شرح فتح القدير للسيواسي
____________________
(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين على ما ألهم وعلم من العلم مالم نعلم
____________________
(1/5)
والصلاة والسلام على خير خلقه محمد
____________________
(1/6)
النبي الأكرم المبعوث إلى سائر الأمم بالشرع الأقوم والمنهج الأحكم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد فهذا تعليق على كتاب الهداية للإمام العلامة برهان الدين أبي الحسن على بن أبي بكر بن عبد الجليل
____________________
(1/7)
الرشدانى المرغينانى شيخ الإسلام أسكنه الله برحمته دار السلام شرعت في كتابته في شهور سنة تسع وعشرين وثمانمائة عند الشروع في إقرائه لبعض الإخوان أرجو من كرم الله سبحانه أن يهدينى فيه صوب الصواب
____________________
(1/8)
وأن يجمع فيه أشتات ما تفرق من لب اللباب ليكون عدة لطالبى الرواية ومرجعا لصارفى العناية في طلب الهداية وإياه سبحانه اسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وموجبا لرضاه الموصل إلى جنات النعيم
هذا وإنى كنت قرأت تمام الكتاب سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة على وجه الإتقان والتحقيق على سيدى الشيخ الإمام بقية المجتهدين وخلف الحفاظ المتقنين سراج الدين عمر بن على الكنانى الشهير بقارىء الهداية تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوبة جنته وهو قرأه على مشايخ عظام تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته وهو قرأه على مشايخ عظام من جملتهم الشيخ الإمام شيخ الإسلام علاء الدين السيرامى وهو
____________________
(1/9)
عن شيخه السيد الإمام جلال الدين شارح الكتاب وهو عن شيخه قدوة الأنام بقية المجتهدين علاء الدين عبد العزيز النجارى صاحب الكشف والتحقيق وهو عن الشيخ الكبير أستاذ العلماء حافظ الدين النسفى وهو عن شيخه
____________________
(1/10)
الإمام شمس الدين محمد بن على بن عبد الستار بن محمد الكردرى وهو عن شيخه شيخ مشايخ الإسلام حجة الله تعالى على الأنام المخصوص بالعناية صاحب الهداية فهذا طريق العبد الضعيف في هذا الكتاب وقرأته قبله من أوله إلى فصل الوكالة بالنكاح أو نحوه على قاضى القضاة جمال الدين الحميدى بالإسكندرية وبها قرأت بعضه أيضا على الشيخ زين الدين المعروف بالإسكندرى الحنفى بقية المجتهدين والمحققين تغمدهم الله برحمته أجمعين
____________________
(1/11)
ولما جاء بفضل الله ورحمته أكبر من قدرى بما لا ينتسب بنسبة علمت أنه من فتح جود القادر على كل شيء فسميته ولله المنة فتح القدير للعاجز الفقير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم = كتاب الطهارات
جمعها على إرادة الأنواع باعتبار متعلقها من الحدث والخبث وآلتها من الماء والتراب وسبب وجوبها قبل الحدث والخبث
ورد بأنهما ينقضانها فكيف يوجبانها وقد يقال لا منافاة بين نقضها شرعا الصفة
____________________
(1/12)
الحاصلة عن تطهير سابق وإيجاب تطهير آخر مستأنف
والأولى أن يقال السببية إنما تثبت بدليل الجعل لا بمجرد التجويز وهو مفقود واختاروا أنه إرادة مالا يحل إلا بها ولا يخفى أن مجرد الإرادة لا يظهر وجه إيجابها شيئا لأنها لا تستلزم لحقوق الشروع المستلزم عدم الطهارة في الصلاة لو لم تقدم فحقيقة سببها وجوب ما لا يحل إلا بها لما عرف أن إيجاب الشيء يتضمن إيجاب شرطه لا لفظا لغة وكون الإرادة مضمرة في قوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } يفيد تعليق وجوب الطهارة بالإرادة المستحقة للشروع وليس ذلك إلا لأن الشروع مشروط بها فآل الأمر إلى أن وجوبها بسبب فعل مشروطها إلا أن وجوبها بوجوبه ظاهر وأما بنقله فليس فيه إلا الإرادة إذ لا وجوب إلا بعد الشروع عند بعض الأئمة ولا نعلم قائلا بوجوب الطهارة بمجرد إرادة النافلة حتى يأثم بتركها وإن لم يصلها وجعلها سببا بشرط الشروع يوجب تأخر وجوب الوضوء وفيه محذور فإن
____________________
(1/13)
إيجابه شرطا بإيجاب تقديمه عليه
ويمكن كون إرادة النافلة سبب وجود أحد الأمرين إما الوضوء وإما ترك النافلة على معنى عدم الخلو فيجوز اجتماعهما فهى حينئذ سبب وجوب واجب مخير فيصدق أنها سبب وجوبه في الجملة وهذا كله على تقدير كونها سبب وجوب الأداء أما إذا جعلت سبب أصل الوجوب فالإشكال أخف
وأركانها في الحدث الأصغر أربعة مذكورة في الكتاب وفي الأكبر غسل ظاهر البدن والفم والأنف وفي الخبث إزالة العين بالمائع الطاهر واستعماله ثلاثا فيما لا يرى قوله بهذا النص لنفى أن وجوب غسل الرجل بالحديث فقط ووجهه أن قراءة نصب الرجل عطف على المغسول وقراءة جرها ك 4 ذلك والجر للمجاوره
وعليه أن يقال بل هو عطف على المجرور وقراءة النصب عطف على محل الرؤوس وهو محل يظهر في الفصيح وهذا أولى
____________________
(1/14)
لتخريج القراءتين به على المطرد بخلاف تخريج الجر على الجوار
وقول ابن الحاجب إن العرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى ولكل متعلق جوزت حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور كأنه متعلقه كقولهم متقلدا سيفا ورمحا وتقلدت بالسيف والرمح وعلفتها تبنا وماء باردا والحمل على الجوار ليس بجيد إذا لم يأت في القرآن ولا كلام فصيح انتهى إنما يتم إذا كان إعراب المتعلقين من نوع واحد كما في علفتها وسقيتها وهنا الإعراب مختلف لأنه على ما قال يكون الأرجل منصوبا لأنه معمول اغسلوا المحذوف فحين ترك إلى الجر لم يكن إلا لمجاورة إعراب الرؤوس فما هرب منه وقع فيه
فإن قلت حاصل هذا تجويز أن يراد بالنص هذا الوجه من الاستعمال وتجويزه لا يوجب وقوعه بل حتى توجبه قرينة كتعيين بعض مفاهيم المشترك وذلك منتف هنا
فالجواب بل ثابت وهو إطباق رواة وضوئه صلى الله عليه وسلم على حكاية الغسل ليس غير فكانت السنة قرينة منفصلة توجب إرادة استعمال الموافق لها بالنص هذا
وقد ورد الحمل على الجوار في بعض الأحاديث
فإن صحت وقلنا بجواز الاستدلال بالحديث في العربية لم يصح قوله ولا كلام فصيح وفي المسئلة ثلاث مذاهب الإطلاق والمنع والتفصيل بين كون الراوى عربيا فنعم أو عجميا فلا
وحل النصب على حالة ظهور الرجل والجر على المسح حالة استتارها بالخلف حملا للقراءتين على الحالتين
قال في شرح المجمع فيه نظر لأن الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة ولا حكما لأن الخف اعتبر مانعا سراية الحدث إلى القدم فهى طاهرة وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة وحكما قوله والغسل الإسالة يفيد أن الدلك ليس من حقيقته خلافا لمالك فلا يتوقف تحققه عليه ومرجعهم فيه قول العرب غسلت المطر الأرض وليس في ذلك إلا الإسالة وهو ممنوع بأن وقعها من علو خصوصا مع الشدة والتكرار أي ذلك وهم لا يقولونه إلا إذا نظفت الأرض وهو إنما يكون بذلك وبأنه غير مناسب للمعنى المعقول من شرعية الغسل وهو تحسين هيئة الأعضاء الظاهرة للقيام بين يدى الرب سبحانه وتعالى تخفيفا وإلا فالقياس الكل والناس بين حضرى وقروى خشن الأطراف لا يزيل ما استحكم في خشونتها إلا الدلك فالإسالة لا تحصل مقصود شرعيتها ثم حد الإسالة التي هي الغسل أن يتقاطر الماء ولو قطرة عندهما وعند أبي يوسف يجزىء إذا سال على العضو وإن لم يقطر قوله من قصاص الشعر خرج مخرج العادة وإنما طوله من مبدإ سطح الجبهة إلى أسفل اللحيين حتى لو كان أصلع لا يجب من قصاصه ويجزىء المسح على الصلعة في الأصح والقصاص مثلث القاف قوله وإلى شحمتى الأذن يعطى ظاهره وجوب
____________________
(1/15)
إدخال البياض المعترض بين العذار والأذن بعد نباته وهو قولهما خلافا لأبي يوسف لأن المسقط هو النابت ولو يقم به ويعطى أيضا وجوب الإسالة على شعر اللحية لأنه أوجب غسل الوجه وحده بذلك واختلفت فيه الروايات عند أبي حنيفة فعنه يجب مسح ربعها وعنه مسح ما يلاقى البشرة وعنه لا يتعلق به شيء وهو رواية عن أبي يوسف وعن أبي يوسف استيعابها
وأشار محمد رحمه الله في الأصل إلى أنه يجب غسل كله قيل وهو الأصح
وفي الفتاوى الظهيرية وعليه الفتوى لأنه قام مقام البشرة فتحول الفرض إليه كالحاجب
وقال في البدائع عن أبن شجاع أنهم رجعوا عما سوى هذا كل هذا في الكثة أما الخفيفة التي ترى بشرتها فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها ولو أمر الماء على شعر الذقن ثم حلقه لا يجب غسل الذقن
وفي البقالى لو قص الشارب لا يجب تخليله وإن طال يجب تخليله وإيصال الماء إلى الشفتين وكأن وجهه أن قطعه مسنون فلا يعتبر قيامه في سقوط غسل ما تحته بخلاف اللحية فإن إعفاءها هو المسنون بخلاف ما لو نبتت جلدة لا يجب قشرها وإيصال الماء إلى ما تحتها بل لو أسال عليها أجزأ لأنه مخير في قشرها إذ لم ينقل فيه سنة والأصل العدد فلم يعتبر قيامها مانعا من الغسل والمصنف في التجنيس عد إيصال الماء إلى منابت شعر الحاجبين والشارب من الآداب من غير تفصيل وأما الشفة فقيل تبع للفم
وقال أبو جعفر ما انكتم عند انضمامه تبع له وما ظهر فللوجه
وفي الجامع الأصغر إن كان وافر الإظفار وفيها درن أو طين أو عجين أو المرأة تضع الحناء جاز في القروى والمدنى
قال الدبوسى هذا صحيح وعليه الفتوى وقال الإسكاف يجب إيصال الماء إلى ما تحته إلا الدرن لتولده منه
وقال الصفار فيه يجب الإيصال إلى ما تحته إن طال الظفر وهذا حسن لأن الغسل وإن كان مقصورا على الظواهر لكن إذا طال الظفر يصير بمنزلة عروض الحائل كقطرة شمعة ونحوه لأنه عارض
وفي النوازل يجب في المصرى لا القروى لأن دسومة أظفار المصرى مانعة وصول الماء بخلاف القروى ولو لزق بأصل ظفره طين يابس ونحوه أو بقى
قدر رأس الإبرة من موضع الغسل لم يجز ولا يجب نزع الخاتم وتحريكه إذا كان واسعا والمختار في الضيق الوجوب ولو قطعت يده أو أرجله فلم يبق من المرفق والكعب شيء يسقط الغسل ولو بقى وجب ولو طال أظفاره حتى خرجت عن رؤوس الأصابع وجب غسلها قولا واحدا ولو خلق له يدان على المنكب فالتامة هى الأصلية يجب غسلها والأخرى زائدة فما حاذى منها محل الفرض وجب غسله ومالا فلا قوله هو يقول الغاية لا تدخل أي أن الغاية المذكورة هنا لا تدخل تحت المغيا فاللام للعهد الذكرى غايته أنه لم يبين وجهه
____________________
(1/16)
وقوله كالليل في الصوم تنظير لا قياس لعدم الجامع فاندفع ما قيل المقرر في الأصول لزفر الاستدلال بتعارض الأشباه وهو أن من الغايات ما يدخل ومنها مالا فاحتملت هذه كلا منهما فلا تدخل بالشك وأيضا ما بعد المرفق والكعب في دخوله في مسمى اليد والرجل اشتباه فبتقدير دخوله تدخل وبعدمه لا للأصل المقرر وهو أن ما بعد الغاية إن دخل في المسمى لولا ذكرها دخل وإلا فلا تدخل بالشك وما أورد على هذا الأصل من أنه لو حلف لا يكلم فلانا إلى غد لا يدخل مع أنه يدخل لو تركت الغاية غير قادح فيه لأن الكلام هنا في مقتضى اللغة والأيمان تبنى على العرف وجاز أن يخالف العرف اللغة وكونه صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرافقه لا يستلزم الافتراض لجواز كونه على وجه السنة كالزيادة في مسح الرأس إلى أن استوعبه ولا مخلص إلا بنقل دخولها في المسمى لغة وهو أوجه القولين بشهادة غلبة الاستعمال به وكونه إذا كان كذلك فتكون الغاية داخلة لغة وأيضا على تقدير ما قال يثبت الإجمال في دخولها فيلتحق به قوله عليه الصلاة والسلام ويل للعراقيب من النار بيانا للتوعد على تركه فيكون اقتصاره صلى الله عليه وسلم على المرافق وقع بيانا للمراد من اليد فيتعين دخول ما أدخله
وقوله اغسل يدك للأكل من إطلاق اسم الكل على البعض اعتمادا على القرينة قوله هو الصحيح احترازا عما روى هشام عن محمد رحمه الله أنه الذي في وسط الرجل عند معقد الشراك فإن مراد محمد بذلك الكعب الذي يقطع المحرم أسفله من الخلف إذا لم يجد نعلين قوله والكتاب مجمل أي في حق الكمية لكن الشافعي رحمه الله يمنعه ويقول هذا
____________________
(1/17)
مطلق لا مجمل وإنه لم يقصد إلى كمية مخصوصة أجمل فيها بل إلى الإطلاق ليسقط بأدنى ما يطلق عليه مسح الرأس على أن الذي في حديث المغيرة مسح على ناصيته لا يقتضى استيعاب الناصية لجواز كون ذكرها لدفع توهم أنه مسح على الفود أو القذال فلا يدل على مطلوبكم ولو نظرنا إليه على ما رواه مسلم عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته كان محل النزاع في الباء كالآية أنها للتبعيض أولا ولو قلنا إنها للإلصاق لزم التبعيض بصريح تقريركم في قوله تعالى { وامسحوا برؤوسكم } لدخولها على المحل كما سنذكر فالأولى أن يستدل برواية أبي داود عن أنس رضى الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يديه من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه وسكت عليه أبو داود فهو حجة وظاهره استيعاب تمام المقدم وتمام مقدم الرأس هو الربع المسمى بالناصية
وقطرية بكسر القاف وسكون الطاء المهملة ثياب حمر لها أعلام منسوبة إلى قطر موضع بين عمان وسيف البحر عن الأزهرى وقال غيره ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة ومثله ما رواه البيهقي عن عطاء أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة ومسح مقدم رأسه أو قال ناصيته فإنه حجة وإن كان مرسلا عندنا كيف وقد اعتضد بالمتصل
بقى شيء وهو أن ثبوت الفعل كذلك لا يستلزم نفى جواز الأقل فلا بد فيه من ضم الملازمة القائلة لو جاز الأقل لفعله مرة تعليما للجواز وتسلم وقد تمنع بأن الجواز إذا كان مستفادا من غير الفعل لم يحتج إليه فيه وهنا كذلك نظرا إلى الآية فإن الباء فيها للتبعيض وذلك لا يفيد نفى جواز الأقل فيرجع البحث إلى دلالة الآية ونقول فيه أن الباء للإلصاق وهو المعنى المجمع عليه لها بخلاف التبعيض فإن المحققين من أئمة العربية ينفون كونه معنى مستقلا للباء بخلاف ما إذا جاء في ضمن الإلصاق كما فيما نحن فيه فإن إلصاق الآلة بالرأس الذي هو المطلوب لا يستوعب الرأس فإذا ألصق فلم يستوعب خرج عن العهدة بذلك البعض لا لأنه هو المفاد بالباء وتمام تحقيقه فيما كتبناه على البديع في الأصول وحينئذ يتعين الربع لأن اليد إنما تستوعب قدرة غالبا فلزم وأما رواية جواز قدر الثلاث الأصابع وإن صححها بعض المشايخ نظرا إلى أن الواجب إلصاق اليد والأصابع أصلها ولهذا يلزم كمال دية اليد بقطعها
____________________
(1/18)
والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل وهو المذكور في الأصل فيحمل على أنه قول محمد رحمه الله لما ذكر الكرخى والطحاوى عن أصحابنا أنه مقدار الناصية ورواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله ويفيد أنها غير المنصور رواية قول المصنف وفي بعض الروايات قدره ودراية أن المقدمة الأخيرة في حيز المنع لأن هذا من قبيل المقدر الشرعي بواسطة تعدى الفعل إلى تمام اليد فإن به يتقدر قدرها من الرأس وفيه يعتبر عين قدره وقولنا عين قدره لأنه لو أصاب المطر قدر الفرض سقط ولا تشترط إصابته باليد لأن الآلة لم تقصد إلا للإيصال إلى المحل فحيث وصل استغنى عن استعمالها ولو مسح ببلل في يده لم يأخذه من عضو آخر جاز لا إن أخذه ولو بأصبع واحدة مدها قدر الفرض جاز عند زفر وعندنا لا يجوز وعللوا بأن البلة صارت مستعملة وهو مشكل بأن الماء لا يصير مستعملا قبل الانفصال وما قيل الأصل ثبوت الاستعمال بنفس الملاقاة لكنه سقط في المغسول للحرج اللازم بإلزام إصابة كل جزء بإسالة غير المسال على الجزء الآخر ولا حرج في المسح لأنه يحصل بمجرد الإصابة فبقى فيه على الأصل دفع بأنه مناقض لما علل به لأبي يوسف رحمه الله في مسئلة إدخال الرأس الإناء فإن الماء طهور عنده فقالوا المسح حصل بالإصابة والماء إنما يأخذ حكم الاستعمال بعد الانفصال والمصاب به لم يزايل العضو حتى عدل بعض المتأخرين إلى التعليل بلزوم انفصال بلة الأصبع بواسطة المد فيصير مستعملا لذلك بخلاف المصاب في إدخال الرأس الإناء وهذا كله يستلزم أن مد أصبعين لا يجوز وقد صرحوا به وكذا يستلزم عدم جواز مد الثلاث على القول بأنه لا يجزىء أقل من الربع وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لأنه إن أخذ الاستعمال بالملاقاة أو انتقلت البلة لزم ذلك لكنى لم أر في مد الثلاث إلا الجواز واختيار شمس الأئمة أن المنع في مد الأصبع والاثنتين غير معلل باستعمال البلة بدليل أنه لو مسح بأصبعين في التيمم لا يجوز مع عدم شيء يصير مستعملا خصوصا إذا تيمم على الحجر الصلد بل الوجه عنده أنا مأمورون بالمسح باليد والأصبعان منها لا تسمى يدا بخلاف الثلاث لأنها أكثر ما هو الأصل فيها وهو حسن لكنه يقتضى تعيين الإصابة باليد وهو منتف بمسئلة المطر
وقد يدفع بأن المراد تعيينها أو ما يقوم مقامها من الآلات عند قصد الإسقاط بالفعل اختيارا غير أن لازمه كون تلك الآلة هي غير اليد مثلا قدر ثلاث أصابع من اليد حتى لو
____________________
(1/19)
كان عودا مثلا لا يبلغ ذلك القدر قلنا بعدم جواز مده
وقد يقال عدم الجواز بالأصبع بناء على أن البلة تتلاشى وتفرغ قبل بلوغ قدر الفرض بخلاف الأصبعين فإن الماء ينحمل فيه بين الأصبعين المضمومتين فضل زيادة تحتمل الامتداد إلى قدر الفرض وهذا مشاهد أو مظنون فوجب إثبات الحكم باعتباره فعلى اعتبار صحة الاكتفاء بقدر ثلاث أصابع يجوز مد الأصبعين لأن ما بينهما من الماء يمتد قدر أصبع ثالث وعلى اعتبار توقف الإجزاء على الربع لا يجوز لأن ما بينهما مما لا يغلب على الظن إيعابه الربع إلا أن هذا يعكر علية عدم جواز التيمم بأصبعين وأما الجواز بجوانب الأصبع فإنه بناء على رواية الاكتفاء بثلاث أصابع ولو أدخل رأسه إناء ماء ناويا للمسح فعند أبي يوسف يجوز عن الفرض والماء طهور وعند محمد لا يجوز والماء مستعمل وقول أبي يوسف أحسن لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال إلا بعد الانفصال والذي لاقى الرأس من أجزائه لصق به فطهره وغيره لم يلاقه فلم يستعمل وفيه نظر ثم محل المسح ما فوق الأذنين فلو مسح على شعره أجزأه بخلاف ما لو كانت ذؤابتاه مشدودتين على رأسه فمسح على أعلاهما فإنه لا يجوز والمسنون في كيفية المسح أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه آخذا إلى قفاه على وجه يستوعب ثم يمسح أذنيه على ما يذكره وأما مجافاة السباحتين مطلقا ليمسح بهما الأذنين والكفين في الإدبار ليرجع بهما على الفودين فلا أصل له في السنة لأن الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال والأذنان من الرأس حتى جاز اتحاد بلتهما ولأن أحدا ممن حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنه ذلك فلو كان ذلك من الكيفيات المسنونة وهم شارعون في حكايتها لترتكب وهي غير متبادرة لنصوا عليها
وفي فتاوى أهل سمرقند إذا دهن رجليه ثم توضأ وأمر الماء على رجليه ولم يقبل الماء للدسومة جاز الوضوء لأنه وجد غسل الرجلين
واعلم أن حديث المغيرة المذكور في الكتاب تمام متنين رواهما المغيرة أحدهما ما قدمناه من رواية مسلم عنه أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح بناصيته على الخفين والآخر رواه أبن ماجة عنه أنه عليه الصلاة والسلام أتى سباطة قوم فبال قائما فجمع القدورى بين مرويى المغيرة ووهم الشيخ علاء الدين إذ جعله مركبا من حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وخفيه ومن حديث حذيفة في السباطة والبول قائما وهو يقتضى تخطئة القدورى في نسبة حديث السباطة إلى المغيرة وليس كذلك بل قد رواه أيضا المغيرة كما أخرجه ابن ماجة قوله وسنن الطهارة إضافة الشيء إلى ما هو أعم منه من وجه لصدق السنة مع الطهارة في طهارة مسنونة
____________________
(1/20)
وسنة بلا طهارة في سنة مثلا صلوية وطهارة بلا سنة في طهارة واجبة فعلت على غير وجه السنة
واللام فيه للعهد يعنى الطهارة المذكورة وهي الوضوء فاندفع لزوم كون السنن المذكورة سننا لغير الوضوء من أنواع الطهارة
والسنة ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم مع تركه أحيانا قوله غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إذا استيقظ الخ الحديث المذكور في الصحيحين بغير نون التوكيد وأما بها ففى مسند البزار من حديث هشام بن حسان ولفظه فلا يغمسن يده في طهوره حتى يفرغ عليها ثلاثا ثم غسلهما هذا يقع على الفرض فهو فرض تقديمه سنة ولذا قال محمد رحمه الله في الأصل بعد غسل الوجه ثم يغسل ذراعيه
وأما تعليقه بالاستيقاظ فمنهم من أطلق فيه ومنهم من قيده بما إذا نام مستنجيا بالأحجار أو متنجس البدن أما لو نام متيقنا طهارتهما مستنجيا بالماء فلا يسن له
وقيل بأنه سنة مطلقا للمستيقظ وغيره في ابتداء الوضوء وهو الأولى لأن من حكى وضوءه عليه الصلاة والسلام قدمه وإنما يحكى ما كان دأبه وعادته لا خصوص وضوئه الذي هو عن نوم بل الظاهر أن اطلاعهم على وضوئه عن غير النوم نعم مع الاستيقاظ وتوهم النجاسة السنة آكد أما الوجوب فإنما يناط بتحقق النجاسة قوله وتسمية الله تعالى لفظها المنقول عن السلف وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم باسم
____________________
(1/21)
الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام وقيل الأفضل بسم الله الرحمن الرحيم بعد التعوذ وفي المجتبى يجمع بينهما وفي المحيط لو قال لا إله إلا الله أو الحمد لله أو أشهد أن لا إله إلا الله يصير مقيما للسنة وهو بناء على أن لفظ بسم أعم مما ذكرنا
ولفظ أبي داود لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر أسم الله عليه وضعف بالانقطاع وهو عندنا كالإرسال بعد عدالة الرواة وثقتهم لا يضر ورواه ابن ماجة من حديث كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال لا وضوء لمن لم يذكر أسم الله عليه وأعل بأن ربيحا ليس بمعروف
ونوزع في ذلك عن أبي زرعة ربيح شيخ وقال ابن عمار ثقة وقال البزار روى عنه فليح بن سليمن وعبد العزيز الدراوردى وكثير بن زيد وغيرهم قال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء فقال أحسن ما فيها حديث كثير بن زيد ولا أعلم فيها حديثا ثابتا وأرجو أن يجزئه الوضوء لأنه ليس فيه حديث أحكم به اه قوله والأصح أنها مستحبة الخ يجوز كون مستنده فيه ضعف الأحاديث ويجوز كونه بحديث المهاجر بن قنفذ قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد على فلما فرغ قال إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى كنت على غير وضوء رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ورواه أبو داود من حديث محمد بن ثابت العبدى حدثنا نافع قال انطلقت مع عبد الله بن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما قضى حاجته كان من حديثه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول إذ سلم عليه رجل فلم يرد عليه السلام ثم إنه ضرب بيده الحائط فمسح وجهه مسحا ثم ضرب ضربة فمسح ذراعيه إلى المرفقين ثم كفه وقال إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى لم أكن على طهارة وما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أقبل من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد النبي صلى الله عليه وسلم السلام وروى البزار هذه القصة من حديث أبي بكر رجل من آل عمر بن الخطاب وزاد وقال إنما رددت عليك خشية أن تقول سلمت عليه فلم يرد على فإذا رأيتنى هكذا فلا تسلم على فإنى لا أرد عليك وأبو بكر هذا هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب قاله عبد الحق ولا بأس به ووقع مصرحا باسمه ونسبه هذا في مسند السراج وروى ابن ماجة عن جابر أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال إذا
____________________
(1/22)
رأيتنى على هذه الحالة الخ ولينظر في التوفيق بين هذه وبين كان فهى متظافرة على عدم ذكره صلى الله عليه وسلم اسم الله تعالى على غير الطهارة ومقتضاه انتفاؤه في أول الوضوء الكائن عن حدث وما أعل به غير قادح للمتأمل فهى معارضة لخبر التسمية بعد القول بحسنه بناء على أن كثرة طرق الضعيف ترقيه إلى ذلك وهو أوجه القولين على ما سنبينه في غير موضع إن شاء الله تعالى بل بعضها بخصوصه حسن لمن تأمل كلام أهل الشأن عليها فيخرجه من السنة كما أخرجه عن الإيجاب الذي هو ظاهره وكذا عدم نقلها في حكاية على وعثمان يدل على ما قلنا
والجواب أن الضعف منتف لما قلنا والمعارضة غير متحققة لأن كراهة ذكر لا يكون من متممات الوضوء لا يستلزم كراهة ما جعل شرعا من ذكر الله تعالى تكميلا له بعد ثبوت جعله كذلك بالحديث الحسن فلذلك الذكر ضرورى للوضوء الكامل شرعا فلا تعارض للاختلاف وعدم نقلها في حكايتيهما إما لأنهما إنما حكيا الأفعال التي هي الوضوء والتسمية ليست من نفسه بل ذكر يفتتح هو بها وصدق هذا التركيب يفيد خروجها عن مسماه وإما لعدم نقل الرواة عنهما وإن قالاها إذ قد ينقل الراوى بعض الحديث اشتغالا بالمهم بناء على اشتهار الافتتاح بالتسمية بين السلف في كل أمر ذي بال كما روى أبو داود والنسائى وابن ماجة كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع وفي رواية أجذم وفي رواية لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم رواها ابن حبان من طريقين وحسنه ابن الصلاح وإن كان فيه قرة
وبالجملة عدم النقل لا ينفى الوجود فكيف بعد الثبوت بوجه آخر ألا يرى أنهم لم ينقلوا من حكايتهما التخليل ولا شبهة في اعتقادى أنه من فعله صلى الله عليه وسلم وكذا لم ينقلوا السواك وهو عند أصحابنا من سنن الوضوء وبعض من حكى لم يحك غسل اليدين أولا ولم يقدح ذلك في ثبوتها إذا ثبت بطرق
بقى أن يقال فإذا سلم خبر التسمية عن المعارض مع حجيته فما موجب العدول به إلى نفى الكمال وترك ظاهره من الوجوب فإن قلنا إنه حديث إذا تطهر أحدكم فذكر اسم الله تعالى عليه فإنه يطهر جسده كله فإن لم يذكر اسم الله تعالى على طهوره لم يطهر إلا ما مر عليه الماء فهو حديث ضعيف إنما يرويه عن الأعمش يحيى بن هاشم وهو متروك
وإن قلنا إنه حديث المسىء صلاته فإن في بعض طرقه أنه صلى الله عليه وسلم قال له إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله وفي لفظ إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله تعالى ويحمده الحديث حسنه الترمذى ولم يذكر فيه تسمية في مقام التعليم فقد أعله ابن القطان بأن يحيى بن على بن خلاد لا يعرف له حال وهو من رواته فأدى النظر إلى وجوب التسمية في الوضوء غير أن صحته لا تتوقف عليها لأن الركن إنما يثبت بالقاطع وبهذا يندفع ما قيل المراد به نفى الفضيلة وإلا يلزم نسخ آية الوضوء به يعنى الزيادة عليها فإنه إنما يلزم بتقدير الافتراض لا الوجوب
وما قيل إنه لا مدخل للوجوب في الوضوء لأنه شرط تابع فلو قلنا بالوجوب فيه المساوى التبع الأصل غير لازم إذ اشتراكهما بثبوت الواجب فيهما لا يقتضيه 4 لثبوت عدم المساواة بوجه آخر نحو أنه لا يلزم بالنذر بخلاف الصلاة مع أنه لا مانع من الحكم بأن واجبه أحط رتبة من واجب الصلاة كفرضه بالنسبة إلى فرضها
فإن قيل يرد عليه ما قالوه من أن الأدلة السمعية على أربعة أقسام
الرابع منها ما هو ظنى الثبوت والدلالة وأعطوا حكمه إفادة السنية والاستحباب وجعلوا منه خبر التسمية وصرح
____________________
(1/23)
بعضهم بأن وجوب الفاتحة ليس من قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب بل بالمواظبة من غير ترك لذلك فالجواب إن أرادوا بظنى الدلالة مشتركها سلمنا الأصل المذكور ومنعنا كون الخبرين من ذلك بل نفى الكمال فيهما احتمال يقابله الظهور فإن النفى متسلط على الوضوء والصلاة فيهما
فإن قلنا النفى لا يتسلط على نفس الجنس بل ينصرف إلى حكمه وجب اعتباره في الحكم الذى هو الصحة فإنه المجاز الأقرب إلى الحقيقة وإن قلنا يتسلط هنا لأنها حقائق شرعية فينتفى شرعا لعدم الاعتبار شرعا وإن وجدت حسا فأطهر في المراد فنفى الكمال على كلا الوجهين احتمال هو خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل وإن أرادوا به ما فيه احتمال ولو مرجوحا منعنا صحة الأصل المذكور وأسندناه بأن الظن واجب الاتباع في الأدلة الشرعية الاجتهادية وهو متعلق بالاحتمال الراجح فيجب اعتباره متعلقه وعلى هذا مشى المصنف رحمه الله في خبر الفاتحة حيث قال بعد ذكره من طرف الشافعي رحمه الله
ولنا قوله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز لكنه يوجب العمل فعملنا بوجوبها وهذا هو الصواب والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال
فرع نسى التسمية فذكرها في خلال الوضوء فسمى لا يحصل السنة بخلاف نحوه في الأكل كذا في الغاية معللا بأن الوضوء عمل واحد بخلاف الأكل وهو إنما يستلزم في الأكل تحصيل السنة في الباقي لا استدراك ما فات قوله هو الصحيح احتراز عما قيل قبله فقط وما قيل بعده فقط لأن ما قبله حال الانكشاف والأصح قبله أيضا لا حال الانكشاف ولا في محل النجاسة ومن الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول عند دخول الخلاء اللهم أنى أعوذ بك من الخبث والخبائث والمراد الاستعاذة من ذكران الشياطين وإناثهم قوله والسواك أي الاستياك عند المضمضة لأنه عليه الصلاة والسلام كان يواظب عليه المطلوب مواظبته عند الوضوء ولم أعلم حديثا صريحا فيه ففى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك وفي لفظ إذا قام ليتهجد وفي مسلم كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك وفي أبي داود كان صلى الله عليه وسلم لا يستيقظ من ليل أو نهار إلا تسوك قبل أن يتوضأ وفي الطبرانى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك ومما يدل على محافظته على السواك استياكه بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر عند وفاته في الصحيحين وفيهما قال صلى الله عليه وسلم لولا أن اشق على أمتى لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أو عند كل صلاة وعند النسائى في رواية عند كل وضوء ورواها
____________________
(1/24)
ابن خزيمة في صحيحه وصححها الحاكم وذكرها البخارى تعليقا ولا دلالة في شيء على كونه في الوضوء إلا هذه وغاية ما يفيد الندب وهو لا يستلزم سوى الاستحباب إذ يكفيه إذا ندب لشيء أن يتعبد به أحيانا ولا سنة دون المواظبة وهى ليست بلازمة من ذلك واستدلاله في الغاية بما رواه الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك يفيد أن المراد بكل ما ذكرنا مما ظاهره الندب عند نفس الصلاة كونه عند الوضوء فالحق أنه من مستحبات الوضوء ويوافقه ما في الهداية الغزنوية حيث قال ويستحب في خمسة مواضع اصفرار السن وتغير الرائحة والقيام من النوم والقيام إلى الصلاة وعند الوضوء والاستقراء يفيد غيرها وفيما ذكرنا أول ما يدخل البيت
ويستحب فيه ثلاث بثلاث مياه وأن يكون السواك لينا في غلظ الأصبع وطول شبر من الأشجار المرة ويستاك عرضا لا طولا قوله يعالج بالأصبع قال في المحيط قال على رضى الله عنه التشويص بالمسبحة والإبهام سواك
وروى البيهقى وغيره من حديث أنس يرفعه يجزى من السواك الأصابع وتكلم فيه
وعن عائشة رضى الله عنها قلت يا رسول الله الرجل يذهب فوه يستاك قال نعم قلت كيف يصنع قال يدخل أصبعه في فيه رواه الطبرانى قوله والمضمضة والاستنشاق والسنة فيهما المبالغة لغير الصائم وهو في المضمضة إلى الغرغرة وفي الاستنشاق إلى ما أشتد من الأنف ولو شرب الماء عبا أجزأ عن المضمضة وهو يفيد أن مجه ليس من حقيقتها وقيل لا يجزئه ومصا لا يجزئه قوله لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة جميع من حكى وضوءه عليه الصلاة والسلام فعلا وقولا اثنان وعشرون نفرا ولا بأس بإفادة حصرهم تكميلا وإسعافا الأول عبد الله بن زيد فعلا وفيه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات وفيه فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة رواه الستة عنه والمراد عبد الله بن زيد بن عاصم ووهم ابن عيينة في جعله إياه بن زيد بن عبد ربه راوى الأذان
وفي قوله مسح مرتين إلا أن يكون رواه بمعنى أقبل وأدبر
الثاني عثمان فعلا في الصحيحين ولم يذكر في المضمضة والاستنشاق عدد غرفات ولا في المسح إقبالا ولا غيره
الثالث ابن عباس فعلا في البخارى وفيه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق وفيه ثم أخذ
____________________
(1/25)
غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح برأسه
الرابع المغيرة رواه البخارى في كتاب اللباس
الخامس على بن أبي طالب فعلا رواه أصحاب السنن الأربعة وفيه فمسح برأسه مرة واحدة وفي رواية أبي داود في المضمضة والاستنشاق قال بماء واحد
السادس المقدام بن معد يكرب قولا دون تنصيص على عدد في شيء رواه أبو داود
السابع أبو مالك الأشعرى فعلا كالذي قبله رواه عبد الرازق والطبرانى وأحمد وأبن أبي شيبه وإسحق بن راهويه
الثامن أبو بكرة قولا كالذي قبله رواه البزار
التاسع أبو هريرة قولا كالذي قبله رواه أحمد وأبو يعلى وزاد أنه صلى الله عليه وسلم نضح تحت ثوبه ثم قال هذا إسباغ الوضوء
العاشر وائل بن حجر رواه الترمذى عنه قولا وفيه ثم مسح على رأسه ثلاثا وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته وأظنه قال وظاهر لحيته ثلاثا ثم غسل قدمه اليمنى وفصل بين أصابعه أو قال خلل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاوز الكعب ثم رفعه إلى الساق ثم فعل باليسرى مثل ذلك ثم أخذ حفنة من ماء فملأ بها يده ثم وضعها على رأسه حتى أنحدر الماء من جوانبه وقال هذا إتمام الوضوء ولم أره ينشف بثوب
قال الإمام يرويه محمد بن حجر بن عبد الجبار قال البخارى فيه نظر
الحادى عشر جبير بن نفير رواه ابن حبان دون تنصيص على عدد في الرأس وغرفات المضمضة والاستنشاق
الثانى عشر أبو أمامة فرواه أحمد في مسنده
الثالث عشر أنس أخرج الدارقطنى عن الحسن البصرى أنه توضأ ثم قال حدثنى أنس بن مالك أن هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ذلك التنصيص
الرابع عشر أبو أيوب الأنصارى رواه الطبرانى وإسحق بن راهويه قال كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض واستنشق وأدخل أصابعه من تحت لحيته فخللها
الخامس عشر كعب بن عمرو اليمانى رواه أبو داود عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق اه
رواه الطبرانى وفصل معنى التفصيل وسنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى
السادس عشر عبد الله بن أبي أوفى قولا رواه أبو يعلى دون ذلك التنصيص
السابع عشر البراء بن عازب فعلا رواه الإمام أحمد كذلك
الثامن عشر أبو كاهل قيس بن عائذ قولا وفيه فغسل يعنى النبي صلى الله عليه وسلم يده ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه ولم يوقت وغسل رجليه ولم يوقت ولعل قوله ذلك هو الوجه للقائلين بعدم سنية التثليث في غسل الرجل وقد ضعف بالهيثم بن جماز وحديث الربيع بعده صريح في تثليث الرجلين
التاسعة عشر الربيع بنت معوذ فرواه أبو داود عنها قولا قالت فيه فغسل كفيه ثلاثا ووضأ وجهه ثلاثا ومضمض واستنشق مرة ووضأ يده ثلاثا ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وفيه وضأ رجليه ثلاثا ثلاثا
العشرون عائشة رضى الله عنها فعلا رواه النسائى في سننه الكبرى وفيه مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره ثم مرت بيديها بأذنيها وليس في شيء منها ذكر التسمية إلا حديث ضعيف أخرجه الدارقطنى عن حارثة بن أبي الرجال عن عائشة عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهورا سمى الله تعالى
الحادى والعشرون عبد الله بن أنيس فعلا رواه الطبرانى وفيه مسح برأسه مقبلا ومدبرا ومس أذنيه
الثاني والعشرون عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسنذكرها قريبا وقد أشرنا فيها إلى الأطراف المذكورة في كيفية المسح وغرفات المضمضة والاستنشاق لأنهما موضعا خلاف فتتيسر الإحالة عند الكلام عليهما وكلها نص على المضمضة والاستنشاق فلا شك في ثبوت المواظبة عليهما قوله هو المحكى تقدم من حكاية عبد الله بن زيد
____________________
(1/26)
فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ومعلوم أن الاستنثار ليس أخذ ماء ليكون له غرفة والمراد بثلاث غرفات مثل المراد بقوله ثلاثا فكما أن المراد كل من المضمضة والاستنشاق ثلاثا فكذا كل من المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات
وقد جاء مصرحا في حديث الطبرانى حدثنا الحسين بن إسحق التسترى حدثنا شيبان ابن فروخ حدثنا أبو سلمة الكندى حدثنا ليث بن أبي سليم حدثنى طلحة بن مشرف عن أبيه عن جده كعب ابن عمرو واليامى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا وغسل وجهه ثلاث فلما مسح رأسه قال هكذا وأوما بيديه من مقدم رأسه حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه من قبل قفاه وقدمنا رواية أبي داود له مختصرا وسكت عليه هو والمنذرى بعده
وما نقل عن أبن معين أنه سئل ألكعب صحبة فقال المحدثون يقولون إنه رآه صلى الله عليه وسلم وأهل بيت طلحة يقولون ليست له صحبة غير قادح فإذا اعترف أهل الشأن بأن له صحبة تم الوجه ويدل عليه ما رواه ابن سعد في الطبقات أخبرنا يزيد بن هرون عن عثمان بن مقسم البرى عن ليث عن طلحة بن مصرف اليامى عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح هكذا ووصف فمسح مقدم رأسه جر يديه إلى قفاه وما في حديث على بماء واحد لا يعارض الصحيح من حديث ابن زيد وكعب وما في حديث ابن عباس فأخذ غرفة من ماء إلى آخر ما تقدم يجب صرفه إلى أن المراد تجديد الماء بقرينة قوله بعد ذلك ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ومعلوم أن لكل من اليدين ثلاث غرفات لا غرفة واحدة فكان المراد أخذ ماء لليمنى ثم ماء لليسرى إذ ليس يحكى الفرائض فقد حكى السنن من المضمضة وغيرها ولو كان لكان المراد أن ذلك أدنى ما يمكن إقامة المضمضة به كما أن ذلك أدنى ما يقام فرض اليد به لأن المحكى إنما هو وضوءه الذي كان عليه ليتبعه المحكى لهم وما روى بكف واحد فلنفى كونه بكفين معا أو على التعاقب كما ذهب إليه بعضهم من أن المضمضة باليمنى والاستنشاق باليسرى قوله ومسح الأذنين عن الحلوانى وشيخ الإسلام يدخل الخنصر في أذنيه ويحركهما كذا فعل صلى الله عليه وسلم انتهى
والذي في ابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه فأدخلهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما وقول من قال يعزل السبابتين في مسح الرأس من مشايخنا يدل على أن السنة عنده إدخالهما وهو الأولى قوله خلافا للشافعي قيل يتعلق بالمجموع من سنة بماء الرأس ولا خلاف في المعنى لأن تعليقه بماء الرأس ليس إلا من حيث اتصاله بسنة قوله لقوله عليه الصلاة والسلام الأذنان من الرأس يعنى فلا حاجة إلى أخذ ماء
____________________
(1/27)
منفرد لهما كما لا يؤخذ في السنة ماءان لعضو واحد في غير التكرار
قال البيهقى أشهر إسناد للحديث هذا يعنى رواية أبي داود والترمذى وابن ماجة من حديث حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلى رضى الله عنه قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال الأذنان من الرأس ثم قال البيهقى وكان حماد يشك في رفعه في رواية قتيبة عنه فيقول لا أدرى أمن قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة وكان سليمان بن حرب يرويه عن حماد ويقول هو من قول أبي أمامة انتهى
وقد ضعف شهر أيضا
وأجيب بأنه أختلف فيه على حماد فأبو الربيع رفعه عنه ومن سمعت على ما علمت
واختلف على مسدد عن حماد في ذلك أيضا وإذا رفع ثقة حديثا ووقفه آخر أو فعل ذلك شخص واحد قدم الرفع لأنه زيادة والصحيح في شهر التوثيق وثقه أبو زرعة وأحمد ويحيى والعجلى ويعقوب ابن شيبه وسنان بن ربيعة وقد توهم في البيهقى التحامل بسبب اقتصاره على حديث أبي أمامة والاشتغال بالتكلم فيه وفي الباب حديث عبد الله بن زيد أخرجه ابن ماجه عن سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن شعبة عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذنان من الرأس وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطنى عن أبي كامل الجحدرى حدثنا غندر محمد بن جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال الأذنان من الرأس وهما ثابتان للاتصال وثقة الرجال وقول الدارقطنى في الثانى إسناده وهم إنما هو مرسل محتجا بما أخرجه عن ابن جريج عن سليمن بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا
قال ابن القطان بعد حكمه بصحته ثم نقل كلام الدارقطنى ليس بقدح فيه وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند ومرسل
ولنا أحاديث أخر من فعله صلى الله عليه وسلم منها ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عباس ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
وفيه ثم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه
وبوب عليه النسائى باب مسح الأذنين مع
____________________
(1/28)
الرأس
وأما ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء جديدا فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب توفيقا بينه وبين ما ذكرنا وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ كما لو انعدمت في بعض عضو واحد ولو رجحنا كل ما رويناه أكثر وأشهر فقد روى من حديث أبي أمامة وابن عباس وعبد الله بن زيد كما ذكرنا وأبي موسى الأشعرى وأبي هريرة وأنس وابن عمر وعائشة رضى الله عنهم بطرق كثيرة والله سبحانه أعلم قوله جائز عند أبي حنيفة في غير نسخه من كتب الرواية سنة عند أبي يوسف رحمه الله مستحب عندهما وأمثل حديث فيه ما رواه الترمذى وابن ماجه من حديث عامر بن شقيق الأسدى عن أبي وائل عن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته
وقال الترمذى توضأ وخلل لحيته وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم وقال احتجا بجميع رواته إلا عامر بن شقيق ولا أعلم فيه طعنا بوجه من الوجوه وله شاهد صحيح من حديث عمار بن ياسر وأنس وعائشة رضى الله عنهم ثم أخرج أحاديثهم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وخلل لحيته وزاد في حديث أنس بهذا أمرنى ربى
وتعقب بأن عامرا ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بالقوى وحاصل الأول طعن مبهم وهو غير مقبول على ما عليه العمل لم يقبله الترمذى
والثانى لا يخرجه إلى الضعف ولو سلم فغاية الأمر اختلاف فيه لا ينزل به عن الحسن
قال الترمذى في علله الكبير قال محمد بن إسمعيل يعنى البخارى أصح شيء عندى حديث عثمان وهو حديث حسن انتهى
وكيف وله شواهد كثيرة جدا من حديث عمار وأنس كما رواهما الحاكم والترمذى وابن ماجه رأيته عليه الصلاة والسلام يخلل لحيته وإن ضعف بالانقطاع وحديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته
رواه البزار وابن ماجه وحديث أبي أيوب نحوه رواه ابن ماجه وهو ضعيف
وحديث ابن عباس دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/29)
وهو يتوضأ وقال فيه فخلل لحيته
وفيه فقلت يا رسول الله هكذا الطهور قال هكذا أمرنى ربى
رواه الطبرانى في الأوسط
وروى أيضا حديث أبي أمامة وحديث عبد الله بن أبي أوفى وحديث أبي الدرداء وحديث أم سلمة كان إذا توضأ خلل لحيته
وضعف بخالد بن إلياس العدوى
وروى البزار عن أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وخلل
وروى أبن عدى عن جابر أنه وضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث فرأيته يخلل لحيته بأصابعه كأنها أسنان المشط
وفيه أضرم بن غياث النيسابورى متروك وما في الهداية مما أخرجه ابن أبي شيبة عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم قال أتانى جبريل فقال يا محمد خلل لحيتك وهو معلول بالهيثم بن جماز ويقرب منه ما في أبى داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته وقال بهذا أمرنى ربى وسكت عنه وكذا المنذرى بعده وأعله ابن القطان بأن الوليد بن زروان مجهول
قال الشيخ في الإمام وهو على طريقته من طلب زيادة التعديل مع رواية جماعة عن الراوى
وقد روى عن الوليد هذا جماعة من أهل العلم
فهذه طرق متكثرة عن أكثر من عشرة من الصحابة رضى الله عنهم لو كان كل منها ضعيفا ثبتت حجية المجموع على ما تقدم فكيف وبعضها لا ينزل عن الحسن فوجب اعتبارها إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول لم يثبت منها المواظبة بل مجرد الفعل إلا في شذوذ من الطرق فكان مستحبا لا سنة لكن ما فى أبي داود من قوله بهذا أمرنى ربى لم يثبت ضعفه وهو مغن عن نقل صريح المواظبة لأن أمره تعالى حامل عليها فيترجح قول أبي يوسف كما رجحه في المبسوط ويتضاءل المعنى المذكور من أن السنة فى الوضوء ما كان إكمالا للفرض في محله وداخل اللحية ليس به بعد سلامته في نفسه مما نقض به من أن المضمضة والاستنشاق سنة وليسا فى محله إذ ليس في الوجه بالمنع وادعاء أن محليهما منه حكما إذ لهما حكم الخارج من وجه حتى لا يفسد الصوم بإدخالهما شيئا قوله وتخليل الأصابع صفته في الرجلين أن يخلل بخنصر يده اليسرى خنصر رجله اليمنى ويختم بخنصر رجله اليسرى في القنية كذا ورد والله أعلم ومثله فيما يظهر أمر أتفاقى لا سنة مقصودة قوله كى لا تتخللها نار جهنم مؤدى التركيب أن التخليل يراد لعدم التظلل وهو لا يستلزم أن عدم التخليل مستلزم تخلل النار إلا لو كانت علة مساوية وهو منتف وإن كان التخليل واجبا بعد اعتقادهم حجية الحديث لكن المعدود في السنن التخليل بعد العلم بوصول الماء إلى ما بينها وهو ليس واجبا وحينئذ ليس هو مقرونا بالوعيد بتقدير الترك فلا حاجة إلى ضمه في السؤال القائل خللوا يفيد الوجوب فكيف وهو مقرون بالوعيد ثم تكلف الجواب بأنه مصروف عنه بحديث الأعرابى وأحاديث حكاية وضوئه صلى الله عليه وسلم إذ ليس فيها التخليل والوعيد مصروف إلى ما إذا لم يصل الماء بين الأصابع هدا ومتن الأحاديث ما فى الدارقطنى خللوا أصابعكم لا يخللها الله بالنار يوم القيامة
وهو ضعيف بيحيى بن ميمون التمار نعم المصرح فيه بالوعيد ما في الطبرانى من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله بالنار يوم القيامة
وأمثل أحاديث التخليل ما في سنن الأربعة من حديث لقيط بن صبرة
قال قال صلى الله عليه وسلم إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع قال الترمذى حديث حسن صحيح
وروى هو وابن ماجه عن ابن عباس
____________________
(1/30)
رضى الله عنهما
قال صلى الله عليه وسلم إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك وقال حسن غريب وعندى أنها كلها للوجوب والمراد الأمر بإيصال الماء إلى ما بينها إفادة أنه لا يجوز ترك ما خفى مما هو بينها كما هو في داخل اللحية والتخليل بعد هذا مستحب لعدم ثبوت المواظبة مع كونه إكمالا في المحل قوله وتكرار الغسل إلى الثلاث قيد به لإفادة أنه لا يسن التكرار في المسح ثم قيل الأول فريضة والثانى سنة والثالث إكمال وقيل الثانى والثالث سنة وقيل الثانى سنة والثالث نفل والظاهر أنه معنى الأول وقيل على عكسه
وعن أبي بكر الإسكاف الثلاث تقع فرضا كإطالة القيام والركوع ونحوه
وعندى أنه إن كان معنى الثانى أن الثانى مضاف إلى الثالث سنة أي المجموع فهو الحق فلا يوصف الثاني بالسنية في حد ذاته فلو اقتصر عليه لا يقال فعل السنة لأن بعض الشيء ليس بالشيء ولا الثالث إذا لم يلاحظ مع ما قبله قوله والوعيد لعدم رؤيته سنة أى هذا العدد وهذا أحد ما قيل فلو رآه وزاد لقصد الوضوء على الوضوء أو لطمأنينة القلب عند الشك أو نقص لحاجته لا بأس به
وقيل أريد به مجرد العدد
وقيل الزيادة على أعضاء الوضوء والنقص منها وتعدى يرجع إلى زاد وظلم يرجع إلى نقص وأصل الظلم النقص قال الله تعالى { ولم تظلم منه شيئا } أي لم تنقص هذا
والحديث بمجموع هذا اللفظ غير معروف بل صدره روى عن عدة من الصحابة يرفعونه رواه الدارقطنى عن ابن عمر يرفعه وضعف بالمسيب بن واضح وابن ماجه عن أبي بن كعب يرفعه وضعف يزيد بن أبى الحوارى وغيره رواه الدارقطنى في كتاب غرائب مالك من حديث زيد بن ثابت وضعف بعلى بن حسن الشامى
وأما عجزه فإنما هو في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتاه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف الطهور فدعا بماء في إناء غسل كفيه ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه أدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم
وفي لفظ لأبن ماجه تعدى وظلم
وللنسائى أساء وتعدى وظلم
قال في الإمام الحديث صحيح عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
____________________
(1/31)
لصحة الإسناد إلى عمرو اه
وقد اختلف المحدثون فيه والمحققون على صحته فجمع المصنف رحمه الله بين الألفاظ المروية عنه عليه الصلاة والسلام ونسبها إليه ولا عتب عليه في ذلك لأنه لم ينسبه إلى صحابى واحد معين قوله ويستحب الخ لا سند للقدورى في الرواية ولا في الدراية في جعل النية والاستيعاب والترتيب مستحبا غير سنة أما الرواية فنصوص المشايخ متظافرة على السنية ولذا خالفه المصنف في الثلاثة وحكم بسنيتها بقوله فالنية في الوضوء سنة ونحوه في الآخرين وأما الدراية فسنذكره قريبا إن شاء الله تعالى
وقيل أراد أن يستحب فعل هذه السنة للخروج عن الخلاف فإن الخروج عنه مستحب لكن قوله بالميامن عطفا على تفسير يرتب الوضوء قد يعكره فإن الحاصل حينئذ يستحب الترتيب وهو أن يبدأ بما بدأ الله به وبالميامن والتيامن مستحب عندهم بالمعنى المشهور وقد أوقعه في تفسير الترتيب فيكون الترتيب بذلك الوصف
وأما الوجه فمنه أن الوضوء لا يقع بلا نية إلا بالفعل مع الغفلة والذهول إذ الفعل الاختيارى لابد في تحقيقه من القصد إليه وهو إذا قصد الوضوء أو رفع الحدث أو استباحة مالا يحل إلا به كان منويا حتى أن صورة الخلاف إنما تتحقق بيننا وبين الشافعي في نحو من دخل الماء مدفوعا أو مختارا لقصد التبرد أو مجرد إزالة الوسخ ووقوع مثل هذه الحالات له صلى الله عليه وسلم قد لا يتحقق ولو تحقق في بعضها لا ينفى السنية لأنها لو لم تقترن بالترك أصلا كان واجبا وسنذكر الوجه العام للثلاثة قوله لأنه عبادة فلا تصح بدون النية لقوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات متفق عليه أى صحتها واعتبارها شرعا بالنيات والمراد العبادات لأن كثيرا من المباحات تعتبر شرعا بلا نية كالطلاق والنكاح قوله ولنا قول بالموجب أى سلمنا أن كل عبادة بنية والوضوء لا يقع عبادة بدونها وبذلك قضينا عهدة الحديث وليس الكلام في هذا بل في أنه إذا لم ينو حتى لم تقع عبادة سببا للثواب فهل يقع الشرط المعتبر للصلاة حتى تصح به أو لا ليس في الحديث دلالة على نفيه ولا إثباته فقلنا نعم لأن الشرط مقصود التحصيل لغيره لا لذاته فكيف حصل المقصود وصار كستر العورة وباقي شروط الصلاة لا يفتقر اعتبارها إلى أن تنوى
____________________
(1/32)
فمن أدعى أن الشرط وضوء هو عبادة فعليه البيان قوله بخلاف التيمم لأن التراب لم يعتبر شرعا مطهرا إلا للصلاة لا في نفسه فكان التطهير به تعبدا محضا وفيه يحتاج إلى النية أو هو أي التيمم ينبىء لغة عن القصد فلا يتحقق دونه بخلاف الوضوء ففسد قياسه على التيمم وفي كل الوجهين نظر نذكره في التيمم إن شاء الله تعالى
والصواب إفساده بما هو متفق عليه من أن شرط القياس أن لا تكون شرعية حكم الأصل متأخرة عن حكم الفرع وإلا لثبت حكم الفرع بلا دليل وشرعية التيمم متأخرة عن الوضوء فلا يقاس الوضوء على التيمم في حكمه لكن هذا إذا قصد القياس أما إذا قصد الاستدلال بمعنى لما شرع التيمم بشرط النية ظهر وجوبها في الوضوء فهو بمعنى لا فارق فليس جواب إلا به كما في الكتاب قوله ولنا أن أنسا الخ غريب وعزاه بعضهم إلى معجم الطبرانى عن راشد أبي محمد الحمانى قال رأيت أنسا بالزاوية فقلت أخبرنى عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه بلغنى أنك كنت توضئه وساق الحديث إلى أن قال ثم مسح برأسه مرة واحدة غير أنه أمرهما على أذنيه فمسح عليهما
قال الزيلعى وهذا لم أجده في معجم الطبرانى ويضعفه ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا
____________________
(1/33)
إسحق الأزرق عن أيوب بن العلاء عن قتادة عن أنس أنه كان يمسح على الرأس ثلاثا يأخذ لكل مسحة ماء جديدا
وقد روى أبو داود عن ابن عباس أنه رآه صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه وأذنيه مسحة واحدة
وفيه عبادة بن منصور فيه مقال وتقدمت رواية أصحاب السنن الأربعة عن على أنه مسح مرة واحدة وفيه ضعف
وروى الدارقطنى عن عثمان في حكايته مسح برأسه مرة واحدة
وقول الزيلعى في المعزو إلى معجم الطبرانى لم أجده فيه سهو عنه أو كان ساقطا في نسخته وإلا فقد وجد في الأوسط من مسند إبراهيم البغوى قوله والذي يروى بالتمريض يشعر بضعفه وقد روى عن عثمان من حديث عامر بن شقيق وفيه ذلك المقال المتقدم قال أبو داود ورواه وكيع عن إسرائيل فقال توضأ ثلاثا ثلاثا فقط
قال وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن المسح مرة واحدة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا وقالوا ومسح برأسه لم يذكروا عددا انتهى
وروى أبو داود والطبرانى عن على في حكايته المسح ثلاثا قال البيهقى وقد روى من أوجه غريبة عن عثمان رضى الله عنه تكرار المسح إلا أنه مع خلاف الحفاظ ليس بحجة عند أهل العلم قوله وهو مشروع روى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد إذا مسح ثلاثا بماء واحد كان مسنونا وما سوى ذلك من تقرير الكتاب
____________________
(1/34)
غنى عن البيان قوله والفاء للتعقيب فيفيد وجوب تعقيب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه فيلزم الترتيب بين الوجه وغيره فيلزم في الكل لعدم القائل بالفصل
قلنا لا نسلم إفادتها تعقيب القيام به بل جملة الأعضاء
وتحقيقه أن المعقب طلب الغسل وله متعلقات وصل إلى أولها ذكرا بنفسه والباقى بواسطة الحرف المشرك فاشتركت كلها فيه من غير إفادة طلب تقديم تعليقه ببعضها على بعض في الوجود فصار مؤدى التركيب طلب إعقاب غسل جملة الأعضاء وهذا عين ما في الكتاب وهو عين نظير قولك ادخل السوق فاشتر لنا خبزا ولحما حيث كان المفاد إعقاب الدخول بشراء ما ذكر فكيف وقع ودعوى المصنف إجماع أهل اللغة على أن الواو لمطلق الجمع تبع للفارسى وهو بناء على عدم اعتبار قول القائلين بأنها للترتيب أو للقران قوله والبداءة بالميامن فضيلة أى مستحب ثم استدل عليه بقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب التيامن في كل شيء وهو معنى ما روى الستة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله وهو بناء على عدم استلزام المحبوبية المواظبة لأن جميع المستحبات محبوبة له صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه
____________________
(1/35)
لم يواظب على كلها وإلا لم تكن مستحبة بل مسنونة لكن أخرج أبو داود وابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قال في الإمام وهو جدير بأن يصحح وغير واحد ممن حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم صرحوا بتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين وذلك يفيد المواظبة لأنهم إنما يحكون وضوءه الذي هو دأبه وعادته فيكون سنة وبمثله ثبتت سنية الاستيعاب لأنهم كذلك حكوا المسح
وفي القنية عن بعضهم إذا داوم على ترك استيعاب الرأس بغير عذر يأثم كأنه والله أعلم لظهور رغبته عن السنة فالحق أن الكل سنة
ومسح الرقبة مستحب بظهر اليدين لعدم استعمال بلتهما والحلقوم بدعة
وقيل مسح الرقبة أيضا بدعة وفيما قدمنا من رواية اليامى أنه صلى الله عليه وسلم مسح الرقبة مع مسح الرأس
وفي حديث وائل المقدم وظاهر رقبته وقيل إن مسح الأذنين أدب
ومن السنن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والبداءة من مقدم الرأس ومن رؤوس الأصابع في اليدين والرجلين ووجهه على ما عن بعض المشايخ أنه تعالى جعل المرافق والكعبين غاية الغسل فتكون منتهى الفعل
الآداب ترك الإسراف والتقتير وكلام الناس والاستعانة
وعن الوبرى لا بأس بصب الخادم كان عليه الصلاة والسلام يصب الماء عليه
والتمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء
ومنها استقاء مائه بنفسه والمبادرة بستر العورة بعد الاستنجاء ونزع خاتم عليه اسمه تعالى أو اسم نبيه صلى الله عليه وسلم حال الاستنجاء وكون آنيته من خزف وأن يغسل عروة الإبريق ثلاثا ووضعه على يساره وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه ووضع يده حالة الغسل على عروته لا رأسه والتأهب بالوضوء قبل الوقت وذكر الشهادتين عند كل عضو واستقبال القبلة في الوضوء واستصحاب النية في جميع أفعاله وتعاهد الموقين وما تحت الخاتم والذكر الملفوظ عند كل عضو وأن لا يلطم وجهه بالماء وإمرار اليد على الأعضاء المغسولة والتأنى والدلك خصوصا في الشتاء وتجاوز حدود الوجه واليدين والرجلين ليستيقن غسلهما ويطيل الغرة وقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين الخ وأن يشرب فضل وضوئه قائما مستقبلا قيل وإن شاء قاعدا وصلاة ركعتين عقيبه وملء آنيته استعدادا وحفظ ثيابه من المتقاطر والامتحاظ بالشمال عند الاستنشاق ويكره باليمين وكذا إلقاء البزاق في الماء والزيادة على ثلاث في غسل الأعضاء وبالماء المشمس
تتمة شك في بعض وضوئه قبل الفراغ فعل ما شك فيه إن كان أول شك وإلا فلا عليه وإن شك بعده فلا مطلقا فصل في نواقض الوضوء
____________________
(1/36)
النقض في الأجسام إبطال تركيبها وفي المعانى إخراجها عن إفادة ما هو المطلوب منها قوله كل ما يخرج قيل يعنى خروج ما يخرج ليصح الإخبار عن المعانى لكن الظاهر أن الناقض هو النجس الخارج لا خروجه المخرج للنجس عن كونه مؤثرا للنقض
مع أن الضد هو المؤثر في رفع ضده
وصفة النجاسة الرافعة للطهارة إنما في قائمة بالخارج وغاية الخروج أن يكون علة تحققها صفة شرعية أعنى صفة النجاسة فإنها شرعية وذلك لا يضر إذ بعد تحققها عن علتها هي المؤثرة للنقض
ثم ظاهر الحديث الذي يرويه ما الحدث قال ما يخرج من السبيلين ولم يوجد ما يوجب صرفه عن ظاهره لا إصلاح عبارة بعض المصنفين وهذا لا يجوز على أنه غير لازم إذ المعنى قد لا يقابل الجوهر فإنه يقال على المراد باللفظ جوهرا كان أو عرضا وإنما يقابله العرض فالناقض الخارج النجس والخروج شرط عمل العلة وعلة لها نفسها لأنه علة تحقق الوصف الذي هو النجاسة وإلا لم يحصل لأحد طهارة فإضافة النقض إلى الخروج إضافة إلى علة العلة قوله لقوله تعالى وجه التمسك به في عموم ما يخرج دودة كانت أو حصاة أو ريحا إلا ما استثنى منه وهو الريح الخارج من القبل والدود منه
وأما
____________________
(1/37)
الريح من الذكر فهو اختلاج لا ريح فلا ينقض كالريح الخارجة من جراحة في البطن أن الغائط المطمئن من الأرض يقصد للحاجة والإجماع على أنه ليس نفس المجىء منه ناقضا بل هو كناية عما يلزمه من الخارج وإذا لزم فيه كونه في لازمه فحمله على أعم اللوازم وهو الخارج النجس أولى خصوصا مع مناسبة النجس مطلقا لهذا الحكم كذا في شرح المجمع
وقد يقال إنما يصح على إرادة أعم اللوازم للمجىء والخارج النجس مطلقا ليس منه للعلم بأن الغائط لا يقصد قط لمجرد الريح فضلا عن جرح إبرة ونحوه فالأولى كونه فيما يحله ويستدل على الريح بالإجماع وغيره بالخبر وهو ما ذكر
روى معناه الدارقطنى عن ابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام قال الوضوء مما خرج وليس مما دخل وضعف بشعبة مولى ابن عباس وقال في الكامل بل بالفضل بن المختار قال سعيد بن منصور إنما يحفظ هذا من قول ابن عباس وقال البيهقى روى عن على من قوله وبهذا وقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة توضئى لوقت كل صلاة عينا حينئذ أصل قياس الخارج النجس من السبيلين على غير وجه الاعتياد وفرعه الخارج النجس من غيرهما فيحتج على مالك في نفى ناقضيه غير المعتاد والخارج على غير وجه الاعتياد به على هذا المعنى ثم الخروج من السبيلين يتحقق بالظهور فلو حشى الذكر فالانتقاض بمحاذاة بلة الحشوة رأس الذكر لا بنزوله إلى القصبة وإلى القلفة فيه خلاف والصحيح النقض فيه قال المصنف في التجنيس لأن هذا بمنزلة المرأة إذا خرج من فرجها بول ولم يظهر
واستشكل بأنهم قالوا لا يجب على الجنب إيصال الماء إليه لأنه خلقه كقصبة الذكر اه
لكن في الفتاوى الظهيرية إنما علله بالحرج لا بالخلقة وهو المعتمد فلا يرد الإشكال ولو احتشت في الفرج الداخل فالنقض بمحاذاة حرفه خلافا لأبي يوسف في قوله إذا علمت أنها لو لم تحشيه لخرج نقض ولو أدخلت أصبعها فيه نقض لأنها لا تخلو عن بلة وكذا العود في الدبر كالمحقنة وغيرها تعتبر فيه البلة إذا كان طرف منه خارجا ولو غيبه نقض إذا خرج بلا تفصيل في الفتاوى والتجنيس وكذا القطنة إذا غيبها في الإحليل ثم خرجت ولو ابتلت بالبول ولم تجاوز رأسه غير أنه لولاها خرج لم ينقض والمجبوب إذا ظهر بوله بموضع الجب إن كان يقدر على إمساكه متى شاء نقض وإلا فحتى يسيل لأنه كالجرح ولو كان به حصاة فبط ذلك الموضع وأخرجها فاستمال البول إليه فكالجرح وإن كان بذكره بط أي شق له رأسان أحدهما يخرج منه ماء يسيل في مجرى الذكر والآخر في غيره ففى الأول ينقض بالظهور وفي الثانى بالسيلان وإذا تبين الخنثى أنه امرأة فذكره كالجرح أو رجل ففرجه كالجرح وينتقض في الآخر بالظهور ولو أقطر في إحليله دهنا فسال منه لا ينقض خلافا لأبي يوسف بخلاف ما إذا احتقن بالدهن ثم سال حيث يعيد الوضوء لاختلاطه بالنجاسة بخلاف الإحليل للحائل عند أبي حنيفة ولو احتشت في فرجها الخارج فما لم تيتل أو تصل البلة إلى حرف الداخل لا ينقض أو في الداخل فسد الصوم ولا ينقض قوله فتجاوزا عطف تفسيرى فإن
____________________
(1/38)
الخروج في غير السبيلين هو تجاوز النجاسة إلى موضع التطهير فالمعنى إذا خرجا بأن تجاوزا إلا أن يحمل الخروج على الظهور فليس به والمعنى إذا ظهر فتجاوزا فلو خرج من جرح في العين دم فسال إلى الجانب الآخر منها لا ينتقض لأنه يلحقه حكم هو وجوب التطهير أو ندبه بخلاف ما لو نزل من الرأس إلى مالان من الأنف لأنه يجب غسله في الجنابة ومن النجاسة فينقض ولو ربط الجرح فنفذت البلة إلى طاق لا إلى الخارج نقض ويجب أن يكون معناه إذا كان بحيث لولا الربط سال لأن القميص لو تردد على الجرح فابتل لا ينجس مالم يكن كذلك لأنه ليس بحدث ولو بزق فخرج فيه دم قدر الريق نقض لا إن كان الريق غالبا ولو أخذه من رأس الجرح قبل أن يسيل مرة فمرة إن كان بحال لو تركه سال نقض وإلا لا
وفي المحيط حد السيلان أن يعلو وينحدر عن أبى يوسف وعن محمد إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكبر من رأسه نقض والصحيح لا ينقض
وفي الدراية جعل قول محمد أصح ومختار السرخسى الأول هو أولى
وفي مبسوط شيخ الإسلام تورم رأس الجرح فظهر به قيح ونحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم لأنه لا يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضعه يلحقه حكم التطهير ثم الجرح والنقطة وماء الثدى والسرة والأذن إذا كان لعلة سواء على الأصح وعلى هذا قالوا من رمدت عينه وسال الماء منها وجب عليه الوضوء فإذا أستمر فلوقت كل صلاة
وفي التنجيس الغرب في العين إذا سال منه ماء نقض لأنه كالجرح وليس بدمع ولو خرج من سرته ماء أصفر وسال نقض لأنه دم قد نضج فاصفر وصار رقيقا
والغرب بالتحريك ورم في المآقى وفى المحيط مص القراد فامتلأ إن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب وإن كان كبيرا نقض كمص العلقة قوله وقال الشافعي الخ حاصل الأقوال المذكورة في الكتاب لا ينقض مطلقا وينقض عند زفر مطلقا سال أو لا امتلأ الفم من القىء أو لا وعندنا ينقض بالشرط المذكور وكل روى لمذهبه ما يؤيده ولنتكلم عليها
أما حديث أنه صلى الله عليه وسلم قاء فلم يتوضأ فلم يعرف
وأما حديث الوضوء من كل دم سائل فرواه الدارقطنى من طريق ضعيفة ورواه ابن عدى في الكامل من أخرى وقال لا نعرفه إلا من حديث أحمد بن فروخ وهو ممن لا يحتج بحديثه ولكنه يكتب فإن الناس مع ضعفه قد احتملوا حديثه اه لكن قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل قد كتبنا عنه ومحله عندنا
____________________
(1/39)
الصدق وقد تظافر معه حديث البخارى عن عائشة جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إليه صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم قال هشام بن عروة قال أبى ثم توضىء لكل صلاة حتى يجىء ذلك الوقت واعترض بأنه من كلام عروة ودفع بأنه خلاف الظاهر وأيضا لو كان لقال تتوضأ لكل صلاة فلما قال توضىء على مشاكلة الأول المنقول لزم كونه من قائل الأول وهذا لأن لفظ اغسلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة وليس عروة مخاطبا لها ليكون قوله ثم توضىء خطابا منه لها فلزم كونه من المخاطب
بالأول وهو النبي صلى الله عليه وسلم
وقد رواه الترمذى كذلك ولم يحمله على ذلك ولفظه وتوضىء لكل صلاة حتى يجىء ذلك الوقت وصححه
وما رواه الدارقطنى من أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه فضعيف
وأما حديث من قاء أو رعف إلى آخره فرواه ابن ماجه عن إسمعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن عائشة قال صلى الله عليه وسلم من أصابه قىء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم
ولفظ ثم ليبن على صلاته مالم يتكلم رواة الدارقطنى
وقال الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا انتهى
وقد تكلم في ابن عياش
وجملة الحاصل فيه أنه يحتج من حيث الشاميين لا الحجازيين وأخرجه البيهقى من جهة الدارقطنى عن ابن جريج عن أبيه عنه صلى الله عليه وسلم مرسلا وقال هذا هو الصحيح ثم نقل عن الشافعي أنه بتقدير الصحة يحمل على غسل الدم لا وضوء الصلاة ودفع بأنه غير صحيح وإلا لبطلت الصلاة فلم يجز البناء
وابن عياش قد وثقه ابن معين وزاد في الإسناد عن عائشة والزيادة من الثقة مقبولة والمرسل عندنا وعند جمهور العلماء حجة وسيأتى زيادة فيه من الآثار في باب الحدث في الصلاة فإن المصنف أعاده فيه والأفصح في رعف الفتح والقلس الخارج من الغثيان والقىء مع سكون النفس يكون
وقد أخرج أبو داود والترمذى والنسائى عن حسين المعلم بسنده إلى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أنه صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ قال فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال صدق أنا صببت له وضوءه قال الترمذى وهو أصح شيء في هذا الباب
وأعله الخصم بالاضطراب فإن معمرا رواه عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبى الدرداء ولم يذكر فيه الأوزاعى
وأجيب أن اضطراب بعض الرواة لا يؤثر
____________________
(1/40)
في ضبط غيره
قال ابن الجوزى قال الأثرم قلت لأحمد قد اضطربوا في هذا الحديث فقال قد جوده حسين المعلم وقد قال الحاكم هو على شرطهما وروى مثل هذا عن ابن عمر
وفي مصنف عبد الرزاق أخبرنا الثورى عن أبي إسحق عن الحرث عن على رضى الله عنه قال إذا وجد أحدكم رزءا أو رعافا أو قيئا فلينصرف وليتوضأ فإن تكلم استقبل ولا اعتد بما مضى والحارث ضعف ومثله عن سليمان بن عمر
وإذا ثبت هذا عنه صلى الله عليه وسلم وجب تقديمه على المضى في الصلاة لذلك الصحابى الذي جرح في الصلاة بلا مرية
وقول من قال لم يصح في نقض الوضوء وعدمه بالدم والقىء والضحك حديث إن سلم لم يقدح لأن الحجية لا تتوقف على الصحة بل الحسن كاف على أنه رأى هذا القائل فإما مجتهد علم بالاختلاف في صحة الحديث وغلب على رأيه صحته فهو صحيح بالنسبة إليه إذ مجرد الخلاف في ذلك لا يمنع من الترجيح وثبوت الصحة
وأما حديث القلس حدث فرواه الدارقطنى وهو ضعيف وفي الإطلاق الكائن في حديث ابن عياش غنية عنه
وأما حديث ليس في الفطرة إلى آخره فرواه الدارقطنى من طريقين في أحدهما محمد بن الفضل بن عطية وفي الآخر حجاج بن نصير وقد ضعفا ولفظة القطرة والقطرتين كناية على القلة ولفظ سائلا كناية عن الكثرة فإن لفظ القطرة في العرف يراد به القلة وضده ماء سائل وإلا فحقيقة القطرة إذا وجدت نقض اتفاقا فلا بد من صرفه عن ظاهره بطريق صناعى كما ذكرنا
وأما قول على أو دسعة تملأ الفم فلم يعرف
وروى البيهقى في الخلافيات عنه صلى الله عليه وسلم يعاد الوضوء من سبع من إقطار البول والدم السائل والقىء ومن دسعة تملأ الفم ونوم المضطجع وقهقهة الرجل في الصلاة وخروج الدم
وفيه سهل بن عفان والجارود بن يزيد وهما ضعيفان فحصل لنا من ذلك كله حجية حديث فاطمة بنت أبي حبيش وحديث ابن عياش وحديث أبى الدرداء فلا يعارضها غيرها مما رواه الشافعي ولو أرخينا العنان وجعلناها تتعارض فإن جمعنا وهو أولى عند الإمكان كان محمل ما رواه الشافعي على القليل فى القىء وما لم يسل وما رواه زفر على الكثير توفيقا بين الأدلة وإن أسقطناها صرنا إلى القياس وهو ما ذكره بقوله إن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة شرعا وهذا القدر في الأصل معقول أى عقل في الأصل وهو الخارج من السبيلين أن زوال الطهارة عنده وهو الحكم إنما هو بسبب أنه نجس خارج من البدن إذ لم يظهر لكونه من خصوص السبيلين تأثير وقد وجد في الخارج من غيرهما فيتعدى الحكم إليه فالأصل الخارج من السبيلين وحكمه زوال طهارة يوجبها الوضوء وعلته خروج النجاسة من البدن وخصوص المحل ملغى
____________________
(1/41)
والفرع الخارج النجس من غيرهما وفيه المناط فيتعدى إليه زوال الطهارة التي يوجبها الوضوء فثبت أن موجب هذا القياس ثبوت زوال طهارة الوضوء وإذا صار زائل طهارته فعند إرادة الصلاة يتوجه عليه خطاب الوضوء وهو تطهير الأعضاء الأربعة فلا حاجة إلى إثبات تعدية الاقتصار ضمنا أصلا كما ذكره في الكتاب والاشتغال بتقريره كما في الشروح وإذا صار خروج النجاسة من غير السبيلين كخروجها من السبيلين يرد أن يقال فلم اشترطتم للنقض في غيرهما السيلان مع أنه ليس بشرط فيهما فأجاب بقوله غير أن الخروج إلى آخره
____________________
(1/42)
أى النقض بالخروج وحقيقته من الباطن إلى الظاهر وذلك بالظهور في السبيلين يتحقق لا بالظهور في غيرهما وبيانه في الكتاب ظاهر واشتراط ملء الفم بأن لا يمكنه ضبطه إلا بتكلف لأنه حينئذ يخرج ظاهرا فاعتبر خارجا ملاحظة
____________________
(1/43)
لبطون الفم فإن له بطونا معتبرا شرعا حتى لو ابتلع الصائم ريقه لا يفسد صومه كما لو انتقلت النجاسة من محل إلى آخر في الجوف وظهورا حتى لا يفسد الصوم بإدخال الماء فيه فراعينا الشبهين فلا ينقض القليل ملاحظة للبطون وينقض الكثير للآخر لأنه يخرج ظاهرا إذا لم يضبطه ألا بتكلف وقيل أن يزيد على نصف الفم وقيل أن يعجز عن إمساكه وقيل أن يمنعه الكلام وقيل أن يجاوز الفم والأصح ما في الكتاب قوله بين المسلكين
____________________
(1/44)
يعنى السبيلين وغيرهما قوله وهو الصحيح احتراز عن قول محمد إنه نجس وكان الإسكاف والهنداونى يفتيان بقوله وجماعة اعتبروا قول أبى يوسف رفقا بأصحاب القروح حتى لو أصاب ثوب أحدهم أكثر من قدر
____________________
(1/45)
الدرهم لا تمتنع الصلاة فيه مع أن الوجه يساعد لأنه ثبت أن الخارج بوصف النجاسة حدث وأن هذا الوصف قبل الخروج لا يثبت شرعا وإلا لم يحصل لإنسان طهارة فلزم أن ما ليس حدثا لم يعتبر خارجا شرعا وما لم يعتبر خارجا لم يعتبر نجسا فلو أخذ من الدم البادى في محله بقطنة وألقىء في الماء لم يتنجس قوله وما يتصل به قليل والقليل في القىء غير ناقض وعلى هذا يظهر ما فى المجتبى عن الحسن لو تناول طعاما أو ماء ثم قاء من ساعته لا ينتقض لأنه طاهر حيث لم يستحل وإنما أتصل به قليل القىء فلا يكون حدثا فلا يكون نجسا وكذا الصبى أذا ارتضع وقاء من ساعته قيل هو المختار وما في القنية لو قاء دودا كثيرا أو حية ملأت فاه لا ينقض ولو قاء بلغما وطعاما إن كانت الغلبة للطعام وكان بحال لو انفرد يبلغ ملء الفم تنتقض طهارته وإن كان بحال لو انفرد البلغم ملأه فعلى الخلاف وإن كانا سواء لا ينقض كذا في الخلاصة
وفي صلاة المحسن قال العبرة للغالب ولو استويا يعتبر كل على حدة وعجز هذا أولى من عجز ما في الخلاصة
هذا وكان الطحاوى يميل إلى قول أبى يوسف بناء على أنه نجس لأنه أحد الأركان كالدم والصفراء ويكره أن يأخذ بطرف كمه
والحق بالقىء ماء فم النائم إذا صعد
____________________
(1/46)
من الجوف بأن كان أصفرا أو منتنا عن أبى نصر وعن أبى الليث هو كالبلغمى وقيل نجس عند أبي يوسف خلافا لمحمد وهذا معنى قول أبى الليث ولو ينزل من الرأس فطاهر اتفاقا
فرع عن أبي حنيفة قاء طعاما أو ماء فأصاب إنسانا شبرا في شبر لا يمنع قال المحسن ما لم يفحش اه
وهذا يقتضى أن نجاسة القىء مخففة ولا يعرى عن إشكال إذ لا خلاف ولا تعارض فيه ويمكن حمله على ما إذا قاء من ساعته بناء على أنه إذا فحش غلب على الظن كون المتصل به القدر المانع وبما دونه ما دونه قوله ويبلغ الاسترخاء الخ ظاهر المذهب عن أبى حنيفة عدم النقض بهذا الاستناد ما دامت المقعدة مستمسكة للأمن من الخروج والانتقاض مختار الطحاوى اختاره المصنف والقدورى لأن مناط النقض الحدث لا عين النوم فلما خفى بالنوم أدير الحكم على ما ينتهض مظنة له ولذا لم ينقض نوم القائم والراكع والساجد ونقض في المضطجع لأن المظنة منه ما يتحقق معه الاسترخاء على الكمال وهو في المضطجع لا فيها وقد وجد في هذا النوع من الاستناد إذ
____________________
(1/47)
لا يمسكه إلا السند وتمكن المقعدة مع غاية الاسترخاء لا يمنع الخروج إذ قد يكون الدافع قويا خصوصا في زماننا لكثرة الأكل فلا يمنعه إلا مسكة اليقظة ولو كان محتبيا ورأسه على ركبتيه لا ينقض قوله في الصلاة وغيرها هذا إذا نام على هيئة السجود المسنون خارج الصلاة بأن جافى أما إذا لصق بطنه بفخذيه فينقض ذكره على ابن موسى القمى
وفي الأسرار قال علماؤنا لا يكون النوم حدثا في حال من أحوال الصلاة وكذا قاعدا خارج الصلاة إلا أن يكون متوركا لأنها جلسة تكشف عن المخرج انتهى
ولا يخالفه ما فى الخلاصة من عدم نقض المتورك لأنه فسره بأن يبسط قدميه من جانب ويلصق أليتيه بالأرض
وفى الأسرار علله بأن يكشف عن المقعدة فهذا اشتراك في استعمال لفظ التورك
وفي الذخيرة من نام واضعا أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوءه وفي غيرها لو نام متربعا ورأسه على فخذيه نقض وهذا خلاف ما فى الذخيرة ثم أطلق في الكتاب قوله في الصلاة فشمل ما كان عن تعمد وما عن غلبة
وعن أبى يوسف إذا تعمد النوم في الصلاة نقض والمختار الأول
وفي فصل ما يفسد الصلاة من فتاوى قاضيخان لو نام في ركوعه أو سجوده إن لم يتعمد لا تفسد وإن تعمد فسدت في السجود دون الركوع اه كأنه مبنى على قيام المسكة حينئذ في الركوع دون السجود
ومقتضى النظر أن يفصل في ذلك السجود إن كان متجافيا لا يفسد للمسكة وإلا يفسد قوله هو الصحيح احتراز عن قول ابن شجاع إنه إنما لا يكون حدثا في هذه الأحوال في الصلاة وفي ظاهر الرواية لا فرق
ولو نام قاعدا فسقط عن أبى حنيفة أن انتبه قبل أن يصل جنبه الأرض أو عند الإصابة بلا فصل لم ينتقض
وعن أبى يوسف ينتقض
وعن محمد إن انتبه قبل أن يزايل مقعده الأرض لم ينتقض وإن زال قبله نقض
والفتوى على رواية أبى حنيفة
وقال الحلوانى ظاهر مذهب أبى حنيفة كما روى عن محمد قيل هو المعتمد وسواء سقط أو لم يسقط وإن نام جالسا يتمايل ربما يزول مقعده وربما لا
قال الحلوانى
____________________
(1/48)
ظاهر المذهب أنه ليس بحدث اه
ويشهد له ما في أبى داود كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضأون وأما ما في سنن البزار بإسناد صحيح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة فيجب حمله على النعاس وقد قال الحلوانى لا ذكر للنعاس مضطجعا والظاهر أنه ليس بحدث لأنه نوم قليل
وقال الدقاق إن كان لا يفهم عامة ما قيل حوله كان حدثا وإن كان يسهو حرفا أو حرفين فلا
وأما ما في الصحيحين عن ابن عباس نمت عند خالتى ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل إلى أن قال فتأملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ فأتاه بلال فأذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ فهو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم
في القنية نومه صلى الله عليه وسلم ليس بحدث وهو من خصائصه قوله والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم الخ أقرب الألفاظ إلى اللفظ المذكور ما روى البيهقى عنه صلى الله عليه وسلم لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله وقال تفرد به يزيد بن عبد الرحمن الدالانى
وروى أبو داود والترمذى من حديث أبى خالد يزيد الدالانى هذا عن قتادة عن أبى العالية عن ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام وصلى فقلت يا رسول الله إنك قد نمت قال إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله وقال أبو داود قوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا منكر لم يروه إلا يزيد الدالانى
وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولو يذكروا شيئا من هذا اه
وقال ابن حبان في الدالانى كثير الخطأ لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم وقال غيره صدوق لكنه يهم في الشيء
وقال ابن عدى فيه لين الحديث ومع لينه يكتب حديثه وقد تابعه على روايته مهدى بن هلال ثم أسند عن مهدى حدثنا يعقوب بن عطاء بن أبى رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتى يضطجع جنبه إلى الأرض وأخرج أيضا عن بحر بن كثير السقاء عن ميمون الخياط عن ابن عباس عن حذيفة بن اليمان قال كنت جالسا في مسجد المدينة
____________________
(1/49)
أخفق فاحتضننى رجل من خلفى فالتفت فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله وجب على وضوء قال لا حتى تضع جنبك على الأرض قال البيهقى تفرد به بحر بن كثير السقاء وهو ضعيف
وأنت إذا تأملت فيما أوردناه لم ينزل عندك الحديث عن درجة الحسن ولو لم يكن فالحديث الذي عيناه سابقا من أن عين النوم ليس حدثا فاعتبرت مظنته الخ يستقل بالمطلوب هذا وسجدة التلاوة فى هذا كالصلبية وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبى حنيفة كذا قيل وقياس ما قدمناه من عدم الفرق بين كونه في الصلاة أو خارجها يقتضى عدم الخلاف في عدم الانتقاض بالنوم فيها
نعم ينتقض على مقابل الصحيح وخلاف المشايخ المنقول فى الانتقاض به في سجود السهو ينبغى أن يحكم على الخلاف بالخطأ لأن سجود السهو يقع في الصلاة فلا ينقض ولو صلى المريض مضطجعا فنام اختلف المشايخ فيه وصحح النقض قوله والجنون بالرفع لأنه ليس عطفا على الإغماء لأنه ليس غلبة على العقل بل زواله
وفي مبسوط شيخ الإمام لم ينقض لغلبة الاسترخاء لأن المجنون أقوى من الصحيح بل لعدم تمييزه الحدث عن غيره
وفي الخلاصة السكر حدث إذا لم يعرف به الرجل من المرأة
وفي المجتبى إذا دخل في مشيته تمايل وهو الأصح قوله وهو القياس في النوم قد يمنع بأن القياس لا يقتضى أن غير الخارج ناقض وثبوت الناقض بالنوم ليس إلا إقامة للسبب مقام المسبب لخفائه ومقتضى القياس فيه ليس إلا إقامة المفضى الذي يتحقق معه الخروج غالبا وذلك ما يتم به الاسترخاء وهو لايتم بكل نوم
____________________
(1/50)
فليس القياس في كل نوم النقض قوله ألا من ضحك الخ حديث القهقهة روى مرسلا ومسندا واعترف أهل الحديث بصحته مرسلا ومدار المرسل على أبى العالية وإن رواه غيره كالحسن البصرى وإبراهيم النخعى وغيرهما قاله عبد الرحمن بن مهدى وأخرج عن حماد بن زيد عن حفص بن سليمان قال أنا حدثت به الحسن عن أبى العالية وعن شريك عن أبى هاشم قال أنا حدثت به إبراهيم عن أبى العالية وأنه قرأ في كتاب ابن أخى الزهرى عن الزهرى عن سليمان بن أرقم عن الحسن اه
يعنى والحسن يرويه عن أبى العالية وقد رواه أبى حنيفة عن منصور بن زاذان الواسطى عن الحسن عن معبد بن أبى معبد الخزاعى عنه صلى الله عليه وسلم قال بينما هو فى الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة فوقع في زبية فاستضحك القوم فقهقهوا فلما انصرف صلى الله عليه وسلم قال من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة قيل ومعبد هذا لا صحبة له فهو مرسل أيضا وفيه نظر فإن معبدا الذي لا صحبة له هو معبد البصرى الجهنى كان الحسن يقول فيه إياكم ومعبدا فإنه ضال مضل ومعبدا هذا هو الخزاعى كما هو مصرح به في مسند أبى حنيفة ولا شك في صحبته ذكره ابن منده وأبو نعيم في الصحابة ورويا له أيضا حديث جابر أنه قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضى الله عنه مر بخباء أم معبد فبعث النبي صلى الله عليه وسلم معبدا وكان صغيرا فقال له ادع هذه الشاة الحديث ولو سلم فإذا صح المرسل وهو حجة عندنا لم يكن بد من القول بنقض الوضوء به وأبو العالية اسمه رفيع من ثقات التابعين
وأما روايته مسندا فعن عدة من الصحابة أبى موسى الأشعرى وأبى هريرة وابن عمر وأنس وجابر وعمران بن الحصين وأغربها طريق عن أنس رواها أبو القاسم حمزة بن يوسف في تاريخ جرجان قال حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم
____________________
(1/51)
الإسمعيلى حدثنى أبو عمرو ومحمد بن عمرو بن شهاب بن طارق الأصبهانى حدثنا أيوب حدثنا جعفر حدثنا أحمد بن فورك حدثنا عبيد الله بن أحمد الأشعرى حدثنا عمار بن يزيد البصرى حدثنا موسى بن هلال حدثنا أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قهقه في الصلاة قهقهة شديدة فعليه الوضوء والصلاة وأسلمها حديث ابن عمرو رواه ابن عدى في الكامل من حديث عطية بن بقية حدثنا أبى حدثنا عمرو ابن قيس السكونى عن عطاء عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة وما طعن به من أن بقية مدلس فكأنه سمعه من بعض الضعفاء فحذف أسمه دفع بأن بقية صرح فيه بالتحديث والمدلس إذا صرح بالتحديث وكان صدوقا زالت تهمة التدليس وبقية من هذا القبيل قوله والأثر ورد في صلاة مطلقة أما الوارد على واقعة الحال فظاهر وأما نحو حديث بقية هذا فلانصراف الصلاة مطلقا إلى ذات الركوع والسجود وهو بخلاف القياس فيقتصر النقض عليها والمراد ما أصلها الركوع والسجود فإنه لو قهقه فيما يصليه بالإيماء لعذر أو راكبا يومىء بالنفل أو الفرض لعذر انتقض وكذا أيضا لا تنقض قهقهة النائم في الصلاة ولا تبطل الصلاة
وقيل تنتقض وتبطل
وعن شداد تنقض ولا تبطل الصلاة وقيل عكسه
والأول أصح لأنها إنما جعلت حدثا بشرط كونها جناية ولا جناية من النائم بخلاف السهو لأنه جناية فيؤاخذ به ولا يغلب وجود القهقهة ساهيا لأن حالة الصلاة مذكرة فلا يعذر وأما قهقهة الصبى فقيل تبطلهما وقيل لا تنقض
وفى قهقهة البانى في الطريق بعد الوضوء روايتان ولو نسى
وتنقض بعد القعود قدر التشهد خلافا لزفر
ولو قهقهه الإمام في هذه الحالة ثم قهقه القوم بطل وضوءه دونهم لخروجهم بقهقهته
____________________
(1/52)
بخلاف سلامه فلو قهقهوا بعد سلامه بطل وضوءهم وجعل الأصح في الخلاصة أنه لا تبطل والخلاف مبنى على أنه بعد سلام الإمام هل هو في الصلاة إلى أن يسلم بنفسه أو لا
محدث غسل بعض أعضاء الوضوء ففنى الماء فتيمم وشرع في الصلاة فقهقهه ثم وجد الماء عند أبى يوسف يغسل باقى الأعضاء ويصلى وعندهما يغسل جميعها بناء على أن القهقهة هل تبطل ما غسل من أعضاء الوضوء عنده لا وعندهما نعم
ولو اغتسل جنب وصلى فقهقه هل تبطل ويعيد الوضوء اختلف فيه فقيل لا يعيد لأنه ثابت في ضمن الغسل فإذا لم يبطل المتضمن لا يبطل المتضمن والصحيح أنه يعيد الوضوء لأن إعادته واجبة عقوبة كذا في المحيط ولو قهقه بعد كلام الإمام متعمدا فسدت كسلامه على الأصح على خلاف ما فى الخلاصة بخلافه بعد حدثه عمدا قوله لأن النجس ما عليها المعنى لأن ما بحيث يكون نجسا هو ما عليها فلا يحتاج إلى اعتباره على قول محمد قوله حتى لو كانت مفضاة الخ المفضاة التى اختلط سبيلاها وقيل مسلك البول والحيض وفي التعليل وهو قوله لاحتمال خروجه من الدبر إشارة إلى الأول والوضوء مستحب في حقها لذلك الاحتمال وظهور أثره أيضا فيما لو طلقت ثلاثا وتزوجت بآخر لا تحل للأول ما لم تحبل لاحتمال أن الوطء كان في دبرها
وفي حرمة جماعها على الزوج
قال في فتاوى قاضيخان
____________________
(1/53)
إلا أن يعلم أنه يمكنه إتيانها في قبلها من غير تعد
وعن محمد وجوب الوضوء وبه أخذ أبو حفص للاحتياط ومنع أنها متوضئة بيقين وكون الريح من الدبر مشكوك فيه فلا يزول اليقين بالشك
وقد يدفع بأن الغالب في الريح كونها من الدبر بل لا نسبة لكونها من القبل به فيفيد غلبة ظن تقرب من اليقين وهو خصوصا في موضع الاحتياط له حكم اليقين فيترجح الوجوب
فرع شك في الوضوء أو الحدث وتيقن سبق أحدهما بنى على السابق إلا أن تأيد اللاحق فعن محمد علم المتوضىء دخوله الخلاء للحاجة وشك في قضائها قبل خروجه عليه الوضوء
أو علم جلوسه للوضوء بإناء وشك في إقامته قبل قيامه لا وضوء وهذا يؤيد ما ذكرناه من الوجه في وجوب وضوء المفضاة ولو شك في السائل من ذكره أماء هو أم بول إن قرب عهده بالماء أو تكرر مضى وإلا أعاده بخلاف ما لو غلب على ظنه أنه أحدهما ولو تيقن ترك عضو وشك فيه ففى النوازل يغسل رجله اليسرى ولا يخفى أن المراد إذا كان الشك بعد الفراغ وقياسه أنه لو كان في أثناء الوضوء يغسل الأخير مثلا علم أنه لم يغسل رجليه عينا وعلم أنه ترك فرضا مما قبلهما وشك في أنه ما هو يمسح رأسه ولا يظن أن هذا خلاف ما قدمناه في التتمة لأنه لا تيقن بترك شيء هناك أصلا قوله وهذه الجملة نجسة يعنى الماء والقيح والصديد قوله لأنه مخرج وليس بخارج لا تأثير يظهر للإخراج وعدمه في هذا الحكم بل النقض لكونه خارجا نجسا وذلك يتحقق مع الإخراج كما يتحقق مع عدمه فصار كالفصد وقشر النفطة فلذا اختار السرخسى في جامعه النقض
وفي الكافى والأصح أن المخرج ناقض انتهى
وكيف وجميع الأدلة الموردة من السنة والقياس تفيد تعليق النقض بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج
فروع يجب الوضوء من المباشرة الفاحشة وهي أن يتجردا معا متعانقين متماسى الفرجين وعن محمد لا إلا أن يتيقن خروج شيء
قلنا يندر عدم مذى في هذه الحالة والغالب كالمتحقق في مقام وجوب الاحتياط وفى القنية وكذا المباشرة بين الرجل والغلام وكذا بين الرجلين يوجب الوضوء عليهما ولا يجب من مجرد مسها ولو بشهوة ولو فرجها ولا من مس الذكر
خلافا للشافعي في الأولى مطلقا وفي الثانية إذا مس بباطن
____________________
(1/54)
الأصابع ولمالك في الثانية مطلقا وفي الأولى إذا مس بشهوة
لنا في الأولى عدم دليل النقض بشهوة وبغير شهوة فيبقى الانتقاض على العدم وقوله تعالى { أو لامستم النساء } مراد به الجماع وهو مذهب جماعة من الصحابة وكونه مرادا به اليد قول جماعة آخرين ورجحنا قول الطائفة الأولى بالمعنى وذلك أنه سبحانه أفاض في بيان حكم الحدثين الأصغر والأكبر عند القدرة على الماء بقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة } إلى قوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فبين أنه الغسل ثم شرع في بيان الحال عند عدم القدرة عليه بقوله تعالى { وإن كنتم مرضى أو على سفر } إلى { فتيمموا صعيدا } إلى آخره ولفظ لامستم مستعمل في الجماع فيجب حمله عليه ليكونا بيانا لحكم الحدثين عند عدم الماء كما بين حكمهما عند وجوده فيتم الغرض بخلاف ما ذهبوا إليه من كونه باليد
ويدل عليه من السنة ما في مسلم من مس عائشة قدميه صلى الله عليه وسلم حين طلبته صلى الله عليه وسلم لما فقدته ليلا وهما منصوبتان في السجود ولم يقطع صلاته لذلك وعنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه فلا يتوضأ رواه البزار في مسنده بإسناد حسن
ولنا في الثانية ما روى أصحاب السنن إلا ابن ماجه عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن على عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال هل هو إلا بضعة منك ورواه ابن حبان في صحيحه
قال الترمذى هذا حديث أحسن شيء يروى في هذا الباب
وفي الباب عن أبى أمامة
وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه
وأيوب ومحمد تكلم فيهما بعض أهل الحديث وحديث ملازم بن عمرو أصح وأحسن وبه رواه الطحاوى وقال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه انتهى
فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان أنه صلى الله عليه وسلم قال من مس ذكره فليتوضأ وكلا الحديثين مع ذلك لم يسلم من الطعن مرة في بسرة بالجهالة ومرة بأن عروة لم يسمع من بسرة بل من مروان بن الحكم أو الشرطى على ما عرف في موضعه ومرة بالتكلم في ملازم وغير ذلك والحق أنهما لا ينزلان عن درجة الحسن لكن يترجح حديث طلق بأن حديث الرجال أقوى لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل
وقد أسند الطحاوى إلى ابن المدينى أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة
وعن عمرو بن على القلاس أنه قال حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان
وما رجح به حديث بسرة من أنه ناسخ لأن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أول سنى الهجرة وهو يبنى المسجد وكان صلى الله عليه وسلم يقول قربوا اليمانى من الطين فإنه من أحسنكم له مسا ومتن حديث بسرة رواه أبو هريرة وهو متأخر الإسلام فغير لازم لأن ورود طلق إذ ذاك ثم رجوعه لا ينفى عوده بعد ذلك وهم قد رووا عنه حديثا ضعيفا
____________________
(1/55)
من مس ذكره فليتوضأ وقال سمع منه صلى الله عليه وسلم الناسخ والمنسوخ
وحديث أبى هريرة مضعف أيضا لأن في سنده يزيد بن عبد الملك ومما يدل على انقطاع حديث بسرة باطنا أن أمر النواقض مما يحتاج إلى الخاص والعام إليه وقد ثبت عن على وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وابن عباس وخذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبى الدرداء وسعد بن أبي وقاص أنهم لا يرون النقض منه وإن روى عن غيرهم كعمر وابنه وأبى أيوب الأنصارى وزيد بن خالد وأبى هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة على أن الرواية عن عمر نظرا لما سنذكره عنه في كتاب الصلاة وإن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه فلما كان مس الذكر غالبا يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه كما عبر تعالى بالمجىء من الغائط عما يقصد الغائط لأجله ويخل فيه فيتطابق طريقا الكتاب والسنة في التعبير فيصار إلى هذا لدفع التعارض فصل في الغسل
قول المضمضة الخ ولو شرب الماء عبا أجزأ عنها لا مصا
وعن أبى يوسف لا إلا أن يمجه ولو كان سنه مجوفا أو بين أسنانه طعام أو درن رطب يجزئه لأن الماء لطيف يصل إلى كل موضع غالبا كذا في التجنيس ثم قال ذكر الصدر الشهيد حسام الدين في موضع آخر إذا كان في أسنانه كوات يبقى فيها الطعام لا يجزئه ما لم يخرجه ويجرى الماء عليها
وفى فتاوى الفضلى والفقيه أبى الليث خلاف هذا فالاحتياط أن يفعل انتهى
والدرن اليابس في الأنف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع ولا يضر ما انتضح من غسله في إنائه بخلاف ما لو قطر كله من الإناء
ويجوز نقل البلة في الغسل من عضو إلى عضو إذا كان يتقاطر بخلاف الوضوء ويجوز للجنب أن يذكر الله تعالى ويأكل ويشرب إذا تمضمض ويعاود أهله قبل أن يغتسل قال في المبتغى إلا إذا احتلم فإنه لا يأت أهله مالم يغتسل قوله وغسل سائر البدن فيجب تحريك القرط والخاتم الضيقين ولو لم يكن
____________________
(1/56)
قرط فدخل الماء الثقب عند مروره أجزأ كالسرة وإلا أدخله ويدخله القلفة استحبابا وفي النوازل لا يجزئه تركه والأصح الأول للحرج لا لكونه خلقه وتغسل فرجها الخارج لأنه كالفم ولا يجب إدخالها الأصبع في قبلها وبه يفتى
ودرن الأظفار على الخلاف السابق في الوضوء ولا يجب الدلك إلا في رواية عن أبى يوسف وكان وجهه خصوص صيغة اطهروا فإن فعل للمبالغة وهو أصله وذلك بالدلك قوله عشر من الفطرة روى مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتفاض الماء قال مصعب بن شيبة ونسيت العشرة إلا أن تكون المضمضة وانتفاض الماء الاستنجاء ورواه أبو داود من رواية عمار وذكر الختان بدل إعفاء اللحية وذكر الانتضاح بدل انتفاض الماء قوله ولنا قوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } وهو أمر بتطهير جميع البدن لأنه أضاف التطهير إلى مسمى الواو وهو جملة بدن كل مكلف فيدخل كل ما يمكن الإيصال إليه إلا ما فيه حرج وهو المراد بقوله يتعذر وذلك كداخل العينين والقلفة بالنافى للحرج ولا حرج في داخل الفم والأنف فشملهما نص الكتاب من غير معارض كما شمهما قوله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشرة رواه أبو داود والترمذى من غير معارض إذ كونهما من الفطرة لا ينفى الوجوب لأنها الدين وهو أعم منه فلا يعارضه قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة والمراد على الواجبات على ما هو أعلى الأقوال وعلى هذا لا حاجة إلى حمل المروى على حالة الحدث بدليل قوله صلى الله عليه وسلم إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء كأنه يعنى ما عن أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة لكن انعقد الإجماع على خروج اثنتين منهما وهو ضعيف قوله وسنته الخ ظاهر وهل يمسح رأسه في هذا الوضوء نعم في الصحيح وفي
____________________
(1/57)
رواية الحسن لا ولم يذكر كيفية الصب واختلف فيه فقال الحلوانى يفيض على منكبه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ثم على سائر جسده
وقيل يبدأ بالأيمن ثم الرأس ثم بالأيسر
وقيل يبدأ بالرأس وهو ظاهر لفظ الكتاب وظاهر حديث ميمونة الذي سيذكر ولو انغمس الجنب في ماء جار إن مكث فيه قدر الوضوء والغسل فقد أكمل السنة وإلا فلا قوله هكذا حكت ميمونة روى الجماعة عنها قالت وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم ذلك يده بالأرض ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه قوله وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها هذا فرع قيام الضفيرة فلو كانت ضفائرها منقوضة فعن الفقيه أبى جعفر يجب إيصال الماء إليه وفي وجوب نقض ضفائر الرجل اختلاف الرواية والمشايخ
____________________
(1/58)
والاحتياط الوجوب وثمن ماء غسل المرأة ووضوئها على الرجل وإن كانت غنية قوله لقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في مسلم وغيره عنها قلت يا رسول الله إنى امرأة أشد ضفر رأسى أفأنقضه في غسل الجنابة فقال لا إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ومقتضى هذا عدم وجوب إيصال الماء إلى الأصول وكذا ما فيه من أنه بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت يا عجبا لابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد وما أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات
وكذا ما في أبى داود أنهم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها وإن كان فيه محمد بن إسمعيل بن عياش عن أبيه
قال في الإمام ورد ما يدل على أن المرأة تنقض رأسها في الحيض وذكر ما في البخارى من حديث عائشة في الحج أهللت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدى فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة فقالت يا رسول الله هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة فقال لها صلى الله عليه وسلم انقضى رأسك وامتشطى وأمسكى عن عمرتك الحديث
وروى الدارقطنى في الإفراد من حديث مسلم بن صبيح حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرته اه ولا أعلم هذا التفصيل في المذهب وأجاب متأخر بما في مسلم من حديث أم سلمة السابق فإن فيه في رواية أفأنقضه للحيضة والجنابة قال لا الحديث
وهو أولى بالتقديم من حديث الدارقطنى وأما حديث عائشة فإن ذلك الغسل كان للتنظيف لأجل الوقوف لا للتطهير من حدث الحيض لأنها كانت حائضا هذا وأورد أن حديث أم سلمة معارض للكتاب
وأجيب تارة بالمنع فإن مؤدى الكتاب غسل البدن والشعر ليس منه بل متصل به نظرا إلى أصوله فعملنا بمقتضى الاتصال في حق الرجال وبمقتضى الانفصال في النساء دفعا للحرج إذ لا يمكنهن حلقه وتارة بأنه خص من الآية مواضع الضرورة كداخل العينين فيخص بالحديث بعده قوله هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم يجب
____________________
(1/59)
بلها ثلاثا مع كل بلة عصرة
وفي صلاة البقالى الصحيح أنه يجب غسل الذوائب وإن جاوزت القدمين وفي مبسوط بكر في وجوب إيصال الماء إلى شعب عقاصها اختلاف المشايخ اه
والأصح نفيه للحصر المذكور في الحديث قوله والمعانى الموجبة للغسل قيل هي تنقضه فكيف توجبه
وفي مبسوط شيخ الإسلام سبب وجوب الغسل إرادة مالا يحل فعله بالجنابة عند عامة المشايخ
وقيل هى موجبة للغسل بواسطة الجنابة كقولنا شراء القريب إعتاق والأولى أن يقال سببه وجوب مالا يحل مع الجنابة على ما قررنا في المعانى الموجبة للوضوء
وحاصل ما يوجب الجنابة خروج المنى عن شهوة والإيلاج في الآدمى الحى لا الميت والبهيمة مالم ينزل
لكن في الفتاوى الظهيرية بال فخرج منه منى إن كان ذكره منكسرا لا غسل عليه وإن كان منتشرا فعليه الغسل وهذا بعد ما عرف من اشتراط وجود الشهوة في الإنزال فيه نظر
بخلاف ما روى عن محمد في مستيقظ وجد ماء ولم يتذكر احتلاما إن كان ذكره منتشرا قبل النوم لا يجب وإلا فيجب لأنه بناه على أنه منى عن شهوة لكن ذهب عن خاطره ومحمل الأول أنه وجد الشهوة يدل عليه تعليله في التجنيس بقوله لأن في الوجه الأول يعنى حالة الانتشار وجد الخروج والانفصال على وجه الدفق والشهوة
وأعلم أن مطلق الإيلاج في الآدمى يتناول إيلاج الذكر في القبل والدبر وإيلاج الأصبع
وفي إدخال الأصبع الدبر خلاف في إيجاب الغسل فليعلم ذلك قوله ولنا أن الأمر بالتطهير يتناول الجنب والجنابة في اللغة إنما تقال مع الشهوة فلا يتناول من خرج منه بلا شهوة فلا يوجب فيه حكما ينفى ولا إثبات
والحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم إنما الماء من الماء من رواية مسلم محمول على
____________________
(1/60)
الخروج عن شهوة لأن اللام للعهد الذهنى أي الماء المعهود والذي به العهد لهم هو الخارج عن شهوة كيف وربما يأتى على أكثر الناس جميع عمره ولا يرى هذا الماء مجردا عنها على أن كون المنى عن غير شهوة ممنوع فإن عائشة أخذت في تفسيرها إياه الشهوة على ما قال ابن المنذر حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو حنيفة حدثنا عكرمة عن عبد ربه بن موسى عن أمه أنها سألت عائشة عن المذى فقالت إن كل فحل يمذى وإنه المذى والودى والمنى فأما المذى فالرجل يلاعب امرأته فيظهر على ذكره الشيء فيغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ولا يغتسل وأما الودى فإنه يكون بعد البول يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ولا يغتسل وأما المنى فإنه الماء الأعظم الذي منه الشهوة وفيه الغسل
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن قتادة وعكرمة نحوه فلا يتصور منى إلا من خروجه بشهوة وإلا يفسد الضابط الذي وضعته لتمييز المياه لتعطى أحكامها قوله ثم المعتبر الخ لا يجب الغسل إذا انفصل عن مقره من الصلب بشهوة إلا إذا خرج على رأس الذكر بالاتفاق وإنما الخلاف في أنه هل تشترط مقارنة الشهوة للخروج فعند أبى يوسف نعم وعندهما لا فافهم مقصود الكتاب فإنه مزلقة
وقد أخطأ بعض الطلبة لعدم علمه بذلك من خارج ولو تأمل قوله في دليل أبى يوسف إذ الغسل يتعلق بهما لزال الريب عنه ومن فروع تعلقه بهما لو احتلم فوجد اللذة ولم ينزل حتى توضأ وصلى ثم أنزل اغتسل ولا يعيد الصلاة وكذا لو احتلم في الصلاة فلم ينزل حتى أتمها فأنزل لا يعيدها ويغتسل
وقولهما أحوط لأن الجنابة قضاء الشهوة بالإنزال فإذا وجدت مع
____________________
(1/61)
الانفصال صدق اسمها وكان مقتضى هذا ثبوت حكمها وإن لم يخرج لكن لا خلاف في عدم ثبوت الحكم إلا بالخروج فيثبت بذلك الانفصال من وجه هو أقوى مما بقى والاحتياط واجب وهو العمل بالأقوى من الوجهين فوجب وتظهر ثمرة الخلاف في صور استمنى بكفه أو جامع امرأته من غير الفرج أو احتلم فلما انفصل أخذا حليله حتى سكنت فأرسل فخرج بلا شهوة يجب عندهما لا عنده
ومنها اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول أو المشى ثم خرج منه المنى بلا شهوة يعيد عندهما لا عنده وبعد أحدها يعيد بالاتفاق وكذا لا يعيد الصلاة التي صلاها بعد الغسل الأول قبل خروج ما تأخر من المنى اتفاقا
قيل ومنها مستيقظ وجد بثوبه أو فخذه بللا ولم يتذكر احتلاما وشك في أنه مذى أو منى يجب عندهما لاحتمال انفصاله عن شهوة ثم نسى ورق هو بالهواء خلافا له وفيه نظر فإن هذا الاحتمال ثابت في الخروج كذلك كما هو ثابت في الانفصال كذلك فالحق أنها ليست بناء عليه بل هو يقول لا يثبت وجوب الغسل بالشك في وجود الموجب وهما احتاط لقيام ذلك الاحتمال وقياسا على ما لو تذكر الاحتلام ورأى ماء رقيقا حيث يجب اتفاقا حملا للرقة على ما ذكرنا
وقوله أقيس وأخذ به خلف بن أيوب وأبو الليث ولو تيقن أنه مذى لا يجب اتفاقا لكن التيقن متعذر مع النوم
وقولهما أحوط قال في التجنيس لأن النوم مظنة الاحتلام فيحال به عليه ثم يحتمل أنه كان منيا فرق بواسطة الهواء
وفي التجنيس أغشى عليه فأفاق فوجد مذيا أو كان سكران فأفاق فوجد مذيا لا غسل عليه ذكره أبو على الدقاق ولا يشبه النائم إذا استيقظ فوجد على فراشه مذيا حيث كان عليه الغسل إن تذكر الاحتلام بالإجماع وإن لم يتذكر فعند أبى حنيفة ومحمد يجب
والفرق أن المنى والمذى لا بد له من سبب وقد ظهر في النوم تذكر أولا لأن النوم مظنة الاحتلام فيحال عليه ثم يحتمل أنه منى رق بالهواء وللغذاء فاعتبرناه منيا احتياطا ولا كذلك السكران والمغشى عليه لأنه لم يظهر فيهما هذا السبب ولو تذكر الاحتلام والشهوة ولم ير بللا لا يجب اتفاقا ولو وجد الزوجان بينهما ماء دون تذكر ولا مميز بأن لم يظهر غلظه ورقته ولا بياضه ولا صفرته يجب عليهما الغسل صححه في الظهيرية ولم يذكروا القيد فقالوا يجب عليهما
وقيل إذا كان غليظا أبيض فعليه أو رقيقا أصفر فعليها فيفيدونه بصورة نقل الخلاف
والذي يظهر تقييد الوجوب عليهما بما ذكرنا فلا خلاف إذا
ولو احتلمت ووجدت لذة الإنزال لكن لم يخرج ماؤها إلى فرجها الظاهر لا غسل عليها في ظاهر الرواية
قال الحلوانى وبه يؤخذ وقيل يجب بخلاف الرجل
وجه الظاهر حديث أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هى احتلمت قال نعم إذا رأت الماء وجه الثانى ما روى عنها أنها سألته صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى
____________________
(1/62)
في منامها ما يرى الرجل فقال صلى الله عليه وسلم إذا رأت ذلك فلتغتسل والأول أصرح في تعلق الوجوب بالخروج ويحتمل كون المراد بما يرى الرجل الاحتلام والماء فيوافق الأول فيجب حمله عليه لأن الغالب إذ الغالب رؤية الماء مع الاحتلام والحق أن الاتفاق على تعلق وجوب الغسل بوجود المنى في احتلامها والقائل بوجوبه في هذه الخلافية إنما يوجبه بناء على وجوده وإن لم تره يدل على ذلك تعليله في التجنيس احتلمت ولم يخرج منها الماء إن وجدت شهوة الإنزال كان عليها الغسل وإلا لا لأن ماءها لا يكون دافقا كماء الرجل وإنما ينزل من صدرها فهذا التعليل يفهمك أن المراد بعدم الخروج في قوله ولم يخرج منها لم تره خرج فعلى هذا الأوجه وجوب الغسل في الخلافية والاحتلام يصدق برؤيتها صورة الجماع في نومها وهو يصدق بصورتى وجود لذة الإنزال وعدمه فلذا لما أطلقت أم سليم السؤال عن احتلام المرأة قيد صلى الله عليه وسلم جوابها بأحدى الصورتين فقال إذا رأت الماء ومعلوم أن المراد بالرؤية العلم مطلقا فإنها لو تيقنت الإنزال بأن استيقظت في فور الاحتلام فأحست بيدها البلل ثم نامت فما استيقظت حتى جف فلم تر بعينها شيئا لا يسع القول بأن لا غسل عليها مع أنه لا رؤية بصر بل رؤية علم ورأى يستعمل حقيقة في معنى علم باتفاق اللغة
قال رأيت الله أكبر كل شيء ولو جومعت فيما دون الفرج فسبق الماء إلى فرجها أو جومعت البكر لا غسل عليها إلا إذا ظهر الحبل لأنها لا تحبل إلا إذا أنزلت ولو جومعت فاغتسلت ثم خرج منها منى الرجل لا غسل عليها
امرأة قالت معى جنى يأتينى في النوم مرارا وأجد ما أجد إذا جامعنى زوجى لا غسل عليها ولا يخفى أنه مقيد بما إذا لم ترى الماء فإن رأته صريحا وجب كأنه احتلام قوله والتقاء الختانين الختانان موضع القطع من الذكر والفرج وهو سنة للرجل مكرمة لها إذ جماع المختونة ألذ وفي نظم الفقه سنة فيهما غير أنه لو تركه يجبر عليه إلا من خشية الهلاك ولو تركته هي لا والتعبير بغيبوبة الحشفة أولى لتناوله الإيلاج في الدبر ولأن الثابت في الفرج محاذاتهما لا التقاؤهما قوله لقوله عليه الصلاة والسلام معنى الحديث ثابت في الصحيح
____________________
(1/63)
والسنن كثيرا وبهذا اللفظ في مسند عبد الله بن وهب وفي مصنف ابن أبى شيبة إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل ولا يعارضه حديث إنما الماء من الماء فقد روى أبو داود والترمذى وصححه أن الفتيا التى كانوا يفتون إنما الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال فصرح بالنسخ ثم ظاهر المذكور في الكتاب الوجوب بالإيلاج في الصغيرة التى لم تبلغ حد الشهوة والميتة والآدمية وأصحابنا منعوه إلا أن ينزل لأن وصف الجنابة متوقف على خروج المنى ظاهرا أو حكما عند كمال سببه مع خفاء خروجه لقلته وتكسله في المجرى لضعف الدفق لعدم بلوغ الشهوة منتهاها كما يجده المجامع في أثناء الجماع من اللذة بمقاربة المزايلة فيجب حينئذ إقامة السبب مقامه وهذا علة كون الإيلاج فيه الغسل فيتعدى الحكم إلى الإيلاج في الدبر وعلى الملاط به إذ ربما يلتذ فينزل ويخفى لما قلنا وأخرجوا ما ذكرنا لكنه يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء
وحكى في الوجوب على من غابت الحشفة في فرجه خلافا في المبتغى قوله والحيض أى انقطاعه وكذا في النفاس قيل فيه نظر
إذ انقطاعه طهارة وإناطة الغسل بالحدث أعنى النجس الخارج أنسب فالكلام على ظاهره فالحيض نفسه سبب غير أنه لا يفيد حال قيامه كحال جريان البول فإذا انقطع أفاد وحاصله أن الحيض موجب بشرط انقطاعه والأولى منهما وزان ما قدمنا في المعانى الموجبة للغسل وبهما تمت الاغتسالات المفروضة وشرع في المسنونة وهى الأربعة المذكورة
بقى غسل مستحب وهو غسل الكافر إذا أسلم غير جنب فإن أسلم جنبا اختلف فيه فقيل لا يجب لأنهم غير مخاطبين بالفروع ولم يوجد بعد الإسلام جنابة والأصح وجوبه لبقاء صفة الجنابة السابقة بعد الإسلام فلا يمكنه أداء المشروط بزوالها إلا به
____________________
(1/64)
فيفترض ولو حاضت الكافرة فطهرت ثم أسلمت قال شمس الأئمة لا غسل عليها بخلاف الجنب
والفرق أن صفة الجنابة باقية بعد الإسلام فكأنه أجنب بعده والانقطاع في الحيض هو السبب ولم يتحقق بعده فلذا لو أسلمت حائضا ثم طهرت وجب عليها الغسل
ولو بلغ الصبى الاحتلام أو هى بالحيض قيل يجب عليها لا عليه فهذه أربعة فصول
قال قاضيخان والأحوط وجوب الغسل في الفصول كلها اه ولا نعلم خلافا في وجوب الوضوء للصلاة إذا أسلم محدثا
وقد يقال لا معنى للفرق بين هاتين فإنه إن اعتبر حال البلوغ أوان انعقاد أهلية التكليف فهو كحال انعقاد العلة لا يجب عليهما وإن اعتبر أوان توجه الخطاب حتى اتحد زمانهما وجب عليهما
والحيض إما حدث أو يوجب حدثا في رتبة حدث الجنابة لما سنحققه في بابه فوجب أن يتحد حكمه بالذى أسلم جنبا
وجوابه أن السبب في الحيض الانقطاع وثبوته بعد البلوغ لتحقق البلوغ بابتداء الحيض كى لا يثبت الانقطاع إلا وهى بالغة بخلاف الجنابة قوله وقيل هذه الأربعة مستحبة وهو النظر فإن غسل الجمعة لا مرد لشرعيته وكان واجبا على ما يفيده دليل مالك وهو من رواية عمر بن الخطاب في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وفي الصحيحين من حديث الخدرى أنه صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/65)
قال غسل الجمعة واجب على كل محتلم فإن عول في الجواب على النسخ مع ما دفع به من أن الناسخ وإن صححه الترمذى لا يقوى قوة حديث الوجوب وليس فيه تاريخ أيضا فعند التعارض يقدم الموجب فإذا نسخ الوجوب لا يبقى حكم آخر بخصوصه إلا بدليل والدليل المذكور يفيد الاستحباب وكذا إن عول على أنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته كما يفيده ما أخرج أبو داود عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا فقال لا ولكنه طهور وخير لمن اغتسل ومن لم يغتسل فليس عليه واجب وسأخبركم كيف بدء الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى صارت منهم رياح حتى آذى بعضهم بعضا فلما وجد صلى الله عليه وسلم تلك الرياح قال يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أمثل ما يجده من دهنه وطيبه
قال ابن عباس ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذى بعضهم بعضا من العرق
وإن عول على أن المراد بالأمر الندب وبالوجوب الثبوت شرعا على وجه الندب بالقرينة المنفصلة أعنى قوله صلى الله عليه وسلم ومن اغتسل فهو أفضل فدليل الندب يثبت الاستحباب إذ لا سنة دون المواظبة منه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لازم الندب ثم يقاس عليه باقى الاغتسال وإنما يتعدى إلى الفرع حكم الأصل وهو الاستحباب
وأما ما روى ابن ماجه كان صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم العيدين وعن الفاكه بن سعد الصحابى أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر فضعيفان قاله النووى وغيره
وأما ما روى الترمذى وحسنه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل فواقعة حال لا تستلزم المواظبة فاللازم الاستحباب إلا أن يقال إهلاله اسم جنس مضاف فيعم لفظ كل إهلال صدر منه فيثبت سنية هذا الغسل هذا
ومن الأغسال المندوبة الاغتسال لدخول مكة والوقوف بمزدلفة ودخول مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ومن غسل الميت وللحجامة لشبه الخلاف ولليلة القدر إذا رآها وللمجنون إذا أفاق والصبى إذا بلغ بالسن نص عليه في الغاية وكذا يستحب للكافر إذا أسلم
قال في التجنيس بذلك أمر صلى الله عليه وسلم من جاءه يريد الإسلام وظاهره وكذا واقعة ابن أثال تفيد أن الغسل قبل الإسلام للإسلام ويكفى غسل واحد لسنتى العيد والجمعة إذا اجتمعا كما لفرضى جنابة وحيض
وبعد الاتفاق على الاكتفاء بغسل واحد نقل الخلاف بين أبى يوسف ومحمد أنه منهما أو أنه يقع من السوابق منهما وجه الأول أن
____________________
(1/66)
كلا من الجنابة والحيض يوجب الغسل فإذا اجتمعا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر فيوجبانه فيكون منهما وجه الثانى أو وجوبه للنجاسة الحكمية الكائنة بالحدث وإذا جاءت بالسبب الأول لا يؤثر السبب الثانى إياها وهذا لأنها واحدة تثبت بأسباب لا متعددة بتعدد الأسباب فإذا ثبتت بأحدهما استحال أن تثبت بالثانى حال قيامها وتظهر ثمرة الخلاف في امرأة حلفت لا تغتسل من زوجها من جنابة فحاضت ثم جامعها ثم اغتسلت تحنث على الأول لا الثانى قوله للصلاة الخ تظهر ثمرته فيمن لا جمعة عليه هل يسن له الغسل أولا وفيمن اغتسل ثم أحدث وتوضأ وصلى به الجمعة لا يكون له فضل غسل الجمعة عند أبى يوسف وفيمن اغتسل قبل الغروب وفى الكافى لو اغتسل قبل الصبح وصلى به الجمعة نال فضل الغسل عند أبى يوسف وعند الحسن لا
واستشكله شارح الكنز لأنه لا يشترط وجود الاغتسال فيما سن الاغتسال لأجله بل أن يكون فيه متطهرا بطهارة الغسل فلا يحسن نفى الحسن قوله وفيهما الوضوء أورد لا يتصور الوضوء من الودى لأنه يتعقب البول فيكون الوضوء من الناقض السابق
أجيب بأن المراد لو فرض خروجه ابتداء كان فيه الوضوء وبأنه يتصور فيما لو توضأ على إثر بوله بلا مهملة ثم مشى فتحلل ودى وخرج حتى لو كان به سلس البول فوجد ذلك منه في الوقت كان عليه الوضوء وبأن وجوب الوضوء بالبول لا ينافى وجوبه بالودى بل يجب بهما حتى لو حلف لا يتوضأ من الرعاف فبال ثم رعف ثم توضأ حنث ذكره محمد
فعلم أن كلا منهما موجب إلا أنه اكتفى بوضوء واحد وأنت إذا حققت أن الناقض يثبت الحدث ثم تجب إزالته عند وجوب المشروط وأن الحدث مانعية اعتبرت قائمة بالأعضاء شرعا إلى غاية استعمال المزيل أو وصف اعتبارى شرعا يمنع إلى الغاية المذكورة وكل منهما أمر واحد لا تعدد إلا في أسبابه
فالثابت بكل سبب هو الثابت بالآخر إذ لا دليل يوجب خلاف ذلك لم يتأخر عن الحكم بكون الوضوء في مثله عن الحدث السابق على السبب الثانى وأنه لم يوجب شيئا لاستحالة تحصيل الحاصل
نعم لو وقعت الأسباب دفعة كأن رعف وبال وفسا معا أضيف ثبوته إلى كلها فلا ينفى ذلك كون كل علة مستقلة لأن معنى الاستقلال كون الوضف بحيث لو أنفرد أثر وهذه الحيثية ثابتة لكل في حال الاجتماع كذا قرر في فصول الآمدى وهو معقول يجب قبوله وهذا قول الجرجانى من مشايخنا وإن كان قول محمد أن الوضوء منهما يقتضى أن الثانى أثر الحدث أيضا كالأول وعن أبى حنيفة نحوه
والحق أن لا تنافى بين كون الحدث بالسبب الأول فقط وبين الحنث لأنه لا يلزم بناؤه على تعدد الحدث بل على العرف والعرف أن يقال لمن توضأ بعد بول
____________________
(1/67)
ورعاف وتوضأ منهما
وعن الحلوانى تفصيل بين كون الثانى من جنس الأول فيكون الوضوء عن الأول أو من غيره فمنهما قوله لقوله صلى الله عليه وسلم كل فحل يمذى وفيه الوضوء أخرجه أبو داود وأحمد من حديث عبد الله بن سعد الأنصارى وأخرج إسحق والطحاوى من حديث على نحوه وأصله عن على في الصحيحين شهير
وأما قوله والتفسير مأثور عن عائشة فقد تقدم ذكرنا له
فرع الجنب أولى بالماء المباح إذا وجده هو وحائض أو ومعه ميت وييمم الميت والحائض وكذا عن المحدث & باب الماء الذي يجوز به الوضوء
____________________
(1/68)
قوله لقوله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } يستدل به على عموم الدعوى إن كانت كل المياه أصلها من السماء وإنما سلكت ينابيع في الأرض كما قال تعالى { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } وعلى بعضها إن لم يكن كذلك
وأعلم أن الدعوى هي أنه يجوز التوضى بهذه المياه وليس في النص المذكور ولا الأحاديث ما يوجب ذلك بل إنما أفادت وصف الماء بالطهورية والأصحاب مصرحون بأن ليس معنى الطهور لغة ما يطهر غيره بل إنما هو المبالغ في طهارته أى طهارته قوية ولا يستلزم ذلك كونه يطهر غيره وسيأتى تمامه مع مالك رضى الله عنه وكون الإجماع على أن الموصوف بلفظ طهور في لسان الشرع ما يطهر غيره دليل آخر كان يمكن أن يستدل به
وأما النص المذكور باستقلاله لا يوجبه فكان الوجه أن يستدل بقوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وحديث الماء طهور حاصل كلامهم فيه أنه مع الاستثناء ضعيف برشدين بن سعد وبدونه من رواية أبى داود والترمذى من حديث الخدرى قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر تلقى فيه الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء وحسنه الترمذى وابن القطان وإن ضعفه بسبب الخلاف في تسمية بعض أهل السند وقد قال وله إسناد صحيح
____________________
(1/69)
فذكره وكذا قال الإمام أحمد هو حديث صحيح فحينئذ يستدل بالقدر الصحيح على طهورية الماء وبالإجماع على تنجسه بتغير وصفه بالنجاسة
وأما إنه لا يتنجس إلا إذا تغير كما قال مالك إذ لا يمكن الاستدلال عليه بذلك القدر والإجماع على تنجسه بالتغير يفيد لأن ظاهرة غير مراد
نعم له طريق نذكرها عند الكلام مع الإمام مالك إن شاء الله تعالى وحديث هو الطهور ماؤه عن أبى هريرة رواه أصحاب السنن الأربعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من البحر فقال صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته صححه الترمذى
وقال سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال حديث صحيح هذا
وأما ما أعل به من جهالة سعيد بن سلمة والمغيرة ابن أبى بردة والاختلاف في سعيد بن سلمة هل هو هذا أو عبد الله بن سعيد فمدفوعان بإظهار معرفتهما وإقامة مالك في الموطأ السند عن صفوان بن سليم وتابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن الجلاح بن كثير وابن وهب عن عمرو بن الحرث عن الجلاح عن سعيد بن سلمة أخرجهما البيهقى فلا يضر الخلاف بعد هذا
وأما الإعلال بالإرسال لأن يحيى بن سعيد رواه عن المغيرة بن أبى بردة أن ناسا من بنى مدلج أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحفظ من صفوان بن سليم وأثبت من سعيد بن سلمة اللذين روياه عن ابن أبى بردة عن أبى هريرة فمبنى على أن إرسال الأحفظ مقدم على الوصل من الثقة دونه وهو غير المذهب المختار عند المحققين على ما عرف في موضعه وكذا الإعلال باضطراب هشيم مدفوع بأنه إنما يلزم لو اتفق عليه فيه فأما وقد رواه أبو عبيد عن هشيم على الصواب فلا
وأما قوله السنة وردت بغسل الميت بالماء الذي أغلى فيه السدر فالله أعلم به والذي في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته اغسلوه بماء وسدر الحديث ليس فيه غلى قوله والوظيفة في هذه جواب سؤال هو سلمنا أن المعتصر من الشجر ليس بمطلق لكن لم لم يلحق بالمطلق في إزالة
____________________
(1/70)
الحكمية كما ألحقه أبو حنيفة به في إزالة الحقيقة فأجاب بامتناع الإلحاق لفوات شرطه
فإن حكم الأصل أعني إزالة الحكمية غير معقول إذ لا نجاسة على الأعضاء محسوسة يزيلها الماء ليلحق به المانع في ذلك
بل الكائن اعتبار شرعى محض له حكم النجاسة إذ منعت الصلاة معه وقد عين لإزالته شرعا آله فلا يمكن إلحاق غيرها بها في ذلك بخلاف إناطة ذلك الاعتبار نفسه بخروج النجاسة لما عقل اعتبار خروجها مؤثرا في ذلك دار معه سواء كانت السبيلين أو غيرهما فلا ينافى كلامه هذا قوله فيما تقدم أن خروج النجاسة مؤثر في زوال
____________________
(1/71)
الطهارة وإن الاقتصار على الأربعة غير معقول قوله وقال الشافعي اعلم أن الاتفاق على أن الماء المطلق تزال به الأحداث أعنى ما يطلق عليه ماء والمقيد لا يزيل لأن الحكم منقول إلى التيمم عند فقد المطلق في النص والخلاف في الماء الذي خالطه الزعفران ونحوه مبنى على أنه تقيد بذلك أولا فقال الشافعي وغيره تقيد لأنه يقال ماء الزعفران ونحن لا ننكر أنه يقال ذلك ولكن لا يمتنع مع ذلك ما دام المخالط مغلوبا أن يقول القائل فيه هذا ماء من غير زيادة وقد رأيناه يقال في ماء المد والنيل حال غلبة لون الطين عليه وتقع الأوراق في الحياض زمن الخريف فيمر الرفيقان ويقول أحدهما للآخر هنا ماء تعال نشرب نتوضأ فيطلقه مع تغير أوصافه بانتفاعها فظهر لنا من اللسان أن المخالط المغلوب لا يسلب الإطلاق فوجب ترتيب حكم المطلق على الماء الذي هو كذلك
وقد اغتسل صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من قصعة فيها أثر العجين رواه النسائى والماء بذلك يتغير ولم يعتبر للمغلوبية قوله والإضافة إليه كالإضافة إلى البئر والعين معناه أن الإضافة إلى الزعفران ونحوه لا تمنع الإطلاق كما لا تمنعه الإضافة إلى البئر والعين فالتشبيه ليس إلا في عدم امتناع الإطلاق وحيث قبل المطلق كان مطلقا ولزمه حكمه من إزالة الحكمية شرعا إذ زواله بارتفاعه وهو بأن يحدث له اسم على حدة ولزوم التقييد يندرج فيه وإنما يكون ذلك إذا كان الماء مغلوبا إذ في إطلاقه على المجموع حينئذ اعتبار الغالب عدما وهو عكس الثابت لغة وعرفا وشرعا بقى تحقيق الغلبة بماذا يكون فصرح المصنف بأنها بالأجزاء
ونقل بعضهم فيه خلافا بين الصاحبين وهو أن محمدا يعتبره باللون وأبا يوسف بالأجزاء وفي المحيط عكسه والأول أثبت فإن صاحب الأجناس نقل قول محمد نصا بمعناه
قال محمد في الماء الذي يطبخ فيه الريحان والأشنان إذا لم يتغير لونه حتى يحمر بالأشنان أو يسود
بالريحان وكان الغالب عليه الماء فلا بأس بالوضوء به
فمحمد يراعى لون الماء وأبو يوسف اعتبر غلبة الأجزاء ولا بأس بالوضوء بماء السيل مختلطا بالعين إن كانت رقة الماء غالبة فإن كان الطين غالبا فلا وصرح
____________________
(1/72)
في التجنيس بأن من التفريع على اعتبار الغلبة بالأجزاء قول الجرجانى إذا طرح الزاج أو العفص في الماء جاز الوضوء به إن كان لا ينقش إذا كتب به فإن نقش لا يجوز والماء هو المغلوب
وفي الينابيع لو نقع الحمص والباقلاء وتغير لونه وطعمه وريحه يجوز التوضى به فإن طبخ فإن كان إذا برد ثخن لا يجوز الوضوء به أو لم يثخن ورقة الماء باقية جاز
وعبارة القدورى تعطى إن تغير وصفين يمنع لا وصف
واقتحم شارح الكنز رحمه الله التوفيق بين كلام الأصحاب بإعطاء ضابط في ذلك وهو أن التقييد المخرج عن الإطلاق بأمرين الأول كمال الامتزاج وهو بالطبخ مع طاهر لا يقصد به المبالغة في التنظيف أو بتشرب النبات على وجه لا يخرج منه إلا بعلاج فخرج الماء الذي يقطر من الكرم بنفسه
الثاني غلبة المخالطة فإن كان جامدا فبانتفاء رقة الماء وجريانه على الأعضاء وإن كان مائعا موافقا للماء في أوصافه الثلاثة كالماء المستعمل على الرواية المختارة من طهارته فبالأجزاء وإن كان يخالفه فيها فبتغييره أكثرها أو في بعضها فبغلبة ما به الخلاف كاللبن يخالف في الطعم واللون فإن غلب لونه وطعمه منع وإلا جاز وكذا ماء البطيخ يخالفه في الطعم فتعتبر الغلبة فيه بالطعم
والوجه أن يخرج من الأقسام ما خالط جامدا فسلب رقته وجريانه لأن هذا ليس بماء مقيد والكلام فيه بل ليس بماء أصلا كما يشير إليه قول
____________________
(1/73)
المصنف فيما يأتى قريبا في المختلط بالأشنان إلا أن يغلب فيصير كالسويق لزوال اسم الماء عنه قوله وقال مالك إلى قوله لما روينا يعنى الماء طهور الخ وتقدم عدم صحة الاستدلال به على الحصر المذكور
ولنذكر تلك الطريقة الموعودة
قال الشيخ تقى الدين من غريب ما يستدل به عليه حديث أبى ثعلبة أخرجاه عنه قال قلت يا رسول الله إنا بأرض أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم قال إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وفي رواية أبى داود إنا نجاور قوما أهل كتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فذكره
وحديث عمران بن حصين في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من مزادة المشركة فإن الأول يدل على نجاسة الإناء والثانى على طهارة الماء فجمعهما بأن النجاسة مالم تؤثر في الماء لم تغيره لكن جمهور العلماء على أن النهى في الحديث السابق للكراهة
والأمر بالغسل للندب لا للنجاسة ما لم تتحقق لما ثبت من أكله صلى الله عليه وسلم في بيت اليهودية التي سمته صلى الله عليه وسلم
وروى أحمد في مسنده أنه صلى الله عليه وسلم أضافه اليهودى بخبز وإهالة سنخة فإنهما يقتضيان مع عدم تنجس المأكول عدم تنجس الإناء إذ لا يقال في الطعام إنه لا يتنجس ما لم يتغير على أن الحديث روى مع الاستثناء من طريقين من غير طريق رشدين للبيهقى أحدهما عن عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة رضى الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم إن الماء طاهر إلا أن يتغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه
الثانى عن حفص ابن عمر حدثنا ثور به الماء لا ينجس إلا ما غير طعمه أو ريحه قال البيهقى والحديث غير قوى قوله لقوله صلى الله عليه وسلم روى أصحاب السنن الأربعة عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب فقال إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث وأخرجه ابن
____________________
(1/74)
خزيمة والحاكم في صحيحهما
قال المصنف ضعفه أبو داود قيل لعله في غير سننه
ووجهه أن الاضطراب الذي وقع في سنده حيث اختلف على أبى أسامة فمرة يقول عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر ومرة عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وإن دفع بأن الوليد رواه عن كل من المحمدين فحدث مرة عن أحدهما ومرة عن الآخر وكذا دفع تغليظ أبى أسامة في آخر السند إذ جعله من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر وإنما هو عبيد الله بن عبد الله بأنهما ابنا عبد الله بن عمر رويا عنه بقى فيه اضطراب كثير في متنه ففى رواية الوليد عن محمد بن جعفر بن الزبير لم ينجسه شيء ورواية محمد بن إسحق بسنده سئل عن الماء يكون بالفلاة وترده السباع والكلاب فذكر الأول
قال البيهقى وهو غريب وقال إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحق الكلاب والدواب
ورواه يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة فقال الحسن بن الصباح عنه عن حماد عن عاصم هو ابن المنذر قال دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانا فيه مقرى ماء فيه جلد بعير ميت فتوضأ منه
____________________
(1/75)
فقلت له أنتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت فحدثنى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء ورواه أبو مسعود الرازى عن يزيد فلم يقل أو ثلاثا
وروى الدارقطنى وابن عدى والعقيلى في كتابه عن القاسم بن عبيد الله العمرى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث وضعفه الدارقطنى بالقاسم
وذكر أن الثورى ومعمر بن راشد وروح بن القاسم رووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر موقوفا
ثم روى بإسناد صحيح من جهة روح ابن القاسم عن أبى المنكدر عن ابن عمر قال إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس وأخرج رواية سفيان من جهة وكيع وأبى نعيم عنه إذا بلغ أربعين قلة لم ينجسه شيء وأخرج رواية معمر من جهة عبد الرزاق عن غير واحد عنه وأخرج عن أبى هريرة من جهة بشر بن السرى عن ابن لهيعة قال إذا كان الماء قدر أربعين قلة لم يحمل خبثا قال الدارقطنى كذا قال وخالفه غير واحد رووه عن أبى هريرة فقالوا أربعين غربا
ومنهم من قال أربعين دلوا
وهذا الاضطراب يوجب الضعف وإن وثقت الرجال مع ما فيه من الاضطراب في معناه أيضا وهو الذي ذكره المصنف بقوله أو هو يضعف إلى آخره يعنى لم يحمل خبثا أنه يضعف عن النجاسة فينجس كما يقال هو لا يحمل الكل أى لا يطيقه لكن المعنى حينئذ أنه أجاب السؤال عن طهارة الماء الذي تنوبه السباع ونجاسته بأنه إذا بلغ قلتين في القلة ينجس وهو يستلزم أحد أمرين إما عدم تمام الجوب إن لم يعتبر مفهوم شرطه فإنه حينئذ لا يفيد حكمه إذا زاد على القلتين والسؤال عن ذلك الماء كيف كان وإما اعتبار المفهوم ليتم الجواب
والمعنى حينئذ إذا كان قلتين ينجس لا إن زاد فإن وجب اعتباره هنا لقيام الدليل عليه وهو كي لا يلزم إخلاء السؤال عن الجواب المطابق كان الثابت به خلاف المذهب إذا لم نقل بأنه إذا زاد عن قلتين شيئا ما لا ينجس مالم يتغير
فالمعول عليه في كلام المصنف الاضطراب في معنى القلة فإنه مشترك يقال عن الجرة والقربة ورأس الجبل وقول الشافعي في مسنده أخبرنى مسلم بن خالد الزنجى عن ابن جريج بإسناد لا يحضرنى أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا وقال في الحديث بقلال هجر
قال ابن جريج رأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا قال الشافعي فالاحتياط أن يجعل قربتين ونصفا فإذا كان خمس قرب كبار كقرب الحجاز لم ينجس إلا أن يتغير منقطع للجهالة
ثم سبر الحديث لاستخراج ذلك السند أفاد وجود رفع هذه الكلمة في سند ذكره ابن عدى من حديث مغيرة بن سقلاب عن محمد بن إسحق عن نافع عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء ويذكر أنهما فرقان
قال ابن عدى قوله
____________________
(1/76)
في متنه من قلال هجر غير محفوظ لا يذكر إلا في هذا الحديث من رواية مغيرة بن سقلاب يكنى أبا بشر منكر الحديث ثم أسند من كلام غيره فيه ما هو أقطع من هذا وقد رواه الدارقطنى بسند فيه ابن جريج ولم يذكر فيه هذه الكلمة وفيه قال محمد قلت ليحيى بن عقيل أى قلال قال قلال هجر قال محمد فرأيت قلال هجر فأظن كل قلة تسع فرقين
فهذا لو كان رفعا للكلمة كان مرسلا فكيف وليس به
وفيه أن مجموع القلتين أربعة وستون رطلا وفي الأول أنهما اثنان وثلاثون رطلا وهو لا يقول به
وروى ابن عدى من حديث المغيرة بن سقلاب عن محمد بن إسحق عن نافع ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء والقلة أربع آصع
هذا تلخيص ما ذكره الشيخ تقى الدين في الإمام وبه ترجح ضعف الحديث عنده ولذا لم يذكره في الإلمام مع شدة حاجته إليه وممن ضعفه الحافظ ابن عبد البر والقاضى إسمعيل ابن إسحق وأبو بكر بن العربى المالكيون وفي البدائع عن ابن المدينى لا يثبت حديث القلتين فوجب العدول عنه وإذا ثبت هذا فما استدل به المصنف للمذهب من قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة كما هو رواية أبى داود أو ثم يغتسل منه أو فيه كما هو روايتا الصحيحين لا يمس محل النزاع وهذا لأن حقيقة الخلاف إنما هو بتقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغيره للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا به فقال مالك ما لم يتغير للحديث السابق فحينئذ يختلف بحسب اختلاف النجاسة في الكم وقال الشافعى قلتان للحديث المذكور آنفا
وقال أبو حنيفة في ظاهر الرواية يعتبر فيه أكبر رأى المبتلى إن غلب على ظنه أنه بحيث تصل النجاسة إلى الجانب الآخر لا يجوز الوضوء وإلا جاز وعنه اعتباره بالتحريك على ما هو مذكور في الكتاب بالاغتسال أو بالوضوء أو باليد روايات والأول أصح عند جماعة منهم الكرخى وصاحب الغاية والينابيع وغيرهم وهو الأليق بأصل أبي حنيفة أعنى عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير شرعي والتفويض فيه إلى رأى المبتلى بناء على عدم صحة ثبوت تقديره شرعا
والتقدير بعشر في عشر وثمان في ثمان واثنى عشر في اثنى عشر وترجيح الأول أخذ من حريم البئر غير منقول عن الأئمة الثلاثة
قال شمس الأئمة المذهب الظاهر التحرى والتفويض إلى رأى المبتلى من غير حكم بالتقدير فإن غلب على الظن وصولها تنجس وإن غلب عدم وصولها لم تنجس وهذا هو الأصح اه
وما نقل عن محمد حين سئل عنه إن كان مثل مسجدى هذا فكثير فقيس حين قام فكان اثنى عشر في مثلها في رواية وثمانيا في ثمان في أخرى لا يستلزم تقديره به إلا في نظره وهو لا يلزم غيره وهذا لأنه لما وجب كونه ما استكثره المبتلى فاستكثار واحد لا يلزم غيره بل
____________________
(1/77)
يختلف باختلاف ما يقع في قلب كل وليس هذا من قبيل الأمور التي يجب فيها على العامى تقليد المجتهد
ثم رأيت التصريح بأن محمدا رجع عن هذا قال الحاكم قال أبو عصمة كان محمد بن الحسن يوقت في ذلك عشرة في عشرة ثم رجع إلى قول أبى حنيفة وقال لا أوقت فيه شيئا فإذا عرفت هذا فقوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه إنما يفيد تنجس الماء في الجملة لا كل ماء فليست اللام فيه للاستغراق للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا بتغيره بالنجاسة فيقول الخصم إذا بموجبه نقول المراد أن بعض الماء ينجس وأنا أقول إنه إذا تغير أو لم يبلغ قلتين ينجس وبذلك تحصل المطابقة لقولنا الماء ينجس في الجملة
فالتحقيق في سوق الخلافية أن يقال يفوض إلى رأى المبتلى غير مقدر بشيء لعدم المدرك الشرعي قول الخصم بل فيه المدرك وهو حديث القلتين قلنا فيه ما تقدم
وقول مالك بل فيه وهو حديث الماء طهور حيث أناط الكثرة بعد التغير
قلنا ورد في بئر بضاعة على ما تقدم وماؤها كان جاريا في البساتين كما رواه الطحاوى عن ابن أبى عمران عن أبى عبد الله محمد بن شجاع الثلجى بالمثلثة عن الواقدى قال كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين وهذا تقوم به الحجة عندنا إذا وثقنا الواقدى أما عند المخالف فلا لتضعيفه إياه مع أنه أرسل هذا خصوصا مع ادعائهم أن المشهور من حال بئر بضاعة في الحجاز غير هذا ثم لو تنزلوا عن هذه الأمور المختلفة كان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب
والجواب بأن هذا من باب الحمل لدفع التعارض لا ينتهض إذ لا تعارض لأن حاصل النهى عن البول في الماء الدائم تنجس الماء الدائم في الجملة وحاصل الماء طهور لا ينجسه شيء عدم تنجس الماء إلا بالتغير بحسب ما هو المراد المجمع عليه ولا تعارض بين مفهومى هاتين القضيتين
فإن قيل هنا معارض آخر يوجب الحمل المذكور وهو حديث المستيقظ من منامه وقد خرجناه
قلنا ليس فيه تصريح بتنجس الماء بتقدير كون اليد نجسة بل ذلك تعليل منا للنهى المذكور وهو غير لازم أعنى تعليله بتنجس الماء عينا بتقدير نجاستها لجواز كونه الأعم من النجاسة والكراهة فنقول نهى لتنجس الماء بتقدير كونها متنجسة بما يغير أو الكراهة بتقدير كونها بما لا يغير وأين هو من ذلك الصريح الصحيح لكن يمكن إثبات المعارض بقوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه الحديث فإنه يقتضى نجاسة الماء ولا تغير بالولوغ فتعين ذلك الحمل والله سبحانه وتعالى أعلم قوله إذا لم ير لها أثر وهو الطعم وأخواه فلو
____________________
(1/78)
بال إنسان فيه وتوضأ آخر من أسفله جاز ما لم يظهر في الجرية أثره
وعن محمد لو كسرت خابية خمر في الفرات ورجل يتوضأ أسفل منه فما لم يجد في الماء طعم الخمر أو لونه أو ريحه جاز هذا فلو استقرت المرئية فيه بأن كانت جيفة مثلا إن أخذت الجرية أو نصفها لا يجوز من أسفلها وإن لم ير أثر وإن كان أكثر الجرية في مكان طاهر جاز وهذا يحتاج إلى مخصص لحديث الماء طهور بعد حمله على الجارى فمقتضاه أن يجوز التوضى من أسفله وأن أخذت الجيفة أكثر الماء ولم يتغير ويوافقه ما عن أبى يوسف في ساقية صغيرة فيها كلب ميت سد عرضها فيجرى الماء فوقه وتحته أنه لا بأس به نقله في الينابيع عنه
والعذرات في السطح كالميتة في الماء إن كان يجرى عليها نصفه أو كانت على رأس الميزات فهو نجس وإن كانت متفرقة وأكثره يجرى على الطاهر فهو طاهر وكذا ماء المطر إذا جرى على عذرات واستنقع في موضع فالجواب كذلك
وأما المتوضى في عين والماء يخرج منها فإن كان في موضع خروجه جاز وإن كان في غيره فكذلك إن كان قدره أربعا في أربع فأقل فإن كان خمسا في خمس اختلف فيه
واختار السعدى جوازه والخلاف مبنى على أنه هل يخرج المستعمل قبل تكرير الاستعمال إذا كان بهذه المساحة أولا وهذه مبنية على نجاسة المستعمل قوله والجارى الخ وقيل فيه ما يعده الناس جاريا قيل هو الأصح وألحقوا بالجارى حوض الحمام إذا كان الماء ينزل من أعلاه حتى لو أدخلت القصعة النجسة واليد النجسة فيه لا ينجس وهل يشترط مع ذلك تدارك اغتراف الناس منه فيه خلاف ذكره في المنية ثم لا بد من كون جريانه لمدد له كما في العين والنهر وهو المختار ما قيل لو استنجى بقمقمة فلما صب منها لاقى المصبوب البول قبل يده فهو طاهر لأنه ماء جار قال المصنف في التجنيس فيه نظر لأنه يقتضى أنه إذا استنجى لا يصير نجسا وليس بشيء
قال ونظيره ما أورده المشايخ في الكتب أن المسافر إذا كان معه ميزاب واسع وإداوة ماء يحتاج إليه ولا يتيقن وجود الماء لكنه على طعمه قيل ينبغى أن يأمر أحدا من رفقائه حتى يصب الماء في طرف الميزاب وهو يتوضأ وعند الطرف الآخر إناء طاهر يجتمع فيه الماء فإنه يكون الماء طاهرا وطهورا لأنه جار قال بعضهم هذا ليس بشيء لأن الجارى إنما لا يصير مستعملا إذا كان له مدد كالعين والنهر وما أشبه ومما أشبهه حوضان صغيران يخرج الماء من أحدهما ويدخل في الآخر فتوضأ في خلال ذلك جاز لأنه جار وكذا إذا قطع الجارى من فوق وقد بقى جرى الماء كان جائزا أن يتوضأ بما يجرى من النهر
وذكر في فتاوى قاضيخان في المسئلة الأولى وقال الماء الذي اجتمع في الحفيرة الثانية فاسد وهذا مطلقا إنما هو بناء على كون المستعمل نجسا وكذا كثير من أشباه هذا فأما على المختار من رواية أنه طاهر غير طهور فلا فلتحفظ ليفرع عليها ولا يفتى بمثل هذه الفروع
وقولهم في الحفيرة الثانية إن المجتمع فيها نجس بعد إلحاق محل الوضوء الجارى فيه نظر بل الوجه أنه طاهر يتوضأ به كما يتوضأ الأسفل من جرية المتوضى الأعلى ومثله يجب فيما قطع أعلاه وتوضأ إنسان بالجارى في النهر قبل استقراره قوله والغدير العظيم تقدم في الخلافية ما يغنى في الكلام هنا
وذراع الكرباس ست قبضات ليس فوق كل قبضة أصبع قائمة
____________________
(1/79)
وجعله الولوالجى سبعا وذراع المساحة سبع فوق كل قبضة أصبع قائمة وعلى المعتبر ذراع المساحة أو الكرباس أو في كل زمان ومكان ذرعانهم أقوال كل منها صححه من ذهب إليه والكل في المربع فإن كان الحوض مدور فقدر بأربعة وأربعين وثمانية وأربعين والمختار ستة وأربعون وفي الحساب يكتفى بأقل منها بكسر للنسبة لكن يفتى بستة وأربعين كى لا يتعسر رعاية الكسر والكل تحكمات غير لازمة إنما الصحيح ما قدمناه من عدم التحكم بتقدير معين
وفي الفتاوى غدير كبير لا يكون فيه الماء في الصيف وتروث به الدواب والناس ثم يمتلىء في الشتاء ويرفع منه الجمد إن كان الماء الذي يدخله يدخل على مكان نجس فالماء والجمد نجس وإن كثر بعد ذلك وإن كان دخل في مكان طاهر واستقر فيه حتى صار عشرا في عشر ثم انتهى إلى النجاسة فالماء والجمد طاهران اه
وهذا بناء على ما ذكروا من أن الماء النجس إذا دخل على ماء الحوض الكبير لا ينجسه وإن كان الماء النجس غالبا على الحوض لأن كل ما يتصل بالحوض الكبير يصير منه فيحكم بطهارته وعلى هذا فماء بركة الفيل بالقاهرة طاهر إذا كان ممره طاهرا أو أكثر ممره على ما عرف في ماء الطسح وقد ذكرناه آنفا لأنها لا تجف
____________________
(1/80)
كلها بل لا يزال بها غدير عظيم فلو أن الداخل اجتمع قبل أن يصل إلى ذلك الماء الكثير بها في مكان نجس حتى صار عشرا في عشر ثم اتصل بذلك الماء الكثير كان الكل طاهرا هذا إذا كان الغدير الباقى محكوما بطهارته ولو سقطت نجاسة في ماء دون عشر ثم انبسط فصار عشرا فهو نجس وكذا إذا دخله ماء شيئا فشيئا حتى صار عشرا ولو سقطت في عشر ثم صار أقل فهو طاهر وإذا تنجس حوض صغير فدخله ماء حتى امتلأ ولم يخرج منه شيء فهو نجس أو خرج من جانب آخر ذكرناه ولو جمد حوض كبير فنقب فيه إنسان نقبا فتوضأ فيه فإن كان الماء متصلا بباطن النقب لا يجوز وإلا جاز وكذا الحوض الكبير إذا كان له مشارع فتوضأ في مشرعه أو اغتسل والماء متصل بألواح المشرعة ولا يضطرب ولا يجوز وإن كان أسفل منها جاز لأنه في الأول كالحوض الصغير فيغترف ويتوضأ منه لا فيه وفي الثانى حوض كبير مسقف
واعلم أن أكثر التفاريع المذكورة في الكتب مبنية على اعتبار العشر في العشر فأما على المختار من اعتبار غلبة الظن فيوضع مكان لفظ عشر في كل مسئلة لفظ كثير أو كبير ثم تجرى التفاريع قوله والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر إلى آخره وقيل ذراع وقيل شبر بزيادة على عرض الدرهم الكبير المثقال
قيل والصحيح أنه إذا أخذ وجه الأرض يكفى ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية واتصال القصب بالقصب لا يمنع اتصال الماء ولا يخرجه عن كونه غديرا عظيما فيجوز لهذا التوضى في الأجمة ونحوها
فروع لو تنجس الحوض الصغير ثم دخل فيه ماء آخر وخرج حال دخوله طهر وإن قل وقيل لا حتى يخرج قدر ما فيه وقيل حتى يخرج ثلاثة أمثاله
وسائر المائعات كالماء في القلة والكثرة يعنى كل مقدار لو كان ماء تنجس فإذا كان غيره تنجس ولو كان للماء طول دون عرض
قال في الاختيار وغيره الأصح أنه إن كان بحال لو ضم بعضه إلى بعض يصير عشرا في عشر فهو كثير وهذا تفريع على التقدير بعشر ولو فرعنا على الأصح ينبغى أن يعتبر أكبر الرأى لو ضم ومثله لو كان عمق بلا سعة ولو بسط بلغ عشرا في عشر اختلف فيه
ومنهم من صحح جعله كثيرا والأوجه خلافه لأن مدار الكثرة عند أبي حنيفة على تحكيم الرأى في عدم خلوص النجاسة إلى الجانب الآخر وعند تقارب الجوانب لا شك في غلبة الخلوص إليه والاستعمال يقع من السطح لا من العمق وبهذا يظهر ضعف ما اختاره في الاختيار لأنه إذا لم يكن له عرض فأقرب الأمور الحكم بوصول النجاسة إلى الجانب الآخر من عرضه وبه خالف حكم الكثير إذ ليس حكم الكثير تنجس الجانب الآخر بسقوطها في مقابله بدون تغير وأنت إذا حققت الأصل الذي بيناه قبلت ما وافقه وتركت ما خالفه
____________________
(1/81)
قوله إشارة إلى أنه يتنجس مكان الوقوع وعلى هذا صاحب المبسوط والبدائع وجعله شارح الكنز الأصح ومشايخ بخارى وبلخ قالوا في غير المرئية يتوضأ من جانب الوقوع
وفي المرئية لا
وعن أبى يوسف أنه كالجارى لا يتنجس إلا بالتغير وهو الذي ينبغى تصحيحه فينبغى عدم الفرق بين المرئية وغيرها لأن الدليل إنما يقتضى عند الكثرة عدم التنجس إلا بالتغير من غير فصل وهو أيضا الحكم المجمع عليه على ما قدمناه من نقل شيخ الإسلام ويوافقه ما في المبتغى قوم يتوضأون صفا على شط النهر جاز فكذا في الحوض لأن ماء الحوض في حكم ماء جار اه
وإنما أراد الحوض الكبير بالضرورة
فروع يتوضأ من الحوض الذي يخاف فيه قذر ولا يتيقن ولا يجب أن يسأل إذ الحاجة إليه عند عدم الدليل والأصل دليل يطلق الاستعمال
وقال عمر حين سأل عمرو بن العاص صاحب الحوض أترده السباع يا صاحب الحوض لا تخبرنا ذكره في الموطأ
وكذا إذا وجد متغير اللون والريح ما لم يعلم أنه من نجاسة لأن التغير قد يكون بطاهر وقد ينتن الماء للمكث وكذا البئر التي يدلى فيها الدلاء والجرار الدنسة يحملها الصغار والعبيد لا يعلمون الأحكام ويمسها الرستاقيون بالأيدى الدنسة ما لم يعلم يقينا النجاسة ولو ظن الماء نجسا فتوضأ ثم ظهر له أنه طاهر جاز
وفي فوائد الرستغفنى التوضى بماء الحوض أفصل من النهر لأن المعتزلة لا يجيزونه من الحياض فيرغمهم بالوضوء منها اه
وهذا إنما يفيد الأفضلية لهذا العارض ففى مكان لا يتحقق النهر أفضل
قالوا ولا بأس بالتوضى من حب يوضع كوزه في نواحى الدار ويشرب منه مالم يعلم به قذر ويكره للرجل أن يستخلص لنفسه إناء يتوضأ منه ولا يتوضأ منه غيره قوله ولنا قوله صلى الله عليه وسلم هذا هو الحلال أكله وشربه إلى آخره
____________________
(1/82)
عن سلمان رضى الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم قال يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه رواه الدارقطنى وقال لم يرفعه إلا بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدى وهو ضعيف اه
وأعله ابن عدى بجهالة سعيد ودفعا بأن بقية هذا هو ابن الوليد روى عنه الأئمة مثل الحمادين وابن المبارك ويزيد بن هرون وابن عيينة ووكيع والأوزاعى وإسحق بن راهويه وشعبة وناهيك بشعبة واحتياطه
قال يحيى كان شعبة مبجلا لبقية حين قدم بغداد وقد روى له الجماعة إلا البخارى وأما سعيد بن أبى سعيد هذا فذكره الخطيب وقال واسم أبيه عبد الجبار وكان ثقة فانتفت الجهالة والحديث مع هذا لا ينزل عن الحسن قوله حتى حل المذكى لانعدام الدم فيه يعنى أن سبب شرعية الذكاة في الأصل سببا للحل زوال الدم بها
ثم إن الشارع أقام نفس الفعل من الأهل مقام زواله حتى لو امتنع الخروج بمانع كأن أكلت ورق العناب حل اعتبارا له خارجا قوله وموت ما يعيش في الماء الخ هذه داخلة في المسئلة قبلها لأن ما يعيش في الماء لا دم فيه ثم لا فرق بين أن يموت في الماء أو خارجه ثم ينقل إليه في الصحيح وغير الماء من المائعات كالماء لأن المنجس
____________________
(1/83)
هو الدم ولا دم للمائى ولذا لو شمس دم السمك يبيض ولو كان دما لأسود
نعم روى عن محمد رحمه الله إذا تفتت الضفدع في الماء كرهت شربه لا للنجاسة بل لحرمة لحمه وقد صارت أجزاؤه فيه
وهذا تصريح بأن كراهة شربه تحريمية وبه صرح في التجنيس فقال يحرم شربه قوله ولأنه لا دم فيه هذا التعليل هو الأصح بخلاف ما قبلة فإنه يستلزم أنه لو مات سبع في البر لا ينجس لأنه مات في معدنه كذا قيل وكون البرية معدنا للسبع محل تأمل في معنى معدن الشيء والذي يفهم منه ما يتولد منه الشيء وعلى التعليل الأول فرع ما لو وقعت البيضة من الدجاجة في الماء رطبة أو يبست ثم وقعت وكذا السخلة إذا سقطت من أمها رطبة أو يبست لا ينجس الماء لأنها كانت في معدنها
وقولنا النجاسة في محلها لا يعطى لها حكم النجاسة حتى لو صلى حامل فأرة حية جازت لا ميتة لانصاب الدم عن مجراه بالموت ولذا لو قطع عرق لا يخرج منه الدم ليس المراد به مثل هذا
____________________
(1/84)
قوله والضفدع البحرى هو ما يكون بين أصابعه سترة بخلاف البرى قوله لوجود الدم إن ثبت هذا فينبغى أن لا يتردد في أنه مفسد وفي التجنيس لو كان للضفدع دم سائل يفسد أيضا ومثله لو ماتت حية برية لا دم فيها في إناء لا ينجس وإن كان فيها دم ينجس قوله والماء المستعمل تتعلق به مباحث في حكمه وصفته وسبب ثبوتها له ووقت ذلك قدم الأول لأنه أهم وأما الثانى فقد أثبت به مشايخ ما وراء النهر الخلاف بين أصحابنا واختلاف الرواية فالحسن عن أبى حنيفة مغلظ النجاسة وأبو يوسف عنه مخففها ومحمد عنه طاهر غير طهور وكل أخذ بما رواه
وقال مشايخ العراق إنه طاهر عند أصحابنا
واختار المحققون من مشايخ ما وراء النهر طهارته وعليه الفتوى وهذا لأن المعلوم من جهة الشارع أن الآلة التي تسقط الفرض وتقام بها القربة تتدنس وأما الحكم بنجاسة العين شرعا فلا ذلك لأن أصله مال الزكاة تدنس بإسقاط الفرض حتى جعل من الأوساخ في لفظه صلى الله عليه وسلم فحرم على من شرف بقرابنه الناصرة ولم تصل مع هذا إلى النجاسة حتى لو وصلى حامل دراهم الزكاة صحت فكذا يجب في الماء أن يتغير على وجه لا يصل إلى التنجيس وهو يسلب الطهورية إلا أن يقوم فيه دليل يخصه غير هذا القياس
فإن قيل قد وجدناه فإن الخطايا تخرج من الماء وهى قاذورات ينتج من الشكل الثالث بعض القاذورات يخرج من الماء وبذلك ينجس
أما الصغرى فلقوله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ المؤمن خرجت خطاياه من جميع بدنه حتى تخرج من تحت أظفاره وأما الكبرى فلقوله صلى الله عليه وسلم من ابتلى منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فالجواب منع أن إطلاق القاذورات على الخطايا حقيقى أما لغة فظاهر وأما شرعا فلجواز صلاة من ابتلى بها عقيب وضوئه إذا لم تكن من النواقض دون غسل بدنه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة فغاية ما يفيد نهى الاغتسال كراهة التحريم ويجوز كونها لكيلا تسلب الطهورية فيستعمله من لا علم له بذلك في رفع الحدث ويصلى
ولا فرق بين هذا وبين كونه يتنجس فيستعمله من لا علم له بحاله في لزوم المحذور وهو الصلاة مع المنافى فيصلح كون كل منهما مشيرا للنهى المذكور
وجه رواية النجاسة قياس أصله الماء المستعمل في النجاسة الحقيقية والفرع المستعمل في الحكمية بجامع الاستعمال في النجاسة بناء على إلغاء وصف الحقيقى في ثبوت النجاسة وذلك لأن معنى الحقيقية ليس إلا
____________________
(1/85)
كون النجاسة موصوفا بها جسم محسوس مستقل بنفسه عن المكلف لا أن وصف النجاسة حقيقة لا تقوم إلا بجسم كذلك وفي غيره مجاز بل أن معناه الحقيقي واحد في ذلك الجسم وفي الحدث وهذا لأنه ليس المتحقق لنا من معناها سوى أنها اعتبار شرعي منع الشارع من قربان الصلاة والسجود حال قيامه لمن قام به إلى غاية استعمال الماء فيه فإذا استعمله قطع ذلك الاعتبار كل ذلك ابتلاء للطاعة فأما أن هناك وصفا حقيقيا عقليا أو محسوسا فلا ومن ادعاه لا يقدر في إثباته على غير الدعوى فلا يقبل ويدل على أنه اعتبار اختلافه باختلاف الشرائع ألا ترى أن الخمر محكوم بنجاسته في شريعتنا وبطهارته في غيرها فعلم أنها ليست سوى اعتبار شرعى ألزم معه كذا إلى غاية كذا ابتلاء وفي هذا لا تفاوت بين الدم والحدث فإنه أيضا ليس إلا نفس ذلك الاعتبار فظهر أن المؤتر نفس وصف النجاسة وهو مشترك في الأصل والفرع فثبت مثل حكم الأصل وهو نجاسة الماء المستعمل فيه في الفرع وهو المستعمل في الحدث فيكون نجسا إلا أن هذا إنما ينتهض على من يسلم كون حكم الأصل ذلك كمالك وأكثر العلماء وأما من يشترط في نجاسته خروجه من الثوب متغيرا بلون النجاسة كالشافعي فلا فعنده الماء الذي يستعمل في الحقيقة التي لا لون لها يغاير لون الماء كالبول طاهر يجوز شربه وغسل الثوب به دون إزالة الحدث لأنه عنده مستعمل وهو لا يقصر وصف الاستعمال على رافع الحدث فإنما ينتهض عليه بعد الكلام معه في نفس هذا التفصيل وهو سهل غير أنا لسنا بصدد توجيه رواية نجاسة المستعمل عن أبى حنيفة على أصولنا فإن قيل لو تم ما ذكرت كان للبلوى تأثير في سقوط حكمه
فالجواب الضرورة لا يعد وحكمها محلها والبلوى فيه إنما هى في الثياب فيسقط اعتبار نجاسة ثوب المتوضىء وتبقى حرمة شربه والطبخ منه وغسل الثوب منه ونجاسة من يصيبه
وأما الثالث فقد أشار إليه بقوله والماء المستعمل هو ما أزيل به حدث الخ
وحاصله أنه عند أبى حنيفة وأبى يوسف كل من رفع الحدث والتقرب وعند محمد التقرب كان معه رفع أو لا وعند زفر الرفع كان معه تقرب أولا والتقرب هو أن ينوى الوضوء حتى تصير عبادة
لا يقال ما ذكر لا ينتهض على زفر
____________________
(1/86)
إذ يقول مجرد القربة لا يدنس بل الإسقاط فإن المال لم يتدنس بمجرد التقرب منه ولذا جاز للهاشمى صدقة التطوع بل مقتضاه أن لا يصير مستعملا إلا بالإسقاط مع التقرب فإن التصرف أعنى مال الزكاة لا يتفرد به الإسقاط عنه إذ لا تجوز الزكاة إلا بنية وليس هو قول واحد من الثلاثة لأنا نقول غاية الأمر ثبوت الحكم في الأصل مع المجموع وهو لا يستلزم أن المؤثر المجموع بل ذلك دائر مع عقلية المناسب للحكم فإن عقل استقلال كل حكم به أو المجموع حكم به والذي نعقله أن كلا من التقرب الماحى للسيئات والإسقاط مؤثر في التغير ألا ترى أنه انفرد وصف التقرب في صدقة التطوع وأثر التغير حتى حرم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأينا الأثر عند سقوط وصف الإسقاط ومعه غيره ذلك وهو أشد فحرم على قرابته الناصرة له فعرفنا أن كلا أثر تغيرا شرعيا وبهذا يبعد قول محمد إنه التقرب فقط إلا أن يمنع كون هذا مذهبه كما قال شمس الأئمة قال لأنه ليس بمروى عنه والصحيح عنده أن إزالة الحدث بالماء مفسد له ومثله عن الجرجانى
