مقدمة الشارح بسم الله الرحمن الرحيم دور الحكام شرح محلة الأحكام الحمد لله حمد المتشرعين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين . من المعلوم عند علماء الحقوق علم الفقه الجليل بحر لا ساحل له ، وأن استنباط غرر المسائل اللازمة منه يتوقف على مهارة فائقة وملكة راسخة ، ولاسيما أن من الكتب الفقهية الجليلة المصنفة في مذهب الحنفية اختلافات كثيرة فتلخيص الأقوال المختارة منها وذكر الأدلة ووضعها في شرح لمؤلف عظيم القدر كالمجلة من الأمور الصعبة التي تحتاج بي إلى بحث واستقصاء وإني على قلة بضاعتي قد بذلت الجهد على قدر الاستطاعة وقد ساعدني على ذلك اشتغالي بعلم الفقه أثناء تقلبي لمناصب شرعية فلذلك أمكنني أن أنتخب والتقط كثيرا من دور المسائل واضعها في شرح لمواد المجلة وقد سميت هذا الشرح ( درر الحكام شرح مجلة الأحكام ) ولا يخفى أن المجلة قد انتزعت من الفقه ولذلك ينبغي أن يكون الشرح الذي يوضع لها ملتقطا من الكتب الفقهية المرضية كما أنه يجب أن يكون موافقا للأقوال التي اختارتها المجلة وإلا فتأليف شرح المجلة بالرأي الخاص المستند إلى العقل كما فعل البعض فليس له قيمة بل يعود ذلك بالضرر وهذا الشرح الذي وضعته قد تصفحه علماء وفقهاء في دائرة الفتيا الإسلامية العالية ووافقوا على أنه مطابق للشرع الشريف وهذا شرف لم يحزه سوى هذا الشرح فإنه لا شرح سواه صدقت عليه دائرة الفتيا العالية جامعا لشرح مواد المجلة كلها ومن الله التوفيق . وها أنا أشرع في المقصود متوكلا على الرب المعبود مريدا للإصلاح قاصدا للإيضاح سائلا منه الهداية والعناية ومبتهلا إليه الوقاية في البداية والنهاية إليه تبت وبه اعتصمت ونوضح هنا الأسباب التي أوجبت وضع المجلة بإثبات تقرير اللجنة العلمية التي انتخبت خصيصا لوضعها وهو كما يأتي :
____________________
(1/7)
صورة التقرير ( الذي تقدم للمرحوم عالي باشا الصدر الأعظم ) ( فيما يتعلق بالمجلة وذلك في غرة محرم سنة 1286 ) لا يخفى على حضرة الصدر العالي أن الجهة التي تتعلق بأمر الدنيا من علم الفقه تنقسم إلى مناكحات ومعاملات وعقوبات كذلك القوانين السياسية للأمم المتمدينة تنقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ويسعى قسم المعاملات منها القانون المدني ، لكنه لما زاد اتساع المعاملات التجارية في هذه الأعصار مست الحاجة إلى استثناء كثير من المعاملات كالسفتجة التي يسمونها حوالة ( وفي الأصل بولجة ) وكاحكام الإفلاس وغيرهما من القانون الأصلي المدني ووضع لهذه المستثنيات قانون مخصوص يسمى قانون النجارة وعمل به في الخصوصيات التجارية فقط . وأما سائر الجهات فما زالت أحكامها تجري على القانون المدني ومع دلك فالدعاوى التي ترى في محاكم التجارة إذا ظهر شيء من متفرعاتها ليس له حكم في قانون التجارة مثل الرهن والكفالة يرجع فيه إلى القانون الأصلي وكيفما وجد مسطورا فيه يجري الحكم على مقتضاه وكذا في دعاوي الحقوق العادية الناشئة على الجرائم تجري المعاملة بها على هذا المنوال أيضاً . وقد وضعت الدولة العلية قديما وحديثا قوانين كثيرة تقابل القانون المدني وهي وإن لم تكن كافية لبيان جميع المعاملات وفصلها إلا أن المسائل المتعلقة بقسم المعاملات من علم الفقه هي كافية وافية للاحتياجات الواقعة في هذا الخصوص ولعلما يرى بعض مشكلات في تحويل الدعاوي إلى الشرع والقانون غير أن مجالس تمييز الحقوق لما كانت تحت رئاسة حكام الشرع الشريف وكانت الدعاوي الشرعية ترى وتفصل لديهم ، كانت المواد النظامية التي تحال إلى تلك المجالس ترى وتفصل بمعرفتهم أيضا وبذلك يجري حل تلك المشكلات لأن أصل القوانين والنظامات الملكية مرجعهما علة الفقه وكثير من الخصوصيات المتفرعة والأمور التي ينظر فيها بمقتضى النظام يفصل ويحسم على وفق المسائل الفقهية والحال أن أعضاء مجالس تمييز الحقوق لا اطلاع لهم على مسائل الفقه فإذا حكمت حكام الشرع الشريف في تلك الفروع بمقتضى الأحكام الشرعية ظن الأعضاء أنهم يفعلون ما يشاؤن خارجا عن النظامات والقوانين الموضوعة وأساؤا بهم الظن مما يؤدي إلى القيل والقال . ثم أن قانون التجارة الهمايوني هو دستور العمل في محاكم التجارة الموجود في ممالك الدولة العلية وأما الخصوصيات المتفرعة عن الدعاوي التجارية التي لا حكم لها في قانون التجارة فيحصل بها مشكلات عظيمة لأنها إذا صارت المراجعة في مثل هذه الخصوصات إلى قوانين اوروبا وهي ليست موضوعة بالإرادة السنية لا تكون مدار الحكم في محاكم الدولة العلية . وإذا احيل فصل تلك المشكلات إلى الشريعة الغراء فالمحاكم الشرعية تصبح مجبرة على استئناف المرافعة في تلك الدعوى حينئذ فالحكم على قضية واحدة في محكمتين كل منهما تغاير الأخرى في أصول المحاكم ينشأ عنه بالطبع تشعب ومباينة ففي مثل هذه الأحوال لا يمكن محاكم النجارة مراجعة المحاكم الشرعية وإذا قيل لأعضاء محاكم التجارة أن يراجعوا الكتب الفقهية فهذا أيضا لا يمكن لأن هؤلاء الأعضاء على حد سواء مع أعضاء مجالس محاكم تمييز الحقوق في الاطلاع على
____________________
(1/8)
المسائل الفقهية ولا يخفى أن علم الفقه بحر لا ساحل له واستنباط درر المسائل اللازمة منه لحل المشكلات يتوقف على مهارة علمية وملكة كلية على الخصوص مذهب السادة الحنفية لأنه قام فيه مجتهدون كثيرون متفاوتون في الطبقة ووقع فيه اختلافات كثيرة ومع ذلك فلم يحصل فيه تنقيح كما حصل في فقه الشافعية بل لم تزل مسائلة أشتاتا متشعبة فتمييز القول الصحيح بين تلك المسائل والأقوال المختلفة وتطبيق الحوادث عليها عسير جدا وما عدا ذلك فإنه يتبدل الأعصار تتبدل المسائل التي يلزم بناؤها على العادة والعرف مثلا : كان عند المتقدمين من الفقهاء إذا أراد أحد شراء دارا اكتفى برؤية بعض بيوتها وعند المتأخرين لا بد من رؤية كل بيت منها على حدته . وليس هذا الاختلاف مستندا إلى دليل بل هو ناشئ على اختلاف العرف والعادة في أمر الانشاء والبناء وذلك أن العادة قديما في إنشاء الدور وبنائها أن تكون جميع بيوتها متساوية على طراز واحد فكانت رؤية بعض البيوت على هذا تغني عن رؤية سائرها وأما في هذا العصر فلأن العادة جرت بأن تكون الدار الواحدة مختلفة في الشكل والقدر لزم عند البيع رؤية كل منها على الانفراد وفي الحقيقة فاللازم في هذه المسألة وأمثالها حصول علم كاف بالمبيع عند المشتري ومن ثم لم يكن الاختلاف الواقع في مثل المسألة المذكورة تغييرا للقاعدة الشرعية وإنما تغير الحكم فيها بتغير أحوال الزمان فقط ولفريق الاختلاف الزماني والاختلاف البرهاني الواقع هنا وتمييزها محوج إلى زيادة التدقيق وامعان النظر فلا جرم أن الإحاطة بالمسائل الفقهية وبلوغ النهاية في معرفتها أمر صعب جدا ولذا انتدبت طائفة من فقهاء العصر وفضلائه لتأليف كتب مطولة مثل كتاب الفتاوي والتاتارخانية والعالمكيرية المشهورة الان بالفتاوي الهندية ومع ذلك ومع ذلك فلم يقدروا على حصر جميع الفروع الفقهية والاختلافات المذهبية وفي الواقع أن كتب الفتاوي وهي عبارة عن مؤلفات حاوية لصور ما حصل تطبيقه من الحوادث على القواعد الفقهية وافتت به الفتاوي فيما مر من الزمان ولا شك أن الاحاطة بجميع الفتاوي التي أفتى بها علماء السادة الحنفية في العصور الماضية عسر للغاية ولهذا جمع ابن نجيم رحمه الله تعالى كثيرا من القواعد الفقهية والمسائل الكلية المندرج تحتها فروع الفقه ففتح بذلك بابا يسهل التوصل منه إلى الاحاطة بالمسائل ولكن لم يسمح الزمان بعده بعالم فقيه يحذو حذوه حتى يجعل أثره طريقا واسعا وأما الآن فقد ندر وجود المتبحرين في مراجعة الكتب الفقهية وقت الحاجة لحل الاشكالات فقد صار من الصعب أيضا وجود قضاة كافية للمحاكم الشرعية في الممالك المحروسة . بناء على ذلك لم يزل الأمل معلقا بتأليف كتاب في المعاملات الفقهية يكون مضبوطا سهل المأخذ عاريا من الاختلافات حاويا للأقوال المختارة سهل المطالعة على كل أحد لأنه إذا وجد كتاب على هذا الشكل حصل منه فائدة عظيمة عامة لكل من نواب الشرع ومن أعضاء المحاكم النظامية والمأمورين بالإدارة فيحصل لهم بمطالعته انتساب إلى الشرع وتتكون عندهم ملكة بحسب الوسع تمكنهم من التوفيق ما بين الدعاوي والشرع الشريف فيصبح هذا الكتاب معتبرا مرعي الاجراء في المحاكم الشرعية مغنيا عن وضع قانون لدعاوي الحقوق التي ترى في المحاكم النظامية وزمن أجل الحصول على هذا المأمول عقدت سابقا جمعية علمية في إدارة مجلس التنظيمات وحرر حينئذ كثير من المسائل ولكن لم تبرز إلى حيز الفعل فصدق مضمون قولهم أن الأمور مرهونة لأوقاتها حتى شاء الله تعالى بروزها في هذا
____________________
(1/9)
العصر الهمايوني الذي تغبطه جميع الأعصار بظهور مثل هذه الآثار الخيرية المهمة . ولحصول هذا الأمر قد عهد إلينا مع ضعفنا وعجزنا اتمام هذا المشروع الجليل لتحصل به الكفاية في تطبيق المعاملات الجارية على القواعد الفقهية على حسب احتياجات العصر . وبموجب الارادة العلية اجتمعنا في دائرة ديوان الأحكام وبادرنا إلى ترتيب مجلة مؤلفة من المسائل والأمور الكثيرة الوقوع اللازمة جدا من قسم المعاملات الفقهية مجموعة من أقوال السادة الحنفية الموثوق بها وقسمت إلى كتب متعددة وسميت ' بالأحكام العدلية ' وبعد ختام المقدمة والكتاب الأول منها أعطيت نسخة منها لمقام مشيخة الإسلام الجليلة ونسخ أخرى لمن له مهارة ومعرفة كافية في علم الفقه من الذوات الفخام ثم بعد إجراء ما لزم من التهذيب والتعديل فيها بناء على بعض ملاحظات منهم حررت منها نسخة وعرضت على حضرتكم العلية والآن بادرنا إلى ترجمة هذه المقدمة والكتاب إلى اللغة العربية وما زال الاهتمام مصروفا إلى تأليف باقي الكتب أيضا فلدى مطالعتكم هذه المجلة يحيط علمكم الواسع بأن المقالة الثانية من المقدمة هي عبارة عن القواعد التي جمعها ابن نجيم ومن سلك مسلكه من الفقهاء رحمهم الله تعالى . فحكام الشرع ما لم يقفوا على نقل صريح لا يحكمون بمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد ، إلا أن لها فائدة كلية في ضبط المسائل فمن اطلع عليها من المطالعين يضبطون المسائل بأدلتها وسائر المأمورين يرجعون إليها في كل خصوص وبهذه القواعد يمكن للإنسان تطبيق معاملاته على الشرع الشريف أو في الأقل التقريب , وبناء على ذلك لم نكتب هذه القواعد تحت عنوان كتاب أو باب بل أدرجناها في المقدمة والأكثر في الكتب الفقهية أن تذكر المسائل مخلوطة مع المبادئ لكن في هذه المجلة حرر في أول كل كتاب مقدمة تشتمل على الاصطلاحات المتعلقة بذلك ثم تذكر بعدها المسائل البسيطة على الترتيب ولأجل ايضاح تلك المسائل الأساسية أدرج ضمنها كثير من المسائل المستخرجة من كتب الفتاوي على سبيل التمثيل . ثم أن الأخذ والعطاء الجاري في زماننا أكثره مربوط بالشروط وفي مذهب السادة الحنفية أن الشروط الواقعة في جانب العقد أكثرها مفسد للبيع ومن ثم كان أهم المباحث يفي كتاب البيوع فصل البيع بالشرط وهذا الأمر أوجب مباحثات ومناظرات كثيرة في جمعية هؤلاء العاجزين ولذا رؤي مناسبا ايراد خلاصة المباحثات الجارية يفي ذلك على الوجه الآتي فنقول : أن أقوال أكثر المجتهدين يفي حق البيع بالشرط يخالف بعضها بعضا ففي مذهب المالكية إذا كانت المدة جزئية وفي مذهب الحنابلة على الإطلاق يكون للبائع وحده أن يشرط لنفسه منفعة مخصوصة في البيع لكن تخصيص البائع بهذا الأمر دون المشتري يرى مخالفا للرأي والقياس أما ابن أبي ليلى وابن شبرمة ممن عاصروا الإمام الأعظم رضي الله عنه وانقرضت أتباعهم فكل منهم رأى في هذا الشأن رأيا يخالف رأي الآخر فابن أبي ليلى يرى أن البيع إذا دخله شرط أي شرط كان ، فقد فسد البيع والشرط كلاهما وعند ابن شبرمة الشرط والبيع جائزان على الإطلاق فمذهب ابن أبي ليلى يرى مباينا لحديث ' المسلمون عند شروطهم ' ومذهب ابن شبرمة موافق لهذا الحديث موافقة تامة لكن المتبايعين ربما يشرطان أي شرط كان جائزا أو غير جائز قابل الإجراء أو غير قابل ومن الأمور المسلمة عند الفقهاء أن رعاية الشرط إنما تكون بقدر الإمكان فمسألة رعاية الشرط قاعدة تقبل التخصيص والاستثناء
____________________
(1/10)
ولذا اتخذ طريق متوسط عند الحنفية وذلك أن الشرط ينقسم إلى ثلاثة أقسام شرط جائز وشرط مفسد وشرط لغو . بيان هذا أن الشرط الذي لا يكون من مقتضيات عقد البيع ولا يؤيده وفيه نفع لأحد العاقدين مفسد والبيع المعلق به فاسد والشرط الذي لا نفع فيه لأحد العاقدين لغو والبيع المعلق به صحيح لأن المقصود من البيع والشراء التمليك والتملك أي أن تكون البائع مالكا للثمن والمشتري مالكا للمبيع بلا مزاحم ولا ممانع والبيع المعلق به نفع لأحد المتعاقدين يؤدي إلى المنازعة لأن المشروط له النفع يطلب حصوله والآخر يريد الفرار منه فكأن البيع لم يتم لكن بما أن العرف والعادة قاطعان للمنازعة جوز البيع مع الشرط المتعارف على الإطلاق أما المعاملات التجارية فهي من أصلها في حال مستثنى كما تقدم وأكثر ذوي الحرف والصنائع قد تعارفوا على معاملة مخصوصة تقررت بينهم والعرف الطارئ معتبر فلا يبقى ما يوجب البحث إلا بعض شروط خارجة عن العرف والعادة تشترط في المعاملات المتفرقة في الأخذ والعطاء وليس لهذه المعاملات شأن يوجب الاعتناء بالبحث عنها فما مست الحاجة في تيسير معاملات العصر إلى اختيار قول ابن شبرمة الخارج عن مذهب الحنفية ولهذا حصل الاكتفاء بذكر الشروط التي لا تفسد البيع عند الحنفية في الفصل الرابع من الباب الأول كما وقع في سائر الفصول قد ذكر في المادة السابعة والتسعين بعد المائة والمادة الخامسة بعد المائتين أنه لا يصح بيع المعدوم والحال أن ما كان مثل الورد والخرشوم من الأزهار والخضروات والفواكه التي يتلاحق ظهور محصولاتها يصح فيه البيع إذا كان بعض محصولاتها ظهر وبعضها لم يظهر لأنه لما كان ظهور محصولاتها دفعة واحدة غير ممكن وإنما تظهر أفرادها وتتناقص شيئا بعد شيء اصطلح الناس في التعامل على بيع جميع محصولاتها الموجودة والمتلاحقة بصفقة واحدة ولذا جوز محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى هذا البيع استحسانا وقال أجعل الموجود أصلا والمعدوم تبعا له وأفتى بقوله الإمام الفضلى وشمس الأئمة الحلواني وأبوبكر بن فضل رحمهم الله تعالى وبما أن إرجاع الناس عن عادتهم المعروفة عندهم غير ممكن كما أن حمل معاملتهم بحسب الامكان على الصحة أولى من نسبتها إلى الفساد ، وقع الاختيار على ترجيح قول محمد رحمه الله في هذه المسألة كما هو مندرج في المادة السابعة بعد المائتين . وفي بيع الصبرة كل مد بكذا عند الإمام الأعظم رضي الله عنه يصح البيع في مد واحد فقط وعند الصاحبين رحمهما الله تعالى يصح في جميع الصبرة فمهما بلغت الصبرة يأخذها المشتري ويدفع ثمنها بحساب المد بسعر ما جرى عليه العقد وبما أن كثيرا من الفقهاء مثل صاحب الهداية قد اختاروا قول الصاحبين في ذلك تيسيرا لمعاملات الناس حررت هذه المسألة في المادة العشرين بعد المائتين على مقتضى قولهما وأكثر مدة خيار الشرط عند الإمام رحمه الله تعالى ثلاثة أيام وعند الصاحبين تكون المدة على قدر ما شرط المتعاقدان من الأيام ولما كان قولهما هنا أيضا وفق للحال والمصلحة وقع عليه الاختيار وذكر بدون مدة الأيام الثلاثة في المادة الثلثمائة وهذا الخلاف جار أيضا في خيار النقد إلا أن عدم تقييد المدة بثلاثة أيام وصحة تقييدها بأكثر من ذلك هو قول محمد رحمه الله تعالى فقط وإنما اختير قوله في هذه المسألة أيضا مراعاة لمصلحة الناس كما ذكر في المادة الثالثة عشر بعد الثلثمائة .
____________________
(1/11)
وعند الإمام الأعظم للمستصنع الرجوع بعد عقد الاستصناع وعند الإمام أبي يوسف رحمه الله أنه إذا وجد المصنوع موافقا للصفات التي بينت وقت العقد فليس له الرجوع والحال أنه في هذا الزمن قد اتخذت معامل كثيرة تصنع فيها المدافع والبواخر ونحوها بالمقاولة وبذلك صار الاستصناع من الأمور الجارية العظيمة فتخيير المستصنع في إمضاء العقد أو فسخه يترتب عليه الإخلال بمصالح جسيمة وبما أن الاستصناع مستند إلى التعارف ومقيس على السلم المشروع على خلاف القياس بناء على عرف الناس لزم اختيار قول أبي يوسف رحمه الله تعالى في هذا مراعاة لمصلحة الوقت كما حرر في المادة الثانية والتسعين بعد الثلثمائة من هذه المجلة . فإذا أمر أمام المسلمين بتخصيص العمل بقول من المسائل المجتهد فيها تعين ووجب العمل بقوله وإذا استصوبت حضرتكم العلية هذه المعروضات المبسوطة وشحوا على المجلة الملفوفة بالخط الشريف الهمايوني والأمر لولي الأمر ناظر ديوان الأحكام العدلية مفتش الأوقاف الهمايونية أحمد جودت السيد خليل من أعضاء شورى الدولة من أعضاء ديوان الأحكام العدلية سيف الدين السيد أحمد الخلوصي من أعضاء ديوان الأحكام العلية من أعضاء شورى الدولة السيد أحمد حلمي محمد أمين الجندي من أعضاء الجمعية علاء الدين بن عابدين
____________________
(1/12)
تمهيد يجب على كل شارع في علم أن يعلم عشرة أمور حتى تكون منه على بصيرة وهي : ( 1 ) اسمه ( 2 ) تعريفه ( 3 ) موضوعه ( 4 ) مأخذه ( 5 ) غايته ( 6 ) موضوعاته ( 7 ) مسائله ( 8 ) حكمه ( 9 ) شرفه وفضيلته ( 10 ) نسبته فاسم هذا العلم الفقه وتعريفه سيذكر في المادة الأولى من المجلة وأما موضوعه فليعلم أولا أن موضوع كل علم ما يبحث فيه من عوارضه الذاتية فموضوع علم الفقه أفعال المكلفين ثبوتا ونفيا ولذلك ذكر الفقهاء مباحثه تحت عنوان كتاب النكاح وكتاب البيع وكتاب الهبة مثلا فالبيع والهبة والنكاح هي عبارة عن فعل المكلف فعلى ذلك يحتاج فعل غير المكلف من موضوع علم الفقه وغير المكلف الصبي والمجنون والبهيمة ولكن إذا تلف الصبي أو المجنون مال الغير يكون ضامنا وكذلك إذا سرح شخص بهيمته في الطريق العام يضمن صاحبها جنايتها وقد وردت هذه الأحكام في علم الفقه فكيف جاز أن يبحث علم الفقه عنها مع أنها ليست من موضوعه إذا موضوعه فعل المكلف فقط والجواب أنه ليس المكلف في ذلك الصبي والمجنون والبهيمة بل ولي الصبي والمجنون وصاحب البهيمة فيكون البحث عن ذلك في الحقيقة بحثا عن أفعال المكلفين . مآخذ علم الفقه مآخذ علم الفقه الكتاب أي القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة والقياس ، فالسنة هي قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره وإجماع الأمة اتفاق العلماء المعتبرين كالصحابة الكرام على مسألة دينية والقياس إلحاق شيء لم يرد حكمه بما ورد ويقال له قياس الفقهاء ومثال ذلك أنه ورد في القرآن الكريم قوله تعالى ولا تقل لهما أفٍ فنبهنا للنهي عن قول أف على النهي عن إظهار الضجر من الأبوين فإظهار الضجر محرم بالكتاب أما حرمة ضرب الأباء
____________________
(1/13)
وشتمهم فثابتة قياسا . وغاية علم الفقه نيل سعادة الدارين إذا أن صاحبه يكون معززا مكرما في دنياه منعما في أخراه وواضعه الإمام الأعظم ومسائل الفقه موضوعها فعل المكلف ومحمولها أحد الأحكام الخمسة الشرعية وهي : الوجوب والندب والإباحة والحرمة والكراهة . فالمسائل الفقهية هي عبارة عن أن هذا الفعل واجب وذلك الفعل حرام وهذا الفعل مندوب أو مباح أو مكروه وما شابه ذلك . وحكم الفقه أنه فرض عين على كل مسلم ومسلمة فيما يتعلق بالعبادات من الأحكام ولو إجمالا وما يتعلق بها كالبيع . وأما شرفه وفضله فهو أفضل العلوم ما عدا علم الكلام والتفسير والحديث وأصول الفقه . وأحكام الفقه الحنفية قد أخذت بالسند المتصل عن الصحابة عبد الله بن مسعود , فالإمام الأعظم أخذ مذهبه عن حماد وأخذ حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة وعلقمة عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم .
____________________
(1/14)
( المقدمة ) ( محتوية على مقالتين ) ( المقالة الأولى في تعريف علم الفقه وتقسيمه ) ( المادة 1 ) الفقه علم بالمسائل الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية والمسائل الفقهية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات وإما أن تتعلق بأمر الدنيا وهي تنقسم إلى مناكحات ومعاملات وعقوبات فإن الباري تعالى أراد بقاء هذا العالم إلى وقت قدره وهو إنما يكون ببقاء النوع الإنساني وذلك يتوقف على ازدواج الذكور مع الإناث للتولد والتناسل ثم إن بقاء نوع الإنسان إنما يكون بعدم انقطاع الأشخاص . والإنسان بحسب اعتدال مزاجه يحتاج للبقاء في الأمور الصناعية إلى الغذاء واللباس والمسكن وذلك أيضا يتوقف على التعاون والتشارك ببسط بساط المدنية والحال أن كل شخص يطلب ما يلائمه ويغضب على من يزاحمه فلأجل بقاء العدل والنظام بينهم محفوظين من الخلل يحتاج إلى قوانين مؤيدة شرعية في أمر الازدواج وهي قسم المناكحات من علم الفقه وفيما به التمدن من التعاون والتشارك وهي قسم المعاملات منه ولاستقرار أمر التمدن على هذا المنوال لزم ترتيب أحكام الجزاء وهي قسم العقوبات من الفقه . وها هو ذا قد بوشر تأليف هذه المجلة من المسائل الكثيرة الوقوع في المعاملات غب استخراجها وجمعها من الكتب المعتبرة وتقسيمها إلى كتب وتقسيم الكتب إلى أبواب والأبواب إلى فصول فالمسائل الفرعية التي يعمل بها في المحاكم هي المسائل التي ستذكر في الأبواب والفصول لأن المحققين من الفقهاء قد أرجعوا المسائل الفقهية إلى قواعد كلية كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة وتلك القواعد مسلمة معتبرة في الكتب الفقهية تتخذ أدلة لإثبات المسائل وتفهمها في بادئ الأمر فذكرها يوجب الاستئناس بالمسائل ويكون وسيلة لتقررها في الأذهان فلذا جمع تسع وتسعون قاعدة فقهية وحررت مقالة ثانية في المقدمة على ما سيأتي . ثم أن بعض هذه القواعد وإن كان بحيث إذا انفرد يوجد من مشتملاته بعض المستثنيات لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع لما أن بعضها يخصص ويقيد بعضا .
____________________
(1/15)
الفقه _ علم بالمسائل الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ويقصد بلفظة العلم بهذا التعريف الاعتقاد الراجح . المسائل _ جمع مسألة _ وهي المطلوب الذي يحتاج إثباته إلى برهان ودليل . الحكم _ هو خطاب الشارع المتعلق بفعل المكلف وقد عرفه صدر الشريعة بأنه الشيء الثابت بناء على خطاب الشارع مثل الوجوب والصحة والفساد . موضوع علم الفقه _ وإن موضوع علم الفقه هو فعل المكلف . المكلف في اصطلاح الفقهاء _ هو العاقل فالمجنون والصبي لم يعدا مكلفين وإن تكن المادة ( 916 ) تقضي بضمان ما أتلفه الصبي إلا أن المخاطب بذلك الولي والحكم إنما يترتب بحقه . الشرعية _ أي الموقوفة على خطاب الشارع ولا تدرك بدونه ولا فرق بين أن يكون الخطاب بنفس الحكم أو بنظيره وحينئذ يكون النظير مقيسا على نفس الحكم ويكون نفس الحكم مقيسا عليه . الشارع _ هو الحق جل جلاله وبما أن الأنبياء واسطة لتبليغ الأوامر الإلهية فيقال لكل منهم شارع والشارع من الأنبياء المقصود في المجلة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم . العملية _ أي المتعلقة بالأفعال ويخرج منها علم العقائد وعلم التوحيد وعلم أصول الفقه . قوله من أدلتها _ أي العلم بتدقيق الأدلة ويخرج به علم التوحيد وعلم الرسل وعلم الأشياء الضرورية من الدين . قوله المسائل الشرعية _ احترازا عن المسائل العقلية كقولك العالم حادث والمسائل الحسية كالنار محرقة والمسائل الاصطلاحية كقولك الفاعل مرفوع . مصادر علم الفقه _ أربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس . المسائل الفقهية _ قسمان منها ما يتعلق بالآخرة وهي العبادات والقسم الآخر يختص بأمر الدنيا ويقسم إلى مناكحات ومعاملات وعقوبات كما في الكتب الفقهية .
____________________
(1/16)
( القواعد الكلية ) ( المقالة الثانية ) ( في بيان القواعد الكلية الفقهية ) ( المادة 2 ) الأمور بمقاصدها يعني : أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر . القاعدة : لغة أساس الشيء وفي اصطلاح الفقهاء هو الحكم الكلي أو الأكثري الذي يراد به معرفة حكم الجزئيات . الطريقة لمعرفة حكم الجزئيات _ والطريقة لمعرفة حكم الجزئيات من القاعدة الكلية هي كما يلي : قاعدة ( القديم على قدمه ) الكلية مثلا وجزئيتها إن طريق دار زيد قديمة فيستخرج من القاعدة العمومية أنه ما دامت طريق دار زيد قديمة يجب أن تبقى على قدمها لأن القديم يبقى على حاله القديم وهلم جرا . أمور : جمع أمر معناه اللغوي الفعل والحال إذ يقال أمور فلان مستقيمة أي أحواله وقد ورد في الآية الشريفة ( وما أمر فرعون برشيد ) يقصد به حال فرعون . الأمر : يجيء بمعنى طلب الفعل والقول ويجمع على أوامر وهنا لا يقصد هذا المعنى بل يقصد بالأمر الفعل ويجمع على أمور وبما أن الفعل هو عمل الجوارح فالقول أيضا يعد من جملة الأفعال لأنه ينشأ من جارحة اللسان . وهنا قد قرن الفعل بالقصد في قوله الأمور بمقاصدها فعليه النية التي لا تقترن بفعل ظاهري لا تترتب عليها أحكام شرعية . فلو طلق شخص زوجته في قلبه أو باع فرسه ولم ينطق بلسانه لا يترتب على ذلك الفعل الباطني حكم لأن الأحكام الشرعية تتعلق بالظواهر . وكذا لو اشترى شخص مالا بقصد أن يوقفه وبعد أن اشتراه لم يتكلم بما يدل على وقفه ذلك المال فلا يصير وقفا . كذلك لو نوى شخص غصب مال شخص آخر ولم يغصبه وتلف ذلك المال في يد صاحبه لا يضمن بمجرد نية الغصب ولو أخذ المودع المال الوديعة بقصد استهلاكها ثم أرجعها إلى موضعها وتلفت بلا تعد ولا تقصير لا يضمن . الأفعال بلا نية : أما الأفعال بلا نية فحكمها كما يأتي : أن الألفاظ الصريحة لا تحتاج إلى نية ويكفي حصول الفعل لترتب الحكم عليها إذ أن الأفعال الصريحة تكون النية متمثلة بها مثال ذلك : لو قال شخص لآخر بعتك مالي هذا أو أوصيت لك به يصح البيع أو الوصية كما أن الإقرار والوكالة والإيداع
____________________
(1/17)
والإعارة والقذف والسرقة كلها أمور لا تتوقف على النية بل فعلها يكفي لترتب الحكم . الألفاظ غير الصريحة : أما في الألفاظ غير الصريحة فيختلف حكم اللفظ الواحد باختلاف مقصد الفاعل كالبيع مثلا إذا استعمل بصيغة المضارع كقول البائع أو المشتري أبيع وأشتري إذا قصد به الحال ينعقد البيع وإذا قصد به الاستقبال لا ينعقد وعلى ذلك فباختلاف القصد قد يختلف الحكم وأما بصيغة الماضي فينعقد البيع ولا يتوقف على النية بمعنى الحال لكونها من الصيغ المستعملة الصريحة في العقود المقصود بها الحال . كذلك لو أقر شخص لآخر بقوله لك علي درهم في درهمين فإذا كان يقصد بكلامه هذا مع درهمين أو درهمين فيحكم عليه بثلاثة دراهم وإذا كان المقصود به الظرف لا يحكم عليه إلا بدرهم واحد . كذلك لو تعدى المودع على الوديعة ثم أزال التعدي ينظر فإذا كان المودع ينوي إعادة التعدي فهو ضامن لو تلفت الوديعة بلا تعد ولا تقصير وأما إذا كان ناويا عدم العودة إلى التعدي فلا يضمن . وكذا الشخص الذي يحرز مالا مباحا إذا أحرزه بقصد تملكه يصبح مالكا له وإلا فلا . مثال ذلك : لو وضع شخص إناء تحت المطر وتجمع فيه ماء فإذا وضع ذلك الإناء بقصد جمع الماء وإحرازه يصبح مالكا له فو الحالة هذه لو اغتصب الماء أحد يضمنه وأما إذا كان قد وضع الإناء بقصد غسله بماء المطر لا بقصد جمع الماء وأخذها أحد لا يضمن لأن صاحب الإناء لم يملك الماء لعدم سبق نية منه لإحرازه كذلك لو وضع شخص فخا بمحل ووقع في الفخ طير فإذا كان صاحب الفخ نصب فخه بقصد الصيد فالطير يكون ملكه وأما إذا كان وضعه بقصد التجفيف في الهواء فالطير الذي يقع في الفخ يكون غير مملوك لصاحب الفخ فإذا أخذه شخص ما لا يحق لصاحب الفخ أن يطالبه به . كذا لو وجد شخص لقطة أي مالا ضائعا فإن أخذه بقصد تملكه يعد غاصبا فو الحالة هذه لو تلف بيده بلا تعد ولا تقصير ضمن قيمة المال لصاحبه أما إذا أخذه بقصد تسليمه إلى صاحبه وتلف المال بلا تعد ولا تقصير لا يضمن لأنه يكون في حكم الأمين . الأحكام الشرعية التي لا تتبدل أحكامها باختلاف القصد والنية هذا وههنا بعض أحكام شرعية لا تتبدل أحكامها نظرا للقصد والنية وذلك كما لو أخذ شخص مال آخر على سبيل المزاح بدون إذنه فبمجرد وقوع الأخذ يكون الآخذ غاصبا ولا ينظر إلى نيته من كونه لا يقصد الغصب بل يقصد المزاح وكذلك لو أتى شخص عملا غير مأذون فيه فإنه يضمن الخسارة الناشئة عن عمله ولو حصلت عن غير إرادة منه مثال ذلك : لو أن شخصا شاهد سكران وأخذ النقود التي يحملها بقصد حفظها من أن تسقط منه فحكمه حكم الغاصب ويصبح ضامنا فيما لو تلفت . هذا وبما أن القواعد الكلية هي قواعد أكثرية وأغلبية فوجود بعض أحكام منافية لهذه القاعدة أو غيرها لا تأثير لها . ( المادة 3 ) العبرة في القعود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ولذا يجري حكم الرهن في البيع بالوفاء . العقد : هو ارتباط الإيجاب بالقبول كعقد البيع والإجارة والإعارة . الخ . اللفظ : هو الكلام الذي ينطق به الإنسان بقصد التعبير عن ضميره . يفهم من هذه المادة أنه عند حصول العقد لا ينظر للألفاظ التي يستعملها العاقدان حين العقد بل
____________________
(1/18)
إنما ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام الذي يلفظ به حين العقد لأن المقصود الحقيقي هو المعنى وليس اللفظ ولا الصيغة المستعملة وما الألفاظ إلا قوالب للمعاني . ومع ذلك فإنه ما لم يتعذر التأليف بين الألفاظ والمعاني المقصودة لا يجوز إلغاء الألفاظ مثال ذلك : بيع الوفاء فاستعمال كلمة البيع فيه التي تتضمن تمليك المبيع للمشتري أثناء العقد لا يفيد التمليك لأنه لم يكن مقصودا من الفريقين بل المقصود به إنما هو تأمين دين المشتري المترتب في ذمة البائع وإبقاء المبيع تحت يد المشتري لحين وفاء الدين ولذلك لم يخرج العقد عن كونه عقد رهن فيجري به حكم الرهن ولا يجري حكم البيع . فبناء على ما تقدم يحق للبائع بيعا وفائيا أن يعيد الثمن ويسترد المبيع كما أنه يحق للمشتري أن يعيد المبيع ويسترجع الثمن ولو كان العقد بيعا حقيقيا لما جاز إعادة المبيع واسترداد الثمن إلا باتفاق من الفريقين على إقالة البيع . مثال ثان : لو اشترى شخص من بقال رطل سكر وقال له خذ هذه الساعة أمانة عندك حتى أحضر لك الثمن فالساعة لا تكون أمانة عند البقال بل يكون حكمها حكم الرهن وللبقال أن يبقيها عنده حتى يستوفي دينه فلو كانت أمانة كما ذكر المشتري لحق له استرجاعها من البائع بصفتها أمانة يجب على الأمين إعادتها . مثال ثالث : لو قال شخص لآخر وهبتك هذه الفرس أو الدار بمائة جنيه فيكون هذا العقد عقد بيع لا عقد هبة وتجري فيه أحكام البيع . فإذا كان المبيع عقارا تجري فيه أحكام الشفعة وغيرها من أحكام البيع . مثال رابع : لو قال شخص لآخر قد أعرتك هذا الفرس لتركبه إلى كوجك شكمجه بخمسين غرشا فالعقد يكون عقد إيجار لا عقد إعارة رغما من استعمال كلمة الإعارة في العقد لأن الإعارة هي تمليك منفعة بلا عوض وهنا يوجد عوض . مثال خامس : لو قال شخص لآخر قد أحلتك بالدين المطلوب مني على فلان على أن تبقى ذمتي مشغولة حتى يدفع المحال عليه لك الدين . فالعقد هذا لا يكون عقد حوالة لأن الحوالة هي نقل ذمة إلى ذمة أخرى وهنا بقيت ذمة المدين مشغولة والذي جرى إنما هو ضم ذمة أخرى فأصبح المحال عليه كفيلا بالدين والمدين أصيلا . مثال سادس : لو أعطى شخص آخر عشر كيلات حنطة أو عشر ليرات وقال له قد أعرتك إياها فيكون قد أقرضها له ويصبح للمستعير حق التصرف بالمال أو الحنطة المعارة له مع أنه ليس للمستعير التصرف بعين المال المعار بل له حق الانتفاع به بدون استهلاك العين . ( مستثنيات هذه القاعدة ) لهذه القاعدة مستثنيات وهي : لو باع شخص شيئا لآخر مع نفي الثمن بقوله قد بعتك هذا المال بدون ثمن يكون البيع باطلا ولا يعتبر العقد هبة كذلك لو آجر شخص آخر فرسا بدون أجرة تصبح الإجارة فاسدة ولا تكون عارية لأن الإجارة تفيد بيع المنفعة بعوض والعارية تفيد عدم العوض وبما أن بين معنى اللفظين تضادا فلا يجوز استعارة لفظ الإجارة في الإعارة .
