على ما تقدم العهد عن لفظ النكرة بل أعم من ذلك بل لا فرق بين تقدم العهد بالمعنى عن اللفظ أولا عنه فإنه إذا صار المعنى معهودا بأى طريق فرض ثم أطلق اللفظ الصالح له معرفا باللام انصرف إليه وقد قسم المحققون العهد إلى ذكرى وعلمى ومثل الثانى بقوله تعالى { إذ هما في الغار } فإن ذات الغار هى المعهودة لا من لفظ سبق ذكره بل من وجود فيه وعلى هذا فيجب جعل ما سماه طائفة من المتأخرين بالعهد الخارجى أعم مما تقدم ذكره أو عهد بغيره كما ذكرنا ونظير هذا قولنا العام يخص بدلالة العادة فإن العادة ليست إلا عملا عهد مستمرا ثم يطلق اللفظ الذى يعمها وغيرها فيقيد بها لعهديتها عملا لا لفظا ولا قوة إلا بالله قوله ومن قال لعبده إن خدمتنى أياما كثيرة فأنت حر فالأيام الكثيرة عند أبى حنيفة عشرة أيام لأنه أكثر ما تناوله اسم الأيام على اليقين على ما تقدم وقالا سبعة أيام لأن ما زاد عليها تكرار وقد يقال قد تقدم فى قضاء الفوائت أن الكثرة بالدخول
____________________
(5/159)
فى حد التكرار ومقتضاه إن نظر إلى الكثرة بهذا المعنى هنا أن لايحنث إلا بثمانية أيام وإنما لم ينظر إلى الكثرة من جهة العرف لأن العرف مختلف فربما يقال فى السبعة كثيرة وربما يقال قليلة وكذا العشرة والعشرون فإنه يقال باعتبارات ونسب لم تنضبط وصورة المسئلة أن لا نية للقائل فى مقدار الكثير ففرع كل على أصله ثم قال أبو اليسر أما بلساننا فلا يجىء هذا الاختلاف بل يصرف إلى أيام الجمعة بالاتفاق حتى لو قال لعبده اكر خدمت كنى مراروز هاى بسيازتوازاوى إذا خدم سبعة أيام يعتق لأن فى لساننا تستعمل مع جميع لأعداد لفظة روز فلا يجىء ما قال أبو حنيفة من انتهاء الأيام إلى العشرة وهذا حسن والله أعلم
فروع قال أول يوم من هذا الشهر فهو على السادس عشر منه وآخر يوم من أول هذا الشهر يقع على الخامس عشر منه وجمع وسنون منكر يقع على ثلاث بالاتفاق ولو حلف ليفعلن كذا عند رأس الشهر أو عند رأس الهلال إو أذا أهل الهلال ولا نية فله الليلة التى يهل فيها ويومها وإن نوى الساعة التى أهل فيها صحت نيته لأنه حقيقة كلامه وفيه تغليظ عليه ولو قال أول الشهر ولا نية له فله من اليوم الأول إلى خامس عشره وإن قال آخر الشهر فمن سادس عشره إلى آخره أو غرة الشهر فالليلة الأولى واليوم الأول فى العرف وإن كان فى اللغة للأيام الثلاثة أو سلخ الشهر فالتاسع والعشرون وإن قال صلاة الظهر فله وقت الظهر كله وعند طلوع الشمس له من حين تبدو إلى أن تبيض وإن قال وقت الضحوة فمن حين تبيض إلى أن تزول ففى أى وقت فيما بين ذلك فعل بر وإن قال المساء فقد تقدم أن المساء مساءان ولو قال فى الشتاء ونحوه فعن محمد إن كان عندهم حساب يعرفون به الشتاء والربيع والصيف والخريف فهو على حسابهم وإن لم يكن فالشتاء ما يشتد فيه البرد على الدوام والصيف ما يشتد فيه الحر على الدوام فعلى هذا القياس الخريف ما ينكسر فيه الحر على الدوام والربيع ما ينكسر فيه البرد على الدوام وقال أبو الليث قال محمد ليس عندنا شىء فى معرفة الصيف إنما يرجع فيه إلى قول الناس فإذا قالوا بأجمعهم ذهب الشتاء والصيف فهو كذلك يعتبر العرف في هذه المسائل وفي الواقعات والمختار انه اذا كان الحالف في بلد لهم حساب يعرفون به الصيف والشتاء مستمرا ينصرف إليه وإلا فأول الشتاء ما يلبس الناس فيه الحشو والفرو وآخره ما يستغنى الناس فيه عنهما والفاصل بين الشتاء والصيف إذا استثقل ثياب الشتاء واستخف ثياب الصيف والربيع من آخر الشتاء إلى أول الصيف والخريف من آخر الصيف إلى أول الشتاء لأن معرفة هذا أيسر للناس وقيل إذا كان على الأشجار أوراق وثمار فهو صيف وإذا بقى الأوراق دون
____________________
(5/160)
الثمار فخريف وإذا لم يبق عليها أوراق فالشتاء وإذا خرجت الأوراق دون الثمار فالربيع وهو إذا خرجت الأزهار ولو قال إلى وقوع الثلج أراد وقت وقوعه فعلى ذلك وهو الشهر الذى يقال له بالفارسية أذار فإن لم يكن له نية أو نوى حقيقة وقوعه فعلى حقيقة الوقوع وهو الشهر الذى يحتاج فيه إلى كنسه ولا يعتبر ما يطير فى الهواء ومالا يستبين على وجه الأرض ولو وقع الثلج فى بلد غير بلد الحالف لا يعتبر بل المعتبر وقوعه فى بلدته حتى لو كان الحالف فى بلدة لا يقع بها ثلج تأبدت اليمين ولو قال إلى قدوم الحاج فقدم واحد منهم أنتهت اليمين ولو ذكر ليلة القدر فإن كان لا يعرف اختلاف العلماء فيها فعلى السابعة والعشرين من شهر رمضان وبه أخذ الفقيه أبو الليث وإن كان لا يعرف لا ينصرف إليها والخلاف فيه معروف بين علمائنا فإن كان حلف فى أثناء الشهر لا يحنث عندهما حتى يجىء مثله من رمضان القابل وعند أبى حنيفة حتى يمضى كل رمضان القابل وعليه الفتوى وهذا بناء على أنها في رمضان عند الكل لكنه يقول تتقدم وتتأخر وعندهما فى ليلة بعينها لا تتقدم ولا تتأخر لكن لا تعرف & باب اليمين فى العتق والطلاق
لما كثر وقوع الحلف بالطلاق والعتاق بعد ما تقدم قدمه على ما بعده قوله ومن قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولدا ميتا طلقت وكذا إذا علق به عتق أمة لأن بولادة الميت يتحقق الشرط لأن الميت ولد حقيقة وهو ظاهر وشرعا حتى تنقضى به العدة وتصير به نفساء إذا رأت الدم فتحرم الصلاة عليها وتصير به الأمة أم ولد وفى الحديث من رواية أبى عبيد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فى السقط يظل محبنطئا على باب الجنة حتى يدخل أبواه الجنة يروى بالهمزة وهو العظيم البطن المنتفخ أى ينفخ بطنه من الامتلاء من الغضب وبلا همز هو المتغضب المستبطىء للشىء والفعل منهما احبنطأ مهموزا واحبنطى مقصورا ومن هذا يؤخذ أن السقط له حكم الولد وكذلك هو فى الحكم فلو أسقطت سقطا استبان بعض خلقه طلقت وعتقت أيضا لأنه ولد حتى
____________________
(5/161)
صارت الأمة به أم ولد ولو لم يستبن شىء من خلقه لا يعتبر وتقدم حكمه فى الحيض قوله ولو قال إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحى وحده عند أبى حنيفة وقال لا يعتق واحد منهما لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت على ما بينا آنفا لكنه ليس محلا للعتق فتنحل اليمين به ولا ينزل الجزاء كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فأبانها فانقضت عدتها فدخلت انحلت اليمين ولا يحنث حتى لو رجعت فدخلت لا يقع ولأبى حنيفة أن الشرط ليس إلا الولد الحى هنا بخلاف ما قبله وهذا لأنه جعل الجزاء وصفا للموصوف بالشرط وهو الولد وهذا الوصف الخاص وهو الحرية لا يكون الا في الحى فتقيد الموصوف بالشرط بالحياة والا لغى الكلام فكأنه قال إذا ولدت ولدا حيا بخلاف جزاء الطلاق للأم وحريتها لأنه لا يصلح مقيدا للولد بالحى لأن الحرية والطلاق واقع وصفا لغيره فلا يلزم تقييده به وأورد عليه ما لو قيل إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا لغيره ثم عبدا لنفسه لا يعتق الثاني لانحلال اليمين بالأول ولم يتقيد ضرورة وصفه بالحرية بعبد لنفسه أجيب بأن المشتري لغيره محل للإعتاق لصحة ثبوته فيه موقوفا على إجازة مالكه فانحلت اليمين به ولم يحتج إلى إضمار الملك فيه أما الميت فلا يصح إيجاب العتق فيه لا موقوفا ولا غيره وبهذا يقع الجواب عما قد يورد من أن قوله إن دخلت فأنت طالق فإن الموصوف بالجزاء هو الموصوف بالشرط ومع هذا لو أبانها فانقضت عدتها فدخلت انحلت ولم يقع بعد ولم يضمر قوله إن دخلت الدار فى عصمتى ونحوه لأنها بعد انقضاء العدة محل لمثل هذا المعنى لأنه لو قال إن تزوجتك فأنت طالق صح وتوقف على نكاحها فتطلق عنده بذلك الطلاق وفى الإيضاح لو قال أول عبد دخل على فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم عبد حى يعتق الحى ولم يذكر الخلاف والصحيح
____________________
(5/162)
أنه على الاتفاق لأن العبودية لا تبقى بعد الموت ولو قال أول عبد أملكه فهو حر فاشترى عبدا ونصفا معا عتق التام
بخلاف ما لو قال أول كر أملكه فهو هدى فملك كرا ونصفا كذلك لم يهد شيئا لأن النصف يزاحم كل نصف من الكر لأنه مع كل نصف منه كر بخلاف نصف العبد فإنه متصل بالنصف الآخر فيكمل العبد بنصفيه ذكره التمرتاشى والمرغينانى قوله وإذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق لأن الأول اسم لفرد سابق فتحقق بشرائه شرط العتق فيعتق فإن اشترى عبدين معا ثم آخر لم يعتق واحدا منهم لانعدام التفرد فى الأولين والسبق فى الثالث فانعدمت الأولية فيه ولو كان قال أول عبد أشتريه وحده فهو حر عتق الثالث لأنه يراد به التفرد به فى حالة الشراء لأن وحده للحال لغة فيقيد عامله وهو الشراء بمعناه فيفيد أن الشراء فى حال تفرد المشترى وهو صادق فى الثالث فيعتق بخلاف ما لو قال أول عبد أملكه واحدا لا يعتق الثالث لأن واحدا يحتمل التفرد فى الذات فيكون حالا مؤكدة لأن الواقع كونه كذلك فى ذاته فلا يعتق لأن كلا من الأولين كذلك فإنه أول بهذا المعنى فإنه فى ذاته فرد واحد وسابق على من يكون بعده فلم يكن الثالث أولى بهذا المعنى ويلزم على هذا أنه لو قصد هذا المعنى يعتق كل من الاثنين السابقين ويحتمل كونه بمعنى الانفراد فى تعلق الفعل به فتكون مؤسسة فيعتق لأنه المنفرد فى تعلق الفعل بخلاف الأولين فلا يعتق بالشك
وقيل لأنه يحتمل أن يكون حالا من العبد وأن يكون حالا من المالك أى حال كونى منفردا فلا يعتق بالشك إليه أشار شمس الأئمة وقاضيخان قوله وإن قال آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ومات المولى لم يعتق لأن الآخر فرد لاحق والفرض أن لا سابق لهذا
____________________
(5/163)
العبد فلا يكون لاحقا فلم يتحقق مناط العتق فلم يعتق وهذه المسئلة مع التى تقدمت تحقق أن المعتبر فى تحقيق الآخرية وجود سابق بالفعل وفى الأولية عدم تقدم غيره لا وجود آخر متأخر عنه وإلا لم يعتق المشترى فى قوله أول عبد أشتريه فهو حر إذا لم يشتر بعده غيره ولو اشترى عبدا ثم عبدا فى قوله آخر عبد أشتريه فهو حر ثم مات المولى عتق الآخر اتفاقا لأنه فرد لاحق لم يعقبه غيره
واختلفوا فى وقت عتقه فقال أبو حنيفة يعتق من يوم اشتراه حتى يعتبر عتقه من جميع المال إن كان اشتراه فى الصحة وإلا عتق من الثلث وقالا يعتق يوم مات المولى حتى يعتبر عتقه من الثلث سواء اشتراه فى الصحة أو المرض
وحه قولهما أن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده إلى الموت فصار كأنه قال إن لم أشتر بعدك آخر فأنت حر ولو قاله كان الشرط متحققا عند الموت فيقتصر عليه فكذا إذا كان معناه ثابتا
ولأبى حنيفة أن الموت معرف للشرط وليس بشرط وإنما الشرط اتصافه بالآخرية وهذه الصفة حصلت له من وقت الشراء إلا أن هذه الصفة بعرضية الزوال بأن يشترى بعده غيره فإذا مات ولم يشتر تبين أنه كان آخرا من وقت الشراء فتبين به أنه عتق من ذلك الوقت كما لو قال لامرأته إن حضنت فإنت طالق فرأت الدم لا يحكم بطلاقها فى الحال بل حتى يمتد ثلاثة أيام فإذا امتد ظهر أنها طلقت حين رأت الدم حيث ظهر أن ذلك الدم كان حيضا وكون صفة الآخرية إنما تثبت بعدم شراء غيره وأن العدم لا يتحقق إلا بالموت صحيح لكنه لم يجعل الشرط عدم الشراء بل أمر آخر لا يتحقق ظهوره إلا به فلا يقع عنده مقتصرا إلا لو كان هو نفس الشرط فإذا كان المظهر لتحقق الشرط ثبت عنده مستندا وعلى هذا الخلاف إذا قال آخر امرأة أتزوجها فهى طالق ثلاثا فتزوج امرأة ثم أخرى ثم مات يقع عند الموت مقتصرا عندهما ومستندا عنده وفائدته أى فائدة هذا الخلاف تظهر فى حرمان الإرث وعدمه فعندهما ترث لأنه يجعل فارا حيث حكما بطلاقها فى أخر نفس من حياته ويلزمه مهر واحد إن كان دخل بها وكذا إن لم يكن دخل بها لانتهاء النكاح بالموت وتعتد عدة الوفاة والطلاق عند محمد وعند أبى يوسف عدة الطلاق لا غير ولو كان الطلاق رجعيا كان عليها عدة
____________________
(5/164)
الوفاة وعنده لا ترث لأنها طلقت ثلاثا وقت تزوجها حتى لو دخل بها لزمه مهر بالدخول ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول وتعتبر عدة الطلاق وهذا بخلاف قوله إن لم أتزوج عليك فإنه إذا مات يقتصر طلاقها على الحال بالاتفاق لأنه صرح بكون الشرط عدم التزوج وهو أن يموت قبله فيتحقق به الشرط وليس مثل الأول لأن مع آخر جزء من حياته آخر جزء من العدم المجعول شرطا فلم يكن العدم السابق تمام الشرط إذا ما لم يتم آخر الشرط لا يتحقق الشرط بخلاف الآخرية فإنها تتم بذلك الشرط إلى آخر ما ذكرناه
ولو قال آخر امرأة أتزوجها فهى طالق فتزوجها ثم أخرى ثم طلق الأولى وتزوجها ثم مات لم تطلق هى وتطلق التى تزوجها مرة لأن التى أعاد عليها التزوج اتصفت بالأولية فلا تتصف بالآخرية كقوله آخر عبد أضربه وضرب عبدا ثم آخر ثم أعاد الضرب على الأول ثم مات عتق الذى ضربه ثانيا لا المعاد عليه قوله ولو قال كل عبد بشرنى بولادة فلانة فهو حر فبشره ثلاثة متفرقين أى متعاقبين عتق الأول منهم فقط لأن البشارة إنما تحققت منه لأنها اسم لخبر يغير بشرة الوجه ويشترط كونه سارا فى العرف وأما فى اللغة فهو ما يغير البشرة سارا اكان أو ضارا
قال تعالى { فبشرهم بعذاب أليم } ولكن إذا وقع بما يكره قرن بذكر ما به الوعيد كما فى الآية المذكورة فلو ادعى أنه فى اللغة أيضا خاص بالمحبوب وما ورد فى المكروه فمجاز دفع بمادة اشتقاقه وهى البشرة فإنها تفيد أن لذلك الخبر أثرا فى البشرة ولا شك أن الإخبار بما يخافه الإنسان يوجب تغير بشرته فى المشاهد المعروف كما يتغير بالمحبوب إلا أن على العرف بناء الأيمان وإن بشروه معا عتقوا لأن البشارة تحققت من الكل قال تعالى { وبشروه بغلام عليم } فنسبها إلى جماعة فحقيقتها تتحقق بالأولية من فرد أو أكثر وأصله ما روى أنه صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود وهو يقرأ القرآن فقال صلى الله عليه وسلم من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد فابتدر إليه أبو بكر وعمر بالبشارة فسبق أبو بكر عمر فكان ابن مسعود يقول متى ذكر بشرنى أبو بكر وأخبرنى عمر ولو كان مكان البشارة إخبار بأن قال إن أخبرنى والباقى بحاله عتق الكل ثم إن عدى بالباء بأن قال إن
____________________
(5/165)
أخبرنى بقدوم فرن اشترط فيه الصدق لإفادتها إلصاق الخبر بنفس القدوم ولا يخفى أنها إنما يتصور لصوقها الإخبار بنفسه يعنى بنفس القدوم لفظا وهو الواقع فى الكذب فاشترط الصدق بناء على أن تحقق الإلصاق إنما يكون بإلصاق الإخبار بنفس الواقع بخلاف ما لو قال إن أخبرنى أن فلانا قدم عتق كل من أخبره صدقا أو كذبا
وقد أورد على اشتراط الصدق فى البشارة أن تغير البشرة كما يحصل بالأخبار السارة صدقا كذلك يحصل كذب
وأجيب بما ليس بمفيد والوجه فيه نقل اللغة والعرف قوله ولو قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوى به كفارة يمينه لم يجزه لأن وقوعه كفارة يحتاج إلى نية الكفارة وهذه النية يشترط قرانها بعلة العتق وهى اليمين وهذا تساهل فإن علة العتق هو قوله هو حر وهو جزء اليمين فإن اليمين هو مجموع التركيب التعليقى وإذا كان الشرط ذلك والفرض أنه لم ينو عند التكلم به بل عند مباشرة الشرط لم يحصل شرط الكفارة فلم يجز عنها وهذا لأن العتق وإن كان ينزل عند وجود الشرط لكنه إنما ينزل بقوله أنت حر السابق فإنه العلة اما الشراء فشرط عملها فلا يعتبر وجود النية عنده فصار كما لو قال عبدى حر بلا نية ثم نوى عن كفارة لا يجزيه لأن النية شرط متقدم لا متأخر وإنما صحت فى الصوم على خلاف القياس حتى لو كان نوى عنده إذا اشتريته فهو حر عن كفارة يمينى فاشتراه عتق عنها وكذا لو قال هو حر أشتريه يريد عن كفارتى
واورد عليه ان الجزاء المعلق إنما ينعقد علة عند الشرط والشراء هو الشرط وقد قرنت النية بالعلة فينبغى أن يقع عنها لقرآن النية بالعلة
فالجواب نه لما كان قبل الشرط بعرضية أن يصير علة اعتبر الشرع له حكم العلية حتى اعتبرت الأهلية عنده اتفاقا فلو كان مجنونا عند وجود الشرط وقع الطلاق والعتاق ولو كان مجنونا عند التعليق لم يعتبر أصلا فلذا يجب أن تعتبر النية عنده قوله وإن اشترى أباه ينويه عن كفارة يمينه أجزأه عندنا خلاف لزفر والشافعى ومالك واحمد وهو قول أبى حنيفة أولا لأن العلة للعتق هى القرابة المحرمة لا شراء القريب لأنها التى ظهر أثرها فى وجوب الصلة كالنفقة فهى المؤثرة فى العتق وإنما الملك شرط عملها سواء حصل بطريق الشراء أو غيره كالهبة والإرث وأما أن يكون الشراء نفس العلة فلا لأنه لإثبات الملك والعتق لإزالته وبينهما تناف فلا يكون العتق مقتضاه
ولنا أن شراء القريب إعتاق لما روى الستة إلا البخارى كلهم من حديث سهل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه
____________________
(5/166)
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه يريد فيشتريه فيعتق هو عند ذلك الشراء وهذا للإجماع على أنه لا يحتاج فى إثبات عتقه إلى إعتاق زائد بعد الشراء ولا شك أن القرابة ظاهرة الأثر فيه شرعا وقد رتب عتقه على شرائه بالفاء لما علمت من أن المعنى فيعتق هو فهو مثل سقاة فأرواه
والترتيب بالفاء يفيد العلية على ما عرف مثل سها فسجد وزنى ماعز فرجم كما بينا فى وجه قول زفر وغيره وقد ثبت أن الملك أيضا كذلك بالنص مع أنه يشتمل على عين حكمته وذلك أن فى ترتيب العتق عليه تحصيلا لدفع مفسدة القطيعة الحاصلة بملكه إياه كالبهائم والأمتعة ولمصلحة الصلة وهذه عين حكمة القرابة التى بها كانت علة العتق فوجب كون مجموع القرابة والملك علة العتق ولذا جمعنا بينهما واشتهرت عبارتنا القائلة شراء القريب إعتاق غير أن الشراء علة العلة أى علة جزء العلة
ولما كان الشراء الاختيارى هو الجزء الأخير من العلة بخلاف القرابة أضيف الحكم إليه ولزمت النية عنده فإذا نوى عند الشراء أنه يشتريه عن كفارته صح بخلاف ما إذا ملك الأب وغيره بالإرث فإن الملك يثبت فيه بلا اختيار فلا يتصور النية فيه فلا يعتق عن كفارته إذا نواه لأنها نية متأخرة عن العتق على ما تقدم بخلاف ما إذا وهب له أو أوصى له به أو تصدق به عليه فنوى عند القبول أن يعتق عن كفارته فإنه يصح لسبقها مختارا فى السبب وبما ذكرنا من الترتيب ظهر فساد قولهم العتق مستحق بالقرابة لأن العتق لا يثبت قبل تمام العلة وأما المنافاة التي ذكرت فى قولهم الشراء يوجب الملك والإعتاق إزالته فهو بناء على ظاهر اللفظ فى قولنا شراء القريب إعتاق وقد علمت أنه إنما يوجب الملك فى القريب وملك القريب علة العتق فالإضافة إليه إضافة إلى علة بعيدة والمنافاة إنما تثبت لو كان إزالة الملك نفس موجب الشراء أولا وبالذات وكان الأليق بهذه المسئلة وما بعدها فصل الكفارة قوله ولو اشترى أم ولده لم تجزه عن الكفارة وإن نوى عند الشراء كون عتقها عن كفارة يمينه قالوا ومعنى المسئلة أن يكون تزوج أمة لغيره
____________________
(5/167)
فأولدها بالنكاح ثم يقول لها إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يمينى ثم اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط وهو الشراء ولا تجزيه عن الكفارة وإنما صورت هكذا لأنه يريد الفرق بين شراء القريب عن الكفارة وشراء أم الولد وإلا فالحاصل أن عتق أم الولد عن الكفارة لا يجزى معلقا ولا منجزا والفرق بين الشراءين مع أن الشراء فى الفصلين مسبوق بما يوجب العتق من وجه وهما القرابة والاستيلاد أن أم الولد استحقت العتق بالاستيلاد حتى جعل إعتاقا من وجه قال صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها فهى قبل الشراء قد عتقت من وجه فلم يكن عتقها بالشراء أو تنجيزا إعتاقا من كل وجه دون وجه
والواجب بالحنث فى اليمين وغيره من الكفارات إعتاق من كل وجه بخلاف شراء القريب فإنه إعتاق من كل وجه لأنه لم يكن قبل الشراء أعتق من وجه بخلاف ما لو قال لقنة إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يمينى حيث تجزيه إذا اشتراها لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل إضافة العتق إلى الكفارة وقد قارتته النية فكمل الموجب قوله ومن قال إن تسريت جارية فهى حرة اعلم أن التسرى هنا تفعل من السرية وهو اتخاذها والسرية إن كانت من السرور فإنها تسر بهذه الحالة ويسر هو بها أو من السر والسيادة فضم سينها على الأصل وإن كانت من السر بمعنى الجماع أو بمعنى ضد الجهر فإنها قد تخفى عن الزوجات الحرائر فضمها من تغيرات النسب كما قالوا دهرى بالضم فى النسبة إلى الدهر وفى النسبة إلى السهل من الأرض سهلى بالضم والفعل منه بحسب اعتبار مصدره فإن اعتبر التسرى قيل تسرى بإبدال الياء ألفا
____________________
(5/168)
لتحركها وانفتاح ما قبلها وإن اعتبر التسرر قيل تسرر وكان القياس أن لا يقال ألا تسرى فى المصدرين لأنه اتخاذ السرية لكن لوحظ فيه أصل السرية وهو السرور أو السر فاستعمل براءين بإبدال الياء راء وخصت لأنها هى الأصل ومنه ما ذكره ابن الأثير عن عائشة وسئلت عن المتعة فقالت لا نجد فى كتاب الله تعالى إلا النكاح والاستسرار والقياس الاستسراء بهمزة هى بدل الياء الواقعة طرفا بعد ألف ساكنة كهمزة كساء ومعنى التسرى عند أبى حنيفة ومحمد أن يحصن أمته ويعدها للجماع أفضى إليها بمائة أو عزل عنها
وعند أبى يوسف ونقل عن الشافعى رحمهما الله تعالى أن لا يعزل ماءه مع ذلك فعرف أنه لو وطىء أمة له ولم يفعل ما ذكرنا من التحصين والإعداد لا يكون تسريا وإن لم يعزل عنها وإن علقت منه