وما استدلوا به عليه من مسئلة المنغمس لطلب الدلو حيث قال محمد الرجل طاهر والماء طاهر جوابه أن الإزالة عنده مفسدة إلا عند الضرورة والحاجة كقولنا جميعا لو أدخل المحدث أو الجنب أو الحائض التي طهرت اليد في الماء للاغتراف لا يصير مستعملا للحاجة
وقد ورد حديث عائشة رضى الله عنها في اغتسالها معه صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وكلاهما جنب على أن الضرورة كافية في ذلك بخلاف ما لو أدخل المحدث رجله أو رأسه حيث يفسد الماء لعدم الضرورة وكذا ما في كتاب الحسن عن أبى حنيفة أن غمس جنب أو غير متوضىء يديه إلى المرفقين أو إحدى رجليه في إجانة لم يجز الوضوء منه لأنه سقط فرضه عنه وذلك لأن الضرورة لم تتحقق في الإدخال إلى المرفقين حتى لو تحققت بأن وقع الكوز في الحب فأدخل يده إلى المرفق لإخراجه لا يصير مستعملا نص عليه في الخلاصة قال بخلاف ما لو أدخل يده للتبرد أنه يصير مستعملا لعدم الضرورة فهذا يوجب حمل المروى عن أبى حنيفة على نحوه ثم إدخال مجرد الكف إنما لا يصير مستعملا إذا لم يرد الغسل فيه بل أراد رفع الماء فإن أراد الغسل إن كان أصبعا أو أكثر دون الكف لا يضر مع الكف بخلافة ذكره في الخلاصة ولا يخلو من حاجته
____________________
(1/87)
إلى تأمل وجهه
واعلم أن ما ذكر في الخلاصة من كونه يصير مستعملا بالإدخال للتبرد محمله ما إذا كان محدثا أما إن كان متطهرا فلا إذ لا بد عند عدم ارتفاع الحدث من نية القربة لثبوت الاستعمال وكذا إطلاق ثبوت الاستعمال بغسل اليدين قبل الطعام وبعده وهو أقرب في هذا وكذا ما ذكر من أن بعد الإنقاء في الاستنجاء يصير الماء مستعملا لا نجسا فأما لو لم يقصد في هذا وما قبله سوى الزيادة والغسل تبردا لا تقربا واستنانا يجب أن لا يصير مستعملا وقد صرح بذلك
قال في المبتغى وغيره بتبرده يصير مستعملا إن كان محدثا وإلا فلا ويغسل ثوب طاهر أو دابة تؤكل لا يصير مستعملا وكذا بغسل بدنه أو رأسه للطين أو الدرن إذا لم يكن محدثا لظهور قصد إزالة ذلك
ووضوء الصبى كالبالغ وبتعليم الوضوء إذا لم يرد سوى مجرد التعليم لا يستعمل وبوضوء الحائض يصير مستعملا لأن وضوءه مستحب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى في باب الحيض ولا يخفى انتهاض الوجه على مالك في قوله إن الطهور يطهر مرة بعد أخرى وقوله هو كالمقطوع لا يجديه شيئا وكشفه أنه ليس من مفهوم الطهور أن يطهر مرة واحدة فضلا عن التكرر فإن مفهومه ليس إلا المبالغة في الطاهر كذا كل ما كان على صيغة فعول فإنه لا يقيد سوى المبالغة في ذلك الوصف والمبالغة فيه لا تستلزم تطهير غيره بل رفع مانع الغير ليس إلا أمرا شرعيا لولا استفادته من قوله تعالى { ماء ليطهركم به } لما أفاده الماء أخذا من صيغة
____________________
(1/88)
فعول وتكرر القطع لما يطلق عليه قطوع ليس إلا لخصوص المادة التي وقعت فيها المبالغة وذلك لأن القطع تأثير في الغير بالإبانة وهذا يستفاد من صيغة فاعل فإن صحته إطلاق قاطع ما دام قائما كان ثبوت القطع قائما ويلزمه تكرر القطع فقد ثبت التكرر بدون صيغة فعول فالمبالغة المستفادة منه حينئذ ليس إلا باعتبار كثرته وجودته
والحاصل أن فعولا للمبالغة في ذلك الوصف فإن كان ذلك الوصف متعديا كان المبالغة فيه باعتبار تعلقه بالغير وإن كان قاصرا في نفسه كان باعتباره في نفسه لا لأنه يصيره متعديا وصفة طاهر قاصرة فالمبالغة فيه باعتبار جودته في نفسه أما إفادة المبالغة تعلقه بالغير فلا لغة ولا عرفا وأنظر إلى قول جرير
عذاب الثنايا ريقهن طهور
في صفة أهل الجنة وليس هو برافع قوله وقيل هو قول أبى حنيفة قال شيخ الإسلام يجب أن يكون قول أبى حنيفة لمسائل نقلت وذكر ما نقلناه آنفا من كتاب الحسن وذكرنا أنه مقيد بما إذا لم يرد رفع شيء وفي موضع آخر تصريح بأن الإناء قيد حتى لو أدخل رجله في البئر أو يده لا يفسده
____________________
(1/89)
ولو أدخل الجنب في البئر غير اليد والرجل من الجسد أفسده لأن الحاجة فيهما وقولنا من الجسد يفيد الاستعمال بإدخال بعض عضو وهو يوافق المروى عن أبى يوسف في الطاهر إذا أدخل رأسه في الإناء وابتل بعض رأسه أنه يصير مستعملا أما الرواية المعروفة عن أبى يوسف أنه لا يصير مستعملا ببعض العضو قال في الخلاصة هذا بناء على أن الماء بماذا يصير مستعملا قال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أزيل به حدث أو تقرب به
وقال محمد إذا قصد به التقرب لا غير ثم استمر في التفريع
ومعنى هذا أن الحدث لا يرتفع عن بعض عضو حتى لو كان فيه لمعة فهو بحدثه ورفعه هو المفيد للاستعمال أو القربة ثم هذا كله يشكل على قول المشايخ إن الحدث لا يتجزأ رفعا كما لا يتجزأ ثبوتا والمخلص بتحقيق الحق في ذلك وهو أن تتبع الروايات في الملاقاة يفيد أن صيرورة الماء مستعملا بأحد أمور ثلاثة رفع الحدث تقربا أو غير تقرب والتقرب سواء كان معه رفع حدث أولا
وسقوط الفرض عن العضو وعليه تجرى فروع إدخال اليد والرجل الماء القليل لا لحاجة ولا تلازم بين سقوط الفرض وارتفاع الحدث فسقوط الفرض عن اليد مثلا يقتضى أن لا تجب إعادة غسلها مع بقية الأعضاء ويكون ارتفاع الحدث موقوفا على غسل الباقى وسقوط الفرض هو الأصل في الاستعمال لما عرف أن أصله مال الزكاة والثابت فيه ليس إلا سقوط الفرض حيث جعل به دنسا شرعا على ما ذكرناه
هذا والمفيد لاعتبار الإسقاط مؤثرا فيه صريح التعليل المنقول من لفظ أبى حنيفة في كتاب الحسن وهو ما قدمناه من قوله لأنه سقط فرضه عنه
وأما الرابع فأشار إليه بقوله ومتى يصير مستعملا الصحيح أنه كما زايل العضو احترز به على قول كثير من المشايخ وهو قول سفيان الثورى رحمه الله أنه لا يصير مستعملا حتى يستقر في مكان مستدلين بجواز أخذ البلة من مكان من العضو إلى آخر وعدم جوازه من عضو إلى عضو آخر إلا في الجنابة لأن البدن فيها كالعضو الواحد ويمسح رأسه ببلل في يده لا بلل من عضو آخر والمحققون على ما ذكر في الكتاب لأن سقوط الاستعمال حال تردده على العضو للضرورة ولا ضرورة بعد الانفصال وغاية ما ذكروا أن المأخوذ من مكان آخر مستعمل ولا كلام في هذا فإنه اتفاق بل فيما بعد الانفصال قبل الاستقرار وما ذكروه لا يمسه ولا يتعرض له
____________________
(1/90)
قوله والجنب هذه المسئلة التي خرج أبو بكر الرازى اختلاف أبى يوسف ومحمد في علة استعمال الماء منها فقال عند أبى يوسف يثبت الاستعمال برفع الحدث وبالاستعمال تقربا وعند محمد ما لم ينو القربة لا يصير مستعملا وجهه في قول محمد الظاهر
قال وصار كما إذا أدخل يده للاغتراف زال حكم الحدث عن اليد ولم يصر الماء مستعملا
وأما أبو يوسف فيحكم بنجاسة المستعمل وهو بكل من الأمرين فإذا انغمس وحكمنا بطهارته استلزم ذلك الحكم بكون الماء مستعملا ولو حكمنا باستعماله لكان نجسا بأول الملاقاة فلا تحصل له الطهارة فكان الحكم بطهارته مستلزما للحكم بنجاسته فقلنا الرجل بحاله والماء بحاله
وعن أبي حنيفة أنهما نجسان واختلفوا في نجاسة الرجل عنده فقيل نجاسة الجنابة فلا يقرأ وقيل نجاسة المستعمل فيقرأ
وعنه أن الرجل طاهر وهذه الرواية هى الصحيحة لعدم أخذ الماء الاستعمال قبل الانفصال والكل ظاهر في الكتاب وأنت علمت أن أخذ اشتراط
____________________
(1/91)
محمد القربة من هذه المسئلة غير لازم وكذا قول أبى يوسف لجواز أن يكون كون الرجل بحالة الاشتراطه الصب فإنه شرط عنده في التطهير في غير الماء الجارى والملحق به في العضو لا الثوب لا لما ذكر لما ذكرنا أن الاستعمال لا يثبت إلا بعد الانفصال فلا يكون الماء حال الانغماس والحكم بطهارة الرجل مستعملا نجسا ولا بأول الملاقاة قوله وكل إهاب دبغ فقد طهر يتناول كل جلد يحتمل الدباغة لا مالا يحتمله فلا يطهر جلد الحية والفأرة به كاللحم
____________________
(1/92)
وعند محمد لو أصلح مصارين شاة ميتة أو دبغ المثانة وأصلحها طهرت
وقال أبو يوسف هي كاللحم ثم استثنى جلد الخنزير والآدمى فيدخل جلد الفيل خلافا لمحمد في قول إن الفيل نجس العين
وعندهما هو كسائر السباع واستدل بحديث ابن عباس رضى الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر رواه الترمذى وصححه ورواه مسلم بلفظ آخر وهو كما تراه عام فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب إياه فيه وهو قوله تعالى { أو لحم خنزير فإنه رجس } بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده وعند صلاحية كل من المتضايفين لذلك يجوز كل من الأمرين وقد جوز عود ضمير ميثاقه في قوله تعالى { ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } إلى كل من العهد ولفظ الجلالة وتعين عوده إلى المضاف إليه في قوله تعالى { واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون } ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في قولك رأيت ابن زيد فكلمته لأنه المحدث عنه بالرؤية رتب على الحديث الأول عنه الحديث الثانى فتعين هو مرادا به وإلا اختل النظم وإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط وهو بما قلنا
وأما جلد الآدمى فليس فيه إلا كرامته وهو ما ذكره بقوله وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمى لكرامته ولا يخفى أن هذا مقام آخر غير طهارته بالدباغ وعدمها فلذا صرح في العناية بأنه إذا دبغ جلد الآدمى طهر لكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه وبقى جلد الكلب داخلا في العموم إذ نجاسة سؤره لا تستلزم نجاسة عينه بل نجاسة لحمه المتولد منه اللعاب فيطهر بالدباغ
____________________
(1/93)
على أن فيه روايتين في رواية لا يطهر بناء على نجاسة عينه
قال شيخ الإسلام وهو ظاهر المذهب
وفي فتاوى قاضيخان فروع عليه منها وقع الكلب في بئر تنجس أصاب فمه الماء أو لم يصب ولو ابتل فانتفض فأصاب ثوبا أكثر من الدرهم أفسده
واختلف المشايخ في التصحيح والذي يقتضيه هذا العموم طهارة عينه ولم يعارضه ما يوجب نجاستها فوجب أحقية تصحيح عدم نجاستها فيطهر بالدباغ ويصلى عليه ويتخذ دلوا للماء
فإن قيل يجب أن يخرج منه إهاب الميتة أيضا بطريق النسخ بما رواه أصحاب السنن الأربعة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عبد الله ابن عكيم عنه صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب حسنه الترمذى
وعند أحمد قبل موته بشهر أو شهرين
قلنا الاضطراب في متنه وسنده يمنع تقديمه على حديث ابن عباس فإن الناسخ أى معارض فلا بد من مشاكلته في القوة
ولذا قال به أحمد
وقال هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه للاضطراب فيه
أما في السند فروى عن عبد الرحمن عن ابن عكيم كما قدمنا
وروى أبو داود من جهة خالد الحذاء عن الحكم بن عتيبة بالتاء من فوق عن عبد الرحمن أنه انطلق هو وناس إلى عبد الله بن عكيم قال فدخلوا ووقفت على الباب فخرجوا إلي فأخبروني أن عبد الله بن عكيم أخبرهم
____________________
(1/94)
أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة الحديث
ففى هذا أنه سمع من الداخلين وهم مجهولون
وأما في المتن ففى رواية بشهر وفي أخرى بأربعين يوما وفي أخرى بثلاثة أيام مع الاختلاف في صحبة ابن عكيم ثم كيف كان لا يوازى حديث ابن عباس الصحيح في جهة من جهات الترجيح ثم لو كان لم يكن قطعيا في معارضته لأن الإهاب اسم لغير المدبوغ وبعده يسمى شنا وأديما
وما رواه الطبرانى في الوسط من لفظ هذا الحديث هكذا كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب في سنده فضله بن مفضل مضعف والحق أن حديث ابن عكيم ظاهر في النسخ لولا الاضطراب فإن من المعلوم أن أحدا لا ينتفع بجلد الميتة قبل الدباغة لأنه حينئذ مستقذر فلا يتعلق النهى به ظاهرا قوله لأن المقصود يحصل به فخرج ما جف ولم يستحل فلا يطهر والإلقاء في الريح كالتشميس وفيه حديث أخرجه الدارقطنى عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان بعد أن يزيد صلاحه وفيه معروف بن حسان مجهول والمعنى المذكور في الكتاب كاف قوله يطهر بالذكاة إنما يطهر الجلد بالذكاة إذا كانت في المحل من الأهل فذكاة المجوسى لا يطهر بها الجلد بل بالدبغ لأنها إماتة قوله هو الصحيح احتراز عما قال كثير من المشايخ إنه يطهر جلده لا لحمه وهو الأصح واختاره الشارحون كصاحب الغاية وصاحب النهاية وغيرهما لأن سؤره نجس ونجاسة السؤر لنجاسة عين اللحم وكان مقتضى هذا أن لا يطهر الجلد
____________________
(1/95)
بالذكاة لأنه وعاء اللحم النجس لكن قالوا بين الجلد واللحم جليدة رقيقة تمنع المماسة بينهما فلا تتنجس برطوباته لكن على هذا قد يقال فلا يظهر عمل الذكاة في إزالة الرطوبات عن الجلد لتتوقف طهارته عليه
وفي الخلاصة بعد ما ذكر أن المختار عدم طهارة لحوم السباع بالذكاة قال ولو كان بازيا مذبوحا أو الفأرة أو الحية تجوز الصلاة مع لحمها وكذا كل ما يكون سؤره نجسا انتهى
وهو مشكل فإن عدم طهارة لحوم السباع بالذكاة ليس لذات نجاسة السؤر بل لنجاسة اللحم غير أنه استوضح نجاسته بنجاسة السؤر وعدم نجاسة سؤر ما ذكر ليس لطهارة لحمها بل لعدم اختلاط اللعاب بالماء في سباع الطير لأنه يشرب بمنقاره وهو عظم جاف فلا يصل إلى الماء منه شيء لينجسه بخلاف سباع البهائم وسقوط نجاسة سؤر الهرة والفأرة والحية للضرورة اللازمة من المخالطة على ما يأتى في موضعه وشيء من هذا لا يقتضى طهارة اللحم لعدم تحقق المسقط للنجاسة فيه نفسه قوله وشعر الميتة كل مالا تحله الحياة من أجزاء الهوية محكوم بطهارته بعد موت ما هي جزؤه كالشعر والريش والمنقار والعظم والعصب والحافر والظلف واللبن والبيض الضعيف القشر والأنفحة لا خلاف بين أصحابنا في ذلك وإنما الخلاف بينهم في الأنفحة واللبن هما متنجسان فقالا نعم لمجاورتهما الغشاء النجس فإن كانت الأنفحة
____________________
(1/96)
جامدة تطهر بالغسل وإلا تعذر طهرها وقال أبو حنيفة ليسا بمتنجسين وعلى قياسهما قالوا في السخلة إذا سقطت من أمها وهي رطبة فيبست ثم وقعت في الماء لا ينجس لأنها كانت في معدنها فهاتان خلافيتان مذهبية وخارجة
لنا فيها أن المعهود فيها حالة الطهارة وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما تحله ولا تحلها الحياة فلا يحلها الموت وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود لعدم المزيل وفي السنة أيضا ما يدل عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم في شاة مولاة ميمونة حين مر بها ميتة إنما حرم أكلها في الصحيحين وفي لفظ إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها وأخرج الدارقطنى عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميتة لحمها فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به وأعله بتضعيف عبد الجبار بن مسلم وهو ممنوع فقد ذكره ابن حبان في الثقات فلا ينزل الحديث عن الحسن
ثم أخرجه من حديث أبى بكر الهذلى عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها فأما الجلد والقرون والشعر والصوف والسن والعظم فكله حلال لأنه لا يذكى وأعله بأن أبا بكر هذا متروك
وأخرج أيضا عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عنه صلى الله عليه وسلم لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها ولا شعرها ولا قرونها إذا غسل بالماء وضعفه بأن يوسف بن أبى السفر بالسين المهملة المفتوحة وسكون الفاء متروك
وأخرج البيهقى عن بقية عن عمرو بن خالد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج قال ورواية بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة
وقال الخطاب قال الأصمعي العاج الذبل وهو ظهر السلحفاة
وأما العاج الذي تعرفه العامة عظم أنياب الفيل فهو ميتة لا يجوز استعماله انتهى
وفيه أمران أحدهما أنه أوهم أن الواسطى مجهول وليس كذلك والآخر إيهامه بقوله الذي تعرفه العامة أنه ليس من اللغة وليس كذلك
قال في المحكم العاج أنياب الفيلة ولا يسمى غير الناب عاجا
وقال الجوهري العاج عظم الفيل الواحدة عاجة فبهذا يكون إن صح ما عن الأصمعي تأويلا للمراد لما اعتقد بنجاسة عظم الفيل
فهذه عدة أحاديث لو كانت ضعيفة حسن المتن فكيف ومنها مالا ينزل عن الحسن وله الشاهد الأول من الصحيحين ثم في هذا الحديث ما يبطل قول محمد من نجاسة عين الفيل وجه قولهما في المذهبية التنجس بالمجاورة
وله أنه لا أثر
____________________
(1/97)
للتنجس شرعا ما دامت في الباطن النجاسة فضلا عن غيرها والحكم الثابت شرعا حالة الحياة لا يزول بالموت إلا إذا ثبت شرعا أن الموت يزيله لكن الثابت للموت ليس إلا عمله في تنجس ما يحله فيستلزم تنجس غشائهما وبقاؤهما على طهارتهما بحكم عدم إعطاء حكم النجاسة ما دام في الباطن ولا يزول هذا البقاء إلا بمزيل ولم يوجد
فرع الأصح في قميص الحية الطهارة وكذا في نافجة المسك مطلقا
وقيل إذا كانت بحيث لو ابتلت لا تفسد فصل في البئر
قوله نزحت إسناد مجازى أى نزح ماؤها والأولى أن يسند إلى النجاسة بناء على أن المراد بها نحو القطرة من البول والخمر والدم لكن نزح تلك القطرة لا يتحقق إلا بنزح جميع الماء فكان حكم المسئلة ذلك وبهذا يكون المصنف مستوفيا حكم الواقع من كونه نجاسة أو حيوانا موجبا نزح البعض أو الكل قوله دون القياس فإن القياس إما أن لا تطهر أصلا كما قال بشر لعدم الإمكان لاختلاط النجاسة بالأوحال والجدران
____________________
(1/98)
والماء ينبع شيئا فشيئا وإما أن لا يتنجس إسقاطا لحكم النجاسة حيث تعذر الاحتراز أو التطهير
كما نقل عن محمد أنه قال اجتمع رأيى ورأى أبى يوسف أن ماء البئر في حكم الجارى لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فلا ينجس كحوض الحمام
قلنا وما علينا أن ننزح منها دلاء أخذا بالآثار ومن الطريق أن يكون الإنسان في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم كالأعمى في يد القائد قوله وجه الاستحسان هذا يقتضى الفرق بين آبار الفلوات والأمصار فلذا اختلف فيها فبعض المشايخ على أنها تتنجس بالبعر وأخواته لأنها لا تخلو عن حاجز وبعضهم لا ينجسها اعتبارا لوجه آخر من الاستحسان وهو أن البعر صلب وما عليه من الرطوبة رطوبة الأمعاء فلا ينتشر من سقوطه في الماء نجاسة وعلى هذا ينبغى أن ينجس بالمنكسر
قال شيخ الإسلام الصحيح أن الكل والبعض سواء للضرورة والبلوى قوله وعليه الاعتماد احتراز مما قيل الكثير ثلاث وقيل أن يأخذ ربع وجه الماء وقيل أكثره وقيل كله وقيل أن لا يخلو دلو على بعرة قوله ولا فرق الخ
____________________
(1/99)
ذكر السرخسى أن الروث والمفتت من البعر مفسد في ظاهر الرواية إلا أن عن أبى يوسف أن القليل عفو وهو الأوجه فقوله لا فرق الخ في كل منها خلاف وإنما كان الأوجه لأن الضرورة تشمل الكل قوله وفي الشاة تبعر في المحلب قالوا ترمى البعرة أى من ساعته فلو أخر أو أخذ اللبن لونها لا يجوز لأن الضرورة تتحقق في نفس الوقوع لأنها تبعر عند الحلب عادة لا فيما وراهء وذلك بمرأى منه وبعر يبعر من حد منع
والروث للفرس والحمار من راث يقال من حد نصر والخثى بكسر الخاء واحد والأخثاء للبقر من باب ضرب قوله ولا يعفى القليل في الإناء على ما قيل لعدم الضرورة فإنه المتساهل في تركه مكشوفا
وقال صلى الله عليه وسلم في فأرة ماتت في السمن إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه قوله إجماع المسلمين على اقتناء الحمامات في المساجد والعلم بما يكون منها مع ورود الأمر بتطهيرها أما الأول فيراد الإجماع العملى فإنها في المسجد الحرام مقيمة من غير نكير من أحد من العلماء مع العلم بما يكون منها
وأما الثانى فقالت عائشة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد وأبو داود وغيرهم
وعن سمرة أنه كتب إلى بنيه أما بعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصنع
____________________
(1/100)
المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرها
رواه أبو داود وسكت عليه ثم المنذرى بعده قوله إلا إذا غلب الماء فيخرج من أن يكون طهورا هذا يقوى ما ذكرناه في حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم في بحث الماء المستعمل حيث أفاد أن سلب الطهورية يحقق نزح الماء
قوله له أنه عليه الصلاة والسلام أمر العرنيين عن أنس قال قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها
وفي رواية متفق عليها أنهم ثمانية وللحديث طول غير هذا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه أخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة وقال على شرطهما ولا أعرف له علة
وقد روى من حديث ابن عباس وأبى هريرة وأنس وأجودها طريقا حديث
____________________
(1/101)
أبى هريرة ورواه البزار عن عبادة بن الصامت بلفظ آخر قوله فإن ماتت يتعلق بهذا الفصل بيان الآثار والفروع وعبارة الكتاب ظاهرة في ذلك فلنشتغل بسرد الآثار وفروع الباب
أما الأول فما ذكر عن أنس والخدرى ذكره مشايخنا غير أن قصور نظرنا أخفاه عنا
وقال الشيخ علاء الدين إن الطحاوى رواهما فيمكن كونه في غير شرح الآثار وإنما أخرج في شرح الآثار بسنده عن علي قال في بئر وقعت فيها فأرة فماتت ينزح ماؤها وبسنده إليه أيضا إذا سقطت الفأرة أو الدابة في البئر فانزحها حتى يغلبك الماء وبسنده إلى إبراهيم النخعى في البئر يقع فيها الجرذ أو السنور فتموت
قال يدلو أربعين دلوا وبسنده عنه في فأرة وقعت في بئر قال ينزح منها قدر أربعين دلوا وبسنده عن الشعبى في الطير والسنور ونحوهما يقع في البئر قال ينزح منها أربعون دلوا وإسناده صحيح قاله في الإمام وبسنده عنه قال يدلى منها سبعون دلوا وبسنده عن عبد الله بن سبرة عن الشعبي قال سألناه عن الدجاجة تقع في البئر فتموت فيها قال ينزح منها سبعون دلوا وبسنده عن حماد بن أبى سليمان قال
____________________
(1/102)
في دجاجة وقعت في البئر ينزح منها قدر أربعين أو خمسين ثم يتوضأ منها
وأما فتوى ابن عباس فرواها الدارقطنى عن ابن سيرين أن زنجيا وقع في زمزم يعنى مات فأمر به ابن عباس فأخرج وأمر بها أن تنزح قال فغلبتهم عين جاءت من الركن قال فأمر بها فدست بالقباطى والمطارف حتى نزحوها فلما نزحوها انفجرت عليهم
وهو مرسل فإن ابن سيرين لم ير ابن عباس
ورواها ابن أبى شيبة عن هشيم عن منصور عن عطاء وهو سند صحيح
ورواها الطحاوى عن صالح بن عبد الرحمن حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر عبد الله بن الزبير فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجرى من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبكم
وهذا أيضا صحيح باعتراف الشيخ به في الإمام
وما نقل عن ابن عيينة أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا إنه وقع في زمزم وقول الشافعي لا يعرف هذا عن ابن عباس وكيف يروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم الماء
____________________
(1/103)
لا ينجسه شيء ويتركه وإن كان قد فعل فلنجاسة ظهرت على وجه الماء أو للتنظيف فدفع بأن عدم علمهما لا يصلح دليلا في دين الله تعالى
ورواية ابن عباس ذلك كعلمك أنت به
فكما قلت يتنجس ما دون القلتين لدليل آخر وقع عندك لا يستبعد مثله عن ابن عباس
والظاهر من السوق واللفظ القائل مات فأمر بنزحها أنه للموت لا لنجاسة أخرى على أن عندك لا تنزح أيضا للنجاسة ثم إنهما بينهما وبين ذلك الحديث قريب من مائة وخمسين سنة فكان إخبار من أدرك الواقعة وأثبتها أولى من عدم علم غيره
وقول النووي كيف يصل هذا الخبر إلى أهل الكوفة ويجهله أهل مكة استبعاد بعدم وضوح الطريق ومعارض بقول الشافعي لأحمد أنتم أعلم بالأخبار الصحيحة منا فإذا كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا فهلا قال كيف يصل هذا إلى أولئك ويجهله أهل الحرمين وهذا لأن الصحابة انتشرت في البلاد خصوصا العراق
قال العجلى في تاريخه نزل الكوفة ألف وخمسمائة من الصحابة ونزل قرقيسا ستمائة
وأما الثانى فظاهر من الكتاب وإذا لم يوجد في البئر القدر الواجب نزح ما فيها فإذا جاء الماء بعده لا ينزح منه شيء آخر
وعن أبى يوسف أن الأربع كفأرة واحدة والخمس كالدجاجة إلى تسع والعشر كالشاة
وعن محمد الفأرتان إذا كانتا كهيئة الدجاجة ينزح أربعون وفي الهرتين ينزح ماؤها كلها والهرة مع الفأرة كالهرة كذا في التنجيس ولو كانت الفأرة مجروحة نزح الكل للدم ولا يفيد النزح قبل الإخراج ولو صب منها دلو في بئر طاهرة نزح المصبوب وقدر ما بقى بعد ذلك الدلو من الثانية في رواية أبى حفص وفي رواية أبى سليمان قدر الباقي فقط والأصح الأول
فعلى هذا لو صب الدلو الأخير في أحرى طاهرة ينزح منها دلو فقط على القولين ولو صب ماء بئر نجسة في بئر أخرى وهي نجسة أيضا ينظر بين المصبوب وبين الواجب فيهما فأيهما كان أكثر أغنى عن الأقل
فإن استويا فنزح أحدهما يكفى
مثاله بئران ماتت في كل منهما فأرة فنزح من إحداهما عشرة مثلا وصب في الأخرى ينزح عشرون ولو صب دلو واحد فكذلك ولو ماتت فأرة في بئر ثالثة فصب فيها من إحدى البئرين عشرون ومن الأخرى عشرة ينزح ثلاثون ولو صب فيها من كل عشرون نزح أربعون وينبغى أن ينزح المصبوب ثم الواجب فيها على رواية أبى حفص هذا كله في الفتاوى وفي التنجيس ما يخالف هذا عن أبى يوسف أنه قال في بئرين مات في كل منهما سنور فنزح من إحداهما دلو وصب في الأخرى ينزح ماؤها كله
____________________
(1/104)
لأنه أخذ حكم النجاسة وكذا لو أصاب ثوبا يجب غسله فصار كما إذا وقعت فيه نجاسة أخرى اه
وهذا إنما يظهر وجهه في المسئلة السابقة وهى ما إذا كان المصبوب فيها طاهرة أما إذا كانت نجسة فلا لأن أثر نجاسة هذا الدلو إنما يظهر فيما إذا ورد على طاهر وقد ورد هنا على نجس فلا يظهر أثر نجاسته فتبقى المورودة على ما كانت فتطهر بإخراج القدر الواجب
وجه دفعه عن السابقة ما في المبسوط من أنا نتيقن أنه ليس في هذا البئر إلا نجاسة فأرة ونجاسة الفأرة يطهرها عشرون دلوا ولو نزح بعض الواجب ثم ذهب وجاء في اليوم الثاني ينزح ما بقى ليس غيرعلى المختار ولو غار الماء قبل النزح ثم عاد لا يعود نجسا
وفي النوازل يعود نجسا لأنه لم يوجد المطهر وفي التجريد جعل الأول قول محمد وقول أبى يوسف لا تطهر ما لم تنزح وإذا انفصل الدلو الأخير عن الماء حكم بطهارتها عند محمد وإن كان يتقاطر في البئر وعندهما لا تطهر ما لم ينفصل من رأس البئر فلو استقى منه قبله فغسل به ثوب نجسه عندهما خلافا له ثم بطهارة البئر يطهر الدلو والرشاء والبكرة ونواحى البئر واليد لأن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها
روى ذلك عن أبى يوسف
ومثله عروة الإبريق إذا كان في يده نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة بطهارة اليد ويد المستنجى تطهر بطهارة المحل ودن الخمر إذا تخللت
وقيل الدلو طاهرة في حق هذه البئر لا غيرها كدم الشهيد طاهر في حق نفسه فقط ولا يجب نزح الطين في شيء من الصور لأن الآثار إنما وردت بنزح الماء قوله نزح جميع ما فيها هذا إذا مات
والحاصل أن المخرج حيا إن كان نجس العين أو في بدنه نجاسة معلومة نزحت كلها وإنما قلنا معلومة لأنهم قالوا في البقر ونحوه يخرج حيا لا يجب نزح شيء وإن كان الظاهر اشتمال بولها على أفخاذها لكن يحتمل طهارتها بأن سقطت عقيب دخولها ماء كثيرا هذا مع الأصل وهو الطهارة
____________________
(1/105)
تظافرا على عدم النزح والله سبحانه وتعالى أعلم
وقيل ينزح من الشاة كله والقواعد تنبو عنه ما لم يعلم يقينا تنجسها كما قلنا وإن كان نجس السؤر فقط أو مكروهه أو مشكوكه فإن لم يدخل فاه الماء فلا بأس وإن أدخله نزح الكل في النجس وكذا تظافر كلامهم في المشكوك وهو يناسب ما تقدم أول الفصل من قوله إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا والمشكوك غير محكوم بطهوريته فينزح كله بخلاف المكروه فإنه غير مسلوب الطهورية فلذا إنما استحبوا فيه أن ينزح عشر دلاء وقيل عشرون احتياطا هذا ولكن المصنف في التنجيس قال في المشكوك وجب نزح الكل لأنه حكم بنجاسته احتياطا ثم ذكر بعد قريب ورقتين أن لعابهما يفسد الماء قال ومعنى الفساد أنه لا يبقى طهورا لأن الإشكال في الطهورية
قال وروى الحسن بن أبى مالك عن أبى يوسف أن الماء يتنجس بوقوع عرق الحمار
قال وقد ذكرنا في مسائل ما يشير إلى هذه الرواية لكنه خلاف ظاهر الرواية اه
وقال قاضيخان في فتاواه في الكلب يقع في البئر تنزح كلها وإن لم يصب فمه الماء وعلله بعلتين نجاسة عينه ولأن مأواه في النجاسات
ثم قال وسائر السباع بمنزلة الكلب وقد يشكل على مثل البقرة ولو وقع عظم عليه دسومة أو لحم نزح الكل وقالوا لو تلطخ عظم بنجاسة فوقع وتعذر إخراجه تطهر البئر بالنزح ويجعل ذلك غسلا للعظم ولو سال النجس على الآجر ثم وصل إلى الماء فنزحها طهارة للكل
فرع البعد بين البالوعة والبئر المانع من وصول النجاسة إلى البئر خمسة أذرع في رواية أبى سليمان وفي رواية أبى حفص سبعة
وقال الحلوانى المعتبر الطعم أو اللون أو الريح فإن لم يتغير جاز وإلا لا ولو
____________________
(1/106)
كان عشرة أذرع قوله لأن الموت سببا ظاهرا يعنى أن الإحالة على السبب الظاهر واجب عند خفاء المسبب والكون في الماء قد تحقق وهو سبب ظاهر للموت والموت فيه في نفس الأمر قد خفى فيجب اعتبار أنه مات فيه إحالة على السبب الظاهر عند خفاء المسبب غير أن الانتفاخ الخ وباقي الفصل ظاهر حكما ودليلا
فرع نزح ماء بئر رجل فيبست لا شيء عليه لأن صاحب البئر لا يملك ماءها ولو كان هذا في حب رجل لزمه ماؤه له لملكه له ولو تنجست بئر فأجرى ماؤها بأن حفر لها منفذ فصار الماء يخرج منه حتى خرج بعضه طهرت لوجود سبب الطهارة وهو جريان الماء وصار كالحوض إذا تنجس فأجرى فيه الماء حتى خرج بعضه وقد ذكرناه فصل في الآسار وغيرها
____________________
(1/107)
قوله وعرق كل شيء الخ الأنسب عكسه لأن الفصل معقود للسؤر لكن لما كان المقصود بيان حكم المخالط له من المائعات وذلك في اللعاب إذ هو الذي تكثر مخالطته لها بخلاف العرق قال ذلك ليقع السؤر أخيرا فيتصل فيه تفصيل ما خالطه قوله لأنهما يتولدان المتولد اللعاب لا السؤر فأطلق السؤر على اللعاب للمجاورة إذ السؤر ما يفضله الشارب وهو يجاور اللعاب قوله والكافر ما لم يشرب خمرا ثم يشرب من ساعته أما لو مكث قدر ما يغسل فمه بلعابه ثم شرب لا ينجس ويسقط اعتبار الصب عند أبى يوسف ونظيره لو أصاب عضوه نجاسة فلحسها حتى لم يبق أثرها أو قاء الصغير على ثدى أمه ثم مصه حتى زال الأثر طهر
لا يقال ينبغى أن ينجس سؤر الجنب والحائض على القول بنجاسة المستعمل لأن ما يلاقى الماء من فمه مشروب
سلمناه لكنه لحاجة
____________________
(1/108)
فلا يستعمل به كإدخاله يده في الحب لإخراج كوزه على ما قدمناه في المياه قوله ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا لقوله صلى الله عليه وسلم روى الدارقطنى عن الأعرج عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الإناء يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا قال تفرد به عبد الوهاب عن إسمعيل وهو متروك وغيره يرويه عن إسمعيل بهذا الإسناد فاغسلوه سبعا ثم رواه بسند صحيح عن عطاء موقوفا على أبى هريرة أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء أهراقه ثم غسله ثلاث مرات
ورواه مرفوعا ابن عدى في الكامل بسند فيه الحسين بن على الكرابيسى ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات وقال لم يرفعه غير الكرابيسى والكرابيسى لم أجد له حديثا منكرا غير هذا وقال لم أر به بأسا في الحديث انتهى
فلقائل أن يقول الحكم بالضعف والصحة إنما هو في الظاهر أما في نفس الأمر فيجوز صحة ما حكم بضعفه ظاهرا وثبوت كون مذهب أبى هريرة ذلك قرينة تفيد أن هذا مما أجاده الراوى المضعف وحينئذ فيعارض حديث السبع ويقدم عليه لأن من حديث السبع دلالة التقدم للعلم بما كان من التشديد في أمر الكلاب أول الأمر حتى أمر بقتلها والتشديد في سؤرها يناسب كونه إذ ذاك وقد ثبت نسخ ذلك فإذا عارض قرينه معارض كان التقدمة له وهذا قول المصنف والأمر الوارد بالسبع محمول على الابتداء ولو طرحنا الحديث بالكلية كان في عمل أبى هريرة على خلاف حديث السبع وهو راوية كفاية لاستحالة أن يترك القطعي للرأى منه وهذا لأن ظنية خير الواحد إنما هو بالنسبة إلى غير راوية فأما بالنسبة إلى راويه الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فقطعى حتى ينسخ به الكتاب إذا كان قطعى الدلالة في معناه فلزم أنه لا يتركه إلا لقطعه بالناسخ إذ القطعى لا يترك إلا لقطعى فبطل تجويزهم تركه بناء على ثبوت ناسخ في اجتهاده المحتمل للخطأ
وإذا علمت ذلك كان
____________________
(1/109)
تركه بمنزلة روايته للناسخ بلا شبهة فيكون الآخر منسوخا بالضرورة قوله لأن لحمها نجس هذه في حيز المنع عند الشافعي لأن حرمة لحمها عنده ليس لنجاستها بل كى لا يتعدى خبث طباعها إلى الإنسان
قلنا الظاهر من الحرمة مع كونه صالحا للغذاء غير مستقذر طبعا كونه للنجاسة وخبث طباعها لا ينافيه بل ذلك يصلح مثيرا لحكم النجاسة فليكن المثير لها فيجامعها ترتيبا على الوصف الصالح للعلية مقتضاه
ومن الوجوه الإلزامية حديث القلتين فإنه صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا جوابا لسؤاله عن الماء يكون بالفلاة وما تنوبه من السباع إعطاء لحكم هذا الماء الذي ترده السباع وغيره فإن الجواب لا بد أن يطابق أو يزيد فيندرج فيه المسئول عنه وغيره وقد قال بمفهوم شرطه فينجس ما دون القلتين وإن لم يتغير وحقيقة مفهوم شرطه انه إذا لم يبلغهما يتنجس من ورود السباع وبهذا يحمل حديث جابر أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها وحديث سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة فقيل إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال لها ما أخذت في بطونها وما بقى شراب وطهور على الماء الكثير أو على ما قبل تحريم لحوم السباع على أن الثاني معلول بعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم أخرجه ابن ماجه والأول أخرجه الدارقطنى وفيه داود بن الحصين ضعفه ابن حبان لكن روى عنه مالك
____________________
(1/110)
قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغى لها الإناء روى الدارقطنى وابن ماجه من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة قالت كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك قال الدارقطنى وحارثة لا بأس به
ورواه الدارقطنى بلفظ الكتاب من طريقين في إحداهما أبو يوسف القاضي وضعفها بعبد ربه بن سعيد المقبرى وضعف الثانية بالواقدى وقال في الإمام جمع شيخنا أبو الفتح الحافظ في أول كتابه المغازى والسير من ضعفه ومن وثقه ورجح توثيقه وذكر الأجوبة عما قيل فيه وعن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآنى انظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي فقلت نعم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات رواه الأربعة وقال الترمذى حديث حسن صحيح قوله قوله عليه الصلاة والسلام الهرة سبع رواه الحاكم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السنور سبع وصححه ورواه الدارقطنى عن أبي هريرة بقصبة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى دار قوم من الأنصار دونهم دار فشق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله تأتى دار فلان ولا تأتى دارنا فقال لأن في داركم كلبا قالوا فإن في دارهم سنورا فقال صلى الله عليه وسلم السنور سبع وفي السندين عيسى بن المسيب صححه الحاكم بناء على توثيقه قال لم يجرح قط وليس كذلك فالحاصل أنه مختلف فيه وعلى كل حال فليس للمطلوب النزاعى حاجة إلى هذا الحديث لأن النزاع ليس في النجاسات للاتفاق على سقوطها بعلة الطواف المنصوصة في قوله إنها من الطوافين عليكم والطوافات يعنى أنها تدخل المضايق ولازمة شدة المخالطة بحيث يتعذر معه صون الأوانى منها بل النفس والضرورة اللازمة من ذلك أسقطت النجاسة كما أنه سبحانه وتعالى أوجب الاستئذان وأسقطه عن المملوكين والذين لم يبلغوا الحلم أى عن أهلهم في تمكينهم من الدخول في غير الأوقات الثلاثة بغير إذن للطوف المفاد بقوله تعالى عقيبه طوافون عليكم بعضكم على بعض إنما الكلام بعد هذا في ثبوت الكراهة فإن كانت كراهة تحريم كما قاله البعض
____________________
(1/111)
لم ينهض به وجه فإذا قال سقطت النجاسة فبقيت كراهة التحريم منعت الملازمة إذ سقوط وصف أو حكم شرعي لا يقتضى ثبوت آخر إلا بدليل كما قلنا في نسخ الوجوب لا ينفى عنه صفة الإباحة الشرعية حتى يخصها دليل
والحاصل أن إثبات كل حكم شرعي يستدعى دليلا فإثبات كراهة التحريم والحالة هذه بغير دليل بل سياق حديث أبى هريرة المذكور يقتضى طهارتها وطهارة السباع فإنه صلى الله عليه وسلم ذكره عذرا في زيارة أصحاب الهرة دون أصحاب الكلب إلا أن يقال إن تعليله عدم الدخول بوجود الكلب لأنه لا تدخل الملائكة بيتا هو فيه بخلاف السباع وإن كانت كراهة تنزيه هو الأصح كفى فيه أنها لا تتحامى النجاسة فيكره كماء غمس الصغير يده فيه وأصله كراهة غمس اليد في الإناء للمستيقظ قبل غسلها نهى عنه في حديث المستيقظ لتوهم النجاسة فهذا أصل صحيح منتهض يتم به المطلوب من غير حاجة إلى الحديث المذكور ويحمل إصغاؤه صلى الله عليه وسلم الإناء على زوال ذلك التوهم بأن كانت بمرأى منه في زمان يمكن فيه غسلها فمها بلعابها وأما عن قول محمد فيمكن كونه بمشاهدة شربها من ماء كثير أو مشاهدة قدومها عن غيبة يجوز معها ذلك فيعارض هذا التجويز تجويز أكلها نجسا قبيل شربها فيسقط فتبقى الطهارة دون كراهة لأنها ما جاءت إلا من ذلك التجويز وقد سقط وعلى هذا لا ينبغى إطلاق كراهة أكل فضلها والصلاة إذا لحست عضوا قبل غسله كما أطلقه شمس الأئمة وغيره بل بقيد ثبوت ذلك التوهم أما لو كان زائلا بما قلنا فلا قوله والاستثناء يعنى قوله إلا إذا مكث ساعة حينئذ فأما على قول محمد فلا لأن النجاسة لا تزال عنده إلا بالماء ويسقط اعتبار الصب على قول أبى يوسف قوله ولو كانت محبوسة بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها الخ بأن نجس للتسمن في قفص ويجعل علفها وماؤها ورأسها خارجه
____________________
(1/112)
وهذا مختار الحاكم عبد الرحمن وأما شيخ الإسلام فلم يشرطه بل أن لا تجد عذرات غيرها بناء على أنها لا تجول في عذرات نفسها والأول بناء على أنها تجول فيها والحق أنها لا تأكله بل تلاحظ الحب بينه فتلقطه قوله وكذا سؤر سباع الطير يعنى مكروه وتعليله بأنها تخالط النجاسة يفيد أنها تنزيهية إن لم يشاهدها شربت على فورها والقياس نجاسته لنجاسة اللحم والاستحسان أنه طاهر لأن الملاقي للماء منقارها وهو عظم جاف لا لسانها بخلاف سباع البهائم قوله مشكوك فيه كان الشيخ أبو طاهر الدباس ينكر هذه العبارة ويقول لا يجوز كون شيء من أحكام الشرع مشكوكا فيه بل هو محتاط فيه
وفي النوزال يحل شرب ماء شرب منه الحمار
وقال ابن مقاتل لا بأس به
قال الفقيه أبو الليث هذا خلاف قول أصحابنا ولو أخذ إنسان بهذا القول
____________________
(1/113)
أرجو أن لا يكون به بأس والاحتياط أن لا يشرب قوله وقيل الشك في طهوريته لأنه لو وجد الماء المطلق الخ فيه نظر ظاهر وهو أن وجوب غسله إنما يثبت بتيقن النجاسة والثابت الشك فيها فلا يتنجس الرأس بالشك فلا يجب قوله وكذا لبنه طاهر وعرقه لا يمنع الخ قال في النهاية هذا في العرق بحكم الروايات الظاهرة صحيح وأما في اللبن فغير صحيح لأن الرواية في الكتب المعتبرة بنجاسة لبنه فقط أو تسوية نجاسته وطهارته بذكر الروايتين فيه
قال شمس الأئمة في تعليل سؤر الحمار اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته واعتباره بلبنه يدل على نجاسته فجعل لبنه نجسا
وفي المحيط ولبن الأتان نجس في ظاهر الرواية
وعن محمد أنه طاهر ولا يؤكل
وقال التمرتاشى وعن البزدوى أنه يعتبر فيه الكثير الفاحش وهو الصحيح
وعن عين الأئمة الصحيح أنه نجس نجاسة غليظة لأنه حرام بالإجماع
وفي فتاوى قاضيخان وفي طهارة لبن الأتان روايتان
وأما عرقه فعن أبى حنيفة أنه نجس غليظ وعنه خفيف
وقال القدورى ظاهر في الروايات المشهورة اه
وفي المنتقى لبن الأتان كلعابه وعرقه يفسد الماء ولا يفسد الثوب و إن كان مغموسا فيه لأنه متولد منه كاللعاب
قال المصنف في التنجيس ومعنى فساد الماء ما ذكرنا يعنى به ما قدمه في تفسير قول عصام في عرق الحمار والبغل يصيب الماء يفسد وإن قل من أن المراد سلب طهوريته فقط لكن هذا في كلام المنتقى ظاهر لأنه لو كان مراده بالفساد التنجيس كان لنجاستها فلم يفترق الحال حينئذ بين الثوب والماء أما مراد عصام فلو كان ذلك لم يصح قوله وإن قل لأن المخالط الطاهر لا يسلب الطهورية إذا قل مطلقا قوله وهو الأصح يعنى أنه في طهوريته
____________________
(1/114)
قوله وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته فحديث خيبر في إكفاء القدور وفي بعض رواياته أنه عليه الصلاة والسلام أمر مناديا ينادى بإكفائها فإنها رجس رواه الطحاوى وغيره يفيد الحرمة وحديث غالب بن أبجر حيث قال له صلى الله عليه وسلم هل لك من مال فقال ليس لي مال إلا حميرات لي فقال صلى الله عليه وسلم كل من سمين مالك يفيد الحل واختلاف الصحابة رضى الله عنهم في طهارته ونجاسته فعن ابن عمر نجاسته وعن
____________________
(1/115)
ابن عباس طهارته وقد زيف شيخ الإسلام الأول بأن تعارض المحرم والمبيح لا يوجب شكا بل الثابت عنده الحرمة والثانى بأن الاختلاف أيضا لا يوجبه كما لو أخبر عدلان أحدهما بطهارة الماء والآخر بنجاسته يتهاتران ويعمل بالأصل وهو طهارة الماء والصواب عنده أن سببه التردد في تحقق الضرورة المسقطة للنجاسة فإنها تربط في الأفنية وتشرب من الإجانات المستعملة فبالنظر إلى هذا القدر من المخالطة تسقط نجاسة سؤرة التي هي مقتضى حرمة لحمه الثابتة وبالنظر إلى أنه لا يدخل المضايق كالهرة والفأرة يكون مجانيا لا مخالطا فلا تسقط فلما وقع التردد في الضرورة وجب تقرير الأصول فالماء كان طاهرا فلا يتنجس بما لم تتحقق نجاسته والسؤر بمقتضى حرمة اللحم نجس فلا يحكم بطهارته ولا يتنجس الماء بوقوعه فيه وعلى هذا سقطت أسئلة الوجهان المذكوران لشيخ الإسلام
والثالث أن يقال لما وقع التعارض في السؤر وللماء خلف وجب أن يصار إليه كمن له إناءان طاهر ونجس ولا مميز فإنه يسقط استعمال الماء ويجب التيمم لأنها إنما تلزم لو لم يعتبر تقديم
____________________
(1/116)
المحرم
والرابع أن في استعمال الماء ترك الاحتياط لتنجس العضو بتقدير نجاسته
ولا يلزم لعدم تنجس متيقن الطهارة بالشك
والخامس أن مقتضى عدم النجاسة أن الماء إن كان مغلوبا باللعاب كان مقيدا فيجب التيمم عينا وإن كان غالبا وجب الوضوء عينا فمن أين وجب الضم وإنما يلزم لو لم يجب تقرير الأصول للتردد في ثبوت الضرورة وإذ قررت وكان الحدث ثابتا بيقين لم يزل به وإن كان مغلوبا وعند هذا ظهر أن تقرير الأصول بسبب التردد في الضرورة مع الاحتياط يبين قول أبى طاهر أنه محتاط فيه وأن اللعاب نجس لا يتنجس به مخالطه وأنه لا شبهة في طهارة العرق بالنسبة إلى الثوت لأنه لا تردد في ثبوت الضرورة في ذلك وقد ركب صلى الله عليه وسلم الحمار معروريا وبه يتبين فساد قول عصام المذكور آنفا وصحة ما في المنتفى لو حملنا الفساد على النجاسة لأن الضرورة لم تتحقق بالنسبة إلى الماء إلا إذا تعدى إليه بغسل الثوب وحينئذ ينبغى أن لا يتنجس لأنه غسل فيه ما هو محكوم بطهارته شرعا بخلاف ما لو قطر من عرقه في الماء ونحوه وهذا محمل ما في المنتفى في اعتقادى
فإن قلت تقرير الأصول أفاد النجاسة غير أنه لا يتنجس به المخالط ونص محمد على طهارته ينافيه
قلنا إنما نص على طهارة السؤر وهو الماء الذي خالطه اللعاب فلا ينافى تقرير الأصول هذا
وقد تحقق الضرورة في عرقه فيجب سقوط نجاسته بخلاف لعابه متردد في ثبوت الضرورة فقررت الأصول قوله ويجوز أيهما قدم والأفضل تقديم الوضوء
فرعان الأول اختلفوا في النية في الوضوء بسؤر الحمار والأحوط أن ينوى
الثانى لو توضأ بسؤر الحمار وصلى الظهر ثم تيمم وصلاها صحت الظهر لما ذكر في دفع قول زفر وهو أن المطهر أحدهما لا المجموع
فإن كان السؤر صحت به ولغت صلاة التيمم أو التيمم فبالقلب قوله وكذا عنده في الصحيح احتراز على سائر الروايات في المحيط عن أبى حنيفة في سؤر الفرس أربع روايات قال في رواية أحب إلى أن
____________________
(1/117)
يتوضأ بغيره وفي رواية مكروه كلحمه وفي رواية مشكوك كسؤر الحمار وفي رواية كتاب الصلاة طاهر وهو الصحيح من مذهبه قوله لحديث ليلة الجن عن أبى فزارة عن أبى زيد عن عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن ما فى إداوتك قال نبيذ تمر قال تمره طيبة وماء طهور أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه وفي رواية الترمذى فتوضأ منه رواه ابن أبى شيبة مطولا وفيه هل معك من وضوء قلت لا قال فما إداوتك قلت نبيذ تمر قال تمره حلوة وماء طيب ثم توضأ وأقام الصلاة قالوا ضعيف لأن الترمذى قال وأبو زيد مجهول وأبو فزارة قيل هو راشد بن كيسان وقيل رجل آخر مجهول
أجيب أما أبو زيد فذكر القاضي أبو بكر بن العربى في شرح الترمذى أنه مولى عمر بن حريث روى عنه راشد بن كيسان العبسى الكوفى وأبو روق وهذا يخرجه عن الجهالة وأما أبو فزارة فقال الشيخ تقى الدين في الإمام في تجهيله نر فإنه روى هذا الحديث عن أبى فرازة جماعة من أهل العلم مثل سفيان وشريك والجراح بن مليح وإسرائيل وقيس بن الربيع وقال بن عدى أبو فرازة راوى هذا الحديث مشهور واسمه
____________________
(1/118)
راشد بن كيسان وكذا قال الدارقطنى
وأما عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه سئل عن ليلة الجن فقال ما شهدها منا أحد فهو معارض بما في ابن أبى شيبة من أنه كان معه
وروى أيضا أبو حفص بن شاهين عنه أنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وعنه أنه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه من رأيت بالجن ليلة الجن والإثبات مقدم على النفى وإن جمعنا فالمراد ما شهدها منا أحد غيرى نفيا لمشاركته وإبانة اختصاصه بذلك كما ذكره الإمام أبو محمد البطليوسي في كتاب التنبيه على الأسباب الموجبة للخلاف قوله قلنا ليلة الجن كانت غير واحدة نظر فيه بأن وفد نصيبين كان قبل الهجرة بثلاث سنين وكلامه يوهم أن ليلة الجن كانت بالمدينة ولم ينقل ذلك في كتب الحديث فيما علم لكن ذكر صاحب آكام المرجان في أحكام الجان أن ظاهر الأحاديث الواردة في وفادة الجن أنها كانت ست مرات وذكر منها مرة في بقيع الغرقد حضرها ابن مسعود ومرتين بمكة ومرة رابعة خارجة المدينة حضرها الزبير بن العوام وعلى هذا لا يقطع بالنسخ قوله والحديث مشهور نظر فيه إذ المشهور ما كان آحادا في الأصل ثم تواتر عند المتأخرين وليس هذا كذلك بل تكلم فيه كثير من المتأخرين وإن لم يصح كلامه فوجب تصحيح الرواية الموافقة لقول أبى يوسف لأن آية التيمم ناسخة له
____________________
(1/119)
لتأخرها إذ هي مدنية وعلى هذا مشى جماعة من المتأخرين
وأعلم أن قول محمد بوجوب الجمع بين الوضوء به والتيمم رواية أيضا عن أبى حنيفة صرح بذلك في خزانة الأكمل قال التوضؤ بنبيذ التمر جائز بين سائر الأشربة عند عدم الماء ويتيمم معه عند أبى حنيفة وبه أخذ محمد
وفي رواية يتوضأ ولا يتيمم
وفي رواية يتيمم ولا يتوضأ به وبه أخذ أبو يوسف
وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول ثم قال في الخزانة
قال مشايخنا إنما اختلفت أجوبته لاختلاف المسائل
سئل مرة إن كان الماء غالبا قال يتوضأ وسئل مرة إن كانت الحلاوة غالبة قال يتيمم ولا يتوضأ وسئل مرة إذا لم يدر أيهما الغالب قال يجمع بينهما وعلى هذا يجب التفصيل في الغسل إن كان النبيذ غالب الحلاوة قريبا من سلب الاسم لا يغتسل به أو ضده فيغتسل إلحاقا بطريق الدلالة أو مترددا فيه يجمع بين الغسل والتيمم
وأما من لم يلاحظوا هذا المبنى فقد اختلفوا في الجواز وعدمه كما ذكره المصنف وقد صحح في المبسوط الجواز وصحح في المفيد عدم الجواز لأن الجنابة أغلظ الحدثين
فرع إذا قلنا بجواز التوضى به فلا يجوز إلا بالنية كالتيمم لأنه بدل عن الماء حتى لا يجوز به حال وجود الماء وينتقض به إذا وجد ذكره القدورى في شرحه من أصحابنا
____________________
(1/120)
& باب التيمم
شرع في غزوة المريسيع لما أضلت عائشة عقدها فبعث صلى الله عليه وسلم في طلبه وحانت الصلاة وليس معهم ماء فأغلظ أبو بكر رضى الله على عائشة وقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على غير ماء فنزلت فجاء أسيد بن حضير يقول ما أكثر بركتكم يا آل أبى بكر
وفي رواية يرحمك الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه فرجا
ومفهومه اللغوي القصد مطلقا والشرعي قالوا القصد إلى الصعيد الطاهر للتطهير
والحق أنه اسم لمسح الوجه واليدين عن الصعيد الطاهر والقصد شرط لأن النية
____________________
(1/121)
قوله أو خارج المصر يجوز كونه حالا مفردا عطفا على جملة حالية كقوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا } وأن يكون ظرف مكان لأن خارج البلد اسم لما بظاهره من المكان ويكون عطفا حينئذ على وهو مسافر فنصبه على الظرف وهو مع المبتدأ جملة في موضع الحال أيضا إذ تقديره ولا هو خارج المصر مثل { والركب أسفل منكم } ورجح الأول في النهاية والظاهر أن الثانى أرجح لأن خارجا الصفة لا يصل إلى البلد إلا بواسطة الحرف كفعله
لا يقال زيد خارج البلد كما لا يقال خرجت البلد وكما لا يقال قاعد الدار بل خارج عن البلد أو منها فلا يضاف حينئذ لفصل الحرف وإسقاط الخافض سماعى ويجوز كون خارج عطفا على مسافر عطف مفرد خبر ظرف على خبر قوله لقوله صلى الله عليه وسلم التراب الخ عن أبي ذر أنه كان يعزب في إبل له وتصيبه الجنابة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليمسه بشرته رواه أبو داود والترمذى وقال حسن صحيح
وفي رواية الترمذى الصعيد الطيب طهور المسلم والباقى بحاله ويعزب يبعد قوله والميل هو المختار احتراز عما قيل ميلان
____________________
(1/122)
أو ميلان إن كان الماء أمامه وإلا فميل أو لو صاح بأعلى صوته لم يسمعه أهل الماء لأنه لا تحرير لهذا العدم انضباطه وبالميل يتحقق الحرج لو ألزم الذهاب إلى الماء بالنظر إلى جنس المكلفين وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج ولذا قدم في الآية المرضى على المسافرين لأنهم أحوج إلى الرخصة من غيرهم ثم الميل في تقدير ابن شجاع ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة إلى أربعة آلاف وفي تفسير غيره أربعة آلاف وهو ثلث الفرسخ وضبط في قول القائل
** إن البريد من الفراسخ أربع ** ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا ** ** والميل ألف أى من الباعات قل ** والباع أربع أذرع فتتبعوا ** ** ثم الذراع من الأصابع أربع ** من بعدها عشرون ثم الأصبع ** ** ست شعيرات فظهر شعيرة ** منها إلى بطن لأخرى توضع ** ** ثم الشعيرة ست شعرات فقل ** من شعر بغل ليس فيها مدفع **
وعن أبى يوسف إن الماء إذا كان بحيث لو ذهب إليه وتوضأ تذهب القافلة وتغيب عن بصره فهو بعيد ويجوز له التيمم وهذا حسن جدا كذا في الذخيرة قوله والمعتبر المسافة الخ احتراز عن قول زفر فإنه يجوز التيمم لخوف الفوت وإن كان الماء أقل من ميل قوله ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه أو أبطأ برؤه يتيمم ولا فرق بين أن يشتد بالتحرك كالمشتكى من العرق المدنى والمبطون أو بالاستعمال كالجدرى ونحوه أو كان لا يجد من يوضئه ولا يقدر بنفسه فإن وجد خادما له أو ما يستأجر به أجيرا أو عنده من لو استعان به أعانه فعلى ظاهر المذهب لا يتيمم لأنه قادر
قال المصنف في التجنيس بعد أن ذكر وجوب الوضوء فيما قلنا بين هذا وبين المريض إذا لم يقدر على الصلاة ومعه قوم لو استعان بهم في الإقامة والثبات على
____________________
(1/123)
القيام جاز له الصلاة قاعدا
والفرق أنه يخاف على المريض زيادة الوجع في قيامه ولا يلحقه زيادة الحرج في الوضوء
قال وذكر شيخنا الإمام منهاج الأئمة فيما قرأنا عليه في الفصل الأول خلافا بين أبى حنيفة وصاحبيه على قوله يجزئه التيمم
وعلى قولهما لا
وقال وعلى هذا الخلاف إذا كان مريضا لا يقدر على الاستقبال أو كان في فراشه نجاسة ولا يقدر على التحول عنه ووجد من يحوله ويوجهه لا يفترض عليه ذلك عنده وعلى هذا الأعمى إذا وجد قائدا لا يلزمه الجمعة والحج والخلاف فيهما معروف
فالحاصل أن عنده لا يعتبر المكلف قادرا بقدرة غيره لأن الإنسان إنما يعد قادرا إذا اختص بحالة تهيىء له الفعل متى أراد وهذا لا يتحقق بقدرة غيره ولهذا قلنا إذا بذل الابن المال والطاعة لأبيه لا يلزمه الحج وكذا من وجبت عليه كفارة وهو معدم فبذل إنسان له المال لما قلنا وعندهما تثبت القدرة بآلة الغير لأن آلته صارت كآلته بالإعانة وكان حسام الدين يختار قولهما اه
وعن محمد لا يتيمم في المصر إلا أن يكون مقطوع اليدين لأن الظاهر أنه يجد من يعينه وكذا العجز على شرف الزوال بخلاف مقطوعهما قوله واعتبر الشافعي خوف التلف أوشين على عضو ظاهر كسواد اليد ونحوه وهو مردود بظاهر النص إذ قوله تعالى { وإن كنتم مرضى } الآية لا تقييد فيه بين مريض يخشى التلف بالاستعمال أو الزيادة ولولا ما علم قطعا من أن شرعية التيمم للمريض إنما هو رخصة لدفع الحرج عنه والحرج إنما يتحقق
____________________
(1/124)
عند خوف الاشتداد أو الامتداد لكان جائزا للمريض مطلقا خاف عاقبته أو لم يخف قوله هما يقولان الخ منهم من جعل الخلاف بينهم في هذه نشأ عن اختلاف زمان لا برهان بناء على أن أجر الحمام في زمانهما يؤخذ بعد الدخول فإذا عجز عن الثمن دخل ثم تعلل بالعسرة وفي زمانه قبله فيعذر ومنهم من جعله برهانيا بناه على الخلاف في جواز التيمم لغير الواجد قبل الطلب من رفيقه إذا كان له رفيق فعلى هذا يقيد منعهما بأن يترك طلب الماء الحار من جميع أهل المصر أما إن طلب فمنع فإنه يجوز عندهما قوله هما يقولان إن تحقق هذه الحالة في المصر نادر يحتمل الوجهين يعنى تحقق خوف الهلاك بردا مع العجز عن الماء الحار إذ يتناول العجز عنه للطلب من الكل والمنع لعدم القدرة على إعمال الحيلة في دخول الحمام قبل الإعطاء
وقوله في وجه قوله العجز ثابت حقيقة فلا بد من اعتباره يحتمل اعتباره بناء على عجزه عن إعمال الحيلة في الدخول واعتباره بناء على القدرة على ذلك وعلى الطلب من أهل المصر لكنه لم يكلف بالماء إلا إذا قدر عليه بالملك والشراء وعند انتفاء هذه القدرة يتحقق العجز ولذا لم يفصل العلماء فيما إذا لم يكن معه ثمن الماء بين إمكان أخذه بثمن مؤجل بالحيلة على ذلك أولا بل أطلقوا جواز التيمم إذ ذاك مع أنه أيسر على صاحب الماء من أخذه حال العسرة إلى الميسرة فإن تم هذا البحث فإطلاق بعض المشايخ عدم الجواز في هذا الزمان بناء على أن أجر الحمام يؤخذ بعد الدخول فيتعلل بالعسرة بعده فيه نظر هذا وأما خوف المرض من الوضوء بالماء البارد في المصر على قوله هل يبيح التيمم كالغسل فاختلفوا فيه جعله في الأسرار مبيحا وفي فتاوى قاضيخان الصحيح أنه لا يجوز كأنه والله أعلم لعدم اعتبار ذلك الخوف بناء على أنه مجرد وهم إذ لا يتحقق ذلك في الوضوء عادة قوله لقوله صلى الله عليه وسلم التيمم ضربتان الخ رواه الحاكم والدارقطنى بهذا اللفظ عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم سكت عنه
____________________
(1/125)
الحاكم وقال لا أعلم أحد أسنده عن عبيد الله غير علي بن ظبيان وهو صدوق وقد وقفه يحيى بن سعيد القطان وهشيم وغيرهما وصوب وقفه الدارقطنى اه ونقل ابن عدي تضعيف ابن ظبيان عن النسائي وابن معين وأما بغير هذا اللفظ فرواه الحاكم والدارقطني من حديث عثمان بن محمد الأنماطى إلى جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم قال التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه
وقال الدارقطنى رجاله كلهم ثقات
وقول ابن الجوزى عثمان متكلم فيه مردود وبه يحمل حديث عمار بعثنى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى أن قال فقال صلى الله عليه وسلم إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة ثم مسح الشمال على اليمنى وظاهر كفيه ووجهه وهو حقيقة مذهب مالك فإنه قال يعيد في الوقت على أن المراد بالكفين الذراعين إطلاقا لاسم الجزء على الكل أو المراد ظاهرهما مع الباقى أو كون أكثر عمل الأمة على هذا يرجح هذا الحديث على حديث عمار فإن تلقى الأمة الحديث بالقبول يرجحه على ما أعرضت عنه ثم قولهم ضربتان يفيد أن الضرب ركن ومقتضاه أنه لو ضرب يديه فقبل أن يمسح أحدث لا يجوز المسح بتلك الضربة لأنها ركن فصار كما لو أحدث في الوضوء بعد غسل الأعضاء وبه قال السيد أبو شجاع
وقال القاضي الإسبيجانى يجوز كمن ملأ كفيه ماء فأحدث ثم استعمله
وفي الخلاصة الأصح أنه لا يستعمل ذلك التراب كذا اختاره شمس الأئمة وعلى هذا فما صرحوا به من أنه لو ألقت الريح الغبار على وجهه ويديه فمسح بنية التيمم أجزأه وإن لم يمسح لا يجوز يلزم فيه إما كونه قول من أخرج الضربة لا قول الكل وإما اعتبار الضربة أعم من كونها على الأرض أو على العضو مسحا والذي يقتضيه النظر عدم اعتبار ضربة الأرض من مسمى التيمم شرعا فإن المأمور به المسح ليس غير في الكتاب قال تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم } ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم التيمم ضربتان إما على إرادة الأعم من المسحتين كما قلنا أو أنه أخرج مخرج الغالب والله أعلم قوله حتى قالوا يخلل عن محمد يحتاج إلى ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للذراعين وضربة لتخليل الأصابع لكنه خلاف النص والمقصود هو التخليل لا يتوقف عليه وينزع الخاتم وفي المحيط يمسح تحت الحاجبين وفي الحلية يمسح من وجهه ظاهر البشرة
____________________
(1/126)
والشعر على الصحيح ويقابل ظاهر الرواية رواية الحسن أن الأكثر كالكل لوجه غير لازم قوله لما روى أن قوما عن أبى هريرة أن ناسا من أهل البادية أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة ويكون فينا الجنب والنفساء والحائض ولسنا نجد الماء فقال عليكم بالأرض ثم ضرب بيده الأرض لوجهه ضربة واحدة ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها على يديه إلى المرفقين أخرجه الإمام أحمد وهو حديث يعرف بالمثنى بن الصباح وقد ضعفه أحمد وابن معين في آخرين ورواه أبو يعلى من حديث أبى لهيعة وهو أيضا مضعف وله طريق أخرى في معجم الطبرانى الأوسط حدثنا أحمد بن محمد البزار الأصبهانى حدثنا الحسن بن حماد الحضرمى حدثنا وكيع بن الجراح عن إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة فذكره وقال لا نعلم لسليمان الأحول عن سعيد بن المسيب غير هذا الحديث قوله ويجوز التيمم الخ قيل ما كان بحيث إذا حرق لا ينطبع ولا يترمد أى لا يصير رمادا فهو من أجزاء الأرض فخرجت الأشجار والزجاج المتخذ من الرمل وغيره والماء المنجمد والمعادن إلا أن تكون في محالها فيجوز للتراب
____________________
(1/127)
الذي عليها لا بها نفسها ودخل الحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ والمغرة والكبريت والملح الجبلى لا المائى والسبخة والأرض المحرقة في الأصح والفيروزج والعقيق والبلخش والياقوت والزمرد والزبرجد لا المرجان واللؤلؤ لأن أصله ماء وكذا المصنوع منها كالكيزان والجفان والزبادى إلا أن تكون مطلية بالدهان والآجر المشوى على الصحيح إلا إن خالط به ما ليس من الأرض كذا أطلق فيما رأيت مع أن المسطور في فتاوى قاضيخان التراب إذ خالطه ما ليس من أجزاء الأرض تعتبر فيه الغلبة وهذا يقتضى أن يفصل في المخالط للبن بخلاف المشوى لاحتراق ما فيه مما ليس من أجزاء الأرض قوله غير أن أبا يوسف زاد عليه الرمل جعل هذا في المبسوط قولا لأبى يوسف مرجوعا عنه وأن قرار مذهبه تعين التراب قوله ولهما أن الصعيد اسم لوجه الأرض لصعوده فهو فعيل بمعنى فاعل وإذا كان هذا مفهومه وجب تعميمه وأن تفسير ابن عباس إياه بالتراب تفسير بالأغلب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأما رواية وتربتها طهورا فتوهم أنه مخصص خطأ لأنه إفراد فرد من العام لأنه ربط حكم العام نفسه ببعض أفراده والتخصيص إفراد الفرد من حكم العام فليس بمخصص على المختار
وأما قوله والطيب يحتمل الطاهر فحمل عليه ففيه أن مجرد كون اللفظ يحتمل معنى لا يوجب حمله عليه فالمعول عليه كون الطيب مرادا به الطاهر بالإجماع فكان الإجماع دليل إرادة هذا
____________________
(1/128)
المحتمل وعلى هذا فالأوجه أن يقول وهو مراد بالواو لا بأو قوله ثم لا يشترط أن يكون عليه غبار عند أبى حنيفة وعند محمد يشترط لظاهر قوله تعالى { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } قلنا هي للابتداء في المكان إذ لا يصح فيها ضابط التبعيضية والبيانية وهو وضع بعض موضعها في الأولى ولفظ الذي في الثانية والباقي في الأول بحاله ويزاد في الثانى جزء ليتم صلة الموصول كما في { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } أى الذي هو الأوثان ولو قيل فامسحوا بوجوهكم وأيديكم بعضه أفاد أن المطلوب جعل الصعيد ممسوحا والعضوين آلته وهو منتف اتفاقا قوله وكذا يجوز بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبى حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يجوز إلا عند العجز عنه كأن يكون في وحل وردغة بسفر أو بحر ولا يستطيع الماء وهذه إحدى الروايتين عنه وفي أخرى لا يجوز وفي رواية يتيمم به ويعيد والخلاف مبنى على أنه تراب خالص أو غالب أولا فعنده لا وعندهما نعم إذ لم يفارقه إلا بممازجة الهواء قوله ولنا أنه ينبىء على القصد الخ وهو ينبىء عن القصد لغة وليس
____________________
(1/129)
المقصود في النص الخطاب بقصد الصعيد فيمسح به العضوين وإلا لكانت النية المعتبرة تلك وليس كذلك فإنه لو قصده للمسح لم تكن المعتبرة فضلا عما هو مدلول النص من أن يقصده فيرتب على قصده ذلك المسح وإنما المقصود أن لفظ التيمم وهو الاسم الشرعي ينبىء عن القصد والأصل أن يعتبر في الأسماء الشرعية ما ينبىء عنه من المعانى على ما عرف
قال المصنف في التجنيس النية المشروطة هي نية التطهير هو الصحيح انتهى
وما زاده غيره من نية استباحة الصلاة لا ينافيه إذ يتضمن نية التطهير وصرحوا بأنه لو تيمم لدخول المسجد أو للقراءة ولو من المصحف أو مسه أو زيارة القبور أو دفن الميت أو الأذان أو الإقامة أو السلام أو رده أو الإسلام لا تجوز الصلاة بذلك التيمم عند عامة المشايخ إلا من شذ وهو أبو بكر بن سعيد البلخى مع وجود نية التيمم في ضمن ذلك لأنه في الحاصل نوى التيمم لكذا فعلمنا أن نية نفس الفعل ليست بمعتبرة بل أن ينوى به المقصود من الطهارة والصلاة ولو صلاة الجنازة وسجدة التلاوة
نعم روى في النوادر لو مسح وجهه وذراعيه ينوى التيمم جاز به الصلاة
وعن أبى حنيفة فيمن تيمم لرد السلام يجوز فعلى هاتين تعتبر مجرد نية التيمم لكنه غير الظاهر من المذهب ولو تيمم يريد به تعليم الغير دون الصلاة لا يجوز عند الثلاثة وإذا كان كذلك فإنما أنبأ عن قصد هو غير المعتبر نية فلا يكون النص بذلك موجبا للنية المعتبرة ألا يرى أن قوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } ينبىء عن الإرادة حتى استدل به من شرط النية للوضوء ووجهه أن التقدير إذا أردتم القيام بالصلاة وأنتم محدثون اتفاقا والغسل وقع جزاء لذلك والجزاء مسبب عن الشرط فيفيد وجوب الغسل لأجل إرادة الصلاة ومع ذلك كان التحقيق عدم إفادته وجوبها والكلام المذكور تمويه إذ المفاد بالتركيب مع المقدر إنما هو أن وجوب الغسل لأجل إرادة الصلاة مع الحدث لا إيجاب أن يغسل لأجل الصلاة إذ عقد الجزاء الواقع طلبا بالشرط يفيد طلب مضمون الجزاء إذا تحقق مضمون الشرط وأن وجوبه اعتبر مسببا عن ذلك فأين طلبه على وجه مخصوص هو فعله على قصد كونه لمضمون الشرط فتأمل ولقد خفى هذا على صاحب النهاية حتى لم يكافئه بالجواب
فإن قلت ذكرت أن نية التيمم لرد السلام لا تصححه على ظاهر المذهب مع أنه صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام على ما أسلفته في الأول
فالجواب أن قصد رد السلام بالتيمم لا يستلزم أن يكون نوى عند فعل التيمم التيمم له بل يجوز كونه نوى ما يصح معه التيمم ثم يرد السلام إذا صار طاهرا قوله أو جعل طهورا في حالة مخصوصة إن أراد حالة الصلاة على ما صرح به في بيان سنن الوضوء أول الكتاب فهو بناء على أن الإرادة مرادة في الجملة المعطوفة
____________________
(1/130)
عليها جملة التيمم أعنى آية الوضوء إذا قمتم إلى الصلاة فإن قوله { وإن كنتم مرضى } إلى آخر آية التيمم عطف عليها وأنت قد علمت أن لا دلالة فيها على اشتراط النية وإن حالة عدم القدرة على استعمال الماء فظاهر أن ذلك لا يقتضى إيجاب النية ولا نفيها وأما جعل الماء طهورا بنفسه مستفادا من قوله تعالى { ماء طهورا } ومن قوله { ليطهركم به } فلا يخفى ما فيه إذ كون المقصود من إنزاله التطهير به وتسميته طهورا لا يفيد اعتباره مطهرا بنفسه أى رافعا للأمر الشرعي بلا نية بخلاف إزالته الخبث لأن ذلك محسوس أنه مقتضى طبعه ولا تلازم بين إزالته حسا صفة محسوسة وبين كونه يرتفع عند استعماله اعتبار شرعي أعنى الحدث وقد حققنا في بحث الماء المستعمل أن التطهير ليس من مفهوم طهور فارجع إليه والمفاد من ليطهركم كون المقصود من إنزاله التطهير به وهذا يصدق مع اشتراط النية كما قال الشافعي وعدمه كما قلنا ولا دلالة للأعم على أخص بخصوصه
والحاصل الفرق بين الدلالة لفظا على عدم وجوب النية وعدم الدلالة على وجوبها وهو الثابت في الآية فرجع إسناد عدم وجوب النية في الوضوء إلى عدم الدليل عليه وهذا ما وعدناه في سنن الطهارة قوله هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم أنه يشترط قال في التجنيس لأنه روى عن محمد إذا تيمم يريد الوضوء أجزأ عن الجنابة وإن لم ينو عن الجنابة قوله لأنه نوى قربة مقصودة ينبغى أن يزاد تصح منه في الحال لأن الكافر لو تيمم للصلاة ونحوها لم يكن متيمما حتى لا يصلى به بعد الإسلام عند أبى يوسف
فالحاصل أنه لا يصحح منه تيمما إلا للإسلام قوله و الإسلام قربة تصح بدونها يقتضى أنه لو تيمم للصلاة صح عندهما وليس كذلك
____________________
(1/131)
فالحاصل أنهما لا يصححان منه تيمما أصلا بناء على عدم صحة النية منه فما يفتقر إليها لا يصح منه وهذا لأن النية تصير الفعل منتهضا سببا للثواب ولا فعل يقع من الكافر كذلك حال الكفر ولذا صححوا وضوءه لعدم افتقاره إلى النية ولم يصححه الشافعي لما افتقر إليها عنده وقد رجع المصنف إلى التحقيق في التعليل في جواب زفر حيث قال وإنما لا يصح من الكافر لانعدام النية قوله بخلاف سجدة التلاوة الخ المراد بكونها قربة مقصودة هنا كونها مشروعة ابتداء يعقل به معنى العبادة وأما قولهم في الأصول إنها ليست بقربة مقصودة فالمراد أنها ليست مقصودة لعينها بل لإظهار مخالفة المستنكفين من الكفار بإظهار التواضع والانقياد لله سبحانه وتعالى ولذا أديت في ضمن الركوع وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله فيستوى فيه الابتداء والبقاء فكما لا يصح ابتداء التيمم وهو كافر لا يصح بقاؤه مع الكفر كالمحرمية في باب النكاح كما يمنع ابتداء النكاح يمنع بقاؤه حتى لو كان الزوجان صغيرين فأرضعتهما امرأة ارتفع النكاح أو كبيرين فمكنت الزوجة ابن زوجها ارتفع بعد الثبوت والأصل أن كل صفة منافية الحكم يستوى فيها الابتداء والبقاء إلا أن يخرج شيء بالنص كبقاء الصلاة عند سبق الحدث حتى جاز البناء وكلام المصنف في الاستدلال المذكور لزفر لا يستلزم بناءه على حبط العمل بالكفر ليحتاج إلى جوابه على مالا يخفى بعد قليل تأمل قوله ولنا أن الباقي حاصله تسليم الأصل المذكور ومنع صدقه
____________________
(1/132)
في المتنازع فيه أفاد هذا إدخال اللام في الباقي أى ليس التيمم نفسه باقيا ليرتفع بورود الكفر بل الباقى صفة الطهارة التي أوجبها وهذه لا يرفعها شرعا إلا الحدث ولذا لو أعترض على الصفة الكائنة عن الوضوء لم يرفعها وهي مثلها
ولما كان هذا مظنة أن يقال البقاء في هذا ونحوه من النكاح وسائر العقود ليس إلا بقاء آثارها فإن الباقى في النكاح والبيع بعد صدور العقد ليس إلا الأثر من الحل والملك ومع ذلك اعتبر ذلك بقاء لها حتى انتفت بورود ما ينفى ابتداءها على ما بينا فبقاء الصفة حينئذ بقاء التيمم ويلزم ما قلته زاد قوله وإنما لا يصح من الكافر ابتداء لانعدام النية منه وهذا يحول التقرير عن وجهته الأولى هكذا التيمم نفسه لا ينافيه الكفر وإنما ينافى شرطه وهو النية المشروطة في الابتداء وقد تحققت وتحقق التيمم لذلك فالصفة الباقية بعده لو اعتبرت كنفسه لا يرفعها الكفر لأن الباقي حينئذ حكما ليس هو النية قوله وينقضه أيضا رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب في قوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم إلى عشر حجج ما لم يجد الماء ومقتضاه خروج ذلك التراب الذي تيمم به عن الطهورية ويستلزم انتفاء أثرها من طهارة الرجل
ويرد عليه أن قطع الاعتبار الشرعي طهورية التراب إنما هو عند الرؤية مقتصرا فإنما يظهر في المستقبل إذ لو استند ظهر عدم صحة الصلوات السابقة وما قيل إنه وصف يرجع إلى المحل فيستوى فيه
____________________
(1/133)
الابتداء والبقاء لا يفيد دفعا ولا يمسه والأوجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فإذا وجده فليمسه بشرته وفي إطلاقه دلالة ع نفى تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة كما هو قول الأئمة الثلاثة رضى الله عنهم قوله وخائف السبع والعدو والعطش على نفسه أو على دابته أو رقيقة عاجز حكما فيباح له التيمم مع وجود ذلك الماء وكذا إذ خاف الجوع بأن كان محتاجا إلى الماء للعجين أما إن احتاج إليه للمرقة فلا يتيمم لكن هل يعيد إذا أمن بالوضوء قال في النهاية قلت جاز أن تجب الإعادة على الخائف من العدو بالوضوء لأن العذر من قبل العبادة اه
يعنى وهم يفرقون بين العذر من قبل من له الحق ومن قبل العباد فيوجبون في الثانى ولذا وجبت الإعادة على المحبوس إذا صلى بالتيمم ثم خلص وقيل فيمن منعه إنسان عن الوضوء بوعيد ينبغى أن يتيمم ويصلى ويعيد بعد ذلك لكن قال في الدراية الأسير منعه الكفار من الوضوء والصلاة يتيمم ويومىء ويعيد وكذا المقيد ثم قال قلت بخلاف الخائف منهم فإن الخوف من الله سبحانه فنص على خلاف ما في النهاية قوله والنائم أي على غير صفة توجب النقض كالنائم ماشيا أو راكبا إذا مر على ماء مقدور الاستعمال انتقض تيممه عند أبى حنيفة خلافا لهما وعن ذلك عبر في المجمع بالناعس
قال في فتاوى قاضيخان قيل يجب أن لا ينتقض عند الكل لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به صح تيممه فكذا هذا
وفي زيادات الحلوانى قال في انتفاض تيممه روايتان من غير ذكر خلاف
قال في شرح المجمع في وجه الانتقاض عنده الشرع إن اعتبر هذا القدر من النوم يقظة كان كاليقظان وإن لم يعتبره يقظة كان هذا نوما لم يلحق باليقظة وكل نوم لم يلحق بها شرعا فهو حدث بالإجماع اه
ولنا أن نختار الأول ولا يفيده فإن اليقظان إذا لم يعمل بالماء لا يبطل تيممه على ما ذكرناه من فتاوى قاضيخان
وفي التجنيس صلى بالتيمم وفي جنبه بئر لم يعلم به جاز على قولهم ولو كان على شاطىء النهر ولم يعلم به عن أبى يوسف روايتان في رواية لا يجوز اعتبارا بالإداوة المعلقة في عنقه
وفي رواية يجوز لأنه غير قادر إذ لا قدرة بدون العلم
وقيل هذا قول أبى حنيفة وهو الأصح اه
فإذا كان أبو حنيفة يقول في المستيقظ حقيقة على شاطىء نهر لا يعلم به يجوز تيممه فكيف يقول في النائم حقيقة بانتقاض تيممه قوله والمراد من الماء يعنى الماء في قوله وينقضه رؤية الماء ما يكفى فلو وجد المتيمم ماء فتوضأ به فنقص عن
____________________
(1/134)
إحدى رجليه إن كان غسل كل عضو ثلاثا أو مرتين انتقض تيممه أو مرة لا ينتقض لأنه في الأول وجد ما يكفيه إذ لو أقتصر على أدنى ما يتأدى به الفرض كفاه بخلاف الثاني
وقال الشافعي رضى الله عنه لا يجوز مع وجود الماء وإن قل حتى يستعمله فيفنيه فحينئذ يتيمم لأن قوله تعالى { فلم تجدوا ماء } يفيده لأنه نكره في سياق النفى وصار كما إذا وجد ماء يكفى لإزالة بعض النجاسة الحقيقية أو ثوبا يستر بعض عورته
ولنا أن المراد في النص ماء يكفى لإزالة المانع لأنه سبحانه أمر بغسل الأعضاء الثلاثة والمسح ومعلوم أنه بالماء ثم نقل إلى التيمم عند عدمه بقوله { فلم تجدوا ماء } فبالضرورة يكون التقدير فاغسلوا وامسحوا بالماء فإن لم تجدوا ماء تغسلون به وتمسحون ما عينته عليكم فتيمموا
والقياس على الحقيقة والعورة فاسد لأنهما يتجزءان فيفيد إلزامه باستعمال القليل للتقليل ولا يفيد هنا إذ لا يتجزأ هنا بل الحدث قائم ما بقى أدنى لمعة فيبقى مجرد إضاعة مال خصوصا في موضع عزته مع بقاء الحدث كما هو والمراد من القدرة أعم من الشرعية والحسية حتى لو رأى ماء في حب لا ينتقض تيممه وإن تحققت قدرة حسية لأنه إنما أبيح للشرب ولو وهب له ماء وجب القبول وانتقض التيمم ولو وجد جماعة من المتيممين ماء مباحا يكفى أحدهم انتقض تيمم الكل لقدرة كل منهم لتحقق الإباحة في حق كل منهم بخلاف ما لو وهب لهم بأن قال صاحب الماء هذا لكم أو بينكم فقبضوه حيث لا ينتقض تيمم أحد منهم لأنه لا يصيب كلا منهم ما يكفيه على قولهما
وعلى قول أبى حنيفة لا تصح هذه الهبة للشيوع فلو أذنوا لواحد منهم بالوضوء عنده لا يجوز إذنهم لفساد الهبة وعندهما يصح فينتقض تيممه كما لو عين الواهب واحدا منهم فإنه يبطل تيممه دونهم حتى لو كان إماما بطلت صلاة الكل وكذا لو كان غير إمام إلا أنه لما فرغ القوم سأله الإمام فأعطاه تفسد على قول الكل لتبين أنه صلى قادرا على الماء
وأعلم أنهم فرعوا لو صلى بتيمم فطلع عليه رجل معه ماء فإن غلب على ظنه أنه يعطيه بطلت قبل السؤال وإن غلب أن لا يعطيه يمضى على صلاته وإن أشكل عليه يمضى ثم يسأله فإن أعطاه ولو بيعا بثمن المثل ونحوه أعاد وإلا فهى تامة
وكذا لو أعطاه بعد المنع إلا أنه يتوضأ هنا لصلاة أخرى وعلى هذا فإطلاق فساد الصلاة في صورة سؤال الإمام إما أن يكون محمولا على حاله الإشكال أو أن عدم الفساد عند غلبة ظن عدم الإعطاء مقيد بما إذا لم يظهر له بعد إعطاؤه
فرع يبتلى الحاج بحمل ماء زمزم للهدية ويرصص رأس القمقمة فما لم يخف العطش ونحوه لا يجوز له التيمم
قال المصنف في التجنيس والحيلة فيه أن يهبه من غيره ثم يستودعه منه
وقال قاضيخان في فتاواه هذا ليس بصحيح فإنه لو رأى مع غيره ماء يبيعه بمثل الثمن أو بغبن يسير لا يجوز له التيمم فإن تمكن من الرجوع في الهبة كيف يجوز له التيمم اه
ويمكن أن يفرق بأن الرجوع تملك بسبب مكروه وهو مطلوب العدم شرعا فيجوز أن يعتبر الماء معدوما في حقه لذلك وإن قدر عليه حقيقة كماء الحب بخلاف البيع قوله ولا يجوز التيمم إلا بصعيد طاهر ظاهر حكما ودليلا وانبنى عليه أنه لو تيمم بغبار ثوب نجس لا يجوز إلا إذا وقع
____________________
(1/135)
ذلك الغبار عليه بعد ما جف وهل يأخذ التراب حكم الاستعمال في الخلاصة وغيرها لو تيمم جنب أو حائض من مكان فوضع آخر يده على ذلك المكان فتيمم أجزأه والمستعمل هو التراب الذي استعمل في الوجه والذراعين اه
وهو يفيد تصور استعماله وكونه بأن يمسح الذراعين بالضربة التي مسح بها وجهه ليس غير قوله لأن غالب الرأى كالمتحقق مع قوله في وجه ظاهر الرواية أن العجز ثابت حقيقة فلا يزول حكمه إلا بيقين مثله مع أنه منظور فيه بأن التيمم في العمرانات وفي الفلاة إذا أخبر بقرب الماء أو غلب على ظنه بغير ذلك لا يجوز قبل الطلب اعتبارا لغالب الظن كاليقين يقتضى أنه لو تيقن وجود الماء في آخر الوقت لزمه التأخير على ظاهر الرواية
____________________
(1/136)
لكن المصرح به خلافه على ما تقدم أول الباب أنه إذا كان بينه وبين الماء ميل جاز التيمم من غير تفصيل
وفي الخلاصة المسافر إذا كان على تيقن من وجود الماء أو غالب ظنه على ذلك في آخر الوقت فتيمم في أول الوقت وصلى وإن كان بينه وبين الماء مقدار ميل جاز وإن كان أقل ولكن يخاف الفوت لا يتيمم قوله وعند الشافعي يتيمم لكل صلاة فرض قيد به لأنه يجيز النوافل المتعددة بالتيمم الواحد تبعية للفرض والخلاف يبنى تارة على أنه رافع للحدث عندنا مبيح عنده لا رافع وتارة على أنه طهارة ضرورية عنده مطلقة عندنا كما اقتصر عليه المصنف
ويدفع مبناه الأول بأن اعتبار الحدث مانعية عن الصلاة شرعية لا يشكل معه أن التيمم رافع لارتفاع ذلك المنع به وهو الحق إذ لم يقم على أكثر من ذلك دليل وتغير الماء برفع الحدث إنما يستلزم اعتباره نازلا عن وصفه الأول بواسطة إسقاط الفرض لا بواسطة إزالة وصف حقيقي مدنس ويدفع الثانى بأنه طهور حال عدم الماء بقوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الخصائص في الصحيحين وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا يريد مطهرا وإلا لما تحققت الخصوصية لأن طهارة الأرض بالنسبة إلى سائر الأنبياء ثابتة وإذا كان مطهرا فتبقى طهارته إلى وجود غايتها من وجود الماء أو ناقض آخر
وقد يقال عليه القول بموجب طهوريته ما لم يجد الماء وذلك أفادته الطهارة والكلام ليس فيه بل في بقاء تلك الطهارة المفادة بالنسبة إلى فرض آخر وليس فيه دليل عليه فلنا أن نثبت نفيه بالمعنى وهو أن اعتبار طهارته ضرورة أداء المكتوبة مع عدم الماء والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها ولا مخلص إلا بمنع مردد إن سلم وهو إن أردت أنها اعتبرت ضرورة المكتوبة الواحدة فقط منعناه بل ضرورة تحصيل الخيرات المشروطة بالطهارة مطلقا ولهذا أجاز هو النوافل الكثيرة بالتيمم الواحد فعلم أن اعتباره عند عدم الماء تكثير لأبواب الخيرات إرادة لإفاضة كرمه ألا يرى أنه أباح النفل على الدابة بالإيماء لغير القبلة مع فوات الشروط والأركان فيها ولا ضرورة إلا
____________________
(1/137)
الحاجة القائمة بالعبد لزيادة الاستكثار من فضله وعلى هذا الخلاف ابنتى جواز التيمم قبل الوقت فمنعه وأجزناه فإن وجد الماء قبل صلاته بطل أو بعد السلام تمت ولو كان عليه سجود سهو عند أبي حنيفة وأبى يوسف
وعند محمد تفسد بناء على أن من عليه السهو هل يخرجه سلامه عن الصلاة فعنده لا وعندهما نعم وإن أردت غير ذلك فلا بد من إبدائه لنتكلم عليه قوله ويتيمم الصحيح الخ منعه الشافعي لأنه تيمم مع عدم شرطه
قلنا مخاطب بالصلاة عاجز عن الوضوء لها فيجوز أما الأولى فلأن تعلق فرض الكفاية على العموم غير أنه يسقط بفعل البعض وأما الثانية فبفرض المسئلة وحديث الدارقطنى بسنده عن ابن عمر أنه أتى بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم ثم صلى عليها وذكر مشايخنا عن ابن عباس قوله وهو رواية الحسن الخ احتراز عن ظاهر الرواية أنه يجوز للولى أيضا لأن الانتظار فيها مكروه ثم لو صلى به فحضرت أخرى خاف فوتها كذلك كان له أن يصلى بذلك التيمم عندهما خلافا لمحمد قال انتهت تلك بانتهاء الضرورة وهذه ضرورة أخرى
وقالا وقع معتدا به لتلك وهذه مثلها من كل وجه فجازت به وقيده في شرح الكنز عن أبى يوسف بما إذا لم يوجد بين
____________________
(1/138)
الجنازتين وقت يمكنه فيه الوضوء قوله لأنا لو أوجبنا الوضوء الخ يعنى لو كان شرع بالتيمم في صلاة العيد فسبقه الحدث لو أوجبنا عليه الوضوء نظرا إلى أنه لاحق فلا فوت عليه كان هذا الإيجاب فرع الحكم شرعا بوجود الماء إذ لا يجب الوضوء مع حكم الشرع بعدم الماء والحكم بأنه واجد للماء يوجب فساد الصلاة بالتيمم وهذا بناء على أن الحكم بأنه واجد بعد سبق الحدث يستلزم الحكم بأنه واجد في الصلاة إذ لا فصل بين زمانه وما قبله بشيء أصلا
وقد يقال لا يلزم لأن الحكم شرعا بالعدم السابق بناء على خوف الفوت وقد زال بسبق الحدث فيجب أن يتغير الاعتبار الشرعي فيعيد قبل السبق عادما وبعده واجدا
وقيل في التعليل لو أوجبنا الوضوء فسدت صلاته برؤية الماء فيقع الفوات وفيه نظر ظاهر إذ الانتقاض برؤية الماء لا يتحقق لأن انتقاض التيمم قد وجد قبله بسبق الحدث فلم يبق إلا ما قدمناه وعليه ما ذكرناه واعلم أن محل الخلاف ما إذا خاف أي شك في الإدراك وعدمه أما لو كان يرجوا الإدراك ويغلب على ظنه عدم عروض المفسد لا يتيمم إجماعا قوله وكذا إذا خاف فوت الوقت لو توضأ لم يتيمم بل يتوضأ ويقضيها خلافا لزفر
له أن التيمم لم يشرع
____________________
(1/139)
إلا لتحصيل الصلاة في وقتها فلم يلزمه قولهم إن الفوات إلى خلف كلا فوات ولم يتجه لهم سوى أن التقصير جاء من قبله فلا يوجب الترخيص عليه وهو إنما يتم إذا أخر لا لعذر قوله والمسافر الخ اللام في الماء للعهد بالنسبة إلى المسافر إذ الخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو غيره بعلمه بأمره أو بغيره أمره إذ بذلك يتحقق عهده به وقيد بالنسيان ليفيد أنه لو ذكره فوقع عنده أنه فنى فلا خلاف بل الاتفاق على الإعادة
لأبى يوسف مدركان الأول نسيان ماء الرحل نسيان مالا ينسى عادة لقوة ثبات صورته في النفس بشدة تشبثها به في الأسفار لعزة الماء فيها فصار كنسيان إداوة معلقة في عنقه أو على ظهره أو مقدم إكاف مركوبه أو مؤخره وهو سائق أو بين يديه بخلاف ما لو كانت مقدمه وهو سائق أو مؤخره وهو راكب أو في أحدهما وهو قائد
الثاني إلحاق الرحل بالعمران وإخبار المخبر ووجود طير ووحش بجامع وجود دليل الماء لأنه معدنه فيجب الطلب قبل التيمم ولذا وجبت
____________________
(1/140)
الإعادة إذا صلى بثوب نجس أو عريانا أو بنجاسة حقيقية ناسيا الماء والثوب الطاهر في رحله لوجود علة اشتراط الطلب فقولهما لا قدرة بدون العلم لا يفيد بعد هذا التقرير لثبوت العلم نظرا إلى الدليل اتفاقا كما قال الكل في المسائل الملحق بها والمفيد ليس إلا منع وجود العلة أى لا نسلم أن الرحل دليل الماء الذي ثبوته يمنع التيمم أعنى ماء الاستعمال بل الشرب وهو مفقود في حق غير الشرب وعلى هذا يتمكن من الفرق بين مسئلة الثوب والماء فرحل المسافر دليل الثوب لأنه معد لوضعه مع سائر أمتعته فيه لا دليل ماء الاستعمال فلا حاجة إلى إدعاء أن مسئلة الثوب على الخلاف في الصحيح كما في الاختيار وشرح الكنز لكنه يشكل بمسئلة الصلاة مع النجاسة فإنه قد اعتبر الرحل فيها دليل ماء الاستعمال والفرق بأن فرض الستر وإزالة النجاسة فات لا إلى الخلف بخلاف الوضوء لا يثلج الخاطر عند التأمل لأن فوات الأصل إلى خلف لا يجوز الخلف مع فقد شرطه بل إذا فقد شرطه مع فوات الأصل يصير فاقدا للطهورين فيلزمه حكمه وهو التأخير عنده والتشبه عندهما بالمصلين ووافق محمد أبا حنيفة في التأخير في رواية عنه قوله لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير لأن القدرة على الماء بملكه
____________________
(1/141)
أو بملك بدله إذا كان يباع أو بالإباحة أما مع ملك الرفيق فلا لأن الملك حاجز فثبت العجز
وعن الجصاص لا خلاف بينهم فمراد أبى حنيفة إذا غلب على ظنه منعه ومرادهما إذا ظن عدم المنع لثبوت القدرة بالإباحة في الماء لا غيره عنده فلو قال انتظر حتى أفرغ وأعطيك الماء وجب الانتظار وإن خاف الفوت وأما في غيره فكذلك عندهما وعنده لا فلو كان مع رفيقه دلو وليس معه له أن يتيمم قبل أن يسأله عنه ولو سأله فقال انتظر حتى أستقى استحب انتظاره عنده ما لم يخف الفوات وعندهما ينتظره وإن خرج الوقت وعلى هذا لو كان مع رفيقه ثوب وهو عريان فقال انتظر حتى أصلى وأدفعه إليك
وأجمعوا أنه لو قال أبحت لك مالى لتحج به لا يجب عليه الحج لأن المعتبر فيه الملك وهنا القدرة قوله ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش قال أبو حنيفة إن كان لا يبيع إلا بضعف القيمة فهو غال وقيل أن يساوى درهما فيأبى إلا بدرهم ونصف في الوضوء وبدرهمين في الجنابة وقيل مالا يدخل تحت تقويم المقومين
فرع لا تلفيق عندنا في إقامة طهارة بين الآلتين الماء والتراب خلافا للشافعي لأن شرط عمل التراب شرعا عدم الأصل مثلا جنب أكثر بدنه مجروح تيمم فقط ولا يستعمل الماء أصلا ولو كان الأكثر صحيحا يغسل الصحيح ويمسح على الجراحة إن لم يضره وإلا فعلى الخرقة فلو استويا لا رواية فيه
واختلف المشايخ منهم من قال يتيمم ولا يستعمل الماء أصلا وقيل يغسل الصحيح ويمسح على الباقي والأول أشبه بالفقه والمذكور في النوادر
وقد اختلف في حد الكثرة منهم من اعتبر من حيث عدد الأعضاء ومنهم من اعتبر الكثرة في نفس كل عضو فإن كان برأسه ووجهه ويديه جراحة والرجل لا جراحة بها يتيمم سواء كان الأكثر من الأعضاء الجريحة جريحا أو صحيحا والآخرون قالوا إن كان الأكثر من كل عضو من أعضاء الوضوء المذكورة جريحا فهو الكثير الذي يجوز معه التيمم وإلا فلا
____________________
(1/142)
& باب المسح على الخفين
قوله جائز بالسنة ليفيد أن ليس مشروعيته ثابتة بالكتاب خلافا لمن حمل قراءة الجر في أرجلكم عليه لما قدمنا في أول كتاب الطهارة ولأن المسح على الخف لا يجب إلى الكعبين اتفاقا
وقوله جائز يعنى للرجال والنساء للإطلاق قوله والأخبار فيه مستفيضة قال أبو حنيفة ما قلت بالمسح حتى جاءنى فيه مثل ضوء النهار
وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر
وقال أبو يوسف خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته
وقال أحمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا وما وقفوا
وروى ابن المنذر في آخرين عن الحسن البصرى قال حدثنى سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين وممن روى المسح عنه صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعد والمغيرة وأبو موسى الاشعري وعمرو بن العاص وأبو أيوب وأبو أمامة وسهل بن سعد وجابر بن عبد الله وأبو سعيد وبلال وصفوان بن عسال وعبد الله بن الحرث بن جزء وسلمان وثوبان وعبادة بن الصامت ويعلي بن مرة وأسامة بن زيد وعمرو بن أمية الضمرى وبريدة وأبو هريرة وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين
قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر لم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح إلا ابن عباس وعائشة وأبى هريرة فأما ابن عباس وأبو هريرة فقد جاء
____________________
(1/143)
عنهما بالأسانيد الحسان خلاف ذلك وموافقة سائر الصحابة وأما عائشة رضى الله عنها ففي صحيح مسلم أنها أحالت ذلك على علم علي
وفي رواية قالت وسئلت عنه أعنى المسح مالى بهذا علم
وما رواه محمد بن مهاجر البغدادى عنها لأن أقطع رجلى بالموسى أحب إلي من أن أمسح على الخفين حديث باطل نص على ذلك الحفاظ قوله لكن من رآه ثم لم يمسح آخذا بالعزيمة كان مأجورا لفظ كان مأجور في مبسوط شيخ الإسلام
وأورد عليه أن المسح من النوع الرابع من الرخصة وهو ما لم تبق العزيمة معه مشروعة كالركعتين الأخريين من الظهر للمسافر ولا يؤجر على فعل غير المشروع
أجيب بأنه من الرابع ما دام المكلف لابس الخف ولاشك أن له نزعه فإذا نزعه سقطت الرخصة في حقه فيغسل وإنما يثاب بتكلف النزع والغسل فيصير كترك السفر لقصد الأحمز
وقول الرستغى أحب إلي أن يمسح إما لنفى التهمة عن نفسه فإن الروافض لا يرونه وإما للعمل بقراءة الجر مدفوع بعدم صحة الثاني على ما علمت وعدم تأتى الأول في موضع يعلم أن الحاضرين لا يتهمونه لعلمهم بحقيقة حاله أو جهلهم وجود مذهب الروافض فلا ينبغى إطلاق الجواب بل إن كان محل تهمة هذا ومبنى السؤال على أنه رخصة إسقاط ومنعه شارح الكنز وخطأهم في تمثيلهم به في الأصول لها لأنه منصوص على أنه لو خاض ماء بخفه فانغسل أكثر قدميه بطل المسح وكذا لو تكلف غسلهما من غير نزع أجزأه عن الغسل حتى لا يبطل
____________________
(1/144)
بمضى المدة فعلم أن العزيمة مشروعة مع الخف اه
ومبنى هذه التخطئة على صحة هذا الفرع وهو منقول في الفتاوى الظهيرية لكن في صحته نظر فإن كلمتهم متفقة على أن الخف اعتبر شرعا مانعا سراية الحدث إلى القدم فتبقى القدم على طهارتها ويحل الحدث بالخف فيزال بالمسح وبنوا عليه منع المسح للمتيمم والمعذورين بعد الوقت وغير ذلك من الخلافيات
وهذا يقتضى أن غسل الرجل في الخف وعدمه سواء إذا لم يبتل معه ظاهر الخف في أنه لم يزل به الحدث لأنه في غير محله فلا تجوز الصلاة به لأنه صلى مع حدث واجب الرفع إذ لو لم يجب والحال أنه لا يجب غسل الرجل جازت الصلاة بلا غسل ولا مسح فصار كما لو ترك ذراعيه وغسل محلا غير واجب الغسل كالفخذ ووزانه في الظهيرية بلا فرق ولو أدخل يده تحت الجرموقين فمسح على الخفين وذكر فيها أنه لم يجز وليس إلا لأنه في غير محل الحدث
والأوجه في ذلك الفرع كون الإجزاء إذا خاض النهر لابتلال الخف ثم إذا انقضت المدة إنما لا يتقيد بها لحصول الغسل بالخوض والنزع إنما وجب للغسل وقد حصل قوله موجب للوضوء إسناد الموجبية للحدث إما تجوز أو لاعتقاد أن سبب الوضوء الحدث كما هو رأى البعض قوله ثم خرج الوقت يفيد أن منعها من المسح بعد الوقت فقط فتمسح في الوقت كلما توضأت لحدث
____________________
(1/145)
غير الذي ابتليت به وهذا أعنى منعها بعده إذا كان السيلان مقارنا للوضوء واللبس
أما إذا كان على الانقطاع فهي كغيرها فتمسح بعد الوقت إلى تمام المدة وإنما امتنع هناك لأن بخروج الوقت تصير محدثة بالسابق وكذا المتيمم عند رؤية الماء وإضافة الحدث إلى خروجه والرؤية للماء مجاز فلو جاز المسح بعد اللبس على طهارة التيمم أو الوضوء المقارن هو أو اللبس للحدث بعد الوقت كان رافعا للحدث الذي حل بالقدم لأن الحدث الذي يظهر هو الذي كان قد حل به قبل التيمم أو حال ذلك الوضوء لكن المسح إنما يزيل ما حل بالممسوح بناء على اعتبار الخف مانعا شرعا سراية الحدث الذي يطرأ بعده إلى القدمين بدليل أنه لو لبس على حدث بالقدمين لا يمسح فلو اعتبر المسح عليه رافعا لما بالقدم لجاز وهذا أولى من تعليله في شرح الكنز المنع على المتيمم بكون التيمم ليس طهارة كاملة لما علمت من أنها كالتى بالماء ما بقى الشرط قوله لا يفيد ليس المراد لا يفيد اللفظ لأنه مفيد له بل القدورى لا يفيد بهذا اللفظ هذا المعنى بل قصد به إلى إفادة ما ذكره المصنف وعلى هذا يكون الجار والمجرور متصلا بحدث موجب للوضوء والتقدير جائز بالسنة من كل حدث موجب للوضوء على طهارة كاملة إذا لبسهما ثم أحدث والمجرور في موضع الحال أى من كل حدث كائنا أو حادثا على طهارة كاملة قوله وهو المذهب عندنا احتراز عن قول
____________________
(1/146)
الشافعي باشتراط الكمال وقت اللبس وقوله حتى لو غسل الخ تفريع وهذه الصورة تمتنع عند الشافعي لوجهين لعدم الترتيب في الوضوء ولعدم كمال الطهارة قبل اللبس
والذي يمتنع عنده للثاني فقط ما لو توضأ وغسل إحدى رجليه ولبس الخف ثم غسل الأخرى ولبس خفها
عندنا إذا أحدث يجوز له المسح
وعنده لا لعدم الكمال وقت اللبس قوله فيراعى كمال الطهارة من وقت المنع لأنه وقت عمله والأنسب أن يراعي مدته من وقت أثره قوله يمسح المقيم في صحيح مسلم عن علي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم قوله فتعتبر المدة من وقت المنع لأن ما قبل ذلك طهارة الوضوء ولا تقدير فيها إنما التقدير
____________________
(1/147)
في التحقيق تقدير مدة منعه شرعا وإنما منع من وقت الحدث قوله يبدأ من قبل الأصابع الخ صورته أن يضع أصابع اليمنى على مقدم خفه الأيمن وأصابع اليسرى على مقدم الأيسر ويمدها إلى الساق فوق الكعبين ويفرج أصابعه هذا هو الوجه المسنون
ولو مسح بأصبع واحد ثلاث مرات كل مرة بماء جديد على موضع جديد جاز وإلا لا يجوز
وفي الخلاصة لو وضع الكف ومدها مع الأصابع كلها حسن والأحسن أن يمسح بجميع اليد يعنى بأصابعها
ولو مسح بظاهر كفيه جاز وكذا برؤوس الأصابع إذا بلغ قدر ثلاث أصابع
ويجوز ببلل بقى في يده من غسل عضو وإن لم يكن متقاطرا لا بما بقى من مسح وعلله قاضيخان بأنها بلة مستعملة بخلاف الأول قوله لحديث المغيرة وفيه مسحة واحدة فأخذوا منه أن تكرار المسح على الخفين غير مشروع وأيضا بالتكرر لا يبقى خطوطا لكن قيل أن حديث المغيرة بهذا اللفظ لا يعرف والذي رواه الترمذى عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما وحسنه لكن في أواسط الطبرانى من طريق جرير بن يزيد عن محمد ابن المنكدر عن جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ فغسل خفيه فنخسه برجله وقال ليس هكذا السنة أمرنا بالمسح هكذا وأمر بيديه على خفيه وفي لفظ ثم أراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة وفرج بين أصابعه قال الطبرانى لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد
وفي الإمام روى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه مسح على خفيه حتى رؤى آثار أصابعه على خفيه خطوطا ورؤى آثار أصابع قيس بن سعد
____________________
(1/148)
على الخف قوله ثم المسح على الظاهر أى ظاهر محل الفرض وهو مقدم الرجل إذا وجد منه قدر ثلاث أصابع ولو قطعت إحدى رجليه وبقى منها أقل منه أو بقى ثلاث أصابع لكن من العقب لا من موضع المسح فليس على الصحيحة والمقطوعة لا يمسح لوجوب غسل ذلك الباقي كما لو قطعت من الكعب حيث يجب غسل الرجلين ولا يمسح قوله فيراعى جميع ما ورد به الشرع يعنى في المحل ولذا قال علي رضى الله عنه لو كان الدين بالرأى لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره
قال في النهاية نقلا عن المبسوط ولأن باطنه لا يخلوا عن لوث عادة فيصيب يده وهذا يفيد أن المراد بالباطن عندهم محل الوطء لا ما يلاقى البشرة لكن بتقديره لا تظهر أولوية مسح باطنه لو كان بالرأى بل المتبادر من قول علي رضى الله عنه ذلك ما يلاقى البشرة وهذا لأن الواجب من غسل الرجل في الوضوء ليس لإزالة الخبث بل للحدث ومحل الوطء من باطن الرجل فيه كظاهره وكذا ما روى عن علي فيه بلفظ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه يجب أن يراد بالأسفل الوجه الذي يلاقى البشرة لأنه أسفل من الوجه الأعلى المحاذى للسماء لما ذكرنا
ثم قد يقال إنه لم يجب مراعاة جميع ما ورد به في محل الابتداء والانتهاء للعلم بأن المقصود إيقاع البلة على ذلك المحل حتى جاز البداءة من أصل الساق إلى رؤوس الأصابع لكن لكن يجب في حق الكمية نظرا إلى ذلك فينبغى أن لا يجوز قدر ثلاث أصابع إلا بنص قوله مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد في كل رجل فلو مسح على رجل أصبعين وعلى الأخرى قدر خمسة لم يجز ولا فرق بين حصول ذلك بيده أو بإصابة مطر أو من حشيش مشى فيه مبتل ولو بالطل على الأصح
وقيل لا يجوز بالطل لأنه نفس دابة لا ماء وليس بصحيح وهذا الإطلاق تفريع على عدم اشتراط النية للمسح على الخف وهو الصحيح لأنه طهارة بالماء خلافا لما في جوامع الفقه للعتابى حيث شرطها
وفي الخلاصة لو توضأ ومسح الخف ونوى به
____________________
(1/149)
التعليم دون الطهارة يصح قوله فيه خرق كبير يبين منه الخ يعنى إذا كان في محل الفرض منفرجا أو ينفرج عند المشى فإن كان شقا لا يظهر ما تحته إن كان أكثر من ثلاث أصابع أو يظهر منه دونها وهو أكبر منها لا يمنع ولو كان في الكعب لم يمنع وإن كثر كذا في الاختبار
وفي الفتاوى فإن كان الخرق في موضع العقب إن كان يخرج منه أقل من نصف العقب جاز المسح عليه وإن كان أكثر لا يجوز
وعن أبى حنيفة في رواية يمسح حتى يبدو أكثر من نصف العقب
ثم قيد في شرح الكنز كونها أصغر الأصابع بما إذا كان الخرق في غير موضع الأصابع فإن كان فيه اعتبر ثلاث منها فلو انكشف الأكبر وما يليه لا يمنع وإن كان قدر الثلاث الأخر ولو كان الخرق تحت القدم فإن كان أكثر القدم منع ذلك في الاختيار
وذكره في الغاية بلفظ قيل وعلله بأن موضع الأصابع يعتبر بأكثرها فكذا القدم ولو صح هذا التعليل لزم أن لا يعتبر قدر ثلاث أصابع أصغرها إلا إذا كان عند أصغرها لأن كل موضع حينئذ إنما يعتبر بأكثره ولو لم يكن له أصابع اعتبر بأصابع غيره وقيل بأصابعه لو كانت قائمة قوله ولنا أن الخفاف الخ لازمة إذا تأملت منع وجوب غسل البادى فإنه يعتبر عدما لقلته ولزوم الحرج في اعتباره إذ غالب الخفاف لا تخلو عنه عادة والشرع علق المسح بمسمى الخف وهو الساتر المخصوص الذي تقطع به المسافة والاسم مطلقا يطلق عليه بخلاف المشتمل على الكبير فإنه إن ترك في التعبير عنه باسم الخف تقييده بمخروق فهو مراد فليس بخف مطلق ولأنه لا تقطع المسافة به إذ لا يمكن تتابع المشى
____________________
(1/150)
فيه والخف مطلقا ما يقطع به فليس به قوله هو الصحيح احتراز عن رواية الحسن ثلاث أصابع اليد وعما مال إليه السرخسى من أن ظهور قدر ثلاث أنامل من أصابع الرجل يمنع قوله وتجمع الخروق لقائل أن يقول لا داعى إلى جمعها وهو اعتبارها كأنها في مكان واحد لمنع المسح لأن امتناعه فيما إذا اتحد المكان حقيقة لانتفاء معنى الخف بامتناع قطع المسافة المعتادة به لا لذاته ولا لذات الانكشاف من حيث هو انكشاف وإلا لوجب الغسل في الخرق الصغير وهذا المعنى منتف عند تفرقها صغيرة قدر الحمصة والفولة لإمكان قطعها مع ذلك وعدم وجوب غسل البادى قوله ولا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل قيل الموضع موضع النفى فلا
____________________
(1/151)
حاجة إلى التصوير
وحاصله أنه إذا أجنب وقد لبس على وضوء وجب نزع خفيه وغسل رجليه
وقيل صورته مسافر أجنب ولا ماء عنده فتيمم ولبس ثم أحدث ووجد ماء يكفى وضوءه لا يجوز له المسح لأن الجنابة سرت إلى القدمين والتيمم ليس بطهارة كاملة فلا يجوز له المسح إذا لبسهما على طهارته فينزعهما ويغسلهما فإذا فعل ولبس ثم أحدث وعنده ماء يكفى الوضوء توضأ ومسح لأن هذا الحدث يمنعه الخف السراية لوجوده بعد اللبس على طهارة كاملة فلو مر بعد ذلك بماء كثير عاد جنبا فإذا لم يغتسل حتى فقده تيمم له فلو أحدث بعد ذلك وعنده ماء للوضوء توضأ وغسل رجليه لأنه عاد جنبا فإن أحدث بعد ذلك وعنده ماء للوضوء فقط توضأ ومسح وعلى هذا تجرى المسائل وهذه الصورة إنما تزيد على ما ذكرناه آنفا بإفادة أنه يشترط لجواز المسح كون اللبس على طهارة الماء لا طهارة التيمم معللا بأن طهارة التيمم ليست كاملة فإن أريد بعدم كمالها عدم الرفع عن الرجلين فهو ممنوع وإن أريد عدم إصابة الرجلين في الوظيفة حسا فيمنع تأثيره في نفى الكمال المعتبر في الطهارة التي يعقبها اللبس
ويمكن أن يوجه الحكم المذكور بأن المسح على خلاف القياس وإنما ورد من فعله عليه الصلاة والسلام على طهارة الماء ولم يرد من قوله عليه الصلاة والسلام ما يوسع مورده فيلزم فيه الماء قصرا على مورد الشرع وسيأتى في حديث صفوان صريح منعه للجنابة قوله لحديث صفوان بن عسال روى النسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح عن صفوان بن عسال قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا
____________________
(1/152)
سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم قوله وإذا تمت المدة نزع خفيه لسريان الحدث على الرجلين وغسل رجليه وليس عليه إعادة بقية الوضوء لأن الولاء ليس بشرط في الوضوء فينضم غسلهما إلى الغسل السابق للأعضاء فيكمل الوضوء
فإن قيل لا حدث ليسرى لأنه كان قد حل بالخف ثم زال بالمسح فلا يعود إلا بسببه من الخارج النجس ونحوه قلنا جاز أن يعتبر الشرع ارتفاع الحدث بمسح الخف مقيدا بمدة منعه ثم علمنا وقوع مثله في التيمم حيث اعتبر في ارتفاعه باستعمال الصعيد تقيده بمدة اعتباره عاملا أعنى مدة عدم القدرة على الماء ويناسب أن ذلك لوصف البدلية وهو في المسح ثابت بل هو فيه من وجهين فإن المسح وإن كان بالماء لكنه بدل عن وظيفة الغسل والخف عن الرجل فوجب تقيد الارتفاع فيه بمدة اعتباره بدلا يفيد ما يفيده الأصل كما تقيد في التيمم بمدة كونه بدلا يفيد ما يفيده الأصل هذا مع أن المقام مقام الاحتياط
وفي فتاوى قاضيخان لو تمت المدة وهو في الصلاة ولا ماء يمضى على الأصح في صلاته
____________________
(1/153)
إذ لا فائدق في النزع لأنه للغسل ولا ماء خلافا لمن قال من المشايخ تفسد انتهى
لكن الذي يظهر صحة هذا القول لأن الشرع قدر منع الخف بمدة فيسرى الحدث بعدها إذ لا بقاء لها مع الحدث فكما يقطع عند وجود الماء ليغسل رجليه يقطع عند عدمه ليتيمم لا للرجلين فقط ليلزم رفو الأصل بالخلف بل للكل لأن الحدث لا يتجزأ فيصير محدثا بحدث القدمين وإن كان لو بحيث لو اقتصر على غسلهما أرتفع كمن غسل ابتداء الأعضاء إلا رجليه وفنى الماء فإنه يتيمم لا للرجلين فقط وإلا لكان جمع الخلف والأصل ثابتا في كثير من الصور بل للحدث القائم به فإنه على حاله ما لم يتم الكل وهذا لأن التيمم إن لم يصب الرجل حسا لكنه يصيبها حكم الطهارة عنده وهو المقصود فلا يصلح عدم الماء مانعا السراية بعد تمام المدة المعتبرة شرعا غاية لمنعه
وعلى هذا فما ذكر في جوامع الفقه والمحيط من أنه إنما ينزع إذا تمت إذا لم يخف ذهابهما من شدة البرد فإن خافه فله أن يمسح مطلقا فيه نظر فإن خوف البرد لا أثر له في منع السراية كما أن عدم الماء لا يمنعها فغاية الأمر أنه لا ينزع لكن لا يمسح بل يتيمم لخوف البرد والله سبحانه أعلم
وعن هذا نقل بعض المشايخ تأويل المسح المذكور بأنه مسح جبيرة لا كمسح الخف فعلى هذا يستوعب الخف على ما هو الأولى أو أكثره وهو غير مفهوم من اللفظ المؤول مع أنه إنما يتم إذا كان مسمى الجبيرة يصدق على ساتر ليس تحته محل وجع بل عضو صحيح غير أنه يخاف من كشفه حدوث المرض للبرد ويستلزم بطلان كلية مسئلة التيمم بخوف البرد على عضو واسوداده ويقتضى أيضا على ظاهر مذهب أبى حنيفة جواز تركه رأسا وهو خلاف ما يفيده إعطاؤهم حكم المسئلة هذا وينقض المسح أيضا غسل أكثر الرجل وفيه من البحث ما سمعت مما قدمناه قوله وكذا بأكثر القدم هو الصحيح هذا قول أبى يوسف وعنه في الإملاء بخروج نصفه
وعن محمد إن كان الباقى قدر محل الفرض أعنى ثلاثة أصابع اليد لا ينتقض وقال أبو حنيفة إن خرج أكثر العقب يعنى إذا أخرجه قاصدا إخراج الرجل بطل المسح حتى لو بدا له إعادتها
____________________
(1/154)
فأعادها لا يجوز المسح وكذا لو كان أعرج يمشى على صدور قدميه وقد ارتفع عقبه عن موضع عقب الخف إلى الساق لا يمسح وإلى ما دونه يمسح
أما لو كان الخف واسعا يرتفع العقب برفع الرجل إلى الساق ويعود بوضعها فلا يمنع
وقال بعضهم إن كان الباقى بحيث يمكنه المشي فيه فكذلك لا ينتقض وهذا في التحقيق هو مرمى نظر الكل فمن نقض بخروج العقب ليس إلا لأنه وقع عنده أنه مع حلول العقب بالساق لا يمكنه متابعة المشي فيه وقطع المسافة بخلاف ما إذا كانت تعود إلى محلها عند الوضع ومن قال بالأكثر فلظنه أن الامتناع منوط به وكذا من قال بكون الباقى قدر الفرض وهذه الأمور إنما تبنى على المشاهدة ويظهر أن ما قاله أبو حنيفة أولى لأن بقاء العقب في الساق يقلق عن مداومة المشي دوسا على الساق نفسه قوله مسح ثلاثة أيام ولياليها سواء سافر قبل انتقاض الطهارة أو بعده قبل كمال مدة المقيم وفي الثانى خلاف الشافعي
لنا العمل بإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام يمسح المسافر الحديث وهذا مسافر فيمسحها بخلاف ما بعده كمال مدة المقيم لأن الحدث قد سرى إلى القدم وإنما يمسح على خف رجل لا حدث فيها إجماعا وما استدل به من أنه هذه عبادة ابتدئت حالة الإقامة فيعتبر فيها حالة الابتداء كصلاة ابتدأها مقيما في سفينة فسافرت وصوم شرع فيه مقيما فسافر حيث يعتبر فيه حكم الإقامة فغنى عن تكلف الفرق لعدم ظهور وجه الجمع بالمشترك المؤثر في الحكم قوله ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه إذا لبسهما قبل أن يحدث فإن أحدث قبله وهو لابس الخف
____________________
(1/155)
لا يجوز لأن وظيفة المسح استقرت للخف لحلول الحدث به فلا يزال بمسح غيره وكذا لو لبس الموقين قبل الحدث ثم أحدث فأدخل يده فمسح خفيه لا يجوز لأنه مسح في غير محل الحدث ولو نزع أحد موقيه بعد المسح عليهما وجب مسح الخف البادى وإعادة المسح على الموق لانتقاض وظيفتهما كنزع أحد الخفين
وفي بعض روايات الأصل ينزع الآخر ويمسح على الخفين
وجه الظاهر أنه في الابتداء لو لبس على أحدهما كان له أن يمسح عليه وعلى الخف الآخر فكذا هذا بخلاف خف ذي طاقين فمسح على العليا ثم نزعها ليس عليه مسح السفلى للوحدة الحقيقية فهو كقشر جلدة خف مسح عليها أو حلق شعره فإنه لا يعيد قوله ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد عن بلال قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الموقين والخمار ولأبى داود كان يخرج فيقضى حاجته فآتيه بالماء فيمسح على عمامته وموقيه قال الجوهرى والمطرزى الموق خف قصير يلبس فوق الخف وهو فارسى معرب ثم ألحقه بخف ذي طاقين
وأجاب عن اعتباره بدل الخف المستلزم نصب الإبدال بالرأى ووجه الإلحاق بالخف والجواب ظاهر في الكتاب قوله ولا يجوز المسح
____________________
(1/156)
ولا يعارض بالحديث فإن حكاية حال لا تعم فيحمل على الموق الصالح بدلا عن الرجل لكونه كالخف في المقصود منه قوله وله أنه ليس في معنى الخف لا شك أن المسح على الخف على خلاف القياس فلا يصلح إلحاق غيره به إلا إذا كان بطريق الدلالة وهو أن يكون في معناه ومعناه الساتر لمحل الفرض الذي هو بصدد متابعة المشي فيه في السفر وغيره للقطع بأن تعليق المسح بالخف ليس لصورته الخاصة بل لمعناه للزوم الحرج في النزع المتكرر في أوقات الصلاة خصوصا مع آداب السير فإن جاز بالاتفاق المسح على المكعب الساتر للكعب وفي الاختيار وكذا إذا كانت مقدمته مشقوقة إذا كانت مشدودة أو مزرورة لأنها كالمخروزة فوقع عنده أن هذا المعنى لا يتحقق إلا في المنعل من الجورب فليكن محمل الحديث لأنها واقعة حال لا عموم لها هذا إن صح كما قال الترمذى
____________________
(1/157)
في حديث المغيرة أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح على الجوربين والمنعلين وإلا فقد نقل تضعيفه عن الإمام أحمد وابن مهدى ومسلم
قال النووى كل منهم لو أنفرد قدم على الترمذى مع أن الجرح مقدم على التعديل ووقع عندهما أنه يمكن تحقيق ذلك المعنى فيه بلا نعل مع أن فرض المسئلة أن يتحقق كذلك فتخصيص الجواز بوجود النعل حينئذ قصر للدليل أعنى الحديث والدلالة على مقتضاه بغير سبب فلذا رجع الإمام إلى قولهما وعليه الفتوى قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر عليا به أما فعله فرواية الدارقطنى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الجبائر وضعفه بأبى عمارة محمد بن أحمد بن مهدى قال ولا يصح هذا قال المنذرى وصح عن ابن عمر المسح على العصابة موقوفا عليه وساق بسنده أن ابن عمر توضأ وكفه معصوبة فمسح عليها وعلى العصابة وغسل سوى ذلك
وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ هو عن ابن عمر صحيح والموقوف في هذا كالمرفوع لأن الأبدال لا تنصب بالرأى وأما أمره عليا به فرواه ابن ماجه عن زيد بن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي بن أبى طالب عن علي بن أبى طالب قال انكسرت إحدى زندى فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنى أن أمسح على الجبائر في إسناده عمرو بن خالد الواسطى متروك
قال النووى هذا الحديث اتفقوا على ضعفه
قال في المغرب انكسرت إحدى زنديى على صوابه كسر إحد زنديه لأن الزند مذكر والزندان عظما الساعد
ثم قد اختلف في صفة المسح فقيل واجب عندهما مستحب عنده لأن العذر أسقط وظيفة المحل وقيل واجب عنده فرض عندهما لانتقال الوظيفة إلى الحائل
وله أن النص أوجبها في محل فلا تجوز في آخر إلا بنص تجوز الزيادة بمثله كخبر مسح الخف وليس ذاك في مسح الجبيرة فاعتبرناه
____________________
(1/158)
في وجوب العمل دون فساد الصلاة بتركه
وقيل الخلاف في المجروح أما المكسور فيجب فيه اتفاقا وكأنه بناء على أن خبر المسح عن علي في المكسور
وقيل لا خلاف بينهم فقولهما بعدم جواز تركه فيمن لا يضره المسح وقوله بجوازه فيمن يضره وظاهر قول المصنف ولأن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف فكان أولى بشرعية المسح أنه مما يثبت بالدلالة فيلزم كونه فرضا لأن المسح على الخف فرض إن لم ينزع وليس بلازم لجواز لسقوط رأسا بالعذر كما يجوز الانتقال به لولا الوارد في هذا من الآحاد الموجبة لانتقال الوظيفة إلى الحائل مسحا وغايته الوجوب فعدم الفساد بتركه أقعد بالأصول فلذا قال القدورى في التجريد الصحيح من مذهب أبى حنيفة أنه ليس بفرض وقوله في الخلاصة أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما لم يشتهر شهرة نقيضة عنه ولعل ذلك معنى ما قيل إن عنه روايتين
وقال المصنف في التجنيس الاعتماد على ما ذكره في شرح الطحاوى وشرح الزيادات أنه ليس بفرض عنده ثم المسح عليها إنما يجوز إذا لم يضره الغسل أو المسح على نفس القرحة والجراحة حتى لو لم يضره بالماء الحار وهو يقدر عليه وجب استعماله وإذا زادت الجبيرة على نفس الجراحة فإن ضره الحل والمسح مسح على الكل تبعا مع القرحة وإن لم يضره غسل ما حولها ومسحها نفسها وإن ضره المسح لا الحل يمسح على الخرقة التي على رأس الجرح ويغسل ما حولها تحت الخرقة الزائدة إذ الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها ولم أر لهم ما إذا ضره الحل لا المسح لظهور أنه حينئذ يمسح على الكل وهذا الكلام في العصابة إن ضره مسح عليها كلها ومن ضرر الحل أن يكون في مكان لا يقدر على ربطها بنفسه ولا يجد من يربطها ولا فرق بين الجرح والقرحة والكى والكسر ولو انكسر ظفره فجعل عليه دواء أو علكا أو أدخله جلده مرارة أو مرهما فإن كان يضره نزعه مسح عليه وإن ضره المسح تركه وإن كان بأعضائه شقوق أمر عليها الماء إن قدر وإلا مسح عليها إن قدر وإلا تركها وغسل ما حولها قوله كالغسل لما تحتها ما دام العذر قائما ولهذا لو مسح على عصابة فسقطت فأخذ أخرى لا تجب الإعادة عليه لكنه الأحسن نقله في الخلاصة ولهذا أيضا لو مسح على خرق رجله المجروحة وغسل الصحيحة ولبس الخف عليها ثم أحدث فإنه يتوضأ وينزع الخف لأن المجروحة مغسولة حكما ولا تجتمع الوظيفتان في الرجلين
قال في شرح الزيادات وعلى قياس ما روى عن أبى حنيفة أن ترك المسح على الجبائر وهو
____________________
(1/159)
لا يضره يجوز ينبغى أن يجوز لأنه لما سقط غسل المجروحة صارت كالذاهبة هذا إذا لبس الخف على الصحيحة لا غير فإن لبس على الجريحة أيضا بعد ما مسح على جبيرتها فإنه يمسح عليها لأن المسح عليها كغسل ما تحتها & باب الحيض
قيل هو دم ينفضه رحم امرأة سليمة من الداء والصغر فقيد الرحم يخرج دم الاستحاضة والجراح والسليمة من الداء يخرج النفاس لأن النفساء في حكم المريضة ولذا اعتبر تبرعاتها من الثلث وحينئذ لفظ الصغر مستدرك لأن الخارج في الصغر استحاضة وقد خرج بالرحم لأنه دم عرق لا رحم وأيضا يتكرر إخراج الاستحاضة لأن السليمة من الداء يخرجه كما يخرجه الأول وتعريفه بلا استدراك ولا تكرر دم من الرحم لا لولادة ثم هذا التعريف بناء على أن مسمى الحيض خبث أما إن كان مسماه الحدث الكائن عن الدم المحرم للتلاوة والمس كاسم الجنابة للحدث الخاص لا للماء الخاص فتعريفه ما نعيه شرعية بسبب الدم المذكور عما اشترط فيه الطهارة وعن الصوم والمسجد والقربان والمعرف لخروجه من الرحم بعد خروجه حسا من الفرج مع عدم الصغر والحبل تقدم نصاب الطهر وعدن نقصانه عن الأقل وأما زيادته على الأكثر بعد بقية الشروط فالزائد فيه استحاضة فالامتداد الخاص في غير هذه العوارض معرف له بالضرورة وعدم الصغر يعرف بتقدير أدنى مدة يحكم ببلوغها فيها إذا رأت الدم واختلف فيها فقيل ست وقيل سبع وقيل تسع وقيل اثنتا عشرة والمختار تسع وألوانه ما ذكر من الكتاب في التربية والخضرة نوع من الكدرة
وأما الصفرة فلا شك أنها من ألوانه في سن الحيض
وأما في سن
____________________
(1/160)
الإياس
ففي الفتاوى بنت سبع وخمسين ترى صفرة غير خالصة على الاستمرار فإن كان ما ترى مثل لون التبن فحيض فإن لم تكن تعرف من أيامها شيئا تغتسل لكل صلاة وإن كان دون التبن فليس بحيض إلا إذا رأته على الاستمرار وليس بصفرة خالصة فالظاهر أنه لفساد الرحم وحكمه حرمة الصوم والقربان وما شرط فيه الطهارة ويثبت هذا الحكم بالبروز
وعن محمد بالإحساس به وثمرته تظهر فيما لو توضأت ووضعت الكرسف ثم أحست بنزول الدم إليه قبل الغروب ثم رفعته بعده تقضى الصوم عنده خلافا لهما يعنى إذا لم يحاذ حرف الفرج الداخل فإن حاذته البلة من الكرسف كان حيضا ونفاسا اتفاقا وكذا الحديث بالبول والاحتشاء حالة الحيض يسن للثيب ويستحب للبكر وحالة الطهر يستحب للثيب فقط ولو وضعته ليلا فلما أصبحت رأت الطهر تقضى العشاء فلو كانت طاهرة فرأت البلة حين أصبحت تقضيها أيضا إن لم تكن صلتها قبل الوضع إنزالا لها طاهرة في الصورة الأولى من حيث وضعته وحائضا في الثانية حيث رفعته أخذا بالاحتياط فيهما
وأدنى مدة يحكم بإياسها إذا انقطع دمها خمس وخمسون سنة وإذا حكم به ثم رأت الدم انتقض ذلك
قال الصدر حسام الدين هذا إذا كان دما خالصا ثم إنما ينتقض به الإياس فيما يستقيل حتى لا تفسد الأنكحة المباشرة قبل المعاودة إن كان على لون الدم وإن لم يكن على لون الدم بل صفرة أو خضرة أو كدرة لا ينتقض الحكم بالإياس وإذا رأت المبتدأة دما في سن يحكم ببلوغها فيه تركت الصلاة والصوم عند أكثر مشايخ بخارا
وعن أبى حنيفة لا تترك حتى يستمر ثلاثة أيام ويستحب للحائض أن تتوضأ وقت الصلاة وتجلس في مسجد بيتها تسبح وتهلل كى لا تنسى العادة قوله لقوله صلى الله عليه وسلم روى الدارقطنى عن أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل الحيض للجارية البكر والثيب الثلاث وأكثر ما يكون عشرة أيام فإذا زاد فهى مستحاضة قال الدارقطنى عبد الملك مجهول والعلاء بن كثير ضعيف الحديث وأخرج عن عبد الله يعنى ابن مسعود الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشرة فإذا زاد فهى مستحاضة وقال لم يروه عن الأعمش بهذا الإسناد غير هرون بن زياد وهو ضعيف الحديث
روى ابن عدى في الكامل عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/161)
الحيض ثلاث أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة فإذا جاوزت العشرة فهى مستحاضة وأعله بالحسن بن دينار والحديث معروف بالجلد بن أيوب
وروى موقوفا عن أنس
وقال ابن عدى في الحسن لم أر له حديثا جاوز الحد في النكارة وهو إلى الضعف أقرب
وروى الدارقطنى عن عبد العزيز الدراوردى عن عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس قال هي حائض فيما بينها وبين عشرة فإذا زادت فهي مستحاضة
وروى أيضا حدثنا الحسين بن إسمعيل قال حدثنا خلاد بن أسلم حدثنا محمد بن فضيل عن أشعث عن الحسن عن عثمان بن أبى العاص قال لا تكون المرأة مستحاضة في يوم ولا يومين ولا ثلاثة حتى تبلغ عشرة فإذا بلغت عشرة أيام كانت مستحاضة
وقال أيضا حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال حدثنا يحيى بن أبى طالب قال أخبرنا عبد الوهاب قال حدثنا هشام بن حسان عن الحسن أن عثمان بن أبى العاص الثقفى قال الحائض إذا جاوزت عشرة أيام فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلى
وعثمان هذا صحابى
وقال أيضا حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثنا المخرمى قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا حماد بن سلمة وحدثنا مخلد قال حدثنا الحامى قال حدثنا وكيع قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن ثابت عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير قال الحيض ثلاث عشر وأسند مثله عن سفيان
وروى الدارقطنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حديث واثلة بن الأسقع عنه صلى الله عليه وسلم أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وضعفه بجهالة محمد بن منهال وضعف محمد ابن أحمد بن أنس
وروى ابن عدى في الكامل من حديث معاذ بن جبل عنه عليه الصلاة والسلام لا حيض دون ثلاثة أيام ولا حيض فوق عشرة أيام الحديث وضعفه بمحمد بن سعيد الشامى رموه بالوضع وأخرجه العقيلى عن معاذ عنه صلى الله عليه وسلم من غير طول وأعله بجهالة محمد بن الحسن الصدفى بالنقل
وروى ابن الجوزى في العلل المتناهية عن الخدرى عنه صلى الله عليه وسلم أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوما وضعفه بسليمان المكنى أبا داود النخعى
فهذه عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متعددة الطرق وذلك يرفع الضعيفإلى الحسن والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأى فالموقوف فيها حكمه الرفع بل تسكن النفس بكثرة ما روى فيه عن الصحابة والتابعين إلى أن المرفوع مما أجاد فيه ذلك الراوى الضعيف
وبالجملة فله أصل
____________________
(1/162)
في الشرع بخلاف قولهم أكثره خمسة عشر يوما لم نعلم فيه حديثا حسنا ولا ضعيفا وإنما تمسكوا فيه بما رووه عنه صلى الله عليه وسلم قال في صفة النساء تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلى وهو لو صح لم يكن فيه حجة لما نذكر لكن قال البيهقى إنه لم يجده وقال ابن الجوزى في التحقيق هذا حديث لا يعرف وأقره عليه صاحب التنقيح قوله لما روى أن عائشة روى مالك في الموطأ عن علقمة بن أبى علقمة عن أمه مولاة عائشة قالت كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيض
وأخرجه البخارى تعليقا
والقصة البيضاء بياض يمتد كالخيط
واستدلال المصنف بهذا أولى مما قيل إن من خاصية الطبيعة دفع الكدر أولا فإنه يقتضى أنها لو خرجت عقيب الصافى لا يكون حيضا وليس كذلك وإن كان يجاب بأنها إذا خرجت بعد الصافى يكون حيضا بناء على الحكم بأنها حدثت الآن لا أنها كانت متحصلة في الرحم من ابتداء رؤية الحيض وإلا لخرجت قبل هذا
ومقتضى هذا المروى أن مجرد الانقطاع دون رؤية القصة لا تجب معه أحكام الطاهرات وكلام الأصحاب فيما يأتي كله بلفظ الانقطاع حيث يقولون وإذا انقطع دمها فكذا وإذا انقطع فكذا مع أنه قد يكون انقطاع بجفاف من وقت إلى وقت ثم ترى القصة فإن كانت الغاية القصة لم تجب تلك الصلاة وإن كان الانقطاع عن سائر الألوان وجبت وأنا متردد فيما هو الحكم عندهم بالنظر إلى دليلهم وعبارتهم في إعطاء الأحكام والله أعلم
ورأيت في المروى عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن ريطة مولاة عمرة عن عمرة أنها كانت تقول للنساء
____________________
(1/163)
إذا ادخلت إحداكن الكرفسة فخرجت متغيرة فلا تصلى حتى لا ترى شيئا
وهذا يقتضى أن الغاية الانقطاع ثم المعتبر في البياض وقت الرؤية فلو رأته أبيض خالصا إلا أنه إذا يبس اصفر فحكمه حكم البياض أو أصفر ولو يبس ابيض فحكمه حكم الصفرة قوله فالصحيح الخ احتراز عن قول من قال أكلت فصيلا على وجه الإنكار لكونه حيضا قوله وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة يعنى الآيسة وكونها لا ترى غيرها ليس بقيد على مال ذكره الصدر الشهيد حسام الدين مما قدمناه عنه أول الباب من أن الشرط في نفى كون ما تراه حيضا أن لا ترى الدم الخالص قوله والحيض يسقط يفيد ظاهرا عدم تعلق أصل الوجوب بها وهذا لأن تعلقه يستتبع فائدتة وهي إما الأداء أو القضاء والأول منتف لقيام الحدث مع العجز عن رفعه والثاني كذلك فضلا منه تعالى دفعا للحرج اللازم بإلزام القضاء لتضاعف الصلاة خصوصا فيمن عادتها أكثر فانتفى الوجوب لانتفاء فائدته لا لعدم
____________________
(1/164)
أهليتها للخطاب ولذا تعلق بها خطاب الصوم لعدم الحرج إذ غاية ما تقضى في السنة خمسة عشر يوما قوله لقول عائشة لفظ الحديث عن معاذة قالت سألت عائشة فقالت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكنى أسأل قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه قوله لقوله صلى الله عليه وسلم عن أفلت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضى الله عنها قالت جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإنى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو داود وابن ماجه والبخارى في تاريخه الكبير بزيادة
قال البخارى ضعفوا هذا الحديث وقالوا افلت مجهول
قال المنذرى فيما حكاه نظر فإنه أفلت بن خليفة العامرى ويقال الذهلى كنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين روى عنه سفيان الثورى وعبد الواحد بن زياد وقال أحمد بن حنبل ما أرى به بأسا وقال أبو حاتم شيخ وحكى البخارى أنه سمع من جسرة وقال الدارقطنى صالح وقال العجلى في جسرة تابعية ثقة وقال البخارى عندها عجائب وقال الشيخ تقى الدين في الإمام رأيت في كتاب الوهم والإيهام لابن قطان المقروء عليه دجاجة بكسر الدال وعليه صح وكتب الناس في الحاشية بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج اه قوله وهو بإطلاقه حجة على الشافعي في إباحته الدخول على وجه العبور واستدل بقوله تعالى { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } بناء
____________________
(1/165)
على إرادة مكان الصلاة بلفظ الصلاة في قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } أو على استعماله في حقيقته ومجازه ولا موجب للعدول عن الظاهر إلا توهم لزوم جواز الصلاة جنبا حال كونه عابر سبيل لأنه مستثنى من المنع المغيا بالاغتسال وليس بلازم لوجوب الحكم بأن المراد جوازها حال كونه عابر سبيل أي مسافر بالتيمم لأن مؤدى التركيب لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا إلا حال عبور السبيل فلكم أن تقربوها بغير اغتسال وبالتيمم يصدق أنه بغير اغتسال
نعم يقتضى ظاهر الاستثناء إطلاق القربان حال العبور لكن يثبت اشتراط التيمم فيه بدليل آخر وليس هذا ببدع وعلى هذا فالآية دليلهما على منع التيمم للجنب المقيم في المصر ظاهرا
وجوابه أنه خص حالة عدم القدرة على الماء في المصر من منعها كما أنها مطلقة في المريض والإجماع على تخصيص حالة القدرة حتى لا يتيمم المريض القادر على استعمال الماء وهذا للعلم بأن شرعيته للحاجة إلى الطهارة عند العجز عن الماء فإذا تحقق في المصر جاز وإذا لم يتحقق في المريض لا يجوز
فإن قيل في الآية دليل حينئذ على أن التيمم لا يرفع الحدث وأنتم تأبونه
قلنا قد ذكرنا أن محصلها لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا إلا عابرى سبيل فاقربوها بلا اغتسال بالتيمم لا أن المعنى فاقربوها جنبا بلا اغتسال بالتيمم بل بلا اغتسال بالتيمم فالرفع وعدمه مسكوت عنه ثم استفيد كونه رافعا من خارج على ما قدمناه في باب التيمم قوله ولا تطوف بالبيت لأنه في المسجد فيحرم ولو فعلته الحائض كانت عاصية معاقبة وتتحلل به من إحرامها لطواف الزيارة وعليها بدنة كطواف الجنب هذا والأولى عدم الاقتصار على التعليل المذكور فإن حرمة الطواف جنبا ليس منظورا فيه إلى دخول المسجد بالذات بل لأن الطهارة واجبة في الطواف فلو لم يكن ثمة مسجد حرم عليها الطواف قوله ولا يأتيها زوجها ولو أتاها مستحلا كفر أو عالما بالحرمة أتى كبيرة ووجبت التوبة ويتصدق بدينار أو بنصفه استحبابا وقيل بدينار إن كان أول الحيض وبنصفه إن وطىء في آخره كأن قائله رأى أنه لا معنى للتخيير بين القليل والكثير في النوع الواحد وكذا هذا الحكم لو قالت حضت فكذبها لأن تكذيبه لا يعمل بل تثبت الحرمة بإخبارها وأما الاستمتاع بها بغير الجماع فمذهب أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعي ومالك يحرم عليه ما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الإزار ومذهب محمد بن الحسن وأحمد لا يحرم ما سوى الفرج لما أخرج الجماعة إلا البخارى أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى { ويسألونك عن المحيض } فقال النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل
____________________
(1/166)
شيء إلا النكاح
وفي رواية إلا الجماع وللجماعة ما عن عبد الله بن سعد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتى وهي حائض فقال لك ما فوق الإزار رواه أبو داود وسكت عليه فهو حجة ويحتمل أن يكون حسنا أو صحيحا فمنهم من حسنه لكن شارحه أبو زرعة العراقى صرح بأنه ينبغى أن يكون صحيحا وهو فرع معرفة رجال سنده فثبت كونه صحيحا وحينئذ يعارض ما رواه مسلم وغيره خصوصا وأنت تعلم أن مسلما يخرج عمن لم يسلم من غوائل الجرح وإذن فالترجيح له لأنه مانع وذاك مبيح وأما ترجيح السروجي قول محمد بأن أحاديثنا مفهوم لا يعارض منطوقهم فغلظ لأن كونها منطوقا في المدعى أو مفهوما بناء على اعتبار المدعى كيف هو فإن جعلت الدعوى قولنا جميع ما يحل للرجل من امرأته الحائض ما فوق الإزار كانت أحاديثنا منطوقا أعنى قوله صلى الله عليه وسلم لك ما فوق الإزار جوابا عن قول السائل ما يحل لي من امرأتى الحائض فإن معناه جميع ما يحل لك ما فوق الإزار لأن معنى السؤال جميع ما يحل لي ما هو فيطابق الجواب السؤال وإن جعلت الدعوى لا يحل ما تحت الإزار وقالوا يحل إلا محل الدم كانت مفهوما ولا شك أن كلا من الاعتبارين في الدعوى صحيح فعلم أن المفهومية غير لازمة في أحاديثنا ولا المنطوقية ثم لو سلم كان هذا المفهوم أقوى من المنطوق لأن زيادة قوة المنطوق على المفهوم ليس إلا لزيادة دلالته على المعنى للزومه له وهذا المفهوم وهو انتفاء حل ما تحت الإزار مطلقا لما كان ثابتا لوجوب مطابقة الجواب السؤال لدلالة خلافها على نقصان في الغريزة أو العجز أو الخيط كان ثبوته واجبا من اللفظ على وجه لا يقبل تخصيصا ولا تبديلا لهذا العارض والمنطوق من حيث هو منطوق يقبل ذلك فلم يصح الترجيح في خصوص المادة بالمنطوقية ولا المرجوحية بالمفهومية وقد كان فعله صلى الله عليه وسلم على ذلك فكان لا يباشر إحداهن وهي حائض حتى يأمرها أن تأتزر متفق عليه
وأما قوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإن كان نهيا عن الجماع عينا فلا يمتنع أن تثبت حرمة أخرى في محل آخر بالسنة وإياك أن تظن أن هذه من الزيادة على النص بخبر الواحد لأن ذلك تقييد مطلقة فيقع موقع المعارض في بعض متناولاته لا شرع ما لم يتعرض له ولو حمل على أعم من ذلك كان الجماع من أفراد المنهى عنه لتناوله حرمة الاستمتاع بها أعنى الجماع وغيره من الاستمتاعات ثم يظهر تخصيص بعضها بالحديث المفيد لحل ما سدي ما بين السرة والركبة فيبقى ما بينهما داخلا في عموم النهى عن قربانه وإن لم يحتج إلى هذا الاعتبار في ثبوت المطلوب لما بينا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن
____________________
(1/167)
رواه الترمذي وابن ماجه وفي إسناده إسمعيل بن عياش وتقدم الكلام فيه
وفي سنن الأربعة عن علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه أو قال لا يحجزه عن القراءة شيء ليس الجنابة وقال الشافعي أهل الحديث لا يثبتونه قال البيهقى لأن مداره على عبد الله بن سلمة بكسر اللام وكان قد كبر وأنكر عقله وحديثه وإنما روى هذا بعد كبره قاله شعبة لكن قد قال الترمذى حديث حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم وقال ولم يحتجا بعبد الله بن سلمة ومدار الحديث عليه وروى البيهقى عن عمر أنه كره القراءة للجنب وقال صحيح قوله فيكون حجة على الطحاوى في إباحته ما دون آية ذكر نجم الدين الزاهد أنه رواية ابن سماعة عن أبى حنيفة وأن عليه الأكثر
ووجهه أن ما دون الآية لا يعد بها قارئا قال تعالى { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } كما قال صلى الله عليه وسلم لا يقرأ الجنب القرآن فكما لا يعد قارئا بما دون الآية حتى لا تصح بها الصلاة كذا لا يعد بها قارئا فلا يحرم على الجنب والحائض وقالوا إذا حاضت المعلمة تعلم كلمة كلمة وتقطع بين الكلمتين وعلى قول الطحاوى نصف آية
وفي الخلاصة في عد حرمات الحيض وحرمة القرآن إلا إذا كانت آية قصيرة تجرى على اللسان عند الكلام كقوله { ثم نظر } { ولم يولد } أما قراءة ما دون الآية نحو { بسم الله } و { الحمد لله } إن كانت قاصدة قراءة القرآن يكره وإن كانت قاصدة شكر النعمة والثناء لا يكره ولا يكره التهجي وقراءة القنوت انتهى وغيره لم يقيد عند قصد الثناء والدعاء بما دون الآية فصرح بجواز قراءة الفاتحة على وجه الثناء والدعاء
وفي الفتاوى الظهيرية لا ينبغى للحائض والجنب قراءة التوراة والإنجيل والزبور لأن الكل كلام الله ويكره لهما قراءة دعاء الوتر لأن أبيا رضى الله عنه يجعله من القرآن سورتين من أوله إلى اللهم إياك نعبد سورة ومن هنا إلى آخره أخرى وظاهر المذهب لا يكره وعليه الفتوى
وأما قراءة الذكر فأفاد المصنف في باب الأذان في مسئلة الأذان على غير وضوء أن الوضوء فيه مستحب قوله لا يمس القرآن إلا طاهر هو في كتاب عمر بن حزم حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وسيأتى بكماله في كتاب الزكاة إن شاء الله قوله ثم الجنابة حلت اليد الخ يفيد جواز نظر الجنب للقرآن لأنها لم تحل العين ولذا لا يجب غسلها وأما مس ما فيه ذكر فأطلقه عامة المشايخ
____________________
(1/168)
وكرهه بعضهم قوله وغلافه ما يكون متجافيا عنه أي منفصلا وهو الخريطة خلافا لمن قال هو الجلد أو الكم لأن الجلد الملصق تابع له حتى يدخل في بيعه بغير شرط فلمسه حكم مسه والكم تابع للماس فالمس به كالمس بيده والمراد بقوله يكره مسه بالكم كراهة التحريم ولذا قال في الفتاوى لا يجوز للجنب والحائض أن يمسا المصحف بكمهما أو ببعض ثيابهما لأن الثياب بمنزلة يديهما ألا ترى لو قام في صلاته على نجاسة وفي رجليه نعلان لا تجوز صلاته ولو فرش نعليه أو جوربيه وقام عليهما جازت وخلافا لمن قال المكروه من الكتابة لا موضع البياض وأما الكتابة ففى فتاوى أهل سمرقند يكره كتابة كتاب فيه آية من القرآن لأنه يكتب بالقلم وهو بيده
وذكر أبو الليث لا يكتب وإن كانت الصحيفة على الأرض ولو كان ما دون الآية وذكر القدورى أنه لا بأس إذا كانت الصحيفة على الأرض فقيل هو قول أبى يوسف وهو أقيس لأنها إذا كانت على الأرض كان مسها بالقلم وهو واسطة منفصلة فكان كثوب منفصل إلا أن يكون يمسه بيده
وقال لي بعض الإخوان هل يجوز مس المصحف بمنديل هو لابسه على عنقه قلت لا أعلم فيه منقولا والذي يظهر أنه إذا كان بطرفه وهو يتحرك بحركته ينبغى أن لا يجوز وإن كان لا يتحرك بحركته ينبغى أن يجوز لاعتبارهم إياه في الأول تابعا له كبدنه دون الثاني قالوا فيمن صلى وعليه عمامة بطرفها نجاسة مانعة إن كان ألقاه وهو يتحرك لا يجوز وإلا يجوز اعتبارا له على ما ذكرنا
فروع تكره كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يفرش وتكره القراءة في المخرج والمغتسل والحمام
وعند محمد لا بأس في الحمام لأن الماء المستعمل طاهر عنده ولو كانت رقية في غلاف متجاف عنه لم يكره دخول الخلاء به والاحتراز عن مثله أفضل قوله حيث يرخص في مسها بالكم يقتضى أنه يرخص بلا كم قالوا يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن لأنها لا تخلو عن آيات القرآن وهذا التعليل يمنع من شروح النحو أيضا قوله ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان واللوح وإن كانوا محدثين لا يأثم
____________________
(1/169)
المكلف الدافع كما يأثم بإلباس الصغير الحرير وسقيه الخمر وتوجيهه إلى القبلة في قضاء حاجته للضرورة في هذا الدفع فإن في أمرهم التطهير حرجا بينا لطول مسهم بطول الدرس خلافا لمن كره تعليمهم بالدفع إليهم وعنه احترز بقوله هو الصحيح قوله وإذا انقطع دم الحيض حاصلة إما أن يقطع لتمام العشرة أو دونها لتمام العادة أو دونها
ففي الأول يحل وطؤها بمجرد الانقطاع وفي الثالث لا يقربها وإن اغتسلت ما لم تمض عادتها وفي الثانى إن اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة يعنى خروج وقت الصلاة حتى صارت دينا في ذمتها حل وإلا لا وعلى هذا التفصيل انقطاع النفاس إن كان لها عادة فيها فانقطع دونها لا يقربها حتى تمضى عادتها بالشرط أو لتمامها حل إذا خرج الوقت الذي طهرت فيه أو لتمام الأربعين حل مطلقا
وجه الأول أن في الآية قراءتين يطهرن يطهرن بالتخفيف والتشديد ومؤدى الأولى انتهاء الحرمة العارضة على الحل بالانقطاع مطلقا وإذا انتهت الحرمة العارضة على الحل حلت بالضرورة
ومؤدى الثانية عدم انتهائها عنده بل بعد الاغتسال فوجب الجمع ما أمكن فحملنا الأولى على الانقطاع لأكثر المدة والثانية عليه لتمام العادة التي ليست أكثر مدة الحيض وهو المناسب لأن في توقيف قربانها في الانقطاع للأكثر على الغسل إنزالها حائضا حكما وهو مناف لحكم الشرع عليها بوجوب الصلاة المستلزم إنزاله إياها طاهرة قطعا بخلاف تمام العادة فإن الشرع لم يقطع عليها بالطهر بل يجوز الحيض بعده ولذا لو زادت ولم يجاوز العشرة كان الكل حيضا بالاتفاق على ما نحققه
بقى أن مقتضى الثانية ثبوت الحرمة قبل الغسل فرفع الحرمة قبله بخروج الوقت معارضة للنص بالمعنى
والجواب أن القراءة الثانية خص منها صورة الانقطاع للعشرة بقراءة التخفيف فجاز أن تخص ثانيا بالمعنى وعلم مما ذكرنا أن المراد بأدنى وقت الصلاة أدناه الواقع آخرا أعنى أن تطهر في وقت منه إلى خروجه قدر الاغتسال والتحريم لا أعم من هذا ومن أن تطهر في أوله ويمضى منه هذا المقدار لأن هذا لا ينزلها طاهرة شرعا كما رأيت بعضهم يغلط فيه أي يرى أن تعليلهم بأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمتها وذلك بخروج الوقت ولذا لم يذكر غير واحد لفظه أدنى
وعبارة الكافى أو تصير الصلاة دينا في ذمتها بمضى أدنى وقت الصلاة بقدر الغسل والتحريمة بأن انقطعت في آخر الوقت
وجه الثالث ظاهر من الكتاب غير أنه خلاف إنهاء الحرمة بالغسل الثابت بقراءة التشديد فهو مخرج منه بالإجماع
وفي التجنيس مسافرة طهرت من الحيض فتيممت ثم وجدت ماء جاز للزوج أن يقربها لكن لا تقرأ القرآن لأنها لما تيممت خرجت من الحيض فلما وجدت الماء فإنما وجب عليها الغسل فصارت كالجنب هذا في حق القربان أما في حق الصلاة ففى الخلاصة إذا انقطع دم المرأة دون عادتها المعروفة في حيض أو نفاس اغتسلت حين تخاف فوت الصلاة وصلت واجتنب زوجها قربانها احتياطا حتى تأتى على عادتها لكن تصوم احتياطا ولو كانت هذه الحيضة هي الثالثة انقطعت الرجعة احتياطا ولا تتزوج بزوج آخر احتياطا فإن تزوجها رجل إن لم يعاودها الدم جاز وإن عاودها إن كان في العشرة ولم يزد على العشرة فسد نكاح الثاني وكذا صاحب الاستبراء يجتنبها احتياطا انتهى
ومفهوم التقييد بقوله ولم يزد على العشرة أنه إذا زاد لا يفسد ومراده إذا كان العود بعد
____________________
(1/170)
انقضاء العادة أما قبلها فيفسد وإن زاد لأن الزيادة توجب الرد على العادة
والفرض أنه عاودها فيها فيظهر أن النكاح قبل انقضاء الحيضة هذا
وقد قدمت ما عندي من التردد في الانقطاع بدون القصة ثم التأخير إلى آخر الوقت بعد الانقطاع لما دون العادة واجب فلو انقطع لتمامها تغتسل أيضا في آخر الوقت لكن هذا التأخير استحباب ويأتيها زوجها ولا تنتظر تمام العشرة
وفي الخلاصة وكذا إذا كان هذا أول ما رأت وانقطع الحيض على خمسة والنفاس على عشرين واغتسلت تثبت جميع هذه الأحكام واعلم أن مدة الاغتسال معتبرة في الحيض في الانقطاع لأقل من العشرة وإن كان تمام عادتها بخلاف الانقطاع للعشرة حتى لو طهرت في الأول والباقي قدر الغسل والتحريمة فعليها قضاء تلك الصلاة
وفي النوادر إن كان أيامها عشرة فطهرت وبقى قدر ما تتحرم لزمها الفرض ولا يشترط إمكان الاغتسال وأجمعوا أنها لو طهرت وقد بقى مالا يسع التحريمة لا يلزمها ومتى طرأ الحيض في أثناء الوقت سقطت تلك الصلاة ولو بعد ما افتتحت الفرض بخلاف ما لو طرأ وهي في التطوع حيث يلزمها قضاء تلك الصلاة هذا مذهب علمائنا
وعند زفر إذا طرأ والباقي قدر الصلاة لم يجب قضاؤها وإن كان الباقي أقل وجب بناء على السببية تنتقل عندنا إلى آخر جزء من الوقت وعنده تستقر على الجزء الذي منه إلى آخر الوقت مقدار الأداء فيعتبر عندنا حال المكلف عند آخر الوقت وعنده عند ذلك الجزء لأنه موضع توجه الخطاب بالأداء
____________________
(1/171)
فإذا وجد وهي طاهرة وجبت وبعد الوجوب لا تسقط بعروض الحيض فتقضيها وإذا وجد وهي حائض لم تجب وبناء على أن الوجوب بآخر الوقت لو بلغ صبى باحتلام ولم يستيقظ حتى طلع الفجر المختار أن عليه قضاء العشاء وإن كان صلاها قبل النوم وهي واقعة محمد سألها أبا حنيفة فأجابه بهذا وقيل ليس عليه والاتفاق أنه إذا استيقظ قبل الفجر أو معه تلزمه العشاء قوله وهذه إحدى الروايات عن أبى حنيفة هي رواية محمد عنه ومقتضاها أن لا يبدأ الحيض بالطهر ولا يختم به فلو رأت مبتدأة يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما فالعشرة حيض يحكم ببلوغها به ولو كانت معتادة فرأت قبل عادتها يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شيء منه حيضا
وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة أنه يعتبر أن يكون الدم في العشر ثلاثة أيام وهو قول زفر
وروى أبو يوسف عنه وبه أخذ أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر لا يفصل
وقيل هو آخر أقوال أبى حنيفة وعليه الفتوى
ومقتضاه جواز افتتاح الحيض واختتامه بالطهر ولا بد من احتواش الدم بالطرفين فلو رأت مبتدأة يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما كانت العشرة الأولى حيضا يحكم ببلوغها به ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض وإن كان عادتها العشرة فإن كانت أقل ردت إلى أيامها
وقال محمد الطهر المتخلل إن نقص عن ثلاثة أيام ولو بساعة لا يفصل فإن كان ثلاثة فصاعدا فإن كان مثل الدمين أو أقل فكذلك تغليبا للحرمات وإن كان أكثر فصل ثم ينظر إن كان في إحدى الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فهو حيض
____________________
(1/172)
والآخر استحاضة وإن لم يمكن فالكل استحاضة ولا يمكن كون كل من المحتوشين حيضا لكون الطهر حينئذ أقل من الدمين إلا إذا زاد على العشرة فحينئذ يمكن فيجعل الأول حيضا لسبقه لا الثاني ومن أصله أن لا يبدأ الحيض بالطهر ولا يختم به
وفي بعض النسخ أن الفتوى على قول محمد والأول أولى
واختلف المشايخ على قوله فيما إذا اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما حيضا لاستواء الدم بطرفيه حتى صار كالدم المتوالى فقيل يتعدى حكمه إلى الطرف الأخير حتى يصير الكل حيضا وقيل لا يتعدى
قال في المحيط هو الأصح
مثاله رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فعلى الأول الكل حيض لأن الطهر الأول دم لاستوائه بدميه فكأنها رأت ستة دما وأربعة طهرا وعلى الثانى الستة الأولى حيض فقط
فرع على هذه الأصول رأت يومين دما وخمسة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويوما دما فعند أبى يوسف العشرة الأول حيض إن كانت عادتها أو مبتدأة لأن الحيض يختم بالطهر وإن كانت معتادة فعادتها فقط لمجاوزة الدم العشرة وعلى قول محمد الأربعة الأخيرة فقط لأنه تعذر جعل العشرة حيضا لاختتامها بالطهر وتعذر جعل ما قبل الطهر الثانى حيضا لأن الغلبة فيه للطهر فطرحنا الدم الأول والطهر الأول يبقى بعده يوم دم ويومان طهر ويوم دم والطهر أقل من ثلاثة فجعلنا الأربعة حيضا
وعند زفر الثمانية حيض لاشتراطه كون الدم ثلاثة في العشرة ولا يختم عنده بالطهر وقد وجد أربعة دما وكذلك هو أيضا على رواية محمد عن أبى حنيفة لخروج الدم الثانى عن العشرة
____________________
(1/173)
فرع آخر عادتها عشرة فرأت ثلاثة وطهرت ستة عند أبى يوسف لا يجوز قربانها وعند محمد يجوز لأن المتوهم بعده من الحيض يوم والستة أغلب من الأربعة فيجعل الدم الأول فقط حيضا بخلاف قول أبى يوسف ولو كانت طهرت خمسة وعادتها تسعة اختلفوا على قول محمد قيل لا يباح قربانها لاحتمال الدم في يومين آخرين وقيل يباح وهو الأولى لأن اليوم الزائد موهوم لأنه خارج العادة وفي نظم ابن وهبان إفادة أن المجيز للقربان يكرهه قوله وأقل الطهر خمسة عشر يوما لقوله صلى الله عليه وسلم أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة أيام وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوما ذكره في الغاية وعزاه قاضى القضاء أبو العباس إلى الإمام وتقدم من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه في العلل المتناهية قيل وأجمعت الصحابة عليه ولأنه مدة اللزوم فكان كمدة الإقامة قوله لأنه قد يمتد سنة وسنتين وقد لا تحيض أصلا فلا يمكن تقديره إلا إذا استمر بها الدم واحتيج إلى نصب العادة
____________________
(1/174)
إما بأن بلغت مستحاضة وإما بأن بلغت برؤية عشرة مثلا دما وستة طهرا ثم استمر بها الدم أو كانت صاحبة عادة فاستمر بها الدم ونسيت عدد أيامها وأولها وآخرها ودورها أما الأولى فيقدر حيضها بعشرة من كل شهر وباقيه طهر فشهر عشرون وشهر تسعة عشر وهي التي ستأتى وأما الثانية فقال أبو عصمة والقاضي أبو حازم حيضها ما رأت وطهرها ما رأت فتنقضي عدتها بثلاث سنين وثلاثين يوما وهذا على بناء اعتباره للطلاق أول الطهر
والحق إنه إن كان من أول الاستمرار إلى إيقاع الطلاق مضبوطا فليس هذا التقدير بلازم لجواز كون حسابه يوجب كونه أول الحيض فيكون أكثر من المذكور بعشرة ايام أو آخر الطهر فيه يقدر بسنتين وأحد وثلاثين أو اثنين أو ثلاثة وثلاثين ونحو ذلك وإن لم يكن مضبوطا فينبغى بأن تزاد العشرة إنزالا له مطلقا أول الحيض احتياطا
وأما الثالثة فيجب أن تتحرى وتمضى على أكبر رأيها فإن لم يكن لها رأى وهي المحيرة لا يحكم لها بشيء من الحيض والطهر على التعيين بل تأخذ بالأحوط في حق الإحكام فتجتنب ما يجتنبه الحائض من القراءة والمس ودخول المسجد وقربان الزوج وتغتسل لكل صلاة فتصلى به الفرض والوتر وتقرأ ما تجوز به الصلاة فقط وقيل الفاتحة والسورة لأنهما واجبتان وإن حجت تطوف طواف الزيارة لأنه ركن ثم تعيده بعد عشرة أيام وتطوف للصدر لأنه واجب وتصوم شهر رمضان ثم تقضى خمسة وعشرين يوما
____________________
(1/175)
لاحتمال كونها حاضت من أول عشرة ومن آخره خمسة أو بالعكس ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشرة فتسلم خمسة عشر بيقين
وهل يقدر لها طهر في حق العادة اختلفوا فيه فمنهم من لم يقدر لها طهرا ولا تنقضى عدتها أبدا منهم أبو عصمة والقاضي أبو حازم لأن التقدير لا يجوز إلا توقيفا ومنهم من قدره فالميدانى بستة أشهر إلا ساعة لأن الطهر بين الدمين أقل من أدنى مدة الحبل عادة فنقصنا عنه ساعة فتنقضى عدتها بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات لاحتمال أنه طلقها أول الطهر
قيل وينبغى أن تزاد عشرة لمثل ما قلنا
وعن محمد بن الحسن شهران وهو اختيار أبى سهل وقال محمد بن مقاتل سبعة وخمسون يوما لأنه إذا زاد عليه لم يبق ما يمكن كونه حيضا وقال الزعفرانى سبعة وعشرون يوما لأن الشهر في الغالب مشتمل على الحيض والطهر وذكر برهان الدين عمر بن علي بن أبى بكر أن الفتوى على قول الحاكم الشهيد وهو المروى عن محمد وهو التقدير بشهرين قوله توضئى وصلى الخ روى ابن ماجه بسنده إلى عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنى امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة ثم صلى وإن قطر الدم على الحصير وأخرجه أبو داود وفي سنديهما حبيب بن أبى ثابت عن عروة عن عائشة وفسره ابن ماجه بأنه عروة بن الزبير
وقال أبو داود ضعف يحيى هذا الحديث وقال ابن المدينى حبيب بن أبى ثابت لم ير عروة بن الزبير وذكر أبو القاسم بن عساكر هذا الحديث في ترجمة عروة المزنى عن عائشة ولم يذكره في ترجمة عروة بن الزبير عنها وهو في البخاري من حديث أبى معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه وليس فيه زيادة وإن قطر الدم على الحصير قوله ولو زاد الدم على عشرة أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها فيكون الزائد على العادة استحاضة وإن كان داخل العشرة وهل تترك بمجرد رؤيتها الزيادة اختلف فيه قيل لا إذا لم يتيقن بكونه حيضا لاحتمال الزيادة على العشرة وقيل نعم
____________________
(1/176)
استصحابا للحال ولأن الأصل الصحة وكونه استحاضة بكونه عن داء وهو الأصح وإن لم يتجاوز الزائد العشرة فالكل حيض بالاتفاق وإنما الاختلاف في أنه يصير عادة لها أولا إلا إن رأت في الثانى كذلك وهذا بناء على نقل العادة بمرة أولا فعندهما لا وعند أبى يوسف نعم
وفي الخلاصة والكافى أن الفتوى على قول أبى يوسف والخلاف في العادة الأصلية وهي أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين على الولاء أو أكثر لا الجعلية وإنما تظهر ثمرة الخلاف فيما لو استمر بها الدم في الشهر الثانى فعند أبى يوسف يقدر حيضها من كل شهر ما رأته آخرا وعندهما على ما كان قبله وصورة العادة الجعلية أن ترى أطهارا مختلفة ودماء مختلفة بأن رأت في الابتداء خمسة دما وسبعة عشر طهرا ثم أربعة وستة عشر ثم ثلاثة وخمسة عشر ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم تبنى على أوسط الأعداد وعلى قول أبى عثمان سعيد بن مزاحم تبنى على أقل المرتين الأخيرتين فعلى الأول تدع من أول الاستمرار أربعة وتصلى ستة عشر وذلك دأبها وعلى الثانى تدع ثلاثة وتصلى خمسة عشر فهذه عادة جعلية لها في زمان الاستمرار ولذلك سميت جعلية لأنها جعلت عادة للضرورة هكذا في المصفى وفي غيره معزوا إلى المبسوط إن كان حيضها مختلفا مرة تحيض خمسة ومرة سبعة فاستحيضت فإنها تدع الصلاة خمسة أيام ثم تغتسل لتوهم خروجها من الحيض وتصلى يومين بالوضوء لوقت كل صلاة لأنها مستحاضة ولا يقربها زوجها في هذين اليومين ولو كان آخر عدتها ليس للزوج مراجعتها فيهما وليس لها بأن تتزوج بآخر فيهما ثم تغتسل بعدهما لتوهم خروجها الآن فتأخذ بالاحتياط في كل جانب وهذا التفصيل خلاف ما في المصفى وهو الأليق بما قدمنا من الخلاصة وحاصله أنها تأخذ بالأقل في حق الصلاة والصوم وانقطاع الرجعة وبالأكثر في التزوج و تعيد الاغتسال
ثم اختلفوا في العادة الجعلية إذا طرأت على العادة الأصلية هل تنتقض الأصلية قال أئمة بلخ لا لأنها دونها وقال أئمة بخارا
نعم لأنه لا بد أن تتكرر في الجعلية خلاف ما كان في الأصلية كما رأيتك في صورتها و الجعلية تنتقض برؤية المخالف مرة بالاتفاق هذا في الانتقال من حيث العدد وأما الانتقال من حيث المكان وهو في المتقدم والمتأخر فالأول خمسة أوجه رأت المعتادة قبل أيامها ما يكون حيضا وفي أيامها مالا يكون حيضا أو رأت قبلها مالا يكون وكذا فيها وإذا جمعا كانا حيضا أو رأت قبلها ما يكون ولم تر فيها شيئا لا يكون شيء من ذلك حيضا عند أبى حنيفة والأمر موقوف إلى الشهر الثانى فإن رأت فيه كذلك يكون الكل حيضا غير أن عند أبى يوسف بطريق العادة وعند ومحمد بطريق البدل ولو رأت قبل أيامها مالا يكون حيضا وفيها ما يكون فالكل حيض بالاتفاق وما قبل أيامها تبع لأيامها الاستباع الكثير القليل وقيد في الخلاصة كون الكل حيضا بأن لا يجاوز المجموع العشرة وهو حسن وإلا ترد إلى عادتها ولو رأت ما قبلها ما يكون وفيها كذلك فعن أبى حنيفة روايتان وكذا الحكم في المتأخر غير أنها إذا رأت بعد أيامها مالا يكون حيضا وفي أيامها ما يكون حيضا يكون حيضا رواية واحدة كذا في الظهيرية
وقول أبى يوسف في الكل يكون حيضا عادة وعليه الفتوى ولا يظهر وجه للتقييد بكون المرئى بعد أيامها لا يكون حيضا لأنه لا شك في أنه إذا زاد الدم على العادة ولم يجاوز العشرة يكون الكل حيضا بحكم ما تقدم ومقتضاه أن لو كان عادتها ثلاث فرأت سبعة يكون الكل حيضا وكان الأولى التقييد
____________________
(1/177)
بأن لا يحصل من المرئي بعدها معها أكثر من عشرة وكذا لو رأت عادتها وقبلها وبعدها ما يزيد الكل على عشرة فعادتها فقط حيض ومن الرد إلى العادة امرأة قالت عادتى في الحيض عشرة وفي الطهر عشرون والآن أرى الطهر خمسة عشر ثم أرى الدم تؤمر بالصلاة والصوم إلى تمام العشرين ثم تترك في العشرة وما ذكر في الخلاصة في آخر الفصل الثالث إذا رأت قبل أيامها والباقى في أيام طهرها ما لو ضم إلى أيام حيضها لا يجاوز العشرة تؤمر بترك الصلاة يصح مطلقا على قول أبى يوسف ومحمد القائل بالإبدال وعلى قول أبى حنيفة إنما يلزم إذا كان ما قبل أيامها لا يكون حيضا فإن كان فعلى إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما آنفا قوله المستحاضة تدع الصلاة الخ رواه الدارقطنى والطحاوى في حديث عائشة المذكور آنفا قال دعي أيام أقرائك ثم اغتسلي وصلى وإن قطر الدم على الحصير قوله ولأن الزائد على العادة يجانس الزائد على العشرة من جهة أنه زيادة على المقدر إذ المقدر العادى كالمقدر الشرعي فالزائد عليه كالزائد عليه ومن جهة أنه مخالف للمعهود قوله فحيضها عشرة أيام من كل شهر تقدمت هذه وعن أبى يوسف فيها أن حيضها ثلاثة أيام في حق الصلاة والصوم وعشرة في حق الوطء أخذا بالاحتياط كذا في الظهيرية وفيها الخنثى إذا خرج له دم ومنى فالعبرة للمنى
____________________
(1/178)
فصل
قوله لقوله صلى الله عليه وسلم توضئى لكل صلاة هو المروى في حديث فاطمة بنت أبى حبيش وأما حديث المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة فذكر سبط بن الجوزى أن الإمام أبا حنيفة رضى الله عنه رواه اه
وفي شرح مختصر الطحاوى روى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبى حبيش وتوضئى لوقت كل صلاة
ولا شك أن هذا
____________________
(1/179)