____________________
(1/19)
( المادة 4 ) اليقين لا يزول بالشك نعم لأن اليقين القوي أقوى من الشك فلا يرتفع اليقين القوي بالشك الضعيف أما اليقين فإنما يزول باليقين الآخر . هذه المادة مأخوذة من قاعدة ما ثبت بيقين لا يرتفع بالشك وما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين . الشك : لغة معناه التردد واصطلاحا تردد الفعل بين الوقوع وعدمه أي لا يوجد مرجح لأحد على الآخر ولا يمكن ترجيح أحد الاحتمالين أما إذا كان الترجيح ممكنا لأحد الاحتمالين والقلب غير مطمئن للجهة الراجحة أيضا فتكون الجهة الراجحة في درجة ( الظن ) والجهة المرجوحة في درجة الوهم وأما إذا كان القلب يطمئن للجهة الراجحة فتكون ( ظنا غالبا ) والظن الغالب ينزل منزلة اليقين . ( اليقين ) : لغة قرار الشيء يقال ( يقن الماء في الحوض ) بمعنى استقر واصطلاحا ( هو حصول الجزم أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدم وقوعه ) وقد عرفه البعض ( هو علم الشيء المستتر عن نظر واستدلال ) ويفهم من هذه الإيضاحات أنه لا يوجد الشك في شيء عند وجود اليقين ولا اليقين حيث يوجد الشك . إذ أنهما نقيضان ولا يجوز اجتماع النقيضين فعلى هذا قد يعترض على وضع هذه المادة إذ لا موجب لوضعها . ولكن بما أن القصد هنا بالشك إنما هو ( الشك الطارئ ) بعد حصول اليقين في الأمر فلا محل للاعتراض بتاتا . هذا وجملة القول أن اليقين السابق لا يزول بالشك الطارئ وأنه لا يزول إلا بيقين مثله . مثال ذلك : إذا سافر رجل إلى بلاد بعيدة فانقطعت أخباره مدة طويلة فانقطاع أخباره يجعل شكا في حياته إلا أن ذلك الشك لا يزيل اليقين وهو حياته المتيقنة قبلا وعلى ذلك فلا يجوز الحكم بموته وليس لورثته اقتسام تركته ما لم يثبت موته يقينا . وبالعكس إذا سافر آخر بسفينة وثبت غرقها فيحكم بموت الرجل لأن موته ظن غالب والظن الغالب كما تقدم بمنزلة اليقين . مثال آخر : لو أقر شخص بمبلغ لآخر قائلا أظن أنه يوجد لك بذمتي كذا مبلغ فإقراره هذا لا يترتب عليه حكم لأن الأصل براءة الذمة والأصل هو المتيقن فما لم يحصل يقين يشغل ذمته لا يثبت المبلغ عليه للمقر له إذ أن إقراره لم ينشأ منه عن يقين بل عن شك وظن وهذا لا يزيل اليقين ببراءة ذمة المقر كما لا يخفى . ( المادة 5 ) الأصل بقاء ما كان على ما كان يعني ينظر للشيء على أي حال كان فيحكم بدوامه على ذلك الحال ما لم يقم دليل على خلافه . وهذه القاعدة تدعى ( الاستصحاب ) وقاعدة القديم على قدمه فرع لهذه القاعدة . الاستصحاب : هو الحكم بتحقق وثبوت شيء بناء على تحقق وثبوت ذلك الشيء في وقت من الأوقات والاستصحاب حجة دافعة لا حجة مثبتة وهو على قسمين : ( استصحاب الماضي بالحال ) و ( استصحاب الحال بالماضي ) .
____________________
(1/20)
استصحاب الماضي بالحال : هو الحكم على شيء ببقائه على الحال الذي كان عليه في الزمن السابق ما لم يقم دليل على خلافه ويقال له استصحاب الماضي بالحال . استصحاب الحال بالماضي : هو اعتبار حالة الشيء في الزمن الحاضر أنها حالة ذلك الشيء في الماضي ما لم يثبت خلاف ذلك بدليل . مثال ذلك : لو ثبت تحقق شيء في الماضي ثم حصل شك في زوال ذلك الشيء في الوقت الحاضر كالمفقود مثلا وهو الذي يغيب غيبة منقطعة إذا حصل شك في الوقت الحاضر في حياته وموته فباستصحاب الماضي بالحال يحكم بحياة المفقود إذ أنها الشيء المتحقق في الماضي فلا يجوز الحكم بموته ولا قسمة تركته بين الورثة ما لم يثبت موته أو تنقرض أمثاله بوصوله سن التسعين . مثال ثان : لو ادعى المدين إيصال الدين للدائن والدائن أنكر الإيصال فالقول مع اليمين للدائن لأن الدين تعلق بذمة المدين في الماضي فيحكم تبعا لقاعدة استصحاب الماضي بالحال على المدين بتأدية المبلغ بعد حلف الدائن اليمين وهذا إذا لم يثبت المدين وقوع الإيصال . هذا واستصحاب الحال بالماضي كما ذكرنا أن يكون فيه حال الشيء في الوقت الحاضر معلوما إلا أنه يوجد شك في عدم ذلك الشيء في الوقت الماضي . مثال ذلك لو اختلف شخصان على ماء يسيل من دار أحدهما إلى دار الآخر في كونه قديما أو حديثا وعجز الفريقان كلاهما عن إثبات دعواهما فينظر إلى حال المسيل في الوقت الحاضر فإذا ثبت جريان الماء قبل الخصومة من ذلك المسيل يحكم ببقائه على الحال التي وجد عليها . وكذلك لو استأجر رجل طاحونا وادعى بعد انقضاء مدة الإجارة انقطاع الماء عن الطاحون مدة وطلب تنزيل الأجرة عن المدة التي انقطع فيها الماء وصاحب الطاحون ادعى عدم انقطاع الماء فتحكم الحال الحاضرة فإذا كان الماء جاريا وقت الدعوى والخصومة فيستصحب الحال بالماضي والقول للمؤجر مع يمينه وبالعكس لو كان الماء مقطوعا فالقول للمستأجر مع يمينه . كذا لو أنفق الأب من مال ابنه الغائب فادعى الولد أن والده كان موسرا وقت الإنفاق وطلب ضمانة المبلغ الذي صرفه فينظر إلى الحال الماضي فإذا كان الوالد وقت الخصومة معسرا فالقول قوله مع اليمين وإذا كان موسرا فالقول قول الابن . ولهذه القاعدة مستثنى وذلك أن الأمين يصدق يمينه في براءة ذمته فلو ادعى المودع أنه أعاد الوديعة أو أنها تلفت في يده بلا تعد ولا تقصير يقبل ادعاؤه مع يمينه مع أنه كان يجب بمقتضى قاعدة الاستصحاب أن يعد الأمين مكلفا بإعادة الأمانة ما لم يثبت إعادتها لأن الحال الماضي هو وجود الأمانة عند المودع والسبب في ذلك أن الأمين يدعي هنا براءة الذمة من الضمان وأما المودع فهو يدعي شغل ذمة الأمين وذلك خلاف الأصل . ( المادة 6 ) القديم يترك على قدمه يعني أن القديم الموافق للشرع يجب أن يترك على حاله القديم ما لم يثبت خلافه لأن بقاء ذلك الشيء مدة طويلة دليل على أنه مستند على حق مشروع فيحكم بأحقيته _ وهذه المادة مأخوذة من قاعدة ما كان قديما يترك على حاله ولا يتغير إلا بحجة .
____________________
(1/21)
ما هو القديم _ هو الذي لا يعرف أوله أما إذا كان أوله معروفا فلا يعد قديما مثلا : لو أن ميزاب دار شخص يجري من القديم على دار شخص آخر فصاحب الدار الثانية لا يحق له منعه كما وأن بالوعة دار تمر من دار أخرى فصاحب الدار الثانية لا يحق له سد تلك البالوعة ومنع مرورها من داره لأنه ما دام ذلك قديما يعتبر أن مرور ذلك الماء لا بد وأن يكون مستندا على حق شرعي كأن كانت الداران مشتركتين فجرى تقسيمهما وكان من شروط التقسيم مرور ماء إحداهما من الأخرى . أما القديم المخالف للشرع الشريف فلا يترك على قدمه مهما تقادم عهده لأن الضرر لا يكون قديما . مثلا لو أن بالوعة دار تجري من القديم في الطريق العام لا ينظر إلى قدمها وتزال لأنه غير ممكن احتمال مشروعية ذلك . ( المادة 7 ) الضرر لا يكون قديما يعني : لا يعتبر قدمه ولا يحكم ببقائه . هذه المادة تفيد حكم المادة التي قبلها الناصة على أن القديم يترك على قدمه إلا أن هذه قيدت تلك وبينت أن القديم الذي يعتبر هو القديم غير المضر . مثال ذلك لو أن أقذار دار شخص من القديم تسيل إلى الطريق العام أو أن بالوعة دار شخص تسيل إلى النهر الذي يشرب ماءه أهل البلد فتمنع ولا اعتبار لقدمها لأنه لا يمكن احتمال مشروعية ذلك ولا يمكن لإنسان أن يجيز حقا يكون منه ضرر عام . ( المادة 8 ) الأصل براءة الذمة يعني : الأصل أن تكون ذمة كل شخص بريئة أي غير مشغولة بحق آخر لأن كل شخص يولد وذمته بريئة وشغلها يحصل بالمعاملات التي يجريها فيما بعد فكل شخص يدعي خلاف هذا الأصل يطلب منه أن يبرهن على ذلك لأنه حسب المادة 77 تطلب البينة من مدعي خلاف الظاهر وخلاف الأصل . وهذه القاعدة مأخوذة من الأشباه . الذمة تعريفها : لغة العهد والأمان إذ أن نقض العهد والأمان موجب للذم وفي الاصطلاح بمعنى النفس والذات ولهذا فسرت المادة ( 612 ) الذمة بالذات . والذمة في اصطلاح علم أصول الفقه وصف يصير به الإنسان أهلا لما له وما عليه . مثال ذلك : إذا اشترى شخص مالا كان أهلا لتملك منفعة ذلك المال كما أنه يكون أيضا أهلا لتحمل مضرة دفع ثمنه المجبر على أدائه . والذمة وإن لم تك هي نفس عقل الإنسان فللعقل دخل فيها ولذا فالحيوانات العجم لا توصف بالذمة . وإن القول بأن براءة الذمة أصل يقصد به أن ذات الإنسان باعتبار الوصف المذكور بريء فعند ما يقال ترتب في الذمة دين يكون معنى ذلك أنه ترتب على نفس الإنسان دين . وإذا تعارضت هذه القاعدة بقاعدة الأصل إضافة الحوادث إلى أقرب أوقاتها فيجب العمل بهذه القاعدة لأن هذه أقوى من تلك مثال ذلك : إذا أتلف رجل مال آخر واختلف في مقداره يكون القول للمتلف والبينة على صاحب المال لإثبات الزيادة . مثال آخر : إذا ادعى شخص على آخر بقرض والمدعى عليه أنكر ذلك القرض فالقول للمدعى عليه مع اليمين والمدعي مكلف بإثبات خلاف الأصل أي إثبات شغل ذمة المدعى
____________________
(1/22)
عليه فإذا أقام المدعي البينة فيكون قد وجد دليل على خلاف الأصل فيحكم حينئذ بالبينة . كذلك في مواد الغصب والسرقة والوديعة التي يجوز فيها الإقرار بالمجهول كأن يقر شخص مثلا بقوله أن فلانا له عندي أمانة بدون ذكر مقدارها فيجبر المقر على أن يبين ما هي الأمانة وما مقدارها فإذا بين المقر أن تلك الأمانة فرس أو عشرة قروش مثلا والمقر له ادعى أنها فرسان أو مائتا قرش فالقول للمقر مع اليمين والبينة على المقر له لإثبات الزيادة . ويمكن توجيه اعتراض على هذه القاعدة وهو أن المدين إذا ادعى أن الدائن أبرأه أو أنه أوفى الدين فالقول للدائن مع اليمين مع أن الدائن يدعي شغل ذمة المدين والمدين يدعي براءة ذمته فكان الواجب حسب هذه القاعدة أن يكون القول للمدين . والجواب على ذلك أن الدائن والمدين هنا متفقان على ثبوت الدين فباتفاقهما على ذلك أصبح شغل الذمة أصلا والبراءة خلاف الأصل فالمدين يدعى الإيفاء والإبراء الذي هو خلاف الأصل والدائن ينكر ذلك فعلى هذا أصبح القول للدائن ولا مجال للاعتراض على ذلك راجع المادة ( 72 ) . ( المادة 9 ) الأصل في الصفات العارضة العدم مثلا : إذا اختلف شريكا المضاربة في حصول الربح وعدمه فالقول للمضارب والبينة على رب المال لإثبات الربح . هذه القاعدة مأخوذة من الأشباه وقد ذكر في الأشباه ( الأصل العدم وليس العدم مطلقا وإنما هو في الصفات العارضة ) . يعني : أن الأصل في الصفات العارضة هو عدم وجود تلك الصفات أما في الصفات الأصلية فالأصل هو وجود تلك الصفات فعلى هذا فالقول للذي يدعي الصفات الأصلية وأما الذي يدعي العدم فيجب عليه الإثبات كما لو اشترى شخص فرسا واستلمه فادعى أن فيه عيبا قديما وادعى البائع سلامته من العيوب فالقول للبائع مع اليمين لأن الصحة من الصفات الأصلية والأصل فيها الوجود . والحاصل أن الصفات قسمان : صفة أصلية وصفة عارضة فالذي يدعي الصفة الأصلية فالقول له والذي يدعي الصفة العارضة يدعي خلاف الأصل فالبينة عليه . الصفة العارضة : هي التي لم توجد مع الموصوف ولم تتصف بها ذاته ابتداء . الصفة الأصلية : هي التي توجد مع الموصوف . مثال ذلك : لو باع شخص من آخر بقرة ثم طلب المشتري ردها لكونها غير حلوب والبائع أنكر وقوع البيع على هذا الشرط فالصفة الأصلية في البقرة كونها غير حلوب وصفة الحلب طارئة فالقول هنا للبائع الذي يدعي عدم حصول هذا الشرط وعلى المشتري الذي يدعي خلاف الأصل إثبات ما يدعيه . مثال آخر : إذا حصل اختلاف بين البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر على استلام المبيع أو المستأجر فالقول لمنكر الاستلام لأن الاستلام أصل .
____________________
(1/23)
( مستثنيات من هذه القاعدة ) لهذه القاعدة مستثنيات _ وهي : ( 1 ) إذا أراد الواهب الرجوع عن الهبة وادعى الموهوب تلف الهبة فالقول له بلا يمين وذلك حسب منطوق المادة 1773 من أن تلف الهبة صفة عارضة وهي خلاف الأصل فكان من الواجب بمقتضى هذه القاعدة أن يكون الموهوب مكلفا بإثبات ذلك ولكن بما أن الموهوب ينكر هنا وجوب الرد على الواهب فأصبح شبيها بالمستودع . ( 2 ) كذلك إذا تصرف الزوج في مال الزوجة فأقرضه آخر وتوفيت الزوجة وادعى وارثها أن الزوج تصرف في المال بدون إذن وطلب الحكم بضمانة وادعى الزوج أن تصرفه كان بإذنها فالقول للزوج مع أن الإذن من الصفات العارضة فكان الواجب أن يكون القول للوارث . ( المادة 10 ) ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد المزيل هذه القاعدة مطابقة لقاعدة الأصل إبقاء ما كان على ما كان ومتممة لها وهي نفس قاعدة الاستصحاب التي سبق شرحها وتجري فيها أيضا أحكام نوعي الاستصحاب استصحاب الحال بالماضي واستصحاب الماضي بالحال . ومعنى هذه المادة : أن الشيء الذي ثبت حصوله في الزمن الماضي يحكم ببقائه في الحال ما لم يوجد دليل على خلافه والشيء الثابت وجوده في الحال يحكم أيضا باستمراره من الماضي ما لم يوجد ما يزيله . أما عبارة ( ما لم يوجد المزيل ) فهي قيد في المادة يراد به أنه إذا وجد المزيل لا يحكم ببقاء الشيء بل يزال . مثال ذلك : لو ثبت ملك شيء أو مال لأحد ما يحكم ببقاء الملكية لذلك الشخص ما لم يثبت بأن المال انتقل منه لآخر بعقد بيع أو هبة أو بسبب آخر من الأسباب المزيلة للملكية أما لو ثبت زوال الملكية ببيع أو هبة مثلا فلا يحكم بملكية ذلك المال للمالك الأول . الادعاء : _ يقع بثلاث صور والإثبات يقع بثلاثة أوجه أيضا أولا : بأن يدعي المدعي الملك في الحال والشهود تشهد على الماضي كقول المدعي ( أن هذا الشيء ملكي وقول الشهود أن هذا الشيء كان ملكه ) . ففي هذه الصورة بما أن الشهود لا يمكنهم معرفة بقاء الملك للمالك إلا بطريق الاستصحاب فشهادتهم على ملكية المدعي في الماضي لا تثبت ملكيته في الحال . ومع هذا تقبل ويحكم بموجبها . ثانيا : أن المدعي يدعي الملك في الماضي والشهود تشهد على الملكية في الحال فهذه الشهادة لا تقبل ولا يجوز تطبيقها على الاستصحاب المقلوب وهو استصحاب الحال بالماضي . ثالثا : أن المدعي يدعي الملك في الماضي والشهود تشهد على الملك في الماضي فلا تقبل شهادتهم أيضا وسبب عدم قبول شهادة الشهود في الحالين الأخيرين هو أن إسناد المدعي ملكيته إلى الماضي يتضمن
____________________
(1/24)
نفس الملك في الحال لأن المدعي لو كان مالكا في الحال لما كان له فائدة من إسناد الملكية إلى الزمن الماضي فلهذا تكون تلك الشهادة واقعة في دعوى غير صحيحة فلا تقبل . والاستصحاب حجة دافعة لا حجة مثبتة فلا يستحصل الحكم بحجة الاستصحاب بل أن الدعوى تدفع بها فقط . مثال ذلك : لو ادعى ورثة المفقود موته وطلبوا تقسيم التركة فعلى قاعدة الاستصحاب أي استصحاب الماضي بالحال يحكم بحياة المفقود وترد دعوى الورثة بطلب تقسيم التركة . أما إذا توفي مورث المفقود فلا يعتبر المفقود حيا ولا يحكم بحصته الإرثية لأن حجة الاستصحاب حجة دافعة كما قلنا . ( مستثنى هذه القاعدة ) لو نفى شخص جميع ما نسب إليه من الأموال وأقر بملكيتها لشخص آخر وادعى ذلك الشخص المقر له كون المال الذي بيد المقر الآن كان موجودا بيده حين الإقرار فبحسب إقراره هو ملك لي وادعى المقر بملكيته لذلك المال بعد حصول الإقرار فالقول للمقر ولا يحكم استصحابا أن المال كان موجودا بيده في الماضي لأنه وجد بيده في الحال لأن الأصل براءة الذمة . ( المادة 11 ) الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته الحادث : هو الشيء الذي كان غير موجود ثم وجد فإذا اختلف في زمان وقوعه وسببه فما لم تثبت نسبته إلى الزمان القديم ينسب إلى الزمن الأقرب منه . مثال ذلك : إذا ادعت الزوجة أن زوجها طلقها طلاق الفار أثناء مرض الموت وطلبت الإرث والورثة ادعوا طلاقها في حال صحته وأن لا حق لها بالإرث فالقول للزوجة لأن الأمر الحادث المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلاق فيجب أن يضاف إلى الوقت الأقرب وهو مرض الموت الذي تدعيه الزوجة ما لم يقم الورثة البينة . كذا لو ادعى من له الخيار في البيع بعد مرور مدة الخيار أنه فسخ العقد في ظرف مدة الخيار وادعى الفريق الآخر أن الفسخ حصل بعد مضي مدة الخيار وأن الفسخ غير معتبر فالأمر الحادث وهو الفسخ يضاف إلى أقرب الأوقات وهو حصول الفسخ بعد مضي مدة الخيار والقول لمن ينكر حصول الفسخ بمدة الخيار أما إذا أثبت صاحب الخيار بالبينة حصول الفسخ بعد مضي مدة الخيار والقول لمن ينكر حصول الفسخ بمدة قد أثبت خلاف الأصل . مثال آخر : لو باع الأب مال ولده وادعى الولد على والده أنه باع ماله بعد بلوغه وأن البيع غير صحيح لهذا السبب والأب أنكر وقوع البيع منه بعد البلوغ وادعى حصوله قبل البلوغ فيما أن البلوغ أقرب زمنا من قبل البلوغ فالقول للابن وعلى الأب إثبات خلاف الأصل . مثال آخر : إذا ادعى المحجور عليه أو وصيه أن عقد البيع الذي أجراه المحجور قد حصل بعد صدور الحكم بحجره وطلب فسخ البيع وادعى المشتري حصول البيع قبل تاريخ الحجر فالقول للمحجور أو وصيه لأن وقوع البيع بعد الحجر أصل وهو أقرب زمنا مما يدعيه المشتري وعلى المشتري إثبات خلاف الأصل وهو حصول البيع له قبل صدور الحكم بالحجر . مثال آخر : لو شهدت الشهود بالطلاق فسئلوا عن تاريخ وقوعه هل كان زمن الصحة أو في مرض
____________________
(1/25)
الموت وأجابوا أنهم لا يعلمون ذلك فيحمل حينئذ وقوعه على زمن مرض الموت . مثال آخر : إذا ادعت زوجة المسلم المسيحية أنها أسلمت قبل موت زوجها وطلبت حصتها الإرثية من تركته وادعى الورثة أنها أسلمت بعد موته فالقول للورثة لأن وقوع إسلامها بعد موت زوجها أقرب تاريخا وهو الأصل ما لم تثبت . ( مستثنيات هذه القاعدة ) ( 1 ) لو ادعى شخص على حاكم معزول أنه أخذ منه بعد عزله مبلغا قدره كذا جبرا والمدعى عليه ادعى أنه قد أخذ منه ذلك المبلغ أثناء ما كان حاكما بعد أن أجرى محاكمته وأنه أعطى المبلغ للمحكوم له فلان فإذا كان المبلغ المدفوع تلف في يد المدفوع إليه فالقول للحاكم المدعى عليه لأنه يضيف فعله لزمن مناف للضمان ويدعي براءة ذمته مع أنه بحسب هذه القاعدة لما كان وقوع الأخذ بعد العزل هو أقرب كان الواجب أن يعد ذلك أصلا وعلى الحاكم المدعي أن يثبت خلاف الأصل أي حصول الأخذ قبل العزل . ( 2 ) إذا ادعت زوجة مسيحي أن إسلامها وقع بعد وفاة زوجها وأن لها الحق في أن ترثه لكونها حين وفاته كانت على دينه وادعى الورثة أنها أسلمت قبل موت المورث فالقول للورثة مع أنه حسب القاعدة يجب أن يكون القول للزوجة لأن اعتناقها الدين الإسلامي أمر حادث والزوجة تدعي حدوثه في الوقت الأقرب وعلى الورثة أن يثبتوا خلاف الأصل والسبب في عدم جريان هذه القاعدة في مثل هذه الدعوى هو العمل بقاعدة الاستصحاب في هذه المسألة وأن اختلاف الدين أي سبب الحرمان من الإرث هو موجود بالحال وبالاستصحاب المقلوب تعتبر في الزمن السابق مسلمة أيضا . مثال آخر : لو استأجر شخص آخر لأن يحفظ ماله مدة سنة بأجرة معلومة وتلف المال وادعى الأجير استحقاقه جميع الأجرة لتلف المال بعد مضي سنة وادعى صاحب المال أن المال تلف لمرور شهر من تسلم الأجير له وأن الأجير لا يستحق من الأجر سوى أجرة شهر واحد فالقول للمستأجر خلافا للقاعدة لأن المستأجر يدعي براءة الذمة وقد بينت الكتب الفقهية هذا الحكم بقولها فإن قيل الأصل أن يضاف الحادث إلى أقرب الأوقات فينبغي أن يصدق الأجير يقال الأصل المذكور ظاهر يصح للدفع لا للاستحقاق فغرض الأجير أخذ الأجر فلا يصح به . مثال آخر : لو ادعى شخص أن إقراره وقع حال طفوليته وادعى المقر له أن إقرار المقر حصل بعد البلوغ فالقول للمقر مع اليمين مع أنه يجب توفيقا لقاعدة إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته أن يكون القول للمقر له لأنه يدعي الزمن الأقرب . والحاصل أن طلب الأجر وطلب الحكم بناء على الإقرار أصبحا خارجين عن قاعدة الأصل إضافة الحوادث إلى أقرب أوقاتها لمعارضة قاعدة الأصل براءة الذمة لهما في هذه المسائل . ( المادة 12 ) الأصل في الكلام الحقيقة فالمعنى المجازي يكون خلاف الأصل والمقصود هنا بالأصل الراجح . المعنى : هو الشيء المقصود من الكلام وطرق أداء المقصود بالكلام عند أهل البلاغة ثلاثة أقسام :
____________________
(1/26)
( 1 ) الحقيقة ( 2 ) المجاز ( 3 ) الكتابة وأما عند أهل أصول الفقه فطرق أداء المقصود قسمان : حقيقة ومجاز والكناية عندهم تارة تكون حقيقة وأخرى تكون مجازا فمخاطبة الشخص بالقول له أبو إبراهيم كناية ولكنه مع ذلك لفظ حقيقي والقول للضرير أبو العيناء كناية جاءت عن مجاز . الحقيقة : هو استعمال اللفظ في المعنى الذي وضعه الواضع أي واضع اللغة كقولك ( أسد ) للوحش المعروف وفرس ( للدابة المعلومة ) . المجاز : هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له بشرط أن يكون بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي علاقة ومناسبة فكما أن العلاقة التي هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المستعمل فيه ذلك اللفظ مجازا هي من مقتضيات المجاز فالقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي شرط في صحة المجاز أيضا . مثلا : لو قال شخص رأيت أسدا في الحمام يغتسل يفهم منه أنه رأى رجلا شجاعا في الحمام يغتسل لا أنه رأى الأسد الحقيقي وهو الوحش المعروف لأن الحمام قرينة مانعة من وجود الأسد الحقيقي فيه يغتسل وبين الأسد والرجل الشجاع علاقة ومناسبة وهي الجرأة والشجاعة والحاصل أن المعنى الحقيقي هو الراجح فمتى أمكن حمل اللفظ عليه لا يعدل عنه إلى المعنى المجازي لأن المعنى الحقيقي أصل والمجازي بدل والبدل لا يعارض الأصل . مثال ذلك : إذا وقف شخص ماله قائلا إني وقفت مالي على أولادي وكان له أولاد وأولاد أولاد فيصرف قوله على أولاده لصلبه ولا تستفيد أولاد أولاده من غلة الوقف فلو انقرضت أولاده لصلبه فلا تصرف غلة الوقف على أحفاده بل تصرف إلى الفقراء إلا إذا كان يوجد للواقف أولاد حين الوقف بل كان له أحفاد فبطريق المجاز يعد المال موقوفا على أحفاده أما إذا ولد للواقف مولود بعد إنشاء الوقف فيرجع الوقف إلى ولده لصلبه لأن اسم الولد مأخوذ من الولادة ولفظ الولد حقيقة في الولد الصلبي ذكرا أو أنثى ولأن لفظة الولد حقيقة في الولد الصلبي فعند عدم وجود أولاد للواقف لصلبه مثلا يصرف الوقف إلى الأحفاد الذين تستعمل فيهم كلمة ( الأولاد ) مجازا لأنه لا يمكن استعمال معنى المجاز والحقيقة في لفظ واحد في وقت واحد معا . مثلا : لو قال شخص لآخر لا تقتل الأسد فلا يراد بهذا الكلام معنى لا تقتل الأسد الحقيقي والشخص الشجاع معا . أما إذا وردت قرينة تدل على شمول اللفظ لمعنييه الحقيقي والمجازي فيكون هذا من باب ( عموم المجاز ) ولا يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز . ( عموم المجاز ) تعريفه : هو عبارة عن استعمال اللفظ في معنى كلي شامل للمعنى الحقيقي والمعنى المجازي . مثال ذلك : لو قال الواقف قد وقفت مالي هذا على أولادي نسلا بعد نسل فقرينة ( نسلا بعد نسل ) تدل على شمول لفظ الأولاد لكل ولد سواء أكان ولدا له حقيقة أم ولدا له مجازا من أبناء أولاده وأبنائهم . مثال آخر : لو أوصى شخص لآخر بثمر بستانه فتحمل وصيته على الثمر الموجود أثناء وفاة الموصي ولا تحمل على الثمر الذي سيحصل في السنين المقبلة لأن الثمر يحمل حقيقة على الثمر الموجود ولا يحمل على ثمر المستقبل إلا بطريق المجاز وبما أنه من الممكن حمل هذا اللفظ على معناه الحقيقي فلا يحمل على البدل وهو المجاز وبما أنه لا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد فلا يعتبر متنا ولا للثمر
____________________
(1/27)
الموجود والذي سيوجد كذلك في وقت واحد . أما ذكر الموصي كلمة أبدا أو دائما حينما ذكر الثمر فيكون من عموم المجاز فتحمل وصيته على الثمر الحاصل أثناء وفاة الموصي والثمر الذي سيحصل في المستقبل . مثال آخر : لو قال شخص أن هذه الدار لزيد فمضمون هذا الكلام الحقيقي أنها ملك زيد ويكون بقوله هذا قد اعترف بأن تلك الدار هي ملك زيد المذكور فلو قال المقر بعد ذلك أنني لا أقصد بكلامي أن الدار ملك لزيد بل كنت أقصد أنها مسكن له بطريق الإجارة أو على سبيل العارية وأن الدار هي ملكي فلا يلتفت لكلامه هذا إذ أن اللام في كلمة ( لزيد ) بمعنى الاختصاص والاختصاص وأن يكن عاما للتملك والسكن فالمعنى الكامل في هذا الكلام هو اختصاص الملك ولهذا يحكم بملكية زيد لتلك الدار بناء على الإقرار . ( المادة 13 ) ( لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح ) لأن دلالة الحال في مقابلة التصريح ضعيفة فلا تعتبر مقابلة للتصريح القوي إن اللفظ الذي يكون به التصريح يسمى لفظا صريحا . تعريف الصريح عند علماء أصول الفقه : هو الذي يكون المراد منه ظاهرا ظهورا بينا وتاما ومعتادا فعليه لو أن شخصا كان مأذونا بدلالة الحال بعمل شيء فمنع صراحة عن عمل ذلك الشيء فلا يبقى اعتبار وحكم لذلك الإذن الناشئ عن الدلالة . مثاله : لو دخل إنسان دار شخص فوجد على المائدة كأسا فشرب منها ووقعت الكأس أثناء شربه وانكسرت فلا يضمن لأنه بدلالة الحال مأذون بالشرب منها بخلاف ما لو نهاه صاحب البيت عن الشرب منها وانكسرت فإنه يضمن لأن التصريح أبطل حكم الإذن المستند على دلالة الحال . مثال ثان : لو وهب شخص مالا لآخر وقبله فحصول عقد الهبة إذن بقبض المال دلالة فإن حصل القبض تمت الهبة وإن نهاه الواهب صراحة قبل القبض سقط حكم الدلالة وبطلت الهبة فلو قبضه كان غاصبا وتجري عليه أحكام الغاصب . ( رجحان الصراحة ) ورجحان الصراحة على الدلالة إنما يكون عند حصول معارضة بين الصراحة والدلالة قبل ترتب حكم مستند على الدلالة أما بعد العمل بالدلالة أي بعد ترتب الحكم وجريانه استنادا عليها فلا اعتبار للصراحة . مثال : لو قال شخص لآخر بعتك هذا الفرس فعلى الثاني أن يقبل في الحال ويقول قد اشتريت بدون وقوع إعراض منه حتى يصح العقد وعلى البائع أو المشتري بعد حصول الإيجاب أن يقول بعت أو اشتريت قبل أن يشتغل بشغل آخر فإذا لم يقل أحدهما ذلك بعد الإيجاب واشتغل بأمر يدل على الإعراض فيصبح الإيجاب باطلا فلو قبل الثاني بعد الإعراض عن البيع لا ينعقد مع أن القول وقع صراحة فكان من الواجب أن ينعقد البيع لكن الإعراض الدال على عدم الرغبة حكم أبطل الإيجاب السابق فالقبول اللاحق وإن كان صريحا لكنه لم يجد إيجابا صحيحا ولهذا فقد بطل أيضا ورجحان
____________________
(1/28)
الصريح على الدلالة يكون فيما لو تعارضا فقط . كذلك لو باع شخص مالا من آخر فضولا فإذا طالب صاحب المال المشتري بالثمن يكون قد أجاز البيع دلالة وإذا صرح صاحب المال بعد ذلك بعدم إجازة البيع لا يعتبر تصريحه ويكون البيع صحيحا وكما أن الصراحة تكون راجحة على الدلالة كما اتضح تكون راجحة على العرف والعادة أيضا لأن العرف والعادة من قبيل الدلالة . مثال ذلك : أن الليرة المعروفة في فلسطين الآن هي الجنية المصري فلو جرى عقد البيع بين البائع والمشتري على ليرات فرنساوية مثلا فالبيع ينعقد على ليرات فرنساوية ولا تحمل الليرة التي جرى الاتفاق عليها على الليرة المصرية وأما إذا عقد البيع على ليرات بلا تعيين نوعها فينصرف إلى المتعارف وهو الليرة المصرية . ( المادة 14 ) لا مساغ للاجتهاد في مورد النص يعني أن كل مسألة ورد فيها نص من الشارع لا يجوز للمجتهدين أن يجتهدوا فيها لأن جواز الاجتهاد أو القياس في الفروع من الأحكام مشروط بعدم وجود نص من الشارع . الاجتهاد : لغة هو التكلف ببذل الوسع وفي اصطلاح الفقهاء هو صرف وبذل الطاقة والقدرة أي إجهاد النفس لأجل الاستحصال على الحكم الشرعي الفرعي من دليله الشرعي بحيث لا يستطاع بذل وسع أكثر من ذلك . ولذلك قيل إذا صح حديث وكان حكم ذلك الحديث مخالفا لمذهب المجتهد يجب العمل بذلك الحديث وأن المقلد لأحد المذاهب إذا اتبع حكم الحديث فلا يكون خالف وخرج عن المذهب الذي يقلده . والمراد من النص هنا ( الكتاب الكريم والسنة أي الأحاديث الشريفة ) . مثال ذلك : قد نص الحديث الشريف أن ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) فبعد وجود هذا النص الصريح لا يجوز لأحد المجتهدين أن يجتهد بخلافه ويقول بحكم يناقضه كأن يقول في هذه المسألة ( يجوز سماع البينة من المنكر ) أو أن اليمين على المدعي كما أنه لا يجوز للمجتهد أن يجتهد في ( هل البيع حلال أم حرام ) بعد ورود النص الصريح في ذلك في القرآن الكريم وهو قوله أحل الله البيع الآية . ( المادة 15 ) ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه يعبر عن هذه القاعدة بعبارة أخرى وهي النص الوارد على خلاف القياس يقتصر على مورده ويقال لذلك الشيء أي الوارد به نص أصل أو مقيس عليه أو مشبه به ولغيره فرع ومقيس ومشبه . القياس _ تعريفه : إثبات حكم للفرع كحكم الأصل بناء على وجود مماثلة في العلة بين المقيس والمقيس عليه أو بعبارة أخرى بين المشبه والمشبه به . كيفية القياس : القرآن الكريم يقول السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فلو انتشل أحد مالا من آخر . وآخر نبش قبرا وسرق الكفن منه . فالنشال قد أخذ مالا محرزا خفية فعلة وجوب قطع اليد
____________________
(1/29)
موجودة في عمله فحكمه حكم السارق قياسا وأما النباش فلم توجد العلة في فلسطين الآن هي الجنيه المصري فلو جرى أمر الزواج له قياسا على عدم ترك التصرف له في ماله لمماثلة العلتين في التصرف والزواج وهو عدم معرفته الصالح لنفسه من الضار على أن ترك أمر الزواج للصغير نفسه أبلغ ضررا من ترك التصرف له في المال وفي المثل العامي يقال البنت الصغيرة لو تركت وشأنها في أمر زواجها تتزوج بالطبال أو الزمار . أما الحكم الذي يترتب بصورة مخالفة للقياس فلا يجوز قياس غيره عليه . مثال ذلك : أن بيع الاستصناع جوز على خلاف القياس لأن بيع المعدوم باطل وقياسا كان يجب أن يكون بيع الاستصناع غير جائز ولكن جوز استثناء على خلاف القياس فلا يجوز قياس عقد آخر عليه كما أن بيع السلم أيضا جوز على خلاف القياس فلا يجوز اعتبار أن بيع ثمر الشجر الذي لم يظهر ثمره جائزا استنادا على جواز بيع الاستصناع أو بيع السلم لأن النص بجواز الاستصناع على خلاف القياس . مثال آخر : لو باع شخص مال قريبه لآخر بحضوره وسكت أو باعت زوجة ما بحضور زوجها مالا على أنه لها وسكت الزوج فالبيع يكون نافذا فلو ادعى القريب صاحب المال أو الزوج أن المال المبيع هو ماله لا تسمع دعواه فعدم سماع الدعوى منه كان على خلاف القياس لأن القاعدة لا ينسب إلى ساكت قول فهذا الحكم لا يقاس غيره عليه كما لو كان العقد الذي جرى غير البيع وكان إجارة أو إعارة فلو أقام الدعوى ذلك الشخص الذي حضر الإجارة أو الإعارة وادعى بأن المال ماله فالدعوى تسمع منه . كذلك لو اختلف البائع والمشتري على ثمن المبيع قبل القبض وعجز الطوفان كلاهما عن إثبات مدعاهما فيما أن البائع والمشتري كلاهما منكر دعوى الآخر يجري التحالف بينهما وهذا يكون موافقا للقياس . أما إذا كان الاختلاف وقع بعد القبض فتكون دعوى المدعي هي طلبه الزيادة في الثمن والواجب كان الاكتفاء بتحليف المشتري المنكر زيادة الثمن مع أن هذه المسألة تجري خلافا للقاعدة . ويجري التحالف بين المتداعيين استنادا على الحديث الشريف القائل إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بينهما تحالفا وترادا فعلى ذلك يجري التحالف بينهما ولو بعد القبض خلافا للقياس وهذا لأن الحكم الثابت على خلاف القياس لا يقاس عليه أحكام أخرى مثلا : لو اختلف المستأجر والمؤجر على بدل الإجارة لا يجري التحالف بينهما توفيقا للحكم بالبيع بل القول مع اليمين للمستأجر . ( المادة 16 ) الاجتهاد لا ينقض بمثله يعني لو اجتهد المجتهد في مسألة ما من المسائل الشرعية وعمل باجتهاده أي حكم بموجب ذلك الاجتهاد ثم بدا له رأي آخر فعدل عن الأول في مسألة أخرى فلا ينقض اجتهاده الثاني حكمه الناشئ عن اجتهاده الأول . كذا لو حكم مجتهد في مسألة بموجب اجتهاده ثم حكم مجتهد ثان في تلك المسألة عينها وكان رأي الثاني مخالفا لرأي واجتهاد المجتهد الأول فلا ينقض الحكم المستند على اجتهاد الأول .