لنا أن مادة اشتقاقه سواء اعتبرت من السرور أو ما يرجع إلى الجماع أو غير ذلك لا تقتضى الإنزال فيها لأن الجماع والسرور والسيادة كل منها يتحقق دونه فأخذه فى المفهوم واعتباره بلا دليل وكون العرف فى التسرى تحصينها لطلب الولد دائما ممنوع بل العرف مشترك فى المشاهد فمن الناس من يقصد ذلك ومنهم من يقصد مجرد قضاء الشهوة من غير أن تلد له إذا عرف هذا فاعلم أنه إذا حلف لا يتسرى فاشترى جارية فحصنها ووطئها حنث ذكره القدورى فى التجريد عن أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله
ولو قال إن تسريت جارية فعبدى حر فاشترى جارية فتسراها عتق العبد الذى كان فى ملكه وقت الحلف ولو لم يكن فى ملكه عبد فملك عبدا ثم اشترى جارية فتسراها لايعتق هذا العبد المستحدث
ولو قال إن تسريت جارية فهى حرة فتسرى جارية كانت فى ملكه يوم حلف عتقت وهى مسئلة الكتاب وهى إجماعية
ولو اشترى جارية بعد الحلف فتسراها لا تعتق عندنا ولا عند أحد من الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد رحمهم الله
وقال زفر تعتق لأن التسرى لا يصح إلا فى الملك فكان ذكره ذكر الملك فكأنه قال إن ملكت أمة فتسريتها فهى حرة وصار كما قال لأجنبية إن طلقتك فعبدى حر يصير التزوج مذكورا حتى لو تزوجها وطلقها عتق العبد
____________________
(5/169)
ولنا أنه لو عتقت المشتراة لزم صحة تعليق عتق من ليس فى الملك بغير الملك وسببه والتالى باطل بالإجماع وهذا لأن التسرى ليس نفس الملك ولا سببه بل قد يتفق بعده وقد لا يتفق فإن حقيقة ليس إلا إعداد أمة حصنها للجماع فإنما يستلزم وجوده وجود الملك سابقا على ابتداء التحصين والإعداد أو مقارنا وهذا القدر لا يستلزم إخطاره عند التكلم أصلا فضلا عن خطوره ثم تقديره مرادا لأنه ليس لازما بينا لمدلول اللفظ فى الذهن بل لازم لوجوده فى الخارج واللوازم الخارجية لا يلزم تعقلها تعقل ما هو ملزومها فى الخارج بخلاف ما لو قال إن ملكت أمة فتسريتها الخ فإنه صرح بجعل الشرط الملك وبخلاف ما قاس عليه من قوله لأجنبية إن طلقتك فعبدى حر لأن عتق عبده القائم فى ملكه ليس لاعتبارنا الشرط مجموع إن تزوجتك ثم طلقتك فعبدى حر بل لاقتضاء الشرط الملك غير أن الشرط هناك إذا ثبت بمقتضاه ثبت الجزاء وهو عتق عبده أما ههنا لو ثبت التسرى لا يثبت عتق المتسرى بها لاحتياجه إلى أمر زائد على مجرد الشرط شرعا وهو كونه نفس الملك أو سببه فلهذا ثبت الملك ههنا ضرورة صحة التسرى به فقط لأن الثابت ضرورة أمر لا يتجاوزها ثم لا يثبت عند التسرى عتقها لاحتياج عتق غير المملوك بالإعتاق المعلق قبل ملكها إلى كونه معلقا بالملك أو سببه ولم يوجد فظهر أن هذه ليست وزان مسئلتنا وإنما وزانها لو قال لأجنبية إن طلقتك واحدة فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها فطلقها واحدة ونحن نقول فى هذه لا تطلق الأخريين الباقيتين لو طلقها واحدة بعد أن تزوج بها لما ذكرنا من أن شرط الطلاق الواقع بالتطليق المعلق قبل التزوج كونه معلقا بالملك أو بسببه ولم يوجد نعم قد يقدر اللفظ الدال على المعنى فيصير معتبرا لفظا وإن لم يكن مدلولا التزاما لتصحيح الجزاء فيما إذا علم أن غرض اليمين الحمل فإنه يعرف قصد وجود الشرط ليوجد الجزاء كما قدر أبو حنيفة رحمه الله لفظ حيا فى قوله إن ولدت ولدا فهو حر لتصحيح الجزاء للعلم بأن غرضه وجود الشرط وهو الولادة والحمل عليها وتخفيفها عليها ففيما ليس كذلك بل يعرف أن الغرض منع الشرط بمنع
____________________
(5/170)
نفسه عنه لا يجوز التقدير لتصحيح وقوع الجزاء وحلف التسرى من هذا القبيل
هذا وقد أورد على زفر أنه لا يقول بالمقتضى حتى حكم فى قوله أعتق عبدك عنى بألف أنه يعتق عن المأمور فكيف خالف هنا وحكم باعتباره وتقديره وأجيب بأنه لا يلزمنا إصلاحه له فإن مناقضته لا تضرنا
ومنهم من أجاب بأنه ليس عنده من باب المقتضى بل من دلالة النص حيث كان فهم الملك ثابتا عند فهم معنى التسرى
واعترض بأن الدلالة لا بد فيها من صورة أصل وفرع وعلة حتى قيل هى قياس غير أنه لا يفتقر إلى أهلية لاجتهاد فى فهم حكم المسكوت
فالوجه كون هذا اللفظ فى العرف بمعنى إن وطئت مملوكه لى فكانت الدلالة بطريق العبارة وقد نقلنا فى تحرير الأصول عن فخر الإسلام تفسيرا للدلالة بمعنى دلالة الالتزام وإن لم ترضه
هذا والتحقيق أن ليس هذا من المقتضى لأن المقتضى ما يكون ثبوته لضرورة تصحيح الكلام الظاهر عدم صحته لغة مثل رفع الخطأ أو شرعا مثل أعتق عبدك عنى
وقول القائل إن تسريت لا يتبادر كذبه فيحتاج فى تصحيحه إلى التقدير إزالة للخطأ تصحيحا لما لم يصح ظاهره وهذا على وزان ما قلناه فى إن أكلت بل الحق أنه فى اللغة والعرف واحد وهو إعداد المملوكة الخ لا الإعداد الأعم منها ومن المزنى بها فهو مدلول تضمنى من قبيل العبارة قوله ومن قال كل مملوك لى حر تعتق أمهات أولاده ومدبروه وعبيده لوجود الإضافة المطلقة فى هؤلاء أى إضافة الملك الكامل فى هؤلاء إلى السيد ثابتة رقبة ويدا فدخلوا فيعتقون ويدخل الإماء والذكور ولو نوى الذكور فقط صدق ديانة لاقضاء لأنه نوى التخصيص فى اللفظ العام ولو نوى السود دون غيرهم لا يصدق قضاء ولا ديانة لأنه نوى التخصيص بوصف ليس فى لفظه ذكره ولا عموم إلا اللفظ فلا تعمل نيته بخلاف الرجال لأن لفظ كل مملوك للرجال حقيقة لأنه تعميم مملوك وهو للذكر وإنما يقال للأنثى مملوكة ولكن عند الاختلاط يستعمل لهما المملوك عادة يعنى إذا عمم مملوك بإدخال كل ونحوه يشتمل الإناث حقيقة كما ذكر فى جمع المذكر كالمسلمين والواو فى فعلوا على ما ذكر أنه عند الحنفية والحنابلة حقيق فى الكل فلذا كان نية الذكور خاص خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء
____________________
(5/171)
ولو نوى النساء وحدهن لا يصدق لا ديانة ولا قضاء ولو قال لم أنو المدبرين فى رواية يصدق ديانة لا قضاء وفى رواية لا يصدق لا ديانة ولا قضاء قوله ولا يعتق مكاتبوه يعنى بقوله كل مملوك لى حر وكذا معتق البعض عند أبى حنيفة لأن الملك فيهم غير ثابت يدا ولهذا لا يملك أكسابه ولا يحل له وطء المكاتبة بخلاف أم الولد والمدبرة فاختلت إضافة الملك إليهم فلا بد من أن ينويهم بلفظ كل مملوك وعلى هذا ينبغى لو قال كل مرقوق لى حر أن يعتق المكاتبون لأن الرق فيهم كامل ولا تعتق أم الولد إلا بالنية قوله ومن قال لنسوة له هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة وله الخيار فى الأوليين لأن كلمة أو لأحد المذكورين وقد أدخلها بين الأوليين ثم عطف الثالثة على المطلقة منهما والعطف يشرك فى حكم المعطوف عليه وحكمه هنا الطلاق المنجز وإنما التوقف فى التعيين فصار كما إذا قال احدا كما طالق وهذه وكذا إذا قال لعبيده هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير ويتخير فى الأولين لما بينا ومثله لو قال لفلان على ألف أو لفلان وفلان كان نصف الألف للثالث وعليه بيان من له النصف الآخر من الأولين
وقد يقال العطف بالواو كما يصح على الأحد المفهوم من هذه أو هذه يصح على هذه الثانية وحينئذ لا يلزم الطلاق فى الثالثة لأن الترديد حينئذ بين الأولى فقط والثانية والثالثة معا فيلزمه البيان لذلك فى الطلاق والعتاق والله أعلم
____________________
(5/172)
& باب اليمين فى البيع والشراء والتزوج وغير ذلك من الطلاق والعتاق والضرب
ولما كانت الأيمان على هذه التصرفات أكثر منها على الصلاة والحج والصوم وما بعدها قدمها عليها والحاصل أن كل باب عقده فوقوعه أقل مما قبله وأكثر مما بعده
واعلم أن الأصل عندنا أن كل عقد ترجع حقوقه إلى المباشر ويستغنى الوكيل فيه عن نسبة العقد إلى الموكل لا يحنث الحالف على عدم فعله بمباشرة المأمور حقيقة وحكما فلا يحنث بفعل غيره لذلك وذلك كالحلف لا يبيع ولا يشترى ولا يؤخر ولا يستأجر ولا يصالح عن مال ولا يقاسم وكذا الفعل الذى يستناب فيه ويحتاج الوكيل إلى النسبة إلى الموكل كما إذا حلف لا يخاصم فلانا فإن الوكيل يقول أدعى لموكلى وكذا الفعل الذى يقتصر أصل الفائدة فيه على محله كضرب الولد فلا يحنث فى شىء من هذه بفعل المأمور وكل عقد لا ترجع حقوقه إلى المباشر بل هو فيه سفير وناقل عبارة يحنث فيه بمباشرة المأمور كما يحنث بفعله بنفسه وذلك إذا حلف لا يتزوج فوكل به أو لا يطلق أو لا يعتق بمال أو بلا مال أو لا يكاتب أو لا يهب أو لا يتصدق أو لا يوصى أو لايستقرض أو لا يصالح عن دم العمد أو لا يودع أو لا يقبل الوديعة أو لا يعير أو لا يستعير وكذا كل فعل ترجع مصلحته إلى الآمر كحلفه لا يضرب عبده ولا يذبح شاته فإنه يحنث بفعل المأمور ومنه قضاء
____________________
(5/173)
الدين وقبضه والكسوه والحمل على دابته وخياطة الثوب وبناء الدار قوله ومن حلف لا يبيع أو لا يشترى أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث لأن العقد وجد من العاقد لا من الحالف حقيقة وهو ظاهر وحكما حتى رجعت حقوق العقد إليه وكان هو المطالب بالتسليم للثمن أو المثمن والمخاصم بالعيب وبالعين المؤجرة والأجرة ولهذا لو كان العاقد بطريق الوكالة فى هذه هو الحالف لا يبيع الخ يحنث فى يمينه لصدق أنه باع واشترى واستأجر حقيقة وحكما وهذا قول الشافعى فى الأظهر وعند مالك وأحمد يحنث لأن بالأمر يصير كأنه فعله بنفسه كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه له حنث
قلنا لم يوجد الفعل منه لا حقيقة ولا حكما وهو الشرط للحنث بل من العاقد حقيقة وحكما وإنما الثابت له حكم العقد الذى هو الملك لا كل حكم وإن كان الحكم على الأعم بخلاف الحلق لأن اليمين لم تنعقد فيه على حلقة بنفسه لأنه غير معتاد وإنما انعقدت على الحلق مطلقا فيحنث بفعل الغير كما لو حلق بنفسه بأن كان ممن يقدر على ذلك ويفعله
وقوله إلا أن ينوى ذلك استثناء من قوله لم يحنث يعنى فإذا نوى البيع بنفسه أو وكيله يحنث ببيع الوكيل أو يكون الحالف ذا سلطان لا يتولى العقود بنفسه فإنه يحنث وإن لم ينو لأن مقصوده من الفعل ليس إلا الأمر به فيوجد سبب الحنث بوجود الأمر به للعادة وإن كان السلطان ربما يباشر بنفسه عقد بعض المبيعات ثم لو فعل الآمر بنفسه يحنث أيضا لانعقاده على الأعم من فعله بنفسه أو مأموره ولو كان رجلا يباشر بنفسه مرة ويوكل أخرى تعتبر الغلبة وكل فعل لا يعتاده الحالف كائنا من كان كحلفه لا يبنى ولا يطين العقد كذلك قوله ومن حلف لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق فوكل بذلك حنث يعنى إذا فعله الوكيل وهو قول مالك وأحمد ووجه للشافعية وأكثرهم لا يحنث لأنه لم يفعل وإنما نسبته إلى الآمر مجاز ثم إنه يحنث عندكم بفعل نفسه كما بفعل المأمور وفيه جمع بين الحقيقة والمجاز وأنتم تأبونه
قلنا لما لم يملك إضافة إلى نفسه بل لا يستغنى عن إضافته إلى موكله كان ناقلا عبارة للموكل فانضاف العقد كله لفظا وحكما إليه فيحنث به ألا ترى أنه يقال فى العرف للمتكلم بكلام غيره من شعر أو حكمة هذا ليس كلام هذا الرجل بل كلام فلان فكان المعقود عليه عدم لزوم أحكام هذه العقود نظرا إلى الفرض وهو أعم مما يلزم بمباشرة أو مباشرة مأموره وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز ولو قال عنيت أن لا أتكلم به لم يدين فى القضاء خاصة وفيما بينه وبين الله تعالى يدين ولو خلعها أو قال أنت طالق بائن حنث ولو آلى منها فمضت المدة حتى
____________________
(5/174)
بانت حنث عند أبى يوسف لأن الإيلاء طلاق مؤجل فعند مضيها يقع مضافا إلى الزوج وعند زفر لا يحنث لأن الطلاق إنما وقع حكما دفعا لضررها فلا يكون شرط الحنث موجودا ولو كان عنينا ففرق بينهما بعد المدة لم يحنث فى قول زفر وعن أبى يوسف روايتان ولو زوجه فضولى فأجاز بالقول حنث وعن محمد لا يحنث وفى الإجازة بالفعل اختلاف المشايخ قال شمس الأئمة والأصح عندى لا يحنث لأن عقد النكاح يختص بالقول فلا يمكن جعل المجيز بالفعل عاقدا له ولا فرق بين كون التوكيل بعد اليمين أو قبله ولو وكل بالطلاق والعتاق ثم حلف لا يطلق ولا يعتق ثم طلق الوكيل أو أعتق يحنث لأن عبارة الوكيل هنا منقولة إليه قوله ولو حلف لا يضرب عبده أو لا يذبح شاته فأمر غيره ففعل حنث لأن المالك له ولاية ضرب عبده وذبح شاته فيملك توليته غيره فلملكه إياه انتقل فعل الضرب إليه بواسطة الأمر به ثم منفعته راجعة إلى الآمر على الخصوص وهو ما يحصل من أدبه وانزجاره فيجعل مباشرا إذ لا حقوق ترجع إلى المأمور وفرض المسئلة فى ضرب عبده احترازا عما لو حلف لا يضرب حرا فإنه لا يحنث بالأمر به لأنه لا ولاية له عليه فلا يعتبر أمره إلا أن يكون الحالف سلطانا أو قاضيا لأنهما يملكان ضرب الأحرار حدا وتعزيرا فملكا الأمر به ولو قال عنيت أن لا ألى ذلك بنفسى دين فى القضاء بخلاف ما تقدم من الطلاق وغيره ووجه الفرق أن الطلاق ليس إلا تكلما بكلام شرعى يوجب أثرا شرعيا فى المحل وهو الفرقة والأمر بذلك مثل التكلم به لأن المأمور به كالرسول به ولسان الرسول كلسان المرسل بالإجماع فإذا نوى التكلم به خاصة فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضى من حيث أنه يتكلم بكلام داخل تحت ولاية المرسل مع فرض أن مقتضياته لا ترجع إليه وهى الحقوق وحقيقة المراد أن الطلاق وما معه لما كان لفظا يثبت عنده أثر شرعى فالحلف على تركه حلف على أن لا توجد الفرقة من جهته وهذا المعنى أعم من أن يتحقق بمباشرته أو بمباشرة المأمور فنية أحدهما خلاف الظاهر أما الذبح والضرب ففعل حسى لا يتوقف تحقق أثره على الآمر لأن الضرب يثبت مع أثره من الفاعل بلا إذن منه فنسبة الفعل إلى الآمر مجازية باعتبار تسببه فيه فإذا نوى أن لا يفعله بنفسه فقد نوى حيقيقة كلامه بخلاف الكلام المجعول أسبابا شرعية لآثار شرعية لا تثبت تلك الآثار به إلا بإذن عن ولاية فلما كان للإذن فيها أثر نقلها إلى الحالف قالوا وثبوت تصديقه قضاء فى ضرب العبد رواية فى تصديقه قضاء فى الطلاق لأن حقيقة كلامه المباشرة فيهما فيصدق فى الفصلين وهو قول الشافعى
____________________
(5/175)
والحق أن الفرق ثابت ولكن تأثيره فى اختلاف الحكم غير ظاهر فإن كان الفعل يتحقق أثره بلا إذن والقول لا يتحقق أثره الشرعى إلا بإذن لا يجزم عنده بلزوم الفرق المذكور قوله ومن حلف لا يضرب ولده فأمر إنسانا فضربه لم يحنث فى يمينه لأن منفعة ضرب الولد عائدة إلى الولد المضروب وهى التأدب والتثقف أى التقوم وترك اعوجاج فى الدين والمروءة والأخلاق فلم ينسب فعل المأمور إلى الآمر وإن كان يرجع إلى الأب أيضا لكن أصل المنافع وحقيقتها إنما ترجع إلى المتصف بها فلا موجب للنقل وأما فى عرفنا وعرف عامتنا فإنه يقال ضرب فلان اليوم ولده وإن لم يباشر ويقول العامى لولده غدا اسقيك علقة ثم يذكر لمؤدب الولد ان يضربه فيعد الأب نفسه قد حقق إيعاده ذلك ولم يكذب فمقتضاه ان ينعقد على معنى لا يقع بك ضرب من جهتى ويحنث بفعل المأمور قوله ومن قال أن بعت لك هذا الثوب فامرأته طالق الخ لا شك انه يصح بعت لك هذا الثوب وبعت هذا الثوب لك بمعنى واحد اما على جعل المخاطب مشتريا له فيهما فاللام للاختصاص واما على
____________________
(5/176)
جعلها فيهما للتعليل اى بعته لجلك فهى ايضا تفيد الاختصاص على ما ذكروا لكن الوجه الظاهر فى الاستعمال أنه إذا وليت اللام الفعل متوسطة بينه وبين المفعول نحو بعت لك هذا كانت للتعليل ووجه افادتها الاختصاص هو انها تضعيف متعلقها لمدخولها ومتعلقها الفعل ومدخولها كاف المخاطب فتفيد ان المخاطب مختص بالفعل وكونه مختصا به يفيد انه لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته وذلك يكون بأمره وغذا باع بامره كان بيعه إياه من اجله وهى لام التعليل فصار المعقود عليه ان لا يبيعه من اجله فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من اجله لأن ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره به ويلزم من هذا كون هذا لا يكون إلا فى الإفعال التى تجرى فيها النيابة كالصياغة نحو إن صغت لك خاتما وكذا إن خطت لك وإن بنيت لك بيتا بخلاف ما إذا قال إن بعت ثوبا لك حيث يحنث إذا باع ثوبا مملوكا للمخاطب سواء كان بإذنه أو بغير إذنه لأن المحلوف عليه يوجد مع أمره وعدم أمره وهو بيع ثوب مختص بالمخاطب لأن اللام هنا اقرب إلى الاسم الذى هو الثوب منه للفعل والقرب من أسباب الترجيح فيوجب إضافتها الثوب إلى مدخولها على ما سبق ومثله ما لو وليت فعلا لا تجرى فيه النيابة مثل الأكل والشرب وضرب الغلام لأنه لا يحتمل النيابة فلو قال ان اكلت لك طعاما او طعاما لك أو شربت لك شرابا أو شرابا لك أو ضربت غلاما أو غلاما لك أو دخلت لك دارا أو دارا لك فإنه يحنث بدخول دار يختص بها المخاطب أى تنسب إليه وأكل طعام يملكه سواء كان بأمره أو بعلمه أو دونهما ثم ذكر ظهير الدين أن المراد بالغلام الولد لأن ضرب العبد يحتمل النيابة والوكالة فكان كالإجارة قال تعالى { وبشروه بغلام عليم } وقال قاضيخان المراد به العبد للعرف ولأن الضرب مما لا يملك بالعقد ولا يلزم ومحل الضرب يملك به فانصرف اللام إلى ما يملك لا إلى مالا يملك قوله ومن قال هذا العبد حر إن بعته فباعه على أنه بالخيار عتق لوجود الشرط وهو البيع والفرض أن الملك فيه قائم لأن خيار البائع لا يوجب خروج المبيع من ملك البائع فينزل الجزاء
____________________
(5/177)
لوجود المحل ولو باعه بيعا فاسدا فإن كان العبد فى يد المشترى مضمونا عليه بأن كان غصبه لا يعتق كما فى البيع الصحيح البات لأنه كما تم البيع يزول العبد عن ملكه إلى المشترى قيل وهذه تدل على أن المعلول مع العلة فى الخارج وعقيب الشرط فإن البيع كما هو علة للملك هو شرط لثبوت العتق لذلك العبد فكان المعلول وهو الملك أسرع ثبوتا من المشروط الذي هو العتق حيث وجد ملك المشترى قبل وجود العتق ويمكن أن يقال بل إنما قارن الإعتاق زوال الملك فلم ينزل العتق لأنه بعده فلم يصادف الملك وتقدم مثل هذا للمصنف فتذكره وهذا على أن المعلول عقيب العلة كما هو رأى المصنف فعرف بهذا وجه تقييده المسئلة بكون البيع بشرط الخيار لأنه لو قال إن بعت هذا العبد فهو حر فباعه بيعا باتا لا يعتق قوله وكذلك إن قال المشترى إن اشتريته فهو حر فاشتراه على أنه بالخيار يعنى للمشترى يعتق أيضا أما إذا اشتراه شراء فاسدا باتا فإن كان فى يده مضمونا بأن كان غصبه عتق لأنه صار معتقا ملك نفسه ولو كان شراء صحيحا باتا عتق بطريق الأولى لأن الشرط قد تحقق وهو الشراء والملك قائم فيه أما على قولهما فظاهر وأما على قول أبى حنيفة فلأن العتق الواقع فى هذا العبد بسبب تعليق هذا المشترى والمعلق بالشرط كالمنجز عنده وهو لو اشتراه بشرط الخيار وأعتقه قبل إسقاط الخيار يعتق وثبت الملك سابقا له شرطا اقتضائيا فكذا هذا وأورد طلب الفرق بين هذا البيع وبين النكاح الفاسد على قول أبى حنيفة حيث لا يقع به العتق فيما إذا قال إن تزوجت فعبدى حر فتزوج نكاحا فاسدا مع أن كلا منهما لا يفيد الملك وأجيب بأن البيع
____________________
(5/178)
وإن لم يستعقب الملك فهو بيع تام على وفق الدليل وهو الإيجاب والقبول فى محله فكان وجوده وجود الشرط بخلاف النكاح فإنه إذا صح كان على خلاف الدليل إذ الحرية تنفى ورود الملك فكيف إذا كان الملك فاسدا فلا يحكم بأنه الشرط إلا إذا صح ويمكن أن يقال لا ورود لهذا السؤال فإن هذا البيع وإن كان بشرط الخيار للمشترى فإنه يعقب الملك له بسبب خاص فيه وهو تعليقه السابق عتق من يشتريه فإنه يلزم أن ينزل العتق عند الشراء لأنه الشرط ويستلزم سبق الملك اقتضاء ومثله لا يتصور فى النكاح وأورد منع كون المعلق كالمنجز لأن المنجز لو لم يثبت عند الخيار والحكم يتقدمه يلغو والمعلق لا يلزم إلغاؤه لأن الملك يثبت بعد مضى مدة الخيار فينزل إذ ذاك ولا يلغو وأجيب لما أمكن أن يجرى فيه ما يجرى فى المنجز والعتق يحتاط فى إثباته وجب اعتباره إذ ذاك وإلا جاز أن يفسخ قبل المدة فلا يعتق بخلاف ما إذا اشترى أباه بشرط الخيار لا يعتق إلا أن تمضى المدة عند أبى حنيفة لعدم الملك فإنه لم يوجد منه تكلم بالإعتاق بعد الشراء بشرط الخيار حتى يسقط خياره وإنما يعتق على القريب بحكم الملك ولا ملك للمشترى بالخيار والشارع إنما علق عتقه فى قوله من ملك ذا رحم بالملك لا بالشراء أما هنا فالإيجاب المعلق صار منجزا عند الشرط وصار قائلا أنت حر فينفسخ الخيار ضرورة قوله ومن قال إن لم أبع هذا العبد أو هذه الأمة فامرأته طالق فأعتق أو دبر تدبيرا مطلقا طلقت لأن الشرط وهو عدم بيعه قد تحقق بوقوع اليأس عنه بفوات المحلية بالعتق والتدبير فصار كما لو علق طلاقها بعدمه بلفظ إن فمات أو مات العبد فإنها تطلق لوقوع اليأس وأورد عليه منع وقوع اليأس فى العتق مطلقا بل فى العبد أما فى الأمة فجاز أن ترتد بعد العتق فنسبى فيملكها هذا الحالف فيعتقها وفى التدبير مطلقا لجواز أن يقضى القاضى ببيع المدبر وأجيب بأن من المشايخ من قال لا تطلق لهذا الاحتمال والصحيح أنها تطلق لأن ما فرض من الأمور الموهومة الوقوع فلا يعتبر ولأن الحلف على بيع هذا الملك لا كل ملك وأجيب أيضا عن المدبر بأن بيعه بيع قن لانفساخ التدبير بالقضاء فيعتق ولا فرق بين كون العبد ذميا أو مسلما ويجرى فيه اختلاف المشايخ والتصحيح قوله وإذا قالت المرأة لزوجها تزوجت على فقال كل امرأة لى طالق ثلاثا طلقت هذه التى حلفته فى القضاء وإن قال نويت