محكم بالنسبة إلى كل صلاة لأنه لا يحتمل غيره بخلاف الأول فإن لفظ الصلاة شاع استعمالها في لسان الشرع والعرف في وقتها فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم إن للصلاة أولا وآخرا الحديث أي وقتها وقوله صلى الله عليه وسلم أيما رجل أدركته الصلاة فليصل ومن الثانى آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها وهو مما لا يحصى كثرة فوجب حمله على المحكم
وقد رجح أيضا بأنه متروك الظاهر بالإجماع للإجماع على أنه لم يرد حقيقة كل صلاة لجواز النفل مع الفرض بوضوء واحد قوله وإذا خرج الوقت بطل وضوءهم هذا إذا توضؤا على السيلان أو
____________________
(1/180)
وجد السيلان بعد الوضوء أما إن كان على الانقطاع ودام إلى خروج الوقت فلا يبطل بالخروج ما لم يحدث حدثا آخر أو يسيل دمها قوله أي عنده بالحدث السابق فقولنا خروج الوقت ناقض أو الدخول مجاز عقل في الإسناد وأورد لو استند النقض إلى السابق لوجب إذا شرعت في التطوع ثم خرج الوقت عدم لزوم قضائها لأنها حينئذ تعلم أنها شرعت بغير طهارة
أجيب بأنه ليس طهورا من كل وجه بل من وجه واقتصار من وجه فأظهرنا الاقتصار في القضاء والظهور في حق المسح كذا في الذخيرة يعنى المسح على الخفين وإنما لم يعكس للاحتياط والذي يظهر أنه اقتصار من كل وجه وكونه بالحدث السابق لا يستلزم الاستناد ليظهر عدم صحة الصلاة إذ المراد أن ذلك الحدث محكوم بارتفاعه إلى غاية معلومة فيظهر عندها مقتصرا لا أن يظهر قيامه شرعا من ذلك الوقت ومن حقق أن هذه اعتبارات شرعية لا يشكل عليه مثله قوله وبدخوله فقط عند زفر وبأيهما كان عند أبى يوسف رأى فخر الإسلام أن زفر لم ير ذلك ولا أبا يوسف فالكل متفقون على انتقاضه عند الخروج
____________________
(1/181)
وإنما لم ينتقض عند زفر بطلوع الشمس لأن قيام الوقت جعل عذرا وقد بقيت شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تحقيقا وإنما تحتاج للطهارة للظهر عند أبى يوسف فيما إذا توضأت قبل الزوال ودخل وقت الظهر لأن طهارتها ضرورية ولا ضرورة في تقديمها على الوقت لا لأن طهارتها انتقضت عند الدخول وهذا يفيد أن طهارتها لم تصح حتى لا تجوز الصلاة بها قبل دخول الوقت لا أنها صحت وانتقضت
وقوله في الهداية لزفر أن اعتبار الطهارة مع المنافى للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت ولأبى يوسف أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده صريح في موافقة كلام فخر الإسلام وفي أن الطهارة تقبله لم تصح لا أنها انتقضت بعد الصحة وحينئذ فالخلاف فيمن توضأ قبل الزوال أو قبل الشمس ابتدائى في نفس صحة الوضوء وعدمه بالنسبة إلى الوقت لا مبنى على مناط النقض فليس وضع الخلاف صحيحا فما ذكر في النهاية من أنها طهارة معتبرة في حق النفل وقضاء الفوائت وعدم اعتبارها باعتبار أن الحاجة المتعلقة بأداء الوقتية منعدمة في حق تلك الطهارة لا أنها
____________________
(1/182)
غير معتبرة أصلا حسن قوله فعندهما ليس له أن يصلى العصر بهذه الطهارة فإنما خصهما مع أن الكل على هذا لأن الشبهة تأتى على قولهما إذ له أن يقدم الطهارة على الوقت ولا ينتقض بالدخول ومع هذا لا يصلى العصر بهذه لأنه دخول مشتمل على خروج ولا يخفى أن عدم جواز العصر بهذه الطهارة فيما إذا كانت على السيلان
____________________
(1/183)
أو وجد بعدها وإلا فله ذلك قوله والمستحاضة هي التي لا يمضى عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه لما أعطى حكم المستحاضة أفاد تصويرها وكان الأولى تقديمه على الحكم لتقدم التصور على الحكم المتصور لكنه بادر إلى الحكم لأنه المقصود والأهم مع عدم الفوات إذ قد أفاد التصوير لكنه أخره فإنما فيه وجه التقديم وقد انتظمه كلامنا
قيل الصحيح أن يقال هي التي لا يخلو وقت الوضوء أو بعده في الوقت عن الحدث الذي ابتليت بدوامه لأنه يرد على الأول إذا رأت الدم أول الوقت ثم انقطع فتوضأت ودام الانقطاع حتى خرج الوقت لا تنتقض طهارتها فلو كان ذلك تفسير المستحاضة لا تنتقض لأن المستحاضة حكمها ذلك
وحاصل هذا الكلام للمتأمل إناطة ثبوت وصف الاستحاضة واسم المستحاضة بوجود الوضوء وليس بشيء فإنها لو لم تتوضأ ولم تصل لمرض يعجزها عن الإيماء أو فسقا وهي بالوصف المذكور بعد دوامه وقتا كاملا كانت مستحاضة قطعا غاية الأمر أن المستحاضة إنما ينتقض وضوءها بالخروج إذا كان السيلان معه أو بعده في الوقت وترك التقييد به في إعطائها لهذا الحكم لظهوره وعليه قلنا لو توضأت وصلت بعض الصلاة فخرج الوقت ثم سال تتوضأ وتبنى لأن الانتقاض بالحدث لا بالخروج ليكون بظهور الحدث السابق فتستقبل ثم تحقق كونها مبتلاة به وكذا سائر المعذورين ابتداء باستيعابه وقت صلاة كامل
وفي الكافى إنما يصير صاحب عذر إذا لم يجد في وقت الصلاة زمنا يتوضأ ويصلى فيه خاليا عن الحدث
والأولى عبارة عامة الكتب وهذا يصلح تفسيرا لها إذ قلما يستمر كمال وقت بحيث لا ينقطع لحظة فيؤدى إلى نفى تحققه إلا في الإمكان بخلاف جانب الصحة منه فإنه بدوام انقطاعه وقتا كاملا وهو مما يتحقق وبناء على اشتراط الاستيعاب في الابتداء قالوا لو سال جرحه انتظرا آخر
____________________
(1/184)
الوقت فإن لم ينقطع توضأ وصلى قبل خروجه فإن فعل فدخل وقت أخرى فانقطع فيه أعاد الأولى لعدم الاستيعاب وإن لم ينقطع في وقت الثانية حتى خرج لا يعيدها لوجود الاستيعاب كما لو قالوا في جانب الانقطاع لو توضأ على السيلان وصلى على الانقطاع أو انقطع في أثناء الصلاة إن عاد في الوقت الثانى فلا إعادة لعدم الانقطاع وقتا تاما وإن لم يعد فعليه الإعادة للانقطاع التام فتبين أنها صلت صلاة المعذورين ولا عذر هذا
ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان لو جلس لا يسيل ولو قام سال وجب رده فإنه يخرج برده عن أن يكون صاحب عذر بخلاف الحائض إذا منعت الدرور فإنها حائض ويجب أن يصلى جالسا بإيماء إن سال بالميلان لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث فإن الصلاة بإيماء لها وجود حالة الاختيار في الجملة وهو في التنفل على الدابة ولا يجوز مع الحدث بحال حالة الاختيار وعن هذا قلنا لو كان بحيث لو صلى قائما أو قاعدا سال جرحه وإن استلقى لا يسيل وجب القيام والركوع والسجود لأن الصلاة كما لا تجوز مع الحدث إلا ضرورة لا تجوز مستلقيا إلا لها فاستويا وترجح الأداء مع الحدث لما فيه من إحراز الأركان وهل يجب غسل الثوب من النجاسة التي ابتلى بها قيل لا لأن الوضوء عرفناه بالنص والنجاسة ليست في معناه لأن قليلها معفو عنه فألحق بالقليل للضرورة
وقيل إذا أصابه خارج الصلاة يغسله لأنه قادر على أن يشرع بثوب طاهر وفي الصلاة لا يمكن التحرز عنه فسقط اعتباره فيها وفي المجتبى قال القاضي لو غسلت ثوبها وهو بحال يبقى طاهرا إلى أن تفرغ لا إلى أن يخرج الوقت فعندنا تصلى بدون غسل وعند الشافعي لا لأن الطهارة عندنا مقدرة بخروج الوقت وعنده بالفراغ
وفي النوازل وإذا كان به جرح سائل وشد عليه خرقة فأصابه الدم أكثر من قدر الدرهم أو أصاب ثوبه فصلى ولم يغسله إن كان لو غسله تنجس ثانيا قبل الفراغ من الصلاة جاز أن لا يغسله وإلا فلا هو المختار ولو كانت به دماميل وجدرى فتوضأ وبعضها سائل ثم سال الذي لم يكن سائلا انتقض لأن هذا حدث جديد فصار كالمنخرين ومسئلة المنخرين مذكورة في الأصل وهي ما إذا سال أحد منخريه فتوضأ مع سيلانه وصلى ثم سال المنخر الآخر في الوقت انتقض وضوءه لأن هذا حدث جديد
فرع في عينه رمد يسيل دمعها يؤمر بالوضوء لكل وقت لاحتمال كونه صديدا
وأقول هذا التعليل
____________________
(1/185)
يقتضى لأنه أمر استحباب فإن الشك والاحتمال في كونه ناقضا لا يوجب الحكم بالنقض إذ اليقين لا يزول بالشك والله أعلم
نعم إذا علم من طريق غلبة الظن بإخبار الأطباء أو علامات تغلب ظن المبتلى يجب فصل في النفاس
قوله هو الدم يفيد أنها لو ولدت ولم تر دما لا تكون نفساء ثم يجب الغسل عند أبى حنيفة احتياطا لأن الولادة لا تخلو ظاهرا عن قليل دم وعند أبى يوسف لا يجب لأنه تعلق بالنفاس ولم يوجد ثم ينبغى أن يزاد في التعريف فيقال عقيب الولادة من الفرج فإنها لو ولدت من قبل سرتها بأن كان ببطنها جرح فانشقت وخرج الولد منها تكون صاحبة جرح سائل لا نفساء وتنقضى به العدة وتصير الأمة أم ولد به ولو علق طلاقها بولادتها وقع كذا في الظهيرية قول أو بمعنى الدم قال الشاعر
____________________
(1/186)
** تسيل على حد السيوف نفوسنا ** وليس على غير السيوف تسيل **
قوله ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم كذا العادة أي العادة المستمرة عدم خروج الدم وهو للانسداد ثم يخرج بخروج الولد للانفتاح به وخروج الدم من الحامل أندر نادر فقد لا يراه الإنسان في عمره فيجب أن يحكم في كل حامل بانسداد رحمها اعتبارا للمعهود من أبناء نوعها وذلك يستلزم إذا رأت الدم الحكم بكونه غير خارج من الرحم وهو مستلزم للحكم بكونه غير حيض وهو المطلوب لذا حكم الشارع بكون وجود الدم دليلا على فراغ الرحم في قوله صلى الله عليه وسلم ألا لا تنكح الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة مع أن كون المرئى حيضا غير معلوم لجواز كونه استحاضة وهي حامل ومع ذلك أهدر هذا التجويز نظرا إلى الغالب في أنه لا يظهر عن فرج الحامل دم وإن جاز أن يكون استحاضة لندرة الاستحاضة قوله بخروج بعض الولد أي أكثره قوله والسقط الذي استبان بعض خلقه كأصبع أو ظفر ولد فلو لم يستبن منه شيء لم يكن ولدا
____________________
(1/187)
فإن أمكن جعله حيضا بأن امتد جعل إياه وإلا فاستحاضة
وفي الفتاوى طهرت شهرين فظنت أن بها حبلا ثم أسقطت بعد شهرين سقطا لم يستبن خلقه وقد رأت قبل الإسقاط عشرة دما يكون حيضا لأنه بعد طهر صحيح وهي لما أسقطت سقطا لم يستبن شيء من خلقه لم تعط حكم الولادة في شيء من الأحكام فحكم بأن هذا كان دما انعقد ثم تحلل فخرج فلم يكن دم حامل فكان حيضا قوله فأغنى عن امتداد جعل علما عليه في الحيض مرجع ضمير عليه خروجه من الرحم والامتداد الذي جعل علما عل خروج الدم من الرحم في الحيض ثلاثة أيام ولياليها بعد وجود شرطه من تقدم نصاب الطهر وغيره أي أغنى عن التعرف به خروج الولد فإن الذي يعقبه من الدم ظاهر كونه من الرحم
وفي بعض من النسخ عن امتداد ما جعل علما عليه والأولى فيه تنوين امتداد فتكون ما هي المنبهة على وصف لائق بالمحل كقولهم لأمر ما جدع قصير أنفه والمراد هنا العموم في الامتدادات المعرفة لكون الدم حيضا وهي ثلاثة أيام إلى عشرة أي أمتداد ما من هذه الامتدادات التي هي ثلاثة وأربعة إلى عشرة أما إن قرىء بإضافة امتداد إلى ما فالمعنى على امتداد دم جعل بوصف الامتداد علامة فإنه نفسه ليس علامة بل امتداده أو هو بوصف الامتداد ولا يخفى ما فيه من التكلف قوله لحديث أم سلمة روى أبو داود والترمذى وغيرهما عن أم سلمة قالت كانت النفساء تقعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما
وأثنى البخارى على هذا الحديث وقال النووى حديث حسن
وأما قول جماعة من مصنفى الفقهاء إنه ضعيف فمردود عليهم كأنه يشير إلى إعلال ابن حبان إياه بكثير بن زياد أبى سهل الخراسانى
قال عنه كان يروى الأشياء المقلوبات فيجتنب ما انفرد به وقد صححه الحاكم
وقيل معنى الحديث كانت تؤمر أن تجلس إلى الأربعين ليصح إذ لا يتفق عادة جميع أهل عصر في حيض أو نفاس
وروى الدارقطنى وابن ماجه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك
وضعفه بسلام بن سليم الطويل
وروى هذا من
____________________
(1/188)
عدة طرق لم تخل عن الطعن لكنه يرتفع بكثرتها إلى الحسن
قوله والطهر إذا تخلل في مدة النفاس فهو كالدم المتوالى عند أبى حنيفة وقالا إذا بلغ خمسة عشر يوما فصل فيحكم بكون المرئى بعده حيضا إن صلح وإلا فهو استحاضة
فرع أسقطت في المخرج ما يشك في أنه مستبين الخلق أولا واستمر بها الدم إن اسقطت أول أيامها تركت الصلاة قدر عادتها بيقين لأنها إما حائض أو نفساء ثم تغتسل وتصلى عادتها في الطهر بالشك لاحتمال كونها نفساء أو طاهرة ثم تترك الصلاة قدر عادتها بيقين لأنها إما نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلى عادتها في الطهر بيقين إن كانت استوفت أربعين من وقت الإسقاط وإلا فبالشك في القدر الداخل فيها وبيقين في الباقى ثم تستمر على ذلك وإن أسقطت بعد أيامها فإنها تصلى من ذلك الوقت قدر عادتها في الطهر بالشك ثم تترك قدر عادتها في الحيض بيقين
وحاصل هذا كله أنه لا حكم للشك ويجب الاحتياط
وفي كثير من نسخ الخلاصة غلط في التصوير هنا من النساخ فاحترس منه قوله فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الأول ما لم يكن بين الولدين ستة أشهر لأنهما حينئذ توأمان ودم النفاس هو الفاضل عن غذاء الولد من دم الحيض الممنوع خروجه بانسداد فم الرحم بالحبل وبالولد الأول فظهر انفتاحه فزظهر أن الخارج هو ذاك الذي كان ممنوعا وقد حكم الشرع بأن ما كان منه ينتهى بأربعين حتى لو زاد استمر الدم عليها في الولد الواحد حكم
____________________
(1/189)
بأنه من غير ذلك فيلزم أن الخارج بعد الثانى بعد الأربعين غير ذلك وأنه استحاضة فظهر أن ما علل به محمد من أنها حامل وصف لا أثر له إذ المؤثر في نفى النفاس ثبوت الانسداد لا ثبوت الحمل بل عدمه في حالة الحمل ليس إلا للانسداد وقد زال فهو المدار أما الحمل فعلته قيام العدة & باب الأنجاس وتطهيرها
قوله تطهير النجاسة أي نفس محلها أما هي فلا تطهر واجب مقيد بالإمكان وبما إذا لم يستلزم ارتكاب ما هو أشد حتى لو لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس يصلى معها لأن كشف العورة أشد فلو أبداها للإزالة فسق إذ من أبتلى بين أمرين محظورين عليه أن يرتكب أهونهما أما من به نجاسة وهو محدث إذا وجد ماء يكفى أحدهما فقط إنما وجب صرفه إلى النجاسة لا الحدث ليتيمم بعده فيكون محصلا للطهارتين لا لأنها أغلظ من الحدث ولا أنه صرف إلى الأخف حتى يرد إشكالا كما قاله حماد حتى أوجب صرفه إلى الحدث وقولنا ليتيمم بعده هو ليقع تيممه صحيحا اتفاقا أما لو تيمم قبل صرفه إلى النجاسة فإنه يجوز عند أبى يوسف خلافا لمحمد بناء على ما مر في التيمم من أنه مستحق الصرف إليها فكان معدوما في حق الحدث وأما إذا لم يتمكن من الإزالة لخفاء خصوص المحل المصاب مع العلم بتنجس الثوب قيل الواجب غسل طرف منه فإن غسله بتحر أو بلا تحر طهر وذكر الوجه بين أن لا أثر للتحرى وهو أن يغسل بعضه مع أن الأصل طهارة الثوب وقع الشك
____________________
(1/190)
في قيام النجاسة لاحتمال كون المغسول محلها فلا يقضى بالنجاسة بالشك كذا أورده الاسبيجانى في شرح الجامع الكبير
قال وسمعت الشيخ الإمام تاج الدين أحمد بن عبد العزيز يقوله ويقيسه على مسئلة في السير الكبير هي إذا فتحنا حصنا وفيهم ذمى لا يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين فلو قتل البعض أو أخرج حل قتل الباقى للشك في قيام المحرم كذا هنا
وفي الخلاصة بعد ما ذكره مجردا عن التعليل فلو صلى معه صلوات ثم ظهرت النجاسة في طرف آخر يجب إعادة ما صلى اه
وفي الظهيرية الثوب فيه نجاسة لا يدرى مكانها يغسل الثوب كله انتهى
وهو الاحتياط
وذلك التعليل مشكل عندى فإن غسل طرف يوجب الشك في طهر الثوب بعد اليقين بنجاسته قبل
وحاصله أنه شك في الإزالة بعد تيقن قيام النجاسة والشك لا يرفع المتيقن قبله والحق أن ثبوت الشك في كون الطرف المغسول والرجل المخرج هو مكان النجاسة والمعصوم الدم يوجب البتة الشك في طهر الباقى وإباحة دم الباقين ومن ضرورة صيرورته مشكوكا فيه ارتفاع اليقين عن تنجسه ومعصوميته وإذا صار مشكوكا في نجاسته جازت الصلاة معه إلا إن هذا إن صح لم يبق لكلمتهم المجمع عليها أعنى قولهم اليقين لا يرفع بالشك معنى فإنه حينئذ لا يتصور أن يثبت شك في محل ثبوت اليقين ليتصور ثبوت شك فيه لا يرتفع به ذلك اليقين فعن هذا حقق بعض المحققين أن المراد لا يرفع حكم اليقين وعلى هذا التقدير يخلص الإشكال في الحكم لا الدليل فنقول وإن ثبت الشك في طهارة الباقى ونجاسته لكن لا يرتفع حكم ذلك التيقن السابق لنجاسته وهو عدم جواز الصلاة فلا يصح بعد غسل الطرف لأن الشك الطارىء لا يرفع حكم اليقين السابق على ما حقق من أنه هو المراد من قولهم اليقين لا يرتفع بالشك فقتل الباقى والحكم بطهارة الباقى مشكل والله أعلم
ثم المعتبر في طهارة المكان موضع القدم رواية واحدة وموضع السجود في أصح الروايتين عن أبي حنيفة وهو قولهما ولا يجب طهارة موضع الركبتين واليدين لأن وضعهما ليس فرضا عندهم لكن في فتاوى قاضيخان وكذا لو كانت النجاسة في موضع السجود أو موضع الركبتين أو اليدين يعنى تجمع وتمنع فإنه قدم هذين اللفظين حكما لما إذا كانت النجاسة تحت كل أقدم أقل من درهم ولو جمعت صارت أكثر من درهم قال ولا يجعل كأنه لم يضع العضو على النجاسة وهذا كما لو صلى رافعا إحدى قدميه جازت صلاته ولو وضع القدم على النجاسة لا يجوز ولا يجعل كأنه لم يضع انتهى لفظه
وهو يفيد أن عدم اشتراط طهارة مكان اليدين والركبتين هو إذا لم يضعهما أما إن وضعهما اشترطت فليحفظ هذا وليعلم أن عدم اشتراط طهارة مكان الركبتين واليدين لم يثبته الفقيه أبو الليث وعليه بنى وجوب وضع الركبتين في السجود
في التجنيس إذا لم يضع ركبتيه عند السجود لا يجزئه لأنا أمرنا بالسجود على سبعة أعظم هذا اختيار الفقيه أبو الليث وفتوى مشايخنا على أنه يجوز لأنه لو كان موضع الركبتين نجسا جاز
قال والفقيه أبو الليث ينكر هذه الرواية إنه إذا كان موضع الركبتين نجسا يجوز انتهى
ثم لو كان المكان نجسا فبسط عليه ثوب طاهر إن شفه لا تجوز فوقه وإلا جازت ولو كانت النجاسة على جانبه وصلى على طرف طاهر آخر منه جاز سواء
____________________
(1/191)
تحرك النجس أولا هو الصحيح بخلاف ما إذا كانت في طرف عمامته أو منديله المقصود ثوب هو لابسه فألقى ذلك الطرف على الأرض وصلى فإنه إن تحرك بحركته لا يجوز وإلا يجوز لانه بتلك الحركة ينسب لحمل النجاسة بخلافها في المفروش ولو صلى على ماله بطانة متنجسة وهو قائم على ما يلى موضع النجاسة من الطهارة عن محمد يجوز وعن أبى يوسف لا يجوز وقيل جواب محمد في غير المضرب فيكون حكم حكمه ثوبين وجواب أبى يوسف في المضرب فحكمه حكم ثوب واحد فلا خلاف بينهما
قال المصنف رحمه الله في التجنيس والأصح أن المضرب على الخلاف ذكره الحلوانى انتهى
ولو كان لبدا أصابته نجاسة فقلبه وصلى على الوجه الآخر عن محمد يجوز وعن أبى يوسف لا ولو صلى على الدابة وفي سرجها أو ركابها نجاسة مانعة فجماعة على أنه لا يجوز
قال في المبسوط وأكثر مشايخنا جوزوا لما قال في الكتاب والدابة أشد من ذلك يعنى أن باطنها محل النجاسة وتترك عليها الأركان وهى أقوى من الشرائط ويمكن أن يريد بقوله أشد من ذلك ما على ظاهرها إذ لا يخلو مخرجها وحوافرها وقوائمها عن النجاسة وفيه نظر قوله وقال صلى الله عليه وسلم حتيه ثم أقرصيه ثم اغسليه بالماء عن أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه متفق عليه
وأخرجه الترمذى كذلك ولفظ اغسليه غير محفوظ فيه بل في حديث أم قيس بنت محصن سألته عن دم الحيض فقال صلى الله عليه وسلم حكيه بطلع واغسليه بماء وسدر أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجة
والحت القشر بالعود والظفر ونحوه والقرص بأطراف الأصابع قوله وإذا وجب التطهير بما ذكرنا في الثوب وجب في البدن والمكان بطريق أولى لأنهما ألزم للمصلى منه لتصور انفصاله بخلافها قوله مما إذا عصر انعصر يخرج الدهن والزيت واللبن والسمن بخلاف الخل وماء الباقلاء الذي لم يثخن ففى جعل الأول
____________________
(1/192)
على الخلاف كما هي قلويلة نظر قوله يتنجس بأول الملاقاة مقيد بما إذا كان بحيث يخرج بعض أجزائها في الماء ألا ترى إلى ما ذكروا من أنه لو مشى ورجله مبتلة على أرض أو لبد نجس جاف لا يتنجس ولو كان على القلب وظهرت الرطوبة في رجله تتنجس كذا في الخلاصة
قلت يجب حمل الرطوبة على البلل لا الندوة فقد ذكر فيها إذا لف الثوب النجس الرطب في الثوب الطاهر الجاف فظهرت فيه ندوته ولم يصر بحيث يقطر منه شيء إذا عصر اختلف المشايخ فيه والأصح أنه لا يتنجس وكذا لو بسط على النجس الرطب فتندى وليس بحيث يقطر إذا عصر الأصح فيه أنه لا يتنجس ذكره الحلوانى
ولا يخفى أنه قد يحصل بلى الثوب وعصره نبع رؤوس صغار ليس لها قوة السيلان ليتصل بعضها ببعض فتقطر بل تقر في مواضع نبعها ثم ترجع إذا حل الثوب ويبعد في مثله الحكم بطهارة الثوب مع وجود حقيقة المخالط فالأولى إناطة عدم النجاسة بعدم نبع شيء عند العصر ليكون مجرد ندوة لا بعدم التقاطر قوله إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة مطلقا عند محمد سواء أورد على النجاسة أو أوردت هي عليه وإلا لم يحصل طهارة شيء بالماء لأنه ينجس الماء فيحل المحل ماء نجس وكذا كل ما بعده يتنجس بملاقاة بلل السابق وفي الوارد فقط عند الشافعي رضى الله عنه لأن المورود لا يطهر عنده
ولما سقط هذا القياس عنده في الوارد وبقى طاهرا حال كونه في الثوب بقى كذلك بعد انفصاله بالعصر أيضا ما لم يظهر في المنفصل أثر النجاسة لون أو ريح لأنه كان محكوما بطهارته حال المخالطة في المحل ولم يوجد بعده إلا الانفصال وليس ذلك بمنجس بخلاف ما إذا تأثر لأن بقاء الأثر مخالطة بعد الانفصال فيتنجس وعند محمد وصاحبيه هو طاهر في المحل نجس إذا انفصل لأن الحكم بالطهارة مع مخالطة النجس إنما هو للضرورة فإذا زالت بالانفصال ظهر أثر المخالطة لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها ولا أثر للورود لأنه ليس جاريا حقيقة ألا يرى أنه لو وضع الثوب النجس في الإجانة ثم أورد عليه تحصل فيها مخالطة للنجاسة وهذا هو الموجب لثبوت قياس النجاسة وهو بعينه في المورود فاتحد القياس فيهما ثم سقط للضرورة هذا في الماءين أما الثالث فطاهر عندهما لأنه كان طاهرا وأنفصل عن محل طاهر وعند أبى حنيفة نجس لأن طهارته في المحل ضرورة تطهيره وقد زالت وإنما حكم شرعا بطهارة المحل عند انفصاله بدلالة الحديث حتى يغسلها ثلاثا وإلا لم تحصل طهارة ولا ضرورة في اعتبار الماء المنفصل طاهرا مع مخالطة النجس فيكون نجسا بخلاف الماء الرابع فإنه لم يخالط ما هو محكوم شرعا بنجاسته في المحل فيكون طاهرا
فرع في التجنيس غسل ثوبا ثم قطر منه على شيء إن عصره في الثالثة حتى صار بحال لو عصره لا يسيل منه شيء فاليد طاهرة والبلل طاهر وإن كان بحال يسيل فنجسة ففى هذا أن بلة اليد طاهرة مع أنها بعض الثالث
____________________
(1/193)
واعلم أنه لما سقط ذلك القياس لم يفرق محمد بين تطهير الثوب النجس في الإجانة والعضو النجس بأن يغسل كلا منهما في ثلاث إجانات طاهرات أو ثلاثا في إجانة بمياه طاهرة فيخرج من الثالث طاهر وقال أبو يوسف بذلك في الثوب خاصة أما العضو المتنجس إذا غمس في إجانات طاهرات نجس الجميع ولا يطهر بحال بل بأن يغسل في ماء جار أو يصب عليه لأن القياس يأبى حصول الطهارة لهما بالغسل في الأوانى فسقط في الثياب للضرورة وبقى في العضو لعدمها وهذا يقتضى أنه لو كان المتنجس من الثوب قدر درهم فقرص لا يجيزه أبو يوسف في الإجانة وعلى هذا جنب اغتسل في آبار ولم يكن استنجى تنجس كلها وإن كثرت وإن كان استنجى صارت فاسدة ولم يطهر عند أبى يوسف وقال محمد إن لم يكن استنجى يخرج من الثالثة طاهرا وكلها نجسة وإن كان استنجى يخرج من الأولى طاهرا وسائرها مستعملة كذا في المصفى وينبغى تقييد الاستعمال بما إذا قصد القربة عنده قوله ولهما الحاصل القياس على الماء بناء أن الطهارة بالماء معلول بعلة كونه قالعا لتلك النجاسة وسقوط ذلك القياس بناء على أن القلع والحكم بالتطهير لا يتصور إلا بإسقاطه والمائع قالع فهو محصل ذلك المقصود فيسقط فيه ذلك القياس وتحصل به الطهارة
فرع غسل الثوب المتنجس بالدم بالبول حتى زال عين الدم هل يحكم بزوال تلك النجاسة اختلف فيه
وممن ذهب إليه التمرتاشي حتى لو كان ما غسل به بول ما يؤكل لحمه لا يمنع مالم يفحش
وقال السرخسى الأصح أن التطهير بالبول لا يكون انتهى
وهو أحسن ووجهه ما علمت أن سقوط التنجس حال كون المستعمل في المحل ضرورة التطهير وليس البول مطهرا للتضاد بين الوصفين فيتنجس بنجاسة الدم فما ازداد الثوب بهذا إلا شرا إذ يصير جميع المكان المصاب بالبول متنجسا بنجاسة الدم وإن لم يبق عين الدم وفي الكتاب إشارة إلى
____________________
(1/194)
ما اخترناه حيث قال بالماء وبكل مائع طاهر حيث أخرج المائع النجس قوله فلم يجوز في البدن بغير الماء لأن حرارة البدن جاذبة والماء أدخل فيه من غيره فيتعين
وعن طهارة البدن بغير الماء تفرع طهارة الثدى إذا قاء عليه الولد ثم رضعه حتى أزال أثر القىء وكذا إذا لحس أصبعه من نجاسة بها حتى ذهب الأثر أو شرب خمرا ثم تردد ريقه في فيه مرارا طهر حتى لو صلى صحت
وعلى قول محمد لا تصح ولا يحكم بالطهارة بذلك لعدم الماء وكذا على إحدى الروايتين عن أبى يوسف وهى اشتراط الماء في العضو وأما المروى عن محمد في المسافر إذا اصابه يده نجاسة يمسحها بالتراب فمشكل على قول الكل فإن أبا حنيفة وأبا يوسف إنما جوزا مثله في الخف والنعل بشرطه ومحمد خالفهما فكيف يتجه ذلك اللهم إلا أن يراد بميحه تقليلا للنجاسة حالة الاشتغال بالسير فلا يمنع لتخفيف الجرم بذلك ثم يغسلها بعد ذلك قوله ولهما قوله صلى الله عليه وسلم روى أبو داود عن أبى سعيد الخدرى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعله أذى أو قذرا فليمسحه وليصل فيهما وخرج ابن خزيمة عن أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا وطىء أحدكم الأذى بنعله أو خفيه فطهورهما التراب ولا تفصيل فيهما بين الرطب والجاف والكثيف والرقيق فأعمل أبو يوسف إطلاقه إلا
____________________
(1/195)
في الرقيق وقيداه بالجرم والجفاف غير أنه لا فرق على ما فرعوا بين كون الجرم من نفس النجاسة او من غيرها بأن ابتل الخف بخمر فمشى به على رمل أو رماد فاستجسد فمسحه بالأرض حتى تناثر طهر
روى ذلك عن أيى حنيفة وأبى يوسف إلا أن أبا يوسف لم يقيده بالجفاف وعلى قول أبى يوسف أكثر المشايخ وهو المختار لعموم البلوى ونعلم أن الحديث يفيد طهارتها بالدلك مع الرطوبة إذ ما بين المسجد والمنزل ليس مسافة تجف في مدة قطعها ما أصاب الخف رطبا فإطلاق ما يروى مساعد بالمعنى
وأما مخالفته في الرقيق فقيل هو مفاد بقوله طهور أي مزيل ونحن نعلم إن الخف اذا تشرب البول لا يزيله المسح فإطلاقه مصروف إلى ما يقبل الإزالة بالمسح ولا يخفى ما فيه إذ معنى طهور مطهر واعتبر ذلك شرعا بالمسح المصرح به في الحديث الآخر الذي ذكرناه مقتصرا عليه وكما لا يزيل ما تشربه من الرقيق كذلك لا يزيل ما تشربه من الكثيف حال الرطوبة على ما هو المختار للفتوى باعتراف هذا المجيب
والحاصل فيه بعد إزالة الجرم كالحاصل قبل الدلك في الرقيق فإنه لا يشرب إلا ما فى استعداده قبوله وقد يصيبه من الكثيفة الرطبة مقدار كثير يشرب من رطوبته مقدار ما يشربه من بعض الرقيق قوله لقوله صلى الله عليه وسلم = لعائشة الذي في صحيح أبى عوانة عن عائشة قالت كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا وأمسحه وأغسله شك الحميدى إذا كان رطبا ورواه
____________________
(1/196)
الدارقطنى وأغسله من غير شك فهذا فعلها
وأما أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك فالله اعلم لكن الظاهر أن ذلك بعلم النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا إذا تكرر منها مع التفاته صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ثوبه وفحصه عن حاله وأظهر منه قولها كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه فإن الظاهر أنه يحس ببلل ثوبه وهو موجب الالتفات إلى حال الثوب والفحص عن خبره وعند ذلك يبدو له السبب في ذلك وقد أقرها عليه فلو كان طاهرا لمنعها من إتلاف الماء لغير حاجة فإنه حينئذ سرف في الماء إذ ليس السرف في الماء إلا صرفه لغير حاجة ومن إتعاب نفسها فيه لغير ضرورة على أن في مسلم عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان يغسل المنى ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه فإن حمل على حقيقته من أنه فعله بنفسه فظاهر أو على مجازه وهو أمره بذلك فهو فرع علمه
وأما حديث إنما يغسل الثوب من خمس فرواه الدارقطنى عن عمار بن ياسر قال أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر أدلو ماء في ركوة قال يا عمار ما تصنع قلت يا رسول الله بأبى وأمى أغسل ثوبى من نخامة أصابته فقال يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس من الغائط والبول والقىء والدم والمنى يا عمار ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء قال لم يروه عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد وهو ضعيف وله أحاديث في أسانيدها الثقات وهى مناكير ومقلوبات
ودفع بأنه وجد له متابع عند الطبرانى
رواه في الكبير من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد سندا ومتنا وبقية الإسناد حدثنا الحسين بن إسحق التسترى حدثنا علي بن بحر حدثنا إبراهيم بن زكريا العجلى حدثنا حماد بن سلمة به فبطل جزم البيهقى ببطلان الحديث بسبب أنه لم يروه عن علي بن زيد سوى ثابت
وقوله في علي هذا إنه غير محتج به دفع بأن مسلما روى له مقرونا بغيره وقال العجلى لا بأس به وروى له الحاكم في المستدرك وقال الترمذى صدوق وإبراهيم بن زكريا ضعفه غير واحد ووثقه البزار قوله وقال الشافعي المنى طاهر تمسك هو أيضا بالحديث الأول فلو كان نجسا لم يكتف بفركه وبما عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المنى يصيب الثوب فقال إنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق وقال إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة قال الدارقطنى لم يرفعه غير إسحق الأزرق عن شريك القاضى ورواه البيهقى من طريق الشافعي
____________________
(1/197)
موقوفا عن ابن عباس قال هذا هو الصحيح وقد روى عن شريك عن ابن أبى ليلى عن عطاء مرفوعا ولا يثبت اه
لكن قال ابن الجوزى في التحقيق إسحق الأزرق إمام مخرج له في الصحيحين ورفعه زيادة وهي من الثقة مقبولة ولأنه مبدأ خلق الإنسان وهو مكرم فلا يكون أصله نجسا وهذا ممنوع فإن تكريمه يحصل بعد تطويره الأطوار المعلومة من المائية والمضغية والعلقية ألا يرى أن العلقة نجسة وأن نفس المنى أصله دم فيصدق أن أصل الإنسان دم وهو نجس والحديث بعد تسليم حجتيه رفعه معارض بما قدمنا ويترجح ذلك بأن المحرم مقدم على المبيح ثم قيل إنما يطهر بالفرك إذا لم يسبقه مذى فإن سبقه لا يطهر إلا بالغسل
وعن هذا قال شمس الأئمة مسئلة المنى مشكلة لأن كل فحل يمذى ثم يمنى إلا أن يقال إنه مغلوب بالمنى مستهلك فيه فيجعل تبعا اه
وهذا ظاهر فإنه إذا كان الواقع أنه لا يمنى حتى يمذى وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه اعتبر ذلك الاعتبار للضرورة بخلاف ما إذا بال ولم يستنج بالماء حتى أمنى فإنه لا يطهر حينئذ إلا بالغسل لعدم الملجىء كما قيل
وقيل لو بال ولم ينتشر البول على رأس الذكر بأن لم يجاوز الثقب فأمنى لا يحكم بتنجس المنى وكذا إن جاوز لكن خرج المنى دفقا من غير أن ينتشر على رأس الذكر لأنه لم يوجد سوى مروره على البول في مجراه ولا أثر لذلك في الباطن ولو كان للمصاب بطانة نفذ إليها اختلف فيه قال التمرتاشى والصحيح أنه يطهر بالفرك لأنه من أجزاء المنى وقال الفضلى منى المرأة لا يطهر بالفرك لأنه رقيق قوله لأنه لا تتداخله النجاسة يفيد أن قيد صقالتها مراد حتى لو كان به صدأ لا يطهر إلا بالماء بخلاف الصقيل
قال المصنف في التجنيس صح أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقتلون الكفار بالسيوف ويمسحونها ويصلون بها وعليه يتفرع ما ذكر لو كان على ظفره نجاسة فمسحها طهرت وكذلك الزجاجة والزبدية الخضراء أعنى المدهونه والخشب الخراطى والبوريا القصب قوله فجفت بالشمس اتفاقي لا فرق بين الجفاف بالشمس والنار أو الريح والمراد
____________________
(1/198)
من الأثر الذاهب اللون أو الريح وحديث ذكاة الأرض يبسها ذكره بعض المشايخ أثرا عن عائشة وبعضهم عن محمد بن الحنفية وكذا رواه ابن أبى شيبة عنه ورواه أيضا عن أبى قلابة
وروى عبد الرزاق عنه جفوف الأرض طهورها ورفعه المصنف وذكره في المبسوط أيما أرض جفت فقد ذكت
حديثا مرفوعا والله أعلم به وفي سنن أبى داود باب طهور الأرض إذا يبست وساق بسنده عن ابن عمر قال كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزبا وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك فلولا اعتبارها تطهر بالجفاف كان ذلك تبقية لها بوصف النجاسة مع العلم بأنهم يقومون عليها في الصلاة البتة إذ لا بد منه مع صغر المسجد وعدم من يتخلف للصلاة في بيته وكون ذلك يكون في بقاع كثيرة من المسجد لا في بقعة واحدة حيث كانت تقبل وتدبر وتبول فإن هذا التركيب في الاستعمال يفيد تكرر الكائن منها أو لأن تبقيتها نجسة ينافى الأمر بتطهيرها فوجب كونها تطهر بالجفاف بخلاف أمره صلى الله عليه وسلم بإهراق ذنوب من ماء على بول الأعرابى في المسجد لأنه كان نهارا والصلاة فيه تتابع نهارا وقد لا يجوز قبل وقت الصلاة فأمر بتطهيرها بالماء بخلاف مدة الليل أو لأن الوقت كان إذ ذاك قد آن أو أريد أن ذاك أكمل الطهارتين للتيسر في ذلك الوقت هذا
وإذا قصد تطهير الأرض صب عليها الماء ثلاث مرات وجففت في كل مرة بخرقة طاهرة وكذا لو صب عليها ماء بكثرة ولم يظهر لون النجاسة ولا ريحها فإنها تطهر ولو كبسها بتراب ألقاه عليها إن لم توجد رائحة النجاسة جازت الصلاة على ذلك التراب وإلا فلا
واختلفوا في النابت كالشجر والكلإ قيل يطهر بالجفاف ما دام قائما عليها وبعد القطع يجب الغسل وكذا الحصى حكمه حكم الأرض أما الآجرة المفروشة فتطهر بالجفاف وإن كانت موضوعة تنقل فلا فإن كانت النجاسة فيما يلى الأرض جازت الصلاة عليها وفي الظهيرية إذا صلى على وجهها الطاهر إن كان مركبا جاز وإلا قيل لا يجوز انتهى
ويمكن أن يجرى فيه الخلاف بين أبى يوسف ومحمد في اللبد وقد قدمناه أول الباب قوله لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطا بنص الكتاب فلا تتأدى هذه الطهارة بخبر الواحد الظنى بخصوص هذا
____________________
(1/199)
الموضع فإن ما كلف به قطعا لا يلزم في إثبات مقتضاه القطع به فإن طهارة الماء والصعيد المكلف بتحصيلهما يخرج عن عهدة التكليف البناء على الأصل فيهما وذلك لا يفيد القطع بل يجوز المستعمل نجاستهما في نفس الأمر وقد تكون ثابتة والعلوم لا تحتمل النقيض في نفس الأمر ولا عند من قامت به لو قدره لكن امتنع هنا لاستلزامه نوع معارضة للكتاب وذلك لأن المعروف شرعا أن التطير باستعمال المطهر ولم يفعل فلا يكون طاهرا فكان النص طالبا للتيمم بهذا التراب على هذا الوجه والخبر يجيز استعماله على غير هذا الوجه فلا يعتبر بخلاف طهارة المكان في الصلاة فإن دلالة النص بعد دخولها التخصيص بالقليل الذي لا يحترز عنه إجماعا وما دون الدرهم عندنا تطلبه على غير هذا الوجه فجاز أن يعارض بخبر الواحد ويثبت حكمه
لكن قد يقال إن النص إنما يطلبه طاهرا فقط وكون المعروف من الشرع أن التطهير باستعمال المطهر على إرادة الحصر ممنوع إذ قد عرف منه أيضا أنها بالجفاف في الأرض فيثبت به نوع آخر من أسباب الطهارة ظنا فيتأدى به الواجب قطعا
والحاصل أن محل القطع هو نفس التكليف بالطاهر ومحل الظن كونه طاهرا فلم يتلاقيا في محل فلا تعارض
والأولى ما قيل أن الصعيد علم قبل التنجيس طاهرا وطهورا وبالتنجس علم زوال الوصفين ثم ثبت بالجفاف شرعا أحدهما أعنى الطهارة فيبقى الآخر على ما علم من زواله وإذا لم يكن طهورا لا يتيمم به هذا
وقد ظهر إلى هنا أن التطهير يكون بأربعة أمور بالغسل والدلك والجفاف والمسح في الصقيل دون ماء
والفرك يدخل في الدلك بقى المسح بالماء في محاجمه ثلاثا بثلاث خرق طاهرة وقياسه ما حول محل القصد إذا تلطخ ويخاف من الإسالة السريان إلى الثقب وآخر مختلف فيه بين أبى يوسف ومحمد وهو بانقلاب العين في غير الخمر كالخنزير والميتة تقع في المملحة فتصير ملحا تؤكل والسرقين والعذرة تحترق فتصير رمادا تطهر عند محمد خلافا لأبى يوسف وكلام المصنف في التنجس ظاهر في اختيار قول أبى يوسف قال خشبة أصابها بول فاحترقت ووقع رمادها في بئر يفسد الماء وكذلك رماد العذرة وكذا الحمار إذا مات في مملحة لا يؤكل الملح وهذا كله قول أبى يوسف خلافا لمحمد لأن الرماد أجزاء تلك النجاسة فتبقى النجاسة من وجه فالتحقت بالنجس من كل وجه احتياطا انتهى
وكثير من المشايخ اختاروا قول محمد وهو المختار لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك
____________________
(1/200)
الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل فإن الملح غير العظم واللحم فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح ونظيره في الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير خلا فيظهر فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها وعلى قول محمد فرعوا الحكم بطهارة صابون صنع من زيت نجس وفرع بعضهم عليه أن الماء والتراب النجسين إذا اختلط وحصل الطين كان الطين طاهرا لأنه صار شيئا آخر وهذا بعيد فقد اختلف فيما لو كان أحدهما طاهرا فقيل العبرة للماء إن كان نجسا فالطين نجس وإلا فطاهر وقيل للتراب وقيل للغالب والأكثر على أن أيهما كان طاهرا فالطين طاهر فأهل هذه الأقوال كلها على نجاسته إذا كان نجسين بخلاف قولهم في الطين المعجون بتبن نجس بالطهارة فيصلى في المكان المطين به ولا ينجس الثوب المبلول إذا نشر عليه لأن ذلك إذا لم ير عين التبن لا إذا رؤيت وعلله في التجنيس بأن التبن مستهلك إذا لم تر عينه بخلاف ما إذا رؤيت ثم قال وإن تر طباعا نجسا انتهى وكأنه بناء على إحدى الروايتين في أمثاله وقال قبله في علامة النوازل إذا نزح الماء النجس من بئر كره أن يبل به الطين ليطين به المسجد أو أرضه لأن الطين يصير نجسا وإن كان البئر طاهرا ترجيحا للنجاسة احتياطا بعد إذ لا ضرورة إلى إسقاط اعتبارها بخلاف السرقين إذا جعل في الطين للتطيين لأن فيه ضرورة إلى إسقاط اعتباره إذ ذلك النوع لا يتهيأ إلا بذلك فعرفنا رأي المصنف في هذا إذ لم يتعقبه كما هو شأنه فيما يخالف مختاره وفي الخلاصة العبرة للنجس منهما أيهما كان نجسا فالطين نجس وبه أخذ الفقيه أبو الليث وكذا روى عن أبي يوسف وقال محمد بن سلام أيهما كان طاهرا فالطين طاهر هذا قول محمد حيث صار شيئا آخر واعلم أن الأرض إذا طهرت بالجفاف والخف بالدلك والثوب بفرك المنى والسكين بالمسح والبئر إذا غار ماؤها بعد تنجسها قبل النزح وجلد الميتة إذا دبغ تشميسا أو تتريبا ثم أصابها الماء هل تنجس إذا ابتلت بعد ذلك فيه روايتان عن أبي حنيفة والآجرة المفروشة إذا تنجست فجفت ثم قلعت هل تعود نجسة فيها الروايتان ومن المشايخ من يقتصر في بعضها على حكاية الخلاف والأولى طرد الروايتين في الكل لأنها نظائر وقد قال تصير في البئر بالطهارة ومحمد بن سلمة بالنجاسة وفي الينابيع وروى عن محمد مثل ما قال ابن سلمة واختار المصنف في التجنيس في السكين الطهارة فلو قطع البطيخ واللحم أكل وقيل لا يؤكل واختار قبله في مسئلة الفرك الطهارة وفي وفي مسئلة الجفاف النجاسة قال لأن النجس لا يطهر إلا بالتطهير والفرك تطهير كالغسل ولم يوجد في الأرض تطهير وفصل بعضهم في السكين والسيف بين كون المنجس بولا فلا بد من الغسل أو دما فيطهر بالمسح وفي شرح الكنز إذا فرك يحكم بطهارته عندهما وفي أظهر الروايتين عن أبي حنيفة تقل النجاسة ولا تطهر حتى لو أصابه ماء عاد نجسا عنده لا عندهما ولها أخوات فذكر ذلك الخف وجفاف الأرض والدباغة ومسئلة البئر قال فكلها على الروايتين وظاهره كون الظاهر النجاسة في الكل والأولى اعتبار الطهارة في الكل كما اختاره شارح المجمع في الأرض وهي أبعد الكل إذ لا صنع فيها أصلا ليكون تطهيرا لأنه
____________________
(1/201)
محكوم بطهارتها شرعا بالجفاف على ما فسر به معنى الذكاة في الآثار وملاقاة الطاهر الطاهر لا يوجب التنجيس بخلاف المستنجي بالحجر ونحوه لو دخل في الماء القليل نجس على ما قالوا لأن غير المائع لم يعتبر مطهرا في البدن إلا في المنى على رواية والجواز بغيره لسقوط ذلك المقدار عفوا لا طهارته فعنه آخذوا كون قدر الدرهم في النجاسات عفوا قوله ولو أصاب الثوب قدر الدرهم الخ حاصل المذكور في هذا البحث إفادة كون قدر الدرهم لا يمنع في الغليظة وما لم يفحش في الخفيفة وتقدير الدرهم والفاحش وإعطاء ضابط الغليظة والخفيفة أما الأول ففيه الخلاف المنقول ووجه قولنا أن مالا يأخذه الطرف كوقع الذباب مخصص من نص التطهير اتفاقا فيخص أيضا قدر الدرهم بنص الإستنجاء بالحجر لأن محله قدره ولم يدخل حتى لو دخل في قليل ماء نجسه أو بدلالة الإجماع عليه ثم المعتبر وقت الإصابة فلو كان دهنا نجسا قدر درهم فانفرش فصار أكثر منه لا يمنع في اختيار المرغيناني وجماعة ومختار غيرهم المنع فلو صلى قبل اتساعه جازت وبعده لا ولا يعتبر نفوذ المقدار إلى الوجه الآخر إذا كان الثوب واحدا لأن النجاسة حينئذ واحد في الجانبين فلا يعتبر متعددا بخلاف ما إذا كان ذا طاقين لتعددها فيمنع وعن هذا فرع المنع لو صلى مع درهم متنجس الوجهين لوجود الفاصل بين وجهيه وهو جوهر سمكة ولأنه مما لا ينفذ نفس ما في أحد الوجهين فيه فلم تكن النجاسة فيهما متحدة ثم إنما يعتبر المانع مضافا إليه فلو جلس الصبي المتنجس الثوب والبدن في حجر المصلي وهو يستمسك أو الحمام المتنجس على رأسه جازت صلاته لأنه الذي يستعمله فلم يكن حامل النجاسة بخلاف ما لو حمل من لا يستمسك حيث يصير مضافا إليه فلا يجوز هذا والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع حتى قيل لو علم قليل النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوات الوقت أو الجماعة وأما الثاني فظاهر من الكتاب وقوله في الصحيح اختيار للتقدير بعرض الكف على الإطلاق واختار شارح الكنز تبعا لكثير من المشايخ ما قيل من التوفيق بين الروايتين وقاله أبو جعفر لأن إعمال الروايتين إذا أمكن أولى خصوصا مع مناسبة هذا التوزيع وقوله لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش يفيد أن أصل المروي عن أبي حنيفة ذلك على ما هو دأبه في مثله من عدم التقدير فما عد فاحشا منع وما لا فلا حتى روى عنه أنه كره تقديره وقال الفاحش يختلف باختلاف طباع الناس فوقفه على عد طباع المبتلى إياه فاحشا
____________________
(1/202)
وقد روى عنه تقديره بربع الثوب وربع أدنى ثوب يجوز فيه الصلاة وعن أبي يوسف شبر في شبر وعنه ذراع في ذراع ومثله عن محمد وعن محمد أن يستوعب القدمين ويظهر أن الأول أحسن لاعتبار الربع كثيرا كالكل في مسئلة الثوب ينجس الأربعة وانكشاف ربع العضو من العورة بخلاف ما دونه فيهما غير أن ذلك الثوب الذي هو عليه إن كان شاملا اعتبر ربعه وإن كان أدنى ما تجوز فيه الصلاة اعتبر ربعه لأنه الكثير بالنسبة إلى الثوب المصاب وأما الثالث فعندهما اختلاف العلماء في ذلك لأنه يورث شبهة وعنده تعارض النصين في الطهارة والنجاسة وإذا فالدم والخمر وخرء الدجاج والبط والإوز والغائط وبول الآدمي وما لا يؤكل لحمه إلا الفرس والقيء غليظ اتفاقا لعدم التعارض والخلاف والمراد بالدم غير الباقي في العروق وفي حكمه اللحم المهزول إذا قطع فالدم الذي فيه ليس نجسا وكذا الدم الذي في الكبد لا من غيره كذا قيل قال المصنف في التجنيس وفيه نظر لأنه إن لم يكن دما فقد جاور الدم والشيء ينجس بمجاورة النجس وعن أبي يوسف في الباقي أنه معفو في الأكل لا الثوب وغير دم الشهيد ما دام عليه حتى لو حمله ملطخا به في الصلاة صحت بخلاف قتيل غير شهيد لم يغسل أو غسل وكان كافرا لأنه لا يحكم بطهارته بالغسل بخلاف المسلم وعين المسك قالوا يجوز أكله والإنتفاع به مع ما اشتهر من كونه دما ولم أر له تعليلا وذاكرت بعض الإخوان من المغاربة في الزباد فقلت يقال إنه عرق حيوان محرم الأكل فقال ما يحيله الطبع إلى صلاح كالطيبية يخرج عن النجاسة كالمسك وليس دم البق والبراغيث والسمك بشيء وأما القيء فإذا كان ملء الفم فنجس فأما ما دونه فطاهر على ما هو المختار من
____________________
(1/203)
قول أبي يوسف وفي فتاوى نجم الدين النسفي صبي ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الأم إن كان ملء الفم فنجس فإذا زاد على قدر الدرهم منع وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يمنع ما لم يفحش لأنه لم يتغير من كل وجه كذا في غريب الرواية لأبي جعفر عن أبي حنيفة وهو الصحيح وما قدمناه في النواقض عن المجتبى وغيره يقتضي طهارة هذا القيسء فارجع إليه وقوله لأنها ثبتت بدليل مقطوع به معناه مقطوع بوجوب العمل به فالعمل بالظني واجب قطعا في الفروع وإن كان نفس وجوب مقتضاه ظنيا والأولى أنه يريد دليل الإجماع وثمرة الخلاف تظهر في الروث وهو للحمار والفرس والخثى وهو للبقر والبعر وهو للإبل والغنم فعنده غليظة لقوله عليه الصلاة والسلام في الروثة إنها ركس ولم يعارض وعندهما خفيفة فإن مالكا يرى طهارتها ولعموم البلوى لامتلاء الطرق بخلاف بول الحمار وغيره مما لا يؤكل لأن الأرض تنشفه حتى رجع محمد آخرا إلى أنه لا يمنع الروث وإن فحش لما دخل الري مع الخليفة ورأى بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها وقاس المشايخ على قوله هذا طين بخاري لأن مشي الناس والدواب فيها وعند ذلك يروي رجوعه في الخف حتى إذا أصابته عذرة يطهر بالدلك وفي الروث لا يحتاج إلى الدلك عنده وله أن الموجب للعمل النص لا الخلاف والبلوى في النعال وقد ظهر اثرها حتى طهرت بالدلك فإثبات أمر زائد على ذلك يكون بغير موجب وما قيل أن البلوى لا تعتبر في موضع النص عنده كبول الإنسان ممنوع بل تعتبر إذا تحققت بالنص النافي للحرج وهو ليس معارضة للنص بالرأي والبلوى في بول الإنسان في الإنتضاح كرءوس الإبر لا فيما سواه لأنها إنما تتحقق بأغلبية عسر الإنفكاك وذلك أن تحقق في بول الإنسان فكما قلنا وقد رتبنا مقتضاه إذ قد أسقطنا اعتباره ثم حديث رمي الروثة هو ما في البخاري من حديث ابن مسعود أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس وأما المراد بالنصين في قوله أو لتعارض النصين فحديث استنزهوا البول وحديث
____________________
(1/204)
العرنيين وقد تقدما وفرق زفر إلحاق الروث كل شيء ببوله وفي مختصر الكرخي قال زفر روث ما يؤكل لحمه طاهر كقول مالك
فرع مرارة كل شيء كبوله واجتراره كسر قينه قال في التجنيس لأنه واراه جوفه ألا ترى أن ما يواري جوف الإنسان بأن كان ماء ثم قاءه فحكمه حكم بوله اه وهو يقتضي أنه كذلك وإن قاء من ساعته وقدمنا في النواقض عن الحسن ما هو الأحسن فارجع إليه وقد صححه بعد قريب ورقة فقال في الصبي ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الأم إن زاد على الدرهم منع قال وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يمنع ما لم يفحش لأنه
____________________
(1/205)
لم يتغير من كل وجه فكان نجاسته دون نجاسة البول بخلاف المرارة لأنها متغيرة من كل وجه كذا في غريب الرواية عن أبي حنيفة وهو الصحيح وفيه ما ذكرنا قوله وإن أصابه بول الفرس مر محمد على أصله وكذا أبو يوسف وأما عند أبي حنيفة فالتخفيف للتعارض وهو بين قوله استنزهوا البول وحديث العرنيين في بعض متناولاته بناء على أن لحم الفرس طاهر وحرمته لكرامته لا لنجاسته وحديث العرنيين يعارض استنزهوا البول في بعض متناولاته وهو الحيوان المأكول والمفهوم من طهارته بوله كونه طاهر اللحم إذ لا أثر للأكل في ذلك إلا بواسطته فصار هو المعتبر دون كونه مأكولا إلا ما أخرجه الدليل كالآدمي فإنه طاهر اللحم ونجس البول
____________________
(1/206)
والفرس كذلك قوله فقد قيل الخ يعني اختلف المشايخ في أن قولهما بجواز الصلاة بناء على طهارة خرء الطيور المحرمة أو على التقدير فيه بالفاحش فقال الكرخي لطهارته عندهما وقال الهندواني لخفته واتفقوا على أنه نجس مغلظ عند محمد ثم الواقع أن أبا يوسف مع أبي حنيفة على رواية الكرخي ومع محمد على رواية الهندواني والمفهوم من الهداية أنه مع أبي حنيفة في الروايتين وليس كذلك فتحصل عن أبي حنيفة روايتان رواية الهندواني خفيف ورواية الكرخي طاهر وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان رواية الهندواني غليظ ورواية الكرخي طاهر وعن محمد رحمه الله غليظ رواية واحدة وجعل المصنف الأصح التخفيف بناء على أن الضرورة
____________________
(1/207)
فيه لا تؤثر أكثر من ذلك فإنه قلما يصل إلى أن يفحش فيكفي تخفيفه قوله هو يقول أي محمد قوله قيل يفسده وقيل لا يفسده الأول بناء على أنه نجس خفيف أو غليظ وإمكان الإحتراز بتخميرها إذ هو معتاد فلا يتحقق فيه ضرورة بل تفريط بخلاف الثوب والبدن وأما الثاني فيمكن كونه بناء على الطهارة أو على سقوط حكم النجاسة مع قيامها للضرورة كما قال أبو يوسف رحمه الله في شعر الخنزير حتى لو وقع في الماء أفسده مع إطلاق الإنتفاع به للخزازين للضرورة وقد تظهر أولوية الأول لما قلنا فإن قلت ما الفرق لمحمد بين خرء الطيور المحرمة وبول الهرة التي تعتاد البول على الناس حيث روى عنه فيه أنه طاهر فالجواب كأنه بنى نجاسة الخرء على عدم الضرورة إذ قد يصيب الناس وقد لا يصيب بل قلنا يشاهد مصاب بخلاف ذلك السنور فإن الضرورة فيه متحققة وهما بنيا قيام الضرورة على عدم قدرة الإحتراز عنه هذا إن صحت هذه الرواية وإلا ففي التجنيس بال السنور في البئر نزح كله لأن بوله نجس باتفاق الروايات ولذا لو أصاب الثوب أفسده لكن الحق صحتها وحمل الروايات على الروايات الطاهرة أو مطلقا والمراد السنور الذي لا يعتاد البول على الناس وإلا فقد حكى هو في موضع آخر من التجنيس اختلاف المشايخ فيما إذا بال على الثوب وفي الخلاصة إذا بالت الهرة في الإناء أو على ثوب تنجس وكذا بول الفأرة وقال الفقيه أبو جعفر ينجس الإناء دون الثوب اه وهو حسن لعادة تخمير الأواني هذا وبول الفأرة في رواية لا بأس به والمشايخ على أنه نجس لخفة الضرورة بخلاف خرئها فإن فيه ضرورة في الحنطة فقالوا إذا وقع فيها فطحنت جاز أكل الدقيق ما لم يظهر أثر الخرء فيه طعما ونحوه وفي الإيضاح بول الخفافيش وخرؤها ليس بشيء اه وفي فتاوى قاضيخان بول الهرة والفأرة وخرؤهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب وبول الخفاش وخرؤه لا يفسد لتعذر الإحتراز عنه ودم البق والبراغيث ليس بشيء ودم الحلمة والأوزاغ نجس قوله مثل رءوس الإبر ليس بشيء يشير إلى أنه لو كان مثل
____________________
(1/208)
رءوس المسلة منع وقال الهندواني يدل على أنه لو كان مثل الجانب الآخر اعتبر وغيره من المشايخ لا يعتبر الجانبين دفعا للحرج وما لم يعتبر إذا أصابه ماء فكثر لا يجب غسله وفي المجتبى في نوادر المعلى لو انتضح ويرى أثره لا بد من غسله اه وقالوا لو ألقى عذرة أو بولا في ماء فانتضخ عليه ماء من وقعها لا ينجس ما لم يظهر لون النجاسة أو يعلم أنه البول وما ترشش على الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الإمتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه لعموم البلوى بخلاف الغسالات الثلاث إذا استنقعت في موضع فأصابت شيئا نجسته أما الماء الثالث وحده فعلى الخلاف السابق أول الباب قوله إلا أن يبقى من أثرها ما يشق أي لونها أو ريحها ما يحتاج فيه إلى استعمال غير الماء كالصابون والأشنان وعلى هذا قالوا لو صبغ ثوبه أو يده بصبغ أو حناء نجسين فغسل إلى أن صفا الماء يطهر مع قيام اللون وقيل يغسل بعد ذلك ثلاثا وأما الطهارة لو غسل يده من دهن نجس مع بقاء أثره فإنما علله في التجنيس بأن الدهن يطهر قال فبقي على يده طاهرا كما روى عن أبي يوسف في الدهن ينجس يجعل في إناء ثم يصب عليه الماء فيعلو الدهن فيرفع بشيء هكذا يفعل ثلاثا فيطهر انتهى وتطهير العسل النجس على قوله أن يصب عليه ماء فيغلي حتى يعود إلى القدر الأول ثلاثا فيطهر وقد يشكل على الحكم المذكور ما في التجنيس حب فيه خمر غسل لثلاثا يطهر إذا لم تبق فيه رائحة الخمر لأنه لم يبق فيه أثرها فإن بقيت رائحتها لا يجوز أن يجعل فيه من المائعات سوى الخل لأنه بجعله فيه يطهر وإن لم يغسل لأن ما فيه من الخمر يتخلل بالخل إلا أن آخر كلامه أفاد أن بقاء رائحتها فيه بقيام بعض أجزائها وعلى هذا قد يقال في كل ما بقي فيه رائحة كذلك وفي الخلاصة الكوز إذا كان فيه خمر تطهيره أن يجعل فيه الماء ثلاث مرات كل مرة ساعة وإن كان جديدا عند أبي يوسف يطهر وعند محمد لا يطهر أبدا انتهى من غير تفصيل بين بقاء الرائحة أولا والتفصيل أحوط قوله وفيه كلام أي للمشايخ فمنهم من قال يغسل بعد زوال العين ثلاثا إلحاقا له بعدها بنجاسة غير مرئية وعن الفقيه أبي جعفر مرتين كغير مرئية غسلت مرة وقيل إذا ذهب العين والأثر بمرة لا يغسل وهو أقيس لأن
____________________
(1/209)
نجاسة المحل بمجاورة العين وقد زالت وحديث المستيقظ من منامه في غير المرئية ضرورة أنه مأمور لتوهم النجاسة ولذا كان مندوبا ولو كانت مرئية كانت محققة وكان حكمه الوجوب قوله في ظاهر الرواية احتراز عما روى عن محمد من الإكتفاء بالعصر في المرة الأخيرة وتعتبر قوة كل عاصر حتى إذا انقطع تقاطره بعصره ثم قطر بعصر رجل آخر أو دونه يحكم بطهارته ثم هذا مقتصر على ما يعصر ومخصوص منه أيضا أما الثاني فقال أبو يوسف في إزار الحمام إذا صب عليه ماء كثير وهو عليه يطهر بلا عصر حتى ذكر عن الحلواني لو كانت النجاسة دما أو بولا وصب عليه الماء كفاه على قياس قول أبي يوسف في إزار الحمام لكن لا يخفى أن ذلك لضرورة ستر العورة فلا يلحق به غيره وتترك الروايات الظاهرة فيه وقالوا في البساط النجس إذا جعل في نهر ليلة طهر وفي خف بطانته كرباس دخل في خروقه ماء نجس فغسل الخف ودلكه باليد ثم ملأه ماء ثلاثا وأراقه إلا أنه لم يتهيأ له عصر الكرباس طهر كالبساط وأما الأول فلا يخلو كون المتنجس مما تتداخله النجاسة أولا ففي الثاني يغسل ويجفف في كل مرة وهو بذهاب الندوة قالوا في الجلد والخف والمكعب والجرموق إذا أمر الماء عليه ثلاثا وجفف كل مرة طهر وقيل لا يحتاج إلى تجفيف وقيل الأحوط وقال المصنف في الآجر المستعمل القديم يكفيه الغسل ثلاثا بدفعة واحدة وكذا الخزفة القديمة المستعملة وينبغي تقييدها بما إذا تنجست وهي رطبة أما لو تركت بعد الإستعمال حتى جفت فإنها كالجديدة لأنه يشاهد اجتذابها حتى يظهر من ظاهرها وكذا حصير تنجس برطبة يجري عليها الماء إلى أن يتوهم زوالها لأنه لا طريق سواه وإجراء الماء قد يقوم مقام العصر فإن كانت يابسة فلا بد من الدلك وهذا محمول على الحصير الصقيلة كأكثر حصر مصر كما في بعض نسخ الواقعات في البوريا من القصب يغسل ثلاثا فيطهر بلا خلاف أما الجديدة المتخذة مما يتشرب فسيأتي وفي الأول فلا تطهر عند محمد أبدا وتطهر عند أبي يوسف كالخزفة الجديدة والخشبة الجديدة والبردى والجلد دبغ بنجس والحنطة انتفخت من النجاسة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة على ما ذكرنا وقيل في الأخيرة فقط والسكين المموة بماء نجس يموه ثلاثا بطاهر واللحم وقع في مرقه نجاسة حال الغليان يغلي ثلاثا فيطهر وقيل لا يطهر وفي غير حالة الغليان يغسل ثلاثا كذا في الظهيرية والمرقة لا خير فيها إلا أن تكون تلك النجاسة خمرا فإنه إذا صب فيها خل حتى صارت كالخل حامضة طهرت وفي التجنيس طبخت الحنطة في الخمر قال أبو يوسف تطبخ ثلاثا بالماء وتجفف كل مرة وكذا اللحم وقال أبو حنيفة إذا طبخت في الخمر لا تطهر أبدا وبه يفتى انتهى والكل عند محمد لا تطهر أبدا ولو ألقيت دجاجة حالة الغليان في الماء قبل أن يشق بطنها لتنتف أو كرش قبل الغسل لا يطهر أبدا لكن على قول أبي يوسف يجب أن تطهر على قانون ما تقدم في اللحم قلت وهو سبحانه أعلم هو معلل بتشربهما النجاسة المتحللة في اللحم بواسطة الغليان وعلى هذا اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس لا يطهر لكن العلة المذكورة لا تثبت حتى يصل الماء إلى حد الغليان ويمكث فيه اللحم بعد ذلك زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم وكل من الأمرين غير متحقق في السميط الواقع حيث لا يصل الماء إلى حد الغليان ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة
____________________
(1/210)
إلى سطح الجلد فتنحل مسام السطح عن الصوف بل ذلك الترك يمنع من جودة انقلاع الشعر فالأولى في السميط أن يطهر بالغسل ثلاثا لتنجس سطح الجلد بذلك الماء فإنهم لا يحترسون فيه عن المنجس وقد قال شرف الأئمة بهذا في الدجاجة والكرش والسميط مثلهما
مسائل شيء بئر بالوعة جعلت بئر ماء إن حفرت قدر ما وصل إليه النجاسة طهر ماؤها لا جوانبها فإن وسعت مع ذلك طهر الكل حوض فيه عصير وقع فيه نجاسة إن كان بحيث لو كان ماء تنجس ينجس وإلا فلا جلد الإنسان وقشره يسقط في الماء إن كان قليلا مثل ما يتناثر من شقوق الرجل لا يفسد الماء وإن كان كثيرا قدر الظفر أفسده ولو وقع الظفر نفسه لا ينجس لأنه عصب إذا لم تكن عليه رطوبة ماء فم النائم طاهر سواء كان متحللا من الفم أو مرتقيا من الجوف لأن الغالب كونه من البلغم وهو طاهر وقد أسلفنا أنه إذا كان منتنا أو أصفر نقض إذا كان قدر ملء الفم وفي الظهيرية ماء فم الميت قيل نجس وقد قدمنا في نافجة المسك إن كان بحال لو أصابها الماء لم تفسده فهي طاهرة وإلا فنجسة هذا إذا كانت من الميتة أما من الذكية فطاهرة على كل حال ولو سقط بيضة من الدجاجة أو سخلة من أمها في ماء أو مرقة لا ينجس توضأ ومشى على ألواح مشرعة بعد مشي من برجله قذر لا يحكم بنجاسة رجله ما لم يعلم أنه وضع رجله على موضعه للضرورة ومثله المشي في ماء الحمام لا ينجس ما لم يعلم أنه غسالة متنجس أو جنب على رواية نجاسة الماء المستعمل وما ذكر في الفتاوى من التنجس من وضع رجله موضع رجل كلب في الثلج أو الطين ونظائر هذه فمبنى على رواية نجاسة عين الكلب وليست بالمختارة جلد الحية وإن ذكيت يمنع الصلاة لأنه لا يحتمل الدباغة لتقام الذكاة مقام الدباغة وعن الحلواني قميص الحية طاهر وتقدم أنه الأصح والشعير الذي يوجد في بعر الإبل والشاة يغسل ويؤكل لا الذي في خنثي البقر لأنه لا صلابة فيه وفي التجنيس مشى في طين أو أصابه ولم يغسله وصلى تجزيه ما لم يكن فيه أثر النجاسة لأنها المائع ولم توجد إلا أن يحتاط أما في الحكم فلا يجب وما ذكر من التفصيل في إعادة السن الساقطة بين سنه وسن غيره الأصح عدمه وأنه لا يمنع مطلقا لأن السن ليست بنجسة لأنها عظم أو عصب وقال بعض المشايخ تكره الصلاة في ثياب الفسقة لأنهم لا يتقون الخمور قال المصنف الأصح أنه لا يكره لأنه لم يكره من ثياب أهل الذمة إلا السراويل مع استحلالهم الخمر فهذا أولى انتهى بخلاف ما إذا ثبت بخبر موجب في التنجيس ولا تجوز الصلاة في الديباج الذي ينسجه أهل فارس لانه بلغنا أنهم يستعملون فيه البول ويزعمون أنه يزيد في بريقه في يده نجاسة رطبة فجعل يضع يده على عروة الإبريق كلما صب على اليد فإذا غسل ثلاثا طهرت العروة مع طهارة اليد لأن نجاستها بنجاستها فطهارتها بطهارتها وقد تقدم سرقين يابس وقع في ثوب مبلول لا ينجس ما لم ير أثره فأرة ماتت في سمن إن كان جامدا وهو أن لا ينضم بعضه إلى بعض قور ما حولها فألقى واستصبح به وأكل ما سواه وإن كان ذائبا نجسه ما لم يبلغ القدر الكثير على ما مر وقد بينا طريق تطهيره مرت الريح بالعذرات وأصاب الثوب إن وجدت رائحتها
____________________
(1/211)
تنجس وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة قيل ينجسه وقيل لا وهو الصحيح وكذا ما سال من الكنيف الأولى غسله ولا يجب ما لم يكن أكبر رأيه نجاسة وفي الخلاصة مرت الريح على النجاسات وثمة ثوب تصيبه قال الحلواني تنجس ولو استنجى بالماء ولم يمسحه اختلفوا فيه وعامتهم أنه لا ينجس ما حوله وكذا لو لم يستنج ولكن ابتل سراويله بالماء وبالعرق ثم فسا غير أن جواب شمس الأئمة أنه يتنجس ولو صب ماء في خمر أو بالقلب ثم صار خلا كان طاهرا في الصحيح بخلاف ما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعد ما تخللت فإنه يكون نجسا في الصحيح لأنها تنجست بعد التخلل بخلاف ما لو أخرجت قبل التخلل ولو عصر عنبا فأدمى رجله فسال مع العصير لا ينجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف كالماء الجاري حب فيه ماء أو رب استخرج وجعل في إناء ثم أخذ من آخر وجعل في هذا الإناء أيضا ثم وجد فيه فأرة إن غاب هو ساعة فالنجاسة للإناء خاصة وإن لم يغب ولم يعلم من أي الحبين هي صرفت النجاسة إلى الحب الأخير هذا إذا تحرى فلم يقع على شيء فإن وقع عمل به وهذا إذا كانا لواحد فإن كانا لاثنين كل منهما يقول ما كانت في حبى فكلاهما طاهر وإذا تلطخ ضرع شاة بسرقينها فحلبها راع بيد رطبة ففي نجاسته روايتان فصل في الإستنجاء
هو إزالة ما على السبيل من النجاسة فإن كان للمزال به حرمة أو قيمة كره كقرطاس وخرقة وقطنة وخل قيل يورث ذلك الفقر قوله واظب عليه ولذا كان كما ذكر في الأصل سنة مؤكدة ولو تركه صحت صلاته قال في الخلاصة بناء على أن النجاسة القليلة عفو عندنا وعلماؤنا فصلوا بين النجاسة التي على موضع الحدث والتي على غيره في غير موضع الحدث إذا تركها يكره وفي موضعه إذا تركها لا يكره وما عن أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء متفق عليه ظاهر في المواظبة بالماء ومقتضاه كراهة تركه وكذا ما روى ابن ماجة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قط إلا مس ماء ولكن لا يخفى أن هذا مشترك الدلالة بين كون
____________________
(1/212)
المس قبل الخروج أو بعده والمراد أنه صلى الله عليه وسلم ما فرغ من قضاء الحاجة إلا توضأ بيانا لملازمته الوضوء والمطلوب يتم بالحديث الأول قوله وما قام مقامه يعني من الأعيان الطاهرة المزيلة فخرج الزجاج والثلج والآجر والخزف والفحم قوله لأن المقصود الخ يفيد أنه لا حاجة إلى التقييد بكيفية من المذكورة في الكتب نحو إقباله بالحجر في الشتاء وإدباره به في الصيف الاسترخاء الخصيتين فيه لا في الشتاء وفي المجتبى المقصود الإنقاء فيختار ما هو الأبلغ والأسلم عن زيادة التلويث اه فالأولى أن يقعد مسترخيا كل الإسترخاء إلا إن كان صائما والإستنجاء بالماء ولا يتنفس إذا كان صائما ويحترز من دخول الأصبع المبتلة كل ذلك يفسد الصوم وفي كتاب الصوم من الخلاصة إنما يفسد إذا وصل إلى موضع الحقنة وقلما يكون ذلك اه وللمخافة ينبغي أن ينشف المحل قبل أن يقوم ويستحب لغير الصائم أيضا حفظا للثوب من الماء المستعمل ويغسل يديه قبل الإستنجاء وبعده وينبغي أن يخطو قبله خطوات والمقصود أن يستبرىء وفي المبتغى والإستبراء واجب ولو عرض له الشيطان كثيرا لا يلتفت إليه بل ينضح فرجه بماء أو سراويله حتى إذا شك حل البلل على ذلك النضح ما لم يتيقن خلافه ولا يمتخط ولا يبزق ولا يذكر الله تعالى حال جلوسه ولا في ذلك المحل وبالماء البارد في الشتاء أفضل بعد تحقق الإزالة به ولا يدخل الإصبع قيل يورث الباسور والمرأة كالرجل تغسل ما ظهر منها ولو غسلت براحتها كفاها قوله وليستنج الخ روى البيهقي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا لكم مثل الوالد إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول ويستنجي بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه كلهم بلفظ وكان يأمر بثلاثة أحجار وإنما عزوناه للبيهقي لأنه بلفظ الكتاب وعن عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزىء عنه رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وفي رواية فليستطب بثلاثة أحجار رواها الدارقطني وقال إسناده صحيح قوله ولنا قوله عليه الصلاة والسلام الخ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج حديث حسن رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والإيتار يقع
____________________
(1/213)
على الواحدة فإذا لم يكن حرج في ترك الإيتار لم يكن حرج في ترك الإستنجاء وفيه نظر فإن المنفي على هذا التقدير إنما هو الإيتار ممن استنجى وذلك لا يتحقق إلا بنفي إيتار هو فوق الواحدة فإن بنفي الواحدة ينتفي الإستنجاء فلا يصدق نفي الإيتار مع وجود الإستنجاء فلا يتم الدليل إلا بصرف النفي إلى كل ما ذكر فيدخل فيه أصل الإستنجاء إن أحب ومجرد الإيتار فيه والمعنى من فعل ما قلته كله فقد أحسن ومن لا فلا حرج وما رواه متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز فعلم أن المراد عدد المسحات غير أنه قدر بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده كما قدره في حديث المستيقظ لا لتحقق المانع في المستيقظ لكن هذا إذا كان الإستجمار خاصا في الإستنجاء لكنه مشترك بينه وبين استعمال الجمر في البخور كما في قولهم تجمر الأكفان في الجنائز واستجمر فلان أي تبخر واستجمر ابن صبيح الكاتب عند المأمون فأدخل رأسه يشم البخور فأمر من يحبسه فاغتم وكان سبب موته في مثل كثيرة يطول نقلها فيكون لفظ الحديث لبيان سنية الإيتار في البخور والتطيب وإن استدل بأن الحجر لا يزيل ولذا ينجس الماء القليل إذا دخله المستنجى به فلقائل أن يمنعه ويقول جاز اعتبار الشرع طهارته بالمسح كالنعل وقد أجروا الروايتين في الأرض تصيبها النجاسة فتجف ثم تبتل والثوب يفرك من المنى ثم يبتل في عدة نظائر قدمناها وقياسه أن يجريا أيضا في السبيل اللهم إلا أن يكون إجماع في التنجس بدخول المستنجى به ثم المختار عند كثير في تلك النظائر أن لا يعود نجسا وقياس قولهم أن لا يعود السبيل نجسا ويلزمه أن لا ينجس الماء وقد صرح باختلاف في تنجس السبيل بإصابة الماء فعلى أحد القولين لا ينجس الماء صريحا هذا وأجمع المتأخرون أنه لا ينجس بالعرق حتى لو سال العرق منه وأصاب الثوب والبدن أكثر من قدر الدرهم لا يمنع والذي يدل على اعتبار الشارع طهارته بالحجر ونحوه ما روى الدارقطني عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال إنهما لا يطهران وقال إسناده صحيح فعلم أن ما أطلق الإستنجاء به يطهر إذ لو لم يطهر لم يطلق الإستنجاء به بحكم هذه العلة قوله لقوله تعالى الخ لا يطابق المدلول وهو أن الماء أفضل ما ذكر بل مقتضاه أن الجمع أفضل وهو لا يستلزم أفضلية الماء منفردا ثم هو حديث رواه البزار وقال لا نعلم أحدا رواه عن الزهري إلا محمد بن عبدالعزيز ولا نعلم أحدا روى عنه إلا ابنه اه وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال هم ثلاثة إخوة محمد بن عبدالعزيز وعبدالله بن عبدالعزيز وعمران بن عبدالعزيز وهم ضعفاء في الحديث ليس لهم حديث مستقيم والذي يطابق المدلول حديث ابن ماجة عن طلحة بن نافع قال أخبرني أبو أيوب وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك لما نزلت { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } قال صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء قال هو ذاكم فعليكموه
____________________
(1/214)
وسنده حسن وإن كان عتبة بن حكيم فيه مقال ضعفه النسائي وعن ابن معين فيه روايتان وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وأخرج الحاكم الحديث وصححه والحاصل أن الجمع أفضل ثم الماء ثم غيره قوله وقيل هو أي استعمال الماء سنة في زماننا قاله الحسن البصري فقيل له إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتركونه فقال إنهم كانوا يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا ورواه البيهقي في سننه عن علي رضي الله عنه قال إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا فأتبعوا الحجارة الماء هذا والنظر إلى ما تقدم أول الفصل من حديث أنس وعائشة رضي الله عنهما يفيد أن الإستنجاء بالماء سنة مؤكدة في كل زمان لإفادته المواظبة وإنما يستنجي بالماء إذا وجد مكانا يستر فيه نفسه ولو كان على شط نهر ليس فيه سترة لو استنجى بالماء قالوا يفسق وكثيرا ما يفعله عوام المصلين في الميضأة فضلا عن شاطىء النيل قوله موسوسا بكسر الواو لأنها حديث النفس فهو نفسه يتحدث وإذا فتح وجب وصله فيقال موسوسا إليه أي تلقى إليه الوسوسة وفيما نقل أيضا تقديره بعشر مرات أي صبات للماء وفي الخلاصة منهم من شرط الثلاث ومنهم من شرط السبع ومنهم من شرط العشرة ومنهم من وقت في الإحليل ثلاثا وفي المقعدة خمسا والصحيح أنه مفوض إلى رأيه فيغسل حتى يقع في قلبه أنه طهر اه وكان المراد بالإشتراط الإشتراط في حصول السنة وإلا فترك الكل لا يضره عندهم قوله لسقوط اعتبار ذلك الموضع تقدم أن كون قدر الدرهم ليس مانعا مأخوذ من سقوط غسل أحد السبيلين ومعنى هذا ليس إلا أنه سقط شرعا بدليله فعرفنا ذلك الدليل أن قدره وهو
____________________
(1/215)
الدرهم معفو عنه شرعا وإذا كان هو المعرف فسقوطه أيضا هو لأنه قدره فيلزم الغسل إذا زاد بالأصل غاية ما فيه أنه أول محل عرفنا ذلك وهو لا يقتضي أن يعتبر فيه درهم آخر معه وإلا لقيل في غيره أيضا مقدار الدرهم ساقط فيعتبرالقدر المانع وراءه وهو باطل وإذا لم يسقط الزائد لا يجزىء فيه الحجر وفي الخلاصة وإن خرج القيح أو الدم من ذلك الموضع لا يكفيه الحجر هذا إذا كانت النجاسة التي على موضع الإستنجاء قدر الدرهم أو أقل فإن كانت أكثر عن أبي حنيفة يكفيه الحجر وعن محمد لا يكفيه وعن أبي يوسف روايتان قوله نهى عن ذلك فيكره ويصح روى البخاري من حديث أبي هريرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم ابغني أحجارا أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة قلت ما بال العظام والروثة قال هما من طعام الجن وروى الترمذي لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن وعلى هذا القائل أن يستدل على طهارة الأرواث كقول مالك بهذا فإنه لو كان نجسا لم يحل طعاما للجن إذ الشريعة العامة لم تختلف في حق النوعين من المكلفين إلا بدليل والجواب قد وجد الدليل وهو قوله فيها ركس أو رجس ولا يجزيه الإستنجاء بحجر استنجى به مرة إلا أن يكون له حرف آخر لم يستنج به قوله لأنه إسراف وإهانة وإذا كرهوا وضع المملحة على الخبز للإهانة فهذا أولى فلو فعل فأنقى أتم وطهر المحل على إحدى الروايتين في جواز المائع في البدن وكذا بالعظم قوله نهى عن الإستنجاء باليمين عن أبي قتادة قال إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه ولا يتنفس في الإناء متفق عليه = كتاب الصلاة
____________________
(1/216)
قوله لحديث إمامة جبريل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ثم صلى العشاء حين
____________________
(1/217)
غاب الشفق ثم صلى الفجر حين بزق الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ثم صلى المغرب لوقته الأول ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ثم التفت جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد اه لكن فيه عبدالرحمن بن الحارث ضعفه أحمد ولينه النسائي وابن معين وأبو حاتم ووثقه ابن سعد وابن حبان وقد أخرجه عبدالرزاق عن عبدالرحمن هذا بإسناده وأخرجه أيضا عن العمري عن عمر بن نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس فكأنه أكد تلك الرواية بمتابعة ابن أبي بسرة عن عبدالرحمن ومتابعة العمري عن ابن نافع الخ وهي متابعة حسنة كذا في الإمام وبزق بالزاي أي بزغ وهو أول طلوعه وقد روى حديث الإمامة من حديث عدة من الصحابة منها حديث جابر بمعناه وفيه ثم جاءه للصبح حين أسفر جدا يعني في اليوم الثاني فقال قم يا محمد فصل فقام فصلى الصبح ثم قال ما بين هذين وقت كله قال الترمذي قال محمد يعني البخاري حديث جابر أصح شيء في المواقيت والحديث الثاني رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصوم واللفظ للترمذي عن سمرة ابن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن
____________________
(1/218)
الفجر المستطير في الأفق قوله وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس معرفة الزوال أن تنصب عصا مثلا بين أوقات الضحى فما دام الظل ينقص فهي في الإرتفاع فإذا أخذ يزيد فأول أخذه الزوال فليحفظ مقدار الظل إذ ذاك فإذا بلغ ظل كل شيء طوله أو طوليه على الخلاف مع ذلك المقدار خرج وقت الظهر ودخل وقت
____________________
(1/219)
العصر وعن أبي حنيفة من رواية أسد بن عمرو إذا بلغ طوله مع فيء الزوال خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر إلى الطولين وقال المشايخ ينبغي أن لا يصلي العصر حتى يبلغ طولي الشيء ولا يؤخر الظهر إلى أن يصير طوله ليخرج من الخلاف فيهما قوله وله قوله الخ عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جنهم رواه الستة وانفرد البخاري بحديث أبي سعيد الخدري أبردوا بالظهر فإن شدة الحر الخ قوله وإذا تعارضت الآثار يعني حديث الإمامة وهذا الحديث وثبوت التعارض متعلق بصدق المقدمة القائلة أشد الحر في ديارهم إذا كان ظل كل شيء مثله فلا ينقضي الوقت بالشك بل الظاهر اعتبار كل حديث روى مخالفا لحديث جبريل ناسخا لما خالفه فيه لتحقق نقدم إمامة جبريل على كل حديث روى في الأوقات لأنه أول ما عمله إياها بقي أن يقال هذا البحث إنما يفيد عدم خروج وقت الظهر ودخول وقت العصر بصيرورة الظل مثلا غير فيء الزوال ونفى خروج الظهر بصيرورته مثلا لا يقتضي أن أول وقت العصر إذا صار مثلين حتى أن ما قبله وقت الظهر وهو المدعى فلا بد له من دليل وغاية ما ظهر أن يقال ثبت بقاء وقت الظهر عند صيرورته مثلا نسخا لإمامة جبريل فيه في العصر بحديث الإبراد وإمامته في اليوم الثاني عند
____________________
(1/220)
صيرورته مثلين يفيد أنه وقته ولم ينسخ هذا فيستمر ما علم ثبوته من بقاء وقت الظهر إلى أن يدخل هذا الوقت المعلوم كونه وقتا للعصر قوله لقوله عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعت من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر متفق عليه وهو مخالف لحديث جبريل والحمل على أن قول جبريل عليه السلام الوقت فيما بين هذين يراد به الوقت غير المكروه أولى من الحمل على النسخ وكذا في المغرب والعشاء ولذا قلنا إن تأخير المغرب مطلقا مكروه تأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل مكروه ولظهور عدم صلاة جبريل في الوقت المكروه بخلافه في أول وقت العصر حيث لا يتأتى هذا فتعين النسخ فيه قوله لقوله عليه الصلاة والسلام روى الترمذي من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر وأول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق وإن أول وقت العشاء حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس وخطأ البخاري والدارقطني محمد بن فضيل في رفعه فإن غيره من أصحاب الأعمش يروونه عن مجاهد عنه من قوله
____________________
(1/221)
ودفعه ابن الجوزي وابن القطان بتجويز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلا وسمعه من أبي صالح مسندا فيكون عنده طريقان مسند ومرسل والذي رفعه يعني ابن فضيل صدوق من أهل العلم وثقه ابن معين وقد روى مسلم عن بريدة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال أقم معنا ثم أمر بلالا فساق الحديث إلى أن قال ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق يعني في اليوم الثاني وأخرج أيضا عن أبي موسى الأشعري أن سائلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة فساق الحديث إلى أن قال ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق يعني في اليوم الثاني وأخرج أيضا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقت صلاة الظهر فذكر الحديث إلى أن قال ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق قوله وهو قول الشافعي الخ روى الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفق الحمرة فإذا غاب وجبت الصلاة قال البيهقي والنووي الصحيح أنه موقوف على ابن عمر ومن المشايخ من اختار الفتوى على رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رحمه الله كقولهما ولا تساعده رواية ولا دراية أما الأول فلأنه خلاف الرواية الظاهرة عنه وأما الثاني فلما قدمنا في حديث ابن فضيل وأن آخر وقتها حين يغيب الأفق
____________________
(1/222)
وغيبوبته بسقوط البياص الذي يعقب الحمرة وإلا كان باديا ويجيء ما تقدم أعني إذا تعارضت الأخبار لم ينقض الوقت بالشك وقد نقل عن أبي بكر الصديق ومعاذ بن جبل وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم في رواية وأبي هريرة وبه قال عمر بن عبدالعزيز والأوزاعي والمزني وابن المنذر والخطابي واختاره المبرد وثعلب ولا ينكر أنه يقال على الحمرة يقولون عليه ثوب كأنه الشفق كما يقال على البياض الرقيق ومنه شفقة القلب لرقته غير أن النظر عند الترجيح أفاد ترجيح أنه البياض هنا وأقرب الأمر أنه إذا تردد في أنه الحمرة أو البياض لا ينقضي بالشك ولأن الإحتياط في إبقاء الوقت إلى البياض لأنه لا وقت مهمل بينهما فبخروج وقت المغرب يدخل وقت العشاء اتفاقا ولا صحة لصلاة قبل الوقت فالإحتياط في التأخير وأما الحديث الذي ذكره في آخر وقت العشاء أنه ما لم يطلع الفجر فقيل لم يوجد في شيء من أحاديث المواقيت ذلك وملخص كلام الطحاوي أنه يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وذلك أن ابن عباس وابا موسى والخدري رضي الله عنهم رووا أنه صلى الله عليه وسلم أخرها إلى ثلث الليل وروى أبو هريرة وأنس أنه أخرها حتى انتصف الليل وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب ثلثا الليل وروت عائشة رضي الله عنها أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل وكلها في الصحيح قال فثبت أن الليل كله وقت لها ولكنه على أوقات ثلاثة إلى الثلث أفضل وإلى النصف دونه وما بعده دونه ثم ساق بسنده إلى نافع بن جبير قال كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها ولمسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى فدل على بقاء وقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الأخرى ودخول الصبح بطلوع الفجر فأما الحديث الذي ذكره في الوتر فهو ما أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث خارجة بن حذافة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر
____________________
(1/223)
فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر وسيأتي تمام ما تيسر فيه في باب الوتر ولا حول ولا قوة إلا بالله وفي بعض طرق الحديث فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وهو دليلهما على أن أول وقته بعد صلاة العشاء قوله ولا يقدم عليه عند التذكر للترتيب فلو قدم ناسيا لا يعيد وكذا لو صلى العشاء بغير طهارة ثم نام فقام توضأ فصلى الوتر ثم تذكر أنه صلى العشاء بغير طهارة يعيدها دون الوتر فيهما وعندهما يعيدهما ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء كما قيل يطلع الفجر قبل غيبوبة الشفق عندهم أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم لعدم السبب وهو مختار صاحب الكنز كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين وأنكره الحلواني ثم وافقه وأفتى الإمام البرهاني الكبير بوجوبها ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر وجواز تعدد المعرفات للشيء فانتفاء الوقت انتفاء المعرف وانتفاء الدليل على شيء لا يستلزم انتفاء لجواز دليل آخر وقد وجد وهو ما تواطأت أخبار الإسراء من فرض الله تعالى الصلاة خمسا بعد ما أمروا أولا بخمسين ثم استقر الأمر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق لا تفصيل فيه بين أهل قطر وقطر وما روى ذكر الدجال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا ما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم فقيل يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا صلاة يوم قال لا اقدوروا له رواه مسلم فقد أوجب أكثر من ثلثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين وقس عليه فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم غير أن توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها ولا يسقط بعدمها الوجوب وكذا قال صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ثم هل ينوي القضاء الصحيح أنه لا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء ومن أفتى بوجوب العشاء يجب على قوله الوتر أيضا
____________________
(1/224)
فصل في استحباب التعجيل
قوله وقال الشافعي رحمه الله يستحب التعجيل بكل صلاة لقوله صلى الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله والعفو يستدعي تقصيرا وقال في جواب أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة لأول وقتها قوله والحجة عليه في تعميمه وإن الواقع التفصيل ما رويناه من قوله عليه الصلاة والسلام في الفجر أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر رواه الترمذي وقال حسن صحيح وتأويله بأن المراد تبين الفجر حتى لا يكون شك في طلوعه ليس بشيء إذ ما لم يتبين لا يحكم بجواز الصلاة فضلا عن إصابة الأجر المفاد بقوله فإنه أعظم للأجر ولو صرف عن ظاهره إلى عظيم كان المناسب في التعليل بتقدير ذلك التأويل أن يقال فإنه لا تصح الصلاة بدونه لأنه هو الأظهر في إفادة قصد عدم إيقاعها مع شك الطلوع فكيف وصرفه عنه بلا دليل لا يجوز بل في بعض رواياته ما ينفيه وهو رواية الطحاوي أسفروا بالفجر فكلما أسفر تم فهو أعظم للأجر أو قال لأجوركم وروى الطحاوي حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا القعنبي حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم قال ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء ما اجتمعوا على التنوير وهذا إسناد صحيح ولا يجوز اجتماعهم على خلاف ما فارقهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلزم كونه لعلمهم بنسخ
____________________
(1/225)
التغليس المروي من حديث عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بغلس فتشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس وحديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين ظاهر فيم ذهبنا إليه وهو قوله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها الذي اعتاد الأداء فيه لأنه غلس يومئذ ليمتد وقت الوقوف وفي لفظ لمسلم قبل ميقاتها بغلس فأفاد أن المعتاد كان غير التغليس إلا أنه يبعد النسخ لأنه يقتضي سابقة وجود المنسوخ وقوله ما رأيت يفيد أن لا سابقة له فالأولى حمل التغليس على غلس داخل المسجد لأن حجرتها رضي الله عنها كانت فيه وكان سقفه عريشا مقاربا ونحن نشاهد الآن أنه يظن قيام الغلس داخل المسجد وأن صحنه قد انتشر فيه ضوء الفجر وهو الإسفار وإنما وجب هذا الإعتبار لما وجب من ترجيح رواية الرجال خصوصا مثل ابن مسعود فإن الحال أكشف لهم في صلاة الجماعة ثم قال الطحاوي والذي ينبغي الدخول في الفجر في وقت التغليس والخروج منها في وقت الإسفار قال وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لكن الذي ذكر الأصحاب عن الثلاثة أن الأفضل أن يبدأ بالإسفار ويختم به وهو الذي يفيد اللفظ فإن الإسفار بالفجر إيقاعها فيه وهي اسم لمجموعها فيلزم إدخال مجموعها فيه قالوا وحده أن يبدأ في وقت يبقى منه بعد أدائها إلى آخر الوقت ما لو ظهر له فساد صلاته أعادها بقراءة مسنونة مرتلة ما بين الخمسين والستين آية قبل طلوع الشمس ولا يظن أن هذا يستلزم التغليس إلا من لم يضبط ذلك الوقت وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفصل بين أذان الفجر والصلاة قال يؤذن ثم يصلي ركعتين ثم يمكث قدر قراءة عشرين آية ثم يثوب ثم يمكث قدر عشرين آية ثم يقيم وهذا يقتضي أن يشرع وأطراف الغلس قائمة ولا شك أن فيه إسفارا ما وعن الطحاوي من كان من عزمه التطويل بدأ بغلس ومن لا أسفر ولا خلاف لأحد في سنية التغليس بفجر مزدلفة قوله لما روينا أي أبردوا بالظهر ولرواية أنس الخ في البخاري من حديث خالد بن دينار صلى بنا أميرنا الجمعة ثم قال لأنس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة
والمراد الظهر لأنه جواب السؤال عنها قوله وتأخير العصر حاصله أن تأخيرها إلى تغير القرص مكروه ويستحب ما لم يصل إلى ذلك وإنما يستحب أن
____________________
(1/226)
يؤخرها ليتوسع في النوافل لا إلى التغير بل يصليها والشمس بيضاء كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وما روى عنه صلى الله عليه وسلم في حديث والعصر والشمس حية متفق عليه وأول وقت العصر عند أبي حنيفة من صيرورة الظل مثلين مع فيء الزوال ومنه إلى التغير ليس كثيرا جدا فلا بعد في كون الأداء قبل ذلك الوقت داخلا في مسمى التعجيل غير أنه ليس تعجيلا شديدا وروى الحسن في الفصل بين أذان الظهر والصلاة أن يصلي بعده ركعتين كل ركعة بعشر آيات أو أربعا كلا بخمس آيات وروى الدارقطني عن عبدالواحد بن نافع قال دخلت مسجد المدينة فأذن مؤذن بالعصر وشيخ جالس فلامه وقال إن أبي أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة فسألت عنه فقالوا هذا عبدالله بن رافع بن خديج وضعف بعبد الواحد ورواه البخاري في تاريخ الكبير وقال لا يتابع عليه يعني عبدالواحد والصحيح عن رافع غيره ثم أخرج عن رافع كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم ينحر الجزور فيقسم عشر قسم ثم يطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس وعندي أنه لا تعارض بين هذين فإنه إذا صلى العصر قبل تغير الشمس أمكن في الباقي إلى الغروب مثل هذا العمل ومن يشاهد المهرة من الطباخين في الأسفار مع الرؤساء لم يستبعد ذلك قوله ويستحب تعجيل المغرب هو بأن لا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بجلسة خفيفة أو سكتة على الخلاف الذي سيأتي وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروه وهي خلافية وستذكر في باب النوافل إن شاء الله تعالى قال في القنية إلا أن يكون قليلا وما روى الأصحاب عن ابن عمر رضي الله عنه أنه أخرها حتى بدا نجم فأعتق رقبة يقتضي أن ذلك القليل الذي لا يتعلق به كراهة هو ما قبل ظهور النجم وفي المنية لا يكره في السفر وللمائدة أو كان
____________________
(1/227)
يوم غيم وفي القنية لو أخرها بتطويل القراءة فيه خلاف وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكره ما لم يغب الشفق ولا يبعد ودليل الكراهة التشبه باليهود وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال أمتي بخير الخ وهو ما روى أبو داود عن مرثد بن عبدالله وفي سنده محمد بن إسحق قال قدم علينا أبو أيوب غازيا وعقبة بن عامر يومئذ على مصر فأخر المغرب فقام إليه أبو أيوب فقال ما هذه الصلاة يا عقبة قال شغلنا قال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم فيه نظر إذ مقتضاه ندب وبتقديره تفويت ما ندب إليه لا تثبت الكراهة لجواز الإباحة كما في العشاء يندب تأخيرها إلى ما قبل الثلث ويصليها إذ ذاك فإن لم يفعل إلى النصف انتفى الندب وكان مباحا وما بعده مكروه وحاصل الحديث ضمان الخير والفطرة أي السنة بالتعجيل ولا يلزم ثبوت ضدهما في التأخير لجواز حصولهما معه بسبب آخر وهذا إنما يلزم من استدل بالحديث على كراهة تأخيرها وليس بلازم في كلام المصنف لجواز كونه فيه دليلا على قوله ويستحب تعجيل المغرب هذا إن صح الحديث بتوثيق ابن إسحق وهو الحق الأبلج وما نقل عن مالك فيه لا يثبت ولو صح لم يقبله أهل العلم كيف وقد قال شعبة فيه هو أمير المؤمنين في الحديث وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن علية وعبدالوارث وابن المبارك واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث غفر الله لهم وقد أطال البخاري في توثيقه في كتاب القراءة خلف الإمام له وذكره ابن حبان في الثقات وأن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية
____________________
(1/228)
ذكرها قوله لقوله عليه الصلاة والسلام لولا أن أشق على أمتي روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه وقال حسن صحيح قوله وهو قطع السمر المنهي عنه على ما روى الستة في كتبهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها رووه مطولا ومختصرا وأجاز العلماء السمر بعدها في الخير واستدلوا بما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد وروى الترمذي في الصلاة والنسائي في المناقب عن عمر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه قال الترمذي حديث حسن ورواه الإمام أحمد عن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الأخيرة إلا الأحد رجلين مصل أو مسافر وفي رواية أو عروس وحديث من خاف أن لا يقوم رواه مسلم وتمامه
____________________
(1/229)
فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل قوله فتثبت الإباحة فيه نظر لأن المعنى أن التأخير إلى نصف الليل ملزوم لأمرين مكروه وهو تقليل الجماعة ومندوب وهو قطع السمر وإذا لزم من تحصيل المندوب كقطع السمر ارتكاب مكروه ترك على ما عرف في مسائل فينبغي كون التأخير إلى النصف مطلوب الترك فلا يكون مباحا لأنه لا ترجيح في احد طرفي المباح والله الموفق
____________________
(1/230)
فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة
استعمل الكراهة هنا بالمعنى اللغوي فيشمل عدم الجواز وغيره مما هو مطلوب العدم أو هو بالمعنى العرفي والمراد كراهة التحريم لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه يفيد كراهة التحريم وإن كان قطعيه أفاد التحريم فالتحريم في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة التحريم في رتبة الواجب والتنزيه برتبة المندوب والنهي الوارد من الأول فكان الثابت به كراهة التحريم وهي في الصلاة إن كانت لنقصان في الوقت منعت أن يصح فيه ما تسبب عن وقت لا نقص فيه لا لأنها كراهة تحريم بل لعدم تأدي ما وجب كاملا ناقصا فلذا قال عقيب ترجمته بالكراهة لا تجوز الصلاة الخ لكن إن أريد بعدم الجواز عدم الصحة والصلاة عام لم يصدق في كل صلاة لأنه لو شرع في نفل في الأوقات الثلاثة صح شروعه حتى وجب قضاؤه إذا قطعه خلافا لزفر ويجب قطعه وقضاؤه في غير مكروه في ظاهر الرواية ولو أتمه خرج عن عهدة ما لزمه بذلك الشروع وفي المبسوط القطع أفضل والأول هو مقتضى الدليل وإن أريد عدم الحل كان أعم من عدم الصحة فلا يستفاد منه خصوص ما هو حكم القضاء من عدم الصحة وهو مقصود الإفادة والظاهر أن مقصوده الثاني ولذا استدل بحديث عقبة بن عامر الثابت في مسلم وغيره ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف للغروب حتى تغرب وهو إنما يفيد عدم الحل في جنس الصلاة دون عدم الصحة في بعضها بخصوصه والمفيد لها إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم إن الشمس تطلع بين قرني شيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها وإذا غربت فارقها ونهى عن الصلاة في تلك الساعات رواه مالك في الموطأ والنسائي فإنه أفاد كون المنع لما اتصل بالوقت مما يستلزم فعل الأركان
____________________
(1/231)
فيه التشبه بعبادة الكفار وهذا المعنى بنقصان الوقت وإلا فالوقت لا نقص فيه نفسه بل هو وقت كسائر الأوقات إنما النقص في الأركان فلا يتأدى بها ما وجب كاملا فخرج الجواب عما قيل لو ترك بعض الواجبات صحت الصلاة مع أنها ناقصة تأدى بها الكامل لأن ترك الواجب لا يدخل النقص في الأركان التي هي المقومة للحقيقة بخلاف فعل الأركان في ذلك الوقت وعن الكافر والصبي والمجنون إذا أسلم وبلغ وأفاق في الجزء المكروه فلم يؤد حتى خرج الوقت فإن السبب في حقهم لا يمكن جعله كل الوقت حين خرج إذ لم يدركوا مع الأهلية إلا ذلك الجزء فليس السبب في حقهم إلا إياه ومع هذا لو قضوا في وقت مكروه لا يجوز لأن الثابت في ذمته كامل إذ لا نقص في الوقت نفسه بل المفعول فيه يقع ناقصا غير أن تحمل ذلك النقص لو أدى فيه العصر ضروري لأنه مأمور بالأداء فيه فإذا لم يؤد لم يوجد النقص الضروري وهو في نفسه كامل فيثبت في ذمته كذلك فلا يخرج عن عهدته إلا بكامل بخلاف ما لو قضى في وقت مكروه ما قطعه من النفل المشروع فيه في وقت مكروه حيث يخرجه عن العهدة وإن كان آثما لأن وجوبه ضرورة صيانة المؤدي عن البطلان ليس غير والصون عن البطلان يحصل مع النقصان وكذا سجدة التلاوة في الوقت المكروه وصلاة الجناز لأنهما لإظهار مخالفة الكفار بالإنقياد وقضاء حق الميت بالدعاء له وكل منهما يتحقق مع النقصان أو نقول عند التلاوة يخاطب بالأداء موسعا ومن ضرورته تحمل ما يلزمه من النقص لو أدى عندها بخلاف ما إذا تليت في غير مكروه فإن الخطاب لم يتحقق بأدائها في وقت مكروه موسعا فلا يجوز قضاؤها في مكروه وهذا الوجه أسلم إذ يستلزم الأول جواز أدائها في مكروه وإن تليت في غيره ومثله بعينه في صلاة الجنازة وهو معنى قول المصنف حتى لو صلاها فيه أو تلا سجدة فيه وسجدها إلى قوله إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة يقتضي كلامه أن الأولى تأخيرهما إذا تحقق سببهما في الوقت المكروه
وفي التحفة إذا حضرت جنازة في الأوقات الثلاثة فالأفضل أن يصلي ولا يؤخرها بخلاف الفرائض
____________________
(1/232)
فإنها وجبت لعينها أي ابتداء إقامة الخدمة الملك سبحانه المستحقة على وجه الكمال فاقتصر على هذا التقرير فإنه يدفع أوهاما بعد إتقانه إن شاء الله سبحانه قوله حجة على الشافعي في تخصيص الفرائض أي المقضيات وبمكة أي وتخصيص الصلاة مطلقا بمكة فرضها ونفلها وعلى أبي يوسف رحمه الله في إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال أما إخراج الفرائض فبقوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها متفق عليه وأما بمكة فحديث جبير بن مطعم مرفوعا يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار وبحديث أبي ذر في معناه رواه الدارقطني والبيهقي وهو معلول بأربعة أمور انقطاع ما بين مجاهد وأبي ذر فإنه الذي يرويه عنه وضعف ابن المؤمل وضعف حميد مولى عفراء واضطراب سنده ورواه البيهقي وأدخل قيس بن سعيد بين حميد هذا وبين مجاهد ورواه سعيد بن سالم فأسقطه من البين وأما إخراج أبي يوسف رحمه الله ففي مسند الشافعي رحمه الله أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحق بن عبدالله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة أما
____________________
(1/233)
حديث من نام عن صلاة فهو وإن كان خاصا في الصلاة لكن كونه مخصصا لعمومها في حديث عقبة بن عامر يتوقف على المقارنة فلما لم يثبت فهو معارض في بعض الأفراد فيقدم حديث عقبة لأنه محرم ولو تنزلنا إلى طريقهم في كون الخاص مخصصا كيفما كان فهو خاص في الصلاة عام في الأوقات فإن وجب تخصيصه عموم الصلاة في حديث عقبة بن عامر وجب تخصيص حديث عقبة عموم الوقت لأنه خاص في الوقت وتخصيص عموم الوقت هو إخراجه الأوقات الثلاثة من عموم وقت التذكر في حق الصلاة الفائتة كما أن تخصيص الآخر هو إخراج الفوائت عن عموم منع الصلاة في الأوقات الثلاثة وحينئذ فيتعارضان في الفائتة في الأوقات المكروهة إذ تخصيص حديث عقبة يقتضي إخراجها عن الحل في الثلاثة وتخصيص حديث التذكر للفائتة من عموم الصلاة يقتضي حلها فيها ويكون إخراج حديث عقبة أولى لأنه محرم وأما حديث مكة فبعد التنزل فيه عام في الصلاة والوقت فيتعارض عمومهما في الصلاة ويقدم حديث عقبة لما قلنا وكذا يتعارضان
____________________
(1/234)
في الوقت إذ الخاص يعارض العام عندنا وعلى أصولهم يجب أن يخص منه حديث عقبة الأوقات الثلاثة لأنه خاص فيها وأما حديث أبي يوسف رحمه الله فالواقع بعد التنزل فيه أيضا استثناء يوم الجمعة والإستثناء عندنا تكلم بالباقي فيكون حاصله نهيا مقيدا بكونه بغير يوم الجمعة فيقدم عليه حديث عقبة المعارض له فيه لأنه محرم وقد يقال يحمل المطلق على المقيد لاتحادهما حكما وحادثة قوله والمراد الخ اختلف في ذلك فحمله
____________________
(1/235)
الترمذي على الصلاة كالمصنف وكذا ابن المبارك وحمله أبو داود على الدفن الحقيقي ويترجح الأول بما رواه الإمام أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الجنائز من حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس الحديث وقال البيهقي في كتاب المعرفة ورواه روح بن القاسم عن موسى بن علي عن أبيه وزاد فيه قلت لعقبة أيدفن بالليل قال نعم قد دفن أبو بكر قوله نهى عن ذلك فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب متفق عليه وما روى عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية ركعتان قبل الصلاة الصبح وركعتان بعد العصر وفي لفظ لهما ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين
____________________
(1/236)
وفي لفظ لمسلم عن طاوس عنها قالت وهم عمر رضي الله عنه إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك وفي لفظ للبخاري عن أم أيمن عن عائشة رضي الله عنها قالت والذي ذهب به ما تركهما حتى لقى الله تعالى وما لقى الله حتى ثقل عن الصلاة وكان يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته وكان يحب ما خفف عنهم فالعذر عنه أن هاتين الركعتين من خصوصياته وذلك لأن أصلهما أنه عليه الصلاة والسلام فعلهما جبرا لما فاته من الركعتين بعد الظهر أو قبل العصر حين شغل عنهما وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته فداوم عليهما وكان ينهى غيره عنهما أما الأول فلما في مسلم والبخاري والمغازي عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما أن ابن عبدالله بن عباس وعبدالرحمن بن أزهر ومسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا اقرأ عليهما السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد العصر وقل بلغنا أنك تصلينها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما قال كريب فدخلت على عائشة رضي الله عنها فأخبرتها فقالت سل أم سلمة فرجعت إليهم فأخبرتهم فردوني إلى أم سلمة فقالت أم سلمة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما ثم رأيته يصليهما فقيل له في ذلك فقال إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان
وأخرج مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها يعني داوم عليها وأما الثاني فأخرج أبو داود من جهة ابن إسحق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها أنها حدثته بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين وينهى عنهما ويواصل وينهى عن الوصال واستفدنا من الحديث الأول تردد عائشة رضي الله عنها فيما جزمت به في ذلك الحديث من قولها وهم عمر الخ فإن إحالتها على أم سلمة رضي الله عنها عند استعلام السائل الحكم يفيد ترددها أو التقوى بموافقتها ويؤيد ما ذكرنا أن عمر رضي الله عنه كان يضرب عليهما
في موطأ مالك عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب المناكب في الصلاة بعد العصر وكان هذا بمحضر من الصحابة
____________________
(1/237)
من غير نكير فكان إجماعا على أن المتقرر بعده عليه الصلاة والسلام عدم جوازهما ثم كان ذلك دأبه لا أنه وقع منه مرة فلم يطلع عليه بعضهم أو يجوز رجوعه كما يفيد قول أنس بن مالك حين سئل عن التطوع بعد العصر كان عمر رضي الله عنه يضرب الأيدي عن صلاة بعد العصر الحديث رواه مسلم قوله لأن الكراهة الخ الله أعلم بما دل على هذا الإعتبار ثم النظر إليه يستلزم نقيض قولهم العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعنى النص لأنه يستلزم معارضة النص بالمعنى والنظر إلى النصوص يفيد منع القضاء تقديما للنهي العام على حديث التذكر نعم يمكن إخراج صلاة الجنازة وسجد التلاوة بأنهما ليسا بصلاة مطلقة ويكفي في إخراج القضاء من الفساد العلم بأن النهي ليس لمعنى في الوقت وذلك هو الموجب للفساد وأما من الكراهة ففيه ما سبق قوله وفيما وجب لعينه كسجد التلاوة المراد بما وجب لعينه ما لم يتعلق وجوبه بعارض بعد أن كان نفلا كالمنذور وسواء كان مقصودا بنفسه أو لغيره كمخالفة الكفار وموافقة الأبرار في سجدة التلاوة وقضاء حق الميت في صلاة الجنازة
وعن أبي يوسف لا يكره المنذور ولا أثر لإيجاب العبد كما لا أثر لتلاوته في إثبات الكراهة في السجدة وقد يقال وجوب السجدة في التحقيق متعلق بالسماع لا بالاستماع ولا التلاوة وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف
____________________
(1/238)
خلقي فيه بخلاف النذر والطواف والمشروع فيه ولولاه لكانت الصلاة نفلا قوله لأنه عليه الصلاة والسلام الخ روى مسلم عن حفصة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين وفي أبي داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه عليه الصلاة والسلام لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين لفظ الترمذي
وفي التجنيس تطوع آخر الليل فلما صلى ركعة طلع الفجر الإتمام أفضل لأنه وقع التنفل بعد الفجر لا عن قصده وفي المجتبي تخفف القراءة في ركعتي الفجر هذا ومما تكره الصلاة النافلة فيه بعد الغروب قبل الفرض وعند الإقامة يوم الجمعة وعند خطبة الجمعة والكسوف والعيد والإستسقاء وقبل صلاة العيد وذكر بعضهم لا يتنفل بعد صلاتي الجمع بعرفات والمزدلفة ويتصل بهذا كراهة الكلام يكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلي إلا بخير وبعد الصلاة لا بأس به وبالمشي في حاجته وقيل يكره إلى الشمس وقيل إلى ارتفاعها وبعد العشاء أباحه قوم وحظره قوم وكان عليه الصلاة والسلام يكره النوم قبلها والحديث بعدها والمراد بما ليس فيه خير وإنما يتحقق الخير في كلام هو عبادة فإن المباح لا خير فيه كما لا إثم فيه وسنعقد للركعتين قبل صلاة المغرب كلاما في باب النوافل إن شاء الله تعالى & باب الأذان
____________________
(1/239)
قوله الأذان سنة هو قول عامة الفقهاء وكذا الإقامة وقال بعض مشايخنا واجب لقول محمد لو اجتمع أهل بلد على تركه قاتلناهم عليه وأجيب بكون القتال لما يلزم الإجتماع على تركه من استخفافهم بالدين بخفض أعلامه لأن الأذان من أعلام الدين لذلك لا على نفسه وعند أبي يوسف يحبسون ويضربون ولا يقاتلون بالسلاح كذا ينقله بعضهم بصورة نقل الخلاف ولا يخفى أن لا تنافى بين الكلامين بوجه فإن المقاتلة إنما تكون عند الإمتناع وعدم القهر لهم والضرب والحبس إنما يكون عند قهرهم فجاز أن يقاتلوا إذا امتنعوا عن قبول الأمر بالأذان ولم يسلموا أنفسهم فإذا قوتلوا فظهر عليهم ضربوا وحبسوا وقد يقال عدم الترك مرة دليل الوجوب فينبغي وجوب الأذان لذلك ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلدة بالإجتماع على تركه إذا قام به غيرهم ولم يضربوا ولم يحبسوا وفي الدراية عن علي بن الجعد عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله صلوا في الحضر الظهر والعصر بلا أذان ولا إقامة أخطئوا السنة وأثموا وهذا وإن كان لا يستلزم وجوبه لجواز كون الإثم لتركهما معا فيكون الواجب أن لا يتركهما معا لكن يجب حمله على أنه لا يجاب الأذان لظهور ما ذكرنا من دليله قوله دون ما سواها فلا يؤذن للعيد والكسوف
وفي مسلم عن جابر بن سمرة صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة وعن عائشة رضي الله عنها خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا ينادي بالصلاة جامعة والوتر وإن كان واجبا لكن أذان العشاء إعلام بدخول وقته لأن وقته وقتها ولولا ما روينا في العيد لأذنا له على رواية الوجوب أما على رواية السنة فلا لأن النوافل تبع للفرائض باعتبار التكميل فلا يخص بأذان وفي أذان الجمعة حديث السائب بن يزيد في الصحيح قوله وهو كما أذن الملك النازل من السماء روى الدارقطني بسند فيه عبدالرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال قام رجل من الأنصار عبدالله بن زيد يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت في النوم كأن رجلا نزل من السماء عليه بردان أخضران نزل على جذم حائط من المدينة فأذن مثنى مثنى ثم جلس قال أبو بكر بن عياش على نحو من أذاننا اليوم قال علمها بلالا فقال عمر ورأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني وعبدالرحمن لم يسمع من معاذ فإنه ولد لست بقين من خلافة عمر رضي الله عنه فيكون سنة سبع عشر من الهجرة ومعاذ توفى سنة تسع عشرة من الهجرة أو ثماني عشرة وهذا عندنا حجة بعد ثقة الرواة وعبدالله هذا هو ابن زيد
____________________
(1/240)
ابن عبد ربه بن ثعلب بن زيد بن الحارث بن الخزرج وقيل ليس في نسبه ثعلبة بل ابن زيد بن عبد ربه بن زيد بن الحارث ولأبي داود وابن خزيمة بسند فيه محمد بن إسحق عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبدالله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله فساقه بلا ترجيع قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر فساق الإقامة وأفردها وثنى لفظة الإقامة قال فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر باقي الحديث وفيه فسمع ذلك عمر وهو في بيته فجعل يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق نبيا لقد رأيت مثل ما رأى فقال صلى الله عليه وسلم فلله الحمد قال ابن خزيمة سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول ليس في أخبار عبدالله بن زيد في قصة الأذان أصح من هذا إلى أن قال وخبر ابن إسحق هذا ثابت صحيح لأن محمد بن عبدالله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحق وقال الترمذي في علله الكبير سألت محمد بن إسمعيل عن هذا الحديث فقال هو عندي صحيح وما أسنده البزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مما أفاد أن الله تعالى لما أراد أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فذهب يركبها فاستصعبت فقال لها اسكني فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد فساقه فأفاد أنه كان في الإسراء أذن ملك فهو خبر غريب ومعارض للخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة على ما في مسلم كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ويتحينون الصلاة وليس ينادي لها أحد فتكلموا في ذلك فقال بعضهم ننصب راية الحديث قوله لحديث أبي محذورة عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حي على الصلاة الحديث رواه مسلم هكذا والتكبير في أوله مرتان وبه يستدل مالك رحمه الله ورواه أبو داود والنسائي والتكبير في أوله أربعا وإسناده صحيح قوله أنه لا ترجيع في المشاهير فيه أحاديث منها حديث عبدالله بن زيد بجميع طرقه ومنها ما في
____________________
(1/241)
أبي داود عن ابن عمر قال إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة الحديث ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما بسند قال ابن الجوزي بإسناده صحيح وسعيد بن المغيرة وثقه ابن حبان وقال في الإمام قال ابن أبي حاتم قال أبي سعيد بن المغيرة ثقة فاحتمل أن يكون ذلك في حديث أبي محذورة لأنه لم يمد بها صوته على الوجه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فمد بها صوتك قاله الطحاوي وهو المراد بقول المصنف وكان ما رواه تعليما أي تعليما لكيفية أذانه فظنه ترجيعا واستشكل بما في أبي داود بإسناد صحيح عن أبي محذورة قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع بها صوتك فالأولى إثبات المعارضة بين روايتي أبي محذورة في الترجيع فهذه تفيده وروى الطبراني في الوسط حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن عبدالله البغدادي حدثنا أبو جعفر النفيلى حدثنا إبراهيم بن إسمعيل بن عبدالملك بن أبي محذورة قال سمعت جدي عبدالملك بن أبي محذورة يقول إنه سمع أباه أبا محذورة يقول ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا الله أكبر الله أكبر إلى آخره ولم يذكر ترجيعا فيعارضها فيتساقطان ويبقى ما قدمنا من حديث ابن عمر وعبدالله بن زيد سالما من المعارض ويعارضها مع رواية ابن عمر رضي الله عنه فيترجح عدم الترجيع لأن حديث عبدالله بن زيد بن عبد ربه هو الأصل في الأذان وليس فيه ترجيع فيبقى معه إلى أن يتحقق خلافه لكن خلافه متعارض فلا يرفع حكما تحقق ثبوته بلا معارض قوله لأن بلالا قال الخ روى ابن ماجه عن سعيد بن المسيب عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر وابن المسيب لم يدرك بلالا فهو منقطع وهو حجة عندنا بعد عدالة الرواة وثقتهم على أنه روى في حديث أبي محذورة أنه صلى الله عليه وسلم قال فإذا كان في صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله رواه أبو داود والنسائي وعن أنس قال من السنة إذا قال المؤذن في صلاة الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم مرتين رواه الدارقطني وقول الصحابة من السنة حكمه الرفع على الصحيح لكن خصوص ما في الهداية في معجم الطبراني الكبير حدثنا محمد بن علي الصائغ
____________________
(1/242)
المكي حدثنا يعقوب بن حميد حدثنا عبدالله بن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن حفص بن عمر عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصبح فوجده راقدا فقال الصلاة خير من النوم مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك قوله هكذا فعل الملك الخ روى أبو داود عن ابن أبي ليلى عن معاذ قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وساق نصر يعني ابن المهاجر الحديث بطوله وسمي صاحب الرؤيا قال فجاء عبدالله بن زيد رجل من الأنصار إلى أن قال فاستقبل القبلة يعني الملك قال الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان قال ثم أمهل هنية ثم قام فقال مثلها إلا أنه قال زاد بعد ما قال حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وتقدم أن ابن أبي ليلى لم يدرك معاذ وهو مع ذلك حجة عندنا وروى ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى بسند قال في الإمام رجاله رجال الصحيحين قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبدالله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ولابن ماجه قال يعني أبا محذورة علمني الأذان تسع عشرة كلمة الله أكبر الله أكبر الحديث وفيه الترجيع والإقامة سبع عشرة كلمة الله أكبر الله أكبر الخ وفيه تثنية التشهدين والحيعلتين وقد قامت الصلاة وللترمذي علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة قوله ثم هو حجة على الشافعي الخ استدل هو بما في البخاري أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة وفي رواية متفق عليها لم يذكر الإستثناء فأخذ بها مالك ولا يخفى أن ما رويناه نص على العدد وعلى حكاية كلمات الأذان فانقطع الإحتمال بالكلية بخلاف أمر أن يوتر الإقامة فإن بعد كون الآمر هو الشارع فالإقامة اسم لمجموع الذكر وتعليق الإيتار بها نفسها لا يراد على ظاهره وهو أن يقول الإقامة التي هي مجموع الذكر مرة لا مرتين فلزم كونه إما إيتار ألفاظها كما ذهب إليه أو إيتار صوتها بأن يحدر فيها كما هو المتوارث فيجب الحمل على الثاني ليوافق ما رويناه من النصر الغير المحتمل كيف وقد قال الطحاوي تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى مات وعن إبراهيم النخعي كانت الإقامة مثل الأذان حتى كان هؤلاء الملوك فجعلوها واحدة واحدة للسرعة إذا خرجوا يعني بني أمية كما قال أبو الفرج ابن الجوزي كان الأذان والإقامة مثنى مثنى فلما قام بنو أمية أفردوا الإقامة وما ذكرنا من توارث الحدر في الإقامة كان لثبوت السنية لكن المصنف ذكر فيه حديث الترمذي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا أذنت فترسل في أذانك وإذا أقمت فاحدر واجعل من بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل
____________________
(1/243)
من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ولا تقوموا حتى تروني وقد ضعف وروى البيهقي عن ابن عمر أنه كان يرتل الأذان ويحدر الإقامة وذكر الدارقطني عن عمر من قوله قوله ويترسل في الأذان هو أن يفصل بين كل كلمتين من كلماته بسكتة والحدر أن لا يفصل ولو ترسل فيها قيل يكره لمخالفة السنة وقيل ما ذكره في المتن يشير إلى عدم الكراهة حيث قال وهذا بيان الإستحباب والحق هو الأول لأن المتوارث الترسل فيكره تركه وفي فتاوى قاضيخان أذن ومكث ساعة ثم أخذ في الإقامة فظنها أذانا فصنع كالأذان فعرف يستقبل الإقامة لأن السنة في الإقامة الحدر فإذا ترسل ترك سنة الإقامة وصار كأنه أذن مرتين قوله لأنه خطاب للقوم فيواجههم به ويقع لمن خلفه إعلام بذلك الإلتفات مع ثبات القدمين فلا حاجة إلى ارتكاب المكروه باستدبار القبلة اللازم من مواجهتهم ثم قيل يلتفت يمنة للصلاة ويسرة للفلاح وقيل يمنة ويسر لكل منهما واختار بعضهم الأول والثاني أوجه قوله بأن كانت الصومعة اتساعها لا ينفي استطاعة تحويل الوجه الذي يعطيه ظاهر اللفظ لكن المراد عدم استطاعة التبليغ مع التحويل لأنه يصير في جوفها فيضعف بلوغ
____________________
(1/244)
الصوت خصوصا لمن خلفه فيستدبر ويخرج رأسه ليتم الإعلام قوله بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا روى أبو محمد بن حيان بالمثناة من تحت وهو المعروف بأبي الشيخ في كتاب الأذان له أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يدخل أصبعيه في أذنيه وقال إنه أرفع لصوتك وروى الترمذي في حديث أبي جحيفة رأيت بلالا يؤذن وأنتبع فاه ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه وقال حسن صحيح قوله فإن لم يفعل فحسن أي الأذان حسن قوله لأنها ليست بسنة أصلية قال في العناية لعبدالقادر فيه نظر لما تقدم من الأحاديث الصحيحة مع لفظة الأمر انتهى وفيه نظر إذ ما تقدم مع لفظ الأمر مصروف عن الوجوب لأنه شرع كيفية لما هو سنة فيكون المراد به السنية والأصلية أمر زائد عليه صرف عنه التعليل في النص بكونه أرفع للصوت قوله على حسب ما تعارفوه يفيد عدم تعين الحيعلة نحو الصلاة أو قامت قامت قوله وخصوا الفجر به فكرهوه في غيره وعن ابن عمر أنه سمع مؤذنا يثوب في غير الفجر وهو في المسجد فقال لصاحبه قم حتى نخرج من عند هذا المبتدع وعن علي رضي الله عنه إنكاره قوله لما ذكرنا يعني أنه وقت نوم وغفلة وفسره رواية الحسن بأن يمكث بعد الأذان
____________________
(1/245)
قدر قراءة عشرين آية ثم يثوب ثم يمكث كذلك ثم يقيم وقد قدمناه قوله وأبو يوسف خصهم أخر ذكر وجه أبي يوسف رحمه الله لإفادة اختياره وكذا يظهر من كلام قاضيخان وغيره اختيار قول أبي يوسف قوله والمكان في مسئلتنا مختلف يفيد كون المعهود اختلاف مكانهما وهو كذلك شرعا والإقامة في المسجد ولا بد وأما الأذان فعلى المئذنة فإن لم يكن ففي فناء المسجد وقالوا لا يؤذن في المسجد قوله فيقع الفصل بالسكتة في جامعي قاضيخان والتمرتاشي السكتة الفاصلة عنده قدره ثلاث آيات قصارا أو آية طويلة وعنه قدر ثلاث خطوات أو أربع قوله والفرق قد ذكرناه وهو كراهة التأخير فإذا كانت تلك الركعتان مندوبا يستلزم كراهة كان
____________________
(1/246)
سبيلها الترك وهذا يشير إلى أن تأخير المغرب قدر أداء ركعتين مكروه وقدمنا من القنية استثناء التأخير القليل فيجب حمله على ما هو أقل من قدرهما إذا توسط فيهما ليتفق كلام الأصحاب قوله قال يعقوب هو اسم أبي يوسف رحمه الله وهذا لفظ محمد في الجامع الصغير قوله وإن المستحب كون المؤذن عالما بالسنة يفيد بالإلتزام العادي طلب أن لا يكون صبيا وإن كان عاقلا بل بالغا ثم استدل بقوله صلى الله عليه وسلم وليؤذن لكم خياركم فعلم أن المراد أن المستحب كونه عالما عاملا لأن العالم الفاسق ليس من الخيار لأنه أشد عذابا من الجاهل الفاسق على أحق القولين كما تشهد الأحاديث الصحيحة وصرحوا بكراهة أذان الفاسق من غير تقييد بكونه عالما أو غيره وروى مثله في الصبي العاقل أيضا لكن ظاهر الرواية في الصبي العاقل عدم الكراهة بخلاف غير العاقل ثم في النسخ ويؤذن بالواو والذي في أبي داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم وفي إسناده الحسين بن عيسى نسب إليه أبو زرعة وأبو حاتم النكارة في حديثه ثم يدخل في كونه خيارا أن لا يأخذ أجرا فإنه لا يحل للمؤذن ولا للإمام ولأبي داود عن عثمان بن أبي العاص قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم واقتد بضعيفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا قالوا فإن لم يشارطهم على شيء لكن عرفوا حاجته فجمعوا له في كل وقت شيئا كان حسنا ويطيب له وعلى هذا المفتي لا يحل له أخذ شيء على ذلك لكن ينبغي للقوم أن يهدوا إليه وفي فتاوى قاضيخان المؤذن إذا لم يكن عالما بأوقات الصلاة لا يستحق ثواب المؤذنين انتهى ففي أخذ الأجر أولى ولنسق بعض ما روى في المؤذنين روى الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما في النداء لتضاربوا عليه بالسيوف وله بإسناد صحيح ويغفر للمؤذن منتهى أذانه ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه ورواه البزار إلا أنه قال ويجيبه كل رطب ويابس وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه وعندهما يشهد له والنسائي وزاد وله مثل أجر من صلى معه وللطبراني مثل هذه وله في الأوسط يد عبدالرحمن فوق رأس المؤذن وإنه ليغفر له مدى صوته أين بلغ وله فيه إن المؤذنين والملبين يخرجون من قبورهم يؤذن المؤذن ويلبي الملبي ولمسلم المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة وللإمام أحمد والترمذي عن ابن عمر يرفعه ثلاثة على كثبان المسك أراه قال يوم القيامة زاد في رواية يغبطهم الأولون والآخرون عبد أدى حق الله وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به راضون ورجل ينادي
____________________
(1/247)
بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة ورواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد لا بأس به ولفظه قال صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب هم على كثيب من مسك حتى يفرغ حساب الخلائق رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله و أم قوما وهم به راضون وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه ورواه في الكبير ولفظه عن ابن عمر قال لو لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة ومرة ومرة حتى عد سبع مرات لما حدثت به سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا يفزعون حين يفزع الناس رجل تعلم القرآن فقام به يطلب وجه الله وما عنده ورجل ينادي في كل يوم وليلة خمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده ومملوك لم يمنعه رق الدنيا عن طاعة ربه ويدخل في الخيار أيضا من لا يلحن الأذان لأنه لا يحل وتحسين الصوت مطلوب ولا تلازم بينهما وقيده الحلواني بما هو ذكره فلا بأس بإدخال المد في الحيعلتين فظهر من هذا أن التلحين هو إخراج الحرف عما يجوز له في الأداء وهو صريح في كلام الإمام أحمد فإنه سئل عنه في القراءة فمنعه فقيل له لم قال ما اسمك قال محمد قال له أيعجبك أن يقال لك يا موحامد قالوا وإذا كان لم يحل في الأذان ففي القراءة أولى وحينئذ لا يحل سماعها أيضا
ويكره التنحنح عند الأذان والإقامة لأنه بدعة وينبغي للمؤذن أن ينتظر الناس فإن علم بضعيف مستعجل أقام له ولا ينتظر رئيس المحلة ويقيم في مكانه فإن مشى إلى مكان الصلاة عند قد قامت الصلاة جاز إذا كان إماما وقيل مطلقا ويكره أن يؤذن قاعدا إلا إذا أذن لنفسه لأن المقصود مراعاة السنة لا الإعلام ويكره أيضا راكبا في ظاهر الرواية إلا للمسافر وينزل للإقامة وأن لا يلزم الفصل بينها وبين الشروع وهو مكروه ولا يتكلم في أثناء الأذان فإن تكلم استأنفه وفي غير موضع إذا سلم على المؤذن أو عطس فحمد أو سلم على مصل أو قارىء أو خطيب ففرغوا عن أبي حنيفة لا يلزمهم الرد بل يرد في نفسه وعن محمد يرد بعد الفراغ وعن أبي يوسف لا قبله ولا بعده في نفسه وصححوه
وأجمعوا أن المتغوط لا يلزمه الرد في الحال ولا بعده لأن السلام عليه حرام بخلاف من في الحمام إذا كان بمئزر وعن أبي حنيفة يرد المصلي بعد الفارغ قال أبو جعفر تأويله إذا لم يعلم أنه في الصلاة وعلى هذا إذا سلم على المتغوط وفي فتاوى قاضيخان إذا سلم على القاضي والمدرس قالوا لا يجب عليه الرد اه ومثله ذكر في سلام المكدي هذا والسامع للآذان يجيب فيقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فيحوقل وعند الصلاة خير من النوم صدقت وبررت أما الإجابة فظاهر الخلاصة والفتاوي والتحفة وجوبها وقول الحلواني الإجابة بالقدم فلو أجاب بلسانه ولم يمش لا يكون مجيبا ولو كان في المسجد فليس عليه أن يجيب باللسان حاصله نفى وجوب الإجابة باللسان وبه صرح جماعة وأنه مستحب قالوا إن قال نال الثواب الموعود وإلا لم ينل أما أنه يأثم أو يكره فلا وفي التجنيس لا يكره الكلام عند الأذان بالإجماع استدلالا باختلاف أصحابنا في كراهيته عند أذان الخطبة يوم الجمعة فإن أبا حنيفة إنما كرهه لأنه يلحق هذه الحالة بحالة الخطبة وكان هذا اتفاقا على أنه لا يكره في غير هذه الحالة كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي فيما قرءوا عليه اه لكن ظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم المؤذن
____________________
(1/248)
فقولوا مثل ما يقول الوجوب إذ لا تظهر قرينة تصرفه عنه بل ربما يظهر استنكار تركه لأنه يشبه عدم الإلتفات إليه والتشاغل عنه
وفي التحفة ينبغي أن لا يتكلم ولا يشتغل بشيء حال الأذان أو الإقامة
وفي النهاية تجب عليهم الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم أربع من الجفاء ومن جملتها ومن سمع الأذان والإقامة ولم يجب اه وهو غير صريح في إجابة اللسان إذ يجوز كون المراد الإجابة بالإتيان إلى الصلاة وإلا لكان جواب الإقامة واجبا ولم نعلم فيه عنهم إلا أنه مستحب والله أعلم ولا يرد السلام أيضا وفي التفاريق إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد فالحرمة للأول وسئل ظهير الدين عمن سمع في وقت من جهات ماذا عليه قال إجابة أذان مسجده بالفعل وهذا ليس مما نحن فيه إذ مقصود السائل أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا والذي ينبغي إجابة الأول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره لأنه حيث يسمع الأذان ندب له الإجابة أو وجبت فإذا فرض أن مسموعه من غير مسجده تحقق في حقه السبب فيصير كتعددهم في المسجد الواحد فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون جوابه لمؤذن مسجده حتى لو سبق مؤذنه بعد ذلك أو سبق تقيد به دون غيره من المؤذنين ولو لم يعتبر هذا الإعتبار جاز وإنما فيه مخالفة الأولى وفي العيون قارىء سمع النداء فالأفضل أن يمسك ويسمع الرستغفنى يمضي في قراءته إن كان في المسجد وإن كان في بيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده وأما الحوقلة عند الحيعلة فهو وإن خالف ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فقولوا مثل ما يقول لكنه ورد فيه حديث مفسر كذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة رواه مسلم فحملوا ذلك العام على ما سوى هاتين الكلمتين وهو غير جار على قاعدة لأن عندنا المخصص الأول ما لم يكن متصلا لا يخصص بل يعارض فيجري فيه حكم المعارضة أو يقدم العام والحق الأول وإنما قدم العام في مواضع لاقتضاء حكم المعارضة ذاك في خصوص تلك المواضع وعلى قول من لم يشترط ذلك فإنما يلزم التخصيص إذا لم يمكن الجمع بأن تحقق معارضا للعام في بعض الأفراد بأن يوجب نفي الحكم المعلق بالعام عنها فيخرجها عنه وهنا لم يلزم من وعده عليه الصلاة والسلام لمن أجاب كذلك وقال عند الحيعلة الحوقلة ثم هلل في الآخر من قلبه بدخول الجنة نفى أن يحيل المجيب مطلقا ليكون مجيبا على الوجه المسنون وتعليل الحديث المذكور بأن إعادة المدعو دعاء الداعي يشبه الإستهزاء كما يفهم في الشاهد بخلاف ما سوى الحيعلتين فإنه ذكر يثاب عليه من قاله لا يتم إذ لا مانع من صحة اعتبار المجيب بهما داعيا لنفسه محركا منها السواكن مخاطبا لها فكيف وقد ورد في بعض الصور طلبها صريحا في مسند أبي يعلى حدثنا الحكم بن موسى حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي عائذ بن سليم بن عامر عن أبي أمامة عنه صلى الله عليه وسلم إذا نادى المنادي للصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به شدة أو كرب فليتحين المنادي
____________________
(1/249)
إذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول اللهم رب هذه الدعوة الحق المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله عز وجل حاجته ورواه الطبراني في كتاب الدعاء قال حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثنا الحكم بن موسى فساقه ورواه الحاكم من طريق الهيثم بن خارجة فذكر مثل حديث أبي يعلى وقال صحيح الإسناد لكن نظر فيه بضعف أبي عائذ عفير فقد يقال هو حسن ولو ضعف فالمقام يكفي فيه مثله فهذا يفيد أن عموم الأول معتبر وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين وفي حديث عمر وأبي أمامة رضي الله عنهما التنصيص على أن لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه وليتم هذا بالدعاء عقيب الإجابة عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد مؤمن من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة رواه مسلم وغيره وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة رواه البخاري وغيره والبيهقي وزاد في آخره إنك لا تخلف الميعاد وعنه صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا غفر الله له ذنوبه رواه مسلم والترمذي وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه وروى الطبراني في الأوسط والإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم من قال حين ينادي المنادي اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عني رضا لا سخط بعده استجاب الله له دعوته وله في الكبير ومن سمع النداء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وبلغه درجة الوسيلة عندك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة وجبت له الشفاعة
والحديث في هذا الباب كثير والقصد الحث على الخير رزقنا الله تقواه في جميع الأحوال قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم الخ في مسلم في حديث طويل عن أبي قتادة في قصة التعريس ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما يصنع كل يوم وفي أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بالأذان والإقامة حين ناموا عن الصبح وصلوها بعد ارتفاع الشمس من رواية أبي هريرة وعمرو
____________________
(1/250)
ابن أمية الضمري وعمران بن حصين وذي مخمر الحبشى الصحابي رضي الله عنهم وغيرهم ورواه مالك في الموطأ عن ابن المسيب مرسلا وذكر فيه الأذان ومراسيل ابن المسيب مرفوعة عند الشافعي رحمه الله وما في مسلم في القصة وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح لا ينافي أنه أذن فكيف وقد صح وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شغلهم الكفار قضاهن بأذان وإقامة يعني الأربع صلوات قوله وهو حجة على الشافعي في اكتفائه بالإقامة في أحد قوليه وفي الآخر لا ولا ثم الأصل عندنا أن يؤذن لكل فرض أدى أو قضى إلا الظهر يوم الجمعة في المصر فإن أداءه بهما مكروه روى ذلك عن علي وإلا ما تؤديه النساء أو تقضيه بجماعتهن لأن عائشة رضي الله عنها أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة وهذا يقتضي أن المنفردة أيضا كذلك لأن تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الإفراد أولى والله سبحانه أعلم قوله وعن محمد هو في غير رواية الأصول وجهه أنهما صلاتان اجتمعتا في وقت واحد فيؤذن ويقام للأولى ويقام للباقية كالظهر والعصر بعرفة
ولهما ما روى أبو يوسف بسنده وكذا من قدمنا معه أنه صلى الله عليه وسلم حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاهن على الولاء وأمر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن ولأنها صلاة مفروضة يقيمها المخاطب بالإقامة بالجماعة فيقيمها كالجماعة بخلاف النساء وصلاة عرفة لو كان على القياس لم يعارض النص فكيف وهما على خلاف القياس قال الرازي يجوز كون ما قال محمد قولهم جميعا والمذكور في الكتاب
____________________
(1/251)
محمول على الصلاة الواحدة فلا خلاف واستشكل بأن الصلاة الواحدة لا خلاف فيها قوله ووجه الفرق أي ما بين الأذان جنبا ومحدثا على إحدى الروايتين في المحدث وهي رواية عدم الكراهة قوله أن للأذان شبها بالصلاة وجهه تعلق أجزائهما بالوقت واشتراكهما في استقبال القبلة يشترط فيهما كذا قيل وهو يقتضي أن يعاد الأذان إذا لم يستقبل به كما يعاد إذا كان قبل الوقت وليس كذلك فالأولى أن يقال إنه مطلوب فيهما وإن اختلفت كيفية الطلب قوله وفي الجامع الصغير ذكره لاشتماله على ما ليس في القدورى من الإعادة لأن الكراهة وهي المذكورة فيه لا تستلزم الإعادة كأذان القاعد والراكب في المصر يكره ولا إعادة وليبني عليه المختار من التفصيل في الإعادة والله أعلم قوله وكذلك المرأة الخ فحاصله أنه يكره أذان جماعة ويعاد أذان الصبي الذي لا يعقل والمرأة
____________________
(1/252)
والجنب والسكران والمجنون والمعتوه لعدم الإعتماد على أذان هؤلاء فلا يلتفت إليهم فربما ينتظر الناس الأذان المعتبر والحال أنه معتبر فيؤدى إلى تفويت الصلاة أو الشك في صحة المؤدى أو إيقاعها في وقت مكروه وهذا لا ينتهض في الجنب وغاية ما يمكن أنه يلزم فسقه وصرح بكراهة أذان الفاسق ولا يعاد فالإعادة فيه ليقع على وجه السنة وفي الخلاصة خمس خصال إذا وجدت في الأذان والإقامة وجب الإستقبال إذا غشى على المؤذن في أحدهما أو مات أو سبقه الحدث فذهب وتوضأ أو حصر فيه ولا ملقن أو خرس يجب الإستقبال وفي فتاوى قاضيخان معناه فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق بين نفس الأذان فإنه سنة واستقباله بعد الشروع فيه وتحقق العجز عن إتمامه وقد يقال فيه إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الأذان الحق وقد تفوت بذلك الصلاة فوجب إزالة ما يفضي إلى ذلك بخلاف ما إذا لم يكن أذان أصلا حيث لا ينتظرون بل يراقب كل منهم وقت الصلاة بنفسه أو ينصبون لهم مراقبا إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن ذكرناهم آنفا إلا الجنب ولو قال قائل فيهم إن علم الناس حالهم وجبت وإلا استحبت ليقع فعل الأذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد وعكسه في الخمس المذكورة في الخلاصة وأذان العبد والأعمى والأعرابي وولد الزنا لا كراهة فيه وغيرهم أولى منهم وإذا قدم بعض كلمات الأذان على بعض كشهادة أن محمدا رسول الله ثم شهادة أن لا إله إلا الله فعليه أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله بعدها قوله ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ويكره ذلك ويعاد وبه قال أبو يوسف والشافعي رحمهما الله إلا في الفجر على ما في الكتاب وفي رواية عندهم جميع الليل وقت لأذان الصبح لهم قوله عليه الصلاة والسلام إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم قوله والحجة على الكل الخ رواه أبو داود عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا ولم يضعفه أبو داود وأعله البيهقي أن شداد لم يدرك بلالا فهو منقطع وابن القطان بأن شدادا مجهول أيضا لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان عنه وروى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال يا بلال لا تؤذن حتى يطلع الفجر قال في الإمام رجال إسناده ثقات وروى عبدالعزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن بلالا أذن قبل الفجر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي
____________________
(1/253)
صلى الله عليه وسلم قال له ما حملك على ذلك قال استيقظت وأنا وسنان فظننت أن الفجر قد طلع فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي على نفسه ألا إن العبد قد نام وروى ابن عبدالبر عن إبراهيم قال كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له اتق الله وأعد أذانك وهذا يقتضي أن العادة الفاشية عندهم إنكار الأذان قبل الوقت فثبت أن أذانه قبل الفجر قد وقع وأنه صلى الله عليه وسلم غضب عليه وأمره بالنداء على نفسه ونهاه عن مثله فيجب حمل ما رووه على أحد أمرين إما أنه من جملة النداء عليه يعني لا تعتمدوا على أذانه فإنه يخطىء فيؤذن بليل تحريضا له على الإحتراس عن مثله وإما أن المراد بالأذان التسحير بناء على أن هذا إنما كان في رمضان كما قاله في الإمام فلذا قال فكلوا واشربوا أو التذكير الذي يسمى في هذا الزمان بالتسبيح ليوقظ النائم ويرجع القائم كما قيل إن الصحابة كانوا حزبين حزبا يجتهدون في النصف الأول وحزبا في الأخير وكان الفاصل عندهم أذان بلال رضي الله عنه يدل عليه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرقد قائمكم وقد روى أبو الشيخ عن وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر قوله لابني أبي مليكة الصواب مالك بن الحويرث وابن عم له وقد ذكره المصنف في الصرف على الصواب كما ذكره صاحب المبسوط وفخر الإسلام في الجامع والمحبوبي في الصحيح عن مالك بن الحويرث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فلما أردنا الإنتقال من عنده قال لنا إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما وفي رواية للترمذي أنا وابن عم لي فهي مفسرة للمراد بالصاحب وإذا كان هذا الخطاب لهما ولا حاجة لهما مترافقين إلى استحضار أحد علم أن المنفرد أيضا يسن له ذلك
وقد ورد في خصوص المنفرد أحاديث في أبي داود والنسائي يعجب ربك من راعى غنم في رأس شظية يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل بأرض فلاة فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكان وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه رواه عبدالرزاق وبهذا ونحوه عرف أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام بل كل منه ومن الإعلان بهذا الذكر نشرا لذكر الله ودينه في أرضه وتذكيرا لعباده
____________________
(1/254)
من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد قوله فإن تركهما يكره لأنه مخالف للأمر المذكور في حديث مالك بن الحويرث ولأن السفر لا يسقط الجماعة فلا يسقط لوازمها الشرعية أعني دعاءهم فالترك للكل حينئذ ترك للجماعة صورة وتشبها إن كان منفردا أو ترك لمجموع لوازمها إن كانت بجماعة من غير ضرورة وذلك مكروه بخلاف تاركهما في بيته في المصر حيث لا يكره لأن أذان المحلة وإقامتها كأذانه وإقامته لأن المؤذن نائب أهل المصر كلهم كما يشير إليه ابن مسعود حين صلى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة حيث قال أذان الحي يكفينا وممن رواه سبط بن الجوزي قوله ولو اكتفى بالإقامة جاز لما ثبت في غير موضع سقوط الأذان دون الإقامة كما بعد أولى الفوائت وما نحن فيه وثانية الصلاتين بعرفة صرح ظهير الدين في الحواشي بأن الإقامة آكد من الأذان نقلا من المبسوط قوله وإن تركهما جاز من غير كراهة وذكرنا الفرق بينه وبين ترك المسافر لهما وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة في قوم صلوا في المصر في منزل واكتفوا بأذان الناس أجزأهم وقد أساءوا ففرق بين الفذ والجماعة في هذه الرواية
فرع الإمامة أفضل من الأذان لمواظبته عليه الصلاة والسلام عليها وكذا الخلفاء الراشدون بعده وقول عمر رضي الله عنه لولا الخليفي لأذنت لا يستلزم تفضيله عليها بل مراده لأذنت مع الإمامة لا مع تركها فيفيد أن الأفضل كون الإمام هو المؤذن وهذا مذهبنا وعليه كان أبو حنيفة كما يعلم من أخباره والله سبحانه المسئول في إتمام السول & باب شروط الصلاة التي تتقدمها
هذا لبيان الواقع وقيل لإخراج الشرط العقلي كالحياة للألم والجعلى كدخول الدار للطلاق وقيل لإخراج
____________________
(1/255)
ما لا يتقدمها كالقعدة شرط الخروج وترتيب ما لم يشرع مكررا شرط البقاء على الصحة ويرد على الثاني أن الشرط عقليا أو غيره متقدم فلا يخرج قيد التقدم العقلي والجعلي للقطع بتقدم الحياة ودخول الدار على الألم مثلا ووقوع الطلاق لا يقال بل الجعلي سبب لوقوع المعلق إذ الشرط لا يؤثر إلا في العكس فالشرط ما يتوقف عليه غيره من غير أثر له فيه غير أنه أطلق عليه شرط لغة لأنا نمنعه بل السبب وهو قوله أنت طالق تأخر عمله إلى وجود الشرط الجعلي فصدق أنه توقف عليه ولا يؤثر فيه فتعين الأول ولأن قوله التي تتقدمها تقييد في شروط الصلاة لا مطلق الشروط وليس للصلاة شرط جعلي ويبعد الإحتراز عن شرطها العقلي من الحياة ونحوه إذ الكتاب موضوع لبيان العمليات فلا يخطر غيرها وشرط الخروج والبقاء على الصحة ليسا شرطين للصلاة بل لأمر آخر وهو الخروج والبقاء وإنما يسوغ أن يقال شرط الصلاة نوعا من التجوز إطلاقا لاسم الكل على الجزء وعلى الوصف المجاور قوله على ما قدمناه في صدر الكتاب وباب الأنجاس قوله لقوله تعالى خذوا زينتكم نزلت في الطواف تحريما لطواف العريان والعبرة وإن كانت لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن لا بد أن يثبت الحكم في السبب أولا وبالذات لأنه المقصود به قطعا ثم في غيره على ذلك الوجه والثابت عندنا في الستر في الطواف الوجوب حتى لو طاف عريانا أثم وحكم بسقوطه وفي الصلاة الإفتراض حتى لا تصح دونه وما قيل لقيام الدليل بسقوط الإفتراض في الطواف وهوالإجماع وهو في الصلاة منتف فيبقى على أصل الإفتراض فيها فممنوع ثبوت الإجماع على ذلك ولو سلم لا يدفع السؤال وهو أنه كيف تناول السبب على وجه دونه في غيره ثم يستلزم أن يراد به الحقيقي والمجازى معا لأنه إن كان قطعي الدلالة فموجبه الإفتراض ليس غير وإن كان ظنيها
____________________
(1/256)
فالوجوب ليس غير وهما حقيقتان متباينتان لأن عدم الإكفار بالجحد مأخوذ في مفهوم الوجوب ونقيضه في مفهوم الفرض أو هما فردا مفهوم واحد هو مفهومه وهو الطلب الجازم أعم من كونه على هذا الوجه من القوة أولا والمشكك الأعم لا يعرف استعماله في فردين من مفهومه في إطلاق واحد وقد يدفع باختيار الثاني وكونه بحيث يكفر جاحده مقتضاه إنما هو أثر قوة ثبوته قطعا عن الله وقطعية دلالته على مفهومه لا من نفس مفهومه فتأمل هذا يظهر لك عنده أن نفس حقيقة الوجوب والفرض ليس تمامهما مفهوم لفظ الأمر بل جزؤهما وهو الطلب الجازم والجزء الآخر أعني كونه بحيث يكفر جاحده أو لا أثر كيفية ثبوت ذلك الأمر ودلالته وصح إضافة تمامها إلى الأمر بأن يقال يفيد الوجوب الإفتراض إذ لا شك في استفادة ثبوت تمام الحقيقة معه وبسببه لا أن معناه أنها بتمامها مدلول لفظه فتأمل وحينئذ فالإلزام الذي يتم هو الأول والله سبحانه وتعالى أعلم وحاصله لزوم افتراض الستر في الطواف بالآية وأنتم تنفونه أو الوجوب في الصلاة وأنتم تفرضونه والحق بعد ذلك أن الآية ظنية الدلالة في ستر العورة فمقتضاها الوجوب في الصلاة ومنهم من أخذ منها قطعية الثبوت ومن حديث لا صلاة لحائض إلا بخمار قطعية الدلالة في ستر العورة فيثبت الفرض بالمجموع وفيه ما لا يخفى بعد تسليم قطعية الدلالة في الحديث وإلا فهو قد اعترف في نظيره من نحو لا وضوء لمن لم يسم ولا صلاة لجار المسجد أنه ظني الدلالة ولا شك في ذلك لأن احتمال نفي الكمال قائم والأوجه الإستدلال بالإجماع على الإفتراض في الصلاة كما نقله غير واحد من أئمة النقل إلى أن حدث بعض المالكية فخالف فيه كالقاضي إسمعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع والحديث عن عائشة رضي الله عنها ترفعه لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة في صحيحه قوله لقوله صلى الله عليه وسلم عورة الرجل روى
____________________
(1/257)
الدارقطني عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة رواه الدارقطني من حديث طويل وفيه سوار بن داود لينه العقيلي لكن وثقه ابن معين
وعن عقبة بن علقمة عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الركبة من العورة وعقبة هذا هو اليشكري ضعفه أبو حاتم والدارقطني وحديث حتى يجاوز ركبته لم يعرف وعلى هذا يسقط ترتيب البحث المذكور أعني قوله وكلمة الخ لأن تمامه متوقف على كون حديث الركبة مما يحتج به وله طريقان معنويان وهما أن الغاية قد تدخل وقد تخرج والموضع موضع الإحتياط فحكمنا بدخولها احتياطا وإن الركبة ملتقى عظم العورة وغيرها فاجتمع الحلال والحرام ولا مميز وهذا في التحقيق وجه كون الموضع موضع الإحتياط قوله كلها وفي بعض النسخ كله وهما تأكيدان للبدن ولما أضيف إلى المؤنث جاز اكتسابه التأنيث وهو على الوجه القياسي في ذلك أعني صحة حذف المضاف ونسبة الحكم إلى المضاف إليه فإنه يصح أن يقال المرأة عورة إلا كذا كما يصح بدن المرأة عورة إلا كذا وفي الظهيرية الصغيرة جدا ليست عورة حتى يباح النظر والمس قوله لقوله عليه الصلاة والسلام المرأة عورة مستورة أخرج الترمذي
____________________
(1/258)
في الرضاع عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وقال حسن صحيح غريب ولم يعرف فيه لفظ مستورة قوله تنصيص إلى قوله وهو الأصح لا شك أن ثبوت العورة إن كان بقوله صلى الله عليه وسلم المرأة عورة مع ثبوت مخرج بعضها وهو الإمتلاء بالإبداء فمقتضاه إخراج القدمين لتحقق الإبتلاء وإن كان قوله تعالى ولا يبدين زينتهن الآية فالقدم ليس موضع الزينة الظاهرة عادة ولذا قال الله تعالى ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن يعني قرع الخلخال فأفاد أنه من الزينة الباطنة وقد روى أبو داود فيه مرسلا عنه صلى الله عليه وسلم إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويدها إلى المفصل ثم كما هو تنصيص على ما ذكرنا كذلك هو تنصيص على أن ظهر الكف عورة بناء على دفع ما قيل إن الكف يتناول ظاهره لكن الحق أن المتبادر عدم دخول الظهر ومن تأمل قول القائل الكف يتناول ظاهره أغناه عن توجيه الدفع إذ إضافة الظاهر إلى مسمى الكف يقتضي أنه ليس داخلا فيه وفي مختلفات قاضيخان ظاهر الكف وباطنه ليسا عورتين إلى الرسغ وفي ظاهر الرواية ظاهره عورة وتنصيص أيضا على أن الذراع عورة وعن أبي يوسف ليس بعورة وفي المبسوط في الذراع روايتان والأصح أنه عورة وفي الإختيار لو انكشف ذراعها جازت صلاتها لأنها من الزينة الظاهرة وهو السوار وتحتاج إلى كشفه للخدمة وستره أفضل وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها واعلم انه لا ملازمة بين كونه ليس عورة
____________________
(1/259)
وجواز النظر إليه فحل النظر منوط بعدم خشية الشهرة مع انتفاء العورة ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة
وفي كون المسترسل من شعرها عورة روايتان وفي المحيط الأصح أنه عورة وإلا جاز النظر إلى صدغ الأجنبية وطرف ناصيتها وهو يؤدي إلى الفتنة وأنت علمت أنه لا تلازم بينهما كما أريتك في المثال
فرع صرح في النوازل بأن نغمة المرأة عورة وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من الأعمى قال لأن نغمتها عورة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فلا يحسن أن يسمعها الرجل انتهى كلامه وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجها ولذا منعها عليه الصلاة والسلام من التسبيح بالصوت لإعلام الإمام لسهوه إلى التصفيق قوله تعيد الصلاة يعني إذا استمر زمانا كثيرا إلا إذا كان قليلا وقدر الكثير ما يؤدي فيه ركن والقليل دونه فلو انكشفت فغطاها في الحال لا تفسد فالحاصل
____________________
(1/260)
أن الإنكشاف الكثير في الزمن القليل لا يفسد والإنكشاف القليل في الزمن الكثير أيضا لا يفسد ووجهه أن القليل عفو لاعتباره عدما باستقراء قواعد الشرع بخلاف الكثير وقدر بالربع لأنه يحكي حكاية الكمال بالدليل المذكور وهو أن من رأى أحد جوانب وجه إنسان صح أن يخبر بأنه رأى وجهه وهذا يدفع قول أبي يوسف رحمه الله إن الكثرة يقابلها القلة حتى أجاز صلاته مع انكشاف أقل من النصف لأن ذلك إذا اعتبر بالنسبة والإضافة إلى مقابله وليس هذا الإعتبار لازما بل كما يجوز ذلك يجوز اعتباره في نفسه كما في قوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وإذا صح الإعتباران كان الإحتياط في الثاني هنا وعلى اعتباره تثبت الكثرة بالربع لما ذكرنا فتمنع إلا أن قوله كما في مسح الرأس والحلق في الإحرام يفيد أنه مما حكى فيه الربع حكاية الكل وهو موقوف على أن النص فيهما يفيد تعميمها بالفعل واكتفى بالربع لحكايته إياه وإلا فلو كان المفاد بالنص هو الربع ابتداء فمن أين كون ذلك الربع طلب لحكايته حكاه الكمال لا يقال لأن المطلوب في باقي الأعضاء استيعابها فالظاهر في الرأس مثله لأن الملازمة ممنوعة أولا وكونه في باقي الأعضاء كذلك ممنوع ثانيا فإن اليد اسم إلى الإبط باعترافهم ولم يجب استيعابها ثم سوى في الكتاب بين الغليظة والخفيفة في اعتبار الربع
وقال الكرخي يعتبر في الغليظ ما زاد على قدر الدرهم وفي الخفيفة الربع اعتبارا بالنجاسة الغليظة والخفيفة وغلط بأنه تغليظ يؤدي إلى التخفيف أو الإسقاط لأن من الغليظة ما ليس أكثر من قدر الدرهم فيؤدى إلى أن كشف جميعها أو أكثرها لا يمنع وقد يقال إنه قيل إن الغليظ القبل والدبر مع ماحولهما فيجوز كونه اعتبر ذلك فلا يلزم ما ذكر قوله هو الصحيح احتراز عما قيل أنه ما فوق الرأس قوله لمكان الحرج أي لا لأنه ليس من البدن أو ليس مما
____________________
(1/261)
تناوله حكم البدن قوله وهذا هو الصحيح لا ما قيل المجموع لأن نفعهما واحد وهو الإيلاد واختلف في الدبر هل هو مع الإليتين أو كل إلية عورة والدبر ثالثهما والصحيح الثاني والأصح أن الركبة تبع للفخذ لأنها ملتقى العظمين لا عضو مستقل وكعب المرأة ينبغي أن يكون كذلك كذا في الفتاوى وثديها إن كان ناهدا تبع لصدرها وإن كان منكسرا فأصل بنفسه وأذنها عورة بانفرادها ويجمع المتفرق من العورة وفي شرح الكنز ينبغي أن يعتبر بالأجزاء ولا يمنع القليل فلو انكشف نصف ثمن الفخذ ونصف ثمن الأذن وذلك يبلغ ربع الأذن أو أكثر لا ربع جميع العورة المنكشفة لا تبطل وما بين السرة والعانة عضو وفي بطن قدم المرأة التقدير بالربع في رواية الأصل وفي رواية الكرخي ليس بعورة ولو صلى في قميص محلول الجيب وهو بحال يقع بصره على عورته في الركوع أو يقع عليها بلا تكلف لا يصح فيما روى هشام عن محمد رحمه الله وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله عورته في حقه ليست بعورة فتصح وإذا شف القميص فهو انكشاف ولا تجوز الصلاة في ثوب الحرير للرجال وتصح ولو لم يجد غيره يصلي فيه لا عريانا خلافا لأحمد رحمه الله قوله لقول عمر رضي الله عنه روى البيهقي عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد حدثته قالت خرجت امرأة مختمرة متجلببة فقال عمر من هذه فقيل له جارية لفلان رجل من بنيه فأرسل إلى حفصة فقال ما حملك على أن تخمري هذه الأمة وتجلببيها وتشبهيها بالمحصنات حتى هممت أن أقع بها إلا أحسبها إلا من المحصنات لا تشبهوا الإماء بالمحصنات
____________________
(1/262)
قال البيهقي الآثار عن عمر رضي الله عنه بذلك صحيحة وأما نص ما في الكتاب فالله سبحانه أعلم به قوله ولأنها تخرج الخ يعني أن المسقط لحكم العورة حتى تبعته هي في السقوط الحرج اللازم من إعطاء بدنها كله حكم العورة مع الحاجة إلى خروجها ومباشرتها الأعمال الموجبة للمخالطة فسقط الحاجي وهو ما سوى البطن والظهر إلى الركبة لأن تلك المباشرة لا تستلزم كشف غيره عادة ليسقط منه بخلافه هو والمدبرة وأم الولد والمكاتبة كالأمة ولو أعتقت وهي في الصلاة مكشوفة الرأس ونحوه فسترته بعمل قليل قبل أداء ركن جازت لا بكثير أو بعد ركن قوله في حق جميع الرجال يعني غير السيد قوله ما يزيل به وكذا ما يقللها يجب استعماله بخلاف ما إذا وجد ما يكفي بعض أعضاء الوضوء دون الكل حيث يباح التيمم دون استعماله على ما تقدم قوله ترك الفروض أي بتقدير أن يصلي قاعدا أما لو صلى قائما لا يستقيم قال في الأسرار من طرف محمد رحمه الله خطاب التطهير ساقط لعدم الماء فصار هذا كثوب طاهر ولأن ربعه لو كان طاهرا لا تجوز إلا فيه فكذا هنا لأن نجاسة ثلاثة أرباعه في فساد الصلاة كنجاسة كله حالة الإختيار قلت خطاب الستر للصلاة ساقط للنجاسة فصار العراء كالستر وإذا كان الربع طاهرا توجه الخطاب بقدر وسقط بقدر النجس فرجحنا الوجوب احتياطا قال ولكن قول محمد أحسن وفيه نظر إذ عورض بسقوط خطاب الستر وتقريره أن المعلوم إنما هو توجه خطاب الستر للصلاة بالطاهر حالة القدرة على المطهر فإذا لم تكن فالمعلوم حينئذ انتفاء خطاب الستر للصلاة بالطاهر ولا نقدر على إثبات تعلقه بالنجس حينئذ إلا بنقل خطاب مخصوص فيه ولا نقل فيبقى على النفي الأصلي لأن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي وأما إذا كان الربع طاهرا فلأنه كالكل في كثير من الأحكام فأمكن الحكم بتعلق الخطاب بالستر به قوله ويستويان في حق المقدار هذا إنما يتم في النجاسة الخفيفة على ما تقدم
____________________
(1/263)
قوله هكذا فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عباس وابن عمر قالا العاري يصلي قاعدا بالإيماء وعن عطاء وعكرمة وقتادة مثله وعن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في السفينة فانكسرت بهم فخرجوا من البحر عراة فصلوا قعود الإيماء