____________________
(1/30)
أن للمجتهد شروطا وصفات معينة في كتب أصول الفقه فلا يقال للعالم مجتهد ما لم يكن حائزا على تلك الصفات . ومع ذلك فالمتأخرون من الفقهاء قد أجمعوا على سد باب الاجتهاد خوفا من تشتت الأحكام ولأن المذاهب الموجودة وهي ( المذاهب الأربعة ) قد ورد فيها ما فيه الكفاية إلا أن فريقا من المسلمين وهم الشيعيون لم يزل باب الاجتهاد مفتوحا عندهم للآن وفيهم المجتهدون في المسائل الشرعية كما هو الحال في بلاد العجم وبلاد عامل والعراق . والحاصل أن المجتهد لا يمكنه أن ينقض حكما مبنيا على اجتهاده السابق كما أنه ليس لمجتهد ثان أن ينقض حكما مبنيا على اجتهاد لمجتهد سابق والسبب في ذلك أنه لا يوجد ما يرجح اجتهادا على آخر ولا يمكن القول أو الحكم بأن الاجتهاد الثاني هو أصوب من الاجتهاد الأول لأن الاجتهاد إنما هو حصول غلبة الظن على إصابة المرمى مع احتمال الخطأ فكل اجتهاد كما يجوز أن يكون صوابا يجوز أيضا أن يكون خطأ . فأمير المؤمنين أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) كان يصدر بعض الأحكام بناء على اجتهاده وكان عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يحضر جلسات الحكم ومع أن رأيه غير رأي أبي بكر في بعضها فلم ينقض شيئا منها بعد ما عهد إليه بمنصب الخلافة . فعليه استنادا على هذه القاعدة لا يجوز إلغاء الأحكام التي يصدرها حاكم من حاكم آخر كما أنه ليس للحاكم الواحد أن يرجع عن الحكم الذي أصدره إلا أنه يجوز للحاكم كما يجوز للمجتهد أن يجتهد في المسألة الثانية اجتهادا مخالفا لاجتهاده الأول في المسألة الأولى وأن يعطي أحكاما وآراء مخالفة لرأي أو حكم له سابق . ( مستثنى هذه القاعدة ) إذا وجدت مصلحة عامة تقتضي نقض اجتهاد ما يجوز نقضه باجتهاد لاحق ( المادة 17 ) المشقة تجلب التيسير يعني أن الصعوبة التي تصادف في شيء تكون سببا باعثا على تسهيل وتهوين ذلك الشيء وبعبارة أخرى يجب التوسيع وقت الضيق وأن التسهيلات الشرعية بتجويز عقود القرض والحوالة والحجز والوصية والسلم وإقالة البيع والرهن والإبراء والشركة والصلح والوكالة والإجارة والمزارعة والمساقاة وشركة المضاربة والعارية والوديعة كلها مستندة على هذه القاعدة وقد صار تجويزها دفعا للمشقة وجلبا للتيسير وتسمى ( رخصا ) . ( الرخصة ) تعريفها : الرخصة لغة التوسع واليسر والسهولة وفي إصلاح الفقهاء : هي الأحكام التي ثبتت مشروعيتها بناء على الأعذار مع قيام الدليل المحرم توسعا في الضيق . مثال : أن بيع السلم بيع معدوم وبما أن بيع المعدوم باطل كما جاء في المادة ( 205 ) فكان من الواجب عدم تجويز هذا البيع . إلا أن احتياج الناس قبل الحصول على محصولاتهم للنقود قد جوز هذا العقد تيسيرا وتسهيلا لهم كذلك للتيسير والتسهيل قد منح للمشتري خيار الغبن والتغرير وجوز سماع شهادة النساء في الأشياء التي لا يمكن اطلاع الرجال عليها . وجعل العقد الذي يحصل في البيع والإجار والهبة والصلح على المال والإقرار والإبراء وتأجيل الدين وإسقاط الشفعة الناشئ عن إجبار وإكراه عير معتبر . وكذلك اكتفي بأن
____________________
(1/31)
يشاهد المشتري كومة القمح أو الشعير بدلا من أن يشاهد كل قمحة أو شعيرة يشتريها حتى يزول حق خيار الرؤية لأنه لو لزم أن يرى المشتري كل حبة من الكومة لاستوجب ذلك صعوبة في البيع والشراء . كذلك اكتفي في الثياب برؤية الثوب من طرفه دون أن يراه المشتري جميعه وكذلك جوز بيع الوفاء دفعا لمماطلة المدين وتسهيلا للدائن لأن يستوفي دينه وجوز أيضا خيار الشرط في البيع لمن له الخيار دفعا للغرم الذي قد يحصل للبائع والمشتري بعد حصول البيع وجوز زواج المرأة بدون النظر إليها لأنه لو لم يجوز ذلك لامتنع الكثيرون عن تزويج بناتهم غيرة عليهن من رؤية الخاطبين وجوز وشرع الطلاق للتسهيل والتوسيع على الناس لأن بقاء الزوجية حال وجود النفور والكراهية بين الزوجين مشقة عظمى وبلية كبرى عليهما معا . وجوزت الوصية ليتمكن الذي لم يوفق لعمل الخير في حياته من إجرائه بعد وفاته . وأخيرا يجب أن يعلم أن المشقة تجلب التيسير إذا لم يوجد نص وأما إذا وجد النص فلا يجوز العمل خلاف ذلك النص بداعي جلب التيسير وإزالة المشقة . ( المادة 18 ) الأمر إذا ضاق اتسع هذه المادة مأخوذة من القاعدة الشرعية الموجودة في كتاب الأشباه والنظائر وقد ذكر الحموي أن الإمام الشافعي هو واضعها . الاتساع : مأخوذ من الوسع والتوسيع ضد التضييق . والمفهوم من هذه القاعدة أنه إذا شوهد ضيق ومشقة في فعل أو أمر يجب إيجاد رخصة وتوسعة لذلك الضيق فلإزالة المشقة تجوز الأشياء غير الجائزة قياسا والمغايرة للقواعد وقد ذكر الحموي أن هذه القاعدة بمعنى القاعدة التي سبق شرحها وهي المادة 17 . ( المادة 19 ) لا ضرر ولا ضرار يجب أن لا يفهم من كلمة ( لا ضرر ) أنه لا يوجد ضرر بل الضرر في كل وقت موجود والناس لا يزالون يفعلونه وإنما المقصود هنا أنه لا يجوز الضرر أي الإضرار ابتدأ كما لا يجوز الضرار أي إيقاع الضرر مقابلة لضرر . هذه القاعدة وإن كانت عامة فهي من نوع العام المخصوص لا تصدق إلا على قسم مخصوص مما تشمله لأن التعازير الشرعية ضرر ولكن إجراءها جائز كذلك الدخان الذي ينتشر من مطبخ دار شخص إلى دار جاره يعد ضررا لأنه قد يضر بالجيران مباشرة أو يسبب اشتهاء الأطعمة للفقراء منهم فينشأ عن ذلك ضرر لهم كذا لو وجد في دار شخص شجرة كانت سببا لأن يستفيد منها الجار كالاستظلال بها فقطعها موجب لضرر الجار أيضا . فهذه الأضرار وما ماثلها يجوز إجراؤها ولا تدخل تحت هذه القاعدة لأنها كما ذكرنا هي من قسم العام المخصوص . وتشتمل هذه القاعدة على حكمين الأول أنه لا يجوز الإضرار ابتداء أي لا يجوز للإنسان أن يضر شخصا آخر في نفسه وماله لأن الضرر هو ظلم والظلم ممنوع في كل دين وجميع الكتب السماوية قد منعت الظلم . مثال : لو كان لشخص حق المرور من طريق شخص آخر فلا يجوز منع ذلك الشخص عن المرور في تلك الطريق . كما أنه لا يجوز
____________________
(1/32)
لشخص أن يبيع مالا معيبا لشخص آخر بدون أن يذكر العيب الموجود في المال وأن إخفاء عيب المبيع عن المشتري إضرار به وهو حرام وممنوع شرعا . كذا لا يجوز لأهل قرية أن يمنعوا شخصا من أن يسكن في قريتهم بداعي أنهم لا يريدون أن يساكنوه لأن عملهم هذا ضرر وإجراء الضرر ممنوع كما قلنا . هذا وأن جواز إجراء الأفعال المباحة مشروط بعدم ترتب ضرر لأحد بإجرائها . مثلا : أن الصيد هو من الأفعال المباحة وجائز إلا أن كيفية الصيد إذا كانت موجبة لنفور الحيوانات أو مسببة لخوف واضطراب الأهلين يمنع الصياد من الصيد . كذلك تصرف الإنسان في ملكه مقيد بعدم حصول ضرر بليغ لجيرانه . مثال : يجوز لصاحب الأرض أن ينشئ دارا ويفتح نوافذ ولكن إذا كانت النوافذ المراد فتحها تكشف مقر نساء الجيران يمنع صاحب الملك من فتح تلك النوافذ . أما حكم الفقرة الثانية من هذه المادة وهو أنه لا يجوز مقابلة الضرر بمثله وهو الضرار كما لو أضر شخص آخر في ذاته أو ماله لا يجوز للشخص المتضرر أن يقابل ذلك الشخص بضرر بل يجب عليه أن يراجع الحاكم ويطلب إزالة ضرره بالصورة المشروعة . كذلك لو أتلف شخص كرما لآخر مثلا فليس للمتضرر أن يقابل الشخص الذي أضره بإتلاف كرمه بل عليه كما ذكرنا مراجعة المحكمة وإذا لم يعمل على مراجعتها وأتلف كرم المتلف لكرمه فكما يحكم على المتلف الأول يحكم على المتلف الثاني ويكونان ضامنين بما أتلفا . كذلك لو أخذ شخص نقودا مزيفة من شخص آخر فليس له أن يعطيها لغيره . ( المادة 20 ) الضرر يزال لأن الضرر هو ظلم وغدر والواجب عدم إيقاعه . وإقرار الظالم على ظلمه حرام وممنوع أيضا فيجب إزالته فتجويز خيار التعيين وخيار الرؤية وخيار النقد وخيار الغبن والتغرير ورد المبيع بخيار الشرط والحجر والشفعة وتضمين المال المتلف للمتلف والإجبار على قسمة الأموال المشتركة إنما هو بقصد إزالة الضرر . فخيار العيب شرع لإزالة ضرر المشتري الذي يأخذ مالا معيبا مع ظنه أنه مال سالم من العيب وحق الشفعة جوز لمنع الضرر الذي يحصل من سوء الجوار لأن المساكن كما لا يخفى تغلو وترخص بجيرانها كذلك لو أن شجرة في بستان شخص كبرت وتدلت أغصانها على دار جاره وكان من جراء ذلك ضرر للجار فيجب إزالة الضرر بقطع الأغصان أو بربطها وسحبها للداخل . كذا لو أحدث شخص بناء في ملكه وتسبب عن ذلك حصول الظلام في غرفة جاره بصورة لا تستطاع معها القراءة والكتابة وبما أن ذلك ضرر فاحش يزال توفيقا للمادة ( 1201 ) من المجلة كذلك يمنع الأشخاص الذين يزيفون النقود عن إجراء صناعتهم أيضا وإذا وجد لشخص نحل عسل والنحل يأكل أثمار جاره الموجودة في بستانه يحكم بإبعاد النحل من ذلك المكان دفعا للضرر . ( المادة 21 ) الضرورات تبيح المحظورات الضرورة هي العذر الذي يجوز بسببه إجراء الشيء الممنوع .
____________________
(1/33)
المباح : والمباح شرعا هو الشيء الذي يجوز تركه وفعله في نظر الشرع والمقصود من المباح هنا ما ليس به مؤاخذة وإن إباحة الضرورة للمحظورات تسمى في علم أصول الفقه رخصة وقد اتضح ذلك في المادة ( 17 ) والرخصة هي الشيء الذي يشرع ثابتا بناء على الأعذار وهي الشيء المباح مع بقاء المحرم والحرمة أي كما أنه لا يؤاخذ فاعل الشيء المباح لا يؤاخذه فاعل الشيء المرخص أيضا . مثال : لو أن شخصا أكره آخر على إتلاف مال الغير فبوقوع الإكراه أي الضرورة لا تزول الحرمة الناشئة عن إتلاف مال الغير إلا أن المكره لا يؤاخذ للإتلاف الذي حصل منه لأن العمل بالرخصة ثابت بإجماع الأئمة وتفصيل ذلك عائد لأصول علم الفقه ولنورد هنا بعض الأمثلة توضيحا لهذه القاعدة . مثال : أن التعرض لمال الغير وإتلافه ممنوع كما سيجيء في المادة ( 96 و 97 ) إلا أنه لو أصبح شخص في حال الهلاك من الجوع فله أخذ مال الغير ولو بالجبر على شرط أداء ثمنه فيما بعد أو استحصال رضاء صاحب المال كما أنه يجوز للشخص أن يقتل الجمل الذي يصول عليه تخليصا لحياته ففي هذين المثالين أصبح من الجائز إتلاف وأخذ مال الغير بصورة الجبر . مثال آخر : إذا أكره شخص آخر على إتلاف مال الغير بقوله أقتلك أو أقطع عضوا من أعضائك فيصبح إتلاف المال مباحا لذلك الشخص والضمان يلزم المجبر . إن الضرورات لا تبيح كل المحظورات بل يجب أن تكون المحظورات دون الضرورات أما إذا كانت الممنوعات أو المحظورات أكثر من الضرورات فلا يجوز إجراؤها ولا تصبح مباحة . مثال : لو أن شخصا هدد آخر بالقتل أو بقطع العضو وأجبره على قتل شخص فلا يحق للمكره أن يوقع القتل لأن الضرورة هنا مساوية للمحظور بل أن قتل المكره أخف ضررا من أن يقتل شخصا آخر فوالحالة هذه إذا أوقع ذلك المكره القتل يكون حكمه حكم القاتل بلا إكراه أما من جهة القصاص فينفذ في حق كل من المجبر والمكره . ( المادة 22 ) ما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها أي أن الشيء الذي يجوز بناء على الضرورة يجوز إجراؤه بالقدر الكافي لإزالة تلك الضرورة فقط ولا يجوز استباحته أكثر مما تزول به الضرورة . مثلا : لو أن شخصا كان في حالة الهلاك من الجوع يحق له اغتصاب ما يدفع جوعه من مال الغير لا أن يغتصب كل شيء وجده مع ذلك الغير كذلك جوز البيع بخيار التعيين في شيئين أو ثلاثة لا أزيد كأربعة أشياء أو خمسة إذ لا ضرورة تدعو للزيادة لأن ما أبيح للضرورة إنما يتقدر بقدرها كذلك لو أحدث شخص نافذة تشرف على مقر نساء الجيران فيؤمر بإزالة الضرر عن الجار بصورة تمنع الضرر فقط ولا يجبر صاحب النافذة على سدها بالكلية . الضرورة : هي الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعا . الحاجة : أما الحاجة فإنها وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة ولا يتأتى معها الهلاك فلذا لا يستباح بها الممنوع شرعا . مثال ذلك : الصائم المسافر بقاؤه صائما يحمله جهدا ومشقة فيرخص له الإفطار لحاجته للقوة على السفر .
____________________
(1/34)
( المادة 23 ) ما جاز لعذر بطل بزواله يعني أن الأشياء التي تجوز بناء على الأعذار والضرورات إذا زالت تلك الأعذار والضرورات بطل الجواز فيها . مثال ذلك : الشهادة على الشهادة إنما جوزت بناء على عدم تمكن الشاهد الأصيل من حضور مجلس الحكم لمرض مقعد أو غيبة بعيدة . مثلا : فإذا أبل الشاهد الأصيل من مرضه أو حضر الغائب من غيبته لا تجوز الشهادة على الشهادة كذلك يحق للمستأجر فسخ الإيجار إذا حصل عيب حادث في المأجور ولكن إذا كان المؤجر قبل فسخ الإيجار أزال ذلك العيب فلا يبقى محل لفسخ الإيجار كذلك لو أن شخصا استأجر دارا من آخر والمؤجر أبقى أمتعته في إحدى الغرف ولم يسلم تلك الغرفة فالمستأجر هنا مخير في فسخ الإجارة أو الدوام عليها فإذا أخلى المؤجر تلك الغرفة قبل أن يفسخ المستأجر الإجارة فلا يحق له حينئذ فسخها لأن العذر الذي كان يحق للمستأجر أن يفسخ الإجارة استنادا عليه قد زال . ( المادة 24 ) إذا زال المانع عاد الممنوع يعني إذا كان شيء جائزا ومشروعا ثم امتنع حكم مشروعيته بمانع عارض فإذا زال ذلك المانع يعود حكم مشروعيته . مثال : إذا اشترى شخص شيئا وبعد حصول عيب حادث في ذلك الشيء اطلع على عيب قديم فيه فحينئذ لا يجوز للمشتري رد المبيع بل له الرجوع على البائع بنقصان الثمن أي فرق الثمن فقط . فإذا زال ذلك العيب الحادث المانع من رد المبيع فللمشتري بعد أن يعيد للبائع نقصان الثمن رد المبيع بالعيب القديم . كذلك إذا شهد صبي أو أعمي بقضية وردت شهادته بسبب الصغر والعمى فبعد بلوغ الشاهد أو زوال العمى تقبل شهادته لأن المانع من قبول الشهادة كان العمى وصغر السن . كذلك إذا اشترى شخص فرسا من آخر بخيار الرؤية . وبعد قبض المبيع ولدت عنده فليس للمشتري رد المبيع بخيار الرؤية . أما إذا مات المهر المولود فيكون قد زال المانع فيعود للمشتري حق الخيار . كذلك المشتري إذا غرس أشجارا في الأرض المشتراة أو أنشأ فيها بناء فلا يحق للبائع طلب فسخ البيع بدعوى وجود فساد في العقد لأن ذلك موجب لضرر المشتري . إذ أنه يقتضي أن يقلع أشجاره أو يهدم بناءه . أما إذا خلعت الأشجار أو هدم البناء بآفة أو من المشتري نفسه يحق للبائع أن يدعي بفساد البيع ويطلب فسخ العقد لزوال المانع . كذلك بيع المكره لا يكون نافذا والسبب في ذلك المحافظة على مال المكره إذ لا يجوز إخراجه من حوزة صاحبه إلا برضاء منه أما إذا أجازه المكره برضائه بعد زوال الإكراه يصبح البيع نافذا . كذلك التناقض مانع من سماع الدعوى فإذا تناقض شخص في دعواه لا تسمع منه الدعوى الثانية إلا أنه بتصديق الخصم أو تكذيب الحاكم يزول التناقض وتصبح الدعوى الثانية مسموعة لزوال المانع . ( المادة 25 ) الضرر لا يزال بمثله ولا بأكثر منه بالأولى إذا يشترط بأن يزال الضرر بلا أضرار بالغير إن أمكن وإلا فبأخف منه .
____________________
(1/35)
مثال : لو أن شخصا فتح حانوتا في سوق وجلب أكثر المشترين لجانبه بصورة أوجبت الكساد على باقي التجار فلا يحق للتجار أن يطالبوا بمنع ذلك التاجر عن المتاجرة بداعي أنه يضر بمكاسبهم لأن منع ذلك التاجر عن التجارة هو ضرر بقدر الضرر الحاصل للتجار الآخرين . كذلك الشركة بالأموال هي ضرر ولذلك قد جوزت القسمة بين الشركاء إزالة للضرر والحاكم عند الإيجاب يحكم بالمقاسمة بين الشركاء جبرا . أما إذا كان المال المشترك طاحونا وطلب أحد الشركاء تقسيمه فلأن تقسيم الطاحون يوجب ضرر الشركاء الآخرين الذين يرفضون المقاسمة فالحاكم لا يجبر الشركاء على المقاسمة حيث يكون قد أزال الضرر بمثله أو بأكثر منه . كذلك يجوز لمن تحقق الهلاك جوعا أن يأخذ من غيره ما يدفع به الهلاك عن نفسه غصبا . لكن لو كان صاحب المال محتاجا إليه كاحتياجه له وبأخذه منه يصبح معرضا للهلاك أيضا لا يحق له أن يأخذه منه إذ أنه بدفع ضرره يجلب ضررا لغيره مساويا لضرره . كذلك إذا ظهر في المبيع عيب عند المشتري لا يحق له رد المبيع لوجود عيب قديم فيه إلا أنه يحق للمشتري أن يرجع على البائع بنقصان الثمن أي بالفرق بين قيمة المبيع معيبا وقيمته سالما . ( المادة 26 ) يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام بما أن الضرر الخاص لا يكون مثل الضرر العام بل دونه فيدفع الضرر العام به فمنع الطبيب الجاهل والمفتي الماجن والمكاري المفلس من مزاولة صناعتهم ضرر لهم إلا أنه خاص بهم ولكن لو تركوا وشأنهم يحصل من مزاولتهم صناعتهم ضرر عام كإهلاك كثير من الناس بجهل الطبيب وتضليل العباد مع تشويش كثير في الدين بمجون المفتي وغش الناس من المكاري وكذلك جواز هدم البيت الذي يكون أمام الحريق منعا لسراية النار . كذلك إذا كانت أبنية آيلة للسقوط والانهدام يجبر صاحبها على هدمها خوفا من وقوعها على المارة . كما أنه يجوز تحديد أسعار المأكولات عند طمع التجار في زيادة الأرباح زيادة تضر بمصالح العامة وكذلك يمنع إخراج بعض الذخائر والغلال من بلدة لأخرى إذا كان في إخراجها ارتفاع الأسعار في البلدة . وكذلك يمنع الطباخ من فتح دكانه في سوق التجار خوفا من لحوق التلف ببضائع التجار من دخان مطعمه . ( المادة 27 ) الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف يعني أن الضرر تجوز إزالته بضرر يكون أخف منه ولا يجوز أن يزال بمثله أو بأشد منه حسب ما وضحنا بالمواد السابقة . مثال : إذا أحدث المشتري في العقار المشفوع أبنية فلو أجبر المشتري والحالة هذه على قلعها وتسليم العقار المشفوع للشفيع يتضرر المشتري كما أنه إذا أجبر الشفيع على أخذ المشفوع مع دفع قيمة البناء الذي أحدثه المشتري يتضرر أيضا بإجباره على دفع نقود ثمنا للبناء المحدث زيادة عن قيمة المشفوع إلا أن هذا الضرر أخف من ضرر المشتري فيما لو أجبرناه على قلع البناء إذ يضيع ما أنفقه على البناء بلا مقابل بخلاف الشفيع فإنه يأخذ مقابل الثمن الذي يدفعه البناء أو الشجر . إذا فضرر الشفيع أخف من ضرر المشتري فيختار ويكلف ذلك الشفيع بأخذ الأبنية ودفع القيمة للمشتري . كذلك إذا أدخل فرس تساوي قيمته ثلاثين جنيها رأسه في إناء شخص تساوي قيمته ثلاث
____________________
(1/36)
جنيهات مثلا ولا يمكن إخراج رأس الفرس من الإناء إلا بكسره فخوفا من موت الفرس يدفع صاحبه قيمة الإناء لصاحبه ويكسره لأن ذلك أخف ضررا من موت الفرس كما لا يخفى . كذلك لو كان لشخص ( ريشة ) قلم تساوي جنيهين وسقطت في دواة لشخص آخر تساوي عشرة قروش وكان غير ممكن إخراج الريشة بدون كسر الدواة فدفعا للضرر الأشد يكلف صاحب الريشة أن يدفع العشرة القروش ليكسر الدواة ويستخرج ريشته . كذلك لو أن دجاجة اختطفت لؤلؤة لأحد الناس تساوي مبلغا فدفعا للضرر الأشد يدفع صاحب اللؤلؤة قيمة الدجاجة ليذبحها ويستخلص لؤلؤته . ( المادة 28 ) إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما لأن الضرورات تبيح المحظورات كما وضحنا في المادة 21 فإذا وجد محظورات وكان من الواجب أو من الضروري ارتكاب أحد الضررين فيلزم ارتكاب أخفهما وأهونهما أما إذا كانا متساويين فيرتكب أحدهما لا على التعيين كما لو ركب رجل في سفينة فاحترقت تلك السفينة فهو مخير بين أن يبقى في السفينة وبين أن يلقي بنفسه إلى البحر لتساوي المحظورين على أنه لا يعد في كلا الحالين منتحرا ولا يكون آثما . ( المادة 29 ) يختار أهون الشرين هذه المادة مأخوذة من قاعدة ( أن من ابتلي ببليتين يأخذ بأيتهما شاء فإن اختلفتا يختار أهونهما لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ولا ضرورة في ارتكاب الزيادة ) وحيث أن هذه المادة عين المادة 28 فلا حاجة لشرحها . ( المادة 30 ) درء المفاسد أولى من جلب المنافع أي إذا تعارضت مفسدة ومصلحة يقدم دفع المفسدة على جلب المصلحة فإذا أراد شخص مباشرة عمل ينتج منفعة له ولكنه من الجهة الأخرى يستلزم ضررا مساويا لتلك المنفعة أو أكبر منها يلحق بالآخرين فيجب أن يقلع عن إجراء ذلك العمل درءا للمفسدة المقدم دفعها على جلب المنفعة . لأن الشرع اعتنى بالمنهيات أكثر من اعتنائه بالمأمور بها . مثال : يمنع المالك من التصرف في ملكه فيما إذا كان تصرفه يورث الجار ضررا فاحشا أو كما سيجيء في المادة 192 207 1208 إلا أن المنفعة إذا كانت فائدتها أزيد بكثير مما يترتب على المفسدة من الإضرار فتقدم المنفعة ولا ينظر إلى المفسدة القليلة مثال : إن التكلم بالكذب مفسدة ولكن إذا أريد به إصلاح ذات البين يجوز على قدر الحاجة إليه . كذلك لو أراد متغلب ظالم أخذ الوديعة من المستودع غصبا عنه فللمستودع أن يكذب وينكر وجود وديعة عنده محافظة عليها . ( المادة 31 ) الضرر يدفع بقدر الإمكان يعني لو دخل عليك سارق مثلا فادفعه عنك بقدر إمكانك فإذا كان ممن يندفع بالعصا فلا تدفعه
____________________
(1/37)
بالسيف كذا إذا اغتصب شخص مال آخر واستهلكه فلأن إرجاع المال المغصوب المستهلك بعينه غير ممكن يضمن الغاصب مثل ذلك المال إذا كان من المثليات وقيمته إن كان من القيميات . كذلك إذا حصل عيب حادث في المبيع عند المشتري ثم ظهر عيب له قديم فلأن العيب الحادث مانع للمشتري من أن يرد المبيع بالعيب القديم فيزال الضرر بقدر الإمكان وذلك بأن يرجع المشتري على البائع بنقصان الثمن . ( المادة 32 ) الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة ومن هذا القبيل تجويز البيع بالوفاء لأنه لما كثرت الديون على أهل بخارى مست الحاجة إلى ذلك وصار مرعيا . هذه المادة مأخوذة من الأشباه والنظائر . ويفهم منها أن بيع الوفاء كان ممنوعا وقد جوز بناء على الضرورة لأن استفادة المقرض زيادة عن بدل القرض ربا وممنوع شرعا وبيع الوفاء من هذا القبيل غير جائز أصلا ولكن حسب ما هو مذكور في هذه القاعدة قد اجتهدت الفقهاء بناء على احتياج أهالي بخارى في ذلك الزمن تجويزه . إن تجويز بيع السلم وبيع الاستصناع مستند على هذه القاعدة أيضا لأن بيع السلم هو بيع معدوم وقياسا يجب أن يكون بيعا باطلا ولكن قد جوز بيع السلم وبيع الاستصناع للاحتياج والضرورة العمومية لأنه لا يخفى أن أكثر الفلاحين في غالب السنين يصبحون باحتياج شديد للنقود قبل إدراك محصولهم فدفعا لاحتياجهم هذا قد جوز بيع السلم وكذلك جوزت أيضا إجازة الاغتسال في الحمام مع أنها قياسا غير جائزة لأن المنفعة فيها مجهولة وغير معينة لأنه لا يمكن تعيين المدة التي يقضيها المغتسل في الحمام ومقدار الماء الذي يصرفه إلا أنه للضرورة العمومية قد جوزت وكذلك وجود خيار التعيين بالمبيع يجعل المبيع مجهولا ولكن قد جوز هذا المبيع بناء على الاحتياج إليه لأن بعض الناس لا يمكنه أن يشتري شيئا بدون سؤال واستشارة العارفين . ( المادة 33 ) الاضطرار لا يبطل حق الغير معنى الاضطرار هنا الإجبار على فعل الممنوع والاضطرار على قسمين أحدهما ينشأ عن سبب داخلي ويقال له ( سماوي ) كالجوع مثلا . أما القسم الثاني هو الاضطرار الناشئ عن سبب خارجي ويقال له ( اضطراري غير سماوي ) وهو نوعان الإكراه الملجئ والإكراه غير الملجئ . والذي يفهم من هذه القاعدة أنه لو أصاب إنسان مال الغير بناء على الاضطرار الذي يجوز له التصرف بمال الغير فلا تكون الإصابة الناشئة عن الاضطرار سببا لأن يكون المتلف غير ضامن بل يجب على المستهلك أو المتلف أن يضمن قيمة المال المتلف . مثال ذلك : لو أن شخصا جاع جوعا شديدا وأصبح عرضة للتلف أي للموت فله الحق وفقا للمادة 21 بأن يأخذ من طعام الغير ما يدفع به جوعه بدون إذن صاحب المال إلا أنه يجب عليه من الجهة الأخرى أن يضمن قيمة المال المتلف إذا كان من القيميات ومثله إذا كان من المثليات ولا يكون الاضطرار على استهلاك ذلك المال سببا للتخلص من دفع قيمته والحاصل أن الاضطرار وإن أباح للمضطر تناول وإتلاف مال الغير دون أن يترتب عليه
____________________
(1/38)
عقاب لا يكون سببا للخلاص من الضمان . وكذا لو هجم جمل صائل على شخص وأصبحت حياته مهددة فله إتلاف الجمل تخليصا لحياته من يد الهلاك إلا أنه يجب عليه أن يدفع قيمة الجمل لصاحبه وهنا إذا اعترض بقاعدة أن الضرورات ما دامت تبيح المحظورات فيجب عدم الضمان . فردا على ذلك نقول القصد من الإباحة هذه إنما هو تجويز إتلاف المال بدون رضا صاحبه وأن لا يعد الفاعل غاصبا إلا أنه من الجهة الأخرى يجب الضمان لأن الإباحة لا تكون سببا لضياع الحقوق على ذويها . وكذلك إذا استأجر شخص قاربا ساعة من الزمن وبعد أن وصل إلى عرض البحر انقضت مدة الإجارة فمقتضى القاعدة أنه يجب على الراكب أن يبارح القارب في الحال إلا إذا رضي المؤجر أن يؤجره ثانية ولكن بما أنه يوجد هنا اضطرار فصاحب السفينة مجبر على أن يبقي المستأجر في القارب حتى يخرج به إلى البر ولكن هذا الإجبار لا يمنع المؤجر من أن يطالب المستأجر بدفع أجرة المثل عن المدة الزائدة وفقا للمادة ( 1007 ) الناصة على أن الضمان في الإكراه الملجئ على المجبر وفي غير الملجئ على المكره ووجود الإكراه على إتلاف المال لا يضيع حق صاحب المال في تضمين قيمة ماله المتلف . ( المادة 34 ) ما حرم أخذه حرم إعطاؤه يعني أن إعطاء الحرام وأخذه سواء في الحرمة كما أن المكروه أخذه وإعطاؤه مكروه فالرشوة مثلا كما حرم أخذها حرم إعطاؤها من الراشي حتى لو دفع الوصي في دعوة القاصر رشوة للحاكم من مال القاصر يضمن وكذلك أخذ الدجال الذي يفتح البخت والأشخاص المشعوذين دراهم من الناس ممنوع وحرام كما أن إعطاء الناس لهم ممنوع وحرام أيضا وكذا النائحة أخذها وإعطاؤها الأجرة حرام وممنوع . ( مستثنيات هذه القاعدة ) إن لهذه القاعدة مستثنيات وهي : لو اغتصب غاصب مال قاصر فيحق للوصي أن يعطي الغاصب قسما من المال المغصوب كي يسترده فهنا أخذ الغاصب ذلك المال حرام وممنوع إلا أن إعطاءه من الوصي لاسترداد المال جائز . ( المادة 35 ) ما حرم فعله حرم طلبه . كالسرقة لا تطلب من أحد يسرق يعني أن كل شيء يكون إجراؤه حراما فطلب إيقاعه حرام أيضا . وهذه المادة تقرب من المادة 34 التي سبق شرحها . مثال ذلك : أن أخذ الرشوة والشهادة الكاذبة وظلم الناس أو سرقة مال الناس من الأفعال الممنوعة فطلب إجراء ذلك من شخص آخر كأن يقال له ادفع رشوة أو اشهد بكذا زورا أو أن يغري بالظلم أو ارتكاب السرقة حرام وممنوع أيضا إلا أن تحليف اليمين مستثنى من هذه القاعدة وتفصيل ذلك أن حلف اليمين كذبا حرام لكن تحليف ذلك الشخص المستعد لحلف اليمين الكاذب ليس بحرام لأنه إذا لم يجوز تحليف اليمين للشخص المنكر تضيع الفائدة المترتبة عليه وهي رجاء النكول الذي بسببه يتبين حق المدعي .
