حيث يصح ويلزمه البيان بخلافه بمعلوم لمجهول فإنه لا يصح أصلا قوله وإن أمره غيره أن يقرن عنه فالدم على من أحرم وهو المأمور لا في مال الآمر وقرن يقرن من باب نصر ينصر لأنه وجب شكرا للجمع بين النسكين والمأمور هو المختص بهذه النعمة قالوا إن هذه تشهد بصحة المروي عن محمد رحمه الله من أن الحج يقع عن المأمور وإنما للآمر ثواب النفقة يسقط به الحج عن الآمر شرعا وقد يقال لا تلزم هذه الشهادة إذ لا شك أن الأفعال إنما وجدت من المأمور حقيقة غير أنها تقع عن الآمر شرعا ووجوب هذا الدم شكرا مسبب عن الوجود الحقيقي ولأن موجب هذا الفعل أحد أمرين من الهدي والصوم من غير أن كل واحد يجب على تقدير وأحدهما بتقديره يجب على المأمور وهو الصوم فكذا الآخر لأن كليهما موجب واحد لهذا العمل قوله وكذا إذا أمره واحد بأن يحج عنه والآخر أن يعتمر عنه وأذنا له في القران يعني يكون الدم في ماله لما قلنا وقيد بإذنهما له بالقران لأنهما لو لم يأذنا له فقرن عنها كان مخالفا فيضمن نفقتهما لا لأن إفراد كل منهما أفضل من قرانهما بل لما قدمناه من أن أمر الآمر بالنسك يتضمن إفراد السفر له به لمكان النفقة أعني تضمن الأمر بإنفاق ماله في جميع سفره ويستلزم زيادة الثواب وفي القران عدم إفراد السفر فقلت النفقة ونقص الثواب فكان مخالفا
____________________
(3/152)
هذا ولو كان واحد أمره بالحج فقرن عنه ضمن النفقة عند أبي حنيفة خلافا لهما لهما أن القران أفضل فقد فعل المأمور به على وجه أحسن فلا يكون مخالفا كالوكيل إذا باع بأكثر مما سمي له الموكل ولأبي حنيفة أنه مأمور بإنفاق المال لسفر مفرد للحج وقد خالف فيقع عن نفسه ويضمن كما لو تمتع ولم يندفع بعد هذا قولهما أنه خلاف إلى خير فكان صحيحا إذ يثبت الإذن دلالة بخلاف التمتع فإن السفر وقع للعمرة بالذات ولأن الأمر بالحج تضمن السفر له وقوع إحرامه من ميقات أهل الآفاق والمتمتع يحرم بالحج من جوف مكة والأوجه ما في المبسوط من أن هذه العمرة لم تقع عن الآمر لأنه لم يأمره بها ولا ولاية للحاج في إيقاع نسك عنه لم يأمره به ألا ترى أنه لو لم يأمر بشيء لم يجز أداؤه عنه فكذا إذا لم يأمره بالعمرة وإذا لم تكن العمرة عن الميت صارت عن نفسه وصار كأنه نواها عن نفسه ابتداء وبمثله امتنع التمتع لعدم وقوع العمرة عن الميت وما إذا أمره بعمرة فقرن عند أبي حنيفة على ما ذكر في البدائع أنه يضمن أيضا عنده كالحج إذا قرن عنده ولو أمره بالحج فقرن معه عمرة لنفسه لا يجوز ويضمن اتفاقا فكذا هذا قال في المبسوط إلا أنه ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف أنه وإن نوى العمرة عن نفسه لا يصير مخالفا ولكن يرد من النفقة بقدر حصة العمرة لأنه مأمور بتحصيل الحج عنه بجميع النفقة فإذا ضم إليه عمرة لنفسه فقد حصل له ببعض النفقة وهو خلاف إلى خير كالوكيل بشراء عبد بألف إذا اشتراه بخمسمائة قال شمس الأئمة وليس هذا بشيء فإنه مأمور بتجريد السفر للميت ثم ويحصل للميت ثواب النفقة فبتنقيصها ينقص الثواب بقدره فكان هذا الخلاف ضررا عليه ولا إشكال أنه إذا بدأ بعمرة لنفسه يضمن للمخالفة ولاتقع الحجة عن حجة الإسلام عن نفسه لأنها أقل ما يقع بإطلاق النية وهو قد صرفها عنه في النية وفيه نظر ولو حج عن الميت ثم اعتمر لنفسه بعد الحج فعند العامة لا يكون مخالفا على قول أبي حنيفة ولو أمره بعمرة فقرن فهو على الخلاف بين الثلاثة إلا أن على قولهما بقية ما بقي من الحج بعد أداء العمرة تكون نفقته فيه على نفسه لأنه في ذلك عامل لنفسه ولو اعتمر ثم أحرم بالحج بعد ذلك عن نفسه لم يكن مخالفا لأنه فعل ما أمر به وهو أداء العمرة بالسفر وإنما فعل بعد ذلك الحج فاشتغاله به كاشتغاله بعمل آخر من التجارة وغيرها ونفقته مقدار مقامه للحج من ماله وروى ابن سماعة عن محمد إذا حج المأمور بالحج عن الميت فطاف لحجة وسعى ثم أضاف عمرة عن نفسه لم يكن مخالفا لأن هذه العمرة واجبة الرفض فكانت كعدمها ولو كان جمع بينهما أي قرن ثم لم يلطف حتى وقف بعرفة ورفص العمرة لم ينفعه ذلك وهو مع ذلك مخالف لأنه لما أحرم بهما جميعا فقد صار مخالفا على ما ذكرناه عن أبي حنيفة فوقعت الحجة عن نفسه فلا تحتمل النفل بعد ذلك برفض العمرة قوله ودم الإحصار الخ الدماء الواجبة في الحج إما دم الإحصار وهو على الآمر عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف على
____________________
(3/153)
المأمور فإن كان المحجوج عنه ميتا ففي ماله عندهما ثم هل هو من الثلث أو من كل المال خلاف بين المشايخ وتقرير الوجه من الجانبين ظاهرين من الكتاب فلا نطيل به ثم يجب عليه الحج من قابل بمال نفسه وإما دم القران وقد تقدم قالوا هذا ودم القران يشهدان لمحمد رحمه الله وقد تكلمنا في دم القران وأما كون حج القضاء من مال نفسه فلأنه لم يتم الأفعال بسبب الإحصار وإنما يقع ما هو مسمى الحج عنه ولم يتحقق وإما دم الجنابة كجزاء صيد وطيب وشعر وجماع في ففي مال الحج اتفاقا لأنه هو الجاني عن اختيار والأمر بالحج لا ينتظم الجناية بل ينتظم ظاهرا عدمها فيكون مخالفا في فعلها فيثبت موجبها في ماله ثم إن كان الجماع قبل الوقوف حتى فسد الحاج ضمن النفقة للمخالفة وعليه القضاء لا يشكل كونه في مال نفسه وإن كان بعده لا يفسد ولا يضمن النفقة ولو فاته الحج لا يضمن النفقة لعدم المخالفة فهو كالمحصر وعليه الحج من قابل بمال نفسه ولو أتم الحج إلا طواف الزيارة فرجع ولم يطفه لا يضمن النفقة غير أنه حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ليقضي ما بقي عليه لأنه جان في هذا الصورة أما لو مات بعد الوقوف قبل الطواف جاز عن الآمر لأنه أدى الركن الأعظم وأما دم الرفض النسك ولا يتحقق ذلك إذا تحقق إلا في مال الحاج ولا يبعد أنه لو فرض أنه أمره أن يحرم بحجتين معا ففعل حتى ارتفضت إحداهما كونه على الآمر ولم أره والله تعالى أعلم قوله ومن أوصى بأن يحج عنه الخ لا خلاف أن
____________________
(3/154)
إطلاق الوصية بالحج إذا كان الثلث يحتمل الإحجاج من بلده راكبا ولم يكن الموصى حاجا عن نفسه مات في الطريق ولم يعين المكان الذي مات فيه أو مكانا آخر يوجب تعيين البلد والركوب وقد قدمنا في مقدمة الباب أنه لو حج المأمور ماشيا وأمسك مئونة الكراء لنفسه يقع عن نفسه ويضمن النفقة فأما إذا كان الثلث لا يبلغ إلا ماشيا فقال رجل أنا أحج عنه من بلده ماشيا جاز وعن محمد لا يجزيه وحج عنه من حيث يبلغ راكبا وروى الحسن عن أبي حنيفة إن أحجوا عنه من بلده ماشيا جاز ومن حيث يبلغ راكبا جاز لأن في كل نقصا من وجه زيادة من وجه آخر فاعتدلا ولو أحجوا من موضع يبلغ وفضل من التلث وتبين أنه يبلغ راكبا من موضع أبعد يضمن الوصي ويحج عنه من حيث يبلغ إلا إذا كان الفاضل شيئا يسيرا من زاد وكسوة لا يكون مخالفا كذا في البدائع هذا إذا لم يعين كمية فإن عين بأن قال أحجوا عني بألف أو بثلث مالي فإن لم يبلغ من بلده جاء ما قلناه وإن بلغ واحدة لزمت وإن بلغ حججا كثيرة فأما مسئلة الألف فذكرها في المبسوط قال الوصي بالخيار إن شاء دفع عنه كل سنة حجة وإن شاء أحج عنه رجالا في سنة واحدة وهو أفضل لأن الوصية بالحج بمال مقدر كالوصية بالتصدق به وفي ذلك الوصي بالخيار بين التقديم والتأخير والتعجيل أفضل لأنه بعد من فوات المقصود بهلاك المال وأما مسئلة الثلث فذكرها في البدائع وذكر الجواب على نحو مسئلة الألف نقلا عن القدوري إلا أنه حكى فيها خلافا فقيل إن القاضي يعني الإسبياجابي قد ذكر في شرح الطحاوي أن يحج عنه حجة واحدة من وطنه وهي حجة الإسلام إلا إذا قال بجميع الثلث قال وما ذكره القدوري أثبت لأن الوصية بجميع الثلث وبالثلث واحدة لأنه اسم لجميع السهم وذكرها في المبسوط أيضا وأجاب بصرفه إلى الحج إذا لم يقل حجة ولم يذكر خلافا قال لأنه جعل الثلث مصروفا إلى هذا النوع من القربة فيجب
____________________
(3/155)
تحصيل مقصوده في جميع الثلث كما لو أوصى أن يفعل بثلثة طاعة أخرى ولو ضم إلى الحج غيره والثلث يضيق عن الجميع إن كانت متساوية بدئ بما بدأ به الموصى كالحج والزكاة وعن أبي يوسف تقديم الزكاة لأن فيها حقين والحج والزكاة يقدمان على الكفارات والكفارات على صدقة الفطر وهي على النذر وهو والكفارات على الأضحية والواجب على النفل والنوافل يقدم منها ما بدأ به الميت وحكم الوصية بالعتق إذا لم يعين عن كفارة حكم النفل والوصية لآدمي كالفرائض أعني المعين فإن قال للمساكين فهو كالنفل ومن الصور المنقولة أوصى بحجة الفرض وعتق نسمة ولا يسعهما الثلث يبدأ بالحجة ولو أوصى بالحجة ولأناس ولا يسعهما الثلث قسم الثلث بينهم بالحصص يضرب للحج بأدنى ما يكون من نفقة الحج ثم ما خص الحج يحج به من حيث يبلغ لأنه هو الممكن ولو أوصى لرجل بألف وللمساكين بألف وأن يحج عنه بألف وثلثه ألفان يقسم بينهم أثلاثا ثم ينظر إلى حصة المساكين فيضاف إلى الحجة فما فضل فهو للمساكين بعد تكميل الحج لأن الصدقة تطوع والحج فرض إلا أن يكون زكاة فيتحاصصون في الثلث ثم ينظر إلى الزكاة والحج فيبدأ بما بدأ به الميت ولو أوصى بكفارة إفساد رمضان ولا يخرج من الثلث العتق ولم تجز الورثة يطعم ستين مسكينا هذا وأما ما يرجع إلى تعيين الوطن فلا يخلو من أن يكون له وطن واحد أو أوطان فإن اتحد تعين ومن فروعه ما عن محمد في خراساني أدركه الموت بمكة فأوصى أن يحج عنه من خراسان وما عن أبي يوسف في مكي قدم إلى
____________________
(3/156)
الري فحضره الموت فأوصى أن يحج عنه من مكة أما لو أوصى أن يقرن عنه فإنه حينئذ يقرن عنه من الري لأنه لا قران لأهل مكة فيحمل عليه من حيث هو وإن كانت له أوطان في بلدان يحج عنه من أقربها إلى مكة ولو عين مكانا جاز منه اتفاقا وكذا إذا عين مكانا مات فيه فلو لم يعين مكان موته وقد مات في سفر إن كان سفر الحج فهو على الخلاف الذي ذكر في الكتاب بقوله وأصل الخلاف في الذي يحج عن نفسه يعني إذا مات في الطريق وأوصى أن يحج عنه وأطلق يلزم الحج من بلده عنده إلا أن عجز الثلث وعندهما من حيث مات ولو كان سفره تجارة حج عنه من بلده اتفاقا لأن تعين مكان موته في سفر الحج عندهما بناء على أنه لا تبطل عبادة سفره من بلده إلى محل موته فبالسفر منه يتحقق سفر الحج من بلده ولا عبادة في سفر التجارة ليعتبر البعض الذي قطع عبادة مع البعض الذي بقي فيجب إنشاء السفر من البلد تحصيلا للواجب فإن الخطاب يتوجه عليه وهو في بلده بالخروج إلى الحج وهو العادة أيضا أن يخرج الإنسان من بلده مجهزا فينصرف المطلق إليه ولهذا وافقا أبا حنيفة في الحاج الذي مات في الطريق فيما لو أقام في بعض البلاد في طريقه حتى تحولت السنة ثم مات فأوصى مطلقا أن يحج عنه من بلده لأن ذلك السفر لما لم يتصل به الحجة التي خرج لها في تلك السنة لم يعتد به عن الحج إذا حصلنا على هذا فلو أوصى على وجه انصرفت إلى بلده ولم يعين مالا ففعل الواجب فأحجوا منها ومات في أثناء الطريق وقد أنفق بعضها أو سرقت كلها قال أبو حنيفة يحج عنه ثانيا من بلده من ثلث ما بقي وقالا من حيث مات وأما في جانب المال فقال محمد ينظر إن بقي من المدفوع شيء حج به وإلا بطلت الوصية وقال أبو يوسف إن كان المدفوع تمام الثلث كقول محمد وإن كان بعضه يكمل فإن بلغ باقيه ما يحج به وإلا بطلبت وقال أبو حنيفة من ثلث ما بقي ثم وثم إلى أن لا يبقى ما يبلغ فحينئذ تبطل مثلا كان المخلف أربعة آلاف دفع الوصي ألفا فهلكت يدفع إليه ما يكفيه من ثلث الباقي أو كله وهو ألف فلو هلكت الثانية دفع إليه من ثلث الباقي بعدها هكذا مرة بعد مرة إلا أن لا يبقى ما ثلثه يبلغ الحج فتبطل وعند أبي يوسف يأخذ ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا فإنها مع تلك الألف ثلث الأربعة الآلاف فإن كفت وإلا بطلت الوصية وعند محمد إن فضل من الألف الأولى ما يبلغ وإلا بطلت فالخلاف في موضعين فما يدفع ثانيا وفي المحل الذي يجب الإحجاج منه ثانيا أما الأول فلمحمد أن تعيين الوصي كتعين الموصى ولو عين الموصي مالا فهلكت بطلت الوصية فكذا إذا عين الوصي وأبو يوسف يقول محل الوصية الثلث فتعين الوصي إياه صحيح وتعيينه
____________________
(3/157)
فيه غير صحيح لأن جميع الثلث محل الوصية فما بقي منه يجب تنفيذ الوصية فيه وأبو حنيفة يقول المال ليس بمقصود للموصى بل مقصوده الحج به فإذا لم يفد هذا التعيين هذا المقصود صار كعدمه وما هلك من المال كان كأن لم يكن بمنزلة ما إذا هلك قبل هذا الإفراز والوصية باقية بعد بالإحجاج مطلقا فينصرف إلى ثلث الباقي إذا صار الهالك كأن لم يكن قبل الوصية فيكون محلها ثلثه وأما الثاني فمبناه على أن السفر هل بطلت بالموت أو لا فقالا لا وهو استحسان وقال نعم وهو قياس وقوله في الأول أوجه وهما هنا أوجه له قوله عليه الصلاة والسلام إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم وأبو داود والنسائي ولهما في أنه لم يبطل ما أخرجه الطبراني في الوسط وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة قال الحافظ المنذري رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق وبقية رواته ثقات وأنت قد أسمعناك أن الحق في ابن إسحاق أنه ثقة أيضا ثم ما رواه إنما يدل على انقطاع العمل والكلام في بطلان القدر الذي وجد في حكم العبادة والثواب وهو غيره وغير لازمه لأن انقطاع العمل لفقد العامل لا يستلزم ما كان قد وجد في سبيل الله وقال تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } فيما كان معتدا به حين وجد ثم طرأ المنع منه وجواب أبي حنيفة أن المراد بعدم الانقطاع في أحكام الآخرة والانقطاع في أحكام الدنيا وهو الذي يوجبه هنا كمن صام إلى نصف النهار في رمضان ثم حضره الموت يجب أن يوصي بفدية ذلك اليوم وإن كان ثواب إمساك ذلك اليوم باقيا
فرع مات وترك ابنين وأوصى أن يحج عنه بثلاثمائة وترك تسعمائة فأنكر أحد الابنين واعترف الآخر فدفع من حصته مائة وخمسين لمن يحج بها ثم اعترف الآخر فإن كان حج بأمر الوصي يأخذ المقر من الجاحد خمسة وسبعين لأنه جاز عن الميت بمائة وخمسين وبقيت مائة وخمسون ميراثا بينهما وإن حج بغير أمر الوصي يحج مرة أخرى بثلاثمائة قوله ومن أهل بحجة عن أبويه فله أن يجعلها عن أحدهما فاستفدنا أنه إذا أهل عن أحدهما على الإبهام أن له أن يجعلها عن أحدهما بعينه بطريق أولى ومبناه على أن نيته لهما تلغو بسبب أنه غير مأمور من قبلهما أو أحدهما فهو متبرع فتقع الأعمال عنه ألبتة وإنما يجعل لهما الثواب وترتبه بعد الأداء فتلغو نيته قبله فيصح جعله بعد ذلك لأحدهما أو لهما ولا إشكال في ذلك إذا كان متنفلا عنهما فإن كان على أحدهما حج الفرض فإما أن يكون أوصى به أو لا فإن أوصى به فتبرع الوارث عنه بمال نفسه لا يسقط عن المورث وإن لم يوص فتبرع عنه بالإحجاج أو الحج بنفسه قال أبو حنيفة يجزيه إن شاء الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين الحديث شبهه بدين العباد وفيه أنه لو قضى الوارث من غير وصية يجزيه
____________________
(3/158)
فكذا هذا وغير ذلك من الآثار الدالة على أن تبرع الوارث مثل ذلك معتبر شرعا فإن قيل فلماذا قيد الجواب بالمشيئة بعدما صح الحديث قلنا لأن خبر الواحد لا يوجب اليقين بل الظن فما كان من الأمور التي في طريقها العمل لا يحتاج إلى ذكر المشيئة فيه لأن الظن طريقه فقد تطابقا وسقوط الفرض عن الميت بأداء الورثة طريقة العلم فإنه أمر يشهد به على الله تعالى بعد القطع بشغل الذمة به فلهذا قيده به واعلم أن فعل الولد ذلك مندوب إليه جدا لما أخرج الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام قال من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار وأخرج أيضا عن جابه أنه عليه الصلاة والسلام قال من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج وأخرج أيضا عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حج الرجل عن والديه تقبل منه ومنهما واستبشرت أرواحهما وكتب عند الله برا هذا وقد سبق الوعد بتقرير مسئلة حج الصرورة عن الغير والصرورة يراد به الذي لم يحج عن نفسه فمنعه الشافعي رحمه الله لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة رواه أبو داود وابن ماجه قال البيهقي هذا إسناد ليس في الباب أصح منه وعن هذا لم يجوز الشافعي النفل للصرورة قنا هذا الحديث مضطرب في وقفه على ابن عباس ورفعه والرواة كلهم ثقات فرفعه عبدة بن سليمان قال ابن معين عبدة أثبت الناس في سعيد بن أبي عروبة وتابعه محمد بن عبد الله الأنصاري ومحمد بن ميسر وأبو يوسف القاضي كلهم عن سعيد ووقفه غندر عن سعيد ورواه أيضا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة سمع ابن عباس رجلا يلبي عن شبرمة فذكره موقوفا وليس هذا مثل ما ذكرناه غير مرة في تعارض الرفع والوقف من تقديم الرفع لأنه زيادة تقبل من الثقة فإن ذلك في حكم مجرد عن قصة واقعة في الوجود رواه واحد عن الصحابي يرفعه وآخر عن نفسه فقط فإن هذا يتقدم فيه الرفع لأن الموقوف حاصله أنه قد ذكره ابتداء على وجه إعطاء حكم شرعي أو جوابا لسؤال ولا ينافي هذا كون ما ذكره مأثورا عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أما في مثل هذه وهي حكاية قصة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يلبي عن شبرمة فقال له ما قال أو أن ابن عباس رضي الله عنهما سمع من يلبي عن شبرمة فقال له ذلك فهو حقيقة التعارض في شيء وقع في الوجود أنه وقع في ذلك الزمن أو في زمن آخر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره وتجويز أن يكون وقع في وزمنه عليه الصلاة والسلام ثم وقع بحضرة ابن عباس سماعه رجلا آخر يلبي عن شبرمة فقال له من شبرمة فقال أخ أو قريب يعين ذلك فهو وإن لم يمتنع عقلا لكنه بعيد جدا في العادة فلا يندفع به حكم التعارض الثابت ظاهرا طالبا لحكمه فيتهاتران أو يرجح وقوعه في زمن ابن عباس لأن أحكام الحج كانت خفية في زمنه عليه الصلاة والسلام حتى وقع الخطأ في ترتيب أحكام كثيرة فسألوه عنها فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح وكثير وإنما تركوا السؤال ابتدا ظنا منهم بأن لا ترتيب معينا في هذه فإنها ليست أركانا لعلمهم أن الحج عرفة عنه
____________________
(3/159)
عليه الصلاة والسلام والطواف بنص الكتاب فلما رأوا أن الذي فعله عليه الصلاة والسلام خلاف ذلك الترتيب فزعموا إلى السؤال فعذرهم بالجهل في ذلك الوقت فأما حج الإنسان عن غيره فأمر يأباه القياس فإن العقل لا يقتضي جوازه إذا خلى والنظر في مقصود التكاليف على ما قدمناه أول الباب فلم يكن يقدم عليه ذلك الرجل بلا سؤال ثم يتفق أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلع عليه فيخيره بالحكم بخلافه في زمن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قد ظهرت الأحكام وعرف جواز النيابة باشتهار الخثعمية وغيره بعلك الناس له وصح تكرار ذلك فهو مظنة أن يعلم أصل جواز النيابة فيفعل بلا سؤال فيكون قول ابن عباس رضي الله عنهما رأيا منه ولأن ابن المفلس ذكر في كتابه أن بعض العلماء ضعف هذا الحديث بأن سعيد بن أبي عروبة كان يحدث به بالبصرة فيجعل هذا الكلام من قول ابن عباس ثم كان بالكوفة يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يفيد اشتباه الحال على سعيد وقد عنعنه قتادة ونسب إليه تدليس فلا تقبل عنعنته ولو سلم فحاصله أمر بأن يبدأ بالحج عن نفسه وهو يحتمل الندب فيحمل عليه بدليل وهو إطلاقه عليه الصلاة والسلام قوله للخثعمية حجي عن أبيك من غير استخبارها عن حجها لنفسها قبل ذلك وترك الإستفصال في وقائع الأحوال يتزل منزلة عموم الخطاب فيفيد جوازه عن الغير مطلقا وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجة نفسه وبذلك يحصل الجمع ويثبت أولوية تقديم الفرض على النفل مع جوازه والذي يقتضيه النظر أن حج الصرورة عن غيره إن كان بعد تحقيق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه كراهة تحريم لأنه يتضيق عليه والحالة هذه في أول سني الإمكان فيأثم بتركه وكذا لو تنفل لنفسه ومع ذلك يصح لأن النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره وهو خشية أن لا يدرك الفرض إذ الموت في سنة غير نادر فعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام حج عن نفسك ثم عن شبرمة على الوجوب ومع ذلك لا ينفى الصحة ويحمل ترك الاستفصال في حديث الخثعمية على علمه بأنها حجت عن نفسها أولا وإن لم يرو لنا طريق علمه بذلك جمعا بين الأدلة كلها أعني دليل التضييق عند الإمكان وحديث شبرمة والخثعمية والله سبحانه أعلم & باب الهدي هذا الباب تتعلق به الأبواب السابقة فإن الهدي إما لمتعة أو قران أو إحصار أو جزاء صيد أو كفارة جناية أخرى فأخره عنها لأن معرفة هدى المتعة والقران فرع معرفة المتعة والقران وكذا الباقي والمقصود أنه يتضمن
____________________
(3/160)
حالات تستدعي سبق تصوره مفهومات متعلقاتها وتصديقات ببعض أحكام منها قوله أدناه شاة يفيد أن له أعلى وعندنا أفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم قوله لما روي أنه عليه الصلاة والسلام هذا بهذا اللفظ لا يعرف إلا من كلام عطاء أخرجه الشافعي قال حدثنا مسلم بن خالد الزنجبي عن ابن جريج عن عطاء أنه قال أدنى ما يهراق من الدماء في الحج وغيره شاة وما في البخاري من باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال سألت ابن عباس عن المتعة فأفتاني بها وسألته عن الهدي فقال فيه جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم الحديث فخاص بهدي المتعة قوله إلا في موضعين تقدم ثالث وهو ما إذا طافت امرأة حائضا أو نفساء قوله بعد الوقوف بعرفة يعني قبل الحلق على ما أسلفه من أن الجماع بعده فيه شاة قوله فيما سبق يعني قوله ولأن الجناية أغلظ من الحدث وقوله ولأنه يعني الجماع أعلى أنواع الارتفاقات قوله وقد صح تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه الصلاة والسلام أكل من الكل فإنه قال فيه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت الحديث فارجع إليه ومعلوم أنه كان قارنا وكذا أزواجه على ما رجحه بعضهم وهدي القران لا يستغرق مائة بدنة فعلم أنه أكل من هدي القران والتطوع إلا أنه إنما أكل من هدي التطوع بعد ما صار إلى الحرم أما إذا لم يبلغ بأن عطب أو ذبحه في الطريق فلا يجوز له الأكل منه لأنه في الحرم تتم القربة فيه بالإزاقة وفي غير الحرم لا يحصل به بل بالتصدق فلا بد من التصدق ليحصل المقصود ولو أكل منه أو من غيره مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكله وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك لو أكل لقمة ضمنه كله وليس له بيع شيء من لحوم الهدايا وإن كان مما يجوز له الأكل منه فإن باع شيئا أو أعطى الجزار أجره منه فعليه أن يتصدق بقيمته وحيثما جاز الأكل للمهدي جاز أن يأكل الأغنياء أيضا قوله وكذلك يستحب أن يتصدق على الوجه الذي عرف في الضحايا وهو أن يتصدق بثلثها ويهدي ثلثها وكل دم يجوز له الأكل منه لا يجب عليه
____________________
(3/161)
التصدق بعد الذبح لتمام القربة به وجملة الكلام فيه أن الدماء نوعان ما يجوز لصاحبه الأكل منه وهو دم المتعة والقران والأضحية وهدي التطوع إذا بلغ محله وما لايجوز وهو دم النذر والكفارات والإحصار وكل دم يجوز له الأكل منه لا يجب عليه التصدق به بعد الذبح لأنه لو وجب لبطل حق الفقراء بالأكل وكل دم لا يجوز له أن يأكل منه يجب عليه التصدق به بعد الذبح ولو هلك بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين لأنه لا صنع له في الهلاك وإن استهلكه بعد الذبح فإن كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته للفقراء لتعدية على حقهم وإن كان مما لا يجب لا يضمن شيئا لأنه لم يتعد ولو باع اللحم يجوز له بيعه في النوعين لقيام ملكه إلا أن مالا يجوز له أكله عليه التصدق بثمنه كذا في البدائع قوله وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم روى أصحاب السنن الأربعة عن ناجية الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي وقال له إن عطب فانحره ثم اصبع نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس قال الترمذي حديث حسن صحيح وليس فيه لا تأكل أنت ولا رفقتك وقد أسند الواقدي في أول غزوة الحديبية القصة بطولها وفيها أنه عليه الصلاة والسلام استعمل على هدية ناجية بن جندب الأسلمي وأمره أن يتقدمه بها قال وكانت سبعين بدنة فذكره إلى أن قال وقال ناجية بن جندب عطب معي بعير من الهدي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال انحرها واصبغ قلائدها في دمها ولا تأكل أنت ولا أحد من رفقتك منها شيئا وخل بينها وبين الناس وأخرج مسلم وابن ماجة عن قتادة عن سنان بن مسلم عن ابن عباس أن ذؤيبا الخزاعي أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالبدن معه ثم يقول إن عطب منها شيء فخشيت عليه موتا فانحرها ثم انغمس نعلها في دمها ثم أضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك وأعل بأن قتادة لم يدرك سنانا والحديث معنعن في مسلم وابن ماجة إلا أن مسلما ذكر له شواهد ولم يسم ذؤيبا بل قال إن رجلا وإنما نهى ناجية ومن ذكر عن الأكل لأنهما كانوا أغنياء قال شارح الكنز لا دلالة لحديث ناجية على المدعي لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك فيما عطب منها في الطريق والكلام فيما إذا بلغ الحرم هل يجوز له الأكل منه أو لا أه وقد أوجدنا في هدي التطوع إذا ذبح في الطريق امتناع أكله منه وجوازه بل استحبابه إذا بلغ محله والمعنى الذي ذكره المصنف في أنها دماء كفارات يستقل بالمطلوب قوله ولا يجوز ذبح إلخ الحاصل أن دم النذر والكفارات وهدي التطوع يجوز قبل أيام النحر ولا يجوز دم المتعة والقران والأضحية إلا فيها ودم الإحصار يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف قبلها ولا يجوز عند محمد قوله أما دم المتعة والقران فلقوله تعالى { فكلوا منها } الآية إلى قوله { ثم ليقضوا تفثهم } قد بينا في كون وقت الطواف وقت الذبح ما يفيد مثله وجه كون وقت الذبح وقت
____________________
(3/162)
قضاء التفث فارجع تأمله وأما وجه الاختصاص فطريقه أن ينفي الجواز قبلها وبعدها بالإجماع وما ذكرناه يفيد كونه فيها فيلزم من مجموع ذلك الإختصاص بأيام النحر والمراد الاختصاص من حيث الوجوب على قول أبي حنيفة وإلا لو ذبح بعدها أجزأ إلا أنه تارك للواجب وقبلها لا جزئ بالإجماع وعلى قولهما كذلك في القبلية وكونه فيها هو السنة حتى لو ذبح بعد التحلل بالحلق لا شيء عليه عندهما وعنده عليه دم وتقدم تفصيل ذلك وإذا عرفت هذا فإطلاق عدم الجواز في قوله ولا يجوز ذبح الهدي المتعة والقران إلا في يوم النحر فيه نوع إيهام قوله ويجوز ذبح بقية الهدايا وهي هدي الكفارات والنذر والإحصار على قوله والوجه ظاهر في الكتاب قوله ولا يجوز ذبخ الهدايا إلا في الحرم سواء كان تطوعا أو غيره قال تعالى في جزاء الصيد هدايا بالغ الكعبة فكان أصلا في كل دم وجب كفارة وقال تعالى في دم الإحصار { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وقال في الهدايا مطلقا { ثم محلها إلى البيت العتيق } ولأن الهدي اسم لما يهدي إلى مكان فالإضافة ثابتة في مفهومه وهو الحرم بالإجماع ويجوز الذبح في أي موضع شاء من الحرم ولا يختص بمنى ومن الناس من قال لا يجوز إلا بمنى والصحيح ما قلنا قال عليه الصلاة والسلام كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر رواه أبو داود وابن ماجه من حديث جابر فتحصل أن الدماء قسمان
____________________
(3/163)
ما يختص بالزمان والمكان وما يختص بالمكان فقط قوله ولا يجب التعريف بالهدايا سواء أريد بالتعريف الذهاب بها إلى عرفات أو التشهير بالتقليد والإشعار كل ذلك لا يجب وقوله فعسى أن لايجد ما يمسكه يشير إلى الأول وقوله فيكون مبناه على التشهير إلى الثاني قوله والأفضل الخ أما نحر الإبل فحديث جابر الطويل فيه فنحر ثلاثا وستين بيده الحديث وأما ذبح البقر والغنم ففي الصحيحين عن عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا قالوا ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه وأخرج الستة حديث التضحية بالغنم بما يفيد الذبح ومن قريب سمعت حديث ذبحه عليه الصلاة والسلام للكبشين الأملحين وأما أنه نحر الإبل قياما وأصحابه ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر برجل ينحر بدنة وهي باركة فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم وفيهما أيضا عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ونحن معه إلى أن قال ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع بدانات قياما وأخرج أبو داود عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال وأخبرني عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليدة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمهما وأبعد من قال هذا الحديث مرسل بل هو مسند عن جابر وإن كان ابن جريج قال مرة عن عبد الرحمن بن سابط كما هو في رواية ابن أبي شيبة عنه هذا وإنما سن النبي صلى الله عليه وسلم النحر قياما عملا بظاهر قوله تعالى { فإذا وجبت جنوبها } والوجوب السقوط وتحققه في حال القيام أظهر قوله نيفا وستين ذكرنا آنفا من حديث جابر أنها ثلاث وستون والنيف من واحد إلى ثلاث قوله إلا أن الإنسان عن أبي حنيفة نحرت بدنة قائمة فكدت أهلك
____________________
(3/164)
فئاما من الناس لأنها نفرت فاعتدقت أن لا أنحر الإبل بعد ذلك إلا باركة معقولة وأستعين بمن هو أقوى عليه مني وفي الأصل ولا أحب أن يذبحه يهودي ولا نصراني فإن ذبحه جاز ولا ينبغي أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره كأن يقول اللهم تقبل من فلان لقوله عليه الصلاة والسلام جردوا التسمية ويكفي عن هذا أن ينويه أو يذكره قبل ذكر التسمية ثم يقول باسم الله والله أكبر كذا في المبسوط قوله لقوله عليه الصلاة والسلام لعلي روى الجماعة إلا الترمذي عن علي رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا وفي لفظ وأن أتصدق بجلودها وجلالها ولم يقل فيه البخاري ونحن نعطيه من عندنا وفي لفظ وأمره أن يقسم بدنه كلها لحومها وجلالها وجلودها في المساكين ولا يعطى في جزارتها منها شيئا قال السرقسطي جزارتها بضم الجيم وكسرها فبالكسر المصدر وبالضم اسم لليدين والرجلين والعنق وكان الجزارون يأذخونها في أجرتهم قوله لما روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال له اركبها قال إنها بدنة قال اركبها قال فرأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العطار في شرح العمدة لم نر اسم هذا المبهم وقد اختلف في ركوب البدنة المهداة فعن بعضهم أنه واجب لإطلاق هذا الأمر مع ما فيه من مخالفة سيرة الجاهيلة وهي مجانبة السائبة والوصيلة والحامي وقد ورد هذا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يركب هدية ولم يركبه ولا أمر الناس بركوب هداياهم ومنهم من قال له أن يركبها مطلقا من غير حاجة تمسكا بإطلاق هذا وقال أصحابنا والشافعي رحمهم الله لا يركبها إلا عند الحاجة حملا للأمر المذكور على أنه كان لما رأى عليه الصلاة والسلام من حاجة الرجل إلى ذلك ولا شك أنه في واقعة حال فاحتمل الحاجة به واحتمل عدمها فإن وجد دليل يفيد أحدهما حمل عليه وقد وجد من المعنى ما يفيده وهو أنه جعلها كلها لله تعالى فلا ينبغي أن يصرف منها شيئا لمنفعة نفسه فيجعل محمل تلك الواقعة ثم رأينا اشتراط الحاجة ثابتا بالسنة وهو ما في صحيح مسلم عن أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن ركوب الهدي فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها فالمعنى يفيد منع الركوب مطلقا والسمع ورد بإطلاقه بشطر الحاجة رخصة فيبقى فيما وراءه على المنع الأصلي الذي هو مقتضى المعنى لا بمفهوم الشرط وفي الكافي للحاكم فإن ركبها أو حمل متاعه عليها للضرورة ضمن ما نقصها ذلك يعني إن نقصها شيء من ذلك ضمنه قوله وينضح ضرعها أي يرشه بالماء وهو بكسر الضاد المعجمة من باب ضرب
____________________
(3/165)
قوله لأن القربة تعلقت بهذا المحل وقد فات أورد عليه لم لا يكون كأضحية الفقير فإنها تطوع عليه وإذا اشتراها للتضحية يتعين عليه للوعد ما لا يتعين على الغني حتى إن الغني إذا اشترى أضحية فضلت فاشترى أخرى ثم وجد الأولى في أيام النحر كان له أن يضحي بأيهما شاء ولو كان معسرا فالواجب عليه أن يضحي بهما أجيب بأن ذلك فيما إذا أوجب الفقير بلسانه في كل من الشاتين بعد ما اشتراها للأضحية أما لو لم يوجب بلساته فلا يجب عليه شيء بمجرد الشراء ذكره في النهاية واستوضحه بمسئلة من فتاوي قاضيخان لو اشترى الفقير الأضحية فماتت أو باعها لا تلزمه أخرى وكذا لو ضلت واعلم أن معنى الإيراد أنهم ذكروا في غير موضع مسئلة أضحية الفقير مطلقة عن الإيجاب بلسانه فردها إلى التقييد به لازم وإلا لم يكن له معنى لظهور عدم الوجوب بلا إيجاب من الشرع أو العبد ولو كانت هذه البدنة عن واجب كان عليه أن يقيم غيرها مقامها لأن الواجب كان في ذمته شاة غير معينة وبشراء شاة للإسقاط لا تتعين عن ذلك الواجب ما لم تذبح عنه والذمة ما عنه يثبت في الآدمي أهلية الإيجاب والاستيجاب قوله وإن أصابه عيب كبير بأن ذهب أكثر من ثلث الأذن مثلا على قول أبي حنيفة وعلى قول أبي يوسف ومحمد إذا ذهب أكثر من النصف على ما يعرف في كتاب الأضحية إن شاء الله تعالى قوله وإذا عطبت البدنة أي قربت من العطب حتى خيف عليها الموت أو امتنع عليها السير لأن النحر بعد حقيقة الهلاك لا يكون والحاصل أن المراد بالعطب الأول حقيقته وبالثاني القرب منه ذكره لبيان ما شرع فيه إذا بلغ هذه الحالة قوله وبذلك أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام تقدم قريبا قوله وفائدة ذلك أي فائدة صبغ نعلها
____________________
(3/166)
بدمها وضرب صفحتها به ليعلم أنه هدي قوله جزرا للسباع الجزر بفتحتين اللحم الذي تأكله السباع قال الشاعر ** وتركته جزر السباع ينشئه ** ** ما بين قلة رأسه والمعصم ** وقال آخر ** إن يفعلا فلقد تركت أباهما ** ** جزر الحامعة ونسر قشعم ** تكملة صفحة
قوله وصنع بها ما شاء من بيع وغيره قوله ودم الإحصار جابر فيلحق بجنسها أي بجنس الدماء الجابرة وهي دماء الجنايات فلا يقلدها هدي الإحصار كما لا يقلد هدي الجنايات قوله ومراده يعني أن قوله يقلد هدي التطوع والمتعة والقران عام أريد به الخصوص وهو البدنة فيدخل البقر دون الشاء قوله على ما تقدم يريد ما ذكره قبل باب القران من قوله وتقليد الشاة غير معتاد ولم يذكر هناك عدم الفائدة التي هي عدم الضياع فإن الغنم تضيع إذا لم يكن معها صاحبها
فروع من ظاهر الرواية من الأصل مشروحة في المبسوط كل من وجب عليه دم من المناسك جاز له أن يشارك ستة نفر قد وجب الدماء عليهم وإن اختلفت أجناسها من دم المتعة وإحصار وجزاء وصيد وغير ذلك ولو كان الكل من جنس واحد كان أحب إلي فإن اشترى بدنة لمتعة مثلا ثم اشترك فيها ستة بعد ما أوجبهما لنفسه خاصة لا يسعه ذلك لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا عليه قدر ما يجزي في هدي المتعة كان واجبا عليه وما زاد على ذلك وجب بإيجابه وليس له أن يبيع شيئا مما أوجبه هدايا فإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن وإن كان نوى أن يشترك معه فيها ستة نفر أجزأته لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء فإن لم تكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى أشرك الستة جاز والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة في الابتداء وإذا ولدت البنة بعد ما اشتراها لهدية ذبح ولدها معها لأنه جعلها لله تعالى خالصة والولد جزء منها ثم انفصل بعدما سرى إليه حق الله تعالى فعليه أن يذبحه معها ولو باع الولد فعليه قيمته فإن اشترى بها هدايا فحسن وإن تصدق بها فحسن اعتبارا للقيمة بالولد فإن الأفضل أن يذبح ولو تصدق به كذلك أجزأ فكذلك بالقيمة وإذا مات أحد الشركاء فرضي وارثه أن ينحرها معهم عن الميت أجزأهم استحسانا
____________________
(3/167)
وفي القياس لا يجزيهم لأن الميت لم يوص به فقد انقطع حق القربة عن نصيبه فصار ميراثا وهذا التقريب تقرب بطريق الإئتلاف وذلك لا يجوز عن الميت إلا بأمره كالعتق ولكنه استحسن فقال يجوز لأن المقصود هو التصدق وتقرب الوارث بالتصدق عن الميت صحيح بلا إيصاء فكذا تقربه بإبقاء ما قصد المورث بنصيبه بإراقة الدم والتصدق به يكون صحيحا ولو كان أحد الشركاء كافرا أو مسلما يريد به اللحم دون الهدي لم يجزهم لأن الإراقة واحدة فلا يتصور أن يجتمع فيها القربة وعدمها وأي الشركاء نحرها يوم النحر أجزأ عن الكل وإذا غلط رجلان فذبح كل منهما هدي صاحبه أجزأهما استحسانا لا في القياس لأن كلا غير مأمور من جهة الآخر فصار ضامنا لكنه استحسن فقال كل مأذون فيما صنع دلالة لأن صاحب الهدي يستعين بكل أحد عادة فكان كالإفصاح بالإذن ويأخذ كل منهما هدية من صاحبه وعن أبي يوسف كل منهما بالخيار بين أن يأخذ من صاحبه هدية وبين أن يضمنه فيشتري بالقيمة هدايا آخر يذبحه في أيام النحر وإن كان بعدها تصدق بالقيمة وجميع ما ذكرناه في الهدي مثله في الأضحية ومن اشترى هديا فضل فاشترى مكانه آخر وأوجبه ثم وجد الأول فإن نحرهما فهو أفضل وإن نحر الأول وباع الثاني جاز لأن الثاني لم يكن واجبا عليه وإن باع الأول وذبح الثاني أجزأه إلا أن تكون قيمة الأول أكثر فيتصدق بالفضل وهدي المتعة والتطوع في هذا سواء لأنهما صارا لله تعالى إذ جعلهما هديا في الوجهين جميعا وإن ساق بدنه لا ينوي بها الهدي قال إن كان ساقها إلى مكة فهي هدي وأراد بهذا إذا قلدها وساقها لأن هذا لا يفعل عادة إلا بالهدي فكان سوقها بعد إظهار علامة الهدي عليها بمنزلة جعله إياها بلسايه هديا مسائل منثورة
من عادة المصنفين أن يذكروا عقيب الأبواب ماشذ منها من المسائل فتصير مسائل من أبواب متفرقة فترجم تارة بمسائل منثورة وتارة بمسائل شتى قوله وشهد قوم صورتها أن يشهدوا أنهم رأوا هلال ذي الحجة في ليلة
____________________
(3/168)
كذا اليوم يكون يوم الوقوف منه العاشر وذكر للاستحسان أوجها أحدها أنها قامت على النفي أي نفي جواز الوقوف وما لا يدخل تحت الحكم وليس هذا بشيء لأنها قامت على الإثبات حقيقة وهو رؤية الهلال في ليلة قبل رؤية وقوف الموقف ثم هو يستلزم عدم جواز وقوفهم ولا حاجة إلى الحكم بل الفتوى تفيد عدم سقوط الفرض فيخاطب به وعدم سقوطه هو المراد ههنا وصار كما لو رآه أهل الموقف كذلك ثم أخروا الوقوف ثانيها أن شهادتهم مقبولة لما ذكرنا لكن لا يستلزم عدم صحة الوقوف لعدم وقوعه في وقته بل قد وقع في وقته شرعا وهو اليوم الذي وقفت فيه الناس على اعتقادهم أنه التاسع لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وعرفة يوم تعرفون وأضحاكم يوم تضحون أي أن وقت الوقوف بعرفة عند الله تعالى اليوم الذي يقف فيه الناس عن اجتهاد ورأى أنه يوم عرفة ثالثها أنها مقبولة لكن وقوفهم جائز لأن هذا النوع من الإشتباه مما يغلب ولا يمكن التحرز عنه فلو لم يحكم بالجواز بعد الاجتهاد لزم الحرج الشديد وقد نفاه بفضله الغني عن العالمين وهذا الوجه يصلح بيانا بالحكمة الدليل السمعي المذكور فيما قبله وإذا كانت هذه الشهادة لا يترتب عليها عدم صحة الوقوف فلا فائدة في سماعها للإمام فلا يسمعها لأن سماعها يشهرها بين عامة الناس من أهل الموقف فيكثر القيل والقال فيها وتثور الفتنة وتتكدر قلوب المسلمين بالشك في صحة حجهم بعد طول عنائهم فإذا جاءوا ليشهدوا يقول لهم انصرفوا لا نسمع هذه الشهادة قد تم حج الناس وهل يجوز وقوف الشهود روى هشام عن محمد أنه يجوز وقوفهم وحجهم قال محمد رحمه الله وإذا كان من رأى الهلال وقف يوم عرفة يعني في اليوم الذي شهد لم يجز وقوفه وعليه أن يعيد الوقوف مع الإمام لأن يوم النحر جاز أن يكون يوم الحج في حق الجماعة ووقت الوقوف لا يجوز أن يختلف فيه فلا يعتد بما فعله بانفراده وكذا إذا أخر الإمام الوقوف لمعنى يسوغ فيه الاجتهاد لم يجز وقوف من وقف قبله فإن شهد شاهدان بهلال ذي الحجة فردت شاهدتهما لأنه لا علة بالسماء فوقف بشهادتهما قوم قبل الإمام لم يجز وقوفهم لأن أخره بسبب يجوز العمل عليه في الشرع فصار كما لو أخره للاشتباه قوله بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية لأن التدارك ممكن يعني إذا ظهر لهم خطؤهم والكلام في تصوير ذلك ولا شك أن وقوفهم يوم التروية على أنه التاسع لا يعارضه شهادة من شهد أنه الثامن لأن اعتقاده أنه الثامن إنما يكون بناء على أن أول ذي الحجة ثبت بإكمال عدة ذي القعدة واعتقاده التاسع بناء على أنه رئى
____________________
(3/169)
قبل الثلاثين من ذي القعدة فهذه شهادة على الإثبات والقائلون إنه الثامن حاصل ما عندهم نفي محض وهو أنهم لم يروا ليلة الثلاثين من ذي القعدة ورآه الذين شهدوا فهي شهادة مقبولة لا معارض لها قوله وكذا إذا شهدوا عشية عرفة بأن شهدوا في الليلة التي هم بها في منى متوجهين إلى عرفات أن اليوم الذي خرجنا به من مكة المسمى بيوم التروية كان التاسع لا الثامن ولا يمكنه الوقوف بأن يسير إلى عرفات في تلك الليلة ليقف ليلة النحر بالناس أو أكثرهم لم يعمل بها ويقف من الغد بعد الزوال لأنهم وإن شهدوا عشية عرفة لكن لما تعذر الوقوف فيما بقي من الليل صار كشهادتهم بعد الوقت وإن كان الإمام يمكنه الوقوف الوقوف في الليل مع الناس أو أكثرهم ولا يدركه ضعفة الناس لزمه الوقوف ثانيا فإن لم يقف فات حجة لترك الوقوف في وقته مع القدرة عليه قوله ولنا أن كل جمرة قربة مقصوده بنفسها فلا يتعلق جواز رمي إحدهما برمي أخرى هذا هو الأصل في القرب المتساوية الرتب ولولا ورود النص في في قضاء الفوائت بالترتيب قلنا لا يلزم فيها أيضا بخلاف ترتيب السعي على الطواف لأنه اعتبر تبعا حتى لا يشرع إلا عقيب طواف وبخلاف المروة فإن البداءة من الصفا قد ثبتت
____________________
(3/170)
بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم ابدءوا بما بدأ الله به بصيغة الأمر على ما قدمناه من تخريجه فالترتيب الواقع فعلا منه صلى الله عليه وسلم محمول على السنة إذ مجرد الفعل لا يفيد أكثر من ذلك وقد تضمن هذا التقرير منع ما قيل من قبل الشافعي إن رمي الجمار قربة واحدة بدليل لزوم دم واحد في ترك كلها قلنا إقامتها في أماكن مختلفة ظاهر في التعدد فيجب البقاء معه حتى يوجب الخروج عنه موجب وتماثل الأعمال لا يوجبه بل هي أولى بالتعدد من الأسابيع المتعددة من الطواف لأنه تقام في محل واحد واتحاد الدم ليس للوحدة الحقيقية شرعا بل يثبت مع التعدد عند اتحاد الجنس في الجنايات رحمة وفضلا على ما عرف في شرب الخمر وزنا غير المحصن مرارا إذا ثبتت كلها يلزم موجب واحد فكذا الدم لأن لزومه موجب الجناية ولو سلم اعتبارها واحدة في حق حكم لا يلزم اعتبارها كذلك في حق كل حكم مع قيام التعدد الحقيقي بل في خصوص ذلك المحل هذا مع أن المعقول في محل اعتبارها واحدة وهو موضع الجناية الحكم بتداخلها فضلا وهو منتف في ترك الترتيب قوله ومن جعل على نفسه أن يحج ماشيا فإنه لايركب حتى يطوف طواف الزيارة وهذا لأنه التزم القربة بصفة الكمال فتلزمه بتلك الصفة كالتزام التتابع في الصوم وفي الأصل خيره بين أن يركب وبين أن يمشي وهذا أعنى ما في الجامع وهو قوله لا يركب حتى يطوف إشارة إلى الوجوب وهو الظاهر لما قلنا وإنما انتهى المشي بالطواف لأنه منتهى أعمال الحج فإن قيل فقد كره أبو حنيفة الحج ماشيا فكيف يكون صفة كمال قلنا إنما كرهه إذا كان مظنه سوء خلق الفاعل له كأن يكون صائما مع المشي أو ممن لا يطيق المشي فيكون سببا للمأثم من مجادلة الرفيق والخصومة وإلا فلا شك أن المشي أفضل في نفسه لأنه أقرب إلى التواضع والتذلل وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لما كف بصره ما أسفت على شيء كأسفي على أن لم أحج ماشيا فإن الله تعالى قدم المشاة فقال تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من حج ماشيا كتب له بكل خطوة
____________________
(3/171)
حسنة من حسنات الحرم قيل ما حسنات الحرم قال كل حسنة بسبعمائة لا يقال لا نظير للمشي في الواجبات ومن شرط صحة النذر أن يكون من جنس المنذور واجب على ما ذكرته في كتاب الصوم لأنا نقول بل له نظير وهو مشي المكي الذي لا يجد الراحلة وهو قادر على المشي فإنه يجب عليه أن يحج ماشيا ونفس الطواف أيضا ثم اختلف المشايخ في محل ابتداء وجوب المشي لأن محمدا لم يذكره قيل من الميقات والأصح أنه من بيته لأنه المراد عرفا ويدل عليه من الرواية ما عن أبي حنية لو أن بغداديا قال إن كلمت فلانا فعلي أن أحج ماشيا فلقيه بالكوفة فكلمه فعليه أن يمشي من بغداد ولو أحرم من بيته فالاتفاق على أنه يمشي من بيته وقد عرف من هذا أن لا فرق في الوجوب بين أن ينجز النذر أو يعلقه كإن شفي الله مريضي أو قدم زيد فعلى حجة أوعمرة ولا فرق بين قوله لله على أو علي حجة في الإيجاب ولو قال على المشي إلى بيت الله ولم يذكر حجة ولا عمرة فحنث فعليه أحد النسكين حجة أو عمرة استحسانا وفي القياس لا شيء عليه وجه الاستحسان أنه قد تعورف إيجاب النسك بهذا اللفظ فكان كقوله على أحد النسكين فإن جعلها حجة مشى فلم يركب يطوف أو عمرة مشى حتى يحلق ولو قرنها بحجة الإسلام جاز فإن ركب فعليه دم مع دم القران لأنه ترك واجبا ولو نذر حجة ماشيا ثم أحرم من الميقات بعمرة تطوعا ثم أضاف إليها الحجة أجزأه ما لم يطف لعمرته وهو قارن ولو أحرم بعد ما طاف لعمرته لم يجز وعليه دم وكل من نذر وقال إن شاء الله تعالى متصلا لم يلزمه شيء
وأعلم أن مقتضى الأصل أن لا يخرج عن عهدة النذر إذا ركب كما لو نذر الصوم متتابعا فقطع التتابع ولكن ثبت ذلك في الحج نصا فوجب العمل به وهو ما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى البيت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا رواه أبو داود وسنده حجة وما في رواية مسلم أنه قال صلى الله عليه وسلم فيها لتمش ولتركب ولم يزد في هذه الرواية على ذلك فمحمول على ذكر بعض المروى بدليل ما ضرحت به الرواية الأخرى ثم إطلاق الركوب في الروايتين محمول على علمه بعجزها عن المشي بدليل ما في الرواية الأخرى لأبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق المشي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة إلا أنه عمل إطلاق الهدي من غير تعيين بدنة لقوة روايتها وإذا عرف أن إيجاب النسك بنذر المشي إلى بيت الله تعالى لتعارف إرادة ذلك عرف أنه مقيد بما إذا لم تكن له نية غيره فلو نوى به المشي إلى مسجد المدينة المكرمة أو مسجد بيت المقدس أو مسجد غيرهما لم يلزمه شيء أما صحة نيته فلمطابقتها للفظه إذ المساجد كلها بيوت الله تعالى وإذا صحت لم يلزمه شيء لأن سائر المساجد يجوز الدخول فيها بلا إحرام فلا يصير به ملتزما للإحرام وقوله على المشي إلى مكة أو الكعبة فهو كقوله إلى بيت الله ولو قال على المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام لاشيء عليه عند أبي حنيفة لعدم العرف في التزام النسك به وقالا يلزمه النسك أخذا بالاحتياط لأنه لا يتوصل إلى الحرم ولا المسجد الحرام إلا بالإحرام فكان بذلك ملتزما للإحرام كذا في المبسوط وقوله أوجه إن لم يكن عرف فإن الإلتزام للنسك بهذا اللفظ ليس مدلولا وضعيا بل عرفيا فكون التوصل في الخارج بالفعل إلى المسجد الحرام إلى بالإحرام لا يوجب أن نفس اللفظ يفيده إذا تأملت قليلا وأما كون التوصل إلى الحرام أيضا
____________________
(3/172)
يستدعي الإحرام فليس بصحيح لأنه لو لم ينو الآفاقي إلا مكانا في الحرم لحاجة أو لا جاز له الوصول إليه بلا إحرام واتفقوا على أن لا لزوم لو قال إلى الصفا أو المروة أو مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أنه لا يتوصل إليها بالفعل إلا بالإحرام شرعا فعرف أن المدار تعارف الإيجاب باللفظ الخاص وكذا لو قال مكان المشي غيره والباقي بحاله لا يلزم كقوله علي الذهاب إلى بيت الله أو الخروج أو السفر لا شيء عليه بخلاف قوله الله علي أو علي إحرام حيث يلزم أحد النسكين وإن لم يتعارف الإيجاب به لإفادته التزام الإحرام وضعا وكذا إذا قال علي الركوب أو الإتيان لا شيء فيه وكذا الشد والهرولة وكذا لو قال علي المشي إلى أستار الكعبة أو بابها أو ميزابها أو عرفات أو مزدلفة أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم تعارف إيجاب النسك به وفي موضع إلى الحجر الأسود إلى مقام إبراهيم إلى الركن يلزمه وإلى أسطوانة البيت أو زمزم لم يلزمه وما قدمناه آنفا في مقام إبراهيم من عدم اللزوم مذكور في المبسوط ولو قال علي نصف حجة عند محمد وعن أبي يوسف فيه روايتان وفي المبسوط لو قال إن فعلت كذا فأنا أحرم فإن نوى به العدة فلا شيء عليه أو الإيجاب لزمه إذا فعل ذلك حجة أو عمرة وإن لم يكن له نية فالقياس أن لا يلزمه شيء وفي الإستحسان يلزمه للعرف في إرادة التحقيق لمثله للحال كقول المؤذن والشاهد أشهد ومثله ما ذكر فيه لو قال أنا أمشي إلى بيت الله إن نوى العدة لا شيء عليه ولكن يندب الوفاء بالوعد وإن نوى النذر كان نذرا وكذا إذا لم يكن له نية فهو نذر للعادة أه وهذا يتوقف على ثبوت العرف في النذر بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم وفي الخلاصة لو قال أنا أحج لا حج عليه ولو قال إن دخلت فأنا أحج يلزمه عند الشرط كأنه علقه لأن تعارف الإيجاب به إنما هو في التعليق ولو قال إن عافاني الله تعالى من مرضي هذا فعلي حجة فبرأ لزمته فإذا حج جاز ذلك عن حجة الإسلام إلا أن ينوي غيرها لأن الغالب أن يريد به المريض الذي فرط في الفرض حتى مرض ذلك وفي بعض الكتب فرق بين قوله فعلي حجة حيث يلزمه حجة سوى حجة الإسلام إلا أن يعني به ما وجب عليه وبين قوله فعلي أن أحج حيث يجزى عن حجة الإسلام إلا أن ينوي غيرها وما ذكرناه قبل في الخلاصة ومنهم من حكى خلافا في مثله بينهما قال ألتزم حجة ثم حج من عامه حجة الإسلام سقط عنه ما التزم عند أبي يوسف خلافا لمحمد ومن نذر مائة حجة ونحوها اختلفوا فيه هل تلزمه كلها فيلزمه الإيصاء بها أو يلزمه قدر ما عاش ففي الخلاصة نص على لزوم الكل وذكر غيره عن أبي يوسف ومحمد الثاني واختاره السروجي وقبله شداد ألحق بما لو قال علي أن أحج سنة عشرين فمات قبلها لا يلزمه شيء وقد يعكر عليه ما عن أبي يوسف لو قال لله علي أن أحج وذلك في غير أشهر الحج فمات قبل أشهر الحج لزمته حجة والحق أن لزوم الكل للفرق بين الالتزام ابتداء وإضافته ولو قال عشر حجج في هذه السنة لزمه عشر في عشر سنين ومن قال ثلاثين حجة ونحوها فأحج عنه ثلاثين رجلا في سنة جاز وكلما عاش الناذر بعد ذلك سنة بطلت منها حجة فعليه أن يحجها بنفسه لأنه قدر عليها بنفسه فظهر عدم صحة إحجاجها فإن لم يحج لزمه الإيصاء بقدر ما عاش من بعد الإحجاج ومن نذر أن يحج في سنة كذا فحج قبلها جاز عند أبي يوسف خلافا لمحمد وقول أبي يوسف أقيس بما قدمناه في نذر الصوم فارجع إليه ولا بد من نية المنذور إن لم يكن قصده حجة الإسلام على ما ذكرناه في نذر المريض وما في المنتفى نذر أن يحج
____________________
(3/173)
فحج ولا نية له فهو تطوع عن أبي يوسف وقال هشام عن حجة الإسلام لا يستلزم خلافا إذ لا خلاف في تأدي فرض الحج بإطلاق النية عندنا وما عن أبي يوسف فيما إذا لم يكن عليه حجة الإسلام وما عن هشام فيما إذا كان عليه بالضرورة فقد اتفقا على أن لا يتصرف إلى المنذور بلا نية ومن قال إن كلمت فلانا فعلي حجة يوم أكلمه فكلمه لا يصير محرما بل لزمته يفعلها متى شاء كما لو قال علي حجة اليوم إنما تلزمه في ذمته يحرم بها متى شاء ولو قال لرجل علي حجة إن شئت فقال شئت لزمته وكذا إن شاء فلان فشاء وهل تقتصر مشيئة فلان على مجلس بلوغه ذلك الخبر اختلفت فيه والأصح أن لا تقتصر بخلاف تعليق الطلاق بمشيئه لأن الطلاق يقبل التمليك إذا كان مملوكا للحالف فكان تمليكا من ذي المشيئة فاستدعى جوابه في المجلس لأن التمليكات تتسدعي جوابا في المجلس وليس ما نحن فيه من ذلك فانتفى موجب الاقتصار عليه ومن قال إن فعلت كذا فعلي أن أحج بفلان فإن نوى أحج وهو معي فعليه أن يحج وليس عليه أن يحج به وإن نوى أن يحجه فعليه أن يحجه لأن الباء للإلصاق فقد ألصق فلانا بحجه وهذا يحتمل معنيين أن يحج فلان معه في الطريق وأن يعطي فلانا ما يحج به من المال والتزام الأول بالنذر غير صحيح والثاني صحيح لأن الحج يؤدي بالمال عند اليأس من الأداء فكان هذا في حكم البدل وحكم البدل حكم الأصل فيصح التزامه بالبدل كما يصح التزامه بالأصل فإذا نوى الوجه الأول عملت نيته لاحتمال كلامه ولكن المنوي لا يصح التزامه بالنذر فلا يلزمه شيء وإنما عليه أن يحج بنفسه خاصة وإن نوى الثاني لزمه فإما أن يعطيه من المال ما يحج به أو يحجه مع نفسه ليحصل الوفاء بالنذر فإن لم يكن له نية أصلا فعليه أن يحج وليس عليه أن يحج فلانا لأن لفظه في حق فلان يحتمل الوجوب وعدمه والمعين للوجوب فيه ليس إلا النية وقد فقدت ولو كان قال فعلي أن أحج فلانا فهذا محكم والنذر به صحيح ومن نذر أن يطوف زحفا فطاف كذلك قيل لا يلزمه شيء كما لو نذر أن يصلي قاعدا وقيل عليه الإعادة فإن رجع قبل أن يعيد فعليه دم وهذا أوجه لأن الصلاة عهد شرعيتها قائما وقاعدا فعلا في الاختبار فاتزامها قاعدا التزام أحد صنفيها بخلاف الطواف النقل فالتزامه حالة القدرة على المشي كالتزام الصلاة إيماء حالة القدرة على الركوع والسجود وسنذكر خاتمة في نذر الهدي والمجاورة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(3/174)
تسليما قوله ومن باع جارية محرمة قد أذن لها الخ الأصل أن العبد والأمة إذا أحرم أحدهما بغير إذن المولي فله أن يمنعه ويحلله بلا هدي وذلك بأن يصنع به أدنى ما يحرم عليه بالإحرام كقلم ظفره ونحوه وعليه بعد العتق هدي الإحصار وحجة وعمرة إن كان الإحرام بحجة وإن أحرم بإذن الولى كره له تحليله ولو حلله حل ولو أحصر فعلى المولى أن يبعث دم الإحصار ويتحلل لأن وجب عن إحرام مأذون فيه فكان كالنفقة عليه وقد قدمنا فيه خلافا في باب الإحصار وإذا أحرم العبد أو الأمة بإذن المولى ثم باعهما نفذ البيع وللمشتري منعهما وتحليلهما وليس له الرد بالعيب خلافا لزفر قال ليس له ذلك فله الرد بالعيب وعلى هذا الخلاف إذا أحرمت الحرة بحج نفل ثم تزوجت فللزوج أو يحللها عندنا خلافا له وجه قوله ما ذكره المصنف بقوله لأن هذا عقد سبق ملكه بنصب ملكه مفعولا لسبق أي سبق وجوده ملك المشتري فليس له أن ينقضه كما إذا اشترى جارية منكوحة ليس له أن يفسخ نكاحها لهذا المعنى بعينه فكذا هذا قلنا المشتري في ملك الرقبة قائم مقام البائع ولم يكن للبائع ولاية إبطال النكاح وله التحليل وإن كره فكذا المشتري إلا أنه لا كراهة على المشتري لأنها في حق البائع بمكان خلف الوعد وهو منتف في المشتري ثم في أصل المسئلة خلاف الشافعي فعنده ليس للسيد التحليل بعد الإذن واتفقنا على أن ليس للزوج تحليل الزوجة إذا أحرمت بنفل بإذنه وإنما له ذلك إذا أحرمت بلا إذن فقاس الشافعي على ذلك بجامع الإذن فيسقط حقه وقياسا على إبطال عمل نفسه بجامع الرضا بواسطة الإذن هنا ونحن نمنع عمل الإذن في السقوط مطلقا بل إن كان الثابت مجرد حق كما في الزوجة فإنه لا يملك منافعها وإنما له حق فيها فيسقط بالإذن أما إن كان الثابت حقيقة الملك فلا إذ لا شك في أن الملك لا يسقط به وإنما عمله في التبرع
____________________
(3/175)
بمنافعه وذلك لا يلزم دائما في المستقبل بل عمله في رفع المخالفة والمشاققة فيما أتاه فمتى نهاه كان ذلك منتهي عمل الإذن لما قلنا إنه لم يعمل في دوام السقوط في المستقبل وصار كالإذن في استخدام العبد لغيره وكتبوئها مع الزوج له فيهما الرد إلى الاستخدام والمنع مما أذن فيه وهذا لأنه لا دليل على أنه جل جلاله أسقط الملك وآثاره بالإذن بالإحرام فبقي على ما عهد له من اللوازم بل عهد أنه جل ذكره قدم حق العبد على حقه عند التعارض لفقرة وغني العزيز العظيم هذا وإذا أحرمت الحرة بالفرض فليس له أن يحللها إن كان لها محرم عندنا فإن لم يكن لها فله منعها فإن أحرمت فهي محصرة لحق الشرع فلذا إذا أراد الزوج تحليلها فإنها لا تتحلل إلا بالهدي بخلاف ما لو أحرمت بنفل بلا إذن فله أن يحللها ولا يتأخر تحليله إياها إلى ذبح الهدي بل يحللها من ساعته وعليها هدي لتعجيل الإحلال وحجة وعمرة لأن هناك لاحق للزوج في منعها لو وجدت محرما وإنما تعذر عليها الخروج لفقد المحرم شرعا فلا تتحلل إلا بالهدي وهنا قد تعذر الخروج لحق الزوج فكما لا يكون لها أن تبطل حقه ليس لها أيضا أن تؤخره كذا في باب الإحصار من المبسوط والتحليل أن ينهاها ويفعل بها أدنى ما يحرم بالإحرام كقص ظفر وتقبيل أو معانقة وهو أولى من التحليل بالجماع لأنه أعظم محظورات الإحرام حتى تعلق به الفساد فلا يفعله تعظيما لأمر الحج ولا يقع التحليل بقوله حللتك بل بفعله أو بفعلها بأمره كالامتشاط بأمره لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة امتشطي وارفضي عمرتك حين حاضت في العمرة ولو جامع زوجته أو أمته المحرمة ولا يعلم بإحرامها لم يكن تحليلا وفسد حجها وإن علمه كان تحليلا ولو حللها ثم بدا له أن يأذن لها فأذن فأحرمت بالحج ولو بعد ما جامعها من عامها ذلك لم يكن عليها عمرة ولا نية القضاء ولو أذن لها بعد مضي السنة كان عليها عمرة مع الحج وقال زفر عليها العمرة فيهما ونية القضاء لأنهما تقررا في ذمتها برفض الحج فلا تخرج عن عهدتهما إلا بهما مع نية القضاء فلو لم تنو لم تخرج عن العهدة وفي هذا لا فرق بين عام الإحلال والعام القابل قلنا إن لزمه مثلها وهو القضاء لأنه أداء مثل الواجب وذلك لا يتحقق إلا بعد خروج الوقت وصار كما إذا شرع في صلاة في وقتها ثم قطعها فيه ثم أداها فيه أيضا وإذا كان اللزوم ما لم تتحول السنة عين الواجب لم تلزمه عمرة ولا التحللات تلك الحجة الواحدة ولو لم تحج بعد التحليلات إلا من قابل كان عليها لكل تحليل عمرة هذا وقدمنا في باب الإحصار أنه إذا كان الإحصار في حجة الإسلام لا ينوي القضاء ولو تحولت السنة لأنها باقية في ذمته ما لم يؤدها ولم يخرج الوقت لتصير قضاء لأن وقتها العمر والتضيق في أول سني الإمكان لا ينفيه لما حققنا في أول كتاب الحج من أن ذلك وجوب احتياط لا افتراض وقد أجمعوا أن بالأداء بعد التأخير بلا عذر وتحمل الإثم يقع أداء وإذا أذن لأمته المتزوجة في الحج فليس لزوجها منعها لأن منافعها للسيد
وهذه الخاتمة الموعودة وفيها ثلاثة مقاصد
المقصد الأول في إيجاب الهدي وما يتبعه يثبت لزوم الهدي بنذره تنجيزا وتعليقا ولا فرق بين قوله لله علي أو على هدي لأنه لا يكون إلا لله ولا يلزم إلا فيما يملك فلو قال إن فعلت كذا فهذا هدي لغير مملوك
____________________
(3/176)
له ففعل لا شيء عليه إلا أن يكون ذلك المشار إليه ابنه ففيه القياس والاستحسان على ما سنذكر في نذر ذبح الولد وكذا لو قال ذلك لمملوك له فباعه ثم فعل ولو قال فهذا حر يوم أشتريه ففعل ثم اشتراه عتق ولو اشتراه قبل الفعل ثم فعل لا يعتق ولو قال إن فعلت فأنا أهدي كذا لزمه إذا فعل ويلزمه من إطلاق لفظ الهدي أمران جواز ما يجزي في الأضحية من الشاة الضأن أو المعز أو الإبل أو البقر إلا أن ينوي بعيرا أو بقرة فيلزمه ذلك وأن لا يذبح إلا في الحرم فإن كان في أيام النحر فالسنة ذبحه بمنى وإلا ففي مكة وله أن يذبحه حيث شاء من أرض الحرم ولو قال علي أن أهدي جزورا تعين الأبل والحرم ولو قال جزور فقط جاز في غير الحرم كمصر والشأم لأنه لم يذكر الهدي ولو قال بدنة فقط جاز البقرة والبعير حيث شاء إلا أن ينوي معينا من البدن وعن أبي يوسف يتعين الحرم فرق بينه وبين الجزور بأن اسم البدن لا يذكر في مشهور الاستعمال إلا في معنى المهداة ولو صرح بالهدي يتعين الحرم فكذا البدنة وظاهر المذهب خلافه إلا أن يزيد فيقول بدنة من شائر الله ويمنع أن فيه نقلا شرعيا أو عرفيا بل كل منهما مشترك فيها وإذا ذبح الهدي في الحرم يتصدق به على مساكين الحرم وإن تصدق به على غيرهم أيضا جاز لأن معنى اسم الهدي لا يعين فقراء محل أصلا بل إنما ينبئ عن النقل إلى مكان وذلك هو الحرم إجماعا فتعين الحرم إنما هو لإفادة مأخذ اسم النقل ثم تعين المكان بالكتاب والإجماع فتعيين فقراء الحرم قول بلا دليل وهذا لأن القربة بالإهداء تتم بالنقل إلى الحرم والذبح به تعظيما له ولذا لو سرق لم يلزمه غيره وبذلك انتهى مدلوله ويصير لحما وجه القربة فيه شيء آخر هو التصدق وفي هذا مساكين الحرم وغيرهم سواء وهل يجوز التصدق بالقيمة في الحرم في نذر الهدي كأن يقول هذه الشاة هدي في رواية أبي سليمان يجوز أن يهدي قيمتها وفي رواية أبي حفص لا يجوز وجه الأولى اعتبار النذر بما أمر الله جل ذكره به من الغنم والإبل في الزكاة وجه رواية أبي حفص أن في اسم الهدي زيادة على مجرد اسم الشاة وهو الذبح فالقربة فيه تتعلق بالذبح ثم التصدق بعد ذلك تبع بخلاف الزكاة فإن القربة إنما تتعلق في الشاة بالصدقة وهو ثابت في القيمة فيجوز وليس الذبح ثابتا في قيمة الهدي فلا يجوز وهذا حسن ومن نذر شاة فأهدي مكانها جزورا فقد أحسن وليس هذا من القيمة لثبوت الإراقة في البدن الأعلى كالأصل وقالوا إذا قال لله علي أن أهدي شاتين فأهدي شاة تساوي شاتين قيمة لم يجزه فلو عين الهدي مما لا يذبح فما يقبل النقل كالعبيد والقدور والثياب فقال إن فعلت فثوبي هذا هدي أو هذا القدر هدي أو هذا العبد جاز إهداء قيمته إلى مكة أو عينه ويجوز أن يعطي لحجبة البيت إذا كانوا فقراء وإن تصدق به أو بقيمته في غير مكة كالكوفة ومصر جاز لأن معنى القربة في الأمتعة ليس إلا التصدق وهو في حق أهل مكة وغيرهم سواء بخلاف الهدي بما يشرع ذبحه لأن معنى القربة فيه بالإراقة ولم تعرف قربة إلا في الحرم فيتعين الحرم وغاية ما فيه أنه نذر التصدق في مكان فتصدق في غيره وذلك جائز عندنا لأن النذر بما هو قربة والقربة إنما هي بالتصدق فينعقد النذر مجرد التصدق وإن كان مما لا ينقل كالدار والأرض تتعين القيمة إذا أراد الإيصال إلى مكة وقوله فهذه الشاة هدي إلى البيت
____________________
(3/177)
أو مكة أو الكعبة موجب ولو قال إلى الحرم أو المسجد الحرام على الخلاف في التزام المشي إلى الحرم والمسجد الحرام عندهما موجب وعند أبي حنيفة لا وقوله هدي إلى الصفا والمروة لا يجب اتفاقا على ما سبق في المشي فإن قيل ينبغي أن يلزم هنا على قوله أيضا لأن مجرد ذكر الهدي موجب فزيادة ذكر الحرم لا ترفع الوجوب بعد الثبوت بخلاف المشي إلى الحرم لأن مجرد قوله على المشي غير موجب بل مع ما يمشي إليه أجيب بأن اسم الهدي إنما يوجب باعتبار ذكر مكة مضمرا بدلالة العرف فإذا نص على الحرم أو المسجد تعذر إضمار مكة في كلامه إذ قد صرح بمراده فلا يجب شيء به وقوله فثوبي هذا ستر للبيت أو أضرب به حطيم البيت ملزم استحسانا لأنه يراد بهذا اللفظ هديه ولو قال كل مالي أو جميعه هدي فعليه أن يهدي ماله كله ويمسك منه قدر قوته فإذا أفاد مالا تصدق بقدر ما أمسك وأورد هذه المسئلة في كتاب الهبة أن الأصل فيما إذا قال مالي صدقة فقال في القياس ينصرف إلى كل مال له وهو قول زفر وفي الاستحسان ينصرف إلى مال الزكاة خاصة بحلاف ما إذا قال جميع ما أملك فمن المشايخ من قال ما ذكره هنا جواب القياس لأن التزام الهدي في كل مال كالتزام الصدقة في كل مال والأصح الفرق بأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى وما أوجبه الله تعالى بلفظ الصدقة يختص بمال الزكاة فكذا ما يوجبه العبد على نفسه وهتا إنما أوجب بلفظ الهدي وما أوجبه الله تعالى بلفظ الهدي لا يختص بمال الزكاة وفي نوادر ابن سماعة لله علي أن أذبح ولم يقل صدقة لا شيء عليه وعندي فيه نظر لأنه التزم بما من جنسه واجب إلا أن يقصد الذبح بنفسه ومن قال لله علي أن أنحر ولدي ففي القياس لا شيء عليه وفي الاستحسان يلزمه شاة ولو كان له أولاد لزمه مكان كل ولد شاة وكذا إذا نذر ذبح عبده عند أبي حنيفة وعند محمد يلزمه الشاة في الولد لا العبد وعند أبي يوسف لا يلزمه في واحد منهما
المقصد الثاني في المجاورة اختلف العلماء في كراهة المجاورة بمكة وعدمها فذكر بعض الشافعية أن المختار استحبابها إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذور وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى كرهها وكان أبو حنيفة يقول إنها ليست بدار هجرة وقال مالك وقد سئل عن ذلك ما كان الناس يرحلون إليها إلا على نية الحج والرجوع وهو أعجب وهذا أحوط لما في خلافه من تعريض النفس على الخطر إذ طبع الإنسان التبرم والملل من توارد ما يخالف هواه في المعيشة وزيادة الانبساط المخل بما يجب من الاحترام لما يكثر تكرره عليه ومداومة نظرة إليه وأيضا الإنسان محل الخطإ كما قال عليه الصلاة والسلام كل بني آدم خطاء والمعاصي تضاعف على ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه إن صح وإلا فلا شك أنها في حرم الله أفحش وأغلظ فتنهض سببا لغلظ الموجب وهو العقاب ويمكن كون هذا هو محمل المروي من التضاعف كي لا يعارض قوله تعالى { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } أعني أن السيئة تكون فيه سببا لمقدار من العقاب هو أكثر من مقداره عنها في غير الحرم إلى أن يصل إلى مقدار عقاب سيئات منها في غيره والله أعلم وكل من هذه الأمور سبب لمقت الله تعالى وإذا كان هذا سجية الشر فالسبيل النزوح عن ساحته وقل من يطمئن إلى نفسه في دعواها البراءة من هذه الأمور إلا وهو في ذلك مغرور
____________________
(3/178)
ألا يرى أن ابن عباس رضي الله عنهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المحببين إليه المدعو له كيف اتخذ الطائف دارا وقال لأن أذنب خمسين ذنبا بركبة وهو موضع بقرب الطائف أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة وعن ابن مسعود رضي الله عنه ما من بلدة يؤاخذ العبد فيها بالهمة قبل العمل إلا مكة وتلا هذه الآية { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } وقال سعيد بن المسيب للذي جاء من أهل المدينة يطلب العلم ارجع إلى المدينة فإنا نسمع أن ساكن مكة لا يموت حتى يكون الحرم عنده بمنزلة الحل لما يستحل من حرمها وعن عمر رضي الله عنه قال خطيئة أصيبها بمكة أعز على من سبيعن خطيئة بغيرها نعم أفراد من عباد الله استخلصهم وخلصهم من مقتضيات الطباع فأولئك هم أهل الجوار الفائزون بفضيلة من تضاعف الحسنات والصلوات من غير ما يحبطها من الخطيئات والسيئات في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي وفي رواية لأحمد عن ابن عمر سمعته يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول من طاف أسبوعا بالبيت وصلى ركعتين كان كعدل رقبة وقال سمعته يقول ما رفع رجل قدمه ولا وضعها إلا كتب الله له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر كتب له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها وكتب الله له بكل يوم عتق رقبة وبكل ليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس في سبيل الله ولكن الفائز بهذا مع السلامة من إحباطه أقل القليل فلا يبنى الفقه باعتبارهم ولا يذكر حالهم قيدا في جواز الجوار لأن شأن النفوس الدعوى الكاذبة والمبادرة إلى دعوى الملكة والقدرة على ما يشترط فيما تتوجه إليه وتطلبه وإنها لأكذب ما يكون إذا حلفت فكيف إذا دعت والله أعلم وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك فإن تضاعف السيئات أو تعاظمها وإن فقد فيها فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الإخلال بواجب التوقير والإجلال قائم وهو أيضا مانع إلى للإفراد ذوي الملكات فإن مقامهم وموتهم فيها هي السعادة الكاملة في صحيح مسلم لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا وأخرج الترمذي وغيره عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإني أشفع لمن يموت بها
المقصد الثالث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال مشايخنا رحمهم الله تعالى من أفضل المندوبات وفي مناسك الفارسي وشرح المختار أنها قريبة من الوجوب لمن له سعة روى الدارقطني والبزار عنه عليه الصلاة والسلام من زار قبري وجبت له شفاعتي وأخرج الدارقطني عنه عليه الصلاة والسلام من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة وأخرج الدارقطني أيضا من حج وزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي هذا والحج إن كان فرضا فالأحسن أن يبدأ به ثم يثني بالزيارة وإن كان تطوعا كان بالخيار فإذا نوى زيارة القبر فلينو معه زيارة المسجد أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(3/179)
فإنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال في الحديث لا تشد الرحال إلى لثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وإذا توجه إلى الزيارة يكثر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم مدة الطريق والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم إذا حصل له إذا قدم زيارة المسجد أو يستفتح فضل الله سبحانه في مرة وأخرى ينويهما فيها لأن في ذلك زيادة تعظيمه صلى الله عليه وسلم وإجلاله ويوافق ظاهر ما ذكرناه من قوله عليه الصلاة السلام لا تعمله حاجة إلا زيارتي وإذا وصل إلى المدينة اغتسل بظاهرها قبل أن يدخلها أو توظأ والغسل أفضل ولبس نظيف ثيابه والجديد أفضل وما يفعله بعض الناس من النزول بالقرب من المدينة والمشي على أقدامه إلى أن يدخلها حسن وكل ما كان أدخل في الأدب والإجلال كان حسنا وإذا دخلها قال باسم الله { رب أدخلني مدخل صدق } اللهم افتح لي أبواب رحمتك وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك واغفر لي وارحمني يا خير مسئول وليكن متواضعا متخشعا معظما لحرمتها لا يفتر عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحضر أنها بلدته التي اختارها الله تعالى دار هجرة نبيه ومهبطا للوحي والقرآن ومنبعا للإيمان والأحكام الشرعية قالت عائشة رضي الله عنها كل البلاد افتتحت بالسيف إلا المدينة فإنها افتتحت بالقرآن العظيم وليحضر قلبه أنه ربما صادف موضع قدمه ولذا كان مالك رحمه الله ورضي عنه لا يركب في طرق المدينة وكان يقول أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة وإذا دخل المسجد فعل ما هو السنة في دخول المساجد من تقديم اليمين ويقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ويدخل من باب جبريل أو غيره ويقصد الروضة الشريفة وهي بين المنبر والقبر الشريف فيصلي تحية المسجد مستقبلا السارية التي تحتها الصندوق بحيث يكون عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن إن أمكنه وتكون الحنية التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل قبل أن يغير المسجد وفي بعض المناسك يصلي تحية المسجد في مقامه عليه الصلاة والسلام وهو الحفرة قال الكرماني وصاحب الإختيار ويسجد لله شكرا على هذه النعمة ويسأله تمامها والقبول وقيل ذرع ما بين المنبر وموقفه عليه الصلاة والسلام الذي كان يصلي فيه أربعة عشر ذراعا وشبر وما بين المنبر والقبر ثلاث وخمسون ذراعا وشبر ثم يأتي القبر الشريف فيستقبل جداره ويستدبر القبلة على نحو أربعة أذرع من السارية التي عند رأس القبر في زاوية جداره وما عن أبي الليث أنه يقف مستقبل القبلة مردود بما روى أبي حنيفة رضي الله عنه في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال من السنة أن تأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ثم تقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلا أن يحمل على نوع ما من استقبال القبلة وذلك أنه عليه الصلاة والسلام في القبر الشريف المكرم على شقه الأيمن مستقبل القبلة وقالوا في زيارة القبور مطلقا الأولى أن يأتي الزائر من قبل رجل المتوفي لا من قبل رأسه فإنه أتعب لبصر الميت بخلاف الأول لأنه يكون مقابلا بصره لأن بصره ناظر إلى جهة قدميه إذا كان على جنبه فعلى هذا تكون القبلة عن يسار الواقف من جهة قدميه عليه الصلاة والسلام بخلاف ما إذا كان من جهة وجهه الكريم فإذا أكثر الاستقبال إليه عليه الصلاة والسلام لا كل
____________________
(3/180)
الاستقبال يكون استدباره القبلة أكثر من أخذه إلى جهتها فيصدق الاستدبار ونوع من الاستقبال وينبغي أن يكون وقوف الزائر على ما ذكرنا بخلاف تمام استدبار القبلة واستقباله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون البصر ناظرا إلى جنب الواقف وعلى ما ذكرنا يكون الواقف مستقبلا وجهه عليه الصلاة والسلام وبصره فيكون أولى ثم يقول في موقفه السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا خير خلق الله السلام عليك يا خيرة الله من جميع خلقه السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا سيد ولد آدم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته يا رسول الله إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وأشهد أنك يا رسول الله قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة فجزاك الله عنا خيرا جازاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته اللهم أعط سيدنا عبدك ورسولك محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وأنزله المنزل المقرب عندك إنك سبحانك ذو الفضل العظيم ويسأل الله تعالى حاجته متوسلا إلى الله بحضرة نبيه عليه الصلاة والسلام وأعظم المسائل وأهمها سؤال حسن الخاتمة والرضوان والمغفرة ثم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة فيقول يا رسول الله أسألك الشفاعة يا رسول الله أسألك الشفاعة وأتوسل بك إلى الله في أن أموت مسلما عن ملتك وسنتك ويذكر كل ما كان من قبيل الاستعطاف والرفق به ويجتنب الألفاظ الدالة على الإدلال والقرب من المخاطب فإنه سوء أدب وعن ابن أبي فديك قال سمعت بعض من أدركت يقول بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية { إن الله وملائكته يصلون على النبي } الآية ثم قال صلى الله عليك وسلم يا محمد سبعين مرة ناداه ملك صلى الله عليه وسلم وعليك يا فلان ولم تسقط له حاجة هذا وليبلغ سلام من أوصاه بتبليغ سلامه فيقول السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان أو فلان بن فلان يسلم عليك يا رسول الله يروي أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يوصي بذلك ويرسل البريد من الشأم إلى المدينة الشريفة بذلك ومن ضاق وقته عما ذكرناه اقتصر على ما يمكنه وعن جماعة من السلف الإيجاز في ذلك جدا ثم يتأخر عن يمينه إذا كان مستقبلا قيد ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه فإن رأسه حيال منكب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ما ذكرنا يكون تأخره إلى ورائه بجانبه فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانية في الغار أبا بكر الصديق جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا ثم يتأخر كذلك قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله عنه لأن رأسه من الصديق كرأس الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم فيقول السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق الذي أعز الله به الإسلام جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا ثم يرجع إلى حيال وجه النبي صلى الله عليه وسلم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي ويسلم على نبيه ويدعو ويستشفع وله ولوالديه ولمن أحب ويختم دعاءه بآمين والصلاة والتسليم وقيل ما ذكر من العود إلى رأس القبر الشريف لم ينقل عن الصحابة ولا التابعين وأخرج أبو داود عن القاسم بن محمد قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت يا أم المؤمنين اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه
____________________
(3/181)
فكشفت عن ثلاثة قبور مشرفة ولا لاطئة مبطوجة ببطحاء العرصة الحمراء رواه الحاكم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رأسه عن رجل النبي صلى الله عليه وسلم صححه الحاكم وإذا فرغ من الزيارة يأتي الروضة فيكثر فيها من الصلاة والدعاء إن لم يكن وقت تكره فيه الصلاة ففي الصحيحين ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة وفي رواية قبري ومنبري ويقف عند المنبر ويدعو ففي الحديث قواعد منبري رواتب في الجنة وعنه عليه الصلاة والسلام منبري على ترعة من ترع الجنة وكان السلف يستحبون أن يضع أحدهم يده على رمانة المنبر النبوي التي كان عليه الصلاة والسلام يضع يده عليها عند الخطبة وهناك الآن قطعة تدخل الناس أيديهم من طاقة في المنبر إليها يتبركون بها يقال إنها من بقايا منبره عليه الصلاة والسلام ويجتهد أن لا يفوته مدة مقامه صلاة في المسجد فقد ثبت أن صلاة في مسجده تعدل ألف صلاة في غيره على ما قدمنا وهذا التفضيل مختص بالفرائض وقيل في النفل أيضا ولعلنا قدمنا ما ينفيه في كتاب الصلاة وقد اشتهر عنه عليه الصلاة والسلام أن أفضل صلاة الرجل في منزله إلا المكتوبة وهذا قاله وهو في المدينة يشافه به الحاضرين عنده في المسجد والغائبين ثم هو صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنه التنفل في المسجد بل في بيته من التهجد وركعتي الفجر وغيرها ولو كان كذلك لم يصل نافلة إلا في المسجد أو يكون ذلك هو الأكثر وخلافه قليل في بعض الأحايين خصوصا ومن بيته إلى المسجد نقل في قدم واحدة وقد يقال أيضا إن ذلك إنما هو في حق الرجال لأنه صلى الله عليه وسلم أمر المرأة التي سألته الحضور والصلاة معه أن تصلي في بيتها مع أن الخروج لهن كان مباحا إذ ذاك وقد قدمنا تخريج هذا الحديث في باب الإمامة من كتاب الصلاة فعلم أن إطلاق الخروج لهن إذ ذاك كان مباحا ليتعلمن ما يشاهدنه من آداب الصلاة وحسن أداء الناس وغير ذلك من العلم ويتعودن المواظبة ولا يستثقلن الصلاة في البيت وغير ذلك من المصالح والله أعلم ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بقيع الغرقد فيزور القبور التي بها خصوصا يوم الجمعة ويبكر كي لا تفوته صلاة الظهر مع الإمام في المسجد فقد كان صلى الله عليه وسلم يزوره وقال لأم قيس بنت محصن لما أخذ بيدها فذهبا إليه ترين هذه المقبرة قلت نعم قال يبعث منها سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر ويدخلون الجنة بغير حساب وإذا انتهى إليه قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون للهم اغفر لأهل بقيع الغرقد اللهم اغفر لنا ولهم ويزور القبور المشهورة كقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه وقبر العباس وهو في قبته المشهورة وفيها قبران الغربي منهما قبر العباس رضي الله عنه والشرقي قبر الحسن بن علي وزين العابدين وولده محمد الباقر ابنه جعفرالصادق رضي الله عنهم كلهم في قبر واحد وعند باب البقيع عن يسار الخارج قبر صفية أم الزبير عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قبر فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما ويصلي في مسجد فاطمة بنت رسول الله بالبقيع وهو المعروف ببيت الأحزان وقيل قبرها فيه وقيل بل في الصندوق الذي هو أمام مصلى الإمام في الروضة الشريفة واستبعده
____________________
(3/182)
بعض العلماء وقيل إن قبرها في بيتها وهو في مكان المحراب الخشب الذي خلف الحجرة الشريفة داخل الداربزين قال وهو الأظهر وبالبقيع قبة يقال إن فيها قبر عقيل بن أبي طالب وابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب والمنقول أن قبر عقيل في داره وفيه حظيرة مستهدمة مبنية بالحجارة يقال إن فيها قبور من دفن من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن وفيه قبر إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدفون إلى جنب عثمان بن مظعون ودفن إلى جنب عثمان بن مظعون عبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين وعثمان هذا أول من دفن بالبقيع في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة ويأتي أحدا يوم الخميس مبكرا كي لا تفوته جماعة الظهر بالمسجد فيزور قبور شهداء أحد ويبدأ بقبر حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ويزور جبل أحد نفسه ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أحد جبل يحبنا ونحبه وفي رواية لابن ماجة أنه على ترعة من ترع الجنة وأن عيرا على ترعة من ترع النار وعن ابن عمر رضي الله عنهما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير فوقف عليه وقال أشهد أنكم أحياء عند الله فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت اقتداء به صلى الله عليه وسلم لأنه كان يأتيه في كل سبت راكبا وماشيا متفق عليه وهو أول مسجد وضع في الإسلام وأول من وضع فيه حجرا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم وينوي زيارته والصلاة فيه فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الصلاة فيه كعمرة ويأتي في قباء بئر أريس التي تفل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها سقط خاتمه صلى الله عليه وسلم من عثمان رضي الله عنه فيتوضأ ويشرب ويزور مسجد الفتح وهو على قطعة من جبل سلع من جهة الغرب فيركع فيه ويدعو روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم دعا فيه ثلاثة أيام على الأحزاب فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين والمساجد التي هناك منها مسجد يقال له مسجد بني ظفر وفيه حجر جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقال ما جلست عليه امرأة تريد الولد إلا حبلت ويقال إن جميع المساجد والمشاهد المفضلة التي بالمدينة ثلاثون يعرفها أهل المدينة ويقصد الآبار التي كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويشرب وهي سبعة منها بئر بضاعة والله أعلم فصل
وإذا عزم على الرجوع إلى أهله يستحب له أن يودع المسجد بصلاة ويدعو بعدها بما أحب وأن يأتي القبر الكريم فيسلم ويدعو بما أحب له ولوالديه وإخوانه وأولاده وأهله وماله ويسأل الله تعالى أن يوصله إلى أهله سالما غانما في عافية من بليات الدنيا والآخرة ويقول غير مودع يا رسول الله ويسأل إن شاء الله تعالى أن يرده إلى حرمه وحرم نبيه في عافية وليكثر دعاءه بذلك في الروضة الشريفة عقيب الصلوات وعند القبر ويجتهد في خروج الدمع فإنه من أمارات القبول وينبغي أن يتصدق بشيء على جيران النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينصرف
____________________
(3/183)
متباكيا متحسرا على فراق الحضرة الشريفة النبوية والقرب منها ومن سنن الرجوع أن يكبر على كل شرف من الأرض ويقول آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وهذا متفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون
وليحذر كل الحذر مما يصدر من بعض الجعلة من إظهار التندم على السفر والعزم على عدم العود وقوله لغيره احذر أن تعود ونحو ذلك فهذا كله تعرض للمقت بل دليل عدم القبول والمقت في الحال وإذا أشرف على بلده حرك دابته ويقول آيبون أيضا إلخ وروى النسائي أنه عليه الصلاة والسلام لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأراضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وأما أظللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ويقول اللهم اجعل لي فيها قرارا ورزقا حسنا ويرسل إلى أهله من يخبرهم ولا يبغتهم بمجيئه داخلا عليهم فإنه نهى عن ذلك وإذا دخلها بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين إن لم يكن وقت كراهة ثم يدخل منزله ويصلي فيه ركعتين ويحمد الله تعالى ويشكره على ما أولاه من إتمام العبادة والرجوع بالسلامة ويديم حمده وشكره مدة حياته ويجتهد في مجانبة ما يوجب الإحباط في باقي عمره وعلامة الحج المبرور أن يعود خيرا مما كان قبل
قال المصنف متع الله المسلمين بوجوده وهذا تمام ما يسر الله سبحانه لعبده الضعيف من ربع العبادات اسأل الله رب العالمين ذا الجود العميم أن يحقق لي فيه الإخلاص ويجعله نافعا لي يوم القيامة إنه على كل ما يشاء قدير وبالإجابة جدير والآن أشرع بريئا من الحول والقوة مفتتحا كتاب النكاح سائلا من فضله تعالى أن يمن علي بختم الربع الثاني وإكمال مقاصده على وجه يرضاه ويرضى به عن عبده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وعبده ورسوله صاحب الشرع القويم والصراط المستقيم = كتاب النكاح
هو أقرب إلى العبادات حتى إن الإشتغال به أفضل من التخلي عنه لمحض العبادة على ما نبين إن شاء الله تعالى فلذا أولاه العبادات والجهاد وإن كان عبادة إلا أن النكاح سبب لما هو المقصود منه وزيادة فإنه سبب لوجود المسلم والإسلام والجهاد سبب لوجود الإسلام فقط كذا قيل والحق أن الجهاد أيضا سبب لهما إذ نقل الموصوف من صفة إلى صفة أعني من الكفر إلى الإسلام يصحح قولنا إنه سبب لوجود المسلم والإسلام فالحق اشتراكهما في ذلك لكن لا نسبة بينهما في تحصيل ذلك فإن ما يحصل بأنكحة أفراد المسلمين منه أضعاف ما يحصل
____________________
(3/184)
بالقتال إذ الغالب حصول القتل به أو الذمة دون إسلام أهل الدار فقدم للأكثرية في ذلك وأما من أولى العبادات البيوع فنظر إلى بساطته بالنسبة إلى النكاح باعتبار تمحض معنى المعاملة فيه بخلاف النكاح وليس أحد يعجز في إبداء وجه تقديم معنى على معنى فإن كل معنى له خصوصية ليست في الآخر فالمقدم يعتبر ما لما قدمه ويسكت عما لما أخره والعاكس يعكس ذلك النظر وإنما إبداء وجه أولوية تقديم هذا على ذلك هو التحقيق وهو يستدعي النظر بين الخصوصيتين أيهما يقتضي أو أكثر اقتضاء للتقديم وقد يفضي إلى تكثير جهات كل واحد وخصوصياته ويستدعي تطويلا مع قلة الجدوى فالاقتصار في ذلك أدخل في طريقة أهل العلم والتحصيل ولا بد في تحصيل زيادة البصيرة فيما نشرع فيه من تقديم تحصيل أمور الأمر الأول مفهومه لغة قيل هو مشترك بين الوطء والعقد اشتراكا لفظيا وقيل حقيقة في العقد مجاز في الوطء وقيل بقلبه وعليه مشايخنا رحمهم الله صرحوا به وصرحوا بأنه حقيقة في الضم ولا منافاة بين كلاميهم لأن الوطء من أفراد الضم والموضوع للأعم حقيقة في كل من أفراده كإنسان في زيد لا يعرف القدماء غير هذا إلى أن حدث التفصيل بين أن يراد به خصوص الشخص بعينه يعني يجعل خصوص عوارضه المشخصة مرادا مع المعنى الأعم بلفظ الأعم فيكون مجازا وإلا فحقيقة وكأن هذه الإرادة قلما تخطر عند الإطلاق حتى ترك الأقدمون تقدير ذلك التفصيل بل المتبادر من مراد من يقول لزيد يا إنسان يا من يصدق عليه هذا اللفظ لا يلاحظ أكثر من ذلك فيكون المشترك المعنوي حقيقة فيهما
واعلم أن المتحقق الاستعمال في كل من هذه المعاني ففي الوطء قوله صلى الله عليه وسلم ولدت من نكاح لا من سفاح أي من وطء حلال لا من وطء حرام وقوله يحل للرجل من امرأته الحائض كل شيء إلا النكاح وقول الشاعر ** ومن أيم قد أنكحتها رماحنا ** ** وأخرى على خال وعم تلهف **
وقوله ** ومنكوحة غير ممهورة
وقول الآخر التاركين على طهر نساءهم ** ** والناكحين بشطى دجلة البقرا **
في العقد قول الأعشى ** ولا تقربن جارة إن سرها ** ** عليك حرام فإنكحن أو تأبدا **
وفي المعنى الأعم قول القائل ** ضممت إلى صدري معطر صدرها ** ** كما نكحت أم الغلام صبيها **
أي ضمته وقول أبي الطيب ** أنكحت صم حصاها خف يعملة ** ** تغشرمت بي إليك السهل والجبلا **
فمدعى الاشتراك اللفظي يقول تحقق الاستعمال والأصل الحقيقة والثاني يقول كونه مجازا في أحدهما حقيقة في الآخر حيث أمكن أولى من الاشتراك ثم يدعي تبادر العقد عند إطلاق لفظ النكاح دون الوطء ويحيل فهم الوطء منه حيث فهم على القرينة ففي الحديث الأول هي عطف السفاح بل يصح حمل النكاح فيه على العقد وإن كان
____________________
(3/185)
الولادة بالذات من الوطء وفي الحديث الثاني إضافة المرأة إلى ضمير الرجل فإن امرأته هي المعقود عليها فيلزم إرادة الوطء من النكاح المستثنى وإلا فسد المعنى إذ يصير يحل من المعقود عليها كل شيء إلا العقد وفي الأبيات الإضافة إلى البقر ونفي المهر والإسناد إلى الرماح إذ يستفاد أن المراد وطء البقر والمسببات والجواب منع تبادر العقد عند إطلاق لفظ النكاح لغة بل ذلك في المفهوم الشرعي الفقهي ولا نسلم أن فهم الوطء فيما ذكر مستند إلى القرينة وإن كانت موجودة إذ وجود قرينة يؤيد إرادة المعنى الحقيقي مما يثبت مع إرادة الحقيقي فلا يستلزم ذلك كون المعنى مجازيا بل المعتبر تجريد النظر إلى القرينة إن عرف أنه لولاها لم يدل اللفظ على ما عينته فهو مجاز وإلا فلا ونحن في هذه المواد المذكورة نفهم الوطء قبل طلب القرينة والنظر في وجه دلالتها فيكون اللفظ حقيقة وإن كان مقرونا بما إذا نظر فيه فيه استدعى إرادة ذلك المعنى ألا يرى أن ما ادعوا فيه الشهادة على أنه حقيقة في العقد من بيت الأعشى فيه قرينة تفيد العقد أيضا فإن قوله فلا تقربن جارة نهى عن الزنا بدليل إن سرها عليك حرام فيلزم أن قوله فانكحن أمر بالعقد أي فتزوج إن كان الزنا عليك حراما أو تأبد أي توحش أي كن منها كالوحش بالنسبة إلى الآدميات فلا يكن منك قربان لهن كما لا يقربهن وحشي ولم يمنع ذلك أن يكون اللفظ في العقد حقيقة عندهم في هذا البيت إذ هم لا يقولون بأنه مجاز في هذا البيت وأما ادعاء أنه في الحديث للعقد فيستلزم التجوز في نسبة الولادة إليه لأن العقد إنما هو سبب السبب ففيه دعوى حقيقية بالخروج عن حقيقة وهو ترجيح بلا مرجح لو كانا سواء فكيف والأنسب كونه في الوطء ليتحقق التقابل بينه وبين السفاح إذ يصير المعنى من وطء حلال لا من وطء حرام فيكون على خاص من الوطء والدال على الخصوصية لفظ السفاح أيضا فثبت إلى هنا أنا لم نزد على ثبوت مجرد الاستعمال شيئا يجب اعتباره وقد علم ثبوت الاستعمال أيضا في الضم فباعتباره حقيقة فيه يكون مشتركا معنويا من أفراده الوطء والعقد ان اعتبرانا الضم أعم من الجسم إلى الجسم والقول إلى القول أو الوطء فقط فيكون مجازا في العقد لأنه إذا دار بين المجاز والاشتراك اللفظي كان المجاز أولى ما لم يثبت صريحا خلافه ولم يثبت نقل ذلك بل قالوا نقل المبرد عن البصريين وغلام ثعلب الشيخ أبو عمر الزاهد عن الكوفيين أنه الجمع والضم ثم المتبادر من لفظ الظم تعلقه بالأجسام لا الأقوال لأنها أعراض يتلاشى الأول منها قبل وجود الثاني فلا يصادف الثاني ما ينضم إليه فوجب كونه مجازا في العقد ثم أفراد الضم تختلف بالشدة فيكون لفظ النكاح من قبيل المشكك الأمر الثاني مفهومه اصطلاحا وهو عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا والقيد الأخير لإخراج شراء الأمة للتسري والمراد وضع الشارع لا وضع المتعاقدين له وإلا ورد عليه أن المقصود من الشراء قد لا يكون إلا المتعة واعلم أن من الشارحين من يعبر عن هذا بتفسيره شرعا ويجب أن يراد عرف أهل الشرع وهو معنى الاصطلاح الذي عبرنا به لا أن الشارع نقله فإنه لم يثبت وإنما تكلم به الشارع
____________________
(3/186)
على وفق اللغة فلذا حيث ورد في الكتاب أو السنة مجردا عن القرائن نحمله على الوطء كما في قوله { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } حتى أثبتوا بها حرمة من زنا بها الأب على الإبن وقول قاضيخان إنه في اللغة والشرع حقيقة في الوطء مجاز في العقد وقول صاحب المجتبى هو في عرف الفقهاء العقد يوافق ما بينا والمراد بالعقد مطلقا سواء كان نكاحا أو غيره مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر سواء كانا باللفظين المشهورين من زوجت أو تزوجت أو غيرهما مما سنذكر أو كلام الواحد القائم مقامهما أعني المتولي الطرفين وقول الورشكي إنه معنى يحل المحل فيتغير به وزوجت وتزوجت آله انعقاده إطلاق له على حكمه فإن المعنى الذي يتغير به حال المحل من المحل والحرمة هو حكم العقد وقد صرح بإخراج اللفظين عن مسماه وهو اصطلاح آخر غير مشهور الأمر الثالث سبب شرعيته تعلق البقاء المقدر في العلم الأزلي على الوجه الأكمل وإلا فيمكن بقاء النوع بالوطء على غير الوجه المشروع لكنه مستلزم للتظالم والسفك وضياع الأنساب بخلافه على الوجه المشروع الأمر الرابع شرطه الخاص به سماع اثنين بوصف خاص يذكر وأما المحلية فمن الشروط العامة وتختلف بحسب الأشياء والأحكام كمحلية المبيع للبيع والأنثى للنكاح الأمر الخامس شرطه الذي لا يخصه الأهلية بالعقل والبلوغ وينبغي أن يراد في الولي لا في الزوج والزوجة ولا في متولى العقد فإن تزويج الصغير والصغيرة جائز وتوكيل الصبي الذي يعقل العقد ويقصده جائز عندنا في البيع فصحته هنا أولى لأنه محض سفير وأما الحرية فشرط النفاذ بلا إذن أحد الأمر السادس ركنه وهو الجنس المقيد في التعريف الأمر السابع حكمه حل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المأذون فيه شرعا فخرج الوطء في الدبر وحرمة المصاهرة وملك كل منهما على على الآخر بعض الأشياء مما سيرد في أثناء الكتاب الأمر الثامن صفته أما في حال التوقان قال بعضهم هو واجب بالإجماع لأنه يغلب على الظن او يخاف الوقوع في الحرام وفي النهاية إن كان له خوف الوقوع في الزنا بحيث لا يتمكن من التحرز إلا به كان فرضا 1 هـ ويمكن الحمل على اختلاف المراد فإنه قيد الخوف الواقع سببا للافتراض بكونه بحيث لا يتمكن من التحرز إلا به ولم يقيد به في العبارة الأولى وليس الخوف مطلقا يستلزم بلوغه إلى عدم التمكن فليكن عند ذلك المبلغ فرضا وإلا فواجب هذا ما لم يعارضه خوف الجور فإن عارضه كره قيل لأن النكاح إنما شرع لتحصين النفس وتحصيل الثواب بالولد الذي يعبد الله تعالى والذي يخوف الجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد وقضيته الحرمة إلا أن النصوص لا تفصل فقلنا بالشبهين اه وينبغي تفصيل خوف الجور كتفصيل خوف الزنا فإن بلغ مبلغ ما افترض فيه النكاح حرم وإلا كره كراهة تحريم والله أعلم وفي البدائع قيد الافتراض في الوقان بملك المهر والنفقة فإن من تاقت نفسه بحيث لا يمكنه الصبر عنهن وهو قادر على المهر والنفقة ولم يتزوج يأثم وصرح قبله بالافتراض في حالة التوقان وأما في حالة الإعتدال فداود وأتباعه من أهل الظاهر على أنه فرض عين على القادر على الوطء والإنفاق تمسكا بقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية وقوله صلى الله عليه وسلم لعكاف بن وداعة الهلالي ألك زوجة يا عكاف قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت صحيح موسر قال نعم والحمد لله قال
____________________
(3/187)
فأنت إذا من إخوان الشياطين إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم وإما أن تكون منا فصنع كما نصنع وإن من سنتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم ويحك يا عكاف تزوج قال فقال عكاف يا رسول الله إني لا أتزوج حتى تزوجني من شئت قال فقال صلى الله عليه وسلم فقد زوجتك على اسم الله والبركة كريمة بنت كلثوم الحميري رواه أبو يعلى في مسند من طريق بقية وقوله صلى الله عليه وسلم تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة واختلف مشايخنا فقيل فرض كفاية للدليل الأول والأخير وتعليق الحكم بالعام لا ينفي كونه على الكفاية لأن الوجوب في الكفاية على الكل والمعرف لكونه يسقط بفعل البعض معرفة سبب شرعيته فإن كان بحيث يحصل بفعل البعض كان على الكفاية وقد عقلنا أن المقصود من الإيجاب تكثير المسلمين بالطريق الشرعي وعدم انقطاعهم ولذا صرح بالعلة ولذا صرح بالعلة حيث قال صلى الله عليه وسلم تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم رواه أبو داود وهذا يحصل بفعل البعض وأما حديث عكاف فإيجاب على معين فيجوز كون سبب الوجوب تحقق في حقه وقيل واجب على الكفاية لما أن الثابت بخبر الواحد الظن والآية لم تسق إلا لبيان العدد المحلل على ما عرف في الأصول وقيل مستحب وقيل إنه سنة مؤكدة وهو الأصح وهو محمل قول من أطلق الاستحباب وكثيرا ما يتساهل في إطلاق المستحب على السنة ونقل عن الشافعي رحمه الله أنه مباح وأن التجرد للعبادة أفضل منه وحقيقة أفضل ينفي كونه مباحا إذ لا فضل في المباح والحق أنه إن اقترن بنية كان ذا فضل والتجرد أفضل لقوله تعالى { وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين } مدح يحيى عليه السلام بعدم إتيان النساء مع القدرة عليه لأن هذا معنى الحصور وحينئذ فإذا استدل عليه بمثل قوله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر رواه ابن ماجه وبقوله صلى الله عليه وسلم أربع من سنن المرسلين الحناء والتعطر والسواك والنكاح رواه الترمذي وقال حسن غريب وبقوله صلى الله عليه وسلم أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة قلبا شاكرا ولسانا داكرا وبدنا على البلاء صابرا وزوجة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحدهما جيد له أن يقول في الجواب لا أنكر الفضيلة مع حسن النية وإنما أقول التخلي للعبادة أفضل فالأولى في جوابه التمسك بحاله صلى الله عليه وسلم في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة فإنه صريح في عين المتنازع فيه وهو ما في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد سألوا أزواجه عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني فرد هذا الحال ردا مؤكدا حتى تبرأ منه وبالجملة فالأفضلية في الاتباع لا فيما يخيل للنفس أنه أفضل نظرا إلى ظاهر عبادة وتوجه ولم يكن الله عز وجل يرضى لأشرف أنبيائه إلا بأشرف الأحوال وكان حاله إلى الوفاة النكاح فيستحيل أن يقرره على ترك الأفضل مدة حياته وحال يحيى بن زكريا عليهما السلام كان أفضل في تلك الشريعة وقد نسخت الرهبانية في ملتنا ولو تعارضا
____________________
(3/188)
قدم التمسك بحال النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء ومن تأمل ما يشتمل عليه النكاح من تهذيب الأخلاق وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناءالنوع وتربية الولد والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها والنفقة على الأقارب والمستضعفين وإعفاف الحرم ونفسه ودفع الفتنة عنه وعنهن ودفع التقتير عنهن بحبسهن لكفايتهن مئونة سبب الخروج ثم الاشتغال بتأديب نفسه وتأهيله للعبودية ولتكون هي أيضا سببا لتأهيل غيرها وأمرها بالصلاة فإن هذه الفرائض كثيرة لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي بخلاف ما إذا عارضه خوف الجور إذ الكلام ليس فيه بل في الاعتدال مع أداء الفرائض والسنن وذكرنا أنه إذا لم يقترن به نية كان مباحا عنده لأن المقصود منه حينئذ مجرد قضاء الشهوة وبمنى العبادة على خلافه وأقول بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكنا من قضائها بغير الطريق المشروع فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه قد يستلزم أثقالا فيه قصد ترك المعصية وعليه يثاب ووعد العون من الله تعالى لاستحسان حالته قال صلى الله عليه ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف صححه الترمذي والحاكم أما إذا لم يتزوج المرأة إلا لعزها أو لماها أو حسبها فهو ممنوع شرعا قال صلى الله عليه وسلم من تزوج امراة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوج لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحسن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه رواه الطبراني في الأوسط وقال صلى الله عليه وسلم لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين فلأمة خرقاء سوداء ذات دين أفضل رواه ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وعن معقل بن يسار قال جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال وحسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه هذا ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد لأنه عبادة وكونه في يوم الجمعة واختلفوا في كراهة الزفاف والمختار أنه لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف وفي البخاري عنها قالت زففنا امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة أما يكون معهم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو وروى الترمذي والنسائي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت وقال الفقهاء المراد بالدف ما لا جلاجل له والله سبحانه وتعالى أعلم قوله النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول قدمنا أن النكاح في عرف الفقهاء هو العقد وهذا بيان لأن هذا العقد لم يثبت انعقاده حتى يتم عقدا مستعقبا لأحكامه فلفظ النكاح في قوله النكاح ينعقد بمعنى العقد أي ذلك العقد الخاص ينعقد حتى تتم حقيقته في الوجود بالإيجاب والقبول والانعقاد هو ارتباط أحد الكلامين بالآخر على وجه يسمى باعتباره عقدا شرعيا ويستعقب الأحكام
____________________
(3/189)
وذلك بوقوع الثاني جوابا معتبرا محققا لغرض الكلام السابق ويسمع كل من العاقدين كلام صاحبه والكلامان هما الإيجاب والقبول فما قيل في تعريف الإيجاب إنه إصدار الصيغة الصالحة لإفادة ذلك العقد مع أنه صادق على القبول خلاف الواقع من العرف المشهور بل إن الإيجاب هو نفس الصيغة الصالحة لتلك الإفادة بقيد كونها أولا والقبول هي بقيد وقوعها ثانيا من أي جانب كان كل منهما فما ذكر في الدراية وغيرها من قوله لو قدم القبول على الإيجاب بأن قال تزوجت بنتك فقال زوجتكها ينعقد به صحيح في الحكم ممنوع كونه من تقديم القبول بل لا يتصور تقديمه لأن ما يقدم هو الإيجاب كما صرح به في النهاية هنا وصرح الكل به في النهاية هنا وصرح الكل به في البيع وكان الحامل على جعله لإصدار وصل قوله بلفظين بقوله بالإيجاب والقبول فأفاد آليتهما لهما فكانا خلافيهما والحق ما أعلمتك ووصلهما إبدال أو بيان يدفع به ما قد يتوهمه من لا يعرف معنى الإيجاب والقبول في العرف فيعمم المقيد فأبدل منه لتخرج الكتابة فلو كتبا الإيجاب والقبول لا ينعقد والمراد باللفظين ما هو أعم من الحقيقة والحكم فيدخل متولى الطرفين أو ما يخص الحقيقة وليس هذا بحد بل إخبارات منسوق بعضها على بعض لإفادة ما يتم به العقد فقال وينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي وينعقد بلفظين أحدهما مستقل لأنه توكيل والواحد يتولى طرفي النكاح فينعقد بكلام الواحد كما ينعقد بكلام الاثنين ولا إشكال في شيء من هذا وعرف من تعريف الإيجاب والقبول بأنهما اللفظان الصالحان لإفادة ذلك العقد عدم الاختصاص بالعربية وعدم لزوم ذكر لفظ النكاح والتزويج فعن هذا قلنا إذا قالت زوجتك نفسي فقال قبلت أو قال تزوجتك فقالت قبلت جاز ولا مفعول حتى لو كان القابل سفيرا ولا مفعول ولم يضفه إلى موكل نفذ عليه في التجنيس رجل خطب لابنه الصغير امرأة فلما اجتمعا للعقد قال أبو المرأة لأبي الزوج دادم بزنى ابن دختررابهزا ردرم فقال أبو الزوج بزير فتم يجوز النكاح على الأب وإن جرى بينهما مقدمات النكاح للابن هو المختار لأن الأب أضافه إلى نفسه وهذا أمر يجب أن يحتاط فيه بخلاف ما لو قال أبو الصغيرة زوجت بنتي من ابنك فقال أبو الإبن قبلت ولم يقل لابني يجوز النكاح للابن لإضافة المزوج النكاح إلى الإبن بيقين وقول القابل قبلت جواب له والجواب يتقيد بالأول فصار كما لو قال قبلت لابني ونظير الأول في البيع لو قال لآخر بعد ما جرى بينهما مقدمات البيع بعت هذا بألف ولم يقل منك فقال الآخر اشتريت صح ولزم وكذا لو قالت المرأة بالفارسية خويشتن خريدم بعده وكآبين فقال الزوج فروختم صح ولزم وإن لم يقل منك قوله يعبر بهما عن الماضي مثل أنكحتك وزوجتك فيقول قبلت أو فعلت أو رضيت وفي الانعقاد بصرت لي وصرت لك خلاف وظاهر الخلاصة اختياره إذا اتصل به القبول ولو قالت عرستك نفسي فقبل ينعقد ثم بين أن الانعقاد به باعتبار أنه جعل إنشاء شرعا فصار هو علة لمعناه فيثبت المعنى عقيبه والمراد بقوله جعلت للإنشاء شرعا تقرير الشرع ما كان في اللغة وذلك لأن العقد قد كان ينشأ بها قبل الشرع فقرره الشرع وإنما اختيرت للإنشاء لأنها أدل على الوجود والتحقق حيث أفادت دخول المعنى في الوجود قبل الإخبار فأفيد بها
____________________
(3/190)
ما يلزم وجوده وجود اللفظ ثم لما علمنا أن الملاحظ من جهة الشرع في ثبوت الانعقاد ولزوم حكمه جانب الرضا كما نص عليه في قوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } عدينا ثبوت الانعقاد ولزوم حكم العقد إلى كل لفظ يفيد ذلك بلا احتمال مساو للطرف الآخر فقلنا لو قال بالمضارع ذي الهمزة أتزوجتك فقالت زوجت نفسي انعقد وفي المبدوءة بالتاء نحو تزوجني بنتك فقال فعلت عند عدم قصد الاستيعاد لأنه يتحقق فيه هذا الاحتمال بخلاف الأول لأنه لا يستخبر نفسه عن الوعد وإذا كان كذلك والنكاح مما لا تجري فيه المساومة كان للتحقيقي في الحال فانعقد به لا باعتبار وضعه للانشاء بل بإعتبار استعماله في غرض تحقيقه واستفادة الرضا منه حتى قلنا لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال في شرح الطحاوي لو قال هل أعطيتنيها فقال أعطيت إن كان المجلس للوعد فوعد وإن كان للعقد فنكاح فيحمل قول السرخسي بالفارسية ميدهي ليس بشيء على ما إذا لم يكن قصد التحقيق ظاهرا ولو قال باسم الفاعل فكذلك عن أبي حنيفة إذا قال جئتك خاطبا بنتك أو لتزوجني ابنتك فقال الأب زوجتك فالنكاح لازم وليس للخاطب أن لا يقبل لعدم جريان المساومة فيه كما قلنا والانعقاد بقوله أنا متزوجتك ينبغي أن يكون كالمضارع المبدوء بالهمزة سواء وقلنا ينعقد بلفظين وضع أحدهما للمستقبل يعني الأمر فلو قال زوجني بنتك فقال زوجتك انعقد ومنه كوني امرأتي ينعقد إذا قبلت وفي النوازل قال زوجني نفسك مني فقالت بالسمع والطاعة صح النكاح غير أن المصنف جعل الصحة باعتبار أنه توكيل بالنكاح والواحد يتولى طرفي النكاح فيكون تمام العقد على هذا قائما بالمجيب وصرح غيره بأنها نفسها إيجاب فيكون قائما بهما في فتاوي قاضيخان ولفظه الأمر في النكاح إيجاب وكذا في الطلاق إذا قالت طلقني على ألف فطلق كان تاما وكذا في الخلع وكذا لو قال لغيره اكفل لي بنفس فلان هذا أو بما عليه فقال كفلت تمت الكفالة وكذا لو قال هب لي هذا العبد فقال وهبت في مسائل أخر ذكرها وهذا أحسن لأن الإيجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقق المعنى أولا وهو صادق على لفظة الأمر فليكن إيجابا ويستغنى عما أورد على تقرير الكتاب من أنه لو كان توكيلا لما اقتصر على المجلس وجوابه بأنه في ضمن الأمر بالفعل فيكون قبوله تحصيل الفعل في المجلس والظهار أنه لا بد من اعتباره توكيلا وإلا بقي طلب الفرق بين النكاح والبيع حيث لا يتم بقوله بعينه بكذا فيقول بعت بلا جواب إذ جوابه ما ذكره المصنف في البيع بأنه توكيل والواحد يتولى طرفي العقد في النكاح فصح دون البيع وحينئذ فتمام العقد قائم بالمجيب فلا يصح قوله ينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن المستقبل فلذا قيل المثال الصحيح أتزوجتك بألف فتقول قبلت على إرادة الحال وعرف من هذا أن شرط القبول في النكاح المجلس كالبيع لا الفور خلافا للشافعي رحمه الله وقد يوهم ما ذكر في المنية قال زوجتك بنتي بألف فسكت الخاطب فقال الصهر ادفع المهر فقال نعم فهو قبول وقيل لا أن فيه خلافا وإن كان المختار الصحة وقد يكون منشؤه من جهة أنه كان متصفا بكون خاطبا فحيث سكت ولم يجب على الفور كان ظاهرا في رجوعه فيحكم به أولا فقوله نعم بعده لا يفيد بمفرده لأن الفور شرط مطلقا والله سبحانه أعلم وصورة اختلاف المجلس أن يوجب أحدهما فيقوم الآخر قبل القبول أو يكون قد اشتغل بعمل آخر
____________________
(3/191)
يوجب اختلاف المجلس ثم قيل لا ينعقد لأن الانعقاد هو ارتباط أحد الكلامين بالآخر وباختلاف المجلس يتفرقان حقيقة وحكما فلو عقدا وهما يمشيان أو يسيران على الدابة لا يجوز وإن كانا في سفينة سائرة جاز وستعرف الفرق في البيع إن شاء الله تعالى
فروع تزوج باسمها الذي تعرف به حتى لو كان لها اسمان اسم في صغرها وآخر في كبرها تزوج بالأخير لأنها صارت معروفة به ولو كانت له بنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك بنتي فاطمة وهو يريد عائشة فقبل انعقد على فاطمة ولو قال زوجتك بنتي فاطمة الكبرى قالوا يجب أن لا ينعقد على إحداهما ولو قال زوجت بنتي فلانة من ابنك فقبل وليس لهما إلا ابن واحد وبنت صح وإن كان لهما ابنتان أو ابنان لا إلا أن يسميا البنت والابن ولو زوج غائبة وكيل فإن كان الشهود يعرفونها فذكر مجرد اسمها جاز وإن لم يعرفونها فلا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها أما لو كانت حاضرة متنقبة فقال تزوجت هذه وقبلت جاز لأنها صارت معروفة بالإشارة وأما الغائبة فلا تعرف إلا بالاسم والنسب وقيل يشترط في الحاضرة كشف النقاب وسنذكر وجه عدمه في الوكالة بالنكاح إن شاء الله تعالى وكذا الحال في تسمية الزوج الغائب وفي التجنيس له ابنة اسمها فاطمة فقال وقت العقد زوجتك بنتي عائشة ولم تقع الإشارة إلى شخصها لا يصح فإنه إذا لم يشر إليها يقع العقد على المسمى وليس له ابنة بذلك الاسم وفي النوازل قال أبو بكر خنثى مشكل زوج من خنثى مشكل برضا الولي فلما كبر إذا الزوج امرأة والزوجة رجل جاز نكاحهما عندي لأن قوله زوجتك يستوي من الجانبين وفي صغيرين قال أبو أحدهما زوجت بنتي هذه من ابنك هذا وقبل الآخر ثم ظهر أن الجارية غلام والغلام جارية جاز لذلك أيضا وقال العتابي لا يجوز وفي المنية زوجت وتزوجت يصلح من الجانبين وفي التجنيس رجل قال لامرأة بحضرة الشهود راجعتك فقالت المرأة رضيت يكون نكاحا فإنه نص في الجامع الكبير أنه لو قال للمطلقة طلاقا بائنا أو ثلاثا إن راجعتك فعبدي حر تنصرف الرجعة إلى النكاح لأن الرجعة قد يراد بها النكاح فينظر إلى المحل والمحل هنا لا يقبل الرجعة المعروفة فانصرفت إلى النكاح وسيأتي الكلام في الرجعة بلفظ النكاح في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى ثم قال وذكر في الأجناس لو طلق امرأة بائنا ثم قال راجعتك على كذا وكذا فرضيت المرأة بذلك بحضرة الشهود فإن هذا نكاح جائز وإن لم يذكر مالا فليس بنكاح إلا أن يجتمعا أنه أراد بذلك نكاحا فكان نكاحا فتبين بهذا أن ما ذكر في الكتاب محمول على ما إذا ذكر المال أو أقر أن الزوج أراد به النكاح اه وذكر في فتاوي قاضيخان عن بعضهم تفصيلا بين المبانة والأجنبية ففي المبانة يكون نكاحا وفي الأجنبية لا وسكت عليه وهو الأحسن فإن التزوج بلفظ الرجعة في نكاح المطلقة لا يستلزم صحته في غيرها رجل وامرأة أقرا بالنكاح بحضرة الشهود فقال هي امرأتي وأنا زوجها وقالت هو زوجي وأنا امرأته وقال الآخر نعم لا ينعقد النكاح بينهما لأن الإقرار إظهار لما هو ثابت فهو فرع سبق الثبوت ولهذا لو أقر لإنسان بمال كذبا لا يصير سلوكا له وكذا لو قالا أجزناه أو رضيناهه بحضرة الشهود
____________________
(3/192)
لا ينعقد بخلاف جعلناه ولو قال الشهود جعلتما هذا نكاحا فقالا نعم انعقد لأنه ينعقد بلفظ الجعل حتى لو قالت جعلت نفسي زوجة لك فقبل ثم قال أعطيتك ألفا على أن تكوني امرأتي فقبلت ثم قال زوج بنتك فلانة مني بكذا فقال ادفعها واذهب بها حيث شئت لا ينعقد في التجنيس كأنه لأنه كالمضاف إلى ما بعد الدفع ولا ينعقد بالمضاف لو قال زوجتكما غدا فقبل لا يصح فعدم صحة المعلق أولى وفي فتاوي قاضيخان قال الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل يكون ذلك نكاحا ولم يذكر خلاف قوله ويجوز النكاح المعلق إذا كان على أمر مضى لأنه معلوم للحال وعليه فرع ما لو قال خطبت بنتك فلانة لابني فلان فقال زوجتها من فلان قبل هذا فلم يصدقه الخاطب فقال إن لم أكن زوجتها من فلان قبل فقد زوجتها من ابنك وقبل أبو الابن بحضرة الشهود ولم يكن زوجها من أحد صح النكاح لأن التعليق بكائن للحال تحقيق وتنجيز وإذا أضاف النكاح إلى نصفها مثلا فيه روايتان والأصح عدم الصحة كذا في فتاوي قاضيخان وذكر في المبسوط في موضع جوازه كالطلاق قوله وينعقد الخ حاصل الألفاظ المذكورة هنا أربعة أقسام قسم لا خلاف في الانعقاد به في المذهب بل الخلاف فيه من خارج المذهب وقسم فيه خلاف في المذهب والصحيح الانعقاد وقسم فيه خلاف والصحيح عدم الانعقاد وقسم لا خلاف في عدم الانعقاد به والأوجه أن ترتب على هذا الترتيب ليلي كل قسم ما هو أقرب إليه وهكذا فعل المصنف إلا في لفظة الوصية
القسم الأول ما سوى لفظي النكاح والتزويج من لفظ الهبة والصدقة والتمليك والجعل نحو جعلت بنتي لك بألف خلافا للشافعي وجوازه عندنا بطريق المجاز فإن المجاز كما يجري في الألفاظ اللغوية يجري في الألفاظ الشعرية بلا خلاف وإنما الكلام في تحقق طريقه هنا فنفاه الشافعي بناء على اتنفاء ما يجوز التجوز إما إجمالا فإنه لو وجد لصح أن يتجوز بلفظ كل منهما عن الآخر فكان يقال أنكحتك هذا الثوب مرادا به ملكتك كما يقال ملكتك نفسي أو بنتي مرادا به أنكحتك وليس فليس وأما تفصيلا فلأن التزويج هو التلفيق وضعا والنكاح للضم ولا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة ولذا يفسد النكاح عند ورود ملك أحد الزوجين على الآخر ولو كان لم ينافه تأكد به وإن صح هذا الوجه عنه كان معترفا بأنه لغة على خلاف ما تقدم نقله عنه من أنه
____________________
(3/193)
العقد إلا أن يعني فيما تقدم أنه في لسان الشرع بناء على النقل ولنا أن التمليك أي معناه الحقيقي سبب لملك المتعة في محلها بواسطة كونه سبب ملك الرقبة و ملك المتعة في محلها هو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز وأما عدم جواز استعارة النكاح للتمليك فليس لعدم المشترك بل لما فرغ منه في الأصول من أنه لا يجوز استعارة اسم المسبب للسبب عندنا إلا إذا كان المقصود من شرعية السبب شرعيته كالبيع لملك الرقبة وليس ملك المتعة الذي هو موجب النكاح هو المقصود من التمليك بل ملك الرقبة والجواب عن الثاني منع أنه لا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة وقوله ولذا يفسد النكاح إلخ قلنا فساده للزوم المنافاة بين كون أحدهما مالكا لكل الآخر وكون ذلك الآخر مالكا يحكم الزوجية لبعض ما يملكه عليه ذلك الآخر بحكم ملك الرقبى على ما بين إن شاء الله تعالى في فصل المحرمات لا لعدم الضم والازدواج وللشافعي أيضا أنه كما خص النكاح باشتراط الشهادة إظهارا لخطره خص باللفظين النكاح والتزويج ولذا لم يرد غيرهما شرعا والجواب منعهما بل قد رود بلفظ الهبة فلم يختص قال الله تعالى { وامرأة مؤمنة } إن وهبت نفسها للنبي عطفا على المحللات في قوله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } والأصل عدم الخصوصية حتى يقوم دليلها وقوله تعالى { خالصة لك من دون المؤمنين } يرجع إلى عدم المهر بقرينة إعقابه بالتعليل بنفي الحرج فإن الحرج ليس في ترك لفظ إلى غيره خصوصا بالنسبة إلى أفصح العرب بل في لزوم المال وبقرينة وقوعه في مقابلة الموتى أجورهن فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضناه عليهم في أزواجهم من المهر وغيره وأبدى صدر الشريعة جواز كونه متعلقا بأحللنا قيدا في إحلال أزواجه له لإفادة عدم حلهن لغيره صلى الله عليه وسلم وله أيضا أن الشهادة شرط في النكاح والكناية لا بد فيها من النية ولا اطلاع للشهود عليها قال في شرح الكنز قلنا ليس شرطا مع ذكر المهر وذكر السرخسي أنها ليست بشرط مطلقا لعدم اللبس كقولهم للشجاع أسد وكما إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة فإنه ينصرف إلى المجاز من غير نية ولأن كلامنا فيما إذا صرحا به ولم يبق احتمال اه ويشكل بأن الحكم بالمجاز يستدعي أمرين أحدهما انتفاء القرينة تدل على إرادة غير ذلك المعنى المجازي ولذا لو طلب الزنا من امرأة فقالت وهبت نفسي منك أو آجرت نفسي منك وقبل لا ينعقد والآخر وجود قرينة تفيد إرادة المعنى المجازي ولذا لو قال أبو البنت وهبت بنتي منك لتخدمك وقبل لا ينعقد هذا
____________________
(3/194)
في الحكم به أما في جواز التجوز فقط فالشرط مع الأول الإرادة لاقرينتها وذلك لأن اعتبار ثبوت معنى بعينه عند استعمال لفظ معين ليس لذات ذلك اللفظ لأن نسبته إليه كنسبته إلى غيره فالمخصص لمعنى معين دون غيره ليس إلا علاقة وضعه له أو إرادة ما بينه وبين ما وضع له معنى مشترك ثبت اعتبار نوعه عن الواضع في الاستعمال فيه فالإرادة لازمة في المحلين غير أن الحكم من السامع بإرادة المتكلم المعنى الحقيقي لايفتقر إلى نصب قرينة تفيد إرادته بل يكفي عدم قرينة تصرف عنه وهذا ما يقال الكلام لحقيقته ما لم يقم الدليل على مجازه بخلاف حكمه بإرادة مالم يوضع له حيث يفتقر إلى دليل إرادته فإن لم يكن فلا بد من علم الشهود بمراده بأن أعلمهم به ولذا قال في الدراية في تصوير الانعقاد بلفظ الإجارة عند من يجيزه أو لا يجيزه أن يقول آجرت بنتي ونوى به النكاح وأعلم به الشهود اه بخلاف ما إذا قال بعتك بنتي بحضرة الشهود فإن عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي وهو البيع للحرية يوجب الحمل على المجازي فهو القرينة فيكتفي بها الشهود حتى لو كان المعقود عليها أمة احتيج إلى قرينة زائدة في البدائع لو قال لرجل وهبت أمتي منك فإن كان الحال يدل على النكاح من إحضار الشهود وتسمية المهر مؤجلا أو معجلا ينصرف إلى النكاح وإن لم يكن الحال يدل على النكاح فإن نوى وصدقه الموهوب له فكذلك ولم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة اه والظاهر أنه إذا لم يدل الحال فلا بد مع النية من إعلام الشهود كما قدمناه لأنه لا بد من فهمهما المراد على المختار على ما سنذكره وقد وجع شمس الأئمة إلى التحقيق حيث قال ولأن كلامنا فيما إذا صرحا به ولم يبق احتمال ولا يخفي عدم المناسبة بين ما علل به من عدم اللبس وحكمه وهو عدم اشتراط النية إذ عدم اللبس إنما يصلح لتعليل دعوى ظهورها وفهمها وأما الحالف لا يأكل من هذه النخلة فمحكوم عليه بإرادة المجازي نظر إلى تعذر الحقيقي وكونه متكلما واعيا وأما الهازل فمريد لمعنى اللفظ غير مريد لحكمه فلا يلتفت عدم الحكم نعم قد يقال في عقد الملجإ يتعين لفظ الحقيقة بناء على كون الإلجاء قرينة تصرف عن إرادة المعنى المجازي إذ غرضه ليس إلا التخلص وذلك بإجراء اللفظ فقط أو مريدا حقيقته للتخلص وهي متعذرة إذ لا تصح هبة الحرة وبيعها والذي أقيم مقام المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة هو الحقيقة دون المجاز والله أعلم وأورد كيف ينعقد بالهبة وبه تقع الفرقة إذا نوى به الطلاق وهو سؤال ساقط أما أولا فهو مشترك الإلزام إذ يلزم مثله في التزوج فإنه يقع به الفرقة إذ نوى بقوله تزوجني والحق أن الهبة فيها علاقة السببية للملك فيتجوز بها غير أنه إذا أضاف الملك المتجوز عنه بالهبة إليها نفسها بقوله وهبت نفسك لك صح طلاقا وإن أضافه إلى الرجل صح نكاحا فظهر أن اختلاف الموجب في هذا اللفظ الواحد ليس إلا الاختلاف الإضافة بل بنفس توجيه السؤال يظهر صحة استعارتها للملك المغاير لملك الرقبة إذ لم يجئ الطلاق إلا باعتبار استعارتها له
القسم الثاني ما اختلفوا في الانعقاد به والصحيح الصحة نحو بعت نفسي منك بكذا أو ابنتي أو اشتريتك بكذا فقالت نعم ينعقد قوله هو الصحيح احتراز عن قول أبي بكر الأعمش وقوله لوجود طريق المجاز تعليل للصحيح وجهه ما قدمنا في تقرير التمليك واختلف في الانعقاد بلفظ السلم فقيل لا لأن السلم في الحيوان
____________________
(3/195)
لا يصح وقيل ينعقد لأنه ثبت به ملك الرقبة والمنقول عن أبي حنيفة أن كل لفظ تملك به الرقاب ينعقد به النكاح والسلم في الحيوان ينعقد حتى لو اتصل به القبض ينعقد الملك فاسدا لكن ليس كل ما يفسد المعنى الحقيقي للفظ يفسد مجازيه لعدم لزوم اشتراك المفسد فيهما وفي لفظ الصرف في شرح الكنز فيه روايتان وفي البدائع قيل لا ينعقد لأنه وضع لإثبات ملك الدراهم والدنانير التي لا تتعين والمعقود عليها هنا يتعين وقيل ينعقد لأنه يثبت به ملك العين في الجملة وظاهر هذا أنهما قولان وكأن منشأهما الروايتان وأما الفرض فقيل ينعقد به لثبوت ملك العين به وقيل لا لأنه في معنى الإعارة قيل الأول قياس قولهما والثاني قياس قول أبي يوسف بناء على ثبوت الملك به في العين وعنده لا وأما لفظ الصلح فذكر صاحب الأجناس أنه لا ينعقد به وذكر شمس الأئمة السرخسي في كتاب الصلح ابتداء النكاح بلفظ الصلح والعطية جائز
القسم الثالث لا ينعقد بالإجارة في الصحيح احترازا عن قول الكرخي وجهه أن الثابت بكل منهما ملك منفعة فوجد المشترك وجه الصحيح على ما ذكروا أنها لا تنعقد إلا مؤقتة والنكاح يشترط فيه نفيه فتضادا فلا يستعار أحدهما للآخر وقد يقال إن كان المتضادان هما العرضان اللذان لا يجتمعان في محل واحد لزمكم مثله في البيع لأنه لا يجامع النكاح مع جواز العقد به والتحقيق أن التوقيت ليس جزء مفهوم لفظ الإجارة بل شرط لاعتباره شرعا خارج عنه فهو مجرد تمليك المنافع بعوض غير أنه إذا وقع مجردا لا يعتبر شرعا على مثال الصلاة هي القيام الخ ولو وجدت بلا طهارة لاتعتبر و لا يقال إن الطهارة جزء مفهوم الصلاة ولذا عدل المصنف عن التوجيه بهذا إلى نفي السببية التي هيا العلاقة فإن الإجارة ليست سببا لملك المتعة حتى يتجوز بها عن النكاح ولهذا تبطل بالإعارة وهذا إذا جعلت المرأة مستأجرة أما إذا جعلت بدل الإجارة أو رأس مال السلم كأن يقال استأجرت دارك بابنتي هذه أو أسلمتها إليك في كر حنطة ينبغي أن لا يختلف في جوازه فإنه أضاف إليها بلفظ تملك به الرقاب قال المصنف رحمه الله ولا بلفظ الوصية لأنها توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت وعن الطحاوي ينعقد به ملك الرقبة في الجملة وعن الكرخي إن قيد الوصية بالحال بأن قال أوصيت لك ببتي هذه الآن ينعقد الحال لأنه به صار مجازا عن التمليك اه وينبعي أن لا يختلف في صحته حينئذ والحاصل أنه إذا قيدت بالحال يصح أو بما بعد الموت بأن قال أوصيت لك بابنتي بعد موتي لم يكن نكاحا ولو قال أوصيت
____________________
(3/196)
لك بها ولم يزد فقيل لا يكون نكاحا وعن الطحاوي ينعقد ثم كون الإضافة إلى ما بعد الموت بيان للواقع فيما نحن فيه وإلا فمجرد الإضافة يستقل بعدم الصحة لو قال زوجتكما غدا لم يصح وحاصل الوجه أن الإضافة مأخوذة في مفهوم الوصية وعدمها في النكاح فتضادا ولا يتجوز بلفظ أحد الضدين عن الآخر بخلاف الهبة ليست جزء مفهوم اللفظ الإضافة إلى ما بعد القبض بل هي تمليك العين بلا بدل ثم هو يتأخر فيما إذا كان الموهوب ليس في يد الموهوب له لضعف سببيتها بسبب عدم العوض ولذا لو كان في يد الموهوب له تم الملك بنفس اللفظ
القسم الرابع لا ينعقد بلفظ الإباحة والإحلال والإعارة والرهن والتمتع لعدم تمليك المتعة في كل منها فانتفى الجامع وهو المشار إليه بقوله لما قلنا ولا ينعقد بلفظ الإقالة والخلع لأنهما لفسخ عقد ثابت
فروع الأول كل لفظ لا ينعقد به النكاح ينعقد به الشبهة فيسقط به الحد ويجب لهما الأقل من المسمى ومن مهر المثل إن دخل بها الثاني لو لقنت زوجت نفسي بالعربية ولا تعلم معناها وقبل الزوج والشهود يعلمون ذلك أولا يعلمون صح كالطلاق وقيل لا كالبيع كذا في الخلاصة ومثل هذا في جانب الرجل إذا لقنه ولا يعلم معناه وهذه في جملة مسائل الطلاق والعتاق والتدبير والنكاح والخلع فالثلاثة الأول واقعة في الحكم ذكره في عتاق الأصل في باب التدبير وإذا عرف الجواب فيها قال قاضيخان ينبغي أن يكون النكاح كذلك لأن العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لأجل القصد فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل بخلاف البيع ونحوه وأما في الخلع إذا لقنت اختلعت نفسي منك بمهري ونفقة عدتي فقالته ولا تعلم معناه ولا أنه لفظ الخلع اختلفوا فيه قيل لا يصح وهو الصحيح قال القاضي وينبغي أن يقع الطلاق ولا يسقط المهر ولا النفقة وكذا لو لقنت أن تبرئه وكذا المديون إذا لقن رب الدين لفظ الإبراء لا يبرأ الثالث إذا سمى المهر مع الإيجاب بأن قال تزوجتك بكذا فقالت قبلت النكاح ولا أقبل المهر قالوا لا يصح ولا يشكل بأنه ليس من شرط صحة النكاح صحة التسمية أو وجودها لأنهما ما أوجب النكاح إلا بذلك القدر المسمى فلو صصحناه إذا قبلت في النكاح دون المهر للزمه مهر المثل وهو لم يرض بالنكاح به بل بما سمي فيلزمه ما يلتزمه ولو قالت قبلت النكاح ولم تزد على ذلك صح النكاح بما سمى وقد يخالفه ما في المنتقي عبد تزوج على رقبته بغير إذن المولى فبلغه فقال أجيز النكاح ولا أجيز على رقبته يجوز النكاح ولها الأقل من مهر المثل ومن قيمته يباع فيه بخلاف ما في الجامع أمة تزوجت بغير إذن المولى على مائة درهم فبلغه الخبر فقال أجزت النكاح على خمسين دينارا ورضي به الزوج جاز لأن هذه مقرونة برضا الزوج فهي ملحقة بإجازته والحق ما أعلمتك من كلام المشايخ فيجب التعويل عليه وإن خالف ما عن محمد الرابع ينعقد النكاح بالكتاب كما ينعقد بالخطاب وصورته أن يكتب إليها يخطبها فإذا بلغها الكتاب أحضرت الشهود وقرأته عليهم وقالت زوجت نفسي منه أو تقول إن فلانا قد كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني زوجت نفسي منه أما لو لم تقل بحضرتهم سوى زوجت نفسي من فلان لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط
____________________
(3/197)
صحة النكاح وبإسماعهم الكتاب أو التعبير عنه منها قد سمعوا الشطرين بخلاف ما إذا انتفيا ومعنى الكتاب بالخطبة أن يكتب زوجيني نفسك فإن رغبت فيك ونحوه ولو جاء الزوج بالكتاب إلى الشهود مختوما فقال هذا كتابي إلا فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز في قول أبي حنيفة حتى يعلم الشهود ما فيه وهو قول أبي يوسف ثم رجع وجوزه من غير شرط إعلام الشهود بما فيه وأصل الخلاف كتاب القاضي إلى القاضي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى قال في المصفي هذا يعني الخلاف إذا كان الكتاب بلفظ التزوج أما إذا كان بلفظ الأمر كقوله زوجي نفسك مني لا يشترط إعلامها الشهود بما في الكتاب لأنها تتولى طرفي العقد بحكم الوكالة ونقله من الكامل قال وفائدة الخلاف إنما تظهر فيما إذا جحد الزوج بعد ما أشهدتم عليه من غير قراءته عليهم ولا إعلامهم بما فيه وقد قرأ المكتوب إليه الكتاب عليهم وقبل العقد بحضرتهم فشهدوا أن هذا كتابه ولم يشهدوا بما فيه لا تقبل هذه الشهادة عندهما ولا يقضى بالنكاح وعنده تقبل ويقضى به أما الكتاب فصحيح بلا إشهاد وهذا الإشهاد لهذا وهو أن تتمكن المرأة من إثبات الكتاب عند جحود الزوج الكتاب كذا في مبسوط شيخ الإسلام والكامل وأجمعوا في الصك أن الإشهاد لا يصح مالم يعلم الشاهد ما في الكتاب واعلم أن ما نقله من نفي الخلاف في صورة الأمر لا شبهة فيه على قول المصنف والمحققين أما على قول من جعل لفظ الأمر إيجابا كقاضيخان على ما نقلناه عنه فيجب اعتبار إعلامها إياهم بما في الكتاب وأنه إن لم يعلمهم الكاتب بما في الكتاب تكون من صور الخلاف وعلى هذا ما صدرنا به المسئلة الخامس ينعقد بالإشارة من الأخرس إذا كانت له إشارة معلومة السادس ينعقد بنقل الرسول عبارة المرسل إذا أجابت وسمع الشهود كلاميهما وسنفصله إن شاء الله تعالى في فصل الوكالة بالنكاح السابع لا يبطل عقد النكاح بالشروط الفاسدة فلو قال أتزوجك على أن تعطيني عبدك فأجابته بالنكاح إنعقد موجبا لمهر مثلها عليه ولا شيء له من العبد الثامن لا يجوز تعليق النكاح بالخطر لو قال إذا جاء فلان فقد زوجتك بنتي فلانة فقبل فجاء فلان لا ينعقد وكذا تعليق الرجعة إذ كل منهما إلزام والذي يجوز تعليقه بالشرط ما هو إسقاط كالطلاق والعتاق أو التزام كالنذر إلا التعليق بالمشيئة إذا أبطل من له المشيئة في المجلس على ما في التجنيس في رمز الفتاوي الصغرى وغيرها إذا قال تزوجتك إن شئت أو إن شاء زيد فأبطل صاحب المشيئة مشيئته في المجلس فالنكاح جائز لأن المشيئة إذا بطلت في المجلس صار نكاحا بغير مشيئة كما لو قال في السلم إذا بطل الخيار في المجلس جاز السلم ثم قال لكن إذا بدأت المرأة إما إذا بدأ الزوج فقال تزوجتك إن شئت ثم قبلت المرأة من غير شرط صح النكاح ولا يحتاج إلى إبطال المشيئة بعد ذلك لأن القبول مشيئة 1 هـ وهذا ناظر إلى أن ما من جانب المرأة هو القبول سواء تقدم أو تأخر وما من جانب الرجل إيجاب تقدم أو تأخر وقد قدمنا قريبا أن الحق أن الأول إيجاب من أي جهة كان والثاني قبول كذلك ولعدم جواز تعليقه بالخطر امتنع خيار الشرط فيه فيبطل كما لو قال تزوجتك على أنى بالخيار فقبلت صح ولا خيار له بخلاف ما لو قال إن رضي أبي لا يجوز بخلاف من خطبت إليه ابنته فقال زوجتها فلم يصدقه الخاطب فقال إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها منك فقبل بحضرة الشهود ثم ظهر أنه لم يكن زوجها حيث ينعقد
____________________
(3/198)
النكاح بينهما لأن هذا التعليق لما هو موجود للحال ومثله تحقيق كذا أجاب بعض المشايخ وسنفصل الكلام في خيار الشرط والرؤية والعيب في باب المهر إن شاء الله تعالى التاسع إذا وصل الإيجاب بتسمية المهر كان من تمامه حتى لو قبل الآخر قبله لا يصح كامرأة قالت لرجل زوجت نفسي منك بمائة دينار فقبل أن تقول بمائة دينار قبل الزوج لا ينعقد لأن أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير أوله وهنا كذلك فإن مجرد زوجت ينعقد بمهر المثل وذكر المسمى معه يغير ذلك إلى تعيين المذكور فلا يعمل قول الزوج قبله العاشر ينعقد النكاح من الهازل وتلزمه مواجبه لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة رواه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أبو داود وجعل العتق بدل الرجعة وكذا ينعقد من المكره قوله ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور إلخ احتراز من غير المسلمين إذ سيأتي أن أنكحة الكفار بغير الشهود صحيحة إذا كانوا يدينون بذلك وقوله بحضور لا يوجب السماع وهو قول جماعة منهم القاضي على السغدي ونقل عن أبواب الأمان من السير الكبير أنه يجوز وإن لم يسمعوا وعلى هذه زوجوه بالأصمعين والنائمين والصحيح اشتراط السماع لأن المقصود من الحضور وسيأتي تمامه أما اشتراط الشهادة فلقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بشهود قال المصنف وهو حجة على مالك في اشتراط الإعلان دون الإشهاد وظاهر أنه حجة عليه في الأمرين اشتراط الإعلان وعدم اشتراط الاجتهاد لكن المقصود أنه حجة في أصل المسئلة وهو اشتراط الإشهاد وإنما زاد ذكر الإعلان تتميما لنقل مذهبه ونفي اشتراط الشهادة قول ابن أبي ليلى وعثمان البتي وأبي ثور وأصحاب الظواهر قيل وزوج ابن عمر بغير شهود وكذا فعل الحسن وهو محجوجون بقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بشهود رواه الدارقطني وروى الترمذي من حديث ابن عباس البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير شهود ولم يرفعه غير عبد الأعلى في التفسير ووقفه في الطلاق لكن ابن حبان روى من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له قال ابن حبان لا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا وشتان ما بين هذا وبين قول فخر الإسلام إن حديث الشهود مشهور يجوز تخصيص الكتاب به
____________________
(3/199)
أعني قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية فيندفع به الإيراد المعروف وهو لزوم الزيادة على الكتاب أو تخصيصه بخبر الواحد وجواب آخر وهو أنه خص منه المحرمات فجاز تخصيصه بخبر الواحد ثانيا ولو عدل إلى النص في قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فالجواب بأن الآخر مخصوص بالمشركة ونحوها
واعلم أن المشايخ رحمهم الله نصبوا الخلاف في موضعين في الشهادة على ما ذكرنا وفي الإعلان واستدلوا لمالك في إثباته بالمنقول من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم أعلنوا بالنكاح رواه الترمذي وقال حسن غريب وبالمعقول وهو أن حرام هذا الفعل يكون سرا فضده يكون جهرا لتنتفي التهمة والذي يظهر أن هذا نصب في غير محل النزاع يظهر ذلك من أجوبتهم عن هذا الاستدلال وغيره وذلك بأن كلمتهم قاطبة فيه على القول بموجب دلائل الإعلان وادعاء العمل بها باشتراط الإشهاد إذ به يحصل الإعلان وكلام المبسوط حيث قال ولأن الشرط لما كان الإظهار يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا وذلك بشهادة الشاهدين فإنه مع شهادتهما لا يبقى سرا وقول الكرخي نكاح السر ما لم يحضره شهود فإذا حضروا فقد أعلن فقال ** وسرك ما كان عند امرئ ** ** وسر الثلاثة غير الخفي **
صريح في ما ذكرناه فالتحقيق أنه لا خلاف في اشتراط الإعلان وإنما الخلاف بعد ذلك في أن الإعلان المشترط هل يحصل بالإشهاد حتى لا يضر بعده توصيته للشهود بالكتمان إذ لا يضر بعد الإعلان التوصية بالكتمان أو لا يحصل بمجرد الإشهاد حتى يضر فقلنا نعم وقالوا لا ولو أعلن بدون الإشهاد لا يصح لتخلف شرط آخر وهو الإشهاد وعنده يصح فالحاصل أن شرط الإشهاد يحصل في ضمنه الشرط الآخر فكل إشهاد إعلان ولا ينعكس كما لو أعلنوا بحضرة صبيان أو عبيد قوله لعدم الولاية يعني القاصرة وهي ولايته على نفسه لا التامة وهي نفاذ القول على الغير لأن تلك يحتاج إليها الأداء وهذا تعليل لعدم صحة شهادة الصبي والعبد والمجنون في باب النكاح وإن لم يكن من شرط هذه الشهادة الأداء فإذا لم يكن له ولاية على نفسه والشهادة فرعها لم تكن شهادة ولقد جازت شهادة المحدود في القذف لولايته على نفسه والمدبر والمكاتب كالقن لا ينعقد بشهادتهم ولو حضر العبد والصبي للعقد مع غيرهما ممن تصح شهادته ثم عتق العبد وبلغ الصبي واحتيج إلى الأداء لجحد النكاح فشهدا به دون من كان معهما ممن كان العقد بحضورة جازت شهادتهما وإن لم تكن صحة العقد كانت بحضورهما هذا ومذهب أحمد شهادة العبد مطلقا واستعبد نفيها لأنه لا كتاب ولا سنة ولا إجماع في نفيها وحكى عن
____________________
(3/200)
أنس أنه قال ما علمت أحدا رد شهادة العبد والله تعالى يقبلها على الأمم يوم القيامة فكيف لا تقبل هنا وتقبل شعادته على النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الأخبار والذي ذكر من المعنى وهو ان الشهادة من باب الولاية ولا ولاية له مما يمنع فإنه لا تلازم عقلا بين تصديق مخبر في إخباره بما شاهدته بعد كونه عدلا تقيا وبين كونه غير مملوك المنافع و لا شرعا لم يلا يجوز أن يبتلى عبد من عباد الله بالرق ويقبل إخباره كيف وليس الشرط هنا كون الشاهد ممن يقبل أداؤه ولذا جاز بعدوي الزوجين ولا أداء لهما وغاية ما يلمح فيه أنه لما لم يجعل له ولاية على نفسه شرعا ولم يصحح له التصرف التحق بالجمادات في حق العقود ونحوها فكان حضوره كلا حضور وأما ما ذكره في المبسوط حيث قال ولأن النكاح يعقد في محافل الرجال والصبيان والعبيد لا يدعون في محافل الرجال عادة فكان حضورهما كلا حضور فحاصله أن اشتراط الشهادة إنما هو لإظهار الخطر ولا خطر في إحضار مجرد العبيد والصبيان وكذا أهل الذمة في أنكحة المسلمين وكذا النساء منفردات عن الرجال فشمل هذا الوجه نفي شهادة الكل وعلى اعتباره الأولى أن ينفي شهادة السكارى حال سكرهم وعربدتهم وإن كانوا بحيث يذكرونها بعد الصحو وهذا الذي أدين الله به قوله ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا خلافا للشافعي له أن الشهادة من باب الكرامة حقيقته الرجوع إلى الوجه الأول القائل بأنها شرطت إظهارا للخطر وهو معنى التكرمة والفاسق من أهل الإهانة فلا تكرمه ولا تعظيم للعقد بإحضاره عارضه المصنف بقوله ولنا أنه أي الفاسق من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة تحليله من شرطية وضع فيها المقدم أسهل من تحليله من اقتراني كما سلكه بعض الشارحين فأطال أي ما كان من أهل الولاية كان من أهل الشهادة فهذه دعوى ملازمة شرعية وقوله وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه الخ ملازمة أخرى لبيان الملازمة الأولى في حيز المنع كالأولى فعللها بقوله لأنه من جنسه أي لأن الغير من جنس الفاسق ويجوز قلبه وفيه تقرير آخر لبعضهم بعيد من اللفظ وحاصل هذا أن أحكام أفراد الجنس المتحد متحدة بحسب الأصل فكل مسلم يتعلق به من خطابات الأحكام
____________________
(3/201)
ما يتعلق بمثله فلما لم يحرم الشارع الفاسق من الولاية على نفسه علم أنه لم يعتبر شرعا فسقه سالبا لأهلية الولاية مطلقا فجاز ثبوتها على غيره لأنه كنفسه إلا أن ثبوتها على غيره لا يتحقق إلا برضاه وذلك بتوليته عليه وإذا استشهده فقد استولاه ورضي به فيثبت ذلك القدر وهو صحة سماعه عليه كما يصح منه سماعه لأحد شطري ما يعقده من المعاملات لنفسه من غيره ومجرد السماع هو الشرط فتجوز شهادته فيه أي سماعه أما الأداء فمتوقف على فعل غيره وهو إجازة القاضي وأنت إذا تأملت هذا الوجه ظهر لك أنه لم يزد على اقتضاء تجويز كون الفاسق شاهدا فتثبت شهادته لعدم النافي والوجه السابق من اشتراط الشهادة لإظهار تعظيم العقد وتعظيم المحل الوارد هو عليه ينفيه لأن مجرد إحضار الفاسق ليس بتكرمة والحق أن هذا الوجه إنما بنفي ما ذكرناه من إحضار الفساق حال سكرهم إلى ما فرعوا من أنه إذا عقد بحضرة سكارى يفهمون كلام العاقدين جاز وإن كانوا بحيث ينسونه إذا صحوا وهو الذي دنا به آنفا أما من كان في نفسه فاسقا وله مروءة وحشمة فإن إحضاره للشهادة لا ينافيه الوجه المذكور فالحق صحة العقد بحضرة فساق لا في حال فسقهم والله أعلم قوله ولأنه صلح مقلدا بكسر اللام المشددة وجه ثان ذكره المصنف في صحة شهادة الفاسق في النكاح وهو أنه صلح مقلدا أي سلطانا وخليفة فيصلح مقلدا بفتح اللام أي قاضيا وكذا شاهدا بالواو في نسخ وبالوفاء في نسخ فعلى الأول هي ملازمة
____________________
(3/202)
واحدة حاصلها أنه إنما صلح للولاية الكبرى التي هي أعم ضررا ونفعا صلح للصغرى التي هي الأقل وهي القضاء والشهادة بطريق الأولى بيان الاستثنائية المقدرة المستغنى عن إظهارها بلفظة لما فإنها دالة على وضع المقدم أن الخلفاء غير الأربعة السابقين ومن تبعهم بإحسان كعمر بن عبد العزيز قلما خلوا من فسق من عدم إنكار السلف ولايتهم وتصحيح تقليدهم القضاء وغيره وعلى الثاني ملازمتان بين صلاحية الكبرى وصلاحية القضاء وبين صلاحية القضاء وصلاحية الشهادة والأول سبب للثاني في كل منهما فاعترض بأنه ذكر في أدب القاضي أن الأمر بالعكس حيث قال لا تصح ولاية القاضي حيث يجتمع في المولى شرائط الشهادة وأجيب بأن قوله فكذا شاهدا عطف على مقلدا بكسر اللام وإن تخلل معطوف غيره كعمرو من قولك جاء زيد وبكر وعمرو عطف على لا زيد لا بكر ومسببيته عنه ظاهرة ولا مناقضة حينئذ وفيه نظر إذ العطف بالفاء يقتضي ترتب كل على ما قبله كما في جاء زيد فعمرو فبكر
فرع في فتاوي النسفي للقاضي أن يبعث إلى شفعوي ليبطل العقد إذا كان بشهادة الفاسق وللحنفي أن يفعل ذلك على ما نبين في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى وكذا لو كان بغير ولي فطلقها ثلاثا فبعث إلى شافعي يزوجها منه بغير محلل ثم يقضي بالصحة وبطلان النكاح الأول يجوز إذا لم يأخذ القاضي الكاتب ولا المكتوب إليه شيئا ولا يظهر بهذا حرمة الوطء السابق ولا شبهة ولا خبث في الولد كذا في الخلاصة ثم قال قال الإمام ظهير الدين المرغيناني لا يجوز الرجوع إلى شافعي المذهب إلا إلى في اليمين المضافة أما لو فعلوا فقضى ينفذ قوله لأن السماع في النكاح شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم ينتج لا سماع للكافر على المسلم لكنه عدل في النتيجة إلى التشبيه فقال فصار كأنهما لم يسمعا كلام المسلم لأن مراده من النتيجة نفي السماع المعتبر لا نفي حقيقته وإذا انتفى الاعتبار صار وجوده كعدمه فصح تشبيه السماع بعدمه على ما هو معنى قوله فصار كأنهما لم يسمعا كلام المسلم وتمام هذا الدليل موقوف على أن صغرى القياس منعكسة كنفسها في خصوص هذه المادة لأن المطلوب نفي الشهادة لنفي السماع المعتبر فلو أن الشهادة مجرد الحضور كما يعطيه ظاهر القدوري وقدمنا أن ممن قال به السغدي والاسبيجابي لم يتم ونص القدوري وغيره على اشتراط السماع ولأنه المقصود بالحضور فلا يجوز بالأصمين على ما هو الأصح وعن اشتراط السماع ما قدمناه في التزوج بالكتابة من أنه لا بد من سماع الشهود ما في الكتاب المشتمل على الخطبة بأن تقرأه المرأة عليهم أو سماعهم العبارة عنه بأن تقول إن فلانا كتب إلي يخطبني ثم تشهدهم أنها زوجته نفسها أما لو لم تزد على الثاني لا يصح على ما قدمناه في الفروع ولقد أبعد عن
____________________
(3/203)
الفقه وعن الحكمة الشرعية من زاد النائمين ونص في فتاوي قاضيخان عليه إذا لم يسمعا كلامهما ثم الشرط أن يسمعا معا كلامهما مع الفهم أما الأول فذكر في روضة العلماء اه إذ لو سمع أحد الشهود ثم أعيد على الآخر فسمعه وحده لم يكن الثابت على كل عقد سوى شاهد واحد وعن أبي يوسف إن اتحد المجلس جاز استحسانا وإلا فلا وعنه لا بد من سماعهما معا وأما الثاني فعن محمد لو تزوجها بحضرة هنديين لم يفهما لم يجز وعنه إن أمكنهما أن يعبرا ما سمعا جاز وإلا فلا وحكى في فتاوي قاضيخان خلافا فيه وجعل الظاهر عدم الجواز قوله ولهما أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك أي ملكه عليها لورورده على حمل ذي خطر وهو بضع أنثى ليست مملوكة له محللة من بنات آدم على وجه يقصرها على نفسه لاستيفاء حاجاته منها وهذه من جلائل النعم وهو معنى مناسب لاشتراط إحضار السامعين العقلاء إظهارا لتعظيم هذا العقد ليقع في محفل من المحافل وقد ظهر أثر ذلك بإيجاب المال عليه دونها مع أن ملك المتعة مشترك فعلم أن اشتراط الشهادة لصحة العقد ليس لملك كل منهما التمتع بكل وإلا لم يختص بلزومه ولا على اعتبار وجوب المهر لها عليه ليكونا شاهدين عليه إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال فيما عهد من تقريرات الشرع في موضع ولا على اعتبار ملكهما الازدواج المشترك لأنه ثبت تبعا لملك البضع ولا تشترط للتوابع وإلا وجب الإشهاد على شراء الأمة للوطء فإن ملكه من توابع ملك رقبتها وإذا كانت الشهادة لثبوت ملكه عليها كانا شاهدين عليها وهي ذمية فيجوز بذميين فإنه إظهار الخطر بالنسبة إليها شرعا ولهذا لو كانا ذميين حكم الشرع بصحته حتى لو أسلما بقي على الصحة بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج لأن الشهادة اشترطت في العقد لذلك المعنى والعقد يقوم
____________________
(3/204)
بهما فلا بد من سماعهما هذا وتقبل شهادتهما عليها إذا أنكرت لا عليه إذا أنكر وعند محمد لا تقبل إلا أن يقولا كان معنا مسلمان وعنه لاتقبل مطلقا لإثباتهما فعل المسلم ولا يثبت بشهادتهما ولو أسلمنا ثم أديا تقبل على كل حال عندهما لأن سماعهما كلام المسلم معتبر وامتناع الأداء للكفر وعند محمد لا تقبل لعدم صحة العقد إلا إذا قالا كانا معنا مسلمان عند العقد ولو كان الشاهدان ابنيهما قبلا عليها فقط أو ابنيه فعليه فقط أو ابنيهما فلا يقبلان على واحد منهما كما لو كانا أعميين أو أخرسين سميعين حيث يصح العقد بهما ولا أداء لهما لعدم البصر والتكلم والعدوان على التفصيل فعدوه يقبلان عليها لا عليه وعدواها يقبلان عليه لا عليها وعدواهما لا يقبلان مطلقا أم الانعقاد فيثبت بشهادة الأولاد والأعداء كيف كانوا وأما الأخوان بأن يزوج الأب ابنته بشهادة ابنيه فأنكر الزوج وادعاه الأب والبنت كبيرة أو المرأة فشد لا تقبل ولو كان الزوج هو المدعى والمرأة منكرة أو الأب قبلت هذا قول أبي يوسف وعند محمد تقبل وإن كان المدعي الأب أو المراة أيضا والأصل أن كل شيء يدعيه الأب فشهادتهما فيه باطلة وإن لم يكن فيه منفعة له لشبهة الأبوة عند أبي يوسف لثبوت منفعة نفاذ كلامه وقال محمد كل شيء للأب فيه منفعة جحدا وادعاء فشهادة ابنيه فيه باطلة وكذا كل شيء وليه مما يكون خصما فيه كالبيع ونظائره ولم يعتبر منفعة نفاذ القول منفعة ولو كانت البنت صغيرة لا تقبل اتفاقا لأنها للأب قال الحاكم أبو الفضل في تفسيره يريد أن الشهادة تبطل في حال ادعائه من طريق التهمة وكذا في حال جحوده لوقوعها لغير خصم يدعى اه وفسر في المبسوط جحوده بأن المراد عند جحوده إن كان الآخر جاحدا أيضا لا تقبل لعدم الدعوى فأما إذا كان الآخر مدعيا فمقبولة وإن كان للأب منفعة فيها كما إذا شهدوا عليه ببيع ما يساوي مائة بألف والمشتري يدعيه وهذا لأن هذه منفعة غير مطلوبة للأب فلا تمنع من قبول شهادتهما وكذلك إذا قال لعبده إن كلمك فلان فأنت حر فشهد ابنا فلان أن أباهما كلمه جازت عند محمد سواء كان الأب جاحدا أو مدعيا وعند أبي يوسف لا تجوز إلا أن يكون جاحدا ولو زوج الرجل بنته ثم شهد مع أخيها عليها بالرضا وهي تنكر لا تقبل لأن الشهادة على فعل نفسه مطلقا لا تقبل سواء كان مما هو فيه خصم أولا
فرعان لو أقر بالنكاح بحضرة الشهود وكان تزوجها بغير شهود اختلفوا فيه والأصح أنهما إن سميا المهر ينعقد نكاحا مبتدأ كذا في الدراية وقدمنا أنهما إذا أقرا به ولم يكن بينهما نكاح لا ينعقد إلا إن قال الشهود جعلتما هذا نكاحا فقالا نعم فينعقد لأن النكاح ينعقد بالجعل قال قاضيخان وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن أقرأ بعقد ماض ولم يكن بينهم عقد لا يكون نكاحا وإن أقرت أنه زوجها وهو أنها امرأته يكون نكاحا ويتضمن إقرارهما الإنشاء بخلاف إقرارهما بماض لأنه كذب كما قال أبو حنيفة إذ قال لامرأته لست لي امرأة ونوى به الطلاق يقع كأنه قال لأني طلقتك ولو قال لم أكن تزوجتها ونوى الطلاق لا يقع لأنه كذب محض اه يعني إذا لم يقل الشهود جعلتما هذا نكاحا والحق هذا التفصيل وفي الفتاوي بعث أقواما للخطبة فزوجها الأب بحضرتهم قيل لا يصح وإن قبل عن الزوج إنسان واحد لأنه نكاح بغير شهود لأن القوم كلهم خاطبون من تكلم ومن لا لأن المتعارف هكذا أن يتكلم واحد ويسكت الباقون والخاطب لا يصير شاهدا وقيل يصح وهو الصحيح وعليه الفتوى لأنه لا ضرورة في جعل الكل خاطبا فيجعل المتكلم خاطبا فقط والباقي شهود
____________________
(3/205)
قوله ومن أمر رجلا أن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بحضرة رجل واحد جاز النكاح وكذا إذا زوج الأب ابنته البالغة بحضورها مع واحد أو امرأتين أو وكيل المرأة بحضورها مع امرأتين جاز النكاح ثم إنما تقبل شهادة المزوج إذا لم يقل أنا زوجتها بل يقول هذه زوجة هذا وإنما صح بحضور الواحد لأن الوكيل في النكاح سفير ومعبر ينقل عبارة الموكل فإذا كان من يعبر عنه حاضرا والفرض أن العبارة تنتقل إليه كان مباشرة لأن العبارة تنتقل إليه وهو في المجلس وليس المباشر سوى هذا بخلاف ما إذا كان غائبا لأن انتقال العبارة إليه حال عدم الحضور لا يصير به مباشرا لأنه مأخوذ في مفهومه الحضور ضرورة فيقتصر أثره على عدم رجوع الحقوق إلى الوكيل ولهذا لو زوج وكيل السيد العبد بحضوره مع آخر لا يصح لأن العبارة إنما تنتقل إلى مقيد الولاية وهو السيد وهو غائب فظهر من هذاالتوجيه أن إنزاله مباشرا مع حضوره جبري لا يتوقف على ثبوت الحاجة إلى اعتباره فاندفع ما أورد من أنه تكلف غير محتاج إليه فإن الأب يصلح شاهدا فلا حاجة إلى اعتباره مباشرا إلا في المسئلة الأخيرة في الكتاب وهي ما إذا زوج الأب بنته البالغة بحضرة واحد لأنها لا تصلح شاهدة على نفسها فأنزلت مباشرة ضرورة التصحيح ولو أذن السيد لعبده أو أمته في التزوج فعقدا بحضرة واحد مع السيد قيل لا يجوز للانتقال إلى السيد لأنهما وكيلان عنه والأصح الجواز بناء على منع كونهما وكيلين لأن الإذن فك الحجر عنهما فيتصرفان بعده بأهليتهما لا بطريق النيابة ومما ذكر في مسئلة وكيل السيد يظهر أن ثبوت الصحة فيما
____________________
(3/206)
إذا زوج السيد عبده أو أمته بحضورهما مع شاهد محل نظر لأن مباشرة السيد ليس فكا للحجر عنهما في التزوج مطلقا وإلا لصح في مسئلة وكيله ولذا خالف في صحتها المرغيتاني قال وقال أستاذي فيهما روايتان أي في وكيل السيد والسيدة
فروع إذا جحد أحد الزوجين النكاح فإما أصله أو شرطه ففي أصله لو جحده الزوج فأقامت بينة به أو على إقراره قبلت ولا يكون جحوده طلاقا ألا ترى أن الطلاق ينقص العدد وبارتفاع أصل النكاح لا نقص وأما إنكار الشرط كإنكار الشهادة فإن كانت هي المنكرة بأن قالت تزوجني بلا شهود وقال الزوج بشهود فالنكاح صحيح وإن كان هو القائل ذلك فرق بينهما لإقراره بالحرمة على نفسه فيكون كالفرية من قبله فلها نصف المهر إن كان قبل الدخول وإلا فكله ونفقة العدة وهذا بخلاف إنكاره أصل النكاح لأن القاضي كذبه بالحجة في زعمه فلا يبقى زعمه معتبرا وهنا ما كذبه في زعمه بحجة ولكن رجع قولها لمعنى هو أن الشرط تبع وقد اتفقا على الأصل والاتفاق على الأصل اتفاق على التبع فالمنكر له بعد موافقته على الأصل كالراجع عنه فيبقى زعمه معتبرا في حق نفسه ولذا فرق بينهما وكذا لو قال تزوجتها وهي معتدة أو مجوسية ثم أسلمت أو وأختها عندي أو ولها زوج أو أمة بلا إذن لأن هذه المواقع كلها في محل العقد والمحال في حكم الشروط بخلاف ما لو ادعى أحدهما أن النكاح كان في صغره بمباشرته لأنه منكر لأصل النكاح معنى وإذا كان القول للمنكر منهما هنا فلا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها قبل البلوغ فإن دخل بها فلها الأقل من المسمى ومهر المثل للدخول في نكاح موقوف وإن كان الدخول بعد البلوغ فهو رضا بذلك النكاح وبعد البلوغ لو أجاز العقد الذي عقد له قبله جاز والتمكين من الدخول إجازة ولو كانت هي القائلة تزوجني وأنا معتدة وما بعدها إلى آخر الصورة التي ذكرناها وهو ينكر فهي امرأته لما قلنا في الشهادة والله سبحانه أعلم شهد شاهد أنه تزوجها أمس وآخر اليوم فهي باطلة فإن النكاح وإن كان قولا فمن شرائطه ما هو فعل وهو الحضور فكان كالأفعال في الاختلاف واختلاف الشهود في المكان والزمان في الأفعال يمنع القبول ولأن كلا شهد بعقد حضره واحد والله أعلم
____________________
(3/207)
فصل في بيان المحرمات المحلية الشرعية من شرائط النكاح
وإنما أفرد هذا الشرط بفصل على حدة لكثرة شعبه وانتشار مسائله وانتفاء محلية المرأة للنكاح شرعا بأسباب الأول النسب فيحرم على الإنسان فروعه وهم بناته وبنات أولاده وإن سفلن وأصوله وهم أمهاته وأمهات أمهاته وآبائه وإن علون وفروع أبويه وإن نزلن فتحرم بنات الإخوة والأخوات وبنات أولاد الإخوة والأخوات وإن نزلن وفروع أجداده وجداته لبطن واحد فلهذا تحرم العمات والخالات وتحل بنات العمات والأعمام والخالات والأخوال الثاني المصاهرة يحرم بها فروع نسائه المدخول بهن وإن نزلن وأمهات الزوجات وجداتهن بعقد صحيح وإن علون وإن لم يدخل بالزوجات وتحرم موطوءات آبائه وأجداده وإن علوا ولو بزنا والمعقودات لهم عليهن بعقد صحيح وتحرم موطوءات أبنائه وأبناء أولاده وإن سفلوا ولو بزنا والمعقودات لهم عليهن بعقد صحيح الثالث الرضاع يحرم كالنسب وسيأتي تفصيله في كتاب الرضاع إن شاء الله تعالى الرابع الجمع بين المحارم والأجنبيات كالأمة مع الحرة السابقة عليها الخامس حق الغير كالمنكوحة والمعتدة والحامل بثابت النسب السادس عدم الدين السماوي كالمجوسية والمشركة
____________________
(3/208)
السابع التنافي كنكاح السيد أمته والسيدة عبدها قوله إذ الأم هي الأصل لغة قال الله تعالى { وعنده أم الكتاب } وسميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها والخمر أم الخبائث فعلى هذا ثبتت حرمة الجدات بموضوع اللفظ وحقيقته لأن الأم على هذا من قبيل المشكك قوله أو ثبتت حرمتهن بالإجماع أي إن لم يكن إطلاق الأم على الأصل بطريق الحقيقة حتى لا يتناول النص الجدات والتحقيق أن الأم مراد بها الأصل على كل حال لأنه إن استعمل فيه حقيقة فظاهر وإلا فيجب أن يحكم بإرادته مجازا فتدخل الجدات في عموم المجاز والمعرف لإرادة ذلك في النص الإجماع على حرمتهن ولم يثبت عند المصنف إطلاق لفظ البنت على الفرع حقيقة فلذا اقتصر في حرمة بنات الأولاد على الإجماع وظاهر بعض الشروح ثبوته حيث قال وكذا الاستدلال في البنات فإن بنت البنت تسمى بنتا حقيقة باعتبار أن البنت يراد به الفرع فيتناولها النص حقيقة أو مجازا عند البعض وقوله عند البعض يريد إذا استعمل في حقيقته ومجازه عند العراقيين فإنهم يجوزونه إذا كان في محلين وعلى ما أسمعناك من التقرير يتناولهن مجازا عند الكل ومن الطرق في تحريم الجدات وبنات الأولاد دلالة النص المحرم للعمات والخالات وبنات الأخ والأخت ففي الأول لأن الأشقاء منهن أولاد الجدات فتحريم الجدات وهن أقرب أولى وفي الثاني لأن بنات الأولاد أقرب من بنات الإخوة
فرعان الأول لبنت الملاعنة حكم البنت فلولا عن فنفي القاضي نسبها من الرجل وألحقها بالأم لا يجوز للرجل أن يتزوجها لأنه بسبيل من أن يكذب نفسه ويدعيها فيثبت نسبها منه الثاني يحرم على الرجل بنته من الزنا بصريح النص المذكور لأنهما بنته لغة والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولا شرعيا قوله لأن جهة الاسم عامة أي الجهة التي وضع الاسم مع اعتبارها فاسم الأخ مثلا وضع لذات باعتبار نسبتها إلى أخرى بالمجاورة في صلب أورحم والأحسن أن يقال باعتبار حلولها ما حلته من صلب أو رحم كي لا يقتصر على التوءم وبهذه الجهة تعم المتفرقات فكان حقيقة في الكل بالتواطوء ويدخل في العمات والخالات بنات الأجداد وإن علوا لأنهن أخوات آباء أعلون وبنات الجدات وإن علون لأنهن أخوات أمهات علييات وفي بنات الأخ والأخت بناتهن وإن سفلن قوله ولا بأم إمرأته دخل بها أو لم يدخل إذا كان نكاح البنت صحيحا
____________________
(3/209)