____________________
(5/179)
غيرها صدق فيما بينه وبين الله تعالى وتطلق فى القضاء وهذه مسئلة الجامع الصغير ولم يحك خلافا وذكروا عن أبى يوسف فى شروح الجامع الصغير أنها لا تطلق واختاره شمس الأئمة وكثير من المشايخ لأن الكلام خرج جوابا فينطبق على السؤال فكأنه قال كل امرأة لى غيرك طالق دلالة ولأن غرضه إرضاؤها لا إيحاشها وجه ظاهر الرواية أن اللفظ عام ولا مخصص متيقن لأنه إن كان فهو غرض إرضائها وجاز كون غرضه إيحاشها لاعتراضها عليه فيما أحل الله له فكان محتملا لكل من الأمرين فالحكم بمعين تحكم ولأنه زاد على قدر الجواب إذ يكفيه أن يقول إن كنت فعلت ذلك فهى طالق فلما لم يقتصر جعل مبتدئا تحرزا عن الإلغاء والله اعلم
فروع قال لى إليك حاجة أتقضيها لى فقال نعم وحلف على ذلك بالطلاق والعتاق فقال حاجتى أن تطلق زوجتك ثلاثا له أن لا يصدقه لأنه متهم ولو حلف ليطيعنه فى كل ما يأمره به وينهاه عنه ثم نهاه عن جماع امرأته فجامعها الحالف لا يحنث إلا إذا كان ما يدل على ما قصده إلى ذلك عند تحليفه على الطاعة لأن الناس لا يريدون به النهى عن جماع المرأة عادة كما لا يريدون به النهى عن الأكل والشرب حلف لا يطلق امرأته فكل طلاق يضاف إليه يحنث به حتى لو وقع عليها طلاق بمضى مدة الإيلاء يحنث لا بما لا يضاف إليه فلا يحنث بتفريق القاضى للعنة واللعان ولا بإجازة خلع الفضولى بالفعل ويحنث لو أجازه بالقول قال امرأته طالق ثلاثا إن دخلت الدار اليوم فشهد شاهدان أنه دخلها اليوم فقال عبده حر إن كان رأيانى دخلت لم يعتق عبده بقولهما رأيناه دخل حتى يشهد آخران غيرهما أن الأولين رأياه دخل ادعت أنها امرأته فحلف بطلاق زوجة أخرى له ما هى امرأته فأقامت بينة أنها امرأته فقال كانت امرأتى فطلقتها قال لا يحنث حلف ماله عليه شىء فشهدا أن له عليه ألفا وقضى بها القاضى يحنث فى قول أبى يوسف خلافا لمحمد حتى لو كان الحلف بطلاق فرق بينهما عند أبى يوسف خلافا له بخلاف ما لو شهد أنه أقرضه ألفا والمسئلة بحالها لا يحنث فى قولهما حلف بطلاق ولا يدرى حلف بواحدة أو أكثر بتحرى ويعمل بما يقع عليه للتحرى فإن استوى ظنه يأخذ بالأكثر احتياطا قال عمرة طالق الساعة أو زينب إن دخلت الدار لم يقع الطلاق على إحداهما حتى تدخل الدار فإذا دخلت إحداهما خير فى إيقاعه على ايهما شاء ولو اتهمت امراة بالسرقة فأمرت زوجها ان يحلف بطلاقها انها لم تسرق فحلف فقالت قد كنت سرقت فللزوج ان
____________________
(5/180)
لا يصدقها لأنها صارت متناقضة حلف إن لم يجامع امرأته ألف مرة فهى طالق قالوا هذا على المبالغة ولا تقدير فيه والسبعون كثير حلف لا يكلم ابن فلان وليس لفلان ابن فولد له ابن فكلمه يحنث فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف ولا يحنث فى قول محمد والأصل انه يعتبر وجود الولد وقت اليمين وهما يعتبرانه وقت التكلم والله أعلم & باب اليمين فى الحج والصلاة والصوم
قدمها بعد ما تقدم لأنها عبادات فتترجح فى نفسها فيقتضى ذلك أن تقدم إلا أن يعرض ما يوجب تقديم غيرها من كثرة الوقوع المقتضية لأهمية التقديم قوله ومن قال وهو فى الكعبة أو فى غيرها على المشى إلى بيت الله أو إلى الكعبة وكذا على المشى إلى مكة أو بكة بالباء فعليه حجة أو عمرة ماشيا وإن شاء ركب وأهراق دما
____________________
(5/181)
والتقييد بكونه فى الكعبة مذكور فى الجامع الصغير ليفيد أن وجوب أحد النسكين بهذه العبارة ليس باعتبار أنه مدلول اللفظ وإلا لغا لأنه لا يلتزم المشى إلا ليصل إليه فإذا كان فيه استحال التسبب لحصوله والحق أن يقال ليس باعتبار أنه مدلول اللفظ لأن الواقع أن مدلول المشى ليس هو الحج أو العمرة بل ولا يستلزمه لجواز أن
____________________
(5/182)
يمشى إلى البيت ولا يفعل نسكا إما ابتداء معصية وإما بأن يقصد مكانا فى الحل داخل المواقيت ليس غير فإذا وصل إليه صار حكمه حكم أهله وله بعد ذلك أن يدخل مكة والبيت الحرام وهذا لأن من الجائز أن يكون فى البيت ويوجب المشى إليه مرة أخرى فيلزمه إذا خرج أن يعود كما لو كان فى بيت فقال والله لأدخلن هذا البيت فإن عليه أن يخرج ثم يدخل مرة ثانية ولا باعتبار الحكم بذلك مجازا باعتبار أنه سبب الإحرام صونا له عن اللغو لأنه ليس لازما له الجواز أن يقصد بسيره مكانا داخل المواقيت ليس غيركما كما ذكرنا ولا بالنظر إلى الغالب وهو أن الذهاب إلى هناك يكون لقصد الإحرام لما عرف من إلغاء الألفاظ وهى ما إذا نذر الذهاب إلى مكة كأن قال على الذهاب أو لله على الذهاب إلى مكة أو السفر إليها أو الركوب إليها أو المسير أو المضى أنه لا يلزمه شىء مع إمكان أن يحكم بذلك فيها صونا عن اللغو بل لأنه تعورف إيجاب أحد النكسين به فصار فيه مجازا لغويا حقيقة عرفية مثل ما لو قال على حجة أو عمرة وإلا فالقياس كما ذكره المصنف أن لا يجب بهذا شىء لأنه التزم ما ليس بقربة واجبة وهو المشى ولا مقصودة فى الأصل ولو قيل بل هى واجبة فإن المكى إذا قدر على المشى يلزمه الحج ماشيا أجيب بأن الشرط للزوم النذر على ما قدمناه بعد كونه من جنسه واجب أن يكون مقصودا لنفسه لا لغيره حتى لا يلزمه النذر بالوضوء لكل صلاة والمشى المذكور وكذا السعى إلى الجمعة كذلك لمن لا يملك مركبا ويقدر على المشى إلا أنه قد يعكر عليه الطواف فإنه واجب مقصود لنفسه لا شرط لغيره إلا أن يراد من جنس المشى إلى مكة وأورد أن الاعتكاف يلزم بالنذر وليس من جنسه واجب أجيب بأن من شرطه الصوم ومن جنسه واجب وتوجيهه أن إيجاب المشروط إيجاب الشرط ولا خفاء فى بعده فإن وجوب الصوم فرع وجوب الاعتكاف بالنذر والكلام الآن فى صحة وجوب المتبوع فكيف يستدل على لزومه بلزومه ولزوم الشرط فرع لزوم المشروط وإن استدل بالإجماع أو النص المتقدم فى حديث نذر عمر رضى الله عنه الاعتكاف فى الجاهلية فهم لا يقولون بهذا الحديث بل يصرفونه عن ظاهرة لأنهم والشافعى لا يصححون نذر الكافر ثم قد يقال تحقق الإجماع على لزوم الاعتكاف بالنذر يوجب إهدار اشتراط وجود واجب من جنسه وإذا تعارفوه للإيجاب صار كقوله على زيارة البيت ماشيا فإنه موجب لذلك ولو أراد ببيت الله بعض المساجد لم يلزمه شىء وكذا لا يلزمه بقوله على المشى إلى بيت المقدس أو مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم شىء وأورد أنه إذا كان كقوله على حجة أو عمرة ينبغى أن يلزمه المشى لأنه لو قال على الحج لا يلزمه والجواب أن ألحق أن التقدير على حجة أو عمرة ماشيا لأن المشى لم يهدر اعتباره شرعا فإنه روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أخت عقبة ابن عامر نذرت أن تمشى إلى البيت فأمرها النبى صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدى هديا رواه أبو داود وغيره وسنده حجة وما فى صحيح مسلم أنه قال لتمش ولتركب فمحمول إما على ذكر بعض المروى وعلى هذا اقتصرنا فى كتاب الحج يعنى أن محل الإشكال جواز ركوبها ولو أهدت كما لو نذر الصوم بصفة التتابع ليس له أن يفرق ويتصدق بل لو فرق لزم استئنافه فاقتصر الراوى على ذلك ليفيد دفع ذلك وعرف لزوم الفدية من الحديث الآخر أو محمول على حالة الجهد فإن فى بعض طرقه وإنها لا تطيق ذلك ثم يعرف لزوم الفدية من الحديث الآخر وقد ذكرنا بقيته هناك ذيلا طويلا وفروعا جمة وأن الراجح أنه يلزمه المشى من بيته
____________________
(5/183)
لا من حيث يحرم فيه من الميقات يعنى فالخلاف فيما إذا لم يحرم منه وهل يلزمه المشى منه أو من حيث يحرم فيه من الميقات أم لو أحرم من بيته لزمه المشى منه بالإتفاق
واعلم أن فى بعض طرق حديث أخت عقبة قال ولتهد بدنه لكنهم عملوا بإطلاق الهدى فى الحديث الآخر الثابت فى الصحيحين وأخرج الحاكم فى المستدرك من حديث عمران بن الحصين قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة وقال إن من المثلة أن ينذر الرجل أن يحج ماشيا فمن نذر أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه لكن حمل المطلق على المقيد إذا كانا فى حادثة واحدة واجب فتجب البدنة ثم المصنف ذكر هذا المذهب عن على رضى الله عنه والمروى عن على من طريق الشافعى عن ابن علية عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن على فى الرجل يحلف على المشى قال يمشى فإن عجز ركب وأهدى بدنة
ورواه عبد الرزاق عن على بسند صحيح فيمن نذر أن يمشى إلى البيت قال يمشى فإذا أعيا ركب وأهدى جزورا
وأخرج نحوه عن عمر وابن عباس وقتادة والحسن
وأما ورود البدنة فى خصوص حديث أخت عقبة بن عامر فأسند أبو يعلى فى مسنده حدثنا زهير حدثنا أحمد ابن عبد الوارث حدثنا همام حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية فسأل النبى صلى الله عليه وسلم عنها فقال إن الله عز وجل غنى عن نذرأختك لتركب ولتهد بدنة وأما إذا كان الناذر بمكة وأراد أن يجعل الأحد الذى لزمه حجا فإنه يحرم من الحرم ويخرج إلى عرفات ماشيا إلى أن يطوف طواف الزيارة كغيره وإن أراد إسقاطه بعمرة فعليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه
وإنما اختلفوا فى أنه يلزمه المشى فى ذهابه إلى الحل أو لا يلزمه إلا بعد رجوعه منه محرما
والوجه يقتضى أنه يلزمه المشى لما قدمناه فى الحج من أنه يلزمه المشى من بلدته مع أنه ليس محرما منها بل هو ذاهب إلى محل الإحرام ليحرم منه أعنى المواقيت فى الأصح لما قدمنا عن أبى حنيفة لو أن بغداد يا قال إن كلمت فلانا فعلى أن أحج ماشيا فلقيه بالكوفة فكلمه فعليه أن يمشى من بغداد
ولو قال على السفر إلى بيت الله فقد علمت أنه لا يلزمه شىء مع إخوانه ومثله الشد والهرولة والسعى إلى مكة وكذا على المشى إلى أستار الكعبة أو باب الكعبة أو ميزابها أو أسطوانة البيت أو الصفا أو المروة أو إلى عرفات ومزدلفة لا يلزمه شىء
واختلفوا فيما إذا قال لله على المشى إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام قال أبو حنيفة لا يلزمه شىء وقال صاحباه يلزمه أحد النسكين
والوجه فى ذلك أن يحمل على أنه تعورف بعد أبى حنيفة إيجاب النسك بهما فقالا به كما تعورف بالمشى إلى الكعبة ويرتفع الخلاف وإلا فالوجه الذى ذكر لهما متضائل وهو أن الحرم والمسجد الحرام يشتمل على الكعبة فذكر المشتمل ذكر للمشمول وهو الكعبة ولو صرح بقوله لله على المشى إلى الكعبة لزمه فكذا ذكر المشتمل لأن إيجاب اللفظ لتعارف عينه فيه وليس عين المشى إلى الحرم عينه وهو وجه أبى حنيفة قوله ومن قال عبدى حر إن لم أحج العام فقال بعد انقضائه حججت وأقام العبد شاهدين على أنه ضحى العام بالكوفة لم يعتق عبده عند أبى حنيفة وأبى يوسف
____________________
(5/184)
ولم يذكر قول أبى يوسف مع أبى حنيفة فى الجامع الصغير قاله صاحب المختلف وكذا لم يذكره الفقيه أبو الليث فى شرح الجامع الصغير ووقال محمد يعتق لأن هذه شهادة قامت على أمر مشاهد وهو التضحية وكيف لا يقبل ومن ضرورته انتفاء الحج ذلك العام فيتحقق الشرط فيعتق ولهما انها قامت على النفي معنى لأن المقصود منها نفى الحج لا إثبات التضحية فإن الشهادة على التضحية غير مقبولة لأن المدعى وهو العبد لا حق له فيها يطلبه لأن العتق لم يعلق بها ومالا مطالب له لا يدخل تحت القضاء وإذا بطلت الشهادة على التضحية بقيت فى الحاصل على نفى الحج مقصودا والشهادة على النفى باطلة
فإن قيل لا نسلم أنها مطلقا باطلة بل النفى إذا كان مما يعلم ويحيط به الشاهد صحت الشهادة عليه فإنه ذكر فى السير الكبير شهدا على رجل أنه قال المسيح ابن الله ولم يقل قول النصارى والرجل يقول وصلت به ذلك قبلت هذه الشهادة وبانت امرأته لإحاطة علم الشاهد به
أجاب المصنف بقوله غاية الأمر أن هذا نفى يحيط به علم الشاهد لكنه لا يميز بين نفى ونفى فى عدم القبول بأن يقال النفى إذا كان كذا صحت الشهادة به وإن كان كذا لا تصح تيسيرا ودفعا للحرج اللازم فى تمييز نفى من نفى
وأما مسئلة السير فالقبول باعتبار أنها شهادة على السكوت الذى هو أمر وجودى وصار كشهود الإرث إذا قالوا نشهد أنه وارثه لا نعلم له وارثا غيره حيث يعطى له كل التركة لأنها شهادة على الإرث والنفى فى ضمنه والإرث مما يدخل تحت القضاء فأما النحر وإن كان وجوديا ونفى الحج فى ضمنه لكنه لا يدخل تحت القضاء كما ذكرت فكانت الشهادة كعدمها فى حقه فبقى النفى هو المقصود بها وأما ما فى المبسوط من أن الشهادة على النفى تقبل فى الشروط حتى لو قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهدا أنه لم يدخلها قبلت ويقضى بعتقه وما نحن فيه من قبيل الشروط
فأجيب عنه بأنها قامت بأمر ثابت معاين وهو كونه خارجا فيثبت النفى ضمنا ولا يخفى أنه يرد عليه أن العبد كما لا حق له فى التضحية إذ لم تكن
____________________
(5/185)
هى شرط العتق فلم تصح الشهادة بها كذلك لا حق له فى الخروج لأنه لم يجعل الشرط بل عدم الدخول كعدم الحج فى مسئلتنا فلما كان المشهود به مما هو وجودى متضمن للمدعى به من النفى المجعول شرطا قبلت الشهادة عليه وإن كان غير مدعى به لتضمنه المدعى به كذلك يجب قبول شهادة التضحية المتضمنة للنفى المدعى به فقول محمد أوجه قوله ومن حلف لا يصوم فنوى الصوم وأمسك ساعة ثم أفطر من يومه حنث لوجود الشرط وهو الصوم الشرعى إذ هو الإمساك على المفطرات على قصد التقرب وقد وجد تمام حقيقته وما زاد على أدنى إمساك فى وقته تكرار للشرط ولأن بمجرد الشروع فى الفعل إذا تمت حقيقته يسمى فاعلا ولذا أنزل إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذابحا حيث أمر السكين فى محل الذبح فقيل له { قد صدقت الرؤيا } بخلاف ما إذا كانت حقيقته تتوقف على أفعال مختلفة كالصلاة فلذا قال فيمن حلف لا يصلى أنه إذا قام وقرأ وركع وسجد حنث إذا قطع فلو قطع بعد الركوع لايحنث لأنه لم يدخل فى الوجود تمام حقيقتها قوله ولو حلف لا يصوم يوما أو صوما لم يحنث بصوم ساعة بل بإتمام اليوم أما فى يوما فظاهر وكذا فى صوما لأنه مطلق فينصرف إلى الكامل وهو المعتبر شرعا فلذا قلنا لو قال لله على صوم وجب عليه صوم يوم كامل بالإجماع وكذا إذا قال على صلاة تجب ركعتان عندنا لا يقال المصدر مذكور بذكر الفعل فلا فرق بين حلفه لا يصوم ولا يصوم صوما فينبغى أن لا يحنث فى الأول إلا بيوم
لأنا نقول الثابت فى ضمن الفعل ضرورى لا يظهر أثره فى غير تحقيق الفعل بخلاف الصريح فإنه اختيارى يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال
وقد أورد عليه مالو قال لأصومن هذا اليوم وكان بعد أن أكل أو بعد الزوال أو قال لأمرأته إن لم تصلى اليوم فأنت طالق فحاضت من ساعتها أو بعد ما صلت ركعة صحت اليمين وطلقت فى الحال مع أنه مقرون بذكر اليوم ولا كمال
وأجيب بأن اليمين تعتمد التصور والصوم بعد الزوال والأكل متصور كما فى صورة الناسى وكذا الصلاة من الحائض لأن درور الدم لا يمنع كما فى المستحاضة إلا أنها لم تشرع مع درور هو حيض ففات شرط أدائه بخلاف مسئلة الكوز لأن محل الفعل وهو الماء غير قائم أصلا فلا يتصور بوجه وهاتان المسئلتان إنما تصلحان مبتدأتين لا موردتين لأن كلامنا كان فى المطلق وهو لفظ يوما ولفظ هذا اليوم ليس من قبيل المطلق لأنه مقيد معرف والمطلقات هى النكرات وهى أسماء الأجناس وإلا فزيد وعمرو مطلق ولا يقول به أحد
والمسئلتان مشكلتان على قول أبى حنيفة ومحمد لأن التصور شرعا منتف وكونه ممكنا فى صورة أخرى وهى صورة النسيان والأستحاضة لا يفيد فإنه حيث كان فى صورة الحلف مستحيلا شرعا لم يتصور الفعل المحلوف عليه لأنه لم يحلف إلا على الصوم والصلاة الشرعيين أما على قول أبى يوسف فظاهر أنهما تنعقدان ثم يحنث
واعلم أن التمرتاشى ذكر أنه لو حلف لا يصوم فهو على الجائز لأنه لتعظيم الله تعالى وذلك لا يحصل بالفاسد إلا إذا كانت اليمين فى الماضى وظاهره يشكل على مسئلة الكتاب فإنه
____________________
(5/186)
حنثه بعد ما قال ثم أفطر من يومه لكن مسئلة الكتاب أصح لأنها نص محمد فى الجامع الصغير قوله ولو حلف لا يصلى فقام وقرأوركع ثم قطع لم يحنث والقياس يعنى على الصوم أن يحنث بالأفتتاح وجه الأستحسان أن الصلاة عبارة عن أفعال مختلفة فما لم يأت بها لا تسمى صلاة يعنى لم يوجد تمام حقيقتها والحقيقة تنتفى بإنتفاء الجزء بخلاف الصوم لأنه ركن واحد وهو الإمساك ويتكرر بالجزء الثانى ولذا قال الفقيه أبو الليث لافرق بينهما فى الحاصل لأن ما بعد صوم ساعة مكرر من جنس ما مضى فصار صوم ساعة كالصلاة ركعة يعنى لأنه يجتمع فيها تمام الحقيقة ثم قال المصنف وإن سجد مع ذلك يعنى الركوع وما قبله ثم قطع حنث ويشكل عليه ما ذكر التمرتاشى حلف لايصلى يقع على الجائز كما تقدم فلا يحنث بالفاسد إلا إذا كان اليمين فى الماضى أى حلف ما صليت وكان قد صلى فاسدة لأن الصلاة الماضية يراد الخبر عنها لا التقرب بها ويصح الخبر عن الفاسدة اللهم إلا أن يراد بالفاسدة أن تكون بغير طهارة ويكون ما فى الذخيرة بيانا له وهو قوله لو حلف لا يصلى فصلى صلاة فاسدة بأن صلى بغير طهارة مثلا لايحنث استحسانا لأن مطلق الأسم ينصرف إلى الكامل وهو ما به حصول الثواب وسقوط الفرض
قال ولو نوى الفاسدة صدق ديانة وقضاء لأن الفاسد صلاة صورة وإطلاق الأسم على صورته مجازا جائز فقد نوى ما يحتمله لفظه وفيه تغليظ على نفسه ومع هذا يحنث بالصحيحة أيضا وليس فى هذا الجمع بين الحقيقة والمجاز وإنما طريقه أن فى الصحيح ما فى الفاسدة وزيادة على شرط الحنث فلا يمنع الحنث ولو كان عقد يمينه على الماضى بأن قال إن كنت صليت فهى على الجائزة والفاسدة ثم فرق بين لا أصلى ولا أصلى صلاة حيث يحنث بركعة فقال وفى صورة حذف المفعول المنفى فعل الصلاة لا كون المفعول صلاة وذلك يحصل بالركعة إلا أنه قطعها بعد ذلك فقد انتقض فعل الصلاة ولكن بعد صحته والأنتقاض إنما يظهر فى حكم يقبل الأنتقاض والحنث بعد تحققه لا يقبل الأنتقاض فظهر من كلامه هذا أن المراد من الفاسدة هى التى لم يوصف منها شىء بوصف الصحة فى وقت بأن يكون ابتداء الشروع غير صحيح وعليه يحمل ما أوردناه فى الصوم ويرتفع الإشكال أيضا
وأورد أن من أركان الصلاة القعدة وليست فى الركعة الواحدة
____________________
(5/187)
فيجب أن لا يحنث بها وأجيب بأن القعدة موجودة بعد رفع رأسه من السجدة وهذا أولا مبنى على توقف الحنث على الرفع منها وفيه خلاف المشايخ والحق أنه يتفرع على الخلاف بين أبى يوسف ومحمد فى ذلك ومرت المسئلة فى سجود السهو والأوجه أن لا يتوقف لتمام حقيقة السجود بوضع بعض الوجه على الأرض ثم لو سلم فليست تلك القعدة هى الركن والحق أن الأركان الحقيقية هى الخمسة والقعدة ركن زائد على ما تحرر وإنما وجبت للختم فلا تعتبر زكنا فى حق الحنث قوله ولو حلف لا يصلى صلاة لم يحنث مالم يصل ركعتين لأنه يراد بها الصلاة المعتبرة شرعا على الوجه الذى قررناه فى لا يصوم صوما وأقل المعتبر شرعا صلاة ركعتين للنهى عن البتيراء نهيا يمنع الصحة لو فعلت ومن فروع هذه المسئلة ما فى الذخيرة قال لعبده إن صليت ركعة فأنت حر فصلى ركعة ثم تكلم لا يعتق ولو صلى ركعتين عتق بالركعة الأولى لأنه فى الصورة الأولى ما صلى ركعة لأنها بتيراء بخلاف الثانية وهذه المسئلة مذكورة فى نوادر ابن سماعة عن أبى يوسف فقال بعض المتأخرين تبين بهذه أن المذكور فى الجامع قول محمد يعنى وحده وهو غير لازم فإن المذكور عن ابى يوسف حلف لا يصلى ركعة وصلاة الركعة حقيقة دون مجرد الصورة لا يتحقق إلا بضم أخرى إليها والمذكور فى الجامع حلف لا يصلى ولم يقل ركعة والبتيراء تصغير البتراء تأنيث الأبتر وهو فى الأصل مقطوع الذنب ثم صار يقال للناقص وفى البيع يحنث بالفاسد بخلاف النكاح والفرق غير خاف ثم إذا حلف لا يصلى صلاة فهل يتوقف حنثه على قعوده قدر التشهد بعد الركعتين اختلفوا فيه والأظهر أنه إن عقد يمينه على مجرد الفعل وهو إذا حلف لا يصلى صلاة يحنث قبل القعدة لما ذكرته وإن عقدها على الفرض كصلاة الصبح أو ركعتى الفجر ينبغى أن لا يحنث حتى يقعد
فروع حلف لايؤم أحدا فصلى فجاء ناس واقتدوا به فقال نويت أن لا أؤم أحدا صدق ديانة لا قضاء إلا أن أشهد أنى إنما أصلى لنفسى وكذا لو صلى هذا الحالف الجمعة بالناس ونوى أن يصلى لنفسه الجمعة جازت الجمعة استحسانا لأن الشرط فيها الجماعة وقد وجد وحنث قضاء لا ديانة وينبغى إذا أمهم فى صلاة الجنازة أن يكون كالأول إن أشهد صدق فيهما وإلا ففى الديانة ولو قال ما صليت اليوم صلاة يريد فى جماعة صحت نيته لأنها ناقصة والمطلق ينصرف إلى الكامل ولو قال ما صليت اليوم الظهر يريد فى جماعة قال محمد لا تسعه النية فى هذا بخلاف ما إذا صلى الظهر فى السفر ثم قاله بمعنى ظهر مقيم وسعته فيما بينه وبين الله تعالى وفى ما أخرت صلاة عن وقتها وقد نام فقضاها اختلفوا بناء على أن وقت التذكر وقتها بالحديث فيصح أولا بل ينصرف إلى الوقت الأصلى
____________________
(5/188)
& باب اليمين فى لبس الثياب والحلى وغير ذلك