قال سبط ابن الجوزي رواه الخلال وفي المجتبى تصلي العراة وحدانا متباعدين فإن صلوا بجماعة يتوسطهم الإمام ولو تقدمهم جاز ويرسل كل واحد رجليه نحو القبلة ويضع يديه بين فخذيه يومي إيماء ولو أومأ القائم أو ركع وسجد القائم جاز هذا كله إذا لم يجد ما يستتر به من الحشيش والنبات والكلأ وعن الحسن المروزي لو وجد طينا يلطخ به عورته ويبقى عليه
____________________
(1/264)
حتى يصلي يفعل ولو وجد ما يستر بعض العورة وجب استعماله ويستر القبل والدبر قوله لقوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات حديث مشهور متفق على صحته وأما ألفاظه فإنما الأعمال بالنيات وبالنية والأعمال بالنية والعمل بالنية كلها في الصحيح وأما الأعمال بالنيات كما في الكتاب فقال النووي في كتابه بستان العارفين ولم يكمله نقلا عن الحافظ أبي موسى الأصفهاني إنه لا يصح إسناده وأقرأه ونظر بعضهم فيه إذ قد رواه كذلك ابن حبان في صحيحه والحاكم في أربعينه ثم حكى بصحته قلت وهي رواية إمام المذهب في مسند أبي حنيفة رواه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات الحديث ورواه ابن الجارود في المنتقى إن الأعمال بالنية وإن لكل امرىء ما نوى قوله والمتقدم الخ في الخلاصة ونوى قبل الشروع عن محمد رحمه الله لو نوى
____________________
(1/265)
عند الوضوء أنه يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة إلا أنه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضره النية جازت صلاته بتلك النية وهكذا روى عن أبي حنيفة وأبي يوسف
وعبارة المصنف في التجنيس إذا توضأ في منزله ليصلي الظهر ثم حضر المسجد وافتتح الصلاة بتلك النية فإن لم يشتغل بعمل آخر يكفيه ذلك هكذا قال محمد رحمه الله في الرقيات لأن النية المتقدمة تبعتها إلى وقت الشروع حكما كما في الصوم إذا لم يبدلها بغيرها اه وعن محمد بن سلمة إن كان عند الشروع بحيث لو سئل أية صلاة يصلي يجيب على البديهة من غير تفكر فهي نية تامة ولو احتاج إلى التأمل لا يجوز قلت فقد شرطوا عدم ما ليس من جنس الصلاة لصحة تلك النية مع تصريحهم بأنها صحيحة مع العلم بأنه يتخلل بينها وبين الشروع المشي إلى مقام الصلاة وهو ليس من جنسها فلا بد من كون المراد بما ليس من جنسها ما يدل على الإعراض بخلاف ما لو اشتغل بكلام أو أكل أو نقول عد المشي إليها من أفعالها غير قاطع للنية وفيها أجمع أصحابنا رحمهم الله أن الأفضل أن تكون مقارنة للشروع ولا يكون شارعا بمتأخرة وعن الكرخي يجوز واختلفوا فيه على قوله قيل إلى التعوذ وقيل إلى الركوع وقيل إلى الرفع قوله والشرط أن يعلم قيل ليس العلم نية ولذا لو نوى الكفر غدا كفر في الحال ولو علم الكفر لا يكفر بل هي قصد الفعل وأنت علمت أن المصنف فسرها بالإرادة وإنما أراد الشرط في اعتبارها علمه أي الصلاة هي أي التمييز فحاصل كلامه النية الإرادة للفعل وشرطها التعيين في الفرائض قوله ويحسن ذلك الخ قال بعض الحفاظ لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ولا ضعيف
____________________
(1/266)
أنه كان يقول عند الإفتتاح أصلي كذا ولا عن أحد من الصحابة والتابعين بل المنقول أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر وهذه بدعة اه وقد يفهم من قوله المصنف لاجتماع عزيمته أنه لا يحسن لغير هذا القصد وهذا لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره فإذا ذكره بلسانه كان عونا على جمعه ثم رأيته في التجنيس قال والنية بالقلب لأنه عمله والتكلم لا معتبر به ومن اختاره اختاره لتجتمع عزيمته قوله في الصحيح احتراز عن قول جماعة إنه لا يكفيه لأداء السنة لأن السنة وصف زائد على أصل الصلاة كوصف الفرضية فلا يحصل بمطلق نية الصلاة والمحققون على عدم اشتراطها وتحقيق الوجه فيه أن معنى السنية كون النافلة مواظبا عليها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة المعينة وقبلها فإذا أوقع المصلي النافلة في ذلك المحل صدق عليه أنه فعل الفعل المسمى سنة فالحاصل أن وصف السنة يحصل بنفس الفعل على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم وهو إنما كان يفعل على ما سمعت فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى فعلم أن وصف السنة ثبت بعد فعله على ذلك الوجه تسمية منا لفعله المخصوص لأنه وصف يتوقف حصوله على نيته وقد حصلت مقاولة في كتابة بعض أشياخ حلب أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة ينوى بها آخر ظهر أدركت وقته ولم أؤده بعد في موضع يشك في صحة الجمعة إذا ظهر صحة الجمعة تنوب عن سنة الجمعة وأنكره الآخر واستفتى بعض أشياخ مصر رحمهم الله فأفتى بعدم الإجزاء فقلت هذه الفتوى تتفرع على اشتراط تعيين السنة في النية وما قاله الحلبي بناء على التحقيق فإنه إذا نوى آخر ظهر فقد نوى أصل الصلاة بوصف فإذا انتفي الوصف في الواقع وقلنا على المختار من المذهب إن بطلان الوصف لا يوجب بطلان أصل الصلاة بقي نية أصل الصلاة وبها تتأدى السنة ثم راجعت المفتي المصري وذكرت له هذا فرجع دون توقف هذا الأمر الجائز فأما الإحتياط فأن ينوي في السنة الصلاة متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى تقيد وقوعها عن السنة إذا صحت الجمعة بما إذا لم يكن عليه ظهر فائت قوله كالظهر مثلا أي إذا قرن باليوم وإن خرج الوقت لأن غايته أنه قضاء بنية الأداء أو بالوقت ولم يكن خرج الوقت فإن خرج ونسيه لا يجزئه في الصحيح وفرض الوقت كظهر الوقت إلا في الجمعة فإنها بدل فرض الوقت لا نفسه إلا أن يكون اعتقاده أنها فرض الوقت فإن نوى الظهر لا غير اختلف فيه قيل لا يجزئه لاحتمال فائتة عليه وفي فتاوى العتابي الأصح أنه يجزئه وعلم مما ذكر أن من فاتته الظهر فنوى الظهر والعصر في وقت العصر مثلا لا يصير شارعا في واحدة منهما وفي المنتقى إن كان في الوقت سعة يصير شارعا في الظهر وفي الخلاصة فإن نوى من مكتوبتين فائتتين كانت للأولى منهما انتهى ولو جمع بين فرض ونفل
____________________
(1/267)
يصير شارعا في الفرض عند أبي يوسف رحمه الله وأبطلها محمد رحمه الله وهذا لا يقتضي عدم اشتراط قطع النية لصحة المنوي بأدنى تأمل لقطعها على الصلاتين جميعا بخلاف ما لو أدرك الإمام قاعدا ولا يعلم أي القعدتين فنوى في اقتدائه أنها إن كانت الأولى اقتديت به أو الأخيرة فلا فإنه لا يصح الإقتداء أصلا لأن النية متردد فيها وكذا لو نوى إن كانت الأولى اقتديت به في الفريضة وإن كانت الثانية ففي التطوع لا يصح اقتداؤه به في الفريضة ولو نوى إن كان في الفريضة اقتديت به أو في التراويح أو سنة كذا اقتديت به صح اقتداؤه به في التراويح لأنه لا تردد في نية أصل الصلاة وهو كاف للسنة كما سنذكر بخلاف ما لو نوى إن كان في العشاء اقتديت به أو في التراويح فلا لا يصح اقتداؤه في واحدة منهما وعلم أيضا أنه لو لم يعرف افتراض الخمس إلا أنه يصليها في أوقاتها لا تجوز وكذا لو اعتقد منها فرضا ونفلا ولا يميز ولم ينو الفرض فيها فإن نوى الفرض في الكل جاز ولو ظن الكل فرضا جاز وإن لم يظن ذلك فكل صلاة صلاها مع الإمام جاز إن نوى صلاة الإمام وكما يحتاج إلى التعيين في الأداء كذلك في القضاء حتى إذا كثرت الفوائت يحتاج إلى ظهر يوم كذا أو أول ظهر أو آخر ظهر عليه وكذا في الباقي لأن ما يلي ذلك المقضي ويصير أولا في نية الأول وآخرا في نية الآخر ولو لم يعين جاز بخلاف ما لو كان عليه قضاء يومين من رمضان فقضى يوما ولم يعين جاز والأولى أن يعين أول يوم وثاني يوم لأن سبب الصلاة متعدد وبه يتعدد المسبب فلا بد من التعيين بخلاف الصوم لأن سببه الشهر ولذا لو كانا من رمضانين وجب التعيين كذا في فتاوى قاضيخان ثم ذكر في كتاب الصوم وحكى فيه اختلاف المشايخ وصحح أنه يجزئه مع عدم التعيين إذا كانا من رمضانين وقد يقال صرحوا بأن كل يوم سبب لوجوب صومه ولذا لم يكتف للكل بنية واحدة فصار اليومان كالظهرين لكنا سنبين ما يرفع هذا الإشكال وللتعيين لو فاتته عصر فصلى أربعا عما عليه وهو يرى أن عليه الظهر لم يجز كما لو صلاها قضاء عما عليه وقد جهله ولذا قال أبو حنيفة رحمه الله فيمن فاتته صلاة واشتبهت عليه أنه يصلي الخمس ليتقين ولو نوى فرضا وشرع فيه ثم نسي فظنه تطوعا فأتمه على أنه تطوع فهو فرض مسقط لأن النية المعتبرة إنما يشترط قرانها بالجزء الأول ومثله إذا شرع بنية التطوع فأتمها على ظن المكتوبة فهي تطوع بخلاف ما لو كبر حين شك ينوي التطوع في الأول أو المكتوبة في الثاني حيث يصير خارجا إلى ما نوى ثانيا لقران النية بالتكبير وستأتي بقية هذه ولا يشترط نية استقبال القبلة وإن نوى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه لا يجزئه إلا أن ينوي به جهة الكعبة فإن نوى المحراب لا تجوز ثم من يشترط نية الكعبة ينوي العرصة ولا بد قوله ومتابعته الإمام فإن نوى صلاة الإمام لا يجزئه وقيل إذا انتظر تكبير الإمام ثم كبر بعده كان مقتديا وقال شيخ الإسلام إذا أراد التسهيل على نفسه يقول شرعت في صلاة الإمام قال ظهير الدين ينبغي أن يزيد على هذا قوله واقتديت به والأفضل أن ينوي الإقتداء عند
____________________
(1/268)
افتتاح الإمام فإن نوى حين وقف عالما به بأنه لم يشرع جاز وإن نوى ذلك على ظن أنه شرع ولم يشرع اختلف فيه قيل لا يجوز وإذا صحت النية لا يصح الخروج عما شرع فيه بالتكبير بنية الإستقبال إلا في المسبوق قام إلى القضاء وسيأتي باقي فروعها من بعد إن شاء الله تعالى وفي الظهيرية ينبغي أن لا يعين الإمام عند كثرة الجماعة يعني كي لا يظهر كونه غير المعين فلا يجوز فينبغي أن ينوي القائم في المحراب كائنا من كان ولو لم يخطر بباله أنه زيد أو عمرو جاز اقتداؤه ولو نوى بالإمام القائم وهو يرى أنه زيد وهو عمرو صح اقتداؤه لأن العبرة لما نوى لا لما يرى وهو نوى الإقتداء بالإمام بخلاف ما لو نوى الإقتداء بزيد فإذا هو عمرو لا يجوز لأن العبرة لما نوى ومثله في الصوم ولو نوى قضاء يوم الخميس فإذا عليه غيره لا يجوز ولو نوى قضاء ما عليه من الصوم وهو يظنه يوم الخميس وهو غيره جاز ولو كان يرى شخصه فنوى الإقتداء بهذا الإمام الذي هو زيد فإذا هو خلافه جاز لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية وكذا لو كان آخر الصفوف لا يرى شخصه فنوى الإقتداء بالإمام القائم في المحراب الذي هو زيد فإذا هو غيره جاز أيضا أو مثل ما ذكرنا في الخطأ في تعيين الميت فعند الكثرة ينوي الميت الذي يصلي عليه الإمام قوله لأنه يلزمه فساد الصلاة من جهته الخ لهذا احتيج إلى نية إمامة النساء لصحة اقتدائهن على ما سيأتيك قوله لقوله تعالى قولوا الخ أي يثبت الإفتراض أما لزوم الإكفار بترك التوجه عمدا على قول أبي حنيفة فللزوم الإستهزاء به والإستخفاف إذ ليس حكم الفرض لزوم الكفر بتركه بل بجحده وكذا الصلاة بغير طهارة وكذا في الثوب النجس واختاره القاضي أبو علي السغدي في ترك الطهارة لا في الآخرين للجواز فيهما حالة العذر وبغير طهارة لا يجوز بحال وبه أخذ الصدر الشهيد وإذا حول وجهه لا تفسد صلاته وتفسد بصدره قيل هذا أليق بقولهما أما عنده فلا في الوجهين بناء على أن الإستدبار إذا لم يكن على قصد الرفض لا تفسد مادام في المسجد عنده خلافا لهما حتى لو انصرف عن القبلة على ظن الإتمام فتبين عدمه بنى مادام في المسجد عنده خلافا لهما ولقائل أن يفرق بينهما بعذره هناك وتمرده هنا ولا يفرق في المسائل السابقة إذ لا أثر لعدم الجواز في شيء من الأحوال بل الموجب للإكفار هو الإستهانة وهو ثابت في الكل قوله ففرضه إصابة عينها حتى لو صلى في أماكن في بيته ينبغي أن يصلي بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على شطر الكعبة بخلاف الآفاقي كذا في الكافي وفي الدراية من كان بينه وبين الكعبة حائل الأصح أنه كالغائب ولو كان الحائل أصليا كالجبل كان له أن يجتهد والأولى أن يصعده ليصل إلى اليقين وفي النظم الكعبة قبلة من بالمسجد والمسجد قبلة من بمكة ومكة قبلة الحرم والحرم قبلة العالم قال المصنف في التجنيس
____________________
(1/269)
هذا يشير إلى أن من كان بمعاينة الكعبة فالشرط إصابة عينها ومن لم يكن بمعاينتها فالشرط إصابة جهتها وهو المختار انتهى قال الشيخ عبدالعزيز البخاري هذا على التقريب وإلا فالتحقيق أن الكعبة قبلة العالم انتهى وعندي في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكال لأن المصير إلى الدليل الظني وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز وما أقرب قوله في الكتاب والإستخبار فوق التحري فإذا امتنع المصير إلى ظني لإمكان ظني أقوى منه فكيف يترك اليقين مع إمكانه بالظن قوله إصابة جهتها في الدراية عن شيخه ما حاصله أن استقبال الجهة أن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا للكعبة أو لهوائها لأن المقابلة إذا وقعت في مسافة بعيدة لا تزول بما يزول به من الإنحراف لو كانت في مسافة قريبة ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت البعد ونبقى المسامتة مع ا نتقال مناسب لذلك البعد فلو فرض خط من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل أو شماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالإنتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة ولذا وضع العلماء قبلة بلد وبلدين وثلاث على سمت واحد فجعلوا قبلة بخارى وسمرقند ونسف وترمذ وبلخ ومرو وسرخس موضع الغروب إذا كانت الشمس في آخر الميزان وأول العقرب كما اقتضته الدلائل الموضوعة لمعرفة القبلة ولم يخرجوا لكل بلدة سمتا لبقاء المقابلة والتوجه في ذلك القدر ونحوه من المسافة وفي الفتاوى الإنحراف المفسد أن يجاوز المشارق إلى المغارب قوله هو الصحيح احتراز عن قول الجرجاني إن العين فرض الغائب أيضا لأنه المأمور به ولا فصل في النص وثمرة الخلاف تظهر في اشتراط نية عينها فعنده يشترط وعند غيره لا قوله ومن كان خائفا من سبع أو عدو أو كان في البحر على خشبة يخاف الغرق إن توجه أو مريضا لا يقدر على التوجه وليس بحضرته من يوجهه يصلي إلى أي جهة قدر ولو كان على الدابة يخاف النزول للطين والردغة يستقبل قال في الظهيرية وعندي هذا إذا كانت واقفة فإن كانت سائرة يصلي حيث شاء ولقائل أن يفصل بين كونه لو وقفها للصلاة خاف الإنقطاع عن الرفقة أو لا يخف فلا يجوز في الثاني إلا أن يوقفها ويستقبل كما عن أبي يوسف في التيمم إن كان بحيث لو مضى إلى الماء تذهب القافلة وينقطع جاز وإلا
____________________
(1/270)
ذهب إلى الماء واستحسنوها قوله وليس بحضرته الخ لأنه لو كان بحضرته من أهل المكان من يسأله لا يجوز التحري وكذا لا يجوز مع المحاريب فلو لم يكن من أهل المكان ولا عالما بالقبلة أو كان المسجد لا محراب له أو سألهم فلم يخبروه تحرى وفي قوله ليس بحضرته إشارة إلى أنه ليس عليه طلب بمن يسأله عند الإشتباه كذا والأوجه أنه إذا علم أن المسجد قوما من أهله مقيمين غير أنهم ليسوا حاضرين فيه وقت دخوله وهم حوله في القرية وجب طلبهم ليسألهم قبل التحري لأن التحري معلق بالعجز عن تعرف القبلة بغيره علل محمد رحمه الله بما قلنا قال رجل دخل المسجد الذي لا محراب له وقبلته مشكلة وفيه قوم من أهله فتحرى القبلة وصلى ثم علم أنه أخطأه فعليه أن يعيد لانه كان يقدر أن يسأل عن القبلة فيعلمها ويصلي بغير تحر وإنما يجوز التحري إذا عجز عن تعلمه بذلك قوله اجتهد حكم المسئلة فلو صلى من اشتبهت عليه القبلة بلا تحر فعليه الإعادة إلا إن علم بعد الفراغ أنه أصاب لأن ما افترض لغيره يشترط حصوله لا غير كالسعي وإن علم في الصلاة أنه أصاب يستقبل وعند أبي يوسف يبني لما ذكرنا ولأنه لو استقبل استقبل بهذه الجهة فلا فائدة قلنا حالته قويت بالعلم وبناء القوي على الضعيف لا يجوز فصار كالأمي إذا تعلم سورة والمومى إذا قدر على الأركان فيها تفسد وبعدها تصح أما لو تحرى وصلى إلى غير جهة التحري لا يجزئه وإن أصاب مطلقا خلافا لأبي يوسف رحمه الله وهي مشكلة على قولهما لأن تعليهما في هذه وهو أن القبلة في حقه جهة التحري وقد تركها يقتضي الفساد مطلقا في صورة ترك التحري لأن ترك جهة التحري يصدق مع ترك التحري وتعليلهما في تلك بأن ما فرض لغيره يشترط مجرد حصوله كالسعي يقتضي الصحة في هذه وعلى هذا لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس ثم ظهر أنه طاهر أو صلى وعنده أنه محدث فظهر أنه متوضىء أو صلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل لا يجزئه لأنه لما حكم بفساد صلاته بناء على دليل شرعي وهو تحريه فلا ينقلب جائزا إذا ظهر خلافه وهذا التعليل يجري في مسئلة العدول عن جهة التحري إذا ظهر صوابه وبه يندفع الإشكال الذي أورده لأن الدليل الشرعي على الفساد هو التحري أو اعتقاد الفساد عن التحري فإذا حكم بالفساد دليل شرعي لزم وذلك منتف في صورة ترك التحري فكان ثبوت الفساد فيها قبل ظهور الصواب إنما هو لمجرد اعتقاده الفساد مؤاخذة باعتقاده الذي هو ليس
____________________
(1/271)
بدليل إذا لم يكن عن تحر والله أعلم وفي فتاوى العتابي تحرى فلم يقع تحريه على شيء قيل يؤخر وقيل يصلي إلى أربع جهات وقيل يخير هذا كله إذا اشتبه فإن صلى في الصحراء إلى جهة من غير شك ولا تحر إن تبين أنه أصاب أو كان أكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شيء حتى ذهب عن الموضع فصلاته جائزة وإن تبين أنه أخطأ أو كان أكبر رأيه فعليه الإعادة قوله والإستخبار فوق التحري فيترك به التحري فإن لم يخبره المستخبر حين سأله فصلى بالتحري ثم أخبره لا يعيد لو كان مخطئا وبناء على هذا ذكر في التجنيس تحرى فأخطأ فدخل في الصلاة وهو لا يعلم ثم علم وحول وجهه إلى القبلة ثم دخل رجل في صلاته وقد علم حالته الأولى لا تجوز صلاة الداخل لعلمه أن الإمام كان على الخطأ في أول الصلاة انتهى ولو كان شروع الكل بالتحري وفيهم مسبوق ولا حق فلما فرغ الإمام قاما إلى القضاء فظهر لهما خلاف ما كانوا رأوا أمكن المسبوق إصلاح صلاته هنا بأن يتحول إلى القبلة دون اللاحق كذا في مجموع النوازل والحديث الذي أشار إليه أولا هو ما عن عامر بن ربيعة كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله ضعفه الترمذي وآخرون وعن جابر كنا في مسير فأصابنا غيم فتحيرنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة وجعل أحدنا يخط بين يديه فلما أصبحنا فإذا نحن قد صلينا لغير القبلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أجيزت صلاتكم ضعفه الدارقطني وغيره والحديث الآخر هو عن ابن عمر بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة متفق عليه ورواه مسلم وقال فيه فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم نحو الكعبة قوله وقال الشافعي الخ لا يخفى أن تيقن الخطأ ثابت في توجهه إلى جهة اليمنة واليسرة فجعله المدار يوجب الإعادة في الصور كلها نعم في الإستدبار
____________________
(1/272)
تمام البعد عن الإستقبال والوجه الذي يظهر مؤثرا ترك الجهة استدبارا أو غيره فمقتضى النظر أن يقول بشمول العدم هذا وقد قاس على ظهور نجاسة ثوب صلى فيه أو ماء توضأ به حيث تجب الإعادة اتفاقا والجواب بالفرق بإمكان الوقوف على الصواب بالإستقصاء ثمة نظر إلى قيام الدليل وهو قيام إحساسه بهما وإمكان الإستقصاء في صونهما أما هنا فالدليل هو رؤية النجم منعدم فلا يتصور الإصابة عن الدليل فلم يتجه بوجه من الوجوه نسبته إلى تقصير بخلاف صورة قيام الدليل وأيضا القبلة قبلت التحول شرعا من الشام إلى الكعبة عينها ثم جهتها ثم إلى جهة التحري عند الإشتباه ولا إعادة بخلاف النجاسة والطهارة فإنه لم يثبت قبولهما التحول شرعا والله الموفق للصواب
____________________
(1/273)
& باب صفة الصلاة
شرع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته قبل الصفة والوصف في اللغة واحد وفي عرف المتكلمين بخلافه والتحرير أن الوصف لغة ذكر ما في الموصوف من الصفة والصفة هي ما فيه ولا ينكر أنه يطلق الوصف ويراد الصفة وبهذا لا يلزم الإتحاد لغة إذ لا شك في أن الوصف مصدر وصفه إذا ذكر ما فيه ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها وهي الأجزاء العقلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود قوله فرائض الصلاة ستة لا يخلو عن شيء لأنه وإن اعتبر آحاد الفرائض فريضة لم تجز التاء في عدده وإن اعتبر فرضا لم يكن ذلك جمعه لأن فعائل إنما تطرد في كل رباعي ثالثه مدة مؤنث بالتاء كسحابة وصحيفة وحلوبة أو بالمعنى كشمال وعجوز وسعيد علم امرأة وأما جعله فريضة على تأويله بالفرض أدخلت التاء كما في قول الشاعر ** ولا أرض أبقل إبقالها ** بتأويل المكان فهو تصرف ** ليس لنا أن نفعله بل إنما لنا أن نؤول الوارد عنهم مخالفا لجادتهم ولذا لم يورد أهل الشأن هذا البيت إلا مثالا للشذوذ غير أنهم عللوا الواقع بما ذكروا لا أنه أعطاه ضابط صحة استعمال مثله لمن شاء قوله وربك فكبر وكذا وقوموا لله واقرءوا واركعوا واسجدوا أوامر ومقتضاها الإفتراض ولم تفرض خارج الصلاة فوجب أن يراد بها الإفتراض الواقع في الصلاة إعمالا للنصوص في حقيقتها حيث أمكن والحديث المذكور مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها
____________________
(1/274)
التسليم رواه أبو داود وحسنه النووي في أحكامه والإسناد فيه مجازى لأن التحريم ليس نفس التكبير بل به يثبت أو يجعل مجازا لغويا باستعمال لفظ التحريم فيما به أي ما يثبت به تحريم الصلاة التكبير ومثله في تحليلها التسليم والمستفاد من هذه وجوب المذكورات في الصلاة وهو لا ينفي إجمال الصلاة إذ الحاصل حينئذ أن الصلاة فعل يشتمل على هذه بقي كيفية ترتيبها في الأداء وهل الصلاة هذه فقط أو مع أمور أخر وقع البيان في ذلك كله بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله وهو لم يفعلها قط بدون القعدة الأخيرة والمواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب فإذا وقعت بيانا للفرض أعني الصلاة المجمل كان متعلقها فرضا بالضرورة ولو لم يقم الدليل في غيرها من الأفعال على سنيته لكان فرضا ولو لم يلزم تقييد مطلق الكتاب بخبر الفاتحة والطمأنينة وهو نسخ للقاطع بالظني لكانا فرضين ولولا أنه عليه الصلاة والسلام لم يعد إلى القعدة الأولى لما ترككها ساهيا ثم علم لكانت فرضا فقد علمت أن بعض الصلاة عرف بتلك النصوص ولا إجمال فيها وأنه لا ينفي الإجمال في الصلاة من وجه آخر فما تعلق بالأفعال نفسها لا يكون بيانا فإن كان ناسخا للإطلاق وهو قطعي نسخ للعلم بأنه صلى الله عليه وسلم قاله وهو أدرى بالمراد وإن لم يكن قطعيا لم يصلح لذلك وإلا لزم تقديم الظني عند معارضته القطعي عليه وهو لا يجوز في قضية العقل وعما ذكرنا كان تقديم القيام على الركوع والركوع على السجود فرضا لأنه بينها كذلك
____________________
(1/275)
وسيرد عليك تفاصيل هذا الأصل قوله علق التمام بالفعل الخ بيان للمراد لا أنه معنى اللفظ يعني لما قام الدليل على أن لا بد من القعدة كان المراد إذا قلت هذا وأنت قاعد أو فعلت هذا قائلا أو غير قائل تمت فلو تم هذا سندا ومتنا كان الإستدلال به على فرضية القعدة عينا متوقفا على ثبوت فرضيتها بما يستقل بذلك بحيث لا يكون حديث ابن مسعود جزء المثبت فلم يتعلق به إثبات أصلا كما أشرنا إليه من إثباته ببيان المجمل فكيف ولم يتم فإن الذي في أبي داود إذا قلت هذا وقضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد وهو تعليق بهما فإذا اتصل الخبر بالمبين كانا فرضين نعم هو بلفظ أو فعلت هذا في رواية للدارقطني فلو لم يتبين أنها مدرجة من كلام ابن مسعود لوجب حمل أو على معنى الواو ليوافق المرفوع وهو أكثر من العكس فيما أظن فكيف وقد بين الإدراج شبابة بن سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصل كلام ابن مسعود من من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسن بن الحر مفصلا مبينا قال النووي اتفق الحفاظ على أنها مدرجة والحق أن غاية الإدراج هنا أن تصير موقوفة والموقوف في مثله له حكم الرفع ثم اختلف مشايخنا في قدر الفرض من القعدة قيل قدر ما يأتي بالشهادتين والأصح أنه قدر قراءة التشهد إلى عبده ورسوله للعلم بأن شرعيتها لقراءته وأقل ما ينصرف إليه اسم التشهد عند الإطلاق ذلك وعلى هذا ينشأ إشكال وهو أن كون ما شرع لغيره بمعنى أن المقصود من شرعيته غيره يكون آكد من ذلك الغير مما لم يعهد بل وخلاف المعقول فإذا كان شرعية القعدة للذكر أو السلام كانت دونهما فالأولى أن يعين سبب شرعيتها الخروج هذا وقد عد من الفرائض إتمامها والإنتقال من ركن إلى ركن قيل لأن النص الموجب لصلاة يوجب ذلك إذ لا وجود للصلاة بدون إتمامها وذلك يستدعي الأمرين واعلم أن القعدة فرض غير ركن لعدم توقف الماهية
____________________
(1/276)
عليها شرعا لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة فيعلم أنها شرعت للخروج وهذا لأن الصلاة أفعال وضعت للتعظيم وليس القعود كذلك بخلاف ما سواه ثم الركن ينقسم إلى أصلي وزائد وهو ما يسقط في بعض الصور من غير تحقق ضرورة وهو القراءة تسقط حالة الإقتداء وعن المدرك في الركوع مثلا بخلاف غيرها لا يسقط إلا لضرروة قوله فيما شرع مكررا من الأفعال أراد به ما تكرر في كل الصلاة كالركعات إلا لضرورة الإقتداء حيث يسقط به الترتيب فإن المسبوق يصلي آخر الركعات قبل أولها وفي كل ركعة والأصل عندنا أن المشروع فرضا في الصلاة أربعة أنواع ما يتحد في كل الصلاة كالقعدة أو في كل ركعة كالقيام والركوع وما يتعدد في كلها كالركعات أو في كل ركعة كالسجود والترتيب شرط بين ما يتحد في كل الصلاة وجميع ما سواه مما يتعدد في كلها أو في كل ركعة وما يتحد في كل ركعة حتى لو تذكر بعد القعدة قبل السلام أو بعده قبل أن يأتي بمفسد ركعة أو سجدة صلبية أو للتلاوة فعلها وأعاد القعدة وسجد للسهو وكذا إذا تذكر ركوعا قضاه وقضى ما بعده من السجود أو قياما أو قراءة صلى ركعة تامة وكذا يشترط الترتيب بين ما يتحد في كل ركعة كالقيام والركوع ولذا قلنا آنفا في ترك القيام وحده إنه يصلى ركعة تامة وإذا عرف هذا فقوله في النهاية الترتيب ليس بشرط بين ما يتعدد في كل الصلاة يعني الركعات أو يتحد في كل ركعة وبين ما يتعدد في ركعة ليس على إطلاقه بل بين السجود والمتحد في كل ركعة تفصيل إن كان سجود ذلك الركوع بأن يكونا ركوعا وسجودا من ركعة واحدة فالترتيب شرط وإن كان ركوعا من ركعة وسجود من أخرى بأن تذكر في سجدة ركوع ركعة قبل هذه السجدة قضى الركوع مع سجدتيه وعلى قلبه بأن تذكر في ركوع أنه لم يسجد في الركعة التي قبلها سجدها وهل يعيد الركوع والسجود المتذكر فيه ففي الهداية أنه لا يجب إعادته بل يستحب معللا بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الأفعال والذي في فتاوى قاضيخان وغيره أنه يعيده معللا بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض ولهذا ذكره فيما لو تذكر سجدة بعد ما رفع من الركوع أنه يقضيها ولا يعيد الركوع لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض فعلم أن الإختلاف في إعادتها ليس بناء على اشتراط الترتيب وعدمه بل على أن الركن المتذكر فيه هل يرتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان أولا وفي كافي الحاكم الشهيد أبي الفضل الذي هو جمع كلام محمد رحمه الله رجل افتتح الصلاة وقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ وسجد ولم يركع فهذا قد صلى ركعة وكذلك إن ركع أولا ثم قرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة واحدة وكذلك إن سجد أولا سجدتين ثم قام فقرأ في الثانية وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ وسجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى ركعة واحدة وكذلك إن ركع في الأولى ولم يسجد وركع في الثانية ولم يسجد ثم سجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى
____________________
(1/277)
ركعة واحدة ثم لم يذكر المصنف قراءة التشهد في الأولى وتعديل الأركان قيل للإختلاف فيهما كما سيذكر لكن قد نقل عن الطحاوي والكرخي سنية القعدة الأولى ومع ذلك ذكرها فليس الصارف حينئذ ذلك ويجوز كونه اختار هنا سنتيهما ثم تبدل رأيه في سجود السهو فاختار وجوب القعدة وبقي من الواجبات بعد هذا إصابة لفظة السلام وتعيين القراءة أولي الفرض وحينئذ فالأولى أن لا يحمل كلام المصنف على أنه حصر المتفق عليه وترك المختلف فيه ولا تبدل رأيه بل إنه قصد إعطاء نظائر لا على الحصر ولذا أتى مكلف التشبيه المشعرة بعدم الحصر قوله هذا هو الصحيح احتراز عن جواب القياس في التشهد والقنوت وتكبيرات العيد وكذا في السلام لأنها أذكار ومبني الصلاة على الأفعال لا عليها ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم سجد إلا في الأفعال والإستحسان هو الصحيح وهو أنها تضاف إلى كل الصلاة نحو قنوت الوتر وتشهد الصلاة فكانت من خصائصها بخلاف نحو تسبيحات الركوع وقد يقال الإختصاص المستفاد من الإضافة إنما يعطى أنها لا وجوب لها في غير الصلاة شرعا وكون ذلك يستلزم الوجوب محل نظر فالأولى أن يستدل في وجوبها بالمواظبة المقرونة بالترك في التشهد للنسيان فلا يلتحق بالمبين أعني الصلاة لتكون فرضا أما في قنوت الوتر وتكبيرات العيد فلأن أصلهما بظني فلا تكون المواظبة فيها محتاجة إلى الإقتران بالترك ليثبت به الوجوب والمواظبة في السلام معارضة بقوله صلى الله عليه وسلم إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقت تمت صلاتك فلم يتحقق بيانا لما تقرر جزءا للصلاة قوله وتسميتها سنة الخ يعني أريد بلفظ السنة ما ثبت بالسنة فيدخل فيه الواجبات بطريق عموم المجاز ولا حاجة إلى
____________________
(1/278)
اعتباره جمعا بين الحقيقي والمجازي في محلين على رأي العراقيين قوله وإذا شرع كبر أي إذا أراد الشروع كبر فإن التكبير سابق على الشروع فلفظ الشروع في إرادته مجاز من إطلاق اللازم على الملزوم لا المسبب في السبب لما أسلفناه من أن الإرادة قد يتخلف عنها المراد واللزوم المجوز للتجوز أعم من العقلي وفي الجملة قوله وهو شرط عندنا على القادر في المحيط الأمي والأخرس لو افتتحا بالنية جاز لأنهما أتيا بأقصى ما في وسعهما انتهى ولا يجب عليه تحريك لسانه عندنا لأن الواجب حركة بلفظ مخصوص فإذا تعذر نفس الواجب لا يحكم بوجوب غيره إلا بدليل ولا يصح إلا قائما ولو حبا إلى الإمام فكبر منحنيا إن كان إلى القيام أقرب صح وإلا فلا ولا يجوز قبل الإمام ولو مده ففرغ الإمام قبله أو كبر قبله غير عالم بذلك جاز على قياس قولهما لا على قول أبي يوسف قوله حتى أن من تحرم للفرض كان له أن يؤدي به النفل وكذا بناء النفل على النفل ومقتضى كون هذا ثمرة كونه شرطا أن يجوز
____________________
(1/279)
أيضا بناء الفرض على الفرض وعلى النفل وقد روى إجازة ذلك عن أبي اليسر والجمهور على منعه ومنع الملازمة بين كونه شرطا وجواز ما ذكر أصله النية شرط ولا تجوز صلاتان بنية والوضوء شرط وكان في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة نعم بقي أن يقال إن شرط لكل صلاة تلزم أن لا يصح بناء النفل على الفرض والأصح بناء الفرض على الفرض وعلى النفل ولا جواب إلا باختبار الأول وصحة النفل تبعا قوله ما يشترط لسائر الأركان من الستر والإستقبال وغيرهما قوله عطف الصلاة يعني في قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى ومقتضاه المغايرة فلو كانت ركنا لعطف على نفسه فإن الحاصل حينئذ فذكر اسم ربه وقام وقرأ الخ لأن ذلك كله معنى صلى ولو صح هذا امتنع عطف العام على الخاص فإن اللازم واحد والأولى أن يقال إن عطف الكل على الجزء وإن كان نظير العام على الخاص لكن جوازه لنكتة بلاغية وهي منعدمة هنا فلزم أن لا تكون منه فلا يكون التحريم من الصلاة فهي شرط وبهذا يتم الوجه وقوله ولهذا لا يتكرر الخ زيادة فلا يضر عدم صحتها إذ لا يلزم من الركنية التكرر كالقعدة قوله ومراعاة الشرائط الخ يتضمن منع قوله يشترط لها فقال لا نسلم أنه يشترط لها بل هو لما يتصل بها من الأركان لا لنفسها ولذا قلنا لو تحرم حامل نجاسة أو مكشوف العورة أو قبل ظهور الزوال أو منحرفا فألقاها واستتر بعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع آخر جزء من التحريمة جاز وذكر في الكافي أنها عند بعض أصحابنا ركن انتهى وهو ظاهر كلام الطحاوي فيجب على قول هؤلاء أن لا تصح هذه الفروع قوله وهو سنة أثبته بالمواظبة وهي وإن كانت من غير ترك تفيد الوجوب لكن إذا
____________________
(1/280)
لم يكن ما يفيد أنها ليست لحامل الوجوب وقد وجد وهو تعليمه الأعرابي من غير ذكره وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز على أنه حكى في الخلاصة خلافا في تركه قيل يأثم وقيل لا قال والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا انتهى وينبغي أن نجعل شقي هذا القول محمل القولين فلا اختلاف حينئذ ولا إثم لنفس الترك بل لأن اعتياده للإستخفاف وإلا فمشكل أو يكون واجبا قوله وهو المروي عن أبي يوسف قولا والمحكي عن الطحاوي فعلا واختاره شيخ الإسلام وصاحب التحفة وقاضيخان قوله والأصح عليه عامة المشايخ قوله والنفي مقدم على الإيجاب أورد عليه أن ذاك في اللفظ فلا يلزم في غيره وليس بشيء إذا لم يدع لزومه في غيره فإن تقديره هكذا حكمة شرعية هذا الرفع نفى الكبرياء عن غير الله ليحصل من النفي الفعلي والإثبات القولي حصر الكبرياء عليه سبحانه والمعهود في الدلالة على هذا الحاصل باللفظ تقديم مفيد النفي فإذا دل عليه بغيره كان المناسب أن يسلك به سبيل المعهود استحسانا لا لزوما وليس الكلام إلا في وجه أولوية هذا والسنة أن ينشر أصابعه في الرفع غير متكلف في ضمها وتفريجها واختار غير المصنف قول أبي يوسف فإن لم يكن في مختار المصنف سمع وإلا انتظم المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع قول أبي يوسف فيكون أولى لكن قد وجد في النسائي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر وهنا قول ثالث قيل به وهو أنه يكبر أولا ثم يرفع وفيه أيضا خصوص النقل فإن رواية أنس صريحة فيه كما ستسمع ورواية أبي وائل والبراء ظاهرة فيه وحينئذ ففي الأقوال الثلاثة رواية عنه صلى الله عليه وسلم فيؤنس بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك ويترجح من بين أفعاله هذه تقديم الرفع بالمعنى الذي أبداه المصنف قوله حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه وبرءوس أصابعه فروع أذنيه قوله وعلى هذا أي هذا الخلاف قوله له حديث أبي حميد وهو ما رواه البخاري عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله
____________________
(1/281)
عليه وسلم قال فذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته وقد أعله الطحاوي بأنه من طريق آخر عن محمد هذا قال حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ففسد للجهالة وهذا هو الأرجح فإن سن محمد لا يحتمل مثل هذا وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعا لمحمد من أبي وائل إلا عبدالحميد وهو عندك ضعيف وفي رواية أخرى أن محمد بن عمرو حضر أبا حميد وأبا قتادة ووفاة أبي قتادة قبل هذا قتل مع علي وصلى عليه علي فهذا غير معروف ولا متصل عندنا انتهى عبدالحميد هو جعفر بن الحكم الأنصاري ضعفه يحيى القطان والثوري ووثقه ابن معين وغيره ومحمد بن عمرو بن عطاء صرح غير واحد من الحفاظ بسماعه من أبي قتادة وأبي حميد منهم الحافظ عبدالغني قال توفي في خلافة الوليد بن يزيد بن عبدالملك وخلافته أول سنة ثمان وستين ومدتها تسع سنين وأشهر وأبو قتادة قيل قتل بالكوفة سنة ثمان وثلاثين قال الحافظ عبدالغني الأصح أنه مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وأبو حميد عبدالرحمن الساعدي توفي في آخر خلافة معاوية ووفاة معاوية سنة ستين وقيل تسع وخمسين فالحاصل تحقق الخلاف في جميع ما ذكر والشأن في الترجيح ولا حاجة إلى الإشتغال به فإنا لو سلمنا صحته كانت رواية وائل والبراء وأنس محصلات للمقصود ورواية وائل في صحيح مسلم أنه رآه صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصفهما حيال أذنيه ورواية أنس ذكرها الطحاوي بسند فيه مؤمل بن إسمعيل ويزيد بن أبي زياد ويقال ابن زياد وقد ضعف مؤمل بأنه دفن كتبه وكان يحدث من حفظه فكثر خطؤه ويزيد ضعفه علي ويحيى وابن المبارك وأبو حاتم الرازي والبخاري والنسائي وقال ابن حبان كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه فكان يتلقن ما لقن فوقعت المناكير في حديثه فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح والرواية عن أنس في السنن الكبير للبيهقي كان صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه قال أبو الفرج إسناده كلهم ثقات ولا معارضة فإن محاذاة الشحمتين بالإبهامين تسوغ حكاية محاذاة اليدين بالمنكبين والأذنين لأن طرف الكف مع الرسغ يحاذي المنكب أو يقاربه والكف نفسه يحاذي الأذن واليد تقال على الكف إلى أعلاها فالذي نص على محاذاة الإبهامين بالشحمتين وفق في التحقيق بين الروايتين فوجب اعتباره ثم رأينا رواية أبي داود عن وائل صريحة فيه قال إنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فرفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه ومما وفق به حمل مرويه على حالة الإشتمال بالأكسية في الشتاء فإن الإبط مشغول بحفظها وهو ما ذكره المصنف بقوله على حالة العذر لكن الحق أن لا معارضة كما أسمعتك فلا حاجة إلى هذا الحمل ليدفع التعارض إلا أن رواية البيهقي تقتضي تأخير الرفع عن التكبير وهو ما قدمناه عن بعض المشايخ قوله ولأن الرفع لإعلام الأصم لا ينفي ما ذكره من أنه لنفي الكبرياء عن غير الله لجواز أن يعتبر في شرعيته كل من الأمرين أو أن
____________________
(1/282)
أصل الرفع للنفي وكونه إلى الأذن ليحصل به إعلام الأصم لتوفية الرفع حينئذ وظهوره قوله هو الصحيح هو رواية محمد بن مقاتل عن أصحابنا واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها ترفع حذاء أذنيها قوله أو غيره من أسماء الله تعالى أعم من أن يكون مفردا أو خبرا فيقتضي أنه لو قال الله أو الرب بلا زيادة يصير شارعا على قول أبي حنيفة خلافا لهما وفي التجريد جعل هذا رواية الحسن عنه أما على ظاهر رواية الأصل اعتبر الصفة معه قيل لأن التعظيم الذي هو معنى التكبير حكم على المعظم فلا بد من الخبر وفائدة الخلاف على تلك الرواية تظهر في حائض طهرت وفي الوقت ما يسع الإسم فقط تجب الصلاة عنده خلافا لهما أما لو قال الكبير أو الأكبر فقط لا يصير شارعا عنده كان الفرق الإختصاص في الإطلاق وعدمه وعن هذا قال الفضيلي بالرحمن يصير شارعا وبالرحيم لا لأنه مشترك ثم هل يكره الإفتتاح بغير الله أكبر عنده قال السرخسي لا يكره في الأصح وفي التحفة الأصح أنه يكره وهذا أولى وقد ذكره في التجريد مرويا عن أبي حنيفة قوله لم يجزئه الخ فيه أنه لا بد من تقديم الجلالة وأنه لا بد من هذه الألفاظ وقد روى الأول عن أبي يوسف فلو قال الله أكبر لا يجوز
____________________
(1/283)
والثاني ليس بلازم بل لو قال الله كبير أو الكبار جاز عنده أيضا قوله لأنه هو المنقول من فعله صلى الله عليه وسلم وهو المتوارث من قوله وفي بعض طرق حديث المسيء صلاته قال صلى الله عليه وسلم إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه ويقرأ بما شاء من القرآن ثم يقول الله أكبر وذكر الحديث قوله لأن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء فكان أفعل بمعنى فعيل لكن في المغرب الله أكبر أي أكبر من كل شيء وتفسيرهم إياه بالكبير ضعيف ويمكن أن المراد من كون كبير وأكبر واحدا في صفاته المراد من الكبير المسند إليه الكبير بالنسبة إلى كل ما سواه وذلك بأن يكون كل ما سواه بالنسبة إليه ليس بكبير وهذا المعنى هو المراد بأكبر قوله أن التكبير أي المذكور في قوله تعالى وربك فكبر وقوله عليه الصلاة والسلام وتحريمها التكبير معناه التعظيم وهو أيضا المذكور فيما روى مالك أول الحديث وهو المراد بتكبير الإفتتاح فكان المطلوب بلفظ النص التعظيم وهو أعم من خصوص الله أكبر وغيره ولا إجمال فيه والثابت بالخبر اللفظ المخصوص فيجب العمل به حتى يكره لمن يحسنه تركه كما قلنا في القراءة مع الفاتحة وفي الركوع والسجود مع التعديل كذا في الكافي وهذا يفيد وجوبه ظاهرا وهو مقتضى المواظبة
____________________
(1/284)
التي لم تقترن بترك فينبغي أن يعول على هذا قوله فمحمد مع أبي حنيفة في العربية فيجوز عنده بكل ما أفاد التعظيم بعد كونه عربيا ومع أبي يوسف في الفارسية فلا يجوز بها الإفتتاح وجه الفرق له ما ذكر بأن لغة العرب لها من المزية ما ليس لغيرها فلا يلزم من الجواز بها الجواز بغيرها وهو يقول الذكر المفيد للتعظيم يحصل بخداي بزركست كما يحصل بقوله الله أكبر الواجب قوله كما نطق به النص يعني قوله تعالى قرآنا عربيا غير ذي عوج وغيره فالفرض قراءة القرآن وهو عربي فالفرض العربي قوله ولم يكن فيها بهذه اللغة يتضمن منع أخذ العربية في مفهوم القرآن ولذا قال تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا فإنه يستلزم تسميته قرآنا أيضا لو كان أعجميا والحق أن قرآنا المنكر لم يعهد فيه نقل عن المفهوم اللغوي فيتناول كل مقروء أما القرآن باللام فالمفهوم منه العربي
____________________
(1/285)
في عرف الشرع وإن أطلق على المعنى المجرد القائم بالذات أيضا المنافي للسكوت والآفة والمطلوب بقوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن الثاني فإن قيل النظم مقصود للإعجاز وحالة الصلاة المقصود من القرآن فيها المناجاة لا الإعجاز فلا يكون النظم لازما فيها تسلط عليه أنه معارضة للنص بالمعنى فإن النص طلب بالعربي وهذا التعليل يجيزه بغيرها ولا بعد في أن يتعلق جواز الصلاة في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم الآتى بالنظم المعجز بقراءة ذلك المعجز بعينه بين يدي الرب تعالى فلذا كان الحق رجوعه إلى قولهما في المسئلة قوله هو الصحيح احتراز عن تخصيص البردعي قول أبي حنيفة بالفارسية قوله ولا خلاف أنه لا فساد مخالف لما ذكر الإمام نجم الدين النسفي والقاضي فخر الدين أنها تفسد عندهما والوجه إذا كان المقروء من مكان القصص والأمر والنهي أن يفسد بمجرد قراءته لأنه حينئذ متكلم بكلام غير قرآن بخلاف ما إذا كان ذكرا أو تنزيها فإنما تفسد إذا اقتصر على ذلك بسبب إخلاء الصلاة عن القراءة ولو قرأ بقراءة شاذة لا تفسد صلاته ذكره في الكافي وفيه إن اعتاد القراءة بالفارسية أو أراد أن يكتب مصحفا بها يمنع وإن فعل في آية أو آيتين لا فإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته جاز قوله على هذا الخلاف فعنده يجوز بالفارسية وعندهما لا إلا بالعربية قوله يعتبر التعارف فإن بالمتعارف يحصل الإعلام قوله وإن افتتح الصلاة باللهم اغفر لي أو أعوذ بالله أو إنا لله أو ما شاء الله أو لا حول ولا قوة
____________________
(1/286)
إلا بالله أو بالتسمية لا يكون شارعا لتضمينها السؤال في المعنى أو صريحا قوله لأن معناه ياألله يفيد الصحة بيا ألله نفسه اتفاقا وأن الخلاف في اللهم بناء على أنه بمعناه فقط فيجوز أو مع زيادة سؤال فلا يجوز قوله لقوله عليه الصلاة والسلام لا يعرف مرفوعا بل عن علي من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة رواه أبو داود وأحمد وهذا لفظه قال النووي اتفقوا على تضعيفه لأنه من رواية عبدالرحمن بن إسحق الواسطي مجمع على ضعفه وفي وضع اليمنى على اليسرى فقط أحاديث في الصحيحين وغيرها تقوم بها الحجة على مالك وأما قوله تعالى فصل لربك وانحر فمدلول اللفظ طلب النحر نفسه وهو غير طلب وضع اليدين عند النحر فالمراد نحر الأضحية على أن وضع اليدين على الصدر ليس هو حقيقة وضعهما على النحر فصار الثابت هو وضع اليمنى على اليسرى وكونه تحت السرة أو الصدر كما قال الشافعي لم يثبت فيه حديث يوجب العمل فيحال على المعود من وضعها حال قصد التعظيم في القيام والمعهود في الشاهد منه تحت السرة ثم قيل كيفيته أن يضع الكف على الكف وقيل على المفصل وعن أبي يوسف يقبض باليمنى رسغ اليسرى وقال محمد يضعها كذلك ويكون الرسغ وسط الكف وقيل يأخذ الرسغ بالإبهام والخنصر يعني ويضع الباقي فيكون جمعا بين الأخذ والوضع وهو المختار قوله هو الصحيح فلا يرسلهما بعد الإفتتاح حتى يضع واحترز به عن قول أبي حفص الفضلى يسن
____________________
(1/287)
الإرسال في الجنازة وتكبيرات العيد والقومة فيكون سنة القيام مطلقا وعن قول أصحاب الفضلي أبي علي النسفي والحاكم عبدالرحمن السنة في هذه المواضع الإعتماد مخالفة للروافض فإنهم يرسلون والصحيح التفصيل المذكور وعليه الأكثر ثم الإرسال في القومة بناء على الضابط المذكور يقتضي أن ليس فيها ذكر مسنون وإنما يتم إذا قيل بأن التحميد والتسميع ليس سنة فيها بل في نفس الإنتقال إليها لكنه خلاف ظاهر النصوص والواقع أنه قلما يقع التسميع إلا في القيام حالة الجمع بينهما قوله أنه يضم إليه وجهت وجهي وهو مخير في البداءة بأيهما شاء قوله لرواية على أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك إن كان المراد أنه كان يجمع بينهما تم الإستدلال وإن كان المراد أنه كان يقول التوجيه لم يتم لأنه أعم من إفراده وضمه فيجوز كونه كان يفتتح أحيانا بهذه وأحيانا بذاك فلا يفيد سنية الجمع والثابت في حديث طويل في مسلم ما ظاهره الإفراد نسوقه تشريفا لهذا التأليف وإعانة على حفظ ألفاظ السنة ليتبرك بها في النوافل من القيام وغيره أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلميين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك وإذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وإذا رفع قال
____________________
(1/288)
اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وإذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ثم يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني فكان الأولى أن يقول لرواية جابر عنه صلى الله عليه وسلم إنه كان إذااستفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وجهت وجهي إلى الله رب العالمين أخرجه البيهقي كذلك قوله ولهما رواية أنس روى البيهقي عن أنس وعائشة وأبي سعيد الخدري وجابر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم الإستفتاح سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره مرفوعا إلا عمر وابن مسعود فإنه وقفه على عمر ورفعه الدارقطني عن عمر ثم قال المحفوظ عن عمر من قوله وفي صحيح مسلم عن عبدة وهو ابن أبي لبابة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات ورواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها وضعفاه ورواه الدارقطني عن عثمان رضي الله عنه من قوله ورواه سعيد بن منصور عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من قوله وفي أبي داود عن أبي سعيد كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك ثلاثا تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول لا إله إلا الله ثلاثا ثم يقول الله أكبر كبيرا ثلاثا أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب وقال أيضا وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي وقال أحمد لا يصح هذا الحديث اه وعلي بن علي بن نجاد بن رفاعة وثقه وكيع وابن معين وأبو زرعة وكفى بهم ولما ثبت من فعل الصحابة كعمر رضي الله عنه وغيره الإفتتاح بعده عليه الصلاة والسلام بسبحانك اللهم مع الجهر به لقصد تعليم الناس ليقتدوا ويأنسوا كان دليلا على أنه الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم آخر الأمر أو أنه كان الأكثر من فعله وإن كان رفع غيره أقوى على طريق المحدثين ألا يرى أنه روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يسكت هنيهة قبل القراءة بعد التكبير فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد وهو أصح من الكل لأنه متفق عليه ومع هذا لم يقل بسنيته عينا أحد من الأربعة والحاصل أن غير المرفوع أو المرفوع المرجوح في الثبوت عن مرفوع آخر قد يقدم على عديله إذا اقترن بقرائن تفيد أنه صحيح عنه عليه الصلاة والسلام مستمر عليه قوله وما رواه محمول يؤيد الحمل المذكور ما ثبت في صحيح أبي عوانة والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام يصلي تطوعا قال الله أكبر وجهت وجهي إلى آخره فيكون مفسرا لما
____________________
(1/289)
في غيره بخلاف سبحانك اللهم فإن ما ذكرناه يبين أنه المستقر عليه في الفرائض قوله على التهجد المراد النوافل تهجدا وغيره بدليل ما ذكرنا آنفا ثم إذا قاله يقول وأنا من المسلمين ولو قال أول المسلمين قيل تفسد للكذب وقيل لا وهو الأولى لأنه تال لا مخبر قوله لم يذكر في المشاهير وإن كان روى في الجملة عن ابن عباس في حديث طويل من قوله ذكره ابن أبي شيبة وابن مردويه في كتاب الدعاء له ورواه الحافظ أبو شجاع في كتاب الفردوس عن ابن مسعود رضي الله عنه إن من أحب الكلام إلى الله عز وجل أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك وأبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل اتق الله فيقول عليك نفسك قوله هو الصحيح احتراز عما قيل يأتي به لأنه أبلغ في النية وعمل بالإخبار وقيل لا كما قال المصنف ليتصل به أي بالتكبير النية إذ الأولى في النية قرانها بالتكبير وقراءته توجب فصلها إلا أن هذا ينتفي في حق من استصحبها في قراءة ذلك قوله ويستعيذ بالله الخ وهو سنة عند عامة السلف وعن الثوري وعطاء وجوبه نظرا إلى حقيقة الأمر وعدم صلاحية كونه لدفع الوسوسة في القراءة صارفا عنه بل يصح شرع الوجوب معه وأجيب بأنه خلاف الإجماع ويبعد منهما أن يبتدعا قولا خارقا للإجماع بعد علمهما بأن ذلك لا يجوز فالله أعلم بالصارف على قول الجمهور وقد يقال وهو تعليمه الأعرابي ولم يذكرها وقد يجاب بأن تعليمه الصلاة بتعليمه ما هو من خصائصها وهي ليست من واجبات الصلاة بل واجبات القراءة أو أن كونها تقال عند القراءة كان ظاهرا فأغنى عن ذكره له وهذا لا يتأتى على قول أبي يوسف رحمه الله مع أن من المشايخ كصاحب الخلاصة من جعل قوله هو الأصح بناء على أن شرعتها لدفع الوسوسة ثم على قول أبي يوسف رحمه الله يستعيذ المسبوق مرتين إذا افتتح وإذا قرأ فيما يقضي ذكره في الخلاصة قوله ليوافق القرآن وغير المصنف اختار
____________________
(1/290)
أعوذ بالله لأن لفظ أستعيذ طلب العوذة وقوله أعوذ امتثال مطابق لمقتضاه أما قربه من لفظه فمهدر وإذا كان المنقول من استعاذته عليه الصلاة والسلام أعوذ على ما في حديث أبي سعيد المتقدم آنفا قوله لقول ابن مسعود رضي الله عنه أربع الخ الرابع التحميد والأربعة رواها ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي وروى عن أبي وائل عن عبدالله أنه كان يخفى بسم الله الرحمن الرحيم والإستعاذة وربنا لك الحمد قوله لما روى أنه عليه الصلاة والسلام جهر في صحيح ابن خزيمة وابن حبان والنسائي عن نعيم المجمر صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين ثم يقول إذا سلم والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن خزيمة لا ارتياب في صحته عند أهل المعرفة وهذا غير مستلزم للجهر لجواز سماع نعيم مع إخفاء أبي هريرة رضي الله عنه فإنه مما يتحقق إذا لم يبالغ في الإخفاء مع قرب المقتدي والصريح ما عن ابن عباس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وفي رواية جهر قال قال الحاكم صحيح بلا علة وصححه الدارقطني وهذان أمثل حديث في الجهر قال بعض الحفاظ ليس حديث صريح في الجهر إلا في إسناده مقال عند أهل الحديث ولذا أعرض أرباب المسانيد المشهورة الأربعة وأحمد فلم يخرجوا منها شيئا مع اشتمال كتبهم على أحاديث ضعيفة قال ابن تيمية وروينا عن الدارقطني أنه قال لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر حديث وعن الدارقطني إنه صنف بمصر كتابا في الجهر بالبسملة فأقسم بعض المالكية ليعرفه الصحيح منها فقال لم يصح في الجهر حديث وقال الحازمي أحاديث الجهر وإن كانت مأثورة عن نفر من الصحابة غير أن أكثرها لم يسلم من شوائب وقد روى الطحاوي وأبو عمر بن عبدالبر عن ابن عباس رضي اليه عنهما الجهر قراءة الأعراب وعن ابن عباس لم يجهر النبي صلى
____________________
(1/291)
الله عليه وسلم بالبسملة حتى مات فقد تعارض ما روى عن ابن عباس ثم إن تم فهو محمول على وقوعه أحيانا يعني ليعلمهم أنها تقرأ فيها أوجب هذا الحمل صريح رواية مسلم عن أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم لم يرد نفي القراءة بل السماع للإخفاء بدليل ما صرح به عنه فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد والنسائي بإسناد على شرط الصحيح وعنه صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلهم يخفون بسم الله الرحمن الرحيم رواه ابن ماجه وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما وروى الطبراني حدثنا عبدالله بن وهيب حدثنا محمد بن أبي السري حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم ومن تقدم من التابعين وهو مذهب الثوري وابن المبارك وقال ابن عبدالبر وابن المنذر وهو قول ابن مسعود وابن الزبير وعمار بن ياسر وعبدالله بن المغفل والحكم والحسن بن أبي الحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي وعبدالله بن المبارك وقتادة وعمر بن عبدالعزيز والأعمش والزهري ومجاهد وحماد وأبي عبيد وأحمد وأحمد وإسحق وروى أبو حنيفة عن طريف بن شهاب أبي سفيان السعدي عن زيد بن عبدالله بن مغفل عن أبيه أنه صلى خلف إمام فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فناداه يا عبدالله إني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحدا منهم يجهر بها قوله ثم عن أبي حنيفة الخ هي رواية
____________________
(1/292)
الحسن عنه وعنه وهي رواية أبي يوسف أنه يأتي بها وهو قولهما وجهها اختلاف العلماء واختلاف الآثار في كونها من الفاتحة وعليه إعادة الفاتحة فعليه إعادتها ومقتضى هذا سنيتها مع السورة لثبوت الخلاف في كونها من كل سورة كما في الفاتحة الخ ووجوب السورة كالفاتحة قوله ولمالك فيهما منع بأنه لم يقل به أحد والحديث المذكور رواه الترمذي عن أبي سعيد مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد لله وسورة في فريضة أو غيرها ورواه ابن ماجه واقتصر على لا صلاة لمن لم يقرأ الخ وسكت عنه الترمذي وهو معلول بأبي سفيان طريف بن شهاب السعدي وعنه رواه أبو حنيفة رحمه الله في مسنده نقل عن أبي معين والنسائي تضعيفه ولينه ابن عدي وقال روى عنه الثقات وإنما أنكر عليه أنه يأتي في المتون بأشياء لا يأتي بها غيره وأسانيده مستقيمة ورواه ابن أبي شيبة ورواه الطبراني عن إسمعيل بن عياش عن عبدالعزيز بن عبيدالله عن أبي نصرة لا صلاة إلا بأم القرآن ومعها غيرها ومما يدل على المطلوب ما في أوسط الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي في أهل المدينة أن لا صلاة إلا بقراءة ولو بفاتحة الكتاب فتأمله ورواه أبو حنيفة رحمه الله رواه الحارثي في مسنده وابن عدي عنه بسندهما لكن في الطريق إلى أبي حنيفة رحمه الله من ضعف وفي طريق الطبراني الحجاج بن أرطأة وسنذكر الخلاف فيه في الحج إن شاء الله تعالى قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الصحيحين لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وفيه أنه مشترك الدلالة لأن النفي لا يرد إلا على النسب لا نفس المفرد والخبر الذي هو متعلق الجار محذوف فيمكن تقديره صحيحة فيوافق رأيه أو كاملة فيخالفه وفيه نظر لأن متعلق المجرور الواقع خبرا استقرار عام فالحاصل لا صلاة كائنة وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة هذا هو الأصل بخلاف لا صلاة لجار المسجد الخ ولا صلاة للعبد الآبق فإن قيام الدليل على الصحة أوجب كون المراد كونا خاصا أي كاملة وعلى هذا فيكون من حذف الخبر لا من وقوع الجار والمجرور خبرا فلذا عدل المصنف عنه إلى الظنية في الثبوت وبه لا يثبت
____________________
(1/293)
الركن لأن لازمه نسخ الإطلاق بخبر الواحد وهو يستلزم تقديم الظني على القاطع وهو لا يحل فيثبت به الوجوب فيأثم بترك الفاتحة ولا تفسد واعلم أن الشافعية يثبتون ركنية الفاتحة على معنى الوجوب عندنا فإنهم لا يقولون بوجوبها قطعا بل ظنا غير أنهم لا يخصون الفرضية والركنية بالقطعي فلهم أن يقولوا نقول بموجب الوجه المذكور وإن جوزنا الزيادة بخبر الواحد لكنها ليست بلازمة هنا فإنا إنما قلنا بركنيتها واقتراضها بالمعنى الذي سميتموه وجوبا فلا زيادة وإنما محل الخلاف في التحقيق أن ما تركه مفسد وهو الركن لا يكون إلا بقاطع أولا فقالوا لا لأن الصلاة مجمل مشكل فكل خبر بين فيها أمرا ولم يقم دليل على أن مقتضاه ليس من نفس الحقيقة يوجب الركنية وقلنا بل يلزم في كل ما أصله قطعي وذلك لأن العبادة ليست سوى جملة الأركان فإذا كانت قطعية يلزم في الكل الأركان قطعيتها لأنها ليست إلا إياها مع الآخر بخلاف ما أصله ظني فإن ثبوت أركانه التي هي هو يكون بظني بلا إشكال ولأن الوجوب لما لم يقطع به فالفساد بتركه مظنون والصحة القائمة بالشروع الصحيح قطعية فلا يزول اليقين إلا بمثله وإلا أبطل الظني القطعي قوله فقلنا بوجوبهما على إرادة الأعم من السورة بالسورة فإن الواجب بعد الفاتحة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة سواء كان ذلك سورة أو لا نظرا إلى ما تقدم من الرواية القائلة ومعها غيرها بقي أن يقال ثبوت الوجوب بهذا الظني إنما هو إذا لم يعارضه معارض لكنه ثابت بقوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي أخف صلاته لما علمه فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ومقام التعليم لا يجوز فيه تأخير البيان فلو كانتا واجبتين لنص عليهما له والجواب أن وجوبهما كان ظاهرا ولم يظهر من حال الأعرابي حفظه لهما فقال له عليه الصلاة والسلام فاقرأ ما يسر معك أي سواء كان ما معك الفاتحة أو غيرها غير أنه إن كان معه الفاتحة فالمقصود ما تيسر بعدها لظهور لزومها وفي أبي داود من حديث المسيء صلاته إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ وفي رواية رواها قال فيها فتوضأ كما أمرك اله ثم اقرأ وكبر فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد لله وكبره وهلله فالأولى في الجمع الحكم بأنه قال له ذلك كله أي فإن كان معك شيء من القرآن وإلا فكبره الخ وإن كان معك فاقرأ بأم القرآن وبما
____________________
(1/294)
شاء الله ثم إن الرواة رووا بالمعنى مع اقتصار بعضهم على بعض الجمل المنقولة فتأمله وبه يندفع التعارض قوله ويقولهما المؤتم هذا أعم من كونه في السرية إذا سمعه أو في الجهرية وفي السرية منهم من قال يقوله ومنهم من قال لا لأن ذلك الجهر لا عبرة به وعن الهندواني يؤمن لظاهر الحديث إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه وبه يثبت تأمين الإمام بطريق الإشارة وإنما كان تأمينه بطريق الإشارة لأن تأمينه لم يسق له النص فلا يحتاج إلى الزيادة التي ذكرها المصنف أعني قوله فإن الإمام يقولها وهي في سنن النسائي وصحيح ابن حبان وحديث القسمة في الصحيح إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال ولا الضالين فقولوا آمين قوله لما روينا من حديث ابن مسعود المتقدم وقد روى أحمد وأبو يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم في المستدرك من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين وأخفى بها صوته ورواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن العنبس عن أبي وائل بن حجر وذكر الحديث وفيه ورفع بها صوته فقد خالف سفيان شعبة في الرفع وفي أن حجرا أبو العنبس أو ابن العنبس وفي عدم ذكر علقمة وفيه علة أخرى ذكرها الترمذي في علله الكبير قال إنه سأل البخاري هل سمع علقمة من أبيه فقال إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر اه غير أن هذا انقطاع إن تم وقد رجح الدارقطني وغيره رواية سفيان أنه أحفظ وقد روى البيهقي عن شعبة في الحديث رافعا صوته ولما اختلف في هذا الحديث عدل المصنف إلى ما عن ابن مسعود رضي الله عنه فإنه يؤيد أن المعلوم منه صلى الله عليه وسلم الإخفاء لكن تقدم أن الذي فيه ذكر آمين عن النخعي فالله أعلم ولو كان إلي في هذا شيء لوفقت بأن رواية الخفض يراد بها عدم القرع العنيف ورواية الجهر بمعنى قولها في زير الصوت وذيله يدل على هذا ما في ابن ماجه كان صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين حتى يسمع من في الصف الأول فيرتج بها المسجد وارتجاجه إذا
____________________
(1/295)
قيل في اليم فإنه الذي يحصل عنه دوي كما يشاهد في المساجد بخلاف ما إذا كان بقرع وعلى هذا فينبغي أن يقال على هذا الوجه لا بقرع كما فعله بعضهم قوله والتشديد خطأ وفي التجنيس تفسد به لأنه ليس بشيء وقيل عندهما لا تفسد وعليه الفتوى قال الحلواني له وجه لأن معناه ندعوك قاصدين إجابتك لأن معنى آمين قاصدين قوله وفي الجامع ذكر لفظه لأنه نص على المقارنة ولفظ القدوري أعم منه ومن غيره لاحتمال الواو إياها وضدها وليس بصريح في الخلاف لكن الخلاف نقل صريحا فمنهم من قال يكبر قائما ثم يركع لا عند الخفض ومنهم من قال يكبر معا لكنه يجهر عند الرفع ويخفى عند الخفض والأصح أنه يجهر فيهما وينبغي أن يكون بين رجليه حالة القيام قدر أربع أصابع وقال الطحاوي في المقارنة هو الصحيح
____________________
(1/296)
قوله لكونه استفهاما في المبسوط لو مد ألف الله لا يصير شارعا وخيف عليه الكفر إن كان قاصدا وكذا لو مد ألف أكبر أو باءه لا يصير شارعا لأن إكبار جمع كبر وهو الطبل وقيل اسم للشيطان ولو مد هاء الله فهو خطأ لغة وكذا لو مد راءه ومد لام الله صواب وجزم الهاء خطأ لأنه لم يجيء إلا في ضرورة الشعر قوله ويعتمد بيديه على ركبتيه ناصبا ساقيه وإحناؤهما شبه القوس كما تفعل عامة الناس مكروه ذكره في روضة العلماء قوله لقوله عليه الصلاة والسلام لأنس رضي الله عنه روى الطبراني في الأوسط والصغير بسنده عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا يومئذ ابن ثمان سنين فذهبت بي أمي إليه فقالت يا رسول الله إن رجال الأنصار ونساءهم قد أتحفوك ولم أجد ما أتحفك إلا ابني هذا فاقبله مني يخدمك ما شئت قال فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يضربني ضربة قط ولم يسبني ولم يعبس في وجهي فذكره بطوله إلى أن قال فيه يعني النبي صلى الله عليه وسلم يا بني إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وفرج بين أصابعك وارفع يديك عن جنبيك وفي حديث أبي حميد عن صفة صلاته عليه الصلاة والسلام أنه ركع فوضع راحتيه على ركبتيه والآثار في ذلك كثيرة وأما أثر التطبيق فمنسوخ بما في الصحيحين عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال صليت إلى جنب أبي وطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني أبي وقال كنا نفعل فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب إلا في السجود قيل لأن الرحمة تنزل عليه فيه فبالضم ينال أكثر والله سبحانه أعلم قوله إذا ركع بسط ظهره روى ابن ماجه عن وابصة بن معبد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر وروى أبو العباس محمد بن إسحق السراج
____________________
(1/297)
في مسنده عن البراء كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع بسط ظهره وإذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة وروى الطبراني عن ابن عباس وأبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنهم مثل حديث وابصة سواء قوله لا يصوب رأسه ولا يقنعه رواه الترمذي في حديث أبي حميد وصححه وكذا ابن حبان وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل فكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك قوله إذا ركع أحدكم أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عنه عليه الصلاة والسلام إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات وذلك أدناه لفظ أبي داود وابن ماجه وهو منقطع فإن عونا لم يلق عبدالله بن مسعود قوله أدنى كمال الجمع وأدنى ما يتحقق به ما يكمل به لغة ويصير جمعا على خلاف فيه معلوم ومراده أدنى ما يتحقق به كماله المعنوي وهو الجمع المحصل للسنة لا اللغوي لأن الفائدة الشرعية حيث أمكنت في لفظه عليه الصلاة والسلام قدم اعتبارها غاية الأمر أنه اتفق أن أدنى كمال الجمع لغة هو أدنى ما تحصل به السنة شرعا ولا بدع فيه ولو ترك التسبيح أصلا أو أتى به مرة واحدة كره كذا عن محمد ولو زاد على الثلاث فهو أفضل بعد أن يختم بوتر خمس أو سبع أو تسع إلا إذا كان إماما والقوم يملون من ذلك قوله سمع الله لمن حمده أي قبل يقال سمع الأمير كلام زيد أي قبله فهو دعاء بقبول الحمد قوله وقالا يقولها في نفسه واتفقوا أن المؤتم لا يذكر التسميع وفي شرح الأقطع عن أبي حنيفة رضي الله عنه يجمع بينهما
____________________
(1/298)
الإمام والمأموم قوله كان يجمع بين الذكرين عن أبي هريرة رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا الحديث وفيه ترجيح مقارنة الإنتقال بالتكبير كما هو في الجامع الصغير وأن التسميع يذكر حالة الإنتقال والتحميد حالة القيام وعلى وقفه ذكر في جامع التمرتاشي وقال فيه فإن لم يأت بالتسميع حالة الرفع لا يأتي به حالة الإستواء وقيل يأتي بهما ثم هذا يؤيد ذلك الإشكال السابق في القاعدة كل قيام فيه ذكر مسنون يسن فيه الإعتماد وإلا فلا ففي تفريعهم عليها عدم الإعتماد في القومة نظر قوله وله قوله عليه الصلاة والسلام هذا بقية الحديث الذي قدمنا روايته لمالك في عدم قول
____________________
(1/299)
الإمام آمين عنده ولفظه فيه وإذا قال سمع الله لمن حمده بدون ذكر لفظ الإمام لتقدم ذكره ثم الربط بالضمائر وجه منافاتها الشركة أنه شارع في بيان ما على المقتدي من المتابعة وقد جعله جملة جزاء شرط تسميع الإمام فلو شرع له التسميع لم يكن الجزاء لأن جزاء الشيء ليس عينه ولبينه لأنه في مقام التعليم وحينئذ إن أقمنا ركن المعارضة كان هذا أرجح لأن قوله مقدم على فعله عند التعارض لأنه تشريع لا يحتمل الخصوصية بخلاف فعله وإن جمعنا دفعا للمعارضة كان بحمل الجمع على حالة الإنفراد وإن كان الظاهر من الحديث أن ذلك في عموم صلاته قوله والإمام بالدلالة عليه آت به معنى قال صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله قوله لقوله صلى الله عليه وسلم قم فصل الخ في الصحيحين أن أعرابيا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل فقال له في الثالثة والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى
____________________
(1/300)
تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها حتى تقضيها واسم الأعرابي خلاد بن رافع رضي الله عنه قوله ولهما أن الركوع يعني الركوع هو المطلوب بالنص جزءا للصلاة وكذا السجود بقوله تعالى اركعوا واسجدوا ولا إجمال فيهما ليفتقر إلى البيان ومسماهما يتحقق بمجرد الإنحناء ووضع بعض الوجه مما لا يعد سخرية مع الإستقبال فخرج الذقن والخد والطمأنينة دوام على الفعل لا نفسه فهو غير المطلوب به فوجب أن لا تتوقف الصحة عليها بخبر الواحد وإلا كان نسخا لإطلاق القاطع به وهو ممنوع عندنا مع أن الخبر يفيد عدم توقف الصحة عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم وما انتقصت من هذا شيئا فقد انتقصت من صلاتك أخرج هذه الزيادة أبو داود والترمذي والنسائي في حديث المسيء صلاته فأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والترمذي عن رفاعة ابن رافع قال فيه فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك وقال حديث حسن وجه الإستدلال على رأي المصنف تسميتها صلاة والباطلة ليست صلاة وعلى رأي غيره وصفها بالنقص والباطلة إنما توصف بالإنعدام فعلم أنه عليه الصلاة والسلام إنما أمره بإعادتها ليوقعها على غير كراهة لا للفساد ومما يدل عليه لو لم تكن هذه الزيادة تركه صلى الله عليه وسلم إياه بعد أول ركعة حتى أتم ولو كان عدمها مفسدا لفسدت بأول ركعة وبعد الفاسد لا يحل المضي في الصلاة وتقريره عليه الصلاة والسلام من الأدلة الشرعية وحينئذ وجب حمل قوله عليه الصلاة والسلام فإنك لم تصل على الصلاة الخالية عن الإثم على قول الكرخي أو المسنونة على قول الجرجاني والأول أولى لأن المجاز حينئذ في قوله لم تصل يكون أقرب إلى الحقيقة ولأن المواظبة دليل الوجوب وقد سئل محمد عن تركها فقال إني أخاف أن لا تجوز الصلاة وعن السرخسي من ترك الإعتدال تلزمه الإعادة ومن المشايخ من قال تلزمه ويكون الفرض هو الثاني ولا إشكال في وجوب الإعادة إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم ويكون جابرا للأول لأن الفرضي لا يتكرر وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول وهو لازم ترك الركن لا الواجب إلا أن يقال المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه قوله ثم القومة والجلسة
____________________
(1/301)
أي بين السجدتين سنة عندهما أي باتفاق المشايخ بخلاف الطمأنينة على ما سمعت من الخلاف وعند أبي يوسف هذه الفرائض للمواظبة الواقعة بيانا وأنت علمت حال الطمأنينة وينبغي أن تكون القومة والجلسة واجبتين للمواظبة ولما روى أصحاب السنن الأربعة والدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود قال الترمذي حديث حسن صحيح ولعله كذلك عندهما ويدل عليه إيجاب سجود السهود فيه فيما ذكر في فتاوى قاضيخان في فصل ما يوجب السهو قال المصلي إذا ركع ولم يرفع رأسه من الركوع حتى خر ساجدا ساهيا تجوز صلاته في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعليه سجود السهو ويحمل قول أبي يوسف رحمه الله أنها فرائض على الفرائض العملية وهي الواجبة فيرتفع الخلاف ثم وجه تخريج الجرجاني كون الزائد على مسمى الركن لا يتناوله الأمر فيكتفي فيه بالإستنان ووجه تفصيل الكرخي إظهار التفاوت بين مكمل الركن المقصود لنفسه ومكمل ما هو مقصود لغيره أعني الإنتقال وذلك بوجوب الأول واستنان الثاني وأنت علمت أن مقتضى الدليل في كل من الطمأنينة والقومة والجلسة الوجوب قوله لأن وائل بن حجر وصف الخ كونه من حديث وائل غريب وإنما رواه أبو يعلى عن أبي إسحق قال وصف لنا البراء بن عازب السجود فسجد فادعم على كفيه ورفع عجيزته وقال هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ووضع وجهه بين كفيه الخ في مسلم من حديث وائل بن حجر أنه عليه الصلاة والسلام سجد ووضع وجهه بين كفيه انتهى ومن يضع كذلك تكون يداه حذاء أذنيه فيعارض ما في البخاري من حديث أبي حميد أنه صلى الله عليه وسلم لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه ونحوه في أبي داود والترمذي ويقدم عليه بأن فليح بن سليمان الواقع في مسند البخاري وإن كان الراجح تثبيته لكن قد تكلم فيه فضعفه النسائي وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويحيى القطان والساجي وقد روى إسحق بن راهويه في مسنده قال أخبرنا الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلما سجد وضع يديه
____________________
(1/302)
حذاء أذنيه وروى عبدالرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري به ولفظه كانت يداه حذاء أذنيه وأخرج الطحاوي عن حفص بن غياث عن الحجاج عن أبي إسحاق قال سألت البراء بن عازب أين كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع جبهته إذا صلى قال بين كفيه ولو قال قائل إن السنة أن يفعل أيهما تيسر جمعا للمرويات بناء على أنه كان صلى الله عليه وسلم يفعل هذا أحيانا وهذا أحيانا إلا أن بين الكفين أفضل لأن فيه من تخليص المجافاة المسنونة ما ليس في الآخر كان حسنا قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه يفيده ما رواه أبو داود والنسائي واللفظ لهما والترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفه حذو منكبيه وما رواه أبو يعلى والطبراني كان عليه الصلاة والسلام يضع أنفه أنفه على الأرض مع جبهته وما في البخاري من حديث أبي حميد السابق فإن فيه ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته من الأرض قوله فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة رحمه الله فإن كان الأنف كره وإن كان الجبهة ففي التحفة والبدائع لا يكره عنده وفي المفيد والمزيد وضع الجبهة وحدها أو الأنف وحده يكره ويجزىء عنده وعند صاحبيه لا يتأدى إلا بوضعهما إلا لعذر قيل فيه نظر فإنه لم يجز الإقتصار على الجبهة عندهما وهو خلاف المشهور ففي النهاية أن وضع الجبهة يتأدى به الفرض بإجماع الثلاثة وهو ظاهر من الهداية حيث قال بعد قوله فإن اقتصر على أحدهما جاز عنده وقالا لا يجوز الإقتصار على الأنف إلا من عذر ولم يقل على أحدهما أو عليه والحديث المذكور في الكتب الستة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ورواية وأشار بيده إلى أنفه غير ضائرة فإن العبرة للفظ الصريح والإشارة إلى الجبهة لا تقع بتقريب اليدين إلى جهة الأنف للتقارب ثم المعتبر وضع ما صلب من
____________________
(1/303)
الأنف لا ما لان قوله وهو المأمور به أي المأمور به في كتاب الله تعالى السجود وهو وضع بعض الوجه مما لا سخرية فيه وهو يتحقق بالأنف فتوقيف أجزائه على وضع آخر معه زيادة بخبر الواحد مع اشتهار الوجه فيما روى في سنن الأربعة عن العباس بن عبدالمطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه ورواه البزار بلفظ أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب وقول البزار روى هذا الحديث سعد وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم ولا نعلم أحدا قال آراب إلا العباس ممنوع فإن ابن عباس وسعدا قالاه كالعباس في أبي داود عن ابن عباس يرفعه أمرت أن أسجد وربما قال أمر نبيكم أن يسجد على سبعة آراب وروى أبو يعلى والطحاوي عن سعد بن أبي وقاص عنه صلى الله عليه وسلم قال أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب وزاد أيها لم يضعه فقد انتقص وفيه زيادة الدلالة على الصحة بتقدير ترك أحدهما فهو شاهد لأبي حنيفة والآراب الأعضاء واحدها إرب والحق أن ثبوت رواية الوجه أو الآراب لا تقدح في صحة رواية الجبهة لأنها أولا لا تعارض الوجه بل حاصلها بيان ما هو المراد بالوجه للقطع بأن مجموعه غير مراد لعدم إرادة الخد والذقن فكانت مبينة للمراد وقد روى أبو حنيفة نفسه هذا الحديث بطرق وألفاظ منها بسنده إلى أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان يسجد على سبعة أعظم جبهته ويديه وركبتيه وصدور قدميه فالحق أن مقتضاه ومقتضى المواظبة المذكورة الوجوب ولا يبعد أن يقول به أبو حنيفة وتحمل الكراهة المروية عنه على كراهة التحريم وعلى هذا فجعل بعض المتأخرين الفتوى على الرواية الأخرى الموافقة لقولهما لم يوافقه دراية ولا القوى من الرواية هذا ولو حمل قولهما لا يجوز الإقتصار إلا من عذر على وجوب الجمع كان أحسن إذ يرتفع الخلاف بناء على حملنا الكراهة عنه عليه من كراهة التحريم ولم يخرجا عن الأصول إذ يلزمهما الزيادة بخبر الواحد وهما يمنعان
فروع يجوز السجود على الحشيش والتبن والقطن والطنفسة إن وجد حجم الأرض وكذا الثلج الملبد فإن كان بحال يغيب فيه وجهه ولا يجد الحجم لا وعلى العجلة على الأرض تجوز كالسرير لا إن كانت على البقر كالبساط المشدود بين الأشجار وعلى العرزال والحنطة والشعير يجوز لا على الدخن والأرز لعدم الإستقرار وعلى ظهر مصل صلاته للضرورة لا من هو في غيرها أو ليس في الصلاة لعدم الضرورة فلو ارتفع موضع السجود عن موضع القدمين قدر لبنة أو لبنتين منصوبتين جاز لا إن زاد قوله سنة عندنا بناء على أن لفظ أمرت
____________________
(1/304)
مستعمل فيما هو أعم من الندب والوجوب وهو معنى طلب مني ذلك ثم هو في الجبهة وجوب وفي غيرها معها ندب أو في الندب بخصوصه بناء على أن السنة السجود على الجبهة هذا على قول الشافعية القائلين بأن قول الراوي أمرنا ونهينا يحمل على الندب والكراهة بناء على أن الأول حقيقة في كل منه ومن الوجوب والثاني فيه وفي التحريم فيحمل على المتيقن بخلاف صيغتي الأمر والنهي بعينهما فإنهما للوجوب والتحريم فقط وأما على قولنا فلا إذ قد استدل أصحابنا على التحريم بلفظ نهى نحو نهى عن السلم في الحيوان بناء على أنه إخبار عن تحقق صيغة النهي وحقيقتها التحريم اتفاقا فيثبت التحريم بالمخبر عنه أعني الصيغة لا بنفس لفظ نهي وأمر فيحتاج إلى صارف عن الوجوب وليس يظهر إلا ظهور أن المراد السجود وهو يحصل بدون ذلك وبهذه الكيفية غير أنه بهذه الكيفية أزين فيكون سنة ولقائل أن يقول هذا محتمل في الصرف إذ يجوز أن يطلب ما هو زينة السجود حتما فلا يعدل عن الوجوب نعم لا يكون فرضا كيف والظاهر المواظبة منه عليه الصلاة والسلام عليه هذا ومختار الفقيه أبي الليث على ما أسلفناه عنه في أوائل باب الأنجاس من أن المصلي إذا لم يضع ركبتيه على الأرض لا يجزئه وأنه رد رواية عدم وجوب طهارة مكان الركبتين في الصلاة فهو يشير إلى الإفتراض وما اخترته من الوجوب ولزوم الإسم بالترك مع الإجزاء كترك الفاتحة أعدل إن شاء الله تعالى وأما افتراض وضع القدم فلأن السجود مع رفعهما بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال ويكفيه وضع أصبع واحدة وفي الوجيز وضع القدمين فرض فإن وضع إحداهما دون الأخرى جاز ويكره قوله فإن سجد على كور عمامته روى أبو نعيم من حديث ابن عباس في الحلية في ترجمة إبراهيم بن أدهم حدثنا أبو يعلى الحسين بن محمد الزبيري حدثنا أبو الحسن عبدالله بن موسى الحافظ الصوفي البغدادي حدثنا لاحق حدثنا الحسن بن علي الدمشقي حدثنا محمد بن فيروز المصري حدثنا بقيت بن الوليد حدثنا إبراهيم بن أدهم عن أبيه أدهم بن منصور العجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عمامته ورواه الطبراني في الأوسط بسنده عن عبدالله بن أبي أوفى قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته ورواه ابن عدي في الكامل من حديث عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن عبدالرحمن بن سابط عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور العمامة وقد ضعف عمرو بن شمر وجابر الجعفي كذاب
____________________
(1/305)
ورواه الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في فوائده حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبدالرحمن بن أبي حصين الأنطرسوسي حدثنا كيد بن عبيد حدثنا سويد بن عبدالعزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور العمامة وأخرجه البيهقي في سننه عن هشام عن الحسن قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته وذكره البخاري في صحيحه تعليقا فقال وقال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كميه وروى ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن حسين بن عبدالله عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها ورواه أحمد وإسحق بن راهويه وأبو يعلى والطبراني وابن عدي في الكامل وأعله حسين بن عبدالله وضعفه عن ابن معين والنسائي والمديني قال وهو عندي ممن يكتب حديثه فإني لم أجد له حديثا منكرا وهو حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب وبمعناه ما أخرجه الستة عن أنس كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه والإتفاق على أن الحائل ليس بمانع من السجود ولم يزد ما نحن فيه إلا بكونه متصلا به ويمنع تأثير ذلك في الفساد لو تجرد عن المنقولات فكيف وفيه ما سمعت وإن تكلم في بعضها كفى البعض الآخر ولو تم تضعيف كلها كانت حسنة لتعدد الطرق وكثرتهما وقد روى من غير الوجوه التي ذكرناها أيضا ويكفي ما نقله الحسن البصري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يقوى ظن صحة المرفوعات إذ ليس معنى الضعيف الباطل في نفس الأمر بل ما لم يثبت بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث مع تجويز كونه صحيحا في نفس الأمر فيجوز أن تقترن قرينة تحقق ذلك وإن الراوي الضعيف أجاد في هذا المتن المعين فيحكم به مع أن اعتبار التبعية في الحائل يقتضي عدم اعتباره حائلا فيصير كأنه سجد بلا حائل ولا يجوز مس المصحف بكمه كما لا يجوز بكفه ولو بسط كمه على نجاسة فسجد عليه لا يجوز في الأصح وإن كان المرغيناني صحح الجواز فليس بشيء هذا وما ذكر في التجنيس من علامة الميم أنه يكره السجود على كور العمامة لما فيه من ترك التعظيم لا يراد به أصل التعظيم وإلا لم يصح بل نهايته وهذا لأن الركن فعل وضع للتعظيم ولأن المشاهد من وضع الرجل الجبهة في العمامة على الأرض ناكسا لغيره عده تعظيما أي تعظيم هذا في الحائل التابع أما الحائل الذي هو بعضه فقد اختلفوا فيه فلو سجد على كفيه وهي على الأرض قيل لا يجوز وصحح الجواز أو على فخذه قيل لا يجوز ولو بعذر وقيل يجوز بلا عذر وليس بشيء يلتفت إليه بل لا يحل عندي نقله كي لا يشتهر وصحح الجواز بعذر لا بدونه وعلى ركبتيه لا يجوز في الوجهين ولم نعلم فيه خلافا لكن إن كان بعذر كفاه باعتبار ما في ضمنه من الإيماء وكان عدم الخلاف فيه لكون السجود يقع على حرف الركبة وهو لا يأخذ قدر الواجب من الجبهة في التجنيس لو سجد على حجر صغير إن كان أكثر الجبهة على الأرض يجوز وإلا فلا والذي ينبغي ترجيح الفساد على الكف والفخذ قوله وأبد ضبعيك غريب وإنما رواه عبدالرزاق عن ابن عمر قال أخبرنا سفيان الثوري عن آدم بن علي البكري قال رآني ابن عمر وأنا أصلي لا أتجافى عن
____________________
(1/306)
الأرض بذراعي فقال يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك ورفعه ابن حبان بلفظ وجاف عن ضبعيك قوله إذا سجد جافى أخرجه مسلم كان إذا سجد جافى حتى لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت ورواه الحاكم والطبراني وقالا فيه بهيمة وعلى الباء ضمة بخط بعض الحفاظ على تصغير بهمة قيل وهو الصواب وفتحها خطأ قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إذا سجد الخ المحفوظ رواية ذلك من فعله وقد تقدم في بعض ما أسلفناه وفي البخاري في حديث أبي حميد كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة قوله لأنه صلى الله عليه وسلم كان يختم بالوتر غريب والله سبحانه وتعالى أعلم قوله فلا يزاد على النص عدم الزيادة لا يستلزم القول بالسنية لجواز الوجوب والمواظبة والأمر من قوله فليقل اجعلوها يقتضيه إلا لصارف بخلاف قول أبي مطيع بافتراضها فإنه مشكل جدا وقيل في الصارف إنه عدم ذكرها للأعرابي عند تعليمه فيكون أمر استحباب قالوا ويكره تركها ونقصها من الثلاث والتصريح بأنه أمر استحباب يفيد أن هذه الكراهة كراهة تنزيه قوله لما روينا أي من أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع قوله والأصح روى عن أبي حنيفة إن كان إلى القعود أقرب جاز وإلا فلا وعنه إذا رفع
____________________
(1/307)
قدر ما تمر الريح بينه وبين الأرض جاز وروى أبو يوسف عنه إن رفع قدر ما يسمى رافعا جاز قال في المحيط هو الأصح وتعليل المصنف مختاره بأنه يعد يقتضي اعتباره أن تلك الرواية هي رواية أبي يوسف في المعنى واختيارها اختيارها وقال ابن مقاتل إذا رفع بحيث لا يشكل على الناظر أنه رفع جاز فإن أراد الناظر عن بعد فهو معنى مختار المصنف وإلا فهو معنى الرواية الثانية ثم اعتقادي أنه إذا لم يستو صلبه في الجلسة والقومة فهو آثم لما تقدم قوله ولا يعتمد بيديه على الأرض ولكن على ركبتيه قوله فعل ذلك في البخاري عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا قوله ولنا حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي عن خالد بن إياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه قال الترمذي حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم وخالد بن إياس ويقال ابن إياس ضعيف عند أهل الحديث وكذا أعله ابن عدي به قال وهو مع ضعفه يكتب حديثه قال ابن القطان والذي أعل به خالد موجود في صالح وهو الإختلاط فلا معنى للتخصيص انتهى بالمعنى وقول الترمذي العمل عليه عند أهل العلم يقتضي قوة أصله وإن ضعف خصوص هذا الطريق وهو كذلك أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه ولم يجلس وأخرج نحوه عن علي وكذا عن ابن عمر وابن الزبير وكذا عن عمر وأخرج عن الشعبي قال كان عمر وعلي وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم وأخرج عن النعمان بن أبي عياش أدركت
____________________
(1/308)
غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة نهض كما هو ولم يجلس وأخرجه عبدالرزاق عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وأخرجه البيهقي عن عبدالرحمن بن يزيد أنه رأى ابن مسعود فذكر معناه فقد اتفق أكابر الصحابة الذين كانوا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد اقتفاء لأثره وألزم لصحبته من مالك بن الحويرث رضي الله عنه على خلاف ما قال فوجب تقديمه ولذا كان العمل عليه عند أهل العلم كما سمعته من قول الترمذي وعن ابن عمر أنه نهى صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة رواه أبو داود وفي حديث وائل أنه صلى الله عليه وسلم إذا نهض اعتمد على فخذيه والتوفيق أولى فيحمل ما رواه على حالة الكبر ولذا روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا تبادروني في ركوع ولا سجود فإن مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا سجدت إني قد بدنت أخرجه أبو داود هذا ويكره تقديم إحدى الرجلين عند النهوض ويستحب الهبوط باليمين والنهوض بالشمال قوله لقوله صلى الله عليه وسلم غريب بهذا اللفظ وقد روى الطبراني بسنده عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن حين يفتتح الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت وحين يقوم على المروة وحين يقف مع الناس عشية عرفة وبجمع والمقامين حين يرمي الجمرة وذكره البخاري معلقا في كتابه المفرد في رفع اليدين فقال وقال وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وفي استقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وفي المقامين وعند الجمرتين وقال قال شعبة لم يسمع الحكم عن مقسم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ قال وأيضا فهم يعني أصحابنا خالفوا هذا الحديث في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت انتهى وقال في الإمام
____________________
(1/309)
اعترض عليه بوجوه تفرد ابن أبي ليلى وترك الإحتجاج به ورواه وكيع عنه بالوقف على ابن عباس وابن عمر قال الحاكم ووكيع أثبت من كل من روى هذا عن ابن أبي ليلى وبرواية جماعة من التابعين بأسانيد صحيحة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما كانا يرفعان أيديهما عند الركوع وبعد رفع الرأس منه وقد أسنداه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبأنه روى عن الحكم قال في جميع الروايات ترفع الأيدي وليس في شيء منها لا ترفع إلا فيها ويستحيل أن يكون لا ترفع إلا فيها صحيحا وقد تواترت الأخبار بالرفع في غيرها كثيرا فمنها الإستسقاء ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حاصله وأحسنها أن الحصر غير مراد لما ذكر من ثبوت الرفع في غير المذكورة فإذا ثبت عند الركوع والرفع منه وجب القول به وقد ثبت وهو ما أخرجه الستة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عبدالله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود وجوابه المعارضة بما في أبي داود والترمذي عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبدالرحمن بن الأسود عن علقمة قال قال عبدالله بن مسعود ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ولم يرفع يديه إلا في أول مرة وفي لفظ فكان يرفع يديه في أول مرة ثم لا يعود قال الترمذي حديث حسن وأخرجه النسائي عن ابن المبارك عن سفيان الخ وما نقل عن ابن المبارك أنه قال لم يثبت عندي حديث ابن مسعود فغير ضائر بعد ما ثبت بالطريق التي ذكرنا والقدح في عاصم بن كليب غير مقبول فقد وثقه ابن معين وأخرج له مسلم حديثه في الهدى وغيره عن علي وفي عبدالرحمن بأنه لم يسمع من علقمة باطل لأنه عن رجل مجهول وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال مات سنة تسع وتسعين وسنه سن إبراهيم النخعي وما المانع حينئذ من سماعه من علقمة والإتفاق على سماع النخعي منه وصرح الخطيب في كتاب المتفق والمفترق في ترجمة عبدالرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة وما قيل إن الحديث صحيح وإنما المنكر فيه على وكيع زيادة ثم لا يعود نقل عن الدارقطني ومحمد بن نصر المروزي وابن القطان فإنما هو ظن ظنوه ولذا نسب غير هؤلاء الوهم إلى سفيان الثوري كالبخاري في كتابه في رفع اليدين وقال ابن أبي حاتم إنه سأل أباه عنه فقال هذا خطأ يقال وهم فيه الثوري فعرفنا أنه لما روى من طرق بدون هذه الزيادة ظنوها خطأ واختلفوا في الغالط وغاية الأمر أن الأصل رواه مرة بتمامه ومرة بعضه بحسب تعلق الغرض وبالجملة فزيادة العدل الضابط مقبولة خصوصا وقد توبع عليها فوراه ابن المبارك فيما قدمناه من رواية النسائي وأخرج الدارقطني وابن عدي عن محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال صليت
____________________
(1/310)
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة واعترف الدارقطني بتصويب إرسال إبراهيم إياه عن ابن مسعود وتضعيف ابن جابر وقول الحاكم فيه أحسن ما قيل فيه إنه يسرق الحديث من كل من يذاكره فممنوع قال الشيخ في الإمام العلم بهذه الكلية متعذر وأحسن من ذلك قول ابن عدي كان إسحق بن أبي إسرائيل يفضل محمد بن جابر على جماعة هم أفضل منه وأوثق وقد روى عنه من الكبار أيوب وابن عوف وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وغيرهم ولولا أنه في المحل الرفيع لم يرو عنه هؤلاء ومما يؤيد صحة هذه الزيادة رواية أبي حنيفة من غير الطريق المذكور وذلك أنه اجتمع مع الأوزاعي بمكة في دار الحناطين كما حكى ابن عيينة فقال الأوزاعي ما بالكم لا ترفعون عند الركوع والرفع منه فقال لأجل أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء فقال الأوزاعي كيف لم يصح وقد حدثني الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه فقال أبو حنيفة حدثنا حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إلاعند افتتاح الصلاة ثم لا يعود لشيء من ذلك فقال الأوزاعي أحدثك عن الزهري عن سالم عن أبيه وتقول حدثني حماد عن إبراهيم فقال أبو حنيفة كان حماد أفقه من الزهري وكان إبراهيم أفقه من سالم وعلقمة ليس بدون من ابن عمر في الفقه وإن كانت لابن عمر صحبة وله فضل صحبة فالأسود له فضل كثير وعبدالله عبدالله فرجح بفقه الرواة كما رجح الأوزاعي بعلو الإسناد وهو المذهب المنصور عندنا وروى الطحاوي ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش بسند صحيح عن الأسود قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود قال ورأيت إبراهيم والشعبي يفعلان ذلك وعارضه الحاكم برواية طاوس بن كيسان عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه وروى الطحاوي عن أبي بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليا رضي الله عنه رفع يديه في أول التكبير ثم لم يعد وما في الترمذي عن علي رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع كذلك صححه الترمذي فمحمول على النسخ للإتفاق على نسخ الرفع عند السجود واعلم أن الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه
____________________
(1/311)
وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع من جهة الطحاوي وغيره والقدر المتحقق بعد ذلك كله ثبوت رواية كل من الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم الرفع عند الركوع وعدمه فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم بأنه كانت أقوال مباحة في الصلاة أفعال من جنس هذا الرفع وقد علم نسخها فلا يبعد أن يكون هو أيضا مشمولا بالنسخ خصوصا وقد ثبت ما يعارضه ثبوتا لا مرد له بخلاف عدمه فإنه لا يتطرق إليه احتمال عدم الشرعية لأنه ليس من جنس ما عهد فيه ذلك بل من جنس السكون الذي هو طريق ما أجمع على طلبه في الصلاة أعني الخشوع وكذا بأفضلية الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله أبو حنيفة للأوزاعي وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال ذكر عنده وائل بن حجر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الركوع وعند السجود فقال أعرابي لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أرى قبلها قط أفهو أعلم من عبدالله وأصحابه حفظ ولم يحفظوا وفي رواية وقد حدثني من لا أحصى عن عبدالله أنه رفع يديه في بدء الصلاة فقط وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبدالله عالم بشرائع الإسلام وحدوده متفقد لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ملازم له في إقامته وأسفاره وقد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى فيكون الأخذ به عند التعارض أولى من إفراد مقابله ومن القول بسنية كل من الأمرين والله سبحانه وتعالى أعلم قوله هكذا روت عائشة رضي الله عنها الذي في مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير إلى أن قالت وكان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وفي النسائي عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال من سنة الصلاة أن ينصب قدمه اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى قوله روى ذلك في حديث وائل غريب والذي في الترمذي من حديث وائل
____________________
(1/312)
قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جلس يعني للتشهد افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى من غير زيادة على ذلك وفي مسلم كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ولا شك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق فالمراد والله أعلم وضع الكف ثم قبض الأصابع بعد ذلك عند الإشارة وهو المروي عن محمد في كيفية الإشارة قال يقبض خنصره والتي تليها ويحلق الوسطى والإبهام ويقيم المسبحة وكذا عن أبي يوسف رحمه الله في الأمالي وهذا فرع تصحيح الإشارة وعن كثير من المشايخ لا يشير أصلا وهو خلاف الدراية والرواية فعن محمد أن ما ذكرناه في كيفية الإشارة مما نقلناه قول أبي حنيفة رضي الله عنه ويكره أن يشير بمسبحتيه وعن الحلواني يقيم الأصبع عند لا إله ويضعها عند إلا الله ليكون الرفع للنفي والوضع للإثبات وينبغي أن يكون أطراف الأصابع على حرف الركبة
____________________
(1/313)
لا مباعدة عنها قوله لأن فيه الأمر الخ روى الستة واللفظ لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفى بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن فقال إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات الخ وفي لفظ للنسائي إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا فهذا هوالأمر المعروف رواية قوله والألف واللام هي في رواية مسلم وأبي داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواية الترمذي والنسائي عنه بالتنكير وأصحاب الشافعي في العمل على هذه الرواية فصح الترجيح على ما ذهبوا إليه وأما زيادة الواو فليست في تشهد ابن عباس في جميع الروايات قوله وتأكيد التعليم يعني به أخذه بيده لزيادة التوكيد ليس في تشهد ابن عباس أما نفس التعليم ففي تشهد ابن عباس رضي الله عنه فإن لفظه كان صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات لله فقول الزيلعي في التخريج وأما التعليم أيضا فهو في تشهد ابن عباس دفعا لهذا الوجه من الترجيح ليس بوارد ومن وجوه الترجيح أيضا أن الأئمة الستة اتفقوا عليه لفظا ومعنى وهو نادر وتشهد ابن عباس رضي الله عنه معدود في أفراد مسلم وإن رواه غير البخاري من الستة وأعلى درجات الصحيح عندهم ما اتفق عليه الشيخان ولو في أصله فكيف إذا اتفقا على لفظه ولذا أجمع العلماء على أنه أصح حديث في الباب قال الترمذي أصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد حديث ابن مسعود والعمل عليه عند أكثر الصحابة والتابعين ثم أخرج عن خصيف
____________________
(1/314)
قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال عليك بتشهد ابن مسعود وكقول الترمذي قال الخطابي وابن المنذر وممن وافق ابن مسعود على رفعه معاوية أخرج الطبراني عنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر عنه صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات الخ سواء وعائشة في سنن البيهقي عنها قالت هذا تشهد النبي صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات الخ قال النووي إسناده جيد واستفدنا منه أن تشهده صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهدنا وسلمان روى الطبراني والبزار عن أبي راشد قال سألت سلمان عن التشهد فقال أعلمكم كما علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات الخ سواء قال أبو حنيفة رضي الله عنه أخذ حماد بن سليمان بيدي وعلمني التشهد وقال حماد أخذ إبراهيم بيدي وعلمني التشهد وقال إبراهيم أخذ علقمة بيدي وعلمني التشهد وقال علقمة أخذ عبدالله بن مسعود بيدي وعلمني التشهد وقال عبدالله أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد كما يعلمني السورة من القرآن وكان يأخذ علينا بالواو والألف واللام قوله لقول ابن مسعود علمني روى الإمام أحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى التحيات لله إلى قوله عبده ورسوله قال ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم وأحاديث الدعاء بعد التشهد في آخر الصلاة كثيرة شهيرة في الصحيحين وغيرهما قوله لحديث أبي قتادة في الصحيحين عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في الصبح وهذا لا يعم الصلوات والذي يعمها ما في مسند إسحق بن راهوية عن رفاعة بن رافع الأنصاري كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب قوله هو الصحيح احتراز عن
____________________
(1/315)
رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها واجبة يلزم بتركها السهو قوله ضعفه الطحاوي تقدم في حديث رفع اليدين وتكلم البيهقي معه واختصر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد للطحاوي قوله أو يحمل على حالة الكبر فيكون متعلقا بالعارض لا مشروعا أصليا وهو أولى للجمع بين الحديثين قوله وهو واجب عندنا أي في القعدتين قوله للأمر المتقدم أي في حديث ابن مسعود قوله فيهما أي في التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنهما من الفرائض عنده قوله إذا قلت هذا تقدم أنها مدرجة من ابن مسعود وأن هذا المدرج الموقوف له حكم المرفوع ومع هذا نقول في الجواب قد أوجبنا التشهد فخرجنا عن عهدة الأمر الثابت بخبر الواحد وأما الصلاة في الصلاة فلا دليل يصلح للإيجاب لنقول به قال القاضي عياض وقد شذ الشافعي رحمه الله فقال من لم يصل عليه فصلاته فاسدة ولا سلف له في هذا القول ولا سنة يتبعها وشنع عليه فيه جماعة منهم الطبري
____________________
(1/316)
والقشيري وخالفه من أهل مذهبه الخطابي وقال لا أعلم له قدوة والتشهدات المرويات عن ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد وأبي موسى وابن الزبير رضي الله عنهم لم يذكر فيها ذلك وما روى عنه عليه الصلاة والسلام لا صلاة لمن لم يصل علي ضعفه أهل الحديث كلهم ولو صح فمعناه كاملة أو لمن لم يصل علي مرة في عمره
كذا ما جاء في حديث ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم يصل علي فيها وعلى أهل بيتي لم تقبل منه اه وهذا ضعف بجابر الجعفي مع أنه قد اختلف عليه في رفعه ووقفه قاله الدارقطني وأما الأول فرواه ابن ماجه لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا صلاة لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولا صلاة لمن لم يجب الأنصار وفيه عبدالمهيمن ضعيف قال ابن حبان لا يحتج به وأخرجه الطبراني عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده مرفوعا بنحوه قالوا حديث عبدالمهيمن أشبه بالصوات مع أن جماعة قد تكلموا في أبي بن عباس وروى البيهقي عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وفيه المجهول وكره بعضهم أن يقال وارحم محمدا ولم يكرهه بعضهم وكره الصلاة على غير الأنبياء وقيل لا تكره وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم اللهم صل على آل أبي أوفى وموجب الأمر القاطع الإفتراض مرة في العمر في الصلاة أو خارجها لأنه لا يقتضي التكرار وقلنا به قوله إما مرة الخ ظاهر السوق التقابل بين قول الطحاوي والقول بالمرة ولا ينبغي ذلك لأن الوجوب مرة مراد قائله الإفتراض ولا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي عليه كما ذكره لأن مستنده خبر واحد وهو غير مخالف في أنه لا إكفار بجحد مقتضاه بل التفسيق بل التقابل بين القول باستحبابه إذا ذكر وقول الطحاوي والأولى قول الطحاوي وجعل في التحفة قول الطحاوي أصح واختيار صاحب المبسوط قول الكرخي بعد النقل عنهما ظاهر في اعتبار التقابل ثم الترجيح وهو بعيد لما قلنا ولو تكرر في مجلس قيل يكفي مرة وصحح وفي المجتبى تكرر الوجوب
____________________
(1/317)
وفرق بينه وبين تكرر ذكر الله تعالى في مجلس حيث يكفي ثناء واحد قال ولو تركه لا يبقى عليه دينا بخلاف الصلاة فإنها تصير دينا بما ليس بظاهر وصحح في باب سجود التلاوة من الكافي وجوب الصلاة مرة عند التكرر في المجلس الواحد وفي الزائد ندب وكذا التشميت وقيل يجب أن يشمته في كل مرة إلى الثلاث قوله والفرض المروي يعني في رواية النسائي كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبرائيل وميكائيل فقال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هذا فإن الله هو السلام لكن قولوا التحيات لله وساق تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وهذا الحديث في الكتب الستة وليس لفظ الفرض إلا في رواية النسائي بل ألفاظه فيها كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام الخ وكنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه رواية أخرى للنسائي ثم بتقدير أن لا يؤول لفظ الفرض فثبوت كونه فرضا اصطلاحيا متعذر لثبوته بما لا يثبت به الفرض أعني خبر الواحد فيكون واجبا قوله لما روينا من حديث ابن مسعود قال له النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الستة إلا الترمذي وابن ماجه ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به ولا يخفى عدم مطابقة الإستدلال بهذا الدعاء بما يشبه ألفاظ القرآن والمأثور دون ما يشبه كلام الناس ولو استدل بحديث إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس لكان أصوب فيكون معارضا لعموم أعجبه ودعا
____________________
(1/318)
لنفسه بما شاء في بعض أفراده فيقدم عليه لأنه مانع وذلك مبيح قوله هو الصحيح احتراز عن مقابله وقد رجح عدم الفساد لأن الرازق في الحقيقة الله سبحانه ونسبته إلى الأمير مجاز وفي الخلاصة لو قال ارزقني فلانة الأصح أنه يفسد أو ارزقني الحج الأصح أنه لا يفسد وفيها اكسني ثوبا العن فلانا اقض ديوني اغفر لعمي وخالي تفسد ولو قال اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات لا تفسد واغفر لي ولأخي قال الحلواني لا تفسد وابن الفضل تفسد والأول أوجه وارزقني رؤيتك لا تفسد قوله لما روى ابن مسعود رضي الله عنه الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة وأقرب الألفاظ إلى اللفظ المصنف النسائي كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر وصححه الترمذي وهو أرجح مما أخذ به مالك من رواية عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن لتقدم الرجال خلف الإمام دون النساء فالحال أكشف مع أن الثانية أخفض من الأولى فلعلها خفيت عمن كان بعيدا ولو سلم عن يساره أولا يسلم عن يمينه ما لم يتكلم ولا يعيد عن
____________________
(1/319)
يساره ولو سلم تلقاء وجهه يسلم عن يساره أخرى قوله ولا ينوي النساء في زماننا لأنهن ممنوعات من حضور الجماعات قوله نواه فيهما يعني إن كان في الأيمن نواه فيه أو في الأيسر نواه فيه قوله ينوي بالتسليمتين يعني من عن يمينه ومن عن يساره من المتقدمين كالمأموم قوله هو الصحيح احتراز عما قيل لا ينويهم لأنه يشير إليهم بالسلام وما قيل ينوي بالأولى لا غير وجه الصحيح أن الأولى للتحية والخروج من الصلاة والثانية التسوية بين القوم في التحية ثم قيل الثانية سنة والأصح أنها واجبة كالأولى وبمجرد لفظ السلام
____________________
(1/320)
يخرج ولا يتوقف على عليكم قوله لأن الإخبار في عددهم الخ في مسند ابن راهويه وشعب الإيمان للبيهقي من حديثين طويلين ما أفاد أنهما اثنان وأخرج الطبراني مرفوعا وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر له من ذلك البصر عليه سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين وحديث آخر أخرجه الطبري في تفسيره عند قوله تعالى له معقبات من بين يديه بسنده دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه ملك فقال صلى الله عليه وسلم على يمينك ملك على حسناتك وهو أمين على الملك الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشرا وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين اكتب فيقول له لا لعله يستغفر الله ويتوب فإذا قال ثلاثا قال نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ما أقل مراقبته لله وأقل استحياءه منها يقول الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية فيك وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة
____________________
(1/321)
أملاك على كل ابن آدم يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس مع ابن آدم بالنهار وولده بالليل قوله إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه فلو كانت تلك الزيادة في حديث ابن مسعود لم تثبت لم يلزمنا الإخلال بما رواه بل عملنا بمقتضاه إذ لا يقتضي غير مجرد التأثيم بالترك وهو الوجوب ومعنى الإفتراض الذي قالوا فلا خلاف إذا في العمل بمقتضاه بل في لزوم الفساد بترك الواجب الذي لم يقطع بلزومه وقد تقدم مثله في بحث الفاتحة فارجع إليه فصل في القراءة
خص هذا الركن بفصل دون سائر الأركان لكثرة ما يتعلق به من الأحكام وفي النوازل رجل افتتح الصلاة فنام فقرأ وهو نائم يجوز عن القراءة لأن الشرع جعل النائم كالمنتبه تعظيما لأمر المصلي بالحديث وبه فارق الطلاق ألا يرى أن المجنون والصبي لو صليا كانت صلاتهما جائزة ولو طلقا لم يجز قال المصنف في التجنيس والمختار أنه لا يجوز لأن الإختيار شرط أداء العبادة ولم يوجد انتهى والأوجه اختيار الفقيه والإختيار المشروط قد وجد في ابتداء الصلاة وهو كاف ألا يرى لو ركع وسجد ذاهلا عن فعله كل الذهول أنه يجزئه ومما يتعلق به المسئلة الكثيرة الشعب مسئلة زلة القارىء ولم يذكرها المصنف مع أنها مهمة جدا فلنوردها وخطأ القارىء إما في الإعراب أو في الحروف أو في الكلمات أو الآيات وفي الحروف إما بوضع حرف مكان آخر أو تقديمه أو تأخيره أو زيادته أو نقصه أما الإعراب فإن لم يغير المعنى لا تفسد لأن تغييره خطأ لا يستطاع الإحتراز عنه فيعذر وإن غير فاحشا مما اعتقاده كفر مثل البارىء المصور بفتح الواو وإنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الجلالة ونصب العلماء فسدت في قول المتقدمين واختلف المتأخرون فقال ابن مقاتل ومحمد بن سلام وأبو بكر بن سعيد البلخي والهندواني وابن الفضل والحلواني لا تفسد وما قاله المتقدمون أحوط لأنه لو تعمد يكون كفرا وما يكون كفرا لا يكون من القرآن فيكون متكلما بكلام الناس الكفار غلطا وهو مفسد كما لو تكلم بكلام الناس ساهيا مما ليس بكفر فكيف وهو كفر وقول المتأخرين أوسع لأن الناس لا يميزون بين وجوه الإعرابي وهو على قول أبي يوسف ظاهر لأنه لا يعتبر الإعراب عرف ذلك في مسائل ويتصل بهذا تخفيف المشدد عامة المشايخ على
____________________
(1/322)
أن ترك المد والتشديد كالخطأ في الإعراب فلذا قال كثير بالفساد في تخفيف رب العالمين وإياك نعبد لأن معنى إيا مخففا الشمس والأصح لا تفسد وهو لغة قليلة في إيا المشددة نقله بعض متأخرى النحاة وعلى قول المتأخرين لا يحتاج إلى هذا وبناء على هذا أفسدوها بمد همزة أكبر على ما تقدم وأما الحروف فإذا وضع حرفا مكان غيره فإما خطأ وإما عجزا فالأول إن لم يغير المعنى ومثله في القرآن نحو إن المسلمون لا تفسد وإن لم يغير وليس مثله في القرآن نحو قيامين بالقسط والتيابين والحي القيام عندهما لا تفسد وعند أبي يوسف تفسد وإن غير فسدت عندهما وعند أبي يوسف إن لم يكن مثله في القرآن فلو قرأ أصحاب الشعير بشين معجمة فسدت اتفاقا فالعبرة في عدم الفساد عدم تغير المعنى وعند أبي يوسف وجود المثل في القرآن فلا يعتبر على هذا ما ذكر أبو منصور العراقي من عسر الفصل بين الحرفين وعدمه في عدم الفساد وثبوته ولا قرب المخارج وعدمه كما قال ابن مقاتل وحاصل هذا إن كان الفصل بلا مشقة كالطاء مع الصاد فقرأ الطالحات مكان الصالحات تفسد وإن كان بمشقة كالظاء مع الضاد والصاد مع السين والطاء مع التاء قيل تفسد وأكثرهم لا تفسد هذا على رأي هؤلاء المشايخ ثم لم تنضبط فروعهم فأورد في الخلاصة ما ظاهره التنافي للمتأمل فالأولى قول المتقدمين والثاني وهو الإقامة عجزا كالحمد لله الرحمن الرحيم بالهاء فيها أعوذ بالمهملة الصمد بالسين إن كان يجهد الليل والنهار في تصحيحه ولا يقدر فصلاته جائزة ولو ترك جهده ففاسدة ولا يسعه أن يترك في باقي عمره وأما الألثغ الذي يقرأ بسم الله بالمثلثة أو مكان اللام الياء ونحوه لا يطاوعه لسانه لغيره فقيل إن بدل الكلام فسدت أو قرأ خارج الصلاة لا يؤجر فإن أمكنه أن يتخذ آيات ليس فيها تلك الحروف بفعل وإلا يسكت وعلى قياس الأول إن بذل جهده لا تفسد وبه أخذ كذا في الخلاصة وإن لم يبذل إن أمكنه آيات ليس فيها تلك الحروف يتخذها إلا الفاتحة ولا ينبغي لغيره الإقتداء به وكذا الفأفاء الذي لا يقدر على إخراج الكلمة إلا بتكرير الفاء والتمتام الذي لا يقدر على إخراجها إلا بعد أن يديرها في صدره كثيرا وكذا من لا يقدر على إخراج حرف من الحروف ثم الألثغ إذا وجد آيات ليس فيها تلك الحروف فقرأ ما هي فيه فيها فالأكثر على أنه لا تجوز صلاته فإن لم يجب جازت وهل يجوز بلا قراءة اختلف المشايخ فيه وينبغي أن يكون الخلاف فيما إذا قرأ بما فيها مع وجود ما ليس فيها فيما إذا لم يبدل أما إذا بدل فينبغي عدمه في الفساد لأنه تبديل للمعنى من غير ضرورة وكذا في الجواز بغير قراءة ينبغي أن يكون محله عدم الوجود مع العجز أما معه فينبغي عدمه في الفساد لأنه تبديل للمعنى من غير ضرورة وأما التقديم والتأخير فإن غير نحو قوسرة في قسورة فسدت وإن لم يغير لا تفسد عند محمد خلافا لأبي يوسف وأما الزيادة ومنه فك المدغم وإن لم يغير نحو وإنها عن المنكر بالألف وراددوه إليك لا تفسد عند عامة المشايخ وعن أبي يوسف روايتان وإن غير نحو زرابيب مكان زرابي والقرآن الحكيم وإنك لمن المرسلين وإن سعيكم لشتى بالواو تفسد وكذا النقصان إن لم يغير لا تفسد نحو جاءهم مكان جاءتهم وإن غير فسد نحو والنهار إذا تجلى ما خلق الذكر والأنثى
____________________
(1/323)
بلا واو وأما لو كان حذف الحرف من كلمة ففي فتاوى قاضيخان إن كان حذف حرفا أصليا من كلمة وتغير المعنى تفسد في قول أبي حنيفة ومحمد نحو رزقناهم بلا راء أو زاي أو خلقنا بغير خاء أو جعلنا بلا جيم ثم ذكر من المثل نحو ما خلق الذكر والأنثى وقال قالوا على قياس قول أبي يوسف لا تفسد لأن المقروء في القرآن قال ولو كانت الكلمة ثلاثية فحذف حرفا من أولها أو أوسطها نحو ربيا أو عريا في عربيا تفسد إما لتغير المعنى أو لأنه يصير لغوا ولذا حذف باء ضرب الله فإن كان ترخيما لا تفسد وشرطه النداء والعلمية وأن يكون رباعيا أوخماسيا نحو وقالوا يا مال في مالك وأما الكلمة مكان الكلمة فإن تقاربا معنى ومثله في القرآن كالحكيم مكان العليم لم تفسد اتفاقا وإن لم يوجد المثل كالفاجر مكان الأثيم وأياه مكان أواه فكذلك عندهما وعن أبي يوسف روايتان فلو لم يتقاربا ولا مثل له فسد اتفاقا إذا لم يكن ذكرا وإن كان في القرآن وهو مما اعتقاده كفر كغافلين في إنا كنا فاعلين فعامة المشايخ على أنه تفسد اتفاقا
وقال بعضهم على قياس أبي يوسف لا تفسد وبه كان يفتي ابن مقاتل والصحيح من مذهب أي يوسف أنها تفسد ولو قرأ الغبار مكان الغراب فاخشوهم ولا تحشون ألست بربكم قالوا نعم تفسد ما تخلقون مكان تمنون الأظهر الفساد وذق إنك أنت العزيز الحكيم مكان الكريم المختار الفساد وقيل لا لأن المعنى في زعمك ولو قرأ أحل لكم صيد البر مع أنه قرأ ما بعدها وحرم عليكم صيد البر لا تفسد عند طلوع الشمس وعند الغروب مكان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب تفسد وكل صغير وكبير في سقر والنازعات نزعا إنا مرسلو الجمل والكلب والبغال لا تفسد وشركاء مكان شفعاء تفسد وفي مجموع النوازل ومن وضع كلمة مكان أخرى كأن ينسب بالبنوة إلى غير من نسب إليه فإن كان في القرآن نحو موسى بن لقمان لا تفسد عند محمد ورواية أبي يوسف وعليه العامة وإن لم يكن كمريم ابنة غيلان تفسد اتفاقا وكذا لو لم تجز نسبته فنسبه تفسد كعيسى بن لقمان لأن نسبته كفر إذا تعمد وفي فتاوى قاضيخان إذا أراد أن يقرأ كلمة فجرى على لسانه شطر كلمة فرجع وقرأ الأولى أو ركع ولم يتمها إن كان شطر كلمة لو أتمها لا تفسد صلاته لا تفسد وإن كان لو أتمها تفسد تفسد وللشطر حكم الكل وهو الصحيح انتهى وأما التقديم والتأخير فإن لم يغير لم يفسد نحو فأنبتنا فيها عنبا وحبا وإن غير فسد نحو اليسر مكان العسر وعكسه ويمكن إدراجه في الكلمة مكان الكلمة وفي الخلاصة لو قرأ لتفرن عما كنتم تسئلون لا تفسد وإذ الاعناق في أغلالهم لا تفسد وأما الزيادة فإن لم تغير وهي في القرآن نحو وبالوالدين إحسانا وبرا إن الله كان غفورا رحيما عليما لا تفسد في قولهم وإن غيرت وهي موجودة نحو وعمل صالحا أو كفر فلهم أجرهم أو غير موجودة نحو وأما ثمود فهديناهم وعصيناهم فاستحبوا فسدت لأنه لو تعمده كفر فإذا أخطأ فيه أفسد فإن لم تغير وليست في القرآن نحو فيها فاكهة ونخل وتفاخ ورمان لا تفسد وعند أبي يوسف تفسد ولو وضع الظاهر موضع المضمر عن بعض المشايخ تفسد واستشكل بأنه زيادة لا تغير وفي الخلاصة رأيت في بعض المواضع لا تفسد ومن الزيادة القراءة بالألحان لأن حاصلها إشباع الحركات لمراعاة النغم على ما قدمناه من تفسير الإمام أحمد لها في باب الأذان أو زيادة الهمزات كآ فإذا فحش أفسد الصلاة كذا في الخلاصة وإن كان غيره فتعرف في زيادة الحرف ولو بنى بعض آية على أخرى إن لم يغير نحو إن الذين
____________________
(1/324)
آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جزاء الحسنى مكان كانت لهم جنات الفردوس نزلا لا تفسد وإن غير فإن وقف وقفا تاما بينهما فكذلك لو كان قرأ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ووقف ثم قال أولئك هم شر البرية وإن وصل تفسد عند عامة المشايخ وهو الصحيح وحينئذ هذا مقيد لما ذكر في بعض المواضع من أنه إذا شهد بالجنة لمن شهد الله له بالنار أو بالقلب تفسد والله سبحانه وتعالى أعلم قوله هذا هو المتوارث يعني أنا أخذنا عمن يلينا الصلاة هكذا فعلا وهم عمن يليهم كذلك وهكذا إلى الصحابة رضي الله عنهم وهم بالضرورة أخذوه عن صاحب الوحي فلا يحتاج إلى أن ينقل فيه نص معين هذا ولا يجهد نفسه في الجهر قوله لأنه إمام في حق نفسه لما كان قوله وأسمع نفسه يتضمن من البديع النوع المسمى بحسن التعليل كما قيل ** فدتك نفوس الحاسدين فإنها ** معذبة في حضرة ومغيب ** ** وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها ** ويجهد أن يأتي لها بضريب ** فإن قوله جهر تتوجه النفس إلى طلب علته من أنه أي حاجة إلى ذلك وليس معه أحد يسمعه فقال وأسمع نفسه لإفادته وذلك قد يخفى صرح بالتعليل بأداته بلازم المستفاد من حسن التعليل ويشكل عليه ما سيذكره في تعريف الجهر حيث قال والجهر أن يسمع غيره فإنه يقتضي أن ما ليس فيه إسماع الغير ليس بجهر أو أن كون هذا جهر ليس بصحيح فإن المراد أن يسمع نفسه لا غيره بمفهوم اللقب وهو حجة في الروايات ولا مخلص إلا أن يمنع إرادة هذا المفهوم على خلاف ما في النهاية أو أن إرادته على قول الكرخي لا على المختار والتعريف على المختار من قول الهنداوني وصاحب الهداية أيضا اعتبر هذا المفهوم حيث قال فيما بعده وفي لفظ الكتاب إشارة إليه
____________________
(1/325)
حيث قال إن شاء جهر وأسمع نفسه فانظر كلامه بعد فتعين على رأيه الثاني قوله صلاة النهار عجماء غريب قال النووي لا أصل له انتهى ورواه عبدالرزاق في مصنفه من قول مجاهد وأبي عبيدة وفي البخاري عن سخبرة قلنا لخباب بن الأرت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهور والعصر قال نعم قلنا بم كنتم تعرفون ذلك قال باضطراب لحيته وفي مسلم عن الخدري حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة الم السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك الحديث وعنه في مسلم أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية الحديث قوله أي ليست فيها قراءة مسموعة قيل فسر به ليخالف ما عن ابن عباس أنه لا قراءة في الظهر والعصر وتقدم في الحديث وكان يسمعنا الآية أحيانا فيكون دافعا لذلك قوله لورود النقل المستفيض طريق تقريره ما ذكرناه آنفا ومن استدل عليه بما رواه الجماعة إلا البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وما في مسلم عن أبي واقد الليثي سألني عمر ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر فقال كان يقرأ بق والقرآن المجيد واقتربت الساعة أورد عليه ما في حديث الصحيحين عن أبي قتادة كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية
____________________
(1/326)
يسمع الآية أحيانا وفي النسائي كنا نصلي خلفه صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات وفيه عن أبي بكر بن النضر قال كنا بالطف عند أنس بن مالك فصلى بهم الظهر فلما فرغ قال إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية فالإخبار بقراءة خصوص سورة لا يستلزم كونه كان جهرا قوله اعتبار بالفرض في حق المنفرد هو المفيد لتعين المخافتة على المنفرد في الظهر والعصر وإلا فقد كان قوله ويخفيها الإمام في الظهر والعصر يعطي أنه لا يتحتم على المنفرد كما قال عصام واستدل عليه بأنه لا يجب السهو بالجهر فيهما على المنفرد والصحيح تعين المخافتة وبعد هذا ففيما دفع به في شرح الكنز من أن الإمام إنما وجب عليه السهو لأن جنايته أعظم لأنه ارتكب الجهر والإسماع بخلاف المنفرد نظر ظاهر إذ لا ننكر أن واجبنا قد يكون آكد من واجب لكن لم ينط وجوب السجود إلا بترك الواجب لا بآكد الواجبات أو برتبة مخصوصة منه فحيث كانت المخافتة واجبة على المنفرد ينبغي أن يجب بتركها السجود قوله غداة ليلة التعريس روى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يحرسنا الليلة فقال رجل من الأنصار شاب أنا يا رسول الله أحرسكم فحرسهم حتى إذا كان من الصبح غلبته عينه فما استيقظوا إلا بحر الشمس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وتوضأ أصحابه وأمر المؤذن فأذن وصلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الفجر بأصحابه وجهر فيها بالقراءة كما كان يصليها في وقتها وهذا مرسل وهو حجة عندنا وعند الجمهور ولو لم يكن لكن يعتضد به حمل ما في مسلم خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تسيرون عشيتكم إلى أن قال فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره قال فقمنا فزعين ثم قال اركبوا فركبنا وسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من الماء إلى أن قال ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم على ما يعم الجهر وغيره من الأركان كما هو ظاهر اللفظ لا على مجرد استيفاء الأركان كأحد قولي الشافعي لأنه خلاف الظاهر بلا موجب قوله هو الصحيح احتراز عن قول شمس الأئمة وفخر الإسلام وقاضيخان يتخير والجهر أفضل هو الصحيح
____________________
(1/327)
وفي الذخيرة هو الأصح لأن القضاء يحكي الأداء وقوله لأن الجهر الخ حاصله أن الحكم الشرعي ينتفي بنفي المدرك الشرعي والمعلوم من الشرع كون الجهر المنفرد تخييرا في الوقت وحتما على الإمام مطلقا ولولا الأثر المذكور لقلنا بتقيده بالوقت في الإمام أيضا ومثله في المنفرد معدوم فبقي الجهر في حقه على الإنتفاء الأصلي وهذا يتوقف على أن الأصل فيه شرعية الإخفاء والجهر يعارض دليل آخر فعند فقده يرجع إليه وفيه نظر بل ظاهر نقلهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر في الصلوات كلها فشرع الكفار يغلطونه كما يشير إليه قوله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه فأخفى صلى الله عليه وسلم إلا في الأوقات الثلاثة فإنهم كانوا غيبا نائمين وبالطعام مشغولين فاستقر كذلك يقتضي أن الأصل الجهر والإخفاء يعارض وأيضا نفى المدرك ممنوع بل هو القياس على أدائها بعد الوقت بأذان وإقامة بل أولى لأن فيهما الإعلام بدخول الوقت والشروع في الصلاة وقد سن بعد ذلك في القضاء وإن لم يكن ثمة من يعلمه بهما فعلم أن المقصود مراعاة هيئة الجماعة وقد روى من صلى على هيئة الجماعة صلت بصلاته صفوف من الملائكة ذكره في شرح الكنز قوله لم يعد في الأخريين المناسب لم يقض أو لم يقرأها إذ لا يتصور أعادة ما لم يسبق قوله ولهما الخ مثل هذا الوضع يقتضي أن يقال لهما يعني من الدلائل في مقابلة قول المخالف بعد ذكر دليله وهو ما ذكر من أن قراءة السورة غير مشروعة في الأخريين فلا يجوز الإتيان بها لعدم المحل ودليل القضاء لا ما ذكره المصنف والجواب أن قراءتها تلحقها بالشفع الأول ويخلو عنها الثاني حكما لأنه محل لها بخلاف الفاتحة فإن الثاني محلها فتقع قراءتها أداء لأنه أقوى للمحلية ولو كررها خالف المشروع وقد يقال كذلك قراءة السورة فإن كان إيقاعها فيه يخليه عنها حكما
____________________
(1/328)
لذلك يجب أن تكون قراءة الفاتحة ثانيا للقضاء يجب أن تلتحق بالأوليين فيخلو الثاني عن تكرارها حكما ثم بعد هذا كله المتحقق عدم المحلية فلزم كونها قضاء ولم يقع الجواب عن قوله إذا فات عن محله لا يقضي إلا بدليل واعلم أن المسئلة مربعة فظاهر الرواية ما ذكر وعكسه قول عيسى بن أبان وعن أبي يوسف لا يقضي واحدة منهما وعن أبي حنيفة يقضيهما ثم كيف يرتبهما فقيل يقدم السورة وقيل يقدم الفاتحة وهو الأشبه إذ تقديم السورة على الفاتحة غير مشروع فلا يكون مخالفا للمعهود قوله ثم ذكر ههنا ما يدل على الوجوب وهو
____________________
(1/329)
لفظ الخبر وفي الأصل بلفظ الإستحباب ولا يخفى أنه أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية لأنها إن كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم يكن مراعاتها من كل وجه قوله هو الصحيح هو ظاهر الرواية احترازا عما عن أبي حنيفة أنه لا يجهر أصلا لأن الجمع شنيع وتغيير السورة أولى لأن الفاتحة في محلها وليست تبعا للسورة وعنه يجهر بالسورة دون الفاتحة مراعاة لصفة كل منهما ولا يكون جمعا تقديرا للإلتحاق بمحلها من الأوليين
____________________
(1/330)
وصححه التمرتاشي وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب قوله وفي لفظ الكتاب إشارة إليه حيث قال إن شاء جهر وأسمع نفسه وإن شاء خافت فجعل إسماعه نفسه جهرا يقابله المخافتة فتكون هي دون ذلك وليس حينئذ إلا تصحيح الحروف وهذا بناء على أن المراد وأسمع نفسه لا غيره اعتبارا لمفهوم اللقب وإلا لو كان المراد مجرد إبداء حسن التعليل والمراد وأسمع نفسه بذلك لم يلزم فيه إشارة إليه وفي المحيط قول الهندواني أصح واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحرف كيفية تعرض للصوت وهو أخص من النفس فإنه النفس المعروض بالقرع فالحرف عارض للصوت لا للنفس فمجرد تصحيحها بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع بل كونه بحيث يسمع وهو قول بشر المريسي ولعله المراد بقول الهندواني بناء على أن ظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع قوله وغير ذلك كالتسمية على الذبيحة ووجوب السجدة بتلاوته وجواز الصلاة قال شيخ الإسلام وكذا الإيلاء والبيع على الخلاف وقيل الصحيح في البيع أنه لا بد أن يسمع المشتري قوله وأدنى ما يجزىء الخ القراءة فرض وواجب وسنة ومكروه فالفرض عنده في رواية
____________________
(1/331)
ما يطلق عليه اسم القرآن ولم يشبه قصد خطاب أحد ونحوه وفي رواية آية وفي رواية كقولهما والواجب قراءة الفاتحة وثلاث آيات قصار أو آية طويلة يعني في غير الأخريين والأخيرة من المغرب والمسنونة إما في السفر أو في الحضر ويعلم من الكتاب والمكروه ترك شيء من القراءة الواجبة وفي شرح الطحاوي قراءة الفاتحة وآية أو آيتين مكروه وفي المجتبي ما ذكره الطحاوي يدل على أنه لو قرأ مع الفاتحة آية طويلة لا يكون إتيانا بالواجب واختلف المشايخ على قولهما فيما لو قرأ آية طويلة كآية الكرسي قيل لا يجوز وعامتهم أنه يجوز وإذا كانت هذه الأقسام ثابتة في نفس الأمر فما قيل لو قرأ البقرة ونحوها وقع الكل فرضا وكذا إذا أطال في الركوع والسجود مشكل إذ لو كان كذلك لم يتحقق قدر للقراءة إلا فرضا فأين باقي الأقسام وجه القيل المذكور وهو قول الأكثر والأصح أن قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر يوجب أحد الأمرين من الآية فما فوقها مطلقا لصدق ما تيسر على كل ما قرىء فمهما قرىء يكون الفرض ومعنى قسم السنة من الأقسام المذكورة أن يجعل الفرض على الوجه المذكور وهو ما كان عليه الصلاة والسلام يجعله عليه وهو جعله بعدد أربعين مثلا إلى مائة ومما يكره القراءة خلف الإمام وفي غير حالة القيام وتعيين شيء من القرآن بشيء من الصلاة ثم عنده لو قرأ آية هي كلمات أو كلمتان نحو فقتل كيف قدر أو ثم نظر جازت بلا خلاف بين المشايخ أما لو كانت كلمة اسما أو حرفا نحو مدهامتان ص ق ن فإن هذه آيات عند بعض القراء اختلف فيه على قوله والأصح أنه لا يجوز لأنه يسمى عادا لا قارئا وكون نحو ص حرفا غلط بل الحرف مسمى ذلك وهو ليس المقروء والمقروء هو الإسم صاد كلمة فالصواب في التقسيم أن يقال هي كلمتان أو كلمة ولو قرأ نصف آية طويلة مثل آية الكرسي والمداينة قيل لا يجوز لعدم الآية وعامتهم على الجواز لأنه يزيد على ثلاث قصار وتعيين الآية ليصير قارئا عرفا وهو بذلك كذلك أما الكراهة فثابتة ما لم يقرأ الواجب إلا فيما بعد الأوليين من الفرض ولو قرأ نصف آية مرتين أو كرر كلمة مرارا حتى بلغ قدر آية لا يجوز قوله لأنه لا يسمى قارئا بدونه أي بدون المذكور عرفا قوله وله قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن من غير فصل فكان مقتضاه الجواز بدون الآية وبه جزم القدوري فقال
____________________
(1/332)
الصحيح من مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن ما يتناوله اسم القرآن يجوز وهو قول ابن عباس فإنه قال اقرأ ما تيسر معك من القرآن وليس شيء من القرآن بقليل ولأن ما يتناول اسم الواجب يخرج عن العهدة فدفعه المصنف بقوله إلا أن ما دون الآية خارج منه أي من النص إذ المطلق ينصرف إلى الكامل في الماهية ولا يجزم بكونه قارئا عرفا به فلم يخرج عن عهدة ما لزمه بيقين إذ لم يجزم بكونه من أفراده فلم تبرأ به الذمة خصوصا والموضع موضع الإحتياط بخلاف الآية إذ ليست في معناه أي معنى ما دون الآية بل يطلق عليه قارئا بها فمبنى الوجه من الجانبين قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر وأما مبني الخلاف فقيل على أن الحقيقة المستعملة عنده أولى من المجاز المتعارف وعندهما بالقلب معناه أن كونه غير قارىء مجاز متعارف وكونه قارئا بذلك حقيقة تستعمل فإنه لو قيل هذا قارىء لم يخطأ المتكلم نظرا إلى الحقيقة اللغوية وفيه نظر فإنه منع ما دون الآية بناء على عدم كونه قارئا عرفا وأجاز الآية القصيرة لأنها ليست في معناه أي في أنه لا يعد به قارئا بل يعد به قارئا عرفا فالحق أنه مبني على الخلاف في قيام العرف في عده قارئا بالقصيرة قالا لا يعد وهو يمنع نعم ذاك مبناه على رواية ما يتناوله اسم القرآن وفي الأسرار ما قالاه احتياط فإن قوله لم يلد ثم نظر لا يتعارف قرآنا وهو قرآن حقيقة فمن حيث الحقيقة حرم على الحائض والجنب ومن حيث العرف لم تجز الصلاة به احتياطا فيهما قوله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر في سفره بالمعوذتين رواه أبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر قال كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر فقال لي يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا فعلمني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس قال فلم يرني سررت بهما جدا فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس وفيه القاسم مولى معوية أبو عبدالرحمن القرشي الأموي مولاهم وثقه ابن معين وغيره وتكلم فيه غير واحد ورواه الحاكم في مستدركه عنه ولفظه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين أمن القرآن هما فأمنا بهما في صلاة الفجر وصححه والحق أنه حسن قوله ولأن للسفر الخ قال في النهاية
____________________
(1/333)
هذا التعليل مخالف لما ذكر من طرف أبي حنيفة رحمه الله في مسئلة الأرواث حيث قال قلنا الضرورة في النعال وهي قد أثرت في التخفيف مرة حتى تطهر بالمسح فتكفي مؤنتها انتهى يعني الضرورة أثرت هذا التخفيف فلا تؤثر تخفيف نجاستها ثانيا وأجاب بأن كلا في محزه لأن سقوط شطر الصلاة من قبيل رخصة الإسقاط فكان التخفيف في القراءة حينئذ ابتداء لا ثانيا والحق أن لا ورود للسؤال ليتكلف الجواب على أنه لا يصح إذ لا شك في أن سقوط الشطر من أصل الشرعية للضرورة يعني لما كان بحيث لو لزم الشطر في السفر لزم الحرج سقط وأما الأول فلأن المصنف قال في دليلهما ولأن فيه ضرورة لامتلاء الطرق به فقال في الجواب قلنا الضرورة في النعال الخ وحاصله القول بالموجب أي نعم فيه ضرورة ولكن محلها النعال وإنما تؤثر في محلها وقد أثرت حتى طهرت بالدلك فاندفعت به فلا حاجة إلى إثبات تخفيف نفس النجاسة لأخذ الضرورة تمام مقتضاها دون ذلك التخفيف أما هنا فالضرورة داعية إلى تخفيف القراءة كما دعت إلى السقوط فمجموع السقوط والتخفيف مقتضاها فلا بد من إعطائها إياه قوله ويقرأ في الحضر إلى قوله وبكل ذلك ورد الأثر المراد أن الأربعين والخمسين والستين والمائة منقسمة على الركعتين وأما ورود الأثر فروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بق ونحوها وأخرج عن أبي بردة كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى مائة آية ولفظ ابن حبان بالستين إلى المائة وأخرج عن ابن عمر أن كان صلى الله عليه وسلم ليؤمنا في الفجر بالصافات
____________________
(1/334)
قوله ينظر الخ هذا وما بعده أولى أن يجعل محمل اختلاف فعله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قبله لا يجوز فيه ذلك فيجعل قاعدة لفعل الأئمة في زماننا ويعلم منه أنه لا ينقص في الحضر عن الأربعين وإن كانوا كسالى لأن الكسالى تحملها ثم اختلف في أول المفصل فقيل سورة القتال وقال الحلواني وغيره من أصحابنا الحجرات فهو السبع الأخير وقيل من ق وحكى القاضي عياض أنه الجاثية وهو غريب فالطوال من أوله على الخلاف إلى البروج والاوساط منها إلى لم يكن والقصار الباقي وقيل الطوال من أوله إلى عبس والأوساط منها إلى والضحى والباقي القصار ثم إذا راعى الليالي يقرأ في الشتاء مائة وفي الصيف أربعين وفي الخريف والربيع خمسين إلى ستين قوله والأصل فيه كتاب عمر روى عبدالرزاق في مصنفه أخبرنا سفيان الثوري عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن وغيره قال كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بوسط المفصل وفي الصبح بطوال المفصل انتهى وأما في الظهر بطوال المفصل فلم أره بل قال الترمذي في الباب الذي يلي باب القراءة في الصبح وروى عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقر في الظهر بأوساط المفصل غير أن في الرواية ما يفيد المطلوب وهو ما قدمناه في صحيح مسلم من حديث الخدري عنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية
____________________
(1/335)
الحديث فارجع إليه قوله وقد يقعان أي بعد تأخيرهما إلى الوقت الذي يستحب تأخيرهما إليه لو أطال القراءة قد يقع في وقت غير مستحب وهو أعم من المكروه وقد تقدم أن التأخير إلى النصف في العشاء مباح وبعده مكروه فهذا قريب في العصر بعيد في العشاء قوله لما روى الخ روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح فأجاب عنه بأنه محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ بما دون ثلاث آيات وعلى هذا فيحمل قول الراوي وهكذا في الصبح على التشبيه في أصل الإطالة لا قدرها فإن تلك الإطالة معتبرة شرعا عند أبي حنيفة والمعتبرة أكثر من ذلك القدر وقد قدرت بأن يقرأ في الأولى بخمس وعشرين وفي الثانية بتمام الأربعين ولأن الإطالة في الصبح لما كانت لأن وقته وقت نوم وغفلة فلا بد من كونها بحيث يعد إطالة لكن كون التشبيه في ذلك غير المتبادر ولذا قال
____________________
(1/336)
في الخلاصة في قول محمد إنه أحب قوله ويكره أن يوقت كالسجدة والإنسان لفجر الجمعة والجمعة والمنافقين للجمعة قال الطحاوي والإسبيجابي هذا إذا رآه حتما يكره غيره أما لو قرأ للتيسير عليه أو تبركا بقراءته صلى الله عليه وسلم فلا كراهة لكن بشرط أن يقرأ غيرهما أحيانا لئلا يظن الجاهل أن غيرهما لا يجوز ولا تحرير في هذه العبارة بعد العلم بأن الكلام في المداومة والحق أن المداومة مطلقا مكروهة سواء رآه حتما يكره غيره أولا لأن دليل الكراهة لا يفصل وهو إيهام التفضيل وهجر الباقي لكن الهجران إنما يلزم لو لم يقرأ الباقي في صلاة أخرى فالحق أنه إيهام التعيين ثم مقتضى الدليل عدم المداومة لا المداومة على العدم كما يفعله حنفية العصر بل يستحب أن يقرأ بذلك أحيانا تبركا بالمأثور فإن لزوم الإيهام ينتفي بالترك أحيانا ولذا قالوا السنة أن يقرأ في ركعتي الفجر ب قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وظاهر هذا إفادة المواظبة على ذلك وذلك لأن الإيهام المذكور
____________________
(1/337)
منتف بالنسبة إلى المصلي نفسه قوله له أن القراءة ركن فيشتركان فيه أما الأولى فظاهرة وأما الثانية فلقوله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر منه } وهو عام في المصلين وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بقراءة قوله ولنا قوله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فإذا صح وجب أن يخص عموم الآية والحديث على طريقة الخصم مطلقا فيخرج المقتدي وعلى طريقتنا يخص أيضا لأنهما عام خص منه البعض وهو المدرك في الركوع إجماعا فجاز تخصيصهما بعده بالمقتدي بالحديث المذكور وكذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم فكبر ثم اقرأ ما يسر معك من القرآن على غير حالة الإقتداء جمعا بين الأدلة بل يقال القراءة ثابتة من المقتدي شرعا فإن قراءة الإمام قراءة له فلو قرأ لكان له قراءتان في صلاة واحدة وهو غير مشروع بقي الشأن في تصحيحه وقد روى من طرق عديدة مرفوعا عن جابر بن عبدالله عنه صلى الله عليه وسلم وقد ضعف واعترف المضعفون لرفعه مثل الدارقطني والبيهقي وابن عدي بأن الصحيح أنه مرسل أن الحفاظ كالسفيانين وأبي الأحوص وشعبة وإسرائيل وشريك وأبي خالد الدالاني وجرير وعبدالحميد وزائدة وزهير رووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوه وقد أرسله مرة أبو حنيفة رضي الله عنه كذلك فنقول المرسل حجة عند أكثر أهل العلم فيكفينا فيما يرجع إلى العمل على رأينا وعلى طريق الإلزام أيضا بإقامة الدليل على حجية المرسل وعلى تقدير التنزل عن حجيته فقد رفعه أبو حنيفة بسند صحيح روى محمد بن الحسن في موطئه أخبرنا أبو حنيفة حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن شداد عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة وقولهم إن الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه غير صحيح قال أحمد بن منيع في مسنده أخبرنا إسحق الأزرق حدثنا سفيان وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن شداد عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة قال وحدثنا جرير عن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ولم يذكر عن جابر ورواه عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم حدثنا الحسن بن صالح عن أبي الزهير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وإسناد حديث جابر الأول صحيح على شرط مسلم
____________________
(1/338)
فهؤلاء سفيان وشريك وجرير وأبو الزهير رفعوه بالطرق الصحيحة فبطل عدهم فيمن لم يرفعه ولو تفرد الثقة وجب قبوله لأن الرفع زيادة وزيادة الثقة مقبولة فكيف ولم ينفرد والثقة قد يسند الحديث تارة ويرسله أخرى وأخرجه ابن عدي عن أبي حنيفة في ترجمته وذكر فيه قصة وبها أخرجه أبو عبدالله الحاكم قال حدثنا أبو محمد بن بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي حدثنا عبدالصمد بن الفضل البلخي حدثنا مكي بن إبراهيم عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن شداد بن الهاد عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ورجل خلفه يقرأ فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة فلما انصرف أقبل عليه الرجل وقال أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعا حتى ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة وفي رواية لأبي حنيفة أن ذلك كان في الظهر أو العصر هكذا إن رجلا قرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر فأومأ إليه رجل فنهاه فلما انصرف قال أتنهاني الحديث وهذا يفيد أن أصل الحديث هذا غير أن جابرا روى عنه محل الحكم فقط تارة والمجموع تارة ويتضمن رد القراءة خلف الإمام لأنه خرج تأييدا لنهي ذلك الصحابي عنها مطلقا في السرية والجهرية خصوصا في رواية أبي حنيفة رضي الله عنه أن القصة كانت في الظهر أو العصر لا إباحة فعلها وتركها فيعارض ما روى في بعض روايات حديث مالي أنازع القرآن أنه قال إن كان لا بد فالفاتحة وكذا ما رواه أبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت قال كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرءون خلف إمامكم قلنا نعم هذا يا رسول الله قال لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ويقدم لتقدم المنع على الإطلاق عند التعارض ولقوة السند فإن حديث المنع من كان له إمام أصح فبطل رد المتعصبين وتضعيف بعضهم لمثل أبي حنيفة مع تضييقه في الرواية إلى الغاية حتى إنه شرط التذكر لجواز الرواية بعد علمه أنه خطه ولم يشترط الحفاظ هذا ولم يوافقه صاحباه ثم قد عضد بطرق كثيرة عن جابر غير هذه وإن ضعفت وبمذاهب الصحابة رضي الله عنهم حتى قال المصنف إن عليه إجماع الصحابة في موطأ
____________________
(1/339)
مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام وإذا صلى وحده فليقرأ قال وكان ابن عمر رضي الله عنه لا يقرأ خلف الإمام ورواه عنه الدارقطني مرفوعا وقال رفعه وهم لكن إذا صح عنه ذلك فالظاهر أنه لسماعه منه صلى الله عليه وسلم فيكون رفعه صحيحا وإن كان راويه ضعيفا وروى ابن عدي في الكامل عن إسمعيل بن عمر وابن نجيح بن إسحق البجلي عن الحسن بن صالح عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة وقال هذا لا يتابع عليه إسمعيل وهو ضعيف وليس كما قال بل تابعه عليه النضر بن عبدالله روى الطبراني في الأوسط حدثنا محمد بن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني حدثني أبي عن جدي عن النضر بن عبدالله حدثنا الحسن الخ سندا ومتنا وروى من حديث ابن عباس رضي الله عنه يرفعه وفيه كلام وروى الطحاوي في شرح الآثار حدثنا يونس بن عبدالأعلى حدثنا عبدالله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن عبدالله بن مقاسم أنه سأل عبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم فقالوا لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة وروى محمد بن الحسن في موطئه عن سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل قال سئل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام قال أنصت فإن في الصلاة شغلا ويكفيك الإمام وروى فيه عن داود بن قيس الفراء المدني قال أخبرني بعض ولد سعد بن أبي وقاص أن سعدا رضي الله عنه قال وددت الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة ورواه عبدالرزاق إلا أنه قال في فيه حجر وروى محمد أيضا في موطئه عن داود بن قيس عن ابن عجلان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا وأخرجه أيضا عبدالرزاق وأخرج الطحاوي عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة قال قلت لابن عباس أقرأ والإمام بين يدي قال لا وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر قال لا تقرأ خلف الإمام إن جهر ولا إن خافت وأخرج هو وعبدالرزاق من قول علي رضي الله عنه قال من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة وأخرجه الدارقطني من طريق وقال لا يصح إسناده وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء هذا يرويه عبدالله بن أبي ليلى الأنصاري عن علي وهو باطل ويكفي في بطلانه إجماع المسلمين على خلافه وأهل الكوفة إنما اختاروا ترك القراءة خلف الإمام فقط لا أنهم لم يجيزوا ذلك وابن أبي ليلى هذا رجل مجهول انتهى وليس ما نسبه إلى أهل الكوفة بصحيح بل هم يمنعونه وهي عندهم تكره والمراد كراهة التحريم كما يفيده قول المصنف وعندهما يكره لما فيه من الوعيد وصرح بعض المشايخ بأنها لا تحل خلف الإمام وقد عرف من طريق
____________________
(1/340)
أصحابنا أنهم لا يطلقون الحرام إلا على ما حرمته بقطعي وفي سنن النسائي أخبرنا هرون بن عبدالله حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثنا أبو الزاهرية حدثني كثير بن مرة الحضرمي عن أبي الدرداء سمعته يقول سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي كل صلاة قراءة قال نعم قال رجل من الأنصار وجبت هذه فالتفت إلي وكنت أقرب القوم منه فقال ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم فإن لم يكن هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام أبي الدرداء فلم يكن ليروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة قراءة ثم يعتد بقراءة الإمام عن المقتدي إلا لعلم عنده فيه من النبي صلى الله عليه وسلم قوله قال صلى الله عليه وسلم وإذا قرأ فأنصتوا رواها مسلم زيادة في حديث إذا كبر الإمام فكبروا وقد ضعفها أبو داود وغيره ولم يلتفت إلى ذلك بعد صحة طريقها وثقة راويها وهذا هو الشاذ المقبول ومثل هذا هو الواقع في حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة قوله على سبيل الإحتياط فيما يروى عن محمد تقتضي هذه العبارة أنها ليست ظاهر الرواية عنه كما قال في الزكاة خلافا لأبي يوسف فيما يروي عنه في دين الزكاة وهو الذي يظهر من قوله في الذخيرة وبعض مشايخنا ذكروا أن على قول محمد لا يكره وعلى قولهما يكره ثم قال في الفصل الرابع الأصح أنه يكره والحق أن قول محمد كقولهما فإن عباراته في كتبه مصرحة بالتجافي عن خلافه فإنه في كتاب الآثار في باب القراءة خلف الإمام بعدما أسند إلى علقمة بن قيس أنه ما قرأ قط فيما يجهر فيه ولا فيما لا يجهر فيه قال وبه نأخذ لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلاة يجهر فيه أو لا يجهر ثم استمر في إسناد آثار أخر ثم قال قال محمد لا ينبغي أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات وفي موطئه بعد أن روى في منع القراءة في الصلاة ما روى قال قال محمد لا قراءة خلف الإمام فيما جهر وفيما لم يجهر فيه بذلك جاءت عامة الأخبار وهو قول أبي حنيفة وقال السرخسي تفسد صلاته في قول عدة من الصحابة ثم لا يخفى أن الإحتياط في عدم القراءة خلف الإمام لأن الإحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وليس مقتضى أقواهما القراءة بل المنع قوله لما فيه من الوعيد
____________________
(1/341)
تقدم بعضه فيما أسندناه من أقوال الصحابة قوله وإن قرأ الإمام إن للوصل وذلك لأن الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع قال تعالى فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ووعده حتم وإجابة دعاء المتشاغل عنه به غير مجزوم به وكذا الإمام لا يشتغل بغير القراءة سواء أم في الفرض أو النفل أما المنفرد ففي الفرض كذلك وفي النفل يسأل الجنة ويتعوذ من النار عند ذكرهما ويتفكر في آية المثل وقد ذكروا فيه حديث حذيفة صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة وإلا وقف وسأل الله تعالى الجنة وما مر بآية فيها ذكر النار إلا وقف وتعوذ من النار وهذا يقتضي أن الإمام يفعله في النافلة وهم صرحوا بالمنع إلا أنهم عللوه بالتطويل على المقتدي فعلى هذا لو أم من يعلم منه طلب ذلك يفعله قوله بالنص يعني قوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } والإنصات لا يخص الجهرية لأنه عدم الكلام لكن قيل إن السكوت للإستماع لا مطلقا وحاصل الإستدلال بالآية أن المطلوب أمران الإستماع والسكوت فيعمل بكل منهما والأول يخص الجهرية والثاني لا فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا وهذا بناء على أن ورود الآية في القراءة في الصلاة وأخرج البيهقي عن الإمام أحمد قال أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة وأخرج عن مجاهد كان صلى الله عليه وسلم يقرأفي الصلاة فسمع قراءة فتى من الأنصار فنزل وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وأخرج ابن مردويه في تفسيره قال حدثنا أبو أسامة عن سفيان عن أبي المقدام هشام بن زياد عن معاوية بن قرة قال سألت بعض أشياخنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبه قال عبدالله بن مغفل كل من سمع القرآن وجب عليه الإستماع والإنصات قال إنما نزلت هذه الآية وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا في القراءة خلف الإمام هذا وفي كلام أصحابنا ما يدل على وجوب الإستماع في الجهر بالقرآن مطلقا قال في الخلاصة رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأالقرآن فلا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارىء وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم وهذا صريح في إطلاق الوجوب ولأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب
فروع في القراءة خارج الصلاة يستحب لمريدها أن يلبس أحسن ثيابه ويتعمم ويستقبل وكذا العالم للعلم تعظيما له ولو قرأ مضطجعا فلا بأس ويضم رجله عند القراءة لأنه تعظيم النائم بخلاف مدهما فإنه سوء أدب ولو قرأ ماشيا أو عند النسج ونحوه من الأعمال أو هي عند الغزل ونحوه إن كان القلب حاضرا غير مشتغل لا يكره ويختم القرآن في الصيف أول النهار وفي الشتاء أول الليل وقراءة القرآن كله في يوم أفضل من قراءة سورة الإخلاص
____________________
(1/342)
خمسة آلاف مرة هذا في حق قارىء القرآن وقراءتها ثلاثا عند الختم خارج الصلاة اختلف المشايخ في استحبابه واستحسنه مشايخ العراق وفي المكتوبة لا يزيد على مرة ولا يقرأ في المغتسل والمخرج والحمام ومكشوف العورة أو امرأته هناك تغتسل مكشوفة وكذا الذكر والمختار في الحمام أن الكراهة إن جهر وفيه أحد مكشوف العورة وتعلم باقي القرآن لمن تعلم بعض الفرائض أفضل من صلاة التطوع وتعلم الفقه أفضل من تعلم باقي القرآن وجميع الفقه لا بد منه وتعلم المرأة من المرأة أحب من تعلمها من الأعمى قوله وكذلك في الخطبة هذا إذا كان بحيث يستمع فأما النائي فلا رواية فيه عن المتقدمين واختلف المتأخرون والأحوط السكوت يعني عدم القراءة والكتابة ونحوها كالكلام المباح فإنه مكروه في المسجد في غير حال الخطبة فكيف في حالها ولأنه إن لم يسمع فقد يشوش بهمهمته على من يقرب منه وهو بحيث يسمع وكذا الإمام لا يتكلم في خلاله لأن التكلم في خلال الذكر المنظوم يذهب بهاءه والتشميت ورد السلام على هذا لأن السلام ممنوع في هذه الحالة فلا ينتهض سببا لإيجاب الرد وعن الفضلي أن على هذا السلام على المدرس في درسه والقارىء وصاحب الورد في ورده وسلام المكدي لقصده به المال لا إفشاء السلام واعلم أن حديث المدرس يحتاج إلى نية خالصة في عدم الرد فليحذر من تلبيس النفس قصد العظمة بقصد العبادة وإنه يشتغل عنها بالرد والله مطلع على ما في الضمير