أما بالفاسد فلا تحرم الأم إلا إذا وطئ بنتها ويدخل في أم امرأته جداتها قوله من غير قيد الدخول عليه عمر وابن عباس وعمران بن الحصين رضي الله عنهم والجمهور وإليه رجع ابن مسعود بناء على أن تقييد المعطوف بصفة أو حال كما في الآية فإن قوله من { من نسائكم } حال من الربائب لا يوجب تقييد المعطوف عليه به لكنه يجوز ولا يمتنع ولهذا خالف فيه علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وناهيك بهما علما فجعلا الدخول قيدا في حرمة أمهات النساء وتبعهم على ذلك بشر المريسي ومحمد بن شجاع ووجهه البناء على أن الشرط والاستثناء إذا تعقب كلمات منسوقة انصرف إلى الكل ورد بأن المذكور في الآية ليس شرطا بل صفة ولا يلزم وصف المعطوف عليه بوصف المعطوف ثم يبطل جوازه في هذا موضع باستلزامه كون الشيء الواحد معمول عاملين وذلك أن النساء المضاف إليه أمهات مخفوض بالإضافة والمجرور بمن بها فلو كان الموصول وهو قوله { اللاتي دخلتم بهن } صفة لهما لزم ذلك وهذا بناء على اعتبار الصفة هنا بمعنى الشرط وأبطله في الكشاف بلزوم كون من مستعملا في معنيين متخالفين في إطلاق واحد وهو البيان بالنسبة إلى النساء المضاف إليهن أمهات والابتداء بالنسبة إلى الربائب لأنه المناسب فيهما قال الشيخ سعد الدين في حواشيه وما يقال إن الابتداء معنى كلي صادق على جميع معاني من فضرب من التأويل والتشبيه ثم قال نعم قد يستعمل في إيصال شيء فيتناول إيصال الأمهات بالنساء لأنهن والدات وبالربائب لأنهن مولودات فحينئذ يصح هل من نسائكم متعلقا بالأمهات والربائب جميعا حالا منهما وفائدة إيصال الأمهات بالنساء بعد إضافتها إليها في زيادة قيد الدخول لكن الاتفاق على حرمة أمهات النساء مدخولات كن أو غير مدخولات يأبى هذا المعنى فمن هنا جعل متعلقا بالأمهات بربائبكم فقط 1 هـ ويمكن أن يجعل حالا من النساء المضاف إليهن أمهات ومن الربائب إلا أنه يستلزم جعل الحال من المضاف إليه وزاد بعضهم شبه الجزء في من جوزه بمسوغ من كون المضاف صالحا للعمل في الحال أو جزءا للمضاف إليه وزاد بعضهم شبه الجزء في صحه حذفه والاستغناء عنه بالمضاف إليه نحو { ملة إبراهيم حنيفا } قوله سوءا كانت في حجره أو في حجر غيره وهو مذهب الجمهور وشرطه على ورجع ابن مسعود إلى قول الجمهور لأن قيد الحجر خرج مخرج العادة والغالب إذا الغالب كون البنت مع الأم عند زوج الأم وهو المراد بالحجر هنا ولولا هذا لثبتت الإباحة عند انتنفائه بدلالة اللفظ في غير محل النطق عند من يعتبر مفهوم المخالفة وبالرجوع إلى الأصل وهو الإباحة عند من لا يعتبر المفهوم لأن الخروج عنه إلى الترحيم مقيد بقيد فإذا انتفى القيد رجع إلى الأصل لا بدلالة اللفظ قوله ولهذا أي ولكونه لم يعتبر قيدا في الحرمة اكتفى في وضع نفي الحرمة بنفي الدخول بقوله تعالى { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم }
____________________
(3/210)
فحيث خصه في موضع النفي بالذكر علمنا أنه المعتبر في إضافة الحرمة وإلا لقيل فإن لم تكونوا دخلتم بهن ولسن في حجوركم أو فإن لم تكونوا دخلتم بهن أو لسن في حجوركم جريا على العادة في إضافة نفي الحكم إلى نفي تمام العلة المركبة أو أحد جزءيها الدائر وإن صح إضافته إلى نفي جزءئها المعين لكنه خلاف المستمر من الاستعمال هذا ويدخل في الحرمة بنات الريبة والربيب وإن سفل لأن الاسم يشملهن بخلاف حلائل الأبناء والآباء لأنه اسم خاص فلذا جاز التزويج بأم زوجة الابن وبنتها وجاز للابن التزوج بأم زوجة الأب وبنتها قوله ولا بامرأة أبيه وأجداده لقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } اعلم أن امرأة الأب والأجداد تحرم بمجرد العقد عليها والآية المذكورة استدل بها المشايخ صاحب النهاية وغيره على ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا بناء على إرادة الوطء بالنكاح فإن أريد من حرمة امرأة الأب والجد ما يطابقها من إرادة الوطء قصر عن إفادة تمام الحكم المطلوب حيث قال ولا بامرأة أبيه وتصدق امرأة الأب بعقده عليها وإلا لم يفد الحكم في ذلك المحل فإنما يصح على اعتبار لفظ النكاح في نكاح الآباء في معنى مجازي يعم العقد والوطء ولك النظر في تعيينه ويحتاج إلى دليل يوجب اعتبارها في المجازي وليس لك أن تقول ثبتت حرمة الموطوءة بالآية والمعقود عليها بلا وطء بالإجماع لأنه إذا كان الحكم الحرمة بمجرد العقد ولفظ الدليل صالح له كان مرادا منه بلا شبهة فإن الإجماع تابع للنص أو القياس عن أحدهما يكون ولو كان عن علم ضروري يخلق لهم يثبت بذلك أن ذلك الحكم مراد من كلام الشارع إذا احتمله قوله لقوله تعالى { وحلائل أبنائكم } إن اعتبر الحليلة من حلول الفراش أو حل الإزرار تناولت الموطوءة بملك اليمين أو شبهة أو زنا فيحرم الكل على الآباء وهو الحكم الثابت عندنا كما تحرم المزني بها ومن ذكرنا للآباء على الأبناء ولا تتناول المعقود عليها للابن أو بنيه وإن سفلوا قبل الوطء والفرض أمها بمجرد العقد تحرم على الآباء وذلك باعتباره من الحل بكسر الحاء
____________________
(3/211)
وقد قام الدليل على حرمة المزني بها للابن على الأب وهو ما سنذكره في موضعه فيجب اعتباره في أعم من الحل والحل ثم يراد من الأبناء الفروع فتحرم حليلة الابن السافل على الجد الأعلى من النسب وكما تحرم حليلة الابن من النسب تحرم حليلة الابن من الرضاع وذكر الأصلاب في الآية لإساقط حليلة المتبني وذكر بعضهم فيه خلافا للشافعي والمنقول عنهم أن ذكر الأصلاب لإحلال حليلة الابن من الرضاع كمذهبنا فلا خلاف قوله ولا بأمه من الرضاعة وكل من ذكرنا أنه يحرم من أول الفصل إلى هنا يحرم من الرضاع حتى لو أرضعت امرأة صبيا حرم عليه زوجة زوج الظئر الذي نزل لبنها منه لأنها امرأة أبيه من الرضاعة ويحرم على زوج الظئر امرأة هذا الصبي لأنها امرأة ابنه من الرضاعة وسنستوفي ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الرضاع قوله ولا يجمع بين أختين نكاحا أي عقدا ولا يملك يمين وطأ وهذان تمييزان لنسبة إضافية والأصل بين نكاح أختين ووطئهما مملوكتين ولا فرق بين كونهما أختين من النسب أو الرضاعة حتى قلنا لو كان له زوجتان رضيعتان أرضعتهما أجنبية فسد نكاحهما وعند الشافعي يفسد نكاح الثانية فقط واستدل بقوله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } بناء على أن التحريم المذكور أول الآية أضيف بواسطة العطف إلى الجمع وهو أعم من كونه عقدا أو وطأ وعن عثمان رضي الله عنه إباحة وطء المملوكتين قال لأنهما أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى وهما هذه وقوله تعالى { وما ملكت أيمانكم } فرجع الحل قيل الظاهر أن عثمان رضي الله عنه إلى قول الجمهور وإن لم يرجع فالإجماع اللاحق يرفع الخلاف السابق وإنما يتم إذا لم يعتد بخلاف أهل
____________________
(3/212)
الظاهر وبتقدير عدمه فالمرجح التحريم عند المعارضة والحديث الذي ذكره وهو قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر الخ غريب وفي الباب أحاديث كثيرة منها ما في الصحيحين عن أم حبيبة قالت يا رسول الله انكح أختي الحديث إلى أن قال إنها لا تحل لي وحديث أبي داود عن الترمذي عن أبي وهب الجيشاني أنه سمع الضحاك بن فيروز يحدث عن أبيه فيروز الديلي قال قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال طلق أيهما شئت قال الترمذي حسن غريب وصححه البيهقي وابن حبان ولفظ أبي داود اختر أيهما شئت قوله فإن تزوج أخت أمه له قد وطئها صح النكاح خلافا لبعض المالكية وجه قولهم إن المنكوحة موطوءة حكما باعترافكم فيصير بالنكاح جامعا وطأ حكما وهو باطل باعترافكم لأنكم عللتم عدم جواز وطء الأمة وإن لم يكن وطئ المنكوحة بلزوم الجمع وطأ حكما وقد قلتم إن حكم وطء الأمة السابق قائم حتى استحب له لو أراد بيعها أن يستبرئها وما قيل حالة صدور العقد لا يكون جامعا وطأ بل بعد تمامه فإن ذلك حكمه فيتعقبه ليس بدافع فإن صدوره من أهله مضافا إلى محله وإن كان ليس جمعا في نفسه لكنه يستلزمه حيث كان هو حكمه وهو لازم باطل شرعا وملزوم الباطل باطل فالعقد باطل وقد يوجد في صفحات كلامهم مواضع عللوا المنع فيها بمثله وقد يجاب بأن هذا اللازم بيده إزالته فليس لازما على وجه اللزوم فلا يضر بالصحة ويمنع من الوطء بعدها لقيامه إذ ذاك قوله ولا يطأ الأمة الحاصل أنه لا يطأ واحدة منهما بعد العقد حتى يحرم الأمة على نفسه بسبب كبيع الكل أو البعض والهبة مع التسليم والإعتاق أو بالكتابة والتزويج وعن أبي يوسف لا يحل المنكوحة بالكتابة وعنه لو ملك فرجها غيره لا تحل المنكوحة حتى تحيض المملوكة حيضة بعد وطئها لاحتمال كونها حاملا منه فعلى هذا لو حاضت بعد الوطء قبل التمليك حلت المنكوحة بمجرد التمليك وجه الظاهر ثبوت الحرمة بالكتابة وهو المقصود ومن هنا قال الشافعي ومالك وأحمد تحل المنكوحة قبل تحريم المرقوقة
____________________
(3/213)
بسبب لأن حرمة وطئها قد ثبتت بمجرد العقد فلا حاجة إلى اشتراط التحريم بسبب آخر وأجيبوا بأن حكم وطء المرقوقة قائم حتى لو أراد بيعها استحب له استبراؤها فبالوطء يكون جامعا وطأ حكما وإطلاق الآية يمنعه هذا كلامهم وهو مصرح بما وعدناه آنفا وهذا إذا كان النكاح صحيحا بخلاف الفاسد إلا إذا دخل بالمنكوحة فيه فحينئذ تحرم الموطوءة لوجود الجمع حقيقة لأنه وطء معتبر تترتب الأحكام عليه قوله لأن المرقوقة ليست موطوءة حكما لأن ملك اليمين لم يوضع للوطء بخلاف النكاح ولهذا لا يثبت نسب ولدها إلا بدعوة
فرع لو اشترى أختين ليس له وطؤهما فإن وطئ إحداهما أو لمسها بشهوة لم يحل له وطء الأخرى حتى يحرم الموطوءة بسبب ولو وطئها أثم ثم لا يحل له وطء واحدة منهما حتى يحرم الأخرى بسبب ولو باع إحداهما أو وهبها أو زوجها ثم ردت إليه المبيعة أو رجع في الهبة أو طلقت المنكوحة وانقضت عدتها لم يحل وطء واحدة منهما حتى يحرم الأخرى بسبب كما كان أولا قوله فإن تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما الأولى فرق بينه وبينهما هذا تفريع على حرمة الجمع وقيد بعقدتين إذ لو كانا في عقدة واحدة بطلا يقينا وبعدم علم الأولية إذ لو علم صح النكاح الأول وبطل الثاني وله وطء الأولى إلا أن يطأ الثانية فتحرم الأولى إلى انقضاء عدة الثانية كما لو وطئ أخت امرأته بشبه حيث تحرم امرأته ما لم تنقض عدة ذات الشبهة وفي الدراية عن الكامل لو زنى بإحدى الأختين لا يقرب الأخرى حتى تحيض الأخرى حيضة وهذا مشكل والله سبحانه أعلم
____________________
(3/214)
قوله ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية طولب بالفرق بين هذا وبين ما إذا طلق إحدى نسائه بعينها ونسيها حيث يؤمر بالتعيين ولا يفارق الكل وأجيب بإمكانه هناك لا هنا لأن نكاحهن كان متيقن الثبوت فله أن يدعي نكاح من شاء معينة منهن تمسكا بما كان متيقنا ولم يثبت هنا نكاح واحدة منهما بعينها فدعواه حينئذ تمسك بما لم يتحقق ثبوته قوله ولا إلى التنفيذ مع التجهيل أي تنفيذ نكاحهما مع جهل المحللة منهما لأنه تنفيذ الجمع بين الأختين أو تنفيذ نكاح إحداهما مع تجهيله بأن ينفذ الأحد الدائر بينهما لعدم الفائدة وهو حل الاستمتاع إذ لايقع إلا في معينة ولا حل في المعينة أو للضرر عليه بإلزامه النفقة وسائر المواجب مع عدم حصول المقصود وعليها بصير ورتها معلقة لا ذات بعل في حق الوطء ولا مطلقة ولتضرر الأولى لو وقع تعيينه لغيرها وهي الصحيحة والثانية لوقوعها في الوطء الحرام وفي هذا نظر إذ لا ضرر عليها في الدنيا وهو ظاهر ولا في الآخرة لعدم قصد التجانف لإثم ولو قال وللضرر بالواو كان أولى لأن كلا منهما لازم للتنفيذ مع التجهيل فتعين التفريق والظاهر أنه طلاق حتى ينقص من طلاق كل منهما طلقة لو تزوجها بعد ذلك فإن وقع قبل الدخول فله أن يتزوج أيتهما شاء للحال أو بعده بهما فليس له بأي واحدة منهما شاء حتى تنقضي عدتهما وإن انقضت عدة إحداهما دون الأخرى فله تزوج التي لم تنقض عدتها دون الأخرى كي لا يصير جامعا وإن بعده بإحداهما فله أن يتزوجها في الحال دون الأخرى فإن عدتها تمنع من تزوج أختها قوله ولهما نصف المهر المسمى لهما بناء على أن التفريق قبل الدخول مع تساوي مهريهما جنسا وقدرا سواء برهنت كل واحدة منهما على أنه سابقة أو ادعته فقط أما قالتا لا ندري السابقة منا لم يقض بشيء فلو كان التفريق بعد الدخول وجب لكل منهما مهرها كاملا وفي النكاح الفاسد يقضي بمهر كامل وعقر كامل ويجب حمله على ما إذا اتحد المسمى لهما قدرا وجنسا أما إذا اختلفا فيه فيتعذر إيجاب عقر إذ ليست إحداهما أولى بجعلها ذات العقر من الأخرى لأنه فرع الحكم بأنها
____________________
(3/215)
الموطوءة في النكاح الفاسد هذا مع أن الفاسد ليس حكم الوطء فيه إذا سمي فيه العقر بل الأقل من المسمى ومهر المثل ولو اختلفا جنسا أو قدرا قضى لكل واحدة بربع مهرها وإن لم يكن في العقد تسمية تجب متعة واحدة لهما بدل نصف المهر وكل هذه الأحكام المذكورة بين الأختين ثابتة بين كل ما لا يجوز جمعه من المحارم والتقييد المذكور بقوله وقيل لا بد من دعوى كل واحدة منهما أي دعواهما أنها الأولى أو يصطلحان بأن يقولا نصف المهر لنا عليه لا يعدونا فنصطلح على أخده وما ذكره المشايخ يندفع به قول أبي يوسف إنه لا شيء لهما لجهالة المقضي لهما فهو كما لو قال لأحد هذين عندي ألف لا يقضى بشيء لجهالة المقضي له وعن محمد أن عليه مهرا كاملا بينهما نصفان لأن الزوج أقر لجواز نكاح إحداهما فيجب مهر كامل وجوابه إنه يستلزم إيجاب القضاء بما تحقق عدم لزومه فإن إيجاب كماله حكم الموت أو الدخول قوله ولا يجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها تكرار لغير داع إلا أن يكون للمبالغة في نفي الجمع بخلاف ما في الحديث كم قوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي فإنه لا يستلزم منع نكاح المرأة خالتها منع القلب لجواز تخصيص العمة والحالة بمنع نكاح ابنة الأخ والأخت عليهما دون إدخالهما على الابنة لزيادة تكرمتهما على الابنة قال صلى الله عليه وسلم الخالة بمنزلة الأم في الصحيحين ويؤنسه حرمة نكاح الأمة على الحرة مع جواز القلب فكان التكرار لدفع توهم ذلك بخلاف المذكور في الكتاب فإنه لم يذكره إلا بلفظ الجمع فلا يجري فيه ذلك التوهم وهذا ظاهر وغير هذا الحديث الذي ورد بلفظ الجمع لم يزد فيه على قول لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها انتهى في الصحيحان قوله وهذا مشهور أعني الحديث المذكور ثابت في صحيحي مسلم وابن حبان ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وتلقاه الصدر الأول بالقبول من الصحابة والتابعين ورواه الجم الغفير منهم
____________________
(3/216)
أبو هريرة وجابر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم فتجوز الزيادة به على الكتاب يعني بالزيادة هنا تخصيص عموم قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } لا الزيادة المصطلحة من تقييد المطلق مع أن العموم المذكور مخصوص بالمشركة والمجوسية وبناته من الرضاعة فلو كان من أخبار الآحاد جاز التخصيص به أيضا غير متوقف على كونه مشهورا والظاهر أنه لا بد من ادعاء الشهرة لأن الحديث موقعه النسخ لا التخصيص لأن قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات } ناسخ لعموم قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } إذ لو تقدم لزم نسخه بالآية فلزم حل المشركات وهو منتف أو تكرار النسخ وحاصله خلاف الأصل بيان الملازمة أن يكون السابق حرمة المشركات ثم ينسخ بالعام وهو { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ثم يجب تقدير ناسخ آخر لأن الثابت الآن الحرمة قوله ولا يجمع بين امرأتين لو كانت كل واحدة منهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى ثني بعد ذكر ذلك الفرع بأصل كلي يتخرج عليه هو وغيره كحرمة الجمع بين عمتين وخالتين وذلك أن يتزوج كل من رجلين أو الآخر فيولد لكل منهما بنت فيكون كل من البنتين عمة للأخرى أو يتزوج كل من رجلين بنت الآخر ويولد لهما بنتان فكل من البنتين خالة للأخرى فيمتنع الجمع بينهما والدليل على اعتبار الأصل المذكور ما ثبت في الحديث برواية الطبراني وهو قوله فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم وروى أبو داود في مراسيله عن عيسى بن طلحة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قريبتها مخافة القطيعة
____________________
(3/217)
فأوجب تعدي الحكم المذكور وهو حرمة الجمع إلى كل قرابة يفرض وصلها وهو ما تضمنه الأصل المذكور وبه تثبت الحجة على الروافض والخوارج وعثمان البتي على ما نقل عنه وداود الظاهري في إباحة الجمع بين غير الأختين وقد روى في خصوص العمتين والخالتين حديث عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين وإن تكلم في خصيف فالوجه قائم بغيره وهذا مؤيد قوله والقرابة المحرمة للنكاح أي بمقتضى آية المحرمات محرمة للقطع على اسم الفاعل فيهما وفي الجمع القطع فلا يحل وفي بعض النسخ محرمة للقطع على اسم المفعول في الثاني أي إنما حرمت للقطع فإنه عادة يقع التشاجر بين الزوجتين فيفضي إلى القطيعة فلذلك حرمت تلك القرابات المنصوص عليهن في الآية أعنى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } إلى آخرها على الرجل وإن كان في بعضها غير ذلك أيضا كمنافاة الاحترام الواجب للأمهات والعمات والخالات بالافتراش فيمكن إدراجه في القطيعة ولا شك أن الجمع أفضى إليه لأكثرية المضارة بين الضرائر فكانت حرمة الجمع أولى من حرمة الأقارب قوله ولو كانت المحريمة بينهما أي بين المرأتين بسبب الرضاع لا يحل الجمع لما روينا من قبل وهو قوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فلا يجوز أن يجمع بين أختين من الرضاع أو امرأة وابنة أخ لها من الرضاع لأنها عمتها أو امرأة وابنة أختها من الرضاع لأنها خالتها من الرضاع قوله لأنه لا قرابة بينهما ولا رضاع يعني أن الموجب لاعتبار ذلك الأصل وهو حرمة الجمع بين امرأتين لو كانت كل منهما ذكرا حرمت عليه الأخرى هو قيام القرابة المفترض وصلها أو الرضاع المفترض وصل متعلقه واحترامه حتى لا يجوز أن يجمع بين أختين من الرضاع أو عمة أو خالة وابنة أخ أو اخت من الرضاع وكذا كل محرمية بسبب الرضاع وكلاهما منتف في الربيبة وزوجة الأب فكان تحريم الجمع بينهما قولا لا بدليل وهذه أعني مسئلة الجمع بين الربيبة وزوجة أبيها مما اتفق عليه الأئمة الأربعة وقد جمع عبد الله بن جعفر بين زوجة علي وبنته ولم ينكر عليه أحد من أهل زمانه وهم الصحابة والتابعون وهو دليل ظاهر على الجواز أخرجه الدارقطني عن قثم مولى ابن عباس قال تزوج عبد الله بن جعفر بنت علي وامرأة علي وذكره البخاري تعليقا قال وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي وتعليقاته صحيحه قال ابن سيرين وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به وقدمنا قريبا أنه لابأس أن يتزوج الرجل امرأة ويتزوج
____________________
(3/218)
ابنه أمها أو بنتها لأنه لا مانع وقد تزوج محمد بن الحنفية امرأة وزوج ابنه بنتها قوله ومن زنى بامرأة حرمت عليه أمها أي وإن علت فتدخل جدات بناء على ما قدمه من ان الأم هي الأصل لغة وابنتها وإن سفلت وكذا تحرم المزني بها على آباء الزاني وأجداده وإن علوا وأبنائه وإن سفلوا هذا إذا لم يفضها الزاني فإن أفضاها لا تثبت هذه الحرمات لعدم تيقن كونه في الفرج إلا إذا حبلت وعلم كونه منه وعن أبي يوسف قال أكره له الأم والبنت وقال محمد التنزه أحب إلي ولكن لا أفرق بينه وبين أمها وقد يقال إذا كان المس بشهوة تنتشر بها الآلة محرما يجب القول بالتحريم إذا أفضاها إن لم ينزل وإن أنزل فعلى الخلاف الآتي وإن انتشر معه أو زاد انتشاره كما في غيره والجواب أن العلة هو الوطء السبب للولد وثبوت الحرمة بالمس ليس إلا لكونه سببا لهذا الوطء ولم يتحقق في صورة الإفضاء ذلك إذا لم يتحقق كونه في القبل ولا بد من كونها مشتهاة حالا أو ماضيا وعن أبي يوسف إذا وطئ صغيرة لا تشتهى تثبت الحرمة قياسا على العجوز الشوهاء ولهما أن العلة وطء سبب للولد وهو منتف في الصغيرة التي لا تشتهى بخلاف الكبيرة لجواز وقوقعه كإبراهيم وزكريا عليهما السلام وله أن يقول الإمكان العقلي ثابت فيهما والعادي منتف عنهما فتساويا والقصتان على خلاف العادة لا توجبان الثبوت العادي ولا تخراجان العادة عن النفي ولا يتعلق بالوطء في الدبر حرمة خلافا لما عن الأوزاعي وأحمد ووجهه ما تضمنه الجواب المذكور وبقولنا قال مالك في رواية وأحمد خلافا للشافعي ومالك في أخرى وقولنا قول عمر وابن مسعود وابن عباس في الأصح وعمران بن الحصين وجابر وأبي وعائشة وجمهور التابعين كالبصري والشعبي والنخعي والأوزاعي وطاوس وعطاء ومجاهد وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وحماد والثوري وإسحاق بن راهوية ولو ولدت منه بنتا بأن زنى ببكر وأمسكها حتى ولدت بنتا حرمت عليه هذه البنت لأنها بنته حقيقة وإن لم ترثه ولم تجب نفقتها عليه ولم تصر أمهاتها أمهات أولاد لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش فإن المراد به الولد الذي يترتب عليه أحكام الشرع إلا أن حكم الحرمة عارضة فيه قوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } والمخلوقة من مائة بنته حقيقة لغة ولم يثبت نقل في اسم البنت والولد شرعا والاتفاق على حرمة الابن من الزنا على أمه فعلمنا أن حكم الحرمة مما اعتبر فيه جهة الحقيقة ثم هو الجازي على المعهود من الاحتياط في أمر الخروج وبحرمة البنت من الزنا قال مالك في المشهور وأحمد خلافا للشافعي وعلى هذا الخلاف أخته من الزنا وبنت أخيه أو بنت أخته أو ابنه منه بأن زنى أبوه أو أخوه أو أخته أو ابنه فأولدوا بنتا فإنها تحرم على الأخ والعم
____________________
(3/219)
والخال والجد ووجه قوله ظاهر من الكتاب قوله ولنا أن الوطء سبب الجزئية اعلم أن الدليل يتم بأن يقال هو وطء سبب للولد فيتعلق به التحريم قياسا على الوطء الحلال بناء على إلغاء وصف الحل في المناط وهو يعتبره فهذا منشأ الافتراق ونحن نبين إلغاءه شرعا بأن الوطء الأمة المشتركة وجارية الإبن والمكاتبة والمظاهر منها وأمته المجوسية والحائض والنفساء ووطء المحرم والصائم كله حرام وتثبت به الحرمة المذكورة فعلم أن المعتبر في الأصل هو ذات الوطء من غير نظر لكونه حلالا أو حرما وما رواه من قوله صلى الله عليه وسلم لا يحرم الحرام غير مجرى على ظاهره أرأيت لو بال أو صب خمرا في ماء قليل مملوك له لم يكن حراما مع أنه يحرم استعماله فيجب كون المراد أن الحرام لا يحرم باعتبار كونه حراما وحينئذ نقول بموجبه إذا لم نقل بإثبات الزنا حرمة المصاهرة باعتبار كونه زنا بل باعتبار كونه وطأ هذا لو صح الحديث لكن حديث ابن عباس مضعف بعثمان بن عبد الرحمن الوقاصي على ما طعن فيه يحيى بن معين بالكذب وقال البخاري والنسائي وأبو داود ليس بشيء وذكره عبد الحق عن ابن عمر ثم قال في إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك وحديث عائشة ضعف بأنه من كلام بعض قضاة أهل العراق قاله الإمام أحمد وقيل من كلام ابن عباس وخالفه كبار الصحابة وقد استدل بقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } بناء على أن المراد بالنكاح الوطء إما لأنه الحقيقة اللغوية أو مجاز يجب الحمل عليه بقرينة قوله تعالى { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } وإنما الفاحشة الوطء لا نفس العقد ويمكن منع هذا بل نفس لفظه الذي وضعه الشارع لاستباحة الفروج إذا ذكر لاستباحة ما حرم الله من منكوحات الآباء أي المعقود عليهن لهم بعد ما جعله الله قبيحا قبيح وقدمنا للمصنف اعتبار الآية دليلا
____________________
(3/220)
على تحريم المعقود عليها للأب وقد روى أصحابنا أحاديث كثيرة منها قال رجل يا رسول الله إني زنيت بامرأة في الجاهلية أفانكح ابنتها قال لا أرى ذلك ولا يصلح أن تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها وهو مرسل ومنقطع وفيه أبو بكر بن عبد الرحمن ابن أم حكيم ومن طريق ابن وهب عن أبي أيوب عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يتزوج المرأة فيغمز ولا يزيد على ذلك لا يتزوج ابنتها وهو مرسل ومنقطع إلا أن هذا لا يقدح عندنا إذا كانت الرجال ثقات فالحاصل أن المنقولات تكافأت وقوله نعمة فلا تنال بالمحظور مغلطة فإن النعمة ليست التحريم من حيث هو تحريم لأنه تضييق ولذا اتسع الحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الله سبحانه بل من حيث هو يترتب على المصاهرة فحقيقة النعمة هي المصاهرة لأنها هي التي تصير الأجنبي قريبا وعضدا وساعدا يهمه ما أهمك ولا مصاهرة بالزنا فالصهر زوج البنت مثلا لا من الزنى ببنت الإنسان فانتفى الصهرية وفائدتها أيضا إذ الإنسان ينفر عن الزاني ببنته فلا يتعرف به بل يعاديه فأنى ينتفع به فالمرجع القياس وقد بينا فيه إلغاء وصف زائد على كونه وطأ وظهر أن حديث الجزئية وإضافة الولد إلى كل منهما كملا لايحتاج إليه في تمام الدليل إلا أن الشيخ ذكره بيانا لحكمة العلة يعني أن الحكمة في ثبوت الحرمة بهذا الوطء كونه سببا للجزئية بواسطة الولد المضاف إلى كل منهما كملا وهو إن انفصل فلا بد من اختلاط ما ولا يخفى أن الاختلاط لا يحتاج تحققه إلى الولد وإلا لم تثبت الحرمة بوطء غير معلق والواقع خلافة فتضمنت جزءه والاستمتاع بالجزء حرام لقوله صلى الله عليه وسلم ناكح اليد ملعون إلا في موضع الضرورة وهي المنكوحة وإلا لاستلزم البقاء متزوجا حرجا عظيما تضيق عنده الأموال والنساء وإذا تضمنت جزءه صارت أمهاتها كأمهاته وبناتها وبناته كبناته فيحرمن عليه كما تحرم أمهاته وبناته حقيقة أو نقول وهو الأوجه بالإنفصال لا تنقطع نسبة الجزئية وهي المدار وعند عدم العلوق غاية ما يلزم كون المظنة خالية عن الحكمة وذلك لا يمنع التعليل كالملك المرفه قوله ومن مسته امرأة بشهوة أي بدون حائل أو بحائل رقيق تصل معه حرارة البدن إلى اليد وقيل المدار وجود الحجم وفي مس الشعر روايتان ونقل فيه اختلاف المشايخ ومسه امرأة كذلك ويشترط كونها مشتهاة حالا أو ماضيا فلو مس عجوزا بشهوة أو جامعها تثبت الحرمة وكذا إذا كانت صغيرة
____________________
(3/221)
تشتهى قال ابن الفضل بنت تسع سنين مشتهاة من غير تفصيل وبنت خمس سنين فما دونها لا بلا تفصيل وبنت ثمان أو سبع أو ست إن كانت عبلة كانت مشتهاة وإلا فلا وكذا يشترط في الذكر حتى لو جامع ابن أربع سنين زوجة أبيه لا تثبت به حرمة المصاهرة وهذا ما وعدناه من قريب ولا فرق في ثبوت الحرمة بالمس بين كونه عامدا أو ناسيا أو مكرها أو مخطئا حتى لو أيقظ زوجته ليجامعها فوصلت يده إلى بنته منها فقرصها بشهوة وهي ممن تشتهي يظن أنها أمها حرمت عليه الأم حرمة مؤبدة ولك أن تصورها من جانبها بأن أيقظته هي كذلك فقرصت ابنه من غيرها وقوله بشهوة في موضع الحال فيفيد اشتراط الشهوة حال المس فلو مس بغير شهوة ثم اشتهى عن ذلك المس لا تحرم عليه وما ذكر في حد الشهوة من أن الصحيح أن تنتشر الآلة أو تزداد انتشارا 1 هـ قول السرخسي وشيخ الإسلام وكثير من المشايخ لم يشترطوا سوى أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها وفرع عليه ما لو انتشر فطلب امرأته فأولج بين فخذي بنتها خطأ لا تحرم عليه الأم ما لم يزدد الانتشار ثم هذا الحد في حق الشاب أما الشيخ والعنين فحدها تحرك قلبه أو زيادة تحركه ان كان متحركا لا مجرد ميلان النفس فإنه يوجد فيمن لا شهوة له أصلا كالشيخ الفاني والمراهق كالبالغ حتى لو مس وأقر أنه بشهوة تثبت الحرمة عليه وكان ابن مقاتل لا يفتى بالحرمة على هذين لأنه لايعتبر إلا تحرك الآلة ثم وجود الشهوة من أحدهما كاف ولم يحدوا الحد المحرم منها في حق الحرمة وأقله تحرك القلب على وجه يشوش الخاطر هذا وثبوت الحرمة بمسها مشروط بأن يصدقها أو يقع في أكبر رأيه صدقها وعلى هذا ينبغي أن يقال في مسه إياها لا تحرم على أبيه وابنه إلا أن يصدقاه أو يغلب على ظنهما صدقه ثم رأيت عن أبي يوسف أنه ذكر في الأمالي ما يفيد ذلك قال امرأة قبلت ابن زوجها وقالت كان عن شهوة إن كذبها الزوج لا يفرق بينهما ولو صدقها وقعت الفرقة ووجب نصف المهر إن كان قبل الدخول ويرجع به الأب على الإبن إن تعمد الفساد ولو وطئها الإبن حتى وقعت الفرقة ووجبت نصف المهر لا يرجع على الإبن لأنه وجب عليه الحد بهذا الوطء فلا يجب المهر وتقبل الشهادة على الإقرار بالمس والتقبيل بشهوة ولو أقر بالتقبيل وأنكر الشهوة ولم يكن انتشار في بيوع الأصل والمنتقى يصدق وفي مجموع النوازل لا يصدق لو قبلها على الفم قال صاحب الخلاصة وبه كان يفتي الإمام خالي وقال القاضي الإمام يصدق في جميع المواضع حتى رأيته أفتى في المرأة إذا أخذت ذكر الختن في الخصومة فقالت كان عن غير شهوة أنها تصدق 1 هـ ولا إشكال في هذا فإن وقوعه في حالة الخصومة ظاهر في عدم الشهوة بخلاف ما إذا قبلها منتشرا فإنه لا يصدق في دعوى عدم الشهوة والحاصل أنه إذا أقر بالنظر وأنكر الشهوة صدق بلا خلاف وفي المباشرة إذا قال بلا شهوة لا يصدق بلا خلاف فيما أعلم وفي التقبيل إذا أنكر الشهوة اختلف فيه قيل لا يصدق لأنه لا يكون إلا عن شهوة غالبا فلا يقبل إلا أن يظهر خلافه بالانتشار ونحوه وقيل يقبل وقيل بالتفصيل بين كونه على الرأس والجبهة والخد فيصدق أو على الفم فلا والأرجح هذا إلا أن الخد يترءى إلحاقه بالفم
____________________
(3/222)
ويحمل ما في الجامع في باب قبول ما تقام عليه البينة أن هذا المدعي تزوج أمها أو قبلها أو لمسها بشهوة على أن قوله بشهوة قيد في اللمس والقبلة بناء على إرادة القبلة على الفم ونحوه أو في اللمس فقط إن أريد غير الفم ونحوه والحاصل أن الدعوى إذا وافقت الظاهر قبلت وإلا ردت فيراعى الظهور وفي المحيط لو كان لرجل جارية فقال وطئتها لا تحل لابنه وإن كانت في غير ملكه تحل لابنه إن كذبه لأن الظاهر يشهد له قوله وقال الشافعي لا تحرم قيل عليه أن ثبوت خلافه مستفاد من المسئلة السابقة بطريق أولى فلا حاجة إلى نقله مرة أخرى أجيب بأن المس المتكلم فيه هنا مفروض في الحلال وإن كان لا تفاوت عندنا بين المس الحلال والحرام وثبوت خلافه في المس الحلال لا يوقف عليه بالسابقة وحينئذ لا بد من فرض كون الممسوس أمته على ما في شرح المجمع حيث قال المراد بالمرأة المنظور إليها يعني التي فيها خلاف الشافعي الأمة يعني أمته لأنه إما لأنه إما أن يراد المنكوحة أو الأجنبية أو الأمة لا سبيل إلى الأول لأن أم المنكوحة حرمت بالعقد وبنتها بالنظر واللمس لا أن حرمتها جميعا بالنظر والمس فلا يستقيم في المنكوحة إلا فائدة التحريم في الربيبة دون الأم ولا سبيل إلى الأجنبية لأن الدخول
____________________
(3/223)
بها لا يوجب حرمة المصاهرة عند الشافعي قوله والمعتبر النظر إلى الفرج الداخل وعن أبي يوسف النظر إلى منابت الشعر المحرم وقال محمد أن ينظر إلى الشق وجع ظاهر الرواية أن هذا حكم تعلق بالفرج والداخل فرج من كل وجه والخارج فرج من وجه وأن الاحتراز عن النظر إلى الفرج الخارج متعذر فسقط اعتباره 1 هـ ولقائل أن يمنع الثاني ويقول في الأول قد تم للمصنف في فصل الغسل من أول الكتاب ما إذا نقل نظيره إلى هنا كان هذا التعليل موجبا للحرمة بالنظر إلى الخارج وهو قوله ولنا أنه متى وجب الغسل من وجه فالاحتياط في الإيجاب والموضع الذي نحن فيه موضع الاحتياط وقد يجاب بأن نفس هذا الحكم وهو التحريم بالمس ثبوته بالاحتياط فلا يجب الاحتياط في الاحتياط
فروع النظر من وراء الزجاج إلى الفرج محرم بخلاف النظر في المرآة ولو كانت في الماء فنظر فيه فرأى فرجها ثبتت الحرمة ولو كانت على الشط فنظر في الماء فرأى فرأى فرجها لا يحرم كأن العلة والله أعلم أن المرئى في المرآه مثاله لا هو وبهذا عللوا الحنث فيما إذا حلف لا ينظر إلا وجه فلان فنظره في المرآة أو الماء وعلى هذا فالتحريم به من وراء الزجاج بناء على نفوذ البصر منه فيرى نفس المرئى بخلاف المرآة والماء وهذا ينفي كون الإبصار من المرآة ومن الماء بواسطة انعكاس الأشعة وإلا لرآه بعينه بل بانطباع مثل الصورة فيهما بخلاف المرئى في الماء لأن البصر ينفذ فيه إذا كان صافيا فيرى نفس مافيه وإن كان لايراه على الوجه الذي هو عليه ولهذا كان له الخيار إذا اشترى سمكة رآها في ماء بحيث تؤخذ منه بلا حيلة وتحقيق سبب اختلاف المرئى فيه في فن آخر ثم شرط الحرمة بالنظر أو المس أن لاينزل فإن أنزل قال الأزوجندي وغيره تثبت لأن بمجرد المس بشهوة تثبت الحرمة والإنزال لا يوجب رفعها بعد الثبوت والمختار لا تثبت كقول المصنف وشمس الأئمة والبزدوي بناء على أن الأمر موقوف حال المس إلى ظهور عاقبته إن ظهر أنه لم ينزل حرمت وإلالا والاستدلال واضح في الكتاب إلا أن إقامة السبب إذا نيط الحكم بالمسبب إنما تكون لخفاء المسبب وإلا فهو تعليق بغير المناط لغير حاجة والأولى ادعاء كون المناط شرعا نفس الاستمتاع بمحل الولد بالنظر واللمس نظرا إلى أن الآثار جاءت بالحرمة في المس ونحوه وقد روى في الغاية السمعانية حديث أم هانئ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من نظر إلى فرج امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وفي الحديث ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها وعن عمر أنه جرد جارية ونظر إليها ثم استوهبها منه بعض بنيه فقال أما إنها لا تحل لك وهذا إن تم كان دليل أبي يوسف في كون النظر إلى منابت الشعر كافيا وعن ابن عمر قال إذا جامع الرجل المرأة أو قبلها أو لمسها
____________________
(3/224)
بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها وعن مسروق أنه قال بيعوا جاريتي هذه أما إني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من المس والقبلة قوله لو يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها وفي المبسوط لا تتزوج المرأة في عدة أختها من نكاح فاسد أو جائز عن طلاق بائن وقال الشافعي إن كانت العدة عن طلاق بائن جاز وعلى هذا الخلاف تزوج أربع سوى المعتدة عن بائن وبقوله قال مالك وبقولنا قال أحمد وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس ذكره سليمان بن يسار عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة السلماني ومجاهد والثوري والنخعي وروى مذهبه عن زيد بن ثابت إلا أن أبا يوسف ذكر في الأمال رجوع زيد عن هذا القول وكذا ذكره الطحاوي حكى أن مراون شاور الصحابة في هذا فاتفقوا على التفريق بينهما وخالفهم زيد ثم رجع إلى قولهم وقال عبيدة ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كاجتماعهم على تحريم نكاح الأخت في عدة الأخت والمحافظة على أربع قبل الظهر ثم إن على محل النزاع يتجاذبه أصلان الطلاق الرجعي وما بعد انقضاء العدة فقاس البائن على الثاني بجامع انقطاع النكاح إعمالا للقاطع وهو الطلاق البائن ويدل على انقطاعه أنه لو وطئها عالما بالحرمة حد وقسنا على الأول بجامع قيام النكاح بناء على منع انقطاعه بالكلية وهذا لأن ليس معنى قولنا النكاح قائم حال قيام العصمة والزوجية فضلا عن حالة وقوع الطلاق الرجعي إلا قيام أحكامه لأن لفظ تزوجت وزوجت تلاشى بمجرد انقضائه فقيامه بعده ليس إلا قيام حكمه الراجع إلى الاختصاص استمتاعا وإمساكا وقد بقي الإمساك والفراش في حق ثبوت النسب حال قيام عدة البائن فيبقى النكاح من وجع وإذا كان قائما من وجه حرم تزوج أختها وأربع سواها من وجه فتحرم مطلقا إلحاقا بالرجعى أو بما لا يحصى من الأصول التي اجتمع فيها جهتا تحريم وإباحة مع وجوب الاحتياط في أمر الفروج ويخص تزوج الأخت في عدة الأخت دلالة النص المانع من الجمع بين الأختين فإنه علل فيه بالقطعية وهي هنا أظهر وألزم فإن مواصلة أختها في حال حبسها بلا استمتاع أغيظ لها من مواصلتها مع مشاركتها في المتعة والفرع المستدل به على الانقطاع بالكلية ممنوع فإن الحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق حيث قال فيه معتدة عن طلاق ثلاث جاءت بولد لأكثر من سنتين من يوم طلقها زوجها لم يكن الولد
____________________
(3/225)
للزوج إذا أنكره ففيه دليل على أنه لو ادعى نسبه ثبت ويستلزم أن الوطء في عدة الثلاث ليس زنا مستعقبا لوجوب الحد وإلا لم يثبت نسبه فكان ذلك رواية في عدم الحد وإن سلم كما في عبارة كتاب الحدود فغاية ما يفيد انقطاع الحل بالكلية وقد قلنا به على ما ستسمعه وإنما قلنا إن أثر النكاح قائم من وجه وبه يقوم هو من وجه وبه تحرم الأخت من وجه وبه تحرم مطلقا وفي المجتبى جواز نكاح الأخت عي عدة الأخت يؤدي إلى جمع مائة في رحم أختين لجواز العلوق بعد النكاح ويثبت في العتدة النسب إلى سنتين وهو ممتنع بالحديث 1 هـ يعني قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين ومثله لو علقت المطلقة قبل الطلاق ثم دخل بأختها بعده يلزم ما ذكر أيضا
فروع الأول إذا أخبر المطلق عن المطلقة أنها أخبرته أن عدتها انقضت فإما تحتمله المدة أو لا لا يصح نكاحه أختها في الثاني لأنه لا يقبل قولها ولا قوله إلا أن يفسره بما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين الخلق وفي الأول يصح نكاحه أختها سواء سكتت المخبر عنها أو صدقته أو كذبته أو كانت غائبة وقال زفر إذا كذبته لا يصح نكاحه أختها لأنها أمينة وقد قبل تكذيبها حتى استمرت نفقتها وثبت نسب ولدها إذا أتت به ومن ضرورة ثبوت النسب والنفقة القول بقيام العدة وهو يستلزم بطلان النكاح ولنا أنه أخبر عن أمر ديني بينه وبين الله تعالى وهو محتمل فيجب قبوله في الحال وتكذيبهما لا ينفع إلا في حقها فقلنا ببقاء النفقة بخلاف نكاح الأخت لاحق لها فلا تقبل فيه ولا يتسلزم الحكم بالنفقة الحكم شرعا بقيام العدة والفراش كالأختين المملوكتين بخلاف ما إذا ولدت فإن من ضرورة القضاء بنسبه الحكم بإسناد العلوق فتيقن بكذبه ثم قال في الأصل هنا إن مات لم ترثه وكان الميراث للأخرى وذكر في كتاب الطلاق أن الميراث للأولى دون الأخرى ولكن وضع المسألة فيما إذا كان مريضا حين قال أخبرتني أن عدتها انقضت وكذبته وإنما يتحقق اختلاف الروايات في حكم الميراث إذا كان الطلاق رجعيا فأما البائن وهو في الصحة فلا ميراث للأولى وإن لم يخبر الزوج بها وفي كتاب الطلاق لما وضع المسألة في المريض وكان قد تعلق حقها بماله لم يقبل قوله في إبطال حقها كما في نفقتها وهنا وضعها في الصحيح ولا حق لها في ماله فكان قوله مقبولا في إبطال إرثها توضيحه أن بقوله ذلك أخبر أن الواقع
____________________
(3/226)
يعني الطلاق صار بائنا فكأنه أبانها في صحته فلا ميراث لها ولو أبانها في مرضه كان لها الميراث وقيل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأن عندهما يجوز جعل الرجعي بائنا خلافا لمحمد ومتى كان الميراث للأولى فلا ميراث للثانية الثاني لو أعتق أم ولده لم يحل له تزوج أختها حتى تنقضي عدتها ويحل أربع سواها عنده وعندهما تحل تحل الأخت أيضا قياس على تزوج الأربع ولأن حقيقة الملك لم تمنع فكيف بالعدة وإنما هي أثره وأبو حنيفة يفرق بضعف الفراش قبل العتق وقوته بعده ألا ترى أنه كان يتمكن من تزوجها قبله لا بعده حتى تنقضي فلو تزوج أختها بعد العتق كان مستلحقا نسب ولدي أختين في زمان واحد وهو لا يجوز وهذا مفقود في الأربع سواها إذ غايته أنه جمع بين فرش الخمس ولا بأس به الثالث لزوج المرتدة إذا لحقت بدار الحرب تزوج أختها قبل انقضاء عدتها كما إذا ماتت لأنه لا عدة عليها من المسلم للتباين فإن عادت مسلمة فإما بعد تزوج الأخت أو قبله ففي الأول لا يفسد نكاح الأخت لعدم عودة العدة وعند أبي يوسف تعود العدة وفي إبطال نكاح أختها عنه روايتان وفي الثاني كذلك عند أبي حنيفة لأن العدة بعد سقوطهما لا تعود بلا سبب جديد وعندهما ليس له تزوج الأخت وعودها مسلمة يصير شرعا لحاقها كالغيبة ألا ترى أنه يعاد إليها مالها فتعود معتدة قوله ولا يتزوج المولى أمته ولو ملك بعضها ولا المرأة عبدها وإن لم تملك سوى سهم واحد منه وقد حكى في شرح الكنز الإجماع على بطلانه وحكى غيره فيه خلاف الظاهرية قوله لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا ثمرات مشتركة بين المتناكحين أي في الملك منها ما تختص هي بملكه كالنفقة والسكنى والقذف والمنع من العزل إلا بإذنها ومنها ما يختص هو بملكه كوجوب التمكين والقرار في المنزل والتحصن
____________________
(3/227)
عن غيره ومنها ما يكون الملك في كل منهما مشتركا كالاستمتاع مجامعة ومباشرة والولد في حق الإضافة واللملوكية تنافي المالكية فقد نافت لازم عقد النكاح ومنافي اللازم مناف للملزوم ولا وجه إذا تأملت بعد هذا التقرير للسؤال القائل يجوز كونها مملوكة من وجه الرق مالكة من جهة النكاح لأن الفرض أن لازم النكاح ملك كل واحد لما ذكرنا من تلك الأمور على الخلوص والرق يمنعه من غير النفقة فنافاه ولو اشترت زوجها أو شيئا منه فسد النكاح ويسقط المهر كما لو داين عبدا ثم اشتراه سقط الدين لأنه لا يثبت للمولى على عبده دين قوله ويجوز توزيج الكتابيات والأولى أن لايفعل ولا يأكل ذبيحتهم إلا للضرورة وتكره الكتابية الحربية إجماعا لا نفتاح
____________________
(3/228)
باب الفتنة من إمكان التعلق المستدعى للمقام معها في دار الحرب وتعريض الولد على التخلق بأخلاق أهل الكفر وعلى الرق بأن تسبى وهي حبلى فيولد رقيقا وإن كان مسلما والكتابي من يؤمن بنبي ويقر بكتاب والسامرية من اليهود أما من آمن بزبور داود وصحف إبراهيم وشيث فهم أهل الكتاب تحل مناكحتهم عندنا ثم قال في المستصفى قالوا هذا يعني الحل إذا لم يعتقدوا المسيح إلها أما إذا اعتقدوه فلا وفي مبسوط شيخ الإسلام ويجب أن لايأكلوا ذبائح أهل الكتاب إذا اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله ولا يتزوجوا نسائهم وقيل عليه الفتوى ولكن بالنظر إلى الدلائل ينبغي أن يجوز الأكل والتزويج 1 هـ وهو موافق لما في رضاع مبسوط شمس الأئمة في الذبيحة قال ذبيحة النصراني حلال مطلقا سواء قال بثالث ثلاثة أو لا وموافق لإطلاق الكتاب هنا والدليل وهو قوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } فسره بالعفائف احترازا عن تفسير ابن عمر بالمسلمات ولذلك امتنع ابن عمر رضي الله عنه من تزوج الكتابية مطلقا لاندراجها في المشركة قال تعالى { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } إلى أن قال { سبحانه عما يشركون } قلنا وقد قيل إن القائل بذلك طائفتان من اليهود والنصارى انقرضوا لاكلهم ويهود ديارنا يصرحون بالتنزيه عن ذلك والتوحيد وأما النصارى فلم أر إلا من يصرح بالأبنية قبحهم الله لكن هذا يوجب نصرة المذهب المفصل في أهل الكتاب فأما من أطلق حلهم فيقول مطلق لفظ المشرك إذا ذكر في لسان الشارع فلا ينصرف إلى أهل الكتاب وإن صح لغة في طائفة بل وطوائف وأطلق لفظ الفعل أعني يشركون على فعلهم كما أن من راءى بعمله من المسلمين فلم يعمل إلا لأجل زيد يصح في حقه أنه مشرك لغة ولا يتبادر عند إطلاق الشارع لفظ المشترك إرادته لما عهد من إرادته به من عبد مع الله غيره ممن لا يدعى اتباع نبي ولا كتاب ولذلك عطفهم عليه في قوله تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } ونصص على حلهم بقوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي العفائف منهن وتفسير المحصنات بالمسلمات يفيد أن المعنى أحل لكم المسلمات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فإن كن قد انقرضن فلا فائدة إذ لا يتصور الخطاب لحل الأموات للمخاطبين الأحياء وإن كن أحياء ودخلن في دين سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحل حينئذ معلوم من حكم المسلمات المعلوم بالضرورة من الدين بل ويدخل في المحصنات المعطوف عليه وهو قوله تعالى { والمحصنات من المؤمنات } ثم يصير المعنى فيه والمسلمات من المؤمنات وهو بعيد في عرف استعمالهم بخلاف تفسيره بالعفائف ثم المراد من ذكره حث الإنسان على التخير لنطفته ألا ترى أن العفة ليست شرطا في المؤمنات اتفاقا وإن لم يدخلن فهو عين الدليل حيث أبيح نكاح الكتابيات الباقيات على ملتهن ولو سلم فهي منسوخة أعني { ولا تنكحوا المشركات } نسخت في حق أهل الكتاب المثلثين وغيرهم بآية المائدة وبقي من سواهم تحت المنع ذكره جماعة من أهل التفسير لأن سورة المائدة كلها لم ينسخ منها شيء قط على أن تفسير المحصنات
____________________
(3/229)
بالمسلمات ليس من اللغة بل هو تفسير إرادة لا لغة ويدل على أن الحل تزوج بعض الصحابة منهم وخطبة بعضهم فمن المتزوجين حذيفة وطلحة وكعب بن مالك وغضب عمر فقالوا نطلق يا أمير المؤمنين وإنما كان غضبه لخلطة الكافرة بالمؤمن وخوف الفتنة على الولد لأنه في صغره ألزم لأمه ومثله قول مالك تصير تشرب الخمر وهو يقبل ويضاجع لا لعدم الحل ألا ترى إلى قولهم نطلق يا أمير المؤمنين ولم ينكر عليهم ذلك هو ولا غيره ولو لم يصح لم يتصور طلاق حقيقة ولا وقف إلى زمنه وخطب المغيرة بن شعبة هندا بنت النعمان بن المنذر وكانت تنصرت وديرها باق إلى اليوم بظاهر الكوفة وكانت قد عميت فأبت وقالت أي رغبة لشيخ أعور في عجوز عمياء ولكن أردت أن تفتخر بنكاحي فتقول تزوجت بنت النعمان بن المنذر فقال صدقت وأنشأ يقول ** أدركت ما منيت نفسي خاليا ** ** لله درك يا ابنة النعمان ** ** فلقد رددت على المغيرة ذهنه ** ** إن الملوك ذكية الأذهان **
وكانت بعد ذلك تدخل عليه فيكرمها ويسألها عن حالها فقالت في أبيات ** فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ** ** إذا نحن فيهم سوقة نتنصف ** ** فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ** ** تقلب تارت بنا بنا وتصرف **
قولها نتنصف أي نستخدم والمنصف الخادم فإذا كان الأمر على ما قررناه فلا جرم أن ذهب عامة المفسرين إلى تفسير المحصنات بالعفائف ثم ليست العفة شرطا بل هو للعادة أو لندب أن لا يتزوجوا غيرهن كما أشرنا إليه آنفا والأئمة الأربعة على حل الكتابية الحرة وأما الأئمة الكتابية فكذلك عندنا وسيأتي الخلاف فيها قوله ولا يجوز تجويز المجوسيات عليه الأربعة ونقل الجواز عن داود وأبي ثور ونقله إسحاق في تفسيره عن علي رضي الله عنه بناء على أنهم من أهل الكتاب فواقع ملكهم أخته ولم ينكروا عليه فأسرى بكتابهم فنسوه وليس هذا الكلام بشيء لأنا نعني بالمجوس عبدة النار فكونهم كان لهم كتاب أولا لا أثر له فإن الحاصل أنهم الآن داخلون في المشركين وبهذا يستغنى عن منع كونهم من أهل الكتاب بأنه يخالف قوله تعالى { إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } من غير تعقيب بإنكار وعد هم المجوس يقتضى أنهم ثلاث طوائف وبتقدير التسليم فبالرفع والنسيان أخرجوا عن كونهم أهل كتاب يدل على إخراهم الحديث المذكور وهو ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم ولا آكل ذبائحهم قال بن القطان هو مرسل ومع إرساله فيها قيس بن مسلم وهو ابن الربيع وقد اختلف فيه وهو ممن ساء حفظه بالقضاء ورواه ابن سعد في الطبقات من طريق ليس فيها قيس بن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس هجر الحديث إلى أن قال بأن لا تنكح نساؤهم ولا
____________________
(3/230)
تؤكل ذبائحهم وفي سنده الواقدي وروى مالك في موطئه عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس فقال ما أدري ما أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب 1 هـ وسيأتي باقي ما فيه من الكلام في باب الجزية إن شاء الله تعالى قوله ولا الوثنيات وهو بالإجماع والنص ويدخل في عبدة الأوثان عبدة الشمس والنجوم والصور التي استحسنوها والمعطلة والزنادقة والباطنية والإباحية وفي شرح الوجيز وكل مذهب يكفر به معتقده لأن اسم المشرك يتنولهم جميعا وقال الرستغفني لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال والفضلى ولا من قال أنا مؤمن إن شاء الله لأنه كافر ومقتضاه منع مناكحة الشافعية واختلف فيها هكذا قيل يجوز وقيل يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته ولا يخفى أن من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى فإنما يريد إيمان الموافاة صرحوا به يعنون الذي يقبض عليه العبد لأنه إخبار عن نفسه بفعل في المستقبل أو استصحابه إليه فيتعلق به قوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } وعلى هذا فيكون قوله إن شاء الله شرطا لا كما يقال إنه لمجرد التبرك وكيف لا يقتضى ذلك كفره غير أنه عندنا خلاف الأولى لأن تعويد النفس بالجزم في مثله ليصير ملكة خير من إدخال أداة التردد في أنه هل يكون مؤمنا عند الموافاة أولا وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم لأن الحق عدم تكفير أهل القبلة وإن وقع إلزاما في المباحث بخلاف من خالف القواطع المعلومة بالضروة من الدين مثل القائل بقدم العالم ونفي العلم بالجزئيات على ما صرح به المحققون وأقول وكذا القول بالإيجاب بالذات ونفي الإختيار
____________________
(3/231)
فرع تجوز المناكحة بين اليهود والنصارى والمجوس بمعنى تزوج اليهودي نصرانية أو مجوسية والمجوسي يهودية أو نصرانية لأنهم أهل ملة واحدة من حيث الكفر وإن اختلفت نحلهم فتجوز مناكحة بعضهم بعضا كأهل المذاهب من المسلمين وأجاز سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وطء المشركة والمجوسية بملك اليمين لورود الإطلاق في سبايا العرب كأوطاس وغيرها وهن مشركات والمذهب عندنا وعند عامة أهل العلم منع ذلك لقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات } فإما أن يراد الوطء أو كل منه ومن العقد بناء على أنه مشترك في سياق النفي أو خاص في الضم وهو ظاهر في الأمرين ويمكن كون سبايا أوطاس أسلمن قوله ويجوز تزويج الصابئات إن كانوا يؤمنون بدين نبي ويقرون بكتاب وإن عظموا الكواكب كتعظيم المسلم الكعبة بهذا فسرهم أو حنيفة فبنى عليه الحل وفسراهم بعبدة الكواكب فبنيا عليه الحرمة وقيل فيهم الطائفتان وقيل فيهم غير ذلك فلو اتفق على تفسيرهم اتفق على الحكم فيهم قوله للمحرم والمحرمة أن يتزوجا حالة الإحرام وفيه خلاف الثلاثة وتزويج الولى المحرم مولاته على هذا الخلاف تمسكوا بقوله صلى الله عليه وسلم
____________________
(3/232)
لا ينكح المحرم ولا ينكح رواه الجماعة إلا البخاري عن أبان بن عثمان بن عفان قال سمعت أبي عثمان بن عفان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح زاد مسلم وأبو داود في رواية ولا يخطب وزاد ابن حبان في صحيحه ولا يخطب عليه وموطإ مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان المرى أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه ولنا ما رواه الأئمة الستة في كتبهم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم زاد البخاري في جامعه في باب عمرة القضاء في كتاب المغازي وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف وله أيضا عنه ولم يصل سنده به قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها في عمرة القضاء وما عن يزيد بن الأصم أنه تزوجها وهو حلال لم يقو قوة هذا فإنه مما اتفق عليه الستة وحديث يزيد لم يخرجه البخاري ولا النسائي وأيضا لا يقاوم بابن عباس حفظا وإتقانا ولذا قال عمرو بن دينار للزهري وما يدري ابن الأصم أعرابي كذا وكذا لشيء قاله أتجعله مثل ابن عباس وما روى عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما لم يخرج في واحد من الصحيحين وإن روى في صحيح ابن حبان فلم يبلغ درجة الصحة ولذا لم يقل الترمذي فيه سوى حديث حسن قال ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد عن مطر وما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال فمنكر عنه لا يجوز النظر إليه بعد ما اشتهر إلى أن كان أن يبلغ اليقين عنه في خلافه ولذا بعد أن أخرج الطبراني ذلك عارضه بأن أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنه من خمسة عشر طريقا أنه تزوجها وهو محرم وفي لفظ وهما محرمان وقال هذا هو الصحيح وما أول به حديث ابن عباس بأن المعنى وهو في الحرم فإنه يقال أنجد إذا دخل أرض نجد وأحرم إذا دخل أرض الحرم بعيد ومما يبعده حديث البخاري تزوجها وهو محرم وبني بها وهو حلال والحاصل أنه قام ركن المعارضة بين حديث ابن عباس وحديثي يزيد بن الأصم وأبان بن عثمان بن عفان وحديث ابن عباس أقوى منهما سندا فإن رجحنا باعتباره كان الترجيح معنا ويعضده ما قال الطحاوي روى أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم قال ونقلة هذا الحديث كلهم ثقات يحتج بروايتهم 1 هـ وهذا الحديث أخرجه أيضا البزار قال السهيلي إنما أرادت نكاح ميمونة ولكنها لم تسمها وبقوة ضبط الرواة وفقههم فإن الرواة عن عثمان وغيره ليسوا كمن روى عن ابن عباس ذلك فقها وضبطا كسعيد بن جبير وطاوس وعطاء ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وإن تركناها تتساقط للتعارض وصرنا إلى القياس فهو معنا لأنه عقد كسائر العقود التي يتلفظ بها من شراء الأمة للتسرى وغيره ولا يمتنع شيء من العقود بسبب الإحرام ولو حرم لكان غايته أن ينزل منزلة نفس الوطء وأثره في إفساد الحج لا في بطلان العقد نفسه وأيضا لو لم يصح لبطل عقد المنكوحة سابقا لطرو الإحرام لأن المنافى للعقد يستوي في الابتداء والبقاء كالطارئ على العقد وإن رجحنا من حيث المتن كان معنا لأن رواية
____________________
(3/233)
ابن عباس رضي الله عنهما نافية ورواية يزيد مثبتة لما عرف أن المثبت هو الذي يثبت أمرا عارضا على الحالة الأصلية والحل الطارئ على الإحرام كذلك والنافي هو المبقيها لأنه ينفي طرو طارئ ولا شك أن الإحرام أصل بالنسبة إلى الحل الطارئ عليه ثم إن له كيفيات خاصة من التجرد ورفع الصوت بالتلبية فكان نفيا من جنس ما يعرف بدليله فيعارض الإثبات فيرجح بخارج وهو زيادة قوة السند وفقه الراوي على ما تقدم هذا بالنسبة إلى الحل اللاحق وأما على إرادة الحل السابق على الإحرام كما في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يحرم كذا في معرفة الصحابة للمستغفري فابن عباس مثبت ويزيد ناف فيرجح حديث ابن عباس بذات المتن لترجح المثبت على النافي ولو عارضه بأن كان نفى يزيد مما يعرف بدليله لأن حالة الحل تعرف أيضا بالدليل وهي هيئة الحلال فالترجيح بما قلنا من قوة السند وفقه الراوي لا بذات المتن وإن وفقنا لدفع التعارض فيحمل لفظ التزوج في حديث ابن الأصم على البناء بها مجازا بعلاقة السببية العادية ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم إما على نهي التحريم والنكاح للوطء والمراد بالجملة الثانية التمكين من الوطء والتذكير باعتبار الشخص أي لاتمكن المحرمة من الوطء زوجها والعجب ممن يضعف هذا الوجه بأن التمكين من الوطء لا يسمى نكاحا مع أن اللازم الإنكاح لا النكاح وأما استبعاده باختلاله عربية فليس بواقع لأن غاية ما فيه دخول لا الناهية على المسند للغائب وهو جائز عند المحققين وإن كان غيره أكثر وعلى النفي فيه التذكير وفيه ذلك التأويل أو على نهي الكراهية جمعا بين الدلائل وذلك لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة لأن ذلك يوجب شغل قلبه عن الإحسان في العبادة لما فيه من خطبة ومراودات ودعوة واجتماعات ويتضمن تنبيه النفس لطلب الجماع وهذا محمل قوله ولا يخطب ولا يلزم كونه صلى الله عليه وسلم باشر المكروه لأن المعنى المنوط به الكراهة وهو عليه الصلاة والسلام منزه عنه ولا بعد في اختلاف حكم في حقنا وحقه لاختلاف المناط فينا وفيه كالوصال نهانا عنه وفعله قوله ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية الخ قيد الحر غير مفيد لأن
____________________
(3/234)
الشافعي لا يجيز للعبد المسلم الأمة الكتابية فكان الصواب إبداله بالمسلم وعن مالك وأحمد كقوله وعنهما كقولنا له قوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } الآية استفيد منها عدة أحكام عدم جواز نكاح الأمة مطلقا عند طول الحرة بمفهوم الشرط وعدم جواز النكاح الأمة مطلقا حين لا ضرورة من خشية العنت لقوله تعالى { ذلك لمن خشي العنت منكم } فاستنبطا من قصر الحل على الضرورة معنى مناسبا وهو ما في النكاح الأمة من تعريض الولد على الرق الذي هو موت حكما وعدم جواز الأمة الكتابية مطلقا بمفهوم الصفة في قوله { من فتياتكم المؤمنات } وأيضا إذا لم تجز الأمة إلا للضرورة فالضرورة تندفع بالمسلمة وعندنا الجواز مطلق في حالة الضرورة وعدمها في المسلمة والكتابية وعند طول الحرة وعدمه لإطلاق المقتضى من قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فلا يخرج منه شيء إلا بما يوجب التخصيص ولم ينتهض ما ذكروا حجة مخرجة أما أولا فالمفهومان أعني مفهوم الشرط والصفة ليسا بحجة عندنا وموضعه الأصول وأما ثانيا فبتقدير الحجية مقتضى المفهومين عدم الإباحة الثابته عند وجود القيد المبيح وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة ولا دلالة للأعم على أخص بخصوصه فيجوز ثبوت الكراهة عند عدم الضرورة وعند وجود طول الحرة كما يجوز ثبوت الحرمة على السواء والكراهة أقل فتعينت فقلنا بها وبالكراهة صرح في البدائع وأما تعليل عدم الحل عند عدم الضرورة بتعريض الولد على الرق لتثبت الحرمة بالقياس على أصول شتى أو لتعيين أحد فردي الأعم الذي هو عدم الإباحة وهو التحريم مرادا بالأعم فإن عنوا أن فيه تعريض موصوف بالحرية على الرق سلمنا استلزامه للحرمة ولكن وجود الوصف ممنوع إذ ليس هنا متصف بحرية عرض للرق بل الوصفان من الحرية والرق يقارنان وجود الولد باعتبار أمه إن كانت حرة فحر أو رقيقه فرقيق وإن أرادوا به تعريض الولد الذي سيوجد لأن يقارنه الرق في الوجود ولا إرقاقه سلمنا وجوده ومنعنا تأثيره في الحرمة بل في الكارهة وهذا لأنه كان له أن يحصل لا الولد أصلا بنكاح الآيسة ونحوها فلأن يكون له أن يحصله رقيقا بعد كونه مسلما أولى إذ المقصود بالذات من التناسل إنما هو تكثير المقرين لله تعالى بالوحدانية والألوهية وما يجب أن يعترف له به وهذا ثابت بالولد المسلم والحرية مع ذلك كمال يرجع أكثره إلى أمر دنيوي وقد جاز للعبد أن يتزوج أمتين بالاتفاق مع أن فيه تعريض الولد على الرق في موضع الاستغناء عن ذلك وعدم الضرورة وكون العبد أبا لا أثر له في ثبوت رق الولد فإنه لو تزوج حرة كان ولده حرا والمانع إنما يعقل كونه ذات الرق لأنه هو الموجب
____________________
(3/235)
للنقص الذي جعلوه محرما لا مع قيد حرية الأب فوجب استواء العبد والحر في هذا الحكم لو صح ذلك التعليل أعنى تعليل الحرمة بالتعريض للرق ثم بعد وجود شرط تزوج الأمة عند الشافعي من عدم وجود طول الحرة شرط أن لا تكون جارية ابنه أي ملك الإبن قال في خلاصتهم لو أنه استولدها قبل النكاح صارت أم ولده فنزل ملك ولده منزلة ملكه وعندنا لا ملك للأب من وجه أصلا وإلا لحرمت على الابن قوله ولا يتزوج أمة على حرة لقوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأمة على الحرة أخرج الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق العبد اثنتان الحديث إلى قال وتتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة وفيه مظاهر بن أسلم ضعيف وأخرج الطبري في تفسيره في سورة النساء بسنده إلى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة قال وتنكح الحرة على الأمة قال وهذا مرسل الحسن ورواه عبد الرزاق عن الحسن أيضا مرسلا وكذا وراه ابن أبي شيبة عنه وأخرج عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة وأخرج عن الحسن وابن المسيب نحوه وأخرج بن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه لا تنكح الأمة على الحرة وأخرج عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن أبي شيبة حدثنا عبدة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال تتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة وعن مكحول نحوه فهذه آثار ثابتة عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم تقوي الحديث المرسل لو لم يقل بحجيته فوجب قبوله ثم اعتضد باتفاق العلماء على الحكم المذكور وإن اختلفت طرق إضافتهم فإن الثلاثة أضافوه إلى مفهوم قوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا } الآية وذلك أن تزوج الأمة على الحرة يكون عند وجود طول الحرة فلا يجوز اتفاقا وقوله وهو حجة على الشافعي في إجازة ذلك للعبد يعني حجة جبرا لأنا أقمنا الدليل على جوازه بل وجوب الاحتجاج بالمرسل بعد ثقة رجاله ولأنه يرى حجيته إذا اقترن بأقوال الصحابة وهنا كذلك فإنه قد ثبت ذلك عن علي وجابر على الإطلاق كما بينا وكذا يرى حجيته إذا أفتى به جماعة من أهل العلم وهنا كذلك وهذا كله نص الشافعي في الرسالة فإنه قال وإن لم يوجد ذلك يعني تعدد المخرج نظر إلى بعض ما يروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد ما يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت هذه دلالة على أنه
____________________
(3/236)
لم يرسل إلا عن أصل يصح إن شاء الله وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 هـ وبه يخص قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } إذ قد أخرج منه ما قدمنا وفيه نظر فإن إخراج المشركات والمجوسيات بطريق النسخ على ما قالوا والمجوسيات مشركات والناسخ لا يصير العام به ظنيا فلا يخص بعده بخبر واحد أو قياس وما قيل إنه مخصوص منه الجمع بين الأختين فغلط لأن قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } لم يتناول الجمع ليتحقق إخراجه لأنه مما قدم ذكره مع المحرمات ثم قال { وأحل لكم ما وراء ذلكم } أي ما رواء المذكورات فلم يتناوله أصلا وإذا كان كذلك والحديث مطلق فيشتمل العبد فإخراجه يستدعي ثبتا ولم يثبت إذ إضافة إخراجه إلى تخصيص العلة التي ادعوا أنها مؤثرة لحرمة نكاح الأمة عند طول الحرة بغير العبد لم يثبت له وجه لما علمت أنه بتقدير صحتها يجب استواء الحر والعبد فيها لأن المعقول تأثير ذات الرق في المنع عند عدم الضرورة ووجود الطول قوله وعلى مالك في تجويزه ذلك برضا الحرة مالك رحمه لله يقول بحجية المرسل إذا صح طريقه إلى التابعي لكنه علله بإغاظة الحرة بإدخال ناقصة الحال عليها فإذا رضيت انتفى ما لأجله المنع فيجوز وهذا استنباط معنى يخصص النص فإن لم يكن منصوصا ولا مومى إليه كان تقديما للقياس على لفظ النص وهو ممنوع عندنا بل العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعناه ثم بتقدير جواز ذلك فتعليله بما ظهر أثره وهو تنصيف النعمة بالرق الذي ظهر أثره في الطلاق والعدة والقسم أولى فيكون المنع باعتبار التعليل به للتصنيف في أحوال نكاح الأمة بيانه أن الحل الثابت في النكاح نعمة وتبين أن الرق منصف ما ذكرنا من من متعلقات النكاح لما لم يمكن تنصيف نفس الحل على أنه لو قيل بل نصف الحل أيضا وهو تنصيف القسم إذ يحرم عليه الاستمتاع بها في غير ليلتها لأمكن فيظهر أن حكم هذا الحديث لإرادة تنصيف الأحوال جريا على ما استقر منوطا بالرق وذلك أن لنكاحها حالتي انضمام إلى نكاح حرة سابقة وانفراد عنه فالتنصيف إذا كان إمكان الحالتين قائما بتصحيح نكاحها في حالة دون حالة وتصحيح نكاح الحرة في الحالتين حالة الانفراد
____________________
(3/237)
والانضمام إلى أمة سابقة ثم عين الشرع للمنع حالة الانضام إلى الحرة لما في اعتبار نقصها عن الحرة في كثير من الأحكام من مناسبة ذلك ولا يبعد أن لزيادة غيظ الحرة زيادة معتبرة دخلا أيضا أما أصل غيظها فلا أثر له فإنه يحصل بإدخال الحرة أيضا على الأمة وعلى هذا التقرير يندفع من الأصل ما يورد من أن الانضمام يصدق على ما إذا أدخل الحرة أيضا على الأمة فيلزم أن يفسد نكاح الأمة بإدخال الحرة عليها ويجاب بأن الانضمام يقوم بالمتأخر لأنه المنضم إلى غيره ثم يتعلق بالمتقدم ومنهم من جعل منع إدخال الأمة بالنص على خلاف القياس وتعليل الكرخي أن بنكاح الحرة يثبت لنسله حق الحرية وحق الحرية لا يجوز إبطاله بعد ثبوته فأما بمجرد طول الحرة قبل نكاحها فلا يثبت للنسل ذلك هذا وأما حالة المقارنة وهو أن يتزوج حرة وأمة في عقدة فيجتمع في الأمة محرم ومبيح فتحرم واعلم أن التعليل في الأصل إنما هو للقياس ويستدعي أصلا يلحق به منصوصا أو مجمعا عليه فيمكن جعله هنا تنصيف الطلاق والعدة قوله فإن تزوج أمة على حرة الخ وكذا المدبرة وأم الولد قيد بالبائن لأن في عدة الرجعي لا يجوز نكاح الأمة اتفاقا وقولهما قول ابن أبي ليلى لأن المحرم ليس الجمع ليمتنع في عدة البائن كالأخت في عدة الأخت وإلا حرم إدخال الحرة عليها بل تزوج الأمة على الحرة وهو منتف لا يقال تزوج عليها إذا تزوج وهي مبانة معتدة ولذا لو حلف لا يتزوج على امرأته فتزوج وهي معتدة عن بائن لم يحنث وكذا جاز نكاح الأمة في عدة الحرة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة ولأبي حنيفة أن العدة لما كانت من آثار النكاح وباعبتارها يعد قائما من وجه كان بالتزوج فيها متزوجا عليها من وجه فكان حراما لأن الشبهة في الحرمات كالحقيقة احتياطا وأما جواز نكاح الأمة في عدة الحرة من نكاح فاسد فقيل إنما هو قولهما لا قوله ولو سلم فالمنع لم يكن ثابتا بقيام النكاح الفاسد ليبقى ببقاء العدة بخلاف ما نحن فيه وأما مسئلة اليمين فإنما لا يحنث فيها للعلم بأن المقصود من حلفه أن لا يتزوج عليها هو أن لا يدخل عليها شريكة في القسم ولأن العرف
____________________
(3/238)
أن لا يسمى متزوجا عليها بعد الإبانة إلا إذا كان من كل وجه وذلك حال قيام العصمة قوله من الحرائر والإماء أي جمعا وتفريقا إلا أن في الجمع إنما يجوز إذا أخر الحرائر قوله وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك اتفق عليه الأئمة الأربعة وجمهور المسلمين وأما الجواري فله ما شاء منهن وفي الفتاوي رجل له أربع نسوة وألف جارية أراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل آخر يخاف عليه الكفر وقالوا إذا ترك أن يتزوج كي لا يدخل الغم على زوجته التي كانت عنده كان مأجورا وأجاز الروافض تسعا من الحرائر ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى وأجاز الخوارج ثماني عشرة وحكى عن بعض الناس إباحة أي عدد شاء بلا حصر وجه الأول أنه بين العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع بحرف الجمع والحاصل من ذلك تسع وجه الثاني ذلك إلا أن مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرر على ما عرف في العربية فيصير الحاصل ثمانية عشر وكأن وجه الثالث العمومات من نحو { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ولفظ مثنى إلى آخره تعداد عرفي له لا قيد كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة وقربتين وثلاثا ويخص الأولين تزوجه صلى الله عليه وسلم تسعا والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل والحجة عليهم أن آية الإحلال ههنا وهي قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } لم تسق إلا لبيان العدد المحلل لا لبيان نفس الحل لأنه عرف من غيرها قبل نزولها كتابا وسنة فكان ذكره هنا معقبا بالعدد ليس لبيان قصر الحل عليه أو هي لبيان الحل المقيد بالعدد لا مطلقا كيف وهو حال مما طاب فيكون قيدا في العامل وهو الإحلال المفهوم من فانكحوا ثم إن مثنى معدول عن عدد مكرر لا يقف عند حد هو اثنان اثنان هكذا إلى ما لا يقف وكذا ثلاث في ثلاثة في ثلاثة ومثله رباع في أربعة أربعة فمؤدى التركيب على
____________________
(3/239)
هذا ما طاب لكم ثنتين ثنتين جمعا في العقد أو على التفريق وثلاثا ثلاثا جمعا أو تفريقا وأربعا أربعا كذلك ثم هو قيد في الحل على ما ذكرنا فانتهى الحل إلى أربع مخير فيهن بين الجمع والتفريق وأما حل الواحدة فقد كان ثابتا قبل هذه الآية يحل النكاح لأن أقل ما يتصور بالواحدة فحاصل الحال أن حل الواحدة كان معلوما وهذه الآية لبيان حل الزائد عليها إلى حد معين مع بيان التخيير بين الجمع والتفريق في ذلك وبه يتم جواب الفريقين أو نقول عرف حل الواحدة بقوله تعالى { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } فكان العدد على الوجه الذي ذكرنا محلللا عند عدم خوف الجور ثم أفاد أن عند خوفه بقصر الحل على واحدة وإنما لم يعطف بأو فيقال أو ثلاث أو رباع لأنه لو ذكر بأو لكان الإحلال مقتصرا على أحد هذه الأعداد وليس بمراد بل المراد أن لهم أن يحصلوا هذه الأعداد إن شاءوا بطريق التثنية وإن شاءوا بطريق التثليث وإن شاءوا بطريق التربيع فانتفى صحة التسع والثماني عشرة ويدل على الخصوصية ما روى الترمذي عن عبد الله بن عمر أن غيلان بن مسلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا ومثله وقع لفيروز الديلمي وقيس بن حارثة والمراد من قوله والتنصيص على العدد يمنع الزيادة العدد المذكور يعني التنصيص على هذا العدد فكان اللام للعهد الذكري أو الحضورى وإنما كان هذا العدد يمنع الزيادة وإن كان من حيث هو عدد لا يمنعها كما في قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة حيث ألحق بهما اليمين والنذر والعتق لوقوعه حالا قيدا في الإحلال على ما قررنا وبه يندفع الإيراد بأنه من حيث هو عدد لا يمنع كما ذكرنا والحاصل أنه قد تمتنع معه الزيادة والنقص كعدد ركعات الصلاة وقد لا ولا نحو سبعين مرة في قوله تعالى { استغفر لهم } الآية وقد تمتنع الزيادة كما ذكرنا أو النقص فقط كما في أقل الحيض وشيء من ذلك ليس لذات العدد بل لخوارج كمنع الزيادة هنا لتقييد الحل وفي كل موضع يطلب السبب قوله والحجة عليه ما تلوناه وهو عموم { ما طاب لكم من النساء } مقتصرا على العدد المذكور وقوله إذ الأمة والمنكوحة يريد بالمنكوحة الحرة وإلا فالمنكوحة لا تنافي الأمة مع أن المراد هنا بالأمة ليس إلا الأمة المنكوحة وفي كثير من النسخ المنكوحة على الصفة واعترض بأن المراد الاستدلال بجواز تزوج الإماء أكثر من واحدة لتناول اسم النساء ذلك وعلى ما قال من وجه التناول يلزم نكاح المنكوحة والمنكوحة لا تنكح فكان ينبغي أن لايذكر المنكوحة أصلا والعناية به أن يراد المنكوحة بالقوة أي التي يريد أن ينكحها ينتظمها الخ قوله لأنه في حق النكاح بمنزلة الحر عنده لأن السبي لا يوقع الفرقة بين المسبي وزوجته فعلم أنه لا يملك إلا من حيث هو مال
____________________
(3/240)
وبدليل أنه يملك أصل النكاح بالإذن فلو كان مملوكا في حقه لم يملكه كما لم يملك المال فلما ملكه ساوى الحر فيه وجواب الأول أن السبي أحد أسباب ملك الرقبة فمحله المال لا النكاح فلذا لم تقع الفرقة وجواب الثاني أن ملك أصل الشيء لا يمنع التصنيف إذا تحقق ما يوجبه كالأمة تملك طلب أصل الوطء من زوجها ويتنصف قسمها قوله ولنا أن الرق منصف توضيح مراده أن الحل الثابت بالنكاح مشترك بين الزوجين حتى إن للمرأة المطالبة بالاستمتاع وقد نصف الرق للمرأة مالها من ذلك الحل حتى إذا كانت تحت الرجل حرة وأمة يكون للحرة ليلتان وللأمة ليلة فلما نصف رقها مالها وجب أن ينصف رقه ماله وللحر تزوج أربع وللعبد ثنتان بقي أن يستدل له بقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } نظرا إلى عموم المخاطبين في الأحرار والعبيد كما استدل به المصنف على الشافعي في إطلاق الزائد على الأمة نظرا إلى العموم في الحرائر والإماء لكن قد يقال إن المخاطبين هم الأحرار بدليل آخر الآية وهو قوله تعالى { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } فإن المخاطب بهداهم المخاطبون الأولون ولا ملك للعبد فلزم كون المراد الأحرار قوله فإن تزوج حبلى من زنا من غيره جاز النكاح خلافا لأبي يوسف وقول الشافعي رحمه الله كقولنا وقول الآخرين وزفر كقول أبي يوسف أما لو كان الحبل من ناز منه جاز النكاح بالاتفاق كما في الفتاوى الظهيرية محالا إلى النوازل قال رجل تزوج حاملا من زنا منه فالنكاح صحيح عند الكل ويحل وطؤها عند الكل وإذا جاز في الخلافية عندهما ولا يطؤها هل تستحق النفقة ذكر التمرتاشي لا نفقة لها وقيل لها النفقة والأول أوجه لأن النفقة وإن وجبت من العقد الصحيح عندنا لكن إذا لم يكن مانع من الدخول من جهتها بخلاف الحائض فإن عذرها سماوي وهذا يضاف إلى فعلها الزنا وعن محمد كقول أبي يوسف وكما لا يباح وطولها ولا يباح دواعيه وقيل لا بأس بوطئها ونقل عن الشافعي كأنه يقيسه ع التي زنت حيث جاز تزوجها وحل وطؤها في الحال مع احتمال العلوق فعلم أن العلوق من الزنا لا يمنع الوطء وإلا لمنع مع تجويزه في مقام الاحتياط وليس بشيء لأن الفرق بين المحقق والموهوم في الشغل الحرام ثابت شرعا لورود عموم النهي في المحقق وهو ما روى رويفع
____________________
(3/241)
ابن ثابت الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ يؤمن بالله وباليوم الآخر أن يسقى مائه زرع غيره يعني إتيان الحبالى رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن قوله أن الامتناع في الأصل يعني ثابت النسب حاصله قياس الحامل من الزنا على الحامل بثابت النسب في حكم هو عدم صحة العقد عليهما فعين علة الأصل كون حملها محترما فيمنع ورود الملك على محله وهذا كذلك بدليل أنه لا يجوز إسقاطه وأنه لا جناية منه فيمنع الملك واستدل المصنف رحمه الله بعموم { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحين علم أنه يرد من قبل أبي يوسف أن هذا مخصوص على ما قيل فيجوز تخصيصه بالقياس احتاج إلى منع علته فقال لا نسلم أن علة المنع في الأصل احترام الحمل بل احترام صاحب الماء وهي منتفية في الفرع إذ لا حرمة للزاني ومنهم من يزيد في تعيين العلة فيقول الامتناع في الأصل لحرمة الحمل فيصان عن سقيه بماء حرام وقد يزاد أيضا فيقال فيصان عن سقيه ولما لم يجز الوطء لحرمة السقي لم يصح العقد لأن كل عقد لا يترتب عليه حكمه لا يصح وهي زيادة توجب النقص إنما يحتاج إليها لو قلنا بصحة العقد وحل الوطء ولم نقل به فيقال إن قلت لا يترتب مطلقا منعناه أو في الحال فقط منعنا اقتضاءه البطلان وإلا لم يصح نكاح الحائض والنفساء إلا أن أبا يوسف رحمه الله يدفع التعليل بحرمة صاحب الماء بأنه لو كان لحقه لجاز بأمره فالأولى تعليل المنع في الأصل بلزوم الجمع بين الفراشين وهو السبب في امتناع العقد على المحصنات من المؤمنات وهو منتف في الحبلى من الزنا وقد يقال إن هذا الدفع مغالطة خيل أن حرمته وحقه واحد وهو معنى الحق وليس كذلك فإن معنى حرمته أن الشارع أثبت له من الحرمة منع العقد على محل مائه ما دام قائما وحرمته لا تسقط بإذنه في العقد إلا أن هذا يقتضي صحة العقد على المسببية الحامل والمهاجرة وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وأما على ظاهر المذهب فلا فالمطرد ما ذكرنا على ما هو رواية الحسن أنسب بالتعليل بحرمة صاحب الماء واعلم أن في سنن أبي داود عن رجل من الأنصار
____________________
(3/242)
يقال له نضرة بن أكتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تزوجت امرأة على أنها بكر في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحللت من فرجها والولد عبد لك وفرق بيننا وقال إذا وضعت فحدوها وهو ظاهر في عدم صحة نكاح الحامل من زنا لقوله وفرق بيننا إلا أن يحمل على تفريق الأبدان فقط بأن منعه من الخلوة بها إلى أن تلد مع أن فيه من المنسوخات جعل الولد عبدا إلا أن يحمل على إرادة أنه يصير بخدمك وهو يوافق حمل التفريق على المنع من مجرد المخالطة وهو أولى لاستبعاد إرادة جعل الولد عبدا يبيعه الزوج بالنسبة إلى مقابله لقلة نظيره في الشرع فيجعل هذا قرينة إرادة التفريق عن المخالطة لا في العقد وهذا لأن الظاهر أنه إنما يكون بحيث يخدمه من غير ملك فيه إذا كان مع أمه عنده وهذا كله إذا ثبت هذا الحديث قوله فالنكاح باطل وذكر الفاسد فيما تقدم ولا فرق بينهما في النكاح بخلاف البيع قوله لأنها فراش لمولاها لثبوت حد الفراش وهو كون المرأة متعينة لثبوت نسب ولدهامن الرجل إذا أتت به فلو صح حصل الجمع بين الفراشين وهو سبب الحرمة في المحصنات من النساء قوله إلا أنه غير متأكد الخ جواب عما قد يقال لو كانت فراشا لم يجز تزويجها وهي حائل كما لا يجوز وهي حامل فأجاب بأن فراشها غير متأكد ويتأكد بإتصال الحبل بها منه فإن الحبل مانع في الجملة وكذا الفراش فيقع التأكد باجتماعهما فينتهض سببا للمنع بخلاف حالة عدمه واستدل على عدم تأكده بانتفاء نسب ولدها بالنفي من غير لعان فظهر أن المانع ليس مطلقا بل المتأكد منه إما بنفسه وهو فراش المنكوحة أو بالحبل قالوا الفرش ثلاثة قوي وهي المنكوحة فلا ينتفي ولدها إلا باللعان ومتوسط وهو فراش أم الولد فيثبت نسب ولدها من غير دعوة وينتفي بمجرد النفي وضعيف لا يثبت نسب الولد منه إلا بدعوة وهو فراش الأمة التي لم يثبت لها أمومية الولد والذي يقتضيه كلام صاجب الهداية بصريحه أن الأمة ليست بفراش أصلا على ما ذكره في المسئلة
____________________
(3/243)
التي تلي هذه وعلله بعدم صدق حد الفراش عليها بقوله فإنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوة فيلزم إما إنحصاره في الفراش القوي والضعيف وإما اعتبار الفرش الثلاثة في أم الولد والمنكوحة فأم الولد الحائل فراش ضعيف فيجوز تزويجها والحامل متوسط لنوع من التأكد فيمتنع وحكمه انتفاء الولد بمجرد النفي والمنكوحة هي الفراش القوي وهو الأوجه وأورد إذ كان ولدها ينتفي بمجرد النفي ينبغي أن يجوز النكاح ويكون نفيا دلالة فإن النسب كما ينتفي بالصريح ينتفي بالدلالة بدليل مسئلة الأمة جاءت بأولاد ثلاثة فادعى المولى أكبرهم حيث يثبت نسبه وينتفي نسب غيره بدلالة اقتصاره في الدعوة على بعضهم أجيب بأن النفي دلالة إنما يعمل إذا لم يكن صريح بخلافه وهنا كذلك إذ صورة المسئلة أن الحمل منه حيث قال رجل أم ولده وهي حامل منه فلذا في الظهيرية وعلى هذا لو زوج أم ولده وهي حامل قبل أن يعترف بالحمل بعد العلم به ينبغي أن يجوز النكاح ويكون نفيا قوله ومن وطئ جاريته ثم زوجها جاز النكاح لأنها ليست بفراش لمولاها هذا تعليل للجواز بنفي جنس علة المنع من التزويج فضلا عن نفيها بعينها فلا لا يقتضي أن وجود الفراش مطلقا يمنع وإلا لمنع في أم الولد الحائل لأن علة المنع فراش مخصوص وهو القوى بنفسه أو بالتأكيد لا مطلق الفراش ثم بين نفي الفراش بنفي حده بقوله لأنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوة قوله إلا أن عليه أن يستبرئها أي بطريق الاستحباب لا الختم وليس استبراء المولى مذكورا في الجامع الصغير بل في كلام المصنف وصرح الولوالجي بالاستحباب قوله وإذا جاز يعني جاز النكاح بدون استبراء من المولى فإن خلاف محمد في استبراء الزوج إنما هو فيه
____________________
(3/244)
ولذا قال الفقيه أبو الليث رحمه الله في قول محمد لا أحب له أي للزوج أن يطأها حتى يستبرئها لأنه احتمل الشغل بماء المولى هذا الخلاف فيما إذا زوجها المولى قبل أن يستبرئها فلو استبرأها قبل أن يتزوجها جاز وطء الزوج بلا استبراء اتفاقا وقد وفق بعض المشايخ بأن محمدا رحمه الله نفى الاستحباب وهما أثبتا جواز النكاح بدونه فلا معارضة فيجوز افتاقهما على الاستحباب فلا نزاع فإن لفظه في الجامع محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل وطئ جاريته ثم زوجها قال للزوج أن يطأها قبل أن يستبرئها وقال محمد أحب له أن لا يطأها حتى يستبرئها 1 هـ وليس فيه استبراء المولى أصلا وفيه تصريح محمد بالاستحباب للزوج قبل قوله تفسير لقول أبي حنيفة وقيل بل هو قوله خاصة وهو ظاهر السوق وصريح قول المصنف لا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا يخالفه ثم القياس المذكور لمحمد إنما مقتضاه وجوب الاستبراء فإن أصل قياسه الشراء وإنما يتعدى بالقياس حكم الأصل وحكمه وجوب الاستبراء فإن كان المصنف أخذه من كلام محمد في بعض تصانيفه فهو يفيد الوجوب لا الاستحباب وغاية الأمر أن قوله أحب إلى ظاهر في الاستحباب ودليله يوجب أن مراده الوجوب فاعتباره أولى لأن الاستدلال بما لا يطابق الدعوى أبعد من إطلاق أحب أن يفعل كذا في واجب وكثيرا ما يطلق المتقدمون أكره كذا في التحريم أو كراهة التحريم وأحب مقابله فجاز أن يطلق في مقابله وهو الوجوب ثم لو أورد على محمد رحمه الله أن التوهم لا يصلح علة للوجوب بل للندب كما في غسل اليدين عقيب النوم لتوهم النجاسة كان له أن يجيب بأن ذلك في غير الفروج أما فيها فالمعهود شرعا جعله متعلق الوجوب ومنه نفس أصل هذا القياس فإن علة وجوب الاستبراء في التحقيق على المشتري ليس إلا توهم الشغل بالماء الحلال واعتبار استحداث الملك علة إنما هو لضبطه للحكمة التي هي العلة في الحقيقة على ما عرف وإن كان الاستدلال من عند المصنف فهو المؤاخذ بعدم المطابقة قوله ولهما أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ أورد عليه أنه ممنوع فإن الحكم بجواز النكاح ثابت في الحامل من الزنا ومجموع ما ذكر فيه ثلاثة أجوبة جواب صاحب النهاية بأنه طرد لانقض فإن جواز النكاح ثابت في الصورتين بالمقتضى وهو قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } إلا أن الوطء هناك حرم لوجود الشغل حقيقة كي لا يسقى ماءه زرع غيره فلم يدل جواز النكاح هناك على حل الوطء للحمل أما هنا لا حمل حقيقة فلو كان إنما كان حكما وشرعا فكان جواز النكاح شرعا
____________________
(3/245)
أمارة الفراغ دليل فراغ الرحم حكما وجواب شارح الكنز وغيره بتخصيص الدعوى فإن مرادنا أنه أمارة الفراغ عن حمل ثابت النسب أو نقول هو دليل الفراغ في المحتمل لا فيما تحقق وجوده وإليه يرجع جواب صاحب النهاية إذا تأملت وهو الأولى أعني كونه دليل الفراغ في المحتمل ومحل النزاع محتمل ومع الحكم بالفراغ لا يثبت توهم الشغل شرعا فلا موجب لاستحباب الاستبراء لكن صحته موقوفة على دليل اعتبارها أمارة الفراغ عنه لأنه حاصله ادعاء وضع شرعي والإجماع إنما عرف على مجرد الصحة أما على اعتبارها دليل الفراغ في المحتمل دون المتحقق فلا واختار الفقيه أبو الليث قول محمد رحمه الله لأنه أحوط هذا وعند زفر لا يجوز للرجل أن يتزوجها حتى تحيض ثلاث حيض بناء على أصله وهو وجوب العدة للتزوج بعد كل وطء ولو زنا قوله وكذا إذا رأى امرأة تزني فتزوجها حل له وطؤها قبل أن يستبرءها عندهما وقال محمد لا أحب له أن يطأها ما لم يستبرئها وعند زفر لا يصح العقد عليها ما لم تحض ثلاث حيض لما قلناه عنه وقيل يكفي حيضة قوله والمعنى أي في حل وطء الزانية إذا تزوجت عقيب العلم بزناها عندهما بلا استبراء وعند محمد بعده ما ذكرنا لهما من أن الصحة أمارة الفراغ في المحتمل فلا موجب للاستبراء والحكم لا يثبت بلا سبب وعند محمد الوطء يوجب توهم الشغل فتستبرأ كالمشتراة قوله ونكاح المتعة باطل وهو أن يقول لأمرأة خالية من الموانع أتمتع بك كذا مدة عشرة أيام مثلا أو يقول أياما أو متعيني نفسك أياما أو عشرة أيام أو لم يذكر أياما بكذا من المال قال شيخ الإسلام في الفرق بينه وبين النكاح الموقت أن يذكر الموقت بلفظ النكاح والتزويج وفي المتعة أتمتع أو استمتع 1 هـ يعني ما اشتمل على مادة متعة والذي يظهر مع ذلك عدم اشتراط الشهود في المتعة وتعيين المادة وفي الوقت الشهود وتعيينها ولا شك أنه دليل لهؤلاء على تعيين كون نكاح المتعة الذي أباحه صلى الله عليه وسلم ثم حرمه هو ما اجتمع فيه مادة م ت ع للقطع من الآثار بأن المتحقق ليس إلا أنه أذن لهم في المتعة وليس معنى هذا أن من باشر هذا المأذون فيه يتعين عليه أن يخاطبها بلفظ أتمتع ونحوه لما عرف من أن اللفظ إنما يطلق
____________________
(3/246)
ويراد معناه فإذا قال تمتعوا من هذه النسوة فليس مفهومه قولوا أتمتع بك بل أوجدوا معنى هذا اللفظ ومعناه المشهور أن يوجد عقدا على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته بل إلى مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دمت معك إلى أن أنصرف عنك فلا عقد والحاصل أن معنى المتعة عقد موقت ينتهي بانتهاء الوقت فيدخل فيه ما بمادة المتعة والنكاح الموقت أيضا فيكون النكاح الموقت من أفراد المتعة وإن عقد بلفظ التزويج وأحضر الشهود وما يفيد ذلك من الألفاظ التي تفيد التواضع مع المرأة على هذا المعنى ولم يعرف في شيء من الآثار لفظ واحد ممن باشرها من الصحابة رضي الله عنهم بلفظ تمتعت بك ونحوه والله أعلم قوله وقال مالك هو جائز نسبته إلى مالك غلط وقوله لأنه كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر النسخ هذا متمسك من يقول بها كابن عباس رضي الله عنهما قلنا قد ثبت النسخ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم هذه عبارة المصنف وليست الباء سببية فيها فإن المختار أن الإجماع لا يكون ناسخا اللهم إلا أن يقدر محذوف أي بسبب العلم بإجماعهم أي لما عرف إجماعهم على المنع علم أنه نسخ بدليل النسخ أو هي للمصاحبة أي لما ثبت إجماعهم على المنع علم معه النسخ وأما دليل النسخ بعينه فما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر والتوفيق أنها نسخت مرتين قيل ثلاثة أشياء نسخت والتوفيق أنه نسخت مرتين قيل ثلاثة أشياء نسخت
____________________
(3/247)
مرتين المتعة ولحوم الحمر الأهلية والتوجه إلى بيت المقدس في الصلاة وقيل لا يحتاج إلى الناسخ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان أباحها ثلاثة أيام فبانقضائها تنتهي الإباحة وذلك لما قال محمد بن الحسن في الأصل بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها وهذا لا يفيد أن الإباحة حين صدرت كانت مقيدة بثلاثة أيام ولذا قال ثم نهى عنها وهو يشبه ما أخرجه المسلم عن سبرة بن معبد الجهني قال أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطيني فقلت ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أنا أشب منه فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت إلي أعجبتها ثم قالت أنت ورداؤك تكفيني فمكثت معها ثلاثا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن فليخل سبيلها فهذا مثله من حيث أنه إنما يدل على أن الإباحة أقامت ثلاثا لا أنها تعلقت مقيدة بالثلاث فلا بد من الناسخ وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم كنت أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء وقد حرم الله ذلك إلى يوم القيامة والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة وأما ظاهر الألفاظ التي تعطي الإجماع فما أخرجه الحازمي بسنده إلى جابر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة فذكرنا تمتعتا منهن وهن يظعن في رحالنا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهن وقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول الله نسوة تمتعنا منهن فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه وتمعر وجهه وقام فينا خطيبا فمحمد الله وأثنى عليه ثم نهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء ولم نعد ولا نعود إليها أبدا وابن عباس صح رجوعه بعد ما اشتهر عنه من إباحتها فمما ذكر من رجوعه أن عليا قال له إنك رجل تائه إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وفي صحيح مسلم أن عليا رضي الله عنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر إلانسية وهذا ليس صريحا في رجوعه بل في قول علي له ذلك ويدل على أنه لم يرجع حين قال له علي ذلك ما في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك الحديث ورواه النسائي أيضا ولا تردد في أن ابن عباس هو الرجل المعرض به وكان رضي الله عنه قد كف
____________________
(3/248)
بصره فلذا قال ابن الزبير كما أعمى أبصارهم وهذا إنما كان في خلافه عبد الله بن الزبير وذلك بعد وفاة علي فقد ثبت أنه مستمر القول على جوازها ولم يرجع إلى قول علي فالأولى أن يحكم بأنه رجل بعد ذلك بناء على ما رواه الترمذي عنه أنه قال إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى إذا نزلت الآية { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام 1 هـ فهذا يحمل على أنه اطلع على أن الأمر إنما كان على هذا الوجه فرجع إليه أو حكاه وقد حكى عنه أنه إنما أباحها حالة الاضطرار والعنت في الأسفار أسند الحازمي من طريق الخطابي إلى المنهال عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان وقال فيها الشعراء قال وما قالوا قلت قالوا ** قد قلت للشيخ لما طال محبسه ** ** يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس ** ** هل لك في رخصة الأطراف آنسة ** ** تكون مثواك حتى يصدر الناس **
فقال سبحان الله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير لا تحل إلا للمضطر 1 هـ ولهذا قال الحازمي إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أباحها لهم وهم في بيوتهم وأوطانهم وإنما أباحها لهم في أوقات بحسب الضرورات حتى حرمها عليهم في آخر سنيه في حجة الوادع وكان تحريم تأبيد لاخلاف فيه بين الأئمة وعلماء الأمصار إلا طائفة من الشيعة قوله وقال زفر وهو جائز يعني النكاح الموقت هو أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة بل تبطل هي ويصح النكاح فصار كما إذا تزوجها على أن يطلقها بعد شهر صح وبطل الشرط أما لو تزوج وفي نيته أن يطلقها بعد مدة نواها صح ولا بأس بتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهارا دون الليل قوله ولنا أنه أتى بمعنى المتعة والعبرة في العقود للمعاني ولذا لو قال جعلتك وكيلا بعد موتي انعقد وصية أو جعلتك وصيا في حياتي انعقد وكالة ولو أعطى المال مضاربة وشرط الربح للمضارب كان قرضا أو لرب المال كان بضاعة ولا يخفى أن على ما حققناه يكون الموقت من نفس نكاح المتعة فلا يحتاج إلى غير إبداء الناسخ في دفع قول زفر هذا ومقتضى النظر أن يترجح قوله لأن غاية الأمر أن يكون الموقت متعة وهو منسوخ لكن نقول المنسوخ معنى المتعة على الوجه الذي كانت الشرعية عليه وهو ما ينتهي العقد فيه بانتهاء المدة ويتلاشى وأنا لا أقول به كذلك وإنما أقول ينعقد مؤبدا ويلغو شرط التوقيت فحقيقة إلغاء شرط التوقيت هو أثر النسخ وأقرب نظير إلى هذا نكاح الشغار وهو أن يتزوج الرجلان كل موليه الآخر على أن يكون بضع كل مهرا لمولية الآخر صح النهي عنه وقلنا إذا عقد كذلك صح موجبا لمهر المثل لكل منهما ولم يلزمنا النهي لأنا لم نقل به كذلك موجبا للبضعين مهرين بل على إلغاء الشرط المذكور فلم
____________________
(3/249)
يلزمنا النهي فقول زفر مثل هذا سواء وأما قياسه على ما لو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر فأصل منضم إلى أصول شتى مما اشترط فيه من النكاح شرط مخالف لمقتضى العقد وكونه غير صحيح من حيث إنه إنما عقد مؤبدا ولذا إذا انقضت المدة لا ينتهي النكاح بل هو مستمر إلى أن يطلقها يندفع بما ذكرنا مما يوجب أن أثر التوقيت في إبطاله مؤقتا لا في إبطاله مطلقا فإن قلت فلو عقد بلفظ المتعة وأراد النكاح الصحيح المؤبد هل ينعقد أو لا وإذا لم ينعقد هل يكون من أفراد المتعة فالجواب لا ينعقد به النكاح وإن قصد به النكاح وحضرة الشهود وليس من نكاح المتعة لأنه لم يذكر فيه توقيت بل التأبيد وإنما كان كذلك لأنه لا يصلح مجازا عن معنى النكاح لما في المبسوط من أنه لا يفيد ملك المتعة كالإحلال قال فإن من أحل لغيره طعاما أو أذن له أن يتمتع به لا يملكه وإنما يتلفه على ملك المبيح فكذلك إذا استعمل هذا اللفظ في موضع النكاح لا يثبت به الملك 1 هـ يعني انتفى طريق المجاز الذي بيناه في أول كتاب النكاح والله سبحانه أعلم قوله ولا فرق بين ما إذا طالت المدة أو قصرت نفي لرواية الحسن عن أبي حنيفة أنهما إذا سميا مدة لا يعيشان إليها صح لتأبيده معنى قلنا ليس هذا تأبيدا معنى بل توقيت بمدة طويلة والمبطل هو التوقيت وقوله لأنه المعين لجهة المتعة يؤيد ما قدمناه من أن النكاح الموقت من أفراد المتعة هذا وإذا انساق الكلام إلى أن الشرط الفاسد وهو اشتراط ما ليس مقتضى العقد لا يبطل النكاح بل يبطل هو ناسب أن يقرن به الكلام في اشترط الخيار في النكاح فإذا تزوج على أنه بالخيار أو هي صح النكاح وبطل الخيار عندنا بناء على أن شرط الخيار كالهزل كأن الهازل قاصد للسبب غير راض بحكمه أبدا وشارط الخيار غير راض بحكمه في وقت مخصوص فإذا لم يمنع الهزل ثبوت حكمه للحديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة وقد أسلفنا تخريجه فشرط الخيار أولى أن لا يمنعه وإذا لم يمنع ثبوت حكمه وهو الملك من حين صدور العقد كان اشتراط الخيار شرطا فاسدا فيبطل وأما خيار الرؤية فحقيقته لا تتوقف على اشتراطه في موضع يثبت كالبيع بل إذا اشترى ما لم يره ثبت له الخيار بلا اشتراط والنكاح ينعقد بلا رؤية إجماعا فلا يتصور ثبوته فيه ولو فرض اشتراط خيار الفسخ إذا رآها كان شرطا فاسدا فيبطل وأما خيار العيب فلا يثبت لأحدهما في الآخر إذا وجد معيبا ببرص أو جذام أو رتق أو قرن أو عفل أو جنون أو مرض فالج أو غيره أبا كان عند أبي حنيفة وأبي يوسف سوى عيب الجب والعنة فيه على ما يأتي في بابه خلافا للشافعي في العيوب الخمسة القرن والرتق والجنون والجذام والبرص ولمحمد في الثلاثة الأخيرة إذا كانت بحيث لا تطيق المقام معه حيث يثبت لها خيار الفسخ لما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للتي تزوجها فوجد بكشحها بياضا الحقي بأهلك وهذا من كنايات الطلاق بل لا يبعد عده من صرائحه في عرف العرب بالاستقراء فعرف أنه لا فسخ عن عيب
____________________
(3/250)
وحجتنا أيضا قول ابن مسعود لا ترد الحرة عن عيب وعن علي قال إذا وجد بامرأته شيئا من هذه العيوب فالنكاح لازم له إن شاء طلق وإن شاء أمسك والمسئلة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم فعن عمر أنه أثبت الخيار وحمله على خيار الطلاق بعيد فإن ذلك ثابت لا يحتاج إلى نقل إثبات عمر إياه وقول محمد أرجح فيما يظهر فإن ما ذكرنا من طريق التخلص بالطلاق وما أفادته هذه الدلائل إنما هو في تخلص الرجل فأما المرأة فلا تقدر عليه وهي محتاجة إلى التخلص ومأمورة بالفرار قال صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد والكلام في المسئلة طويل الذيل في المبسوط وغيره يحتمل أنظارا لسنا بصددها إذ ليست من مسائل الكتاب بل المقصود تتميم الفائدة بالفروع المناسبة وكذا ولو شرط أحد الزوجين على الآخر السلامة من تلك العيوب أو من العمى والشلل والرمانة أو شرط صفة الجمال فوجد بخلاف ذلك لا خيار له في الفسخ ومن هذا وكثيرا ما يقع لو تزوجها بشرط أنها بكر فإذا هي ثيب فى خيار له بل إن شاء طلق وتثبت أحكام الطلاق قبل الدخول أو بعده قوله ومن تزوج امرأتين في عقدة واحدة وإحداهما لا تحل له لرضاع أو قرابة محرمة صح نكاح المحللة وبطل نكاح المحرمة بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع حيث لا يصح في العبد لأن قبول العقد في الحر شرط فاسد في بيع العبد فيبطله وهنا المبطل يخص المحرمة والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة قوله ثم جميع المسمى للتي يحل نكاحها عند أبي حنيفة وعندهما يقسم على مهر مثليهما كأن يكون المسمى ألفا ومهر مثل المحرمة ألفان والمحللة ألف فيلزم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم للتي صح نكاحها ويسقط الباقي ولو كان دخل بالتي لا تحل فالمذكور في الأصل أن لها مهر مثلها بالغا ما بلغ والألف كلها للمحللة قال في المبسوط وهو الأصح على قول أبي حنيفة وما ذكر في الزيادات فهو قولهما أن لها مهر مثلها ولا يجاوز حصتها من الألف
____________________
(3/251)
ولو كان صح نكاحهما انقسمت الألف على مهر مثليهما اتفاقا قوله وهي مسئلة الأصل مثل هذا اللفظ يقصد به الإحالة على ذلك الكتاب لتتميم متعلقات المسئلة منه وحاصل المذكور لهما فيه أن المسمى قوبل بالبضعين ولم يسلما وكل ما قوبل بشيئين ولم يسلما فاللازم حصة السالم بيان تقرر الكبرى شرعا ما لو اشترى عبدين بألف فإذا أحدهما مدبر أو خاطب امرأتين بالنكاح بألف فأجابت إحداهما دون الأخرى بل ما نحن فيه أولى فإن المحرمة دخلت في العقد عنده ولذا لا يحد بوطئها مع العلم بالحرمة عنده ومن ضرورة دخولها انقسام البدل وله منع كلية الكبرى بل المضموم إلى المحللة إما محل أولا ففي الأول ينقسم وفي الثاني لا كما لو ضم جدارا أو حمارا فإن الكل فيه للمحل والضم لغو وضم المحرمة كذلك فإن حكم النكاح الحل فالمحرمة ليست بمحل فلم تدخل والمدبر مال فهو محل ولذا قضى القاضي بجواز بيعه نفذ فيدخل في العقد ثم يستحق نفسه بحق الحرية وسقوط الحد عنده في وطء المحرمة المعقود عليها من حكم صورة العقد وسنبين وجهه إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود لا من حكم انعقاده والانقسام من حكم الانعقاد والانقسام في المخاطبتين للاستواء في الإيجاب للمحلية فإنهما لو أجابتا صح نكاحهما معا وانقسم عليهما هذا وقد ادعى أن ما في الزيادات من أنه لو دخل بالتي لا تحل كان لها مهر مثلها لا يجاوز حصتها من الألف قول أبي حنيفة فاستشكل بأنه فرع دخولها في العقد ودفع بأنه قولهما لا قوله في الأصح وقوله يجب مهر مثلها بالغا ما بلغ وبتقدير التسليم فالمنع من المجاوزة لمجرد التسمية ورضاها بالقدر المسمى لا بدخولها في العقد فأما الانقسام للاستحقاق فباعتبار الدخول في العقد فالتي تحل هي المختصة بذلك فالكل لها وقد يورد أيضا على قوله إن لها مهر مثلها بالغا ما بلغ أن عدم الدخول في العقد يقتضي أجنبيتها عنه فبأي وجه يجب مهر مثلها وهو فرع الدخول في عقد فاسد ويجاب بأن وجوبه بالعذر الذي وجب به درء الحد وهو صورة العقد ويورد على قولها أيضا كيف وجب لها حصتها من الألف بالدخول وهو حكم دخولها في العقد ثم يجب الحد ولا يجتمع الحد والمهر ولا مخلص إلا بتخصيصهما الدعوى فيجب الحد لانتفاء شبهة الحل والمهر للانقسام بالدخول في العقد قوله ومن ادعت عليه امرأة لقب المسئلة أن القضاء بشهادة الزور في العقود والفسوخ ينفذ عند أبي حنيفة ظاهرا وباطنا إذا كان مما يمكن القاضي إنشاء العقد فيه فلو ادعى نكاح امرأة أو هي ادعت النكاح أو الطلاق الثلاث كذبا وبرهنا زورا فقضى بالنكاح أو الطلاق نفذ ظاهرا فتطالب المرأة في الحكم بالقسم والوطء والنفقة وباطنا فيحل له وطؤها وإن علم حقيقة الحال ولها أن تمكنه وقولنا
____________________
(3/252)
إذا كان مما يمكن القاضي إنشاؤه يخرج ما إذا كانت معتدة الغير أو مطلقته ثلاثا فادعى أنه تزوجها بعد زوج آخر ونحو ذلك مما لايقدر القاضي على إنشاء العقد فيه أما الهبة والصدقة فهي نفاذ القضاء بهما باطنا روايتان إذا ادعيا كذبا وجه المانعة أن القاضي لا يملك تمليك مال الغير بلا عوض وقول أبي حنيفة هو قول أبي يوسف الأول وفي قوله الآخر وهو قول محمد لا ينفذ باطنا فلا يسعه أن يطأها إذا ادعى كذبا وإذا كان مدعي عليه يطلقها وهو قول الشافعي وكما لا تحل للثاني لا تحل للأول فيما إذا ادعت الطلاق الثلاث كذبا فقضى به وتزوجت آخر عند محمد وعند أبي حنيفة تحل للثاني لا تحل للأول لأن القاضي يملك التطليق على الغير أحيانا بخلاف المعتدة وأختها وكذا الاختلاف في دعوى الفسخ بأن ادعى أحد المتبايعين على صاحبه فسخ البيع كذبا وبرهن زورا فبفسخ القاضي ينفسخ البيع ويحل للبائع وطؤها لو كانت أمة وكذا لو ادعى بيع الأمة منه ولم يكن باعها فقضى بها القاضي لمدعي الشراء حلت له وكذا في دعوى العتق والنسب وجه تمسكهما في الكتاب ظاهر وأيضا القضاء إما إمضاء لعقد سابق أو إنشاء لا يصح الأول لعدم سابق ولا الثاني لأنه لا إيجاب ولا قبول ولا شهود ولأبي حنيفة أن القاضي مأمور بما في وسعه وإنما في وسعه القضاء بما هو حجة عنده وقد فعل وهذا يفيد أن القاضي لو علم كذب الشهود لا ينفذ ولما لم يستلزم ما ذكر النفاذ باطنا إذ القدر الذي توجبه الحجة وجوب القضاء وهو لا يستلزم النفاذ باطنا إذا كان مخالفا للواقع وهو محل الخلاف زاد قوله وإذا ابنتي القضاء على الحجة وأمكن تنفيذه باطنا بتقديم النكاح ينفذ فأفاد اختيار أحد شقي ترديدهما وهو أنه إنشاء والمعنى أنه يثبت الإنشاء اقتضاء للقضاء بتقديمه عليه وأفاد بذلك جوابهما عما أبطلا به هذا الشق من عدم الإيجاب والقبول والشهود فإن ثبوته على هذا الوجه يكون ضمنيا ولا يشترط للضمنيات ما يشترط لها إذا كانت قصديات على أن كثيرا من المشايخ شرطوا حضور الشهود القضاء للنفاذ باطنا ولم يشترطه بعضهم وهو أوجه ولو أنهما أبطلا هذا الشق بعدم التراضي من الجانبين لم يندفع بذلك ولما كان المقتضى ما ثبت ضرورة صحة غيره ولم يظهر وجه احتياج صحة القضاء إلى تقديم الإنشاء إلا إذا افتقرت صحته إلى نفاذه باطنا وليس مفتقرا إليه لثبوته مع انتفائه في الأملاك المرسلة حيث يصح ظاهرا لا باطنا زاد قوله قطعا للمنازعة يعني أن المقصود من القضاء قطع المنازعة ولا تنقطع فيما نحن فيه
____________________
(3/253)
إلا بتنفيذه باطنا إذ لو بقيت الحرمة تكررت المنازعة في طلبها الوطء أو طلبه مع امتناع الآخر لعلمه بحقيقة الحال فوجب تقديم الإنشاء فكأن القاضي قال زوجتكما وقضيت بذلك كقولك هو حر في جواب أعتق عبدك عني بألف حيث يتضمن البيع منه وذكر الشيخ أكمل الدين أن بعض من حضر عنده من المغاربة منع الحصر وقال يمكن قطع المنازعة بأن يطلقها قال فأجبته ما تريد بالطلاق الطلاق المشروع أو غيره لا عبرة بغيره والمشروع يستلزم المطلوب إذ لا يتحقق إلا في نكاح صحيح قال شيخنا سراج الدين ليس بجواب صحيح إذ له أن يريد به الطلاق غير المشروع وكونه لا عبرة به في كونه طلاقا صحيحا لا يضر إذ قد ثبت بذلك أن قطع المنازعة الواجب لا يتوقف على التنفيذ باطنا ليجب التنفيذ باطنا بل تحقق آخر لقطع المنازعة وهو أن يتلفظ بلفظ الطلاق فلم يجب التنفيذ باطنا حينئذ لأنه لم يمكن له موجب سوى انحصار طريق قطع المنازعة فيه وظهر أنه لم ينحصر والحق أن قطع المنازعة ينتهض سببا للتنفيذ باطنا فيما إذا كان هو المدعى لأنها لا تقدر على التخلص بلفظ الطلاق لا فيما إذا كانت هي المدعية لما ذكر ففيه قصور عن صور المدعى وهو النفاذ باطنا في العقود والفسوخ والذي روي عن علي رضي الله عنه وهو أن رجلا أقام بينة على امرأة أنها زوجته بين يدي علي فقضى علي بذلك فقالت المرأة إن لم يكن لي منه بد يا أمير المؤمنين فزوجني منه فقال شاهداك زوجاك يخص ما إذا انحصر قطع المنازعة في التنفيذ باطنا فإنه لو لم ينعقد باطنا لأجابها فيما طلبت للحقيقة التي عندها والأوجه أن يراد بالمنازعة في قوله قطعا للمنازعة اللجاج المؤدي إلى الضرر أعم من كونه عند القاضي أو لا فتناول ما إذا لج الأول في طلبها باطنا بأن يأتيها لقصد جماعها كرها أو باسترضائها وذلك لعلمه بحقيقة الحال والحل الباطن وفي هذا بعد كونه منشأ مفسدة التقاتل والسفك لكونه عرضة له بإطلاع الزوج عليه قبح اجتماع زوجين على امرأة أحدهما سرا والآخر جهرا وكل من الأمرين ينبو عن قواعد الشريعة فلا تنقطع المنازعة على المعنى الذي ذكرناه من الأعمية إلا بالحكم بالنفاذ باطنا وثبوت الحرمة في نفس الأمر بفسخ القاضي فعم الصور ثم على المبتدئ بالدعوى الباطلة وإثباتها بالطريق الباطل إثم ياله من إثم غير أن الوطء بعد ذلك في حل وقول أبي حنيفة أوجه وقد استدل على أصل المسئلة بدلالة الإجماع على أن من اشترى جارية ثم ادعى فسخ بيعها كذبا وبرهن فقضى به حل للبائع وطؤها واستخدامها مع علمه بكذب دعوى المشترى مع أنه يمكنه التخلص بالعتق وإن كان فيه إتلاف
____________________
(3/254)
ماله لأنه ابتلى بأمرين فعليه أن يختار أهونهما وذلك ما يسلم له فيه دينه قوله بخلاف الأملاك المرسلة أي المطلقة عن تعيين سبب الملك بأن ادعى الملك في هذا الشيء ولم يعين سببا فإن القضاء باليد ليس غير لتزاحم الأسباب أي تعددها فلا يمكن القاضي تعيين بعضها دون بعض إذ لم تقم بعض حجة بخصوصه بخلاف ما عين السبب فيه ووقعت الشهادة على تعيينه والله سبحانه أعلم & باب الأولياء والأكفاء
أولى المتفق عليها غالبا الشرط المختلف فيه وهو عقد الولي والولي العاقل البالغ الوارث فخرج الصبي والمعتوه والعبد والكافر على المسلمة الولاية في النكاح نوعان ولاية ندب واستحباب وهو الولاية على البالغة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا وولاية إجبار وهو الولاية على الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة وتثبت الولاية بأسباب أربعة بالقرابة والملك والولاء والإمامة وافتتح الباب بالولاية المندوبة نفيا لوجوبها لأنه أمر مهم لاشتهار الوجوب في بعض الديار وكثرة الروايات عن الأصحاب فيه واختلافها
وحاصل ما عن علمائنا رحمهم الله في ذلك سبع روايات روايتان عن أبي حنيفة تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقا إلا أنه خلاف المستحب وهو ظاهر المذهب ورواية الحسن عنه إن عقدت مع كفء جاز ومع غيره ولا يصح واختيرت الفتوى لما ذكر أن كم من واقع لا يرفع وليس كل ولي يحسن المرافعة والخصومة ولا كل قاض يعدل ولو أحسن الولى وعدل القاضي فقد يترك أنفة للتردد على أبواب الحكام واستثقالا لنفس الخصومات فيتقررالضرر فكان منعه دفعا له وينبغي أن يقيد عدم الصحة المفتى به بما إذا كان لها أولياء أحياء لأن عدم الصحة إنما كان على ما وجه به هذه الرواية دفعا لضررهم فإنه قد يتقرر لما ذكرنا أما ما يرجع إلى حقها فقد سقط برضاها بغير الكفء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في فصل الكفاءة
____________________
(3/255)
وعن أبي يوسف ثلاث رويات لايجوز مطلقا إذا كان لها ولي ثم رجع إلى الجواز من الكفء لا من غيره ثم رجع إلى الجواز مطلقا من الكفء وغيره وروايتان عن محمد انعقاده موقوفا على إجازة الولي إن أجازة نفذ وإلا بطل إلا أنه إذا كان كفأ وامتنع الولي يجدد القاضي العقد ولا يلتفت إليه ورواية رجوعه إلى ظاهر الرواية فتحصل أن الثابت الآن هو اتفاق الثلاثة على الجواز مطلقا من الكفء وغيره هذا على الوجه الذي ذكرناه عن أبي يوسف من ترتيب الروايات عنه وهو ما ذكره السرخسي وأما على ما ذكره الطحاوي من أن قوله المرجوع إليه عدم الجواز إلا بولي وكذا الكرخي في مختصره حيث قال وقال أبو يوسف لا يجوز إلا بولي وهو قوله الأخير فلا ورجح قول الشيخين لأنهما أقدم وأعرف بمذاهب أصحابنا لكن ظاهر الهداية اعتبار ما نقله السرخسي والتعويل عليه حيث قال عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف الخ وعلى المختار للفتوى لو زوجت المطلقلة ثلاثا نفسها بغير كفء ودخل بها لا تحل للأول قالوا ينبغي أن تحفظ هذه المسئلة فإن المحلل في الغالب يكون غير كفء وأما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للأول وإذا جاز من غير الكفء على ظاهر المذهب فللولي أن يفرق بينهما على ما نذكره في فصل الكفاءة إن شاء الله تعالى وقال الشافعي رحمه الله لا ينعقد بعبارة النساء أصلا أصيلة كانت أو وكيلة قوله لأن النكاح شروع في الاستدلال لقول الشافعي ومالك وهو أن النكاح لا يراد لذاته بل لمقاصده من السكن والاستقرار لتحصيل النسل
____________________
(3/256)
وتربيته ولا يتحقق ذلك مع كل زوج والتفويض إليهن مخل بهذه المقاصد لأنهن سريعات الاغترار سيئات الاختيار فيخترن من لا يصلح خصوصا عند غلبة الشهوة وهو غالب أحوالهن فصارت الأنوثة مظنة قصور الرأي لما غلب على طبعهن مما ذكرنا فاستلزم هذا التقرير كون علة ثبوت الولاية في النكاح الأنوثة ولا شك أنه قاصر عن عموم الدعوى فإنها لو عقدت بإذن الولي لها في رجل معين كقول محمد لا يصح عندهم والوجه المذكور لا يشمله ونحن نمنع علية الأنوثة ونهيها عن المباشرة ندب كي لا تنسب إلى الوقاحة بل العلة ليست إلا
____________________
(3/257)
الصغر على ما سنبين والمفسدة المذكورة ليست لازمة لمباشرتها ولا غالبة ولا يناط الحكم بالأنوثة إذ ليست ملزومة دائما ولا غالبا كما هو شأن المظنة ومجرد الوقوع أحيانا لا يوجب المظنة وإذا وجد فللولي رفعه وكون ولي يحتشم عن ذلك قليل بالنسبة إلى من يقوم في دفع العار المستمر عن نفسه فوقوع المفسدة قليل وتقريرها بعد وقوعها قليل في قليل فانتفت المظنة وبقي أنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة بالغة ولهذا كان لها اختيار الأزواج فلا تزوج ممن لا ترضاه ثم استشعر أن يورد عليه منع أنه خالص حقها وإلا لم يطالب الولي به فأجاب بأنه إنما يطالب الولي به كي لا تنسب إلى الوقاحة وهذا كلام على السند وهو غير مفيد إلا لو ساوى وهو منتف فإنه له أدلة أخرى سمعية هي المعول عليها وهي قوله تعالى { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } نهى الأولياء عن منعهن من نكاح من يختزنه وإنما يتحقق المنع ممن في يده الممنوع وهو الإنكاح وما في السنن عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل حسنه الترمذي وقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحاديث أخر في ذلك والجواب أما الآية فمعناها الحقيقي النهي عن منعهن عن مباشرة النكاح هذا هو حقيقة لا تمنعوهن أن ينكحن أزواجهن إذا أريد بالنكاح العقد هذا بعد تسليم كون الخطاب للأولياء وإلا فقد قيل للأزواج فإن الخطاب معهم في أول الآية { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن } أي لا تمنعوهن حسا حبسا بعد انقضاء العدة أن يتزوجن ويوافقها قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } لأنه حقيقة
____________________
(3/258)
إسناد الفعل إلى الفاعل وأما الحديث المذكور وما بمعناه من الأحاديث فمعارضة بقوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطإ والأيم من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا في كتاب الأمثال لأبي عبيدة في أمثال أكثم بن صيفي كل ذات بعل ستئيم يضرب لتحول الزمن بأهله وأنشد قول الأول ** أفاطم إني هالك فتثبتي ** ** ولا تجزعي كل النساء تئيم
وجه الاستدلال أنه أثبت لكل منها ومن الولي حقا في ضمن قوله أحق ومعلوم أنه ليس للولي سوى مباشرة العقد إذا رضيت وقد جعلها أحق منه به فبعد هذا إما أن يجري بين هذا الحديث وما رووا حكم المعاوضة والترجيح أو طريقة الجمع فعلى الأول يترجح هذا بقوة السند وعدم الاختلاف في صحته بخلاف الحديثين فإنهما إما ضعيفان فحديث لا نكاح إلا بولي مضطرب في إسناده في وصله وانقطاعه وإرساله قال الترمذي هذا حديث فيه اختلاف وسمي جماعة منهم إسرائيل وشريك رووه عن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم وراه أسباط بن محمد وزيد بن حبان عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ورواه أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي اسحاق عن أبي بردة ولم يذكر فيه عن أبي اسحاق فقد اضطرب في وصله وانقطاعه وقد روى شعبة وسفيان الثوري عن يونس بن أبي اسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اضطراب في إرساله لأن أبا بردة لم يره النبي صلى الله عليه وسلم وشعبة وسفيان أضبط من كل من تقدم قال وأسنده بعض أصحاب سفيان عن سفيان ولا يصح ثم أسند إلى شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي قال نعم ولا يخفى أن هذا الكلام إلزامي أما على رأينا فلا يضر الإرسال وحديث عائشة رضي الله عنها عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وقد أنكره الزهري قال الطحاوي وذكر ابن جريج أنه سأل عنه ابن شهاب فلم يعرفه حدثنا بذلك ابن أبي عمران حدثنا يحيى بن معين عن ابن علية عن ابن جريج بذلك وإما حسنان بناء على أن الأصح في الأول وصله لأن الوصل والرفع مقدمان على الوقف والإرسال عند التعارض على الأصح وإن كان شعبة وسفيان أحفظ من غيرهما لكن حكاية شعبة تفيد أنهما سمعاه من أبي إسحاق في مجلس واحد ظاهرا وغيرهما سمعوه منه في مجالس وفي الثاني أن الثقة قد ينسى الحديث ولا يعد قادحا في صحته بعد عدالة من روى عنه وثقته ولذلك نظائر أشهرها ما روى أن ربيعة ذكر لسهيل بن أبي صالح
____________________
(3/259)
حديثا فأنكره فقال له ربيعة أنت حدثتني به عن أبيك فكان سهيل يقول بعد ذلك حدثني ربيعة عني اللهم إلا أن يقال هذا في عدم التكذيب أما إذا كذبه بأن يقول ما رويت ذلك فنصوا في الأصول على رده وفي حكاية ابن جريج إيماء إلى ذلك في رواية ابن عدي في الكامل إياها في ترجمة سليمان بن موسى حيث قال قال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه فقلت له إن سليمان بن موسى حدثنا به عنك قال فأثنى على سليمان خيرا وقال أخشى أن يكون وهم على آه فهذا اللفظ في عرف المتكلمين من أهل العلم يفيد معنى نفيه بلفظ النفي وأما ما ضعفه به من أن عائشة رضي الله عنها راويته عملت بخلافه على ما في الموطإ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم عبد الرحمن قال ومثلي يفتات عليه في بناته فكلمت عائشة رضي الله عنها المنذر بن الزبير فقال إن ذلك بيد عبد الرحمن وقال عبد الرحمن ما كنت لأرد أمر قضيته فاستمرت حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقا فأول على معنى أنها أذنت في التزويج ومهدت أسبابه فلما لم يبق إلا العقد أشارت إلي من يلي أمرها عند غيبة أبيها أن يعقد يدل على ذلك ما روى عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كانت عائشة رضي الله عنها تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح وفي لفظ فإن النساء لا ينكحن أسنده البيهقي عنه وعلى كلا التقديرين فالتقدمة للصحيح وهو ما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطإ وهو ما استدللنا به وعلى الثاني وهو إعمال طريقة الجمع فبأن يحمل عمومه على الخصوص وذلك سائغ وهذا يخص حديث أبي موسى بعد جواز كون النفي للكمال والسنة وهو محمل قوله فإن النساء لا تلي ولا ينكحن في رواية البيهقي وبأن يراد بالولي من يتوقف على إذنه أي لا نكاح إلا بمن له ولاية لينفي نكاح الكافر المسلمة والمعتوهة والأمة والعبد أيضا لأن النكاح في الحديث عام غير مقيد وعلى هذا التأويل يتم العمل بالحديث الجامع لاشتراط الشهادة والولي وهو ما قدمناه من رواية ابن حبان في فصل الشهادة ويخص حديث عائشة بمن نكحت غير الكفء والمراد بالباطل حقيقته على قول من لم يصحح ما باشرته من غير كفء أو حكمه على قول من يصححه ويثبت للولي حق الخصومة في فسخه كل ذلك سائغ في إطلاقات النصوص ويجب ارتكابه لدفع المعاوضة بينها على أنه يخالف مذهبهم فإن مفهومه إذا أنكحت نفسها بإذن وليها كان صحيحا وهو خلاف مذهبهم والله سبحانه أعلم فثبت مع المنقول الوجه المعنوي وهو أنها تصرفت في خالص حقها وهو نفسها وهي من أهله كالمال فيجب تصحيحه مع كونه خلاف الأولى قوله ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح معنى الإجبار أن يباشر العقد فينفذ عليها شاءت أو أبت ومبني الخلاف أن علة ثبوت ولاية الإجبار أهو الصغر أو البكارة فعندنا الصغر وعند الشافعي البكارة فانبني على هذه ما إذا زوج الأب الصغيرة فدخل بها وطلقت قبل البلوغ
____________________
(3/260)
لم يجز للأب تزويجها عنده حتى تبلغ فتشاور لعدم البكارة وعندنا له تزويجها لوجود الصغر وحاصل وجه قوله أنه ألحق البكر الكبيرة بالبكر الصغيرة في ثبوت ولاية إجبارها في النكاح بجامع الجهل بأمر النكاح وعاقبته ونحن نمنع أن الجهل بأمر النكاح هو العلة في الأصل بل هو معلوم الإلغاء للقطع بجوازه عند البيع والشراء ممن جهله لعدم الممارسة مع أن الجهل منتف لأنه قلما تجهل بالغة معنى عقد النكاح وحكمه وبهذا يسقط ما يمكن أن يقال ليكن الجهل حكمة تعليق الحكم بالصغر كما ذكرتم لكن يجوز تعدية الحكم باعتبار الحكمة المجردة إن وجدت على المختار بل تعليق الحكم في الأصل بالصغر المتضمن لقصور العقل المخرج له عن أهلية أن يرجع إليه في رأي أو يلتفت إليه في أمر ونهي وهذا الذي ظهر أثره في التصرفات من البيع والشراء والإجارة والاقتضاء وغيرها من سائر التصرفات اتفاقا على أن الخلاف في الحكمة المجردة الظاهرة المنضبطة وظاهر كلام الفريقين هناك أن ذلك لم يتحقق في الشرع بعد ثم لا يخفى أن الجهل غير منضبط بل يختلف باختلاف الأشخاص فلا يعتبر أصلا بل المظنة والكلام فيها أهي البكارة أو الصغر فقلنا الصغر أما البكارة فمعلوم إلغاؤها من الصريح والدلالة ونوع من الاقتضاء ومقصود الشرع أما الصريح ففي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حديث صحيح فإنه عن حسين حدثنا جرير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس وحسين هو ابن محمد المروزي أحد المخرج لهم في الصحيحين وقول البيهقي إنه مرسل لرواية أبي دواد إياه من حديث محمد بن عبيد عن حماد بن يزيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه تخطئة الوصل لرواية حماد هذه وابن علية عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ونسبة الوهم في الوصل إلى حسين لأنه لم يروه عن جرير غيره مردود أما أولا فبحجية المرسل الصحيح وأما ثانيا فقد تابع حسينا على الوصل عن جرير سليمان بن حرب كما نقله صاحب التنقيح عن الخطيب البغدادي قال فبرئت عهدته يعني حسينا وزالت تبعته ثم أسنده عنه قال ورواه أيوب عن سويد هكذا عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن سلميان عن زيد بن حبان عن أيوب فزال الريب وصار الحاصل أن عكرمة قال مرة إن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل وذكر مرة أو مرارا الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ولا بدع في ذلك قال ابن القطان حديث ابن عباس هذا صحيح وليست هذه خنساء بنت خذام التي زوجها أبوها وهي ثيب فكرهته فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه إن هذه بكر وتلك ثيب أه على أنه روى أن خنساء أيضا كانت بكرا أخرج النسائي في سننه حديثها وفيه أنها كانت بكرا ورواه عن عبد الله بن يزيد عن خنساء قالت أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر فشكوت ذلك إلى النبي
____________________
(3/261)
صلى الله عليه وسلم الحديث لكن رواية البخاري تترجح قال ابن القطان والدليل على أنهما ثنتان ما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح ثيب وبكر أنكحهما أبوهما وهما كارهتان قال ابن القطان وتزوجت خنساء بمن هويته وهو أبو لبابة بن عبد المنذر صرح به في سنن ابن ماجه فولدت له السائب بن أبي لبابة أه وهذا الحديث وإن كان فيه إسحاق بن إبراهيم بن جرير الطبري وهو ضعيف لكن لم يتفرد به عن الذماري فقد رواه عنه أيضا أبو سلمة مسلم بن محمد بن عمار الصنعاني ووهم الدارقطني الذماري نفسه عن الثوري وصوب إرساله عن يحيى عن المهاجر عن عكرمة مرسلا وعلى كل حال يتم به المقصود الذي سقناه له وأخرج الدارقطني عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن عطاء بن جابر أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما فهذا عن جابر ووهم شعيبا في رفعه قال والصحيح أنه مرسل وبه يتم مقصودنا إما لأنه حجة وإما لأنا ذكرناه للاستشهاد والتقوية وأحاديث أخر رويت عن ابن عمر وعائشة وإن تكلم فيها وأما ما استدلوا به من قوله صلى الله عليه وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها باعتبار أنه خص الثيب بأنها أحق فأفاد أن البكر ليست أحق بنفسها منه فاستفادة ذلك بالمفهوم وهو ليس حجة عندنا ولو سلم فلا يعارض المفهوم الصريح الذي ذكرناه من رده ولو سلم فنفس نظم باقي الحديث يخالف المفهوم وهو قوله صلى الله عليه وسلم والبكر يستأمرها الخ إذ وجوب الاستئمار على ما يفيده لفظ الخبر مناف للإجبار لأنه طلب الأمر أو الإذن وفائدته الظاهرة ليست إلا ليستعلم رضاها أو عدمه فيعمل على وفقه هذا هو الظاهر من طلب الاستئذان فيجب البقاء معه وتقديمه على المفهوم لو عارضه والحاصل من لفظ إثبات الأحقية للثيب بنفسها مطلقا ثم أثبت مثله للبكر حيث أثبت لها حق أن تستأمر وغاية الأمر أنه نص على أحقية كل من الثيب والبكر بلفظ يخصها كأنه قال الثيب أحق بنفسها والبكر أحق بنفسها أيضا غير أنه أفاد أحقية البكر بإخراجه في ضمن إثبات حق الإستئمار لها وسببه أن البكر لاتخطب إلى نفسها عادة بل إلى وليها بخلاف الثيب فلما كان الحال أنها أحق بنفسها وخطبتها تقع للولي صرح بإيجاب استئماره إياها فلا يفتات عليها بتزويجها قبل أن يظهر رضاها بالخاطب ويعضد هذا المعنى الرواية الأخرى الثابتة في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطإ الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها والأيم من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا على ما ذكرناه قريبا فإنها صريحة في إثبات الأحقية للبكر ثم تخصيصها بالاستئذان وذلك لما قلناه من السبب وبه تتفق الروايتان بخلاف ما مشوا عليه فإنه إثبات المعارضة بينهما وتخصيص المنطوق وهو الأيم لإعمال المفهوم مع أن باقي نفس رواية الثيب ظاهرة في خلاف المفهوم على ما قررناه وصريح الرد الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم كما مر فلا يجوز العدول عما ذهبنا إليه في تقرير الحديث خصوصا وهو جمع ظاهر لا بطريق الحمل والتخصيص ولا يدفعه قاعدة لغوية ولا أصلية وفي سنن النسائي عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرت أن فتاة دخلت عليها
____________________
(3/262)
فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته وأنا كارهة فقالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فجعل الأمر إليها فقالت يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي وإنما أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء وهذا يفيد بعمومه أن ليس له المباشرة حقا ثابتا بل استحباب وفيه دليل من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم قولها ذلك أيضا وهو حديث حجة وما قيل هو مرسل ابن أبي بردة فالمرسل حجة وبعد التسليم فليس بصحيح فإن سند النسائي قال حدثنا زياد بن أيوب عن علي بن عراب عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة ورواه ابن ماجه حدثنا هناد بن السرى حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه قال جاءت فتاة وحمله على أن ذلك لعدم الكفاءة خلاف الأصل مع أن العرب إنما يعتبرون في الكفاءة النسب والزوج كان ابن عمها وأما الدلالة فلا ولاية له أن يتصرف في أقل شيء من مال البكر البالغة إلا بإذنها وكل المال دون النفس فكيف يملك أن يخرجها قسرا إلى من هو أبغض الخلق إليها ويملكه رقها ومعلوم أن ذهاب جميع مالها أهون عليها من ذلك فهذا مما ينبو عنه قواعد الشرع وأما الاقتضاء فجميع ما في السنة من الصحاح والحسان المصرحة باستئذان البكر ومنع التنفيذ عليها بلا إذنها كما في حديث أبي هريرة لا تنكح البكر حتى تستأذن الحديث وسيأتي لا يعقل له فائدة إلا العمل على وفقه لاستحالة أن يكون الغرض من استئذانها أن تخالف فلو كان الإجبار ثابتا لزم ذلك وعزى الأمر بالاستئذان عن الفائدة بل لزمت الإحالة ولما لم يكن الاقتضاء المصطلح قلنا فيما تقدم إنه نوع منه فظهر ظهورا لا مرد له أن إيجاب استئذانها صريح في نفي إجبارها والولاية عليها في ذلك وأما تحقيق مقصود شرعية العقد فلأن المقصود من شرعيته انتظام المصالح بين الزوجين ليحصل النسل ويتربى بينهما ولا يتحقق هذا مع غاية المنافرة فإذا عرف قيام سبب انتفاء المقصود الشرعي قبل الشروع وجب أن لا يجوز لأنه حينئذ عقد لا يترتب عليه فائدته ظاهرا بخلاف ما إذا لم يكن ذلك ظاهرا ثم يطرأ بعد العقد والله سبحانه أعلم قوله وإنما يملك الخ يعني أن العادة جرت بقبض الآباء أصدقة الأبكار ليجهزوهن بها مع أموال أنفسهم من غير معارضة البنات في ذلك لآبائهن ولاستحياء البنات من المطالبة والاقتضاء فكان الإذن منهن ثابتا دلالة نظرا إلى ما ذكرنا فعن ذلك يبرأ الزوج بالدفع إليه إلا أن يوجد نهيها صريحا لأن الدلالة لا تعتبر مع الصريح بخلاف متعلقها ومن فروع قبض الأب صداقها أنه لا يملك إلا قبض المسمى حتى لو كانت بيضا لا يلي قبض السود وبالعكس لأنه استبدال ولا يملكه قال الحلواني هذا مذهب علمائنا وعن علماء بلخ أنهم جوزوا ذلك وهو أرفق بالناس وفي الفتاوي الصغرى وإن قبض الضياع يعني بدل المسمى لا يجوز إلا في مكان جرت العادة فيه بذلك كما في رساتيقنا يأخذون ببعض المهر ضياعا هذا إذا كانت كبيرة بكرا فلو كانت صغيرة جاز قبض الضياع وغيرها مما يختاره لأن بيع والأب يملك بيع مال بنته الصغيرة وفي النوازل وإن كان في بلد يتعارفون قبض الضياع بأضعاف قيمتها جاز لأنه قبض المهر بحكم العرف وليس شراء في الحقيقة وللأب أن يطالب بالمهر وإن كانت الزوجة صغيرة لا يستمتع بها بخلاف النفقة لأنها جزاء الاحتباس ووجوب المهر حكم فنسى العقد نفس العقد والجد عند عدم
____________________
(3/263)
الأب كالأب ولا يملك غيرهما قبض المهر ولا الأم إلا بحكم الوصاية والزوجة صغيرة حتى لو قبضت الأم بلا وصاية فكبرت البنت لها مطالبة الزوج ويرجع هو على الأم كذا ذكر وفي جوامع الفقه زاد للقاضي قبض صداق البكر صغيرة كانت أو كبيرة إلا إذا زفت ولو طلب الأب مهرها أعني البكر البالغة فقال الزوج دخلت بها يعني فلا تملك قبضه لأنها خرجت عن حكم الإبكار وقال الأب بل هي بكر في منزلي فالقول قول الأب لأن الزوج يدعي حادثا بلا بينة فإن قال الزوج حلفه أنه لم يعلم أني دخلت بها قال الصدر الشهيد يحتمل أن يحلف وهو صواب لأن الأب لو أقر بذلك صح إقراره في حق نفسه حتى لم يكن له أن يطالب بالمهر وكانت المطالبة للبنت فكان التحليف مفيدا قال ورأيت في أدب الخصاف بأنه لايحلف ولو طالبت الزوج فادعى دفعه للأب ولا بينة غير أن الأب أقر أنه قبضه إن كانت البنت بكرا وقت الإقرار صدق أو ثيبا فلا لأن إقراره حالة البكارة في حال ولاية قبضه بخلاف حال الثيوبة ولا يشكل عند تصديقه حال الثيوبة إذا كانت كبيره فلو كانت صغيره صدق ولو تزوجها صغيرة فدخل بها ثم بلغت فطلبت المهر فقال الزوج دفعته إلى أبيك وأنت صغيرة وصدقه الأب لا يصح إقراره عليها اليوم ولها أن تأخذ المهر من الزوج وليس للزوج أن يرجع على الأب لأنه أقر باستحقاقه القبض إلا إن قال عند القبض المهر أخذته منك على أن أبرأتك من صداق بنتي فحينئذ له أن يرجع عليه إذا أنكرت قوله وإذا استأذنها فسكتت الخ ظاهر حكما ودليلا والمراد بالسكوت الاختياري فلو أخذها سعال أو عطاس أو أخذ فمها فخلصت فردت ارتد ولا فرق بين العلم والجهل في التجنيس حتى لو زوجها أبوها فسكتت وهي لا تعلم أن السكوت رضا جاز ولو تبسمت يكون إذنا في الصحيح وما حكاه بقوله وقيل إذا ضحكت كالمستهزئة لا يكون رضا وضحك الاستهزاء لا يخفى على من يحضره وإذا بكت بلا صوت لا يكون ردا اختير للفتوى وعن أبي يوسف في البكاء أنه رضا لأنه لشدة الحياء وعن محمد رد لأن وضعه لإظهار الكراهة والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط وعن هذا ما اعتبر بعضهم من أن دموعها إن كانت حارة فهو رد أو باردة فهو رضا لكنه اعتبار قليل الجدوى أو عديمه إذ الإحساس بكيفيتي الدمع لا يتهيأ إلا لخد الباكي ولو ذهب إنسان يحسه لا يدرك حقيقة المقصود وليس بمعتاد ولا يطمئن به القلب إلا أنه كذا ذكر وذكر شيخ الإسلام وغيره في مسائل اعتبرت السكوت فيها رضا منها هذه وضممت إليها ما تيسر وقد جمعتها في هذه الأبيات تسهيلا لحفظها ** سكوت بكر في النكاح وفي ** ** قبض الأبين صداقها إذن ** ** قبض المملك والمبيع ولو ** ** في فاسد وإذا اشترى قن ** ** وكذا الصبي وذو الشراء إذا ** ** كان الخيار له كذا سنوا **
____________________
(3/264)
** مولى الأسير يباع وهو يرى ** ** وأبو الوليد إذا انقضى الزمن ** ** وعقيب شق الزق أو حلف ** ** ينفى به الإسكان إذ ضنوا ** ** وعقيب قول مواضع نمضي ** ** أو وضع مال ذا له يرنو ** ** وبلوغ جارية وزوجها ** ** غير الأبين بذاك قد منوا ** ** وكذا الشفيع وذو الجهالة في ** ** نسب شراه من به ضغن ** ** وإذا يقول لغيره فسكت ** ** هذا متاعي بعه يا معن ** ** وإذا رأى ملكا يباع له ** ** وتصرفوا زمنا فلم يدنو **
قولي سكوت بكر يشمل ما قبل النكاح وما بعده أعني إذا زوجها فبلغها فسكتت وقبض المملك يدخل فيه الموهوب والمتصدق به إذا قبض بمرأى من المملك فسكت كان قبضا معتبرا يثبت به الملك وكذا المبيع ولو في بيع فاسد إذا قبضه المشتري بمرأى من البائع فسكت صح فيسقط حق حبس البائع إياه إلى استيفاء الثمن فليس له أن يسترده بل يطالب بالثمن وفي كتاب الإكراه لا يكون إذنا صحيحا في الفاسد وإذا اشترى قن يعني إذا اشترى العبد شيئا بحضرة سيده فسكت كان إذنا قال الحلواني لكن نفس ما وقعت الرؤية فيه لا يجوز بل ما بعده والصبي إذا اشترى أو باع بمرأى من وليه فسكت كالعبد وذو الشراء أي المشتري عبد إذا كان له الخيار فرأى العبد يبيع أو يشتري فسكت سقط خياره لأن الإذن فرع نفاذ البيع ومولى الأسير أي العبد الذي أسر إذا ظهر على دار الحرب فوقع في سهم مسلم كان مولاه أحق به بالقيمة فلو باعه من آخر ومولاه يراه فسكت بطل حقه وليس له أن يأخذه وأبو الوليد إذا سكت ولم ينفه حتى مضت أيام التهنئة على الخلاف في مقدار زمنه أهو الأسبوع أو مدة النفاس لزمه فلا ينتفي بعد والسكوت عقيب شق رجل زقه حتى سال ما فيه لا يضمن الشاق ما سال وعقيب الحلف على أن لا أسكن فلانا وفلان ساكن فيحنث فإن قال عقبه اخرج فأبى لم يحنث وعقيب قول مواضع أي رجل واضع غيره على أن يظهر بيع تلجئة ثم قال بدا لي أن أجعله بيعا نافذا بمسمع من الآخر فسكت ثم عقد كان نافذا وعقيب وضع رجل متاعه بحضرته وهو ينظر إليه يكون قبولا للوديعة فيلزمه حفظها ويضمن بتركه والشفيع إذا بلغه بيع ما يشفع فيه فسكت كان تسليما وذو الجهالة أي معهول النسب إذا بيع فسكت فهو إقرار بالرق فلا يقبل دعواه الحرية إلا ببينة زاد الطحاوي في اعتبار سكوته رضا وقيل له قم مع سيدك فقام وإذا يقول رجل لغيره بع متاعي فسكت ثم باعه بعد يكون سكوته قبولا للوكالة فلا يكون بيع فضولي وليس من فروع هذه ما في الجوامع لو استأمر بنت عمه لنفسه وهي بكر بالغة فسكتت فزوجها من نفسه جاز لأنه صار وكيلا بسكوتها وإذا رأى ملكا له منقولا أو عقارا يباع فسكت حتى قبضه المشتري وتصرف فيه زمانا سقط دعواه إياه ذكره في منية الفقهاء وغيرها بخلاف ما لو كان سكوته عند مجرد البيع فإنه لا يكون رضا اعترافا بأن لا حق فيه عندنا خلافا لابن أبي ليلى والتي زدتها مسئلة الوديعة والاستقراء يفيد عدم
____________________
(3/265)
الحصر وهذه المشهورة المحصورة قوله وإن فعل هذا أي الاستئذان غير ولي بأن كان الأب كافرا أو عبدا أو مكاتبا أو ولي غيره أولى منه كالأخ مع الأب لم يكن سكوتها ولا ضحكها رضا بل نطقها به وهذا يشمل رسول الولي فأخرجه آخرا بقوله بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي لأنه قائم مقامه فيكون سكوتها عند استئذانه رضا وعن الكرخي يكفي سكوتها وإن كان المستأمر أجنبيا لأن استحياءها منه أكثر منه مع الولي قلنا السكوت فيه له ظاهر آخر وهو قلة الالتفات إلى كلامه فصار محتملا على السواء فلم يقع دلالة على الرضا إلا للحاجة وهي تندفع باعتباره مع الأولياء لأنهم هم المزوجون غالبا فكان اعتباره في محل الحاجة بخلاف غيرهم إذ لا يعتبر المحتمل في غير محل الحاجة وإنما كان حاجة لأنها لا تنطق فلو لم يكتف بالمحتمل تعطلت مصالحها وهذا يقتضي أنه مع الأولياء أيضا محتمل على السواء وينافيه قوله لأن جنبة الرضا فيه غالبة فكان الأولى الاقتصار على قوله فلم يقع دلالة على الرضا وقول المصنف ولو وقع كان محتملا ظاهر العبارة ولو وقع دلالة كان محتملا إن أراد احتمالا مساويا لم يصح جعله دلالة وإن أراد مرجوحا كان الرضا مظنونا فهو دلالة فيكون كافيا مطلقا لا يتقيد بحالة كون المستأمر وليا فإن قيل يشكل على هذا الحكم المذكور إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم إذنها أن تسكت ونحوه من غير تقييد بكون المستأمر وليا قلنا يتقيد بالعرف والعادة وهي أن المستأذن للبكر ليس إلا الولي بل لا فخلص إليها غيره قوله ويعتبر في الاستئمار أي يعتبر في كون السكوت رضا في الاستئمار تسيمة الزوج على وجه تقع به المعرفة لها إما باسمه كأزوجك من فلان أو فلان أو في ضمن العام لا كل عام نحو من جيراني أو بني عمي وهم محصورون معروفون لها لأن عند ذلك لا يعارض كون سكوتها رضا معارض بخلاف من بني تميم أو من رجل لأنه لعدم تسميته يضعف الظن ولو زوجها بحضرتها فسكتت اختلف فيه والأصح الصحة وينبغي تقييده بما إذا كان الزوج حاضرا أو عرفته قبل ذلك ولو زوجها بحضرتها بغير كفء فسكتت
____________________
(3/266)
لم يكن رضا في قول محمد بن سلمة وهو قول أبي يوسف ومحمد قال الفقيه أبو الليث وهو يوافق قولهما في الصغيرة قوله ولا يشترط تسمية المهر أي في كون السكوت رضا وقيل يشترط لاختلاف الرغبة باختلاف الصداق قلة وكثرة والصحيح الأول لأن النكاح صحة بدونه وصحح في شرح الوافي أن المزوج إن كان الأب أو الجد لا يشترط وإلا اشترط لأن الأب لو نزل عن مهر المثل لا يكون إلا لمصلحة تربو عليه فإن سمى المهر أقل من مهر المثل لا يكون سكوتها رضا أه والأوجه الإطلاق وما ذكر من التفصيل ليس بشيء لأن ذلك في تزويجه الصغيره بحكم الجبر والكلام في الكبيرة التي وجبت مشاورته لها والأب في ذلك كالأجنبي لا يصدر عن شيء من أمرها إلا برضاها غير أن رضاها يثبت بالسكوت عند عدم ما يضعف ظن كونه رضا ومقتضى النظر أن لا يصح بلا تسمية المهر لها لجواز كونها لا ترضى إلا بالزائد على مهر المثل بكمية خاصة فما لم تعلم ثبوتها لا ترضى وصحة العقد بلا تسمية هو فيما إذا رضيت بالتفويض وقنعت بمهر المثل بدلالة زائدة على السكوت وكون الظاهر من الأب أن لا يتركه إلا لما يربو عليه لا يقتضي رضاها بتركه لتلك المصلحة فقد لا تختار ذلك والكلام في البكر الكبير والمسئلة المعروفة فيه من قول أبي حنيفة إنما هو في الصغيرة أما الكبيرة فنفاذ تزويج الأب موقوف على رضاها كالوكيل غير أن سكوتها جعل دلالة شرعا فإذا عارضه ترك التسمية أو تسمية الناقص صار محتملا على السواء لكونه للرضا أو لخوف الرد عليه مع عدمه فلا يثبت الرضا به وفي غيره ليس الاحتمال متساويا بل الراجح جنبة الرضا فما اكتفى إلا بالمظنون على ما ذكرناه آنفا وقد يقال سكوتها إذا لم يسم لها الولي مهرا مع علمها بأنه يعتبر رضا وينفذ العقد عليها تفويض ورضا بمهر المثل وبكل مهر لكن يدفع بأن علمها بأن سكوتها رضا مع عدم التسمية بكل مهر هو محل النزاع فلا يلزم علمها وفي التجنيس في باب ما يكون رضا وإجازة إذا ذكر الزوج ولم يذكر المهر فسكتت إن وهبها يعني إن فوضها ينفذ النكاح وإن زوجها بمهر مسمى لا ينفذ لأنه إذا وهبها فتمام العقد بالزوج والمرأة عالمة به وإذا سمى مهرا فتمامه به أيضا وهو فرع اشتراط التسمية في كون السكوت رضا ويجب كون الجواب في المسئلة الأولى مقيدا بما إذا علمت بالتفويض تفريعا على القول الآخر قوله ولو زوجها فبلغها الخبر فهو على ما ذكرنا من أنها إن سكتت أو ضحكت بلا استهزاء
____________________
(3/267)
أو بكت بغير صوت فهو رضا وإلا فلا أه وقال ابن مقاتل لا يكون السكوت بعد العقد رضا لأن كونه قبله رضا على خلاف القياس بالنص وأما بعده فالحاجة إلى الإجازة والسكوت لا يكون إجازة لأنه ليس في معنى المنصوص فإن السكوت عند الاستئمار ليس ملزما وبعده إذا بلغها الخبر ملزم فلا يثبت بمجرد السكوت وعن أبي يوسف السكوت بعد العقد رد ذكره في البدائع قال وهو قول محمد والأصح الأول لأن وجه كون السكوت رضا لا يختلف قبل العقد وبعده فكما كان إذنا قبله لدلالته على الرضا وجب أن يكون إجازة بعده لدلالته عليه ولا أثر للفرق بكونه ملزما وعدمه على أن الحق أنه ملزم في كل منهما غير أنه تقدم العقد يثبت به اللزوم وفي حال وقبله يتوقف على التزويج من المستأذن فإن قيل يوجه قول ابن مقاتل ورواية أبي يوسف بالنص وهو رواية الأئمة الستة عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولاتنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف أذنها قال أن تسكت فهذا صريح في منع النكاح قبل الاستئذان فالجواب أن الاتفاق على أنها لو صرحت بالرضا بعد العقد نطقا جاز النكاح مع أنه متناول ظاهر النهي فعلم أن الاتفاق على أن المراد بالنهي المنع عن تنفيذ العقد عليها وإبرامه قبل إذنها وإنما الخلاف في أن الإجازة بعد العقد بماذا تكون فقلنا دل النص على كونها بما كان الإذن به قبله ولا يعارضه النهي المذكور بعد الاتفاق على أن المراد منه ما ذكرنا وعلى هذا فرعوا أنه لو استأذنها في معين فردت ثم زوجها منه فسكتت جاز على الأصح بخلاف ما لو بلغها فردت ثم قالت رضيت حيث لا يجوز لأن العقد بطل بالرد فالرضا بعد ذلك بعقد مفسوخ ولذا استحسنوا التجديد عند الزفاف فيما إذا زوج قبل الاستئذان إذ غالب حالهن إظهار النفرة عند فجأة السماع هذا والأوجه عدم الصحة لأن ذلك الرد الصريح لا ينزل عن تضعيف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ولو كانت قالت قد كنت قلت لا أريده ولم تزد على هذا لا يجوز النكاح للإخبار بأنها على امتناعها
فروع ولو زوجها وليان مستويان كل من واحد فسكتت فعن محمد بطلا كما لو أجازتهما معا وهو القياس لأن سكوتها رضا وظاهر الجواب أنهما يتوقفان حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل ونقله في البدائع عن محمد فعنه حينئذ روايتان ولو زوجها من رجل فبلغها فردت ثم قالت في مجلس آخر بعد ما قال لها إن أقواما
____________________
(3/268)
يخطبونك أنا راضية بما تفعل فزوجها من الأول لا ينفذ عليها إلا بإجازة مستقبلة لأن تقدير كلامه إذا رعبت عن فلان فإن أقواما آخرين يخطبونك فلا ينصرف رضاها الآن إلى ما يعم الأول وهذا كمن طلق امرأته ثم قال لرجل إني كرهت فلانة فحلقتها فزوجني بامرأة ترضاها فزوجه المطلقة لا يصح وكذا إذا باع عبدا ثم وكل رجلا بشراء عبد فاشترى له الأول لا يصح ولو زوجها فبلغها فقالت لا أريد النكاح فهو رد على الأصح وقولها غيره أحب إلي قبل العقد رد وبعده إذن لأنه محتمل فلا يجوز قبل النكاح بالشك ولا يبطل بعده الشك كذا في الواقعات وقولها ذلك إليك إذن وقلها أنت أعلم ليس بإذن لأنه تعريب قولها أو يقاربه بالفارسية توبه دان ولو استأذنها فقالته لا يكون إذنا لأنه قد يذكر للتعريض لعدم المصلحة فيه وحقيقة توبه دان أنت بالمصلحة أخبر أو بالأحسن أعلم وهذا اختيار الفقيه أبي الليث بخلاف قولها ذلك إليك فإنه إذن لأنه إنما يذكر للتوكيل ولا يخفى أن مسئلة غيره أحب إلي مشكلة ولا يخفى ضعف قوله لا يبطل بعده بالشك لأن ذلك إنما يتم بعد الصحة وهي بعد الإذن قوله وله نظائر كإخبار الوكيل بالعزل والمأذون بالحجر والمولى بجناية عبده ليكون بيعه وإعتاقه أختيارا للفداء والشفيع يبيع ما يشفع فيه وبفسخ الشركة والمضاربة ووجوب الأحكام على المسلم الذي لم يهاجر في دار الحرب إن كان المخبر رسولا لا يشترط اتفاقا ولو فاسقا أو عبدا لأنه قائم مقام المرسل فإخباره كإخباره وإن كان فضوليا فعلى الخلاف عنده يشترط في لزوم الحكم العدد أو عدالة الواحد فلو أخبر غير المهاجر بحكم شرعي لا يثبت في حقه إلا باثنين أو عدالة الواحد قوله وإذا استأذن الثيب أي الكبيرة أما الصغيرة فلا استئذان في حقها أصلا كالبكر الصغيرة فلا بد من رضاها بالقول لقوله صلى الله عليه وسلم الثيب تشاور ولا كون المشاورة إلا بالقول لأنها طلب الرأي ثم هي مفاعلة فتقتضي وجوده من الجانبين وفي كل من الحكم والدليل نظر أما الدليل فلعدم دلالته على لزوم القول سلمنا أن المشاورة طلب الرأي لكن لا نسلم أنه يشترط في إفادة الرأي فعلى اللسان بل قد يفاد بغيره ولزوم القول في حق الطالب ضروري لا مفهوم اللغة وحينئذ فكون المشاورة تستدعي جوابا باللفظ ممنوع واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة السابق لا تنكح الأيم حتى
____________________
(3/269)
تستأمر والأمر يكون بالقول لا بغيره ومنع بما في السنن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها وأجيب بأنه خرج عن حقيقته هنا بقرينة قوله وإذنها صماتها ويوجد مثلها في الثيب فتجب حقيقته وأصرح من هذا قوله في حديث آخر والثيب يعرب عنها لسانها لكن يشكل عليه أن الحكم في المذهب خلافه وهو النظر الثاني بل إما به كنعم أو رضيت أو بارك الله لنا أو أحسنت وبالدلالة كطلب المهر أو النفقة أو تمكينها من الوطء وقبول التهنئة والضحك سرورا لا استهزاء وحينئذ فلا فرق سوى أن سكوت البكر رضا بخلاف الثيب لا بد في حقها من دلالة زائدة على مجرد السكوت والحق أن الكل من قبيل القول إلا التمكين فيثبت بدلالة نص إلزام القول لأنه فوق القول قوله وإذا زالت بكارتها الخ أي إذا زالت بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس وهو أن تصير عانسا أي نصفا لم تتزوج أو خرق استنجاء أو عود أو حمل ثقيل تزوج كالأبكار اتفاقا وكذا إذا فارقها الزوج لجب أو عنة أو طلقها قبل الدخول ولو بعد الخلوة وهذا مما تخالف حكم الخلوة والدخول وكذا إذا مات بعد الخلوة قبل الدخول لأنها في هذه الصور كلها بكر حقيقة لأنها لم يصبها مصيب ولهذا لو أوصى بأبكار بني فلان دخلت هذه ومنع بالجارية تباع على أنها بكر حيث ترد
____________________
(3/270)
إذا وجدت زائلة البكارة بوثبة ونحوها فلو كانت بكرا لم ترد والجواب أن البكر يقال على من لم يصبها مصيب ومنه الباكورة لأول الثمار والبكرة لأول النهار وعلى العذراء وهي أخص أو هي من لم يصبها مصيب ومن أفراده قائمة العذرة فهو متواطئ وحمل على هذا الفرد في البيع المبني على المشاححة فترد لفوات العذرة وهي تلك الجلدة وعلى الأعم الأوسع في النكاح المبني على التوسعة وشدة التثبت حتى لزم من الهازل والمكره وبصيغة الأمر بخلاف البيع على أنه قد قيل إذا اعترف المشتري بأن زوالها بوثبة لا ترد ولأن العادة إرادة العذرة في اشتراط البكارة في البيع فيتقيد بها وأيضا لو أوصى لأبكار بني فلان دخلت هذه وأيضا الاستحياء قائم وإنها علة منصوصة فيثبت الحكم في مواضع وجودها بالنص وفيه نظر إذ الاستحياء حكمة نص عليها لا يناط الحكم عليها لعدم انضباطها ولذا لو فرض أن استحياء من زالت بكارتها بزنا أشد من العذراء لا تزوج كالبكر وهذا لأن الحكمة وإن كانت هي المقصودة من شرع الحكم لا يناط بها إذا كان فيها مراتب متفاوتة أو خفاء في تحققها في بعض المحال ولا يناط إلا بظاهر ضابط لكل مرتبة وهو المسمى بالمظنة فيثبت الحكم عند ثبوته من غير التفات إلى الحكمة وجدت أو عدمت ولو اعتبر هنا حياء البكر لأنه هو المنضبط اتحد الحاصل إذ يستلزم قيام البكارة في ثبوت الحكم وإن زالت بزنا مشهور أو وطء بشبهة أو نكاح فاسد زوجت كالثيبات اتفاقا وإن زالت بزنا غير مشهور فهو محل الخلاف فعندهما والشافعي تزوج كالثيب وعنده كالبكر وجه قولهما أنها ثيب حقيقة فإن مصيبها عائد إليها ومنه المثوبة لأنها جزاء عمله يعود إليه والمثابة الموضع الذي يرجع إليه حتى تدخل في الوصية للثيبات من بنات فلان وله أنها عرفت بكرا فتمتنع عن النطق مخافة أن يعلم زناها حياء من ظهوره وذلك
____________________
(3/271)
أشد من حيائها بكرا من إظهار الرغبة فيثبت الجواز بدلالة نص سكوت البكر وهذا يفيد لو كان الحياء مطلقا هو العلة لكنه حياء البكر الصادر عن كرم الطبيعة فلا يلحق به المتنازع فيه وبه يندفع جواب ما أورد من قوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر والثيب يعرب عنها لسانها من أنه عام خص منه الثيب المجنونة والأمة فيخص بما ذكرنا من جعل الشارع الحياء علة وهو موجود في المزنية ونفس المجيب صرح بعده في مسئلة ثبوت الولاية الولاية على الثيب الصغيرة بأن الأيم من لازوج لها وإن كانت بكرا بعد ما نقل قول محمد لو أوصى لأيامى بني فلان لا تدخل الأبكار وصحح دخلوهن كقول الكرخي 1 هـ والأولى أن الفرض أن الزنا غير مشهور ففي إلزامها النطق دليل المنع من إشاعة الفاحشة في هذه الصورة والمنع يقدم عند التعارض فيعمل دليل نطق الثيب فيما وراء هذه وأيضا الظاهر من مراد الشارع من البكر المعتبر سكوتها رضا البكر ظاهرا كما هو في أمثاله لا في نفس الأمر ولذا لم يوجب على الولي استكشاف حالها عند استئذانها أهي بكر الآن ليكتفي بسكوتها أم لا اكتفي بالبناء على الأصل الذي لم يظهر خلافه والكلام هنا في ثيوبة بزنا لم يظهر فيجب كونها بكرا شرعا ولذا قلنا لو ظهر لا يكفي سكوتها قوله وإذا قال الزوج بلغك الخ صورتها ادعى على بكر بالغة أن وليها زوجها منه قبل استئذانها فلما بلغها سكتت وقالت بل رددت فالقول لها عندنا وقال زفر له لتمسكه بالأصل وهو عدم الكلام ونظير هذا الخلاف الخلاف فيما إذا قال سيد العبد إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وقال العبد لم أدخل وكذبه المولى فالقول قول المولى عندنا وعنده قول العبد وهذه العبارة أولى من قوله في المبسوط إن الخلاف في مسئلة النكاح بناء على الخلاف في مسئلة العبد إذ ليس كون أحدهما بعينه مبني الخلاف في الآخر بأولى من القلب بل الخلاف فيهما معا ابتداء ووجه قوله فيهما التمسك بالأصل المتبادر وهو عدم الدخول وعدم الكلام قياسا على المتفق عليه من أن المشترى بالخيار إذا ادعى بعد مدة الخيار رد البيع قبل مضيها وقال البائع بل سكت حتى انقضت فإن القول للبائع اتفاقا لتمسكه بالأصل والشفيع إذا قال علمت بالبيع أمس وطلبت الشفعة
____________________
(3/272)
وقال المشتري بل سكت القول قول المشتري أما لو قال طلبت الشفعة حين علمت بالبيع فالقول له والمزوجة صغيرة من الولي غير الأب والجد إذا قالت بعد البلوغ كنت رددت حين بلغني الخبر بعد البلوغ أو حين بلغت وكذبها الزوج فإن القول له وعندنا القول لمن يشهد له الظاهر سواء كان ذلك الظاهر هو الأصل بحسب ما يتبادر أو بحسب المعنى ولا يخفى ترجح هذا الاعتبار وإذا كان كذلك فقد ادعى بدعواه سكوتها تملك بضعها من غير ظاهر معه وهي تنكر والظاهر الاستمرار على الحالة المتيقنة من عدم ورود ملك عليها الذي هو الأصل فكانت هي متمسكة بأصل معنى هو الظاهر فكان القول لها كالمودع يدعى رد الوديعة والمودع ينكر فإن القول لمدعي الرد وإن كان مدعيا صورة لتمسكه بالأصل الظاهر وهو فراغ ذمته لكونه ظاهرا لا لكونه أصلا بخلاف مسئلة الخيار لأن العقد ثبت صحيحا في الأصل وقد لزم بمضي المدة ظاهرا فالتمسك بعدمه تمسك بالظاهر وكذا المزوجة صغيرة تدعي زوال ملكه بعد ما نفذ عليها حال صغرها يقينا والزوج ينكر ومثله الشفيع ثم إن أقام الزوج البينة على سكوتها عمل بها لأنها لم تقم على النفي بل على حالة وجودية في مجلس خاص يحاط بطرفيه أو هو نفي يحيط به الشاهد فيقبل كما لو ادعت أن زوجها تكلم بما هو ردة في مجلس فأقامها على عدم التكلم فيه يقبل وكذا إذا قال الشهود كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها بذلك كذا في الجوامع وإن أقاماها فبينتها أولى لإثبات الزيادة أعني الرد فإنه زائد على السكوت ولو كان أقامها على أنها رضيت أو أجازت حين علمت ترجحت بينته لاستوائهما في الإثبات وزيادة بنته بإثبات اللزوم كذا في الشروح وعزاه في النهاية للتمرتاشي وكذا هو في غير نسخة من الفقه لكن في الخلاصة نقلا عن أدب القاضي للخصاف في هذه المسئلة لو أقام الأب أو الزوج البينة على الإجازة والمرأة على الرد فبينتها أولى فتحصل في هذه الصورة اختلاف المشايخ ولعل وجهه أن السكوت لما كان مما تحقق الإجازة به لم يلزم من الشهادة بالإجازة كونها بأمر زائد على السكوت ما لم يصرحوا بذلك فلم يجزم باستواء البينتين في الإثبات وهذا كله إذا كان قبل الدخول فلو قالت لم أجزه بعد الدخول لم تصدق على ذلك إلا إن كانت مكرهة فحينئذ القول لها لظهور دليل السخط دون الرضا ولا يقبل عليها قول وليها بالرضا لأنه يقر عليها بثبوت الملك وإقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح بالاتفاق لأنه لا يملك إلزام العقد عليها فلا يعتبر إقراره في لزومه أيضا كذا في المبسوط ولو لم يكن للزوج بينة تذهب من
____________________
(3/273)
عصمته من غير يمين تلزم به عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما عليها فإن نكلت بقي النكاح عندهما وهي مسئلة الاستحلاف في الأشياء الستة وزيد عليها دعوى الأمة أنها أسقطت مستبين الخلق فصارت أم ولد وجمعتها في هذين البيتين ** نكاح وفيئة إيلائه ** ** ورق ورجع ولاء نسب ** ** ودعوى الإماء أمومية ** ** فليس بها من يمين وجب ** وسيأتي في الدعوى صورها والفتوى على قولهما فيها وقيل يتأمل القاضي في حال المدعي فإن ظهر له منه التعنت قضي بقوله وإلا بقولهما وفي الغاية معزيا إلى فتاوى الخاصي أنه لو ادعى رجل على آخر أنه زوجه بنته الصغيرة فأنكر يحلف عند أبي حنيفة وفي الكبيرة لا اعتبار بالإقرار فيهما واستشكل على قوله لأن امتناع اليمين عنده لامتناع البذل لا لامتناع الإقرار ألا ترى أن امرأة لو أقرت لرجل بنكاح نفذ إقرارها ومع هذا لاتحلف لو ادعى عليها فأنكرت فالأشبه أن يكون هذا قولهما قوله ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي لقوله تعالى { واللائي لم يحضن } فأثبت العدة للصغيرة وهو فرع تصور نكاحها شرعا فبطل به منع ابن شبرمة وأبي بكر بن الأصم منه وتزويج أبي بكر عائشة رضي الله عنهما وهي بنت ست نص قريب من المتواتر وتزوج قدامة بن مظعون بنت الزبير يوم ولدت مع علم الصحابة رضي الله عنهم نص في فهم الصحابة عدم الخصوصية في نكاح عائشة قوله والولي هو العصبة ومالك يخالفنا في غير الأب والشافعي في غير الأب والجد وفي الثيب الصغيرة فعنده لا يلي عليها أحد حتى بلغ فتزوج بإذنها وقد ذكرناها وجه قول مالك أن الولاية على
____________________
(3/274)
الحرة تثبت لحاجتها ولا حاجة قبل البلوغ لعدم الشهوة إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس لأن أثر الحرية دفع سلطنة الغير وهو تزويج أبي بكر عائشة رضي الله عنهما وهي بنت ست والجد ليس في معنى الأب ليلحق به دلالة لقصور شفقته بالنسبة إليه ولذا يقدم وصي الأب عليه فيقتصر على مورد النص قلنا بل هو موافق للقياس لأن النكاح يراد لمقاصده ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفء في كل زمان فإثبات ولاية الأب بالنص بعلة إحراز الكفء إذا ظفر به للحاجة إليه إذ قد لا يظفر بمثله إذا فات بعد حصوله فيتعدى إلى الجد وجه قول الشافعي أن التفويض إلى غيرهما مخل بها لقصور شفقته لبعد قرابته ودلالة الإجماع على اعتبار ما فيه من القصور سالبا للولاية وهو الإجماع على عدم ولايته في المال إلا بوصية وهو أدنى من النفس فسلبها في النفس أولى ولما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر واليتيمة الصغيرة التي لا أب لها لقوله صلى الله عليه وسلم لا يتم بعد الحلم وفي الحديث أن قدامة بن مظعون زوج بنت أخيه عثمان ابن مظعون من ابن عمر فردها صلى الله عليه وسلم وقال إنها يتيمة وإنها لا تنكح حتى تستأمر وتأثير هذا الوصف أن مزوجها قاصر الشفقة حتى لم تثبت له ولاية في المال ففي النفس أولى أن لا تثبت ولنا قوله تعالى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية منع من نكاحهن عند خوف عدم العدل فيهن وهذا فرع جواز نكاحها عند عدم الخوف ولايقال ذلك بمفهوم الشرط لأن الأصل جواز نكاح غير المحرمات مطلقا فمنع من هذه عند خوف عدم العدل فيهن فعند عدمه يثبت الجواز بالأصل الممهد لا مضافا إلى الشرط ويصرح بجواز نكاحها قول عائشة إنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها يرغب في مالها ولا يقسط في صداقها فنهوا عن نكاحهن حتى يبلغوا بهن سنتهن في الصداق وقالت في قوله تعالى { في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن }
____________________
(3/275)
الآية نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها ولا يرغب في نكاحها لدماماتها و لا يزوجها من غيره كي لا يشاركه في مالها فأنزل الله تعالى هذه الآية فهذه الآية أمر بتزويجهن من غيرهم أو تزوجهن مع الإقساط وزوج صلى الله عليه وسلم بنت عمه حمزة رضي الله عنه من عمر بن أبي سلمة وهي صغيرة وإنما زوجها بالعصوبة لا بولاية ثبتت بالنبوة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزوج بها قط ولو فعل لم يتزوج أحد إلا عنه لكن كانوا يتزوجون من غير علمه وحضوره على ما في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم سأله عن تزوجه فذكر أنه ثيب فقال هلا بكرا الحديث ورأى على عبد الرحمن عوف الصفرة فقال مهيم قال تزوجت وسأله كم ساق لها والآثار في ذلك وجوازه شيرة عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة والمعنى أن الحاجة إلى الكفء ثابتة لأن مقاصد النكاح إنما تتم معه وإنما يظفر به في وقت دون وقت والولاية لعلة الحاجة فيجب إثباتها إحرازا لهذه المصلحة مع أن أصل القرابة داعية إلى الشفقة غير أن في هذه القرابة قصورا أظهرناه في إثبات الخيار لها إذا بلغت وإذا قام دليل الجواز وجب كون المراد باليتيمة في الحديث اليتيمة البالغة مجازا باعتبار ما كان ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم غيا المنع بالاستئمار وإنما تستأمر البالغة وحديث قدامة تأويله أنه خيرها صلى الله عليه وسلم فاختارت الفسخ ألا ترى إلا ما ماروى عن ابن عمر أنه قال والله لقد انتزعت مني بعد أن ملكتها وأما المال فإنه يعارض ذلك القدر من الشفقة كونه محبوب الطبع حبا يفضي إلى القطيعة عند المعارضة في قرابة العصبات بالخيانة فيه لنفسه أو لغيره بالمحاباة ويخفى لتعذر إحضاره بالتداول الأيدي عليه أو لحمولته أو نسيانه أو التوى في العوض في المقايضة فلا تفيد الولاية غير الملزمة فائدة عدم اللزوم وهو التدارك فانتفت والملزمة منتفية لقصور الشفقة فتعذر إثبات الولاية وحاصله أن القرابة مع قصور الشفقة مقتضاها ولاية غير ملزمة وقد تعذر
____________________
(3/276)
مقتضاها في المال فانتفت فيه وأمكن في النفس فثبتت فيها وهذا لما أثبتنا فيه من الخيار عند البلوغ والرد من القاضي عند الاطلاع على عدم النظر من تنقيص مهر أو عدم كفاءة وجه قوله في الثيب الصغيرة أنها للحاجة ولا حاجة لحدوث الرأي في أمر النكاح لممارسته ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم الثيب تشاور أفاد منع النكاح قبل المشاورة ولا مشاورة حالة الصغر فلا نكاح حالة الصغر وهو المطلوب ولنا ما ذكرنا من تحقق الحاجة إلى إحراز الكفء والولاية عليها في النكاح مع عدم الشهوة ليس إلا لتحصيله ولا رأي حالة الصغر باعترافه حيث منع المشاورة قبل البلوغ لعدم أهلية المشاورة حتى أخر جواز نكاحها إلى البلوغ فكان حاصل هذا الكلام تناقضا فإن سلب الولاية بعلة حدوث الرأي تصريح بحدوث الرأي وتأخير نكحها لعدم أهلية المشاورة يناقضه فلزم كون المراد بالثيب في الحديث البالغة حيث علق بالثيوبة ما لا يعتبر إلا بعد البلوغ فإذا لم يحدث الرأي قبل البلوغ والحاجة متحققة قبله ثبتت الولاية لتحقق الحاجة على ما ذكرنا فمدار الولاية الصغر قال المصنف ثم الذي يؤيد كلامنا فيما تقدم يعني من جواز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي العصبة مطلقا بعد ما كفينا مئونة إثباته بما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم النكاح إلى العصبات من غير فصل بين الأب والجد وغيرهما من العصبات في صورة الصغر أولا روى عن علي موقوفا ومرفوعا وذكره سبط ابن الجوزي بلفظ الإنكاح وتقدم تزويجه صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عمه حمزة وهي صغيرة وقال لها الخيار إذا بلغت هذا والترتيب في ولاية النكاح كالترتيب في الإرث والأبعد محجوب بالأقرب فتقدم عصبة النسب وأولاهم الابن وابنه وإن سفل ولايتأتى إلا في المعتوهة وهذا قولهما خلافا لمحمد فإنه يرى أن الأب مقدم على الإبن وستأتى مسئلة وهل يثبت الخيار للأم المعتوهة إذا أفاقت وقد زوجها الإبن في الخلاصة ولو زوجها الابن فهو كالأب بل أولى ثم الأب ثم الجد أبوه ثم الأخ الشقيق ثم الأب وذكر الكرخي أن الأخ والجد يشتركان في الولاية عندهما وعند أبي حنيفة يقدم الجد كما هو الخلاف في الميراث والأصح أن الجد أولى بالتزويج اتفاقا ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب كذلك الشقيق ثم أبناؤه ثم لأب ثم أبناؤه ثم عم الجد الشقيق ثم أبناؤه ثم عم الجد الأب ثم أباؤه وإن سفلوا كل هؤلاء يثبت لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال صغرهما وحال كبرهما إذا جنا مثلا غلام بلغ عاقلا ثم جن فزوجه أبوه وهو رجل جاز إذا كان جنونه مطبقا ولم يقدر أبو حنيفة في الجنون المطبق قدارا على ما سنذكره فإن