قدمه على الضرب والقتل لأن اللبس أكثر وقوعا منه لا بقيد خصوص الملبوس أو لأن شرعيته أوسع من شرعية الضرب والقتل والحلى بضم الحاء وتشديد الياء جمع الحلى بفتح الحاء وسكون اللام كثدى وثدى قوله ومن قال لامرأته إن لبست من غزلك أى ثوبا من غزلك أى مغزولك فهو هدى فغزلت من قطن مملوك له وقت الحلف فلبسه فهو هدى اتفاقا ولو لم يكن فى ملكه قطن أو كان لكن لم تغزل منه بل غزلت من قطن اشتراه بعد الحلف فلبسه فهى مسئلة الكتاب فعند أبى حنيفة هو هدى وقالا ليس عليه أن يهديه حتى تغزله من قطن ملكه يوم حلف أى وقت الحلف ومعنى الهدى هنا ما يتصدق به بمكة لأنه اسم لما يهدى إليها فإن كان نذر هدى شاة أو بدنة فإنما يخرجه عن العهدة ذبحه فى الحرم والتصدق به هناك فلا يجزيه إهداء قيمته وقيل فى إهداء قيمة الشاة روايتان فلو سرق بعد الذبح ليس عليه غيره وإن نذر ثوبا جاز التصدق فى مكة بعينه أو بقيمتة ولوو نذر إهداء مالا ينقل كإهداء دار ونحوها فهو نذر بقيمتها وجه قولهما أن النذر إنما ينعقد فيما هو فى الملك قال النبى صلى الله عليه وسلم لا نذر فيما لا يملك ابن آدم أو مضافا إلى سبب الملك مثل إن اشتريت كذا فهو هدى أو فعلى أن أتصدق به ولم يوجد ذلك فإن اللبس المجعول شرطا ليس سببا لملك الملبوس ولا متعلقه الذى هو غزل المرأة سببا لملكه إياه لأنه يملك القطن ولبس الغزل سببا لملك القطن لأن غزلها يكون من قطنها ويكون من قطنه فلا يصح النذر فى المشترى من القطن إذا غزل وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج لأن العادة أن يشترى القطن ويجعله فى البيت وهى تغزله فيكون المغزول مملوكا وله والمعتاد هو المراد بالألفاظ فالتعليق بغزلها تعليق بسبب ملكه للثوب كأنه قال إن لبست ثوبا أملكه بسبب غزلك قطنه فهو هدى ولا حاجة إلى تقدير ملك القطن ولا إلى الالتفات إليه وإن كان فى الواقع لا يملك المغزول بالغزل إلا إذا كان القطن مملوكا له وحينئذ لا فرق بين أن يملك القطن بعد ذلك أو فى حال الحلف ثم استوضح على أن غزلها
____________________
(5/189)
سبب عادى لملكه المغزول بقوله ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك وقت النذر بالاتفاق مع أن القطن غير مذكور وما ذاك إلا لكون ذكر الغزل ذكر سبب الملك فى المغزول لأن معنى كونه سببا كونه كلما وقع ثبت الحكم عنه وكون الغزل فى العادة يكون من قطن مملوك له يستلزم كونه كلما وقع ثبت عنده ملك الزوج فى المغزول وبهذا فارق مسئلة التسرى حيث لا يحنث فيها بالشراء بعد الحلف لأن الإضافة إلى التسرى ليست إضافة إلى سبب الملك لأن الملك لا يثبت عند التسرى أثرا له بل هو متقدم عليه وبهذا بطل قول من رجح قول زفر فى مسئلة التسرى هذا والواجب فى ديارنا أن يفتى بقولهما لأن المرأة لا تغزل إلا من كتان نفسها أو قطنها فليس الغزل سببا لملكه للمغزول عادة فلا يستقيم جواب أبى حنيفة رحمه الله فيه
وهذه فروع تتعلق باللبس حلف لا يلبس من غزلها فلبس فلما بلغ الذيل السرة تذكر فلم يدخل يديه فى الكمين ورجلاه بعد فى اللحاف حنث حلف لا يلبس ثوبا لا يحنث بلبس القلنسوة والعمامة ولو حلف لا يلبس ولم يقل ثوبا حنث والسراويل ثوب يحنث به ولو قال هذا الثوب فاتخذ منه قلنسوة حنث ولو ائترز أو ارتدى حنث سواء القميص وغيره بخلاف لا ألبس قميصا لا يحنث إذا ائتزر به أو ارتدى فينعقد على اللبس المعتاد وكذا إذا حلف لا يلبس سراويل فائتزر به أو تعمم لا يحنث ولو قال هذا السراويل فائترز به أو تعمم حنث ولو وضعه على عاتقه يريد حمله لا يحنث ولو حلف لا يلبس القباء أو قباء ولم يعين فوضعه على كتفه ولم يدخل يديه لا يحنث وفى هذا القباء يحنث لأن فى المنكر يعتبر اللبس المعتاد وفى المعين الوصف لغو فلا يعتبر اللبس المعتاد بل مطلق اللبس وقال الصدر الشهيد واختار الإمام الوالد الحنث فى المنكر أيضا لأنه يلبس أيضا كذلك ولو وضع القباء على اللحاف ونام تحته قبل لا يحنث وقيل بل يحنث لأنه لو جعل القباء فوق الدثار حالة النوم يحنث والمراد بالدثار ما يلبس فوق القميص وهو الشعار ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الأنصار شعار والناس دثار وفى ثوب فلان فوضع قباءه على كتفيه يحنث لا محالة لأنه لابس لكن لبس الرداء بخلاف ما إذا ذكر لفظ القباء ولو حلف لا يلبس هذا الثوب فألقى عليه وهو نائم المختار لا يحنث لأنه ملبس لا لابس فهو كما تقدم إذا حلف لا يدخل فحمل وادخل فلو انتبه فألقاه كما انتبه لا يحنث إن ترك يحنث علم أن الثوب المحلووف عليه أولا وكذا لو ألقى عليه وهو منتبه ولو حلف لا يلبس سراويل أو خفا فأدخل إحدى رجليه لا يحنث ولو حلف لا يلبس من غزل فلانة لا يحنث بالزيق والزر والعروة ولو لبس من غزلها وغزل غيرها حنث أما لو قال ثوبا من غزلها لا يحنث ولو كان فيه رقعة من غزل غيرها حنث وكذا إن كان فيه وصلة فى كمه أو دخريصة أو علم من غزل غيرها ولو حلف لا يلبس من غزلها فلبس ما خيط منه أو ما فيه سلكة منه لا يحنث ولو لبس تكة من غزلها يحنث عند أبى يوسف وعندهما لا يحنث وعليه الفتوى حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان فلبس ثوبا نسجه غلمانه وفلان هو المتقبل عليهم فإن كان يعمل بيده لا يحنث وإلا حنث لا يلبس حريرا أو إبريسما
____________________
(5/190)
لا يحنث إلا بثوب كله أو لحمته منه لا ما سداه أو علمه منه إلا أن ينويه لا يلبس هذا القطن ولا نية له انصرف إلى الثوب المتخذ منه فلو حشا به ثوبا وهو المضرب لا يحنث وكذا لا يلبس من غزل فلانة ولا نية له هو على الثوب وإن نوى عين الغزل لا يحنث بلبس الثوب لأنه يلبس الثوب لا الغزل ولا يلبس عين الغزل لا يلبس من ثياب فلان وفلان يبيع الثياب فاشترى منه ولبس يحنث لا يلبس كتانا فلبس ثوبا فيه كتان وغيره حنث لا يكسو فلانا فكساه قلنسوة أو خفين أو جوربين أو أرسل إليه ثوبا فلبسه حنث إلا أن نوى كسوته بيده ولو أعطاه دراهم فاشترى بها ثوبا فلبسه لا يحنث قوله ومن حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم فضة لم يحنث عندنا وعند الأئمة الثلاثة يحنث لنا أنه ليس بحلى عرفا ولا شرعا بدليل أنه أبيح للرجال مع منعهم من التحلى بالذهب والفضة وإنما أبيح لهم لقصد التختم لا للزينة فلم يكن حليا كاملا فى حقهم وإن كانت الزينة لازم وجوده لكنها لم تقصد به فكان عدما خصوصا فى العرف الذى هو مبنى الأيمان قال المشايخ هذا إذا لم يكن مصوغا على هيئة خاتم النساء بأن كان له فص فإن كان حنث لأنه لبس النساء وإنما يراد به الزينة لا التختم فكمل معنى التحلى به وصار كلبسه سوارا أو خلخالا أو قلادة أو قرطا أو دملوجا حيث يحنث بذلك كله ولو من الفضة وقيل لا يحنث بخاتم الفضة مطلقا وإن كان مما يلبسه النساء وليس ببعيد لأن العرف فى خاتم الفضة ينفى كونه حليا وإن كان زينة ولو كان الخاتم من ذهب حنث مطلقا بفص وبلا فص اتفاقا قوله ولو لبس عقد لؤلؤ غير مرصع لا يحنث عند أبى حنيفة وقالا يحنث وعلى هذا الخلاف عقد زبرجد أو زمرد أو ياقوت وبقولهما قالت الأئمة الثلاثة وجه قولهما أنه حلى حقيقة فإنه يتزين به وسمى به فى القرآن قال تعالى { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } والمستخرج من البحر هو اللؤلؤ والمرجان وله أنه لا يتحلى به فى العادة وهو المراد بقوله عرفا إلا مرصعا بذهب أو فضة ومبنى الأيمان على العرف لا على استعمال القرآن فينصرف إلى المرصع فلا يحنث بغيره قال بعض المشايخ قياس قوله إنه لا بأس أن يلبس الغلمان والرجال اللؤلؤ وقيل هذا اختلاف عصر وزمان
____________________
(5/191)
فى زمانه كان لايتحلى به إلا مرصعا وفى عرفهما تحلوا بالساذج ويفتى بقولهما لأن العرف القائم أنه يتحلى به ساذجا كما يتحلى به مرصعا قوله ومن حلف لا ينام على فراش أى فراش معين فإنه قال فى غير هذا الكتاب على هذا الفراش وبدليل قوله وإن جعل فوقه فراشا آخر فنام عليه لا يحنث ولو كان نكرة بأن حلف لا ينام على فراش حنث بوضع الفراش على الفراش لأنه نام على فراش نكرة ثم إذا نام عليه وفوقه قرام حنث لأن القرام تبع للفراش لأنه سائر رقيق يجعل فوقه كالتى تسمى فى عرفنا الملى أى الملاءة المجعولة فوق الطراحة وإذا كان تبعا له لم يعتبر وصار كأنه نام على نفس الفراش بخلاف ما إذا جعل فوقه فراشا آخر فإنه لا يحنث إذا نام على الأعلى لأنه مثله والشىء لا يكون تبعا لمثله فتنقطع النسبة إلى الأسفل وروى عن أبى يوسف رواية غير ظاهرة عنه أنه يحنث لأنه يسمى نائما على فراشين فلم تنقطع النسبة ولم يصرح أحدهما تبعا للآخر وحاصله أن كون الشىء ليس تبعا لمثله مسلم ولا يضرنا نفيه فى الفراشين بل كل أصل بنفسه ويتحقق الحنث بتعارف قولنا نام على فراشين وإن كان لم يماسه إلا الأعلى قوله ولو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث لأنه لا يسمى جالسا على الأرض عرفا فاعتبر العرف كلا من الأرض والبساط والحصير أصلا ولهذا يقال اجلس على البساط لا تجلس على الحصير وتارة اجلس على الحصير لا تجلس على الأرض فجعل الجالس على أحدهما غير جالس على الأرض بخلاف ما لو جلس على ذيوله حيث يعد جالسا على الأرض ويقال جلس فلان على الأرض فيحنث وسره أنه حيث كان اللباس تبعا له كان بمنزلة نفسه فلا يعتبر حائلا بل كأنه جلس بنفسه على الأرض نعم لو خلع ثوبه فبسطه وجلس عليه لا يحنث لارتفاع التبعية ولو حلف لا يجلس على سرير فجلس على سرير فوقه بساط أو حصير أو فراش حنث لأنه يعد جالسا عليه والجلوس على السرير فى العادة كذلك أى على ما يفرش عليه يقال جلس الأمير على السرير ولا شك أن فوقه من أنواع الفرش بخلاف ما إذا جعل فوقه سريرا آخر لأنه أى الآخر الأعلى مثل الأول الأسفل فلم يجعل تابعا له فى العرف وهذا بالاتفاق وفرق أبو يوسف على تلك الرواية عنه فى الفراش بالعرف فإنه يقال نام على فراشين ولا يقال جلس على سريرين وإن كان أحدهما فوق الآخر بل يقال جلس على سرير فوق سرير وهكذا الحكم فى هذا الدكان وهذا السطح إذا حلف لا يجلس على أحدهما فبسط عليه وجلس حنث ولو بنى دكانا فوق الدكان
____________________
(5/192)
أو سطحا على السطح إذا حلف لا يجلس على أحدهما انقطعت النسبة عن الأسفل فلا يحنث بالجلوس على الأعلى ولذا كرهت الصلاة على سطح الكنيف والإسطبل ولو بنى على ذلك سطحا آخر فصلى عليه لا يكره قاله الشيخ أبو المعين فى شرح الجامع وفى كافى الحاكم حلف لا يمشى على الأرض فمشى عليها بنعل أو خف حنث وإن كان على بساط لم يحنث وإن مشى على أحجار حنث لأنها من الأرض & باب اليمين فى الضرب والقتل وغير ذلك من الغسل والكسوة
قوله ومن قال إن ضربتك فعبدى حر فهو على الحياة حتى إذا مات فضربه لا يحنث لأن الضرب اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن أو استعمال آلة التأديب فى محل قابل للتأديب والإيلام والأدب لا يتحقق فى الميت لأنه لا يحس ولذا كان الحق أن الميت المعذب فى قبره توضع فيه الحياة بقدر ما يحس بالألم والبنية ليست بشرط عند أهل السنة حتى لو كان متفرق الأجزاء بحيث لا تتميز الأجزاء بل هى مختلطة بالتراب فعذب جعلت الحياة فى تلك الأجزاء
____________________
(5/193)
التى لا يأخذها البصر وإن الله على ذلك لقدير والخلاف فيه إن كان بناء على إنكار عذاب القبر أمكن وإلا فلا يتصور من عاقل القول بالعذاب مع عدم الإحساس وقد أورد على أخذ الإيلام فى تعريف الضرب قوله تعالى { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } فقد بر بضرب الضغث وهى حزمة من ريحان ونحوه ولا إيلام فيه وأجيب أولا بمنع عدم الألم فى ضرب أيوب عليه السلام بالكلية وقد روى عن ابن عباس أنه قبضة من الشجر وإن سلم فمخصوص بأيوب ودفع بأنه تمسك به فى كتاب الحيل فى جواز الحيلة فلم يعتبره وفى الكشاف هذه الرخصة باقية والحق أن البر بضرب بضغث بلا ألم أصلا خصوصية رحمة لزوجة أيوب عليه السلام ولا ينافى ذلك بقاء شرعية الحيلة فى الجملة حتى قلنا إذا حلف ليضربنه مائة سوط فجمع مائة سوط وضربه بها مرة لا يحنث لكن بشرط أن يصيب بدنه كل سوط منها وذلك إما أن يكون بأطرافها قائمة أو بأغراضها مبسوطة والإيلام شرط فيه أما عدمه بالكلية فلا ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة يبر ولو ضربه مائة سوط وخفف بحيث لم يتألم به لا يبر لأنه ضرب صورة لا معنى ولا بد من معناه فلا يبر إلا بأن يتألم حتى إن من المشايخ من شرط فيما إذا جمع بين رءوس الأعواد وضرب بها كون كل عود بحال لو ضرب منفردا به لأوجع المضروب وبعضهم قالوا بالحنث على كل حال والفتوى على قوول عامة المشايخ وهو أنه لا بد من الألم
فروع قال لأضربنك حتى أقتلك هو الضرب الشديد ومثله حتى أتركك لا حى ولا ميت وحتى تستغيث فهو على وجود ذلك وكذا حتى تبول أو حتى تبرك 1 وعندى أيضا على الضرب الشديد لأضربنك بالسيف حتى تموت ولأضربن ولدك على الأرض حتى ينشق نصفين فهو على أن يضرب به الأرض ويركله 2 فقط وخلاف هذا ليس بصحيح حلف ليضربنه بالسيف حنث بضربه بغلافه وهو فيه وكذا بالسوط فلفه بخرقة وضربه حنث حلف ليضربنه بنصل هذا السكين أو بزج هذا الرمح فنزعه وركب غيره وضربه به لا يحنث ولو قال إن لقيتك فلم أضربك فعبدى حر فرآه على سطح أو من بعيد بحيث لا تصل إليه يده ولا يقدر على ضربه لا يحنث قال محمد إذا كان بينه وبين فلان قدر ميل أو أكثر فلم يلقه حلف لا يضرب امرأته فضرب أمته يعنى فأصاب ضربه المرأة بغير قصد حنث حلف لا أعذبه فحبسه لا يحنث لأن الحبس تعذيب قاصر فلا يدخل تحت المطلق قوله وكذا الكسوة إذا حلف ليكسونه فألقى عليه ثوبا بعد موته يحنث وتقتصر
____________________
(5/194)
الكسوة على الحياة لاعتبار التمليك فى مفهومها ولذا لو قال كسوتك هذا الثوب كان هبة وقد جعلها الله سبحانه إحدى خصال الكفارة والمعتبر فيها فيما سوى الإطعام التمليك والميت ليس أهلا للتمليك ليصح المتليك قال الفقيه أبو الليث لو كانت يمينه بالفارسية ينبغى أن يحنث لأن هذا اللفظ بالفارسية يراد به اللبس دون التمليك قوله إلا أن ينوى به الستر استثناء من قوله فهو على الحياة الذى تضمنه التشبيه فى قوله وكذلك الكسوة فحينئذ يحنث لأن السترة تتحقق فى حق الميت كما فى الحى فتنعقد يمينه على حالتى الموت والحياة وذكر ضمير به وهو الكسوة على تأويل قوله كسوتك وقيل على تأويل الإكساء ولا وجود له فى اللغة قوله وكذا الكلام يعنى إذا حلف لا يكلمه اقتصر على الحياة فلو كلمه بعد موته لا يحنث لأن المقصود منه الإفهام والموت ينافيه لأنه لا يسمع فلا يفهم وأورد أنه صلى الله عليه وسلم قال لأهل القليب قليب بدر هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر رضى الله عنه أتكلم الموتى يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده ما أنتم بأسمع لما أقول من هؤلاء أو منهم واجيب بأنه غير ثابت يعنى من جهة المعنى وإلا فهو فى الصحيح وذلك بسبب أن عائشة رضى الله عنها ردته بقوله تعالى { وما أنت بمسمع من في القبور } { إنك لا تسمع الموتى } وبأنه إنما قاله له على وجه الموعظة للأحياء لا لإفهام الموتى كما روى عن على رضى الله عنه أنه قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين أما نساؤكم فنكحت وأما أموالكم فقسمت وأما دوركم فقد سكنت فهذا خبركم عندنا فما خبرنا عندكم وبأنه مخصوص بأولئك تضعيفا للحسرة عليهم لكن بقى أنه روى عنه صلى الله عليه وسلم إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا ولينظر فى كتاب الجنائز من هذا الشرح قوله والدخول يعنى إذا حلف لا يدخل على فلان تقيد بالحياة فلو دخل عليه ميتا لا يحنث لأن المراد من الدخول عليه زيارته أو خدمته حتى لا يقال دخل على حائط ولا على دابة والزيارة للميت ليست حقيقة بل إنما المزور قبره ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولم يقل عن زيارة الموتى قوله ولو قال إن غسلتك فعبدى حرا انعقد على الحياة والموت لأن الغسل الإسالة والمعنى المراد به التطهير أو إزالة الوسخ والكل يتحقق فى حالة الموت كالحياة وفى شرح الطحاوى فى الأصل أن كل فعل يلذ ويؤلم ويغم ويسر يقع على الحياة دون الممات كالضرب والشم والجماع والكسوة والدخول عليه اه ومثله التقبيل إذا حلف لا يقبلها فقبلها بعد
____________________
(5/195)
الموت لا يحنث وتقبيله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون بعد ما أدرج فى الكفن محمول على ضرب من الشفقة أو التعظيم وقيل إن عقد على تقبيل ملتح يحنث أو على امرأة لا يحنث وهو على الوجه ولو حلف لا يغسل فلانا أو لايحمله أو لا يمسه أو لا يلبسه فهو على الحياة والموت قوله ومن حلف لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث وكذا لو وجأها أو قرصها وعن بعض المشايخ ينبغى أن لا يحنث بذلك لأنه لا يتعارف ضربا وأجيب بما علل به فى الكتاب وهو أن الضرب اسم لفعل مؤلم يتصل به وهذه الأشياء كذلك وفى المنتفى حلف لا يضرب فلانا فنفض ثوبه فأصاب وجهه أو رماه بحجر أو نشابة فأصابه لا يحنث واستشكل يمين الضرب بأنها إن تعلقت بصورة الضرب عرفا فهو إيقاع آلة التأديب فى محل قابل له فيجب أن لا يحنث بالخنق ومد الشعر والعض لأنه لا يتعارف ضربا أو بمعناه وهو الإيلام فيجب ان يحنث بالرمى بالحجر أو بهما فيحنث بالضرب مع الإيلام ممازحة لكنه لا يحنث وهو إشكال وارد وما أجيب به من أن شرط الحنث حصول المحلوف عليه وهو الضرب لفظا أو عرفا مثاله حلف لا يبيع كذا بعشرة فباعه بتسعة لا يحنث لأنه وإن وجد شرط الحنث عرفا
____________________
(5/196)
لكن لم يوجد شرط الحنث لفظا لأن مقصوده أن لا يبيع بعشرة أو بأقل بل بأكثر ولو باعه بأكثر لا يحنث أيضا لأنه وإن وجد شرط الحنث لفظا لأنه لما باعه بأحد عشر فقد باعه بعشرة أيضا لكنه لم يوجد عرفا فلا يحنث غير دافع بقليل تأمل ثم قال فخر الإسلام وغيره هذا يعنى الحنث إذا كان فى الغضب أما إذا فعل فى الممازحة فلا يحنث ولو أدماها لكن لا على قصد الإدماء بل وقع الخطأ فى الممازحة باليد وعن الفقيه أبى الليث انه قال هذا إذا كانت بالعربية أما إذا كانت بالفارسية لا يحنث بمد الشعر والخنق والعض والحق أن هذا هو الذى يقتضيه النظر فى العربية أيضا إلا أنه خلاف المذهب قوله ومن قال إن لم أقتل فلانا فامرأته طالق وفلان ميت والحالف عالم بموته حنث لأنه لما علم بموته قبل حلفه والقتل إزالة الحياة بسبب عادى مخصوص لزم أنه عقد يمينه على إزالة حياة يحدثها الله تعالى فيه وذلك متصور فينعقد بالاتفاق ثم يحنث فى الحال للعجز الحالى المستمر عادة وإن لم يعلم لا يحنث لأنه عقد يمينه لا محالة على إزالة الحياة القائمة فيه ولا يتصور إزالة القائمة ولا حياة قائمة فكان قياس مسئلة الكوز على الاختلاف السابق بين أبى يوسف وبينهما فعنده ينعقد ويحنث فعليه الكفارة وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لا كفارة لأنه لا حنث إذ لا انعقاد قوله وليس فى تلك المسئلة أى مسئلة الكوز تفصيل بين العلم وعدمه بل الحكم أنه لا يحنث عندهما سواء علم أن فيه ماء وقت الحلف أو لم يعلم قوله هو الصحيح احتراز عما ذكر فى شرح الطحاوى حيث قال فيه ولو كان يعلم أن الكوز لا ماء فيه فحلف فقال إن لم أشرب الماء الذى فى هذا الكوز فامرأته طالق فإنه يحنث بالاتفاق وعن أبى حنيفة رواية أخرى لا يحنث علم أو لم يعلم وهو قول زفر ووجهه أنه لو كان يعلم أن لا ماء فى هذا الكوز فحلف ينبغى أن تنعقد يمينه عندهما على ماء يحدثه الله تعالى فى الكوز وهو متصور ثم العجز الحالى المستمر يوجب حنثه بخلاف ما إذا لم يعلم أن فى الكوز ماء لأن يمينه انعقدت على ماء فى الكوز ولو أوجد الله تعالى فيه ماء كان غير المحلوف عليه فلا يتصور شرب المحلوف عليه & باب اليمين فى تقاضى الدراهم
التقاضى المطالبة وهو سبب للقضاء وهى مسائل الباب فترجم الباب بما هو سبب مسائله وخص الدراهم
____________________
(5/197)
بالذكر لأنها أكثر دورا فى المعاملات قوله ومن حلف ليقضين دينه إلى قريب أو عاجلا فهو ما دون الشهر فإن أخره إلى الشهر حنث وإن قال إلى بعيد أو آجلا فهو على أكثر من شهر وعلى الشهر أيضا ولكنه قصد الطباق بين قوله ما دون الشهر وما فوقه فلا يحنث إلا بالموت إذا مات لشهر فصاعدا من حين حلف سنة أو أكثر بلا غاية محدودة إلى الموت فإن مات لأقل منه لا حنث عليه على مقتضى ما ذكروا وقال الشافعى وأحمد ليس فى يمين القريب والبعيد تقدير لأنه إضافى فكل مدة قريبة بالنسبة إلى ما بعدها وبعيدة بالنسبة إلى ما دونها ومدة الدنيا كلها قريبة باعتبار وبعيدة باعتبار آخر وإنما يحكم بحنثه إذا مات قبل أن يقضيه وقلنا هنا وجهان من الاعتبار اعتبار الإضافة ولا ضبط فيها كما ذكرت واعتبار العرف وعليه مبنى الأيمان والعرف يعد الشهر بعيدا فإنه يقال ما رأيتك منذ شهر عند استبعاد مدة الغيبة فعند الإطلاق وعدم النية يعتبر ذلك فإما إذا نوى بقوله إلى قريب وإلى بعيد مدة معينة فهو على ما نوى حتى لو نوى بقوله إلى قريب أو عاجلا سنة او أكثر صحت وكذا إلى آخر الدنيا لأنها قريبة بالنسبة إلى الاخرة وتقدمت فروع فيما لو حلف ليقضينه ضحى أو عند الهلال ونحوها قوله ومن حلف ليقضين فلانا دينه اليوم فقضاه فيه ثم وجد فلان بعضها أى بعض الدراهم زيوفا وهى المغشوشة غشا قليلا بحيث يتجوز التجار بها وإنما يرده بيت المال أو نبهرجة وغشها أكثر من الزيوف يرده من التجار المستقصى ويقبله السهل منهم أو مستحقة لم يحنث بذلك سواء رد بدلها فى ذلك اليوم أولا لأن الزيف عيب وكذا النبهرجة ولفظ الزيافة المذكور فى الكتاب غير عربى بل هو من استعمال الفقهاء والعيب فى الجنس لا يعدم الجنس أى جنس الدراهم ولهذا أى ولكون وصف الزيافة لا يعدم اسم الدراهم لو تجوز بها فى الصرف أى لو جعلت بدلا فى الصرف بالجياد أو جعلت رأس مال السلم صح مع أن الافتراق عن