فروع مهمة في الفتاوى القراءة في الركعتين من آخر السورة أفضل أو سورة بتمامها قال إن كان آخر السورة أكثر من السورة التي أراد قراءتها كان آخر السورة أفضل وينبغي أن يقرأ في الركعتين آخر سورة واحدة لا آخر سورة في كل ركعة فإنه مكروه عند الأكثر وفي الخلاصة إذا قرأ سورة واحدة في ركعتين اختلف فيه والأصح أنه لا يكره لكن لا ينبغي أن يفعل ولو فعل لا بأس به وكذا لو قرأ وسط السورة أو آخر سورة في الأولى وفي الثانية وسط سورة أو آخر سورة أخرى أي لا ينبغي أن يفعل ولو فعل لا بأس به وفي نسخة الحلواني قال بعضهم يكره ولو جمع بين سورتين في ركعة لا ينبغي أن يفعل ولو فعل لا بأس به والإنتقال من آية من سورة إلى آية من سورة أخرى أو من هذه السورة بينهما آيات مكروه وكذا الجمع بين سورتين بينهما سور أو سورة في ركعة أما في الركعتين فإن كان بينهما سور أو سورتان لا يكره وإن كان سورة قيل يكره وقيل إن كانت طويلة لا يكره كما إذا كانت سورتان قصيرتان وإن قرأ في ركعة سورة وفي الثانية ما فوقها أو فعل ذلك في ركعة فهو مكروه وإن وقع هذا من غير قصد بأن قرأفي الأولى بقل أعوذ برب الناس يقرأ في الثانية هذه السورة أيضا قال في الخلاصة هذا كله في الفرائض أما في النوافل فلا يكره وعندي
____________________
(1/343)
في الكلية نظر فإنه صلى الله عليه وسلم نهى بلالا عن الإنتقال من سورة إلى سورة وقال له إذا ابتدأت بسورة فأتمها على نحوها حين سمعه ينتقل من سورة إلى سورة في التهجد ولو قصد سورة وافتتح غيرها فأراد تركها إلى المقصود كره ذلك ولو كان حرفا واحدا ولو كبر للركوع ثم بدا له أن يزيد في القراءة لا بأس به ما لم يركع قوله إلا أن يقرأ الخطيب أفاد وجوب السكوت في الثانية كلها أيضا ما خلا المستثنى وروى الإستثناء عن أبي يوسف رحمه الله واستحسنه بعض المشايخ لأن الإمام حكى أمر الله بالصلاة واشتغل هو بالإمتثال فيجب عليهم موافقته وإلا أشبه عدم الإلتفات والله أعلم & باب الإمامة
الجماعة سنة وما زاد على الواحد جماعة في غير الجمعة عن محمد رحمه الله قوله الجماعة سنة لا يطابق دليله الذي ذكره الدعوى إذ مقتضاه الوجوب إلا لعذر إلا أن يريد ثبوتها بالسنة وحاصل الخلاف في المسئلة أنها فرض عين إلا من عذر وهو قول أحمد وداود وعطاء وأبي ثور وعن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري
____________________
(1/344)
وغيرهما من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له وقيل على الكفاية وفي الغاية قال عامة مشايخنا إنها واجبة وفي المفيد أنها واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة وفي البدائع يجب على العقلاء البالغين الأحرار القادرين على الجماعة من غير حرج وإذا فاتته لا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين أصحابنا بل إن أتى مسجدا آخر للجماعة فحسن وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن وذكر القدوري يجمع بأهله ويصلي بهم يعني وينال ثواب الجماعة وقال شمس الأئمة الأولى في زماننا تتبعها وسئل الحلواني عمن يجمع بأهله أحيانا هل ينال ثواب الجماعة فقال لا ويكون بدعة ومكروها بلا عذر واختلف في الأفضل من جماعة مسجد حيه وجماعة المسجد الجامع وإذا كان مسجدان يختار أقدمهما فإن استويا فالأقرب وإن صلى في الأقرب وسمع إقامة غيره فإن كان دخل فيه لا يخرج وإلا فيذهب إليه وهذا على الإطلاق تفريع على أفضلية الأقرب مطلقا لا على من فضل الجامع فلو كان الرجل متفقها فمجلس أستاذه لدرسه أو مجلس العامة أفضل بالإتفاق وقد سمعت أن الجماعة تسقط بالعذر فمن الأعذار المرض وكونه مقطوع اليد والرجل من خلاف أو مفلوجا أو مستخفيا من السلطان أولا يستطيع المشي كالشيخ العاجز وغيره وإن لم يكن بهم ألم وفي شرح الكنز والأعمى عند أبي حنيفة والظاهر أنه اتفاق والخلاف في الجمعة لا الجماعة ففي الدراية قال محمد لا يجب على الأعمى وبالمطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة في الصحيح وعن أبي يوسف سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة فقال لا أحب تركها وقال محمد في الموطأ الحديث رخصة يعني قوله صلى الله عليه وسلم إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال وما عن ابن أم مكتوم أنه قال يا رسول الله إني ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال أتسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة رواه أبو داود وأحمد والحاكم وغيرهم معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها لا الإيجاب على الأعمى فإنه صلى الله عليه وسلم رخص لعتبان بن مالك في تركها وقيل الجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب فهذه أربعة أقوال وجه الأول قوله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر بالمؤذن فيؤذن ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم الحطب إلى قوم يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار وليس المراد ترك الصلاة أصلا بدليل ما عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر فتية فيجمعوا لي حزما من حطب ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم فقيل ليزيد هو ابن الأصم الجمعة عني أو غيرها قال صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن
____________________
(1/345)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جمعة ولا غيرها رواه مسلم وغيره وإنما قالوا ليزيد ذلك لأنه روى عن ابن مسعود نحوه إلا أنه قال يتخلفون عن الجمعة رواه مسلم أيضا قيل هما روايتان رواية في الجمعة ورواية في الجماعة وكلاهما صحيح وروى ابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر رواه الحاكم وقال على شرطهما والجواب أن ما ذكر يصلح وجها للوجوب لأن الفرض لا يثبت بخبر الواحد فهو دليل عامة مشايخنا على ما في الغاية وتسميتها سنة على ما في حديث ابن مسعود لا حجة فيه للقائلين بالسنية إذ لا ينافي الوجوب في خصوص ذلك الإطلاق وهو قول ابن مسعود من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى بها يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف وهذا لأن سنن الهدى أعم من الواجب لغة كصلاة العيد وقوله لضللتم يعطى الوجوب ظاهرا وفي رواية لأبي داود عنه لكفرتم ولعل حديث ابن مسعود هذا هو الذي ذكره المصنف بناء على أنه ذكر بعضه بالمعنى إلا أنه رفع قوله لا يتخلف عنها إلا منافق فأفاد أنه وعيد منه صلى الله عليه وسلم يعني أن وصف النفاق يتسبب عن التخلف لا إخبار أن الواقع أن التخلف لا يقع إلا من منافق فإن الإنسان قد يتخلف كسلا مع صحة الإسلام ويقين التوحيد وعدم النفاق وحديث ابن مسعود إنما يفيد أن الواقع إذ ذاك عدم التخلف إلا من منافق على أن معنى هذه الزيادة روى مرفوعا عنه صلى الله عليه وسلم قال الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه رواه أحمد والطبراني وفي رواية للطبراني عنه صلى الله عليه وسلم بحسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه والتثويب هنا الإقامة سماها به لأن الإقامة عود إلى الإعلام بعد الإعلام بالأذان أما التثويب بين الأذان والإقامة فلم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم غير أن هذا يفيد تعليق الوجوب بسماع الإقامة بعد ثبوت حسنه ويتوقف الوعيد في حديث التحريق على كونه لترك الحضور دائما كما هو ظاهر قوله لا يشهدون الصلاة وقوله في الحديث الآخر يصلون في بيوتهم ليست بهم علة كما يعطيه ظاهر إسناد المضارع في مثله نحو بنو فلان يأكلون البر أي عادتهم فيكون الوجوب للحضور أحيانا والسنة المؤكدة التي تقرب منه المواظبة عليها وما تمسك به مثبتو السنة من قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في الجماعة تفضل على صلاته في بيته أو سوقه
____________________
(1/346)
سبعا وعشرين ضعفا فإنه يقتضي ثبوت الصحة والفضيلة بلا جماعة فجوابه أنه لا يستلزم أكثر من ثبوت صحة ما في البيت والسوق في الجملة بلا جماعة ولا شك فيه إذا فاتته الجماعة فالمعنى صلاة الجماعة أفضل من الصلاة في بيته فيما تصح فيه ولو كان مقتضاه الصحة مطلقا بلا جماعة لم يدل على سنيتها لجواز أن الجماعة ليست من أفعال الصلاة فيكون تركها مؤثما لا مفسدا وحاصله أنه إيجاب فعل الصلاة في جمع كإيجاب فعلها في أرض غير مغصوبة وزمان غير مكروه فإن قلت لم لم تقل في الجواب إنه يقتضي الصحة وعدم الواجب لا ينافيها فالجواب أن اللزوم ملاحظ باعتبارين باعتبار صدوره من الشارع وباعتبار ثبوته في حقنا فملاحظته بالإعتبار الثاني إن كان طريق ثبوته عن الشارع قطعيا كان متعلقه الفرض ونافى ترك مقتضاه الصحة وإن كان ظنيا كان الوجوب ولم ينافها لا لاسم الوجوب بل لأن ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم ليس قطعيا فإنا لو قطعنا به عنه نافى ولذا لا يثبت هذا القسم أعني الواجب في حق من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة مع قطيعة دلالة المسموع فليس في حقه إلا الفرض الذي عدمه مناف للصحة أو غير اللازم من السنة فما بعدها فظهر بهذا أن ملاحظته بالإعتبار الأول ليس فيه وجوب بل الفرضية أو عدم اللزوم أصلا والكلام فيما نحن فيه إنما هو باعتبار صدوره منه صلى الله عليه وسلم أنه قاله مريدا معنى ظاهره أولا فلا يكون بهذا الإعتبار متعلق الخطاب إلا الإفتراض أو عدم اللزوم فلا يتأتى الجواب بأن الوجوب لا ينافي عدمه الصحة فتأمل وقد كمل إلى هنا أدلة المذاهب سوى مذهب الكفاية وكأنه يقول المقصود من الإفتراض إظهار الشعار وهو يحصل بفعل البعض وهو ضعيف إذ لا شك في أنها كانت تقام على عهده عليه الصلاة والسلام في مسجده ومع ذلك قال في المتخلفين ما قال وهم بتحريقهم ولم يصدر مثله عنه فيمن تخلف عن الجنائز مع إقامتها بغيرهم قوله يؤم القوم الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري واللفظ لمسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه قال الأشج في روايته مكان إسلاما سنا ورواه ابن حبان والحاكم إلا أن الحاكم قال عوض فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقها فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا وهي لفظة غريبة وإسنادها صحيح واختلف المشايخ في الإختيار منهم من اختار قول أبي يوسف ومنهم كالمصنف من
____________________
(1/347)
اختار قول أبي حنيفة ومحمد رحمهم الله وهو أن الأعلم أولى بعد كونه يحسن القراءة المسنونة وجعل المصنف هذا الحديث دليلا للمختار عنده بناء على أن الأقرأ كان أعلم لتلقيهم القرآن بأحكامه ونظر فيه برواية الحاكم ولو صح فإنما مفاده أن الأقرأ أعلم بأحكام الكتاب فصار الحاصل يؤم القوم أقرؤهم أي أعلمهم بالقراءة وأحكام الكتاب فإنهما متلازمان على ما ادعى وإن كانوا في القراءة والعلم بأحكام الكتاب سواء فأعلمهم بالسنة وهذا أولا يقتضي في رجلين أحدهما متبحر في مسائل الصلاة والآخر متبحر في القراءة وسائر العلوم ومنها أحكام الكتاب أن التقدمة للثاني لكن المصرح به في الفروع عكسه بعد إحسان القدرالمسنون والتعليل الذي ذكره المصنف يفيده حيث قال لأن العلم يحتاج إليه في سائر الأركان والقراءة لركن واحد وثانيا يكون النص ساكتا عن الحال بين من انفرد بالعلم عن الأقرئية بعد إحسان المسنون ومن انفرد بالأقرئية عن العلم لا كما ظن المصنف فإنه لم يقدم الأعلم مطلقا في الحديث على ذلك التقدير بل من اجتمع فيه الأقرئية والأعلمية اللهم إلا أن يدعي أنه أراد بلفظ الأقرأ الأعلم فقط أي ليس بأقرأ فيكون مجازا خلاف الظاهر بل الظاهر أنه أراد الأقرأ غير أن الأقرأ يكون أعلم باتفاق الحال إذ ذاك فأما المنفرد بالأقرئية والمنفرد بالأعلمية فلم يتناولهما النص فلا يجوز الإستدلال به على الحال بينهما كما فعل المصنف فإن قيل فليكن أراد الأقرأ لكنه معلل بكونه أعلم فيفيد في محل النزاع فالجواب أنه لو سلم فإنما يكون معللا بأعلمية أحكام الكتاب دون السنة والإتفاق على أنه ليس كذلك إذ المقصود الأعلمية بأحكام الصلاة على ما نقلناه ويشير إليه تعليل المصنف وهي لا تستفاد من الكتاب بل من السنة أرأيت ما يفسد الصلاة وما يكره فيها على كثرة شعبه ومسائل الإستخلاف يعرف ذلك من الكتاب أم من السنة وليس تتضمن الأقرئية التعليل بالأعلمية بالسنة ألا يرى أنه قال بعده فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ولذااستدل به جماعة لأبي يوسف واستدلوا لمختار المصنف بما أخرجه الحاكم يؤم القوم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأفقههم في الدين فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه وسكت عنه وهو معلول بالحجاج بن أرطاة والحق أن عبارتهم فيه لا تفحش ولكن لا تقوى قوة حديث أبي يوسف وأحسن ما يستدل به لمختار المصنف حديث مروا أبا بكر فليصل بالناس وكان ثمة من هو أقرأمنه لا أعلم دليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم أقرؤكم أبي ودليل الثاني قول أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون المعول عليه وفي المجتبى
____________________
(1/348)
فإن استويا في العلم وأحدهما أقرأ فقدموا غيره أساءوا ولا يأثمون قوله فأورعهم الورع اجتناب الشبهات والتقوى اجتناب المحرمات والله سبحانه وتعالى أعلم بالحديث وروى الحاكم عنه صلى الله عليه وسلم إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإن صح وإلا فالضعيف غير الموضوع يعمل به في فضائل الأعمال ثم محله ما بعد التساوي في العلم والقراءة والذي في حديث الصحيح بعدهما التقديم بأقدمية الهجرة وقد انتسخ وجوب الهجرة فوضعوا مكانها الهجرة عن الخطيا وفي حديث والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب إلا أن يكون أسلم في دار الحرب فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام فإذا هاجر فالذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها وكذا إذا استويا في سائر الفضائل إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم وحديث وليؤمكما أكبركما تقدم في باب الأذان فإن كانوا سواء في السن فأحسنهم خلقا فإن كانوا سواء فأشرفهم نسبا فإن كانوا سواء فأصبحهم وجها وفسر في الكافي حسن الوجه بأن يصلي بالليل كأنه ذهب إلى ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار والمحدثون لا يثبتونه والحديث في ابن ماجه عن إسمعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار قال أبو حاتم كتبته عن ثابت فذكرته لابن نمير فقال الشيخ يعني ثابتا لا بأس به والحديث منكر قال أبو حاتم والحديث موضوع وقال الحاكم دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبدالله القاضي والمستملي بين يديه وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه فظن ثابت أنه متن ذلك السند فكان يحدث به بذلك السند وإنما هو قول شريك ومنهم من جعله من قول شريك عقب ذكر متن ذلك السند وهو يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم الحديث الثابت فأدرجه ثابت وجميع المحدثين على بطلانه ثم إن استووا في الحسن فأشرفهم نسبا فإن كانوا سواء في هذه كلها أقرع بينهم أو الخيار إلى القوم واختلف في المسافر والمقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى وفي الخلاصة رجل يصلح للإمامة يؤم أهل محلة غير محلته في رمضان ينبغي أن يخرج إلى تلك المحلة قبل وقت العشاء فلو ذهب بعده كره كما يكره السفر بعد دخول وقت الجمعة وفيها في موضع آخر إن كان الإمام يتنحنح عند
____________________
(1/349)
القراءة إن لم يكن كثيرا لا بأس به وإن كثر فغيره أولى منه إلا أن يكون يتبرك بالصلاة خلفه فهو أفضل قوله ويكره تقديم العبد الخ فلو اجتمع المعتق والحر الأصلي واستويا في العلم والقراءة فالحر الأصلي أولى وحاصل كلامه أن الكراهة فيمن سوى الفاسق للتنفير والجهل ظاهر وفي الفاسق للأول لظهور تساهله في الطهارة ونحوها وفي الدراية قال أصحابنا لا ينبغي أن يقتدي بالفاسق إلا في الجمعة لأن في غيرها يجد إماما غيره اه يعني أنه في غير الجمعة بسبيل من أن يتحول إلى مسجد آخر ولا يأثم في ذلك ذكره في الخلاصة وعلى هذا فيكره في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد وهو المفتي به لأنه بسبيل من التحول حينئذ وفي المحيط لو صلى خلف فاسق أو مبتدع أحرز ثواب الجماعة لكن لا يحرز ثواب المصلي خلف تقي اه يريد بالمبتدع من من لم يكفر ولا بأس بتفصيله الإقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض الغالية والقائل بخلق القرآن والخطابية والمشبهة وجملته أن من كان من أهل قبلتنا ولم يغل حتى لم يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره ولا تجوز الصلاة خلف منكر الشفاعة والرؤية وعذاب القبر والكرام الكاتبين لأنه كافر لتوارث هذه الأمور عن الشارع صلى الله عليه وسلم ومن قال لا يرى لعظمته وجلاله فهو مبتدع كذا قيل وهو مشكل على الدليل إذا تأملت ولا يصلي خلف منكر المسح على الخفين والمشبه إذا قال له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير وفي الروافض أن من فضل عليا على الثلاثة فمبتدع وإن أنكر خلافة الصديق أو عمر رضي الله عنهما فهو كافر ومنكر المعراج إن أنكر الإسراء إلى بيت المقدس فكافر وإن أنكر المعراج منه فمبتدع انتهى من الخلاصة إلا تعليل إطلاق الجسم مع نفي التشبيه وروى محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز وبخط الحلواني تمنع الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام ويناظر أصحاب الأهواء كأنه بناه على ما عن
____________________
(1/350)
أبي يوسف أنه قال لا يجوز الإقتداء بالمتكلم وإن تكلم بحق قال الهندواني يجوز أن يكون مراد أبي يوسف رحمه الله من يناظر في دقائق علم الكلام وقال صاحب المجتبي وأما قول أبي يوسف لا تجوز الصلاة خلف المتكلم فيجوز أن يريد الذي قرره أبو حنيفة حين رأى ابنه حمادا يناظر في الكلام فنهاه فقال رأيتك تناظر في الكلام وتنهاني فقال كنا نناظر وكأن على رءوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم ومن أراد زلة صاحبه فقد أراد كفره فهو قد كفر قبل صاحبه فهذا هو الخوض المنهي عنه وهذا المتكلم لا يجوز الاقتداء به واعلم أن الحكم بكفر من ذكرنا من أهل الأهواء مع ما ثبت عن أبي حنيفة والشافعي رحمهم الله من عدم تكفير أهل القبلة من المبتدعة كلهم محمله أن ذلك المعتقد نفسه كفر فالقائل به قائل بما هو كفر وإن لم يكفر بناء على كون قوله ذلك عن استفراغ وسعه مجتهدا في طلب الحق لكن جزمهم ببطلان الصلاة خلفه لا يصحح هذا الجمع اللهم إلا أن يراد بعدم الجواز خلفهم عدم الحل أي عدم حل أن يفعل وهو لا ينافي الصحة وإلا فهو مشكل والله سبحانه أعلم بخلاف مطلق اسم الجسم مع نفي التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك ولو نفى التشبيه فلم يبق منه إلا التساهل والإستخفاف بذلك وفي مسئلة تكفير أهل الأهواء قول آخر ذكرته في الرسالة المسماة بالمسايرة ويكره الإقتداء بالمشهور بأكل الربا ويجوز بالشافعي بشروط نذكرها في باب الوتر إن شاء الله تعالى وهل يجوز اقتداء الحنفي في الوتر بمن يرى قول أبي يوسف ومحمد فيه نذكره فيه أيضا إن شاء الله تعالى قوله لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا خلف كل بر وفاجر تمامه في رواية الدارقطني وصلوا على كل بر وفاجر وجاهدوا مع كل بر وفاجر وأعله بأن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة ومن دونه ثقات وحاصله أنه من مسمى الإرسال عند الفقهاء وهو مقبول عندنا ورواه بطريق آخر بلفظ آخر وأعله وقد روى هذا المعنى من عدة طرق للدارقطني وأبي نعيم والعقيلي كلها مضعفة من قبل بعض الرواة وبذلك يرتقي إلى درجة الحسن عند المحققين وهو الصواب قوله ولا يطول بهم الإمام يستثني صلاة الكسوف فإن السنة فيها التطويل حتى تنجلي الشمس قوله لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء وفي لفظ لمسلم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة وفيهما عن أنس ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بحثنا أن التطويل هو الزيادة على القراءة المسنونة فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه وكانت قراءته هي المسنونة فلا بد من كون ما نهى عنه غير ما كان
____________________
(1/351)
دأبه إلا لضرورة وقراءة معاذ لما قال له صلى الله عليه وسلم ما قال كانت بالبقرة على ما في مسلم أن معاذ افتتح سورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف وقوله صلى الله عليه وسلم له إذا أممت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى واقرأ باسم ربك والليل إذا يغشى لانها كانت العشاء لأنها المورد في الصحيحين صلى معاذ رضي الله عنه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى وحده فأخبر معاذ عنه فقال إنه منافق فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له الحديث ووقع عند أبي داود أنها كانت المغرب ووقع في مسند أحمد أن السورة كانت اقتربت الساعة قال النووي فيجمع بأنهما قصتان لشخصين فإن الرجل قيل فيه حزم وقيل حازم وقيل حزام وقيل سليم وقد يقال إن معاذا لم يكن ليفعله بعد نهيه صلى الله عليه وسلم إياه مرة لتصير له قصتان ورد البيهقي رواية المغرب قال روايات العشاء أصح ثم معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد العموم إذ نعلم أنه لم يرد التسوية بين سائر الصلوات في القراءة حتى تكون المغرب كالفجر فتحمل على العشاء وإن قوم معاذ كان العذر متحققا فيهم لا كسل منهم فأمر فيهم بذلك لذلك كما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في الفجر فلما فرغ قالوا له أوجزت قال سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتن أمه وعلى هذا لا حاجة إلى التخصيص بالمورد بل هو على العموم فيما التطويل فيه سنة قوله لأنها لا تخلو الخ صريح في أن ترك التقدم لإمام الرجال محرم وكذا صرح الشارح وسماه في الكافي مكروها وهو الحق أي كراهة تحريم لأن مقتضى المواظبة على التقدم منه صلى الله عليه وسلم بلا ترك الوجوب فلعدمه كراهة التحريم فاسم المحرم مجاز واستلزم ما ذكر أن جماعة النساء تكره كراهة تحريم لأن ملزوم متعلق الحكم أعني الفعل المعين ملزوم لذلك الحكم ثم شبهها بجماعة العراة فاقتضى أنها أيضا تكره كذلك لاتحاد اللازم وهو أحد الأمور إما ترك واجب التقدم وإما زيادة الكشف الذي هو أفحش من كشف المرأة إذا تقدمت وهي لابسة ثوبا محشوا من قرنها إلى قدمها فإن الكراهة ثابتة في حقها أيضا ولا كشف عورة فكيف بالعاري المتعرض للنظر أو زيادة كشف عورة يقدر على ستر بعضها ثم ثبوت كراهة تقدمها وهي بهذا الستر المذكور إنما يتم الإستدلال عليه بفعل عائشة فقط لما أتت فإنها ما تركت واجب التقدم إلا لأمر هو أوجب منه والله أعلم ما هو ألذلك القدر من الإنكشاف الملازم لشخوصها عنهن أو هو لنفس شخوصها عنهن شبيهة بالرجال أو لغير ذلك واعلم أن جماعتهن لا تكره في صلاة الجنازة لأنها فريضة وترك التقدم مكروه فدار الأمر بين فعل
____________________
(1/352)
المكروه بفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه فوجب الأول بخلاف جماعتهن في غيرها ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهن فتكون صلاة الباقيات نفلا والتنفل بها مكروه فيكون فراغ تلك موجبا لفساد الفرضية للصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك القعدة الأخيرة قوله فإن فعلن قامت الإمام وسطهن لأن ترك التقدم أسهل من زيادة الكشف ولا بد من أحدهما ولو تقدمت صح ومقتضى ما علم من التقرير أن تأثم به قوله وحمل فعلها على ابتداء الإسلام وهكذا في المبسوط قال السروجي فيه بعد فإنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة كما رواه البخاري ومسلم ثم تزوج عائشة رضي الله عنها وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين وبقيت عنده تسع سنين وما تؤم إلا بعد بلوغها فأين ذلك من ابتداء الإسلام لكن يمكن أن يقال إنه منسوخ فعلته حين كان النساء يحضرن الجماعة انتهى وفي نقل التزوج بها بعض خلل يعني يحمل قوله ابتداء الإسلام على أنه منسوخ لكن ما في المستدرك أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء فتقوم وسطهن وما في كتاب الآثار لمحمد أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن عائشة رضي الله عنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسط ومعلوم أن جماعة التراويح إنما استقرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وما في أبي داود عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث بن عمير الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت له يا رسول الله ائذن لي في الغزاة معك أمرض مرضاكم ثم لعل الله يرزقني شهادة قال قرىء في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة قال فكانت تسمى الشهيدة وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا يؤذن لها قال وكانت دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا فأصبح عمر فقام في الناس فقال من عنده من هذين علم أو من
____________________
(1/353)
رآهما فليجيء بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة
ثم أخرجه عن الوليد بن جميع عن عبدالرحمن بن خلاد عنها وفيه وكان صلى الله عليه وسلم يزورها وجعل لها مؤذنا وأمرها أن تؤم أهل دارها
قال عبدالرحمن فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا كلها ينفي ثبوت النسخ
وفي الحديث الأخير الوليد بن جميع وعبدالرحمن بن خالد الأنصاري قال فيهما ابن القطان لا يعرف حالهما انتهى وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات وقد يجاب بجواز كونه إخبارا عن مواظبة كانت قبل النسخ
وقوله كانت تؤم في شهر رمضان لا يستلزم التراويح وقوله جعل له مؤذنا وأمرها أن تؤم لا يستلزم استمرارا إمامتها إلى وفاته صلى الله عليه وسلم وما رواه عبدالرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تؤم المرأة النساء تقوم وسطهن لا يقتضي علم ابن عباس ببقاء شرعيتها لجواز كون المراد إفادة مقامها بتقدير ارتكابها ذلك أو خفي على ابن عباس الناسخ ولكن يبقى الكلام بعد هذا في تعيين الناسخ إذ لا بد في ادعاء النسخ منه ولم يتحقق في النسخ إلا ما ذكر بعضهم من إمكان كونه ما في أبي داود وصحيح ابن خزيمة صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها يعني الخزانة التي تكون في البيت وروى ابن خزيمة عنه صلى الله عليه وسلم إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيتها ظلمة وفي حديث له ولابن حبان وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها ومعلوم أن المخدع لا يسع الجماعة وكذا قعر بيتها وأشده ظلمة ولا يخفي ما فيه وبتقدير التسليم فإنما يفيد نسخ السنية وهو لا يستلزم ثبوت كراهة التحريم في الفعل بل التنزيه ومرجعها إلى خلاف الأولى ولا علينا أن نذهب إلى ذلك فإن المقصود اتباع الحق حيث كان قوله لحديث ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/354)
يصلى من الليل فقمت عن يساره فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه متفق عليه
وروى مطولا وأورد كيف جاز النفل بجماعة وهو بدعة أجيب بأن أداءه بلا أذان ولا إقامة بواحد أو اثنين يجوز على أنا نقول كان التهجد عليه صلى الله عليه وسلم فرضا فهو اقتداء المتنفل بالمفترض ولا كراهة فيه هذا ولو أورد قصة أنس واليتيم تعين الأول ولما كان قوله فأقامني عن يمينه ظاهرا في محاذاة اليمين دون أن يتأخر عنه كما قال محمد والعهد به قريب لم يذكره ثانيا لدفع قوله والمتأخر عن اليمين لا يقال هو عن يمينه إلا بنوع إرسال كما لا يقال هو خلفه أيضا بل هو متأخر قوله وإن صلى خلفه أو عن يساره جاز وهو مسيء هذا هو المذهب وما ذكر بعضهم من عدم الإساءة إذا كان خلفه مستدلا بأن ابن عباس فعله وسأله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ما لأحد أن يساويك في الموقف فدعا له فدل على أنه ليس بمكروه غلط لأن الإستدلال بفعله وأمره صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بمحاذاة اليمين ودعاؤه له لحسن تأدبه لا لأنه فعل ذلك ثم هذه الرواية إن صحت فهي صريحة في أن الإقامة عن يمينه صلى الله عليه وسلم كانت بمحاذاة اليمين والله أعلم قوله ونقل ذلك عن ابن مسعود في صحيح مسلم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبدالله فقال أصلي من خلفكما قالا نعم فقام بينهما فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عبدالبر لا يصح رفعه والصحيح عندهم الوقف على ابن مسعود رضي الله عنه وقال النووي في الخلاصة الثابت في صحيح مسلم إن ابن مسعود فعل ذلك
____________________
(1/355)
فلم يقل هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله قيل كأنهما ذهلا فإن مسلما أخرجه من ثلاث طرق لم يرفعه في الأوليين ورفعه في الثالثة وقال هكذا فعل إلى آخره وإذا صح الرفع فالجواب إما بأنه فعله لضيق المكان كقول المصنف أو ما قال الحازمي أنه منسوخ لأنه إنما نعلم هذه الصلاة بمكة إذ فيها التطبيق وأحكام أخرى هي الآن متروكة وهذا من جملتها ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة تركه بدليل ما أخرجه مسلم عن عبادة بن الوليد عن جابر قال سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه فهذا دال على أن هذا هو الآخر لأن جابر إنما شهد المشاهد التي بعد بدر انتهى وغاية ما فيه خفاء الناسخ على عبدالله وليس ببعيد إذا لم يكن دأبه صلى الله عليه وسلم إلا إمامة الجمع الكثير دون الإثنين إلا في الندرة كهذه القصة وحديث اليتيم وهو في داخل بيت امرأة فلم يطلع عبدالله على خلاف ما علمه وحديث اليتيم عن إسحق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال قوموا فلأصلي لكم فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف
ومرجع ضمير جدته إسحق وهي أم أنس بن مالك على الصحيح واليتيم هو ضميرة بني سعد الحميري قاله النووي لكن على كلا الجوابين لا يتجه ثبوت الإباحة أما على ما ذكرناه من فسخ سنية ما فعله ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن علة قولنا إذا نسخ صفة الوجوب لا تبقى صفة الجواز أعني الإباحة هي أن الإباحة بمعنى رفع الحرج عن الفعل والترك بخطاب ذلك ليست ثابتة في ضمن الوجوب ليصدق انتفاء الحقيقة برفع جزءها ويبقى الجزء الآخر لأنها قسيمته لمنافاتها له بالفعل وهي ثابتة هنا لعدم الإستواء في السنية لترجح جانب الفعل فيستحيل أن يكون في ضمنها الإباحة المذكورة وجزء حقيقتها عدم ترجح الفعل بعين ذلك المذكور فبقي ثبوتها موقوفا على خصوص دليل فيها ولم يوجد وأما على جواب المصنف فلأن الثابت من دفعه صلى الله عليه وسلم الرجلين أبلغ من المنع القولي وهو ينفي الإباحة اللهم إلا أن يحمل التوسط الذي رواه ابن مسعود عليه وما رواه أنس على السنية حملا لرفع التعارض بناء على أن لا قائل بالقلب ودفع الرجلين لإقامة السنة لا للكراهة وفي الكافي وإن كثرالقوم كره قيام الإمام وسطهم لأن تقدم الإمام سنة لمواظبته صلى الله عليه وسلم والإعراض عن سنته مكروه انتهى والحق أن يعلل بترك الواجب لأن مقتضى فعله التقدم على الكثير من غير ترك الوجوب فيكون التوسط مكروها كراهة تحريم وهو صريح الهداية فيما قدمنا في صدر إمامة المرأة النساء حيث قال لأنها لا تخلو عن ارتكاب محرم وهو قيام الإمام وسط الصف ولو قام في يمنة الصف أو يسرته أساؤا ولو قام واحد بجنب الإمام وخلفه صف يكره بالإجماع كذا في الدراية وفيها الأصح ما روى عن أبي حنيفة أكره للإمام أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية المسجد
____________________
(1/356)
أو إلى سارية لأنه خلاف عمل الإمامة والأفضل أن يقوم في الصف الآخر إذا خاف إيذاء أحد وفي كراهة ترك الصف الأول مع إمكان الوقوف فيه اختلاف ولو اقتدى واحد بآخر فجاء ثالث يجذب المقتدى بعد التكبير ولو جذبه قبل التكبير لا يضره وقيل يتقدم الإمام ويكره أن يصلي منفردا خلف الصف وعن أحمد رحمه الله لا تصح لما في أبي داود والترمذي وصحيح ابن حبان عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا صلى خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة واستدل للجواز بما في البخاري عن أبي بكرة أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم وثب حتى انتهى إلى الصف فلما سلم صلى الله عليه وسلم قال إني سمعت نفسا عاليا فأيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فقال أبو بكر أنا يا رسول الله خشيت أن تفوتني الركعة فركعت دون الصف ثم لحقت الصف فقال صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد فعلم أن ذلك الأمر بالإعادة كان استحبابا وللكراهة قالوا إذا جاء والصف ملآن يجذب واحد منه ليكون هو معه صفا آخر وينبغي لذلك أن لا يجيبه فتنتفي الكراهة عن هذا لأنه فعل وسعه قوله فلقوله صلى الله عليه وسلم أخروهن الخ سنتكلم عليه في مسئلة المحاذاة إن شاء الله تعالى قوله والسنن المطلقة أي الرواتب وصلاة العيد على إحدى الروايتين والوتر عندهما والكسوفين والإستسقاء عندهما قوله جوزه مشايخ بلخ قياسا على المظنون ولم يجوزه
____________________
(1/357)
مشايخنا البخاريون وقالوا لا يجوز عندهم ومنهم من حقق الخلاف بين أبي يوسف ومحمد في النفل المطلق فقالوا أنه لا يجوز بلا خلاف بين أصحابنا في السنن وكذا في النفل المطلق عند أبي يوسف ويجوز فيه عند محمد والمختار قول أبي يوسف قوله ولا يبنى القوى على الضعيف قد يقال ذلك في الحسي أما البناء الحكم فلا بل المانع فيه عدم المبني عليه كما في الفرض على النفل لانتفاء وصف الفرضية في المبني عليه وقد يجاب بأن ذلك أيضا ثابت هنا فإن نفل البالغ يصير واجب الإتمام وهذا الوجوب منعدم في نفل الصبي فإن قيل فعلى هذا ينبغي جواز المظنون خلف ظهر الصبي فالجواب هو غير محفوظ الرواية ولنا أن نمنعه بناء على الفساد في زعم المقتدي فإنه حال الشروع بظن الوجوب ويعلم انتفاء من ظهر الصبي قوله بخلاف المظنون وهو المؤدي على ظن قيام وجوبه إذا ظهر بعد إفساده عدم وجوبه بظهور أنه كان أداه فإنه لا يجب قضاؤه ومع هذا صح بناء نفل البالغ عليه فقد بنى المظنون على غير المظنون
أجاب بأنه مجتهد فيه إذ عند زفر يجب القضاء على الظان إذا أفسد المظنون قاسه على المتفق عليه من الإحرام بنسك مظنون فإنه مضمون حتى إذا ظهر له أن لا نسك عليه كان إحرامه لازما للنفل والصدقة المظنون وجوبها إذا تبين أن لا شيء عليه ليس له أن يستردها من الفقير
والجواب الفرق بالعلم بفرق الشرع فإنه ظهر منه أن لا يخرج من إحرامه ولو عرضت ضرورة توجب رفضه إلا بأفعال أو دم ثم قضاء أصله من أحصر واضطر إلى ذلك أو فاته الحج لم يتمكن شرعا من الخروج بلا لزوم شيء ثم القضاء وأما الصدقة فإن الدفع على ذلك الظن يوجب أمرين سقوط الواجب وثبوت الثواب فإذا كان الواجب منتفيا في نفس الأمر ثبت الآخر لأنه دفعه تقربا إلى الله تعالى يطلب به ثوابه وقد حصل وثبت الملك بواسطة ذلك للفقير فلا يتمكن من رفعه بخلاف من دفع لقضاء دين بظنه ولا دين فإنه لم يثبت فيه ملك المدفوع إليه فكان بسبيل من أن يسترده وأما الصلاة فقد ثبت شرعا قبول ما هو منها للرفض إجماعا كما في زيادة ما دون الركعة وتمام الركعة أيضا على الخلاف فلم يلزم لزومهما إذا ظهر عدم وجوبها والحال أنه لم يفعلها إلا مسقطا والله سبحانه وتعالى أعلم وسقوط الضمان عندنا بعارض الظن والأصل في نفل البالغ الضمان والعارض لا يعارض الأصل
____________________
(1/358)
فاعتبر عارض الظن عدما في حق المقتدي فاتحد حالهما فكان اقتداء المظنون بالمظنون نظرا إلى الأصل وسقوط الوصف هنا بأمر أصلي وهو الصبا فلم يصح جعله معدوما في حق المقتدي فلم يتحد حالهما كذا في الكافي وما نقل من المحسن من أن اختلافهم راجع إلى أن صلاة الصبي صلاة أم لا فقيل لا وإنما يؤمر بها تخلقا دل عليه لو صلت المراهقة بغير قناع جازت وقيل نعم دل عليه لو قهقهت فيها أمرت بالوضوء فيه نظر بل لو اتفق على أنها صلاة صح الخلاف فإن دليل المانع يتناولها بتقدير كونها صلاة نعم لو اتفق على أنها ليست صلاة لم يتأت الخلاف في عدم الجواز قوله ليلنى الخ في مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ليلنى منكم أولوا الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق قيل استدلاله به على سنية صف الرجال ثم الصبيان ثم النساء لا يتم إنما فيه تقديم البالغين أو نوع منهم والأولى الإستدلال بما اخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي مالك الأشعري أنه قال يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم حتى أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم ثم توضأ وأراهك كيف يتوضأ ثم تقدم فصف الرجال في أدنى الصف وصف الولدان خلفهم وصف النساء خلف الصبيان الحديث ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه والأحلام جمع حلم بالضم وهو ما يراه النائم تقول منه حرم بالفتح واحتلم غلب استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ فدلالته على البلوغ التزامية فلا يلزم كون المراد هنا ليلنى البالغون ليكون مجازا لاستعماله في لازم معناه لجواز إرادة حقيقته ويعلم منه المقصود لأنه إذا أمر أن يليه من الصف ملزوم البلوغ علم أن المراد أن يليه البالغون ولو قيل أن البلوغ نفس الإحتلام أو بلوغ سن مخصوصة كان إرادتهم باللفظين حقيقيا لا مجازيا والنهي جمع نهية وهو العقل وفي تفسير الأحلام بالعقول لزوم لتكرار في الحديث فليجتنب إذ لا ضرورة واعلم أن صف الخناثي بين الصبيان والنساء وبعد النساء المراهقات ولنسق نبذة من سنن الصف تكميلا من سننه التراص فيه والمقاربة بين الصف والصف والإستواء فيه ففي صحيح ابن خزيمة عن البراء كان صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف فيسوى بين صدور القوم ومناكبهم ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول وروى الطبراني من حديث علي رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم استووا تستوي قلوبكم وتماسوا تراحموا وروى مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم قال ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها قال يتمون الصفوف الأول فالأول ويتراصون في الصف وفي رواية للبخاري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه وروى أبو داود والإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم لا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله
____________________
(1/359)
الله ومن قطع صفا قطعه الله وروى البزار بإسناد حسن عنه صلى الله عليه وسلم من سد فرجة في الصف غفر له وفي أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال خياركم ألينكم مناكب في الصلاة وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ويظن أن فسحه له رياء بسبب أنه يتحرك لأجله بل ذاك إعانة له على إدراك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف والأحاديث في هذا شهيرة كثيرة قوله وجه الإستحسان ما رويناه وأنه من المشاهير يعني أخروهن من حيث أخرهن الله ولم يثبت رفعه فضلا عن كونه من المشاهير وإنما هو في مسند عبدالرزاق موقوف على ابن مسعود قال أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا فكانت المرأة تلبس القالبين فتقوم عليهما فتواعد حليلها فألقى عليهم الحيض فكان ابن مسعود يقول أخروهن من حيث أخرهن الله قيل فما القالبان قال أرجل من خشب تتخذها النساء يتشرفن الرجال في المساجد وفي الغاية عن شيخه يرويه الخمر أم الخبائث والنساء حبائل الشيطان وأخروهن من حيث أخرهن الله ويعزوه إلى مسند رزين قيل وذكر أنه في دلائل النبوة للبيهقي وقد تتبع فلم يوجد فيه وقد يستدل بحديث أمامة أنس واليتيم المتقدم حيث قامت العجوز من وراء أنس واليتيم فقد قامت منفردة خلف صف وهو مفسد كما هو مذهب أحمد رحمه الله لما ذكرنا من الأمر بالإعادة أو لا يحل وهو معنى الكراهة السابق ذكرها لما قدمناه من قوله صلى الله عليه وسلم ولا تعد ولو حل مقامها معهما لمنعها وبدلالة الإجماع على عدم جواز إمامتها للرجل فإنه إما لنقصان حالها أو لعدم صلاحيتها للإمامة مطلقا أو لفقد شرط أو لترك فرض المقام والحصر بالإستقراء وعدم وجود غير ذلك وهذا كاف ما لم يرد صريح النقض لما عرف أنه يكفي في حصر الأوصاف قول السابر العدل بحثت فلم أجد لا يجوز الأول لجواز الإقتداء بالفاسق والعبد ولا الثاني لصلاحيتها لإمامة النساء ولا الثالث لأن المفروض حصول الشروط فتعين الرابع والحق أن هذا قياس حكم أصله مجمع عليه خرج مناطه بالسبر وهو مسلك مختلف في صحته وأكثر مشايخنا على نفيه ثم بتقدير صحة طريقه فهو وما قبله إنما يفيد أن حرمة تحاذيهما وترك فرض المقام ثم كونه مفسدا باعتبار أن فروض الجماعة يصح إثباتها بالآحاد لأن أصلها به وارجع إلى ما مهدناه في أول باب صفة الصلاة يزول عنك الريب إلا أن قصر الفساد عليه
____________________
(1/360)
ينبني على أن الحرمة وإن كانت مشتركة إلا أن تعلقها بها كي لا تفسدها عليه لا باعتبار معنى فيها بخلاف تعلقها به فهو كتأخر الإمام عن المأمومين حتى صاروا مقدمين عليه فإنه لا يحل له كما لا يحل لهم أن يتقدموا إلا أن عدم الحل لهم لفساد صلاتهم وعدمه له لمعنى فيهم لا فيه وهو كي لا تفسد عليهم فأفسد تأخيره صلاتهم لا صلاته كذلك هنا تفسد بمحاذاتها صلاته لا صلاتها إلا أن هذا المعنى يتوقف على إثبات كون الحرمة المشتركة للإفساد عليه فقط ولا ملجأ فيه إلا حديث أخروهن فيتوقف على ثبوته لكن ينتهض محل النزاع على الخصم لأن محل النزاع فساد صلاته أما عدمه في صلاتها فبالإتفاق فإنما هذا إشكال مذهبي لا يضر في انتهاض المدعي على المخالف هذا وأما محاذاة الأمرد فصرح الكل بعدم إفساده إلا من شذ ولا متمسك له في الرواية كما صرحوا به ولا في الدراية لتصريحهم بأن الفساد في المرأة غير معلول بعروض الشهوة بل هو لترك فرض المقام وليس هذا في الصبي ومن تساهل فعلل به صرح بنفيه في الصبي مدعيا عدم اشتهائه فحصل أن مظنة الشهوة الأنوثة وباعتبار المظنة يثبت الحكم لا باعتبار ما قد يتفق من اشتهاء الذكر الذكر فقد يتفق ذلك في المرأة الميتة والبهيمة
____________________
(1/361)
ولا عبرة في ذلك فهذا كذلك وقالوا إن اشتهاء الذكر يكون عن انحراف في المزاج وقد سماهم كثير من السلف النتن تنفيرا بخلاف اشتهاء الأنثى فإنه الطبع السليم وفي الذخيرة المحيط إذا حاذته بعد ما شرع ونوى إمامتها فلم يمكنه التأخير بالتقدم خطوة أو خطوتين للكراهة في ذلك فتأخيرها بالإشارة وما أشبهه فإذا فعل فقد أخر فيلزمها التأخر فإن لم تفعل تركت حينئذ فرض المقام فتفسد صلاتها دونه قوله وهو المخاطب به الخ إشارة إلى اشتراط العقل والبلوغ في الذكر فإن الخطاب إنما يتعلق بأفعال المكلفين كذا في بعض شروح الجامع فلا
____________________
(1/362)
تفسد صلاة الصبي بالمحاذاة على هذا قوله على إحداهما وهي رواية عدم الفساد واعلم أن اقتداءهن في الجمعة والعيدين عند كثير لا يجوز إلا بالنية وعند الأكثر يجوز بدونها نظرا إلى إطلاق الجواب حملا على وجود النية منه وإن لم تستفسر حاله قوله ومن شرائط الخ جواب المسئلة له شروط لا بد من بيانها الأول أن تكون الصلاة مشتركة تحريمه وأداء ومعنى الأول أن يكونا بانيين تحريمتهما على تحريمة إمام أو إحداهما على الأخرى بأن كان أحدهما يؤم الآخر فيما يصح اتفاقا فلو اقتدت ناوية العصر بمصلى الظهر فلم يصح من حيث الفرض وصح نفلا فحاذته ففي رواية باب الأذان تفسد وفي رواية باب الحدث من المبسوط لا تفسد وقيل رواية
____________________
(1/363)
باب الأذان قولهما ورواية باب الحدث قول محمد بناء على مسئلة صلاة الفجر إذا طلعت الشمس في خلالها عندهما تنقلب نفلا وعند محمد تفسد بخلاف ما لو نوت ابتداء النفل حيث تفسد بلا تردد ومعنى الثاني أن يكون لهما إمام فيما يقضيان حقيقة أو حكما فصلاة المسبوقين فيما يقضيان مشتركة تحريمة لا أداء فلا تفسد المحاذاة فيما يقضيان مسبوقين وتفسد فيما يقضيان لا حقين ولا تفسد إذا حاذته في الطريق للطهارة فيما إذا سبقهما الحدث في الأصح لأنهما غير مشتغلين بالقضاء بل بإصلاح الصلاة لا بحقيقتها وإن كان في حرمتها إذ حقيقتها قيام وقراءة الخ وليس شيء من ذلك ثابتا وقيامه في حال مشيه أو وضوئه لم يعتبر جزءا وإلا فسدت لأن المحكوم بجزئيته للصلاة تفسد مع الحدث وإذا انعدم قضاؤهما في هذه الحالة انعدمت الشركة أداء واللاحق من يقضي بعد فراغ الإمام ما فاته مع الإمام بعد ما أدركه معه وإنما لم نقل من أدرك أول صلاة الإمام ثم فاته بعضها الخ كما يقع في بعض الألفاظ لأنه غير جامع لخروج اللاحق المسبوق وفي المحاذاة لهذا اللاحق تفصيل في الفساد فإنهما لو اقتديا في الثالثة فأحدثا فذهبا ليتوضآ ثم حاذته في القضاء إن كان في الأولى أو الثانية وهي الثالثة والرابعة للإمام تفسد لوجود الشركة فيهما لأنهما فيهما لاحقان وإن حاذته في الثالثة والرابعة لا تفسد لعدمها لأنهما مسبوقان وهذا بناء على أن اللاحق المسبوق يقضي أولا ما لحق فيه ثم ما سبق به وهذا عند زفر ظاهر وعندنا وإن صح عكسه لكن يجب هذا فباعتباره يفسد هذا وأما محاذاتها في الصلاة دون اشتراك فمورث للكراهة ثم لو قيل بدل مشتركة تحريمة وأداء مشتركة أداء ويفسر بأن يكون لهما إمام فيما يؤديانه حالة المحاذاة أو أحدهما إمام للآخر لعم الإشتراكين الثاني أن تكون الصلاة مطلقة أي ذات ركوع وسجود وإن كانا يومئان فيها للعذر الثالث أن تكون المرأة من أهل الشهوة أي دخلت في حدها وإن كانت في الحال عجوزا شوهاء فيحترز به عمن لم تبلغ حدها وحدها سبع سنين وقيل تسع والأصح أن تصلح للجماع ولا فرق بين الأجنبية والمحرم الرابع أن لا يكون بينهما حائل فلو كان منع المحاذاة وأدناه قدر مؤخرة الرحل لأن أدنى الأحوال القعود ومؤخرة الرحل جعلت للإرتفاق بها فيه فقدرناه بها وغلظه مثل الأصبع والفرجة تقوم مقام الحائل وأدناها قدر مقام الرجل وفي الدراية ولو كان بينهما فرجة تسع الرجل أو اسطوانة قيل لا تفسد وكذا إذا قامت أمامه وبينهما هذه الفرجة اه ويبعد النظر في صحة هذا القيل إذ مقتضاه أن لا يفسد صف النساء على الصف الذي خلفه من الرجال ولو كان أحدهما على دكان قدر القامة والآخر أسفله فلا محاذاة وكذا لو كانت متأخرة عنه بالقدم إلا أنها أطول منه يقع سجودها في مكان متقدم عليه الخامس أن تكون المحاذاة في ركن كامل حتى لو تحرمت في صف وركعت في آخر وسجدت في ثالث فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها من كل صف قيل هذا عند محمد وعند أبي يوسف لو وقفت قدره فسدت وإن لم تؤد وقيل لو حاذته أقل من قدره فسدت عند أبي يوسف وعند محمد لا إلا في قدره السادس أن تتحد الجهة فإن اختلفت كما في جوف الكعبة وبالتحري في الليلة المظلمة فلا والجامع أن يقال محاذاة مشتهاة منوية الإمامة في ركن صلاة مطلقة مشتركة تحريمه وأداء مع اتحاد مكان وجهة دون حائل ولا فرجة ثم الواحدة تفسد صلاة ثلاثة واحد عن يمينها وآخر عن شمالها وآخر خلفها ليس غير فإن من فسدت صلاته يصير حائلا بينها وبين الذي يليه والمرأتان صلاة أربعة اثنان خلفهما والآخرين
____________________
(1/364)
لأن المثنى ليس جمعا تاما فكانا كواحدة فلا يتعدى الفساد إلى آخر الصفوف وعن أبي يوسف الثنتان كالثلاث وعنه الثلاث كالثنتين فلا تفسد إلا صلاة خمسة والصحيح أن بالثلاث تفسد صلاة واحد عن يمينهن وآخر عن شمالهن وثلاثة ثلاثة إلى آخر الصفوف وفي رواية الثلاث كالصف التام فتفسد صلاة جميع الصفوف التي خلفهن والقياس في الصف التام أن يفسد به صلاة صف واحد لأنه حائل بينه وبين الصف الذي يليه لكنهم استحسنوا فساد الكل بنقلهم عن عمر رضي الله عنه من كان بينه وبين إمامه طريق أو نهر أو صف من صفوف النساء فليس هو مع الإمام قوله فيراعى جميع ما ورد به النص والنص ورد في صلاته مطلقة بناء على أن الفساد بها على خلاف القياس وهذا إنما ينتهض في اشتراط كون الصلاة مطلقة لا في الكل وعلل في تلخيص الجامع بأن المورد الجماعة المطلقة وهي بالشركة والكمال قوله يعني الشواب منهن تقييد في حق عدم الخلاف في إطلاق الحكم لا في أصل الحكم فإن العجوز ممنوعة عنده في البعض واعلم أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وقوله إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها والعلماء خصوه بأمور منصوص عليها ومقيسة فمن الأول ما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء وكونه ليلا في بعض الطرق في مسلم لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد إلا بالليل والثاني حسن الملابس ومزاحمة الرجال لأن إخراج الطيب لتحريكه الداعية فلما فقد الآن منهن هذا لأنهن يتكلفن للخروج ما لم يكن عليه في المنزل منعن مطلقا لا يقال هذا حينئذ نسخ بالتعليل لأنا نقول المنع يثبت حينئذ بالعمومات المانعة من التفتين أو هو من باب الإطلاق بشرط فيزول بزواله كانتهاء الحكم بانتهاء علته وقد قالت عائشة رضي الله عنها في الصحيح لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء بعده لمنعهن كما منعت
____________________
(1/365)
نساء بني إسرائيل على أن فيه ما رواه ابن عبدالبر بسنده في التمهيد عن عائشة رضي الله عنها ترفعه أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المساجد وبالنظر إلى التعليل المذكور منعت غير المزينة أيضا لغلبة الفساق وليلا وإن كان النص يبيحه لأن الفساق في زماننا أكثر انتشارهم وتعرضهم بالليل وعلى هذا ينبغي على قول أبي حنيفة تفريع منع العجائز ليلا أيضا بخلاف الصبح فإن الغالب نومهم في وقته بل عمم المتأخرون المنع للعجائز والشواب في الصلوات كلها لغلبة الفساد في سائر الأوقات قوله والجمعة جعل الجمعة كالظهر والمغرب والعشاء وقد اختلف في الرواية في ذلك والمذكور رواية المبسوط وغيره ورواية مبسوط شيخ الإسلام الجمعة كالعيد والمغرب كالظهر فتخرج في الجمعة لا المغرب وفي فتاوي قاضيخان جعل الجمعة كالظهر والمغرب كالظهر ولا نعلم قائلا بالإحتمال الرابع والمعتمد منع الكل في الكل إلا العجائز المتفانية فيما يظهر لي دون العجائز المتبرجات وذات الرمق والله سبحانه وتعالى أعلم قوله والجبانة متسعة بناء على صلاة العيد في فناء المصر وفي مصرنا هذا ليس كذلك بل هي في المساجد قوله خلف من هو في معنى المستحاضة كمن به سلس بول واستطلاق البطن وانفلات الريح والجرح السائل والرعاف ويجوز اقتداء معذور بمثله إذا اتحد عذرهما لا إن اختلف قوله بمعنى تضمنت صلاته الخ
____________________
(1/366)
لا بمعنى الكفالة وإذا كان التضمن مراعى فإذا قدر المؤتم على ما لم يقدر الإمام عليه من الأركان كان كالمنفرد فيه قبل فراغ الإمام وذلك مفسد فلذا لا يجوز اقتداء القارىء بالأمي والأخرس ولا الأمي بالأخرس لأنه يقدر على التحريمة دون الأخرس ويجوز اقتداء الأخرس بالأمي لا الراكع الساجد بالمومي والأمي عندنا من لا يحسن القراءة وعند الشافعي من لا يحسن الفاتحة والمبني ظاهر وإذا فقد الإمام شرطا حقيقة اعتبر موجودا للحاجة إلى الأداء صار معدوما في حق من وراءه فلذا لا يجوز اقتداء اللابس بالعاري والطاهر بمن هو بمعنى المستحاضة والمصنف على الكل بعدم التضمن لزيادة قوة صلاة المأموم وهو غير بعيد وكل ما لم يصح الإقتداء لا يصير شارعا به في صلاة نفسه في رواية باب الحدث وزيادات الزيادات فلو قهقهه لا ينتقض وفي رواية باب الأذان يصير شارعا يعني ثم يفسد قيل الثاني قولهما بناء على أن فساد الجهة لا يفسد التحريمة والأول قول محمد بناء على عدمه قوله ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين قيده شيخ الإسلام بأن لا يكون مع المتوضئين ماء خلافا لزفر وأصله فرع إذا رأى المتوضىء المقتدي بمتيمم ماء في الصلاة لم يره الإمام فسدت صلاته خلافا لزفر لاعتقاده فساد صلاة إمامه لوجود الماء ومنعه زفر رحمه الله بأن وجوده غير مستلزم لعلمه به وهو ظاهر وينبغي أن يحكم بان محمل الفساد عندهم إذا ظن علم إمامه به لأن اعتقاده فساد صلاة إمامه بذلك قوله طهارة ضرورية لا شك أن فيها جهة الإطلاق باعتبار عدم توقتها بخلاف طهارة المستحاضة وجهة الضرورة
____________________
(1/367)
باعتبار أن المصير إليها ضرورة عدم القدرة على الماء وتعليله في النهاية بأنها طهارة تلويث لا ترفع الحدث حتى كان محدثا عند وجود الماء بالحدث السابق غير مستقيم على ما صرحوا به غير مرة من أنها رفعة وصرح هو في باب التيمم في البحث مع الشافعي في مسئلة جواز الفرائض المتعددة يتيمم واحد خلافا له فقال الخلاف مبني على أن حكم التيمم ماذا قال علماؤنا حكمه زوال الحدث مطلقا من كل وجه ما بقي شرطه وهو العدم كما بالماء إلا أنه بالماء مقدر إلى وجود الحدث وهنا إلى شيئين إلى الحدث وإلى رؤية الماء انتهى وكون الإنتقاض عند الوجود بظهور الحدث لا يستلزم عدم الرفع على ما قدمنا من تحقيقه في باب التيمم وإذا ثبتت الجهتان فعلل محمد رحمه الله هنا بجهة الضرورة لنفي جواز اقتداء المتوضىء احتياطا وعلل في باب الرجعة فيما إذا انقطع دم الحيضة الثالثة في المعتدة وأيامها دون العشرة بجهة الإطلاق لانقطاع حق الرجعة احتياطا وهما اختارا جانب الإطلاق في الصلاة لأن اعتبارها طهارة كالماء ليس إلا من أجلها ودل على صحة هذا الإعتبار حديث عمرو بن العاص أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية فأجنب وصلى بأصحابه بالتيمم لخوف البرد وعلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرهم بالإعادة وجانب الضرورة في الرجعة فلم تكن طهارة في حق الرجعة لأن الضرورة في الصلاة لا غير فبقيت على العدم ما لم يتصل بها المقصود أعني أن يصلي بها لأنها حينئذ يمتنع اعتبارها عدما بعد ما قويت باتصال المقصود بها وسنزيد كشف القناع في باب الرجعة إن شاء الله تعالى وفي الخلاصة اقتداء المتوضىء بالمتيمم في صلاة الجنازة جائز بلا خلاف قوله ويصلي القائم خلف القاعد خلافا لمحمد وعكسه والقاعد خلف مثله جائزا اتفاقا والمستوى بالأحدب قيل يجوز مطلقا وذكر التمرتاشي إن بلغت حدبته الركوع فعلى الخلاف قال في شرح الكنز هو الأقيس لأن القيام استواء النصفين وقد وجدوا استواء الأسفل فيجوز عندهما كما يجوز اقتداء القائم بالقاعد لاستواء الأعلى وأما عند محمد ففي الظهيرية لا تصح إمامة الأحدب للقائم ذكره محمد وفي مجموع النوازل يصح والأول أصح قوله وهو ما روى الخ في الصحيحين عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بلى لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك للصلاة قال ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه
____________________
(1/368)
ثم أفاق فقال أصلى الناس فقلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا رقيقا فقال يا عمر صل أنت فقال عمر رضي الله عنه أنت أحق بذلك فصلى بهم أبو بكر ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا تتأخر وقال لهما أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد قال عبيدالله فعرضت على ابن عباس حديث عائشة رضي الله عنها فما أنكر منه شيئا غير أنه قال أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت لا قال هو علي رضي الله عنه انتهى وما روى الترمذي عن عائشة قالت صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا وقال حسن صحيح وأخرج النسائي عن أنس آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد متوحشا خلف أبي بكر رضي الله عنه فأولا لا يعارض ما في الصحيح وثانيا قال البيهقي لا تعارض فالصلاة التي كان فيها إماما صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد والتي كان فيها مأموما الصبح من يوم الإثنين وهي آخر صلاة صلاها حتى خرج من الدنيا ولا يخالف هذا ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الإثنين وكشف الستر ثم إرخائه فإنه كان في الركعة الأولى ثم إنه صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فأدرك معه الثانية يدل عليه ما ذكر موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري وذكر أبو الأسود عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم أقلع عنه الوعك ليلة الإثنين فغدا إلى الصبح يتوكأ على الفضل بن العباس وغلام له وقد سجد الناس مع أبي بكر رضي الله عنه حتى قام إلى جنب أبي فاستأخر أبو بكر فأخذ صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه فصفا جميعا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر يقرأ فركع معه الركعة الأخيرة ثم جلس أبو بكر حتى قضى سجوده فتشهد وسلم وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركعة الأخرى ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد فذكر القصة في عهده إلى أسامة بن زيد فيما بعثه إليه ثم في وفاته صلى الله عليه وسلم يومئذ أخبرنا به أبو عبدالله الحافظ بسنده إلى ابن لهيعة حدثنا الأسود عن عروة فذكره فالصلاة التي صلاها أبو بكر مأموما صلاة الظهر وهي التي
____________________
(1/369)
خرج فيها بين العباس وعلي رضي الله عنهما والتي كان فيها إماما الصبح وهي التي خرج فيها بين الفضل بن العباس وغلام له فقد حصل بذلك الجمع وعلى هذا فقول المصنف آخر صلاة صلاها يعني إماما والمراد بحديث كشف الستارة ما في الصحيحين من أنه كشفها يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة ثم تبسم ضاحكا ونكص أبو بكر على عقبه ظنا أنه صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة فأشار إليهم أن أتموا ثم دخل وأرخى الستر وتوفي صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك وفي البخاري أن ذلك كان في صلاة الفجر قال الشافعي بعد ما أسند عن جابر وأسيد بن حضير اقتداء الجالسين بهما وهما جالسان للمرض وإنما فعلا ذلك لأنهما لم يعلما بالناسخ وكذا ما حكى عن غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أنهم أموا جالسين والناس جلوس محمول عليه وعلم الخاصة يوجد عند بعض ويعزب عن بعض واعلم أن مذهب الإمام أحمد أن القاعد إن شرع قائما ثم جلس صح اقتداء القائمين به وإن شرع جالسا فلا وهو أنهض من جهة الدليل لأنا صرحنا بأن ذلك خلاف القياس صير إليه بالنص وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى محل الصلاة قائما يهادي ثم جلس فالظاهر أنه كبر قبل الجلوس وصرحوا في صلاة المريض أنه إذا قدر على بعضها قائما ولو التحريمة وجب القيام به وكان ذلك متحققا في حقه صلى الله عليه وسلم إذ مبدأ حلوله في ذلك المكان كان قائما فالتكبير قائما مقدوره حينئذ وإذا كان كذلك فمورد النص حينئذ اقتداء القائمين بجالس شرع قائما قال الأعمش في قولها والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه يعني أنه كان يسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم وفي الدراية وبه يعرف جواز رفع المؤذنين أصواتهم في الجمعة والعيدين وغيرهما انتهى أقول ليس مقصوده خصوص الرفع الكائن في زماننا بل أصل الرفع لإبلاغ الإنتقالات أما خصوص هذا الذي تعارفوه في هذه البلاد فلا يبعد أنه مفسد فإنه غالبا يشتمل على مد همزة ألله أو أكبر أو بائه وذلك مفسد وإن لم يشتمل فلأنهم يبالغون في الصياح زيادة على حالة الإبلاغ والإشتغال بتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة والصياح ملحق بالكلام الذي بساطه ذلك الصياح وسيأتي في باب ما يفسد الصلاة أنه إذا ارتفع بكاؤه من ذكر الجنة والنار لا تفسد ولمصيبة بلغته تفسد لأنه في الأول تعرض لسؤال الجنة والتعوذ من النار وإن كان يقال إن المراد إذا حصل به الحروف ولو صرح به لا تفسد وفي الثاني لإظهارها ولو صرح بها فقال وامصيبتاه أو أدركوني أفسد فهو بمنزلته وهنا معلوم أن قصده إعجاب الناس به ولو قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري فيه أفسد وحصول الحروف لازم من التلحين ولا أرى ذلك يصدر ممن فهم معنى الصلاة والعبادة كما لا أرى تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن فهم معنى الدعاء والسؤال وما ذلك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه تحرير النغم فيه من الرفع والخفض والتغريب
____________________
(1/370)
والرجوع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني قوله ويصلي المومىء خلف مثله وإن كان الإمام يومي قاعدا والمأموم يومي قائما لأن هذا القياس ليس بركن بل الأولى تركه قوله إلا أن يومىء قال التمرتاشي في هذه بعد نقل الخلاف فيها الأصح أنه يجوز على قول محمد وكذا الأظهر على قولهما الجواز وحكم في شرح الكنز باختيار ما في الهداية لأن القعود معتبر حتى يجب عند القدرة عليه بخلاف الإستلقاء فإنه لم يقصد إليه بالحكم بل تجب معه لأنه الوسع الحاصل قوله ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر وقولنا قول مالك وأحمد ولا يجوز الناذر بالناذر إلا أن ينذر نفس ما نذره الآخر من الصلاة ويجوز الحالف بالحالف لأن الواجب هناك البر فبقيت الصلاتان نفلا في نفسهما ولذا صح الحالف بالناذر بخلاف المنذور لأنه واجب وقد اختلف السبب فصار كظهر الأمس بمن يصلي ظهر اليوم ومصليا ركعتي الطواف كالناذرين لأن طواف هذا غير طواف الآخر وهو السبب فلا يجوز اقتداء أحدهما بالآخر ولو اشتركا في نافلة فأفسدها صح أحدهما بالآخر في القضاء وإن أفسدا منفردين نفلا فلا ولا خلف الناذر ولو صليا الظهر ونوى كل إمامة الآخر صحت صلاتهما لأن الإمام منفرد في حق نفسه فهي نية الإنفراد حينئذ فلو نوى كل الإقتداء بالآخر فسدت وتجوز السنة بعد الظهر بالسنة التي قبلها وسنة العشاء بالتراويح وأما الإقتداء في الوتر بمن يرى أنه سنة فسنذكره في باب الوتر إن شاء الله تعالى قوله وعند الشافعي رحمه الله إذا ثبت جواز الفرض بالنفل ثبت في الكل فلنتكلم عليه تمسك فيه بما في الصحيحين عن جابر أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة لفظ مسلم وفي لفظ البخاري فيصلي بهم الصلاة المكتوبة ذكره في كتاب الأدب وروى الشافعي رحمه الله عن جابر كان معاذ بن جبل يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم ينطلق إلى قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم فريضة وأجيب
____________________
(1/371)
بأن الإحتجاج به من باب ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم وشرط ذلك علمه وجاز عدمه يدل عليه ما رواه الإمام أحمد عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا فقال له صلى الله عليه وسلم يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف عن قومك فشرع له أحد الأمرين الصلاة معه ولا يصلي بقومه أو الصلاة بقومه على وجه التخفيف ولا يصلي معه هذا حقيقة اللفظ أفاد منعه من الإمامة إذا صلى معه صلى الله عليه وسلم ولا تمنع إمامته بالإتفاق فعلم أنه منعه من الفرض وقيل إن تلك الزيادة أعني هي له تطوع إلى آخره من كلام الشافعي رحمه الله بناء على اجتهاده ولهذا لا تعرف إلا من جهته وبعد هذا يرد حديث جابر أقبلنا إلى أن قال حتى إذا كنا بذات الرقاع إلى أن قال ثم نودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين وروى الشافعي رحمه الله عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم صلى ببطن نخلة فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم وشيخ الشافعي فيه مجهول فإنه قال أخبرنا الثقة بن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر والأول إنما يتم له به حجة إلزامية لأن كون فرض المسافر ركعتين والأخريان نافلة إنما هو عندنا إذ عند الشافعي يقع الكل فرضا فلا يتم له به حجة على مذهبه وأجاب الطحاوي عنه وعن حديث معاذ بأنه منسوخ أو يحتمل أنه كان حين كانت الفريضة تصلي مرتين ثم نسخ وروى حديث ابن عمر نهى أن تصلي فريضة في يوم مرتين قال والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة ونوزع في ذلك بأنه نسخ بالإحتمال والجواب أن مراده الحمل على النسخ ترجيحا بضرب من الإجتهاد وهذا صحيح بل واجب إذ يجب الترجيح ما أمكن ومرجعه الحمل على النسخ في كل متعارضين ثبتت صحتهما وإن عبرنا في وجه الترجيح بلفظ آخر نحو أن نقول هذا محرم فيقدم على ذلك المبيح فإنه يستلزم حمل ذلك المبيح على النسخ وإن لم يصرح به وهذا لأن الفرض أن المبيح قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قاله وكونه قال أيضا المحرم لا يستلزم كون العمل به إذ يجوز أن يكون المبيح هو المتأخر في نفس الأمر منه صلى الله عليه وسلم فيكون المقصود منه الآن تقرير الإباحة فتقديم المحرم عند الجهل بالمقدم معناه أنه اشد الحكمين فنحمله على التأخر وذلك على التقدم احتياطا أي عملا بأشق الأمرين عند عدم العلم بخصوص المتقرر وإلا فليس معنى الإحتياط أن العمل به يتيقن معه بالعمل بالمتأخر المتقرر في نفس الأمر إذا عرفت هذا فمعنى حمله على النسخ أنه ثبت صلاة الخوف على ما ذكر وثبت بعد سنين من الهجرة أنه صلى بالطائفتين صلاة واحدة مع المنافي بكل طائفة فلو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم بكل طائفة
____________________
(1/372)
لأن تحمل المنافي لا يجوز عند عدم الضرورة فهذا يدل على عدم جواز الفرض بالنفل وكذا قوله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن وسنذكره بسند صحيح والأول عكسه فيقدم هذا ويحمل ذلك على ما عهد ثم نسخ من تكرر الفرض تقديما للمانع على المجوز هذا ثم قيل إنما لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل في جميع الصلاة لا في البعض فإن محمدا ذكر إذا رفع الإمام رأسه من الركوع فاقتدى به إنسان فسبق الإمام الحدث قبل السجود فاستخلفه صح ويأتي بالسجدتين ويكونان نفلا للخليفة حتى يعيدهما بعد ذلك وفرضا في حق من أدرك أول الصلاة وكذا المتنفل إذا اقتدى بالمفترض في الشفع الثاني يجوز وهو اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة والعامة على المنع مطلقا ومنعوا نفلية السجدتين بل هما فرض على الخليفة ولذا لو تركهما فسدت لأنه قام مقام الأول فلزمه ما لزمه وقالوا صلاة المتنفل المقتدي أخذت حكم الفرض بسبب الإقتداء ولهذا لزمه قضاء ما لم يدركه مع الإمام من
____________________
(1/373)
الشفع الأول وكذا لو أفسد عن نفسه يلزمه قضاء الأربع قوله قال صلى الله عليه وسلم من أم قوما الخ غريب والله أعلم وروى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن دينار أن علي بن أبي طالب قال في الرجل يصلي بالقوم جنبا قال يعيد ويعيدون ورواه عبدالرزاق حدثنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن دينار عن جعفر أن عليا رضي الله عنه صلى بالناس وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد وأمرهم أن يعيدوا ومما يستدل به على المطلوب ما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال الإمام ضامن وهو ما أشار إليه المصنف بقوله ونحن نعتبر معنى التضمن فإنه المراد بالضمان للإتفاق على نفي إرادة حقيقة الضمان وأقل ما يقتضيه التضمن التساوي فيتضمن كل فعل مما على الإمام مثله وغايته أن يفضل كالمتنفل خلف المفترض وإذا كان كذلك فبطلان صلاة الإمام يقتضي بطلان صلاة المقتدي إذ لا يتضمن المعدوم الموجود وهذا معنى قوله وذلك في الجواز والفساد وما أسند أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال إنما أنا بشر وإني كنت جنبا وسنده صحيح لا يقتضي أن ذلك كان بعد شروعهم لجواز كون التذكر كان عقيب تكبيره بلا مهلة قبل تكبيرهم على أن الذي في مسلم قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف فإن كان هذا المراد بقوله في حديث أبي داود دخل في صلاة الفجر على إرادة دخل في مكانها فلا إشكال
وإن كانا قضيتين فالجواب ما علمت وأخرج عبدالرزاق عن حسين بن مهران عن مطيع عن أبي المهلب عن عبيدالله بن زجر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة قال صلى عمر رضي الله عنه بالناس جنبا فأعاد ولم يعد الناس فقال له علي رضي الله عنه قد كان ينبغي لمن صلى معك أن يعيد قال فرجعوا إلى قول علي قال القاسم وقال ابن مسعود مثل قول علي
وما أخرجه الدارقطني عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء بن عازب عنه صلى الله عليه وسلم أيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم وليغتسل هو ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك ضعيف جويبر متروك والضحاك
____________________
(1/374)
لم يلق البراء ويثبت المطلوب أيضا بالقياس على ما لو بان أنه صلى بغير إحرام لا تجوز صلاتهم إجماعا والمصلي بلا طهارة لا إحرام له
والفرق بين ترك الركن والشرط لا أثر له إذ لازمهما متحد وهو ظهور عدم صحة الشروع إذا ذكر
فرع أمهم زمانا ثم قال إنه كان كافرا أو صليت مع العلم بالنجاسة المانعة أو بلا طهارة ليس عليهم إعادة لأن خبره غير مقبول في الديانات لفسقه باعترافه قوله فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة الخ وعلى هذا الخلاف إذا أم الأخرس قارئين وخرسا والأمي نسبة إلى أمة العرب وهي الأمة الخالية من العلم والكتابة فاستعير لمن لا يعرف الكتابة والقراءة قوله وأمثالها مما إذا أم المعذور والمومىء مثلهما وأعلى منهما حيث تصح صلاة الإمام ومن بحاله اتفاقا لأنه لم يترك مع القدرة إذ بالإئتمام بالصحيح والراكع الساجد لم يصر محصلا للطهارة والأركان ومقتضى هذا صحة افتتاح الكل لأن الأمي قادر على التكبير ثم تفسد أوان القراءة لتركها مع القدرة وصلاتهم
____________________
(1/375)
لعدمها في حقهم حقيقة وحكما لعجزه يروي هذا عن الكرخي وإنما لا يلزم المقتدي به متنفلا القضاء مع أنه فساد بعد الشروع لأنه إنما صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها والشروع كالنذر ولو نذر صلاة بلا قراءة لا يلزمه شيء إلا في رواية عن أبي يوسف كذلك هذا وصحح في الذخيرة عدم صحة الشروع وجهه أنه لا فائدة في الحكم بصحته لأن الفائدة إما في لزوم الإتمام أو وجوب القضاء وكلاهما منتف ثم عن القاضي أبي حازم إنما تفسد صلاة الأمي والأخرس إذا علم أن خلفهما قارىء وفي ظاهر الرواية لا فرق لأن الفرائض لا يختلف الحال فيها بين الجهل والعلم وشرط الكرخي للفساد في إمامة القارىء نية الإمامة لأنه يأتيه الفساد من قبله فيتوقف على التزامه وقيل لا يشترط وهو الأولى لأن الوجه المذكور وهو ترك الفرض مع القدرة عليه بعد ظهور الرغبة في صلاة الجماعة يوجب الفساد وإن لم ينو قوله هو الصحيح في شرح الطحاوي لا رواية عن أبي حنيفة فيه واختلف فيه فقيل تفسد في قياس قوله لأن الوجه السابق يقتضيه ونقل عن أبي حازم وصحح الشيخ عدمه وفي النهاية لو افتتح الأمي ثم حضر القارىء قيل تفسد وقال الكرخي لا لأنه إنما يقدر على جعلها بقراءة قبل الإفتتاح ولو حضر الأمي بعد افتتاح القارىء فلم يقتد به وصلى منفردا الأصح أن صلاته فاسدة ونقل في المحيط رأيت في بعض النسخ لو كان القارىء على باب المسجد أو بجواره والأمي يصلي فيه وحده فهي جائزة بلا خلاف وكذا إذا كان القارىء في صلاة غير صلاة الأمي جاز للأمي الصلاة دون انتظار له بالإتفاق انتهى
وفي الكافي إذا كان بجواره من يقرأ ليس عليه طلبه وانتظاره لأنه لا ولاية عليه ليلزمه وإنما ثبتت القدرة إذا صادفه حاضرا مطاوعا انتهى وأصحية الفساد في الثانية لا شك أنه مع ظهور عدم الرغبة في الجماعة وعلى هذا فالخلافية التي يحمل تصحيح المصنف فيها عدم الفساد إما أن تكون إذا شرعا معا منفردين والأمي يعلم أن القارىء يريد الشروع في المكتوبة وهو محمل ما في الكافي من ثبوت القدرة إذا كان حاضرا مطاوعا مع نفيه وجوب الطلب منه وإلا فالمطاوعة وعدمها إنما تعرف بعد الطلب وإما أن تكون صورة خلافية الكرخي ولا يخفى أن الاوجه فيها تعليل الكرخي لا المصنف فإن قيل القدرة بقدرة الغير لا تعتبر عند أبي حنيفة ولهذا لم تجب الجمعة والحج على الأعمى وإن وجد قائدا قلنا إنما لا تعتبر قدرة الغير إذا تعلق باختيار ذلك الغير وهنا الأمي قادر على الإقتداء بالقارىء بلا اختياره فينزل قادرا على القراءة ومن الفروع المنقولة لو تحرم ناويا أن لا يؤم أحدا فائتم به رجل صح اقتداؤه قوله وقال زفر لا تفسد وهو رواية عن أبي يوسف
____________________
(1/376)
قوله وكذا على هذا أي على هذا الخلاف لو قدمه في التشهد أي قبل أن يقعد قدره بناء على عدم صلاحية الأمي لإمامة القارىء فصار كاستخلاف صبي وامرأة أما لو قدمه بعد قدره صح عندهما خلافا لأبي حنيفة وهي إحدى المسائل الإثنى عشرة وقيل لا تفسد عند الكل وجعله التمرتاشي أولى أما عندهما فظاهر وأما عنده فلوجود الصنع منه هذا والأمي يجب عليه كل الإجتهاد في تعلم ما تصح به الصلاة ثم في القدر الواجب وإلا فهو آثم وقدمنا نحوه في إخراج الحرف الذي لا يقدر على إخراجه
وسئل ظهير الدين عن القيام هل يتقدر بالقراءة فقال لا وكذلك ذكر في اللاحق في الشافي & باب الحدث في الصلاة
سبق الحدث ووجود ما يفسد الصلاة وما يكره فيها من العوارض وهي تتلو الأصل فأخرها وقدم هذا لثبوت الوجود معه دون كراهة بخلاف ما يفسد ويكره قوله انصرف أي من غير توقف يفيده إيقاعه جزاء الشرط خبرا فيلزم عنده وإلا لزم الكذب فإن مكث مكانه قدر ركن فسدت إلا إذا أحدث بالنوم فمكث ساعة ثم انتبه فإنه يبنى وفي المنتقى إن لم ينو بمقامه الصلاة لا تفسد لأنه لم يوجد جزء من الصلاة مع الحدث قلنا هو في حرمة الصلاة فما وجد منه صالحا لكونه جزءا منها انصرف إلى ذلك غير مقيد بالقصد إذا كان غير محتاج إليه فلذا كان الصحيح أنه لو قرأ ذاهبا أو آيبا تفسد لأدائه ركنا مع الحدث أو المشي وإن قيل تفسد في الذهاب لا الإياب وقيل بل في عكسه بخلاف الذكر لا يمنع البناء في الأصح لأنه ليس من الأجزاء ولو أحدث راكعا فرفع مسمعا لا يبنى لأن الرفع محتاج إليه للإنصراف فمجرده لا يمنع فلما اقترن به التسميع ظهر قصد الأداء وعن
____________________
(1/377)
أبي يوسف لو أحدث في سجوده فرفع مكبرا ناويا إتمامه أو لم ينو شيئا فسدت لا إن أراد الإنصراف وشرط البناء كونه حدثا سماويا من البدن غير موجب للغسل لا اختيار له فيه ولا في سببه ولم يوجد بعده مناف له منه بد فلا يبنى بشجة وعضة ولو منه لنفسه ولا لإصابة نجاسة مانعة من غير سبق حدثه خلافا لأبي يوسف فإن كانت منه بنى اتفاقا والفرق لهما أن ذاك غسل ثوبه وبدنه ابتداء وهذا تبعا للوضوء ولو أصابته من حدثه وغيره لا يبنى ولو اتحد محلهما ولا لقهقهة وكلام واحتلام ولا لسيلان دمل غمزها فإن زال الساقط من غير مسقط فقيل يبن لعدم صنع العباد وقيل على الخلاف واختلف فيما لو سبقه لعطاسه أو تنحنحه ولو سقط الكرسف منها بغير صنعها مبلولا بنت بالإتفاق وبتحركها على الخلاف وهذا بناء على تصور بنائها كالرجل خلافا لابن رستم وهو قول المشايخ إذا أمكنها الوضوء من غير كشف كأن تمسح على رأسها بلا كشف وكذا غسل ذراعيها في الصحيح وإن روى جواز كشفهما وأما الإستنجاء ففي الخلاصة إذا استنجى الرجل والمرأة فسدت ثم نقل من التجريد يستنجى من تحت ثيابه إن أمكن وإلا استقبل وفي النهاية عن القاضي أبي علي النسفي إن لم يجد منه بدا لم تفسد وإن وجد بأن تمكن من الإستنجاء وغسل النجاسة تحت القميص وأبدى عورته فسدت وجعل الفساد مطلقا ظاهر المذهب في شرح الكنز ويتوضأ ثلاثا ثلاثا في الأصح ويأتي بسائر سنن الوضوء ولو جاوز ماء يقدر على الوضوء منه إلى أبعد منه لضيق المكان أو لعدم الوصول إلى الماء أو كان بئرا يحتاج إلى الإستقاء منه وذلك مفسد أو كان في بيته فجاوزه ناسيا لاعتياده الوضوء من الحوض لا تفسد وأما بلا عذر فتفسد هذا كله إذا سبقه في الصلاة فلو خافه فانصرف ثم سبقه الحدث لا يبنى في ظاهر الرواية هل يستخلف للإنصراف خوفا عنده يجوز كما في مسئلة الحصر وفي قول أبي يوسف لا يجوز ولا قول لمحمد قوله استخلف بأن يأخذ بثوب رجل إلى المحراب أو يشير إليه والسنة فيه أن يفعله محدودب الظهر آخذا بأنفه يوهم أنه رعف وله أن يستخلف ما لم يخرج من المسجد أو يجاوز الصفوف في الصحراء فإن لم يستخلف حتى جاوز وخرج بطلت صلاة القوم وفي بطلان صلاته روايتان ولا فرق بين كون الصفوف متصلة خارج المسجد ولم يجاوزها أو منفصلة خلافا لمحمد في المتصلة لأن لمواضع الصفوف حكم المسجد كما في الصحراء
ولهما أن القياس بطلانها بمجرد الإنحراف لكن ورد الشرع به على خلافه فيقتصر الجواز على محل الضرورة ويشترط كون الخليفة صالحا للإمامة فإن لم يصلح كمحدث أو صبي أو امرأة فسدت صلاته وصلاة القوم إن استخلفه قصدا فإن لم يكن قصدا بأن لم يكن خلفه غير صبي أو امرأة فخرج وتركه فستأتي آخر الباب ولو استخلف رجلا والقوم
____________________
(1/378)
رجلا ونوى وكل الإمامة فالإمام خليفة الإمام لأنه ما دام في المسجد فحق الإستخلاف له وفي الفتاوى إن نويا معا الإمامة جازت صلاة المقتدى بخليفة الإمام وفسدت على المقتدين بخليفة القوم ولا اختلاف لأن حقيقة المعية غير مرادة وإن تقدم أحدهما إن كان خليفة الإمام فكذلك وإن كان خليفة القوم اقتدوا به ثم نوى الآخر فاقتدى به البعض جاز صلاة الأولين دون الآخرين ولو استخلف من آخر الصفوف ثم خرج من المسجد إن نوى الخليفة الإمامة من ساعته صار إماما فتفسد صلاة من كان متقدمه دون صلاته وصلاة الإمام الأول ومن عن يمينه وشماله في صفه ومن خلفه وإن نوى أن يكون إماما إذا قام مقام الأول وخرج الأول قبل أن يصل الخليفة إلى مكانه وقبل أن ينوي الإمامة فسدت صلاتهم وشرط جواز صلاة الخليفة والقوم أن يصل الخليفة إلى المحراب قبل أن يخرج الإمام عن المسجد والذي في النهاية لو استخلف الإمام رجلين أو هو رجلا والقوم رجلا أو القوم رجلين أو بعضهم رجلا وبعضهم رجلا فسدت صلاة الكل انتهى من غير تفصيل وفيها لو تأخر ليستخلف فلبث ينظر من يصلح فقبل أن يستخلف كبر رجل من وسط الصف للخلافة وتقدم فصلاة من كان أمامه فاسدة ومن خلفه جائزة وكذا لو استخلف الإمام رجلا من وسط الصف فخرج الإمام قبل أن يقوم الخليفة مكانه تفسد صلاة من قدامه
والذي في فتاوى قاضيخان إن تقدم رجل من غير تقديم أحد وقام مقام الأول قبل أن يخرج الإمام عن المسجد جاز ولو خرج الإمام قبل أن يصل هذا الرجل إلى المحراب ويقوم مقامه فسدت صلاة الرجل والقوم ولا تفسد صلاة الإمام الأول انتهى ولا غبار عليه ولو استخلف فاستخلف الخليفة غيره قال الفضلي إن لم يخرج الأول ولم يأخذ الخليفة مكانه حتى استخلف جاز ويصير كأن الثاني تقدم بنفسه أو قدمه الأول وإلا لم يجز ولو استخلف ثم أفسد قبل أن يخرج من المسجد يضره لا غيره ولو جاء رجل في هذه الحالة فإنه يقتدي بالخليفة وكذا لو قعد الأول فلم يخرج من المسجد ولو توضأ في المسجد وخليفته قائم لم يؤد ركنا يتأخر ويتقدم الأول ولو خرج فتوضأ ثم رجع والخليفة لم يؤد ركنا فالإمام هو الثاني هذا ويصح الإقتداء بالأول ما لم يخرج قالوا لو أحدث وليس معه أحد فلم يخرج حتى جاء من ائتم به ثم خرج كان الثاني خليفة الأول حتى يقتدي به وكذا لوتوضأ في ناحية المسجد ورجع ينبغي له أن يقتدي بالثاني ولو استخلف ثم خرج فأحدث الثاني فجاء الأول بعدما توضأ قبل أن يقوم مقام الأول لا يجوز للثاني تقديمه ولو جاء بعدما قام مقام الأول جاز له تقديمه قوله ولنا قوله صلى الله عليه وسلم من قاء الحديث تقدم في فصل النواقض وأخرج ابن أبي شيبة نحوه موقوفا على عمر وعلي وأبي بكر الصديق وابن عمر وابن مسعود وسلمان الفارسي ومن التابعين عن علقمة وطاوس وسالم بن عبدالله وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء ومكحول وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم وكفى بهم قدوة على أن صحة رفع الحديث مرسلا لا نزاع فيها وذلك حجة عندنا وعند الجمهور قوله وقال صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم الخ غريب وإنما أخرج
____________________
(1/379)
أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة قال صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فأحدث فليأخذ بأنفه ثم لينصرف ولو صح ما رواه لم يجز استخلاف المسبوق إذ لا صارف له عن الوجوب فإن قلت فما الدليل على ثبوت الإستخلاف شرعا في الصلاة قيل فيه إجماع الصحابة وحكاه أحمد وابن المنذر عن عمرو وعلي وروى الأثرم بسنده عن ابن عباس قال خرج علينا عمر لصلاة الظهر فلما دخل في الصلاة أخذ بيد رجل كان عن يمينه ثم رجع يخرق الصفوف فلما صلينا إذا نحن بعمر يصلي خلف سارية فلما قضى الصلاة قال لما دخلت في الصلاة وكبرت رابني شيء فلمست يدي فوجدت بلة وللبخاري في صحيحه عن عمر بن ميمون قال إني لقائم ما بيني وبين عمر رضي الله عنه غداة أصيب إلا ابن عباس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه وتناول عمر عبدالرحمن بن عوف فصلى بهم
وروى سعيد بإسناده قال صلى بنا علي ذات يوم فرعف فأخذ بيد رجل فقدمه وانصرف قوله والبلوي جواب عن إلحاقه بالحدث العمد يعني أن المعقول أن تجويز البناء له تخفيفا عليه لعدم الجناية وذلك فيما فيه بلوى وهو ما يسبق أما العمد فيستحق به العقاب فضلا عن التخفيف قوله تحرزا عن شبهة الخلاف بناء على صرف قوله في الحديث وليبن عن الوجوب إلى
____________________
(1/380)
الإباحة للعلم بأن شرعيته للرفق لا أن شرعيته عليه قوله والمقتدى يبنى صيانة لفضلية الجماعة علله بصيانة الفضيلة فأفاد أنه أولى وذكر مقابله في مقابله أعني الإستقبال في المنفرد فيظهر أنه أولى وإن كان اللفظ خبرا إذ لو كان واجبا لم يجز تركه لفضيلة الجماعة قوله وإن شاء عاد إلى مكانه وقيل إن عاد تفسد لزيادة مشى غير ضروري والصحيح عدمه ليكون مؤديا الصلاة في مكان واحد قوله والمقتدى يعود أي حتما إلا أن يكون إمامه قد فرغ أو لا يكون بينهما حائل أي مانع من صحة الإقتداء ولا بأس بإيراده ومرجعه إلى ثلاثة أشياء البناء والطريق والنهر فالأول منه حائط قدر قامة الرجل ليس فيه نقب فإن كان فيه ولا يمكن الوصول منه لكن لا يشتبه عليه حال الإمام اختلفوا فيه واختيار الحلواني الصحة وعلى هذا الإقتداء من سطح المسجد أو المئذنة ولهما باب في المسجد ولا يشتبه يجوز في قولهم وإن كان من خارج المسجد ولا يشتبه فعلى الخلاف وفي الخلاصة اختار الصحة وقال لو قام على سطح داره وداره متصلة بالمسجد لا يصح وإن لم يشتبه أو على جدار بين داره وبين المسجد ولا يشتبه صح وعلى دكان متصل بالمسجد يصح بشرط اتصال الصفوف والثاني الطريق الذي تمر فيه العجلة لم يصح وهذا إذا لم تكن الصفوف متصلة عليه فإن اتصلت أو كان أضيق من قدر العجلة صح ولو كان خلفه واحد على الطريق لا يجوز القيام خلف هذا الواحد وكذا الاثنان عند محمد خلافا لأبي يوسف
____________________
(1/381)
والثلاثة يجوز خلفهم اتفاقا وإذا قاموا مع الإمام على الطريق صفوفا وصف بينه وبين الذي قدامه قدر العجلة فسدت عليه وعلى جميع من خلفه وكذا لو فسدت صلاة صف لقيامهم على نجاسة تفسد على من خلفهم أجمع ولو كان بين الإمام ومن خلفه ذلك فسدت على الكل أيضا والمانع من الإقتداء في الفلاة خلاء يسع صفين ولا يمنع في مصلى العيد وإن وسع أكثر واختلف في مصلى الجنازة وجعله في النوازل كالمسجد ولو كانت فرجة وسط الصفوف في الصحراء قدر حوض كبير وهو ما لا ينجس إلا بالتغير وهي متصلة حولها جاز وإلا فلا فإن كان صغيرا جاز مطلقا والثالث نهر يجري فيه زورق فإن كان عليه جسر عليه ثلاثة جاز الإقتداء من ورائه أو واحد فلا أو اثنان فعلى الخلاف في الطريق ولو كان أصغر من ذلك لم يمنع في المختار قوله وهو رواية عن محمد في النهاية هي فيما إذا كان باب المسجد على غير حائط القبلة فإن كان عليها وهو يمشي متوجها لا تفسد بالإتفاق قوله من غير عذر ثابت في نفس الأمر فصار كما لو ظن ماسح انقضاء المدة في الصلاة أو متيمم سرابا ماء أو ظن حمرة دما أو أن عليه فائتة ولم تكن والله أعلم قوله فالحق قصد الإصلاح بحقيقته ما لم يختلف المكان وجه صحة هذا الإعتبار جواز الرمي على الكفار المتترسين بأسارى المسلمين بشرط قصد الكفار وإن غلب ظن إصابة المسلمين علم أن قصد رميهم ألحق بحقيقته وإلا لم يجز لكن أظهر التفاوت بتقييده بعدم الإستخلاف واتحاد المكان كالمسجد إذ له حكم البقعة الواحدة ولذا لو كرر سجدة في زواياه لزمه سجدة واحدة والدار والجبانة ومصلى الجنازة كالمسجد عن أبي يوسف إلا في المرأة فلو خرجت عن مصلاها تفسد لأنه كالمسجد في حق الرجال ولذا تعتكف فيه ولو كان في الصحراء فقد ذكر المصنف أن مقدار الصفوف خلفه له حكم المسجد ولو تقدم قدامه فالحد السترة فإن لم تكن فمقدار الصفوف خلفه اه والأوجه إذا لم تكن سترة أن
____________________
(1/382)
يعتبر موضع سجوده لأن الإمام منفرد في حق نفسه وحكم المنفرد ذلك قوله وإن كان استخلف فسدت وإن لم يجاوز الحد المذكور وقيل الفساد بالإستخلاف قولهما لا قوله وفي متفرقات أبي جعفر إذا أتى الخليفة بالركوع فسدت وقبله لا وعن محمد إن قام مقام الأول فسدت وإن لم يأت بركن وإلا لا ولو استخلف القوم فسدت صلاتهم لا صلاة الإمام قوله بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح على غير وضوء وما قدمناه أيضا لأن الإنصراف على سبيل الرفض ألا ترى أنه لو تحقق ما تخايله لا يبنى فلا يبنى وفي النهاية وما يجانس هذه المسئلة ما ذكر في العيون صلى العشاء فسلم على ركعتين يظنها ترويحة أو في الظهر يظنها جمعة وأنه مسافر يستقبل فإن سلم على ظن الفراغ يبنى ويسجد للسهو لأنه في الأول عامد في السلام على ركعتين وسلام العمد قاطع وفي الأخيرة ظن الفراغ فلم يتعمد السلام على ركعتين ولا يخفى أنه ليس هنا قصد رفض أو إصلاح أصلا بل ظن تمام ما توهمه وليس الظن قصدا لأنه من الكيف والقصد من الفعل قوله فهذا هو الحرف أي الأصل لأنه إذا انصرف بظن فإن كان متعلقه لو كان ثابتا جاز البناء فظهر خلافه جاز البناء وإن كان لو كان لم يجز فظهر خلافه لم يجز قوله استقبل أي إن وجدت قبل أن يقعد قدر التشهد أما بعده فلا لأنه إما أن يمكث بعد صيرورته محدثا بهذه العوارض في مكانه فيصير مؤديا جزءا من الصلاة مع الحدث أو يضطرب عندها وذلك فعل منه وبه
____________________
(1/383)
تتم الصلاة عند أبي حنيفة وإن لم يكن يقصد لأن الفعل المفسد لا يختلف بين كونه مقصودا أولا وكذا في القهقهة لأنها أفحش من الكلام والله الموفق قوله وإن حصر بوزن تعب فعلا ومصدرا العي وضيق الصدر قوله وقالا لا يجزئه بل يتمها بلا قراءة كالأمي لأن جواز الإستخلاف في الحدث بالنص بخلاف القياس وليس الحصر في معناه بل دونه لندرة نسيان جميع ما يحفظ بخلاف الحدث ولتوقف كل الصلاة على الطهارة وعدم جريان النيابة فيها بخلاف القراءة فيهما قوله وله أن الإستخلاف بعلة العجز وهو هنا ألزم لأن المحدث لو وجد ماء في المسجد يتوضأ به ويبنى ولا يحتاج إلى الإستخلاف بعلة العجز وهذا لو تعلم من مصحف أو علمه إنسان فسدت صلاته لا يقال هذا قياس حيث عين العلة وألحق لأنا نقول تعيين المناط لا بد منه في الإلحاق بطريق الدلالة أيضا على ما قرر غير أنه يشترط كونه بحيث لا يتوقف الوقوف عليه على أهلية الإجتهاد بل على مجرد فهم اللغة ألا ترى إلى تسمية الشافعية له قياسا جليا وكل من علم من الشرع تجويزا استخلاف الإمام لسبق حدثه بعد علمه شروط الصلاة بادر إليه أن ذلك لصون صلاة القوم عن الفساد عند عجزه عن الإتمام بهم عجزا لا تسبب
____________________
(1/384)
له فيه هو في المتنازع فيه فيلحق به دلالة قوله لا يجوز بالإجماع أي الإستخلاف ولو فعل مع إمكان آية فسدت وفي النهاية إنما يجوز الإستخلاف إذا لحقه خجل أو خوف فامتنعت عليه القراءة أما إذا نسي فصار أميا لم يجز وتقدم في دليلهما ما يقتضي أن عنده يجوز في النسيان وهو في النهاية أيضا فلا يخلو من شيء إلا أن يؤول النسيان هنا بما يشبهه من امتناع القراءة قوله فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت للقدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالخلف بخلاف ما إذا أحدث المتيمم في الصلاة فانصرف فوجد ماء فإنه يتوضأ ويبنى دون فاسد لأن انتقاض التيمم برؤية الماء باعتبار ظهور الحدث السابق ورؤية الماء هنا بعد انتقاضه بالحدث فلم توجد القدرة حال قيامه فلا يتحقق انتقاضه مستندا كذا في النهاية وفي شرح الكنز لو قال فإن رأى المتيمم أو المقتدى به الخ لكان أشمل فإن المتوضىء المقتدى به تبطل صلاته برؤية الماء لاعتقاده قدرة إمامه بإخباره وصلاة الإمام تامة ما لم يعلم
وفيه في شرح قوله أو تمت مدة مسحه هذا إذا كان واجدا للماء فإن لم يجده لا تبطل وقيل تبطل وهي الخلافية التي قدمناها في باب المسح على الخفين قال ولو أحدث فذهب ليتوضأ فتمت المدة لا تبطل بل يتوضأ ويغسل رجليه ويبنى لأنه إنما لزمه غسل رجليه لحدث حل بهما للحال فصار كحدث سبقه للحال والصحيح أنه يستقبل لأن انقضاء المدة ليس بحدث بل يظهر عنده السابق على الشروع فكأنه شرع بلا طهارة فصار كالمتيمم إذا أحدث فذهب للوضوء فوجده فإنه لا يبنى لما ذكرنا وكذا المستحاضة إذا أحدثت في الصلاة ثم ذهب الوقت قبل أن تتوضأ انتهى وهذا الصريح في ثبوت الخلاف في مسئلة التيمم والذي يظهر أن الأسباب المتعاقبة كالبول ثم الرعاف ثم القيء إن أوجبت أحداثا متعددة يجزئه عنها وضوء واحد فالأوجه ما في شرح الكنز وهو الموافق لما قدمناه من قول محمد فيمن حلف لا يتوضأ من الرعاف فبال ثم رعف ثم توضأ أنه يحنث وإن قلنا لا توجب كما قدمنا النظر فيه في باب الغسل فالأوجه ما في النهاية وهو الحق في اعتقادي لكن كلام النهاية ليس عليه بل على ما نقل عن محمد في باب الغسل فلا تتفرع مسئلة التيمم على الوجه الذي ذكره على ما هو ظاهر اختياره قوله بعمل يسير بأن كان واسعا فلو كان ضيقا يحتاج إلى علاج تمت للمنافى
____________________
(1/385)
قوله أو تذكر فائتة أي عليه أو على إمامه وفي الوقت سعة قوله أو طلعت الشمس في الفجر يعني طلوعها مفسد فإذا طلعت بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم فسدت عند أبي حنيفة خلافا لهما ولنستطرد ذكر الخلاف حيث لم يذكر في الكتاب فمذهب الشافعي وغيره عدم فساد الصلاة بطلوع الشمس فيها تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها وتقدم تخريجه ولنا حديث عقبة بن عامر المتقدم فإنه يفيد بطريق الإستدلال المتقدم الفساد بطلوع الشمس وإذا تعارضا قدم النهي فيجب حمل ما رووا على ما قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة دفعا لإهمال أحد الدليلين
وعلى هذا فيتعذر ما روى عن أبي يوسف أنه يمسك عن الأفعال في أي ركن وقع الطلوع إلى أن ترتفع لأنه إذا كان طلوعها يوجب الفساد لا يفيد الإمساك منعه وهذه المسائل تعرف بالإثنى عشرة وزيد عليها ما إذا وجد ماء يغسل به النجاسة في هذه الحالة أعني بعد قدر التشهد وما إذا دخل وقت مكروه في قضاء فائتة في هذه الحالة وما إذا أعتقت وهي تصلي بغير قناع فلم تستتر من وقتها وكون الإنقطاع المفسد إنما يتحقق إذا دام وقتا كاملا بعد الوقت الذي صلى فيه ووقع الانقطاع فيه فحينئذ يظهر أنه انقطاع مؤثر فيظهر الفساد عند أبي حنيفة فيقضيها وإلا فبمجرد الإنقطاع لا يدل عليه قوله وقيل الأصل فيه
____________________
(1/386)
أي في ثبوت الخلاف في هذه المسائل قيل قائله أبو سعيد البردعي قوله من حديث ابن مسعود أي إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك قوله وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا ومعلوم أن الطلب إنما يتعلق بفعل المكلف بناء على اختياره لا بلا اختيار وقد يقال اقتضاء الحكم بناء على الإختيار لينتفي الجبر إنما هو في المقاصد لا الوسائل وإذا لو حمل مغمى عليه إلى المسجد فأفاق فتوضأ فيه أجزأه عن السعي ولو لم يحمل وجب عليه السعي ليتوصل فكذا إذا تحقق القاطع في هذه الحالة بلا اختيار حصل المقصود من القدرة على صلاة أخرى ولو لم يتحقق وجب عليه فعل هو قربة قاطع فلو فعل مختارا محرما أثم لمخالفة الواحب والجواب بأن الفساد عنده ليس لعدم الفعل بل للأداء مع الحدث إذ بالرؤية وانقضاء المدة وانقطاع العذر يظهر السابق فيستند النقض فيظهر في هذه لقيام حرمتها حالة الظهور بخلاف المنقضية ليس بمطرد ولو سلم أيضا وقال الكرخي لا خلاف بينهم في أن الخروج بفعله ليس بفرض ولم يرو عن أبي حنيفة بل هو حمل من أبي سعيد لما رأى خلافه في المسائل المذكورة وهو غلط لأنه لو كان فرضا لاختص بفعل هو قربة وإنما تبطل عنده فيها لأنه في أثنائها
____________________
(1/387)
كيف وقد بقي عليه واجب وهو اسلام وهو آخرها داخلا فيها واعتراض المغير في ذلك كهو قبله ولذا يتغير الفرض بنية الإقامة فيه واقتداء المسافر بالمقيم فيه قوله والإستخلاف ليس بمفسد أي في حالة الحدث وإلا فهو في نفسه عمل كثير مفسد فلذا أفسد في مسئلة توهم الحدث دون الإنصراف وإذا كان كذلك فقد فعل المفسد لغير حاجة إذ لا حاجة له إلى استخلاف إمام لا تصح صلاته فتتم صلاته وهو المختار قوله لأنه أقدر على إتمام صلاته أفاد التعليل أن الأولى أن لا يقدم مقيما إذا كان مسافرا ولا لاحقا لأنهما لا يقدران على الإتمام وحينئذ فكما لا ينبغي للمسبوق أن يتقدم كذا هذان وكما يقدم مدركا للسلام لو تقدم كذا الآخران أما المقيم فلأن المسافرين خلفه لا يلزمهم الإتمام بالإقتداء به كما لا يلزمهم بنية الأول بعد الإستخلاف أو بنية الخليفة لو كان مسافرا في الأصل وعند زفر ينقلب فرضهم أربعا للإقتداء بالمقيم قلنا ليس هو إماما إلا ضرورة عجز الأول عن الإتمام لما شرع فيه فيصير قائما مقامه فيما هو قدر صلاته إذ الخلف يعمل عمل الأصل كأنه هو فكانوا مقتدين
____________________
(1/388)
بالمسافر معنى وصارت القعدة الأولى فرضا على الخليفة لقيامه مقامه أما لو نوى الإمام الأول الإقامة قبل الإستخلاف ثم استخلف فإنه يتم الخليفة صلاة المقيمين وهذا إذا علم نية الإمام بأن أشار الإمام إليه عند الإستخلاف فأفهمه قصد الإقامة ويقدم بعد الركعتين مسافرا يسلم بهم ثم يقضي المقيمون ركعتين منفردين ولو اقتدوا به بعد قيامه بطلت صلاتهم دون المسافرين لأن اقتداءهم إنما توجب المتابعة إلى هنا وأما اللاحق فإنما يتحقق في حقه تقديم غيره إذا خالف الواجب بأن بدأ بإتمام صلاة الإمام فإنه حينئذ يقدم غيره للسلام ثم يشتغل بما فاته معه أما إذا فعل الواجب بأن قدم ما فاته مع الإمام ليقع الأداء مرتبا فيشير إليهم إذا تقدم أن لا يتابعوه فينتظرونه حتى يفرغ مما فاته مع الإمام ثم يتابعونه ويسلم بهم قوله يبتدىء من حيث انتهى إليه الإمام بانيا على ذلك فلذا قالوا لو استخلف في الرباعية مسبوقا بركعتين فصلى الخليفة ركعتين ولم يقعد فسدت صلاته كما لو استخلف مسافر مقيما وصلى ركعتين ولم يقعد فسدت صلاته وصلاة القوم كذا هذا ثم هذا فرع علم المسبوق بكمية صلاة الأول فلو لم يعلم يتم ركعة ويقعد قدر التشهد ثم يقوم ويتم صلاة نفسه ولا يتابعه القوم بل يصيرون إلى أن يفرغ فيصلون ما عليهم وحدانا ويقعد هذا الخليفة على كل ركعة احتياطا قوله وهو الأصح احتراز من رواية أبي حفص أنها تامة قالوا وكأنها غلط لأنه اشتغل بتقسيم يستدعى المخالفة في الجواب ثم أجاب في الفصلين بأن صلاته تامة وإلا فهو محتاج إلى البناء وضحكة في هذه الحالة يفسد وكذا ضحك الخليفة وهذا لأنه صار مأموما به بعد الخروج من المسجد ولذا قالوا لو تذكر الخليفة فائتة فسدت صلاة الإمام الأول والثاني والقوم ولو تذكرها الأول بعد ما خرج من المسجد فسدت صلاته خاصة أو قبل خروجه فسدت صلاته وصلاة الخليفة والقوم قوله فإن لم يحدث الإمام الأول الخ لفظ الأول هنا تساهل إذ ليس في صورة هذه المسئلة إمام ثان إذ ليس فيها استخلاف بل حاصلها رجل أم قوما مسبوقين ومدركين فلما انتهى إلى محل السلام قهقهة أو أحدث متعمد فسدت صلاة المسبوقين عند الكل ثم فساد صلاة المسبوقين عنده مقيد بما
____________________
(1/389)
إذا لم يكونوا قضوا ركعة بسجدتيها قبل أن يحدث الإمام بأن قام المسبوق للقضاء قبل سلام الإمام تاركا للواجب وهو أن لا يقوم إلا بعد سلامه أما لو قام فقضى ركعة فسجد لها ثم فعل الإمام ذلك لا تفسد صلاته لأنه استحكم انفراده حتى لا يسجد لو سجد الإمام لسهو عليه ولا تفسد صلاته لو فسدت صلاة الإمام بعد سجوده وكذا لو كان في القوم لاحق إن فعل الإمام ذلك بعد أن قام يقضي ما فاته مع الإمام لا تفسد وإلا تفسد عنده قوله لأنه منه أي متمم للصلاة والكلام في معناه لأن السلام كلام يشتمل على كاف الخطاب فهو من الكلام في ذاته وفي حكمه الذي هو الإفساد إذ لم يفوت شرط الصلاة وهي الطهارة بل هو قاطع فكأنه قطع الصلاة به فلم يفسد شيء من صلاة المسبوق بخلاف القهقهة لتفويتها الطهارة فتفسد جزءا تلاقيه فيفسد مثله من صلاة المسبوق ولهذا لو تكلم الإمام بعد قدر التشهد فعلى القوم أن يسلموا ولو تعمد الحدث أو قهقه ذهبوا ولم يسلموا
وهذا فصل في المسبوق كنا وعدناه وهو من لم يدرك أول صلاة الإمام هو كالمنفرد إلا في أربع مسائل إحداها لا يجوز اقتداؤه ولا الإقتداء به لأنه بان تحريمه أما لو نسي أحد المسبوقين المتساويين كمية ما عليه فقضى ملاحظا للآخر بلا اقتداء به صح ثانيها لو كبرنا وبالإستئناف يصير مستأنفا قاطعا للأولى بخلاف المنفرد على ما يأتي ثالثها لو قام إلى قضاء ما سبق به وعلى الإمام سجدتا سهو قبل أن يدخل معه كان عليه أن يعود فيسجد معه ما لم يقيد الركعة بسجدة فإن لم يعد حتى سجد يمضي وعليه أن يسجد في آخر صلاته بخلاف المنفرد لا يلزمه السجود لسهو غيره رابعها يأتي بتكبير التشريق اتفاقا بخلاف المنفرد ولا يجب عليه عند أبي حنيفة وفيما سوى ذلك هو منفرد لعدم المشاركة فيما يقضيه حقيقة وحكما ولا يقوم إلى القضاء بعد التسليمتين بل ينتظر فراغ الإمام بعدهما لاحتمال سهو على الإمام فيصير حتى يفهم أن لا سهو عليه إذ لو كان لسجد قلت هذا إذا اقتدى بمن يرى سجود السهو بعد السلام أما إذا اقتدى بمن يراه قبله فلا ولا يقوم المسبوق قبل السلام بعد قدر التشهد إلا في مواضع إذا خاف وهو ماسح تمام المدة لو انتظر سلام الإمام أو خاف المسبوق في الجمعة والعيدين والفجر أو المعذور خروج الوقت أو خاف أن يبتدره الحدث أو أن تمر الناس بين يديه ولو قام في غيرها بعد قدر التشهد صح ويكره تحريما لأن المتابعة واجبة بالنص قال صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وهذه مخالفة له إلى غير ذلك من الأحاديث المفيدة للوجوب لو قام قبله قال في النوازل إن قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد ما تجوز به الصلاة جاز وإلا فلا هذا في المسبوق بركعة أو ركعتين فإن كان بثلاث فإن وجد منه قيام بعد تشهد الإمام جاز وإن لم يقرأ لأنه سيقرأ في الباقيتين والقراءة فرض في ركعتين ولو قام حيث يصح وفرغ قبل سلام الإمام وتابعه في السلام قيل تفسد والفتوى على أن لا تفسد وإن كان اقتداؤه بعد المفارقة مفسدا لأن هذا مفسد بعد الفراغ فهو كتعمد الحدث في هذه الحالة ولو سلم المسبوق مع الإمام
____________________
(1/390)
ساهيا لا سهو عليه وإن سلم بعده فعليه لتحقق سهوه بعد انفراده ولو سلم على ظن أن عليه أن يسلم معه فهو سلام عمد يمنع البناء ولو ظن الإمام أن عليه سهوا فسجد وتابعه المسبوق ثم علم أن لا سهو عليه فيه روايتان وبناء عليهما اختلف المشايخ وأشبههما فساد صلاة المسبوق وقال أبو حفص الكبير لا وبه أخذ الصدر الشهيد والأول بناء على أن زيادة سجدتين كزيادة الركعة مفسد على ما يعرف في مسائل السجدات وبناء على ذلك قالوا لو تابع المسبوق الإمام في السجدتين بعد ما قيد بالسجدة فسدت صلاته كزيادة ركعة والحق أن الفساد ليس لذاك لأن من الفقهاء من قال لا تفسد بزيادة سجدتين بل الموجب للفساد الإقتداء في موضع عليه الإنفراد فيه ألا ترى أن اللاحق إذا سجد لسهو الإمام مع الإمام تكون زيادة سجدتين فإنه لا يعتد بهما حتى يجب عليه أن يسجد في آخر صلاته مع أنه لا تفسد صلاته بذلك ولو تذكر الإمام سجدة تلاوة وعاد إلى قضائها إن لم يقيد المسبوق ركعته بسجدة فإنه يرفض ذلك ويتابع فيها ويسجد معه للسهو ثم يقوم إلى القضاء ولو لم يعد فسدت صلاته لأن عود الإمام إلى سجود التلاوة يرفض القعدة وهو بعد لم يصر منفردا لأن ما أتى به دون ركعة فيرتفض في حقه أيضا وإذا ارتفضت لا يجوز له الإنفراد لأن هذا أوان افتراض المتابعة والإنفراد في هذه الحالة مفسد للصلاة ولو تابعه بعد تقييدها بالسجدة فيها فسدت رواية واحدة وإن لم يتابعه ففي رواية كتاب الصلاة تفسد أيضا وفي رواية النوادر لا وجه رواية الأصل أن العود إلى سجدة التلاوة رفض القعدة فتبين أنه انفرد قبل أن يقعد الإمام وجه نوادر رواية أبي سليمان أن ارتفاض القعدة في حق الإمام لا يظهر في حق المسبوق لأنه بعد ما تم انفراده وخرج عن متابعته من كل وجه فلا يتعدى حكمه إليه كما لو ارتفضت كلها في حقه بعد استحكام انفراده بأن ارتد والعياذ بالله الإمام بعد إتمامها أو صلى الظهر يوم الجمعة بقوم ثم راح إلى الجمعة ارتفض ظهره في حقه لاحقهم ألا ترى أن مقيما لو اقتدى بمسافر وقام قبل سلامه للإتمام فنوى الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا فإن لم يكن سجد عاد إلى متابعة الإمام وإن لم يعد فسدت وإن سجد فإن عاد فسدت وإن لم يعد ومضى عليها وأتم لا تفسد ولو تذكر الإمام سجدة صلبية وعاد إليها يتابعه وإن لم يتابعه فسدت وإن كان قيد ركعته بالسجدة تفسد في الروايات كلها عاد أو لم يعد لأنه انفرد وعليه ركنان السجدة والقعدة وهو عاجز عن متابعته بعد إكمال الركعة ولو انفرد وعليه ركن فسدت فهنا أولى والأصل أنه إذا اقتدى في موضع الإنفراد أو انفرد في موضع الإقتداء تفسد والتخريج غير خاف فيما يرد عليك وعلى الأول ينبني فساد صلاة المسبوق واللاحق إذا اقتديا بمثلهما ثم المسبوق يقضي أول صلاته في حق القراءة وآخرها في حق التشهد حتى لو أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فإنه يقرأفي الركعتين بالفاتحة والسورة ولو ترك في إحداهما فسدت صلاته وعليه أن يقضي ركعة بتشهد لأنها ثانيته ولو ترك جازت استحسانا لا قياسا ولو أدرك ركعة من الرباعية فعليه أن يقضي ركعة ويقرأفيها الفاتحة والسورة ويتشهد لأنه يقضي الآخر في حق التشهد ويقضي ركعة يقرأفهيا كذلك ولا يتشهد وفي الثالثة يتخير والقراءة أفضل ولو أدرك ركعتين يقضي ركعتين يقرأ فيهما ويتشهد ولو ترك في إحداهما فسدت لأن ما يقضي أول صلاته ولو كان إمامه تركها من الأوليين وقضاها في الأخريين
____________________
(1/391)
وأدرك المسبوق الأخريين فالقراءة فيما يقضي فرض عليه لأن تلك القراءة تلتحق بمحلها من الشفع الأول فقد أدرك الثاني خاليا عن القراءة حكما ولو أدرك في التشهد الصحيح أنه يترسل ليفرغ من التشهد عند سلام الإمام أو في جهر القراءة لا يثني حتى يقوم إلى القضاء ولو سها في قضاء ما سبق به وقد سجد مع الإمام لسهو عليه فإنه يسجد ثانيا في آخر صلاته لسهوه وإن لم يكن سجد تجزئه سجدتان عن الكل كما لو تكرر السهو والله سبحانه وتعالى أعلم هذا وأما المسبوق اللاحق وهو الذي اقتدى بعدما صلى الإمام بعد الصلاة ركعة مثلا ثم تأخر عنه لنوم أو زحمة ولم يجد مكانا فإنه يبدأ في القضاء بما أدرك الإمام فيه ثم بما سبق به وهذا عند زفر فرض وعندنا واجب على ما نذكر من قريب فلو عكس هذا الترتيب لم تصح صلاته عنده وتصح عندنا ثم إما أن يستيقظ في الرابعة أو بعد ما فرغ الإمام فإن كان بعد الرابعة والفراغ يأتي بما فاته أولا حال نومه فيأتي بركعة لا يقرأ فيها ويقعد متابعته لإمامه ثم يقوم فيأتي بركعة لا يقرأ فيها ويقعد لأنها ثانيته ثم بأخرى لا يقرأ فيها ويقعد متابعة لإمامه ثم بأخرى لا يقرأ فيها ويقعد للختم وإن كان في الرابعة قبل ركوع ففي شرح المجمع يصلي فيما أدرك ما فاته مع إمام أولا ثم يقضي ما فاته رعاية للترتيب فلو نقض هذا الترتيب فتابع فيما أدرك ثم قضى ما سبقه به ثم ما نام فيه جاز عندنا وعند زفر لا يجوز اه ثم يقعد على رأس كل ركعة أما فيما أدرك فلمتابعة الإمام وفيما بعدها لأنها ثانيته وفي ثالثته للمتابعة فإنها قعدة ختم الإمام وفيما بعدها ختمه ولا يسجد اللاحق مع الإمام بسهو والإمام بل يقوم للقضاء ثم يسجد عن ذلك بعد الختم
وأما من أدرك أول صلاة الإمام فهو اللاحق لا غير وله حكم المقتدي فلا يسجد للسهو وإذا سها فيما يقضي ولا يقرأ فيه ولو تبدل اجتهاده فيه في القبلة إلى غير مجتهد الإمام بعد فراغ الإمام تفسد ولو كان مسافرا فنوى الإقامة فيه أو دخل مصره للوضوء فيه بعد فراغ الإمام لا ينقلب أربعا بخلاف المسبوق في كل ذلك وعرف من هذا أن تعريف اللاحق بمن أدرك أول صلاة الإمام تساهل بل هو من فاته بعد ما دخل مع الإمام بعض صلاة الإمام قوله لأن إتمام الركن بالإنتقال هذا خرج على قول محمد أما على قول أبي يوسف فلا على ما يعرف في سجود السهو إن شاء الله تعالى لكن على كلا المذهبين لو لم يعد ذلك الركن فسدت الصلاة أما على قول محمد فلما ذكر وأما على قول أبي يوسف فلافتراض القومة والجلسة عنده ولا يتحققان مع الطهارة إلا بالإعادة وحاول تخريجه في الكافي على الرأيين بأن التمام على نوعين تمام ماهية وتمام مخرج عن العهدة فالسجدة وإن تمت بالوضع ماهية لكن لم تتم تماما مخرجا عن العهدة اه يعني والثاني هو المراد
____________________
(1/392)
في الهداية قوله أن عليه سجدة أي صلبية أو للتلاوة قوله وهذا بيان الأولى لأن الترتيب ليس بفرض فيما شرع مكررا في كل الصلاة أو كل ركعة بخلاف المتحد على ما قدمنا تفصيله في أول صفة الصلاة فارجع إليه وفيه خلاف زفر على ما ذكرناه آنفا بقي أن انتفاء الإفتراض لا يستلزم ثبوت الأولوية لجواز الوجوب ثم الوجوب هو الثابت على ما قدمه المصنف في أول صفة الصلاة عند عد الواجبات حيث قال ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأفعال فأشار في الكافي إلى الجواب حيث قال ولئن كان الترتيب واجبا فقد سقط بالنسيان لكنه لا يدفع الوارد على العبارة أعني تعليل الأولوية بانتفاء الإفتراض في المتكرر بل تعليله إنما هو بسقوط الوجوب بالنسيان ثم وجه قول زفر في الخلافية أن الصلاة مجمل ولم يقع البيان إلا كذلك قلنا ممنوع فإن المسبوق مصل أول صلاته أولا ثم يقضي ما فاته فعلم أن الترتيب بين الركعات لم يعتبر فرضا لأن الركن لا يسقط بعذر المسبوقية بخلاف الواجب قد يقوم العذر في إسقاطه شرعا وعلى هذا لو عكس المسبوق اللاحق الترتيب الذي ذكرناه في حقه آنفا كان آثما عندنا وإن صحت صلاته ثم على قوله إذا قضى السجدة وجب عليه قضاء جميع ما أدى بعدها لعدم الإعتداد به حيث كان قبله ما يفترض تقديمه وعندنا قضاء الركن الذي حدث فيه الذكر استحبابا لا غير إن قضاها عقيبه وله أن يؤخرها إلى آخر الصلاة فيقضيها هناك كما هو المذكور في الهداية وفي فتاوى قاضيخان في آخر فصل ما يوجب السهو ما هو ظاهر في خلافه قال في إمام صلى ركعة وترك منها سجدة وصلى أخرى وسجد لها فتذكر المتروكة في السجود أنه يرفع رأسه من السجود ويسجد المتروكة ثم يعيد ما كان فيها لأنها ارتفضت فيعيدها استحسانا اه قال فأما ما قبل ذلك إلى المتروكة هل يرتفض
____________________
(1/393)
إن ما تخلل بين المتروكة وبين الذي تذكر فيها ركعة تامة لا ترتفض باتفاق الروايات فلا تلزمه إعادته وإن لم تكن ركعة تامة فكذلك في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يرتفض وقال قبله فيه وإن تذكر وهو راكع في الثالثة أنه ترك من الركعة الثانية سجدة سجد المتروكة ويتشهد ثم يقوم فيصلي الثالثة والرابعة بركوعهما وسجودهما لأنه لما تذكر في الركوع والركوع قبل رفع الرأس يقبل الإرتفاض فبسجوده المتروكة رفض الركوع بخلاف ما بعد التمام اه والأصح ما في الكتاب لا لقاعدة التي قدمناها في أول باب صفة الصلاة من أن الترتيب بين ما يتحد في كل الصلاة من الأركان وهو القعدة وبين غيرها مطلقا شرط لا بين المتحد في كل ركعة وهو المتعدد في كل الصلاة وبين المتعدد في كل ركعة لأن الشرع علق التمام بالقعدة فلو جاز تأخر شيء عنها لكان ذلك الغير متعلقة وهو منتف شرعا بخلاف تقديم سجود الركعة على ركوعها والركوع على القيام لأن الركوع شرع وسيلة إلى السجود بعده والقيام إلى الركوع فلا يتحقق ذلك إلا بالتقدم المعهود وكذا بتقدم القراءة على الركوع لأنها زينته فلا تتحقق إلا فيه فلا يتصور تقديمه عليها وبتذكر السجدة في الركوع الثانية مثلا من الأولى لم يتحقق تقديم له على ركوع الأولى بل هو في محله من التعدية غاية الأمر أنه صار بعد ركوع الثانية أيضا إذا لم يعد على ما هو الأمر الجائز خلافا لزفر وهو في التقدير قبله لالتحاقه بمحله من الركعة الأولى ووجوب كونه قبله يسقط بالنسيان بدليل حال المسبوق لاشتراكهما في العذر بخلاف السجدة في القعدة لأنه قصد في الختم كونه في القعدة معنى وصورة فلا يكفي اعتبارها متأخرة عن السجدة المتذكرة فيها قوله لما فيه من صيانة الصلاة لا شك أن صلاة المأموم مرادة بهذا أما صلاة الإمام المحدث فظاهر النهاية أنها هر المرادة بناء على فساد صلاته إذا لم يستخلف حتى خرج وقد قدمنا فيه روايتين والشيخ أبهم الصلاة فيراد صلاة من تفسد صلاته أعم من كونه المأموم أو الإمام على إحدى الروايتين وعندي أنه يشكل فساد صلاة الإمام لأن الإستخلاف ليس من أركان الصلاة بل غايته الوجوب تحصينا لصلاة غيره عن الفساد وهو قادر عليه والإمام منفرد في حق نفسه فغاية ما في خروجه بلا استخلاف تأثيمه لسعيه في فساد صلاة غيره فصار كإمام تعمد التأخر عمن خلفه حتى فسدت بتقدمهم عليه قوله ولو لم يكن خلفه إلا صبي أو امرأة أو أمي أي من لا يصلح للإمامة
____________________
(1/394)
قوله لم يوجد الإستخلاف منه قصدا وما حكم بكون الأول خليفة إلا لتصحيح صلاة الإمام والمأموم وهنا لو اعتبرنا هذا الإعتبار لإصلاح صلاة المقتدي كان فيه إفساد صلاة الإمام فدار الأمر بينه فتفسد على الإمام وتصح على المقتدي وبين عدمه فينعكس فوجب الترجيح ووجه ترجيح عدمه غني عن البيان & باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها
قوله ومفزعه الحديث المعروف رفع عن أمتي الخطأ والنسيان الخ الفقهاء يذكرونه بهذا اللفظ ولا يوجد به في شيء من كتب الحديث بل إن الله وضع عن أمتي الخطأ النسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرطهما قوله ولنا قوله صلى الله عليه وسلم إن صلاتنا الخ رواه
____________________
(1/395)
مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت له يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن اه وقد أجابوا بأنه لا يصلح دليلا على البطلان بل على أنه محظور والحظر لا يستلزم البطلان ولذا لم يأمره بالإعادة وإنما علمه أحكام الصلاة قلنا إن صح فإنما بين الحظر حالة العمد والإتفاق على أنه حظر يرتفع إلى الإفساد وما كان مفسدا حالة العمد كان كذلك حالة السهو لعدم المزيل شرعا كالأكل والشرب وقوله رفع عن أمتي أو إن الله وضع عنهم من باب المقتضى ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح والإجماع على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة ومن اعتبره في الحكم الأعم من حكم الدنيا والآخرة فقد عممه من حيث لا يدري إذ قد أثبته في غير محل الضرورة من تصحيح الكلام وصار كما إذا أطال الكلام ساهيا فإنه يقول بالفساد فإن الشرع إذا رفع إفساده وجب شمول الصحة وإلا فشمول عدمها وكالأكل والشرب وإنما عفى القليل من العمل لعدم الإحتراز عنه لأن في الحي حركات من الطبع وليست الصلاة فلو اعتبر إفساده مطلقا لزم الحرج في إقامة صحة الصلاة فعفى ما لم يكثر وليس الكلام من طبع الحي قوله بخلاف السلام ساهيا جواب عن قياس مقدر للشافعي رحمه الله على السلام ساهيا وهو ظاهر من الكتاب
____________________
(1/396)
قوله فإن أن فيها أي قال آه أو تأوه أي قال أوه ونحوه قوله فارتفع بكاؤه أي حصل به الحروف قوله فكان من كلام الناس صريح كلامه أن كونه إظهارا للوجع بلفظ هو المصير له كلاما فلا يحتاج في تقريره إلى قولهم لأنه إذا كان إظهارا للوجع فكأنه قال أدركوني أو أعينوني بخلاف إظهار الرغبة والرهبة لأنه كقوله أدخلني الجنة وأعذني من النار وذلك غير مفسد إذ يعطي ظاهره أن كونه دالا على ذلك الكلام صيره كلاما لكن مجرد كونه إظهارا لذلك هو الذي يصيره كلاما وهذا هو الحق ورشحه في الكلام مع أبي يوسف حيث اشترط في كون اللفظ مفسدا كونه حرفين زائدين أو أحدهما بقوله وهذا لا يقوى لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع وجود الحروف وإفهام المعنى ولا شك أن إظهار الوجع باللفظ إفادة معنى به فيكون نفسه كلاما وإن لم يكن فيه وضع واشتراط الوضع اصطلاح حادث في الكلام ولو سلم ثبوته لغة لم يلزم اشتراطه في الإفساد لأن المعقول في الإفساد كونه إفادة المعنى باللفظ لا بقيد كونه بطريق الوضع إذ ليس كونه خارجا عن عمل الصلاة متوقفا عليه وقوله في الحالين أي الخشوع والجزع وقوله لا تفسد أي في الحالين أيضا عنده وكذا أف مشددا ومخففا لا تفسد وتمسك في ذلك بما روى أنه صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف فقال أف ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم قلنا واقعة حال لا عموم لها فيجوز كونها قبل تحريم الكلام في الصلاة فلا يعارض ما روينا وقوله فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ونحوه من الأحاديث قوله في قولهم اليوم تنساه سمط تنفر منه النفس أين هو من أمان وتسهيل وقد جمعها العلامة ابن مالك أربع مرات في هذا البيت
____________________
(1/397)
** هناء وتسليم تلا يوم أنسه ** نهاية مسئول أمان وتسهيل **
وقال الشافعي رحمه الله الأنين والبكاء والتأوه يقطع مطلقا إذا حصل منه حرفان ولنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ولصدره أزيز كأزيز المرجل وبأزيز المرجل يحصل الحروف لمن يصغي قوله ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد قال في النهاية قلت هذا لا يرد عليه لأن كلامه في الحرفين لأن في الزائد عليهما يكون قوله كقولهما اه وأثر هذا البحث في العبارة فقط فإنه لو أراد بالجمع الإثنين فصاعدا أو صرح فقال ويتحقق ذلك في حرفين زائدين أو أن الجمع هنا باعتبار المتكلمين لا متكلم واحد مثل لا نكاح إلا بشهود مع أن كل نكاح بشاهدين طاح ما ذكره وهو كذلك هذا أو عن أبي يوسف أنه إن كان الأنين يمكن الإمتناع من ذلك الوجع عنه يقطع الصلاة وإلا فلا وعن محمد رحمه الله إن كان ألمه خفيفا يقطع وإلا لا قوله ينبغي الخ إنما لم يجزم بالجواب لثبوت الخلاف فيما إذا لم يكن مدفوعا له بل فعله لتحسين الصوت فعند الفقيه إسمعيل الزاهد تفسد وعند غيره لا وهو الصحيح لأن ما للقراءة ملحق بها وكذا لو تنحنح بالإعلام أنه في الصلاة ولو نفخ مسموعا فسدت واختلف في معنى المسموع فالحلواني وغيره ما يكون له حروف كأف تف تفسد وإلا فلا تفسد وبعضهم لا يشترط الحروف إلا في الإفساد بعد كونه مسموعا وإليه ذهب شيخ الإسلام وعلى هذا لو نفر طائرا أو دعاه بما هو مسموع قوله وإن كان بعذر أو مدفوعا إليه أي مبعوث الطبع فإنه حينئذ لا يمكنه الإحتراز عنه فلا تفسد ومثله المريض إذا كان لا يملك نفسه عنه لا تفسد كالجشاء
____________________
(1/398)
وعلى هذا يحمل قول أبي يوسف في الأنين إن كان لا يمكن الإحتراز عنه قوله فقال له آخر احتراز عما إذا قال لنفسه يرحمك الله لا تفسد كقوله يرحمني الله وعن أبي يوسف لا تفسد في قوله لغيره ذلك لأنه دعاء بالمغفرة والرحمة وهما يتمسكان بحديث معاوية بن الحكم السابق أول الباب فإنه في عين المتنازع فيه لأن مورده كان تشميت عاطس وبالمعنى الذي ذكره في الكتاب قوله على ما قالوا إشارة إلى ثبوت الخلاف روى عن أبي حنيفة أن ذلك إذا عطس فحمد في نفسه من غير أن يحرك شفتيه فإن حرك فسدت صلاته قوله فسدت صلاته يعني إذا قصد التعليم أما إذا أراد التلاوة فلا وكذا لو قيل ما مالك فقال الخيل والبغال والحمير أو كان أمامه كتاب وخلفه رجل اسمه يحيى فقال يا يحيى خذ الكتاب إن أراد إفادته المعنى فسدت لا إن أراد القراءة
____________________
(1/399)
قوله شرط التكرار بأن فتح غير مرة لأن فعل ليس من أفعال الصلاة فيعفي قليله ولم يشرطه في الجامع وهو الصحيح لأنه كلام فلا يعفي قليله قوله لم يكن كلاما استحسانا هذا أعم من كون الفتح بعد قراءة ما تجوز به الصلاة أو قبله وقيل إن قرأ الإمام ما تجوز به تفسد لعدم الحاجة إليه والأصح الأول قوله هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم ينوي القراءة وهو سهو لأنه عدول إلى المنهي عنه عن المرخص فيه بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة سورة المؤمنين فترك كلمة فلما فرغ قال ألم يكن فيكم أبي قال بلى قال هلا فتحت علي فقال ظننت أنها نسخت فقال صلى الله عليه وسلم لو نسخت لأعلمتكم وعن علي رضي الله عنه إذا استطعمك الإمام فأطعمه قوله وتفسد صلاة الإمام هذا قول بعض المشايخ وعامتهنم على ما يفيده لفظ المحيط على أنه لا يفسد وإن انتقل وهو الأوفق لإطلاق المرخص الذي رويناه قوله إذا جاء أوانه أجمله للخلاف فيه
____________________
(1/400)
فإن قاضيخان وصاحب المحيط وبكرا اعتبروا أوان الركوع بعد قراءة ما تجوز به الصلاة
وقال بعضهم ينبغي أن لا يلجئهم إليه بل ينتقل إلى آية أخرى أو يركع إذا قرأ المستحب صونا للصلاة عن الزوائد وهذا هو الظاهر من جهة الدليل ألا يرى إلى ما ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي هلا فتحت علي مع أنها كانت سورة المؤمنين بعد الفاتحة قوله وهذا الخلاف فيما إذا أراد جوابه بأن قيل مثلا أمع الله إله آخر فقال لا إله إلا الله أما إن أراد إعلامه أنه في الصلاة فلا يتفرغ للجواب فلا تفسد في قول الكل وكذا إذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله تفسد في قصد الجواب لا الإعلام قوله فلا يتغير بعزيمته كما لم يتغير عند قصد إعلامه أنه في الصلاة مع أنه أيضا قصد هناك إفادة معنى به ليس هو موضوعا له
قلنا خرج قصد إعلام الصلاة بقوله صلى الله عليه وسلم إذا نابت أحدكم نائبة وهو في الصلاة فليسبح الحديث أخرجه الستة لا لأنه لم يتغير بعزيمته كما لم يتغير عند قصد إعلامه فإن مناط كونه من كلام الناس كونه لفظا أفيد به معنى ليس من أعمال الصلاة لا كونه وضع لإفادة ذلك فيبقى ما وراءه على المنع الثابت بحديث معاوية بن الحكم وكونه لم يتغير بعزيمته ممنوع
قال السري السقطي لي ثلاثون سنة أستغفر الله من قولي الحمد لله احترق السوق فخرجت فقيل لي سلمت دكانك فقلت
____________________
(1/401)
الحمد لله فقلت تسر ولم تغتم لأمر المسلمين وأقرب ما ينقض كلامه ما وافق عليه الفساد بالفتح على قارىء غير الإمام فهو قرآن وقد تغير إلى وقوع الإفساد به بالعزيمة ولو سمع المؤذن فقال مثله مريدا جواب الأذان أو أذن ابتداء وأراد به الأذان فسدت لقصد الجواب والإعلام لو جرد زمان مخصوص أعني وقت الصلاة
وعند أبي يوسف لا تفسد حتى يحيعل ولو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم جوابا لسماع ذكره تفسد لا ابتداء ولو قرأ ذكر الشيطان فلعنه لا تفسد ولو لدغته عقرب فقال بسم الله تفسد خلافا لأبي يوسف قوله لأنه صح شروعه في غيره فمناط الخروج عن الأول صحة الشروع في المغاير ولو من وجه فلذا لو كان منفردا في فرض فكبر ينوي الإقتداء أو النفل أو الواجب أو شرع في جنازة فجيء بأخرى فكبر ينويهما أو الثانية يصير مستأنفا على الثانية فقط بخلاف ما إذا لم ينو شيئا ولو كان مقتديا فكبر للإنفراد يفسد ما أدى قبله ويصير مفتتحا ما نواه ثانيا قوله فهي أي تلك الركعة التي صلاها قبل الإفتتاح الثاني هي أي التي يحتسب بها أو التي وقع فيها الإفتتاح الثاني هي التي هو فيها بعده فيحتسب بتلك الركعة حتى لو لم يقعد فيما بقي القعدة الأخيرة باعتبارها فسدت الصلاة فلغت نية الثانية ومعلوم أن هذا إذا لم يلفظ بلسانه فإن قال نويت أن أصلي الخ فسدت الأولى وصار
____________________
(1/402)
مستأنفا المنوي ثانيا مطلقا قوله وعلى الأول يفترقان فيحمل ما روى عن ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها أنه كان يؤم بها في شهر رمضان وكان يقرأ من المصحف على أنه كان موضوعا وعلى الثاني كون تلك مراجعة كانت قبيل الصلاة ليكون بذكره أقرب وهو المعول عليه في دفع قول الشافعي يجوز بلا كراهة لأنه صلى الله عليه وسلم صلى حاملا أمامة بنت أبي العاص على عاتقه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها فإن هذه الواقعة ليس فيها تلقن وتحقيقه أنه قياس قراءة ما تعلمه في الصلاة من غير معلم حي عليها من معلم حي بجامع أنه تلقن من خارج وهو المناط في الأصل فقط فإن فعل الخارج لا أثر له في الفساد بل المؤثر فعل من في الصلاة وليس منه إلا التلقن ولم يفصل في الجامع بين القليل والكثير في الإفساد وقيل إن قرأ آية تفسد وقيل بل قدر الفاتحة ولو كان يحفظ إلا أنه نظر فقرأ لا تفسد قوله فالصحيح احتراز عن قول من قال إن كان مستفهما فسدت على قول محمد خلافا لأبي يوسف قياسا على مسئلة اليمين وجوابها من الكتاب ظاهر
وقولهم لأنه تلقن غلط إذ المفسد التلقن المقترن بقول ما تلقنه وهو منتف وهذا الكلام في مكتوب غير قرآن أما في القرآن لا تفسد اتفاقا قوله أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير واختلفوا في حده فقيل ما يحصل بيد واحدة قليل وبيدين كثير وقيل لو كان بحال لو رآه إنسان من بعيد تيقن أنه ليس في الصلاة فهو كثير وإن كان يشك أنه فيها أو لم يشك أنه فيها فقليل وهو اختيارالعامة وقيل يفوض إلى رأي المصلي إن استكثره فكثيره مفسد وإلا لا
قال الحلواني هذا أقرب إلى مذهب أبي حنيفة
____________________
(1/403)
ومن الفروع المؤسسة لو أرضعت ابنها أو رضعها هو فنزل لبنها فسدت ولو مص مصة أو مصتين ولم تنزل لم تفسد وبثلاث تفسد وإن لم تنزل ولو مس المصلية بشهوة أو قبلها ولو بغير شهوة تفسد ولو قبلت المصلي ولم يشتهها لم تفسد
كذا في الخلاصة والله أعلم بوجه الفرق
ولو رأى فرج المطلقة رجعيا بشهوة يصير مراجعا ولا تفسد في رواية وهو المختار
ولو كتب ثلاث كلمات أو دهن رأسه ولحيته أو اكتحل أو جعل ماء الورد على رأسه بأن تناول القارورة فصب على يده أو سرح أحدهما أو نتف ثلاث شعرات بمرات أو حك ثلاثا في ركن يرفع يده كل مرة أو قتل القملة بمرار متداركا أو رمى عن قوس أو ضرب إنسانا كذلك أو دفع المار بيده أو رأسه أو تعمم أكثر من كورين أو تخمرت أو شد السراويل أو زر القميص أو لبسه أو الخفين أو مشى قدر صفين دفعة أو تقدم أمام الوجه أكثر من قدر صف أو ساق الدابة بمد رجليه تفسد لا إن كسب أو شرب أو تعمم أو حك أو مشى أو نتف أقل مما عيناه أو غير متدارك أو لم يتناول القارورة بل كان في يده فمسح بها أو نزع اللجام أو القميص أو ساق برجل واحدة لا تفسد
وقولهم إذا دفع المار بيده تفسد يجب أن يحمل على التكرر دون فترة ليكون عملا كثيرا وإلا فالدفعة الواحدة عمل قليل
وقد قالوا في قتل الحية إنه إذا كان بعمل قليل لا تفسد وبالكثير تفسد بل اختار السرخسي أنها لا تفسد بالكثير أيضا لأنه مرخص فيه بالنص فكان كالمشي الكثير في سبق الحدث ولا شك أن هذا كذلك بالنص وهو ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان وسنتكلم فيه عند مسئلة قتل الحية فلا أقل من تقييد الفساد بكونه كثيرا قوله وإن مرت امرأة خصها للتنصيص على رد قول الظاهرية أن مرورها يفسد وكذا الحمار والكلب عندهم
ووجه الجواز حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأنا معترضة بين يديه فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإن قام بسطتها
والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح
وقوله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة مرور شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان وفي سنده مجالد فيه مقال وإنما روى له مسلم مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي وأخرج الدارقطني عن سالم بن عبدالله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا لا يقطع الصلاة مرور شيء وادرءوا ما استطعتم ضعف رفعه ووقفه مالك في الموطأ
وقال النووي في شرح مسلم حديث لا يقطع الصلاة مرور شيء ضعيف والذي يظهر أنه لا ينزل عن الحسن لأنه يروى من عدة طرق عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وأبي أمامة وأنس وجابر رضي الله عنهم والروايات في أبي داود والدارقطني والطبراني في الأوسط وعلى كل حال لا يقاوم ما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم يقطع الصلاة إذا لم يكن بين يديه كاخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود
قلنا ما بال الأسود
____________________
(1/404)
من الأحمر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان قال الإمام أحمد لا أشك أن الكلب الأسود يقطع وفي نفسي من المرأة والحمار شيء
قال ابن الجوزي وإنما قال ذلك لأنه صح حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت وذكرت ما رويناه آنفا وصح عن ابن عباس أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلت عن الحمار وتركته أمام الصف فما بالاه ولم نجد في الكلب شيئا انتهى
والحاصل أنه قام المعارض فيهما ولم يوجد في الكلب وتأول الجمهور ذلك على قطع الخشوع لأنه محتمله بخلاف معارضه من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما فإنهما محكمان في عدم الإفساد ويجب في مثله حمل المحتمل على ما يحتمله مما لم يعارض به المحكم ولا شك أن الكلب معطوف على معمول يقطع فإذا لزم في عامله هذا كون المراد قطع الخشوع بالنسبة إلى المرأة والحمار لزم فيه بالنسبة إلى الكلب أيضا ذلك وإلا أريد به معنيان مختلفان وذلك لا يجوز عندنا ثم الكلام في هذه المسئلة في عشرة مواضع كلها في الكتاب إلا واحدا وهو أنه لا بأس بترك السترة إذا أمن المرور قوله لقوله صلى الله عليه وسلم الحديث في الصحيحين عن أبي النضر عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم يسأله ماذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي فقال أبو جهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه قال أبو النضر لا أدري قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة
ورواه البزار عن أبي النضر عن بسر بن سعيد قال أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد فساقه وفيه لكان أن يقف أربعين خريفا وسكت عنه البزار وفيه أن المسؤل زيد بن خالد خلاف ما في الصحيحين
قال ابن القطان وقد خطأ الناس ابن عيينة في ذلك لمخالفته مالكا وليس بمتعين لاحتمال كون أبي جهيم بعث بسرا إلى زيد بن خالد وزيد بن خالد بعثه إلى أبي جهيم بعد أن أخبره بما عنده ليستثبته فيما عنده وهل عنده ما يخالفه فأخبر كل بمحفوظه وشك أحدهما وجزم الآخر واجتمع ذلك كله عند أبي النضر فحدث بهما غير أن مالكا حفظ حديث أبي جهيم وابن عيينة حفظ حديث زيد بن خالد قوله وإنما يأثم إذا مر في موضع سجوده على ما قيل ولا يكون بينهما حائل قيل هذا هو الأصح لأن من قدمه إلى موضع سجوده هو موضع صلاته ومنهم من قدره
____________________
(1/405)
بثلاثة أذرع ومنهم بخمسة ومنهم بأربعين ومنهم بمقدار صفين أو ثلاثة وفي النهاية الأصح أنه إن كان بحال لو صلى صلاة الخاشعين نحو أن يكون بصره في قيامه في موضع سجوده وفي موضع قدميه في ركوعه وإلى أرنبة أنفه في سجوده وفي حجره في قعوده وإلى منكبه في سلامه لا يقع بصره على المار لا يكره
ومختار السرخسي ما في الهداية وما صحح في النهاية مختار فخر الإسلام ورجحه في النهاية بأن المصلي إذا صلى على الدكان وحاذى أعضاء المار أعضاءه يكره المرور وإن كان المار أسفل وهو ليس موضع سجوده يعني أنه لو كان على الأرض لم يكن سجوده فيه لأن الفرض أنه يسجد على الدكان فكان موضع سجوده البتة دون محل المرور لو كان على الأرض ومع ذلك ثبتت الكراهة اتفاقا فكان ذلك نقضا لما اختاره شمس الأئمة بخلاف مختار فخر الإسلام فإنه ممشى في كل الصور غير منقوض
قال ثم ذكر شيخ الإسلام هذا الحد الذي ذكرناه إذا كان يصلي في الصحراء فأما في المسجد فالحد هو المسجد إلا أن يكون بينه وبين المار اسطوانة أو غيرها يعني أنه ما لم يكن بينهما حائل فالكراهة ثابتة إلا أن يخرج من حد المسجد فيمر فيما ليس بمسجد
وفي جوامع الفقه في المسجد يكره وإن كان بعيدا
وفي الخلاصة وإن كان في المسجد لا ينبغي لأحد أن يمر بينه وبين حائط القبلة
وقال بعضهم يمر ما وراء خمسين ذراعا
وقال بعضهم قدر ما بين الصف الأول وحائط القبلة
ومنشأ هذه الإختلافات ما يفهم من لفظ بين يدي المصلي فمن فهم أن بين يديه يخص ما بينه وبين محل سجوده قال به ومن فهم أنه يصدق مع أكثر من ذلك نفاه وعين ما وقع عنده والذي يظهر ترجح ما اختاره في النهاية من مختار فخر الإسلام وكونه من غير تفصيل بين المسجد وغيره فإن المؤثم المرور بين يديه وكون ذلك البيت برمته اعتبر بقعة واحدة في حق بعض الأحكام لا يستلزم تغيير الأمر الحسي من المرور من بعيد فيجعل البعيد قريبا قوله ويحاذي الخ فلو كانت الدكان قدر القامة فهو سترة فلا يأثم المار ومن المشايخ من حده بطول السترة وهو ذراع وغلظ بأنه لو كان كذلك لما كره مرور الراكب وإن استتر بظهر جالس كان سترة وكذا الدابة
واختلفوا في القائم وقالوا حيلة الراكب أن ينزل فيجعل الدابة بينه وبين المصلي فتصير هي سترة فيمر ولو مر رجلان فالإثم على من يلي المصلي قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم غريب بهذا اللفظ وأخرج ابن حبان في صحيحه
____________________
(1/406)
والحاكم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا يمر بين يديه وأخرجه أحمد والبزار وزاد ابن حبان فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين قوله لقوله صلى الله عليه وسلم أيعجز الخ غريب بهذا اللفظ وأخرج مسلم عنه صلى الله عليه وسلم إن جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر بين يديك وأخرج عن عائشة رضي الله عنها سئل صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال مثل مؤخرة الرحل قوله مؤخرة الرحل بضم الميم وكسر الخاء آخره وتشديد الخاء خطأ وهي الخشبة التي في آخره عريضة تحاذي رأس الراكب قوله لقوله صلى الله عليه وسلم من صلى الخ أخرجه الحاكم عنه صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ورواه أبو داود وفيه لا يقطع الشيطان عليه صلاته قوله به ورد الأثر قلت يشير إلى حديث أخرجه أبو داود عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا
وقد أعل بالوليد بن كامل وبجهالة ضباعة وبأن أبا علي بن السكن رواه في سننه عن ضبيعة بنت المقداد بن معد يكرب عن أبيها عنه صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم إلى عامود أو سارية أو شيء فلا يجعله نصب عينيه وليجعله على حاجبه الأيسر وهذا دليل على الإضطراب ولا يضر لأن هذا الحكم يعمل بمثله فيه قوله لأنه صلى الله عليه وسلم صلى ببطحاء مكة إلى عنزة متفق عليه هكذا أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة والمرأة والحمار يمرون من ورائها
وقول المصنف
____________________
(1/407)
ولم يكن للقوم سترة من كلامه لا من الحديث قوله الغرز دون الإلقاء هذا إذا كانت الأرض بحيث يغرز فيها فإن كانت صلبة اختلفوا فقيل توضع وقيل لا توضع وأما الخط فقد اختلفوا فيه حسب اختلافهم في الوضع إذا لم يكن معه ما يغرزه أو يضعه فالمانع يقول لا يحصل المقصود به إذ لا يظهر من بعيد والمجيز يقول ورد الأثر به وهو ما في أبي داود إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا وإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر أمامه واختار المصنف الأولى والسنة أولى بالإتباع مع أنه يظهر في الجملة إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كيلا ينتشر
قال أبو داود قالوا الخط بالطول وقالوا بعرض مثل الهلال قوله لقوله صلى الله عليه وسلم ادرءوا ما استطعتم تقدم في حديث أبي داود ومعناه في السنة كثير بغير هذا اللفظ قوله كما فعل صلى الله عليه وسلم بولدي أم سلمة روى ابن ماجه عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبدالله أو عمر ابن أبي سلمة فقال بيده هكذا فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى عليه الصلاة والسلام قال هن أغلب وأعله ابن القطان بأن محمد بن قيس في طبقته جماعة باسمه ولا يعرف من هو منهم وأن أمه لا تعرف البتة
قيل هذا مبني على أن محمدا هذا قال عن أمه لكن لم يوجد في كتاب ابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة إلا عن أبيه وأما كونه لا يعرف فقد عرفه ابن ماجه بقوله قاضي عمر بن عبدالعزيز وفي الكمال والتهذيب أخرج له مسلم واستشهد به البخاري قوله لما روينا من قبل يعني إذا نابت أحدكم نائبة وهو في الصلاة فليسبح
____________________
(1/408)
فصل
قوله أن يعبث العبث الفعل لغرض غير صحيح فلو كان لنفع كسلت العرق عن وجهه أو التراب فليس به قوله وعد منها العبث وهو أولها ثم قال والرفث في الصيام والضحك على المقابر رواه القضاعي من طريق ابن المبارك عن إسمعيل بن عياش عن عبدالله بن دينار عن يحيى بن أبي كثير مرسلا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر غريب بهذا اللفظ وأخرجه عبدالرزاق عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال واحدة أو دع وكذا رواه ابن أبي شيبة وروى موقوفا عليه
قال الدارقطني وهو أصح وقد أخرج في الكتب الستة عن معيقيب أنه صلى الله عليه وسلم قال لا تمسح الحصى وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة وأما حديث الفرقعة فرواه ابن ماجه عن الحارث عن علي عنه صلى الله عليه وسلم لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة وهو معلول بالحارث وحديث التخصر أخرجوه إلا ابن ماجه عن أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرا وفي لفظ نهى عن الإختصار في الصلاة وفي الإختصار تأويلات أشهرها ما قال ابن سيرين وهو ما في الكتاب
ويوئده حديث مرفوع في
____________________
(1/409)
أبي داود ومفسر فيه
وفي النهاية عن المغرب وهو وضع اليد على الخصر وهو المستدق فوق الورك أو على الخاصرة وهو ما فوق الطفطفة والشراسيف والطفطفة أطراف الخاصرة والشراسيف أطراف الضلع الذي يشرف على البطن انتهى
وقيل هو أن يصلي متكئا على عصى وقيل أن لا يتم الركوع والسجود وقيل أن يختصر الآيات التي فيها السجدة وحديث الإلتفات غريب باللفظ المذكور وفيه ألفاظ أقربها إليه ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن كعب ما من مؤمن يقوم مصليا إلا وكل الله به ملكا ينادي يا ابن آدم لو تعلم ما في صلاتك من تناجي ما التفت وروى الحاكم وصححه وأبو داود عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال الله تعالى مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه والحق أنه حسن
وعن أنس رضي الله عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والإلتفات في الصلاة فإن الإلتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة رواه الترمذي وصححه وحد الإلتفات المكروه أن يلوي عنقه حتى يخرج عن مواجهة القبلة ولو انحرف بجميع بدنه فسدت فبعضه يكره كالعمل الكثير يفسد فالقليل يكره وحديث ملاحظته أصحابه الخ أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما كان صلى الله عليه وسلم يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه قال الترمذي غريب قال ابن القطان صحيح وإن كان غريبا لا يعرف إلا من هذا الطريق يعني طريق الترمذي ا نتهى
لكن قد ظهر له طريق آخر في مسند البزار
وحديث الإقعاء والإفتراش غريب من حديث أبي ذر وفي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة عن نقرة كنقر الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب وفي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها كان تعنيه صلى الله عليه وسلم ينهى عن عقبة الشيطان وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وعقبة الشيطان الإقعاء وأما ما روى مسلم عن طاوس قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال هي السنة فقلنا له إنا نراه جفاء بالرجل فقال بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم
وما روى البيهقي عن ابن عمر وابن الزبير أنهم كانوا يقعون فالجواب المحقق عنهم أن الإقعاء على ضربين أحدهما مستحب أن يضع أليتيه على عقبيه وركبتاه في الأرض وهو المروي عن العبادلة والمنهي أن يضع أليتيه ويديه على الأرض
____________________
(1/410)
وينصب ساقيه قوله هو الصحيح احتراز عن قول الكرخي أن ينصب قدميه كما في السجود ويضع أليتيه على عقبيه لأن المذكور في الكتاب هو صفة إقعاء الكلب وقوله هو الصحيح أي كون هذا هو المراد في الحديث لا أن ما قال الكرخي غير مكروه بل يكره ذلك أيضا قوله ولا بيده قال شارح الكنز إنه بالإشارة مكروه وبالمصافحة مفسد
وقال الزيلعي الآخر في تخريج أحاديث الكتاب بعد أن ذكر المذكور هنا قلت أجاز الباقون رد السلام بالإشارة
ولنا حديث جيد أخرجه أبو داود عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال من أشار في الصلاة إشارة تفهم أو تفقه فقد قطع الصلاة وأعله ابن الجوزي بابن إسحق وأبو غطفان مجهول وتعقب بأن أبا غطفان هو ابن طريف ويقال ابن مالك المري وثقه ابن معين والنسائي وأخرج له مسلم وما عن الدارقطني قال لنا ابن أبي داود أبو غطفان مجهول لا يقبل وابن إسحق ثقة على ما هو الحق وقدمناه في أبواب الطهارة ثم أخرج للخصم حديث أبي داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر عن صهيب قال مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فسلمت عليه فرد علي إشارة وقال لا أعلم إلا أنه قال إشارة بأصبعه صححه الترمذي وعدة أحاديث تفيد هذا المعنى والجواب أنه بناء على ما في شرح الكنز وغيره من كراهة الإشارة ولنا أن لا نقول به فإن ما في الغاية عن الحلواني وصاحب المحيط لا بأس أن يتكلم مع المصلي ويجيب هو برأسه يفيد عدم الكراهة وإن حمل على ما إذا كان لضرورة رفعا للخلاف فالجواب بأن المنع منها لما يوجبه من التشتيت والشغل وهو صلى الله عليه وسلم مؤيد عن أن يتأثر عن ذلك فلذا منع وفعله هو لو تعارضا قدم المانع وفي الخلاصة سلم على المصلي فأشار برد السلام برأسه أو يده أو أخبر بشيء فحرك رأسه بلا أو بنعم أو سئل كم صليت فأشار بأصبعه ثلاثا أو نحوه لا تفسد قوله لأنه ترك سنة القعود أي سنيته في الصلاة فيكره لا مطلقا لأنه من فعل الجبابرة كما علل لأنه صلى الله عليه وسلم كان جل قعوده في غير الصلاة مع أصحابه التربع وكذا عمر رضي الله عنه قوله ويشده أي من ورائه بخيط أو يشد طرفيه على جبهته أو يلبده كما ذكر قوله فإنه روى الخ روى عبدالرزاق عن الثوري عن مخول بن راشد عن رجل عن أبي رافع قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل ورأسه معقوص ورواه الطبراني به ووضع مكان رجل سعيد المقبري وقال عن أبي رافع عن أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم الحديث وكذلك رواه إسحق بن راهويه قال أخبرنا المؤمل بن إسمعيل عن سفيان به سندا ومتنا زاد قال إسحق قلت للمؤمل أفيه أم سلمة قال بلا شك
وحكم الدارقطني بوهم المؤمل في ذكرها
وروى حديث أبي رافع بقصة مع الحسن بن علي رضي الله عنهما
وقد أخرج الستة
____________________
(1/411)
عنه صلى الله عليه وسلم أمرت أن أسجد على سبعة وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا وفي العقص كفه ويتضمن كراهة كون المصلي مشمرا كميه قوله لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه أخرجه أبو داود والحاكم وصححه قوله وهو أن يضع الخ يصدق على أن يكون المنديل مرسلا من كتفيه كما يعتاده كثير فينبغي لمن على عنقه منديل أن يضعه عند الصلاة ويصدق أيضا على لبس القباء من غير إدخال اليدين كميه وقد صرح بالكراهة فيه ويكره اشتماله الصماء في الصلاة وهو أن يلف بثوب واحد رأسه وسائر بدنه ولا يدع منفذا ليده وهل يشترط عدم الإزار مع ذلك عن محمد يشترط وغيره لا يشترطه
ويكره الإعتجار أن يلف العمامة حول رأسه ويدع وسطها كما تفعله الدعرة ومتوشحا لا يكره وفي ثوب واحد ليس على عاتقه بعضه يكره إلا لضرورة العدم قوله وحالة الصلاة مذكرة فلا يكون الأكل فيها ناسيا كالأكل في الصوم ناسيا ليلحق به دلالة ثم القدر الذي يتعلق به الفساد ما يفسد الصوم عزى إلى غريب الرواية لأبي جعفر وهو قدرالحمصة من بين أسنانه أما من خارج فلو أدخل سمسمة فابتلعها تفسد وعن أبي حنيفة وأبي يوسف لا تفسد ولو كانت بين أسنانه فابتلعها لا تفسد ولو كان عين سكرة في فيه فذابت فدخل حلقه فسدت ولو لم يكن عينها بل صلى على أثر ابتلاعها فوجد الحلاوة لا تفسد ولو لاك هليلجة فسدت كمضغ العلك ولو لم يلكها لكن دخل في جوفه منه شيء يسير لا تفسد
وذكر شيخ الإسلام أكل بعض اللقمة وبقي في فيه بعضها فدخل في الصلاة فابتلعه لا تفسد ما لم تكن ملء الفم قوله في الطاق أي المحراب وفيه طريقان كونه يصير ممتازا عنهم وكي لا يشتبه على من يمينه ويساره حاله حتى إذا كان بجنبتي الطاق عمودان وراءها فرجتان يطلع منها أهل الجهتين على حاله لا يكره وإنما هذا بالعراق لأن محاريبهم مجوفة مطوقة فمن اختار هذه الطريقة لا يكره عنده إذا لم يكن كذلك ومن اختار الأولى يكره عنده مطلقا
ولا
____________________
(1/412)
يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك فإنه بنى في المساجد المحاريب من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم تبن كانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا تشبه قوله بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق أي ورجلاه خارجها فإنه لا يكره لأن العبرة للقدم في مكان الصلاة حتى يشترط طهارته رواية واحدة بخلاف مكان السجود إذ فيه روايتان ولذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدم وإن كان باقي بدنه خارجها والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارجه صيد الحرم ففيه الجزاء قوله وحده احتراز مما إذا كان معه بعض القوم فإنه لا يكره قوله لما قلنا من أنه تشبه بأهل الكتاب فإنهم يخصون إمامهم بالمكان المرتفع فقوله في ظاهر الرواية احتراز عن رواية الطحاوي أنه لا يكره لعدم مناطها وهو التشبه فإنهم لا يخصونه بالمكان المنخفض
والجواب أن الكراهة هنا لمعنى آخر وهو ما ذكر في الكتاب
واختلف في مقدار الإرتفاع الذي تتعلق به الكراهة فقيل قدر القامة وقيل ما يقع به الإمتياز وقيل ذراع كالسترة وهو المختار والوجه أوجهية الثاني لأن الموجب هو شبه الإزدراء يتحقق فيه غير مقتصر على قدر الذراع قوله يتحدث لإفادة نقي الكراهة بحضرة المتحدثين خلافا للقائلين وكذا بحضرة النائمين
وما روى عنه صلى الله عليه وسلم لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث فضعيف وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى وعائشة رضي الله عنها نائمة معترضة بينه وبين القبلة
قاله الخطابي
وقد يقال لم تكن عائشة رضي الله عنها نائمة بل مضطجعة ولذا قالت فكان إذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها إلا أن يقال كان ذلك الغمز المتكرر مرارا إيقاظا لكن ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت يقتضي أنها كانت نائمة لا مضطجعة يقظي
وقد يستدل بما في مسند البزار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين وإن قال البزار لا نعلمه إلا عن ابن عباس
____________________
(1/413)
ويجاب بأن محمله إذا كانت لهم أصوات يخاف منها التغليظ أو الشغل وفي النائمين إذا خاف ظهور صوت يضحكه وقدمنا أن في كون ظهر النائم سترة اختلافا قوله لأن ابن عمر ربما كان يستتر بنافع روى ابن أبي شيبة عن نافع قال كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية قال لي ول ظهرك
وما روى البزار عن علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة واقعة حال لا تستلزم كونه كان إلى ظهره لجواز كونه كان مستقبله فأمره بالإعادة لرفع الكراهة وهو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة ولو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره قوله وباعتباره تثبت الكراهة قدم المعمول لقصد إفادة الحصر فيفيد الرد على من قال من الناس بالكراهة لأن السيف آلة الحرب والبأس فيكره استقباله في مقام الإبتهال وفي استقبال المصحف تشبه بأهل الكتاب
والجواب أن استقبالهم إياه للقراءة منه لا لأنه من أفعال تلك العبادة وقد قلنا بكراهة استقباله لذلك والحال ابتهال إلى الله تعالى فهي محاربة للشيطان والنفس المخالفة وعن هذا سمى المحراب قوله فيه تصاوير في المغرب الصورة عام في ذي الروح وغيره والتمثال خاص بمثال ذي الروح لكن المراد هنا ذو الروح فإن غير ذي الروح لا يكره كالشجر وفيه عن ابن عباس الأثر قال للمصور إن كنت لا بد فاعلا فعليك بتمثال غير ذي الروح قوله وأطلق الكراهة في الأصل أي يكره أن يسجد على الصورة أولا وقيدها في الجامع بأن يكون في موضع سجوده فإن كانت في موضع قيامه وقعوده لا يكره لما فيه من الإهانة
وجه ما في الأصل أن المصلي أي السجادة التي يصلي عليها معظم فوضع الصورة فيه تعظيم لها حيثما كانت منه بخلاف
____________________
(1/414)
وضعها على البساط الذي لم يعد للصلاة قوله ويكره أن تكون فوق رأسه أي تكره الصلاة وفوق رأسه الخ فلو كانت الصورة خلفه أو تحت رجليه ففي شرح عتاب لا تكره الصلاة ولكن تكره كراهة جعل الصورة في البيت للحديث إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة وإلا أن هذا يقتضي كراهة كونها في بساط مفروش وعدم الكراهة إذا كانت خلفه وصريح كلامهم في الأول خلافه وقوله وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي إلى أن قال ثم خلفه يقتضي خلاف الثاني أيضا لكن قد يقال كراهة الصلاة تثبت باعتبار التشبه بعبادة الوثن وليسوا يستدبرونه ولا يطؤنه فيها ففيما يفهم مما ذكرنا من الهداية نظر وقد يجاب بأنه لا بعد في ثبوتها في الصلاة باعتبار المكان كما كرهت الصلاة في الحمام على أحد التعليلين وهو كونها مأوى الشياطين وهو متحقق هنا لأن امتناع الملائكة من الدخول للصورة مع تسلط الشياطين لا يكون إلا لمانع يوجب ذلك وكذا لو لم يتحقق كالأرض المغصوبة فإنه ثبتت كراهة الصلاة في خصوص مكان باعتبار معنى فيه نفسه لا فيها
فإن قيل فلم لم يقل بالكراهة وإن كانت تحت القدم وما ذكرت يفيده لأنها في البيت وكذا ظاهر الحديث المذكور في الكتاب وهو ما أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصا فألقاها وقال ما يخلف الله وعده ولا رسوله ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره فقال ما هذا يا عائشة متى دخل هذا الكلب ههنا فقالت والله ما دريت فأمر به فأخرج فجاء جبريل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدتني فجلست لك فلم تأت فقال منعني الكلب الذي كان في بيتك إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة انتهى وبه يعترض على المصنف أيضا حيث كان دليله عاما لجميع الصور وهو يقول لا يكره كونها في وسادة ملقاة إلى آخر ما ذكر فالجواب لا يكره جعلها في المكان كذلك لتعدي إلى الصلاة وحديث جبريل مخصوص بذلك فإنه وقع في صحيح ابن حبان وعند النسائي استأذن جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادخل فقال كيف أدخل وفي بيتك ستر في تصاوير فإن كنت لا بد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطا ولم يذكر النسائي اقطعها وسائد وفي البخاري في كتاب المظالم عن عائشة رضي الله عنها أنها اتخذت على سهوة لها سترا فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاتخذت منه نمرقتين فكانت في البيت تجلس عليهما زاد أحمد في مسنده ولقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة قوله بحيث لا تبدو للناظر أي على بعد ما والكبيرة ما تبدوا على البعد قوله لأنها لا تعبد فليس لها حكم الوثن فلا يكره في البيت ونقل أنه كان على خاتم
____________________
(1/415)
أبي هريرة ذبابتان ولما وجد خاتم دانيال وجد عليه أسد ولبوة بينهما صبي يلحسانه وذلك أن بخت نصر قيل له يولد مولود يكون هلاكك على يديه فجعل يقتل من يولد فلما ولدت أم دانيال إياه ألقته في غيضة رجاء أن يسلم فقيض الله له أسدا يحفظه ولبوة ترضعه فنقشه بمرأى منه ليتذكر نعم الله تعالى قوله أي ممحو الرأس فسر به احترازا من أن تقطع بخيط ونحوه فإنه لا ينفي الكراهة لأن بعض الحيوانات مطوق فلا يتحقق قطعه إلا بمحوه وهو بأن يجعل الخيط على كل رأسه بحيث يخفى أو يطليه بطلاء يخفيه أو يغسله أو نحو ذلك أما لو قطع يديها ورجليها لا ترتفع الكراهة لأن الإنسان قد تقطع أطرافه وهو حي قوله على ما قالوا يشعر بالخلاف وقيل يكره والصحيح الأول لأنهم لا يعبدونه بل الضرام جمرا أو نارا قوله وتعاد صرح بلفظ الوجوب الشيخ قوام الدين الكاكي في شرح المنار ولفظ الخبر المذكور أعني قوله وتعاد يفيده أيضا على ما عرف والحق التفصيل بين كون تلك الكراهة كراهة تحريم فتجب الإعادة أو تنزيه فتستحب فإن كراهة التحريم