____________________
(1/39)
( المادة 36 ) العادة محكمة يعني أن العادة عامة كانت أو خاصة تجعل حكما لإثبات حكم شرعي . هذه المادة هي نفس القاعدة المذكورة في كتاب الأشباه وكتاب المجامع ومعنى محكمة أي هي المرجع عند النزاع لأنها دليل يبنى عليه الحكم وهي مأخوذة من الحديث الشريف القائل ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن . تعريف العادة : هي الأمر الذي يتقرر بالنفوس ويكون مقبولا عند ذوي الطباع السليمة بتكراره المرة بعد المرة . على أن لفظة العادة يفهم منها تكرر الشيء ومعاودته بخلاف الأمر الجاري صدفة مرة أو مرتين ولم يعتده الناس فلا يعد عادة ولا يبنى عليه حكم . والعرف بمعنى العادة أيضا . وقد أوضحت المجلة هذه المادة بقولها : أن العادة عامة أو خاصة تجعل حكما لإثبات ( حكم شرعي ) والعرف والعادة إنما تجعل حكما لإثبات الحكم الشرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته فإذا ورد النص عمل بموجبه ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة لأنه ليس للعباد حق تغيير النصوص والنص أقوى من العرف لأن العرف قد يكون مستندا على باطل كما سيأتي في شرح المادة ( 37 ) . أما نص الشارع فلا يجوز مطلقا أن يكون مبنيا على باطل فلذلك لا يترك القوي لأجل العمل بالضعيف . على أن الإمام أبا يوسف يقول : إذا تعارض النص والعرف ينظر فيما إذا كان النص مبنيا على العرف والعادة أم لا ؟ فإذا كان النص مبنيا على العرف والعادة ترجح العادة ويترك النص . وإذا كان النص غير مستند إلى عرف وعادة يعمل بالنص ولا عبرة بالعادة ومع ذلك يجب أن لا يفهم أن حضرة الإمام أبي يوسف يذهب في رأيه إلى ترك النص والعمل بالعرف والعادة فالنص أقوى من العرف والعادة من غير شبهة حتى النص الذي يصدر من الناس وإنما رأيه بمثابة تأويل للنص . مثال ذلك : إن وضع الطعام أمام الضيف بحكم العرف والعادة إذن له بأن يتناول من ذلك الطعام إلا أن صاحب البيت إذا منع الضيف من تناول الطعام فقد صدر منه نص بخلاف العرف والعادة فعلى الضيف أن يعمل بحكم النص ويمتنع عن الطعام ولا يعمل بالعرف والعادة فإذا أكل يكون مخالفا للنص فيضمن . والعرف والعادة يكونان على وجهين الأول يقسم إلى ثلاثة أقسام : 1 - العرف العام تعريف العرف العام : هو عرف هيئة غير مخصوص بطبقة من طبقاتها وواضعه غير متعين والعرف العام عندنا هو العرف الجاري منذ عهد الصحابة حتى زماننا والذي قبله المجتهدون وعملوا به ولو كان مخالفا للقياس . مثال ذلك : إذا حلف شخص قائلا والله لا أضع قدمي في دار فلان يحنث سواء دخل تلك الدار ماشيا أو راكبا أما لو وضع قدمه في الدار دون أن يدخلها لا يحنث لأن وضع القدم في العرف العام بمعنى الدخول . 2 - العرف الخاص تعريفه : هو اصطلاح طائفة مخصوصة على شيء كاستعمال علماء النحو لفظة الرفع وعلماء الأدب كلمة النقد . 3 - العرف الشرعي
____________________
(1/40)
هو عبارة عن الاصطلاحات الشرعية كالصلاة والزكاة والحج فباستعمالها في المعنى الشرعي أهمل معناها اللغوي . هذا وفي الحكم بالعرف العام والعرف الخاص فرق وإليك التفصيل : يثبت بالعرف العام حكم عام . مثال ذلك : لو حلف شخص فقال لا أضع قدمي في دار فلان فيما أن معنى ذلك في اللغة ( لا أضع رجلي ) وفي العرف العام ( لا أدخل ) يثبت ذلك في حق العموم . أما العرف الخاص فإنه يثبت به حكم خاص فقط . مثال ذلك : لو تعورف في بلدة وقف المنقول غير المتعارف وقفه في غيرها يحكم بصحة وقف ذلك المنقول فيها فقط . وكذا إذا كان إعطاء أجزاء النقود بدلا عن أصل النقود جائزا عرفا في بلدة يحكم بصحة إعطاء الأجزاء في تلك البلدة فقط ولا يجوز في غيرها . والوجه الثاني يقسم أيضا إلى قسمين : ( 1 ) العرف العملي ( 2 ) والعرف القولي العرف العملي : كتعود أهل بلده مثلا أكل لحم الضان أو خبز القمح فلو وكل شخص من تلك البلدة آخر بأن يشتري له خبزا أو لحما فليس للوكيل أن يشتري للموكل لحم جمل أو خبز ذرة أو شعير استنادا على هذا الإطلاق وهذا العرف عند الحنفية يسمى عرفا عاما مخصصا أي عرف مقيد . العرف القولي : وهو اصطلاح جماعة على لفظ يستعملونه في معنى مخصوص حتى يتبادر معناه إلى ذهن أحدهم بمجرد سماعه وهذا العرف أيضا يسمى عند الحنفية والشافعية عرفا مخصصا . مثال ذلك : لو قال شخص في الحال الحاضر لآخر اشتر لي فرس فلان بعشرة جنيهات ولم يعين النوع للوكيل أن يشتري الفرس بعشرة جنيهات مصرية وهي العملة المتعامل بها في فلسطين وكذا لو قال هذا القول قبل النفير العام فيحمل على الليرات الإفرنسية التي كانت مستعملة حينئذ ولا يحق للوكيل أن يشتري ذلك الفرس بجنيهات إنكليزية مثلا . أن المادة ( 230 ) تذكر أن الأشياء التي تدخل في البيع عادة تدخل في البيع بدون ذكر لها . مثال ذلك : يدخل ضمن بيع الفرس رسنه ولو لم يذكر للمشتري أخذه وكذا يجوز إعطاء أجزاء المسكوكات بدل أصلها في بلدة إذا كان ذلك متعارفا فيها راجع مادة ( 244 ) . وكذلك إذا كان العرف في بلدة في البيع المطلق يدفع مقسطا يعتبر ثمن المبيع مقسطا حسب العرف انظر المادة ( 576 ) وكذا إذا وضع رجل ولده عند صاحب صنعة بقصد تعلمها ولم يشترط أحدهما على الآخر أجرة وبعد أن تعلم الولد الصنعة طالب كل منهما الآخر بالأجرة يعمل بعرف البلدة فإذا كانت الأجرة عادة على المعلم يجبر عليها وإن كانت على الصبي المتعلم يجبر على دفعها للمعلم وإن كانت العادة لا تقضي على كل منهما يحكم بمقتضاها انظر المادة ( 569 ) كذلك يجب على المكاري وضع الحمل داخل الدار أو المخزن إن كان ذلك متعارفا انظر مادة ( 575 ) كذلك استئجار المرضع جائز عملا بالعرف والعادة مع أنها في الأصل إجارة فاسدة لجهل المنفعة . ( المادة 37 ) استعمال الناس حجة يجب العمل بها يعني أن وضع اليد على شيء والتصرف فيه دليل على الملك ظاهرا واستعمال الناس إن كان عاما
____________________
(1/41)
يعد حجة في حق العموم وإن كان خاصا ببلدة مثلا لا يكون حجة خلافا لمشايخ بلخ فإنهم يرونه حجة في تلك البلدة ويكون حينئذ من العرف الخاص الذي بيناه فيثبت به حكم خاص . واعتبار الإجماع العمومي الشرعي حجة يعمل بها إنما هو لاستحالة تواطؤ ذلك الجمع على الكذب والضلال والحاصل أن استعمال الناس غير المخالف للشرع ولنص الفقهاء يعد حجة كالبيع بالوفاء وبيع السلم مثلا فقد اتفق الفقهاء وأجمع الناس على جوازه لما مست الحاجة إليه مع أنه في الأصل غير جائز . مثال ذلك : إذا استعان شخص على شراء مال وبعد وقوع البيع والشراء طلب المستعان به من المستعين أجرة فينظر إلى تعامل أهل السوق فإذا كان معتادا في مثل هذه الحال أخذ أجرة فللمستعان به أخذ الأجرة المثلية من المستعين وإلا فلا . وكذلك لو أهدى شخص شيئا كالتفاح مثلا في صحن يجب رد الصحن لأنه يرد عادة ولو أهدى بلحا أو عنبا في سل لا يرد السل لصاحبه لجريان العادة بعدم رد السل . وكذلك لو استأجر شخص عاملا ليعمل له في بستانه يوميا فتعيين وقت العمل من اليوم عائد إلى العرف والعادة في تلك البلدة وكذلك لو تعورف في بلدة وقف المنقول كوقف الكتب الشرعية والعلمية والمصاحف الشريفة حكم بجوازه ويكون الوقف صحيحا مع أن وقف المنقول في الأصل غير صحيح . إن العرف والعادة يكون حجة إذا لم يكن مخالفا لنص أو شرط لأحد المتعاقدين كما لو استأجر شخص آخر لأن يعمل له من الظهر إلى العصر فقط بأجرة معينة فليس للمستأجر أن يلزم الأجير العمل من الصباح إلى المساء بداعي أن عرف البلدة كذلك بل يتبع المدة المعينة بينهما . قد ذكرنا أن اجتهاد الإمام أبي يوسف في النص إنه إذا كان مبنيا على العرف والعادة كالحديث الوارد في الذهب والفضة أنهما من الموزونات والملح والشعير والبر من المكيلات يترك ويصار إلى العرف والعادة إذا تبدلت بتبدل الأزمان فالذهب والفضة في زماننا يقربان أن يكونا عدديين والتمر والملح أصبحا وزنيين والقمح والقمح والشعير كادا أن يصيرا وزنيين وأما إذا كان النص غير مستند على العرف والعادة فيعتبر النص ولا يصار إلى العرف والعادة خلافا للإمام أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فإنهما يعتبران النص كيفما كان ولا يتركانه بداعي تغير الأحوال بتغير الأزمان والمختار للمجلة قول أبي يوسف . ( المادة 38 ) الممتنع عادة كالممتنع حقيقة يعني أن ما استحال عادة لا تسمع فيه الدعوى كالمستحيل عقلا كما لو ادعى شخص بأن الجنين الذي في بطن هذه المرأة قد باعني المال الفلاني أو أقر بأنه استقرض منه كذا مبلغا فلأنه قد أسند ادعاءه وإقراره لسبب مستحيل عادة فإقراره وادعاؤه غير صحيحين . وكذلك إذا ادعى من عرف بالفقر على من عرف بالغنى بأنه استدان منه مبلغا لا تجوز العادة وقوع مثله لا تسمع فيه الدعوى وكما لو ادعى أن زيدا ابنه ولا يولد مثله لمثله وكذا لو أقر إنسان قائلا لفلان عندي ثوب في عشرة أثواب يكون إقراره بثوب واحد لا بعشرة أثواب لأن العشرة أثواب لا يجوز أن تكون ظرفا
____________________
(1/42)
فالثوب واحد فإن ذلك ممتنع عادة وبما أن الممتنع عادة كالممتنع حقيقة فتكون كلمة ( في عشرة ) لغوا ولا يعمل بها . ( المادة 39 ) لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفا بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير . مثال ذلك : جزاء القاتل العمد القتل فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان . أما الذي يتغير بتغير الأزمان من الأحكام فإنما هي المبنية على العرف والعادة كما قلنا وإليك الأمثلة : كان عند الفقهاء المتقدمين أنه إذا اشترى أحد دارا اكتفى برؤية بعض بيوتها وعند المتأخرين لا بد من رؤية كل بيت منها على حدته وهذا الاختلاف ليس مستندا إلى دليل بل هو ناشئ عن اختلاف العرف والعادة في أمر الإنشاء والبناء وذلك أن العادة قديما في إنشاء الدور وبنائها أن تكون جميع بيوتها متساوية وعلى طراز واحد فكانت على هذا رؤية بعض البيوت تغني عن رؤية سائرها وأما في هذا العصر فإذ جرت العادة بأن الدار الواحدة تكون بيوتها مختلفة في الشكل والحجم لزم عند البيع رؤية كل منها على الانفراد وفي الحقيقة اللازم في هذه المسألة وأمثالها حصول علم كاف بالمبيع عند المشتري ومن ثم لم يكن الاختلاف الواقع في مثل هذه المسألة المذكورة تغييرا للقاعدة الشرعية وإنما تغير الحكم فيها بتغير أحوال الزمان فقط وكذا تزكية الشهود سرا وعلنا ولزوم الضمان غاصب مال اليتيم ومال الوقف مبنيان على هذه القاعدة وقد رأى الإمام الأعظم عدم لزوم تزكية الشهود في دعوى المال ما لم يطعن الخصم فيهم وسبب ذلك صلاح الناس في زمانه أما الصاحبان وقد شهدا زمنا غير زمنه تفشت فيه الأخلاق الفاسدة فرأيا لزوم تزكية الشهود سرا وعلنا والمجلة قد أخذت بقولهما وأوجبت تزكية الشهود : وكذا من القواعد أن لا يجتمع أجر وضمان إلا أن المتأخرين من الفقهاء لما وجدوا أن الناس في عصرهم لا يبالون باغتصاب مال اليتيم والأوقاف والتعدي عليها كلما سنحت لهم فرصة أوجبوا ضمان منافع المال المغصوب العائد للوقف واليتيم قطعا للأطماع ونختم قولنا مكررين أن الأحكام الثابتة بناء على النص لا تتغير أحكامها لأن النص أقوى من العرف إذ لا يحتمل أن يكون مستندا على باطل بخلاف العرف والعادة فقد تكون مبنية على باطل كان يتعامل الناس مثلا بالبيوع الفاسدة وغيرها من الممنوعات فذلك لا يجعلها جائزة شرعا . ( المادة 40 ) الحقيقة تترك بدلالة العادة يعني لو وكلت إنسانا بشراء طعام وليمة لا تشتري إلا الطعام المعتاد في مثلها لا كل ما يؤكل كنا أوضحنا سابقا أن اللفظ إما أن يكون له معنى حقيقي وإما أن يكون له معنى مجازي وقد بين علماء البيان أن للفظ معنى ثالثا وهو المعنى الكنائي . وقد ذكر علماء الأصول أن المعنى الكنائي إما أن
____________________
(1/43)
يكون حقيقيا أو يكون مجازيا فالمعنى الحقيقي للفظ هو كإلباس الشخص لباسه المملوك له والمعنى المجازي كاللباس المستعار فاستعمال اللفظ بمعناه الحقيقي لا يحتاج إلى قرينة ودليل إما لأجل استعمال ذلك اللفظ في المعنى المجازي يجب وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي للفظ . هذا وإن القرينة أو الدليل الذي يمنع استعمال اللفظ في معناه الحقيقي متنوعة منها أن يكون المعنى الحقيقي للفظ مهجورا وهذا هو المراد في هذه المادة وهو الذي نشرحه الآن . إذا أصبح المعنى الحقيقي للفظ مهجورا عادة وعرفا وشاع استعماله في معنى آخر يستعمل في المعنى الذي استعمل فيه ويكون العرف والعادة القرينة المانعة من إرادة معناه الحقيقي وقد بين علماء أصول الفقه لذلك النوع ثلاثة أوجه : الوجه الأول _ عدم استعمال الحقيقة واستعمال المجاز لتعذر استعمال المعنى الحقيقي أو لأن استعماله مهجور عادة أو شرعا . فاستعمال المجاز في هذا الوجه يبنى على أحد أسباب ثلاثة : الأول : تعذر قصد معنى الحقيقة ومعنى التعذر عدم التمكن من الوصول للشيء إلا بمشقة . مثال ذلك : لو أقسم شخص قائلا إنني لا آكل من هذه الشجرة فالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة هو أكل خشب الشجرة إلا أن قصد المعنى الحقيقي لما كان متعذرا يحمل على المجاز أي على ثمر الشجرة إذا كانت ذا ثمر وعليه لو أكل ذلك الشخص الحالف من حطب الشجرة لا يحنث بيمينه لأنه لم يكن هو المقصود بالحلف لأنه أصبح مهجورا . الثاني والثالث : أن يكون اللفظ الحقيقي مهجورا عادة أو شرعا كأن يقول رجل لخادمه اقلب نعال الضيوف فالمقصود هنا عادة صفها وترتيبها لا قلبها وجها لبطن وكلمة قنار ياق باللغة التركية وإن كانت في الحقيقة بمعنى أحرق الفانوس فمعناها المستعمل أشعل الفانوس وفيما يلي بعض الأمثلة لبعض الألفاظ التي هجرت معانيها الحقيقية عادة وشرعا واستعملت في معان أخرى مجازا : مثال للمهجور عادة : لو حلف شخص قائلا لا أدوس دار فلان فالمقصود له أنه لا يدخل دار ذلك الرجل لا أن لا يدخل رجله فيها . مثال للمهجور شرعا : لو قال شخص إنني وكلت فلانا بالخصومة فإن معنى الخصومة الحقيقي هو النزاع والمقاتلة ولكن لقوله تعالى في كتابه العزيز ( لا تنازعوا ) الآية هجر معناها الحقيقي شرعا وأصبح إنما يقصد التوكيل بالمجاوبة والمرافعة عن الوكيل في الدعوى المقامة عليه أو التي أقامها هو . الوجه الثاني _ استعمال الحقيقة وعدم استعمال المجاز أو أن يكون استعمال الحقيقة والمجاز على حد سواء أو استعمال الحقيقة بصورة أكثر من المجاز وفي هذه الأحوال لا يستعمل المجاز . والحقيقة أولى بالاستعمال . الوجه الثالث _ أن يكون استعمال المجاز أكثر أو أرجح من استعمال الحقيقة فرأي الإمام الأعظم هنا حمل الكلام على الحقيقة أولى لأن المستعار لا يحق له أن يزاحم الأصل ورأي الإمامين المجاز أولى . مثال : لو حلف شخص قائلا إنني لا آكل من هذا القمح أو لا أشرب من هذا النهر فعلى رأي الإمام الأعظم أنه لو أكل من الدقيق أو الخبز المصنوع من ذلك القمح أو شرب من إناء مملوء من
____________________
(1/44)
ذلك النهر لا يحنث ما لم يشرب من النهر كرعا ويأكل من القمح حبا أما رأي الإمامين فإنه يحنث سواء أكل من القمح حبا أم أكل من طحينه وخبزه وسواء شرب من ماء النهر كرعا أم شرب منه بإناء . وقد ذكر الفقهاء أن المفتي عندما يستفتي عن مسألة يجب عليه إذا كان المستفتي من بلدة أخرى أن لا يفتي قبل أن يعلم المعنى المستعمل للفظ المستفتى به في بلدة المستفتي . هذا والمادة 1584 تصرح بأن الإقرار المعلق على شرط باطل ولكن إذا كان الإقرار معلقا على زمن يعرف به الناس أجل الدين يعتبر إقرار المقر إقرارا بدين مؤجل . مثال : لو قال شخص إذا وصلت إلى القدس فإنا مديون لك بألف قرش فإقراره باطل لكونه معلقا على شرط أما لو قال على البيدر أنا مديون لك بألف قرش فيكون قد أقر بدين مؤجل لذلك الرجل وكذلك يحمل الإقرار بالدين المعلق بالموت على الإشهاد فيجب على المقر دفع الدين إذا كان حيا أو على ورثته إذا كان ميتا وكذلك الإبراء المعلق على الموت يعتبر ويحمل على الوصية . ( المادة 41 ) إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت يعني لا يلزم أن يكون جهاز العرس إلا على العادة الغالبة فلو جهزت عروس بأكثر من العادة الغالبة لا يعتبر ولا يقاس عليه . قلنا أن العادة يجب أن تعتبر وهذه المادة تشترط في العادة لكي تكون معتبرة أن تكون مطردة أي أن لا تتخلف أو غالبة أي إن تخلفت أحيانا فإنها لا تتخلف على الأكثر هذا وقد ذكر صاحب الأشباه أن الشيء الذي يحمل على العرف والعادة يجب أولا أن يكون حمله على العرف الموجود وقت التلفظ لا أن يحمل الشيء الذي وضع قبلا على عرف حدث مؤخرا . ثانيا ان يكون العرف سابقا ومقارنا أي ألا يكون متأخرا وطارئا . مثال : لو باع شخص منذ عشر سنوات في يافا فرسا بعشرين ليرة ولم يذكر في العقد نوع الليرة وتحدث بالدعوى الآن فلأن البيع وقع قبل عشر سنوات يوم كانت الليرة الفرنسية هي الرائجة في يافا يجب الحكم بأن الثمن ليرات إفرنسية ولا عبرة بالعرف والعادة الطارئين بعدئذ والحاصل أن العرف لا يكون معتبرا إلا إذا كان مطردا أو غالبا وأن يكون زمنه مقارنا وسابقا لزمن العقد الذي يراد فيه تحكيم العرف والعادة . ( المادة 42 ) العبرة للغالب الشائع لا للنادر الشائع هو الأمر الذي يصبح معلوما للناس وذائعا بينهم . مثال : أن الحكم بموت المفقود لمرور 90 سنة من عمره مستند على الشائع الغالب بين الناس من أن الإنسان لا يعيش أكثر من تسعين عاما على أن البعض قد يعيش أكثر من ذلك إلا أنه نادر والنادر لا حكم له بل يحكم بموته على العرف الشائع وتقسم أمواله بين ورثته كذلك يحكم ببلوغ من له من العمر خمس عشرة سنة لأنه هو السن الشائع للبلوغ وإن كان البعض لا يبلغ إلا في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة إلا أنه نادر فلا ينظر إليه كذلك الحكم بسبع سنين لمدة حضانة الصبي وتسع لحضانة البنت مبني على الشائع المتعارف من أن الصبي إذا بلغ السابعة من عمره يستغني عن معين له في لباسه وأكله واستنجائه مثلا : والبنت إذا صار عمرها تسع سنوات
____________________
(1/45)
تصبح مشتهاة في الغالب واختلاف النمو في البعض زيادة ونقصانا بتأثير التربية والإقليم لا عبرة له بل المعتبر السبع سنوات للصبي والتسع للبنت لأنه الشائع الغالب . ( المادة 43 ) المعروف عرفا كالمشروط شرطا وفي الكتب الفقهية عبارات أخرى بهذا المعنى الثابت بالعرف كالثابت بدليل شرعي و المعروف عرفا كالمشروط شرعا و الثابت بالعرف كالثابت بالنص و المعروف بالعرف كالمشروط باللفظ وقد سبق لنا أن عرفنا العرف والعادة . فإليك الأمثلة على هذه القاعدة : لو اشتغل شخص لآخر شيئا ولم يتقاولا على الأجرة ينظر للعامل إن كان يشتغل بالأجرة عادة يجبر صاحب العمل على دفع أجرة المثل له عملا بالعرف والعادة وإلا فلا . كذلك إذا اشترى شخص من آخر شيئا بعشر ليرات ولم يعين نوع الليرة يرجع إلى النوع المتعارف في تلك البلدة كان يكون المتعارف الليرة العثمانية مثلا فتعتبر هي التي وقع عليها العقد كما لو ذكرت . كذا لو اشترى شخص بقرة فتبين له بعد شرائها أنها غير حلوب وأراد ردها ينظر إن كان هذا الشخص معروفا أنه ممن يشتري للذبح كأن يكون قصابا لا يجوز له الرد وإن كان ممن يشتري لأجل الانتفاع بحليبها ترد كذلك لو سكن شخص دارا لآخر معدة للأجرة بدون إذنه وبدون تأويل ملك أو تأويل عقد يلزمه دفع أجرة المثل عرفا ويكون كأن الساكن شرطها على نفسه حين سكناه للدار وكذا الذي ينام في الفندق والمغتسل في الحمام يجب عليه دفع الأجرة لأن العرف والعادة توجب دفعها وإن لم تذكر . وكذلك لو دفع الأب لابنته العروس حليا أو بعض جهاز لبيتها وادعى بعد العرس أنه عارية فإن كان المتعارف في مثل هذه الأحوال أن ما يعطيه الأب يكون عارية يحكم برده إليه وإلا فلا ويكون هبة وكذا لو كان ترك راعي القرية المواشي على رأس زقاق القرية معتادا ثم هي تتفرق إلى دور أهلها فلا يضمن وإن كان المعتاد أن يوصل كل ثلة إلى محل صاحبها يضمن ويعد مقصرا لتركه إياها على رأس الزقاق . ( المادة 44 ) المعروف بين التجار كالمشروط بينهم إن هذه المادة هي عين المادة السابقة . ( المادة 45 ) التعيين بالعرف كالتعيين بالنص يتفرع من هذه المادة فروع منها الإعارة المطلقة المتقيدة بالعرف والعادة . مثال ذلك : لو أعار شخص آخر دابة إعارة مطلقة لا يجوز للمستعير أن يركبها أو يحملها غير المعتاد المتعارف فلو حملها حديدا أو سلك بها طريقا وعرا وكان تحميل الحديد وسلوك تلك الطريق غير معتاد يضمن . كذلك الوكيل ببيع شيء وكالة مطلقة تعتبر عادة بأن لا يكون تصرفه مضرا بالموكل فلو وكل شخص آخر ببيع شيء وكالة مطلقة فله أن يبيع ذلك المال بثمن معجل أو مؤجل إلى أجل متعارف التأجيل بين التجار ولا يجوز له أن يبيعه لأجل أبعد من المعتاد كذا لو وكله في بيع شيء كما جاء في مادة ( 1499 ) لا يحق له أن يبيع بعضه إن كان في تبعيضه ضرر عادة .
____________________
(1/46)
( المادة 46 ) إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع أي إذا وجد في مسألة سبب يستلزم العمل بها وسبب آخر يمنع العمل يرجح المانع . مثال ذلك : الرهن لو رهن رجل عند آخر داره مثلا يمنع الراهن من بيعها مع أنه مالك لها وبيان ذلك أن ملكية الدار تقتضي أن يتصرف صاحبها بها كيف شاء إلا أن حق المرتهن في الدار وجعلها وثيقة في يده لحفظ ماله مانع والمانع مرجح على المقتضى فيعمل به . كذلك لو بيع شيء معلوم وآخر مجهول صفقة واحدة لا يصح لمعارضة المانع وهو جهالة أحد المبيعين في الصفقة الواحدة للمقتضى وهو صحة العقد في المبيع المعلوم كذا لو باع شخص من آخر متقوما وغير متقوم معا كمية كذلك البناء الذي أسفله مملوك لشخص وأعلاه ملك شخص آخر ليس لأحدهما أن يتصرف في ملكه بمقتضى ملكيته بدون رضاء الآخر بصورة مضرة لمعارضة المانع وهو الإضرار كأن يكشف صاحب البناء العلوي سقف البناء السفلي الذي هو أرض محله أو يهدم صاحب البناء السفلي حائطا مرتكزا عليها قسم من البناء العلوي . كذلك لو أقر شخص لوارثه ولأجنبي معه بمال في مرض موته لا يصح لأن الإقرار للوارث في مرض الموت لا يعتبر فيكون مانعا . ( المادة 47 ) التابع تابع يعني التابع للشيء في الوجود تابع لذلك الشيء في الحكم فلو بيعت بقرة مثلا : في بطنها جنين دخل الجنين في البيع بلا نص عليه لأنه تبع لها فيتبعها في الحكم كذلك لو باع شخص بستانا من آخر وقبل التسليم أثمر شجر ذلك البستان فلا يحق للبائع أن يجني ذلك الثمر لنفسه بل يكون مملوكا للمشتري تبعا كما جاء في المادة ( 236 ) أن الزوائد التي تحصل في البيع بعد العقد وقبل القبض تكون مملوكة للمشتري . كذا زوائد المغصوب الحاصلة في يد الغاصب هي تابعة للمغصوب بالوجود أيضا فتكون ملكا للمغصوب منه . مثال : لو اغتصب شخص فرسا من آخر ونتجت عنده مهرا مثلا : فالمهر لصاحبها تبعا لها وليس للمغتصب أن يدعيه لنفسه . كذلك في الرهن فلو رهن رجل عند شخص ناقة ونتجت عند المرتهن فالنتاج يكون رهنا أيضا تبعا لأمه ولا يحق للراهن أن يأخذه قبل فك الرهن . ( المادة 48 ) التابع لا يقرر بالحكم فالجنين الذي في بطن الحيوان لا يباع منفردا عن أمه كذلك لا يجوز هبة الحيوان الموجود في بطن أمه حتى لو وهب شخص بقرة حاملا واستثنى حملها من الهبة تكون الهبة للاثنين معا . ويكون الاستثناء لغوا كذلك إذا بيع شيء من الموزونات وكان في تبعيضه ضرر وظهر عند التسليم زيادة عن المقدار المذكور عند البيع فالزيادة للمشتري وليس للبائع أن يفسخ البيع . مثال ذلك : لو باع شخص حجرا من الماس على أن وزنه خمسة قراريط فظهر أثناء التسليم أن وزنه خمسة ونصف يصبح ذلك الحجر للمشتري بنفس الثمن الذي صار الاتفاق عليه لأن نصف القيراط تابع للكل فلا يقرر بالحكم .