____________________
(5/198)
غير قبض مفسد لهما فعرف أنهما لم ينتف عنهما جنس الدراهم فيبر فى اليمين بهما سواء حلف على القبض أو الدفع وكذا قبض الدراهم المستحقة صحيح ولذا لو أجاز الملك قبضها جاز وإذا بر فى دفع هذه المسميات الثلاثة فلورد الزيوف أو النبهرجة أو استردت المستحقة لا يرتفع البر وإن انتقض القبض فإنما ينتقض فى حق حكم يقبل الانتقاض ومثله لو دفع المكاتب هذه الأنواع وعتق فردها مولى المكاتب بسبب أنها زيف أو نبهرجة أو مستحقة لا يرتفع العتق ولو كانت رصاصا أو ستوقة حنث إذا انقضى اليوم ولم يرد بدلها دراهم والستوقة المغشوشة غشا زائدا وهو تعريب سى توقه أى ثلاث طبقات طبقتا الوجهين فضة وما بينهما نحاس ونحوه لأنها ليست من جنس الدراهم حتى لا يتجوز بها فى الصرف والسلم ولا يعتق المكاتب بأدائها فلو ردها المولى ظهر عدم عتق العبد قوله وإن باعه أى إن باع الحالف المديون رب الدين الذى حلف ليقضين اليوم دينه فى اليوم المحلوف على قضائه فيه عبدا وقبضه رب الدين بر المديون فى يمينه لأن قضاء الدين لو وقع بالدراهم كان بطريق المقاصة وهو أن يثبت فى ذمة القابض وهو الدائن مضمونا عليه لأنه قبضه لنفسه ليتملكه وللدائن مثله على المقبض فيلتقيان قصاص فكذا هنا إذ لا فرق بين الدراهم وغيرها مما يقاصص به فيبر فى يمينه بإعطاء العبد قصاصا وهو ان يثبت له فى ذمته ثمن العبد وله فى ذمته مثلها فيلتقيان قصاصا ثم البر وقضاء الدين يحصل بمجرد البيع قبض الدائن العبد أو لا حتى لو هلك المبيع فى يد المديون الحالف قبل قبض المشترى المبيع انفسخ البيع وعاد الدين ولا ينتقض البر فى اليمين وإنما نص عليه محمد تأكيدا للبيع ليتقرر الدين على رب الدين لأن الثمن وإن وجب بالبيع لكنه على شرف السقوط لجواز أن يهلك المبيع قبل القبض ولو كان البيع فاسدا وقبضه فإن كانت قيمته تفى بالدين بر وإلا حنث لأنه مضمون بالقيمة هذا إذا حلف المديون وكذا إذا حلف
____________________
(5/199)
رب الدين فقال إن لم أقبض مالى عليك اليوم أو أن لم أستوف قال محمد فإن وهبها له لم يبر يعنى إذا وهب رب الدين الدراهم الدين فى اليوم قبل انقضائه فقبل لم يبر المديون لأن شرط البر القضاء ولم يوجد لعدم المقاصة ولأن فعل المديون والهبة فعل الدائن بالإبراء فلا يكون فعل هذا فعل الآخر قال فى الفوائد الظهيرية وإذا لم يبر لم يحنث أيضا عندهما لفوات المحلوف عليه يعنى تعذر المحلوف عليه وهو القضاء قبل انقضاء اليوم وتقدم فى مسئلة الكوز أن بقاء التصور شرط لبقاء اليمين فى اليمين المؤقتة وهذه كذلك إذ الكلام هنا فى يمين مؤقتة وإن كان فى الجامع الصغير لم يذكر اليوم واعترض بعضهم عليه بأنه يستلزم ارتفاع النقيضين لأن البر نقيض الحنث فلا يرتفعان وهذا غلط لأن النقيضين اللذين يجب صدق أحدهما دائما هما فى الأمور الحقيقة كوجود زيد وعدمه أما فى الأمور الشرعية إذا تعلق قيام النقيضين بسبب شرعى فإنما يثبت حكمهما ما دام السبب قائما وما نحن فيه منه فإن قيام اليمين سبب لثبوت أحد الأمرين لا محالة من الحنث أو البر شرعا فإن فرض انتفاؤه انتفى الحنث والبر كما هو قبل اليمين حيث لا بر ولا حنث فإذا فرض ارتفاعه كان الحال كما هو قبل وجوده وجميع ما أورد من الاستشهاد مثل قول صاحب الخلاصة لم يحنث فى مسئلة الكوز وقول الكرخى فى هذه المسئلة لم يحنث لا فائدة فيه لأن عدم الحنث متفق عليه وإنما يفيده لو قالوا بر ولم يحنث وكيف يتصور البر وهو بفعل المحلوف عليه ولم يفعل واعلم أن جواب هذه المسئلة أعنى مسئلة الهبة مقيد بكون الحالف على يوم بعينه كما أشرنا إلى ذلك أما المطلقة بأن حلف ليقضين دينه فأبرأه أو وهبه فلا شك أنه يحنث بالاتفاق لأن التصور لا يشترط بقاؤه فى اليمين المطلقة بل فى الابتداء وحين حلف كان الدين قائما فكان تصور البر ثابتا فانعقدت ثم حنث بعد مضى زمن يقدر فيه على القضاء باليأس من البر بالهبة ومن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه
____________________
(5/200)
لم يحنث بمجرد قبض ذلك البعض بل يتوقف حنثه على قبض باقيه فإذا قبضه حنث لأن الشرط أى شرط الحنث قبض الكل بوصف التفرق لأنه أضاف القبض المتفرق إلى كل الدين حيث قال لا أقبض دينى وهو اسم لكله فلا يحنث إلا بتمامه متفرقا غير أنه لو كان التفرق فى مجلس واحد لتعدد الوزن لا يحنث إذا كان لم يتشاغل بين الوزنتين إلا بعمل الوزن لأن المجلس جامع للمتفرقات فكان الوزنتان كوزنة واحدة بخلاف ما إذا تشاغل بعمل آخر لأنه به يختلف مجلس القبض على ما عرف ولأنه قد يتعذر قبضه بوزنة واحدة لكثرته فجعل التفريق الكائن بهذا السبب مستثنى والمسئلة فى الجامع الكبير مؤقتة هكذا إذا كان لرجل على رجل مائة درهم فقال عبدى حر إن أخذتها منك اليوم درهما دون درهم فأخذ منها خمسة ولم يأخذ ما بقى حتى غابت الشمس لم يحنث لأن شرط حنثه أخذ كل المائة على التفريق ولو قال إن أخذت منها اليوم منك درهمان دون درهم فأخذ خمسة ولم يأخذ ما بقى حتى غابت الشمس حنث لأن شرط الحنث أخذ بعض المائة متفرقا لأن كلمة من للتبعيض وقد وجد قوله ومن قال إن كان لى إلا مائة درهم فامرأته طالق فلم يملك إلا خمسين لم يحنث لأن المقصود منه عرفا نفى ما زاد على المائة فيصدق على الخمسين إذ يصدق أن الخمسين ليس زائدا على المائة وأما بالنظر إلى اللفظ فلا يصح إلا على جعل المستثنى مسكوتا عن حكمه فإن معنى اللفظ ليس لى مال إلا مائة فالمائة مخرجة من نفى المال فإذا قلنا إن المستثنى مسكوت فتكون المائة غير محكوم عليها بأنها فى ملكه بل ولا متعرضا لها بإثبات بوجه من الوجوه وهذا قول طائفة من المشايخ واما على جعله مثبتا بطريق الإشارة كما هو قول طائفة أخرى أو على أن الاستثناء من النفى إثبات وهو مختارنا وصرح به المصنف فقال الاستثناء من النفى إثبات فى هذا الكتاب فيحنث لفظا لأنه حلف على أن له مائة وأما قول المصنف ولأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها فظاهره
____________________
(5/201)
أنه وجه مقابل لقوله لأن المقصود منه عرفا الخ وهو أن يكون مدلولا له ومعلوم أن إخراجها ليس إلا من النفى
وحاصله إخراج جميع أجزاء المائة من عدم الملك فلو صح كان الحلف على نفى خمسين من ملكه فكان يحنث فليس المعول عليه إلا وجه العرف بخلاف مالوا دعى أنه أعطى زيد مائة مثلا فقال زيد لم يعطنى إلا خمسين فقال إن كنت أعطيته إلا مائة فإنه يحنث بالأقل وكذا إذا اختلف فى قدر الدين فقال لى عليه مائة وقال الآخر خمسون فقال إن كان لى عليه إلا مائة فهذا لنفى النقصان لأنه قصد بيمينه الرد على المنكر وفى الجامع الصغير عبده حر إن كنت أملك إلا خمسين فملك عشرة لم يحنث لأنها بعض المستثنى ولو ملك زيادة على الخمسين إن كان من جنس مال الزكاة حنث وإلا لا ألا ترى أنه لو قال مالى صدقة ينصرف إلى مال الزكاة أو حلف مالى مال لا يحنث إلا بمال الزكاة وفى خزانة الأكمل لو قال امرأته طالق إن كان له مال وله عروض وضياع ودور لغير التجارة لم يحنث والمسئلة تأتى إن شاء الله تعالى
مسائل متفرقة أى هذه المسائل مسائل متفرقة فتكون الإشارة لأمر حاضر فى الذهن او تأخر وضع الترجمة عن وضع المسائل فتكون الإشارة على ظاهرها والظاهر الأول لأن المعتاد تقدم الترجمة فإن من عادة المصنفين أن يذكروا لما شذ عن الأبواب هذه الترجمة ونحوها قوله وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدا لأنه نفى الفعل فعم الامتناع فى جميع الأوقات المستقبلة ضرورة عموم النفى للفعل المتضمن للمصدر النكرة فلو وجد مرة لم يكن النفى فى جميع الأوقات ثابتا وإن حلف ليفعلن كذا بر بالفعل مرة واحدة لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام مقام الإثبات فيبر بأى فعل فعله سواء كان مكرها فيه أو ناسيا أصيلا أو وكيلا عن غيره وإذا لم يفعل لا يحكم بوقوع الحنث حتى يقع اليأس عن الفعل وذلك بموت الحالف قبل الفعل فيجب عليه أن يوصى بالكفارة أو بفوت محل الفعل كما لو حلف ليضربن زيدا أو ليأكلن هذا الرغيف فمات زيدا أو أكل الرغيف قبل أكله فحينئذ يحنث هذا إذا كانت اليمين مطلقة كما أريناك فلو كانت مقيدة مثل لآكلنه فى هذا اليوم سقطت بفوات محل الفعل قبل مضى الوقت عندهما على ما سلف فى مسئلة الكوز خلافا لأبى يوسف ولو مات الحالف قبل
____________________
(5/202)
مضية لا حنث عليه ولا كفارة ولو جن الحالف فى يومه حنث عندنا خلافا لأحمد قوله وإذا استحلف الوالى رجلا ليعلمنه بكل داعر دخل المدينة وهو بالدال والعين المهملتين كل مفسد وجمعه دعار من الدعر وهو الفساد ومنه دعر العود يدعر بكسر العين فى الماضى وفتحها فى المضارع إذا فسد فهو على حال ولايته خاصة فلو عول لا يلزمه إخباره بعد ذلك هو قول الشافعى ورواية عن أحمد وهذا التخصيص فى الزمان يثبت بدلالة الحال وهو العلم بأن المقصود من هذا الاستحلاف زجره بما يدفع شره أو شر غيره بزجره لأنه إذا زجر داعر انزجر داعر آخر كما قال تعالى { ولكم في القصاص حياة } وهذا لا يتحقق إلا فى حال ولايته لأنها حال قدرته على ذلك فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته والزوال بالموت وكذا بالعزل فى ظاهر الرواية وإذا سقطت اليمين لا تعود ولو عاد إلى الولاية وعن أبى يوسف أنه يجب عليه إعلامه بعد العزل أيضا وهو قول الشافعى ورواية عن أحمد لأنه مفيد لاحتمال أن يعاد فيزجره لتقدم معرفته بحاله وهذا يعيد وفى شرح الكنز أيضا ثم إن الحالف لو علم بالداعر ولم يعلمه به لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل لأنه لا يحنث فى اليمين المطلقة إلا باليأس إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضى الوقت مع الإمكان اه ولو حكم بانعقاد هذه للفوز لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهو المبادرة لزجره ودفع شره فالداعى يوجب التقييد بالفور أى فور علمه به وعلى هذا لو حلف رب الدين غريمه أو الكفيل أن لا يخرج عن البلد إلا بإذنه يتقيد بحال قيام الدين والكفالة لأن الإذن إنما يصح ممن له ولاية المنع وكذا لا تخرج امرأته إلا بإذنه تقيد بقيام الزوجية وإذا زال الدين والزوجية سقطت ثم لا تعود اليمين يعودهما بخلاف ما لو حلف لا تخرج امرأته من الدار فإنه لا يتقيد به إذ لم يذكر الإذن فلا موجب لتقييده بزمان الولاية فى الإذن وكذا الحال فى حلفه على العبد مطلقا ومقيدا وعلى هذا لو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بغير إذنك طالق فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ثم تزوج بغير إذنها طلقت لأنه لم تتقيد يمينه ببقاء النكاح لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الإذن والمنع بعقد النكاح قوله ومن حلف ليهبن عبده لفلان فوهبه ولم يقبل بر فى يمينه الأصل أن اسم عقد المعاوضة كالبيع والإجارة والصرف والسلم والنكاح والرهن والخلع
____________________
(5/203)
بإزاء الإيجاب والقبول معا وفى عقود التبرعات بإزاء الإيجاب فقط كالهبة والصدقة والعارية والعطية والوصية والعمرى والنحلى والإقرار والهدية وقال زفر هى كالبيع وفى البيع وما معه الإتفاق على أنه للمجموع فلذا وقع الاتفاق على أنه لو قال بعتك أمس هذا الثوب فلم تقبل فقال بل قبلت او آجرتك هذه الدار فلم تقبل فقال بل قبلت القول قول المشترى والمستأجر لأن اقراره بالبيع تضمن اقراره بالإيجاب والقبول وقوله لم تقبل رجوع عنه وكذا على عدم الحنث إذا حلف لا يبيع فأوجب فقط وعلى الحنث إذا حلف ليبيعن اليوم فأوجب فيه فقط ووقع الخلاف فى ذلك لو كان بلفظ الهبة فعندنا فعندنا يبر بالإيجاب وعنده يحنث ثم استدل المصنف لزفر باعتباره بالبيع لأنه اى عقد الهبة تمليك مثله حيث يتوقف تمام سببيته على القبول فلا يكون هو أى عقد الهبة بلا قبول كالإيجاب فى البيع ثم لا يشترط القبض فى رواية عنه بل بمجرد إيجاب الهبة والقبول من الآخر بر لتمام السبب وإنما القبض شرط حكمه والسبب يتم دونه كالبيع بشرط الخيار وفى رواية أخرى عنه يشترط معه القبض فلا يبر حتى يقبض الآخر لأن السبب بلا حكم غير معتبر قال المصنف ولنا أنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع أى الهبة اسم للتبرع فإذا تبرع وجد المسمى فيحنث ولا يراد تمامه سببا للملك إلا على ما نقل عن بعضهم أن الملك يثبت به قبل القبول إلا أن بالرد ينتقض دفعا لضرر المنة بلا اختيار ونحوه من فسخ نكاح الزوجة المرقوقة لأنه لا معول ولا عمل على هذا بل لا بد من القبول لتمام العقد فكان فى احتياجه إلى القبول فى تمام العقد ووقوعه سببا لملك لآخر كالبيع والحاصل أنه إنما يتم به ما هو من جهته وهو التمليك وبهذا القدر لا يدخل فى ملك الآخر وإن كان بلا بدل حتى يظهر رضاه بذلك بلفظه المفيد له فهو كالبيع فى هذا القدر وحقيقة الخلاف إنما هو فى تعيين مسميات شرعية لألفاظ هى لفظ البيع والهبة وأخواتهما ولا سبيل إلى ذلك إلا بالنقل أو الاستدلال فلما كان عند إطلاق لفظ باع فلان كذا أو بعت كذا يفهم منه وقوع الإيجاب والقبول حكم بأن اسم البيع للمجموع ثم وقع النزاع فى اسم الهبة فقال زفر هو كذلك واستدل الأصحاب بالنقل وهو ما فى الصحيحين من قول ابن عباس أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما فى وجهه قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم فقد أطلق اسم الإهداء من أحد الجانبين فقط لفرض أنه رده عليه ووجهه أن قول ابن عباس أهدى إما حكاية قول الصعب بن جثامة أهديت لك هذا أو حكاية فعل وعلى كل تقدير يفيد أن اسم الهداية يتم بمجرد فعل الواهب قبل الآخر أو لا واستدل أيضا بقولنا وهبت لفلان فلم يقبل وليس شىء منهما بلازم لأن غاية ما فيه أنه يصح أن يطلق لفظ الهبة والهدية على مجرد الإيجاب بقرينة كقوله فلم يقبل ونحن لا ننكر أنه يصح أن يقال عليه فقط كما يقال على المجموع وكونه ظهر فى موضع أنه استعمل فى مجرد الإيجاب بقرينة لا يفيد الحكم بأنه هو معناه الحقيقى الذى يجب الحكم به عليه عند عدم القرينة ألا ترى أنه لو قال بعته هذا الثوب بألف فلم يقبل لم يكن مخطئا ويكون مستعملا لاسم الكل
____________________
(5/204)
فى الجزء فلو دل صحة قول القائل وهبت فلم يقبل على أن وضع لفظ الهبة لمجرد الإيجاب دل صحة قوله بعته فلم يقبل على ان البيع لمجرد الإيجاب والإثبات وأما الاستدلال بقول الصديق لعائشة رضى الله عنهما كنت نحلتك عشرين وسقا من مال العالية وإنك لم تكونى حزتيه فسماه نحلى قبل القبض فإنما ينتهض على إحدى روايتى زفر أنه مأخوذ فيه القبض أيضا ولسنا نصححها بل المعتبر المجموع من الإيجاب والقبول والقبض شرط الحكم لا من تمام السبب ومسمى اللفظ واما الوجه القائل ان المقصود من الهبة إظهار السماحة وهو يتم بايجاب يعنى فالظاهر أن الاسم بإزاء ما يتم به المقصود من العقد فلا يخفى أنه غير لازم وإلا كانت أسماء الأمور التى لها غايات أسماء لتلك الغايات وأيضا فقصد الإظهار للسماحة هو عين المراءاة ولا ينبغى حمل فعل جميع العقلاء عليه بل اللازم كون المقصود منها وصول النفع للحبيب والفقير الأجنبى وهذ أليق أن يجعل مقصودا للعقلاء فيجب الحمل عليه وعلى اعتباره لا يتحقق الوصول إلا بمجموع القبول والإيجاب وأقر بها أنه اسم للتبرع كما ذكر المصنف والاستدلال عليه بأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع وإن كان تمام السبب يتوقف على شىء آخر فهو اسم الجزء السبب إن سلم هذا وعلى هذا الخلاف القرض وعن أبى يوسف أن قبول المستقرض لا بد منه فيه لأن القرض فى حكم المعاوضة فلو قال أقرضنى فلان ألفا فلم أقبل لا يقبل قوله ونقل عن أبى حنيفة فيه روايتان والإبراء يشبه البيع من حيث إنه يفيد الملك باللفظ دون قبض والهبة لأنه تمليك بلا عوض ولهذا ذكر في الجامع ان في القرض والإبراء قياسا واستحسانا وقال الحلواني فيهما كالهبة قيل والأشبه أن يلحق الإبراء الهبة لعدم العوض والقرض بالبيع للعوض واعلم أن الإبراء له شبهان شبه بالإسقاط لأن الدين وصف فى الذمة لاعين مال فباعتباره قلنا لا يتوقف على القبول وشبه بالتمليكات باعتبار أن مآله إلى عين المال حتى جرت أحكام المال عليه فى باب الزكاة ولهذا قلنا يرتد بالرد ولا يقبل التعليق ولا يعلم خلاف فى أن الاستقراض كالهبة
فروع حلف لا يوصى بوصية فوهب فى مرض الموت لا يحنث وكذا لو اشترى أباه فى مرضه فعتق عليه ولو حلف ليهبنه اليوم مائة درهم فوهبه مائة له على آخر وأمره بقبضها بر ولو مات الواهب قبل قبض الموهوب له لا يتمكن من قبضه لأنها صارت ملكا للورثة وفى شرح الجامع الكبير للعتابى أن الإباحة والوصية والإقرار والاستخدام لا يشترط فيها القبول من الآخر ولو قال لعبد إن وهبك فلان منى فأنت حر فوهبه منه إن كان العبد فى يد الواهب لا يعتق سلمه إليه أولا وإن كان وديعة فى يد الموهوب له إن بدأ الواهب فقال وهبتكه لا يعتق قبل أو لم يقبل وإن بدأ الموهوب له فقال هبه منى فقال وهبته منك عتق ولو حلف لا يهب عبده من فلان فوهبه له أجنبى فأجاز الحالف الهبة حنث كذا رواه ابن سماعة عن محمد ولا يهب عبده لفلان فوهبه له على عوض حنث حلف لا يستدين دينا فتزوج لا يحنث ولو حلف لا يشاركه ثم شاركه بمال ابنه الصغير فالشريك هو الابن لا الأب لأنه لا ربح للأب فى المال وتنعقد يمين نفى الشركة على ما عليه عادات الناس من الشركة فى التجارات دون الأعيان فلو اشتريا عبدا لم يحنث بخلاف ما لو قال لا يكون بينى وبينه شركة فى شىء حيث يحنث بخلاف ما لو ورثا شيئا لا يحنث لأنه لم يشاركه مختارا إنما لزمه حكما أحب أو كره قوله ومن حلف
____________________
(5/205)
لا يشم ريحانا فشم وردا أو ياسمينا لم يحنث ويشم هو بفتح الياء والشين مضارع شممت الطيب بكسر الميم فى الماضى هذه هى اللغة الفصيحة المشهورة وأما شممت الطيب أشمه بفتح الميم فى الماضى وضمها فى المضارع فقد أنكرها بعض أهل اللغة وقال هو خطأ وصحح عدمه فقد نقلها الفراء وغيره وإن كانت ليست بفصيحة ثم يمين الشم تنعقد على الشم المقصود فلو حلف لا يشم طيبا فوجد ريحه لم يحنث ولو وصلت الرائحة إلى دماغه وفى المغرب الريحان كل ما طاب ريحه من النبات وعند الفقهاء ما لساقه رائحة طيبة كما لورقه وقبل فى عرف أهل العراق اسم لما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وقيل اسم لما ليس له شجر ذكره في المبسوط لأنه قال تعالى والنجم والشجر يسجدان ثم قال والحب ذو العصف والريحان ولأن الريحان انما يطلق على ما ينبت من بزره مما لا شجر له ولعينه رائحة مستلذة وشجر الورد والياسمين ليس لعينه رائحة إنما الرائحة للزهر خاصة هذا والذى يجب أن يعول عليه فى ديارنا إهدار ذلك كله لأن الريحان متعارف لنوع وهو ريحان الحماحم واما كون الريحان الترنجى منه فيمكن أن لايكون لأنهم يلزمونه التقييد فيقال ريحان ترنجى وعندنا يطلقون اسم الريحان لا يفهم منه إلا الحماحم فلا يحنث إلا بعين ذلك النوع قوله ولو حلف لا يشترى بنفسجا فهو على دهنه دون ورقه فلا يحنث بورقه وذكر الكرخى أنه يحنث به أيضا بعموم المجاز وهذا مبنى على العرف فكان فى عرف أهل الكوفة بائع الورق لا يسمى بائع البنفسج وإنما يسمى به بائع الدهن ثم صار كل يسمى به فى أيام الكرخى فقال به واما فى عرفنا فيجب أن لا ينعقد إلا على نفس النبات فلا يحنث بالدهن أصلا كما قال فى الورد والحناء إن اليمين على شرائهما ينصرف إلى الورق لأنهما اسم للورق والعرف مقرر له بخلافه فى البنفسج
فروع متفرقة الأصناف إذا حلف على الدجاج نفيا أو إثباتا وكذا الحمل والإبل والبعير والجزور والبقر والبقرة والبغل والبغلة والشاة والغنم والحمار والخيل يتناول الذكر والأنثى والتاء للوحدة قال قائلهم ** لما مررت بدير هند أرقنى ** صوت الدجاج وضرب بالنواقيس **
____________________
(5/206)
والصوت إنما هو للديك وفى الحديث فى خمس من الإبل شاة وعن أبى يوسف البقرة لا تناول الثور وليس بذلك والثور والكبش والديك للذكر والبرذون للعجمى والبقر لا يتناول الجاموس للعرف حلف لا يفعل كذا ولا كذا ففعل واحدا منهما حنث وإن لم يذكر حرف النفى فقال لا أفعل كذا وكذا فكذلك يحنث حلف لا يأكل مما يجىء به فلان فجاء بحمص فطبخ فأكل من مرقه وفيه طعم الحمص حنث ذكرها فى فتاوى قاضيخان وعلى هذا يجب فى مسئلة الحلف لا يأكل لحما فأكل من مرقه أنه لا يحنث أن يقيد بما إذا لم يجد طعم اللحم حلف لا يشرب حراما من هذا الجنس فقاء وشرب قيأه لا يحنث قال لعبده إن سقيت الحمار فأنت حر فذهب به فسقاه فلم يشرب عتق لأنه سقاه لكنه لم يشرب حلف لا يشرب عصيرا فعصر عنقود فى حلقه لا يحنث ولو عصره فى كفه فحساه حنث أما لو قال لا يدخل حلقى حنث فيهما وفى الفتاوى هذا فى عرفهم أما عرفنا فينبغى أن لايكون حانثا لأن ماء العنب لا يسمى عصيرا فى أول ما يعصر حلف على امرأته لا تسكن هذه الدار وهى فيها وبابها مغلق وللدار حافظ فهى معذورة حتى يفتح الباب وليس لها أن تتسور الحائط قال الفقيه وبه تأخذ قال الصدر الشهيد فرق بين هذا وبين ما لو قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد ومنع من الخروج فإنه يحنث ولو قال لامرأته وهى فى بيت والدها إن لم تحضرى الليلة فمنعها الوالد من الحضور منعا حسيا حنث قال الصدر الشهيد هذا فى فتاوى الفضلى وذكر بعد هذا أنه لا يحنث قال والأصح أنه يحنث ولا بد من الفرق بين الفعل وعدم الفعل وذلك لأن الشرع قد يجعل الموجود معدوما بالعذر كالإكراه وغيره ولا يجعل المعدوم موجودا وإن وجد العذر اه يعنى وقد أكرهت على السكنى وهو فعل والمكره على الفعل لا يضاف الفعل إليه فلا يحنث وقد صرح بجواب الشيخ أبى بكر محمد بن الفضل فيمن قال إن لم أخرج من هذه الدار اليوم فقيد الحالف ومنع أياما أنه يحنث وهو الصحيح وفى الخلاصة لو قال لامرأته إن سكنت هذه الدار فأنت طالق وكان ليلا فهي معذورة حتى تصبح ولو قال الرجل لم يكن معذورا هو الصحيح إلا لخوف لص وغيره وهذا ما سلف الوعد به كل عبد لى حر وله عبد بينه وبين غيره لا يعتق لانصرافه إلى التام ومثله لا آكل مما اشتراه فلان فاشتراه مع آخر فصار مشتركا لا يحنث لو أكل منه ويعتق عبده المأذون وإن كان عليه دين ولا يعتق عبد عبده المأذون عند أبى حنيفة إذا كان عبده مستغرقا كسبه ورقبته بالدين وإن نوى المولى عتقهم وإن لم يكن عليه دين إن نواه عتق وإلا فلا وعند أبى يوسف إن نواه عتق وإلا فلا كان عليه دين أولا وقال محمد عتقوا جميعا فى الأحوال كلها قال لغيره والله لتفعلن كذا ولم ينو شيئا فهو حالف فإن لم يفعل