____________________
(3/277)
أفاق فلا خيار له وإذا زوجه أخوه فأفاق فله الخيار ثم المعتق وإن كان امرأة ثم بنوه وإن سفلوا ثم عصبته من النسب على ترتتيب عصبات النسب وإذا عدم العصبات هل يثبت لذوي الأرحام يأتي قوله وقال أبو يوسف يعني آخرا وقوله الأول كقولهما ثم رجع إلى أن لا خيار وهو قول عروة بن الزبير اعتبارا بالأب والجد وهذا لأن الولاية لم تشرع في غير موضع النظر وإذا حكم بالنظر قام عقد الولي مقام عقد نفسه بعد البلوغ وقولهما قول ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم لأن قرابة الأخ ناقصة فتشعر بقصور الشفقة فيتطرق الخلل في المقاصد وقد أظهر الشرع أثر هذا النقصان حيث منع ولايته في المال فيجب إظهاره في النفس إذا علم أنه ناظر إلى إظهاره أثره فيجب التدارك بإثبات خيار الإدراك ولما قدمنا من تزويجه صلى الله عليه وسلم بنت عمه حمزة وهي صغيرة وقال لها الخيار قوله هو الصحيح احتراز عن رواية خالد بن صبيح المروزي عن أبي حنيفة أنه لايثبت الخيار إذا كان المزوج القاضي لليتيممة لأن ولايته أتم من ولاية العم لأنها في النفس والمال جميعا وعما روى عن أبي حنيفة أنه لاخيار فيما إذا زوجت الأم لأن شفقتها فوق شفقة الأب ووجه الظاهر ظاهر من الكتاب لفا ونشرا مرتبا قوله ويشترط فيه أي في الفسخ ويشترط القضاء في الفرقة في مواضع هذه والفرقة بعدم
____________________
(3/278)
الكفاءة ونقصان المهر وكلها فسخ والفرقة بالجب والعنة واللعان وكلها طلاق وبإباء زوج الذمية التي أسملت وهي طلاق خلافا لأبي يوسف وقد جمع بعض الفضلاء فرق الطلاق والفسخ وما يحتاج منها إلى القضاء في قوله ** في خيار البلوغ والإعتاق ** ** فرقة حكمها بغير طلاق ** ** فقد كفء كذا ونقصان مهر ** ** ونكاح فساده باتفاق ** ** ملك إحدى الزوجين أو بعض زوج ** ** وارتداد كذا على الإطلاق ** ** ثم جب وعنة لعان ** ** وأبا الزوج فرقة بطلاق ** ** وقضاء للقاض في الكل شرط ** ** غير ملك وردة وعتاق **
وقوله باتفاق احتراز عن الحامل من زنا فإن نكاحها جائز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فاسد عند أبي يوسف فالفرقة منه طلاق عندهما وفسخ عنده وقوله على الإطلاق إحتراز عن قول محمد رحمه الله فإنه يفرق بين الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق وبين المرأة فهي فسخ وكل فرقة بطلاق إذا أوقع عليها في العدة طلقة وقعت إلا في اللعان لأنه يوجب حرمة مؤبدة كل فرقة توجب حرمة مؤبدة لا يقع الطلاق بعدها ووجه الاحتياج إلى القضاء بقوله لأن الفسخ لدفع ضرر خفي وظاهر العبارة تحقق الضرر وخفاؤه وليس بثابت فالأولى أن يقال لدفع ضرر غير محقق بل نظر إلى سببه وهو قصور القرابة المشعر بقصور الشفقة وقد يظهر خلافه مما هو أثر النظر من
____________________
(3/279)
كون الزوج كفأ والمهر تاما والخيار ثابت لها في هذه الحالة كغيرها فقد ينكر الزوج عدم النظر فيرى أن فسخها لا يصادف محلافا فاحتيج إلى القضاء لإلزامه بناء على تعليق حكم الخيار بمظنة ترك النظر لا بحقيقته ولا بدع في خلو المظنة المعلل بها عن الحكمة في بعض الصور كما في سفر الملك المرفه في عمله ببلاد متقاربة كل يوم نصف فرسخ على المراكب الهينة تنزها يجوز له القصر ولأن في سببه ضعفا وخلافا بين العلماء بخلاف خيار العتق فإنه لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها باستدامة النكاح ولهذا يختص بالأنثى لاقتصار السبب وهو زيادة الملك عليها بخلافا العبد إذا أعتق فاعتبر خيارها دفعا لضرر زيادة مملوكيتها ولا خلاف فيه فلم يحتج إلى القضاء واعترض بأن دفعها هذه الزيادة التابعة لأصل النكاح برفعه وفيه جعل التابع متبوعا وهو نقض الأصول لأنه عكس المعقول لا يقال الشيء إذا كان تابعا لشيء باعتبار الوجود يكون متبوعا في النفي ولا يخفى أن كل لازم نفيه مستلزم لنفي الملزوم مع أن وجوده لا زم وجوده فاستتباع الزيادة أصل النكاح في النفي لا يكون عكس المعقول بل وفقه لأنا نقول المراد أنه لا يجوز أن ينفى التابع إذا كان مستلزما لنفي المتبوع اللازم الثابت لتضمنه رفع
____________________
(3/280)
الأقوى لغرض رفع الأدنى والجواب أنه إذا كان مقتضى الدليل وجب ويكون حينئذ رفع المتبوع مقتضى الدليل بواسطة اقتضائه ملزومه وهو ثابت هنا وهو النص فالوجه في السؤال طلب حكمته مع أنه يتضمن ضرر الزوج فلم رجح دفع ضررها على دفع ضرره والجواب أن دفع ضررها يبطل حقا مشتركا بينهما وهو باستيفاء حق مشترك له ولها يثبت لنفسه حقا عليها فدفعها أولى ولأنه رضي بهذا الضرر حيث تزوجها مع العلم بثبوت خيار العتق شرعا قوله فتعذر أي الأمة المعتقة بالجهل بثبوت الخيار لها إذ كانت مشغولة بالخدمة الواجبة الشاغلة لها عن التعلم بخلاف الحرة لا تعذر به لانتفاء هذا المعنى في حقها قوله ثم خيار البكر يبطل بالسكوت إنما ذكره بعد ما قدم من قوله فسكتت فهو رضا لبيان أن كون سكوتها فيما تقدم هو إذا كانت بكرا فإن العبارة هناك أعم من ذلك وليمهد الفرق بينها وبين الغلام والثيب حيث قال ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل رضيت أو يجيء منه ما يعلم أنه رضا كالوطء ودفع المهر والكسوة والنفقة ويحتمل كون دفع المهر رضا إذا لم يكن دخل بها أما ان كان دخل بها قبل بلوغه ينبغي أن لا يكون دفع المهر بعد بلوغه رضا لأنه لا بد منه أقام أو فسخ وكذلك الجارية إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ يعني لا يبطل خيارها بالسكوت بعد البلوغ ما لم تقل رضيت أو يجيء منها ما يعلم أنه رضا كالتمكين من الوطء وطلب المهر والمواجب اعتبارا لهذه الحالة أي حالة ثبوت الاختيار بحالة ابتداء النكاح فكما لا يكون سكوتها رضا لو زوجت ثيبا بالغة لا يكون سكوتها رضا حالة ثبوت الخيار وهي ثيب بالغة ولو زوجت بكرا بالغة اكتفى بسكوتها فكذا إذا ثبت لها الخيار العلم بالنكاح وهي بكر بالغة ولما كان المفهوم من قوله خيار البكر يبطل بالسكوت إنما يقتضى أن خيار الثيب لا يبطل به ولا تعرض فيه لما يبطل به خيار الثيب صرح بمفهومه ليفيد ذلك وهو قوله وكذلك الجارية إلخ
____________________
(3/281)
قوله وخيار البلوغ في حق البكر لا يمتد إلى آخر المجلس بل يبطل بمجرد سكوتها والمراد بالمجلس مجلس بلوغها بأن حاضت في مجلس وقد كان بلغها النكاح أو مجلس بلوغ خبر النكاح إذا كانت بكرا بالغة وجعل الخصاف خيار البكر ممتدا إلى آخر المجلس وهو قول بعض العلماء مال هو إليه وهو خلاف رواية المبسوط فإن فيه ثبوت الخيار لها في الساعة التي تكون فيها بالغة إذا كانت عالمة بالنكاح وعلى هذا قالوا ينبغي أن تطلب مع رؤية الدم فإن رأته ليلا تطلب بلسانها فتقول فسخت نكاحي وتشهد إذا أصبحت وتقول رأيت الدم الآن وقيل لمحمد كيف وهو كذب وإنما أدركت قبل هذا فقال لاتصدق في الإسناد فجاز لها أن تكذب كي لا يبطل حقها ثم إذا اختارت وأشهدت ولم تتقدم إلى القاضي الشهر والشهرين فهي على خيارها كخيار العيب وما ذكرا في بعض المواضع من أنها لو بعثت خادمها حين حاضت للشهود فلم تقدر عليهم وهي في مكان منقطع لزمها ولم تعذر ينبغي أن يحمل على ما إذا لم تفسخ بلسانها حتى فعلت وما قيل لو سألت عن اسم الزوج أو عن المهر أو سلمت على الشهود بطل خيارها تعسف لا دليل عليه وغاية الأمر كون هذه الحالة كحالة ابتداء النكاح ولو سألت البكر عن اسم الزوج لا ينفذ عليها وكذا عن المهر وإن كان عدم ذكره لا يبطل كون سكوتها رضا على الخلاف فإن ذلك إذا لم تسأل عنه لظهور أنها راضية بكل مهر والسؤال يفيد نفي ظهوره في ذلك وإنها يتوقف رضاها على معرفة كميته وكذا السلام على القادم لا يدل على الرضا كيف وإنما أرسلت لغرض الإشهاد على الفسخ ولو اجتمع خيار البلوغ والشفعة تقول أطلب الحقين ثم تبدأ في التفسير بخيار البلوغ ولو زوج أمته الصغيرة ثم أعتقها ثم بلغت لا يثبت لها خيار البلوغ لكمال ولاية المولى كالأب ولأن خيار العتق يغني عنه والعبد الصغير إذا بلغ كذلك في الأصح إلا أنه لا يتصور في حقه خيار العتق فيطلق إن شاء قوله ولا يبطل بالقيام في حق الثيب والغلام ووجهه ظاهر من الكتاب والحاصل أنها إذا بلغت ثيبا فوقف خيارها العمر لأن
____________________
(3/282)
سببه عدم الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يدل على الرضا بالنكاح وكذا الغلام وعلى هذا تظافرت كلماتهم وما في غاية البيان مما نقل عن الطحاوي حيث قال خيار المدركة يبطل بالسكوت إذا كانت بكرا وإن كانت ثيبا لم يبطل به وكذا إذا كان الخيار للزوم لا يبطل إلا بصريح الإبطال أو يجيء منه دليل على إبطال الخيار كما إذا اشتغلت بشيء آخر أو أعرضت عن الاختيار بوجه من الوجوه مشكل إذ يقتضى أن الاشتغال بعمل آخر يبطله وهو تقييدد بالمجلس ضرورة أن تبدله حقيقة أو حكما يستلزمه ظاهرا وفي الجوامع وإن كانت ثيبا حين بلغها أو كان غلاما لم يبطل بالسكوت وإن أقامت معه أياما إلا أن ترضى بلسانها أو يوجد ما يدل على الرضا من الوطء أو التمكين منه طوعا أو المطالبة بالمهر أو النفقة وفيها لو قالت كنت مكرهة في التمكين صدقت ولا يبطل خيارها وفي الخلاصة لو أكلت من طعامه أو خدمته فهي على خيارها لا يقال كون القول ها في دعوى الإكراء في التمكين مشكل لأن الظاهر يصدقها قوله بخلاف خيار العتق متصل بقوله لا يمتد إلى آخر المجلس أي فيمتد خيار العتق إلى آخر المجلس ووجه الفرق أن خيار العتق العتق ثبت بإثبات المولى لأنه حكم العتق الثابت بإثباته فاقتضى جوابا في المجلس كالتمليك في المخيرة وحاصل وجوه الفرق بين خياري البلوغ والعتق خمسة أوجه احيتاجه إلى القضاء ولو فسخ أحدهما ولم يفسخ القاضي حتى مات ورثه الآخر وكذا الوطء بعد الفسخ قبل القضاء به بخلاف خيار العتق ينفسخ النكاح بمجرد فسخها ولا يبطل خيار العتق بالسكوت إلى آخره ويبطل خيار البلوغ إذا كان من جهة المرأة وهي بكر بخلاف الغلام والثيب لأن السكوت لم يجعل في حقهما رضا ويثبت خيار البلوغ لكل من الذكر والأنثى بخلاف خيار العتق لو زوج عبده ثم أعتقه لا خيار له لأن خيار العتق لدفع ضرر زيادة الملك وهو منتف في الذكر وخيار البلوغ لما ينشأ عن قصور الشفقة وهو يعمهما لا يقال الغلام يتمكن بعد البلوغ من التخلص بالطريق المشروع للذكران وهو الطلاق فلا حاجة إلى إثبات الخيار وما ثبت الخيار إلى للحاجة لأنا نقول لا يتخلص عن نصف المهر بالطلاق وإن كان قبل الدخول بل يلزمه وهنا إذا قضى القاضي بالفرقة قبل الدخول لا يلزمه شيء وأما بعده فيلزمه كله لكن لو تزوجها بعد ذلك ملك عليها الثلاث وفي الجوامع إذا بلغ الغلام فقال فسخت ينوي الطلاق فهي طلاق بائن وإن نوى الثلاث فثلاث وهذا أحسن لأن لفظ الفسخ يصلح كناية عن الطلاق والرابع أن الجهل بثبوت الخيار شرعا معتبر في خيار العتق دون البلوغ والخامس أن خيار العتق يبطل بالقيام عن المجلس ولا يبطل خيار البلوغ في الثيب والغلام وتقبل شهادة الموليين على اختيار أمتهما التي زوجاها نفسها إذا أعتقاها ولا تقبل شهادة العاصبين المزوجين بعد البلوغ أنها اختارت نفسها لأن سبب الرد قد انقطع في الأولى بالعتق ولم ينقطع في الثانية إذ هو النسب وهو باق
____________________
(3/283)
قوله ثم بالفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق بل فسخ لا ينقص عدد الطلاق فلو جددا بعده ملك الثلاث وكذا بخيار العتق لما بينا من أنه يصح من الأنثى ولا طلاق إليها ومن أنه يثبت بإثبات المولى ولا طلاق إليه وكذا الفرقة بعدم الكفاءة ونقصان المهر فسخ بخلاف خيار المخيرة لما ذكره فيقع الطلاق باختيارها نفسها لأنه إنما ملكها ما يملكه وهو الطلاق ولو وقعت هذه الفرقة قبل الدخول لا يجب نصف المسمى بخلاف الطلاق قبل الدخول وهل يقع الطلاق في العدة إذا كانت هذه الفرقة بعد الدخول أي الصريح أولا لكل وجه والأوجه الوقوع قوله ولا ولاية لعبد لأن الولاية بإنفاذ القول على الغير إذا كانت متعدية والقاصرة منتفية في هؤلاء فالمتعدية أولى فإن قيل صحة إقرار العبد تدل على ولايته القاصرة فالجواب أنها في المعنى معلقة في غير الحدود والقصاص وأما هما فمستثنيان عندنا والإجماع على نفي ولايته في النكاح لعجزه وإلا فيمكن أن يقال روايته الحديث ولاية حيث كان إلزاما وكذا أمانه إذا كان مأذونا له في القتال وشهادته بهلال رمضان وإن أجيب عن هذه فالمشاححة ممكنة في الأجوبة والأسلم جعل المراد بقوله ولا ولاية لعبد أي في النكاح لا نفي الولاية مطلقا لأنه يستدل بعدم القاصرة على عدم المتعدية فلو أريد الأعم كان مستدلا ببعض الدعوى ولا المتعدية مطلقا إذ قد يشاحح بأن له شيئا من المتعدية لولايته على زوجته الحرة في أمور الزوجية كالمنع من الخروج
____________________
(3/284)
والتمكين وطلب الزينة مع ما ذكرنا فإنه يصدق في الكل أنه عبد له ولاية على الغير ملزمة والمراد بالجنون المطبق وهو على ما قيل سنة وقيل أكثر السنة وقيل شهر وعليه الفتوى وفي التجنيس وأبو حنيفة رحمه الله لا يوقت في الجنون المطبق شيئا كما هو دأبه في التقديرات فيفوض إلى رأي القاضي وغير المطبق تثبت له الولاية في حالة إفاقته بالإجماع وقد يقال لا حاجة إلى تقييده به لأنه لا يزوج حال جنونه مطلبقا أو غير مطبق ويزوج حال إفاقته عن جنون مطبق أو غير مطبق لكن المعنى أنه إذا كان مطبقا تسلب ولايته فتزوج ولا تنتظر إفاقته وغير المطبق الولاية ثابتة له فلا تزوج وتنتظر إفاقته كالنائم ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب إذا فات بانتظار إفاقته تزوج وإن لم يكن مطبقا وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون في غيبة الولي الأقرب على ما سنذكره قوله ولهذا أي لهذا الدليل لا تقبل شهادته عليه لأنه لا سبيل له عليه ولا يتوارثان لأن الوارث يخلف المورث فيما يليه ملكا ويدا وتصرفا والظاهر أن الوراثة ليست ولاية على الميت بل ولاية قاصرة تحدث شرعا بعد انقضاء ولاية أخرى فنفي المتعدية ليس نفي الوراثة فليس نفيها بهذا الدليل وكما لا تثبت الولاية لكافر على مسلم فكذا لاتثبت لمسلم على كافر أعني ولاية التزويج بالقرابة وولاية التصرف في المال قيل وينبغي أن يقال إلا أن يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا وقائله صاحب الدراية ونسبه إلى الشافعي ومالك قال ولم ينقل هذا الاستثناء عن أصحابنا والذي ينبغي أن يكون مرادا ورأيت في موضع معزو إلى المبسوط أن الولاية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية السلطنة والشهادة ولا تثبت للكافر على المسلم فقد ذكر معنى ذلك الاستثناء فأما الفسق فهو يسلب الأهلية كالكفر المشهور أن عندنا لا وهو المذكور في المنظومة وعن الشافعي اختلاف فيه أما المستور فله الولاية بلا وخلاف فما الجوامع أن الأب إذا كان فاسقا فللقاضي أن يزوج الصغيرة من غير كفؤ غير معروف نعم إذا كان متهتكا لا ينفذ تزويجه إياها بنقص ومن غير كفء وستأتي هذه قوله ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبي حنيفة معناه عند عدم العصبات النسبية والسببية والحاصل أن الولاية تثبت أولا لعصبة النسب على الترتيب الذي قدمتاه ثم لمولى العتاقة ثم لعصبته على ذلك الترتيب بالاتفاق ثم بعد ذلك عند أبي حنيفة تثبت للأم ثم للبنت إذا كانت أمها مجنونة ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت
____________________
(3/285)
البنت ثم الأخت لأب وأم ثم الأخت لأب ثم لولد الأم يستوي ذكورهم وإناثهم في ذلك ثم أولادهم قال المصنف في التجنيس معلما بعلامة فتاوى الشيخ نجم الدين عمر النسفي غاب الأب غيبة منقطعة وله بنت صغيرة فزوجتها أختها والأم حاضرة يجوز إن لم يكن لها عصبة أولى من الأخت وليست الأم أولى من الأخت من الأب لأنها من قبل الأب والنساء اللواتي من قبل الأب لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماع بين أصحابنا وهي الأخت والعمة وبنت الأخ بنت العم ونحو ذلك ثم قال المصنف هكذا ذكر هنا وذكر في غيره من المواضع أن الأم أولى من الأخت الشقيقة لأنها أقرب 1 هـ قيل هذا يستقيم في الأخت لا العمة وبنت العم وبنت الأخ لأنهن من ذوي الأرحام وولايتهن مختلف فيها ومثل ما عن الشيخ نجم الدين النسفي منقول في المصفى عن شيخ الإسلام خواهرزاده ومقتضاه تقدم الأخت على الجد الفاسد وبعد أولاد الأخوات العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات والجد الفاسد أولى من الأخت عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث كذا في المستصفى وقياس ما صحح في الجد والأخ من تقدم الجد تقدم الجد الفاسد على الأخت ثم مولى الموالاة وهو الذي أسلم على يد أبي الصغيرة ووالاه لأنه يرث فتثبت له ولاية التزويج ثم السلطان ثم القاضي إذا شرط في عهده تزويج الصغائر والصغار ثم من نصبه القاضي وإن لم يشرط فلا ولاية له في ذلك وهذا استحسان وقال محمد لا ولاية لذوي الأرحام ولا لمولى الموالاة وهو القياس ورواية الحسن عن أبي حنيفة وقول أبي يوسف مضطرب فيه والأشهر أنه مع محمد على ما في الهداية وقال في الكافي الجمهور أن أبا يوسف مع أبي حنيفة وفي شرح الكنز وأبو يوسف مع أبي حنيفة في أكثر الروايات لهما ما روينا يعني من قوله صلى الله عليه وسلم الإنكاح إلى العصبات أثبت لهم الجنس وليس من وراء الجنس شيء فيثبت لغيرهم فلا إنكاح لغيرهم قوله ولأن الولاية إنما ثبتت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها أي إلى القرابة على تأويل الأقارب أو على المعنى المصدري وإلى العصبات الصيانة عن ذلك لا إلى غيرهم من ذوي الأرحام لأنهم ينسبون إلى قبيلة أخرى فلا يلحقهم العار بذلك ولأبي حنيفة أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة إذ مطلقها باعث على الشفقة الموجبة لاختيار الكفء وذوو الأرحام بهذه
____________________
(3/286)
المثابة فإنا نرى شفقة الإنسان على ابنة أخته كشفقته على ابنة أخيه بل قد تترجح على الثانية ولا شك أن شفقة ذوي الأرحام ليست كشفقة السلطان ولا من ولاه فكانوا أولى منهم وأما قولهما إنما ثبتت الولاية صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها فالحصر ممنوع بل ثبوتها بالذات تحصيلا لمصلحة الصغيرة بتحصيل الكفء لأنها بالذات لحاجتها لا لحاجتهم وكل من ذوي الأرحام فيه داعية تحصيل حاجتها فثبتت له الولاية بهذا الاعتبار وإن ثبتت لغيره من العصبات بكل من حاجتها بالذات إلى ذلك وحاجته وستزداد وضوحا في مسئلة الغيبة ويدل عليه إجازة ابن مسعود تزويج امرأته بنتها وكانت من غيره على الأصح وما إثبات جنس ولاية الإنكاح إلى العصبات في الحديث فإنما هو حال وجودهم ولا تعرض له حال عدمهم بنفي الولاية عن غيرهم ولا إثباتها فأثبتناها بالمعنى وقصة بن مسعود وأيضا لا شك أنه خص منه السطان لأنه ليس من العصبات لقوله السلطان ولي من لا ولي له أو بالإجماع فجاز تخصيصه بعد ذلك بالمعنى وهذا الوجه على تقدير تسليم تعرض الحديث لغير العصبات بالنفي وحجيته وقوله في قول محمد قياس وفي قول أبي حنيفة استحسان مع استدلالة بالحديث لمحمد وبالمعنى الصرف لأبي حنيفة يناقش فيه بأن الاستحسان هو الذي يكون بالأثر لا بالقياس فإن شرطه أن يكون فيه نص ويجاب بأنه على بابه والمراد أن ما ذكره محمد من الحكم في نفس الأمر قياس يقابله الاستحسان الذي قال به أبو حنيفة وأن محمد ظنه خلافه من الاستحسان فاستدل بالحديث وقد ظهر أن لا متمسك له به وكان الأولى أن يجيب به المصنف وحاصل بحثه معارضة مجردة وهي لا تفيد ثبوت المطلوب قبل الترجيح وقالوا العصبات تتناول الأم لأنها عصبة في ولد الزنا وولد الملاعنة فتثبت لأهلها إلا أن أقارب الأب مقدمون قوله وإذا عدم الأولياء أي كل من العصبات وذوي الأرحام ومولى الموالاة فالولاية إلى الإمام والحاكم أي القاضي بشرط أن يكتب ذلك في منشوره فلو زوج الصغيرة مع عدم كتب ذلك في منشورة ثم أذن له فيه فأجازه قيل لايجوز وقيل يجوز على الأصح استحسانا
فروع الأول ليس لولي الصغيرة ولاية تزويجها وإن أوصى إليه الأب بالنكاح إلا إذا كان الموصى عين
____________________
(3/287)
رجلا في حياته للتزويج فيزوجها الوصي به كما لو وكل في حياته بتزويجها وإن لم يعين انتظر بلوغها لتأذن كذا قيل وليس بلازم لأن السلطان يزوجها إلا إذا كان الوحي قريبا فيزوجها بحكم القرابة لا الوصاية وإلا فالحاكم وبه قال الشافعي وأحمد في رواية وفي أخرى له التزويج لقيامه مقام الأب قلنا إنما قام مقامه في المال وقال مالك إن أوصى إليه في التزويج جاز وهو رواية هشام عن أبي حنيفة الثاني لو زوج القاضي الصغيرة التي هو وليها وهي اليتيمة من ابنه لا يجوز كالوكيل مطلقا إذا زوج موكلته من ابنه بخلاف سائر الأولياء لأن تصرف القاضي حكم منه وحكمه لابنه لا يجوز بخلاف تصرف الولي ذكره في التجنيس معلما له بعلامة غريب الرواية للسيد الإمام أبي شجاع والإلحاق بالوكيل يكفي للحكم مستغنى عن جعل فعله حكما مع انتفاء شرطه وكذا إذا باع مال يتيمه من نفسه لا يجوز لكل من الوجهين والأوجه ما ذكرنا بخلاف ما لو نصب وصيا على اليتيم ثم اشترى منه يجوز لأنه نائب عن الميت لا القاضي الثالث إقرار الولي على الصغير والصغيرة بالتزويج لم يصدق عند أبي حنيفة إلا ببينة أو يدرك الصغير فيصدقه معناه إذا ادعى الزوج ذلك عند القاضي وصدقه الأب وعندهما يثبت النكاح بإقراره قال في المصفى عن أستاذه يعني الشيخ حميد الدين إن الخلاف فيما إذا أقر الولي في صغرهما فإن إقراره موقوف إلى بلوغهما فإذا بلغا وصدقاه ينفذ إقراره وإلا يبطل وعندهما ينفذ في الحال وقال إنه أشار إليه في المبسوط قال هو الصحيح وقيل الخلاف فيما إذا بلغ الصغير وأنكر النكاح فأقر الولي أما لو أقر بالنكاح في صغره صح إقراره كذا في المغنى وفي مبسوط شيخ الإسلام إذا أقر الأب على الصغير والصغيرة على قوله لا يصدق إلا ببينه وإن صدقه الزوج في ذلك أو المرأة وعلى قولهما يصدق من غير بينة فإن قيل على من تقام البينة ولا تقبل إلا على منكر يعتبر إنكاره والمنكر هو الصبي ولا عبرة بإنكاره والأب والزوج أو المرأة مقران قلنا ينصب القاضي خصما عن الصغير أو الصغيره حتى ينكر فيقم الزوج البينة فيثبت النكاح على الصغير والصغيرة كله من المصفى والذي يظهر أن قول من قال إن الخلاف فيما إذا بلغا فأنكرا النكاح إما إذا أقر عليهما في صغرهما يصح بالاتفاق أوجه وإقرار وكيل رجل أو امرأة بتزويجهما وإقرار مولى العبد بتزويجه على هذا الخلاف فأما إقراره بنكاح أمته فنافذ اتفاقا الرابع في النوازل امرأة جاءت إلى قاض فقالت أريد أن أتزوج ولا ولي لي فللقاضي أن يأذن لها في النكاح كما لو علم أن لها وليا وبمثله أجاب أبو الحسن السغدي وما نقل فيه من إقامتها البينة فخلاف المشهور وما نقل من قول حماد بن أبي حنيفة يقول لها القاضي إن لم تكوني قرشية ولا عربية ولا ذات بعل فقد أذنت لك فالظاهر أن الشرطين الأولين محمولان على رواية عدم الجواز من غير الكفء وأما الشرط الثالث فمعلوم الاشتراط الخامس لا يملك الوصي ولا الأب تزويج عبد الصغير وكذا تزويج عبده من أمته كذا في الاستحسان وهو قول محمد ويملكان تزويج أمته قوله وقال زفره إذ غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة لا يزوجها أحد حتى تبلغ بناء على أنه على ولايته لأن الولاية ثبتت حقا له على ما تقدم في دليل محمد وقدمنا جوابه وقال الشافعي رحمه الله يزوجها
____________________
(3/288)
السطان لا الأبعد وعندنا يزوجها الأبعد لأن هذه ولاية نظرية تثبت نظرا لليتيمة لحاجتها إليها ولا نظر في التفويض إلى إلى من لا ينتفع برأيه وهذا لأن التفويض إلى الأقرب ليس لكونه أقرب بل لأن في الأقربية زيادة مظنة للحكمة وهي الشفقة الباعثة على زيادة اتقان الرأي للمولية فحيث لا ينتفع برأيه أصلا سلبت إلى الأبعد إذ لو أبقينا ولاية الأقرب أبطلنا حقها وفاتت مصلحتها أما الولى فحقه في الصيانة عن غير الكفء يكون مقتضيا لإثبات ولاية الفسخ إذا وقع بفعلها من غير كفء فلا يتوقف على إثبات لاية التزويج له فحيث ثبتت فإنما هي لحاجتها حقا لها ولو سلم ففوات حقه بسبب من جهته وهو غيبته على أن المقصود له لايفوت إذ يخلفه فيه الولي الأبعد لأنه تلوه في نفي غير الكفء والاحتراس عن التلطخ بنسبته فتضافرا على مقصود واحد فوجب المصير إلى ما قلنا وظهر وجه تقديمه على السلطان ولأنه لو سلبت ولايته بموته كان الأبعد أولى من السلطان فكذا إذا سلبت بعارض آخر فالحاصل في علة تقديمه على السلطان لا يختلف بالموت وغيره وقال صلى الله عليه وسلم السلطان ولي من لا ولي له وما يقال من أنه ينتفع برأيه بالرسول وبالكتاب وكتاب الخاطب إليه حيث هو فخلاف المعتاد في الغائب والخاطب فلا يفرع الفقه باعتباره وقد لا يعرف مكانه ونظيره الحضانة والتربية يقدم فيه الأقرب فإذا تزوجت القربى وثبت مظنة شغلها بالزوج صارت للبعدى وكذا النفقة في مال الأقرب فإذا انقطع ذلك لبعد ماله وجبت في مال الأبعد قوله ولو زوجها حيث هو فيه منع جواب عن استدلال زفر على قياس ولايته حال غيبته بأنه لو زوجها حيث هو صح اتفاقا فدل على أنه لم يسلب الولاية شرعا بغيبته أجاب يمنع صحة تزويجه قال في المحيط لا رواية فيه وينبعي أن لا يجوز لانقطاع ولايته وفي المبسوط لا يجوز ولو سلم فلأنها انتفعت برأيه وهذا تنزل ووجهه أن للأبعد قرب التدبير وللأقرب قرب القرابة فنزلا منزلة وليين في درجة واحدة فأيهما عقد جاز لأنه أمس بالمعنى المعلق به ثبوت الولاية وسلبها ومعناه أن سلب الولاية إنما كان لسلب الانتفاع برأيه فلما زوجها من حيث هو ظهر أنه لم يكن ما علق به سلب الولاية ثابتا بل القائم مناط ثبوتها وفي شرح الكنز لا رواية فيه فلنا أن نمنع لأنه لو جاز عقده حيث هو لأدى إلى مفسدة لأن الحاضر لو زوجها بعد تزويج الغائب لعدم علمه لدخل بها الزوج وهي في عصمة غيره وما قالوه في صلاة الجنازة يدل عليه وهو أن الغائب لو كتب ليقدم رجلا في صلاة الجنازة فللأبعد منعه ولو كانت له ولاية باقية لما كان له منعه كما لو كان حاضرا وقدم غيره وقد استفيد مما ذكرنا أن الوليين إذا استويا كأخوين شقيقين أيهما زوج نفذ ومن العلماء من قال لا يجوز ما لم يجتمعا على العقد والعمل على ما ذكرنا فإن زوجها كل منهما فالصحة
____________________
(3/289)
للسابق فإن لم يعلم السابق أو وقعا معا بطلا لعدم الأولوية بالتصحيح ولو زوجها أبوها وهي بكر بالغة بأمرها وزوجت هي نفسها من آخر فأيهما قالت هو الأول فالقول قولها وهو الزوج لأنها أقرت بملك النكاح له على نفسها وإقرارها حجة تامة عليها وإن قالت لا أدري الأول ولا يعلم من غيرها فرق بينها وبينهما وكذا لو زوجها وليان بأمرها قوله ولا يد الخ يفيد أنه لو حضر الأقرب بعد عقد الأبعد لا يرد عقده وإن عادت ولايته بعوده قوله والغيبة المنقطعة أن يكون في موضع لاتصل إلبيه القوافل في السنة إلا مرة وهو اختيار القدوري وعن أبي يوسف من جابلقا إلة جابلسا وهما قريتان إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب وهذا رجوع إلى قول زفر وإنما ضرب هذا مثلا وعنه في رواية أخرى من بغداد إلى الري وهكذا عن محمد وفي رواية من الكوفة إلى الري ومن المشايخ من قال حد الغيبة المنقطعة أن يكون متحولا من موضع إلى موضع فلا يوقف على أثره أو يكون مفقودا لا يعرف خبره وقيل إذا كان في موضع يقع الكراء إليه دفعة واحدة فليست غيبة منقطعة أو بدفعات فمنقطعة وقيل أدنى مدة السفر لأنه لا نهاية لأقصاه وهو اختيار بعض المتأخرين منهم القاضي الإمام أبو علي النسفي وسعد بن معاذ وأبو عصمة المرزوي وابن مقاتل الرازي وأبو علي السغدي وأبو اليسر والصدر الشهيد قالوا وعليه الفتوى وقال الإمام السرخسي في مبسوطه والأصح أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره واستطلاع رأيه يفوت الكفء وعن هذا قال قاضيخان في الجامع الصغير لو كان مختفيا في المدينة بحيث لا يوقف عليه تكون غيبته منقطعة وهذا حسن لأنه النظر وفي النهاية عليه أكثر المشايخ منها القاضي الإمام أبو بكر محمد بن الفضل وفي شرح الكنز أكثر المتأخرين على أدنى مدة السفر ولا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ والأشبه بالفقه قول أكثر المشايخ قوله وإذا اجتمع في المجنونة جنونا أصليا بأن بلغت مجنونة أو عارضيا بأن طرأ الجنون بعد البلوغ أبوها أو جدها مع ابنها فالولي في تزويجها ابنها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد أبوها وقال زفر في العارضي لا يزوجها أحد لأن الولاية زالت عند بلوغها عاقلة فلا ترجع وليس بشيء فلا ترجع عند وجود مناط الحجر بل هي أحوج إلى الولاية بالجنون
____________________
(3/290)
منها إليها بالصغر لأن الحاجة إليها في الصغر لتحصيل الكفء وفي الجنون لذلك ودفع الشهوة والممارسة وكذا المجنون يجتمع فيه أبوه وابنه أو جده على هذا الخلاف وعن أبي يوسف رواية أخرى أيهما من الأب والابن زوج جاز وهي رواية المعلى جعلهما في مرتبة ولا يبعد إذ في الابن قوة العصوبة وفي الأب زيادة الشفقة ففي كل منهما جهة قوله في وجه قولهما وهذه الولاية مبنية على العصوبة بالنص السابق والابن هو المقدم في العصوبة شرعا لانفراده بالأخذ بالعصوبة عند اجتماعه معه ثم إذا زوج المجنونة أو المجنون الكبير الكبيرين أبوهما أو جدهما لا خيار لهما إذا أفاقا لتمام شفقتهما ولو زوج الرجل المجنون أو المراة ابنهما فلا رواية فيه عن أبي حنيفة وينبغي أن لايكون لهما خيار لأنه يقدم على الأب والجد ولا خيار لهما في تزويجهما فالابن أولى فصل في الكفاءة
الكفء المقاوم ويقال لاكفاء له بالكسر ولما كانت الكفاءة شرط اللزوم على الولي إذا عقدت بنفسها حتى كان له الفسخ عند عدمها كانت فرع وجود الولي وهو بثبوت الولاية فقدم بيان الأولياء ومن تثبت له ثم أعقبه فصل الكفاءة قوله معتبرة قالوا معناه معتبرة في اللزوم على الأولياء حتى إن عند عدمهما جاز للولي الفسخ ثم استدل بقوله صلى الله عليه وسلم ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء
____________________
(3/291)
ولا يزوجن إلا من الأكفاء فهنا نظران في إثبات حجيته ثم وجد دلالته على الدعوى على الوجه المذكور من معناه أما الأول فهو حديث ضعيف لأن في سنده مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطأة والحجاج مختلف فيه ومبشر ضعيف متروك نسبه أحمد إلى الوضع وسيأتي تخريجه لكنه حجة بالتضافر والشواهد فمن ذلك ما روى محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن رجل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء ومن ذلك ما رواه الحاكم وصححه من حديث علي أنه عليه الصلاة والسلام قال له يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤا وقول الترمذي فيه لاأرى إسناده متصلا منتف بما ذكرناه من تصحيح الحاكم وقال في سنده سعيد بن عبد الله الجهني مكان قول الحاكم سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فلينظر فيه وما عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء روى ذلك من حديث عائشة وأنس وعمر من طرق عديدة فوجب ارتفاعه إلى الحجية بالحسن الحصول الظن بصحة المعنى وثبوته عنه صلى الله عليه وسلم وفي هذا كفاية ثم وجدنا في شرح البخاري للشيخ برهان الدين الحلبي ذكر أن البغوي قال إنه حسن وقال فيه رواه ابن أبي حاتم من حديث جابر عن عمرو بن عبد الله الأودي بسنده ثم أوجدنا بعض أصحابنا صورة السند عن الحافظ قاضي القضاة العسقلاني الشهير بابن حجر قال ابن أبي حاتم حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع عن عباد بن منصور قال حدثنا القاسم بن محمد قال سمعت جابرا رضي الله عنه يقول قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ولا مهر أقل من عشرة من الحديث الطويل قال الحافظ إنه بهذا الإسناد حسن ولا أقل منه وأغنى عما استدل به بعضهم من طريق الدلالة فقال إذا كانت الكفاءة معتبرة في الحرب وذلك في ساعة ففي النكاح وهو للعمر أولى وذكر ما وقع في غزوة بدر أنه لما برز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة قالوا لهم من أنتم قالوا رهط من الأنصار فقالوا أبناء قوم كرام ولكنا نريد أكفاءنا من قريش فقال صلى الله عليه وسلم صدقوا ثم أمر حمزة وعليا وعبيدة بن الحرث الخ فأما قوله صلى الله عليه وسلم صدقوا فلم أره والذي في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق أنهم قالوا لهم أنتم أكفاء كرام ولكنا نريد بني عمنا وفي رواية ما لنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش فقال صلى الله عليه وسلم قم يا حمزة وقم يا علي الخ ونحن نقطع أن عدو الله لو برز للمسلمين يريد إطفاء نور الله وهو من أكابر أنسابهم فخرج إليهم عبد من المسلمين فقتله كان مشكورا عند الله وعند المؤمنين ولم يزده ذلك النسب إلا بعدا نعم الكفاءة المطلوبة هنا كفاءة الشدة فينبغي أن يخرج إليه كفؤه فيها لأن المقصود نصرة الدين ولو كان عبد وكلامه إنما يفيد في النسب وإنما أجابهم صلى الله عليه وسلم لذلك إما لعلمه بأنهم أشد من الذين خرجوا إليهم أولا أو لئلا يظن بالمطلوبين عجز أو جبن أو دفعا لما قد يظن أهل النفاق من أنه يضن بقرابته دون الأنصار النظر الثاني لا يخفى أن الظاهر من قوله لا يزوجن إلا من الأكفاء أن الخطاب للأولياء نهيا لهم أن يزوجوهن إلا
____________________
(3/292)
من الأكفاء ولا دلالة فيه على أنها إذا زوجت نفسها من غير الكفء يثبت لهم حق الفسخ فإن قلت يمكن كون فاعل يزوجن المحذوف أعم من الأولياء ومنها أن لا يزوجهن مزوج هي لنفسها أو الآولياء لها فالجواب أن حاصله أنها منهية عن تزويجها نفسها بغير الكفء فإذا باشرته لزمتها المعصية ولا يستلزم أن للولي فسخة إلا المعنى الصرف وهو أنها أدخلت عليه ضررا فله دفعه وهذا ليس مدلول النص ولو علل نهيها التضمني للنص بإدخالها الضررعليه لم يكن فسخه مدلول النص وإنما قلنا التضمني لأن النهي على هذا التقدير متعلق بها وبالأولياء فبالنسبة إليهم إنما يعلل بترك النظر لها وبالنسبة إليها بإدخال الضرر على الولي وعلى كل تقدير فليس مدلول اللفظ ولا يشكل على سامع أن في قول القائل إذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللولي فسخه لقوله صلى الله عليه وسلم لا يتزوجهن أحد إلا من الأكفاء نبوة للدليل عن المدعي فالحق أنه دليل على مجرد الاعتبار في الشرع من غير تعرض لأمر زائد على ذلك كما هو في الكتاب فإن قلت كون الشيء معتبرا في الشرع لا بد من كونه على وجه خاص أعني معتبرا على أنه واجب أو مندوب قلنا نعم لكنه لم تقصد الخصوصية فإن قلت فما هو قلنا مقتضى الأدلة التي ذكرناها الوجوب أعني وجوب نكاح الأكفاء وتعليلها بانتظام المصالح يؤيده لا ينفيه ثم لايستلزم كونه أول كفء خاطب إلا ما روى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ولولا أن شرط المشروع القطعي لا يثبت بظني لقلنا باشتراط الكفاءة للصحة ثم هذا الوجوب يتعلق بالأولياء حقا لها وبها حقا لهم على ما تبين مما ذكرناه لكن إنما تتحقق المعصية في حقهم إذا كانت صغيرة لأنها إذا كانت كبيرة لا ينفذ عليها تزويجهم إلا برضاها فهي تاركة لحقها كما إذا رضي الولي بترك حقه حيث ينفذ هذا كله مقتضى الأدلة التي ذكرناها مع قطع النظر عن غيرها وعلى اعتبارها يشكل قول أبي حنيفة في أن الأب له أن يزوج بنته الصغيرة من غير كفء فإن قلت خطب صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس وهي قرشية على أسامة بن زيد وليس قرشيا وزوجت أخت عبد الرحمن بن عوف من بلال وهو حبشي وزوج أبو حذيفة بنت أخيه من مولاه وكل ذلك بعلم الصحابة وبعضه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب أن وقوع هذه ليس يستلزم كون تلك النساء صغائر بل العلم محيط بأنهن كبائر خصوصا بنت قيس كانت ثيبا كبيرة حين تزوجها أسامة وإنما جاز لإسقاطهن حق الكفاءة هن وألياؤهن هذا وفي اعتبار الكفاءة خلاف مالك والثوري والكرخي من مشايخنا لما روى عنه صلى الله عليه وسلم الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى قلنا ما رويناه يوجب حمل ما رووه على حال الآخرة جمعا بين الأدلة قوله ولأن انتظام الخ يعني أن المقصود من شرعية النكاح انتظام مصالح كل من الزوجين بالآخر في مدة العمر لأنه
____________________
(3/293)
وضع لتأسيس القرايات الصهرية ليصير البعيد قريبا عضدا وساعدا يسره ما يسرك ويسوءه ما يسوءك وذلك لا يكون إلا بالموافقة والتقارب ولا مقاربة للنفوس عند مباعدة الأنساب والاتصاف بالرق والحرية ونحو ذلك ولذلك رأينا الشرع فسخ عقد النكاح إذا ودد ملك اليمين لها عليه وإن كان معللا أيضا بعلة أخرى عامة للطرفين على ما مر في فصل المحرمات فعقده مع غير المكافئ قريب الشبه من عقد لا تترتب عليه مقاصده وإذا كان إياه فسد وإذا كان طريقه كره ولم يلزم لموليه إذا انفرد به الولي لظهور الإضرار بها قوله وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كف فللأولياء وإن لم يكونوا محارم كابن العم أن يفرقوا بينهما دفعا للعار عن أنفسهم ما لم يجئ من الولي دلالة الرضا كقبضه المهر أو النفقة أو المخاصمة في أحدهما وإن لم يقبض وكالتجهيز ونحوه كما لو زوجها على السكت فظهر عدمها بخلاف ما إذا اشترط العاقد الكفاءة أو أخبره الزوج بها حيث كان له التفريق إما إذا لم يشترط ولم يخبره فذكر في الفتاوي الصغرى فيمن زوجت نفسها مما لايعلم حاله فإذا هو عبد مأذون له في النكاح ليس لها الفسخ بل للأولياء أو زوجها الأولياء ممن لا يعلمون حاله ولم يخبرهم بحريته ورقه فإذا هو عبد مأذون له في النكاح ليس لهم الفسخ ولو أخبر بحريته أو شرطوا ذلك فظهر بخلافه كان للعاقد الفسخ و لايكون سكوت الولي رضا إلا أن سكت إلى أن ولدت فليس له حينئذ التفريق وعن شيخ الإسلام أن له التفريق بعد الولادة أيضا وهذه الفرقة فسخ لا ينقص عدد الطلاق ولا يجب عندها شيء من المهر إن وقعت قبل الدخول وبعده لها المسمى وكذا بعد الخلوة الصحيحة وعليها العدة ولها نفقة العدة لأنها كانت واجبة ولا تثبت هذه الفرقة إلا بالقضاء لأنه مجتهد فيه وكل من الخصمين يتشبث بدليل فلا ينقطع النزاع إلا بفصل القاضي والنكاح قبله صحيح يتوارثان به إذا مات أحدهما قبل القضاء هذا على ظاهر الرواية أما على الرواية المختارة للفتوى لا يصح العقد أصلا إذا كانت زوجت نفسها من غير كفء وهل للمرأة إذا زوجت نفسها من غير كفء أن تمنع نفسها من أن يطأها مختار الفقيه أبي الليث نعم قال في التجنيس هذا وإن كان خلاف ظاهر الجواب لأن من حجة المرأة أن تقول إنما تزوجتك على رجاء أن يجيز الولي وعسى لا يرضى فيفرق فيصير هذا وطأ بشبهة ورضا بعض الأولياء المستوين في درجة كرضا كلهم خلافا لأبي يوسف وزفر لأنه حق الكل فلا يسقط إلا برضا الكل كالدين المشترك قلنا هو حق لهم لكن لا يتجزأ فيثبت لكل منهم على الكمال كولاية الأمان فإذا أبطله أحدهم لا يبقى كحق القصاص أما لو رضي الأبعد كان للأقرب الاعتراض ولو زوجها الولي بإذنها من غير كفء فطلقها ثم زوجت نفسها منه ثانيا كان لذلك الولي التفريق ولا يكون الرضا بالأول رضا بالثاني لأن الإنسان لا يبعد رجوعه عن خلة دنية وكذا لو زوجها هو من غير كفء فطلقها فتزوجت آخر غير كفء ولو تزوجته ثانيا لا في العدة ففرق بينهما لزمه مهر ثان واستأنفت العدة وإن كان قبل الدخول في الثاني وستأتي هذه المسئلة في باب العدة إن شاء الله تعالى قوله ثم الكفاءة تعتبر في النسب جميع ما ذكر في المبسوط وفتاوي الولوالجي
____________________
(3/294)
مذكور في الكتاب وسيورده إلا الكفاءة في العقل ذكره الولوالجي ولم يذكره هنا قال بعضهم لا رواية في اعتبار العقل في الكفاءة واختلف فيه فقيل يعتبر لأنه يفوت بعدمه مقصود النكاح وقيل لا لأنه مرض ولا تعتبر الكفاءة عندنا في السلامة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص والبخر والدفر وإلا عند محمد في الثلاثة الأول أعني الجنون والجذام والبرص إذا كان بحال لا تطيق المقام معه فالحق اعتبار الكفاءة في العقل على قول محمد إلا أن الذي له التفريق والفسخ الزوجة لا الولي وكذا في أخويه عنده
فرع انتسب إلى غير نسبه لامرأة فتزوجته ثم ظهر خلاف ذلك فإن لم يكافئها به كقرشية انتسب لها إلى قريش ثم ظهر أنه عربي غير قرشي فلها الخيار ولو رضيت كان للأولياء التفريق وإن كافأها به كعربية ليست قرشية انتسب لها إلى قريش فظهر أنه عربي غير قرشي فلا حق للأولياء ولها هي الخيار عندنا إن شاءت فارقته خلافا لزفر ولنا أنه شرط لنفسها في النكاح زيادة منفعة وهو أن يكون ابنها صالحا للخلافة فإذا لم تنل كان لها الخيار كشراء العبد على أنه كاتب فظهر خلافه وأيضا الاستفراش ذل في جانبها فقد ترضى به ممن هو أفضل منها لا من مثلها فإذا ظهر خلافه فقد غرها وتبين عدم رضاها بالعقد فيثبت لها الخيار ولو كان هذا الانتساب من جانبها والغرور لم يكن له خيار لأنه لا يفوت عليه شيء من مقاصد النكاح بما ظهر من غرورها ولتخلصه منها بطريق يمكنه وهو الطلاق فلا حاجة إلى إثبات الخيار ويحتاج بعد هذا إلى فضل تقرير وفرق بين هذا وبين إثبات خيار البلوغ للغلام وهو سهل إن شاء الله تعالى قوله فقريش بعضهم أكفاء لبعض روى الحاكم بسند فيه مجهول فإن شجاع بن الوليد قال حدثنا بعض إخواننا عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل والموالي بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل إلا حائكا أو حجاما ورواه أبو يعلى بسند فيه عمران بن أبي الفضل الإيلي وضعف بأنه موضوع وأن عمران هذا يروي الموضوعات عن الإثبات وروى الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا الناس أكفاء قبيلة لقبيلة وعربي لعربي ومولى لمولى إلا حائكا أو حجاما وضعف بقية بن الوليد وهو مخيل إن عنعن الحديث ليس غير وبأن محمد بن الفضل مطعون فيه ورواه ابن عدي في الكامل من حديث علي وعمر باللفظ الأول وفيه علي بن عروة قال منكر الحديث وعثمان بن عبد الرحمن قال صاحب التنقيح هو الطرائفي من أهل حران يروي المجاهيل وقد روى هذا الحديث من وجه آخر عن عائشة وهو ضعيف 1 هـ كلامه وروى البزار عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل يرفعه العرب بعضهم أكفاء لبعض 1 هـ وابن معان لم يسمع عن معاذ وفيه سليمان بن أبي الجون قال ابن القطان لم أجد له ذكرا وبالجملة فللحديث أصل فإذا
____________________
(3/295)
ثبت باعتبار الكفاءة بما قدمناه فيمكن ثبوت تفصيلها أيضا بالنظر إلى عرف الناس فيما يحقرونه ويعيرون به فيستأنس بالحديث الضعيف في ذلك خصوصا وبعض طرقه كحديث بقية ليس من الضعف بذاك فقد كان شعبة معظما لبقية وناهيك باحتياط شعبة وأيضا تعدد طرق الحديث الضعيف يرفعه إلى الحسن ثم القرشيان من جمعهما أب هو النظر هو النضر بن كنانة فما دونه ومن لم ينسب إلا ألي أب فوقه فهو عربي غير قرشي وإنما سميت أولاد النضر قريشا تشبيها لهم بدابة في البحر تدعى قرشا تأكل دوابه لأنهم من أعظم دواب البر عزة وفخرا ونسبا وعلى هذا قال اللهبي ** وقريش هي التي تسكن البحر ** ** بها سميت قريش قريشا **
وقيل لأن النضر كان يسمى قريشا وهو اختيار الشعبي سمي به لأن كان يقرش عن خلة الناس ليسد حاجتهم بماله والتقريش التفتيش قال الحرث ** أيها الناطق المقرش عنا ** ** عند عمرو فهل لنا إبقاء ** وقيل لأنه خرج يوما علي نادى قومه فقال انظر إلى النضر كأنه جمل قريش وقيل سميت بقريش ابن الحرث بن ملخد كان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش ولها الرجل ابن يسمى بدرا وهو الذي حفر بئر بدر وسميت به وقيل لتجارتهم والقرش الكسب وقيل سميت به لأن فهر ابن مالك قيل أن اسمه قريش وإنما فهر لقبه قاله ابن عباس لمعاوية حين سألة عن ذلك وعلى هذا ينبغي أن لا يكون قرشيا إلا من كان من أبناء فهر وقيل هو من الجمع والتقريش التجميع لأن قصيا جمع بني النضر في الحر من بعد تفرقهم وقيل لما نزل قصي الحرم فعل أفعالا جميلة فقيل له القرش فهو أول من سمي به وعلى هذا ينبغي كون القرشيين من جمعهما أب هو قصي والظاهر الأول ويكون من التجمع لا التجميع الذي هو فعل قصي والتجمع كان من أبناء النضر وإن كان القائل قال ** أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ** ** به جمع الله القبائل من فهر ** لأنه ابن ابنه لأنه ابن مالك بن النضر غير أن القافية اتفقت كذلك وإلا فبعد نقل أن قصيا سمى مجمعا لجمعه أولاد النضر عرف أن القرشيين من جمعهما النضر هذا وقريش عمارة تحتها بطون لؤي بن غالب وقصي وعدي ومنهم الفاروق رضي الله عنه ومرة ومن مرة تيم ومنهم الصديق رضي الله عنه ومخزوم ومنهم خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه وهما فخذان وهاشم فخذ والعباس فصيلة وأعم الطبقات الشعب مثل حمير وربيعة ومضر ثم القبيلة مثل كنانه ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريش بطن ببطن وفي العرب قبيلة بقبيلة ونظم بعض الأدباء ترتيب الطبقات فقال ** قبيلة فوقها شعب وبعدهما ** ** عمارة ثم بطن تلوه فخذ ** ** وليس يؤوى الفتى إلا فصيلته ** ** ولا سداد لسهم ماله قذذ **
____________________
(3/296)
وذكر بعضهم العشيرة بعد الفصيلة فقال ** أقصد الشعب فهو أكثر حي ** ** عددا في الجواء ثم القبيلة ** ** ثم يتلوهما العمارة ثم ** ** البطن والفخذ بعدها والفصيله ** ** ثم من بعدها العشيرة لكن ** ** هي في جنب ما ذكرنا قليله ** قوله والموالي هم العتقاء والمراد هنا غير العرب وإن لم يمسهم رق لأنهم لما ضلوا أنسابهم كان التفاخر بينهم بالدين وما نذكره ففي الحديث دليل على أنه لا يعتبر التفاضل في أنساب قريش فهو حجة على الشافعي في أن الهاشمي والمطلبي أكفاء دون غيرهم بالنسبة إليهم قالوا وزوج النبي صلى الله عليه وسلم بنتيه من عثمان وهو أموي وزوج أم كلثوم من عمر رضي الله عنه وهو عدوي وفيه نظر إذ قد يقول يجوز كونه لإسقاط حقه في الكفاءة نظر إلى مصلحة أخرى لكنه يرى أنها شرط في النسب فيلزمه ما ذكرنا وعلى أكثر أصحابه في اعتبار الكفاءة في النسب في العجم وعلى محمد في اعتباره الزيادة بالخلافة حتى لا يكافئ أهل بيت الخلافة غيرهم من القرشيين هذا إن قصد بذلك عدم المكافأة لا إن قصد به تسكين الفتنة وفي الجامع لقاضيخان قالوا الحسيب يكون كفأ للنسيب فالعالم العجمي كفء للجاهل العربي والعلوية لأن شرف العلم فوق شرف النسب والحسب ومكارم الأخلاق وفي المحيط عن صدر الإسلام الحسيب هو الذي له جاه وحشمة ومنصب وفي الينابيع والأصح أنه ليس كفأ للعلوية وأصل ما ذكره المشايخ من ذلك ما روى عن أبي يوسف أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل به نسب الآخر كان كفأ له ولا يعتبر بالبلاد في تتمة الفتاوي أن القروي
____________________
(3/297)
كفء للمدني قوله وبنو باهلة إلخ استثناء من قوله والعرب بعضهم أكفاء لبعض وباهلة في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان فنسب ولده إليها وهم معروفون بالخساسة قيل كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية وكانوا يأخذون عظام الميتة يطبخونها ويأخذون دسومتها فلذا قيل ** ولا ينفع الأصل من هاشم ** ** إذا كانت النفس من باهلة **
وقيل ** إذا قيل للكلب يا باهلي ** ** عوى الكلب من لؤم هذا النسب **
ولا يخلو من نظر فإن النص لم يفصل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم وقد أطلق وليس كل باهلي كذلك بل فيهم الأجواد وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلو ذلك لا يسري في حق الكل قوله وأما الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا فهو من الأكفاء يعني لمن له آباء فيه ومن أسلم بنفسه أو له أب واحد في الإسم لا يكون كفأ لمن له أبوان فيه لأن تمام النسب بالأب والجد وألحق أبو يوسف الواحد بالمثنى كما هو في مذهبه في التعريف أي في الشهادات والدعاوي قيل كأن أبا يوسف إنما قال ذلك في موضع
____________________
(3/298)
لا يعد كفر الجد عيبا بعد أن كان الأب مسلما وهما قالاه في موضع يعد عيبا والدليل على ذلك أنهم قالوا جميعا إن ذلك ليس عيبا في حق العرب لأنهم لا يعيرون بذلك وهذا حسن وبه ينتفي الخلاف ولا تعتبر الكفاءة بين أهل الذمة فلو زوجت نفسها فقال وليها ليس هذا كفأ لم يفرق بينهما بل هم أكفاء بعضهم لبعض قال في الأصل إلا أن يكون نسبا مشهورا كبنت ملك من ملوكهم خدعها حائك أو سائس فإن يفرق بينهما لا لعدم الكفاءة بل لتسكين الفتنة والقاضي مأمور بتسكينها بينهم كما بين المسلمين قوله والكفاءة في الحرية نظيرها في الإسلام يعني أن من كان له أبوان حران كافأ من كان له آباء أحرار ومن له أب واحد حر لا يكافئ من له أبوان حران ومن عتق بنفسه لا يكافئ من له أب حر وفي التجنيس لو كان أبوها معتقا وأمها حرة الأصل لا يكافئها المعتق لأن فيه أثر الرق وهو الولاء والمرأة لما كانت أمها حرة الأصل كانت هي أيضا حرة الأصل وفي المجتبى معتقة الشريف لا يكافئها معتق الوضيع واعلم أن لا يبعد كون من أسلم بنفسه كفأ لمن عتق بنفسه قوله وتعتبر أيضا في الدين أي الديانة فسر به ليعلم أن المراد به التقوى لا اتفاق الدين لأن تفاصيله تعرف في نكاح أهل الشرك ولا كونه مكافئا بإسلام نفسه أو أبيه أو جده لأنه مر قبلهما قوله هو الصحيح أي أن الصحيح اقتران قولي أبي حنيفة وأبي يوسف فإنه روى عن أبي حنيفة أنه مع محمد ورجحه السرخسي وقال الصحيح من مذهب أبي حنيفة أن الكفاءة من حيث الصلاح غير معتبرة وقيل هو احتراز عن ولاية أخرى عن أبي يوسف أنه لم يعتبر الكفاءة في الدين وقال إذا كان الفاسق ذا مروءة كأعوان السلطان والمباشرين المكسة وكذا عنه إن كان يشرب المسكر سرا ولا يخرج وهو سكران يكون كفأ وإلا لا وحينئذ الأولى كون هو الصحيح احترازا عما روى عن كل منهما أنه لا يعتبر والمعنى هو الصحيح من قول كل منهما فلو تزوجت امرأة من بنات الصالحين فاسقا كان للأولياء فسخه وإن كان من مباشري السلطان
____________________
(3/299)
قوله وقال محمد لا تعتبر إلا إذا كان يسخر منه ويخرج سكران لأنه من أحكام الآخرة فلا تبنى عليه أحكام الدنيا وفي كون هذا قاعدة ممهدة نظر إذ لم يظهر وجه الملازمة والحق أنه وقد والمعتبر في كل موضع مقتضى الدليل فيه من البناء على أحكام الآخرة وعدمه على أنا لم نبن إلا على أمر دنيوي وهو ما ذكره من أن المرأة تعبر بفسق الزوج فوق ما تعير بضعف نسبه يعني يعيرها أشكالها إن كانت من بنات الصالحين وفي المحيط الفتوى على قول محمد وهو موافق لاختيار السرخسي الرواية الموافقة لقول محمد عن أبي حنيفة ولو تزوجها وهو كفء في الديانة ثم صار داعرا لا يفسخ النكاح لأن اعتبار الكفاءة وقت النكاح قوله وهو أي اعتبار الكفاءة في المال هو أن يكون مالكا للمهر والنفقة وتقييده بظاهر الرواية احتراز عما سنذكره في الكفاءة في الغنى بما نسبه إلى قول أبي حنيفة ومحمد فإن ذلك ليس هو ظاهر الرواية كما سنذكره وبين أن المراد من المهر ملك ما تعارفوا تعجيله وإن كان كله حالا وفي المجتبى قلت في عرف أهل خوارزم كله مؤجل فلا تعتبر القدرة عليه ولم يبين المراد بملك النفقة واختلف فيه قيل المعتبر ملك نفقة شهر وقيل نفقة ستة أشهر وفي جامع شمس الأئمة سنة وفي المجتبى الصحيح أنه إذا كان قادرا على النفقة عن طريق الكسب كان كفأ ومعناه منقول عن أبي يوسف قال إذا كان قادرا على إيفاء ما يعجل لها باليد ويكتسب ما ينفق لها يوم بيوم كان كفأ لها وفي غريب الرواية للسيد أبي شجاع جعل الأصح ملك نفقة شهر وفي الذخيرة إن كان يجد نفقتها ولا يجد نفقة نفسه فهو كفء وإلا لا يكون كفأ وإن كانت فقيرة 1 هـ وفيه نظر ثم هذا إذا كانت تطيق النكاح فإن كانت صغيرة لا تطيقه فهو كفء وإن لم يقدر على النفقة لأنه لا نفقة لها قوله ويعد المرء قادرا بيسار أبيه وأمه وجده
____________________
(3/300)
وجدته ولا تعتبر القدرة على النفقة بيسار الأب قوله فأما الكفاءة في الغنى يعني بعد ملكه للمهر والنفقة هل تعتبر مكافأته إياها في غناها قال معتبرة في قول أبي حنيفة ومحمد لكن صرح السرخسي في مبسوطه وصاحب الذخيرة بأن الأصح أن ذلك لا يعتبر لأن كثرة المال مذمومة وفي شرح الكنز لا معتبر بالمساواة في الغنى هو الصحيح وعن أبي حنيفة ومحمد في غير رواية الأصول أن من ملكهما لا يكون كفأ للفائقة في الغنى وليس بشيء فنص على أن ما في الهداية غير رواية الأصول وكذا في الدراية قال وهذا القول منهما في غير رواية الأصول وفي كتاب النكاح لا تشترط القدرة إلا على المهر والنفقة وفي بعض الشروح أنه خلاف ظاهر الرواية ولهذا لم يذكره في المبسوط عن الأوائل قال وبعض المتأخرين اعتبروا الكفاءة في المال بعد ما صرح عن أبي يوسف بنفيه قوله وعن أبي حنيفة في ذلك روايتان أظهرهما لا تعتبر في الصنائع حتى يكون البيطار كفأ للعطار وهو رواية عن محمد وعنه في أخرى الموالى بعضهم أكفاء إلا الحائك والحجام وكذا الدباغ وهو الرواية التي ذكرها في الكتاب عن أبي يوسف وأظهر الروايتن عن محمد فصار عن كل واحد منهما راويتان الظاهر عن أبي حنيفة عدم الاعتبار والظاهر عن محمد كذلك إلا أن تفحش وهو الرواية عن أبي يوسف وفيما قدمناه من حديث بقية حيث قال فيه إلا حائكا أو حجاما ما يفيد اعتبارها في الصنائع لكن على الوجه الذي ذكره في شرح الطحاوي وهو أن الصناعات المتقاربة أكفاء كالبزار والعطار بخلاف المتباعدة وعد الخياط مع الدباغ والحجام والكناس قال فهؤلاء بعضهم أكفاء لبعض ولا يكافئون سائر الحرف ولم يذكر خلافا فكان ظاهرا في أن الظاهر من قول أبي حنيفة اعتبار الكفاءة وإليه ذهب بعض الشارحين قال وكذا قال الشيخ أبو نصر بعد أن أثبت اعتبارها وعن أبي حنيفة لا تعتبر ونحوه في النافع وإنما قلنا لكن على الوجه الذي ذكره في شرح الطحاوي لأن حقيقة الكفاءة في الصنائع لا تتحقق إلا بكونهما من صناعة واحدة وفي المحيط وغيره وههنا خساسة هي أخس من الكل وهو الذي يخدم الظلمة يدعى شاكرباه تابعا وإن كان ذا مروءة ومال قيل هذا اختلاف عصر وزمان في زمن أبي حنيفة لا تعد الدناءة في الحرفة منقصة
____________________
(3/301)
فلا تعتبر وفي زمنهما تعد فتعتبر والحق اعتبار ذلك سواء كان هو المبني أولا فإن الموجب هو استنقاص أهل العرف فيدور معه وعلى هذا ينبغي أن يكون الحائك كفأ للعطار بالإسكندرية لما هناك من حسن اعتبارها وعدم عدها نقصا البتة اللهم إلا أن يقترن به خساسة غيرها قوله وإذا تزوجت المرأة ونقصت عن مهر مثلها فللأولياء الاعتراض عند أبي حنيفة حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها فالثابت إلزام أحد الأمرين وهو فرع قيام مكنة كل منهما فعن هذا ما في فتاوي النسفي لو لم يعلموا بذلك حتى ماتت ليس لهم أن يطالبوه بتكميل مهر المثل لأن الثابت لهم ليس إلا أن يفسخ أو يكمل فإذا امتنع هنا عن تكميل المهر لا يمكن الفسخ واعلم أن المدار على التسمية حتى لو سمت مهر مثلها ولم تأخذه بل أبرأت لا اعتراض عليها ثم قال المصنف وهذا الوضع أي قولنا إذا تزوجت ونقصت عن مهر مثلها فللأولياء الاعتراض وقال محمد مع أبي يوسف ليس لهم ذلك ومعناه يجب تنقية العقد فرع صحة عقد المرأة بنفسها فإنما يصح من محمد على اعتبار رجوعه إلى ذلك لما أنه تقدم عنه أنه لا يصح مباشرتها بنفسها بل هو موقوف على إجازة الولي قال وهذه شهادة صادقة على رجوعه
____________________
(3/302)
وأورد عليه أنه إنما يتم لو تعين هذا الوضع في النكاح بغير ولي وليس كذلك فإنه لو أذن لها الولي بالتزويج ولم يسم مهرا فعقدت على هذا الوجه صح وضع المسئلة على قول محمد وكذا لو أكره السلطان لأمرأة ووليها على تزويجها بمهر قليل ففعل ثم زال الإكراه ورضيت امرأة ولم يرض الولي ليس له ذلك في قول محمد الأول فلم يكن هذا الوضع دلالة على رجوع محمد إلى قولهما 1 هـ ولا شك أن قولنا إذا تزوجت ونقصت لا ينقص عند محمد عام في الصور على ما هو حال أسماء الشرط فباعتبار عمومه يكون شهادة صادقة وعليه مشى المصنف وباعتبار حمله على بعض الصور وهو في نفسه أعم منها لا يكون شهادة وعليه مشى المعترض والأصل خلافه إلا أن يوجب الحمل على بعض الصور موجب وتمام الاعتراض موقوف عليه فتوجيه الأغراض أن يقال يجب حمله على كذا للصور المذكورة فلا يكون فيه شهادة على ذلك وإنما يجب هذا الحمل لأن المذكور هنا وهو المذكور في الجامع الصغير ورجوعه مروي أنه قبل موته بسبعة أيام وهو الذي يشير إليه قول المصنف وقد صح ذلك ومعلوم أن تصنيفه للجامع قبل ذلك فالحق أنه رجع ولا شهادة في هذه قوله وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما ولزم عند أبي حنيفة سواء كان بغبن فاحش أو قليل وثبت المال كله في ذمة الصغيرة في الثانية لا في ذمة الأب سواء كان الأب موسرا أو معسرا فيقضيه من مال الصغير وقالا لا تجوز الزيادة والنقص إلا بما يتغابن فيه الناس وعلى هذا الخلاف تزويج الأب ابنته من غير كفء ويجب أن يكون معنى هذا عدم الكفاءة في غير الديانة أما فيها فلا لما قالوا لو كان الأب معروفا بسوء الاختيار مجانة وفسقا كان العقد باطلا على قول أبي حنيفة على الصحيح ومن زوج بنته الصغيرة القابلة للتخلق بالخير والشر ممن يعلم أنه شرير فاسق ظهر سوء اختياره ولأن ترك النظر هنا مقطوع به فلا يعارضه ظهور إرادة مصلحة تفوق ذلك نظرا إلى شفقة الأبوة وما في النوازل زوج ابنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر فإذا هو مدمن له وقالت لا أرضى بالنكاح يعني بعد ما كبرت إن لم يكن يعرفه الأب بشربه وكان غلبة أهل بيته صالحين فالنكاح باطل لأنه إنما زوج على ظن أنه كفء يفيد خلافه إذ يقتضى أنه لو عرفه الأب أنه يشربه فالنكاح نافذ وهو ينافى ما قرر من أن الأب إذا عرف بسوء الاختيار لا ينفذ تزويجه من غير الكفء والجواب
____________________
(3/303)
أنه لا تلازم بين ثبوت سوء الاختيار وتيقنه وبين كونه معروفا به فلا يلزم بطلانه عند تحقق سوء الاختيار مع أنه لم يتحقق للناس كون الأب العاقد معروفا بمثله قوله ومعنى هذا الكلام أنه لا يجوز العقد عندهما أي قولهما لا يجوز هل معناه نفي صحة العقد أو نفي صحة التسمية والعقد صحيح فيزداد إلى مهر المثل قيل بالأول وقيل بالثاني واختار المصنف الأول لأن الولاية مقيدة بشرط النظر فعند فواته ظاهرا بإيجاب المال عوض نفسها ناقصا أو إبطاله بدون عوض لا تثبت الولاية فلا يصح العقد كالمأمور بالعقد بشرط لا يصح عقده إذا لم يجر على شرطه ولذا لا يملك البيع والشراء بغبن فاحش في مالهما فإيجاب المال عوض نفسها ناقصا أولى بعدم النفاذ وإذا كان بحيث لو زوج أمتها بغبن فاحش لا يجوز فتزويجها كذلك أولى بعدم الجواز ولأبي حنيفة أن النظر وعدمه في هذا العقد ليس من جهة كثرة المال وقلته بل باعتبار أمر باطن فالضرر كل الضرر بسوء العشرة وإدخال كل منهما المكروه على الآخر والنظر كل النظر في ضده في هذا العقد وأمر المال سهل غير مقصود فيه بل المقصود فيه ما قلنا فإذا كان باطنا يعتبر دليله فيعلق الحكم عليه ودليل النظر قائم هنا وهو قرب القرابة الداعية إلى وفور الشفقة مع كمال الرأى ظاهرا بخلاف غير الأب من الجد والعصبات والأم لقصور الشفقة في العصبات ونقصان الرأي في الأم وهذا معنى قوله والديل عدمناه في حق غيرهما فلا يصح عقدهم لذلك وعلى هذا انبنى الفرع المعروف لو زوج العم الصغيرة حرة الجد من معتق الجد فكبرت وأجازت لا يصح لأنه لم يمكن عقدا موقوفا
____________________
(3/304)
إذ لا مجيز له فإن العم ونحوه لا يصح منهم التزويج بغير الكفء وكذا لو كان الأب معروفا بسوء الاختيار أو المجانة والفسق كان العقد باطلا على قول أبي حنيفة على ما ذكرناه هو الصحيح أما المال فهو المقصود في التصرف المالي لا في أمر آخر باطن ليحال النظر عليه عند ظهور التقصير في المال فلذا لا يجوز تزويجه أمتهما بغبن فاحش لأنه إضاعة مالهما لأن المهر ملكهما ولا مقصود آخر باطن يصرف النظر إليه فلا يعول عليه ويدل على ذلك تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة من علي بأربعمائة درهم ولا شك في أنه دون مهر مثلها لأنها أشرف النساء فيلزم أن الامهر أكثر منه بل إلا وهو أقل منه أو أنها دون مهر مثلها والأول منتف فلزم الثاني وهذا موقوف على ثبوت أن تزويجه صلى الله عليه وسلم إياها كان قبل بلوغها وإلا لا يفيد وقد يقال إذا كان المدار عنده دليل النظر وهو القرابة الخاصة أعني قرابة الأب والجد فلا يعتبر كونه معروفا بسوء الاختيار لأن المظنة يجوز التعليل بها مع العلم بانتفاء حكمتها وهذا كذلك والجواب أن المظنة ما يغلب معها الحكمة إن لم تلزم فالمعروف بذلك حينئذ ليس مظنة والحاصل إما تخصيص العلة أو القوم بأن العلة مجموع قرابة الأب غير المعروف بسوء الاختيار على الاختلاف في جواز تخصيص العلة وعدمه ومسئلة تزويج الأب بنته من غير كفء عبدا أو غيره قدمناها والوجه من الجانبين واحد والله أعلم فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها
من أحكام الولي والفضولي ويبقى الرسول نذكره بعد إن شاء الله تعالى ولما كانت الوكالة نوعا من الولاية إذ ينفذ تصرفه على الموكل غير أنها تستفاد من الولي على نفسه أو غير كانت ثانية للولاية الأصلية فأوردها ثانية في التعليم لباب الأولياء ثم ذكر غيرها من الفضولي لتأخره عنهما لأن النفاذ بالإجازة إنما ينسب إلى الولي المجيز فنزل عقد الفضولي كالشرط له حيث لم يستعقب بنفسه حكمه كما هو الأصل في السبب غير أن ابتداءه بالولي إن نظر فيه إلى أنه أقوى ناسب الابتداء به وإن نظر إلى أن العقد الفصل للوكيل أولا وبالذات كان المناسب الابتداء بمسئلة الوكيل قوله ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه الصغيرة بغير إذنها والبالغة بإذنها فيقول اشهدوا أني تزوجت بنت عمي فلانة بنت فلان أو زوجتها من نفسي وقال زفر لا يجوز وإذا أذنت المرأة لرجل أن يزوجها من نفسه فعقد بحضرة شاهدين جاز وقال زفر والشافعي لا يجوز
____________________
(3/305)
وصورتها أن يقول اشهدوا أن فلانة بنت فلان بن فلان وكلتني أن أزوجها من نفسي وقد فعلت ذلك فلو لم ينسبها إلى الجد ولم يعرفها الشهود ففي التفاريق وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يطأها وفي النوازل قال لا يجوز النكاح لأن الغائب إنما يعرف بالتسمية ألا يرى أنه لو قال تزوجت امرأة وكلتني لا يجوز وعلى هذا الخلاف كل وكيل لامرأة بتزويج نفسها وذكر الخصاف رجل خطب امرأة فأجابته وكرهت أن يعلم أولياؤها فجعلت أمرها في تزويجها إلى الخاطب واتفقا على المهر فكره الزوج تسميتها عند الشهود قال يقول إني خطبت امرأة بصداق كذا ورضيت به وجعلت أمرها إلى بأن أتزوجها فأشهدكم أني تزوجت المرأة التي أمرها إلي على صداق كذا فينعقد النكاح قال شمس الأئمة الحلواني الخصاف كبير في العلم وهو ممن يقتدى به وقال في التجنيس وذكر في المنتقى أن مثل هذا التعريف يكفي ومثل هذا الخلاف فيما لو كانت حاضرة متنقبة ولا يعرفها الشهود فعن الحسن وبشر يجوز وقيل لايجوز ما لم ترفع نقابها ويراها الشهود والأول أقيس فيما يظهر بعد سماع الشطرين منهما لأن الشرط ليس شهادة تعتبر للأداء ليشترط العلم على التحقيق بذات المرأة على ما تقدم ثم رأيت في التجنيس أنه هو المختار لأن الحاضر يعرف بالإشارة والاحتياط كشف نقابها وتسميتها ونسبتها وهذا كله إذا لم يعرفها الشهود أما إذا كانوا يعرفونها وهي غائبة فذكر الزوج اسمها لا غير جاز النكاح إذا عرف الشهود أنه أراد المرأة التي يعرفونها لأن المقصود من التسمية التعريف وقد حصل 1 هـ وبقولنا قال مالك وأحمد وسفيان الثوري وأبو ثور والظاهرية وقوله من نفسه احتراز عما لو وكلته أن يزوجها مطلقا فإنه لو زوجها من نفسه لا يجوز وكذا لو وكلت أجنبيا أو وكل امرأة بأن تزوجه فزوجته من نفسها لا يصح أيضا لزفر والشافعي أن الواحد لا يتصور على البناء للفاعل أن يكون مملكا ومتملكا كما في البيع لا يجوز كونه وكيلا من الجانبين لتضاد حكمي التمليك والتملك ويوافقه الأثر وهو ما روى عنه صلى الله عليه وسلم كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل إلا أن الشافعي يقول على أحد الوجهين في الولي ضرورة إذ لا يتولاه غيره فلو منع من تولي شطريه امتنع أصلا لأنه لو أمر غيره بتزويجها منه كان قائما مقامه وانتقلت عبارته إليه كتكله هو بنفسه فلا فرق في التحقق وهذا الاستثناء جاء على اعتقاد المصنف أن الشافعي يقول في المسئلة الأولى بالجواز كقولنا ولذا اقتصر في نقل الخلاف فيها على خلاف زفر لكن الواقع ثبوت الخلاف الشافعي فيها أيضا لأنه لا يثبت ولاية إجبار لغير الأب والجد فلا يتصور أن يجيز تزويج ابن العم ينت عمه من نفسه والذي يجيزه الشافعي
____________________
(3/306)
من تولى الولي الطرفين هو تزويج الجد بنت ابنه من ابن ابنه وليس هو في هذا مملكا ومتملكا فلا يصلح مستثنى ولو جعل منقطعا لم يصح تعليله بالضرورة فإن معنى الكلام أنه لا يصح المباشر مملكا ومتملكا شرعا إلا في الولي صح ذلك ضرورة لكنه منتف ولنا أن الوكيل في النكاح سفير ومعبر حتى لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل على ما نذكر ولاترجع حقوق العقد إليه حتى لا يطالب بالمهر وتسليم الزوجة بخلاف البيع لا يصح أن يكون الواحد فيه وكيلا من جهة البائع والمشتري فإنه فيه مباشر ترجع الحقوق إليه ويستغنى عن الإضافة والواحد يصلح أن يكون معبرا عن اثنين والتمانع إنما هو في الحقوق لا في نفس التلفظ فالذي يرجع إليه لا امتناع فيه والذي فيه الامتناع لا يرجع إليه وللانتقال لكونه معبرا بعبارة الغير يكون ذلك العقد قام أربعة الإثنين المعبر عنهما والشاهدين على ما هو في الأثر واعلم أنه يستثنى من مسئلة الوكيل بالبيع من الجانبين الأب فإنه لو باع مال ابنه من نفسه أو اشتراه ولو بغبن يسير صح ولا يخفى أن هذا على التشبيه وإلا فبيع الأب ليس بطريق الوكالة بل الولاية والأصالة ثم إذا تولى طرفيه قال المصنف فقوله زوجت فلانة من نفسي يتضمن الشطرين فلا يحتاج إلى القبول بعده وكذا ولي الصغيرين القاضي وغيره والوكيل من الجانبين يقول زوجت فلانة من فلان وقال شيخ الإسلام خواهرزاده هذا إذا ذكر لفظا هو أصيل فيه أما إذا ذكر لفظا هو نائب فيه فلا يكفي فإن قال تزوجت فلانة كفى وإن قال زوجتها من نفسي لا يكفي لأنه نائب فيه وعبارة الهداية وهي ما ذكرناه آنفا صريحة في نفي هذا الاشتراط وصرح بنفيه في التجنيس أيضا في علامة غريب الرواية والفتاوي الصغرى قال رجل زوج بنت أخيه من ابن اخيه فقال زوجت فلانة من فلان يكفي ولا يحتاج إلى أن يقول قبلت وكذا كل من يتولى طرفي العقد إذا أتى بأحد شطري الإيجاب يكفيه ولا يحتاج إلى الشطر الآخر لأن اللفظ الواحد يقع دليلا من الجانبين قوله فإن كل عقد كالبيع والإجارة ونحوهما صدر من الفضولي وله مجيز انعقد موقوفا على الإجازة فإذا أجاز من له الإجازة ثبت حكمه مستندا إلى العقد فسر المجيز في النهاية بقابل
____________________
(3/307)
يقبل الإيجاب سواء كان فضوليا أو وكيلا أو أصيلا وقال في فصل بيع الفضولي من نهاية الأصل عندنا أن العقود تتوقف على الإجازة إذا كان لها مجيز حالة العقد جازت وإن لم يكن تبطل والشراء إذا وجد نفاذا نفذ على العاقد وإلا توقف بيانه الصبي إذا باع ماله أو اشترى أو تزوج أو زوج أمته أو كاتب عبده أو نحوه يتوقف على إجازة الولي في حالة الصغر فلو بلغ قبل أن يجيزه الولي فأجاز بنفسه نفذ لأنها كانت متوقفة ولا ينفذ بمجرد بلوغه ولو طلق الصبي امرأته أو خلعها أو أعتق عبده على مال أو دونه أو وهب أو تصدق أو زوج عبده أو باع ماله محاباة فاحشة أو اشترى بأكثر من القيمة مالا يتغابن فيه أو غير ذلك مما لو فعله وليه لا ينفذ كانت هذه الصور باطلة غير متوقفة ولو أجازها بعد البلوغ لعدم المجيز وقت العقد إلا إذا كان لفظ الإجازة يصلح لابتداء العقد فيصح على وجه الإنشاء كأن يقول بعد البلوغ أو أوقعت بعد ذلك الطلاق والعتاق وهذا يوجب أن يفسر المجيز هنا بمن يقدر على إمضاء العقد لا بالقابل مطلقا ولا بالولي إذ لا توقف في هذه الصور وإن قبل فضولي آخر أو ولي لعدم قدرة الولي على إمضائها ولو أراد هنا بالمجيز المخاطب مطلقا كان ينبغي أن يقول وله مجيز ومن يقدر على إنفاذه ليصح جواب المسئلة أعني قوله انعقد موقوفا لأن الصبي في الصور المذكورة فضولي ولو قبل عقده آخر لا يتوقف لعدم من يقدر على إنفاذه وعلى هذا لا يكون العقد شاملا لليمين لأنها لاتتوقف على مخاطب بل على من له قدرة إمضائه فقط وصورته أن يقول أجنبي لامرأة رجل إن دخلت الداء مثلا فأنت طالق فإنه يتوقف على إجازة الزوج فإن أجاز تعلق فتطلق بالدخول ولو دخلت قبل الإجازة لا تطلق عند الإجازة فإن عادت ودخلت بعدها طلقت كذا في الجامع وفي المنتقى إذا دخلت قبل الإجازة فقال الزوج أجزت الطلاق علي فهو جائز ولو قال أجزت هذه اليمين علي لزمته اليمين ولا يقع الطلاق حتى دخل تدخل بعد الإجازة وعرف مما ذكرنا أن الصبي إذا تزوج يتوقف على إجازة وليه لأن الصبي العاقل من أهل العبارة غير أنه محتاج إلى رأي الولي فالصواب أن يحمل المجيز على من له قدرة الإمضاء ويندرج المخاطب في ذكر العقد من قوله كل عقد يعقده الفضولي فإن اسم العقد لا يتم إلا بالشطرين أو ما يقوم مقامهما فعلى هذا قوله وما لا مجيز له أي ما ليس له من يقدر على الإجازة يبطل كما إذا كان تحته حرة فزوجه الفضولي أمة أو أخت امرأته أو خامسة أو زوجة معتدة أو مجنونة أو صغيرة يتيمة في دار الحرب أو إذا لم يكن سلطان ولا قاض لا يتوقف لعدم من يقدر على الإمضاء حالة العقد لأن دار الحرب ليس بها مسلم له ولاية حكم ليمكن تزويجه اليتيمة فكان
____________________
(3/308)
كالمكان الذي في دار الإسلام ليس له حاكم ولا سلطان فإنه أيضا يتعذر تزويج الصغائر فيه اللاتي لا عواصب لهن فوقع باطلا حتى لو زال المانع بموت امرأته السابقه وانقضاء عدة المعتدة فأجاز لا ينفذ أما إذا كان فيجب ان يتوقف لوجود من يقدر على الإمضاء ولا يلزم على هذا المكاتب إذا تكفل بمال ثم أعتق حيث تصح هذه الكفالة حتى يؤخذ فيها بعد الحرية وإن لم يكن لها مجيز حال وقوعها وكذا إذا وكل المكاتب بعتق عبده ثم أجاز هذه الوكالة بعد العتق نفذت الوكالة وكذا لو أوصى بعين من ماله ثم عتق فأجاز الوصية يصح لأن كفالته التزام المال في الذمة وذمته قابلة للالتزام لكن لا يظهر للحال لحق المولى فإذا زال المانع بالإعتاق ظهر موجبه أما التوكيل والوصية فالإجازة فيهما إنشاء لأنهما يعقدان بلفظ الإجازة والإنشاء لا يستدعي عقدا سابقا ولذا لو قال لأخر أجزت أن تطلق امرأتي أو أن تعتق عبدي أو أن تكون وكيلي أو أن يكون مالي وصية كان توكيلا ووصية بخلاف غيرهما من التصرفات لو قال أجزت عتق عبدي أو أن تكون فلانة زوجتي أو أن يكون مالي لفلان لا يتم ذلك ثم شرع يستدل على توقف عقد الفضولي فقال إن ركن العقد وهو الإيجاب والقبول صدر من أهله وهو العاقل البالغ مضافا إلى محله وهو غير المحرمات والحال أنه لاضرر في انعقاده على التوقف إنما الضرر في إبرامه بدون اختيار من له الإجازة فوجب أن ينعقد موقوفا على الإجازة حتى إذا رأى من له الإجازة المصلحة فيه ينفذه وإلا يتركه فما فيه الضرر لم يثبت بهذا العقد وما فيه مصلحه وهو توقفه على الإجازة عند ظهور وجه وجود المصلحة له هو الثابت فكان تصرف الفضولي هذا من باب الإعانة على تحصيل غرض المسلم من تحصيل الكفء والمهر وجبر السلعة فوجب اعتباره على الوجه الذي قلناه لأنه داخل في عموم فعل الخيرات وقد يتراخى حكم العقد على العقد كما في البيع بشرط الخيار للبائع يتراخى ملك المشتري إلى اختيار البائع البيع فعدم ترتبه في الحال على عقد الفضولي لا يوجب بطلانه والأولى أن يقال عقد يرجى نفعه واستعقابه حكمه ولا ضرر في انعقاده موقوفا فوجب انعقاده كذلك حتى إذا رأى الخ فقوله لايقدر على إثبات حكمه فيلغو ممنوع الملازمة بل إذا أيس من مصلحته وإنما قلنا هذا لأن قوله صدر من أهله مما يمنع ويقول الشافعي إن أريد أهل العقد في الجملة فمسلم ولا يفيد وإن أريد هذا العقد الذي هو فيه فضولي فممنوع بل أهله من له ولاية إثبات حكمه قوله ومن قال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة يعني الغائبة من غير إذن سابق منها له فبلغها فأجازت فهو باطل وإن قال آخر اشهدوا أني قد زوجتها منه فقبل آخر فبلغها فأجازت جاز وإن لم يقبل أحد لم يجز وكذلك إن كانت المرأة هي التي قالت جميع ذلك يعني يكون العقد باطلا إذا قالت اشهدوا أني قد تزوجت فلانا يعني الغائب من
____________________
(3/309)
غير إذن سابق لها منه فبلغه الخبر فأجاز وإن قال آخر اشهدوا أني قد زوجته منها فقبل آخر عن الغائب فبلغه فأجاز جاز وإن لم يقبل أحد عن الغائب لم يجز وإن أجاز وهذا عند أبي حنيفة ومحمد يعني هذا التفصيل وقال أبو يوسف فيهما يجوز إذا أجاز الغائب وإن لم يقبل أحد وبقيت صورة ثالثة هي أن يقول رجل زوجت فلانة من فلان فيكون فضوليا من الجانبين إن قبل منه فضولي آخر توقف اتفاقا وإلا فعلى الخلاف فتحصل ست صور ثلاث اتفاقية وهي قول الرجل تزوجت فلانة أو المرأة تزوجت فلانا أو الفضولي زوجت فلانة من فلان وقبل آخر فيها وثلاث خلافية هي هذه إذا لم يقبل أحد ثم قال وحاصل الخلاف إلخ يعني أصل هذا الخلاف اختلافهم في أن الواحد لا يصلح فضوليا من الجانبين أو فضوليا من جانب أصيلا من جانب أو وكيلا أو وليا وقيده بعضهم بما إذا تكلم بكلام واحد أما إذا تكلم بكلامين فإنه يتوقف بالاتفاق ذكره في شرح الكافي والحواشي ولا وجود لهذا القيد في كلام أصحاب المذهب بل كلام محمد على ما في الكافي للحاكم أبي الفضل الذي جمع كلام محمد مطلق عنه وأصل المبسوط خال عنه قال ويجوز للواحد أن ينفرد بعقد النكاح عند الشهود على اثنين إذا كان وليا لهما أو وكيلا عنهما ولا يجوز ذلك إذا كان وليا أو وكيلا لأحدهما دون الآخر أو لم يكن وليا ولا وكيلا لواحد منهما وعبارة المبسوط أيضا كذلك وإنما هو من التصرفات والظاهر أن منشأ ما نقل من المبسوط من أن أصل الخلاف في هذه الصور أن شطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس عندهما وهو قول أبي يوسف أولا وقال آخرا لا يتوقف فأخذ منه أن الفضولي لو تكلم بكلامين بأن قال زوجت فلانة من فلان وقبلت عنه توقف بالاتفاق يعني لأنه حينئذ عقد لا شطر وأن الخلاف فيما إذا تكلم بكلام واحد وقيد به بعضهم قول الهداية والحق الإطلاق وبتكلمه بكلامين لا يخرج عن كونه فضوليا من الجانبين وقوله في الهداية في وجه قولهما وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس صريح في أن عدم توقف الشطر اتفاقي لأن الإلزام لا يقع إلا بمتفق وإلا لم يصح فيخالف ما في المبسوط وهو الراجح لأنه لا يعلم خلاف في أنه إذا أوجب أحد المتعاقدين في البيع أو النكاح فلم يقبل الآخر في المجلس بطل وهذا معنى الاتفاق
____________________
(3/310)
على أن شطر العقد لا يتوقف وإلا لجاز أن يقبل في مجلس آخر ويتم النكاح والبيع عند أبي يوسف وليس كذلك فالحق أن مبنى الخلاف في أن ما يقوم بالفضولي عقد تام أو شطره فعندهما شطر فلا يتوقف وعنده تمام فيتوقف وعلى هذا تقرر الدليل من الجانبين قوله هو يقول لو كان مأمورا من الجانبين نفذ اتفاقا وهو فرع اعتبار الصادر منه عقدا تاما وهو فرع قيام كلامه مقام كلامين فإذا كان فضوليا من الجانبين يتوقف لأنه لا فارق إلا وجود الإذن وعدمه وأثره ليس إلا في النفاذ فيبقى ما سوى النفاذ من كونه عقدا تاما فيتوقف وحاصله قياس صورة عدم الإذن على صورة الإذن في كونه عقدا تاما ويثبت بثبوته لازمه وهو التوقف بإلغاء الفارق وقوله وصار كالخلع يعني من جانبه والطلاق والإعتاق على مال قياس على صور أخر هي ما إذا قال خلعت امرأتي أو طلقتها على ألف وهي غائبة فبلغها الخبر فأجازت جاز وكذا أعتقت عبدي على ألف فبلغه الخبر فأجاز جاز كالأولى ولهما أن القائم به شطر العقد وشطره لا يتوقف أما الثانية فبالاتفاق وأما الأولى فلأنه شطر حالة الحضرة أي خطاب الحاضر وقبوله فكذا حالة الغيبة لانه لا فرق بحال إلا أن يتكلم بكلامين حالة الغيبة وذلك لا يوجب صيرورته عقدا تاما لأن كون كلامي الواحد عقدا تاما هو أثر كونه مأمورا من الطرفين أو من طرف وله ولاية الطرف الآخر وهذا لأن العقد عبارة عن كلام اثنين يتبادلان بدلين وكلام الواحد
____________________
(3/311)
ليس كلام اثنين إلا حكما لإذنهما له أو ولاية له ولا إذن للفضولي فلا عقد تام يقوم به فتضمن هذا التقرير منع كون الإذن ليس أثره إلا في النفاذ بل تأثيره في النفاذ يستلزم تأثيره في كونه عقدا تاما وفي كون كلامه ككلامين لتوقف النفاذ على ذلك ولو سلم عدم تأثيره فيهما لم يلزم كون كلام الفضولي عقدا تاما لأن كون الكلام عقدا تاما لازم شرعي مساو للنفاذ ولا إذن للفضولي فانتفى حكمه بلازمه المساوي بخلاف الخلع وأختيه لأنه تصرف يمين حتى لا يملك الرجوع لأنه تعليق الطلاق والعتق بقبولهما المال فيتم به إذ ليس عقدا حقيقيا ولذا لو كانت هي المخالعة بأن قالت خالعت زوجي على ألف لم يتوقف لأنه من جانبها مبادلة وعورض بأنه لو كان تعليقا لما بطل لو قال طلقتك بكذا فقامت من المجلس قبل القبول لكنه يبطل وليس لها أن تقبل بعده أجيب لا يلزم من كونه تعليقا أن لا يبطل بالقيام بل من التعليقات ما يبطل به ويقتصر على وجود الشرط في المجلس كقوله أنت طالق إن شئت يقتصر على وجود المشيئة في المجلس وهذا مثله
فروع للفضولي في النكاح أن يفسخه قبل الإجازة عند أبي يوسف حتى لو أجاز من له الإجازة بعد ذلك لا ينفذ في قول أبي يوسف الآخر قاسه على البيع وليس له ذلك عند محمد ويفرق بأن حقوق العقد في البيع ترجع إلى الفضولي بعد الإجازة لأنه يصير كالوكيل بخلاف النكاح هذا وتثبت الإجازة بأجزت ونحوه بلا خلاف وكذا بقوله نعم ما صنعت وبارك الله لنا وأحسنت وأصبت على المختار واحتماله الاستهزاء لا ينفى ظهوره في الإجازة وكذا هذا في طلاق الفضولي وبيعه وكذا إذا هنأه فقبل التهنئة لأنه دليل الرضا وكذا إذا قال طلقها بخلاف قوله طلتها لعبده لأن تمرده يقتضي حمله على ما يناسبه من المتاركة وسيأتي الكلام فيه ولو زوجه الفضولي أربعا في عقدة وثلاثا في عقده فطلق واحدة من فريق كان إجازة لنكاح ذلك الفريق لأن الطلاق الصحيح فرع النكاح الصحيح وكذا لو ادعت على رجل نكاحا فأنكر ثم طلقها أو قالت لرجل طلقني يكون إقرارا بالنكاح الصحيح لأن دعواها لم يظن كونها كذبا وتمردا ليكون ظاهرا في المتاركة بخلاف ما لو باشره العبد بلا إذن سيده وقوله بالفارسية مال انيست إجازة على ما اختاره أبو الليث لأن يستعمل للإجازة ظاهرا ومثل ذلك في المرأة وقبول المهر إجازة وقبول الهدية ليس بإجازة لأنه لا يتوقف سلامته على النكاح بخلاف المهر قوله ومن أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه ثنتين في عقدة لم تلزمه واحدة منهما هذا شروع في مسائل الوكيل ولا تشترط
____________________
(3/312)
الشهادة على الوكالة بالنكاح بل على عقد الوكيل وإنما ينبغي أن يشهد على الوكالة إذا خيف جحد الموكل إياها وقوله لم يلزمه واحدة منهما يعني إذا لم يعينها للوكيل وكأنه اكتفى بالتنكير دلالة على ذلك أما إذا عاينها فزوجه إياها مع أخرى في عقدة واحدة نفذ في المعينة ولو زوجه إياهما في عقدتين لزمته الأولى وتتوقف الثانية لأنه فضولي فيه ولو أمره بثنتين في عقدة فزوجه واحدة جاز بخلاف ما لو أمره بشراء ثوبين في صفقة لا يملك التفريق لأن الجملة في البيع مظنة الرخص فاعتبر تقييده وليس في النكاح كذلك فلا يعتبر إلا أن قال لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة واحدة ثم أفاد وجهه ما ذكر في الكتاب بقوله ولا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى تنفيذ إحداهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الأولوية فتعين التفريق وهو غير مطابق للدعوى لأنها عدم لزوم واحدة منهما لا لزوم التفريق بينه وبين كل منهما ولا يساويها إذ له أن يجيز نكاحها أو نكاح إحداهما ولا هو لازم مما ذكره بل اللازم عدم إمكان تنفيذهما وتنفيذ إحداهما مبهمة ومعينة فانتفى اللزوم مطلقا وهو المطلوب وكان أبو يوسف يقول أولا يصح نكاح إحداهما بغير عينها والبيان إلى الزوج ثم رجع لأنه إنما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالشرط وإذا وقع التعليل بالمخالفة لعدم النفاذ فلنذكر شيئا من فروعه فالوكيل إذا خالف إلى خير لو كان خلافه كلا خلاف نفذ عقده وليس منه ما إذا أمره بالنكاح الفاسد فزوجه صحيحا بل لا يجوز لعدم الوكالة بالنكاح أصلا لأن النكاح الفاسد ليس نكاحا لأنه لا يفيد حكمه وهو الملك وأما العدة بعد الدخول فيه وثبوت النسب فليس حكما له بل للفعل إذا لم يتمحض زنا بخلاف البيع الفاسد فإنه بيع يفيد حكمه من الملك فكان الخلاف فيه إلى البيع الصحيح خلافا إلى خير فيلزم وليس منه ما إذا وكله بالنكاح بألف فلم ترض المرأة حتى زادها الوكيل ثوبا من مال نفسه فإنه لا ينفذ والنكاح موقوف على إجازة الزوج لأنه خلاف إلى ضرر لأن الثوب لو استحق وجبت قيمته على الزوج لا الوكيل لأنه متبرع ولا ضمان على متبرع حتى لو لم يعلم الزوج بذلك إلا بعد الدخول فهو بالخيار ولا يكون الدخول بها رضا بما صنع الوكيل لأنه لم يعلم فإن فارقها بعد الدخول فلها الأقل من المسمى ومهر المثل لأنه كالنكاح الفاسد والدخول فيه يوجب ذلك بخلاف ما لو أمره بعمياء فزوجه بصيرة جاز ولو أمره ببيضاء فزوجه سوداء أو على القلب أو من قبيلة فزوجه من أخرى أو بأمة فزوجه حرة لا يجوز ولو زوجه مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد جاز قوله ومن أمره أمير أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره جاز عند أبي حنيفة رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة وقالا لا يجوز إلا أن يزوجه كفأ
____________________
(3/313)
والتقييد بالأمير مطلقا وإن كان أمير المؤمنين ليعلم ذلك فيمن دونه بطريق أولى فحاصل المسئلة إذا أمره غيره بتزويجه فزوجه امرأة لا تكافئه ولا تهمة ولو زوجه أمة لغيره أو عمياء أو مقطوعة اليدين أو رتقاء أو مفلوجة أو مجنونة جاز عنده خلافا لهما ولو زوجه صغيرة لا يجامع مثلها جاز اتفاقا وقيل هو قوله خلافا لهما ولو زوج وكيل المرأة غير الكفء قيل هو على الخلاف وقيل الصحيح أنه لا يجوز اتفاقا والفرق لأبي حنيفة رحمه الله أن المرأة تعير بغير الكفء فيتقيد إطلاقها به بخلاف الرجل فإنه لا يعيره أحد بعدم كفاءتها له لأنه مستفرش واطئ لا يغيضه دناءة الفراش أما لو كانت أمة للوكيل فلا يجوز للتهمة ولهذا لو وكل امرأة فزوجته نفسها أو وكلت رجلا فزوجها من نفسه لا يجوز وكذا إذا زوج وكيل الرجل بنته ولده أو بنت أخيه وهو وليها لا يجوز للتهمة ولهما أن المطلق يتقيد بالعرف وهو التزويج بالأكفاء قلنا العرف مشترك أي الواقع من أهل العرف تزويجهم بالمكافئات وغير المكافئات فليس مختصا بتزويج المكافئات لينصرف الأطلاق إليه أو هو عرف عملي فلا يصلح مقيدا للفظ إذ اللفظ المقيد عبارة عن لفظ ضم إليه لفظ يقيده ولا يخفى ما في هذا الوجه وقولهم في الأصول الحقيقة تترك بدلالة العادة ينفيه إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا فالأولى الأول قال الاسبيجابي قولهما أحسن للفتوى واختاره الفقيه أبو الليث وقد يكون في سكوت الشيخ عقيب قوله وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالمكافئة
____________________
(3/314)
إشارة إلى اختياره قولهما لأن الاستحسان مقدم على غيره إلا في المسائل المعلومة والحق أن قول أبي حنيفة ليس قياسا لأنه أخذ بنفس اللفظ المنصوص فكان النظر في أي الاستحسانين أولى وفي وجه الاستحسان المذكور دفع لقول من قال من المشايخ إن هذه المسئلة دلت على أن الكفاءة معبرة عندهما في النساء للرجال إذا ظهر أن قولهما ليس بناء عليه بل على أن الظاهر أن الإستعانة لا تقصد إلا لتحصيل المناسب لا فيما صدق عليه مطلق الإسم لأن كل أحد يقدر على ذلك هذا والوكيل بتزويج امرأة بعينها يملكه بالغبن اليسير إجماعا والفاحش عنده خلافا لهما والفرق له بينه وبين الشراء حيث لا يجو شراء الوكيل بالغبن الفاحش اتفاقا أن التهمة في حق الوكيل بالنكاح منتفية بسبب عدم استغنائه عن إضافة العقد إلى مولكه فيجوز منه بالغبن الكثير بخلاف الشراء فإنه يستغنى فيه عنه فتمكنت تهمة أنه اشترى لنفسه فوجده خاسرا فجعله موكله ومعنى لا يجوز هنا لا ينفذ النكاح إلا أن يجيزه وكذا إن سمى للوكيل ألفا مثلا فزوجه بأكثر فإن دخل بها ولم يكن يعلم قبله ثم علم فهو على خياره لأن هذا الدخول ليس رضا لأنه على اعتبار أن الوكيل لم يخالف إذ لم يعلم بخلافه بخلاف ما لو علم فدخل بها فإن فارقها فلها الأقل من المسمى ومهر المثل فإن كان الوكيل أو الرسول ضمن المهر وأخبرهم أنه أمره بذلك ثم رد الزوج النكاح للزيادة لزم الوكيل أو الرسول نصف المهر وليس له أن يلزمه النكاح ويغرم هو الزيادة لأنه ما لم يمتثل صار فضوليا ولو كانت هي الموكلة وسمت ألفا مثلا فزوجها الوكيل ثم قال الزوج ولو بعد الدخول تزوجتك بدينار وصدقه الوكيل إن أقر الزوج أن المرأة لم توكله بدينار فهي بالخيار إن شاءت أجازت النكاح بدينار وإن شاءت ردته ولها مهر مثلها بالغا ما بلغ ولا نفقة عدة لها لأنها لما ردت تبين أن الدخول حصل في نكاح موقوف فيوجب مهر المثل دون نفقة العدة وإن كذبها الزوج فالقول قولها مع يمينها فإن ردت فباقي الجواب بحاله قال المصنف رحمه الله في التجنيس يجب أن يحتاط في مثل هذا الأمر لأنه ربما يقع مثل هذا وقد حصل لها منه أولاد ثم تنكر المرأة قدر ما زوجها به الوكيل ويكون القول قولها فترد النكاح وكذا هذا في سائر الأولياء إذا كانت المرأة بالغة وهذا ما ذكر في الرسول من مسائل أصل المبسوط قال إذا أرسل إلى المرأة رسولا حرا أو عبدا صغيرا أوكبيرا فهو سواء إذا بلغ الرسالة فقال إن فلانا يسألك أن تزوجيه نفسك فأشهدت أنها زوجته نفسها وسمع الشهود كلامها وكلام الرسول فإن ذلك جائز إذا أقر الزوج بالرسالة أو قامت عليه بينة فإن لم يكن أحدهما فلا نكاح بينهما لأن الرسالة لما لم تثبت كان الآخر فضوليا ولم يرض الزوج بصنعه ولا يخفى أن مثل هذا بعينه في الوكيل ثم ذكر في الرسول فروعا كلها تجرى في الوكيل لا بأس بذكرها لفوائدها قال فإن كان الرسول زوجها وضمن لها المهر وقال قد أمرني بذلك فالنكاح لازم للزوج إن أقر بذلك أو ببينة والضمان لازم للرسول إن كان من أهل الضمان فإن جحد ولا بينة بالأمر فلا نكاح وللمرأة على الرسول نصف المهر لأنه مقر بأنه أمره بذلك وأن النكاح جائز وأن الضمان قد لزمه وإقراره على نفسه صحيح قال وذكر في كتاب الوكالة قال محمد رحمه الله على الوكيل المهر كله لأن جحود الزوج ليس بفرقة وهذا يبين لك أن لا فرق في هذه الأحكام بين الرسول والوكيل ثم قال في المبسوط فقيل إن ما ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول وهناك قول محمد وأبي يوسف الآخرة بناء على أن قضاء القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا عنده فنفذ بالفرقة قبل الدخول
____________________
(3/315)
وسقط نصف المهر وعلى قول محمد رحمه الله لا ينفذ باطنا فيبقى جميع المهر على الزوج فيجب على الكفيل لإقراره به وقيل بل فيه روايتان وجه تلك الرواية أن الزوج منكر لأصل النكاح وإنكاره للنكاح ليس طلاقا فلا يسقط به شيء بزعم الكفيل ووجه هذه أنه أنكر وجوبه عليه وهو يملك إسقاط نصفه عن نفسه بسبب يكسبه فيجعل مسقطا فيما يمكنه قال فإن كان الرسول قال لم يأمرني ولكني أزوجه وأضمن عنه المهر ففعل ثم أجاز الزوج ذلك جاز ولزم الزوج الضمان لأن الإجازة كالإذن في الابتداء وإن لم يجز لم يكن على الرسول شيء لأن أصل السبب قد انتفى برده وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل والله أعلم & باب المهر
المهر حكم العقد فيتعقبه في الوجود فعقبه إياه في البيان ليحاذى بتحقيقه الوجودي تحقيقه التعليمي قوله ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا لا خلاف في ذلك لأن النكاح عقد انضمام يعني ليس مأخوذا في مفهومه المال جزءا فيتم بدونه إلا أن قول عقد لا يستلزمه إلا إذا لم يثبت في مفهومه زيادة شروط وهو منتف إذ قد ثبت زيادة عدم المحرمية ونحوه فلا بد من زيادة شرعا على الدعوى ويرد حينئذ أن المهر أيضا واجب شرعا فيه فأجاب بأنه وجب شرعا حكما له حيث أفاده بقوله فلا يحتاج إلى ذكره إذا لم يسم إبانة لشرف المحل أما أنه وجب شرعا فلقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } فقيد الإحلال به وإما اعتباره حكما لقوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فإن رفع الجناح عن الطلاق قبل الفرض فرع صحة النكاح قبله فكان واجبا ليس متقدما وهو الحكم وأما أنه إبانة لشرفه فلعقلية ذلك إذ لم يشرع
____________________
(3/316)
بدلا كالثمن والأجرة وإلا لوجب تقديم تسميته فعلمنا أن البدل النفقة وهذا لإظهار خطره فلا يستهان به وإذن فقد تأكد شرعا بإظهار شرفه مرة باشتراط الشهادة ومرة بإلزام المهر فتحصل أن المهر حكم العقد فلا يشترط لصحة العقد التنصيص على حكمه كالملك لا يشترط لصحة البيع ذكره ثم يثبت هو كذلك فيثبت مهر المثل عن عدم تسمية مهر لها قوله وكذا إذا تزوجها بشرط ان لا مهر لها أي فيصح النكاح وفيه خلاف مالك وجه قوله أن النكاح عقد معاوضة كالبيع والمهر كالثمن والبيع بشرط أن لا ثمن لا يصح فكذا النكاح بشرط أن لا مهر وكان مقتضى هذا أن يفسد بترك التسمية أيضا إلا أنا تركناه بالنص السابق ثم بحديث ابن مسعود في المفوضة وسنذكره قلنا حديث ابن مسعود على أن المهر اعتبر حكما شرعا وإلا لما تم بدون التنصيص عليه إذ لا وجود للشيء بلا ركنه وشرطه فحيث كان واجبا ولم يتوقف عليه الوجود كان حكما وإذا ثبت كونه حكما كان شرط عدمه شرطا فاسدا وبه لا يفسد النكاح بخلاف البيع لأن الثمن ركنه فلا يتم دون ركنه وبهذا ظهر أن ركن البيع بعت بكذا لا مجرد قوله بعت هذا ويصح الرهن بمهر المثل لأنه كالمسمى في كونه دينا فإن هلك وبه وفاء كانت مستوفية فإن طلقها قبل الدخول لزمها أن ترد ما زاد على قدر المتعة ولو كان الرهن قائما وقت الطلاق قبل الدخول فليس لها أن تحبسه بالمتعة في قول أبي يوسف الآخر وفي قوله الأول وهو الاستحسان وهو قول محمد لها حبسه بها لأنها خلفه والرهن بالشيء يحبس بخلفه كالرهن بالعين المغصوبة تكون محبوسة بالقيمة وجه الآخر أنها دين آخر لأنها ثياب وهي غير الدراهم والدليل عليه أن الكفيل بمهر المثل لا يكون كفيلا بالمتعة ويتفرع على القولين ما إذا هلك بعد طلب الزوج الرهن بعد الطلاق فمنعته حتى هلك هل تضمن تمام قيمته ففي قوله الأول لا ضمان عليها لأنها حبسته بحق وفي الآخر تضمن تمامه لأنها غاصبة ولو هلك قبل منعها لاضمان عليها ولكنها في قوله الأول تصير مستوفية للمتعة وفي قوله الآخر لها أن تطالبه بها قوله وأقل المهر عشرة دراهم فضة وإن لم تكن مسكوكة بل تبرا وإنما يشترط المسكوكة في نصاب السرقة للقطع تقليلا لوجود الحد وهذا عندنا وعند مالك ربع دينار وعند النخعي أربعون درهما وقال الشافعي وأحمد ما يجوز ثمنا لأنه حقها إذ جعل بدل بضعها ولذا تتصرف فيه إبراء واستيفاء فيكون التقدير إليها ويدل على عدم تعيين
____________________
(3/317)
العشرة حديث عبد الرحمن بن عوف حيث قال فيه كم سقت إليها قال وزن نواة من الذهب فقال بارك الله لك أو لم ولو بشاة رواه الجماعة والنواة خمسة دراهم عند الأكثر وقيل ثلاث وثلث وقيل النواة فيه نواة التمر وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل رواه أبو داود ولأن قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } يوجب وجود المال مطلقا فالتعيين الخاص زيادة عليه بخبر الواحد وأنتم تمنعمونه ولنا قوله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوجن إلا من الأكفاء ولا مهر أقل من عشرة دراهم رواه الدارقطني والبيهقي وتقدم الكلام عليه في الكفاءة فوجب الجمع فيحمل كل ما أفاد ظاهره كونه أقل من عشرة دراهم على أنه المعجل وذلك لأن العادة عندهم كانت تعجيل بعض المهر قبل الدخول حتى ذهب بعض العلماء إلا أنه لا يدخل بها حتى يقدم شيئا لها نقل عن ابن عباس وابن عمر والزهري وقتادة تمسكا بمنعه صلى الله عليه وسلم عليا فيما رواه عن ابن عباس أن عليا لما تزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدخل بها فمنعه صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شيء فقال أعطها درعك فأعطاها درعه ثم دخل بها لفظ أبي داود ورواه النسائي ومعلوم أن الصداق كان أربعمائة درهم وهي فضة لكن المختار الجواز قبله لما روت عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا رواه أبو داود فيحمل المنع المذكور على الندب أي ندب تقديم شيء إدخالا للمسرة عليها
____________________
(3/318)
تألفا لقلبها وإذا كان ذلك معهودا وجب حمل ما يخالف ما رويناه عليه جمعا بين الأحاديث وكذا يحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالتماس خاتم من حديد على أنه تقديم شيء تألفا ولما عجز قال قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك رواه أبو داود وهو محمل رواية الصحيح زوجتكهما بما معك من القرآن فإنه لا ينافيه وبه تجتمع الروايات قيل لا تعارض ليحتاج إلى الجمع فإن حديث جابر فيه مبشر بن عبيد والحجاج بن أرطأة وهما ضعيفان عند المحدثين قلنا له شاهد يعضده وهو ما عن علي رضي الله عنه قال لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم ولا يكون المهر أقل من عشرة دراهم رواه الدارقطني والبيهقي وقال محمد بلغنا ذلك عن علي وعبد الله ابن عمر وعامر وإبراهيم ورواه بإسناده إلى جابر في شرح الطحاوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من المقدرات فلا يدرك إلا سماعا لكن فيه رواه الأودي عن الشعبي عن علي وداود هذا ضعفه ابن حبان والحق أن وجود ما ينفي بحسب الظاهر تقدير المهر بعشرة في السنة كثير منها حديث التمس ولو خاتما من حديد وحديث جابر من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا الحديث وحديث الترمذي وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين صححه الترمذي وحديث الدارقطني والطبراني عنه صلى الله عليه وسلم أدوا العلائق قيل وما العلائق قال ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيبا من أراك وحديث الدارقطني عن الخدري عنه صلى الله عليه وسلم قال لا يضر أحدكم بقليل ماله تزوج أم بكثيره بعد أن يشهد إلا أنها كلها مضعفة ما سوى حديث التمس فحديث من أعطى فيه إسحاق بن جبريل قال في الميزان لا يعرف وضعفه الأودي ومسلم بن رومان مجهول أيضا وحديث النعلين وإن صححه الترمذي فليس بصحيح لأنه فيه عاصم ابن عبيد الله قال ابن الجوزي قال ابن معين ضعيف لا يحتج به وقال ابن حبان فاحش الخطإ فترك وحديث العلائق معلول بمحمد بن عبد الرحمن بن البيلماني قال ابن القطان قال البخاري منكر الحديث ورواه أبو داود في المراسيل وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فيه ضعف وحديث الخدري فيه أبو هارون العبدي قال ابن الجوزي قال حماد بن زيد كان كذابا وقال السغدي مثله مع احتمال كون تينك النعلين تساويان
____________________
(3/319)
عشرة دراهم وكون العلائق يراد بها النفقة والكسوة ونحوها إلا أنه أعم من ذلك واحتمال التمس خاتما في المعجل وإن قيل إنه خلاف الظاهر لكن يجب المصير إليه لأنه قال فيه بعده زوجتكها بما معك من القرآن فإن حمل على تعليمه إياها ما معه أو نفى المهر بالكلية عارض كتاب الله تعالى وهو قوله تعلى بعد عن المحرمات { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } فقيد الإحلال بالإبتغاء بالمال فوجب كون الخبر غير مخالف له وإلا لم يقبل ما لم يبلغ رتبة التواتر وهي قطعية في دلالتها لأنه نسخ للقطعي فيستدعي أن يكون قطعيا فأما إذا كان خبر واحد فلا فكيف واحتمال كونه غير تمام المهر ثابت بناء على ما عهد من أن لزوم تقديم شيء أو ندبه كان واقعا فوجب الحمل على ذلك لكن يبقى كون الحمل على ذلك إعمالا لخبر واحد لم يصح عند المحدثين فيستلزم الزيادة على النص به لأنه يقتضي تقييدا لإحلال بمطلق المال فالقول بأنه لا يحل إلا بمال مقدر زيادة عليه بخبر الواحد وأنه لايجوز فإن قيل قد اقترن النص نفسه بما يفيد تقديره بمعين وهو قوله تعالى عقيبه { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } ثم ذلك المعين محمل فيلتحق بيانا بخبر الواحد قلنا إنما أفاد النص معلومية المفروض له سبحانه والاتفاق على أنه في الزوجات والمملوكين ما يكفي كلا من النفقة والكسوة والسكنى فهو مراد من الآية قطعا وكون المهر أيضا مرادا بالسياق لأنه عقيب قوله { خالصة لك } يعني نفي المهر خالصة لك وغيرك { قد علمنا ما فرضنا عليهم } من ذلك فخالف حكمهم حكمك لا يستلزم تقديره بمعين وتقرير المصنف في تقدير المهر قياس حاصله أن المهر حق الشرع بالآية وسببه إظهار الخطر للبضع على ما تقدم ومطلق المال لا يستلزم الخطر كحبة حنطة وكسرة وقد عهد في الشرع تقدير ما يستباح به العضو بما له خطر وذلك عشرة دراهم في حد السرقة فيقدر به في استباحة البضع وهذا من رد المختلف فيه إلى المختلف فيه فإن حكم الأصل ممنوع فإنهم لا يقدرون نصاب السرقة بعشرة وأيضا المقدر في الأصل عشرة مسكوكة أو ما يساويها ولا يشترط في المهر ذلك فلو سمى عشرة تبر تساوي تسعة مسكوكة جاز اللهم إلا أن يجعل استدلالا على أنه مقدر خلافا للشافعي في نفيه قوله ولو سمى أقل من عشرة فلها العشرة عندنا وقال زفر لها مهر المثل قياسا على عدم التسمية هكذا تسمية الأقل تسمية لا يصلح مهرا وتسمية مالا يصلح مهرا كعدمها فتسمية الأقل كعدم التسمية وعدم التسيمة فيه مهر المثل فتسمية الأقل فيه مهر المثل وقولنا استحسان وله وجهان أحدهما أن العشرة في كونها صداقا لا تتجزأ شرعا وتسمية بعض مالا يتجزأ ككله فهو كما لو تزوج نصفها أو طلق نصف تطليقه حيث ينعقد ويقع طلقة فكذا تسمية بعض العشرة والثاني وهو المذكور في الكتاب حاصله أن في المهر حقين
____________________
(3/320)
حقها وهو ما زاد على العشرة إلى مهر مثلها وحق الشرع وهو العشرة وللإنسان التصرف في حق نفسه بالإسقاط دون حق غيره فإذا رضيت بما دون العشرة فقد أسقطت من الحقين فيعمل فيما لها الإسقاط منه وهو ما زاد على العشرة دون ما ليس لها وهو حق الشرع فيجب تكميل العشرة قضاء لحقه فإيجاب الزائد بلا موجب فإن قيل القياس المذكور موجب له ولم يبطل بعد لأنه معارضة قلنا إبطاله بأن التشبيه المذكور إما في الحكم ابتداء بأن يدعى اندراج تسمية ما لا يصلح في عدمها فثبوت الحكم فيه أعنى وجوب مهر المثل حينئذ بالنص والإجماع دون القياس وحينئذ يمنع الاندراج وإما في الجامع وهو القياس ليثبت حكم الجامع في محل ثبوته فلا بد من تعيينه ليعلم ثبوته في الفرع إذ قياس الشبه الطردي باطل ولا يعلم ما هو إلا أن يعينه عدم القدرة على تسليم شيء إذ لا قدرة على تسليم العدم بوجه وحينئذ تمنع كلية الكبرى لأن عدم القدرة يخص ما ليس بمال كالمجهول فاحشا وإن عينه فوات الخطر الذي وحب لأجله المهر على ما قررتم قلنا فيجب ما يتحقق به ولم يتعين مهر المثل لتحققه بالعشرة فالزائد بلا موجب وأما إفساد المصنف بقوله ولا معتبر بعدم التسمية الخ يعني لا نسلم أن كل ما يصلح مهرا يكون كعدم التسمية في إيجاب مهر المثل لأن عدمها قصاراه أن يكون لرضاها بغير مهر فإنه قد يكون لطلبها مهر المثل لمعرفة أنه حكمه ورضاها بلا مهر لا يستلزم رضاها بالعشرة فما دونها لأنها قد ترضى بعدمه تكرما على الزوج ولا ترضى بالعوض اليسير ترفعا فبعيد عن المبنى ولو قيل عدم التسمية ظاهر في القصد إلى ثبوت حكمه من وجوب مهر المثل وليس الثابت في المتنازع فيه ظهور ذلك وإلا لتركوا التسمية رأسا لأن زيادة التسمية تكلف أمر مستغنى عنه في المقصود وهو قصد مهر المثل مع أنه مختلف في كون حكم تسمية ما دون العشرة وجوب مهر المثل بل الظاهر أنه رضيت بالعشرة لما صرحت بالرضا بما دونها فلا يثبت حكم الأصل فيه لكان أقرب مع أنها لم يمس المبنى ثم فرع على الخلاف فقال ولو طلقها قبل الدخول أي في صورة التسمية ما دون العشرة فلها خمسة عند علمائنا الثلاثة لأن موجب هذه التسمية عشرة وعنده المتعة وفي المبسوط وكذا لو تزوجها على ثوب يساوي
____________________
(3/321)
خمسة فلها الثوب وخمسة خلافا له ولو طلقها قبل الدخول فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف وعنده المتعة وتعتبر قيمة الثوب يوم التزوج عليه وكذا لو سمى مكيلا أو موزونا لأن تقدير المهر واعتباره عند العقد وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه في الثوب تعتبر قيمته يوم القبض وفي المكيل والموزون يوم العقد لأن المكيل والموزون يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا بنفس العقد والثوب لا يثبت ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه وبين القيمة فلذا تعتبر قيمته وقت القبض وعلم مما ذكر أن المراد ثوب بغير عينه أما لو كان بعينه فإنها تملكه بنفس العقد كما ستعلم قوله فلها المسمى إن دخل بها الخ هذا إذا لم تكسد الدراهم المسماة فإن كان تزوجها على الدراهم التي هي نقد البلد فكسدت وصار النقد غيرها فإنما على الزوج قيمتها يوم كسدت على المختار بخلاف البيع حيث يبطل بكساد الثمن قبل القبض على ما ستعرف قوله وبه يتأكد البدل أي يتأكد لزومه فإنه كان قبل لازما لكن كان على شرف السقوط بارتدادها وتقبيلها ابن الزوج بشهوة قوله والشيء بانتهائه يتقرر لأن انتهاءه عبارة عن وجوده بتمامه فيستعقب مواجبه الممكن إلزامها من المهر والإرث والنسب بخلاف النفقة ويعلم من هذا الدليل أن موتها أيضا كذلك فالاقتصار على موته اتفاق ولا خلاف للأربعة في هذه سواء كانت حرة أو أمة قوله وإن طلقها قبل الدخول والخلوة أي بعد ما سمي فلها نصف المهر ثم إن كانت قبضت المهر فحكم هذا التنصيف يثبت عند زفر بنفس الطلاق ويعود النصف الآخر الى ملك الزوج وعندنا لا يبطل ملك المرأة في النصف إلا بقضاء أو رضا لأن الطلاق قبل الدخول أوجب فساد سبب ملكها في النصف وفساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت ملكها بالقبض فأولى أن لا يمنع بقاءه فيتفرع على الخلاف ما لو أعتق الزوج الجارية أي الممهورة بعد الطلاق قبل الدخول وهي مقبوضة للمرأة نفذ عتقه في نصفها عنده وعندنا لا ينفذ في شيء منها ولو قضى القاضي بعد عتقها بنصفها له لا ينفذ ذلك العتق لأنه عتق سبق ملكه كالمقبوض بشراء فاسد إذا أعتقه البائع ثم رد عليه لا ينفذ ذلك العتق الذي كان قبل الرد ولو أعتقتها المرأة قبل الطلاق نفذ في الكل وكذا إن باعت
____________________
(3/322)
أو وهبت لبقاء ملكها في الكل قبل القضاء والتراضي عندنا وإذا نفذ تصرفها فقد تعذر عليها رد النصف بعد وجوبه فتضمن نصف قيمتها للزوج يوم قبضت ولو وطئت الجارية بشبهة فحكم العقر كحكم الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل كالأرش لأن بدل جزء من عينها فإن المستوفى بالوطء في حكم العين دون المنفعة وسنذكر حكم الزيادة المذكورة وإزالة البكارة بلا دخول كمن تزوج ببكر فدفعها فزالت بكارتها ليس كالدخول بها فلا يوجب إلا نصف المهر عند أبي حنيفة وعند محمد يجب كماله واختلفت الرواية عن أبي يوسف فقيل هو مع محمد وقيل مع أبي حنيفة قوله والأقيسة متعارضة جواب عن سؤال مقدر وهو أن الآية وهي قوله تعالى { فنصف ما فرضتم } عام في المفروض أعطى حكم التصنف وقد خص منه ما إذا كان المفروض نحو الهمر وما إذا سمى بعد العقد الخالي عن التسمية فإنه لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فجاز أن يعارضه القياس إن وجد وقد وجد وهو أن في طلاقه قبل الدخول تفويت الملك عن نفسه باختياره فكان كإعتاق المشترى العبد المبيع أو إتلاف المبيع ومقتضاه وجوب تمام المسمى أو يقال هو رجوع المبدل إليها سالما فكان كما إذا تقايلا قبل القبض في البيع يسقط كل الثمن فقال الأقيسة متعارضة فإن مقتضى الأول وجوب المسمى بتمامه كما ذكرنا ومقتضى الثاني لا يجب لها شيء أصلا فتساقطا فبقي النصف على ما كان عليه فكان المرجع إليه وعلى هذا يسقط ما أورد من أن مقتضى العبارة أن المصير إلى النص بعد تعارض القياسين لكن الحكم على عكسه لأن ذلك في نص لا يعارضه القياس ومن أن القياسين إذا تعارضا لا يتركان بل يعمل المجتهد بشهادة قلبه في أحدهما لأن ذلك فيما إذا لم يكن عموم نص
____________________
(3/323)
يرجع إليه لكن تقرير السؤال على الوجه المذكور لا يتوجه لأن تمام الآية هو انتصاف المسمى بالطلاق قبل الدخول قال الله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فتوجيه السؤال بأن النص قد خص وقياس الطلاق قبل الدخول على إتلاف المبيع ونحو ذلك يوجب ان لا يجب شىء باطل لأنه حينئذ نسخ لتمام موجب النص لا تخصيص إذا لم يبق تحت النص على ذلك التقرير شيء وليس ينسخ العام المخصوص بالقياس بل يخص به فلا يتوجه ليعارض بآخر يمنعه من الإخراج وتقريره لا على أنه جواب سؤال يرد عليه ما ذكرنا أنه يسقط على ذلك التقرير فلم يكن حاجة في الإستدلال سوى التعرض للنص إلا أن يكون قصة ذكر الواقع في نفس الأمر قوله وشرط يعني القدوري في لزوم نصف المسمى بالطلاق قبل الدخول أن يكون قبل الخلوة لأنها كالدخول عندنا في تأكد تمام المهر بها قوله وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا الخ الحاصل أن وجوب مهر المثل حكم كل نكاح لا مهر فيه عندنا سواء سكت عن المهر أو شرط نفيه أو سمى في العقد وشرط ردها مثله من جنسه وصورة هذا تزوجها على ألف على أن ترد إليه ألفا صح ولها مهر مثلها بمنزلة عدم التسمية لأن الألف بمقابلة مثلها فبقي النكاح بلا تسمية بخلاف ما لو تزوجها على ألف على أن ترد عليه مائة دينار جاز وتنقسم الألف على مائة دينار ومهر مثلها فما أصاب الدنانير يكون صرفا مشروطا فيه التقابض وما يخص مهر المثل يكون مهرا فإن طلقها قبل الدخول ردت نصف ذلك على الزوج إن كانت قبضت الألف لأن المقابلة هنا بخلاف الجنس وعند اختلاف الجنس تكون المقابلة باعتبار القيمة ولو تفرقا قبل التقابض بطل حصة الدنانير من الدراهم وفي هذه الوجوه إن كانت حصة مهر المثل من الألف أقل من عشرة يكمل لها عشرة ومن صور وجوبه أن يتزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم آخر لأنه في الجهالة فوق جهالة مهر المثل إلا أن في الإضافة إلى نفسه إن حكم لها بقدر مهر المثل أو أكثر صح أو دونه فلا إلا إن ترضى وإليها إن حكمت بمهر مثلها أو أقل جاز أو أكثر فلا إلا أن يرضى وإلا الأجنبي إن حكم لها بمهر المثل جاز لا بالأقل إلا أن ترضى ولا بالأكثر إلا أن يرضي واذا تزوجها على ما في بطن جاريته أو أغنامه لا يصح بخلاف خلعها على ما في بطن جاريتها ونحوه يصح لأن ما في البطن بعرضي أن يصير مالا بالانفصال وإن لم يكن مالا في الحال والعوض
____________________
(3/324)
في الخلع يحتمل الإضافة كالخلع بخلاف النكاح يحتملها فلا يحتملها بدله ومثله ما يخرجه نخله وما يكسبه غلامه قوله أو مات عنها وكذا إذا ماتت هي فإنه يجب أيضا مهر المثل لورثتها قوله وقال الشافعي يعني في قول عنه لا يجب في الموت شيء للمفوضة وهو قول مالك في صورة نفي المهر وقوله الآخر كقولنا قوله وأكثرهم أي أكثر أصحابه قوله له أن المهر خالص حقها فتتمكن من نفيه ابتداء كما تتمكن من إسقاطه انتهاء أي بعد التسمية ولا يخفى أن هذا الاستدلال يقتضى نفي وجوبه مطلقا قبل الدخول وبعده وهو خلاف ما نقله عن الأكثر ولأن عمر وابنه وعليا وزيدا رضوان الله عليهم قالوا في المفوضة نفسها حسبها الميراث ولنا أن سائلا سأل عبد الله بن مسعود عنها في صورة موت الرجل فقال بعد شهر أقول فيه بنفسي فإن يك صوابا فمن الله ورسوله وإن خطأ فمن نفسي وفي رواية فمن ابن أم عبد وفي رواية فمني ومن الشيطان والله ورسوله عنه بريئان أرى لها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط فقام رجل يقال له معقل بن سنان وأبو الجراح حامل راية الأشجعيين فقالا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق الأشجعية بمثل قضائك هذا فسر ابن مسعود سرورا لم يسر مثله قط بعد إسلامه وبروع بكسر الباء الموحدة في المشهور ويروى بفتحها هكذا رواه أصحابنا وروى الترمذي والنسائي وأبو داود هذا الحديث بلفظ أخصر وهو أن ابن مسعود قال في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق لها الصداق كاملا وعليها العدة ولها الميراث فقال معقل بن سنان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثله هذا لفظ أبي داود وله روايات أخر بألفاظ أخر قال البيهقي جميع روايات هذا الحديث وأسانيدها صحاح والذي روى من رد علي رضي الله عنه له فلمذهب تفرد به وهو تحليف الراوي إلا أبا بكر الصديق ولم ير هذا الرجل ليحلفه لكنه لم يصح عنه ذلك وممن أنكر ثبوتها عنه الحافظ المنذري قوله و لنا أن المهر وجب حقا للشرع أي وجوبه ابتداء حق الشرع لما قدمنا آنفا وإنما يصير حقها في حالة البقاء أي بعد وجوبه على الزوج ابتداء الشرع يثبت لها شرعا حق أخذه فتتمكن حينئذ من الإبراء لمصادفته حقها دون
____________________
(3/325)
نفيه ابتداء عن أن يجب قوله ثم هذه المتعة أي متعة المطلقة قبل الدخول التي لم يفرض لها مهر في العقد واجبة عندنا وعند الشافعي وأحمد وخصها احترازا عن غيرها من النساء فإن المتعة لغيرها مستحبة إلا لمن سنذكر وقوله رجوعا إلى الأمر هو قوله تعالى { ومتعوهن } عقيب قوله { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } أي ولم تفرضوا لهن فريضة فانصرف إلى المطلقات قبل الفرض والمسيس بخلاف المدخول بها فإن المتعة مستحبة لها فرض لها أولا قوله وفيه خلاف مالك فمذهبه استحباب المتعة في هذه الصورة وغيرها من الصور إلا المطلقة قبل الدخول بعد الفرض إلا أن تجيء الفرقة من جهتها في جميع الصور ووجه قوله تعليقه بالمحسن أعني الأمر المذكور لقوله سبحانه عقيبه { حقا على المحسنين } وهم المتطوعون فيكون ذلك قرينة صرف الأمر المذكور إلى الندب والجواب منع قصر المحسن على المتطوع بل هو أعم منه ومن القائم بالواجبات أيضا فلا ينافى الوجوب فلا يكون صارفا للأمر عن الوجوب مع ما انضم إليه من لفظ حقا وعلى قوله والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها وهي درع وخمار وملحفة قدر بها لأنها اللبس الوسط لأنها تصلي وتخرج غالبا فيها وفي المبسوط أدنى المتعة درع وخمار وملحفة وهذا التقدير مروى عن عائشة وابن عباس ومن بعدهم سعيد
____________________
(3/326)
ابن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وحيث قدروها به مع فهم اللغة يعرف منه أن لفظ متعة لا يقال في إعطاء الدراهم بل فيما سواها من الأثاث والأمتعة وهو المتبادر إلى الفهم أيضا فلا تقدر بالدراهم وإن لم يمتنع أن يقع على الدراهم أيضا لأن الشأن في المتبادر من اللفظ وعن الشافعي تقديرها بثلاثين ولا باجتهاد الحاكم وإنما يجتهد ليعرف حال من يعتبر بحاله من الزوجين أو حالهما لأن الأثواب معتبرة بحالهما على ما هو الأشبه بالفقه لأن في اعتبار حالة تسوية بين الشريفة والخسيسة وهو منكر بين الناس وقيل يعتبر حالها وهو الذي يشير إليه قول القدروي من كسوة مثلها وهو قول الكرخي لقيام هذه المتعة مقام مهر المثل فإنها إنما تجب عند سقوطه وفيه يعتبر حالها فكذا في خلقه وهكذا في النفقة والكسوة فإن كانت من السفل فمن الكرباس وإن كانت وسطا فمن القز وإن كانت مرتفعة الحال فمن الإبريسم وإطلاق الذخيرة كونها وسطا لا بغاية الجودة ولا بغاية الرداءة لا يوافق رأيا من الثلاثة الاعتبار بحاله أو حالها أو حالهما وقيل يعتبر حاله وهو اختيار المصنف وصححه عملا بالنص وهو قوله تعالى { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } وقد يقال إن هذا يناقض قولهم إن المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل لأنها خلفه وإن كانا سواء فالواجب المتعة لأنها الفريضة بالكتاب العزيز وإن كان نصف مهر المهر أقل من المتعة فالوجب الأقل إلا أن ينقص عن خمسة فيكمل لها الخمسة وهذا كله نص الأصل والمبسوط وهو صريح في اعتبار حالها وهذا لأن مهر المثل هو العوض الأصلي لكنه تعذر تنصيفه لجهالته فيصار إلى المتعة خلفا عنه فلا تجوز الزيادة على نصف المهر ولا ينقص عن الخمسة لأن أقل المهر عشرة ومنع الشافعي اعتبار المتعة بمهر المثل لأنه سقط بالطلاق قبل الدخول فلا معنى لاعتباره بعد ذلك أجيب بأن النكاح الذي فيه التسمية بالمال أقوى من نكاح لاتسمية فيه وفي الأقوى لا يجب بالطلاق قبل الدخول أكثر من نصف ما كان واجبا قبله فكذا في النكاح الذي لا تسميه فيه وكان الواجب قبل الدخول مهر المثل فلا يزداد بالطلاق قبل الدخول على لصفه ثم لا تجب المتعة إلا إذا كانت الفرقة من جهته كالفرقة بالطلاق والإيلاء واللعان والجب والعنة وردته وإبائه وتقبيله أمها أو ابنتها بشهوة وإن جاءت الفرقة من جهتها فلا تجب كردتها وإبائها الإسلام وتقبيلها ابنه بشهوة والرضاع وخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة وكما لا تجب المتعة بسبب مجيء الفرقة من قبلها
____________________
(3/327)
لا تستحب لها أيضا لجنايتها ومقتضى هذا أن لا تستحب في خيارها فينبغي أن يقال لجنايتها أو رضاها به واستحباب المتعة لايحاشها بالطلاق وكذا لو فسخه بخيار البلوغ أو اشترى هو أو وكيله منكوحة أو باعها المولى من رجل ثم اشتراها منه الزوج تجب المتعة وفي كل موضع لا تجب فيه المتعة عند عدم التسمية لا يجب نصف المسمى عند وجودها وفي كل موضع تجب فهي يجب والواجب العقد هو المسمى أو مهر المثل إن لم يسم ثم بالطلاق قبل الدخول يسقط نصفه وقيل كله ثم يجب النصف بطريق المتعة قوله وعلى قول أبي يوسف الأول إشارة إلى أن قوله الآخر كقولهما قوله فيتنصف بالنص يعني قوله تعالى { فنصف ما فرضتم } فإنه يتناول ما فرض في العقد أو بعده بتراضيهما أو بفرض القاضي فإن لها أن ترفعه إلى القاضي ليفرض لها إذا لم يكن فرض لها في العقد قوله أن هذا الفرض تعين لمهر المثل وذلك لأن هذا العقد حين انعقد كان موجبا لمهر المثل لأن ذلك حكم العقد الذي لم يسم فيه مهر وثبوت الملزوم لا يخلف عنه ثبوت اللازم فإذا كان الثابت به لزوم مهر المثل لا يتنصف إجماعا فلا يتنصف ما فرض بعد العقد والفرض المنصف في النص أعني قوله تعالى { فنصف ما فرضتم } يجب حينئذ حمله على المفروض في العقد بالضرورة لأنا لما بينا أن المفروض بعد عقد لا تسمية فيه هو نفس خصوص مهر مثل تلك المرأة وأن الإجماع على عدم انتصافه لزم بالضرورة أن المنتصف بالنص ما فرض في العقد على أن
____________________
(3/328)
المتعارف هو الفرض في العقد حتى كان المتبادر من قولنا فرض لها الصداق أنه أوجبه في العقد فيقيد لذلك نص ما فرضتم به ضرورة أن المخبر عنه بفرضتم هو الفرض الواقع في العقد وهذا من المصنف تقييد بالعرف العملي بعد ما منع منه في الفصل السابق حيث قال أو هو عرف عملي ولا يصلح مقيدا للفظ وقدمنا أن الحق التقييد به وفي الغاية والدراية لا يتناول غيره أي غير المفروض في العقد إذ المطلق لا عموم له وليس بشيء لأن المطلق هو المتعرض لمجرد الذات فيتناول المفروض على أي صفة كانت سواء كان في العقد أو بعده بتراضيهما أو بفرض القاضي عليه لو رافعته ليفرض لها فالصواب ما ذكرنا من أن المفروض بعد العقد نفس مهر المثل وأن الفرض لتعيين كميته ليمكن دفعه وهو لا يتنصف إجماعا فتعين كون المراد به في النص المتعارف دون غيره مما يصدق عليه لغة لما بينا ولأن غيره غير متبادر لندرة وجوده
فرع لو عقد بدون التسمية ثم فرض لها دارا بعد العقد فلا شفعة فيها للشفيع لما قلنا إن المفروض بعده تقرير مهر المثل ومهر المثل بدل البضع فلا شفعة فيه ولهذا لو طلقها قبل الدخول بها كان عليها أن ترد الدار وترجع على الزوج بالمتعة بخلاف ما لو كان مسمى في العقد ثم باعها به الدار فإن فيها الشفعة لأنها ملكت الدار شراء بالمهر وإن طلقها قبل الدخول بها فالدار لها وترد نصف المسمى على الزوج لأنها صارت مستوفية للصداق بالشراء والشراء لا يبطل بالطلاق قوله لزمته الزيادة خلافا لزفر والشافعي لأنها لو صحت بعد العقد لزم كون الشيء بدل ملكه قلنا اللزوم منتف على تقدير الالتحاق بأصل العقد وينتقض بالعوض عن الهبة بعد عقدها والدليل على الصحة قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فإنه يتناول ما تراضيا على إلحاقه وإسقاطه ومن فروع الزيادة ما لو راجع المطلقة الرجعية على ألف فإن قبلت لزمت وإلا فلا لأن هذه زيادة وقبولها شرط في اللزوم ويناسب هذه مسألة التواضع لما فيها من تعدد التسمية لو تواضعا في السر على مهر وعقدا في العلانية بأكثر منه إن اتفقا على أن العلانية هزل فالمهر مهر السر وإن اختلفا فادعى الزوج المواضعة وأنكرت فالقول لها هذا إن اتحد الجنس فإن اختلف فإنه ينعقد بمهر المثل ولو عقدا في السر بألف وأظهر ألفين فكذلك إن اتفقا على المواضعة فالمهر ما في السر أو اختلفا فالقول للمرأة في دعوى الجد فيلزمه مهر
____________________
(3/329)
العلانية إلا أن يكون أشهد عليها أو على وليها الذي زوجها منه أن مهرها السر وأقام البينة بذلك فيثبت ما ادعاه ولو عقدا في السر بألف ثم عقدا في العلانية بألفين وأشهدا أن العلانية سمعة فالسر وإن لم يشهدا قال الصدر الشهيد عن أبي حنيفة المهر مهر السر وعند محمد مهر العلانية وذكر القاضي الإمام أبا يوسف مكان محمد وجعل محمدا مع أبي حنيفة قال لو تزوج امرأة بألف ثم جدد النكاح بألفي درهم اختلفوا فيه ذكر خواهر زاده أن على قول أبي حنيفة ومحمد لا تلزم الألف الثانية وعلى قول أبي يوسف تلزمه الألف الثانية وذكر في المحيط قول أبي يوسف مع أبي حنيفة وفي شرح الطحاوي لو تزوجها على ألف ثم ألفين لا يثبت الثاني خلافا لأبي يوسف وعلل عدم الثبوت بأنهما قصدا إثبات الزيادة في ضمن العقد ولم يثبت العقد فكذا الزيادة فاتفقت هذه النقول على أن قول أبي حنيفة عدم الثاني وعلى عكس هذا حكى الخلاف في الكافي للشيخ حافظ الدين قال تزوجها على مهر في السر بشهادة شاهدين على ألف ثم تزوجها في العلانية بألفين فمهرها ألفا درهم ويكون هذا زيادة في المهر عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف المهر هو الأول وهذا هو ظاهر المنصوص في الأصل وعليه مشى شمس الأئمة أن عند أبي حنيفة المهر مهر العلانية قال في المبسوط إذا توافقا في السر بألف وأشهدا أنهما يجددان العقد بألفين سمعة فالمهر هو الأول لأن العقد الثاني بعد الأول لغو وبالإشهاد علمنا أنهما قصدا الهزل بما سمياه فيه وإن لم يشهدا على ذلك فالذي أشار إليه في الكتاب المهر مهر العلانية ويكون هذا منه زيادة لها في المهر قالوا هذا عند أبي حنيفة فأما عند أبي يوسف ومحمد المهر هو الأول لأن العقد الثاني لغو فما ذكر فيه أيضا من الزيادة يلغو وعند أبي حنيفة العقد الثاني إن كان لغوا فما ذكر فيه من الزيادة يكون معتبرا بمنزلة من قال لعبده وهو أكبر منه سنا هذا ابني لما لغا صريح كلامه عندهما لم يعتق العبد وعنده وإن لغا صريح كلامه في حكم النسب يبقى معتبرا في حق العتق 1 هـ كلام شمس الأئمة وبآخره يخرج الجواب عن المذكور في شرح الطحاوي من تعليل عدم اعتبار الثاني قوله أشار في الكتاب إلى أن المهر مهر العلانية هو والله أعلم بإطلاق اعتبار العلانية في الأصل فإن عبارته فيه إذا تزوجها على مهر في السر وسمع في العلانية بأكثر منه يؤخذ بالعلانية فالتسميع في العلانية يشمل ما إذا أشهدا على أن العلانية هزل غير مقصود وإذا لم يشهدا على ذلك وما إذا كان التسميع ليس في ضمن عقد بل مجرد إظهاره على ما هو عكس أول صور المواضعة ونبهنا عليه أو في ضمنه فما أخرجه الدليل خرج ويبقى الباقي ولا اختلاف في اعتبار الأول إذا أشهدا على هزلية الثاني أو اعترفا به مطلقا فيبقى ما لم يشهدا فيه ولم يعترفا به مما هو في ضمن عقد ثان مرادا قطعا وظاهر هذا أنه لا خلاف فيه بينهم ولهذا والله سبحانه أعلم ذكر عصام أن عليه ألفين ولم يذكر خلافا وإن ذكر في المحيط عنه أنه ذكر في كتاب الإقرار أنه لا تثبت الزيادة فإذا حكى المشايخ الخلاف يجب كون المذكور قول أبي حنيفة البتة لأنه
____________________
(3/330)
وضع الأصل لإفادة قوله وكأن القاضي الإمام قاضيخان إنما أفتى بأنه لا يجب العقد الثاني شيء إلا إذا عنى به الزيادة في المهر لما علم أن علة اعتبار العلانية فيما إذ جددا ولم يشهدا كونه زيادة لكن الأوجه الإطلاق فإن ذلك يقتضي أن يسأل الزوجان عن مرادهما قبل الحكم وقد ينكر الزوج القصد وينفتح باب الخصومة من غير حاجة إلى ذلك لأنه إذا كان الثابت شرعا جواز الزيادة في المهر والكلام الثاني يعطيه صادرا من مميز عاقل وجب الحكم بمقتضاه بل يجب أنه لو ادعى الهزل به لا يقبل ما لم تقم بينة على اتفاقهما على ذلك نعم ويخال أيضا أنه يجب الألفان مع الألف السر فتجتمع عليه ثلاثة آلاف لأن الأول قد ثبت وجوبه ثبوتا لامرد له والمفروض له كون الثاني زيادة فيجب بكماله مع الأول ومن ثم ذكر في الدراية عن شرح الإسبيجابي جدد على ألف آخر تثبت التسميتان عند أبي حنيفة وعندهما لا تثبت الثانية وكذا لو راجع المطلقة بألف وفي النوازل عن الفقيه أبي الليث إذا جدد يجب كلا المهرين ووجه من نقل لزوم الثاني فقط اعتبار إرادة الأول في ضمن الكلام الثاني لأن الظاهر كون المقصود تغيير الأول إلى الثاني والذي يظهر من الجمع بين كلام القاضي والإطلاق المتضافر عليه كون المراد بكلام الجمهور لزومه إذا لم يشهدا من حيث الحكم ومراد القاضي لزومه عند الله في نفس الأمر ولا شك أنما يلزم عند الله تعالى إذا قصدا الزيادة فأما إذا لم يقصدا حتى كانا هازلين في نفس الأمر فلا يلزم عند الله شيء حتى لا يطالب به في القيامة ويلزم ذلك في حكم القاضي لأنه يؤاخذه بظاهر لفظه إلا أن يشهدا على خلافه وما قيل من أنه لا يجب المهر الثاني إلا إذا كانت قالت لا أرضى بالمهر الأول أو أبراته ثم قالت لا أقيم معك بدون مهر فأما إذا لم يكن هذا البساط فلا يجب الثاني قريب من قول القاضي وحاصله اعتبار قرينة إرادة الزيادة واختلافهم فيما إذا كان التجديد بعد هبتها المهر الأول أنه هل يكون وجوب الثاني على الخلاف أو أن الاتفاق على عدم وجوبه غير بعيد إذا قد يخال كون الزيادة تستدعي قيام المزيد عليه وبالهبة انتفى قيامه فلا يتحقق كون الثاني زيادة وهو المحقق لوجوبه وقد يقال إنما يستدعي دخوله في الوجود لإبقاءه إلى وقت الزيادة فصلح منشأ للخلاف في ثبوته على الخلاف أو عدم ثبوته بالاتفاق وفي الفتاوي امرأة وهبت مهرها من زوجها ثم إن زوجها أشهد أن لها عليه كذا من مهرها تكلموا فيه والمختار عند الفقيه أبي الليث أن إقراره جائز إذا قبلت ووجهه في التجنيس بوجوب تصحيح التصرف ما أمكن وقد أمكن بأن يجعل كأنه زادها في المهر وإنما شرطنا القبول لأن الزيادة في المهر لا تصح إلا بقول المرأة 1 هـ والخلاف المشار إليه بقوله والمختار فرع الخلاف الذي قبله لأنه في صورة هبتها المهر والقيد وهو قبول المرأة صحيح لا يخالف المنقول عن أبي حنيفة وذلك لأن المنقول هو ما إذا حددا وعقدا ثانيا بأكثر مما يفيد اجتماعهما على الأمر الثاني وذلك يفيد قبولهما الثاني بلا شبهة بخلاف هذه الصورة فإن المذكور فيها أن الزوج أقرأ أو أشهد ونحوه وهو لا يستلزم ذلك قوله لأن المعقود عليه وهو منافع بضعها إنما يصير مستوفى بالوطء ولا يجب كمال البدل قبل الاستيفاء فلا
____________________
(3/331)
يجب كمال المهر قبله قوله ولنا أنها سلمت المبدل الخ يتضمن منع توقف وجوب الكمال على الاستيفاء بل على التسليم قوله اعتبارا بالبيع والإجارة يعني أن الموجب للبدل تسليم المبدل لا حقيقة استيفاء المنفعة كالبيع والإجارة الموجب فيهما التسليم وهو رفع الموانع والتخلية بينه وبين المسلم إليه وإن لم يستوف المشتري والمستأجر منفعة أصلا فكذا في المتنازع فيه يكون تسليم البضع بذلك بل أولى وأما قوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة } فالمجاز فيه متحتم لأنه إن حمل المس على الوطء كما يقول فهو من إطلاق إسم السبب على المسبب والأوجه إنه من إطلاق اسم المطلق على اخص بخصوصه وإن حمل على الخلوة كما نقول فمن المسبب على السبب إذ المس مسبب عن الخلوة عادة وكل منهما ممكن ويرجح الثاني بموافقة القياس المذكور والحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم من كشف خمار امرأة أو نظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل رواه الدارقطني والشيخ أبو بكر الرازي في أحكامه وقد يقال يجب أن لا يعتبر هنا خلاف الأول مجاز إلا مجاز يعم الحقيقة والخلوة لا تصدق على الجماع فلا يكون المس مجازا فيها وإلا لزم أنه لو طلقها وقد وطئها بحضرة الناس وجب نصف المهر لأنه طلقها قبل الخلوة والفرض أنها المراد بالمس في النص وهو باطل فلا يحمل علي الخلوة ويجاب بأن ثبوت الكمال في الصورة المذكورة بالإجماع للإجماع على أنه حينئذ تسليم المبدل مع ادعاء الإجماع على وجوب كماله بالخلوة كما نقله الشيخ أبو بكر الرازي في أحكامه حيث قال هو اتفاق الصدر الأول وحكى الطحاوي فيه إجماع الصحابة وقال ابن المنذر هو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وجابر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم أجمعين ويوافقه قوله تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } أوجب جميع المهر بالإفضاء وهو الخلوة لأنه من الدخول في الفضاء قاله الفراء وحينئذ فيكون وجوب نصفه بالطلاق قبل الخلوة الذي هو معنى النص مخصوصا أخرج منه الصورة التي أوردناها والدليل على وجود المخصص الإجماع المذكور ومن فروع لزوم المهر بالخلوة لو زنى بأمرأة فتزوجها وهو على بطنها فعليه مهران مهر بالزنا لأنه سقط الحد بالتزوج قبل تمام الزنا والمهر المسمى بالنكاح لأن هذا يزيد على الخلوة قوله وإن كان أحدهما مريضا شروع في بيان موانع صحة الخلوة وعبارة شرح الطحاوي فيه جامعة قال الخلوة الصحيحة أن يخلو بها في مكان يأمنان فيه من إطلاع عليهما كدار وبيت دون الصحراء والطريق الأعظم والسطح الذي ليس على جوانبه سترة وكذا إذا كان الستر رقيقا أو قصيرا بحيث لو قام إنسان يطلع عليهما يراهما وأن لا يكون مانع من الوطء حسا ولا طبعا ولا شرعا 1 هـ ومن فصل الموانع ذكر منها الرتق والقرن والعفل وأن تكون شعراء أو صغيرة لا تطيق الجماع أو هو صغير لا يقدر عليه وقال بعضهم إن كان يشتهي وتتحرك آلته ينبغي أن يجب عليه كمال المهر وإذا كان معهما ثالث استوى منعه لصحة الخلوة بين أن يكون بصيرا أو
____________________
(3/332)
أعمى يقظان أو نائما بالغا أو صبيا يعقل لأن الأعمى يحس والنائم يستيقظ ويتناوم فإن كان صغيرا لا يعقل أو مجنونا أو مغمى عليه لا يمنع وقيل المجنون والمغمى عليه يمنعان وزوجته الأخرى مانعة إليه رجع محمد والجواري لا تمنع وفي جوامع الفقه جاريتها تمنع بخلاف جاريته وفي شرح المجمع في أمته روايتان والكلب العقور مانع وغير العقور إن كان لها منع أوله لا يمنع وعندي أن كلبه لا يمنع وإن كان عقورا لأن الكلب قط لا يتعدى على سيده ولا على من يمنعه سيده عنه ولو سافر بها فعدل عن الجادة بها إلى مكان خال فهي صحيحة ولا تصح الخلوة في المسجد والحمام وقال شداد إن كانت ظلمة شديدة صحت لأنها كالساتر وعلى قياس قوله تصح على سطح لا ساتر له إذا كانت ظلمة شديدة والأوجه أن لا تصح لأن المانع الإحساس ولا يختص بالبصر ألا ترى إلى الامتناع لوجود الأعمى ولا إبصار للإحساس ولا تصح في بستان ليس له باب وتصح في محمل عليه قبة مضروبة وهو يقدر على وطئها وإن كان نهارا والحجلة والقبة كذلك ولو كانا في مخزن من خان يسكنه الناس فرد الباب ولم يغلقه والناس قعود في وسطه غير مترصدين لنظرهما صحت وإن كانوا مترصدين لا تصح وهذا الموانع من قبيل الحسي ولو دخلت عليه فلم يعرفها ثم خرجت أو دخل هو عليها ولم يعرفها لا تصح عند أبي الليث وتصح عند الفقيه أبي بكر وكذا لو كانت نائمة ولو عرفها هو ولم تعرفه هي تصح
فرعان الأول لو قال إن خلوت بك فأنت طالق فخلا بها طلقت ويجب نصف المهر الثاني للزوج أن يدخل بزوجته إذا كانت تطيق الجماع من غير تقدير وقد قدر بالبلوغ وبالتسع واعلم أن أصحابنا أقاموا الخلوة الصحيحة مقام الوطء في حق بعض الأحكام تأكد المهر وثبوت النسب والعدة والنفقة والسكنى في مدة العدة ومراعاة وقت طلاقها ولم يقيموهما مقامه في الإحصان وحلها للأول والرجعة والميراث وحرمة البنات يعني إذا خلا بالمطلقة الرجعية لا يصير مراجعا وإذا خلا بامرأة ثم طلقها لا تحرم بناتها ولا يرث منها لو ماتت في العدة للاحتياط الواجب في هذه الأحكام وفي شرح الشافي ذكر تزوج البنت على عكس هذا ففيه خلاف وأما في حق وقوع طلاق آخر ففيه روايتان والأشبه وقوعه لأن الأحكام لما اختلفت في هذا الباب وجب أن يقع احتياطا قوله وهذا التفصيل في مرضها قال الصدر الشهيد وهو الصحيح
____________________
(3/333)
قوله وهذا القول أي رواية المنتقى في حق كمال المهر هو الصحيح دفعا للضرر عنها أما في حق جواز الإفطار فالصحيح غيرها وهو أنه لا يباح إلا بعذر وقد قدمنا في كتاب الصوم بحثا أن رواية المنتقى في جواز الإفطار بلا عذر ثم وجوب القضاء أقعد بالديل من ظاهر الرواية وقول المصنف هو الصحيح احتراز عن رواية شاذة عن أبي حنيفة أنه يمنع لأنه يمنعه الجماع ويجعله آثما لما فيه من إبطال العمل قوله أدير على سلامة الآلة يعطى أن خلوة الخصى صحيحة وهو كذلك بالاتفاق قوله والعدة واجبة في جميع هذه المسائل أي عند صحة الخلوة وفسادها بالموانع المذكورة احتياطا لتوهم الشغل نظرا إلى التمكن الحقيقي وكذا في المجبوب لقيام احتمال الشغل بالسحق ولذا يثبت نسب الولد منه عن أبي سلمان وذكر التمرتاشي إن علم أنه ينزل يثبت وإن علم بخلافه فلا وعليها العدة والأول أحسن وعلم القاضي بأنه ينزل أولا ربما يتعذر أو يتعسر قال العتابي تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة ظاهرا أو حقيقة فقيل لو تزوجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ديانة لاقضاء وقوله والعدة حق الشرع ولذا لاتسقط لو أسقطاها ولا يحل لها الخروج ولو أذن لها الزوج وتتداخل العدتان ولا يتداخل حق العبد والولد أي وحق الولد ولذا قال صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن
____________________
(3/334)
يسقى ماءه زرع غيره فلا يصدقان في إبطالها باتفاقهما على عدم الوطء بخلاف المهر لأنه مال فلا يحتاط في إيجابه غير أن في وجه الاستدلال بالحديث على أنها حق الولد تأملا قوله وذكر القدوري في شرحه لمختصر الكرخي أن المانع إن كان شرعيا تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة وإن كان حقيقيا كالمرض والصغر لا تجب لانعدام التمكن حقيقة فكان كالطلاق قبل الدخول من حيث قيام اليقين لعدم الشغل وما قاله قال به التمرتاشي وقاضيخان ويؤيد ما ذكر العتابي إلا أن الأوجه على هذا أن يخص الصغر بغير القادر والمرض بالمدنف لثبوت التمكن حقيقة في غيرهما واعلم أن المراد بوجوب العدة بالخلوة إنما هو في النكاح الصحيح أما النكاح الفاسد فلا تجب العدة بالخلوة فيه بل بحقيقة الدخول قوله وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول وقد سمى لها مهرا وفي كل من الصدر والإستثناء إشكال أما الأول فإن المطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها مهرا داخلة في عمومه والمتعة واجبة لها وأما الثاني فالمطلقة قبل الدخول المفروض لها ذكر في المبسوط والمحيط والمختلف والحصر أن المتعة تستحب لها وأجيب عن الأول أن الاستحباب مستعمل في أعم من الوجوب يعني أنه بالمعنى اللغوي أو هو عام مخصوص بالصورة السابقة وقرينة التخصيص هو تقدم ذكرها فكأنه قال وتستحب لكل مطلقة غير تلك وعن الثاني أنه قول القدوري تبعه فيه وفي بعض مشكلات القدوري المتعة أربعة أقسام واجبة وهي ما تقدم ومستحبة وهي التي طلقها بعد الدخول ولم يسم لها مهرا وسنة وهي التي طلقها بعد الدخول وقد سمى لها المهر والرابعة ليست بواجبة ولاسنة ولا مستحبة وهي التي طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا لأن نصف المهر ثابت لها فيقوم مقام المتعة وقيل الصحيح أن هنا تغييرا وقع من الكاتب فذكر بعضهم أن في بعض النسخ ولم يسم لها مهرا ونقل في الدراية ضبطه كذلك عن غير واحد قوله وقال الشافعي رحمه الله تجب لكل مطلقة إلا لهذه وعن أحمد رواية كقوله ورواية كقولنا وتقدم تفصيل مالك
____________________
(3/335)
وجه قول الشافعي أنها في المطلقة قبل الدخول والتسمية واجبة اتفاقا بالنص وأما في المدخول بها فلأن وجوب المتعة الواجبة في صورة عدم التسمية للإيحاش بالطلاق وما سلم لها من المهر ليس في مقابلته بل في مقابلة البضع فتجب دفعا للإحاش وأما التي لم يدخل بها وقد سمى لها فوجوب نصف المهر الثابت لها بقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } بطريقة المتعة أي بطريق إيجاب المتعة في غيرها وهو جبر صدع الإيحاش لا المهر لعدم استيفاء منافع بضعها فلا تجب متعة أخرى وإلا تكررت وقوله فسخ مجازا لأنه وقع طلاقا حتى انتقص به عدد الطلاق لكنه كالفسخ من جهة أنه كالحالة السابقة على النكاح بسبب عود المعقود عليه سالما إليها فلا يلزم كون ما ذكر على قول من قال يسقط كل المهر بهذا الطلاق لأنه فسخ ثم يجب بطريق المتعة مخالفا لقول المحققين إنه يبقى نصف المهر ويسقط نصفه بالنص وله أيضا قوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } خص منها تلك المطلقة بنص { فنصف ما فرضتم } جعله تمام حكمها وبه يحمل قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات } إلى قوله { فمتعوهن } على غير المفروض لها لعقلية أن نصف مهرها
____________________
(3/336)
بطريق المتعة قوله ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة بكسر الواو المشددة وقع به السماع لأنها مفوضة أمر نفسها لوليها وللزوج ويجوز فتحها أي فوضها وليها للزوج وهي التي زوجت بلا مهر مسمى وحاصله منع كون علة الوجوب في الأصل وهي المفوضة الإيحاش وأبطل مناسبته للعلية آخرا بقوله وهو غير جان في الإيحاش لأنه بإذن الشرع بل الوجوب فيها تعويض عما كان واجبا لها من نصف مهر المثل لأنه أقرب إلى فهم من علم أنه تعالى أسقط ما كان واجبا لها ثم أوجب لها شيئا آخر مكانه وعلم أن لا جناية في الطلاق بل قد يكون مستحبا في التي لا تصلي والفاجرة ولا سقوط في المدخول بها مطلقا فلا تجب لانتفاء العلة المساوية ولانسلم أن ما سلم للمدخول بها في مقابلة البضع بل بقبولها العقد على نفسها الملصق به المال في قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } ولهذا كان لها المطالبة به قبل الدخول غير أن بالدخول يتقرر ما كان على شرف السقوط وقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } إما أن اللام للعهد الذكري في المطلقات التي لم يسم لهن مهر لأنهن تقدم ذكرهن بقوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } ثم قال { ومتعوهن } أو يراد بمتعوهن إيجاب نفقة العدة وكسوتها وأما غير المدخول بها المسمى لها فمحل الاتفاق
____________________
(3/337)
وإنما أثبتنا الاستحباب في المدخولات لقوله تعالى { أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } وهن مدخولات قوله وإذا زوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ليكون أحد العقدين عوضا عن الآخر أي صداقا فيه وإنما قيد به لأنه لو لم يقل على أن يكون بضع كل صداقا للأخرى أو معناه بل قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد عليه فقبل جاز النكاح اتفاقا ولايكون شغارا ولو زاد قوله على أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الآخر بل زوجه بنته ولم يجعلها صداقا كان نكاح الثاني صحيحا اتفاقا والأول على الخلاف ثم حكم هذا العقد عندنا صحته وفساد التسمية فيجب فيه مهر المثل وقال الشافعي رحمه الله بطل العقد بالمنقول والمعقول أما الأول فحديث عمر رضي الله عنه أخرجه الستة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته من الرجل على أن يزوجه ابنته أو أخته وليس بينهما صداق والنهي يقتضي فساد المنه عنه والفاسد في هذا العقد لا يفيد الملك اتفاقا وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا شغار في الإسلام والنفي رفع لوجوده في الشرع وعرف منه التعدي إلى كل ولي يزوج موليته على أن يزوجه الآخر موليته كسيد
____________________
(3/338)
الأمة يزوج أمته على أن يزوجه الآخر موليته كذلك وأما الثاني فإن كل بضع صداق حينئذ ومنكوح فيكون مشتركا بين الزوج ومستحق المهر وهو باطل والإطناب في تقريره مستغنى عنه والجواب عن الأول أن متعلق النهي والنفي مسمى الشغار ومأخوذ في مفهومه خلوة عن الصداق وكون البضع صداقا ونحن قائلون بنفي هذه الماهية وما يصدق عليها شرعا فلا نثبت النكاح كذلك بل نبطله فيبقى نكاحا سمى فيه ما لا يصلح مهرا فينعقد موجبا لمهر المثل كالنكاح المسمى فيه خمر أو خنزير فما هو متعلق النهي لم نثبته وما أثبتناه لم يتعلق به بل اقتضت العمومات صحته أعني ما يفيد الانعقاد بمهر المثل عند عدم تسمية المهر وتسمية ما لا يصح مهرا فظهر أنا قائلون بموجب المنقول حيث نفيناه ولم نوجب البضع مهرا وعن الثاني بتسليم بطلان الشركة في هذا الباب ونحن لم نثبته إذ لا شركة بدون الاستحقاق وقد أبطلنا كونه صداقا فبطل استحقاق مستحق المهر نصفه فبقي كله منكوحا في عقد شرط فيه شرط فاسد ولا يبطل به النكاح بخلاف ما لو زوجت نفسها من رجلين فإن بطلان الاشتراك فيه لايستلزم بطلان النكاح وإنما استلزمه عدم موجب التعيين لعدم الأولوية قوله وإن تزوج حر امرأة على خدمته شهرا أو سنة فلها مهر مثلها وقال محمد في الجامع لها قيمة خدمته سنة ولم يذكر القدوري خلافا واختلف في قول أبي يوسف فقال الهندواني ينبغي أن يكون مع محمد وقال بعض المشايخ مع أبي حنيفة وهو الأظهر وإلآ لم يقتصر على خلاف محمد في الجامع الصغير قوله وقال الشافعي لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين أي وجهي حرية الزوج وعبديته قوله وكذا المنافع على أصلنا قصر النظر على هذه النكتة يوجب أن لا يصح تسمية شيء من المنافع وملاحظة قوله وخدمة العبد ابتغاء المال لتضمنه تسليم رقبته وهي مال
____________________
(3/339)
يقتضى جواز جميع منافع الأعيان ما خلا خدمة الحر ويوافقه عموم مفهوم قوله ولا كذلك الحر وهذا موافق لما في جامع قاضيخان وشرح الشافي لنجم الدين عمر النسفي وما قال في البدائع لو تزوجها على سائر منافع الأعيان سكنى داره وخدمة عبده وركوب دابته والحمل عليها وزراعة أرضه يعني أن تزرع هي أرضه ونحوها من منافع الأعيان مدة معلومة صحت التسمية لأن هذه لمنافع أموال أو ألحقت بالأموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة إليها والحاجة في النكاح متحققة وإمكان الدفع ثابت بتسليم محالها إذ ليس فيه استخدام المرأة زوجها يفيد جواز تسمية خدمة الحر وهو الصحيح وفي الغاية معزيا إلى المحيط لو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح صحته وترجع على الزوج بقيمتة خدمه وهذا يشير إلى أنه لا يخدمها فإما لأنه أجنبي فلا يؤمن الانكشاف عليه مع مخالطته للخدمة وإما أن يكون مراده إذا كان بغير أمر ذلك الحر ولم يجزه وأنت إذا تأملت تعليل محمد رحمه الله وجوب قيمة الخدمة بأن المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم للمناقضة وتعليلهما نفي ماليته بعدم استحقاقه في هذا العقد بحال المفيد أنه لو استحق تسليمه ألحق بالأموال لكن انتفى ذلك للزوم المناقضة لا تكاد تتوقف في صحة تسمية خدمة حر آخر ثم بعد هذا يجب أن ينظر فإن لم يكن بأمره ولم يجزه وجب قيمتها وإن كان بأمره فإن كانت خدمة معينة تستدعي مخالطة لا يؤمن معها الانكشاف والفتنة وجب أن تمنع وتعطى هي قيمتها أو لا تستدعي ذلك وجب تسليمها وإن كانت غير معينة بل تزوجها على منافع ذلك الحر حتى تصير أحق بها لأنه أجير واحد فإن صرفته في الأول فكالأول أو في الثاني فكالثاني وقد أزال المصنف آخرا بقوله بخلاف خدمة حر آخر فإنه لا مناقضة والحاصل أن ما هو مال أو منفعة يمكن تسليمها شرعا يجوز التزوج عليها وما لا يجوز كخدمة الزوج الحر للمناقضة أو حر آخر في خدمة تستدعي خلوة للفتنة وتعليم القرآن لعدم استحقاق الأجرة على ذلك كلأذان والإمامة والحج وعند الشافعي يجوز أخذ الأجرة على هذه فصح تسميتها واختلفت الروايات في رعى غنمها وزراعة أرضها للتردد في تمحضها خدمة وعدمه وكون الأوجه الصحة لقص الله سبحانه وتعالى قصة شعيب وموسى عليهما السلام من غير بيان نفيه في شرعنا إنما يلزم لو كانت الغنم ملك البنت دون شعيب وهو
____________________
(3/340)
منتف قوله وبخلاف رعي الأغنام إلخ يعني أنه لم يتمحض خدمة لها إذ العادة اشتراك الزوجين في القيام على مصالح مالهما أي بأن يقوم كل بمصالح مال الآخر على أنه ممنوع في رواية في الدراية بخلاف رعي الغنم والزراعة حيث لا يجوز على رواية الأصل والجامع وهو الأصح يعني على أن يزرع لها أرضها ويجوز على رواية ابن سماعة لأنه ليس من باب الخدمة لما ذكرنا ألا يرى أن الإبن إذا استأجر أباه للخدمة لا يجوز ولو استأجره للرعي والزراعة يصح 1 هـ
فروع وإذا أعتق أمة وجعل عتقها صداقها كأن يقول أعتقتك على أن تزوجيني نفسك بعوض العتق فقبلت صح العتق وهي بالخيار في تزوجته فإن تزوجته فلها مهر مثلها خلافا لأبي يوسف له الحديث الصحيح
____________________
(3/341)
أنه صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها قلنا نص كتاب الله تعالى يعين المال فإنه بعد عد المحرمات أحل ما وراءهن مقيدا بالابتغاء بالمال قال الله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } الآية وقول الراوي ذلك كناية عن عدم المهر يعني أنه أعتقها وتزوجها ولم يكن شيء غير العتق والتزوج بلا مهر جائز للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وغاية ما فيه أن ما ذكرناه محتمل لفظ الراوي فيجب حمله عليه دفعا للمعارضة بينه وبين الكتاب وإن أبت أن تتزوجه ألزمناها بقيمتها ولو كانت الجارية أم ولد فأعتقها على ذلك فأبت قال أبو حنيفة لا يجب عليها قيمتها لأن رقها غير متقوم عنده ولو قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوجني بألف أو على أن تعطيني ألفا فقبل عتق فإن أبى تزوجها فعليه قيمة نفسه وإن تزوجها بألف قسم الألف على قيمة نفسه وعلى مهر مثلها فما أصاب الرقبة فهو قيمته وما أصاب المهر فمهرها ويتنصف بالطلاق قبل الدخول قوله فإن تزوجها على ألف حاصل وجوهها إذا تزوجها على مسمى فإما أن يكون
____________________
(3/342)
من الدراهم أو الدنانير أو المكيل أو الموزون غير المعين بخلاف المعين منهما فإنه كالعرض وإما من العروض أو الحيوان معينا أو في الذمة ففي الأول إن وهبت الكل أو نصفه بعد قبض الكل ثم طلقها قبل الدخول رجع عليه بنصفه اتفاقا أو قبله لم يرجع بشيء خلافا لزفر أو بعد قبض نصفه لم يرجع بشيء خلافا لهما وقال لا يرجع بنصف المقبوض كائنا ما كان من النسبة حتى لو كانت وهبته أقل من النصف وقبضت الباقي رجع عليها بنصف المقبوض وعنده يرجع إلى تمام نصف الصداق وفي الثاني لا يرجع بشيء مطلقا قبضت أو لم تقبض وأوجب زفر رجوعه بنصف قيمة العرض وجه الإتفاقية في الأول أن المقبوض ليس في نفس المهر لأنه وصف
____________________
(3/343)
في الذمة بل مثل ما تقع به المقاصة فظهر أن الواصل إليه غير ما يستحقه بالطلاق أعني نصف المهر ألا يرى أن لها أن تمسك ما أخذته منه وتعطيه غيره إذا طلقها قبل الدخول بعد القبض وتقرير المصنف ناظر إلى أن الواجب بالطلاق دراهم مطلقة وهذه ليست إلا معينة ويدل على أنها ليست عين الواجب كونها لها أن تمسكها وتدفع غيرها عند الطلاق ووجه قول زفر في ثاني شقي الأول أن الواصل إليه وإن كان نفس الدين لكن وصل إليه بسبب غير الطلاق وهو الإبراء وهو مسبب عن الإبراء وغير مسبب عن الطلاق لما عرف من أن اختلاف الأسباب يوجب اختلاف المسببات شرعا أصله حديث لحم تصدق به على بريرة فبواسطة لزوم الاختلاف شرعا لم يصل إليه عين ما يستحق فصارت كالأولى وجه الاستحسان أن المستحق بالطلاق وهو سقوط نصف الدين عنه تحقق بالإبراء فحين حصل الطلاق لم يؤثر شيئا لعدم مصادقته شغل الذمة بالمهر وهو محل أثره لأنه إنما يؤثر في شغل الذمة بالإسقاط فلو أوجب شيئا آخر كما قال إنه يرجع عليها بخمسائة عين لكان ذلك غير موجبه في محله وصار كمن عليه الدين المؤجل إذا عجله ثم حل الأجل لا يجب شيء آخر وإذا تأملت هذا التقرير سقط عندك ما تكلف في دفع لزوم اختلاف المسبب باختلاف السببب من تخصيص الدعوى بالأعيان لأنها تقبل التغير بتغيير صفاتها بخلاف الأوصاف كالدين فيما نحن فيه حيث لايقبل ذلك لاستحالة قيام الصفة بالصفة وهو دفع فاسد لأن ثبوت التغير شرعا لا يتوقف على ذلك إنما هو اعتبار شرعي وقيام الصفة بالصفة بمعنى الاختصاص الناعت ليس محالا على ما عرف في التحقيقات الكلامية ثم يمكن حمل قوله في الكتاب أنه وصل إليه عين ما يستحقه وهو براءة ذمته عن نصف المهر الخ عليه أي عين ما يستحقه ذاتا لا من حيث هو بسبب الإبراء ولا يبالى باختلاف السبب عند حصول المقصود سابقا فإنه لم يؤثر شيئا حينئذ وجه قولهما في قبض النصف إلحاق البعض بالكل وهو قول الشافعي في الأصح يعني لو قبضت الكل ثم وهبته له يرجع بنصفه ولا يخفى أن الملازمة تحكم فإن رجوعه في صورة قبض الكل ليس لكونه قبض الكل ولا البعض بل لأنه لم يصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق وهذا المناط منتف في صورة قبض النصف بناء على أن الطلاق قبل الدخول أعاد نصف الصداق إلى قديم ملك الزوج فيظهر أن الصداق الدين بذلك مشترك بينهما يعني يتبين ذلك وإلا فحال الهبة كان كله ملكها ظاهرا فإذا قبضت النصف انصرف إلى حقها كمكيل أو موزون بين اثنين وهو في يد أحدهما وقبض صاحبه نصفه كان المقبوض حقه فإذا أبرأته بعد ما قبضت النصف من الباقي أو الكل كان الواصل إليه عين ما يستحقه بالوجه المذكور في هبة الكل قبل قبضه فظهر أن إلحاقهما البعض بالكل بوصف طردي غير مؤثر وتقرير الوجه الثاني ظاهر من الكتاب وقوله والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح يؤيده أنها لو حطت
____________________
(3/344)
حتى بقي أقل من عشرة صح ولا تستحق غيره وتسمية ما دون العشرة في أصل العقد لاتصح وقيد بالنكاح لأنه يلتحق في البيع بأصل العقد ووجه الفرق أن البيع عقد مغابنة ومبادلة مال بمال ومرابحة فتقع الحاجة إلى دفع الغبن فيه فاعتبر الحط لقصد دفعه فالتحق بأصل العقد ولا كذلك عقد النكاح فليس كذلك الحط فيه وقوله ألا ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق بأصل العقد حتى لا تتنصف استيضاح لعدم الالتحاق وهو مشكل فإن عدم التحاق الزيادة بأصل العقد هو الدافع لقول المانعين لها لو صحت كان ملكه عوضا عن ملكه فإذا لم تلتحق بقي إبطالهم ذلك بلا جواب فالحق أنها تلتحق كما يعطيه كلام غير واحد من المشايخ وإنما لا تتنصف لأن الانتصاف خاص بالفروض في نفس العقد حقيقة بالنص المقيد بالعادة المنصرف إليها على ما مرا وهذه لم توجد حقيقة حالة العقد بل لحقت به ولأن وجه إلحاقها بالبيع وهو أنه قد يكون خاسرا أو زائدا مضرا بالمشتري فيرد إلى العدل يجري في النكاح وخسرانه أنه ينقص عن مهر مثلها فيرد بالزيادة إليه فإن تزويجها مع نقصها عن مهر مثل أخواتها مثلا يعقب الندم لها وزيادته تعقب الندم له وجه قول زفر في العرض المعين وهو احد قولي الشافعي في الجديد واختاره أكثر أصحابه أن الواجب فيه رد نصف عين المهر على ما مر تقريره من أن السالم بالهبة غير ما يستحقه بالطلاق لاختلاف السبب فترتب على الطلاق مقتضاه ويجب قيمة نصنفه لتعذر عينه كما لو تزوج على عبد الغير فأبى سيده ووجه الاستحسان أن الواجب بالطلاق سلامة نصف المقبوض وقد وصل عين ذلك إليه فلم يصادف الطلاق ما كان شاغلا ذمتها ليؤثر وجوب تفريغها منه عليها على نحو ما سلكت في التقرير السابق وحمل كلام الكتاب هنا عليه سهل مما تقدم قوله بخلاف ما إذا كان المقبوض دينا أي دراهم وإخوانها فإن
____________________
(3/345)
الواصل إليه حينئذ ليس عين ما تستحقه لعدم تعينها وبخلاف ما إذا باعت من زوجها العرض المذكور فإنه وإن وصل إليه عين ما يستحقه لكنه ببدل والسالم يبدل بمنزلة ذلك البدل نفسه الذي كان في ملكه فكأنه لم يصل إليه شيء ولو كان العرض أو الحيوان في الذمة فكذلك الجواب أي لا يرجع عليها بشيء قبضت أو لم تقبض إما إذا لم تقبض فتقريره تقريره دينا وأما إن قبضته ثم وهبته فلأن المقبوض فيه متعين الرد بالطلاق فليس لها أن تمسكه وتدفع غيره بخلاف المقبوض من الدراهم وإنما وقعت هذه المفارقة لأن الأصل أن لا يثبت العرض في الذمة للجهالة ولذا لا يثبت في المعاوضات المحضة كالشراء لكنها تحملت في النكاح لجري التساهل في العوض فيه لأنه غير مقصود منه فإذا عين بالتسليم يصير كأن العقد وقع على ذلك المقبوض فيجب رد عينه إذا استحق كما لو كان معينا في الابتداء فيعطى حكمه ويتأتى خلاف زفر في هذه أيضا لما عرف من أصله وهو اشتراط وصوله إليه من الجهة المستحقة وما ذكر في الغاية قال زفر في الدراهم والدنانير المعينة لا يرجع عليها بناء على أصله في تعينها استبعدت صحته عنه لما علم من اشتراطه اتحاد الجهة إلا أن تكون روايتان فيما يتعين وإذ قد أنجر الكلام إلى شيء مما يتعلق بإمهار العرض المعين فهذه فوائده تتعلق به كلها من المبسوط فنقول لا يثبت فيه خيار الرؤية فلو تزوجها على شيء بعينه لم تره فأتاها به ليس لها رده ويثبت فيه خيار العيب فلها رده إذا كان العيب فاحشا وهو ما ينقص عن القيمة قدرا لا يدخل تحت تقويم المقومين بخلاف العيب اليسير أما خيار الرؤية فلعدم الفائدة في إثباته إذ الفائدة في إثباته التمكن من إعادة العوض الذي قوبل بالمسمى كالمرأة في النكاح وهذا يحصل في البيع لأنه ينفسخ بالرد بخلاف النكاح لا ينفسخ برد المسمى بخيار الرؤية ولا ترد المرأة بل غاية ما يجب به رد المسمى فيه قيمته والقيمة أيضا غير مرئية وأما خيار العيب فلثبوت فائدته وهي الرجوع بقيمته صحيحا لأن السبب الموجب للتسمية هو العقد ولم يبطل بالإتفاق فلا يجوز الحكم ببطلان التسمية مع بقاء السبب الموجب له صحيحا ولكن بالرد بالعيب يتعذر تسليم المعين كما التزم فتجب قيمته كالعبد المغصوب إذا أبق وعلى هذا الأصل إذا هلك الصداق المعين قبل التسليم لا تبطل التسمية بل يجب مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته وكذا لو استحق هذا إذا كان العيب قائما وقت العقد فإن تعيب في يد الزوج قبل التسليم يسيرا فليس لها غيره وعن زفر لها الخيار أو فاحشا فأما بفعل الزوج فلها الخيار أن تضمنه قيمته يوم تزوجها أو تأخذه وتضمن الزوج النقصان لأنه أتلف جزءا من
____________________
(3/346)
الصداق ولو أتلفه ضمنه فإذا أتلف بعضه لزمه قدره وعن أبي حنيفة إذا اختارت أخذه لا تضمنه النقصان وأما بآفة سماوية فلها هذا الخيار غير أنها لا تضمنه النقصان إذا اختارت أخذه وأما بفعل الصداق نفسه ففي ظاهر الرواية هو كالعيب السماوي لأن فعله بنفسه هدر وعن أبي حنيفة أنه كتعييب الزوج وأما بفعلها فتصير قابضة له كله وأما بفعل أجنبي فيجب ضمانه النقصان ويكون ضمانه بمنزلة الزيادة المتولدة قبل القبض فيثبت لها الخيار للتغيير بين أن تأخذه وتضمن الجاني نقصانه أو تضمن الزوج قيمته وهو يرجع على الجاني وليس لها أن تأخذ العين وتضمن الزوج النقصان لأنه لا صنع منه بذلك هذا كله إذا دخل بها أو مات عنها فإن طلقها قبل الدخول فهو في حق النصف كما في الكل لو طلقها بعد الدخول فلو تعيب في يدها بعد قبضها ثم طلقت قبل الدخول ففي السماوي إن شاءت ضمنها الزوج نصف قيمته يوم قبضه لتعذر ردها إياه كما قبضته وإن شاء أخذ والنصف وليس عليها ضمان النقصان والتعيب بفعل الصداق كالسماوي وكذا بفعلها لأنه صادف ملكا لها صحيحا فلا يوجب ضمان النقصان عليها وإذا كان بفعل أجنبي فهو ضامن وهو كالزيادة المنفصلة المتولدة من العين لأنه بدل جزء من العين فيمنع تنصيف الأصل بالطلاق وإنما يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الصداق يوم قبضه وكذا إذا تعيب بفعل الزوج لأن الزوج بعد تسليمه كالأجنبي في إيجاب الأرش وذلك يمنع تنصيف الصداق بالطلاق فلو كان إنما تعيب في يدها بعد ما طلقها قبل الدخول كان للزوج أن يأخذ نصف الأصل مع نصف النقصان لأن السبب فسد في النصف بالطلاق وصار مستحق الرد على الزوج فكان في يدها في هذه الحالة كالمقبوض بشراء فاسد فيلزمها ضمان النقصان سواء تعيب بفعلها أو بفعله أو بأمر سماوي لأنه مضمون عليها بالقبض والأوصاف تضمن بالقبض كالمغصوب وإن كان بفعل أجنبي فالأرش كالزيادة المنفصلة وقد ذكرنا حكمها ووقع في مختصر الحاكم أبي الفضل أن التعيب في يدها قبل الطلاق وبعده في الحكم سواء قال شمس الأئمة في المبسوط وهو غلط بل الصحيح في كل فصل ما ذكرنا فلو كان المهر جارية فلم تقبضها حتى وطئها الزوج فجاءت بولد فادعاه الزوج لم يثبت نسبه لأن الاستيلاء في ملك المرأة غير صحيح إلا أن الحد يسقط عنه للشبهة لأن الصداق مضمون عليه بالعقد كالمبيع في يد البائع وعليه العقر وهذا العقر مع الولد زيادة منفصلة متولدة من الأصل لأن المستوفى بالوطء في حكم جزء من العين والعقر بدله فإذا طلقها قبل الدخول تنصف الكل فيكون العقر والجارية بينهما ولا تكون الجارية أم ولد للزوج لعدم ثبوت نسب ولدها منه ولكن يعتق نصف الولد على الزوج لأنه ملك ولده من الزنا فيعتق عليه للجزئية ويسعى للمرأة في نصف قيمته ولا يصير الزوج ضامنا لأنه ما صنع في الولد شيئا إنما صنع الطلاق وذلك ليس مباشرة لإعتاق الولد بل من حكم الطلاق عود النصف إلى الزوج ثم يعتق عليه حكما لملكه وإن ماتت الجارية عند المرأة أو قتلت ثم طلقها قبل الدخول فللزوج عليها نصف القيمة يوم قبضت لأنه تعذر عليها رد نصف الصداق بعد تقرر السبب الموجب له ولا سبيل للزوج على القاتل لأن فعله لم يلاق ملكه بل ملك المرأة فلا يضمنه شيئا وإذ قد أنجر الكلام في الزيادة في المهر فلنستوفه وحاصله من المبسوط أن الزيادة قبل قبضه متصلة كالسمن وانجلاء بياض العين ومنفصلة