____________________
(1/47)
( مستثنيات هذه القاعدة ) لهذه القاعدة مستثنيات وهي كما يلي : إذا أقر شخص لجنين أي لحمل بمال مع بيان سبب معقول يكون إقراره صحيحا بشرط أن يولد ذلك الحمل في بحر ستة أشهر من تاريخ الإقرار فهنا مع كون الجنين تابعا في الوجود لوالدته فقد أقر بالحكم واعتبر الإقرار له كما أن الجنين إذا ولد حيا يرث من والده المتوفي قبلا . كذلك إذا أبرأ المكفول إليه الكفيل يصبح بريئا والحال أن الكفالة تابعة للدين والدين باق فكان من الواجب ألا يفرد الكفيل بحكم كذلك لو أن شخصا يطلب له من آخر عملة خالصة فأسقط حقه من أخذ دينه بتلك العملة وقبل أن يأخذها عملة ( مغشوشة ) فإسقاطه هذا صحيح والحال أن خلوص العملة صفة للدين وتابعة له فكان الواجب عدم إعطاء حكم بحقها . ( المادة 49 ) من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته فإذا اشترى رجل دارا مثلا ملك الطريق الموصلة إليها . لأن الطريق من ضرورات الدار والدار بدون طريق لا يمكن الانتفاع بها والسكنى فيها فعليه كل دار تباع من المشتري تدخل طريقها في البيع بدون ذكر ولا يحق للبائع أن يقول إنني لم أبع الطريق بل بعت الدار فقط كذلك كل من يملك أرضا أو عقارا يصبح مالكا ما فوقها وما تحتها توفيقا للمادة ( 1174 ) فعليه يحق لمالك الأرض إنشاء ما يشاء من البناء وإعلاء سمكه إلى القدر الذي يريد كما يحق له أن يحفر في الأرض إلى أعماقها . ( المادة 50 ) إذا سقط الأصل سقط الفرع إن هذه المادة مذكورة في الأشباه بعبارة ( يسقط الفرع إذا سقط الأصل ) ومن هذا القبيل أيضا قاعدة ( التابع يسقط بسقوط المتبوع ) . والذي يفهم من هذه القاعدة أنه يسقط التابع بسقوط المتبوع أو يسقط الفرع بسقوط الأصل أما إذا سقط الفرع أو سقط التابع فلا يسقط المتبوع . مثال ذلك : لو أبرأ الدائن المدين من الدين فكما أنه يبرأ المدين يبرأ منه الكفيل أيضا لأن المدين في الدين أصل والكفيل فرع فبسقوطه عن الأصل يسقط عن الفرع طبعا أما لو عكست القضية وكان الكفيل هو المبرأ من قبل الدائن فلا يسقط الدين عن المدين بسقوطه عن الكفيل لأن سقوط الدين عن الفرع لا يوجب سقوطه عن الأصل على أنه قد يجوز أن يثبت الفرع دون أن يثبت الأصل وإليك المثال : لو ادعى شخص على اثنين بأن أحدهما استدان منه ألف قرش والثاني كفله في ذلك المبلغ فأنكر المدين الدين والمدعي عاجز عن إثبات مدعاه إلا أن الكفيل أقر بالكفالة فيحكم على الكفيل الذي هو الفرع بمقتضى اعترافه بالدين دون الذي هو الأصل . ( المادة 51 ) الساقط لا يعود يعني إذا أسقط شخص حقا من الحقوق التي يجوز له إسقاطها يسقط ذلك الحق وبعد اسقاطه لا يعود .
____________________
(1/48)
أما الحق الذي لا يقبل الإسقاط لا يسقط بإسقاط صاحبه له . مثال : لو كان لشخص على آخر دين فأسقط عن المدين ثم بدا له رأي فندم على إسقاطه الدين عن ذلك الرجل فلأنه أسقط الدين وهو من الحقوق التي يحق له أن يسقطها فلا يجوز له أن يرجع إلى المدين ويطالبه بالدين لأن ذمته برأت من الدين بإسقاط الدائن حقه فيه . أما لو أبرأ شخص آخر من طريق له أو سيل أو كان له قطعة وأبرأه بها فلا يسقط حقه بالطريق والمسيل والأرض لأنه لا يسقط الحق بما ذكر بمجرد الترك والإعراض ويجب لإسقاط الحق فيها إجراء عقد بيع أو هبة مثلا : هذا وإليك بعض الأمثلة : إذا اشترى المشتري مالا من آخر فللبائع حق حبس المبيع عنده لحين قبض الثمن كما تبين في المادة ( 281 ) ولكن إذا سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن فيكون أسقط حقه في حبس المبيع فليس له بعد ذلك أن يسترجع المبيع ويحبسه عنده لحين قبض الثمن لأن الساقط لا يعود كما قلنا كذلك الذي يشتري مالا بدون أن يراه له حق خيار الرؤية فهو إذا باعه من آخر أو وهبه أو آجره قبل أن يراه أو بعد أن رآه يسقط حق خياره بمقتضى المادة ( 335 ) فعلى هذا لو أراد بعد ذلك رد المبيع بحق خيار الرؤية فليس له رده كذا الصالح الذي يجري بين الطرفين لأنه يتضمن إسقاط بعض الحقوق فليس للطرفين حق الفسخ فيه كذلك لو رد الحاكم شهادة شاهد بتهمة الفسق في دعوى من الدعاوي فليس له أن يقبل شهادته في نفس الدعوى فيما لو تبين له بعد ذلك بطلان تلك التهمة . ( المادة 52 ) إذا بطل شيء بطل ما في ضمنه فقاعدة المبني على الفاسد فاسد من هذا القبيل أيضا . ومعنى هذه المادة . أن الشيء الذي ثبت ضمنا إذا بطل متضمنه لا يبقى له الحكم . مثال : لو اشترى شخص من آخر اليمين الموجه عليه في المحاكمة فلما كان هذا الشراء باطلا فإسقاط اليمين الذي في ضمنه باطل أيضا كذا لو تصالح طرفان فابرأ الواحد منهما الآخر وكتبوا بذلك سندات فيما بينهما فظهر أن ذلك الصلح فاسد فكما أنه يكون باطلا يكون الإبراء الذي في ضمنه باطلا أيضا . ( مستثنيات هذه القاعدة ) ولهذه القاعدة مستثنى واحد وذلك إذا تصالح الشفيع والمشتري ببدل معلوم على حق الشفعة فالصلح غير صحيح ولكن يسقط حق الشفيع في الشفعة فهنا مع بطلان الصلح لم يبطل إسقاط الشفعة الذي هو من ضمن الصلح كما تقتضي القاعدة . ( المادة 53 ) إذا بطل الأصل يصار إلى البدل يفهم من هذه المادة أنه يجب إيفاء الأصل ولا يجوز إيفاء البدل بدون رضاء صاحب المال ما دام إيفاء الأصل ممكنا . لأن إيفاء الأصل هو ( الأداء ) أما إيفاء الشيء بالبدل فهو إيفاء بالخلف عن الأصل والرجوع إلى الخلف مع وجود الأصل غير جائز . كالمال المغصوب مثلا فهو إذا كان موجودا في يد الغاصب يجب رده عينا ولا يجوز إيفاء بدله مع وجوده . مثال : لو اغتصب شخص من آخر شيئا
____________________
(1/49)
وأراد أن يدفع قيمته للمغصوب منه مع وجود المال المغصوب تحت يده والمغصوب منه لم يقبل بذلك فلا يجوز للحاكم أن يحكم بالبدل . إن الأصوليين يعبرون عن إيفاء المغصوب بالذات بالأداء الكامل لأن رد عين المغصوب هو أداء حقيقة . هذا غير أن المال المغصوب إذا تلف في يد الغاصب أو فقد منه وأصبح رده عينا غير ممكن يصار حينئذ إلى البدل فإن كان من المثليات يؤمر الغاصب بإيفائه بمثله ويسمى ذلك ( القضاء بالمثل المعقول أو القضاء الكامل ) لأن الأموال المثلية مطابقة لبعضها صورة ومعنى وقيمة الشيء هي معنى ذلك الشيء فالأموال المثلية متساوية في القيمة على الغالب أو متقاربة في ذلك . أما إذا كان المال من القيميات فتؤدى قيمته ويسعى ذلك ( القضاء القاصر ) لأن قيمة المال المغصوب من النقود لا تماثل المال المغصوب لا صورة ولا معنى . ( المادة 54 ) يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها هذه القاعدة مأخوذة من كتاب الأشباه وقاعدة ( يغتفر للشيء ضمنا ما لا يغتفر قصدا ) قريبة من هذه القاعدة وتترجم هذه القاعدة من التركية قد يجوز تبعا ما لا يجوز ابتداء . مثال ذلك : لو وكل المشتري البائع في قبض المبيع فالوكالة لا تصح أما لو أعطى المشتري البائع كيسا ليضع فيه المبيع اعتبر ذلك قبضا من المشتري والسبب في عدم جواز الوكالة في الصورة الأولى وجوازها في الثانية أن البائع كان في الصورة الأولى مسلما ومستلما في وقت واحد والحال أنه من الواجب في كل عقد أن يتولاه اثنان وأن يسلم البائع المبيع للمشتري أما في الصورة الثانية فلأن المشتري أعطى وعاء للبائع والبائع عمل بإشارته بعد ذلك قبضا من المشتري وقبض البائع المبيع كان تبعا فصح . كذلك لو اشترى شخص من آخر قمحا وطلب إليه أن يطحن القمح والبائع طحنه يكون المشتري قابضا القمح تبعا لطلبه من البائع أن يطحنه كذلك لو وقف شخص عقارا بما فيه من الأموال المنقولة التي لا يجوز وقفها ولم يكن جائزا عرفا وعادة يصح وقفها تبعا وإن كان الوقف فيها غير جائز ابتدأ كذا وقف حق الشرب غير الجائز يصح إذا وقف تبعا للأرض كذلك بيع من له حق في شرب أياما من حقه في الشرب لا يجوز إلا إذا بيع تبعا للأرض مثلا . ( المادة 55 ) يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء فقاعدة يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الانتهاء . هي من قبيل هذه المادة . مثال ذلك : هبة الحصة الشائعة فإنها وإن لم تكن جائزة ابتداء فتصح انتهاء وتفصيل ذلك لو وهب شخص لآخر حصة شائعة في دار مثلا : فالهبة لا تصح أما لو وهب له الدار جميعها ثم ظهر مستحق لحصة في تل الدار فالهبة لا تبطل ويبقى للموهوب له الباقي من الدار بعد أخذ تلك الحصة المستحقة منها . كذلك لو وهب شخص في مرض موته داره التي لا يملك سواها ثم توفي الموهب تبطل الهبة في الثلثين وتصح في الثلث فقط إذا لم تقرها الورثة والسبب في صحة الهبة في الثلث هنا _ مع أنه حصة شائعة
____________________
(1/50)
, وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الشَّائِعِ هُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ وَالْهِبَةُ كَانَتْ لِجَمِيعِ الدَّارِ . كَذَلِكَ الْوَكِيلُ يَبِيعُ مَالًا لَهُ , لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ آخَرَ بِبَيْعِ ذَلِكَ الْمَالِ الْمُوَكَّلِ بِبَيْعِهِ , لَكِنْ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَبَاعَ الْمَالَ فُضُولًا وَالْوَكِيلُ أَجَازَ الْبَيْعَ تَكُونُ إجَازَتُهُ صَحِيحَةً وَالْبَيْعُ نَافِذًا , كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِلْأَجْنَبِيِّ حِصَّتَهُ فِي الْأَثْمَارِ غَيْرِ النَّاضِجَةِ ; لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ أَرَادَ قَطْفَ الْأَثْمَارِ وَأَخْذَ حِصَّتِهِ مِنْهَا لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ , أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ الشَّرِيكَانِ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرِ لِشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ , ثُمَّ بَعْدَ الْبَيْعِ فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ بِالتَّرَاضِي مَعَ الْمُشْتَرِي لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَيَبْقَى صَحِيحًا . ( الْمَادَّةُ 56 ) : الْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ . بِمَا أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً قَدْ يَجُوزُ بَقَاءً مِثَالٌ : لِلشَّرِيكِ أَنْ يُؤَجِّرَ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ لِشَرِيكِهِ الْآخَرِ , وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ حِصَّتَهُ لِأَحَدِ شُرَكَائِهِ إذَا كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ أَوْ لِشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ , أَمَّا لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ جَمِيعَهَا عَلَى أَنَّهَا لَهُ , ثُمَّ بَعْدَ إجْرَاءِ عَقْدِ الْإِيجَارِ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لِنِصْفِ تِلْكَ الدَّارِ وَأَثْبَتَ الْمُسْتَحِقُّ مِلْكِيَّتَهُ بِنِصْفِهَا لَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَتَكُونُ صَحِيحَةً بَقَاءً , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً ابْتِدَاءً , كَذَلِكَ لَوْ نَصَّبَ حَاكِمٌ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْحُكْمِ , وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِذَلِكَ فَذَلِكَ النَّصْبُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْأَحْكَامُ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا تَكُونُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ , وَلَكِنْ إذَا حَكَمَ ذَلِكَ النَّائِبُ فِي شَيْءٍ وَالْحَاكِمُ الَّذِي أَنَابَهُ أَجَازَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يُصْبِحُ الْحُكْمُ مُعْتَبَرًا وَصَحِيحًا فَالْإِنَابَةُ هُنَا جَازَتْ بَقَاءً أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً ابْتِدَاءً . ( الْمَادَّةُ 57 ) : لَا يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إلَّا بِقَبْضٍ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ { لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً } عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ لَأَصْبَحَ الْوَاهِبُ حِينَئِذٍ مُجْبَرًا عَلَى أَدَاءِ شَيْءٍ لَيْسَ بِمُجْبَرٍ عَلَى أَدَائِهِ , وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِرُوحِ التَّبَرُّعِ فَالتَّبَرُّعُ هُوَ إعْطَاءُ الشَّيْءِ غَيْرِ الْوَاجِبِ , إعْطَاؤُهُ إحْسَانًا مِنْ الْمُعْطِي . مِثَالٌ : لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِذَلِكَ الْمَالِ . كَذَا لَوْ عَدَلَ شَخْصٌ - بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ نُقُودًا بِيَدِهِ لِيُعْطِيَهَا فَقِيرًا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ - عَنْ إعْطَائِهِ إيَّاهَا , فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهِبَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَا عِوَضٍ أَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَتَمَامُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ , وَلَكِنْ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ , وَلُزُومُهَا لِلْوَرَثَةِ نَاشِئٌ عَنْ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ الَّذِي لَهُ وَحْدَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ تَبَرُّعِهِ . ( الْمَادَّةُ 58 ) : التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّغْبَةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَاعِدَةِ ' تَصَرُّفُ الْقَاضِي فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالْأَوْقَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ ' أَيْ أَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاعِي فِي أُمُورِ الرَّعِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَصْلَحَةِ , وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا . وَالرَّعِيَّةُ هُنَا : هِيَ عُمُومُ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا لَمْ يُوجَدْ وَلِيٌّ لِلْقَتِيلِ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّهُ فَكَمَا أَنَّ لَهُ حَقًّا بِأَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ , إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ
____________________
(1/51)
هُنَا أَنْ لَا تَقِلَّ الدِّيَةُ عَنْ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ . كَذَلِكَ الْقَاضِي لَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَأَحْكَامُهُ مَا لَمْ تَكُنْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْمَصْلَحَةِ . مِثَالٌ : لَوْ أَمَرَ الْقَاضِي شَخْصًا بِأَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مَالًا لِشَخْصٍ آخَرَ فَإِذْنُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ نَفْسَهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ ذَلِكَ الْمَالَ يَكُونُ ضَامِنًا . كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَهَبَ أَمْوَالَ الْوَقْفِ وَأَمْوَالَ الصَّغِيرِ ; لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِمَصْلَحَتِهَا أَيْضًا . كَذَلِكَ لَوْ نَصَّبَ حَاكِمٌ مُخَالِفًا شَرْطَ الْوَاقِفِ فَرَّاشًا فِي مَسْجِدٍ فَكَمَا أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ حَرَامٌ عَلَى الْفَرَّاشِ فَالْحَاكِمُ أَيْضًا يَكُونُ ارْتَكَبَ حُرْمَةً بِنَصْبِهِ . كَذَلِكَ إذَا صَالَحَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ عَنْ دَعْوَاهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ , وَذَلِكَ حَسْبَ مَنْطُوقِ الْمَادَّةِ ( 1540 ) كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مَدِينِ الصَّغِيرِ حَوَالَةً مَا لَهُ عَلَى شَخْصٍ مَا لَمْ يَكُنْ أَمْلَأَ , أَيْ أَغْنَى مِنْ الْمُحِيلِ , وَإِلَّا فَقَبُولُهُ لَا حُكْمَ لَهُ عَمَلًا بِالْمَادَّةِ ( 685 ) وَالْحَاصِلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْوَلِيِّ مَقْرُونًا بِالْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا جَائِزٍ . ( الْمَادَّةُ 59 ) : الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ . يُرَادُ بِالْوِلَايَةِ هُنَا نَفَاذُ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ شَاءَ أَمْ أَبَى , وَالْوَلِيُّ : هُوَ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ اسْتِحْصَالِ إذْنٍ بِرِضَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ , وَهَذَا بِعَكْسِ الْوَكِيلِ فَالْوَكِيلُ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ فَتَصَرُّفُهُ مَقْرُونٌ بِرِضَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ . هَذَا وَالْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ وِلَايَةً فِي النِّكَاحِ وَالْمَالِ , وَالْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ الْجَدُّ أَوْ الْأَبُ أَوْ أَبُو الْجَدِّ , وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي النِّكَاحِ فَقَطْ أَوْ فِي الْمَالِ فَقَطْ فَالْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ فَقَطْ جَمِيعُ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمُّ وَذَوِي الْأَرْحَامِ , وَالْوَلِيُّ فِي الْمَالِ فَقَطْ أَوَّلًا أَبُو الصَّغِيرِ . ثَانِيًا الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُوهُ وَنَصَّبَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا مَاتَ أَبُوهُ . ثَالِثًا الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْوَصِيُّ الْمُخْتَارُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا مَاتَ . رَابِعًا جَدُّهُ الصَّحِيحُ أَيْ أَبُو أَبِ الصَّغِيرِ . خَامِسًا الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْجَدُّ وَنَصَّبَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ . سَادِسًا الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ هَذَا , كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ ( 974 ) وَوِلَايَةُ الْوَقْفِ هِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ أَيْضًا . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ أَجَّرَ الْقَاضِي عَقَارًا لِلْوَقْفِ بِمَا لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْوَقْفِ , وَأَجَّرَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ ذَلِكَ الْعَقَارَ نَفْسَهُ , يَكُونُ إيجَارُ الْمُتَوَلِّي صَحِيحًا وَلَا يُعْتَبَرُ إيجَارُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ , وَلَا يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَالِ الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ , وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي عَيَّنَ ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي , كَذَلِكَ لَا يَحِقُّ لِلْقَاضِي عَزْلُ الْمُتَوَلِّي الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ ; لِأَنَّ وِلَايَةَ الْوَاقِفِ عَلَى الْوَقْفِ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ , وَهِيَ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي , كَذَلِكَ لَا يَحِقُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي نُصِّبَ عَلَيْهِ وَصِيٌّ , وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ الْيَتِيمَ أَوْ الْيَتِيمَةَ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلِيِّ , وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ فِي شَيْءٍ لَا تَأْثِيرَ لِلْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَلَا عَمَلَ لِصَاحِبِهَا , وَأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ الْعَامِّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ غَيْرُ نَافِذٍ .
____________________
(1/52)
( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى , وَهُوَ : إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ فَوَصِيُّهُ , وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ , فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصُ الْقَاتِلِ أَوْ إعْفَاؤُهُ مِنْ الْقِصَاصِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ بِمَا لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ , فَالْقَاضِي هُنَا يَمْلِكُ بِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ مَالًا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ بِوِلَايَتِهِ الْخَاصَّةِ . ( الْمَادَّةُ 60 ) إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ , وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ : ( إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ مَتَى أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُهْمِلَ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْمَالُ الْكَلَامِ وَاعْتِبَارُهُ بِدُونِ مَعْنًى مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لَهُ أَوْ مَعْنًى مَجَازِيٍّ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إهْمَالُ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُهُ لَغْوًا وَعَبَثًا , وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ يَمْنَعَانِ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ , فَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ . هَذَا وَبِمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِيِّ ; لِأَنَّ هَذَا خُلْفٌ لِذَاكَ وَالْخُلْفُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ . عَلَى أَنَّهُ سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَمْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ فَهُوَ إعْمَالٌ لِلْكَلَامِ إلَّا أَنَّ اللَّفْظَ الْمُرَادَ إعْمَالُهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى ; لِأَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ , وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْإِفَادَةُ أَوْلَى مِنْ الْإِعَادَةِ , وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وُضِعَ لِإِفَادَةِ مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ دُونَ التَّأْسِيسِ إهْمَالٌ لِوَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ , التَّأْكِيدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَقْرِيرُ وَتَقْوِيَةُ مَعْنَى لَفْظٍ سَابِقٍ لَهُ , وَيُقَالُ لَهُ ( إعَادَةٌ أَيْضًا ) التَّأْسِيسُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُفِيدُ مَعْنًى لَمْ يُفِدْهُ اللَّفْظُ السَّابِقُ لَهُ , وَيُقَالُ لَهُ ( إفَادَةٌ ) أَيْضًا . فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ بِأَنَّهُ مَدْيُونٌ لِآخَرَ بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ مَثَلًا بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ سَبَبَ الدَّيْنِ وَأَعْطَى سَنَدًا بِذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ , ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ أَيْضًا وَعَمِلَ لَهُ سَنَدًا وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّيْنِ , يُحْمَلُ إقْرَارُهُ فِي كِلْتَا الْمَرَّتَيْنِ عَلَى تَأْسِيسٍ وَيُعْتَبَرُ دَيْنُ السَّنَدِ الثَّانِي غَيْرُ دَيْنِ السَّنَدِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّ السَّنَدَ الثَّانِي كُتِبَ تَأْكِيدًا لِلسَّنَدِ الْأَوَّلِ , كَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِزَوْجَتِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ) تَكُونُ طَالِقًا ثَلَاثًا وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الزَّوْجِ إذَا هُوَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّنِي قَصَدْتُ التَّأْكِيدَ فِي تَكْرَارِي كَلِمَةَ الطَّلَاقِ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَمْلُ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ مَعًا عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى , فَقَدْ يُحْمَلُ أَحْيَانًا عَلَى التَّأْكِيدِ , كَأَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ ( بِعْهُ وَبِعْهُ مِنْ فُلَانٍ ) فَلِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْنِيِّ بِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ , وَلَوْ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَمَا حَقَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ لِغَيْرِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُوَكِّلُ .
____________________
(1/53)
( الْمَادَّةُ 61 ) إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ . يَعْنِي : إذَا تَعَذَّرَتْ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْكَلَامِ لَا يُهْمَلُ , بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ . فَالْمَعْنَى الْمَهْجُورُ أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَعْمَلِ شَرْعًا وَعُرْفًا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَعَذِّرِ . وَالتَّعَذُّرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَوَّلًا : تَعَذُّرٌ حَقِيقِيٌّ . ثَانِيًا : تَعَذُّرٌ عُرْفِيٌّ . ثَالِثًا : تَعَذُّرٌ شَرْعِيٌّ . وَلِلتَّعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ وَجْهَانِ : الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مُمْتَنِعَةً . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ لَيْسَ لَهُ أَوْلَادٌ وَلَهُ أَحْفَادٌ - مَالًا لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَبِمَا أَنَّ الْوَاقِفَ هُنَا لَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ مَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ أَوْلَادٌ حَقِيقَةً وَهُمْ الْأَوْلَادُ الصُّلْبِيَّةِ فَيَتَعَذَّرُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ , وَبِمَا أَنَّ الْكَلَامَ يَجِبُ أَنْ لَا يُهْمَلَ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى فَيُحْمَلُ عَلَى أَحْفَادِهِ الَّذِينَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ أَوْلَادٌ مَجَازًا . الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلَّفْظِ مُمْكِنَةٌ مَعَ الْمَشَقَّةِ الزَّائِدَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا ( لَا آكُلُ مِنْ شَجَرَةِ النَّخْلِ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَيْهَا ) . فَلِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ خَشَبِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَا يَكُونُ إلَّا بِصُعُوبَةٍ وَالْمَعْلُومُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَقْصِدُ بِكَلَامِهِ الْأَكْلَ مِنْ خَشَبِ الشَّجَرَةِ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى ثَمَرِهَا إذَا كَانَتْ مُثْمِرَةً , وَعَلَى ثَمَنِ خَشَبِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ , كَذَلِكَ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا بِيَمِينِهِ فِيمَا لَوْ أَكَلَ مِنْ النَّخْلَةِ خَشَبَهَا . التَّعَذُّرُ الْعُرْفِيُّ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلَّفْظِ مَهْجُورًا وَمَتْرُوكًا لِلنَّاسِ كَأَنْ يَحْلِفَ إنْسَانٌ قَائِلًا ( لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ ) فَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَصْبَحَ مَهْجُورًا مِنْ النَّاسِ وَالْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ هُوَ الْكِنَايَةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِيمَا لَوْ وَضَعَ قَدَمَهُ فِي بَابِ الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا . التَّعَذُّرُ الشَّرْعِيُّ : هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلَّفْظِ مَهْجُورًا شَرْعًا كَكَلِمَةِ ( الْخُصُومَةِ ) مَثَلًا : فَإِنَّهَا لَمَّا تُرِكَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ شَرْعًا فَعَلَيْهِ إذَا سَمِعْتَ رَجُلًا يَقُولُ : إنِّي قَدْ وَكَّلْتُ فُلَانًا بِالْخُصُومَةِ عَنِّي فِي دَعْوَى إرْثٍ مَثَلًا : تُصْرَفُ كَلِمَةُ الْخُصُومَةِ إلَى مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ شَرْعًا , وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ وَالْمُدَافَعَةُ عَنْهُ فِي دَعْوَى أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَقَامَهَا عَلَى غَيْرِهِ دُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهَا , وَهُوَ بِأَنْ يَقُومَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُوَكَّلُ بِمُنَازَعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ مَنْ يُنَاوِئُ الْمُوَكِّلُ أَوْ مَنْ يُرِيدُ الْمُوَكِّلُ مُنَاوَأَتَهُ . ( الْمَادَّةُ 62 ) إذَا تَعَذَّرَ إعْمَالُ الْكَلَامِ يُهْمَلُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ أَوْ مَجَازِيٍّ أُهْمِلَ . وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْأَشْبَاهِ بِالصُّورَةِ الْآتِيَةِ : ( وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ أَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بِلَا مُرَجِّحٍ أُهْمِلَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ أَيْ إمْكَانِ إعْمَالِ الْكَلَامِ ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ أَوْ عَلَى الْمَجَازِيِّ خَارِجًا عَنْ الْإِمْكَانِ وَمُمْتَنِعًا أَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ وَلَا يُوجَدُ مُرَجِّحٌ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُهْمَلُ بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ وَلَا يَعْمَلُ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُوجِبُ إهْمَالَ الْكَلَامِ : أَوَّلًا : امْتِنَاعُ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ .
____________________
(1/54)
ثَانِيًا : أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ وَلَا يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ فِي حَقِّ مَنْ نَسَبُهُ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ ابْنُهُ لَا تَكُونُ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً , كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ ( 1629 ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ حَقِيقَةً , إذْ لَيْسَ مِنْ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَالِدًا لِرَجُلٍ يَكْبُرُهُ فِي السِّنِّ كَذَا مِنْ الْمُتَعَذِّرِ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْمَعْرُوفُ النَّسَبِ وَلَدًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَدَّعِيهِ . كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ وَارِثٌ لِوَارِثٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ عَنْ حِصَّتِهِ الْإِرْثِيَّةِ , كَأَنْ يُتَوَفَّى شَخْصٌ عَنْ وَلَدٍ وَبِنْتٍ وَيَعْتَرِفُ الْوَلَدُ لِأُخْتِهِ بِنِصْفِ مَا خَلَّفَ وَالِدُهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ , فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ هَذَا لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا حَسْبَ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ . كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا : إنَّنِي قَطَعْت يَدَيْ فُلَانٍ , وَإِنَّنِي مَدْيُونٌ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ دِيَةَ يَدَيْهِ وَكَانَتْ يَدَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ سَالِمَتَيْنِ لَمْ تُقْطَعْ يُهْمَلُ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ . هَذَا وَإِلَيْكَ مَثَلًا : عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي يَتَنَازَعُهُ مَعْنَيَانِ أَوْ الْمُشْتَرِكُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ مُرَجِّحٍ لِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا . الْمِثَالُ : لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مُعْتِقٌ ( بِكَسْرِ التَّاءِ ) وَآخَرُ مُعْتَقٌ ( بِفَتْحِهَا ) وَأَوْصَى بِمَالِ قَائِلًا : ( إنَّهُ لِمَوْلَايَ بَعْدَ مَوْتِي ) وَلَمْ يُعَيِّنْ فَلَمَّا كَانَتْ كَلِمَةُ ( مَوْلَايَ ) تَشْمَلُ الْمُنْعِمَ وَالْمُنْعَمَ عَلَيْهِ وَتُطْلَقُ عَلَى ( السَّيِّدِ ) , وَهُوَ الْمُعْتِقُ , وَعَلَى ( الْعَبْدِ ) , وَهُوَ الْمُعْتَقُ وَبِمَا أَنَّ الْقَصْدَ وَالْغَرَضَ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى أَنْ تَكُونَ بِمَثَابَةِ اعْتِرَافٍ بِجَمِيلِ الْمُوصَى لَهُ وَكَشُكْرٍ لَهُ عَلَى أَيَادِيهِ , وَإِذَا كَانَتْ مِنْ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى فَهِيَ بِمَثَابَةِ إحْسَانٍ وَزِيَادَةِ تَلَطُّفٍ , وَلِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُعَدُّ مِنْ قِسْمِ الْعُمُومِ , وَيَجِبُ تَحْدِيدُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَقْصُودِ لِلِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ وَهُنَا الْقَصْدُ مَجْهُولٌ , إذْ بِتَعَدُّدِ الْمَقْصُودِ لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا , فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَصِيَّةٌ . ( الْمَادَّةُ 63 ) ذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ . إنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالْمَجَامِعِ , وَالْمَفْهُومُ مِنْهَا أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ ذِكْرُ بَعْضِهَا عَنْ الْكُلِّ وَإِنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا إذَا ذُكِرَ كَانَ الْكُلُّ مَذْكُورًا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذِكْرُ الْبَعْضِ لَا يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ الْكُلِّ لَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِإِهْمَالِ الْكَلَامِ , وَالْحَالُ أَنَّ الْمَادَّةَ ( 60 ) مِنْ الْمَجَلَّةِ تُصَرِّحُ بِأَنَّ إعْمَالَ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ . مِثَالٌ : لَوْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَكْفُلَ شَخْصًا آخَرَ عَلَى نَفْسِهِ , فَقَالَ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ إنَّنِي كَفِيلٌ بِنِصْفِ أَوْ رُبْعِ هَذَا الشَّخْصِ فَبِمَا أَنَّ نَفْسَ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ وَالتَّقْسِيمَ , وَذِكْرُ الْبَعْضِ مِنْهَا بِحُكْمِ ذِكْرِ الْكُلِّ , فَالْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ وَيَكُونُ قَدْ كَفَلَ نَفْسَ الرَّجُلِ كُلَّهَا . كَذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ , كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ 1041 لَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعَ نِصْفَ الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْقِطًا حَقَّ شُفْعَتِهِ فِي الْكُلِّ ; لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ . كَذَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ كُلُّهُ إذَا كَانَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ وَاحِدًا وَعَفَا عَنْ الْقَاتِلِ بِجُزْءٍ مِنْ الْقِصَاصِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُمْكِنِ إمَاتَةُ قِسْمٍ مِنْ الْإِنْسَانِ مَعَ الْإِبْقَاءِ عَلَى الْقِسْمِ الْآخَرِ مِنْهُ حَيًّا . أَمَّا إذَا ذُكِرَ بَعْضُ الشَّيْءِ الَّذِي يَتَجَزَّأُ فَهُوَ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ :
____________________
(1/55)
إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنَّنِي كَفَلْتُك عَلَى مِائَتَيْنِ مِنْ السِّتِّمِائَةِ الْقِرْشِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْك لِفُلَانٍ , فَبِمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ الْكَفِيلُ كَفِيلًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ . كَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ أَبْرَأْتُكَ فِي رُبْعِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبِ لِي مِنْك فَيَكُونُ الْإِبْرَاءُ لِذَلِكَ الْقِسْمِ مِنْ الدَّيْنِ فَقَطْ . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنَّ نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي يَكْفُلُك عَلَى كَذَا , فَلَا تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ وَلَا تَكُونُ تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ فِي ذَلِكَ قَائِمَةً مَقَامَ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ . ( الْمَادَّةُ 64 ) الْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً إنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ ذُكِرَتْ فِي الْمَجَامِعِ عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ ( الْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ , كَمَا أَنَّ الْمُقَيَّدَ يَجْرِي عَلَى تَقْيِيدِهِ ) وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْحَنَفِيَّةِ ( الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ ) فَالْمُطْلَقُ مُقَابِلُ الْمُقَيَّدِ أَيْ أَنَّ الْمُطْلَقَ ضِدُّ الْمُقَيَّدِ . الْمُطْلَقُ تَعْرِيفُهُ : هُوَ الْحِصَّةُ الَّتِي قَدْ تَشْمَلُ حِصَصًا غَيْرَهَا بِدُونِ تَعْيِينٍ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَكُونُ شَائِعَةً فِي جِنْسِهِ , وَحَقِيقَتُهَا وَمَاهِيَّتُهَا مِنْ حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِه وَقَدْ عُرِّفَ الْمُطْلَقُ تَعْرِيفًا آخَرَ , وَهُوَ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجَرَّدُ مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّخْصِيصِ وَالتَّعْمِيمِ وَالتَّكْرَارِ وَالْمَرَّةِ . وَالْمُقَيَّدُ : هُوَ الْمُقَارِنُ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَرَائِنِ مِثَالٌ : إذَا اتَّفَقَ شَخْصٌ مَعَ خَيَّاطٍ عَلَى خِيَاطَةِ جُبَّةٍ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الرَّجُلُ عَلَى الْخَيَّاطِ بِأَنْ يَخِيطَهَا بِنَفْسِهِ يَحِقُّ لِلْخَيَّاطِ أَنْ يَعْهَدَ بِخِيَاطَةِ تِلْكَ الْجُبَّةِ إلَى أَجِيرِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْخَيَّاطُ الْجُبَّةَ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ بِيَدِ الْأَجِيرِ بِدُونِ تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيَّدْ , وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا مَرَّ . بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْجُبَّةِ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَهَا بِنَفْسِهِ وَعَهِدَ الْخَيَّاطُ بِخِيَاطَتِهَا لِأَجِيرِهِ فَتَلِفَتْ يَكُونُ الْخَيَّاطُ ضَامِنًا . كَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْعَارِيَّةَ بِنَوْعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِانْتِفَاعِ الْمُسْتَعِيرِ بِهَا فَقَطْ يَحِقُّ لِلْمُسْتَعِيرِ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ 819 مِنْ الْمَجَلَّةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَالِ الْمُعَارِ بِذَاتِهِ أَوْ بِإِعَارَتِهِ لِآخَرَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِأَيٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ , بِخِلَافِ مَا لَوْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الْإِعَارَةَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ قَيَّدَهَا بِانْتِفَاعِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ , فَلَا يَحِقُّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ قُيُودَ الْمُعِيرِ لِلْإِعَارَةِ . كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ يَحِقُّ لَهُ حَسْبَ الْمَادَّةِ 1494 أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا , بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَقْبَلُهُ ثَمَنًا لِمَالِهِ , فَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ حَسْبَ الْمَادَّةِ 1459 أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ ; لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ
____________________
(1/56)
قَدْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِبَيَانِ الثَّمَنِ الَّذِي يَرْتَضِيهِ ثَمَنًا لِمَالِهِ . هَذَا وَإِنَّ الْأَمْثِلَةَ الَّتِي مَرَّتْ مَعَنَا هُنَا كُلُّهَا أَمْثِلَةٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالنَّصِّ وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالدَّلَالَةِ وَهِيَ : إذَا وَكَّلَ مُكَارٍ شَخْصًا آخَرَ لِيَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا بِدُونِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ وَصْفًا , فَالْوَكَالَةُ هُنَا مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ وَعَمَلِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِدَاعِي الْإِطْلَاقِ فِي الْوَكَالَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ فَرَسًا لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِيَادِ الْخَيْلِ بِمِائَتَيْ جُنَيْهٍ , بَلْ إنَّمَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْفَرَسَ الَّذِي يَتَنَاسَبُ ثَمَنُهُ مَعَ حَالِ مُوَكِّلِهِ وَعَمَلِهِ فَهُنَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَقْيِيدٌ بِالنَّصِّ فَالتَّقْيِيدُ بِالدَّلَالَةِ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ فَرَسًا مِنْ جِيَادِ الْخَيْلِ لِذَلِكَ الْمُوَكِّلِ الْمُكَارِي , وَلَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ عَلَى الْفَرْضِ فَرَسًا جَوَادًا لَا يُلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَيَبْقَى لِلْوَكِيلِ . كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ الْمُطْلَقَةُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهَا قَيْدٌ لِلثَّمَنِ فَالدَّلَالَةُ تُوجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ الشِّرَاءَ بِالْقِيمَةِ الْمِثْلِيَّةِ وَإِلَّا فَمَعَ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِثَمَنٍ يَكُونُ بِهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْمَادَّةُ ( 1482 ) , كَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ قُرْبَ عِيدِ الْأَضْحَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَرُوفًا أَوْ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ بِشِرَاءِ ثَلْجٍ أَوْ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ بِشِرَاءِ فَحْمٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مُدَّةَ الشِّرَاءِ فَعَقْدُ الْوَكَالَةِ وَإِنْ كَانَ بِالظَّاهِرِ لَا يَحْتَوِي عَلَى قَيْدٍ لِعَدَمِ وُجُودِ نَصٍّ لِلتَّقْيِيدِ فِيهِ فَالْقَيْدُ هُنَا مَوْجُودٌ دَلَالَةً فَعَلَيْهِ لَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ شِرَاءُ الْخَرُوفِ بَعْدَ مُرُورِ عِيدِ الْأَضْحَى , وَالثَّلْجِ بَعْدَ دُخُولِ فَصْلِ الشِّتَاءِ , وَالْفَحْمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشِّتَاءِ وَإِنْ فَعَلَ لَا يُلْزَمُ الْمُوَكِّلَ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَى . ( الْمَادَّةُ 65 ) الْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ . مَثَلًا : لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَ فَرَسٍ أَشْهَبَ حَاضِرٍ فِي الْمَجْلِسِ وَقَالَ فِي إيجَابِهِ : بِعْت هَذَا الْفَرَسَ الْأَدْهَمَ وَأَشَارَ إلَيْهِ , وَقَبِلَ الْبَائِعُ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَغَا وَصْفَ الْأَدْهَمِ , أَمَّا لَوْ بَاعَ فَرَسًا غَائِبًا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَشْهَبُ وَالْحَالُ أَنَّهُ أَدْهَمُ , فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ . يَعْنِي : لَوْ عَرَّفَ شَخْصٌ شَيْئًا بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَوَصْفِهِ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ حَاضِرًا وَكَانَ مُشَارًا إلَيْهِ حِينَ الْوَصْفِ وَكَانَ الْمَوْصُوفُ وَالْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَالْوَصْفُ لَغْوٌ وَلَا حُكْمَ لَهُ , وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْوَصْفِ فَالْوَصْفُ مُعْتَبَرٌ . يَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي النِّكَاحِ , وَالْبَيْعِ , وَالْإِجَارَةِ , وَفِي سَائِرِ الْعُقُودِ . قَدْ ذُكِرَ فِي مَتْنِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْبَائِعَ ( لَوْ بَاعَ فَرَسًا غَائِبًا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَشْهَبُ وَالْحَالُ أَنَّهُ أَدْهَمُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ) وَلَكِنَّ الْمَادَّةَ 310 تُصَرِّحُ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مُنْعَقِدًا وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْوَصْفِ , وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَشْبَاهِ ( أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ , أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ) فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا فَاخْتِلَافُ الْوَصْفِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ . هَذَا وَإِنَّ الْمَادَّةَ 107 قَدْ عَرَّفَتْ الْبَيْعَ غَيْرَ الْمُنْعَقِدِ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَعَلَيْهِ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ ( غَيْرِ مُنْعَقِدٍ ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعِبَارَةِ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِلنَّقْلِ فَيَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ
____________________
(1/57)
لَا يُعْقَدُ لَازِمًا . كَذَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ بِحُضُورِ الْقَاضِي قَائِلًا : إنَّ هَذَا الْحَدِيدَ الَّذِي وَزْنُهُ مِائَةُ رَطْلٍ هُوَ مَالِيٌّ فَظَهَرَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَتَانِ ; لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ صِفَةٌ , وَهِيَ لَغْوٌ وَالْحَاصِلُ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ لَغْوًا يَجِبُ وُجُودُ شَرْطَيْنِ اثْنَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْصُوفُ مَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْوَصْفِ . الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ فِي مَجْلِسِ الْوَصْفِ مِنْ جِنْسِ الْمَوْصُوفِ حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ - أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْصُوفُ حَاضِرًا - وَوُجِدَ الشَّرْطُ الثَّانِي فَقَطْ يَكُونُ الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا . كَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الثَّانِي - أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْصُوفُ مِنْ جِنْسِ الْوَصْفِ - يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ أَيْضًا , هَذَا وَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُسَمَّى وَالْمَوْصُوفَ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ ; كَانَ الْعَاقِدَانِ لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْوَصْفُ حِينَئِذٍ مُعْتَبَرًا وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالشَّيْءِ الْمُسَمَّى أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ لَا بِالشَّيْءِ الْمُشَارِ إلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ مَثَلٌ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَصْفٍ تَابِعٍ لَهُ , وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالْوَصْفَ أَقْوَى مِنْ الْإِشَارَةِ مِنْ جِهَةٍ , وَالْإِشَارَةُ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْوَصْفُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى . وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالْوَصْفَ هُمَا وَصْفٌ لِلْمَاهِيَّةِ وَتَعْرِيفٌ لَهَا , وَبِمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى أَرْجَحُ فِيهِمَا تَكُونُ تَسْمِيَتُهَا وَالْوَصْفُ أَقْوَى مِنْ الْإِشَارَةِ , وَبِمَا أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْطَعُ الِاشْتِرَاكَ وَتُزِيلُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ فَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْوَصْفِ , فَعَلَيْهِ فِي حَالَةِ وُجُودِ الْمُسَمَّى مُخَالِفًا لِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يُرَجَّحُ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ , أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا أَشَارَ الْبَائِعُ إلَى فَصٍّ وَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ مُخَاطِبًا الْمُشْتَرِيَ قَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْأَلْمَاسَ وَكَانَ ذَلِكَ الْفَصُّ بَلُّورًا فَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ تَعَلَّقَ بِالْأَلْمَاسِ وَبِمَا أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا مُعْتَبَرٌ وَالْأَلْمَاسُ مَعْدُومٌ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ , أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مُخَالِفًا لِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَكَانَ الْعَاقِدَانِ عَالِمَيْنِ بِذَلِكَ فَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ أَشَارَ شَخْصٌ إلَى جَمَلٍ قَائِلًا لِلْمُشْتَرِي قَدْ بِعْتُك هَذَا الْحِمَارَ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ حِمَارًا , بَلْ جَمَلًا , وَقَبِلَ الشِّرَاءَ , فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِحَقِّ الْجَمَلِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِحَقِّ الْحِمَارِ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ , إذْ التَّعْرِيفُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ : بِالْإِشَارَةِ لَعَيْنِهِ . وَالثَّانِي : بِتَسْمِيَتِهِ . فَإِذَا اجْتَمَعَ الِاثْنَانِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْعَيْنِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ . ( الْمَادَّةُ 66 ) السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ يَعْنِي أَنَّ مَا قِيلَ فِي السُّؤَالِ الْمُصَدَّقِ كَانَ الْمُجِيبُ الْمُصَدِّقُ قَدْ أَقَرَّ بِهِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَشْبَاهِ , وَبِمَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ ذَكَرُوهَا بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ . قُلْنَا : إنَّ الْقَاعِدَةَ مَذْكُورَةٌ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مُقَيَّدَةٌ وَإِلَيْكَ التَّفْصِيلُ : إذَا وَرَدَ كَلَامٌ جَوَابًا عَلَى سُؤَالٍ فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِمِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَوَابُ فَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى السُّؤَالِ وَيَكُونُ السُّؤَالُ مَعَادًا فِي الْجَوَابِ ضِمْنًا , وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ زَائِدًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَوَابُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ إنْشَاءً فِي الظَّاهِرِ , وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ جَوَابًا خِلَافَ الظَّاهِرِ , فَإِذَا قَالَ الْمُجِيبُ : إنَّمَا قَصَدْتُ الْجَوَابَ بِكَلَامِي
____________________
(1/58)
يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً . مِثَالٌ : لَوْ بَاعَ شَخْصٌ بِطَرِيقِ الْفُضُولِ مَالًا مِنْ آخَرَ وَبَلَّغَ الْبَائِعُ صَاحِبَ الْمَالِ , وَبَيْنَمَا هُوَ يَفْتَكِرُ فِي ذَلِكَ سَأَلَهُ سَائِلٌ قَائِلًا : هَلْ تَأْذَنُنِي بِإِجَازَةِ ذَلِكَ الْبَيْعِ . ؟ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ : نَعَمْ فَقَوْلُهُ بِمَعْنَى أَذِنْتُكَ بِالْإِجَازَةِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إذَا أَجَازَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَأْذُونُ بِالْإِجَازَةِ , كَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ قَدْ بِعْتُك دَارِي بِكَذَا مَبْلَغًا أَوْ أَجَّرْتُك دُكَّانِي بِكَذَا بَدَلًا , وَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ : نَعَمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ , وَيَكُونُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَيْنِ , كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِمَدِينِهِ هَلْ تُقِرُّ بِمَا فِي هَذَا السَّنَدِ وَأَجَابَ الْمَدِينُ قَائِلًا : نَعَمْ . فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي السَّنَدِ الْمَذْكُورِ , كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّ لِي عِنْدَك عَشْرَ جُنَيْهَاتٍ فَأَوْفِنِي إيَّاهَا فَأَجَابَهُ قَائِلًا : نَعَمْ . فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ , وَمُكَلَّفًا بِأَدَائِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ , كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ مَرِيضٍ : هَلْ أَوْصَيْتَ بِثُلُثِ مَالِكَ لِيُصْرَفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ . ؟ وَهَلْ نَصَّبْتنِي وَصِيًّا لِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِك هَذِهِ . ؟ وَأَجَابَهُ بِكَلِمَةِ أَوْصَيْتُ أَوْ فَعَلْت , فَيَكُونُ قَدْ أَوْصَى بِذَلِكَ الْمَالِ وَنَصَّبَهُ وَصِيًّا . ( الْمَادَّةُ 67 ) لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ لَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ . يَعْنِي : أَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِتٌ أَنَّهُ قَالَ كَذَا , لَكِنَّ السُّكُوتَ فِيمَا يَلْزَمُ التَّكَلُّمَ بِهِ إقْرَارٌ وَبَيَانٌ , وَذَلِكَ كَمَا إذَا رَأَيْتَ أَحَدًا يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بِلَا إذْنٍ مِنْكَ وَسَكَتَّ بِلَا عُذْرٍ يُعَدُّ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْكَ بِأَنَّكَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ . إنَّ الْفِقْرَةَ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ( الْأَشْبَاهِ ) وَالثَّانِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ , وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ ( الْمَرْأَةِ ) ( وَمِنْهُ أَيْ مِنْ بَيَانِ الضَّرُورَةِ السُّكُوتُ لَدَى الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِ السُّكُوتِ بَيَانُ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ الَّذِي شَأْنُهُ التَّكَلُّمُ فِي الْحَادِثَةِ لَا أَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفِعْلِ , فَإِنَّ السُّكُوتَ يُنَافِيهِ ) فَالْأَمْثِلَةُ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى هِيَ كَمَا يَأْتِي : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنْهُ وَسَكَتَ عَنْ عَمَلِهِ أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْبَيْعِ , فَلَا يُعَدُّ هَذَا السُّكُوتُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 1659 ) رِضَاءً مِنْهُ بِالْبَيْعِ , أَوْ إجَازَةً لَهُ , كَذَا إذَا أَخْبَرَ شَخْصٌ صَاحِبَ مَالٍ بِأَنَّ شَخْصًا بَاعَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ آخَرَ فَسَكَتَ صَاحِبُ الْمَالِ , فَلَا يُعَدُّ سُكُوتُهُ إجَازَةً لِبَيْعٍ الْفُضُولِيِّ . كَذَلِكَ : إذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ مَالَ آخَرَ بِحُضُورِهِ وَسَكَتَ , فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إذْنًا بِإِتْلَافِ الْمَالِ , كَذَا : إذَا رَأَى الْقَاضِي قَاصِرًا لَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ يَتَعَاطَى التِّجَارَةَ وَسَكَتَ , فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ لِلْقَاصِرِ بِتَعَاطِي التِّجَارَةِ . كَذَلِكَ إذَا جَمَعَ شَخْصٌ أُنَاسًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَدِينًا لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ , وَكَانَ لِرَجُلٍ مِنْ الْحُضُورِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَشْهَدِ مِنْ الِادِّعَاءِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْأَمْثِلَةُ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَلِي : إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِحُضُورِ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ , وَسَكَتَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لَهُ بِالْقَبْضِ , وَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَمَلًا بِالْمَادَّةِ ( 281 ) : اسْتِعَادَةُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُهُ , كَذَلِكَ : إذَا أَرَادَ شَخْصٌ شِرَاءَ مَالٍ وَفِيمَا هُوَ يَسْتَلِمُهُ مِنْ صَاحِبِهِ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ - بِأَنَّ فِي الْمَالِ عَيْبًا فَسَكَتَ فَسُكُوتُهُ يُعَدُّ رِضَاءً مِنْهُ بِالْعَيْبِ , فَإِذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ .
____________________
(1/59)
كَذَلِكَ : إذَا كَانَ شَخْصٌ سَاكِنًا بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْعَارِيَّةِ فِي دَارِ آخَرَ , وَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ ( اُسْكُنْ فِي الدَّارِ بِأُجْرَةِ كَذَا وَإِلَّا فَاخْرُجْ مِنْهَا ) فَسَكَتَ السَّاكِنُ وَبَقِيَ فِي الدَّارِ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَأْجَرَ تِلْكَ الدَّارَ , وَرَضِيَ بِدَفْعِ الْبَدَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُهَا . كَذَلِكَ : إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ رَاعٍ يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ , وَقَالَ لَهُ : إنِّي لَا أَرْعَى غَنَمَك بِمِائَةِ قِرْشٍ أُجْرَةً سَنَوِيَّةً , بَلْ أُرِيدُ مِائَتَيْنِ فَسَكَتَ صَاحِبُ الْغَنَمِ وَبَقِيَ الرَّاعِي يَرْعَى فَيَكُونُ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ قَبِلَ اسْتِئْجَارَ الرَّاعِي بِمِائَتَيْ قِرْشٍ , وَيَلْزَمُهُ دَفْعُ الْمِائَتَيْنِ . كَذَا : إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الْمَالَ الْمَرْهُونَ بِحُضُورِ الْمُرْتَهِنِ وَسَكَتَ فَيَكُونُ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَصْبَحَ الرَّهْنُ بَاطِلًا , كَذَلِكَ : إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِحُضُورِ الْوَاهِبِ وَسَكَتَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 843 ) : إذْنًا بِالْقَبْضِ , كَذَلِكَ : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَحَدِ أَقَارِبِهِ مِنْ آخَرَ بِحُضُورِهَا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَسَكَتَتْ , فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْقَرِيبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَدَّعِيَ بِمِلْكِيَّةِ ذَلِكَ الْمَالِ ; لِأَنَّ سُكُوتَهَا عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ الْمَالِ بِحُضُورِهَا وَعَدَمِ اعْتِرَاضِهَا إقْرَارٌ مِنْهَا بِعَدَمِ مِلْكِيَّتِهَا ذَلِكَ الْمَالَ . كَذَلِكَ : إذَا وَهَبَ الدَّائِنُ الدَّيْنَ لِمَدِينِهِ وَسَكَتَ الْمَدِينُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ . وَالسُّكُوتُ هُنَا يُعَدُّ قَبُولًا لِلْهِبَةِ . كَذَا : إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالًا عِنْدَ آخَرَ قَائِلًا : إنَّ هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةٌ وَسَكَتَ الْمُسْتَوْدِعُ تَنْعَقِدُ الْوَدِيعَةُ , كَذَلِكَ : إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِشَيْءٍ وَالْوَكِيلُ سَكَتَ , وَبَعْدَ سُكُوتِهِ بَاشَرَ إجْرَاءَ الْأَمْرِ الْمُوَكَّلِ بِهِ , فَلَا يَكُونُ عَمَلُهُ فُضُولًا . كَذَا : سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ يُعَدُّ قَبُولًا كَأَنْ يُقِرَّ شَخْصٌ بِمَالِ لِآخَرَ وَيَسْكُتُ الْمُقَرُّ لَهُ , فَسُكُوتُهُ يُعَدُّ تَصْدِيقًا وَقَبُولًا بِالْإِقْرَارِ . ( الْمَادَّةُ 68 ) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ . يَعْنِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ , فَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ يَقُومُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِهِ ; لِأَنَّ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ لَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهَا إلَّا بِمَظَاهِرِهَا الْخَارِجِيَّةِ . تَعْرِيفُ الدَّلِيلِ : هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمُ بِهِ الْعِلْمَ بِشَيْءٍ آخَرَ : كَمَا لَوْ رَأَى رَاءٍ دُخَّانًا يَنْبَعِثُ مِنْ مَكَان فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى وُجُودِ نَارٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ . وَإِلَيْكَ الْأَمْثِلَةُ الْآتِيَةُ إيضَاحًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ : إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْبَيْعَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ ظَهَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ , وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 183 ) فَالْإِعْرَاضُ هُنَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى إعْرَاضِ إنْسَانٍ عَنْ شَيْءٍ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ , وَمَتَى مَا أَظْهَرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ , وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَقِيقَةً , فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ الظَّاهِرَةَ تَقُومُ مَقَامَ تِلْكَ الْأُمُورِ , يُتَّخَذُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ , وَإِيضَاحًا لِهَذَا الْمِثَالِ نَقُولُ : يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْإِيجَابُ أَوَّلُ كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ , وَالْقَبُولُ ثَانِي كَلَامٍ يُصْدَرُ
____________________
(1/60)
مِنْ أَحَدِهِمَا , وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَعَدَمُ وُقُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بَيْنَهُمَا , وَلَكِنْ إذَا حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ قَبْلَ الْقَوْلِ بَطَلَ الْإِيجَابُ , عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيمَا لَوْ قَبِلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْمَجْلِسِ , كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَسَكَتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُدَّةً طَوِيلَةً , وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ , ثُمَّ قَالَ : قَبِلْت . يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ , وَلَكِنْ إذَا أَعْرَضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِيجَابِ , كَمَا لَوْ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ , أَوْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ أَجْرَى أَيَّ عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ , ثُمَّ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْإِيجَابَ بِإِعْرَاضِهِ , فَيَلْزَمُ تَجْدِيدُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ . كَذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ , وَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ أَخَذَ يُدَاوِيهِ , فَبِمَا أَنَّ الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ , وَبِمَا أَنَّ الْأَخْذَ فِي مُدَاوَاةِ الْحَيَوَانِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَاءِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ لَا يَحِقُّ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ . كَذَلِكَ : بِمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ ( وَهُوَ الَّذِي أَصَابَ لُقَطَةً ) يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ إذَا قَصَدَ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ , وَحُكْمُ الْأَمِينِ إذَا قَصَدَ إعَادَتَهَا لِصَاحِبِهَا , وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يُكِنُّهُ ضَمِيرُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وِجْدَانُهُ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ . فَإِذَا أَشْهَدَ حِينَمَا وَجَدَ اللُّقَطَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا الْتَقَطَهَا لِيُعِيدَهَا لِصَاحِبِهَا , وَأَعْلَنَ فِي الصُّحُفِ عَنْهَا مَثَلًا يُسْتَدَلُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَقْصِدُ إعَادَتَهَا وَتَكُونُ بِيَدِهِ وَدِيعَةً , وَإِذَا أَخْفَاهَا وَلَمْ يُخْبِرْ أَحَدًا بِهَا وَلَمْ يُعْلِنْ عَنْهَا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ , فَعَلَيْهِ إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ , وَهُوَ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُهُ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالثَّانِي يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فِيمَا لَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ , كَذَلِكَ : شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى مِلْكِيَّةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ أَحْيَانًا تَكُونُ بِنَاءً عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ كَالشِّرَاءِ مَثَلًا , فَهِيَ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ مُسْتَنِدَةً عَلَى الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ مِنْ تَصَرُّفٍ وَغَيْرِهِ , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ تَقُومُ مَقَامَ مَدْلُولِهَا فِي الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ لَمَا حَقَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ , بَلْ لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِسَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , كَذَلِكَ الْقَصْدُ فِي الْقَتْلِ يَثْبُتُ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْقَاتِلِ , كَاسْتِعْمَالِهِ الْآلَاتِ الْجَارِحَةِ وَضَرْبِ الْمَقْتُولِ بِهَا عِدَّةَ ضَرَبَاتٍ مَثَلًا . ( الْمَادَّةُ 69 ) : الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ . هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ قَاعِدَةِ ( الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ ) الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْبَاهِ . وَالْمَقْصُودُ فِيهَا هُوَ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ أَنْ يُعْقَدَ بَيْنَهُمَا مُشَافَهَةً عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ مَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ , يَجُوزُ لَهُمَا عَقْدُ ذَلِكَ مُكَاتَبَةً أَيْضًا . وَالْكُتُبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : ( 1 ) الْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ ( 2 ) الْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ ( 3 ) غَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ . فَالْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْهَا مِمَّا يُقْرَأُ خَطُّهُ , وَيَكُونُ وَفْقًا لِعَادَاتِ النَّاسِ وَرُسُومِهِمْ وَمُعَنْوَنًا . وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُتَعَارَفِ فِي زَمَنِ صَاحِبِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) أَنْ يُكْتَبُ الْكِتَابُ عَلَى وَرِقٍ وَيُخْتَمُ أَعْلَاهُ , وَكُلُّ كِتَابٍ لَا يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَكْتُوبًا عَلَى وَرِقٍ وَمَخْتُومًا لَا يُعَدُّ مَرْسُومًا , أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْكِتَابُ يُعَدُّ مَرْسُومًا بِالْخَتْمِ وَالتَّوْقِيعِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ , وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1610 ) وَلَكِنْ إذَا كُتِبَ كِتَابٌ فِي زَمَانِنَا عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ مَثَلًا يُنْظَرُ إذَا كَانَ الْمُعْتَادُ أَنْ تُكْتَبَ الْكُتُبُ عَلَى
____________________
(1/61)
غَيْرِ الْوَرِقِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْكِتَابُ , كَمَا لَوْ كُتِبَ عَلَى وَرِقٍ وَإِلَّا فَلَا . وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ يُحَرَّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ النَّاسِ حُجَّةٌ عَلَى كَاتِبِهِ كَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ . وَالْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ : هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ كَأَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ وَرِقِ شَجَرٍ أَوْ بَلَاطَةٍ مَثَلًا , فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَغْوٌ وَلَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي حَقِّ صَاحِبِهِ إلَّا إنْ نَوَى أَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ حِينَ الْكِتَابَةِ , وَالْإِمْلَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْكِتَابَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ , كَمَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِقَصْدِ بَيَانِ الْحَقِيقَةِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ بِقَصْدِ التَّجْرِبَةِ أَوْ عَبَثًا , فَتَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَيِّدُهَا كَالنِّيَّةِ أَوْ الْإِشْهَادِ أَوْ الْإِمْلَاءِ حَتَّى تُعْتَبَرَ حُجَّةً بِحَقِّ كَاتِبِهَا . وَغَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ : هِيَ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ , وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْكَلَامِ غَيْرِ الْمَسْمُوعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَاتِبِهَا حُكْمٌ وَإِنْ نَوَى مِثَالَ ذَلِكَ , لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ عِبَارَةَ ( إنَّنِي مَدِينٌ بِكَذَا قِرْشًا لِفُلَانٍ ) عَلَى سَطْحِ مَاءِ نَهَرٍ أَوْ فِي الْهَوَاءِ لَا يُعَدُّ مُقِرًّا بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ - كَمَا لَا يَخْفَى - هُوَ تَحْرِيكُ الْيَدِ بِحُرُوفِ الْكَلِمَاتِ , كَمَا تُحَرَّكُ بِالْقَلَمِ عَلَى صَفْحَةِ الْقِرْطَاسِ . وَفِيمَا يَأْتِي أَمْثِلَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ : إذَا كَتَبَ شَخْصٌ تَحْرِيرًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا إلَى شَخْصٍ غَائِبٍ قَائِلًا فِيهِ : إنَّنِي قَدْ بِعْت مِنْك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَبِيعَ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي مَجْلِسِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ , أَوْ حَرَّرَ كِتَابًا لِلْبَائِعِ يُنْبِئُهُ بِالْقَوْلِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ , وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 173 ) وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ , كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 436 ) تَنْعَقِدُ بِالْمُكَاتَبَةِ , وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمُجَرَّدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْكِتَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ لِعَزْلِهِ . ( الْمَادَّةُ 70 ) : الْإِشَارَاتُ الْمَعْهُودَةُ لِلْأَخْرَسِ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ . يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَعْهُودَةِ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ الْحَاجِبِ هِيَ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ لَمَا صَحَّتْ مُعَامَلَتُهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ , وَلَكَانَ عُرْضَةً لِلْمَوْتِ جُوعًا . وَيُفْهَمُ مِنْ إيرَادِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مُطْلَقَةً أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ . لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْإِشَارَةَ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْرِيبًا مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُرَادِ وَإِلَيْكَ مَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ مِنْ النِّقَاطِ . فَالْكِتَابَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِشَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَا يَقْصِدُهُ الْكَاتِبُ عَيْنًا , وَالْإِشَارَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَكُونُ بِالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَهُمَا الْعُضْوَانِ اللَّذَانِ يَسْتَعِينُ بِهِمَا الْمُتَكَلِّمُ لِلْإِعْرَابِ عَنْ ضَمِيرِهِ . فَعَلَيْهِ قَدْ جُعِلَ لِلْأَخْرَسِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْكِتَابَةَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَفْكَارِهِ ; لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَمَا قُلْنَا ( تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ ) . عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمَقْصُودَةُ فِي الْكَلَامِ هِيَ الْإِشَارَةُ الْمُقَارِنَةُ لِتَصْوِيتِهِ ; لِأَنَّ الْأَخْرَسَ مِنْ عَادَتِهِ عِنْدَ التَّعْبِيرِ عَنْ شَيْءٍ أَنْ يَقْرِنَ الْإِشَارَةَ ( بِالتَّصْوِيتِ ) . وَقَدْ زَادَ الْحَمَوِيُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْأَخْرَسِ مَقْرُونَةً بِالتَّصْوِيتِ . فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ وَالْحَمَوِيِّ يُفْهِمُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ اقْتِرَانُ التَّصْوِيتِ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ
____________________
(1/62)
وَالْكَلَامِ , وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ اقْتِرَانُ الْإِشَارَةِ بِالتَّصْوِيتِ فِي الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ أَمْ لَا ؟ فَاقْتِرَانُ الْإِشَارَةِ بِالتَّصْوِيتِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِدَلِيلِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ . هَذَا وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ يُحَقَّقُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ عَمَّا يَقْصِدُ بِهَا وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْبَرُ مِنْهُمْ عُدُولًا مَوْثُوقِي الشَّهَادَةِ , وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْأَخْرَسِ عَلَى نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ عَرْضًا , فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ إشَارَةُ الْإِنْكَارِ . الثَّانِي : تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ طُولًا , وَهِيَ إشَارَةُ الْإِقْرَارِ . وَهَاتَانِ الْإِشَارَتَانِ إذَا كَانَتَا مَعْرُوفَتَيْنِ لِلْأَخْرَسِ تُعَدُّ الْأُولَى إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ إنْكَارًا وَالثَّانِيَةُ إقْرَارًا , عَلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكِتَابَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ كَإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ . وَقَدْ قُيِّدَتْ الْإِشَارَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْأَخْرَسِ ; لِأَنَّهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 1586 ) لَا تُعْتَبَرُ إشَارَةُ النَّاطِقِ , كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِنَاطِقٍ : هَلْ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ . ؟ فَلَا يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ , كَذَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالَ شَخْصٍ نَاطِقٍ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ , وَبَيْنَمَا هُوَ يُفَكِّرُ وَيَتَأَمَّلُ خَاطَبَهُ شَخْصٌ بِقَوْلِهِ : هَلْ تُجِيزُ الْبَيْعَ . ؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ طُولًا عَلَامَةَ الْمُوَافَقَةِ لِلْأَخْرَسِ , فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ . وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ فِي الْأَشْبَاهِ , وَهِيَ كَمَا يَأْتِي : الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مُقَيَّدَةٌ وَقَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَيْعٍ , وَإِجَارَةٍ , وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ , وَنِكَاحٍ , وَطَلَاقٍ , وَإِبْرَاءٍ , وَإِقْرَارٍ , وَقِصَاصٍ , وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْأَخْرَسِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ مَا يَأْتِيهِ النَّاطِقُونَ , يَعْقِدُ أَيَّ عَقْدٍ أَرَادَ , يُجِيزُ , وَيُقِرُّ , وَيَنْكُلُ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ , وَيُوَكِّلُ بِإِدَارَةِ أُمُورِهِ , وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 174 وَ 436 وَ 1586 ) هَذَا وَإِذَا نُظِمَتْ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِحُضُورِهِ , وَخَاطَبَهُ الْحَاضِرُونَ قَائِلِينَ لَهُ هَلْ نَشْهَدُ عَلَيْك , فَأَشَارَ بِتَحْرِيكِ رَأْسِهِ الْحَرَكَةَ الْمُتَعَارَفَةِ بِأَنَّهَا إشَارَةٌ لَهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ , يَكُونُ قَدْ أَوْصَى بِمَا فِي الْوَصِيَّةِ , بَيْدَ أَنَّ الْخَرَسَ عَلَى نَوْعَيْنِ ( 1 ) خَرَسٌ أَصْلِيٌّ ( 2 ) وَخَرَسٌ عَارِضٌ . وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ذِكْرُ الْأَخْرَسِ بِدُونِ تَعْيِينٍ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِلِاثْنَيْنِ , إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَادَّةِ حَقِيقَةً هُوَ الْخَرَسُ الْأَصْلِيُّ وَالْخَرَسُ الْعَارِضُ يُسَمَّى ( اعْتِقَالَ اللِّسَانِ ) وَهُوَ يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ بِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَرُبَّمَا زَالَ فَانْطَلَقَ اللِّسَانُ , وَلَمَّا كَانَتْ الْإِشَارَةُ إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ , وَالضَّرُورَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ , فَإِشَارَةُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ لَا تُعْتَبَرُ , وَلَا تُتَّخَذُ حُجَّةً بِحَقِّهِ , وَلَكِنْ إذَا اسْتَدَامَ الِاعْتِقَالُ فِي إنْسَانٍ حَتَّى مَوْتِهِ , فَإِقْرَارُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا , كَمَا لَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَصْلِيًّا . عَلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ إنَّمَا تُعْتَبَرَانِ وَتُتَّخَذَانِ حُجَّةً فِي الْمُعَامَلَاتِ الْحُقُوقِيَّةِ فَقَطْ , فَشَهَادَةُ الْأَخْرَسِ إشَارَةً وَكِتَابَةً لَا تُعْتَبَرُ فِي الْعُقُوبَاتِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ ' وُجُوبِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ ' ( الْمَادَّةُ 71 ) : يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ مُطْلَقًا . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ , وَالْمُتَرْجِمُ هُوَ الَّذِي يُفَسِّرُ لُغَةً بِأُخْرَى , وَالشَّيْخَانِ يَرَيَانِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ الْوَاحِدِ , أَمَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُتَرْجِمِينَ لَا يَقِلُّ عَنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ , وَلَمَّا جَاءَ ذِكْرُ الْمُتَرْجِمِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَفِي الْمَادَّةِ ( 127 ) بِصِيغَةِ
____________________
(1/63)
الْمُفْرَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ أَخَذَتْ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ , وَقَدْ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فِي الْمُتَرْجِمِ أَلَّا يَكُونَ أَعْمَى . فَعَلَيْهِ وَبِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَارِفٍ بِلِسَانِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ شُهُودِهِمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ ادِّعَاءَ الْمُدَّعِي أَوْ دِفَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ شَهَادَةَ الشُّهُودِ بِوَاسِطَةِ الْمُتَرْجِمِ , وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا , كَمَا لَوْ كَانَتْ صَادِرَةً رَأْسًا مِنْ أَصْحَابِهَا , وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَرْجِمِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَغَيْرَ أَعْمَى , كَمَا قُلْنَا , وَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُتَرْجِمَانِ , فَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا . ( الْمَادَّةُ 72 ) : لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِعْلٌ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ كَهَذَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ , فَإِذَا حَدَثَ فِعْلٌ اسْتِنَادًا عَلَى ظَنٍّ , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يَجِبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ أَوْفَى كَفِيلُ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ أَحَدَ النَّاسِ , ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْأَصِيلَ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْفَى الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ يَحِقُّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ , كَمَا يَحِقُّ لِلْأَصِيلِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَفَعَ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَوْفَاهُ عَنْهُ الْكَفِيلُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ الدَّائِنَ ; لِأَنَّ دَفْعَهُمَا لِلْمَالِ كَانَ عَنْ خَطَأٍ لِظَنِّهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُمَا , وَدَفْعُ الْمَالِ خَطَأٌ لَا يُرَتِّبُ حَقًّا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ , وَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ اسْتِرْدَادِ ذَلِكَ الْحَقِّ . كَذَلِكَ , إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي : إذَا حَلَفْت بِأَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ الَّذِي تَدَّعِيهِ يَلْزَمُ ذِمَّتِي لَك أَدْفَعُهُ لَك , فَحَلَفَ وَظَنَّ الْمَطَالِبُ بِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى أَدَاءِ الْمَبْلَغِ بِمُوجِبِ الشَّرْطِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَدَفَعَ الْمَبْلَغَ لَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 76 ) لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعِي بَلْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ , يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ , كَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ أَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ ظَانًّا بِأَنَّ الْمَالَ مَالُهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ . كَذَلِكَ : لَوْ كَانَ شَخْصٌ يَشْتَرِي مِنْ تَاجِرٍ بَضَائِعَ وَيُقَيِّدُ التَّاجِرُ مَا يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِدَفْتَرِهِ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي دَفْعَ ثَمَنِ مَا أَخَذَهُ فَطَلَبَ مِنْ التَّاجِرِ أَنْ يَجْمَعَ كُلَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَغَلِطَ التَّاجِرُ فَبَدَلًا مِنْ أَلْفٍ طَلَبَ أَلْفَيْنِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَلْفَيْنِ , ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَلْفُ قِرْشٍ فَقَطْ فَدَفْعُ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لِلتَّاجِرِ خَطَأً , لَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا . كَذَلِكَ : لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ مَبْلَغًا ظَانًّا بِأَنَّهُ مَدِينٌ لَهُ بِهِ , ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَدِينٍ يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ . كَذَلِكَ : لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ مَبْلَغًا ظَانًّا بِأَنَّ الْمَبْلَغَ مَطْلُوبٌ مِنْ وَالِدِهِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ , ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ وَالِدَهُ لَمْ يَكُنْ مَدِينًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ , يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ ( مُسْتَثْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ , وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ فَطَلَبَهُ جَارُهُ بِالشُّفْعَةِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ كَمَا فِي غَيْرِهِ , وَسَلَّمَ الْحَيَوَانَ لِلشَّفِيعِ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ , فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى خَطَئِهِ اسْتِرْدَادُ الْحَيَوَانِ ; لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ يَكُونُ قَدْ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ عَقْدَ تَعَاطٍ .