____________________
(1/416)
في رتبة الواجب فإن الظني إن أفاد المنع بدلالة قطعية أعني بطريق الحقيقة مجرد عن القرائن الصارفة عنه فالثابت كراهة التحريم وإن أفاد إلزام الفعل كذلك فالوجوب وإن أفاد ندب المنع فتنزيهية أو الفعل فالمندوب ولذا كان لازمهما معنى واحد وهو ترتب الإثم بترك مقتضاهما قوله لقوله صلى الله عليه وسلم أخرج أصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب قال الترمذي حسن صحيح وهو بإطلاقه يشمل ما إذا احتاج إلى عمل كثير في ذلك أو قليل وقيل بل إذا كان قليلا
وفي المبسوط الأظهر أنه لا تفصيل فيه لأنه رخصة كالمشي في سبق الحدث والإستقاء من البئر والتوضي وهذا يقتضي أن الإستقاء غير مفسد في سبق الحدث وقد تقدم خلافه وبحثه بأنه لا تفصيل في الرخصة بالنص يستلزم مثله في علاج المار إذا كثر فإنه أيضا مأمور به بالنص كما قدمناه لكنه مفسد عندهم فما هو جوابه عن علاج المار هو جوابنا في قتل الحية ثم الحق فيما يظهر الفساد وقولهم الأمر بالقتال لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوه ومن الفساد في صلاة الخوف إذا قاتلوا في الصلاة بل أثره في رفع الإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراما صحيح قوله هو الصحيح احتراز عما قيل لا تقتل الحية البيضاء التي تمشي مستوية لأنها من الجان لقوله صلى الله عليه وسلم اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر وإياكم والحية البيضاء فإنها من الجن وقال الطحاوي لا بأس بقتل الكل لأنه صلى الله عليه وسلم عاهد الجن أن لا يدخلوا بيوت أمته ولا يظهروا أنفسهم فإذا خالفوا فقد نقضوا عهدهم فلا حرمة لهم وقد حصل في عهده صلى الله عليه وسلم وفيمن بعده الضرر بقتل بعض الحيات من الجن فالحق أن الحل ثابت ومع ذلك فالأولى الإمساك عما فيه علامة الجان لا للحرمة بل لدفع الضرر المتوهم
____________________
(1/417)
من جهتهم وقيل ينذرها فيقول خلى طريق المسلمين أو ارجعي بإذن الله فإن أبت قتلها وهذا في غير الصلاة قوله وعن أبي يوسف ومحمد في التجريد قول محمد مع أبي حنيفة ثم محل الخلاف فيما عد بالأصابع أو بخيط يمسكه أما إذا أحصى بقلبه أو غمز بأنامله فلا كراهة
فروع أخرى يكره العمل القليل الذي لا يفسد كالضربة الواحدة وتغميض العينين ورفعهما إلى جهة السماء وتغطية الفم أو الأنف والتثاؤب إذا أمكنه الكظم فإن عجز ففتح غطى فاه بكمه أو يده وإلا يكره
وتكره الصلاة أيضا مع تشمير الكم عن الساعد ومكشوف الرأس إلا لقصد التضرع ولا بأس مع شد الوسط ويكره ستر القدمين في السجود وتكره مع نجاسة لا تمنع إلا إن خاف فوت الوقت أو الجماعة ولا جماعة أخرى ويقطع الصلاة إن لم يخف ذلك إذا تذكر هذه النجاسة وكذا يقطع لإغاثة الملهوف أو خوف على أجنبي أن يسقط من سطح أو يغرق أو يحرق ونحوه
وله أن يقطع إذا سرق منه أو من غيره قدر درهم لا لنداء أحد أبويه إلا أن يستغيث وتكره مع مدافعة الأخبثين سواء كان بعد الشروع أو قبله وفي فيه درهم أو لؤلؤة تمنعه من سنة القراءة وفي أرض غيره فإن ابتلى بين ذلك وبين الصلاة في الطريق إن كانت الأرض مزروعة أو لكافر ففي الطريق وإلا ففي الأرض ولو كان في بيت إنسان إن استأذنه فأحسن وإلا فلا بأس ويكره وقدامه عذرة كما يكره أن تكون قبلة المسجد إلى حمام أو مخرج أو قبر فإن كان بينه وبين هذه حائل حائط لا يكره ويكره بحضرة طعام إذا كان له التفات إليه للحديث المتفق عليه لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان وما في أبي داود لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا غيره يحمل على تأخيرها عن وقتها جمعا بينهما
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أما يأمن الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار
____________________
(1/418)
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع وعن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم فصل
قوله لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا أخرجه الستة قوله ولا يكره في رواية لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رقيت يوما على بيت أختي حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشأم مستدبر الكعبة ولأن فرجه غير مواز لها إلى آخر ما ذكره في الكتاب وجه الظاهر الحديث السابق وهو مقدم لتقدم المانع عند المعارضة واعلم أن هذه المسئلة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال وباعتبار هذه الرواية تصير أربعة أقوال ذهبت طائفة إلى الكراهة مطلقا منهم مجاهد والنخعي وأبو حنيفة أخذا بعموم الأول مع تقويته بقول أبي أيوب قدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله وطائفة كرهوه في الفضاء دون البنيان مطلقا منهم الشعبي والشافعي وأحمد أخذا بحديث أبي داود عن مروان الأصفر رأيت ابن عمر أناخ راحلته وجلس يبول إليها فقلت أبا عبدالرحمن أليس قد نهى عن هذا قال بلى إنهما نهى عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس ورواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما وعن ابن عمر في الصحيحين ما ذكرناه آنفا من رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وطائفة رخصوه مطلقا فمنهم من طرح الأحاديث لتعارضها ثم رجع إلى الأصل وهو الإباحة والمعارضة بحديث ابن عمر المتقدم وما رواه ابن ماجه عن عراك عن عائشة قالت ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال أراهم قد فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة وقول أحمد أحسن ما في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلا فإن
____________________
(1/419)
مخرجه حسن بناء على إنكاره أن عراكا سمع من عائشة مدفوع بأنه ممن يمكن كونه لقيها فقد قالوا إنه سمع من أبي هريرة وأبو هريرة توفي هو وعائشة في سنة واحدة فلا يبعد سماعه منها مع كونهما في بلدة واحدة
وقد أخرج مسلم حديث عراك عن عائشة جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها الحديث
ثم أخرج الدارقطني الحديث المذكور من غير جهة حماد بن سلمة الذي في حديث ابن ماجه قال عراك فيها حدثتني عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول الناس أمر بمقعدته فاستقبل بها القبلة
ومنهم من ادعى النسخ تمسكا بما أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم والدارقطني عن جابر بن عبدالله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل القبلة فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها ولفظ ابن حبان ومن بعده
حدثنا أبان بن صالح فزالت تهمة التدليس ولفظهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نستقبل القبلة أو نستدبرها بفروجنا إذا هرقنا الماء ثم رأيته قبل موته بعام يبول إلى القبلة وأبان بن صالح وثقه المزكون يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وقال الترمذي في العلل الكبير سألت محمد بن إسمعيل يعني البخاري عن هذا الحديث فقال حديث صحيح والأحوط المنع لأن الناسخ لا بد أن يكون في قوة المنسوخ وهذا وإن صح لا يقاوم ما تقدم مما اتفق عليه الستة وغيره مما أخرج كثيرا مع أن الذي فيه حكاية فعله وهو ليس صريحا في نسخ التشريع القولي لجواز الخصوصية ولو نسي فجلس مستقبلا فذكر يستحب له الإنحراف بقدر ما يمكنه أخرج الطبري في تهذيب الآثار عن عمرو بن جميع عن عبدالله بن الحسن عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس يبول قبالة المسجد فذكر فتحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له وكما يكره للبالغ ذلك يكره له أن يمسك الصغير نحوها ليبول وقالوا يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة قوله وتكره المجامعة وصرح بالتحريم في شرح الكنز لقوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } لكن الحق كراهة التحريم لأن دلالة الآية إنما هي على تحريم الوطء في المسجد للمعتكف فتفيد أن الوطء من محظورات الإعتكاف فعند عدم الإعتكاف لا يكون لفظ الآية دالا على منع فالمنع للمسجد حينئذ بل لو كان معتكفا اعتكافا نفلا أمكن أن يقال لا يحرم الوطء عليه للإعتكاف لما عرف من أن قطع نفل الإعتكاف على الرواية المختارة إنها للعبادة لا إبطال وإنما يمتنع للمسجد بدليل آخر فليست الآية على إطلاقها في كل اعتكاف إلا أن يقال يجب أن يكون القطع الذي هو إنهاء بغير الجماع كالخروج من المسجد لأنه من محظوراته ومبدؤه يقع في العبادة فصار كالخروج من الصلاة بالحدث يكون إنهاء محظورا ولو سلم عدم دلالتها على ما قلناه عينا كانت محتملة كون التحريم للإعتكاف أو للمسجد فتكون ظنية الدلالة وبمثلها تثبت كراهة التحريم لا التحريم
والمراد بالتخلي التغوط لأن سطح المسجد له حكمه إلى عنان السماء وقد أمر بتطهيره والبول ينافيه وإذا كان المسجد ينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من
____________________
(1/420)
النار على ما روى فكيف بالبول قوله لأنه لم يأخذ حكم المسجد حتى لا يصح فيه الإعتكاف إلا للنساء
واختلفوا في مصلى العيد والجنازة والأصح أنه إنما له حكم المسجد في جواز الإقتداء لكونه مكانا واحدا وهو المعتبر في جواز الإقتداء قوله لأنه يشبه المنع من الصلاة وهو حرام قال تعالى { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } قوله وقيل لا بأس إذا خيف على متاع المسجد أحسن من التقييد بزماننا كما في عبارة بعضهم فالمدار خشية الضرر على المسجد فإن ثبت في زماننا في جميع الأوقات ثبت كذلك إلا في أوقات الصلاة أو لا فلا أو في بعضها ففي بعضها قوله وقيل هو قربة لما فيه من تعظيم المسجد
ومنهم من كرهه لقوله صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن تزين المساجد الحديث والأقوال ثلاثة وعندنا لا بأس به
ومحمل الكراهة التكلف بدقائق النقوش ونحوه خصوصا في المحراب أو التزيين مع ترك الصلوات أو عدم إعطائه حقه من اللغط فيه والجلوس لحديث الدنيا ورفع الأصوات بدليل آخر الحديث وهو قوله وقلوبهم خاوية من الإيمان هذا إذا فعل من مال نفسه أما المتولي فيفعل ما يرجع إلى إحكام البناء حتى لو جعل البياض فوق السواد للنقاء ضمن كذا في الغاية وعلى هذا تخلية المصحف بالذهب لا بأس به وكان المتقدمون يكرهون شد المصاحف واتخاذ المشدة لها لأنه يشبه المنع كالغلق
وهذه فروع تتعلق بأحكام المسجد لا شك أن الدفع للفقراء أولى من تزيينه ولو قيل بأنه قربة ولا يحفر في المسجد بئر ولو كانت بئر قديمة كبئر زمزم تركت ولو حفر فتلف فيه شي إن حفر أهل المسجد أو غيرهم بإذنهم لا يضمن وإن كان بغير إذنهم ضمن أضر ذلك بأهله أولا ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نز والاسطوانات لا تستقر به فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع
____________________
(1/421)
ولا بأس بأن يتخذ فيه بيتا لمتاعه ولا يجوز أن يتخذه طريقا بغير عذر فإن كان بعذر لا بأس ولا يبزق فيه فيأخذ النخامة بثوبه ولو بزق كان فوق الحصير أسهل منه تحتها لأن ما تحتها مسجد حقيقة والحصر لها حكم المسجد وليست به حقيقة فإن لم يكن فيه بوار يدفنها في التراب ولا يدعها على وجه الأرض وكذا يكره أن يمسح رجله من الطين باسطوانته أو حائطه ولا بأس بأن يمسح ببردته أو قطعة خشب أو حصير ملقاة فيه والأولى أن لا يفعل وبتراب المسجد إن كان مجموعا لا بأس به وإن كان مبسوطا يكره وإذا نزح الماء النجس من البئر كره أن يبل به الطين فيطين به المسجد على قول من اعتبر نجاسة الطين وقد ذكرناه في باب الأنجاس ويكره التوضى في المسجد والمضمضة إلا أن يكون موضع اتخذ لذلك لا يصلي فيه ولا يجوز أن تعمل فيه الصنائع لأنه مخلص لله فلا يكون محلا لغير العبادة غير أنهم قالوا في الخياط إذا جلس فيه لمصلحته من دفع الصبيان وصيانة المسجد لا بأس به للضرورة ولا يدق الثوب عند طيه دقا عنيفا والذي يكتب إذا كان بأجر يكره وبغير أجر لا يكره هذا إذا كتب العلم والقرآن لأنه في عبادة أما هؤلاء المكتبون الذين تجتمع عندهم الصبيان واللغط فلا لو لم يكن لغط لأنهم في صناعة لا عبادة إذ هم يقصدون الإجادة ليس هو لله بل للإرتزاق ومعلم الصبيان القرآن كالكاتب إن كان لأجر لا وحسبة لا بأس به
ومنهم من فضل هذا إن كان لضرورة الحر وغيره لا يكره وإلا فيكره وسكت عن كونه بأجر أو غيره وينبغي حمله على ما إذا كان حسبة فأما إن كان بأجر فلا شك في الكراهة وعلى هذا فإذا كان حسبة ولا ضرورة يكره لأن نفس التعليم ومراجعة الأطفال لا تخلو عما يكره في المسجد والجلوس في المسجد بغير صلاة جائز لا للمصيبة والكلام المباح فيه مكروه يأكل الحسنات والنوم فيه مكروه وقيل لا بأس للغريب أن ينام فيه
وفي النهاية عن الحلواني أنه ذكر في الصوم عن أصحابنا يكره أن يتخذ في المسجد مكانا معينا يصلي فيه لأن العبادة تصير له طبعا فيه وتثقل في غيره والعبادة إذا صارت طبعا فسبيلها الترك ولذاكره صوم الأبد انتهى
فكيف بمن اتخذه لغرض آخر فاسد والله أعلم
____________________
(1/422)
& باب صلاة الوتر
قوله حيث لا يكفر جاحده لا يفيد إذ إثبات اللازم لا يستلزم إثبات الملزوم المعين إلا إذا ساواه وهو ههنا أعم فإن عدم الإكفار بالجحد لازم الوجوب كما هو لازم السنة والمدعي الوجوب لا الفرض وإن قصد الإستدلال بالمجموع منه مع عدم التأذين فأقرب على ما فيه فالثاني يستقل والحق أنه لم يثبت عندهما دليل الوجوب فنفياه وثبت عنده وهو الحديث المذكور
وقد روى عن عدة من الصحابة عمرو بن العاص وعقبة ابن عامر وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وخارجة ابن حذافة وأبي نضرة الغفاري فعن عقبة وعمرو رواه ابن راهويه في مسنده حدثنا سويد بن عبدالعزيز حدثنا قرة بن عبدالرحمن عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبدالله اليزني عن عمرو بن العاص وعقبة ابن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله زادكم صلاة هي لكم خير من حمر النعم الوتر وهي لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر وضعف ابن معين وغيره قرة وعن ابن عباس رواه الطبراني والدارقطني عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وضعفه الدارقطني بالنضر
وعن ابن عمر أخرجه الدارقطني في غرائب مالك وضعفه بحميد بن أبي الجون وهو إن الله زادكم صلاة وهي الوتر وعن الخدري رواه الطبراني وفيه أيضا مثل ما في حديثه عن ابن عباس وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الدارقطني وفيه أنه صلى الله عليه وسلم أمرنا فاجتمعنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله زادكم صلاة فأمرنا بالوتر وضعفه بمحمد بن عبيدالله العزرمي
وعن أبي نضرة رواه الحاكم من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن العاص قال سمعت أبا نضرة الغفاري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلى صلاة الصبح وسكت عنه وأعل بابن لهيع
ة وعن خارجة رواه الحاكم وأبو داود والترمذي وابن ماجه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله أمدكم بصلاة خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر قال الحاكم صحيح ولم يخرجاه لتفرد التابعي عن الصحابي وقول الترمذي غريب لا ينافي الصحة لما عرف ولذا يقول مرارا في كتابه حسن صحيح غريب وما نقل عن
____________________
(1/423)
البخاري من أنه أعله بقوله لا يعرف سماع بعض هؤلاء من بعض فبناء على اشتراطه العلم باللقى والصحيح الإكتفاء بإمكان اللقى
وإعلال ابن الجوزي له بابن إسحاق وبعبدالله بن راشد نقل تضعيف ابن راشد عن الدارقطني أما ابن إسحق فثقة ثقة لا شبهة عندنا في ذلك ولا عند محققي المحدثين ولو سلم فقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب
وأما ما نقله عن الدارقطني من تضعيف ابن راشد فغلطه فيه صاحب التنقيح لأن الدارقطني إنما ضعف عبدالله بن راشد البصري مولى عثمان بن عفان الراوي عن أبي سعيد الخدري وأما هذا راوي حديث خارجة فهو الروقي أبو الضحاك المصري ذكره ابن حبان في الثقات انتهى ومتابعة الليث والتصريح بكون الروقي كلاهما في إسناد النسائي للحديث المذكور في كتاب الكنى فتم أمر هذا الحديث على أتم وجه في الصحة ولو لم يكن هذا كان في كثرة طرقه المضعفة ارتفاع له إلى الحسن بل بعضها حسن حجة وهو طريق ابن راهوية وقرة إن قال أحمد فيه منكر الحديث فقد قال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا جدا وأرجو أن لا بأس به وقد ذكره ابن حبان في الثقات بقي الشأن في وجه الإستدلال به فقيل من لفظ زادكم فإن الزيادة لا تتحقق إلا عند حصر المزيد عليه والمحصور الفرائض لا النوافل ويشكل عليه ما ثبت بسند صحيح أخرجه الحاكم والبيهقي عنه صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر فإن اقتضى لفظ زادكم الحصر فإنه يجب في هذا كون المحصورة المزيدة عليها السنن الرواتب وحينئذ فالمحصورة أعم من الفرائض والسنن الراتبة فلا يستلزم لفظ زادكم كون المزيد فرضا لجواز كونه زيادة على المحصورة التي ليست بفرض أعني السنن وقد يكون هذا هو الصارف للمصنف عن التمسك بهذه الطريقة مع شهرتها بينهم إلى الإقتصار على التمسك بلفظ الأمر لكن لفظ الأمر إنما هو في حديث ابن لهيعة وعمرو بن شعيب وقد ضعف فالأولى التمسك فيه بما في أبي داود عن أبي المنيب عبيدالله العتكي عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر حق فمن لم يوتر ليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني ورواه الحاكم وصححه وقال أبو المنيب ثقة وثقه ابن معين أيضا
وقال
____________________
(1/424)
ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول صالح الحديث وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء وتكلم فيه النسائي وابن حبان وقال ابن عدي لا بأس به فالحديث حسن
وأخرج البزار عن حكام عن عنبسة عن جابر عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر واجب على كل مسلم وقال لا نعلمه يروي عن ابن مسعود إلا من هذا الوجه
فإن قيل الأمر قد يكون للندب والحق هو الثابت وكذا الواجب لغة ويجب الحمل عليه دفعا للمعارضة ولقيام القرينة الدالة عليه
أما المعارضة فما أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير وما أخرجاه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وقال له فيما قال فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة قال ابن حبان وكان بعثه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام يسيرة
وفي موطأ مالك أنه صلى الله عليه وسلم توفي قبل أن يقدم معاذ من اليمن وما أخرجه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قام بهم في رمضان فصلى ثمان ركعات وأوتر ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج إليهم فسألوه فقال خشيت أن تكتب عليكم الوتر هذه أحسن ما يعارض لهم به ولهم غيرها مما لم يسلم من ضعف أو عدم تمام دلالة
وأما القرينة الصارفة للوجوب إلى اللغوي فما في السنن إلا الترمذي قال صلى الله عليه وسلم الوتر حق واجب على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليوتر ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر ورواه ابن حبان والحاكم وقال على شرطهما وجه القرينة أنه حكم بالوجوب ثم خير فيه بين خصال إحداها أن يوتر بخمس فلو كان واجبا لكان كل خصلة تخير فيها تقع واجبة على ما عرف في الواجب المخير والإجماع على عدم وجوب الخمس فلزم صرفه إلى ما قلنا والجواب عن الأول أنه واقعة حال لا عموم لها فيجوز كون ذلك كان لعذر والإتفاق على أن الفرض يصلي على الدابة لعذر الطين والمطر ونحوه أو كان قبل وجوبه لأن وجوبه لم يقارن وجوب الخمس بل متأخر
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل للوتر
روى الطحاوي عن حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فدل أن وتره ذلك كان إما حالة عدم وجوبه أو للعذر
وفي شرح الكنز أنه لا يجوز على أصلهم أن الوتر فرض على النبي صلى الله عليه وسلم
ومن العجب أنهم يزعمون جواز هذا الفرض على الراحلة ثم يقولون لخصمهم لو كان فرضا لما أدى على الراحلة انتهى وهو غير لازم أما الأول فلأن المرجح عندهم نسخ وجوبه في حقه صلى الله عليه وسلم وأما الثاني فيصح قولهم ذلك على وجه الإلزام فإنا لا نقول بجوازه على الدابة لوجوبه وعن الثاني أنه لم لا يجوز أن يكون الوجوب كان بعد سفره وعن الثالث كالأول في أنه يجوز كونه قبل وجوبه أو المراد المجموع من صلاة الليل المختتمة بوتر ونحن نقول بعدم وجوبه وذلك أنهم كانوا يطلقون على صلاة الليل كذلك ذلك لأن المجموع حينئذ فرد وذلك وتر لا شفع وسيأتي في باب النوافل ما يصرح بذلك للمتأمل بل هذه الإرادة ظاهرة من نفس الحديث المورد فإنه صلى بهم ثمان ركعات وأوتر ثم تأخر في القابلة يعني عما فعله في السابقة البتة وعلل تأخره عن ذلك بخشية أن يكتب الوتر فكان المراد بالوتر ظاهر الصلاة التي فعلت مختتمة بالوتر ويدل
____________________
(1/425)
على ذلك ما صرح به في رواية البجلي بهذا الحديث من قوله خشية أن تكتب عليكم صلاة الليل وعن القرينة المدعاة أن ذلك كان قبل أن يستقر أمر الوتر فيجوز كونه كان أولا كذلك وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منها إلا في آخرها فدل أن الوتر كان أولا خمسة وأجمعنا على أنه يجلس على رأس كل ركعتين وهو يفيد خلافه
ويدل على ذلك أيضا ما في الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قال لا توتر بثلاث أوتر بخمس أو سبع والإيتار بثلاث جائز إجماعا فعلم أن هذا وما شاكله كان قبل أن يستقر أمر الوتر وكيف يحمل على اللغوي وهو محفوف بما يؤكد مقتضاه من الوجوب وهو قوله صلى الله عليه وسلم فمن لم يوتر فليس مني مؤكد بالتكرار ثلاثا على ما تقدم قوله ولهذا وجب القضاء بالإجماع أي ثبت وإلا فوجوب القضاء محل النزاع أيضا والمعنى أنه صلاة مقضية مؤقتة فتجب كالمغرب أما إنها مؤقتة فلأن المستحب في وقتها السحر وذلك أشد ما يكون كراهة في العشاء فلو كان سنة تبعا للعشاء لم يتخالف وقتهما في الصفة بل كان المستحب فيه المستحب فيه قوله وهو المعنى بما روى عن أبي حنيفة أنه سنة وعنه أنه فرض أي عملي وهو الواجب فعنه ثلاث روايات والمراد بها واحد وهو الوجوب
وفي الفتاوى لو اجتمعت أهل قرية على ترك الوتر أدبهم أو حبسهم فإن لم يمتنعوا قاتلهم فإن امتنعوا عن أداء السنن قال مشايخ بخارى يقاتلهم كالفرائض قوله لما روت عائشة رضي الله عنها روى الحاكم وقال على شرطهما عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن وكذا روى النسائي عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر وأخرج الحاكم قيل للحسن إن ابن عمر كان يسلم في الركعتين من الوتر فقال كان عمر أفقه منه وكان ينهض في الثانية بالتكبير انتهى
وسكت عنه
وروى
____________________
(1/426)
الطحاوي عن روح بن الفرج عن شريك عن مخول عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى إلى آخر ما في حديث عائشة المروي في السنن الأربعة وصحيح ابن حبان والمستدرك كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين وظاهر هذا وصل الثالثة لجعله الأولى بعض الوتر في قوله من الوتر وإلا لقالت فيه وفي الركعة الوتر وأما قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى فليس فيه دلالة على أن الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة لنحتاج إلى الإشتغال بجوابه إذ يحتمل كلا من ذلك ومن كونه إذا خشي الصبح صلى واحدة متصلة فأنى يقاوم الصرائح التي ذكرناها وغيرها كثير تركناه لحال الطول مع أن أكثر الصحابة عليه
قال الطحاوي حدثنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا أبو خالد قال سألت أبا العالية عن الوتر فقال علمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوتر مثل صلاة المغرب هذا وتر الليل وهذا وتر النهار وقال حدثنا ابن مرزوق حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت قال صلى بنا أنس الوتر أنا عن يمينه وأم ولده خلفنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن
على أن لفظ الحديث لو كان كما قالوه يفيد تقيد جعلها واحدة بالضرورة وهي خشية طلوع الفجر خصوصا على قولهم من حجية مفهوم الشرط وعلى قولنا المتقرر نفى شرعيتها فإذا أبيحت بشرط تبقى فيما وراءه على العدم لكنا لا نجيزها أيضا لذلك عند خشية الصبح لأنه أحد محتمليه المتساويين كما قلنا فلا يجوز الحمل عليه بعينه لما ثبت به من المخالفة بين روايات فعله صلى الله عليه وسلم مع أنه تحكم عند تساوي الإحتمالين فتم المطلوب غير متوقف على ثبوت النهي عن البتيراء على أنه لو صح شرعيتها لم يلزم كون الوتر إياها إلا بدليل يخص ذلك كما أن الشفع مشروع ولا يمكن ادعاء كون بعض الفرائض بخصوصه إياه إلا بدليل وقد بينا أن الثابت كونه ثلاثا كالمغرب وكذا صح عن ابن مسعود وتر الليل ثلاث كوتر النهار وإنما ضعفوا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرفعه عن الأعمش عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا يحيى بن أبي الحواجب وقد ضعف
واعلم أن فيما روينا قراءته صلى الله عليه وسلم في الثالثة بسورة الإخلاص والمعوذتين ولم يذكر أصحابنا سوى قراءة الإخلاص وذلك لأن أبا حنيفة رحمه الله روى في مسنده عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد قوله وحكى الحسن إجماع المسلمين في مصنف ابن أبي شيبة حدثنا حفص حدثنا عمرو عن الحسن قال
____________________
(1/427)
اجتمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن وعمرو هذا الظاهر أنه ابن عبيد فإنه صرح به في إسناد آخر مثل هذا وقال الطحاوي حدثنا أبو العوام محمد بن عبدالله بن عبدالجبار المرادي حدثنا خالد بن نزار الإيلي حدثنا عبدالرحمن بن أبي زياد عن أبيه عن الفقهاء السبعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبدالرحمن وخارجة بن زيد وعبيدالله بن عبدالله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم أهل فقه وصلاح فكان مما وعيت عنهم أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن قوله وقال الشافعي رحمه الله بعده أي بعد الركوع من الوتر ههنا ثلاث خلافيات إحداها أنه إذا قنت في الوتر يقنت قبل الركوع أو بعده والثانية أن القنوت في الوتر في جميع السنة أو في النصف الأخير من رمضان والثالثة هل يقنت في غير الوتر أولا له في الأولى ما روى الدارقطني عن سويد بن غفلة قال سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله تعالى عنهم يقولون قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك وقوله وهو بعد الركوع من كلام المصنف على لسان الخصم ولهم ما هو أنص من ذلك وهو ما رواه الحاكم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما وصححه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره وسنذكره في القنوت قوله ولنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع و لو قال كان يقنت كان أولى
قال النسائي وابن ماجه حدثنا علي بن ميمون الرقي حدثنا مخلد بن يزيد عن سفيان عن زبيد اليامي عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع انتهى لابن ماجه
ولفظ النسائي كان يوتر بثلاث يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد ويقنت قبل الركوع انتهى
وزاد في سننه فإذا فرغ قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يطيل في آخرهن ثم قال وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد اليامي ولم يقل فيه وقنت قبل الركوع يريد بغير واحد من الرواة عن زبيد الذين لم يذكروا القنوت الأعمش وشعبة وعبدالملك بن أبي سليمان وجرير بن حازم لكن غايته أنه تفرد العدل بالزيادة وزيادة العدل مقبولة وقد أخرج الخطيب في كتاب القنوت له حديث أبو الحسن أحمد ابن محمد الأهوازي أنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أحمد بن الحسين بن عبدالملك حدثنا منصور بن أبي نويرة عن شريك عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع وذكره ابن الجوزي في التحقيق وسكت عنه وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن مسلم حدثنا العلاء بن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس قال أوتر النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/428)
بثلاث فقنت فيها قبل الركوع وأخرج الطبراني في الأوسط حدثنا محمود بن محمد المروزي حدثنا سهيل ابن العباس الترمذي حدثنا سعيد بن سالم القداح عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع وقول أبي نعيم غريب من حديث حبيب والعلاء تفرد به عطاء بن مسلم وقول الطبراني لم يروه عن عبيدالله إلا سعيد بن سالم لا يوجب البعد لما قلنا في كلام النسائي بل قد حصل من انفراد سفيان الثوري عن زبيد ومن تفرد عطاء بن مسلم عن العلاء ومن تفرد سعيد عن عبيدالله مع حديث ابن مسعود الذي سكت عليه في التحقيق تظافر كثير مع أن كل طريق منها إما حسن أو صحيح وما في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع فالمراد منه أن ذلك كان شهرا فقط بدليل ما في الصحيح عن عاصم الأحول سألت أنسا عن القنوت في الصلاة قال نعم فقلت أكان قبل الركوع أو بعده قال قبله قلت فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعده قال كذب إنما قنت صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا انتهى وعاصم كان ثقة جدا ولا معارضة محتمة في ذلك مع ما رواه أصحاب أنس بل هذه تصلح مفسرة للمراد بمرويهم أنه قنت بعده ومما يحقق ذلك أن عمل الصحابة وأكثرهم كان على وفق ما قلنا قال ابن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هرون عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع ولما ترجح ذلك خرج ما بعد الركوع من كونه محلا للقنوت فلذا روى عن أبي حنيفة أنه لو سها عن القنوت فتذكره بعد الإعتدال لا يقنت ولو تذكر في الركوع فعنه روايتان إحداهما لا يقنت والأخرى يعود إلى القيام فيقنت والذي في فتاوى قاضيخان والصحيح أنه لا يقنت في الركوع ولا يعود إلى القيام فإن عاد إلى القيام وقنت ولم يعد الركوع لم تفسد صلاته لأن ركوعه قائم لم يرتفض وفي الخلاصة بعد ما ذكر الروايتين قال في رواية يعود ويقنت ولا يعيد الركوع وعليه السهو قنت أو لم يقنت وهذا يحقق خروج القومة عن المحلية بالكلية إلا إذا اقتدى بمن يقنت في الوتر بعد الركوع فإنه يتابعه اتفاقا أما لو نسي السورة والقنوت فلا شك أنه يعود إذا تذكر في الركوع فيقرؤهما ويرتفض الركوع فلو لم يركع بطلت وأجمعوا على أن المسبوق بركعتين إذا قنت مع الإمام في الثالثة لا يقنت مرة أخرى وعن أبي الفضل تسويته بالشاك وسيأتي في سجود السهو ولو سبقه الإمام فركع وهو لم يفرغ يتابعه ولو ركع الإمام وترك القنوت ولم يقرأ المأموم منه شيئا إن خاف فوت الركوع يركع وإلا قنت ثم ركع الخلافية الثانية له فيها ما رواه أبو داود أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر يعني رمضان ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني فإذا كان العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته وللمتن طريق آخر ضعفها النووي في الخلاصة وما أخرج ابن عدي عن أنس كان صلى الله عليه وسلم يقنت في النصف من رمضان الخ ضعيف بأبي عاتكة وضعفه البيهقي مع أن القنوت فيه وفيما قبله يحتمل كونه طول القيام فإنه يقال عليه تخصيصا للنصف الأخير بزيادة الإجتهاد فهذا المعنى يمنع تبادر المتنازع فيه بخصوصه ولنا ما ذكره في الكتاب من قوله صلى الله عليه وسلم للحسن اجعله في وترك وهو بهذا اللفظ غريب والمعروف ما أخرجوه في السنن
____________________
(1/429)
الأربعة عن بريد بن أبي مريم عن أبي الجوزاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر وفي لفظ في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت وتعاليت حسنه الترمذي ورواه ابن حبان والبيهقي وزاد فيه بعد واليت ولا يعز من عاديت وزاد النسائي بعد وتعاليت وصلى الله على النبي قال النووي إسناده صحيح أو حسن ورواه الحاكم وقال فيه إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود كما قدمناه
وأخرج الأربعة أيضا وحسنه الترمذي عن علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخره وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولا شك أن فيما قدمناه في الخلافية قبل هذه ما هو أنص على المواظبة على قنوت الوتر من هذا فأرجع إليه تستغن عن هذا في هذا المطلوب
وإنما يحتاج إليه في إثبات وجوب القنوت وهو متوقف على ثبوت صيغة الأمر فيه أعني قوله اجعل هذا في وترك والله أعلم به فلم يثبت لي ومنهم من حاول الإستدلال بالمواظبة المفادة من الأحاديث وهو متوقف على كونها غير مقرونة بالترك مرة لكن مطلق المواظبة أعم من المقرونة به أحيانا وغير المقرونة ولا دلالة للأعم على الأخص وإلا لوجبت هذه الكلمات عينا أو كانت أولى من غيرها لكن المتقررعندهم ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت فقال يا محمد إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا وإنما بعثك رحمة للعالمين ليس لك من الأمر شيء ثم علمه القنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق وعن طائفة من المشايخ أنه لا يؤقت في دعاء القنوت لأنه حينئذ يجري على اللسان من غير صدق رغبة فلا يحصل به المقصود قال آخرون ذلك في غير اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة اتفقوا عليه ولو قرأ غيره جاز والأولى أن يقرأ بعده قنوت الحسن اللهم اهدني فيمن هديت ولأنه ربما يجري على اللسان ما يشبه كلام الناس إذا لم يؤقت فتفسد الصلاة ثم إذا شرع في دعاء القنوت قال اللهم اهدني فيمن هديت لم يذكر رفع اليدين فيه والذي في ترجمة أبي يوسف قال أحمد بن أبي عمران الفقيه حدثني فرج مولى أبي يوسف قال رأيت مولاي أبا يوسف إذا دخل في القنوت للوتر رفع يديه في الدعاء قال ابن أبي عمران كان فرج ثقة انتهى ووجهه عموم دليل الرفع للدعاء ويجاب بأنه مخصوص بما ليس في الصلاة للإجماع على أنه لا رفع في دعاء التشهد ومن لا يحسن القنوت يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقال أبو الليث يقول اللهم اغفر لي ويكرر ثلاثا انتهى
وحديث لا ترفع الأيدي إلى في سبع مواطن تقدم الكلام عليه في صفة الصلاة
الخلافية الثالثة له فيها حديث أبي جعفر الرازي عن أنس ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا رواه الدارقطني وغيره وفي البخاري عن أبي هريرة قال لأنا أقربكم صلاة برسول
____________________
(1/430)
الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار
وحديث ابن أبي فديك عن عبدالله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه فيدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت وتعاليت وفي هذا مع ما قدمناه من حديث الحسن ما يصرح بأن قولهم اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا بالجمع خلاف المنقول لكنهم لفقوه من حديث في حق الإمام عام لا يخص القنوت ولا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك وهو إمام لأنه لم يكن يصلي الصبح منفردا ليحفظه الراوي منه في تلك الحالة مع أن اللفظ المذكور في الحديث يفيد المواظبة على ذلك وقال الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ إنه روى يعني القنوت في الفجر عن الخلفاء الأربعة وغيرهم مثل عمار بن ياسر وأبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وابن عباس وأبي هريرة والبراء بن عازب وأنس وسهل بن سعد الساعدي ومعاوية بن أبي سفيان وعائشة رضي الله عنهم وقال ذهب إليه أكثر الصحابة والتابعين وذكر جماعة من التابعين والجواب أولا أن حديث ابن أبي فديك الذي هو النص في مطلوبهم ضعيف فإنه لا يحتج بعبدالله هذا ثم نقول في دفع ما قبله إنه منسوخ كما صرح المصنف به قريبا تمسكا بما رواه البزار وابن أبي شيبة والطبراني والطحاوي كلهم من حديث شريك القاضي عن أبي حمزة القصاب عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح إلا شهرا ثم تركه لم يقنت قبله ولا بعده وأعلوه بالقصاب تركه أحمد بن حنبل وابن معين وضعفه عمرو بن علي الفلاس وأبو حاتم وحاصل تضعيفهما إياه أنه كان كثير الوهم فلا يكون حديثه رافعا لحكم ثابت بالقوى قلنا بمثل هذا ضعف جماعة أبا جعفر قال ابن المديني فيه كان يخلط وقال ابن معين كان يخطىء وقال أحمد ليس بالقوي وقال أبو زرعة كان يهم كثيرا وقال ابن حبان كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير فكافأه القصاب ثم يقوى ظن ثبوت ما رواه القصاب بأن شبابة روى عن قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قال قلنا لأنس بن مالك رضي الله عنه إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت بالفجر فقال كذبوا إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا واحدا يدعو على أحياء من أحياء المشركين فهذا عن أنس صريح في مناقضة رواية أبي جعفر عنه وفي أنه منسوخ وقيس هذا وإن كان يحيى بن معين ضعفه فقد وثقه غيره وليس بدون أبي جعفر بل مثله أو أرفع منه فإن الذين ضعفوا أبا جعفر أكثر ممن ضعف قيسا وإنما يعرف تضعيف قيس عن ابن معين وذكر سبب تضعيفه قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم سألت يحيى عن قيس بن الربيع فقال ضعيف لا يكتب حديثه فإنه يحدث بالحديث عن عبيدة وهو عنده عن منصور وهذا لا يوجب رد حديثه إذ غايته أنه غلط في ذكر عبيدة بدل منصور ومن سلم من مثل هذا من المحدثين كذا قيل وفيما قاله نظر فقد ضعفه غير يحيى قال النسائي متروك وقال الدارقطني ضعيف وعن أحمد كان كثير الخطأ وله أحاديث منكرة وكان وكيع وابن المديني يضعفانه وتكلم فيه يحيى بن سعيد القطان لكن كان شعبة يثني عليه حتى قال من يعذرني من يحيى لا يرضى
____________________
(1/431)
قيس بن الربيع وقال معاذ بن معاذ قال لي شعبة ألا ترى إلى قيس بن سعيد القطان يتكلم في قيس بن الربيع ووالله ما له إلى ذلك سبيل وقال أبو قتيبة قال لي شعبة عليك بقيس بن الربيع وقال ابن حبان سبرت أخبار قيس بن الربيع من روايات القدماء والمتأخرين وتتبعتها فرأيته صدوقا في نفسه مأمونا حيث كان شابا فلما كبر ساء حفظه وامتحن بولد سوء يدخل عليه وسرد ابن عدي له جملة ثم قال ولقيس غير ما ذكر من الحديث وعامة رواياته مستقيمة وقال أبو حاتم محله الصدق وليس بقوي قال الذاهبي القول ما قاله شعبة وأنه لا بأس به فلا ينزل بذلك عن أبي جعفر الرازي ويزداد اعتضاده بل يستقل بإثبات ما نسبناه لأنس ما رواه الخطيب في كتاب القنوت من حديث محمد بن عبدالله الأنصاري حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا القوم أو دعا عليهم وهذا سند صحيح قاله صاحب تنقيح التحقيق وأما ما أخرجه الخطيب عن أنس في كتابه هذا مما يخالف ذلك نحو ما أخرجه عن دينار بن عبدالله خادم أنس ما زال صلى الله عليه وسلم يقنت حتى مات وغيره فقد شنع عليه أبو الفرج بن الجوزي بسبب ذلك وبلغ فيه الغاية ونسبه إلى ما ينبغي صون كتابنا عنه بسبب أنه يعلم أنها باطلة وقد اشتهر بعض الرواة فيها بالوضع على أنس وقال صلى الله عليه وسلم من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين أسلفناه في الخلافية السابقة من قول أنس لعاصم حين سأله عن القنوت نعم ثم ذكر له أن فلانا قال بعده فقال كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا إنما يقتضي بقاء القنوت قبل الركوع في الصلاة في الفجر ونحن نقول به إذ نقول ببقائه في الوتر لأنه إنما سأله عن القنوت في الصلاة ولو كان عارضه ما رويناه عنه وأنص من ذلك في النفي العام ما أخرجه أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفجر قط إلا شهرا واحدا لم ير قبل ذلك ولا بعده وإنما قنت في ذلك الشهر يدعو على ناس من المشركين فهذا لا غبار عليه ولهذا لم يكن أنس نفسه يقنت في الصبح كما رواه الطبراني قال حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا غالب بن فرقد الطحان قال كنت عند أنس بن مالك رضي الله عنه شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة
وإذا ثبت النسخ وجب حمل الذي عن أنس من رواية أبي جعفر ونحوه إما على الغلط أو على طول القيام فإنه يقال عليه أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت أي القيام ولا شك أن صلاة الصبح أطول الصلوات قياما والإشكال نشأ من اشتراك لفظ القنوت بين ما ذكر وبين الخضوع والسكوت والدعاء وغيرها أو يحمل على قنوت النوازل كما اختاره بعض أهل الحديث من أنه لم يزل يقنت في النوازل وهو ظاهر ما قدمناه عن أنس كان لا يقنت إلا إذا دعا الخ وسننظر فيه ويكون قوله ثم ترك في الحديث الآخر يعني الدعاء على أولئك القوم لا مطلقا
وأما قنوت أبي هريرة المروي فإنما أراد بيان أن القنوت والدعاء للمؤمنين وعلى الكافرين وقد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أنه مستمر لاعترافهم بأن القنوت المستمر ليس يسن فيه الدعاء لهؤلاء وعلى هؤلاء في كل صبح ومما يدل على أن هذا أرادوا إن كان غير ظاهر لفظ الراوي ما ثبت عنه ما أخرجه ابن حبان عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله
____________________
(1/432)
عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم وهو سند صحيح فلزم أن مراده ما قلنا أو بقاء قنوت النوازل لأن قنوته الذي رواه كان كقنوت النوازل وكيف يكون القنوت سنة راتبة جهرية وقد صح حديث أبي مالك سعد بن طارق الأشجعي عن أبيه صلت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني إنها بدعة رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه ولفظ ابن ماجه عن أبي مالك قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بالكوفة نحوا من خمس سنين أكانوا يقنتون في الفجر قال أي بني محدث وهو أيضا ينفي قول الحازمي في أن القنوت عن الخلفاء الأربعة وقوله إن عليه الجمهور معارض بقول حافظ آخر إن الجمهور على عدمه وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا لا يقنتون في الفجر وأخرج عن علي أنه لما قنت في الصبح أنكر الناس عليه فقال استنصرنا على عدونا وفيه زيادة أنه كان منكرا عند الناس وليس الناس إذ ذاك إلا الصحابة والتابعين وأخرج عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير أنهم كانوا لا يقنتون في صلاة الفجر وأخرج عن ابن عمر أنه قال في قنوت الفجر ما شهدت وما علمت وما أسند الحازمي عن سعيد بن المسيب أنه ذكر له قول ابن عمر في القنوت فقال أما إنه قنت مع أبيه ولكنه نسي ثم أسند عن ابن عمر أنه كان يقول كبرنا ونسينا ائتوا سعيد بن المسيب فاسألوه مدفوع بأن عمر لم يقنت بما صح عنه مما قدمناه وقال محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد أنه صحب عمر بن الخطاب سنتين في السفر والحضر فلم يره قانتا في الفجر
وهذا سند لا غبار عليه ونسبة ابن عمر إلى النسيان في مثل هذا في غاية البعد وإنما يقرب ادعاؤه في الأمور التي تسمع وتحفظ أو الأفعال التي تفعل أحيانا في العمر أما فعل يقصد الإنسان إلى فعله كل غداة مع خلق كلهم يفعله ثم من صبح إلى صبح ينساه بالكلية ويقول ما شهدت ولا علمت ويتركه مع أنه يصبح فيرى غيره يفعله فلا يتذكر فلا يكون
____________________
(1/433)
مع شيء من العقل وبما قدمناه إلى هنا انقطع بأن القنوت لم يكن سنة راتبة إذ لو كان راتبة يفعله صلى الله عليه وسلم كل صبح يجهر به ويؤمن من خلفه أو يسر به كما قال مالك إلى أن توفاه الله تعالى لم يتحقق بهذا الإختلاف بل كان سبيله أن ينقل كنقل جهر القراءة ومخافتتها وإعداد الركعات فإن مواظبته على وقوفه بعد فراغ جهر القراءة زمانا ساكتا فيما يظهر كقول مالك مما يدركه من خلفه وتتوفر دواعيهم على سؤاله أن ذلك لماذا وأقرب الأمور في توجيه نسبة سعيد النسيان لابن عمر إن صح عنه أن يراد قنوت النازلة فإن ابن عمر رضي الله عنه نفى القنوت مطلقا فقال سعيد قنت مع أبيه يعني في النازلة ولكنه نسي فإن هذا شيء لا يواظب عليه لعدم لزوم سببه
وقد روى عن الصديق رضي الله عنه أنه قنت عند محاربة الصحابة مسيلمة وعند محاربة أهل الكتاب وكذلك قنت عمر وكذا علي في محاربة معاوية ومعاوية في محاربته إلا أن هذا ينشيء لنا أن القنوت للنازلة مستمر لم ينسخ وبه قال جماعة من أهل الحديث وحملوا عليه حديث أبي جعفر عن أنس ما زال يقنت حتى فارق الدينا أي عند النوازل وما ذكرنا من أخبار الخلفاء يفيد تقرره لفعلهم ذلك بعده صلى الله عليه
____________________
(1/434)
وسلم وما ذكرناه من حديث أبي مالك وأبي هريرة وأنس وباقي أخبار الصحابة لا يعارضه بل إنما تفيد نفي سنيته راتبا في الفجر سوى حديث أبي حمزة حيث قال لم يقنت قبله ولا بعده وكذا حديث أبي حنيفة رضي الله عنه فيجب كون بقاء القنوت في النوازل مجتهدا وذلك أن هذا الحديث لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم من قوله أن لا قنوت في نازلة بعد هذه بل مجرد العدم بعدها فيتجه الإجتهاد بأن يظن أن ذلك إنما هو لعدم وقوع نازلة بعدها يستدعي القنوت فتكون شرعيته مستمرة وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وبأن يظن رفع الشرعية نظرا إلى سبب تركه صلى الله عليه وسلم وهو أنه لما نزل قوله تعالى { ليس لك من الأمر شيء } ترك والله سبحانه أعلم قوله يتابعه كتكبيرات العيدين وسجود السهو إذااقتدى بمن يزيد على الثلاث ويسجد قبل السلام يتابعه كذا هذا قلنا المتابعة إنما تجب في الفصل المجتهد فيه وما نحن فيه إما مقطوع بنسخه أو بعدم كونه سنة من الأصل وإن الذي كان في الفجر إنما كان قنوت نازلة وانقطع بزوالها لما قلنا أنه لو كان سنة راتبة ظاهرة الظهور المذكور بالمواظبة على الجهر أو السكوت بعد القراءة إلى أن توفى الله تعالى نبيه لم يختلف فيه ولنقل نقل أعداد الركعات فإن كان الأول فظاهر وإن كان الثاني فكذلك لاتحاد اللازم له وللنسخ من عدم جواز الإجتهاد فيه لأن ذلك في النسخ للعلم برفع حكمه وقد علمنا على التقدير الثاني ارتفاع حكمه فهو أولى بعدم تسويغ الإجتهاد فيه قوله لأن الساكت شريك الداعي مشترك الإلزام بأن الجالس أيضا ساكت فلا بد من تقييد مشاركته الداعي بحال موافقته في خصوص هيئة الداعي لكنه يقتضي أنه إنما يكون مشاركا له إذا رفع يديه مثله لأنها من هيئة الإمام إلا أن يلغي ذلك ويقال مجرد الوقوف خلف الداعي الواقف ساكتا يعد شركة له في ذلك عرفا رفع يديه مثله أولا وهو حق قوله والأول أظهر الوجوب المتابعة في غير القنوت وشركته عرفا لا توجب شركته عند الله تعالى حتى يكون عند الله تعالى قانتا في الفجر
____________________
(1/435)
فرع المسبوق الذي أدرك الإمام في الثالثة لا يقنت فيما يقضي قوله ودلت المسئلة على جواز الإقتداء بالشفعوية وفي بعض النسخ بالشافعية وهو الصواب لما عرف من وجوب حذف ياء النسب إذا نسب إلى ما هي فيه ووضع الياء الثانية مكانها حتى تتحد الصورة قبل النسبة الثانية وبعدها والتمييز حينئذ من خارج ثم وجه الدلالة في الأول أن اختلافهم في أنه يتابعه أولا فيقف ساكتا أو يقعد ينتظره حتى يسلم معه أو يسلم قبله ولا ينتظر في السلام اتفاق على أنه كان مقتديا إذ ذاك وهو فرع صحة اقتدائه ثم إطلاق القانت يشمل الشافعي وغيره ووجه الدلالة في الثانية أن اختلافهم في المتابعة في قنوت هو بدعة اتفاق على المتابعة في قنوت مسنون وفيه نظر إذ لا ملازمة بين منع المتابعة في قنوت بدعي وتجويزها في مسنون لجواز أن تمتنع فيهما بل الوجه أن المانع إنما علل بنسخه فعلم أنه لو كان غير منسوخ لجازت وإلا لقال مثلا لا يتابعه لأنه ذكر لا يتابع فيه المأموم إمامه كالقراءة والتسميع فلما لم يعلل قط إلا بذلك كان ظاهرا في أنه علة مساوية عنده ثم في كل من الحكمين خلاف أما الأول فقال أبو اليسر اقتداء الحنفي بشافعي غير جائز لما روى مكحول النسفي في كتاب له سماه الشعاع أن رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه مفسد بناء على أنه عمل كثير حيث أقيم باليدين والمصنف أخذ الجواز قبلهم من جهة الرواية من هذه المسئلة فإنها تفيد صحة الإقتداء وبقاءه إلى وقت القنوت فتعارض تلك وتقدم هذه لشذوذ تلك صرح بشذوذها في النهاية في غير هذا الموضع وأيضا فالفساد عند الركوع لا يقتضي عدم صحة الإقتداء من الإبتداء مع أن عروض البطلان غير مقطوع به لأن الرفع جائز الترك عندهم ولو تحقق فالعمل الكثير المختار فيه ما لو رآه شخص من بعيد ظنه ليس في الصلاة
ومنهم من قيد جواز الإقتداء بهم كقاضيخان بأن لا يكون متعصبا ولا شاكا في إيمانه ويحتاط في موضع الخلاف كأن يتوضأ من الخارج النجس ويغسل ثوبه من المنى ويمسح ربع رأسه في أمثال هذه ولا يقطع الوتر ولا يخفى أن تعصبه إنما يوجب فسقه ولا مسلم يشك في إيمانه وقول إن شاء الله يقولونها للتبرك لا للشرط أوله باعتبار إيمان الموافاة
وذكر شيخ الإسلام إذا لم يعلم منه هذه الأشياء بيقين يجوز الإقتداء به والمنع إنما هو لمن شاهد ذلك ولو غاب عنه ثم
____________________
(1/436)
رآه يصلي يعني بعد ما شاهد تلك الأمور الصحيح أنه يجوز الإقتداء به والذي قبل هذا يفيد أنه لا يصح الإقتداء به إذا عرف من حاله أنه لم يحتط في مواضع الخلاف سواء علم حاله في خصوص ما يقتدي به فيه أولا هذا ولم يذكر الفساد بالنظر إلى الإمام بأن شاهده مس ذكره أو امرأة ولم يتوضأ وصلى وهو ممن يرى الوضوء من ذلك والأكثر على أنه يجوز وهو الأصح ومختار الهندواني وجماعة أنه لا يجوز لأن اعتقاد الإمام أنه ليس في الصلاة ولا بناء على المعدوم قلنا المقتدي يرى جوازها والمعتبر في حقه رأى نفسه لا غيره وقول أبي بكر الرازي إن اقتداء الحنفي بمن يسلم على رأس الركعتين في الوتر يجوز ويصلي معه بقيته لأن إمامه لم يخرج بسلامه عنده لأنه مجتهد فيه كما لو اقتدى بإمام قد رعف يقتضي صحة الإقتداء وإن علم منه ما يزعم به فساد صلاته بعد كون الفصل مجتهدا فيه وقيل إذا سلم الإمام على رأس الركعتين قام المقتدي فأتم منفردا وكان شيخنا سراج الدين يعتقد قول الرازي وأنكر مرة أن يكون فساد الصلاة بذلك مرويا عن المتقدمين حتى ذكرته بمسألة الجامع في الذين تحروا في الليلة المظلمة وصلى كل إلى جهة مقتدين بأحدهم فإن جواب المسئلة أن من علم منهم بحال إمامه فسدت لاعتقاد إمامه على الخطأ وما ذكر في الإرشاد لا يجوز الإقتداء في الوتر بإجماع أصحابنا لأنه اقتداء المقترض بالمتنفل يخالفه ما تقدم من اشتراط المشايخ في الإقتداء بشافعي في الوتر أن لا يفصله فإنه يقتضي صحة الإقتداء عند عدم فصله
وفي الفتاوى اقتداء حنفي في الوتر بمن يرى أنه سنة قال الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يصح لأن كلا يحتاج إلى نية الوتر فلم تختلف نيتهما فأهدر اختلاف الإعتقاد في صفة الصلاة واعتبر مجرد اتحاد النية لكن قد يستشكل إطلاقه بما ذكره في التجنيس وغيره من أن الفرض لا يتأدى بنية النفل ويجوز عكسه وبنى عليه عدم جواز صلاته من صلى الخمس سنين ولم يعرف النافلة من المكتوبة مع اعتقاده أن منها فرضا ومنها نفلا فأفاد أن مجرد معرفة اسم الصلاة ونيتها لا يجوزها فإن فرض المسئلة أنه صلى الخمس ويعتقد أن من الخمس فرضا ونفلا وهذا فرع تعينها عنده بأسمائها من صلاة الظهر وصلاة العصر إلى آخره ولأن جواب المسئلة بعدم الجواز مطلقا إنما هو بناء على عدم جواز الفرض بنية النفل أعم من أن يسميها أولا فإنه إذا سماها بالظهر واعتقاده أن الظهر نفل فهو بنية الظهر ناو نفلا مخصوصا فلا يتأدى به الفرض فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز وتر الحنفي اقتداء بوتر الشافعي بناء على أنه لم يصح شروعه في الوتر لأنه بنيته إياه إنما نوى النفل الذي هو الوتر فلا يتأدى الواجب بنية النفل وحينئذ فالإقتداء به فيه بناء على المعدوم في زعم المقتدي
نعم يمكن أن يقال لو لم يخطر بخاطره عند النية صفته من السنية أو غيرها بل مجرد الوتر ينتفي المانع فيجوز لكن إطلاق مسئلة التجنيس يقتضي أنه لا يجوز وإن لم يخطر بخاطره نفليته وفرضيته بعد أن كان المتقرر في اعتقاد نفليته وهو غير بعيد للمتأمل
____________________
(1/437)
وأما الثاني فعن محمد يقنت الإمام وسكت المقتدي وهذا كقول بعضهم في القنوت يتحمله الإمام عن المقتدي كالقراءة ويجهر به والأصح أنه يقنت كالإمام ثم هل يجهر به الإمام اختاره أبو يوسف في رواية ويتابعونه إلى بالكفار ملحق وإذا دعا الإمام يعني اللهم اهدني فيمن هديت أو غيره بعد ذلك هل يتابعونه ذكر في الفتاوى خلافا بين أبي يوسف ومحمد في قول محمد لا ولكن يؤمنون وقال بعضهم إن شاوءا سكتوا وقال الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل عندي يخفى الإمام وكذا المقتدي لأنه ذكر كسائر الأذكار وثناء الإفتتاح ولم يذكر هذا في ظاهر الرواية وهل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعده اختلفوا فيه قيل لا وقيل نعم لأنه سنة الدعاء ونحن قد أوعدناك من رواية النسائي ثبوت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أعني قوله وصلى الله على النبي ولا ينبغي أن يعدل عن هذا القول
وأما المنفرد ففي البدائع نقلا عن شرح مختصر الطحاوي للقاضي أنه مخير فيه بين الجهر والإخفاء كالقراءة والذي يقتضيه اختيار من اختار الإخفاء واختاره المصنف تبعا لابن الفضل رحمه الله الإخفاء وهو الأولى وفي الحديث خير الذكرالخفي ولأنه المتوارث في مسجد أبي حفص الكبير وهو من أصحاب محمد فهو ظاهر في أنه علمه من محمد في القنوت
فرع أوتر قبل النوم ثم قام من الليل فصلى لا يوتر ثانيا لقوله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة ولزمه ترك المستحب المفاد بقوله صلى الله عليه وسلم اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا لأنه لا يمكن شفع الأول لامتناع التنفل بركعة أو ثلاث & باب النوافل
ابتدأ بسنة الفجر لأنها أقوى السنن حتى روى الحسن عن أبي حنيفة لو صلاها قاعدا من غير عذر لا يجوز وقالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى جاز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر
وفي المبسوط ابتدأ
____________________
(1/438)
بسنة الظهر لأنها أول في الوجود لأن السنة تبع للفرض وأول صلاة فرضت صلاة الظهر يعني أول صلاة صليت بعد الإفتراض ثم اختلف في الأفضل بعد ركعتي الفجر قال الحلواني ركعتا المغرب فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدعهما سفرا ولا حضرا ثم التي بعد الظهر لأنها سنة متفق عليها بخلاف التي قبلها لأنه قيل هي للفصل بين الأذان والإقامة ثم التي بعد العشاء ثم التي قبل الظهر ثم التي قبل العصر ثم التي قبل العشاء وقيل التي قبل العشاء والتي قبل الظهر وبعده وبعد المغرب كلها سواء
وقيل التي قبل الظهر آكد وصححه المحسن وقد أحسن لأن نقل المواظبة الصريحة عليها أقوى من نقل مواظبته على غيرها من غير ركعتي الفجر وسننبه عليه ولو ترك الأربع قبل الظهر والتي بعدها أو ركعتي الفجر قيل لا تلحقه الإساءة لأن محمدا سماه تطوعا إلا أن يستخف فيقول هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا لا أفعله فحينئذ يكفر
وفي النوازل ترك سنن الصلاة الخمس إن لم يرها حقا كفر وإن رآها وترك قيل لا يأثم والصحيح أنه يأثم لأنه جاء الوعيد بالترك ولا يخفى أن الإثم منوط بترك الواجب وقد قال صلى الله عليه وسلم للذي قال والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك شيئا أفلح إن صدق نعم يستلزم ذلك الإساءة وفوات الدرجات والمصالح الأخروية المنوطة بفعل سنن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إذا تجرد الترك عن استخفاف بل يكون مع رسوخ الأدب والتعظيم فإن لم يكن كذلك دار بين الكف روالإثم بحسب الحال الباعثة له على الترك ثم هل الأولى وصل السنة التالية للفرض له أولا في شرح الشهيد القيام إلى السنة متصل بالفرض مسنون وفي الشافي كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم يمكث قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وكذا عن البقالي
وقال الحلواني لا بأس بأن يقرأ بين الفريضة والسنة الأوراد
ويشكل على الأول ما في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال صليت هذه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه ثم انتقل كانتقال أبي رمثة يعني نفسه فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى ليشفع فوثب عمر فأخذ بمنكبيه فهزه ثم قال اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنهم لم يكن لهم بين صلاتهم فصل فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال أصاب الله بك يا ابن الخطاب ولا يرد هذا على الثاني إذ قد يجاب بأن قوله اللهم أنت السلام ومنك السلام الخ فصل فمن ادعى فصلا أكثر مثله فلينقله وقولهم الأفضل في السنن حتى التي بعد المغرب المنزل لا يستلزم مسنونية الفصل بأكثر إذ الكلام فيما إذا صلى السنة في محل الفرض ماذا يكون الأولى وما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقوله صلى الله عليه وسلم لفقراء المهاجرين تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وما روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول أيضا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا يقتضي وصل هذه الأذكار بل كونها عقيب السنة من
____________________
(1/439)
من غير اشتغال بما ليس هو من توابع الصلاة يصحح كونه دبرها وكونه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي السنن في المنزل كما سنذكره فبالضرورة يكون قوله لها قبلها غير لازم بل يجوز كونها بعدها في المنزل ولا يمتنع نقله فكثيرا ما نقلوا مما كان من عمله في البيت إما بواسطة نسائه أو بسماعهم صوته وكانت حجره صلى الله عليه وسلم صغيرة قريبة جدا أو سمع منه قبلها حال قيامه منصرفا إلى منزله أو جالسا بعد صلاة لا سنة بعدها كالفجر والعصر
وما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته وفي لفظ ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير مع ما علم مما سنثبته بالصحاح من الأخبار من أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي السنن في المنزل بل وأنكر على من يصليها في المسجد على ما في أبي داود والترمذي والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم أتى مسجد عبد الأشهل فصلى فيه المغرب فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون أي يتنفلون فقال هذه صلاة البيوت لا يستلزم الفصل بأكثر وما المانع من كون ذلك الذكر هو ذلك القدر يرفعون به أصواتهم إذا فرغوا
وأما التكبير المروي فالله أعلم به قيل لم يعرف أحد من الفقهاء قاله إلا ما ذكره بعضهم في البعوث والعساكر بعد الصبح والمغرب ثلاث تكبيرات عالية والحاصل أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الفصل بالأذكار التي يواظب عليها في المساجد في عصرنا من قراءة آية الكرسي والتسبيحات وأخواتها ثلاثا وثلاثين وغيرها بل ندب هو إليها والقدر المتحقق أن كلا من السنن والأوراد له نسبة إلى الفرائض بالتبعية والذي ثبت عنه أنه كان يؤخر السنة عنه من الأذكار وهو ما روى مسلم والترمذي عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فهذا نص صريح في المراد وما يتخايل أنه يخالفه لم يقو قوته أو لم تلزم دلالته على ما يخالفه فوجب اتباع هذا النص
واعلم أن المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها هذا هو قولها لم يقعد إلا مقدار ما يقول وذلك لا يستلزم سنية أن يقول ذلك بعينه في دبر كل صلاة إذ لم تقل إلا حتى يقول أو إلى أن يقول فيجوز كونه صلى الله عليه وسلم كان مرة يقوله ومرة يقول غيره مما ذكرنا من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وما ضم إليه في بعض الروايات مما ذكرنا من قوله لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله الخ ومقتضى العبارة حينئذ أن السنة أن يفصل بذكر قدر ذلك وذلك يكون تقريبا فقد يزيد قليلا وقد ينقص قليلا وقد يدرج وقد يرتل فأما ما يكون زيادة غير مقاربة مثل العدد السابق من التسبيحات
____________________
(1/440)
والتحميدات والتكبيرات فينبغي استنان تأخيره عن السنة البتة وكذا آية الكرسي على أن ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم مواظبة لا أعلمه بل الثابت ندبه إلى ذلك وليس يلزم من ندبه إلى شيء مواظبته عليه وإلا لم يفرق حينئذ بين السنة والمندوب وكان يستدل بدليل الندب على السنية وليس هذا على أصولنا
وقول الحلواني عندي أنه حكم آخر لا يعارض القولين لأنه إنما قال لا بأس الخ والمشهور في هذه العبارة كونه لما خلافه أولى فكان معناها أن الأولى أن لا يقرأ الأوراد قبل السنة ولو فعل لا بأس به فأفاد عدم سقوط السنة بذلك حتى إذا صلى بعد الأوراد يقع سنة مؤداة لا على وجه السنة وإذا قالوا لو تكلم بعد الفرض لا تسقط السنة لكن ثوابها أقل فلا أقل من كون قراءة الأوراد لا تسقطها وقد قيل في الكلام أنه يسقطها والأول أولى ففي البخاري وأبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة واعلم أن هذا الذي عن الحلواني يوافقه ما عن أبي حنيفة في المقتدي والمنفرد وذكر في حق الإمام خلافه وعبارته في الخلاصة هكذا إذا سلم الإمام من الظهر أو المغرب أو العشاء كرهت له المكث قاعدا لكنه يقوم إلى التطوع ولا يتطوع في مكان الفريضة ولكن ينحرف يمنة أو يسرة أو يتأخر وإن شاء رجع إلى بيته يتطوع وإن كان مقتديا أو يصلي وحده إن لبث في مصلاه يدعو جاز وكذا إن قام إلى التطوع في مكانه أوتقدم أو تأخر أو انحرف يمنة أو يسرة جاز والكل سواء وفي الصلاة التي لا يتطوع بعدها يكره المكث في مكانه قاعدا مستقبلا ثم هو بالخيار إن شاء ذهب وإن شاء جلس في محرابه إلى طلوع الشمس وهو أفضل ويستقبل القوم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق فإن كان ينحرف يمنة أو يسرة والصيف والشتاء سواء هذا هو الصحيح هذا حال الإمام
وقوله الكل سواء يعني في إقامة السنة أما الأفضل فقد صرح فيما يأتي بأن المنزل أفضل قوله السنة يجب حمله على ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم من غير إيجاب وهو أعم من السنة والمندوب وهذا لأنه عد منها ما قبل العصر والعشاء وذلك مستحب لا سنة راتبة قوله والأصل فيه أي في استنان هذه المذكورات قوله صلى الله عليه وسلم الخ
روى الترمذي وابن ماجه عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتيين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر فاتضح أن ضمير فسر المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم
وفي شذوذ من النسخ وفسر النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي حديث غريب من هذا الوجه مغيرة بن زياد تكلم فيه
____________________
(1/441)
بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى
لكن له شاهد أصل الحديث رواه الجماعة إلا البخاري من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة زاد الترمذي والنسائي أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة وللنسائي في رواية وركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء قوله وخير أي خير محمد بن الحسن وكذا القدوري بين أن يصلي أربعا قبل العصر أو ركعتين قوله لاختلاف الآثار فإنه أخرج أبو داود وأحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا قال الترمذي حسن غريب
وأخرج أبو داود عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين ورواه الترمذي وأحمد فقالا أربعا بدل ركعتين قوله وفي غيره أي في غير حديث المثابرة ذكر الأربع وهو ما عزى إلى سنن سعيد بن منصور من حديث البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى قبل الظهر أربعا كان كأنما تهجد من ليلته ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر ورواه البيهقي من قول عائشة والنسائي والدارقطني من قول كعب والموقوف في هذا كالمرفوع لأنه من قبيل تقدير الأثوبة وهو لا يدرك إلا سماعا
هذا وما رواه المصنف من حديث المثابرة إنما يصلح دليل الندب والإستحباب لا السنة لما عرفت أن السنة لا تثبت إلا بنقل مواظبته عليه صلى الله عليه وسلم عليها فالأولى الإستدلال بمجموع حديثين حديث ابن عمر حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الصبح وحديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة بناء على
____________________
(1/442)
الجمع بينهما أما بأن الأربع كان يصليها في بيته فاتفق عدم علم بن عمر بهن وإن علم غيرها مما صلى في بيته لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الكل في البيت ثم كان يصلي ركعتين تحية المسجد فكان ابن عمر يراهما وأما بأن ابن عمر إنما يذكر سنة الظهر وهو كان يرى تلك وردا آخر سببه الزوال وهو مذهب بعض العلماء وهو الذي أشار إليه الحلواني فيما قدمنا أخذا من بعض الألفاظ وهو ما ذكره الإمام أحمد عن عبدالله بن السائب أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس وقال إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح وعندنا هذا اللفظ لا ينفي كونها هي السنة وقد صرح بعض مشايخنا بالإستدلال بعين هذا الحديث على أن سنة الجمعة كالظهر لعدم الفصل فيه بين الظهر والجمعة أو بكل من حديث عائشة وحديث علي وهو كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين وأصرح من الكل ما في صحيح مسلم عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين فإنه يفيد المواظبة ثم الذي يقتضيه النظر كون الأربع بعد العشاء سنة لنقل المواظبة عليها في أبي داود عن شريح بن هانىء قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما صلى العشاء قط فدخل بيتي إلا صلى فيه أربع ركعات أو ست ركعات ولقد مطرنا مرة من الليل فطرحنا له نطعا فكأني أنظر إلى نقب فيه ينبع منه الماء وما رأيته متقيا الأرض بشيء من ثيابة وهذا نص في مواظبته صلى الله عليه وسلم على الأربع دون الست للمتأمل قوله إلا أن الأربع أفضل نشرحه في ضمن كلامنا على الأربع بعد الظهر فنقول صرح جماعة من المشايخ أنه يستحب أربع بعد الظهر لحديث رووه وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرمه الله على النار رواه أبو داود والترمذي والنسائي ثم اختلف أهل هذا العصر في أنها تعتبر غير ركعتي الراتبة أو بهما وعلى التقدير الثاني هل تؤدي معهما بتسليمة واحدة أو لا فقال جماعة لا لأنه إن نوى عند التحريمة السنة لم يصدق في الشفع الثاني أو المستحب لم يصدق في السنة وإذا قالوا إذا طلع الفجر وهو في التهجد نابت تلك الركعتان عن سنة الفجر لأن نية الصلاة نية الأعم والأعم يصدق على الأخص بخلاف المباين بالنسبة إلى مباينه ووقع عندي أنه إذا صلى أربعا بعد الظهر بتسليمة أو ثنتين وقع عن السنة والمندوب سواء احتسب هو الراتبة منها أولا لأن المفاد بالحديث المذكور أنه إذا أوقع بعد الظهر أربعا مطلقا حصل الوعد المذكور وذلك صادق مع كون الراتبة منها وكونها بتسليمة أولا فيهما وكون الركعتين ليستا بتسليمة على حدة لا يمنع من وقوعها سنة وإن كان عدم كونها بتحريمة مستقلة يمنع منه على خلاف فيه كما عرف في سجود السهو من الهداية فيمن قام عن القعدة الأخيرة يظنها الأولى ثم لم يعد حتى سجد فإنه يتم ستا ولا تنوب الركعتان عن سنة الظهر على خلاف لأن المواظبة عليهما بتحريمة مبتدأة لثبوت الفرق بين المحلل والتحريمة فإن المحلل غير مقصود إلا للخروج عن العبادة على وجه حسن وقد منع في الهداية في باب القران ترجيح الشافعي الإفراد بزيادة الحلق بأنه خروج عن العبادة فهو غير مقصود فلا يقع به الترجيح وأما النية فلا مانع من جهتها سواء نوى أربعا لله
____________________
(1/443)
تعالى فقط أو نوى المندوب بالأربع أو السنة بها أما الأول فلما تقدم في شروط الصلاة من أن المختار عند المصنف والمحققين وقوع السنة بنية مطلق الصلاة لما حققناه من أن معنى كونه سنة كونه مفعولا للنبي صلى الله عليه وسلم على المواظبة في محل مخصوص وهذا الإسم أعني اسم السنة حادث منا أما هو صلى الله عليه وسلم فإنما كان ينوي الصلاة لله تعالى فقط لا السنة فلما واظب صلى الله عليه وسلم على الفعل لذلك سميناه سنة فمن فعل مثل ذلك الفعل في وقته فقد فعل ما سمى بلفظ السنة وحينئذ تقع الأوليان سنة وجود تمام علتها والأخريان نفلا مندوبا فهذا القسم من النية مما يحصل به كلا الأمرين والعجب منه كيف تركه من تقسيمه وإذا اعترف بأن نية الصلاة الأعم تتأدى بها السنة كما صرح به في الشاهد الذي أورده من ركعتي الفجر بنية الصلاة فما المانع من أن ينوي هنا أيضا الصلاة وبها يتأدى السنة والمندوب
وأما الثاني والثالث فكذلك بناء على أن ذلك نية الصلاة وزيادة فعند عدم مطابقة الوصف للواقع يلغو فتبقى نية مطلق الصلاة على نحو ما عرف من أن بطلان الوصف لا يبطل الأصل وبنية مطلق الصلاة يتأدى كل من السنة والمندوب إذا وقع في وقته فظهر أن صحته ليست بناء على أداء البائن بنية مباينة بل بمطلق النية للغو الزائد المخالف وما ذكره ذلك القائل من حديث ركعتي الفجر بنية التهجد دليل على خلاف مقصوده لأن التهجد مندوب كما يشهد كثير من السنة بندب الأمة إليه وقد تؤدي به سنة الفجر على إطلاق الجواب أعم من كونه نوى مجرد الصلاة أو المندوبة وإنما لم نقل أنه سنة لأنها ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم من غير افتراض والتهجد عند مشايخنا كان فرضا عليه فهو مواظبة على فرض ثم رأينا في لفظ الهداية ما يدل على ما قلنا وهو قوله فلهذا خير إلا أن الأربع أفضل خصوصا عند أبي حنيفة فإن معناه أن الأربع بعد العشاء أفضل من ركعتين بعدها خصوصا عند أبي حنيفة فإنه يرى أن الأفضل في النوافل مطلقا أربع أربع بتسليمة فإذا جعل المصلي ما بعد العشاء أربعا أداها بتسليمة واحدة فتثبت الأفضلية عنده من وجهين
من جهة زيادة عدد الركعات ومن جهة وقوع السلام على رأس أربع لاثنتين وإلا لم يكن لقوله خصوصا عند أبي حنيفة معنى لأن الأربع أفضل من ركعتين بالإجماع بل كلام الكل في هذا المقام يفيد ما قلنا إذ لا شك في أن الراتبة بعد العشاء ركعتان والأربع أفضل
والإتفاق على أنها تؤدي بتسليمة واحدة عنده من غير أن يضم إليها الراتبة فيصلي ستا فالنية حينئذ عند التحريمة إما أن تكون بنية السنة أو المندوب إلى آخر ما ذكره وقد أهدر ذلك وأجزأت عن السنة
واعلم أنه ندب إلى ست بعد المغرب لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الأوابين وتلا قوله تعالى { فإنه كان للأوابين غفورا } والحال فيها كالحال لهذه الأربع فلو احتسب الراتبة منها انتهض سببا للموعود قوله كذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج أبو داود في سننه والترمذي في الشمائل عن أبي أيوب الأنصاري عنه صلى الله عليه وسلم قال أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء وضعف بعبيدة بن معتب الضبي
وفي لفظ
____________________
(1/444)
للترمذي في الشمائل قلت يا رسول الله أفيهن تسليم فاصل قال لا وله طريق آخر قال محمد بن الحسن في موطئه حدثنا بكر بن عامر البجلي عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا إذا زالت الشمس فسأله أبو أيوب عن ذلك فقال إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير قلت أفي كلهن قراءة قال نعم قلت أيفصل بينهن بسلام قال لا
تتمة هل يندب قبل المغرب ركعتان ذهبت طائفة إليه وأنكره كثير من السلف وأصحابنا ومالك رضي الله عنهم تمسك الأولون بما في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل المغرب ثم قال صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة وفي لفظ لأبي داود صلوا قبل المغرب ركعتين زاد فيه ابن حبان في صحيحه وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين ولحديث أنس في الصحيحين كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري فيركعون ركعتين حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما الجواب المعارضة بما في أبي داود عن طاوس قال سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما
ورخص في الركعتين بعد العصر سكت عنه أبو داود المنذري بعده في مختصره وهذا تصحيح وكون معارضه في البخاري لا يستلزم تقديمه بعد اشتراكهما في الصحة بل يطلب الترجيح من خارج وقول من قال أصح الأحادث ما في الصحيحين ثم ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم ثم ما اشتمل على شرطهما من غيرهما ثم ما اشتمل على شرط أحدهما تحكم لا يجوز التقليد فيه إذ الأصحية ليس إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها فإذا فرض وجود تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين أفلا يكون الحكم بأصحية ما في الكتابين عين التحكم ثم حكمهما أو أحدهما بأن الراوي المعين مجتمع تلك الشروط ليس مما يقطع فيه بمطابقة الواقع فيجوز كون الواقع خلافه
وقد أخرج مسلم عن كثير في كتابه ممن لم يسلم من غوائل الجرح وكذا في البخاري جماعة تكلم فيهم فدار الأمر في الرواة على اجتهاد العلماء فيهم وكذا في الشروط حتى أن من اعتبر شرطا وألغاه آخر يكون ما رواه الآخر مما ليس فيه ذلك الشرط عنده مكافئا لمعارضة المشتمل على ذلك الشرط وكذا فيمن ضعف راويا ووثقه الآخر
نعم تسكن نفس غير المجتهد ومن لم يخبر أمر الراوي بنفسه إلى ما اجتمع عليه الأكثر أما المجتهد في اعتبار الشرط وعدمه والذي خبر الراوي فلا يرجع إلا إلى رأي نفسه وإذ قد صح حديث ابن عمر عندنا عارض ما صح في البخاري ثم يترجح هو بأن عمل أكابر الصحابة كان على وفقه كأبي بكر وعمر حتى نهى إبراهيم النخعي عنهما فيما رواه أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عنه أنه نهى عنهما وقال
____________________
(1/445)
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونوا يصلونهما بل لو كان حسنا كما ادعاه بعضهم ترجح على ذلك الصحيح بهذا فإن وصف الحسن والصحيح والضعيف إنما هو باعتبار السند ظنا أما في الواقع فيجوز غلط الصحيح وصحة الضعيف وعن هذا جاز في الحسن أن يرتفع إلى الصحة إذا كثرت طرقه والضعيف يصير حجة بذلك لأن تعدده قرينة على ثبوته في نفس الأمر فلم لا يجوز في الصحيح السند أن يضعف بالقرينة الدالة على ضعفه في نفس الأمر والحسن أن يرتفع إلى الصحة بقرينة أخرى كما قلنا من عمل أكابر الصحابة على وفق ما قلنا وتركهم لمقتضى ذلك الحديث وكذا أكثر السلف ومنهم مالك نجم الحديث وما زاده ابن حبان على ما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما لا يعارض ما أرسله النخعي من أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما لجواز كون ما صلاه قضاء عن شيء فاته وهو الثابت
روى الطبراني في مسند الشاميين عن جابر قال سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب فقلن لا غير أم سلمة قالت صلاها عندي مرة فسألته ما هذه الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما الآن ففي سؤالها له صلى الله عليه وسلم وسؤال الصحابة نساءه كما يفيد قول جابر سألنا لا سألت لا يفيد أنهما غير معهودتين من سننه وكذا سؤالهم لابن عمر فإنه لم يبتدىء التحديث به بل لما سئل والذي يظهر أن مثير سؤالهم ظهور الرواية بهما مع عدم معهوديتهما في ذلك الصدر فأجاب نساؤه اللاتي يعلمن من علمه ما لا يعلمه غيرهن بالنفي عنه وأجاب ابن عمر بنفيه عن الصحابة أيضا وما قيل المثبت أولى من النافي فيترجح حديث أنس على حديث ابن عمر ليس بشيء فإن الحق عند المحققين أن النفي إذا كان من جنس ما يعرف بدليله كان كالإثبات فيعارضه ولا يقدم هو عليه وذلك لأن تقديم رواية الإثبات على رواية النسفي ليس إلا لأن مع راويه زيادة علم بخلاف النفي إذ قد يبنى راويه الأمر على ظاهر الحال من العدم لما يعلم باطنا فإذا كان النفي من جنس ما يعرف تعارضا لابتناء كل منهما حينئذ على الدليل وإلا فنفس كون مفهوم المروي مثبتا لا يقتضي التقديم إذ قد يكون المطلوب في الشرع العدم كما قد يكون المطلوب في الشرع الإثبات وتمام تحقيقه في أصول أصحابنا وحينئذ لا شك أن هذا النفي كذلك فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر بل ولا على أحد ممن يواظب الفرائض خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا على من لم يواظب بل يحضرها خلفه أحيانا ثم الثابت بعد هذا هو نفي المندوبية أما ثبوت الكراهة فلا إلا أن يدل دليل آخر وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا من القنية استثناء القليل والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوز فيهما قوله وأما نافلة الليل الخ لا خلاف بينهم في إباحة الثمان بتسليمة ليلا وكراهة الزيادة
____________________
(1/446)
عليها على هذه الرواية
وقال السرخسي الأصح أنه لا تكره الزيادة على الثمان أيضا وهو غير مقيد بقول أحد الثلاثة بل تصحيح للواقع من مذهبهم وقوله قال أبو حنيفة إن صلى ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز وتكره الزيادة وقالا لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة يعطي ظاهره أنه نصب خلاف منهم في كراهة الزيادة على ركعتين وليس كذلك بل المراد وقالا لا يزيد بالليل على ركعتين من حيث الأفضلية لكن العبارة تنبو عنه قوله ودليل الكراهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يزد على ذلك الخ يعني والأصل في ذلك التوقيف قيل في صحيح مسلم ما يخالفه وهو ما عن عائشة في حديث طويل قالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعناه فبهذا يترجح ما صححه السرخسي لكنه يقتضي عدم القعود فيها أصلا إلا بعد الثامنة وكلمتهم على وجوب القعدة على رأس الركعتين من النفل مطلقا حتى لو قام إلى الثالثة ساهيا عن القعدة يعود ولو بعد تمام القيام ما لم يسجد لدليل آخر استمر إن شاء الله تعالى ثم ظاهر كلامه في المبسوط أن منتهى تهجده صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات وأقله ركعتان فإنه قال روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات إحدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة فالذي قال خمس ركعات ركعتان صلاة الليل وثلاث وتر والذي قال سبع ركعات أربع صلاة الليل وثلاث وتر والذي قال تسع ست وثلاث والذي قال إحدى عشرة ثمان وثلاث والذي قال ثلاث عشرة ثمان صلاة الليل وثلاث وتر وركعتان سنة الفجر وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كله بتسليمة واحدة ثم فصله هكذا قاله حماد بن سلمة انتهى
أما ما عينه من متنهاه فموافق لحديث عائشة رضي الله عنها في الكتب الستة قالت كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة وأما ما في السنة أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند خالته ميمونة قال وقلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها فنام صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها وأحسن وضوءه ثم قام يصلي قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى فأقامني عن يمينه فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح وفي رواية فتأملت صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ
____________________
(1/447)
وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام نفخ فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى فلم يتوضأ وكان يقول في دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا وفي روايته وأعظم لي نورا بدل واجعل لي وهو صريح في كون الثلاث عشرة غير ركعتي الفجر بخلاف ما قبله فإنه يحتمل كون الإيتار بواحدة مضمومة إلى الركعتين الأخيرتين وما في أبي داود عن عبدالله بن قيس سألت عائشة بكم كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة فرواية عائشة الأولى تترجح عليهما ترجيحا للرواية الثابتة عنها في الكتب الستة على الثابتة عنها في أبي داود بمفرده وعلى حديث ابن عباس لأنها أعلم بتهجده صلى الله عليه وسلم منه ومن جميع الناس وغاية ما حكاه هو ما شاهده في ليلة فاذة وهي أعلم بما كان عليه في عموم لياليه إلى أن توفاه الله تعالى مع أنه قد اختلف على ابن عباس قال الشعبي سألت عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا ثلاث عشرة ركعة منها ثمان ويوتر بثلاث وركعتين بعد الفجر وهذا موافق لحديث عائشة رضي الله عنها وكأنه حكى في تلك الرواية ما شاهده ثم علم بواسطة أزواجه رضي الله عنهن ما استقر حاله عليه فلما سأله الشعبي عن صلاته صلى الله عليه وسلم أجاب بما علمه متقررا
وما في البخاري عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين قال عبدالحق في الجمع بين الصحيحين هكذا في هذه الرواية وبقية الروايات عند البخاري ومسلم أن الجملة ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر انتهى فالظاهر أن هذه غلط وأما ما عينه في أقله فحديث أبي داود المذكور آنفا يعارضه حيث قالت ولم يكن يوتر بأقل من سبع وما ذكره نقله عن حماد بن سلمة فإن ما عنده أرجح وإلا فالله أعلم به ثم ظاهر ما في أبي داود أن كلا من السبع وما بعده إذا أتى به يقع موافقا للسنة أو المندوب الموافق لطريقته صلى الله عليه وسلم لكن تبين في حديث آخر توقف كون المتهجد آتيا بالسنة على ثمان ركعات وهو ما رواه الترمذي والنسائي من حديث أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة فلما كبر وضعف أوتر بسبع فهذا يقتضي توقفها على عشر
وحديث عائشة المرجح يقتضي توقفها على ثمان فهو المعتبر إلا أن اقتضاءه توقف فعل السنة على الثمان لمن لم يسن أما من كبر وأسن فمقتضى الآخر حصول سنة القيام له بأربع
بقي بأن صفة صلاة الليل في حقنا السنية أو الإستحباب يتوقف على صفتها في حقه صلى الله عليه وسلم فإن كانت فرضا في حقه فهي مندوبة في حقنا لأن الأدلة القولية فيها إنما تفيد الندب والمواظبة الفعلية ليست على تطوع لتكون سنة في حقنا وإن كانت تطوعا فسنة لنا وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب طائفة إلى أنها فرض عليه وعليه كلام الأصوليين من مشايخنا تمسكوا بقوله تعالى { قم الليل إلا قليلا } الآية
____________________
(1/448)
وقال طائفة تطوع لقوله تعالى { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } والأولون قالوا لا منافاة لأن المراد بالنافلة الزائدة أي زائدة على ما فرض على غيرك أي تهجد فرضا زائدا لك على ما فرض على غيرك وربما يعطي التقييد بالمجرور ذلك فإنه إذا كان النفل المتعارف يكون كذلك ولغيره وأسند عن مجاهد والحسن وأبي أمامة أن تسميتها نافلة باعتبار كونها في حقه صلى الله عليه وسلم عاملة في رفع الدرجات بخلاف غيره فإنها عاملة في تكفير السيئات لكن في مسلم وأبي داود والنسائي عن سعيد بن هشام قال قلت لعاشرة يا أم المؤمنين أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ألست تقرأ القرآن قلت بلى قالت خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن قال فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء حتى أموت ثم بدا لي فقلت أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألست تقرأ { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا } قلت بلى قالت فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم حولا وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف وصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة الحديث وباقيه ما قدمناه في الكلام على قوله ودليل الكراهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يزد من الحديث الذي قدمنا أنه حديث طويل فهذا يقتضي أنه نسخ وجوبه عنه قوله للشافعي قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث ابن عمر وفيه شعبة قال الترمذي اختلف أصحاب شعبة فيه فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم ورواه الثقات عن عبدالله بن عمر عنه صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه صلاة النهار وكذا هو في الصحيحين وقال النسائي هذا الحديث عندي خطأ وقوله في سننه الكبرى إسناده جيد لا يعارض كلامه هذا لأن جودة السند لا يمنع من الخطأ من جهة أخرى دخلت على الثقات ولهذا رواه الحاكم في كتابه في علوم الحديث بسنده ثم قال رجاله ثقات إلا أن فيه علة يطول بذكرها الكلام انتهى ولو سلم فسنذكر الجواب قوله ولهما الإعتبار بالتراويح فإن الإجماع على الفصل فيها واقتصر المصنف عليه لهما لا كما فعل غيره من الإستدلال لهما بالحديث الصحيح صلاة الليل مثنى مثنى لأنهما يحتاجان إلى الجواب عن مروي الشافعي صلاة النهار مثنى وهو بعينه جواب عن صلاة الليل مثنى وهو قوله ومعنى ما رواه شفعا لا وترا فهو إطلاق اسم الملزوم على اللازم دعا إلى حمله عليه معارضة ما قدمناه في إثبات كون الأربع سنة راتبة من قول عائشة رضي الله عنها ما صلى عليه الصلاة والسلام العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربعا أو ستا وروى أبو داود من حديث زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عاشة رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات ثم يأوي إلى فراشه الحديث بطوله
وما في مسلم من حديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قالت أربع ركعات ويزيد ما شاء ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا طيب بن سليمان قال قالت عمرة سمعت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات لا يفصل بينهن بسلام لكن قد يقال إن الأول لا يدل على أن الأربع بتسليمة إذ لو قصدت إفادة كميته فقط كان صحيحا مع الفصل وفي التاريخ كان أبو يوسف يصلي كل يوم مائتي ركعة لا يفهم أحد أنه
____________________
(1/449)
بسلام واحد فالأولى في الصحيحين عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قالت ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن الحديث فهذا الفصل يفيد المراد وإلا لقالت ثمانيا فلا تسأل عن حسنهن وقدمنا في سنة الظهر قوله صلى الله عليه وسلم إنها بتسليمة واحدة لكن لا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا كما كان يصلي ركعتين فرواية بعض فعله أعني فعل الأربع لا توجب المعارضة والأولى في التقرير إن شاء الله تعالى وجهان أحدهما مقتضى لفظ الحديث حصر المبتدأ في الخبر لأنه حكم على العام أعني صلاة الليل والنهار وليس بمراد وإلا لكانت كل صلاة تطوع لا تكون إلا ثنتين شرعا والإتفاق على جواز الأربع أيضا وعلى كراهة الواحدة والثلاث في غير الوتر وإذا انتفى كون المراد أن الصلاة لا تباح الإثنتين أولا تصح الإثنتين لزم كون الحكم بالخبر المذكور أعني مثنى أما في حق الفضيلة بالنسبة إلى أربع أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد وترجيح أحدهما بمرجح وفعله صلى الله عليه وسلم ورد على كلا النحوين لكنا عقلنا زيادة فضيلة الأربع لأنها أكثر مشقة على النفس بسبب طول تقييدها في مقام الخدمة ورأيناه صلى الله عليه وسلم قال إنما أجرك على قدر نصبك فحكمنا بأن المراد الثاني أي مثنى لا واحدة أو ثلاثا
ثانيهما أن المراد به أن كل مثنى من التطوع صلاة على حدتها ومثنى معدول عن العدد المكرر وهو اثنان اثنان فمؤداه حينئذ اثنان اثنان صلاة على حدة ثم اثنان اثنا صلاة على حدة وهلم جرا وهذا معنى أربع صلاة على حدة أربع صلاة أخرى على حدة وهلم جرا بخلاف ما لو لم يتكرر لفظ مثنى وقال الصلاة مثنى مقتصرا عليه فإن المعنى حينئذ الصلاة اثنين اثنين وهلم جرا فيفيد أن كل اثنين صلاة على حدة وسبب العدول عن أربع أربع وهو أكثر استعمالا وأشهر معنى إلى إفادته بذلك قصد إفادت كون الأربع مفصولة بغير السلام وذلك حينئذ ليس إلا التشهد لا مخلوطة وذلك لأن بعد جعل كل أربع صلاة على حدتها ثم قال إن تلك الأربع ثنتين ثنتين لا بد أن يكون الفصل بغير السلام وإلا كان كل صلاة ركعتين ركعتين وقد كان كل صلاة أربعا وقد وقع في بعض الألفاظ موصولا بما يحسن في الإستعمال موقعه تفسيرا على ما قلنا وهو ما أخرجه الترمذي والنسائي عن ابن المبارك عن الليث بن سعد حدثنا عبدالله بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبدالله بن نافع عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن العباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وأما الكلام معهما فظاهر من الكتاب
____________________
(1/450)
فصل
القراءة في الفرض في ركعتين وجعلها في الأوليين واجبا هذا هو الصحيح من المذهب وإليه أشار في الأصل وقال بعضهم ركعتان غير عين وإليه ذهب القدوري كذا في البدائع فلو تركها أو قرأفي ركعة فسدت ولو قرأ في الأخريين صحت ويسجد للسهو وعند الشافعي في الكل وعن مالك في ثلاث وقال زفر والحسن البصري في واحدة لأن الأمر لا يقتضي التكرار وعن أبي بكر الأصم وسفيان بن عيينة ليست إلا سنة لأن مبنى الصلاة على الأفعال لا الأقوال ولذا تسقط لعدم القدرة على الأفعال مع القدرة على القراءة وعلى القلب لا تسقط وللشافعي ومالك قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بقراءة رواه مسلم
وقال أبو هريرة فما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلناه وما أخفى أخفيناه لكم إلا أن مالكا يقول للأكثر حكم الكل
ولنا قوله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } وهو لا يقتضي التكرار فكان مؤداه افتراضها في ركعة إلا أن الثانية اعتبرت شرعا كالأولى وإيجاب القراءة فيها إيجاب فيهما فإن قيل هذا بناء على أن الدلالة لا تشترط فيها أولوية المسكوت بالحكم كما في لا تقل لهما أف وفيه نظر وأيضا الثابت بالدلالة ما يفهمه من النص كل من يفهم اللغة وليس هنا ذلك
قلنا لا شك أن المعتبر في كونه دلالة لا قياسا كونه يفهم عند فهم موضوع اللفظ سواء كان أولى أولا فلا عبرة بذلك النظر لمن خالف ثم نقول من فهم اللغة ثم علم تسوية الشارع تعالى بين الركعة الأولى والثانية
____________________
(1/451)
وبين الثالثة والرابعة منها من كل الوجوه ثم سمعه يقول اقرأفي الصلاة تبادر إليه طلب القراءة في الشفع الأول أو الثاني بملاحظة تلك المقدمة المقررة في نفسه فأما الحديث المذكور وما روى في حديث المسيء صلاته من قوله صلى الله عليه وسلم فكبر ثم اقرأما تيسر معك من القرآن ثم قال في آخره ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فما لا يثبت به الفرض لأن القطعي لا يثبت بظني وقولهم الصلاة مجمل ووقع البيان بالقراءة في الكل جوابه ما تقدم أول باب صفة الصلاة أن الإجمال في مسمى الصلاة لا ينفي عدم الإجمال فيما يضاف إليها من الأركان شرعا بيانا إذا كان دليله مما لا يحتاج إلى البيان
بقي أن يقال فلم لم يثبت الوجوب في الأخريين كما هو محصل رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا لم يقرأ يكره ويسجد للسهو والحديث الأول إن أجيب عنه بأن الصلاة المصرح بها إذا أطلقت تنصرف إلى الركعتين لعدم شرعية الواحدة وقلة شرعية الثلاث وهي المذكورة في الحديث بقي الآخر فإنه أمره أن يفعل ما ذكر له ومنه القراءة بخلاف ما يفهم من المواظبة في الأخريين من بعض الألفاظ كحديث أبي قتادة في الصحيحين كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب الحديث فإنه إنما تفهم المواظبة في الجملة وهي أعم من المقرونة بالترك أحيانا وغيره ولا دلالة للأعم على خصوصية بعض الأفراد ولهذا استدل المصنف بهذه المواظبة على استحباب القراءة فيهما
والجواب أن قول الصحابة على خلافه صارف له عن الوجوب وذلك ما روى ابن أبي شيبة عن شريك عن أبي إسحق السبيعي عن علي وابن مسعود قالا اقرأفي الأوليين وسبح في الأخريين وهو عن عائشة رضي الله عنها غريب بخلافه عن غيرها في موطأ محمد بن الحسن حدثنا محمد بن أبان القرشي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أن عبدالله بن مسعود كان لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر فيه وما يخافت فيه من الأوليين ولا في الاخريين وإذا صلى وحده قرأ في الأوليين فاتحة و سورة ولم يقرأ في الأخريين بشيء
وهذا بعد ما في الأول من الإنقطاع إنما يتم إذا لم يكن عن غيرهما بين الصحابة خلافه وإلا فاختلافهم حينئذ في الوجوب لا يصرف دليله عنه فالأحوط رواية الحسن وأما ما قيل أن لا صلاة إلا بقراءة يفيد نفي الكمال فليس بشيء وقد بينا ضعفه أول الكتاب في الكلام على التسمية في الوضوء فارجع إليه والعجب أن هؤلاء يقولون ذلك هنا ويقولون في مسئلة ما إذا استخلف القارىء أميا في الأخريين بعد ما قرأفي الأوليين مع زفر حيث قال بالجواز خلافا للثلاثة واستدل بأن فرض القراءة صار مؤدي فيجوز فدفعه هؤلاء بعينهم بأن القراءة فرض في كل الركعات وإن كانت
____________________
(1/452)
تؤدي في موضع خاص لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بقراءة حتى زاد في الكافي أن هذا كقوله لا صلاة إلا بطهارة إلى آخر ما ذكروا فالصواب في التقرير ما أعلمتك قوله وأما الأخريان لحن لأن ألف أخرى رابعة فيجب قلبها ياء من غير نظر إلى أصلها وفي بعض النسخ الأخريان على الصواب قوله إن شاء سكت أي قدر تسبيحة وإن شاء سبح ثلاث تسبيحات نقله في النهاية وفي شرح الكنز إن شاء سبح ثلاث تسبيحات
____________________
(1/453)
وإن شاء سكت قدرها والأول أليق بالأصول والضمير في قول المصنف وهو المأثور للتسبيح قوله فلأن كل شفع منه صلاة على حدة يرد عليه أنه لو كان كذلك لما صحت من ترك القعدة ساهيا لكنها تصح ويسجد للسهو ويجب العود إليها إذا تذكر بعد القيام ما لم يسجد والجواب أن القياس فسادها وبه قال زفر ورواية عن محمد وفي الإستحسان لا لأن التطوع شرع أربعا أيضا كما شرع ركعتين فإذا تركها أمكننا تصحيحها بجعلها صلاة واحدة فلا يفترض حينئذ القعدة الأولى لأن افتراض القعدة للختم فإذا لم يختم إلا بعد الرابعة صارت من ذوات الأربع والفرض أن ذلك جائز لم تفترض الأولى بل كانت واجبة بالحديث السابق وهو في كل ركعتين تشهد فتنجبر بالسجود وإنما وجب العود بعد تمام القيام ولزمت القراءة في الشفعين لشبهها بالظهر من وجه ومفارقتها له من وجه فللشبهة لا يؤمر بالعود إذا قيدها بسجدة وللمفارقة يعود قبل السجدة كما إذا قام إلى الخامسة من الفرض وهي صلاة أخرى حكما فيقرأفي الكل كما في صلاتين احتياطا وكذلك في الوتر لأن فيه روائح النفلية فلزم الإحتياط في القراءة لأنها ركن مقصود لنفسه لا كالقعدة قوله في المشهور من الرواية هذا إذا نوى أربعا حتى يحتاج إلى التقييد بالمشهور أما إذا شرع بمطلق نية النفل فلا يلزمه أكثر من ركعتين باتفاق الروايات قوله قالوا يستفتح في الثالثة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في كل قعدة وقياسه أن يتعوذ
____________________
(1/454)
في كل شفع هذا وما تقدم كله أثر كون كل شفع معتبرا شرعا صلاة على حدة وهو مما يحتاج إلى دليل ويمكن كونه يمكنه شرعا من الخروج على رأس الركعتين فإذا قام إلى شفع آخر كان بانيا صلاة على تحريمة صلاة إذ تلك التحريمة إنما لزم بها ركعتان قوله ضرورة صيانته أي المؤدي يفيد أن الملاحظ لزومه أولا صيانة المؤدي الواقع قربة عن إبطاله لأنه مورد النص قال تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } وهو أعم من إبطالها قبل إتمامها بالإفساد أو بعده بفعل ما يحبطه ونحوه فلذلك لزم الإتمام
بقي أن يقال إن لزم الإتمام هل يستلزم شرعا القضاء بتقدير عدمه لو قال قائل المتحقق إنما هو استلزامه الإثم بتفويت مقتضى النهي أما أنه يوجب القضاء فيحتاج إلى خصوص دليل فجوابه يفيده القياس على حج النفل والعمرة لما لزما بالشروع شرعا لزم قضاؤهما بتفويته وتمام نصب الدليل من الجانبين نذكره إن شاء الله تعالى في الصوم قوله وقعد قيد به لأنه لو لم يقعد وأفسد الأخريين وجب
____________________
(1/455)
عليه قضاء أربع بالإجماع قوله لا يقضي الأخريين يعني الأوليين بل الأوليين فقط
وعن أبي يوسف أنه يقضي الأخريين أيضا فيقضي أربعا وقد رجع أبو يوسف عن هذا القول قوله اعتبارا للشروع بالنذر بجامع أن كلا منهما سبب اللزوم فكما أن نية الكمية إذا اقترنت بنذر الصلاة مطلقا وجبت الصلاة بتلك الكمية كذلك إذا اقترنت بالشروع لزم ما شرع فيه بالكمية المنوية قوله أن الشروع تسليم لصحة اعتبار الشروع بالنذر في الإلزام لكنه لا يفيد المطلوب فإن الشروع إنما يلزم ما شرع فيه وما لا صحة لما شرع فيه إلا به كالركعة الثانية من الشفع الأول والشروع في الشفع الأخير لم يتحقق ولا صحة الأول موقوفة عليه
هذا معنى قوله لا يتعلق بالثاني فلا يفيد الشروع لزومه وأنت علمت أن حقيقة وجه قولهما إلحاق الشروع بالنذر المقترن بها في لزوم الأربع بعد أن كلا منهما لو تجرد عنها لزم به ركعتان فقط وجوابه أن قوله الشروع يوجب ما شرع فيه يتضمن منع أنه يوجب غير أصل صلاة صحيحة بل ذلك فقط لما سنذكر في المسئلة الآتية قوله وعلى هذا سنة الظهر أي إذا أفسدها بعد ما قعد أو قبله قضى ركعتين لأنها نافلة سنت بالمواظبة
وقيل يقضي أربعا لأنها صلاة واحدة كالظهر ولذا ينهض في القعدة الأولى عند عبده ورسوله فلا يستفتح في الثالثة ولا تبطل شفعة الشفيع إذا علم في الشفع الأول منها بالإنتقال إلى الشفع الثاني ولا خيار المخيرة ولو دخلت عليه زوجته في
____________________
(1/456)
الأول فانتقل إلى الثاني فخرجت لا يلزمه كمال المهر لعدم صحة الخلوة كما إذا كان ذلك في الظهر قوله والأصل عند محمد أن ترك القراءة في ركعة يبطل التحريمة إذا قيد الركعة بسجدة لأنها تعقد للأفعال والأفعال فسدت بترك القراءة فيفسد ما عقد لها قوله أن للصلاة وجودا بدونها حقيقة في الأخرس والأمي وحكما في المقتدي لكن لا صحة للأداء إلا بالقراءة وفساد الأداء لا يزيد على تركه أي لا يكون أقوى من ترك الأداء بأن تحرم واقفا ثم ترك أداء كل الأفعال بأن وقف ساكتا طويلا لا تبطل التحريمة وهذا لأنها ليست لم تعقد إلا لهذا الشفع فإن بناء الشفع الثاني على هذه التحريمة جائز فعلم أنها له ولغيره فبفساده لا تنتفي فائدتها بالكلية لتفسد هي ويرد أن هذا تأخير لا ترك فإن أريد بالترك إياه منعنا كونه مثل الفساد فلا يلزم من عدم بطلان التحريمة بذلك الترك عدم بطلانها بالفساد لأنه أقوى من ذلك الترك
والأولى أن يستدل هكذا التحريمة تراد لكل من الشفعين فإنما تبطل بفسادهما ففساد الأول فقط ليس قاطعا في عدم حصول المقصود منها بالكلية فلا يوجب فسادها
فإن قيل إنما عقدت للثاني بواسطة أداء الأول قبله فإذا فسد لم يتحقق الثاني فالجواب إن قلت إذا فسد الأول امتنع أداء الثاني لأن أداءه
____________________
(1/457)
بناء على صحة أداء الأول منعنا كون أدائه بناء على صحته وإن قلت بناء على صحة التحريمة وقد فسدت كان مصادرة على المطلوب لأنه أول المسئلة ثم لا يخفى أن قولهم إن القراءة منتفية في حق المقتدي حكما باطل بل منتفية حقيقة ثابتة حكما
وعند أبي حنيفة ترك القراءة في الأوليين مبطل التحريمة لما قلنا لمحمد بخلاف تركها في ركعة لأن فسادها به مجتهد فيه لأن عند الحسن البصري لا تفسد فحكمنا بالفساد في حق وجوب القضاء إعمالا للدليل الدال على فرضية القراءة في الأوليين وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني إعمالا للدليل الدال على فرضية القراءة في ركعة احتياطا في البابين
ولا يخفى أن بهذا التقرير لم يحصل الجواب عما قررناه لأبي يوسف بل جوابه منع أن فساده لا يزيد على تركه لأن الترك مجرد تأخير والفساد فعل مفسد ولو سلم اخترنا الشق الأول من ترديده المتقدم ومنع كون أداء الثاني مبنيا على صحة الأول مندفع بأنه لا يتصور وجوده قبله ووجود الأول بصحته فكيف لا يتوقف أداؤه عليه قوله فعليه قضاء الأخريين وهذا إذا كان قعد وإلا قضى أربعا
____________________
(1/458)
قوله ومحمد لم يرجع عن روايته عنه واعتمدت المشايخ رواية محمد مع تصريحهم في الأصول بأن تكذيب الأصل الفرع يسقط الرواية إذا كان صريحا والعبارة المذكورة في الكتاب وغيره عن أبي يوسف من مثل الصريح على ما يعرف في ذلك الموضع فليكن لا بناء على أنه رواية بل تفريع صحيح على أصل أبي حنيفة وإلا فهو مشكل قوله قال أي محمد تفسير قوله صلى الله عليه وسلم الخ لما ذكر أن التنفل أربعا أربعا أفضل مطلقا ليلا أو نهارا ورد عليه ظاهر هذا الحديث وهو ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال قال عمر رضي الله عنه لا يصلي بعد صلاة مثلها وقال حدثنا عبدالله بن إدريس عن حصين عن إبراهيم والشعبي قالا قال عبدالله لا يصلي على إثر صلاة مثلها ففسره بأن المراد ركعتين بقراءة وركعتين بلا قراءة إذ هو متروك الظاهر اتفاقا لأنه يصلي ركعتي الظهر عقيب الظهر المقصورة وكذا العشاء والفجر عقيب ركعتيه أو هو محمول على تكرار الجماعة في المسجد على هيئته الأولى أو على النهي عن قضاء الفرائض مخافة الخلل في المؤدى فإنه مكروه لما في أبي داود والنسائي عن سليمان بن يسار قال أتيت ابن عمر رضي الله عنه على البلاط وهم يصلون قلت ألا تصلي معهم قال قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين وروى مالك في الموطأ حدثنا نافع أن رجلا سأل ابن عمر فقال إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه فقال ابن عمر نعم قال أيتهما أجعل صلاتي فقال ابن عمر ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء
وقال هذا من ابن عمر دليل على أن الذي روى عن سليمان بن يسار عنه إنما أراد كلتاهما على وجه الفرض أو إذا صلى في جماعة فلا يعيد انتهى
وفيه نفي لقول الشافعية بإباحة الإعادة مطلقا وإن
____________________
(1/459)
صلاها في جماعة
وأما كون الحديث المذكور عنه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر قول محمد فالله أعلم به ومحمد رحمه الله أعلم بذلك منا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم صلاة القاعدة على النصف من صلاة القائم أخرج الجماعة إلا مسلما عن عمران بن حصين قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد قال النووي قال العلماء هذا في النافلة أما الفريضة فلا يجوز القعود فإن عجز لم ينقص من أجره شيء انتهى
واستدلوا له بحديث البخاري في الجهاد إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا ثم هو صلى الله عليه وسلم مخصوص من ذلك لما في حديث مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه حدثت أنه صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل قاعدا نصف صلاة القائم فأتيته فوجدته يصلي جالسا قال حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على النصف من صلاة القائم وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم هذا وفي الحديث صلاة النائم على النصف من صلاة القاعد ولا نعلم الصلاة نائما تسوغ إلا في الفرض حالة العجز عن القعود وهذا حينئذ يعكر على حملهم الحديث على النفل وعلى كونه في الفرض لا يسقط من أجر القائم شيء والحديث الذي استدلوا به على خلاف ذلك إنما يفيد كتابة مثل ما كان يعمله مقيما صحيحا وإنما عاقه المرض عن أن يعمل شيئا أصلا وذلك لا يستلزم احتساب ما صلى قاعدا بالصلاة قائما لجواز احتسابه نصفا
____________________
(1/460)
ثم يكمل كل عمله من ذلك وغيره مفضلا وإلا فالمعارضة قائمة لا تزول إلا بتجويز النافلة نائما ولا أعلمه في فقهنا قوله وإن افتتحها قائما الخ هنا صورتان إحداهما افتتحها قاعدا ثم قام والأخرى قلبه ففي الأولى يجوز اتفاقا لما عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام الحديث وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية ومحمد رحمه الله وإن قال أن التحريمة المنعقدة للقعود لا تكون منعقدة للقيام حتى أن المريض إذا قدر على القيام في أثناء الصلاة فسدت عنده فلا يتمها قائما لم يخالف في الجواز هنا لأن تحريمة المتطوع لم تنعقد للقعود البتة بل للقيام لأنه أصل هو قادر عليه ثم جاز له شرعا تركه بخلاف المريض لأنه لم يقدر على القيام فما انعقدت إلا للمقدور وحديث عائشة رضي الله عنها السابق يدل على هذا الإعتبار
ثانيتهما افتتحها قائما ثم قعد يجوز عنده خلافا لهما ولا فرق بين أن يقعد في الركعة الأولى أو الثانية كما ينادي به هذا الإطلاق وجه قولهما وهو القياس أن الشروع معتبر بالنذر ومن نذر أن يصلي ركعتين قائما لم يجزه أن
____________________
(1/461)
يقعد فيهما من غير عذر فكذا إذا شرع قائما وله أنه لم يباشر القيام فيما بقي أي فيما قعد فيه ولما باشر من الصلاة بصفة القيام صحة بدون القيام أو لما باشر من الصلاة النافلة مطلقا صحة بدون القيام فلا يتوقف صحة المباشر بصفة القيام على القيام فيما بقي وهذه المقدمات مما يسلمانها ولا يفيد المقصود فإنه لم يتعرض شيء منها لنكتة الخلاف وهو أن الشروع بصفة القيام يلزم القيام في الكل كنذرها بصفة القيام
فالجواب أن يجعل قوله ولما باشر من الصلاة مطلقا ما قام فيه وما لم يقم فيه صحة بدون القيام متضمنا منع كون الشروع بالقيام موجبا للقيام في الكل بناء على منع كون الشروع موجبا غير أصل ما شرع فيه بناء على منع إلحاق الشروع بالنذر مطلقا بل في إيجاب أصل الفعل وهذا لأن إيجاب الشروع الإتمام ليس لنفسه بل لوجوب صيانة المؤدي عن البطلان وهذا القدر يحصل بوجوب أصل ما شرع فيه دون خصوصية صفة إن لم تكن هي نفسها من واجبات أصل ما شرع فيه بخلاف النذر لأنه بنفسه عامل ولذا اتفقوا على أنه لو نذر الحج ماشيا لزمه بصفة المشي ولو شرع فيه ماشيا لم يلزم كذلك وعلى هذا التقرير ينبغي إذا أطلق نذر الصلاة تجب بصفة القيام لأنها عبارة عن القيام والقراءة إلى آخرها فهو الركن الأصلي غير أنه يجوز تركه إلى القعود رخصة في النفل فلا ينصرف المطلق إلا إليه وهذا أحد الأقوال
وقيل هو بالخيار
وقيل كما في الكتاب والحق أن القول الثاني هو ما في الكتاب بعينه فليس فيها ثلاثة أقوال كما هو ظاهر شرح الكنز إلا لو كان إيجاب القعود ولا رواية في المسئلة وقد عرف الجواب عما تقدم من مسئلة نية الأربع مع الشروع قوله لحديث ابن عمر أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وليس فيه يومىء إيماء وقد غلط الدارقطني والنسائي عمرو بن يحيى في قوله على حمار وإنما هو على راحلته وأخرج الدارقطني في غرائب مالك عن أنس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوجه إلى خيبر على حمار يصلي يومىء إيماء وسكت عليه وفي الإمام عزى لفظ الإيماء إلى الصحيحين والزيلعي رحمه الله لم يره فيهما وقال عبدالحق في الجمع بين الصحيحين تفرد البخاري بذكر الإيماء انتهى وقد رأيناه في باب الوتر في السفر من صحيح البخاري من حديث ابن عمر وأخرجه ابن حبان في النوع الأول من القسم الرابع من صحيحه عن جابر رأيت
____________________
(1/462)
النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومىء إيماء ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين قوله ولأن النوافل غير مختصة بوقت فلو ألزمناه النزول والإستقبال تنقطع عنه النافلة إن لم ينزل أو لم يستقبل أو ينقطع هو عن القافلة إن نزل أو استقبل أما الفرائض فمختصة بوقت فلا يشق إلزام النزول في بعض الأوقات ولأن الرفقاء متظافرون معه على ذلك فلا ينقطع حتى لو لم يقفوا له وخاف من النزول اللص أو السبع جاز له أن يصليها راكبا وكذا إذا كانت الدابة جموحا لا يقدر على ركوبها إلا بمعين أو هو شيخ كبير لا يجد من يركبه وكذا الطين والمطر لقوله تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } والواجبات من الوتر والمنذور وما شرع فيه فأفسده وصلاة الجنازة والسجدة التي تليت على الأرض كالفرض وأما السنن الرواتب فتجوز على الدابة وعن أبي حنيفة أنه ينزل لسنة الفجر لأنها آكد من غيرها وروى عنه أنها واجبة وعلى هذا اختلف في أدائها قاعدا قوله والجواز عطف على اشتراط والأول رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف والثاني عن أبي يوسف
واختلف في مقدار الخروج قيل قدر فرسخين لا ما دونه وقيل ميل والأول ظاهر لفظ الأصل قيل والأصح في موضع يجوز القصر فيه قوله وعن أبي يوسف أنه يجوز في المصر راكبا بلا كراهة
وعن محمد يجوز معها قيل لما قال أبو حنيفة ذلك قال أبو يوسف حدثني فلان سماه عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه وكان يصلي وهو راكب فلم يرفع
____________________
(1/463)
أبو حنيفة رأسه قيل ذلك رجوع منه وقيل بل لأنه شاذ فيما تعم به البلوى والشاذ في مثله ليس حجة عنده ومحمد تمسك به أيضا وكرهه مخافة الغلط لما في المصر من كثرة اللغط هذا والنجاسة على الدابة لا تمنع على قول أكثرهم وقيل إن كانت على السرج والركابين تمنع وقيل إن كانت في موضع جلوسه فقط وجه الظاهر أن فيها ضرورة والجواز عليها رخصة تكثيرا للخيرات سقط لها ما أعظم وهو الأركان من الركوع والسجود وهو أعظم من ذلك الشرط وهل تجوز الصلاة على العجلة إن كان طرفها على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة وقد فرعنا عنه وإن لم يكن فهي كالسرير وكذا لو جعل تحت المحمل خشبة حتى بقي قراره على الأرض لا الدابة يكون بمنزلة الأرض قوله فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبنى وإن صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل هذا ظاهر الرواية عنهم وعن محمد قلبه لأن الراكب إذا نزل لو استقبل كان مؤديا جميع الصلوات بركوع وسجود وهو أولى من أداء بعضها بهما وبعضها بالإيماء والنازل إذا ركب لو استقبل كان مؤديا جمعها بالإيماء ولو بنى أدى بعضها به وبعضها بهما وهو أولى وعلى قول زفر يبنى في الوجهين لأنه يجوز بناء صلاة بركوع وسجود على صلاة افتتحها بإيماء وعن أبي يوسف يستقبل فيهما أما إذا كان نازلا
____________________
(1/464)
ثم ركب فللوجه المذكور في ظاهر الرواية وأما في قلبه فإلحاقا بالمريض المومى إذا قدر في خلالها عليهما هذا كله إذا لم يحصل الركوب والنزول بعمل كثير بأن رفع فوضع على الدابة أو ثنى رجله فانحدر من الجانب الآخر وجه الفرق على ظاهر الرواية أن الصلاة على الدابة واقعة مع اختلاف الأماكن وعدم الأركان الأصلية وبعض الشروط جوزت شرعا بخلاف القياس للحاجة إلى قطع المسافة ودليل الحاجة الركوب فإذا افتتح على الأرض انتفى دليلها المجوز وثبت دليل الإستغناء فلا يجوز معه بالإيماء بخلاف الإفتتاح راكبا فإنه مع دليلها وما يتخايل فيه من بناء القوى على الضعيف وهو لا يجوز كالمومى لمرض إذا قدر على الأركان في الأثناء لا يبنى مدفوع بأن عدم بناء المريض في الفرض ولا رواية عنهم فيه في النفل فجاز أن يقول يبني فيه فلا يحتاج إلى الفرق وأن يقول لا يبنى
ويفرق بأن إيماء المريض اعتبر شرعا بدلا من الركوع والسجود وهو المانع فيه لاستلزامه الجمع بين البدل والأصل لا لذاته إذ لا يعقل وجه امتناع كون بعض الصلاة قويا وبعضها أضعف منه بعد كون كل منهما بإذن الشرع ومعنى البدل هو الذي لا تجوز الصلاة به إلا عند إعواز الأصل وهو منتف في الراكب إذ يمكنه الإنتصاب في الركابين والركوع والسجود على ما أمامه فكان إيماؤه معتبرا أصلا في هذه الحالة فكان قويا كالركوع والسجود لا بدلا فصح البناء بهما عليه وقيل لما جاز للراكب أن يفتتح بالإيماء مع القدرة عليهما جاز له أن يبنى بهما بعد الإفتتاح به بخلاف المريض ليس له أن يفتتح به مع القدرة عليهما وليس له أن يبنى بهما بعد الإفتتاح به وهذا يفيد أن لا يبنى في المكتوبة إذا افتتحها راكبا إذ ليس له أن يفتتحها راكبا مع القدرة عليهما بالنزول ولذا قيد المسئلة في الكتاب به في قوله فإن افتتح التطوع وأما الذي اختاره المصنف في الفرق بين المفتتح راكبا إذا نزل وقلبه فمختار فخر الإسلام وعليه أن يقال إن أردت أن إحرام الراكب انعقد مجوزا لهما بأن ينزل فأول المسئلة وعين النزاع وإن أردت وهو راكب بأن يسجد على الإكاف منعنا كون الإجزاء بهما بل الإيماء الواقع في ضمنهما وأظهر الأمور في تقريره أن الشرع حكم بالإجزاء بمجرد الإيماء فيلزم الحكم بالخروج عن العهدة قبل وصول رأسه إلى الإكاف فلا يقع بهما إذ قد حصل قبلهما
____________________
(1/465)
قوله وكذا عن محمد إذا نزل بعد ما صلى ركعة يعني يستقبل وأما إذا لم يتمها حتى نزل فإنه يبنى إذا لم يتم كان مجرد تحريمة وهي شرط عندنا والشرط المنعقد للضعيف يكون شرطا للقوى والأصح هو الظاهر عنهم يعني إذا نزل يبنى مطلقا لما قدمناه من أنه ليس من بناء القوى على الضعيف الممتنع ولما جرى فيما ذكرنا آنفا أمر النذر بالصلاة على وجه الإستشهاد أحببنا سوق بعض فروع تتعلق به تتميما نذر شفعا بلا وضوء أو بلا قراءة يجب شفع بوضوء وقراءة وقال زفر لا لأنه نذر ما ليس قربة ففات شرط لزومه وعن محمد إن سمى ما لا يصح أداء الصلاة معه كبغير طهارة لا يلزمه أو يصح في الجملة كبلا قراءة يلزمه قلنا التزام الشيء التزام لما لا صحة له إلا به كنذر الصلاة الصلاة إيجاب الوضوء فالصلاة قربة وقد التزمها إلا أنه ذكر ما يخرجها عن القربة فيلغو بخلاف ما ليس قربة أصلية ولو نذر ركعة أو ثلاثا وجب ركعتان وأربع وقال زفر في الأول لا يجب شيء وفي الثاني ركعتان لنا أنه التزم بعض ما لا يتجزأ فكان التزاما للكل كإيقاعه ولو نذرت نفلا غدا فحاضت فيه قضته خلافا له قال نذر بغير المشروع قلنا بل به لأنه أضيف إلى اليوم وهو محله واعتراض الحيض منع الأداء لا الوجوب عند صدور النذر بخلاف ما لو قالت يوم حيضي فصل في قيام رمضان
التراويح جمع ترويحة أي ترويحة للنفس أي استراحة سميت نفس الأربع بها لاستلزامها شرعا ترويحة
____________________
(1/466)
أي استراحة فلذا قال ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة قوله والأصح أنها سنة لمواظبة الخلفاء الراشدين تغليب إذ لم يرد كلهم بل عمر وعثمان وعليا وهذا لأن ظاهر المنقول أن مبدأها من زمن عمر وهو ما عن عبدالرحمن بن القارىء قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر رضي الله عنه إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم إلى أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وقال في حديث آخر افترض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه وقد بين صلى الله عليه وسلم العذر في تركها وهو خشية الإفتراض على ما قدمناه في باب الوتر من حديث ابن حبان فارجع إليه وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الثالثة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان زاد البخاري فيه في كتاب الصوم فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك وقدمنا في باب النوافل عن أبي سلمة بن عبدالرحمن سألت عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة الحديث وأما ما روى ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني وعند البيهقي من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة سوى الوتر فضعيف بأبي شيبه إبراهيم بن عثمان جد الإمام أبي بكر بن أبي شيبة متفق عل ضعفه مع مخالفته للصحيح
نعم ثبتت العشرون من زمن عمر في الموطأ
عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين
____________________
(1/467)
ركعة وروى البيهقي في المعرفة عن السائب بن يزيد قال كنا نقوم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر قال النووي في الخلاصة إسناده صحيح وفي الموطأ رواية بإحدى عشرة وجمع بينهما بأنه وقع أولا ثم استقر الأمر على العشرين فإنه المتوارث فتحصل من هذا كله أن قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة فعله صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر أفاد أنه لولا خشية ذلك لواظبت بكم ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة وكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين وقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ندب إلى سننهم ولا يستلزم كون ذلك سنته إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر وبتقدير عدم ذلك العذر إنما استفدنا أنه كان يواظب على ما وقع منه وهو ما ذكرنا فتكون العشرون مستحبا وذلك القدر منها هو السنة كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة
وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون ومقتضى الدليل ما قلنا فالأولى حينئذ ما هو عبارة القدورى من قوله يستحب لا ما ذكره المصنف فيه قوله لأن أفراد الصحابة روى عنهم التخلف ذكر أن الطحاوي رواه عن ابن عمر وعروة ونقل عن القاسم وإبراهيم ونافع وسالم وعن أبي يوسف إن أمكنه أداؤها في بيته مع مراعاة سنة القراءة وأشباهها فيصليها في بيته إلا أن يكون فقيها كبيرا يقتدي به لقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلاالمكتوبة وجوابه أن قيام رمضان مستثنى من ذلك لما تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم وبيان العذر في تركه وفعل الخلفاء الراشدين وقوله والمستحب الجلوس قيل ينبغي أن يقول والمستحب الإنتظار بين الترويحتين لأنه استدل بعادة أهل الحرمين وأهل المدينة كانوا يصلون بدل ذلك أربع ركعات فرادى وأهل مكة يطوفون بينهما أسبوعا ويصلون ركعتي الطواف إلا أنه روى البيهقي بإسناد صحيح أنهم كانوا يقومون على عهد عمر ونحن لا نمنع أحدا من التنفل ما شاء وإنما الكلام في القدر المستحب بجماعة وأهل كل بلدة بالخيار يسبحون أو يهللون أو ينتظرون سكوتا أو يصلون أربعا فرادى وإنما استحب الإنتظار
____________________
(1/468)
لأن التراويح مأخوذ من الراحة فيفعل ذلك تحقيقا لمعنى الإسم وكذا هو متوارث قوله وبه قال عامة المشايخ لأنها سنة تبع للعشاء فكان وقتها قبل الوتر وقال جماعة الليل كله وقتها قبل العشاء وبعده لأنها قيام الليل والأصح أنه قبل الوتر وبعده بعد العشاء لأنها نوافل سنت بعد العشاء كسنتها فكانت تبعا لها والمستحب تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه واختلف في أدائها بعد النصف فقيل يكره لأنها تبع للعشاء كسنتها والصحيح لا يكره لأنها صلاة الليل والأفضل فيها آخره قوله وأكثر المشايخ الخ يقابل قول الأكثر ما قيل الأفضل أن يقرأ قدر قراءة المغرب لأن النوافل مبنية على التخفيف خصوصا بالجماعة وما قيل يقرأ في كل ركعة ثلاثين آية لأن عمر أمر بذلك فيقع الختم ثلاث مرات لأن كل عشر مخصوص بفضيلة كما جاءت به السنة أنه شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومنهم من استحب الختم ليلة السابع والعشرين رجاء أن ينالوا ليلة القدر ثم إذا ختم قبل آخره قيل لا يكره ترك التراويح فيما بقي وقيل يصليها ويقرأفيها ما يشاء والذي عليه الأكثر ما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه يقرأ في كل ركعة عشر آيات فعدد التراويح ستمائة ركعة أو خمسمائة وثمانون وعدد آي القرآن ستة آلاف وشيء ونقل بعضهم في رواية الحسن قال عشر آيات ونحوها وهو حسن وعن أبي حنيفة أنه كان يختم إحدى وستين ختمة في كل يوم ختمة وفي كل ليلة ختمة وفي كل التراويح ختمة قوله ولا يترك لكسل القوم تأكيد في مطلوبية الختم وأنه تخفيف على الناس لا تطويل كما صرح به في النهاية وإذا كان إمام مسجد حية لا يختم فله أن يتركه إلى غيره قوله حيث يتركها إذا علم أنها تثقل على القوم بخلاف الصلاة لا يتركها لأنها فرض أو سنة ولا يترك السنن
____________________
(1/469)
للجماعات كالتسبيحات قوله عليه إجماع المسلمين لأنه نفل من وجه والجماعة في النفل في غير رمضان مكروه فالإحتياط تركها فيه وفي بعض الحواشي قال بعضهم لو صلاها بجماعة في غير رمضان له ذلك وعدم الجماعة فيها في غير رمضان ليس لأنه غير مشروع بل باعتبار أنه يستحب تأخيرها إلى وقت تتعذر فيه الجماعة فإن صح هذا قدح في نقل الإجماع ثم بعد عدم كراهة الجماعة في الوتر في رمضان اختلفوا في الأفضل في فتاوى قاضيخان الصحيح أن الجماعة أفضل لأنه لما جازت الجماعة كانت أفضل وفي النهاية بعد حكاية هذا قال واختار علماؤنا أن يوتر في منزله لا بجماعة لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة في رمضان كما اجتمعوا على التراويح لأن عمر رضي الله عنه كان يؤمهم فيه في رمضان وأبي بن كعب كان لا يؤمهم اه وحاصل هذا اختلاف فعلى وأنت علمت مما قدمناه في حديث ابن حبان في باب الوتر أنه صلى الله عليه وسلم كان أوتر بهم ثم بين العذر في تأخيره عن مثل ما صنع فيما مضى فكما أن فعله الجماعة بالنفل ثم بيانه العذر في تركه أوجه سنيتها فيه فكذلك الوتر بجماعة لأن الجاري فيه مثل الجاري في النفل بعينه وكذا ما نقلناه من فعل الخلفاء يفيد ذلك فلعل من تأخر عن الجماعة فيه أحب أن يصلي آخر الليل فإنه أفضل كما قال عمر والتي ينامون عنها أفضل وعلم قوله صلى الله عليه وسلم واجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا فأخره لذلك والجماعة فيه إذ ذاك متعذرة فلا يدل ذلك على أن الأفضل فيه ترك الجماعة لمن أحب أن يوتر أول الليل كما يعطيه إطلاق جواب هؤلاء & باب إدراك الفريضة
حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الأداء الكامل وكله مسائل الجامع قوله ثم أقيمت حقيقة إقامة الشيء فعله وهذا أراد لا ما إذا شرع المؤذن في الإقامة قبل أن يشرع الإمام بل يتم ركعتين في هذه الصورة
____________________
(1/470)
ثم يدخل معهم قوله هو الصحيح إليه مال فخر الإسلام واحترز به عن مختار شمس الأئمة أنه يتم ركعتين وجه مختار المصنف أن ما دون الركعة ليس له حكم الصلاة بدليل أن من حلف لا يصلي لا يحنث بما دون الركعة فكان بمحل الرفض لكن فيه أنه وقع قربة فوجب صيانته ما أمكن بالنص واستئناف الفرض على الوجه الأكمل لا يسلب قدرة صونه عن البطلان لتمكنه من إتمام الركعتين مع تحصيل فضيلة صلاة الفرض بجماعة وإن فاته ركعة مع الإمام فلا يجوز الإبطال مع التمكن من تحصيل المصلحتين نعم غاية الأكملية في أن لا يفوته شيء مع الإمام ويعارضه حرمة الإبطال بخلاف إتمام ركعتين لأنه ليس بإبطال للصلاة بل لوصفها إلى وصف أكمل فصار كالنفل فإنه يتم ركعتين وإن لم يكن قيدها بسجدة بخلاف ما إذا شرع في النفل فحضرت جنازة خاف إن لم يقطعها تفوته فإنه لا يتمكن من المصلحتين معا وقطع النفل معقب للقضاء بخلاف الجنازة لو اختار تفويتها كان لا إلى خلف قوله وهذا القطع للإكمال يعني هو تفويت وصف الفرضية لتحصيله بوجه أكمل فصار كهدم المسجد لتجديده وإذا كان القطع ثم الإعادة من غير زيادة إحسان جائزا لحطام الدنيا كالمرأة إذا فار قدرها والمسافر إذا ندت دابته أو خاف فوت درهم من ماله فجوازه لتحصيله نفسه على وجه أكمل أولى بالجواز ثم جواب المسئلة مقيد بما إذا اتحد مسجدهما فلو كان يصلي في البيت مثلا فأقيمت في المسجد أو في المسجد فأقيمت في مسجد آخر لا يقطع مطلقا ذكره المرغيناني وقول محمد بطلان الوصف يستلزم بطلان الأصل هو فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي كما إذا قيد خامسة الظهر بسجدة ولم يكن قعد الأخيرة أما إذا
____________________
(1/471)
كان متمكنا من المضي لكن أذن له الشرع في عمله فلا يبطل أصلها بل تبقى نفلا إذا ضم الثانية قوله يروي ذلك عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة أيضا وحكى عن السغدي كنت أفتي أنه يتم سنة الظهر أربعا بخلاف التطوع حتى رأيت في النوادر عن أبي حنيفة إذا شرع في سنة الجمعة ثم خرج الإمام قال إن كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى ويسلم فرجعت وإليه مال السرخسي والبقالي وقيل يتمها وإليه أشار في الأصل أنها صلاة واحدة والأول أوجه لأنه متمكن من قضائها بعد الفرض ولا إبطال في التسليم على رأس الركعتين فلا يفوت فرض الإستماع والأداء على الوجه الأكمل بلا سبب قوله حيث يقطعها بخلاف ما قدمنا من اختيار شمس الأئمة عدم قطع الأولى قبل السجود وضم ثانية لأن ضمها هنا مفوت لاستدراك مصلحة الفرض بجماعة فيفوت الجمع بين المصلحتين قوله غير أنه يتخير الخ قال السرخسي يعود لا محالة لأنه أراد الخروج من صلاة معتد بها وذلك لم يشرع إلا في حالة القعود واختلف إذا عاد هل يعيد التشهد قيل نعم لأن الأول لم يكن قعود ختم وقيل
____________________
(1/472)
يكفيه ذلك التشهد لأنه لما قعد ارتفض ذلك القيام فكأنه لم يقم ثم قيل يسلم تسليمة واحدة وقيل ثنتين قوله والذي يصلي معهم نافلة دل عليه ما في مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة وكراهة النفل بجماعة خارج رمضان إنما هو إذا كان الإمام والقوم متنفلين وإطلاق اسم الإعادة حينئذ مجاز لأنه غير الأول ذكره في الدراية قوله لكراهة النفل بعد العصر فإن قيل روى أبو داود والترمذي والنسائي عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصلياها معه فقال علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا قالا يا رسول الله صلى الله عليك وسلم إنا كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة صححه الترمذي والصارف الأمر عن الوجوب جعلها نافلة فالجواب هو معارض بما تقدم من حديث النهي عن النفل بعد العصر أو الصبح وهو مقدم لزيادة قوته ولأن المانع مقدم واعتبارهم كون الخاص مطلقا مقدما على العام ممنوع بل يتعارضان في ذلك الفرد وموضعه الأصول أو يحمل على ما قبل النهي في الأوقات المعلومة جمعا بين الأدلة كيف وفيه حديث صريح أخرده الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة فصلها إلا الفجر والمغرب قال عبدالحق تفرد برفعه سهل بن صالح الأنطاكي وكان ثقة وإذا كان كذلك فلا يضر وقف من وقفه لأن زيادة الثقة مقبولة وإذا ثبت هذا فلا يخفى وجه تعليل إخراجه الفجر بما يلحق به العصر خصوصا على رأيهم فإن الإستثناء عندهم من المخصصات ودليل التخصيص مما يعلل ويلحق به إخراجا قوله في ظاهر الرواية احتراز عما روى عن أبي يوسف أنه يدخل معه ويتمها أربعا وما عنه أنه يسلم معه وجه الظاهر ما ذكره من أن التنفل بالثلاث مكروه وهذا دفع للرواية الثانية عنه قوله وفي جعلها أربعا مخالفة إمامه دفع للرواية الأولى منه وما ذكر في وجهها من أنه تغير وقع
____________________
(1/473)
بسبب الإقتداء ولا بأس به كمن أدرك الإمام في سجدة سجدها وهي زيادة على كمال الفرض وفي وجه الأخرى أن هذا نقص وقع بسبب الإقتداء ولا بأس به كما لو اقتدى بالإمام في الظهر بعد ما صلاها وترك الإمام القراءة في الأخريين فإنه تجوز صلاة المقتدى مع خلوهما عن القراءة حقيقة وحكما وهو نقص في صلاة المقتدى ولم يكره لمجيئه بسبب الإقتداء فالأخير مدفوع بمنع خلوه عن القراءة حكما وكذا ما قبله فإن زيادة نحو السجدة ليس زيادة تمام ماهية الصلاة بخلاف زيادة ركعة تامة فلا يلزم من اعتبار ما هو بمحل الرفض اعتبار ما لا يمكن رفضه والأوجه ما قيل في وجه الأولى بأنه مخالفة بعد الفراغ وذلك ليس بممنوع شرعا كالمسبوق وقد يدفع بأن مراده المخالفة في النية يعني إذا اقتدى وهو يعلم أن الإمام يصلي ثلاثا ومن عزمه هو أن يصلي أربعا يكون مخالفا لإمامة في النية وإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه يفيد كراهته وجواز مخالفته في صفة النفلية بالنص المذكور آنفا على خلاف القياس أو نقول المخالفة في الأداء ممنوع وإنما أطلقه الشرع بعد الفراغ لقضاء ما فاته ليحصل بذلك الوفاق معنى وما نحن فيه بخلافه إذ يحصل به الخلاف معنى ويؤيده تصريح الحديث المذكور آنفا بمنعه غير أنه إن دخل ولا بد أتمها أربعا ولو سلم مع الإمام فعن بشر لا يلزمه شيء وقيل فسدت ويقضي أربعا لأنه التزم بالإقتداء ثلاث ركعات فيلزم أربع كما لو نذر ثلاثا ولو صلى الإمام أربعا ساهيا بعد ما قعد على رأس الثلاث وقد اقتدى به الرجل متطوعا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل تفسد صلاة المقتدي لأن الرابعة وجبت على المقدي بالشروع وعلى الإمام بالقيام إليها فصار كرجل أوجب على نفسه أربع ركعات بالنذر فاقتدى فيهن بغيره لا تجوز صلاة المقتدي كذا هذا قوله يكره له الخروج حتى يصلي فيه مقيد بما بعده من أن لا يكون صلى وليس ممن تنتظم به جماعة أخرى فإن كان خرج إليهم وفيه قيد آخر وهو أن يكون مسجد حيه أو غيره وقد صلوا في مسجد حيه فإن لم يصلوا في مسجد حيه فله أن يخرج إليه والأفضل أن لا يخرج قوله لقوله صلى الله عليه وسلم لا يخرج الخ روى ابن ماجه بسنده عن محمد بن يوسف مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك الأذان في المسجد
____________________
(1/474)
ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع ومراسيل سعيد يقبلها بعض من يرد المراسيل من الأئمة لأنه تتبعها فوجدها مسانيد وأخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذنون للعصر فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم ومثل هذا موقوف عند بعضهم وإن كان ابن عبدالبر قال فيه وفي نظائره مسند كحديث أبي هريرة من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ولا يختلفون في ذلك ورواه ابن راهويه وزاد فيه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن فلا تخرجوا حتى تصلوا قوله وإن خشي فوتهما الحاصل أنه إذا أمكن الجمع بن الفضيلتين ارتكب الأرجح وفضيلة الفرض
____________________
(1/475)
بجماعة أعظم من فضيلة ركعتي الفجر لأنها تفضل الفرض منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا يبلغ ركعتا الفجر ضعفا واحدا منها لأنها أضعاف الفرض والوعيد على الترك للجماعة ألزم منه على ركعتي الفجر وهو ما تقدم في باب الإمامة من قول ابن مسعود لا يتخلف عنها إلا منافق وما قدمناه من همه عليه الصلاة والسلام بتحريق بيوت المتخلفين ومن رواية الحاكم من سمع النداء الحديث فارجع إليها ولو كان يرجو إدراكه في التشهد قيل هو كإدراك الركعة عندهما وعلى قول محمد لا اعتبار به كما في الجمعة والوجه اتفاقهم على صلاة الركعتين هنا لما سنذكر وما عن الفقيه إسمعيل الزاهد أنه ينبغي أن يشرع في ركعتي الفجر ثم يقطعهما فيجب القضاء فيتمكن من القضاء بعد الصلاة دفعه الإمام السرخسي بأن ما وجب بالشروع ليس أقوى مما وجب بالنذر ونص محمد أن المنذور لا يؤدى بعد الفجر قبل الطلوع وأيضا شروع في العبادة بقصد الإفساد فإن قيل يؤديها مرة أخرى قلنا إبطال العمل قصدا منهي ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة قوله حيث يتركها في الحالتين أي في حال خوف فوت الفرض وحال خوف فوت بعضه قوله هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم لا يقضيها قوله وإنما الخلاف الخ فعند أبي يوسف بعد الركعتين وهو قول أبي حنيفة وعلى قول محمد قبلهما وقيل الخلاف على عكسه والأولى تقديم الركعتين لأن الأربع فاتت عن الموضع المسنون فلا تفوت الركعتان أيضا عن موضعهما قصدا بلا ضرورة وفي المصفي وتبعه شارح الكنز جعل قولهما بتأخير الأربع بناء على أنها لا تقع سنة بل نفلا مطلقا وعند محمد تقع سنة فيقدمها على الركعتين والذي يقع عندي أن هذا من تصرف المصنفين فإن المذكور من وضع المسئلة الإتفاق على قضاء الأربع وإنما الخلاف في تقديمها على الركعتين وتأخيرها عنهما والإتفاق على أنها تقضي اتفاق على وقوعها سنة ألا ترى أنهم لما اختلفوا في سنة الفجر هل تقع بعد الشمس سنة أو نفلا مبتدأحكوا الخلاف في أنها تقضى أولا فلو كانا يقولان في سنة الظهر إنها تكون نفلا مطلقا لجعلوها خلافية في أصل القضاء فالذي لا يشك فيه أنهم إذا قالوا تقضى أولا معناه أنها تفعل بعد ذلك الوقت وتقع سنة كما هي في ذلك الوقت أو لا تقع سنة ويؤيد ذلك ما في فتاوى قاضيخان في باب التراويح إذا فاتت التراويح لا تقضى بجماعة وهل تقضى بلا جماعة قيل نعم ما لم يدخل وقت تراويح أخرى وقيل ما لم يمض رمضان وقيل لا تقضى قيل وهو الصحيح لأنها دون سنة المغرب والعشاء وتلك لا تقضي إذا فاتت بلا فريضة فكذا التراويح ثم قال فإن قضاها وحده كان نفلا مستحبا ولا يكون تراويح اه دل أنه على اعتبار جعله قضاء يقع تراويح وقد روى عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاها بعد الركعتين
____________________
(1/476)
قال الترمذي حسن غريب ولذا اتفقوا على قضائها كذلك قوله والتقييد بالأداء عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة لما روى عنه صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ولأنه يشبه المخالفة للجماعة والإنتباذ عنهم وعلى هذا فينبغي أن لا تصلي في المسجد إذ لا يمكن عند باب المسجد مكان لأن تركه المكروه مقدم على فعل السنة غير أن الكراهة تتفاوت فإن كان الإمام في الصيفي فصلاته إياها في الشتوي أخف من صلاتها في الصيفي وقلبه وأشد ما يكون كراهة أن يصليها مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة قوله والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل ذهب جماعة من أهل العربية إلى أن لفظ عامة بمعنى الأكثر وفيه خلاف وذكر المشايخ أنه المراد في قولهم قال به عامة المشايخ ونحوه ويجب اعتباره كذلك هنا بالنسبة إلى التراويح وتحية المسجد في السنن وأما في النوافل فلا وعلى هذا فيجب كون النوافل عطفا على لفظ عامة معمولا للحرف لا على السنن فإن قلت فهل يعتبر بالنسبة إلى ركعتي المغرب والظهر على ما قال في شرح الآثار إن الركعتين بعد الظهر والمغرب يؤديهما في المسجد لا ما سواهما والجواب هذا قول البعض وعامتهم على إطلاق الجواب فعبارة الكتاب وبه أفتى الفقيه أبو جعفر قال إلا أن يخشى أن يشتغل عنها إذا رجع فإن لم يخف فالأفضل البيت وما قدمنا عن أبي حنيفة في باب النوافل بعد نقل كلاك الحلواني لا ينافي هذا ولا ما صرح الزاهدي به من كراهة سنة المغرب في المسجد إذ وقوعها سنة لا ينافي ثبوت كراهة ما فيها ألا ترى أنه سماها سنة مع الكراهة وقد ذهب بعض العلماء من غير المذهب إلى أنه يصير عاصيا وحكى عن أبي ثور كأنه ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في بيوتكم واختلف قول الإمام أحمد روى عنه ابنه عبدالله أنه بلغه عن رجل سماه أنه قال لو أن رجلا صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه فقال ما أحسن ما قال هذا الرجل وما أحسن ما انتزع وقال الإمام أحمد السنة أن يصلي ركعتي المغرب في بيته كذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال السائب بن يزيد لقد رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا انصرفوا من المغرب انصرفوا جميعا حتى لا يبقى في المسجد أحد كأنهم لا يصلون بعد المغرب حتى يصيرون إلى أهليهم اه وقدمنا من رواية أبي داود والترمذي والنسائي قوله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأشهل لما رآهم يصلون بعد المغرب هذه صلاة البيوت ورواه ابن ماجه من حديث رافع بن خديج وقال فيه اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم وتقدم من الصحيح حديث ابن عمر حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات الخ وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته
____________________
(1/477)
قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين وفي الصحيحين عن حفصة وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته وسنذكر سنة الجمعة في بابها إن شاء الله تعالى وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم احتجر حجرة في المسجد من حصير في رمضان الحديث إلى أن قال فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وأخرج أبو داود صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام محمول على المكتوبة المستثناة فيما قبله قوله لأنه يبقى نفلا مطلقا بناء على أنه لم يرد الشرع به أو قد ورد ولكنه معارض بالنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس في الصحيحين فيقدم عليه كما قدمناه آنفا وإذا ترجح العمل به بقي المفعول بعدها نفلا مطلقا بخلاف ما بعد الظهر فإنه لم يعارض الدال على كونه قضاء معارض فيكون قضاء لا نفلا مطلقا على ما حققناه قوله لاختصاص القضاء بالواجب قيل لأن القضاء تسليم مثل الواجب وفيه نظر لأن الإصطلاح على جعل مسمى هذا اللفظ كذا لا يمنع وجود القضاء مع حذف ذلك القيد في الشرع وقد وقع الإتفاق على قضاء سنة الظهر الأولى فيمنع الناظر اعتبار ذلك القيد في مفهومه ويئول الأمر إلى أن الإصطلاح لا يدفع اصطلاحا آخر أو يقال ذلك تعريف قضاء الواجب لأن كلامهم ذلك في تقسيم حكم الأمر على ما عرف من قولهم حكم الأمر نوعان أداء وهو تسليم نفس الواجب إلى مستحقه وقضاء وهو تسليم مثل الواجب فالأولى في تقريره أن يقال القضاء إن وجب بسبب جديد توقف قضاء كل نفل وواجب على سمعي فيه وقد وجد في كل واجب سمعي عام وفي المنذور المعين إجماع على ما نقلوا وهو سمعي أيضا ولم يوجد مثل ذلك في النفل مطلقا فاختص القضاء بالواجب وإن وجب بالسبب الأول وهو مذهب المحققين فتقريره أنه إذا شغل الذمة وطلب تفريغها في وقت معين ففات يبقى السبب طالبا التفريغ على حسب الوسع الحاصل للقطع بأن براءة الذمة بعد تحقق شغلها لا يتحقق إلا بإبراء من له الحق أو الأداء وهذا منتف في السنن إذ لا شعل ذمة فيها بل طلبت على وجه التخيير
____________________
(1/478)
ابتداء على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم فإذا تعذر لم يبق طالبها إذ الذمة لم تكن مشغولة به وما طلبها إلا سنة وهو بكونها على الوجه المنقول عنه صلى الله عليه وسلم فإذا أتى بشيء يكون طالبه السبب الطالب للنفل على العموم في غير الأوقات المكروهة وهو أن الصلاة خير موضوع ونحوه من العمومات النادبة لتكثير الصلاة ما أمكن قيثبت بهذا اختصاص الواجب بالقضاء عند فوت الأداء فلا يجري القضاء في غيرها إلا بسمعي وهو إنما دل على قضاء سنة الفجر تبعا للفرض في غداة ليلة التعريس وقدمنا تخريجه وألفاظه وبه نقول وكذا ما روى عن عائشة رضي الله عنها في سنة الظهر ولذا نقول لا تقضي سنة الظهر بعد الوقت فتبقى فيما وراءه على العدم ومقتضى هذا ترجح قول من قال من المشايخ في غير الصبح إذا فات لا تقضي سنته معه وحينئذ فتعريف الأداء على وجه يشمل فعل النوافل أن يقال هو تسليم عين ما طلب شرعا فيشمل فعل النوافل والسنن في أوقاتها وإلا لزم أن لا توصف بأداء ولا قضاء والقضاء فعل مثل ذلك قوله وإنما تقضي أي سنة الفجر تبعا له أي الفجر أي صلاة الصبح إذا كانت معها وهو يصلي أي يقضي صلاة الصبح بجماعة أو وحده على الخلاف إلى وقت الزوال فلو لم يقضها حتى زالت الشمس ففي قضائها اختلاف المشايخ قيل لا تقضي وإن كانت تبعا للفرض لأنه صلى الله عليه وسلم إنما قضاها تبعا له قبل الزوال وقيل يقضيها بعد الزوال تبعا كقبله وأما سائر السنن سواها أي سوى سنة الفجر فلا تقضي بعد الوقت إذا كانت وحدها واختلف المشايخ إذا فاتت مع الفرض قيل لا تقضي وقيل تقضي بناء على جعل الوارد في قضاء سنة الفجر واردا في غيره من السنن الفائتة مع فرائضها إلغاء لخصوص المحل قوله ومن أدرك من الظهر ركعة ولم يدرك الثلاث فإنه لم يصل الظهر في جماعة اتفاقا وقال محمد قد أدرك فضيلة الجماعة وأحرز ثوابها وفاقا لصاحبيه لا كما ظن بعضهم من أنه لم يحرز فضلها عند
____________________
(1/479)
محمد لقوله في مدرك أقل الركعة الثانية من الجمعة لم يدرك الجمعة حتى يبني الظهر عليها بل قوله هنا كقولهما من أنه محرز ثوابها وإنما لم يقل في الجمعة كذلك احتياطا لأن الجماعة شرطها بخلاف غيرها لكنه لم يصلها بجماعة حقيقة فلذا يحنث في يمينه لا يدرك الجماعة وكذا لو أدرك التشهد يكون مدركا لفضيلتها على قولهم وهذا يعكر على ما قيل فيمن يرجو إدراك التشهد في الفجر لو اشتغل بركعتيه من أنه على قول محمد لا اعتبار به فيترك ركعتي الفجر على قوله فالحق خلافه لنص محمد هنا على ما يناقضه قوله ولا يحنث في يمينه لا يصلي الظهر بجماعة فلو كان صلى معه ثلاثا فعلى ظاهر الجواب لا يحنث أيضا لأنه لم يصلها بل بعضها بجماعة وبعض الشيء ليس بالشيء واختار شمس الأئمة أنه يحنث لأن للأكثر حكم الكل والظاهر الأول وعلم من السبك الذي سبكناه وقوع الإتفاق على المسئلتين وسبب تخصيص قول محمد والله أعلم التنبيه على بطلان ذلك الزعم قوله ومن أتى مسجدا قد صلى فيه يعني فاتته جماعته وصار بحيث يصلي الفرض منفردا فلا بأس أن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له سنة أو نافلة ما دام في الوقت سعة فإن كان فيه ضيق ولكن هو بحيث لا يخرج ترك التطوع قيل هذا أي ترك التطوع للضيق في غير سنة الفجر والظهر أما هما فلا يتركهما ما أمكنه أداء الفرض في الوقت بعدهما لزيادة
____________________
(1/480)
وكادتهما وقيل بل هذا أي الترك عند ضيق الوقت في الجميع أي جميع السنن وغيرها كما هو العموم السابق لأنه صلى الله عليه وسلم واظب على السنن عند أداء المكتوبات بجماعة لا منفردا وهذا منفرد ولا سنة دون المواظبة فلا تكون سنة في حقه هذا السبك هو المراد لأنه لو لم يرده تعين كون المراد هذا أي عدم الترك في الكل عند ضيق الوقت فلم يناسبه تعليله ولأنه لم يبق بعد إخراج الأول إلا التطوع قبل العصر والعشاء وقد كان له أن يتركهما وإن لم يكن في الوقت ضيق وإن صلاهما بجماعة إذ ليستا بسنة راتبة فلا تظهر فائدة قوله قد صلى فيه ويفسد المعنى أيضا إذ يفيد لا يترك سنة العصر والعشاء عند ضيق الوقت والحاصل أن المنفرد لا يترك السنن خلافا لمن قال لا سنة إلا عند أداء الفرض بجماعة لأنه صلى الله عليه وسلم إنما واظب عليها كذلك بل الحق أن سنيتها مطلقة كما هو اختيار المصنف رحمه الله لإطلاق المعنى المعقول من شرعيتها وهو تكميل الفرائض بجبر الخلل الذي عساه يقع فيها وقطع طمع الشيطان منه أن يوسوس له بترك الفرض ولتكون المتقدمة معينة على حصول الجمعية في الفرض لقطع مواد الشواغل بها قبل الفرض فيدخل الفرض وقد توجهت النفس بخلاف ما لو ولى الفرض ما كان فيه من الشواغل بلا واسطة وعدم المواظبة إلا كذلك وقع اتفاقا للإتفاق أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الفرض إلا كذلك هذا في حقنا أما في حقه صلى الله عليه وسلم فزيادة الدرجات إذ لا خلل في صلاته ولا طمع قوله والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها ظاهر في تصيير الأقوال ثلاثة يتركها المنفرد عند ضيق الوقت بحيث لا يخرج ولا يكره يتركها إلا سنة الفجر والظهر لا يترك شيئا بعد كون الوقت باقيا ولا كراهة فيه والمراد بالأحوال كلها حال ضيق الوقت وسعته والإنفراد والجماعة وقد يراد شموله للسفر والإقامة أيضا فيفيد اختيار أحد القولين في السفر فإن كثيرا من المشايخ على نفي الإستنان في السفر فلا يصلي السنة فيه وقيل يصليها لأن ما ذكرنا من المعقول من شرعيتها مشترك بين المسافر والمقيم ولا ضرر على المسافر فيه إذ يمكنه أداؤها راكبا على مامر لكن ثبت عن ابن عمر أنه سئل عن سنة الظهر في السفر فقال لو كنت مسبحا لأتممت ولأنا لا نقول لا يتنقل على الدابة في السفر بل الكلام في ثبوت سنية المعهودة حتى يلزمه إساءة بالترك فهذا هو المنفي فإن الشارع لما أسقط شطر الفرض عنه تخفيفا عليه للسفر فمن المحال أن يطلب منه غيره بحيث يلزمه إساءة بتركه وأما الحديثان اللذان ذكرهما المصنف فحديث سنة الفجر أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل وفيه ابن سيلان بمهملة مكسورة وياء ساكنة ونون قال
____________________
(1/481)
ابن القطان لا ندري أهو عبد ربه بن سيلان أو هو جابر بن سيلان وأيهما كان فحاله مجهول لا يعرف لكن صرح المنذري في مختصره بما عينه عبدالحق من أنه عبد ربه وقال هكذا جاء مسمى في بعض طرقه وقد رواه ابن المنكدر عن أبي هريرة وفيه عبدالرحمن بن إسحق المدني أبو شيبة الواسطي أخرج له مسلم واستشهد به البخاري ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وحديثه حسن وليس بقوي وقال يحيى القطان سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه قيل لأنه كان قدريا فنفوه من المدينة فأما رواياته فلا بأس بها وقال البخاري فيه مقارب الحديث وأما ما ذكره من حديث سنة الظهر فالله أعلم به ومما ورد في ركعتي الفجر قوله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وأسلفنا عنها في البخاري كان صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الفجر وأخرج عنها في حديث ولم يكن يدعهما أبدا وأخرج الطبراني في الأوسط عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه أنه أرسل إلى عائشة رضي الله عنها فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يصلي ويدع ولكن لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم وأسند أبو يعلى إلى ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تتركوا ركعتي الفجر فإن فيها الرغائب قوله فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه وكان يمكنه الركوع أو لم يقف بل انحط فرفع الإمام قبل ركوعه لا يصير مدركا لهذه مع الإمام وعند زفر يصير مدركا حتى كان لاحقا عنده في هذه الركعة فيأتي بها قبل فراغ الإمام إذ الواجب قضاء ما فاته قبله ولكنه لو صلاه بعد فراغه جاز وعندنا هو مسبوق بها فلا يأتي بها إلا بعد فراغ الإمام هو يقول أدرك فيما له حكم القيام وهو الركوع فإن له حكمه حتى لو شاركه فيه صار مدركا الركعة ويأتي بتكبيرات العيد فيه فصار كما لو أدركه في محض القيام ولم يركع مع الإمام حتى رفع فإنه يكون مدركا لها اتفاقا حتى كان له أن يركع بعد الإمام ويلحقه ولنا أن الإقتداء متابعة وشركة قال صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وفيه وإذا ركع فاركعوا الحديث وقال صلى الله عليه وسلم أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار الخ فعلم أن
____________________
(1/482)
الإقتداء متابعة على وجه المشاركة ولم يتحقق من هذه مشاركة لا في حقيقة القيام ولا في الركوع فلم يدرك معه الركعة إذ لم يتحقق منه مسمى الإقتداء بعد بخلاف من شارك في القيام ثم تخلف عن الركوع لتحقق مسمى الإقتداء منه بتحقق جزء مفهومه فلا ينتقض بعد ذلك بالتخلف لتحقق مسمى اللاحق في الشرع اتفاقا وهو بذلك وإلا انتفى هذا ومدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبيرتين خلافا لبعضهم ولو نوى بتلك التكبيرة الواحدة الركوع لا الإفتتاح جاز ولغت نيته قوله وقال زفر لا يجوز فيجب أن يعيد هذا الركوع فإن لم يعده لم تجزه كما لو رفع رأسه من هذا الركوع قبل ركوع الإمام ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء من الركن لأنه ينطلق عليه اسم الركوع وقد وجد فيقع موقعه ويعتبر من حين المشاركة الركوع المقتدى فيه كأنه لم يوجد قبله شيء وهذا منع لقوله إنه بناء على فاسد بل هو ابتداء وما قبله لغو كأنه لم يوجد وقوله كما في الطرف الأول يعني ما لو ركع معه ورفع قبله حيث يجوز ويكره كذا هذا يجوز ويكره وهذا لأن الركوع له طرفان طرف الإبتداء وهو الأول وطرف الإنتهاء فكما صحت مع مخالفته في الأول كذا الثاني ويكره فيهما للنص الذي سمعت ولو سجد قبل إمامه وأدركه فهو على هذا الخلاف وعن أبي حنيفة أنه لو سجد قبل رفع الإمام من الركوع ثم أدركه الإمام فيها لا يجزئه لأنه قبل أوانه في حق الإمام فكذا في حقه لأنه تبع له ولو أطال الإمام في السجود فرفع المقتدي فظن أنه سجد ثانية فسجد معه إن نوى بها الأول أو لم تكن له نية تكون عن الأول وكذا إن نوى الثانية والمتابعة ترجيحا للمتابعة وتلغو نية غيره للمخالفة وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية فإن أدركه الإمام فيها فهو على الخلاف مع زفر وعلى قياس ما روى عن أبي حنيفة فيمن سجد قبل رفع الإمام من الركوع يجب أن لا يجوز لأنه سجد قبل أوانه في حق الإمام فكذا في حقه لأنه تبع له وفي الخلاصة المقتدي إذا أتى بالركوع والسجود قبل الإمام هذه على خمسة أوجه إما أتى بهما قبله أو بعده أو بالركوع معه وسجد قبله أو بالركوع قبله وسجد معه أو أتى بهما قبله ويدرك الإمام في آخر الركعات فإن أتى بالركوع والسجود قبل الإمام في كلها يجب عليه قضاء ركعة بلا قراءة ويتم صلاته وإذا ركع معه وسجد قبله يجب عليه قضاء ركعتين وإذا ركع قبله وسجد معه يقضي أربعا بلا قراءة وإن ركع بعد الإمام وسجد بعده جازت صلاته انتهى وأنت إذا علمت أن مدرك أول صلاة الإمام لاحق وهو يقضي قبل فراغ الإمام ففي الصورة الأولى فاتته الركعة الأولى فركوعه وسجوده في الثانية قضاء عن الأولى وفي الثالثة عن الثانية وفي الرابعة عن الثالثة ويقضي بعد الإمام ركعة بلا قراءة لأنه لاحق وفي الثانية تلتحق سجدتاه في الثانية بركوعه في الأولى لأنه كان معتبرا ويلغو ركوعه
____________________
(1/483)
في الثانية لوقوعه عقيب ركوعه الأول بلا سجود بقي عليه ركعة ثم ركوعه في الثالثة مع الإمام معتبر ويلتحق به سجوده في رابعة الإمام فيصير عليه الثانية والرابعة فيقضي ركعتين وقضاء الأربع في الثالثة ظاهر