____________________
(5/207)
المخاطب حنث وإن أراد به الاستحلاف فهو استحلاف ولا شىء على واحد منهما إذا لم يفعل ولو قال لغيره أقسمت أو أقسمت بالله عليك لتفعلن كذا أو قال أشهد بالله أو أشهد عليك أم لم يقل عليك فالحالف هو المبتدىء إلا أن يكون أراد الاستفهام فلا يمين عليه أيضا ولو قال عليك عهد الله إن فعلت فقال نعم فالحالف المجيب ولا يمين على البمتدى وإن نواه اشترى منا من اللحم فقالت امرأته هو أقل من من وحلفت عليه فقال الختن وخلف لامرأته دقيقا نفقة فأكل منه حنث لأنه باق على ملكه قال القاضى الإمام هذا إذا لم يفرز قدرا لكن قال لها كلى من دقيقى بقدر ما يكفيك أما إذا أفرز قدرا من الدقيق واعطاها إياه صار ملكا لها فلا يحنث قال فى الخلاصة وفى الفتاوى حلف لا يأكل من مال فلان فتناهدا فأكل الحالف لا يحنث لأن كلا منهما آكل من مال نفسه فى العرف وفيه نظر قال قلت للقاضى الإمام لو كان أحد الشركاء صبيا لا يجوز هذا ولو كان كل واحد آكلا من مال نفسه ينبغى أن يجوز قال نعم استصوبنى ولكن لم يصرح بالخلاف اه وأقول الفرق أن عدم الحنث الأكل كل من المتناهدين مال نفسه عرفا لا حقيقة وعلى العرف تبتنى الأيمان فلم يحنث وعدم جواز التناهد مع الصبى لأنه غير آكل مال نفسه حقيقة بل بعض مال الصبى أيضا وفى الخلاصة حلف لا يأكل من خبز فلان فأكل خبزا بينه وبين فلان يحنث وقال فى مجموع النوازل لا يحنث لأنه أكل حصته ولو حلف لا يأكل من مال فلان فمات فلان وهو وراثه فأكل إن لم يكن له وارث سواه أو كان فأكل بعد القسمة لا يحنث وإلا حنث ولو حلف لا يأكل رغيفا لفلان فأكل رغيفين بينه وبين غيره يحنث فى مجموع النوازل وكذا دار بين أختين قال زوج إحداهما إن دخلت إلا فى نصيبك فأنت طالق وهى غير مقسومة فدخلت لا يحنث لأنها ما دخلت فى غير نصيبها ولو حلف لا يدخل دار لفلان فدخل دار بينه وبين غيره لا يحنث ولو حلف لا يزرع أرض فلان فزرع أرضا بينه وبين غيره يحنث لأن نصف الأرض يسمى أرضا ونصف الدار لا يسمى دارا ولو حلف لا يأكل من مال فلان فأكل من حب بينه وبينه حنث ولو اشترى بدراهم مشتركة بينهما لم يحنث ولو حلف لا يأكل من طبيخ فلان فأكل مما طبخه مع غيره حنث ولو حلف لا يأكل من قدر فلان فأكل من قدر طبخها فلان لم يحنث وفى الأصل لو حلف لا يأكل من طعام اشتراه فلان فأكل من طعام اشتراه مع غيره حنث إلا إذا نوى شراءه وحده بخلاف مالو حلف لا يلبس ثوبا اشتراه فلان أو يملكه فلبس ثوبا اشتراه فلان مع غيره لم يحنث لأن الثوب اسم للكل فلا يقع على البعض ومثله لا يدخل دارا اشتراها فلان فدخل دارا اشتراها فلان مع غيره لا يحنث وفى مجموع النوازل امرأة وهبت طيرا فقال لها زوجها إكراز نرددايكى تو بحرم فأنت طالق فوهبت من آخر فاكل الحالف يحنث قال صاحب الخلاصة وعلى قياس ما يأتى ينبغى أن لا يحنث صورتها فى الفتاوى حلف لا يأكل من ثمن غزل فلانة فباعت غزلها ووهبت الثمن لابنها ثم وهب الابن للحالف فاشترى به شيئا فأكله لا يحنث قال وهذا أصح من الأول وفى الجامع الصغير لو قال إن أكلت اليوم إلا رغيفا أو إن تغديت برغيف فعبدى حر فأكل رغيفا ثم أكل بعده تمرا أو فاكهة حنث وفى فتاوى قاضيخان حلف لا يأكل اليوم إلا رغيفا فأكل مع الخل أو الزيت أو اللبن لا يكون حانثا لأن الاستثناء يقتضى المجانسة
____________________
(5/208)
المعنى المطلوب وهذه الأشياء لا تجانس الرغيف فى المعنى المطلوب وهو الأكل وهذا خلاف الأول ولو قال إن أكلت اليوم أكثر من رغيف فهو على الخبز خاصة وفى الفتاوى حلف لا يأكل هذه الخابية التى فيها الزيت فأكل بعضها حنث ولو كان مكان الأكل بيع فباع النصف لا يحنث ولو حلف لا يأكل هذه البيضة لا يحنث حتى يأكل كلها وكذا فى البيضتين ولو حلف لا يأكل هذا الشىء كالرغيف مثلا فأكل بعضه قال ابو بكر الإسكاف إن كان شيئا يمكنه أن يأكله كله فى مرة لا يحنث بأكل بعضه وقال بعضهم إذا أكل بعض ما لا يمكن أن يأكل كله فى مجلسه يحنث فى يمينه وهو الصحيح وقال محمد كل شىء يأكله الرجل فى مجلس واحد أو يشربه فى شربة واحدة فالحلف على جميعه لا يحنث يأكل بعضه لكن فى الفتاوى للقاضى حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل وبقى منه شىء يسير يحنث فإن نوى كله صحت نيته فيما جنيه وبين الله تعالى وهل يصدق فى القضاء فيه روايتان اه وكأن المراد أن يترك شيئا قليلا جدا بحيث لا يقال إلا أن فلانا أكل جميع الرغيف لقلة المتروك وإلا فقد سمعت ما ذكره محمد ونص فى غير موضع أنه إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث يأكل البعض وتقدم من النصوص لو قال هذا الرغيف على حرام حنث بأكل لقمة منه قال فى فتاوى قاضيخان قال مشايخنا الصحيح أنه لا يكون حانثا لأن قوله هذا الرغيف على حرام بمنزلة قوله والله لا آكل هذا الرغيف ولو قال هكذا لا يحنث بأكل البعض قال إبراهيم سمعت أبا يوسف يقول فيمن قال كلما أكلت اللحم أو كلما شربت الماء فلله على أن تصدق بدرهم فأكل فعليه فى كل لقمة من اللحم فى كل نفس من الماء درهم حلف لا يكلم فلانا وفلانا لا يحنث حتى يكلمهما إلا أن ينوى الحنث بأحدهما فيحنث بواحد منهما أما لو قال لا أكلمهما أو قال بالفارسية أين دوكس سحون نكويم ونوى واحدا لا تصح نيته ذكره فى المحيط قال وينبغى أن تصح لأن المثنى يذكر ويراد به الواحد فإذا نوى ذلك وفيه تغليظ على نفسه يصح اه فهو مقيد بما إذا كان فيه تغليظ على نفسه ولو قال فلانا أو فلانا حنث بأحداهما وكذا لو قال فلانا ولا فلانا وفى مجموع النوازل لا أكلم فلانا يوما ويومين وثلاثة فهو على ستة أيام ولو قال لا أكلمه لا يوما ولا يومين ولا ثلاثة فعلى ثلاثة أيام حلف لا يشرب من دار فلان فأكل منها شيئا قال محمد بن سلمة يحنث لأن المقصود من هذا اليمين الامتناع عن جميع المأكولات وقال غيره لا يحنث فى يمينه إلا أن ينوى جميع المأكولات والمشروبات أما لو قال بالفارسية فلا شك فى تناول المأكول والمشروب حلف لا يغتسل من امرأته من جنابة فجامعها ثم جامع أخرى أو على العكس يحنث وإن لم يغتسل لأن اليمين انعقدت على الجماع كناية ولو نوى حقيقة الغسل حنث أيضا إذا اغتسل لأنه اغتسل عنها وعن غيرها فيحنث كما لو حلف لا يتوضأ من الرعاف فتوضأ من الرعاف وغيره حنث ولو حلف لا يحل تكته على امرأته إن أراد أنه يجامع صح وهو مول وإن لم يرد إن فتح سراويله للبول ثم جامعها لا يحنث لأن فتح سراويله عليها أن يفتح لأجل جماعها وإن فتحه لجماعها ولم يجامع قالوا ينبغى أن يكون حانثا لوجود شرط الحنث ولو حلف لا يحل تكته فى الغربة فجامع من غير حل التكة إن نوى عين حلها لا يحنث وصدق قضاء وإن لم ينو يحنث ونحو هذا قوله إن اغتسلت من الحرام فعانق أجنبية فأنزل قالوا يرجى أن لا يكون حانثا ويكون يمينه على الجماع وعلى هذا الأصل لو حلفت لا تغسل رأسها من جنابة زوجها فجامعها مكرهة قال الصفار
____________________
(5/209)
أرجو أن لا يحنث قال الفقيه أبو الليث لأن قولها كناية عن الجماع فإذا كانت مكرهة عليه لا تحنث ولو قال لها عند إرادته الجماع إن لم تمكنينى أو لم تدخلى معى فى البيت فلم تفعل أو فعلت بعد ساعة إن كان بعد سكون شهوته حنث وإلا لا وفى الجامع الكبير حلف لا يجامع امرأته فجامعها فيما دون الفرج لا يحنث فإن قال عنيت فيما دون الفرج يحنث بهما ولو قال لامرأته إن فعلت حراما فى هذه السنة فأنت طالق ثلاثا فهذا على الجماع فإن علمته بأن فعله بمعاينتها بتداخل الفرجين وتعرف أنها ليست مملوكه له ولا زوجة أو شهد عندها أربعة على ذلك لأنه شهادة على الزنا والزنا لا يثبت إلا بذلك ولو أقر لها كفى مرة لا يسعها المقام معه فإن جحد عند الحاكم أنه فعل وليس لامرأته بينة حلفته عند الحاكم فإن حلف وسعها المقام معه قلت فهذه المسئلة تقيد مسئلة ما إذا علمت أنه طلقها ثلاثا يقينا ثم أنكر فإنها لا تمكنه أبدا وإذا لم تستطع منعه عنها لها أن تسمه ولو قال لها بالفارسية اكرتوا باكسى حرام كنه فأنت طالق فأبانها فجامعها فى العدة طلقت عندهما لأنهما يعتبران عموم اللفظ وأبو يوسف يعتبر الغرض فعلى قياس قوله لا يحنث فلا تطلق وعليه الفتوى ذكره فى الخلاصة وغيرها ولو قال الآخر إن فعلت فلم افعل قال أبو حنيفة إن لم يفعل على فور فعله حنث حلف لا يعرفه وهو يعلم شخصه ونسبه ولا يعرف اسمه ففى البالغ لا يحنث لأن معرفة البالغ كذلك ويحنث فى الصغير وعليه فرع ما لو ولد لرجل ولد فأخرجه إلى جار له ولم يسمه بعد فرآه الجار ثم حلف أنه لا يعرف هذا الصبى يحنث ولو تزوج امرأة ودخل بها ولا يدرى اسمها فحلف أنه لا يعرفها لا يحنث وكذا لو حلف أنه لا يعرف هذا الرجل وهو يعرفه بوجهه دون اسمه لا يحنث إلا أن يعنى به معرفة وجهه فيحنث لأنه شدد على نفسه ولو حلف لا يفعل ما دام فلان فى هذه البلدة فخرج بقوله له لا تفعل لا تخرج لا تمر أطاعه أو عصاه والله تعالى الموفق للصواب & كتاب الحدود
لما اشتملت الأيمان على بيان الكفارة وهى دائرة بين العقوبة والعبادة أولاها الحدود التى هى عقوبات محضة اندفاعا إلى بيان الأحكام بتدريج ولولا ما يعارض هذه المناسبة من لزوم التفريق بين العبادات المحضة لكان
____________________
(5/210)
إيلاء الحدود الصوم أوجه لاشتماله على بيان كفارة الإفطار المغلب فيها جهة العقوبة حتى تداخلت على ما عرف بخلاف كفارة الأيمان المغلب فيها جهة العبادة لكن كان يكون الترتيب حينئذ الصلاة ثم الأيمان ثم الصوم ثم الحدود ثم الحج فيقع من الفصل بين العبادات التى هى جنس واحد بالأجنبى ما يبعد بين الأخوات المتحدة فى الجنس القريب ويوجب استعمال الشارع لها كذلك لكنه قال بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله الحديث ثم محاسن الحدود أظهر من أن تذكر ببيان وتكتب ببنان لأن الفقيه وغيره يستوى فى معرفة أنها للامتناع عن الأفعال الموجبة للفساد ففى الزنا ضياع الذرية وإماتتها معنى بسبب اشتباه النسب ولا يلزم بموت الولد مع ما فيه من تهمة الناس البراء وغيره ولذا ندب عموم الناس إلى حضور حدة ورجمه وفى باقى الحدود زوال العقل وإفساد الأعراض وأخذ اموال الناس وقبح هذه الأمور مركوز فى العقول ولذا لم تبح الأموال والأعراض والزنا والسكر فى ملة من الملل وإن أبيح الشرب وحين كان فساد هذه الأمور عاما كانت الحدود التى هى مانعة منها حقوق الله على الخلوص فإن حقوقه تعالى على الخلوص أبدا تفيد مصالح عامة ولذا قال المصنف والمقصود من شرعيته للانزجار عما يتضرر به العباد والعبارة المشهورة فى بيان حكمة شرعيتها الزجر إلا أنه لما كان الزجر يراد للانزجار عدل المصنف إلى قوله الانزجار إلا أن قوله والطهارة ليست بأصلية إلى آخره أى الطهرة من ذنب بسبب الحد يفيد أنه مقصود أيضا من شرعيتها لكنه ليس مقصودا أصليا بل هو تبع لما هو الأصل من الانزجار وهو خلاف المذهب فإن المذهب أن الحد لا يعمل فى سقوط إثم قبل سببه أصلا بل لم يشرع إلا لتلك الحكمة وأما ذلك فى فقول طائفة كثيرة من أهل العلم واستدلوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم فيما فى البخارى وغيره إن من أصاب من هذه المعاصى شيئا فعوقب به فى الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب منها شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه واستدل الأصحاب فى بقوله تعالى فى قطاع الطريق { ذلك } أى التقتيل والصلب والنفى بأن { لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا } فأخبر أن جزاء فعلهم عقوبة دنيوية وعقوبة أخرويه إلا من تاب فإنها حينئذ تسقط عنه العقوبة الأخروية وبالإجماع للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد فى الدنيا ويجب أن يحمل الحديث على ما إذا تاب فى العقوبة لأنه هو الظاهر لأن الظاهر أن ضربه أو رجمه يكون معه توبة منه لذوقه مسبب فعله فيقيد به جمعا بين الأدلة وتقييد الظن عند معارضة القطع له متعين بخلاف العكس وإنما أراد المصنف أنه لم يشرع للطهرة فأداه بعبارة غير جيدة ولذا استدل عليه بشرعيته فى حق الكافر ولا طهرة فى حقه من الذنب بالحد يعنى أن عقوبة الذنب لم ترتفع بمجرد الحد بل بالتوبة معه إن وجد ولم تتحقق فى حقه لأن التوبة عبادة وهو ليس من أهلها وأما من يقول إن الحد بمجرده يسقط إثم ذلك السبب الخاص الذى حد به فإن قال إن الحد لا يسقط عن الكافر يحتاج إلى دليل سمعى فى ذلك إذ السمع إنما يوجب لزوم عقوبة الكفر فى حقه لا بتضاعف عذاب الكفر عليه فإذا فرض أن الله سبحانه جعل الحد مسقطا لعقوبة معصية صار الفاعل لها إذا حد بمنزلة ما إذا لم يفعلها فلا يضم إلى عذاب الكفر عذاب تلك
____________________
(5/211)
المعصية إذا حد بها الكافر إلا أن يدل دليل سمعى على ذلك وأما الاستدلال على عدم كون الحد مسقطا بأنه يقام عليه وهو كاره له فليس بشىء بجواز التكفير بما يصيب الإنسان من المكاره والله أعلم
ثم تحقيق العبارة ما قال بعض المشايخ أنها موانع قبل الفعل زواجر بعده أى العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإقاعها بعد يمنع من العود إليه قوله الحد لغة المنع وعليه قول نابغة ذبيان ** إلا سليمان إذ قال الإله له ** قم فى البرية فاحددها عن الفند **
وهو الخطأ فى القول والفعل وغير ذلك مما يلام صاحبه عليه كذا ذكره الأعلم فى شرح ديوانه وكل مانع شىء فهو حاد له وحداد إذا صيغ للمبالغة ومنه قيل للبواب لمنعه من الدخول والسجان حداد لمنعه من الخروج بلا شك وإن كان البيت الذى استشهد به لا يفيد وهو يقول ** يقول لى الحداد وهو يقودنى ** إلى السجن لا تجزع فما بك من بأس **
فإنه لا يلزم كون القائل الذى كان يقوده هو السجان لجواز أن يكون غيره ممن يوصله إليه فإنه حداد له إذ يمنعه من الذهاب إلى حال سبيله وللخمار حداد لمنعه الخمر فى قول الأعشى ** فقمنا ولم يصح ديكنا ** إلى جونة عند حدادها **
وسمى أهل الاصطلاح المعرف للماهية حدا لمنعه من الدخول والخروج وحدود الدار نهاياتها لمنعها عن دخول ملك الغير فيها وخروج بعضها إليه وفى الشرع قال المصنف هو العقوبة المقدرة حقا لله فلا يسمى القصاص حدا لأنه حق العبد ولا التعزير لعدم التقدير على ما عليه عامة المشايخ وهذا لأن المقدر نوع من وهو التعزير بالضرب لكنه لا ينحصر فى الضرب بل يكون بغيره من حبس وعرك أذن وغيره على ما سيأتى إن شاء الله تعالى وهذا الاصطلاح هو المشهور وفى اصطلاح أخر لا يؤخذ القيد الأخير فيسمى القصاص حدا فالحد هو العقوبة المقدرة شرعا غير أن الحد على هذا قسمان ما يصح فيه العفو وما لا يقبله وعلى الأول الحد مطلقا لا يقبل الإسقاط بعد ثبوت سببه عند الحاكم وعليه إبتنى عدم جواز الشفاعة فيه فإنها طلب ترك الواجب ولذا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد حين شفع فى المخزومية التى سرقت فقال أتشفع فى حد من حدود الله وأما قبل الوصول إلى الإمام والثبوت عنده تجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه وممن قال به الزبير بن العوام وقال إذا بلغ إلى الإمام فلا عفا الله عنه إن عفا وهذا لأن وجوب الحد قبل ذلك لم يثبت فالوجوب لا يثبت
____________________
(5/212)
بمجرد الفعل بل على الإمام عند الثبوت عنده قوله الزنا يثبت بالبينة والإقرار إبتدأ بحد الزنا لكثرة وقوع سببه مع قطيعته عن كتاب الله تعالى بخلاف السرقة فإنها لا تكثر كثرته والشرب وإن كثر فليس حده بتلك القطيعة والزنا مقصور في اللغة الفصحى لغة أهل الحجاز التى جاء بها القرآن قال الله تعالى { ولا تقربوا الزنى } وتمد فى لغة نجد وعليها قال الفرزدق ** أبا طاهر من يزن يعرف زناؤه ** ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا **
بفتح الكاف وتشديدها من التكسير والخرطوم من أسماء الخمر قال والمراد ثبوته عند الحكام أما ثبوته فى نفسه فبإيجاد الإنسان بالفعل لأنه فعل حسى وسيذكر المصنف تعريف الزنا فى باب الوطء الذى يوجب الحد وهناك نتكلم عليه وخص بالبينة والإقرار لنفى ثبوته بعلم الإمام وعليه جماهير العلماء وكذا سائر الحدود وقال ابو ثور ونقل قولا عن الشافعى أنه يثبت به وهو القياس لأن الحاصل بالبينة والإقرار دون الحاصل بمشاهدة الإمام قلنا نعم لكن الشرع أهدر إعتباره بقوله تعالى { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } ونقل فيه إجماع الصحابة وقول المصنف لأنها دليل ظاهر تعليل للواقع من النصوص الدالة على ثبوته بالبينة والإقرار فإنها يثبت بها غير مفتقر إلى هذا المعنى وحاصلة لما تعذر القطع إكتفى بالظاهر وهو في بالبينة وفى الإقرار أظهر لأن الإقرار بسبب الحد يستلحق مضره فى البدن ومعرة فى العرض توجب نكاية فى القلب فلم يكن
____________________
(5/213)
الإقدام عليه إلا مع الصدق دفعا لضرر الأخرة على القول بسقوطه بالحد إن لم يتب وقصدا إلى تحقيق النكاية لنفسه إذ ورطته فى أسباب سخط الله تعالى لينال درجة أهل العزم قوله فالبينة أن تشهد أربعة من الشهود ليس فيهم امرأة على رجل أو امرأة بالزنا ويجوز كون الزوج منهم عندنا خلافا للشافعى وهو يقول هو متهم ونحن نقول التهمة ما توجب جر نفع والزوج مدخل بهذه الشهادة على نفسه لحوق العار وخلو الفراش خصوصا إذا كان له منها أولاد صغار وإنما كانت الشهود أربعا لقوله تعالى { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وقال تعالى { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وأما الحديث الذى ذكره المصنف وهو قوله صلى الله عليه وسلم للذى قذف امرأة بالزنا يعنى هلال بن أمية أئت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك وإلا فحد فى ظهرك فلم يحفظ على ما ذكر والذي في البخارى انه عليه الصلاة والسلام قال البينة والا فحد في ظهرك نعم اخرج ابو يعلى في مسنده حدثنا مسلم بن ابي مسلم الجرمى حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابي سيرين عن انس بن مالك قال اول لعان كان في الإسلام ان شريك بن سحماء قذفه هلال بن امية بامرأته فرفعته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم أربعة شهود وإلا فحد في ظهرك والمسئلة وهى اشتراط الأربعة قطعية مجمع عليها ثم ذكر أن حكمة اشتراط الأربعة تحقيق معنى الستر المندوب إليه واقتصر عليه لنفى قول من قال إن حكمته أن شهادة الزنا تتضمن الشهادة على اثنين وفعل كل واحد يحتاج إلى اثنين فلزمت الأربعة أما أن فيه تحقيق معنى الستر فلأن الشىء كلما كثرت شروطه قل وجوده فإن وجوده إذا توقف على أربعة ليس كوجوده إذا توقف على اثنين منها فيتحقق بذلك الإندراء وأما أنه مندوب إليه فلما أخرج البخارى عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس عنه الله كربه من كرب الآخرة ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والأخرة والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه واخرجه أبو داود والنسائى عن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغى أن تكون الشهادة به خلاف الأولى التى مرجعها إلى كراهة التنزيه لأنها فى رتبة الندب فى جانب الفعل وكراهة التنزيه فى جانب الترك وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يتهتك به أما إذا وصل الحال إلى إشاعته
____________________
(5/214)