____________________
(3/347)
متولدة من العين كالولد والثمار والعقر وغير متولدة كالكسب والغلة وذلك كله يسلم لها إذا دخل بها أو مات عنها لأنه يملك بملك الأصل وملك الأصل كان سالما لها وقد تقرر ذلك بالموت والدخول فكذلك الزيادة فأما إذا طلقها قبل الدخول فالزيادة المتولدة منفصلة أو متصلة تتنصف بالطلاق مع الأصل لأنها في حكم جزء من العين والحادث من الزيادة بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد بدليل المبيعة فإن الزيادة المتولدة هناك كالموجودة وقت العقد حتى يصير بمقابلتها شيء من الثمن عند القبض وأما غير المتولدة كالكسب والغلة فلا تتنصف بالطلاق قبل الدخول بل الكل لها في قول أبي حنيفة وفي قولهما تتنصف مع الأصل وكذا لو جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول حتى بطل ملكها عن جميع الصداق يسلم لها الكسب عند أبي حنيفة وعندهما يدور الكسب مع الأصل وكذا المبيع قبل القبض يسلم الكسب للمشتري وعندهما هو للبائع لهما أن الكسب زيادة منفصلة عن الأصل فيكون كالولد فكما لا يسلم لها إذا بطل ملكها عن الأصل فكذلك هذا وهذا لأن بطلان ملكها عن الأصل لأنفساخ السبب فيه والزيادة إنما تملك بملك الأصل متولدة كانت أو لا فإذا انفسخ سبب الملك في الأصل لا يبقى سببا لملك الزيادة وحقيقة الوجه لأبي حنيفة أن سبب ملك الزيادة غير سبب ملك الأصل بل ملك الأصل يصير شرطا فسبب ملك الأصل مثلا قبول عقد النكاح وفي الزيادة الاكتساب للمكتسب وهو إما احتطاب العبد أو إجارته نفسه أو قبوله الهبة وهذه الأسباب لا تنفسخ بالطلاق غير أن المكتسب إذا لم يكن أهلا للملك خلفه فيه مولاه بذلك السبب لوصله الملك بينهما وقت الاكتساب وببطلان ملكه في الأصل لا يتبين أنه لم يخلفه في الملك بذلك السبب وليس الكسب كالزيادة المتولدة لأن المتولد جزء من الأصل يسري إليه ملك الأصل لا أن يكون مملوكا بسبب حادث ألا يرى أن ولد المكاتبة يكون مكاتبا وكسبها لا يكون مكاتبا وولد المبيعة قبل القبض يكون مبيعا يقابله حصة من الثمن عند القبض وكسبه ليس مبيعا ولا يقابله شيء من الثمن وإن قبض مع الأصل ولو قبضت الأصل مع الزيادة المتولدة ثم طلقها قبل أن يدخل بها تنصف الأصل والزيادة لأن حكم التنصف بالطلاق ثبت في الكل حين كانت الزيادة قبل القبض فلا يسقط ذلك بقبضها ولو كانت قبضت الأصل قبل حدوث الزيادة فحدثت في يدها ثم طلقها قبل الدخول فإما أن تكون غير متولدة أو متولدة من العين وهي إما منفصلة أو متصلة فإن كانت غير متولدة كالكسب والغلة فهو سالم لها وردت نصف الأصل على الزوج لأن حدوث الكسب كان بعد تمام ملكها ويدها فيكون سالما لها وإن لزمها رد الاصل أو بعضه ذا اكتسب في يد المشتري ثم رد الأصل بعيب يبقى الكسب سالما له وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان وقد كان الصداق في ضمانها فتسلم منفعته والكسب بدل المنفعة وإن كانت متولدة من العين فإن كانت منفصلة كالولد والثمار امتنع تنصف الأصل بالطلاق وعود الكل إليه إذا جاءت الفرقة من قبلها وإنما للزوج في الطلاق نصف قيمة الأصل وفي ردتها جميع قيمته يوم دفع إليها في ظاهر المذهب وعلى قول زفر يتنصف لأصل مع الزيادة بالطلاق ويعود الكل إلى الزوج إذا جاءت الفرقة من قبلها لأن بقبضها لا يتأكد ملكها ما لم يدخل بها بل توهم عود النصف إلى الزوج بالطلاق أو الكل إذا جاءت الفرقة
____________________
(3/348)
من قبلها ثبات فيسري ذلك الحق إلى الزيادة كالمشتراة شراء فاسدا إذا قبضها المشتري وازدادت زيادة منفصلة فإن البائع يستردها بزيادتها وروى ابن سماعة عن أبي يوسف تفصيلا قال في الطلاق يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الأصل وعند ردتها يسترد منها الأصل مع الزيادة لأن الردة تفسخ السبب من الأصل فيكون الرد بحكم انفساخ السبب بمنزلة الرد بفساد البيع وفيه يثبت الرد في الأصل والزيادة أما الطلاق فحل العقد وليس بفسخ له من الأصل فلا يثبت حق الزوج في الزيادة التي لم تكن في ملكه ولا في يده ويتعذر نصف الزيادة بتعذر نصف الأصل وجه ظاهر الرواية أنها ملكت الصداق بالعقد وتم ملكها فيه بالقبض فحدثت الزيادة على ملك تام لها والتنصيف عند الطلاق إنما يثبت في المفروض في العقد وليست الزيادة مسماة فيه ولا حكما إذ لم يرد عليها القبض المستحق بالعقد فتعذر تنصفها وهي جزء من العين فيتعذر تنصفها تعذر تنصف العين كالزيادة المنفصلة في المبيع تمنع رد الأصل بالعيب إذا كانت حادثة بعد القبض وهذا بخلاف الزيادة المنفصلة في الموهوب فإنها لاتمنع الواهب من الرجوع في الأصل لأن الهبة عقد تبرع فإذا رجع في الأصل بقيت الزيادة للموهوب له بغير عوض وقد كان الأصل سالما له بغير عوض فيجوز أن تسلم الزيادة أيضا بغير عوض فأما البيع والنكاح فمعاوضة فبعد تعذر رد الزيادة لو أثبتنا الرد في الأصل بقيت الزيادة سالمة بلا عوض وهي جزء من الأصل ولا يجوز أن يسلم الملك بلا عوض بعد رفع عقد المعاوضة وإذا تعذر تنصف الأصل وجب عليها نصف قيمته للزوج لتعذر رد العين بعد تقرر سبب وجوبه ولما كان الصداق إنما دخل في ضمانها بالقبض كان المعتبر القيمة وقت القبض وإن كانت متصلة كالسمن والجمال وانجلاء البياض فطلقها قبل الدخول فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هذا والزيادة المنفصلة سواء إنما للزوج عليها نصف قيمة الصداق يوم قبضه وعند محمد وزفر يتنصف الأصل بزيادته لأن النكاح عقد معاوضة والزيادة المتصلة لاعبرة بها في عقود المعاوضات كما لو اشترى جارية بعبد وقبضها فازدادت متصلة ثم هلك العبد قبل التسليم أو رده المشتري بعيب فإنه يسترد الجارية بزيادتها بخلاف كا لو كانت الزيادة منفصلة وهذا لأن المتصلة كزيادة السعر ألا ترى أنها لو حدثت قبل القبض لا ينقسم الثمن باعتبارها لزيادة السعر فكذا في الصداق بخلاف الموهوبة فإن الزيادة المتصلة فيها تمنع الرجوع لأن الهبة ليست بعقد ضمان فالقبض بحكمه لما لم يوجب ضمان العين على الموهوب له لم يبق للواهب حق في العين حتى يسري إلى الزيادة وإذا تعذر الرجوع في الزيادة تعذر في الأصل لأنه لا ينفصل عنها بخلاف قبضها الصداق فإنه قبض ضمان لحق الزوج فيتبين به بقاء حق الزوج في الأصل فيسرى إلى الزيادة كالبيع ولهما أن هذه الزيادة حدثت في ملك صحيح لها فتكون سالمة لها بكل حال كالمنفصلة وإذا تعذر تنصف الزيادة تعذر تنصف الأصل لما قال محمد والدليل عليه أن الصداق في حكم الصلة من وجه لأنه تملكه لا عوضا عن مال والمتصلة في الصلات تمنع رد الأصل كالموهوب وتأثير المتصلة
____________________
(3/349)
في الصلات أكثر من المنفصلة حتى أن المنفصلة في الهبة لا تمنع الرجوع والمتصلة تمنع ثم الزيادة المنفصلة هنا تمنع تنصف الأصل فالمتصلة أولى أن تمنع فأما البيع فالصحيح أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن المتصلة تمنع فسخ العقد من الأصل كالمنفصلة وما ذكر في المأذون فهو قول محمد وقد نص في كتاب البيوع على أن الزيادة المتصلة تمنع الفسخ بالتحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف كالمنفصلة وأما إذا كان حدوث الزيادة في يدها بعد ما طلقها قبل الدخول فإنه يتنصف الأصل مع الزيادة لأن بالطلاق صار رد الأصل مستحقا عليها فيسري ذلك إلى الزيادة كالمشتراة شراء فاسدا ترد بالزيادة المتصلة والمنفصلة بخلاف ما قبل الطلاق قوله وإذا تزوجها إلخ للمسئلة صورتان الأولى أن يسمى لها مهرا ويشترط لها معه ما لها فيه نفع كأن لا يخرجها من البلد أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو يطلق ضرتها والثانية أن يسمى لها مهرا على تقدير وآخر على تقدير آخر فأما الأولى فحكمها ظاهر في الكتاب وهو أنه إن وفى لها فليس لها إلا المسمى وإلا فلها مهر مثلها فإن كان مهر مثلها قدر المسمى أو أقل لا تستحق شيئا آخر وقال زفر إن كان ما ضم إلى المسمى مالا كالهدية ونحوها يكمل لها مهر المثل عند فواته وإلا فليس لها إلا الألف لأن المال يتقوم بالإتلاف فكذا بمنع التسليم إذا شرط لها في العقد بخلاف طلاق الضرة ونحوه لا يتقوم فلا يلزم وقال الإمام احمد إذا فات ثبت لها الخيار في الفسخ لأنها لم تتزوجه إلا على ملك المرغوب فيه فصار كما إذا باع عبدا على أنه خباز أو كاتب وهو بخلافه ولقوله صلى الله عليه وسلم أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج وجواب زفر أن إيجاب التسليم ليس للتقوم في المضموم بل لعدم رضاها بالألف إلا به فبانتفائه ظهر عدم رضاها بالمسمى فكان كعدم التسمية وفيه مهر المثل وجواب الثاني أن ذلك في الشرط الصحيح وليس هذا منه لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم إلا شرطا
____________________
(3/350)
أحل حراما أو حرم حلالا وهذه الشروط تمنع التزوج والتسري لو وجب الجري على موجبها فكانت باطلة فلا يؤثر عدمها في خيار الفسخ بل إن وفى تمت التسمية لرضاها بها وإلا لا تتم لعدم الرضا وفساد العقد ليس لازما لعدم تمام التسمية ولا لعدمها رأسا إذ ليس ذكرها من الأركان ولا الشروط بخلاف البيع فإن قيل ما استدللتم به لا يمس محل النزاع لأن مقتضى الشرط المذكور أن لا يتزوج ما دامت تحته مختارا لعدم دخول خيار الفسخ في يديها وأين عدم التزوج مختارا لأمر من تحريمه شرعا فالجواب أن الشرط المحرم للحلال بعد ما حكم بكونه باطلا لا يتصور إلا على إرادة كونه شرط ترك الحلال أو فعل الحرام إذ لو أحل حقيقة بأن ثبت به حكم الحل شرعا لم يكن باطلا وإذا عارضه وجب حمل الأحقية المذكورة فيما روى على ما من الحق في نفسه وهو المراد به ضد الباطل وهو أعم من الوجوب صادق عليه وعلى الجائز والمندوب لا مايخص الواجب عينا بقي أن يقال إذا ظهر عدم رضاها بالألف لم يلزم كونه نكاحا بلا تسمية ولا نظيره للقطع بأنها ليست مفوضة بل إنما رضيت بتسمية صحيحة معينة وقد قالوا إذا سمى للبكر عند استئذانها مهرا فسكتت لا يكون رضا حتى يكون المهر وافرا ولا يصح النكاح بمهر المثل ولا به فكيف وهي مصرحة بنفيه وكون مهر مثلها أصلا لا يستلزم صحة النكاح به ما لم تكن مفوضة أو تصرح بالرضا به وإلا فقد لا ترضى بمهر المثل تسمية فلا ينفذ النكاح عليها به فيجب أن تختار كما إذا زوجت نفسها من غير كفء فإنه ينعقد ثم يثبت للولي خيار الفسخ وأما ما ذكر من حمل لفظ أحق في الحديث على ما ذكر فبلا موجب لأن ذلك الموجب وهو تحريم الحلال منتف لأنه لا يحرم التسري بهذا الشرط بل هو امتنع منه بالتزامه مختارا لأحب الأمرين إليه وهو صحبة الزوجة ولهذا لو تسرى لا نقول فعل محرما وهو أدنى من امتناعه عن بعض المباحات بحلفه لا يفعله وأما الثانية فكأن يتزوجها على ألف بأن أقام بها أو على أن لا يتسرى أو على أن يطلق ضرتها أو إن كانت مولاة أو إن كانت أعجمية أو ثيبا على ألفين إن كان أضدادها فإن وفى بالأول أو كانت أعجمية ونحوه فلها الألف وإلا فمهر المثل لا يزاد على ألفين ولا ينقص عن ألف عند أبي حنيفة وكذا إن قدم شرط الألفين يصح المذكور عنده حتى لو طلقها قبل الدخول يجب لها نصف المسمى أولا بناء على أنه لا خطر فيها وكذا في المسئلة الأولى لأن بالطلاق قبل الدخول يسقط اعتبار هذا الشرط وقالا الشرطان جائزان فلها الألف إن أقام بها والألفان إن أخرجها وقال زفر الشرطان فاسدان فلها مهر مثلها لا ينقص
____________________
(3/351)
عن الألف ولا يزاد على الألفين وجه قول أبي حنيفة إنه لا خطر في التسمية الأولى بل هي منجزة بخلاف الثانية فهي معلقة فإذا وجد شرطها بأن أخرجها مثلا ثبت لها ذلك المسمى وقد كان ذلك المسمى الأول ثابتا لأن المنجز لا يعدم وجود المعلق فحين وجد المعلق بوجود شرطه اجتمع تسميتان فيجب مهر المثل للجهالة ووجه قولهما أنهما معلقان فلا يوجد في كل تقدير سوى مسمى واحد ووجه قول زفر إنه لا تعليق أصلا بل هما منجزان لأن ما يضم مع المال إنما يذكر للترغيب لا للشرط فاجتمعا ففسدا للجهالة وأصلها في الإجارات وستزداد هناك وضوحا إن شاء الله تعالى واعلم أنه نقل عن الدبوسي لو تزوجها على ألف إن كانت قبيحة وألفين إ ن كانت جميلة يصحان بالاتفاق لأنه لا خطر في التسمية الثانية لأن أحد الوصفين ثابت في نفس الأمر جزما غير أن الزوج بجهله وجهالته لا توجب خطرا بالنسبة إلى الوقوع وعدمه واستشكل بأن مقتضاه ثبوت صحتهما اتفاقا فيما إذا تزوجها بألف إن كانت مولاة أو ليست له امرأة وبألفين إن كانت حرة الأصل أو له امرأة أخرى لكن الخلاف منقول فيهما والأولى أن تجعل مسئلة القبيحة والجميلة على الخلاف فقد نص في نوادر ابن سماعة عن محمد على الخلاف فيهما واعلم أنه لو كان تزوجها على ألف وعلى طلاق فلانة تطلق بمجرد تمام العقد بخلاف ما تقدم من كذا وأن يطلق فلانة فإنه ما لم يطلقها لم تطلق وفي المبسوط لو تزوجها على ألف وعلى أن يطلق امرأته فلانه وعلى أن ترد عليه عبدا فقد بذلت البضع والعبد والزوج بدل الألف وشرط الطلاق فيقسم الألف على مهر مثلها وعلى قيمة العبد فإن كانا سواء كان نصف الألف ثمنا للعبد ونصفها صداقا لها وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف ذلك وإن دخل بها نظر إن كان مهر مثلها خمسمائة أو أقل فليس لها إلا ذلك وإن كان أكثر فإن وفى بالشرط فطلق فليس لها إلا الخمسمائه وأن أبى أن يطلق لم يجبر عليه لأنه شرط الطلاق وإيقاع الطلاق لا يصح التزامه في الذمة فلا يلزمه بالشرط شيء ولها كمال مهر مثلها ولو كان تزوجها على ألف وطلاق فلانة على أن ترد عليه عبدا وقع الطلاق بنفس العقد والزوج بذل شيئين الألف والطلاق والمرأة البضع والعبد والشيئان متى قوبلا بشيئين ينقسم كل واحد منهما على الآخر فإن كان مهر المثل وقيمة العبد سواء كان نصف الألف ونصف الطلاق صداقا لها فإذا طلقها قبل الدخول كان لها مائتان وخمسون والطلاق الواقع على الضرة بائن لأن بمقابلته نصف العبد ونصف البضع وإن لم يكن العوض مشروطا على المطلقة وإنما جعلنا نصف العبد ونصف البضع بمقابلة الطلاق لأن المجهول إذا ضم إلى المعلوم فالانقسام باعتبار الذات دون القيمة ولو استحق العبد أو هلك قبل التسليم رجع بخمسائة حصة العبد وبنصف قيمة العبد أيضا لأن نصف العبد بمقابلة نصف الطلاق واستحقاق العبد أو هلاكه قبل التسليم يوجب قيمته على من كان ملتزما تسليمه فلهذا رجع بقيمة ذلك النصف وها هنا المسئلة التي تجاذبها بابا الشفعة النكاح وهي ما إذا تزوجها على دار على أن ترد عليه ألفا تقسم الدار على مهر مثلها وعلى الألف حتى لو استويا فالنصف مهر والنصف مبيع وإن تفاوتا تفاوتا وهذا بالاتفاق ثم هل تثبت الشفعة لجار هذه الدار فيها مثلا عند أبي حنيفة لا وعندهما نعم اعتبارا لبعض المبيع بالكل وهو يقول ما ثبت في ضمن شيء يعطى له حكم المتضمن لا حكم نفسه والبيع ههنا في ضمن
____________________
(3/352)
النكاح إذ العقد بلفظ النكاح فحكمه حكمه ولا شفعة في الدار التي يتزوج عليها فكذا في هذه ولو اعتبر البيع أصلا فسد لأنه نكاح في ضمن بيع فيفسد البيع لأنه يفسد بالشروط الفاسدة وقبول النكاح صار شرطا فيه وفي فتاوى الخاصي من علامة النون رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا على أن تدفع إليه هذا العبد فإنه يقسم مهر مثلها على قيمة العبد ومهر مثلها لأنها بذلت البضع والعبد بإزاء مهر المثل والبدل ينقسم على قيمة المبدل فما أصاب قيمة العبد فالبيع فيه باطل لأنها باعته بشيء مجهول ويصير الباقي مهرا لها وذكر في علامة الواو قال لامرأة أتزوجك على أن تعطيني عبدك هذا فأجابته بالنكاح جاز بمهر المثل ولا شيء من العبد أما أنه لا شيء له من العبد فلأن هذا شرط فاسد وأما جواز النكاح فلأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة 1 هـ وهذا اختلاف في القدر الذي يجب لها إذ مقتضى هذا أنه تمام مهر المثل بخلاف الأول قوله ولو تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد أو على هذه الألف أو هذا العبد أو على ألف أو ألفين فإن كان مهر مثلها أقل من أوكسهما أو مثله فلها الأوكس إلا أن يرضى الزوج بدفع الأرفع فهو لها إلا أن ترضى بالأوكس وإن كان أكثر من أرفعهما أو مثله فلها الأرفع إلا أن ترضى بالأوكس وإن كان مهر مثلها بينهما أي فوق الأوكس ودون الأرفع فلها مهر مثلها وهذا عند أبي حنيفة وقالا لها الأوكس في ذلك كله فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع فلو كان قيمة العبدين سواء صحت التسمية اتفاقا وكثير على أن منشأ هذا الخلاف الخلاف في الواجب الأصلي في النكاح فعنده مهر المثل لأنه أعدل إذ هو قيمة البضع لأنه متقوم بحالة الدخول بخلاف المسمى فإنه قد يزيد على قيمته وقد ينقص فلا يعدل إليه إلا عند صحة التسمية وقد فسدت للجهالة بإدخال كلمة أو وعندهما الواجب الأصلي المسمى فلا يعدل عنه إلى مهر المثل إلا إذا فسدت من كل وجه وهو منتف إذ يمكن إيجاب الأوكس لأنه متيقن قياسا على ما لو خالعها على هذا العبد أو هذا أو أعتقه على هذا العبد أو هذا فإنه يجب الأوكس فيهما اتفاقا وهذا إن كان منقولا عنهم فلا كلام فيه وإن كان تخريجا فليس بلازم لجواز أن يتفقوا على أن الأصل مهر المثل ثم يختلفوا في فساد التسمية في هذه المسئلة فعنده
____________________
(3/353)
فسدت لإدخال أو فصير إلى مهر المثل وعندهما لم تفسد لأن المتردد بينهما لما تفاوتا ورضيت هي بأيهما كان فقد رضيت بالأوكس فتعين دون الأرفع إذ لا يمكن تعيينه عليه مع رضاها بالأوكس وإذا تعين مالها لم يصر إلى مهر المثل لأن المصير إليه حكم عقد لا تسمية فيه صحيحة وصار كالخلع على ألف أو ألفين والإعتاق بأن قال أعتقتك على هذا العبد أو هذا وقبل فإنه يجب الأوكس فيهما وهو يفرق بأن تعين الآوكس في هاتين ضرورة أن لا موجب فيهما في حق البدل وإنما يجب فيهما بالتسمية وأن لا يلغو كلامهما بالكلية ولا ضرورة هنا لأن للنكاح موجبا أصليا فإذا لم يتعين أحد ما ردد فيه لا يلزم الإلغاء إذ يصان بتصحيحه بمهر المثل وهذا بخلاف ما لو خيرها بأن قال على أنها بالخيار تأخذ أيهما شاءت أو على أني بالخيار أعطيك أيهما شئت فإنه يصح كذلك اتفاقا لانتفاء المنازعة أما ما نحن فيه فلا لأنها لو أرادت أخذ الأرفع فامتنع تحققت المنازعة إذ ليس الرجوع إلى قول أحدهما بأولى من الآخر بخلاف التخيير إذ من له الخيار يستبد بالتعيين وصار كبيع أحد العبدين لا يجوز ولو سمى لكل ثمنا وجعل خيار التعيين لأحدهما جاز وبخلاف ما لو أقر له بألف أو ألفين حيث يتعين له الألف لأنه لم يوقع ذلك في إنشاء معاوضة بل ذكر أن ذمته مشغولة بأحد المالين والأصل براءة الذمة وهو في شك في اشتغالها بالألفين لم يجزم بهما فلا يلزمانه بخلاف الألف فإنه لم يشك فيها ولو تزوجها على ألف حالة أو مؤجلة إلى سنة ومهر مثلها ألف أو أكثر فلها الحالة وإلا فالمؤجلة وعندهما لها المؤجلة لأنها أقل ولو على ألف حالة أو ألفين إلى سنة ومهر مثلها كالأكثر فالخيار لها وإن كان كالأقل فله وإن كان بينهما يجب مهر المثل وعندهما الخيار له لوجوب الأقل عليه قوله والواجب في الطلاق قبل الدخول إلخ وعلى هذا لو كانت المتعة زائدة على نصف الأوكس تحكم صرح به في الدراية فالمحكم في الطلاق قبل الدخول في التحقيق ليس إلا متعة مثلها قوله وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف إلخ المهر كما يكون من النقود يكون من العروض والحيوان فإذا
____________________
(3/354)
كان عرضا أو حيوانا فإما معين كهذا العبد أو الفرس أو الدار فيثبت الملك بمجرد القبول فيه لها إن كان مملوكا له وكذا لو لم يكن مشارا إليه إلا أنه أضافه إلى نفسه كعبدي وإلا فلها أن تأخذه بشرائه لها فإن عجز عن شرائه لزمه قيمته ولو استحق نصف الدار خيرت في النصف الباقي في يدها وإن شاءت ردته بالعيب الفاحش وهو التشقيص في الأملاك المجتمعة ورجعت بقيمة الدار وإن شاءت أمسكته ورجعت بقيمة نصفها ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف الذي في يدها خاصة ولو ولدت الأمة عنده ثم مات الولد فليس على الزوج ضمانه ولايكون حاله أعلى من حال ولد المغصوبة ولكن لها الأمة إن دخل بها ولا خيار لها إن كان نقصان الولادة يسيرا وإن كان فاحشا فلها إن شاءت أخذت الجارية ولا يضمن الزوج شيئا وإن شاءت أخذت قيمتها يوم تزوجها عليها لأن نقصان الولادة كالعيب السماوي وقد كان الولد جابرا لذلك النقصان فإذا مات الولد ظهر النقصان لانعدام ما يجبره وقد بينا ثبوت الخيار لها في العيب السماوي بهذه الصفة ولو كان الزوج قتله ضمن قيمته لأنه أتلف أمانه في يده فإن كان في قيمته وفاء بنقصان الولادة لم يضمن نقصانها وإن لم يكن أجاب في كافي الحاكم بأن عليه تمام ذلك قال شمس الأئمة وهو غلط فقد بين في الابتداء أن الزوج لا يضمن نقصان الولادة عند موت الولد فكذا لا يضمن ما زاد على قيمته من قدر النقصان ولكن إن كان يسيرا فلا خيار لها وإن كان فاحشا فلها الخيار كما قلنا ولا إشكال في الثوب المعين في ثبوت الصحة غير أنه إذا زاد فقال هذا الثوب الهروي ولم يكن هرويا فليس لها غيره وعلى قول أبي يوسف لها قيمة ثوب هروي وسط وعلى قول زفر لها الخيار بين أن تأخذه أو تطلب قيمة الهروي الوسط لأنها وجدته على خلاف شرطه ولكنا نقول المشار إليه من جنس المسمى فيتعلق العقد بالمشار إليه وسنقرره إن شاء الله تعالى وإما غير المعين فلا يخلو إما أن يكون مكيلا أو موزونا أو غيرهما ففي غيرهما إن لم يعين الجنس بأن قال حيوان ثوب دار لم يصح ويجب مهر المثل بالغا ما بلغ لأن بجهالة الجنس لا يعرف الوسط لأنه إنما يتحقق في الأفراد المماثلة وذلك باتحاد النوع بخلاف الحيوان الذي تحته الفرس والحمار وغيرهما والثوب الذي تحته القطن والكتان والحرير واختلاف الصنعة أيضا والدار التي تحتها ما يختلف اختلافا فاحشا بالبلدان والمحال والضيق والسعة وكثرة المرافق وقلتها فتكون هذه الجهالة أفحش من جهالة مهر المثل فمهر المثل أولى وإن عينه بأن قال عبد أمة فرس حمار بيت صحت التسمية وإن لم يصفه وينصرف إلى بيت وسط من ذلك وكذا باقيها وهذا في عرفهم أما البيت في عرفنا فليس خاصا بما يبات فيه بل يقال لمجموع المنزل والدار فينبغي أن يجب بتسميته مهر المثل كالدار وتجبر على قبول قيمته لو أتاها بها وبقولنا قال مالك وأحمد خلافا للشافعي له أن عقد النكاح معاوضة فلا تصح التسمية مع جهالة العوض كالبيع ولنا أنه معاوضة مال بما ليس بمال والحيوان يثبت في ذلك بالذمة أصله إيجاب الشرع مائة من الإبل في الدية وفي الجنين غرة عبد أو أمة
____________________
(3/355)
في الذمة وليس فيها معلوم إلا الوسط من الأسنان الخاصة وسر هذا الشرع عدم جريان المشاحة في ذلك حيث لم يقابلها مال فلا يفضى جهالة الوصف فيه إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم ألا يرى أن الشرع أوجب مهر المثل مع جهالة وصفه وقدره في بعض الصور بأن لم يكن من أقاربها من تزوج وعلم لها مهر فإنه يحتاج إلى تقويم وتخمين بل جهالة مهر المثل فوق جهالة العبد لأن جهالته في الصفة وجهالة المثل جهالة جنس فتصحيح التسمية أولى قوله وشرطنا أن يكون الخ جواب سؤال تقديره لما شابه النكاح حينئذ الإقرار في كونه التزام مال ابتداء ينبغي أن يصح تسمية حيوان كما يصح الإقرار بشيء ويلزمه البيان من غير توقف على كون المقر به مالا وسط وطرفان فقال شرطنا ذلك رعاية لجانبي المرأة والزوج إذ جهة كونه معاوضة توجب اشتراط نفي الجهالة أصلا لكن لما لم يكن المال من الجانبين تحملت فيه الجهالة اليسيرة مع أنه المورد الشرعي أعني إيجاب الشرع للوسط في حيوان الزكاة رعاية لجانبي الفقراء وأرباب الأموال وكذا ما ذكرناه من الدية والغرة ولا يتعدى إلا حكم الأصل ولو أسقط قوله فجعلناه التزام المال ابتداء واكتفى بالإلحاق بالدية والغرة ومهر
____________________
(3/356)
المثل استغنى عن هذا السؤال وجوابه قوله وإنما يتخير الزوج جواب عن سؤال مقدر أن ما ذكرتم يقتضي وجوب الوسط والحكم عندكم وجوب أحد الأمرين منه ومن قيمته حتى تجبر على قبولها أجاب لما كان الوسط لا يعرف إلا بتقويمه صارت القيمة أصلا مزاحما للمسمى كأنها هو فهي أصل من وجه فتجبر على قبول أي أتاها به وبهذا التقرير يندفع ما قد يقال إذا كان الحكم ذلك صار كأنه تزوجها على عبد أو قيمته وفيه يجب مهر المثل لأن هذا التقرير إنما أفاد أن الأصل العبد عينا والقيمة مخلص ألا يرى إلى التشبيه في قولنا كأنها هو وفي المبسوط بعد أن قال لكون المهر عوضا راعينا صفة الوسطية ليعتدل النظر من الجانبين ولكونه مالا يلتزم ابتداء لا يمنع جهالة الصفة صحة الالتزام قال ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لأن صحة الالتزام باعتبار صفة المالية والقيمة فيه كالعين هذا وتعتبر القيمة بقدر الغلاء وبالرخص ويختلف ذلك بحسب الأوقات وهو الصحيح وإنما قدر أبو حنيفة في العبيد السود بأربعين دينار أو فى العبيد البيض بخمسين لما كان في زمانه قوله وإن تزوجها على ثوب الخ تقدم الكلام فيه قوله وكذا إذا بالغ في وصف الثوب بأن ذكر بعد نوعه طوله وعرضه ورقته وعلى منوال كذا لا يختلف الجواب من أنها تجبر على أخذ القيمة كما على أخذ الثوب وجعله ظاهر الرواية احترازا عما عن أبي حنيفة يجبر الزوج على عين الوسط وهو قول زفر وعما عن أبي يوسف أنه إن ذكر الأجل مع ذلك تعين الثوب لأن موصوفه إذا كان مؤجلا يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا في السلم وإن لم يؤجل تخير الزوج وعبارته في المبسوط فإن عين صفة الثوب فعلى قول زفر لا تجبر على القيمة إذا أتاها بها وعلى قول أبي يوسف إن ذكر الأجل إلى آخر ما ذكرناه ثم قال وزفر يقول الثوب يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا
____________________
(3/357)
لأنه بالمبالغة في ذكر صفته يلتحق بذوات الأمثال ولهذا يجوز السلم فيه واشتراط الأجل هناك من حكم السلم لا من حكم ثبوت الثياب دينا في الذمة فاستوى ذكر الأجل وعدمه وأجاب بأن قال لكنا نقول لو باع عبدا بثياب موصوفة في الذمة لا يجوز إلا مؤجلا وإن لم يكن العقد سلما فعرفنا أن الثياب لا تثبت دينا ثبوتا صحيحا لا مؤجلا وظاهره ترجح قول أبي يوسف وقد يقال بل حاصل الصورة سلم والعبد رأس ماله والثياب المؤجلة المسلم فيه ولا يخفى ترجح قول زفر إذ لم يندفع قوله إن اشتراط الأجل ليس من حكم ثبوته في الذمة وهو ظاهر وأما المكيل والموزون فإن سمى جنسه كعلى أردب قمح أو شعير دون صفته فكغيره من ثبوته وإجبارها على قبول القيمة وإن وصفه كجيدة خالية من الشعير صعيدية أو بحرية لا يخير الزوج بل يتعين المسمى لأن الموصوف منهما يثبت في الذمة صحيحا حالا كالقرض ومؤجلا كما في السلم وعن أبي حنيفة لا تجبر على القيمة فيما إذا لم يسم الصفة أيضا لأن صحة التسمية إنما توجب الوسط مخيرا بينه وبين القيمة كما في الفرس والعبد لا تعين الوسط قوله وإن تزوج مسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جائز ولها مهر مثلها وبه قال الثلاثة وقالوا في رواية عن كل منهم يفسد النكاح لامتناع العوض إذ المسمى يمنع عوضا آخر وهو ممتنع التسليم في حق المسلم قلنا امتناع التسليم لا يزيد على فساد التسمية وفسادها لا يزيد على اعتبارها عدما مع اشتراط قبوله والنكاح لا يفسد بعدم التسمية ولا بالشرط الفاسد بخلاف البيع يفسد بالأول لأنه ركنه وبالثاني لأن الشرط الفاسد يصير ربا لأن الشرط زيادة خالية عن العوض في أحد الجانبين ولا ربا في النكاح قوله فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر أو على هذ العبد فإذا هو حر فعند أبي حنيفة لها مهر مثلها فيهما وقال أبو يوسف
____________________
(3/358)
لها مثل وزن الخمر خلا وقيمة الحر المشار إليه لو كان عبدا وقال محمد بقول أبي حنيفة في الحر وبقول أبي يوسف في الخمر وذكر الحاكم أن قول أبي يوسف الأول في الحر كقولهما وظاهر كلام الهداية في
____________________
(3/359)
التعليلات مقتضى افتراقهم في مباني الخلاف لأنه خص أبا يوسف بما حاصله أنه سمى لها مالا وتعذر تسلمية فتجب قيمته في القيمى والمثل في المثلى والعبد قيمى والخمر مثلى ثم قال وأبو حنيفة يقول لما اجتمعت الخ والتحقيق أنه لا خلاف بينهم فيه ففي الإيضاح لا خلاف بينهم أن المعتبر المشار إليه إن كان المسمى من جنسه وإن كان من خلاف جنسه فالمسمى وفي إشارات الأسرار قال هذا الخلاف ينشأ من أصل مجمع عليه إلى آخر معنى ما ذكرنا وما نذكر ولأن هذا الأصل متفق عليه في البيوع والإجارات وسائر العقود وتفصيله من الكافي قال هذه المسائل مبنية على أصل وهو أن الإشارة والتسمية إذا اجتمعتا والمشار إليه من خلاف جنس المسمى فالعبرة للتسمية لأنها تعرف الماهية والإشارة تعرف الصورة فكان اعتبار التسمية أولى لأن المعاني أحق بالاعتبار وإن كان المشار إليه من جنس المسمى إلا أنهما اختلفا وصفا فالعبرة للإشارة لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف يتبعه أي يتبع الذات ألا ترى أن من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعقد لاختلاف الجنس ولو اشتراه على أنه أحمر فإذا هو أخضر ينعقد لاتحاده والشأن في التخريج على هذا الأصل فأبو يوسف يقول الحر مع العبد والخل مع الخمر جنسان مختلفان في حق الصداق لأن أحدهما مال متقوم يصلح صداقا والآخر لا فالحكم حينئذ بالمسمى وكأن الإشارة تبين وصفه كأنه قال عبد كهذا الحر وخل كهذا الخمر ومحمد يقول العبد مع الحر جنس واحد إذ معنى الذات لا يفترق فيهما فإن منفعتهما تحصل على نمط واحد فإذا لم يتبدل معنى الذات العبتر جنسا واحدا فالعبرة للإشارة والمشار إليه لا يصلح مهرا فوجب مهر المثل أما الخل مع الخمر فجنسان إذ المطلوب من الخمر غير المطلوب من الخل فالحكم فيه كما قال أبو يوسف وأبو حنيفة يقول لا تأخذ الذاتان حكم الجنسين إلا بتبدل الصورة والمعنى لأن كل موجود من الحوادث
____________________
(3/360)
موجود بها وصورة الخل والخمر والحر والعبد واحدة فاتحد الجنس فالعبرة للإشارة فيهما والمشار إليه غير صالح فوجب مهر المثل وغاية الأمر أن يكون سمى الخمر خلا والحر عبدا تجوزا وذلك لا يمنع تعلق الحكم بالمراد كما لو قال لامرأته هذه الكلبة طالق ولعبده هذا الحمار حر تطلق ويعتق فظهر أن لا اختلاف بينهم في الأصل بل في اختلاف الجنس واتحاده فلزم أن ما ذكر في بعض شروح الفقه من أن الجنس عند الفقهاء المقول على كثيرين مختلفين بالأحكام إنما هو على قول أبي يوسف وعند محمد المختلفين بالمقاصد وعند أبي حنيفة هو المقول على متحدي الصورة والمعنى ثم لا يخفى أن الائق كون الجواب على قول أبي يوسف وجوب القيمة أو عبد وسط لأن إلغاء الإشارة واعتبار المسمى يوجب كون الحاصل أنه تزوجها على عبد وحكمه ما قلنا ولو تزوجها على عكس ما ذكرنا أي على هذا الدن من الخمر فإذا هو خل أو على هذا الحر فإذا هو عبد أو على هذه الميتة فإذا هي ذكية فلها المشار إليه في الأصح عند أبي حنيفة وإن روى عنه مهر المثل وقد مر على أصله وبالأصح عن أبي حنيفة قال أبو يوسف فأوجب الذكية وما معها وأوجب محمد المذكاة ومهر المثل في الخمر فمر على أصله وأبو يوسف خالف أصله واعتذر عنه بأنه جمع بين الإشارة والتسمية وصحت إحداهما وبطلت الأخرى فاعتبرت الصحة وصارت الأخرى كأن لم تكن وكذا خالف أبو حنيفة الأصل المذكور له على تلك الرواية القائلة بوجوب مهر المثل ووجه بأنه يقول الموجب الأصلي مهر المثل وإنما اعتبرنا الإشارة هناك لتجب ولو اعتبرناها هنا لا يجب فلا تعتبر ليجب مهر المثل لأنه هو الأصل قوله فإن تزوجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حر فليس لها عند أبي حنيفة إلا الباقي إذا ساوى عشرة فإن لم يساو عشرة كملت العشرة
____________________
(3/361)
لأنه مسمى ووجوب المسمى المستحق بأصل العقد وان قل يمنع وجوب مهر المثل وقال أبو يوسف لها العبد وقيمة الحر لو كان عبدا لأنها مارضيت إلا بهما وتعذر تسليم أحدهما فتجب القيمة وقال محمد لها الباقي وتمام المهر مثلها إن لم يبلغ الباقي مهر المثل وهو رواية عن أبي حنيفة فعلى هذا لو بلغ الباقي مهر المثل لا يزاد عليه فيتحد بقول أبي حنيفة لأنهما لو كانا حرين يجب مهر المثل فإذا كان أحدهما حرا ولم يبلغ الباقي مهر المثل تمم مهر المثل دفعا للضرر عنها فهنا مقامان لهما مقام اختلفا فيه وهو تعين الواجب مع الباقي ومقام اتفقا فيه وهو عدم الاقتصار على الباقي ولهما فيه الإلحاق بالمسئلة السابقة أعني ما إذا تزوجها على ألف وأن لا يخرجها من البلد ولم يف حيث يكمل مهر المثل لأنها لم ترض بذلك القدر فقط وقد امتنع الباقي فلم يجب الاقتصار عليه والجواب الفرق بأن الفائت في السابقة لم يستحق بأصل العقد مدفوع بأن لا أثر لاستحقاق مستحق خاص بأصل العقد في دفع استحقاق غيره ولزوم مهر المثل فيها ليس إلا لعدم رضاها بذلك القدر تسمية إذ لم ترض إلا بالكل غير أن الفائت هناك لما لم يتقوم صير إلى مهر المثل وهنا يتقوم بمعنى يقوم هذا الحر عبدا فتجب قيمته وعلى هذا يترجح قول أبي يوسف من حيث الوجه وقد يجاب بأن جبر الفائت هناك لعدم رضاها وعدم تقصيرها في تعيين ما ترضى به أما هنا فهي المقصرة في الفحص عن حال المسميين فإنه مما يعلم بالفحص بخلاف السابقة لأن عدم الإخراج وطلاق الضرة إنما يعلم بعد ذلك فكانت هنا ملتزمة للضرر معنى هذا وقد خرجت هذه المسئلة على ما يليها من الأصل الذي ذكرناه فعند أبي حنيفة تسمية العبد عند الإشارة إلى الحر لغو وإذا لغا تسمية أحد العبدين صار كأنه تزوجها على عبد فليس لها غيره وعند أبي يوسف تسمية العبد معتبرة مع الإشارة إلى الحر فاعتبر تسمية العبدين لكنه عجز عن تسليم أحدهما فوجبت قيمته ومحمد يقول الأمر كما قال أبو حنيفة إن تسمية العبد عند الإشارة إلى الحر لغو مكنها لم ترض في تمليك بضعها بعبد واحد فيجب النظر إلى مهر المثل لدفع
____________________
(3/362)
الضرر ولا جواب إلا بما قلنا من إلاتزانها لذلك حيث قصرت إن تم وإلا فالأوجه قول أبي يوسف وكونها مقصرة بذلك ممنوع إذ العادة مانعة من التردد في أن المسمى حر أو عبد وقريب من هذا ما لو تزوجها على هذه الثياب العشرة فإذا هي تسعة ليس لها غير التسعة وحكم محمد بها كما قال أبو حنيفة إن ساوت مهر مثلها أو زادت وإلا كمل لها مهر مثلها وفي فتاوي الخاصي من علامة العين تزوجها على هذه الأبواب العشرة فإذا هي أحد عشر فإن كان مهر مثلها أحد عشر وزيادة فلها أحد عشر عند أبي حنيفة وبه يفتى لأن المهر إحدى العشرتين أجودهما أو أردأهما فصار كما إذا تزوج على أحد هذين العبدين أما إذا وجدت تسعة فلها التسعة لا غير عنده وبه يفتى فرق بين هذا وبين ما إذا تزوجها على هذه الأثواب العشرة الهروية فإذا هي تسعة حيث كان لها التسعة وثوب آخر في قولهم جميعا لأن في الأولى المنطوق به الثوب المطلق والثوب المطلق لا يجب مهرا ألا ترى أنه لو تزوجها على ثوب مطلق يجب مهر المثل وفي الثانية المنطوق به ثوب هروي وهذا يجب مهرا وشرح العبارة الأولى أن التزوج إنما وقع على عشرة وحين وجدت أحد عشر فلا بد أن تشتمل غالبا على عشرة هي أجود الأحد عشر وعشرة هي أراد الأحد عشر فصارت التسمية عشرة من أحد عشر إما أردؤها أو أجودها وبه تفسد التسمية عند أبي حنيفة فيحكم مهر المثل فإذا كان أحد عشر أو أكثر فلها الأحد عشر لرضاها بالنقصان وإن كان بين العشرة التي هي الأردأ والعشرة التي هي الأجود تعين أعنى مهر المثل كما لو كان بين أوكس العبدين وأجودهما وإن كان أقل من أردأ العشرتين أو مثلها تعين العشرة الرديئة كما لو كان أقل من أوكس العبدين أو مثله هذا قياس قوله وأما قياس قلولهما فصحت التسمية وتعين أردؤهما مطلقا كما عينا أوكس العبدين كذلك وشرح العبارة التسعة أنه إذا ظهرت العشرة تسعة ولم يصفها بالهروية فكأنه تزوجها على هذه التسعة وثوب آخر وهو مطلق فيلغو وتجب التسعة فقط بخلاف ما إذا وصفها بالهروية لأن المعنى أنه تزوجها على هذه التسعة وثوب هروي فلا تبطل تسميته غير أن مقتضى الأصل أن يتخير فيه بين عينه وقيمته والله أعلم قوله وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد وهو كتزوج الأخت في عدة الأخت أو الخامسة في عدة الرابعة أو الأمة على الحرة فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها خلا بها أو لم يخل لأن المهر لايجب في النكاح الفاسد إلا في بالدخول وإنما لم تقم الخلوة فيه مقام الدخول لأن التمكن منها فيه منتف شرعا بخلاف الصحيح فإنه يجب فيه بالعقد ويكمل بالخلوة لو طلقها فيه قبل الدخول لأن الخلوة فيه أقيمت مقام الدخول لثبوت التمكن من الوطء شرعا وحسا فإن دخل بها بجماع في القبل فلها مهر مثلها لا يزاد على المسمى عندنا خلافا لزفر رحمه الله اعتبره بالبيع الفاسد حيث تجب فيه القيمة إذا امتنع الرد ونحن نقول المستوفى ليس بمال وإنما يتقوم بالتسمية فإن زادت على مهر المثل لم تجب الزيادة لعدم صحة التسمية وإن نقصت لم تجب الزيادة على المسمى لعدم التسمية وأورد عليه لزوم التناقض لأنك أسقطت اعتبار التسمية إذا زادت على مهر المثل ثم اعتبرتها إذا نقصت منه فإن كانت فاسدة يجب شمول العدم وإن كانت صحيحة فشمول الوجود وأجاب المورد بأنها صحيحة من وجه فاسدة من وجه صحيحة من حيث أن المسمى مال فاسدة من حيث أنها وجدت في عقد فاسد فاعتبرنا
____________________
(3/363)
فسادها إذا زادت وصحتها إذا نقصت لانضمام رضاها والحق أن هذه التسمية ليست إلا فاسدة وقد صرح المصنف ببطلانها إذ ليس معنى فساد التسمية إلى كون المسمى ليس بمال أو وقوعه في عقد فاسد كل منهما يستقل بفاسدها وبفسادها وجب المصير إلى مهر المثل لأنه القيمة للبضع شرعا وتقرير الكتاب لا تجب الزيادة لعدم التسمية أي لأنها لم تسمها فكانت راضية بالحط مسقطة حقها في الزيادة إلى تمامه حيث لم تسم تمامه وإذا علمت فساد التسمية علمت أن المصير في العقد الفاسد إلى مهر المثل بالدخول اتفاقا بيننا وبين زفر رحمه الله غير أنه يوجبه بالغا ما بلغ ونحن لا نجاوز به المسمى لما ذكرنا فوجه الاستدلال أن يقال سلمنا أن الوجب فيه مهر المثل لكنها رضيب بإسقاط بعض حقها ونترك باقي المقدمات لأنه لا حاجة إليها بل لا تصح لأن قوله إنما يتقوم بالتسمية إن أراد في النكاح الصحيح فالحصر ممنوع بل تارة بها وتارة بمهر المثل وإن أراد في الفاسد فقد ظهر أنها لا تصح فيه حتى صار خاليا عن التسمية ووجب مهر المثل غير أنه اعتبر حطها فإن قيل لم اعتبر رضاها بالحط ولم يعتبر رضاها بالزيادة فلم يوجبوا المسمى إذا زاد على مهر المثل فالجواب أنا لو أوجبناه
____________________
(3/364)
فإما لأنه مسمى وقد بطل وإما لرضاها ومجرد الرضا بالتمليك لا يثبت لزوم القضاء به لأن به لا يدخل في ملك الآخر بالقبض بخلاف الرضا بالحط لأنه إسقاط فيتم بالواحد وعلى هذا لا تتم المعارضة لزفر رحمه الله بما في الترمذي وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فكان وجوب مهر المثل أصلا في كل نكاح فاسد هذا بعد ما فيه مما قدمنا في باب الأولياء والأكفاء
فروع لا يصير محصنا بهذا الدخول إلا عند أبي ثور وأجمعت الأمة على أنه لا يكون محصنا في العقد الصحيح إلا بالدخول ثم لو تكرر الجماع لم يلزمه سوى مهر واحد وهو ما ذكرنا بخلاف ما إذا تكرر وطء الابن لجارية الأب وادعى الشبهة فإنه يلزمه بكل وطء مهر والأصل أن الوطء في غير ذلك الملك إن كان بشبهة اشتباه تعدد المهر بتكرره وإن كان بشبهة ملك لا يتعدد بتعدده ففي جارية الأب وجارية الزوجة إذا وطئها بخروج الثابت في حقهما شبهة الاشتباه فيتكرر بتكرره وفي جارية الإبن إذا وطئها الأب والمكاتبة إذا وطئها السيد والزوجة في النكاح الفاسد أو في النكاح الصحيح إذا ظهر بعد تعدد الوطء أنه كان حلف بطلاقها الثابت في حقهم شبهة الملك وتقرر الوطء في الملك لا يتعدد به المهر فكذا في شبهته وأما إذا وطئ أحد الشريكين الجارية المشتركة مرارا فإن الشيخ حسام الدين لم يذكره في الكتاب وكان الشيخ برهان الدين والدي يقول يتعدد المهر لأنه في النصف الآخر ليس له شبهة ملك فصار بمنزلة جارية الأب في حق الإبن ولو وطئها بعد التفريق في النكاح الفاسد يحد لانتفاء الشبهة ولو زنى بامرأة فتزوجها وهو مخالطها ثم أتم الجماع لزمه مهران مهر المثل بالزنا لما سقط عنه الحد حين تزوجها قبل تمامه والمهر المسمى بالنكاح وإن طلقها في الحال لأن هذا أكثر من الخلوة وفي الخلاصة في الجنس الخامس من فصل المهر لو وطئ المعتدة عن طلاق ثلاث وادعى الشبهة هل يلزمه مهر واحد أم بكل وطء مهر قيل إن كانت الطلقات الثلاثة جملة واحدة فظن أنها لم تقع فهو ظن في موضعه فيلزمه مهر واحد وإن ظن أنها تقع لكن ظن أن وطأها حلال فهذا ظن في غير موضعه فيلزمه بكل وطء مهر وفي نوادر هشام عن محمد رحمه الله اشترى جارية فوطئها مرارا ثم استحقت فعليه مهر واحد وإن استحق نصفها فعليه نصف
____________________
(3/365)
المهر وفي آخر حدود خواهر زاده الصبي إذا زنى بصبيه فعليه المهر وإن أقر بذلك لا مهر عليه وإذا زنى الصبي ببالغة مكرهة فعليه المهر وإن دعته إلى نفسها لا مهر عليه ولو دعت صبية صبيا عليه المهر وكذا لو دعت أمة صبيا والمراد من المهر العقر قوله وعليها العدة يعني إذا فارقها وقد دخل بها لا بمجرد الخلوة لأنها لا تقام مقام الوطء في النكاح الفاسد وينبغي أن لا يجب عليها الإحداد في الأصل فيما إذا دخل الرجل على غير امرأته فدخل بها قال عليه مهر لها لأنه دخل بها بشبهة النكاح لأن خبر الواحد حجة في المعاملات فيصير شبهة تسقط الحد ويجب المهر قال في الكتاب وعليها العدة ويثبت نسب ولدها منه ولا تتقى في عدتها ما تتقى المعتدة بنحوه قضى رضي الله عنه ولأن الإحداد لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح وليس ذلك في الوطء بشبهة ولا نفقة في هذه العدة لأن وجوبها باعتبار الملك الثابت بالنكاح وهو منتف هنا ولأنها النفقة التي كانت واجبة بأصل النكاح تبقى في العدة ولم يكن لها عليه نفقة مستحقة ههنا لتبقى ولا يرجع بالمهر على الذي أدخلها عليه لأنه هو المستوفى للبدل ولو كانت هذه أخت امرأته حرمت عليه امرأته إلى انقضاء عدتها قوله ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق لا من آخر الوطآت هو الصحيح احترازا عن قول زفر لأنها إنما تجب باعتبار شبهة النكاح ورفع هذه الشبهة بالتفريق أو بالافتراق بالمتاركة إذ لا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد فلا يرتفع إلا بما قلنا ولا تتحقق المتاركة إلا بالقول بأن يقول تاركتك أو خليت سبيلك أو خليتها أو تركتها أما لو تركها ومضى على ذلك سنون لم يكن لها أن تتزوج بآخر قال الشيخ الإمام فخر الدين قاضيخان هذا في المدخول بها
____________________
(3/366)
أما في غيرها فبتفرق الأبدان بأن لا يعود إليها ولكل منهما فسخ الفاسد بغير حضور الآخر وقيل بعد الدخول ليس له ذلك إلا بحضور الآخر وعلم غير المتارك ليس شرطا لصحة المتاركة على الأصح وإنكار النكاح إن كان بحضرتها فهو متاركة وإلا فلا روى ذلك عن أبي يوسف واختار الصفار قول زفر حتى لو حاضت ثلاث حيض من آخر الوطآت قبل التفريق انقضت العدة وعندنا ما لم تحضها بعد التفريق أو المتاركة لم تنقض ويجب أن يكون هذا كله في القضاء أما فيما بينها وبين الله تعالى فإذا علمت أنها حاضت بعد آخر وطء ثلاثا ينبغي أن يخل لها التزوج فيما بينها وبين الله تعالى على قياس ما قدمناه من نقل العتابي وفي الفتاوي لا تجب عدة الوفاة من النكاح الفاسد قوله وتعبتر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد وعليه الفتوى لأن النكاح الفاسد ليس بداع إلى الوطء والإقامة أي إقامة العقد مقام الوطء باعتباره وهذا جواب عن قياسهما على الصحيح وذكر في الأصل تزوجت الأمة بغير إذن مولاها ودخل بها وجاءت بولد لستة أشهر منذ تزوجها فادعاه المولى والزوج فهو ابن الزوج فاعتبره من وقت النكاح ولم يحك خلافا قال شيخ الإسلام تأويل هذا ان الدخول كان عقيب النكاح بلا مهلة قال في الغاية قد اعتبروا العدة من وقت التفريق فكان الأحوط في النسب من وقت التفريق أيضا لا من وقت النكاح لأن العدة للنسب قال شارح الكنز هذا وهم لأنهم إنما اعتبروها من وقت النكاح ليثبت نسبه بمجرد العقد إقامة للتمكن من الوطء بالشبهة مقام الوطء حتى لو جاءت بولد لستة أشهر من وقت العقد ولأقل منها من وقت الوطء ثبت نسبه كما في الصحيح ولا ينافي ذلك اعتبارها من وقت التفريق ألا يرى أنها لو جاءت بولد لأكثر من سنتين من وقت النكاح ولم يفارقها وهي معه ثبت نسبه ولو كان الاعتبار لوقت التفريق لا غير لما ثبت وكذا لو فارقها بعد عشر سنين لا يمكن الاعتبار لوقت التفريق لا غير ولو خلا بها ثم جاءت بولد ثبت نسبه منه ويجب المهر والعدة في رواية عن أبي يوسف وعنه لا يثبت ولا يجب المهر ولا العدة وهو قول زفر وإن لم يخل بها لا يلزمه الولد 1 هـ والحاصل أنه يعتبر من وقت التفريق إذا وقعت فرقة وما لم تقع فمن وقت النكاح أو الدخول على الخلاف قوله لقول ابن مسعود لها مهر مثل نسائها قاله في المفوضة وقدمناه تخريجه وقوله وهن أقارب الأب ليس من كلامه بل تفسير نسائها من المصنف بناء
____________________
(3/367)
على أن الظاهر من إضافة النساء إليها باعتبار قرابة الأب لأن الإنسان من جنس أبيه ولذا صحت خلافة ابن الأمة إذا كان أبو قرشيا وعلى هذا كان الأولى إسقاط الواو في قوله ولأن الأنسان من جنس قوم أبيه ليكون وجه كون الإضافة المذكورة تعين كونهن أقارب الأب ظاهرا وهذا لأن جعله وجها مستقلا يصح إلا أنه حينئذ لا يكون الدليل الأول مستلزما للمطلوب لأن مجرد إضافة النساء إليها لا يستلزم كون النساء المضافة أقارب الأب بل كما يصح أن يقال لعماتها وأخواتها نساؤها يصح أن يقال لخالاتها أيضا وأخواتها لأمها فإنما يرجح جهة إرادة الأب المقدمة المذكورة قوله ويعتبر في مهر المثل أن تتساويا في الجمال يعني بمجرد تحقق القرابة المذكورة لايثبت صحة الاعتبار بالمهر حتى تتساويا سنا وجمالا ومالا وبلدا وعصرا وعقلا ودينا وبكارة وأدبا وكمال خلق وعدم ولد وفي العلم أيضا فلو كانت من قوم أبيها لكن اختلف مكانهما أو زمانهما لا يعتبر بمهرها لأن البلدين تختلف عادة أهلهما في المهر في غلائه ورخصة فلو ذوجت في غير البلد الذي زوج فيه أقاربها لا يعتبر بمهورهن وقيل لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشرف بل في أوساط الناس وهذا جيد وقالوا يعتبر حال الزوج أيضا أي بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما فإن لم تكن واحدة من قوم الأب بهذه الصفات فأجنبية موصوفة بذلك وفي الخلاصة ينظر في قبيلة أخرى مثلها أي مثل قبيلة أبيها وعن أبي حنيفة لا يعتبر بالأجنبيات ويجب حمله على ما إذا كان لها أقارب وإلا امتنع القضاء بمهر المثل وفي المنتقى يشترط أن يكون المخبر بمهر المثل رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط لفظة الشهادة فإن لم يوجد على ذلك شهود عدول فالقول قول الزوج مع يمينه وفي شرح الطحاوي مهر مثل الأمة على قدر الرغبة قوله وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه بقيد كون الضمان في الصحة أما في مرض الموت فلا لأنه تبرع لوارثه في مرض موته
____________________
(3/368)
ويشمل ولي الصغير إذا زوجه وضمن عنه وولي الصغيرة إذا زوجها وضمن لها وقوله ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها أو وليها هو على التقدير الثاني وقوله ويرجع الولي إذا ادى على الزوج إن كان بإذنه يفيد أن الزوج أجنبي أو في حكمه كولده الكبير وهذا لأنه لا يرجع إذا ادى عن ابنه الصغير فيما إذا زوجه وضمن عنه للعرف بتحمل مهور الصغار اللهم إلا أن يشهد أنه دفع ليرجع في أصل الضمان قوله ثم المرأة بالخيار في مطالبتها يعني إذا بلغت زوجها يعني إذا كان بالغا وإن لم يكن بالغا فإنما لها مطالبة أبيه ضمن أو لم يضمن كما في شرح الطحاوي والتتمة وذكرنا أنه إذا أدى لا يرجع ما لم يشهد على اشتراط الرجوع في أصل الضمان ولا يخفى أن هذا مقيد بما إذا لم يكن للصغير مال هذا والمذكور في المنظومة في باب جواب مالك من أنه يضمن الأب مهر ابنه الصغير بلا ضمان ونحن نخالفه بخلاف إطلاق شرح الطحاوي وذكر في المصفى جوابه فقال قلنا النكاح لا ينفك عن لزوم المال إنما ينفك عن إيفاء المهر في الحال فلم يكن من ضرورة الإقدام على تزويجه ضمان المهر عنه فهذا هو المعول عليه وإن ضمن الوصي يرجع مطلقا فلو لم يؤد الأب في صورة الضمان حتى مات فهي بالخيار بين أخذها من تركته وبين مطالبة زوجها فإن اختارت التركة فأخذت أجزنا لباقي الورثة الرجوع في نصيب الصغير وقال زفر ليس لهم الرجوع لأن هذه الكفالة لم تنعقد موجبة للضمان على الصغير لوقوعها بلا أمر من المكفول عنه إذ لا يعتبر إذنه ولو أذن وعن أبي يوسف كقوله فيما ذكره الولوالجي قلنا بل صدرت بأمر معتبر من المكفول عنه لثبوت ولاية الأب عليه فإذن الأب إذن منه معتبر وإقدامه على الكفالة دلالة على ذلك من جهته بخلاف ما إذا أدى عنه في حياته لأن تبرع الآباء بالمهور معتاد وقد انقضت الحياة قبل ثبوت هذا التبرع فيرجعون وكذا يرجعون إذا أدى في مرض موته والمجنون كالصبي في جميع ذلك لأنه مولى عليه سواء كان الجنون أصليا أو طارئا وإنما صح ضمان وليها إذا كان أبا أو جدا مع أنه المستحن لقبض صداقها والمطالبة به لأن الولي في النكاح وإن باشر سفير كالوكيل به بخلاف ما لو باع مال الصغير لايصح ضمانه الثمن لأنه مباشر فترجع الحقوق إليه حتى يطالب بالثمن ويخاصم في الرد بالعيب ويتسلم المبيع ويصح تأجيله وإبراؤه من الثمن عند أبي حنيفة ومحمد ويضمن مثله في ماله فلو صح ضمانه كان ضامنا لنفسه مقتضيا مقتضى فإن قيل لا نسلم عدم رجوعها إليه في النكاح ألا يرى أن له المطالبة بمهرها أجاب
____________________
(3/369)
المصنف بقوله وولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة لا باعتبار أنه عاقد لأنه معتاد ولذا لا يملك قبضه بعد بلوغها إذا نهته صريحا أما إذا لم تنهه فله المطالبة بخلاف البيع فإن له القبض بعد بلوغه دون الصبي ثم لا يشترط إحضار الزوجة لقبض الأب مهرها عندنا خلافا لزفر وأبي يوسف في قوله الأخير وفي المرغيناني لا يشترط ولم يذكر خلافا وقدمنا في قبض مهر البكر البالغة فروعا استوفيناها في باب الأولياء والأكفاء فارجع إليها ومما لم نذكره هناك لو قبض الأب المهر ثم ادعى الرد على الزوج إن كانت بكرا لم يصدق إلا ببينة لأن له حق القبض وليس له حق الرد وإن كانت ثيبا صدق لأن حق القبض ليس له فإذا قبض بأمر الزوج كانت أمانة عنده من الزوج فتقبل دعواه الرد كالمودع إذا قال رددت الوديعة قوله وللمرأة أن تمنع نفسها من الدخول بها ومن أن يسافر بها حتى يوفيها معجل مهرها ليتعين حقها في البدل كما تعين حقه في المبدل يعني ولا يتعين حقها إلا بالتسليم وهذا التعليل لا يصح إلا في الصداق الدين أما العين كما لو تزوجها على عبد بعينه فلا لأنها بالعقد ملكته وتعين حقها فيه حتى ملكت عتقه وقوله أي المعجل منه يتناول المعجل عرفا وشرطا فإن كان قد شرط تعجيل كله فلها الامتناع حتى تستوفيه كله أو بعضه فبعضه وإن لم يشترط تعجيل شيء بل سكتوا عن تعجيله وتأجيله فإن كان عرف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه إلى الموت أو الميسرة أو الطلاق فليس لها أن تحتبس إلا إلى تسليم ذلك القدر قال في فتاوي قاضيخان فإن لم يبينوا قدر المعجل ينظر إلى المرأة وإلى المهر أنه كم يكون المعجل لمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر فيعجل ذلك ولايتقدر بالربع والخمس بل يعتبر المتعارف فإن الثابت عرفا كالثابت شرطا بخلاف ما إذا شرط تعجيل الكل إذ لا عبرة بالعرف إذا جاء الصريح بخلافه ومثل هذا في غير نسخة من كتب الفقه فما وقع في غاية البيان من إطلاق قوله فإن كان يعني المهر بشرط التعجيل أو مسكوتا عنه يجب حالا ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها المهر ليس بواقع بل المعتبر في المسكوت العرف هذا وللأب أن يسافر بالبكر قبل إيفائه في الفتاوي رجل زوج بنته البكر البالغة ثم أراد أن يتحول إلى بلد آخر بعياله فله
____________________
(3/370)
أن يحملها معه وإن كره الزوج فإن أعطاها المهر كان له أن يحبسها قوله وليس له حق الاستيفاء كل من الزوج والمرأة له حق الاستيفاء وعليه إيفاء فكما أن له استيفاء منافع البضع وعليه إيفاء المهر كذلك لها استيفاء المهر وعليها إيفاء منافع بضعها وحينئذ فقد يقلب هذا الدليل فيقال ليس لها حق استيفاء المهر قبل إيفاء منافع البضع والجواب أن هذا وقع في تعليل حبسه إياها لأن ثبوته له للاستيفاء فعلى هذا كل منهما لو طولب بإيفاء ما عليه كان له الامتناع إلى استيفاء ماله ويستلزم تمانع الحقوق وفوات المقصود مثلا لو طالبها بإيفاء الدخول فقالت حتى أستوفي المهر فكان له أن يقول لا أوفيه حتى أستوفي منافع البضع وهي تقول مثله لزم ما ذكرنا والصواب أن هذا التعليل بعد الإلحاق بالبيع وأن البضع كالمبيع والمهر كالثمن لكنك علمت أن في بيع المقايضة لكل منهما الامتناع فيقال لهما سلما معا ومثله لا يتأتى في النكاح إذا كان المهر عبدا معينا مثلا ولا في معية الخلوة لإطلاق الجواب بأن لها الامتناع إلى أن تقبض هذا ولو كانت الزوج صغيرة فللولي منعها عن الزوج إلى أن يعطي المهر ولو زوجها غير الأب والجد كالعم وهي صغيرة ليس له أن يسلمها إلى الزوج قبل قبض الصداق ويقبضه من له ولاية القبض فإن سلمها فالتسليم فاسد وترد إلى بيتها لأنه ليس للعم ولا ية إبطال حقها كذا في التجنيس في رمز واقعات الناطفي ولو ذهبت الصغيرة إلى بيته بنفسها كان لمن كان أحق بإمساكها قبل التزوج أن يمنعها حتى يعطيه ويقبضه من له ولاية القبض لأن هذا الحق ثابت للصغيرة وليست هي من أهل الرضا
فرع إذا كان يسكن في بيت الغصب لها أن تمتنع من الذهاب إليه فيه ولا تسقط به نفقتها قوله ولو كان المهر كله مؤجلا مدة معلومة أو قليلة الجهالة كالحصاد ونحوه بخلاف ذلك في البيع وبخلاف المتفاحشة كإلى ميسرة وهبوب الريح حيث يكون المهر حالا ليس لها أن تمنع نفسها قبل الحلول ولا بعده لأن هذا العقد ما أوجب لها حق الحبس فلا يثبت بعده وكذا لو أجلته بعد العقد مدة معلومة لإسقاطها حقها بالتأجيل
____________________
(3/371)
كما في البيع إذا أجل الثمن ليس له منع المبيع إلى غاية القبض وفيه خلاف أبي يوسف فيما رواه المعلى عنه لأنه موحب النكاح تسليم المهر أولا فلما رضى بتأجيله كان راضيا بتأخير حقه لعلمه بموجب العقد بخلاف البيع فإن تسليم الثمن أولا ليس من موجباته كما في المقايضة واختار الولوالجي الفتوى به وهذا إذا لم يشترط الدخول في العقد قبل الحلول فإن شرطه فليس لها الامتناع بالاتفاق قوله وإن دخل بها قبل الإيفاء راضية وهي ممن يعتبر رضاها فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله أي لها حبس نفسها حتى تستوفي المهر خلافا لهما وأجمعوا أنه لو دخل بها كارهة أو صغيرة أو مجنونة فبلغت وصحت وزال الإكراه يكون لها حبس نفسها بعده وعلى هذا الخلاف الخلوة بها برضاها لاتسقط حقها في حبس نفسها عنده خلافا لهما قوله وإذا أوفاها مهرها أو كان
____________________
(3/372)
مؤجلا نقلها إلى حيث شاء من بلاد الله وكذا إذا وطئها برضاها عندهما وقيل لا يخرجها إلى بلد غير بلدها لأن الغريب يؤذى واختاره الفقيه أبو الليث قال ظهير الدين المرغينانى الأخذ بكتاب الله أولى من الأخذ بقول الفقيه يعني قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } وأفتى كثير من المشايخ بقول الفقيه لأن لنص مقيد بعدم المضارة بقوله تعالى { ولا تضاروهن } بعد { أسكنوهن } والنقل إلى غير بلدها مضارة فيكون قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } مما لا مضارة فيه وهو ما يكون من جوانب مصرها وأطرافه والقرى القريبة التي لا تبلغ مدة سفر فيجوز نقلها من المصر إلى القرية ومن القرية إلى المصر وقال بعض المشايخ إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان رجلا مأمونا فله نقلها قوله ومن تزوج امرأة ثم اختلفا الاختلاف في المهر إما في أصله أو في قدره وكل منهما إما في حال الحياة أو بعد موتهما أو موت أحدهما وكل منهما إما بعد الدخول أو قبله فإن اختلفا في حال الحياة في قدره بعد الدخول قبل الطلاق أو بعده حكم مهر المثل فمن كان من جهته كان القول له مع يمينه وإن لم يكن من جهة أحد بأن كان بين الدعويين تحالف ويعطى مهر المثل هذا قول أبي حنيفة ومحمد على تخريج الرازي وعلى تخريج الكرخي يتحالفان في الفصول كلها ويحكم مهر المثل وقال أبو يوسف القول للزوج مع يمينه في الكل إلا أن يأتى بشيء قليل وفسره المصنف وجماعة بأن يذكر مالا يتعارف مهرا لها
____________________
(3/373)
وقوله هو الصحيح احتراز عن قول من قال أن يذكر ما لايصلح مهرا شرعا أعني أن يذكر ما دون العشرة لأنه ذكر هذا اللفظ في البيع فيما إذا اختلفا في الثمن بعد الهلاك فالقول للمشتري إلا أن يأتي بشيء مستنكر وليس في الثمن تقدير شرعي وقد يقال ذلك لتعين كون الاستنكار بذلك الطريق لعدم تصور المستنكر بطريق آخر أما هنا فكما يتصور المستنكر عرفا يتصور شرعا ويجاب بأن المستنكر شرعا داخل في المستنكر عرفا فإن ما يستنكر شرعا يستنكر عرفا ولا عكس فحيث اعتبرناه عرفا فقد اعتبرناه شرعا وزيادة فصار الحاصل من قولنا إن ما يستنكر مطلقا لا يكون القول قوله فيه سواء كان عرفا أو شرعا ولأنه لو كان شرعا لم يتحقق لأنه إذا ادعى خمسة كملت عشرة ولغا كلامه لأن العشرة في كونه مهرا شرعا لا يتجزأ وتسمية بعض ما لا يتجزأ شرعا كتسمية كله فلا يتصور حينئذ أن يأتي بالمستنكر وليس هذا بشيء لأن عدم تصحيح الخمسة مثلا وجعل القول قوله وتكميلها عشرة هو لإتيانه بما يستنكر فقد تصور ورجح الوبري تفسير هؤلاء البعض بأنه ذكر في الرجوع عن الشهادة لو ادعى أنه تزوجها على مائة وهي تدعى ألفا ومهر مثلها ألف وأقام البينة ثم رجع الشهود لا يضمنون عند أبي يوسف لأنه لولا الشهادة لكان القول قوله ولم تجعل المائة مستنكرا في حقها يعني مع أن تسمية العشرة مستنكرة فيمن قيمتها عشرة أمثالها وإن اختلفا بعد الطلاق قبل الدخول حكم متعة مثلها على التفصيل المذكور في تحكيم مهر المثل على رواية الجامع الكبير ووجب نصف مايدعيه الرجل بعد يمينه عليه على ما في الأصل والجامع الصغير وقال أبو يوسف القول للزوج إلا أن يأتى على ما مر ولا خلاف بينهم في أن القول قول من يشهد له الظاهر على ما عرف في غير موضع وكما يفيده قول المصنف في التعبير عن أبي يوسف إلا أن يأتى بشيء يكذبه الظاهر فنفى كون القول لانتفاء الظاهر معه وإنما اختلفوا الاشتباه الظاهر ههنا أنه مع من فقالا مع من يشهد له مهر المثل لأن الغالب في المسمى في الأنكحة أن لا يكون أقل منه وهذا أوجه من قول المصنف لأنه الموجب الأصلي لأن كونه يفيد الظهور لمن هو من جهته ليس بذلك الاعتبار بل بما ذكرنا وقال أبو يوسف مع من يشهد له الأصل ببراءة الذمة وإنما اعتبر الشاهد هنا بمهر المثل لأنه القيمة الضرورية للبضع إذ كان ليس مالا وإنما يتقوم إظهارا لشرفه فيتقدر بقدر الضرورة وهي فيما إذا لم يتيقن بثبوت مسمى وهنا
____________________
(3/374)
تيقناه وهو ما أقر به الزوج فيكون القول له ويحلف على نفي دعواها وصار كالاختلاف في قدر المسمى في الإجارة كالقصار ورب الثوب لا يصار إلى تحكيم أجرة المثل لأن تقوم المنافع ضروري فلم يصر إليه حيث أمكن المصير إلى المسمى فكان القول لمن يدعي الأقل فكذا هذا وهما يقولان تقومه شرعا إظهارا للخطر يوجب الرجوع إليه عند التردد في المسمى لا ينفيه بل هو أحق من التقوم الذي يثبت بسبب المالية لأن ذلك يقبل الإبطال بخلاف هذا وأما القصار ورب الثوب إذا اختلفا في الأجرة فليس لعمله موجب في الأجر بدون التسمية ليصار إلى اعتباره وللنكاح موجب فهو أشبه باختلاف الصباغ ورب الثوب في المقدار مما ذكر وفيه تحكم قيمة الصبغ وأما قوله تيقنا التسمية وهي ما أقر به الزوج فليس بذاك بل المتيقن أحدهما غير عين وهو لا ينفى الرجوع إذ لا فرق بين ذلك وعدم التسمية حيث تعذر القضاء بأحدهما عينا قوله ثم ذكر هنا أي في الجامع الصغير أن القول للزوج في نصف المهر إذا طلقها قبل الدخول وكذا في الأصل وفي الجامع الكبير تحكم المتعة وقد قدمناه ووجه التوفيق ظاهر من الهداية وحاصله يرجع إلى وجوب تحكيم المتعة إلا في موضع يكون ما اعترف به أكثر منها فيؤخذ باعترافه ويعطى نصف مهر المثل ووجه ما ذكر أن المتعة موجبة بعد الطلاق قبل الدخول فتحكم كمهر المثل وقد يمنع بأن المتعة موجبة فيما إذا لم يكن فيه تسمية وهنا اتفقا على التسمية فقلنا ببقاء ما اتفقا عليه وهو نصف ما أقر به الزوج ويحلف على نفي دعواها الزائد وعلى هذا فلا يتم ذلك التوفيق بل يتحقق الخلاف ولهذا قيل في المسئلة روايتان لكن ما ذكر في جواب قول أبي يوسف آنفا يدفعه قوله وشرح قولهما إذا ادعى ألفا وهي ألفين ومهر مثلها ألف أو أقل فالقول له مع يمينه بالله ما تزوجتها على ألفين فإن حلف لزمه ما أقربه
____________________
(3/375)
تسمية أي لا يتخير فيها بين أن يعطيها دراهم أو قيمتها ذهبا وإن نكل لزمه ألفان مسمى لأن النكول إقرار أو بذل على الخلاف وكلاهما يقتضيه تسمية وإن كان مهر مثلها ألفين أو أكثر فالقول لها مع يمينها بالله ما تزوجته على ألف وإن نكلت فلها ما أقر به تسمية لإقرارها به وإن حلفت فلها ما ادعت قدر ما أقر به تسمية لإتفاقهما عليه والزائد بحكم مهر المثل يتخير فيه الزوج بين الدراهم والذهب لأن يمينها لدفع الحط الذي يدعيه هو ثم وجوب الزائد بحكم أنه مهر المثل وأيهما أقام البينة قبلت في الوجهين فيما يدعيه هو تسمية فإن أقاماها فبينتها أولى في الوجه الأول لإثباتها الزيادة وبينته في الثاني لإثباتها الحط ونص محمد في هذا أن بينتها أولى لإثباتها الزيادة كالفصل الأول كذا في جامع قاضيخان وجه الأول أن الزيادة ثابتة بحكم مهر المثل وإنما أثبتت بينتها تعينها دراهم وذلك وصف في الثابت وبينته مثبتة بخلاف الظاهر وهو الحط فهي المثبتة للزيادة بطريق الأصالة فكانت أكثر إثباتا من المثبتة للوصف وإن كان مهر مثلها بين الدعويين ألفا وخمسمائة فإن لم يكن لهما بينة تحالفا وأيهما نكلا لزمه دعوى الأخر وما وقع في النهاية من أن الزوج إذا نكل يلزمه ألف وخمسمائة كأنه غلط من الناسخ وإن حلفا يجب مهر المثل قدر ما أقربه تسمية والزائد يخير فيه فإن أقام أحدهما البينة يثبت ما يدعيه مسمى وإن أقامها تهاترتا في الصحيح لاستوائهما في الإثبات والدعوى ثم يجب مهر المثل ويخير فيه كله لأن بينة كل منهما تنفي تسمية الآخر فخلا العقد عن التسمية فيجب مهر المثل بخلاف التحالف لأن وجوب قدر ما يقر به الزوج بحكم الاتفاق وذكر قاضيخان أنه كفصل التحالف هذا كله تخريج الرازي وقد ذكرنا أن على تخريج الكرخي يتحالفان في الفصول كلها ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك والأحسن أن يقال يتحالفان ثم يعطى مهر المثل واختاره صاحب المبسوط وغيره من المتأخرين لأن ظهور مهر المثل عند عدم التسمية وبالتحالف ينتفى يمين كل دعوى صاحبه فيبقى العقد بلا تسمية فيجب حينئذ مهر المثل وقال قاضيخان ما قاله الرازي أولى لأنا لا نحتاج إلى مهر المثل للإيجاب بل ليتبين من يشهد الظاهر فيكون القول مع يمينه
____________________
(3/376)
فلا حاجة إلى التحالف ويقرع في التحالف للابتداء استحبابا ولو بدأ بأيهما كان جاز وقال القدوري في شرح كتاب الاستحلاف يبدأ بيمين الزوج لأنه كالمشتري والمهر كالثمن وفي المتبايعين يبدأ بيمين المشتري وإليه ذهب الإسبيجابى قوله ولو كان الاختلاف في أصل المسمى في حال الحياة بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر يجب مهر المثل بالإجماع ولو كان بعد الطلاق قبل الدخول تجب المتعة بالاتفاق لأنه هو الأصل عندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف تعذر القضاء بالمسمى لأن القول لمنكر التسمية مع يمينه فيصار إلى مهر المثل واستشكل كون مهر المثل هو الأصل عند محمد بل هو مع أبي يوسف في أن المسمى هو الأصل على ما صرح هو به في مسئلة ما إذا تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد وأحدهما أوكس وما ذكر من إيجابه مع أبي حنيفة مهر المثل لا يستلزم كونه بناء عليه فقد أشرنا إلى أنه ليعرف من معه الظاهر بناء على أن العادة كون المسمى لا ينقص عن مهر المثل إلا نادرا لكنا منعنا في تلك المسئلة اختلافهم في أن الأصل هو مهر المثل بل الاتفاق عليه ولا ينتفى بذلك الخلاف فلا يشكل على هذا كون الأصل مهر المثل عند محمد هنا كما هو عند أبي حنيفة بل الأولى أن يعلل للكل به والمسئلة اتفاقية قوله ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما فالجواب فيه كالجواب في حياتهما أي حال قيام النكاح في الأصل والمقدار ومن كان القول له لو كان حيا يكون القول لورثته وفي الأصل يجب مهر المثل بعد الدخول وقبله بعد الطلاق المتعة لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت
____________________
(3/377)
أحدهما ولهذا يجب في المفوضة مهر المثل بعد موت أحدهما بالاتفاق قوله ولو كان الاختلاف بعد موتهما في المقدار فالقول لورثة الزوج عند أبي حنيفة كأبي يوسف حال الحياة إلا أن أبا حنيفة لم يستثن القليل وهذا لسقوط مهر المثل بعد موتهما عند أبي حنيفة وعند محمد الجواب بعد موتهما كالجواب في حال الحياة وإن كان في أصل المسمى فعند أبي حنيفة القول لمن أنكره ولا يقضى بشيء وعندهما يقضى بمهر المثل وبه قال مالك والشافعي وأحمد وعليه الفتوى لكن الشافعي يقول بعد التحالف وعندنا وعند مالك وأحمد لا يجب التحالف قوله على ما نبينه يعني في المسئلة التي تليها من غير فصل وهي ما إذا مات الزوجان وقد سمى لها مهرا ثبت ذلك بالبينة أو بتصادق الورثة فلورثتها أن يأخذوا ذلك من ميراث الزوج هذا إذا علم أن الزوج مات أولا أو علم أنهما ماتا معا أو لم تعلم الأولوية لأن المهر كان معلوم الثبوت فلما لم يتيقن بسقوط شيء منه بموت المرأة أولا لا يسقط وإما إذا علم أنها ماتت أولا فيسقط منه نصيب الزوج لأنه ورث دينا على نفسه فعلم بهذا أن المستثنى منه المحذوف في قوله إلا إذا علم الخ هو هذه الصور الثلاث التي ذكرناها كذا في النهاية والصواب أن المستثنى منه جميع الصور لأن التقدير فلورثتها أن يأخذوا ذلك في جميع الصور إلا في صورة العلم بموتها قبله لأن المستثنى منه هو العام ولو كان الصور الثلاث مستثنى منها كان أخذ الورثة إنما هو في بعض الثلاث لا كلها قوله وإن لم يسم لها مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة وقالا لهم مهر المثل واستدل أبو حنيفة في الكتاب فقال أرأيت لو ادعى ورثة علي على ورثة عمر مهر أم كلثوم بنت علي أكنت أقضي فيه بشيء وهذا إشارة إلى أنه إنما لا يقضى به عند تقادم العهد لأن مهر المثل يختلف باختلاف الأوقات فإذا تقادم العهد يتعذر على القاضي
____________________
(3/378)
الوقوف على مقداره وأيضا يؤدى إلى تكرر القضاء به لأن النكاح القديم قد يكون مشهورا وهو مما يثبت بالتسامح فيدعى ورثة ورثة الورثة على ورثة ورثة الورثة به فلو قضى به ثم تأخر العصر فادعى الورثة الذين وجدوا بعد ذلك بزمان به أيضا يقضى به أيضا ثم وثم فيفضى إلى ما قلنا أما إذا لم يتقادم فيقضى بمهر المثل وطريق آخر أن مهر المثل قيمة البضع فيشبه المسمى ويجب بغير شرط فيشبه النفقة فللشبه الأول لا يسقط أصلا وللشبه الثاني يسقط بموتهما أو موت أحدهما فقلنا يسقط بموتهما إعمالا لشبه النفقة ولا يسقط بموت أحدهما إعمالا لشبه المسمى توفيرا على الشبهين حظهما وهذا يقتضى أن لا يقضي به وإن كان العهد قريبا وما قبله أوجه وقال مشايخنا هذا كله إذا لم تسلم نفسها فإن سلمت نفسها ثم وقع الاختلاف في حال الحياة أو بعد الموت فإنه لايحكم بمهر المثل بل يقال لها لا بد أن تقري بما تعجلت وإلا حكمنا عليك بالمتعارف في المعجل ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا قوله ومن بعث إلى امرأته شيئا ثم قال من حقك وقالت هدية فالقول له لأنه المملك فكان أعرف بجهة التمليك إلا فيما يكون مهيأ للأكل لأن الظاهر يتخلف عنه فيه والقول إنما هو قول من يشهد له الظاهر والظاهر
____________________
(3/379)
في المتعارف مثله أن ببعثه هديه والمرد منه نحو الطعام المطبوخ والمشوى والفواكه التي لا تبقى والحلواء والخبز والدجاج المطبوخ فأما الحنطة والشعير والعسل والسمن والجوز واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية فالقول فيه قوله وإذا حلف والمرسل قائم إن كان من غير جنس حقها ولم يرضيا ببيعه بالصداق يأخذه وإن كان هالكا لا ترجع بالمهر بل بما بقي إن كان يبقى بعد قيمته شيء ولو بعث هو وبعث أبوها له أيضا ثم قام هو من المهر فللأب أن يرجع في هبته إن كان من مال نفسه وكان قائما وإن كان هالكا لا يرجع وإن كان من مال البنت بإذنها فليس له الرجوع لأنه هبة منها وهي لا ترجع فيما وهبت لزوجها وفي فتاوي أهل سمرقند بعث إليها هدايا وعوضته المرأة ثم زفت إليه ثم فارقها وقال بعثتها إليك عارية وأراد أن يسترده وأرادت هي أن تسترد العوض فالقول قوله في الحكم لأنه أنكر التمليك وإذا استرده تسترد هي ما عوضته هذا والذي يجب اعتباره في ديارنا أن جميع ما ذكر من الحنطة واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية وباقيها يكون القول فيها قول المرأة لأن المتعارف في ذلك كله أن يرسله هدية والظاهر مع المرأة لا معه ولا يكون القول له إلا في نحو الثياب والجارية وفيما إذا بعث الأب بعد بعث الزوج تعويضا يثبت له حق الرجوع على الوجه الذي ذكر في فتاوى أهل سمرقند وكذا البنت فيما إذا أذنت في بعثه تعويضا هذا إذا كان بعثها عقيب بعث الزوج فإن تقدم عليه فالظاهر أنه هدية لا يوجب الرجوع فيه للزوج إلا إن كان قائما والله سبحانه أعلم قوله فالقول قوله أي مع يمينه قوله وقيل ما يجب إلخ بخلاف الخف والملاءة لا تجب عليه إذ لا يجب عليه تمكينها من الخروج بل يجب منعها إلا فيما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى ويجب عليه الخف والملاءة لأمتها ثم كون الظاهر بكذبه في نحو الدرع والخمار إنما ينفي احتسابه من المهر لا من حق آخر كالكسوة
فروع زوج بينته وجهزها ثم ادعى أن ما دفعه لها عارية وقالت تمليكا أو قال الزوج ذلك بعد موتها ليرث منه وقال الأب عارية قيل القول للزوج ولها لأن الظاهر شاهد به إذ العادة دفع ذلك إليها هبة واختاره السغدي واختار الإمام السرخسي كون القول للأب لأن ذلك يستفاد من جهته والمختار للفتوى القول الأول إن كان العرف ظاهرا بذلك كما في ديارهم كما ذكره في الواقعات وفتاوى الخاصى وغيرهما وإن كان العرف مشتركا فالقول للأب وقيل إن كان الرجل ممن مثله يجهز البنات تمليكا فالقول للزوج وإلا فله ولو أبرأت الزوج من المهر أو وهبته ثم ماتت فقالت الورثة هو في مرض موتها وأنكر الزوج فالقول له وقيل ينبغي أن يكون القول
____________________
(3/380)
للورثة لأن الزوج يدعى سقوط ما كان ثابتا وهم ينكرون وجه الظاهر أن الورثة لم يكن لهم حق وإنما كان لها وهم يدعونه لأنفسهم والزوج ينكر فالقول له وفي البدائع في كتاب النفقات أعطاها مالا وقال من المهر وقالت من النفقة فالفقول للزوج إلا أن تقيم هي البينة لأن التمليك منه وفي الخلاصة أنفق على معدة الغير على طمع أن يتزوجها إذا انقضت عدتها فلما انقضت أبت إن شرط في الإنفاق التزوج يعني كأن يقول أنفق عليك بشرط أن تتزوجيني يرجع زوجت نفسها أولا لأنه رشوة والصحيح أنه لا يرجع لو زوجت نفسها وإن لم يشترط لكن أنفق على هذا الطمع اختلفوا والأصح أنه لا يرجع إذا زوجت قاله الصدر الشهيد وقال الشيخ الإمام الإصح أنه يرجع عليها زوجت نفسها منه أو لا لأنه رشوة واختاره في المحيط وهذا إذا دفع الدراهم إليها لتنفق على نفسها أما إذا أكل معها فلا يرجع بشيء ولم يذكر ما إذا أبت أن تتزوجه في فصل عدم الاشتراط صريحا إلا ما قد يتوهم من اقتصاره على قول الشهيد ومن بعده أنه يرجع إذا لم تتزوجه وحكى في فتاوي الخاصى فيما إذا أنفق بلا شرط بل للعلم عرفا أنه ينفق للتزوج ثم لم تتزوج به خلافا منهم من قال يرجع لأن المعروف كالمشروط ومنهم من قال لا قال وهو الصحيح لأنه إنما أنفق على قصده لا شرطه وفيها ادعت على زوجها بعد وفاته أن لها عليه ألفا من مهرها تصدق في الدعوى إلى مهر مثلها في قول أبي حنيفة لأن عنده يحكم مهر المثل فمن شهد له مهر المثل كان القول قوله مع يمينه وفي النوازل اتخذت لأبويها مأتما فبعث الزوج إليها بقرة فذبحتها وأطعمتها أيام المأتم فطلب قيمتها فإن اتفقا أنه بعث بها إليها وأمرها أن تذبح وتطعم ولم يذكر قيمة ليس له أن يرجع عليها لأنها فعلت بإذنه من غير شرط القيمة وإن اتفقا على ذكره الرجوع بالقيمة فله أن يرجع وإن اختلفا في ذكر القيمة فالقول للزوجة مع يمينها لأن حاصل الاختلاف راجع إلى شرط الضمان وهي منكرة
تتمة فيها مسائل الأولى مسألة تعورف ذكرها في باب المهر مع أن الجواب المذكور فيها إنما يتعلق بالميراث فأحببنا الاتباع ونذكر المهر زيادة فيها تزوج ثنتين في عقدة وواحدة في عقدة وثلاثة في المعدة ومات قبل أن يدخل بواحدة منهن وقبل أن يبين المتقدمة نكاحا من غيرها فميراث الزوجات وهو الربع عند عدم الولد وولد الابن والثمن مع الولد أو ولد الابن بينهن على أربعة وعشرين سبعة للتي تزوجها وحدها اتفاقا والباقي نصفه للثنتين ونصفه للثلاث عند أبي حنيفة وقالا ثمانية أسهم من الباقي للثنتين وتسعة للثلاث على اختلاف تخريجهما وإنما قلنا المسألة من أربعة وعشرين لأن نكاح الواحدة صحيح على كل حال لأنه إن تقدم فظاهر وكذا إن توسط لأنها تكون ثالثة إن وقع بعد الثنتين ورابعة بعد الثلاث وكذا إذا تأخر لبطلان نكاح أحد الفريقين فتقع هي ثالثة أو رابعة ونكاح كل من الفريقين صحيح في حال باطل في حال ثم تقول إن صح نكاح الواحدة مع الثنتين فلها ثلث الميراث وإن صح مع الثلاث فلها ربعه فنحتاج إلى حساب له ثلث وربع وأقله اثنا عشر أو نقول مخرج الثلث من ثلاثة والربع من أربعة وبينهما مباينة فضربنا أحدهما في الآخر فصار إثنى عشر فيكون لها الثلث في حال أربعة والربع في حال ثلاثة فثلاثة ثابتة بيقين والرابع يجب في حال دون حال فينصف للشك فيه فينكسر فيضعف فيصير أربعة وعشرين أو يضرب مخرج النصف وهو اثنان في اثنى عشر فصار أربعة وعشرين ثم نقول للتي تزوجها وحدها سبعة من أربعة وعشرين لأن لها الثلث في حال ثمانية والربع في حال
____________________
(3/381)
ستة فستة ثابتة بيقين ووقع الشك في سهمين لأنهما يسقطان في حال ويثبتان في حال فيثبت أحدهما ويضم إلى ستة صار لها سبعة ومما بقي تسعة للثلاث لكل واحدة ثلاثة وثمانية للثنتين لكل واحدة أربعة عندهما على اختلاف تخريجهما أما أبو يوسف فيعتبر المنازعة فيقول لا منازعة للثنتين في السهم السابع عشر لأنهما لا تدعيان إلا ثلثي الميراث ستة عشر فالسهم السابع عشر يسلم للثلاث لأنهن يدعين ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر فبقي ستة استوت منازعة الفريقين فيها فتكون بينهما نصفان فحصل للثلاث تسعة منها وللثنتين ثمانية وأما محمد فيعتبر الأحوال فيقول إن صح نكاح الثلثين فلهما ثلثا الميراث ستة عشر وهو حال التقدم على الثلاث فتكون الواحدة معهما فيكون لهما ثلثاه وإن لم يصح فلا شيء لهما فلهما نصف ذلك وهو ثمانية والثلاث إن صح نكاحهن فلهن ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر لأن الواحدة ترث معهن وإن لم يصح فلا شيء لهن فلهن نصف ذلك وهو تسعة فاتفق الجواب واختلف التخريج والضابط عن الغلط قولنا الحاء مع الحاء والعين مع العين أي لمحمد الأحوال ويعقوب المنازعة وعند أبي حنيفة نصف ما بقي للثنتين ونصف الآخر للثلاث لأن الفريقين في علة اللاستحقاق سواء لأن كل فريق يستحق في حال وهو ما إذا كان سابقا على الفريق الآخر دون حال التأخير فصار كما لو لم يكن معهن واحدة ولو لم يكن معهن واحدة كان جميع ميراث النساء بين الفريقين نصفين كذا هنا فللتنصف وقع الكسر فضعفنا المجموع صار ثمانية وأربعين أو نضرب مخرج النصف وهو اثنان في أربعة وعشرين فيصير ثمانية وأربعين للواحدة من ذلك أربعة عشر ولكل واحدة من الطائفتين سبعة عشر فنطلب بين السهام والرءوس الاستقامة أو الموافقة أو المباينة فتستقيم أربعة عشر على الواحدة ولا تستقيم سبعة عشر على الثنتين ولا على الثلاث ولا موافقة بين ذلك أيضا فحصل معنا اثنان وثلاثة فنطلب بين الرءوس والرءوس الأحوال الأربعة التداخل والتماثل والتوافق والتباين فوجدناها متباينة فنضرب ثلاثة في اثنين أو على العكس فيحصل ستة فنضربها في ثمانية وأربعين فتصير مائتين وثمانية وثمانين ومنها تصح وطريق معرفة ما لكل أن تضرب ما كان له في هذه الستة كان للواحدة أربعة عشر فتضربها في ستة يحصل لها أربعة وثمانون وكان لكل فريق سبعة عشر ضربناها في الستة يحصل لكل فريق مائة وسهمان لكل من الثنتين أحد وخمسون ولكل من من الثلاث أربعة وثلاثون فإن قيل ما ذكر أبو حنيفة مشكل لأنه يعطى الثنتين ما لا تدعيانه أجيب بأنهما إنما لا تدعيانه إذا استحقت الواحدة ذلك السهم فأما بدون استحقاقها فلا وقد خرج ذلك السهم من استحقاق الواحدة فكان دعواهما ودعوى الثلاث في استحقاق ما فرغ من استحقاق الواحدة سواء هذا الاختلاف فلا وقد خرج ذلك السهم من إستحقاق الواحدة فكان دعواهما ودعوى الثلاث في استحقاق مافرغ من استحقاق في الإرث أما المهور فالزوج إن كان حيا يؤمر بالبيان جبرا والقول قوله في الثلاث والثنتين أيهن الأول لأن نكاح أحد الفريقين صحيح في نفس الأمر والزوج هو الذي باشر العقود فإن قال لا أدري الأول حجب عنهن إلا الواحدة لأنه أقر بالاشتباه فيما لا مساغ فيه للتحري وإن مات أحد الفريقين والزوج حي فقال هن الأول ورثهن وأعطى مهورهن وفرق بينه وبين الآخر وإن كان دخل بهن كلهن ثم قال في صحته أو عند موته لأحد الفريقين ذلك فهو الأول ويفرق بينه وبين الآخر ولكل واحدة الأقل من مهر مثلها والمسمى كما هو الرسم في الدخول في النكاح الفاسد والدخول بهن لا يؤثر في البيان إذا لم تعلم السابقة في الوطء وأما المهر قبل الدخول فللواحدة ما سمى لها بكماله لأن نكاحها صحيح
____________________
(3/382)
بيقين وللثلاث مهر ونصف وللثنيتن مهر واحد بالاتفاق فهما يمران على أصلهما في اعتبار المنازعة والحال وأبو حنيفة فرق بين المهر والميراث فاعتبر المنازعة في المهر دون الميراث فقال ما فضل من الواحدة هناك بين الفريقين نصفان لا يتفاوتان فيه لأنهما قد استويا في الاستحاقاق فيكون بينهما أما هنا فالثنتان لا تدعيان النصف الزائد على المهرين والثلاث يدعينه فسلم لهن وفي المهرين استوت منازعتهما فيكون بينهما أو نقول أكثر مالهن ثلاثة مهور بأن يكون السابق نكاح الثلاث وأقل مالهن مهران بأن يكون نكاح الثنيتن سابقا فوقع الشك في مهر واحد فينتصف فكان لهن مهران ونصف ثم لا منازعة للثنتين في الزيادة على مهرين فيسلم ذلك مع الثلاث وهو نصف مهر يبقى مهران استوت منازعة الفريقين فيه فكان بينهما فحصل مهر ونصف وللثلثين مهر واحد ومحمد يقول إن صح نكاح الثلاث فلهن ثلاثة مهور وإن لم يصح فلا شيء لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف وأما الثنتان فلهما مهران إن صح وإلا فلا شيء لهما فلهما نصف ذلك مهر واحد وأما حكم العدة فعلى كل واحدة منهن عدة الوفاة على الواحدة ظاهر وعلى الفريقين كذلك لأن الشرع حكم بصحة نكاحهن حيث أوجب لهن مهرا وميراثا والعدة مما يحتاط فيها فإن كان الزوج دخل بهن ولم يعرف الأول من الآخر فعلى غير الواحدة عدة الوفاة والحيض جميعا على أربعة أشهر وعشر يستكمل فيها ثلاث حيض
المسئلة الثانية تزوج امرأة وابنتيها في ثلاثة عقود ولا تدري الأولي منهن ومات قبل الوطء والبيان فلهن مهر واحد لأن الصحيح نكاح إحداهن ليس غير لأنه إن تزوج الأم أولا لم يصح نكاح بنتها أو البنت فكذلك ولهن كمال ميراث النساء هذا بالاتفاق ثم اختلفوا في كيفية القسمة فقال أبو حنيفة للأم النصف من كل من المهر والميراث وقال أبو يوسف ومحمد يقسم بينهن أثلاثا ولو كان تزوج الأم في عقدة والبنتين في عقدة كان الكل للأم بالاتفاق المتيقن ببطلان نكاحهما تقدم أو تأخر عن الأم للجمع بين الأختين في عقدة ولو كان تزوج امرأة وأمها وابنتها أو امرأة وأمها وأخت أمها كان المهر والميراث بينهن أثلاثا اتفاقا وقيل على الخلاف والصحيح الأول والأصل أن المساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق ونكاح كل واحدة يصح في حال ولا يصح في حالين فاستوين في حق الاستحقاق وهو يساعدهما على هذا الأصل لكنه يقول الأم لا يزاحمها إلا احدى البنتين لأنا تيقنا ببطلان نكاح إحدى البنتين والابنتان في النصف استوتا لأنه ليست إحداهما بتعيين جهة البطلان أولى من الأخرى
المسئلة الثالثة قال لأجنبية كلما تزوجتك فأنت طالق فتزوجها في يوم ثلاث مرات ودخل بها في كل مرة فهي امرأته وعليه مهران ونصف مهر ووقع عليه تطليقتان على قول أبي حنيفة وأبى يوسف لأنه لما تزوجها أولا وقع تطليقه ووجب نصف مهر فلما دخل بها وجب مهر كامل لأنه وطء عن شبهة في المحل إذ الطلاق غير واقع عند الشافعي بناء على أن هذا التعليق عنده لا يصح ووجبت العدة فإذا تزوجها ثانيا وقعت أخرى وهو طلاق بعد الدخول معنى فإن من تزوج معتدته البائن وطلقها قبل الدخول فعند أبي حنيفة وأبى يوسف يكون هذا الطلاق بعد الدخول معنى فيجب مهر كامل وعدة مستأنفة خلافا لمحمد في إيجابه نصف المهر وبقية عدتها
____________________
(3/383)
التي كانت فيها فصار على قولهما الواجب مهران ونصف مهر فإذا دخل بها وهي معتدة عن طلاق رجعي صار مراجعا فلا يجب بالوطء شيء فإذا تزوجها ثالثا لا يصح النكاح لأنه تزوجها وهي منكوحة ونكاح المنكوحة لا يصح وعلى قول محمد بالتزوج الأول والطلاق عقيبه يجب نصف وبالدخول بعد مهر كامل وبالتزوج والدخول بعد الطلاق الواقع عقيبه أيضا مهر ونصف وكذا بالتزوج الثالث فكان الواجب على قوله أربعة مهور ونصف مهر وهذا بناء عل أنه لم يصر مراجعا بالوطء عقيب النكاح الثاني لأن الطلاق الثاني لم يقع على مدخول بها وعندهما لما كان الدخول في الأول دخولا في الثاني كان الطلاق عقيب الثاني عقيب الدخول ولا يخفى عليك أن البلوغ الأول لم يكن في نكاح بل ليس إلا وطأ بشبهة فاقتضى قولهما على هذا أن الرجعة تثبت بالوطء في عدة وإن كانت تلك العدة من غير طلاق بل عن وطء بشبهة إذا كان مسبوقا بطلاق ولو قال كلما تزوجتك فأنت طالق بائن والمسئلة بحالها بانت بثلاث وعليه خمسة مهور ونصف مهر في قياس قولهما وأربعة مهور ونصف على قول محمد وتخريج ذلك على الأصل المذكور لكل فقول محمد يلزمه أربعة مهور ونصف على الأصل المذكور له آنفا ظاهر وأما وجه ما ذكرنا عندهما فلأنه بالنكاح الأول والدخول بعده يجب مهر ونصف وبالنكاح الثاني طلقت بائنا ولها مهر كامل لأنه طلاق بعد الدخول على قولهما ومهر آخر بالدخول بعده للشبهة ولم يصر به مراجعا لأن الطلاق بائن وبالنكاح الثالث طلقت ثلاثا ولها مهر وبالدخول بعد مهر آحر فصارت خمسة مهور ونصفا ثلاثة بالدخول ثلاث مرات ونصف مهر بالتزوج الأول ومهران بالتزوجين الأخيرين لكون الطلاق بعدهما بعد الدخول على قولهما فصل لما ذكر مهور المسلمين شرع في ذكر مهور الكفار قوله وإذا تزوج نصراني المراد إذا تزوج ذمي كتابي أو مجوسي على ميتة أو على غير مهر وذلك في دينهم جائز ودخل بها أو طلقها قبل الدخول أو مات عنها فليس لها مهر ولو أسلما أورفع أحدهما إلينا أو ترافعا وهذا إذا لم يدينوا مهر المثل بالنفي وكذا لو تزوجها على دم لأنهم
____________________
(3/384)
اتفقوا على عدم المهر وهم يدينونه وهذا لأنهم لا يتمولون الميتة حتف أنفها بخلاف الموقوذة وكذا في الحربيين هذا مذهب أبي حنيفة وبه قالا في الحربيين أي لو أسلما أو ترافعا أما في الذمية فلها عندهما مهر مثلها إن دخل بها أو مات أحدهما والمتعة إن طلقها قبل الدخول لوقوعه في نكاح لا تسمية فيه وبهذا قال زفر في الحربيين أيضا لأن الشرع لم يشرع ابتغاء النكاح إلا بالمال وهذا الشرع وقع عاما فيتناول الكفار بناء على أنهم مخاطبون بالمعاملات والنكاح منها غير أنه يصير عبادة بالنية والكافر ليس من أهلها فتمحض معاملة في حقه ولهما أن أهل الحرب غير ملتزمين الأحكام وليس لنا عليهم ولاية الإلزام للتباين بخلاف أهل الذمة فإنهم التزموها في المعاملات وولاية الإلزام ثابتة فنعزره إذا زنى وننهاه عن الربا ونحكم بفساده والنكاح منها ولذا تجرى عليهم أحكامه من لزوم النفقة والعدة وثبوت النسب والتوارث به وثبوت خيار البلوغ وحرمة المطلقة ثلاثا ونكاح المحارم وقد يقال من طرف زفر عدم التزامهم وقصور الولاية منا عنهم لا ينفى تحقق الوجوب عليهم بعموم الخطاب حتى إذا ترافعا إلينا نقضي عليهما بما لزمهما حال كونهما حربا وأنا إنما أخرنا الوجوب ليظهر عند إمكان إلزامهم أثره قوله ولأبي حنيفة حاصله منع المقدمة القائلة إنهم إلتزموا أحكامنا في المعاملات بل لسيوا ملتزمين
____________________
(3/385)
بعقد الذمة ما يعتقدون خلافه منها إلا ما شرط عليهم ولذا لا نمنعهم من بيع الخمر والخنزير ونكاح المحارم كذا في بعض كتب الفقه وفي بعضها ما ذكرناه من حرمة المحارم عليهم ولا تنافى فمحمل أحدهما من تدين بحرمتهن ومحمل الآخر من لا يتدين بحرمتهن كالمجوس فلم يلتزموا ولم نؤمر بإلزامهم بل نتركهم وما يدينون فصار أهل الذمة أولى من أهل الحرب بذلك لأن المانع فيهم المنعة الحسية وأمرنا بهدمها والمانع في أهل الذمة المنعة الشرعية وأمرنا بتقريرها بخلاف الربا لأنه مستثنى من عقودهم قال صلى الله عليه وسلم ألا من أربى فليس بيننا وبينه عهد روى معناه القاسم بن سلام بسنده في كتاب الأموال عن أبي المليح الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل نجران فكتب لهم كتابا وساقه وفيه ولا تأكلوا الربا فمن أكل منهم الربا فذمتي منهم بريئة وفي مصنف ابن أبي شيبة بسنده إلى الشعبي كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران وهم نصارى أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له وهو مرسل وهو حجة عندنا وإذا منعنا من التعرض لهم فيما يدينون قبل الإسلام إلا المستثنى فبعد الإسلام والمرافعة حال بقاء النكاح والمهر ليس شرطا لبقائه والذي يقتضيه النظر أن الاستدلال على أن الكفار مخاطبون بالمعاملات إن تم تم المطلوب لزفر هنا لأن الأمر بترك التعرض لهم لذمتهم لا يقتضى سوى أن لا يتعرض لهم ما لم يرضوا بحكمنا أو يسلموا وذلك لا يمنع من قيام لزوم المهر شرعا في ذمتهم وحالة الإسلام وإن كانت حالة البقاء والمهر ليس شرطا فيها ولا حكما لا تمنع القضاء بالتقرر في الذمة أول الوجود لما ارتفع منع الشرع من التعرض لهم قوله وقد قيل في الميتة والسكوت عن المهر روايتان بخلاف نفيه صريحا ففي ظاهر الرواية لها مهر المثل وذكر الكرخي أنه لا فرق على قياس قول أبي حنيفة بين السكوت والنفي ووجهه ما في المبسوط أن تملك البضع في حقهم كتملك المال في حق المسلمين فلا يجب العوض فيه إلا بالشرط وجه الظاهر أن النكاح معاوضة فما لم ينص على نفي العوض يكون مستحقا لها والميتة كالسكوت لأنها ليست مالا عندهم فذكرها
____________________
(3/386)
لغو وصحح المصنف أن الكل على الخلاف وهو خلاف الظاهر قوله فإن تزوج ذمي ذمية على خمر أو خنزير بأعيانهما ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل قبض الصداق المذكور فليس لها إلا الخمر أو الخنزير وإن كان بغير أعيانهما وأسلما قبله فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل وهذا التفصيل مذهب أبي حنيفة وقال أبو يوسف لها مهر المثل في الوجهين وهو قول الأئمة الثلاثة وقال محمد لها القيمة في الوجهين وهو قول أبو يوسف الأول ولما اشترك قولهما في عدم إيجاب عين الخمر والخنزير إذا كانا بأعيانهما جمع بينهما في دليله فقال وجه قولهما أن القبض مؤكد للملك في المقبوض المعين ولهذا لو هلك قبل القبض أو تعيب عيبا فاحشا يهلك من مال الزوج حتى يلزمه مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته وبعد القبض يهلك من مال المرأة ويتنصف قبل القبض بالطلاق قبل الدخول وبعد القبض إذا طلقها قبل الدخول لا يتنصف إلا بقضاء أو تراض على ما أسلفناه في باب المهر في عتق الجارية المهر وكذا الزوائد تتنصف قبل القبض لا بعده على ما قدمنا فيكون له شبها بالعقد لثبوت أثر كل منهما في الملك فيمتنع القبض بالإسلام كما يمتنع ابتداء التمليك بالعقد إلحاقا لشبهة العقد بحقيقته
____________________
(3/387)
في المحرمات وليس يريد كما يمتنع العقد بالإسلام فإن العقد عليهما لا يمتنع بل يصح ويبطل العوض وإذا التحقت حالة القبض بحالة العقد فامتنع فقد افترقا فقال أبو يوسف لو كانا مسلمين وقت العقد فعقدا على الخمر والخنزير يجب مهه المثل فكذا إذ كانا مسلمين وقت القبض ومحمد يقول صحت التسمية لكون المسمى مالا عندهم ثم امتنع التسليم بالإسلام فتجب القيمة كما لو هلك العبد المسمى قبل القبض تجب القيمة لامتناع إعطاء مثل الخمر قوله ولأبي حنيفة أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد ولهذا تملك التصرف فيه قبل القبض ببدل وبغير بدل فقبضه ليس موجبا لملكه ولا لملك التصرف فيه فليس مؤكدا بل ناقلا لمجرد الضمان من الزوج إلى المرأة في الهلاك وذلك أي انتقال الضمان لا يمتنع الإسلام لأن موجبه صورة اليد وصورتهى لا تمتنع بالإسلام كالمسلم إذا تخمر عصيره والذمي إذا غصب منه الخمر والخنزير ثم أسلم له أن يسترده من الغاصب فكذا فيما نحن فيه فيقبض الخمر فيخلله أو يريقه والخنزير فيسيبه فإن كان مرادكم من كون القبض مؤكدا غير هذا منعنا كونه مؤكدا وإن كان المراد هذا سلمنا كونه مؤكدا ومنعنا منافاة الإسلام إياه وفي الأسرار ولئن سلمنا أن القبض مؤكد للملك فلا نسلم أن الأسلام يمنع تأكد الملك بدليل أن من باع عبدا بخمر وقبض الخمر فإن الملك فيه واه لجواز أن يهلك العبد عند قبل التسليم إليه وبالتسليم إليه يتقرر الملك وهذا التسليم لا يمتنع بالإسلام وإن كان فيه تأكد الملك في الخمر ولو اشترى خمرا وقبضها وبها عيب ثم أسلم سقط خيار الرد وإن كان في سقوطه تأكد ملك الخمر فعلم أن الإسلام لا يمنع تأكد الملك قوله بخلاف المشتري متصل بقوله يتم بنفس العقد أي أن الملك
____________________
(3/388)
في الصداق المعين يتم بنفس العقد ولهذا نملك التصرف فيه بالبيع وغيره وبخلاف المشتري لا يتم بنفس العقد ولا يملك التصرف فيه والقبض فيه هو المفيد لملك التصرف والإسلام مانع منه فلذا لو باع الذمي الخمر والخنزير أو اشتراهما ثم أسلم ينفسخ البيع لامتناع إفادة ملك فيهما مع الإسلام وخص التصرف في المهر قبل القبض من النهى عن بيع ما لم يقبض بالإجماع وظن بعض الفضلاء أن قوله في النهاية ولأن ضمان المبيع في يد البائع ضمان ملك حتى لو هلك يهلك على ملكه فقبض المشتري ناقل لضمان الملك وضمان المهر في يد الزوج ليس ضمان ملك حتى لو هلك يهلك على ملكها ينافي قول الهداية وبالقبض ينتقل من ضمان الزوج إلى ضمانها وهو غلط وإنما معناه أن بالهلاك في يد البائع يعود إلى ملكه فإذا هلك على ملكه لا يضمن لأحد شيئا بل يسقط الثمن وهذا معنى قلوهم يهلك المبيع في يد البائع بالثمن وأما هلاك المهر في يد الزوج فليس هلاك بل هلاك ملكها في يده فيضمنه بالقيمة كهلاك المغصوب ولهذا صرح في النهاية به بعد قوله يهلك على ملكها بأن قال ولهذا وجب لها القيمة قوله ولو طلقها قبل الدخول بها ففي المعين لها نصفه عند أبى حنيفة وفي غير المعين في الخمر لها نصف القيمة وفي الخنزير متعة وعند محمد لها نصف القيمة بكل حال لأنه أوجب القيمة فتتنصف وعند أبي يوسف وهو الموجب لمهر المثل لها المتعة لأن مهر المثل لا يتنصف والله أعلم
____________________
(3/389)
& باب نكاح الرقيق
الرقيق العبد ويقال للعبيد
لما فرغ من نكاح الأحرار المسلمين شرع في بيان نكاح الأرقاء والإسلام فيهم غالب فلذا قدم باب نكاح المسلمين ثم أولاه نكاح الأرقاء ثم أولاه نكاح أهل الشرك وأما ما تقدم من فصل النصراني فإنما هو في المهر من توابع مهور المسلمين والمهر من توابع النكاح فأردفه تتمة له قوله لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن سيده أي لا ينفذ فإنه ينعقد موقوفا عندنا وعند مالك ورواية عن أحمد وما نسبه إلى مالك في الكتاب وليس مذهبه وحاصل تقرير وجهه المذكور ملازمة بين الملكين شرعا فقد تبين بأن من ملك رفع شيء ملك وضعه وتمنع لملك رفع الضرر عن النفس ولا يملك إثباته شرعا على نفسه ولذا ملك التطبب ولم يملك أكل السم وإدخال المؤذى على البدن والأوجه بيانها بأن ملكه الطلاق لأنه من خواص الآدمية فكذا النكاح ويجاب بما سنذكره والحديث الذي ذكره وهو قوله صلى الله عليه وسلم أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر رواه أبو داود والترمذي من حديث جابر وقال حديث حسن والعاهر الزاني وفي الحديث أيضا في السنن عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم قال إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما أما في العبد فتشتغل ماليته بالمهر والنفقة وأما في الأمة فلحرمة الاستمتاع بها عليه بالنكاح وهذا تصرف في ماله بالإفساد فلا ينفذ إلا برضاه وبهذا يجاب عن المنسوب إلى مالك من قوله يملك الطلاق فيملك النكاح فالطلاق إزالة عيب عن نفسه بخلاف النكاح لا يقال يصح الإقرار من العبد على نفسه بالحد والقصاص مع
____________________
(3/390)
أن فيه إهلاكه فضلا عن تعييبه لأنا نقول هو لا يدخل تحت ملكه فيما يتعلق به خطاب الشرع أمرا ونهيا كالصلاة والغسل والصوم والزنا والشرب وغيرها إلا فيما علم إسقاط الشارع إياه عنه كالجمعة والحج ثم هذه الأحكام تجب جزاء على ارتكاب المحظور شرعا فقد أخرجه عن ملكه في ذلك الذي أدخله فيه باعتبار غير ذلك وهو الشارع زجرا عن الفساد وأعاظم العيوب وكذا المكاتب ليس له أن يتزوج إلا بإذن المولى لأن الكتابة إنما أوجبت فك الحجر في التصرف الاكتسابي فيبقى فيما سواه على حكم الرق ولا يملك المكاتب تزويج عبده ويملك تزويج أمته لأنه من باب الاكتساب بتحصيل المهر والنفقة للمولى والولد العبد ولكونه من باب الاكتساب ملك الأب والجد والقاضي والوصي والشريك المفاوض تزويج الأمة لا العبد لأنه تنقيص للمالية وأما شريك العنان والمضارب والعبد المأذون فليس لهم تزويج الأمة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله يملكون وإنما لم يجز تزويج المكاتبة نفسها لما نذكره قوله وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بغير إذن المولى وتملك تزويج أمتها لما بينا من بقاء ذات المكاتب على الرد والاكتساب الذي أوجبت الكتابة إطلاقه له ما لا يوجب خللا في ذاته المملوكة والاكتساب بالنكاح إنما يكون بتمليك جزء منها لغير السيد إذ بدل منفعة البضع في حكم بدل جزء منم العين كالأرش ولأن هذه المنفعة لا يزول ملكها بعد صحته إلا باختيار الزوج والكتابة ليست على يقين من استمرار فك الحجر فيها وإفضائها إلى زوال ملك الرقبة لجواز التعجيز والرد إلى الرق فترد مملوكة البضع للغير ممتنع على السيد ولم يشرع عقد المكتابة على وجه يعود ضرره على السيد قوله وكذا المدبر والمدبرة لا ينفذ نكاحهما إلا بإذن المولى وكذا ابن أم الولد يعني لو زوج أم ولده فجاءت بولد من الزوج فإن حكمه حكم أمه فالرق فيه قائم فلا يملك تزويج نفسه وأما المعتق البعض فلا يجوز نكاحه عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه كالمكاتب وعندهما يجوز لأنه حر مديون
فرع مهم للتجار ربما يدفع لعبده جارية يتسرى بها ولا يجوز للعبد أن يتسرى أصلا أذن له مولاه أو لم يأذن لأن حل الوطء لا يثبت شرعا إلا بملك اليمين أو عقد النكاح وليس للعبد ملك يمين فانحصر حل وطئه في عقد النكاح
____________________
(3/391)
قوله وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه بخلاف ما إذا تزوج بغير إذنه فدخل بها ثم فرق بينهما فإنه لا مهر عليه حتى يعتق لأنه لم يظهر في حق المولى لعدم الإذن فيه وقوله يباع فيه إن لم يفده المولى وتقريره أنه دين وجب في رقبته وكل دين كذلك يباع فيه أما وجوبه فللمقتضى وهو وجود السبب من أهله وانتفاء المانع وهو حق المولى للإذن وأما كونه في رقبته فلإذن السيد ولدفع المضرة عن أرباب الديون يعني النساء فيباع فيه كما يباع في ديون التجارة والحاصل أن الديت إنما يثبت في الذمة وثبوته فيها لا يتوقف على إذنه فإنه لو باشر إتلافا ونحوه ترتب في ذمته فحين أذن ظهر الدين في حقه ثم العبد نفسه مال فكان لهم أن يقتضوا من نفسه فعلى هذا يكون الإذن دفع المانع من الاقتضاء من نفس العبد غير أنه إن فداه المولى حصل المقصود والمقتضي لذلك دفع المضرة على أرباب الديون وإذا بيع فلم يف ثمنه بالمهر لا يباع ثانيا ويطالب بالباقي بعد العتق وفي دين النفقة يباع مرة بعد أخرى لأنها تجب شيئا فشيئا وإذا مات العبد سقط المهر والنفقة ذكره التمرتاشي وإذا زوج عبده من أمته لا يجب عليه مهر لها ولا للسيد ومنهم من قال يجب ثم يسقط لأن وجوبه لحق الشرع والأولون يقولون لا فائدة لهذا الوجوب لأنه لو وجب لوجب في ماليته وهي للمولى قوله والمدبر والمكاتب يسعيان إذا أذن لهما المولى فتزوجا ثم امتنع عن الأداء عنهما يسعيان لأنهما لا يحتملان النقل من ملك الى ملك وكذا معتق البعض وابن أم الولد فيؤدى من كسبهما لا من نفسهما إلا إن عجز المكاتب فرد في الرق فإنه حينئذ يباع في المهر قوله وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له طلقها أو فارقها فليس ذلك بإجازة تزويج العبد نفسه بلا إذن عقد فضولي في الجملة فيتوقف نفاذه على إذن المولى وإذنه يثبت تارة صريحا
____________________
(3/392)
وطورا دلالة فالصريح مثل أن يقول رضيت أو أجزت أو أذنت والدلالة أن يسوق إليها المهر أو بعضه وسكوته لا يكون إجازة وثم ألفاظ اختلف فيها وألفاظ لم يختلف في عدم اعتبارها فمثل قوله هذا حسن أو صواب أو نعم ما صنعت أو بارك الله لك فيها أو أحسنت أو أصبت أو لا بأس بها اختلف فيها قال الفقيه أبو القاسم ليس شيء منها إجازة واختيار الفقيه أبي الليث وبه كان يفتى الصدر الشهيد أنه إجازة ما لم يعلم أنه قاله استهزاء إذا عرف هذا فمسئلة الكتاب وهو ما إذا قال طلقها لا شك أن مقتضى حقيقة اللفظ فيها الإجازة لأن الطلاق الصحيح فرع وجود النكاح الصحيح لكن قد صرف عن مقتضاه بالنظر إلى حال العبد وذلك أن افتيات العبد على سيده تمرد بمباشرة سبب تعييبه عليه يستوجب به زجره وبه فارق الفضولي المحض فإنه معين والإعانة تنتهض سببا لإمضاء تصرفه وعدم إلغائه ولذا لو قال للفضولي طلقها كان إجازة على ما هو الأوجه وإن قلنا أول المسئلة في العبد إنه فضولي في الجملة وإذا كان حال العبد ذلك فإذا كان لفظ السيد له عند علمه بما صنع يحتمل الرد والإجازة لاستعماله فيهما كان بملاحظة حال العبد ظاهرا في قصد الرد ما لم يعلم قصد الإجارة لظاهر يقترن به أو نص آخر مثل أن يقول طلقها تطليقة تملك عليها الرجعة أو أوقع عليها الطلاق لأن الإيقاع والطلاق الذي يملك الرجعة بعده لا يقالان للمتاركة ولا في قصد الاستهزاء فيفيد قصد حقيقته بخلاف قوله طلقها فإنه لا يقال لمتاركة العقد الفاسد طلاق مجازا فصلحت هذه المسئلة متمسكا لأبي القاسم ومن قال بقوله والجواب أن لفظ الطلاق المجرد يستعمل كثيرا في المتاركة في العقد الفاسد فكان ذكره ذكر لفظ مشترك من حيث الاستعمال بين الإجازة والرد بخلاف ما تقدم من نحو أحسنت الخ فإنه لم يستعمل للأمرين على السواء بل الظاهر منه الإجازة وحمله على الرد لا يتحقق إلا بواسطة جعله استهزاء وهو وإن كان النظر إلى حال العبد لا ينافيه لكن ظاهر حال العاقل المسلم ينفيه لأن حقيقته فعل الجاهلين ولذا قال موسى عليه السلام في جواب قولهم { أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } فتعارض الظاهران وبقي نفس اللفظ بمفهومه يفيد اجازة بلا معارض بخلاف مسئلة الكتاب فإن نفس اللفظ يقال للرد كما يقال لحقيقة الطلاق المستعقب لصحة النكاح ولذا لم يستعمل المقيد أعني قوله طلقها تطليقة تملك الرجعة عليها أو أوقع عليها الطلاق في المتاركة جعل إجازة فوجب ترجيح قول الفقيه ومن معه ما لم يعلم قصد الاستهزاء لكن المصنف لما لم يوجبه إلا بأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح أفاد أنه يثبت اقتضاء فورد عليه طلب الفرق بينه وبين ما لو قال لعبده كفر عن يمينك بالمال أو تزوج
____________________
(3/393)
أربعا لا يعتق مع أن كلا منهما لا يكون إلا بعد الحرية وأجيب بأن إثبات الشرائط التي هي أصول لا تكون بطريق الاقتضاء كالحرية والأهلية للمتحقق بالرق وليس ما نحن فيه كذلك لأن النكاح ثابت للعبد بطريق الأصالة لثبوته تبعا للأدمية والعقل وإنما توقف لاستلزامه تغيب مال الغير فقوله طلقها رجعيا يتضمن رفع المانع اقتضاء لا إثبات ملك النكاح بطريق الأصالة والمملوكية شرط العتق وقوله أعتق عبدك عني بألف يثبت به تحويل المملوكية لا أصلها في العبد ومملوكيته في العبد أمر زائد على مملوكيته وعلى تقريرنا لا يحتاج إلى تكلف هذا السؤال وجوابه ولو أذن له السيد بعد ما تزوج لا يكون إجازة فإن أجاز العبد ما صنع جاز استحسانا كالفضولي إذا وكل فأجاز ما صنعه قبل الوكالة وكالعبد إذا زوجه فضولي فأذن له مولاه في التزوج فأجاز ما صنع هو الفضولي ولو باع السيد العبد بعد أن باشر بلا إذن فللمشتري الإجازة وقال زفر يبطل وكذا لو مات السيد فورث العبد توقف على إجازة الوارث أما إذا كانت أمة فتزوجت بلا إذن ثم مات المولى فورثها من يحل له وطؤها بطل لطريان الحل النافذ على الموقوف وإن ورثها من لا يحل له وطؤها كأن ورثها جماعة أو امرأة أو ابن المولى وقد كان الأب وطئها توقف على إجازة الوارث وعلى هذا قالوا في أمة تزوجت بغير إذن مولاها فوطئها الزوج فباعها المولى للمشتري الإجازة لأنه لايحل له وطؤها لأن وطء الزوج يحرمها لأنها صارت معتدة فإذا حاضت بطل العقد لحلها للمشتري ولو كان الزوج لم يطأها بطل العقد بمجرد الشراء لطريان الحل البات على الموقوف وقال زفر يبطل بالموت وبالبيع وأصله أن الموقوف على إجازة إنسان يحتمل الإجازة من غيره وعنده لا لأنه إنما كان موقوفا على الأول فلا يفيد من الثاني قلنا إنما يتوقف على الأول لأن الملك له لا لأنه هو والثاني مثله في ذلك فالحاصل أنه دائر مع الملك فينتقل بانتقاله قوله تزوج هذه الأمة التقييد بالأمة وبالإشارة اتفاقى فإن الحكم المذكور جار في الحرة وغير المعينة قوله وأصله أي أصل الخلاف الاختلاف في أن الإذن للعبد بالنكاح ينتظم الصحيح والكاسد عنده وعندهما يخص الصحيح والاتفاق على أن الإذن بالبيع يعم الصحيح والفاسد وعلى أن التوكيل بالنكاح يختص بالصحيح فألحقاه بالتوكيل بالنكاح لأن علة الأصل تحصيل المقاصد في المستقبل من الإعفاف وغيره وذلك بالصحيح ولهذا لو حلف لا يتزوج ينصرف إلى الجائز فلا يحنث بالفاسد لأن المراد في المستقبل الحلف على الإعفاف وذلك بالصحيح بخلاف ما لو حلف ما تزوجت حيث يحنث بالفاسد لأن المراد في الماضي العقد وألحقه بالبيع بجامع أن بعض المقاصد حاصل من ثبوت النسب والعدة والنفقة وذلك يكفي لتصحيح التعميم وإجراء اللفظ على إطلاقه فينبني على هذا أنه يباع في المهر في الفاسد إذا دخل
____________________
(3/394)
بها فيه عنده وعندهما لا وأنه لا يجوز له تزوج أخرى بعقد صحيح عنده لانتهاء الإذن بالفاسد وعندهما له ذلك لأن الإذن لم ينته به قوله ومسئلة اليمين على هذه الطريقة أي طريقة إجراء اللفظ على عمومه ممنوعة والطريقة الأخرى أن العبد في النكاح مبقى على الحرية لأنه من خواص الآدمية والحاجه إلى إذن السيد ليثبت المهر في رقبته ليس غير فكأنه قال له إذ قال تزوج اشغل رقبتك بمهر وهذا يتحقق بمهر مثل في نكاح فاسد وبغيره وليست هذه الطريقة صحيحة لما سيذكر من ملك السيد إنكاحه وعدم ملكه طلاقه واستقلال العبد بملكه لدفع الضرر عن نفسه لأنه قد يعجز عن الإمساك بالمعروف لتباين الأخلاق وغير ذلك فالمعول عليه طريقة الإطلاق ويجاب عن مسئلة اليمين بأن الأيمان مبنية على العرف والعرف فيه الحلف على التزويج الذي هو طريق الإعفاف والتحصين وهو الصحيح لا الإعفاف بالفعل فبطل ما يقال الإعفاف باطني لا يوقف عليه فلا يلزم الصحيح ليظهر كون الحلف عليه والله أعلم
فروع الأول تزوج العبد بلا إذن فطلقها ثلاثا ثم أذن له السيد فجدد عليها جاز بلا كراهة عند أبي حنيفة ومحمد ومع الكراهة عند أبي يوسف الثاني زوج بنته من مكاتبة ثم مات الأب لا يفسد النكاح عندنا إلا إن عجز ورد في الرق وعند الشافعي يفسد للحال لملك زوجته شيئا منه ولذا يحل إعتاقها إياه وبدل الكتابة لها وقلنا لم تملكه لأن المكاتب لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ما لم يعجز وعند ذلك قلنا بفساد النكاح وإنما ملكت ما في ذمته من بدل الكتابة وأما العتق فيه يبرأ عن بدل الكتابة أولا ثم يعتق الثالث إذا غر عبد بحرية أمة فتزوجها على أنها حرة فولدت فالولد عبد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد حر بالقيمة كالمغرور الحر قوله ومن زوج عبدا مأذونا له مديونا امرأة جاز والمرأة أسوة للغرماء إذا كان النكاح بمهر المثل
____________________
(3/395)
أو أقل فلو زوجه منها بأكثر طولب بالزيادة بعد استيفاء الغرماء كدين الصحة مع دين المرض وهذا الوجود المقتضى وهو ملك الرقبة وانتفاء المانع وما يخال من أنه إبطال لحق الغرماء في قدر المهر ليس به لأن النكاح لا يلاقى حق الغرماء بالإبطال مقصودا بل وضعه لقصد حل البضع بالملك ثم يثبت المهر حكما له بسبب لا مرد له وهو صحة النكاح لصدوره من الأهل في المحل ثم يلزمه بطلان حقهم في مقداره إذا كان مهر مثلها أو أقل لخصوص أمر واقع فهو لازم اللازم باتفاق الحال لا في نفس الأمر فكان ضمنيا فلا يعتبر في إثباته ونفيه إلا حال المتضمن له لا حاله وصار كالمريض المديون إذا تزوج امرأة صح وكانت أسوة غرماء الصحة لما ذكرنا قوله ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها وكذا إذا زوج أم ولده ومدبرته وإن شرط الزوج التبوئة لأن شرط لا يقتضيه العقد على الأمة غير أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد ومعنى التبوئة أن يدفعها للزوج ولا يستخدمها فلو كانت تذهب وتجيء وتخدم المولى لا يكون تبوئة وعند الشافعي وأحمد يستخدمها نهارا ويسلمها للزوج ليلا وعند مالك يسلمه للزوج ليلة بعد ثلاث قلنا ملك السيد ثابت في الرقبة ليلا ونهارا وفيما بعد الثلاث والتبوئة إبطال له فيكون إبطال الحق الأعلى الأدنى وإقدام السيد على العقد لا يستلزم رضاه بالتبوئة بل بمجرد إطلاق وطئه إياها متى ظفر بها يتوفر مقتضاه وهذا القدر ثابت فإثبات القسم كذلك إثبات بلا دليل لا يقال لما ملك منافع بضعها لزمها تسلميها لأنا نقول التسليم بالتخلية والتبوئة أمر زائد عليها والنفقة على المولى ما لم يبوئها وإذا بوأها ثم بدا له أن يردها إلى خدمته كان له ذلك وكلما بوأها وجبت نفقتها على الزوج وكلما أعادها سقطت فإن قلت ما الفرق بين أن يشترط الزوج التبوئة فيزوجه السيد على هذا الشرط ولا يلزم المولى التبوئة وبين أن يشترط الحر المتزوج بأمة رجل حرية أولاده حيث يلزم في هذه الحالة وتثبت حرية ما يأتي من الأولاد وهذا أيضا شرط لا يقتضيه نكاح الأمة فالجواب أن قبول المولى الشرط والتزويج على اعتباره وهو معنى تعليق الحرية بالولادة
____________________
(3/396)
وتعليق ذلك صحيح وعند وجود التعليق فيما يصح يمتنع الرجوع عن مقتضاه فتثبت الحرية عند الولادة جبرا من غير اختيار بخلاف اشتراط التبوئة فإن بتعليقها لا تقع هي عند ثبوت الشرط بل يتوقف وجودها على فعل حسي إختياري من فاعل مختار فإذا امتنع لم توجد فالحاصل أن المعلق هنا وعد يجب الإيفاء به غير أنه إن لم يف به لم يثبت متعلقه أعني نفس الموعود به ولو طلقها بائنا وهي مبوأة تجب لها نفقة العدة ولو لم تكن مبوأة من الابتداء أو طلقها بعد رجوع السيد إلى استخدامها لا تجب والمكاتبة كالحرة لزوال يد المولى وهي في يد نفسها فلها النفقة إذا لم تحبس نفسها ظلما ولو جاءت الأمة بولد فنفقته على مولى الأمة لأنه ملكه لا على الأب قوله قال أي صاحب الهداية ذكر أي محمد تزويج المولى عبده وأمته ولم يذكر رضاهما أي لم يشترطه وهذا يرجع إلى مذهبنا لأن المذهب أن للمولى إجبارهما أي أن يعقد لهما فينفذ عليهما علما ورضيا أولا كإجبار الولي الصغيرة على ما سلف وعند الشافعي لا إجبار في العبد بل في الأمة وهو رواية ذكرها عن أبي حنيفة صاحب الإيضاح والطحاوي عن أبي يوسف وجعلها الوبري رواية شاذة للشافعي وجهان أحدهما أن ما يتناوله النكاح لا يملكه المولى فعقده تصرف فيما لا يملكه فانتفى كالأجنبي وكتزويجه مكاتبه ومكاتبته بخلاف أمته يملك ما يتناوله فيملك تمليكه ثانيهما أنه لا يفيد إذ للعبد التطليق في الحال فلا يحصل المقصود ونحن نقول مناط نفاذ إنكاحه عليه ملكه له المقتضى لتمكنه من إصلاحه ودفع أسباب الهلاك والنقصان عنه وهو تزويجه ذلك لأنه طريق تحصينه عن الزنا الذي هو طريق الهلاك أو النقصان به أو في ماليته لتعيبه وأما جعل مناطه ملك ما يتناوله النكاح وأنها علة مساوية ينتفى بانتفائها الحكم فباطل لأنه منتقضة طردا في الزوج يملك ما يتناوله النكاح من زوجته ولا يملك تمليكه وعكسا بالولي لا يملكه من موليته ويملك تزويجها وأما نفي الفائدة فظاهر الانتفاء بل الظاهر عدم مبادرته للطلاق من وجهين أحدهما أن عقد النكاح مما ترغب فيه النفس غالبا وتدعو إليه فالظاهر عدم طلب قطعه والثاني أن حشمة السيد في قلب عبده مانعة من اجترائه عليه بالمبادرة إلى نقض ما فعله فكان الظاهر وجود الفائدة لا نفيها وأما إلحاقه بالمكاتب والمكاتبة فمع الفارق لأنهما التحقا بالأحرار في التصرفات فلا ينفذ تصرفه عليهما إلا برضاهما وعن هذا استطرقت مسئلة نقلت من المحيط هي أن المولى إذا زوج
____________________
(3/397)
مكاتبة الصغيرة توقف النكاح على إجازتها لأنها ملحقة بالبالغة فيما ينبني على الكتابة ثم إنها لو لم ترد حتى أدت فعتقت بقي النكاح موقوفا على إجازة المولى لأعلى إجازتها لأنها بعد العتق لم تبق مكاتبة وهي صغيرة والصغيرة ليست من أهل الإجازة فاعتبر التوقف على إجازتها في حال رقها ولم يعتبر بعد العتق هكذا تواردها الشارحون والذي يقتضيه النظر عدم التوقف على إجازته بعد العتق بل بمجرد عتقها ينفذ النكاح لما صرحوا به من أنه إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأعتقه نفذ لأنه لو توقف فإما على إجازة المولى وهو ممتنع لانتفاء ولايته وإما على العبد فلا وجه له لأنه صدر من جهته فكيف يتوقف عليه ولأنه كان نافذا من جهته وإنما توقف على السيد فكذا السيد هنا فإنه ولي مجبر وإنما التوقف على إذنها لعقد الكتابة وقد زال فبقي النفاذ من جهة السيد فهذا هو الوجه وكثيرا ما يقلد الساهون الساهين وهذا بخلاف الصبي إذا زوج نفسه بغير إذن وليه فإنه موقوف على إجازة وليه فلو بلغ قبل أن يرده لا ينفذ حتى يجيزه الصبي لأن العقد حين صدر منه لم يكن نافذا من جهته إذ لا نفاذ في حالة الصبا أو عدم أهلية الرأي بخلاف العبد ومولى المكاتبة الصغيرة والحاصل أن الصغير والصغيرة ليسا من أهل العبارة بخلاف البالغ وسيأتي زيادة في ذلك وأما الاستدلال بقوله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } وقدرة إبطال ما أمضاه سيده شيء فيكون منتفيا فضعيف لأن المراد والله أعلم على شيء من المال لسياقه في مقابلة { ومن رزقناه منا رزقا حسنا } { فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون } وللقطع بأنه يملك الطلاق وهو شيء ليس بمال قوله ومن زوج أمته ثم قتلها إلخ السيد في تزويجه مكاتبته لا يستحق المهر بل
____________________
(3/398)
المكاتبة وفي تزويج أمته هو المستحق له فلو قتلها قبل الدخول سقط عند أبي حنيفة عن الزوج حتى لو كان المولى قبضه يرده عليه وقالا لا يسقط والاتفاق على عدم سقوطه بقتله إياها بعد الدخول وبقتل أجنبي وقتل المولى زوجها وموتها حتف أنفها لهما أن المقتول ميت بأجله ولو ماتت حتف أنفها لم يسقط بل يتقرر بالموت إذ به ينتهي العقد وبانتهاء العقد يتقرر البدل فلا يسقط بقتله إياها بعد لزومه كقتل الأجنبي إياها ولأبي حنيفة أنه منع المبدل قبل التسليم والتسلم فيجازى بمنع البدل إذا كان من أهل المجازاة كما لو ارتدت الحرة قبل الدخول أو قبلت ابن الزوج والقتل إن كان موتا لكنه جعل في أحكام الدنيا إتلافا حتى وجب به القصاص والدية والضمان فيما لو ذبح شاة غيره وإن كان قد أحلها له وقد ثبتت أحكامه كذلك في حق المولى حتى لزمته الكفارة في الخطأ وإنما سقطت الدية والقود للاستحالة ولهذا لو كانت الأمة رهنا عند انسان فقتلها سيدها الراهن ضمن قيمتها له ولو لم يكن من أهل المجازاة بأن كان صبيا زوج أمته وصيه مثلا قالوا يجب أن لا يسقط في قول أبي حنيفة بخلاف الحرة الصغيرة إذا ارتدت يسقط مهرها لأن الصغيرة العاقلة من أهل المجازاة على الردة بخلاف غيرها من الأفعال لأنها لم تحظر عليها والردة محظور عليها أما الأمة فلا رواية في ردتها واختلف المشايخ قيل لايسقط لأن المنع وهو المسقط لم يجيء ممن له الحق وهو المولى وقيل يسقط لأن المهر يجب أولا لها ثم ينتقل إلى المولى بعد الفراغ عن حاجتها حتى لو كان عليها دين يصرف إليه وحاصل الخلاف الاختلاف في وجود سبب السقوط فعنده وجد وعندهما لم يتحقق فبقي وجوبه السابق على حاله قوله وإن قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها فلها مهر مثلها يستحقه ورثتها خلافا لزفر ولم يحك خلاف زفر في المبسوط بل خلاف الشافعي وهو قول له وله قول آخر بالسقوط وإنما قيده بالحرة لأن في قتل الأمة نفسها روايتين عن أبي حنيفة وفي رواية لايسقط كالحرة بل أولى لأن المهر لمولاها لا لها وهو لم يباشر منع البدل وهو قولهما وقول مالك وقول الشافعي وفي رواية يسقط وهو مذهب الشافعي لأن فعل المملوك يضاف إلى مالكه في موجبه ولذا لو قتلت غيرها كان المخاطب بدفعها أو أو فدائها المولى فكان في الحكم كقتل المولى لها والأوجه ما ذكر في وجه قول من قال من المشايخ في ردتها بالسقوط وهو أن المهر يجب أولا لها ثم ينتقل إلى المولى وفائدة الأولية ما ذكر أنه إذا كان عليها دين قضى ولم يعط المولى إلا ما فضل لزفر القياس على ردتها الاتفاقية وقتل المولى أمته على قول أبي حنيفة والجامع
____________________
(3/399)
بين المقيس وهو قتلها نفسها والمقيس عليه وهو ردتها ما بينا من منع المبدل قبل التسليم ولنا أن جناية المرء على نفسه هدر في أحكام الدنيا إنما يؤاخذ بها في الآخرة ولذا قال أبو حنيفة ومحمد في قاتل نفسه إنه يغسل ويصلى عليه ولم يعتبراه باغيا على نفسه بخلاف ردتها فإنها معتبرة في أحكام الدنيا حتى حبست بها وعزرت وانفسخ نكاحها فيسقط بها المهر بخلاف قتل المولى أمته لأنه اعتبر في أحكام الدنيا حتى وجبت عليه الكفارة ولو سلم فقتلها نفسها تفويت بعد الموت وبالموت صار المهر للورثة فلا يسقط بفعلها حق غيرها أما الأمة فمهرها ملك المولى فكأنه فعله إبطالا لحق نفسه وهو يملكه كمن قال لغيره اقتل عبدي فقتله لا يجب عليه قيمته ولو قال الحر اقتلني فقتله كان على القاتل الدية لأنه في الأول مبطل لحق نفسه وفي الثاني مبطل لحق الورثة واستشكل بالحرة يقتلها وارثها لا يسقط المهر أجيب بأنه صار محروما بالقتل فلم يكن بالقتل مبطلا حق نفسه في المهر قوله وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل إلى المولى عند أبي حنيفة العزل جائز عند عامة العلماء وكرهه قوم من الصحابة وغيرهم لما في مسلم من حديث عائشة رضى الله عنها عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه عن العزل قال ذاك الوأد الخفي وكذا ذكر شعبة عن عن عاصم عن زرعة وصح عن ابن مسعود أنه قال هو الموؤدة الصغرى وصح عن أبي أمامة أنه سئل عنه فقال ما كنت أرى مسلما يفعله وقال نافع عن ابن عمر ضرب عمر على العزل بعض بنيه وعن عمر وعثمان أنهما كانا ينهيان عن العزل والصحيح الجواز ففي الصحيحين عن جابر كنا نعزل والقرآن ينزل وفي مسلم عنه كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا وفي السنن عن أبي سعيد الخدري أن رجلا قال يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل هو الموءودة الصغرى قال كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه وفي صحيح مسلم عن جابر قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عندي جارية وأنا أعزل عنها فقال صلى الله عليه وسلم إن ذلك لا يمنع شيئا أراده الله تعالى قال فجاء الرجل فقال يا رسول الله إن الجارية التي كنت ذكرتها لك قد حملت فقال صلى الله عليه وسلم
____________________
(3/400)
أنا عبد الله ورسوله فهذه الأحاديث ظاهرة في جواز العزل وقد روى عن عشرة من الصحابة علي وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي أيوب وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وروى أيضا عن ابن عباس وحديث السنن يدفع حديث جدامة وهو وإن كان في السنن فهو حديث صحيح وإن وقع فيه اختلاف على يحيى بن أبي كثير فقيل فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر وقيل فيه عن أبي مطيع بن رفاعة وقيل عن رفاعة وقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة فإن الطرق كلها صحيحة وجاز أن يكون الحديث عند يحيى من حديث الكل بهذه الطرق لكن بقي أنهما إذا تعارضا يجب ترجيح حديث جذامة لأنه مخرج عن الأصل أعني الإباحة الأصلية إلا أن كثرة الأحاديث تدل على اشتهار خلافه وقد اتفق عمر وعلي رضي الله عنهما أنها لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع أسند أبو يعلى وغيره عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال جلس إلي عمر وعلي والزبير وسعد في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا العزل فقالوا لا بأس به فقال رجل منهم إنهم يزعمون أنها الموءودة الصغرى فقال علي لا تكون موءودة حتى تمر عليها القارات السبع حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم تكون عظاما ثم تكون لحما ثم تكون خلقا آخر فقال عمر صدقت أطال الله بقاءك وفيه خلاف ما عن علي وعمر من المنع المتقدم ثم في بعض أجوبة المشايخ الكراهة وفي بعضها عدمها ثم على الجواز في أمته لايفتقر إلى إذنها وفي زوجته الحرة يفتقر إلى رضاها وفي منكوحته الأمة يفتقر إلى الإذن والخلاف في أنه للسيد أو لها وهي هذه المسئلة وفي الفتاوي إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان فليعتبر مثله من الأعذار مسقطا لإذنها ثم في بعض نسخ الهداية وقال أبو يوسف ومحمد وهو الموافق لما ذكر الصدر الشهيد والعتابي وفي بعضها وعن أبي يوسف ومحمد وهي النسخة الصحيحة لأنه لم يذكر الخلاف في ظاهر الرواية بل ذكرالجواب في الجامع الصغير أنه لمولاها من غير حكاية خلاف وبقرينة قوله في وجه قول أبي حنيفة وجه ظاهر الرواية ووجه المروى عنهما أن الوطء حقها حتى إن لها المطالبة به وفي العزل تنقيصه فيشترط رضاها به كالحرة وجه الظاهر أن حقها في نفس الوطء قد تأدى بالجماع فإن قضاء الشهوة به وأما سفح الماء فإنما فائدته الولد والحق فيه لمولاها لأنه عبده ومستفاده فيشترط إذنه ثم إذا عزل بإذن أو بغير إذن ثم ظهر بها حبل هل يحل نفيه أم لا قالوا إن لم يعد إليها أو عاد ولكن بال قبل العود حل نفيه وإن لم يبل لم يحل كذا روى عن علي لأن بقية المني في ذكره يسقط فيها ولذا قال أبو حنيفة فيما إذا اغتسل من الجنابة قبل البول ثم بال فخرج المنى وجب عليه إعادة الغسل وفي فتاوي قاضيخان رجل له جارية غير محصنة تخرج وتدخل ويعزل عنها المولى فجاءت بولد وأكبر ظنه أنه ليس منه كان في سعة من نفيه وإن كانت محصنة لا يسعه نفيه لأنه ربما يعزل فيقع الماء في الفرج الخارج ثم يدخل فلا يعتمد على العزل ولو كان الزوج عنينا قالوا الخصومة للمولى أو لها على الخلاف وهل يباح الإسقاط بعد الحبل يباح ما لم يتخلق شيء منه ثم في غير موضع قالوا ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فلا فهو غلط
____________________
(3/401)
لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة قوله وإذا تزوجت أمة بإذن مولاها أو زوجها هو برضاها أو بغير رضاها ثم أعتقت فلها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا أما إذا زوجت نفسها بغير إذنه ثم أعتقها فسيأتي أنه ينفذ النكاح بالإعتاق ولا خيار لها والشافعي يخالفنا في ما إذا كان زوجها حرا فلا خيار لها وهو قول مالك ومنشأ الخلاف في ترجيح أنه إحدى الروايتين المتعارضتين في زوج بريرة أكان حين أعتقت حرا أو عبدا وفي ترجيح المعنى المعلل به أما الأول فثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خيرها وكان زوجها عبدا رواها القاسم ولم تختلف الرويات عن ابن عباس أنه كان عبدا وثبت في الصحيحين أنه كان حرا حين أعتقت وهكذا روى في السنن الأربعة وقال الترمذي حديث حسن صحيح والترجيح يقتضي في رواية عائشة ترجيح كان حرا وذلك أن رواة هذا الحديث عن عائشة ثلاثة الأسود وعروة والقاسم فأما الأسود فلم يختلف فيه عن عائشة أنه كان حرا وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والأخرى أنه كان عبدا وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه أيضا روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والأخرى الشك ووجه آخر من الترجيح مطلقا لا يختص بالمروي فيه عن عائشة وهو أن رواية خيرها صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدا يحتمل كون الواو فيه للعطف لا للحال وحاصله أنه إخبار بالأمرين وكونه اتصف بالرق لا يستلزم كون ذلك كان حال عتقها هذا بعد احتمال أن يراد بالعبد العتيق مجازا باعتبار ما كان وهو شائع في العرف والذي لا مرد له من الترجيح أن رواية كان حرا أنص من كان عبدا لما قلنا وتثبت زيادة فهي أولى وأيضا فهي مثبتة وتلك نافية للعلم بأنه كان حالته الأصلية الرق والنافي هو المبقيها والمثبت هو المخرج عنها وأما المعنى المعلل به فقد اختلف فيه فالشافعي وغيره عينوه بعدم الكفاءة وهو ضعيف فإن ثبوتها إنما يعتبر في الابتداء
____________________
(3/402)
لا في البقاء ألا ترى أنه لو أعسر الزوج في البقاء أو انتفى نسبه لا يثبت لها الخيار وأصحابنا تارة يعللونه بزيادة الملك عليها لأنها كانت بحيث تخلص بثنتين فازداد الملك عليها وهذا من رد المختلف إلى الخلاف فإن الطلاق عند الشافعي بالرجال لا بالنساء وكأنه اعتماد إثبات الأصل المختلف فيه وأورد أنه دفع ضرر بإثبات ضرر وهو رفع أصل العقد وأجيب بأنها لا تتمكن إلا به مع أنه رضي به حيث تزوج أمة مع علمه بأنها قد تعتق ثم إنه استضعف بأن عدم ملكه الثالثة لا يستلزم نقصان مملوكيتها ولا ملكه الثالثة يستلزم طولها فقد تطول مملوكيتها مع ملكه ثنتين بأن لا يطلقها أصلا إلى الموت فلا ضابط لذلك وتارة بعلة منصوصة وهي ملكها بضعها روى أبو بكر الرازي بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها حين أعتقت ملكت بضعك فاختاري وروى ابن سعد في الطبقات أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي عبيد عن عامر الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما أعتقت قد عتق بضعك معك فاختاري وهذا مرسل وهو حجة وأخرج الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما عتقت اذهبي فقد عتق بضعك معك وليس لقوله ذلك فائدة فيما يظهر إلا التنبيه على ثبوت اختيارها نفسها وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ملكت نفسي فاختاري فقد تظافرت هذه الطرق على هذه العلة وإذن فالواجب أن تكون هي المعتبرة ويكون ما ذكروه من التعليل بزيادة الملك إظهار حكمة هذه العلة المنصوصة ومقتضاه ثبوت الخيار لها فيما إذا كان زوجها حرا أو عبدا وفيما إذا كانت مكاتبة عتقت بأداء الكتابة بعد ما زوجها سيدها برضاها أو غيره وخالف زفر في المكاتبة وهي المسئلة التي تلي هذه في الكتاب واستدل بأن العقد نفذ برضاها فلا خيار لها ولو صح لزم أن سيد الأمة لو زوجها برضاها ومشاورتها في ذلك أن لا خيار لها وليس بصحيح والأوجه في استدلاله أن النص لم يتناولها وهو قوله عليه الصلاة والسلام ملكت بضعك فاختاري إذ المكاتبة كانت مالكة لبضعها قبل العتق وأجيب بالمنع لأن ملك البضع تابع لملك نفسها ولم تمكن مالكة نفسها وإنما كانت مالكة لأكسابها ولقائل أن يقول إن قوله صلى الله عليه وسلم ملكت بضعك ليس معناه إلا منافع بضعك إذ لا يمكن ملكها لعينه وملكها لأكسابها تبع لملكها لمنافع نفسها وأعضائها فيلزم كونه مالكة لبضعها بالمعنى المراد قبل العتق فلم يتناولها النص وترجح قول زفر وفي المبسوط لو كانت حرة في أصل العقد ثم صارت أمة بأن
____________________
(3/403)
ارتدت امرأة مع زوجها ولحقا بدار الحرب معا ثم سبيا معا ثم عتقت فلها الخيار عند أبي يوسف لأنها بالعتق ملكت نفسها وازداد ملك الزوج عليها وقال محمد لا خيار لها لأن بأصل العقد ثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقص الملك بعارض الرق فإذا عتقت عاد الملك إلى أصله كما كان فلا يثبت الخيار لها قوله وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح أي نفذ بمجرد العتق ولا فرق بين الأمة والعبد في هذا الحكم وإنما فرضها في الأمة ليرتب عليها المسئلة التي تليها تفريعا وعن زفر أنه يبطل النكاح لأن توقفه كان على إجازة المولى فلا ينفذ من جهة غيره ولا يمكن إبقاؤه موقوفا على إجارته بعد بطلان ولايته وإذا بطل تنفيذه وتوقفه لزم بطلانه بالضرورة إذ لا واسطة وصار كما إذا اشترت ثم عتقت فإنه يبطل ولا يتوقف لما قلنا من عدم إمكان القسمين ولنا أن الأمة والعبد من أهل العبارة ولذا صح إقرارهما بالديون ويطالبان بعد العتق وأهلية العبارة من خواص الآدمية وهي مبقاة فيهما على أصل الحرية وامتناع النفوذ لحق المولى وقد زال بالعتق وحاصل هذا أنه نافذ من جهتها ويجب أن ينفذ من جهة المولى ما دام حقه فإذا زال بقي النفاذ من غير جهة توقف وأما البطلان فيما ذكر فليس لما قال بل للزوم تحول حكم العقد الواحد فإنه انعقد موجبا لملك المولى ولو نفذ بعد عتقها كان موجبا للملك لها وأورد على التعليل النقض بصور وهي ما لو تزوج بغير إذن مولاه ثم أذن لا يجوز ذلك النكاح حتى يجيز ما صنع وما إذا زوج فضولي شخصا ثم وكله توقف على إجازة الفضولي بعد الوكالة وما إذا زوج ولي أبعد مع وجود الأقرب ثم غاب الأقرب أو مات فتحولت الولاية إلى المزوج توقف على إجازة مستأنفة منه وكذا سيد المكاتبة الصغيرة إذا زوجها بلا إذنها توقف على إجازتها فإذا أدت وعتقت لا يجوز ذلك النكاح إلا بإجازة مستقبلة من السيد مع أنه المزوج أجيب عن الأول والثاني بأن الإذن والتوكيل فك الحجر بالنسبة إلى ما يستقبل من وقتهما فلا يعملان فيما قبلهما وكان مقتضى هذا أن لا يجوز بالإجازة أيضا إلا أنا استحسناه وعن الثالث بأن الأبعد لم يكن وليا حين زوج ومن ليس وليا في شيء لا يتأنى في عواقبه ويحكم الرأي فيه بل يتوانى اتكالا على رأي الأقرب فلم يكن النكاح على الوجه الأصلح ظاهرا فيجب توقيفه على إجازته بعد صيرورته وليا ليثبت كونه أصلح قال في الفوائد الظهيرية وبهذا الحرف يقع الانفصال عن النقض الرابع يعني سيد المكاتبة الصغيرة وقد يفرق بأن الولي الأبعد إنما يظهر فيه ترك النظر بعد تسليم ظهوره فيه لاعتماده على رأي الأقرب أما هنا فلا يتجه اعتماد المولى على رأي الصغيرة فيترك النظر فكان الظاهر النظر منه لظهوره من مجرد الدين والنسبة الخاصة من غير ما يوجب بطلان ظهوره فيه فيجب الحكم بالنفاذ بالعتق على ما قدمناه ووعدناه من الزيادة ويجب لها خيار البلوغ قوله ولا خيار لها لأن النفوذ بعد العتق وخيار العتق إنما شرع في نكاح نافذ
____________________
(3/404)
قبل العتق لدفع زيادة الملك فلا تتحقق زيادة الملك لذلك وأورد ينبغي أن يثبت لها الخيار لأن بالاستناد يظهر أن النفاذ قبل العتق والجواب أن الشيء يثبت ثم يستند وحال ثبوته كان بعد العتق فانتفى الخيار بعده قوله فإن كانت تزوجت بغير إذنه على ألف ومهر مثلها مائة نص على زيادة المسمى على مهر المثل والجواب على التفصيل إن دخل بها قبل العتق فالمهر للسيد لأنه استوفى منافع مملوكة له أو بعده فلها لأنه استوفى منافع لها وكان يتبادر أن في الوطء قبل العتق مهر المثل للسيد لعدم صحة التسمية حينئذ فكان دخولا في نكاح موقوف وهو كالفاسد حيث لا يحل الوطء فيه فوجبت قيمة البضع المستوفى منافعه المملوكة للسيد فلا تجب الزيادة لها على هذا خلافا لما قيل والزيادة لها لأن الزيادة إنما تثبت باعتبار صحة التسمية وهذا التوجيه على اعتبار عدمها والثابت بهذا الاعتبار ليس إلا مهر المثل وهو كله للسيد ثم إذا اعتقت ووطئها يجب المسمى لها لأنه يصح بصحة العقد
____________________
(3/405)
فيجب مهران المسمى ومهر المثل لكن انهدم ذلك كله بسبب استناد النفاذ لأن النافذ ليس إلا ذلك العقد وحين صح العقد لزم صحة التسمية ويلزمه بطلان لزوم مهر المثل لأنه لا يجب معه لا يقال فيجب أن يكون المهر في الوجهين لها لأنه بالاستناد صارت مالكة لمنافع بضعها من وقت العقد لأنا نقول الاستناد يظهر أثره في القائم لا في الفائت ومنافع البضع فائتة وحين فاتت فاتت على ملك المولى فكان بدلها له وقد يورد فيقال لو استند إلى أصل العقد يجب كون المهر للمولى كما لو تزوجت بإذن المولى ولم يدخل بها حتى أعتقها وهو بمعزل عن صورة المسئلة فإنها النفاذ بالعتق وبه تملك منافعها بخلاف النفاذ بالإذن والرق قائم هذا إذا كانت هذه الأمة كبيرة فإن كانت صغيرة فأعتقها يبطل النكاح عند زفر وعندنا يتوقف على إجازة المولى إن لم يكن لها عصبة سواه فإذا أجاز جاز فإذا بلغت بعد ذلك فلها خيار البلوغ إلا إذا كان المجيز أباها أو جدها وقدمنا في باب الأولياء أنه يستغنى بخيار الإدراك عن خيار العتق لأنه المنجز قوله ولهذا أي الاتحاد بالاستناد لم يجب مهر آخر
____________________
(3/406)
أي مهر المثل بالدخول في نكاح موقوف وقد ذكرناه قوله ومن وطئ جارية ابنه فولدت منه فهي أم ولد وله وعليه قيمتها ولا مهر عليه ومعنى المسئلة أن يدعيه الأب وليس عبدا ولا مكاتبا ولا كافرا ولا مجنونا فإن كان الأب واحدا من هؤلاء لم تصح الدعوة لعدم الولاية ولو أفاق المجنون ثم ولدت لأقل من ستة أشهر تصح استحسانا لا قياسا ولو كانا من أهل الذمة إلا أن ملتهما مختلفة جازت الدعوة من الأب ويشترط أيضا كون الأمة في ملك الإبن من وقت العلوق إلى الدعوة فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الإبن عن ملكه ثم استردها لم تصح الدعوة لأن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق فيستدعى قيام وقت التملك من حين العلوق إلى التملك ولا يشترط في صحتها دعوى الشبهة ولا تصديق الابن ودعوة الجد لأب كالأب ولا تصح دعوة الجد لأم اتفاقا وشرط دعوة الجد لأب أن تكون حال عدم ولاية الأب لموت أو جنون أو رق أو كفر وأن تثبت ولايته من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى لو أتت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت انتقال الولاية إليه لم تصح دعوته لما قلنا في الأب قوله ووجهه أي وجه هذا المجموع أن للأب ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى إبقاء نفسه لما سنذكر فكذا إلى صون نسله لأنه كنفسه إذ هو جزؤه لكن الحاجة إلى إبقاء النفس أشد منها إلى حفظ النسل فلذا يتملك الطعام بغير قيمة والجارية بالقيمة ويحل له الطعام عند الحاجة إليه ولا يحل له وطء جارية ابنه عند الحاجة إليه كذا عند الأئمة إلا ما نقل عن مالك بن أنس وابن أبي ليلى ويجبر الابن على الإنفاق عليه دون دفع الجارية إليه للتسري فللحاجة جاز له التملك ولقصورها أوجبنا عليه القيمة مراعاة للحقين وتحصيلا للمقصودين مقصود الأب والابن إذ البدل يقوم مقام المبدل ولا عقر عليه وهو مهر مثلها في الجمال أي ما يرغب به في مثلها جمالا فقط وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز فليس معناه
____________________
(3/407)
بل للعادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا لأن الثاني للبقاء بخلاف الأول والعادة زيادته عليه خلافا لزفر والشافعي فإنهما يوجبان العقر عليه لثبوت ملكه فيها قبيل الوطء شرطا لصحة الاستيلاد عندنا وعنده قبيل العلوق لأن ثبوته ضرورة صيانة الولد وهي مندفعة بإثباته كذلك دون إثباته قبل الوطء قلنا لازم كون الفعل زنا ضياع الماء الشرعي فلو لم يقدم عليه ثبت لازمه لاستحالة ثبوت الملزوم دون لازمه الشعري وإلا فلا لزوم فظهر أن الضرورة لا تندفع إلا بإثباته قبل الإيلاج بخلاف ما لو لم تحبل حيث يجب العقر ولو كانت مشتركة بين الأب والابن أو غيره تجب حصة الشريك الابن أو غيره من العقر وقيمة باقيها إذا حبلت لعدم تقديم الملك في كلها لانتفاء موجبه وهو صيانة النسل إذ ما فيها من الملك له يكفي لصحة الاستيلاد وإذا صح ثبت الملك في باقيها حكما لا شرطا ثم مقتضى قوله أن لا تجب قيمة الولد بلا تردد كقولنا لكن في قول تجب ولا يحد قاذفه اتفاقا لأن شبهة الخلاف في أن الملك ثبت قبل الإيلاج أو بعده تسقط إحصانه قوله ولو كان الابن زوجها أي زوج أمته إياه فولدت منه لا تكون أم ولد للأب ولا قيمة عليه للأبن وعليه المهر له والولد حر وهذا لأنه صح النكاح له خلافا للشافعي لأن عنده لايجوز تزوج الأب جارية الإبن ومبنى الخلاف فيه أن الثابت للأب في جارية ابنه حق ملك عنده فيمتنع تزويجه إياها كأمة مكاتبة والأمة المشتركة وحق التملك عندنا من وجه واستدل عليه بأنه
____________________
(3/408)
أي الابن يملك التصرفات فيها مالا يبقى معه ملك الأب ولو قال ما لا يجامعه ملك الأب كأن أولى فلا يكون للأب فيها ملك من وجه فهذه التصرفات هي وطؤه إياها وانفراده بتزويجها وإعتاقها من غير أن يضمن للأب شيئا فهذه لوزام المركب من ملكه وعدم ملك الأب من كل وجه وإذا ثبتت هذه الأحكام إجماعا لزم كون المراد بما رواه الأمام أحمد أنت ومالك لأبيك إثبات حق التملك لا حق الملك وهو لا يمنع صحة النكاح ألا يرى أن الواهب يملك التزوج بالموهوبة وله حق تملكها بالاسترداد وأصل الحديث في السنن من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي مالا ووالدا وإن والدي يحتاج إلى مالي قال أنت ومالك لأبيك وروى لوالدك إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم وأما ما روى فيه من حديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم ولد الرجل من كسبه من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم فتعلقه بمجرد الأكل فإن قيل لا نسلم أن حل الوطء وما معه دليل الملك من كل وجه لثبوت ذلك في أم الولد والمدبرة مع عدمه بدليل عدم إجزائهما عن الكفارة قلنا بل هما مملوكتان من كل وجه وعدم الإجزاء لانعقاد سبب الحرية فيهما فكان نقاصا في رقهما لا في ملك السيد واعلم أن المجاز لا بد منه في التركيب لأنه أضاف المال للابن بقوله ومالك وهو يفيد الملك لأنه حقيقة الإضافة في مثله ثم أضافه مع الابن للأب باللام المفيدة للملك في مثله والعطف عطف مفرد ولا يمكن حقيقة الملك في الابن فلزم في المال أيضا نفي حقيقة الملك وإلا كانت اللام لمعنيين مختلفين في إطلاق واحد بقي تعيين المعنى المجازي أهو حق الملك أو حق التملك فقد يقال حق الملك أقرب إلى الحقيقة والمجاز الأقرب إليها أولى ولكن الأحكام التي ذكرناها تمنع حق الملك لأنه ملك من وجه وهي تمنعه وإذا لم يكن فيها حق الملك جاز النكاح وبه يصير ماؤه مصونا فلا تصير به أم ولد
____________________
(3/409)
للأب ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها لأنه لم يملكهما وعليه المهر لالتزامه بالنكاح وولده حر لأنه ملكه أخوه فيعتق عليه وما عن زفر أنها تكون أم ولد له لأنها لما كانت أم ولد له بالفجور فأولى بالحل بعيد صدوره عنه فإن أمومية الولد فرع لملك الأمة وملكها ينافي النكاح وإنما يحصح تفريعا على عدم صحة النكاح قوله وإذا كانت الحرة تحت عبد فقالت لمولاه أعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح وكذا إذا كانت الأمة تحت حر فقال لسيدها ذلك فسد نكاحه وقال زفر لا يفسد وأصل الخلاف أن العتق فيه يقع عن الآمر عندنا حتى يكون ولاؤه له ولو نوى به الكفارة تسقط عنه وعنده يقع عن المأمور لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه وهذا محال لأنه لا عتق فيما لا يملك ابن آدم فيقع عن المأمور ولنا أنه أمكن تصحيحه بتقديم الملك بطريق الاقتضاء والمقتضى هو تصحيح كلامهما صونا له عن اللغو إذ لا مانع منه بخلاف ما لو قال لعبده أعتق هذا العبد عن كفارة يمينك لا يعتق المخاطب تصحيحا لكلام السيد لأن الحرية أصل للتكفير بالمال وأصل الشيء لا يكون تبعا لفرعه ولو ثبت اقتضاء لصار تبعا له فامتنع لذلك لا يقال ملك الآمر غير مستقر ومثله لا يوجب انفساخ النكاح كالوكيل إذا اشترى زوجته لموكله لا يفسد نكاحه مع ثبوت الملك أولا له لأنا نقول الملك ملزوم للانفساخ فإذا ثبت ثبت ألا يرى أن من قال لامرأته الأمة إذا اشتريتك فأنت حرة فاشتراها عتقت وفسد النكاح مع عدم استقرار ملكه وعدم الانفساخ في مسئلة الوكيل لعدم ثبوت الملك أولا له بل ابتداء يثبت للموكل في الصحيح كالعبد يتهب يقع الملك لولاه ابتداء وإن وقع للوكيل لكنه يتعلق به حق الموكل حالة ثبوته ومثله لا يوجب الفسخ إذ لم يخلص ثبوته ليخلص ثبوت الملزوم فيصير قوله أعتق طلب التمليك منه بالألف وأمره بإعتاقه عنه وقوله أعتقت تمليكا منه ضمنيا للإعتاق الصريح الواقع جوابا واعلم أنه لو صرح بالبيع فقال بعتك وأعتقته لا يقع عن الآمر عن المأمور فيثبت البيع ضمنا في هذه المسئلة ولايثبت صريحا كبيع الأج في الأرحام وهذا لأن الثابت مقتضى يعتبر فيه شروط المتضمن لا شروط نفسه وشروط العتق الأهلية بالملك والعقل وعدم
____________________
(3/410)
الحجر وهو ثابت في المأمور فإذا صرح به يثبت بشرط نفسه والبيع لا يتم إلا بالقبول ولم يوجد فيعتق عن نفسه قوله ولو قالت ما تقدم كان إذا ذكر مالا مع الأمر فلو اقتصر على قوله أعتقه عني ففعل المأمور فعند أبي يوسف يقع عن الآمر ويتضمن الهبة ويسقط اعتبار القبض كما إذا كان عليه كفارة ظهار فأمر غيره أن يطعم عنه ففعل يسقط عن الآمر مع أنه لا قبض هنا منه وعندهما عن المأمور وحاصل وجههما أن فيه شرطا لا يمكن إثباته اقتضاء وهو القبض لأنه فعل حسي غير القول والفعل الحسي لا يوجد في ضمن القول ففعل اليد الذي هو الأخذ لا يتصور أن يتضمنه فعل اللسان ويكون موجودا بوجوده بخلاف القول فإنه يتضمن ضمن قول آخر ويعتبر مراده معه وهذا ظاهر وقول أبي اليسر قول أبي يوسف أظهر لا يظهر بخلاف ما قاس عليه لأن الفقير يكون نائبا عن الآمر فيكون قابضا له ثم بالاستيفاء يصير قابضا لنفسه أما العبد فلا يقع في يده شيء بالعتق يمكن اعتباره قابضه نيابة أو لا بل بالعتق تتلف ماليته والله أعلم
____________________
(3/411)
& باب نكاح أهل الشرك
لما فرغ من نكاح المسلمين بمرتبيته من الأحرار والأرقاء شرع في بيان نكاح الكفار مطلقا كتابيين أو غيرهم وهو المراد بأهل الشرك إما تغليبا وإما ذهابا إلى أن أهل الكتاب داخلون في المشركين على ما اختاره بعض الصحابة وقد قدمناه في فصل المحرمات وإما إطلاقا للمشركين عليهم باعتبار قول طائفة منهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله تعالى إليه رب العزة والكبرياء عن ذلك وقدمنا أنه إنما أعقب باب المهر بفصل مهور الكفار تتميما لباب المهر تبعا واعلم أن كل نكاح صحيح في حق المسلمين فهو صحيح إذا تحقق بين أهل الكفر لتظافر الاعتقادين على صحته ولعموم الرسالة فحيث وقع من الكفار على وفق الشرع العام وجب الحكم بصحته وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك لا تصح أنكحتهم بناء على تناول الخطاب العام إياهم مع ملزومية أنكحتهم لعدم بعض الشروط كالولاية وشهادة المسلمين واستشكله بعض المالكية لثبوت ولاية الكافر على الكافر ولعدم اشتراط الشهادة في العقد عندهم قال ولو قلنا إنها شرط فإذا عقده جماعة من المسلمين ينبغي أن يصح لكنهم يطلقون عدم الصحة قال فينبغي أن يقال ما صادف شروط الصحة فهو صحيح وما لا ففاسد ولنا قوله تعالى { وامرأته حمالة الحطب } وقوله صلى الله عليه وسلم ولدت من نكاح لا من سفاح وأسلم فيروز على أختين فقال صلى الله عليه وسلم اختر إحداهما وأسلم ابن غيلان على عشر فقال له صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا الحديث ومن حين ظهرت دعوته صلى الله عليه وسلم والناس يتواردون الإسلام إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم على ما قيل عن سبعين ألف مسلم غير النساء ولم ينقل قط أن أهل بيت جددوا أنكحتهم بطريق صحيح ولا
____________________
(3/412)
ضعيف ولو كان لقضت العادة بنقله فعلم أنه قول باطل وقوله وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه وهذا عند أبي حنيفة وقال زفر النكاح فاسد في الوجهين أي النكاح بغير شهود وفي عدة كافر إلا أنا لا نتعرض لهم قبل الإسلام أو المرافعة إلى الحكام فالواو بمعنى أو وقال أو يوسف ومحمد في الوجه الأول وهو النكاح بلا شهود كما قال أبو حنيفة وفي الوجه الثاني وهو ما في عدة كافر كما قال زفر لزفر أن الخطابات عامة على ما مر في الفصل الذي بذيل باب المهر من وجوب ثبوت الحكم على العموم لعموم الخطابات وهم مخاطبون بالمعاملات والنكاح منها وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا لا تقريرا فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق لقوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ولهما
____________________
(3/413)
وهو الفرق أن نكاح المعتدة مجمع على بطلانه عندنا فكانوا ملتزمين لها على ما مر هناك أيضا من أن مذهبهما أن أهل الذمة التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات وهذا تقييد له حيث أفاد أنهم التزموا المجمع عليه في ملتنا لا مطلقا قوله ولأبي حنيفة أن الحرمة أي حرمة النكاح بغير شهود ونكاح المعتدة لا يمكن إثباتها حقا للشرع أي الشارع لأنهم لا يخاطبون بحقوقه ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لأنه لا يعتقده بخلاف ما إذا كانت الكتابية تحت المسلم طلقها فإنه تجب العدة حقا له لأنه يعتقده فلا يصح نكاح هذه الكتابية فيها وإذا صح النكاح حال صدوره فحال المرافعة والإسلام حاله البقاء والشهادة ليست شرطا فيها بل في ابتداء العقد لصحته وكذا العدة لا تنافيها أي لا تنافي حالة بقاء العقد كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة حيث يثبت وجوب العدة عليها حال قيام النكاح مع زوجها وحرمتها عليه وهذا التقرير يفيد أن العدة لا تجب أصلا عنده حتى لا يثبت للزوج الرجعة بمجرد طلاقها لأنه إنما يملكها في العدة ولا يثبت نسب ولدها إذا أتت به بعد الطلاق لأقل من ستة أشهر وبه قالت طائفة من المشايخ وقيل تجب عدة لكنها ضعيفة لا تمنع من صحة النكاح لضعفها كالاستبراء يجوز تزويج الأمة في حال قيام وجوبه على السيد وقيل الأليق الأول لما عرف من وجوب تركهم وما يدينون به وفيه نظر
____________________
(3/414)
لأن تركهم تحرزا عن الغدر لعقد الذمة لا يستلزم صحة ما تركوا وإياه كالكفر تركوا وإياه وهو الباطل الأعظم ولو سلم لم يستلزم عدم ثبوت النسب في الصورة المذكورة لجواز أن يقال لا تجب وإذا علم من له الولد بطريق آخر وجب إلحاقه به بعد كونه عن فراش صحيح ومجيئها به لأقل من ستة أشهر من الطلاق مما يفيد ذلك فيلتحق به وهم لم ينقلوا عن أبي حنيفة ثبوته ولا عدمه بل اختلفوا أن قوله بالصحة بناء على عدم وجوبها فيتفرع عليه ذلك أولا فلا فلنا أن نقول بعدمها ويثبت النسب في الصورة المذكورة وفي المبسوط أن الخلاف بينهم فيما إذا كانت المرافعة أو الإسلام والعدة قائمة أما إذا كان بعد انقضائها فلا يفرق بالإجماع ثم هنا نظران الأول مقتضى توجيه أبي حنيفة أن الكفار لا يخاطبون بالمعاملات وهو خلاف ما ذكره المشايخ في الأصول من أن الاتفاق على أنهم مخاطبون بها في أحكام الدنيا والمسألة ليست محفوظة عن المتقدمين وإنما استنبطها مشايخ بخارى من بعض تفريعاتهم كمن نذر صوم شهر ثم ارتد ثم أسلم لا يلزمه النذر بعد ذلك والعراقيون على أنهم مخاطبون بالكل وإنما قلنا إنه خلافه لأن النكاح من المعاملات وكونه من حقوق الشرع لا ينافى كونه معاملة فيلزم اتفاق الثلاثة على أنهم مخاطبون بأحكام النكاح غير أن حكم الخطاب إنما يثبت في حق المكلف ببلوغه إليه والشهرة تنزل منزلته وهي متحققة في حق أهل الذمة دون أهل الحرب فمقتضى النظر التفصيل الثاني أن نفي أبي حنيفة العدة هنا إنما هو فيما إذا كانوا يعتقدون عدمها ومقتضاه إذا كانوا يعتقدون وجوبها أن لا يصح ويجب التجديد بعد الإسلام لأنه حين وقع كان باطلا فيلزم في المهاجرة لزوم العدة إذا كانوا يعتقدون لأن المضاف إلى تباين الدار الفرقة لا نفي العدة وتعليل النفي هناك بقول المصنف لأنها وجبت إظهارا لخطر النكاح السابق ولا خطر لملك الحربي بالآية قد يشكل عليه بقاء ملكه للنكاح إذا سبي الزوجان معا وسنذكر له تتمة قوله إذا تزوج مجوسي أمه أو بنته أو مطلقته ثلاثا أو جمع بين خمس أو أختين في عقدة ثم أسلما أو أحدهما فرق بينهما إجماعا لأن نكاح المحارم وما معه له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما ذكرنا يعني في قوله في المسألة التي قبلها أن
____________________
(3/415)
أهل الذمة التزموا المجمع عليه عندنا وهذه الأنكحة مجمع على بطلانها فيلزم حكمها وعلى ما حققنا من أن الكفار إما مخاطبون بالكل كقول العراقيين أو بالمعاملات كقول البخاريين يجب الاتفاق بين الثلاثة على أن له حكم البطلان باعتبار شيوع خطابات الأحكام في دارنا فتجعل نازلة في حقهم إذ ليس في وسع المبلغ سوى إشاعته دون أن يوصله إلى كل واحد غير أنا تركناهم وما يدينون بأمر الشرع فإذا أسلما أو أسلم أحدهما وجب التفريق وأما على ما اختاره القاضي أبو زيد وأتباعه وجعله المصنف وغيره الصحيح من أن له حكم الصحة عنده حتى تجب النفقة إذا طلبت ولايسقط إحصانه بالدخول فيه حتى لو أسلم فقذفه إنسان يحد خلافا لمشايخ العراق القدوري وغيره فإنهم لا يوجبون النفقة والإحصان بناء على أن الخطاب غير نازل في حقهم لإنكارهم مع عدم ولاية الإلزام فلأن المحرمية تنافى البقاء كما تنافى الابتداء لكونها عدم المحل وأنت علمت أن هذا كله خلاف مقتضى النظر كما ينبغي أن يكون هو الوجه المختار وإنما يصح ذلك في الحربيين لعدم شيوع الخطاب في دار الحرب ولأنه لايبلغهم فلا يثبت حكمه في حقهم فيجب التعليل بمنافاة المحرمية كما ذكرنا وأما إذا ترافعا فعلى الاعتبارين يفرق بينهما لأنهما رضيا بحكم الإسلام فالقاضي كالمحكم وأما بمرافعة أحدهما فقالا كذلك يفرق كإسلام أحدهما وعند أبي حنيفة لا للفرق بين إسلام أحدهما ورفعه لأن بإسلام أحدهما ظهرت حرمة الآخر عليه لتغير اعتقاده واعتقاد المصر لا يعارض إسلام المسلم لأن الإسلام يعلو ولا يعلى بخلاف مرافعة أحدهما ورضاه فإنه لا يتغير به اعتقاد الآخر فبقي الأمر الشرعي بعدم التعرض له بلا معارض والأوجه تخريج الخلاف في مرافعة أحدهما على الخلاف في أنه حين صدر كان باطلا عندهما لكن ترك التعرض للوفاء بالذمة فإذا انقاد أحدهما لحكم الإسلام كان كإسلامه وعنده كان صحيحا ورفع أحدهما لا يرجحه على الآخر في إبطال استحقاقه بل يعارضه الآخر فيبقى الحكم على الصحة هذا كله بعد الإسلام أو المرافعة أما إذا لم يكن أحدهما فلا تفريق إلا في قول أبي يوسف الآخر على ما في المبسوط في الذميين أنه يفرق إذا علم ذلك لما روى أن عمر كتب إلى
____________________
(3/416)
عماله أن فرقوا بين المجوس ومحارمهم أجيب بأنه غير مشهور بل المعروف ما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخمور والخنازير فكتب إليه إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وإنما أنت متبع ولست بمبتدع والسلام ولأن الولاة والقضاة من وقت الفتوحات إلى يومنا هذا لم يشتغل أحد منهم بذلك مع علمهم بمباشرتهم ذلك فحل محل الإجماع وفي الغاية معزيا إلى المحيط لو طلبت المطلقة ثلاثا التفريق يفرق بينهما وكذا في الخلع يعني إذا اختلعت من زوجها الذمي ثم أمسكها فرفعته إلى الحاكم فإنه يفرق بينهما لأن إمساكها ظلم وما أعطيناهم العهد على تقريرهم على الظلم وكذا في المطلقة الثلاث لأنهم يعتقدون أن الطلاق مزيل للملك وإن لم يعتقدوا خصوص عدد وفي النهاية لو تزوج أختين في عقدة ثم فارق إحداهما ثم أسلم أن الباقية نكاحها على الصحة حتى أقرا عليه 1 هـ وينبغي على قول مشايخ العراق وما ذكرنا من التحقيق أن يفرق لوقوع العقد فاسدا ووجب التعرض بالإسلام قوله ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة و لا كافرة أما المسلمة فظاهر لأنها لاتكون تحت كافر وأما الكافر فلأنه مقتول معنى وكذا المرتدة لا تزوج أصلا لأنها محبوسة للتأمل ومناط المنع مطلقا عدم انتظام مقاصد النكاح وهو لم يشرع إلا لها فكان أحق بالمنع من منع تزوج المرأة عبدها وبالعكس قوله فإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه يتحقق من الطرفين في الإسلام العارض بأن كانا كافرين فأسلمت أو أسلم ثم جاءت بولد قبل العرض على الآخر والتفريق أو بعده في مدة يثبت النسب في مثلها أو كان بينهما ولد صغير قبل إسلام أحدهما فإنه بإسلام أحدهما صار ذلك الولد مسلما هذا إذا كانا في دار واحدة أما لو تباينت دارهما بأن كان الأب في دار الإسلام والولد في دار الحرب أو على العكس فإنه لا يصير مسلما بإسلام أبيه وسنذكرها في السير في فصل من باب المستأمن إن شاء الله تعالى وأما في الإسلام الأصلي فإنه إنما يتحقق بأن تكون الأم كتابية والأب مسلم فما جاءت به فهو مسلم وحينئذ لا حاجة إلى التنصيص على هذه المسئلة بقوله وكذلك إذا أسلم أحدهما إلخ فإنها داخلة في عموم الأولى ومن أفرادها وهذا إجماعية فقسنا عليها ما إذا كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا أما أو أبا فحكمنا
____________________
(3/417)
بأن الولد كتابي يجامع الأنظر للولد في الدنيا بالاقتراب من المسلمين بالأحكام من حل الذبيحة والمناكحة وفي الأخرى بنقصان العقاب إذ الكتابية أخف شرا من المجوسية فيثبت الولد كذلك ويتبعه في الأحكام والشافعي يخالفنا فيه أي فيما إذا كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا فيقول فيما إذا كان الأب كتابيا والأم مجوسية إنه مجوسي في أصح قوليه وبه قال أحمد تغليبا للتحريم وقوله الآخر إنه كتابي تبعا لأبيه وبه قال مالك لأن الانتساب إلى الأب ولو كانت الأم كتابية والأب مجوسي فهو تبع له قولا واحدا فلا تحل مناكحته ولا ذبيحته فقد جعله مجوسيا مطلقا وقوله للتعارض أي تعارض الإلحاقين أي الإلحاق بأحدهما يوجب الحرمة وبالآخر يوجب الحل فيغلب موجب الحرمة وهو بالإلحاق بالمجوسي ونحن بينا الترجيح بالقياس بجامعه وهذه الأحكام إنما تثبت تبعا والمقصود الأصلي إثبات ديانته على وجه النظر له على ما بينا وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه الحديث جعل اتفاقهما ناقلا له عن الفطرة فإذا لم يتفقا بقي على أصل الفطرة أو على ما هو أقرب إلى أصل الفطرة كذا قيل ولا يخفى مافيه وأما ما قيل في ترجيح ترجيحنا على ترجيح الشافعي بأن ترجيمه يرفع التعارض وتريجيمنا يدفعه فلا حاصل له إذا تأملت واعلم أن التعارض هنا تجوز فإن ثبوته بثبوت المتعارضين مستلزمين لحكمهما وليس هنا إلا ثبوت حكم على تقدير اعتبار وضده على تقدير آخر فلما اشترك مع المعارضة في ترجيح أحدهما بالقول به سمى تعارضا وإلا فالتعارض تقابل الحجتين على السواء وليس هنا حجة فضلا عن ثنتين قوله وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر سواء كان كتابيا أو غيره إذ لا يصح تزوج الكافر مطلقا مسلمة ولو وقع عوقب وعوقبت أيضا إن كانت عالمة بحاله والساعي بينهما أيضا امرأة أو رجلا ولا يصير به ناقضا لعهده إن كان ذميا فلا يقتل خلافا لمالك قاسه على ما إذا جعل نفسه طليعة للمشركين بجامع أنه باشر ما ضمن بعقد الذمة أن لا يفعله قلنا كإلزام المسلم بالإسلام أن لا يفعل محظوره وبفعله لا يصير شرعا ناقضا لإيمانه فبفعل الذمي ما التزم بعقد الذمة أن لا يفعله لا يصير ناقضا لأمانه وقتل الطليعة لأنه محارب معنى ولو أسلم بعد النكاح لا يقران عليه ولا يلحقه إجازة لأنه وقع باطلا وقال في إسلام الرجل وتحته مجوسية لأن كفر المرأة مطلقا لا يمنع تزويج المسلم بل غير الكتابية فلهذا
____________________
(3/418)
فرضها في المجوسية وحاصل المسئلة أنه إذا أسلم أحد الزوجين اللذين هما مجوسيان أو الزوجة منهما مجوسية والزوج كتابي أو الزوجة من الكتابيين أو الزوجة الكتابية والزوج مجوسي عرض على المصر الإسلام إذا كان بالغا أو صبيا يعقل الأديان لأن ردته معتبرة فكذا إباؤه والنكاح قائم فإن أبى فرق بينهما وإن كان الصبي مجنونا عرض على أبويه وينبغي أن يكون معنى هذا أن أي الأبوين أسلم بقي النكاح لأنه يتبع المسلم منهما وإن لم يكن مجنونا لكنه لا يعقل الأديان بعد انتظر عقله لأن له غاية معلومة بخلاف الجنون هذا على قولهما أما على قول أبي يوسف فاختلف المشايخ في إباء الصبي قيل لا يعتبر كما لا تعتبر ردته عنده وقيل يعتبر وصححه بعضهم وفرق بينه وبين الردة وحكم الصبية كالصبي وما لم يفرق القاضي هي امرأته حتى لو مات الزوج قبل أن تسلم امرأته الكافرة وجب لها المهر وإن لم يدخل بها لأن النكاح كان قائما ويتقرر بالموت وقال الشافعي لا يعرض على المصر لأنه تعرض منهى عنه بل إن كان الإسلام قبل الدخول انقطع النكاح في الحال لعدم تأكده وإن كان بعده تأجل إلى انقضاء ثلاثة أطهار وقول المصنف ثلاث حيض لا يتأتى على مذهبه في العدة فإن لم يسلم تزوجت قلنا اعتبار انقضاء العدة قبل قبل الفرقة وإضافة النكاح إلى الإسلام لا نظير له في الشرع ولا أصل يلحق به قياسا بجامع صحيح ولا سمعي يفيده بل الثابت شرعا اعتبار العدة بعد الفرقة ولنا أنه لابد من سبب تضاف الفرقة إليه والإسلام عاصم قال صلى الله عليه وسلم فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم واختلاف الدين منتقض بتزوج المسلم كتابية ولأنه يرجع إلى إسلام المسلم لأنه الذي به حصل الاختلاف وكفر المصر لا يمنع وإلا لم يصح النكاح من الأصل فلم يبق إلا إباء الإسلام لأنه يصلح قاطعا فأضفنا انقطاع النكاح إليه فكان هو المناسب وفي الموطإ عن ابن شهاب الزهري أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح والتعرض الممتنع الجبر أما نفس الكلام معه تخييرا لا يمتنع ولأنه استعلام حكم شرعي هل نزل بالمرأة أو لا ثم تأيد بما ذكره الطحاوي وابن العربي في المعارضة أن عمر فرق بين نصراني وبين نصرانية بإبائه عن الإسلام وذكر أصحابنا أن رجلا من تغلب أسلمت امرأته وهي نصرانية فرفعت إلى عمر بن الخطاب فقال له أسلم وإلا فرقت بينكما فأبى ففرق بينهما وظهر حكمه بينهم ولم ينقل خلاف أحد له قوله وكان ذلك يعني تفريق القاضي عند إباء الزوج طلاقا بائنا والحاصل أن أبا يوسف لا يفرق بين التفريق في الصورتين