تتمة فيما يتابع الإمام فيه ومالا إذا رفع المقتدي رأسه من الركوع قبل الإمام ينبغي أن يعود ولا يصير ركوعين وكذا في السجود ولو رفع الإمام من الركوع قبل أن يقول المقتدي سبحان ربي العظيم ثلاثا الصحيح أن يتابعه ولو أدركه في الركوع يسبح ويترك الثناء وفي صلاة العيد يأتي بالتكبيرات في الركوع ولو قام إلى الثالثة قبل أن يتم المأموم التشهد يتمه وإن لم يتم وقام جاز وفي القعدة الثانية إذا سلم أو تكلم الإمام وهو في التشهد يتمه ولو سلم قبل أن يفرغ من الصلاة أو الدعاء يسلم معه ولو أحدث قبل أن يفرغ من التشهد لا يتم لأنه لا يبقى بعد حدث الإمام عمدا في الصلاة بل يفسد ذلك الجزء ويبقى بعد سلامه وكلامه ولو سلم قبل الإمام وتأخر الإمام حتى طلعت الشمس فسدت صلاته وحده ويتابعه في القنوت وقدمنا ما لو ترك الإمام القنوت في باب الوتر أنه إن أمكنه أن يقنت ويدرك الركوع قنت وإلا تابع وفي نظر الزندويستي خمسة إذا لم يفعلها الإمام لا يفعلها القوم القنوت وتكبيرات العيد والقعدة الأولى وسجدة التلاوة إذا تلا في الصلاة ولم يسجد أو سها ولم يسجد وأربعة إذا فعلها الإمام لا يفعلها المقتدي إذا زاد سجدة مثلا أو زاد في تكبيرات العيد ما يخرج به عن أقوال الصحابة وسمع التكبيرات من الإمام لا المؤذن على ما نذكره في صلاة العيد وخامسة في تكبير الجنازة أو قام إلى الخامسة ساهيا وسنذكر ماذا يصنع المقتدى في هذه في باب السهو إن شاء الله تعالى وتسعة إذا لم يفعلها الإمام يفعلها القوم إذا لم يرفع يديه في الإفتتاح وإذا لم يثن ما دام في الفاتحة وإن كان في السورة فكذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد وقد عرف أنه إذا أدركه في جهر القراءة لا يثني وإذا لم يكبر للإنتقال أو لم يسبح في الركوع والسجود وإذا لم يسمع أو لم يقرأ التشهد وإذا لم يسلم الإمام يسلم القوم وتقدم أنه إذا أحدث لا يسلمون بخلاف ما إذا تكلم لما قدمنا من أنه بالحديث تفسد من صلاتهم محله فينتفي محل السلام وإذا نسي تكبير التشريق
فرع صلى الكافر بجماعة حكم بإسلامه ومنفردا لا لأن الجماعة من خصوصيات صلاة ديننا ووجود اللازم المساوي يستلزم الملزوم المعين ولا يحكم بإسلامه بحج ولا صوم رمضان وفي كون الصلاة بجماعة من الخصوصيات نظر
____________________
(1/484)
& باب قضاء الفوائت
قوله لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطا لغيره هذا هو الأصل إلا ما أخرجه عنه دليل كما في الإيمان أعظم الأصول وهو شرط لكل العبادات وكذا الظهر بعرفة تقديمها شرط للعصر في وقت الظهر بها للدليل على ثبوت ذلك ولنا ما أخرج الدارقطني ثم البيهقي عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني عن سعيد بن عبدالرحمن الجمحي عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم من نسي صلاة فلم يذكرها
____________________
(1/485)
إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته فإذا فرغ من صلاته فليعد التي صلاها مع الإمام ورواه مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفا وصحح الدارقطني وأبو زرعة وغيرهما وقفه واختلفوا في نسبة الخطأ في رفعه فمنهم من نسبه إلى سعيد بن عبدالرحمن ومنهم من نسبه إلى الترجماني ولا يخفى أن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة وهما ثقتان قال ابن معين في الترجماني لا بأس به وكذا قال أبو داود وأحمد ولذا وثق ابن معين سعيدا وذكر الذهبي في ميزانه توثيقه عن جماعة وإن كان قد يهم فإن قلت لا يقاوم مالكا فالجواب أن المختار في تعارض الوقف والرفع ليس كون الإعتبار للأكثر ولا للأحفظ وإن كانت مذاهب بل للرافع بعد كونه ثقة وهذا لأن الترجيح بذاك هو عند تعارض المرويين ولا تعارض في ذلك لظهور أن الراوي قد يقف الحديث وقد يرفعه وإنما لم يتمسك بما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك لأن غاية ما يفيده وجوب الأداء وقت التذكر لا فساد الوقتية فيه بخلاف ما تمسك به لكن عليه أن يقال وجوب الإعادة المفاد فيه لا يستلزم كونه للفساد لما أسلفنا من وجوب إعادة المؤاداة مع كراهة التحريم سلمناه لكن فساد الوقتية بهذا الخبر بعد تسليم حجيته معارض بصحتها بالقاطع الدال على أنه وقتها ولازمه الشرعي الصحة فيه ولازم القطعي قطعي والجواب أنه متوقف على قطعية اللزوم وقطعية لزوم الصحة فيه إنما هو عند استيفاء شروطه الثابتة شرعا وثد ثبت اشتراط تقديم الفائتة بهذا النص فيتوقف قطعية لزوم الصحة فيه على تقديمها لكن بقي شيء وهو أنه إثبات شرط للمقطوع به بظني وقد التزمه في النهاية في جواب السؤال القائل ما عملتم بخبر الفاتحة مثل ما عملتم بخبر الترتيب حيث قلتم بفساد الصلاة عند ترك الترتيب لا عند ترك الفاتحة فأجاب بأن وجوب الترتيب لزيادة شرط في جواز الصلاة وتعيين الفاتحة زيادة ركن فيها فجاز أن يثبت الشرط لأنه أحط بخبر الواحد ولا يثبت به الركن انتهى ولا يخفى أن إثبات شرط للمطلق في الصحة من عين الزيادة بخبر الواحد على القاطع المطلق لأنه تقييد للمطلق في الصحة به على ما لا يخفى على من له أدنى تأمل في الأصول فلا يجوز وعن هذا والله أعلم عدل عنه بعد ذكره في النهاية إلى جواب آخر جعله الأصح فقال
____________________
(1/486)
أو نقول وهو الأصح من الجواب لو قلنا بتعيين الفاتحة على وجه تفسد بتركها يلزم نسخ الكتاب الذي يقتضي الجواز بدونها وهو إطلاق قوله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } وهو لا يجوز كما قلنا بجواز الوقتية مع تذكر الفائتة عند ضيق الوقت لئلا يلزم مثل هذا وأما لو قلنا بوجوب الترتيب عند سعة الوقت على وجه لا يلزم فساد الوقتية لا يلزم نسخ الكتاب بالخبر بل كان عملا بهما لأن بذلك يتأخر حكم ما ثبت بالكتاب ولا يبطل وكان له ولاية التأخير بدون هذا وهذا عين نظير من صلى المغرب في طريق المزدلفة يؤمر بالإعادة خلافا لأبي يوسف فلو لم يعد حتى طلع الفجر لا يؤمر بالإعادة كي لا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد انتهى ولا يخفى على متأمل أن المانع هو تقديم الخبر على القاطع كما هو قائم عند ضيق الوقت كذلك هو عند سعته فإن القاطع اقتضى الصحة مطلقا فإذا ألزمت التأخير كذلك كان عين تقديم الظني عليه نعم يتحقق العمل بهما ممن قدم الفائتة بنا على اختياره وليس الكلام في هذا بل إن تعيين تقديم الفائتة عند سعة الوقت على وجه تفسد الوقتية لو قدمت هل هو الجمع بين الدليلين بل هذا تقديم الظني عينا عند معارضته القاطع في صحة الوقتية في ذلك الوقت وقوله إنه عين نظير من صلى المغرب الخ قد ينظر فيه بأن الحكم هناك وجوب الإعادة بمزدلفة إلى الفجر فإذا لم يعد حتى طلع تقرر المأثم بترك مقتضى خبر الواحد من غير حكم بفساد المغرب ولزوم قضائها والحكم هنا فساد الوقتية ولزوم قضائها وبذلك يقع التقديم الممتنع هذا كله بعد ثبوت ذلك القاطع ومعرفة شخصه ولم يعينوه والإجماع منتف إذ مالك وأصحابنا لم يقولوا بصحة الوقتية إذا قدمت مطلقا فلا إجماع ويمكن كونه حديثا إمامة جبريل حيث قال الوقت ما بين هذين الوقتين بناء على أنه متواتر أو مشهور وحكمه حكم المتواتر في تقييد مطلق الكتاب به وحينئذ فمتقضى الدليل وجوب تقديم الفائتة دون فساد الوقتية لو لم تقدم فإن لم يفعل أثم لترك مقتضى خبر الواحد كترك الفاتحة سواء ودعوى من ادعى أن خبر الترتيب مشهور مردود بأن الخلاف في رفعه بين المحدثين ثابت فضلا عن شهرته ألا ترى أن المذهب تقديم الوقتية عند ضيق الوقت فلو كان مشهورا عندهم لقدموا الفائتة مطلقا لجواز تقييد الكتاب فضلا عن غيره بالخبر المشهور فيكون إطلاق جواز الوقتية في كل الوقت مقيدا لعدم الفائتة لكن هذا إحداث قول ثالث لأن الثابت قائلان قائل بالإستحباب وقائل بالوجوب على الوجه الذي تقدم فجعله للوجوب على ما ذكرنا إحداث قول ثالث وهو لا يجوز فإذا امتنع إعمال ظاهره من الوجوب لزم حمله على الندب ونفس الإمتناع للإحداث هو القرينة الصارفة إلى الندب فظهر بهذا البحث
____________________
(1/487)
أولوية قول الشافعي وغيره من القائلين بالإستحباب وهو محمد فعله صلى الله عليه وسلم الترتيب في القضاء يوم الخندق لأن مجرد الفعل لا يستلزم كونه المتعين لجواز كونه الأولى قوله كي لا يؤدي إلى تفويت الوقتية تعليل للسقوط بضيق الوقت وكثرة الفوائت وأما بالنسيان فظاهر لأن الخبر إنما أوجب الترتيب عند التذكر ثم تفسير ضيق الوقت أن يكون الباقي لا يسع الوقتية والفائتة ولا يناط بمجرد غلبة الظن بل بالواقع فلو ظن ضيقه فصلى الوقتية ثم ظهر أنه كان فيه سعة بطلت ثم ينظر إن ظن أن الباقي صار لا يسعهما فأعاد الوقتية ثم ظهر أيضا خلافه بطلت أيضا ثم ينظر أيضا كذلك وكذلك إلى أن يظهر بعد إعادة من الإعادات ضيقه صادقا فيعيد الوقتية ثم يصلي الفائتة وإن ظهر بعد إعادته أنه يسعهما صلى الفائتة ثم الوقتية ولو صلى الوقتية ثم بقي من الوقت فصل فصلى الفائتة فخرج الوقت قبل أن يقعد قدر التشهد حكم بجواز الوقتية لتبين ضيق الوقت ويعتبر ضيق الوقت عند الشروع حتى لو شرع في الوقتية مع تذكر الفائتة وأطال حتى ضاق لا يجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها ولو شرع ناسيا والمسئلة بحالها فتذكر عند ضيقه جازت ولو تعددت الفوائت لا بحيث يسقط الترتيب والوقت يسع بعضها لا الكل لا تجوز الوقتية حتى يصلي ذلك وقيل عند أبي حنيفة يجوز لأنه ليس الصرف إلى هذا البعض أولى منه للآخر قوله ولو قدم الفائتة جاز يعني يصح لا أنه يحل له ذلك كما لو اشتغل بالنافلة عند ضيق الوقت يكون آثما بتفويت الفرض بها ويحكم بصحتها قوله لمعنى في غيرها أي غير الفائتة وهو كون الإشتغال بها يفوت الوقتية وهذا يوجب كونه عاصيا في ذلك أما هي في نفسها فلا معصية في ذاتها هذا وما أمكن مراعاة حال الأداء في القضاء يراعي فمن ذلك الجهر والإخفاء فإن أم في الجهرية وجب الجهر اتفاقا وإن انفرد في قضائها ففيه خلاف المشايخ وقدمها المصنف واختار وجوب الإخفاء وقدمنا أن الأولى خلافة وتقدم الوجه من الجانبين وفي النهاية في باب كفارة الإحرام من كتاب الحج من ترك شيئا من الصلوات في أيام التشريق يقضيها بالتكبيرات إلى آخر أيام التشريق قوله قبل وقتها الثابت بالحديث يعني قوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها وتقدم أفاد أن وقت التذكر وقت الفائتة ومن ضرورته أن لا يكون وقتا للوقتية فيكون أداء الوقتية فيه قبل وقتها الثابت بالحديث وإن كان وقتها بالقاطع فيكون إهدار لأحد
____________________
(1/488)
الدليلين من غير ملجىء وهذا مبنى على امتناع كونه وقتا للوقتية إذ جعل وقتا للفائتة وهو غير لازم إذ لا مانع من اعتباره شرعا وقتا لهما بحيث يصح كل منهما فيه كالصلوات من الفريضة والمنذورة والنافلة غير أنه نص على غير المعلوم من كون وقت التذكر بعد انقضاء وقتها وقتها حتى يكون الأداء فيه خاليا عن الإثم لغرض كون التأخير للنوم والنسيان ولا حاجة إلى ذكر ما هو معلوم من أن الوقت للوقتية أيضا نعم لو عللوا انفراد الفائتة بالوقت بقوله في الحديث لا كفارة لها إلا ذلك لأمكن وحينئذ يبقى فيه ما قلناه في قولهم إن في تقديم الفائتة عملا بالدليلين قوله ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي ليس من تمام ما اتصل به بل هو حديث آخر فهو استدلال بمجموع فعله الترتيب بين الأربع وأمره بالصلاة على الوجه الذي فعل فلزم الترتيب ولو قاله بالواو لكان أقل إيهاما ولا يخفى أن الحديث الثاني ليس على صرافة ظاهره من إيجاب كل ما وقع عليه رؤيتهم من صلاته فإنها وقعت على ما هو من السنن والآداب وليست واجبة فهو على الندب إن اعتبرت هذه المرادة أو على الإيجاب إن اعتبرت غيرها وعلى كل حال لا يفيد المطلوب أما على التقدير الأول فظاهر وكذا على الثاني لأنه فرع ثبوت الوجوب بغيره لأن كونه هذا الترتيب واجبا عين النزاع وصلوا إلى آخره إيجاب فعل الواجبات على الوجه الذي رأوه فعلها فلا يقدم السجود على الركوع ولا يقرأ في غير القيام وحاصله على هذا التقدير تعيين الكيفيات الواجبة أن تغير وذلك فرع ثبوت الوجوب أولا وغاية ما يدفع به هذا أن يقال هو مفيد وجوب كل ما وقع عليه الرؤية إلا ما قام الدليل فيه على خلافه من كونه سنة أو أدبا وحينئذ يقال الترتيب من المستثنى لما قدمنا من استلزام تقديم الظني على القاطع بتقدير ما ذهبوا إليه ثم الحديث الثاني هو ذيل حديث مالك بن الحويرث في البخاري وتقدم وأما الأول فأخرجه الترمذي والنسائي عن أبي عبيدة عن أبيه عبدالله بن مسعود قال إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء قال الترمذي ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه يعني فهو منقطع وقول الشيخ محيي الدين النووي في الخلاصة لم يدرك أباه مخالف لقول أبي داود توفى ولولده أبي عبيدة سبع سنين ورواه النسائي في سننه عن الخدري حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك فأنزل الله تعالى { وكفى الله المؤمنين القتال } فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك ثم أقام فصلى المغرب كما كان يصليها قبل ذلك ثم أقام فصلى العشاء كما كان يصليها قبل ذلك وذلك قبل أن ينزل { فرجالا أو ركبانا } ورواه ابن حبان في صحيحه في النوع الرابع والثلاثين ولم يذكر فيه العشاء لأنها كانت في وقتها وذكرها في الرواية الأخرى باعتبار
____________________
(1/489)
أنها تأخرت عن وقتها المعتاد وأخرجه البزار عن جابر بن عبدالله أنه صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهبت ساعة من الليل فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء ثم قال ما على ظهر الأرض قوم يذكرون الله في هذه الساعة غيركم وفيه عبدالكريم بن أبي المخارق مضعف وفي الباب حديث الصحيحين أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغيب فقال صلى الله عليه وسلم فوالله ما صليتها فنزلنا إلى بطحان فتوضأ صلى الله عليه وسلم وتوضأنا فصلى صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب ولا يعارضه ما انفرد به مسلم من قوله ثم صلاها بين المغرب والعشاء ولا ما انفرد به عن ابن مسعود حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا أو حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا اه لوجوب حمل الأول على إرادة بين وقت المغرب والعشاء وهو أحد محتمليه لصحة أنه صلى العصر قبل المغرب والمفاد بالثاني أن الحبس تحقق إلى وقت الإحمرار فوقع الدعاء عليهم إذ ذاك وليس فيه أنه صلاها إذ ذاك وقد تظافرت رواية الصحيحين مع ما قبلها أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت بعد الغروب وكذا لا يعارض ما في الصحيحين من أنه صلاها بعد الغروب الأحاديث السابقة من أنه صلاها بعد دخول وقت العشاء وذهاب ما شاء الله منه للتصادق غير أن المتبادر من تخصيص قوله فصلى العصر بعد ما غربت أنه قبل وقت العشاء وإلا لقال بعد ما دخل وقت العشاء لكن يجب الحمل على مجرد ما يصدق به لأن تلك الأحاديث أيضا صحت بكثرة الطرق وبعضها في صحيح ابن حبان قوله إلا أن تزيد الفوائت استثناء من قوله رتبها في القضاء ولا يلزم كون الفوائت سبعا لأن ما به الزيادة لا يوجب اللفظ كونه فائتا بل إذا انضم إلى الفوائت المعينة صلاة صدق أن المسمى بالفوائت زادت وإن لم تكن فائتة هذا غاية ما يؤديه اللفظ وإلا استلزم كون الفوائت سبعا قوله وحد الكثرة قال في شرح الكنز وغيره المعتبر أن تبلغ الأوقات المتخللة ستا مذ فاتته الفائتة وإن أدى ما بعدها
____________________
(1/490)
في أوقاتها وقيل يعتبر أن تبلغ الفوائت ستا ولو كانت متفرقة وثمرة الخلاف تظهر فيمن ترك ثلاث صلوات مثلا الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم فعلى الأول يسقط الترتيب يعني بين المتروكات وعلى الثاني لا لأن الفوائت بنفسها يعتبر أن تبلغ ستا ومثل هذا ما ذكره في المصفى في وجه اقتصار صاحب المنظومة على نقل الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا ترك ظهرا وعصرا من يومين دون أن يذكره في ثلاثة فصاعدا قال للخلاف فيما إذا كانت ثلاثة فعند بعضهم يسقط الترتيب لأن ما بين الفوائت يزيد على ست ومنهم من أوجبه لأن المعتبر كون الفوائت بنفسها ستا يعني فلما اختلفوا في ثبوت الخلاف بينهم في الزائد على الصلاتين اقتصر في المنظومة على نقل الخلاف فيهما ولا يخفى على من علم مذهب أبي حنيفة من أن الوقتية المؤداة مع تذكر الفائتة تفسد فسادا موقوفا إلى أن يصلي كمال خمس وقتيات فإن لم يعد شيئا منها حتى دخل وقت السادس صارت كلها صحيحة ولا يخفى أنه لا يتصور على قوله كون المتخللات ست فوائت لأنه مع دخول وقتها ثبتت الصحة فلا يتحقق فائتا سوى المتروكة إذ ذاك والمسقط هو ست فوائت لا مجرد أوقات لا فوائت فيها فإنه لا معنى له إذ السقوط بكثرة الفوائت كي لا يؤدي التزام الإشتغال بأدائها إلى تفويت الوقتية فمجرد الأوقات بلا فوائت لا أثر له فلا وجه لاعتباره فإن قلت إنما ذكر من رأيت في تصويره هذه أنه إذا صلى السادسة من المؤديات وهي سابعة المتروكة صارت الخمس صحيحة ولم يحكموا بالصحة على قوله بمجرد دخول وقتها فالجواب أنه يجب كون
____________________
(1/491)
هذا منهم اتفاقيا لأن الظاهر أنه يؤدي السادسة في وقتها لا بعد خروجه فأقيم أداؤها مقام دخول وقتها لما سنذكر من أن تعليله لصحة الخمس يقطع ثبوت الصحة بمجرد دخول الوقت أداها أولا وعلى هذا يجب أن يحكم على الخلاف المذكور بالخطأ والتحقيق أن خلاف المشايخ في الثلاث إنما هو في الحكم بأن عدم وجوب الترتيب هو بالإتفاق بين الثلاثة أو على الخلاف كما في الثنتين ابتداء كما نحققه بذكر المسئلة بشعبها وبه يتبين مبنى الخلاف على وجه الصحة إذ قد صرنا إليها إحرازا لفائدتها فإنها مهمة ولم يذكرها في الهداية وجه قولهما فيها إلحاق ناسي الترتيب بين الصلاتين الفائتتين بناسي الفائتة فيسقط الترتيب به وهو ألحقه بناسي التعيين وهو من فاتته صلاة لم يدر ما هي ولم يقع تحريه على شيء يعيد صلاة يوم وليلة بجامع تحقق طريق يخرج بها عن العهدة بيقين فيجب سلوكها وهذا الوجه يصرح بإيجاب الترتيب في القضاء عنده فيجب الطريق التي بعينها لا كما قيل إنه مستحب عنده فلا خلاف بينهم ثم صورة قضاء الصلاتين عنده أن يصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر فإن كان المتروك أولا هو الظهر فالظهر الأخيرة تقع نفلا وإن كان هو العصر فالظهر الأولى تقع نفلا وكما يجوز أن يبدأ بالظهر يجوز أن يبدأ بالعصر فيصلي العصر ثم الظهر ثم العصر ولو كانت الفوائت ثلاثا ظهر من يوم وعصر من يوم ومغرب من يوم ولا يدري ترتيبها ولم يقع تحريه على شيء صلى الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر سبع صلوات لأن كلا من الثلاث يحتمل كونها أولى أو أخيرة أو متوسطة تجيء تسعا الثابت في الخارج ست للتداخل لأن توسط الظهر يصدق في الخارج أما مع تقدم العصر أو المغرب فلا يكون كل قسما برأسه وكذا هما فخرج بواسطة كل واحدة يبقى الثابت الظهر ثم العصر ثم المغرب أو الظهر ثم المغرب ثم العصر فهذان قسما تقدم الظهر ولتقدم العصر مثلهما وللمغرب كذلك فإن فاتته العشاء من يوم آخر مع تلك الثلاثة يصلي تلك السبع ثم يصلي الرابعة وهي العشاء فصارت ثماينة ثم يعيد تلك السبع على ذلك الوجه فالجملة خمس عشرة فلو كانت خمسا من خمسة أيام بأن ترك الفجر أيضا يصلي إحدى وثلاثين صلاة تلك الخمس عشرة على ذلك النحو ثم يصلي الخامسة أعني الفجر ثم يعيد تلك الخمسة عشرة فالضابط أن المتروكة إن كانتا ثنتين يصليهما ثم يعيد أولاهما وإن كانت ثلاثا صلى تلك الثلاث ثم الثالثة ثم أعاد تلك الثلاث وإن كانت أربعا صلى قضاء الثلاث كما قلنا ثم الرابعة ثم أعاد ما يلزمه في قضاء الثلاث وإن كانت خامسة فعل ما لو كان المتروك أربعا ثم يصلي الخامسة ثم يفعل ما يلزمه في أربع وإنما أطنبنا لكثرة سؤال السؤال عنه وفي فتاوى قاضيخان الفتوى على قولهما كأنه تخفيفا على الناس لكسلهم وإلا فدليلهما لا يترجح على دليله وإذا عرفت هذا فقد اختلف المشايخ فيما وراء الصلاتين فذهب طائفة إلى أنه لا ترتيب بالإتفاق فلا يؤمر بإعادة الأولى في قول الكل قال في الحقائق وهو الأصح لأن إعادة ثلاث صلوات في وقت الوقتية لأجل الترتيب مستقيم أما إيجاب سبع صلوات
____________________
(1/492)
في وقت واحد لا يستقيم لتضمنه تفويت الوقتية انتهى فهذا يوضح لك أن خلاف هؤلاء فيما وراء الثنتين لما يلزمه من إيجاب سبع بإيجاب الترتيب وهو كسبع فوائت معنى لما علمت من أن إيجاب الترتيب في قضائها يوجب سبع صلوات فإذا كان الترتيب يسقط بست فأولى أن يسقط بسبع والطائفة الأخرى لم يعتبروا إلا تحقق فوائت ست والأولون أوجه لأن المعنى الذي لأجله سقط الترتيب بالست موجود في إيجاب سبع فظهر بهذا مبنى الخلاف على وجه الصحة كما ذكر في شرح الكنز والله أعلم قوله زجرا له عن التهاون والفتوى على الأول كذا في الكافي وغيره لأن هذا ترجيح بلا مرجح وما قالوا يؤدي إلى التهاون لا إلى الزجر عنه فإن من اعتاد تفويت الصلاة وغلب على نفسه التكاسل لو أفتى بعدم الجواز يفوت أخرى وهلم جرا حتى يبلغ حدث الكثرة قوله وهو الأظهر خلاف ما اختاره شمس الأئمة وفخر الإسلام وصاحب المحيط وقاضيخان وصاحب المغنى والكافي وغيرهم وما استدل به عن محمد فيه نظر نذكره قوله على كل حال أي سواء قدم أو أخر والوقتيات فاسدة إن قدمها أي على الفوائت وجه الإستدلال أنه إذا قدم الوقتية صارت هي سادسة المتروكات فسقط الترتيب فعلى تقدير أن لا يعود كان ينبغي أنه إذا قضى بعدها فائتة حتى عادت المتروكات إلى خمس أن تجوز الوقتية الثانية قدمها أو أخرها وإن وقعت بعد عدة لا توجب سقوط الترتيب أعني خمسا أو أربعا لسقوط الترتيب قبل أن يصير إلى الخمس وجه النظر أنه لم يسقط الترتيب أصلا فإن سقوطه بخروج وقت السادسة وهو لم يخرج حتى صارت خمسا بقضاء الفائتة ولا يمكن تخريجه على ما روى عن محمد من اعتبار دخول وقت السادسة لأنه لو كان كذلك لم تفسد الوقتيات فالأصح أن الترتيب إذا سقط لا يعود كماء نجس دخل عليه ماء جار حتى سال ثم عاد قليلا لم يعد نجسا فلذا صح في الكافي أنه لا يعود ولا يخفى أن إبطال الدليل المعين لا يستلزم بطلان المدلول فكيف بالإستشهاد وحاصله بطلان أن يكون ذلك نصا من محنمد في المسئلة فليكن كذلك فهو غير منصوص عليه من المتقدمين لكن الوجه يساعده بجعله من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته وذلك أن سقوط الترتيب كان بعلة الكثرة المفضية إلى الحرج أو أنها مظنة تفويت الوقتية فلما قلت زالت العلة فعاد الحكم الذي كان قبل وهذا مثل حق الحضانة الثابت لمحرم الصغير من النساء ينتهي بالتزوج فإذا زال التزوج عاد لا أنه سقط فيكون
____________________
(1/493)
متلاشيا فلا يتصور عوده إلا لسبب آخر قوله لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها محمول على ما إذا كان جاهلا أما لو اعتقد وجوب الترتيب كانت أيضا فاسدة وعليه أن يقال إذا كان الفرض جهل وجوب الترتيب وأنه معتبر في صحة العشاء إذا أخرها لمصادفته محل اجتهاد فلا وجه للفصل بين تقديمها وتأخيرها بل يجب أن يصح وإن قدمها لأن الفرض أنه جاهل وجوب الترتيب بينها وبين الفائتة التي بقيت عليه والجواب يعلم من جوابهم لطلب الفرق بين ما لو صلى الظهر بغير طهارة ثم صلى العصر ذاكرا لها حيث تجب إعادة العصر وإن ظن عدم وجوب الترتيب وما لو صلى هذه الظهر بعد هذه العصر ولم يعد العصر حتى صلى المغرب ذاكرا لها حيث تصح المغرب إذ قالوا إن فساد الظهر قوى لعدم الطهارة فصلح استتباعه لفساد العصر بخلاف فساد العصر فإنه ضعيف لقول طائفة من الأئمة بعدمه فلم يصلح مستتبعا فساد المغرب فيؤخذ منه أن مجرد كون المحل مجتهدا فيه لا يستلزم اعتبار الظن الخطأ فيه من الجاهل بل إن كان المجتهد فيه ابتداء لا يعتبر الظن فيه وإن كان مما ينبني على المجتهد ويستتبعه اعتبر ذلك الظن لزيادة الضعف ففساد العصر هو المجتهد فيه ابتداء وفساد المغرب بسبب ذلك فاعتبر وكذا ما نحن فيه فإنه إذا أخر العشاء ففسادها بسبب فساد الوقتيات وفساد الوقتيات هو الفساد المجتهد فيه فهي نظير العشر في المسئلة المذكورة وإذا قدمها ففسادها حينئذ لوجود الفائتة بيقين وهي آخر المتروكات
____________________
(1/494)
والله سبحانه وتعالى أعلم قوله إلا إذا كان في آخر الوقت يعني أصل الوقت وعند الحسن وهو رواية عن محمد آخر الوقت المستحب حتى لو تذكر في وقت العصر أن عليه قضاء الظهر وعلم أنه لو اشتغل بها يقع العصر قبل الغروب في الوقت المكروه لا يسقط الترتيب فيصلي الظهر في المستحب والعصر في المكروه وعند الحسن يسقط الترتيب فيصلي العصر في المستحب ويؤخر الظهر إلى ما بعد الغروب ولو كان بقي من الوقت المستحب ما لا يسع الظهر سقط الترتيب بالإتفاق لعدم جواز الظهر في المكروه ولو شرع في العصر ذاكرا للظهر والشمس حمراء وغربت وهو فيها أتمها طعن فيه عيسى بن أبان فقال بل يقطعها ثم يبدأ بالظهر لأن ما بعد الغروب وقت مستحب وهو ذاكر للظهر وهو القياس وجه الإستحسان أنه لو قطعها تكون كلها قضاء ولو مضى فيها كان بعضها في الوقت فكان أولى ولأنه حين شرع كان مأمورا بها مع العلم بأن الكل لا يقع في الوقت فلو كان هذا المعنى مانعا لما أمر به قوله وهي مسئلة الترتيب وإنما ذكرها ليصل بها مسئلة بطلان الوقت قوله وإذا فسدت الفرضية بتذكر الفائتة فيها لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد يبطل حتى لو قهقه بعد التذكر لا تنتقض طهارته قوله فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل يعني ليس الموجود مما
____________________
(1/495)
يبطل أصل الصلاة كالحدث بل وصف الفرضية ولا تلازم بين بطلان الوصف وبطلان الأصل كالمكفر بالصوم إذا أيسر في خلال اليوم لا يبطل صومه فيصير مفطرا بل يبطل وصف وقوعه كفارة ويدل على ذلك حديث ابن عمر أول الباب حيث قال فليتم صلاته ثم ليعد التي صلاها مع الإمام قوله ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا بخلاف ما لو أعاد الظهر قبل أن يصلي السادسة فإنه يفسد الخمس ولو صلى السادة قبل الإشتغال بالقضاء صح الخمس وهذا ما يقال صلاة واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا وجه قولهما وهو القياس أن سقوط الترتيب حكم والكثرة علة له فإنما يثبت الحكم إذا ثبتت العلة في حق ما بعدها لا في حق نفسها كما إذا
____________________
(1/496)
رأى عبده يبيع فسكت ثبت الإذن فميا يبيع بعد هذا البيع لا فيه نفسه وكذا صيرورة الكلب معلما بترك الأكل ثلاثا علة حل أكل مأخوذه وأثره في حل ما بعد الثالثة وجه قوله وهو الإستحسان أن المسقط الكثرة وهي قائمة بالكل فوجب أن تؤثر السقوط ولهذا لو أعادها بلا ترتيب جازت عندهما أيضا وهذا لأن المانع من الجواز قلتها وقد زالت فيزول المنع ولا يمتنع أن يتوقف حكم على أمر حتى يتبين حاله كتعجل الزكاة إلى الفقير يتوقف كونها فرضا على تمام الحول والنصاب تام فإن تم على تمامه كان فرضا وإلا نفلا وكون المغرب في طريق مزدلفة فرضا على عدم إعادتها قبل الفجر فإن أعادها كانت نفلا والظهر يوم الجمعة على عدم شهودها فإن شهدها كان نفلا وصحة صلاة المعذور إذا انقطع العذر فيها على عوده في الوقت الثاني فإن لم يعد فسدت وإلا صحت وكون الزائد على العادة حيضا على عدم مجاوزة العشرة فإن جاوز فاستحاضة وإلا حيض وصحة الصلاة التي صلتها صاحبة العادة فيما إذا انقطع دمها دون العادة فاغتسلت وصلت على عدم العود فإن عاد ففاسدة وإلا صحيحة ولا يخفى على متأمل أن هذا التعليل المذكور يوجب ثبوت صحة المؤديات بمجرد دخول وقت سادستها التي هي سابعة المتروكة لأن الكثرة تثبت حينئذ وهي المسقطة من غير توقف على أدائها كما هو المذكور في التصوير في سائر الكتب وانه لا تتوقف الصحة على ما إذا كان ظانا عدم وجوب الترتيب عنده بخلاف ما إذا ظنه فإنه لا يصح كما نقله في المحيط عن مشايخهم في التعليل المذكور يقطع بإطلاق الجواب سواء ظن عدم الوجوب أولا
فروع ترك الصلاة عمدا كسلا يضرب ويحبس حتى يصليها لا يقتل إلا إذا جحد أو استخف وجوبها صبي نام فاحتلم بعد ما صلى العشاء ولم يستيقظ حتى طلع الفجر يقضي العشاء هي واقعة محمد بن الحسن فسأل عنها الإمام فأجابه بذلك أسلم في دار الحرب جاهلا بالشرائع لم يقض خلافا لزفر قاسه على ما لو أسلم فينا قلنا الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله ولم يوجد بخلاف المسلم فينا فإن عنده دليله صلى وارتد وأسلم في الوقت يعيد خلافا للشافعي فإن أسلم بعد ذلك لا يقضي ما فاته زمان الردة خلافا له بناء على حبط ذلك المؤدي بالردة فلم يبق شيئا ثم أدرك وقت الوجوب وهو آخر الوقت مسلما فيتوجه عليه الخطاب إذ أدرك السبب خاليا عن الأداء فتعلق به خطاب الوضع فلزمه حكمه بخلاف ما بعده لأنه لم يخاطب في حال كفره بالشرائع عندنا وعلى هذا يجب على كل من ارتد ثم أسلم إعادة حجه لأن نسبة الوقت إلى الصلاة كنسبة العمر إلى الحج فحبط ثم أدرك وقته مسلما فلزمه
____________________
(1/497)
& باب سجود السهو
قوله يسجد للسهو مقيد بما إذا كان الوقت صالحا حتى أن من عليه السهو في صلاة الصبح إذا لم يسجد حتى طلعت الشمس بعد السلام الأول سقط عند السجود وكذا إذا سها في قضاء الفائتة فلم يسجد حتى احمرت وكذا في الجمعة إذا خرج وقتها وكل ما يمنع البناء إذا وجد بعد السلام يسقط السهو وليس من شرط السجود أن يسلم ومن قصده السجود بل لو سلم ذاكرا للسهو ومن عزمه أن لا يسجد كان عليه أن يسجد ولا يبطل سجوده كمن شرع في الصلاة ومن عزمه أن يفسدها لا تفسد إلا بتحقيق ذلك القصد ونيته لغو قوله ثم يتشهد إشارة إلى أن السهو يرفع التشهد وأما رفع القعدة فلا بخلاف السجدة الصلبية وسجدة التلاوة إذا تذكرهما أو إحداهما في القعدة فسجدة فإنهما يرفعان القعدة حتى يفترض القعود بعدهما لأن محلهما قبلها وعلى هذا لو سلم بمجرد رفعه من سجدة السهو يكون تاركا للواجب فلا تفسد بخلاف ما إذا لم يقعد بعد تينك السجدتين حيث تفسد بترك الفرض وهذا في سجدة التلاوة على إحدى الروايتين وهو المختار قوله روى أنه صلى الله عليه وسلم سجد للسهو قبل السلام في الكتب الستة واللفظ للبخاري عن عبدالله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم وروى أنه سجد بعد السلام في الستة أيضا حديث ذي اليدين أنه صلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر ثم سجد وفي رواية لمسلم وأبي داود والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم من ثلاث إلى أن قال فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم لكل سهو سجدتان بعد السلام فرواه أبو داود وابن ماجه عن إسمعيل بن عياش من حديث ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال لكل سهو سجدتان بعد السلام قال البيهقي انفرد به إسمعيل بن عياش وليس بالقوي ونحن نمنع ذلك مطلقا بل الحق في ابن عياش توثيقه كما هو عن أشد الناس مقالة في الرجال يحيى بن معين قال عباس عن يحيى
____________________
(1/498)
ابن معين ثقة وتوهنيه عن أبي إسحق الفزاري لا يقبل وناهيك بأبي زرعة وقال لم يكن بالشام بعد الأوزاعي وسعيد بن عبدالعزيز أحفظ من إسمعيل بن عياش وغاية ما عن ابن معين فيه قوله عن الشاميين حديثه صحيح وخلق عن المدنيين وقد استقر رأى ابن حنبل وكثير على هذا التفصيل وروايته لهذا الحديث عن الشاميين رواه عن عبيدالله بن عبيد الكلاعي وهو الشامي الدمشقي وثقه دحيم وقال ابن معين ليس به بأس عن زهير بن سالم العنسي بالنون وهو أبو المخارق الشامي ذكره ابن حبان في الثقات عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي أبو حميد ويقال أبو حمير الحمصي قال أبو زرعة والنسائي ثقة وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال محمد بن سعد كان ثقة وبعض الناس يستنكر حديثه ولم يلتفت إليه فقد روى له البخاري في الأدب وهو عن ثوبان وفي صحيح البخاري في باب التوجه نحو القبلة حيث كان عن ابن مسعود رضي الله عنه صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل إلينا وقال فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين فهذا تشريع عام قولي له بعد السلام عن سهو الشك والتحري ولا قائل بالفصل بينه وبين تحقق الزيادة والنقص فقد تم أمر هذا الحديث في حق حجيته قوله فتعارضت روايتا فعله الخ لما أوقع الإستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم عقيب استدلالهم بالفعل وكان دليلهم أقوى من جهة الثبوت مع قيام دليل عدم الخصوصية إذ قد شاركوه في ذلك لأنهم كانوا مقتدين به استشعر أن يقال دليلنا أرجح ثبوتا وترجيح القول على الفعل عند المساواة في القوة فقال ذاك لو سلم دليلكم من المعارض لكن روى أنه صلى الله عليه وسلم سجدهما بعد السلام وهو يعادله فتعارضت روايتا فعله فبقي التمسك بقوله الأحط رتبة في الثبوت من ذلك الفعل لسلامته من المعارض لا لترجحه بالفعل المروي ثانيا ولا لترجيح ذلك الفعل به ليكون ترجيحا بكثرة الرواة فظهر بهذا التقرير أنه إنما صير إلى ما بعد الدليلين المتعارضين لا إلى ما فوقهما فاندفع الإشكالان القائلان أن الرسم في المعارضة أن يصار إلى ما بعد المتعارضين كالسنة عند تعارض نصى الكتاب والقياس عند تعارض السنة لا إلى ما فوقهما والقول فوق الفعل فكيف وقف الصيرورة إليه على تعارض الفعلين وإن كان ترجيحا فالترجيح بكثرة الرواة باطل عندنا فإن قيل إذا سقط النظر إلى الفعل
____________________
(1/499)
الموافق لرأينا للزوم التساقط بالتعارض يلزم كون السجود يلزم بعد السلام فإنه حينئذ مقتضى الدليل القولي فينافيه كون الخلاف في الأولوية حتى لو سجد قبل السلام عندنا يجوز فالجواب ما قد روى في غير رواية الأصول أنه قبل السلام لا يجوز فلا إشكال على هذه وعلى ما هو الظاهر فلزوم التساقط عند عدم إمكان العمل بالمتعارضين جميعا وهنا يمكن إذ المعنى المعقول من شرعية السجود وهو الجبر لا ينتفي بوقعهما قبل السلام فيجوز كون الفعلين بيانا لجواز الأمرين وأولوية أحدهما وهو إيقاعه بعد السلام هو المراد بالقول ويؤكده المعنى المذكور في الكتاب وتقريره أن سجود السهو تأخر عن زمان العلة وهو وقت وقوع السهو تفاديا عن تكراره إذ الشرع لم يرد به فأخر ليكون جبرا لكل سهو يقع في الصلاة وما لم يسلم فتوهم السهو ثابت ألا ترى أنه لو سجد للسهو قبل السلام ثم شك أنه صلى ثلاثا أو أربعا فشغله ذلك حتى أخر السلام ثم ذكر أنه صلى أربعا فإنه لو سجد بهذا النقص بتأخير الواجب تكرر وإن لم يسجد بقي نقصا لازما غير مجبور فاستحب أن يؤخر بعد السلام لهذا المجوز وهذا دليل أن الخلاف في الأولوية وفي الخلاصة لو سجد قبل السلام لا تجب إعادتها بعد السلام فإن قتل لم لم يحمل اختلاف الفعلين على التوزيع على مورديهما ومورد السجود قبل السلام كان في النقص ومورده بعده كان للزيادة على ما تقدم في الخبرين المذكورين وهذا التفصيل قول مالك وهذا المأخذ مأخذه فالجواب كان ذلك متحتما لو لم يثبت قوله صلى الله عليه وسلم لكل سهو أو في كل سهو سجدتان بعد السلام فلما ورد ذلك لزم حمل اختلاف الفعلين على بيان جواز كلا الأمرين غير أن الأولى وقوعه بعد السلام ولا يخفى أن بهذا الذي صرنا إليه يقع الجمع بين كل المرويات القولية والفعلية وذلك واجب ما أمكن بخلاف ما ذهب إليه مالك والشافعي فإن قلت كما تعارضت روايتا فعله كذلك تعارضت روايات قوله فإن في الصحيح حديث الخدري عنه صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم وغيره أيضا فالجواب الكلام في سجود السهو على الإطلاق لم يعارض حديث ثوبان فيه دليل قولي أنه على الإطلاق محله قبل السلام وهذا الحديث وسائر أمثاله من القوليات خاصة في الشك وليس الكلام الآن في هذا على أن القولية في الشك قد تعارضت أيضا روى أبو داود والنسائي عن عبدالله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم ورواه أحمد في مسنده قيل وابن خزيمة في صحيحه وقال البيهقي إسناده لا بأس به وأحسن منه ما في البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه صلى النبي صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص فلما سلم قيل يا رسول اله أحدث شيء في الصلاة فقال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا قال فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال إنه لو حدث شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكرني
____________________
(1/500)
وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين وهو الذي ذكرناه آنفا مختصرا قوله هو الصحيح احتراز عما قاله شيخ الإسلام وقيل والجمهور ومنهم فخر الإسلام أنه يأتي بتسليمة واحدة ثم اختار فخر الإسلام كونها تلقاء وجهه ولا ينحرف لأن الإنحراف لقصد التحية والمراد هنا مجرد التحليل ومختار المنصف مختار شمس الأئمة وصدر الإسلام أخي فخر الإسلام ونسب القائل بالتسليمة إلى البدعة فدفعه أخوه فخر الإسلام بأنه مشار إليه في الأصل في كتاب الصلاة فتفصينا عن عهدة البدعة وجه مختار المصنف ما قاله من صرف السلام يعني المذكور في حديث ثوبان إلى ما هو المعهود والسلام المعهود في الصلاة تسليمتان قوله هو الصحيح احتراز عما قال الطحاوي في القعدتين لأن كلا منهما آخر وقيل قبل السجود عندهما وعند محمد بعده
____________________
(1/501)
لأن سلام من عليه السهو يخرجه عندهما خلافا له وقول الطحاوي أحوط كذا في فتاوى قاضيخان قوله إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها كسجدة أو ركع ركوعين ساهيا ثم إذا ركعهما فالمعتبر الأول في رواية باب الحدث في الصلاة وفي رواية باب السهو الثاني وعلى هذا فما ذكر من أنه لو قرأ المسنون ثم ركع ثم أحب أن يزيد في القراءة فقرأ لا يرتفض الأول إنما هو على رواية باب الحدث قوله هو الصحيح احتراز عن قول القدوري أنه سنة عند عامة أصحابنا قوله لا يجب إلا بترك واجب فلا يجب بترك التعوذ والبسملة في الأولى والثناء وتكبيرات الإنتقالات إلا في تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد فإنها ملحقة بالزوائد على ما عرف وفي كل تكبيرة زائدة من صلاة العيد السجود وكذا فيها كلها بخلاف تكبيرة ركوع الأولى ومن ذلك ما لو سلم عن الشمال أولا ساهيا وتقدمت ولو ترك القومة ساهيا بأن انحط من الركوع ساجدا ففي فتاوى قاضيخان أن عليه السجود عند أبي حنيفة ومحمد وهو يقتضي وجوبها عندهما وقد قدمنا بحثا أن وجوبها مقتضى الدليل أما عند أبي يوسف فتفسد لأنها فرض عنده ولا تجب بترك رفع اليدين في العيدين وغيرهما قوله أو تأخيره كتأخير سجدة صلبية من الأولى أو تأخير القيام إلى الثالثة بسبب الزيادة على التشهد ساهيا ولو بحرف من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل بل بتمامها وقيل بل باللهم صل على محمد والتحقيق اندراج الكل في مسمى ترك الواجب لأن عدم التأخير واجب فالتأخير ترك واجب وقالوا لو افتتح فشك أنه هل كبر للإفتتاح ثم تذكر أنه كبر إن شغله التفكر عن أداء ركن من الصلاة كان عليه السهو وإلا فلا وكذا لو شك أنه في الظهر أو العصر أو سها في غير ذلك إن تفكر قدر ركن كالركوع أو السجود يجب عليه سجود السهو وإن كان قليلا لا يجب ولو شك في هذه في صلاة صلاها قبلها لا سجود سهو عليه وإن طال تفكره ولو انصرف لسبق حدث فشك أنه صلى ثلاثا أو أربعا ثم علم وشغله ذلك عن وضوئه ساعة ثم أتم وضوءه كان عليه السهو ولأنه في حرمتها قوله أو ترك قراءة فاتحة الكتاب أي في إحدى أولي الفرض لا أخرييه ومطلقا في غير الفرض وكذا إذا ترك أكثرها لا أقلها
____________________
(1/502)
وكذا ترك السورة لا باعتبار أنه ترك السورة بل باعتبار أنه ترك قراءة آية طويلة أو ثلاث آيات قصار بعد الفاتحة حتى لو قرأ من سورة هذا القدر فقط لا سهو وإنما يتحقق ترك كل من الفاتحة والسورة بالسجود فإنه لو تذكر في الركوع أو بعد الرفع منه يعود فيقرأ في ترك الفاتحة الفاتحة ثم يعيد السورة ثم الركوع فإنهما يرتفضان بالعود إلى قراءة الفاتحة وفي السورة السورة ثم يعيد الركوع لارتفاضه بالعود إلى ما محله قبله على التعيين شرعا ويسجد للسهو ولو لم يتذكر واحدة منهما إلا في الشفع الثاني تقدم في فصل القراءة ما يقضيه منها فيه وما لا يقضيه وكيفية القضاء فارجع إليه ولو ترك القراءة أصلا في الأوليين قضاها في الأخريين ويصيران كالأوليين فيجهر فيهما في الجهرية ولو بدأ بحرف من السورة قبل الفاتحة فذكر فقرأ الفاتحة يسجد للسهو للتأخيره وفي هذا إذا وزنته بما ذكرناه في التفكر نظر بل ينبغي أن يقرأ من السورة مقدار ما يتأدى فيه ركن ليجب السهو ولو كرر الفاتحة في الأخريين لا سهو وفي الأوليين متواليا عليه السهو لا إن فصل بينهما بالسورة للزوم تأخير الواجب وهو السورة في الأول لا الثاني إذ ليس الركوع واجبا بأثر السورة فإنه لو جمع بين سور بعد الفاتحة لم يمتنع ولا يجب عليه شيء بفعل مثل ذلك في الأخريين لأنهما محل القراءة مطلقا وأصله أن القراءة ليست واجبة فيهما فلا تتقدر بقدر يجب بعده الركوع بل يسن ذلك قوله أو القنوت أو تكبيرته وإنما يتحقق تركه بالرفع من الركوع أما لو تذكره في الركوع قبل الرفع ففيه روايتان إحداهما يعود ويقنت ويعيد الركوع وقد تقدم وقيل لا يعيد الركوع والأوجه الأول إذا قلنا بوجوب القنوت وهو قول أبي حنيفة عنهما أنه سنة ثم رجح في البدائع والفتاوى رواية عدم العود إلى القنوت وجعلها ظاهر الرواية وتقدم تصحيح عدم ارتفاض الركوع لو أخذ برواية العود إلى قراءته وكأنه لضعف وجوب القنوت وهو به جدير ولو قرأ القنوت في الثالثة ونسي قراءة الفاتحة أو السورة أو كليهما فتذكر بعد ما ركع قام وقرأ وأعاد القنوت والركوع لأنه رجع إلى ما محله قبله ويسجد للسهو بخلاف ما لو نسي سجدة التلاوة ومحلها فتذكرها في الركوع أو السجود أو القعود فإنه ينحط لها ثم يعود إلى ما كان فيه فيعيده استحبابا قوله أو التشهد أو بعضه وعن أبي يوسف لا يجب عليه قالوا إن كان إماما يأخذ بهذا كي لا يلتبس على القوم ثم قد لا يتحقق ترك التشهد على وجه يوجب السجود إلا في الأول أما التشهد الثاني فإنه لو تذكره بعد السلام يقرؤه ثم يسلم ثم يسجد فإن تذكره بعد شيء يقطع البناء لم يتصور إيجاب السجود ومن فروع هذا أنه لو اشتغل بعد السلام والتذكر به فلو قرأ بعضه وسلم قبل تمامه فسدت صلاته عند أبي يوسف لأن بعوده إلى قراءة التشهد ارتفض قعوده فإذا سلم قبل إتمامه فقد سلم قبل قعود قدر التشهد وعند محمد تجوز صلاته لأن قعوده ما ارتفض أصلا لأن محل قراءة التشهد القعدة فلا ضرورة إلى رفضها وعليه الفتوى وعن هذا اختلفوا فيمن نسي الفاتحة أو السورة حتى ركع فذكر فقام للقراءة ثم بدا له فسجد ولم يعد الركوع قال بعضهم تفسد لأنه ارتفض ركوعه بالقيام فإذا لم يعد تفسده وقال بعضهم لا يرتفض لأن الرفض كان للقراءة فإذا لم يقرأصار كأنه لم يكن وقيل الفساد قياس ارتفاض يوم الجمعة بالسعي إلى الجمعة وإن لم يؤد على قول أبي حنيفة وقد يفرق بأن السعي إلى الجمعة أقيما مقام نفسها لدليل أوجبه هناك وليس القيام أقيما مقام القراءة هذا
____________________
(1/503)
وأما لو قرأ حين عاد إلى القيام ثم لم يركع فسدت وقول من قال لا تفسد حمل على ما إذا لم يقرأ حين قام حتى سجد آخذا بأحد ذينك القولين ولو قرأالتشهد في الركوع أو السجود لا سهو عليه لأنه ثناء وهما محله بخلاف قراءة القرآن فيهما فإن فيه السهو ولو قرأه في القيام إن كان قبل الفاتحة لا سهو أو بعدها فعليه لأن ما قبلها محل الثناء وهذا يقتضي تخصيصه بالركعة الأولى ولو قرأ القرآن في القعدة إنما يجب السهو إذا لم يفرغ من التشهد أما إذا فرغ فلا يجب وتكرار التشهد في القعدة الأولى يوجب السجود دون الأخيرة وفي شرح الطحاوي أطلق عدم الوجوب قوله من غير تركها مرة تقدم في باب الوتر أن في ذلك بالنسبة إلى القنوت نظر إذ لا يساعد عليه دليله قوله ولأنها تضاف الخ قد أسلفنا في استفادة الوجوب من الإختصاص نظرا قوله هو الصحيح احتراز عن جواب القياس في التشهد الأول أنه سنة فلا يلزم بتركه السجود وعن قول محمد بالفساد في ترك القعدة الأولى
____________________
(1/504)
من النفل ساهيا وعندهما عليه فيها السهو قوله والأصح احتراز عن رواية النوادر أنه إذا جهر في المخافتة فعليه السجود قل أو كثر وإن خافت في الجهرية فإن كان في أكثر الفاتحة أو ثلاث آيات من غيرها أو آية قصيرة على مذهب أبي حنيفة فعليه السجود وإلا فلا وجه الفرق أن الجهر في موضع المخافتة أغلظ من قلبه لأنه منسوخ فعلظ حكمه ولأن لصلاة الجهر حظا من المخافتة وهو فيما بعد الأوليين وكذا المنفرد مخير فيه ولاحظ لصلاة المخافتة في الجهر بحال فأوجبنا في الجهر وإن قل وشرطنا الكثرة في المخافتة وذلك في غير الفاتحة بما تصح به الصلاة وإنما شرطنا الأكثرية في الفاتحة لأنها ثناء من وجه ولذا شرعت في الأخريين وإن كانت تلاوة حقيقة فبالنظر إلى جهة الثنائية لا يوجب وإلى جهة التلاوة يوجب قدر الفرض منها فاعتبرنا الأكثر ملاحظة للجهتين والأصح ما في الكتاب أما في المخافتة فلأن الإحتراز عن الجهر بالكلية منها متعسر فإن في مبادى التنفسات غالبا يظهر الصوت وفي الحديث وكان يسمعنا الآية أحيانا وهو والله أعلم بهذا السبب وأما في الفاتحة فإنها قرآن البتة وكونها ثناء بصيغته لا أثر له وكثير من القرآن الكريم ثناء وقصص ولا يوجب ذلك اعتبار جهة غير القرآنية فيه في حق ما نحن فيه وكون شرعيتها في الأخريين بمجرد هذا الإعتبار ممنوع بل شرع فيهما ابتداء القراءة وغيرها من الثناء والسكوت هذا كله في حق الإمام أما المنفرد فلا سهو عليه في شيء من ذلك لأنه مخير بين الجهر والمخافتة كذا في غير موضع وقد يقال كونه مخيرا في الجهرية مسلم أما في السرية فلنا أن تمنع تجويز الجهر له وقدمنا
____________________
(1/505)
زيادة كلام فيه في فصل القراءة قوله وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود وإن كان مسبوقا لم يدرك محل السهو معه إلا أنه لا يسلم بل ينتظره بعد سلامه حتى يسجد فيسجد معه ثم يقوم إلى القضاء وعن هذا ينبغي أن لا يعجل بالقيام بل يؤخر حتى ينقطع ظنه عن سجود الإمام وقد عقدنا للمسبوق فصلا نافعا بذيل باب الحدث في الصلاة فارجع إليه قوله لتقرر السبب الموجب في حق الأصل يعني الإمام وذلك موجب للسجود على المأموم من وجهين أحدهما لزوم النقص في صلاته إذ هي بناء على الناقصة ولذا تفسد بفسادها فاحتاج إلى الجابر كالإمام والآخر لزوم المتابعة شرعا حتى قالوا لو ترك بعض من خلف الإمام التشهد حتى قاموا معه بعد ما تشهد كان على من لم يتشهد أن يعود فيتشهد ويلحقه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة بخلاف المنفرد حيث لا يعود لأن التشهد هنا فرض بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الإمام في السجود فلم يسجد معه السجدتين فإنه يقضي السجدة الثانية ما لم يخف فوت ركعة أخرى فإن خاف ذلك تركها لأن هناك هو يقضي هاتين السجدتين ضمن قضاء الركعة فعليه أن يشتغل بإحراز الركعة الأخرى إذا خاف فوتها وهنا لا يقضي التشهد بعد
____________________
(1/506)
هذا فعليه أن يأتي به ثم يتبع كالذي نام خلف إمامه ثم انتبه على أنه لا شك في أنهم تبعوه صلى الله عليه وسلم في سجوده مع أنهم لم يكونوا ساهين في المتابعة في محل السهو بل عامدين قوله لو سجد وحده كان مخالفا أي في نفس ما يؤديه مع الإمام حكما وإن كان سجوده بعد فراغ الإمام صورة كما لو كان لاحقا سها إمامه فيما فاته معه لنومه مثلا فانتبه بعد ذلك فإنا لو ألزمناه السجود إذا فرغ والفرض أن إمامه لم يسجد لزم المخالفة لأن السجود وإن كان بعد الصلاة لكنه متصل بموضع النقص لأنه علته على ما قدمناه ولو كان إمامه سجد بعد ما انتبه هو أو عند ما جاء من وضوئه فيما إذا كان الفوات لسبق الحدث فأدركه في السجود لا يسجد معه لأنه يبدأ بقضاء ما فاته ويسجد في آخر صلاته ولو سجد معه لا يجزئه ولا تفسد ويسجد ثانيا في آخر صلاته بخلاف المسبوق والمقيم المقتدي بالمسافر فيما يؤديان بعد الإمام من قضاء المسبوق وإتمام المقيم إذا سهيا في ذلك لأنه لم يلتحق بمحل قبله شرعا فلا مخالفة فيسجدان لسهوهما ولو كان على الإمام سهو وجب عليهما متابعته فيتكرر السجود في صلاة واحدة في هذه الصورة وعند الكرخي لا يسجد اللاحق ولا المقيم المقتدي بالمسافر لسهو الإمام ولا لسهوهما فيما يقضي اللاحق ويتم المقيم وما ذكرناه هو المذكور في الأصل وهو الصحيح لأنهما صلاتان حكما وإن اتحدتا حقيقة لتحقق الإنفراد والإئتمام بخلاف صلاة اللاحق فإنها واحدة حقيقة وحكما لأنه مقتد فيما يقضيه حكما ولذا قلنا لا يسجد اللاحق لما سها فيه مما يقضيه لأنه مقتد فيه ألا ترى أنه لا يقرأ فيه فيكون لو سجد مخالفا وإذا سها الإمام في صلاة الخوف سجد وتابعه الطائفة الثانية وأما الأولى فيسجدون بعد فراغهم لأن الثانية مسبوقون والأولى لاحقون ولو سبق الإمام الساهي الحدث بعد سلامه استخلف ليسجد الخليفة كما لو بقي عليه التسليم وليس
____________________
(1/507)
للمسبوق أن يتقدم في هذا الإستخلاف لأنه لا يقدر عليه إذ محله بعد السلام وهو غير قادر على السلام وإنما يسجد قبل السلام حالة الإقتداء بمن يسجد قبله وهو هنا قد صار إماما للمستخلف ومع هذا لو تقدم لم تفسد لأنه يقدر على الإتمام في الجملة بأن يتأخر ويقدم مدركا يسلم بهم ويسجد ويسجد الخليفة المسبوق معهم لأنه الآن مقتد ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به فإن لم يسجد معهم سجد آخر صلاته على ما قدمناه في فصل المسبوق ولا يخفى أن تعليل عدم قدرة المسبوق على السجود ومنعه من التقدم بعدم قدرته على السلام لانتفاء محلية السجود قبله إنما هو على غير رواية الأصول أما على الظاهر من أن كونه بعد السلام إنما هو الأولى فلا فالأوجه تعليل عدم قدرته على السجود بكونه في أثناء صلاته ولا يسجد في أثنائها إلا مقتديا وهو قد صار إماما ولو لم يكن خلف الإمام مدرك بل الكل مبسوقون قاموا وقضوا ما سبقوا به فرادى لأن تحريمة المسبوق انعقدت للأداء على الإنفراد عند تعذر المتابعة ثم إذا فرغوا لا يسجدون في القياس وفي الإستحسان يسجدون قوله للتأخير أي لتأخير القعود والأصح عدمه لأن الشرع لم يعتبره قياما وإلا لم يطلق له العود فكان معتبار قعودا أو انتقالا بالضرورة وهذا الإعتبار ينافيه اعتبار التأخير المستتبع لوجوب السجود قوله ولو كان إلى القيام أقرب الأصح فيه ما في الكافي أنه بأن يستوي النصف الأسفل يعني وظهره بعد منحن فما لم يستو فهو إلى القعود أقرب وفي فتاوى قاضيخان في رواية إذا قام على ركبتيه لينهض يقعد وعليه السهو يستوي فيه القعدة الأولى والثانية وعليه الإعتماد ثم قال وإن رفع إليته من الأرض وركبتاه عليها لم يرفعهما لا سهو عليه وهكذا عن أبي يوسف انتهى ولا يخفى أن هذه الصورة هي الصورة التي قبلها فيكون الحاصل في تلك الصورة اختلاف الرواية وقد اختار في الأجناس في هذه الصورة أن عليه السهو اللهم إلا أن يحمل الأول ما إذا فارقت ركبتاه الأرض دون أن يستوي نصفه الأسفل شبه الجالس لقضاء الحاجة فالحاصل ثبوت التلازم بين عدم العود وسجوده وعدمه بينه وبين العود ثم قيل ما ذكر في الكتاب رواية عن أبي يوسف اختاره مشايخ بخارا أما ظاهر المذهب فما لم يستو قائما يعود قيل
____________________
(1/508)
وهو الأصح والتوفيق بين ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قام فسبحوا له فرجع وما روى أنه لم يرجع بالحمل على حالتي القرب من القيام وعدمه ليس بأولى منه بالحمل على الإستواء وعدمه ثم لو عاد في موضع وجوب عدمه قيل الأصح أنها تفسد لكمال الجناية برفض الفرض لما ليس بفرض بخلاف ترك القيام لسجود التلاوة لأنه على خلاف القياس ورد به الشرع لإظهار مخالفة المستكبرين من الكفرة وليس فيما نحن فيه معناه أصلا على أنا نقول الجناية هنا بالرفض وليس ترك القيام للسجود رفضا له حتى لو لم يقم بعدها قدر فرض القراءة حتى ركع صحت هذا وفي النفس من التصحيح شيء وذلك لأن غاية الأمر في الرجوع إلى القعدة الأولى أن يكون زيادة قيام ما في الصلاة وهو وإن كان لا يحل لكنه بالصحة لا يخل لما عرف أن زيادة ما دون الركعة لا تفسد إلا أن يفرق باقتران هذه الزيادة بالرفض لكن قد يقال المتحقق لزوم الإثم أيضا بالرفض أما الفساد فلم يظهر وجه استلزامه إياه فيترجح بهذا البحث القول المقابل للمصحح قوله لأنه أخر واجبا أي واجبا قطعيا وهو الفرض لأن الكلام في القعدة الأخيرة قوله وإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه عندنا خلافا للشافعي له أن الحاصل على ذلك التقدير كونه صلاها بزيادة ركعة وذلك ليس بمفسد مثل زيادة ما دونها وذلك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا قلنا اللفظ المذكور يصدق مع ترك القعدة الأخيرة ومع فعلها ولا دلالة للأعم على خصوص أخص فلا يدل على خصوص محل النزاع وهو ما إذا صلاها خمسا مع ترك القعدة فجاز كونه مع فعلها ثم
____________________
(1/509)
بترجح ذلك حملا لفعله صلى الله عليه وسلم على ما هو الأقرب ولما ذكر المصنف من أن الركعة الثانية نفل ولا يتحقق الإتصاف بكونه في صلاتين متضادتي الوصفين فالحكم بصحتها حكم بالضرورة بخروجه عن الفريضة بخلاف ما دون الركعة قوله على مامر في قضاء الفوائت من أن بطلان وصف الفرضية لا يوجب بطلان التحريمة عندهما خلافا لمحمد وبناء على أصل آخر وهو ما أسلفناه من أن ترك القعدة على رأس الركعتين من النفل لا يفسدها عندهما خلافا لمحمد وفي تحولها نفلا يلزم ذلك فيضم إليها ركعة سادسة عندهما كي لا يتنفل بالوتر وهل يسجد للسهو قيل نعم والصحيح لا لأن النقصان بالفساد لا ينجبر بالسجود ولو لم يضم لا شيء عليه وإن كان الضم واجبا على ما هو ظاهر الأصل لعدم جواز التنفل بالوتر لأنه مظنون الوجوب خلافا لزفر واللزوم إنما يثبت شرعا بالإلتزام أو إلزام الرب تعالى ابتداء وشروعه لم يكن لواحد من هذين بل لقصد الإسقاط فإذا تبين أن ليس عليه شيء سقط أصلا ولكن لو اقتدى به إنسان ثم قطع لزمه قضاء ست عند أبي حنيفة وأبي يوسف فرق أبو يوسف بين هذا وبين الفصل الثاني حيث قال هناك لو قطعها يقضي ركعتين لما نذكر فيه قوله وعند محمد برفعه لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع ولم يصح مع الحدث واختاره فخر الإسلام وغيره للفتوى لأنه أرفق وأقيس لأن السجود لو تم قبل الرفع لم ينقضه الحدث لكن الإتفاق على لزوم إعادة كل ركن وجد فيه سبق الحدث عند البناء وعلى الإعتداد بما لحق فيه الإمام المأموم إذا سبقه المأموم في ابتدائه خلافا لزفر في هذا
____________________
(1/510)
ولو كان الركن تم بمجرد وضعه لم يعتد به لأن فعل الإمام حينئذ بعد تمامه وكل ركن أداه المقتدي قبل إمامه لا يعتد به قوله في السجود أي سجود الخامسة بني أي على الفرض أي بسبب ذلك الحدث أمكنه إصلاح فرضه بأن يتوضأ ويأتي فيقعد ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو لأن الرفع حصل مع الحدث فلا يكون مكملا للسجدة ليفسد الفرض به وهذا أعني صحة البناء بسبب سبق الحدث إذا لم يتذكر في ذلك السجود أنه ترك سجدة صلبية من صلاته فإن تذكر ذلك فسدت اتفاقا لما سنذكر في تتمة نعقدها في السجدات إن شاء الله تعالى وعند أبي يوسف بمجرد الوضع فسد فرضه فلا يمكنه إصلاحه إذا سبقه الحدث فيه وقد سئل أبو يوسف فقال بطلت ولا يعود إليها فأخبر بجواب محمد فقال زه صلاة فسدت يصلحها الحدث وزه بمعجمة مكسورة بعدها هاء كلمة تعجب وهو هنا على وجه التهكم قيل قاله لغيظ لحقه من محمد بسبب ما بلغه من عيبه قوله في المسجد إذا خرج أنه لا يعود إلى ملك الواقف ولا يخرج عن كونه مسجدا وإن صار مأوى للكلاب والدواب قوله عاد إلى القعدة إنما يعود مع أنه لو لم يعد وسلم قائما حكم بصحة فرضه ليأتي بالسلام في موضعه لأنه لم يشرع حال القيام وهل يتبعه القوم في هذا القيام قيل نعم فإن عاد عادوا معه وإن مضى في النافلة تبعوه والصحيح ما ذكره البلخي عن علمائنا لا يتبعونه في البدعة وينتظرونه فإن عاد قبل السجدة تبعوه في السلام وإن سجد سلموا في الحال ولا يخفى عدم متابعتهم له فيما إذا قام قبل القعدة وإذا عاد لا يعيد التشهد قوله ثم لا تنوبان عن سنة
____________________
(1/511)
الظهر هو الصحيح احتراز عن قول من قال تنوب وجه المختار أن السنة بالمواظبة والمواظبة عليها منه صلى الله عليه وسلم بتحريمة مبتدأة وإن لم يحتج إلى قصد السنة في وقوعها سنة بخلاف ما قدمناه في الأربع بعد الظهر والعشاء فإنها بتحريمة قصدت ابتداء للنفل فلذا تقع الأوليان منها سنة ولو كانت الصورة في العصر أعني صلاها خمسا بعد ما قعد الثانية أو في الفجر سجد في الثالثة بعد القعدة قالوا لا يضم سادسة لأنه يصير متنفلا بركعتين بعد العصر والفجر وهو مكروه والمختار أن يضم والنهي عن التنفل القصدي بعدهما وكذا إذا تطوع من آخر الليل فلما صلى ركعة طلع الفجر الأولى أن يتمها ثم يصلي ركعتي الفجر لأنه لم يتنفل بأكثر من ركعتي الفجر قصدا قوله ويسجد للسهو استحسانا والقياس أن لا يسجد لأنه صار إلى صلاة غير التي سها فيها ومن سها في صلاة لا يسجد في أخرى وجه الإستحسان أن النقصان دخل في فرضه عند محمد بتركه الواجب وهو السلام وهذا النفل بناء على التحريمة الأولى فيجعل في حق السهو كأنهما واحدة كمن صلى ستا تطوعا بتسليمة وسها في الشفع الأول يسجد في الآخر وإن كان كل شفع صلاة على حدة بناء على الإتحاد الحكمي الكائن بواسطة اتحاد التحريمة وعند أبي يوسف النقصان في النفل بالدخول لا على الوجه الواجب إذ الواجب أن يشرع في النفل بتحريمة مبتدأة للنفل وهذه كانت للفرض كذا في الكافي وبه ظهر أن قول المصنف لتمكن النقصان في الفرض بالخروج لا على الوجه المسنون وفي النفل بالدخول لا على الوجه المسنون مراده مسنون الثبوت فيعم الواجب وهو المراد وهو تعليل على المذهبين فالأول لمحمد والثاني لأبي يوسف وظهر أن كونه استحسانا يقابله قياس إنما هو على قول محمد أما على قول أبي يوسف فيسجد قياسا واستحسانا وقدم قول محمد لأنه المختار للفتوى لأن من قام من الفرض إلى النفل بلا تسليم ولا تحريمة عمدا لم يعد ذلك نقصانا في النفل لأنه أحد وجهي الشروع في النفل بل في الفرض كذا ذكره فخر الإسلام لكن أبو يوسف يمنع أنه أحد وجهي الشروع ولو قطعها يعني
____________________
(1/512)
صلاة الركعتين بعد إتمام الركعة لا قضاء عليه لأنه مظنون وعند زفر يقضي ركعتين قوله ولو اقتدى به إنسان فيهما يصلي ستا عند محمد لما ذكر وعندهما ركعتين لأنه استحكم خروجه عن الفرض فانقطع إحرامه إذ لا يتصور كونه في إحرامين لصلاتين متباينتين وعند محمد باق لأن إحرام الفرض اشتمل أصل الصلاة ووصف الفريضة والإنتقال إلى النفل أوجب انقطاع الوصف دون الأصل ولهذا لو قام إلى الخامسة صار شارعا في النفل بلا تكبيرة الإفتتاح فلو كان من ضرورة الإنتقال إلى النفل انقطاع الإحرام احتيج إلى تكبيرة الإفتتاح وليس فليس الإحرام منقطعا مطلقا قوله وعند أبي يوسف يقضي ركعتين كأن حقه أن يقول وعندهما بدليل قوله أولا وعندهما ركعتين يعني أبا حنيفة وأبا يوسف ثم الفتوى هنا على قول أبي يوسف لأن ابتداء النفل غير مضمون قصدا غير مشروع وإنما شرع في حق الصبي والمعتوه لنقصان عزيمتهما فإذا انتقضت عزيمة العاقل البالغ بأن شرع فيه على عزم إسقاط الواجب لا عزم التطوع التحق بهما حينئذ وهذا يخص الإمام فلا يتعدى
____________________
(1/513)
إلى المقتدي قوله لم يبن أي ليس له أن يبني قوله بخلاف المسافر الحاصل أن نقض الواجب وإبطاله لا يجوز إلا إذا استلزم تصحيحه نقض ما هو فوقه ففي مسئلة الكتاب امتنع البناء لأنه نقض للواجب المذكور وهو سجود السهو ووجب البناء في المسافر يسجد ثم ينوي الإقامة لتحقق ذلك الموجب ومن ابتلى بين أمرين وجب عليه أن يختار أقلهما محذورا وقال السرخسي حقيقة الفرق أن العود إلى حرمة الصلاة بالسجود بعد التحليل لضرورة ترجع إلى إكمال تلك الصلاة لا أخرى ونية الإقامة تعمل في إكمال تلك الصلاة فظهر عود الحرمة في حقها فأما كل شفع من النفل فصلاة على حدة ولم تعد الحرمة في حق صلاة أخرى فلا يمكن البناء بعد ما اعتبر محللا لكن مقتضاه أن لا يصح البناء وهو مخالف لما عرف من كلامهم فوجب أن يعول على الأول وإذا بنى قيل لا يسجد للسهو في الآخر لأن السجود الأول وقع جابرا حين وقع وقيل الأصح أنه يسجد لبطلان الأول بما طرأ من وصل الباقي قوله جبرا للنقصان للكائن في نفس الصلاة فلا بد أن يكون في حرمة الصلاة ولا
____________________
(1/514)
يخفى أن هذه الملازمة غير ضرورية بل نظرية إذ لا مانع في العقل من اعتبار الجابر بعدها متصلا لكن تركوا بيانها لأنها اتفاقية بينهم وزفر مع محمد وحاصله أنه تراخى الحكم عن العلة لهذه الضرورة قوله وإنما لا يعمل لحاجته إلى أداء السجدة أي في حرمة الصلاة فلا يظهر عدم عمله دونها أي دون السجدة وهذا يحتمل كونه قبل السجدة حلل لأنه لم يتحقق أوان الضرورة وهو السجدة فلا يتأخر عمله فيثبت التحليل ثم يعود إلى حرمة الصلاة بالسجود ويحتمل أنه قبلها متوقف على ظهور عاقتبه إن سجد تبين أنه لم يخرجه وإن لم يسجد تبين أنه أخرجه من وقت وجوده إذ تبين عدم الضرورة الموجبة لتخلف تحليله عنه ثم ظهر أن الإحتمالين قولان للمشايخ حكاه خلافا صريحا بينهم في البدائع منهم من اختار الثاني ومنهم من اختار الأول قال وهو أسهل لتخريج الفروع والتوقف في بقاء التحريمة وبطلانها أصح لأن التحريمة واحدة فإذا بطلت لا تعود إلا بإعادة ولم توجد اه ولا يبعد جعل الشرع نفس السجود والعود إليه إعادة ويعني بالفروع ما ذكره من الإقتداء بعد السلام عند محمد يصير مقتديا البتة وعندهما يوقف على السجود وانتقاض الطهارة بالقهقهة بعده عنده وعندهما لا ينتقض وكذا لو ضحك المقتدي في هذه الحالة وفي تغير الفرض بنية الإقامة بعده قبل السجود عند محمد فيصير أربعا وعندهما لا يتغير لأن النية لم تحصل في حرمة الصلاة ويسقط سجود السهو لأنه لو سجد تغير فرضه فيكون مؤديا سجود السهو في وسط الصلاة فيترك ويقوم ولا يؤمر بأداء شيء إذ كان في أدائه إبطاله وفيمن اقتدى به إنسان بنية التطوع ثم تكلم هذا المقتدي قبل أن يسجد الإمام لا يجب على المقتدي قضاء شيء عندهما وإن سجد الإمام لأنه تكلم قبل صحة الإقتداء وعند محمد يلزمه قضاء ما يصلي الإمام وقوله في النهاية عندهما يخرج بالسلام من كل وجه لا أن معنى التوقف أن يثبت الخروج من وجه ثم بالسجود يدخل في حرمة الصلاة لأنه لو كان في حرمة الصلاة من وجه لكانت الأحكام على عكسها عندهما أيضا كما هو مذهب محمد من انتقاض الطهارة بالقهقهة ولزوم الأداء بالإقتداء ولزوم الأربع عند نية الإقامة عملا بالإحتياط يشير إلى أن معنى التوقف المقابل لما اختاره مما استدل عليه بالفروع المذكورة كونه في حرمتها من وجه دون وجه وهو غير لازم من القول بالتوقف للمتأمل إذ حقيقته توقف الحكم بأنه خرج عن حرمة الصلاة أولا فالثابت في نفس الأمر أحدهما عينا والسجود وعدمه معرف كما يفيده ما هو مصرح به في البدائع من التجويزين وهذا
____________________
(1/515)
قط لا يوجب الحكم بكونه بعد السلام في الصلاة من وجه دون وجه بل الوقوف عن الحكم بأنه خرج من كل وجه أو لم يخرج من وجه أصلا فتأمل وكأنه رحمه الله لم يدر تحقق ثبوت الخلاف السابق في معنى التوقف قوله لأن هذا السلام غير قاطع لأنه في محله بعد القعدة فهو محلل منه ونيته تغيير المشروع وهو القطع ليرتب عليه ترك السجود والنية المجردة عن العمل غير المستحق عليه لا يؤثر إبطال ما ركنه أعمال الجوارح وهو السجود فلغت بخلاف نية الكفر فإنها تؤثر إبطال الإيمان والعياذ بالله تعالى لأن ركنه عمل الباطن فقط عند المحققين والإقرار إنما هو شرط إجراء الأحكام وهو فرض فيه وإنما قيدنا العمل بكونه غير مستحق ليندفع ما يقال هذه مقرونة بالعمل وهو التسليم هذا واعلم أن ما قدمناه من قولنا سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة لا يستلزم وقوعه قاطعا وإلا لم يعد إلى حرمتها بل الحاصل من هذا أنه إذا وقع في محله كان محللا مخرجا وبعد ذلك إن لم يكن عليه شيء مما يجب وقوعه في حرمة الصلاة كان قاطعا مع ذلك وإن كان فإن سلم ذاكرا له وهو من الواجبات فقد قطع وتقرر النقص وتعذر جبره إلا أن يكون ذلك الواجب نفس سجود السهو وإن كان ركنا فسدت وإن سلم غير ذاكر أن عليه شيئا لم يصر خارجا وعلى هذا تجري الفروع فلنذكر طرفا ينفع الله سبحانه به إن شاء الله عز وجل فنقول ولا قوة إلا بالله تعالى إذا سلم وانصرف ثم ذكر أن عليه سجدة صلبية أو سجدة تلاوة فإن كان في المسجد ولم يتكلم وجب عليه أن يأتي به ولو انصرف عن القبلة لأن سلامه لم يخرجه عن الصلاة حتى لو اقتدى به إنسان بعد هذا السلام صار داخلا فإن سجد سجد معه وإن لم يسجد فسدت صلاته إذا كان المتروك صلبية وفسدت صلاة الداخل بفسادها بعد صحة الإقتداء ووجب القضاء على الداخل حتى لو دخل في فرض رباعي متنفلا يلزمه قضاء الأربع إن كان الإمام مقيما وركعتين إن كان مسافرا وإن كان في الصحراء فانصرف إن جاوز الصفوف خلفه أو يمنة أو يسرة فسدت في الصلبية وتقرر النقص وعدم الجبر في التلاوية والسهوية وإن مشى إمامه لم يذكر في ظاهر الرواية وحكمه إن كان له سترة بنى ما لم يجاوزها لا إن جاوزها وإن لم تكن سترة فقيل إن مشى قدر الصفوف خلفه عاد أو أكثر امتنع البناء وهو مروري عن أبي يوسف اعتبارا لأحد الجانبين بالآخر وقيل إن جاوز موضع سجوده لا يعود وهو الأصح لأن ذلك القدر في حكم خروجه من المسجد فكان مانعا من الإقتداء ولو تذكر بعد السلام من الظهر أنه ترك صلبية فقام واستقبل الظهر فصلى أربعا فسدت لأن نية الإستقبال لم تصح لأنه كان في الأولى فصار خالطا المكتوبة بالنافلة قبل إكمال أركانها وهذه نظير من صلى ركعتين من المغرب فسلم على ظن الإتمام ثم تذكر فكبر للإستقبال فصلى ثلاثا إن صلى ركعة وقعد
____________________
(1/516)
قدر التشهد جازت المغرب وإلا فسدت لأن نية المغرب ثانيا لم تصح فبقي في الأولى فإذا صلى ركعة وقعد تمت وإلا فلا ولو سلم وعليه تلاوية وسهوية غير ذاكر لهما أو ذاكرا للسهو خاصة لا يعد سلامه قاطعا فإذا تذكر يسجد للتلاوة أولا ثم يتشهد ويسلم لما قدمنا من أن سجدة التلاوة ترفع القعدة ثم يسجد للسهو ويتشهد ويسلم وإن سلم ذاكرا لهما أو للتلاوة خاصة كان قاطعا وسقطت عنه التلاوية والسهو لامتناع البناء بسبب الإنقطاع إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد على ما في فتاوى قاضيخان حيث قال إذا سلم وهو ذاكر أن عليه سجدة التلاوة ثم تذكر أنه لم يتشهد فإنه لا يعود للتشهد ويسجد للتلاوة وصلاته تامة وإن سلم وعليه صلبية وسهوية غير ذاكر لهما أو ذاكرا للسهوية لم يكن سلامه قاطعا ويفعل كالأول وإن كان ذاكرا لهما وللصلبية خاصة فهو قاطع فتفسد صلاته ولو سلم وعليه صلبية وتلاوية وسهوية غير ذاكر لهن أو ذاكرا للسهوية لم يقطع ويقضي الأوليين مرتبا الأول فالأول وهذا يفيد وجوب النية في المقضي من السجدات وسنبينه في التتمة التي تقدم الوعد بها ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو وإن كان ذاكرا للصلبية أو التلاوية فسدت وكان سلامه قاطعا وهذا في الصلبية ظاهر لأنه سلم عندا ذاكرا ركنا عليه وأما في التلاوية فالمذكور ظاهر الرواية وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف لا تفسد لأن سلامه في حق الركن سلام سهو لا يوجب فساد الصلاة وفي حق الواجب عمد وهو لا يوجبه أيضا بخلاف ما إذا كان ذاكرا للصلبية دون التلاوية ودفع بأن جانب الواجب يوجب الخروج من الصلاة وجانب الركن إن لم يوجبه لا يمنع من الإخراج فكل سلام الأصل فيه أن يكون مخرجا لأنه جعل محللا شرعا قال صلى الله عليه وسلم تحليلها التسليم ولأنه من باب الكلام على مامر إلا أنه منع من الإخراج حالة السهو دفعا للحرج لكثرة السهو وغلبة النسيان ولا يكثر سلام من علم أن عليه الواجب لأن ظاهر حال المسلم أنه لا يترك الواجب فبقي مخرجا على أصل الوضع وإذا تمت علة الإخراج وجانب الركن غير مانع منه كما قلنا صار محكوما بخروجه عن الصلاة شرعا قبل إكمال الأركان فتفسد وما أحسن عبارة محمد رحمه الله وأخصرها حيث قال فسدت في الوجهين لأنه لا يستطيع أن يقضي التي كان ذاكرا لها بعد التسليم وإذا جعلت قضاء التي كان ناسيا لها وجب أن يقضي التي كان ذاكرا لها وإذا سلم وعليه السهو وتكبير التشريق والتلبية بأن كان محرما في أيام التشريق لا يسقط عنه ذلك كله سواء كان ذاكرا للكل أو ساهيا عن الكل وإذا أراد أن يؤدي يقدم بعد سجدتي السهو التكبير ثم التلبية ولو بدأ بالتلبية قبل السهو سقطت سجدتا السهو والتكبير ولو لبى قبل التكبير يسقط التكبير ولو سلم وعليه صلبية وتلاوية وسهو والتكبير والتلبية غير ذاكر لهما سجدهما على الترتيب في وجوبهما ثم يفعل الباقي ولو بدأ بالتلبية فسدت أو بالتكبير لا تفسد ويجب عليه إعادته بعد فعل هذه الأشياء والله سبحانه أعلم
____________________
(1/517)
قوله ومن شك في صلاته قيد بالظرف لأنه لو شك بعد الفراغ منها أو بعد ما قعد قدر التشهد لا يعتبر إلا إن وقع في التعيين ليس غير بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك في تعيينه قالوا يسجد سجدة واحدة ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعة بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد للسهو لاحتمال أن المتروك الركوع فلا بد من الركعة وسجدتين لأن السجود الذي كان أوقعه دونه لا عبرة به وإن كان سجدة فقد سجد ولو تذكر في العصر أنه ترك سجدة وشك أنها منها أو من الظهر يتحرى فإن لم يقع تحريه على شيء يتم العصر ويسجد سجدة واحدة لاحتمال أنه تركها منها ثم يعيد الظهر ثم العصر احتياطا استحبابا ولو لم يعد العصر لا شيء عليه ولو علم أنه أدى ركنا وشك أنه كبر للإفتتاح أو لا أو هل أحدث أولا أو أصابه نجاسة أو هل مسح برأسه أولا إن كان أول مرة استقبل وإلا مضى ولا يلزمه الوضوء ولا غسل ثوبه بخلاف ما لو شك أن هذه تكبيرة الإفتتاح أو القنوت فإنه لا يصير شارعا لأنه لم يثبت له شروع بعد ليجعل للقنوت ولا يعلم أنه نوى ليكون للإفتتاح وفي الفتاوى لو شك في تكبيرة الإفتتاح فأعاد التكبير والثناء ثم تذكر كان عليه السهو ولا تكون الثانية استقبالا وقطعا للأولى هذا في ترك الفعل فلو كان تذكر أنه ترك قراءة فسدت لاحتمال كونها قراءة ثلاث ركعات ولو كان صلى صلاة يوم وليلة ثم ذكر أنه ترك القراءة في ركعة واحدة ولا يدري من أي صلاة يعيد الفجر والمغرب والوتر ولو تذكر أنه تركها في أربع أعاد الرباعيات الثلاث فقط وعلى هذا ينبغي إذا تذكر تركها في ثلاث والمسئلة بحالها أن يعيد ما سوى الفجر ولا إشكال أنه إذا شك في الوقت أنه صلى أولا تجب عليه الصلاة وقد أسلفنا أنه إذا تيقن ترك صلاة من يوم وليلة وشك فيه تجب عليه صلاة يوم وليلة قوله وذلك أول ما عرض له قيل معناه أول ما عرض له في عمره من حين بلغ وقيل أول ما عرض في تلك الصلاة وقيل معناه أن السهو ليس بعادة له قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إذا شك الخ الحاصل أنه قد ثبت عندهم أحاديث هي قوله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم
____________________
(1/518)
في صلاته فليستقبل وهو غريب وإن كانوا هم يعرفونه ومعناه في مسند ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال في الذي لا يدري صلى ثلاثا أم أربعا يعيد حتى يحفظ وأخرج نحوه عن سعيد بن جبير وابن الحنفية وشريح وما في الصحيح إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه وتقدم أول الباب ولفظ التحري وإن لم يروه مسعر والثوري وشعبة ووهيب بن خالد وغيرهم فقد رواه منصور بن المعتمر الحافظ واعتمد عليه أصحاب الصحيح وما أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو ثنتين فليبن على واحدة فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على ثنتين فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم قال الترمذي حديث حسن صحيح فلما ثبت عندهم الكل سلكوا فيها طريق الجمع بحمل كل منهما على محمل يتجه حمله عليه فالأول على ما إذا كان أول شك عرض له إما مطلقا في عمره أو في تلك الصلاة إلى آخر ما تقدم من الخلاف واختير الحمل على ما إذا كان الشك ليس عادة له لأنه يجمع الأول بلا شك والثاني ظاهرا ويساعده المعنى وهو أنه قادر على إسقاط ما عليه دون حرج لأن الحرج بإلزام الإستقبال إنما يلزم عند كثرة عروض الشك له وصار كما إذا شك أنه صلى أولا والوقت باق تلزمه الصلاة لقدرته على يقين الإسقاط دون حرج لأن عروضه قليل بخلافه بعد الوقت لا يلزم لأن الظاهر خلافه فلا يدفع الشك حكم الظاهر وحمل عدم الفساد الذي تظافر عليه الحديثان الآخران على ما إذا كان يكثر منه للزوم الحرج بتقدير الإلزام وهو منتف شرعا بالنافي فوجب أن حكمه العمل بما يقع عليه التحري ويجعل محمل الحديث الثاني فإذا لم يقع تحريه على شيء وجب البناء على المتيقن وهو محمل الثالث جمعا بين الأحاديث وأما ما يفيده بعض الأحاديث من إناطة سجود السهو بمجرد الشك وإن ذكر الصواب يقينا وبنى عليه فمحمله أن يشغله الشك قدر أداء ركن حتى يلزمه تأخير ركن أو واجب قوله وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كي لا يترك الفرض وهو القعدة مع تيسر طريق توصله إلى
____________________
(1/519)
يقين عدم تركها ثم في هذه الإفادة قصور لأن المسطور يفيد أنه عند البناء على اليقين يقعد في كل موضع يتوهمه محل قعود سواء كان آخر صلاته أولا ولنسق ذلك قالوا إذا شك في الفجر أن التي هو فيها أولى أو ثانية تحرى فإن وقع تحريه على شيء أتم الصلاة عليه وسجد للسهو وكذا في جميع صور الشك إذا عمل بالتحري أو بنى على الأقل يسجد ولم يكن مما ينبغي إغفال ذكر السجود في الهداية والنهاية فإن لم يقع تحريه على شيء يبنى على الأقل فيتم تلك الركعة ثم يقعد لاحتمال أنها ثانية ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لأنها ثانيته بحكم وجوب الأخذ بالأقل ثم يقعد ويسجد لسهوه وإن شك أنها ثانية أو ثالثة تحرى فإن لم يقع تحريه على شيء وهو قائم قعد ولا يتم تلك الركعة لاحتمال كونها الثالثة فيكون تاركا لفرض القعدة ثم يقوم فيصلي أخرى لجواز كون القيام الذي رفضه بالقعود ثانيته وقد تركه فعليه أن يصلي أخرى ليتم صلاته وإن كان قاعدا والمسئلة بحالها ولم يقع تحريه على شيء أو وقع على أنها ثالثة تحريى في القعدات فإن وقع تحريه أنه لم يقعد على ما قبلها أو لم يقع تحريه على شيء فسدت لأن صلاته في الوجهين دارت بين الصحة والفساد فتفسد احتياطا وإن شك أنها أولى أو ثالثة لا يتم ركعة بل يقعد قدر التشهد ويرفض القيام ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يتشهد ويسجد للسهو ولو كان شكه في أنها ثانية أو أولى وقع في سجوده يمضي فيها سواء كانت الأولى أو الثانية لأنها إن كانت أولى لزمه المضي فيها وإن كانت الثانية يلزمه تكميلها ثم إذا رفع من السجدة الثانية يقعد قدر التشهد ثم يقوم فيصلي ركعة ولو شك في سجوده أنها ثانية أو ثالثة إن كان في السجدة الأولى أمكنه إصلاح صلاته على قول محمد لأنه إن كانت ثانية كان عليه إتمام هذه الركعة وإن كانت ثالثة لا تفسد عند محمد لأنه لما تذكر في السجدة الأولى ارتفعت تلك السجدة وصار كأنها لم تكن كما لو سبقه الحدث فيها من الركعة الخامسة وهذا أيضا يدل على خلاف ما في الهداية بما قدمناه في تذكر صلبية من أن إعادة الركن الذي فيه التذكر مستحب لو فرعناه عليه ينبغي أن تفسد هنا لعدم ارتفاض السجدة المذكورة وإن كان الشك في السجدة الثانية بطلت صلاته وقياس هذا أن تبطل إذا وقع الشك بعد رفعه من السجدة الأولى سجد الثانية أولا وإن وقع الشك في الرباعية أنها الأولى أو الثانية عمل بالتحري على ما تقدم فإن لم يقع تحريه على شيء بنى على الأقل فيجعلها أولى ثم يقعد لجواز أنها ثانية والقعدة فيها واجبة ثم يقوم ويصلي أخرى ويقعد لأنها ثانية في الحكم والقعدة فيها واجبة ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد لاحتمال أنها رابعة ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد لأنها الأخيرة حكما فقد علمت أن القعود منوط بتوهم كون المحل محل لزومه واجبا أو فرضا ولو شك في أنها الرابعة أو الخامسة أو أنها الثالثة أوالخامسة فهو على القياس الذي ذكرناه في الفجر فيعود إلى القعدة ثم يصلي ركعة ويتشهد ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد ويسجد للسهو ولو شك في الوتر وهو قائم أنها ثانية أو ثالثة يتم تلك الركعة ويقنت فيها ويقعد ثم يقوم فيصلي أخرى ويقنت فيها أيضا هو المختار بخلاف المسبوق في الوتر بركعتين في رمضان إذا قنت مع الإمام في الثالثة ثم قام إلى قضاء ما سبق به لا يقنت ثانيا في ثالثته وكذا لو أدرك الإمام في ركوع الثالثة جعل كإدراكه القنوت معه نظيره من سمع من إمام آية سجدة فلم يسجدها ثم دخل معه في تلك الركعة يسقط عنه السجود لأنه بإدراك تلك الركعة معه صار مدركا لكل ما فيها وهذا الفرق بين المسبوق في الوتر والساهي فيه في حق القنوت هو مختار الصدر الشهيد وهذا لأن المسبوق
____________________
(1/520)
مأمور أن يقنت مع الإمام لأنه مدرك آخر صلاته فقد قنت في موضعه فلا يقنت ثانيا لأن تكراره غير مشروع والشاك لم يتيقن بوقوع الأول في موضعه فيقنت مرة أخرى وتقدمت هذه في باب الوتر
تتمة في ترك السجدات والركوع والإختلاف بين الإمام والقوم في السهو أما ترك السجود فقد انتظم مما قدمناه وجوب قضائه وهل تجب النية إن علم أنها من غير الركعة الأخيرة أو تحرى فوقع تحريه على ذلك أو لم يقع على شيء وبقي شاكا في أنها من الركعة الأخيرة أو ما قبلها نوى القضاء وإن علم أنها من الأخيرة لا يحتاج إلى نية وعلى هذا ما ذكروا فيمن سلم في صلاة الفجر وعليه سجود السهو فسجد وقعد وسلم وتكلم ثم تذكر أن عليه صلبية من الأولى فسدت صلاته وإن تركها من الثانية لا تفسد ونابت إحدى سجدتي السهو عن الصلبية لأنها لم تصر دينا في ذمته ليحتاج في صرف السجدة إليها إلى النية بخلاف الفصل الأول إلا في رواية عن أبي يوسف أنها لا تفسد في الوجهين ولو تذكر التلاوة دون السهو فسجد لها ثم تذكر أن عليه صلبية فصلاته فاسدة في الوجهين وفي المنتقى لا تنوب التلاوة والسهو عن الصلبية إلا إذا ظهر أنه لم يكن عليه تلاوة أو سهو حنيئذ كلاهما تنوبان ولو تذكر أنه ترك منها سجدتين إن علم أنه تركهما من الأولى والأخيرة فعليه أن يسجدهما ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو أو من الأولى فعليه أن يصلي ركعة ولو لم يعلم كيف تركها سجد سجدتين ينوي القضاء في الأولى ثم يصلي ركعة ومن أدركه في الركوع الثاني لا يكون مدركا لتلك الركعة لأن السجدتين يضمان إلى الركوع الأول وفي رواية إلى الركوع الثاني فعلى هذه الرواية يصير مدركا وإن كان يعلم من أيهما ترك فإنه يسجد سجدتين أولا ويتشهد لاحتمال أنه تركهما من الثانية ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة ويتشهد ويسلم لاحتمال أنهما من الأولى ويسجد للسهو ولو ذكر أنه ترك منها ثلاث سجدات فإنه يسجد سجدة ويصلي ركعة ثم يتشهد كما ذكرنا ولا ينوي القضاء في السجدة وقال الهندواني هذ إذا نوى بالسجدة الإلتحاق بالركعة التي قيدها بالسجدة أما إذا لم ينو ذلك يسجد ثلاث سجدات وقال خواهرزاده يسجد ثلاث سجدات ويصلي ركعة مطلقا ولو ذكر أنه ترك منها أربع سجدات سجد سجدتين ويضم إلى الركوع الأول في رواية وفي رواية إلى الركوع الثاني ويصلي ركعة أخرى ثم رأيت أن أكتب تمام فصل السجدات المذكور في مختصر المحيط قال مسائله مبنية على أصول منها أن السجدة متى فاتت عن محلها لا تصح إلا بالنية لأنها وجبت قضاء والقضاء لا يتأدى إلا بالنية المعينة وإنما تصير فائتة عن محلها إذا تخلل بينها وبين محلها ركعة تامة لأن ما دون الركعة يحتمل الرفض فيرتفض وتلتحق بمحلها وهذا يوافق ما قدمناه من فتاوى قاضيخان من وجوب إعادة ما وقع فيه التذكر قبيل باب ما يفسد الصلاة ومنها أنه متى وقع الشك في ترك ركعة أو سجدة فإنه يجمع بينهما للخروج عما عليه بيقين وتقدم السجدة على الركعة ولو قدم الركعة عليها فسدت صلاته لجواز أنه ترك السجدة لا غير فإذا أتى بها تمت صلاته فلا يضره زيادة ركعة ومتى قدم الركعة عليها يصير منتقلا إلى التطوع قبل إكمال الفرض فتفسد صلاته ومنها أن ما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا وما تردد بين البدعة والسنة تركه لأن ترك البدعة لازم وأداء السنة غير لازم ومنها أنه ينظر إلى المتروك من السجدات وإلى المؤداة فأيهما أقل فالعبرة له لأن اعتبار الأقل أسهل لتخريج المسائل ولو ترك سجدة من الفجر ساهيا ثم ذكرها قبل أن يتكلم سجدها وقعد وتشهد وسلم وسجد للسهو وينوي به ما عليه لجواز أنه تركها من الأولى
____________________
(1/521)
ولو ترك سجدتين سجد سجدتين أولا ويقعد ثم يقضي ركعة وتشهد لاحتمال أنه تركهما من ركعتين فيلزمه قضاؤهما لا غير ويحتمل أنه تركهما من ركعة فلا تكون محسوبة من صلاته فلزمه قضاء ركعة فيجمع بينهما احتياطا ولو ترك ثلاث سجدات ذكر في الأصل أنه يسجد سجدة أخرى حتى يتم ركعة ثم يصلي ركعة أخرى قال الفقيه أبو جعفر الصحيح أنه يسجد ثلاث سجدات ويتشهد ثم يصلي ركعة ويتشهد لأنه أتى بسجدة واحدة فتقيدت بها ركعة واحدة فإذا سجد أخرى تلتحق بالركوع الثاني باتفاق الروايات فقد صلى ركعتين كل ركعة بسجدة فمتى صلى ركعة أخرى صار متطوعا بالثالثة وعليه سجدتان من الفجر فتفسد صلاته فيجب أن يسجد سجدتين أخريين حتى يتم الفرض وينوي في واحدة من السجدات قضاء ما عليه فيجزئه وإن ترك النية في الكل لا يجزئه وإن ترك أربع سجدات سجد سجدتين ويصلي ركعة ولا يخفى أن معناه إذا كان متيقنا أنه ركع في صلاته ولو ترك من المغرب أربعا سجد سجدتين ثم يصلي ركعتين لأنه أتى بسجدتين فيحتمل أنه أتى بهما في ركعة فعليه ركعتان ويحتمل أنه أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعة إلا أن الركعة داخلة في الركعتين فيسجد سجدتين ولا يقعد ثم يصلي ركعتين ويقعد بينهما ولو ترك خمسا سجد سجدة وصلى ركعتين قالوا هذا إذا نوى بالسجدة عن الركعة التي قيدها بالسجدة الواحدة وإن لم ينو تفسد ولو ترك من الظهر ثلاث سجدات سجد ثلاثا وقعد ثم صلى ركعة وإن ترك أربعا يسجد أربعا ويقعد ثم يصلي ركعتين بقعدتين وإن ترك خمسا سجد ثلاثا ولا يقعد بعدها لأن هذه القعدة ترددت بين السنة والبدعة لأنه إن تم له ركعتاه فالقعدة سنة وإن تم له ثلاث فالقعدة بدعة ثم يصلي ركعتين يقعد بينهما احتياطا لاحتمال أن صلاته قد تمت بركعة واحدة وإن ترك ستا سجد سجدتين ويقعد ثم يصلي ثلاث ركعات ويقعد بعد الثانية والثالثة لأنه أتى بسجدتين فإن أتى بهما في الركعتين فعليه سجدتان وركعتان أو في ركعة فعليه ثلاث ركعات فيجمع بينهما وإن ترك سبعا سجد سجدة وصلى ثلاث ركعات قالوا هذا إذا نوى بالسجدة عن الركعة التي قيدها بسجدة وإذا سجد من غير نية ساهيا ثم تذكر فالحيلة لجواز صلاته أن يأتي بسجدتين وينوي بإحداهما عما عليه حتى تلتحق إحداهما بالركعة الأولى وتلتحق الثانية بالركعة الثانية فلصار مصليا ركعتين ثم إذا صلى ثلاث ركعات وتشهد في الثانية من الثلاث جازت صلاته ولو ترك ثمان سجدات سجد سجدتين وصلى ثلاث ركعات وكذلك العصر والعشاء فصل منه
لو صلى الفجر ثلاث ركعات ولم يقعد على الثانية وترك منها سجدة لا يعلم كيف ترك فسدت صلاته وكذا لو كان قعد لاحتمال أنه تركها من الأوليين وقد انتقل إلى التطوع قبل إكمال الفرض فيحكم بالفساد احتياطا ولو ترك سجدتين أو ثلاثا فالأصح أنه تفسد لاحتمال أنه تركهما من الفريضة ولو ترك أربعا لا تفسد لأنه أتى بسجدتين فلا يتقيد بهما أكثر من ركعتين فلا يصير منتقلا إلى التطوع وسجد سجدتين ثم يقعد ثم يصلي ركعة وأصله أن المتروك من السجدات إذا كان نصفها أو أقل من نصفها تفسد الصلاة وإن كان أكثر من النصف لا تفسد ولو صلى الظهر خمسا وترك سجدة إلى خمس تفسد ولو ترك ستا لا تفسد ولو ترك سبعا لا تفسد ويسجد ثلاث سجدات
____________________
(1/522)
ولو ترك ثمان سجدات سجد سجدتين ويصل ثلاث ركعات ولو صلى المغرب أربعا وترك سجدة إلى أربع تفسد ولو ترك خمسا لا تفسد ويسجد ثلاث سجدات ويصلي ركعة ولو ترك ستا سجد سجدتين وصلى ركعتين والله سبحانه أعلم
وأما إذا كان المتروك ركوعا فلنسق فصله بتمامه من البدائع قال رحمه الله إذا كان المتروك ركوعا فلا يتصور فيه القضاء وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة وبيان ذلك إذا افتتح الصلاة فقرأ وسجد قبل أن يركع ثم قام إلى الثانية فقرأ وركع وسجد فهذا قد صلى ركعة واحدة ولا يكون هذا الركوع قضاء عن الأول لأنه إذا لم يركع لم يعتد بذلك السجود لعدم مصادفته محله لأن محله بعد الركوع فالتحق السجود بالعدم فكأنه لم يسجد وكان أداء هذا الركوع أداء في محله فإذا أتى بالسجود بعده صار مؤديا ركعة تامة وكذا إذا افتتح فقرأ وركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأولم يركع ثم سجد فهذا قد صلى ركعة واحدة ولا يكون هذا السجود قضاء عن الأول لأن ركوعه وقع معتبرا لمصادفته محله لأن محله بعد القراءة وقد وجدت إلا أنه توقف على أن يتقيد بالسجدة فإذا قام وقرأ لم يقع قيامه وقراءته معتدا به لأنه لم يقع في محله فلغا فإذا سجد صادف السجود محله لوقوعه بعد ركوع معتبر فتقيد ركوعه به فقد وجد انضمام السجدتين إلى الركوع فصار مصليا ركعة وكذا إذا قرأوركع ثم رفع رأسه وقرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة لأنه تقدم ركوعان ووجد السجود فيلتحق بأحدهما ويلغو الآخر عير أنه في باب الحديث جعل المعتبر الركوع الأول وفي باب السهو من نوادر أبي سليمان جعل المعتبر الركوع الثاني حتى أن من أدرك الركوع الثاني لا يصير مدركا للركعة على رواية باب الحدث وعلى رواية هذا الباب يصير مدركا لها والصحيح رواية باب الحدث لأن ركوعه الأول صادف محله لحصوله بعد القراءة فوقع الثاني مكررا فلا يعتد به فإذا سجد يتقيد به الركوع الأول فصار مصليا ركعة وكذلك إذا قرأ ولم يركع وسجد ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ ولم يركع وصجد فإنما صلى ركعة لأن سجوده الأول لم يصادف محله لحصوله قبل الركوع فلم يقع معتدا به فإذا قرأ وركع توقف هذا الركوع على أن يتقيد بسجود بعده فإذا سجد بعد القراءة تقيد ذلك الركوع به فصار مصليا ركعة وكذا إن ركع في الأولى ولم يسجد ثم ركع في الثانية ولم يسجد وسجد في الثالثة ولم يركع فلا شك أنه صلى ركعة واحدة لما مر غير أن هذا السجود ملتحق بالركوع الأول أم بالثاني فيه روايتان على مامر وعليه سجود السهو في هذه المواضع كلها لإدخاله الزيادة في الصلاة ولا تفسد إلا في رواية عن محمد فإنه يقول زيادة السجدة الواحدة كزيادة الركعة بناء على أصله أن السجدة الواحدة قربة وهي سجود الشكر وعند أبي حنيفة وأبي يوسف السجدة الواحدة ليست بقربة إلا سجدة التلاوة ثم إدخال الركوع الزائد أو السجود الزائد لا يوجب فساد الفرض لأنه من أفعال الصلاة والصلاة لا تفسد بوجود أفعالها بل بوجود ما يضادها بخلاف ما إذا زاد ركعة كاملة لأنها فعل صلاة كامل فانعقد نفلا فصار منتقلا إليه فلا يبقى في الفرض فكان فساد الفرض بهذا الطريق لا للمضادة بخلاف زياد ما دون الركعة انتهى وكون سجدة الشكر قربة وهو كما هو قول محمد أوجه لأنه مقتضى الأدلة السمعية المتكثرة وستتم الفائدة بها آخر هذا الفصل وأما الإختلاف بين الإمام والقوم في السهو ففي فتاوى قاضيخان صلى وحده أو إمام صلى بقوم فلما سلم أخبره عدل أنك صليت الظهر ثلاثا قالوا إن كان عند المصلي أنه صلى أربعا لا يلتفت إلى قول المخبر وإن شك في أنه صادق أو كاذب روى عن
____________________
(1/523)
محمد أنه يعيد صلاته احتياطا وإن شك في قول عدلين يعيد صلاته وإن لم يكن المخبر عدلا لا يقبل قوله ولو وقع الإختلاف بين الإمام والقوم فقالوا صليت ثلاثا وقال بل أربعا فإن كان الإمام على يقين لا يعيد الصلاة بقولهم وإن لم يكن على يقين يأخذ بقولهم فإن اختلف القوم فقال بعضهم ثلاثا وقال بعضهم أربعا والإمام مع أحد الفريقين يؤخذ بقول الإمام وإن كان معه واحد لمكان الإمام فإن أعاد الإمام الصلاة وأعادوا معه مقتدين به صح اقتداؤهم لأن الإمام إن كان الصادق كان هذا اقتداء المتنفل بالمتنفل وإلا فاقتداء المفترض بالمفترض ولو استيقن واحد من القوم أنه صلى ثلاثا واستيقن واحد أنه صلى أربعا والإمام والقوم في شك ليس على الإمام والقوم شيء لمعارضة المستيقن بالنقصان المستيقن بالتمام والظاهر بعد الفراغ هو التمام وعلى المستيقن بالنقص الإعادة لأن يقينه لا يبطل بيقين غيره ولو كان الإمام استيقن أنه صلى ثلاثا كان عليه أن يعيد بالقوم ولا إعادة على مستيقن التمام لما قلنا ولو استيقن واحد بالنقصان وشك الإمام والقوم فإن كانوا في الوقت أعادوا احتياطا وإن لم يعيدوا لا شيء عليهم إلا إذا استيقن عدلان بالنقصان وأخبروا بذلك ولنذكر الفائدة الموعودة آنفا روى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء أمر سر به خر ساجدا له تعالى وروى عبدالرحمن بن عوف قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد فسجد فأطال فقال إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني أن من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا فسجدت شكرا لله رواه العقيلي في تاريخه وأحمد والحاكم بنحوه وقال على شرط الشيخين وفي أبي داود بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فخررت ساجدا فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا شكرا لربي وروى البيهقي بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خر ساجدا لما جاء كتاب علي من اليمن بإسلام همدان وروى الشيخان عن كعب بن مالك أنه لما جاءته البشارة بتوبته خر ساجدا وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد مرة لرؤية زمن ومر به أبو بكر فنزل وسجد شكرا لله ومر عمر فنزل وسجد شكرا لله انتهى وسجد أبو بكر رضي الله عنه عند فتح اليمامة وقتل مسيلمة وعمر رضي الله عنه عند فتح اليرموك وعلي عند رؤية دي الثدية مقتولا بالنهروان والحمد لله ولي كل نعمة شرح فتح القدير تأليف الإمام كمال الدين
____________________
(1/524)
& باب صلاة المريض
قوله إذا عجز المريض المراد أعم من العجز الحقيقي حتى لو قدر على القيام لكن يخاف بسببه إبطاء برء أو كان يجد ألما شديدا إذا قام جاز له تركه فإن لحقه نوع مشقة لم يجز ترك القيام بسببها ولو قدر عليه متكئا على عصا أو خادم
قال الحلواني الصحيح يلزمه القيام متكئا ولو قدر على بعض القيام لاكله لزمه ذلك القدر حتى لو كان إنما يقدر على قدر التحريمة لزمه أن يتحرم قائما ثم يعقد
وحديث عمران بن الحصين أخرجه الجماعة إلا مسلما قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صل قائما فإن لم تستطع
____________________
(2/3)
فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها قوله لأنه أي الإيماء قائم مقامهما قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إن قدرت الحديث روى البزار في مسنده والبيهقي في المعرفة عن أبي بكر الحنفي حدثنا سفيان الثوري حدثنا أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فأخذه فرمى به وقال صلى على الأرض إن استطعت وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك قال البزار لا نعلم أحدا رواه عن الثوري إلا أبو بكر الحنفي وقد تابعه عبد الوهاب وعطاء عن الثوري انتهى
أبو بكر الحنفي ثقة
وروى نحوه أيضا من حديث ابن عمر ومرجع ضمير لانعدامه الإيماء قوله فإن لم يستطع القعود يعني مستويا ولا مستندا فإنه إن قدر عليه مستندا لزمه القعود كذلك على وزان ما قدمناه في القيام قوله استلقى أي مرتميا على وسادة تحت كتفيه مادا رجليه ليتمكن من الإيماء وإلا فحقيقة الاستلقاء تمنع الصحيح من الإيماء فكيف المريض قوله لقوله صلى الله عليه وسلم يصلي المريض قائما الخ غريب والله أعلم ثم بتقدير عدم ثبوته لا ينتهض حديث عمران حجة على العموم فإنه خطاب له وكان مرضه البواسير وهو يمنع الاستلقاء فلا يكون خطابه خطابا للأمة فوجب الترجيح بالمعنى وهو أن المستلقى تقع إشارته إلى جهة القبلة وبه يتأدى الفرض بخلاف الآخر ألا ترى
____________________
(2/4)
أنه لو حققه مستلقيا كان ركوعا أو سجودا إلى قبلة ولو أتمه على جنب كان إلى غير جهتها وما أخرج الدارقطني عنه صلى الله عليه وسلم يصلي المريض قائما فإن لم يستطيع صلى مستلقيا رجلاه مما يلي القبلة ضعيف بالحسن بن الحسن العرني إلا أن ما تقدم من زيادة النسائي في حديث عمران بن الحصين فإن لم يستطع فمستلقيا إن صحت يشكل على المدعى وتفيد إن كان الاستلقاء لعمران قوله خلافا لزفر وهو رواية عن أبي يوسف وعن محمد رحمه الله قال لا أشك أن الإيماء برأسه يجزئه ولا أشك أنه بقلبه لا يجزئه وأشك فيه بالعين قوله لما روينا من قبل يعني قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يستطع فعلى قفاه يومىء إيماء فإن لم يستطع فالله تعالى أحق بقبول العذر منه ولا يخفى أن الاستدلال به موقوف على أن يثبت لغة أن مسمى الإيماء بالرأس ليس غير وأما بالعين والحاجب فإشاره ونحوه لا إيماء فيكون قول الشاعر ** أرادت كلاما فاتقت من رقيبها ** فلم يك إلا ومؤها بالحواجب **
مجازا لا حقيقة وهو خلاف الأصل حتى يثبت ذلك المفهوم كذلك
والحق أن المراد بقوله لما روينا ما قدمه من قوله صلى الله عليه وسلم لذلك المريض وإلا فأوم برأسك وعلى اللفظ الذي ذكر في الحديث المخرج أيضا الرأس مراد فإنه قال فيه واجعل سجودك أخفض ولا يتحقق زيادة الخفض بالعين بل إذا كان الإيماء بالرأس قوله هو الصحيح احتراز عما صححه قاضيخان أنه لا يلزمه القضاء إذا كثر وإن كان يفهم مضمون الخطاب فجعله كلمغمى عليه وفي المحيط مثله واختاره شيخ الإسلام وفخر الإسلام لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب واستشهد قاضيخان بما عن محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلا ة عليه
____________________
(2/5)
ودفع بأن ذاك في العجز المتقين امتداده إلى الموت وكلامنا فيما إذا صح المريض بعد ذلك لا فيما إذا مات قبل القدرة على القضاء فلا يجب عليه ولا الإيصاء به كالمسافر والمريض إذا أفطر في رمضان وماتا قبل الإقامة والصحة
ومن تأمل تعليل الأصحاب في الأصول وسيأتي للمجنون يفيق في أثناء الشهر ولو ساعة يلزمه قضاء كل الشهر وكذا الذي جن أو أغمي عليه أكثر من صلاة يوم وليلة لا يقضى وفيما دونها يقضي انقدح في ذهنه إيجاب القضاء على هذا المريض إلى يوم وليلة حتى يلزم الإيصاء به إن قدر عليه بطريق وسقوطه إن زاد
ثم رأيت عن بعض المشايخ إن كانت الفوائت أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه القضاء وإن كانت أقل وجب
قال في الينابيع وهو الصحيح قوله وإن قدر أي المريض على القيام دون الركوع والسجود بأن كان مرضه يقتضي ذلك قوله لم يلزمه المنفى اللزوم فأفاد أنه لو أومأ قائما جاز إلا أن الإيماء قاعدا أفضل لأنه أقرب إلى السجود
وقال خواهر زاده يومئ للركوع قائما وللسجود قاعدا ثم هذا مبنى على صحة المقدمة القائلة ركنية القيام ليس إلا للتوسل إلى السجود وقد أثبتها بقوله لما فيها من زيادة التعظيم أي السجدة على وجه الانحطاط من القيام فيها نهاية التعظيم وهو المطلوب فكان طلب القيام لتحقيقه فإذا سقط سقط ما وجب له
وقد يمنع أن شرعيته لهذا على وجه الحصربل له ولما فيه نفسه من التعظيم كما يشاهد في الشاهد من اعتباره كذلك حتى يحبه أهل التجبر لذلك فإذا فات أحد التعظيمين صار مطلوبا بما فيه نفسه
ويدل على نفي هذه الدعوى أن من قدر على القعود والركوع والسجود لا القيام وجب القعود مع أنه ليس في السجود عقيبه تلك النهاية لعدم مسبوقيته بالقيام قوله أو يومئ إن لم يقدر هو ظاهر الجواب
وفي النوادر إذا صار إلى الإيماء بعد ما افتتح قادرا عليهما فسدت لأن تحريمة انعقدت موجبة لهما قلنا لا بل للمقدور غير أنه كان إذ ذاك الركوع والسجود فلزما فإذا صار المقدور الإيماء لزم وأداء بعض الصلاة بهما أولى من أداء كلها بالإيماء قوله بناء على اختلافهم في الإقتداء
____________________
(2/6)
عند محمد لا يجوز اقتداء القائم بالقاعد وعندهما يجوز قوله استأنف عندهم جميعا أعني الثلاثة أما زفر فيجيز بناء على إجازته اقتداء الراكع بالمومئ ولو كان يومئ مضطجعا ثم قدر على القعود دون الركوع والسجود استأنف على المختار لأن حالة القعود أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف وفي جوامع الفقه لو افتتحها بالإيماء ثم قدر قبل أن يركع ويسجد بالإيماء جاز له أن يتمها بخلاف ما بعد ما أومأ للركوع والسجود ثم قدر قوله لأنه لو قعد عنده بغير عذر يجوز فكذا لا يكره الاتكاء والملازمة ممنوعة لجواز أن لا يكره القعود ويكره الاتكاء لأنه يعد إساءة أدب دون القعود إذا كان على هيئة لا يعد إساءة ولذا كان الأصح خلاف ما ذكره المصنف من قوله وإن قعد بغير عذر يكره بالاتفاق
صرح فخر الإسلام بأن الاتكاء يكره عند أبي حنيفة والقعود لا يكره من غير عذر
فروع رجل بحلقه خراج لا يقدر على السجود ويقدر على غيره من الأفعال يصلي قاعدا بإيماء وكذا لو
____________________
(2/7)
كان بحال لو سجد سال جرحه وإن لم يسجد لا يسيل لما قدمنا في فصل المعذور فإن قام وقرأ وركع ثم قعد وأومأ للسجود جاز والأول أولى ولو كان بحال لو صلى قائما لا يقدر على القراءة ولو صلى قاعدا قدر عليها صلى قاعدا
مريض مجروح تحته ثياب نجسة وهو بحال كلما بسط تحته شيء تنجس من ساعته يصلى على حاله وكذا إن كان لا يتنجس ولكنه يزداد مرضه أو تلحقه مشقة بتحريكه بأن نزع الماء من عينه دفعا للحرج قوله والقيام أفضل في الاختيارفإن صلى قاعدا وهو يقدر على القيام أجزأه وقد أساء وقالا لا يجوز قوله في غير المربوطة هي السائرة قوله والمربوطة كالشط هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم إنه على الخلاف ثم أطلق في كون المربوطة كالشط وهو مقيد بالمربوطة بالشط أما إذا كانت مربوطة في لجة البحر فالأصح إن كان الريح يحركها شديدا فهي
____________________
(2/8)
كالسائرة وإلا فكالواقفة ثم ظاهر الكتاب والنهاية والإختيار جواز الصلاة في المربوطة في الشط مطلقا وفي الإيضاح فإن كانت موقوفة في الشط وهي على قرار الأرض فصلى قائما جاز لأنها إذا استقرت على الأرض فحكمها حكم الأرض فإن كانت مربوطة ويمكنه الخروج لم تجز الصلاة فيها لأنها إذا لم تستقر فهي كالدابة انتهى
بخلاف ما إذا استقرت فإنها حينئذ كالسرير قوله والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب وقت صلاة وبه قال الشافعي ومالك واستدلا بما روى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أنها سألته عليه الصلاة والسلام عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة فقال ليس لشيء من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة فيفيق فيه فإنه يصليها وهذا ضعيف جدا ففيه الحكم بن عبد الله بن سعد الإيلي قال أحمد أحاديثه موضوعة وقال ابن معين ليس بثقة ولا مأمون وكذبه أبو حاتم وغيره وقال البخاري تركوه ثم بقية السند إلى الحكم هذا مظلم كله وقالت الحنابلة يقضي ما فاته وإن كان أكثر من ألف صلاة لأنه مرض وتوسط أصحابنا فقالوا إن كان أكثر من يوم وليلة سقط القضاء وإلا وجب والزيادة على يوم وليلة من حيث الساعات وهو رواية عن أبي حنيفة فإذا زاد على الدورة ساعة سقط
وعند محمد من حيث الأوقات فإذا زاد على ذلك وقت صلاة كامل سقط وإلا لا وهو الأصح تخريجا على ما مر في قضاء الفوائت وإن كان محمد قال هناك بقولهما فكل من الثلاثة مطالب بالفرق إلا أنهما يجيبان هنا بالتمسك بالأثر عن علي وابن عمر على ما في الكتاب لكن المذكور عن ابن عمر في كتب الحديث من رواية محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي
____________________
(2/9)
عن ابن عمر أنه قال في الذي يغمى عليه يوما وليلة قال يقضي وقال عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن ابن أبي ليلى عن نافع أن ابن عمر أغمى عليه شهرا فلم يقض ما فاته وروى إبراهيم الحربي في آخر كتابه غريب الحديث حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن عبيد الله عن نافع قال أغمى على عبد الله بن عمر يوما وليلة فأخاق فلم يقض ما فاته
واستقبل وفي كتب الفقه عنه أنه أغمى عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض وفي بعضها نص عليه فقال أغمى عليه ثلاثة أيام فلم يقض فقد رأيت ما هنا عن ابن عمر وشيء منها لا يدل على أن المعتبر في الزيادة الساعات إلا ما يتخايل من قوله أكثر من يوم وليلة وكل من روايتي الشهر والثلاثة الأيام يصلح مفسرا لذلك الأكثر ولو لم يكن وجب كون المراد به خاصا من الزيادة لأن المراد به ما دخل في الوجود ولا عموم فيه
وحملة على كون الأكثريه بالساعة ليس بأولى من كونها وقتا
أما الرواية عن على فلم تعرف في كتب الحديث والمذكور عنه في الفقه أنه أغمى عليه أربع صلوات فقضاهن وأهل الحديث يروون هذا عن عمار روى الدارقطني عن يزيد مولى عمار بن ياسر أن عمار بن ياسر أغمى عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأفاق نصف الليل فقضاهن قال الشافعي رحمه الله ليس هذا بثابت عن عمار ولو ثبت فمحمول على الاستحباب وفرق بين الإغماء والنوم بأنه عن اختيار بخلاف الإغماء وجه قولنا أن الأغماء مرض يعجز به صاحب العقل عن استعماله مع قيامه حقيقة فلا ينافى أهلية الوجوب بل الاختيار لأنه إنما يوجب خللا في القدرة وذلك يوجب التأخير لا سقوط أصل الوجوب لأن تعلقه لفائدة الأداء أو القضاء بلا حرج ولم يقع بالإغماء ولا بمجرد الجنون اليأس عن الفائدة الثانية إلا إذا امتد امتداد يوقع إلزام القضاء معه في الحرج فحينئذ يظهر به عدم تعلقه لظهور انتفاء الفائدة المستتبعة له هذا تقرير الأصول وسيرد عليك بأوفى من هذا في الزكاة والصوم إن شاء الله تعالى وبه يظهر أنه يصح أن يقال القياس السقوط مطلقا والقياس عدمه مطلقا وهذا لأن معنى القياس الذي يقابلونه بالإستحسان هو الوجه المتبادر بالنسبة إلى الوجه الخفي كما أفاده في البدائع مما سنذكره إن شاء الله تعالى
____________________
(2/10)
في سجود التلاوة وإلا فالاستحسان قد يكون هو القياس الصحيح وكل منهما يتبادر فالأول عند تجريد النظر إلى زوال فهم الخطاب الثاني عند ملاحظة أن الوجوب يتبع تعلقه إحدى المصلحتين والخفي هو التفصيل بين المحرج وعدمه & باب سجود التلاوة قوله أربع عشرة سجدة الاتفاق بيننا وبين الشافعي على أنها كذلك إلا أنه يجعل في الحج ثنتين ولا سجود في ص ونحن نثبت سجدة في ص وسجدة في الحج
له ما روى أبو داود خطبنا عليه الصلاة السلام يوما فقرأ ص فلما مر بالسجود نزل فسجد وسجدنا معه وقرأها مرة أخرى فلما بلغ السجدة تشزنا للسجود فلما رآنا قال إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم أراكم قد استعددتم للسجود فنزل وسجد وسجدنا وتشزن بناء مثناة من فوق ثم شين معجمة ثم زاى ثم نون معناه تهيأ وما رواه النسائي أنه عليه الصلاة والسلام سجد في ص وقال سجدها نبي الله داود توبة ونسجدها شكرا قلنا غاية ما فيه أنه بين السبب في حق داود والسبب في حقنا وكونه الشكر لا ينافى الوجوب فكل الفرائض والواجبات إنماوحبت شكرا لتوالي النعم وقال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله
____________________
(2/11)
ابن محمد بن يعقوب بن الحارث مخرج مسند أبي حنيفة كتب إلي صالح حدثنا محمد بن يونس بن الفرج مولى بني هاشم حدثنا محمد بن الزبرقان الأهوازي عن أبي حنيفة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وأخرج الإمام أحمد عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي سعيد رضي الله عنه قال رأيت رؤيا وأنا أكتب سورة ص قلما بلغت السجدة رأيت الدواة والقلم وكل شيء يحضرني انقلب ساجدا قال فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها فأفاد أن الأمر صار إلى المواظبة عليها كغيرها من غير ترك واستقر عليه بعد أن كان قد لا يعزم عليها فظهر أن ما رواه إن تمت دلالته كان قبل هذه القصة قوله والسجدة الثانية في الحج للصلاة عندنا لأنه مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه من أوامر ما هو ركن الصلاة بالاستقراء نحو اسجدي واركعي مع الراكعين وما روى من حديث عقبة بن عامر قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج بسجدتين قال نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما قال الترمذي إسناده ليس بالقوي كأنه لأجل ابن لهيعة
وروى أبو داود في المراسيل عنه عليه الصلاة والسلام فضلت سورة الحج بسجدتين وقد أسند هذا ولا يصح وأخرج الحاكم ما أخرجه الترمذي وقال عبد الله بن لهيعة أحد الأئمة وإنما نقم اختلاطه في آخر عمره
ولا يخفى أن هذا وجه ضعف الحديث وفيه حديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن منين بنونين وميم مضمومة عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث عشرة في المفصل وفي سورة الحج سجدتان وهو ضعيف
قال عبد الحق وابن منين لا يحتج به
قال ابن القطان وذلك لجهالته فإنه لا يعرف له حال قوله في قول عمر وهو المأخوذ للإحتياط وجهه أنه إن كان السجود عند يعبدون لا يضره التأخير إلى الآية بعده وإن كان عند لا يسأمون لم يكن السجود قبل مجزئا وأما أن ذلك قول عمر فغريب وقد أخرجه
____________________
(2/12)
ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه كان يسجد في حم السجدة عند قوله تعالى { لا يسأمون } وزاد في لفظ وأنه رأى رجلا سجد عند قوله تعالى { إن كنتم إياه تعبدون } فقال له لقد عجلت قوله والسجدة واجبة يعني باعتبار الأصل أو هي أو بدلها فإنه لو تلاها راكبا كان الواجب الإيماء لها لما سنذكر ولأن المتلوة في الصلاة التحقت بأفعال الصلاة والصلاة على الدابة يكون سجودها بالإيماء وحديث السجدة على من سمعها رفعة غريب وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر أنه قال السجدة على من سمعها وفي البخاري تعليقا وقال عثمان إنما السجود على من استمع وهذا المعلق أخرجه عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فقال عثمان إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد وأخرج مسلم عن أبي هريرة في الإيمان يرفعه إذا قرأ بن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلى النار والأصل أن الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يعقبه بالإنكار كان دليل صحته فهذا ظاهر في الوجوب مع أن آى السجدة تفيده أيضا لأنها ثلاثة أقسام قسم فيه الأمر الصريح به وقسم تضمن حكاية استنكاف الكفرة حيث أمروا به وقسم فيه حكاية فعل الأنبياء السجود وكل من الأمتثال والاقتداء ومخالفة الكفرة واجب إلا أن يدل دليل في معين على عدم لزومه لكن دلالتها فيه ظنية فكان الثابت الوجوب لا الفرض والاتفاق على أن ثبوتها على المكلفين مقيد بالتلاوة لا مطلقا فلزم كذلك وإنما أديت بالإيماء إذا تلاها راكبا لأن الشروع في التلاوة راكبا مشروع كالشرع في التطوع راكبا من حيث أنهما سببا لزوم السجدة فكما أوجب التطوع راكبا السجود بالأيماء أوجبها التلاوة كذلك وإنما أديت في ضمن السجدة الصليبة والركوع لما نذكر وأعلم أنه لا فرق بين أن يتلوها بالعربية أوالفارسية عند أبي حنيفة فهم السامع أولا إذا أخبر أنه قرأ السجدة وعندهما يشترط علمه بأنه يقرأ القرآن ولو قرأ بالعربية يلزمه مطلقا لكن لا يجب على الأعجمي ما لم يعلم ولا تجب بكتابة ولا على أصم ولا بقراءة آية السجدة هجاء وما في الصحيحين من قول زيد بن ثابت قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد لا يفيد نفي الوجوب والسنية في المفصل كما استدل به مالك رضي الله عنه إذ هو واقعة حال فيجوز كونه للقراءة في وقت مكروه أوعلى غيروضوء أولبين أنه غير واجب على الفور وهذا الأخير على التعيين محمل حديث عمر المروى في الموطأ أنه قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء فلم يسجد ومنعهم وما استدل به لمالك
____________________
(2/13)
مما روى عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وابن عمر قالا ليس في المفصل سجدة وما أخرج ابن ماجه عن أبي الدرداء قال سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها شيء من المفصل الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج والفرقان والنمل والسجدة وص وسجدة الحواميم فالثاني ضعيف بعثمان بن قائد ولو صح فليس فيه نفي السجدة في المفصل بل إن الإحدى عشرة ليس فيها شيء في المفصل وليس في هذا نزاع ولو صح الاحتجاج به كان مع ما قبله معارضا بحديث أبي رافع في الصحيحين أن أبا هريرة قرأ { إذا السماء انشقت } فسجد فقلت له ما هذه السجدة قال لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجدها لم أسجد لا أزال أسجدها حتى ألقاه وأخرجوا إلا الترمذي عن أبي سلمة عنه أيضا قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت } { اقرأ باسم ربك } وهذا أقوى مما قبله وإسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة من الهجرة ولو تعارضا كان الاحتياط في الإيجاب ومما استدل به على الوجوب استدلال الشافعية به على أن في الحج سجدتين بتقدير صحته على ما ذكرناه فإنه أفاد كراهة التحريم للقراءة دون سجود وهي رتبة الواجب قوله وهي كلمة إيجاب يعني لفظ على من صيغ الإلزام قوله وهو أي النص الموجب للسجدة بالسماع غير مقيد السماع بالقصد فتجب على من سمعها وإن لم يقصد وقد قدمنا من حديث عثمان مع القاص ما يفيد خلافه وهو تقيده به والله سبحانه أعلم قوله لالتزامه متابعته علل بالتزام المتابعة لأن الفرض فيما إذا تلا في السرية أما إذا تلا في الجهرية حتى سمع المقتدي فلا حاجة إلا هذا التعليل إذ السماع موجب عليه ابتداء قوله لأنه يؤدي إلا خلاف موضوع الإمامة إن سجد المأموم وتابعه الإمام أو التلاوة إن سجد الإمام وتابعه التالي المأموم لأن موضوع التلاوة أن يسجد التالي ويتابعه السامع ولذا قال صلى الله عليه وسلم للتالي الذي لم يسجد كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا ولذا كانت السنة أن يتقدم التالي ويصف القوم خلفه
____________________
(2/14)
فيسجدون
وفي الخلاصة يستحب أن لا يرفع رأسه قبله قوله وتصرف المحجور الخ أثر الحجر عدم اعتبار فعل المحجور عليه وتصرفه وأثر النهى تحريم الفعل لا ترك الاعتبار لأنه مطلقا لا يعدم المشروعية فالمحجوز هو الممنوع من التصرف على وجه ينفذ فعل الغير عليه شاء أو أبى كما لو فعله هو في حال أهليته والمأموم كذلك من حيث القراءة حتى نفذ قراءة الإمام عليه وصارت قراءة له كتصرف ولي المحجوز كأنه تصرفه فكان محجوزا فلا تعتبر قراءة وكانت كعدمها بخلاف الجنب والحائض فإنهما منهيان فكانت ممنوعة لا أنه يعتبر وجودها بعدمها ولا يخفى أن هذا التعليل لا يتأثى على قول محمد في السرية فأنه يستحسن قراءة المؤتم ظنا منه أنه الاحتياط فليس حينئذ بمحجور عليه عنده بل مجوز له الترك إلا أن ذلك أعنى إستحسان القراءة في السرية عن محمد ضعيف والحق عنه خلافه على ما أسلفنا ولما كان مقتضى هذا الوجوب بالسماع منهما وعليهما بتلاوتهما وليس كذلك إذ لا يجب على الحائض بتلاوتها استثناه بقوله إلا أنه لا يجب على الحائض بتلاوتها كما لا يجب بسماعها من غير حائض لأن ثبوت السبب للصلاة لا يظهر في حقها والسجدة جزء الصلاة لا يقيد الجزئية بل نظرا إلى ذاتها اعتبرت عبادة مستقلة فلا فرق فلا يجب عليها بسببها كما لا تجب الصلاة عليها بسببها
فالحاصل أن كل من لا تجب عليه الصلاة ولا قضاؤها كالحائض والنفساء والكافر والصبي والجنون ليس عليهم بالتلاوة والسماع سجود ويجب على السامع منهم إذا كان أهلا لكن ذكر شيخ الإسلام أنه لا يجب بالسماع من مجنون أو نائم أو طير لأن السبب سماع تلاوة صحيحة وصحة التلاوة بالتمييز ولم يوجد وهذا التعليل بفيد التفصيل في الصبي فليكن هوالمعتبر إن كان له تمييز وجب بالسماع منه وإلا فلا
وفي الخلاصة إذا سمعها من طير لا تجب هو المختار
____________________
(2/15)
ومن نائم الصحيح أنها تجب وإن سمعها من الصدا لا تحب فأفاد الخلاف في الأولين والتصحيح قوله هو الصحيح احتراز عما قيل لا يسجدها على قولهما للحجر بل على قول محمد واستضعف بعضهم تعليل المصنف بالحجر عن القراءة إذ مقتضاه أن لا تجب على السامع من المقتدي خارج الصلاة وقول المصنف لأن الحجر ثبت في حقهم فلا يعدوهم يدفع هذا الاستضعاف قوله ليست بصلانية فليست من أفعال الصلاة حتى تستتبع فعلا في الصلاة فتكون السجدة حينئذ حينئذ زيادة منها عنها فتكون ناقصة فلا يتأدى بها ما وجب كاملا ثم صواب النسبة فيه صلوية برد ألفه واوا حذف التاء وإذا كانوا قد حذفوها في نسبة المذكر إلى المؤنث كنسبة الرجل إلى بصره مثلا فقالوا بصرى لا بصرتي كيلا يجتمع تا آن في نسبة المؤنث فيقولون بصرتية فكيف بنسبة المؤنث إلى
____________________
(2/16)
المؤنث قوله وقيل هو أي المذكور في النوادر قول محمد لا قولهما بناء على أن زيادة سجدة تفسد عنده وعندهما زيادة ما دون الركعة لا تفسد وهو بناء على أن السجدة المفردة يتقرب بها إلى الله تعالى
عند محمد فقد زادوا قربة فتفسد وعندهما ما دون الركعة ليس بقربة شرعا إلا في محل النص وهو سجود التلاوة فلا يكون السجود وحدة قربة في غيره فلم يزيدوا ما هو قربة فكان كزيادة ركوع أو قيام فلا تفسد كما لا تفسد بذلك قوله فدخل معه بعد ما سجدها يعني دخل معه في تلك الركعة أما لو دخل في الثانية كان علية أن يسجدها بعد الفراغ وقوله لأنه صار مدركا لها بإدراك الركعة يفيده والنيابة وإن كانت لا تجري في الأفعال إلا أنها أثر القراءة فالتحقت بها على أن إدراك جميع ما تضمنته الركعة بإدراك الركوع مما لم يكن قضاؤه شرعا فيه ضروري والقيام منه وهو فعل وخرج تكبيرات العيد لأنها من جنس تكبيرة الركوع فالتحقت بها فقضيت فيه قوله وإن لم يدخل معه سجدها لتحقق السبب وكون الصحيح أن السبب في حق السامع التلاوة لا السماع وإنما السماع شرط لا يمنع من السجود خارج الصلاة إذ لم يقم دليل على أن التلاوة في الصلاة لا تنعقد سببا إلا بالنسبة إلى من في الصلاة على أنه قد أجيب بأن
____________________
(2/17)
اختلافهم في السبب على السامع أهو السماع أو التلاوة يوجب الاحتياط في السجود على الخارج بخلاف السماع في الصلاة لتلاوة من ليس فيها فإن الاحتياط مع هذا الاختلاف أن لا يسجد في الصلاة إذ النظر إلى كون السبب التلاوة يمنعها فيها وإلى كونه السماع يوجبها فيها والواجب صون الصلاة عن الزوائد إلا ما لا شك في شرعيته فيها فالأحتياط أن لا يسجد في الصلاة قوله وكل سجدة وجبت في الصلاة أي بتلاوة الصلاة على من في تلك الصلاة قوله ولها مزية أي للصلوية مزية لتأديها في حرمة الصلاة فوجوب تأديها في إحرام الصلاة هو المستلزم لتأدية ما وجب كاملا ناقصا وهو علة عدم قضائها خارجها بالتحقيق لا مجرد تسميتها صلوية ومقتضى هذا جواز تأخيرها من ركعة إلى ركعة بعد أن لا يخلى الصلاة عنها وقد يستأنس له بما قدمناه في سجود السهو من أنه لو تذكر سجدة التلاوة في ركن فسجد لها لا يعيده وما تقدم من أنه لو أخرها بعد التذكر إلى آخر الصلاة أجزأه لأن الصلاة واحدة لا يستلزم جواز التأخير بل المراد أجزأته السجدة آخر الصلاة لكن صرح في البدائع بأنها واجبة على الفور في فصل بيان وقت أدائها وأنه إذا آخرها حتى طالت التلاوة تصير قضاء ويأثم لأن هذه السجدة صارت من أفعال الصلاة ملحقة بنفس التلاوة فلذا فعلت فيها مع أنها ليست من أصل الصلاة بل زائدة بخلاف غير الصلوية فإنها واجبة على التراخي على ما هو المختار وقيل بل على الفور أيضا
فإن قيل كيف يتحقق عدم السجود وسجدة التلاوة وتتأدى في ضمن سجدة الصلاة نوى أو لم ينو كما ذكره في فتاوي قاضيخان وكذا تتأدى في ضمن الركوع قلنا مراده إذا سجد للصلاة بعد الركوع على الفور وما نحن فيه إذا لم يسجد على الفور حتى لو قرأ ثلاث آيات وركع أو سجد صلبية ينوي بها التلاوة لم تجز لأن السجدة صارت دينا عليه لفوات وقتها فلا تتأدى في ضمن الغير ويعرف ذلك من سوق عبارته
قال رجل قرأ آية سجدة في الصلاة فإن كانت السجدة في آخر السورة أو قريبا من آخرها بعدها آية أو آيتان إلى آخرها فهو بالخيار إن شاء ركع بها ينوي التلاوة وإن شاء سجد ثم يعود إلى القيام فيختم السورة وإن وصل بها سورة أخرى كان أفضل فإن لم يسجد للتلاوة على الفور حتى ختم السورة ثم ركع وسجد لصلاته تسقط عنه سجدة التلاوة لأن بهذا القدر من القراءة لا ينقطع الفور ولو ركع لصلاته على الفور وسجد تسقط عنه سجدة التلاوة نوى في السجدة السجدة للتلاوة أو لم ينو ولذا إذا قرأ بعدها آيتين أجمعوا أن سجدة التلاوة تتأدى بسجدة الصلاة وإن لم ينو
واختلفوا في الركوع قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده لا بد للركوع من النية حتى ينوب عن سجدة التلاوة نص عليه محمد وإن قرأ بعد السجدة ثلاث آيات وركع لسجدة التلاوة قال شيخ الإسلام ينقطع الفور ولا ينوب الركوع عن السجدة وقال الحلواني لا ينقطع مالم يقرأ أكثر من ثلاث آيات اه
فظهر أن ذلك مقيد بأن يسجد للصلاة بعد الركوع على الفور وقد صرحوا
____________________
(2/18)
بأنه إذا لم يسجد ولم يركع حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجدة لم يجز وكذا إذا نواها في السجدة الصلبية لأنها صارت دينا عليه والدين يقضي بما له لا بما عليه والركوع والسجود عليه كذا في البدائع في فصل كيفية وجوبها وسيظهر أن قول الحلواني هو الرواية إن شاء الله تعالى
هذا وما ذكر من الإجماع على عدم الاحتياج إلى النية في سجدة الصلاة حالة الفور في البدائع ما يفيد خلافه من ثبوت الخلاف قال ثم إذا ركع قبل أن تطول القراءة هل تشترط النية لقيام الركوع مقام سجدة التلاوة فقياس ما ذكرنا من النكتة أن لا يحتاج لأن الحاجة إلى تحصيل التعظيم في هذه الحالة وقد وجد نوى أو لم ينو كالمعتكف في رمضان إذا لم ينو بصيامه عن الاعتكاف والذي دخل المسجد إذا اشتغل بالفرض غير ناو أن يقوم مقام تحية المسجد ومن مشايخنا من قال يحتاج إلى النية ويدعى أن محمد أشار إليه فإنه قال إذا تذكر سجدة تلاوة في الركوع يخر ساجدا فيسجد كما تذكر ثم يقوم فيعود إلى الركوع ولم يفصل بين أن يكون الركوع الذي تذكر فيه عقيب التلاوة بلا فصل أو به فلو كان الركوع مما ينوب عن السجدة من غير نية لكان لا يأمره بأن يسجد للتلاوة بل قام نفس الركوع مقام التلاوة ثم اشتغل رحمه الله بدفع دلالة المروى عن محمد بما لا يقوى ثم طالبه بالفرق بين هذا وصوم المعتكف في رمضان والصلاة وذكر جواب القائل عنه بأن الواجب الأصلى هنا هو السجود إلا أن الركوع أقيم مقامه من حيث المعنى وبينهما من حيث الصورة فرق فلمواقفة المعنى تتأدى السجدة بالركوع إذا نوى ولمخالفة الصورة لا تتأدى إذا لم ينو بخلاف صوم الشهر فإن بينه وبين صوم الاعتكاف موافقة من جميع الوجوه وكذا في الصلاة ثم قال لكن هذا غير سديد لأن المخالفة من حيث الصورة إن كان بها عبرة فلا يتأدى الواجب به وإن نوى فإن من نوى إقامة غير ما وجب عليه مقام ما وجب لا يقوم إذا كان بينهما تفاوت وإن لم يكن بها عبرة فلا حاجة له إلى النية كما في الصوم والصلاة وعذر الصوم ليس بمستقيم لأن بين الصومين مخالفة من حيث سبب الوجوب فكانا جنسين مختلفين ولهذا قال هذا القائل إنه لو لم ينو بالركوع أن يكون قائما مقام سجدة التلاوة ولم يقم يحتاج في السجدة الصلبية إلى أن ينوي أيضا لأن بينهما مخالفة لاختلاف سببي وجوبهما انتهى
فهذا يصرح بوجوب النية في إيقاع السجدة الصلبية عن التلاوة فيما إذا لم تطل القراءة على ما هو أصل الصورة كما نقلناه في صدر هذا المنقول فلم يصح ما تقدم من نقل الإجماع على عدم اشتراطها وإنما أوردنا تمام عبارته لإفادة ما تضمنته من الفوائد ثم قال هذا كله إذا ركع وسجد على الفور فإن لم يفعل حتى طالت القراءة ثم ركع ينويها أو لم ينوها في الركوع ونواها في السجود لم تجزه لأنها صارت دينا في ذمته لفواتها عن محلها لأنها لوجوبها بما هو من أفعال الصلاة التحقت بأفعال الصلاة شرعا بدليل وجوب أدائها في الصلاة من غير نقص فيها وتحصيل ما ليس من الصلاة فيها إن لم يوجب فسادها يوجب نقصانها وكذا لا تؤدي بعد الفراغ لأنها صارت جزءا من الصلاة فلا تؤدي إلا بتحريمة الصلاة كسائر أفعالها ومبنى الأفعال أن يؤدى كل فعل في محله المخصوص فكذا هذه فإذا لم تؤد في محلها حتى فات صارت دينا والدين يقضى بماله لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين بخلاف ما إذا لم تصر دينا لأن الحاجة هناك إلى التعظيم عند تلك التلاوة وقد وجد في ضمنهما فكفى كداخل المسجد
____________________
(2/19)
إذا صلى الفرض كفى عن تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد غير أن الركوع لم يعرف قربة في الشرع منفردا عن الصلاة فلذا تتأدى به السجدة إذا تلا في الصلاة لا خارجها
فإن قلت قد قالوا إن تأديها في ضمن الركوع هو القياس والاستحسان عدمه والقياس هنا مقدم على الاستحسان فاستفنى بكشف هذا المقام
فالجواب أن مرادهم من الاستحسان ما خفى من المعاني التي يناط بها الحكم ومن القياس ما كان ظاهرا متبادرا فظهر من هذا أن الاستحسان لا يقابل القياس المحدود في الأصول بل هو أعم منه قد يكون الاستحسان بالنص وقد يكون بالضرورة وقد يكون بالقياس إذا كان لقياس آخر متبادر وذلك خفى وهو القياس الصحيح فيسمى الخفى استحسانا بالنسبة إلى ذلك المتبادر فثبت به أن مسمى الاستحسان في بعض الصور هو القياس الصحيح ويسمى مقابله قياسا باعتبار الشبه وبسبب كون القياس المقابل ما ظهر بالنسبة إلى الاستحسان ظن محمد بن سلمة أن الصلبية هي التي تقوم مقام سجدة التلاوة لا الركوع وكان القياس على قوله أن تقوم الصلبية وفي الاستحسان لا تقوم بل الركوع لأن سقوط السجدة بالسجدة أمر ظاهر فكان هو القياس وفي الاستحسان لا يجوز لأن هذه السجدة قائمة مقام نفسها فلا تقوم مقام غيرها كصوم يوم من رمضان لا يقوم عن نفسه وعن قضاء يوم آخر فصح أن القياس وهو الأمر الظاهر هنا مقدم على الاستحسان بخلاف قيام الركوع مقامها وأن القياس يأبى الجواز لأنه الظاهر وفي الاستحسان يجوز وهو الخفي فكان حينئذ من تقديم الاستحسان لا القياس لكن عامة المشايخ على أن الركوع هو القائم مقامها كذا ذكره محمد رحمه الله في الكتاب فإنه قال قلت فإن أراد أن يركع بالسجدة نفسها هل يجزئه ذلك قال أما في القياس فالركوع في ذلك والسجدة سواء لأن كل ذلك صلاة وأما في الاستحسان فينبغي له أن يسجد وبالقياس نأخذ وهذا لفظ محمد
وجه القياس على ما ذكره محمد أن معنى التعظيم فيهما واحد
فكانا في حصول التعظيم بهما جنسا واحدا والحاجة إلى تعظيم الله إما اقتداء بمن عظم وإما مخالفة لمن استكبر فكان الظاهر هو الجواز
وجه الاستحسان أن الواجب هو التعظيم بجهة مخصوصة وهي السجود بدليل أنه لو لم يركع على الفور حتى طالت القراءة ثم نوى بالركوع أن يقع عن السجدة لا يجوز ثم أخذوا بالقياس لقوة دليله وذلك لما روى عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كانا أجاز أن يركع عن السجود في الصلاة ولم يرو عن غيرهما خلافه فلذا قدم القياس فإنه لا ترجيح للخفي لخفائه ولا للظاهر لظهوره بل يرجع في الترجيح إلى ما اقترن بهما من المعاني فمتى قوى الخفي أخذوا به أو الظاهر أخذوا به غير أن استقراءهم أوجب قلة قوة الظاهر المتبادر بالنسبة إلى الخفي المعارض له فلذا حصروا مواضع تقديم القياس على الاستحسان في بضعة عشر موضعا تعرف في الأصول هذا أحدها ولا حصر لمقابلة
ثم النص عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن السجود بها أفضل هكذا مطلقا في البدائع وجهه أنه إذا سجد ثم قام وركع حصل قربتين بخلاف ما إذا ركع ولأنه بالسجود مؤد للواجب بصورته ومعناه وأما الركوع فبمعناه ولا شك أن الأول أفضل وهو خلاف ما في بعض المواضع من أنها إذا كانت آخر السورة فالأفضل أن يركع بها ثم إذا سجد لها وقام فركع كما رفع رأسه دون قراءة كره له ذلك سواء كانت الآية في وسط السورة أو ختمها أو بقى إلى الختم آيتان أو ثلاث لأنه يصير بانيا الركوع على السجود فينبغي أن يقرأ ثم يركع فإن كانت في وسط السورة فينبغي أن يختمها إذا رفع ثم يركع وإن كان ختمها ينبغي أن يقرأ آية من سورة أخرى ثم يركع وإن كان بقي منها آيتان أو ثلاثة كسورة بني إسرائيل والانشقاق
____________________
(2/20)
كان له أن يركع بها في الآيتين بلا خلاف نعلمه وفي الثلاث اخنلفوا قيل لا يجزى الركوع بها لانقطاع الفور بالثلاث وقيل لا ينقطع بالثلاث وهو الأحق
وفي البدائع الأوجه أن يفوض إلى رأى المجتهد أو يعتبر ما بعد طويلا على أن جعل ثلاث آيات قاطعة للفور خلاف الرواية فإن محمدا ذكر في كتاب الصلاة قلت أرأيت الرجل يقرأ السجدة وهو في الصلاة والسجدة في آخر السورة إلا آيات بقيت من السورة بعد آية السجدة قال هو بالخيار إن شاء ركع بها وإن شاء سجد بها
قلت فإن أراد أن يركع بها ختم السورة ثم ركع بها قال نعم قلت فإن أراد أن يسجد بها عند الفراغ من السجدة ثم يقوم فيتلو ما بعدها من السورة وهو آيتان أو ثلاث ثم يركع قال نعم إن شاء وصل بها سورة أخرى
وهذا نص على أن الثلاث ليست قاطعة للفور ولا مدخلة للسجدة في حيز القضاء ثم لو سجد بها ينبغي أن يقرأ باقي السورة ثم يركع ثم علل في البدائع أفضلية وصل السورة بما يقتضي قصره على ما إذا كان الباقي آيتين وهو قوله لأن الباقي من خاتمة السورة دون ثلاث آيات فكان الأولى أن يقرأ ثلاث آيات كي لا يصير بانيا للركوع على السجود وهو خلاف ما جعله حكما لهذا التعليل حيث قال وإن كان بقي إلى الختم قدر آيتين أو ثلاث قوله أجزأته السجدة عن التلاوتين يعني إذا لم يتبدل مجلس
____________________
(2/21)
التلاوة مع مجلس الصلاة فإن تبدل فلكل سجدة
فإن قيل هذه المسئلة إما مندرجة في المسئلة التي بعدها وهي أن تكرير تلاوة سجدة في مجلس واحد يوجب سجدة واحدة أولا فإن كان نظرا إلى اتحاد المجلس فينبغي له إذا سجد للأولى ثم دخل في الصلاة فتلاها لا يجب عليه السجود لأن الحكم في الآتية أنه إذا كررها في مجلس كفته سجدة سواء قدمها أو وسطها أو أخرها عن التلاوات وإن لم يكن بناء على اختلاف المجلس بالصلاة كما بالأكل ونحوه فينبغي ان لا يكفيه إلا سجدتان
وجوابه أن موضوعها من جزئيات موضوعها لعدم اعتبارهم اختلاف المجلس بالصلاة لأن الشروع فيها عمل قليل لكن خص موضوعها من حكم ذلك العام ففصل فيها بين أن يسجد للأولى فلا يغني عن السجود للصلوية أو للصلوية فيغني عن الأولى أولا يسجد لواحدة منهما فيسقطان
والحاصل أنه يجب التداخل في هذه على وجه تكون الثانية مستتبعة للأولى إن لم يسجد للأولى لأن اتحاد المجلس يوجب التداخل وكون الثانية قوية بسبب قوة السبب الذي هو التلاوة الفريضة وتفاوت المسببات بحسب تفاوت الأسباب منع من جعل الأولى مستتبعة إذ استتباع الضعيف القوي عكس المعقول ونقض الأصول فوجب التداخل على الوجة المذكور وإذا لم يسجد للصلوية وقد صارت تلاوة الأولى مندرجة فيها سقطتا لما تقدم من أن كل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجد فيها امتنع قضاؤها قوله ومن كرر تلاوة سجدة الخ اندرج بعض شرحها فيما ذكرنا قبلها
____________________
(2/22)
والمحتاج إليه هنا بيان أن الأليق في العبادات عند ثبوت التداخل كونه في السبب وبيان وجه ثبوته والباقي ظاهر من الكتاب
أما الثاني فبالنص وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع من جبريل آية السجدة ويقرؤها على أصحابه ولا يسجد إلا مرة واحدة مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يكرر حديثه ثلاثا ليعقل عنه فكيف بالقرآن وبدلالة الإجماع على أن السميع إذا قرأها لا تجب إلا سجدة واحدة قد تحقق في حقه التلاوة والسماع وكل سبب على حدته حتى يجب بالسماع وحده وبالتلاوة وحدها إذا كان التالي أصم والمعقول وهو أن تكرار القراءة محتاج إليه للحفظ والتعليم والاعتبار فلو تكرر الوجوب لحرج الناس زيادة حرج فإن أكثر الناس لا يحفظ من عشرمرات بل أكثر فيلزم الحرج من جهة إلزام الحكم كذلك وفي حفظ القرآن فإنه كان يتعذر أو يتعسر جدا وهو مدفوع بالنص فوجب القول بالتداخل ولما كان مثير ذلك النص والإجماع هو الحرج اللازم بتقدير إيجاب التكرار اقتصر المصنف على التمسك به
وأما الأول فاعلم أن الأصل في التداخل كونه في الحكم لأنه أمر حكمي ثبت بخلاف القياس إذ الأصل أن لكل سبب حكما فيليق بالأحكام لا بالأسباب لثبوت الأسباب حسا بخلاف الأحكام واعتبار الثابت حسا غير ثابت أبعد من اعتباره كذلك في غير المحسوس لكنا لو قلنا به في الحكم في العبادات لبطل التداخل لأنه بالنظر إلى الأسباب يتعدد وبالنظر إلى الحكم يتحد فيتعدد لأنه إذا دارت بين الثبوت والسقوط ثبتت لأن مبناها على التكثير لأنا خلقنا لها بخلاف العقوبات لأن مبناها على الدرء والعفو حتى إذا دارت كذلك سقطت ولأن المتحقق تأثير المجلس في جميع الأسباب لا الأحكام على ما في البيع وغيره وهذا التداخل تقيد بالمجلس فعلم أنه في السبب
وفائدته تظهر فيما لو زنى فحد ثم زنى فحد ثم زنى يحد ثانيا ولو تلا فسجد ثم تلا لا يجب السجود ثانيا قوله وهو أي دليل الإعراض هو المبطل هناك ألا ترى أنها لو خيرت قائمة فقعدت لا يخرج الأمر من يدها
[ فلو كان اختلاف المجلس يحصل بالقيام خرج إذ لا فرق فعلم أن خروجه في القيام للإعراض لا للقيام وليس في القعود عن قيام إعراض بل هو أجمع للرأي ثم تبدل المجلس قد يكون حقيقة باختلاف المكان إلا في اليسير فإنه يختلف بخطوة أو خطوتين وكل من البيت والمسجد مجلس واحد فلو انتقل من مكان إلى آخر في البيت أو المسجد لا يتكرر الوجوب وكذا السفينة وإن كانت سائرة لا يوجب سيرها اختلاف المكان والمجلس والدابة إذا كان في الصلاة وهو راكب كالسفينة لأن جواز الصلاة شرعا اعتبار للأمكنة المتعددة مكانا بخلاف المشي بالقدم فإنه لا موجب لاعتبار الأمكنة المتعددة فيه مكانا إذ لم تجوز صلاة الماشي ولذا قالوا لو كان خلفه غلام يمشي وهو في الصلاة راكبا وكررها تكرر الوجوب على الغلام دون الراكب أما إذ لم يكن في الصلاة وهي سائرة فيتكرر الوجوب
وقيل إذا كان المسجد كبيرا يختلف المسجد وقد يكون حكم به بأن أكل أكثر من لقمتين في غير مكان التلاوة أو تكلم أكثر من كلمتين أو شرب أو نكح أو نام مضطجعا أو أرضعت ولدا أو أخذ في بيع أو شراء أو عمل يعرف به أنه قطع لمن كان قبل ذلك وإن اتحد المجلس لا إن كان يسيرا
واختلفوا في الصلاة فعند محمد يوجب الانتقال فيها من ركعة إلى أخرى اختلاف المجلس
وعند أبي يوسف لا فلو قرأها في ركعة ثم كررها في أخرى وجبت
____________________
(2/23)
أخرى عنده خلافا لأبي يوسف
له أن القول بالتداخل يؤدي إلى إخلاء إحدى الركعتين عن القراءة فيفسد
قلنا ليس من ضرورة الحكم بالإتحاد في حق حكم بطلان العدد في حق حكم آخر فقلنا بالعدد في حكم هو جواز الصلاة وبالاتحاد فيما قلنا
وقد أفاد تعليل محمد أن التكرار فيما إذا كررها في النفل أو الوتر مطلقا وفي الفرض في الركعة الثانية أما لو كررها بعد أداء فرض القراءة ينبغي أن تكفيه واحدة لأن المانع من التداخل منتف حينئذ
____________________
(2/24)
مع وجود المقتضى قوله وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصح وفي الدياسة كذلك في النهاية هذا اللفظ يدل على أن اختلاف المشايخ في الأخيرين لا في التسدية لكن ذكر الاختلاف فيه أيضا قال التمرتاشي واختلف في تسدية الثوب والدياسة والذي يدور حول الرحى والذي يسبح في الماء والذي تلا في غصن ثم انتقل إلى آخر والأصح الإيجاب لتبدل المجلس ولذا يعتبر مختلفا في الغصنين في الحل والحرم حتى أن الحلال لو رمى صيدا على غصن شجرة أصلها في الحل والغصن في الحرم يجب الجزاء
واعلم أن تكرر الوجوب في التسدية بناء على المعتاد في بلادهم من أنها أن يغرس الحائك خشبات يسوى فيها السدى ذاهبا وجائيا أما على ما هي ببلاد الاسكندرية وغيرها بأن يديره على دائرة عظمى وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر الوجوب قوله ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع اتفاقا وكذا إذا تبدل مجلس التالي دون السامع يتكرر الوجوب على السامع أيضا والأصح أنه لا يتكرر عليه لما قلنا أن السبب في السماع السماع ولم يتبدل مجلسه فيه وظاهر الكافي ترجيح لأأنه يتكرر قال الأصل أن التلاوة سبب بالإجماع لأن السجدة تضاف إليها وتتكرر بتكررها وفي السماع خلاف قيل إنه سبب لما روينا يعني قوله صلى الله عليه وسلم السجدة على من سمعها إلى آخره والصحيح السبب في حق السامع التلاوة والسماع شرط عمل التلاوة في حقه ففي المسئلة الأولى يتكرر إجماعا أما على قول البعض فلأن السبب السماع ومجلس السماع متعدد وأما على قول الجمهور فلأن اتحاد المجلس أبطل العدد في حق التالي فلم يظهر ذلك في حق غيره وفي المسئلة الثانية يتكرر لأن الحكم يضاف إلى السبب لا الشرط وقيل لا يتكرر لأن السبب في حقه السماع قوله اعتبارا يسجدة الصلاة
____________________
(2/25)
يشير إلى أن التكبيرتين مندوبتان لا واجبتان فلا يرفع يديه فيهما لأنه للتحريم ولا تحرم وإن اشترط لها ما يشترط للصلاة مما سوى ذلك ويقول في السجدة ما يقول في سجدة الصلاة على الأصح واستحب بعضهم أن يقول سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا لأنه تعالى أخبر عن أوليائه بذلك قال تعالى { يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } وينبغي أن لا يكون ما صحح على عمومه فإن كانت السجدة في الصلاة فيقول فيها ما يقال فيها فإن كانت فريضة قال سبحان ربي الأعلى أو نفلا قال ما شاء مما ورد كسجد وجهي للذي خلقه إلى آخره وقوله اللهم اكتب لي عندك بها أجرا وضع عني بها وزرا واجعلهما لي عندك وخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك
وعن أبي حنيفة لا يكبر عند الانحطاط وعنه يكبر عنده لا في الانتهاء
وقيل يكبر في الإبتداء بلا خلاف وفي الإنتهاء على قول محمد نعم وعلى قول أبي يوسف لا والظاهر الأول للإعتبار المذكور ويستحب أن يقوم فيسجد روى ذلك عن عائشة ولأن الحرور الذي مدح به أولئك فيه قوله قال أي محمد إلى آخره قوله دفعا لو هم التفضيل أي تفضيل أي السجدة على غيرها والكل من حيث أنه كلام الله تعالى في رتبة وإن كان لبعضها بسبب اشتماله على ذكر صفات الحق جل جلاله زيادة فضيلة باعتبار المذكور لا باعتبار من حيث هو قرآن
وفي الكافي قيل من قرأ أي السجدة كلها في مجلس واحد وسجد لكل منها كفاه الله ما أهمه
وما ذكر في البدائع في كراهة ترك آية من السجدة سورة يقرؤها لأن فيه قطعا لنظم القرآن وتغييرا لتأليفه واتباع النظم والتأليف مأمور به قال الله تعالى { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } أي تأليفه فكان التغيير مكروها يقتضي كراهة ذلك
وفيه أيضا لو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك والمستحب أن يقرأ معها آيات ليكون أدل على مراد الآية وليحصل بحق القراءة لا بحق إيجاب السجدة إذ القراءة للسجود ليست بمستحبة فيقرأ معها آيات ليكون قصده إلى التلاوة لا إلى إيجاب السجود اه قوله شفقة على السامعين وقيل إن وقع في قلبه عدم الاشفاق عليهم جهر حثا لهم على الطاعة
____________________
(2/26)
فروع إذا تلا على المنبر سجد ويسجدون معه لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه تلا على المنبر فنزل وسجد الناس معه وقدمنا أن السنة في أدائها أن يتقدم التالي ويصف السامعون خلفه وليس هذا اقتداء حقيقة بل صورة ولذا يستحب أن لا يسبقوه بالوضع ولا بالرفع فلو كان حقيقة ائتمام لوجب ذلك وصرح بإنه لو فسدت سجدة التالي بسبب من الأسباب لا يتعدى إلى الباقين إذا تلا راكبا أو مريضا لا يقدر على السجود أجزأه الإيماء وتقدم بعضه ولو نزل الراكب فسجد كان أولى بالجواز فلو نزل فلم يسجد ثم ركب فأومأ لها جاز إلا على قول زفر هو يقول لما نزل وجب أداؤها على الأرض فصار كما لو تلاها على الأرض قلنا لو أداها قبل نزوله جاز فكذا بعد ما نزل وركب لأنه يؤديها بالإيماء في الوجهين وقد وجبت بهذه الصفة
ويشترط للسجدة ما يشترط للصلاة سوى التحريمة من النية والاستقبال والستر ويجزى إلى جهة التحري عند الاشتباه وإذا تلا في وقت غير مكروه لا يجزيه السجود في مكروه أو في مكروه فلم يسجد حتى جاء وقت آخر مكروه فسجد لها فيه قيل يجوز وقيل لا يجوز وقدمناها في فصل الأوقات المكروهة ويفسدها ما يفسد الصلاة من الحدث العمد والكلام والقهقهة وعليه إعادتها
وقيل هذا على قول محمد لأن العبرة عنده لتمام الركن وهو الرفع ولم يحصل بعد فأما عند أبي يوسف فقد حصل الوضع قبل هذه العوارض وبه يتم فينبغي أن لا تفسد وهو حسن ولا وضوء عليه بالقهقهة اتفاقا لما قدمناه في الطهارة & باب صلاة المسافر &
السفر عارض مكتسب كالتلاوة إلا أن التلاوة عارض هو عبادة في نفسه إلا بعارض بخلاف السفر فلذا أخر هذا الباب عن ذاك والسفر لغة قطع المسافة وليس كل قطع يتغير به الأحكام من جواز الإفطار وقصر الرباعية ومسح ثلاثة
____________________
(2/27)
أيام ولياليها على الحف فبين ذلك السفر الذي يتعلق به تغير هذه الأحكام وأخذ فيه مع المقدارالذي ذكره القصد فأفاد أنه لو طاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص وعلى هذا قالوا أمير خرج مع جيشه في طلب العدو ولم يعلم أين يدركهم فإنهم يصلون صلاة الإقامة في الذهاب وإن طالت المدة وكذا المكث في ذلك الموضع أما في الرجوع فإن كان مدة سفر قصروا ولو أسلم حربي فعلم به أهل داره فهرب منهم يريد ثلاثة أيام لم يصر مسافرا وإن لم يعلموا به أو علموا ولم يخشهم على نفسه فهو على إقامته وعلى اعتبار القصد تفرع في صبي ونصراني خرجا قاصدين مسيرة ثلاثة أيام ففي أثنائها بلغ الصبي وأسلم الكافر يقصر الذي أسلم فيما بقي ويتم الذي بلغ لعدم صحة القصد والنية من الصبي حين أنشأ السفر بخلاف النصراني والباقي بعد صحة النية أقل من ثلاثة أيام قوله عم أي الرسول صلى الله عليه وسلم بالرخصة وهي مسح ثلاثة أيام الجنس أي جنس المسافرين لأن اللام في المسافر للاستغراق لعدم المعهود المعين
ومن ضرورة عموم الرخصة الجنس حتى أنه يتمكن كل مسافر من مسح ثلاثة أيام عموم التقدير بثلاثة أيام لكل مسافر
فالحاصل أن كل مسافر يمسح ثلاثة أيام فلو كان السفر الشرعي أقل من ذلك لثبت مسافر لا يمكنه مسح ثلاثة أيام وقد كان كل مسافر يمكنه ذلك ولأن الرخصة كانت
____________________
(2/28)
منتفية بيقين فلا تثبت إلا بتيقن ما هو سفر في الشرع وهو فيما عيناه إذ لم يقل أحد بأكثر منه لكن قد يقال المراد يمسح المسافر ثلاثة أيام إذا كان سفره يستوعبها فصاعدا
لا يقال إنه احتمال يخالفه الظاهر فلا يصار عليه
لأنا نقول قد صاروا إليه على ما ذكروا من أن المسافر إذا بكر في اليوم الأول ومشى إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل بها للاستراحة وبات فيها ثم بكر في اليوم الثاني ومشى إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في الثالث ومشى إلى الزوال فبلغ المقصد قال السرخسي الصحيح أنه يصير مسافرا عند النية وعلى هذا خرج الحديث إلى غير الاحتمال المذكور وإن قالوا بقية كل يوم ملحقة بالمنقضى منه للعلم بأنه لا بد من تخلل الاستراحات لتعذر مواصلة السير لا تخرج بذلك من أن مسافرا مسح أقل من ثلاثة أيام فإن عصر اليوم الثالث في هذه الصورة لا يمسح فيه فليس تمام اليوم الثالث ملحقا بأوله شرعا حيث لم تثبت فيه رخصة السفر ولا هو سفر حقيقة فظهر أنه إنما يمسح ثلاثة أيام شرعا إذا كان سفره ثلاثة وهو عين الاحتمال المذكور من أن بعض المسافرين لا يمسحها وآل إلى قول أبي يوسف ولا مخلص إلا يمنع صحة هذا القول واختيار مقابله إن صححه شمس الأئمة وعلى هذا
____________________
(2/29)
نقول لا يقصر هذا المسافر وأنا لا أقول باختيار مقابله بل إنه لا مخلص من الذي أوردناه إلا به وأورد أن لزوم ثلاثة أيام في السفر هو على تقديرها ظرفا ليمسح ولم لا يجوز كونها ظرفا لمسافر والمعنى المسافر ثلاثة أيام يمسح وإنه لا ينفي تحقق مسافر في أقل من ثلاثة فيقصر مسافر أقل من ثلاثة لأن مناط رخصة القصر السفر ولم يتحقق بعد نقل فيه ولا إجراء حكم الرخصة وبدل على القصر لمسافر أقل من ثلاثة حديث ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم قال يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان فإنه يفيد القصر في الأربعة برد وهي تقطع في أقل من ثلاثة أيام وأجيب بضعف الحديث لضعف رواية عبد الوهاب بن مجاهد فبقي قصر الأقل بلا دليل ولو سلم فهو استدلال بالمفهوم أيضا لأن القصر في أربعة برد أو أكثر إذا كان قطعها في أقل من ثلاثة إنما ثبت بمفهوم لا تقصروا في أقل من أربعة برد
فإن قيل لازم جعله ظرفا لمسافر كما هو جواز مسح الأقل كذلك هو يقتضي جواز مسح المسافر دائما ما دام مسافرا فإن تم ما ذكر جوابا عن ذلك اللازم بقي هذا محتاجا إلى الجواب
فالجواب أن بقية الحديث لما كان أن المقيم يمسح يوما وليلة بطل كونها ظرفا للمسافر وإلا لزم اتحاد حكم السفر والإقامة في بعض الصور وهي صورة مسافر يوم وليلة لأنه إنما يمسح يوما وليلة وهو معلوم البطلان للعلم بفرق الشرع بين المسافر والمقيم ويؤيد كونه ظرفا ليمسح أن السوق ليس إلا لبيان كمية مسح المسافر لا لإطلاقه وعلى تقدير كون الظرف لمسافر يكون يمسح مطلقا وليس بمقصود قوله والسير المذكور الخ إشارة إلى سير الإبل ومشي الأقدام فيدخل سير البقر بجر العجلة ونحوه قوله هو الصحيح احتراز عما قيل يقدر بها فقيل بأحد وعشرين فرسخا وقيل بثمانية عشر وقيل بخمسة عشر وكل من قدر بقدر منها اعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام وإنما كان الصحيح أن لا يقدر بها لأنه لو كان الطريق وعرا بحيث يقطع في ثلاثة أيام أقل من خمسة عشر فرسخا قصر بالنص
وعلى التقدير بأحد هذه التقديرات لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة وعلى اعتبار سير الثلاثة بمشي الأقدام لو سارها مستعجل كالبريد في يوم قصر فيه وأفطر لتحقق سبب الرخصة وهو قطع مسافة ثلاثة بسير الإبل ومشي الأقدام كذا ذكر في غير موضع وهو أيضا مما يقوى الإشكال الذي قلناه ولا مخلص إلا أن يمنع قصر مسافر يوم واحد وإن قطع فيه مسيرة أيام وإلا لزم القصر لو قطعها في ساعة صغيرة كقدر درجة كما لو كان صاحب كرامة الطي لأنه يصدق عليه أن قطع مسافة ثلاثة بسير الإبل وهو بعيد الانتفاء مظنة المشقة وهي العلة أعنى التقدير بسير ثلاثة أيام أو أكثرها لأنها
____________________
(2/30)
المجعولة مظنة للحكم بالنص المقتضى أن كل مسافر يتمكن من مسح ثلاثة أيام غير أن الأكثر يقام مقام الكل عند أبي يوسف وعليه ذلك الفرع وهو ما إذا وصل عند الزوال من اليوم الثالث إلى المقصد فلو صح تفريعهم جواز الترخص مع سير يوم واحد إذا قطع فيه قدر ثلاثة بسير الإبل بطل الدليل ولا دليل غيره في تقديرهم أدنى مدة السفر فيبطل أصل الحكم أعنى تقديرهم أدنى السفر الذي يترخص فيه بثلاثة والله تعالى أعلم قوله فيما يليق بحاله وهو أن تكون مسافة ثلاثة فيه إذا كانت الرياح معتدلة وإت كانت تلك المسافة بحيث تقطع في البر بيوم كما في الجبل يعتبر كونه من طريق الجبل بالسير الوسط ثلاثة أيام ولو كانت تقطع من طريق السهل بيوم فالحاصل أن تعتبر المدة في أي طريق أخذ فيه قوله وهذا آية النافلة يعني ليس معنى كون الفعل فرضا إلا كونه مطلوبا البتة قطعا أو ظنا على الخلاف الاصطلاحي فإثبات التخيير بين أدائه وتركه رخصة في بعض الأوقات
____________________
(2/31)
ليس حقيقته إلا نفي افتراضه في ذلك الوقت للمنافاة بينه وبين مفهوم الفرض فيلزم بالضرورة أن ثبوت الترخيص مع قيام الافتراض لا يتصور إلإ في التأخير ونحوه من عدم إلزام بعض الكيفيات التي عهدت لازمه في الفرض وهذا المعنى قطعي في الإسقاط فيلزم كون الفرض ما بقي بخلاف الفقير إذا حج حيث يقع عن الفرض إن لم ينو النفل مع أنه لا يأثم بتركه لأنه افترض عليه حين صار داخل المواقيت
وأما وقوع الزائد على القراءة المسنونة فرضا لا نفلا مع أنه لا يأثم بتركها فجوابه ما سلف في فصل القراءة من أن الواجب أحد الأمرين فارجع إليه هذا وفيه حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر وفي لفظ قالت فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين أتمها في الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى زاد في لفظ قال الزهري قلت لعروة فما بال عائشة تتم في السفر قال إنها تأولت كما تأول عثمان
وفي لفظ للبخاري قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا فتركت صلاة السفر على الأول ذكره في باب من أين أرخوا التاريخ
وهذه الرواية ترد قول من قال إن زيادة صلاة الحضر كانت قبل الهجرة وهذا وإن كان موقوفا فيجب حمله على السماع لأن أعداد الركعات لا يتكلم فيها بالرأي وكون عائشة تتم لا ينافي ما قلنا إذ الكلام في أن الفرض كم هو لا في جواز إتمام أربع فإنا نقول إذا أتم كانت الأخريان نافلة لكن فيه أن المسنون في النفل عدم بنائه على تحريمة الفرض فلم تكن عائشة رضي الله عنها تواظب على خلاف السنة في السفر فالظاهر أن وصلها بناء على اعتقاد وقوع الكل فرضا فليحمل على أنه حدث لها تردد أو ظن في أن جعلها ركعتين للمسافر مقيد بحرجه بالإتمام يددل عليه ما أخرجه البيهقي أو الدارقطني بسند صحيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت با ابن أختي إنه لا يشق علي وهذا والله أعلم هو المراد من قول عروة إنها تأولت أي تأولت أن الإسقاط مع الحرج لا أن الرخصة في التخيير بين الأداء والترك مع بقاء الافتراض في المخير في أدائه لأنه غير معقول
هذا ما في كتب الحديث وأما المذكور في بعض كتب الفقه من أنها كانت لا تعد نفسها مسافرة بل حيث حلت كانت مقيمة ونقل قولها أنا أم المؤمنين فحيث حللت فهو داري لما سئلت عن ذلك فعيد ويقتضي أن لا يتحقق لها سفر أبدا في دار الإسلام ولذا كان المروي عن
____________________
(2/32)
رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة على القصر في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفرفلم يزد على ركعتين حتى قبضة الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضة الله وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضة الله وقد قال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } انتهى
وهومعارض للمروي من أن عثمان كان يتم والتوفيق إن إتمامه المروي كان حين قام بمنى أيام منى ولا شك أن حكم السفر منسحب على إقامه أيام منى فساغ إطلاق أنه أتم السفر ثم كان ذلك منه بعد مضى الصدر من خلافته لأنه تأهل بمكة على ما رواه أحمد أنه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه فقال أيها الناس إني تأهلت بمكة منذ قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم مع أن في الباب ما هو مرفوع ففي مسلم عن ابن عباس فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وهذا رفع ورواه الطبراني بلفظ افترض رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في السفر كما افترض في الحضر أربعا وأخرج النسائي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر رضي الله عنه قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ورواه ابن حبان في صحيحه وإعلاله بأن عبد الرحمن لم يسمع من عمر مدفوع بثبوت ذلك حكم به مسلم في مقدمة كتابه ولو لم يكن شيء من ذلك كان فيما حققناه من المعنى المقيد لنفلية الركعتين كفاية
واعلم أن من الشارحين من يحكي خلافا بين المشايخ في أن القصر عندنا عزيمة أو رخصة وينقل اختلاف عبارتهم في ذلك وهو غلط لأن من قال رخصة عني رخصة الإسقاط وهو العزيمة وتسميتها رخصة مجازوهذا بحيث لا يخفى على أحد قوله وإذا فارق بيان لمبدأ القصر ويدخل في بيوت المصر ربضه وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قصر العصر بذي الحليفة وروى ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أنه خرج من البصرة فصلى الظهرأربعا ثم قال إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين
فإن قيل عند المفارقة يتحقق مبدأ الفناء إذ هو مقدر بلغوة في المختار
وقيل بأكثر مما سنذكره في باب الجمعة والفناء ملحق بالمصر شرعا حتى جازت الجمعة والعيدان فيه ومقتضاه أن لا يقصر بمجرد المفارقة للبيوت بل إذا جاوز الفناء
أجيب بأنه إنما ألحق به فيما هو من حوائج أهله المقيمين فيه لا مطلقا وأما على قول من منع الجمعة فيه إذا كان منقطعا عن العمران فلا يرد الإشكال
وفي فتاوى قاضيخان فصل في الفناء فقال إن
____________________
(2/33)
كان بينه وبين المصر أقل من قدر غلوة ولم يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء أيضا وإن كان بينهما مزرعة أو كانت المسافة بينه وبين المصر قدر غلوة يعتبر مجاوزة عمران المصر هذا وإنما كانت قرية أو قرى متصلة بربض المصر لا يقصر حتى يجاوزها
وفي الفتاوي أيضا إن كان في الجانب الذي خرج منه محلة منفصلة عن المصر وفي القديم كانت متصلة بالمصر لا يقصر حتى يجاوز تلك المحلة