والتهتك به بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة به أولى من تركها لأنه مطلوب الشارع أخلاء الأرض من المعاصى والفواحش بالخطابات المفيدة بذلك وذلك يتحقق بالتوبة من الفاعلين والزجر لهم فإذا ظهر حال الشره فى الزنا مثلا والشرب وعدم المبالاة به وإشاعته فإخلاء الأرض المطلوب حينئذ بالتوبة إحتمال يقابله ظهور عدمها ممن اتصف بذلك فيجب تحقيق السبب الأخر للإخلاء وهو الحدود بخلاف من زنا مرة أو مرارا متسترا متخوفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر الشاهد وقوله عليه الصلاة والسلام لهزال فى ماعز لو كنت سترته بثوبك الحديث وسيأتى كان فى مثل من ذكرنا والله سبحانه أعلم وعلى هذا ذكره فى غير مجلس القاضى وإداء الشهادة يكون بمنزلة الغيبة فيه يحرم منه ما يحرم منها ويحل منه ما يحل منها وأما أن المختار فى الحكمة ما ذكره المصنف فلأن شهادة الاثنين كما تكون على فعل واحد تكون معتبرة على أفعال كثيرة كما لو شهدوا أن هؤلاء الجماعة قتلوا فلانا ونحوه فالمعول عليه ما ذكره المصنف قوله وإذا شهدوا بالزنا سألهم الحاكم عن خمسة أشياء عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى ومتى زنى وبمن زنى ثم استدل المصنف على وجود هذه الأشياء بأنه صلى الله عليه وسلم استفسر ماعزا عن الكيفية وعن المزنية ولأن الاحتياط المطلوب شرعا فى ذلك فهذا الوجه يعم الخمسة والسمعى مقتصر على اثنين منها فحاصلة استدلاله على اثنين منها بدليلين وعلى الثلاثة الباقية بدليل واحد فإن قيل الكلام فى استفسار الشهود فكيف يستدل عليه باستفسار المقر وهو ماعز فالجواب أن علة إستفساره بعينهما ثابتة فى الشهود كما ستسمع فوجب استفسارهم أما أنه استفسره عن الكيفية ففيما أخرج أبو داود والنسائى وعبد الرزاق فى مصنفه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال جاء الأسلمى نبى الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل فى الخامسة فقال أنكتها قال نعم قال حتى غاب ذلك منك فى ذلك منها قال نعم قال كما يغيب المرود فى المكحلة وكما يغيب الرشاء فى البئر قال نعم قال فهل تدرى ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما مثل ما يأتى الرجل من امرأة حلالا قال فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرنى فأمر به فرجم فسمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه أنظر إلى هذا الذى ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال أين فلان وفلان فقالا نحن ذاك يا رسول الله فقال إنزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فقالا ومن يأكل من هذا يا رسول الله قال فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من الأكل منه والذى نفسي بيده أنه الآن لفى أنهار الجنة ينغمس فيها وأما استفساره عن المزنية ففيما أخرجه أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال كان ماعز بن مالك فى حجر أبى فأصاب جارية من
____________________
(5/215)
الحى فقال له أبى أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك قال فأتاه فقال يا رسول الله إنى زنيت فأقم على كتاب الله فأعرض عنه فعاد حتى قالها أربع مرات فقال عليه الصلاة السلام إنك قد قلتها أربع مرات فبمن قال بفلانة قال هل ضاجعتها قال نعم قال هل باشرتها قال نعم فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه ورواه عبد الرزاق فى مصنفه فقال فأمر به أن يرجم فرجم فلم يقتل حتى رماه عمر بن الخطاب بلحى بعيره فأصاب رأسه فقتله واما أن فى الاستفسار عن الأمور الخمسة الأحتياط فما قال لأنه عساه غير الفعل فى الفرج عناه بأن ظن مماسة الفرجين حراما زنا أو كان يظن ان كل وطء محرم زنا يوجب الحد فيشهد بالزنا فلهذا الاحتمال سأله عن الزنا ما هو ولأنه يحتمل كونه كان مكرها ويرى أن الإكراه على الزنا لا يتحقق فيكون مختارا فيه كما روى عن أبى حنيفة فيشهد به فلهذا سأله عن كيفيته وفى التحقيق هو حالة تتعلق بالزانى نفسه ثم يحتمل كون المشهود عليه زنى فى دار الحرب وليس فيه حد عندنا فلهذا سألهم أين زنى ويحتمل كونه فى زمان متقادم ولا حد فيه إذا ثبت بالبينة أو فى زمن صباه فلهذا سألهم متى زنى وحد التقادم سيأتى ثم يحتمل كون المزنى بها مما لا يحد بزناها وهم لا يعلمون كجارية ابنه أو كانت جاريته أو زوجته ولا يعلمها الشهود كما قال المغيرة حين شهد عليه كيف حل لهؤلاء أن ينظروا فى بيتى وكانت فى بيت أحدهم كوة يبدو منها للناظر ما فى بيت المغيرة فاجتمعوا عنده فشهدوا وقال المغيرة والله ما أتيت إلا امرأتى ثم إن الله تعالى درأه عنه بعدم قول زياد وهو الرابع رأيته كالميل فى المكحلة فحد عمر رضى الله عنه الثلاثة ولم يحده لأنه ما نسب إليه الزنا بل قال رأيت قدمين مخضوبتين وأنفاسا عالية ولحافا يرتفع وينخفض وهو لا يوجب الحد وأخرج عبد الرزاق فى تفسيره بسنده عن عمر رضى الله عنه ثم سألهم أن يتوبوا فتاب اثنان فقبلت شهادتهما وأبى أبو بكرة أن يتوب فكانت شهادته لا تقبل حتى مات وعاد مثل العضو من العبادة اه فلهذا يسألهم عن المزنى بها من هى وقياسه فى الشهادة على زنا امرأة لم يسألهم عن الزانى بها من هو فإن فيه أيضا الاحتمال المذكور وزيادة وهو جواز كونه صبيا أو مجنونا إن مكنت أحدهما فإنه لا يجب عليه فى ذلك حد على قول أبى حنيفة ولو سألهم فلم يزيدوا على قولهم أنهما زنيا لم يحد المشهود عليه ولا الشهود لأنهم شهدوا بالزنا ولم ولم يثبت قذفهم لأنهم لم يذكروا ما ينفى كون ما ذكروا زنا ليظهر قذفهم لغير الزانى بالزنا بخلاف ما لو وصفوه
____________________
(5/216)
بغير صفته فإنهم يجدون وصار كما شهد أربعة فساق بالزنا لا يقضى بشهادتهم ولا يحدون لأنهم باقون على شهادتهم غير أنهم لا يقبلون وعلى هذا لو أقام القاذف أربع من الفساق على صدق مقالته يسقط به الحد عندنا بخلاف ما لو شهد ثلاثة وأبى الرابع فإن الشهادة على الزنا قذف لكن عند تمام الحجة يخرج عن أن يكون قذفا فلما لم يتم بامتناعه بقى كلام الثلاثة قذفا فيحدون ولو شهدوا فسألهم فبين ثلاثة ولم يزد واحد على الزنا لا يحد وما وقع فى أصل المبسوط من أن الرابع لو قال إنه زان فسئل عن صفته فلم يصفه أنه يحد حمل على أنه قاله للقاضى فى مجلس غير المجلس الذى شهد فيه الثلاثة قوله وإذا بينوا ذلك وقالوا رأيناه وطئها فى فرجها كالميل فى المكحلة وهى بضم الميم والحاء وهو حاصل جواب السؤال عن كيفية الزنا فى الحقيقة وسأل القاضى عنهم فعدلوا فى السر بأن يبعث ورقة فيها أسماؤهم وأسماء محلتهم على وجه يتميز كل منهم لمن يعرفه فيكتب تحت اسمه هو عدل مقبول الشهادة والعلانية بأن يجمع بين المعدل والشاهد فيقول هذا هو الذى عدلته حكم بشهادتهم وهو الحكم بوجوب حده وهذا ما وعد المصنف بيانه فى الشهادات وبقى شرط آخر وهو أن يعلم أن الزنا حرام مع ذلك كله ونقل فى اشتراط العلم بحرمة الزنا إجماع الفقهاء ولم يكتف بظاهر العدالة وهو كونه مسلما لم يظهر عليه فسق كما اكتفى بها أبو حنيفة فى الأموال احتيالا للدرء ولما كان لزوم هذا على الحاكم موقوفا على ثبوت إيجاب الدرء ما أمكن استدل عليه بما رواه أبو يعلى فى مسنده من حديث أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود ما استطعتم ورواه الترمذى من حديث عائشة رضى الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام قال إدرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان لها مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطأ فى العفو خير أن يخطأ فى العقوبة قال الترمذى لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة عن يزيد بن زياد ويزيد ضعيف واسند فى علله عن البخارى يزيد منكر الحديث ذاهب وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى به قال البيهقى والموقوف أقرب إلى الصواب ولا شك أن هذا الحكم وهو درء الحد مجمع عليه وهو أقوى وكان ذكر هذه ذكرا لمستند الإجماع واعلم ان القاضى لو كان يعلم عدالة الشهود لا يجب عليه السؤال عن عدالتهم لأن علمه يغنيه عن ذلك وهو أقوى من الحاصل له من تعديل المزكى ولولا ما ثبت من إهدار الشرع علمه بالزنا فى اقامة الحد بالسمع الذى ذكرناه لكان يحده بعلمه لكن ثبت ذلك هناك ولم يثبت فى تعديل الشهود إهدار علمه بعدالتهم فوجب إعتباره قوله قال فى الأصل أى قال إذا وصف الشهود الأشياء المذكورة يحبس القاضى المشهود عليه بالزنا
____________________
(5/217)
إلى أن يسأل عن عدالة الشهود لأنه متهم وقد يهرب ولا وجه لأخذ الكفيل منه لأن أخذ الكفيل نوع احتياط وليس بمشروع فيما يندرىء بالشبهات فإن قيل الإحتياط فى الحبس أظهر منه فى أخذ الكفيل أجاب بأن حبسه ليس للإحتياط بل هو تعزيز له لأنه صار متهما بالفواحش بشهادة هؤلاء وإن لم يثبت الزنا الموجب للحد بعد وحبس المتهمين تعزيرا لهم جائز بخلاف ما إذا شهدوا بالدين ولا يحبس المشهود عليه به قبل ظهور عدالة الشهود لأن أقصى العقوبات بعد ثبوت العدالة والقضاء بموجب الشهادة الحبس فلا يجوز أن يفعله قبل ثبوت الحق بخلاف ما هنا فإن بعد ثبوت عقوبته أغلظ وهذا هو الفرق الذى وعده المصنف بقوله وسيأتيك الفرق وأما قوله حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بالتهمة فأخرج أبو داود والترمذى والنسائى عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا فى تهمة زاد الترمذى والنسائى ثم خلى عنه حسنه الترمذى وصححه الحاكم وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن عراك بن مالك قال أقبل رجلان من بنى غفار حتى نزلا بضجنان من مياه المدينة وعندهما ناس من غطفان معهم ظهر لهم فأصبح الغطفانيون وقد فقدوا بعيرين من إبلهم واتهموا الغفاريين بهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبس أحد الغفارين وقال للآخر إذهب فالتمس فلم يك إلا يسيرا حتى جاء بهما فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأحد الغفارين استغفر لى فقال غفر الله لك يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام ولك وقتلك فى سبيله قال فقتل يوم اليمامة قوله والإقرار أن يقر العاقل البالغ على نفسه بالزنا أربع مرات قدم الثبوت بالبينة لأنه المذكور فى القرآن ولأن الثابت بها أقوى حتى لا يندفع الحد بالفرار لا بالتقادم ولأنها حجة متعدية والإقرار قاصر ولا بد من كونه صريحا ولا يظهر كذبه ولذا قلنا لو أقر الأخرس بالزنا بكتابة أو إشارة لا يحد للشبهة بعدم الصراحة وكذا الشهادة عليه لا تقبل لاحتمال أن يدعى شبهة كما لو شهدوا على مجنون أنه زنى فى حال إفاقته بخلاف الأعمى صح إقراره والشهادة عليه وكذا الحصى والعنين وكذا لو أقر فظهر محبوبا أو أقرت فظهرت رتقاء وذلك بأن تخير النساء بأنها رتقاء قبل الحد وذلك لأن إخبارهن بالرتق يوجب شبهة فى شهادة الشهود وبالشبهة يتدرىء الحد ولو أقر أنه زنى بخرساء أو أقرت أنها زنت بأخرس لا حد على واحد منهما واختلف فى اشتراط تعدد الإقرار فنفاه الحسن وحماد بن أبى سليمان ومالك الشافعى وأبو ثور واستدلوا بحديث العسيف حيث قال فيه واغد
____________________
(5/218)
يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يقل أربع مرات ولأن الغامدية لم تقر أربعا وإنما رد ماعزا لأنه شك فى أمره فقال له أبك جنون وذهب كثير من العلماء إلى اشتراط الأربع واختلفوا فى اشتراط كونها فى أربع مجالس من مجالس المقر فقال به علماؤنا ونفاه ابن أبى ليلى وأحمد فيما ذكر عنه واكتفوا بالأربع فى مجلس واحد وما فى الصحيحين ظاهر فيه وهو ما عن أبى هريرة قال أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فقال يا رسول الله إنى زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال يا رسول الله إنى زنيت فأعرض عنه حتى بين ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبك جنون قال لا قال هل أحصنت قال نعم فقال صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه فهذا ظاهر فى أنه كان فى مجلس واحد قلنا نعم هو ظاهر فيه لكن أظهر منه فى إفادته أنها فى مجالس ما في صحيح مسلم عن أبى بريدة أن ماعزا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فرده ثم أتاه الثانية من الغد فرده ثم أرسل إلى قومه فسألهم هل تعلمون بعقله بأسا
____________________
(5/219)
فقالوا ما نعلمه إلا وفى العقل من صالحينا فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فما كان الرابعة حفر له حفرة فرجمه وأخرج أحمد وإسحق بن راهوية فى مسنديهما وإبن أبى شيبة فى مصنفه قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبى بكر رضى الله عنه قال أتى ماعز ابن مالك النبى صلى الله عليه وسلم فاعترف وانا عنده مرة فرده ثم جاء فاعترف عنده الثانية فرده ثم جاء فاعترف عنده الثالثة فرده فقلت له إن اعترفت الرابعة رجمك قال فاعترف الرابعة فحبسه ثم سأل عنه فقالوا لا نعلم إلا خيرا فأمر به فرجم فصرح بتعداد المجىء وهو يستلزم غيبته ونحن إنما قلنا أنه إذا تغيب ثم عاد فهو مجلس أخر وروى إبن حبان فى صحيحه من حديث أبى هريرة قال جاء ماعز بن مالك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال إن الأبعد زنى فقال له ويلك وما يدريك ما الزنى فأمر به فطرد وأخرج ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك فأمر به فطرد وأخرج ثم أتاه الثالثة فقال مثل ذلك فأمر به فطرد وأخرج ثم أتاه الرابعة فقال مثل ذلك فقال أدخلت وأخرجت قال نعم فأمر به أن يرجم فهذه وغيرها مما يطول ذكره ظاهر فى تعداد المجالس فوجب أن يحمل الحديث الأول عليها وأن قوله فتنحى تلقاء وجهه معدود مع قوله الأول إقرارا واحدا لأنه فى مجلس واحد وقوله حتى بين ذلك أربع مرات أى فى أربعة مجالس فإنه لا ينافى ذلك وقد دلت الأحاديث على تعدد المجالس فيحمل عليه وأما الكلام مع المكتفين بمرة واحدة فأما كون الغامدية لم تقر إلا مرة واحدة فممنوع بل أقرت أربعا يدل عليه ما عند أبى داود والنسائى قال كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدثون أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد إعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما بعد الرابعة فهذا نص فى إقرارهما أربعا غاية ما فى الباب أنه لم ينقل تفاصيلها والرواة كثيرا ما يحذفون بعض صوره الواقعة على أنه روى البزار فى مسنده عن زكريا بن سليم حدثنا شيخ من قريش عن عبد الرحمن بن أبى بكر عن أبيه فذكر وفيه أنها أقرت أربع مرات وهو يردها ثم قال لها إذهبى حتى تلدى الحديث غير أن فيه مجهولا تتميز جهالته بما يشهد له من حديث أبى داود والنسائى وأما كونه رد ماعزا أربع مرات كان لاسترابته فى عقله فإن سلم لا يتوقف علم ذلك على الأربع والثلاثة موصوعة فى الشرع لإبلاء الأعذار كخيار الشرط جعل ثلاثا لأن عندها لا يعذر المغبون والمرتد يستحب أن يؤخر ثلاثا ليراجع نفسه فى شبهته فلو لم تكن الأربعه عددا معتبرا فى إعتبار إقراره لم يؤخر رجمه بعد الثالثة ومما يدل على ذلك ترتيبه صلى الله عليه وسلم الحكم عليها وهو مشعر بعليتها وكذلك الصحابة فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام فى حديث هزال أنك قلتها أربعا فبمن زنيت وهو حديث اخرجه أبو داود والنسائى والإمام أحمد عن يزيد بن نعيم عن هزال عن أبيه قال كان ماعز بن مالك في حجر أبى فأصاب جارية من الحى فقال له أبى أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث المتقدم وزاد فيه أحمد قال هشام فحدثنى يزيد بن نعيم عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له حين رأه والله يا هزال لو كنت سترته بثوبك لكان خيرا لك مما صنعت به قال صاحب التنقيح اسناده صالح ويزيد بن نعيم روى له مسلم وذكره ابن حبان فى الثقات وأبوه نعيم ذكر فى الثقات أيضا وهو مختلف فى صحبته وقد روى ترتيبه صلى الله عليه وسلم على الأربع جماعة وألفا مختلفة فمنها ما ذكرنا ومنها فى لفظ لأبى داود عن أبى عباس أنك قد شهدت على نفسك
____________________
(5/220)
أربع مرات وفى لفظ لابن أبى شيبة أليس أنك قد قلتها أربع مرات وتقدم فى مسند أحمد عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال له بحضرته صلى الله عليه وسلم إن اعترفت الرابعة رجمك إلا أن في إسناده جابر الجعفى وكونه روى فى الصحيح أنه رده مرتين أو ثلاثا فمن اختصار الراوى وإلا فلا شك أنه أقر أربعا وقوله فى ذلك اللفظ شهدت على نفسك يؤنس منه أنه اعتبر الإقرار بالشهادة فكما أوجب سبحانه فى الشهادة على الزنا أربعا على خلاف المعتاد فى غيره فكذا يعتبر فى إقراره إنزالا لكل إقرار منزلة شهادة واحد ولو لم يكن ذلك لكان النظر والقياس يقتضيه وإذن فقوله فى حديث العسيف فإن اعترفت فارجمها معناه الاعتراف المعهود فى الزنا بناء على أنه كان معلوما بين الصحابة خصوصا لمن كان قريبا من خاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة هذا ونقل من حديث أبى هريرة فى استفسار ماعز أنه رجمه بعد الخامسة وتأويله أنه عد آحاد الأقارير فإن فيها إقرارين فى مجلس واحد كما قدمنا فى الجمع فكانت خمسا فإن قيل يجوز كون رده ليرجع قلنا ينبغى أن يلقنه بالرجوع ولكن فى مجلس الإقرار الموجب ولو كان الإقرار الموجب هو الأول للقنه بعده لا أنه يطلقه مختارا فى إطلاقه ليذهب وقد لا يرجع هكذا يوما بعد يوم وهذا لما علمت أن الإقامة مخاطب بها الإمام بالنص إذا ثبت السبب عنده فيحرم عليه أن لا يفعله وإلا فات المقصود من الإيجاب غير أنه إذا رجع قبل رجوعه فإيجاب السبب مقيد بعدم الرجوع قبل الإقامة وهذا لا يوجب جواز رده وإخراجه ليذهب ويرجع وقد لا يرجع بل يذهب إلى حال سبيله وهو مصر على الإقرار غير أنه يقول فى نفسه إن الإقرار بهذا الحق لا يوجب شيئا على الإمام فيجلس فى بيته مصرا على إقراره غير راجع عنه خصوصا فى زمن لم تعرف فيه تفاصيل هذه الأحكام للناس بعد وأما ما روى أن الغامدية قالت له عليه الصلاة والسلام أتريد أن تردنى كما رددت ماعزا والله إنى لحبلى من الزنا فليس فيه دليل لأحد بل لما قالته قال أما لا فاذهبى حتى تلدى فلما ولدت أتته بصبى فى خرقة فقالت هذا قد ولدته قال فاذهبى فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبى فى يده كسرة خبز قالت هذا يا نبى الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس أن يرجموها فرجموها فنقل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبى صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال مهلا يا خالد فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له وليس فى هذا أنه اعتبر قولها فلم يردها غاية الأمر أنه ردها وغياه إلى ولادتها ثم ردها إلى فطامها
____________________
(5/221)
لاتفاق الحال بأن تثبت مع ثبوت حكم الرد مطلقا سبب ظاهر فى خصوص هذا الرد ولعلها كلما رجعت إليه يصدر منها ما هو إقرار إذ لابد أن يقع فى مجلسها شىء مما هى بصدده هذا لو لم يكن ما تقدم مما يفيد أن إقرارها كان أربعا غير أنه لما كان المجلس جامعا للمتفرقات حتى يعد الواقع فيه واحدا وكان المقام مقام الاحتياط فى الدرء اعتبر فى الحكم بتعدد الأقارير بعدد مجالس المقر دون القاضى لأنه الذى به يتحقق الإقرار وبه فارق الشهادة فإن الأربع فيها اعتبر فى مجلس واحد حتى لو جاءوا فى مجالس حدوا لأنها كلام جماعة حقيقية فلا يمكن اعتبارها واحدا بخلاف إقرار المقر فإنه من واحد فأمكن فيه اعتبار الاتحاد فى اتحاد المجالس فاعتبر كذلك عند الإمكان تحقيقا للاحتياط وأما ما قيل إن اشتراط الأربع فى الشهادة لأن الشاهد يتهم بخلاف المقر فالتهمة بعد العدالة والصلاح ممنوعة بل لا شك فى الصدق وأصل التعدد وإنما لزم حتى لزم الاثنان لإمكان النسيان فيذكره الآخر لا للتهمة وزوالها بالآخر ويشترط فى النساء كذلك أيضا بالنص قال تعالى { فتذكر إحداهما الأخرى } غير أن المرأة إنما تخالط المرأة لا الرجل الأجنبى فلزمت الأخرى لتذكرها قوله لأنه عليه الصلاة والسلام طرد ماعزا فى كل مرة حتى توارى بحيطان المدينة لا يعرف بهذا اللفظ وأقرب الألفاظ إليه ما ذكرنا من حديث ابن حبان أنه طرد وأخرج فارجع إليه قوله فإذا بين ذلك أى على وجه لا يتضمن دافعا للحد لزمه الحد ولم يذكر السؤال فيه عن الزمان فلا يقول متى زنيت وذكره فى الشهادة لأن تقادم العهد يمنع الشهادة دون الإقرار وهذا السؤال لتلك الفائدة فإذا لم يكن التقادم مسقطا لم يكن فى السؤال عنه فائدة ووجه الفرق بين الشهادة والإقرار فى ذلك سيذكره المصنف فى باب الشهادة على الزنا وهذا بخلاف سؤال بمن زنيت لأنه قد يبين من لا يحد بوطئها كما ذكرنا فى جارية ابنه بخلاف ما لو قال فى جوابه لا أعرف التى زنيت بها فإنه يحد لأنه أقر بالزنا ولم يذكر ما يسقط كون فعله زنا بل تضمن إقراره أنه لا ملك له فى المزنية لأنه لو كان لعرفها لأن الإنسان لا يجهل زوجته وأمته
____________________
(5/222)
والحاصل أنه إذا أقر أربع مرات أنه زنى بامرأة لا يعرفها يحد وكذا إذا أقر أنه زنى بفلانة وهى غائبة يحد استحسانا لحديث العسيف أنه حده ثم ارسل إلى المرأة فقال فإن اعترفت فارجمها ولأن انتظار حضورها إنما هو لاحتمال أن تذكر مسقطا عنه وعنها ولا يجوز التأخير لهذا الاحتمال كما لا يؤخر إذا ثبت بالشهادة لاحتمال أن يرجع الشهود لأن كلا منهما شبهة الشبهة وبه لا يندرىء الحد ولو أقر أنه زنى بفلانة وكذبته وقالت لا أعرفه لا يحد الرجل عند ابى حنيفة وقالا يحد وعلى هذا الخلاف إذا أقرت أنها زنت بفلان فأنكر فلان تحد هى عندهما لا عنده قوله وقال الشافعى يقيم عليه الحد وهو قول ابن أبى ليلى والمسطور فى كتبهم أنه لو رجع قبل الحد أو بعد ما أقيم عليه بعضه سقط وعن أحمد كقولنا وعن مالك فى قبول رجوعه روايتان فاستغنينا عن تحرير دليل الشافعى وعلى تقديره فقوله كما إذا وجب بالشهادة تحرير الجامع فيه أنه إنكار بعد الثبوت كما لو فرض أنهم شهدوا عليه وهو ساكت فلما سألهم الحاكم الأسئلة الخمسة وتمت الحجة أنكر ولا يخفى أنه تكلف والحق أن الرجوع عن الإقرار بالزنا بعد الإقرار به محل وصحته شرعا حكم فيجب كون المحل الذى هو الأصل رجوعا عن إقرار بغيره وهو ليس ممتنعا فى الشهادة نعم فى القصاص وحد القذف يعنى لو اقر بهما ثم رجع لا يقبل فكذا لا يقبل فى الزنا ولنا أن الرجوع خبر يحتمل الصدق وليس أحد يكذبه فيه فيتحقق به الشبهة فى الإقرار السابق عليه فيندرىء بالشبهة لأنه أرجح من الإقرار السابق فافهم بخلاف ما فيه حق العبد من القصاص وحد القذف لأن العبد يكذبه فى إخباره الثانى فينعدم أثره فى إخباره الأول بالكلية قوله ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع لقوله عليه الصلاة والسلام لماعز لعلك لمستها روى فى حديث ماعز لعلك مسستها لعلك قبلتها وعند البخارى لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت وقال فى الأصل ينبغى أن يقول له لعلك تزوجتها أو وطئها بشبهة والمقصود أن يلقنه ما يكون ذكره دارئا للحد ليذكره كائنا ما كان كما قال أيضا عليه الصلاة والسلام للسارق الذى جىء به إليه أسرقت وما إخاله سرق