____________________
(3/419)
فيجعله فسخا لا ينقص شيئا من عدد الطلاق وأبو حنيفة ومحمد يجعلان الفرقة بإباء الزوج طلاقا وبإباء المرأة فسخا لأبى يوسف أن الفرقة بسبب يشتركان فيه يعني الإباء فإنه ممن أسلم عن الكفر وممن لم يسلم عن الإسلام أو هو على معنى أنه يمكن تحققه من كل منهما فإذا وجد منه لا يكون طلاقا فإنه يوجد منها ولا يكون طلاقا والفرض وحدة السبب فصار كالفرقة بسبب الملك وخيار البلوغ والمحرمية بالرضاع فإنهما يشتركان فيه بمعنى أنه يتحقق سببا من كل منهما فكان فسخا ولهما أنه فات الإمساك بالمعروف فوجب التسريح بإحسان فإن طلق وإلا ناب القاضي منابه في ذلك فيكون طلاقا إذا كان نائبا عمن إليه الطلاق لأنه إنما ينوب عنه فيما إليه التفريق به والذي إليه الطلاق وأما المرأة فالذي إليها عن قدرتها على الفرقة شرعا الفسخ فإذا أبت ناب القاضي منابها فيما إليها التفريق به فلا تكون الفرقة إلا فسخا فالقاضي نائب منابهما فيهما بخلاف ما قاس عليه من الملك والمحرمية فإن الفرقة فيهما لا بهذا المعنى بل للتنافى وأما خيار البلوغ فإن ملك الفرقة فيه لتطرق الخلل إلى المقاصد بسبب قصور شفقة العاقد لقصور قرابته وعلى اعتبار تحقق هذا التطرق لا يكون للنكاح انعقاد من الأصل فالوجه في الفرقة الكائنة عنه كونها فسخا وبخلاف ردته أيضا على قول أبي حنيفة لأن الفرقة فيها للتنافي أي هي تنافي النكاح ابتداء فكذا بقاء ولذا لا يحتاج في ذلك كله إلى حكم الحاكم وإنما احتيج إليه في خيار البلوغ لأنه لدفع ضرر خفي والضرر في هذه جلى ولا يحتاج إليه في الإباء فعلم أن الإباء غير مناف للنكاح
فرع يقع طلاق زوج المرتدة وزوج المسلمة الآبي بعد التفريق عليهما ما دامتا في العدة أما في الإباء فلأن الفرقة بالطلاق وأما في الردة فلأن الحرمة بالردة غير متأبدة فإنها ترتفع بالإسلام فيقع طلاقه عليها في العدة مستتبعا فائدته من حرمتها عليه بعد الثلاث حرمة مغياة بوطء زوج آخر بخلاف حرمة المحرمية فإنها متأبدة لا غاية
____________________
(3/420)
لها فلا يفيد لحوق الطلاق فائدة قوله وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر أو أسلم الحربي وتحته مجوسية لم تقع الفرقة حتى تحيض ثلاث حيض إن كانت ممن تحيض وإلا فثلاثة أشهر فإن أسلم الآخر قبل
____________________
(3/421)
انقضاء هذه المدة فهما على نكاحهما وإن لم يسلم حتى انقضت وقعت الفرقة ثم قال المصنف وإذا وقعت الفرقة والمرأة حربية بأن كان الذي أسلم هو الزوج فلا عدة عليها وإن كانت هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة خلافا لهما قال وسيأتيك يعني في مسئلة المهاجرة فالحاصل أنه لاعدة بعد البينونة عند أبي حنيفة في الصورتين وعندهما إذا كانت هي المسلمة فعليها العدة وهكذا ذكر شمس الأئمة وكأنه أخذه من قول محمد في السير فيما إذا أسلمت المرأة في دار الحرب بعد أن ذكر الفرقة بشرطها وعليها ثلاث حيض أخرى بعد الثلاث الأول وهي فرقة بطلاق ويقع طلاقه عليها ما دامت في العدة في الثلاث الحيض الأواخر ثم قال محمد وبنبغي في قياس قول أبي جنيفة أن لايكون عليها عدة وأما الطحاوي فقد أطلق وجوب العدة عليها حيث قال ومن أسلمت امرأته في دار الحرب إلى أن قال فإذا حاضتها باتت ووجبت عليها العدة بعد ذلك ثم علل الحكم المذكور فقال وهذا أي توقف البينونة على انقضاء المدة المذكورة لأنه لا بد من سبب تضاف إليه الفرقة والاسلام غير مناسب له وكذا لأختلاف لأنه يرجع إلى إسلام المسلم ولأنه منقوض كما ذكرنا وكذا كفر المصر فليس إلا الإباء وهو متعذر في دار الحرب فأضيف إلى شرط البينونة وذلك لأن سبب الفرقة الطلاق بشرط انقضاء العدة وللإضافة إلى الشرط عند تعذرها إلى العلة نظير في الشرع وهو حافر البئر في الطريق يضاف ضمان ما تلف بالسقوط فيه إلى الحفر وهو شرط لأن العلة ثقل الواقع وقوله والعرض على الإسلام الوجه فيه وعرض الإسلام عليه فهو من باب القلب ونظيره في اللغة عرضت الناقة على الحوض وخرق الثوب المسمار بنصب المسمار قوله وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما ظاهر قوله وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلما وقعت البينونة حكم المسئلة
____________________
(3/422)
لا يتوقف على خروجه مسلما بل وذميا كما سنذكر قوله فالحاصل أن السبب الخ اختلف في أن تباين الدارين حقيقة وحكما بين الزوجين هل يوجب الفرقة بينهما فقلنا نعم وقال الشافعي لا وفي أن السبي هل يوجب الفرقة أم لا فقلنا لا وقال نعم وقوله قول مالك وأحمد فيتفرع عليه أربع صور وفاقيتان وهما لو خرج الزوجان إلينا معا ذميين أو مسلمين أو مستأمنين ثم أسلما أو صارا ذميين لا تقع الفرقة اتفاقا ولو سبي أحدهما تقع الفرقة عنده للسبي وعندنا للتباين وخلافيتان إحداهما ما إذا خرج أحدهما إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا عندنا تقع فإن كان الرجل حل له التزوج بأربع في الحال وبأخت امرأته التي في دار الحرب إذا كانت في دار الإسلام وعنده لا تقع الفرقة بينه وبين زوجته التي في دار الحرب إلا في المرأة تخرج مراغمة لزوجها أي بقصد الإستيلاء على حقه فتبين عنده بالمراغمة والأخرى ما إذا سبى الزوجان معا فعنده تقع الفرقة وللسابي أن يطأها بعد الاستبراء وعندنا لا تقع لعدم تباين داريهما وفي المحيط مسلم تزوج حربية في دار الحرب فخرج رجل بها إلى دار الإسلام بانت من زوجها بالتباين ولو خرجت المرأة بنفسها قبل زوجها لم تبن لأنها صارت من أهل دارنا بالتزامها أحكام المسلمين إذ لا تمكن من العود والزوج من أهل دار الإسلام فلا تباين يريد في الصورة الأولى إذا أخرجها الرجل قهرا حتى ملكها لتحقق التباين بينها وبين زوجها حينئذ حقيقة وحكما أما حقيقة فظاهر وأما حكما فلأنها في دار الحرب حكما وزوجها في دار الإسلام حكما وجه قوله أن تباين الدارين أثره في انقطاع الولاية أي ولاية من في دار الحرب عليه إن كان خارجا إلينا وولاية من في دارنا عليه إن كان لاحقا بدار الحرب بحيث يتعذر الالزام عليه وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن أما السبي فيقتضى الصفاء للسابي والصفاء هنا بالمد أي الخلوص ولا يتحقق صفاؤه له إلا بانقطاع النكاح ولهذا أي
____________________
(3/423)
لثبوت الصفاء بالسبي يسقط ما على المسبي من دين إن كان لكافر عليه لعدم احترامه فكذا يسقط حق الزوج الحربي وهذا لأن الصفاء موجب لملك ما يحتمل التملك وملك النكاح كذلك فخلص له عند عدم احترام الحق المتعلق به وصار سقوط ملك الزوج عنها كسقوطه عن جميع أملاكه فإنها تذهب ويؤيده من المنقول أن أبا سفيان أسلم في معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران حين أتى به العباس وزوجته هند بمكة وهي دار حرب إذ ذاك ولم يأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد نكاحهما ولما فتحت مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام حتى أسلمت امرأة كل منهما وأخذت الأمان لزوجها وذهبت فجاءت به ولم يجدد نكاحهما وتباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنها أظهر وأشهر فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه ثم جاء وأسلم بعد سنين قيل ثلاث سنين وقيل ست وقيل ثمان فردها عليه بالنكاح الأول فهذه كلها نقوض لما عللنا به واستدل الشافعي أيضا على إثبات علته بأن قوله تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } نزلت في سبايا أوطاس وكن سبين مع أزواجهن وقد علم أن منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى ألآ لا تنكح الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يحضن فقد استثنى المسبيات مع أزواجهن من المحرمات فظهر أن السبي يوجب الفرقة وقوله كالحربي المستأمن ظاهره أنه أصل قياس وفرعه الخارج إلينا مسلما من دار الحرب أو ذميا والحكم عدم الفرقة بينه وبين زوجته بجامع عدم سيهما فهو من قبيل تعليل الحكم العدمي بالمعنى العدمي وعلى هذا فالسوق لإثبات الفرع لكن الظاهر أن المراد نفي تأثير التباين فحق اللفظ هكذا لا يؤثر في الفرقة لتخلفه في المستأمن الخ قوله ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا تنتظم المصالح التي شرع النكاح لها لأن الظاهر أن الخارج إلينا مسلما أو ذميا لا يعود والكائن هناك لا يخرج إلينا فكأن التباين منافيا له فكان اعتراضه قاطعا كاعتراض المحرمية بالرضاع وتقبيل ابن الزوج بشهوة مثلا لما نافته كان اعتراضها قاطعا ثم شرع يفسد تعيين السبي علة فقال والسبي يوجب ملك الرقبة يعني يمنع أن
____________________
(3/424)
يكون موجبا غير ذلك وإذن فما اقتضاه ملك الرقبة لزم السبي تبعا لملكها وما لا فلا وملك الرقبة لا يقتضي ملك النكاح إلا إذا ورد على خال عن مملوكيته أو مالكيته وكذا ابتداء النكاح وبقاؤه في العبد المشترى فهو كسائر أسباب الملك من الشراء والهبة والإرث وزوال أملاك المسبى لثبوت رقه والعبد لا ملك له في المال بخلاف النكاح فإنه من خصائص الآدمية فيملكه إذا ابتدأ وجوده بطريق الصحة حتى لا يملك سيده التطليق عليه وإنما توقف في الابتداء على إذنه لما يستلزم من تنقيص ماليته وسقوط الدين الكائن لكافر على المسبي الحر فليس مقتضى السبي بل لتعذر بقائه لأنه إنما يبقى ما كان وهو حين وجب كان في ذمته لا شاغلا لمالية رقبته ولا يمكن أن يثبت بعد الرق بالسبي إلا شاغلا لها فيصير الباقي غيره ولذا لو كان المسبى عبدا مديونا كذلك لا يسقط عنه الدين بالسبي نص عليه محمد في المأذون فإن قيل بل يجوز كون الدين في ذمة العبد غير متعلق برقبته ولذا يثبت الدين بإقراره به ولا يباع فيه أجيب بمنع تعلقه في العبد كذلك وإنما لايطالب بإقراره لأن إقراره لا يسرى في حق المولى حتى لو ثبت بالاستهلاك قطعا معاينة بيع فيه وأما ما استدل به من قصة أبي سفيان فالحق أن أبا سفيان لم يكن حسن الإسلام يومئذ بل لا بعد الفتح وهو شاهد حنينا على ما تفيده السير الصحيحة من قوله حين انهزم المسلمون لا ترجع هزيمتهم إلى البحر وما نقل أن الأزلام حينئذ كانت معه وغير ذلك مما يشهد بما ذكرنا مما نقل من كلامه بمكة قبل الخروج إلى هوازن بحنين وإنما حسن إسلامه بعد ذلك رضي الله عنه والذي كان إسلامه حسنا حين أسلم هو أبو سفيان بن الحرث وأما عكرمة وحكيم فإنما هربا إلى الساحل وهو من حدود مكة فلم تتباين دارهم وأما أبو العاص فإنما ردها عليه صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد روى ذلك الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما وهو بحمل قوله على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته كما يقال ضربته على إساءته وقيل قوله ردها على النكاح الأول لم يحدث شيئا معناه على مثله لم يحدث زيادة في الصداق والحباء وهو تأويل حسن هذا وما ذكرناه مثبت وعلى النكاح الأول ناف لأنه مبق على الأصل وأيضا يقطع بأن الفرقة وقعت بين زينب وبين أبي العاص بمدة تزيد على عشر سنين فإنها أسلمت بمكة في ابتداء الدعوة حين دعا صلى الله عليه وسلم زوجته خديجه وبناته ولقد
____________________
(3/425)
انقضت المدة التي تبين بها في دار الحرب مرارا وولدت وروى أنها كانت حاملا فأسقطت حين خرجت مهاجرة إلى المدينة وروعها هبار بن الأسود بالرمح واستمر أبوالعاص بن الربيع على شركه إلى ما قبيل الفتح فخرج تاجرا إلى الشام فأخذت سرية المسلمين ماله وأعجزهم هربا ثم دخل بليل على زينب فأجارته ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية فردوا إليه ماله فاحتمل إلى مكة فأدى الودائع وما كان أهل مكة أبضعوا معه وكان رجلا أمينا كريما فلما لم يبق لأحد عليه علقة قال يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله عنا خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والله منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أنى إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكر في الرويات من قولهم وذلك بعد ست سنين أو ثمان سنين أو ثلاث سنين فإنما ذلك من حين فارقته بالأبدان وذلك بعد غزوة بدر وأما البينونة فقبل ذلك بكثير لأنها إن وقعت من حين آمنت فهو قريب من عشرين سنة إلى إسلامه وإن وقعت من حين نزلت { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وهي مكية فاكثر من عشر هذا غير أنه كان حابسها قبل ذلك إلى أن أسر في من أسر ببدر وهو صلى الله عليه وسلم كان مغلوبا على ذلك قبل ذلك فلما أرسل أهل مكة في فداء الأسارى أرسلت زينب في فدائه قلادة كانت خديجة أعطتها إياها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها فردها عليها وأطلقه لها فلما وصل جهزها إليه صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان شرط عليه ذلك عند إطلاقه واتفق في مخرجها إليه ما اتفق من هبار بن الأسود وهذا أمر لا يكاد أن يختلف فيه اثنان وبه نقطع بأن الرد كان على نكاح جديد كما هو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ووجب تأويل رواية على النكاح الأول كما ذكرنا واعلم أن بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر ليقال آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة فقد اتفق علماء المسلمين أن الله تعالى لم يبعث نبيا قط أشرك بالله طرفة عين والولد يتبع المؤمن من الأبوين فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة نعم قبل البعثة كان الإسلام اتباع ملة إبراهيم عليه السلام ومن حين وقع البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة ومن أول ذكره صلى الله عليه وسلم لأولاده لم تتوقف واحدة منهن وأما سبايا أوطاس فقد روى أن النساء سبين وحدهن ورواية الترمذي تفيد ذلك عن أبي سعيد الخدري قال أصبنا سبايا أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } لكن بقي أن يقال العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ومقتضى اللفظ حل المملوكة مطلقا سواء سبيت وحدها أو مع زوج وأما المشتراة متزوجة فخارجة بالإجماع فوجب أن يبقى ما سواها داخلا تحت العموم على الإباحة والجواب أن المسبية مع زوجها تخص أيضا بدليلنا وبما نذكره تبقى المسبية وحدها ذات بعل وبلا بعل والله سبحانه أعلم وأما قياسه على الحربي المستأمن والمسلم المستأمن فالجواب منع وجود التباين لأن المدعى علة منه هو التباين حقيقة وحكما وهو يصير الكائن في دار الحرب في حكم الميت حتى يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويقسم ميراثه والكائن في دارنا ممنوعا من الرجوع وهذا منتف في المستأمن وإذا كافأ ما ذكر بقي ما ذكرنا من المعنى اللازم للتباين الموجب للفرقة سالما عن المعارض
____________________
(3/426)
فوجب اعتباره ودليل السمع أيضا وهو قوله تعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وقد أفاد من ثلاث نصوص على وقوع الفرقة ومن وجه اقتضائي وهو قوله تعالى { فلا ترجعوهن } قوله وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة أي تاركة الدار إلى أخرى على عزم عدم العود وذلك بأن تخرج مسلمة أو ذمية هذه المسئلة حكم آخر على بعض ما تضمنه موضوع المسئلة التي قبلها لأنها كانت إذا خرج أحد الزوجين مهاجرا وقعت الفرقة وهذه إذا كان الخارج منهما المرأة ووقعت الفرقة اتفاقا هل عليها عدة فيها خلاف عند أبي حنيفة لا فتتزوج للحال إلا أن تكون حاملا فتتربص لا على وجه العدة بل ليرتفع المانع بالوضع وعندهما عليها العدة ثم اختلفا لو خرج زوجها بعدها وهي بعد في هذه العدة فطلقها هل يلحقها طلاقه قال أبو يوسف لا يقع عليها وقال محمد يقع والأصل أن الفرقة إذا وقعت بالتنافي لا تصير المرأة محلا للطلاق عند أبي يوسف وعند محمد تصير وهو أوجه إلا أن تكون محرمية لعدم فائدة الطلاق على ما بيناه وثمرته تظهر فيما لو طلقها ثلاثا لا يحتاج زوجها في تزوجها إذا أسلم إلى زوج آخر عند أبي يوسف وعند محمد يحتاج إليه وجه قولهما أنها حرة وقعت الفرقة عليها بعد الإصابة والدخول إلى دار الإسلام فيلزمها حكم العدة حقا للشرع كالمطلقة في دارنا من المسلمات بخلاف ما لو طلقها الحربي في دار الحرب ثم هاجرت لا عدة عليها بالإجماع لأن الفرقة في دارهم وهم لا يؤآخذون بأحكامنا هناك وهذا على على ما اخترناه من أن أصلهما أن الخطاب يلزم الكفار في المعاملات غير أن شرطه البلوغ وأهل الحرب لا يبلغهم فلا يتعلق بهم حكمه بخلاف أهل دارنا منهم ولأبي حنيفة أن العدة إنما وجبت إظهارا لخطر النكاح المتقدم ولا خطر لملك الحربي بل أسقطه الشرع بالآية المتقدمة في المهاجرات وهي { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } بعد قوله { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } فقد رفع الجناح عن نكاح المهاجرة وأمر أن لا يتمسك بعصم الكوافر جمع كافرة فلو شرطت العدة لزم التمسك بعقدة نكاحهن الموجودة في حال كفرهن وبهذا يبطل قولهما وجبت لحق الشرع كي لا تختلط المياه واستغنينا به عن إبطاله بأن الشرع أبطل النكاح بالتباين لمنافاته للنكاح فقد حكم بمنافاته للعدة لأنها أثره حيث حكم بمنافاته لما له
____________________
(3/427)
الأثر فإن لقائل أن يمنع الملازمة ويقول لا نسلم أن منافاة الشيء تنافي أثره إلا إذا كان جهة المنافاة ثابتة في الأثر أيضا وهو منتف لأنه في النكاح عدم انتظام المصالح والعدة لا ينفيها عدم انتظام المصالح بل تجامعه مدة بقائها إلى أن تنقضي فيجب أن تثبت لموجبها بلا مانع لكن قد يقال عصم الكوافر عام يدخل فيه المسبية دون زوجها والمتروكات في دار الحرب بالأزواج المهاجرين فلهم أن يتزوجوا بأربع وبأخت الكائنة هناك لعدم اعتبار عصم الكوافر في دار الحرب للفرقة والمسبية مع زوجها وهذه خصت عندكم فإنها يتمسك بعقدتها حيث قلتم لا تقع الفرقة بينها وبين زوجها فجاز أن تخص المهاجرة في حق العدة بحديث سبايا أوطاس فإنه دل على أن من انفسخ نكاحها بالتباين لا يحل وطها قبل تربص وإذا وجب عليها تربص وهي حرة كان عدة إجماعا لعدم القائل بالفصل وحينئذ فإبطاله الوجوب للخطر لا يفيد إذ كان له سبب آخر وهو حق الشرع المدلول عليه بوجوب الاستبراء فإنه أفاد أن لا يخلى فرج المدخول بها عن الامتناع إلى مدة غير أنه اعتبر مدة الاستبراء أكثر كما هو دأب الشرع في إظهار التفاوت بين الحرة والأمة في مثله قوله وإن كانت يعني المهاجرة حاملا لم تتزوج حتى تضع وقدمنا أنه عند أبي حنيفة لا بطريق العدة وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجوز تزويجها ولا يقربها حتى تضع حملها كالحامل من الزنا وجه الظاهر أن حملها ثابت النسب فظهر في حق المنع احتياطا وإنما قال احتياطا لأن مجرد كونه ثابت النسب إنما يقتضي ظاهرا أن لا توطأ لأن به يصير ساقيا ماءه زرع غيره فتعديه المنع إلى نفس التزوج بلا وطء للاحتياط فقط لأن به يقع الجمع بين الفراشين وهو ممتنع بمنزلة الجمع وطأ ولهذا لم يجز عنده تزوج الأخت في عدة الأخت والخامسة في عدة الأربع قوله وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة في الحال بغير طلاق قبل الدخول أو بعده وبه قال مالك وأحمد في رواية و قال الشافعي وأحمد في أخرى قبل الدخول هو كذلك وأما بعده فيتوقف إلى انقضاء العدة فإن جمعهما الإسلام قبل إنقضائها يستمر النكاح وإلا
____________________
(3/428)
تبين الفراق من وقت الردة قلنا هذه الفرقة للتنافى فإن الردة منافية للعصمة موجبة للعقوبة والمنافي لا يحتمل التراخي بخلاف الإسلام فإنه غير مناف للعصمة هذا جواب ظاهر المذهب وبعض مشايخ بلخ وسمرقند أفتوا في ردتها بعدم الفرقة حسما لاحتيالها على الخلاص بأكبر الكبائر وعامة مشايخ بخارى أفتوا بالفرقة وجبرها على الإسلام وعلى النكاح مع زوجها الأول لأن الحسم بذلك يحصل ولكل قاض أن يجدد النكاح بينهما بمهر يسير ولو بدينار رضيت أم لا وتعزر خمسة وسبعين ولا تسترق المعتدة ما دامت في دار الإسلام في ظاهر الرواية في رواية النوادر عن أبي حنيفة تسترق وهذا الكلام في الفرقة وأما كونها طلاقا فاتفق الإمامان هنا على أنها من جهة الزوج والمرأة فسخ وقال محمد هي في ردة الزوج طلاق وفي ردتها فسخ مر على أصله في الإباء وكذا أبو يوسف وفرق أبو حنيفة بين الردة والإباء وجه قول محمد اعتباره بالإباء والجامع ما بيناه وهو أن بالإباء امتنع عن الإمساك بمعروف مع قدرته عليه فينوب القاضي منابه وقيل ما بيناه مما حاصله أن سبب الفرقة فعل من الزوج إباء أو ردة وأبو يوسف مر على ما أصلنا له في الإباء وهو أنه سبب يشتركان فيه وأبو حنيفة فرق بأن الردة منافية للنكاح لأنها منافية للعصمة لبطلان العصمة عن نفسه وأملاكه ومنها ملك النكاح كذا قرر والحق أن منافاتها لعصمة الأملاك تبع لمنافاتها لعصمة النفس إذ بتلك المنافاة صار في حكم
____________________
(3/429)
الميت والطلاق لا ينافي النكاح لثبوته معه حتى لا تقع البينونة بمجرده بل بأمر زائد عليه أو عند انقضاء العدة ولزم كون الواقع بالردة غير الطلاق وليس إلا الفسخ بخلاف الفرقة بالإباء فإنها ليست للمنافاة ولذا بقي النكاح ما لم يفرق القاضي لأنها فرقة بسبب فوات ثمرات النكاح فوجب رفعه لارتفاع ثمراته اللاتي من قبل الزوج فالقاضي يأمره بالإمساك بمعروف بالإسلام أو التسريح بإحسان فإذا امتنع ناب عنه وفي الشروح من تقرير هذا الفرق أمور لا تمس المطلوب وكذا قوله في الهداية والطلاق رافع لأن الرافع يجامع المنافي بالضرورة نعم هو أعم يثبت مع المنافي ومع الطلاق فلا يقع به فرق ولا دخل هل فيه ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها ونفقة العدة أيضا ونصفه إن لم يدخل بها وإن كانت هي المرتدة فلحها كل المهر إن دخل بها لا نفقة العدة لأن الفرقة من جهتها وإن لم يكن دخل بها فلا مهر و لا نفقة قوله وإذا ارتدا معا ثم أسلما معا فهما على نكاحهما استحسانا
____________________
(3/430)
هذا إذا لم يلحق أحدهما بدار الحرب بعد ارتدادهما فإن لحق فسد للتباين والقياس وهو قول زفر والأئمة الثلاثة تقع الفرقة لأن في ردتهما ردة أحدهما وهي منافية للنكاح ولنا وهو وجه الاستحسان أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة بتجديد الأنكحة ولما لم يأمروهم بذلك علمنا أنهم اعتبروا ردتهم وقعت معا إذ لو حملت على التعاقب لفسدت أنكحتهم ولزمهم التجديد وعلمنا من هذا أن الردة إذا كانت لا توجب الفرقة واعلم أن المراد عدم تعاقب كل زوجين من بني حنيفة أما جميعهم فلا لأن الرجال جاز أن يتعاقبوا ولا تفسد أنكحتهم إذا كان كل رجل ارتد مع زوجته فحكم الصحابة بعدم التجديد لحكمهم بذلك ظاهرا لا حملا عليه للجهل بالحال كالغرقى والحرقى وهذا لأن الظاهر أن قيم بي البيت إذا أراد أمرا أن تكون قرينته فيه قرينته هذا والمذكور في الحكم بارتداد بني حنيفة في المبسوط منعهما الزكاة وهذا يتوقف على نقل أن منعهم كان لجحد افتراضها ولم ينقل ولا هو لازم وقتال أبي بكر رضي الله عنه إياهم لا يستلزمه لجواز قتالهم إذا أجمعوا على منعهم حقا شرعيا وعطلوه والله أعلم وقد يستدل للاستحسان بالمعنى وهو عدم جهة المنافاة وذلك لأن جهة المنافاة بردة أحدهما عدم انتظام المصالح بينهما والموافقة على الارتداد ظاهر في انتظامها بينهما إلى أن يموتا بقتل أو غيره والأوجه الاستدلال بوقوع ردة العرب وقتالهم على ذلك فإنه من غير تعيين بنى حنيفة ومانعي الزكاة قطعي ثم لم يؤمروا بتجديد الأنكحة إلى آخر ما ذكرنا قوله ولو أسلم أحدهما بعد ارتداداهما معا فسخ النكاح لأن ردة الآخر منافية للنكاح فصار بقاؤها كإنشائها الآن حال إسلام الآخر حتى إن كان الذي عاد إلى الإسلام هو الزوج فلا شيء لها إن كان قبل الدخول وإن كانت هي التي أسلمت فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر وإن دخل بها فلها كل المهر في الوجهين لأن المهر يتقرر بالدخول دينا في ذمة الزوج والديون لا تسقط بالردة
فروع الأول نصرانية تحت مسلم تمجسا وقعت الفرقة بينهما عند أبي يوسف خلافا لمحمد وجه قوله أن الزوج قد ارتد والمجوسية لا تحل للمسلم فإحداثها ما تحرم به كالردة فقد ارتدا معا فلا تقع الفرقة ولأبي يوسف أن الزوج لا يقر على ذلك بل يجبر على الإسلام والمرأة تقر فصار كردة الزوج وحده وهذا لما عرف أن الكفر
____________________
(3/431)
كله ملة واحدة فالانتقال من كفر إلى كفر لا يجعل كإنشائه فصار كما لو تهودا فإن الفرقة تقع فيه بالاتفاق ومحمد يفرق بأن إنشاء المجوسية لا تحل للمسلم فإحداثها كالارتداد بخلاف اليهودية ألا ترى أنها لو تمجست وحدها تقع الفرقة ولو تهودت لا تقع فافترقا الثاني يجوز نكاح أهل ملل الكفر بعضهم بعضا فيتزوج اليهودي مجوسية ونصرانية لأن الكل ملة واحدة من حيث الكفر وإن اختلفت نحلهم كأهل المذاهب ثم الولد على دين الكتابي منهم الثالث إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع أو أختان أو أم وبنتها وأسلمن معه وهن كتابيات فعند أبي حنيفة وأبي يوسف إن كان تزوجهن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن أو في عقد فنكاح من يحل سبقه جائز ونكاح من تأخر فوقع به الجمع أو الزيادة على الأربع باطل & باب القسم
لما فرغ من ذكر النكاح وأقسامه باعتبار من قام به من المسلمين الأحرار والأرقاء والكفار وحكمه اللازم له من المهر شرع في حكمه الذي لا يلزم وجوده وهو القسم وذلك لأنه إنما يثبت على تقدير تعدد المنكوحات ونفس النكاح لا يستلزمه ولا هو غالب فيه والقسم بفتح القاف مصدر قسم والمراد التسوية بين المنكوحات ويسمى العدل بينهن أيضا وحقيقته مطلقا ممتنعة كما أخبر سبحانه وتعالى حيث قال { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } وقال تعالى { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } بعد إحلال الأربع بقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } فاستفدنا أن حل الأربع مقيد بعدم خوف عدم العدل وثبوت المنع عن أكثر من واحدة عند خوفه فعلم إيجابه عند تعددهن وأما قوله صلى الله عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فلا يخص حالة تعددهن ولأنهن رعية الرجل وكل راع مسؤول عن رعيته وإنه في أمر مبهم يحتاج إلى البيان لأنه أوجبه وصرح بأنه مطلقا لا يستطاع فعلم أن الواجب منه شيء معين وكذا السنة جاءت مجملة فيه روى أصحاب السنن الأربعة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب أي زيادة المحبة فظاهره أن ما عداه مما هو داخل تحت ملكه وقدرته تجب التسوية فيه ومنه عدد الوطآت والقبلات والتسوية فيهما غير لازمة إجماعا وكذا ما روى أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل أي مفلوج ولفظ أبي داود والنسائي فمال إلى إحداهما على الأخرى فلم يبين في ماذا وأما في الكتاب
____________________
(3/432)
من زيادة قوله في القسم فالله أعلم بها لكن لا نعلم خلافا في أن العدل الواجب في البيتوتة والتأنيس في اليوم والليلة وليس المراد أن يضبط زمان النهار فيقدر ما عاشر فيه إحداهما فيعاشر الأخرى بقدره بل ذلك في البيتوتة وأما النهار ففي الجملة قوله وإذا كان للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما التقييد بحرتين لإخراج ما إذا كانت إحداهما أمة والأخرى حرة لا لإخراج الأمتين ثم ظاهر العبارة ليس بجيد فإنه يعطى أنهما إذا لم يكونا حرتين ليس عليه أن يعدل بينهما وليس بصحيح لكن معنى العدل هنا التسوية لا ضد الجور فإذا كانتا حرتين أو أمتين فعليه أن يسوى بينهما وإن كانت حرة وأمة فلا يعدل بينهما أي لا يسوى بل يعدل بمعنى لا يجور وهو أن يقسم للحرة ضعف الأمة فالإيهام نشأ من اشتراك اللفظ قوله والقديمة والجديدة سواء لإطلاق ما روينا وهو معنى قوله لا فصل فيما ذكرنا فكان الأولى أن يقال لما ذكرنا يعني من قوله ولا فصل الخ يعني أن ما رويناه يوجب التسوية بين الجديدة والقديمة وكذلك ما تلونا من الآية فنحتج به وعند الشافعي أنه يقيم عند البكر الجديدة أول ما يدخل بها سبعا يخصها بها ثم يدور وعند الثيب الجديدة ثلاثا إلا إن طلبت زيادة على ذلك فحينئذ يبطل حقها ويحتسب عليها بتلك المدة لما روى عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للبكر سبع وللثيب
____________________
(3/433)
ثلاث ثم يعود إلى أهله أخرجه الدارقطني عنه ورواه البزار من طريق أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للبكر سبعا وللثيب ثلاثا وعنه قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم رواه الشيخان في الصحيحين وفي صحيح مسلم عن أم سلمة لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها أقام عندها ثلاثا ثم قال إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي وهذا دليل استثناء الشافعي ما ذكرنا من أنه يسقط حقها ويحتسب عليها بالمدة إن طلبت زيادة على الثلاث ولأنها لم تألف صحبته وقد يحصل لها في أول الأمر نفرة فكان في الزيادة إزالتها ولنا ما روينا من غير فصل وما تلونا وما ذكر من المعنى وهو قوله ولأن القسم من حقوق النكاح ولا تفاوت بينهن في ذلك فلا تفاوت بينهن في القسم وأما المعني الذي علل به فمعارض بان تخصيص القديمة به أولى لأن الوحشة فيها متحققة وفي الجديدة متوهمة وإزالة تلك النفرة تمكن بأن يقيم عندها السبع ثم يسبع للباقيات ولم تنحصر في تخصيصها واعلم أن المروى إن لم يكن قطعي الدلالة في التخصيص وجب تقديم الآية والحديث المطلق لوجوب التسوية وإن كان قطعيا وجب اعتبار التخصيص بالزيادة فإنه لا يعارض ما روينا وتلونا لأن مقتضاهما العدل وإذا ثبت التخصيص شرعا كان هو العدل فإنا نراه لم ينحصر في التسوية بل يتحقق مع عدمها لعارض وهو رق إحدى المرأتين حتى كان العدل أن يكون لإحداهمها يوما وللأخرى يومين فليكن أيضا بتخصيص الجديدة الدهشة بالإقامة سبعا إن كانت بكرا وثلاثا إن كانت ثيبا لتألف بالإقامة وتطمئن هذا وكما لافرق بين الجديدة والقديمة كذلك لا فرق بين البكر والثيب والمسلمة والكتابية الحرتين والمجنونة التي لا يخاف منها والمريضة والصحيحة والرتقاء والحائض والنفساء والصغيرة التي يمكن وطؤها والمحرمة والمظاهر منها ومقابلاتهن وكذلك يستوى وجوبه على العنين والمجبوب والمريض والصبي الذي دخل بامرأته ومقابليهم قال مالك ويدور ولى الصبي به على نسائه لأن القسم حق العباد وهم من أهله وصح رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرض استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له قوله والاختيار في مقدار الدور إلى الزوج لأن المستحق هو التسوية دون طريقه إن شاء يوما يوما وإن شاء يومين يومين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا واعلم أن هذا الإطلاق لا يمكن اعتباره على صرافته فإنه لو أراد أن يدور سنة سنة ما يظن إطلاق ذلك له بل ينبغي أن لا يطلق له مقدار مدة الإبلاء وهو أربعة أشهر وإذا كان وجوبه للتأنيس ودفع الوحشة وجب أن تعتبر المدة القريبة وأظن أكثر من جمعة مضاره إلا أن ترضيا به والله أعلم قوله والتسوية المستحقة في البيتوتة لا في المجامعة لأنها تنبني على النشاء
____________________
(3/434)
ولا خلاف فيه قال بعض أهل العلم إن تركه لعدم الداعية والانتشار فهو عذر وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته فإن أدى الواجب منه عليه لم يبق لها حق ولم يلزمه التسوية واعلم أن ترك جماعها مطلقا لا يحل له صرح أصحابنا بأن جماعها أحيانا واجب ديانة لكنه لا يدخل تحت القضاء والإلزام إلا الوطأة الأولى ولم يقدروا فيه مدة ويجب أن لا يبلغ به مدة الإيلاء إلا برضاها وطيب نفسها به هذا والمستحب أن يسوى بينهن في جميع الاستمتاعات من الوطء والقبلة وكذا بين الجواري وأمهات الأولاد ليحصنهن عن الاشتهاء للزنا والميل إلى الفاحشة ولا يجب شيء لأنه تعالى قال { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } فأفاد أن العدل بينهن ليس واجبا هذا فأما إذا لم يكن له إلا امرأة واحدة فتشاغل عنها بالعبادة أو السرارى اختار الطحاوي رواية الحسن عن أبي حنيفة أن لها يوما وليلة من كل أربع ليال وباقيها له لأن له أن يسقط حقها في الثلاث بتزوج ثلاث حرائر فإن كانت الزوجة أمة فلها يوم وليلة في كل سبع وظاهر المذهب أن لا يتعين مقدار لأن القسم معنى نسبي وإيجابه طلب إيجاده وهو يتوقف على وجود المنتسبين فلا يطلب قبل تصوره بل يؤمر أن يبيت معها ويصحبها أحيانا من غير توقيت والذي يقتضيه الحديث أن التسوية في المكث أيضا بعد البيتوتة ففي السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضا على بعض في القسم في مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنوا من كل امرأة منا من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو في يومها فيبيت عندها وعلم من هذا أن النوبة لا تمنع أن يذهب إلى الأخرى لينتظر في حاجتها ويمهد أمورها وفي صحيح مسلم أنهن كن يجتمعن في بيت التي يأتيها والذي يظهر أن هذا جائز برضا صاحبة النوبة إذ قد تتضيق لذلك وتنحصر له ولو ترك القسم بأن أقام عند إحداهن شهرا مثلا أمره القاضي بأن يستأنف العدل لا بالقضاء فإن جار بعد ذلك أوجعه عقوبة كذا قالوا والذي يقتضيه النظر أن يؤمر بالقضاء إذا طلبت لأنه حق آدمي وله قدرة على إيفائه قوله وإن كانت إحداهما حرة والأخرى أمة فللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث بذلك ورد الأثر قضى به أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وبالقضاء عن علي احتج الإمام أحمد وتضعيف ابن حزم إياه بالمنهال بن عمرو وبابن أبي ليلى ليس بشيء لأنهما ثبتان حافظان وإذا كانت الأمة مدبرة رجل أو مكاتبته أو أم ولد له فهي كالأمة لقيام الرق فيهن قوله ولا حق لهن في القسم حالة السفر فيسافر الزوج بمن شاء منهن والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها وقال الشافعي القرعة مستحقة
____________________
(3/435)
لما روى الجماعة من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فمن خرج سهمها خرج بها معه مختصرا ومطولا بحديث الإفك قلنا ذلك كان استحبابا لتطيب قلوبهن وهذا لأن مطلق الفعل لا يقتضي الوجوب فكيف وهو محذوف بما يدل على الاستحباب وذلك أنه لم يكن القسم واجبا عليه صلى الله عليه وسلم قال تعالى { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } وممن أرجأ سودة وجويرية وأم حبيبة وصفية وميمونة ذكره الحافظ عبد العظيم المنذري وممن آوى عائشة والباقيات رضي الله عنهن ولأنه قد يثق بإحداهما في السفر وبالأخرى في الحضر والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة أو يمنع من سفر إحداهما كثرة سمنها فتعيين من يخاف صحبتها في السفر للسفر بخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالنافي للحرج وأما قول المصنف ألا يرى أن له أن لا يستصحب واحدة منهن فكذا له أن يسافر بواحدة منهن فظاهر فيه منع الملازمة إذ لايلزم من أن له أن لا يسافر بأحد أن يكون له أن يختص واحدة بالسفر بها لأن في ترك السفر بالكل تسوية بخلاف تخصيص إحداهن وهذا لأن اللازم التسوية وهو أنه إذا بات عند واحدة ليلة يبيت عند الأخرى كذلك لا على معنى وجوب ان يبيت عند كل واحدة منهما دائما فإنه لو ترك المبيت عند الكل بعض الليالي وانفرد لم يمنع من ذلك قوله وإن رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز هذا إذا لم يكن برشوة من الزوج بأن زادها في مهرها لتفعل أو تزوجها بشرط أن يتزوج أخرى فيقيم عندها يومين وعند المخاطبة يوما فإن الشرط باطل ولا يحل لها المال في الصورة الأولى فله أن يرجع فيه وأما إذا دفعت إليه أو حطت عنه مالا ليزيدها فظاهر أنه لا يلزم ولا يحل لهما ولها أن ترجع في مالها قوله لأن سودة بنت زمعة بفتحتين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها إلخ هذا يقتضى أنه طلقها قال محمد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لسودة بنت زمعة اعتدي فسألته بوجه الله أن يراجعها وتجعل يومها لعائشة لأن تحشر يوم القيامة مع أزواجه والذي ورد في الصحيحين لا يتعرض له بل إنها جعلت يومها لعائشة رضي
____________________
(3/436)
الله عنها والذي في المستدرك يفيد عدمه وهو عن عائشة قالت قالت سودة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك منها قالت عائشة رضي الله عنها ففيها وفي أشباهها أنزل الله { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح } الآية وقال صحيح الإسناد ويوافق ما في الكتاب ما رواه البيهقي عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة فلما خرج إلى الصلاة أمسكت بثوبه فقالت والله مالى إلى الرجال من حاجة ولكني أريد أن أحشر في أزواجك قال فراجعها وجعل يومها لعائشة وهو مرسل ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم كان طلقها طلقة رجعية فإن الفرقة فيها لا تقع بمجرد الطلاق بل بانقضاء العدة فمعنى قول عائشة رضي الله عنها فرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم خافت أن يستمر الحال إلى انقضاء العدة فتقع الفرقة فيفارقها ولا ينافيه بلاغ محمد ابن الحسن فإنه إنما ذكر في الكنايات اعتدي والواقع بهذه الرجعي لا البائن وفرع بعض الفقهاء أنها إذا وهبت يومها له فله أن يجعله لمن شاء من نسائه وإذا جعلته لضرتها المعينة لا يجوز له أن يجعله لغيرها لأن الليلة حقها فإذا صرفته لواحدة تعين وفرعوا إذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة قسم لها ليلتين متواليتين وإن كانت لا تليها فهل له نقلها فيوالى لها ليليتن على قولين للشافعية والحنابلة والأظهر عندي أن ليس له ذلك إلا برضا التي تليها في النوبة لأنها قد تتضرر بذلك قوله ولها أن ترجع قال بعض علماء الحنابلة ليس لها المطالبة به فإنه خرج مخرج المعاوضة يعني عن الطلاق وقد سماه الله تعالى صلحا يعني قوله تعالى { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا } فيلزم كما يلزم ما صولح عليه من الحقوق ولو مكنت من طلب حقها بعد ذلك كان فيه تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه ولم يكن صلحا بل من أقرب أسباب المعاداة والشريعة منزهة عن ذلك وهو إنما يفيد عدم المطالبة بما مضى فيه وبه نقول إذ يستلزم عدم حصول المقصود من شرعية ذلك الاصطلاح عند الإعراض أما فيما بعده فلا لأنه لم يجب فكيف يسقط فإن قيل يلزم ثبوت الضرر والمعاداة قلنا لم يحرم عليه طريق الخلاص وقد كان يريد طلاقها لولا ما صالحته عليه فإذا أتلفت ما دفعت به المكروه عنها فله أن يفعل ما كان يريد فعله ويحصل الخلاص والله سبحانه أعلم
فروع نختم بها كتاب النكاح لا يجوز أن يجمع بين الضرائر إلا بالرضا ويكره وطء إحداها بحضرة الأخرى فلها أن لا تجيبه إذا طلب وله أن يمنعها من أكل ما يتأذى من رائحته ومن الغزل وعلى هذا له أن يمنعها من التزين بما يتأذى بريحه كأن يتأذى برائحة المناء المخضر ونحوه وله ضربها بترك الزينة إذا كان يريدها وترك الإجابة وهي طاهرة والصلاة وشروطها إلا أن تكون ذمية فليس له جبرها على غسل الجنابة والحيض والنفاس عندنا ويضربها على الخروج من منزله بلا إذن إلا إن احتاجت إلا الاستفتاء في حادثة ولم يرض الزوج أن يستفتى
____________________
(3/437)
لها وهو غير عالم وما لم تقع حاجة إلى الاستفتاء له أن يمنعها عن الخروج إلى مجلس العلم وإلا أن يكون أبوها زمنا وليس له من يقوم عليه مؤمنا كان أو كافرا فإن عليها أن تعصي الزوج في المنع ولو كان له أم شابة تخرج إلى الوليمة والمصيبة أو لغيرهما لا يمنعها ابنها ما لم يتحقق أن خروجها للفساد فحينئذ يرفع الأمر إلى القاضي فإن أذن له بالمنع منعها لقيامه مقامه والله أعلم = كتاب الرضاع
لما كان المقصود من النكاح الولد وهو لا يعيش غالبا في ابتداء نشأته إلا بالرضاع وكان له أحكام تتعلق به وهي من آثار النكاخ المتأخرة عنه بمدة وجب تأخيره إلى آخر أحكامه قيل وكان ينبغي أن يذكره في المحرمات لكنه أفراده بكتاب على حدة لاختصاصه بسائل كشهادة النساء وخلط اللبن ونحوه والحق أنه ذكر في المحرمات ما تتعلق المحرمية به وإنما ذكر هنا التفاصيل الكثيرة والرضاع والرضاعة بكسر الراء فيهما وفتحها أربع لغات والرضع الخامسة وأنكر الأصمعي الكسر مع الهاء وفعله في الفصيح من حد علم يعلم وأهل نجد قالوا من باب ضرب وعليه قول السلولي يذم علماء زمانه وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ثم قيل كتاب الرضاع ليس من تصنيف محمد رحمه الله إنما ألفه بعض أصحابه ونسبه إليه ليروجه ولذا لم يذكره الحاكم الشهيد أبو الفضل في مختصره المسمى بالكافي مع التزامه إيراد كلام محمد رحمه الله في جميع كتبه محذوفة التعاليل وعامتهم على أنه من أوائل مصنفاته وإنما لم يذكره الحاكم اكتفاء بما أورده من ذلك في كتاب النكاح وهو في اللغة مص اللبن من الثدي ومنه قولهم لئيم راضع أي يرضع غنمه ولا يحلبها مخافة أن يسمع صوت حلبه فيطلب منه اللبن وفي الشرع مص الرضيع اللبن من ثدي الآدمية في وقت مخصوص أي مدة الرضاع المختلف في تقديرها قوله قليل الرضاع وكثيره سواء إذا تحقق في مدة الرضاع تعلق به التحريم وبه قال مالك أما لو شك فيه بأن
____________________
(3/438)
أدخلت الحلمة في فم الصغير وشكت في الارتضاع لا تثبت الحرمة بالشك وهو كما لو علم أن صبية أرضعتها امرأة من قرية ولا يدري من هي فتزوجها رجل من أهل تلك القرية صح لأنه لم يتحقق المانع من خصوصية امرأة والواجب على النساء أن لا يرضعن كل صبي من غير ضرورة وإذا أرضعن فليحفظن ذلك ويشهرنه ويكتبنه احتياطا وقال الشافعي رحمه الله لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات مشبعات في خمسة أوقات متفاصلة عرفا وعن أحمد رحمه الله روايتان كقولنا وكقوله لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة والمصتان الحديث رواه مسلم في حديثين صدره حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال لا تحرم المصة والمصتان وآخره عن أم الفضل بنت الحرث قالت دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي فقال يا رسول الله إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت الحدثى رضعة أو رضعتين فقال صلى الله عليه وسلم لا تحرم الإملاجة والإملاجتين وأخرج ابن حبان في صحيحه حديثا واحدا عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والإملاجتان فقول شارح في قوله ولا الإملاجة والإملاجتان إنه لم يثبت في كتب الحديث ليس بصحيح والإملاجة الإرضاعة والتاء للوحدة والإملاج الإرضاع وأملجته أرضعته وملج هو أمه رضعها وهذا الحديث لا يصلح لإثبات مذهبه وقيل يمكن أن يثبت به مذهبه بطريق هو أن المصة داخلة في المصتين فحاصله لا تحرم المصتان ولا الإملاجتان فنفى التحريم على أربع فلزم أن يثبت بخمس وهذا ليس بشيء أما أولا فلأن مذهبه ليس التحريم بخمس مصات بل بخمس مشبعات في أوقات وأما ثانيا فلأن المصة غير الإملاجة فإن المصة فعل الرضيع والإملاجة الإرضاعة فعل المرضعة فحاصل المعنى أنه صلى الله عليه وسلم نفى كون الفعلين محرمين منه ومنها وعلى هذا فالتحقيق أنه لا يتأتى حديثا واحدا لأن الإملاج ليس حقيقة المحرم بل لازمه من الارتضاع فنفى تحريم الإملاج نفي تحريم لازمه فليس الحاصل من لا تحرم الإملاجتان إلا لا تحرم لازمهما أعني المصتين فلو جمعا في حديث واحد كان الحاصل لا تحرم المصتان فلزم أن لا يصح أن يراد إلا المصتان لا الأربع فإن قلت فقد ذكرت آنفا حديثا واحدا في صحيح ابن حبان من رواية ابن الزبير عن أبيه رضي الله عنه قلت يجب كون الراوي وهو الزبير أراد أن يجمع بين ألفاظه صلى الله عليه وسلم التي سمعها منه في وقتين كأنه قال قال صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان وقال أيضا لا تحرم الاملاجة ولا الإملاجتان وقيل بطريق آخر وهو أنه ناف لمذهبنا فيثبت به مذهبه لعدم القائل بالفصل وليس كذلك فإنه قال بالفصل أبو ثور وابن المنذر ودواد وأبو عبيد وهؤلاء أئمة الحديث قالوا المحرم ثلاث رضعات اللهم إلا أن لا يعتبر قولهم وفيه نظر لقوة وجهه بالنسبة إلى وجه قول الشافعي رحمه الله وذلك أن الذي أثبت به مذهبه ما في مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت
____________________
(3/439)
كان فيما نزل من القرن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن قالوا وهذا يدل على قرب النسخ حتى إن لم يبلغهه كان يقرؤها وهو لا يستقيم إلا على إرادة نسخ الكل وإلا لزم ضياع بعض القرآن الذي لم ينسخ وعدمه كما عن الروافض وإلا لوجب أن يتلى خمس رضعات الخ فدار الأمر بين الحكم بنسخ الكل بعدم التلاوة الآن فينبغي أن يوقف ثبوت الحرمة على خمس رضعات وعدمه فيثبت قول الروافض ذهب كثير من القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تثبته الصحابة رضي الله عنهم وإذا بطل التمسك به وإن كان إسناده صحيحا لانقطاعه باطنا وثبت نفي تحريم المصة والمصتان والرضاع محرم وجب التحريم بالثلاث وما روى عنها أنه كان في صحيفة تحت سريري فلما مات صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بموته فدخلت دواجن فأكلتها لا ينفى ذلك النسخ يعني كان مكتوبا ولم يغسل بعد للقرب حتى دخلت الدواجن وإلا فالقرآن لا تجوز الزيادة فيه ولا النقص بعده صلى الله عليه وسلم قال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وما قيل ليكن نسخ الكل ويكون النسخ التلاوة مع بقاء الحكم وإن هذا مما لا جواب عنه فليس بشيء لأن ادعاء بقاء حكم الدال بعد نسخه يحتاج إلى دليل وإلا فالأصل أن نسخ الدال يرفع حكمه وأما ما نظر به من الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما فلولا ما علم بالسنة والإجماع لم يثبت به وإذا احتاج إلى ثبوت كون المحرم الخمس ولم يكن هذا الحديث مثبتا له فالدليل عليه مستأنف وما ذكر له أولا قد سمعت ما فيه فحينذ تمسكهم في الثلاث أظهر من متمسكه في الخمس ونحن إلى جوابه أحوج فكيف لا يعتبر نعم أحسن الأدلة له حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم وغيره قالت جاءت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال صلى الله عليه وسلم أرضي سالما خمسا تحرمي بها عليه إلا أن مسلما لم يذكر عددا وكذا السنن المشهورة بل نقل في مسند الشافعي رحمه الله مخالفا لها على ما فيه والجواب أن التقدير مطلقا منسوخ صريح بنسخة ابن عباس رضي الله عنهما حين قيل له إن الناس يقولون إن الرضعة لا تحرم فقال كان ذلك قبل ثم نسخ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال آل أمر الرضاع إلى أن قليله وكثيره يحرم وروى عن ابن عمر ان القليل يحرم وعنه أنه قيل له إن ابن الزبير رضي الله عنه يقول لا بأس بالرضعة والرضعتين فقال قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير قال تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } فهذا إما أن يكون رد للرواية لنسخها أو لعدم صحتها أو لعدم إجازته تقييد إطلاق الكتاب بخبر الواحد فإنه تعالى علق التحريم بفعل الرضاعة من غير فصل وهذا ما قال المصنف رحمه الله وما رواه مردود بالكتاب أو منسوخ به ثم الذي يحرم
____________________
(3/440)
به في حديث سهلة أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد أن يشبع سالما خمس شبعات في خمسة أوقات متفاصلات جائعا لأن الرجل لا يشبعه من اللبن رطل ولا رطلان فأين تجد الآدمية في ثديها قدر ما يشبعه وهذا محال عادة فالظاهر أن معدود خمسا فيه المصات ثم كيف جاز أن يباشر عورتها بشفتيه فلعل المراد أن تحلب له شيئا مقداره خمس مصات فيشربه وإلا فهو مشكل هذا وهو منسوخ من وجه آخر أيضا كما سيأتي بيانه والله أعلم قوله ولنا قوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } تقدم في استدلال ابن عمر رضي الله عنهما وأما قوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فحديث في الصحيحين مشهور قوله ولأن الحرمة وإن كانت لشبهة البعضية جواب سؤال هو أن الحرمة بالرضاع لاختلاط البعضية بسبب النشوء الكائن عنه وذلك لا يتحقق بأدنى شيء أجاب بأن ذلك حكمة لأنه خفي والأحكام لا تتعلق به لخفائها بل بالظاهر المنضبط وهو فعل الارتضاع فلو قال الظاهر لا بد من كونه مظنة للحكمة ومطلقه ليس مظنة النشوء فلا يتعلق التحريم به قلنا ولا يتوقف النشوء على خمس مشبعات بل واحدة تفيده فالتعلق بخمس زيادة تستلزم تأخير الحرمة عن وقت تعلقها والحق أن الرضاع وإن قل يحصل به نشوء بقدره فكان الرضاع مطلقا مظنة بالنسبة إلى الصغير وقولنا قول جمهور الصحابة منهم علي وابن مسعود وأسند الرواية عنهما به النسائي وابن عباس رضي الله عنهما وجمهور التابعين هذا والأولى أن يقال للبعضية لأن الحرمة لشبهة البعضية وإقامة السبب مقام المسبب إنما هي حرمة المصاهرة أما في الرضاع فحقيقة الجزئية باللبن هي المحرمة لكن لما كان التحريم يثبت بمجرد حصول اللبن في الجوف قبل استحالته كان المحرم شبهتها أي ما يئول إلى الجزئية وينبغي أن يكون الرضاع الموجب للتحريم في مدة الرضاع على ما نبين في المسئلة التي تليها وهي قوله ثم مدة الرضاع التي إذا وقع الرضاع فيها تعلق به التحريم ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا سنتان وهو قول الشافعي ومالك وأحمد وقال زفر ثلاثة أحوال وعن مالك رحمه الله سنتان وشهر وفي أخرى شهران وفي أخرى ما دام محتاجا إلى اللبن غير مستغن عنه وقال بعضهم لا حد له للإطلاقات فيوجب الترحيم ولو في حال الكبر وعن بعضهم إلى خمس عشرة سنة وقال
____________________
(3/441)
آخرون إلى أربعين سنة ولا عبرة بهذين القولين قوله لأن الحول حسن الخ هذا وجه قول زفر رحمه الله وحاصله أنه لا بد من مدة يتعود فيها الصبي غير اللبن لينقطع الإنبات باللبن وذلك بزيادة مدة يتعود فيها فيها الصبي تغير الغذاء والحول حسن للتحول من حال إلى حال لاشتماله على الفصول الأربعة فقدر بالثلاثة وهذا هو المراد بقوله لما نبين أي في دليل أبي حنيفة رحمه الله ولهما قوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } ومدة الحمل أدناها ستة أشهر فبقي للفصال حولان وقال صلى الله عليه وسلم لا رضاع بعد حولين رواه الدارقطني عن ابن عباس يرفعه هكذا لا رضاع إلا ما كان من حولين وظاهر أن المراد نفي الأحكام وقال لم يسنده عن ابن عيينة إلا الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ وكذا وثقه أحمد رحمه الله والعجلي وابن حبان وغير واحد وروى موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما بلا ريب وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على ابن مسعود وعلي والدارقطني على عمر وأظهر الأدلة لهما قوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فجعل التمام بهما ولا مزيد على التمام ولأبي حنيفة رحمه الله هذه الآية ووجهه أنه سبحانه ذكر شيئين وضرب لهما مدة فكانت لكل واحد منهما بكمالها كالأجل المضروب للدينين على شخصين بأن قال أجلت الدين الذي لي
____________________
(3/442)
على فلان والدين الذي لي على فلان سنة يفهم منه أن السنة بكمالها لكل أو على شخص فيقول لفلان على ألف درهم وعشرة أقفزه إلى سنة فصدقه المقر له في الأجل فإذا مضت السنة يتم أجلهما جميعا إلا أنه أقام المنقص في أحدهما يعني في مدة الحمل وهو قول عائشة رضي الله عنها الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل وفي رواية ولو بقدر ظل مغزل ومثله مما لا يقال إلا سماعا لأن المقدرات لا يهتدي العقل إليها وسنخرجه في موضعه إن شاء الله تعالى وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين فتبقى مدة الفصال على ظاهرها غير أن هذا يستلزم كون لفظ ثلاثين مستعملا في إطلاق واحد في مدلول ثلاثين وفي أربعة وعشرين وهو الجمع بين الحقيقي والمجازي بلفظ واحد وكونه بالنسبة إلى شيئين لا يبقى كونه كذلك وهو الممتنع وإلا لم يمتنع لأنه ما من جمع إلا بالنسبة إلا شيئين وإشكال آخر وهو أن أسماء العدد لا يتجوز بشيء منها في الآخر نص عليه كثير من المحققين لأنها بمنزلة الإعلام على مسمياتها حتى منعت الصرف مع سبب واحد فقالوا ستة عشر ضعفا ثمانية بلا تنوين ومما ذكره صاحب النهاية في فصل المشيئة من كتاب الطلاق إلا أنه يقتضى أن نحو عشرة إلى إثنين لم يرد به ثمانية بل عشرة فأخرج ثم أسند إلى ثمانية وهو قول طائفة من الأصوليين مطلقا ومختار طائفة من المشايخ فيما إذا كان استثناء من عدد منهم شمس الأئمة وفخر الإسلام والقاضي أبو زيد خلاف قول الجمهور وقد حققناه في الأصول ويمكن ان يستدل لأبي حنيفة رحمه الله بقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن } الآية بناء على أن المراد من الوالدات المطلقات بقرينة { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } فإن الفائدة في جعله نفقتها من حيث هي ظئر أوجه منها في اعتباره إيجاب نفقة الزوجة لأن ذلك معلوم بالضرورة قبل البعثة ومن قوله تعالى { لينفق ذو سعة } الآية ولأن نفقتها لا تختص بكونها والدة مرضعة بل متعلقة بالزوجية بخلاف اعتبارها نفقة الظئر ويكون حينئذ أجرة لها لأن النفقة لها باعتبارها ظئرا غير زوجة لا تكون إلا أجرة لها والام من { لمن أراد } متعلق بيرضعن أي يرضعن للآباء الذي أرادوا إتمام
____________________
(3/443)
الرضاعة وعليهم { رزقهن وكسوتهن بالمعروف } أجرة لهن في الحولين وإذا كانت الواو من { وعلى المولود له } للحال من فاعل يتم كان أظهر في تقييد الأجرة المستحقة على الآباء أجرة للمطلقة لحولين وغاية ما يلزم أنه كان مقتضى الظاهر أن يقال وعليه أو وعليهم لكن ترك للتنبيه على على الاستحقاق عليه وهو كون الولد منسوبا إليه وأن النسبة إلى الآباء والحاصل حينئذ يرضعن حولين لمن أراد من الآباء أن يتم الرضاعة بالأجرة وهذا لا يقتضي أن أنتهاء مدة الرضاعة مطلقا بالحولين بل مدة استحقاق الأجرة بالإرضاع ثم يدل على بقائها في الجملة قوله تعالى { فإن أرادا فصالا } عطفا بالفاء على يرضعن حولين فعلق الفصال بعد الحولين على تراضيهما وقد يقال كون الدليل دل على بقاء مدة الرضاع المحرم بعد الحولين فأين الدليل على انتهائها لستة أشهر بعدهما بحيث لو أرضع بعدها لا يقع التحريم وما ذكر في وجه زيادتها لا يفيد سوى أنه إذا أريد الفطام يحتاج إليها ليعود فيها غير اللبن قليلا قليلا لتعذر نقله دفعة فأما أنه يجب ذلك بعد الحولين ويكون من تمام مدة التحريم شرعا فليس بلازم مما ذكر من الأدلة ولا شك أن الشرع لم يحرم إطعامه غير اللبن قبل الحولين ليلزم زيادة مدة التعود عليهما فجاز أن يعود مع اللبن غيره قبل الحولين بحيث تكون العادة قد استقرت مع انقضائهما فيفطم عنده عن اللبن بمرة فليست الزيادة بلازمة في العادة ولا في الشرع فكان الأصح قولهما وهو مختار الطحاوي وقول زفر على هذا أولى بالبطلان وهو ظاهر وحينئذ فقوله تعالى { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور } المراد منه قبل الحولين فإنه موضع التردد في أنه يضر بالولد أولا فيتسشاوران ليظهر وجه الصواب فيه وأما ثبوت الضرر بعد الحولين فقل أن يقع به من حيث أنه فطام بل إن كان فمن جهة أخرى فتمنعه العمومات المانعة من إدخال الضرر على غير المستحق له قوله وإذا مضت مدة الرضاع لم يتعلق بالرضاع تحريم فطم أو لم يفطم حتى لو ارتضع لا يثبت التحريم خلافا لمن قال بالتحريم أبدا للإطلاقات الدالة على ثبوت التحريم به وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم أو بعض بنات أختها أن ترضعه خمسا ولحديث سهلة المتقدم والجواب أن هذا كان ثم نسخ بآثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين تفيد اتفاقهم عليه فمنها ما قدمناه في استدلالهما من قوله صلى الله عليه وسلم لا رضاع
____________________
(3/444)
إلا ما كان من حولين وقدمنا تخريجه مرفوعا وموقوفا على ابن عباس وعلي وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وما ذكره المصنف من قوله عليه الصلاة والسلام لا رضاع بعد الفصال والمراد نفي الحكم لأنه قد ثبت هويته بعده وما في الترمذي من حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي سنن أبي داود من حديث ابن مسعود يرفعه لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم يروى بالراء المهملة أي أحياه ومنه قوله تعالى { ثم إذا شاء أنشره } وبالزاي أي رفعه وبزيادة الحجم يرتفع وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال يا عائشة من هذا قلت أخي من الرضاعة فقال يا عائشة انظرن من إخوتكن فإن الرضاعة من المجاعة يعني اعرفن إخوتكن لخشية أن يكون رضاعة ذلك الشخص كانت في حالة الكبر فإن قلت عرف من أصلكم أن عمل الراوي بخلاف ما روى يوجب الحكم بنسخ ما روى فلا يعتبر ويكون بمنزلة روايته للناسخ وحديث الصحيحين وهو قوله إنما الرضاعة من المجاعة روته عائشة رضي الله عنها وعملها بخلافه فيكون محكوما بنسخ كون رضاع الكبير محرما قلنا المعنى أنه إذا لم يعرف من الحال سوى أنه خالف مرويه حكمنا بإنه اطلع على ناسخه في نفس الأمر ظاهرا لأن الظاهر أنه لا يخطئ في ظن غير الناسخ ناسخالا قطعا فلو اتفق في خصوص محل بأن عمله بخلاف مرويه كان لخصوص دليل علمناه وظهر للمجتهد غلطه في استدلاله بذلك الدليل لا شك أنه لا يكون مما يحكم فيه بنسخ مرويه لأن ذلك ما كان إلا لإحسان الظن بنظره فأما إذا تحققنا في خصوص مادة خلاف ذلك وجب اعتبار مرويه بالضرورة دون رأيه وفي الموطإ وسنن أبي داود عن يحيى بن سعيد أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال إني مصصت عن امرأتي من ثديها لبنا فذهب في بطني فقال أبو موسى لا أدهها إلا قد حرمت عليك فقال عبد الله بن مسعود انظر ما تفتي به الرجل فقال أبو موسى فما تقول أنت فقال عبد الله لا رضاعة إلا ما كان في حولين فقال أبو موسى لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم هذه رواية الموطإ فرجوعه إليه بعد ظهور النصوص المطلقة وعما أفتاه بالحرمة لا يكون إلا لذكره للناسخ له أو لتذكره عنده وغير عائشة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم يأبين ذلك ويقلن لا نرى هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رخصة لسهلة خاصة ولعل سببه ما تضمنه مما يخالف أصول الشرع حيث يستلزم مس عورتها بشفتيه فحكمن بأن ذلك خصوصية وقيل سببه أن عائشة رجعت وفي الموطإ عن ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال كانت لي وليدة فكنت أصيبها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك قد
____________________
(3/445)
والله أرضعتها قال عمر أوجعها وأت جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير قوله ولا يعتبر الفطام قبل المدة حتى لو فطم قبل المدة ثم أرضع فيها ثبت التحريم إلا في رواية عن أبي حنيفة أنه إذا فطم قبل المدة وصار بحيث يكتفي بغير اللبن لا تثبت الحرمة إذا رضع فيها رواها الحسن عنه وفي واقعات الناطفي الفتوى على ظاهر الرواية أنها تثبت ما لم تمض إقامة للمظنة مقام المئنة فإن ما قبل المدة مظنة عدم الاستغناء وهل يباح الإرضاع بعد المدة قيل لا لأنه جزء الآدمي فلا يباح الانتفاع به إلا للضرورة وقد اندفعت وعلى هذا لا يجوز الانتفاع به للتداوي وأهل الطب يثبتون للبن البنت أي الذي نزل بسبب بنت مرضعة نفعا لوجع العين واختلف المشايخ فيه قيل لا يجوز وقيل يجوز إذا علم أنه يزول به الرمد ولا يخفى أن حقيقة العلم متعذرة فالمراد إذا غلب على الظن وإلا فهو معنى المنع قوله ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب للحديث الذي رويناه وهو بهذا اللفظ قوله إلا أم أخته من الرضاع يصح اتصال قوله من الرضاع بكل من الأم والأخت وبهما من جهة المعنى فالأول أن يكون للرجل أخت من النسب لها أم من الرضاعة لم تكن أرضعته تحل له والثاني أن يكون له أخت من الرضاعة لها أم أم من النسب تحل له إذا لم تكن هي المرضعة والثالث أن يرضع الصبي والصبية امرأة ولأخته من الرضاعة أم أخرى من الرضاع يحل للصبي تلك الأم أما من جهة الصناعة فإنما يتعلق بالأم حالا منه لأن الأم معرفة فيجئ الجار والمجرور حالا منه لا متعلقا بمحذوف وليس صفة لأنه معرفة أعني أم أخته بخلاف أخته لأنه مضاف إليه وليس فيه شيء من مسوغات مجيء الحال منه ومثل هذا يجيء في أخت ابنه ولو قال أخت ولده كان أشمل فالأول له ابن من النسب له أخت من الرضاعة بأن ارتضع مع أجنبية من لم تكن امرأة أبيه حلت لأبيه لأنها ليست بنته من الرضاعة ولا ربيبته والثاني له ابن من الرضاع بأن ارتضع زوجة الرجل حلت للرجل أخته من النسب والثالث له ابن من الرضاع كما ذكرنا له أخت من الرضاعة من غير زوجة ذلك الرجل بأن ارتضع ذلك الولد امرأتين حلت أخته لأبيه من الرضاعة وعلل استثناء الأول بعدم وجود المحرم من النسب فيه الذي هو معنى قوله بخلاف الرضاع بعد تعليله الحرمة في أم أخته من النسب بكونها أمه أو موطوءة أبيه وكذا في تعليله إخراج أخت
____________________
(3/446)
ابنه من الرضاع بقوله ولم يوجد هذا المعنى في الرضاع بعد تعليله حرمة أخت الابن من النسب بقوله لأنه لما وطئ أمها حرمت عليه وإنما اقتصر على هذا بناء على أنها ليست بنته لوضوح الشق الآخر فأفاد بالتعليلين أن المحرم في الرضاع وجود المعنى المحرم في النسب ليفيد أنه إذا انتفى في شيء من صور الرضاع انتفت الحرمة فيستفاد أنه لا حصر فيما ذكر وقد ثبت كذلك الانتفاء في صور أخرى الأولى أم النافلة من الرضاع بأن أرضعت نافلتك أجنبية يجوز التزوج بها لانتفاء سبب التحريم في النسب وهي كونها بنتا أو حليلة الابن الثانية جدة ولدك من الرضاع بأن أرضعت ولدك أجنبية لها أم يجوز تزوجك بالأم لأنها ليست أمك وزاد بعضهم أم العم من الرضاعة وأم الخال من الرضاع وكذا عمة ولدك لأنها من النسب أختك وليست أختا من الرضاع وكذا المرأة يحل لها أن تتزوج بابن أختها من الرضاع وبأخى ولدها وبأبي حفيدها منه وبجد ولدها منه وخاله ولا يجوز ذلك كله في النسب لما قلنا في حق الرجل وقد جمعت في قوله ** يفارق النسب الرضاع في صور ** ** كأم نافلة وجدة الولد ** ** وأم عم وأخت ابن وأم أخ ** ** وأم خال وعمة ابن اعتمد **
واستشكل إلحاق أم العم وأم الخال بأنهما إما أن يكون كل منهما جدته من الرضاع أو موطوءة جده من الرضاع وكلاهما محرم في النسب إلا من أراد بالعم من الرضاع من رضع مع أبيه وبالخال منه من رضع مع أمه وله أم أخرى من النسب أو الرضاع فحينئذ يستقيم ولقائل أن أن يمنع الحصر لجواز كونها لم ترضع أباه ولا أمه فلا تكون جدته من الرضاع ولا موطوءة جده بل أجنبية أرضعت عمه من النسب وخاله ثم قالت طائفة هذا الإخراج تخصيص للحديث أعني يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب بدليل العقل والمحققون على أنه ليس تخصيصا لأنه أحال ما يحرم بالرضاع على ما يحرم بالنسب وما يحرم بالنسب هو ما تعلق به خطاب تحريمه وقد تعلق بما عبر عنه بلفظ الأمهات والبنات { وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } فما كان من مسمى هذه الألفاظ متحققا في الرضاع حرم فيه والمذكورات ليس شيء منها من مسمى تلك فكيف تكون مخصصة وهي غير متناولة ولذا إذا خلا تناول الاسم في النسب جاز النكاح كما إذا ثبت النسب من اثنين ولكل منها بنت جاز لكل منهما أن يتزوج بنت الآخر وإن كانت أخت ولده من النسب وأنت إذا حققت مناط الإخراج أمكنك تسمية صور أخرى والاستثناء في عبارة الكتاب على هذا يجب أن يكون منقطعا أعني قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أم أخته الخ وعلى هذا فالاستدلال على تحريم حليلة الأب والابن من الرضاع بقوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب مشكل لأن حرمتهما ليست بسبب النسب بل بسبب الصهرية فإن المحرمات من النسب سبع وهن اللاتي عددناهن آنفا كما في آية المحرمات وما بعدهن فيها فمحرمات بالرضاع والصهرية ومقتضى الحديث أن من كانت أما من الرضاعة أو بنتا أو أختا أو بنت أخ الخ تحرم فإثبات تحريم حليلة كل من الأب والابن من الرضاعة قول بلا دليل بل الدليل يفيد حلها وهو قيد الأصلاب في الآية وكونه لإخراج حليلة المتبنى لا ينفى أن يكون لإخراج حليلة الأب والابن من الرضاع لصلاحيته لذلك فكان لإخراجهما أيضا ولا يلزم كون الحديث غير معمول به على هذا التقدير بل يوفر على كل من الحديث والنص مقتضى لفظه بخلاف حرمة
____________________
(3/447)
الجمع بين الأختين من الرضاع فالحديث المذكور يفيد منعه لأنه يحرم من النسب الجمع بين الأختين منه فكذا الجمع بين أختين من الرضاع فإن قلت فليثبت بالقياس على حرمة المصاهرة بجامع الجزئية فالجواب أن الجزئية المعتبرة في حرمة الرضاع هي الجزئية الكائنة عن النشوء وإنبات اللحم لا مطلق الجزئية وهذه ليس الجزئية الكائنة في حرمة المصاهرة إذ لا انبات للحم من المنى المنصب في الرحم لأنه غير واصل من الأعلى فهو بالحقنة أشبه منه بالمشروب حيث يخرج كلها شيئا فشيئا حتى لا يبقى منها شيء ولا يستحيل إلى جوهر الإنسان كما يخرج المني ولدا فلا يبقى منه في المرأة شيئ استحال إلى جوهرها قوله وامرأة أبيه أو امرأة ابنه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها كما لا يجوز ذلك من النسب أي كما لايجوز تزوج امرأة أبيه أو ابنه من النسب كذا لا يجوز تزوج امرأة أبيه أو ابنه من الرضاع فإن قيل ذكر الأصلاب في آية المحرمات يخرجهما أجيب بأنها نزلت لإسقاط طعنهم بسبب تزوجه صلى الله عليه وسلم زوجة المتبني فالقيد لإسقاط حرمة زوجته بقي أن يقال فمن أين يثبت تحريمهما ويجاب بعموم حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وقد علمت ما في الجوابين ومن فروعهما فرع لطيف وهو رجل زوج أم ولده من رضيع ثم أعتقها فاختارت نفسها ثم تزوجت بزوج آخر وولدت منه ثم جاءت إلى الرضيع الذي كان زوجها فأرضعته حرمت على زوجها لأن الصغير صار ابنا له فلو بقي النكاح صار متزوجا بامرأة ابنه من الرضاعة قوله على ما بيناه أي في فصل المحرمات قوله ولبن الفحل هو من إضافة الشيء إلى سببه يتعلق به التحريم يعني اللبن الذي نزل من المرأة بسبب ولادتها من رجل زوج أو سيد يتعلق به التحريم بين من أرضعته وبين ذلك الرجل بأن يكون أبا للرضيع فلا تحل له إن كانت صبية لأنه أبوها ولا لإخوته لأنهم أعمامها ولا لآبائه لأنهم أجدادها ولا لأعمامه لأنهم أعمام الأب ولا لأولاده وإن كانوا من غير المرضعة لأنهم إخوتها لأبيها ولا لأبناء أولاده لأن الصبية عمتهم وإذا ثبتت هذه الحرمة من زوج المرضعة فمنها أولى فلا تتزوج أباها لأنه جدها لأمها ولا أخاها لأنه خالها ولا عمها لأنها بنت بنت أخيه ولا خالها لأنها بنت بنت أخته ولا أبناءها وإن كانوا من غير صاحب اللبن لأنهم إخوتها لأمها ولو كان لرجل زوجتان أرضعت كل منهما بنتا لا يحل لرجل أن يجمع بينهما لأنهما أختان من الرضاع لأب بخلاف ما لو تزوجت برجل وهي ذات لبن لآخر قبله فأرضعت صبية فإنها ربيبة للثاني وبنت للأول فيحل تزوجها بأبناء الثاني ولو كان المرضع صبيا حل له تزوجه ببناته هذا ما لم تلد من الثاني فإذا ولدت من الثاني فإن أرضعت رضيعا فهو ولد للثاني وإن حبلت من الثاني وهي ذات لبن من الأول فما لم تلد البن من الأول والرضيع به ولد له عند أبي حنيفة رضي الله عنه
____________________
(3/448)
تثبت منه الحرمة خاصة وعند محمد رحمه الله ولد لهما فتثبت الحرمة من الزوجين وقال أبو يوسف إن علم أن اللبن من الثاني بأمارة كزيادة فهو ولد الثاني وإلا فهو ولد الأول وعنه إن كان اللبن من الأول غالبا فهو له وإن كان من الثاني غالبا فهو للثاني وإن استويا فلهما وبقول أبي حنيفة قال الشافعي رضي الله عنه في الجديد وقد حكى الخلاف هكذا إن زاد اللبن بالحبل فهو ابنهما عندهما وابن الأول عند أبي حنيفة رضي الله وكونه ابنهما بزيادة اللبن مطلقا أنسب بقول محمد رحمه الله فيما إذا اختلط لبن امرأتين كما سيعلم فيها وبخلاف ما لو ولدت للزوج فنزل لها لبن فأرضعت به ثم جف لبنها ثم در لها فأرضعت به صبية فإن لولد دفع المرضعة من غيرها التزوج بهذه الصبية لأن هذا ليس لبن الفحل ليكون هو أباها كما لو لم تلد من الزوج أصلا ونزل لها لبن فإنه لا يثبت بإرضاعها تحريم بين ابن زوجها ومن أرضعته لأنها ليست بنته لأن نسبته إليه بسبب الولادة منه فإذا انتفت النسبة فكان كلبن البكر ولبن الزنا كالحلال فإذا أرضعت به بنتا حرمت على الزاني وآبائه وأبنائه وأبناء أبنائهم وإن سفلوا وفي التجنيس من علامة أجناس الناطفي عن الشيخ أبي عبد الله الجرجاني كان يقول في الدرس لا يجوز للزاني أن يتزوج بالصبية المرضعة ولا لأبيه ولا لأجداده ولا لأحد من أولاده وأولادهم ولعم الزاني أن يتزوج بها كما يجوز له أن يتزوج بالصبية التي ولدت من الزاني لأنه لم يثبت نسبها من الزاني حتى يظهر فيها حكم القرابة والتحريم على آباء الزاني وأولاده لاعتبار الجزئية والبعضية ولا جزئية بينها وبين العم وإذا ثبت هذا في حق المتولدة من الزنا فكذا في حق المرضعة بلبن الزنا قال في الخلاصة وكذا لو لم تحبل من الزنا وأرضعت لا بلبن الزاني تحرم على الزاني كما تحرم بتها عليه من النسب وذكر الوبري أن الحرمة تثبت من جهة الأم خاصة ما لم يثبت النسب حينئذ تثبت من الأب وكذا ذكر الإسبيجابي وصاحب الينابيع وهو أوجه لأن الحرمة من الزنا للبعضية وذلك في الولد نفسه لأنه مخلوق من مائة دون اللبن إذ ليس اللبن كائنا عن منيه لأنه فرع التغذي بخلاف الولد والتغذي لا يقع إلا بما يدخل من أعلى المعدة لا من أسفل البدن كالحقنة فلا إنبات فلا حرمة بخلاف ثابت النسب لأن النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أثبت الحرمة منه وبه يستدل على إبطال قول ضعيف للشافعي أنه لا تثبت الحرمة من الزوج ونقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم لأنه لا جزئية بين الرجل وبين من أرضعته زوجته ولأنه لو نزل للرجل لبن فارتضعته صغيرة حلت له فكيف تحرم بلبن هو سبب بعيد فيه ولنا النظر المذكور وما روى عن
____________________
(3/449)
عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما نزل الحجاب وقلت والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أخا أبى القعيس ليس هو أرضعني وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته فقال ائذني له فإنه عمك تربت يداك وفي رواية تربت يمينك إلى غير ذلك من الأحاديث الشاهدة بالحكم المذكور بحيث يتضاءل معها ذلك المعقول على أنه قد قيل أنه لا يتغذى الولد به وأما لبن الرجل فسيذكره المصنف رحمه الله وإذا ترجح عدم حرمة الرضيعة بلبن الزاني على الزاني كما ذكرنا فعدم حرمتها على من ليس اللبن منه أولى بخلاف ما في الخلاصة ولأنه يخالف المسطور في الكتب المشهورة إذ يقتضى تحريم بنت المرضعة بلبن غير الزوج على الزوج بطريق أولى وتقدم البحث في دلالة حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على حرمة الربيبة من الرضاع قوله ولأنه سبب لنزول اللبن منها فتضاف الحرمة إليه إحتياطا كالمصاهرة وأنت علمت الفرق بل حقيقة الحال أن البعضية تثبت بين المرضعة والرضيع فأثبتت حرمة الأبنية ثم انتشرت لوازم تحريم الولد قوله وكل صبيين يريد صبيا وصبية فغلب المذكر في التثنية كالقمرين وهو أحد أسباب التغليب كالخفة في العمرين فإن عمر أخف من أبى بكر ولو ثنى نحو أبى بكر فعند البصريين يكون بتثنية المضاف فيقال أبو بكر والكوفيون يثنون الجزأين فيقولون أبو بكرين والشهة كالأقرعين للأقرع بن حابس وأخيه قوله ولا يتزوج المرضعة
____________________
(3/450)
بفتح الضاد توورث ويجوز كونها فاعلا فينصب أحد ومفعولا فيرفع وما في الكتاب ظاهر ولا فرق بين كون ولد التي أرضعته رضع مع المرضعة أو كان سابقا بالسن بسنين كثيرة أو مسبوقا بارتضاعها بأن ولد بعدها بسنين وكذا لا يتزوج أخت المرضعة لأنها خالته قوله وإذا اختلط اللبن بالماء واللبن هو الغالب تعلق به التحريم وإن غلب الماء لم يتعلق به التحريم خلافا للشافعي رحمه الله فإن الأصح عنده أنه إذا كان اللبن قدر خمس رضعات حرم وإلا فلا وكذا الخلط بلبن البهيمة والدواء عنده وبكل مائع أو جامد واعتبر مالك رضي الله عنه في جميع ذلك أن يكون اللبن مستهلكا موله هو أي الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول إنه أي اللبن على ظاهر نقل المصنف عنه وعلى ما هو الأصح فمرجع الضمير القدر المحرم موجود فيه حقيقة فيستلزم حكمه من التحريم قوله ونحن نقول حاصله القياس على اليمين على أن لا يشرب لبنا فإنه لا يتعلق الحنث بشربه مغلوبا بالماء لأن
____________________
(3/451)
الظاهر حكم الغالب فكذا في هذه الصورة لا يتعلق به التحريم لذلك الظاهر أن حكم هذا القياس عدم اعتبار المغلوب شرعا لا عدم تعلق التحريم لاختلاف حكم الأصل والفرع لأنه في الأصل حرمة شرب اللبن بلا ضرورة لهتك حرمة اسم الله تعالى وفي الفرع حل الشرب والسقي غير أنه يترتب عليه حرمة النكاح وحينئذ للشافعي رحمه الله أن يقوله بل هناك فارق وهو بناء الإيمان على العرف والعرف لا يعتبر المغلوب فلا يقال لشارب ماء فيه لبن مغلوب شرب لبنا إلا أن يقال مخلوطا فيقيدونه وما ما نحن فيه فالحرمة مبنية على الحقيقة وقد وجدت والموضع موضع الاحتياط ولا مدفع لهذا إلا أن يقال إنه إذا كان مغلوبا بالماء فيكون غير منبت لذهاب قوته ولا عبرة بالمظنة عند تحقق الخلو عن المئنة هذا إذا اختلط بالماء أما لو اختلط بالطعام فهي المسئلة التي ذكرها عقيب هذه وقولهما فيها كقولهم في الاختلاط بالماء وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يتعلق به تحريم وإن غلب اللبن هذا إذا لم تمسه النار أما إن طبخ فلا تحريم مطلقا بالاتفاق لهما أن العبرة للغالب فصار كالماء إذا لم يغيره شيء عن حاله ولأبي حنيفة رحمه الله أن الطعام أصل واللبن تابع فيما هو المقصود وهو التغذي وهذا لأن خلط اللبن بالطعام لا يكون للرضيع إلا بعد تعوده بالطعام وتغذيه به وعند ذلك يقل تغذيه باللبن ونشوؤه منه فقد اجتمع في جوفه ما ينبت وأحدهما أكثر وهو الطعام فيصير الآخر الرقيق مستهلكا فلا يثبت التحريم فإن قيل فرض المسئلة أن اللبن غالب في القصعة أما عند رفع اللقمة إلى فيه فأكثر الواصل إلى جوفه الطعام حتى لو كان ذلك الطعام رقيقا يشرب اعتبرنا غلبة اللبن إن غلب وأثبتنا الحرمة ثم قال المصنف ولا معتبر بتقاطر اللبن هو الصحيح احترازا من قول من قال من المشايخ إن عدم إثبات أبي حنيفة رحمه الله الحرمة واللبن غالب هو إذا لم يكن متقاطرا عند رفع اللقمة أما معه فيحرم اتفاقا لأن تلك القطرة إذا دخلت الجوف أثبتت التحريم والصحيح
____________________
(3/452)
إطلاق عدم الحرمة لأن التغذي حينئذ بالطعام والتغذي مناط التحريم قوله فإن اختلط أي اللبن بالدواء حاصله أنه كالماء لأن اللبن إذا كان غالبا مع الدواء ظهر قصدان الدواء لتنفيذه وعلى هذا إذا اختلط بالدهن أو النبيذ تعلق به التحريم سواء أوجر بذلك أم استعط قوله وإذا اختلط اللبن بلبن شاة فإن كان الغالب لبن الآدمية تعلق التجريم بشرب الصغير إياه أو لبن الشاة لا يتعلق به التحريم لأن لبن الشاة لما لم يكن له أثر في إثبات الحرمة كان كالماء فيعتبر الغالب ولو تساويا وجب ثبوت الحرمة لأنه غير مغلوب فلم يكن مستهلكا قوله وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأغلبهما عند أبي يوسف رحمه الله وبه قال الشافعي وقال محمد تثبت الحرحة منهما جميعا وهو قول زفر وعن أبي حنيفة روايتان رواية كقول أبي يوسف ورواية كقول محمد وجه قول أبي يوسف جعل الأقل تابعا للأكثر ووجه قول محمد أن الجنس لا يغلب جنسه فلا يستهلك فيه فلم يكن شيء منهما تبعا للأخر فيثبت
____________________
(3/453)
التحريم من كل منهما استقلالا قال وأصل المسئلة في الإيمان إذا حلف لا يشرب لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه ولبن البقرة المحلوف عليها مغلوب ففي النهاية والدراية وهو على الخلاف الذي بينا وقال شارح عند محمد يحنث وعندهما لا يحنث ولا يخفى أنه إنما يكون أصلا للخلاف إذا كان على ما في النهاية وكان ميل المصنف إلى قول محمد حيث أخر دليله فإن الظاهر أن من تأخر كلامه في المناظرة كان القاطع للآخر وأصله أن السكوت ظاهر في الانقطاع ورجح بعض المشايخ قول محمد أيضا وهو ظاهر قوله وإذا نزل للبكر لبن تعلق به التحريم لإطلاق النص ولأنه سبب النشوء وعليه الأربعة إلا في رواية عن الشافعي رحمه الله ورواية عن أحمد لأنه نادر فأشبه لبن الرجل قلنا ندرة الوجود لا تمنع عمل الدليل إذا وجد وسنذكر له تتمة قوله وإذا حلب لبن امرأة بعد موتها فأوجر به صبي تعلق به التحريم وبه قال مالك وأحمد خلافا للشافعي وهو يقول الأصل في ثبوت الحرمة إنما هو المرأة ثم تتعدى الحرمة إلى غيرها بواسطتها وبالموت لم تبق محلا لها ولهذا أي لعدم المحلية لا يوجب وطؤها حرمة المصاهرة ولنا أن السبب الجزئية وحاصله إلغاء الفارق بين الإجماعية وهي ما إذا كانت حية والخلافية وهي ما إذا كانت ميتة وهو موتها لأن حياتها ليس جزء السبب لتنتفي الحرمة بانتفائه بل حصول الجزئية تمام الحكمة لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم الخ وهو حاصل بلبن الميتة والارتضاع تمام العلة وموتها غير مانع لأن ما نعيته إن أضيفت إلى انتفاء محليتها مطلقا للحكم
____________________
(3/454)
منعناه لثبوت بعضها كما لو تزوج رجل بهذه الصبية في الحال حل له دفن الميتة ويممها لأنها محرمة أم زوجته وأيضا بالنسبة إلى غيرها حتى لا يجوز له الجمع بين الرضيعة وبنت الميتة لأنهما أختان أو بالنسبة إلى حرمة نكاحها فقط منعنا تأثيره في إفادة المانعية بل يفسدها انتفاء الحكم مطلقا فإن بين المانعية بأن الحكم وهو حرمة النكاح يثبت أولا فيها ثم يتعدى قلنا إن أردت أنه لايتعدى إلى غيرها إلا بعد ثبوته فيها منعناه بل ذلك عند اتفاق محليتها حينئذ مع أن الحرمة إنما تثبت في الكل معا شرعا والتقدم في الأم ذاتي لا زماني فإذا تحقق المانع في حقها ثبت فيمن سواها ولو علل ابتداء بنجاسة اللبن أو الحرمة كرامة إذ فيه تكثير الأعوان على المقاصد والسكن وبالموت تنجس فإن أراد عينا منعناه بل لبن الميتة الطاهرة طاهر عند أبي حنيفة وقد أسلفنا توجيهه بأن التنجس بالموت لما حلته الحياة قبله وهو منتف في اللبن وقد كان طاهرا فيبقى كذلك لعدم المنجس إذ لم يطرأ عليه سوى الخروج من باطن إلى ظاهر والمتيقن من الشرع فيه أنه لا يوجب تغير وصفه بخلاف البول وأبو يوسف ومحمد إنما قالا تنجسه بالمجاورة للوعاء النجس وهو غير مانع من الحرمة كما لو حلب في إناء نجس وأوجر به الصبي تثبت الحرمة وإن أراد التنجس منعناه لما ذكرناه والوجور الدواء يصب في الحلق قسرا بفتح الواو والسعوط صبه في الأنف ويقال أوجرته ووجرته قوله أما الحرمة في الوطء جواب عن قياسه على عدم حرمة المصاهرة بوطئها بالفرق وهو أن سبب الحرمة في الرضاع الإنبات والنشوء بواسطة التغذي وفي حرمة المصاهرة الجزئية الحاصلة بواسطة الولد ولا يتصور الولد بعد الموت فلم تتصور الجزئية بخلاف الجزئية المعتبرة في الرضاع لأنها واقعة في ارتضاع لبن الميتة قوله وإذا احتقن قال في المغرب الصواب حقن إذا عولج بالحقنة واحتقن بالضم غير جائز عندهم قال في النهاية لكن ذكر في تاج المصادر الاحتقان حقنه فردن فجعله متعديا فعلى هذا يجوز استعماله على بناء المفعول انتهى يريد أن منع البناء للمفعول على ما في المغرب لعدم التعدي وإذ قد نص صاحب تاج المصادر على ما يفيد أنه متعد لم يكن بناؤه للمفعول خطأ وهذا غلط لأن ما في تاج المصادر من التفسير لا يفيد تعدية الافتعال منه للمفعول الصريح كالصبي في عبارة الهداية حيث قال وإذا احتقن الصبي بل إلى الحقنة وهي آلة الاحتقان والكلام في بنائه للمفعول الذي هو الصبي ومعلوم أن كل قاصر يجوز بناؤه للمفعول بالنسبة إلى المجرور والظرف كجلس في الدار ومر بزيد وليس يلزم من جواز البناء باعتبار الآلة والظرف جوازه بالنسبة إلى المفعول بل إذا كان متعديا إليه بنفسه ثم الاحتقان باللبن لا يوجب الحرمة من غير ذكر خلاف بين أصحابنا في كثير من الأصول وهو قول الأئمة الأربعة وكذا لا يثبت بالإقطار في الإحليل والأذن والخائفة والأمة كذا أطلقه بعضهم ونص آخرون على أنه إذا وصل إلى الجوف ثبتت الحرمة وبعضهم ذكر أنه روى عن محمد ثبوت الحرمة بالحقنة وجه الظاهر أن المناط طريق الجزئية وليس ذلك في الواصل من السافل بل إلى المعدة
____________________
(3/455)
وذلك من الأعلى فقط والإقطار في الإحليل غاية ما يصل إلى المثانة فلا يتغذى به الصبي وكذا في الإذن لضيق الثقب وفيه نظر لتصريحهم بالفطر بإقطار الدهن في الإذن لسريانه فيصل إلى باطنه ولا يمنعه ضيق والأوجه كونه ليس مما يتغذى به وينبت وإن حصل به رفق من ترطيب ونحوه والمفسد في الصوم لا يتوقف عليه كما في الحصى والحديد والوجور والسعوط تثبت به الحرمة اتفاقا قوله وإذا نزل للرجل لبن فأرضع به صبية لم يتعلق به تحريم لأنه ليس بلبن على التحقيق فلا يتعلق به النشوء والنمو وهذا لأن اللبن إنما يتصور ممن يتصور منه الولادة وقد يذكر في بعض الحكايات أنه اتفق لرجل إرضاع صغير فإن صح فهو من خوارق العادات لا يبنى الفقه باعتباره وعلى هذا يلزم أنه لو نزل لبكر لم تبلغ سن البلوغ لبن لا يتعلق به التحريم ويحكم بأنه ليس لبنا كما لو نزل للبكر ماء أصفر لا يثبت من إرضاعه تحريم والوجه الفرق بعدم التصور مطلقا فإذا تحقق لبنا تثبت الحرمة بخلاف الرجل لأن الحكم لازم دائما بأنه ليس بلبن قوله وإذا شرب صبيان من لبن شاة فلا رضاع محرم بينهما لأنه لا جزية بين الآدمي والبهائم والحرمة باعتبارها اعلم أن ثبوت الحرمة بالرضاع بطريق الكرامة للجزئية فإن الوطء ابتذال وامتهان وإرقاق ولهذا روى عنه صلى الله عليه وسلم قال النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته ولا يحسن صدوره من مستفيد جزء بنفسه وحياته لمفيدها إذا كان الرضيع صبيا بالنسبة إلى المرضعة تكرمة لها وجعلت في الشرع أما له بسبب أن جزأها صار جزأه كما أن الأم من النسب كذلك إذ جزؤه جزؤها وجزؤه الآخر جزء الأب والبهائم ليست بهذه المرتبة في اعتبار خالقها جل ذكره فإنما خالقها لابتذال
____________________
(3/456)
الآدمي لها على إنحاء الابتذال المأذون فيه من مالكها سبحانه قال تعالى { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع } وفي آية أخرى { فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } وهو سبحانه مالك الأشياء والحكيم على الإطلاق والعليم بالقوابل التي بها يحصل التفضيل الدنيوي فلم يثبت سبحانه بواسطة الاغتذاء بلبنها بل ولحمها وحصول الجزء منه مرية لها على الآدمي توجب مثل ما توجب لمساويه في نوعه من الإكرام والاحترام فلم تعتبر الشاة أم الصبي وإلا لكان الكبش أباه والأختية فرع الأمية وكذا سائر الحرم بعدها إنما تثبت بتبعية الأمية حتى الأبوية فإنه لا جزء في الرضيع منه بخلاف الأب من النسب لأن جزأه انفصل في ولده الذي نزل اللبن بسببه ولم يستقر في المرأة شيء منه بحيث يكون في لبنها جزء منه فكيف واللبن إنما يتولد من الغذاء والكائن من ماء الرجل إنما يصل من أسفل والتغذي لبقاء الحياة والجزء لا يكون إلا مما يصل من الأعلى إلى المعدة ولكن لما أثبت الشرع أمية زوجته عن إرضاع لبن هو سبب فيه أثبت لهوية الرجل الأبوة وحين لا أم ولا أب فلا إخوة ولا تحريم ونقل أن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح أفتى في بخارى بثبوت الحرمة بين صبيين ارتضعا شاة فاجتمع علماؤها عليه وكان سبب خروجه منها والله سبحانه أعلم ومن لم يدق نظره في مناطات الأحكام وحكمها كثر خطؤه وكان ذلك في زمن الشيخ أبي حفص الكبير ومولده مولد الشافعي فإنهما معا ولدا في العام الذي توفي فيه أبو حنيفة وهو عام خمسين ومائة قوله وإذا تزوج الرحل صغيرة رضيعة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج لأنه صار جامعا بين الأم والبنت من الرضاعة وذلك حرام كالجمع بينهما نسبا ثم حرمة الكبيرة حرمة مؤبدة لأنها أم امرأته والعقد على البنت يحرم الأم وأما الصغيرة فإن كان اللبن الذي أرضعتها به الكبيرة نزل لها من ولد ولدته للرجل كانت حرمتها أيضا مؤبدة كالكبيرة لأنه صار أبا لها وإن كان نزل لها من رجل قبله ثم تزوجت هذا الرجل وهي ذات لبن من الأول جاز له أن يتزوجها ثانيا لانتفاء أبوته لها إلا إن كان دخل بالكبيرة فيتأبد أيضا لأن الدخول بالأم يحرم البنت وأما حكم المهر فلا يجب للكبيرة إن لم يكن دخل بها لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وهو الإرضاع وهو مسقط لنصف المهر كردتها وتقبيلها ابن الزوج وتعليل السقوط بإضافة الفرقة إليها يعرف منه أن الكبيرة لو كانت مكرهة أو نائمة فارتضعتها الصغيرة أو أخذ شخص لبنها فأوجر به الصغيرة أو كانت الكبيرة مجنونة كان لها نصف المهر لانتفاء إضافة الفرقة إليها وإن كان دخل بها فلها كمال المهر لكن لا نفقة عدة لها لجنايتها إن لم تكن مجنونة ونحوها وأما الصغيرة فلا يتصور الدخول بالرضيعة فعليه لها نصف مهرها لأن الفرقة وقعت لا من جهتها والارتضاع وإن كان فعلها وبه وقع الفساد لكن فعلها لا يؤثر في إسقاط حقها
____________________
(3/457)
لعدم خطابها بالأحكام وصار كما لو قتلت مورثي فإنه ترثه ولا يكون قتلها موجبا لحرمانها شرعا ولأنها مجبورة بحكم الطبع على الارتضاع والكبيرة في إلقامها الثدي مختارة فصار كمن ألقى حية على إنسان فلسعته ضمن لأن اللسع لها طبع فأضيف إليه وأورد عليه ما لو ارتد أبوا صغيرة منكوحة ولحقا بها دار الحرب بانت من زوجها ولا شيء لها من المهر ولم يوجد الفعل منها أصلا فضلا عن كونه وجد ولم يعتبر أجيب بأن الردة محظورة في حق الصغيرة أيضا على ما مر وإضافة الحرمة إلى ردتها التابعة لردة أبويها بخلاف الارتضاع لا حاظر له فتستحق النظر فلا يسقط المهر وهل يرجع به على الكبيرة إن تعمدت الفساد يرجع به عليها وإلا لا يرجع وتعمده بأن تعلم قيام النكاح وأن الرضاع منها مفسد وتتعمده لا لدفع الجوع أو الهلاك عند خوف ذلك فلو لم تعلم النكاح أو علمته ولم تعلمه مفسدا أو علمته مفسدا ولكن خافت الهلاك أو قصدت دفع الجوع لا يرجع والقول قول الكبيرة
____________________
(3/458)
في ذلك مع يمينها لأنه لا يعرف إلا من جهتها وعن محمد أنه يرجع في الوجهين ما إذا قصدت الفساد وما إذا لم تقصده والصحيح ظاهر الرواية عنه وهو قولهما لأنها أي الكبيرة وإن أكدت ما كان على شرف السقوط وهو نصف المهر بأن تكبر الصغيرة فتفعل ما يسقطه وذلك أي تأكد ما هو على شرف السقوط يجري مجري الإتلاف كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يضمنون نصف المهر لذلك لكنها مسببة فيه لا مباشرة لأن إلقام الثدي شرط للفساد لا علة له بل العلة فعل الصغيرة الارتضاع فكانت الكبيرة مباشرة للشرط العقلي وهذا ظاهر غير أن المصنف بين كونها مسببة بأن فعل الارضاع ليس موضوعا ليس موضوعا لإفساد النكاح بل لتغذية الصغير وتربيته وإنما يثبت الفساد باتفاق صيرورتهما أما وبنتا تحت رجل وإما لأن إفساد النكاح الكائن بصنعها ليس بسبب الإلزام المهر شرعا بل لإسقاطه ثم يجب نصف المهر بطريق المتعة على ما عرف من أن وجوبه لا بقياس بل بالنص ابتداء جبرا للإيحاش وهو معنى الوجوب بطريق المتعة لكن من شرطه بطلان النكاح وقد وجد فيما نحن فيه ولا يخفى أن هذا الترديد بعينه يجري في مباشرة العلة بأن يقال الارتضاع ليس بإفساد النكاح وضعا والإفساد ليس بسبب لإلزام المهر شرعا بل لإسقاطه إلخ وليس هو مسببا فالمعول عليه في كونه سببا ما بيناه وإذا كانت مسببة يشترط فيه أي في لزوم الضمان التعدي كحفر البئر تبسبيب للهلاك فإن كان في ملكه لا يضمن ما تلف فيه أو في غيره ة ضمنه للتعدي فيه وإنما تكون متعدية بمجموع العلمين والقصد على ما تقدم واعلم أن توجيه ظاهر الرواية بهذا لا ينتهض على محمد إذا كان من أصله أن المسبب كالمباشر ولهذا جعل فتح باب القفص والإصطبل وحل قيد الآبق موجبا للضمان لأن حاصل هذا أنه مسبب فيشترط التعدي وهو لا يلتزم اشتراط التعدي فيه وإنما ينهض الاستدلال على أن المسبب لا يلحق بالمباشر هذا واستشكل التغريم بقصد الفساد بما إذا قتل رجل زوجة
____________________
(3/459)
آخر قبل الدخول فإنه يقضى على الزوج بالمهر ولا يرجع به على القاتل والجواب أن قتله متسعقب لوجوب القصاص أو الدية فلا يجب شيء آخر بقتل واحد وللزوج نصيب مما هو الواجب فلا يضاعف عليه وبما إذا أرضعت أجنبيتان لهما لبن من رجل واحد صغيرتين تحت رجل حرمتا على زوجهما ولم يغرما شيئا وإن تعمتا الفساد وأجيب بالفرق بأن فعل الكبيرة هنا مستقل بالإفساد فيضاف الإفساد إليها وفعل كل من الكبيرتين هناك غير مستقل به فلا يضاف إلى واحدة منهما لأن الفساد باعتبار الجمع بن الأختين منهما بخلاف الحرمة هنا لأن للجمع بين الأم والبنت وهو يقوم بالكبيرة وقد حرفت هذه المسئلة فوقع فيها الخطأ وذلك بأن قيل فأرضعتهما امرأتان لهما منه لبن مكان قولنا لهما لبن من رجل لأن في هذه الصورة الصواب الضمان على كل من هاتين المرأتين لأن كلا منهما أفسدت لصيرورة كل بنتا للزوج قوله وهذا منا المتبال الجهل إلخ جواب سؤال هو أن الجهل بالأحكام في دار الإسلام عندكم ليس عذرا فقال هذا منا اعتبار الجهل لدفع قصد الفساد الذي هو المحظور الديني لا لدفع الحكم الذي هو وجوب الضمان غير أنه إذا اندفع قصد الفساد انتفى الضمان لأنه لا يثبت إلا بثبوت التعدي كما قلنا والتعدي به يكون ولا يتصور قصده مع الجهل بما ذكرنا فعدم الحكم لعدم العلة لا للجهل مع وجود العلة وبهذا يندفع قول من قال تضمن إذا علمت بالنكاح ولم تعلم أن الإرضاع مفسد لأنها لاتعذر بجهل الحكم ومن فروع هذه المسئلة لو كان تحته صغيرتان فأرضعتهما أجنبية معا أو على التعاقب حرمتا فلو كن ثلاثا فأرضعتهن بأن ألقمت ثنتين ثديها وأوجرت الأخرى ما حلبته حرمن أو على التعاقب بانت الأوليان والثالثة امرأته
____________________
(3/460)
لأنهن حين ارتضعتا حرمتا فحين ارتضعت الثالثة لم يكن في عصمته سواها ولو كن أربعا فأرضعتهن معا أو واحدة ثم الثلاث معا حرمن وكذا لو أرضعتهن على التعاقب لأنها حين أرضعت الآخرين لم يكن في نكاحه غيرهما ولو كان تحته صغيرتان وكبيرة فأرضعتمها الكبيرة على التعاقب بقي نكاح الثانية لأنها حين أرضعتها ليس في نكاحه غيرها والسابق عقد مجرد على الأم فلا يوجب حرمة البنت ولو كن كبيرتين صغيرتين فأرضعت كل من الكبيرتين صغيرة حرمت عليه الأربع للزوم الجمع بين الأمين وبنتيهما ولو أرضعت إحدى الكبيرتين الصغيرتين ثم أرضعتهما الكبيرة الأخرى وذلك قبل الدخول بالكبيرتين فالكبرى الأولى مع الصغرى الأولى بانتا منه لما قلنا والصغرى الثانية لم تبن بإرضاع الكبرى الأولى والكبرى الثانية إن ابتدأت بإرضاع الصغرى الثانية بانتا منه أو بالصغرى الأولى فالصغرى الثانية امرأته لأنها حين أرضعت الأولى صارت أما لها وفسد نكاحها لصحة العقد على الصغرى الأولى فيما تقدم والعقد على البنت يحرم الأم ثم أرضعت الثانية وليس في نكاحه غيرها قوله ولا يقبل في الرضاع شهادة النساء منفر دات أي عن الرجال وإنما يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك يثبت بشهادة امرأة واحدة إن كانت موصوفة بالعدالة ونقل عن أحمد وإسحاق والشافعي بأربع نسوة والذي في كتبهم إنما يثبت بشهادة امرأتين وكذا عند ملك بناء على أنه مما لا يطلع عليه الرجال لأنه لا يحل النظر إلى ثدي الأجنبية والوجه المذكور في الكتاب للاكتفاء بالواحدة وهو أن الحرمة من حقوق الشرع فهي أمر ديني يثبت بخبر الواحد كمن اشترى لحما فأخبره واحد أنه ذبيحة مجوسي فإنه تثبت الحرمة عليه بإخباره ثم يثبت زوال الملك في ضمنه وكم من شيء يثبت ضمنا بطريق لا يثبت بمثلها قصدا ولحديث عقبة بن الحرث في الصحيحين أنه تزوج أم يحيى بنت أبي اهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما قال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأعرض عني فتنحيت فذكرت ذلك له قال وكيف وقد زعمت أي قد أرضعتكما وعقبة هذا يكنى أبا سروعة بكسر السين المهملة وسكون الراء وفتح الواو والعين المهملة وبهذا الحديث استدل من قال تقبل الواحدة المرضعة واعتبار ظاهره مطلقا يوجب جواز قبول الأمة وروى مطولا في الترمذي وفيه فجاءت امرأة سوداء وفيه قول عقبة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجت فلانة بنت فلان فجاءت امرأة سوداء فقالت أرضعتكما وهي كاذبة فأعرض عني قال فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة قال وكيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما دعها عنك ولنا أن ثبوت الحرمة لا يقبل الفصل
____________________
(3/461)
عن زوال الملك في باب النكاح لأنها مؤبدة بخلاف الحرمة بالحيض ونحوه والأملاك لا تزال إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين بخلاف حرمة اللحم حيث ينفك عن زوال الملك كالخمر مملكوكيته محرمة وجلد الميتة قبل الدباغ يحرم الانتفاع به وهو مملوك وإذا كانت الحرمة لا تستلزم زوال الملك فالشهادة قائمة على مجرد الحرمة حقا لله تعالى فيقبل فيها خبر الواحد وأما الحديث فكان للتوزع ألا يرى أنه أعرض عنه في المرة الأولى وقيل في الثانية أيضا وإنما قال له ذلك في الثالثة ولو كان حكم ذلك الإخبار وجوب التفريق لأجابه به من أول الأمر إذ الإعراض قد يترتب عليه ترك السائل المسئلة بعد ذلك ففيه تقرير على المحرم فعلم أنه قال له ذلك لظهور اطئمنان نفسه بخبرها لا من باب الحكم وكونها كاذبة حمقاء على ما قيل لا ينفى اطمئنان النفس بخبرها بل قد يكون معه لأن بعض البلاهة يقارنها بحسب الغالب عدم الخبث الذي عنه تعمد الكذب والكلام في هذا القدر لا في الجنون وقد قلنا إنه إذا وقع في القلب صدقها يستحب التنزه ولو بعد النكاح وكذا إذا شهد به رجل واحد وقولهم لا يطلع عليه أحد من الرجال قلنا لا نسلم فإن المحارم من الرجال يطلعون عليه وأيضا الرضاعة لا تتوقف على إلقام الثدي لجواز حصولها بالوجود والسقوط وروى عن عمر رضي الله عنه مثل قولنا وفي المحيط لو شهدت امرأة وأحدة قبل العقد قيل يعتبر في رواية ولا يعتبر في رواية
فروع قال لأمراته هذه أمي من الرضاعة أو أختي أو بنتي من الرضاع ثم رجع عن ذلك بأن قال أخطأت أو نسيت إن كان بعد أن ثبت على الأول بأن قال بعده هو حق أو كما قلت فرق بينهما ولاينفعه جحوده بعد ذلك وإن قال قبل أن يصدر منه الثبات عليه لم يفرق بينهما خلافا للشافعي والنكاح باق لأن مثله إنما يوجب الفرقة بشرط الثبات وتفسير الثبات ما ذكرنا ومثل هذا في الإقرار بالنسب وذلك لأن ثبوت النسب والرضاع مما يخفى عن الإنسان فالتناقض فيه مطلقا لا يمنع بخلاف ما إذا ثبت بعد التروي فيعذر قبله ولا يعذر بعده وهذا في النسب فيمن ليس لها نسب معروف ولو أقرت المرأة بذلك وأنكر هو ثم قالت أخطأت فالنكاح باق بالإجماع وعند الشافعي يحلف الزوج على العلم في قول وعلى البتات في قول ولو تزوجها قبل أن تكذب نفسها جاز ولا تصدق المرأة على قولها بخلاف ما لو أقر الرجل قبل التزوج وثبت على ذلك لا يحل له تزوجها قال في الفتاوي الصغرى هذا دليل على أن المرأة إذا أقرت بالطلقات الثلاث من رجل حل لها أن تزوج نفسها منه انتهى وكان وجهه أن الطلاق مما يستقل به الزوج في غيبتها وحضورها فيتحقق فيه الخفاء فصح رجوعها عن الإقرار به قبل التروي والله أعلم
____________________
(3/462)
= كتاب الطلاق لما فرغ من النكاح وبيان أحكامه اللازمة عند وجوده والمتأخرة عنه وهي أحكام الرضاع شرع يذكر ما به يرتفع لأنه فرع تقدم وجوده واستعقاب أحكامه وأيضا بينه وبين الرضاع مناسبة من جهة أن كلا منهما يوجب الحرمة إلا أن ما بالرضاع حرمة مؤبدة وما بالطلاق مغيا بغاية معلومة فقدم بيان الحكم الأشد اهتماما بشأنه ثم ثنى بالأخف وأيضا الترتيب الوجودي يناسبه الترتيب الوضعي والنكاح سابق في الوجود بأحكامه ويتلوه الطلاق فأوجده في التعليم كذلك والطلاق اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام والسراح بمعنى التسليم والتسريح ومنه قوله تعالى { الطلاق مرتان } أي التطليق أو هو مصدر طلقت بضم اللام أو فتحها طلاقا كالفساد وعن الأخفش نفى الضم في ديوان الأدب إنه لغة والطلاق لغة رفع الوثاق مطلقا واستعمل فعله بالنسبة إلى غير نكاح المرأة من الأفعال أطلقت بعيري وأسيري وفيه من التفعيل طلقت امرأتي يقال ذلك إخبارا عن أول طلقة أوقعتها فإن قاله ثانية فليس فيه إلا التأكيد أما إذا قاله في الثالثة فللتكثير كغلقت الأبواب وفي الشرع رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص وهو ما اشتمل على مادة ط ل ق صريحا كأنت طالق أو كناية كمطلقة بالتخفيف وهجاء طالق بلا تركيب كأنت ط ا ل ق على ما سيأتي وغيرهما كقول القاضي فرقت بينهما عند إباء الزوج الإسلام والعنة واللعان وسائر الكنايات المفيدة للرجعة والبينونة ولفظ الخلع فخرج تفريق القاضي في إبائها وردة أحد الزوجين وتباين الدارين حقيقة وحكما وخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة ونقصان المهر فإنها ليست طلاقا فقول بعضهم رفع قيد النكاح من أهله في محله غير مطرد لصدقه على الفسوخ ومشتمل على ما لا حاجة إليه فإن كونه من الأهل في المحل من شرط وجوده لا دخل له في حقيقته والتعريف لمجردها وركنه نفس اللفظ وأما سببه فالحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى وشرعه رحمة منه سبحانه وتعالى وشرطه في الزوج أن يكون عاقلا بالغا مستيقظا وفي الزوجة أن تكون منكوحته أو في عدته التي تصلح معها محلا للطلاق وضبطها في المحيط فقال المعتدة بعدة الطلاق يلحقها الطلاق والمعتدة بعدة الوطء لا يلحقها الطلاق وقد يقال إنه غير حاصل إذ تتحقق العدة دونهما كما لو عرض فسخ
____________________
(3/463)
بخيار بعد مجرد الخلوة اللهم إلا عن أن تلحق الخلوة بالوطء فكانها هو وفيه تساهل ثم يقتضى أن كل عدة من فسخ بعروض حرمة مؤبدة أو غير مؤبدة لا يقع فيها طلاق ولا شك فيه في الحرمة المؤبدة كما إذا عرضت الحرمة بتقبيل ابن الزوج فإنه لا فائدة حينئذ في اعتباره لأنه لا يتوقت بغاية ليفيد الطلاق فائدته وأما في الفسخ بغيرها فالمصرح به في العدة من خيار العتق والبلوغ أنه لا يلحقها طلاق لأنه فسخ فيجعل كأنه لم يكن وكذا بعدم الكفاءة ونقصان المهر وعلى هذا إذا سبي أحد الزوجين فوقعت الفرقة لا يقع طلاق الزوج لعدم العدة لأن المسبي إذا كان الزوج فلا عدة على زوجته الحربية وإن كانت المرأة فكذلك لحلها للسابي بالاستبراء ومثله لو وقعت الفرقة بمهاجرة أحدهما مسلما أو ذميا لا يقع طلاق لأنه إن كان الرجل فلا عدة على الحربية وإن كانت المرأة فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما وإن كان عليها العدة فهي عدة لا توجب ملك يد إذ لا يد للحربي وأقل ما يقع فيه الطلاق ملك اليد فكانت كالعدة عن الفرقة في نكاح فاسد وكذا لو خرج الزوجان مستأمنين فأسلم أحدهما أوصار ذميا فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض فإذا حاضتها وقعت الفرقة بلا طلاق فلا يقع عليها طلاقه لأن المصر منهما كأنه في دار الحرب لتمكنه من الرجوع إلا أنه منقوض بما إذا أسلم أحد الزوجين الذميين وفرق بينهما بإباء الآخر فإنه يقع عليها طلاقه وإن كانت هي الآبية مع أن الفرقة هناك فسخ وبه ينتقض ما قيل إذا أسلم أحد الزوجين لم يقع عليها طلاقه وينتقض أيضا بالمرتد يقع عليها طلاقه مع أن الفرقة بردته فسخ خلافا لأبي يوسف رحمه الله ولو كانت هي المرتدة فهي فسخ اتفاقا ويقع طلاقه عليه في العدة واختلف في محليتها للطلاق لو هاجرت فانفسخ النكاح فهاجر بعدها وهي في العدة على قولهما لم يقع طلاقه قال في المبسوط وقيل هذا قول أبي يوسف رحمه الله الأول وهو قول محمد فأما على قول أبي يوسف الآخر يقع طلاقه وهو نظير ما لو أشترى الرجل امرأته بعد ما دخل بها ثم أعتقها وطلقها في العدة لا يقع طلاقه في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وفي قول أبي يوسف الآخر يقع وكذا الخلاف فيما لو اشترت المرأة زوجها يعني فأعتقته فحكى الخلاف في هاتين المسئلتين على عكس ما حكاه في المنظومة في المسئلة الثانية ولو ارتد ولحق بدار الحرب لا يقع طلاقه اتفاقا فلو عاد وهي بعد في العدة فطلقها فهو على هذا الخلاف وما ذكر من أنه لا عدة على الحربية في دار الحرب عندهما يخالف ما ذكره محمد في السير فيما إذا أسلمت امرأة الحربي وهما في دار الحرب حيث يتأخر وقوع الفرقة بينهما إلى مضى ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر فإذا مضت وقعت الفرقة قال محمد وعليها ثلاث حيض أخرى وهي فرقة بطلاق ولهذا يقع عليها طلاقه لأن تلك الفرقة ليست للتباين بل للإباء إلا أن المدة أقيمت مقام إبائه بعد العرض فلذا يقع عليها طلاقه وأما وصفه فهو أبغض المباحات إلى الله تعالى على ما رواه أبو داود وابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أبغض المباحات عند الله الطلاق فنص على إباحته وكونه مبغوضا وهو لا يستلزم ترتب لازم المكروه الشرعي إلا لو كان مكروها بالمعنى الاصطلاحي ولا يلزم ذلك من وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة لكنه وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعد ما أضيف إليه وغاية ما فيه أنه مبغوض إليه سبحانه وتعالى ولم يترتب عليه ما رتب على المكروه ودليل نفي الكراهه قوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن }
____________________
(3/464)
وطلاقه صلى الله عليه وسلم حفصة ثم أمره سبحانه وتعالى أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وبه يبطل قول القائلين لا يباح إلا لكبر كطلاق سودة أو ريبة فإن طلاقه حفصة لم يقرن بواحد منهما وأما ما روى لعن الله كل ذواق مطلاق فمحمله الطلاق لغير حاجة بدليل ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يخفى أن كلامهم فيما سيأتي من التعاليل يصرح بأنه محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح وللحديثين المذكورين وغيرهما وإنما أبيح للحاجة والحاجة ما ذكرنا في بيان سببه فبين الحكمين منهم تدافع والأصح حظره إلا لحاجة الأدلة المذكورة ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق وإن الفعل لا عموم له في الزمان غير أن الحاجة لا تقتصر على الكبر والريبة فمن الحاجة المبيحة أن يلقى إليه عدم اشتهائها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه على جماعها فهذا إذا وقع فإن كان قادرا على طول غيرها مع استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطء أو بلا قسم فيكره طلاقه كما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة وإن لم يكن قادرا على طولها أو لم ترض هي بترك حقها فهو مباح لأن مقلب القلوب رب العالمين وأما ما روى عن الحسن وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه فقال أحب الغني قال الله تعالى { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } فهو رأي منه إن كان على ظاهره وكل ما تقل عن طلاق الصحابة رضي الله عنهم كطلاق عمر رضي الله عنه أم عاصم وعبد الرحمن بن عوف تماضر والمغيرة بن شعبة الزوجات الأربع دفعة واحدة فقال لهن أنتن حسنات الأخلاق ناعمات الأطواق طويلات الاعناق اذهبن فأنتن طلاق فمحمله وجود الحاجة مما ذكرنا وأما إذا لم تكن حاجة فمحض كفران نعمة وسوء أدب فيكره والله سبحانه وتعالى أعلم وأما حكمه فوقوع الفرقة مؤجلا بانقضاء العدة في الرجعي وبدونه في البائن وأما محاسنه فمنها ثبوت التخلص به من المكاره الدينية والدنيوية ومنها جعله بيد الرجال دون النساء لاختصاصهن بنقصان العقل وغلبة الهوى وعن ذلك ساء اختيارهن وسرع اغترارهن ونقصان الدين وعنه كان أكثر شغلهن بالدنيا وترتيب المكايد وإفشاء سر الأزواج وغير ذلك ومنها شرعه ثلاثا لأن النفس كذوبة ربما يظهر عدم الحاجة إليها أو الحاجة إلى تركها وتسوله فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر فشرعه سبحانه وتعالى ثلاثا ليجرب نفسه في المرة الأولى فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة ثم إذا عادت النفس إلى مثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر أيضا فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد
____________________
(3/465)
جرب وفقه في حال نفسه وبعدد الثلاث تبلى الأعذار وأما أقسامه فما أفاده المصنف بقوله الطلاق على ثلاثة أوجه حسن وأحسن وبدعى اعلم أن الطلاق سنى وبدعي والسني من حيث العدد ومن حيث الوقت والبدعي كذلك فالسني حسن وأحسن فالأحسن أن يطلق الرجل امرأته طليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ولا في الحيض الذي قبله ولا طلاق فيه وهذا على ظاهر المذهب على ما سيأتي ويتركها حتى تنقضي عدتها لما أسند ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستحبون أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وقال محمد بلغنا عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة فإن هذا أفضل عندهم من أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا عند كل طهر واحدة ولانه أبعد على الندامة حيث أبقى لنفسه مكنة للتدارك حيث يمكنه التزوج بها في العدة أو بعدها دون تخلل زوج آخر وأقل ضررا بالمرأة حيث لم تبطل محليتها بالنسبة إليه فإن سعة حلها نعمة عليها فلا يتكامل ضرر الإيحاش ولاخلاف لأحد بالكراهة أنها واقعة أولا بل الإجماع على انتفائها بخلاف الحسن فإن فيه خلاف مالك ولما ذكرنا من قلة ضرر هذا واستحبابه عند الصحابة كان أحسن اعلم أن السني المسنون وهو كالمندوب في استعقاب الثواب والمراد به هنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب فمعنى المسنون منه ماثبت على وجه لا يستوجب عتابا نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها عقيب جماعها أو حائضا أو ثلاثا فمنع نفسه من الطهر إلى الطهر الآخر والواحدة نقول إنه يثاب لكن لا على الطلاق في الطهر الخالي بل على كف نفسه عن ذلك الإيقاع على ذلك الوجه امتناعا عن المعصية وذلك الكف غير فعل الإيقاع وليس المسنون يلزم تلك الحالة لأنه لو أوقع واحدة في الطهر الخالي من غير أن يخطر له داعية ذلك الإيقاع سميناه طلاقا مسنونا مع انتفاء سبب الثواب وهو كف النفس عن المعصية بعد تهيء أسبابها وقيام داعيتها وهذا كمن استمر على عدم الزنا من غير أن يخطر له داعيته وتهيؤه له مع الكف عنه لا يثاب عليه ولو وقعت له داعيته
____________________
(3/466)
وطلب النفس له وتهيؤه له وكف تجافيا عن المعصية أثيب قوله والحسن طلاق السنة وأنت حققت أن كلا منهما طلاق السنة فتخصيص هذا باسم طلاق السنة لا وجه له والمناسب تمييزه بالمفضول من طلاقي السنة قال وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار سواء كانت الزوجة مسلمة أو غير مسلمة لأنه المخاطب بإيقاعه كذلك ويجب على الغائب إذا أراد أن يطلق أن يكتب إذا جاءك كتابي هذا وأنت طاهرة فأنت طالق وإن كنت حائضا فإذا طهرت فأنت طالق وقال مالك هذا بدعة ولا يباح إلا واحدة لأن الأصل في الطلاق هو الحظر والإباحة لحاجة الخلاص وقد اندفعت بالواحدة ولنا قوله صلى الله عليه وسلم فيما روى الدراقطني من حديث معلى بن منصور حدثنا شعيب بن زريق أن عطاء الخرساني حدثهم عن الحسن قال حدثنا عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بطلقتين أخريين عند القرءين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله قد أخطأت السنة السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء فأمرني فراجعتها فقال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت يا رسول أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها فقال لا كانت تبين منك وكانت معصية أعله البيهقي بالخراساني قال أتى بزايادات لم يتابع عليها وهو ضعيف لا يقبل ما تفرد به ورد بأنه رواه الطبراني حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا أبي حدثنا شعيب بن زريق سندا ومتنا وقد صرح الحسن بسماعه من ابن عمر وكذلك قال أبو حاتم وقيل لأبي زرعة الحسن لقي ابن عمر قال نعم وأما إعلال عبد الحق إياه معلى بن منصور فليس بذاك ولم يعله البيهقي إلا بالخراساني وقد ظهرت متابعته ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة لخفائها لأنها باطنة ودليلها الإقدام على طلاقها في زمن تجدد الرغبة وقد تكون الحاجة ماسة إلى تركها البتة لرسوخ الأخلاق المتباينة وموجبات المنافرة فلا تفيد رجعتها فيحتاج إلى فطام النفس عنها على وجه لا يعقب الندم والنفس تلح لحسن الظاهر وطريق إعطاء هذه الحاجة مقتضاها على الوجه المذكور
____________________
(3/467)
أن يطلق واحدة ليجرب نفسه على الصبر ويعالجها عليه فإن لم يقدر تدارك بالرجعة وإن قدر أوقع أخرى في الطهر الآخر كذلك فإن قدر أبانها بالثالثة بعد تمرن النفس على الفطام ثم إذا أوقع الثلاثة في ثلاثة أطهار فقد مضت من عدتها حيضتان إن كانت حرة فإذا حاضت حيضة انقضت وإن كانت أمة فالبطهر من الحيضة الثانية بانت ووقع عليها ثنتان لقوله ثم قيل الأولى أن يؤخر الطلاق إلى آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة عليها وقال المصنف والأظهر أي الأظهر من قول محمد حيث قال إذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها واحدة إذا طهرت ورجحه بأنه لو أخر ربما يجامعها فيه ومن قصده تطليقها فيبتلى بالإيقاع عقيب الوقاع ولا يخفى أن الأول أقل ضررا فكان أولى وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه الله قوله وطلاق البدعة ماخالف قسمي السنة وذلك بأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو مفرقة في طهر واحدا أو ثنتين كذلك أو واحدة في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه أو جامعها في الحيض الذي يليه هو فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيا وفي كل من وقوعه وعدده وكونه معصية خلاف فعن الإمامية لا يقع بلفظ الثلاث ولا في حالة
____________________
(3/468)
الحيض لأنه بدعة محرمة وقال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وفي أمره صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يراجعها حين طلقها وهي حائض دليل على بطلان قولهم في الحيض وأما بطلانه في الثلاث فينتظمه ما سيأتي من دفع كلام الإمامية وقال قوم يقع به واحدة وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال ابن إسحاق ونقل عن طاوس وعكرمة أنهم يقولون خالف السنة فيرد إلى السنة وفي الصحيحين أن أبا الصهباء قال لابن عباس ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر قال نعم وفي رواية لمسلم أن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم وروى أبو داود عن ابن عباس قال إذا قال أنت طالق ثلاثا بمرة واحدة فهي واحدة وروى ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس مثل ذلك وقال الإمام أحمد حدثنا سعيد بن إبراهيم قال أنبأنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال طلق ركانة بن عبد يزيد زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد قال إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها ومنهم من قال في المدخول بها يقع ثلاثا وفي غيرها واحدة لما في مسلم وأبي دواد والنسائي أن أبا الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال أما علمت أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث قال ابن عباس بل كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم هذا لفظ أبي داود وذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلى أنه يقع ثلاث ومن الأدلة في ذلك ما في صنف ابن أبي شيبة والدارقطني في حديث ابن عمر المتقدم قلت يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا قال إذا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك وفي سنن أبي داود عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا قال فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال أيطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس فإن الله عز وجل قال { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } عصيت ربك وبانت منك امرأتك وفي موطأ مالك بلغه أن رجلا قال لعبد الله ابن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقة فماذا ترى علي فقال ابن عباس طلقت منك ثلاثا وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا وفي الموطإ أيضا بلغه أن رجلا جاء إلى ابن مسعود فقال إن طلقت امرأتي ثماني تطليقات فقال ما قيل لك فقال قيل لي بانت منك قال صدقوا هو مثل ما يقولون وظاهره الإجماع على هذا الجواب وفي سنن أبي داود وموطإ مالك عن محمد بن إياس بن البكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه فسأل عبد الله بن عباس وأبا هريرة عن ذلك
____________________
(3/469)
فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال فإنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل وهذا يعارض ما تقدم من أن غير المدخول بها إنما تطلق بالثلاث وأحدة وجميعها يعارض ما عن بن عباس وفي موطأ مالك مثله عن ابن عمر وأما إمضاء عمر الثلاث عليهم فلا يمكن مع عدم مخالفة الصحابة له مع علمه بأنها كانت واحدة إلا وقد اطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ هذا إن كان على ظاهره أو لعلمهم بانتهاء الحكم كذلك لعلمهم بإناطته بمعان علموا انتفاءها في الزمن المتأخر فإنا نرى الصحابة تتابعوا على هذا الأمر ولا يمكن وجود ذلك منهم مع اشتهار كون حكم الشرع المتقرر كذلك أبدا فمن ذلك ما أوجدناك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وروى أيضا عن عبد بن عمرو بن العاص وأسند عبد الرزاق عن علقمة قال جاء رجل إلى ابن مسعود فقال إني طلقت امرأتي تسعا وتسعين فقال له ابن مسعود ثلاث تبينها وسائرهن عدوان وروى وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ثابت قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال إني طلقت امرأتي ألفا فقال له علي بانت منك بثلاث وأقسم سائرهن على نسائك وروى وكيع أيضا عن معاوية بن أبي يحيى قال جاء رجل إلى عثمان بن عفان فقال طلقت امرأتي ألفا فقال بانت منك بثلاث وأسند عبد الرزاق عن عبادة بن الصامت أن أباه طلق امرأته ألف تطليقة فانطلق عبادة فسأله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بانت بثلاث في معصية الله تعالى وبقي تسعمائة وسبع وتسعون عدوانا وظلما إن شاء عذبه الله وإن شاء غفر له وقول بعض الحنابلة القائلين بهذا المذهب توفي رسول اله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف عين رأته فهل صح لكم عن هؤلاء أو عن عشر عشر عشرهم القول بلزوم الثلاث بفم واحد بل لو جهدتم لم تطيقوا نقله عن عشرين نفسا باطل أما أولا فإجماعهم ظاهر فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف عمر رضي الله عنه حين أمضى الثلاث وليس يلزم في نقل الحكم الإجماعي عن مائة ألف أن يسمى كل ليلزم في مجلد كبير حكم واحد على أنه إجماع سكوتي وأما ثانيا فإن العبرة في نقل الإجماع ما نقل عن المجتهدين إلا العوام والمائة الألف الذين توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبلغ عدة المجتهدين الفقهاء منهم أكثر من عشرين كالخلفاء والعبادلة وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأنس وأبي هريرة رضي الله عنه وقليلون والباقون يرجعون إليهم ويستفتون منهم وقد أثبتنا النقل عن أكثرهم صريحا بإيقاع الثلاث ولم يظهر لهم مخالف فماذا بعد الحق إلا الضلال وعن هذا قلنا لو حكم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف والرواية عن أنس بأنها ثلاث أسندها الطحاوي وغيره وغاية الأمر أن يصير تجيع أمهات الأولاد أجمع على نفيه وكن في الزمن الأول يبعن وبعد ثبوت إجماع الصحابة رضي الله عنهم لا حاجة إلى الاشتغال بالجواب عن قياسهم على الوكيل بالطلاق واحدة إذ طلق ثلاثا مع ظهور الفرق بأن مخالفته لا تحتمل مخرجا عن الإبطال لمخالفته الإذن والمكلفون وإن كانوا أيضا إنما يتصرفون بإذن الشرع لكن إذا أجمعوا على خلاف بعض الظواهر والإجماع حجة قطعية كان مقدما بأمر الشرع على ذلك الظاهر قلنا أن لا نشتغل معه بتأويل وقد يجمع بما ذكرنا من الاطلاع على الناسخ أو العلم بانتهاء الحكم لانتهاء علته هذا وإن حمل الحديث على خلاف ظاهره دفعا لمعارضة إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما أوجدناك من النقل
____________________
(3/470)
عنهم واحدا واحدا وعدم مخالف لعمر في إمضائه وظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه فتأويله أن قول الرجل أنت طالق أنت طالق أنت طالق كان واحدة في الزمن الأول لقصدهم التأكيد في ذلك الزمان ثم صاروا يقصدون التجديد فألزمهم عمر رضي الله عنه ذلك لعلمه بقصدهم وما قيل في تأويله أن الثلاث التي يوقعونها الآن إنما كانت في الزمان الأول واحدة تنبيه على تغير الزمان ومخالفة السنة فيشكل إذ لا يتجه حينئذ قوله فأمضاه عمر رضي الله عنه وأما حديث ركانة فمنكر والأصح ما وراه أبو دواد والترمذي وابن ماجه أن ركانه طلق زوجته البتة فحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما أراد إلا واحدة فردها إليه فطلقها الثانية في زمن عمر رضي الله عنه والثالثة في زمن عثمان رضي الله عنه قال أبو داود وهذا أصح وأما المقام الثالث وهو كون الثلاثة بكلمة واحدة معصية أو لا فحكى فيه خلاف الشافعي رحمه الله استدل بالإطلاقات من نحو قوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وما روى أن عويمرا العجلاني لما لا عن امرأته وقال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم وفي بعض روايات حديث فاطمة بنت قيس طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى وطلق عبد الرحمن ابن عوف تماضر ثلاثا في مرضه وطلق الحسن بن علي رضي الله عنه امرأته شهباء ثلاثا لما هنته بالخلافة بعد موت علي رضي الله عنه ولأن الطلاق مشروع والمشروعية لا تجامع الحظر ألا ترى أنه لو طلق نساءه الأربع دفعة واحدة جاز فكذا الواحدة ثلاثا بطريق الأولى بخلاف الطلاق في حالة الحيض لأنه يحرم للمضارة بتطويل العدة عليها لا الطلاق وبخلافه في الطهر الذي جامعها فيه يحرم لتلبيس وجه العدة أهو بالإقراء أو الوضع لاحتمال الحبل ولنا قوله تعالى { الطلاق مرتان } إلى أن قال { فإن طلقها } فلزم أن لا طلاق شرعا إلا كذلك لأنه ليس وراء
____________________
(3/471)
الجنس شيء وهذا من طرق الحصر فلا طلاق مشروع ثلاثا بمرة واحدة وكان يتبادر أن لا يقع شيء كما قال الإمامية لكن لما علمنا أن عدم مشروعيته كذلك لمعنى في غيره وهو تفويت معنى شرعيته سبحانه له كذلك وإمكان التدارك عند الندم وقد يعود ضرره على نفسه وقد لا وهذا معنى قوله والمشروعية في ذاته لا تنافي الحظر إلى آخره على ما نبين ولنا أيضا ما قدمناه من قول ابن عباس رضي الله عنهما للذي طلق ثلاثا وجاء يسأل عصيت ربك وما قدمناه من مسند عبد الرزاق في حديث عبادة بن الصامت حيث قال صلى الله عليه وسلم بانت بثلاث في معصية الله تعالى وكذا ما حدث الطحاوي عن ابن مرزوق عن أبي حذيفة عن سفيان عن الأعمش عن مالك بن الحرث قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأثم وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا وما روى النسائي عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاثا جميعا فقام غضبان فقال أيلعب بكتاب الله عز وجل وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله وأما ما في بعض الشروح من نسبة الطلاق المذكور إلى محمود بن لبيد فغير معروف وحينئذ فيجب حمل ما روي عن بعض الصحابة من الطلاق ثلاثا أنهم قالوا ثلاثا للسنة وأيضا لنا ما ذكر المصنف من أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع المصالح الدينية والدنيوية والأدلة السمعية التي ذكرناها وإنما يباح للحاجة إلى الخلاص من المفاسد التي قد تعرض في الدين والدنيا فيعود على موضوعه بالنقض ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث بخلاف تفريقها على الأطهار فإنها ثابتة نظرا إلى دليلها وقد قدمنا أن الحاجة باطنة فأنيط الحكم بالحل على دليلها وهو الإقدام عليه في زمن الرغبة فإذا طلقها في كل طهر طلقة حكم بالحاجة إلى الثلاث كذلك فورد عليه أن دليل الحاجة إنما يعتبر عند تصور الحاجة وهي ههنا غير متصورة للعلم بارتفاعها بالطلقة الواحدة فأجاب بمنع انتفائها بالكلية لما قررناه في جواب مالك من أن الحاجة قد تتحقق إلى فطام النفس على وجه يأمن ظاهرا عروض الندم وطريق دفعها حينئذ الثلاث مفرقة على الأطهار لا مجموعة لما وجهنا به قوله والمشروعية في ذاته جواب عن قوله مشروع فلا ينافي الحظر
____________________
(3/472)
يعني أن مشروعيته باعتبار ذاته فإنه في ذاته إزالة الرق لما قدمنا من أن النكاح نوع رق فلا ينافي الحظر لغيره وهو ما ذكرنا من أن فيه قطع متعلق المصالح الدينية والدنيوية فجاز إثبات مشروعيته في ذاته مع حظره لذلك فيصح إذا وقع ويستعقب أحكامه مع استعقاب استحقاق العقاب إذا لم يكن مسوغ للحظر الحالي كالصلاة في الأرض المغصوبة والوجه في تقريره أنه مشروع من حيث هو دافع لحاجة لزوم فساد الدين والدنيا ولا ينافيه كونه غير مشروع من حيث إنه إضرار وكفران بلا حاجة وهذا أحسن من قوله مشروع في ذاته الخ إذا تأملت لأن هذا التفصيل هو الواقع في نفس الأمر وسيصرح به في وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف في طلاق الحامل حيث قال ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة وقوله وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة لما قلنا من أنه لا حاجة إلى الزيادة على الواحدة قوله واختلفت الرواية في الواحدة البائنة قال في الأصل يعني أصل المبسوط وهو الكافي للحاكم أبي الفضل أخطأ السنة وهو ظاهر الرواية لأنه لا حاجة في الخلاص إلى إثبات صفة البينونة ولأن يسد على نفسه باب التدارك عند عدم اختيار المرأة الرجعة وفي الزيادات لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا والمراد زيادات الزيادات فلا يشكل صحة إطلاق الزيادات عليها ومما يدل على صحة هذه أن أبا ركانة طلق امرأته البتة والواقع بها بائن ولم ينكر صلى الله عليه وسلم عليه والقياس على الخلع والجواب تجويز أن يكون أبو ركانه طلق امرأته قبل الدخول أو أنه أخر الإنكار عليه لحال اقتضت تأخيره إذ ذاك والخلع لا يكون إلا عند تحقق الحاجة وبلوغها النهاية ولها روى عن أبي حنيفة أن الخلع لا يكره حالة الحيض قوله والسنة في الطلاق من وجهين في الوقت والعدد فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها وقد ذكرناها وهي أن يطلق واحدة فإذا طلق غير المدخول بها ثلاثا كان عاصيا ففي التي خلا بها أولى أن يكون معصية ولا يخفى أن الا ستواء بينهما مطلقا متعذر فإن السنة من حيث العدد في المدخول بها تثبت بقسميها أن يطلقها واحدة ليس غير وأن يلحقها بأخريين عند الطهر ولا يتصور ذلك في غير المدخول بها إذ لا عدة لها وهذا ظاهر قوله والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة وكأنه عمم المدخول بها في التي
____________________
(3/473)
خلا بها فإنها أيضا يجب مراعاة السنة في طلاقها وذلك الوقت هو الطهر الذي لاجماع فيه ولا في الحيض الذي قبله فلزم في التخلص من البدعة في المدخول بها مراعاة السنتين فلو أخل بإحداهما لزمت المعصية وإنما لزمتا لأن المراعى في تحقق إباحة الطلاق دليل الحاجة إليه وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وزمان تجددها هو الطهر الخالي عن الجماع لا زمان الحيض ولا الطهر الذي جومعت فيه أما زمان الحيض فلأنه زمان النفرة الطبيعية والشرعية وأما الطهر الذي جومعت فيه فلأن بالجماع مرة تفتر الرغبة وأما غير المدخول بها فالرغبة فيها متوفرة ما لم يذقها فطلاقه في حال الحيض يقوم دليلا على تحقق الحاجة فجاز أن يطلقها في حال الطهر والحيض جيمعا خلافا لزفر وهو يقيسها على المدخول بها بجامع أنه وقت النفرة فلم يكن الطلاق فيه دليل الحاجة فلا يباح وفيما ذكرنا جوابه بالفرق وهو قوله الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقل بالحيض فإن قلت هذا تعليل في مقابلة النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا بن عمر ما هكذا أمرك الله فالجواب أن الإشارة من قوله هكذا إلى طلاقه الخاص الذي وقع منه فجاز كون تلك كانت مدخولا بها ولأنه قال في رواية في هذا الحديث فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء والعدة ليست إلا للمدخول بها قوله وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أي بأن لم تبلغ سن الحيض وهو تسع على المختار وقيل ثمان وسبع أو كبر بأن كانت المرأة آيسة بنت خمس وخمسين على الأظهر أولاهما بأن بلغت بالسن ولم تردها أصلا فأراد أن يطلقها طلاق السنة طلقها واحدة فإذا مضى شهر طلقها
____________________
(3/474)
أخرى فإذا مضى شهر طلقها اخرى قال الله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } أي لم يحضن بعد فيما مضى لأن لم تقلب معنى المضارع إلى المضي فأقام الأشهر مقام الحيض حيث نقل من الحيض إليها وأيضا نص على أن الأشهر عدة بقوله تعالى { فعدتهن ثلاثة أشهر } والعدة في ذوات الحيض ليس إلا الحيض لا المجموع فلزم بالضرورة كون الأشهر بدل الحيض ورشح بالاستبراء فإنه في ذوات الحيض بحيضة وجعل فيمن لا تحيض بشهر ويجوز كون الإقامة بإعتباره مع لازمه من الطهر المضاف إلى كل حيضة ورجح بأنه لو لم يكن كذلك اكتفى بعشرة أيام لأنها أكثر الحيض المجعول عدة والحيض المجعول عدة هو الذي يفصل بينه وبين مثله طهر صحيح بحيث تكون عدتهما غالبا شهرا وفرق بين قولنا هو بدل عن حيض يتخللها أطهار وقولنا بدل عن الحيض والأطهار المتحللة فالطهر ضرورة تحققها لا من مسماه وما ألزم به من أنه لو كان مقام الحيض والطهر جميعا لزم منع الطلاق في الشهر الثاني لأنه في الحيض حكما مدفوع بأنه مقامه في أنه عدة فقط لا في ذاته وذات الشهر طهر ولا في حكم آخر ألا يرى أن الطلاق عقيب الجماع في طهر ذوات الأقراء حرام وفي الآيسة والصغيرة لا يحرم فكذا الطلاق في الشهر الثاني وهذا
____________________
(3/475)
الخلاف قليل الجدوى لا ثمرة له في الفروع قوله إن كان الطلاق وقع في أول الشهر هو أن يقع في أول ليلة رئى فيها الهلال تعتبر الشهور بالأهلة اتفاقا في التفريق والعدة وإن كان وقع في وسطه فبالأيام في التفريق أي في تفريق الطلقات بالاتفاق فلا تطلق الثانية في اليوم الموفى ثلاثين من الطلاق الأول بل في الحادي والثلاثين فما بعده لأن كل شهر معتبر بثلاثين يوما فلو طلقها في اليوم الموفى ثلاثين كان جامعا بين طلاقين في شهر واحد وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة تعتبر بالأيام وهو رواية عن أبي يوسف فلا تنقضي عدتها إلا بمضي تسعين يوما وعندهما يكمل الأول بالأخير والشهران المتوسطان بالأهلة وقوله في الفتاوي الصغرى تعتبر في العدة بالأيام بالإجماع يخالف نقل الخلاف قوله وهي مسئلة الإجارات يعني إذا استأجر ثلاثة أشهر في رأس الشهر اعتبرت بالأهلة اتفاقا ناقصة كانت أو كاملة وإن استأجرها في أثناء شهر تعتبر الأشهر الثلاثة بالأيام عنده وعندهما يكمل الشهر الأول بالأخير و فيما بين ذلك بالأهلة وقيل الفتوى على قولهما لأنه أسهل وليس بشيء ووجه بأن الأصل في الأشهر الأهلة فلا يعدل عنه إلا لضرورة وهي مندفعة بتكميل الأول بالأخيرة ويمكن أن يقول ذلك في الأشهر العربية وهي المسماة بالأسماء وهو لم يستأجر مدة جماديين ورجب ثلاثة أشهر مثلا وليس يلزم من ذلك الأهلة وحينئذ فلا بد من تسعين لأنه لما لم يلزم من مسمى اللفظ الأهلة صار معناه ثلاثة أشهر من هذا اليوم فلا ينقضي هذا الشهر حتى يدخل من الآخر أيام ثم يبتدأ الآخر من حين انتهى الأول فيلزم كذلك في الثلاثة قوله ويجوز أن يطلقها أي يطلق التي لا تحيض من صغر أو كبر ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمان
____________________
(3/476)
وبه قالت الأئمة الثلاثة وقال زفر يفصل بين وطئها وطلاقها بشهر وفي المحيط قال الحلواني هذا في صغيرة لا يرجى حبلها أما فيمن يرجى فالأفضل له أن يفصل بين وطئها وطلاقها بشهر كما قال زفر ولا يخفى أن قول زفر ليس هو أفضلية الفصل بل لزوم الفصل لأن الشهر قائم مقام الحيض في التي تحيض وفيها يجب الفصل بحيضة ففي من لا تحيض يجب الفصل بما أقيم مقامه وهو الشهر ولأن بالجماع تفتر الرغبة وإنما تتجدد بزمان قوله ولنا أنه لا يتوهم الحبل فيها أي في التي لا تحيض من صغر أو كبر والكراهة أي كراهة الطلاق في الطهر الذي جامع فيه في ذات الحيض لتوهم الحبل مشتبه وجه العدة أنها بالحيض أو بالوضع وهذا الوجه يقتضى في التي لا تحيض لا لصغر ولا لكبر بل اتفق امتداد طهرها متصلا بالصغر وفي التي لم تبلغ بعد وقد وصلت الى سن البلوغ ان لايجوز تعقيب وطئها بطلاقها لتوهم الحبل في كل منهما ولما كان ظاهر ان يقال قد عللتم منع الطلاق في الطهر الذي جامع فيه آنفا بفتور الرغبة فلم يقع الطلاق دليل الحاجة فغاية الآمر ان الطلاق في ذلك الطهر ممنوع في وجهين لاشتباه العده ولعدم المبيح وهو الطلاق مع عدم دليل الرغبة وفي الصغيرة والآيسة ان فقد الاول فقد وجد الثاني فيمينع اجاب بقوله والرغبة الخ وحاصلة منع عدم الرغبة مطلقا بجماع هذه بل انتفى سبب من اسبابها وهو لايستلزم عدمه مطلقا الا لو لم يكن من وجه آخر وقد وجد وهو كونه وطا غير معلق فرارا عن مؤن الولد فكان الزمان زمان رغبة في الوطء وصار كزمان الحبل وعلى هذا التقرير لا معنى للسؤال القائل لما تعارضت جهة الرغبة مع جهة الفتور تساقطتا فبقي الأصل وهو حظر الطلاق وتكلف جوابه لأن حاصل الوجه أن للرغبة سببين عدم الوطء مدة تتجدد الرغبة عند آخرها عادة وكون الوطء غير معلق فعدم المدة فقط بالوطء القريب عدم أحد السببين مع قيام الآخر وذلك لايوجب عدم الرغبة هذا ثم يمكن أن يقال ينبغي أن يقتصر في الجواب على منع عدم الرغبة ويترك جميع ما قيل من التعليل بعد توهم الحبل وادعاء أن الكراهة في ذوات الحيض باعتباره فإنه تعليل ما لآ أثر له لأنها عقيب الطلاق متربصة على كل حال إلى أن ترى
____________________
(3/477)
الدم ثلاث مرات أو لا تراه فتستمر في العدة إلى أن يظهر حملها وتضع أو يظهر أنه امتد طهرها بأن لم يظهر حملها فتصبر لأمر الله فهذا الحال لا يختلف بوطئها في الطهر الذي فيه الطلاق وعدم وطئها فيه فظهر أن التعليل باشتباه وجه العدة لا أثر له إذ لم يبق فرق بين اعتدادها إذا جومعت في الطهر وعدمه إلا بتجويز أنها حملت أولا وهذا لا يختلف معه الحال التي ذكرنا من اعتدادها لا يقال إنه على أصل الشافعي من أن الحامل تحيض يصح التعليل به لأنها بعد الانفصال من الوطء يجوز الحبل وإن رأت الدم فلا يجزم بعدم رؤيته ثلاثا إلا إذا مضت مدة يظهر في مثلها الحبل ولم يظهر بل وعلى أصلنا لأنا لا نمنع من رؤية الحامل الدم بل نقول إن ما تراه فهو استحاضة فمع تجويز الحبل لا يتيقن بأن ما رأته حيض أو استحاضة وهي حامل إلى أن تذهب مدة لو كانت حاملا فيها لظهر الحبل لأنا نقول هذا بعينه جار فيما لو وطئت في الطهر الذي يليه طهر الطلاق فلو اعتبر مانعا منع الوطء فيه أيضا خصوصا في آخره والحق أن كراهة الطلاق عقيب الجماع في ذات احيض لعروض الندم بظهور الحبل لمكان الولد وشتات حاله وحال أمه قوله وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة إن اعتبر حاظرا ولأنه زمان الرغبة في الوطء لكونه غير معلق لأنه اتفق أنها قد حبلت أحبه أو سخطه فبقي آمنا من غيره فيرغب فيه ذلك أو لمكان ولده منها لأنه يتقوى به الولد فيقصد به نفعة فظهر أنه لا حاجة إلى قوله فيها بل الرغبة في الوطء لكل من الأمرين قوله ويطلقها ثلاثا للسنة يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة رحمه الله وقال محمد وزفر رحمهما الله لا يطلقها للسنة إلا واحدة
____________________
(3/478)
وقال بلغنا ذلك عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله والحسن البصري ولأن الأصل في الطلاق الحظر وقد ورد الشرع بإحلال الثلاث مفرقا على فصول العدة في ذوات الحيض وورد بإقامة الأشهر مقام الحيض في الصغيرة أو الآيسة فصح الإلحاق في تفريقها على الأشهر والشهر في حق الحامل ليس من فصول عدتها فصارت الحامل كالممتد طهرها وفيها لا يفرق الطلاق على الأشهر فكذا الحامل وقول محمد رحمه الله قول الأئمة الثلاثة ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة وقدمنا أنها لا تنتفي مطلقا بالطلقة الواحدة فشرع لدفعها على وجه لا يعقب الندم والتفريق على أوقات الرغبة وهي الأطهار التي تلي الحيض ليكون كل طلاق دليل قيامها ولا دخل لكونها من فصول العدة لو كانت فصولا فكيف وفصولها ليس إلا الحيض لأنها العدة لا الأطهار عندنا فكونها فصلا من فصول العدة ليست جزء المؤثر دليل الحاجو وشرط دلالته كونه في زمان تجدد الرغبة والتجدد بعد الفتور لا يكون عادة إلا بعد زمان وحين رأينا الشرع فرقها على الأطهار وجعل الإيقاع أول كل طهر جائزا علمنا أنه حكم بتجدد الرغبة عند تحقق قدر ما قبله من الزمان إلى مثله من أول طهر يليه وذلك في الغالب شهر فأدرنا الإباحة على الشهر وعلى هذا فالتفريق على الأشهر في الآيسة والصغيرة ليس لكونها فصولا لإقامتها مقام العدة بل لما ذكرنا فالإثبات فيهما أيضا بالقياس لا بالنص ودلالته بخلاف ما قاس عليه من ممتدة الطهر لأنها محل النص على تعلق
____________________
(3/479)
جواز الإيقاع بالطهر الحاصل عقيب الحيض وهو مرجو في حقها كل لحظة ولا يرجى في الحامل ذلك وعلى هذا التقرير سقط ما رجح به شارح قول محمد رحمه الله من أنه تعالى أوجب التفريق على فصول العدة بقوله سبحانه وتعالى { فطلقوهن لعدتهن } لما بيناه من إلغاء كونه فصلا من فصول العدة بالنسبة إلى الحكم على أنا نمنع دلالة الآية على التفريق أصلا بل على استقبال العدة بالطلاق والعدة مجموع الإقراء وإنما يفيد تفريقه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنه المتقدم إن من السنة أن تستقبل الطهر فتتطلقها لكل قرء وأريد بالقرء الطهر وقد جاء عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضوان الله عليهم في تفسير الآية أن يطلقها طاهرة من غير جماع وهذا لأن لزوم التفريق طريقه أن مفهوم طلقوهن أوجدوا طلاقهن لعدتهن فيستلزم عمومين عموم طلاقهن لأنه جنس مضاف وكذا عدتهن فقد أحل جميع طلاقهن وهو ثلاث بجميع عدتهن وجميعه بفم واحد حرام فكان المراد تفريقه على الأطهار أو ما يقوم مقام ما يستلزمها وهذا غير لازم لأن الفعل إنما يدل على المصدر النكرة فالمعنى اوجدوا طلاقا عليهن لعدتهن أي لاستقبالها وأيضا فلفظ فصول العدة غير مذكور في النصوص إنما سماها بذلك الفقهاء ولا يعقل من معناه سوى أنه جزء من أجزائها له نسبة خاصة إليها اتفق أنه ثلثها اتفاقا وكل شهر من شهور الحامل جزء من أجزاء عدتها كذلك وإن لم يتفق أن نسبتة الثلث وعلى هذا يقوى بحث شمس الأئمة أن الشهر من فصول عدة الحامل غير أنا لآنعلق به إباحة الإيقاع من حيث هو فصل وجزء بل من حيث هو زمان يتجدد فيه الرغبة عند مسبوقيته بذلك القدر من الزمان قوله وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق خلافا لمن قدمنا النقل عنهم من الإمامية ونقل أيضا عن إسماعيل بن علية من المحدثين وهذا لأن النهي عنه لمعنى في غيره يعني أن النهي الثابت ضمن الأمر أي قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } وهو المراد بالأمر في قوله صلى الله عليه وسلم ما هكذا أمرك الله وقوله وهو ما ذكرنا أي من تحريم تطويل العدة ثم هو بهذا الإيقاع عاص بإجماع الفقهاء ويستحب له أن يراجعها لقوله
____________________
(3/480)
صلى الله عليه وسلم لعمر في حديث ابن عمر في الصحيحين مر ابنك فليراجعها حين طلقها في حالة الحيض وهذا يفيد الوقوع فيندفع به قول نافي الوقوع والحث على الرجعة والاستحباب المذكور إنما هو قول بعض المشايخ وكأنه عن قول محمد رحمه الله في الأصل وينبغي له أن يراجعها فإنه لايستعمل في الوجوب وألإصح أنه واجب كما ذكر المصنف عملا بحقيقة الأمر فإن حقيقته أوجد الصيغة الطالبة على وجه الحتم واعلم أن قول الشافعية إن لفظ الأمر الذي مادته أمر مشترك بين الصيغة النادبة والموجبة حتى يصدق الندب مأمور به حقيقة فعلى هذا لا يلزم الوجوب إذ لا يلزم من قوله مر أوجد الصيغة الطالبة مجردة من القرائن بل يحتمل ذلك وغيره فإذا لم يتعين يثبت كونه مطلوبا في الجملة وهو لا يستلزم الوجوب ولذا قال الشافعي رحمه الله وكذا أحمد رحمه الله بالاستحباب وأما عندنا فمسمى الأمر الصيغة الموجبة كما أن الصيغة حقيقة في الوجوب فيلزم الوجوب منها وإن كانت صادرة عن عمر رضي الله عنه لا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نائب عنه فيها فهو كالمبلغ للصيغة فاشتمل قوله مر ابنك على وجوبين صريح وهو الوجوب على عمر رضي الله عنه أن يأمر وضمني وهو ما يتعلق بابنه عند توجيه الصيغة إليه والقائلون بالاستحباب ههنا إنما بنوه على أن المعصية وقعت فتعذر ارتفاعها فبقي مجرد التشبيه بعدم مباشرتها والجواب أن ذلك لا يصلح صارفا للصيغة عن الوجوب لجواز إيجاب رفع أثرها وهو العدة وتطويلها إذ بقاء الأمر بقاء ما هو أثره من وجه فلا تترك الحقيقة قيل عليه ما حاصله أن هذا يصلح بحثا يوجب الوجوب لكن لا يفيد أن ما ذكر القدروي من الاستحباب قول بعض المشايخ مع أن محمدا في الأصل إنما قال لفظا يدل على الاستحباب ومرجع هذا الكلام إلى إنكار نقل الوجوب عن المشايخ صريحا بل ذلك بحث فإذا تحقق النقل اندفع وقوله والأصح كذا في عادة المصنفين نقل المرجح في المذهب لا ترجيح مذهب آخر خارج عن المذهب وتذكير ضمير أثره مع أنه للمعصية إما لتأويلها بالعصيان أو هو للطلاق في الحيض قوله وإذا طهرت وحاضت ثم طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها هذا لفظ القدوري وهكذا
____________________
(3/481)
ذكر في الأصل ولفظ محمد فيه فإذا طهرت في حيضة أخرى راجعها وذكر الطحاوي أن له أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها وراجعها فيها وقال الشيخ أبو الحسن الكرخي ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة وما ذكره في الأصل قولهما والظاهر أن ما في الأصل قول الكل لأنه موضوع لإثبات مذهب أبي حنيفة إلا أن يحكي الخلاف ولم يحك خلافا فيه فلذا قال في الكافي إنه ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وبه قال الشافعي في المشهور ومالك وأحمد وما ذكر الطحاوي عن رواية أبي حنيفة وهو وجه للشافعية وجه المذكور في الأصل وهو ظاهر المذهب لأبي حنيفة من السنة ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فيطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله عز وجل وفي لفظ حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها ووجه ما ذكر الطحاوي رواية سالم في حديث ابن عمر مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا رواه مسلم وأصحاب السنن والأولى أولى لأنها أكثر تفسيرا بالنسبة إلى هذه الرواية وأقوى صحة وظهر من لفظ الحديث حيث قال يمسكها حتى تطهر أن استحباب الرجعة أو إيجابها مقيد بذلك الحيض الذي أو قع فيه وهو المفهوم من كلام الأصحاب إذا تؤمل فعلى هذا إذا لم يفعل حتى طهرت تقررت المعصية وأما الوجه من جهة المعنى فوجه الظاهر المذكور في الأصل أن السنة أن يفصل بين كل تطليقتين بحيضة والفاصل هنا بعض الحيضة فتكمل بالحيضة الثانية ولا تتجزأ أي ليس لجزئها على حدته حكم في الشرع والأولى أن يقول ولا يمكن أن يكون بعض حيضتين حيضة فوجب تكاملها إذ لا يتصور حيضة إلا التانية فلغا بعض الأولى ووجه ما ذكره الطحاوي أن أثر الطلاق انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها في هذه الحيضة فيسن تطليقها في الطهر الذي يليها وعلى هذه الرواية يتفرع ما عن أبي حنيفة أنه إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه ثم راجعها لا يكره أن يطلقها الثانية فيه ذلك ولو راجعها بعد الثانية لا يكره إيقاع الثالثة وعلى هذا فرع ما لو أخذ يدها بشهوة ثم قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة تقع الثلاث للسنة فيه الحال متتابعة لأنه يصير مراجعا بالمس بالشهوة فيكون الوقت وقت طلاق السنة فيقع الثاني وكذا الثالث وعلى ظاهر الرواية وهو قولهما لا يقع إلا الأولى ثم في أول كل طهر بعد حيضة تقع أخرى فما ذكر في المنظومة ومجمع البحرين من نسبة ذلك إلى أبي حنيفة إنما هو على رواية الطحاوي لا على ظاهر مذهبه هذا إذا وقعت الرجعة
____________________
(3/482)
بالقول بالمس أما إذا وقعت بالجماع ولم تحبل فليس له أن يطلقها أخرى في هذا الطهر بالإجماع لأنه طهر جامعها فيه وإن حبلت فعند أبي يوسف ليس له أن يطلقها أخرى حتى يمضي من وقت الطلاق شهر وعند أبي حنيفة ومحمدو زفر له أن يطلقها لأن العدة الأولى سقطت والطلاق عقيب الجماع في الطهر إنما لا يحل لاشتباه أمر العدة عليها وذلك لا يوجد إذا حبلت وظهر الحبل هذا في تخلل الرجعة فأما لو تخلل النكاح بأن كان الأول بائنا فقيل لا يكره الطلاق الثاني اتفاقا وقيل في تخلل الرجعة ليس له أن يطلقها اتفاقا والأوجه أنه على اختلاف الرواية عنه قوله ومن قال لامرأته وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له فهي طالق عند كل طهر تطليقة فإن نوى ذلك فأظهر ثم إن لم يكن جامعها في هذا الطهر وقعت واحدة للحال ثم عند كل طهر أخرى وإن كان جامعها لم يقع شيء حتى تحيض وتطهر وعند الشافعي يقع الثلاث للحال لأنه لا بدعة عنده ولا سنة في العدد ولو كانت من ذوات الأشهر يأتي ولو كانت غير مدخول بها وقع عليها واحدة في الحال وإن كانت حائضا ثم لا يقع شيء إلا أن يتزوجها مرة أخرى فتقع الثانية فإن تزوجها أيضا وقعت الثالثة ووجه المسئلة على ما هو التحقيق أن اللام للاختصاص فالمعنى الطلاق المختص بالسنة والسنة
____________________
(3/483)
مطلق فينصرف إلى الكامل وهو السني عددا ووقتا فوجب جعل الثلاث مفرقا على الأطهار لتقع واحدة في كل طهر وأما تعليل المصنف بكون اللام للوقت فلا يستلزم الجواب لأن المعنى حينذئذ ثلاثا لوقت السنة وهذا يوجب تقييد الطلاق بإحدى جهتي سنة الطلاق وهو السني وقتا وحينئذ فمؤدان ثلاث في وقت السنة ويصدق بوقوعها جملة في طهر بلا جماع فإنه بهذا التقرير امتنع تعميم السنة في جهتيها بخلاف ما قررنا وأما لو صرفه عن هذا بنيته فأراد الثلاث فإنه يصح خلافا لزفر قال فإنه بدعة ضد السنة ولا يحتمله لفظه فلا تعمل لنيته فيه قلنا بل يحتمله لأنه سني وقوعا أي وقوعه بالسنة فتصح إرادته وتكون اللام للتعليل أي لأجل السنة التي أوجبت وقوع الثلاث بخلاف ما لو صرح بالأوقات فقال أنت طالق ثلاثا أوقات السنة حيث لا تصح فيه نية الجمع لعدم احتمال اللفظ والينة إنما تعمل مع لفظ محتمل واللام تحتمل الوقت والتعليل وهي في مثله للوقت أظهر منها للتعليل فيصرف إلى التعليل بالنية وإلى الوقت عند عدمها بخلاف لفظ أوقات وكذا إذا نوى أن يقع عند رأس كل شهر واحدة فهي على ما نوى سواء كانت عند رأس الشهر حائضا أو طاهرة لأن رأس الشهر إما أن يكون زمان حيضها أو طهرها فعلى الثاني هو سني وقوعا وإيقاعا وعلى الأول سنى وقوعا فنيته الثلاث عند رأس كل شهر مع العلم بأن رأس الشهر قد تكون حائضا فيه نية الأعم من السنة وقوعا وإيقاعا معا أو أحدهما قوله وإن كانت أي امرأته أي التي قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة آيسة أو من ذوات الأشهر التي هي فصول العدة عندهم فيتناول الحامل عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقعت للساعة الواحدة وبعد كل شهر أخرى لأن الشهر في حقها دليل الحاجة كالطهر في حق ذوات الأقراء على ما بينا من أن الشهر في حقها قائم مقام الحيض قوله وإن نوى أن تقع الساعة ثلاث وقعن عندنا خلافا لزفر لما قلنا من أنه سنى وقوعا فيصح منويا
____________________
(3/484)
ولقائل أن يقول ينبغي أن تقع الثلاث في الحال متتابعة لأن هذه يجوز أن يطلقها عقيب جماعه فكان كل وقت في حقها وقت طلاق السنة وما وجهتم به ذلك وهو أن الرغبة مستمرة ولو عقيب الجماع يوجب توالي الثلاث في الوقوع كما لو مسها بشهوة وقال أنت طالق ثلاثا للسنة على ما مر عن أبي حنيفة حيث تقع الثلاث متتالية لأن وقت كل وقع منها وقت السنة وإن اختلف الوجه وعلى هذا يجب أن لان ينحصر حل طلاقها ثلاثا بطلقات متفرق في أن يفرق بين كل تطليقتين بشهر بل غايته أن يكون أولى وينعطف بهذا البحث على ما تقدم أيضا قوله بخلاف ما إذا قال أنت طالق للسنة الخ إذا قال أنت طالق للسنة ولم يذكر ثلاثا وقعت واحدة في الحال إن كانت في طهر لم يجامعها فيه وإن كانت قد جامعها أو حائضا لم يقع شيء حتى تطهر فتقع واحدة لأن اللام فيه للاختصاص أي الطلاق المختص بالسنة ولو نوى ثلاثا مفرقا على الأطهار صح لأن المعنى في أوقات طلاق السنة ومن ضرورة وقوع الطلاق في كل وقت منها وهي متعددة تعدد الواقع فيصح ولو نوى ثلاثا جملة اختلف فيه فذهب المصنف وفخرالإسلام والصدر الشهيد وصاحب المختلفات إلى أنه لا يصح وإنما يقع به واحدة في الحال وذهب القاضي أبو زيد وشمس الأئمة وشيخ الإسلام إلى أنه يصح فتقع الثلاث جملة كما تقع مفرقة على الأطهار لأن السنة يحتمل معنى التعليل فيصح وقوعها كما إذا صرح بلفظ الثلاث وحققه بعضهم بأن التطليقة المختصة بالسنة مستحب وهو ما عرف وبدعي وكلاهما عرفا بالسنة وإن اقترن أحدهما بالنهي فأيهما نواه صح فإن نوى البدعى صح لأنه محتمل كلامه ومحتار المصنف أوجه لأن مع نية الجملة لا تكون اللام للوقت مفيدة للعموم وما وقع الثلاث إلا عن ضرورة تعميمها بالوقوع لأن مجرد طالق لا تصح فيه نية الثلاث على ما سيأتي إن شاء الله تعالى فإذا فقد تعميم الأوقات لم يبق ما يصلح لإيقاع الثلاث فلا تعمل نية جملتها وقولهم المختص بالسنة مستحب وبدعى فإيهما نواه صح إن أرادوا أنه إذا نوى الطلاق العام الذي هو أحد القسمين صح منعناه لأن طالقا لا يراد به الثلاث أصلا بلا خلاف في المذهب على ما سيأتي لعدم احتماله إياه فلا يراد به وإن أرادوا أنه إذا نوى فردا من الطلاق البدعى أو المستحب صح فمسلم ولا يفيد وقوع الكل وليس ثم موجب آخر لغرض أن اللام ليست لعموم الوقت ليس غير وأورد عليه بعض الشارحين منع أن تعميم الأوقات يستلزم تعميم الواقع للاتفاق على أنه إذا قال أنت طالق كل يوم ولا نية له لا يقع الثلاث لما سيعرف من أنها بطلاق واحد تكون طالقا كل يوم وكذا بطلاق في وقت من أوقات السنة تصير به طالقا في جميع أوقاتها المستقبلة وهذا غير مطابق للمتنازع فيه لأن الكلام فيما إذا نوى بقوله أنت طالق للسنة تعميم أوقات السنة بالوقوع لا فيما إذا لم تكن له نية وقد ذكرنا
____________________
(3/485)
أنه إذا لم تكن نية تقع واحدة وكذلك طالق كل يوم تقع به واحدة بلا نية ولو نوى فيه تجدد الواقع في الأيام عملت نيته فيقع الثلاث في ثلاثة أيام نعم هذا يصلح إشكالا على صحة وقوع الثلاث مفرقا على الأطهار في هذه المسئلة ومفرقا على الأيام في المسئلة الموردة بناء على ما ذكرنا من أن طالقا لا يقبل التعميم وللسنة على ما قرر المصنف لوقتها فيفيد تعميميم الوقت لكن تعميمه لا يستلزم تعميم الواقع في العدد بل انسحاب حكم طلقة واحدة يوجب انها طالق في جميع أوقات السنة المستقبلة وفي كل الأيام فلم يوجب تعميم طالق في عدد الطلاق ولا يحتمله فلا يحتمل حينئذ التعميم فلا تصح نيته وسنذكر ما ذكر من وجه تصحيحه في فصل إضافة الطلاق إن شاء الله تعالى
فروع ألفاظ طلاق السنة على ما روى بشر عن أبي يوسف للسنة وفي السنة وعلى السنة وطلاق السنة والعدة وطلاق عدة وطلاق العدل وطلاقا عدلا وطلاق الدين والإسلام وأحسن الطلاق وأجمله أو طلاق الحق أو القرآن أو الكتاب كل هذه تحمل على أوقات السنة بلا نية لأن كل ذلك لا يكون إلا في المأمور به ولو قال طالق في كتاب الله أو بكتاب الله أو معه فإن نوى طلاق السنة وقع في أوقاتها وإلا وقع في الحال لأن الكتاب يدل على الوقوع للسنة والبدعة فيحتاج إلى النية ولو قال على الكتاب أو به أو على قول القضاة أو الفقهاء أو طلاق القضاة أو الفقهاء فإن نوى السنة دين وفي القضاء يقع في الحال لأن قول القضاء والفقهاء يقتضي كلام الأمرين فإذا خصص دين ولا يسمع في القضاء لأنه غير ظاهر ولو قال عدلية أو سنية وقع عند أبي يوسف للسنة ولو قال حسنة أو جميلة وقع في الحال وقال محمد في الجامع الكبير وقع في الحال في كليهما لأن هذه الصفات جاز أن توصف بها المرأة فلا تجعل للطلاق حتى يتأخر فيقع في الحال واعتبر أبو يوسف الغالب وباقي هذا الفصل تشبيه الطلاق ولو قال طالق للبدعة أو طلاق البدعة ونوى الثلاث في الحال يقع لأنها محتمل كلامه
____________________
(3/486)
وكذا الواحدة في الحيض والطهر الذي فيه جماع وإن لم تكن له نية فإن كان في طهر فيه جماع أو في حالة الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته وإن كانت في طهر لاجماع فيه لا يقع للحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر فصل
قوله ولا يقع طلاق الصبي وإن كان يعقل والمجنون والنائم والمعتوه كالمجنون قيل هو القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون وقيل العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرا والمجنون ضده والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء وهذا يؤدى إلى أن لا يحكم بالعته على أحد والأول أولى وما قيل من يكون كل من الأمرين منه غالبا معناه يكثر منه وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانا والمبرسم والمغمى عليه والمدهوش كذلك وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون والذي في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله وضعفه وروى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يجوز طلاق الصبي والمجنون وروى أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه وعلقه البخاري أيضا عن علي رضي الله عنه والمراد بالجواز هنا النفاذ وروى البخاري أيضا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال ليس لمجنون ولا لسكران طلاق لكن معلوم من كليات الشريعة أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية التصرف وأدرناها بالعقل والبلوغ خصوصا ما هو دائر بين الضرر والنفع خصوصا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك الأمر ولم يكف عقل الصبي العاقل لأنه لم يبلغ الاعتدال بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو الإيمان حتى صح من الصبي العاقل ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر لأن المدار صار البلوغ
____________________
(3/487)
لانضباطه فتعلق به الحكم وكون البعض له ذلك لا يبني الفقه باعتباره لأنه إنما يتعلق بالمظان الكلية وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه وعن ابن عمر رضي الله عنهما جواز طلاق الصبي ومواده العاقل ومثله عن الإمام أحمد والله أعلم بصحة هذه النقول قوله وطلاق المكره واقع وبه قال الشعبي والنخعي والثوري خلافا للشافعي وبقوله قال مالك وأحمد فيما إذا كان الإكراه بغير حق لا يصح طلاقه ولا خلعه وهو مروي عن علي وابن عمر وشريح وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولأن الإكراه لا يجامع الاختيار الذي به يعتبر التصرف الشرعي بخلاف الهازل لأنه مختار في التكلم الطلاق غير راض بحكمه فيقع طلاقه قلنا وكذلك المكره مختار في التكلم اختيارا كاملا في السبب إلا أنه غير راض بالحكم لأنه عرف الشرين فأختار أهونهما عليه غير أنه محمول على اختياره ذلك ولا تأثير لهذا في نفي الحكم يدل عليه حديث حذيفة وأبيه حين حلفهما المشركون فقال لهما صلى الله عليه وسلم نفى لهم بعهدهم نستعين الله عليهم فبين أن اليمين طوعا وكرها سواء فعلم أن لا تأثير للإكراه في نفي الحكم المتعلق بمجرد اللفظ عن اختيار بخلاف البيع لأن حكمه يتعلق باللفظ وما يقوم مقامه مع الرضا وهو منتف بالإكراه وحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه من باب المقتضى ولا عموم له
____________________
(3/488)
ولا يجوز تقدير الحكم الذي يعم أحكام الدنيا وأحكام الآخرة بل إما حكم الدنيا وإما حكم الآخرة والإجماع على أن حكم الآخرة وهو المؤاخذة مراد فلا يراد الآخر معه وإلا عمم وروى محمد بإسناده عن صفوان بن عمرو الطائي أن امرأة كنات تبغض زوجها مجودته نائما فأخذت شفرة وجلست على صدره ثم حركته وقالت لتطلقني ثلاثا وإلا ذبحتك فناشدها الله فأبت فطلقها ثلاثا ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا قيلولة في الطلاق ورورى أيضا عن عمر رضي الله عنه أنه قال أربع مبهمات مقفلات ليس فيهن رد النكاح والطلاق والعتاق والصدقة وأما الوجه القائل إن الإكراه لا يزيل الخطاب فيما أكره فيه حتى يباح مرة ويفترض ويحرم أخرى فليس الكلام في حل الإقدام وحرمته بل في ترتب حكم ما حل أو وجب الإقدام عليه إذا كان تلفظا ولا يلزم من حل التلفظ دفعا للضرر عن نفسه ترتب حكمه إذا كان مما يضره فالوجه ما تقدم وجميع ما يثبت مع الإكراه أحكامه عشرة تصرفات النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء والفئ والظهار والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر وجمعتها ليسهل حفظها في قولي ** يصح مع الإكراه عتق ورجعة ** ** نكاح وإيلاء طلاق مفارقي ** ** وفئ ظهار واليمين ونذره ** ** وعفو لقتل شاب عنه مفارق **