والحاصل أنه قد صدق مفارقة بيوت المصر مع عدم جواز القصر ففي عبارة الكتاب إرسال غير واقع ولو ادعينا أن بيوت تلك القرى داخلة في مسمى بيوت المصر اندفع هذا لكنه تعسف ظاهر ثم المعتبر مجاوزة بيوت الجانب الذي خرج منه فلو جاوزها وتحاذيه بيوت من جانب آخر جاز القصر قوله ولا يزال على حكم السفر حتى ينوى الخ ظاهر أن المراد حتى يدخل قرية أو بلدا فينوي ذلك وإلا فنية الإقامة بالقرية والبلد متحققة حال سفره إليها قبل دخولها لكن تركه لظهوره ولاستفادته من تعليل ما قبله بقوله لأن الإقامة تتعلق بدخولها وفيه أثر على
قال البخاري تعليقا وخرج علي رضي الله عنه فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد أنه صلى ركعتين والكوفة بمرأى منهم فقيل له الخ وقد أسنده عبد الرزاق فصرح به قال أخبرنا الثوري عن وفاء بن إياس الأسدي قال خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة فصلى ركعتين ثم رجعنا فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية فقلنا له ألا تصلي أربعا قال لا حتى ندخلها ثم بقاء حكم السفر من حين المفارقة ناويا للسفر إلى غاية نية الإقامة في بلد خمسة عشر يوما مقيد بأن يكون بعد استكمال مدة السفر وبأن لا يكون من دار الحرب وهو من العسكر قبل الفتح
وأيضا اشتراط النية مطلقا في ثبوت الإقامة ليس واقعا فإنه لو دخل مصره صار مقيما بمجرد دخوله بلا نية
والأحسن في الضابط لا يزال مسافرا حتى يعزم على الرجوع إلى بلده قبل استكمال مدة السفر ولو في المفازة أو يدخلها بعد الاستكمال أو يدخل غيرها فينوي الإقامة بها وحدها خمسة عشر يوما فصاعدا وليست من دار الحرب وهو من العسكر الداخلين والمفاهيم المخالفة للقيود كلها مذكورة في الكتاب مسائل مستقلة غير أنه لم يذكر فيه مسئلة العزم على الرجوع وهي أنه إذا ثبت حكم السفر بالمفارقة ناويا للسفر ثم بدا له أن يرجع لحاجة أو لا فرجع صار مقيما في المفازة حتى أنه يصلي أربعا وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان وإن كان بينه وبين بلده يومان لأنه انتفض السفر بنية الإقامة لاحتماله النقض إذ لم يستحكم إذ لم يتم علة وكانت الإقامة نقضا للعارض لا ابتداء علة الإتمام
ولو قيل العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام
____________________
(2/34)
لااستكمال سفر ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك فقد تمت العلة لحكم السفر فيثبت حكمه ما لم يثبت علة حكم الإقامة احتاج إلى الجواب قوله لأن السفر بجامعه اللبث يعني حقيقة اللبث مع قيام حقيقة السفر يوجد في كل مرحلة فلا يمكن اعتبارمطلقه قوله وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر أخرجه الطحاوي عنهما قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصرها
وروى ابن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم
وقال محمد في كتاب الآثار حدثنا أبو حنيفة حدثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يوما فأتمم الصلاة وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصر قوله والأثر في مثله كالخبر وهو الظاهر احتراز عما سيذكره من الرواية عن أبي يوسف لأنه لا مدخل للرأي في المقدرات الشرعية وقد ينافيه قوله فقدرناها بمدة الظهر لأنهما مدتان موجبتان فهذا قياس أصله مدة الظهر والعلة كونها موجبة ما كان ساقطا وهي ثابتة في مدة الإقامة وهي الفرع فاعتبرت كميتها بها وهو الحكم وإصلاحه بأنه بعد ثبوت التقدير بالخبر وجدناه على وفق صورة قياس ظاهر فرجحنا به المروي عن ابن عمر على المروي عن عثمان أنها أربعة أيام كما هو مذهب الشافعي
وقد أخرج
____________________
(2/35)
الستة عن أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قبل كم أقمتم بمكة قال أقمنا بها عشرا ولا يمكن حمله على أنهم عزموا قبل أربعة أيام غير أنهم اتفق لهم أنهم استمروا إلى عشر لأن الحديث إنما هو في حجة الوداع فتعين أنهم نووا الإقامة حتى يقضوا النسك نعم كان يستقيم هذا لو كان في قصة الفتح لكن الكائن فيها أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسع عشرة يقصر الصلاة
رواه البخاري من حديث ابن عباس وحديث أنس في حجة الوداع قاله المنذري فإنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة وهو يوم الأحد وبات بالمحصب ليلة الأربعاء وفي مثل تلك الليلة اعتمرت عائشة من التنعيم ثم طاف صلى الله عليه وسلم طواف الوداع سحرا قبل الصبح من يوم الأربعاء وخرج صبيحته وهو اليوم الرابع عشر فتمت له عشر ليال
ولو قيل تلك واقعة حال فيجوز كون الإقامة فيها كانت منوية منه صلى الله عليه وسلم في مكة ومنى فلا يصير له بذلك حكم الإقامة على رأيكم
قلنا معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج من مكة إلى صبيحة يوم التروية فيكون عزمه على الإقامة بمكة إلى حينئذ وذلك أربعة أيام كوامل فينتفي به قولكم إن أربعة أقل مدة الإقامة قوله لأن ابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان بالذال الساكنة المعجمة بعد همزة والباء مكسورة بعدها الياء المثناة من تحت قرية روى عبد الرزاق بسنده أن ابن عمر أقام بأذريبجان ستة أشهر يقصر الصلاة
وروى البيهقي في المعرفة بإسناد صحيح أن ابن عمر قال ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة فكنا نصلي ركعتين وقيد أنه كان مع غيره من الصحابة يفعلون ذلك
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنين فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين وأخرج عن أنس بن مالك أنه كان مع عبد الملك بن مروان بالشام شهرين يصلي ركعتين ركعتين قوله لم تكن دار إقامته ومجرد نية الإقامة لا تتم علة في ثبوت حكم الإقامة كما في المفازة فكانت البلد من دار
____________________
(2/36)
الحرب قبل الفتح في حق أهل العسكر كالمفازة من جهة أنها ليست بموضع إقامة قبل الفتح لأنهم بين أن يهزموا فيقروا أو يهزموا فيفروا فحالتهم هذه مبطلة عزيمتهم لأنهم مع تلك العزيمة موطنون على أنهم إن هزموا قبل تمام الخمسة عشر وهو أمر مجوز لم يقيموا وهذا معنى قيام التردد في الإقامة قلم تقطع النية عليها ولا بد في تحقيق حقيقة النية من قطع القصد وإن كانت الشوكة لهم لأن احتمال وصول المدد للعدو ووجود مكيدة من القليل يهزم بها الكثير قائم وذلك يمنع قطع القصد وبهذا يضعف تعليل أبي يوسف الصحة إذا كانوا في بيوت المدر لا إن كانوا في الأخبية لأن مجرد بيوت المدر ليس علة ثبوت الإقامة بل مع النية ولم تقطع وعلى هذا قالوا فيمن دخل مصرا لقضاء حاجة معينة ليس غير ونوى الإقامة خمسة عشر يوما لا يتم وفي أسير انفلت منهم ووطن على إقامة خمسة عشر في غار ونحوه لم يصر مقيما قوله فلا يبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى يعني هم لا يقصدون سفر بل الانتقال من مرعى إلى مرعى وهذا لأن عادتهم المقام في المفاوز فكانت في حقهم كالقرى في حق أهل القرى وعن أبي يوسف أن الرعاء إذا كانوا في ترحال في المفاوز من مساقط إلى مساقط الغيث ومعهم رحالهم وأثقالهم كانوا مسافرين حيث نزلوامرعى كثير الكلأ والماء واتخذوا المخابز والمعالف والأواري والخيام وعزموا على إقامة خمسة عشر يوما والماء والكلأ يكفيهم فإني أستحسن أن أجعلهم مقيمين ولا بد من تقييد سفرهم
____________________
(2/37)
بذلك بأن يقصدوا في الابتداء موضعا مسيرة ثلاثة أيام حتى ينتقض به حكم الإقامة التي كانت لهم بعد ذلك يجيء هذا التفصيل ذكره في البدائع
أما من ليس من أهل البادية بل هو مسافر فلا يصير مقيما بنية الإقامة في مرعى أو جزيرة قوله لاتصال المغير وهو الاقتداء بالسبب وهو الوقت وفرض المسافر قابل للتغيير حال قيام الوقت فإنه لو نوى الإقامة فيه تغير إلى أربع فبعد قبوله للتغيير توقف تحقق التغير على مجرد سبب وقد وجد وهو الاقتداء
فإن قيل انعقاد الاقتداء سببا للتغير موقوف على صحة اقتداء المسافر بالمقيم وصحته موقوفة على تغير فرضه إذ ما لم يتغير لزم أحد الأمرين من اقتداء المفترض بالمنتفل في حق القعدة أو القراءة فقد توقف التغير على الاقتداء وصحته على التغير وهو دور
فالجواب أنه دور معية لا دور ترتب بأن تثبت صحة الاقتداء والتغير معا إلا أنه في الملاحظة يكون ثبوت التغير لتصحيح الإقتداء لأنه مطلوب شرعا ما لم يمنع منه مانع ولا مانع إلا عدم التغير وهو ليس بلازم لفرض ثبوت التغير با يصلح سببا له فليكن طلب الشرع تصحيح الإقتداء سببا له أيضا فيثبت عند الاقتداء فتثبت الصحة معه بخلاف ما إذا خرج الوقت لأنه حينئذ لا يقبلها لتقرره في الذمة ركعتين فيصير كالصبح فلا يمكن فلا يصح وهذا إذا خرج الوقت قبل الاقتداء أما إذا اقتدى به في الوقت ثم خرج قبل الفراغ فلا يفسد ولا يبطل اقتداؤه لأنه حين اقتدى صار فرضه أربعا للتبعية كالمقيم وصلاة المقيم لا تصير ركعتين بخروج الوقت وكذا لو نام خلف الإمام حتى خرج الوقت فانتبه بطريق أولى أعني يتم أربعا وإذا كان تغيره ضرورة الاقتداء فلو أفسد صلى ركعتين لزواله بخلاف ما لو اقتدى بالمقيم في فرضه ينوي النفل حيث يصلي أربعا إذا أفسد لأنه التزم أداء صلاة الإمام وهنا لم يقصد سوى إسقاط فرضه غير أنه تغير ضرورة المتابعة بخلاف ما لو اقتدى المقيم بالمسافر فأحدث الإمام فاستخلف المقيم لا يتغير فرضه إلى الأربع مع أنه صار مقتديا بالخليفة المقيم لأنه لما كان المؤتم خليفة عن المسافر كان المسافر كأنه الإمام فيأخذ الخليفة صفة الأول حتى لو لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاة الكل من المسافرين والمقيمين ولو أم مسافر مسافرين ومقيمين فقبل أن يسلم بعد التشهد على رأس الركعتين تكلم واحد من المسافرين أوقام فذهب ثم نوى الإمام الإقامة فإنه يتحول فرضه وفرض المسافرين الذين لم يتكلموا أربعا لو جود المغير في محله وصلاة من تكلم تامة لأنه تكلم في وقت لو تكلم إمامه لم تفسد فكذا صلاة
____________________
(2/38)
المقتدي إذا كان بمثل حاله ولو تكلم بعد نيته فسدت صلاته لأنه انقلب فرضه أربعا ثم تكلم ولكن يجب عليه صلاة المسافرين ركعتين لأن الأربع للتبعية وقد زالت بفساد الصلاة قوله وإن دخل معه في فائتة أي في فائتة على المأموم المسافر سواء كانت فائتة على الإمام المقيم أو لا بأن صلى المقيم ركعة من الظهر مثلا أو ركعتين ثم خرج الوقت فاقتدى به مسافر في الظهر لأن الظهر فائتة في حق المسافر لا في حق الإمام قوله اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة الأولى إن اقتدى به في الشفع الأول فإنها فرض على المسافر الذي لم يتغير فرضه واجبة على الإمام وإنما أطلق اسم النفل مجازا لاشتراكهما في عدم فساد الصلاة بالترك أو القراءة إن اقتدى به في الشفع الثاني فإن القراءة فيه
____________________
(2/39)
نفل على الإمام وإن فرض أنه لم يقرأ في الأوليين لأن قراءته هذه تلتحق بالأوليين لأن فرض القراءة يجب جعله فيهما فيخلو الثاني عن القراءة بالكلية قوله في الأصح احتراز عما قيل يقرءون لأنهم منفردون ولهذا يجب السجود عليهم إذا سهوا قوله احتياطا فإنه بالنظر إلى الاقتداء تحريمة حين أدركوا أول صلاة الإمام تكره القراءة تحريما وبالنظر إلى عدمه فعلا إذا لم يفتهم مع الإمام ما يقضون وقد أدركوا فرض القراءة تستحب وإذا دار الفعل بين وقوعه مستحبا أو محرما لا يجوز فعله بخلاف المسبوق فإنه أدرك قراءة نافلة ولو فرض أن الإمام لم يكن قرأ في الأوليين فإنها حينئذ تلتحق بهما ويخلو الشفع الثاني كما ذكرنا فلم يدرك قراءة أصلا حكما إذ ذاك فدارت قراءته بين أن تكون مكروهة تحريما أو ركنا تفسد الصلاة بتركه فالاحتياط في حقه القراءة لأن ارتكاب ترك الفرض أشد من ارتكاب المكروه تحريما قوله ويستحب له إذا سلم أن يقول أتموا صلاتكم الخ لاحتمال أن يكون خلفه من لا يعرف حاله ولا يتيسر له الاجتماع بالإمام قبل ذهابه فيحكم حينئذ بفساد صلاة نفسه بناء على
____________________
(2/40)
ظن إقامة الإمام ثم إفساده بسلامة على ركعتين وهذا محمل ما في الفتاوي إذا اقتدى بإمام لا يدري أمسافر هو أو مقيم لا يصح لأن العلم بحال الإمام شرط الأداء بجماعة انتهى
لا أنه شرط في الابتداء لما في المبسوط رجل صلى بالقوم الظهر ركعتين في قربة وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم فصلاتهم فاسدة سواء كانوا مقيمين أم مسافرين لأن الظاهر من حال من في موضع الإقامة أنه مقيم والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه فإن سالوه فأخبرهم أنه مسافر جازت صلاتهم انتهى
وإنما كان قول الإمام ذلك مستحبا لأنه لم يتعين معرفة صحة صلاته لهم فإنه ينبغي أن يتموا ثم يسألوه فتحصل المعرفة
وحديث أتموا صلاتكم رواه أبو داود والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول يا أهل مكة صلوا أربعا فإنا قوم سفر صححه الترمذي هذا ولو قام المقتدي المقيم قبل سلام الإمام فنوى الإمام الإقامة قبل سجوده رفض ذلك وتابع الإمام فإن لم يفعل وسجد فسدت صلاته لأنه ما لم يسجد لم يستحكم خروجه عن صلاة الإمام قبل الإمام
وقد بقي على الإمام ركعتان بواسطة التغير فوجب عليه الاقتداء فيهما فإن انفرد فسدت بخلاف ما لو نوى الإمام بعد ما سجد المقتدي فإنه يتم منفردا فلو رفض وتابع فسدت لاقتدائه حيث وجب الانفراد وقدمنا في باب الحدث في الصلاة مسئلة استخلاف الإمام المسافر مقيما فارجع إليها هناك وأتقنها
وهذه مسائل الزيادات مسافر ومقيم أم أحدهما الآخر فلما شرعا شكا في الإمام استقبلا لأن الصلاة متى فسدت من وجه وجازت من وجوه حكم بفسادها وإمامة المقتدي مفسدة واحتمال كون كل منهما مقتديا قائم فتفسد عليهما
قيل تأويله إذا افترقا عن مكانهما أما قبله فيجعل من عن يمين الآخر مقتديا حملا على السنة وقيل لا لأن قيام المقتدي عن اليمين ليس شرطا ليجعل دليلا ولو لم يشكا حتى أحدث أحدهما فخرج ثم أحدث الآخر فخرج ثم شكا فسدت صلاة من خرج أولا لا الثاني لأن الأول سواء كان إماما أو مقتديا لما خرج أولا صار مقتديا بالمتأخر ثم إذا خرج الثاني خلا موضع المأموم عن الإمام وذلك مفسد بخلاف الثاني فإنه خرج وهو إمام فلا تعلق لصلاته بصلاة غيره ليلزم من فساد صلاة الغير فسادها ويصلي أربعا مسافرا كان أو مقيما ويقرأ في الركعة الثانية ويجلس على رأس الركعتين لأن ذلك فرض على المسافر إن كان إماما وعلى المقيم إن اقتدى بالمسافر وتحولت إمامته إليه واحتمال الاقتداء ثابت وإن لم يعلم الأول خروجا فسدت صلاتهما لأن صلاة المتقدم فاسدة واحتمال التقدم ثابت في كل منهما وكذا إن خرجا معا لفساد صلاة المقتدي منهما لخلو مكان الإمام واحتمال الاقتداء في كل منهما ثابت ولو صليا ركعتين وقعدا ولم يحدثا ثم شكا في الإمام لم تفسد صلاتهما بل يقوم المقيم ويتم أربعا
____________________
(2/41)
ويتابعه المسافر لأن المقيم إن كان إماما كان له أن يصلى أربعا وإن كان مقنديا انتهى اقتداؤه إذا قعد إمامه قدر التشهد ويتابعه المسافر في ذلك لأنه إن كان إماما تمت صلاته فلا تضره المتابعة في الزيادة وإن كان مقيديا انقلب فرضه أربعا واحتمال الاقتداء ثابت حي لو لم يتابعه فسدت لما قلنا ولو لم يشكا حتى أحدث أحدهما فخرج ثم الآخر كذلك ثم شكا بعد ما رجعا من الوضوء فسدت صلاة من خرج أولا دون الثاني لأن الأول لو كان مقيما فإن كان مقتديا بالمسافر لا تفسد صلاته لأنه خرج بعد ما انتهى اقتداؤه وإن كان إماما فسدت صلاته لأنه لما خرج أولا صار مقتديا بالمسافر فإذا خرج المسافر بعده فسدت صلاته فإن كان الأول مسافرا إن كان إماما لم تفسد صلاته لأنه خرج بعد الفراغ عن الأركان فلم يصر مقتديا بالمقيم لانتهاء الاقتداء وإن كان مقتديا تفسد صلاته لخروج الإمام بعده ففسدت صلاة من خرج أولا من وجه وجازت من وجه فيحكم بالفساد والمتأخر لا تفسد صلاته لأنه منفرد عند الخروج ويصلى ركعتين ليصير أربعا لأنه إن كان مقيما لا بد له من ذلك وإن كان مسافرا فبالاقتداء يجب ذلك واحتمال الابتداء ثابت وإن شكا في الذي خرج أولا فسدت صلاتهما لأنه صلاة المتقدم فاسدة واحتمال التقدم في حق كل ثابت وإن خرجا معا فصلاة المقيم تامة لأنه لو كان إماما لم تتحول إمامته إلى المسافر وإن كان مقيديا انتهى حكم الاقتداء فصار منفردا وصلاة المسافر فاسدة لاحتمال أنه كان مقتديا وقد خلا مكان إمامه وإن شكا بعد ما صليا ثلاثا أو أربعا ولم يحدثا القياس أنه تعتبر الأحوال وتفسد صلاة المقيم لاحتمال أنه كان مقتديا بالمسافر في الشفع الثاني
وفي الاستحسان تجوز صلاتهما ويجعل المقيم إماما حملا لأمرهما على الصحة لأن الظاهر من المسلم الجرى على موجب الشرع كما قلنا فيمن أحرم بنسكين ونسيهما القياس أن تلزمه عمرتان وحجتان
وفي الاستحسان تلزمه حجة وعمرة حملا لأمره على المسنون المتعارف وهو القرآن وكذلك مسافر ومقيم أم أحدهما صاحبه في الظهر وتركا القعدة على رأس الركعتين فسلما وسجدا للسهو ثم شكا في الإمام يجعل المقيم أماما وكذا لو تر كالقراءة في الأوليين أو أحداهما فلما سلما وسجدا للسهو شكا يجعل المقيم إماما إذا جعلنا المقيم إماما في مسئلتنا فإن أحدث المقيم أولا وخرج ثم أحدث المسافر وخرج فسدت صلاة المقيم وجازت صلاة المسافر فإن أحدثا معا أو متعاقبا وخرجا معا فسدت صلاة المسافر بخلو مكان الإمام وجازت صلاة المقيم لأنه منفرد وإن
____________________
(2/42)
خرجا على التعاقب ولا يعلم أولهما خروجا فسدت صلاتهما لما قلنا فيما تقدم قوله فانتقل عنه واستوطن غيره قيد بالأمرين فإنه إذا لم ينتقل عنه بل استوطن آخر بأن اتخذ له أهلا في الآخر فإنه يتم في الأول كما يتم في الثاني قوله عد نفسه من المسافرين هو في الحديث المذكور آنفا حيث قال فإنا قوم سفر قوله وهذا لأن الأصل الخ قيل الأوطان ثلاثة وطن أصلي وهو مولد الإنسان أو موضع تأهل به ومن قصده التعيش به لا الارتحال ولو تزوج المسافر في بلد لم ينو الإقامة فيه قيل يصير مقيما وقيل لا
ووطن إقامة وهو ما ينوي الإقامة فيه خمس عشر يوما فصاعدا على نية أن يسافر بعد ذلك
ووطن سكني وهو ما ينوى الإقامة به أقل من خمسة عشر يوما
والمحققون على عدم اعتبار الثالث لأنه يوصف السفر فيه كالمفازة ولذا تركه المصنف
والأصل لا ينتقض إلا بالانتقال عنه واستيطان آخر كما قلنا لا بالسفر ولا بوطن الإقامة
ووطن الإقامة ينتقض بالأصلي ووطن الإقامة والسفر
وتقديم السفر ليس بشرط لثبوت الأصلي بالإجماع وهل هو شرط لثبوت وطن الإقامة عن محمد فيه روايتان في رواية لا يشترط كما هو ظاهر الرواية وفي أخرى إنما يصير الوطن وطن إقامة بشرط أن يتقدمه سفر ويكون بينه وبين ما صا إليه منه مدة سفر حتى لو خرج من مصره لا لقصد السفر فوصل إلى قرية ونوى الإقامة بها خمسة عشر لا تصير تلك القرية وطن إقامة وإن كان بينهما مدة سفر لعدم تقدم السقر وكذا إذا قصد مسيرة سفر وخرج فلما وصل إلى قرية مسيرتها من وطنه دون مدة السفر ثم نوى الإقامة بها خمسة عشر لا يصير مقيما ولا تصير تلك القرية وطن إقامة
والتخريج على الروايتين في شرح الزيادات بغدادي وكوفي خرجا من وطنهما يريدان قصر ابن هبيرة ليقيما به خمسة عشر وبين كوفة وبغداد خمسة مراحل والقصر منتصف ذلك فلما قدماه خرجا منه إلى الكوفة ليقيما بها يوما ثم يرجعا إلى بغداد فإنهما يتمان الصلاة بها إلى الكوفة لأن خروجهما من وطنهما إلى القصر ليس سفرا وكذا من القصر إلى الكوفة فبقيا مقيمين إلى الكوفة فإن خرجا من الكوفة إلى بغداد يقصران الصلاة وإن قصدا المرور على القصر لأنهما قصدا بغداد وليس لهما وطن أما الكوفي فلأن وطنه بالكوفة نقض وطن القصر
وأما البغدادي فعلى رواية الحسن يتم الصلاة وعلى رواية هذا الكتاب يعني الزيادات يقصر
وجه رواية الحسن أن وطن البغدادي بالقصر صحيح لأنه نوى الإقامة في موضعها ولم يوجد
____________________
(2/43)
ما ينقضها وقيام وطنه بالفصر يمنع تحقق السفر
وجه رواية هذا الكتاب أو وطن الإقامة لا يكون إلا بعد تقديم السفر لأن الإقامة من المقيم لغو ولم يوجد تقديم السفر فلم يصح وطنه بالقصر فصار مسافرا إلى بغداد انتهى
ورواية الحسن تبين أن السفر الناقض لوطن الإقامة ما ليس فيه مرور على وطن الإقامة أو ما يكون المرور فيه به بعد سير مدة السفر
ومثاله في ديارنا قاهري خرج إلى بلبيس فنوى الإقامة بها خمسة عشر ثم خرج منها إلى الصالحية فلما دخلها بدا له أن يرجع إلى القاهرة ويمر ببلبيس فعلى رواية اشتراط السفر بوطن الإقامة يقصر إلى القاهرة وعلى الأخرى يتم
ومثال انتقاض وطن الإقامة بمثله يبين ما قلنا أيضا وهو ما ذكروه من خراساني قدم الكوفة ونوى الإقامة بها شهرا ثم خرج منها إلى الحيرة ونوى المقام بها خمسة عشر يوما ثم خرج من الحيرة يريد العودة إلى خراسان ومر بالكوفة فإنه يصلي ركعتين لأن وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وقد انتقض بوطنه بالحيرة لأنه وطن إقامة مثله وكذا وطنه بالحيرة انتقض بالسفر لأنه وطن إقامة فكما خرج من الحيرة على قصد خراسان صار مسافرا ولا وطن له في موضع فيصلي ركعتين حتى يدخل خراسان وإن لم يكن نوى الإقامة بالحيرة خمسة عشر يوما أتم الصلاة بالكوفة لأن وطنه بالكوفة لم يبطل بالخروج إلى الحيرة لأنه ليس بوطن مثله ولا سفر فيبقى وطنه بالكوفة كما كان
ولو أن الخراساني ارتحل من الكوفة يريد مكة فقبل أن يسير ثلاثة أيام ذكر حاجة بالكوفة فعاد فإنه يقصر لأن وطنه بالكوفة بطل بالسفر بخلاف ما لو عزم على العود إلى الوطن الأصلي فإنه إذا لم يكن بين هذا الموضع الذي بلغ إليه ووطنه مسيرة سفر يصير مقيما وإن كان بينهما مدة سفر لا يصير مقيما فيقصر حتى يدخل وطنه لأن العزم في الوجه الأول ترك السفر فنية الإقامة قبل استحكام السفر على ما تقدم
وفي الوجه الثاني ترك السفر إلى جهة وقصده إلى جهة أخرى فبقي مسافرا كما كان
وفي النوادر خرج من مصره مسافرا ثم افتتح الصلاة فسبقه حدث فلم يجد الماء فنوى أن يدخل مصره وهو قريب صار مقيما من ساعته دخل مصره أو لم يدخل لأن قصد الدخول ترك السفر فحصلت النية مقارنة للفعل فصحت فإذا دخله صلى أربعا فإن علم قبل
____________________
(2/44)
أن يدخله أن الماء أمامه فمشى إليه فتوضأ صلى أربعا أيضا لأنه بالنية صار مقيما فبالمشي بعد ذلك في الصلاة أمامه لا يصير مسافرا في حق تلك الصلاة وإن قارنت النية فعل السفر حقيقة لأنه لو جعل مسافرا لفسدت لأن السفر يمنع عنه حرمة الصلاة بخلاف الإقامة لأنها ترك السفر وحرمة الصلاة لا تمنعه عنه فلو تكلم حين علم أن الماء أمامه أو أفسد الصلاة بمفسد ثم وجد الماء فتوضأ إن وجده في مكانه صلى أربعا وإن مشى أمامه حتى وجده صلى ركعتين لأنه صار مسافرا ثانيا بالمشي بنية السفر خارج الصلاة بخلاف المشي في حرمة الصلاة وقد تكرر لنا أن المسافر يصير مقيما بنية الإقامة في حرمة الصلاة حتى يتم أربعا فلنتمم الكلام فيه بذكر ما يستثنى من ذلك وما يتفرع عليه فنقول يصير مقيما بنية الإقامة في الصلاة حتى يتغير فرضه إلى الرباعية إلا إن خرج الوقت وهو فيها فنوى الإقامة لتقرر الفرض ركعتين بخروج الوقت وإلا أن يكون لاحقا فراغ إمامه المسافر ثم نوى الإقامة لأن اللاحق مقتد حكما حتى لا يقرأ ولا يسجد للسهو ففراغ الإمام كأنه فراغه وبه يستحكم الفرض ولم يبق محتملا للتغير في حق الإمام فكذا في حق اللاحق بخلاف المسبوق وإذا عرف هذا فلو نواها بعد ما قعد قدر التشهد ولم يسلم تغير وكذا لو كان قام إلى الثالثة ساهيا قعد أولا فنواها قبل أن يسجد لأنه لم يخرج عن المكتوبة قبل النية إلا أنه يعيد القيام والركوع لأنهما نفل فلا ينوبان عن الفرض فإن لم ينو حتى سجد لا يتغير لأن النية وجدت بعد خروجه منه ولكنه يضيف إليها أخرى ليكون التطوع بركعتين فيما إذا كان قعد وبأربع فيما إذا لم يكن قعد لما عرف في سجود السهو عندهما ولا يضم عند محمد لفساد أصل الصلاة بفساد الفرضية ولو أن مسافرا صلى الظهر ركعتين وترك القراءة فيهما أو في إحداهما وتشهد ثم نواها قبل السلام أو قام إلى الثالثة ثم نواها قبل أن يسجد تحول فرضه أربعا عندهما ويقرأ في الأخريين قضاء عن الأوليين
وعند محمد تفسد صلاته لما مر من فساد الصلاة عنده بترك القراءة في ركعة وكان القياس على قول أبي حنيفة أن تفسد لما سلف له من فسادها بتركها في ركعتين لكنه استحسن هنا فقال ببقاء التحريمة وإن تركت القراءة في الركعتين لأن صلاة المسافر بعرض أن تلحقها مدد نية الإقامة فيقضي القراءة في الباقي فلا يتحقق تقرر المفسد إلا بالخروج عن تلك الصلاة بخلاف فجر المقيم ولا يشكل لو نواها بعد السجود أنها تفسد بالإجماع ولو نواها بعد السلام وعليه سهو تقدم أنه يتغير عند محمد خلافا لهما بناء على أن سلام من عليه السهو يخرجه أولا قوله لأنه أي آخر الوقت هو المعتبر في السببية في حق
____________________
(2/45)
المكلف لأنه أو أن تقرره دينا في ذمته وصفة الدين تعتبر حال تقرره كما في حقوق العباد وأما اعتبار كل الوقت إذا خرج في حقه فليثبت الواجب عليه بصفة الكمال إذ الأصل في أسباب المشروعات أن تطلب العبادات كاملة وإنما تحمل نقصها لعروض تأخيره إلى الجزء الناقص مع توجه طلبها فيه إذا عجز عن أدائها قبله وبخروجه عن غير إدراك لم يتحقق ذلك العارض فكان الأمر على الأصل من اعتبار وقت الوجوب
وقال زفر إذا سافر وقد بقي من الوقت قدر ما يمكنه أن يصلى فيه صلاة السفر يقضي صلاة السفر وإن كان الباقي دونه صلى صلاة المقيم لما علم من أن مذهبه أن السببية لا تنتقل من ذلك الجزء وعندنا تنتقل إلى الذي يسع التحريمة وقد أسلفناه وعلى هذا قالوا فيمن صلى الظهر وهو مقيم أربعا ثم سافر وصلى العصر ركعتين ثم تذكر أنه ترك شيئا في منزله فرجع فتذكر أنه صلى الظهر والعصر بلا طهارة فإنه يصلى الظهر ركعتين والعصر أربعا لأن صلاة الظهر صارت كأنها لم تكن وصارت دينا في الذمة في آخر وقتها وهو مسافر فيه فصارت في ذمته صلاة السفر بخلاف العصر فإنه خرج وقتها وهو مقيم ولا يشكل على هذا المريض إذا فاتته صلاة في مرضه الذي لا يقدر فيه على القيام فإنه يجب أن يقضيها في الصحة قائما لأن الوجوب بقيد القيام غير أنه رخص له أن يفعلها حالة العذر بقدر وسعه إذ ذاك فحيث لم يؤدها حالة العذر زال سبب الرخصة فتعين الأصل ولذلك يفعلها المريض قاعدا إذا فاتت عن زمن
____________________
(2/46)
الصحة أما صلاة المسافر فإنها ليست إلا ركعتين ابتداء ومنشأ الغلط اشتراك لفظ الرخصة قوله فلا تتعلق بما يوجب التغليظ يعني المعصية وهذا لأن قصد قطع الطريق وقتال الإمام العدل والإباق للعبد وعدم المحرم وقيام العدة للمرأة يوجب صيرورة نقل الخطأ معصية فيمنع الرخصة قياسا على قطاع الطريق في منعهم من صلاة الخوف إذا خافوا الإمام وعلى زوال العقل بمحظور في عدم سقوط الخطاب
ولنا إطلاق النصوص أي نصوص الرخصة قال تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وقال عليه الصلاة والسلام يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها وما قدمنا من الأحاديث المفيدة تعليق القصر على مسمى السفر فوجب إعمال إطلاقها إلا بمقيد ولم يوجد أما نص الكتاب فلأنه لو تم القياس الذي عينه لم يصلح مقيدا له عندنا فكيف ولم يتم فلا فلا يصلح مقيدا له ولا لغيره من الأحاديث وذلك لاختلاف الجامع فإن المؤثر في أصله في منع الرخصة عدم سببها وذلك أن سبب الرخصة لا بد أن يكون مباحا وهو في صلاة الخوف الخوف وهو في قطاع الطريق سبب عن نفس المعصية أعني قطع الطريق وسبب السبب سبب فلو ثبتت الرخصة أعنى جواز صلاة الخوف لهم كانت المعصية نفسها هي الموجبة للتخفيف وكذا زوال العقل هو السبب وهو مسبب عن المعصية نفسها أعنى شرب المسكر إلى آخر ما قررناه بخلاف ما نحن فيه فإن السبب السفر وليس هو مستند إلى قطع الطريق فإن الذي صيره مسافرا ليس قطع الطريق بل الشروع في السير المخصوص لا باعتبار الطريق أصلا فعرا السبب في نفسه عن المعصية وكانت هي مجاورة له وذلك غير مانع من اعتبار ما جاوره شرعا كالصلاة في المغصوبة والمسح على خف مغصوب والبيع وقت النداء وكثير من النظائر وهذا بناء على أن المراد بالسبب الفاعل لا الغائي
فروع التبع كالعبد والغلام والجندي والمرأة إذا وافاها مهرها وألاجير والتلميذ والأسير والمكره تعتبر نية الإقامة والسفر من متبوعهم دونهم فيصيرون مقيمين ومسافرين بنيتهم ولو نوى المتبوع الإقامة ولا يعلمون اختلفوا في وقت لزومهم حكم الإقامة فقيل من وقت نية المتبوعين وقيل من وقت علمهم كما في توجه خطاب الشرع وعزل الوكيل والأحوط الأول فيكون كالعزل الحكمي فيقضون ما صلوا قصرا قبل علمهم وفي العبد المشترك بين مسافر ومقيم قيل يتم وقيل يقصر وقيل إن كان بينهما مهايأة في الخدمة قصر في نوبة المسافر وأتم في نوبة المقيم ويتفرع على اعتبار النية من المتبوع أن العبد لو أم سيده في السفر فنوى السيد الإقامة صحت حتى لو سلم العبد على رأس الركعتين فسدت صلاتهما وكذا لو باعه من مقيم حال سفره والعبد في الصلاة فسلم على رأس الركعتين فسدت ولو كان العبد أم مع السيد غيره من المسافرين ين فنوى السيد الإقامة صحت نيته في حق
____________________
(2/47)
عبده لا في حق القوم في قول محمد فيقدم العبد على رأس الركعتين واحد من المسافرين ليسلم بهم ثم يقوم هو والسيد فيتم كل منهما أربعا وهو نظير ما إذا صلى مسافر بمقيمين ومسافرين فأحدث فقدم مقيم لا ينقلب فرض القوم أربعا وهي المسئلة التي ذكرناها في باب الحدث في الصلاة ثم بما ذا يعلم العبد قيل ينصب المولى أصبعيه أولا ويشير بأصبعه ثم ينصب الأربع ويشير بها
وفي حكم الأسير من بعث إليه الموالي ليؤتي به من بلدة والغريم إذا لزمه غريمه أو حبسه إن كان قادرا على أداء ما عليه ومن قصده أن يقضى دينه قبل خمسة عشر يوما فالنية في السفر والإقامة نيته وإلا فنية الحابس ولو أسلم كافر أو بلغ صبي مسافر اختلف فيهما فالشيخ أبو بكر بن الفضل على أنه إن كان بينهما وبين المقصد أقل من ثلاثة أيام كانا مقيمين وقيل يصليان ركعتين وقيل الصبي إذا بلغ يصلي أربعا والكافر إذا أسلم يصلي ركعتين بناء على أن نية الكافر معتبرة ولا يجمع عندنا في سفر بمعنى أن يصلي العصر مع الظهر في وقت إحداهما والمغرب مع العشاء كذلك خلافا للشافعي بل بأن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها فينزل فيصليها في آخره ويفتتح الآتية في أول وقتها وهذا جمع فعلا لاوقتا
لنا ما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها إلا يجمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها يعني غلس بها فكان قبل وقتها المعتاد فعلها فيه منه صلى الله عليه وسلم وكأنه ترك جمع عرفة لشهوته وما في مسلم من حديث ليلة التعريس أنه صلى الله عليه وسلم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى فيعارض ما فيهما حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حين يغيب الشفق وفي لفظ لهما عن ابن عمر كان إذا عجل السير السفر جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق ويترجع حديث ابن مسعود بزيادة فقه الراوي وبأنه أحوط فيقدم عند التعارض أو يحمل الشفق المذكور على الحمرة فإنه مشترك بينه وبين البياض الذي يلي أطرافه على ما قدمناه فيكون حينئذ عين ما حينئذ عين ما قلناه من أن ينزل في آخر الوقت فيصلي الوقتية فيه ثم يستقبل الثانية في أول وقتها
وقد وقع في أحاديث الجمع شيء من الاضطراب ففي بعضها عن ابن عباس رضي الله عنهما جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر وفي بعضها جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يخرج أمته ولم يقل منا ومنهم بجواز الجمع لذلك أحد وكيف وما تقدم من حديث ليلة التعريس يعارضه معارضة ظاهرة
____________________
(2/48)
& باب صلاة الجمعة
مناسبته مع ما قبله تنصيف الصلاة لعارض إلا أن التنصيف هنا في خاص من الصلاة وهو الظهر وفيما قبله في كل رباعية وتقديم العام هو الوجه ولسنا نعني أن الجمعة تنصيف الظهر بعينه بل هي فرض ابتداء نسبته النصف منها واعلم أولا أن الجمعة فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع يكفر جاحدها قال تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } رتب الأمر بالسعي للذكر على النداء للصلاة فالظاهر أن المراد بالذكر الصلاة ويجوز كون المراد به الخطبة وعلى كل تقدير يفيد افتراض الجمعة فالأول ظاهر والثاني كذلك لأن افتراض السعي إلى الشرط وهو المقصود لغيره فرع افتراض ذلك الغير
أو لا ترى أن من لم يجب عليه الصلاة لا يجب عليه السعي إلى الخطبة بالإجماع والمذكور في التفسير أن المراد الخطبة والصلاة وهو الأحق لصدقه عليهما معا وقال صلى الله عليه وسلم الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض رواه أبو داود عن طارق بن شهاب وقال طارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه انتهى
وليس هذا قدحا في صحبته ولا في الحديث فإن غايته أن يكون مرسل صحابي وهو حجة بل بيان للواقع
قال النووي الحديث على شرط الشيخين
وأخرج البيهقي من طريق البخاري عن تميم الداري رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم قال الجمعة واجبة إلا على صبي أو مملوك أو مسافر ورواه الطبراني عن الحكم بن عمرويه وزاد فيه المرأة والمريض وروى مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين وعن أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه
رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما
وقال صلى الله عليه وسلم من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه رواه أحمد بإسناد حسن والحاكم وصححه
وقال صلى الله عليه وسلم من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين رواه الطبراني في الكبير من حديث جابر الجعفي لكن له شواهد فلا يضره تضعيف جابر وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره
وهذا
____________________
(2/49)
باب يحتمل جزءا وإجماع المسلمين على ذلك وإنما أكثرنا فيه نوعا من الإكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها ومنشأ غلطهم ما سيأتي من قول القدوري ومن صلى الظهر يوم الجمعة في منزله ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر فالحرمة لترك الفرض وصحة الظهر لما سنذكر
وقد صرح أصحابنا بأنها فرض آكد من الظهر وبإكفار جاحدها
ولوجوبها شرائط في المصلى الحرية والذكورة والإقامة والصحة وسلامة الرجلين والعينين
وقالا إذا وجد الأعمى قائدا لزمته
أجيب بأنه غير قادر بنفسه فلا تعتبر قدرة غيره كالزمن إذا وجد من يحمله
وشرائط في غيره المصر والجماعة والخطبة والسلطان والوقت والإذن العام حتى لو أن واليا أغلق باب بلد وجمع بحشمه وخدمه ومنع الناس من الدخول لم تجز أخذا من إشارة قوله تعالى نودي للصلاة فإنه أي تشهير فوله أو في مصلى المصر أعنى فناءه فإن المسجد الداخل فيه انتظمه اسم المصر وفناؤه هو المكان المعد لمصالح المصر متصل به أو منفصل بغلوة كذا قدره محمد في النوادر وقيل بميل وقيل بميلين وقيل بثلاثة أميال وقيل إنما تجوز في الفناء إذ لم يكن بينه وبين المصر مزرعة إلا أنه لما أعطى اشتراط المصلى
قال المصنف
____________________
(2/50)
والحكم غير مقصور على المصلى بل تجوز في جميع أفنية المصر أي وإن لم يكن في مصلى فيها قوله لقوله صلى الله عليه وسلم لا جمعة الخ رفعه المصنف وإنما رواه ابن أبي شيبة موقوفا على علي رضي الله عنه لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو في مدينة عظيمة صححه ابن حزم ورواه عبد الرزاق من حديث عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال لا تشريق ولا جمعة إلا في مصر جامع
وكفى بقول علي رضي الله عنهما قدوة
وأما ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواثا قرية بالبحرين
فلا ينافي المصرية تسمية الصدر الأول اسم القرية إذ القرية تقال عليه في عرفهم وهو لغة القرآن قال الله تعالى { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } أي مكة والطائف ولا شك أن مكة مصر
وفي الصحاح أن جواثا حصن بالبحرين فهي مصر إذ لا يخلو الحصن عن حاكم عليهم وعالم ولذا قال في المبسوط إنها مدينة في البحرين وكيف والحصن يكون بأي سور ولا يخلو ما كان كذلك عما قلنا عادة
وما روى عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك أنه قال أول من جمع بنا في حرة بني بياضة أسعد بن زرارة وكان كعب إذا سمع النداء ترحم على أسعد بذلك قال قلت كم كنتم قال أربعون فكان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ذكره البيهقي وغيره من أهل العلم فلا يلزم حجة لأنه كان قبل أن تفرض الجمعة وبغير علمه صلى الله عليه وسلم أيضا على ما روى في القصة أنهم قالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصار يوم فلنجعل يوما نجتمع فيه نذكر الله تعالى ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصاري فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى مسجد فصلى بهم وذكرهم وسموه يوم الجمعة ثم أنزل الله فيه بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فتذكر عند هذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم التراويح لما اجتمعوا إليه في الليلة الثالثة مخافة أن يؤمر به ولو سلم فتلك الحرة من أفنية المصر وللفناء حكم المصر فسلم حديث علي عن المعارض ثم يجب أن يحمل على كونه سماعا لأن دليل الافتراض من كتاب الله تعالى يفيده على العموم في الأمكنة فإقدامه على نفيها في بعض الأماكن لا يكون إلا عن سماع لأنه خلاف القياس المستمر في مثله وفي الصلوات الباقيات أيضا والقاطع للشغب أن قوله تعالى { فاسعوا إلى ذكر الله } ليس على إطلاقه اتفاقا بين الأمة إذ لا يجوز إقامتها في البراري إجماعا ولا في كل قرية عنده بل بشرط أن لا يظعن أهلها عنها صيفا ولا شتاء فكان خصوص المكان مرادا فيها إجماعا فقدر القرية الخاصة وقدرنا المصر وهو أولى لحديث علي رضي الله عنه وهو لو عورض بفعل غيره كان علي رضي الله عنه مقدما عليه فكيف ولم يتحقق معارضة ما ذكرنا إياه ولهذا لم ينقل عن الصحابة أنهم حين فتحوا البلاد اشتغلوا بنصب المنابر والجمع إلا في الأمصار دون القرى ولو كان لنقل ولو آحادا ولو مصر الإمام موضعا وأمرهم بالإقامة فيه جاز ولو منع أهل مصر أن يجمعوا لم يجمعوا وقال الفقيه أبو جعفر إذا نهى مجتهدا لسبب من الأسباب أراد به أن يخرج ذلك الموضع عن أن يكون مصرا جاز أما متعنتا وإضرار فلهم أن يجمعوا على من يصلي
____________________
(2/51)
ولو مصر مصرا ثم نفر الناس عنه لخوف ونحوه ثم عادوا لا يجمعون إلا بإذن ولو دخل القروي المصر يوم الجمعة ونوى أن يمكثه لزمته وإن نوى الخروج منه قبل وقتها لا تلزمه
قال الفقيه إن نوى أن يخرج من يومه ولو بعده لا تلزمه قوله ويقيم الحدود احترازا عن المحكم والمرأة إذا كانت قاضية فإنه يجوز قضاؤها إلا في الحدود والقصاص واكتفي بذكر الحدود عن القصاص لأن ملك إقامتها في ملكه قوله وهو الظاهر أي من المذهب
وقال أبو حنيفة المصر كل بلدة فيها سكك وأسواق وبها رساتيق ووال ينصف المظلوم من الظالم وعالم يرجع إليه في الحوادث وهذا أخص مما اختاره المصنف قيل وهو الأصح وإذا كان القاضي يفتي
____________________
(2/52)
ويقيم الحدود أغنى عن التعدد
وقد وقع شك في بعض قرى مصر مما ليس فيها وال وقاض نازلان بها بل لها قاض يسمى قاضي الناحية وهو قاض يولى الكورة بأصلها فيأتي القرية أحيانا فيفصل ما اجتمع فيها من التعلقات وينصرف ووال كذلك هل هو مصر نظرا إلى أن لها واليا وقاضيا أولا نظرا إلى عدمهما بها والذي يظهر اعتبار كونهما مقيمين بها وإلا لم تكن قرية أصلا إذ كل قرية مشمولة بحكم
وقد يفرق بالفرق بين قرية لا يأتيها حاكم يفصل بها الخصومات حتى يحتاجون إلى دخول المصر في كل حادثة لفصلها وبين ما يأتيها فيفصل فيها وإذا اشتبه على الإنسان ذلك ينبغي أن يصلي أربعا بعد الجمعة ينوى بها آخر فرض أدركت وقته ولم أؤده بعد فإن لم تصح الجمعة وقعت ظهره وإن صحت كانت نفلا وهل تنوب عن سنة الجمعة قدمنا الكلام في باب شروط الصلاة فارجع إليه وكذا إذا تعددت الجمعة وشك في أن جمعته سابقة أولا ينبغي أن يصلى ما قلنا
وأصله أن عند أبي حنيفة لا يجوز تعددها في مصر واحد وكذا روى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أنه لا يجوز في مسجدين في مصر إلا أن يكون بينهما نهر كبير حتى يكون كمصرين وكان يأمر بقطع الجسر ببغداد لذلك فإن لم يكن فالجمعة لمن سبق فإن صلوا معا أو لم تدر السابقة فسدنا
وعنه أنه يجوز في موضعين إذا كان المصر عظيما لا في ثلاثة
وعن محمد يجوز تعددها مطلقا
ورواه عن أبي حنيفة ولهذا قال السرخسي الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين فأكثر وبه نأخذ لإطلاق لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فإذا تحقق تحقق في حق كل منها
وجه رواية المنع أنها سميت جمعة لا ستدعائها الجماعات فهي جامعة لها والأصح الأول خصوصا إذا كان مصر كبير فإن في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على الأكثر مع أن الوجه المذكور مما يتسلط عليه المنع وما قلنا من الكلام في وقوعها عن السنة إنما هو إذا زال الاشتباه بعد الأربع لتحقق وقوعها
____________________
(2/53)
نفلا أما إذا دام الاشتباه قائما فلا يجزم بكونها نفلا ليقع النظر في أنها سنة أولا فينبغي أن يصلي بعدها السنة لأن الظاهر وقوعها ظهرا لأنه ما لم يتحقق وجود الشرط لم يحكم بوجود الجمعة فلم يحكم بسقوط الفرض والله سبحانه أعلم
ومن كان من مكان من توابع المصر فحكمه حكم أهل المصر في وجوب الجمعة عليه بأن يأتي المصر فليصلها فيه واختلفوا فيه فعن أبي يوسف إن كان الموضع يسمع فيه النداء من المصر فهومن توابعه وإلا فلا وعنه كل قرية متصله بربض المصر وغير المتصلة لا وعنه أنها تجب في ثلاثة فراسخ وقال بعضهم قدر ميل وقيل قدر ميلين وقيل ستة أميال
وعن مالك ستة وقيل إن أمكنه أن يحضر الجمعة ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة وإلا فلا
قال في البدائع وهذا حسن قوله ولهما أنها أي منى تتمصر في الموسم لاجتماع من ينفذ الأحكام ويقيم الحدود والأسواق والسكك قيل فيها ثلاث سكك وغاية ما فيها أنه يزول تمصرها بزوال الموسم وذلك غير قادح في مصريتها قبله إذ ما من مصر إلا ويزول تمصره في الجملة ومع ذلك تقام فيه الجمعة وهذا يفيد أن الأولى في الذي قدمناه من قرى مصر أن لا يصح فيها إلا حال حضور المتولى فإذا حضر صحت وإذا ظعن امتنعت والله أعلم
وعدم التعييد بمني لا لانتفاء المصرية بل للتخفيف فإن الناس مشتغلون بالمناسك والعيد لازم فيها فيحصل من إلزامه مع اشتغالهم بما هم فيه الحرج أما الجمعة فليست بلازمة بل إنما تتفق في أحيان من الزمان فلا حرج مع أنها فريضة والعيد سنة أو واجب وإنما اقتصر المصنف على هذا الوجه من التعليل دون التعليل بأن منى من أفنية مكة لأنه فاسد لأن بينهما فرسخين وتقدير الفناء بذلك غير صحيح
قال محمد في الأصل إذا نوى المسافر أن يقيم بمكة ومنى خمسة عشر يوما لا يصير مقيما فعلم اعتبارهما شرعا موضعين قوله لأن الولاية لهما يعني أن ثبوت ولاية الإقامة للجمعة هو المصحح بعد كون المحل صالحا للتمصير وهو قائم في كل منهما والخليفة وإن كان قصد السفر للحج فالسفر إنما يرخص في الترك لا أنه يمنع صحتها وسيجئ أنه يجوز للمسافر أن يؤم في الجمعة فكذا يجوز أن يأذن في الإقامة إذا كان ممن له الإذن وإن كان إنما قصد الطوف في ولاياته فأظهر لأنه حينئذ غير مسافر حتى لا يقصر الصلاة في طوفه كالسائع بخلاف ما إذا كان المحل غير صالح للتمصير فلذا قالوا إذا سافر الخليفة فليس له أن يجمع في القرى كالبراري قوله أو لمن أمره فخرج القاضي الذي لم يؤمر بإقامتها ودخل العبد إذا قلد ولاية ناحية فتجوز إقامته
____________________
(2/54)
وإن لم تجز أقضيته وأنكحته والمرأة إذا كانت سلطانه يجوز أمرها بالإقامة لا إقامتها ولمن أمره أن يستخلف وإن لم يؤذن له في الاستخلاف بخلاف القاضي لا يملك الاستخلاف إن لم يأذن له فيه
والفرق أن الجمعة مؤقتة تفوت بتأخيرها فالأمر بإقامتها مع العلم بأن المأمور عرض للأعراض الموجبة للتفويت أمر بالاستخلاف دلالة بخلاف القاضي لأن القضاء غير مؤقت وجواز الإقامة فيما إذا مات والي مصر لخليفته وصاحب الشرط والقاضي إلى أن يصل وال آخر باعتبار أنهم كانوا ممن ينوب عنه فيها حال حياته فبموته لا ينعزلون كما إذا كان حيا فكان الأمر مستمرا لهم ولذا قالوا إذا مات السلطان وله أمراء على أشياء من أمور المسلمين فهم على ولاياتهم يقيمون الجمعة بخلاف ما لو اجتمعت العامة على تقديم رجل عند موت ذلك الوالي حيث لا تجوز إقامته لانتفاء ما قلنا ولو أمر نصراني أو صبي على مصر فأسلم وبلغ ليس لهما الإقامة إلا بأمر بعد الإسلام والبلوغ ولو قيل لهما إذا أسلمت أو بلغت فصل فأسلم وبلغ جاز لهما الإقامة لإن الإضافة في الولاية جائزة
وعن بعض المشايخ إذا كان التفويض إليهما قبل الجمعة فأسلم وأدرك جاز لهما الإقامة كالأمي والأخرس إذا أمرا به فبرأ وحفظ وعلى الأول لا يجوز لأن التفويض وقع باطلا والمتغلب الذي لا منشور له إن كانت سيرته بين الرعية سيرة الأمراء ويحكم بحكم الولاة تجوز الجمعة بحضرته لأن بذلك تتحقق السلطنة فيتم الشرط والإذن بالخطبة إذن بالجمعة وعلى القلب
وفي نوادر الصلاة إن السلطان إذا كان يخطب فجاء سلطان آخر إن أمره أن يتم الخطبة يجوز ويكون ذلك القدر خطبة ويجوز له أن يصلي بهم الجمعة لأنه خطب بأمره فصار نائبا عنه وإن لم يأمره وسكت فأتم الأول فأراد الثاني أن يصلي بتلك الخطبة لا يجوز لأن سكوته محتمل وكذا إذا حضر الثاني وقد فرغ الأول من خطبته فصلى الثاني بتلك الخطبة لا يجوز لأنها خطبة إمام معزول ولم توجد من الثاني وهذا كله إذا علم الأول حضور الثاني وإن لم يعلم وخطب وصلى الثاني ساكت جازت لأنه لا يصير معزولا إلا بالعلم إلا إذا كتب إليه كتاب العزل أو أرسل رسولا فصار معزولا ثم إذا صلى صاحب الشرط جاز لأن عمالهم على حالهم قوله لأنها تقام بجمع عظيم الخ حقيقة هذا الوجه أن اشتراط السطان كى لا يؤدي إلى عدمها كما يفيده فلا بد منه تتميما لأمره أي لأمر هذا الفرض أو الجمع فإن ثوران الفتنة يوجب تعطيله وهومتوقع إذا لم يكن التقدم عن أمر سلطان تعتقد طاعته أو تخشى عقوبته فإن التقدم على جميع أهل المصر يعد شرفا ورفعة فيتسارع إليه كل من مالت همته إلى الرياسة
____________________
(2/55)
فيقع التجاذب والتنازع وذلك يؤدي إلى التقاتل
وما روى أن عليا رضي الله عنه أقام بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور واقعة حال فيجوز كونه عن إذنه كما يجوز كونه عن غير إذنه فلا حجة فيه لفريق فيبقى قوله صلى الله عليه وسلم من تركها وله إمام جائز أو عادل ألا فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له الحديث رواه ابن ماجه وغيره حيث شرط في لزومها الإمام كما يفيده قيد الجملة الواقعة حالا مع ما عيناه من المعنى سالمين من المعارض
وقال الحسن أربع إلى السلطان وذكر منها الجمعة والعيدين ولا شك أن إطلاق قوله تعالى { فاسعوا } مقيد بخصوص مكان ومخصوص منه كثير كالعبيد والمسافرين فجاز تخصيصه بظني آخر فيخص بمن أمره السلطان أيضا قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إذا مالت الشمس الخ وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث مصعب بن عمير إلى المدينة قال إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس وأخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس الحديث
وأما ما رواه الدارقطني وغيره من حديث عبد الله بن سيدان بكسر السين المهملة قال شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكان خطبته قبل الزوال وذكر عن عمر وعثمان نحوه قال فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره لو صح لم يقدح في خصوص ما نحن فيه فكيف وقد اتفقوا على ضعف ابن سيدان
واعلم أن الدعوى مركبة من صحتها في وقت الظهر لا بعده فيرد أنه إنما يتم ما ذكر دليلا لتمامها إذا اعتبر مفهوم الشرط وهو ممنوع عندهم أو يكون فيه إجماع وهو منتف في جزءى الدعوى لأن مالكا يقول ببقاء وقتها إلى الغروب والحنابلة قائلون بجواز أدائها قبل الزوال وقيل إذا كان يوم عيد
ويجاب بأن شرعية الجمعة مقام الظهر على خلاف القياس لأنه سقوط أربع بركعتين فتراعي الخصوصيات التي ورد الشرع بها ما لم يثبت دليل على نفي اشتراطها ولم يصلها خارج الوقت في عمره ولا بدون الخطبة فيه فيثبت اشتراطهما وكون الخطبة في الوقت حتى لو خطب قبله لا يقع الشرط وعلى اشتراط نفس الخطبة إجماع بخلاف ما قام الدليل على عدم اشتراطه ككونها خطبتين بينهما جلسة قدر ما يستقر كل عضو في موضعه يحمد في الأولى ويتشهد ويصلي عليه صلى الله عليه وسلم ويعظ الناس وفي الثانية كذلك إلا أنه يدعو مكان الوعظ للمؤمنين والمؤمنات كما قاله الشافعي لأنه قام الدليل عند أبي حنيفة رحمه الله على أنه من
____________________
(2/56)
السنن أو الواجبات لا شرط على ما سنذكر قوله ومن شرائطها الخطبة بقيد كونها بعد الزوال على ما ذكرناه ومن الفقه والسنة تقصيرها وتطويل الصلاة بعد اشتمالها على ما ذكرناه آنفا من الموعظة والتشهد والصلاة وكونها خطبتين
وفي البدائع قدرهما قدر سورة من طوال المفصل إلى آخره وتقدم أيضا وجه اشتراطها وتعاد على وجه الأولوية لو تذكر الإمام فائتة في صلاة الجمعة ولو كانت الوتر حتى فسدت الجمعة لذلك فاشتغل بقضائها وكذا لو كان أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها أو افتتح التطوع بعد الخطبة وإن لم يعد الخطبة أجزأه وكذا إذا خطب جنبا ويكفي لوقوعها الشرط حضور واحد كذا في الخلاصة وهو خلاف ما يفيده ظاهر شرح الكنز حيث قال بحضرة جماعة تنعقد بهم الجمعة وإن كانوا صما أو نياما انتهى أما الصلاة فلا بد فيها من الثلاثة على ما يأتي
واعلم أن الخطبة شرط الانعقاد في حق من ينشئ التحريمة للجمعة لا في حق كل من صلاها واشتراط حضور الواحد أو الجمع ليتحقق معنى الخطبة لأنها من التسببات فعن هذا قالوا لو أحدث الإمام فقدم من لم يشهدها جاز أن يصلى بهم الجمعة لأنه بان تحريمته على تلك التحريمة المنشأة
والخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق من ينشئ التحريمة فقط ألا ترى إلى صحتها من المقتدين الذين لم يشهدوا الخطبة فعلى هذا كان القياس فيما لو
____________________
(2/57)
أفسد هذا الخليفة أن لا يجوز أن يستقبل بهم الجمعة لكنهم استحسنوا جواز استقباله بهم لأنه لما قام مقام الأول التحق به حكما ولو أفسد الأول استقبل بهم فكذا الثاني ولو كان الأول أحدث قبل الشروع فقدم من لم يشهد الخطبة لا يجوز ولو قدم هذا المقدم غيره ممن شهدها قيل يجوز وقيل لا يجوز لأنه ليس من أهل إقامة الجمعة بنفسه فلا يجوز منه الاستخلاف بخلاف ما لو قدم الأول جنبا شهدها فقدم هذا الجنب طاهرا شهدها حيث يجوز لأن الجنب الشاهد من أهل الإقامة بواسطة الاغتسال فصح منه الاستخلاف بخلاف ما لو قدم الأول صبيا أو معتوها أو امرأة أو كافرا فقدم غيره ممن شهدها لم يجز لأنهم لم يصح الا استخلافهم فلم يصر أحدهم خليفة فلا يملك الاستخلاف فالمتقدم عن استخلاف أحدهم متقدم بنفسه ولا يجوز ذلك في الجمعة وإن جاز في غيرها من الصلوات لاشتراط إذن السلطان للمتقدم صريحا أو دلالة فيها كما قدمنا دون غيرها ولا دلالة إلا إذا كان المستخلف تحقق بوصف الخليفة شرعا وليس أحدهم كذلك أما في حق غير الكافر فلعدم الأهلية مع العجز عن اكتسابها بخلاف الجنب وأما في الكافر فلأن هذا من أمور الدين وهو يعتمد ولاية السلطنة ولا يجوز أن يثبت للكافر ولاية السلطنة على المسلمين بخلاف ما لو قدم الأول مسافرا أو عبدا حيث يجوز خلاها لزفر على ما سيأتي فلو لم يقدم الأول أحدا فتقدم صاحب الشرطة أو القاضي جاز لأن هذا من أمور العامة وقد قلدهما الإمام ما هو من أمور العامة فنزلا منزلته ولأن الحاجة إلى الإمام لدفع التنازع في التقدم وذا يحصل تقدمهما لوجود دليل اختصاصهما من بين الناس وهو كون كل منهما نائبا للسلطان ومن عماله فلو قدم أحدهما رجلا شهد الخطبة جاز لأنه ثبت لكل منهما ولاية التقدم فله ولاية التقديم قوله ثم هي شرط الصلاة الخ هذا صورة قياس علة الحكم في أصله كونه شرطا للصلاة لكنه مفقود في الأصل فضلا عن كونه موجودا غير علة إذ الأذان ليس شرطا فالأولى ما عينه في الكافي جامعا وهو ذكر الله في المسجد أي في حدوده لكراهية الأذان في داخله ويزاد أيضا فيقال ذكر في المسجد يشترط له الوقت فتستحب الطهارة فيه وتعاد استحبابا إذا
____________________
(2/58)
كان جنبا كالأذان قوله لحصول المقصود وهو الذكر والموعظة وهذا لأن المعقول من اشتراطها جعلها مكان الركعتين تحصيلا لفائدتها مع التخفيف حيث لم يحصل مقصودها مع الإتمام وقد أثر عن علي وعائشة رضي الله عنهما إنما قصرت لمكان الخطبة وهذا حاصل مع القعود وما معه لأنها أقيمت مقام الركعتين ليشترط لها ما اشترط للصلاة كما ظن الشافعي رضي الله عنه ألا ترى إلى عدم اشتراط الاستقبال فيها وعدم الكلام فعلم أن القيام فيها لأنه أبلغ في الإعلام إذ كان أنشر للصوت فكان مخالفته مكروها
ودخل كعب بن عجرة المسجد يوم الجمعة وابن أم حكيم يخطب قاعدا فقال انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا والله تعالى يقول { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } رواه مسلم ولم يحكم هو ولا غيره بفساد تلك الصلاة فعلم أنه ليس بشرط عندهم قوله لا بد من ذكر طويل قيل أقله عندهما قدر التشهد قوله وله قوله تعالى { فاسعوا إلى ذكر الله } من غير فصل بين كونه ذكرا طويلا يسمى خطبة أو ذكرا لا يسمى خطبة فكان الشرط الذكر الأعم
____________________
(2/59)
بالقطع غير أن المأثور عنه صلى الله عليه وسلم اختيار أحد الفردين أعنى الذكر المسمى بالخطبة والمواظبة عليه فكان ذلك واجبا أو سنة لا أنه الشرط الذي لا يجزئ غيره إذ لا يكون بيانا لعدم الإجمال في لفظ الذكر وقد علم وجوب تنزيل المشروعات على حسب أدلتها فهذا الوجه يغني عن قصة عثمان فإنها لم تعرف في كتب الحديث بل في كتب الفقه وهي أنه لما خطب في أول جمعة ولي الخلافة صعد المنبر فقال الحمد لله فأرتج عليه فقال إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأيتيكم الخطب بعد وأستغفر الله لي ولكم ونزل وصلى بهم لم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعا منهم إما على عدم اشتراطها وإما على كون نحو الحمد لله ونحوها تسمى خطبة لغة وإن لم تسم به عرفا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للذي قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت فسماه خطيبا بهذا القدر من الكلام والخطاب القرآني إنما تعلقه باعتبار المفهوم اللغوي لأن الخطاب مع أهل تلك اللغة بلغتهم يقتضي ذلك ولأن هذا العرف إنما يعتبر في محاورات الناس بعضهم لبعض للدلالة على غرضهم فأما في أمر بين العبد وربه تعالى فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة ثم يشترط عنده في التسبيحة والتحميدة أن تقال على قصد الخطبة فلو حمد لعاطس لا يجزئ عن الواجب ومقتضى هذا الكلام أنه لو خطب وحده من غير أن يحضره أحد أنه يجوز وهذا الكلام المعتمد لأبي حنيفة فوجب اعتبار ما يتفرع عنه وفي الأصل قال فيه روايتان فليكن المعتبر إحداهما المتفرعة على الأخرى لا بد من حضور واحد كما قدمنا ولا تجزئ بحضرة النساء وحدهن وتجزئ بحضرة الرجال صم أو نيام أو لا يسمعون لبعدهم ولو عبيدا أو مسافرين
فرع يكره للخطيب أن يتكلم في حال الخطبة للإخلال بالنظم إلا أن يكون أمرا بمعروف لقصة عمر مع عثمان وهي معروفة قوله وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثة سوى الإمام ولا يشترط كونهم ممن حضر الخطبة وقالا اثنان سوى الإمام وقال الشافعي أربعون ولا حجة له في حديث أسعد بن زرارة أنهم كانوا أربعين كما لا حجة لمن نفي اشتراط الأربعين بأن يوم النفور بقي معه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر
أما الأول فلأن اتفاق كون عددهم أربعين في ذلك اليوم لا يقتضي تعين ذلك العدد شرعا وما رواه عن جابر مضت السنة أن في كل ثلاثة إماما وفي كل أربعين فما فوقه جمعة وأضحى وفطر ضعيف
وقال البيهقي لا يحتج بمثله وأما الثاني فلأن كون
____________________
(2/60)
الباقي اثنى عشر أو أحد عشر أو ثمانية عشر على اختلاف الروايات قابله رواية كون الباقي أربعين الكل أقوال منقولة في الباقي وتصحيح متعين منها بطريقة لم يثبت لنا
وأيضا بقاء أولئك لا يستلزم الشروع بهم لجواز شروعه بأكثر بأن رجعوا أوجاء غيرهم فصار المتحقق كون الشرط الجماعة فقال أبو يوسف مسمى الجماعة متحقق في الاثنين وكون الجمع الصيغي أقل مدلو له ثلاثة لا يمس ما نحن فيه إذ الشرط ليس جماعة تكون مدلول صيغة الجمع وهما قالا بل الشرط ذلك لأن قوله تعالى { فاسعوا } صيغة جمع فقد طلب الحضور معلقا بلفظ الجمع وهو الواو إلى ذكر يستلزم ذاكرا فلزم الشرط جمعا هو مسمى لفظ الجمع مع الإمام وهو المطلوب قوله إلا النساء والصبيان يعني من لا تنعقد بهم الجمعة وقوله خلافا لزفر فعنده إذا نفروا قبل القعدة بطلت وحاصل المذكور من وجهه
____________________
(2/61)
ووجهم معارضة قياسه على الوقت بقياسهم على الخطبة ثم نقض قياسه بأنه لو كانت الجماعة كالوقت لم تصح صلاة المسبوق بركعة في الجمعة لأنه منفرد فيما يقضيه كما لا تصح صلاة الجمعة إذا كان بعضها خارج الوقت وأبو حنيفة يقول إنها شرط الانعقاد لكن انعقاد الصلاة والمصلي تحقق تمامه موقوف على وجود تمام الأركان لأن دخول الشيء في الوجود بدخول جميع أركانه فما لم يسجد لا يصير مصليا بل مفتتحا الركن ركن فكان ذهاب الجماعة قبل السجود كذهابهم قبل التكبير من جهة أنه عدم الجماعة قبل تحقيق مسمى الصلاة ويظهر من هذا التقرير أنه يجوز موافقته إياهما في إلحاق الجماعة بالخطبة في أنه لا يشترط بقاؤها إلى آخر الصلاة وإن خالفهما في الاكتفاء بوجودها حال الافتتاح فلذا قلنا حاصل المذكور من وجهه أي وجه زفر ووجههم ولم تقل وجههما قوله ولا تجب الجمعة على مسافر الخ الشيخ الكبير الذي ضعف ملحق بالمريض فلا تجب عليه وأطلق في العبد وقد اختلفوا في المكاتب والمأذون والعبد الذي حضر مع مولاه باب المسجد لحفظ الدابة إذا لم يحل بالحفظ وينبغي أن يجري الخلاف في معتق البعض إذا كان يسعى ولا تجب على العبد الذي يؤدي الضريبة وللمستأجر أن يمنع الأجير عن حضور الجمعة في قول أبي حفص وقال الدقاق ليس له متعه فإن كان قريبا لايحط عنه شيء وإن كان بعيدا يسقط عنه بقدر اشتغاله فإن قال الأجير حط عني الربع بقدر اشتغالي بالصلاة لم يكن له ذلك والمطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم مسقط وفي الكافي صح أنه صلى الله عليه وسلم أقام الجمعة بمكة مسافرا قوله على ما بينا إشارة إلى قوله لأنهم تحملوا الخ فيقع فرضا فصار كمسافر إذا صام رمضان يقع فرضا
____________________
(2/62)
قوله كره له ذلك الخ لا بد من كون المراد حرم عليه ذلك وصحت الظهر لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر فكيف لا يكون مرتكبا محرما غير أن الظهر تقع صحيحة وإن كان مأمورا بالإعراض عنها وقال زفر لا يجوز لأن الفرض في حقه الجمعة والظهر بدل عنها لأنه مأمور بأداء الجمعة معاقب بتركها ومنهى عن أداء الظهر مأمور بالإعراض عنها ما لم يقع اليأس عن الجمعة وهذا هو صورة الأصل والبدل ولا يجوز أداء البدل مع القدرة على الأصل قلنا بل فرض الوقت الظهر بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم وأول وقت الظهر حين تزول الشمس مطلقا في الأيام ودلالة الإجماع أعني الإجماع على أن بخروج الوقت يصلي الظهر بنية القضاء فلو لم يكن أصل فرض الوقت الظهر لما نوى القضاء والمعقول إذ أصل الفرض في حق الكل ما يتمكن كل من أدائه بنفسه فما قرب إلى وسعه فهو أحق والظهر أقرب لتمكنه منه كذلك بخلاف الجمعة لتوقفها على شرائط لا تتم به وحده وتلك ليس في وسعه وإنما يحصل له ذلك اتفاقا باختبار آخرين كاختبار السلطان وقدرته في الأمر واختيار آخر وآخر ليحصل به معهما الجماعة وغير ذلك فكان الظهر أولى بالأصلية وعلى الأول أن يقال مفاده أن كل وقت ظهر يدخل حين تزول والمطلوب أن كل ما زالت دخل وقت الظهر وإنما يفاد بعكس الاستقامة لها وهو لا يثبت كليا سلمناه لكن خروج الزوال يوم الجمعة من تلك الكلية أعني العكس معلوم قطعا من الشرع للقطع بوجوب الجمعة فيه والنهي عن تركها إلى
____________________
(2/63)
الظهر ولا يحفى صعف الوجه الثالث إذ لو تم استلزم عدم وجوب الجمعة على كل فرد والمتحقق وجوبها على كل واحد فيحصل من الامتثال توفر الشروط والمعول عليه الوجه الثاني وهو يستلزم عدم تخصيص الأول فيلزم أن وجهه حينئذ وجوب الظهر أولا ثم إيجاب إسقاطه بالجمعة وفائدة هذا الوجوب حنيئذ جواز المصير إليه عند العجز عن الجمعة إذ كانت صحتها تتوقف على شرائط ربما لا تتحصل فتأمل وإذا كان وجوب الظهر ليس إلا على هذا المعنى لم يلزم من وجوبها كذلك صحتها قبل تعذر الجمعة والفرض أن الخطاب قبل تعذرها لم يتوجه عليه إلا بها قوله بطلت ظهره عند أبي حنيفة بالسعي هذا إذا كان الإمام في الصلاة بحيث يمكنه أن يدركها وإن لم يدركها أو كان لم يشرع بعد لكنه لا يرجو إدراكها للبعد ونحوه لا تبطل عند أبي حنيفة عند العراقيين وتبطل عنده في تخريج البلخيين وهو الأصح ثم المعتبر في السعي الانفصال عن داره فلا تبطل قبله على المختار وقيل إذا خطأ خطوتين في البيت الواسع تبطل قوله حتى يدخل مع الإمام وفي رواية حتى يتمها معه حتى لو أفسدها بعد الشروع فيها لا يبطل الظهر ولا فرق على هذا الخلاف بين المعذور كالعبد وغيره حتى لو صلى المريض الظهر ثم سعى إلى الجمعة بطل ظهره على الخلاف
وقال زفر لا يبطل ظهر المعذور لأن الجمعة ليست فرضا عليه
قلنا إنما رخص له تركها للعذر وبالالتزام التحق بالصحيح قوله لأن السعي دون الظهر لأنه حسن لمعنى في غيره بخلاف الظهر ونقصض الظهر وإن كان مأمورا له لكنه لضرورة أداء الجمعة إذ نقض العبادة قصدا بلا ضرورة حرام فلا تنتقض دون أدائها وليس السعي الأداء وحاصل وجه قول أبي حنيفة أن
____________________
(2/64)
الاحتياط في الجمعة نقض الظهر للزوم الاحتياط في تحصيلها وهو به فينزل ما هو من خصائصها منزلتها لذلك لأنه المحقق للاحتياط في تحصيلها وإنما كان السعي من خصائصها لأنه أمر به فيها ونهي عنه في غيرها قال الله تعالى { فاسعوا إلى ذكر الله } وقال صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون الحديث فكان الاشتغال به كالاشتغال بها فالنقض به كالنقض بها إقامة للسبب العادي مقام المسبب احتياطا ومكنة الوصول ثابتة نظرا إلى قدرة الله وهي تكفي للتكليف بخلاف ما إذا كان السعي بعد الفراغ منها لأنه ليس إليها ولا إمكان للوصول وهذا التقرير بناء على أن المراد بالسعي ما يقابل المشي وليس كذلك وكذا البطلان غير مقتصر على السعي بل لو خرج ماشيا أقصد مشي بطلت ألا يرى أنهم أوردوا الفرق بين السعي إلى الجمعة وتوجه القارن إلى عرفات حيث لم تبطل به عمرته حتى يقف بأنه منهى عنه لا مأمور به فلا ينزل منزلته مع أنه ليس هناك جامع السعي منصوصا ليطلب وجه الفرق في الحكم بعد وجود الجامع
فالحق في التقرير أنه مأمور بعد إتمام الظهر بنقضها بالذهاب إلى الجمعة فذهابه إليها شروع في طريق نقضها المأمور به فيحكم بنقضها به احتياطا لترك المعصية قوله ويكره أن يصلى المعذورون الظهر بجماعة قبل الجمعة وكذا بعدها ومن فاتتهم الجمعة فصلوا الظهر تكره لهم الجماعة أيضا قوله لما فيه من الإخلال بالجمعة إذ هي جامعة للجماعات هذا الوجه هو مبني عدم جواز تعدد الجمعة في المصر الواحد وعلى الرواية المختارة عند السرخسي وغيره من جواز تعددها فوجهه أنه ربما يتطرق غير المعذور إلى الاقتداء بهم وأيضا فيه صورة معارضة الجمعة بإقامة غيرها قوله لقوله صلى الله عليه وسلم أخرج الستة في كتبهم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وأخرجه أحمد وابن حبان في النوع الثاني والسبعين من القسم الأول عن سفيان بن عيينة عن
____________________
(2/65)
الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا وقال وما فاتكم فاقضوا قال مسلم أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة ولا أعلم رواها عن الزهري غيره
وقال أبو داود قال فيه ابن عيينة وحده فاقضوا ونظر فيه بأن أحمد رواه في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به وقال فاقضوا ورواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب من حديث الليث حدثنا يونس عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه كذلك ورواه أبو نعيم في المستخرج عن أبي داود الطيالسي عن ابن أبي حبيب عن الزهري به نحوه فقد تابع ابن عيينة جماعة وبين اللفظين فرق في الحكم فمن أخذ بلفظ أتموا قال ما يدركه المسبوق أول صلاته ومن أخذ بلفظ فاقضوا قال ما يدركه آخرها
قال صاحب تنقيح التحقيق الصواب أنه لا فرق فإن القضاء هو الإتمام في عرف الشارع قال تعالى { فإذا قضيتم مناسككم } { فإذا قضيت الصلاة } اه ولا يخفى أن وروده بمعناه في بعض الإطلاقات الشرعية لا ينفى حقيقته اللغوية ولا يصيره الحقيقة الشرعية فلم يبق إلا صحة الإطلاق وكما يصح أن يقال قضي صلاته على تقدير إدراك أولها ثم فعل باقيها كذلك يصح أن يقال على تقدير إدراك آخرها ثم فعل تكميلها أتم صلاته وإذا تكافأ الإطلاقان يرجع إلى أن المدرك ليس إلا آخر صلاة الإمام حسا والمتابعة وعدم الاختلاف على الإمام واجب على المأموم ومن متابعته كون ركعته ركعته فإذا كانت ثالثة صلاة الإمام وجب حكما لوجوب المتابعة كونها ثالثة المأموم ويلزمه كون ما لم يفعله بعده أولها قوله إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بأن يشاركه في ركوعها لا بعد الرفع منه
ولهما إطلاق إذا أتيتم الصلاة إلى قوله وما فاتكم فاقضوا وما رواه من أدرك
____________________
(2/66)
ركعة من الجمعة أضاف إليها ركعة أخرى والأصلي أربعا لم يثبت وما في الكتاب من المعنى المذكور حسن قوله ولأبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام رفعه غريب والمعروف كونه من كلام الزهري رواه مالك في الموطأ قال خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام
وأخرج
____________________
(2/67)
ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام
والحاصل أن قول الصحابي حجة فيجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شيء آخر من السنة ولو تجرد المعنى المذكور عنه وهو أن الكلام يمتد طبعا أي يمتد في النفس فيخل بالاستماع أو أن الطبع يفضي بالمتكلم إلى المد فيلزم ذلك والصلاة أيضا قد تستلزم المعنى الأول فتخل به استقل بالمطلوب
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال إذا قعد الإمام على المنبر فلا صلاة
وعن الزهري قال في الرجل يجئ يوم الجمعة والإمام يخطب يجلس ولا يصلي
وأخرج الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم قال إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت وهذا يفيد الطريق الدلالة منع الصلاة وتحية المسجد لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد فمنعه منهما أولى ولو خرج وهو فيها يقطع على ركعتين
فإن قيل العبارة مقدمة على الدلالة عند المعارضة وقد ثبتت وهو ما روى جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت يا فلان قال لا قال صل ركعتين وتجوز فيهما فالجواب أن المعارضة غير لازمه منه لجواز كونه قطع الخطبة حتى فرغ وهو كذلك رواه الدراقطني في سننه من حديث عبيد بن محمد العبدي حدثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قم فاركع ركعتين وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته ثم قال أسنده محمد بن عبيد العبدي ووهم فيه ثم أخرجه عن أحمد بن حنبل حدثنا معتمر عن أبيه قال جاء رجل الحديث وفيه ثم انتظره حتى صلى قال وهذا المرسل هو الصواب ونحن نقول المرسل حجة فيجب اعتقاد مقتضاه علينا ثم رفعه زيادة إذا لم يعارض ما قبلها فإن غيره ساكت عن أنه أمسك عن الخطبة أولا وزيادة الثقة مقبولة ومجرد زيادته لا توجب الحكم بغلطه وإلا لم تقبل زيادة وما زاده مسلم فيه من قوله إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما لا ينفي كون المراد أن يركع مع سكوت الخطيب لما ثبت في السنة من ذلك أو كان قبل تحريم الصلاة في حال الخطبة فتسلم تلك الدلالة عن المعارض
وهذه فروع تتعلق بالمحل وقدمناها في باب صفة الصلاة ويتعين أن لا يخلى عنها مطنتها يحرم في الخطبة الكلام وإن كان أمرا بمعروف أو تسبيحا والأكل والشرب والكتابة ويكره تشميت العاطس ورد السلام
وعن أبي يوسف لا يكره الرد لأنه فرض
قلنا ذاك إذا كان السلام مأذونا فيه شرعا وليس كذلك في حالة الخطبة بل يرتكب بسلامه مأثما لأنه به يشغل خاطر السامع عن الفرض ولأن رد السلام يمكن تحصيله في كل وقت بخلاف سماع الخطبة وعلى هذا الوجه الثاني فرع بعضهم قول أبي حنيفة أنه لا يصلي على النبي صلى الله عليه
____________________
(2/68)
وسلم عند ذكره في الخطبة
وعن أبي يوسف ينبغي ان يصلي في نفسه لأن ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان إحرازا للفضيلتين وهو الصواب وهل يحمد إذا عطس الصحيح نعم في نفسه ولو لم يتكلم لكن أشار بعينه أو بيده حين رأى منكرا الصحيح لا يكره هذا كله إذا كان قريبا بحيث يسمع فإن كان بيعدا بحيث لا يسمع اختلف المتأخرون فيه فمحمد بن سلمة اختار السكوت ونصير بن يحيى احتار القراءة وعن أبي يوسف اختيار السكوت كقول ابن سلمة وحكى عنه النظر في كتابه وإصلاحه بالقلم ومجموع ما ذكر عنه أوجه فإن طلب السكوت والإنصات وإن كان للاستماع لا لذاته لكن الكلام والقراءة لغير من بحيث يسمع قد يصل إلى أذن من بحيث يسمع فيشغله عن فهم ما يسمع أو عن السماع بخلاف النظر في الكتاب والكتابة قوله ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان أخرج الجماعة إلا مسلما عن السائب بن يزيد قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على أمنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء وفي رواية للبخاري زاد النداء الثاني وزاد ابن ماجه على دار في السوق يقال لها الزوراء وتسميته ثالثا لأن الإقامة تسمى أذانا كما في الحديث بين كل أذانين صلاة هذا وقد تعلق بما ذكرنا من أنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان بعض من نفى أن للجمعة سنة فإنه من المعلوم أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا رقى المنبر أخذ بلال في الأذان فإذا أكمله أخذ صلى الله عليه وسلم في الخطبة فمتى كانوا يصلون السنة ومن ظن أنهم إذا فرغ من الأذان قاموا فركعوا فهو من أجهل الناس وهذا مدفوع بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعد ما كان يصلي الأربع ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز لما قدمنا في باب النوافل من عموم أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي إذا زالت الشمس أربعا ويقول هذا ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح وكذا يجب في حقهم لأنهم أيضا يعلمون الزوال إذ لا فرق بينهم وبين المؤذن في ذلك الزمان لأن اعتماده في دخول الوقت اعتمادهم بل ربما يعلمونه بدخول الوقت ليؤذن على ما عرف من حديث ابن أم مكتوم
وفي الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين وفي أبي داود عن ابن عمر أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا كان بالمدينة فصلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له فقال كان رسول الله صلى
____________________
(2/69)
الله عليه وسلم يفعل ذلك فقد أثبت ستا بعد الجمعة بمكة فالظاهر أنها ستة غير أنه إذا كان بالمدينة وفيها المنزل المهيأ له صلى فيه وهو بمكة في صلاة الجمعة إنما كان مسافرا فكان يصليها في المسجد فلم يعلم ابن عمر كل ما كان في بيته بالمدينة فهذا محمل اختلاف الحال في البلدين فهذا البحث يفيد أن السنة بعدها ست وهو قول أبي يوسف وقيل قولهما
وأما أبو حنيفة فالسنة بعدها عنده أربع أخذا بما روى عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها اربعا قاله الترمذي في جامعه وإليه ذهب ابن المبارك والثوري
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا وإذا صلى في بيته صلى ركعتين والله سبحانه أعلم & باب صلاة العيدين
لاخفاء في وجه المناسبة بين صلاة العيد والجمعة ولما اشتركت صلاة العيد والجمعة في الشروط حتى الإذن العام إلا الخطبة لم تجب صلاة العيد إلا على من تجب عليه الجمعة واختصت الجمعة بزيادة قوة الافترا ض فقدمت قوله وفي الجامع الصحيح الصغير ذكره لتنصيصه على السنية وفي النهاية لمخالفته لما في القدوري وهو دأبة في كل ما تخالف فيه رواية الجامع والقدوري وهذا سهو فإن القدوى لم يتعرض لصفة صلاة العيد أصلا
وقوله
____________________
(2/70)
وتجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة زيادة في البداية قوله وجه الأول مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم أي من غير ترك وهو ثابت في بعض النسخ أما مطلق المواظبة فلا يفيد الوجوب واقتصر المصنف لما رأى أن الاستدلال بقوله تعالى { ولتكبروا الله على ما هداكم } غير ظاهر لأنه ظاهر في التكبير لا صلاة العيد وهو يصدق على التعظيم بلفظ التكبير وغيره ولو حمل على خصوص لفظه كان التكبير الكائن في صلاة العيد مخرجا له عن العهدة وهو لا يستلزم وجوب الصلاة لجواز إيجاب شيء في مسنون بمعنى من فعل سنة صلاة العيد وجب عليه التكبير نعم لو وجب ابتداء وشرطت الصلاة في صحته وجبت الصلاة لأن إيجاب المشروط إيجاب الشرط لكنه لم يقل به أحد وكذا الاستدلال بأنه شعار للدين مقصودا لذاته يقام ابتداء بخلاف الأذان وصلاة الكسوف لأنه لغيره فتجب كالجمعة غير مستلزم لجواز استنان شعار كذلك مع أنه تعدية غير حكم الأصل إلى الفرع إذ حكم الأصل الافتراض إلا أن يجعل اللزوم فيصح القياس وكونه على خلاف قدر ثبوته في الأصل غير قادح بل ذلك واجب فيما إذا كان حكم الأصل بقاطع فإنه إذا عدى بالقياس لا يثبت في الفرع قطعا لأن القياس لا يفيد القطع أصلا قوله والأول هو الأصح رواية ودراية للمواظبة بلا ترك وحديث الأعرابي إما لم يكن عمله لأنه من أهل البوادي ولا صلاة عيد فيها أو كان قبل وجوبها قوله أن يطعم الإنسان ويستحب كون ذلك المطعوم حلوا لما في البخاري كان صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا وأما حديث الغسل للعيدين فتقدم في الطهارة وحديث لبسه جبة فنك أوصوف غريب
وروى البيهقي من طريق الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد ورواه الطبراني في الأوسط كان صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء انتهى
واعلم أن الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما
____________________
(2/71)
خطوط حمر وخضر لا أنه أحمر بحت فليكن محمل البردة أحدهما قوله و يتوجه إلى المصلى والسنة أن يخرج الإمام إلى الجبانة ويستخلف من يصلي بالضعفاء في المصر بناء على أن صلاة العيد في موضعين جائزة
بالاتفاق وعند محمد تجوز في ثلاثة مواضع وإن لم يستخلف له ذلك وتخرج العجائز للعيد لا الشواب ولا يخرج المنبر إلى الجبانة واختلفوا في بناء المنبر بالجبانة قال بعضهم يكره وقال خواهر زاده حسن في زماننا وعن أبي حنيفة لابأس به قوله ولايكبر الخ الخلاف في الجهر بالتكبير في الفطر لا في أصله لأنه داخل في عموم ذكر الله تعالى فعندهما يجهر به كالأضحى وعنده لا يجهر وعن أبي حنيفة كقولهما
وفي الخلاصة ما يفيد أن الخلاف في أصل التكبير وليس بشيء إذ لا يمنع من ذكر الله بسائر الألفاظ في شيء من الأوقات بل من إيقا 4 عه على وجه البدعة
فقال أبو حنيفة رفع الصوت بالذكر بدعة يخالف الأمر من قوله تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول } فيقتصر فيه على مورد الشرع وقد ورد به في الأضحى وهو قوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } جاء في التفسير أن المراد التكبير في هذه الأيام والأولى الاكتفاء فيه بالإجماع عليه لما سنذكر في قوله تعالى { ولتكبروا الله على ما هداكم } فإن قيل فقد قال تعالى { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } وروى الدارقطني عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى فالجواب أن صلاة العيد فيها التكبير والمذكور في الآية بتقدير كونه أمرا على ما تقدم فيه أعم منه ومما في الطريق فلا دلالة له على التكبير المتنازع فيه لجواز كونه ما في الصلاة ولما كان دلالتها عليه ظنية لاحتمال التعظيم كان الثابت الوجوب
والحديث المذكور ضعيف بموسى بن محمد بن عطاء أبي الطاهر المقدسي ثم ليس فيه أنه كان يجهر به وهو محل النزاع وكذا روى الحاكم مرفوعا ولم يذكر الجهر
نعم روى الدارقطني عن نافع موقوفا على ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى بجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام
قال البيهقي الصحيح وقفه على ابن عمر وقول صحابي لا يعارض به عموم الآية القطعية الدلالة أعنى قوله تعالى { واذكر ربك } إلى قوله { ودون الجهر } وقال صلى الله عليه وسلم خير الذكر الخفي فكيف وهو معارض بقول صحابي آخر
روى عن ابن عباس أنه سمع الناس يكبرون فقال لقائده أكبر الإمام قيل لا قال أجن الناس أدركنا مثل هذا اليوم مع النبي صلى الله عليه وسلم فما كان أحد يكبر قبل الإمام وقال أبو جعفر لا ينبغي أن تمنع العامة عن ذلك لقلة رغبتهم في الخيرات ويستحب أن
____________________
(2/72)
يرجع من غير الطريق التي ذهب منها إلى المصلى لأن مكان القربة يشهد ففيه تكثير للشهود قوله ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد وعامة المشايخ على كراهة التنفل قبلها في المصلى والبيت وبعدها في المصلى خاصة لما في الكتب الستة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها ولا بعدها وأخرج الترمذي عن ابن عمر أنه خرج في يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله صححه الترمذي وهذا النفي بعد الصلاة محمول عليه في المصلى لما روى ابن ماجه أخبرنا محمد بن يحيى بن الهيثم بن جميل عن عبد الله بن عمرو الرقي عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيد الخ استدل بالحديثين على أن وقتها من الارتفاع إلى الزوال وذكر الحديث الأول كما ذكر
وفي أبي داود وابن ماجة عن يزيد بن خمير بضم المعجمة قال خرج عبد الله بن بسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطر وأضحى فأنكر إبطاء الإمام فقال إنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح صححه
____________________
(2/73)
النووي في الخلاصة
والمراد بالتسبيح التنفل
وفي أبي داود والنسائي أن ركبا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا غدوا إلى مصلاهم
وبين في رواية ابن ماجه والدارقطني أنهم قدموا آخر النهار
ولفظه عن ابن عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أغمى علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأو الهلال بالأمس فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد قال الشيخ جمال الدين وبهذا اللفظ حسن الدارقطني إسناده هذا وصححه النووي في الخلاصة ولا يخفي بعد هذا أن لفظ آخر النهار يصدق على الوقت المكروه من بعد العصر وقبله فأمره صلى الله عليه وسلم إياهم بالخروج من الغد لا يستلزم كونه لخروج الوقت بدخول الزوال لجواز كونه للكراهة في ذلك الوقت فلا بد من دليل يفيد أن المراد بآخر النهار ما بعد الظهر أو يكون في تعيين وقتها هذا إجماع فيغني عنه وقد وجد ذلك الدليل وهو ما وقع في بعض طرقه من رواية الطحاوي حدثنا فهد حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا هشيم بن بشير عن أبي بشر جعفر بن إياس عن أبي عمير بن أنس بن مالك أخبرني عمومتي من الأنصار أن الهلال خفي عن الناس في آخر ليلة من شهر رمضان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحوا صياما فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زوال الشمس أنهم رأوا الهلال الليلة الماضية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالفطر فأفطروا تلك الساعة وخرج بهم من الغد فصلى بهم صلاة العيد قوله وهذا قول ابن مسعود اعلم أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق رأى الشافعي وما يوافق رأينا وكذا عن الصحابة
أما ما عنه صلى الله عليه وسلم ففي أبي داود وابن ماجه عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين في الأولى بسبع وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرتي الركوع ورواه الحاكم وقال تفرد به ابن لهيعة وقد استشهد به مسلم
قال وفي الباب عن عائشة وابن عمر وأبي هريرة والطرق إليهم فاسدة وفي أبي داود وابن ماجه أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال النبي صلى الله عليه وسلم التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية والقراءة بعدهما كلتيهما زاد الدارقطني بعد وخمس في الثانية سوى تكبيرة الصلاة قال النووي قال الترمذي في العلل سألت البخاري عنه فقال صحيح
____________________
(2/74)
وأخرج الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة قال الترمذي حديث حسن وهو أحسن شيء روى في هذا الباب
وقال في علله الكبرى سألت محمداعن هذا الحديث فقال ليس في هذا الباب أصح منه وبه أقول
وقد رويت أحاديث عدة غيرها توافق هذه وفي أبي داود ما يعارضها وهو أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر فقال أبوموسى كان يكبر أربعا تكبيرة على الجنائز فقال حذيفة صدق فقال أبو موسى كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم سكت عنه أبو داود ثم المنذري في مختصرة وهو ملحق بحديثين إذ تصديق حذيفة رواية لمثله وسكوت أبي داود والمنذري تصحيح أو تحسين منهما وتضعيف ابن الجوزي له بعبد الرحمن بن ثوبان نقلا عن ابن معين والإمام أحمد معارض بقول صاحب التنقيح فيه وثقه غير واحد
وقال ابن معين ليس به بأس لكن أبو عائشة في سنده قال ابن القطان لا أعرف حاله وقال ابن حزم مجهول ولو سلم فحديث ابن لهيعة ضعيف أيضا به لو لم يظهر فيه سبب غيره فكيف وقد بان اضطرابه فيه فمرة وقع فيه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الزهري ومرة عنه عن عقيل عن الزهري وقيل عنه عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وقيل عنه عن الأعرج عن أبي هريرة
قال الدارقطني والاضطراب فيه من ابن لهيعة والحديثان اللذان يليانه منع القول بتصحيحهما ابن القطان في كتابه وأوله وقال ونحن إن خرجنا عن ظاهر اللفظ لكن أوجبه أن كثير بن عبد الله عندهم متروك
قال أحمد لا يساوي شيئا وضرب على حديثه في المسند ولم يحدث عنه
وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وقال النسائي والدارقطني متروك وقال أبو زرعة واهي الحديث وأفظع الشافعي رحمه الله فيه القول
وقال ابن حنبل رحمه الله ليس في تكبير العيدين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح وإنما آخذ فيه بفعل أبي هريرة
وأما ما عن الصحابة فأخرج عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحق عن علقمة والأسود أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعا أربعا قبل القراءة ثم يكبر فيركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعا ثم ركع
أخبرنا معمر عن أبي إسحق عن علقمة والأسود قال كان ابن مسعود جالسا وعند حذيفة وأبو موسى الأشعري فسألهم سعيد ابن العاص عن التكبير في صلاة العيد فقال حذيفة سل الأشعري فقال الأشعري سل عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا فسأله فقال ابن مسعود يكبر أربعا ثم يقرأ ثم يكبر فيركع ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا
____________________
(2/75)
بعد القراءة طريق آخر رواه ابن أبي شيبة حدثنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التكبير في العيدين تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الآخرة ويوالي بين القراءتين والمراد بالخمس تكبيرة الافتتاح والركوع وثلاث زوائد وبالأربع بتكبيرة الركوع
طريق آخر رواه محمد بن الحسن أخبرنا أبوحنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود وكان قاعدا في مسجد الكوفة ومعه حذيفة بن اليمان وأبو موسى الأشعري فخرج عليهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أمير الكوفة يومئذ فقال إن غدا عيدكم فكيف أصنع فقالا أخبره يا أبا عبد الرحمن فأمره عبدالله بن مسعود أن يصلي بغير أذان ولا إقامة وأن يكبر في الأولى خمس وفي الثانية أربعا وأن يوالي بين القراءتين وأن يخطب بعد الصلاة على راحلته
قال الترمذي وقد روى عن ابن مسعود أنه قال في التكبير في العيد تسع تكبيرات في الأولى خمسا قبل القراءة وفي الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر أربعا مع تكبيرة الركوع
وقد روى عن غير واحد من الصحابة نحو هذا وهذا أثر صحيح قاله بحضره جماعة من الصحابة
ومثل هذا يحمل على الرفع لأنه مثل نقل أعداد الركعات
فإن قيل روى عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم ما يخالفه
قلنا غايته معارضة ويترجح أثر ابن مسعود بابن مسعود مع أن المروي عن بن ابن عباس متعارض فروى عنه كمذهبهم من رواية ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس كبر في عيد ثلاث عشرة سبعا في الأولى وستا في الآخرة
حدثنا يزيد بن هرون أخبرنا حميد عن عمار بن أبي عمار أن ابن عباس كبرفي عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الأخرة
وروى عنه كمذهبنا فروى ابن أبي شيبة حدثنا هشيم أخبرنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال صلى ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة ووالى بين القراءتين
ورواه عبد الرزاق وزاد فيه وفعل المغيرة بن شعبة مثل ذلك فاضطرب المروي
وأثر ابن مسعود أو لو لم يسلم كان مقدما فكيف وهوسالم لاضطراب معارضه وبه يترجح المرفوع الموافق له ويختص ترجيح الموالاة بين القراءتين منه بأن التكبير ثناء والثناء شرع في الأولى أول وهو دعاء الافتتاح فيقدم تكبيرها وحيث شرع في الثانية شرع مؤخراوهو القنوت فيؤخر تكبير الثانية على وفق المعهود قوله والشافعي أخذ بقول ابن عباس يعني المروي عنه من التكبيرات ثنتي عشرة أو ثلاث عشرة والمصنف لم يذكر الروايتين هكذا عنه بل إنه يكبر في الأولى للافتتاح وخمسا بعدها وفي الثانية خمسا ثم يقرأ أو أربعا إلا أن هذا بعد ما علم من طريقتنا أن
____________________
(2/76)
كل مروى في العدد يحمل على شموله الأصليات والزوائد تلتفت منه إلى كونه المروي عنه ثلاث عشرة تكبيرات الافتتاح والركوعين مع العشر أو التسع فاكتفى بهذا القدر من اللزوم في الإحالة على المروي عن ابن عباس إلا أن عد تكبيرة الافتتاح في الأولى دون تكبيرة القيام في الثانية تخصيص من غير مخصص وعلى اعتبارها إنما يقع الالتفات إلى كون المروي أربع عشرة وثلاث عشرة
فإن قيل المخصص اتصال الافتتاح بالزوائد
قلنا فلم يتجه عد تكبيرة ركوع الأولى وعلى عدم اعتباره يقع الالتفات إلى كونه أحد عشر أو عشرا قوله وذكر من جملتها تكبيرات الأعياد تقدم الحديث في باب صفة الصلاة وليس فيه تكبيرات الأعياد
والله تعالى أعلم فلما روى عن أبي يوسف أنه لا ترفع الأيدي فيها لا يحتاج فيه إلى القياس على تكبيرات الجنائز
بل يكفي فيه كون المتحقق من الشرع ثبوت التكبير ولم يثبت الرفع فيبقي على العدم الأصلي ويسكت بين كل تكبيرتين قدر ثلاث تسبيحات فإن الموالاة توجب الإشتباه على الناس وإن كان من الكثرة بحيث لا يكفي في دفع الإشتباه عنهم هذا القدر فصل بأكثر أو كان يكفي لذلك أقل سكت أقل
وليس بين التكبيرات عندنا ذكر مسنون لأنه لم ينقل وينبغي أن يقرأ في ركعتي العيد بسبح اسم ربك الأعلى { هل أتاك حديث الغاشية }
وروى أبو حنيفة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل { أتاك حديث الغاشية } ورواه أبو حنيفة رحمه الله مرة في العيدين فقط
فروع أدرك الإمام راكعا تحرم ثم إن غلب على ظنه إدراكه في الركوع إن كبر قائما كبر ثم ركع
____________________
(2/77)
لأن القيام هو المحل الأصلي للتكبير ويكبر برأي نفسه لأنه مسبوق وهو منفرد فيما يقضي والذكر الفائت يقضي قبل فراغ الإمام بخلاف الفعل وإن خشى فوت ركوع الإمام ركع وكبر في ركوعه خلافا لأبي يوسف ولا يرفع يديه لأن الوضع على الركبتين سنه في محله والرفع يكون سنة لا في محله وإن رفع الإمام رأسه سقط عنه ما بقي من التكبير لأنه إن أتى به في الركوع لزم ترك المتابعة المفروضة للواجب والقومة ليست معتبرة بل شرعت للفصل حتى لم يصر مدركا للركعة بإدراكها فلا تكون محلا للتكبير أداء ولا قضاء ولو أدركه في القومة لا يقضيها فيه لأنه يقضي الركعة مع تكبيراتها المأموم يتبع الإمام وإن خالف رأيه لأنه بالاقتداء حكمه على نفسه فيما يجتهد فيه فلو جاوز أقوال الصحابة إن سمع منه التكبير لا يتابعه
واختلفوا فيه قيل يتبعه إلى ثلاث عشرة وقيل إلى ست عشرة فإن زاد عليه فقد خرج عن حد الاجتهاد فلا يتابعه لتيقن خطئه كالمتابعه في المنسوخ وإن سمع من المبلغ كبر معه ولو زاد على ست عشرة لجواز الخطأ من المبلغ فيما سبق فلا يترك الواجب لللاحتمال واللاحق يكبر برأي إمامه لأنه خلفه بخلاف المسبوق
ومن دخل مع الإمام في صلاة العيد في التشهد يقضي بعد فراغ الإمام صلاة العيد بالاتفاق بخلاف الجمعة ولو قرأ الفاتحة أو بعضها فذكر أنه لم يكبر كبر وأعاد القراءة
وإن ذكر بعد ضم السورة كبر ولم يعد لأن القراءة تمت بالكتاب والسنة فلا يحتمل النقض بخلاف ما قبله فإنها لم تتم إذ لم يتم الواجب فكأنه لم يشرع فيها فيعيدها رعاية للترتيب ولو سبق بركعة ورأى رأى ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ أولا ثم يقضي ثم يكبر تكبيرات العيد
وفي النوادر يكبر أولا لأن ما يقضيه المسبوق أول صلاته في حق الأذكار إجماعا
وجه الظاهر أن البداءة بالتكبير يؤدي إلى الموالاة بين التكبيرات وهو خلاف الإجماع ولو بدأ بالقراءة يكون موافقا لعلي رضي الله عنه لأنه بدأ بالقراءة فيهما ولو كبر الإمام أربعا برأي ابن عباس فتحول إلى رأي ابن مسعود يدع ما بقي من التكبير ويبدأ في الثانية بالقراءة لأن تبدل الرأي يظهر في المستقبل ولو فرغ من التكبير فتحول إلى رأي علي رضي الله عنه وهو في القراءة لا يعيد التكبير لأن ما مضى على الصحة لأنه يؤدي إلى توسيط القراءة بين التكبيرات وهو خلاف الإجماع ولو كبر برأي ابن مسعود فتحول إلى رأي ابن عباس بعد ما قرأ الفاتحة كبر ما بقي وأعاد الفاتحة وإن تحول بعد ضم السورة لا يعيد القراءة قوله ثم يخطب خطبتين بذلك ورد النقل المستفيض لا شك في ورود النقل مستفيضا بالخطبة أما بالتنصيص على الكيفية المستمرة فلا إلا ما روى ابن ماجه حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا أبو بحر حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي حدثنا إسماعيل بن مسلم حدثنا أبو الزبير عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى
____________________
(2/78)
فخطب قائما ثم قعد قعيدة ثم قام قال النووي في الخلاصة وما روى عن ابن مسعود أنه قال السنة أن يخطب في العيد بخطبتين يفصل بينهما بجلوس ضعيف غير متصل ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء والمعتمد فيه القياس على الجمعة فلو خطب قبل الصلاة خالف السنة ولا يعيد الخطبة قوله وقد ورد فيه الحديث يعني الذي تقدم وفيه ما قلنا قوله لما روى الخ أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصحح إسناده عن عبد الله بن بريدة عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع زاد الدارقطني وأحمد فيأكل من الأضحية وصححه ابن القطان في كتابه وصحح زيادة الدارقطني أيضا قوله لأنه عليه الصلاة السلام كان يكبر في الطريق حاصل ما رأيناه فيه كتبناه فيما تقدم قوله ليس بشيء ظاهر مثل هذا اللفظ أنه مطلوب الاجتناب
وقال في النهاية أي ليس بشيء يتعلق به الثواب وهو يصدق على الإباحة ثم قال وعن أبي يوسف ومحمد في غير رواية الأصول أنه
____________________
(2/79)
لا يكره لما روى أن ابن عباس رضي الله عنه عنهما فعل ذلك بالبصرة انتهى
وهذه المقاسمة تفيد أن مقابله من رواية الأصول الكراهة وهو الذي يفيده التعليل بأن الوقوف عهد قربة في مكان مخصوص فلا يكون قربة في غيره وجوابه عن المروي عن ابن عباس أنه ما كان للتشبه يقتضي أن الكراهة معلقة بقصد التشبه والأولى الكراهة للوجه المذكور ولأن فيه حسما لمفسدة اعتقادية تتوقع من العوام ونفس الوقوف وكشف الرءوس يستلزم التشبه وإن لم يقصد
فالحق أنه إن عرض الوقوف في ذلك اليوم بسبب يوجبه كالاستسقاء مثلا لا يكره أما قصد ذلك اليوم بالخروج فيه فهو معنى التشبة إذا تأملت وما في جامع التمرتاشي لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم جاز يحمل عليه بلا وقوف وكشف فصل في تكبير التشريق
والإضافة بيانية أي التكبير الذي هو التشريق فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شيء من الأيام المخصوصة فهو حينئذ متفرع على قول الكل وما في الكافي مما يدفع هذا وهو ما ذكره في جواب الاعتراض على الاستدلال لأبي حنيفة على اشتراط المصر بالتكبير بأثر لا جمعة ولا تشريق أي لا تكبير إلا في مصر بأنه يسلتزم أن الإضافة في تكبير التشريق معناها تكبير التكبير من أن المراد التشريق في هذا الأثر لا في تلك الإضافة يقتضي عدم صحة الإضافة على معنى التكبير لكن ألحق صحتها على اعتبار إضافة العام إلى الخاص مثل مسجد الجامع وحركة الإعراب فيجب اعتبارها كذلك تصحيحا فحينئذ ما قيل لقب الفصل إنما وقع على قولهما لأن شيئا من التكبير لا يقع في أيام التشريق عند أبي حنيفة أو باعتبار القرب ليكون على قول الكل غير لازم وأيضا إنما يلزم لو أضيفت التكبيرات إلى أيام التشريق لكن إنما أضيفت إلى التشريق نفسه فإنما يصح ما ذكر
____________________
(2/80)
إذا أريد بالتشريق أيام التشريق أو قدرت الأيام مقحمة بين المتضايفين ولا داعي إليه فليرد به ما ذكرنا ولو أريد الذبح نفسه على بعد إضافة التكبير للذبح لم يلزم ما ذكر وهو ظاهر
وعلى هذا فما في الخلاصة من قوله أيام التشريق ثلاثة وأيام النحر ثلاثة ستة تنقضي بأربعة لأن الأول نحر فقط والأخير تشريق فقط والمتوسطان نحر وتشريق لا يصح فإن التشريق في أيام التشريق يجب أن يحمل على التكبير أو الذبح أو تشريق اللحم بإظهاره للشمس بعد تقطيعه ليتقدد وعلى كليهما يدخل يوم النحر فيها إلا أن يقال التشريق بالمعنى الثالث لا يكون في الأول ظاهرا
واختلف في أن تكبيرات التشريق واجبة في المذهب أو سنة والأكثر على أنها واجبة
ودليل السنة أنهض وهو مواظبته صلى الله عليه وسلم
وأما الاستدلال بقوله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } فالظاهر منها ذكر اسمه على الذبيحة نسخا لذكرهم عليها غيره في الجاهلية بدليل ما رزقهم من بهيمة الأنعام بل قد قيل إن الذكركناية عن نفس الذبح قوله والمسئلة مختلفة بين الصحابة فأخذا بقول علي رضي الله عنه وهو ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا حسن بن علي عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر بعد الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق
ورواه محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب فذكره
وأخذ هو بقول ابن مسعود رضي الله عنه وهو ما رواه ابن أبي شيبة أيضا
حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن الأسود قال كان عبد الله يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
وقول من جعل الفتوى على قولهما خلاف مقتضى الترجيح فإن الخلاف فيه مع رفع الصوت لا في نفس الذكر
والأصل في الأذكار الإخفاء والجهر به بدعة فإذا تعارضا في الجهر ترجح الأقل
وأخرج الحاكم عن علي وعمارة قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم وكان يقنت في صلاة الفجر وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق وصححه وتعقبه الذهبي وقال إنه خبر واه كأنه موضوع فإن عبد الرحمن صاحب مناكير وسعيد إن كان
____________________
(2/81)
الكريزي فهو ضعيف وإلا فهو مجهول
وأخرجه البيهقي وضعفه قوله والتكبير أن يقول إلى قوله وهو مأثور عن الخليل لم يثبت عند أهل الحديث ذلك وقد تقدم مأثورا عن ابن مسعود رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة وسنده جيد وقال أيضا حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شريك قال قلت لأبي إسحق كيف كان يكبر علي وعبد الله بن المسعود قال كانا يقولان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثم عمم عن الصحابة فقال حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل القبلة في دبر الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
وكذا في الحديث الضعيف الذي ذكرناه على ما رواه الدارقطني عن جابر فظهر أن جعل التكبيرات ثلاثا في الأولى كما يقوله الشافعي لا ثبت له
وأما تقييد استنانه أو إيجابه بكونه عقيب المفروضات فلأن قولهم كان يفعل كذا دبر الصلاة يتبادر منه المكتوبات بحسب غلبة استعمالهم في ذلك قوله وله ما رويناه من قبل أراد قوله لا جمعة إلى قوله
____________________
(2/82)
ولا تشريق إلا في مصر جامع
ولا يخفي عدم دلالته على المطلوب والتمحل لا يجدي إلا الدفع قوله عند اقتدائهم بالمقيم قيد به فإن المسافرين إذا اقتدوا بمسافر في المصر فيه روايتان والمختار أن لا وجوب عليهم
واختلفوا على قول أبي حنيفة هل الحربة شرط وجوبه أو لا وفائدته إنما تطهر إذا أم العبد قوما من شرطها قال لا ومن لا قال نعم قوله قال يعقوب هذا لفظ محمد ويعقوب هو أبو يوسف رحمه الله وتضمنت الحكاية من الفوائد الحكمية أنه إذا لم يكبر الإمام لا يسقط عن المقتدي بل يكبر هو والعرفية جلالة قدر أبي يوسف عند الإمام وعظم منزلة الإمام في قلبه حيث نسي ما لا ينسى عادة حين علمه خلفه وذلك أن العادة إنما هو نسيان التكبير الأول وهو الكائن عقيب فجر عرفة فأما بعد توالي ثلاثة أوقات يكبر فيها إلى الرابع فلم تجر العادة بنسيانه لعدم بعد العهد به ولو خرج من المسجد أو تكلم عامدا أو ساهيا أو أحدث عامدا سقط عنه التكبير
وفي الاستدبار عن القبلة روايتان ولو أحدث ناسيا بعد السلام قبل التكبير الأصح أنه يكبر ولا يخرج للطهارة والمسبوق يتابع الإمام في سجود السهو ولا يتابعه في التكبير ولو تابعه لا تفسد
وفي التلبية تفسد ويبدأ المحرم بالتكبير ثم بالتلبية
ومن نسي صلاة من أيام التشريق فإن ذكر في أيام التشريق من تلك السنة قضاها وكبر وإن قضى بعدها لم يكبر إلا في رواية عن أبي يوسف فيما إذا قضى في أيام تشريق أخرى
____________________
(2/83)
& باب صلاة الكسوف
صلاة العيد والكسوف ولاستسقاء متشاركة في عوارض هي الشرعية نهارا بلا أذان ولا إقامة
وصلاة العيد آكد لأنها واجبة وصلاة الكسوف سنة بل خلاف بين الجمهور أو واجبة على قويلة واستنان صلاة الاستسقاء مختلف فيه فظهر وجه ترتيب أبوابها ويقال كسف الله الشمس يتعدى وكسف الشمس لا يتعدى قال جرير ** حملت أمرا عظيما فاصطبرت له ** وقمت فيه بأمر الله يا عمرا ** ** فالشمس طالعة ليس بكاسفة ** تبكي عليك نجوم الليل والقمرا **
قوله يا عمرا ندبة لا نداء وهو شاهد الندب بيا على قلة والأكثر لفظ وا
ونجوم الليل نصب بتبكي لأنه مضارع باكيته فبكيته أي غلبته في البكاء والقمرا عطف عليه
وروى برفع النجوم فهو فاعل تبكي والقمرا منصوب على المعية والألف ألف الإطلاق التي تلحق القوافي المطلقة
وسببها الكسوف وصفتها سنة واختار في الأسرار وجوبها للأمر في قوله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم شيئا من هذه فافزعوا إلى الصلاة قال ولأنها صلاة تقام على سبيل الشهرة فكان شعارا للدين حال الفزع والظاهر أن الأمر للندب لأن المصلحة دفع الأمر المخوف فهي مصلحة تعود إلينا دنيوية لأن الكلام فيها لو كان الخلق كلهم على الطاعة ثم وجدت هذه الأفزاع فإنه بتقدير الهلاك يحشرون على نياتهم ولا يعاقبون وإن لم يكونوا على ذلك فتفترض التوبة وهي لا تتوقف على الصلاة وإلا لكانت فرضا
وقد بينا في باب العيدين أن المعنى المذكور لا يستلزم الوجوب إذ لا مانع من استنان شعار مقصود ابتداء فضلا عن شعار يتعلق بعارض
وأجمعوا على أنها تصلي بجماعة وفي المسجد الجامع أو مصلى العيد ولا تصلى في الأوقات المكروهة قوله كهيئة النافلة أي بلا أذان ولا إقامة ولا خطبة وينادي الصلاة جامعة
____________________
(2/84)
ليجتمعوا إن لم يكونوا اجتمعوا قوله له رواية عائشة أخرج الستة عنها قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فاقترأ قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قال فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته
فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة انتهى
وفي الصحيحين عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص ونحوه ولفظ ابن عمرو في مسلم لما انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي الصلاة جامعة فركع صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلى عن الشمس قوله ولنا حديث ابن عمر قيل لعله ابن عمرو ويعني عبد الله بن عمرو بن العاص فتصحف على بعض النساخ لأنه لم يوجد عن ابن عمر
أخرج أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام صلى الله عليه وسلم فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثم ركع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك وأخرجه الحاكم وقال صحيح
ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب انتهى
وهذا توثيق منه لعطاء
وقد أخرج البخاري له مقرونا بأبي بشر
وقال أيوب هو ثقة
وقال ابن معين لا يحتج بحديثه
وفرق الإمام أحمد بين من سمع منه قديما وحديثا
وأخرج أبو داود والنسائي عن ثعلبة بن عباد عن سمرة بن جندب قال بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا حتى إذا كان الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين
____________________
(2/85)
الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تنومة فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد فو الله ليحدثن شأن هذا الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثا قال فدفعنا فإذا هو بأزز فاستقدم فصلى فقام كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فوافق تجلى الشمس جلوسه في الركعة الثانية ثم سلم فحمد الله وأثنى عليه وشهد أن لا إله إلا الله وشهد أنه عبده ورسوله هذه رواية أبي داود
وفي أبي داود من حديث النعمان بن بشير كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت وفي النسائي من حديث أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر ثوبه فزعا حتى أتى المسجد فلم يزل يصلي حتى انجلت
قال إن ناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله إن الله إذا بدا لشئ من خلقه خشع له فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة وروى معنى هذه الجملة الأخيرة الإمام أحمد في مسنده والحاكم وقال على شرطهما
وأبو قلابة أدرك النعمان بن بشير قاله أبو حاتم بعد ما نقل عن ابن معين أبو قلابة عن النعمان بن بشير مرسل
ورواه أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي قال كسفت الشمس وفيه فصلى ركعتين فأطال فيها القيام ثم انصرف وقد انجلت فقال إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة ثم رواه بسند آخر فأدخل بين أبي قلابة وقبيصة هلال بن عامر فقد عرف الساقط في السند الأول فلذا قال الشيخ النووي هذا لا يقدح في صحة الحديث فإن هلالا ثقة
وأخرج البخاري عن أبي بكرة خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد وثاب الناس إليه فصلى بهم ركعتين فانجلت فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده فإذا كان ذلك فصلوا حتى ينكشف ما بكم فهذه الأحاديث منها الصحيح ومنها الحسن قد دارت على ثلاثة أمور منها ما فيه أنه صلى ركعتين
ومنها الأمر بأن يجعلوها كأحدث ما صلوه من المكتوبة وهي
____________________
(2/86)
الصبح فإن كسوف الشمس كان عند ارتفاعها قدر رمحين على ما في حديث سمرة فأفاد أن السنة ركعتان
ومنها ما فصل فأفاد تفصيله أنها بركوع واحد كما في حديث سمرة وابن عمرو بن العاص وحمل الركعتين على أن في كل ركعتين ركوعين خروج عن الظاهر
لا يقال الركعة اسم للأفعال التي آخرها السجدتان وقبلهما ركوع أعم من كونه واحدا أو أكثر لأنا نمنعه بل المتبادر من لفظ ركعة الأفعال المخصوصة التي هي قيام واحد وقراءة واحدة وركوع واحد وسجدتان فهو مفهومها في عرف أهل الشرع لا ما اشتمل على قراءتين وقيامين وركوعين وأما في الصدر الأول فهو أيضا كذلك ويقال أيضا لمجرد الركوع فهو إما مشترك بين مجموع الأفعال التي منها الركوع الواحد وبينه بدليل ما رووه عن عائشة رضى الله عنها قالت فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات والمراد عندهم أربع ركوعات قسمت كل ركوع ركعة
وكذا ما في حديث ابن عمرو الذي رووه فركع ركعتين في سجدة
وإما مجاز عرفي فيه وهو الظاهر لأنهم حيث أرادوه قيدوه بالقرينة الدالة عليه كما في قوله ركعتين في سجدة وقولها أربع ركعات وأربع سجدات وحيث أرادوا الأول أطلقوا اسم الركعة والركعتين مع أن المجاز خير من الاشتراك فظهر أن حقيقة لفظ ركعتين ما كان كل ركعة بركوع واحد ومجازها المستعمل نفس الركوع الواحد فإرادة قيامين وقراءتين وركوعين بعدهما سجودان بها ليس بحقيقة ولا مجاز ثبت استعمالهم له
فإن قيل إمكان الحمل عليه يكفي في الحمل عليه إذا أوجبه دليل وقد وجد وهو كون أحاديث الركوعين أقوى
قلنا هذه أيضا في رتبتها
أما حديث البخاري آخر فلا شك وكذا ما قبله من حديث النسائي وأبي داود والباقي لا ينزل عن درجة الحسن وقد تعددت طرقه فيرتقي إلى الصحيح
فهذه عدة أحاديث كلها صحيحة حينئذ فكافأت أحاديث الركوعين وكون بعض تلك اتفق عليها الكل من أصحاب الكتب الستة غاية ما فيه كثرة الرواة ولا ترجيح عندنا بذلك ثم المعنى الذي رويناه أيضا في الكتب الخمسة والمعنى هو المنظور إليه وإنما تفرق في أحاد الكتب وثنائها من خصوصيات المتون
ولو سلمنا أنها أقوى سندا فالضعيف قد يثبت مع صحة الطريق بمعنى آخر وهو كذلك فيها فإن أحاديث تعدد الركوع اضطربت واضطرب فيها الرواة أيضا فإن منهم من روى ركوعين كما تقدم ومنهم من روى ثلاث ركوعات
فروى مسلم عن جابر كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ست ركعات بأربع سجدات وهو أيضا يؤيد ما تقدم من إطلاق اسم الركعة
وروى مسلم أيضا عن جابر نفسه حديث الركوعين قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر فصلى بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذلك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات وكذا أخرج مسلم عن عائشة أنها بثلاث ركوعات وكما قدمنا عنها بركوعين وعمرو بن العاص تقدم عنه رواية الركوع الواحد والركوعين وإن كانت رواية الركوع الواحد اختلف في تصحيحها بخلاف رواية الركوعين فإن ذلك لا يخلو عن إيهان ظن الرواية الأولى عنه
وأخرج مسلم أربع ركوعات عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى فقرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ
____________________
(2/87)
ثم ركع ثم سجد قال والأخرى مثلها وفي لفظ ثمان ركعات في أربع سجدات وأخرج عن علي رضي الله عنه مثل ذلك ولم يذكر لفظ علي بل أحال على ما قبله
وروى أيضا خمس ركوعات أخرج أبو داود من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس فقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين وفعل في الثانية مثل ذلك ثم جلس يدعو حتى تجلى كسوفها وأبو جعفر فيه مقال تقدم في باب الوتر والاضطراب موجب للضعف فوجب ترك روايات التعدد كلها إلى روايات غيرها
ولو قلنا الاضطراب شمل روايات صلاة الكسوف فوجب أن يصلي على ما هو المعهود صح ويكون متضمنا ترجح روايات الاتحاد ضمنا لا قصدا وهو الموافق لروايات الإطلاق أعني نحو قوله صلى الله عليه وسلم فإذا كان ذلك فصلوا حتى ينكشف ما بكم وعن هذا الاضطراب الكثير وفق بعض مشايخنا بحمل روايات التعدد
على أنه لما أطال في الركوع أكثر من المعهود جدا ولا يسمعون له صوتا على ما تقدم في رواية رفع من خلفه متوهمين رفعه وعدم سماعهم الانتقال فرفع الصف الذي يلي من رفع فلما رأى من خلفه أنه صلى الله عليه وسلم لم يرفع فلعلهم انتظروه على توهم أن يدركهم فيه فلما يئسوا من ذلك رجعوا إلى الركوع فظن من خلفهم أنه ركوع بعد ركوع منه صلى الله عليه وسلم فرووا كذلك ثم لعل روايات الثلاث والأربع بناء على اتفاق تكرر الرفع من الذي خلف الأول
وهذا كله إذا كان الكسوف الواقع في زمنه مرة واحدة
فإن حمل على أنه تكرر مرارا على بعد أن يقع نحو ست مرات في نحو عشر سنين لأنه خلاف العادة كان رأينا أولى أيضا لأنه لما لم ينقل تاريخ فعله المتأخر في الكسوف المتأخر فقد وقع التعارض فوجب الإحجام عن الحكم بأنه كان المتعدد على وجه التثنية أو الجمع ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو كان المتحد فبقي المجزوم به استنان الصلاة مع التردد في كيفية معينة من المرويات فيترك ويصار إلى المعهود ثم يتضمن ما قدمنا من الترجح والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال
والمصنف رجح بأن الحال اكشف للرجال وهو يتم لو لم يرو حديث الركوعين أحد غير عائشة رضي الله عنها من الرجال لكن قد سمعت من رواه فالمعول عليه ما صرنا إليه قوله أما التطويل فبيان الأفضل لأنه صلى الله عليه وسلم فعله كما مر في حديث عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص من رواية عطاء بن السائب وسمرة وهذه الصورة حينئذ مستثناه مما سلف في باب الإمامة من أنه ينبغي أن يطول الإمام بهم الصلاة ولو خففها جاز ولا يكون مخالفا للسنة لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء فإن رواية أبي داود فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت يعطي أنه لم يبالغ في التطويل كما في رواية جابر أنه جعل الصحابة يخرون لطول القيام إذ الظاهر أنها لم تمكث مع مثل هذا الطول ما يسع ركعتين ركعتين
والحق أن السنة التطويل والمندوب مجرد استيعاب الوقت كما ذكر مطلقا كما في حديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين انكسفت الشمس إلى أن قال فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى تنجلي ولمسلم من حديث عائشة فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى تنجلي قوله فلهما رواية عائشة في الصحيحين عنها قالت جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته الحديث وللبخاري من حديث أسماء جهر صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ورواه أبو داود
____________________
(2/88)
والترمذي وحسنه وصححه ولفظه صلى صلاة الكسوف فجهر فيها بالقراءة قوله ولأبي حنيفة رواية ابن عباس وسمرة أما حديث ابن عباس فروى أحمد وأبو يعلى في مسنديهما عن ابن عباس صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف فلم أسمع منه حرفا من القراءة وفيه ابن لهيعة ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق الواقدي عن ابن عباس قال صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة ورواه البيهقي في المعرفة من الطريقين ثم من طريق الحكم بن أبان كما رواه الطبراني ثم قال وهؤلاء وإن كانوا لايحتج بهم ولكنهم عدد روايتهم توافق الرواية الصحيحة عن ابن عباس في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قرأ نحوا من سورة البقرة
قال الشافعي رحمه الله فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ إذ لو سمعه لم يقدره بغيره
ويدفع حمله على بعده رواية الحكم بن أبان صليت إلى جنبه ويوافق أيضا رواية محمد بن إسحق بإسناده عن عائشة قالت فحزوت قراءته وأما حديث سمرة فتقدم وفيه لا نسمع له صوتا قال الترمذي حسن صحيح
والحق أن تقدير ابن عباس لسورة البقرة لا يسلتزم عدم سماعه لأن الإنسان قد ينسىء المقروء المسموع بعينه وهو ذاكر لقدره فيقول قرأ نحو سورة كذا فالأولى حمله على الإخفاء لا بالنظر إلى هذه الدلالة بل بالنظر إلى ما تقدم من حديث صليت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذاحصل التعارض وجب الترجيح بأن الأصل في صلاة النهار الإخفاء
وأما قول المصنف والترجيح قد مر من قبل يعني أن الحال أكشف للرجال فقد يقال بل في خصوص هذه المادة تترجح رواية النساء هنا لأنها إخبار عن القراءة ومعلوم أنهن في آخر الصفوف أو في حجرهن فإذا أخبرن عن الجهر دل على تحققه بزيادة قوة بحيث يصل الصوت إليهن فالمعتبر ما رجع إليه آخرا من قوله كيف وإنها صلاة النهار لقوله عليه الصلاة والسلام فاذكروا الله إلى قوله بالدعاء حديثان ومعنى الأول تقدم في حديث عائشة وتقدم في حديث المغيرة قوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى تنجلي وفي مبسوط شيخ الإسلام قال في ظلمة أو ريح شديدة الصلاة حسنة
وعن ابن عباس أنه صلى لزلزلة بالبصرة قوله والسنة في الأدعية تأخيرها والإمام مخير إن شاء دعا مستقبلا جالسا أو قائما أو يستقبل القوم بوجهه ودعا ويؤمنون
قال الحلواني وهذا أحسن
ولو قام ودعا معتمدا على عصى أو قوس كان أيضا
____________________
(2/89)
حسنا قوله وليس في خسوف القمر جماعة الخ وما روى الدارقطني عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس والقمر ثمان ركعات في أربع سجدات وإسناده جيد وما أخرج عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات قال ابن القطان فيه سعيد بن حفص ولا أعرف حاله فليس فيه تصريح بالجماعة فيه والأصل عدمها حتى يثبت التصريح به وما ذكره من المعنى يكفي لنفيها قوله لأنه لم ينقل أي بطريق قصد الشرعية بل لدفع وهم من توهم أنه لموت إبراهيم صلى الله عليه وسلم فهو لسبب عرض وانقضى
____________________
(2/90)
& باب الاستسقاء
يخرجون للاستسقاء ثلاثة أيام ولم ينقل أكثر منها متواضعين متخشعين في ثياب خلق مشاة يقدمون الصدقة كل يوم بعد التوبة إلى الله تعالى إلا في مكة وبيت المقدس فيجتمعون في المسجد قوله قال أبو حنيفة الخ مفهومه استنانها فرادى وهو غير مراد قوله ورسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى ولم ترو عنه الصلاة يعني في ذلك الاستسقاء فلا يرد أنه غير صحيح كما قال الإمام الزيلعي المخرج ولو تعدى بصره إلى قدر سطر حتى رأى قوله في جوابهما قلنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة لم يحمله على النفي مطلقا وإنما يكون سنة ما واظب عليه ولذا قال شيخ الإسلام فيه دليل على الجواز
عندنا يجوز لو صلوا بجماعة لكن ليس بسنة وبه أيضا يبطل قول ابن العز الذين قالوا بمشروعية صلاة الاستسقاء لم يقولوا بتعينها بل هي على ثلاثة أوجه تارة يدعون عقيب الصلوات وتارة يخرجون إلى المصلى فيدعون من غير صلاة وتارة يصلون جماعة ويدعون
وأبو حنيفة لم يبلغه الوجه الثالث فلم يقل به والعجب أنه قاله بعد نقله قول المصنف قلنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة وهو مصرح بعلمهم بفعله وكذا قول غير المصنف المروى فيه شاذ فيما تعم به البلوى وهو ظاهر جواب الرواية فإن عبارته في الكافي الذي هو جمع كلام محمد قال لا صلاة في الاستسقاء إنما فيه الدعاء بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ودعا وبلغنا عن عمر أنه صعد المنبر فدعا فاستسقى ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صلاة إلا حديث واحد شاذ لا يؤخذ به انتهى وهذا صريح من جهة الرواية في علم محمد به
فإن قيل من أين يلزم كون ما علمه محمد رحمه الله ومن بعده من الرواية معلوما لأبي حنيفة قلنا ومن أين علم أنه لم يبلغه وبلغ أتباعه بل الظاهر تلقيهم ذلك عنه
ثم الجواب عنه بما ذكر وفي عدم الأخذ به لشذوذه ويلزمه أنهم لو صلوا بجماعة كان مكروها وقد صرح الحاكم أيضا في باب صلاة الكسوف من الكافي بقوله
____________________
(2/91)
ويكره صلاة التطوع جماعة ماخلا قيام رمضان وصلاة الكسوف وهذا خلاف ما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله ثم الحديث الذي روى من صلاته صلى الله عليه وسلم هو ما في السنن الأربعة عن إسحق بن عبد الله بن كنانة قال أرسلني الوليد بن عتبة وكان أمير المدينة إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلى في العيد صححه الترمذي
وقال المنذري في مختصره رواية إسحق بن عبد الله بن كنانة عن ابن عباس وأبي هريرة مرسلة ولا يضر ذلك فقد صح من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أخرجه الستة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين وحول رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة زاد البخاري فيه جهر فيهما بالقراءة وليس هذا عند مسلم ووهم البخاري ابن عيينة في قوله إنه عبد الله بن زيد بن عبد ربه بل هو ابن زيد بن عاصم المازني
وأما ما رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه وقال فيه فصلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثانية { هل أتاك حديث الغاشية } وكبر فيها خمس تكبيرات فليس بصحيح كما زعم بل هو ضعيف معارض
أما ضعفه فبمحمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال البخاري منكرا الحديث والنسائي متروك وأبو حاتم ضعيف الحديث ليس له حديث مستقيم
وقال ابن حبان يروى عن الثقات المعضلات حتى سقط الاحتجاج به
وأما المعارضة فيما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم استسقى فخطب قبل الصلاة واستقبل القبلة وحول رداءه ثم نزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة
____________________
(2/92)
تكبيرة وأخرج أيضا عن ابن عباس قال لم يزد صلى الله عليه وسلم على ركعتين مثل صلاة الصبح ووجه الشذوذ أن فعله صلى الله عليه وسلم لو كان ثابتا لاشتهر نقله اشتهار واسعا ولفعله عمر حين استسقى ولأنكروا عليه إذا لم يفعل لأنها كانت بحضرة جميع الصحابة لتوافر الكل في الخروج معه صلى الله عليه وسلم للاستسقاء فلما لم يفعل ولم ينكروا ولم يشتهر روايتها في الصدر الأول بل هو عن ابن عباس وعبد الله بن زيد على اضطراب في كيفيتها عن ابن عباس وأنس كان ذلك شذوذا فيما حضره الخاص والعام والصغير والكبير
واعلم أن الشذوذ يراد باعتبار الطرق إليهم إذ لو تيقنا عن الصحابة المذكورين رفعه لم يبق إشكال وإذا مشينا على ما اختاره شيخ الإسلام وهو الجواز مع عدم السنية فوجهه أنه صلى الله عليه وسلم إن فعله مرة كما قلتم فقد تركه أخرى فلم يكن سنة بدليل ما روى في الصحيحين أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فقال صلى الله عليه وسلم اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا
قال أنس رضي الله عنه فلا والله ما نرى بالسماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت الحديث قوله ثم هي كخطبة العيد عند محمد يعني فيكون خطبتين يفصل بينهما بجلوس ولذا قابله بقوله عند أبي يوسف خطبة واحدة ولا صريح في المرويات يوافق قول محمد إنها خطبتان ويحتمل أنه أخذه من المروي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الاستسقاء ركعتين كصلاة العيد مع رواية الخطبة في حديث أنس المذكور في رواية الطبراني السابقة وفي حديث أبي هريرة من رواية ابن ماجه قال فيه ثم خطبنا ودعا الله فتكون كخطبة العيد وهو غير لازم ثم في حديث ابن عباس على ما قدمناه قوله فلم يخطب بخطبتكم هذه فإنه يفيد نفي الخطبة المعهودة وهي خطبة الجمعة لا أصل الخطبة فإن النفي إذا دخل على مقيد انصرف إلى القيد ثم أفاد ثبوت أصل الحكم في المحاورات الخطابية لا بالنسبة إلى الأحكام الشرعية عندنا ومطلقا عند الثلاثة فلذا لم ينتهض
استدل من استدل بحديث ابن عباس هذا للإمام أحمد علي نفي الخطبة في الاستسقاء فإن أحمد ينفيها كقول أبي حنيفة رضي الله عنهما
وأما على أصلنا فحاصله نفي الخطبة المخصوصة وهو لا يستلزم ثبوت أصلها نفيا لدلالة المفهوم في الأحكام فتبقى على العدم حتى يقوم دليل وأنت قد علمت أنها رويت ولا بد للإمام أحمد إذ كان ينفيها أن يحكم بعدم صحة الوارد فيها فينتفي الدليل ونفى المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي
أما حديث ابن عباس المتقدم من رواية الأربعة فإن لم يدل على وجود الخطبة فلا إشكال وإن دل فإن صححة الترمذي فقد سكت عنه الحاكم وسكوته يشعر بضعفه عنده وتقدم حكم الحافظ المنذري أنها مرسلة وحديث أبي هريرة أعل بأنه تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري وقال البخاري فيه هو صدوق ولكن في حديثه وهم كثير اه فلا يحتمل التفرد مع هذا وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم خرج صلى الله عليه وسلم يستسقي فبدأ
____________________
(2/93)
الصلاة قبل الخطبة ولم يقل باستنانها وذلك لازم ضعف الحديث وأنت علمت أن ضعفه لا يلزم فيه كونه بضعف بعض الرجال بل العلل كثيرة
وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت فخرج صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن زمانه عنكم وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل من المنبر فصلى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت صلى الله عليه وسلم مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى ( الكل ) ضحك حتى بدت نواجذه فقال أشهد أن الله على كل شيء قدير وإني عبده ورسوله انتهى
قال أبو داود حديث غريب وإسناده جيد
وذلك الكلام السابق هو المراد بالخطبة كما قاله بعضهم ولعل الإمام أحمد أعله بهذه الغرابة أو الاضطراب فإن الخطبة فيه مذكورة قبل الصلاة وفيما تقدم من حديث أبي هريرة بعدها وكذا في غيره
وهذا إنما يتم إذا تم استبعاد أن الاستسقاء وقع حال حياته بالمدينة أكثر من سنتين السنة التي استسقى فيها بغير صلاة والسنة التي صلى فيها وإلا فالله سبحانه أعلم بحقيقة الحال
وفيه أنه أمر بإخراج المنبر
وقال المشايخ لا يخرج ولس إلا بناء على عدم حكمهم بصحته هذا ويستحسن أيضا الدعاء بما يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو به في الاستسقاء وهو اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا عدقا مجللا سحا عاما طبقا دائما
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم إن بالبلاد والعباد والخلق من اللأواء والضنك ما لا نشكو إلا إليك
اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا فإذا مطروا قالوا اللهم صيبا نافعا ويقولون مطرنا بفضل الله وبرحمته فإن زاد المطر حتى خيف الضرر قالوا
____________________
(2/94)
اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر كبقية ما سيق من الحديث أعنى استسقاء على المنبر حين قال ذلك الرجل يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع يديه وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتا قال ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنها قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس وقياس ما ذكرنا من الاستقساء إذا تأخر المطر عن أوانه فعله أيضا لو ملحت المياه المحتاج إليها أو غارت قوله وما رواه كان تفاؤلا اعتراف بروايته ومنع استنانه لأنه فعل لأمر لا يرجع إلى معنى العبادة والله أعلم قوله لم ينقل قال الزيلعي المخرج ليس كذلك عند أبي داود استسقى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت قلبها على عاتقه زاد الإمام أحمد وتحول الناس معه قال الحاكم على شرط مسلم انتهى
ودفع بأنه إنما قال في الهداية لأنه لم ينقل أنه أمرهم بذلك فنقل أنهم فعلوا ذلك لا يمسه
وأجيب بأن تقريره إياهم إذ حولوا أحد الأدلة وهو مدفوع بأن تقريره الذي هو من الحجج ما كان عن علمه ولم يدل شيء مما روى على علمه بفعلهم ثم تقريره بل اشتمل على ما هو ظاهر في عدم علمه به وهو ما تقدم من رواية أنه إنما حول بعد تحويل ظهره إليهم
____________________
(2/95)
واعلم أن كون التحويل كان تفاؤلا جاء مصرحا به في المستدرك من حديث جابر وصححه قال وحول رداءه ليتحول القحط
وفي طوالات الطبراني من حديث أنس وقلب رداءه لكي ينقلب القحط إلى الخصب وفي مسند إسحق لتتحول السنة من الجدب إلى الخصب ذكره من قول وكيع قوله لأنه لاستنزال الرحمة وإنما تنزل عليهم اللعنة أورد عليه أنه إن أريد الرحمة الخاصة فممنوع وإنما هو لاستنزال الغيث الذي هو الرحمة العامة لأهل الدنيا والكافر من أهلها
هذا ولكن لا يمكنون من أن يستسقوا وحدهم لاحتمال أن يسقوا فقد بفتن به ضعفاء العوام والله الموفق & باب صلاة الخوف
أوردها بعد الاستسقاء لأنها وإن اشتركا في أن شرعيتهما بعارض خوف لكن سبب هذا الخوف في الاستسقاء سماوي وهنا اختياري للعباد وهو كفر الكافر وظلم الظالم ولأن أثر العارض في الاستسقاء في أصل الصلاة وهنا في وصفها قوله إذا اشتد الخوف اشتداده ليس بشرط بل الشرط حضور عدو أو سبع فلو رأوا سوادا ظنوه عدوا صلوها فإن تبين كما ظنوا جازت لتبين سبب الرخصة وإن ظهر خلافه لم تجز إلا أن ظهر بعد أن انصرفت الطائفة من نوبتها في الصلاة قبل أن تتجاوز الصفوف فإن لهم أن يبنوا استحسانا كمن انصرف على ظن الحديث يتوقف الفساد إذا ظهر أنه لم يحدث على مجاوزة الصفوف لو شرعوا بحضرة العدو فذهب لا يجوز
____________________
(2/96)
لهم الانحراف والانصراف لزوال سبب الرخصة ولو شرعوا في صلاتهم ثم حضر جاز الانحراف لوجود المبيح
واعلم أن صلاة الخوف على الصفة المذكورة إنما تلزم إذا تنازع القوم في الصلاة خلف الإمام أما إذا لم يتنازعوا فالأفضل أن يصلي بإحدى الطائفتين تمام الصلاة ويصلي بالطائفة الأخرى إمام آخر تمامها قوله فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين من الرباعية إن كان مسافرا أو كانت الفجر أو الجمعة أو العيد قوله مضت هذه الطائفة يعني مشاة فإن ركبوا في ذهابهم فسدت صلاتهم قوله وجاءت الطائفة الأولى إلى قوله لأنهم مسبوقون يدخل في هذا المقيم خلف المسافر حتى يقضي ثلاث ركعات بلا قراءة إن كان من الطائفة الأولى وبقراءة إن كان من الثانية قوله والأصل فيه رواية ابن مسعود رضي الله عنه الخ روى أبو داود عن خفيف الجزري عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا صفا خلفه وصفا مستقبل العدو فصلى بهم صلى الله عليه وسلم ركعة ثم جاء الآخرون فقاموا في مقامهم واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة وسلموا ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا وأعل بأبي عبيدة لم يسمع من أبيه وخفيف ليس بالقوي
قيل ويمكن أن يحمل على حديث ابن عمر في الكتب الستة واللفظ للبخاري قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه فصلى وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة الأولى التي لم تصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ولا يخفى أن كلا من الحديثين إنما يدل على بعض المطلوب وهو مشي الطائفة الأولى وإتمام الطائفة الثانية في مكانها من خلف الإمام وهو أقل تغيرا
وقد روى تمام صورة الكتاب موقوفا على ابن عباس من رواية أبي حنيفة ذكره محمد في كتاب الآثار وساق إسناد الإمام ولا يخفى أن ذلك مما لا مجال للرأي فيه لأنه تغيير
____________________
(2/97)
بالمنافي في الصلاة فالموقوف فيه كالمرفوع قوله وأبو يوسف روى عن أبي يوسف جوازها مطلقا وقيل هو قوله الأول
وصفتها عنده فيما إذا كان العدو في جهة القبلة أن يحرموا مع الإمام كلهم ويركعوا فإذا سجد سجد معه الصف الأول والثاني يحرسونهم فإذا رفع رأسه تأخر الصف الأول وتقدم الثاني فإذا سجدوا سجدوا معه وهكذا يفعل في كل ركعة
والحجة عليه ما روينا من حديث ابن عمر وابن مسعود وقال سبحانه { فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } جعلهم سبحانه طائفتين وصرح بأن بعضهم فاته شيء من الصلاة معه وعلى ما ذكره لم يفتهم شيء
وقول الشافعي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية انتظر هذه الطائفة حتى تصلي ركعتها الثانية وتسلم وتذهب وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعتة الثانية فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية انتظر هذه الطائفة حتى تصلي ركعتها الثانية وتشهد وتسلم وسلموا معه
ومذهب مالك هذا أيضا إلا أنه يتشهد ويسلم ولا ينتظرهم فيصلون ركعتهم بعد تسليمه والكل من فعله عليه الصلاة والسلام مقبول ورجحنا نحن ما ذهبنا إليه من الكيفية بأنه أوفق بالمعهود استقراره شرعا في الصلاة وهو أن لا يركع المؤتم ويسجد قبل الإمام للنهي عنه وأن لا ينقلب موضوع الإمامة حيث ينتظر الإمام المأموم
وروى عنه أنها ليست مشروعة إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية شرط لإقامتها
____________________
(2/98)
كونه فيهم فلا تجوز إذا لم يكن فيهم
قال في النهاية لا حجة لمن تمسك بها لما عرف من أصلنا أن المعلق بالشرط لا يوجب عدم الحكم عند عدم الشرط بل هو موقوف على قيام الدليل فإذا قام على وجود الحكم لزم وقد قام هنا وهو فعل الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام انتهى
ولا يخفى أن استدلال أبي يوسف ليس باعتبار مفهوم الشرط ليدفع بأنه ليس بحجة بل بأن الصلاة مع المنافي لا تجوز في الشرع ثم إنه أجازها في صورة بشرط فعند عدمه تبقى على من ما كان عدم الشرعية لا أن عدم الشرعية عند عدمه مدلول للتركيب الشرطي فالجواب الحق أن الأصل كما انتفى بالآية حال كونه فيهم كذلك انتفى بعده بفعل الصحابة من غير نكير فدل إجماعهم على علمهم من جهة الشارع بعدم اختصاصها بحال كونه فيهم فمن ذلك ما في أبي داود أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة كابل فصلى بنا صلاة الخوف
وروى أن عليا صلاها يوم صفين وصلاها أبو موسى الأشعري بأصبهان وسعد بن أبي وقاص في حرب المجوس بطبرستان ومعه الحسن بن علي وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمرو بن العاص وسألها سعيد بن العاص أبا سعيد الخدري فعلمه فأقامها
وما في البخاري في تفسير سورة البقرة عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها
وفي الترمذي عن سهم بن أبي حثمة أنه قال في صلاة الخوف قال يقوم الإمام الحديث
فالصيغتان في الحديثين صيغة الفتوى لا إخبار عما كان عليه الصلاة والسلام فعل وإلا لقالا قام عليه الصلاة والسلام فصف خلفه الخ دون أن يقول يقوم الإمام ولذا قال مالك في الأول قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال محمد بن بشار في الثاني سألت يحيى بن سعيد القطان عن هذا الحديث فحدثني عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري
قال الترمذي حسن صحيح لم يرفعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وحينئذ لا يخفى أن قول المصنف فهو محجوج بما روينا ليس بشيء لأن أبا يوسف أخبر بما روى عنه عليه الصلاة والسلام ثم يقول لا تصلى بعده قوله لما روى أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بالطائفتين ركعتين ركعتين أخرج أبو داود عن أبي بكرة قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين
____________________
(2/99)
ثم سلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين وروى مسلم في صحيحه عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع قال كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة فأخذه فأخترطه ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من يمنعك منى قال الله يمنعني منك قال فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه
قال ثم نودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان فهذان الحديثان هما المعول عليه في هذه المسئلة
وعلى اعتبار الأول لا يكون مقيما لأنه صرح بالسلام فيه على رأس الركعتين ومطلوب المصنف أنه إذا كان مقيما فعل ذلك وإن اعتبر الثاني فليس فيه أنها الظهر وإن حمل عليه حملا له على حديث أبي بكرة
وغاية الأمر أنه سكت فيه عن تسمية الصلاة وعن السلام على رأس كل ركعتين لزم كونه في السفر لأنها غزوة ذات الرقاع ثم يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل وإن لم يحمل عليه لزم إما اقتداء المفترض بالمتنقل في الأخريين أو جواز الإتمام في السفر أو خلط النافلة بالمكتوبة قصدا والكل ممنوع عندنا والأخير مكروه فلا يحمل عليه فعله عليه الصلاة والسلام
واختار الطحاوي في حديث أبي بكرة أنه كان في وقت كانت الفريضة تصلى مرتين وتحقيقه ما سلف في باب صفة الصلاة فارجع إليه
وإلى الآن لم يتم دليل على المسئلة من السنة
والأولى فيه التمسك بالدلالة فإنه لما شطرت الصلاة بين الطائفتين في السفر غير المغرب كذلك في الحضر عند تحقق السبب وهو الخوف لكن الشطر في الحضر ركعتان فيصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعتين قوله فجعلها في الأولى أولى أي يترجح وإذا ترجح عند التعارض فيها لزم اعتباره فلذا لو أخطأ فصلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين فسدت على الطائفتين أما الأولى فلانصرافهم في غير أوانه وأما الثانية فلأنهم لما أدركوا الركعة الثانية صاروا من الطائفة الأولى لإدراكهم الشفع الأول وقد انصرفوا في أوان رجوعهم فتبطل والأصل أن الإنصراف في أوان العود مبطل والعود في أوان الإنصراف لا يبطل لأنه مقبل والأول معرض فلا يعذر إلا في المنصوص عليه وهو الإنصراف في أوانه ولو أخر الإنصراف ثم انصرف قبل أوان عوده صح لأنه أوان انصرافه مالم يجيء أوان عوده ولو جعلهم ثلاث طوائف وصلى بكل طائقة ركعة فصلاة الأولى فاسدة وصلاة الثانية والثالثة صحيحة والمعنى ما قدمنا وتقضي الثانية الثالثة أولا بلا قراءة لأنهم لاحقون فيها وتشهدوا ثم الركعة الأولى بقراءة لأنهم مسبوقون والمسبوق لا يقضي ما سبق به حتى يفرغ من قضاء ما أدركه ولو صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعة ثم بالأولى ركعة فسدت صلاة الأولى أيضا لما قلنا وكذا تفسد صلاة الطائفتين في الرباعية إذا صلى بكل ركعة وعلى هذا لو جعلهم أربعا في الرباعية وصلى بكل ركعة فسدت صلاة
____________________
(2/100)
الأولى والثالثة دون الثانية والرابعة ثم تقضي الطائفة الثانية الثالثة والرابعة أولا بغير قراءة ثم الأولى بقراءة والطائفة الرابعة تقضي ركعتين بقراءة ويتخير من في الثالثة لأنهم مسبوقون بثلاث ركعات ولو جعلهم طائفتين فصلى بالأولى ركعتين فانصرفوا إلا رجلا منهم فصلى الثالثة مع الإمام ثم انصرف فصلاته تامة لأنه من الطائفة الأولى وما بعد الشطر الأول إلى الفراغ أوان انصرافهم وكذا لو انصرف بعد الرابعة قبل القعود ولو انحرف بعد التشهد قبل السلام لا تفسد وإن كان في غير أوانه لأنه أوان عود الطائفة الأولى وهو منهم لكنها لا تفسد لانتهاء الأركان حتى لو بقي عليه شيء بأن كان مسبوقا بركعة فسدت وصلاة الإمام جائزة بكل حال لعدم المفسد في حقه قوله ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها قيل فيه نظر لأن صلاة الخوف إنما شرعت في الصحيح بعد الخندق فلذا لم يصلها إذ ذاك
وقوله في الكافي إن صلاة الخوف بذات الرقاع وهي قبل الخندق هو قول ابن إسحق وجماعة أهل السير في تاريخ هذه الصلاة وهذه الغزوة
واستشكل بأنه قد تقدم في طريق حديث الخندق للنسائي التصريح بأن تأخير الصلاة يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف
ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي والشافعي والدارمي وأبو يعلى الموصلي كلهم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه حبسنا يوم الخندق فذكره إلى أن قال وذلك قبل أن تنزل { فرجالا أو ركبانا } انتهى
وهذا لا يمس ما نحن فيه لأن الكلام في الصلاة حالة القتال وهذه الآية تفيد الصلاة راكبا للخوف ونحن نقول به وهي المسئلة التي بعد هذه ولا تلازم بين الركوب والقتال
فالحق أن نفس صلاة الخوف بالصفة المعروفة من الذهاب والإياب إنما شرعت بعد الخندق وأن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق ثم لا يضرنا في مدعى المصنف في هذه المسئلة أما الأول فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام صلى بعسفان صلاة الخوف كما قال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلا بين ضجنان وعسفان فحاصر المشركين فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة فجاء جبريل فأمره أن يقسم أصحابه نصفين وذكر الحديث
قال الترمذي حديث حسن صحيح
وفي رواية أبي عياش الزرقي كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد فساقه وقال نزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر وصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي
ولا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق
وأما الثاني فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الخوف بذات الرقاع على ما ذكرناه من رواية مسلم عن جابر فلزم أنها بعد الخندق وبعد عسفان
ويؤيد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري شهدا غزوة ذات الرقاع كما في الصحيحين عن أبي موسى أنه شهد غزوة ذات الرقاع وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت فسميت غزوة ذات الرقاع
وفي مسند أحمد والسنن أن مروان ابن الحكم سأل أبا هريرة هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قال نعم قال متى قال عام غزوة نجد وهذا يدل على أنها بعد غزوة خيبر فإن إسلام أبي هريرة رضي الله عنه كان في غزوة خيبر
____________________
(2/101)
وهي بعدها الخندق فهي بعد ما هو بعد فمن جعلها قبل الخندق فقد وهم
وأما الثالث فلما ذكرناه
وتوضيحه أن المدعى أن لا تصلى حالة المقاتلة والمسايفة وهذا مما يدل عليه تأخيره الصلاة يوم الخندق إذ لو جازت في تلك الحالة لم يؤخروا لمشروع بعده من صلاة الخوف بالصفة الخاصة لم يفد جوازه وإن اشتملت الآية على الأمر بأخذ الأسلحة فإنه لا ينفي وجوب الاستئناف إن وقع محاربة فالقدر المتحقق من فائدة الأمر بأخذ الأسلحة إباحة القتال الذي هو ليس من أعمال الصلاة بل هو من المفسدات
فأفادت حل فعل هذا المفسد بعد أن كان حراما فيبقى كل ما علم على ما علم ما لم ينفه ناف والذي كان معلوما حرمة مباشرة المفسد وثبوت الفساد بفعله
والقدر الذي يستلزمه الأمر بأخذ الأسلحة رفع الحرمة لا غير فيبقى الآخر فتجب الإعادة قوله وإذا اشتد الخوف بأن لا يدعهم العدو يصلون نازلين بل يهاجمونهم قوله وعن محمد أنهم يصلون بجماعة يعني الركبان قوله لانعدام لاتحاد في المكان لكن محمد يقول قد جوز لهم ما هو أشد من ذلك وهو الذهاب والمجئ والانحراف عن القبلة
والجواب بأن ما ثبت شرعا مما لا مدخل للرأي فيها لا يتعدى بها إنما ينتهض إذا كان إلحاق محمد بالقياس لكنه بالدلالة حيث قال جوز لهم ما هو أشد لكن تمامه موقوف على أن تجويز ما هو أشد شرعا كان لحاجة فضيلة الجماعة وهو مما لا يفتقر الاطلاع عليه على أهلية اجتهاد وهو ممنوع هذا
ولو كان على دابة واحدة جاز اقتداء المتأخر منهما بالمتقدم اتفاقا
____________________
(2/102)
& باب الجنائز
صلاة الجنازة صلاة من وجه لا مطلقة ثم هي متعلقة بعارض هو آخر ما يعرض للحي في دار التكليف وكل منهما يستقل بمناسبة تأخيرها عن كل الصلوات فكيف وقد اجتمعا
ولهذه الصلاة كغيرها صفة وسبب وشرط وركن وسنن وآداب
أما صفتها ففرض كفاية
وسببها الميت المسلم فإنها وجبت قضاء لحقه
وركنها سيأتي بيانه
وأما شرطها فما هو شرط للصلاة المطلقة وتزيد هذه بأمور سنذكرها
وسننها كونه مكفنا بثلاثة أثواب أو بثيابه في الشهيد وكون هذا من سنن الصلاة تساهل وآدابها كغيرها والجنازة بالفتح الميت وبالكسر السرير
والمحتضر من قرب من الموت
وصف به لحضور موته أو ملائكة الموت وعلامات الاختضار أن تسترخي قدماه فلا ينتصبان ويتعوج أنفه وتنخسف صدغاه وتمتد جلدة خصييه لانشمار الخصيتين بالموت
ولا يمتنع حضور الجنب والحائض وقت الاحتضار قوله لأنه أيسر لم يذكر فيه وجه ولا يعرف إلا نقلا والله أعلم بالأيسر منهما ولا شك أنه أيسر لتغميضه وشد لحييه وأمنع من تقوس أعضائه ثم إذا ألقى على القفا يرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء قوله والأول هو السنة أما توجيهه فلأنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور فقالوا توفى وأوصى بثلثه لك وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر فقال عليه الصلاة والسلام أصاب الفطرة وقد رددت ثلثه على ولده رواه الحاكم
وأما أن السنة كونه على شقه الأيمن فقيل يمكن الاستدلال عليه بحديث النوم في الصحيحين عن البراء بن عازب عنه عليه الصلاة والسلام قال إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم إني أسلمت نفسي إليك إلى أن قال فإن مت مت على الفطرة وليس فيه ذكر القبلة وما روى الإمام أحمد عن أم سلمى قالت اشتكت فاطمة رضي الله عنها شكواها التي قبضت فيها فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل
____________________
(2/103)
ما رأيتها وخرج علي لبعض حاجته فقالت يا أمه أعطني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت واضطجعت فاستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت يا أمه إني مقبوضة الآن وقد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها فضعيف ولذا لم يذكر ابن شاهين في باب المحتضر من كتاب الجنائز له غير أثر عن إبراهيم النخعي قال يستقبل بالميت القبلة وعن عطاء بن أبي رباح نحوه بزيادة على شقة الأيمن ما علمت أحد تركه من ميت ولأنه قريب من الوضع في القبر ومن اضطجاعه في مرضه والسنة فيهما ذلك فكذا فيما قرب منهما
وحديث لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله أخرجه الجماعة إلا البخاري عن الخدري
وروى من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم نحوه سواء قوله والمراد الذي قرب من الموت مثل لفظ القتيل في قوله عليه الصلاة والسلام من قتل قتيلا فله سلبه وأما التلقين بعد الموت وهو في القبر فقيل يفعل لحقيقة ما روينا ونسب إلى أهل السنة والجماعة وخلافه إلى المعتزلة
وقيل لا يؤمر به ولا ينهي عنه ويقول يا فلان يا ابن فلان اذكر دينك الذي كنت عليه في دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا شك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل فيجب تعيينه
وما في الكافي من أنه إن كان مات مسلما لم يحتج إليه بعد الموت وإلا لم يفد يمكن جعله الصارف يعني أن المقصود منه التذكير في وقت تعرض الشيطان وهذا لا يفيد بعد الموت
وقد يختار الشق الأول والاحتياج إليه في حق التذكير لتثبيت الجنان للسؤال فنفي الفائدة مطلقا ممنوع
نعم الفائدة الأصلية منتفية
وعندي أن مبنى ارتكاب هذا المجاز هنا عند أكثر مشايخنا هو أن الميت لا يسمع عندهم على ما صرحوا به في كتاب الإيمان في باب اليمين بالضرب
لو حلف لا يكلمه فكلمه ميتا لا يحنث لأنها تنعقد على ما بحيث يفهم والميت ليس كذلك لعدم السماع
وأورد قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وأجابوا تارة بأنه مردود من عائشة رضي الله عنها قالت كيف يقول صلى الله عليه وسلم ذلك والله تعالى يقول { وما أنت بمسمع من في القبور } { إنك لا تسمع الموتى } وتارة بأن تلك خصوصية له صلى الله عليه وسلم معجزة وزيادة حسرة على الكافرين وتارة بأنه من ضرب المثل كما قال علي رضي الله عنه ويشكل عليهم ما في مسلم إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا اللهم إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين فإنهما يفيدان تحقيق عدم سماعهم فإنه تعالى شبه الكفار بالموتى لإفادة تعذر سماعهم وهو فرع عدم سماع الموتى إلا أنه على هذا ما ينبغي التلقين بعد الموت لأنه يكون حين إرجاع الروح فيكون حينئذ لفظ موتاكم في حقيقته وهو قول طائفة من المشايخ أو هو مجاز باعتبار ما كان نظرا إلى أنه الآن حي إذ ليس معنى الحي إلا من في بدنه الروح وعلى كل حال يحتاج إلى دليل آخر
____________________
(2/104)
في التلقين حالة الاحتضار إذ لا يراد الحقيقي والمجازي معا ولا مجازيان وليس يظهر معنى يعم الحقيقي والمجازي يعتبر مستعملا فيه ليكون من عموم المجاز للتضاد وشرط إعماله فيهما أن لا يتضادا
ثم ينبغي في التلقين في الاحتضار أن يقال بحضرته وهو يسمع ولا يقال له قل
قالوا وإذا ظهر منه كلمات توجب الكفر لا يحكم بكفره ويعامل معاملة موتى المسلمين حملا على أنه في حال زوال عقله ولذا اختار بعض المشايخ أن يذهب عقله قبل موته لهذا الخوف وبعضهم اختاروا قيامه حال الموت والعبد الضعيف مؤلف هذه الكلمات فوض أمره إلى الرب الغني الكريم متوكلا عليه طالبا منه جلت عظمته أن يرحم عظيم فاقتي بالموت على الإيمان والإيقان ومن يتوكل على الله فهو حسبه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم يقول مغمضه بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه فصل في الغسل
غسل الميت فرض بالإجماع إذا لم يكن الميت خنثى مشكلا فإنه مختلف فيه قيل ييمم وقيل يغسل في ثيابه والأول أولى
وسند الإجماع من السنة قيل ونوع من المعنى
أما السنة فما روى الحاكم في المستدرك من طريق ابن إسحق عن محمد بن ذكوان عن الحسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آدم رجلا أشعر طوالا كأنه نخلة سحوق فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة فلما مات عليه الصلاة والسلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا وجعلوا في الثالثة كافورا وكفنوه في وتر من الثياب وحفروا له لحدا وصلوا عليه وقالوا هذه سنة ولد آدم من بعده وسكت عنه ثم أخرجه عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب مرفوعا نحوه وفيه قالوا يا بني آدم هذه سنتكم من بعده فكذا كم فافعلوا وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه لأن عتى بن ضمرة ليس له راو غير الحسن
وحديث ابن عباس في الذي وقصته
____________________
(2/105)
راحلته في الصحيحين وفيه اغسلوه بماء وسدر الحديث
وحديث أم عطية أنه عليه الصلاة والسلام قال لهن في ابنته اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا رواه الجماعة
وقد غسل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعده والناس يتوارتونه ولم يعرف تركه إلا في الشهيد
وما في الكافي عنه عليه الصلاة والسلام للمسلم على المسلم ثمانية حقوق وذكر منها غسل الميت الله أعلم به
والذي في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنازة وإجابة الدعوة وتشميت العاطس وفي لفظ لهما خمس تجب للمسلم على أخيه وفي لفظ لمسلم حق المسلم على المسلم ست فزاد وإذا استنصحك فانصح له ثم عقل أهل الإجماع أن إيجابه لقضاء حقه فكان على الكفاية لصيرورة حقه مقضيا بفعل البعض وأما المعنى فلأنه كإمام القوم حتى لا تصح هذه الصلاة بدونه وطهارة الإمام شرط فكذا طهارته فهو فرع ثبوت وجوب غسله سمعا فليس هو معنى مستقلا بالنظر إلى نفسه في إفادة وجوب الغسل
وهذا واختلف في سبب وجوبه قيل ليس لنجاسة تحل بالموت بل للحدث لأن الموت سبب للاسترخاء وزوال العقل وهو القياس في الحي وإنما اقتصر على الأعضاء الأربعة فيه للحرج لكثرة تكرر سبب الحدث منه
فلما لم يلزم سبب الحرج في الميت عاد الأصل ولأن نجاسة الحدث تزول بالغسل لانجاسة الموت لقيام موجبها بعده
وقيل وهو الأقيس سببه نجاسة الموت لأن الآدمي حيوان دموى فيتنجس بالموت كسائر الحيوان ولذا لو حمل ميتا قبل غسله لا تصح صلاته ولو كان للحدث لصحت كحمل المحدث
غاية ما في الباب أن الآدمي المسلم خص باعتبار نجاسته الموتية زائلة بالغسل تكريما بخلاف الكافر فإنه لا يطهر بالغسل ولا تصح صلاة حامله بعده وقولكم نجاسة الموت لا تزول لقيام موجبها مشترك الإلزام فإن سبب الحدث أيضا قائم بعد الغسل
وقد روى في حديث أبي هريرة سبحان الله إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا فإن صحت وجب ترجيح أنه للحدث
وهل يغسل الكافر إن كان له ولي مسلم وهو كل ذي رحم محرم غسله من غير مراعاة سنة الغسل بل كغسل الثوب النجس وإن لم يكن لا يغسل وهل يشترط للغسل النية الظاهر أنه يشترط لإسقاط وجوبه عن المكلف لا لتحصيل طهارته هو
وشرط صحة الصلاة عليه عن أبي يوسف في الميت إذا أصابه المطر أو جرى عليه الماء لا ينوب عن الغسل لأنا أمرنا بالغسل انتهى ولأنا لم نقض حقه بعد
وقالوا في الغريق يغسل ثلاثا في قول أبي يوسف وعن محمد في رواية إن نوى الغسل عند الإخراج من الماء يغسل مرتين وإن لم ينو فثلاثا
جعل حركة الإخراج بالنية غسله وعنه يغسل مرة واحدة كأن هذه ذكر فيها القدر الواجب قوله وضعوه على سرير قيل طولا إلى القبلة وقيل عرضا
قال السرخسي الأصح كيفما تيسر قوله ووضعوا على عورته خرقة لأن العورة لا يسقط حكمها بالموت قال عليه الصلاة والسلام لعلى لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ولذا لا يجوز تغسيل الرجل والمرأة وبالعكس وكذا
____________________
(2/106)