____________________
(5/223)
& فصل فى كيفية إقامة الحد
بعد ثبوت الحد تكون إقامته فذكر كيفيته قوله وإذا وجب الحد وكان الزانى محصنا هذا من الأحرف التى جاء الفاعل منها على مفعل بفتح العين يقول أحصن يحصن فهو محصن فى ألفاظ معدودة هى أسهب فهو مسهب إذا طال وأمعن فى الشىء ومنه قول المصنف فى خطبة الكتاب معرضا عن هذا النوع من الإسهاب وقيل لابن عمر ادع الله لنا فقال أكره أن أكون من المسهبين بفتح الهاء وألفج بالفاء والجيم افتقر فهو ملفج الفاعل والمفعول فيه سيان ويقال بكسرها أيضا إذا أفلس وعليه دين قوله رجمه بالحجارة حتى يموت عليه إجماع الصحابة ومن تقدم من علماء المسملين وإنكار الخوارج الرجم باطل لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة فجهل مركب بالدليل بل هو إجماع قطعى وإن أنكروا وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس مما نحن فيه لأن ثبوت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواتر المعنى كشجاعة على وجود حاتم والآحاد فى تفاصيل صورة وخصوصياته أما أصل الرجم فلا شك فيه ولقد كوشف بهم عمر رضى الله عنه وكاشف بهم حيث قال خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم فى كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا أقامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف رواه البخارى وروى أبو داود أنه خطب وقال إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده وإنى خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل لا نجد الرجم الحديث وقال لولا أن يقال إن عمر زاد فى الكتاب لكتبتها على حاشية المصحف وفى الحديث المعروف أى المشهور المروى من حديث عثمان وعائشة وأبى هريرة وابن مسعود ففى الصحيحين من حديث ابن مسعود لا تحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة وروى الترمذى عن عثمان أنه أشرف عليهم يوم الدار وقال أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان وارتداد بعد إسلام وقتل نفس بغير حق قالوا اللهم نعم قال فعلام تقتلونى الحديث قال الترمذى حديث حسن ورواه الشافعى فى مسنده
____________________
(5/224)
عن عثمان لا يحل دم امرىء مسلم إلا من إحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس ورواه البزار والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين والبيهقى وأبو داود والدارمى وأخرجه البخارى عن فعله صلى الله عليه وسلم من قول أبى قلابة حيث قال والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا فى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل ورجل زنى بعد إحصان ورجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام ولا شك فى رجم عمر وعلى رضى الله عنهما ولا يخفى ان قول المخرج حسن أو صحيح فى هذا الحديث يزاد به المتن من حيث هو واقع فى خصوص ذلك السند وذلك لا ينافى الشهرة وقطعية الثبوت بالتظافر والقبول والحاصل أن إنكاره إنكار دليل قطعى بالاتفاق فإن الخوارج يوجبون العمل بالمتواتر معنا أو لفظا كسائر المسلمين إلا أن انحرافهم عن الاختلاط بالصحابة والمسلمين وترك التردد إلى علماء المسلمين والرواة أوقعهم فى جهالات كثيرة لخفاء السمع عنهم والشهرة ولذا حين عابوا على عمر بن عبد العزيز القول بالرجم لأنه ليس فى كتاب الله ألزمهم بأعداد الركعات ومقادير الزكوات فقالوا ذلك لأنه فعله رسوول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فقال لهم وهذا أيضا فعله هو والمسلمون قوله ويخرجه إلى أرض فضاء لأن فى الحديث الصحيح قال فرجمناه يعنى ماعزا بالمصلى وفى مسلم وأبى داود فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد لأن المصلى كان به لأن المراد مصلى الجنائز فيتفق الحديثان وأما ما فى الترمذى من قوله فأمر به فى الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فإن لم يتأول على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج إلى الحرة وإلا فهو غلط لأن الصحاح والحسان متظافرة على أنه إنما صار إليها هاربا لا أنه ذهب به إليها ابتداء ليرجم بها ولأن الرجم بين الجدران يوجب ضررا من بعض الناس لبعض للمضيق قوله ويبتدىء الشهود برجمه ثم الإمام ثم الناس وهذا شرط حتى لو امتنع الشهود عن الابتداء سقط الحد عن المشهود عليه ولا يحدون هم لأن امتناعهم ليس صريحا فى رجوعهم
____________________
(5/225)
ولو كان ظاهرا فيه ففيه احتمال كونهم تضعف نفوسهم عن القتل وإن كان بحق كما تراه فى المشاهد من امتناع بعض الناس من ذبح الحيوان الحلال للأكل والأضحية بل ومن حضورها فكان امتناعهم شبهة فى درء الحد عن المشهود عليه وهذا الاحتمال شبهة فى امتناع الحد عنهم وقيل يحدون والأول رواية المبسوط وقال الشافعى رحمه الله ليس شرطا اعتبار بالجلد يعنى إذا ثبت الحد بالشهادة على غير المحصن لا يشترط فى إقامة الحد ابتداء الشهود وأجاب المصنف بالفرق بأن الجلد لا يحسنه كل أحد فقد يقع لعدم الخبرة مهلكا وهو غير مستحق بخلاف الرجم فإن المقصود منه الإهلاك فلا يلزم من عدم اشتراط ابتدائهم بالجلد عدمه فى الرجم وهذا دفع لإلحاقه وأما إثبات المذهب فبقول على رضى الله عنه بناء على وجوب تقليد الصحابى فإن قوله فى ذلك ليس مما يدرك بالعقل معناه ليحمل على السماع لأنه علله بأن امتناعهم دلالة الرجوع فإن الشاهد ربما يتساهل فى الأداء فعند مباشرة القتل يتعاظم ذلك فيندفع الحد بتحقق هذه الدلالة وهذا هو قول المصنف لأنه دلالة الرجوع وقول بعضهم إنه شبهة الرجوع حقيقة والرجوع شبهة فاحتماله شبهة الشبهة وبها لا يندرىء الحد على ما عرف وسيأتى إنما يصح بناء على أن الامتناع من الابتداء ليس ظاهرا فى الرجوع بل يحتمله احتمالا مرجوحا فإن الغالب على الناس خور الطباع عن القتل حتى يمتنع كثير عن ذبح المباح كالأضحية والدجاجة فكيف بالأعلى فالامتناع عن قتله لايكون ظاهرا فى الرجوع بل ظاهر فيما هو الغالب وهو عدم قتل الإنسان فكان فى الامتناع شبهة الرجوع لا دلالته وهو غلط لأنا لم نشترط الابتداء بقتله بل برميه حتى لو رماه بحصاة صغيرة حصل الشرط فامتناعه عن مثل ذلك دليل رجوعه لكنه دليل فيه شبهة فإنه أمارة لا يقطع بوجود المدلول معه فكان ثبوت الرجوع عند الامتناع فيه شبهة والرجوع الذى فيه شبهة رجوع بخلاف شبهة الرجوع واحتماله لا يقال احتمال الرجوع رجوع والرجوع شبهة لأن الثابت فى الشهادة لا شبهة الشبهة فيها وحين لزم كون الثابت بالامتناع رجوعا فيه شبهة كان الثابت قذفا فيه شبهة بخلاف صريح الرجوع فإن به يظهر أن تلك الشهادة قذف بلا شبهة فيحد به هناك ولا يحد بدلالة الرجوع إذا لم تكن دلالة قطيعة يوجد معها المدلول قطعا لثبوت الشبهة فى القذف على ما ذكرنا وأما ثبوت ذلك عن على رضى الله عنه فما أخرج ابن أبى شيبة رحمه الله قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عليا كان إذا شهد عنده الشهود على الزنا أمر الشهود أن يرجموا ثم يرجم هو ثم يرجم الناس فإذا كان بإقرار بدأ هو فرجم ثم رجم الناس بعده قال وحدثنا أبو خالد الأحمر عن الحجاج عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن على رضى الله عنه قال أيها الناس إن الزنا زناءان زنا السر وزنا العلانية فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمى ثم الإمام ثم الناس وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الإمام أول من يرمى قال وفى يده ثلاثة أحجار فرماها بحجر فأصاب صدغها فاستدارت ورمى الناس بعده وروى الإمام أحمد فى مسنده عن الشعبى قال كان لشراحة زوج غائب بالشام وأنها حبلت فجاء بها مولاها فقال إن هذه زنت فاعترفت فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد ثم قال الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمى الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره ولكنها أقرت فأنا
____________________
(5/226)
أول من يرميها فرماها بحجر ثم رماها الناس
رواه البيهقى عن الأحلج عن الشعبى عن على وفيه أنه قال لها لعله وقع عليك وأنت نائمة قالت لا قال فلعله استكرهك قالت لا قال فأمر بها فحبست فلما وضعت ما فى بطنها أخرجها يوم الخميس فضربها مائة وحفر لها يوم الجمعة فى الرحبة وأحاط الناس بها الحديث وفيه أيضا أنه صفهم ثلاث صفوف ثم رجمها ثم أمرهم فرجم صف ثم صف ثم صف
وأورد أن إثبات اشتراط البداءة بهذا زيادة على النص بما هو دون خبر الواحد وإصلاح الإيراد أنه تقييد للقطعى المطلق فكان كتقييد مطلق الكتاب به
والجواب أن الحكم القطعى هنا هو مجموع وجوب الرجم ودرئه بالشبهة فإذا دل دليل ظنى على أن البداءة شرط لزم أن عدمها شبهة فيندرىء به الحد بحكم القطع بوجوب درء هذا الحكم القطعى بالشبهة وموت الشهود مسقط أو أحدهم وكذا إذا غابوا أو غاب أحدهم فى ظاهر الرواية وهو احتراز عن رواية عن أبى يوسف أن بداءتهم مستحبة لا مستحقة فإذا امتنعوا أو غابوا أو ماتوا يقيم الحد وكذا يسقط الحد باعتراض ما يخرج عن أهلية الشهادة كما لو ارتد أحدهم أو عمى أو خرس أو فسق أو قذف فحد لا فرق فى ذلك بين كونه قبل القضاء أو بعده قبل إقامة الحد لأن الإمضاء من القضاء فى الحدود وهذا إذا كان محصنا
وفى غير المحصن قال الحاكم فى الكافى يقام عليه الحد فى الموت والغيبة ولو كان أحدهم مقطوع اليدين أو مريضا لا يستطيع الرمى وحضروا يرمى القاضى ولو قطعت بعد الشهادة امتنعت الإقامة
وقد يقال إذا كان شرطا ففوات الشرط كيف كان يمنع المشروط
وأيضا عجزهم بالضعف ليس فوق عجزهم بالموت إلا أن شمس الأئمة فرق بأنهم إذا كانوا مقطوعى الأيدى لم تستحق البداءة بهم وأما ههنا فقد استحقت فإذا تعذر بالموت أو الغيبة صار كما لو امتنعوا وهذا تقييد لشرطيته بكون الشهود قادرين على الرجم ولا شك أن المعنى المسقط
____________________
(5/227)
يجمعها
ومما يبطل الشهادة ويسقط الحد أن يعترف المشهود عليه بالزنا قبل القضاء بالأتفاق ولو اعترف بعد القضاء بالحد عن البينة مرة يسقطه أبو يوسف لأن سقوطه فى الوجه الأول كان لأن شرط الشهادة عدم الإقرار ففات الشرط قبل العمل بها وقد علم أن الإمضاء من القضاء فى الحدود فكان كالأول وخالف محمد رحمه الله قوله وإن كان مقرا يبدأ الإمام ثم الناس كذا روى عن على رضى الله عنه وهو ما ذكرناه آنفا
وقوله ورمى عليه الصلاة والسلام الغامدية بحصاة مثل الحمصة رواه أبو داود عن زكريا بن عمران قال سمعت شيخا يحدث عن أبى بكرة عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية فحفر لها إلى السرة ثم ذكر إسنادا آخر وزاد ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال ارموا واتقوا الوجه فلما طفت أخرجها وصلى عليها ورواه النسائى والطبرانى والبزار وفيه مجهول وأنت تعلم أنه لو تم هذا الحديث بالصحة لم يكن فيه دليل على الأشتراط
فالمعول عليه ما ذكرنا من كلام على رضى الله عنه
واعلم أن مقتضى هذا أنه لو امتنع الإمام لا يحل للقوم رجمه ولو أمرهم لعلمهم بفوات شرط الرجم وهو منتف برجم ماعز فإن القطع بأنه عليه الصلاة والسلام لم يحضره بل رجمه الناس عن أمره عليه الصلاة والسلام
ويمكن الجواب بأن حقيقة ما دل عليه قول على أنه يجب على الإمام أن يأمرهم بالأبتداء اختبارا لثبوت دلالة الرجوع وعدمه وإن يبتدىء هو فى الإقرار لينكشف للناس أنه لم يقصر فى أمر القضاء بأن لم يتساهل فى بعض شروط القضاء بالحد فإذا امتنع حينئذ ظهرت أمارة الرجوع فامتنع الحد لظهور شبهة تقصيره فى القضاء وهى دارئة فكأن البداءة فى معنى الشرط إذ لزم عن عدمه العدم لا أنه جعل شرطا بذاته وهذا فى حقه عليه الصلاة والسلام منتف فلم يكن عدم رجمه دليلا على سقوط الحد إذا لم يبدأه
واعلم أن مقتضى ما ذكر أنه لو بدأالشهود فيما إذا ثبت بالشهادة يجب أن يثنى الإمام فلو لم يثن الإمام يسقط احد لأتخادالمأخذ فيهما
قالوا ويستحب لكل من رجم أن يقصد قتله لأنه المقصود ولأنه تيسير عليه إلا أن يكون ذا رحم محرم منه فلا يقصده ويكتفى بغيره فيه قوله ويغسل ويكفن ويصلى عليه لقوله صلى الله عليه وسلم فى ماعز اصنعوا به الحديث وروى ابن أبى شيبة عن أبي معاوية عن أبى حنيفة عن علقمة بن مرثد عن أبى بريدة عن أبيه بريدة قال لما رجم ماعز قالوا يا رسول الله ما نصنع به قال اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل
____________________
(5/228)
والكفن والحنوط والصلاة عليه وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على الغامدية فأخرجه الستة إلا البخارى من حديث عمران بن الحصين أن امرأة من جهينة أتت النبى صلى الله عليه وسلم وهى حبلى من الزنا فقالت يا نبى الله أصبت حدا فأقمه على الحديث بطوله إلى أن قال فأمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر أتصلى عليها يا نبى الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أنها جادت بنفسها لله وفى صحيح البخارى من حديث جابر فى أمر ماعز قال ثم أمر به فرجم وقال له النبى صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه قال ابن القطان قيل للبخارى قوله وصلى عليه قاله غير معمر قال لا
ورواه الترمذى وقال حسن صحيح
ورواه غير واحد منهم أبو داود وصححوه
وأما ما رواه أبو داود من حديث أبى برزة الأسلمى أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه ففيه مجاهيل فإن فيه عن أبى بشر أنه قال حدثنى نفر من أهل البصرة عن أبى برزة
نعم حديث جابر فى الصحيحين فى ماعز وقال له خيرا ولم يصل عليه معارض صريح فى صلاته عليه لكن المثبت أولى من النافى لكن على أصول الحنفية وهو أن النفى إذا كان من جنس ما يعرف بدليل يساوى الإثبات ويطلب الترجيح بغيره لا ينتهض لأن هذا النفى وهو كونه لم يصل عليه من ذلك إذ لا شك أن الصحابى إذا شهد الصلاة بتمامها يعلم عدم صلاته عليه عليه الصلاة والسلام أو صلاته فيطلب الترجيح بغير ذلك وعن هذا ذهب مالك إلى أنه يصلى عليه غير الإمام
والحاصل أن الصلاة عليه شرعا لا شك فيها فإنه مسلم قتل بحق فيغسل ويصلى عليه كالمقتول قصاصا بخلاف الشهيد فإنه قتل بغير حق فلا يغسل ليكون الأثر شاهدا له والإظهار زيادة تشريفه بقيام أثر الشهادة يوم القيامة
وأما أنه عليه الصلاة والسلام صلى على ماعز ففى حيز التعارض
والغامدية من بنى غامد حى من الأزد
قاله المبرد فى الكامل
وفى كتاب أنساب العرب غامد بطن من خزاعة وقد سمعت فى حديث عمران بن الحصين أتت امرأة من جهينة قوله إن لم يكن محصنا وكان حرا فحده مائة جلدة لقوله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وإنما قدم الزانية مع أن العادة عكسه لأنها هى الأصل إذ الداعية فيها أكثر ولولا تمكينها لم يزن وهذا
____________________
(5/229)
عام فى المحصن وغيره نسخ فى حق المحصن قطعا ويكفينا فى تعيين الناسخ القطع برجم النبى صلى الله عليه وسلم فيكون من نسخ الكتاب بالسنة القطعية وهو اولى من ادعاء كون الناسخ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اله والله عزيز حكيم لعدم القطع بثبوت كونها قرآنا ثم انتساخ تلاوتها وإن ذكرها عمر وسكت الناس فإن كون الإجماع السكوتى حجة مختلف فيه وبتقدير حجيته لا يقطع بأن جميع المجتهدين من الصحابة كانوا إذ ذاك حضورا ثم لا شك أن الطريق فى ذلك إلى عمر ظنى ولهذا والله أعلم قال على رضى الله عنه فيما ذكرناه عنه إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسبه إلى القرآن المنسوخ التلاوة وعرف من قوله ذلك أنه قائل بعدم نسخ عموم الآية فيكون رأيه أن الرجم حكم زائد فى حق المحصن ثبت بالسنة وهو قول قيل به ويستدل له بقوله عليه الصلاة والسلام الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة وفى رواية أبى داود ورمى بالحجارة وسيأتى الكلام عليه قوله بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا قيل المراد بثمرة السوط عذبته وذنبه مستعار من واحدة ثمر الشجر وفى الصحاح وغيره عقد أطرافه ورجح المطرزى إرادة الأول هنا لما ذكر الطحاوى أن عليا جلد الوليد بسوط له طرفان أربعين جلدة فكانت الضربة ضربتين وفى الإيضاح ما يوافقه قال ينبغى أن لا يضرب بسوط له ثمرة لأن الثمرة إذا ضرب بها تصير كل ضربة ضربتين وفى الدراية لكن المشهور فى الكتب لا ثمرة له أى لا عقدة عليه وقول المصنف فى الاستدلال عليه لأن عليا لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته لا يحتمل الوجه الأول أصلا بل أحد الأمرين إما العقدة وإما تليين طرفه بالدق إذا كان يابسا وهو الظاهر وروى ابن أبى شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسى عن أنس بن مالك قال كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين حتى يلين ثم يضرب به قلنا له فى زمن من كان هذا قال فى زمن عمر بن الخطاب والحاصل أن المراد أن لا يضرب به وفى طرفه يبس لأنه حينئذ يجرح أو يبرح فكيف إذا كان فيه عقدة ويفيد ذلك ما روى عبد الرزاق عن يحيى بن أبى كثير أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى أصبت حدا فأقمه على فدعا عليه الصلاة والسلام يسوط فأتى بسوط شديد له ثمرة فقال سوط دون هذا فأتى بسوط مكسور لين
____________________
(5/230)
فقال سوط فوق هذا فأتى بسوط بين سوطين فقال هذا فأمر به فجلد ورواه ابن أبى شيبة عن زيد بن أسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بسوط فذكره وذكره مالك فى الموطأ والحاصل أن يجتنب كل من الثمرة بمعنى العقدة ومعنى الفرع الذى يصير ذنبين تعميما للمشترك فى النفى لأنه عين العدد مائة ولو تجوز بالثمرة فيما يشاكل العقدة ليعم المجاز ما هو يابس الطرف على ما ذكرنا كان أولى فإنه لا يضرب بمثله حتى يدق رأسه فيصير متوسطا قوله بين الموجع وغير المؤلم فيكون مؤلما غير موجع فلزم أنه أراد بالموجع المبرح وإلا لم يستقم ووجه هذا ظاهر ولو كان الرجل الذى وجب عليه الحد ضعيف الخلقة فخيف عليه الهلاك يجلد جلدا خفيفا يحتمله قوله وتنزع عنه ثيابه إلا الإزار ليستر عورته وبه قال مالك وقال الشافعى وأحمد يترك عليه قميص أو قميصان لأن الأمر بالجلد لا يقتضى التجريد وقول المصنف لأن عليا كان يأمر بالتجريد فى الحدود زاد عليه شارح الكنز فقال صح أن عليا كان يأمر بالتجريد فى الحدود فأبعد عما قال المخرج أنه لم يعرف عن على بل روى عنه خلافه وروى عبد الرزاق بسنده عنه أنه أتى برجل فد حد فضربه وعليه كساه قسطلانى قاعدا وأسند إلى المغيرة بن شعبة فى المحدود أينزع عنه ثيابه قال لا إلا أن يكون فروا أو محشوا وأسند عن ابن مسعود لا يحل فى هذه الأمة تجريد ولا مد قوله ويفرق الضرب على أعضائه لأن جمعه فى عضو واحد قد يفسده واستثنى الرأس والوجه والفرج وذكر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال للذى أمره بضرب الحد اتق الوجه والمذاكير ولم يحفظه المخرجون مرفوعا بل موقوفا على على رضى الله عنه أنه أتى برجل سكران أو فى حد فقال اضرب وأعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير رواه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق فى مصنفيهما وسعيد بن منصور وقال ابن المنذر وثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال وقد أتى برجل اضرب وأعط كل عضو حقه قال روينا هذا القول عن على وابن مسعود والنخعى رضى الله عنهم ولا شك أن معنى ما ذكره المصنف فى الصحيحين من حديث أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه والمذاكير ولا شك أن هذا ليس مرادا على الإطلاق لأنا نقطع أن فى حال قيام الحرب مع الكفار لو توجه لأحد ضرب وجه من يبارزه وهو فى مقابلته حالة الحملة لا يكف عنه إذ قد يمتنع عليه بعد ذلك ويقتله فليس المراد إلا من يضرب صبرا فى حد قتلا أو غير قتل وفى القتل صريح ما تقدم من رواية أبى داود من حديث أبى هريرة أنه عليه الصلاة والسلام رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة ثم قال ارموا واتقوا الوجه وحينئذ فلا شك أن قول عمر وعلى رضى الله عنهما أعط كل عضو حقه كما ذكره ابن المنذر هكذا مختصرا عليه عام مخصوص لأنهما لا يريدان قطعا ضرب الوجه والمذاكير ولما كان ذلك معلوما لم يحتج إلى ذكر المخصوص على أنه
____________________
(5/231)