وهذا في الإكراه على غير الإسلام وإلا فبالإكراه على الإسلام تتم أحد عشر لأن الإسلام يصح معه قوله وطلاق السكران واقع وكذا عتاقه وخلعه وهو من لا يعرف الرجل من المرأة ولا السماء من الأرض ولو كان معه من العقل ما يقوم به التكليف فهو كالصاحي وما في بعض نسخ المختصر من قوله يقع الطلاق إذا قال نويت به الطلاق يعني المكره والسكران فليس مذهبا لأصحابنا لأنه إذا قال نويت به أو ذكر كناية من الكنايات
____________________
(3/489)
مثل أنت حرة فيجب أن يصدق فيقع بالإجماع وفي شرح بكر السكر الذي يصح به التصرفات أن يصير بحال بحيث يحسن ما يستقبحه الناس أو يستقبح ما يستحسنه الناس لكنه يعرف الرجل من المرأة وفي المسئلة خلاف عال بين التابعين ومن بعدهم فقال بوقوعه من التابعين سعيد بن المسيب وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين ومجاهد وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي في الأصح وأحمد في رواية وقال بعدم وقوعه القاسم بن محمد وطاوس وربيعة بن عبد الرحمن والليث وإسحاق بن راهوية وأبو ثور وزفر وقد ذكرناه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو مختار الكرخي والطحاوي ومحمد بن سلمة من مشايخنا ووجهه أن أقل ما يصح التصرف معه وإن كان حكمه مما يتعلق بمجرد لفظه القصد الصحيح أو مظنته وليس له ذلك وهو أسوأ حالا من النائم لأنه إذا أوقظ يستيقظ بخلاف السكران وصار كزواله بالبنج والدواء وهو الأفيون وكون زوال عقله بسبب هو معصية لا أثر له وإلا صحت ردته ولا تصح قلنا لما خاطبه الشرع في حال سكره بالأمر والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدا عليه في الأحكام الفرعية وعقلنا أن ذلك يناسب كونه تسبب في زوال عقله بسبب محظور وهو مختار فيه فأدرنا عليه واعتبرنا أقواله وعلى هذا اتفق فتاوي مشايخ المذهبين من الشافعي والحنفية بوقوع طلاق من غاب عقله بأكل الحشيش وهو المسمى بورق القنب لفتواهم بحرمته بعد أن اختلفوا فيها فأفتى المزني بحرمتها وأفتى أسد بن عمرو بحلها لأن المتقدمين لم يتكلموا فيها شيئ لعدم ظهور شأنها فيهم فلما ظهر من أمرها من الفساد كثيرا وفشا عاد مشايخ
____________________
(3/490)
المذهبين إلى تحريمها وأفتوا بوقوع الطلاق ممن زال عقله بها وهذا الوجه من الجانبين يفيد أن الخلاف في صحة تصرفات السكران بالمعنى الأول وهو من لا عقل له يميز به الرجل من المرأة إلى آخره وبه يبطل قول من ادعى ان الخلاف إنما هو فيه بمعنى عكس الاستحسان والاستقباح مع تميزه الرجل من المرأة والعجب ما صرح به في بعض العبارات من أن معه من العقل ما يقوم به التكليف إذ لا شك أن على هذا التقدير لا يتجه لأحد أن يقول لا يصح تصرفاته أما ذلك الخطاب فقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } لأنه إن كان خطابا له حال سكره فنص وإن كان قبل سكره يستلزم ان يكون مخاطبا في حال سكره إذ لا يقال إذا جننت فلا تفعل كذا وبدلالات النصوص والإجماع فإنه لما ألحق بالصاحي فيما لا يثبت مع الشبهة وهو الحدود والقصاص حتى حد وقتل وإذا قذف وقتل فلأن يلحق به فيما يثبت مع الشبهة كالطلاق والعتاق أولى وإنما لم يعتبر إقراره بما يوجب الحد لأن حاله وهو كونه لا يثبت على شيء يوجبه راجعا عما أقر به عقيبه وعدم صحة ردته لأن صريح النص ما اعتبر عقله باقيا إلا فيما هو من فروع الدين فول أثبتناه في أصل الدين كان بالقياس ولا يلزم من التشديد عليه فيها لايوجوب إكفاره التشديد فيهما يوجبه ولأن الإكفار والحالة هذه إنما يكون إحتياطا ولا يحتاط في الإكفار بل يحتاط في عدمه ولأن ركنها الاعتقاد وهو منتف لا يقال يلزم عدم إكفار الهازل لأنه أيضا لا يعتقد ما قاله من الكفر هزلا والواقع إكفاره لأنا نقول إكفاره بالاستخفاف بالدين والاستخفاف الدين كفر وهو منتف في السكران لأن زائل العقل لا يوصف بأنه مستخف بشيء وفي جمل الفقه لأن إبقاء عقله للزجر والحاجة إلى الزجر فيما يغلب وجوده والردة لا يغلب وجودها ولأن جهة زوال العقل تقتضي بقاء الإسلام وجهة بقائه زواله فترجح جهة البقاء لأن الإسلام يعلو ولا يعلى وعدم الوقوع بالبنج والأفيون لعدم المعصية فإنه يكون للتداوي غالبا فلا يكون زوال العقل بسبب هو معصية حتى لو لم يكن للتداوي بل للهو وإدخال الآفة قصدا ينبغي أن نقول يقع فإن عبد العزيز الترمذي قال سألت أبا حنيفة وسفيان عن رجل شرب البنج فارتفع إلى رأسه فطلق امرأته قالا إن كان حين شرب يعلم أنه ما هو تطلق امرأته وإن لم يعلم لم تطلق ومعلوم أن الضرورة مبيحة فكان محمل هذا ما قلنا وعن ذلك قلنا إذا شرب الخمر فصدع فزال عقله بالصداق فطلق لا يقع والحكم لا يضاف إلى علة العلة كالشرب إلا عند عدم صلاحية العلة أعني الصداع للقطع بأن أثرها لا يصل إلى المعلول الأخير ولو تنزلنا فالشرب ليس موضوعا للصداع بل يثبت الصداع اتفاقا عند استعداد الطبيعة له في ذلك الوقت فصار الشرب الذي وجد عنه الصداع الذي عنه زوال العقل كسفر المعصية لما لم يكن موضوعا للمعصية لم يوجب التشديد بل يمنع الترخص فلم يضف زوال العقل إليه ليثبت التشديد بخلاف الشرب الذي لم يحدث عنه صداع مزيل للعقل بل زال به حيث تعلق به التشديد لإضافة زوال العقل إليه وهو المعصية وعلى هذا لو شربها مكرها أو لإساغة لقمة ثم سكر لا يقع عند الأئمة الثلاثة وبه قال بعض مشايخنا وفخرالإسلام وكثير منهم على أنه يقع لأن عقله زال عند كمال التلذذ وعند ذلك لم يبق مكرها والأول أحسن لأن موجب الوقوع عند زوال العقل ليس إلا التسبب في زواله بسبب محظور وهو منتف والحاصل أن السكر بسبب مباح كمن أكره على شرب الخمر والأشربة الأربعة المحرمة أو اضطر لايقع طلاقه وعتاقه ومن سكر منها مختارا
____________________
(3/491)
اعتبرت عباراته وأما من شرب من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل فسكر وطلق لا يقع عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد ويفتى بقول محمد لأن السكر من كل شراب محرم قوله وطلاق الأخرس واقع بالإشارة لأنها صارت مفهومة فكانت كالعبارة في الدلالة استحسانا فيصح بها نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه سواء قدر على الكتابة أو لا وهذا استحسان بالضرورة فإنه لو لم يعتبر منه ذلك أدى إلى موته جوعا وعطشا وعريا ثم رأينا أن الشرع اعتبرها منه في العبادات ألا ترى أنه إذا حرك لسانه بالقراءة والتكبير كان صحيحا معتبرا فكذا في المعاملات وقال بعض الشافعية إن كان يحسن الكتابة لا يقع طلاقه بالإشارة لاندفاع الضرورة بما هو أدل على المراد من الإشارة وهو قول حسن وبه قال بعض مشايخنا ولا يخفى أن المراد من الإشارة التي يقع بها طلاقه الإشارة المقرونة بتصويت منه لأن العادة منه ذلك فكانت الإشارة بيانا لما أجمله الأخرس ويتصل بما ذكرنا كتابة الطلاق والأخرس فيها كالصحيح فإذا طلق لأخرس امرأته بالكتابة وهو يكتب جاز عليه من ذلك ما يجوز على الصحيح لأنه عاجز عن الكلام قادر على الكتاب فهو والصحيح في الكتاب سواء وسنفصله إن شاء الله تعالى موصولا بكنايات الطلاق قوله وطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا وقال الشافعي عدد الطلاق معتبر بالرجال والعدة بالنساء فإن كان الزوج عبدا وهي حرة حرمت علية بتطليقتين وإن كان حرا وهي أمة لا تحرم عليه إلا بثلاث ونقل أن الشافعي لما قال عيسى بن أبان له أيها الفقيه إذا ملك الحر على امرأته الأمة ثلاثا كيف يطلقها للسنة قال يوقع عليها واحدة فإذا حاضت وطهرت أوقع أخرى فلما أراد أن يقول فإذا حاضت وطهرت قال له حسبك قد انقضت عدتها فلما تحير رجع فقال ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة وبقول الشافعي قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وبقولنا قال الثوري وهو مذهب علي وابن مسععود رضي الله عنهما له ما روى عنه صلى الله عليه وسلم الطلاق بالرجال والعدة بالنساء قابل بينهما واعتبار العدة بالنساء من حيث العدد فكذا ما قوبل به تحقيقا للمقابلة فإنه حينئذ أنسب من أن يراد به الإيقاع بالرجال ولأنه معلوم من قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } وفي موطإ مالك أن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(3/492)
أو عبدا لها كان تحته امرأة حرة فطلقها ثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان فيسأله عن ذلك فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا حرمت عليك حرمت عليك ولنا قوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن عائشة ترفعه وهو الراجح الثابت بخلاف ما رواه وما مهد من معنى المقابلة لأنه فرع صحة الحديث أو حسنه ولا وجد له حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق يعرف وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي موقوف على ابن عباس وقيل من كلام زيد بن ثابت وحديث الموطإ موقوف عليه وعلي عثمان وهو لايرى تقليد الصحابي والإلزام إنما يكون بعد الاستدلال لأن حقيقته نقض مذهب الخصم بما لا يعتقده الملزم صحيحا ولا يكون نقض مذهب خصمه فقط يوجب صحة مذهب نفسه إلا بطريق عدم القائل بالفصل وهذا لا يكون إلا إذا كان ما نقض به مما يعتقده صحيحا وهو منتف لمنده في مذهب الصحابي فهو في مذهبه وفي معتقده غير منقوض فلم يثبت لمذهبه دليل يقاوم ما روينا فإن قلت قد ضعف أيضا ما رويتم بأنه من رواية مظاهر ولم يعرف له سوى هذا الحديث قلنا أولا تضعيف بعضهم ليس كعدمه بالكلية كما هو فيما رويتم وثانيا بأن ذلك التضعيف ضعيف فإن ابن عدي أخرج له حديثا آخر عن المقبري عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة من آخر آل عمران وكذا رواه الطبراني ثم منهم من ضعفه عن أبي عاصم النبيل فقط ومنهم من نقل عن ابن معين وأبي حاتم والبخاري تضعيفه لكن قد وثقه ابن حبان وأخرج الحاكم حديثه هذا عنه عن القاسم عن ابن عباس قال ومظاهر شيخ من أهل البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح فإذن إن لم يكن الحديث صحيحا كان حسنا ومما يصحح الحديث أيضا عمل العلماء على وفقه وقال الترمذي عقيب روايته حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم وفي الدارقطني قال القاسم وسالم عمل به المسلمون وقال مالك شهرة الحديث بالمدينة تغني عن صحة سنده
____________________
(3/493)
انتهى والله أعلم قوله ولأن حل المحلية نعمة تزيد بزيادته ولذا اتسع حله صلى الله عليه وسلم عند زيادة فضله وللرق أثر في تنصيف النعمة في الشرع كما عرف إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدتان يعني يلزم لتنصيف النعمة أن يتزوجها مرة ونصفا عقيب طلاقه إياها لكن العقدة لاتتجزأ فكملت كالطلقة والحيضة في حقها ثم لو تم أمر ما رواه كان المراد به أن قيام الطلاق بالرجال لأنه لو كان احتمالا للفظ مساويا لتأيد بما رويناه فكيف وهو المتبادر إلى الفهم من ذلك اللفظ كما هو في قولهم الملك بالرجال قوله وإذا تزوج العبد امرأة وقع عليها طلاقه ولا يقع طلاق مولاه على امرأته لأن ملك النكاح يثبت للعبد لأن ملكه من خصائص الآدمية وهو فيها مبقي على أصل الحرية إلا أنه يحتاج في ابتداء تملكه إياه إلى إذن المولى لأنه لم يشرع بلا مال في حق الابتداء والبقاء في حق النفقة وتعلق الدين بالعبد يقع متعلقا برقبته بحيث تؤخذ هي فيه وفي ذلك ضرر بالمولى فيتوقف على رضاه به والتزامه اياه فإذا التزمه حتى ثبت له الملك كان إليه دفعه لا إلى غيره وفي سنن ابن ماجه من طريق ابن لهيعة عن ابن عباس رضي الله عنهما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده من أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ورواه الدارقطني أيضا من غيرها والله أعلم
فرع الوكيل بالطلاق إذا لم يكن بمال لا ينعزل بطلاق الموكل سواء طلقها الموكل بائنا أو رجعيا فللوكيل ان يطلقها بعد ذلك ما دامت في العدة وإذا انقضت عدتها ينعزل حتى لو تزوجها الموكل بعد العدة لا يقع الطلاق الوكيل عليها بخلاف ما لو تزوجها قبل انقضاء العدة فيما إذا كان الطلاق بائنا فإنه لو طلقها الوكيل وقع عليها والله أعلم بالصواب
____________________
(3/494)
& باب إيقاع الطلاق
ما تقدم كان ذكر الطلاق نفسه و أقسامه الأولية السني والبدعى و إعطاء لبعض أحكام تلك الكليات وهذا الباب لبيان أحكام جزئيات لتلك الكليات فإن المورد فيه خصوص ألفاظ كأنت طالق و مطلقة و طلاق لإعطاء أحكامها هكذا أو مضافة إلى بعض المرأة و إعطاء حكم الكلي و تصويره قبل الجزئي منزل منزلة تفصيل يعقب إجمالا فظهر أن المراد باب بيان أحكام ما به الإيقاع والوقوع لا أنه أراد المعنى المصدري الذي لا تحقق له خارجا قوله فالصريح قوله أنت طالق الخ ظاهر الحمل يفيد أن لا صريح سوى ذلك وليس بمراد فسيذكر منه التطليق بالمصدر ولفظ الكنز كأنت طالق و مطلقة و طلقتك أحسن لإشعار الكاف بعدم الحصر و على هذا لا يصح ضبط الصريح بأنه ما اجتمع فيه ط ل ق بصيغة التفصيل لا الأفعال إلا أن يقال الوقوع بالمصدر لتأوله بطالق قوله فكان صريحا فان ما غلب استعماله في معنى بحيث يتبادر حقيقة أو مجازا صريح فإن لم يستعمل في غيره فأولى بالصراحة فلذا رتب الصراحة في هذه الألفاظ بقوله فكان صريحا على الاستعمال في معنى الطلاق دون غيره إلا أن في قوله في تعليل عدم افتقارها إلى النية لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال تدافعا لأن الموصوف
____________________
(4/3)
بالغلبة هنا هو ما وصفه بعدم الاستعمال في غيره والغلبة في مفهومها الاستعمال في الغير قليلا للتقابل بين الغلبة و الاختصاص و زاد الشافعية في الصريح لفظي التسريح والفراق لورودهما في القرآن للطلاق كثيرا قلنا المعتبر تعارفهما في العرف العام في الطلاق لا استعمالهما شرعا مرادا هو بهما قوله و أنه يعقب الرجعة ذكر للصريح حكمين كونه يعقب الرجعة و عدم احتياجه إلى نية أما الأول فمقيد بما إذا لم يعرض عارض تسمية مال أو ذكر وصف على ما سيأتي وقد يقال الصريح هو المقتصر عليه من ذلك فلا حاجة إلى القيد واستدل عليه بالنص وهو قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } بعد صريح طلاقه المفاد بقوله تعالى { والمطلقات يتربصن } فعلم أن الصريح يستعقبها للإجماع على أن المراد بالبعولة في الآية المطلقون صريحا حقيقة كان أو مجازا غير متوقف على إثبات كون المطلق رجعيا بعلا حقيقة فلا حاجة إلى إثباته في ذلك و أما قولهم سماه بعلا فعلم أن الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية ثم إيراد أن حقيقة الرد يدل على زوال الملك فلا يكون زوجا إلا مجازا وجعله حقيقة يتوقف على التجوز بلفظ الرد وليس هو بأولى من قلبه ثم الجواب عنه بمنع تصور كون الرد حقيقة بعد زوال الملك بل قد يقال أيضا بعد انعقاد سبب زواله معلقا بمتعلق الملك على معنى منع السبب من تأثير زوال الملك عنه كقولنا رد البائع المبيع في البيع الذي فيه خيار شرط للبائع فإن معناه رد المبيع عن أن يخرج عن ملكه عند مضي المدة بفسخ السبب في الحال وذلك لأنه لم يخرج عن ملكه كما يقال متعلقا به بعد تأثير السبب كما في رد المشتري المبيع بالعيب يعنى إلى قديم الملك الزائل فإنما يحتاج إليه لإثبات بحث آخر على أن كونه في الأول حقيقة مما يمنعه الخصم ويدل عليه أيضا قوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإنه أعقبه الرجعة التي هي المراد بالإمساك وهو الأنسب بقول المصنف و أنه يعقب الرجعة بالنص وذلك لأن الإمساك استدامة القائم لا إعادة الزائل فدل على إبقاء النكاح بعد الرجعى وهو المطلوب الآخر و أما الثاني وهو كونه لا يفتقر إلى النية فنقل فيه إجماع الفقهاء إلا داود فانه لا يمنع أن يراد به الطلاق من غير قيد النكاح قلنا هذا احتمال يعزب إخطاره عند خطاب المرأة به عن النفس فلا عبرة به فصار اللفظ بمنزلة المعنى وحديث ابن عمر حيث أمره بالمراجعة ولم يسأله أنوي أم لا يدل على ذلك فإن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال كالعموم في المقال ولا يخفى أن قرائن إرادة الإيقاع قائمة فيما فعل ابن عمر من الاعتزال والترك لها حتى فهم ذلك منه ودلالة إطلاق قوله تعالى { الطلاق مرتان } ونحوه على اعتبار عدم النية أبعد ثم قولنا لا يتوقف على النية معناه إذا لم ينو شيئا أصلا يقع لا أنه يقع و إن نوى شيئا آخر لما ذكر أنه إذا نوى الطلاق عن وثاق صدق ديانة لا قضاء و كذا عن العمل في رواية كما سيذكر ولا بد من القصد بالخطاب بلفظ الطلاق عالما بمعناه أو النسبة إلى الغائبة كما يفيده فروع هو أنه لو كرر مسائل الطلاق بحضرة زوجته ويقول أنت طالق ولا ينوي طلاقا لا تطلق وفي متعلم يكتب ناقلا من كتاب رجل قال ثم وقف وكتب امرأتي طالق وكلما كتب قرن الكتابة بالتلفظ بقصد الحكاية لا يقع عليه
ولو قال لقوم تعلمت ذكرا بالفارسية فقولوه معي فقال رن من بسه طلاق فقالوه لم يحكم عليهم بالحرمة وكذا لو لم يعتقدوه ذكرا و اعتقدوه شيئا آخر كذا نقل من فتاوى المنصورى وما في الخلاصة لو لقنت المرأة زوجت نفسي من فلان بالعربية ولم تعرف معناه بحضرة الشهود وهم يعلمون معناه أو لا يعلمون صح النكاح كالطلاق
____________________
(4/4)
وقيل لا كالبيع يقتضي عدم الخلاف في الوقوع في مسئلة الذكر وفيها في الجنس الأول من مقدمة كتاب الطلاق طلاق الهازل وطلاق الرجل الذي أراد أن يتكلم فسبق لسانه بالطلاق واقع وفي النسفي قال أبو حنيفة لا يجوز الغلط في الطلاق وهو ما إذا أراد أن يقول اسق فسبق لسانه بالطلاق ولو كان بالعتاق يدين وقال أبو يوسف لا يجوز الغلط فيهما وفي الخلاصة أيضا قالت لزوجها اقرأ على اعتدى أنت طالق ثلاثا ففعل طلقت ثلاثا في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعلم الزوج ولم ينو وهذا يوافق ما في المنصورى ويخالف مقتضى ما ذكره آنفا من مسئلة التلقين بالعربية والذي يظهر من الشرع أن لا يقع بلا قصد لفظ الطلاق عند الله تعالى وقوله فيمن سبق لسانه واقع أي في القضاء وقد يشير إليه قوله ولو كان بالعتاق يدين بخلاف الهازل لأنه مكابر باللفظ فيستحق التغليظ وسيذكر في أنت طالق إذا نوى به الطلاق من الوثاق يدين فيما بينه وبين الله تعالى مع أنه أصرح صريح في الباب ثم لم يعارض ذلك قوله ولا يحتاج إلى النية لأن المعنى لا يحتاج إلى النية يعني اللفظ بعد القصد إلى اللفظ والحاصل أنه إذا قصد السبب عالما بأنه سبب رتب الشرع حكمه عليه أراده أو لم يرده إلا إن أراد ما يحتمله وأما أنه إذا لم يقصده أو لم يدر ما هو فيثبت الحكم عليه شرعا وهو غير راض بحكم اللفظ ولا باللفظ فمما ينبو عنه قواعد الشرع وقد قال تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وفسر بأمرين أن يحلف على أمر يظنه كما قال مع أنه قاصد للسبب عالم بحكمه فإلغاؤه لغلطه في ظن المحلوف عليه والآخر أن يجري على لسانه بلا قصد إلى اليمين كلا والله بلى والله فرفع حكمه الدنيوي من الكفارة لعدم قصده إليه فهذا تشريع لعباده أن لا يرتبوا الأحكام على الأسباب التي لم تقصد وكيف ولا فرق بينه وبين النائم عند العليم الخبير من حيث أنه لا قصد له إلى اللفظ ولا حكمه وإنما لا يصدقه غير العليم وهو القاضي وفي الحاوي معزوا إلى الجامع الأصغر أن أسدا سئل عمن أراد أن يقول زينب طالق فجرى على لسانه عمرة على أيهما يقع الطلاق فقال في القضاء تطلق التي سماها وفيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق واحدة منهما أما التي سماها فلأنه لم يردها و أما غيرها فلأنها لو طلقت طلقت بمجرد النية فهذا صريح وأما ما روى عنهما نصير من أن من أراد أن يتكلم فجرى على لسانه الطلاق يقع ديانة وقضاء فلا يعول عليه قوله وكذا إذا نوى الإبانة أي بالصريح يقع رجعيا وتلغو نيته
____________________
(4/5)
لأنه قصد باللفظ تنجيز ما علقه الشرع بإنقضاء العدة عند وجوده بقوله تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } والإجماع على ذلك فيرد عليه لأنه استعجل ما أخر الشرع كما رد ارث الوارث بالقتل لاستعجاله فيه قوله ولو نوى الطلاق أي بقوله أنت طالق عن وثاق لم يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر إلا أن يكون مكرها ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لأنه لا يحتمله لأن الطلاق لرفع القيد وهي ليست مقيدة بالعمل فلا يكون محتمل اللفظ وعن أبي حنيفة يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخلص فكأنه قال أنت متخلصة عن العمل ولو صرح فقال أنت طالق من هذا العمل صدق ديانة لا قضاء على الأول لأنه يظن أنه طلق ثم وصل
____________________
(4/6)
لفظ العمل استدراكا بخلاف ما لو وصل لفظ الوثاق حيث يصدق قضاء لأنه يستعمل فيه قليلا وكل مالا يدينه القاضي إذا سمعته منه المرأة أو شهد به عندها عدل لا يسعها أن تدينه لأنها كالقاضي لا تعرف منه إلا الظاهر قوله ولو قال أنت مطلقة بتسكين الطاء لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها أي لفظة مطلقة غير مستعملة فيه أي في الطلاق بالمعنى الشرعي عرفا بل في الانطلاق عن القيد الحسي فلم يكن صريحا فيه فيتوقف على النية
فروع لو قال لها يا مطلقة بالتشديد أو يا طالق وقع ولو قال أردت الشتم لم يصدق لأن النداء استحضار بالوصف الذي تضمنه اللفظ إذا كان يمكنه إثباته بذلك اللفظ بخلاف قوله يا ابني لعبده ولو كان لها زوج طلقها قبل فقال أردت ذلك الطلاق صدق ديانة باتفاق الروايات وقضاء في رواية أبي سليمان وهو حسن وينبغي على قياس ما في العتق لو سماها طالقا ثم ناداها به لا تطلق وقد روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عيينة عن خيثمة بن عبد الرحمن أن امرأة قالت لزوجها سمني فسماها الطيبة فقالت ما قلت شيئا فقال هات ما أسميك به فقالت سمني خلية طالق قال فأنت خلية طالق فجاءت إلى عمر فقالت له إن زوجي طلقني فجاء زوجها فقص القصة فأوجع عمر رأسها وقال له خذ بيدها وأوجع رأسها ولو قال طلقتك أمس وهو كاذب كان طلاقا في القضاء ولو قال فلانة طالق ولم ينسبها أو نسبها إلى أبيها أو أمها أو أختها أو ولدها و امرأته بذلك الاسم والنسب فقال عنيت أخرى أجنبية لا يصدق في القضاء بخلاف الإقرار لفلان بن فلان إذا ادعى ذلك من اسمه ونسبه ذلك لا يلزمه الإعطاء ويحلف ماله عليه هذا المال لا ما هو فلان بن فلان ولو قال هذه المرأة التي عنيت امرأتي وصدقته في ذلك وقع الطلاق عليها ولم يصدق في إبطال الطلاق عن المعروفة إلا أن يشهد الشهود على نكاحها قبل أن يتكلم بالطلاق أو على إقرارهما به قبل ذلك أو تصدقه المرأة المعروفة كذا في الكافي للحاكم ولو قال امرأتي فلانة بنت فلان طالق وسماها بغير اسمها لا تطلق امرأته إلا بالنية وعلى هذا لو حلف لدائنه فقال إن خرجت من البلدة قبل أن أقضيك حقك فامرأتي فلانة طالق واسم امرأته غيره لا تطلق إذا خرج قبله ولو قال لإحدى نسائه يا زينب فأجابته زوجته عمرة فقال أنت طالق طلقت المجيبة ولو قال أردت زينب طلقتا هذه بالإشارة وتلك بالإقرار هذا في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يقع على التي قصدها ذكره في البدائع ولو قال أنت زينب فقالت عمرة نعم فقال إذن أنت طالق لا تطلق ولو قال عليك الطلاق أو لك اعتبرت النية ولو قال قولي أنا طالق لا تطلق حتى تقولها
ولو كان له امرأتان اسمهما واحد ونكاح إحداهما فاسد فقال فلانة طالق وقال عنيت التي نكاحها فاسد لا يصدق في القضاء وكذا لو قال إحداكما أو إحدى امرأتي طالق ويقع أيضا بالتهجي كأنت ط ا ل ق وكذا لو لو قيل له طلقتها فقال ن ع م إذا نوى صرح بقيد النية في البدائع ولا يقع بأطلقك إلا إذا غلب في الحال ولو قالت أنت طالق فقال نعم طلقت ولو قال له في جواب طلقني لا تطلق و إن نوى ولو قيل له ألست طلقتها فقال بلى طلقت أو نعم لا تطلق والذي ينبغي عدم الفرق فان أهل العرف لا يفرقون بل يفهمون منهما إيجاب المنفى ولو قال خذي طلاقك فقالت أخذت اختلف في اشتراط النية وصحح الوقوع بلا اشتراطها ويقع بطلقك الله أطلقها في النوازل مرة ثم أعادها وشرح النية وهو الحق وأما المصحف فهو خمسة ألفاظ تلاق و تلاغ
____________________
(4/7)
و طلاغ وطلاك وتلاك ويقع به في القضاء ولا يصدق إلا إذا أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا أطلق فأقول هذا ويصدق ديانة وكان ابن الفضل يفرق أولا بين العالم والجاهل وهو قول الحلواني ثم رجع إلى هذا وعليه الفتوى ولو قال نساء أهل الدنيا أو الري طوالق وهو من أهل الري لا تطلق امرأته إلا إن نواها رواه هشام عن أبي يوسف وعليه الفتوى وعن محمد روايتان ولا فرق بين ذكر لفظ جميع وعدمه في الأصح وفي نساء أهل السكة أو الدار وهو من أهلها ونساء هذا البيت وهي فيه تطلق ونساء أهل القرية منهم من ألحقها بالدار ومنهم من ألحقها بالمصر ولو قال طلاقك علي لا يقع ولو زاد فرض أو واجب أو لازم أو ثابت قيل تطلق رجعية نوى أولا وقيل لا يقع وان نوى وقيل في قول أبي حنيفة يقع وفي قولهما لا يقع في واجب ويقع في لازم وقيل بل في قول أبي يوسف يرجع في ذلك كله إلى نيته وقيل يقع في واجب للتعارف به وفي الثلاثة لا يقع وان نوى لعدم التعارف وفي الفتاوى الكبرى للخاصي المختار أنه يقع في الكل لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه وحكمه لا يجب ولا يثبت الا بعد الوقوع وفرق بينه وبين العتاق وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه وفيما بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع وإلا لا فانه قد يقال هذا الأمر علي واجب بمعني ينبغي أن أفعله لا أني فعلته فكأنه قال ينبغي أن أطلقك وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع فيجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل ولو قال طال بلا قاف يقع قيل لأنه ترخيم وهو غلط إذ الترخيم اختيارا في النداء وفي غيره إنما يقع اضطرارا في الشعر ولو قال أنت بثلاث وقعت ثلاث إن نوى لأنه نوى ما يحتمله لفظه ولو قال لم أنو لا يصدق إذا كان في حال مذاكرة الطلاق لأنه لا يحتمل الرد وإلا صدق ومثله بالفارسية توبسه على ما هو المختار للفتوى خلافا للصفار ولو قال أنت أطلق من فلانة وفلانة مطلقة أو غير مطلقة فان عنى به الطلاق وقع وإلا فلا لأنه نوى ما يحتمله لفظه و المعنى عند عدم كونها مطلقة لأجل فلانة لأن أفعل التفضيل ليس صريحا وهذا بخلاف ما إذا قالت له مثلا فلان طلق زوجته فقال لها ذلك فإنه يقع وان لم ينو وكذا لو قال أنت أزني من فلانة لا يحد لأنه ليس صريحا في القذف وعن محمد فبمن قال لامرأته كوني طالقا أو اطلقي يقع لأن قوله كوني ليس أمرا حقيقة لعدم تصور كونها طالقا منها بل عبارة عن إثبات كونها طالقا كقوله تعالى { كن فيكون } ليس أمرا بل كناية عن التكوين وكينونتها طالقا يقتضي إيقاعا قبل فيتضمن إيقاعا سابقا وكذا قوله اطلقي ومثله قوله للأمة كوني حرة قوله ولا يقع به أي بالصريح المقيد بالألفاظ المتقدمة أنت طالق مطلقة طلقتك لا تطلق إلا واحدة وإن نوى أكثر من ذلك لا الصريح مطلقا لأن منه المصدر و به يقع الثلاث بالنية وقال الشافعي يقع ما نوى وهو قول الأئمة الثلاثة
____________________
(4/8)
وزفر وقول أبي حنيفة الأول ثم رجع عنه وجه قول الجمهور أنه نوى محتمل لفظه فان ذكر الطالق ذكر الطلاق لأن الوصف كالفعل جزء مفهومه المصدر وهو يحتمله اتفاقا ولهذا أي ولأن ذكره ذكر الطلاق المحتمل للقليل والكثير صح قران العدد به تفسيرا حتى ينصب على التمييز وحاصل التمييز ليس إلا تعيين أحد محتملات للفظ ويدل عليه حديث ركانة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال طلقت امرأتي البتة قال صلى الله عليه وسلم والله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة فردها النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا إذا صح نية الثلاث بقوله أنت بائن وهو كناية ففي الصريح الأقوى أولى قوله ولنا أنه نعت فرد قيل غير مستقيم لأن الكلام ليس في المرأة الموصوفة أنها تحتمل العدد على ما يعطيه ظاهر كلامه من قوله حتى قيل للمثنى طالقان والثلاث طوالق بل في المعنى المصدري الذي تضمنه ووحدته لا تمنع احتمال العدد بجنسيته وتحرير التقرير أن أنت طالق إذا أريد من قيد النكاح كان معناه لغة وصفها بانطلاقها من قيد النكاح وهي مقيدة به فصدقه متوقف على التطليق والمتيقن أن الشارع اعتبره مطلقا عند هذا الكلام فإما أن يكون أثبته اقتضاء تصحيحا لإخباره فلا يتجاوز الواحدة إذ الضرورة تندفع بها والمقتضي لا عموم له لذلك أو نقله من الإخبار إلى الإنشاء وهو خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بموجب نقل وهو منتف لأن جعله موقعا لا يستلزم نقله لأن بإثباته اقتضاء يحصل المقصود ويعترض بالقطع بتخلف لازم الإخبار إذ لا يفهم من أنت طالق قط احتمال الصدق و الكذب فلزم تحقق النقل وبه يندفع ما قيل إنه إخبار من وجه إنشاء من وجه بل هو إنشاء من كل وجه لما قلنا ويمكن أن يقال بعد التسليم المعلوم من الشرع جعله موقعا واحدة فعلم أنه إنما نقله إلى إنشاء إيقاع الواحدة فجعله موقعا به ما شاء استعمال في غير المنقول إليه إلا أن ينقل أن الشارع نقله لما هو أعم و ليس فلا يراد به وملاحظة ما يصح أن يراد بالمصدر كما ذكرتم إنما يتفرع عن إرادة الاستعمال اللغوي ونقله إلى الإنشاء يباينه لأنه يجعل اللفظ علة لدخول المعنى الخاص في الوجود المخالف لمقتضاه لغة على أن المصدر الذي يدل عليه اللفظ هو الانطلاق الذي هو وصفها وذلك لا يتعدد أصلا بل يختلف بالكيفية وبين ما يعقبه الرجعة شرعا وما لا لافى الكمية وحينئذ يتفق كلامهم هنا وفي البيع جعل المصنف بعت إنشاء حيث قال لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا فقد
____________________
(4/9)
جعلت للإنشاء شرعا دفعا للحاجة وبهذا يظهر عدم صحة إرادة الثلاث في مطلقة و طلقتك لأنه صار إنشاء في الواحدة غير ملاحظ فيه معنى اللغة وعلى هذا فالعدد نحو ثلاثا لا يكون صفة لمصدر الوصف بل لمصدر غيره أي طلاقا أي تطليقا ثلاثا كما ينصب في الفعل مصدر غيره مثل أنبتكم من الأرض نباتا أو يضمر له فعل على الخلاف فيه بخلاف طلقها وطلقي نفسك لأن المصدر المحتمل للكل مذكور لغة فصح إرادة منه لأنه لا نقل فيه إلى إيقاع واحدة هذا ونقض بطالق طلاقا فإنه يصح إرادة الثلاث مع أن المنتصب هو مصدر طالق ويدفع بأن طلاقا المصدر قد يراد به التطليق كالسلام بمعنى التسليم والبلاغ بمعنى التبليغ فصح أن يراد به الثلاث على إرادة التطليق به معمولا لفعل محذوف تقديره طالق لأني طلقتك تطليقا ثلاثا بقي أن يرد إرادة الثلاث بأنت الطلاق وهو صفة المرأة والجواب أنه إذا نوى الثلاث كان المعنى أنت وقع عليك التطليق فيصح نية الثلاث ونوقض بأنه لم لا يجوز في طالق عند إرادة الثلاث أن يراد أنت ذات وقع عليك التطليق وجاز في المصدر وقد يدفع بأنه لو أريد بالمصدر الذي في ضمن طالق ذلك كان يراد باسم الفعل اسم المفعول وهو منتف فإن قلت ظاهر ما ذكرت أنه لو صح أن يراد اسم المفعول صحت إرادة الثلاث والفرض أن صريح اسم المفعول كأنت مطلقة لا يقبل نية الثلاث فكيف بما يراد هو به فالجواب أن الذي لا يقبله هو اسم المفعول المنقول للإنشاء على ما التزمنا الجواب به والذي يراد بطالق ليس للإنشاء فتأمل ويدل على أنه لا يراد بطالق الثلاث حديث ابن عمر في الصحيحين أنه طلق امرأته في الحيض فلم يستفسره النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان مما تصح إرادة الثلاث منه لاستفسره يدل على الملازمة حديث ركانة بن عبد يزيد في سنن أبي داود أنه طلق امرأته سهينمة البتة فقال صلى الله عليه وسلم والله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة الحديث فظهر أنه لا يمضي حكم المحتمل حتى يستفسر عنه وثبت لنا مطلوب آخر وهو أن الكنايات عوامل بحقائقها لا أنها يراد بها الطلاق وإلا كان غير محتمل فلم يسأله كما لم يسأل ابن عمر ولكونها عوامل بحقائقها احتملت فسأله وإنما احتملت حقائقها أعني معنى البينونة التي تفيده البتة كلا من نوعيها الغليظة المرتبة على الثلاث والخفيفة المرتبة على ما دونها فصح أن يراد كل من النوعين غير أنه إذا لم يكن له نية ثبت الأخف للتيقن قوله ووقوع الطلاق باللفظة الثانية يعني طالق الطلاق وبالثالثة وهي طالق طلاقا وما في الكتاب ظاهر غير أن وقوع الثلاث بطالق طلاقا لم يكن إلا بالمصدر وبلغو طالق في حق الإيقاع كما إذا ذكر معه العدد فإن الواقع هو العدد وإلا يشكل فإنه حينئذ يقع به واحدة
____________________
(4/10)
ويقع بالمصدر ثنتان وهو باطل في الحرة لما عرف وهذا يقوي المروي عن أبي حنيفة أنه لا يقع به إلا واحدة وان نوى الثلاث ويجب كون طالق الطلاق مثله على هذه الرواية وان لم يذكر إلا في المنكر قوله وأما وقوعه باللفظة الأولى وهي الطلاق فلأن المصدر يذكر ويراد به الاسم يقال رجل عدل أي عادل فصار كقوله أنت طالق ويرد أنه إذا أريد به طالق يلزم أن لا تصح فيه نية الثلاث وسنذكر جوابه قوله ولا يحتاج فيه إلى النية أي في أنت الطلاق إلى نية لأنه صريح في غلبة الاستعمال و المنقول عن الشافعية أن التطليق بالمصدر بالكناية لأنه لم يغلب استعماله فيه وقول المصنف لغلبة الاستعمال لا يفيد لأن الذي غلب استعماله هو الوصف لا المصدر
قلنا المراد أن المصدر حيث استعمل كان إرادة طالق به هو الغالب فيكون صريحا في طالق الصريح فيثبت له حكم طالق لا يقال فيلزم في سائر الكنايات أنها صرائح لأنا نمنع أنها مستعملة في الطلاق بل في معانيها الحقيقية على ما سيتحقق ولذا أوقعنا بها البائن فإن قيل فكيف تقع الثلاث وقد أريد به طالق قلنا لأنه كما قلنا صريح في طالق ويحتمل أن يراد على حذف مضاف أي ذات طلاق وعلى هذا التقدير تصح إرادة الثلاث ولما كان محتملا توقف على النية وهذا أوجه إن شاء الله تعالى مما قيل انه وان أريد به طالق لم يخرج عن كونه مصدرا فيصح إرادة الثلاث به لأن الإرادة باللفظ ليست إلا باعتبار معناه لا ذاته التي هي هواء مضغوط فإذا فرض أن معناه الذي أريد به ليس إلا ما لا تصلح إرادته منه فكيف يراد به ذلك الذي لا يصح ويمكن أن يراد به أنها عين الطلاق ادعاء وتصح معه أيضا إرادة الثلاث وعليه قول الخنساء فإنما هي إقبال و ادبار يعني الناقة لا على أن المراد مقبلة و مدبرة كما ذكره كثير لفوات المعنى المقصود من المبالغة وهذا بخلاف نية الثنتين بالمصدر لا تصح خلافا لزفر والشافعي إلا أن تكون المرأة أمة لهما أن المصدر يحتمل القليل والكثير فالثنتان كالثلاث
قلنا نية الثلاث لم تصح بإعتبار أنها كثرة بل بإعتبار أنها فرد من حيث أنه تمام جنس واحد بخلاف الثنتين في الحرة لأنه عدد محض و ألفاظ الوحدان لا تحتمل العدد المحض بل يراعي فيها التوحيد وهو بالفردية الحقيقية أو الجنسية والمثنى بمعزل عنها وقد ذكر الطحاوي أنه لا يقع بالمصدر المجرد عن اللام إلا واحدة
____________________
(4/11)
وأما المحلى فيقع به الثلاث قال الجصاص هذه التفرقة لا يعرف لها وجه إلا على الرواية التي رويت عن أبي حنيفة في أنت طالق طلاقا أن تكون واحدة وان نوى ثلاثا لأن المصدر ذكر للتأكيد ونفي المجاز لا للإيقاع أما على الرواية المشهورة فلا فرق بين طلاق والطلاق وفي المغنى لإبن هشام نقلا عن بعض التواريخ أن الرشيد كتب إلى أبي يوسف ما قول القاضي الإمام فيمن قال لامرأته
** فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن ** وان تخرقي يا هند فالخرق أشأم ** ** فأنت طلاق والطلاق عزيمة ** ** ثلاث ومن يخرق أعق و أظلم **
فقال أبو يوسف هذه مسئلة نحوية فقهية لا آمن الغلط فيها فأتى الكسائي فسأله فأجاب عنها بما سنذكره وهو بعد كونه غلطا بعيد عن معرفة مقام الاجتهاد فإن من شرطه معرفة العربية وأساليبها لأن الاجتهاد يقع في الأدلة السمعية العربية والذي نقله أهل الثبت من هذه المسئلة عمن قرأ الفتوى حين وصلت خلاف هذا وأن المرسل بها الكسائي إلى محمد بن الحسن ولا دخل لأبي يوسف أصلا ولا للرشيد ولمقام أبي يوسف أجل من أن يحتاج في مثل هذا التركيب مع إمامته واجتهاده وبراعته في التصرفات من مقتضيات الألفاظ ففي المبسوط ذكر ابن سماعة أن الكسائي بعث إلى محمد بفتوى فدفعها إلي فقرأتها عليه فقال ما قول قاضي القضاة الإمام فيمن قال لامرأته
** فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ** ** وان تخرقي يا هند فالخرق أشأم ** ** فأنت طلاق والطلاق عزيمة ** ** ثلاث ومن يخرق أعق و أظلم **
فما يقع عليه فكتب في جوابه إن قال ثلاث مرفوعا يقع واحدة وان قال ثلاثا منصوبا يقع ثلاث لأنه إذا ذكره مرفوعا كان ابتداء حال فيبقى قوله أنت طلاق فيقع واحدة وإذا قال ثلاثا منصوبا على معنى البدل أو التفسير فيقع به ثلاث كأنه قال أنت طالق ثلاثا والطلاق عزيمة لأن الثلاث تفسير لما وقع فاستحسن الكسائي جوابه ثم قال الشيخ جمال الدين بن هشام بعد الجواب المذكور الصواب أن كلا من الرفع والنصب يحتمل وقوع الثلاث والواحدة أما الرفع فلأن أل في الطلاق إما لمجاز الجنس نحو زيد الرجل أي المعتد به وإما للعهد الذكرى أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث ولا يكون للجنس الحقيقي لئلا يلزم الإخبار بالخاص عن العام وهو ممتنع إذ ليس كل طلاق عزيمة ثلاث فعلى العهدية يقع الثلاث وعلى الجنسية واحدة وأما النصب فيحتمل كونه على المفعول المطلق فيقع الثلاث إذ المعنى حينئذ فأنت طالق ثلاثا ثم اعترض بينهما بالجملة وكونه حالا من الضمير في عزيمة فلا يلزم وقوع الثلاث لأن المعنى والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا فإنما يقع ما نواه هذا ما يقتضيه اللفظ وأما الذي أراده الشاعر فالثلاث لأنه قال بعده
** فبيني بها إن كنت غير رفيقة ** ** وما لامرئ بعد الثلاث مقدم ** انتهى
وتخرقي بضم الراء مضارع خرق بكسرها والخرق بالضم الاسم وهو ضد الرفق ولا يخفي أن الظاهر في النصب كونه على المفعول المطلق نيابة عن المصدر لقلة الفائدة في إرادة أن الطلاق عزيمة إن كان ثلاثا وأما الرفع فلامتناع الجنس الحقيقي كما ذكر بقي أن يراد مجاز الجنس فيقع واحدة أو العهد الذكرى وهو أظهر الاحتمالين فيقع الثلاث ولهذا ظهر من الشاعر أنه أراده كما أفاده البيت الأخير فجواب محمد بناء على ما هو الظاهر كما
____________________
(4/12)
يجب في مثله من حمل اللفظ على الظاهر و عدم الالتفات إلى الاحتمال قوله ولو قال أنت طالق الطلاق وقال أردت بقولي طالق واحدة وبقولي الطلاق أخرى يصدق تقدم أنه إذا أراد بطالق طلاقا أو الطلاق ثنتين لا يصح فأفاد هنا أنه لو أراد هما بالتوزيع صح ووجهه بقوله لأن كلا منهما صالح للإيقاع فكأنه قال أنت طالق وطلاق فتقع رجعيتان إذا كانت مدخولا بها وهذا منقول عن أبي يوسف والفقيه أبي جعفر ومنعه فخر الإسلام لأن طالقا نعت وطلاقا مصدره فلا يقع إلا واحدة وكذا في أنت طالق الطلاق ويؤيد أن طلاقا نصب ولا يدفع بعد صلاحية اللفظ لتعدده وصحة الإرادة به إلا بإهدار لزوم صحة الإعراب في الإيقاع من العالم والجاهل وظهر أن الأولى في التشبيه أن يقال فصار كقوله أنت طالق طلاق لا طالق و طلاق وإن صح الآخر من جهة المعنى قوله وإن أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع ومثل المضاف إلى الجملة بقوله أنت طالق والمضاف إلى ما يعبر به عن الجملة برقبتك طالق ولا يخفى أن الإضافة فيهما معا إلى ما يعبر به عن الجملة من لفظ أنت ورقبتك الخ والتحقيق أن ما يعبر به عن الجملة إما بالوضع أو بالتجوز وقوله لأن التاء ضمير المرأة هو أحد الأقوال في أنت أنه برمته ضمير أو التاء وأن عماد أو إن واللواحق حروف تدل على خصوص المراد قوله أو يقول رقبتك طالق أو عنقك أو روحك أو بدنك أو جسدك أو فرجك أو وجهك هذه أمثلة ما يعبر به عن كل الإنسان وذكر استعمالاتها فيها وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله الفروج على السروج فغريب جدا وأبعد الشيخ علاء الدين حيث استشهد بما أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوات الفروج أن يركبن السروج وضعفه وأين لفظ ذات الفرج
____________________
(4/13)
من كون لفظ الفرج يطلق على المرأة طلاقا للبعض على الكل قوله رأس القوم أي أكبرهم ويا وجه العرب يعني يا أوجههم وبه يندفع ما أورد أن الاستدلال به فاسد لأن معناه أن القوم كالجسد وفلان الرأس منه لا أن فلانا يعبر به عن القوم كلهم وكذا ما قيل معنى يا وجه العرب أنك في العرب بمنزلة الوجه لا أنه عبر به عن جملة العرب بالوجه وناداهم به ولا يتم استدلاله به على أن الوجه يعبر به عن الجملة إلا إذا كان المراد من قولهم يا وجه العرب يا أيها العرب أه
ومبني كلامه على إن التركيب استعارة بالكناية شبهت العرب بالجسم الواحد لتحامل بعضهم على بعض وتألم بعضهم بتألم بعض فأثبت له الوجه ولا يخفي أنه ليس بلازم لجواز كونه مجازا استعارة تحقيقية شبه الرجل بالرأس لشرفه على سائر الأعضاء لكونه مجمع الحواس وبالوجه لظهوره وشهرته فأطلق عليه رأس القوم ووجههم أي أشرفهم وقوله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه } { ويبقى وجه ربك } أي ذاته الكريمة وأعتق رأسا ورأسين من الرقيق أو إنا بخير مادام رأسك سالما يقال مرادا به الذات أيضا قوله ومن هذا القبيل الدم يعني في رواية تطلق ويراد به الكل وهي رواية كتاب الكفالة قال لو كفل بدمه يصح ورواية كتاب العتق لا تصح فإنه قال إذا قال دمك حر لا يعتق وفي الخلاصة صحح عدم الوقوع قوله وكذلك إن طلق جزءا شائعا يعني يقع عليها كنصفها وربعها وسدسها لأن الشائع محل التصرفات كالبيع وغيره كالإجارة قوله ولو قال يدك طالق أو رجلك وهذا يقابل معنى الأول أي الجزء المعين الذي يعبر به عن الجملة كرقبتك فإنه جزء معين لا يعبر به عن الجملة ومنه الأصبع والدبر لا يقع الطلاق بإضافته إليه خلافا لزفر والشافعي ومالك وأحمد ولا خلاف أن بالإضافة إلى الشعر والظفر والسن والريق والعرق والحمل لا يقع والعتاق والظهار والايلاء وكل سبب من أسباب الحرمة على هذا الخلاف فلو ظاهر أو آلى أو أعتق إصبعها لا يصح عندنا ويصح عندهم وكذا العفو عن القصاص وما كان من أسباب الحل كالنكاح لا تصح إضافته إلى الجزء المعين الذي لا يعبر به عن الكل بلا خلاف قوله لهما حاصله قياس مركب نتيجة الأول أنه أي الجزء المعين الذي لا يعبر به عن الجملة محل لحكم
____________________
(4/14)
النكاح فجعل صغرى ويضم إليها وما كان محلا لحكم النكاح يكون محلا للطلاق ينتج الجزء المعين الذي لا يعبر به عن الجملة محل للطلاق وبالقياس الفقهي جزء هو محل لحكم النكاح فيكون محلا للطلاق كالجزء الشائع وهذا على قول طائفة من الشافعية فانهم اختلفوا في كيفية وقوعه بالإضافة إلى الجزء المعين فقيل يقع عليه ثم يسرى كما في العتق قال الغزالي هو ظاهر المذهب في العتق لا في الطلاق وقيل يجعل الجزء معبرا به عن الكل فيقع باللفظ قالوا وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو قال إن دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت إن قلنا بالسراية لا يقع وان قلنا بالعبارة عن الكل يقع قوله ولنا الخ حاصله منع محليته للطلاق بمنع علية كونه محلا للحل لكونه محلا للطلاق بل محله ما فيه قيد النكاح والقيد وهو منعها من الفعل مع الغير وأمرها به معه أي تسليمها نفسها وعنه كان تخصيصها به هو حكم النكاح أو لا ثم يثبت الحل تبعا له حكما لهذا الحكم والطلاق ينبئ عن رفع القيد فيكون وضعه لرفع ذلك ويرتفع الحل تبعا لرفعه كما ثبت تبعا لثبوته وهذا القيد المعنوي ليس في اليد ولا في غيرها من أجزاء الهوية لأن المنع خطاب ولا يتعلق بالأجزاء الخارجية بل بمسمى العاقل المكلف ولهذا جاز النكاح وان لم يكن لها يد وحل الاستمتاع بالأجزاء المعينة تبع في ذلك بخلاف الجزء الشائع إذ لا وجود للمسمى بدونه فكان محلا للنكاح فكذا الطلاق ووقوعه بالإضافة إلى الرأس باعتبار كونه معبرا به عن الكل لا باعتبار نفسه مقتصرا ولذا نقول لو قال الزوج عنيت الرأس مقتصرا قال الحلواني لا يبعد أن يقال لا يقع لكن ينبغي أن يكون ذلك فيما بينه وبين الله تعالى أما في القضاء إذا كان التعبير به عن الكل عرفا مشتهرا لا يصدق ولو قال عنيت باليد صاحبها كما أراد عز قائلا في قوله عز قائلا ذلك بما قدمت يداك أي قدمت وعناه صلى الله عليه وسلم في قوله ( على اليد ما أخذت حتى ترد ) وتعارف قوم التعبير بها عن الكل وقع بالإضافة إليها لأن الطلاق مبني على العرف
____________________
(4/15)
ولذا لو طلق النبطي بالفارسية يقع ولو تكلم به العربي ولا يدريه لا يقع ولا مناقشة في هذا إنما الخلاف في أن ما يملك تبعا هل يكون محلا لإضافة الطلاق إليه على حقيقته دون صيرورته عبارة عن الكل فأما على مجازه في الكل لا إشكال أنه يقع يدا كان أو رجلا بعد كونه مستقيما لغة أو لغة قوم قوله واختلفوا في الظهر والبطن والأظهر أنه لا يصح لأنه لا يعبر بهما عن كل البدن وكذا لو قال ظهرك على أو بطنك علي كظهر أمي أي لا يكون مظاهرا وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ) الظهر مقحم فيه أما لو كان فيهما عرف في إرادة الكل بهما ينبغي أن يقع ولذا لا يقع بالإضافة إلى البضع وما في بعض النسخ لو قال بضعك طالق يقع قال شمس الأئمة الحلواني تصحيف إنما هو بعضك أو نصفك وفي الخلاصة استك طالق كفرجك طالق بخلاف الدبر قال شارح عندي فيه نظر لأن الاست بمعنى الدبر وليس بذاك لأن البضع بمعنى الفرج أيضا ويقع في الفرج دون البضع لجواز تعارف أحدهما في الكل دون الآخر والأوجه أن محل النظر كونه كفرجك طالق لما ذكرنا أن المدار تعارف التعبير به عن الكل وكون الفرج عبر به عن الكل لا يلزم كون الأست كذلك وهذا لأن حقيقة الأمر أن يقال يقع بالإضافة إلى اسم جزء يعبر به عن الكل فإن نفس الجزء لا يتصور التعبير به هذا وقد يقال على المصنف إن كان المعتبر في كون اللفظ يعبر به عن الكل شهرته فيجب أن لا يقع بالإضافة إلى الفرج أو وقوع استعماله من بعض أهل اللسان فيجب أن لا يذكر الخلاف في اليد لما ثبت من استعمالها في الكل في القران والحديث على ما ذكرناه وأيضا ظاهر الكلام أن المضاف إلى الجزء الشائع والمعبر به عن الكل صريح إذا لم يشترط في الوقوع به النية والصراحة بغلبة الاستعمال ومعلوم انتفاء الطلاق كذلك قوله وان طلقها نصف تطليقة أو ثلثها كانت تطليقة وكذا الجواب في كل جزء سماه كالثمن أو قال جزء من ألف جزء من تطليقة وقال نفاة القياس لا يقع به لأن بعض الشيء غيره والمشروع الطلاق لا غيره ولا يخفي أن المراد بغيره ما ليس إياه وإلا فالبعض عند المتكلمين ليس نفسا ولا غيرا والجواب أن الشرع ناظر إلى صون كلام العاقل وتصرفه ما أمكن ولذا اعتبر العفو عن بعض القصاص عفوا عنه فلما لم يكن للمذكور جزء كان كذكر كله تصحيحا كالعفو قوله ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثا لأن نصف التطليقتين تطليقة
____________________
(4/16)
فإذا جمع بين ثلاثة أنصاف يكون ثلاث تطليقات ضرورة وقيل ينبغي أن لا تقع الثالثة لأن في إيقاعها شكا لأن ثلاثة أنصاف تطليقتين يحتمل ما ذكر ويحتمل كونها طلقة ونصفا لأن الطلقتين إذا انتصفتا صارتا أربعة أنصاف فثلاثة منهما طلقة ونصف فتكمل طلقتين وهذا غلط من اشتباه قولنا نصفنا طلقتين ونصفنا كلا من طلقتين والثاني هو الموجب للأربعة الأنصاف وهو احتمال في ثلاثة أنصاف تطليقتين فيثبت في النية لا في القضاء لأن الظاهر هو أن نصف التطليقتين تطليقة لا نصفا تطليقتين قوله ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان لأنها طلقة ونصف فيتكامل وهذا هو المنقول عن محمد في الجامع الصغير واليه ذهب الناطقي والعتابي وعرف منه أنه لو قال نصف تطليقة يقع واحدة وقيل يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسه فتصير ثلاثا والثلاث كالجمع اختصارا للمتعاطفات فكأنه قال نصف تطليقة ونصف تطليقة ونصف تطليقه ولو قيل إن المعنى نصف تطليقة ونصفها الآخر ومثله بالضرورة إذ ليس للشيء إلا نصفان فيقع ثنتان اتجه لأن نصفها و نصفها أجزاء طلقة واحدة كقوله نصف طلقة وسدسها وثلثها حيث يقع واحدة لاتحاد مرجع الضمير بخلاف نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة حيث يقع ثلاث لأن النكرة إذا أعيدت نكرة فالثانية غير الأولى فأوقع من كل تطليقة جزءا ولو زاد أجزاء الواحدة مثل نصف طلقة وثلثها وربعها وقعت ثنتان للزوم كون
____________________
(4/17)
الجزء الأخير من أخرى وعلى هذا لو قيل يقع ثلاث إذا قال نصف طلقة وثلثاها وسبعة أثمانها لم يبعد إلا أن الأصح في اتحاد المرجع وان زادت أجزاء واحدة أن تقع واحدة لأنه أضاف الأجزاء إلى واحدة نص عليه في المبسوط والأول هو المختار عند جماعة من المشايخ ولو قال لأربع نسوة له بينكن تطليقة طلقت كل واحدة واحدة وكذا إذا قال بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أربع إلا إذا نوى أن كل تطليقة بينهن جميعا فيقع في التطليقتين على كل منهما تطليقتان وفي الثلاث ثلاث ولو قال بينكن خمس تطليقات ولا نية له طلقت كل تطليقتين وكذا ما زاد إلى ثمان فإن زاد على الثمان فقال تسع طلقت كل ثلاثا ولا يخفي الوجه وكذا لو قال أشركتكن في ثلاث تطليقات فلفظ بين ولفظ الإشراك سواء بخلاف ما لو طلق امرأتين له كل واحدة واحدة ثم قال ثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما يقع عليها تطليقتان لأنه شركها في كل تطليقة وفي آخر باب الطلاق من المبسوط لو قال فلانة طالق ثلاثا ثم قال أشركت فلانة معها في الطلاق وقع على الأخرى ثلاث بخلاف ما تقدم لأن هناك لم يسبق وقوع شيء فينقسم الثلاث بينهن نصفين قسمة واحدة وهذا قد أوقع الثلاث على الأولى فلا يمكنه أن يرفع شيئا مما أوقع عليها بإشراك الثانية وإنما يمكنه أن يسوي الثانية بها بإيقاع الثلاث عليها و لأنه أوقع الثلاث على الأولى فكلامه في حق الثانية إشراك في كل واحدة من الثلاث فكأنه قال بينكما ثلاث تطليقات وهو يوجب أن كل تطليقة بينهما وقد ورد استفتاء فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا وقال لأخرى أشركتك فيما أوقعت عليها و لثالثة أشركتك قيما أوقعت عليهما وبعد أن كتبنا تطلق الثلاث ثلاثا ثلاثا قلنا إن وقوعهن على الثالثة بإعتبار أنه أشركها في ست وفي المبسوط أيضا لو قال لامرأتين أنتما طالقتان ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهما فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى فيه فتطلق كل منهما ثنتين لأنه من محتملات لفظه لكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء فتطلق كل ثلاثا وكذا لو قال لأربع أنتن وطوالق ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهن فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى فتطلق كل واحدة واحدة وفي القضاء تطلق كل ثلاثا قوله أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة إلى ثنتين فهي واحدة ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان وهذا التفصيل عند أبي حنيفة وقالا في الأولى وهي قوله من واحدة إلى ثنتين وما بين واحدة إلى ثنتين يقع ثنتان وفي الثانية وهي قوله من واحدة إلى ثلاث وما بين واحدة إلى ثلاث يقع ثلاث وقال زفر في الأولى لا يقع شيء وفي الثانية يقع واحدة
____________________
(4/18)
وتسمية الصورتين أولى ثم الصورتين ثانية باعتبار اتحاد مدخول إلى في الصورتين فالأولى ما كان مدخول إلى ثنتين والثانية ما كان مدخولها ثلاثا ثم قال المصنف في قول زفر وهو القياس لأن الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية كما لو قال بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط وأعلم أن زفر لا يدخل الحدين لا الأول ولا الثاني والعرف أن يراد بالغاية المتأخرة فقط مدخولة إلى وحتى لأنها المنتهى فوجه ما ذكر المصنف باستعمال الغاية في الحد أي الحد من الطرفين لا يدخل تحت المضروب له الحد والمضروب له هو البيع مثلا فلا يدخل الحدان فيه فكذا في الطلاق وقد صرح بتسمية الأولى غاية في وجه أبي حنيفة حيث قال ثم الغاية الأولى والمراد بالقياس قضية اللفظ لا القياس الأصولي لأن زفر إنما بنى جوابه على قضية اللفظ كما يفيده جوابه المنقول للأصمعي حين سأله عند باب الرشيد عن قول الرجل أنت طالق ما بين واحدة إلى ثلاث فقال تطلق واحدة لأن كلمة ما بين لا تتناول الحدين وكذلك من واحدة إلى ثلاث لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا فألزمه في قول الرجل كم سنك فقال من ستين إلى سبعين أن يكون عمره تسع سنين فيكون إيراد مسئلة البيع ذكر محل بإعمال اللفظ كالدليل السمعي بذكر محل إعماله ليبين أنه غير متروك الظاهر لا للقياس عليها والحاصل أن ذكر البيع على هذا زيادة على تمام الدليل لا أصل للقياس فيكون جزء الدليل ثم قد نسب إلى حنيفة ما نسب إلى الأصمعي غير أنه قال له في الإلزام كم سنك فقال له زفر ما بين ستين إلى سبعين فقال له أبو حنيفة سنك إذا تسع سنين وهذا بعيد إذ يبعد أن يجيب فيما بين واحدة إلى ثلاث و نحوه بذلك ثم يقال له كم سنك فيجيب بلفظ ما بين دون أن يقول خمسة وستين ونحوه مع ظهور ورود الإلزام حينئذ إلا وقد أعد جوابه فلم يكن بحيث ينقطع على أنه روى أنه قال عند إلزام الأصمعي استحسن في مثل هذا والذي يتبادر في وجه استحسانه أن في قول الرجل سني ما بين الستين إلى السبعين عرفا في إرادة الأقل من الأكثر والأكثر من الأقل ولا عرف في الطلاق إذ لم يتعارف التطليق بهذا اللفظ فيبقى على ظاهره وقد قيل من طرفه غير هذا وهو أن ما بين العددين المذكورين أكثر من ستين فكيف يكون تسعة وهذا بناء على أن ما بين ستين وسبعين أحد وستون واثنان وستون إلى تسع وستين لا واحدة إلى تسعة وإنما يصح إذا لم يعتبر الحد الأول خارجا عن مسمى لفظ ما بين كذا وكذا والظاهر أنه خارج وجواب زفر حيث قال لا يتناول الحدين صريح فيه والأوجه ما ذكرنا له ولله أعلم قوله وجه قولهما وهو الاستحسان أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف يراد به الكل كقول الرجل خذ من مالي من
____________________
(4/19)
عشرة إلى مائة وبع عبدي بما بين مائة إلى ألف وكل من الملح إلى الحلو له أخذ المائة والبيع بألف وأكل الحلو قوله ولأبي حنيفة أن المراد في العرف الأقل من الأكثر والأكثر من الأقل ولا يخفي أن المراد أن ذلك إنما هو إذا كان بين الحدين متخلل فانه لا يتحقق في نحو من درهم إلى درهمين إرادة مجموع الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر ففي نحو طالق من واحدة إلى ثنتين انتفى ذلك العرف منه عنده فوجب إعمال طالق فيقع واحدة
ولا يعترض بأنه لا يتأتى في من واحدة إلى ثنتين لأنه لم يذكر إلا لما يصدق عليه ولم يدع أنه جار في غيره ليعترض بأنه لم يصدق في عدم متخلل مع أنه مسوق لنفي قولهما يجب الأكثر والحاصل إن قول كل من الثلاثة استحسان بالتعارف بالنسبة إلى قول زفر إلا انهما أطلقا فيه وأبو حنيفة يقول إنما وقع كذلك فيما مرجعه إباحة كالمثل المذكورة أما ما أصله الخطر حتى لا يباح إلا لدفع الحاجة فلا والطلاق منه فكان قرينة على عدم إرادة الكل غير أن الغاية الأولى لا بد من وجودها ليترتب عليها الطلقة الثانية في صورة إيقاعها وهي صورة من واحدة إلى ثلاث إذ لا ثانية بلا أولى ووجود الطلاق عين وقوعه بخلاف الغاية الثانية وهي ثلاث في هذه الصورة فانه يصح وقوع الثانية بلا ثالثة أما صورة من واحدة إلى ثنتين فلا حاجة إلى إدخالها لأنها إنما دخلت ضرورة إيقاع الثانية وهو منتف وإيقاع الواحدة ليس باعتبار إدخالها غاية بل بما ذكرنا من انتفاء العرف فيه فلا يدخلان ويقع بطالق وهذا كما صحح في قوله من واحدة إلى واحدة أنه يقع واحدة عند زفر خلافا لما قيل لا يقع عنده شيء لعدم التخلل
ووجه بأنه يلغو قوله من واحدة إلى واحدة لا لامتناع كون الواحد مبدأ للغاية ومنتهى ويقع بطالق واحدة كذا هنا يجب أن يلغو من واحدة إلى ثنتين عنده ثم يقع بطالق واحدة وأورد إذا قيل طالق ثانية لا يقع إلا واحدة
____________________
(4/20)
أجيب بأن ثانية لغو فيقع بأنت طالق واحدة بخلاف قوله هنا من واحدة إلى ثلاث فإنه كلام معتبر في إيقاع الثانية فلا يتحقق ذلك إلا بعد إيقاع الأولى
فان قيل لفظ ما بين هذا وهذا يستدعي وجود الأمرين ووجودهما وقوعهما فيقع الثلاث
والجواب أن ذلك في المحسوسات أما ما نحن فيه من الأمور المعنوية فإنما يقتضي الأول واحتمال وجود الثاني عرفا ففي من الستين إلى السبعين يصدق إذا لم يبلغ السبعين بل منتظره ولم يعد مخطئا في التكلم به لإفادة ذلك القدر
بقي أن يقال إن هذا إن انتهض عليهما لا ينتهض على زفر لما تقدم أنه يقال من طرفه لا عرف في الطلاق فلا يلزم إدخال الغاية الأولى لأن ما بين إنما يتناول الثانية لا من حيث هي ثانية الواقع بل من حيث هي ما بين الواحدة والثلاث فلا احتياج إلى إدخالها ضرورة إيقاع الثانية في من واحدة إلى ثلاث
ولما لم يثبت تعارف مثل ذلك التركيب في الطلاق وجب اعتبار مؤدي أجزاء لفظه وهي لا توجب إلا دخول ما بين الحدين ولا مخلص إلا بادعاء أن العرف أفاد إن مثله يراد به ذلك في أي مادة وقع وقد لا يسلمه زفر قوله بخلاف جواب عن قياس زفر على مسئلة من هذا الحائط إلى هذا الحائط بالفرق بأن التطليقة الثانية واقعة ولا وجود لها إلا بوقوع الأولى فوقعت ضرورة بخلاف الغاية في البيع فإنها لم تدع ضرورة إلى إدخالها في المغيا فبقيت الغايتان خارجتين وأنت علمت أن الاستدلال على الأقوال الثلاثة ليس إلا بقضية اللفظ ومسئلة البيع لإظهار أن اللفظ لم يترك ظاهره فتحقيق الفرق على قول أبي حنيفة أن العرف فيه إرادة الأكثر من الأقل إلى آخره فاقتضى في من واحدة إلى ثلاث وقوع ثنتين لأنهما الأكثر من الأقل من الأكثر فلزم وقوع الأولى
____________________
(4/21)
بخلاف بعت من هذا الحائط إلى هذا الحائط لأن التعارف إنما وقع في الأعداد نحو من ستين إلى سبعين وما بين ستين إلى سبعين ونحوه فبقى اللفظ في غيرها على مقتضاه لغة فلا تدخل الغايتان
وبه اندفع سؤال أن ما بين يقتضي وجود الطرفين فيقعان كقولهما فإن العرف أعطى أن قضيته عدم وقوع الثانية
فرعان لو قال من واحدة إلى عشرة يقع ثنتان عند أبي حنيفة وقيل يقع ثلاث لأن اللفظ معتبر في الطلاق حتى لو قالت طلقني ستا بألف وطلقها ثلاثا وقعت الثلاث بخمسمائة ولو قال ما بين واحدة وثلاث وقعت واحدة نقل عن أبي يوسف بخلاف ما إذا كان غاية وكذا يجب عند الكل إلا إن كان فيه العرف الكائن في الغاية قوله ولو نوى واحدة أي في من واحدة إلى ثلاث وفي ما بين واحدة إلى ثلاث إذا كان فيه عرف الغاية قوله لأنه خلاف الظاهر وفيه تخفيف عليه قوله ولو قال أنت طالق واحدة في ثنتين ونوى الضرب والحساب عالما بعرف الحساب فهي واحدة ففيما إذا لم تكن له نية أولى أن تقع واحدة
وقال زفر والحسن ابن زياد يقع ثنتان بعرف الحساب وهو قول مالك والشافعي في وجه إذا لم يعرف الحساب لكنه قصد موجبه عند الحساب فلو كان ممن يعرف الحساب وقصد موجبه عندهم وقع ثنتان وجها واحدا وبه قال أحمد
وعندنا يقع واحدة بكل حال
وجه قول زفر أن عرفهم فيه تضعيف أحد العددين بعدد الآخر فقوله واحدة في ثنتين كقوله واحدة مرتين أو ثنتين مرة وثنتين في ثنتين ثنتين مرتين فكأنه قال طالق أربعا فيقع الثلاث فالإلزام بأنه لو كان كذلك لم يبق فقير في الدنيا لا معنى له أصلا لأن ضربه درهمه مثلا في مائة ألف إن كان على معنى الإخبار كقوله عندي درهم في مائة فهو كذب وان كان على الإنشاء كجعلته في مائة لا يمكن لأنه لا ينجعل بقوله ذلك مائة فليس ذلك الكلام بشيء قوله أثره في تكثير المضروب لا في زيادة العدد والطلقة التي جعل لها أجزاء كثيرة لا تزيد على طلقة ولا يخفي أن هذا لا معنى له بعد قولنا إن عرف الحساب في التركيب اللفظي كون أحد العددين مضعفا بعدد الآخر فان العرف لا يمنع والفرض أنه تكلم بعرفهم وأراده فصار كما لو أوقع بلغة أخرى فارسية أو غيرها وهو يدريها قوله فإن نوى واحدة وثنتين بقوله واحدة في ثنتين وهي مدخول بها وقعت ثلاثة لأنه يحتمله فإن حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف فصح أن يراد به معنى الواو ولو كانت غير مدخول
____________________
(4/22)
بها وقعت واحدة كما لو قال لها أنت طالق واحدة وثنتين وان نوى معنى لفظه مع وقعت ثلاث عليها مدخولا بها كانت أو غير مدخول بها كما لو قال لغير المدخول بها طالق واحدة مع ثنتين وإرادة معنى لفظه مع بها ثابت كما في قوله تعالى { فادخلي في عبادي } أي مع عبادي
وفي الكشاف أن المراد في جملة عبادي وقيل في أجساد عبادي ويؤيده قراءة في عبدي فهي على حقيقتها على هذا ولا يخفي أن تأويلها مع عبادي ينبو عنه وادخلي جنتي فإن دخوله معهم ليس إلا إلى الجنة فالأوجه أن يستشهد على ذلك بنحو قوله تعالى { ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة } وعن الاحتمال المذكور لو وقع مثله في الإقرار بأن قال له على عشرة في عشرة وادعى الخصم الجميع أي مجموع الحاصل على الاصطلاح يحلفه القاضي أنه ما أراد الجميع أما لو أراد معنى الظرف لغا ولم يقع إلا المذكور أولا ففي واحدة في ثنتين واحدة وفي ثنتين في ثنتين ثنتان اتفاقا لأن الطلاق لا يصلح الحقيقة الظرف فيلغو الثاني قوله ولو قال أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة رجعية وقال زفر بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول وأورد عليه أنه لو قال طالق طلقة طويلة أو عريضة كانت رجعية عند زفر فكيف يعلل البينونة هنا بالطول أجيب باحتمال كونه يفرق بين وصفه بالطول صريحا فيوقع به الرجعي وكناية فيوقع به البائن
____________________
(4/23)
لأن الإثبات بطريق الكناية أبلغ منه بالصريح كما في كثير الرماد لأنه أبلغ من جواد لأنه إثبات الجود له ببينة أعني كثرة الرماد وأنه تعليل
على مذهبنا إلزاما كأنه قال لما قال من هنا إلى الشام فقد وصفه بالطول ولو وصفه بالطول صريحا بأن قال طلقة طويلة تقع بائنة عندكم فكذا كناية بالأولى لما قلنا وقد فعل له مثل ذلك حيث علل سقوط النية في صوم رمضان عن الصحيح المقيم بالقياس على صاحب النصاب إذا دفعه إلى الفقير بعد الحول ولم ينو الزكاة مع أن الزكاة لا تسقط عنده إذا تصدق بجميع النصاب بعد الحول كذلك أو أن عنه في المسئلة روايتين كما جوزه في الكافي لأن بعض المشايخ قال في دليله لأنه وصفه بالطول
ولو قال أنت طالق طلقة طويلة كان بائنا كذا هنا ولأن قوله من هنا إلى الشام يفيد الطول والعرض فجاز أن لا تحصل البينونة عنده بأحدهما وتحصل بالوصف بهما لأنه يفيد العظم فكأنه قال كالجبل لكن مقتضى هذا أن لا يقتصر على قوله لأنه وصفها بالطول بل يقول لأنه وصفها بالطول والعرض قوله قلنا بل وصفه بالقصر لأنه متى وقع الطلاق وقع في كل الدنيا وفي السموات ثم هو لا يحتمل القصر حقيقة فكان قصر حكمه وهو بالرجعي وطوله بالبائن ولأنه لم يصفها بعظم ولا كبر بل مدها إلى مكان وهو لا يحتمل ذلك أصلا فلم يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة فلا بينونة وقال التمر تاشى انه إنما مد المرأة لا الطلاق
ووجهه أنه حال ولا يصلح صاحب الحال في التركيب إلا الضمير في طالق قوله ولو قال أنت طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال وكذا في الدار وان لم يكن في مكة ولا الدار وكذا في الظل والشمس والثوب كالمكان فلو قال طالق في ثوب كذا و عليها غيره طلقت للحال وكذا إذا قال أنت طالق وأنت مريضة وان قال عنيت إذا لبست و إذا مرضت دين فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء لما فيه من التخفيف على نفسه كما إذا قصد بقوله بمكة أو في مكة إذا دخلت مكة فانه يتعلق بالدخول ديانة لا قضاء قوله لأن الطلاق لا يختص بمكان دون مكان المعنى أن الطلاق لا يتصور أن يتعلق بمكان بعينه دون غيره لأن الطلاق المعني به رفع القيد الشرعي معدوم في الحال وقد جعل الشارع لمن له التخلص بلفظ وضعه
____________________
(4/24)
تعالى سببا لذلك أن يعلق وجوده بوجود أمر معدوم حتى إذا وجد حكم سبحانه بوجود المعنى وهو رفع القيد وضعا شرعيا لا لزوما عقليا والزمان والأفعال هما الصالحان لذلك لأن كلا منهما معدوم في الحال ثم يوجد أو قد يوجد فتعينا لتعليق وجود الطلاق بوجود كل منهما بخلاف المكان الذي هو عين ثابتة فلا يتصور الإناطة به ولو أناط به قبل وجوده فالمناط إنما هو وجوده أو فعل الفاعل له فكان الصالح لتعليق وجود المعنى به الزمان والأفعال ثم الزمان في الإضافة والتعليق يكون مستقبلا
أما الحال فإنما يكون معه التنجيز ووقوع المعلق وإما إضافته إلى ماض خال عنه فليس في وسعه فيلغو ويصير أنت طالق سيقع به في الحال وإنما فسرنا الطلاق برفع القيد ولم نقل هو فعل معدوم فناسب أن يتعلق بالزمان ويوجد عند وجوده لأن الفعل لا يمكن أن يوجد بمجرد وجود ما علق عليه لتوقفه على فعل الفاعل له وإنما يصح ذلك في أثره الشرعي لأن حاصله تعلق خطابه بالحرمة عنده وهذا يمكن اعتباره شرعا فجعلنا المعلق رفع القيد لا فعل التطليق والله سبحانه أعلم قوله ولو قال في دخولك الدار أو مكة تعلق بالفعل أي بالدخول كما لو صرح بالشرط لصحة استعارة الظرف لأداة الشرط لمقاربة بين معنى الشرط والظرف من حيث أن المظروف لا يوجد بدون الظرف كالمشروط لا يوجد بدون الشرط فيحمل عليه عند تعذر معناه أعني الظرف وكذا إذا قال في لبسك أو في ذهابك وقد بينا وجه صلاحية الفعل لذلك ولا فرق بين كون ما يقوم بها فعلا اختياريا أو غيره حتى لو قال في مرضك أو وجعك أو صلاتك لم تطلق حتى تمرض أو تصلي فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان
ذكر في باب إيقاع الطلاق فصولا متعددة باعتبار تنوع الإيقاع أي ما به الإيقاع على ما قدمناه إلى مضاف وموصوف ومشبه وغيره معلق بمدخول بها وغير مدخول بها وكل منها صنف تحت ذلك الصنف المسمى بابا
____________________
(4/25)
كما أن الباب يكون تحت الصنف المسمى كتابا والكل تحت الصنف الذي هو نفس العلم المدون فانه صنف عال والعلم مطلقا بمعنى الإدراك جنس وما تحته من اليقين والظن نوع والعلوم المدونة تكون ظنية كالفقه وقطعية كالكلام والحساب والهندسة فواضع العلم لما لاحظ الغاية المطلوبة له فوجدها تترتب على العلم بأحوال شتى أو أشياء من جهة خاصة فوضعه ليبحث عن أحواله من تلك الجهة فقد قيد ذلك النوع من العلم يعارض كلى فصار صنفا وقيل للواضع صنف العلم أي جعله صنفا فالواضع أولى بإسم المصنف من المؤلفين وان صح أيضا فيهم وعلم بما ذكرنا أنها تتباين مندرجة تحت صنف أعلى لتباين العوارض المقيد بكل منها النوع وأن ما ذكر من نحو كتاب الحوالة اللائق به خلاف تسميته بكتاب قوله ولو قال أنت طالق غد وقع الطلاق عليها بطلوع فجره لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد لأن جميعه هو مسمى الغد ولو نوى آخر النهار جاز فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء لأنه خلاف الظاهر وقوله لأنه نوى التخصيص في العموم تنزيل للأجزاء منزلة الأفراد وإلا فلفظ غدا نكرة في الإثبات فليس من صيغ العموم قوله ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم يقع في أول الوقتين الذي تفوه به أما الأول فلأنه نجزه فلا يرجع متأخرا إلى وقت في المستقبل وأورد عليه أنه لم لم يعتبر لإضافة أخرى لا لإضافة عين ما نجز والجواب أن اعتبار كلامه إيقاعا للحاجة وهي مرتفعة بالواحدة ولا ضرورة أخرى تجب لمراعاتها وقوع أخرى فإنها إذا طلقت اليوم كانت غدا كذلك حتى لو كانت بالعطف بأن قال أنت طالق اليوم وغدا أو أول النهار و آخره لا يقع إلا واحدة لأنها طالق في الغد وآخر النهار بطلاقها في اليوم وأول النهار وقد طولب بالفرق بين هذه وبين قوله أنت طالق اليوم إذا جاء غد فإنها لا تطلق إلا بطلوع الفجر فتوقف المنجز لاتصال مغير الأول بالآخر فلم لم يتوقف باتصال الإضافة كما توقف باتصال الشرط
____________________
(4/26)
وكلاهما مغير للتنجيز فظهر أنه مضاف لا أنه طلاق آخر وعلى هذا التقرير يسقط الجواب بأن ذكر الشرط يبين أن قوله اليوم لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع وما نحن فيه ليس فيه ذكر الشرط فيبقى قوله اليوم بيانا لوقت الوقوع وهو ظاهر وكذا يسقط الجواب بأن طالق اليوم إيقاع في الحال وإذا جاء غد تعليق فلا بد من اعتبار أحدهما للتنافى واعتبار المعلق أولى لأن في اعتباره إلغاء كلمة واحدة وهي لفظة اليوم وفي اعتبار المنجز إلغاء كلمات وهي قوله إذا جاء غد لأنه لم يقع الفرق في الجوابين بأنه لم توقف فلم يكن تنجيزا مع اتصال المغير الشرطي ولم لم يتوقف فكان تنجيزا مع اتصال المغير الإضافي فإن قيل لم لم يجعل الثاني ناسخا أجيب بأن النسخ فرع ثبوت الأول وتقرره وتقرر الطلاق الأول وثبوته وقوعه فلا يمكن رفعه بعد ذلك وتأخيره وأما الثاني وهو قوله طالق غدا اليوم فلأنه وقع مستقيما مضافا وبعد ما صح مضافا إلى غد لا يكون بعينه منجزا بل لو اعتبر كان تطليقة أخرى وإنما وصفها بتطليقة واحدة لأنها لزمت إضافتها إلى الغد فلزم إلغاء اللفظ الثاني ضرورة ولا يمكن جعله ناسخا للأول لأن النسخ إنما يكون بكلام مستبد في نفسه متراخ وهو منتف هنا فان قلت فما وجوه المسئلة إذا وسطت الواو فالجواب إذا قدم المتقدم من الوقتين كأنت طالق أول النهار وآخره أو اليوم وغدا أو في ليلك ونهارك وهو في الليل أو قلبه وهو في النهار وقعت واحدة لعدم الحاجة إلى الأخرى لأنها بطلاقها في أول الوقتين تكون طالقا في آخرهما ولو نوى أن يقع عليها اليوم واحدة وغدا واحدة صح ووقعت ثنتان وكذا طالق اليوم وغدا وبعد غد يقع واحدة بلا نية فإن نوى ثلاثا متفرقة على ثلاثة أيام وقعن كذلك وان قدم المتأخر كطالق غدا واليوم أو في نهارك وليلك وهو في الليل أو قلبه وهو في النهار فعن زفر كذلك تقع واحدة وعندنا يقع ثنتان لأن الأول وقع مضافا صحيحا والواو في عطف المفرد وهو المسمى بالجملة الناقصة يوجب تقدير ما في الأولى بما بعدها فصار الحاصل أنت طالق غدا وأنت طالق اليوم وقد نقل الخلاف بيننا وبين زفر فيما لو قال أنت طالق كل يوم فعند زفر يقع ثلاث في ثلاثة أيام لأنه موقع في كل يوم قلنا اللازم وهو كونها طالقا في كل يوم يحصل بإيقاعه في هذا اليوم فقط غير متوقف على اعتباره موقعا كل يوم ولا يخفى أن نقل هذا الخلاف مع الرواية عنه في طالق غدا واليوم يقع واحدة مشكل لأن كل يوم إما أن يتعين اليوم وغدا وبعد غد إلى آخر الزمان فتقع واحدة أو قلبه غدا وما بعده واليوم فكذلك وكذا لو قال أنت طالق أبدا لم تطلق إلا واحدة فلو نوى أن يطلق كل يوم تطليقة أخرى صحت نيته وفي هذه المسئلة ما قدمناه من البحث أول كتاب الطلاق في أنت طالق للسنة وحاصل ما يقع به جواب ما قدمناه أن صحة نية الثلاث إما باعتبار إضمار التطليق كأنه قال طالق كل يوم تطليقة أو بإضمار في كأنه قال في كل يوم ولو قال في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم واحدة وهو ما قاس عليه زفر وفرقوا بأن في للظرف والزمان إنما هو ظرف من حيث الوقوع فيلزم من كون كل يوم فيه وقوع تعدد
____________________
(4/27)
الواقع بخلاف كون كل يوم فيه الاتصاف بالواقع قوله ولو قال أنت طالق في غد وقال نويت آخر النهار صدق في القضاء عند أبي حنيفة وقالا لا يصدق في القضاء خاصة ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لهما أنه وصفها بالطلاق في جميع الغد فصار كقوله طالق غدا وفيه لا يصدق في نيته آخره ولهذا أي ولأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد يقع في أول جزء منه اتفاقا عند عدم النية وهذا وهو كون وصفها بالطلاق في جميع الغد أو صيرورته بمنزلة غدا لأن حذف لفظة في مع إرادتها وإثباتها سواء فإذا كان في حذفه يفيد عموم الزمان ففي إثباته كذلك ولأبي حنيفة أن ذكر لفظة في يفيد وصل متعلقها بجزء من مدخولها أعم من كونه متصلا بجزء آخر أو كله أو لا وإنما يعرف خصوص أحدهما من خارج كما في صمت في يوم يعرف الشمول و أكلت في يوم يعرف عدمه لا مدلول اللفظ فإذا نوى جزءا من الزمان خاصا فقد نوى حقيقة كلامه لأن ذلك جزء من أفراد المتواطئ بخلاف ما إذا لم يذكرو وصل الفعل إليه بنفسه فإن المفاد حينئذ عمومه للقطع من اللغة بفهم الاستيعاب في سرت فرسخا وبعدمه في سرت في فرسخ وصمت عمري وفي عمري فنية جزء معين فيه خلاف الظاهر فلا يصدق
____________________
(4/28)
قضاء ومثل قوله في غد قوله في شعبان مثلا فاذا قال طالق في شعبان فان لم تكن له نية طلقت حين تغيب الشمس من آخر يوم من رجب وان نوى آخر شعبان فهو على الخلاف قوله ولو قال أنت طالق أمس أو في الشهر الذي خرج وقد تزوجها اليوم لم يقع شيء بإجماع الفقهاء لأنه أسند الطلاق إلى حالة معهودة منافية لمالكية الطلاق فكان حاصله إنكارا للطلاق فيلغو فكان كقوله أنت طالق قبل أن أخلق ولأنه حين تعذر تصحيحه إنشاء أمكن تصحيحه إخبارا عن عدم النكاح أي طالق أمس عن قيد النكاح إذا لم تنكحي بعد أو عن طلاق زوج كان لها إن كان بخلاف ما لو قال للمعينة أنت طالق أنت طالق حيث يقع ثنتان لأن الظاهر في التركيب الإيقاع والإنشاء فلا يعدل عنه إلا لتعذره والصارف عنه إلى محتمله وهو عدم صحة الإنشاء منتف لبقاء المحلية بعد الطلقة الأولى إما بعود القيد بعد زواله لثبوت العدة كقول طائفة من المشايخ أو لبقائه متوقفا إلى انقضاء العدة كقول المحققين ويشهد لهم أنهم قالوا إذا قال كل امرأة لي طالق يقع على المطلقة الرجعية طلقة أخرى لبقاء المحلية في المطلقة رجعية لقيام العدة بعود القيد لأنه لا يقع على المبانة مع قيام عدتها بخلاف ما لو قال لامرأتيه إحداكما طالق إحداكما طالق حيث يقع واحدة ويحمل على الإخبار ثانيا أو التأكيد إلا أن يقصد التجديد لأن الإيقاع في المنكر ليس غالبا ولا الداعي إلى تكثير الطلقات من اللجاج و البغضاء بحيث لا يقنع الزوج بواحدة موجودا فيه لأن تحقق ذلك في المعينة لا في المنكرة ولو كان تزوجها أول من أمس وقع الساعة لأنه ما أسنده إلى حالة منافية ولا يمكن تصحيحه اخبارا لكذبه وعدم قدرته على الإسناد فكان إنشاء فكان إنشاء في الحال فيقع الساعة وعلى هذه النكثة حكم بعض المتأخرين من مشايخنا في مسئلة الدور المنقولة عن متأخري الشافعية وهي إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا بوقوع الطلاق وحكم أكثرهم أنها لا تطلق بتنجيز طلاقها لأنه لو تنجز وقع المعلق قبله ثلاثا ووقوع الثلاث سابقا على التنجيز يمنع المنجز بوقوع المنجز والمعلق لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال ونقول أيضا إن هذا تغيير لحكم اللغة لأن الأجزية تنزل بعد الشرط أو معه لا قبله ولحكم العقل أيضا لأن مدخول أداة الشرط سبب والجزاء مسبب عنه ولا يعقل تقدم المسبب على السبب فكان قوله قبله لغوا البتة فبقي الطلاق جزاء للشرط غير مقيد
____________________
(4/29)
بالقبلية ولحكم الشرع لأن النصوص ناطقة بشرعية الطلاق وهذا يؤدي إلى رفعها فيتفرع في المسئلة المذكورة وقوع ثلاث الواحدة المنجزة وثنتان من المعلقة ولو طلقها ثنتين وقعتا و واحدة من المعلقة أو ثلاثا وقعن فينزل الطلاق المعلق لا يصادف أهلية فيلغو ولو كان قال إن طلقتك فأنت طالق فبله ثم طلقها واحدة وقع ثنتان المنجزة والمعلقة وقس على ذلك قوله ولو قال أنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع شيء لأنه أسنده إلى حالة منافية فصار كقوله إذا طلقتك وأنا صبي أو نائم أو مجنون وكان جنونه معهودا فإن لم يكن معهودا طلقت للحال لأنه أقر بطلاقها و أسنده إلى حالة لم تعهد فلم يعتبر قوله في الاضافة أو يصحح اخبارا على ما ذكرناه من كونه اخبارا عن عدم النكاح أو طلاق زوج متقدم قوله ولو قال أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت بإتفاق العلماء لأن متى ظرف زمان وكذا ما تكون مصدرية نائبة عن ظرف الزمان قال تعالى قاصا لكلام عيسى عليه السلام { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } أي مدة دوامي حيا فصار حاصل المعنى إضافة طلاقها إلى زمان خال عن طلاقها و بمجرد سكوته وجد الزمان المضاف إليه فيقع فلو قال موصولا أنت طالق بر حتى لو قال متى لم أطلقك فأنت طالق ثلاثا ثم وصل قوله أنت طالق قال أصحابنا بر ووقعت واحدة وقال زفر ثلاث ولو قال أنت طالق كلما لم أطلقك وسكت وقعت الثلاث متتابعة لا جملة لأنها تقتضي عموم الإفراد لا عموم الاجتماع فان لم تكن مدخولا بها بانت بواحدة فقط ولو قال حين لم أطلقك ولا نية له فهي طالق حين سكت وكذا زمان لم أطلقك وحيث لم أطلقك ويوم لم أطلقك وان قال زمان
____________________
(4/30)
لا أطلقك أو حين لا أطلقك لم تطلق حتى تمضى ستة أشهر لأن لم تقلب المضارع ماضيا مع النفي وقد وجد زمان لم يطلقها فيه فوقع الطلاق وكلمة لا للإستقبال غالبا فإن لم تكن له نية لا يقع في الحال وإنما يراد بحين ستة أشهر لأنه أوسط استعمالاته إذ يراد به ساعة نحو قوله تعالى { حين تمسون وحين تصبحون } وستة أشهر نحو قوله سبحانه { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } وأربعون سنة كما في قوله عز ذكره { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } والزمان كالحين لأنهما سواء في الاستعمال قوله ولو قال أنت طالق أن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت باتفاق الفقهاء لان الشرط إن لا يطلقها وذلك لا يتحقق ألا باليأس عن الحياة لأنه متى طلقها في عمره لم يصدق انه لم يطلقها بل صدق نقيضه وهو أنه طلقها واليأس يكون في آخر جزء من أجزاء حياته ولم يقدره المتقدمون بل قالوا تطلق قبيل موته فإن كانت مدخولا بها وورثته بحكم الفرار و ألا لاترثه وقوله وهو الشرط يعني العدم قوله كما في أن لم آت البصرة إعطاء نظير والمراد إن كل شرط بان منفي حكمه كذلك وهو أن لا يقع الطلاق أو العتاق إذا علق به ألا بالموت لما ذكرنا وزاد قيدا حسنا في المبتغى بالغين المعجمة قال إذا قال لإمرأته أن لم تخبريني بكذا فأنت طالق ثلاثا فهو على الأبد إذا لم يكن ثمة ما يدل على الفور انتهى ومن
ثمة قالوا لو أراد أن يجامع امرأته فلم تطاوعه فقال أن لم تدخلي البيت معي فأنت طالق فدخلت بعد ما سكنت شهوته طلقت لأن مقصوده من الدخول كان قضاء الشهوة وقد فات قوله وموتها بمنزلة موته هو الصحيح احترز به عن رواية النوادر أنها لا تطلق بموتها لأنه قادر على أن يطلقها وإنما عجز بموتها وصار كقوله إن لم أدخل الدار فأنت طالق يقع بموته لا بموتها وجه الظاهر أن الوجه السابق ينتظم موتها وموته بخلاف تلك المسئلة فإن بعد موتها يمكنه الدخول فلا يتحقق اليأس بموتها فلا يقع أما الطلاق فانه يتحقق اليأس منه بموتها وإذا حكمنا بوقوعه قبل موتها لا يرث منها الزوج لأنها بانت قبل الموت فلم يبق بينهما زوجية حال الموت وإنما حكمنا بالبينونة وان كان المعلق صريحا لانتفاء العدة كغير المدخول بها لأن الفرض أن
____________________
(4/31)
الوقوع في أخر جزء لا يتجزأ فلم يله إلا الموت وبه تبين قوله ولو قال أنت طالق إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى يموت عند أبي حنيفة وقالا تطلق حين سكت لأن كلمة إذا للوقت ككلمة متى قال الله تعالى { إذا الشمس كورت } وقال قائلهم وهو ابن أحمر أو حرى بن ضمرة ** وإذا تكون كريهة أدعى لها ** وإذا يحاس الحيس يدعي جندب ** يعني أخاه الصغير وما قيل أنه لعنترة العبسي فخطأ عند أهل المعرفة بالشأن لانتفائه من ديوانه ولم يعرف لعنترة أخ اسمه جندب أصلا وإنما له أخ من أمه اسمه شيبوب ثم لم تكن أمه بحيث تواكل إياه سدادا حيسا لأنها أبعد من ذلك عند من اطلع على قصته وقبل البيت المذكور
** هل في القضية أن إذا استغنيتم ** و أمنتم فأنا البعيد الأجنب ** ** وإذا الشدائد بالشدائد مرة ** ** أشجكم فأنا المحب الأقرب ** ** وإذا تكون كريهة أدعى لها ** ** وإذا يحاس الحيس يدعي جندب ** ** هذا وجدكم الصغار بعينه ** ** لا أم لي إن كان ذاك ولا أب ** ** عجب لتلك قضية وإقامتي ** ** فيكم على تلك القضية أعجب **
واعترض بعض المحشين بأن كلا من الآية والبيت فيه معنى الشرط وجواب الأول علمت وجواب الثاني أدعى ويدعي وأيضا تنظيره لها بمتى غير صحيح لأنها لا تتمحض للوقت أبدا وهما مبنيان على أن قوله للوقت يعني المحض ولا حاجة تدعو إلى ذلك ولا يتوقف ثبوت مطلوبهما عليه بل المنقول لهما أنه لا يسقط عنها معنى
____________________
(4/32)
الوقت المجرد في المجازاة فأورد الشاهدين لهما للدلالة على قيام الوقت مع الشرط وليس لهما حاجة أن يبينها أنها للوقت المجرد عن الشرط بل حاجتهما في إثبات الاجتماع ليكون دفعا ظاهرا لقول الكوفيين قوله ولأبي حنيفة أنها تستعمل للشرط أيضا يعني الشرط المجرد عن معنى الظرفية وإلا لا يفيد وهذا مذهب نقل عن الكوفيين واستشهد بقوله وإذا تصبك خصاصة فتجمل حيث جزم بها فصارت محتملة لكل من الشرط المجرد عن الظرف والظرف إما على حد سواء وإما على أنها مجاز عنده في الشرط المجرد وكثر حتى صار كالظاهر فتساويا كما قيل ولذا صدقه القاضي في دعواه إرادة الشرط المجرد وبهذا يقع الفرق لهما بين هذه ومسئلة الحلف على أن لا يشرب من دجلة حيث صرفاها إلى الشرب بالآنية وكرعا لأن المجاز هناك غالب واحتاج أبو حنيفة إلى الفرق لأنه جزم هناك أنها بالمعنى الحقيقي لا هنا وفرقه أن حكم الحقيقة وهو الحنث بالكرع ثابت فيه على اعتبار الحقيقة واعتبار المجاز لأن حكمه أعم من ذلك ومن الشرب اغترافا فكان حكم الحقيقية ثابتا يقينا على كل حال فاعتبرت ذلك أي للتيقن بحكمها بخلاف المجاز بخلاف معنى الظرف هنا فإنه يقتضي الوقوع في الحال وهو مناف لحكم المجاز وأنت سمعت أن البصريين يمنعون سقوط معنى الظرف عنها وان استعملت شرطا كمتى فثبوت الاحتمالين على السواء ممنوع وأما كونها مجازا في جزء معناها فلم يسمع يقينا وبتقدير إحداثه بناء على عدم اشتراط النقل في آحاد المجاز فكونه كثر استعماله حتى ساوى الحقيقة ممنوع ثم لا يخفى أنه يجب على قولهما إذا أراد معنى الشرط أن لا يصدقه القاضي بل يصح ديانة لأن الوجه عندهما ظهورها في الظرف فمراده خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء والبيت المذكور له قائله عبد قيس بن خفاف بن عمرو بن حنظلة يوصي جبيلا ابنه بقصيدة فيها آداب ومصالح أولها
** أجبيل إن أباك كارب يومه ** ** فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل ** ** أوصيك ايصاء امرئ لك ناصح ** ** ظن بريب الدهر غير معقل ** الله فاتقه وأوف بنذره ** ** وإذا حلفت مماريا فتحلل ** ** والضيف تكرمه فإن ** ** مبيته حق ولا تك لعنة للنزل **
____________________
(4/33)
** واعلم بأن الضيف مخير أهله ** ** بمبيت ليلته وان لم يسأل ** ** ودع القوراص للصديق وغيره ** كي لا يروك من اللئام العزل ** ** وصل المواصل ما صفا لك وده ** واحذر حبال الخائن المتبذل ** ** واترك محل السوء لا تحلل به ** وإذا نبابك منزل فتحول ** ** دار الهوان لمن رآها داره ** أفراحل عنها كمن لم يرحل ** ** وأستأن حلمك في أمورك كلها ** وإذا عزمت على الندى فتوكل ** ** واستعن ما أغناك ربك بالغنى ** وإذا تصبك خصاصة فتجمل ** ** وإذا هممت بأمر شر فاتئد ** وإذا هممت بأمر خير فاعجل ** ** وإذا أتتك من العدو قوارص ** فاقرص لذاك ولا تقل لم أفعل ** ** وإذا افتقرت فلا تكن متخشعا ** ترجو الفواضل عند غير المفضل ** ** وإذا تشاجر في فؤادك مرة ** أمران فاعمد للأعف الأجمل ** ** وإذا لقيت القوم فاضرب فيهم ** حتى يروك طلاء أجرب مهمل ** ** وإذا رأيت الباهشين إلى الندى ** غبرا أكفهم بقاع ممحل ** ** فأعنهم وأيسر بما يسروا به ** وإذا هموا نزلوا بضنك فانزل **
وقد استعمل الشاعر إذا فيها للشرط في اثنى عشر موضعا بالجزم ودخول فاء الجزاء ومعقل من عقلت الناقة بالعقل يريد عقلي بريب الدهر غير ممنوع وتجمل أي أظهر جميلا ولا تظهر جزعا وقيل كل الجميل المجمول وهو الشحم المذاب وأين هذا من الأول في التأديب وفي المنتقى لو قال إذا طلقتك فأنت طالق وإذا لم أطلقك فأنت طالق فمات قبل أن يطلق يقع عليها طلاقان لأنه لما مات فبل التطليق حنث في اليمين الثانية فيقع عليها طلاق وهذا الطلاق يصلح شرطا في اليمين الأولى لأنه وقع بكلام وجد بعد اليمين الأولى فحنث في اليمينين فيقع طلاقان ولو قلب فقال إذا لم أطلقك فأنت طالق وإذا طلقتك فأنت طالق فمات قبل أن يطلق يقع عليها واحدة لأنه لما مات قبل التطليق صار حانثا في اليمين الأولى فيقع الطلاق ولا يصلح شرطا في الثانية لأنه وقع بكلام وجد قبل اليمين الثانية فالشروط تراعى في المستقبل لا الماضي ولم يذكر خلافا وإنما هذا على قول أبي حنيفة أما على قولهما فيقعان بعد زمان يسير في الأولى للوجه الأول بعينه وفي الثانية يقع واحدة كما سكت لأنه حنث في قوله إذا لم أطلقك فأنت طالق وكذا لو لم يسكت حتى مات لأن زمان قوله إذا طلقتك فأنت طالق زمان يوجد فيه تطليق قبل أن يفرغ منه وهذه ثلاث مسائل من الجامع الكبير أنت طالق إذا تزوجتك قبل أن أتزوجك وقلبه أنت طالق قبل أن أتزوجك إذا تزوجتك وإذا تزوجتك فأنت طالق قبل أن أتزوجك ففي الصورتين
____________________
(4/34)
الأوليين يقع عند التزوج اتفاقا وفي الثالثة كذلك عند أبي يوسف وعندهما لا يقع والأصل أن الطلاق إذا أضيف إلى وقتين أحدهما يقبله والآخر لا صح ما يقبله وبطل ما لا يقبله وان الآخر ينسخ الأول وقبل وإذا ظرفان وقبل لا يقبل الطلاق وإذا تقبله فأضيف إليها ولهما في الفرق بين الثالثة وما قبلها ترجع جهة الشرط بدليل ذكر الفاء في الجزاء فالمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده فصار كأنه قال عند التزوج أنت طالق قبل أن أتزوجك فلا يقع أو لأن الآخر وهو الإضافة إلى قبل نسخ الأول وقوله بخلاف مسئلة المشيئة لأنه على اعتبار أنها للوقت لا يخرج الأمر من يدها وعلى اعتبار أنها للشرط يخرج والأمر صار في يدها فلا يخرج بالشك اعترض عليه بأن وقوع الشك في الشرطية والظرفية يوجب وقوعه في الحل والحرمة في الحال لأنه على تقدير الشرطية تحل وعلى تقدير الظرفية تطلق فكان يجب أن تحرم تقديما للمحرم وهو اعتبار الظرف كما قالا وأجيب بأن هذا متروك في جميع صور التردد في الأمر فإنه لو شك في انتفاض طهارته جاء فيه أن على اعتبار الانتفاض تحرم الصلاة وعلى اعتبار عدمه تحل ومع هذا لا تترجح الحرمة وان كان مبني الصلاة على الاحتياط لأن الشك لا يوجب شيئا إنما ذلك في تعارض دليل الحرمة مع دليل الحل فالاحتياط العمل بدليل الحرمة أما هنا لو اعتبرنا الحرمة لم نعمل بدليل بل بالشك وهناك يقع العمل بالدليل والله سبحانه أعلم
واعلم أن ما ذكره المصنف يشكل لأنه سيذكر أن الخلاف فيما إذا لم تكن له نية وحينئذ فمقتضى الوجه في المشيئة أن على قولهما لا يخرج من يدها وعلى قوله يخرج وكذا إذا علم أنه نوى ولم تدر نيته لعارض عراه وأما إذا عرفت بأن استفسر فقال أردت الزمان فيجيب أن يصدق على قولهما ولا يخرج الأمر من يدها وكذا على قوله لأنه مقر على نفسه وان قال أردت الشرط صدق على قوله ولا يصدق على قولهما لأنه خلاف الظاهر وفيه تخفيف على نفسه وأما في مسئلة الطلاق أعني قوله أنت طالق إذا لم أطلقك فإن قال عنيت الزمان صدق عندهما وان قال عنيت الشرط لا يصدق عندهما لأنه خلاف الظاهر وفيه تخفيف على نفسه وعلى قوله يصدق في الشرط وفي الظرف لكون كل منهما من محتملاتها مع أن في الثاني تشديدا على نفسه قوله ولو قال أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق بهذه التطليقة المنجزة فقط حتى لو كان قال أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أنت طالق وقعت واحدة وعند زفر ثلاث معناه أنه قال ذلك موصولا به فلو فصل وقع المضاف والمنجز جميعا والقياس أن يقع المضاف أيضا فيقعان إن كانت مدخولا بها فإن لم تكن مدخولا بها يقع المضاف وحده وهو قول زفر لأنه وجد زمان لم يطلقها فيه وان قل وهو زمان قوله أنت طالق قبل أن يفرغ منها وجه الإستحسان أن زمان
____________________
(4/35)
البر مستثنى بدلالة حال الحالف لأن اليمين إنما تعقد للبر فهو المقصود بها وهو غير ممكن هنا إلا أن يجعل هذا القدر مستثنى وهو مقدار ما يمكنه تحقيق البر فيه من الزمان أصله من حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فاشتغل بالنقلة من ساعته بر عندنا خلافا لزفر فالمراد بالأصل هنا النظير لا أصل القياس لأن الكل مختلف فيه بيننا وبين زفر قوله ومن قال لامرأة يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت لأن اليوم يذكر ويراد به بياض النهار وهو ظاهر ويطلق ويراد به مطلق الوقت كقوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } والفرار من الزحف حرام ليلا ونهارا
والأفعال منها ما يمتد وهو ما يصح ضرب المدة له كالسير والركوب والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق كقوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان واختاري نفسك يوم يقدم فيتعلق الحكم ببياض النهار فلو قدم فلان ليلا لا خيار لها أو نهارا دخل الأمر في يدها إلى الغروب لأنه لما امتد كان الظاهر من ذكر اليوم دون حرف في ضرب المدة تقديرا وهو حقيقة في بياض النهار فيبقى معه إلى أن يتعين خلافه كقولك أحسن الظن بالله يوم تموت واركب يوم يأتي العدو ومنها ما لا يمتد وهو ما لا يصح ضرب المدة له كالطلاق والتزوج والعتاق والدخول والقدوم والخروج فيجب حمل اليوم معه على مطلق الوقت لأن ضرب المدة له لغو إذ لا يحتمله والطلاق من هذا القبيل فيقع ليلا تزوجها أو نهارا كذا في عامة النسخ وفي الأصل التزوج من هذا القبيل قيل كأنه غلط والصحيح الطلاق من هذا القبيل وفي النهاية الصحيح التزوج من هذا القبيل قال كذا وجدته بخط شيخى ولأنه اعتبر
____________________
(4/36)
في الكتاب في وزان هذه المسئلة فعل الشرط لا الجزاء قال في الأيمان لو قال يوم أكلم فلانا فامرأتي طالق فهو على الليل والنهار إلى أن قال والكلام لا يمتد ولأن ذكر الفعل إنما يستقيم من غير تأويل في أتزوجك لا في أنت طالق ولأن ذكر القران في قوله إذا قرن يدل على إرادة التزوج لا الطلاق لأن مقارنته اليوم أقوى لأنه على وجه الاضافة والمضاف مع المضاف إليه كشيء واحد انتهى والأصوب الاعتبار الأول أعني اعتبار الجزاء كالطلاق هنا لأن المقصود بذكر الظرف إفادة وقوعه فيه بخلاف المضاف إليه فإنه وان كان مظروفا أيضا لكنه لم يقصد بذكر ذلك الظرف بل إنما ذكر المضاف إليه ليتعين الظرف فيتم المقصود من تعيين زمن وقوع مضمون الجواب ولا شك أن اعتبار ما قصد الظرف له لاستعلام المراد من الظرف أهو الحقيقي أو المجازي أولى من اعتبار ما لم يقصد له في استعلام حاله إلا أن بعض المشايخ تسامحو 6 ا فيما لم يختلف فيه الجواب أعني ما يكون به المعلق والمضاف إليه مما يمتد نحو أمرك بيدك يوم يسير فلان أو لا يمتد كأنت حر يوم يقدم وطالق يوم أتزوجك فعللوا بإمتداد المضاف إليه وعدمه والمحققون ارتفعوا عن ذلك الإيهام ومن الشارحين من حكى خلافا في الإعتبار ويشبه كونه وهما ولذا نقل اتفاقهم على اعتبار المعلق فيما يختلف فيه الجواب لو اعتبر المضاف إليه وهو ما يختلف فيه المعلق والمضاف إليه بالإمتداد وعدمه كأنت حر يوم يسير فلان
فروع قال أنت طالق إلى شهر تطلق إذا انقضى الشهر وأوقعه أبو يوسف للحال أو قبل قدوم زيد بشهر يقع إذا قدم زيد لشهر مقتصرا وقال زفر مستندا أو قبل موت زيد بشهر فمات لتمامه وقع مستندا عند أبي حنيفة وقالا مقتصرا على الموت وفائدة الخلاف تظهر في اعتبار العدة فعند أبي حنيفة تعتبر من أول الشهر ولو كان وطئها في الشهر يصير مراجعا إن كان الطلاق رجعيا ولو كان ثلاثا وطئها في الشهر غرم العقر وعندهما تعتبر العدة من الحال ولا يصير مراجعا بذلك الوطء ولا يلزمه عقر وقيل تعتبر العدة من الموت إتفاقا احتياطا وكذا إذا طلقها بائنا أو ثلاثا أو خالعها في خلال الشهر ثم مات زيد لتمام الشهر وهي في العدة لا يقع الثلاث والبائن ويبطل الخلع ويرد الزوج بدل الخلع لظهور بطلان الخلع والبائن لسبق الثلاث بالإستناد وعندهما يقع الثلاث والبائن ويصح الخلع ويصير مع الخلع ثلاثا ولو مات زيد قبل تمام الشهر لا تطلق لعدم شهر قبل الموت
____________________
(4/37)
ولو مات بعد العدة فيما إذا طلقها في أثناء الشهر ثم وضعت حملها أو لم تكن مدخولا بها فلم تجب عدة لا يقع لعدم المحل إذ المستقبل يثبت للحال ثم يستند كذا في الجامع الكبير والأسرار هذا على طريق كون الحكم هنا يثبت بطريق الإسناد وهو الأصح وقد قيل يثبت عنده بطريق التبيين ولو قال أنت طالق قبل موتي أو قبل موتك بشهر عندهما لا يقع شيء وترث منه لامتناع وقوعه مقتصرا كما هو قولهما بعد الموت وعنده يقع مستندا حتى إذا كان صحيحا في ذلك الوقت لا ترث منه وعليها العدة ثلاث حيض أما إذا مات قبل مضي تلك المدة لا يقع الطلاق ولها الميراث ولو قال آخر امرأة أتزوجها طالق أو آخر عبد أملكه حر فتزوج امرأة ثم امرأة ثم مات أو ملك عبدا ثم عبدا ثم مات يقع الطلاق والعتق عنده مستندا إلى وقت الملك والتزوج وعندهما مقتصرا حتى يعتبر العتق من جميع المال إذا كان صحيحا وقت الشراء فإن كان مريضا فمن الثلث وفي الزوجة الأخيرة تطلق من حين تزوجها حتى لا تلزمها العدة إذا لم يكن دخل بها ولا ميراث لها وان كان دخل بها فعليها العدة ولها الميراث والفرق لأبي حنيفة بين القدوم والموت أن الموت معرف والجزاء لا يقتصر على المعرف كما لو قال إن كان في الدار زيد فأنت طالق فخرج منها آخر النهار طلقت من حين تكلم وهذا لأن الموت في الابتداء يحتمل أن يقع قبل الشهر فلا يوجد الوقت أصلا فأشبه سائر الشروط في احتمال الخطر فإذا مضى شهر فقد علمنا بوجود شهر قبل الموت لأن الموت كائن لا محالة إلا أن الطلاق لا يقع في الحال لأنا نحتاج إلى شهر يتصل بالموت وأنه غير ثابت والموت يعرفه ففارق من هذا الوجه الشرط وأشبه الوقت في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر فقلنا بأمر بين الظهور والإقتصار وهو الاستناد ولو قال قبل رمضان بشهر وقع أول شعبان اتفاقا ولو قال لهما أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع حتى تموت إحداهما فإذا ماتت طلقت الأخرى مستندا عنده ومقتصرا عندهما فصل
فيه متفرقات من الإيقاع لأنه لم يقيد جهة البحث في مسائله بعارض واحد قوله ومن قال لإمرأته أنا منك طالق فليس بشيء وان نوى طلاقها ولو قال أنا منك بائن أو عليك حرام ينوي الطلاق فهي طالق وبقولنا قال أحمد وقال الشافعي ومالك ويقع الطلاق في الوجه الأول أيضا إذا نوى لأن ملك النكاح أي الملك الذي يوجبه النكاح
____________________
(4/38)
مشترك بين الزوجين حتى ملكت المطالبة بالوطء كما يملك هو المطالبة بالتمكين وكذا الجل مشترك حتى حل لكل منهما الإستمتاع بصاحبه و الطلاق لإزالته فيصح مضافا إلى كل منهما وقوله وضع لإزالتهما الضمير للملكين المدلول عليهما بقوله مشترك لأن المعنى له ملك عليها ولها ملك عليه وهذا التعليل غير مرضى عند أكثر أصحابه قالوا لو كان كذلك لم يحتج إلى نية كالإضافة إليها والمختار عندهم أن على الزوج حجرا من جهتها حتى أنه لا ينكح أختها وأربعا سواها فتصح إضافته إليه باعتبار رفع ذلك القيد لكن إضافة الطلاق إليه غير متعارف فاحتيج إلى نية ولا يخفي أنه يندفع ما أورده على الأول بالنكتة الأخيرة إذ يقال تتميما للأول وإنما احتاج إلى نية في الاضافة إليه لأنه غير متعارف قوله ولنا تحقيقه أن الطلاق لإزالة الملك الثابت بالنكاح أو القيد فمحل الطلاق محلهما وهي محلهما دونه فالإضافة إليه إضافة الطلاق إلى غير محله فيلغو بيان أنها المحل أنها هي المقيدة بالنكاح عن الخروج وعن الرجال دونه وملكها عليه إنما هو في المال كالمهر وهو بدل ملكه لأمور ترجع إلى نفسها فهي المملوكة
____________________
(4/39)
دونه ولهذا ملك هو التزوج بالكتابية ولم تملكه هي بالكتابي والنفقة بدل احتباسه إياها والحل الذي يثبت لها تبع للحل الذي يثبت له فإنه لما ملك الوطء وجب عليها التمكين ومن ضرورته حل استمتاعها به وليس الحل هو القيد الذي هو مورد الطلاق بل الجل أثره حسب ما حققناه في باب إيقاع الطلاق من أنه المنع الشرعي الخ والثابت أثر النكاح ويرجع إلى ما تقدم من أن الثابت تبعا هل يكون محلا للطلاق بخلاف الإبانة لأنها أي لفظها موضوع لإزالة الوصلة ووصلة النكاح مشتركة بينهما فصحت إضافتها إلى كل منهما عاملة بحقيقتها وبخلاف التحريم لأنه لإزالة الحل وهو مشترك فصح كذلك عاملا بحقيقته وسيأتي تمامه في الكنايات وأما حجره عن أختها وخامسة فليس موجب نكاحها بل حجر شرعي ثابت ابتداء عن الجمع بين الأختين وخمس لا حكما للنكاح ولهذا لو تزوجها مع أختها معا أو ضم خمسا معا لا يجوز قوله ولو قال أنت طالق واحدة أو لا فليس بشيء وكذا طالق أو غير طالق وطالق أو لا وبه قالت الأئمة الأربعة قال المصنف هكذا ذكر في الجامع الصغير من غير خلاف وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف آخرا وعلى قول محمد وهو قول أبي يوسف أولا تطلق واحدة رجعية كذا ذكر قول محمد في كتاب الطلاق من المبسوط فيما إذا قال أنت طالق واحدة أولا شيء أو ثلاثا أو لا شيء إنما لا يقع عليها شيء عند أبي يوسف وعند محمد تطلق واحدة رجعية ولا فرق بين المسئلتين وهما طالق وواحدة أولا واحدة أولا شيء وخص الخلاف في الأصل بين أبي يوسف ومحمد ولم يذكر قول أبي حنيفة لكن صاحب الأجناس نقل ذكره معه في الجرجانيات ولو كان المذكور هنا قول الكل بسبب أنه لم يذكر
____________________
(4/40)
خلافا فعن محمد روايتان والأوجه كون الروايتين في المسئلتين وذلك لأنه صرح بخلاف قول محمد في مسئلة أو لا شيء فدل على وفاقه في هذه المسئلة وهي مسئلة أولا وإذ لا فرق بينهما كان وفاقه هنا رواية في وفاقه في أو لا شيء وخلافه هناك رواية في مسئلة أولا قوله له أي لمحمد في إيقاعه به واحدة على هذه الرواية أنه أدخل الشك في الواحدة لدخول كلمة الشك بينها وبين النفي فيسقط اعتبار الواحدة ويبقى قوله أنت طالق يقع به واحدة بخلاف قوله أنت طالق أولا أو طالق أو غير طالق فإنه لا يقع به بالاتفاق لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع ولهما أي لأبي حنيفة وأبي يوسف أن الوصف متى قرن بذكر العدد كان الوقوع بذكر العدد واستدل على هذا بآثار إجماعية منها أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا ولو كان الوقوع بالوصف للغا ذكر الثلاث لأنها حينئذ بانت بطالق لا إلى عدة فلم تبق محلا لوقوع الزائد ومنها أنه لو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله لم يقع شيء ولو كان الوقوع بالوصف كان قوله واحدة فاصلا بين الاستثناء والمستثنى منه فلم يعمل ومنها ما لو ماتت قبل العدد واحدة أو ثلاث لم يقع شيء وقوله وهذا لأن الواقع في الحقيقة هو المنعوت بالعدد وهو المحذوف أي طالق تطليقة واحدة أو ثلاثا أو تطليقا ثلاثا كما قرره في أول الباب أما على الإنشاء فلا وقد رجع المصنف إلى طريقة الإنشاء في الفصل الذي قبل هذا في مسئلة أنت طالق أمس وقد تزوجها أول من أمس فارجع إليه والوجه هنا يتم بدون ذلك وهو ما ذكرنا من المسائل الإجماعية الدالة على أن
____________________
(4/41)
الواقع العدد عند ذكره لا الوصف قوله ولو قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك فليس بشيء لأنه أضاف الطلاق إلى حالة منافية له وهو موته وموتها لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي المحلية ولا بد من الأهلية في الوقع والمحلية في الموقع عليها وإنما كان حالة موت أحدهما منافية للنكاح لأنها حالة ارتفاع النكاح ووقوع الطلاق يستدعي حال استقراره أو المعنى على تعليقه بالموت وان كان حقيقة مع للقران ألا ترى أنه لو قال أنت طالق مع دخولك الدار تطلق به فاستدعى وقوعه تقدم الشرط وهو الموت فيقع بعد الموت وهو باطل قوله وإذا ملك الرجل امرأته أو شقصا منها أي سهما بأن كان تزوج أمة لغيره ثم اشترها جميعها منه أو سهما منها أو وهبها أو ورثها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصا منه بأن تزوجت الحرة عبد الغير ثم اشترته جميعه منه أو سهما منه أو وهبه لها أو ورثته وقعت الفرقة بينهما فسخا للمنافاة بين الملكين ملك الرقبة وملك النكاح أما في ملكها إياه فللإجتماع بين المالكية والمملوكية فيها وقد تقدم تقرير هذا في فصل المحرمات وتحريره فارجع إليه وأما في ملكه إياها فلأن ملك النكاح ضروري لأن إثباته على الحرة حاجة بقاء النسل فكان ملك النكاح في الأصل مع المنافى وهو حرية المملوكة للضرورة وقد اندفعت الضرورة بقيام ملك اليمين لثبوت الحل الأقوى به فيرتفع الأضعف الضروري للإستغناء عنه وهذا ظاهر في ملك الأمة كلها وأما في ملك بعضها فأقيم ملك اليمين مقام الحل لأنه سببه احتياطا وهذا بخلاف المكاتب إذا اشترى زوجته لا يقع بينهما فرقة لأنه لم يثبت له فيها حقيقة ملك لقيام الرق بل الثابت له حق الملك وهو لا يمنع بقاء النكاح قوله ولو اشتراها ثم طلقها لم يقع شيء لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع المنافي لا من وجه كما في ملك البعض ولا من كل وجه كما في ملك الكل وكذا إذا ملكته أو شقصا منه لا يقع الطلاق لما قلنا من المنافاة وعن محمد يقع وإنما قلنا وعن محمد لأنه لا فرق بين
____________________
(4/42)
الفصلين في عدم الوقوع في ظاهر الرواية والمنقول عن محمد في هذا الفصل في المنظومة من الوقوع فيما إذا أعتقته أما إذا لم تعتقه حتى طلقها لا يقع الطلاق بالإتفاق وتفصيل محمد على هذا أنه لا عدة هناك عليها يعني منه حتى حل له وطؤها بملك اليمين وظاهره أنه يحل تزويجه إياها كما حل له وطؤها لعدم العدة وقد قيل به نقله في الكافي قال لو زوجها سيدها الذي كان زوجها جاز ثم قال والصحيح أنه لا يجوز و تزوجها من آخر قال فعلم أنه لا تجب العدة عليها في حق من اشتراها وفي حق غيره روايتان وهذا لأن العدة إنما يجب لإستبراء الرحم عن الماء ويستحيل استبراء رحمها من ماء نفسه مع بقاء السبب الموجب للحل وإذا عرفت هذا فعلى ما هو الصحيح ينبغي عدم التفضيل لمحمد إذ قد ظهر أن العدة هناك أيضا قائمة غير أنها لا تظهر في حقه وجه قول أبي يوسف أن الفرقة متى بسبب التنافي تخرج المرأة من أن تكون محلا للطلاق وإذا خرجت من المحلية فحاجتنا إلى إثبات المحلية ابتداء بعد العتق ومجرد العدة لا يثبت المحلية ابتداء كما في النكاح الفاسد واعلم أن شمس الأئمة حكى في المبسوط الخلاف على عكس هذا ولم يخصه بما إذا ملكته بل إجراء في الفصلين فإنه ذكر مسئلة المهاجرة وهي ما إذا هاجرت فانفسخ نكاحها فهاجر بعدها وهي في العدة على قولهما لم يقع طلاقه فقال في المبسوط وقيل هذا قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد فأما على قول أبي يوسف الآخر يقع طلاقه ثم قال وهو نظير ما لو اشترى الرجل امرأته بعدها دخل بها ثم أعتقها وطلقها في العدة لا يقع طلاقه في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وفي قول أبي يوسف الآخر يقع وكذا الخلاف فيما لو اشترى المرأة زوجها يعني فأعتقته فحكى الخلاف في الصورتين قوله وان قال أي الزوج لها وهي أمة لغيره أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتقها ملك الرجعة لأنه علق التطليق إذ هو السبب حقيقة بالإعتاق أو العتق لأن اللفظ أعني العتق ينتظمهما أي ينتظم الإعتاق الذي هو فعله والعتق الذي هو وصفها أثر له ومعنى الانتظام ههنا صحة إرادة كل منهما به على البدل لا على الشمول لمنع انتظام اللفظ الواحد المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في إطلاق
____________________
(4/43)
واحد والإعتاق معنى مجازي للعتق من استعارة اسم الحكم للعلة وعلى هذا فإعماله في لفظ إياك على اعتبار إرادة الفعل به إعمال المستعار للمصدر أو على اعتبار إعمال اسم المصدر كأعجبني كلامك زيدا وأما على التجويز الآخر وهو أن يراد العتق الذي هو أثر فمشكل لأنه قاصر وإنما يعمل في المفعول المتعدي وجعل العامل العتق اسما للمصدر يرده إلى الوجه الأول لأنه يصير معبرا به عن الإعتاق فلم يكن التعليق إلا بالإعتاق فقط والوجه الثاني هو أن لا يكون كذلك بل عن العتق هذا معنى الإشكال المذكور في الكافي لحافظ الدين والعجب مما نقل في جوابه من قول من قال ليس بمشكل لأنه لما علق التطليق بالإعتاق يلزم منه تعليقه بالعتق الحاصل منه وأين هذا من صحة الإعمال وأيضا كان الوجه أن يقول المصنف بالإعتاق والعتق بالواو لا بأو وحاصل تقرير المسئلة أن مع قد تذكر للمتأخر تنزيلا له منزلة المقارن لتحقق وقوعه بعده ونفي الريب عنه كما في لآية { إن مع العسر يسرا } فصارت إن محتملة لذلك وان كانت حقيقتها خلافه فيصار إليه بموجب وقد تحقق وهو إناطة ثبوت حكم على ثبوت معنى مدخولها المعدوم حال التكلم وهو على خطر الوجود فإن الإناطة كذلك هو معنى التعليق ومعنى مدخولها المعدوم كائنا على خطر الوجود من حيث هو مناط بوجود حكم هو معنى الشرط فلزم كون الإعتاق أو العتق شرطا للتطليق فإن كان الإعتاق فيوجد تطليق الثنتين بعده مقارنا للمتأخر عن الإعتاق ويقع الطلاق المتأخر عن التطليق بعده فيصادفها حرة فيملك الزوج الرجعة وان كان العتق فأظهر هذا تقرير المصنف وقيل عليه المعلول مع العلة يقترنان كالكسر مع الانكسار في الخارج فالعتق مع الإعتاق والطلاق مع التطليق يقترنان بل الوجه أنه قرن الطلاق بالإعتاق فيكون مقرونا بالعتق وهو ضد الرق ووجود أحد الضدين مستلزم زوال الضد الآخر ولا ينبني زواله على وجود الآخر إذ لا يصح أن يقال وجد السكون فزالت الحركة أو وجد الحركة فزال السكون لأنه يستلزم اجتماع الضدين بل وجود أحدهما يقترن بزوال الآخر فيثبت زوال الرق مع العتق فيقع الطلاق عليها حال وجود العتق وهي حالة زوال الرق فلا توجب التطليقتان حرمة غليظة في الحرة فيملك الرجعة وهذا
____________________
(4/44)
ينبني على أحد القولين في أن المعلول مع العلة يقترنان في الخارج أو يتعقبها بلا فصل وعلى أن حالة الدخول في الوجود كحالة الوجود بعد تقرره وعدم خروج مع عن المقارنة وأطبق العقلاء على أن الشيء زمن ثبوته ليس بثابت وأنت قد علمت أن المعنى على خروجها وتقرر الشرط والجزاء يعقبه إذ ليس هو علة فليس العتق علة للطلاق بل علة الطلاق تعمل عنده وسنذكر ما عندنا في العلة والمعلول وأورد على هذا ما لو قال لأجنبية أنت طالق مع نكاحك حيث يأتي فيه التقرير المذكور مع أنه لا يقع إذا تزوجها وأجيب بأنه للمانع وهو عدم ملكه ذلك وإنما يملك اليمين فإذا لزم بذكر حروفه أعني إن ونحوه بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق صح ضرورة صحة اليمين ومرجع هذا إلى أنه إنما يملك التعليق الصريح قبل النكاح بخلاف ما بعده ولقائل أن يقول الدليل إنما قام على ملكه اليمين المضافة إلى الملك فتعلق بما يوجب معناها كيفما كان اللفظ والتقييد بلفظ خاص بعد تحقق المعنى تحكم ولذا قال في الدراية هذا الجواب لم يتضح لي فإنه يملك تعليق الطلاق بالنكاح ويمكن تصحيح كلامه على اعتبار معنى الشرط فينبغي أن يحمل عليه قوله ولو قال أي لامرأته الأمة إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين وقال لها المولى إذا جاء غد فأنت حرة فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعدتها ثلاث حيض وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد زوجها يملك الرجعة ولم يذكر الاختلاف على رواية أبي سليمان بل على رواية الشيخ أبي حفص وجه هذه الرواية أن الزوج قرن الإيقاع بإعتاق المولى حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى عتقها والمعلق إنما ينعقد سببا عند الشرط والعتق يقارن الإعتاق لأنه علته
____________________
(4/45)
أصله الاستطاعة مع الفعل الذي يقام بها فيقترنان في الخارج فيكون التطليق الذي هو السبب مقارنا للعتق المقارن للإعتاق فتطلق بعد العتق وصار كالمسئلة الأولى ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض ولهما أنه علق الطلاق بما علق به المولى العتق ثم العتق يصادفها أمة فكذا الطلاق والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة بخلاف المسئلة الأولى فإنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه وبخلاف العدة لأنه يؤخذ فيها بالاحتياط وكذا الحرمة الغليظة ثم رد المصنف قول محمد بقوله ولا وجه إلى ما قال لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته فالطلاق يقارن التطليق لأنه علته فيقترنان أي فيقترن الطلاق بالعتق فيصادفها على ما صادفها عليه العتق وهي أمة فتحرم وحقيقة محل الغلط في تقرير قول محمد من جعل العتق شرطا على ما يعطيه قوله والمعلق إنما ينعقد سببا عند الشرط يعني فلا ينعقد التطليق سببا إلا عند وجود العتق المقارن للإعتاق لكنه ليس كذلك بل الشرط مجيء اليوم كما هو الشرط في الإعتاق فإن كانت العلة مع المعلول يلزم أن عند مجيء الغد يقترن كل من التطليق والإعتاق والطلاق والعتق فينزل الطلاق حسبما ينزل العتق وهي أمة فتحرم حرمة غليظة وإذ قد بعد هذا التوجيه لمحمد وجه بتوجيهات أخر أحدها أنه اعتبر قول القرآن في العتق والتعاقب في الطلاق في هذه المسئلة لكون الإعتاق مندوبا فلتعتبر سرعة نزوله والتطليق محظور فيعتبر متأخرا نظيره البيع الصحيح ينزل الملك فيه بمجرد العقد والفاسد يتأخر فيه إلى القبض للخطر وتوضيحه أنه ينزل عند وجود الغد التطليق والإعتاق والعتق مقترنة وينزل الطلاق بعدها وهي حرة وهذه في البين اعلم أن العقلاء اختلفوا في العلة مع المعلول فذهبت طائفة إلى أن المعلول يعقبها بلا فصل والجمهور على انهما معا في الخارج وطائفة منهم خصوا العلل الشرعية فجعلوها تستعقب المعلول لأنها اعتبرت كالأعيان باقية فأمكن فيها اعتبار الأصل وهو تقدم المؤثر على الأثر بخلاف نحو الاستطاعة مع الفعل لأنها عرض لا يبقى فلم يمكن اعتبار تقديمها وإلا بقي الفعل بلا قدرة والذي نختاره التعقيب
____________________
(4/46)
في العلل الشرعية والعقلية حتى إن الانكسار يعقب الكسر في الخارج غير أنه لسرعة إعقابه مع قلة الزمن إلى الغاية إذا كان آنيا لم يقع تمييز التقدم والتأخر فيهما وهذا لأن المؤثر لا يقوم به التأثير قبل وجوده وحالة خروجه من العدم لم يكن ثابتا فلا بد من أن تكمل هويته ليقوم به عارضه وإلا لم يكن مؤثرا والله أعلم وثانيها أن المعلق كالمرسل عند الشرط فكأن المولى والزوج أرسلا عنده فيسبق وقوع الأوجز وأنت حرة أو جز من أنت طالق ثنتين فتطلق بعد الحرية ثنتين فلا تحرم بهما وثالثها لما تعلقا بشرط واحد طلقت زمن نزول الحرية فيصادفها حرة لاقترانهما وجودا ولأن الملك كان ثابتا بيقين فلا يزول بالشك قلنا التعلق بشرط واحد يقتضي أن يصادفها على الحالة التي صادفها عليها العتق وهي الرق فتغلظ الحرمة بلا شك فبطل الأخير وإطباق العقلاء على أن الشيء زمن خروجه من العدم ليس بثابت فانتفى ما قبله والوقوع عند الشرط لا يتوقف على مضي قدر التكلم من الزمان بل بمجرد نزوله ينزل في أول آن يعقبه لأنه نزول حكم فبطل ما قبلهما ورفع الأثر في البيع الفاسد لما أمكن وهو مطلوب شرعا أخر إلى غاية يناسب التأخير إليها أعني القبض الذي له شبه بالعقد على ما عرف في الفصل الذي يلي باب المهر أما ما نحن فيه فلو أمكن رفعه لم يكن بعد وجود الشرط غاية يناسب اعتبار تأخير ثبوته إليها كما هو في البيع فكيف وهو غير ممكن الرفع ولا الدفع فلا فائدة في تأخيره بل هو محل بالاحتياط فبطل الأول فصل في تشبيه الطلاق ووصفه
قوله ومن قال لامرأته أنت طالق هكذا يشير بالإبهام والسبابة والوسطى فهي ثلاث طعن على محمد في لفظ السبابة إذ الاسم الشرعي المسبحة وأجيب بأن في بعض النسخ السباحة وبأنه ورد أيضا في رواية ابن عباس رضي الله عنهما في صفة طهوره صلى الله عليه وسلم أدخل السبابتين في أذنيه كما قدمناه في كتاب الطهارة وبأن الأعلام لا توجب تحقق معانيها في مسمياتها وهذا منتف فان الاعتراض ليس باعتبار تحقق المعنى بل بالعدول عن الاسم الشرعي إلى الشنيع والدفع برواية ابن عباس بناء على الظاهر من نقل الحديث باللفظ وإلا لو قيل كون الاسم الشرعي في المسبحة يوجب كون الحديث نقلا من بعض الرواة بالمعنى حملا على تحاقى ابن عباس عنه فالأولى اعتبار تلك النسخة ونسبة غيرها إلى التصحيف وان كانت هي أيضا غلطا لغة من جهة الاشتقاق لأن الفعل سبح وفعال مبالغة في فاعل و ليس منه فاعل بل الوصف منه مسبح وأما سباح فإنما هو من سبح في الماء سباحة
____________________
(4/47)
ثم شرع في الوجه فقال لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت بالعدد المبهم يعني لفظ هكذا وهذا غلظ لفظا ومعنى إما لفظا فلأن التي يكنى بها عن العدد كذا ولم يستعمل قط بها التنبيه والمستعمل بها ما يقصد فيه معاني الأجزاء نحو أهكذا عرشك يقصد بالهاء التنبيه وبالكاف التشبيه وبذا الإشارة وهذا هو المراد هنا وفي الحديث فقوله أنت طالق هكذا تشبيه بالعدد المشار إليه وهو العدد المفاد كميته بالأصابع المشار إليه بذا بخلاف كذا الكناية فإنها لم تقصد فيها معاني الأجزاء بل كلمة مركبة للدلالة على مبهم الجنس أو غيره كما في الخبر يقال للعبد أتذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا ثم مميز هذه ليس إلا ما يبين الجنس لا الكمية لأنها وضعت لقصد إبهام الكمية نحو ملكت كذا عبدا ولا يقال كذا درهما عشرين ولا كذا عشرين درهما فليس هذا استعمالا عربيا وهذا هو غلط المعنى قوله قال رسول صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا الخ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا و هكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا و هكذا يعني تمام ثلاثين متفق عليه وان أشار بواحدة فهي واحدة وان أشار بالثنتين فهما ثنتان لما قلنا والإشارة تقع بالمنشورة ولو نوى الإشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء وكذا إذا نوى الإشارة بالكف في الدراية الإشارة بالكف أن تقع الأصابع كلها منشورة فالذي يثبت بالنية منه أن تكون الأصابع الثلاث منشورة فقط حتى تقع في الأولى ثنتان ديانة وفي الثانية واحدة لأنه يحتمله لكنه خلاف الظاهر وقيل إن أشار بظهورها بأن جعل باطنها إليه وظاهرها إلى المرأة فبالمضمومة وقيل إن كان بطن كفه إلى السماء فبالمنشورة وان كان إلى الأرض فبالمضمومة وقيل إن كان نشرا عن ضم فبالمنشورة للعادة وهذا قريب والمعول عليه إطلاق المصنف ولا يخفي أن قوله بالإبهام والسبابة
____________________
(4/48)
والوسطى ليس بقيد قوله ولو لم يقل هكذا يعني قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل هكذا يقع واحدة لأنه لم يقترن بالعدد المبهم وعرفت أن الصواب أن يقال لأنه لم يقترن بالتشبيه المتقدم قوله وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة أو الزيادة كان بائنا مثل أن يقول أنت طالق بائن أو البتة وقال الشافعي يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول وبقوله قال مالك واحمد لأن الطلاق شرع معقبا للرجعة فكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو لأنه تغيير المشروع فصار كسلام من عليه السهو بقصد القطع لا يعمل قصده ويجب عليه سجود السهو وكقوله وهبتك على أن يثبت ملكك قبل القبض أو طالق على أن لا رجعة لي عليك ولنا أنه وصف الطلاق بما يحتمله وهو البينونة فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول في الحال وكذا عند ذكر المال وبعده بعد العدة فيقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين أما إذا نوى الثلاث فثلاث لما مر من أن اسم الواحدة لا يحتمل العدد المحض ولو سلم فالفرق أن لا رجعة تصريح بنفي المشروع وفي مسئلتنا وصفة بالبينونة ولم ينف الرجعة صريحا بل يلزم ضمنا ويرد عليه أنه لو أحتمل البينونة لصحت إرادتها بطالق وتقدم في إيقاع الطلاق عدم صحتها وأجيب بأن عمل النية في الملفوظ لا في غيره ولفظ بائن ما صار ملفوظا بالنية بخلاف طالق بائن وفيه نظر إذ ليس معنى عمل النية في الملفوظ إلا توجيهه إلى بعض محتملاته فإذا فرض للفظ ذلك صح عمل النية فيه وقد فرض بطالق ذلك فتعمل فيه النية ولا تكون عاملة بلا لفظ بل ربما يعطي هذا الجواب افتقار طالق بائن في وقوع البينونة إلى النية وليس كذلك وان قلنا في الجواب عدم صحة النية ليس لعدم الاحتمال بل لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بإنقضاء العدة وبه علله المصنف هناك ورد عليه أن تغيير المشروع كما منع من صحة النية يجب أن يمنع من صحة اللفظ إذا كان مغيرا نعم لو كانت البينونة بلفظ بائن على أنه وصف للمرأة كطالق لا وصف لطالق لكن ذلك منتف لأنه إذا عناها وصفا للمرأة تقع ثنتان وهو ما ذكره المصنف بقوله ولو عنى بأنت
____________________
(4/49)
طالق واحدة بقوله بائن أو البتة أخرى تقع تطليقتان بائنتان على أن التركيب خبر بعد خبر لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع ولو أمكن أن يقال الإيقاع ببائن وصفا لها وطالق قرينته فاستغنى به عن النية فلم يحتج إليها كما يحتاج إلى النية لو أفرد لم يبعد لكن فيه ما فيه ثم بينونة الأولى ضرورة بينونة الثانية إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك رجعتها وذلك منتف بإتصال البائنة الثانية فلا فائدة في وصفها بالرجعية وكل كناية قرنت بطالق يجري فيها ذلك فيقع ثنتان بائنتان قوله وكذا إذا قال أنت طالق أفحش الطلاق معطوف على أنت طالق بائن في الأحكام الأربعة وقوع الواحدة بائنة إذا لم ينو شيئا أو نوى ثنتين والثلاث بالنية ولو عنى بطالق واحدة وبأفحش الطلاق أخرى يقع ثنتان وإنما وقع البائن لأنه أي الطلاق إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره وهو قطع النكاح في الحال في البائن ومؤجلا بالانقضاء في الرجعى وأفعل للتفاوت وهو يحصل بالبينونة فإنه أفحش مما يثبت به مؤجلا أعني الرجعى فصار كقوله بائن وكذا إذا قال أخبث الطلاق أو أسوأه أو أشره أو أخشنه أو أكبره أو أغلظه و أطوله وأعرضه وأعظمه كلها مثل أفحشه وسنذكر جواب أنه لم لم يقع ثلاث وكذا طلاق الشيطان أو طلاق البدعة يقع به واحدة بائنة بلا نية لأن الرجعي هو السني فيكون البدعى وطلاق الشيطان هو البائن وفي عبارته تساهل إذ ليس الرحعي هو السني بل أعم لأنه لو طلقها في الحيض كان رجعيا وليس سنيا
____________________
(4/50)
وعن أبي يوسف في قوله أنت طالق للبدعة لا يكون بائنا إلا بالنية لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في الحيض كما تكون بالبينونة فلا بد من النية ولو قال أقبح الطلاق فعند أبي يوسف رجعي لاحتماله القبح الشرعي والطبيعي بأن يطلقها في وقت يكره فيه الطلاق طبعا كذا ذكر وكأنه الطهر الخالي عن الجماع فتجتمع الكراهة الطبيعية والشرعية أو يراد وقت تتفتى نفرة الطباع فيه عن الطلاق وعند محمد بائن حملا له على المنهى عنه قوله وعن محمد أنه إذا قال أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيا لما ذكرنا في وجه الرواية عن أبي يوسف قوله وكذا إذا قال كالجبل لأن التشبيه بالجبل يوجب زيادة العظم فتحصل بإثبات زيادة الوصف البينونة وكذا إذا قال مثل الجبل لما قلنا وقال أبو يوسف يكون رجعيا لأن الجبل شيء واحد فكان التشبيه في توحده يعني يمكن ذلك فلا تثبت البينونة بالشك قلنا المعروف الذي هو كالصريح أن التشبيه بالجبل إنما يراد في الثقل أو العظم فيثبت المشتهر قضية للفظ وتتوقف الوحدة على النية بينه وبين الله تعالى أما القاضي فلا يصدقه فيها قوله ولو قال لها أنت طالق أشد الطلاق أو كألف أو ملء البيت فهي واحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا أما الأول وهو قوله أشد الطلاق فلأنه وصفه بالشدة فإن قيل بل بالأشدية فيجب وقوع الثلاث وكذا كل ما كان مثله مثل أقبح الطلاق أجيب بأن أفعل يراد به أيضا الوصف كقولهم الأشج والناقص أعدلا بني مروان أي عادلاهم فلا يحمل على الثلاث بالاحتمال ولا يخفي أن الاعتبار للظاهر ولذا ثبت البائن كالجبل مع احتمال إرادة كون وجه التشبيه الوحدة والأوجه أن هذا الاحتمال يجعل ظاهرا لحرمة الثلاث فيصار إلى الواحدة البائنة وتتوقف الثلاث على النية ثم قوله وإنما تصح نية الثلاث لذكره المصدر فإن المعنى طالق طلاقا هو أشد
____________________
(4/51)
الطلاق والحاصل أن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه فكان أشد معبرا به عن المصدر الذي هو الطلاق قوله وأما الثاني وهو قوله كألف فقد يراد به التشبيه في القوة كما يقال زيد كألف رجل أي بأسه وقوته كبأسهم وقوتهم وقد يراد به التشبيه في العدد فيصير كما لو نص على العدد فقال كعدد ألف أو قدر عدد ألف وفيه يقع ثلاث اتفاقا فتصح نية كل من الأمرين وعند فقدانها يثبت أقلهما وعند محمد يقع الثلاث عند عدم النية لأنه عدد فيراد به التشبيه في العدد ظاهرا فيصير كقوله طالق كعدد ألف ومعلوم أن التشبيه بالعدد ليس له معنى في خصوص الكمية وإلا لقال أنت طالق ألفا إذ لا معنى لقوله ألف تشبه هذه الألف فإنه يستقيم في الكثرة أي طالق عددا كثيرا ككثرة الألف والكثرة التي تشبه كثرة الألف ما يقاربها فلا بد أن يزيد على اثنين فيقع الثلاث قلنا كون التشبيه به في القوة أشهر فلا يقع الآخر إلا بالنية بخلاف عدد الألف وعلى هذا الخلاف مثل ألف أما لو قال واحدة كألف فهي واحدة بائنة بالإجماع ولو شبه بالعدد فيما لا عدد به فقال طالق كعدد الشمس أو التراب أو مثله فعند أبي يوسف رجعية واختاره إمام الحرمين من الشافعية لأن التشبيه بالعدد فيما لا عدد له لغو ولا عدد للتراب وعند محمد يقع الثلاث وهو قول الشافعي وأحمد لأنه يراد بالعدد إذا ذكر الكثرة وفي قياس قول أبي حنيفة واحدة بائنة لأن التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة كما مر أما لو قال مثل التراب يقع واحدة رجعية عند محمد وعنه في كالنجوم تقع واحدة وكعدد النجوم ثلاث والفرق له بين هذا وبين قوله كألف أن الألف موضوع للعدد فيكون التشبيه به للكثرة بخلاف النجوم فيحتمل التشبيه في النور ولو قال كثلاث فهي واحدة بائنة عند أبي يوسف وثلاث عند محمد كما قال كعدد ثلاث وهذا ضعيف لأنه تشبيه العدد بالعدد في خصوص الكمية وفيه ما ذكرناه آنفا وفي كافي الحاكم لو قال أنت طالق أكثر الطلاق فهي ثلاث لا يدين فيها إذا قال نويت واحدة أه
ولو أضافه إلى عدد معلوم النفي كعدد شعر بطن كفي أو مجهول النفي والإثبات كعدد شعر إبليس أو نحوه تقع واحدة أو من شأنه الثبوت لكنه كان زائلا وقت الحلف بعارض كعدد شعر ساقي أو ساقك وقد تنورا لا يقع لعدم الشرط قوله وأما الثالث هو قوله ملء البيت فلآن الشيء قد يملأ البيت لعظمه في نفسه وقد يملأه لكثرته فأي ذلك نوى صحت نيته وعند عدم النية يثبت الأقل وهو ظاهر قوله ثم الأصل الأصل أنه إذا وصف الطلاق بما لا يوصف به يلغو الوصف ويقع رجعيا نحو طلاقا لا يقع
____________________
(4/52)
عليك أو على أني بالخيار وان كان يوصف به فإما أن لا ينبئ عن زيادة في أثره كقوله أحسن الطلاق أسنه أجمله أعدله خيره أكمله أتمه أفضله فيقع به رجعيا وتكون طالقا للسنة في وقت السنة وان نوى ثلاثا فهي ثلاث للسنة وفي مختصر الطحاوى لو قال أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة كانت طالقا ويملك رجعتها حائضا كانت أو غير حائض ولم تكن هذه التطليقة للسنة قال وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أنها طالق تطليقة للسنة كما لو قال أنت طالق أحسن الطلاق أو ينبئ كأشده وأطوله يقع به بائنا وأما تشبيهه فكلمتهم على أنه بائن عند أبي حنيفة أي شيء كان المشبه به كرأس إبره وكحبة خردل أو كسمسمة لاقتضاء التشبيه الزيادة وعند أبي يوسف إن ذكر العظم فكذلك وإلا فرجعى أي شيء كان المشبه به ولو كان عظيما لأن التشبيه قد يكون من حيث التوحيد والتجريد والعظم للزيادة لا محالة وعند زفر إن كان المشبه به مما يوصف بالعظم عند الناس فبائن وإلا فرجعى ذكر العظم أو لا وبيان الأصول في مثل رأس إبرة عند أبي حنيفة بائن وعند أبي يوسف رجعي إلا أن يقول كعظم رأس إبرة فحينئذ هو بائن وعند زفر رجعية وفي كالجبل بائن عند أبي حنيفة وزفر رجعي عند أبي يوسف إلا أن يقول كعظم الجبل ولو قال مثل عظمه فهو بائن عند الكل وقول محمد قيل مع أبي حنيفة وقيل مع أبي يوسف هذا كله عند عدم النية أما لو نوى الثلاث في هذه الفصول صحت نيته لأن الواقع بها بائن والبينونة تتنوع إلى غليظة وخفيفة وفي شرح الكنز كالثلج بائن عند أبي حنيفة وعندهما إن أراد به بياضه فرجعي وان أراد به برده فبائن أه وهذا يقتضي أن أبا يوسف لا يقصر البينونة في التشبيه على ذكر العظم بل يقع بدونه عند قصد الزيادة وكذا يبعد كل البعد أن يقع بائن عند أبي حنيفة لو قال أنت طالق كأعدل الطلاق وكأسنه وكأحسنه والله سبحانه أعلم قوله ولو قال أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة فهي واحدة بائنة لأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه وهو البائن وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض فهو
____________________
(4/53)
البائن أيضا وعن أبي يوسف أنه يقع بها رجعية لأن هذا الوصف لا يليق به فيلغو وفي الكافي للحاكم لو قال أنت طالق طول كذا وكذا أو عرض كذا وكذا فهي واحدة بائنة ولا يكون ثلاثا وان نواها لأن الطول والعرض يدلان على القوة لكنهما يكونان للشيء الواحد فكأنه قال طالق واحدة طولها كذا وعرضها كذا فلم تصح نية الثلاث قوله ولو نوى الثلاث في هذه الفصول صحت نيته لتنوع البينونة الخ أراد بالفصول ما ذكره من قوله طالق بائن أو البتة أو أفحش الطلاق أو أخبثه أو أسوأه وطلاق الشيطان والبدعة وأشده كألف وملء البيت ومثل رأس إبرة ومثل الجبل وطالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة لأنها كلها بوائن والبينونة تتنوع إلى خفيفة وغليظة وكذا ذكر الصدر الشهيد وقال العتابي الصحيح أنه لا تصح نية الثلاث في طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة لأنه نص على التطليقة وإنها تتناول الواحدة ونسبه إلى شمس الأئمة ورجح بأن النية إنما تعمن في المحتمل وتطليقة بناء الوحدة لا تحتمل الثلاث فصل في الطلاق فبل الدخول
لما كان النكاح للدخول كان الطلاق بعده على الأصل لأن الأصل حصول غرض الشيء بعد وجوده وقبله بالعوارض فقدم ما بالأصل على ما بالعوارض قوله وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا قبل الدخول وقعن عليها لأن الواقع مصدر محذوف لأن معناه طلاقا أي تطليقا ثلاثا على ما بيناه في الفصل وفي باب إيقاع الطلاق أن
____________________
(4/54)
الواقع عند أنت طالق مصدر هو تطليق يثبت مقتضى وهو الموصوف بالعدد وطلاقها أثره وبه دفع قول الحسن البصرى وعطاء وجابر بن زيد أنه لا يقع عليها واحدة لبينونها بطالق ولا يؤثر العدد شيئا ونص محمد قال إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا جميعا فقد خالف السنة وقد أثم بربه وان دخل بها أولم يدخل سواء ثم قال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي وأبن مسعود وابن عباس وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين ولا ينافي قول الإنشاء أن يكون عند ذكر العدد يتوقف الوقوع على ذكر العدد وكونه وصفا لمحذوف أما لو قال أوقعت عليك ثلاث تطليقات فانه يقع الثلاث عند الكل قوله وان فرق الطلاق بانت بالأولى ولم تقع الثانية وذلك كقوله أنت طالق طالق طالق لأنه ليس في آخر الكلام ما يغير أوله ليتوقف أوله فلم يقع بطالق الأول شيء فإن قيل لو قال بالواو طالق وطالق و طالق أو طالق واحدة وواحدة و واحدة فالحكم كذلك مع أن الواو للجمع وهو يغير حكم التفريق إذ الحاصل به كالحاصل بطالق ثلاثا وحكمهما مختلف لأن في التفريق تبين بواحدة فينبغي أن يتوقف الصدر فيقع الثلاث كما قال مالك واحمد قلنا الجمع الذي يباين التفريق حكما هو الجمع بمعنى لمعية المغير له كلفظ ثلاثا ونحوه وليس الواو للجمع بهذا المعنى بل لجمع المتعاطفات في معنى العامل اعم من كونه على وجه ألمعية وعلى تقدم بعض المتعاطفات بها في تعلق معنى العامل به وتأخره وكل من الجمع بمعنى ألمعية ومن الجمع بمعنى ترتب المتعاطفات على الترتب اللفظي وعكسه أفراده ولا دلالة للأعم على الأخص فليس للواو دلالة على الجمع بمعنى ألمعية بل تصدق معه كما تصدق مع التعاقب في التعلق فلم يكن ذكرها بالضرورة ذكر مغير لعدم الدلالة على ما يوجب التغير وهو ألمعية ولأن الحكم بتوقف الصدر يتوقف على الحكم بأنها في التركيب للمعية وإذا علمت أنها لا تتعرض إلا للقدر المشترك لم يجب اعتبارها للفرد الذي وهو ألمعية بعينه وليس هو بأولى من اعتبارها للفرد الذي هو التعاقب في معنى العامل وبعدم اعتبارها للمعية يعمل كل لفظ عمله فتبين بالأولى فلا يقع ما بعدها غير متوقف ذلك على اعتبارها للترتيب فاندفع ما قيل لو لم يتوقف لعدم اعتبارها للمعية لزم اعتبارها للترتيب واما وقوع الثلاث على غير المدخول بها إذا قال أنت طالق إحدى وعشرين ووقوع الثنتين في قوله لها أنت طالق واحدة ونصف واحدة فليس للتوقف بسبب إيجاب الواو ألمعية بل لأنه اخضر ما يلفظ به إذا أراد الإيقاع بهذه
____________________
(4/55)
الطريقة وهو مختار في التعبير لغة وان لم يكن مختارا في إحدى وعشرين شرعا إلا أن الشرع لم ينف حكمه إذا تكلم به وذكر شمس الأئمة في المسئلة خلاف زفر فلا عنده إلا واحدة لوجود العطف فيسبق الواقع الأول أما لو قال أنت طالق إحدى عشر فإنه يقع الثلاث بالإتفاق لعدم العاطف ووقوع الثلاث عليها إذا قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت شئت واحدة وواحدة وواحدة لأن تمام الشرط بآخر كلامها وما لم يتم الشرط لا يقع الجزاء واعلم أن شمس الأئمة حكى بين أبي يوسف ومحمد خلافا في نحو أنت طالق وطالق وطالق أن عند أبي يوسف تبين قبل أن يفرغ من الكلام الثاني وعند محمد بعد فراغه منه لجواز أن يلحق بكلامه شرطا أو استثناء ورجح في أصوله قول أبي يوسف أنه ما لم يقع الطلاق لا يفوت المحل فلو توقف وقوع الأولى على التكلم بالثانية لوقعا جميعا لوجود المحل للثلاث حال التكلم بها ولا يخفى أن النظر إلى تعليل محمد بتجويز أن يلحقه مغير يفيد أن المراد تأخر ظهور وقت الوقوع فإن مقتضاه إنما هو أنه إذا ألحق تبين عدم الوقوع وإذا لم يلحق تبين الوقوع من حين تلفظ بالأول وهذا لا ينفيه أبو يوسف فلا خلاف في المعنى بينهما قوله وهذه أي المسائل الثلاث تجانس ما قبلها من حيث المعنى وهو فوات المحل عند الإيقاع فلا يقع شيء غير أن فواته في هذه بالموت فلا يقع شيء كما لو قال أنت طالق أن شاء الله فماتت قبل أن يقول أن شاء الله لا يقع عليها شيء وفيما قبلها بالطلاق فيقع الأول دون ما بعده وقوله ولو قال أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة وقعت واحدة والأصل فيه أنه إذا ذكر شيئين وأدخل بينهما ظرفا إن قرنها بهاء الكناية أي أضيفت كلمة الظرف إلى ضمير
____________________
(4/56)
الأول كانت صفة للمذكور آخرا كجاءني زيد قبله عمرو وان لم يقرنها بها بل أضيفت إلى ظاهر كجاء زيد قبل عمرو كان صفة للأول بالضرورة ولأنها حينئذ خبر عنه أما إذا قرن بها ارتفع عمرو المتأخر بالابتداء ويكون الظرف خبره والخبر وصف للمبتدأ وحينئذ القبلية في واحدة قبل واحدة صفة للأولى فتطلق واحدة تقع قبل الثانية المذكورة في اللفظ أعني المضاف إليها لفظة قبل قد يلحقها الثانية وفي قبلها واحدة صفة للأخيرة لأنها المبتدأ المخبر بالظرف عنه والجملة موصوف بمضمونها واحدة الأولى فقد أوقع واحدة موصوفة بقبلية أخرى لها ولا يقدر عليه إذ لم يكن في الواقع لها وجود سابق على الموقعة فيحكم أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال فيقترنان فيقعان وإذا كان الظرف لفظة بعد ففي واحدة بعد واحدة يكون صفة للأولى فقد أوقع واحدة موصوفة بأنها بعد أخرى وهو معنى قبلية أخرى لها ولا قدره على تقديم ما لم يسبق للوجود على الموجود فيقترنان بحكم أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال فيقعان وفي واحدة بعدها واحدة أوقع واحدة موصوفة ببعدية أخرى لها فوقعت الأولى قبلها فلا تلحق الثانية غير المدخول بها وأما إذا قال واحدة معها واحدة أو مع واحدة فلا فرق في الحاصل لأن مع للقران فيتوقف الأول على الثاني تحقيقا لمعناها وعن أبي يوسف في قوله معها واحدة تقع واحدة لأن الكناية تستدعي سبق المكنى عنه قلنا وقد وجد وهي واحدة التي هو مرجع الضمير إذ قد سبق لفظها غير أنه يجب التوقف لاتصال المغير وهو المعية المانعة من انفراد السابق الحكم الذي هو مقتضاه من حيث هو منفرد لفظا وان عنى سبق وجوده فممنوع ومن مسائل قبل وبعد ما قيل منظوما
** في فتى علق الطلاق بشهر قبل ** ما بعد قبله رمضان **
____________________
(4/57)
وصوره ثلاث لأنه إما أن يكون جميع ما ذكر بلفظ قبل أو جميعه بلفظ بعد أو جمع بينهما ففي الجمع كالبيت يلغي قبل ببعد فيبقي شهر قبله رمضان فيقع في شوال وفي نحوه ثلاث صور أخرى وذلك لأنه لا يخلو من أنه إذا كرر لفظة قبل مرة واحدة أن يتخلل بينهما بعد كما في البيت وقد عرفت حكمه أو لا يتخلل بل يكون المذكور محض قبل نحو في شهر قبل ما قبل قبله رمضان فيقع في ذي الحجة ومن أنه إذا كرر لفظه بعد مرة واحدة أن يتخلل بينهما قبل قلب البيت وحكمه أنه يلغي بعد بقبل فيبقى شهر بعد رمضان فيقع في شعبان أو لا يتخلل بل المذكور محض بعد نحو في شهر بعد ما بعد بعده رمضان فيقع في جمادى الآخر قوله وفي المدخول بها يعني أن ما ذكرناه من التفصيل في قبل واحدة وقبلها واحدة وبعد واحدة وبعدها واحدة هو في غير المدخول بها أما في المدخول بها فيقع ثنتان في الوجوه كلها أي في قبل واحدة وقبلها واحدة وبعد واحدة وبعدها واحدة واستشكل في واحدة قبل واحدة لأن كون الشيء قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير على ما ذكر محمد في الزيادات نحو قوله تعالى { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } { لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي } وقول النبي صلى الله عليه وسلم خللوا أصابعكم قبل أن يتخللها نار جهنم وأجيب بأن اللفظ أشعر بالوقوع وكون الشيء قبل غيره يقتضي وجود ذلك الغير ظاهرا وان لم يستدعه لا محالة والعمل بالظاهر واجب ما أمكن قوله ولو قال لها أي لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت وقع عليها واحدة عند أبي حنيفة وقالا ثنتان ولو قدم الجزاء فقال أنت طالق واحدة وواحدة فان دخلت الدار فدخلت طلقت ثنتين بالاتفاق لهما أن الواو للجمع المطلق أي لجمع المتعاطفات مما قبلها وما بعدها في الحكم سواء كان عاملا كجاء زيد وعمرو
____________________
(4/58)
أو لا كزيد وعمرو وبكر جاءوا مطلقا أي بلا قيد معية أو ترتب بل أعم من ذلك يصدق مع كل منهما فقد جمع بين الواحدة والواحدة في التعليق بدخول الدار فصار كما إذا جمع بينهما بلفظ الجمع بأن قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثنتين وكما إذا أخر الشرط والمسئلة بحالها وهذا التفريق اللفظي لا أثر له لأنه في حال التكلم يتعلق الطلاق لا في حال التطليق تنجيزا بخلاف قوله لغير المدخول بها أنت طالق واحدة وواحدة لأنه في حال الإيقاع ولا موجب لتوقف الأول فيقع أما هنا فتوقف فيتعلق الكل دفعة ثم ينزلن كذلك فيقع الكل ولو سلم التعاقب في التعليق فالمتعلقات بشرط واحد على التعاقب تنزل جملة عند وجوده كما لو حصل بأيمان تتخللها أزمنة كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم بعد زمان قال إن دخلت فأنت طالق فدخلت يقع الكل اتفاقا وقول المصنف كما إذا نص على الثلاث غير مناسب للصورة وكذا فيتعلقن ويقعن قوله وله أن الجمع المطلق الذي هو معنى الواو يحتمل عند وقوع الواو في الاستعمال أن يراد من حيث هو في ضمن القران أو الترتيب وهذا لأنه لا يراد في الاستعمال الخاص الأعم إلا من حيث هو في ضمن أحد أخصائه وعلى الاعتبار الثاني وهو أن يراد الجمع بوصف الترتيب لا يقع إلا واحدة كما إذا نجز الثلاث بالواو لغير المدخول بها يقع لملاحظة هذا الاعتبار ويلغو ما بعدها لفوات المحل فهكذا هذا لأنه حينئذ يكون المراد إن دخلت فأنت طالق واحدة وبعدها واحدة أخرى وبعدها أخرى ويفوت المحل بالأولى وعلى اعتبار إرادة المعية ينزل الكل ولا تتعين لأحد الجائزين ونزول الطلاق عند الشرط لا بد منه فتنزل واحدة ولا ينزل الزائد بالشك وتقرير الأصول أن الأول تعلق قبل الثاني لعدم ما يوجب توقفه وتعلق الثاني بواسطته والثالث بواسطتهما فينزل على الوجه الذي وقع عليه التعلق بخلاف مسئلة تكرار الشرط لأن تعلق الثاني بغير شرط الأول ليس بواسطة الأول لأن كلا منهما جملة مستقلة فتعلق بالشرط الواحد طلقات ليس منها شيء بواسطة شيء فينزلن جميعا عند الشرط وبخلاف ما إذا تقدم الجزاء لأن تأخر الشرط موجب لتوقف الأول لأنه مغير فتعلق الكل فيه دفعة فينزل دفعة ونقص بما لو قال لغير المدخول بها إن دخلت فأنت طالق واحدة لا بل ثنتين فدخلت يقع ثلاث ولو نجز بهذا اللفظ وقع واحدة وأجيب بأن لابل لاستدارك الغلط بإقامة الثاني بدل الأول ولا يمكن في الطلاق فيتعلق الأول ويصح تعلق الثاني لبقاء محل التعليق بعد تعلق الأول فيتعلق بلا واسطة كأنه أعاد الشرط لتعليق ثنتين وحعله يمينين فإذا وجد الشرط وقع الكل جملة بخلاف ما إذا نجز لأنها بانت بالأولى فلم تبق محلا لإيقاع الثنتين وقولهما أرجح وقوله تعلق الثاني بواسطة تعلق الأول إن أريد أنه علة تعلقه فممنوع بل علته جمع الواو إياه إلى الشرط وان أريد كونه سابق التعلق سلمناه ولا يفيد كالأيمان المتعاقبة ولو سلم أن تعلق الأول علة لتعلق الثاني لم يلزم كون نزوله علة لنزوله إذ لا تلازم فجاز كونه علة لتعلقه فيتقدم في التعلق وليس نزوله علة لنزوله بل إذا تعلق الثاني
____________________
(4/59)
بأي سبب كان صار مع الأول متعلقين بشرط وعند نزول الشرط ينزل المشروط وتقرير المصنف رحمه الله أقرب ولا يرد عليه مسئلة الأيمان فإن قيل قوله لا يقع الزائد بالشك يدفع بأنه لا شك في تعلق الكل سواء كان بطريق المعية أو الترتيب فيجب أن تنزل كلها عند الشرط كالأيمان المتعاقبة بشرط واحد قلنا الترتيب الذي يراد بالواو يقتضي كما قررناه أن وقوع كل متقدم جزء شرط وقوع المتأخر فإن معناه إن دخلت فأنت طالق واحدة وبعدها أخرى وتليها أخرى فلا يقع متأخر إلا بعد وقوع المتقدم فصار الدخول شرط كل متأخر بخلاف الترتيب الذي اتفق في الأيمان فانه ليس الشرط في الكل إلا شرط الأول فقط فإذا وجد الدخول مثلا فقد وجد تمام شرط كل معلق من الطلقات الثلاث وعلى هذا الخلاف ما لو قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي و والله لا أقربك أربعة أشهر فدخلت طلقت وسقط الظهار عنده والإيلاء لسبق الطلاق فتبين فلا تبقى محلا للظهار والإيلاء وعندهما هو مطلق مظاهر مول ولو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي و والله لا أقربك أربعة أشهر فتزوجها فعلى الخلاف بخلاف ما لو قدم الظهار والإيلاء فقال والله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي وأنت طالق فتزوحها وقع الكل أما عندهما فلا إشكال وأما عنده فلسبق الإيلاء ثم هي بعده محل للطلاق فتطلق قوله ولو عطف بحرف الفاء فقال أي لغير المدخول بها إن دخلت فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت فهو على هذا الخلاف فيما ذكر الكرخي فعنده تبين بواحدة ويسقط ما بعدها وعندهما يقع الثلاث وفي المبسوط نقله عن الطحاوي فليكن عنهما وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق وهو الأصح لأن الفاء للتعقيب فصارت كثم وبعد فقد جعل الشرط دخول الدار ووقوع طلقة ولا وقوع قبل مجموع الشرط فتقع الثانية بعدهما وشرط الثالثة الدخول ووقوع طلقتين فيقع بعدهما على النحو الذي قررنا عليه كلام المصنف لأبي حنيفة وهذا لأنه يصير المعنى إن دخلت فأنت طالق واحدة وبعدها أخرى ولو عطف بثم وأخر الشرط كأنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت فإن كانت مدخولا بها فعنده يقع في الحال ثنتان وتتعلق الثالثة بالشرط لأنها للتراخي وكماله باعتباره في اللفظ والمعنى فكأنه فصل بسكوت ولو سكت وقع الأول ولا يتوقف ليتعلق فكذا هنا وإذا وقع الأول بقيت محلا فتقع الثانية وتتعلق الثالثة بدخولها الدار وان كانت غير مدخول بها وقعت واحدة في الحال ويلغو الثاني لانتفاء محليتها وان قدم الشرط فقال إن دخلت فأنت طالق ثم طالق ثم طالق وهي مدخول بها تعلق الأول ووقعت الثانية والثالثة وان لم تكن
____________________
(4/60)
مدخولا بها تعلق الأول ووقع الثاني ولغا الثالث والوجه بعد معرفة الأصل ظاهر وعندهما تعلق الكل بالثاني قدمه أو أخره إلا أن عند وجود الشرط يقع الثلاث إن كانت مدخول بها وفي غير المدخول بها تطلق واحدة قدمه أو أخره فأثر التراخي يظهر عنده في التعليق كأنه سكت ثم تكلم وعندهما في الوقوع عند الشرط ولو لم يعطف أصلا بأن قال إن دخلت فأنت طالق واحدة واحدة يقع عند الشرط واحدة بالاتفاق لأنه إنما تعلق الأول ولغا ما بعده لعدم ما يوجب تشريكه معه قوله وأما الضرب الثاني وهو الكنايات لما ذكر أحكام الصريح شرع في بيان الكنايات وقدم الصريح إذ هو الأصل في الكلام لأنه وضع للإفهام فما كان أدخل وأظهر فيه كان أصلا بالنسبة لما وضع له وحين كان الصريح ما ظهر المراد منه الاشتهاره في المعنى كان الكناية ما خفي المراد به لتوارد الاحتمالات عليه وإنما لم يعرف المصنف الكناية كما عرف الصريح بل ابتدأ فقال وهو الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بالنية إلى آخره لاشتهار أنها ضد الصريح وحين عرفه علم أن الكناية ما لم يصدق عليه تعريفه مع أنه يؤخذ رسمها من تعليله حيث قال إنها تحتمله وغيره فكأن الكناية ما احتمل الطلاق وغيره فلزم أن يستفسر عن مقصوده به أما إذا كانت حالة ظاهرة تفيد مقصوده فإن القاضي يعتبرها ولا يصدقه في ادعاء فإنه ينصرف إلى ما يخالف مقتضاها وهي دلالة الحال فإنها مما يحكم بإرادة مقتضاها شرعا كما في البيع بالدراهم المطلقة فانه ينصرف إلى غالب نقد البلد بدلالة الحال وكذا إذا أطلق الصرورة نية الحج ينصرف إلى نية الحج الفرض والحاصل أن النية باطنة والحال ظاهرة المراد فظهرت نيته بها فلا يصدق في إنكار مقتضاها بعد ظهوره في القضاء وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيصدقه الله سبحانه إذا نوى خلاف مقتضى ظاهر الحال فقول المصنف لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال يحمل على حكم القاضي بالوقوع أما في نفس الأمر فلا يقع إلا بالنية مطلقا ألا ترى أن أنت طالق إذا قال أردت عن وثاق لا بصدقه وفيما بينه وبين الله هي زوجته إذا كان نواه قوله لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعم منه أو من حكمه والأعم في المادة الاستعمالية يحتمل كلا مما صدقاته ولا يتعين أحدهما إلا بمعين في نفس الأمر هو النية وبالنسبة إلى القاضي دلالة الحال فإن لم تكن فدعواه ما أراد وإنما قلنا أعم منه ومن حكمه ولو نقل أعم منه لما سنذكر من أنها لم يرد بما سوى الثلاث الرجعية اعتدى استبرئي أنت واحدة الطلاق أصلا بل ما هو حكمه من البينونة من النكاح وعلى هذا فقول المصنف بل تحتمله وغيره تساهل لأن محتملات اللفظ تستعمل فيها وسنشير إلى أنه لم يرد بها الطلاق ونقرره والجواب أن المراد تحتمله متعلقا لمعناها أو واقعا عنده فتدخل الثلاث الرجعية قوله وهي أي الكنايات على ضربين هذا تقسم للكنايات وهي تنقسم أولا بحسب ما هي كناية عنه وثانيا باعتبار الواقع بها وما ذكره المصنف هي القسمة الثانية أما الأولى فتنقسم إلى ما هو كناية عن حكم الطلاق والى ما عن تفويضه الثاني لفظان اختاري وأمرك بيدك
____________________
(4/61)
لا يدخل في يدها إلا بنية الطلاق فلا يقع إلا بقولها بعد نيته طلقت نفسي واخترت نفسي والأول ما سواهما وينقسم إلى ما يقع به البائن وهو ما سوى الألفاظ الثلاثة وسنذكر ما فيه والى ما يقع به الرجعى وهي الألفاظ الثلاثة اعتدى واستبرئ رحمك وأنت واحدة ثم لا يقع به إلا واحدة أما الأولى أي كون الأولى هي كلمة اعتدى كناية فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح والاعتداد بنعم الله تعالى فإن نوى الأول تعين ويقتضي طلاقا سابقا والطلاق يعقب الرجعة ولا يخفي أن القول بالاقتضاء وثبوت الرجعة فيما إذا قاله بعد الدخول أما قبله فهو مجاز عن كوني طالقا بإسم الحكم عن العلة لا المسبب عن السبب ليرد أن شرطه اختصاص المسبب بالسبب والعدة لا تختص بالطلاق لثبوتها في أم الولد إذا عتقت ويجاب بأن ثبوتها فيما ذكر لوجود سبب ثبوتها في الطلاق وهو الاستبراء لا بالأصالة وهو غير دافع سؤال عدم الاختصاص واعلم أنه كما يجب كونها مجازا عن كوني طالقا في غير المدخول و يجب كون استبرئى رحمك كذلك في المدخول بها إذا كانت آيسة أو صغيرة وما في النوادر من أن وقوع الرجعي بها استحسان لحديث سودة يعني أنه صلى الله عليه وسلم قال لها اعتدى ثم راجعها والقياس أن يقع البائن كسائر الكنايات بعيد بل ثبوت الرجعي بها قياس واستحسان لأن علية البينونة في غير الثلاثة منتفية فيها فلا يتجه القياس أصلا نعم الاعتداد يقتضي فرقة بعد الدخول وهي أعم من رجعي وبائن لكن لا يوجب ذلك تعين البائن بل يتعين الأخف لعدم الدلالة على الزائد عليه وأما الثانية وهي كلمة استبرئى رحمك فلأنه تصريح بما هو المقصود من العدة وهو تعرف براءة الرحم فاحتمل استبرئيه لأني طلقتك أو لأطلقك يعني إذا علمت خلوه عن الولد وعلى الأول يقع وعلى الثاني لا فلا بد من النية ولا يخفى أنها أيضا قبل الدخول مجاز عن كوني طالقا كاعتدى وكذا في الآيسة والصغيرة المدخول بها كما ذكرناه وأما الثالثة وهي أنت واحدة
____________________
(4/62)
فلأنها تحتمل أن تكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة فإذا نواه فكأنه قاله يعني إذا نواه مع الوصف المذكور فكأنه قاله لظهور أن مجرد نية الطلاق لا يوجب الحكم والطلاق يعقب الرجعة ويحتمل غيره نحو أنت واحدة عندي أو في قومك مدحا وذما فقد ظهر أن الطلاق في هذه الألفاظ الثلاثة مقتضى كما هو في اعتدى استبرئى رحمك لأنه يقع شرعا بها فهو ثابت اقتضاء ومضمر في واحدة ولو كان مظهرا لا يقع إلا واحدة فإذا كان مضمرا وأنه أضعف منه أولى أن لا يقع إلا واحدة وفي واحدة إن صار المصدر مذكورا بذكر صفته لكن التنصيص على الواحد يمنع إرادة الثلاث لأنها صفة للمصدر المحدود بالهاء فلا يتجاوز الواحدة واعتراض بعضهم على قوله يحتمل أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي تطليقة واحدة بأن فيه تكلفا غير محتاج إليه بل يحتمل أن يراد به منفردة عن الزوج ساقط لأنه لا يدفع احتماله لما ذكر المصنف والتطليق بالمصدر الملفوظ به شائع في طلاق العرب منه ما قدمناه من الشعر القائل فأنت طلاق والطلاق عزيمة إلى آخره ومن قول المغيرة بن شعبة حين طلق الأربع اذهبن فأنتن الطلاق أو طلاق وكثير بخلاف التطليق بلفظ أنت منفردة عن الزوج فكان احتمال أنت واحدة للمصدر أظهر من احتمالها لمنفردة عن الزوج فضلا عن تعين الثاني قوله ولا معتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ هو الصحيح احتراز عما قال بعضهم إن رفع الواحدة لا يقع شيء وان نوى وان نصبها وقعت واحدة وان لم ينو لأنها حينئذ نعت للمصدر أي أنت طالق تطليقة واحدة فقد أوقع بالصريح وان سكن احتيج إلى النية وجه الصحيح أن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب فلا يجوز بناء حكم يرجع إلى العامة عليه لأن الرفع يجوز لكونه نعتا لطلقة أي أنت طلقة واحدة والنصب يجوز لكونه نعتا لمصدر آخر أي أنت متكلمة كلمة واحدة وهذا الوجه يعم العوام والخواص ولأن الخاصة لا تلتزم التكلم العرفي على صحة الإعراب بل تلك صناعتهم والعرف لغتهم ولذا ترى أهل العلم في مجاري كلامهم لا يقيمونه قوله وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة فإن نوى الثلاث كانت ثلاثا وان نوى ثنتين كانت واحدة وفي هذا الإطلاق نظر بل يقع الرجعي ببعض الكنايات سوى الثلاث فقد ذكر في أنا بريء من طلاقك يقع رجعي إذا نوى بخلاف ما إذا قال من نكاحك قاله ابن سلام وفي الخلاصة اختلف في برئت من طلاقك إذا نوى والأصح يقع رجعيا والأوجه عندي أن يقع بائنا لأن حقيقة تبرئته منه تستلزم عجزه عن الإيقاع وهو بالبينونة بانقضاء العدة أو الثلاث أو عدم الإيقاع أصلا وبذلك صار كناية فإذا أراد الأول
____________________
(4/63)
وقع وصرف إلى إحدى البينونتين وهي التي دون الثلاث وكذا في قوله الطلاق عليك يقع بالنية وفي وهبتك طلاقك إذا نوى يقع رجعيا وكذا قالوا في بعتك طلاقك إذا قالت اشتريت من غير بدل ثم في الهبة إذا لم تكن نية تطلق في القضاء ولو قال نويت أن يكون في يدها لا يصدق وأما فيما بينه وبين الله تعالى فهو كما نوى فإن طلقت نفسها في ذلك المجلس طلقت وإلا فهي زوجته هذا إذا ابتدأ الزوج فلو ابتدأت فقالت هب لي طلاقي تريد أعرض عنه فقال وهبت لا يقع وان نوى لأنه جوابها فيما طلبت كذا قيل وفيه نظر بل يجب أن يقع إذا نوى لأنه لو ابتدأ به ونوى وقع فإذا نوى الطلاق فقد قصد عدم الجواب وأخرج الكلام ابتداء وله ذلك وهو أدرى بنفسه ونيته ويقع رجعيا في خذي طلاقك وأقرضتك وكذا في قد شاء الله طلاقك أو قضاه أو شئت يقع بالنية رجعي قوله وهذا مثل قوله أنت بائن وبتة وبتلة وحرام وحبلك على غاربك والحقي بأهلك بوصل الهمزة وخلية وبرية ووهبتك لأهلك وفارقتك وأمرك بيدك واختاري وأنت حرة وأعتقتك مثل أنت حرة وتقنعي وتخمري واستتري واغربي بالغين المعجمة والراء المهملة والزي واخرجي واذهبي وقومي وابتغي الأزواج لأنها تحتمل الطلاق وغيره وتحرير المحتملات غير خاف وحبلك على غاربك تمثيل لأنه تشبيه بالصورة المنتزعة من أشياء وهي هيئة الناقة إذا أريد إطلاقها للرعى وهي ذات رسن فألقي الحبل على غاربها وهو ما بين السنام والعنق كي لا تتعقل به إذا كان مطروحا فشبه بهذه الهيئة الإطلاقية إطلاق المرأة عن قيد النكاح أو العمل أو التصرف من البيع والشراء والإجارة والاستئجار وصار كناية في الطلاق لتعدد صور الإطلاق وفي وهبتك لأهلك إذا نوى يقع وان لم يقبلوها لأنه يجب كون وهبتك لأهلك مجازا عن رددتك عليهم فيصير إلى الحالة الأولى وهي البينونة فلا يحتاج إلى قبولهم إياها في ثبوت البينونة والحقي بأهلك مثله في صيرورتها إلى الحالة الأولى وقوله وهبتك لأبيك أو لأبنك مثله بخلاف الأجانب فلا بد من النية أي في الحكم بوقوع الطلاق إلا أن يكون في حالة مذاكرة الطلاق وهو حال سؤالها الطلاق أو سؤال أجنبي فيقع في القضاء وان قال أردت غير الطلاق ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه ويستثني منها اختاري لما نذكر وأمرك بيدك قال المصنف سوى أي القدورى بين هذه الألفاظ وقال لا يصدق حال مذاكرة الطلاق في القضاء إذا قال نويت غير الطلاق من المحتملات وهكذا فعل شمس الأئمة في المبسوط والمشايخ
____________________
(4/64)
كفخر الإسلام وغيره قالوا وهذا أي كونه لا يصدق إذا أدعى نية غير الطلاق بعد سؤال الطلاق إنما هو فيما لا يصلح ردا أما ما يصلح له فيصدق إذا أدعى الرد ثم استأنف تقسيما ضابطا فقال الأحوال هنا ثلاثة حالة مطلقة وفسرها بحالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وهي ما قدمنا وحالة الغضب والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح جوابا لطلبها الطلاق أي التطليق ويصلح ردا له وما يصلح جوابا له ولا يصلح ردا له وشتما ففي حالة الرضا يصدق في الكل إذا قال لم أرد الطلاق لأنه لا ظاهر يكذبه وفي حالة المذاكرة للطلاق لا يصدق فيما يصلح جوابا لاردا كخلية برية بائن بتة بتلة حرام اعتدى استتري اختاري أمرك بيدك ويصدق فيما يصلح له للرد مثل اخرجي اذهبي افلحي تقول العرب افلح عنى أي اذهب عني وغربي قومي تقنعي ومرادفها كاستتري وتخمري ومعنى الرد في هذه أي اشتغلي بالتقنع الذي هو أنفع لك من القناع وكذا أخواه ويجوز فيه بخصوصه كونه من القناعة وفي حال الغصب يصدق فيما يصلح جوابا وردا وما يصلح جوابا وشتيمة لا ردا كخلية برية بتة بتلة حرام وما يجري مجراه إذ يحتمل خلية من الخير برية منه بتة بتلة أي مقطوعة عنه ولا يصدق فيما يصلح للطلاق دون الرد والشتم كاعتدي اختاري أمرك بيدك استتري وعرف مما قدمنا أن اختاري أمرك بيدك لا يقع بهما الطلاق إلا بإيقاعها بعده وإنما هما كنايتان عن التفويض حتى لا يدخل الأمر في يدها إلا بالنية وأعلم أن حقيقة التقسيم في الأحوال قسمان حالة الرضا وحالة الغضب وأما حالة المذاكرة فتصدق مع كل منهما بل لا يتصور سؤالها الطلاق إلا في إحدى الحالتين لأنهما ضدان لا واسطة بينهما فتحرير التقرير أن
____________________
(4/65)
في حالة الرضا المجرد عن السؤال الطلاق يصدق في الكل أنه لم يرد الطلاق وفي حالة الرضا المسئول فيها طلاق يصدق فيما يصلح ردا أنه لم يرده وفي حالة الغضب المجرد عن سؤال الطلاق يصدق فيما يصلح سبا أو ردا أنه لم يرد به إلا السب أو الرد ولا يصدق فيما يصلح جوابا فقط وفي حالة الغضب المسئول فيها الطلاق يجتمع في عدم تصديقه في المتمحض جوابا سببان المذاكرة والغضب وكذا في قبول قوله فيما يصلح ردا لأن كلا من المذاكرة والغضب يستقل بإثبات قبول قوله في دعوى عدم إرادة الطلاق وفيما يصلح للسبب ينفرد الغضب بإثباته فلا تتغير الأحكام وحينئذ فالأولى أن تعرف الحال المطلقة عن قيد الغضب والمذاكرة قوله وعن أبي يوسف الخ ألحق أبو يوسف بالتي تحتمل السب ألفاظا أخرى وهي لا ملك لي لا سبيل لي عليك خليت سبيلك فارقتك فهذه أربعة ألفاظ ذكرها الولوالجي وذكرها العتابي خمسة لا سبيل لا ملك خليت سبيلك الحقي بأهلك حبلك على غاربك وفي الايضاح وشرح الجامع الصفير لشمس الأئمة ذكر خمسة هي هذه إلا أنه ذكر مكان حبلك على غاربك فارقتك فتتم ستة ألفاظ ووجه احتمالها السب أن لا ملك لي يعني أنت أقل من أن تتنسى إلى بالملك ولا سبيل لي عليك لزيادة شرك وخليت سبيلك وفارقتك والحقني بأهلك وحبلك على غاربك أي أنت مسيئة لا يشتغل أحد بتأديبك إذ لا طاقة لأحد بممارستك وفي رواية جامع فخر الإسلام والفوائد الظهيرية أن أبا يوسف ألحقها بالثلاث التي لا يدين فيها في الغضب كما لا يدين في المذاكرة وهي اعتدى اختاري أمرك بيدك وفي شرح مختصر الكرخي قال أبو حنيفة لا سبيل لي عليك تقنعي استتري اخرجي اذهبي قومي تزوجي لا نكاح لي عليك يدين في الغضب لأن هذه الألفاظ تذكر للإبعاد وحالة الغضب يبعد الإنسان عن الزوجه فيه وكذا في حال ذكر الطلاق وهذا لأن لا سبيل لي عليك يحتمل على طلاقك وهو يذكر للامتناع عن الطلاق وانطلقي وانتقلي كألحقي ولا رواية في أعرتك طلاقك ظاهرة وعن أبي يوسف يقع خلافا لمحمد وفي النوازل عن أبي حنيفة يصير الطلاق في يدها لأنه ملكها منافع الطلاق ومنفعة الطلاق التطليق إن شاءت كما كان للزوج ولو قال طلاقك علي لا يقع أصلا وروى الحسن عن أبي حنيفة لو قال وهبتك لأبيك أو لإبنك أو للأزواج فهو طلاق لأن المرأة ترد على هؤلاء بالطلاق عادة ولو قال لأختك أو خالتك أو عمتك أو لفلان الأجنبي ونحوه لم يكن طلاقا وان نوى لأنها لا ترد بالطلاق عليهم ولو زاد على اذهبي وقال اذهبي فبيعي ثوبك لا يقع عند أبي يوسف خلافا لزفر لأن
____________________
(4/66)
اذهبي يعمل فيه نية الطلاق ويبقى الزائد مشورة فلا يتغير به حكم الطلاق ولأبي يوسف أن معناه عادة لأجل البيع فكان صريحة خلاف المنوى ومن الكنايات تنحي عني واختلف في لم يبق بيني وبينك عمل قيل يقع إذا نوى وقيل لا ومثله لم يبق بيني وبينك شيء وفي أربعة طرق عليك مفتوحة لا يقع بالنية إلا أن يقول خذي أيها شئت ثم عن محمد في رواية أسد يقع ثلاث وقال ابن سلام أخاف أن يقع ثلاث لمعاني كلام الناس كأنه يريد أن مراد الناس بمثله اسلكى الطرق الأربعة وإلا فاللفظ إنما يعطي الأمر بسلوك أحدها والأوجه أن يقع واحدة بائنة ومنها نجوت مني وقال المتأخرون في وهبتك طلاقك لا يقع وقيل يقع ولا يقع في أبحتك طلاقك وان نوى أو صفحت عنه ولا بأحببت طلاقك أو رضيته أو هويته أو أردته وان نوى وأما طال بلا قاف فأطلق بعضهم الوقوع به وفصل بعضهم فقال مع إسكان اللام يحتاج إلى النية ومع كسرها يقع بلا نية والوجه إطلاق التوقف على النية مطلقا لأنه بلا قاف ليس صريحا لعدم غلبة الاستعمال ولا الترخيم لغة جائز في غير النداء فانتفي لغة وعرفا فيصدق قضاء مع اليمين هذا في حالة الرضا وعدم مذاكرة الطلاق أما في أحدهما فيقع قضاء أسكتها أو لا وفيه أيضا النظر المذكور لأنه إيقاع بلا لفظ له ولا لأعم منه ليكون كناية وليس بمجاز فيه وهذا البحث يوجب أن لا يقع به أصلا وان نوى ومثل هذا البحث يجري في التطليق بالتهجي كأنت ط ا ل ق لأنه ليس طلاقا ولا كناية لأن موضوعها يحتمل أشياء وأوضاع هذه المسميات هي حروف ولذا لو قرأ آية السجدة تهجيا لا يجب السجود لأنه ليس قرآنا ولا مخلص إلا بعدم اشتراط غلبة الاستعمال في الصريح والاكتفاء فيه بكون اللفظ دالا عليه وضعا أو عرفا وحينئذ يقع بالتهجي في القضاء ولو ادعى عدم النية وكذا بطال بلا قاف وفي قوله لآخر احمل إليها طلاقها أو أخبرها به أو بشرها تطلق في الحال لأن الحمل لا يتحقق قبل المحمول ومنها أنت علي كالميتة أو الخمر أو لحم الخنزير يقع بالنية وفي الكافي للشهيد إذا قال لامرأته هذه عمتي أو خالتي أو محرم من الرضاع وثبت عليه بأن سئل عن ذلك فأصر عليه فرق بينهما ولو قال مزحت أو كذبت أو وهمت أو نسيت صدق ولا يفرق استحسانا والقياس أن يفرق مطلقا ولا يصدق لأنه أقر بالتحريم وجه الاستحسان أن هذا إيجاب تحريم فلا يقع إلا بالدوام عليه ولو قال هذه بنتي من نسب وثبت عليه ولها نسب معروف لم يفرق لأن الظاهر يكذبه وكذا في هي أمي وله أم معروفة وان لم يكن لها لها نسب معروف ومثلها يولد لمثله عليه فرق وكذا هي أختي واختلف في لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج ونوى الطلاق يقع عند أبي حنيفة وقالا لا لأن نفي النكاح ليس طلاقا بل كذب فهو كقوله لم أتزوجك أو و الله ما أنت لي امرأة أو لو سئل هل لك امرأة فقال لا ونوى الطلاق لا يقع كذا هنا وله أنها تحتمله أي لست لي بامرأة لأني طلقتك فيصح نفيه كما في لا نكاح بيني وبينك ومسئلة الحلف ممنوعة وبعد التسليم نقول بدلالة اليمين علم أنه أراد النفي عن الماضي لا في الحال لأن الحلف يكون فيما يدخله الشك لا في إنشاء النفي في الحال وقوله لم أتزوجك
____________________
(4/67)
جحود لا يحتمل الإنشاء إذ الطلاق لا يتصور بلا نكاح وكذا بدلالة السؤال عرف أنه أراد النفي في الماضي وفي فتاوى صاحب الناقع إذا قالت لزوجها لست لي بزوج فقال صدقت ينوى طلاقها يقع عند أبي حنيفة خلافا لهما وعلى هذا الخلاف إذا قال لست أو ما أنت امرأتي أو لست أو ما أنا زوجك عنده يقع بالنية وألغياه ويتصل بالكنايات الطلاق بالكتابة لو كتب طلاقا أو عتاقا على ما لا يستبين فيه الخط كالهواء و الماء والصخرة الصماء لا يقع نوى به أو لم ينو وكذا إذا كتب على لوح أو حائط أو أرض أو في كتاب إلا أنه لا يستبين لا يقع وان نوى به الطلاق لأن مثل هذه الكتابه كصوت لا يستبين منه حروف فلو وقع وقع بمجرد النية فإن كان مستبينا لكن لا على رسم الرسالة والخطاب فانه ينوي فيه كالكلام المكنى لا يقع إلا بالنية لأن الإنسان قد يكتب مثله للإيقاع وقد يكتب مثله لتجربة الخط فإن كان صحيحا يبين نيته بلسانه وان كان أخرس يبين نيته بكتابته هذا إذا لم يكن خطابا أو رسالة فإن كان على رسم كتب الرسالة بأن كتب أما بعد يا فلانة فأنت طالق أو أنت حر أو إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق فإنه يقع به الطلاق والعتاق ولا يصدق في عدم النية كما لو قال أنت طالق ثم قال نويت من وثاق لا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر ثم يقع عقيب الكتابة إذا لم يعلقه مثل أن يكتب امرأته طالق أو فلانة بخلاف ما إذا كتب إذا وصل إليك فانه لا يقع بدون الوصول إليها وقالوا فيمن كتب كتابا على وجه الرسالة وفيه إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق ثم بدا له فمحا ذكر الطلاق منه وأنفذه وأسطره باقية وقع إذا وصل ولو محاه حتى لم يبق فيه كلام يكون رسالة لم يقع وان وصل لعدم وجود الشرط وهو وصول الكتاب وعليه الأئمة الثلاثة وما وقع في تفصيل بعضهم من أنه إذا محا ما سوى كتابة الطلاق وأنفذه فوصل إليها لا يقع فمبني على إن الرسالة المتضمنة لمجرد الطلاق لا تكون كتابا وفيه نظر وما قيل من أنه لو محا أكثر ما قبله فأرسله لا يقع أبعد من الأول إذ مقتضاه انتفاء الكتاب بانتفاء ذكر كثرة الحوائج وليس الأمر كذلك ولو كتب الصحيح إلى امرأته بطلاقها ثم أنكر الكتاب وقامت عليه البينة أنه كتبه بيده فرق بينهما في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى إن كان لم ينو به الطلاق فهي امرأته ولو كتب إليها أما بعد أنت طالق إن شاء الله تعالى إن كان موصولا بكتابته لا تطلق وان كتب الطلاق ثم فتر فترة ثم كتب إن شاء الله يقع الطلاق لأن المكتوب إلى الغالب كالملفوظ كذا في الفتاوى الكبرى للخاصي والخلاصة وفيها معزوا إلى المنتفى إذا كتب كتاب الطلاق ثم نسخه في كتاب آخر أو أمر غيره حين كتب ولم يمل هو فأتاها الكتابان طلقت تطليقتين قضاء وفيما بينه وبين الله تعالى تقع واحدة انتهى
وعلى هذا لو وصل أحدهما تقع واحدة قضاء وديانة ولا يخفي أن هذا فيما إذا كان الطلاق معلقا بوصول الكتاب وإما إذا لم يكن معلقا فلا إشكال في أنه يقع ثنتان قضاء لا ديانة إلا أن ينوي به طلاقا آخر وكل ما ذكرناه ثابت في حق الأخرس نحوه إن كان يكتب وإنما يعرف ذلك منه بأن يسأل بكتاب فيجيب بكتابة بالنية فإن كان لا يكتب وله إشارة معلومة يعرف بها طلاقه ونكاحه وبيعه فهي كالكلام في حقه وان لم يعرف منه ذلك أو شككنا فيه فهو باطل وهذا استحسان والقياس في جميع ذلك أنه باطل لأنه لا يتكلم وقد ذكر المصنف أحكام الأخرس في هذه في آخر الكتاب قوله ثم وقوع البائن بما سوى الثلاثة الأول مذهبنا وقال الشافعي يقع بها رجعى لأن الواقع بها طلاق والطلاق بلا مال يعقب الرجعة
____________________
(4/68)
بالنص ولا حاجة إلى إثبات الأول بأنها كنايات عنه حتى أريد هو بها ليدفع بأن كونها كنايات مجاز بل عوامل بحقائقها كما سنذكر بل يكتفي بالاتفاق على أن الواقع طلاق والثاني بالنص فإن قيل النص إنما أفاد الرجعة بالطلاق الصريح منعناه لأن قوله تعالى { الطلاق مرتان } المعقب بقوله { وبعولتهن أحق بردهن } أعم من الطلاق الصريح وغيره لأن النسبة إلى معنى اللفظ لا إلى اللفظ غير أنه خص منه الطلاق على مال بالنص المقارن لها أعني نص الافتداء لما عرف من أن الافتداء لا يتحقق إلا بالبينونة وإلا يذهب ما لها ولا يفيد والحاصل أن الكتاب يفيد أن الطلاق يعقب الرجعة إلا ما كان على مال أو ثلاثا واستدل المصنف بقوله ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله مضافا إلى محله عن ولاية شرعية ولما استشعر منع ثبوت الولاية شرعا أثبتها بقوله الحاجة ماسة إلى إثبات الإبانة كي لا ينسد عليه باب التدارك ولا يقع في عهدتها بالمراجعة من غير قصد فقرر بأن المشروعات لدفع حاجة العباد والزوج قد يحتاج إلى الإبانة بهذه الصفة فتكون هذه الولاية ثابته دفعا لحاجته لأنه لو أبانها بالثلاث عصى ولو طلقها رجعيا ربما تتراءى له مصلحة في الرجعة فيراجعها فيبدو له فيطلقها ثانيا وثالثا فيؤدي إلى استيفاء العدد وهو حرام وفيه ينسد باب التدارك فشرع له الإبانة على وجه يمكنه التدارك لبقاء المحلية حتى لو بدا له أمكنة التزوج ولا يخفى بعده عن اللفظ و الأوجه في هذه العبارة هكذا قد يحتاج إلى الإبانة والثلاث بكلمة حرام و تفريقها على ما ذكر كذلك فلزم أن تشرع له الإبانة على هذه الصفة يعني شرع الواحدة البائنة والأقرب إلى اللفظ ما قيل انه قد يحتاج إلى الإبانة كي لا يقع في الرجعة بغير قصد منه بأن تفجأه المرأة
____________________
(4/69)
فتقبله بشهوة فيصير مراجعا وهو لا يريدها فيحتاج إلى طلاق ثان وثالث فينسد باب التدارك فهو لأجل ذلك محتاج إلى أن تشرع له الإبانة كذلك كي لا تفوت هذه المصلحة ودفع بأن هذه مصلحة وثبوت التمكن من أعادتها إذا ظهر له من نفسه طلبها وتغير رأيه مع أن الإنسان محل التغير مصلحة أخرى أكيدة إذ كثيرا ما يقع ذلك بل وقوعه بالمشاهدة أكثر من وقوع طلاق لم تدع النفس بعده إلى مراجعة ومع الإبانة لها أن تمتنع فيحصل له ضرر شديد وهذه لا تترتب إلا على عدم الإبانة فاقتضت عدم شرعيتها بخلاف تلك إذ يمكن تحصيلها مع عدم شرعية الإبانة بيسير من الاحتراس من فجأتها مقبلة ونحوه فكان اعتبار منع الإبانة أجلب للمصلحة من غير تفويت المصلحة الأخرى فإن أردت تخصيص نص إعقاب الطلاق الرجعة بالقياس بعد تخصيصه بالافتداء نصا لأن التخصيص بالقياس بعد التخصيص بالنص جائز لم يتم المعنى فيه ولم يلزم لأن حاجته إلى الخلاص بالإبانة ليس كحاجة المرأة لتمكنه من الإبانة على وجه لا يعقب الندم لتركها بعد الرجعة حتى تنقضي العدة أو تفريق الثلاث على الأطهار بخلافها فلم يتوقف دفع حاجته على شرعية الواحدة البائنة ولذا رجحنا كراهة الواحدة البائنة في أوائل كتاب الطلاق بعد ما حققنا سبب تحقق الحاجة إلى الإبانة من الفطام هذا ولا يخفى أن المعنيين أعنى عدم انسداد باب التدارك وباب الرجعة إذا تغير رأيه من باب دفع المفسدة لا جلب المصلحة والوجه في الاستدلال أن يقال لما أثبت الشرع الإيقاع بهذه الألفاظ فقد أثبت الإبانة لأنها معناها وقوله الطلاق مرتان أي المسنون للاتفاق على صحة وقوع الثلاثة بمرة واحدة خصوصا عنده فإنه غير مكروه وأيضا لفظ بائن مئلا يقع به البينونة الغليظة بفم واحد فتقع به الحفيفة كالطلاق لما وقع بالغليظة وقع به الخفيفة وأيضا خص منه الطلاق بمال فلم يبق العموم منه مرادا فحاصله الطلاق المسنون بلا مال يعقب الرجعة فقد أخرج منه ذلك وحين ثبت شرع الإيقاع بلفظ بائنة ثبت أيضا إخراج الواحدة البائنة بلا مال لأن شرع الإيقاع به هو جعل اللفظ سببا لوجوب معناه ومعناه البينونة والدلالة على إيقاع الثلاث شرعا به تحليفه صلى الله عليه وسلم أبا ركانة حين طلقها البتة أنه ما أراد إلا واحدة وشرح قوله وليست كنايات على التحقيق لأنها عوامل في حقائقها يعني لا تردد في المراد للقطع بأن معنى بائن الحقيقي الذي هو ضد الاتصال مراد وكذا البت والبتل القطع والتردد إنما هو في متعلقها أعني الوصلة وهي أعم من وصلة النكاح والخيرات والشر فإذا تعين بالنية عمل
____________________
(4/70)
بحقيقته وكذا معنى الحرام والخلية والبرية معلوم والتردد في كونه بالنسبة إليه أو إلى غيره من الرجال فإذا عين المراد بالنية عمل اللفظ بوضعه وإنما أطلق عليه كناية مجازا للتردد في ذلك المتعلق الذي به يتعين الفرد المستعمل فيه اللفظ والوجه أن إطلاق اسم الكناية حقيقة لأن الكناية لا تساوي المجاز بل قد تكون حقيقة لأنها بتعدد المعنى وقد تكون حقيقة فيها وقد حقق في نحو طويل النجاد وكثير الرماد أن المراد حقيقة طول النجاد وكثرة الرماد لكن لا يقتصر عليه بل ليعبر منه إلى طول القامة وكثرة الأضياف فالوجه أن يقال كونها كناية لا يستلزم كونها مجازا عن الطلاق وتحقيقه أنه مشترك معنوى من قبيل المشكك فالقطع المتعلق بالنكاح فرد من نوع ما يتعلق به والمتعلق بالخير والشر كذلك فإذا لم يذكر متعلقه احتمل كما يحتمل رجل كلا من زيد و عمرو وغيرهما والوجه أن يقول إنها عوامل بحقائقها أو بحقيقة ما استعملت فيه وهذا لأن نحو حبلك على غاربك مجاز عن التخلية والترك وهو بالبينونة وكذا وهبتك لأهلك لتعذر حقيقة الهبة أعني التمليك فهو مجاز عن رددتك على ما قدمناه وقياس الباقي سهل وبهذا ظهر أنه لا يراد بها الطلاق بل البينونة لأنها هي معنى اللفظ الدائر في الإفراد وهي متنوعة إلى غليظة وهي المترتبة على الثلاث وخفيفة كالمترتبة على الخلغ فأيهما أراد صح ويثبت ما يثبت بلفظ طالق على مال وطالق ثلاثا وحاصلة أن ما يثبت عند طالق شرعا لازم أعم يثبت عنده وعند هذه الألفاظ
____________________
(4/71)
والخلع فقولنا يقع به الطلاق حينئذ معناه يقع لازم لفظ الطلاق شرعا وانتقاص عدده هو بتعدد وقوع ذلك اللازم واستكماله في ذلك وبإرسال لفظ الثلاث بل معنى وقع الطلاق وقع اللازم الشرعي لأنه هو معنى لفظ الطلاق على ما يفيده ما أسلفناه في فاتحة كتاب الطلاق فارجع إليها فالواقع بالكناية هو الطلاق بلا تأويل وتقرير المصنف أن الواقع البينونة بالكنايات ثم ينتقص العدد بناء على زوال الوصلة وهذا جواب عن قول الشافعي وينتقص به وهو بناء على أنه غيره وأنت تعلم أنه لا يلزم من زوال وصلة النكاح وقوع الطلاق لتحقق زوالها في الفسوخ مع عدم الطلاق والجواب أن زوال الوصلة لا بد أن يستعقب في غير الفسخ النقصان والاتفاق على آن الثابت بالكناية ليس فسخا فلزمه نقصان العدد قوله ولا تصح نية الثنتين أي بالكنايات عندنا خلافا لزفر وقد بيناه من قبل في باب إيقاع الطلاق في التطليق بالمصدر قوله ولو قال لها اعتدى اعتدى اعتدى هذه المسئلة تحتمل وجوها أن ينوي بكل من هذه الألفاظ طلاقا أو بالأولى طلاقا لاغير أو بالأولى حيضا لا غير وبالأوليين طلاقا لا غير أو بالأولى والثالثة طلاقا لا غير أو بالثانية والثالثة طلاقا و وبالأولى حيضا وفي هذه الوجوه السته تطلق ثلاثا أو ينوي بالثانية طلاقا لا غير أو بالأولى طلاقا وبالثانية حيضا لا غير أو بالأولى طلاقا وبالثالثة حيضا لا غير أو بالأخريين طلاقا لا غير أو بالأوليين حيضا لا غير أو بالأولى والثالثة حيضا لا غير أو بالأولى والثانية طلاقا وبالثالثة حيضا أو بالأولى والثالثة طلاقا وبالثانية حيضا أو بالأولى
____________________
(4/72)
والثانية حيضا وبالثالثة طلاقا أو بالأولى والثالثة حيضا والثانية طلاقا أو بالثانية حيضا لا غير وفي هذه الأحد عشر تطلق ثنتين أو ينوى بكل منها حيضا أو بالثالثة طلاقا لا غير أو بالثالث حيضا لاغير أو بالثانية طلاقا أو بالثالثة حيضا لا غيرأو بالثانية والثالثة حيضا و بالأولى طلاقا أو بالأخريين حيضا لا غير وفي هذه الوجوه الستة تطلق واحدة أو ل ينو بكل منها شيئا فلا يقع في هذا الوجه شيء والأصل إذا نوى الطلاق بواحدة تثبت حال مذاكرة الطلاق فلا يصدق في عدم نية شيء بما بعدها ويصدق في نية الحيض لظهور الأمر باعتداد الحيض عقيب الطلاق وإذا لم ينو الطلاق بشيء صح وكذا كل ما قبل المنوي بها ونية الحيض بواحدة غير مسبوقة بواحدة منوي بها الطلاق يقع بها الطلاق وتثبت بها حالة المذاكرة فيجري فيها الحكم المذكور لها بخلاف ما إذا كانت مسبوقة بواحدة أريد بها الطلاق حيث لا يقع بها الطلقة الثانية لصحة الاعتداد بعد الطلاق ولا يخفى التخريج بعد هذا وان هذا فيما إذا كان الخطاب مع من هي من ذوات الحيض فلو كانت آيسة أو صغيرة فقال أردت بالأول طلاقا وبالباقي تربصا بالأشهر كان حكمه مثل ما نحن فيه ولو قال نويت بهن واحدة فهو كما قال ديانة لاحتمال قصد التأكيد كأنت طالق طالق طالق لا قضاء لأنه خلاف الظاهر وعلمت أن المرأة كالقاضي لا يحل لها أن تمكنه من نفسها إذا علمت منه ما ظاهره خلاف مدعاه وقد ظهر مما ذكر أن حال مذاكرة الطلاق لا تقتصر على السؤال وهو خلاف ما قدموه من أنها حال سؤالها أو سؤال أجنبي طلاقها بل هي أعم من حالة السؤال للطلاق ومن مجرد ابتداء الإيقاع ثم على هذا لقائل أن يقول المذاكرة التي تصير الكناية معها ظاهرة في الإيقاع إنما هي سؤال الطلاق لأن ذكر الكناية الصالحة للإيقاع دون الرد عقيب سؤال الطلاق ظاهر في قصد الإيقاع به فيمتنع قبول دعواه إرادة الطلاق بخلاف المذاكرة بمعنى الابتداء بإيقاع الطلاق مرة فان الإيقاع مرة لا يوجب ظهور الإيقاع مرة ثانية وثالثة فلا يكون اللفظ الصالح له ظاهرا في الإيقاع حتى لا يقبل قوله غي عدم إرادته بالكناية قوله وفي كل موضع يصدق الزوج في نفي النية إنما يصدق مع اليمين الخ قدمناه بيانة ونقله من الكافي للحاكم ولزوم اليمين لما فيه من الإلزام على الغير بعد ثبوت احتمال نفيه بالكناية فيضعف مجرد نفيه فيقوى باليمين والأقرب أنه لنفي التهمة أصله حديث تحليف ركانة المتقدم
فروع طلقها واحدة ثم قال جعلتها بائنة صارت بائنة وقال محمد لا تكون إلا رجعية ولو قال جعلتها
____________________
(4/73)
ثلاثا صارت ثلاثا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا تكون إلا واحدة لأن الواحدة لا تكون ثلاثا ولمحمد في الأول أن جعله الواحدة الرجعية بائنة تغيير للمشروع فيرد عليه قلنا يملك البائن لما ذكرناه قريبا لكنه لم لم ينص على وصف ابتداء اكتفاء بأصل الطلاق فكان رجعيا باعتبار عدم حصول البينونة فإذا أبانها التحقت بأصل الطلاق كما لو فعلها ابتداء كالوكيل بالبيع لما ملك البيع النافذ كان مالكا لأصله ووصفه وملك إلحاق وصفه بأصله كتنفيذ عقد الفضولى واعلم أن الصريح ويلحق الصريح و البائن عندنا والبائن يلحق الصريح لا البائن إلا إذا كان معلقا فلو قال لها بعد الخلع أنت طالق يقع الطلاق عندنا خلافا للشافعي ولو قال بائن لم يقع اتفاقا ولو قال إن دخلت فأنت بائن ينوي الطلاق ثم أبانها فدخلت في العدة وقع عليها طلاق آخر عندنا خلافا لزفر أما كون الصريح يلحق البائن فلقوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } يعني الخلع ثم قال تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } والفاء للتعقيب فهو نص على وقوع الثالثة بعد الخلع وعن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة وهنا القيد الحكمي باق لبقاء أحكام النكاح وإنما فات الاستمتاع وهو لا يمنع التصرف في المحل كالحيض ولهذا لحق البائن الصريح بل أولى لبقاء الاستمتاع وأما عدم لحوق البائن البائن فلا مكان جعله خبرا عن الأول وهو صادق فيه فلا حاجة إلى جعله إنشاء لأنه اقتضاء ضروري حتى لو قال عنيت به البينونة الغليظة ينبغي أن يعتبر وتثبت الحرمة الغليظة لأنها ليست ثابتة في المحل فلا يمكن جعله اخبارا عن أنها ثابتة فتجعل إنشاء ضرورة ولهذا وقع البائن المعلق قبل تنجيز البيونة كما مثلناه لأنه صح تعليقه ولم يمكن جعله خبرا حين صدر وأورد عليه أن مثله لازم في أنت طالق فلزم أن لا يلحق الصريح أجيب بأنه لا احتمال فيه لأن أنت طالق متعين للإنشاء شرعا ولو قال أردت به الإخبار لا يصدق قضاء وفي مسئلتنا لم يذكر أنت بائن ثانيا ليجعل خبرا بل الذي وقع أثر التعليق السابق وهو زوال القيد عند وجود الشرط وهو محل فيقع ويقع المعلق بعد المعلق وقد عرف من استدلالهم الذي أطبقوا عليه أن المراد من البائن الذي لا يلحق ما هو بلفظ الكناية لأنه هو الذي ليس ظاهرا في إنشاء الطلاق وبه يقع الفرق بين الصريح أنت طالق أنت طالق وأنت بائن ولأنهم جعلوه مقابل الصريح ولا يقابله البائن إلا إذا كان كناية لأن الصريح أعم من البائن لأنه مالا يحتاج إلى نية بائنا كان الواقع به أو رجعيا والكناية ما يحتاج إليها غير أنه لا يقع بها في غير الألفاظ الثلاثة اعتدى استبرئي رحمك أنت واحدة إلا بائن وفي الخلاصة نقلا من الزيادات الذي يلحق البائن لا يكون رجعيا والصريح ويلحق البائن وان لم يكن رجعيا وقوله الذي يلحق البائن لا يكون رجعيا لأنه لا يتصور لأن البينونة السابقة تمنع الرجعة التي هي حكم الصريح غير المقيد بإبانة ما ذكر من أنه إذا أبانها ثم قال لها أنت طالق بائن يلغو بائن هو لما ذكرنا من عدم تصور الرجعة فكان ذكره وتركه سواء وما زاد في تعليل الإلغاء في هذه المسئلة في الحاوي من قوله يلغو تصحيحا لكلامه لا معنى له وعلى مجرد الإلغاء اقتصر في الخلاصة ومحله ما ذكرنا وعلى هذا فما في وقع في حلب من الخلاف في واقعة وهي أن رجلا أبان امرأته ثم طلقها ثلاثا في العدة الحق فيه أنه يلحقها لما سمعت من أن الصريح وان كان بائنا يلحق البائن ومن أن المراد بالبائن الذي لا يلحق هو ما كان كناية على ما يوجبه الوجه وفي الحقائق لو قال
____________________
(4/74)
إن فعلت كذا فحلال الله على حرام ثم قال هكذا لأمر آخر ففعل أحدهما وقع طلاق بائن ثم لو فعل الآخر قال ظهير الدين ينبغي أن يقع آخر وقال هذا ينبغي أن يحفظ
تتمة في الشهادة على الطلاق من الكافي للحاكم وهو مجموع كلام محمد رحمه الله في كتبه لو شهدا بالطلاق والزوجان متصادقان على عدم الطلاق فرق بينهما لأن النية تكذبهما ولو شهدا أنه طلق إحدى نسائه بعينها ونسياها فشهادتهما باطلة ولو شهد أنه طلق إحداهن بغير عينها ألزمناه الإيقاع على إحداهن استحسانا وفي القياس هو كالأول ولو شهد شاهد على طلقتين وآخر بثلاث والزوج منكر لم تجز هذه الشهادة على قول أبي حنيفة وعندهما تجوز على طلقتين وتأتي هذه في الهداية في باب الاختلاف في الشهادة وإذا شهد شاهد عدل على الطلاق فسألت المرأة القاضي أن يضعها على يد عدل حتى تأتي بالآخر لا يفعل ويدفعها إلى زوجها فان كان الطلاق بائنا وادعت أن بقية الشهود بالمصر وشاهدها عدل فان أجلها ثلاثة أيام وحال بينها وبين زوجها حتى ينظر ما تصنع في شاهدها الآخر فهو حسن وان دفعها للزوج لا بأس به ولو شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا والآخر أنه قال أنت علي حرام ينوي الطلاق فهي باطلة وكذا لو شهد أحدهما أنه طلقها إن دخلت الدار وأنها دخلت والآخر أنه طلقها إن كلمت فلانا وأنها كلمته وكذا إن اختلفا في ألفاظ الكنايات وكذا في مقادير الشروط التي علق عليها في التعليق والإرسال ومقادير الأجعال وصفاتها وفي اشتراطها وحذفها وإذا شهد أنه قال إن دخلت فلانة الدار فهي طالق وفلانة معها والآخر أنه قال وحدها وقد دخلت ففلانة تطلق وحدها لأنهما اتفقا فيما وقع فيه الطلاق على واحدة ولو شهد واحد على تطليقة بائنة وآخر على تطليقة رجعية جازت على الرجعية وكذا إذا شهد على تطليقة والآخر على واحدة وواحدة أو على واحدة والآخر على واحدة وعشرين أو واحدة ونصف والأصل عنده أنها في العطف تصح في المعطوف عليه لاتفاقهما على اللفظ أو مرادفه بخلاف البائن فلذا لا تقبل شهادة أحدهما على واحدة والآخر على ثنتين عنده خلافا لهما لأن الذي شهد بثنتين لم يتكلم بالواحدة ولا بمرادفها وسيأتي هذا الأصل في باب الاختلاف في الشهادة ولو شهد أنه قال فلانة طالق لا بل فلانة والآخر على أنه سمى الأولى فقط جازت على الأولى ولو شهد أنه قال طالق الطلاق كله والآخر على أنه قال بعد الطلاق لم تجز الشهادة عنده و عندهما تطلق واحدة ولو شهدا أنه قال طالق والآخر أنه أقر بالطلاق جازت وكذا إن اختلفا في الوقت أو المكان أو الزمان بأن شهد أنه طلقها يوم النحر بمكة والآخر أنه طلقها في ذلك اليوم بالكوفة فهي باطلة لتيقن كذب أحدهما ولو شهدا بذلك في يومين متفرقين بينهما من الأيام قدر ما يسير الراكب من الكوفة إلى مكة جازت شهادتهما ولو شهدا اثنان انه طلق عمرة يوم النحر بالكوفة والآخر أنه طلق زينب يوم النحر بمكة فشهادتهما باطلة ولو جاءت إحدى البينتين فقضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها و إذا قال رجل لامرأتيه أيتكما أكلت هذا فهي طالق فجاءت كل ببينة أنها أكلته تطلقان جميعا وان جاءت احداهما ببينة فحكم بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها وان كانتا أكلتا لم تطلقا
____________________
(4/75)
& فصل في الاختيار
باب تفويض الطلاق لما فرغ من بيان الطلاق بولاية المطلق نفسه شرع في بيانه بولاية مستفادة من غيره وتحت هذا الصنف ثلاثة أصناف التفويض بلفظ التخيير وبلفظ الأمر باليد وبلفظ المشيئة قوله إذا قال لإمرأته اختاري ينوي بذلك الطلاق يعني ينوي تخييرها فيه أو قال لها طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك وان طال يوما أو أكثر ولم يتبدل بالأعمال فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن المخيرة لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم قال ابن المنذر واختلفوا في الرجل يخير زوجته فقالت طائفة أمرها بيدها فان قامت من مجلسها فلا خيار لها روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب وعثمان وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين وفي أسانيدها مقال وبه قال جابر بن عبد الله وقال به عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والنخعي و مالك و سفيان الثوري و الأوزاعي والشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي وفيه قول ثان وهو أن أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره وهذا قول الزهري و قتادة و أبي عبيد و ابن نصر وبه نقول ويدل على صحته قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وحكى صاحب
____________________
(4/76)
المغنى هذا القول عن علي فاعترض علي نقل الإجماع والجواب أن الرواية عن علي لم تستقر فقد روى عنه كقول الجماعة ولذا نص في بلاغات محمد رحمه الله أنه قائل بالاقتصار على المجلس قال بلغنا عن عمر و عثمان و علي وابن مسعود و جابر رضي الله عنهم في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك فإذا قامت من مجلسها فلا خيار لها فيكون إجماعا سكوتيا من قول المذكورين وسكوت غيرهم وأين من نقل عنهم من التابعين القول الأول ممن نقل عنهم الثاني وقوله في اسانيدها مقال لا يضر بعد تلقي لأمة بالقبول مع أن رواية عبد الرزاق عن ابن مسعود و جابر بن عبد الله جيدة وأما التمسك يقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لا تعجلي الخ فضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن تخييره ذلك هذا التخيير المتكلم فيه وهي أن توقع بنفسها بل على أنها إن اختارت نفسها طلقها ألا ترى إلى قوله تعالى في الآيه التي هي سبب التخيير منه صلى الله عليه وسلم إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا قوله ولأنه تمليك الفعل منها و التمليكات تستدعي جوابا في المجلس أورد لو كان تمليكا لم يبق الزوج مالكا للطلاق في ذلك المجلس لاستحالة كون الشيء مملوكا كله لأكثر من واحد في زمان واحد وهو منتف فإنه لو طلقها بعد التخيير وقع وأيضا لو صارت مالكة كان من قال لامرأته طلقي نفسك ثم حلف أن لا يطلقها فطلقت نفسها لا يحنث وقد نص محمد على أنه يحنث وهو يقتضي أن تكون نائبة عنه لا مالكة وأيضا يصح عندنا توكيل المديون بإبراء نفسه وهذا يرد على تعليل كونه تمليكا بأنها عاملة لنفسها وأجيب بأن المراد بالمالك هنا من يقدر على الفعل لاختياره بحيث لا يلحقها
____________________
(4/77)
اثم على نفس الفعل ولا خلف في عدم فعله بخلاف الوكيل فانه مخلف إن لم يفعل ويتصور الملك على هذا الوجه من اثنين فان تمليك الفعل هكذا ولزوم انتفاء الملك بالتمليك في الأعيان لا في ملك الأفعال للقطع بثبوت ملك كل من مائة رجل لفعل واحد كملا وهو الاقتصاص ومسئلة اليمين ممنوعة والحنث قول محمد والمنع مذكور في الزيادات لصاحب المحيط وأما المديون فوكيل وإنما وقع عمله في الإبراء لرب الدين باعتبار أمره وثبت أثر التصرف لنفسه في ضمنه وهو فراغ ذمته وفي هذا نظر نبريه في تطليقها نفسها بأن يقال هي وكيلة فهي في نفس فعل الإيقاع عاملة له وثبوت الحاصل لها ضمنا ولو التزم كون المديون مملكا لم يصح لانتفاء لازمه لأن للدائن أن يرجع قبل الإبراء وسنذكر ما هو الأوجه واعلم أن الجواب الذي يستدعي التمليك هو القبول في المجلس والجواب المتكلم فيه هو تطليقها نفسها وهو بعد تمام التمليك فليس هذا الوجه مستلزما للمطلوب ولهذا قال في الذخيرة إن هذا التمليك يخالف سائر التمليكات من حيث أنه يبقى إلى ما وراء المجلس إن كانت غائبة ولا يتوقف على القبول فظهر أن هذا التمليك بخصوصه لا يستدعي الجواب الذي يتم به التمليكات ولكونه تمليكا يتم بالملك وحده بلا قبول لا يقدر على الرجوع لا لكونه متضمنا معنى التعليق لأنه اعتبار يمكن في سائر الوكالات لتضمنها معنى إن بعته فقد أجزته والولايات لتضمنها إذا حكمت بين من شئت فقد أجزته فكان يقتضي أن لا يصح الرجوع والعزل فيها فلا حاجة إليه لهذا المعنى لابتنائه على ما ذكرنا لكن إذا كان الملك يثبت فيه بالمملك وحده لم يصح القول بأنه يخالف سائر التمليكات من حيث أنه يبقى إلى ما وراء المجلس بل بقاؤه هو الموافق لسائر التمليكات التي يثبت الملك عندها وإنما خالفها بما ذكرنا وباعتبار اقتصاره على المجلس والمستند فيه إجماع الصحابة واعلم أن الاقتصار على المجلس في الخطاب المطلق أما لو قال طلقي نفسك متى شئت فهو لها في المجلس وغيره وإذا فوض وهي غائبة اعتبر مجلس علمها ولو قال جعلت لها أن تطلق نفسها اليوم اعتبر مجلس علمها في ذلك اليوم فلو مضى اليوم ثم علمت يخرج الأمر من يدها وكذا كل وقت قيد التفويض به وهي غائبة ولم تعلم حتى انقضى بطل خيارها في المجلس وليس للزوج أن للزوج أن يرجع قبل انقضاء المجلس لأنه بمعنى اليمين إذ هو تعليق الطلاق بتطليقها نفسها وقد علمت ما هو التحقيق قوله إذ مجلس الخ لو كانا يتحدثان فأخذا
____________________
(4/78)
في الأكل انقضي مجلس الحديث وجاء مجلس الأكل فلو انتقلا إلى المناظرة انقضى مجلس الأكل وجاء مجلس المناظرة ولو خيرها فلبست ثوبا أو شربت لا يبطل خيارها لأن العطش قد يكون شديدا يمنع التأمل ولبس الثوب قد يكون لتدعو شهودا بخلاف ما لو أكلت ما ليس قليلا أو امتشطت أو أقامها الزوج قسرا فانه يخرج الأمر من يدها لظهور الإعراض به ووجه بأن في الإقامة أنها يمكنها مما نعته في القيام أو تبادر الزوج باختيارها نفسها فعدم ذلك دليل الإعراض وكذا إذا خاضت في كلام آخر قال تعالى { حتى يخوضوا في حديث غيره } أفاد أته إعراض عن الأول قوله ثم لا بد من النية أي نية الطلاق في قوله اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها بالإقامة على النكاح وعدمه ويحتمل تخييرهافي غيره من نفقة أو كسوة فإذا اختارت نفسها فأنكر قصد الطلاق فالقول له مع يمينه أما إذا خيرها بعد مذاكرة الطلاق فاختارت نفسها ثم قال لم أنو الطلاق لا يصدق في في القضاء وكذا إذا كانا في غضب أو شتيمة وإذا لم يصدق قي القضاء لا يسع المرأة أن تقيم معه إلا بنكاح مستقبل قوله والقياس أن لا يقع بها شيء لأن التمليك فرع ملك المملك وهو لا يملك الإيقاع بهذه اللفظة لو قال اخترت نفسي منك أو اخترتك من نفسي ناويا لا يقع إلا أنا استحسنا الوقوع باختيارها بإجماع الصحابة رضي الله عنهم قوله ولأنه بسبيل الخ ظاهره أنه وجه آخر للاستحسان يقابل القياس ويقتضي الوقوع بخصوص هذه اللفظة وهو لا يقتضي ذلك وإنما يقتضي جواز إقامتها مقامه في الفراق ولا تلاقي بينهما بل يقتضي أن لا يقع به لأن إقامتها مقام نفسه فيما يملكه ولا يملك الإيقاع بهذه اللفظة فهو وجه القياس قوله ثم الواقع بها بائن روي عن زيد بن ثابت أنه ثلاث وبه أخذ مالك في المدخول بها وفي غيرها يقبل منه دعوى الواحدة وعن عمر و ابن عباس و ابن مسعود واحدة رجعية وبه أخذ الشافعي و أحمد وثبت عن علي رضي الله عنه أن الواقع به واحدة بائنة توسط بين الغايتين ورجح قول عمر وابن مسعود بأن الكتاب دل على أن الطلاق يعقب الرجعة إلا أن تكون الطلقة الثالثة وأنت علمت أنه أخرج منه الطلاق بمال وقبل الدخول ولزم إخراج الطلاق بما دل على البينونة من الألفاظ على ما أسلفناه ولفظ اخترت نفسي بل نفس تخييرها يفيد ملكها نفسها إذا اختارتها لأنه ينبئ عن الاستخلاص والصفاء من ذلك الملك وهو البينونة و إلا لم تحصل فائدة التخيير إذا كان له أن يراجعها شاءت أو أبت وقد روى التزمذي عن عبد الله بن مسعود وعمر أن الواقع بها بائنة كما روى عنهما الرجعية فاختلفت الرواية عنهما وقد ترجح بما ذكرنا قول علي و عمر و ابن مسعود ثم هو غير متنوع لأنه إنما يفيد الخلوص والصفاء والبينونة تثبت فيه مقتضى فلا يعم بخلاف أنت بائن ونحوه فلا يقع الثلاث في قوله اختاري وان نواها
____________________
(4/79)
بخلاف التفويض بقوله أمرك بيدك حيث تصح نية الثلاث فيه لأن الأمر شامل بعمومه لمعنى الشأن للطلاق فكان من أفراده لفظا والمصدر يحتمل نية العموم وقيل الفرق أن الوقوع بلفظ الاختيار على خلاف القياس بإجماع الصحابة وإجماعهم انعقد على الطلقة الواجدة بخلاف تلك المسائل أي بائن ونحوه لأن الوقوع مقتضى نفس الألفاظ ومقتضاها البينونة وهي متنوعة وفيه نظر لانتفاء إجماعهم على الواحدة لما قدمنا من قول زيد بن ثابت أن الواقع به ثلاث قولا بكمال الاستخلاص قوله و لا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها يعني أو ما يقوم مقامه كالاختيارة والتطليقة
وكذا إذا قالت اخترت أبي و أمي أو الأزواج أو أهلي بعد قوله اختاري يقع لأنه مفسر في الأزواج ظاهر وكذا أهلي لأن الكون عندهم وهو المفهوم من اخترت أهلي إنما يكون للبينونة وعدم الوصلة مع الزوج ولذا تطلق بقول الزوج الحقي بأهلك بخلاف قولها اخترت قومي أو ذا رحم محرم لا يقع وينبغي أن يحمل على ما إذا كان لها أب أو أم أما إذا لم يكن ولها أخ ينبغي أن يقع لأنها تكون عنده عادة عند البينونة إذا عدمت الوالدين وإنما اكتفى بذكر هذه الأشياء في أحد الكلامين لأنها إن كانت في كلامه تضمن جوابها إعادته كأنها قالت فعلت ذلك وان كان في كلامها فقد وجد ما يختص بالبينونة في اللفظ العامل في الإيقاع فالحاجة معه ليس إلا إلى نية الزوج فإذا فرض وجودها تمت علة البينونة فتثبت بخلاف ما إذا لم تذكر النفس ونحوها في شيء من الطرفين لأن المبهم لا يفسر المبهم إذ لفظه حينئذ مبهم ولذا كان كناية لاحتمال اختاري ما شئت من مال أو حال أو مسكن و غيره وأيضا الإجماع إنما هو في المفسر من أحد الجانبين والإيقاع بالاختيار على خلاف القياس فيقتصر على مورد النص فيه ولو لا هذا لأمكن الاكتفاء بتفسير القرينة الحالية دون المقالية بعد أن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه لكنه باطل وإلا لوقع بمجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كأسقني وبهذا يبطل اكتفاء الشافعي و أحمد بالنية مع القرينة عن ذكر النفس ونحوه ولو قال اختاري فقالت اخترت نفسي لا بل زوجي يقع ولو قدمت زوجي لا يقع والوجه عدم صحة الرجوع في الأول وخروج الأمر من يدها في الثاني ولو قالت اخترت نفسي أو زوجي لم يقع ولو عطفت بالواو فالاعتبار للمقدم ويلغو
____________________
(4/80)
ما بعده ولو خيرها ثم جعل لها ألفا على أن تختاره فاختارته لا يقع ولا يجب المال لأنه رشوة إذ هو اعتياض عن ترك حق تملك نفسها فهو كالاعتياض عن ترك حق الشفعة قوله وكذا لو قال اختاري اختيارة الخ يعني أن ذكره الاختيارة في كلامه تفسير من جانبه كذكره نفسها فلو لم تزد هي على اخترت وقعت بائنة ووجهه بأن الهاء فيها للوحدة واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة بأن قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي فانه إنما يقع به واحدة ويتعدد أخرى بأن قال لها اختاري اختاري اختاري أو اختاري نفسك بثلاث تطليقات أو بما شئت فقالت اخترت يقع الثلاث فلما قيد بالوحدة ظهر انه أراد تخييرها في الطلاق فكان مفسرا فإلزام التناقض بأنه أثبت هنا إمكان تعدد الواقع ولو ثلاثا ونفاه فيما تقدم بقوله لأن الاختيار لا يتنوع مندفع لأنه لم يلزم مما ذكرنا كون الاختيار نفسه يتنوع كالبينونة إلى غليظة وخفيفة حتى يصاب كل نوع منه بالنية من غير زيادة لفظ آخر فإن قيل إجماع الصحابة على المفسر بذكر النفس فينبغي أن لا يجوز بقولها اخترت اختيارة أو أهلي ونحوه فأن هذه لم يجمع عليها قلنا عرف من إجماع الصحابة اعتبار مفسر لفظا من جانب فيقتصر عليه فينتفي غير المفسر وأما خصوص لفظ المفسر فمعلوم الإلغاء واعتبار المفسر أعم منه حتى بقرينة غير لفظية يوجب ما ذكرنا من الوقوع بلا لفظ صالح ولو اختارت زوجها لا يقع شيء وعن علي تقع رجعية كأنه جعل نفس اللفظ إيقاعا لكن قول عائشة رضي الله عنها خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يعدده علينا شيئا رواه الستة وفي لفظ في الصحيحين فلم يعدد يفيد عدم وقوع شيء قوله فقالت أنا أختار نفسي المقصود أنها ذكرت بلفظ المضارع كأختار نفسي سواء ذكرت أنا أولا ففي القياس لا يقع لأنه وعد كما لو قال طلقي نفسك فقالت
____________________
(4/81)
أنا أطلق حيث لا تطلق وكذا لو قال لعبده أعتق رقبتك فقال أنا أعتق لا يعتق وجه الاستحسان حديث عائشة في الصحيحين عنها قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال أني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ثم قال إن الله تعالى قال لي يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله أجرا عظيما فقلت ففي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي فعلت وفي لفظ مسلم بل أختار الله ورسوله واعتبره صلى الله عليه وسلم جوابا لا يقال قد ذكرت أن التخيير الذي كان منه صلى الله عليه وسلم ليس هذا المتكلم فيه بل إنهن لو اخترن أنفسهن يطلقهن لأن المقصود بالاستدلال به اعتداده صلى الله عليه وسلم جوابا يفيد قيام معناه في الحال وقول المصنف ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال وتجوز في الاستقبال هو أحد المذاهب وقيل بالقلب وقيل مشترك بينهما وعلى اعتبار جعله للحال خاصا أو مشتركا لفظيا يرجح هنا إرادة أحد مفهوميه أعني الحال بقرينة بكونه اخبارا عن أمر قائم في الحال وذلك يمكن في الاختيار لأن محله القلب فيصح الإخبار باللسان عما هو قائم بمحل آخر حال الإخبار كما في الشهادة وكلمة
____________________
(4/82)
الشهادة بخلاف قولها أطلق نفسي لا يمكن جعله اخبارا عن أمر قائم لأنه إنما يقوم باللسان فلو جاز قام به الأمران في زمن واحد وهو محال وهذا بناء على أن الإيقاع لا يكون بنفس أطلق لأنه لا تعارف فيه وقدمناه أنه لو تعورف جاز ومقتضاه أن يقع به هنا إن تعورف لأنه إنشاء لا إخبار قوله ولا يحتاج إلى نية الزوج ولا إلى ذكر نفسها ذكره في الدراية لأن في لفظه ما يدل على إرادة الطلاق وهو التعدد وهو إنما يتعلق بالطلاق لا بإختيار الزوج وهذا يفيد عدم الاحتياج إليها في القضاء حتى لو قال لم أنو لم يلتفت إليه ويفرق بينهما لا عدم الاحتياج إليها في الوقوع فيما بينه وبين الله تعالى حتى يصير كالصريح ويدل على هذا رواية الزيادات بإشتراط النية وإن
____________________
(4/83)
كرر وما في الجامع قال اختاري اختاري اختاري بألف ينوي الطلاق فاشترط النية مع المال والتكرار فضلا عن أحدهما وهذا لما عرف أن الأحوال شروط لكن في شرح الزيادات لقاضيخان لو كرر فقال أمرك بيدك أمرك بيدك أو فأمرك بيدك أو أمرك بيدك بالفاء أو بالواو فقالت اخترت نفسي وقال الزوج لم أنو الطلاق كان القول قوله لأن التكرار لا يزيل الإبهام وكذا لو كرر الاختيار انتهى وهو الوجه وتحقق في المسئلة خلاف بين المشايخ وما ذكرنه المصنف ذكره الصدر الشهيد والعتابي و غيرهما وشرط أبو معين النسفي النية مع التكرار كقاضيخان ومنهم من استشهد بما استشهدنا به في لزوم النية فيما بينه وبين الله تعالى من المنقول على لزوم النية مطلقا ولو في القضاء ولا يخفى بعده في مسئلة الجامع الكبير لأن ذكر المال ظاهر في إرادة الطلاق فكيف يصدقه القاضي إذا أنكر إرادة الطلاق وأما ما في الزيادات من اشتراطها فيحمل على ما في نفس الأمر أي يشترط للوقوع ثبوت النية في نفس الأمر لأن الأصل أن إثبات أجوبة المسائل من قولنا يقع لا يقع يجب لا يجب إنما هو بالنسبة إلى نفس الأمر وليس كل ما يشترط في نفس الأمر يشترط للقضاء غير أنا مع ذلك اخترنا ما ذكره القاضي من أنه لو أنكر الطلاق بقوله لم أنوه فالقول قوله لانتهاض الوجه به لأن تكرار أمره بالإختيار لا يصيره ظاهرا في الطلاق لجواز إن يريد اختاري في المال واختاري في المسكن ونحوه وهو كإعتدى اعتدى اعتدى حيث يصدقه في إنكار نية الطلاق لإمكان إرادة اعتدى نعم الله ومعاصيك ونعمى وما في البدائع لو قال اختاري اختاري اختاري فاختارت نفسها فقال نويت بالأولى طلاقا وبالباقيتين التأكيد لم يصدق لأنه لما نوى بالأولى الطلاق كان الحال حال مذاكرة الطلاق فكان الباقي طلاقا ظاهرا ومثله في المحيط ظاهر وقال في الكافي في مسئلة الكتاب قيل لا بد من ذكر النفس وإنما حذف لشهرته لأن غرض محمد رحمه الله التفريع دون بيان صحة الجواب وعلى هذا فينبغي أن حذف النية في الجامع الصغير كذلك قوله إن ذكر الأولى وما يجري مجراه إن كان لا يفيد من حيث الترتيب يعني هو في نفسه يفيد الفردية والنسبة المخصوصة فإن بطل الثاني في خصوص هذا المحل لاستحالته في المجتمع في الملك أعني الثلاث التي ملكتها بقوله اختاري ثلاث مرات إذ حقيقة الترتيب في أفعال الأعيان كما يقال صام حج
____________________
(4/84)
لم يجز إبطال الآخر فيجب اعتباره قوله والكلام للترتيب ذكر في المبسوط لأبي حنيفة وجهين أحدهما أن الأولى نعت لمؤنث فاستدعى مذكورا يوصف به والمذكور ضمنا الاختيارة فكأنها قالت اخترت الاختيارة أو المرة الأولى ولو قالت ذلك طلقت ثلاثا والآخر أنها أتت بالترتيب لا فيما يليق وصفه به فيلغو ويبقى قولها اخترت فيكون جوابا للكل وهذا تتم الإشارة إليه بقوله إن هذا وصف لغو إلى قوله في المكان فقوله والكلام للترتيب ابتداء وجه يتضمن جواب قولهما إن كان لا يفيد الترتيب الخ لا يطابق الوجه الأول والمراد بالكلام لفظ الأولى فإن كثيرا من الأصوليين يطلقه على المفرد وبعضهم ينسبه إلى كلهم ثم يرد عليه منع أن الإفراد من ضرورة الترتيب الذي هو معنى الأولى بل كل منهما مدلوله ليس أحدهما تبعا للآخر حتى إذا لغا في حق الأصل لغا في حق البناء وهو الإفراد وإذا لغيا بقي قولها اخترت وهو يصلح جوابا للكل فيقعن ولذا اختار الطحاوي قولهما والجواب بعد تسليم أن الفردية مدلول تضمني فقد يكون أحد جزءي المدلول المطابقي هو المقصود والآخر تبعا كما هو المراد هنا من قوله والإفراد من ضروراته فينتفي التبع بإنتفاء المقصود والوصف كذلك لأنه وضع لذات باعتبار معنى هو المقصود فلم يلاحظ الفرد فيه حقيقيا أو اعتباريا كالطائفة الأولى والجماعة الأولى إلا من حيث هو متصف بتلك النسبة فإذا بطلت بطل الكلام وقد ضعف بعضهم تعليل أبي حنيفة رحمه الله بأن الترتيب ثابت في اللفظ وإن لم يكن ثابتا في المعنى فصدق وصفها بالأولى والوسطى إلى آخره بإعتبار أن قوله اختاري اختاري جملة بعد جملة والحاصل من هذا اخترت لفظتك الأولى أو كلمتك الأولى ولا معنى له أصلا بعد فرض إهدار وصف الطلاق به وأبعد من هذا من رام الدفع عنه بأن المعنى اخترت الإيقاع بكلمتك الأولى لإن الإيقاع لا يكون بكلمته قط بل بكلمتها مريدة بها الطلاق ولو قال لها اختاري ثلاثا فقالت اخترت اختيارة أو الاختيارة أو مرة أو بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة أو اختيارة واحدة تقع الثلاث اتفاقا لأنه جواب الكل حتى لو كان
____________________
(4/85)
بمال لزم كله قوله فهي واحدة يملك الرجعة وهو سهو بل بائن نص عليه محمد في الزيادات وفي الجامع الكبير والمبسوط والأوضح وشروح الجامع الصغير وجوامع الفقه و عامة الجوامع سوى جامع صدر الإسلام فإن فيه ما في الهداية وجه الصحيح أن الواقع بالتخيير بائن لأن التخيير تمليك النفس منها وليس في الرجعي ملكها نفسها وإيقاعها وإن كان بلفظ الصريح لكن إنما يثبت به الوقوع على الوجه الذي فوض به إليها والصريح لا ينافي البينونة كما في تسمية المال فيقع به لأنها لا تملك إلا ما ملكت ألا ترى أنه لو أمرها بالبائن فأوقعت الرجعي أو بالعكس وقع ما أمرها به لا ما أوقعته فإن قيل ما الفرق بين اخترت وطلقت حيث يصح طلقت جوابا لاختاري حتى تقع به البائنة واخترت لا يصلح جواب طلقي نفسك حتى لا يقع به شيء إلا عند زفر وسنذكر جوابه في فصل الأمر باليد قوله لكن بتطليقة قيل عليه لو كان كذلك لكان هذا كقوله طلقي نفسك وقد ذكرنا أنه لا يقع باخترت جوابا لطلقي نفسك أجيب بأن آخر كلامه لما فسر الأول كان العامل هو المفسر وهو الأمر باليد والتخيير وقولها اخترت يصلح جوابا له
____________________
(4/86)
فروع قال أنت طالق إن شئت و اختاري فقالت شئت واخترت يقع ثنتان بالمشيئة و الاختيار ولو قال اختاري اختاري ختاري بألف فقالت اخترت جميع ذلك وقعت الأوليات بلا شيء والثالثة بألف لأنها المقرونة بالبدل كما في الاستثناء والشروط وكذا لو قالت اخترت نفسي اختيارة أو واحدة أو بواحدة ولو قالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة تطلق ثلاثا بألف على قول أبي حنيفة وعلى قولهما وقعت واحدة بغير شيء إن قالت اخترت الأولى أو الوسطى وبألف إن قالت اخترت الأخيرة ولو قالت طلقت نفسي بواحدة أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة لأن التطليقة اسم للواحدة فلا يكون جوابا عن الكل بل البعض وبعد ذلك تسأل المرأة عن ذلك فإن قالت عنيت الأولى أو الثانية وقعتا بلا شيء أو الثالثة بانت بألف و لو قال اختاري واختاري واختاري بالعطف بألف فالألف مقابل بالثلاث للعطف فلو قالت اخترت نفسي يتطليقه لم يقع شيء لأن الواحدة لو وقعت وقعت بثلث البدل ولم يرضه ولو قالت اخترت الأولى أو الثانية أو الثالثة وقعت ثلاث بألف عنده وعندهما لا يقع لأنه لو وقع وقع بثلث الألف ولو قال لها اختاري من ثلاث تطليقات ما شئت فلها اختاري واحدة أو ثنتين عند أبي حنيفة لا غير لأن من للتبعيض وعندهما تملك أن تطلق نفسها ثلاثا لأنها للبيان وهي معروفة فصل في الأمر باليد
قدم التخيير لتأيده بإجماع الصحابة والأمر باليد كالتخيير في جميع مسائله من اشتراط ذكر النفس أو ما يقوم مقامه ومن عدم ملك الزوج الرجوع وغير ذلك مما قدمناه سوى نية الثلاث فإنها تصح ههنا لا في التخيير واعلم أن التفويض بلفظ أمرك بيدك لا يعلم فيه خلاف وصحته قياس واستحسان وكذا صحة التفويض بلفظ اختاري نفسك لأنه يملك تطليقها فله أن يملكه بكل لفظ يفهم التفويض منه ولفظ اختاري نفسك يفيده فعلى هذا إنما يتجه تقديم التفويض بلفظ اختاري لتأيده بإجماع الصحابة رضي الله عنهم نصا بخلافه بلفظ الأمر باليد فإنه وإن لم يعلم فيه خلاف أحد لم يقع به ذلك لنقل صريحا وإنما افترق البابان في القياس ولاستحسان في الإيقاع
____________________
(4/87)
بلفظ الاختيار فإن إيقاعها به إنما يجوز استحسانا بإجماع الصحابة لا قياسا لأن الزوج لا يملك الإيقاع به فلا يملك به المملك إذ لا يكون ما في ملكه أوسع مما في ملك مملكه وهذا يتساوى فيه البابان فإن إيقاعها بلفظ اخترت نفسي يصح في جواب أمرك بيدك كما يصح في اختاري وإما الإيقاع بلفظ أمري بيدي ونحوه فلا يصح قياسا ولا استحسانا فلا يحم حول الحمى وتترك النزول مخافة قوله وإن قال لها أمرك بيدك ينوي ثلاثا أي ينوي التفويض في ثلاث فقالت اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد وهنا مقامان الوقوع وكونه ثلاثا و الوقوع مبني على صحته جوابا فأفاده بقوله لكونه أي الأمر باليد تمليكا كالتخيير فجوابه جوابه وهو منقوض بطلقي نفسك فإنه تمليك كالتخيير ولا يصلح اخترت نفسي جوابا له حتى لا يقع به شيء إلا عند زفر رحمه الله وجواب شمس الأئمة بأن الاختيار أضعف من لفظ الطلاق ولذا لو قالت طلقت نفسي فأجازه مبتدأ جاز ولو قالت اخترت نفسي لا يتوقف ولا يقع وإن أجازه ولا يملك هو الإيقاع به فصلح الأقوى جوابا للأضعف دون العكس لا يدفع الوارد على المصنف ثم كون الأقوى يصلح جوابا للأضعف بلا عكس يحتاج إلى التوجيه ويمكن كونه لأن الجواب هو العامل والتفويض شرط عمله فلا يكون دونه بل فائقا أو مساويا وفرق قاضيخان في شرح الزيادات بأن قولها اخترت مبهم وقوله طلقي نفسك مفسر والمبهم لا يصلح جوابا للمفسر وهو مشكل على ما تقدم من تقرير الاكتفاء بالتفسير في أحد الجانبين ثم أفاد الثاني بقوله الواحدة أي التي تطقت بها صفة الاختياره فصار كأنها قالت اخترت نفسي بمره واحدة وبذلك يقع الثلاث وكان الظاهر أن يقول باختيارة فعلى واحدة لأنه جعلها وصفا لها لكنه قصد التنبيه على أن موجب وقوع الثلاث وصرحت بقولها
____________________
(4/88)
اختيارة واحدة كون المراد بمرة واحدة فإن الاختيارة ليست إلا المرة من الاختيار وإذا كان اختيارها بمرة واحدة انتفى الاختيار بعده وكونها بحيث لا يتصور لها اختيار آخر هو بأن يقع الثلاث ويقال في العرف تركته بمرة واحدة وكرهته بمرة وأعرضت عنه مرة واحدة وما لا يحصى من هذا لا يراد به إلا بلوغ ما قيد به من الترك مثلا والكراهة والإعراض منتهاه وأورد بعضهم أنه ينبغي أن يقع به طلقة واحدة لأن بواحدة يحتمل كونه صفة طلقة ولما جعل أمرها بيدها في التطليق فقولها اخترت نفسي بواحدة يحتمل كلا من كون إرادة الموصوف طلقة
____________________
(4/89)
أو اختيارة فإذا نوتها أو لم تكن لهاو نية تقع واحدة والجواب أن الاحتمالين لم يتساويا فإن خصوص العامل اللفظي قرينة خصوص المقدر وهو هنا لفظ اخترت في قولها اخترت نفسي بواحدة بخلاف ما إذا أجابت بطلقت نفسي بواحدة حيث تقدر الطلقة وهو بخصوص العامل أيضا وبهذا وقع الفرق بين جوابها بطلقت نفسي بواحدة حيث يقع واحدة بائنة واخترت نفسي بواحدة حيث يقع ثلاث وإنما كان التطليقة بائنة لأن التفويض إنما يكون في البائن لأنها به تملك أمرها وإنما تملكه بالبائن لا بالرجعي وإذا علم أن الأمر باليد مما يراد به الثلاث فإذا قال الزوج نويت التفويض في واحدة بعد ما طلقت نفسها ثلاثا في الجواب يحلف أنه ما أراد به الثلاث قوله وقد حققناه من قبل أي في فصل الاختيار بقوله الاختيار لا يتنوع قوله ولو قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد لم يدخل فيه الليل إلى آخره حاصله أن قوله اليوم وبعد غد واليوم و غدا يفترقان في حكمين أحدهما أنها لو اختارت زوجها اليوم وخرج الأمر من يدها فيه تملكه بعد الغد والثاني عدم ملكها في الليل وفي اليوم وغدا لو اختارت زوجها اليوم لا تملك طلاق نفسها غدا أي نهارا و تملكه ليلا والفرق مبني على أنه تمليك واحدة في اليوم وغدا وتمليكان في اليوم وبعد غد وجعله زفر رحمه الله في الكل تمليكا واحدا في اليوم وبعد غد فلم يثبت الخيار بعد الغد إذا ردته اليوم قياسا على طلقي نفسك اليوم وبعد غد حيث يقع الطلاق واحدا فكذا يكون هنا أمر واحد وعلى أمرك بيدك اليوم وغدا قلنا الطلاق لا يحتمل التأقيت وإذا وقع تصير به طالقا في جميع العمر فذكر بعد غد و عدمه سواء لا يقتضي طلاقا آخر أما الأمر باليد فيحتمله فيصح ضرب المدة له غير أن عطف زمن على زمن مماثل مفصول بينهما بز من مماثل لهما ظاهرا في قصد تقييد الأمر المذكور بالأول وتقييد أمر آخر بالثاني وإلا لم تكن لهذه الطفرة معنى وإذا كان كذلك يصير لفظ يوم مفردا غير مجموع إلى ما بعده في الحكم المذكور لأنه صار عطف جملة أي أمرك بيدك اليوم و أمرك بيدك بعد غد ولو قال أمرك بيدك اليوم لا يدخل الليل بخلاف
____________________
(4/90)
اليوم وغدا فإنه لم يفصل بينهما بيوم آخر لتقوم الدلالة على القصد المذكور فكان جمعا بحرف الجمع في التمليك الواحد فهو كقوله أمرك بيدك في يومين و في مثله تدخل الليلة المتوسطة استعمالا لغويا و عرفيا على أن على ما روى ابن رستم من أنه إذا قال أنت طالق اليوم وبعد غد تطلق طلاقين بخلاف اليوم و غدا يمتنع قياسه و أيضا في طالق اليوم وبعد غد يثبت فيه الحكم في الغد لأنها طالق فيه أيضا بخلاف أمرك بيدك اليوم و بعد غد فإن الاتفاق على أن لاخيار لها في الغد فلم يلحق به من كل وجه وقول المصنف وقد يهجم الليل ومجلس المشورة لم ينقطع لا اعتبار به تعليلا لدخول الليل في التمليك المضاف إلى اليوم و غد لأنه يقتضي دخول الليل في اليوم المفرد لذلك المعنى أعني أنه قد يهجم الليل و مجلس المشورة لم ينقطع قوله و عن أبي حنيفة في مسئلة أمرك بيدك اليوم و غدا أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا رواه أبو يوسف عنه ووجهه أن المرأة لا تملك رد إيقاع الزوج لو نجز فكذا لا تملك رد الأمر لأنه تمليك يثبت حكمه لها من الملك بلا قبول كالإيقاع منه و حاصله أن ردها لغو فالحال كما كان فلها أن تختار نفسها في الغد و مقتضى هذا أن لها أن تختار نفسها في اليوم الذي ردت فيه أيضا فصار كقيامها عن المجلس بعد ما خيرها في اليوم و غدا واشتغالها بعمل آخر حيث لا يخرج الأمر من يدها وتحقيق وجه الظاهر أن ثبوت هذا الملك مغيا شرعا بأحد الأمور من انقضاء مجلس العلم أو الخطاب بلا اختيار شيء أو بفعل ما يدل على الإعراض أو اختيارها زوجها فإذا ردت باختيارها زوجها خرج ملك الإيقاع عنها فلا تملك اختيار نفسها بعد ذلك و يضاف توقيت التمليك بهذه إلى الإجماع على خلاف القياس مع أن توقيته في الجملة ثابت شرعا كما في الإجازة و الأوجه تشبيهه بالعارية لوجهين كونه بلا عوض و العارية تمليك المنفعة بلا عوض و الثاني أن توقيتها ليس بمدة معينه لأن انقضاء المجلس ليس مضبوط الكمية إذ قد يمتد يوما و يوما أو أكثر وكذا اختيارها زوجها و فعل ما يدل على الإعراض بخلاف الإجارة و أما تقريره بأن المخيريين أمرين إنما له اختيار أحدهما فكما أنها إذا اختارت نفسها ليس لها أن تختار زوجها فتعود إلى النكاح كذلك إذا اختارت
____________________
(4/91)
زوجها ليس لها أن تختار نفسها فلا يفصح عن جواب النكتة التي هي مبنى جواز اختيارها نفسها أعني أن الملك بعد ثبوته لا يرتد بالرد إنما يرتد شطر التمليك وقد قلنا إن هذا التمليك يثبت الملك بلا قبول وقد ظهر من وجه الظاهر حمل الرد المذكور في رواية أبي يوسف على اختيارها زوجها ولا شك أنها لا تتعترض لما به الرد فيمكن حمل ردها على كونه بما يكون بلفظ الرد ونحوه بأن تقول عقيب الملك بتخييرها رددت التفويض أو لا أطلق وبكون هذا إعطاء لنفس هذا الحكم ويكون هو مستند ما فرع في الذخيرة حيث قال لو جعل أمرها بيدها أو بيد أجني يقع لازما فلا يرتد بردها والمسئلة مروية عن أصحابنا وبما ذكرنا تندفع المناقضة الموردة في الأمر باليد حيث صرح في الرواية أنه لا يرتد بالرد و في الكتاب أنه يرتد أعني في قوله أمرك بيدك اليوم و غدا و إن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها فإن المراد بردها هنا إختيارها زوجها اليوم و حقيقته انتهاء ملكها و هناك المراد أن تقول رددت فلم يبق تدافع لكن الشارحون قرروا ثبوت التدافع في ذلك حيث نقلوا أنه لا يرتد و نقلوا أنه يرتد بالرد ووفقوا بأنه يرتد بالرد عند التفويض و أما بعده فلا يرتد كما إذا أقر بمال لرجل فصدقه ثم رد إقراره لا يصلح و حاصله أنه كالإبراء عن الدين ثبوته لا يتوقف على القبول و يرتد بالرد لما فيه من معنى الإسقاط أو التمليك أما الإسقاط فظاهر و أما التمليك فقال تعالى { وأن تصدقوا خير لكم } سمى الإبراء تصدقا و مما وقع في هذا الباب من المناقصة ما ذكر في الفصول لو قال لإمرأته أمرك بيدك ثم طلقها بائنا خرج الأمر من يدها وقال في موضع آخر لا يخرج و إن كان الطلاق بائنا ووفق بإن الخروج فيما إذا كان منجزا و عدمه إذا كان معلقا مثل أن قال أكرترابزنم فأمرك بيدك ثم طلقها بائنا أو خالعها ثم تزوجها ثم وجد الشرط يصير الأمر بيدها ولو طلقها ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج آخر ثم ضربها لا يصير بيدها و من المناقضة تصريحهم بصحة لإضافته كما في المسئلة الآتية إذا قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان وسيأتي الكلام فيها قوله وعن أبي يوسف أنه إذا قال أمرك بيدك اليوم و أمرك بيدك غدا أنهما أمران حتى لو اختارت زوجها اليوم لها أن تطلق نفسها غدا لأنه يثبت لها في الغد تخيير جديد بعد ذلك التخيير المقتضي باختيارها الزوج قال السرخسي وهو صحيح لأنه لما ذكر لكل وقت خبرا عرف أنه لم يرد اشتراك الوقتين في خبر واحد والأصل استقلال كل كلام وذكر قاضيخان هذه و لم يذكر فيها خلافا فلم يبق تخصيص أبي يوسف إلا لأنه مخرج الفرع المذكور و اعلم أنه يتفرع على هذا عدم جواز اختيارها نفسها ليلا فلا تغفل عنه لأنه أثبت لها في يوم مفرد ولا يدخل الليل والثابت في اليوم الذي يليه بأمر آخر كقوله أمرك بيدك اليوم حيث يمتد إلى الغروب فقط بخلاف قوله أمرك بيدك في اليوم إنما يتقيد بالمجلس و هو على ما قدمناه من الأصل في أنت طالق غدا و في غد وفي جامع التمرتاشي أمرك بيدك اليوم غدا بعد غد فهو أمر واحد في ظاهر الرواية لأنها أوقات مترادفة فصار كقوله أمرك بيدك أبدا فيرتد بردها
____________________
(4/92)
مرة وعن أبي حنيفة ثلاثة أمور لأنها أوقات حقيقة قوله وإذا قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان صح و لها أن تطلق نفسها يوم يقدم وهذا أيضا مما يفارق به سائر التمليكات فإنها لا تصح إضافتها و لا تعليقها بخلاف هذا لأنه إنما هو تمليك فعل فلا يقتضي لوازم تمليكات الأعيان كما تقدم وقد يخرج على أنه في معنى التعليق فإن قيل يخالفه ما في شرح الزيادات لقاضيخان لو قال أمرك بيدك فطلقي نفسك ثلاثا للسنة أو ثلاثا إذا جاء غد فقالت في المجلس اخترت نفسي طلقت ثلاثا للحال ولو قامت عن مجلسها قبل أن تقول شيئا بطل لأن قوله فطلقي نفسك ثلاثا تفسير للأمر و الأمر باليد يحتمل الثلاث أما لا يحتمل التعليق و الإضافة إلى وقت السنة لأن الأمر باليد يقتضي المالكية والأمر على هذا الوجه لا يفيد البينونة في الحال فلا تثبت المالكية ولهذا لو قال أمرك بيدك و نوى السنة أو التعليق لا يصح فإذا ألحقه بما كان تفسيرا يثبت ما يحتمله وهو الثلاث ولا يثبت ما لا يحتمله وهو السنة أو التعليق فالجواب أن معنى هذا الاحتمال احتمال لفظ التنجيز للتعليق لأنه ليس من أفراده ولا متعلقا به بعد ما ذكر أن قوله فطلقي نفسك ثلاثا للسنة أو إذا جاء غد تفسير لذلك التفويض فكان التعليق مرادا بلا لفظ ثم لو لم تعلم بقدومه حتى انقضى يوم قدومه و دخل الليل فلا خيار لها لأن الأمر باليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به على النهار لا على الوقت مطلقا وقد حققناه من قبل يعني في آخر فصل إضافة الطلاق و إنما لم يعتبر القدوم فيحمل اليوم على الوقت مطلقا لأنه غير ممتد لما حققناه هناك من أن المعتبر امتداده و عدمه هو المضاف لأنه المقصود قوله وإذا جعل أمرها بيدها أو خيرها فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها ما لم تأخذ في عمل آخر لأن هذا تمليك التطليق منها لأن المالك من يتصرف برأي نفسه وهي بهذه الصفة و التمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه أي في أول
____________________
(4/93)
فصل الاختيار والذي ذكره هناك هو أن التمليك يستدعي جوابا في المجلس ولم يستدل على أنه تمليك وأستدل هنا عليه بقوله لأن المالك هو الذي يتصرف برأي نفسه والوجه المشهور فيه قولهم هو الذي يتصرف لنفسه وإلا فالوكيل يتصرف برأي نفسه وكأنه تركة للعلم بأن التفويض إلى الأجنبي تمليك وهو لا يتصرف لنفسه وسنحقق ما ذكر في ذلك ليندفع الوكيل في المشيئة إن شاء الله تعالى وقدمنا ما في قوله يستدعي جوابا في المجلس فالصواب إسناد الاقتصار على المجلس إلى إجماع الصحابة حيث قالوا لها في المجلس قوله ثم إن كانت تسمع أي تسمع لفظه بالتخيير أعتبر مجلسها ذلك أي مجلس سماعها وإن كانت لا تسمع فمجلس علمها على ما ذكرناه لأن هذا تمليك يفيد معنى التعليق أما أنه تمليك فلما تقدم من أنها عاملة لنفسها وأما أن فيه معنى التعليق فلأن الإيقاع وإن كان من غير الزوج إلا أن الوقوع مضاف إلى معنى من قبل الزوج فكأنه قال إن طلقت نفسك فأنت طالق فيثبت للتفويض أحكام تترتب على جهة التمليك وأحكام على جهة التعليق والظاهر أن كلها مما يمكن ترتبها على التمليك فصحة التوقيت على أنه تمليك منفعة وقدمنا أن إلحاقه بالعارية أقرب ثم من صور التوقيت ما يوجب التوقف على ما وراء المجلس كأن يقول أمرك بيدك شهرا أو جمعة فيعتبر ابتداؤه من وقت التفويض وليس هذا التوقف سوى امتداد الملك الذي تحقق في الحال وكذا عدم صحة الرد بعد سكوته أول الأمر بناء عليه لأنه بناء على ثبوت الملك الثابت بالتمليك على ما ذكرنا أنه لا يحتاج إلى القبول و أما اقتصاره على المجلس في التفويض المطلق فتقدم قول المصنف أنه تمليك و هو يستدعي جوابا في المجلس و تقدم أن الجواب الذي يستدعيه التمليك في المجلس القبول و ليس الكلام فيه بل امتداده في تمام المجلس أثر الملك و ارتفاعه بعده ونفس اقتصاره عليه
____________________
(4/94)
بإجماع الصحابة فإن قلت قد وقع في كلام بعضهم إن تطليقها نفسها قبول قلنا لا يتم إذ هو التصرف المتفرع على ثبوت ملكه له أما عدم صحة الرجوع من الزوج فيناسب كلا من التعليق و التمليك لأنه لو ثبت يلزم بلا قضاء ولا رضا فقد ظهر أن جميع الآثار يصح ترتبها على جهة الملك هنا ولا حاجة إلى اعتبار جهة التعليق وقولهم كأنه قال إذا طلقت نفسك فأنت طالق يمكن إجراؤه في الوكالة كأنه قال إذا بعت متاعي فقد أجزت بيعك و الولاية كأن الإمام قال له إذا قضيت فقد أنفذت قضاءك كما قدمنا والاعتبارات التي لا أثر لها كثيرة في دائرة الإمكان قوله وقوله أي قول محمد رحمه الله تعالى ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به أنه عمل يعرف أنه قطع لما كانت فيه فلو لبست من غير قيام أو أكلت قليلا أو شربت أو قرأت قليلا أو سبحت أو قالت أدع إلى أبي أستشيره أو الشهود و ما أشبهه مما هو عمل الفرقة من غير أن تقوم في التفويض المطلق لم يبطل خيارها وما ذكر من هذا مثله في قوله اختاري و طلقي نفسك و أنت طالق إن شئت وكذا إذا قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك أو طلقها إذا شئت أو إن شئت أو أعتق عبدي إذا شئت بخلاف قوله بعه إن شئت لا يقتصر على المجلس لأن البيع لا يحتمل التعليق ولو اغتسلت أو امتشطت أو اختضبت أو جامعها يبطل و ذكر المرغيناني إن لم تجد من يدعو الشهود فقامت لتدعو و لم تنتقل قيل لا يبطل خيارها لعدم ما يدل على الإعراض وقيل يبطل للتبدل ولا تعذر فيه كما لا تعذر فيما إذا أقيمت كرها وقيل إذا لم تنتقل لم يبطل وإن انتقلت ففيه روايتان ولو نامت وهي قاعدة أو كانت تصلي المكتوبة أو الوتر فأتمتها أو النفل فأتمت ركعتين لا يبطل خيارها ولو قامت إلى الشفع الثاني بطل إلا في سنة الظهر عن محمد و هو الصحيح و لو قال أمرك بيدك فقالت لم لا تطلقني بلسانك فطلقت نفسها طلقت لأن قولها لم لا تطلقني وليس ردا فتملك بعده الطلاق قيل فيه نظر لأن قولها لم ألخ كلام زائد فيتبدل به المجلس
____________________
(4/95)
وفيه نظر لأن الكلام المبدل للمجلس ما يكون قطعا للكلام الأول وإفاضته في غيره وليس هذا كذلك بل الكل متعلق بمعنى واحد وهو الطلاق قوله والأول أصح أي ما ذكر في الجامع الصخير أصح مما ذكر في غيره وهو الأصل لأن من حزبه أمر قد يستند لأجل التفكر لأن الاستناد وإلاتكاء سبب للراحه كالقعود في حق القائم ولأنه نوع جلسة فلا يتغير به الثابت للجالس قوله وإن سارت بطل قيل لو اختارت نفسها مع سكوته والدابه تسير طلقت لأنها لا يمكنها الجواب بأسرع من ذلك فلا يتبدل حكما وهذا لأن اتحاد المجلس إنما يعتبر ليصير الجواب متصلا بالخطاب وقد وجد إذا كان من غير فصل ولا فرق بين كون الزوج معها على الدابة أو المحمل أو لا ولو كانت راكبة فنزلت أو تحولت إلى دابة أخرى أو كانت نازله فركبت بطل خيارها وفي المحمل يقوده الجمال وهما في لا يبطل ذكره في الغاية لأنه والحالة هذه كالسفينة قوله والسفينة كالبيت لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها بل إلى غيره من الريح ودفع الماء فيما له جرية كالنيل فلا يبطل الخيار بسيرها بل يتبدل المجلس وعن أبي يوسف أن السفينة إذا كانت واقفة فسارت بطل خيارها فصل في المشيئة
قوله ومن قال لامرأته طلقي نفسك ولا نية له أو نوى واحدة فقالت طلقت نفسي فهي واحدة رجعية
____________________
(4/96)
وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها سواء أوقعتها بلفظ واحد أو متفرقا و إنما صح إرادة الثلاث لأن قوله طلقي نفسك معناه افعلي فعل التطليق فهو مذكور لغة لأنه جزء معنى اللفظ فصح نية العموم غير أن العموم في حق الأمة ثنتان وفي حق الحرة ثلاث و قد تقدم قوله و إن قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي طلقت أي رجعيا ولو قالت اخترت نفسي لم تطلق و حاصل الفرق بين صحة الجواب بأبنت و عدمه باخترت أن المفوض الطلاق والإبانة من ألفاظه التي تستعمل في إيقاعه كناية فقد أجابت بما فوض إليها بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق لا صريحا ولا كناية ولهذا لو قالت أبنت نفسي توقف على إجازته ولو قالت اخترت نفسي فهو باطل و لا تلحقه إجازة و إنما صار كناية بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما إذا جعل جوابا للتخيير غير أنها زادت وصف تعجيل البينونة فيه فيلغو الوصف ويثبت الأصل لا يقال قد صح جوابا للأمر باليد لأنا نقول الأمر باليد هو التخيير معنى فيثبت جوابا له بدلالة نص إجماعهم على التخيير و هذا لأن قوله أمرك بيدك ليس معناه إلا أنك مخيرة في أمرك الذي هو الطلاق بين إيقاعه و عدمه فحيث جعل جوابا للتخيير بلفظ التخيير كان جوابا للتخيير بمرادفه للعلم بأن خصوص اللفظ ملغي بخلاف طلقي لأنه وضعا طلب الطلاق لا التخيير بينه و بين عدمه ثم إذا أجابت باخترت نفسي خرج الأمر من يدها باشتغالها بما لا يعينها في ذلك الأمر وعن أبي حنيفة أنه لا يقع بجوابها بأبنت نفسي لأنها أتت بغير ما فوض إليها لأن الإبانة تغاير الطلاق
____________________
(4/97)
لحصول كل منهما دون الأخر ويخرج الأمر من يدها كما يخرج بقولها اخترت و صار كما لو قال طلقي نفسك نصف تطليقة فطلقت تطليقة أو قال ثلاثا فطلقت ألفا لا يقع شيء والجواب أنها خالفته فيهما في الأصل في الأولى ظاهر و كذا في الثانية لأن الإيقاع بالعدد عند ذكره لا بالوصف على ما تقدم فيكون خلافا معتبرا بخلاف ما نحن فيه لأنها خالفت في الوصف بعد موافقتها في الأصل فلا يعد خلافا إذ الوصف تابع واعلم أن المسئلتين ذكرهما التمرتاشي والخلاف فيهما في الأصل إنما هو بإعتبار صورة الفظ ليس غيره إذ لو أوقعت على الموافقة أعني الثلاث والنصف كان الواقع هو الواقع بالتطليقة والألف والخلاف في مسئلة الكتاب باعتبار المعنى فإن الواقع بمجرد الصريح ليس هو الواقع بالبائن وقد اعتبر الخلاف لمجرد اللفظ بلا مخالفة في المعنى خلافا نظرا إلى أنه الأصل في الإيقاع والخلاف في المعنى غير خلاف وفيه مالا يخفى قوله لو قال لها طلقي نفسك ليس له أن يرجع عنه لما فيه من معنى التعليق ولو قامت من مجلسها بطل خيارها لأنه تمليك الطلاق بخلاف قوله طلقي ضرتك لأنه توكيل فلا يقتصر على المجلس و يقبل الرجوع وكذا قوله لأجنبي طلقها أو قول
____________________
(4/98)
أجنبي لها طلقي فلانة لأنها عاملة فيه لغيرها و كذا المديون في إبراء ذمته بقول الدائن له أبرئ ذمتك عامل لغيره بالذات و لنفسه ضمنا على ما قدمناه و التوكيل استعانة فلو لزم فلم يملك الرجوع عاد على موضوعه بالنقض و قدمنا عدم ظهور الفرق بين طلقي و أبرئ ذمتك إذ كل ما يمكن اعتباره في أحدهما يمكن في الآخر وإن عدم الرجوع أيضا يتفرع على معنى الملك الثابت بالتمليك بناء على أنه يثبت بلا توقف على القبول شرعا على ما صرح به في الذخيرة و أنه لا حاجة إلى ترتبه على معنى التعليق المستخرج لأنه يمكن مثله في الوكالات والولايات فلو صح لزم أن لا يصح الرجوع عن توكيل وولاية و أما الاقتصار على المجلس فبالإجماع على خلاف القياس قوله و إن قال لها طلقي نفسك متى شئت فلها أن تطلق نفسها في المجلس و بعده وكذا إذا شئت و إذا ما شئت لما ذكرنا من العموم و يرد على قول أبي حنيفة في إذ أنها عنده بمنزلة إن فلا تقتضي بقاء الأمر في يدها وفيه جواب المصنف بأنها يمكن أن تعمل شرطا و أن تعمل ظرفا و الأمر صار في يدها فلا يخرج بالشك و صار كما إذا قال في أي وقت شئت و لأنها إنما تملك ما ملكت و إنما ملكها الطلاق وقت المشيئة فلا تملكه دونها و بهذا يتضح أن هذا إضافة للتمليك لا تنجيز و من فروع ذلك أنها إذا طلقت نفسها بلا قصد غلطا لا يقع إذا ذكر المشيئة و يقع إذا لم يذكرها وقد قدمنا في أول باب إيقاع الطلاق ما يوجب حمل ما أطلق من كلامهم من الوقوع بلفظ الطلاق غلطا على الوقوع في القضاء لا فيما بينه و بين الله تعالى قوله و إذا قال لرجل طلق امرأتي فله أن يطلقها في المجلس و بعده و له أي للقائل أن يرجع لأن هذا توكيل والتوكيل استعانة فلا يلزم وله أن يرجع ولا يقتصر وللوكيل أن يفعله بعد المجلس بخلاف قوله لها طلقي نفسك لأنها عاملة لنفسها فكان تمليكا لا توكيلا ولو قال لرجل طلقها إن شئت فله أن يطلقها في المجلس خاصة وليس للزوج أن يرجع وقال زفر هذا و الأول وهو قوله للرجل طلق امرأتي بلا
____________________
(4/99)
ذكر مشيئة سواء لأن التصريح بالمشيئة كعدمه لأنه وكيلا كان أو مالكا يتصرف عن مشيئته فصار كما إذا قال له بع عبدي هذا إن شئت لا يقتصر وله الرجوع أجيب بأن ليس الكلام في هذه المشيئة التي بمعنى عدم الجبر بل في أنه إذا أثبت له المشيئة لفظا صار موجب اللفظ التمليك لا التوكيل لأن تصرف الوكيل لغيره إنما هو عن مشيئة ذلك الغير وإن كان امتثاله بمشيئة نفسه بخلاف المالك فإنه المتصرف بمشيئة نفسه ابتداء غير معتبر ذلك امتثالا فإذا صرح له المالك بتعليق الطلاق بمشيئته وكان ذلك تمليكا فيستلزم حكم التمليك بخلاف البيع لأنه لا يحتمل التعليق فيلغو وصف التمليك ويبقى الإذن والتصرف بمقتضى مجرد الإذن لا يقتصر على المجلس قيل فيه إشكال لأن البيع ليس بمعلق بالمشيئة بل المعلق فيه الوكالة بالبيع وهي تقبل التعليق و كأنه اعتبر التوكيل بالبيع بنفس البيع وهذا غلط يظهر بأدنى تأمل وذلك لأن التوكيل هو قوله بع فكيف يتصور كون نفس قوله معلقا بمشيئة غيره بل وقد تحقق وفرغ منه قبل مشيئة ذلك الغير ولم يبقى لذلك الغير سوى فعل متعلق التوكيل أو عدم القبول والرد وألى هنا تم من المصنف إناطة وصف التمليك مرة بأنه يعمل برأي نفسه بخلاف الوكيل ومره بأنه عامل لنفسه بخلافه ومرة بأنه يعمل بمشيئة نفسه وليس الرأي والمشيئة واحدة فإن العمل بالرأي العمل بما يراه أصوب من غير أن يؤخذ في مفهومه كونه لنفسه ولا لغيره والعمل لنفسه بخلافه لغيره وبمشيئته أي باختياره ابتداء بلا اعتباره على مطابقة أمر آمر من غير اعتبار معنى الأصوبية في متعلقها بل هي والإرادة يخصصان الشيء بوقت وجوده والأول نقضناه بالوكالة وهو مندفع بأن العامل برأيه هو الذي لا يغلبه على رأيه ما يقيده في فعل ولا ترك و الوكيل وإن كان بوكالة عامه مطلقة معه ما يغلبه في جانب الترك وهو لزوم خلف الوعد الثابت ضمن رضاه بالتوكيل إذا لم يفعل فإنه إذا وكله فرضي كان واعدا بفعل ما استعان به فيه فإذا لم يفعل أخلف الوعد بخلاف الزوجة فإنها لا تعد مخلفة بترك الطلاق إذا لم يقسرها عليه قاسر شرعي فظهر أن الوكيل ليس عاملا برأي نفسه
____________________
(4/100)
مطلقا والثاني بأمر المديون بإبراء نفسه و قدمنا ما في جوابه من النظر ولو تم انتقض بالتفويض إلى الأجنبي فإنه قطعا ليس بتطليق زوجة غيره عاملا لنفسه و الثالث أقرب والله أعلم فالمعول عليهما قوله و إن قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة فهي واحدة لأنها لما ملكت إيقاع الثلاث كان لها أن توقع منها ما شاءت كالزوج نفسه ولو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا تقع واحدة لأنها أتت بما ملكته و زيادة فصار كما إذا طلقها الزوج ألفا و كقولها طلقت نفسي واحدة و واحدة و واحدة في هذه المسئلة وابنت نفسي في جواب طلقي نفسك وطلقت نفسي وضرتي وقول العبد في جواب أعتق نفسك أعتقت نفسي وفلانا حيث يقع ثلاث في الأولى ورجعي في الثانية و الثالثة و تطلق هي ويعتق هو دون من قرناه و لأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها مبتدئة فيتوقف على إجازة الزوج و بهذا يخرج الجواب عما بعد الأولى من الصور لامتثالها بدءا ثم المخالفة بما بعده فلا تعتبر ووجهها في أبنت نفسي أن معناه طلقت نفسي بائنا و الباقي ظاهر وقوله بخلاف الزوج جواب عن الأول أي أن الزوج يتصرف بحكم ملكه الثلاث و كما إذا صرح بما الثلاث في ضمنه فيثبت القدر الذي يملكه ويلغو ما سواه وكذا هي في المسئلة الأولى وهي قوله لها طلقي نفسك ثلاثا
____________________
(4/101)
ملكتها بجميع أجزائها إما هنا فلم تملك الثلاث لأنه إنما ملكها الواحدة ولم تأت بما فوض إليها فلم تصر بإعتبارها مالكة ولا باعتبارها متصرفة عن الآمر لعدم الموافقة وحقيقة الفرق أنها ملكت الواحدة وهي شيء بقيد الوحدة بخلاف الواحدة التي في ضمن الثلاث فإنها بقيد ضده وهذا معنى قوله الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع الوحدان والواحد لا ترتيب فيه فكان بينهما تضاد بخلاف الزوج وبخلافها في المسئلة الأولى لأنها ملكت الثلاث أما هنا فلم تملك الثلاث لما ذكرنا وهذا التقرير لا يستعقب إيرادا ووقع في لفظ المصنف قوله والثلاث غير الواحدة يعني فلم تكن بإيقاعها موافقة لما ملكها فاعترض بأن مذهب أهل السنة أن الجزء من العشرة ليس عنها ولا غيرها وأجيب بأن ذلك في الأمور الموجودة بخلاف نحو الطلاق وأنت تعلم أن هذا مجرد اصطلاح للمتكلمين كما أن اصطلاح الفلاسفة أن ما ليس عينا فهو غير ولو فرض عدم وضع الاصطلاح أصلا بل عدم وضع لفظة غير لغة لم يتوقف إثبات المطلوب عليه إذ يكفي فيه أن يقال فوض إليها الثلاث والواحدة ليست إياها فلا تكون مفوضة إليها فإيراد مثله إلزام بمجرد الاصطلاح وغاية ما يلزم بعد التزامه أن المصنف عبر عما ليس إياه بلفظ غير مجازا قوله ولو أمرها بطلاق يملك رجعتها فطلقت بائنا أو أمرها بالبائن فطلقت رجعيا وقع ما أمر به و معنى الأول أن يقول طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة فيها فتقول طلقت نفسي واحدة بائنة تقع رجعية لأنها أتت بالأصل و زيادة وصف كما ذكرنا فيلغو الوصف ويبقى الأصل ومعنى الثاني أن يقول طلقي نفسك واحدة بائنة فتقول طلقت نفسي واحدة رجعية تقع بائنة لأن قولها رجعية لغو لأن الزوج لما عين صفة المفوض إليها في الصورتين فحاجتها بعد ذلك إلى أصل الإيقاع لا إلى ذكر وصفه فذكرها إياه موافقا أو مخالفا لا عبرة به لأن الوقوع بإيقاعها ليس إلا بناء على التفويض فذكرها كسكوتها عنه وعند سكوتها يقع على الوصف
____________________
(4/102)
المفوض وحاصل هذا كله أن المخالفة إن كانت في الوصف لا يبطل الجواب بل يبطل الوصف الذي به المخالفة ويقع على الوجه الذي فوض به بخلاف ما إذا كانت في الأصل حيث يبطل كما إذا فوض واحدة فطلقت ثلاثا على قول أبي حنيفة أو فوض ثلاثا فطلقت ألفا وتقدم تخريج أبنت على مخالفة الوصف في قوله طلقي نفسك قوله ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا الخ تقدم أنه إذا قال طلقي نفسك ثلاثا تملك أن تطلق نفسها واحدة و ثنتين و ثلاثا فلو أنه زاد قوله إن شئت فطلقت واحدة لم يقع شيء لأن معناه إن شئت الثلاث فكان تفويض الثلاث معلقا بشرط هو مشيئتها إياه ولم يوجد الشرط لأنها لم تشأ إلا واحدة وتقدم أنها لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة وتقع واحدة عندهما فلو زاد قوله إن شئت فالخلاف على ما هو عليه فأبو حنيفة يقول مشيئة الثلاث ليست مشيئة الواحدة فلم يوجد الشرط وهما يقولان مشيئة الثلاث مشيئة الواحدة كما أن إيقاعها إيقاع الواحدة وقد سبق الكلام في تحقيق ذلك قوله و لو قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال شئت ينوي الطلاق بطل الأمر لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة منها وهي قد أتت بالمعلقة فما وجد الشرط ثم هو اشتغال بما لا يعنيها فخرج الأمر من يدها ولا يقع الطلاق بقوله شئت و إن نوى لأنه ليس في كلام الرجل ذكر الطلاق ولا في كلامها لأنها لم تقل شئت طلاقي إن شئت ليكون الزوج بقوله شئت شائيا طلاقها لفظا بل بمجرد النية و النية لا تعمل في غير المذكور الصالح للإيقاع ولا في المذكور
____________________
(4/103)
الذي ليس بصالح للإيقاع به نحو اسقني حتى لو قال شئت طلاقك ينويه وقع لأن المشيئة تنبئ عن الوجود لأنها من الشيء وهو الموجود بخلاف ما لو قال أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الوجود بل هي طلب لنفس الوجود عن ميل وغاية الأمر أن المشيئة والإرادة في صفة العباد مختلفان وفي صفة الله تعالى مترادفان كما هو اللغة فيهما مطلقا فلا يدخلهما وجود إي لا يكون الوجود جزء مفهوم أحدهما غير أن ما شاء الله كان وكذا ما أراده لأن تخلف المراد إنما يكون لعجز المريد لا لذات الإرادة لأنها ليست المؤثرة للوجود لأن ذلك خاصية القدرة بل بمعنى أنها المخصصة للمقدور المعلوم وجوده بالوقت و الكيفية ثم القدرة تؤثر على وفق الإرادة غير أنه لا يتخلف شيء عن مراده تعالى لما قلنا في المشيئة بخلاف العباد وعن هذا لو قال أراد الله طلاقك ينويه يقع كما لو قال شاء الله بخلاف أحب لله طلاقك أو رضيه لا يقع لأنهما لا يستلزمان منه تعالى الوجود ولو قيل التحصيص بالوقت الإرادة يكون عن طلبه ويستلزم عدم الفرق بين صفة الإرادة والكلام نعم فرق بين الطلبين أنه في الكلام طلب تكليفي وهذا بخلافه ولكنه ليس يلزم كونه الطلب الكلامي تكليفا دائما كما في الطلب المعبر عنه بكن ولو أجيب بأن ذلك الطلب خارج عنها لزم كونها من صفات الأفعال و إذا قد ظهر الفرق بين الإرادتين لا يكون فرق أبي حنيفة بين المشيئة والإرادة في حق العباد رواية عنه في الفرق بينهما في صفة الله سبحانه وتعالى بقي الشأن في كونه المشيئة تنبئ عن الوجود في حق العباد للإشتقاق من الشيء وهو الموجود فيه نظر فإن الشيء وإن وقع على غير الأعيان إلا أن كونه في مفهومه الوجود اصطلاح طارئ على اللغة فإنه لغة يقال للمعدوم و الموجود وكون الإرادة نسبت إلى ما لا يعقل بخلاف المشيئة كما ذكر شمس الأئمة لا أثر له إلا
____________________
(4/104)
لو لم يكن مجازا عقليا أو مجازا لغويا في لفظ الإرادة على أنه سمع نسبة المشيئة أيضا إلى ذلك أنشد ابن السكيت في إصلاح المنطق
** يا مرحباه بحمار عقرا ** إذا أتي قربته لمايشا ** من الشعير و الحشيش و الما ** وهو من شواهد قصر الممدود فتوجيهه أن يعتبر العرف فيه يعني بكون العرف العام أنه الشيء الموجود و المشيئة منه بأن يراد به بعض ما يصدقه عليه وهو الشيء الكائن مصدرا لشاء فإنه يقال شاء شيئا على إرادة الحاصل بالمصدر ثم يشتق منه و لما كان الوجود على هذا محتمل اللفظ لا موجبه احتاج إلى النية فلزم الوجود فيها فإذا قال شئت كذا في التخاطب العرفي فمعناه أوجدته عن اختيار بخلاف أردت كذا مجردا يفيد عرفا عدم الوجود وأحببت طلاقك ورضيته مثل أردته ولو قال شأني طلاقك ناويا للطلاق فقالت شئت وقع ولو قال أريديه أو اهويه أو حبيه أو أرضيه ينوي الطلاق فقالت أردته أحببته هويته رضيته لا يقع بخلاف ما لو قال إن أردت أو أحببت إلى آخرها فقالت أردت أو أحببت إلى آخرها فإنه يقع و إن لم ينو لأنه تعليق لا يفتقر إلى النية وهو كقوله إن كنت تحبيني يتعلق بإخبارها فإذا قالت أحببت وقع قوله و إن قالت قد شئت إن كان كذا الأمر قد مضى كشئت إن كان فلان قد جاء وقد جاء أو لأمر كائن كشئت إن كان أبي في الدار وهو فيها طلقت لأن التعليق بأمر كائن تنجيز قيل يلزم عليه أنه لو قال هو كافر إن كنت فعلت كذا وهو يعلم أنه قد فعله أن يكفر وهو منتف أجيب بأن من المشايخ من قال بكفره فاللازم حق و على المختار و هو عدم كفره وهو مرورى عن أبي يوسف يفرق بأن هذه الألفاظ جعلت كناية عن اليمين بالله تعالى إذا جعل تعليق كفره بأمر في المستقبل فكذا إذا جعله بماض تحاميا عن تكفير المسلم و الأوجه أن الكفر بتبدل الاعتقاد و تبدله غير واقع مع ذلك الفعل فإن قيل لو قال هو كافر بالله و لم يتبدل اعتقاده يجب أن يكفر فليكفر هنا بلفظ هو كافر و إن لم يتبدل اعتقاده قلنا النازل عند وجود الشرط حكم اللفظ لا عينه فليس هو بعد وجود الشرط متكلما بقوله هو كافر حقيقة قوله و لو قال أنت طالق إذا شئت أوإذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت فردت بأن قالت لا أشاء لا يكون ردا ولها أن تشاء بعد ذلك ولا يقتصر على المجلس إما كلمة متى فإنها لعموم الأوقات كأنه قال في أي وقت شئت وإنما
____________________
(4/105)
لم يرتد بردها لأنه لم يملكها في الحال شيئا بل أضافه إلى وقت مشيئتها فلا يكون تمليكا قبله فلا يرتد بالرد وقد يقال ليس هذا تمليكا في حال أصلا لأنه صرح بطلاقها معلقا بشرط مشيئتها فإذا وجدت مشيئتها وقع طلاقه وإنما يصح ما ذكر في لفظ طلقي نفسك إذا شئت لأنها تتصرف بحكم الملك بخلاف ما لو قالت طلقت نفسي في هذه المسئلة فإنه وإن وقع الطلاق لكن الواقع طلاقه المعلق وقولها طلقت إيجاد للشرط الذي هو مشيئة الطلاق على تقدير أن المشيئة تقارن الإيجاد ثم لا تملك طلاق نفسها إلا مرة واحدة لأنها تعم الأزمان لا الأفعال بخلاف كلما قوله وأما كلمة إذا وإذا ما فهي كمتى عندهما فما كان حكما لمتى يكون حكما لإذا وعند أبي حنيفة رحمه الله وإن كانت إذا تستعمل للشرط المجرد عن معنى الزمان كما تقدم لكنها تستعمل للوقت أيضا مجردا عن معنى الشرط ومقرونا به و كل موضع تحقق فيه ثبوت حكم لا يحكم بزواله بالشك ففي قوله أنت طالق إذا لم أطلقك الحكم الثابت عدم الطلاق فلا يحكم بزواله بوقوع الطلاق إلا بيقين و هو أن يراد بها الزمان وهو غير لازم من استعمالها فلا تطلق إلا بالموت و في أنت طالق إذا شئت صار الأمر في يدها فلا يخرج بانقضاء المجلس إلا بيقين وهو أن يراد بها الشرط المجرد وهو غير لازم من استعمالها نعم لو صرح فقال أردت مجرد الشرط لنا أن نقول يتقيد بالمجلس كما إذا قال أنت طالق إن شئت فإنه يتقيد بالمجلس ويحلف لنفي التهمة على نحو ما تقدم أنه إيا أرداه و قوله و قد مر يعني في فصل إضافة الطلاق هذا والوجه في تقريره غير هذا وهو أن قوله إذا شئت يحتمل أنه تعليق طلاقها بشرط هو مشيئتها وأنه إضافة إلى زمانها و على كل من التقديرين لا يرتد بالرد حتى إذا تحققت مشيئتها بعد ذلك بأن قالت شئت ذلك الطلاق أو قالت طلقت نفسي وقع معلقا كان أو مضافا لا ما قال المصنف من أن الأمر دخل في يدها فلا يخرج بالشك لأن معناه أنه ثبت ملكها بالتمليك فلا يخرج بالشك في المراد بإذا أنه محض الشرط فيخرج من يدها بعد المجلس أو الزمان فلا يخرج كمتى وقد صرح آنفا في متى بعدم ثبوت التمليك قبل المشيئة لأنه إنما ملكها في الوقت الذي شاءت فيه فلم يكن تمليكا قبله حتى يرتد بالرد وعلى ما ذكرنا فالذي دخل في ملكها تحقيق الشرط أو المضاف إليه الزمان وهو مشيئتها الطلاق ليقع طلاقه وعلى هذا فقولهم في قوله أنت طالق كلما شئت لها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة معناه تطلق بمباشرة الشرط تجوز بالتطليق عنه بأن تقول شئت طلاقي أو طلقت نفسي فيقع طلاقه عند تحقق الشرط وإنما يصح كلامهم في قوله طلقي نفسك كلما شئت قوله إلا أن التعليق الخ جواب عن ومقدر هو أن موجب كلما تكرار الأفعال أبدا و مقتضاه أنها إذا طلقت نفسها ثلاثا وعادت إليه بعد زوج أخر أن تملك طلاقها أيضا وليس لها ذلك أجاب بأنها و إن كانت كذلك
____________________
(4/106)
لكن التفويض إنما ينصرف إلى الملك القائم لا إلى عدم الملك الذي هو معنى الملك المعدوم فلو انصرف إليه انصرف إلى عدم الملك فإذا فرض أن المملوك قدر معين لزم أن باستغراقه تكرار ينتهي به التفويض وذلك القدر هو الثلاث فلو طلقت نفسها واحدة وانقضت عدتها فتزوجت بآخر وعادت إلى الأول ملكت ثلاث تطليقات أيضا خلافا لمحمد فإن عنده إنما تملك ثنتين لما عرف في مسئلة الهدم قوله وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا بالاتفاق لأنها لعموم الانفراد لا عموم الاجتماع فلا تملك الإيقاع جمعا وعلى هذا لا تطلق نفسها ثنتين فلو طلقت ثلاثا أو ثنتين وقع عندهما واحدة و عنده لا يقع شيء بناء على ما تقدم من أن إيقاع الثلاث إيقاع الواحدة عندهما خلافا له قوله ولو قال أنت طالق حيث شئت أو أين شئت لم تطلق حتى تشاء ويتقيد بالمجلس ولو قامت منه قبل المشيئة فلا مشيئة لها لأن كلمة حيث و أين للمكان والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو ويبقى ذكر مطلق المشيئة فيقتصر على المجلس أورد عليه أنه إذا لغا المكان صار أنت طالق شئت وبه يقع للحال كقوله أنت طالق دخلت الدار أجيب بأنه يجعل الظرف مجازا عن الشرط لأن كلا منهما يفيد ضربا من التأخير و هو خير من إلغائه بالكلية فأورد عليه فلم يبطل بالقيام و في أدواته مالا يبطل به كمتى وإذا أجيب بأن الحمل على إن أولى لأنها أم الباب و صرف الشرط وفيه يبطل بالقيام واعترض في بعض شروح المنار بأنه لما جعل مجازا عن الشرط فالشرط الذي فيه معنى الحقيقة أولى انتهى فإن أراد بالمعنى الحقيقي الزمان كمتى حتى لا يخرج من يدها بعد المجلس فليس معنى لحيث وأين بل معناهما المكان وإن أراد معنى الظرفية مطلقا فليس معناهما أصلا بل اسم الظرف اصطلاح مبني على تشبيه الزمان و المكان بالأوعية للأمتعة وهي الظروف لغة قوله فوجب اعتباره عموما كما في أنت طالق في أي وقت شئت وخصوصا في أنت طالق غدا قوله ولو قال لها أنت طالق كيف شئت طلقت إن كانت غير
____________________
(4/107)
مدخول بها طلقة بائنة وخرج الأمر من يدها لفوات محليتها بعدم العدة و إن كانت مدخولا بها طلقت طلقة رجعية بمجرد قوله ذلك شاءت أولا ثم إن قالت شئت بائنة أو ثلاثا وقد نوى الزوج ذلك تصير كذلك للمطابقة وإن اختلفا بأن شاءت بائنة والزوج ثلاثا أو على القلب فهي رجعية لأنه لغت مشيئتها لعدم الموافقة فبقي إيقاع الزوج بالصريح ونيته لا تعمل في جعله بائنا ولا ثلاثا و لو لم تحضر الزوج نية لم يذكره في الأصل ويجب أن تعتبر مشيئها حتى لو شاءت ثلاثا أو بائنه ولم ينو الزوج يقع ما أوقعت بالاتفاق على اختلاف الأصلين أما على أصله فلأنه أقامها مقام نفسه في إثبات الوصف لأن كيف للحال و الزوج لو أوقع رجعيا يملك جعله بائنا وثلاثا عند أبي حنيفة فكذا المرأة عند هذا التفويض تملك جعل ما وقع كذلك وأما عندهما فكذلك تملك إيقاع البائن والثلاث لأن تفويض أصل الطلاق إليها على أي وصف شاءت كذا في الكافي وهذا الذي ذكرنا من وقوع الرجعية قبل مشيئتها قول أبي حنيفة أما عندهما فما لم تشأ لم يقع شيء
____________________
(4/108)
وعلى هذا الخلاف أنت حر كيف شئت يقع للحال عنده وعندهما يتوقف على المشيئة والحاصل أن أصل الطلاق لا يتعلق بمشيئتها عنده بل بصفته و عندهما يتعلقان معا بمشيئتها و ما قيل إن العتق لا كيفية له ليتعلق فيقع البتة يوهم عدم الخلاف أو ترجيح العتق بذلك لكن الثابت ما سمعت من الخلاف و عدم كيفية زائدة على أصل العتق ممنوع بل له كيفية زائدة على ذلك من كونه معلقا ومنجزا على مال و بدونه على وجه التدبير و غيره مطلق عما يأتي من الزمان ومقيدا به قوله فلا بد من تعليق أصل الطلاق بمشيئتها لأنه لو لم يتعلق أصله بمشيئتها حتى وقع دونها وقع موصوفا البتة ضرورة عدم انفكاك الذات عن الوصف فقد ثبت وصف لا بمشيئتها وقد كان كل وصف بمشيئتها هذا خلف و أبو حنيفة يقول حقيقة قوله أنت طالق تنجيز لأصل الطلاق جاعلا صفته على مشيئتها و من ضرورة إثبات أصله إثبات وصف الرجعة فكان في نفس كلامه هذا مخصصا بعض الأوصاف من عمومها بقي أي الأمرين أولى تخصيص العام للمحافظة على حقيقة اللفظ التي هي تنجيز أصل الطلاق أو اعتبار أصله معلقا للمحافظة على حقيقة العموم والنظر في ترجيح الأول لأن تخصيص العام أغلب من اعتبار المنجز معلقا لأنه لا يكاد يثبت و إما ما رجح به في الكافي من أن بتقدير قولهما يبطل الاستيصاف و الكلام يحمل على التخصيص دون التعطيل فإنما يتم لو كان كيف في التركيب للإستيصاف ولا يخفى أن معنى الاستخبار هنا غير مراد أصلا بل تركيب كيف شئت مجاز عن كل كيفية شئتها كقوله تعالى { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } أي ينظرون إلى كيفية خلقها فإن قلت فلم لم يعتبر كيف شرطا و هو أحد استعماليها فيترجح قولهما لأن تعليق أصل الطلاق حينئذ حقيقة اللفظ فالجواب لا يجوز لأن شرط شرطيتها اتفاق و الجزاء لفظا و معنى نحو كيف تصنع أصنع وما قيل في توجيه قولهما أن غير المحسوس حاله وأصله سواء بناء على امتناع قيام العرض بالعرض فليس أحدهما قائما بالآخر بل كل منهما يقوم بالجسم فلزم منه كون الطلاق ليس موجودا بدون الكيفية بل كل من الطلاق وكيفيته سواء في الأصلية و الفرعية
____________________
(4/109)
فإذا تعلق أحدهما بمشيئتها تعلق الأخر فحاصله ذكر مبنى آخر غير ما تقدم من ضرورية تعلق الأصل على ما ذكرنا وهو ضعيف إذ المبني ليس إلا التلازم فما يثبت لأحدهما يثبت للأخر ولا دخل لامتناع قيام العرض بالعرض في ذلك فالتقرير ما قررناه قوله ولو قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت طلقت نفسها ما شاءت واحدة أو ثنتين أو ثلاثا ويتعلق أصل الطلاق بمشيئتها بالاتفاق بخلاف مسئلة كيف شئت على قوله وهذا لأن كم اسم للعدد فكان التفويض في نفس العدد والواقع ليس إلا العدد إذا ذكر فكان التفويض في نفس العددالواقع وليس إلا بالعددإذا ذكر فصار التفويض في نفس الواقع فلا يقع شيء ما لم تشأ والقياس أن لا يباح لها أن تطلق نفسها ثلاثا كما لا يباح للزوج لكن روي الحسن عن أبي حنيفة أنه يباح لها في التخيير ووجهه ما ذكره في الفوائد الظهيرية في المسئلة الآتيه قال لو طلقت نفسها ثلاثا على قولهما أو ثنتين على قول أبي حنيفة لا يكره لأنها مضطرة إلى ذلك لأنها لو فرقت خرج الأمر من يدها بخلاف ما لو أوقع الزوج ذلك وعلى هذا فما في أصل رواية الجامع الصغير في هذه المسئلة من قوله إن شاءت طلقت نفسها واحدة أو ثنتين أو ثلاثا ما لم تقم من مجلسها لا يحتاج إلى حمله على مشيئة القدرة لا مشيئة الإباحة ثم الواحد عدد على اصطلاح الفقهاء لما تكرر من إطلاق العدد و إرادته وما شئت تعميم العدد فتقريره تقريره و أورد أن كلمة ما كما تستعمل للعدد تستعمل للوقت نحو ما دام فوقع الشك في تفويض العدد فلا يثبت أجيب بأنه معارض بالمثل بأن يقال لو أعملناها بمعنى الوقت لا يبطل بالقيام عن المجلس ولو أعملناها بمعنى العدد يبطل فوق الشك في ثبوته فيما وراء المجلس فلا يثبت فيه بالشك فتعارضا و ترجح اعتبارها للعدد بأن التفويض تمليك مقتصر على المجلس ما لم يكن موقتا وإنما يكون لو كانت معتبرة بمعنى العدد ولأنه المتبادر من ذلك بخلاف الزمان فإنه إنما يتبادر حالة وصلها بدام
____________________
(4/110)
ثم إن ردت الأمر بأن قالت لا أطلق كان ردا لأن هذا أمر واحد بخلافه بكلما وقوله خطاب في الحال احتراز عن إذا و متى يعني هذا تمليك منجز غير مضاف إلى وقت في المستقبل فاقتضى جوابا في الحال قوله و إن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة و ثنتين بالاتفاق واختلفوا في الثلاث فلا تطلق عند أبي حنيفة ثلاثا وبه قال الشافعي و أحمد و تطلق عندهما إن شاءت لأن كلمة ما محكمة في العموم و كلمة من قد تستعمل للتمييز أي للبيان كما في قوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وغيره صلة ليغفر لكم من ذنوبكم وتبعيضا نحو أكلت من الرغيف فيحمل على تمييز الجنس محافظة على عموم ما أي بيان الجنس بخلاف ما لو حملت على التبعيض يعني فيكون بيان أن المراد الثلاث من الطلاق دون سائر الأعداد منه و إن كان لا يتصور في الطلاق عدد إلا الثلاث فذاك شرعا أما في الإمكان فيمكن أن تطلق عشرين و مائة و غيرهما و إن كان حكمه في الشرع المنع فالمعنى طلقي نفسك العدد الذي هو الثلاث دون سائر الأعداد و على قولهما يكون التفويض في الثلاث خاصة فصحة تطليقها واحدة بإعتبار ملكها ما دخلت فيه كما تقدم في طلقي نفسك ثلاثا كما لو قال كل من طعامي ما شئت له أكل الكل وطلق من نسائي من شاءت فشئن كلهن له أن يطلقهن بخلاف ما إذا حملناها على التبعيض فإنه حينئذ يبطل عموم ما و لأبي حنيفة أن كلمة من حقيقة في التبعيض إذا دخل على ذي أبعاض والطلاق منه وما للتعميم فيعمل بها بمن في معناها في مثله وبما في عموم مخصوص ضرورة إعمال من في معناها في مثله بخلاف حمل من على البيان فإن ضابطه صحة وضع الذي مكانها ووصله بمدخولها مع ضمير منفصل مثاله فاجتنبوا الرجس من الأوثان أي الرجس الذي هو الأوثان ولا يحسن هنا طلقي نفسك
____________________
(4/111)
ما شئت الذي هو الثلاث فإن ما وصل معرفة فلا بد من كون موصوفها معرفة وهو هنا العدد فانحل إلى طلقي نفسك العدد الذي شئته الذي هو الثلاث ويستلزم سبق العهد بالعدد الذي شاءته أو تشاؤه وأنه هو الثلاث فيكون التفويض ابتداء إنما هو في الثلاث وإنما تملك أن تطلق نفسها واحدة لأنها جزء ما ملكته بالتفويض كقوله طلقي نفسك ثلاثا لها أن تطلق واحدة وليس المعنى على هذا بخلاف التبعيض حيث لا يستلزم نبوة إذ المعنى طلقي نفسك عددا شئته على أن ما نكرة موصوفة فالجملة والجار والمجرور في موضع الحال من الضمير الرابط المحذوف قيد في العدد مزيل من إبهامه
فروع قال أنت طالق ثلاثا إلا لم تشائي واحدة طلقت واحدة و قال محمد لا يقع شيء لأن معناه إن لم تشائي واحدة فأنت طالق ثلاثا فإذا شاءت واحدة لا يقع شيء ولأبي يوسف أنه أثبت لها مشيئة الواحدة فإذا شاءتها تقع ولو قال طلقها إن شاء الله وشئت وأنت طالق إن شاء الله وفلان أو ما شاء الله و فلان لا يقع بالمشيئة من فلان شيء لأنه عطف على باطل فيبطل ولو قال حين شئت فهو بمنزلة قوله طلقها إذا أو متى شئت لأن حين للوقت ولو قال إن شئت فأنت طالق إذا شئت أو متى شئت فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم الأحوال لأنه علق بمشيئتها في الحال طلاقا معلقا بمشيئتها في أي وقت شاءت فإذا شاءت قي المجلس صار كأنه قال أنت طالق إذا شئت لأن المعلق كالمرسل عند الشرط ولو قال لامرأتيه إذا شئتما فأنتما طالقان فشاءت إحداهما أو شاءتا طلاق إحداهما لا يقع لأن الشرط مشيئتهما طلاقهما ولم يوجد ولو قال لاثنين إن شئتما فهي طالق ثلاثا فشاء أحدهما واحدة و الأخر ثنتين لم يقع شيء لأن الشرط مشيئتهما الثلاث بخلاف ما لو قال لهما طلقاها ثلاثا فطلقها أحدهما واحدة والأخر ثنتين وقع الثلاث لأن كل واحد ينفرد يإيقاع الثلاث فيصح إيقاعه لبعضها و لو قال إن شئت فأنت طالق ثم قال لأخرى طلاقك مع طلاق هذه وقع عليهما بمشيئة الأولى إن نوى الزوج و إلا فلا لأنه يحتمل طلاقك مع طلاق هذه في الوقوع ويحتمل في الملك أي كلاهما مملوكان لي فأيهما نوى صدق ولو قال طالق إن شئت و أبيت أو إن شئت ولم تشائي لم تطلق أبدا لأنه جعل المشيئة والإباء شرطا واحدا ولا يمكن اجتماعهما و لو قال إن شئت وإن لم تشائي فشاءت في المجلس طلقت ولو قامت بلا مشيئة تطلق أيضا كما لو قال إن دخلت أو لم تدخلي أما لو أخر الطلاق فقال إن شئت وإن لم تشائي فأنت طالق لا تطلق أبدا ولو قال أنت طالق إن شئت وإن أبيت فإن شاءت يقع وإن أبت يقع وإن سكتت حتى قامت من المجلس لا يقع وكذا إن شئت أو أبيت و في طالق إن أبيت أو كرهت طلاقك فقالت أبيت تطلق ولو قال إن لم تشائي طلاقك فأنت طالق فقالت لا أشاء لا تطلق لأن لفظ أبيت لإيجاد الفعل الذي هو الإباء وقد وجد وإما لفظ لم تشائي فللعدم لا للإيجاد وعدم المشيئة لا يتحقق بقولها لا أشاء لأن لها أن تشاء من بعد وإنما يتحقق بالموت و في أنت طالق واحدة إن شئت فقالت شئت نصف واحدة لم تطلق عند أبي يوسف ولو قال لها طلقي نفسك وقال لها أخر أعتقي عبدك فبدأت بعتق العبد خرج الأمر من يدها ولو كان الآمر يالعتق زوجها فبدأت بالعتق لا يبطل
____________________
(4/112)
خيارها في الطلاق وعنه لو قال لها أنت طالق إن شئت للسنة واحدة فلها المشيئة الساعة لا عند الطهر فإن شاءت الساعة وقعت عند الطهر وعلى قياس قول أبي حنيفة إن كانت حائضا فلها المشيئة حين تطهر على إحدى الروايتين عنه فإنه ذكر في باب المشيئة من طلاق الأصل لو قال إن شئت فأنت طالق غدا فالمشيئة إليها للحال بخلاف أنت طالق غدا إن شئت فإن المشيئة إليها في الغد وهذا عند أبي حنيفة و محمد و قال أبو يوسف المشيئة إليها في الغد في الفصلين و قال زفر المشيئة للحال فيهما و ذكر في الأمالى الخلاف بين أبي حنيفة و أبي يوسف على العكس و في المنتقى برواية بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة إذا قال أنت طالق غدا إن شئت أو أنت طالق إن شئت غدا لها المشيئة غدا و قالا إن قدم المشيئة على الغد فلها المشيئة للحال و إن أخرها فلها المشيئة غدا وفرع على هذا لو قال اختاري غدا إن شئت أو اختاري إن شئت غدا أو أمرك بيدك غدا إن شئت أو أمرك بيدك إن شئت غدا فالمشيئة في الغد في الحالين عند أبي حنيفة و كذا إذا قال طلقي نفسك غدا إن شئت أو طلقي نفسك إن شئت غدا أو إن شئت فطلقي نفسك غدا لم يكن لها أن تطلق نفسها إلا في الغد عنده و قالا إن قدم المشيئة فلها أن تطلق نفسها فتقول في الحال طلقت نفسي غدا و المذكور في الكافي و شرح الصدر الشهيد أنت غدا طالق إن شئت فقالت الساعة شئت كان باطلا إنما لها المشيئة في الغد بخلاف قوله إن شئت فأنت طالق غدا فإن لها المشيئة في مجلسها لأن في الثاني علق بالمشيئة طلاقا مضافا إلى غد ولو علق بالمشيئة طلاقا منجزا تعتبر والمشيئة حالا حتى لو قامت بطلت مشيئتها فكذا إذا علق بها طلاقا مضافا و في الأول بدأ بإضافة الطلاق إلى الغد ثم جعل ذلك معلقا بمشيئتها فتراعي المشيئة في ذلك الوقت و روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن في الفصلين تراعي المشيئة في غد و عند زفر تعتبر المشيئة فيهما حالا و لو قال لها أنت طالق إذا شئت إن شئت أو أنت طالق إن شئت إذا شئت فهما سواء تطلق نفسها متى شاءت و عند أبي يوسف إن أخر قوله إن شئت فكذلك و إن قدمه تعتبر المشيئة في الحال فإن شاءت في المجلس تطلق نفسها بعد ذلك إذا شاءت و لو قامت من المجلس قبل أن تقول شيئا بطل و قال شمس الأئمة فيما قدمنا من أن إن شئت فأنت طالق إذا شئت هنا مشيئتان الأولى على المجلس و الأخرى مطلقة إليها معلقة بالمؤقتة فمتى شاءت بعد هذا طلقت قال و إن لم تقل شئت حتى قامت من المجلس فلا مشيئة لها و لا فرق بين أن يقول إن شئت الساعة أو لم يذكر الساعة و لو قال أنت طالق و طالق و طالق إن شاء زيد فقال زيد شئت واحدة لا يقع شيء لأنه ما شاء الثلاث وكذا لو قال شئت أربعا ولو قال أنت طالق إن شئت واحدة و إن شئت اثنتين فقالت شئت وقع الثلاث ولو قال اخرجي إن شئت ينوي به الطلاق فشاءت ولم تخرج وقع نظيره قالت لزوجها طلقني و طلقني وطلقني فقال الزوج طلقت فهي ثلاث ولو قالت طلقني طلقني طلقني بلا واو فطلق فإن نوى واحدة فهي واحدة و إن نوى ثلاثا فثلاث ولو قالت لزوجها تريد أن أطلق نفسي فقال الزوج نعم فقالت طلقت ينظر إن نوى الزوج التفويض وقع و إن نوى الرد يعني طلقي إن استطعت لا يقع
____________________
(4/113)
باب الأيمان في الطلاق
اليمين في الأصل القوة قال الشاعر **
إن المقادير بالأوقات نازلة ** ولا يمين على دفع المقادير **
أي لا قوة وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها بالنسبة إلى الأخرى وسمى الحلف بالله يمينا لإفادته القوة على المحلوف عليه من الفعل أو الترك و الحمل عليه بعد تردد النفس فيه ولا شك في إفادة تعليق المكروه للنفس على أمر بحيث ينزل شرعا عند نزوله قوة الامتناع عن ذلك الأمر وتعليق المحبوب لها على ذلك الحمل عليه فكان يمينا قوله وإذا أضاف الخ استعملها في المفهوم اللغوي وإلا فالمثال لا يطابق لأنه تعليق لا إضافة قوله و قال الشافعي لا يقع و نقل عن علي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال أحمد و قال مالك إن خص بلدا أو قبيلة أو صنفا أو امرأة صح وإن عمم مطلقا لا يجوز إذ فيه سد باب النكاح وبه قال ربيعة والأوزاعي وابن
____________________
(4/114)
أبي ليلى أما لو قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فإنه يصير مظاهرا مع العموم لأن الحرمة ترتفع بالتكفير و عندنا لا فرق بين العموم و ذلك الخصوص إلا أن صحته في العموم مطلق يعني لا فرق بين أن يعلق بأداة الشرط أو بمعناه و في المعينة يشترط أن يكون بصريح الشرط فلو قال هذه المرأة التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق لأنه عرفها بالإشارة فلا تؤثر فيها الصفة أعني أتزوجها بل الصفة فيها لغو فكأنه قال هذه طالق بخلاف قوله إن تزوجت هذه فإنه يصح و لا بد من التصريح بالسبب في المحيط لو قال كل امرأة أجتمع معها في فراش فهي طالق فتزوج امرأة لا تطلق و كذا كل جارية أطؤها حرة فاشترى جارية فوطئها لا تعتق لأن العتق لم يضف إلى الملك و لو قال نصف المرأة التي تزوجتها طالق فزوجه امرأة بأمره أو بغير أمره لا تطلق لأن التعليق لم يصح ولو تزوج امرأة على أنها طالق لم تطلق لأنه تعذر جعله بدلا أو شرطا و كذا لو اشترى عبدا على أنه حر لم يعتق و مذهبنا مروى عن عمر و ابن مسعود و ابن عمر تمسك الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح أخرجه ابن ماجه من حديث المسور بن مخرمة قال صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح و لا عتق قبل ملك و عنده طريق أخرى عن رضي الله عنه يرفعه لا طلاق قبل النكاح انتهى و فيه جويبر وهو ضعيف و أخرج أبو دواد و الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم لا نذر ابن أدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك قال الترمذي حسن و هو أحسن شيء روى في هذا الباب و أخرج الدار قطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق ثلاثا قال طلق ما لا يملك و أخرج أيضا عن أبي ثعلبة الخشني قال قال عم لي أعمل لي عملا حتى أزوجك ابنتي فقلت إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم بدا لي أن أتزوجها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال لي تزوجها فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح قال فتزوجتها فولدت لي سعدا و سعيدا و لنا أن هذا تعليق لما يصح تعليقه و هو الطلاق فيلزم
____________________
(4/115)
كالعتق والوكالة والإبراء وما ظن مانعا من أنه رتب على النكاح ضد مقتضاه فيلغو وذلك لأن النكاح شرع سببا لثبوت الوصلة وانتظام المصالح فلا يملك جعله سببا لانقطاعها بخلاف العتق يصح تعليقه بالملك لأنه مندوب مطلوب للشرع فتعليقه به مبادرة إلى المطلوب أما الطلاق فمحظور وإنما شرع للحاجة يتباين الأخلاق غلط لأن الحاجة كما تتحقق بعد الوصلة بالدخول كذلك قبل التزوج فإن النفس قد تدعو إلى تزوجها مع علمه بفساد حالها وسوء عشرتها ويخشى لحاجتها وغلبتها عليه فيؤيسها بتعليق طلاقها بنكاحها فطاما لها عن مواقع الضرر فيجب أن يشرع كما شرع تعليقة بخروجها ليفطمها عنه لما فيه من الضرر عليه فتحقق المقتضى وهو تكلمة بالتعليق لما يصح بلا مانع بل هو أولى بالصحة من تعليق طلاق المنكوحة لما سيذكر والجواب عن الأحاديث المذكورة أما ما قبل الحديثين الأخيرين فمحمول على نفي التنجيز لأنه هو الطلاق أما الطلاق المعلق فليس به بل له عرضية إن يصير طلاقا وذلك عند الشرط والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري قال عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن الزهري أنه قال في رجل قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق وكل أمة أشتريها فهي حرة هو كما قال فقال له معمر أو ليس قد جاء لا طلاق قبل نكاح ولا عتق إلا بعد ملك قال إنما ذلك أن يقول الرجل امرأة فلان طالق وعبد فلان حر وقول المصنف و غيرهما تصريح بما يفهم من كاف التشبيه المشعرة بعدم الحصر خصوصا بعد قوله مأثور عن السلف يعطي أنه مأثور عن غيرهما أيضا أخرج ابن أبي شيبة في مصنفة عن سالم والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز و الشعبى و النخعي و الزهري و الأسود و أبي بكر بن عمرو بن حزم وأبي بكر بن عبد الرحمن و عبد الله بن عبد الرحمن و مكحول الشامي في رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق أو يوم أتزوجها فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق قالوا هو كما قال وفي لفظ يجوز عليه ذلك وقد نقل مذهبنا أيضا عن سعيد بن المسيب و عطاء وحماد بن أبي سليمان وشريح رحمة الله عليهم أجمعين وأما الحديثان الأخيران فلا شك في ضعفهما قال صاحب تنقيح التحقيق إنهما باطلان ففي الأول أبو خالد الواسطي وهو عمر بن خالد قال وضاع و قال أحمد وابن معين كذاب وفي الأخير على بن قرين كذبه ابن معين وغيره وقال ابن عدى يسرق الحديث بل ضعف أحمد و أبو بكر بن العربي القاضي شيخ السهيلي جميع الأحاديث و قال ليس لها أصل في الصحة ولذا ما عمل بها مالك وربيعة والأوزاعي فما قيل لم يرد ما يعارضها حتى يترك العمل بها ساقط لأن الترجيح فرع صحة الدليل أولا كيف ومع عدم تقدير الصحة لا دلالة على نفي
____________________
(4/116)
تعليقة بل على نفي تنجيزه فإن قيل لا معنى لحمله على التنجيز لأنه ظاهر يعرفه كل أحد فوجب حمله على التعليق فالجواب صار ظاهرا بعد اشتهار حكم الشرع فيه لا قبله فقد كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوج تنجيزا و يعدون ذلك طلاقا إذا وجد النكاح فنفى النبي صلى الله عليه وسلم في الشرع في هذه الأحاديث و غيرها بقي لهم بعد ذلك أن يمنعوا كون المعلق ليس طلاقا ليخرج عن تناول النص بل هو طلاق تأخر عمله إلى وجود الشرط كالبيع بشرط الخيار و الجواب أن أهل العرف و اللغة لا يفهمون من الطلاق تعليقه و كذا الشرع لو حلف لا يطلق امرأته فعلق طلاقها لا يحنث إجماعا ومما يؤيد ذلك ما في موطإ مالك أن سعيد بن عمر بن سليم الزرقى سأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأته إن هو تزوجها فقال القاسم إن رجل جعل امرأته عليه كظهر أمه إن هو تزوجها فأمره عمر إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المظاهر فقد صرح عمر بصحة تعليق الظهار بالملك و لم ينكر عليه أحد فكان إجماعا و الكل واحد و الخلاف فيه أيضا و كذا في الإيلاء إذا قال إن تزوجتك فو الله لا أقربك أربعة أشهر يصح فمتى تزوجها يصير موليا فإن قيل هذا التعليق إنشاء تصرف في محل في حال لا ولاية له عليه فيلغو كتعليق الصبي بأن قال إذا بلغت فزوجته طالق و تعليق البالغ طلاق الأجنبية بغير الملك قلنا لا بد أولا من بيان المراد بقولنا هو طلاق أو ليس به إذ لا شك في أنه لفظ الطلاق و المراد أنه ليس سببا في الحال لحكم الطلاق من العدة و غيرها تأخر عمله كالبيع بشرط الخيار وحينئذ نقول لا إشكال في أن كون الشيء سببا شرعا لثبوت حكم في محل لا يتصور بدون اتصاله بذلك المحل شرعا أعني أن يعتير الشرع أنه اتصل به سببا للحكم فيه لا مجرد الاتصال في اللفظ فإن سببيته ليست إلا بإيجابه الحكم في محل حلوله ملزوما للحكم فيحل حيث حل ولا ريب في أن أن الشرط يمنع من ذلك للقطع بأنه لم يعن أنت طالق الآن بل إذا كان كذا فأنت طالق إذ ذاك لا الآن فإذا كان ذاك يرتفع المانع وهو التعليق فحينئذ ينزل بالمحل سببا بخلاف البيع بشرط الخيار لأنه لم يعلق البيع على منتظر بل أثبته في الحال غير أنه جعل له خيار أن يفسخ إن لم يوافق غرضه رفقا به وهذا لا يمنعه من الوصول في الحال بل يحقق سببيته في الحال لو تأملت هذا التركيب و أما عدم اعتباره من الصبي فليس لعدم ولايته على المحل بل لعدم أهليته للتعليق كالتنجيز بخلاف البالغ فإن افتقاره في التصرف إلى المحل إنما هو عند قصد التنجيز فيه للحال وما نحن فيه التزام يمين يقصد بها بالذات البر أعني منع نفسه من تزوجها وهذا يقوم به وحده فيتضمن هذا منع كونه تصرفا في المحل في حال عدم ولايته عليه بل تصرف مقتصر عليه إلا أنه لما كان الحنث أحد الجائزين و بتقديره ينعقد كلامه سببا وهو يستدعي المحلية وهما معا يتوقفان على ملك النكاح لزم لصحة كلامه في الحال ظهور قيام ملكه عند انعقاده ثم رأينا الشرع صححه مكتفيا بظهور قيامه عنده فيما إذا قال للمنكوحة إن دخلت الدار فأنت طالق فإن قيام الملك عنده بناء على الاستصحاب فتصحيحه إياه مع تيقن قيامه أحرى وذلك في المتنازع فيه 4 و هو تعليقه بالملك و بهذا حصل الجواب عن الأخير أعني تطليقه في الأجنبية بغير الملك ولهذا رأينا الشرع صحح قوله للأمة إذا ولدت ولدا فهو حر حتى يعتق ما تلده مع عدم قيام ملك عتق الولد قبل الولادة فظهر أن قيام المحلية للحكم ليس شرطا لصحة التعليق ولعمري إن جل هذه المقاصد اشتمل عليها عبارة المصنف بنهاية الإيجاز و طلاوة الألفاظ وقوله وقع عقيب النكاح يفيد أن الحكم يتأخر عنه و هو المختار لأن الطلاق المقارن
____________________
(4/117)
لا يقع كقوله أنت طالق مع نكاحك إذ لا يثبت الشيء منتفيا و مرجع ضمير أثره تصرف يمين وهو إضافة بيانية أي تصرف هو يمين وكذا هو في قوله وهو قائم بالمتصرف أي فلا حاجة إلى اشتراط المحل بل قيام ذمة الحالف في ذلك كاف وقول مالك إنه سد على نفسه باب النكاح قلنا فماذا يلزم إذ قد يكون علم مصلحة في ذلك دينا لعلمه بغلبة الجور على نفسه أو دنيا لعدم يساره و لنفسه لجاج فيؤسها على أنه يتصور تزوجه عندنا بأن يعقد له فضولى و يجيز هو بالفعل كسوق الواجب إليها أو الوطء واعلم أن مقتضى ما ذكر كون المضاف لا ينعقد سببا في الحال كالمعلق لكنهم جعلوه سببا في الحال نحو أنت طالق يوم يقدم فلان ولا فرق إلا ظهور إرداة المضيف الإيقاع بخلاف المعلق فإن فصده البر فكأن هذا المعنى المعقول صارفا للفظ عن قضيته ولا يعرى عن شيء مع إن نحو أنت طالق غدا وإذا جاء غد واحد في قصد الإيقاع وهم يجعلون إذا جاء غد تعليقا غير سبب في الحال والآخر سببا في الحال وأما قولهم إنه ينزل سببا عند الشرط كأنه عند الشرط أوقع تنجيزا فالمراد الإيقاع حكما ولهذا إذا علق العاقل الطلاق ثم جن عند الشرط تطلق ولو كان كالملفوظ حقيقة لم يقع لعدم أهليته
فروع في المنتقى إن تزوجت فلانه فهي طالق و إن أمرت من يزوجنيها فهي طالق فأمر إنسانا أن يزوجها منه طلقت لأنهما يمينان إحداهما على الأمر والأخرى على التزوج ولو قال إن تزوجت فلانه و إن أمرت من يزوجنيها فهي طالق فأمر إنسانا أن يزوجها منه فتزوجها بنفسه طلقت لأن اليمين واحدة والشرط شيئان وقد وجدا بخلاف ما لو كان الواقع مجرد الأمر حيث لا تنحل اليمين وكذا لو تزوجها من غير أن يأمر أحدا لا تطلق لأنه بعض الشرط فإن أمر بعد ذلك رجلا فقال زوجني فلانة وهي امرأته على حالها طلقت لكمال الشرط ولو قال إن تزوجت فلانة أو أمرت إنسانا أن يزوجنيها فهي طالق فأمر غيره فزوجه تلك المرأة لم تطلق لأنه حنث بالأمر قبل تزويج المأمور فانحلت اليمين بلا وقوع شيء فلا يحنث بتزوجه بعده و عن أبي يوسف إذا قال إن تزوجت فلانة أو خطبتها فهي طالق فخطبها فتزوجها لا تطلق قال في الكتاب لأنه حنث بالخطبة فهذا يدل على أن اليمين منعقدة وهو رد على من قال اليمين غير منعقده لأن الشرط أحدهما واحدهما بعينه صالح والآخر لا فإنه نص على الحنث حتى لو تزوج قبل الأمر في المسئلة التي قبلها وقبل الخطبة في هذه المسئلة وقع بان قال للمرأة ابتداء بحضرة رجلين تزوجتك بألف فقبلت طلقت وفي فوائد شمس الأئمة الحلواني لو قال إن تزوجت فلانة فهي طالق إن تزوجت فلانة فتزوج فلانة لا تطلق فإن طلقها ثم تزوجها تطلق ووجهه أنه اعتراض الشرط على الشرط كقوله إن تزوجتك فأنت طالق إن دخلت الدار لا تطلق حتى يتحقق مضمون الشرطين رجل له مطلقة فقال إن تزوجتها فحلال الله على حرام فتزوجها تطلق ولو قال لإمرأته إن تزوجت عليك ما عشت فحلال الله على حرام ثم قال إن تزوجت عليك فالطلاق على واجب ثم تزوج عليها يقع على كل منهما تطليقة باليمين الأولى وتقع أخرى على واحدة منهما باليمين الثانية يصرفها إلى أيتهما شاء هذا في النوازل قال في المحيط وفيه نظر وينبغي أن لا تطلق في اليمين الثانية لأن اليمين الثانية تعليق إيجاب الطلاق بالتزويج وإنه لا يصح بخلاف تعليق نفس الطلاق وينبغي أن يقع باليمين الأولى طلاق إحداهما يصرف إلى أيتهما شاء ولأن اليمين الأولى لما
____________________
(4/118)
انصرفت إلى الطلاق صار كأنه قال زن ويرا طلاق ومن قال ذلك وله امرأتان يقع على إحداهما انتهى وفي نظره نظر أما قوله وينبغي أن لا تطلق في اليمين الثانية الخ فبناء على التنجيز بالطلاق على واجب ليس بصحيح وأنت قد علمت ما في ذلك من الاختلاف و أن المختار وقوع الطلاق و المذكور في النوازل بناء عليه وأما قوله وينبغي أن يقع باليمين الأولى طلاق إحداهما الخ فليس بصحيح لأن حلال الله عام استغراقى لا بدلى فيشمل الزوجتين معا فقد حرمهما وزن ويرا طلاق ليس مثله لأن معناه امرأته و هو إنما يتناول الواحدة فقد أوقع الطلاق على واحدة مبهمة فإليه تعيينها وإذا قال كل امرأة أتزوجها طالق فزوجه فضولى فأجاز بالفعل بأن ساق المهر ونحوه لا تطلق بخلاف ما إذا وكل به لانتقال العبارة إليه قوله فيصح يمينا أو إيقاعا أي فيصح التعليق المذكور يمينا عندنا لأنه لا يعمل عندنا في الحال أو إيقاعا عند الشافعي لأنه عنده سبب في الحال قوله ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكا أو يضيفه إلى ملكه لأن الجزاء لا بد أن يكون ظاهر الوجود أي ظاهرا وجوده عند الفعل و قوله وهو القوة أي على الامتناع هنا قوله والظهور بأحد هذين لفظ الظهور هنا بالمعنى اللغوي كذا لفظ ظاهر الوجود فتعلق الإدراك به قد يكون على وجه الظهور بالمعنى العرفي الخاص وقد يكون على وجه القطع والحاصل أن قوله للأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق حين صدر لا يصح جعله إيقاعا لعدم المحل ولا يمينا لعدم معنى اليمين وهو ما يكون حاملا على البر لإخافته لأنه لم يصدر مخيفا لعدم ظهور الجزاء عند الفعل لعدم ظهور ثبوت المحلية عند وجود الشرط لا يقال لم لم يكن الأمر فيه موقوفا على العاقبة إن تزوجها ظهر كونه يمينا و إلا فهو على الاحتمال إلى أن يموت أحدهما لأنا نقول تحقق عدم اليمين حال صدوره لانتفاء حقيقة فإنه لم يقع مخيفا فلم يقع يمينا فلا تتحقق يمين في الوجود إلا بلفظ آخر و معنى الإخافة هنا إخافة لزوم نصف المهر إن تزوجها لأنه حينئذ يقع الطلاق فيجب المال فيمتنع عن التزوج خوفا من ذلك وقد أورد على هذا قوله إذا حضت فأنت طالق فإنه يمين مع أنه لا حمل فيه ولا منع بإخافة وأجيب بأن العبرة للغالب لا للشاذ قوله و الإضافة إلى سبب الملك يعني التزوج بمنزلة الإضافة إليه وقال بشر المريسى
____________________
(4/119)
لا يصح لأن الملك يثبت عقيب سببه فإذا كان الشرط هو ذلك السبب اقترن الملك و الوقوع و الطلاق المقارن لثبوت ملكه أو لزواله لا يقع كطالق مع نكاحك أو مع موتي بخلاف ما إذا علقه بنفس الملك فإنه حينئذ يتقدم الملك و الجواب ما قال محمد حمل الكلام على الصحة أولى من إلغائه فيكون قد ذكر السبب وأراد به المسبب فتقدير قوله إن تزوجتك إن ملكتك بالتزوج لكن تعليل المصنف بقوله لأنه ظاهر عند سببه ينبو عن هذا إلا أن يجعل بيان وجه التجوز بالسبب عن المسبب وهو بعيد إذ ليس هذا موضعه بل هو في هذا القن من المسلمات وكان سبب عدول المصنف عنه انهم دفعوا الوارد على قولهم في قوله لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها فدخلت لا تطلق من أنه لم لم يعتبر تمام الكلام مضمرا تصحيحا والتقدير إن تزوجتك فدخلت حتى يصح ويقع به كما قال به ابن أبي ليلى لأن اليمين مذموم في الشرع أو غير مطلوب فلا يحتال في تصحيحه وهذا ينافي ذلك الجواب و يكفي في جواب ابن أبي ليلى ما قدمه المصنف لكن لا يخفى ورود أن يقال إما أن يراد بالسبب المسبب أو حقيقته و الأول تصحيح اليمين فيلزم مثله في المنقول عن ابن أبي ليلى و على الثاني يرد ما قال بشر المريسى و الأولى أن يدفع ما قال ابن أبي ليلى بأنه لاطريق إلى تحقيق تلك الإرادة لانتفاء الحقيقة وطريق المجاز بخلاف ما نحن فيه و على هذا لا يحسن المذكور في الكتاب أيضا بل الأولى أن يقال الإضافة إلى سبب الملك مراد بها الإضافة إلى الملك كما أجاب به محمد رحمه الله
فروع لو قال إن تزوجتك فأنت طالق قبله ثم نكحها يوقعه أبو يوسف لأنه علقه بالنكاح و ذكر معه وقتالا يقدر على إيقاعه فيه فلغا ذكره الوقت وبقي التعليق وقالا لا يقع لأن المعلق كالملفوظ عند الشرط ولو قال وقت النكاح أنت طالق قيل إن أنكحك لا تطلق فزوجاه إمرأة بغير إمره كذا هذا ولو قال لوالديه إن زوجتماني امرأة فهي طالق ثلاثا أمره غير لا تطلق لأن التعليق لم يصح لأنه غير مضاف إلى ملك النكاح لأن تزويج الوالدين له بغير أمره غير صحيح ولو قال رجل لأجنبية ما دمت في نكاحي فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوجها ثم تزوج غيرها لا تطلق أما إذا قال لها إن تزوجتك فما دمت في نكاحي فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فنزوجها ثم تزوج غيرها تطلق قوله وألفاظ الشرط الخ ومن جملتها لو و من و أي و أيان وأين وأني وجميعها تجزم إلا لو وإذا
____________________
(4/120)
وقيل يجزم بها إذا زيد بعدها ما والمشهور أنه إنما يجزم بإذا في الشعر وكذا بلو قال لو يشأ طار به ذو ميعة قوله لأن الشرط مشتق من العلامة يعني من اللفظ الدال على العلامة وهو الشرط بالتحريك قال تعالى { فقد جاء أشراطها } أي علاماتها و هذا لأن الاشتقاق لا بد فيه من الاشتراك في المادة ولا مشاركة بين لفظ علامة و شرط قوله فتكون علامات أي يكون وجود الافعال علامات على الحنث والحنث هو وقوع الجزاء فالحاصل أن معنى ألفاظ الشرط علامات وجود الجزاء أي تدل على ذلك بالذات وإلا فكل من هذه و لفظ لو أيضا كذلك في الجملة فإنه لما كان كذلك كان المفاد بها امتناع فعل الشرط المستلزم لامتناع الجواب نحو لو جاء زيد لأكرمتك فيعرف أن ذلك الفعل إذا وجد استلزم وجود الجواب لأن اللازم يثبت عند الملزوم و على هذا فجميع الأدوات تفيد الوجود للوجود إلا أن لما لما كانت أدخل حيث وضعت لإفادة أن الشرط قد وجد وفرغ منه خصت بقولنا حرف وجود لوجود و لو وضعت لإفادة امتناع الملزوم ودلت على الوجود للوجود بالإلتزام فخصت بحرف امتناع و لم يذكرها المصنف لأن مقصوده ينافيه أعني التعليق على ما على خطر الوجود لأنها أفادت تحقق عدمه فلا يحصل معنى اليمين و لعدم حصوله لم تذكر لما وإن كان لو قال لو دخلت الدار فأنت طالق تعلق الطلاق كما ذكره التمرتاشي و يروى عن أبي يوسف رحمه الله لكنه ليس معناها الأصلي و لا المشهور ولذا قال بعضهم لا يتعلق وفي الحاوي في فروعنا لو قال أنت طالق لو تزوجتك تطلق إذا تزوجها وقد ورد في قوله { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية } الآية فذهب بعض النحويين إلى تجويزه و أكثر المحققين أنها ليست إلا للتعليق في الماضي وأجابوا عن الآية بما يوقف عليه في كلامهم وكذا لعدم حصول معنى اليمين في التعليق بلما لم يذكرها وذكر كلا وليست شرطا لثبوت معنى الشرط معها وهو التعليق بأمر على خطر الوجود وهو الفعل الواقع صفة الاسم الذي أضيفت إليه
فروع قال أنت طالق لولا دخولك أو لو لا أبوك أو لو لا مهرك لم يقع وكذا في الأخبار بأن قال طلقت
____________________
(4/121)
بالأمس لو لا كذا واعلم أن موضع وجوب الفاء لا يتحقق التعليق إلا بها إلا أن يتقدم فيتعلق بدونها على خلاف في أنه حينئذ هو الجواب أو يضمر الجواب بعده و المتقدم دليله وأما الفقيه فنظره من جهة المعنى فلا عليه من اعتباره الجواب فإذا قال إن دخلت الدار وأنت طالق وقع للحال فإن نوى تعليقه دين وكذا إن نوى تقديمه و عن أبي يوسف لا يتنجز حملا لكلامه على الفائدة فتضمر الفاء كما في قوله من يفعل الحسنات الله يشكرها ودفع بما إذا أجاب بالواو فإنه يتنجز و يلغو الشرط مع انه يمكن تعليقه حتى لو نواه دين وفي الحكم روايتان ذكره في الغاية قال في الدراية ولو نوى تقديمه في هذه الصورة قيل يصح وتحمل الواو على الابتداء وفيه ضعف لأن واو الابتداء لا تستعمل إلا في أول كلام و مواضع الفاء جمعت مفاريد في بيت هو هذا
** طلبية واسمية وبجامد ** وبما ولن وبقد و بالتنفيس **
وأحببت ذكر بعض زيادة على ذلك وإيضاحه ليفهم فنظمتها في ثلاثة أبيات وهي هذه
** تعلم جواب الشرط حتم قرانه ** بفاء إذا ما فعله طلبا أتي ** ** كذا جامدا أو مقسما كان أو بقد ** ورب وسين أو بسوف ادر يافتى ** أو اسمية أو كان منفى ما وإن ** ولن من يحد عما حددناه قد عتى **
ولو أخر الشرط وأدخل الفاء في الشرط بأن قال أنت طالق فإن دخلت لارواية فيه فيمكن أن يقال يتنجز لأن الفاء فاصلة و يمكن أن يقال يتعلق لأن الفاء حرف تعليق وقياس المذكور في حذف الفاء في موضع وجوبها وذكر الواو مع الجواب أن يكون التنجيز موجب اللفظ إلا أن ينوي التعليق لاتحاد الجامع وهو عدم كون التعليق إذ ذاك مدلول اللفظ فلا يثبت إلا بالنية و الفاء وإن كان حرف تعليق لكن لا يوجبه إلا في محله فلا أثر له هنا ولو قال أنت طالق إن كنجز عند محمد لعدم ما يتعلق به وعند أبي يوسف لا لأن ذكره بيان لإرادته التعليق ولو قال أنت طالق دخلت تنجز لعدم التعليق والصفة المعتبرة كالشرط لأن ذلك في غير المعينة مثل المرأة التي أتزوجها طالق أما في المعينة فلغو على ما قدمناه أول الباب ولو قال أنت طالق أن دخلت بفتح الهمزة وقع في الحال وهو قول الجمهور لأنها للتعليل ولا يشترط وجود العلة وقد ناظر محمد الكسائي في ذلك في مجلس الرشيد فزعم الكسائي أنها بمعنى إذا استدلالا بقوله تعالى { يمنون عليك أن أسلموا } و بقوله تعالى { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا } وقول محمد أولى إذ لا أصل لجعلها كإذا وليس المراد في الآيتين ما ذكر بل التعليل هو المعنى الظاهر فيهما و لو قال أنت طالق وإن دخلت الدار طلقت بكل حال لأن الواو في مثله عاطفة على شرط هو نقيض المذكور على ما عرف في موضعه تقديره إن لم تدخلي وإن دخلت وإن
____________________
(4/122)
هذه هي الوصلية ويقع في الحال بقوله أنت طالق إذ دخلت وبقوله ادخلي الدار وأنت طالق يتعلق بالدخول لأن الحال شرط مثل أد إلى ألفا وأنت طالق لا تطلق حتى تؤدي قوله ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت وانتهت اليمين لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط و إذا تم وقع الحنث فلا يتصور الحنث مرة أخرى إلا بيمين أخرى أو بعموم تلك اليمين وليس فليس وقال بعضهم في متى أنها تفيد التكرار كقوله
** متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد **
والحق أنها إنما تفيد عموم الأوقات بمعنى أن أي وقت تأتي تجد ذلك ففي متى خرجت فأنت طالق المفاد أن أي وقت تحقق فيه الخروج يقع الطلاق فإذا تحقق في وقت وقع ثم لا يقع بخروج آخر إلا لو أفادت التكرار وإن مع لفظ أبدا مؤدي لفظ متى بإنفراده فإذا قال إن تزوجت فلانة أبدا فهي طالق فتزوجها فطلقت ثم تزوجها ثانيا لا تطلق كذا أجاب أبو نصر الدبوسي ومن غرائب المسائل ما في الغاية من قال لنسوة له من دخل منكن فهي طالق فدخلت واحدة منهن مرارا طلقت بكل مرة لأن الفعل وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به عمومه عرفا مرة بعد أخرى و استشهد له بقوله تعالى { ومن قتله منكم متعمدا } أفاد العموم ولذا تكرر الجزاء على قاتل واحد وبما ذكر محمد في السير الكبير إذا قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فقتل واحد قتيلين فله سلبهما واستشكل بأن العموم في الأول لعموم الصيد المحلى باللام ثم رجع إليه ضمير من قتله فعليه جزاؤه فعم لذلك لا لما ذكر وعموم الثاني بدلالة الحال وهو أن مراده التشجيع وكثرة القتل قيل والأولى الاستشهاد بقوله تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } الآية حيث يحرم القعود مع الواحد في كل مرة فقد أفادت إذا التكرار لعموم الاسم الذي نسب إليه فعل الشرط والأوجه أن العموم بالعلة لا بالصيغة فيهما من ترتيب الحكم وهو الجزاء في الأول ومنع القعود على المشتق منه وهو القتل والخوض فيتكرر به وفي المحيط وجوامع الفقه لو قال أي امرأة أتزوجها فهي طالق فهو على امرأة واحدة بخلاف كل امرأة أتزوجها حيث تعم بعموم الصفة واستشكل حيث لم يعم أي امرأة أتزوجها بعموم الصفة قوله إلا في كلما فإنه يتكرر ومن لطيف مسائلها إذا قال لامرأته وقد دخل بها كلما طلقتك فأنت طالق فطلقها طلقة يقع ثنتان ولو قال كلما وقع طلاقي عليك فأنت طالق فطلقها واحدة وقع الثلاث والفرق أن الشرط في الثانية اقتضى تكرار الجزاء يتكررالوقوع فيتكرر إلا أن الطلاق لا يزيد على الثلاث فيقتصر عليها وفي الأولى اقتضى تكرره بتكرر طلاقه ولا يقال طلقها إذا طلقت بوجود الشرط فيقع تطليقتان إحداهما بحكم الإيقاع والأخرى بحكم التعليق قوله ومن ضرورة التعميم التكرار أورد في كل عموم ولا تكرار فإنه لو قال كل امرأة أتزوجها طالق فتزوج فطلقت ثم تزوجها بعد ذلك
____________________
(4/123)
لا تطلق وأما الوقوع على امرأة أخرى بتزوجها فباعتبار عموم الاسم ولم ينشأ من نفس الشرط وأجيب بأن المراد تعميم الأفعال و التكرار من ضرورته لأنه كما يكون باعتبار القيام بآحاد متعددة يكون بتجدد الأمثال من واحد قوله ولو دخلت على نفس التزوج بأن قال كلما تزوجت إمرأة امرأة فهي طالق يحنث بكل مرة أبدا لأن الشرط ملك يوجد في المستقبل وهو غير محصور و كلما وجد هذا الشرط تبعه ملك الثلاث فيتبعه جزاؤه وعن أبي يوسف في المنتقي إذا قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج امرأة طلقت فإن تزوجها ثانية لا تطلق إلا مرة واحدة ولو قال ذلك لمعينة كلما تزوجتك أو تزوجت فلانة تكرر دائما واستوضحه بما إذا قال كلما اشتريت ثوبا أو ركبت دابة لا يلزمه ذلك إلا مرة واحدة والحاصل أن كلما عند أبي يوسف إنما توجب التكرار في المعينة لا في غير المعينة وحقيقة البحث ادعاؤه اتحاد الحاصل بين كل وكلما إذا نسب فعلها إلى منكر فإن قلت بينهما فرق فإن كلا يقتضي عموم الأسماء وعموم الأفعال يثبت ضرورة و كلما يقتضي في الأفعال وعموم الأسماء يثبت ضرورة فإذا وجد في لفظ كل اسم واحد انحلت في حقه ولا يتكرر به نفسه وبقيت فيما سواه من الأسماء وفي كلما إذا وجد فعل انحلت بإعتباره وبقيت فيما سواه من الأفعال المماثلة سواء تعلقت بما تعلق به الأول أولا قلنا قد اعترفتم بثبوت عموم الأسماء ضرورة ولا حاجة بنا إلى النظر إلى سببه إذ المقصود أنه يثبت العموم في الأفعال و الأسماء فصار الحاصل كل تزوج لكل امرأة وفي مثله تنقسم الآحاد على الآحاد ظاهرا على ما قرروا في ركب القوم دوابهم { جعلوا أصابعهم في آذانهم } فلزم بالضرورة أنها إذا انحلت في فعل انحلت في اسمه فلا يتكرر الحنث في امرأة واحدة وهذا هو الجامع بين هذه المسئلة وبين ما قاس عليه من المسئلتين ويدفع بأن
____________________
(4/124)
انقسام الآحاد على الآحاد عند التساوي وهو منتف لأن دائرة عموم الأفعال أوسع لأن كثيرا من أفراده ما يتحقق بالتكرار من شخص واحد وقد فرض عمومه بكلما فلا يعتبر كل اسم بفعل واحد فقط والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب قوله وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها حتى لو طلقها فانقضت عدتها بعد التعليق بدخول الدار ثم تزوجها فدخلت طلقت وكذا إذا قال لعبده إن دخلت فأنت حر فباعه ثم اشتراه فدخل عتق في الحال ولا بد من تقييد عدم البطلان بما إذا زال الملك بما دون الثلاث أما إذا طلقها ثلاثا فتزوجت بغيره ثم عادت فدخلت لا تطلق على ما سيأتي ثم إن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين إلى آخر ما في الكتاب هذا و كما يبطل التعليق بتنجيز الثلاث خلافا لزفر كذلك يبطل بلحاقه بدار الحرب عند أبي حنيفة لهما حتى لو دخلت الدار بعد لحاقه وهي في العدة لا تطلق خلافا لهما وفائدة الخلاف فيما إذا جاء تائبا مسلما فتزوجها ثانيا لا ينقص من عدد الطلاق شيء عنده وينقص عندهما قوله وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج إلا أن تقيم المرأة البينة لأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط ولأنه ينكر وقوع الطلاق وعلى هذا إن لم تدخلي اليوم فأنت طالق فقالت لم أدخل وقال دخلت فالقول له وإن كانت متمسكة بالأصل وهو عدم الدخول ولو قال إن لم أجامعك في حيضتك فأنت طالق فقالت لم يجامعني وقال فعلت فالقول له مع أنها متمسكة بظاهرين عدم الجماع وحرمته في الحيض الداعية إلى عدمه لكونه أنكر الطلاق واستحضر هنا ما في النكاح لو لو قال بلغك الخبر فسكت وقالت رددت القول قوله خلافا لزفر لهذا أيضا فهذا أصل كلى بخلاف ما لو قال وهي في طهر خال عن الجماع أنت طالق للسنة ثم قال جامعتك في حيضتك فأنكرت فالقول لها أن كانت طاهرة لأنه يريد إبطال حكم واقع بعد وجود السبب والمضاف إليه أما الأول فلأن المضاف سبب في الحال وأما الثاني فلأن الوقت وقت طلاق السنة بالفرض قوله فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها عليه الأربعة رحمهم
____________________
(4/125)
الله تعالى وعن أحمد لا يقع وتختبرها النساء بإدخال قطنة في فرجها في زمان قالت ذلك ودفع بأنها أمينة مأمورة بإظهار ما في رحمهما بقوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } تحريم كتمانها أمر بالإظهار وفائدة الأمر بالإظهار ترتيب أحكام المظهر وهو فرع قبوله مع أن إدخال القطنة لا يوصل إلى علم ولا ظن لجواز أخذ دم من الخارج تحملت به قوله ولم تطلق فلانة هذا إذا كذبها أما إذا صدقها طلقت فلانة أيضا وكذا في جميع نظائره قوله كما قبل في حق العدة أي انقضائها حتى لو طلقها طلاقا رجعيا ثم لم يراجعها فقالت له بعد مدة تحتمل صدقها قد انقضت عدتي انقطع حق الرجعة أو قالت لرجل آخر انقضت عدتي من فلان و المدة تحتمله جاز له تزوجها إذا غلب على ظنه صدقها والغشيان أي حل الوطء و حرمته فلو قالت أنا حائض حرم أو طاهر حل أو قالت للمطلق ثلاثا تزوجت بثان وغشيني حلت له لا يقال إما أن تكون حاضت أولا فعلى الأول يقع عليهما وعلى الثاني لا يقع على واحدة منهما لأنا نقول المنظور إليه في حقها شرعا الإخبار به لأنها أمينة وفي حق ضرتها حقيقته وشهادتها على ذلك شهادة فرد و إخبارها به لا يسرى في حقها مع التكذيب ولا بعد في أن يقبل قول الإنسان في حق نفسه لا غيره كأحد الورثة إذا أقر بدين لرجل على الميت فيقتصر على نصيبه إلا أن يصدقه الباقون و المشتري إذا أقر بالمبيع لمستحق لا يرجع بالثمن على البائع هذا وإنما يقبل قولها إذا أخبرت بالحيض وهو قائم أما بعد الانقطاع فلا لأنه ضروري فيشترط قيام الشرط بخلاف قوله إن حضت حيضة حيث يقبل قولها في الطهر الذي يلي الحيضة لا قبله ولا بعده حتى لو قالت بعد مدة حضت وطهرت وأنا الآن حائض بحيضة أخرى لا يقبل قولها ولا يقع لأنها أخبرت عن الشرط حال عدمه ولا يقع إلا إذا أخبرت في الطهر بعد انقضاء بعد هذه الحيضة فحينئذ يقع وهذا لأنها جعلت أمينة شرعا فيما تخبر من الحيض و الطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بهما فلا تكون مؤتمنة حال عدم تلك الأحكام لعدم الحاجة إذا كذبها الزوج ولو قال لإمرأتيه إذا حضتما فأنتما طالقان فقالتا حضنا لم تطلق واحدة منهما إلا أن يصدقهما فإن صدق إحداهما وكذب
____________________
(4/126)
الأخرى طلقت المكذبة وإن كن ثلاثا فقال ذلك فقلن حضنا لم تطلق واحدة منهن إلا إن يصدقهن وكذا إن صدق إحداهن فإن صدق ثنتين فقط طلقت المكذبة دون المصدقات ولو كن أربعا و المسئلة بحالها لم تطلقن إلا أن يصدقهن وكذا إن صدق واحدة أو ثنتين وإن صدق ثلاثا فقط طلقت المكذبة دون المصدقات والأصل أن حيض الكل شرط للوقوع عليهن فلم تطلق واحدة حتى يحضن جميعا وإن حاض بعضهن يكون ذلك بعد ما يثبت به الحكم فلا يثبت وإن قلن جميعا حصنا لا يثبت حيض كل واحدة إلا في حق نفسها إلا أن يصدقها فيثبت في حق الكل وإن صدق البعض وكذب البعض نظر فإن كانت المكذبة واحدة طلقت هي وحدها لتمام الشرط في حقها لأن قولها مقبول في نفسها وقد صدق غيرها فتم الشرط فيها ولا تطلق غيرها لأن المكذبة لا يقبل قولها في غيرها فلم يتم الشرط في الغير وإن كذب أكثر من واحدة لم تطلق واحدة منهن لأن كل واحدة من المكذبات لم يثبت حيضها إلا في حق نفسها فكان الموجود بعض الشرط فلا تطلق واحدة منهن حتى يصدق من سواها جميعا قوله و كذلك إذا قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله إلى قوله لما بينا يريد أنها أمينة في حق نفسها شاهدة في حق ضرتها وقوله ولا يتقين بكذبها جواب سؤال تقديره نزول الجزاء باعتبار خبرها بناء على احتمال صدقها فأما هنا فكذبها متيقن فكيف نحكم بالجزاء مع العلم بانتفاء الشرط أجاب يمنع تيقنه فإن الإنسان قد يبلغ به ضيق الصدر و عدم الصبر و سوء الحال إلى درجة يحب الموت فيها فجاز أن تحملها شدة بغضها مع غلبة الجهل و عدم الذوق للعذاب في الحال على تمني الخلاص منه بالعذاب ولو قال إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق فقالت أحبك كاذبة طلقت قضاء وديانة عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله لأن المحبة بالقلب فذكره وعدمه سواء فصار كمسئلة الكتاب وقال محمد لا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن صدقت لأن الأصل في المحبة بالقلب واللسان خلق عنه وتقييده بالأصل يبطل الخلقية قلنا بل عدم إمكان الوقوف على ما في قلبها أوجب النقل إلى الخلف مطلقا فاستوى التقييد و عدمه وفي الظهيرية ما يدل على أن المحبة بالقلب لا تعتبر وإن أمكن الاطلاع عليها وهو قال لإمرأته أنت طالق إن كنت أنا أحب كذا ثم قال لست أحبه كاذبا فهي امرأته فيما بينه وبين الله تعالى و استشكل السرخسي هذا بأنه إن لم يعلم ما في قلبها فإنه يعلم ما في قلب نفسه لكن الطريق ما قلنا إذ القلب متقلب لا يثبت على شيء فالوقوف على حقيقة المحبة متعذر والأحكام إنما تناط بالأمور
____________________
(4/127)
الظاهرة لا الخفية كالرخصة بالسفر والحدث بالنوم والجناية بإلتقاء الختاتين ولا يخفى ما فيه بالنسبة إلى قلبه واعلم أن التعليق بالمحبة إنما بفارق التعليق بالحيض في أنه يقتصر على المجلس لكونه تخييرا حتى لو قامت وقالت أحبك لا تطلق وأنها لو كانت كاذبة تطلق فيما بينه وبين الله تعالى وفي الحيض لا يقتصر على المجلس كسائر التعليقات ولا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن تكون صادقة
فرع في الجامع الأصغر قال الفقيه أبو جعفر إذا قالت المرأة لزوجها شيئا من السب نحو قرطبان وسفلة فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق طلقت سواء كان الزوج كما قالت أولم يكن لأن الزوج في الغالب لا يريد إلا أن يؤذيها بالطلاق كما آذته وقال الإسكاف فيمن قالت ياقرطبان فقال زوجها إن كنت أنا قرطبان فأنت طالق تطلق وإن قال أردت الشرط يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ونص بعضهم على أن فتوى أهل بخارى على المجازاة دون الشرط قوله فكان حيضا من الابتداء ويجب على المفتي إن يعين ذلك فيقول طلقت حين رأت الدم و تظهر ثمرة هذا الاستناد فيما إذا كانت غير مدخول بها فتزوجت حين رأت الدم أو كان المعلق بالحيض عتقا فجنى العبد أو جنى عليه بعد رؤية الدم قبل أن يستمر فإنه إذا استمر ثلاثة أيام يصح النكاح ويعتبر في العبد جناية الأحرار ولا تحسب هذه الحيضة من العدة لأنها بعض حيضة لأنه حين كان الشرط رؤية الدم لزم أن يقع الطلاق بعد بعضها قوله و لو قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر أي يحكم بطهرها عن هذا افترق الحال بين إن حضت حيضة فأنت طالق وإن حضت حيث لا يكون الأول بدعيا لأنه إنما يقع في الطهر بخلاف الثاني ثم إنما يحكم بطهرها فيقع فيما دون العشرة بالإغتسال أو ما يقوم مقامه من صيرورة الصلاة دينا في ذمتها وأما بالعشرة فبمجرد الانقطاع قوله لأن الحيضة بالهاء هي الكاملة عن هذا لو قال نصف حيضة كان الحكم كما في حيضة لأنه اسم للكامل وهي لا تتجزأ خلافا لزفر في قوله تطلق بحيض خمسة أيام للتيقن بالنصف قلنا هذا نصف أقصى مدته لا نصف الدرور ولو كانت حائضا لا تطلق ما لم تطهر ثم تحيض وإذا قال لطاهرة أنت طالق إذا طهرت لم تطلق حتى تحيض وتطهر لأن اليمين يقتضي شرطا مستقبلا وهذا الحيض قد مضى بعضه وبقي بعضه وما مضى لم يدخل تحت اليمين والباقي تبع للماضي فلا يتناوله اليمين كما لا يتناول الماضي بخلاف
____________________
(4/128)
قوله أنت طالق قبل أن تحيضي حيضة بشهر حيث تطلق إذا حاضت فلا ينتظر الطهر والمراد بحديث الاستبراء قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس ألا لا تنكح الحبالى حتى يضعن ولا الحيالي حتى يستبرأن بحيضة و سنتكلم عليه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله بخلاف ما إذا قال إذا صمت لأنه لم يقدره بمعيار إذ لم يقل إذا صمت يوما أو شهرا فيتعلق بما يسمى صوما في الشرع وقد وجد الصوم بركنه وشرطه بإمساك ساعة فيقع به و إن قطعته بعده وكذا إذا صمت في يوم أو شهر لأنه لم يشرط كماله بخلاف ما إذا قدره بمعيار كإذا صمت يوما فإنه لا يقع إلا بعد الغروب من اليوم الذي صامت فيه و نظير إذا صمت يوما إذا صمت صوما لا يقع إلا بتمام يوم لأنه مقدر بمعيار و إذا صليت صلاة يقع بركعتين وفي إذا صليت يقع بركعة قوله ومن قال لإمرأته إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما وجارية ولا يدري أبهما الأول لأنه لو علم وقع المعلق بالسابق ولا يقع باللاحق شيء لأن الطلاق المقارن لانقضاء العدة لا يقع وإن اختلفا فالقول للزوج لأنه منكر للزيادة وتقرير المسئلة واضح من الكتاب وما عن الشافعي من أنه يقع الثلاث لاحتمال الخروج معا قيل لا ينبغي أن لا يعول عليه لأنه مستحيل عادة غير أنه إن تحقق ولادتهما معا وقع الثلاث وتعتد بالأقراء ولو ولدت غلاما وجاريتين ولا يدري أولهم وقع ثنتان في القضاء وثلاث في التنزه لأن الغلام إن كان أولا أو ثانيا تطلق ثلاثا واحدة به و ثنتين بالجارية الأولى لأن العدة لا تنقضي ما بقي في البطن ولد و إن كان أخرا يقع ثنتان بالجارية ا 6 لأولى ولا يقع بالثانية شيء لأن اليمين بالجارية انحلت بالأولى ولا يقع بالغلام شيء لأنه حال
____________________
(4/129)
انقضاء العدة فتردد بين ثلاث وثنتين فيحكم بالأقل قضاء وبالأكثر تنزها ولو ولدت غلامين وجارية لزمه واحدة في القضاء وفي التنزه ثلاث لأنه إذا كان الغلامان أولا وقعت واحدة بأولهما ولا يقع بالثاني شيء ولا بالجارية الأخيرة لانقضاء العدة وإن كانت الجارية أولا أو وسطا وقع ثنتان بها و واحدة بالغلام بعدها أو قبلها فتردد بين ثلاث و واحدة ولو قال إن كان حملك غلاما فطالق واحدة أو جارية فثنتين فولدتهما لم تطلق لأن حملك اسم جنس مضاف فيعم كله فما لم يكن الكل جارية أو غلاما لا يقع كما في قوله إن كان ما في بطنك غلاما والباقي بحاله كقوله إن كان ما في هذا العدل حنطة فهي طالق أو دقيقا فطالق فإذا فيه حنطة و دقيق لا تطلق ولو قال إن كان في بطنك و الباقي بحاله وقع الثلاث وفي الجامع لو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فإن كان الذي تلدينه غلاما فطالق ثنتين فولدت غلاما يقع الثلاث لوجود الشرطين لأن المطلق موجود في المقيد وهو قول مالك والشافعي قوله و إن قال لها إن كلمت أبا عمرو و أبا يوسف حاصل مبني الخلاف أنه إذا جعل الشرط فعلا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما نحو إن دخلت هذه الدار وهذه اشترط للوقوع قيام الملك عند آخرهما عندنا وقال زفر رحمه الله عند كل منهما وقياسه فيما إذا كان فعلا قائما بإثنين من حيث هو قائم بهما أن يكون كذلك مثل إن جاء زيد و عمرو فأنت طالق فإن الشرط مجيئهما فلا يقع طلاق إلا أن يجيء كل منهما وقد ذكرنا ما يعرف به ذلك في مسئلة إذا حضتما فأنتما طالقان وجعله في شرح الكنز مسئلة الكتاب من تعدد الشرط ليس بذاك لأن تعدده بتعدد فعل الشرط ولا تعدد في الفعل هنا بل متعلقه ولا يستلزم تعدده تعدده فإنها لو كلمتهما معا وقع الطلاق لوجود الشرط وغايته تعدد بالقوة وجه قول زفر اعتبار الأولى من الوصفين بالثاني في وجوب قيام الملك عنده إذ هما في حكم هذا الطلاق كالشيء الواحد لتوقفه على كل منهما ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم وإنما اشترط لصحته فيما نحن فيه مع الأهلية قيام الملك في الحال وكون الشرط الملك ليصير الجزاء
____________________
(4/130)
في الأول غالب الوجود بتقدير الشرط نظرا إلى ظهور الاستصحاب و متيقنه في الثاني فيتحقق بذلك معنى اليمين و هو الإخافة الحاملة على الامتناع أو الفعل فإذا تمت لا يحتاج في بقائها إلى ذلك لأن بقائها بعد تحقق حقيقتها بقيام الذمة و إنما يحتاج إليه لوقوع الحنث و الحنث لا يثبت إلا عند الأخير فلا يشترط الملك إلا عنده وهذا ما وعده المصنف في أوائل الباب وأما الشرطان فتحققهما حقيقة بتكرار أداتهما وهو على وجهين بواو و بغيره أما الثاني فكقوله إن أكلت إن لبست فأنت طالق لا تطلق ما لم تلبس ثم تأكل فتقدم المؤخر وهذا الذي ما سماه محمد إعتراض الشرط على الشرط و صورته في الجامع قال كل امرأة أتزوجها إن كلمت فلانا فهي طالق يقدم المؤخر فيصير التقدير إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها طالق واستغنى عن اللقاء بتقديم الجزاء فالكلام شرط الانعقاد والتزوج شرط الانحلال وأصله قوله تعالى { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } المعنى إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم وقوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } فالجواب أحللنا لك امرأة مؤمنة بعد هبتها نفسها للنبي إن أراد النبي فالمعنى إن أراد النبي أن ينكح مؤمنة وهبت نفسها فقد أحللناها قيل و يحتمل تأخر إرادته لأنها كالقبول فالمعنى إن وهبت مؤمنة نفسها للنبي فإن أراد النبي أي قبل أحللناها ووجه المسئلة أنه لا يمكن أن يجعل الشرطان شرطا واحدا لنزول الجزاء لعدم المعطف وإن روى عن محمد في غير رواية الأصول أنه رجع عن التقديم والتأخير وأقر كل شرط في موضعه وهو رأى إمام الحرمين من الشافعية لأن الأصل عدم التقدير إلا بدليل والكلام في موجب اللفظ ولا الشرط الثاني مع ما بعده هو الجزاء للأول لعدم الفاء الرابطة ونية التقديم والتأخير أخف من إضمار الحرف لأنه تصحيح للمنطوق من غير زيادة شيء آخر فكان قوله إن أكلت مقدما من تأخير لأنه في حيز الجواب المتأخر والتقدير إن لبست فإن أكلت فأنت طالق وهذا بناء على ما قدمناه من لزوم التنجيز في مثل إن دخلت الدار أنت طالق وعلى ما قدمناه عن أبي يوسف من لزوم إضمار الفاء يجب أن لا يعكس الترتيب وفي التجريد لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا لا بد من اعتبار الملك عند الشرط الأول فإن طلقها بعد الدخول بها ثم دخلت الدار وهي في العدة ثم كلمت فلانا وهي في العدة طلقت انتهى وهو على الظاهر من التقديم والتأخير فكان المتقدم شرط الانحلال فيعتبر الملك عنده وعلى هذا إذا قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لا تطلق حتى تسأله أولا ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن سألتني إن وعدتك إن اعطيتك وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي رحمهما الله تعالى ومن الحنابلة من قيد ذلك بما إذا كان الشرط بإذا فإن كان بإن تطلق لوجودهما كيف كان لأن المعروف في ذلك إذ إلا إن وأما الأول فإذا قال أنت طالق إذا قدم فلان و إذا قدم فلان أو ذكر بكلمة إن أو متى فأيهما قدم أولا يقع الطلاق
____________________
(4/131)
ولا ينتظر قدوم الآخر لأن قوله أنت طالق إذا قدم فلان يمين تام لوجود الشرط والجزاء و الشرط الثاني لا جزاء له فإذا عطف على شرط تعلق به جزاؤه أي تعلق جزاؤه بعينه به كأنه قال وإذا قدم فلان فأنت طالق تلك التطليقة فلذا لو قدما معا لم يقع إلا طلاق واحد وكذا إذا خلل الجزاء بين الشرطين فقال إن قدم فلان فأنت طالق وإذا قدم فلان أيهما سبق وقع ثم لا يقع عند الشرط الثاني شيء إلا أن ينوي أن يقع عند كل واحد تطليقة فتقع أخرى عند الثاني وإن أخر الجزاء فقال إذا قدم فلان وإذا قدم فلان فأنت طالق لا يقع حتى يقدما لأنه عطف شرطا محضا على شرط لا حكم له ثم ذكر الجزاء فيتعلق بهما فصارا شرطا واحدا فلا يقع إلا بوجودهما لأنه لو وقع بأولهما صار عطفا على اليمين كالأول لا على الشرط فقط فإن نوى وقوع الطلاق بأحدهما صحت نيته بينة تقديم الجزاء على أحد الشرطين وفيه تغليظ على نفسه فأما إذا عطف بلا أداة شرط كان المجموع شرطا واحدا كما في مسئلة الكتاب إلا أن ينوي وقوع الطلاق بأحدهما لأنه نوى إضمارا كلمة الشرط كذا في شرح الزيادات
تنبيه يشترط في صحة الشرط الاتصال كالاستثناء و عروض اللغو بينه وبين الجزاء فاصل يبطل التعليق وفي الجامع لو قال إن دخلت إن دخلت فأنت طالق يتعلق استحسانا و قال الكرخي ينبغي أن لا يتعلق على قوله لأن الثاني لغو كقوله حر وحر إن شاء الله تعالى على قوله والجواب أنه تأكيد بخلاف وحر لأن التأكيد بلفظة لا يكون بالواو فإنما يشاكله حر حر إن شاء الله ولا يعتق فيه وأجمعوا أن السكوت و العطف لا يمنعان العطف ما دام في المجلس كذا في الذخيرة لأن العطف غير مغير بل مقرر بخلاف الشرط والاستثناء وإذا تعقب الشرط أجزية ليست أيمانا تامة ذكرناه من قريب قيد الكل وإذا قال أنت طالق وعبده حر إن كلمت فلانا يتعلق كل منهما به وعن هذا إذا قال أنت طالق واحدة وثنتين وثلاثا وأربعا إن دخلت صح التعليق فيتعلق الثلاث قوله وإن قال لها إن دخلت فأنت طالق ثلاثا وطلقها ثنتين الخ فائدة الخلاف لا تظهر في الصورة المذكورة في الكتاب للإتفاق فيها على عدم وقوع الثلاث أما عند محمد فلأن الباقي واحدة بها يكمل الثلاث وأما عندهما فالثلاث المعلقة بواسطة ملكه ثنتين بالهدم مع الواحدة الباقية وإنما تظهر فيما إذا علق طلقة واحدة ثم نجز ثنتين ثم تزوجت بغيره ثم عادت إلى الأول ثم وجد الشرط فعند محمد رحمه الله تعالى تحرم حرمة غليظة وعندهما لا إذ يملك بعد
____________________
(4/132)
الوقوع ثنتين قوله وسنبينه بعد ونحن نبينه هناك إن شاء الله تعالى قوله ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك لما قدمنا أن معنى اليمين إنما يتحقق بكون الجزاء غالب الوقوع لتحقق الإخافة والظاهر عند استيفاء الطلقات الثلاث عدم العود لأنه موقوف على التزوج بغيره والظاهر عند التزوج به عدم فراقها وعودها إلى الأول لأنه عقد يعقد للعمر فلا يكون غير الملك القائم مرادا لعدم تحقق اليمين باعتباره فتقيد الإطلاق به بدلالة حال المتكلم أعني إرادة اليمين وأيضا بوقوع الثلاث خرجت عن المحلية له وإنما تحدث محليتها بعد الثاني فصارت كالمرتدة تحدث محليتها بالإسلام وبطلان المحلية للجزاء يبطل اليمين كفوت محل الشرط بأن قال إن دخلت هذه الدار فجعلت
____________________
(4/133)
حماما أو بستانا لا يقع اليمين فهذا كذلك بخلاف قوله لعبده إن دخلت فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه فدخل حيث يعتق لأن محليته بالرق ولم تزل بالبيع وبخلاف ما إذا طلقها ثنتين و المسئلة بحالها ثم تزوجت بغيره ثم عادت إليه فوجد الشرط حيث يقع المعلق خلافا لزفر حيث يوقع الواحدة الباقية لأنه وإن كان استفاد حلا جديدا بملك جديد يملك به الثلاث لأن عدم بقاء اليمين بعدم المحلية ولم تزل بالطلقتين فكانت باقية حال عودها إليه وأورد بعض أفاضل أصحابنا أنه يجب أن لا يقع إلا واحدة كقول زفر لقولهم المعلق طلقات هذا الملك و الفرض أن الباقي من هذا الملك ليس إلا واحدة فكان كما لو طلق امرأته ثنتين ثم قال أنت طالق ثلاثا فإنما تقع واحدة لأنه لم يبق في ملكه سواها والجواب أن هذه مشروطة و المعنى أن المعلق طلقات هذا الملك الثلاث ما دام ملكه لها فإذا زال بقي المعلق ثلاثا مطلقة كما هو اللفظ لكن بشرط بقائها محلا للطلاق فإذا نجز ثنتين زال ملك الثلاث فبقي المعلق ثلاثا مطلقة ما بقيت محليتها وأمكن وقوعها وهذا ثابت في تنجيزه الثنتين فيقع والله أعلم وبخلاف ما لو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه فدخلت حيث يصير مظاهرا لأن الظهار تحريم الفعل لا الحل الأصلي إلا أن قيام النكاح من شرطه فلا يشترط بقاؤه لبقاء المشروط كالشهود في النكاح أما الطلاق فتحريم الحل وقد فات بتنجيز الطلقات قوله ولو قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها فلما التقى الختانان وقع الثلاث ثم لم يخرجه في الحال بل لبث ساعة لم يجب عليه المهر أي العقر بهذا اللبث بخلاف ما لو أخرجه ثم أدخله وكذا إذا قال لأمته إذا جامعتك فأنت حرة عتقت بالتقاء الختانين فإذا مكث بعده لا يجب عليه عقر لها وعن أبي يوسف أنه أوجب العقر في الفصلين لوجود الجماع بالدوام بعد الثلاث والحرية وقد سقط الحد للشبهة فبقي العقر وجه الظاهر أن الجماع الإدخال وليس له دوام حتى يكون لدوامه حكم ابتدائة بخلاف ما لو أخرج ثم أولج لأنه وجد الإدخال إلا أن الحد لم يجب لشبهة الاتحاد أي فيه شبهة أنه جماع
____________________
(4/134)
واحد وقد كان أوله غير موجب للحد فلا يكون آخره موجبا له وذلك بالنظر إلى اتحاد المقصود وهو قضاء الشهوة في المجلس الواحد وإذا امتنع الحد وجب المهر لأن التصرف في البضع المحترم لا يخلو عن حد زاجر أو مهر جابر ولو كان الطلاق المعلق في هذه المسئلة رجعيا يصير مراجعا باللباث عند أبي حنيفة خلافا لمحمد لوجود المساس بشهوة وهو القياس و لمحمد أن الدوام ليس بتعرض للبضع على ما مر فلم يوجب سبب مستأنف للرجعة بخلاف ما إذا أخرجه ثم أدخل فإنه يصير مراجعا بالإجماع وعن محمد لو إن رجلا زنى بإمرأة ثم تزوجها في تلك الحالة فإن لبث على ذلك لم ينزع وجب مهران مهر بالوطء ومهر بالعقد وإن لم يستأنف الإدخال لأن دوامة على ذلك فوق الخلوة بعد العقد وقد تقدم فصل في الاستثناء
وهو بيان بإلا أو إحدى أخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم الصدر وهذا يشمل المتصل و المنقطع حدا اسميا لمفهوم لفظ استثناء اصطلاحا على أنه متواطئ وعلى أنه حقيقة في الإخراج لبعض الجنس من الحكم مجاز فيه لبعض غيره يراد الكائن بعض الجنس في المتصل ويقيد بغيره في المنقطع والأوجه كون الخلاف في أن إلا حقيقة في الإخراج لبعض الجنس من الحكم فقط وفيه من غير الجنس أيضا بالتواطؤ والاشتراك اللفظي فإنه أفيد بخلاف معنى لفظ استثناء فإنه لا طائل تحته بل لا حاجة إليه والحق الاستثناء بالتعليق لإشتراكهما في منع الكلام من إثبات موجبه إلا أن الشرط يمنع الكل والإستثناء البعض وقدم مسئلة إن شاء الله لمشابهتها الشرط في منع الكل وذكر أداة التعليق ولكنه ليس على مهيعة لأنه منع لا إلى غاية والشرط منع إلى غاية تحققه كما يفيده أكرم بني تميم إن دخلوا ولذا لم يورده في بحث التعليقات ولفظ الاستثناء اسم توفيقي قال تعالى { ولا يستثنون }
____________________
(4/135)
أي لم يقولوا إن شاء الله وللمشاركة في الاسم أيضا إتجه ذكره في فصل الاستثناء وإنما يثبت حكمه في صيغ الإخبار وإن كان إنشاء إيجاب لا في الأمر والنهي لو قال أعتقوا عبدي بعد موتي إن شاء الله لا يعمل الاستثناء فلهم عتقه ولو قال بع عبدي هذا إن شاء الله كان للمأمور بيعه قيل لأن الإيجاب يقع ملزما فيحتاج إلى إبطاله بالإستثناء وذكره ليس إلا ذلك والأمر لا يقع ملزما لقدرته على عزله فلا حاجة إلى الاستثناء ليجب اعتبار صحته وعن الحلواني كل ما يختص باللسان يبطله الإستثناء كالطلاق والبيع بخلاف ما لا يختص به كالصوم لا يرفعه لو قال نويت صوم غدا إن شاء الله له أداؤه بتلك النية وهل الشرط في صحته تصحيح حروفه وإن لم يسمعه أو أن يسمعه يجري فيه الخلاف المتقدم في القراءة في الصلاة قوله وإذا قال لإمرأته أنت طالق إن شاء الله الخ وكذا 2 إذا قال إن لم يشإ الله أو ما شاء الله أو فيما شاء الله أو إلا أن يشاء الله أو إن شاء الجن أو الحائط وكل من لم يوقف له على مشيئة لم يقع إذا كان متصلا فلا يفتقر إلى النية حتى لو جرى على لسانه من غير قصد لا يقع و حكى عندنا فيه خلاف قال خلف يقع وقال أسد لا يقع وهو الظاهر من المذهب لأن الطلاق مع الإستثناء ليس طلاقا وقال رأيت أبا يوسف في النوم فسألته فقال لا يقع فقلت لم قال أرأيت لو قال أنت طالق فجرى على لسانه أو غير طالق أكان يقع قلت لا قال كذا هذا وكذا إذا لم يدر ما هو إن شاء الله لما ذكرنا وصار كسكوت البكر إذا زوجها أبوها فسكتت ولا تدري أن السكوت رضا يمضي به العقد عليها وفي خارج المذهب خلاف في النية قيل يشترط نية الاستثناء من أول الكلام وقيل قبل فراغه وقيل ولو بعد فراغه وقيل ولو بالقرب من الكلام ولا يشترط اتصالها به واعلم أن ما شاء الله يجوز كون ما فيه موصولا اسميا فمقتضاء أن تطلق واحدة رجعية لأن الغيب هو ما شاء الله من الواقع واحدة أو ثنتين أو ثلاثا ولا شك في أنت طالق المذكور فصار كقوله أنت طالق كيف شاء الله ويحتمل كونها حرفيا أي مدة مشيئة الله فلا تطلق فالحكم بعدم الوقوع بعد ظهوره بالمنجز لا يخلو عن نظر وإنما يكون الظاهر عدم الوقوع مع المشيئة إذا كان الأظهر كونها المصدرية الظرفية ليترجح تعليقه بالمشيئة لكن الثابت لكثرة استعمالها موصولا اسميا ثم لا يقع قضاء ولا ديانة إذا قلنا بتساوي استعماليها وأخبر أنه أراد الظرف أما إذا لم يكن نية فينبغي أن يقع وعلمت أنه لا يحتاج إلى نية أما لو قال إن شاء زيد فهو تمليك منه معتبر فيه مجلس علمه فإن شاء فيه طلقت وإلا خرج الأمر من يده وكذا إلا أن يشاء زيد أو يريد أو يحب أو يرضى أو يهوى أو يرى أو إلا أن يبدو له غير ذلك تقيد بمجلس العلم ويعتبر في ذلك كله إخبار فلان بلسانه لامشيئته ورضاه بقلبه لأن المشيئة وأخواتها أمر باطن وله دليل ظاهر وهو العبارة فيقام مقامه كذا في شرح الجامع وكذا إذا أضاف المشيئة والثلاثة بعدها إليه تعالى بالباء فقال طالق بمشيئة الله تعالى وإرادته ومحبته ورضاه لا يقع لأنه معنى التعليق إذ الباء للإلصاق والكائن في التعليق إلصاق الجزاء بالشرط وإن أضاف الأربعة وما بعدها بالباء إلى العبد كان تمليكا وإن قال بأمره أو بحكمه أو بقضائه أو بإذنه أو بعلمه أو بقدرته وقع في الحال سواء أضافة إليه تعالى أو إلى العبد لأنه يراد به في مثله التنجيز عرفا وإن قال بحرف اللام يقع في الوجوه
____________________
(4/136)
كلها سواء إضافة إلى الله تعالى أو إلى العبد لأنه تعليل للإيقاع كقوله طالق لدخولك الدار وإن قال بحرف في إن أضافه إليه تعالى لا يقع في الوجوه كلها إلا في قوله طالق في علم الله تعالى فإنه يقع في الحال لأن في بمعنى الشرط فيكون تعليقا بما لا يوقف عليه فلا يقع إلا في العلم لأنه يذكر للمعلوم وهو واقع ولأنه لا يصح نفيه عنه تعالى بحال فكان تعليقا بأمر موجود فيكون تنجيزا ولا يلزم القدرة لأن المراد منها هنا التقدير وقد يقدر شيئا وقد لا يقدره حتى لو أراد حقيقة قدرته تعالى يقع في الحال كذا في الكافي والأوجه أن يراد العلم على مفهومه و إذا كان في علمه تعالى أنها طالق فهو فرع تحقق طلاقا وكذا نقول القدرة على مفهومها ولا يقع لأن معنى أنت طالق في قدرة الله تعالى أي في قدرته تعالى وقوعه وذلك لا يستلزم سبق تحققه يقال للفاسد الحال في قدرة الله صلاحه مع عدم تحققه في الحال وفيه أيضا وإن أضاف إلى العبد بفى كان تمليكا في الأربع الأول وما بمعناها من الهوى والرؤية تعليقا في الستة الأواخر ولا يخفى أن ما ذكره في التنجيز بقوله في علم الله يأتي في قوله في إرادته ومحبته ورضاه فيلزم الوقوع بخلاف توجيهنا ولو قال طالق واحدة إن شاء الله وثنتين إن لم يشإ الله لم يقع شيء لأن الأول لحقه الاستثناء فبطل والثاني باطل لأنه لو وقع لشاء الله فيعدم الشرط فلم يقع فكان في تصحيحه إبطاله ولو قال طالق واحدة اليوم إن شاء الله وإن لم يشأ فثنتين فمضى اليوم ولم يطلقها وقع ثنتان لأنه لو شاء الله تعالى الواحدة في اليوم لطلقها فيه فيثبت أنه لم يشإ الله الواحدة فتحقق شرطا وقوع الثنتين وهو عدم مشيئته تعالى الواحدة بخلاف السابقة لأن شرط وقوع الثنتين فيها عدم مشيئتها فلا يمكن وقوعها مع عدم مشيئتة تعالى عز وجل و المسئلتان مذكورتان في النوازل وقال في المنتقى لو قال طالق اليوم ثنتين إن شاء الله وإن لم يشأ في اليوم فطالق ثلاثا فمضى اليوم ولم يطلقها طلقت ثلاثا ووجهه ما بيناه وقال لو لم يقيد باليوم في اليمينين فهو إلى الموت فإن لم يطلقها طلقت قبل الموت ثلاثا بلا فصل وقد ظن أنه مخالف مسئلة النوازل والجواب أن مسئلة المنتقى تعليق الثلاث بعدم مشيئة الله تعالى التطليقتين وقد وجد المعلق عليه قبل الموت إذ لو شاء الله تعالى التطليقتين لأوقعهما الزوج وفي مسئلة النوازل تعليق التطليقتين بعدم مشيئة الله إياهما فلا يقعان أبدا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف بطلاق الخ غريب بهذا اللفظ ومعناه مروى أخرج أصحاب السنن الأربعة من حديث أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى لفظ النسائي ولفظ الترمذي فلا حنث عليه وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن غريب وقد روى نافع عن ابن عمر موقوفا وعن سالم عن ابن عمر موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختياني وقال إسماعيل بن إبراهيم كان أيوب أحيانا يرفعه وأحيانا لا يرفعه اه وهذا كله غير قادح في الرفع لما قدمناه في نظائره غير مرة من تعارض الوقف والرفع واعلم أن مالكا رحمه الله يقول بوقوع الطلاق مع لفظ إن شاء الله والاستدلال بالحديث المورد في في اليمين لا يتم في مجرد أنت طالق إن شاء الله وسنبين إن شاء الله ذلك في كتاب الأيمان وأما ما أخرج ابن عدى في الكامل عن إسحاق بن أبي يحي الكعبي عن عبد العزيز أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول صلى الله عليه وسلم من قال لإمرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى أو لغلامه أنت حر إن شاء الله تعالى أو على المشي إلى بيت الله إن شاء الله فلا شيء عليه
____________________
(4/137)
وهو معلول بإسحاق هذا نقل تضعيفه عن الدار قطني وابن حبان ولم يعلم توثيقه عن غيرهما وأخرج الدار قطنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق واستثنى فله ثنياه ضعفه عبد الحق بحميد وتعدد طرق الضعيف عندنا وإن كان يخرجه إلى الحسن إذا لم يكن ضعفه بالوضع لكن هذا القدر من التعدد لا يكفي قوله ولأنه أتى بصورة الشرط أي بحرفه دون حقيقته لأن مشيئة الله تعالى إما ثابتة قطعا أو منتفية قطعا فلا تردد في حكمها وما يكون كذلك فهو تعليق فيكون تعليقا من هذا الوجه يعني من حيث الصورة وأنه إعدام أي التعليق إعدام العلبة قبل وجود الشرط قوله والشرط لا يعلم هنا فيكون إعداما من الأصل يشير إلى أن التعليق بالمشيئة إبطال وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لقوله تعالى { حتى يلج الجمل في سم الخياط } وقال
** إذا شاب الغراب أتيت أهلي ** وعاد القار كاللبن الحليب **
وعند أبي يوسف تعليق ملاحظة للصيغة وهما لاحظا المعنى وهو أولى وقد نقل الخلاف بين أبي يوسف و محمد على عكسه وثمرته تظهر فيما إذا قدم الشرط فقال إن شاء الله أنت طالق تطلق على التعليق لعدم الفاء في موضع وجوبها فلا يتعلق ولا تطلق على الإبطال وفي شرح المجمع للمصنف عكس هذا وهو غلط فاجتنبه بخلاف قوله إن شاء الله فأنت طالق وفيما إذا جمع بين يمينين فقال أنت طالق إن دخلت الدار وعبدي حر إن كلمت زيد إن شاء الله فعلى التعليق يعود إلى الجملة الثانية فلو كلمت زيدا لا يقع ولو دخلت الدار يقع وعلى الإبطال إلى الكل لعدم الأولوية بالإبطال فلو كلمت وزيدا أو دخلت الدار لا يقع ولو أدخله في الإيقاعين فقال أنت طالق وعبدي حر إن شاء الله ينصرف إلى الكل فلا تطلق ولا يعتق بالإجماع أما عندهما فلما قلنا من عدم الأولوية بالإبطال وأما عند أبي يوسف فلأنه كالشرط والشرط إذا دخل على إيقاعين يتعلقان به وفيما إذا حلف لا يحلف بالطلاق وقاله حنث على التعليق لا الإبطال وفي فتاوى قاضيخان الفتوى على قول أبي يوسف إلا أنه عزى إليه الإبطال فتحصل أن الفتوى على انه إبطال قوله ولو سكت ثبت حكم الكلام الأول أي إذا
____________________
(4/138)
سكت كثيرا بلا ضرورة بخلافه بجشاء أو تنفس وإن كان له منه بد بخلاف ما لو سكت قدر التنفس ثم استثنى لا يصح الاستثناء للفصل وللفصل اللغو تطلق ثلاثا في قوله أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله عند أبي حنيفة خلافا لهما لأن التكرار للتأكيد شائع فيحمل عليه كقوله طالق واحدة إن شاء الله وهو يقول قوله وثلاثا لغو فيقع فاصلا فيبطل الاستثناء فتطلق ثلاثا وعلى هذا الخلاف عبده حر وحر إن شاء الله ولو وقال حر حر بلا واو واستثنى لا يعتبر فاصلا بلا خلاف لظهور التأكيد وقياسه إذا كرر ثلاثا بلا واو أن يكون مثله ولو قال عبده حر وعتيق إن شاء الله صح فلا يعتق بخلاف حر وحر لأن العطف التفسيري إنما يكون بغير لفظ الأول فلا يصح وحر لقوله حر تفسيرا فكان فاصلا بخلاف حر وعتيق ومثل ثلاثا وثلاثا لو قال أنت طالق وطالق وطالق إن شاء الله طلقت ثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما يصح الاستثناء كقوله طالق أربعا إن شاء الله و لو قال طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله صح الاستثناء اتفاقا لأنه ليس لغو لأنه يثبت به تكميل الأول ولو قال ثلاثا بوائن أو البتة لا يصح الاستثناء في ظاهر الرواية لأنه مع الثلاث لغو و عن محمد يصح هذا ويتراءى خلاف في الفصل بالذكر القليل فإنه ذكر في النوازل لو قال والله لا أكلم فلانا استغفر الله إن شاء الله هو مستثن ديانة لا قضاء وفي الفتاوى لو أراد أن يحلف رجلا ويخاف أن يستثنى في السر يحلفه ويأمره أن يذكر عقيب اليمين موصولا سبحان الله أو غيره من الكلام والأوجه أن لا يصح الاستثناء بالفصل بالذكر ولو كان بلسانه ثقل وطال تردده ثم قال إن شاء الله أو اراد أن يقول فسد إنسان فاه ساعة ثم أطلقه فاستثنى متصلا برفعه صح و عن هشام سألت محمدا عمن قال لإمرأته أنت طالق ثلاثا وهو يريد أن يستثني فأمسكت فاه قال يلزمه الطلاق قضاء وديانة يعني إذا لم يستثن بعد التخلية ولا يكتفي بذلك الفصل واشتراط الاتصال قول جماهير العلماء منهم الأربعة و عن ابن عباس جوازه إلى سنة وعنه أبدا وقال سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر وعن الحسن البصري تقيد بالمجلس وهو قول الأوزاعي استدلالا بحديث سليمان عليه السلام لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كل تلد غلاما فقال له صاحبه يعني الملك قل إن شاء الله فنسي إلى آخره فقال رسول صلى الله عليه وسلم لو قالها لقاتلوا جميعا قلنا يحتمل قول الملك له قبل فراغه وقوله صلى الله عليه وسلم لو قالها يعني متصلا واستدل المطلقون بظواهر منها أنه صلى الله عليه وسلم قال في مكة لا يختلي خلالها الحديث فقال له العباس رضي الله عنه إلا الإذخر فسكت ثم قال إلا الإذخر و منها أنه قال في أسرى بدر لا يفلت أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق فقال ابن مسعود إلا سهيل بن البيضاء فقال إلا سهيل بن البيضاء وما أجيب به عن هذين بأنه كان على جهة النسخ دفع بأنه بإلا وهي تؤذن باتصال ما بعدها بما قبلها وليس بلازم لأن المقصود الرفع بنفس لفظ القائل إيذانا بأنه وافق الشرع المتجدد وفي العرفيات مثل هذا كثير فيقدر له جملة تشاكل الأولى مدلول عليه بها كأنه قال لا يختلي خلاها إلا الإذخر ومنها ما رواه أبو داود فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله ثم لم يغزهم و يجاب بأن كونه لم يغزوهم لا يدل على أنه لم يكفر ولم يحنث وهو أن رسول صلى الله عليه وسلم قد حلف أنه لا يحلف على يمين فيرى غيرها خيرا منها إلا أتى التي هي خير وكفر عنها فحين رأى أن عدم غزوهم خير لم يفعل ما حلف عليه
____________________
(4/139)
ومنهما إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق فلا حنث عليه والجواب أنه محمول على الاتصال بالعرف العملي لأن عرف جميع الناس وصل الاستثناء لا فصله لو لم يكن في لفظ الحديث ما يدل عليه فكيف ولفظه يدل عليه حيث قال بالفاء الدالة على الوصل والتعقيب بلا مهلة من حلف على يمين فقال إن شاء الله ثم يوجبه أيضا اللوازم المذكورة في الأصل من أنه يستلزم أن لا يحكم بوقوع طلاق ولا عتاق ولا إقرار بمال ولا مالا يحصى من اللوازم الباطلة وبذلك أخاف أبو حنيفة المنصور حين وشى به أعداؤه إليه بأنه يرد رأي جدك ابن عباس في جواز الاستثناء المنفصل فقال له ما معناه إن مخالفته فيها تحصين الخلافة عليك ومنع خروج المحالفين لك من الخروج عليك وإلا جاز لهم أن يستثنوا إذا خرجوا من عندك ومذهب الشافعي كمذهبنا في أنه إذا قال متصلا بقوله طالق أو حرة إن شاء الله لا يقع الطلاق والعتاق وقال مالك وأحمد في ظاهر الرواية عنه يتنجزان لأنه علقهما بشرط محقق لأنه لو لم يشإ الله كلامن طلاقها وعتاقها لم يمكنه التلفظ به ويوضحه أنه إذا أراد صدور اللفظ منه فقد شاء الله صدوره وإن أراد وجود الطلاق والعتاق فقد حكمت الشريعة أنه إذا صدر اللفظ وجب كل منهما وإن أراد ما يكون من المشيئة فيما بعد فمشيئته قديمة عند أهل السنة والجماعة فظنه أنها تتجدد محال والحجة لنا ما روينا وبينا من المعنى والجواب عن متمسكه أنه لم يعلقه بمحقق لأنه لا يمكن الاطلاع على ما في مشيئة الله تعالى ونختار أنه أراد تعليق وجود الطلاق والعتاق بمشيئة الله تعالى وقوله فقد حكمت الشريعة إلى آخره ليس على إطلاقه إذ التعليقات من نحو أنت طالق إن قدم زيد أو دخلت الدار وجد فيه لفظ الطلاق ولم تحكم الشريعة بوقوعه في الحال بالإجماع وما نحن فيه من هذا القبيل قوله فيكون الاستثناء أو ذكر الشرط الخ إنما نوعه لما ذكرنا أنه على قوم محمد استثناء وعلى قول أبي يوسف تعليق على أحد وجهي النقل عنهما وقريب من الاستثناء لو قال إن دخلت فالله على أن أتصدق بمائة مثلا قال في النوازل هذا قريب من الاستثناء لأن من الأمثال ما ليس به حقيقة ولأن المثل تشبيه ولا يكون في التشبيه إيجاب المال قال وبه نأخذ إلا أن يريد الإيجاب على نفسه
فروع طلق أو خلع ثم ادعى الاستثناء أو الشرط ولا منازع لا إشكال في أن القول قوله وكذا إذا كذبته المرأة فيه ذكره في الحاوي للإمام محمود البخاري ولو شهد عليه بأنه طلق أو خالعها بغير الاستثناء أو قالا لم يستثن قبلت وهذه من المسائل التي تقبل فيها الشهادة على النفي فإن لم يشهدا على النفي بل قالا لم نسمع منه غير لفظة الطلاق والخلع والزوج يدعي الاستثناء ففي المحيط القول قوله وفي فوائد شمس الإسلام الأوزجندى لا يسمع دعوى الاستثناء إذا عرف الطلاق بالبينة بل إذا عرف بإقراره ومثله إذا قال لعبده أعتقتك أمس وقلت إن شاء الله لا يعتق وفي الفتاوى للنسفي لو ادعى الاستثناء وقالت بل طلقني فالقول لها ولا يصدق الزوج إلا ببينة بخلاف
____________________
(4/140)
ما لو قال لها قلت لك أنت طالق إن دخلت فقالت طلقني منجزا القول قوله وفي الفتاوى الصغرى إذا ذكر الجعل لا تسمع دعوى الاستثناء والطلاق على مال كالخلع ونقل نجم الدين النسفى عن شيخ الإسلام أبي الحسن أن مشايخنا أجابوا في دعوى الاستثناء في الطلاق أن لا يصدق الزوج إلا ببينة لأنه خلاف الظاهر وقد فسد حال الناس والذي عندي أن ينظر فإن كان الرجل معروفا بالصلاح والشهود لا يشهدون على النفي ينبغي أن يؤخذ بما في المحيط من عدم الوقوع تصديقا له وإن عرف بالفسق أو جهل حاله ينبغي أن لا يؤخذ بقول المانع لغلبة الفساق في هذا الزمان ولو طلق فشهد اثنان أنك قد استثنيت وهو غير ذاكر إن كان بحيث إذا غضب لا يدري ما يقول وسعه الأخذ بشهادتهما وإلا لا يأخذ بها قوله وكذا إذا ماتت معطوف على قوله وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله متصلا لم يقع الطلاق وقوله والموت ينافي إلى آخره جواب عن مقدر هو أن الموت ينافي الواقع من الطلاق حتى لو قال لها أنت طالق أو طالق ثلاثا فماتت قبل الوصف أو العدد لا يقع فينبغي أن ينافي الاستثناء وهو المبطل فيقع الطلاق أجاب بأن الموت ينافي الموجب فيبطل به ويناسب الاستثناء فلا يبطل به قوله بخلاف ما لو مات الزوج قبل الاستثناء وهو يريده ويعلم إرادته بأن ذكر لآخر قصده قبل التلفظ بالطلاق وقول من قال يحتمل كذبه على الرجل في ذلك أو أن يبدو له فيتركه ليس بشيء لأنه خلاف الظاهر ولأنه يجب تصديقه فيه ثم الواقع الوقوع فبحثه هذا إذا كان لإثبات عدم الوقوع فقد خرق الإجماع إذا اكتفى في إثبات حكم الاستثناء بنية الاستثناء وإلا فلا فائدة له غير اللجاج قوله ولو قال إلا ثنتين طلقت واحدة وعن أبي يوسف لا يصح الاستثناء لأنه استثنى الأكثر وهو قول طائفة من أهل العربية وبه قال أحمد قالوا لم تتكلم العرب به وقوله تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } والغاوون الاكثرون قال تعالى { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } لا دليل فيه لأن الاستثناء منقطع إذ المراد بعبادي الخلص هكذا استقر الاستعمال القرآني على أن هذه النسبة للتشريف فلم يدخل الغاوون قلنا لا نسلم عدم ثبوته لغة وما ذكرتم من التأويل في الآية ممنوع ولو سلم مع ما فيه ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ولو سلم فعدم السماع في تركيب معين
____________________
(4/141)
لا يستلزم عدم صحة استعماله ألا ترى أنه لم يسمع له مائة إلا ثمنا وسدس ثمن وسائر الكسور و يجوز استعمالها وهذا لأن الاستثناء بيان أن المستثنى لم يرد بالصدر فحاصل التركيب من المستثنى والمستثنى منه أنه تكلم بالباقي بعد المستثنى وقولهم إخراج عن الصدر إلى آخره تجوز لأن حقيقة الإخراج متعذرة لأنها تستدعي سبق الدخول فإن اعتبر الدخول في التناول فالإستثناء لا يفيد الإخراج منه لأنه باق بعد الاستثناء لأن تناول اللفظ بعلة وضعه لتمام المعنى وهي قائمة مطلقا فلا يتصور الإخراج منها وإن اعتبر الدخول في الإرادة بالحكم لزم أن يكون كل استثناء نسخا ويلزم أن لا يصح في نحو قوله تعالى { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } من الإخبارات لأن المتكلم حينئذ إما أن يكون كاذبا في إرادة عموم الصدر بالحكم حيث لم يكن في الواقع أو في الاستثناء إن كان هو المنتفي أو غالطا في أحدهما ويستحيلان في حقه تعالى فلزم بالضرورة أنه بيان أن ما بعد إلا لم يرد بالحكم ثم هل يكون مرادا بالصدر أعني العام أو الكل ثم أخرج ثم حكم على الباقي أو أريد ابتداء بالصدر ما سوى ما بعد إلا وإلا قرينته خلاف لا يوجب خلافا فيما ذكرنا أن حاصل تركيب الاستثناء تكلمه بالباقي أي حكمه عليه وحققنا في الأصول أن معنى القول الأول أنه أريد عشرة وحكم على سبعة في قوله علي عشرة إلا ثلاثة فإرداة العشرة بعشرة باق بعد الحكم وإلا فهو المذهب الآخر بزيادة تكلف ثم ما ذكرنا من تحقيق دلالته لا يستلزم كون عشرة إلا ثلاثة اسما مركبا لمعنى سبعة كما نسب إلى القاضي الباقلاني على أن التحقيق أن قوله هو أحد المذهبين كما حققناه في الأصول بل مراده ما ذكره المصنف من قوله إذ لا فرق بين قول القائل على درهم وعشرة إلا تسعة وقوله هو الصحيح احتراز من قول من قال إخراج وفيه معنى المعارضة لإستلزامه في الإخبار ما ذكرنا ونسب إلى الشافعية والله أعلم فإنهم مصرحون بأنه من المخصصات والتخصيص بيان أن المخصص لم يكن مرادا أو قالوه على تأويله بظاهر اللفظ وهو الظاهر لأن مسئلة الاستثناء من النفي إثبات يوجب القول بالمعارضة لأنها توجب حكمين على الثلاثة مثلا في ضمن العشرة بالإثبات وبعد إلا بالنفي لكن لا شك في أنه بحسب الظاهر لا حقيقة للإسنادين فيها وإلا كان تناقضا وحينئذ فالثابت صورة المعارضة بين حكم الصدر وما بعد إلا وترجح الثاني فيجب حمل المرجوح عليه كما هو لكل معارضة ترجح فيها أحد المتعارضين فظهر أنه لم يحكم في الصدر إلا على سبعة قوله ولا يصح استثناء الكل من الكل قيل لأنه رجوع بعد تقرير وهو لا يجوز ودفع بأنه لو كان كذلك لصح فيما يقبل الرجوع وهو الوصية لكنه لا يجوز فيه أيضا لو قال أوصيت لفلان بثلث مالي إلا ثلث مالي
____________________
(4/142)
لا يصح الاستثناء فعلم أنه لغيره وهو ما ذكر في الكتاب من أنه حينئذ لا يبقى بعده شيء يصير متكلما به وتركيب الاستثناء لم يوضع إلا للتكلم بالباقي بعد الثنيا لا لنفي الكل كما يفيده التبادر مع الاتفاق على نفي أنه لنفي الكل بل يفيد ذلك قوله ليس له شيء من العشرة ونحوه واستقراء استعمالات العرب تفيده وما حكى عن بعضهم من تجويزه يجب حمله على كون الكل مخرجا بغير لفظ الصدر أو مساويه كعبيدي أحرار إلا مماليكي فيعتقون كما صرح به في المبسوط وقاضيخان وزيادات المصنف فلو قال نسائي طوالق إلا زينب وعمرة وفاطمة وحفصة لا تطلق واحدة منهن وفي البقالي لو قال كل امرأة لي طالق إلا هذه وليس له امرأة غيرها لا تطلق وفي الذخيرة لو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة و واحدة بطل الاستثناء ووقع الطلاق الثلاث عند أبي حنيفة وعندهما يقع ثنتان وعن أبي يوسف واحدة وهو قول زفر فكان أبا حنيفة يرى توقف صحة الأولى إلى أن يظهر أنه مستغرق أولا وهما يريان اقتصار صحته على الأولى و زفر يرى اقتصاره على الأولى و الثانية وقول أبي حنيفة أوجه لأن الصدر متوقف على الإخراج ولو قال طالق واحدة و واحدة و واحدة إلا ثلاثا بطل الاستثناء اتفاقا لعدم تعدد يصح معه إخراج شيء ولو قال واحدة و ثنتين إلا ثنتين أو اثنتين و واحدة إلا اثنتين يقع الثلاث وكذا ثنتين و واحدة إلا واحدة لأنه في الأولين إخراج الثنتين من الثنتين أو الواحدة وفي الثالثة واحدة من واحدة فلا يصح بخلاف ما لو قال طالق واحدة و ثنتين إلا واحدة حيث تطلق ثنتين لصحة إخراج الواحدة من الثنتين والأصل أن الاستثناء إنما ينصرف إلى ما يليه وإذا تعقب جملا قيد الأخيرة منها وكما قيدنا بطلان المستغرق بما إذا كان بلفظ الصدر أو مساويه كذلك يجب تقييده بما إذا لم يكن بعد المستغرق استثناء آخر يكون جبرا للصدر فإن كان صح فإنه ذكر في فتاوى الولوالجي لو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة طلقت واحدة و اعلم أنه إذا تعدد الاستثناء بلا واو كان الكل إسقاطا مما يليه فيلزم أن كل فرد إسقاط من الصدر وكل شفع جبر له فإذا قال طالق ثلاثا إلا إثنتين إلا واحدة كان الواقع ثنتين لأنك أسقطت من الثلاث ثنتين أولا فصار الحاصل واحدة ثم أسقطت من الساقط من الصدر واحدة فجبر بها الصدر فصار الباقي ثنتين فقد أخرج من الثلاث المستثناة واحدة فصارت ثنتين ثم أخرجهما من الثلاث الصدر فصار الباقي واحدة وهذا بناء على أن الثلاث المستثناة من الثلاث لم تبطل بل تتوقف إلى أن يظهر استثناء منها فيصح أولا فيبطل والله اعلم واصل صحة الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى { إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته } ومن فروعها المعروفة له على عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا ثنتين إلا واحدة تلزمه خمسة ولو قال ثنتين و أربعا إلا ثلاثا يقع
____________________
(4/143)
الثلاث ذكره القدوري وأصله أن الاستثناء تصرف في اللفظ أولا ويستتبع الحكم على ذلك التقدير لا في الحكم ابتداء فلو أوقع أكثر من الثلاث ثم استثنى كان الاستثناء من الكل ولهذا لو قال أنت طالق أربعا إلا ثلاثا تقع واحدة أو عشرة إلا تسعة طلقت واحدة أو حمسا إلا واحدة يقع الثلاث وفي المنتقى طالق ثلاثا و ثلاثا إلا أربعا فهي ثلاث عند أبي حنيفة و زفر لأنه يصير قوله و ثلاثا فاصلا لغوا فاستثنى الأكثر فيقع الكل وعند أبي يوسف يقع ثنتان وهو الظاهر من قول محمد كأنه قال ستا إلا أربعا وما ذكر شيخ الإسلام أنه ينوي فإن قال عنيت ثنتين من الثلاث الأول و ثنتين من الثلاث الأخيرة يصح الاستثناء وإلا فلا خارج عن قانون الاستثناء ولم يذكر النية كذلك الحلواني في هذه المسئلة ولا في المنتقى ولو قال طالق ثلاثا إلا واحدة أو ثنتين طولب بالبيان فإن مات قبله طلقت واحدة في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف وهو قول محمد وهو الصحيح وفي رواية أخرى ثنتان وما قيل إن هذه الرواية تناسب أصل أبي يوسف يعني في منع إخراج الأكثر فمما لا ينبغي لأن تلك رواية عنه لا ظاهر مذهبه نعم هذه الرواية تناسب تلك الرواية وجه الصحيح أنه وقع الشك في الثانية فلا يقع بالشك فتقع واحدة
فرع إخراج بعض التطليقة لغو بخلاف إيقاعه فلو قال طالق ثلاثا إلا نصف تطليقة وقع الثلاث وهو قول محمد وهو المختار وقيل على قول أبي يوسف ثنتان لأن التطليقة لا تتجزأ في الإيقاع فكذا في الاستثناء فكأنه قال إلا واحدة و الجواب أن في الإيقاع إنما لا يتجزأ المعنى في الموقع وهو لم يوجد في الاستثناء فيتجزأ فيه فصار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف فتطلق ثلاثا & باب طلاق المريض
لما فرغ من طلاق الصحيح بأقسامه من التنجيز و التعليق والصريح والكناية وكلا وجزءا شرع في بيان طلاق المريض إذ المرض من العوارض وتصور مفهومه ضروري إذ لا شك أن فهم المراد من لفظ المرض أجلى من
____________________
(4/144)
فهمه من قولنا معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع
بل ذلك يجري مجرى التعريف بالأخفى قوله في مرض موته احتراز عما لو صح من ذلك المرض بعد ما طلقها ثم مات وهي في العدة لا يكون له حكم مرض الموت فلا ترثه وقيد بالبائن لأن في الرجعى يرثه وترثه في العدة وإن طلق في الصحة لقيام النكاح قال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن في طلاق يملك الرجعة بعد الدخول يتوارثان في العدة و أجمعوا أنه لو طلقها في الصحة في كل طهر واحدة ثم مات أحدهما لا يرثه الآخر وبالعدة لأنها لا ترثه إذا مات بعد انقضائها خلافا لمالك في قوله ترث وإن تزوجت بعشرة أزواج ولابن أبي ليلى في قوله ترث ما لم تتزوج وهو قول أحمد ويعرف من تقييد الإرث بالعدة أنه لو طلق امرأته التي لم يدخل بها في مرض مات فيه لا ترث لأنها لا عدة عليها من ذلك الطلاق وقيد بغير الرضا لأنه لو طلقها برضاها لا ترث ولا بد من قيد كونهما ممن يتوارثان حال الطلاق لأنه تعلق حقها بماله إذا مرض هو إذ ذاك حتى لو كانت كتابية أو أحدهما مملوكا وقت الطلاق لا ترث و إن أسلمت في العدة قبل موته أو عتق لا ترث أما لو قال في مرضه إذا أسلمت فأنت طالق بأننا ترثه لأنه علق بزمان تعلق حقها بماله واختلفوا فيما إذا دام به المرض اكثر من سنتين ثم مات ثم جاءت بولد بعد موته لأقل من ستة أشهر فعند أبي يوسف ترث وعندهما لا ترث بناء على أن المبانة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين تنقضي به العدة عنده حملا على أنه حادث في العدة من زنا فلا يثبت نسبه منه ويتيقن بوضعه براءة الرحم فتنقضي به العدة بعد موته فترث و عندهما لا يحمل على الزنا وإن قالته بل على أنه من زوج آخر بعد عدة الأول فتبين أن عدتها إنقضت قبل موته فلا ترث وستأتي المسألة في ثبوت النسب قوله وهي السبب أي الزوجية هي السبب في الإرث وقد انقطعت بالبينونة وكذا لا يرثها إذا ماتت في العدة فلو كانت الزوجية باقية لاقتضت التوارث من الجانبين وبمذهبنا قال عمر وابنه و عثمان وابن مسعود والمغيرة ونقله أبو بكر الرازي عن علي وأبى بن كعب و عبد الرحمن بن عوف وعائشة وزيد بن ثابت ولو يعلم عن صحابى خلافه وهو مذهب النخعي والشعبي وسعيد بن المسيب وابن سيرين وعروة
____________________
(4/145)
وشريح وربيعة بن عبد الرحمن وطاوس وابن شبرمة والثوري وحماد بن أبي سليمان والحرث العكلي لنا الإجماع والقياس أما الإجماع فلأن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ بن زياد الكلبية وقيل بنت عمرو بن الشريد السلمية من عبد الرحمن بن عوف لما بت طلاقها في مرضه ومات وهي في العدة بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه أحد فكان إجماعا وقال ما اتهمته ولكن أردت السنة وهذه الرواية أليق مما روى عن عثمان أنه قال حين ورثها فر من كتاب الله وقد ذكر عن عبد الرحمن أنه قال ما فررت من كتاب الله وقول ابن الزبير في خلافته لو كنت أنا لم أورثها أراد به لعدم علمي إذ ذاك بأن الحكم الشرعي في حقها ذلك وهو بعد انعقاد الإجماع فيه فلا يقدح فيه لا يقال بل على هذا التقرير لم يكن إجماعا لأنه كان سكوتيا وحين قال ابن الزبير ذلك ظهر أن سكوته لم يكن وفاقا لأنا نقول نعم لو كان إذ ذاك فقيها لكنه لم يكن في ذلك الزمان من الفقهاء إذ لم يعرف له قبل ذلك فتوى ولا شهرة بفقه والحكم في ذلك يتبع ظهور ذلك فخلافه كخلاف ابن عباس في مسئلة العول وقول المالكية كان قضاء عثمان بعد العدة معاوض بقول الجمهور أنه كان فيها وأما القياس فعلى ما لو وهب كل ماله أو تبرع لبعض الورثة في مرض موته بجامع إبطال حق بعد تعلقه بماله فيه وهذا لأن حق الورثة يتعلق بماله بالمرض لأنه سبب الموت ولذا حجر عن التبرعات بما زاد على الثلث والزوجة من الورثة فقد تم القياس بعد الإجماع وهذا القياس لا يتوقف على ظهور قصد الإبطال بل هو دائر مع ثبوت الإبطال سواء قصده أو لم يقصده ولم يخطر له وأما القياس المتوقف عليه كما فعل المصنف فهو قياسه على قاتل المورث وصورته هكذا قصد إبطال حقها بعد تعلقه فيثبت نقيض مقصوده كقاتل المورث بجامع كونه فعله محرما لغرض فاسد فالحكم ثبوت نقيض مقصوده ولذا اختلف خصوص الثابت في الأصل والفرع فإنه في الأصل منع الميراث وفي الفرع ثبوت الميراث وهذا التعليل في طريق الآمدى بمناسب غريب إذ لم يشهد له أصل بالاعتبار بل الثابت مجرد ثبوت الحكم معه في المحل أعني القاتل وأما عندنا فقد ثبت اعتباره بالإجماع المذكور وكان مقتضى القياس أن ترث ولو مات بعد تزوجها كقول مالك إلا أن أصحابنا رأوا أن اشتراط عمل هذه العلة الإمكان وهو ببقاء العدة بناء على أن حكم الشرع بالميراث لا بد أن يكون لنسب أو سبب وهو الزوجية والعتق فحيث
____________________
(4/146)
اقتضى الدليل توريث الشرع إياها لزم أنه اعتبر بقاء النكاح حال الموت ومعلوم أن بقاءه إما بالحكم بقيامه حقيقة أو بقيام آثاره من منع الخروج والتزوج و غير ذلك وقيام هذه الآثار ليس إلا بقيام العدة فيلزم ثبوت توريثها بموته في عدتها والمصنف لم يعين لقياسه أصلا في الإلحاق بل قال قصد إبطال حقها فيرد عليه قصده دفعا للضرر ومثله لا يفعل إلا إذا كان هناك أموال شتى يمكن الإلحاق بكل منها وليس يعرف لرد القصد أصل سوى قاتل المورث ويمكن أنه اعتبر أصوله كل من ألزم ضرر بطريق غير مباح فإنه يرد ذلك عليه إلا أن قوله الزوجية سبب إرثها في مرض موته غير جيد لأنها سبب إرثها عند موته عن مرض أو فجأة والوجه أن يقول الزوجية سبب تعلق حقها بماله في مرض موته و الزوج قصد الخ قوله بخلاف ما بعد الانقضاء أي انقضاء العدة لأنه لا إمكان للتوريث إذا لم يعهد بقاء شيء من آثار النكاح بعدها على أنه روى عن عمر وعائشة وابن مسعود وابن عمر وأبي بن كعب أن امرأة الفار ترث ما دامت في العدة وبه يحمل قول أبي بكر الصديق ترث ما لم تتزوج أي ما لم تقدر على قدرة التزوج وهو بإنقضاء العدة أي ما لم تقدر عليه قوله و الزوجية الخ جواب عن قوله ولهذا لا يرثها أي الزوجية في هذه الحالة أي حالة مرضه ليست سببا لإرثه عنها بل في حال مرضها ونقول لو كانت هي المريضة فأبانت نفسها بأن ارتدت حينئذ يثبت حكم الفرار في حقها فيرثها الزوج بخلاف ما لو ارتدت صحيحة لأنها بانت بنفس الردة قبل أن تصير مشرفة على الهلاك ولا هي بالردة مشرفة عليه لأنها لا تقتل قوله فتبطل في حقه برفع اللام فتبطل الزوجية بالطلاق البائن في حق الرجل حقيقة وحكما فلا يرثها إذا ماتت بخلاف ما إذا أبانها في مرض موته ثم مات حيث ترثه لأن الزوجية و إن بطلت بالبائن حقيقة لكنها جعلت باقية في حقها دفعا للضرر عنها لأنه قصد إبطال حقها وضبطه بنصب اللام على أنه جواب النفي سهو لأنه حينئذ ينعكس الغرض إذ يكون معناه لو كانت الزوجية سببا لإرثه منها لبطلت ولكنها ليست بسبب فلا تبطل وإذا لم تبطل فيجب أن يرثها ولا يقول به أحد قوله فإن طلقها ثلاثا بأمرها ليس قيدا بل المقصود أن يطلقها بائنا بأمرها
____________________
(4/147)
ولهذا عطف قوله أو قال لها اختاري فاختارت نفسها عليه فإن هذا القدر إنما يثبت طلقة بائنة وكذا إذا اختلعت منه في مرضه ثم مات وهي في العدة لم ترثه لأنها رضيت بأبطال حقها أما في الأولى فللأمر منها بالعلة وأما في الأخريين فلأنهما باشرا العلة أما في التخيير فظاهر لأنه تمليك منها وأما في الخلع التزام المال علة العلة لأنه شراء الطلاق ومباشرة آخر وصفي العلة كمباشرتها بخلاف مباشرة بعض العلة فمن فروع ذلك ما لو قال لامرأتيه في مرض موته وقد دخل بهما طلقا أنفسكما ثلاثا فطلقت كل واحدة نفسها وصاحبتها على التعاقب طلقتا ثلاثا بتطليق الأولى لا الثانية وورثت الثانية لأنها لم تباشر علة الفرقة لا الأولى لأنها المباشرة ولو بدأت الأولى بطلاق ضرتها ثم بطلاق نفسها ثم الأخرى كذلك ورثتا لأن الواقع على كل واحدة منهما طلاق ضرتها لإطلاق نفسها الخروج الأمر من يدها لإشتغالها بطلاق الضرة والتفويض تمليك وهو مقتصر على المجلس ولو طلقت كل نفسها وصاحبتها معا طلقتا ولم ترثا لأن كلا طلقت بتطليق نفسها ثم اشتغلت بما لا يفيد من تطليق ضرتها وإن طلقتا إحداهما بأن طلقت نفسها وطلقتها ضرتها ووجد ذلك معا طلقت ولا ترث لأنه وجد في حقها طلاق نفسها وطلاق الوكيل فيضاف إلى المالك لأنه أقوى أو كل يصلح علة وقد نزلامعا فيضاف إلى كل كأن ليس معه غيره ولو قال في مرضه طلقا أنفسكما إن شئتما فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها لا تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها وصاحبتها لتعلق التفويض بمشيئتهما خلافا لزفر كأنه قال طلقا أنفسكما إن شئتما طلاقكما بخلاف ما تقدم فإنه لم يعلق التفويض بشرط المشيئة فتنفرد كل واحدة منهما بذلك فلو طلقت الأخرى بعد ذلك نفسها وصاحبتها طلقتا لوجود كمال العلة وورثت الأولى لا الثانية لأن الثانية باشرت آخر وصفى العلة والأولى بعض العلة ولو خرج الكلامان منهما معا بانتا وورثتاه لأن كلا باشرت بعض العلة هذا كله بشرط المجلس لأنه تمليك ولو قال في مرضه أمركما بيدكما فهو تمليك منهما فلا تنفرد إحداهما بالطلاق كمسئلة المشيئة سواء إلا أنهما إذا اجتمعتا على طلاق واحدة منهما يقع وفي قوله إن شئتما لا يقع لأنه جعل الرأي إليهما في شيئين فإذا اجتمع رأيهما في شيء صح كما لو وكل رجلين ببيع عبدين فباعا أحدهما وهناك فوض إليهما بشرط مشيئتهما الطلاقين فكان عدما قبل الشرط ولو قال طلقا أنفسكما بألف فقالت كل طلقت نفسي وصاحبتي بألف معا أو متعاقبا بانتا بألف ويقسم على مهريهما لأن الألف مقابل بالبضعين لا يعتبر قيمته عند الخروج فيقوم بما تزوجهما عليه ولم يرثا لأن الفرقة لا تقع إلا بإلتزام المال والتزام كل علة لأنه شراء الطلاق فكان فعل كل واحدة علة وفعل الأخرى شرطا والحكم يضاف إلى العلة فلذا بطل الإرث ولو طلقتا إحداهما طلقت بحصتها من الألف لأنهما مأمورتان بطلاقهما فقد أتتا ببعض ما أمرتا به ولم ترث لأنه وقع بقبولها وإن قامتا بطل الأمر لأنه طلاق ببدل فشرطه اجتماع رأيهما بخلاف المأمورتين بالطلاق بلا بدل لأنه ينفرد كل منهما بإيقاع الأمر وإذا بطل الأمر في حق نفسها لأنه تمليك بطل في حق الأخرى لفوات الشرط وهو اجتماع رأيهما الكل من الكافي قوله والتأخير أي تأخير عمل الطلاق
____________________
(4/148)
لحقها وهي قد رضيت بإبطاله ولذا لو حصلت الفرقة في مرضه بسبب الجب والعنة وخيار البلوغ والعتق لم ترث لرضاها بالمبطل وإن كانت مضطرة لأن سبب الاضطرار ليس من جهة الزوج فلم يكن جانبا في الفرقة بخلاف ما لو طلقت نفسها ثلاثا فأجاز الزوج في مرضه حيث ترث لأن المبطل للإرث إجازته ولو وقعت الفرقة بتمكين ابن الزوج لا ترث إلا أن يكون أبوه أمره بذلك فقر بها مكرهة لأنه بذلك ينتقل إليه فيكون الأب كالمباشر ولو وجدت هذه الأشياء منها وهي مريضة ورثها الزوج لكونها فارة وفي الجامع لو فارقته في مرضها بخيار العتق أو البلوغ ورثها لأنها من قبلها و إذا لم تكن طلاقا وفي الينابيع جعل هذا قول أبي حنيفة و محمد وفي الفرقة بسبب الجب والعنة واللعان لا يرثها لأنها طلاق فكانت مضافة إليه وأورد ينبغي أن لا يرثها أصلا لأنا جعلنا قيام العدة كقيام النكاح في حقها ولا عدة هنا عند موتها فلم يبق النكاح كبعد العدة أجيب لما صارت محجورة عن إبطال حقه أبقينا النكاح في حق الإرث دفعا للضرر عنه أوردا لقصدها إبطال حقه كمستعجل الإرث ولا يخفى أن هذا الاعتبار الذي هو مبنى هذا الجواب يستلزم توريث امرأة الفار إذا مات بعد العدة كما هو قول مالك وفي القنية أكره على طلاقها الثلاث لا ترث لعدم قصد الفرار ولو أكرهت على سؤالها الطلاق ترث قوله ولو قال لها كنت طلقتك
____________________
(4/149)
إلى قوله فلا تهمة في حق هذه الأحكام هاتان مسئلتان ما إذا تصادقا في مرض موته على طلاقها وانقضاء عدتها قبل المرض وما إذا أنشأ طلاقها ثلاثا في مرض موته بسؤالها ثم أقر لها بمال أو أوصى لها بوصية فعند أبي حنيفة لها الأقل من الميراث ومن كل من الوصية والمقر به في الفصلين وقال زفر لها تمام الموصى به والمقر به في الفصلين وقالا في الأول كقول زفر وفي الثاني كقول أبي حنيفة لزفر إن المانع من صحة الوصية والإقرار الإرث وقد بطل بتصادقهما على انقضاء العدة قبل الموت في الأولى وسؤالها في الثانية فيجب اعتبار موجبهما قلنا ذلك لو لم تكن تهمته لكنها ثابتة غير أنهما قالا إنما هي ثابتة في الثانية لا الأولى وذلك لأن ثبوت التهمة به باطن فأدير على مظنتها وذلك قيام العدة وهو في الثانية لا الأولى فوجب تفصيلنا بين الفصلين والدليل على أن مدار التهمة قيام العدة في نظر الشرع أن ما ينتفي بالتهمة من جواز الشهادة ثابت في الأولى حتى جازت شهادة أحدهما للآخر فعلم انتفاء التهمة شرعا وأنها صارت أجنبية وعن هذا جاز وضع الزكاة فيها وأن تتزوج بآخر من وقت التصادق ولأبي حنيفة إن قصر سبب التهمة على العدة ممنوع بل هي ثابتة أيضا نظرا إلى تقدم النكاح المفيد للألفة والشفقة وإرادة إيصال الخير ولما لم يظهرا ما تصادقا عليه إلا في مرضه كانا متهمين بالمواضعة لنفتح باب الإقرار والوصية وهذه التهمة إنما تتحقق في حق الورثة لا في حق هذه الأحكام إذ لم تجر العادة بالتواضع للتزوج بأختها أو هي بغيره أو لدفع الزكاة أو للشهادة فلذا صدقا فيها لا في حق الورثة وهذه التهمة إنما هي في الزائد فينتفي ثم ما تأخذه إنما يلزم في حقهم بطريق الميراث لا الدين وفائدته أنه لو توى شيء من التركة قبل القسمة فالتوى على الكل ولو كان ما تأخذه بطريق الدين لكان على الورثة ما دام شيء من التركة ولو طلبت أن تأخذ دنانير والتركة عروض ليس لها ذلك ولو كان دينا لكان لها ذلك ولو أرادت أن تأخذ من عين التركة ليس على الورثة ذلك بل لهم أن يعطوها من مال آخر وتعامل فيه بزعمها أن ما تأخذه دين ولو أقر بفساد نكاحها أو أو خلعها أجنبي في مرضه ترث وفي جوامع الفقة وكذا لو قال كنت جامعت أمك أو تزوجتك بغير شهود وقوله ولهذا يدار على النكاح فلا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر والقرابة أي قرابة الولاد فلا تقبل من الولد وإن سفل لأبيه وجده ولا الأب والجد لإبنه وابن ابنه وفي الغاية ينبغي أن ينظر إن كان جرى بينهما خصومة وتركت خدمته في مرضه فذلك يدل على عدم المواضعة والإحسان إليها فحينئذ لا تهمة في الإقرار لها والوصية وإن كان ذلك في حال المطايبة ومبالغتها في خدمته ينبغي أن لا يصح إقراره ووصيته للتهمة وقاسه على ما في الذخيرة فيما إذا قالت لك امرأة غيرى أو تزوجت على فقال كل امرأة لي طالق فإنه قال قيل الأولى يحكم الحال
____________________
(4/150)
إن كان قد جرى بينهما مشاجرة و خصومة تدل على غضبه يقع الطلاق عليها أيضا وإن لم يكن كذلك لا يقع قال السروجي فمقتضى ما ذكر من تحكيم الحال هناك أن تحكم هنا أه وقد يفرق بأن حقيقة الخصومة ظاهرة في قولها تزوجت على ونحوه إذا اقترن بالمشاجرة أما هنا فلا إذ الإيصاء بما هو أكثر من الميراث ظاهر في أن تلك الخصومة والبغضاء ليست على حقيقتها وإلا لم يوص لها ظاهرا والحاصل أن الظاهر بذلك الإيصاء التواضع على إظهار الخصومة والتشاجر وكثيرا ما يفعل أهل الحيل ذلك للأغراض قوله ومن كان محصورا الخ الحاصل أن مبنى الفرار على الطلاق حال توجه الهلاك الغالب عنده وغلبة الهلاك تكون حال عدم المرض كما تكون به وتوجهه بغيره يكون بالمبارزة والتقدمة للرجم والقتل قصاصا أو في سفينة فتلاطمت الأمواج وخيف الغرق أو إنكسرت وبقي على لوح أو افترسه سبع فبقي في فمه بخلاف ما إذا كان محصورا في حصن أو في صف القتال أو محبوسا للقتل أو نازلا في مسبعة أو في مخيف من العدو أو راكب سفينة دون ما قلنا و المرأة في جميع ذلك كالرجل فلو باشرت سبب الفرقة فيما ذكرناه من أحوال الفرار كخيار البلوغ و العتق و تمكين ابن الزوج والإرتداد فإنه يرثها على ما بيناه آنفا و الحامل لا تكون فارة إلا في حال الطلق وقال مالك إذا تم لها ستة أشهر ثبت حكم فرارها لتوقع الولادة في كل ساعة قلنا المناط ما يخاف منه الهلاك ولا يخاف منه إلا في الطلق و توجهه بالمرض قيل أن لا يقدر أن يقوم إلا بأن يقام و قيل إذ خطا ثلاث خطوات من غير أن يهادى فصحيح و إلا فمريض وضعف بأن المريض جدا لا يعجز أن يتكلف لهذا القدر وقيل أن لا يقدر أن يمشي إلا أن يهادى وقيل أن لا يقوم بحوائجه في البيت كما تعتاده الأصحاء و إن كان يتكلف والذي يقضيها فيه وهو يشتكي لا يكون فارا لأن
____________________
(4/151)
الإنسان قلما يخلو عنه فأما من يذهب ويجيء ويحم فلا وهو الصحيح فأما إذا أمكنه القيام بها في البيت لا في خارجه فالصحيح أنه صحيح هذا في حق الرجل أما المرأة فإذا لم يمكنها الصعود إلى السطح فهي مريضة والمسلول والمفلوج والمقعد ما دام يزداد ما به فهو غالب الهلاك وإلا فكالصحيح وبه كان يفتى برهان الأئمة والصدر الشهيد وقيل إن كان لا يرجى برؤه بالتداوي فكالمريض وإلا فكالصحيح وقيل ما كان يزداد أبدا لا أن كان يزداد تارة ويقل أخرى ولو قرب للقتل فطلق ثم خلى سبيله أو حبس ثم قتل أو مات فهو كالمريض ترثه لأنه ظهر فراره بذلك الطلاق ثم ترتب موته فلا يبالي بكونه بغيره واعلم أن قوله وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار يقتضي إلحاق حالة الطلق للحامل والمبارزة بحال الصحة إلا أن يبرز لمن علم أنه ليس من أقرانه فالأولى أن يعلق ما هو في حكم مرض الموت بما يخاف منه الموت غالبا كما ذكره في المرض على أن غالبا متعلق بالخوف وإن لم يكن الواقع غلبة الهلاك فتأمل وأما في حال فشو الطاعون فهل يكون لكل من الأصحاء حكم المرض فقاله الشافعية ولم أره لمشايخنا قوله فأنت طالق أي طالق بائن لأن الفرار يثبت به لا بالرجعي والله الموفق قوله إما أن يعلق الطلاق الخ ضبطه إما أن يعلقه بفعل أحد أولا الثاني التعليق بنحو مجيء الغد والأول إما بفعل نفسه أو غيره وهو إما المرأة أو أجنبي والكل على وجهين إما أن يكون التعليق ووقوع الشرط في المرض أو الشرط فقط ففي التعليق بفعل الأجنبي ومجيء الوقت إن كانا في المرض ورثت لظهور قصد الفرار بالتعليق في حال تعلق حقها بماله وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث وقال زفر ترث لأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده فكان إيقاعا في المرض ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا بنفسه عند الشرط حكما لا قصدا يعني يسلم قول زفر إنه يصير كالمنجز لكن حكما لا قصدا ولذا لو كان مجنونا عند الشرط وقع ولو حلف بعد
____________________
(4/152)
التعليق لا يطلق ثم وجد الشرط لم يحنث فلو كان تطليقا عند الشرط حقيقة وحكما لم يقع في الأول وحنث في الثاني ولأنه لم يكن فارا بالتعليق في الصحة وبعده لم يوجد منه صنع في وجود الشرط ولا قدرة له على منع فعل الأجنبي ومجئ الوقت فلا يكون ظالما وأما في التعليق بفعل نفسه فترث على كل حال وإن كان فعل الشرط ليس له منه بد لوجود قصد الإبطال إما بالتعليق إن كان في المرض أو بمباشرة الشرط إن كان التعليق في الصحة وكون الشرط لا بد منه غاية ما يوجب اضطراره والاضطرار في جانب الفاعل لا ينفي الضمان كمن اضطر إلى أكل مال الغير أو أتلفه نائما أو مخطئا يضمن و إن لم يوصف فعله بالظلم وحقها صار معصوما بمرضه فاضطراره إلى إبطاله يرد عليه تصرفه إلا أن هذا حكم الفرار مع عدم الفرار وما كان موجب الميراث إلا الفرار ولا فرار مع عدم القصد وقوله وإن لم يكن له من فعل الشرط بد فله من التعليق ألف بد ربما يعطى أن المنظور إليه في إثبات حكم الفرار إذا كان الشرط لا بد منه التعليق ويستلزم أن لا يثبت الفرار إلا أن يكون التعليق في المرض لكن ثبوت الفرار مع كون الشرط لا بد منه في حالتي كون التعليق في المرض أو الصحة وعلى الثاني لا يستقيم النظر إلى التعليق في إثبات الفرار لأنه ليس في حال تعلق حقها ويمكن أن يقال إنه اضطرار جاء منه حيث علق بما لا بد منه مع علمه بورود أسباب الموت ولأنه لاضطراره إلى الشرط يفعله فكان حال التعليق راضيا بالشرط بل إنما علق ليفعل الشرط ويقع الجزاء وفيه ما فيه وأما التعليق بفعلها كان التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها منه بد ككلام زيد لم ترث وقوله لأنها راضية بذلك أي بالطلاق إذ الرضا بالشرط رضا بالمشروط أورد عليه ما لو قال أحد الشريكين في العبد لشريكه إن ضربته فهو حر فضربه يعتق و للضارب تضمين الحالف فقد رضي
____________________
(4/153)
بالشرط ولم يحعل ذلك رضا بالمشروط إذا لم يكن مضطرا إلى فعل الشرط لكنه مضطر في مسئلة الإعتاق فإنها موضوعة فيما إذا كان أحد الشريكين قال إن لم أضرب هذا العبد اليوم فهو حر فقال له شريكه إن ضربته فهو حر فضربه فللضارب تضمين الحالف لأنه مضطر إلى فعل الشرط و فعل الشرط مضطرا لا يدل على الرضا وأجاب الكافي بأن حكم الفرار ثبت على خلاف القياس بشبهة العدوان فيبطل بما له شبهة الرضا ولا كذلك الضمان وقد وجد هنا شبهة رضا المرأة فلغى لنفي حكم الفرار وإن كان الفعل مما لا بد لها منه كأكل الطعام والصلاة الواجبة وكلام الأبوين ومنه قضاء الدين واستيفاؤه والقيام والقعود والتنفس فلها الميراث لأنها مضطرة في المباشرة قوله كما الإكراه بأن أكره إنسانا على إتلاف مال صار المكره متلفا حتى يضمن وينتقل الفعل إليه فكذا هنا و كفعل القاضي فإنه ينتقل إلى الشاهدين حتى يضمنان إذا رجعا لأنه يصير ملجأ حتى لو لم يقض يفسق وفي مبسوط فخر الإسلام الصحيح ما قاله محمد قوله فلا يصير الزوج فارا يعني الفرار المستلزم للحكم الشرعي الخاص إنما يتحقق شرعا بالإبانة في حال تعلق حقها ولا يتعلق إلا في مرض موته وقد ظهر خلافه أو نقول هو بطلاقه فار لكن الفرار إنما يؤثر في الحكم المذكور بشرط ثبوت تعلق حقها فانتفى شرط عمل العلة قوله ولو طلقها أي بائنا
____________________
(4/154)
ثلاثا أو غيره في مرضه وهذا لأنه فرع على هذا الطلاق نفسه مسئلة المطاوعة وقال إنها ترث ولا يتفرع إرثها عليه إلا إذا كان بائنا لأنها إذا طاوعته بعد الرجعى لا ترث كما لو طاوعته حال قيام النكاح قوله لم ترث بخلاف النفقة فإنها بالردة تسقط ثم بالإسلام تعود لأنها معتدته قوله لأن المحرمية لا نتافي الإرث وهو الباقي بعد ذلك الطلاق ولم يوجد ما يزيله لأن المحرمية لا تنافي الإرث بل تثبت معه كما في الأم و البنت فإنما تنافي النكاح خاصة فيبقى الإرث لعدم المزيل فمرجع ضمير وهو الباقي الإرث قوله في حال قيام النكاح أي حالة المرض قوله فتكون راضية ببطلان السبب وهو النكاح وذلك رضا ببطلان المسبب قوله لتقدمها عليها أي لتقدم الحرمة على المطاوعة لحصولها بالطلاق السابق عليها قوله وقد بينا الوجه فيه وهو قوله لأنها مضطرة في المباشرة أي مباشره الشرط ولا رضا مع الاضطرار كذا قيل والأوجه كونه قوله بعد ذلك لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة فينتقل الفعل إليه الخ لأن الأول ذكره في صورة ما إذا كان التعليق والشرط في المرض وما ذكرنا ذكره في صورة ما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض وهو الموازن لما نحن فيه فإن القذف كان في الصحة و اللعان في المرض وقوله إذ هي ملجأة إلى الخصومة ظاهر في أن الملحق بفعلها الشرط الذي لا بد لها منه هو خصومتها أي مطالبتها بموجب القذف لأنه به يندفع العار ولو جعل لعانها صح أيضا إذ هي ملجأة إليه من قبله إذ لعانه يلجئها إلى لعانها لا يقال هو إيضا ملجأ إلى لعانه من قبلها لأن الإلجاء في الكل يعود إليه لأنه ألجأها إلى الخصومة وأثرها لعانه فكان لعانه منسوبا إلى اختياره فهي وإن باشرت آخر جزأى مدار الفرقة وهو ما تمسك به محمد يعني لأن لعانها آخر اللعانين لكن الزوج اضطرها إليه وقيل في وجه قول محمد الفرقة قذف الرجل ولم يكن قذفه في زمان تعلق حقها بماله ولا يخفى أنه سبب بعيد ثم قيل على الأول إن سبب الفرقة فضاء القاضي لا اللعان وأجيب بأنه
____________________
(4/155)
الملجئ للقاضي إلى الحكم والحكم لا يستند إلا إلى الشهادة واللعان هو الشهادة الملجئة قوله فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت كأنه قال في صحته إذا مضت أربعة أشهر ولم أقربك فأنت طالق بائن فمضت في مرضه ثم مات فيه لا ترث كما لو علق في صحته بأمر سماوي ووجد الشرط في المرض لا يكون فارا وأورد عليه أن الإيلاء في الصحة ليس مثل التعليق بمجيء الوقت بل نظير ما لو وكل في صحته بالطلاق وطلقها الوكيل في المرض كان فارا لأنه متمكن من عزله فإذا لم يعزله كان فارا كذا هنا هو متمكن من إبطال الإيلاء في المرض بالفيء فإذا لم يفعل ينبغي أن يكون فارا أجيب بالفرق بأنه لا يتمكن من إبطال الإيلاء إلا بضرر يلزمه فإن الفيء باللسان لا يجوز إذا كان الإيلاء في حال الصحة بل إذا كان في حال العجز واستمر بخلاف عزل الوكيل قوله في جميع الوجوه أي سواء كان الطلاق بسؤالها أو لا أو كان التعليق بفعلها أو بفعله والفعل مما لها منه بد أو لم يكن لا يستثني من عمومه إلا قيام العدة فإنه مشروط فيهما جميعا
فروع قال صحيح لموطء تيه إحدا كما طالق ثلاثا ثم بين في مرضه في إحداهما صار فارا بالبيان وترث لأنه بين الطلاق فيها بعد تعلق حقها بماله فيرد عليه قصده كما لو أنشأ فجعل إنشاء في حق الإرث للتهمة ولو ماتت إحداهما قبله ثم مات تعينت الأخرى ولم ترث لأنه بيان حكمي فانتفت التهمة عنه كما لو علق في صحته بمجيء رأس الشهر فجاء وهو مريض لا ترث بخلاف ما قبلها لأنها تعينت للطلاق بفعله فترث كما لو علق في صحته بفعل نفسه ثم باشر الشرط في المرض فإن كان له امرأة أخرى غير الثنتين فلها نصف الإرث إذ لا يزاحمها إلا امرأة واحدة لأن إحداهما مطلقة بيقين والنصف الآخر بينهما لإستوائهما في الاستحقاق ولو ماتت التي بين طلاقها قبل موته لم ترث منه وصح البيان فيها لانتفاء التهمة عن بيانه بخروجها عن أهلية الإرث بالموت وكان الإرث للأخرى لأن التعيين دون الإنشاء ولو أنشأ في مرضه ثم ماتت المطلقة كان جميع الإرث للأخرى كذا هنا ولو كانت له امرأة أخرى كان بينهما نصفين وإن ماتت الأخرى وبقيت التي بين الطلاق فيها ثم مات الزوج لها نصف الإرث لأن البيان إنما بطل صيانة لحقها الثابت ظاهرا وحقها الثابت ظاهرا وقت البيان النصف فلم تزد عليه وهذا لأنها منكوحة من وجه دون وجه فلا تستحق إلا النصف حتى و كان معها امرأة أخرى كان لها الربع و ثلاثة الأرباع للمرأة الأخرى لأننا إنما أبطلنا البيان صيانة لحقها الثابت وقت البيان ووقت البيان حقها في الربع فكان للمعينة الربع ولأن الأخرى منكوحة من كل وجه فتستحق كل الإرث وهي منكوحة من وجه فتستحق نصفه فسلم النصف للأخرى بلا منازعة واستوت منازعتهما في النصف الآخر فيتنصف بينهما فإن لم يمت الزوج ولم يبين حتى ولدت إحداهما لأقل من سنتين فهو ليس ببيان وبقي الزوج على خياره لأن العلوق يحتمل كونه بوطء قبل الطلاق وذا لا يصلح بيانا فلا يكون بيانا بالشك إذ لا يقع الطلاق بالشك ويثبت النسب لاحتمال العلوق قبل الطلاق فإن نفى الزوج هذا الولد أمر بالبيان فإن قال عنيت عند الإيقاع الني لم تلد يلاعن بينه وبين التي ولدت ويقطع
____________________
(4/156)
نسب الولد منه و يلحق بالأم لأنه قذف منكوحته وإن قال عنيت التي ولدت يحد لأنه لما كان مراده وقت الإيقاع التي ولدت وقع الطلاق من ذلك الوقت من كل وجه فتبين أنه قذف أجنبية فيجب الحد ويثبت النسب لعدم اللعان فإن قال لم أعن عند الإيقاع أحدا ولكن أريد بالمبهم التي ولدت لا يحد لأنه قذف منكوحته لأن الطلاق يقع وقت التعيين ولا يلاعن أيضا لأن شرطه قيام النكاح وقد زال بالبيان والنسب ثابت لما مر وإن ولدت لأكثر من سنتين من وقت الإيقاع تعينت الأخرى للطلاق لتيقننا بالوطء بعد الطلاق وحكم الشرع بثبوت النسب منه حكم يكون الوطء منه ضرورة والوطء بعد الطلاق المبهم بيان إجماعا وتعينت التي ولدت للنكاح فإن نفى الولد لا عن ولا ينقطع النسب عنه لأن حكم الشرع بالعلوق منه مانع من قطع النسب عنه فإن ولدت إحداهما لأقل من سنتين من وقت الإيقاع و الأخرى ولدت لأكثر من سنتين تعينت صاحبة الأقل للطلاق لأن وطأها لا يصلح بيانا ووطء صاحبة الأكثر يصلح بيانا وهذا لأن المولود لأكثر من سنتين حصل بعلوق بعد الطلاق المبهم بيقين لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين أما علوق الأخرى فمشكوك فيه فلا يكون بيانا وعدة صاحبة الأقل تنقضي بوضع الحمل إن كان بين ولادتها وبين ولادة صاحبة الأكثر بعدها أكثر من ستة أشهر لتيقننا أن علوق صاحبة الأكثر ووطأها كان قبل ولادة صاحبة الأقل وقبل الولادة هي حامل وعدة الحامل تنفضي بوضع الحمل وإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فعدة صاحبة الأقل بالحيض لاحتمال أن وطء صاحبة الأكثر كان بعد ولادة صاحبة الأقل وإذا احتمل ذلك وجبت العدة بالحيض احتياطا وإن أقر الزوج بوطء صاحبة الأقل أولا طلقت صاحبة الأكثر بإقراره ولا يصدق في صرف الطلاق عن صاحبة الأقل فطلقتا كمن قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الإسم فقال لي امرأة أخرى بهذا الاسم وعنيتها طلقتا وإن ولدت كل واحدة لأكثر من سنتين من وقت الإيقاع و بين الولادتين يوم أو أكثر فولادة الأولى تكون بيانا للطلاق في الأخرى فإذا ولدت الأخرى بعده لا يتحول الطلاق الواقع عليها إلى غيرها وصار كما إذا وطئ إحداهما ثم الأخرى يقع الطلاق على الموطوءة آخرا كذا هنا وثبت نسب الولدين أما ولد الأولى فظاهر وكذا ولد الثانية لاحتمال وطئها قبل علوق الأولى وتنقضي عدة المطلقة بوضع الحمل ولو قال لإمرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق ثلاثا فولدت ولدا ثم ولدا آخر لستة أشهر فصاعدا ثبت نسب الولد الثاني منه أيضا وتنقضي به العدة لأنا حكمنا بعلوق الولد الثاني حال وقوع الطلاق وحال وقوع الطلاق الزوجية قائمة وهذا لأنه يحتمل أنه وطئها قبل ولادة الولد الأول ولم يصل الماء إلى رحمها لإنسداد فمه فإذا وضعت الحمل انفتح فم الرحم ووصل الماء إليه فعلق الولد الثاني قبل وقوع الثلاث لأن تلك الحال حال نزول الثلاث والشيء في نزوله غير نازل فيثبت النسب احتياطا فيتعلق انقضاء العدة بوضع الحمل ولا يجب العقر لأنا جعلناه معلقا حال قيام النكاح والله أعلم من الكافي
____________________
(4/157)
& باب الرجعة
وجه المناسبة في إعقاب الطلاق بالرجعة ظاهر والرجعة تتعدى ولا تتعدى يقال رجع إلى أهله ورجعته إلى أهله أي رددته وقال الله تعالى { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم } و يقال في مصدره أيضا رجعا ورجوعا و مرجعا والرجعي والرجعة بكسر الراء وربما قالوا إلى الله رجعانك قوله رجعية الرجعي أتطليق المدخول بها ما دون الثلاث بلا مال أو ما دون الثنتين إن كانت أمة بصريح الطلاق غير الموصوف والمشبه أو ببعض الكنايات المخصوصة على ما تقدم في الكنايات وأما تقييده بالألفاظ الثلاثة فلا لما قدمناه من كنايات رجعية غيرها فما فقد شيئا من هذه فليس برجعي كالثلاث وغالب الكنايات ولو بلا مال وكالواحدة على مال وقبل الدخول لأنها لا عدة لها قبله فلا تتصور الرجعة و الموصوف والمشبه مستدركان على ما في النهاية وغيرها قوله لقوله تعالى { فأمسكوهن بمعروف } بعد قوله { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } ثم قوله { فإذا بلغن أجلهن } و المراد ببلوغ الأجل قرب انقضاء العدة أي فقرب انقضاء عدتهن للإجماع على أن لا رجعة بعد الانقضاء ففي الآية دليل على قيام النكاح لأن الإمساك استدامة القائم لا إعادة الزائل وعلى شرعية الرجعة شاءت أو أبت لأن الأمر مطلق في التقديرين وقوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } ظاهر في عدم توقف الرجعة على رضاها لأنه تعالى جعله أحق مطلقا أي هو الذي له حق الرجعة وإن أبت هي وأبوها وحكمته استدراك الزوج ما وقع منه من التفريط في حقه من النكاح لا لغيره لا أنه له ولغيره وهو أحق منه وفي اشتراط العدة إذ لا يكون بعدها بعلا وهو مما يدل على قيام النكاح أيضا وقدمنا في باب إيقاع الطلاق أن الطلاق الرد لا يوجب كون البعل مجازا باعتبار ما كان لأن الرد يصدق حقيقة بعد انعقاد سبب زوال الملك وإن لم يكن زال بعد يقال رد البائع المبيع في بيع فيه الخيار للبائع كما يقال بعد الزوال يجوز رد المبيع بالعيب ولو تعارضا كان حمل الرد على ذلك على أنه مجاز محافظة على حقيقة البعل أولى من جعل البعل مجازا محافظة على حقيقة الرد لتأيد إرادة حقيقة البعل بجعل الرجعة إمساكا في قوله تعالى { فأمسكوهن بمعروف } أو نقول يمكن المحافظة على الحقيقتين بكون المراد بالرد
____________________
(4/158)
الرد إلى الحالة الأولى وهي كونها بحيث لا تحرم بعد مضي العدة فلا إشكال حينئذ أصلا قوله ولا بد من قيام العدة لأن الرجعة إمساك على الوجه الذي كان أولا وهو الملك على وجه لا يزال بانقضاء العدة ولا ملك بعد العدة ليستدام وكأنه جواب عن مقدر تقديره كما وقع الإطلاق بالنسبة إلى رضاها وعدمه كذلك هو بالنسبة إلى قيام العدة وعدمها أجاب بأن اشتراط قيامها ضروري لما قلنا قوله وهذا صريح ألفاظ الرجعة صريح و كناية فالصريح راجعتك في حال خطابها وراجعت امرأتي في حال غيبتها و حضورها أيضا ومن الصريح ارتجعتك و رجعتك ورددتك و أمسكتك وفي المحيط مسكتك بمنزلة أمسكتك وهما لغتان فهذه يصير مراجعا بها بلا نية وفي بعض المواضع يشترط في رددتك ذكر الصلة فيقول إلي أو إلى نكاحى أو إلى عصمتي ولا يشترط في الارتجاع والمراجعة وهو حسن إذ مطلقة يستعمل لضد القبول والكنايات أنت عندي كما كنت وأنت امرأتي فلا يصير مراجعا إلا بالنية لأن حقيقته تصدق على إرادته بإعتبار الميراث واختلفوا في الإمساك والنكاح و التزوج فلو تزوجها في العدة لا يكون رجعة عند أبي حنيفة وعند محمد هو رجعة و عن أبي يوسف روايتان قال أبو جعفر وبقول محمد نأخذ وفي الينابيع عليه الفتوى وكذا في القنية وجه قول أبي حنيفة أن تزوج الزوجة ملغي فلا يعتبر ما في ضمنه قلنا نحن لا نعتبره باعتبار ما في ضمنه بل باعتبار لفظ التزوج مجازا في معنى الإمساك وفي الذخيرة لو قال راجعتك بمهر ألف درهم إن قبلت صح وإلا فلا لأنها زيادة في المهر فيشترط قبولها وفي المرغيناني و الحاوي قال راجعتك على ألف قال أبو بكر لا تجب الألف ولا تصير زيادة في المهر كما في الإقالة قوله ولا خلاف فيه بين الأئمة كأنه لم يعتبر أحد قولى مالك خلافا فإنه ذكر في الجواهر في حصول الرجعة براجعتك بلا نية قولان لمالك كما في نكاح الهازل قوله أو يقبلها أو يلمسها بشهوة يحتمل كون الشهوة قيدا في اللمس لا فيهما لأنه أفرد النظر إلى الفرج بقيد الشهوة فلو كان من غرضه التشريك في القيد لاقتصر على ذكره بعد الكل وفي المبسوط والذخيرة التقبيل بشهوة و النظر إلى داخل فرجها بشهوة رجعة ولم يقيد التقبيل في الكتاب وأما النظر إلى دبرها فليس برجعة على قياس قول أبي حنيفة وفي البدائع وهو قول محمد المرجوع إليه وفي بعض المواضع يكره التقبيل و اللمس بغير شهوة فدل أنهما لا يكونان رجعة وفي الخلاصة أجمعوا على أنه لو مكنها أو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة تثبت الرجعة فقيد القبلة بالشهوة لكن قولهم في الاستدلال إن الفعل يصلح دليلا على الاستدامة والدلالة إنما تقوم بفعل يختص بالنكاح أي يختص حكمه به يفيد عدم
____________________
(4/159)
اشتراطها في القبلة مطلقا يختص حكمها به بخلاف اللمس والنظر فإنهما لا يختصان به إلا إذا كانا عن شهوة لما يذكر فلا يكونان عن غير شهوة دليلا ولا يكون النظر بشهوة إلى غير داخل الفرج منها رجعة هذا ولا فرق بين كون القبلة واللمس والنظر منها أو منه في كونه رجعة إذا كان ما صدر منها بعلمه ولم يمنعها اتفاقا فإن كان اختلاسا منها بأن كان نائما مثلا لا بتمكينه أو فعلته وهو مكره أو معتوه ذكر شيخ الإسلام وشمس الأئمة أن على قول أبي حنيفة و محمد تثبت الرجعة خلافا لأبي يوسف انتهى وعن محمد كقول أبي يوسف وذكر أن أبا يوسف مع أبي حنيفة وجه الأول الاعتبار بالمصاهرة لا فرق في ثبوت حرمتها بين كون ذلك منها أو منه وكذا إذا أدخلت فرجه في فرجها وهو نائم أو مجنون كانت رجعة اتفاقا كالجارية المبيعة بشرط الخيار للبائع إذا فعلت بالبائع ذلك في مدة الخيار ينفسخ البيع وأبو يوسف فرق بأن إسقاط الخيار قد يكون بفعلها كما إذا جنت على نفسها و الرجعة لا تكون بفعلها قط وعن أبي يوسف أيضا أنه قال في الجارية لا يسقط الخيار بفعلها هذا إذا صدقها الزوج في الشهوة فإذا أنكر لا تثبت الرجعة وكذا إن مات فصدقها الورثة ولا تقبل البينة على الشهوة لأنها غيب كذا في الخلاصة ولا تكون الخلوة ولا المسافرة بها رجعة إلا عند زفر و أبي يوسف في رواية وتكره المسافرة بها ككراهة خروجها من المنزل وعن أبي حنيفة لا تكره ويأتي الكلام في ذلك قوله مع القدرة احتراز عن الأخرس و معتقل اللسان قوله لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح الخ الحاصل أن الخلاف هنا مبني على أن الرجعة سبب استدامة الملك القائم أو سبب استحداث الحل الزائل قلنا بالأول وقال بالثاني وعلى هذا ينبني حل الوطء وحرمته فعندنا يحل لقيام ملك النكاح من كل وجه وإنما يزول عند انقضاء العدة فيكون الحل قائما قبل انقضائها و عنده إنشاء النكاح من وجه واستيفاء من وجه فتثبت الحرمة احتياطا وعلى هذا ينبني أن الإشهاد ليس بشرط عندنا وشرط عنده على قول له لأنه إنشاء النكاح من وجه كذا في التحفة قوله على ما بيناه يعني قوله ألا ترى أنه يسمى إمساكا قوله وسنقرره أي في آخر هذا الباب وهو قوله ولنا أنها أي الزوجية قائمة إلى أخره وهناك نتكلم عليه قوله كما في إسقاط الخيار يحصل بالفعل المختص
____________________
(4/160)
بالملك كمن باع أمته على انه بالخيار ثم وطئها قبل انقضاء مدته يكون دليلا على استدامة ملكه فيها فيسقط خياره فكما أن سقوط الخيار باستدامة ملك الرقبة يثبت بالفعل كذلك استدامة ملك النكاح بعد سبب الزوال بل أولى لأن البيع معه يزيل الملك إلى ثلاثة أيام والطلاق يزيله إلى ثلاث حيض فكان أضعف في زوال الملك من البيع وبقولنا قال كثير من الفقهاء قال ابن المنذر الجماع رجعة عند ابن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وطاوس و عطاء و الزهري و الأوزاعي و الثوري و ابن أبي ليلى و جابر و الشعبي وسليمان التيمي وقال مالك وإسحاق إن أراد به الرجعة فهو رجعة قوله خصوصا في الحرة فإنه لا سبب لحلها فيها مطلقا إلا النكاح بخلاف الأمة فإنه يحل فيها بأمرين قوله وغيرهما كالخاتنة والشاهد على الزنا قوله فلو كان أي النظر إلى غير الفرج رجعة لطلقها لأن مقصوده الطلاق وهذا التعميم يفيد أن النظر إلى دبرها لا يكون رجعة وبه صرح في نكاح الزيادات واختلفوا في الوطء في الدبر أشار القدوري إلى أنه ليس برجعة والفتوى على أنه رجعة إذ هو مس بشهوة وزيادة لا ترفع الرجعة بعد ثبوتها ورجعة المجنون بالفعل ولا تصح بالقول وقيل بالعكس وقيل بهما ولو طلقها بعد الخلوة ثم قال وطئها وأنكرت له الرجعة ولو قال لم أدخل بها لا رجعة له عليها وتعليق الرجعة بالشرط وإضافتها إلى وقت في المستقبل باطل كالنكاح والمستحب أنه يراجع بالقول وفي الينابيع الرجعة سنية وبدعية
____________________
(4/161)
فالسنية بالقول قوله وهو قول مالك المذكور في كتبهم أنها تصح بلا إشهاد وأنه مندوب إليه وكذا في شرح الطحاوي كقولنا فكان ما ذكره المصنف رواية عنه وكذا المنسوب إلى الشافعي قول له غير معمول به عند أصحابه فإنه قال في البسيط وفي الجديد للشافعي الإشهاد مستحب وفي الروضة لهم ليس بشرط على الأظهر قوله ولنا إطلاق النصوص في الرجعة من غير شرط الإشهاد كقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } و قوله { فأمسكوهن بمعروف } وقوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } وقوله { فلا جناح عليهما أن يتراجعا } وقوله صلى الله عليه وسلم مر ابنك فليراجعها وهذه النصوص ساكتة عن قيد الإشهاد فاشتراطه إثبات بلا دليل وما تلى فليس بدليل عليه إذ الأمر فيه للندب بدليل أنه قرن الرجعة بالمفارقة في قوله تعالى { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } ثم أمر بالإشهاد على كل منهما فقد أمر بشيئين في جملتين ثم أمر بالإشهاد على كل منهما بلفظ واحد وهو قوله { وأشهدوا ذوي عدل منكم } واللفظ الواحد لا يراد به معناه الحقيقي كالوجوب فيما نحن فيه والمجازي كالندب فإذا ثبت إرادة أحدهما بالنسبة إلى أحدهما لزم أن يراد به ذلك أيضا بالنسبة إلى الآخر و إلا لزم تعميم اللفظ في الحقيقي و المجازي وهو ممنوع عندنا وقد ثبت إرادة الندب به بالنسبة إلى المفارقة فلزم إرادته أيضا بالنسبة إلى المراجعة فيكون الندب المراد به شاملا لهما وهذا على قولنا أما الشافعي فيجيز الجمع بينهما فلا ينتهض هذا عليه بانتهاض الأصل المذكور وقد بيناه على وجه بديع فيما كتبناه في الأصول ومع هذا التقرير لا حاجة
____________________
(4/162)
إلى إيراد أن القران في النظم لا يوجب القران في الحكم فكيف قلتم به هنا والاشتغال بجوابه للمتأمل أصلا قوله كي لا تقع في المعصية قيل عليه لا معصية بدون علمها بالرجعة ودفع بأنها إذا تزوجت بغير سؤال تقع في المعصية لتقصيرها في الأمر واستشكل من حيث إن هذا إيجاب للسؤال عليها وإثبات المعصية بالعمل بما ظهر عندها وليس السؤال إلا لدفع ما هو متوهم الوجود بعد تحقق عدمه فهو وزان إعلامه إياها إذ هو أيضا لمثل ذلك فإذا كان مستحبا لأنه تصرف في خالص حقه فكذا سؤالها يكون مستحبا لأنها في النكاح كذلك ولو راجعها ولم تعلم فتزوجت بأخر فهي امرأة الأول دخل بها الأول أولا قوله وإذا انقضت العدة الخ هنا مسئلتان الأولى إذا لم يظهر رجعتها في العدة حتى انقضت فقال بعد العلم بانقضائها كنت راجعتك فيها والثانية قبل العلم راجعتك على سبيل الإنشاء أما الأولى فإما أن تكون المرأة أمة أو حرة و كل منهما إما أن تصدقه أو تكذبه
____________________
(4/163)
ففي الحرة إن صدقته تثبت الرجعة لأن النكاح يثبت بتصادقهما فالرجعة أولى وإن كذبته لا تثبت لأنه أخبر والخبر مجرد دعوى تملك بضعها بعد ظهور انقطاع ملكه و مجرد دعوى ملك في وقت لا يملك إنشاءه فيه لا يجوز قبولها مع إنكار المدعى عليه إلا ببينة بخلاف ما إذا كان ذلك في وقت يمكنه فيه إنشاؤه كأن يقول في العدة كنت راجعتك أمس تثبت وإن كذبته لأنه ليس متهما فيه لتمكنه من أن ينشئه في الحال أو يجعل ذلك إنشاء إن كانت الصيغة تحتمله فصار كالوكيل إذا أخبر قبل العزل ببيع العين يصدق لملكه الإنشاء وبعد ما بلغه العزل لو أخبر ببيعه سابقا وكذبه المالك لا يقبل قوله إلا ببينة لأنه متهم حيث لم يخبر قبل ذلك ثم لا تحلف المرأة إذا كذبته بل تذهب إلى حالها بلا يمين عند أبي حنيفة وهي إحدى الأشياء الستة التي لا يمين فيها عنده وفي الأمة إذا كذبته وصدقه المولى فالقول لها عند أبي حنيفة خلافا لهما و إن صدقته و كذبه المولى فعندهما القول للمولى واختلف في قول أبي حنيفة والصحيح أنه كقولهما وستأتي أوجه الأقوال في الكتاب فإنه فصل بين قوله للحرة وبين قوله للأمة بالمسئلة الثانية وهي إذا قال قبل الانقضاء فلنوافقه فنقول وأما المسئلة الثانية فإن قالت مجيبة انقضت عدتي مفصولا تثبت الرجعة اتفاقا لأنها متهمة في ذلك بسبب سكوتها وعدم جوابها على الفور ولو قيل وجب إحالته على أقرب حال التكلم وذلك حال سكوتها فيضاف إليه وهو بعد ثبوت الرجعة أمكن وإن قالته موصولا بكلامه لا تثبت عند أبي حنيفة ولا يخفى أن هذا مقيد بما إذا كانت المدة تحتمل الانقضاء فلو لم تحتمله تثبت الرجعة إلا إذا ادعت أنها ولدت وثبت ذلك وعندهما تصح الرجعة لأنه أنشأها حال قيام العدة ظاهرا لبقائها ظاهرا ما لم تقر بإنقضائها فتثبت كما يثبت الطلاق لو قال طلقتك فقالت مجيبة انقضت عدتي لحقها طلقة أخرى وأبو حنيفة يمنع قيامها حال كلامه لأنها أمينة في الإخبار شرعا فوجب قبول إخبارها وأقرب زمان يحال عليه خبرها زمان تكلمه فتكون الرجعة مقارنة لانقضاء العدة فلا تصح كما لا يقع الطلاق في قوله طالق مع انقضاء عدتك وعلى هذا لو اتفق أن خرج كلام الرجل مع قولها انقضت عدتي ينبغي أن لا تثبت الرجعة ومسئلة الطلاق المقيس لهما عليها ممنوعة فلا يقع عنده قيل والأصح أنه يقع لأنه مؤاخذ به لإقراره بالوقوع في حق نفسه ولا يخفى أن هذا إنشاء وليس بإخبار ليكون إقرارا فإذا ظهر أنه أنشأ في وقت لا يصح ينبغي أن لا يقع نعم لو عرف أن
____________________
(4/164)
مقتضى الفقه كون إيقاعه وجد في حال الانقضاء فلج وقال لا أعتبر هذا بل وقع لزمه حينئذ لأنه مقر على نفسه والأوجه فيما إذا ادعى صحيته إن طلقتك ونحوه من أنت طالق ظاهر في الإخبار والإنشاء يحتمله لتقدم الطلاق الأول وراجعتك بالعكس فإن لم يسلم هذا فالتعويل على المنع وتستحلف المرأة هنا بالإجماع على أن عدتها كانت منقضية حال إخبارها والفرق لأبي حنيفة بين هذه وبين الرجعة حيث لم تستحلف عنده أنه لم يراجعها في العدة أن إلزام اليمين لفائدة النكول وهو بذل عنده وبذل الامتناع عن التزوج والاحتباس في منزل الزوج جائز بخلاف الرجعة وغيرها من الأشياء الستة فإن بذلها لا يجوز ثم إذا نكلت هنا تثبت الرجعة بناء على ثبوت العدة لنكولها ضرورة كثبوت النسب بشهادة القابلة بناء على شهادتها بالولادة قوله و إذا قال زوج الأمة بعد انقضاء العدة قد كنت راجعتها وصدقه المولى وكذبته الأمة فالقول لها عنده وقالا للمولى لأنه أقر بما هو خالص حقه وهو منافع بضعها للزوج فيقبل كما لو أقر عليها بالنكاح ولا يخفي قيام الفرق بين إقراره عليها بالنكاح وإقراره بأن الزوج راجعها في العدة لأنه ينفرد بإنكاحها حال غيبتها وعدم إذنها فيقبل إقراره عليها بخلاف إقراره بتصديق الزوج في دعوى المراجعة وهو يقول أن حكم الرجعة من الصحة وعدمها ينبني على العدة من قيامها وانقضائها وهي أمينة فيها مصدقة في الإخبار بالإنقضاء والبقاء لا قول للمولى فيها أصلا فكذا فيما ينبني عليها وفيه نظر إذ لا ملازمة يحكم بها العقل بين كون القول قولها في العدة وبين كونها لها ينبني عليها إلا إذا وقع لازما لوجود قولها في العدة قولا إي بأن تدعى فيها الثبوت أو الانقضاء فتثبت الرجعة لازما لذلك لأن كون القول قولها فيها ما ثبت إلا لأجل إن القول لها في المستلزم لا لمعنى تقتضيه فيها و هذا لا يقتضي سماع قولها في الرجعة ابتداء كما هو هنا فإنها لم تدع في العدة دعوى يخالفها فيها الزوج بل اتفقا على انقضائها ووقت انقضائها وإنما ادعى في حال كونه لا ملك له عليها أنه راجعها قبل الانقضاء وهي منكرة أن يكون فعل ذلك فلا يقبل عليها قوله ولو كان على القلب بأن كذبه المولى وصدقته فالقول للمولى بالإتفاق
____________________
(4/165)
وقوله في الصحيح احتراز عما في الينابيع أنه على الخلاف أيضا وقال بعض أصحابنا لا يقضى بشيء حتى يتفق المولى والأمة ويجب أن يكون معنى هذا لا يحكم بصحة الرجعة إلا إذا اتفقا إذ يستحيل أن لا يقضى بالرجعة ولا بعدمها وفي المبسوط لا تثبت الرجعة بالإتفاق ولم يقل في الصحيح و وجه الفرق لأبي حنيفة أنها منقضية العدة في الحال ويستلزم ظهور ملك المولى المتعة فلا يقبل قولها في إبطاله بخلاف الوجه الأول وهو ما إذا كذبته و صدقة المولى لأنه بالتصديق مقر بقيام العدة عند الرجعة ولا يظهر ملكه مع العدة ليقبل قوله عليها قوله وإن قالت قد انقضت عدتي وقال الزوج و المولى لم تنفض فالقول قولها لأنها أمينة في ذلك إذ هي العالمة به دون غيرها أي بالإنقضاء ولذا يقبل قولها إني حائض حتى لا يحل قربانها للزوج ولا للسيد ولو قالت ولدت يعني قد انقضت عدتي بالولادة لا يقبل قولها إلا ببينة أو قالت أسقطت سقطا مستبين بعض الخلق فللزوج أن يطلب يمينها على أنها أسقطت بهذه الصفة بالإتفاق ولا فرق في هذا بين الحرة والأمة قوله أو يمضي عليها وقت صلاة أي بان يخرج وقتها الذي طهرت فيه فتصير دينا في ذمتها فإن كان الطهر في آخر الوقت فهو ذلك الزمن اليسير وإن كان في أوله لم يثبت هذا حتى يخرج لأن الصلاة لا تصير دينا إلا بذلك وعلى هذا لو طهرت في وقت مهمل كبعد الشروق لا تنقطع الرجعة إلى دخول وقت العصر قوله بخلاف ما إذا كانت كتابية فإنه لا يتوقع في حقها أمارة على الخروج من الحيض زائدة على مجرد الانقطاع لأن الغسل و الصلاة ليسا واجبين عليها فبمجرد الانقطاع وإن كان لما دون العشرة حل وطؤها وانقطعت رجعتها قوله وتنقطع إذا تيممت وصلت أي فرضا أو نفلا
____________________
(4/166)
عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى قوله حتى يثبت به من الأحكام برفع يثبت لأن حتى هنا ليست للغاية بل للتعليل و المراد بالأحكام جواز الصلاة و التلاوة و دخول المسجد و مس المصحف و هذه أحكام الغسل فكان التيمم مثله ثم انقطاع الرجعة مما يؤخذ فيه بالإحتياط ولذا لو اغتسلت وبقيت لمعة انقطعت وكذا لو اغتسلت بسؤر الحمار مع وجود الماء المطلق ولم تتيمم تنقطع الرجعة مع عدم جواز الصلاة به فانقطاعها بالتيمم وبه تجوز الصلاة أولى ولا يشكل عليه أنه لا يحل لها التزوج بآخر بالاتفاق لأن التيمم و إن قام مقام الغسل هو أضعف منه والاحتياط في التزوج عدم جوازه معه و في الرجعة انقطاعها معه حتى لا يأتيها رجل في شبهة قوله ولهما أنه ملوث غير مطهر أي حقيقة لا شرعا كذا في الدراية و لنفصل هذا المقام ليندفع ما يخال من المناقضة للأوهام مستعينا فيه بالملك العلام مصليا على سيدنا نبينا محمد أفضل الرسل الكرام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فنقول هذا البحث له ثلاثة موارد في الفقه أولهما باب التيمم في البحث مع الشافعي في جواز الفرائض المتعددة بتيمم واحد عندنا خلافا له وهو مبني أن التيمم طهارة مطلقة أولا فقال إنها ضرورية تثبت ضرورة أداء المكتوبة به فيتقدر بقدرها فلا يبقى بعدها فاتفق أئمتنا في جوابه على أنها مطلقة تعمل عمل الماء ما بقي شرطه و صرح في النهاية في تقريره بأن التيمم مزيل للحدث من كل وجه ما بقي شرطه وهو العدم كالماء إلا أنه بالماء مقدر إلى وجود الحدث وهنا إلى شيئين الحدث و الماء ثانيها باب الإمامة في مسئلة اقتداء المتوضئ بالمتيمم فافترقوا فيها فقال محمد هي ضرورية فلا يجوز اقتداء المتوضئ به وقالا مطلقة فيجوز وثالثها هنا فافترقوا أيضا إلا أنهم عكسوا كلمتهم فتراءى لمحمد وجهان من المناقضة أحدهما قوله في الإمامة ضرورية بعد ما اتفقوا عليه في جواب الشافعي من أنها مطلقة و الثاني أن بعد ما قال في الإمامة إنها ضرورية قال هنا مطلقة ولهما وجه من المناقضة وهو قولهما هناك مطلقة وهنا ضرورية ملوثة وكثير من الشارحين يأخذ في تقرير قولهما أنه لا يزيل الحدث بيقين ولهذا عند رؤية الماء إنما يصير حدثا بالحدث السابق فقد ناقضوا جميعا والجواب أنه لا شك إن في التيمم جهة الإطلاق وجهة الضرورة وفيه أيضا أنه ملوث في نفسه مغبر لا يطهر أي لا ينظف فمعنى الإطلاق أنه يزيل الحدث مطلقا كالماء إلى غاية أحد الأمرين من وجود الحدث أو الماء ومعنى الضرورة أن شرعيته ضرورة أداء المكتوبات وعدم تفويتها و تكثير للخيرات عند عدم الماء إكراما لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأمته ولذا كان من الخصائص وهذا لا يفيد الإخلال بمعنى الإطلاق إذ حاصلة أنه بيان سبب شرعيته ولما شرع للضرورة و الحاجة التي ذكرنا شرع كما شرع استعمال الماء وإنما يفيد ضعفه وانحطاطه عن التطهير بالماء وأما كونه ملوثا ومغبرا فهو بسبب عدم شرعيته ابتداء كالماء حتى يكون المكلف مخيرا بين الماء و التراب ابتداء فإنه لما كان المقصود من شرعية الوضوء تحسين الأعضاء الظاهرة و تنظيفها للقيام بين يدي الرب جل وعلا والتراب لا يفيد ذلك بل ضده لم يشرع إلا للضرورة المتحققة من الحاجة إلى الأداء مع عدم الماء تكريما لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فذكر التلويث وعدم تطهيره في نفسه ذكر سبب كونه مشروعا للحاجة المذكورة إذا علمت هذا فقولهم مع الشافعي إنها مطلقة أي تزيل الحدث ويستباح به كل ما يستباح بالماء على
____________________
(4/167)
الوجه الذي يستباح به لينتفي به قصر الصحة به على فرض واحد لا ينافي قولهم إنها ضرورية على ما سمعت فمن قال إنها مطلقة في موضع و قال في آخر إنها ضرورية لم يكن مناقضا أصلا وقول من ذكر في تقريره إنه لا يرفع بيقين حاصله أنه فوق بينه و بين الماء فإن الماء يرفعه بيقين وهذا يرفعه ظنا للخلاف في أن الحدث أمر حقيقي أو مجرد مانعية فعلى الأول لا يرفعه إلا الماء وحين قيل به صار محل اجتهاد غير أن الراجح هو الظن و الثاني لما قدمنا في باب التيمم من الحديث و المعنى وهو أنه لم يقدر أحد على إثبات أن الحدث وصف حقيقي قائم بالأعضاء زائد على نفس المانعية الشرعية وعلى هذا فلا إشكال في ارتفاعه بالتيمم وكون الحدث يظهر بعينه عند رؤية الماء لا يستلزم عدمه إذ قدمنا أن الحدث اعتبار شرعي فله أن يقطع ذلك الاعتبار إلى غاية ثم يعيده بعينه عند رؤية الماء والدليل الملجئ إلى هذا كون رؤية الماء لا يعقل وجه كونها نفسها حدثا ثم النظر في وجه تعيين كل منهم إحدى الجهتين بخصوص ذلك الموضع الذي عينه فيه فأما وجه تخصيص محمد فهو أنه رأى وجوب الاحتياط في الموضعين فالاحتياط في اقتداء المتوضئ بالمتيمم أن لا يصح ولا يعلل هذا إلا بجهة الضرورة فاعتبر لها فيقول لما كانت ضرورية حيث كانت تنتقض بوجود الماء ولا تثبت إلا مع عدمه كانت ضعيفة بالنسبة إلى طهارة الماء فيكون الاقتداء والحالة هذه بناء القوى على الضعيف وفي الرجعة الاحتياط في انقطاعها ولا يعلل إلا بجهة الإطلاق فاعتبرها هنا وهما لما عكسا الحكم في الموضعين لم يكن من عكس المبنى فيهما بد والباقي بعد هذا إنما هو النظر في الترجيح في الخلافين في الحكم وعندى أن قولهما في الاقتداء أحسن من قول محمد و قول محمد في الرجعة أحسن من قولهما لأن الضعف الكائن في طهارة التيمم لم يظهر قط له أثر في شيء من الأحكام عندنا فعلمنا أنه شيء له في نفسه فيجوز اقتداء المتوضئ به وتنقطع به الرجعة خصوصا والاحتياط في واجب ذلك هذا ولقائل أن يقول إن اشتراط الغسل بعد الانقطاع لتمام العادة قبل العشرة يرده الدليل وهو قوله تعالى { ثلاثة } قروء لخلوة عن اشتراطه فاشتراطه لانقضاء العدة يرده النص فإن أجيب بأن تعين الانقضاء منتف لفرض أنه ليس أكثر الحيض واحتمال عود الدم دفع بأن هذا الاعتبار الزائد لا يجدي قطع هذا الاحتمال لا في الواقع ولا شرعا لأنها لو اغتسلت ثم عاد الدم ولم يجاوز العشرة كان له الرجعة بعد أن قلنا انقطعت الرجعة فكان الحال موقوفا على عدم العود بعد الغسل كما هو كذلك قبله ولو راجعها بعد هذا الغسل الذي قلنا إنه به تنقطع الرجعة ثم عاودها ولم يجاوز العشرة صحت رجعته وكذا الكلام في التيمم فليس جواب المسئلة في الحقيقة إلا مقيدا هكذا إذا انقطع لأقل من عشرة ولم يعاودها أو عاودها و تجاوزها ظهر انقطاع الرجعة من وقت الانقطاع لإنقضاء العدة إذ ذاك حتى لو كانت تزوجت قبل الغسل ظهر صحته وإن عاودها ولم يتجاوز فالأحكام المذكورة بالعكس والله أعلم قوله والأحكام الثابتة أيضا ضرورية اقتضائية إذ حل دخول المسجد والقراءة من ضرورة حل الصلاة ومقتضاه
____________________
(4/168)
وكذا اللمس لأنه قد يحتاج إلى مس المصحف للقراءة في الصلاة لنسيان أو غلط أو زيادة إتقان وكذا سجدة التلاوة ركن من الصلاة وقد تجب في الصلاة قوله وقيل بعد الفراغ ليتقرر الحكم بجواز الصلاة قال في المبسوط وهو الصحيح فإن فسادها قبل الفراغ محتمل لإحتمال رؤية الماء فيها ولو تيممت وقرأت أو مست المصحف أو دخلت المسجد قال الكرخى تنقطع به الرجعة لأن صحة هذه حكم من أحكام الطاهرات وقال الرازي لا تنقطع به قوله وإن كان أقل من عضو انقطعت وذلك كنحو الأصبع كذا في المحيط و الينابيع وكذا بعض الساعد والعضد والعضو الكامل كاليد والرجل قوله والقياس في العضو إلى قوله والقياس فيما دون العضو الحاصل أن الحكم الثابت في العضو وما دونه استحسان فالقياس في العضو أن تنقطع لأن للأكثر حكم الكل وفي بعض العضو أن لا تنقطع لأنها لم تخرج إلى حكم الطاهرات ولا يخفى تأتي كل من القياسين في كل من العضو وما دونه فيقتضي أن يتعارض في كل منها قياسان قياس أن للأكثر حكم الكل فيوجب انقطاع لرجعة وقياس بقاء الحدث بعينة فيوجب عدم انقطاعها ومبني وجه الاستحسان على اعتبار القياس الثاني إذ حاصله اعتبار ظهور عدم إصابة الماء لشيء و عدمه فإذا ظهر عدمه لم تنقطع الرجعة وإذا ظهر ثبوت الإصابة انقطعت غير أن ظهور الترك يتحقق في العضو لا في الأقل على أن كون أن للأكثر حكم الكل قياسا ممنوع بل إنما
____________________
(4/169)
يحكم به في مواضع خاصة بخصوص دلائل فيها لا أنه مطرد شرعا ممهد ثم وجه التفصيل المذكور إن ما دون العضو يتسارع الجفاف إليه بعد إصابة الماء غير بعيد وبتقديره تنقطع الرجعة فحكم بإنقطاعها بناء على هذا الاحتمال احتياطا ولم يجز لها أن تتزوج بأخر حتى تغسل ذلك الموضع احتياطا في أمر الفروج حتى أنها لو تيقنت عدم إصابة الماء بأن علمت قصدها إلى إخلاء ذلك الموضع عن الإصابة قلنا لا تنقطع الرجعة بخلاف العضو الكامل فإن احتمال جفافه بعد الإصابة يبعد فيه جدا لأن الغفلة عنه ممن هو بصدد تعميم جميع الأعضاء في غاية البعد فلم يظهر أثره فلم تنقطع قوله عن أبي يوسف أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك العضو الواو بمعنى أو إذ ترك كل بانفراده كترك عضو وعنه وهو قول محمد كترك ما دون العضو قوله لأن في فرضيتهما أي في فرضية المضمضة والاستنشاق في الغسل اختلافا فعلى تقدير الافتراض لا تنقطع الرجعة وعلى تقدير السنة تنقطع فقطعناها ملاحظة لهذا الاحتمال احتياطا ولو بقي أحد المنخرين لم تنقطع الرجعة قوله ومن طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه قبل الطلاق ثم طلقها وقال لم أجامعها فله الرجعة لأن الحبل متى ظهر بعد العقد في مدة يتصور أن يكون منه بأن تأتي به لستة أشهر فصاعدا من يوم التزوج جعل منه شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وإذا جعله الشارع منه فقد أنزل واطئا وبطل زعمه في عدم الوطء المستلزم لإقراره بعدم حق الرجعة له بتكذيب الشرع
____________________
(4/170)
إياه في ذلك حيث حكم بثبوت النسب فله الرجعة ما دامت في العدة وهذا لعدم تعلق حق أحد بسبب إقراره ذلك بخلاف ما لو أقر بعين في يد غيره لإنسان ثم اشتراها ثم استحقت فأخذت منه قبل أن يقضي بها للمقر له ثم وصلت إلى يده بسبب من الأسباب حيث يؤمر بتسليمها للمقر له وإن كان مكذبا شرعا بالحكم للمستحق ثم بصحة الرجوع له و بخلاف ما لو قال في عبد إنسان إنه حر الأصل أو أعتقه مولاه وكذبه المولى ثم اشتراه حكم بصحة الشراء وبحرية العبد مع أن الحكم بصحة الشراء فرع تكذيبه فالحاصل أن تكذيب الشرع لإقراره بما يستلزم بطلان حق له تكذيب في اللازم فينتفيان وإذا انتفى عدم الوطء والرجعة ثبت وجودهما فعاد حقه في الرجعة بخلاف إقراره بما يثبت به حق الغير فإن تكذيب الشرع يقصره على حق نفسه فيبقى لازم المرتفع بالتكذيب كما لو لم يكذب فلذا كذب في إقراره بالحرية وثبت الحكم بها وفي استحقاق المقر له بالعين مع تكذيبه بالحكم للمستحق فإن قلت كيف يتصور وجود الملزوم مع تخلف اللازم وإن كان لزوما شرعيا لأن تخلفه يبطل اعتبار الشرع إياه لازما وقد فرض اعتباره لازما فالجواب أن الامتناع في اللزوم العقلي أما الشرعي فقد يحكم الشرع باللزوم على تقدير فتقتصر الملازمة عليه وهنا كذلك فإنه حين أقر بالعين لفلان ثبت أن فلانا أحق بها من غيره فإذا كذبه الشرع بالقضاء به للمستحق في إقراره بأنه لفلان ثبت أنه ليس لفلان بالنسبة إلى المستحق فقط وأنه له بالنسبة إلى المقر فثبت اللزوم على هذا الوجه قوله ألا ترى أنه يثبت بهذا الوطء الإحصان أي الوطء الذي يثبت بتكذيب الشرع إياه والإحصان له مدخل في إيجاب العقوبة فلأن تثبت به الرجعة ولا مدخل لها في العقوبة أولى قوله وتأويل مسئلة الولادة أن تلد قبل الطلاق أي في مدة تصلح بأن تلد لستة أشهر فصاعدا من يوم النكاح كما قدمنا قوله وأغلق بابا المناسب أو أغلق بأو كما فعل في أرخى لا بالواو لأن كلا منهما تفصيل للخلوة لإستقلاله بإثباتها لا مباين لها
____________________
(4/171)
قوله لأن تأكد الملك بالوطء إذ بعدمه تبين بالطلاق لا إلى عدة وشرط الرجعة العدة وقد أقر بعدمه فصار مبطلا حق نفسه من الرجعة قوله ولم يصر مكذبا شرعا الخ جواب عما قد يقال إنه هنا أيضا صار مكذبا شرعا حيث لزمه تمام المهر بناء على صحة الخلوة والحكم بذلك شرعا إنزالاله واطئا شرعا فمنع كونه بناء على ذلك شرعا أو على ما يستلزمه بل هو بناء على تمام تسليم المبدل وهو بضعها بالتخلية التي هي وسعها ولو توقف لزوم كمال المهر على غير ذلك مما ليس هو فعلها لتضررت فلم يكن مكذبا شرعا وتجب العدة عليها مع ذلك لإحتمال كذبه أو كذبهما والعدة يحتاط في إثباتها لأن انقضاءها يستلزم حلها للأزواج فهي حق الشرع فلا يصدقان في إبطالها فتصير العدة قائمة شرعا ولا رجعة عليها فلم تقم الخلوة هنا مقام الوطء لما أوجب ذلك وقول إمام الحرمين إن العدة تستدعي سببا في الشغل مردود بالآيسة والصغيرة ولو قال جامعتها كان له الرجعة وإن كذبته المرأة في الوطء قوله بخلاف الفصل الأول يتصل بقوله لم يصر مكذبا شرعا وعني به ثبوت النسب بظهور الحمل حال الطلاق أو بالولادة قبل الطلاق كما هو حكم المسئلة المتقدمة لتكذيب الشرع له في قوله لم أجامعها حيث جعله واطئا حكما لأن الرجعة تنبني على الدخول وقد ثبت لثبوت النسب لأنه لا سب بلا ماء فتثبت قوله معناه بعد ما خلا بها وقال لم أجامعها أي ثم طلقها ثم راجعها لا تصح الرجعة لاعترافه بعدم الوطء فلو جاءت بعد هذه الرجعة بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق صحت أي ظهر صحتها قوله لأن على اعتبار الثاني وهو إنزاله واطئا بعد الطلاق وحينئذ فالصلف في العبارة أن يقول لأن على الاعتبار الثاني يحرم الوطء لزوال الملك بنفس الطلاق على زعمه في عدم
____________________
(4/172)
الوطء إذ المؤدي على عبارته هكذا على اعتبار إنزاله واطئا بعد الطلاق يزول الملك بنفس الطلاق لعدم الوطء قبله فيحرم وتحصيل المقصود من هذه بتكلف بعد توهم خطئها قوله و المسلم لا يفعل الحرام فإن قيل والظاهر منه أيضا أنه لا يكذب فالجواب لا بد من أحد الاعتبارين وعلى الأول يلزم كذبه وعلى الثاني يلزم الزنا وهو أعظم من مثل هذه الكذبة قوله وهو أن يكون بعد ستة أشهر وإن كان أكثر من سنتين إن فيه للوصل فأفاد أن قوله بعد ستة أشهر معناه أي فصاعدا أقل من سنتين أو أكثر وإن كان عشر سنين ما لم تقر بإنقضاء العدة لأن الثاني يضاف إلى علوق حادث بعد الطلاق في العدة لأن امتداد الطهر لا غاية له إلا الإياس وبه يصير مراجعا بخلاف ما ذكر في كتاب الدعوى أن المطلقة طلاقا رجعيا لو ولدت لأقل من سنتين بيوم لا يكون رجعة وفي أكثر من سنتين يكون رجعة لإحتمال العلوق قبل الطلاق في الأول دون الثاني وإن هذا الاحتمال سقط هنا لأنهما إذا كانا من بطنين كان الثاني من وطء حادث البتة بخلاف ما إذا كان بينهما أقل من ستة أشهر فإنهما حينئذ من بطن واحد إذ لم يقم دليل يوجب الحكم بكون الثاني من وطء على حدته بعد الطلاق الواقع بولادة الأول فلم تثبت الرجعة لأنها بالوطء الكائن بعد الطلاق قوله وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة وهو أن يكون بين كل ولدين ستة أشهر فإن كان أقل فهما توءمان فيقع طلقتان بالأولين لا غير إذ بالثالث تنقضي العدة ولو كان الأولان في بطن تقع تطليقة واحدة بالأول لا غير وتنقضي
____________________
(4/173)
العدة بالثاني ولا يقع بالثالث شيء ولو كان الأول في بطن و الثاني و الثالث في بطن يقع ثنتان بالأول و الثاني وتنقضي العدة بالثالث فلا يقع به شيء وإذا كانوا في بطون فالولد الثاني رجعة وكذا الثالث لأنها إذا جاءت بالأول وقع الطلاق لوجود شرطه و دخلت في العدة و بالولد الثاني صار مراجعا لما بينا أن العلوق بوطء حادث في العدة فيصير به مراجعا وقوله وبالثاني صار مراجعا معناه ظهر به الرجعة سابقا ثم يقع بالثاني طلقة ثانية لأن اليمين بكلما المقتضية للتكرار ودخلت في العدة وبالولد الثالث تظهر رجعته على ما ذكرنا وتقع الثالثة بولادته ولا يلزم الحكم بالوطء في النفاس وهو محرم لأن النفاس لا يلزم له كمية خاصة فجاز أن يكون غير ممتد وجاز أن لا ترى شيئا أصلا على ما تقدم في الحيض فلم يلزم الحكم بالوطء قوله تتشوف التشوق خاص بالوجه والتزين عام من شفت الشيء جلوته ودينار مشوف أي مجلو وهو أن تحلو وجهها وتصقله قوله إذ النكاح قائم بينهما وكذا جميع أحكامه من التوارث ولو قال كل امرأة لي طالق تدخل هذه المطلقة فتطلق سوى المسافرة بها فإنها تحرم على الزوج لنص فيها على خلاف القياس وهو قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } نزلت في الرجعية لسياق الآية وهو قوله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي يبدو له أن يراجعها ولحرمتها بهذا النص لم تجعل رجعة لأن الرجعة مندوبة والمسافرة بها حرام قيل ولا دلالتها لأن الكلام فيمن يصرح بعدم رجعتها وأورد عليه أن التقبيل بشهوة ونحوه يكون نفسه رجعة وإن نادى على نفسه بعدم الرجعة وجوابه الفرق بالحل والحرمة
____________________
(4/174)
كما قلنا وكما لا يحل لها السفر لا يحل الخروج بها إلى ما دونه لأن الحرمة ليست منوطة بالسفر بل بالخروج وكما يكره السفر بها تكره الخلوة إذ قد ينظر نظرا يصير به مراجعا وهو لا يريد الرجعة فيطلقها أخرى فيؤدي إلى تطويل العدة عليها وذلك حرام وقال السرخسي إنما تكره الخلوة إذا لم يأمن غشيانها إذ يصير مراجعا لها بغير إشهاد وهو مكروه ومقتضى هذا أنه إذا أمن لا يكره وأن كراهة الخلوة حينئذ تنزيهية ولم يلتفت شمس الأئمة إلى التعليل باحتمال النظر الذي يصير به مراجعا كأنه لبعده جدا حيث كان إنما هو النظر إلى داخل الفرج وقل أن يقع مع الخلوة حتى إن الإنسان يكون مع زوجته التي هي في عصمته سنين لا يقع له هذا النظر إلا إن تعمده قصدا حالة الجماع لكن الوجه الذي ذكره المصنف وهو قوله لأن تراخي عمل المبطل يعني الطلاق وعمله قطع النكاح لحاجته أي لحاجة الزوج إلى المراجعة فإذا لم يراجعها حتى انقضت المدة أي العدة ظهر أنه لا حاجة إلى الرجعة فتبين أن المبطل عمل الإبانة من وقت وجوده وأن مسافرته بها كانت بأجنبية كما يقتضي قصد كراهة المسافرة على تقدير ما إذا لم يراجعها بعد ذلك في العدة كذلك يقتضي حرمة الخلوة بها إن لم يكن قصده الرجعة ويقتضي أنه لو راجعها ظهرت حاجته وأن المبطل لم يعمل أصلا فيتبين أن الخلوة و المسافرة لم يكونا بأجنبية و الدليل على أن عمله من وقت وجوده احتساب الأقراء الماضية قبل انقضاء العدة من العدة فلو كان المبطل مقتصرا على انقضائها لم تحتسب واحتيج إلى عدة مستأنفة والأوجه تحريم السفر مطلقا لإطلاق النص في منع السفر بها دون الخلوة لعدم النص وقصور المعنى وهو لزوم المراجعة بالنص على ما تقدم ولزوم ظهور أن الخلوة بأجنبية غير ضائر إذ حالة تحققها كانت زوجة يباح معها شرعا ما يباح من الزوجة قوله و ذلك يعنى استبداده به يؤذن بكونه استدامة لا إنشاء
____________________
(4/175)
والدليل ينافيه إي دليل الاستبداد وهو ثبوت الرجعة بغير رضاها ينافيه أي ينافي الإنشاء لأنه لو كان إنشاء ولو من وجه لم يستبد به الزوج بل احتاج إلى رضا المرأة وإذنها والشهود والولي عند من يوجبه احتياطا ومما يدل على بقاء الزوجية في الرجعى من كل وجه ما قدمنا في أول الباب من النصوص فارجع إليه قوله و القاطع الخ جواب عن قول الشافعي الزوجية زائلة لوجود القاطع قلنا نعم وجد ولكن أخر عمله إجماعا لأن الإجماع على أن الرجعة تثبت بلا رضاها يفيد أن عمله وهو القطع مؤخر أو نقول تأخر عمله نظرا للزوج على ما تقدم من أن حق الرجعة ثبت نظرا له والله سبحانه أعلم فصل فيما تحل به المطلقة
لما ذكر ما يتدارك به الطلاق الرجعي ذكر ما يتدارك به غيره قوله لأن حل المحلية تركيب غير صحيح والصحيح أن يقال لأن حل المحل باق أو لأن المحلية باقية وهذا لأن المحلية هي كون الشيء محلا ولا معنى لنسبة الحل إليها إذ لا معنى يحل كونها محلا قوله لأن زواله مرجع الضمير الحل وضمير فينعدم للزوال قوله ومنع الغير جواب عن مقدر والمتبادر من العبارة أن يقال ما فرق بين الزوج وغيره حيث جاز في العدة للزوج
____________________
(4/176)
التزوج لا لغيره فأجاب بلزوم اشتباه النسب في الأجنبي دون الزوج وهو سهل وقد يقرر هكذا المنع في العدة عام بالنص قال الله تعالى { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } يعني انقضاء العدة فكيف جاز للزوج تزوجها في العدة وحاصل هذا استشكال الإطلاق للزوج في العدة وعموم النص يمنعه والأول طلب الفرق قلنا عمومه في ضمير تعزموا وفي العدة خص منها العدة من الزوج نفسه بالإجماع فيلزم تخصيصه من العموم الأول وحكمة شرعية العدة في الأصل أن لا يشتبه النسب ولا اشتباه غي جاز الإجماع على إطلاقه و أطلق وليس هذا الكلام بيان علة دليل التخصيص أعني الإجماع لأن الصغيرة والآيسة لا اشتباه في حقهما مع عدم إطلاق الغير فيهما بل بيان عدم إطلاقه أي إطلاق صاحب العدة عن ذلك المنع لأن الماء ماؤه فلذلك المانع من إطلاقه وعدم المانع لا يعلل به لكن المعنى أنه لم يجمع مع المانع بل هو منتف فجاز الإجماع وبسطه أن العدة بعلة الحاجة إلى دفع الاشتباه فوجود الحاجة إلى الدفع مقتض لثبوت العدة المانعة من التزوج ففي محل لا يتحقق وجود الحاجة إلى الدفع كما في صاحب العدة فقد المانع من عدمها إلا أنه وجد المقتضي للعدم لأن العلة لا تؤثر في العكس يعني ليس عدمها علة لعدم الحكم ولذلك ثبت الحكم أعني وجود العدة مع عدمها في الآيسة و الصغيرة بالنص وهو قوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } إما بعلة أخرى إما أن يكون إظهارا لخطر المحل إذا تأملت حيث منع عن ورود ملك الاستمتاع عليه مدة ليعز على الراغب بخلاف ما لو أطلق مطلقا كما أظهر خطره مرة أخرى باشتراط جمع الناس ليشهدوه أو لم يطلع عليها أو هي فيهما تعبد محض ولم يمكن إخراجهما من حكم العدة مع النص عليهما وفي غيرهما معلل بما قلنا فليست العدة مطلقا تعبدية قوله وإن كان الطلاق ثلاثا في الحرة أو ثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره الخ لا فرق في ذلك بين كون المطلقة مدخولا بها أو غير مدخول بها لصريح إطلاق النص وقد وقع في بعض الكتب أن في غير المدخول
____________________
(4/177)
بها تحل بلا زوج وهو زلة عظيمة مصادمة للنص والإجماع لا يحل لمسلم رآه أن ينقله فضلا عن أن يعتبره لأن في نقله إشاعته وعند ذلك ينفتح باب للشيطان في تخفيف الأمر فيه ولا يخفى أن مثله مما لا يسوغ الاجتهاد فيه لفوت شرطه من عدم مخالفة الكتاب والإجماع نعوذ بالله من الزيغ والضلال ومما صرح فيه بعدم الفرق مختارات النوازل والأمر فيه ضروريات الدين لا يبعد إكفار مخالفه قوله و المراد أي المراد بقوله تعالى { فإن طلقها } الطلقة الثالثة لأنه ذكرها عقيب الطلقتين في القرآن حيث قال الطلاق مرتان ثم قال فإن طلقها أي الثالثة هذا قول الجمهور و ذهبت طائفة إلى أن الثالثة هي قوله أو تسريح بإحسان فإن أبا رزين العقيلي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عرفت الطلقتين في القرآن فأين الثالثة فقال في قوله أو تسريح بإحسان كذا في المبسوط وكأن المراد الخلاف في بيان شرعية الثالثة أنه وقع بلفظ التسريح أو بقوله تعالى فإن طلقها إذ لا يمكن الخلاف في أن المراد بقوله فإن طلقها الثالثة لأنه عقبها بقوله فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فالحق أن المراد بالتسريح الثالثة ولا تكرار فإن الثاني ذكر شرطا لإعطاء حكم الثالثة و الأول ذكر لبيان ابتداء شرعية الثالثة و حاصله أن يقال شرعها ثلاثا ورتب على الثالثة حكما و بين ذلك بقوله الطلاق مرتان و بعدهما إما إمساك بمعروف أو تسريح بثالثه بإحسان فإن طلقها الثالثة اختيارا لأحد الأمرين الجائزين له فحكمه أن لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتحصل أن كليهما مراد به الثالثة قوله لحل المحلية فيه ما سبق قوله ثم الغاية أي غاية عدم الحل الثابت بقوله تعالى فلا تحل له هو الزوج الثابت بقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره فلذا قلنا لو طلقها ثنتين وهي أمة ثم ملكها أو ثلاثا لحرة فارتدت و لحقت ثم ظهر على الدار فملكها لا يحل له وطؤها بملك اليمين حتى يزوجها فيدخل بها الزوج ثم يطلقها قوله و الزوجية مطلقا وكذا الزوج مطلقا إنما يثبت بنكاح صحيح لأن المطلق ينصرف إلى الكامل أو لأنه المتبادر عند إطلاقه خصوصا إذا كان مضافا إلى المستقبل دون النكاح الفاسد بخلافه مضافا إلى الماضي لأن المراد في الأول التحصن والإعفاف وهو لا يحصل إلا بالصحيح وفي الثاني صدق الإخبار وهو يحصل بالتزوج فاسدا ولذا حنث في يمينه لم يتزوج بالفاسد لا في حلفه لا يتزوج قوله وشرط الدخول ثبت بإشارة النص الخ ولا يخفى أن على تقدير حمله على الوطء إنما يثبت بعبارة النص لأنه مقصود بالسوق قوله حملا للكلام على الإفادة دون الإعادة يعني أن الإعادة لازم على تقدير حمل لفظ تنكح
____________________
(4/178)
على العقد لأن اسم الزوج يتضمن إعادته لدلالته عليه التزاما بخلاف ما إذا حملناه على الوطء وإن كان حينئذ مجازا بالنسبة إلى المرأة إذ هو حال نسبته إليها يراد به التمكين من حقيقته لا حقيقته فإن المجاز في الكلام أكثر من الإعادة هذا الوجه على العموم ووجه آخر على رأينا و هو أن في حمله على العقد مجازين النكاح في العقد مجاز فإن حقيقته الوطء و الزوج في الأجنبي مجاز باعتبار الأول و على الوطء مجاز واحد وهو النكاح في التمكين و الزوج حينئذ حقيقة قوله أو يزاد على النص بالحديث المشهور هذا إنما يتصور إذا أريد بلفظ تنكح في النص العقد لا على إرادة الوطء فيه قوله يروي بروايات روى الجماعة من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قال لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول و روى الجماعة إلا أبا داود عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فأبت طلاقي فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي لا غير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وفي لفظ في الصحيحين إنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات وفي لفظ البخارى كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد أن ترجع إلى رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان كذلك لم تحلى له حتى يذوق عسيلتك قال وكان مع عبد الرحمن ابنان له من غيرها فقال صلى الله عليه وسلم بنوك هؤلاء قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وأنت تزعمين ما تزعمين فوالله
____________________
(4/179)
لهم أشبه به من الغراب بالغراب وهو في الموطإ هكذا أنبأنا مالك عن المسور بن مخرمة بن رفاعة القرظي عن الزبير ابن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحها عبد الله بن الزبير فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة ووقع في معجم الطبراني عكس ما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة بنت وهب تحت عبد الرحمن بن الزبير فطلقها فتزوجها رفاعة رجل من بني قريظة ثم فارقها الحديث وفيه فقال و الله يا تميمة لا ترجعي إلى عبد الرحمن حتى يذوق عسيلتك رجل غيره قال لم يروه عن أبي إسحاق إلا سلمة أبو الفضل قوله ولا خلاف لأحد فيه أي من أهل السنة أو المراد الخلاف العالي سوى سعيد بن المسيب فلا يقدح فيه كون بشر المرسي وداود الظاهري والشيعة قائلين بقوله واستغرب ذلك من سعيد حتى قيل لعل الحديث لم يبلغه قوله لا ينفذ لمخالفته الحديث المشهور قال الصدر الشهيد ومن أفتى بهذا القول فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين انتهى وهذا لأن شرعية ذلك لإغاظة الزوج حتى لا يسرح في كثرة الطلاق عومل بما يبغض حين عمل أبغض ما يباح قوله والشرط الإيلاج بقيد كونه عن قوة نفسه وإن كان ملفوفا بخرقة إذا كان يجد لذة حرارة المحل فلو أولج الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الجماع لا بقوته بل بمساعدة اليد لا يحلها إلا إن انتعش وعمل والصغير الذي لا يجامع مثله أولى لأنه لا يجد لذة أصلا بخلاف من في آلته فتور و أولجها فيها حتى التقى الختاتان فإنها تحل به وخرج المجبوب الذي لم يبق له شيء يولج في محل الحل أي في محل الختان فلا يحل بسحقه حتى تحبل وفي المبسوط في رواية أبي حفص إن كان المجبوب لا ينزل لا يحل ولا يثبت نسب الولد منه لأنه إذا جف ماؤه صار كالصبي أو دونه ودخل الخصى الذي مثله يجامع فيحلها وفي التجريد لو كان مجبوبا لم يحل فإن حبلت وولدت حلت للأول عند أبي يوسف خلافا لمحمد وفي الخلاصة لو كان مسلولا وجامعها حلت عند أبي يوسف خلافا لزفر والحسن ويشترط كونه في المحل بيقين حتى لو جامعها وهي مفضاة لا تحل ما لم تحبل ولو تزوج صغيرة لا يوطأ مثلها طلقها زوجها فوطئها هذا الزوج فأفضاها لا يحلها وإن كان يوطأ مثلها حلت وإن أفضاها قوله دون الإنزال خلافا للحسن البصري لا تحل عنده حتى ينزل الثاني حملا للعسيلة عليه ومنع بأنها تصدق معه ومع الإيلاج وإنما هو كمال وفي مسند أحمد انه صلى الله عليه وسلم قال العسيلة هي الجماع انتهى فحيث صدق مسمى الجماع تثبت فيه إلا أن في سنده ابن عبد الملك المكي مجهول قوله وهو الشرط بالنص فيه نظر إذ لو كان هو الشرط ليس غيره حلت بدخول الصغير الذي لا يجامع مثله لكنها لا تحل به لأنه صلى الله عليه وسلم شرط العسيلة من الجانبين فلا بد من كون الزوج ممن يلتذ أيضا وسواء كان حرا أو عبدا تزوج بإذن المولى لا بغير إذنه عاقلا
____________________
(4/180)
أو مجنونا إذا كان يجامع مثله مسلما أو ذميا في الذمية حتى يحلها لزوجها المسلم ولو تزوجت عبدا بغير إذن سيده فدخل بها ثم أجاز السيد النكاح فلم يطأها بعد ذلك حتى طلقها لا تحل للآول حتى يطأها بعد الإجازة وتحل بوطء الزوج في الحيض والنفاس والإحرام وإن كان حراما رجل طلق زوجته فاشترى عبدا صغيرا له عشر سنين فزوجه من مطلقته فجامعها ثم ملكها إياه فقبلت انفسخ النكاح وحلت للزوج قوله وفسره أي فسر الصبي المراهق في الجامع فقال غلام لم يبلغ ومثله يجامع وفي المنافع المراهق الداني من البلوغ وقيل الذي تتحرك آلته ويشتهي الجماع وفي فوائد شمس الأئمة إنه مقدر بعشر سنين ولا تنس ما أسلفناه في باب الأولياء والأكفاء من اشتراط كون الزوج كفؤا على رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله إذا كانت زوجت نفسها منه وهو قول أبي يوسف وهو المختار للفتوى في زماننا وعلى هذا لو زوجت الحرة نفسها عبدا لا تحل للأول بدخوله قوله ووطء المولى لا يحلها لزوجها لما قدمناه من أن غاية الحرمة نكاح الزوج ليس المولى زوجا قوله بشرط التحليل أي بأن يقول تزوجتك على أن أحلك له أو تقول هي ذلك فهو مكروه كراهة التحريم المنتهضة سببا للعقاب لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له أما لو نوياه ولم يقولاه فلا عبرة به ويكون الرجل مأجورا بقصده الإصلاح والحديث المذكور روى من حديث ابن مسعود وعلي وجابر وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين والتخريج عن بعضهم يكفينا فعن ابن مسعود رواه الترمذي والنسائي من غير وجه قال لعن رسول صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له وصححه الترمذي وحديث عقبة هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له رواه ابن ماجه قال عبد الحق إسناده حسن وقال الترمذي في علله الكبرى عن الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن عاهان ولا روى عنه ودفع بأن قوله في الإسناد قال لي أبو مصعب
____________________
(4/181)
مشرح يرد ذلك ورواه الدارقطني معنعنا عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث به ولذلك حسنه عبد الحق فإنه رواه من جهة الدارقطني وإلا فالحديث صحيح عند ابن ماجه لأن شيخ ابن ماجه يحيى عثمان ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين وأثنى عليه بعلم وضبط وأبوه عثمان بن صالح المصري ثقه أخرج له البخاري ومشرح وثقه ابن القطان ونقل عن ابن معين أنه وثقه والعلة التي ذكرها ابن أبي حاتم لم يعرج عليها ابن القطان ولا غيره قال الزيلعي في التخريج المصنف استدل بهذا الحديث على كراهة النكاح المشروط به التحليل وظاهره التحريم كما هو مذهب أحمد لكن يقال لما سماه محللا دل على صحة النكاح لأن المحلل هو المثبت للحل فلو كان فاسدا لما سماه محللا انتهى وظاهره أنه اعتراض ثم جوابه أما الاعتراض فمنشؤه عدم معرفة اصطلاح أصحابنا وذلك أنهم لا يطلقون اسم الحرام إلا على منع ثبت بقطعي فإذا ثبت بظني سموه مكروها وهو مع ذلك سبب للعقاب واما الجواب فكلامه فيه يقتضي تلازم الحرمة والفساد وليس كذلك وقد يحكم بالصحة مع لزوم الإثم في العبادات فضلا عن غيرها خصوصا على ما يعطى كلامه من تسمية المنع الثابت بظني حراما قوله وهذا أي المحلل الشارط هو محمل الحديث لأن عمومه وهو المحلل مطلقا غير مراد إجماعا وإلا شمل المتزوج تزويج رغبة قوله لأنه في معنى الموقت والموقت في معنى المتعة أو هو المتعة على ما حققناه فيفسد فلا يحلها وتسميته محللا لا يستلزم الحل لجواز كونه باعتبار كونه شارطا أو طالبا للحل ولأنه ملعون وعقد النكاح نعمة ولو كان صحيحا لم يلعن عليه ويؤيده ما في مستدرك الحاكم جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له ليحلها لأخيه هل تحل لأول قال لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه قلنا كونه في معنى الموقت ممنوع إذ تعيين نهايته الوطء لا يستلزم تعيين وقته لأن الوطء قد يكون في ليلة الخلوة أو بعد جمعة أو شهر فلا توقيت صريح ولا معنى وحقيقة المحلل مثبت الحل لا من قام به مجرد طلبه واللعنة على مباشرته من الوجه الممنوع وقول ابن عمر لم يرفعه حتى يعارض هذا الحديث وقوله كنا نعده سفاحا لا يستلزم أنهم كانوا لا يحكمون بحلها للأول لصدقه مع ثبوت الحرمة قوله لأنه استعجل حاصله أن المفسد وهو التوقيت منتف لأنه ليس بتوقيت والغرض وهو حلها له يتخلف لأنه استعجله بطريق
____________________
(4/182)
محظور كقاتل المورث إلا أن هذا القياس معارض بالنص وهو قوله تعالى { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فالحل كان ثابتا ثم اعترض عدمه مغيا بنكاح زوج غيره فعند وجود الغاية ينتهي المنع المغيا فيثبت ما كان ثابتا البتة فحيث حكم بصحة النكاح مع الدخول لزم الحل للأول البتة ومن الحيل إذا خافت أن لا يطلقها المحلل أن تقول زوجتك نفسي على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد فإذا قيل على هذا جاز النكاح وصار الأمر بيدها وهذا بناء على ما عليه العامة أن شرط التحليل يبطل ويصح النكاح وذهب بعضهم إلى أنه يصح الشرط أيضا حتى لو امتنع المحلل من الطلاق يجبر عليه ونقل عن أبي حنيفة رحمه الله في روضة الزندويستي ذلك وهذا مما لم يعرف في ظاهر الرواية ولا ينبغي أن يعول عليه ولا يحكم به لأنه بعد كونه ضعيف الثبوت تنبو عنه قواعد المذهب لأنه لا شك أنه شرط في النكاح لا يقتضيه العقد والعقود في مثله على قسمين منها ما يفسد العقد كالبيع ونحوه ومنها ما يبطل فيه الشرط ويصح الأصل ولا شك أن النكاح مما لا يبطل بالشروط الفاسدة بل يبطل الشرط ويصح هو فيجب بطلان هذا وأن لا يجبر على الطلاق نعم يكره الشرط كما تقدم من محمل الحديث ويبقى ما وراءه وهو قصد التحليل بلا كراهة وما أورده السروجي من أن الثابت عادة كالثابت نصا في غير محل كلامهم لأنه لا يلزم من قصد الزوج ذلك أن يكون بما هو معروف بين الناس متداول إنما ذلك فيمن نصب نفسه لذلك وصار مشهورا به وهنا قول آخر وهو أنه مأجور وإن شرط لقصد الإصلاح وتأويل اللعن عند هؤلاء إذا شرط الأجر على ذلك هذا ولولا ما ذكرناه من قول ابن عمر كنا نعده سفاحا في عهد رسول صلى الله عليه وسلم جوابا لمن سأل عن واقعة حال مفردة لشخص لأمكن أن يقال إن مقتضى اللفظ إن تعلق اللعن به إذ كثر منه ذلك بأن نصب نفسه لهذا الأمر شرط أولا لأن المحلل من فعل بتشديد العين وهو التكثير في فعل الفاعل أو المفعول فلو أراد تعليق اللعن به بمرة إذا شرط لقال المحل من أحلها بهمزة التعدية لكن حديث ابن عمر يصرف عن هذا فيكون من نحو قطعت اللحم وإن لم يكن فيه تكثير قوله ويهدم الزوج الثاني الطلقة والطلقتين يعني إذا كان دخل بها ولو لم يدخل لا يهدم بالاتفاق وتقييده في صورة المسئلة بالحرة لوضعها في هدم الطلقة والطلقتين ولا يتحقق في الأمة إلا هدم طلقة واحدة لا لأنه لاهدم في الأمة أصلا قوله وقال محمد لا يهدم والمسئلة مختلفة بين الصحابة فروى محمد عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد ابن جبير
____________________
(4/183)
قال كنت جالسا عند عبد الله بن عتبة بن مسعود إذ جاءه أعرابي فسأله عن رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم انقضت عدتها فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم مات عنها أو طلقها ثم انقضت عدتها وأراد الأول أن يتزوجها على كم هي عنده فالتفت إلى ابن عباس وقال ما تقول في هذا قال يهدم الزوج الثاني الواحدة و الثنتين و الثلاث و اسأل ابن عمر قال فلقيت ابن عمر فقال مثل ما قال ابن عباس و روى البيهقي من طريق الشافعي بسنده عن عمر في نحوه قال هي عنده على ما بقي و نحوه عن علي ونقل عن أبي بن كعب وعمران بن الحصين فأخذ المشايخ من الفقهاء بقول شبان الصحابة وشبان الفقهاء بقول مشايخ الصحابة والترجيح بالوجه قوله لأنه غاية للحرمة أي لأن الزوج غاية للحرمة الثابتة بقوله تعالى { فلا تحل له } أي مطلقا لا بنكاح ولا بملك يمين حتى تنكح زوجا غيره فيكون أي الزوج منهيا للحرمة ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت أي ثبوتها فاللام بدل الإضافة ولا ثبوت لها إلا بعد الثلاث فلا يكون منهيا قبلها فصار كما لو تزوجها قبل التزوج أو قبل إصابة الزوج الثاني حيث تعود بما بقي من التطليقات قلنا قد عملنا بالنص وجعلناه منهيا للحرمة في صورة الحرمة الغليظة لكن ثبت له وصف آخر بنص آخر وهو إثبات الحل مطلقا قلنا به وتركتم أنتم العمل به وهو الحديث المذكور آنفا وجه الاستدلال أنه سماه محللا وحقيقته مثبت الحل كالمحرم والمسود والمبيض وغيرها مثبت الحرمة والسواد ونحو ذلك فإن قلت تقدم آنفا أن محمل الحديث الشارط للحل للعلم قطعا أنه من حيث هو مثبت للحل ليس متعلق اللعنة وإلا لتعلقت بالمتزوج تزويج رغبة فلا بد من كون متعلق اللعنة على ما قالوا شارط الحل فلا يكون فيه دليل على أنه مثبت للحل الجديد شرعا لأنه لم يرد بالمحلل مثبت الحل بل شارطه قيل لا شك أن الزوج يثبت به الحل وهو المراد من مثبت الحل فالمعنى حينئذ لعن الله مثبت الحل إذا شرط الحل فلا يكون شارط الحل مرادا بلفظ من التركيب المذكور بل كله مضمر ففيه حينئذ دليل على أن الزوج مثبت الحل وتعليق اللعنة به إذا شرطه وبه يندفع ما قدمناه ويظهر أن المراد من قول المصنف فيما تقدم وهو محمل الحديث أن محمله لعنة المحلل إذا شرطه لأن المراد بالمحلل في لفظ الحديث هو الشارط للحل لما بينا من أنه لا بد من كونه مثبتا له نعم يرد عليه ما قيل إنه لما جعل محللا في صورة الحرمة الغليظة فلا يلزم ثبوته في غيرها وأجيب بأنه يثبته فيها بدلالته لأنه لما كان محللا في الغليظة ففي الخفيفة أولى وأيضا بالقياس عليه في صورة الحرمة الغليظة يجامع كونه زوجا لأن صورة الحرمة الغليظة محل والمحل لا يدخل في التعليل لأنه لو دخل لانسد باب القياس لأن محل الأصل غير محل الفرع وأورد عليه أن ذلك حيث يمكن ولا يمكن هنا لأن الحل ثابت فيه وتحصيل الحاصل محال أجيب إن لم يقبل المحل أصل الحل يقبل ثبوت وصف
____________________
(4/184)
الكمال فيه بأن يصير بحيث يملك تجديده بعد الطلقة والطلقتين وما صلح سببا لأصل الشيء صلح سببا لوصفه بالطريق الأولى وفيه نظر إذ غاية ما تحقق من الشارع تسميته محللا ومفهومه لا يزيد على أنه مثبت لمجرد الحل وهو حاصل في المتنازع فيه وكون الحل على الوجه المذكور ليس من مفهومه وثبوته كذلك في صورة الحرمة لغليظة ليس منه بل باتفاق الحال وهو أنه محل ابتدأ فيه الحل لاستيفاء الزوج ماله من الطلقات قبله وحيث ابتدأ ثبوت الحل كان ثلاثا شرعا فظهر أن القول ما قاله محمد وباقي الأئمة الثلاثة ولقد صدق قول صاحب الأسرار ومسئلة يخالف فيها كبار الصحابة يعوز فقهها ويصعب الخروج منها وقد يستدل على المطلوب بحديث العسيلة حيث قال صلى الله عليه وسلم أتريدين أن تعودي إلى رفاعة قالت نعم قال لا حتى تذوقى عسيلته فغيا عدم العود بالذوق فعنده ينتهي عدمه ويثبت هو والعود هو الرجوع إلى الحالة الأولى وهي ما يملك فيها الزوج ثلاث تطليقات وليس بشيء لصدق حقيقته قبل الزوج الثاني لو قال بعد الطلقة والطلقتين بلا تحلل زوج أتريدين أن تعودي إلى فلان صدق حقيقته وإن كان العود لا إلى ما يملك به ثلاثا فالحاصل أن العود إلى عين الحالة الأولى محال فالمراد العود إلى شبهها وذلك يصدق بمجرد ملك النكاح والحل لانتفاء اشتراط عموم وجه التشبيه قوله فقالت قد انقضت عدتي وتزوجت ودخل بي الزوج وطلقني وانقضت عدتي في النهاية إنما ذكر إخبارها هكذا مبسوطا لأنها لو قالت حللت لك فتزوجها ثم قالت لم يكن الثاني دخل بي إن كانت عالمة بشرائط الحل لم تصدق وإلا تصدق وفيما ذكرته مبسوطا لا تصدق في كل حال وعن السرخسي لايحل له أن يتزوجها حتى يستفسرها للاختلاف بين الناس في حلها بمجرد العقد وفي التفاريق لو تزوجها ولم يسألها ثم قالت ما تزوجت أو ما دخل بي صدقت إذ لا يعلم ذلك إلا من جهتها واستشكل بأن إقدامها على النكاح اعتراف منها بصحته فكانت متناقضة فينبغي أن لا يقبل منها كما لو قالت بعد التزوج بها كنت مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو منكوحة الغير
____________________
(4/185)
أو محرما أو كان العقد بغير شهود ذكره في الجامع الكبير وغيره خلاف قولهم لم تنقض عدتي ولو قال الزوج لها ذلك وكذبته تقع الفرقة كأنه طلقها ولذا يجب عليه نصف المهر المسمى أو كماله إن دخل بها انتهى من قائله ثم رأيت في الخلاصة ما يوافق الإشكال المذكور قال في الفتاوي في باب الباء لو قالت بعد ما تزوجها الأول ما تزوجت بآخر وقال الزوج الأول تزوجت بزوج آخر ودخل بك لا تصدق المرأة انتهى ولو قال الزوج الثاني النكاح وقع فاسدا لأني جامعت أمها إن صدقته المرأة لاتحل للزوج الأول وإن كذبته تحل كذا أجاب القاضي الإمام ولو قالت دخل بي الثاني والثاني منكر فالمعتبر قولها وكذا على العكس وفي النهاية ولم يمر بي لو قال المحلل بعد الدخول كنت حلفت بطلاقها إن تزوجها هل تحل للأول قلت يبنى الأمر على غالب ظنها إن كان صادقا عندها فلا تحل له وإن كان كاذبا تحل وعن الفضلي لو قالت تزوجني فإني تزوجت غيرك فطلقني وانقضت عدتي فتزوجها ثم قالت ما تزوجت صدقت إلا أن تكون أقرت بدخول الثاني كأنه والله أعلم يحمل قولها تزوجت على العقد وقولها ما تزوجت على معنى ما دخل بي لا على إنكار ما اعترفت به ولذا قال إلا أن تكون أقرب بدخول الثاني فإنه لم يقبل قولها فإنها حينئد تكون مناقضة صريحة وسئل نجم الدين النسفي عن رجل حلف بالطلاق الثلاث وظن أنه لم يحنث فأفتيت المرأة بوقوع الثلاث وخافت إن أعلمته بذلك أن ينكر هل لها أن تستحل بعد ما يفارقها بسفر وتأمره إذا حضر بتجديد العقد قال نعم ديانة قوله لأنها معاملة أنث الضمير وإن كان مرجعه وهو النكاح مذكرا لتأنيث خبره وفي غير نسخة لأنه على الأصل وقول الواحد فيهما مقبول كالوكالات والمضاربات والإذن في التجارات ولذا يقبل قول الإماء والعبيد في الهدية قوله وهو غير مستنكر إذا كانت المدة تحتمله أفاد أن تصديقها إذا وقع في قلبه صدقها مشروط باحتمال المدة ذلك قوله وسنبينها في العدة قال في النهاية وقعت هذه الحوالة غير رائجة لأنه لم يذكرها في العدة ولا في غيرها وأجاب
____________________
(4/186)
بعضهم بأنه لم يقل في العدة من هذا الكتاب فيمكن أن يكون أراد في عدة غير هذا الكتاب ومثل هذا مما يقضي العجب من تسطيره في الأوراق ممن هو من أهل العلم ولا توفيق إلا بالله وإذا لم يعرف بيانها في الكتاب تعين تعيينها في الشرح وذكر نبذة من الخلاف اختلف العلماء في أقل ما تصدق إذا ادعت انقضاء العدة بالأقراء فقال أبو حنيفة لاتصدق في أقل من ستين يوما إن كانت حرة وقالا أقلها تسعة وثلاثون يوما وقال شريح لو ادعت ثلاث حيض في شهر وجاءت بالبينة من النساء العدول من بطانة أهلها أنها رأت الحيض وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها قال له علي رضي الله عنه قالون ومعناه بالرومية أحسنت ومذهب الشافعي رحمه الله أنها اثنان وثلاثون ولحظتان إن وقع الطلاق في الطهر وسبعة وأربعون يوما ولحظة إن وقع في الحيض وقال أبو ثور سبعة وأربعون وقال مالك في الجواهر أربعون وقال إسحاق بن راهوية وأبو عبيد إن كان لها أقراء معلومة تعرفها بطانة أهلها تصدق على ما يشهد به وإلا لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر وقالت الحنابلة تسعة وعشرون يوما إن قلنا أقل الطهر ثلاثة عشر وإن قلنا خمسة عشر تزداد أربعة أيام فيصير ثلاثة وثلاثين وما أحسن قول إسحاق وأبي عبيد وهذا لأن العادة أن الشهر الواحد لا يشتمل على أكثر من حيضة واحدة وطهر فتكذبها العادة إذا أخبرت بما دونه والمكذب عادة كالمكذب حقيقة ألا ترى أن الوصي إذا قال أنفقت عليه مائة في يوم لا يصدق وإن احتمل صدقه بأن تكرر هلاك المشتري في اليوم أو لا يرى أن الله سبحانه وتعالى لما أقام الزمان مقام الأقراء في الآيسة والصغيرة قدر العدة بثلاثة أشهر فقال تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } بخلاف ما إذا أشهد بما دون العادة فإنه حينئذ يثبت أن هذا من النادر وهذا هو المذكور في وجه قول أبي حنيفة رأيت أن قول إسحاق ومن معه أولى به فإن لم يؤخذ بهذا ينبغي أن لا يعدل عن قول أبي حنيفة وتخريجه على قول محمد أن يجعل مطلقا في أول الطهر تفاديا من الطلاق عقيب الجماع فيحتاج إلى ثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوما كل طهر بخمسة عشر وثلاث حيض بخمسة عشر كل حيضة بخمسة أخذا بالوسط فيه وعلى قول الحسن بن زياد أن يجعل مطلقا في آخر الطهر تفاديا من تطويل العدة فيحتاج إلى ثلاث حيض بثلاثين يوما اعتبارا للأكثر وطهرين بثلاثين يوما ثم يحتاج إلى مثلها في حق الزوج الثاني وزيادة طهر خمسة عشر يوما وعلى هذا لو كانت أمة فأقل ما تصدق فيه خمسة وثلاثون يوما طهر بخمسة عشر وهو الفاصل بين الحيضتين وحيضتان بعشرين وعلى تخريج محمد أقله أربعون يوما الطهر الذي وقع الطلاق في أوله والمتخلل ثلاثون وحيضاتان بعشرة وتخريج قولهما أن يجعل مطلقا في آخر الطهر فطهران بثلاثين وثلاث حيض بتسعة اعتبارا لأقله ثم يحتاج إلى مثلها في حق الزوج الثاني وزيادة طهر خمسة عشر يوما وعلى هذا لو كانت أمة فأقل ما تصدق فيه أحد وعشرون يوما حيضتان بستة وطهر بخمسة عشر يوما ومثله للثاني وزيادة طهر يعني إذا جاءت بعد المدتين للمطلق ثلاثا تريد أن يتزوجها لا يجوز حتى يحتسب مع المدتين طهر آخر في كل تخريج جعل
____________________
(4/187)
الزوج فيه مطلقا في آخر الطهر لأن الزوج الثاني إذا جعل مطلقا في آخره والفرض أن عدة الأول انقضت بأول الطهر لزم ما قلنا ولو كان علق طلاقها الثلاث بالولادة فولدت لم تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما في قوله على تخريج محمد وعلى تخريج الحسن لم تصدق في أقل من مائة يوم احتسابا للنفاس خمسة وعشرين ثم طهر بخمسة عشر ثم ثلاث حيض وظهران بستين وهذا لأن المرئي في مدة النفاس لا يكون حيضا بل بعده وكون ما بعده حيضا موقوف على تقدم طهر تام وهو ما قلنا هذا في حق الزوج الأول ثم يحتاج في الثاني إلى ستين على ما سمعت على التخريجين وعند أبي يوسف تصدق في حق الأول في خمسة وستين يوما لأن نفاسها يقدر بأحد عشر يوما عنده لأن مدته أكثر من مدة الحيض فيقدر بأكثر من أكثره بيوم ثم بعد هذا بثلاث حيض وثلاثة أطهار ويحتاج في حق الثاني إلى ثلاث وثلاثة أيضا وعند محمد تصدق في أربعة وخمسين يوما وساعة لأنه لا غاية لأقل النفاس فإذا قالت كان ساعة صدقت ثم الطهر بعده خمسة عشر ثم ثلاث حيض وطهران ويحتاج في حق الزوج الثاني إلى أربعة وخمسين يوما ثلاث حيض وثلاثة أطهار وهذا في حق أطهار وهذا في حق الحرة وأما في حق الأمة فتخريجه على المذاهب غير خاف والله الموفق & باب الإيلاء
تحريم الزوجة بأربعة طرق الطلاق والإيلاء واللعان والظهار فبدأ بالطلاق لأنه الأصل والمباح في وقته ثم أولاه الإيلاء لأنه أقرب إليه في الإباحة لأنه من حيث هو يمين مشروع لكن فيه معنى الظلم لمنع حقها في الوطء والتحقيق أن تحريمها ليس إلا بالطلاق في الحال أو إلى انقضاء العدة غير ان ثبوته بأسباب الأصل والأشهر منها الابتداء به تنجيزا أو تعليقا فقدم ثم أولى الإيلاء لأنه لا يلزمه به المعصية إذ قد يكون برضاها لخوف غيل على ولد وعدم موافقة مزاجها ونحوه فيتفقان عليه لقطع لجاج النفس بخلاف الظهار واللعان فإنهما لا ينفكان عن المعصية ولهذا قدم عليهما الخلع لأنه أيضا لا يستلزمها لجواز أن تسأله لا لنشوز بل لقصد التخلي للعبادة أو لعجز عن أداء حقوق الزوج والقيام بأموره وإنما قدم الإيلاء عليه مع اشتراكهما في عدم
____________________
(4/188)
استلزام المعصية والانفكاك عنها لاختصاصه هو بزيادة تسمية المال فهو منه بمنزلة المركب من المفرد والإيلاء لغة اليمين والجمع الألايا قال الشاعر ** قليل الألايا حافظ ليمينه ** وإن بدرت منه الألية برت ** وفعله آلى يولى إيلاء كتصريف أعطى وفي الشرع هو اليمين على ترك قربان الزوجة أربعة أشهر فصاعدا بالله أو بتعليق ما يستشقه وهو أولى من قوله في الكنز الحلف على ترك قربانها أربعة أشهر لأن مجرد الحلف يتحقق في نحو قوله إن وطئتك فلله على أن أصلي ركعتين أو أغزو ولا يكون بذلك موليا لأنه ليس مما يشق في نفسه وإن تعلق إشقاقه بعارض ذميم في النفس من الجبن والكسل بخلاف إن وطئتك فعلى حج أو صيام أو صدقة فالمولى حينئذ من لا يخلو عن أحد المكروهين من الطلاق أو لزوم ما يشق عليه وهو أولى من قولهم من لا يخلو عن أحد المكروهين من الطلاق أو الكفارة لقصور هذا عن نحو إن قربتك فعبده حر أو فلانة طالق وأما ركنه فهو الحلف المذكور وشرطه محلية المرأة وأهلية الحالف وعدم النقص عن أربعة أشهر والأول بالزوجية والثاني بأهلية الطلاق عنده وعندهما بأهلية الكفارة فيصح إيلاء الذمي عنده بما فيه كفارة نحو والله لا أقربك فإن قربها لا تلزمه كفارة وإن مضت المدة بلا قربان بانت بتطليقة ولا يصح عندهما أما لو آلى بما هو قربة كإن قربتك فعلى حج أو صلاة أو صوم فلا يصح اتفاقا ولو آلى بما لا يلزم قربة كإن قربتك فعبدي حر ونحوه صح اتفاقا وحكمه لزوم الكفارة أو الجزاء المعلق بتقدير الحنث بالقربان ووقوع طلقة بائنة بتقدير البر وألفاظه صريح وكناية فالصريح نحو لا أقربك لا أجامعك لا أطؤك لا أباضعك لا أغتسل منك من جنابة فلو ادعى أنه لم يعن الجماع لم يدين في القضاء والكناية نحو لا أمسك لا آتيك لا أغشاك لا ألمسك لأغيضنك لآسوئنك لا أدخل عليك لا أجمع رأسي ورأسك لا أضاجعك لا أقرب فراشك فلا يكون إيلاء بلا نية ويدين في القضاء وقيل الصريح لفظان لا أجامعك لا أنيكك وهذه كنايات تجري مجرى الصريح والأولى الأول لأن الصراحة منوطة بتبادر المعنى لغلبة الاستعمال فيه سواء كان حقيقة أو مجازا لا بالحقيقة وإلا لوجب كون الصريح لفظا واحدا وهو ثاني ما ذكر وفي البدائع والإفتضاض في البكر يجري مجرى الصريح والدنو كناية وكذا لا أبيت معك في فراش ويخالفه ما في المنتفى لا أنام معك إيلاء بلا نية وكذا لا يمس فرجى فرجك في الذخيرة وفي جوامع الفقه ما يخالفه قال لا يمس جلدي جلدك لا يصير موليا لأنه يمكن أن يلف ذكره بشيء وفي المرغيناني يحنث بمس الفرج دون الجماع فليس بمول قيل فيه بعد وهو حق لأن الفرض وهو حق لأن الفرض كون الجماع هو المراد ولذا كان كناية مفتقرة إلى نية وهو فرع أن يراد به ذلك ولا يحنث إلا بالجماع فيكون موليا وفي التحفة لو قال أنا منك مول فإن عني الخبر كذبا فليس بمول فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر لأن هذا إيجاب في الشرع وإن عني به الإيجاب فهو مول في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه أوجب الإيلاء
____________________
(4/189)
بهذا اللفظ لو قال أنت على مثل امرأة فلان وقد كان فلان آلي من امرأته فإن نوى الإيلاء كان موليا لأنه شبهها بها في اليمين وإن لم ينو اليمين ولا التحريم لا يكون موليا ولقائل أن يقول الإيلاء الحلف الخ وقوله أنت على مثل امرأة فلان أو أنا مول ليس فيه صيغة حلف إنشائية ولا تعليقية لأن معنى الحلف قوله والله لا أقربك ونحوه أو إن قربتك وليس قوله أنت مثلها إياه ولا محققا لوجوده لفرض عدم وجوده سابقا ولاحقا إلا أن هذا جواب الرواية صرح به الحاكم أبو الفضل في مختصره وفيه لو آلى من امرأته ثم قال الأخرى أشركتك في إيلاء هذه كان باطلا ولو قال إن قربتك فعلى يمين فعلى يمين أو كفارة يمين فهو مول والجواب أن قوله أنا منك مول معناه أنا منك حالف ومعلوم أن انعقاد اليمين بقوله احلف فقط كما ينعقد بقوله احلف بالله فينعقد بقوله أنا حالف وكذا التشبيه المذكور يئول إليه ولو قال لا وطئتك في الدبر أو فيما دون الفرج لم يصر موليا خلافا لمالك رحمه ولو قال لا جامعتك إلا جماع سوء سئل عن نيته فإن قال أردت الوطء في الدبر صار موليا وإن قال أردت جماعا ضعيفا لا يزيد على نحو التقاء الختانين فليس بمول وكذا إن لم تكن له نية وإن قال أردت دون ذلك فهو مول قوله ولزمته الكفارة ليس حكم المولى مطلقا على تقدير الحنث بل حكم هذا المولى المذكور في قوله إذا قال الرجل والله الخ لما ستعرف أن المولى قد لا يكون حكمه الكفارة بذلك التقدير وقال الشافعي رحمه الله في القديم لا كفارة في خصوص هذا الحنث لأنه تعالى وعد المغفرة بتقدير الفيء والمراد جماع لأنه في الأصل الرجوع وبالجماع يتحقق الرجوع عن ذلك الترك قال الله تعالى { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } وقوله الجديد كقولنا لأن وعد المغفرة بسبب الفيئة التي هي مثل التوبة لا ينافى إلزام الكفارة بل ثبت في الشرع انفكاك التلازم بين هذين الحكمين الدنيوي والأخروي أعني المغفرة وسقوط الكفارة وثبوت أحدهما مع نقيض الآخر مستمر في كل حلف على معصية إذا حنث الحالف فيها توبة فإن التوبة تثبت مع عدم سقوط الكفارة فيها إعمالا لإطلاق قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير وهو قول الأربعة والجمهور وقال الحسن لا كفارة عليه قال قتادة خالف الحسن الناس قوله وسقط الإيلاء
____________________
(4/190)
بإجماع العلماء معنى أنه لو مضت أربعة أشهر لا يقع طلاق آخر لأن اليمين تنحل بالحنث قوله وقال الشافعي تبين بتفريق القاضي لم يقل الشافعي تبين بل قال يقع رجعيا سواء طلق الزوج نفسه أو الحاكم وبه قال مالك وأحمد ورجح بأن الواقع طلاق والطلاق يعقب الرجعة إلا الثابت بالنص والجواب منع كلية الكبرى وتقدم وجه دفعه في الكنايات غير أنه يستدعي سببا والسبب هنا أنه وقع للتخلص من الظلم الرجعي لا يفيد ذلك لأنه بسبيل من أن يردها إلى عصمته ويعيد الإيلاء فتعين البائن لتملك نفسها وتزول سلطنته عليها جزاء لظلمه مع ورود الآثار في ذلك كما ستقف على انتهاضها بإثباته ثم الخلاف في موضعين أحدهما أن الفيء عنده يكون قبل مضي المدة ويكون بعدها وعند مضيها يوقف إلى أن يفيء أو يطلق لقوله تعالى فإن فاءوا والفاء للتعقيب فاقتضى جواز الفيء بعد المدة وعندنا الفيء في المدة لا غير والجواب أن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد كجاء زيد فعمرو وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره فإن كانت للأول نحو { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة } { ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي } ونحو توضأ فغسل وجهه ويديه ورجليه ومسح رأسه فلا يفيد ذلك التعقيب بل التعقيب الذكرى بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره فكالأول كجاء زيد فقام عمرو وكل من التعقيبين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الإيلاء فإن فاءوا أي بعد الإيلاء والذكرى فإنه لما ذكر تعالى أن لهم نسائهم أن يتربصن أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين فقوله تعالى فإن فاءوا إلى قوله سميع عليم واقع بهذا المعرض فيصح كون المراد فإن فاءوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة تعقيبا على الإيلاء التعقيب الذكرى أو بعدها تعقيبا على التربص فإن الله غفور لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب على ذلك بسبب الفيئة التي هي توبة أو غفور للحنث في اليمين إن كان برضاها لغرض تحصين ولد عن الغيل ونحوه رحيم بشرع الكفارة كافية عنه فنظرنا فإذا قراءة ابن مسعود فإن فاءوا فيهن ترجح أحد الجائزين وهو كون الفيء في المدة إما باعتبار أن الأصل توافق القراءتين شاذتين كانتا أو إحداهما شاذة فتزل تفسير للمراد بالأخرى وإما باعتبار أنها تستقل بإثبات كونه في المدة إذ لا تعارض القراءة المشهورة لأنها أعم من كونها فيها أو بعدها بناء على أنها حجة عندنا وإن أبى الخصم ورد المختلف إلى المختلف يتم إذا أثبت الأصل ولا شك أن القراءة الشاذة إنما يقرؤها الراوي خبرا عن صاحب الوحي قرآنا فانتفاء القرآنية لعدم الشرط وهو التواتر انتقاء الأخص فإن القرآنية أخص من الخبرية وانتفاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم فدار الأمر بين كونها قرآنا أو خبرا عن صاحب الوحي وذلك دروان بين الحجية على وجه وبينها على وجه آخر لا بين الحجية وعدمها فإن قيل حاصل المفاد بها جواز الفيء في المدة ونحن لا ننكر ذلك وإنما الكلام في أن له أن يفيء بعدها وتنحل يمينه إذا لم يفيء فيها أولا بل بمجرد مضيها وقع الطلاق فلا يتمكن من الفيء أثبتناه والقراءة المذكورة لا تنفيه قلنا ليس كذلك فإنه تعالى جعل حكم الإيلاء على هذه القراءة أن يفيء في المدة أو يثبت الطلاق بتطليقه أو تطليق القاضي على الخلاف
____________________
(4/191)
هذا هو المفاد بقوله تعالى فإن فاءوا فيهن فكذا وإن عزموا الطلاق فكذا على ما عرف من التأويل لأن التردد مآخوذ في كل قسم منه نقيض الآخر أي وإن عزموا الطلاق فلم يفيئوا فيها وهو لازم فإنهم لو فاءوا فيهن لم تبق عزيمة الطلاق فلزم بالضرورة أن لا فيء إلا في المدة الثاني أن بمضي المدة تقع الفرقة بينهما طلاقا بائنا وعنده لا يكون إلا بطلاقه أو بطلاق القاضي لقوله تعالى وإن عزموا الطلاق فلو كان الطلاق يثبت بمجرد مضي المدة لم يتصور العزم عليه ولأن النص يشير إلى أنه مسموع وهو قوله فإن الله سميع عليم والوجه الذي ذكره المصنف وحاصله إلحاق المولي بالعنين في حكم هو إلزامه بالطلاق فإن لم يفعل طلق عليه بجامع أنه امتنع عن الإمساك بمعروف فيؤمر بالتسريح بإحسان وإلا كان موقعا من غير إيقاع والجواب قوله لا يتصور العزم عليه لو وقع بمجرد انقضاء المدة ممنوع بل إذا فرض وقوعه عندها كان عزيمة الطلاق عزمه على الاستمرار على الترك حتى يتم فمعنى فإن عزموا الطلاق فإن استمروا على ذلك الترك حتى تنقضي المدة فإن الله سميع بما يقارن هذا الترك والاستمرار من المقاولة والمجادلة وحديث النفس به كما يسمع وسوسة الشيطان عليم بما استمروا عليه من الظلم وفيه معنى الوعيد على ذلك واندرج في هذا جواب الثاني وعن الأخير بأن العنين ليس بظالم فناسبه التخفيف عليه ولذا كان أجله أكثر والمولى ظالم يمنع حقها فيجازي بوقوعه بنفس الانقضاء ولا نسلم أنه بلا إيقاع بل الزوج بالإيلاء موقع فقد في الجاهلية تنجيزا فجعله الشارع مؤجلا أو نقول جاز أن يحكم بوقوعه عند الاستمرار ظلمه هذه المدة من غير لفظ الطلاق وهذا لأن حقيقة الطلاق إنما هي رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح ولفظ أنت طالق الآلة التي يثبت هو عندها شرعا ولم يقصر الشرع ثبوته على اللفظ ألا يرى أنه حكم بثبوته عند كتابته على ما تقدم وليست الكتابة لفظا فلا بعد أن يحكم به عند ظلمه بمنعه حقها هذه المدة لا يقال كيف يكون ظالما بذلك وهو بوطئه واحدة لا يطلق عليه القاضي ولا يلزمه بغيرها فهو ليس بظالم لأنا نقول ذلك في الحكم فأما في الديانة فيما بينه وبين الله تعالى فعليه أن يجامعها أحيانا ليعفها فإن أبى كان عاصيا والنصوص من السنة والآثار تفيد ذلك لكن بقي أن يقال هذا كله تجويز لوقوعه كذلك ونقول بجوازه لكن الكلام فيما فيما هو الثابت بمقتضى دلالة الدليل وهو ما قلنا فإن الآية وإن صح فيها كون العزم على الطلاق بالمعنى الذي قلتم لكن الظاهر منها ما قلنا والجواب أن قراءة ابن مسعود لما أفادت أن لا فيء بعد المدة لزم انتفاء قولكم من إلزامكم بأحد الأمرين من الفيء أو الطلاق فثبت أن المراد بها ما قلنا وإلا لزم إحداث قول ثالث وهو إلزامه بعد المدة بأمر واحد وهو الطلاق وهذا التقرير هو محمل استدلال المصنف حيث قال ولنا أنه ظلمها بمنع حقها فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة وإلا فظاهره أنه مصادرة لأنه استدلال بعين محل النزاع كأنه قال فجازاه بذلك بالنص وتقريره أن القراءة مفسرة بكون الفيء في المدة بقراءة أخرى إلى آخر ما ذكرنا واحتج أيضا بآثار وهي ما روى الدارقطني قال حدثنا أبو بكر الميموني قال ذكرت لأحمد بن حنبل حديث عطاء الخراساني عن عثمان يعني به ما سنذكره مما يوافق مذهبنا قال لا أدري ما هو قد روي عن عثمان خلافه قيل له من رواه قال حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن عثمان وما روي مالك في الموطأ
____________________
(4/192)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه الطلاق فإن مضت الأربعة الأشهر توقف حتى يطلق أو يفيء وما روي البخاري عن ابن عمر بسنده أنه كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى لا تحل بعد ذلك الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله تعالى وقال أي البخاري قال لي إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا مضت أربعة أشهر توقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق انتهى وقال الشافعي حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر رجلا من الصحابة كلهم يقول يوقف المولى وقال بعضهم روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سألت اثنى عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر قلنا الآثار الأربعة الأول معارضة أما الأول فيما روى عبدالرزاق حدثنا معمر عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت كانا يقولان في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة وهذا أولى لأن سنده جيد موصول بخلاف ذاك فإن حال رجاله لا يعرف إلى حبيب وهو أيضا أعضله ولا يعلم أن طاوسا أخذ عن عثمان فهو منقطع وأما الثاني فيما أخرج عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة أن عليا وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم قالوا إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة وكل منهما مرسل فإن رواية محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم مرسلة وكذا قتادة وهما متعاصران وتوفي قتادة سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ومائة على اختلاف الأقوال وكذا توفي محمد بن علي سنة سبع عشرة في قول وقال غير واحد سنة ثماني عشرة وقيل سنة أربع عشرة وقيل خمس عشرة وقيل ست
____________________
(4/193)
عشرة فاعتدلا في هذا القدر ثم المثبت من اشتهار قتادة بعظم الحفظ والإتقان والمحافظة على الأداء كما سمع بعينه أكثر وأشهر من المثبت لمحمد قال عبدالرزاق عن معمر جاء رجل إلى ابن سيرين فقال رأيت حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت عنها أعظم مما دخلت ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت منها أصغر مما دخلت ورأيت أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت كما دخلت سواء فقال له ابن سيرين أما التي خرجت أعظم مما دخلت فذاك الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه ثم يصل فيه من مواعظه وأما التي خرجت أصغر فذاك محمد بن سيرين ينتقص منه ويسأل وأما التي خرجت كما دخلت فهو قتادة وهو أحفظ الناس انتهى وفي تراجمه العجائب من حفظه وأما الثالث والرابع فيما أخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ورجال هذا السند كلهم أخرج لهم الشيخان فهم رجال الصحيح فينتهض معارضا ولم يبق إلا قول من قال بأن أصح الحديث ما روي في كتاب البخاري ومسلم ثم ما كان على شرطهما إلى آخر ما عرف وقدمنا في كتاب الصلاة أنه تحكم محض لأنه إذا كان الغرض أن المروي على نفس الشرط المعتبر عندهما فلم يفته إلا كونه لم يكتب في خصوص أوراق معينة ولا أثر لذلك وقول البخاري أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر لم يوافق عليه فقد قال غيره غيره وقال المحققون إن ذلك يتعذر الحكم به وإنما يمكن بالنسبة إلى صحابي وبلد فيقال أصحها عن ابن عمر مالك عن نافع عنه وعن أبي هريرة الزهري عن سعيد بن المسيب عنه وأصح أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة وأصح أسانيد اليمانيين معمر عن همام عن أبي هريرة ونحو ذلك وأحسن من هذا أيضا الوقوف على اقتحام هذه فإن في خصوص الوارد ما قد يلزم الوقوف عن ذلك نعم قد يكون الراوي المعين أكثر ملازمة لمعين من غيره فيصير أدرى بحديثه وأحفظ له منه على معنى أكثر إحاطة بأفراد متونه وأعلم بعادته في تحديثه وعند تدليسه إن كان وبقصده عند إبهامه وإرساله ممن لم يلازمه تلك الملازمة أما في فرد معين فرض أن غيره ممن هو مثله في ملكة النفس من الضبط أو أرفع سمعه منه فأتقنه وحافظ عليه كما يحافظ على سائر محفوظاته يكون ذلك مقدما عليه في روايته بمعارضه ما هو إلا محض تحكم فإن بعد هذا الفرض لم يبق زيادة الآخر إلا بالملازمة وأثرها الذي يزيد به على الآخر إنما هو بالنسبة إلى مجموع متونه لا بالنسبة إلى خصوص متن وحينئذ فناهيك بسعيد بن جبير وقد روى عن ابن عمر وابن عباس خلافه وأما رواية الشافعي عن سليمان فحاصلها أن قول جماعة من الصحابة كذلك وكذا ما ذكر عن سهيل ولم يتبين من هم فيجوز كون بعضهم ممن تعارضت عنه الروايات مع اختلاف طبقاتهم في علو الحال والفقه كما أسمعناك عمن ذكروا وكون من ذهب إلى الخلاف المروي عنهم أفقه وأعلى منصبا ونحن قد أخرجنا ما قلناه عن الأكابر مثل عثمان وعلي بناء على ترجيح ما عارضنا
____________________
(4/194)
به وكذا عن زيد بن ثابت وهو من أكابرهم ممن أخذ ابن عباس رضي الله عنهم بركابه حين ركب قال هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكذا عن ابن عباس فيما قدمنا وكذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج الدارقطني عن ابن إسحاق حدثني محمد بن مسلم بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبدالرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة وهو أملك بردها ما دامت في عدتها وابن إسحاق صرح فيه بالتحديث وأخرج عبدالرزاق حدثنا معمر وابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة قال آلى النعمان من امرأته وكان جالسا عند ابن مسعود فضرب فخذه وقال إذا مضت أربعة أشهر فاعترف بتطليقه وأخرج نحو مذهبنا عن عطاء وجابر بن زيد وعكرمة وسعيد بن المسيب وأبي بكر ابن عبدالرحمن ومكحول وأخرج الدارقطني نحوه عن ابن الحنفية والشعبي والنخعي ومسروق والحسن وابن سيرين وقبيصة وسالم وأبي سلمة وهذا ترجيح عام وهو أن كل من قال من الصحابة بالوقوع بمجرد المضي يترجح على قول مخالفة لأنه لم يكن بد من كونه محمولا على السماع لأنه خلاف ظاهر لفظ الآية فلولا أنه مسموع لهم لم يقولوا به على خلافه ومن قال كقولهم لم يظهر في قولهم مثل ذلك لأنهم مع المتبادر من اللفظ فلا يلزم حمل قولهم على سماع واندرج في هذا من روى عنهم الشافعي من الصحابة وسهيل على أنه ليس في اللفظ المروي لسهيل حجة لأحد الفريقين أصلا قوله وإن كان حلف على الأبد هو أن يصرح بلفظ الأبد أو يطلق فيقول لا أقربك مقتصرا إلا أن تكون حائضا فليس بمول أصلا لأنه ممنوع بالحيض فلا يضاف المنع إلى اليمين وكذا لا أقربك حتى تقوم الساعة وحتى يلج الجمل في سم الخياط يكون موليا قوله إلا أنه لا يتكرر استثناء من لازم قوله فاليمين باقية فيما يتبادر فإنه يتبادر منه أن يقع أخرى عند مضي أربعة أشهر أخرى إذا كانت لم تنقض عدتها بعد وبه قال أبو سهل الشرغي وعليه مشى المرغياني وصاحب المحيط لأن حاصل اليمين المطلقة كلما مضت أربعة أشهر لم أجامعك فيها فأنت طالق ولو صرح بذلك كان الحكم كذلك فكذا إذا صرح بملزومه والمختار قول الكرخي إنه لا يقع إلا إذا تزوجها وعليه مشى في البدائع وتحفة الفقهاء وشرحي الإسبيجابي والجامع لأن وقوع الطلاق جزاء الظلم وقد تحقق في الأول بالحلف على ترك قربانها حال قيام العصمة فانعقد إيلاء وثبت حكمه من الوقوع عند مضي الأشهر جزاءا
____________________
(4/195)
لظلمه وليس للمبانة حق الوطء فلا ينعقد الإيلاء ثانيا ابتداء في حقها فلا يلزم حكم البر فيه بخلاف ما لو آلى حال قيام النكاح ثم أبانها تنجيزا ثم مضت مدة الإيلاء وهي في العدة حيث تقع الثانية لصحة الإيلاء لصدوره في حال يتحقق به ظلمه فيكون إذا صح بمنزلة تعليق البائن والبائن المعلق يلحق البائن المنجز في العدة على ما أسلفناه في ذيل الكنايات وبهذا التقرير يتضح لك الجواب عن قول أبي سهل إنه كقوله كلما مضت أربعة أشهر فأنت طالق وذلك لأن قوله والله لا أقربك أربعة أشهر إنما صار بمنزلة قول إذا مضت أربعة أشهر فأنت طالق إذا انعقد إيلاء شرعيا مستعقبا لحكمه من وقوع الطلاق بتقدير البر وانعقاد إيلاء إنما يكون حال كونه ظالما لأن ذلك الحكم هو جزاؤه فإذا لم يكن ظالما كان الثابت مجرد اليمين على ترك قربانها وهو أعم من الإيلاء فلا يستلزم فيبقى يمينا دون إيلاء فلا يصير كقوله كلما مضت أربعة أشهر فأنت طالق فيوفر عليه حكم اليمين المجردة وهو الكفارة بالوطء كما لو قال لأجنبية والله لا أقربك أبدا ثم تزوجها فلم يطأها حتى مضت أربعة أشهر لا تطلق ولو وطئها كفر للحنث كذا هذا ولذا قلنا إذا تزوجها بعد زوج آخر بعد وقوع الثلاث بواسطة تكرار النكاح في الإيلاء المطلق يلزمه الكفارة لو وطىء وإن لم يقع الطلاق لو مضت المدة دون وطء قوله ويعتبر ابتداء هذا الإيلاء من وقت التزوج أطلق في ذلك وكذا في الكافي وقيده في النهاية والغاية تبعا للتمرتاشي والمرغياني بما إذا كان التزوج بعد انقضاء العدة فأما إن كان فيها اعتبر ابتداؤه من وقت الطلاق ومثله لو آلى من زوجته مؤبدا ثم طلقها واحدة بائنة لا يبطل الإيلاء فإن مضت له أربعة أشهر وهو في العدة وقعت عليها طلقة وإن مضت بعد انقضائها لا يقع شيء فإن تزوجها بعد الانقضاء عاد الإيلاء ويعتبر ابتداؤه من وقت التزوج فلا يحتسب بما مضى قبله فلو تزوجها في العدة احتسب به قال في شرح الكنز وهذا لا يستقيم إلا على قول من قال إن طلاق يتكرر قبل التزوج وقد بينا ضعفه انتهى فالأولى اعتبار الإطلاق كما في الهداية قوله لتقيده بطلاق هذا الملك لأن الغرض منه المنع وذا إنما يحصل ببطلان حل يخاف بطلانه ولا يخاف بطلان حل سيوجد جديدا بعد التزوج بغيره لأنه غالب العدم على وزان ما قدمنا في مسئلة التنجيز وهو ما إذا علق طلاقها بالدخول
____________________
(4/196)
مثلا ثم نجز الثلاث فتزوجت بغيره ثم أعادها فدخلت لا تطلق خلافا لزفر فهذه فرع تلك وفيها خلاف زفر كتلك وكذا لو آلى من زوجته ثم طلقها ثلاثا بطل الإيلاء حتى لو مضت أربعة أشهر وهي في العدة لم يقع الطلاق خلافا لزفر ولو تزوجها بعد زوج آخر في الإيلاء المؤبد لا يعود الإيلاء خلافا له ولو بانت بالإيلاء مرة أو مرتين فتزوجت بغيره ثم عاد إليه عادت بثلاث تطليقات وتطلق كلما مضى عليها أربعة أشهر لم يجامعها فيها حتى تبين بثلاث وفيه خلاف محمد وهي مبنية على مسئلة الهدم وقد مرت قوله فإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا وقال به الأئمة الأربعة وأكثر العلماء وقالت الظاهريه والنخعية وقتادة وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق يصير موليا في قليل المدة وكثيرها فإن تركها أربعة أشهر بانت بطلقة لإطلاق الآية في ذلك فإن لم يقيد الإيلاء بكونه على أربعة أشهر فصاعدا بل خص بالأربعة مدة التربص وأطلق الحلف وكان أبو حنيفة أو لا يقول به ثم رجع إلى قول ابن عباس لما صح عنده فتواه بخلافه أخرج ابن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن سعيد عن عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إذا آلى من امرأته شهرا أو شهرين أو ثلاثة ما لم يبلغ الحد فليس بإيلاء وأخرج البيهقي عنه قال كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت الله عز وجل أربعة أشهر فإن كان أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء وأخرج ابن أبي شيبة نحوه عن عطاء وطاوس وسعيد بن جبير والشعبي ولا شك أن ظاهر الآية كقول من قال بأنه إيلاء والمعول عليه في دفعه قول الصحابي وكبار التابعين ممن ذكرنا فإن قول الصحابي في مثله ظاهر في السماع لكن يبقى فيه أنه زيادة على النص إذ هو تقييد لإطلاق الحلف في كونه إيلاء فلا يجوز إلا أن يكون فيه إجماع من الصحابة والمعنى الذي ذكر وهو أن المولى من لا يقدر على القربان في المدة إلا بشيء يلزمه وهذا ليس كذلك فرع كون أقل المدة أربعة أشهر وإلا فنحن
____________________
(4/197)
لا نقول به قلنا بعدم تقييد المدة المحلوف عليها بها فإثبات كون الأقل أربعة أشهر به مصادرة قوله لأن الامتناع عن قربانها في أكثرر المدة بلا مانع الخ قيل هو بناء على أنه أراد بالأقل من أربعة أشهر شهرا فإن وضع المسئلة في الأصل إذا حلف لا يقربها شهرا وإلا فالأقل من الأربعة لا يستلزم كون الامتناع إلا في بعض المدة مطلقا لا في أكثرها لجواز كون الحلف على ثلاثة أشهر وقيل لفظ أكثر مقحم وبعد ذلك التقريب ظاهر وقيل أراد بالأكثر تمام المدة أربعة أشهر سماها أكثر لأنها أكثر من المدة المحلوف عليها ولا إشكال حينئذ لأن المانع غير موجود في جميعها في جميع صور الحلف على أقل من أربعة أشهر واستضعفه في الكافي قال وإنما يصح أن لو قال في أكثر المدتين انتهى ووجهه أن أفعل التفضيل يلزم في إضافته إلى شيء كونه بعض ما أضيف إليه ولذا امتنع يوسف أحسن إخوته وخواص البشر أفضل الملائكة وليس الأربعة الأشهر التي هي المراد بالأكثر بعض المدة المضاف إليها لاستحالة كون الأربعة بعض ما هو أقل منها فلزم في صحته أن يقول أكثر المدتين يعني المدة المحلوف عليها ومدة الإيلاء وهي أربعة أشهر مدتان والثانية أكثرها ولا إشكال في أنه لو قال في بعض المدة كان أحسن وأسلم قوله وشهرين بعد هذين الشهرين إلى آخر المسئلة الثانية لفظ بعض الشهرين ليس قيدا في حكم المسئلة الأولى بل قيد في الثانية فقط ولفظ يوما في الثانية ليس قيدا لا فرق بين مكثه يوما أو ساعة وقيل تكرير اليمين في مجلس أو مجالس وبينهما أقل من يوم تنجيز عند أبي حنيفة وأبي يوسف فقيد بمكثه يوما لتكون المسئلة اتفاقية وهذا بعيد لأن إثبات المذهب نصوا على أن قوله والله لا أفعل كذا والله لا أفعل كذا يمينان ولم يحك فيه خلاف وإنما حكى في قوله والله والله لا أفعل فذكروا أن ظاهر الرواية أنهما يمينان وفي نوادر
____________________
(4/198)
ابن سماعة يمين واحدة وفي المنتفى جعل كونهما يمينين قياسا وكونهما يمينا واحدة استحسانا وفرع في الدراية في آخر الباب من غير أن يعزوه والله لا أقربك مرارا في مجلس واحد تتعدد الكفارة وتطلق ثلاثا يتبع بعضها بعضا قياسا وهو قول محمد وزفر وواحدة استحسانا وهو قولهما وهو خلاف الأشهر ولو قال في الثانية بعد يوم والله لا أقربك شهرين ولم يزد على ذلك لا يكون موليا أيضا لكن لا لما في الكتاب بل لتداخل المدتين فتتأخر المدة الثانية عن الأولى بيوم واحد أو بساعة بحسب ما فصل به بين اليمينين فالحاصل من حلفيه الحلف على شهرين ويوم أو ساعة على حسب الفاصل والأصل في جنس هذه المسائل أن الإيلاء يوجب طلاقا في البر وكفارة في الحنث وأنه لا تلازم بين كونه إيلاء ويمينا كما قدمنا فلذلك قد يتعدد البر والحنث وقد يتحدان وقد يتعدد البر ويتحد الحنث وقلبه وتعدد البر بتعدد المدة لأنه بتعدد الإيلاء وهو بتعدد الظلم وهو بتعدد مدة المنع وما لم يجب تعددها من اللفظ كانت المدتان متداخلتين وتعدد اليمين بتعدد اسم الله أو تكرار حرف لا داخلة على المدة ومن زاد السكوت لم يحتج إليه لأن الاسم الكريم يتكرر بعد السكوت ولو كان الحلف بغير الاسم الكريم لم يلزم التعدد من تعدده في التجريد عن أبي حنيفة رحمه الله إذا حلف بأيمان عليه لكل يمين كفارة والمجلس والمجالس سواء ولو قال عنيت بالثاني الأول لم يستقم في اليمين بالله تعالى ولو حلف بحجة أو عمرة يستقيم مثال تعددهما إذا جاء غد فوالله لا أقربك إذا جاء بعد غد فوالله لا أقربك أما إنهما يمينان فلتعدد الذكر وأما أنهما إيلاءان فلتعدد المدة فإن تركها أربعة أشهر من اليوم الأول بر في الأولى وبانت فإذا مضى يوم آخر بر في الثانية وطلقت أيضا ولو قربها بعد الغد تجب كفارتان وإن أطلق لزومهما في الكافي ولو قربها في الغد لزمته كفارة واحدة لأن الغد لم ينعقد عليه إلا يمين واحدة وتعدد الكفارة بتعدد اليمين ونظيره في النوازل قال والله لا أكلمه يوما والله لا أكلمه شهرا والله لا أكمله سنة إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاث أيمان وإن كلمه بعد الغد فعليه يمينان وإن كلمه بعد شهر فعليه يمين واحدة وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه ومن تعددهما والله لا أقربك أربعة أشهر والله لا أقربك أربعة أشهر أخرى بعد هذه الأربعة الأشهر وكذا والله لا أقربك أربعة أشهر ولا أربعة أشهر أخرى بعد هذه الأربعة الأشهر إلا أنه تعدد بتعدد المدة بلا تداخل فلا يتصور في قربان واحد كفارتان وهذه
____________________
(4/199)
نظير مسئلة الهداية في عدم تداخل المدتين أعني قوله والله لا أقربك شهرين ثم بعد يوم قال والله لا أقربك شهرين بعد هذين الشهرين فإنه ليس بإيلاء كما ذكر ولكن تتداخل المدتان فلو قربها في الشهرين الأولين لزمته كفارة واحدة وكذا في الشهرين الآخرين لأنه لم يجتمع على شهرين يمينان بل على كل شهرين يمين واحدة وقد توارد شروح الهداية من النهاية وغاية البيان على الخطأ عند كلامهم على هذه المسئلة فاحذره فلو قربها في الأربعة الأولى لزمته كفارة واحدة وكذا في الأربعة الثانية ولو كان أطلق فقال والله لا أقربك ثم بعد ساعة فصاعدا قال والله لا أقربك ثم بعد ساعة قال كذلك فقربها بعد اليمين الثالثة لزمه ثلاث كفارات للتداخل في المحلوف عليه ولو لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت بتطليقة وعند تمام الثانية وهو ساعة بعدها تبين بأخرى إذا كانت في العدة وعند تمام الثالثة بثالثة بلا خلاف بخلاف ما مضى في الكتاب في تأبيد اليمين فإن الإيلاءات هناك تنزل متعاقبة بواسطة تأبيد اليمين الواحدة فجاء الخلاف في أنه هل ينعقد الإبلاء الثاني في العدة أو لا ومن منعه قال لا يبتدأ الإيلاء إلا في حال يكون بالمنع ظالما أما هنا فالإيلاءات الثلاثة صرح بها في حال العصمة وهو حال تحقق ظلمه بها فلا يتوقف وقوع الثانية على قيام النكاح ولو كان قال متين فقط لم تقع الثالثة إلا إذا تزوجها فيقع بحكم تأبيد اليمين إذا مضت أربعة أشهر من وقت التزوج ومثال اتحادهما والله لا أقربك أربعة أشهر أو لا أقربك شهرين وشهرين وفي الكافي في نظيره كلما كلمت واحدا من هذين فوالله لا أقربك فكلمتهما معا وليس للتقييد بذلك فائدة فإن بتكليمهما معا لم تنحل اليمين بل لو كلمت أحدهما بعدهما تبت الإيلاء فالظاهر كون هذا من صور تعدد البر فإن علة التعدد فيما بعد هذه بعينها في هذه ومثال تعدد البر واتحاد اليمين كلما دخلت هذه الدار فوالله لا أقربك فدخلتها في يوم ثم في يوم آخر ثم في يوم آخر فإن قربها تجب كفارة واحدة وإن تركها أربعة أشهر من اليوم الأول بانت بتطليقة فإذا مضى يوم آخر بانت بأخرى وإذا مضى يوم آخر بانت بالثالثة وفي هذا المثال نظر لأن الحلف بالله وقع جزاءا لشرط متكرر فيلزم تكرره ولا يشكل بأنه لاحلف عند الشرط الثاني والثالث لأنه لم يوجد فيه ذكر اسم الله تعالى وإلا لزم أن لا حلف عند الشرط الأول أيضا ومع ذلك ثبت الحلف عنده ولعله اشتبه والله كلما دخلت لا أقربك بكلما دخلت فوالله لا أقربك وكذا لو قال كلما دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا إن قربتك يتعدد برا وكلما دخلت انعقدت مدة يقع بمضيها واحدة بائنة ولا يتصور حنثه إلا مرة واحدة لتعذر وقوع شيء آخر بعد الثلاث ونحوه كلما دخلت فعبدي حر إن قربتك سواء ومثال اتحاد الإيلاء وتعدد اليمين إذا جاء غد فوالله لا أقربك ثم قال في المجلس إذا جاء غد فوالله لا أقربك فهو إيلاء واحد في حكم البر حتى لو مضت أربعة أشهر من الغد طلقت وإن قربها فعليه كفارتان لاتحاد المدة وتعدد الإسم وكذا والله لا أقربك أربعة أشهر ولا أربعة أشهر من غير أن يزيد لفظ أخرى أو نحوه واعلم أن هذه خلافية وصورتها في الخلافيات لو قال والله لا أقربك والله لا أقربك
____________________
(4/200)
والله لا أقربك في ثلاثة مجالس فكل من اليمين والإيلاء ثلاثة وإن كان في مجلس واحد فإن أراد به التكرار فاليمين واحد والإيلاء واحد وإن لم ينو شيئا أو أراد التشديد والتغليظ وهو الابتداء دون التكرار فالأيمان ثلاثة إجماعا والإيلاء ثلاثة قياسا وهو قول محمد حتى إذا مضت أربعة أشهر ولم يقربها تبين بطلقة ثم عقيبها تبين بأخرى ثم بأخرى إلا أن تكون غير مدخول بها فلا يقع إلا واحدة وإن قربها وجب عليه ثلاث كفارات وفي الاستحسان وهو قولهما الإيلاء واحد فلا يقع إلا واحدة ويجب بالقربان ثلاث كفارات لأن الشرط الواحد يكفى لأيمان كثيرة ولما كانت المدة متحدة كان المنع متحدا فلا يتكرر الإيلاء قوله لم يكن موليا أي في الحال لأنه يكون موليا إذا قربها وبقي بعد يوم القربان أربعة أشهر فصاعدا إلى تمام السنة حتى لو تركها بعد ذلك القربان أربعة أشهر وقعت تطليقه قوله اعتبارا بالإجارة وهو ما إذا قال أجرتك سنة إلا يوما ينصرف اليوم إلى آخر السنة وكذا إذا قال في الصور المذكورة سنة إلا نقصان يوم يكون موليا صرفا له إلى الآخرة وبما إذا أجل الدين قوله وههنا يمكنه لأن المستثنى يوم منكر فيصدق على كل يوم من أيام تلك السنة حقيقة فيمكنه أن يطأها قبل مضي أربعة أشهر من غير شيء يلزمه اعتبارا ليوم الوطء اليوم المستثنى بخلاف ما قاس عليه فإن المعين لكون اليوم المستثنى آخر السنة ليس اللفظ بل تصحيح الإجارة فإنها تبطل بالجهالة وفي الحمل على حقيقته حتى يصير شائعا في السنة لا تتعين مدة الإجارة والنقصان ينصرف إلى الآخر وكذا المقصود من تأجيل الدين تأخير المطالبة فتتعين بدلالة الحال والذي يشكل الفرق بينه وبين قوله والله لا أكلم زيدا سنه إلا يوما ينصرف إلى اليوم الأخير وجواب صاحب النهاية بأن المعين الحامل وهو المغايظة المقتضية لعدم كلامه في الحال منظور فيه بأنه مشترك
____________________
(4/201)