____________________
(1/64)
( الْمَادَّةُ 73 ) لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ النَّاشِئِ عَنْ دَلِيلِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ كُلَّ حُجَّةٍ عَارَضَهَا احْتِمَالٌ مُسْتَنِدٌ إلَى دَلِيلٍ يَجْعَلُهَا غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ , وَلَكِنَّ الِاحْتِمَالَ غَيْرَ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ بِدَيْنٍ , فَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ , وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمَرِيضِ قَصَدَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ حِرْمَانَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلِ كَوْنِهِ فِي الْمَرَضِ , وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ جَازَ , وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ حِرْمَانِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ وَنَوْعٌ مِنْ التَّوَهُّمِ لَا يَمْنَعُ حُجَّةَ الْإِقْرَارِ . وَلَكِنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ ; لِأَنَّ فِي إمْكَانِ الْمَرِيضِ إيصَالُ الْمَنْفَعَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَا يُوجَدُ لِلْوَارِثِ مِنْ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ . ( الْمَادَّةُ 74 ) لَا عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذُكِرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ , وَمِنْهَا ( مَجْمَعُ الْفَتَاوَى ) وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ , كَمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ , وَإِنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ , وَالْوَاجِبُ مُحَافَظَةً عَلَى حُقُوقِ ذَلِكَ الدَّائِنِ الْمَجْهُولِ أَلَّا تُقْسَمَ وَلَكِنْ ; لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّوَهُّمِ تُقْسَمُ الْأَمْوَالُ عَلَى الْغُرَمَاءِ , وَمَتَى ظَهَرَ غَرِيمٌ جَدِيدٌ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُمْ حَسْبَ الْأُصُولِ الْمَشْرُوعَةِ . كَذَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ وَكَانَ لَهَا جَارَانِ لِكُلٍّ حَقُّ الشُّفْعَةِ , أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِيهَا , يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إرْجَاءُ الْحُكْمِ بِدَاعِي أَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ , كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِدَارِ شَخْصٍ نَافِذَةٌ عَلَى أُخْرَى لِجَارِهِ تَزِيدُ عَلَى طُولِ الْإِنْسَانِ , فَجَاءَ الْجَارُ طَالِبًا سَدَّ تِلْكَ النَّافِذَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُ النَّافِذَةِ بِسُلَّمٍ وَيُشْرِفَ عَلَى مَقَرِّ النِّسَاءِ , فَلَا يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ , كَذَا لَا يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ فِيمَا لَوْ وَضَعَ جَارُهُ فِي غَرْفَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَهُ تِبْنًا وَطَلَبَ رَفْعَهُ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَعْلَقَ بِهِ النَّارُ فَتَحْتَرِقَ دَارُهُ . كَذَا : إذَا جَرَحَ شَخْصٌ آخَرَ , ثُمَّ شُفِيَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جُرْحِهِ تَمَامًا وَعَاشَ مُدَّةً , ثُمَّ تُوُفِّيَ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ وَالِدُهُمْ مَاتَ بِتَأْثِيرِ الْجُرْحِ , فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ . ( الْمَادَّةُ 75 ) الثَّابِتُ بِالْبُرْهَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَثَلًا كَانَ حُكْمُهُ كَالْمُشَاهَدَةِ بِالْعِيَانِ . الْبُرْهَانُ - هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُمَيِّزُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ . يَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ ( بَرْهَنَ عَلَيْهِ ) بِمَعْنَى أَقَامَ شُهُودًا , وَالشَّهَادَةُ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هِيَ الشَّهَادَةُ الْعَادِلَةُ . ذَلِكَ غَيْرُ مَا يُرِيدُهُ الْأُصُولِيُّونَ بِهَا . الْعِيَانُ - رُؤْيَةُ الشَّيْءِ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ لَا يَبْقَى مَعَهَا مَجَالٌ لِلِاشْتِبَاهِ . يُقَالُ : فُلَانٌ عَايَنَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَظَرَهُ بِعَيْنِهِ
____________________
(1/65)
. مِثَالٌ : إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ مَا فَكَمَا أَنَّ إقْرَارَهُ - فِيمَا لَوْ أَقَرَّ - يُتَّخَذُ حُجَّةً وَمَدَارًا لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ تُتَّخَذُ الشَّهَادَةُ مَدَارًا لِلْحُكْمِ أَيْضًا , فِيمَا لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ الْعَادِلَةِ . ( الْمَادَّةُ 76 ) : الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَيُؤَيِّدُهَا الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ ; لِأَنَّ كَلَامَ الْمُدَّعِي مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ فَهُوَ ضَعِيفٌ يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ تَدْعَمُهُ , وَكَلَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ لِتَقْوِيَةِ مَا سِوَى الْيَمِينِ . الْبَيِّنَةُ - هِيَ الشَّهَادَةُ الْعَادِلَةُ الَّتِي تُؤَيِّدُ صِدْقَ دَعْوَى الْمُدَّعِي . وَبِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقَيِّدُ بَيَانًا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً وَسُمِّيَتْ حُجَّةً ; لِأَنَّ الْخَصْمَ يَتَغَلَّبُ بِهَا عَلَى خَصْمِهِ . الدَّعْوَى - هِيَ طَلَبُ أَحَدٍ حَقَّهُ مِنْ آخَرَ فِي حُضُورِ الْمُحَاكِمِ , وَيُقَالُ لِلطَّالِبِ الْمُدَّعِي وَلِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( مَادَّةُ 1613 ) الْمُدَّعَى - هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي , وَيُقَالُ لَهُ الْمُدَّعَى بِهِ أَيْضًا ( مَادَّةُ 1614 ) . الْيَمِينُ - هُوَ تَأْيِيدُ الْحَالِفِ لِخَبَرِهِ بِالْقَسَمِ بِاسْمِ اللَّهِ . هَذَا وَيُعْلَمُ بَعْضُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَقْلًا وَبَعْضُهَا شَرْعًا وَإِلَيْكَ الْبَيَانُ : مِنْ الْمَعْلُومِ عَقْلًا أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَالِادِّعَاءُ الْمُجَرَّدُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرًا فَمَا لَمْ يُدْعَمُ بِبُنَيَّةٍ , فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ . وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ أَنَّهُ مَتَى مَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمُدَّعَى بِهِ اسْتَحَقَّهُ . فَعَلَيْهِ إذَا ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ لَهُ بِحُضُورِ الْحَاكِمِ , وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ دَعْوَى الْمُدَّعِي , فَالْحَاكِمُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1817 ) يَطْلُبُ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا تُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُطْلَقًا , فَإِذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ الْيَمِينَ , وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1818 ) وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مُطْلَقًا . مِثَالٌ : لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَائِلًا لَهُ : إنَّهُ اشْتَرَى مِنِّي الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِالْوَكَالَةِ , وَأَضَافَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ , وَأَخَذَ الْمَالَ فَلْيَدْفَعْ لِي الثَّمَنَ , وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ , بَلْ رَسُولًا وَأَنَّهُ لِذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1463 ) غَيْرُ مُطَالَبٍ بِدَفْعِ الثَّمَنِ , فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُدَّعِي ; لِأَنَّهُ يَدَّعِي بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَضَافَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ , وَيُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِالْيَمِينِ ; لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إضَافَةَ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ . إنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِمَبْلَغٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي : إذَا حَلَفْت بِأَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ يَلْزَمُ ذِمَّتِي أَدْفَعُهُ لَك فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ , فَلَا يُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ . هَذَا وَمِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ وَالْمُهِمَّةِ فِي الدَّعْوَى تَفْرِيقُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَعْيِينُهُمَا ; لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يُشْتَبَهُ الْمُدَّعِي بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ , كَأَنْ يَكُونَ رَجُلٌ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَالٍ مَثَلًا فَيَجِيءُ أَجْنَبِيٌّ وَيَدَّعِي بِأَنَّهُ لَهُ , وَأَنْ لَيْسَ لِوَاضِعِ الْيَدِ مِنْ حَقٍّ فِي الْمَالِ , وَيَدَّعِي وَاضِعُ الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ , فَظَاهِرُ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكَرٌ مَعًا , وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ نَفْسَ مِلْكِيَّةِ ذِي الْيَدِ يَدْخُلُ فِي دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ ضِمْنًا ; لِأَنَّ قَصْدَهُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ , وَإِثْبَاتُ وَاضِعُ الْيَدِ الْمِلْكِيَّةَ لِنَفْسِهِ يَدْخُلُ فِي دَعْوَاهُ ; لِأَنَّهُ يَقْصِدُ نَفْسَ الْمِلْكِيَّةَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ . وَبِمَا أَنَّ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَقُولُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَاَلَّذِي يَكُونُ قَوْلُهُ : مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , فَوَاضِعُ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , وَالْمُدَّعِي هُوَ الْأَجْنَبِيُّ .
____________________
(1/66)
مِثَالٌ آخَرُ : إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَادِّعَاؤُهُ هَذَا ادِّعَاءٌ يَشْغَلُ ذِمَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , وَبِمَا أَنَّ اشْتِغَالَ الذِّمَّةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ , وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا فَاَلَّذِي يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ مُدَّعٍ وَالثَّانِي هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ . عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَدْ ارْتَأَى أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فِي حَالَيْنِ هُمَا : الْحَالُ الْأُولَى - إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلِفَ الْيَمِينِ فَلَمْ يَحْلِفْ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي , فَإِنْ حَلَفَ يُحْكَمُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا . وَقَدْ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ { بِأَنَّ الرَّسُولَ الْكَرِيمَ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَيْ الْيَمِينَ } وَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ . الْحَالُ الثَّانِيَةُ : - إذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الشَّاهِدِ الثَّانِي , وَتَحْلِيفُ الْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ هُوَ صِدْقٌ وَأَنَا مُسْتَحِقٌّ لِلْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ . وَلَكِنَّ لِلْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ وَيُكَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَلِفِ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي أَيْضًا . إلَّا أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَبْلَ أَنْ يُكَلَّفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ الَّتِي تُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا وَامْتِنَاعِهِ عَنْهَا , فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ لِتَقْوِيَةِ جَانِبِهِ بِنُكُولِ الْخَصْمِ , وَتِلْكَ لِتَقْوِيَةِ جَانِبِهِ بِالشَّاهِدِ , وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْأُولَى إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَيُقْضَى بِالثَّانِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ , فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ . ( الْمَادَّةُ 77 ) : الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينُ لِبَقَاءِ الْأَصْلِ . لِأَنَّ الْأَصْلَ يُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ الْحَالِ , فَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْيِيدٍ آخَرَ , وَاَلَّذِي يَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ . خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ - خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ كَالْمَوْجُودِ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ , وَاشْتِغَالُ الذِّمَّةِ , وَإِضَافَةُ الْحَوَادِثِ إلَى أَبْعَدِ أَوْقَاتِهَا , وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ الْعَدَمُ , كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَإِضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 وَ 9 وَ 11 ) كَمَا إذَا ادَّعَى شَخْصُ قَائِلًا : إنَّنِي بِعْت الْمَالَ الْفُلَانِيَّ مِنْ فُلَانٍ حِينَمَا كُنْتُ صَبِيًّا , وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 967 ) غَيْرُ نَافِذٍ فَاطْلُبْ رَدَّهُ , وَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلًا : إنَّهُ بَاعَنِي إيَّاهُ أَثْنَاءَ مَا كَانَ بَالِغًا وَالْبَيْعُ نَافِذٌ , فَلِأَنَّ الصِّغَرَ وَعَدَمَ الْبُلُوغِ أَصْلٌ , فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِمُدَّعِي الصِّغَرِ . وَبِمَا أَنَّ الْبُلُوغَ عَارِضٌ , وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ مُدَّعِي الْبُلُوغِ , كَذَلِكَ إذْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ بَيْعَ وَفَاءً , وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ كَانَ بَيْعًا بَاتًّا فَبِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ وَالْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا , فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي بِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ وَبِمَا أَنَّ وُقُوعَ الْبَيْعِ وَفَاءً هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ , فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ مُدَّعِي الْوَفَاءِ . كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي كَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِرِضَاءٍ , فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الرِّضَاءَ ; لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَالْبَيِّنَةُ تُطْلَبُ مِنْ مُدَّعِي الْإِكْرَاهِ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ . كَذَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ مُطَالِبًا إيَّاهُ بِدَيْنٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَالْبَيِّنَةُ تُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعِي ; لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الْأَصْلِ , وَهُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ رَاجِعْ ( الْمَادَّةَ الثَّامِنَةَ ) وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلشَّخْصِ الثَّانِي ; لِأَنَّهُ
____________________
(1/67)
يَدَّعِي بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) يُصَدَّقُ الْأَمِينُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1174 ) بِيَمِينِهِ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِلَيْكَ الْإِيضَاحُ : إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ طَالِبًا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ , وَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ , فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ , وَالْحَالُ أَنَّ الرَّدَّ وَالْهَلَاكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَالْأَصْلُ حَسْبَ الْمَادَّةِ التَّاسِعَةِ عَدَمُهَا , وَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَدِّهِ الْوَدِيعَةَ أَوْ هَلَاكِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ . ( الْمَادَّةُ 78 ) الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَرَدَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ , مِنْهَا تَنْوِيرُ الْأَبْصَارِ وَشَرْحُهُ , وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِمَا عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ ( وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ) الْبَيِّنَةُ : هِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُظْهِرُ الشَّيْءَ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْمَوْجُودَ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ . , وَقَدْ عُرِّفَتْ فِي الْمَادَّةِ ( 1676 ) بِأَنَّهَا الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ . وَمُتَعَدِّيَةٌ : مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَدِّي , وَالتَّعَدِّي بِمَعْنَى التَّجَاوُزِ عَلَى الْغَيْرِ , وَالْمَقْصُودُ بِالْغَيْرِ هُنَا هُوَ غَيْرُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ . الْإِقْرَارُ : كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 1572 ) هُوَ إخْبَارُ الْإِنْسَانِ عَنْ حَقٍّ عَلَيْهِ لِآخَرَ وَيُقَالُ لِذَلِكَ : مُقِرٌّ , وَلِهَذَا : مُقَرٌّ لَهُ وَلِلْحَقِّ : مُقَرٌّ بِهِ . وَقَاصِرَةٌ : مِنْ الْقَصْرِ يُقَالُ ( قَصَرَ الشَّيْءَ عَلَى كَذَا ) أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ تَقْتَصِرُ عَلَى نَفْسِ الْمُقِرِّ وَلَا تَتَجَاوَزُهُ إلَى الْغَيْرِ , أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَهِيَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ تَتَجَاوَزُ إلَى الْغَيْرِ ; لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَيِّنَةِ الْقَضَاءُ مِنْ الْحَاكِمِ , وَالْحُكْمُ مِنْهُ , وَالْحَاكِمُ لَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ , فَلَا تَقْتَصِرُ الْحُجَّةُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ , وَتَتَجَاوَزُ إلَى كُلِّ مَنْ لَهُ مِسَاسٌ بِالْقَضِيَّةِ , وَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرَرِ ( الْحُكْمُ الْمَقْضِيُّ بِهِ اسْتِنَادًا عَلَى بَيِّنَةٍ فِي الْحُرِّيَّةِ , وَالنِّكَاحِ , وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ يَكُونُ شَامِلًا لِعُمُومِ النَّاسِ ) فَعَلَيْهِ لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ , فَلَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهَا بِلَا خَصْمٍ . أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَمَّا كَانَتْ حُجَّتُهُ مُسْتَنِدَةٌ عَلَى زَعْمِ الْمُقِرِّ فَهِيَ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ , وَلَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً بِحَقٍّ سِوَاهُ , وَهُوَ جَائِزٌ بِدُونِ خَصْمٍ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِحَقِّ أَحَدٍ غَيْرِ الْمُقِرِّ . لَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَلَا يَأْخُذُ الْمُقَرَّ بِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى , وَلَا يُلْزَمُ الْوَصِيُّ أَيْضًا بِأَدَائِهِ . كَذَلِكَ : لَوْ تَوَفَّى شَخْصٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَيُلْزَمُ الْمُقِرُّ بِإِعْطَاءِ ثُلُثِ مَا أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِلْأَخِ الثَّالِثِ , وَلَا يُلْزَمُ الْأَخُ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ اسْتِنَادًا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي أَخَذَتْ بِهِ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ ( 1642 ) . هَذَا وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا تُهْمَةَ فِيهِ , وَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ , فَلَدَى اجْتِمَاعِ الْحُجَّتَيْنِ مَعًا تُقَدَّمُ حُجَّةُ الْإِقْرَارِ وَيُحْكَمُ بِهَا مَا لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ لِلْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ .
____________________
(1/68)
مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا أَقَامَ شَخْصٌ دَعْوَى اسْتِحْقَاقٍ فِي مَالٍ اشْتَرَاهُ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ , وَبَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي بِالْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ , وَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي مِلْكِيَّتَهُ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ , عَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَرَّ بِمَلْكِيَّةِ الْمُدَّعِي , يَحْكُمُ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعِي بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ أَقْوَى , وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي حَاجَةٍ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَيُحْكَمُ بِالْبَيِّنَةِ حِفْظًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي , وَمَنْعًا لِلْإِضْرَارِ بِهِ . حَتَّى يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ وَاسْتِرْدَادِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ . هَذَا وَإِلَيْكَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْأَمْثِلَةُ الْآتِيَةِ : مِثَالٌ : إذَا ادَّعَى شَخْصٌ بِحُضُورِ أَحَدِ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى بِأَنَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى دَيْنًا , وَأَثْبَتَ مُدَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ , وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ , فَالْحُكْمُ يَكُونُ سَارِيًا عَلَى عُمُومِ الْوَرَثَةِ , وَلَا يَحِقُّ لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ بِمُوَاجَهَتِهِمْ أَنْ يُطَالِبُوا الْمُدَّعِيَ بِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ بِحُضُورِهِمْ أَيْضًا , أَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى بَيِّنَةٍ , بَلْ عَلَى إقْرَارٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَارِثِ , فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي بِحَقِّ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا عَدَا الْمُقِرَّ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ , كَمَا أَسْلَفْنَا . كَذَلِكَ : إذَا اسْتَحَقَّ شَخْصٌ مَالًا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ , وَحَكَمَ الْحَاكِمُ لَهُ بِهِ فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ , وَلَا يَحِقُّ لِهَذَا أَنْ يَتَعَلَّلَ عَنْ الدَّفْعِ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ الْمُحَاكَمَةَ , فَلَا يَلْزَمُهُ , وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ لَمْ يُثْبِتْ الْمُسْتَحِقُّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْبَيِّنَةِ , بَلْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي , فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ . كَذَلِكَ : لَوْ أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِأَنَّ الْمِلْكَ الْمَأْجُورَ هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ , فَإِقْرَارُ الْمُقِرِّ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْرِي بِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ , وَبَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يُحْكَمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِذَلِكَ الْمِلْكِ . كَذَلِكَ إذَا كَفَلَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا : إنِّي أَكْفُلُ فُلَانًا بِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ لِفُلَانٍ , فَإِذَا أَثْبَتَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ , أَمَّا إذَا لَمْ يُثْبِتْ الدَّائِنُ الدَّيْنَ بِالشَّهَادَةِ , فَالْقَوْلُ مِنْ الْيَمِينِ لِلْكَفِيلِ وَلَا يَسْرِي عَلَى الْكَفِيلِ إقْرَارُ الْمَكْفُولِ بِدَيْنٍ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الْكَفِيلُ نَفْسُهُ . كَذَا لَا يَسْرِي إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِمِلْكِيَّةِ الْمَرْهُونِ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ , هَذَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَتَبَايَنُ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ , وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ ; لِأَنَّ الضَّعْفَ وَالْقُوَّةَ هُمَا غَيْرُ التَّعَدِّي وَالِاقْتِصَارِ . فَاقْتِصَارُ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُقِرِّ لَا يُنَافِي قُوَّةَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْبَيِّنَةِ , وَضَعْفُ الْبَيِّنَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِقْرَارِ لَا يُنَافِيهِ كَوْنُهَا مُتَعَدِّيَةٌ . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ هِيَ : إذَا أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِدَيْنٍ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ , وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ عَنْ الْعَقَارِ الْمُؤَجَّرِ مِنْ قِبَلِهِ لِآخَرَ , وَيُبَاعُ فِيمَا إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ سِوَى الْعَقَارِ مَا يُؤَدِّي بِهِ الدَّيْنَ الْمُقَرَّ بِهِ . كَذَلِكَ : إذَا أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا وَالزَّوْجُ كَذَّبَهَا فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَتُحْبَسُ رَغْمَ مَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ . هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ قَدْ ارْتَآهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ , وَلَكِنَّ الْإِمَامَيْنِ يَرَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَبْسُ الزَّوْجَةِ بِإِقْرَارِهَا بِدَيْنٍ , وَلَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَبَيْعُ الْمَأْجُورِ إذَا أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ لِآخَرَ بِدَيْنٍ .
____________________
(1/69)
( الْمَادَّةُ 79 ) : الْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ إلَّا إذَا كَانَ إقْرَارُهُ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَقَدْ أُخِذَتْ هَذِهِ عَنْ الْمَجَامِعِ . فَعَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ بِمَالِ لِآخَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَنْ خَطَأٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ . مِثَالٌ : إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ وَبَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهِ ادَّعَى بِأَنَّهُ كَانَ أَوْفَى ذَلِكَ الدَّيْنَ يُنْظَرُ إذَا كَانَ الِادِّعَاءُ بِالْأَدَاءِ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْبَلُ حَيْثُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ وَتَنَاقُضًا فِي الْقَوْلِ , أَمَّا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ يُقْبَلُ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ ( 1632 ) . كَذَا : إذَا قَبَضَ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ وَبَعْدَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ادَّعَى أَنَّ النُّقُودَ الَّتِي قَبَضَهَا مُزَيَّفَةٌ لَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ . هَذَا وَإِنَّ الْمَادَّةَ ( 1581 ) مِنْ الْمَجَلَّةِ الَّتِي تَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ هِيَ فَرْعٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ . فَعَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِآخَرَ بِكَذَا ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : رَجَعْت عَنْ إقْرَارِي هَذَا فَلَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ وَيُلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ . وَالْمَادَّةُ ( 1127 ) فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِهَا أَيْضًا . قُلْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَا مَعْنَاهُ : إذَا كَذَبَ الْإِقْرَارُ شَرْعًا فَلَا يُلْزَمُ الْمُقِرُّ بِإِقْرَارِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 1654 ) أَنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي يَكْذِبُ شَرْعًا بَاطِلٌ وَالْمُقِرُّ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ وَإِلَيْك الْمِثَالُ : إذَا تَخَاصَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِأَلْفَيْنِ وَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ هَذَا مُدَّعَاهُ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ أَقَامَ الشَّفِيعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ تِلْكَ الدَّارَ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ لَا بِالْأَلْفِ بِدَاعِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَرَفَ فِي دَعْوَاهُ مَعَ الْبَائِعِ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِأَلْفٍ فَقَدْ كَذَبَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ وَأَصْبَحَ بَاطِلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ . كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ بِأَنَّ فُلَانًا قَدْ كَفَلَ الْمَدِينُ لَهُ بِأَمْرِهِ وَطَلَبَ إلْزَامَهُ بِأَدَاءِ الْمَبْلَغِ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْكَفَالَةَ أَثْبَتَهَا الْمُدَّعِي وَاسْتَوْفَى بَدَلهَا يَحِقُّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ بِالْبَدَلِ الْمَدْفُوعِ مِنْهُ وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهِ الْكَفَالَةَ ; لِأَنَّهُ كَذِبٌ شَرْعًا . هَذَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ . كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 1512 ) أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ عَاقِلًا بَالِغًا فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ . وَفِي الْمَادَّةِ ( 1575 ) يُشْتَرَطُ رِضَاءُ الْمُقِرِّ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ بِالْجَبْرِ . وَفِي الْمَادَّةِ ( 1577 ) أَنْ لَا يُكَذِّبَ الْمُقِرُّ ظَاهِرَ الْحَالِ . ( الْمَادَّةُ 80 ) لَا حُجَّةَ مَعَ التَّنَاقُضِ لَكِنْ لَا يُخْتَلُ مَعَهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ . يُوجَدُ تَصَرُّفٌ فِي تَرْجَمَةِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ فِيهَا لَكِنَّ التَّرْجَمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَصْلِهَا التُّرْكِيِّ هِيَ ( لَا حُجَّةَ مَعَ التَّنَاقُضِ لَكِنْ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى حُكْمِ الْمُتَنَاقَضِ عَلَيْهِ ) . يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ تَنَاقُضٌ فِي الْحُجَّةِ تَبْطُلُ وَلَكِنْ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فَلَا يُخْتَلُ الْحُكْمُ . مِثَالُ ذَلِكَ ; لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَا تَبْقَى شَهَادَتُهُمَا حُجَّةً لَكِنْ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا لَا يُنْقَضُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ضَمَانَ الْمَحْكُومِ بِه
____________________
(1/70)
ِ وَقَدْ أُخِذَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ ( بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) الْوَارِدِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْهِدَايَةِ ( وَإِذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ ; لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِمْ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالتَّنَاقُضِ ) . لَقَدْ عُرِّفَتْ الْحُجَّةُ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهَا ' بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ , أَوْ إقْرَارٌ , أَوْ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ . وَجَاءَ عَنْهَا فِي الْمَادَّةِ ( 78 ) بِأَنَّهَا تَشْمَلُ الشَّهَادَةَ وَالْإِقْرَارَ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْحُجَّةَ الْمَقْصُودَةَ هُنَا لَيْسَتْ سِوَى الْبَيِّنَةِ وَالشَّهَادَةِ , وَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَجَامِعِ عِنْدَ تَعْلِيقِ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ ( التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ) مَثَلًا لَوْ أَنْكَرَ شَخْصٌ شَيْئًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِهِ فَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارُ رَغْمًا مِمَّا حَدَثَ مِنْ التَّنَاقُضِ ; لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا بِإِقْرَارِهِ هَذَا - فَلَيْسَ مِنْ مَأْخَذٍ فِي ذَلِكَ أَوْ خَطَأٍ . الرُّجُوعُ تَعْرِيفُهُ : الرُّجُوعُ لُغَةً نَقِيضُ الذَّهَابِ وَاصْطِلَاحًا نَفْيُ الشَّاهِدِ أَخِيرًا مَا أَثْبَتَهُ أَوَّلًا . هَذَا وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُخْتَلُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ غَيْرَ جَائِزٍ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا نَقْضُ الْحُكْمِ بِهِ . وَبِمَا أَنَّ الْكَلَامَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ , وَقَدْ رَجَحَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي بِاتِّصَالِهِ بِالْقَضَاءِ , وَالْمَرْجُوحُ لَا يُعَارِضُ الرَّاجِحَ فَلَمْ يُخْتَلْ الْحُكْمُ وَلَمْ يُنْقَضْ . وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الشُّهُودُ مُتَسَبِّبِينَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ وَالْحَاكِمُ هُوَ الْمُبَاشِرُ بِهِ فَمِنْ الْوَاجِبِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 190 ) لَا يَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ إلَّا عَلَى الْحَاكِمِ . وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ وَبَعْدَ التَّثْبِيتِ مِنْ عَدَالَتِهِمْ مُجْبَرٌ عَلَى الْحُكْمِ فَوْرًا فَلَوْ تَأَخَّرَ وَلَمْ يَحْكُمْ يَكُونُ مَسْئُولًا شَرْعًا وَمُسْتَحِقًّا لِلتَّعْزِيرِ وَالْعَزْلِ . وَبِمَا أَنَّ تَضْمِينَ الْحُكَّامِ يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ النَّاسِ مِنْ قَبُولِ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ , وَحَيْثُ إنَّهُ مِمَّا تَقَدَّمَ يَتَعَذَّرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُبَاشِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ وَجَبَ الْحُكْمُ بِضَمَانِ الشُّهُودِ الْمُتَسَبِّبِينَ وَالْمُعْتَدِينَ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُبَاشِرِ . لَقَدْ ذَكَرَ عَدَمَ اخْتِلَالِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ ( 1729 ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ عَدَمَ اخْتِلَالِ الْحُكْمِ بِمَا إذَا قَبَضَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِهِ أَمْ لَا . مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَوْضِعٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَالْبَزَّازِيَّةُ وَخِزَانَةُ الْمُفْتِينَ وَالْبَحْرُ تَقُولُ بِالضَّمَانِ سَوَاءٌ أَقَبَضَ الْمَحْكُومُ بِهِ أَمْ لَمْ يَقْبِضْ . أَمَّا الْكَنْزُ , وَالدُّرَرُ , وَمُلْتَقَى الْأَبْحُرِ , وَالْهِدَايَةُ , وَالْمُحْتَارُ , وَالْإِصْلَاحُ , وَمَوَاهِبُ الرَّحْمَنِ , فَكُلُّهَا يَشْتَرِطُ الْقَبْضَ فِي ذَلِكَ . وَلَكِنَّ الدُّرَّ الْمُنْتَقَى يَرَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ قَبْضٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَالْحُكْمُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَحَتَّى لَوْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ فِي عَقَارٍ ثُمَّ رَجَعَتْ فَيَجِبُ ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَقَارِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ . ( الْمَادَّةُ 81 ) : قَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ ( قَدْ يَثْبُتُ الْأَصْلُ وَإِنْ لَمْ يَتَثَبَّتْ الْفَرْعُ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ رَجُلٌ : إنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا دَيْنًا وَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ أَيْ ( بِدُونِ أَمْرِ الْمَدِينِ )
____________________
(1/71)
وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الْأَصِيلِ ادَّعَى الدَّائِنُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ لَزِمَ عَلَى الْكَفِيلِ أَدَاؤُهُ . قُلْنَا بِدُونِ أَمْرِ الْمَدِينِ ; لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمَدِينُ لِرَجُلٍ : اُكْفُلْنِي بِالْمَبْلَغِ الْمَطْلُوبِ مِنِّي لِفُلَانٍ وَكَفَلَهُ يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ هَذَا إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ . كَذَلِكَ يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ وَهُوَ الْفَرْعُ فِي الدَّيْنِ دُونَ الْأَصِيلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ فِيمَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَفَاءَهُ الدَّيْنَ قَبْلَ كَفَالَةِ الْكَفِيلِ . وَهَذَا الْمِثَالُ يَصِحُّ أَنْ يُتَّخَذَ مِثَالًا لِقَاعِدَةِ ( الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ ) أَيْضًا ; لِأَنَّ إقْرَارَ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَحُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لَا تَتَعَدَّاهُ لِلْأَصِيلِ ( الْمَادَّةُ 82 ) الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَجِبُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَرَدَتْ فِي الْمَجَامِعِ ( الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَجِبُ ثُبُوتُهُ وَيَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ ثُبُوتِ شَرْطِهِ ) يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الشَّيْءُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَاسْتَوْجَبَ ذَلِكَ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ مُحَالٌ . الْمُعَلَّقُ , تَعْرِيفُهُ : الْمُعَلَّقُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ التَّعْلِيقِ وَهُوَ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى فَإِحْدَاهُمَا تُسَمَّى ( الشَّرْطُ ) وَالثَّانِيَةُ تُسَمَّى ( الْجَزَاءُ ) . وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ أَيْ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا مُمْكِنًا حُصُولُهُ . لِهَذَا فَلَوْ عُلِّقَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ يُعْتَبَرُ تَعْلِيقُهُ تَنْجِيزًا أَيْ أَنَّ الْمُعَلَّقَ يَثْبُتُ فِي الْحَالِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إذَا كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الشَّخْصُ مَدْيُونًا لَهُ فَيُصْبِحُ بِذَلِكَ بَرِيئًا مِنْ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ . كَذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّ فُلَانًا بَاعَ مِنِّي مَالَك الْفُلَانِيَّ بِكَذَا , فَقَالَ : إذَا بَاعَهُ مِنْك بِهَذَا الثَّمَنِ فَإِنِّي أُجِيزُ الْبَيْعَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِيعَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ تَصِحُّ الْإِجَازَةُ . وَمَعَ أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فَالْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَوْجُودٍ وَمُحَقَّقٍ يَصِحُّ تَنْجِيزًا , كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ : إذَا كَانَ هَذَا الْمَالُ مَالِي . وَأَشَارَ إلَى عَقَارٍ يَمْلِكُهُ - فَإِنِّي قَدْ وَقَفْتُهُ يَكُونُ الْوَقْفُ صَحِيحًا . إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَحِيلِ الْوُقُوعِ فَهُوَ بَاطِلٌ . أَدَوَاتُ الشَّرْطِ . ( إنْ , كُلَّمَا , مَتَى , إذَا ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ . وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ . لَوْ قَالَ شَخْصٌ : إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَك فُلَانٌ مَا لَك عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِأَدَاءِ دَيْنِك فَتَثْبُتُ الْكَفَالَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ عِنْدَ ثُبُوتِهِ وَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ . وَيُشْتَرَطُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمُورِ وَالْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي يَجُوزُ التَّعْلِيقُ فِيهَا شَرْعًا وَإِلَّا فَلَوْ عُلِّقَتْ بَعْضُ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ فِيهَا عَلَى شَرْطٍ فَالتَّعْلِيقُ فَاسِدٌ أَيْ ( إنَّ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ الشَّرْطُ ) وَفِي الْعُقُودِ الْآتِيَةِ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا إذَا كَانَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مُلَائِمًا أَيْ ( أَنْ يَكُونَ الشَّرْطَ مُؤَيِّدًا لِلْعَقْدِ ) وَهُوَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ وَمُقْتَضَيَاتِهِ , وَفَاسِدًا إذَا كَانَ غَيْرَ مُلَائِمٍ وَهِيَ : ( 1 ) الْوَكَالَةُ ( 2 ) الْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ ( 3 ) عَزْلُ الْقَاضِي ( 4 ) الْقَضَاءُ ( 5 ) الْإِمَارَةُ ( 6 ) الْكَفَالَة
____________________
(1/72)
ُ ( 7 ) الْإِبْرَاءُ فِي الْكَفَالَةِ ( 8 ) تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ ( 9 ) الْوَصِيَّةُ ( 10 ) الْحَوَالَةُ . مِثَالٌ : لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ ( كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلٌ ) تَنْعَقِدُ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ كُلَّمَا عَزَلَهُ , وَلَوْ قَالَ لِلسَّفِيهِ وَلِيُّهُ : قَدْ أَذِنْتُك بِالتِّجَارَةِ إذَا صَلَحَتْ أَحْوَالُك يَكُونُ السَّفِيهُ مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ إذَا صَلَحَتْ أَحْوَالُهُ , كَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لَهُ : إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَذِنْتُك بِالتِّجَارَةِ فَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَكُونُ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ : إذَا بَلَغْت الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فَقَدْ نَصَّبْتُك وَالِيًا عَلَيْهِ أَوْ قَاضِيًا لَهُ فَثُبُوتُ الشَّرْطِ يُثْبِتُ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ . كَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِدَائِنٍ : إذَا عَادَ مَدْيُونُك فُلَانٌ مِنْ سَفْرَتِهِ فَأَنَا كَفِيلٌ لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ . فَمَتَى رَجَعَ الْمَدْيُونُ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ . كَمَا لَوْ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ لِكَفِيلٍ : إذَا أَعْطَيْتَنِي الْقَدْرَ الْفُلَانِيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنِّي أُبْرِئُك مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْكَفِيلُ دَفَعَ الْمَبْلَغَ الْمَطْلُوبَ فَيَبْرَأُ مِنْهَا . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إذَا أَجَازَ فُلَانٌ وَصِيَّتِي فَقَدْ أَوْصَيْتُ لَك بِالْمَالِ الْفُلَانِيِّ وَأَجَازَهَا لَك الشَّخْصُ تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ عُلِّقَ عَلَى شَرْطٍ مُلَائِمٍ يَكُونُ ثَابِتًا وَصَحِيحًا لَدَى ثُبُوتِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ . أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُلَائِمٍ فَلَا يَثْبُتُ وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ دَارَ فُلَانٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ أَوْ أَبْرَأْتُكَ مِنْ الْكَفَالَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْعَشَرَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ ثَبَتَ . أَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّعْلِيقُ فَهِيَ كَمَا يَأْتِي : ( 1 ) الْبَيْعُ ( 2 ) الْإِجَارَةُ ( 3 ) الْإِعَارَةُ ( 4 ) الِاسْتِئْجَارُ ( 5 ) الْهِبَةُ ( 6 ) الصَّدَقَةُ ( 7 ) إجَازَةُ الْعَقْدِ ( 8 ) الْإِقْرَارُ ( 9 ) الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ ( 10 ) الصُّلْحُ عَنْ الْمَالِ ( 11 ) الْمُزَارَعَةُ ( 12 ) الْمُسَاقَاةُ ( 13 ) الْوَقْفُ ( 14 ) التَّحْكِيمُ ( 15 ) الْإِقَالَةُ ( 16 ) التَّسْلِيمُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ ( 17 ) إبْطَالُ حَقِّ رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ ( 18 ) إبْطَالُ حَقِّ رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ( 19 ) عَزْلُ الْوَكِيلِ ( 20 ) حَجْرُ الْمَأْذُونِ . مِثَالٌ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إذَا حَضَرَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ فَقَدْ بِعْتُك دَارِي بِكَذَا قِرْشًا أَوْ أَجَّرْتُك إيَّاهَا أَوْ أَعَرْتهَا لَك أَوْ وَهَبْتُهَا لَك أَوْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْكَ , فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَلَا يَنْعَقِدُ فَإِذَا بَلَغَ رَجُلًا بِأَنَّ شَخْصًا بَاعَ مَالَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَقَالَ : إذَا رَضِيَ فُلَانٌ بِذَلِكَ فَقَدْ أَجَزْتُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِجَارَةَ أَوْ الْهِبَةَ وَكَانَ الْمَذْكُورُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَا يَصِحُّ . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إذَا جَاءَ فُلَانٌ , أَوْ إذَا دَايَنْتنِي كَذَا مَبْلَغًا , أَوْ إذَا لَمْ أَدْفَعْ لَك غَدًا خَمْسِينَ قِرْشًا , أَوْ إذَا حَلَفْت لِي بِأَنَّنِي مَدْيُونٌ لَك . فَأَنَا مَدْيُونٌ لَك بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمَبْلَغُ وَلَا يَتَرَتَّبُ بِذِمَّةِ الْمُقِرِّ وَلَوْ ثَبَتَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إذَا دَخَلْت بَيْتِي أَوْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ مِنْ الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ أَوْ إذَا دَفَعْت لِي خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ مِنْ الْأَلْفِ الْقِرْشِ الْمَطْلُوبَةِ لِي مِنْك فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِذِمَّتِك لِي فَلَا تَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ وَإِنْ ثَبَتَتْ الشُّرُوطُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَيْهَا .
____________________
(1/73)
( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) قُلْنَا : إنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِبْرَاءَ الْمُعَلَّقَيْنِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرُ صَحِيحَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى - لَوْ عَلَّقَ الدَّائِنُ إبْرَاءَ الْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَوْتِهِ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ الدَّائِنُ عَمْرٌ و لِلْمَدِينِ بَكْرٍ إذَا أَنَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِي فَيُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَإِذَا مَاتَ الدَّائِنُ وَكَانَ نَكْثُ مَالِهِ مُسَاعِدًا عَلَى ذَلِكَ ( أَيْ إذَا كَانَ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ يَزِيدُ عَنْهُ , فَيَكُونُ الْمَدِينُ بَرِيئًا ) . الثَّانِيَةُ - لَوْ عُلِّقَ الْإِقْرَارُ بِزَمَنٍ صَالِحٍ لِحُلُولِ الْأَجَلِ فِي عُرْفِ النَّاسِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1584 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ : إنْ ابْتَدَأَ الشَّهْرُ الْفُلَانِيُّ أَوْ يَوْمُ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ يَوْمُ قَاسِمٍ فَإِنِّي مَدْيُونٌ لَك بِكَذَا يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَيَلْزَمُهُ تَأْدِيَةُ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ . ( فَائِدَةٌ ) تَتَعَلَّقُ بِالْعُقُودِ الَّتِي تَجُوزُ إضَافَتُهَا لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَاَلَّتِي لَا تَجُوزُ فَالْعُقُودُ الَّتِي تَجُوزُ إضَافَتُهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ هِيَ كَمَا يَأْتِي : ( 1 ) الْإِجَارَةُ ( 2 ) فَسْخُ الْإِجَارَةِ ( 3 ) الْمُزَارَعَةُ ( 4 ) الْمُسَاقَاةُ ( 5 ) الْمُضَارَبَةُ ( 6 ) الْوَكَالَةُ ( 7 ) الْكَفَالَةُ ( 8 ) الْإِيصَاءُ ( 9 ) الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ ( 10 ) الْقَضَاءُ ( 11 ) الْإِمَارَةُ ( 12 ) الْوَقْفُ ( 13 ) الْإِعَارَةُ ( 14 ) إبْطَالُ الْخِيَارِ . مِثَالٌ : لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ : قَدْ أَجَّرْتُك دَارِي اعْتِبَارًا مِنْ الْغَدِ بِبَدَلٍ قَدْرُهُ كَذَا , وَقَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ قَدْ فَسَخْت إجَارَةُ الدَّارِ الَّتِي آجَرْتُك إيَّاهَا بِبَدَلٍ شَهْرِيٍّ اعْتِبَارًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 408 وَ 494 ) . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ : أَعْطَيْتُكَ مَزْرَعَتِي الْفُلَانِيَّةَ وَبُسْتَانِي الْفُلَانِيَّ مُزَارَعَةً أَوْ مُسَاقَاةً اعْتِبَارًا مِنْ التَّارِيخِ الْفُلَانِيِّ فَيَصِحُّ ذَلِكَ , كَمَا لَوْ قَالَ : قَدْ وَكَّلْتُكَ اعْتِبَارًا مِنْ رَأْسِ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ بِبَيْعِ مَالِي هَذَا فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ صَحِيحَةً أَيْضًا وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَبْلَ حُلُولِ رَأْسِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ : قَدْ نَصَّبْتُك اعْتِبَارًا مِنْ التَّارِيخِ الْفُلَانِيِّ حَاكِمًا أَوْ وَالِيًا عَلَى الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ فَالتَّوْلِيَةُ وَالنَّصْبُ صَحِيحَانِ . وَالْعُقُودُ الَّتِي لَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ هِيَ ( 1 - الْبَيْعُ , 2 - إجَازَةُ الْبَيْعِ , 3 - فَسْخُ الْبَيْعِ , 4 - الْقِسْمَةُ , 5 - الشَّرِكَةُ , 6 - الْهِبَةُ , 7 - الصُّلْحُ عَلَى الْمَالِ , 8 - الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُك مَالِي هَذَا اعْتِبَارًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ وَقَبِلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَتَى رَأْسُ الشَّهْرِ الْمَضْرُوبِ وَهَلُمَّ جَرَّا ( الْمَادَّةُ 83 ) يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ . هَذِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ .
____________________
(1/74)
قَدْرُ : بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ عَلَى وَزْنِ ( بَدْرٍ ) مَعْنَاهَا ( الطَّاقَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ ) , وَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا الْفَاسِدُ وَاللَّغْوُ وَمَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا إنَّمَا هِيَ الْجَائِزَةُ : أَيْ الْمُوَافِقَةُ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ كَمَا سَنَأْتِي عَلَيْهَا بِالتَّفْصِيلِ فِيمَا يَلِي : وَالشَّرْطُ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ خُلُوًّا مِنْ أَدَاةِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ بِعْتُ مَالِي عَلَى الشَّرْطِ الْفُلَانِيِّ أَوْ بِعْتُ هَذِهِ السَّرَاوِيلَ عَلَى أَنْ أَرْفَعَهَا وَيُسَمَّى ( الشَّرْطُ التَّقْيِيدِيُّ ) . أَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي تُسْتَعْمَلُ بِهِ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْمَادَّةِ الْفَائِتَةِ فَيُسَمَّى ( الشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ ) وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ كُلٌّ تَحْتَ الْعِنْوَانِ الَّذِي يُنَاسِبُهُ : الْبَيْعُ - يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرًا كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 186 ) إذَا كَانَ الشَّرْطُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْمَوَادِّ ( 187 , 188 , 287 , 98 ) مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ . إجَارَةٌ - يَجِبُ مُرَاعَاةُ كُلِّ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ الْعَاقِدَانِ بِخُصُوصِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ أَوْ تَأْجِيلِهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ ( 468 , 474 ) . الْأَمَانَةُ - إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَارِدِ فِي عَقْدِ الْوَدِيعَةِ مُمْكِنَ الْإِجْرَاءِ وَمُفِيدًا لِلْمُودِعِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ كَمَا فِي الْمَادَّةِ ( 884 ) . الشَّرِكَةُ - إذَا اُشْتُرِطَ فِي الْمُقَاسَمَةِ أَنْ يَكُونَ لِحِصَّةٍ طَرِيقٌ فِي الْحِصَّةِ الْأُخْرَى أَوْ مَسِيلٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ أَحْكَامِ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 1166 ) كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي عَقْدِ شَرِكَةِ الْمُضَارَبَةِ الْمُقَيَّدَةِ مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا رَبُّ الْمَالِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1420 ) . الدَّيْنُ - إذَا اشْتَرَطَ الدَّائِنُ فِي الدَّيْنِ الْمُقَسَّطِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمَدِينُ الْأَقْسَاطَ فِي أَوْقَاتِهَا الْمَضْرُوبَةِ يُصْبِحُ الدَّيْنُ مُعَجَّلًا فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمَدِينُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَدْفَعْ الْقِسْطَ الْأَوَّلَ مَثَلًا عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ يُصْبِحُ الدَّيْنُ جَمِيعُهُ مُعَجَّلًا . الْوَقْفُ - لَمَّا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ رُئِيَ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ نَصِّ الشَّارِعِ وَاتِّبَاعُهُ يَجِبُ أَيْضًا مُرَاعَاةُ وَاتِّبَاعُ شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمُوَافِقُ لِلشَّرْعِ - فَهُوَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَلَا يَتْبَعُ هَذَا وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا مَرَّ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْمُخَالِفَ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ ( أَيْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَاللَّغْوِ الْبَاطِلِ ) فَإِلَيْك الْمِثَالُ : الْبَيْعُ - الشَّرْطُ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لَغْوٌ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 189 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ فَرَسَهُ مِنْ شَخْصٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَبِيعَهُ مِنْ أَحَدٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ فَلَا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ فَلِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْفَرَسِ لِمَنْ أَرَادَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي لِإِخْلَالِهِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْقِيَامُ بِهِ . رَهْنٌ - إذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ عَدَمُ الضَّمَانِ أَيْ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ
____________________
(1/75)
الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَلَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ . الْأَمَانَةُ - إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الْمُورَدُ فِي عَقْدِ الْإِيدَاعِ مُمْكِنَ الْإِجْرَاءِ وَمُفِيدًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ ( 784 ) فَهُوَ لَغْوٌ . كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ الْمُودِعُ أَوْ الْمُعِيرُ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ . فِيمَا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلْمَادَّةِ ( 777 وَ 813 ) لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْتَبَرُ . فَلَوْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَارِيَّةُ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَضْمَنُ . الشَّرِكَةُ - لَمَّا كَانَتْ حَاصِلَاتُ الْمِلْكِ وَالْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1071 ) تُقْسَمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ كُلٌّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَلَوْ حَصَلَ شَرْطٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حِصَّةً فِي الْحَاصِلَاتِ زِيَادَةً عَنْ حِصَّتِهِ فِي الْمِلْكِ وَالْأَمْوَالِ فَالشَّرْطُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا إذَا اشْتَرَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةً فِي الرِّبْحِ فَالشَّرْطُ لَغْوٌ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1402 ) وَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ كُلٌّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فِي الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى . كَذَلِكَ إذَا عُقِدَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى أَنْ يُعْطَى شَيْءٌ مَقْطُوعٌ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ فَالشَّرِكَةُ بَاطِلَةٌ . يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ شَرْعًا لَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ وَتُلْغَى هِيَ فَقَطْ وَبَعْضُهَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي بَعْضَ الْإِيضَاحَاتِ . يُوجَدُ عُقُودٌ تَصِحُّ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَيْ الَّذِي لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لَهُ , وَيَكُونُ الشَّرْطُ لَغْوًا وَغَيْرَ مُعْتَبَرٍ وَهِيَ : ( 1 ) الْوَكَالَةُ ( 2 ) الْقَرْضُ ( 3 ) الْهِبَةُ ( 4 ) الصَّدَقَةُ ( 5 ) الرَّهْنُ ( 6 ) الْإِيصَاءُ ( 7 ) الْإِقَالَةُ ( 8 ) حَجْرُ الْمَأْذُونِ . مِثَالٌ : إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّنِي وَكَّلْتُكَ فِي الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ بِشَرْطِ أَنْ تُبَرِّئَنِي مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَكِيلُ قَبِلَ بِذَلِكَ فَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ . كَذَلِكَ إذَا نَصَبَ السُّلْطَانُ قَاضِيًا أَوْ وَالِيًا عَلَى بَلْدَةٍ وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ عَزْلِهِ فَالنَّصُّ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَمَتَى أَرَادَ السُّلْطَانُ عَزْلَهُ عَزَلَهُ ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَالْوَالِيَ وُكَلَاءُ عَنْ السُّلْطَانِ , وَلِلْمُوَكِّلِ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّنِي أُقْرِضُكَ الْمَبْلَغَ الْفُلَانِيَّ عَلَى شَرْطِ أَنْ تَشْتَغِلَ عِنْدِي شَهْرًا وَاحِدًا وَالشَّخْصُ الْمَذْكُورُ قَبِلَ الشَّرْطَ فَتَسَلَّمَ الْمَالَ فَالْقَرْضُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ . كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّنِي نَصَّبْتُك وَصِيًّا بِشَرْطِ أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتك فَالْإِيصَاءُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ . وَقُصَارَى الْقَوْلِ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ إذَا وَقَعَتْ فِي أَحَدِ الْعُقُودِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا تَكُونُ الْعُقُودُ صَحِيحَةً وَالشُّرُوطُ بِمَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ تَكُونُ لَغْوًا فَلَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا . وَعُقُودٌ لَا تَصِحُّ مَعَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهِيَ كَمَا يَلِي : ( 1 ) الْبَيْعُ ( 2 ) الْقِسْمَةُ ( 3 ) الْإِجَارَةُ ( 4 ) إجَازَاتُ الْعَقْدِ ( 5 ) الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ إقْرَارٍ بِمَالٍ عَنْ مَالٍ ( 6 ) الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ ( 7 ) الْمُزَارَعَةُ ( 8 ) الْمُسَاقَاةُ ( 9 ) الْوَقْفُ . مِثَالٌ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّنِي بِعْتُك حِصَانِي بِشَرْطِ أَنْ أَرْكَبَهُ شَهْرًا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا بِهَذَا الشَّرْطِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهُوَ فَاسِدٌ .
____________________
(1/76)
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّنِي أَجَّرْتُك دَارِي بِكَذَا قِرْشًا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا مَبْلَغًا أَوْ تُهْدِيَنِي هَدِيَّةً أَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنَّنِي أَبْرَأْتُك مِنْ دَيْنِي بِشَرْطِ أَنْ تَشْتَغِلَ عِنْدِي مُدَّةَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْعُقُودُ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ التِّسْعَةَ إذَا شُرِطَ فِيهَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهَا . ( الْمَادَّةُ 84 ) ( الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً ) ; لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهَا حِينَئِذٍ مَعْنَى الِالْتِزَامِ وَالتَّعَهُّدِ . هَذِهِ الْمَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ ( الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ) حَيْثُ يَقُولُ ( وَلَا يَلْزَمُ الْوَعْدُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا ) وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْبَزَّازِيَّةُ أَيْضًا بِالشَّكْلِ الْآتِي : ' لِمَا أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً ' . يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ إذَا عُلِّقَ وَعْدٌ عَلَى حُصُولِ شَيْءٍ أَوْ عَلَى عَدَمِ حُصُولِهِ فَثُبُوتُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَيْ الشَّرْطِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 82 ) يُثْبِتُ الْمُعَلَّقَ أَوْ الْمَوْعُودَ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : بِعْ هَذَا الشَّيْءَ مِنْ فُلَانٍ وَإِذَا لَمْ يُعْطِك ثَمَنَهُ فَأَنَا أُعْطِيك إيَّاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لَزِمَ عَلَى الرَّجُلِ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِهِ . أَمَّا لَوْ تُوُفِّيَ الْمَدِينُ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَهُ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ بَطَلَ الضَّمَانُ أَيْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ ; لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ يَكُونُ مَعْدُومًا وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 82 ) ( وَهَذِهِ الْمَادَّةُ بِمَثَابَةِ فَرْعٍ مِنْهَا ) وَمَا لَمْ يُطَالَبْ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ وَيَمْتَنِعُ أَوْ يُمَاطِلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ امْتِنَاعُ الْمَدِينِ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ هُنَا شَرْطُ الِامْتِنَاعِ بِمَوْتِ الْمَدِينِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانَ الْمُعَلَّقَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ . أَمَّا إذَا كَانَ الْوَعْدُ وَعْدًا مُجَرَّدًا أَيْ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِصُورَةٍ مِنْ صُوَرِ التَّعْلِيقِ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَبَعْدَ أَنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَعَدَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِإِقَالَتِهِ مِنْ الْبَيْعِ إذَا رَدَّ لَهُ الثَّمَنَ فَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ اسْتِرْدَادَ الْمَبِيعِ وَطَلَبَ إلَى الْمُشْتَرِي أَخْذَ الثَّمَنِ وَإِقَالَتَهُ مِنْ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُجْبَرًا عَلَى إقَالَةِ الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْوَعْدِ ; لِأَنَّهُ وَعْدٌ مُجَرَّدٌ . كَذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ ادْفَعْ دَيْنِي مِنْ مَالِك وَالرَّجُلُ وَعَدَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ فَلَا يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ هَذَا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) قُلْنَا إنَّ الْوَعْدَ الْمُجَرَّدَ لَا يُلْزِمُ الْوَاعِدَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ : لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِكَثِيرٍ أَيْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعًا مُطْلَقًا وَالْمُشْتَرِي أَشْهَدَ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَدَّ لَهُ الثَّمَنَ يَفْسَخُ لَهُ الْبَيْعَ فَيَجِبُ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الْوَعْدِ مِنْ الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ أَوْ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْعُ بَيْعَ وَفَاءٍ . وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ عَلَى غَبْنٍ فَاحِشٍ وَالْمُشْتَرِي وَعَدَ بِإِعَادَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ
____________________
(1/77)
عِنْدَ رَدِّهِ الثَّمَنَ فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بَيْعُ وَفَاءٍ وَبِمَا أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ فَيُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَسْخُهُ . ( الْمَادَّةُ 85 ) : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } وَهِيَ الْمَادَّةُ 87 ( الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ ) : وَالْمَادَّةُ 88 كُلُّهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا . الْخَرَاجُ : هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْإِنْسَانِ أَيْ مَا يُنْتَجُ مِنْهُ مِنْ النِّتَاجِ وَمَا يُغَلُّ مِنْ الْغَلَّاتِ كَلَبَنِ الْحَيَوَانِ وَنَتَائِجِهِ , وَبَدَلِ إجَارَةِ الْعَقَارِ , وَغِلَالِ الْأَرْضِينَ وَمَا إلَيْهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ . وَيُقْصَدُ بِالضَّمَانِ الْمُؤْنَةُ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَمَصَارِيفِ الْعِمَارَةِ لِلْعَقَارِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ مَنْ يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ تَلِفَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ مَثَلًا لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي حَيَوَانًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَانَ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ مُدَّةً لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ لَكَانَ مِنْ مَالِهِ . يَعْنِي أَنَّ مَنْ يَضْمَنُ شَيْئًا إذَا تَلِفَ يَكُونُ نَفْعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ حَالَ التَّلَفِ وَمِنْهُ أُخِذَ قَوْلُهُمْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ . وَقَدْ حَكَمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْأُجْرَةِ لِلْبَائِعِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } نَقَضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ . وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سُؤَالَيْنِ وَأَجَابَ عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ مَا يَأْتِي : السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : لَوْ كَانَ الِانْتِفَاعُ فِي الشَّيْءِ مُقَابِلَ ضَمَانِهِ لَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 393 ) فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 236 ) أَنَّ الثَّمَرَةَ أَوْ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ تَعُودُ لِلْمُشْتَرِي فَمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ يَا تُرَى ؟ جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ : فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُقَابِلُ الْمِلْكِيَّةَ . وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ مُقَابِلَ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ مَعًا . السُّؤَالُ الثَّانِي : لَمَّا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 891 ) هُوَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ تَكُونَ زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مِلْكًا لَهُ مَا دَامَ الِانْتِفَاعُ فِي الشَّيْءِ مُقَابِلَ ضَمَانِهِ وَالْمَادَّةُ ( 903 ) تَقُولُ زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ ؟ . جَوَابُهُ - أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ ضَمَانٌ خَاصٌّ أَيْ يُقْصَدُ بِهِ ضَمَانُ الْمِلْكِ . وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ نَفْعَ الشَّيْءِ يَعُودُ لِلشَّخْصِ الَّذِي إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يَتْلَفُ عَلَيْهِ أَمَّا الْغَاصِبُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي ضَمَانِهِ فَلَيْسَ مَالِكًا لَهُ . ( الْمَادَّةُ 86 ) : الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ . وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الضَّمَانُ يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً
____________________
(1/78)
وَهَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ سِوَى الْأُجْرَةَ . وَإِذَا غَصَبَ دَابَّةً فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ . وَالضَّمَانُ كَمَا عُرِفَ فِي الْمَادَّةِ ( 416 ) هُوَ إعْطَاءُ مِثْلِ الشَّيْءِ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ . مِثَالٌ : إذَا اُسْتُكْرِيَ حَيَوَانٌ لِلرُّكُوبِ لَا يَجُوزُ تَحْمِيلُهُ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 550 ) فَإِذَا حَمَلَ وَتَلِفَ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ وَمِنْ ثَمَّ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ بِتَأْدِيَةِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى . كَذَلِكَ إذَا غَصَبَ شَخْصٌ حَيَوَانًا وَاسْتَعْمَلَهُ فَبِمَا أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا فَإِذَا رَدَّهُ لِصَاحِبِهِ لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفًا أَوْ مَالًا مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ . كَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْحَيَوَانَ الْمَأْجُورَ مُدَّةً تَزِيدُ عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَبِمَا أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي ضَمَانِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ عَنْ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ . وَيُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ اجْتِمَاعِ الْأُجْرَةِ وَالضَّمَانِ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَالْمَحِلِّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَالِاثْنَانِ قَدْ يَلْزَمَانِ فِي وَقْتٍ مَعًا وَمِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ أَجَّرَ شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ لِيَرْكَبَهُ وَحْدَهُ إلَى مَحِلٍّ مُعَيَّنٍ فَرَكِبَ الرَّجُلُ وَأَرْدَفَ خَلْفَهُ شَخْصًا آخَرَ وَلَوْ صَغِيرًا ( بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ بِنَفْسِهِ ) فَتَلِفَ الْحَيَوَانُ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحِلِّ الْمَقْصُودِ , يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ قَادِرًا عَلَى حَمْلِ الِاثْنَيْنِ يَلْزَمُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى مَعَ ضَمَانِ نِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ . فَيَلْزَمُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ الْمُرَادَةَ مِنْ اسْتِئْجَارِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِوُصُولِهِ لِلْمَكَانِ الْمَقْصُودِ وَيَلْزَمُ ضَمَانَ نِصْفِ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ تَعَدَّى بِإِرْدَافِهِ شَخْصًا خَلْفَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ لُزُومِ الْأَجْرِ وَسَبَبُ الضَّمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ يَلْزَمَانِ فِي وَقْتٍ مَعًا وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ اجْتَمَعَ وَالْأَجْرَ فَلِكُلٍّ سَبَبٌ غَيْرُ سَبَبِ الْآخَرِ . ( الْمَادَّةُ 87 ) : الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ هَذِهِ الْمَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِع وَهِيَ عَكْسُ الْمَادَّةِ ( 85 ) أَيْ أَنَّ مَنْ يَنَالَ نَفْعَ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ يَتَحَمَّلَ ضَرَرَهُ مَثَلًا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَالِ يَلْزَمُهُ مِنْ الْخَسَارَةِ بِنِسْبَةِ مَا لَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا يَأْخُذُ مِنْ الرِّبْحِ . وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كُلُّ مَسْأَلَةٍ تَحْتَ عِنْوَانٍ مِنْ نَوْعِهَا . الْبَيْعُ - أُجْرَةُ كِتَابَةِ سَنَدِ الْمُبَايَعَةِ وَحُجَّةِ الْبَيْعِ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّنَدِ تَعُودُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْبَائِعِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 292 ) . الشَّرِكَةُ - إذَا احْتَاجَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ لِلتَّعْمِيرِ وَالتَّرْمِيمِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ النَّفَقَاتِ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ فِي الْمِلْكِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1308 ) . كَذَلِكَ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا احْتَاجَ إلَى تَصْلِيحٍ فَيَشْتَرِكُ فِي التَّعْمِيرِ كُلُّ مَنْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ بِالْخَرَابِ وَكُلَّمَا انْتَهَى التَّصْلِيحُ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ وَتَجَاوَزَهَا خَلَصَ صَاحِبُ تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي نَفَقَاتِ التَّصْلِيحِ حَيْثُ تَكُونُ مَضَرَّتُهُ قَدْ انْتَهَتْ وَهَلُمَّ جَرَّا إلَى آخِرِ النَّهْرِ . ( الْمَادَّةُ 88 ) : ( النِّعْمَةُ بِقَدْرِ النِّقْمَةِ وَالنِّقْمَةُ بِقَدْرِ النِّعْمَةِ ) إنَّ الْفِقْرَةَ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مُرَادِفَةٌ لِلْمَادَّةِ السَّابِقَةِ , وَالثَّانِيَةَ مَأْخُوذَةٌ عَنْ كَلِمَةِ ( لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ
____________________
(1/79)
) الْوَارِدَةِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَادَّةِ ( 85 ) إلَّا الْأَلْفَاظَ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَمَّا كَانَتْ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ ( وَهُوَ الْوَلَدُ الْمَتْرُوكُ فِي الشَّوَارِعِ مَجْهُولَ الْأَبِ وَالْأَوْلِيَاءِ ) تَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَيُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِيمَا لَوْ قَتَلَ شَخْصًا دِيَةَ الْقَتِيلِ . فَتَرِكَتُهُ تَعُودُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لَوْ مَاتَ فَبَيْتُ الْمَالِ الَّذِي يَغْرَمُ نَفَقَاتِ اللَّقِيطِ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الدَّيْنَ يَغْنَمُ تَرِكَتَهُ . ( الْمَادَّةُ 89 ) : يُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْفَاعِلِ لَا الْآمِرِ مَا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا . هَذِهِ الْمَادَّةُ فَرْعٌ لِلْمَادَّةِ ( 95 ) , وَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ كَلِمَةِ ' الْآمِرِ لَا يَضْمَنُ بِالْأَمْرِ ' الْوَارِدَةَ فِي الْمَجَامِعِ وَوَكَالَةِ الْأَشْبَاهِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ : أَتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ فَفَعَلَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ إذَا فَعَلَ حَيْثُ لَا يُعَدُّ الْآمِرُ مُجْبِرًا شَرْعًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَاهِ وَلِأَنَّ الْآمِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَأَمْرُهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 295 ) . كَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ رَجُلًا بِذَبْحِ شَاةٍ قَدْ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا فَذَبَحَهَا الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَبِيعَةٌ فَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ تَضْمِينِهَا لِلذَّابِحِ وَلَيْسَ لِهَذَا أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ مَا لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ : وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رَجُلٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ صَبِيًّا بِإِتْلَافِ مَالٍ فَأَتْلَفَهُ الصَّبِيُّ فَالضَّمَانُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 960 ) إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّهِ الرُّجُوعَ عَلَى الْآمِرِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ . ( الْمَادَّةُ 90 ) : إذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ . وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ أَيْ عَامِلُ الشَّيْءِ وَفَاعِلُهُ بِالذَّاتِ مَعَ الْمُتَسَبِّبِ وَهُوَ الْفَاعِلُ لِلسَّبَبِ الْمُفْضِي لِوُقُوعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَا يُؤَدِّي إلَى النَّتِيجَةِ السَّيِّئَةِ إذَا هُوَ لَمْ يُتْبَعْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ آخَرَ , يُضَافُ الْحُكْمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ وَبِعِبَارَةٍ أَخْصَرُ يُقَدَّمُ الْمُبَاشِرُ فِي الضَّمَانِ عَنْ الْمُتَسَبِّبِ . تَعْرِيفُ الْمُبَاشِرِ - هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ التَّلَفُ مِنْ فِعْلِهِ دُونَ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّلَفِ فِعْلُ فَاعِلٍ آخَرَ . مِثَالٌ : لَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَلْقَى أَحَدٌ حَيَوَانَ شَخْصٍ فِي ذَلِكَ الْبِئْرِ ضَمِنَ الَّذِي أَلْقَى الْحَيَوَانَ وَلَا شَيْءَ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ ; لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ بِحَدِّ ذَاتِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ تَلَفَ الْحَيَوَانِ وَلَوْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ فِعْلُ الْمُبَاشِرِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْحَيَوَانِ فِي الْبِئْرِ لَمَا تَلِفَ الْحَيَوَانُ بِحَفْرِ الْبِئْرِ فَقَطْ . وَرُبَّ قَائِلٍ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِعْلُ الْحَفْرِ لَمَا تَأَتَّى فِعْلُ الْإِلْقَاءِ . فَبِمَا أَنَّ فِعْلَ الْإِلْقَاءِ هُوَ الْوَصْفُ الْأَخِيرُ فَقَدْ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَيْهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ ( كُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْوَصْفِ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُمَا أَخِيرًا ) . أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ سَقَطَ بِنَفْسِهِ فِي الْبِئْرِ فَإِذَا كَانَ حَافِرُ الْبِئْرِ قَدْ حَفَرَهُ بِدُونِ أَمْرٍ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَالضَّمَانُ كَمَا سَيَرِدُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ .
____________________
(1/80)
كَذَلِكَ لَوْ دَلَّ شَخْصٌ لِصًّا عَلَى مَالٍ لِآخَرَ لِيَسْرِقَهُ فَسَرَقَهُ اللِّصُّ فَلَيْسَ عَلَى الدَّالِّ ضَمَانٌ وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى اللِّصِّ . كَذَلِكَ لَوْ فَتَحَ أَحَدٌ بَابَ دَارِ آخَرَ وَفَكَّ فَرَسَهُ مِنْ قُيُودِهِ فَجَاءَ لِصٌّ وَسَرَقَ الْفَرَسَ فَالضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ . كَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ شَخْصٌ بِآخَرَ وَجَاءَ ثَالِثٌ فَاغْتَصَبَ مَا مَعَ الرَّجُلِ مِنْ النُّقُودِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُغْتَصِبِ الْمُبَاشِرِ لِاسْتِلَابِ الْمَالِ دُونَ الْآخَرِ الْمُتَسَبِّبِ بِذَلِكَ . أَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَا يَقْضِي مُبَاشَرَةً إلَى التَّلَفِ فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ . مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ تَمَاسَكَ شَخْصَانِ فَأَمْسَكَ أَحَدُهُمَا بِلِبَاسِ الْآخَرِ فَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ كَسَاعَةٍ مَثَلًا فَكُسِرَتْ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَمْسَكَ بِلِبَاسِ الرَّجُلِ رَغْمًا مِنْ كَوْنِهِ مُتَسَبِّبًا وَالرَّجُلُ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ السَّاعَةُ مُبَاشِرٌ ; لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا قَدْ أَفْضَى إلَى التَّلَفِ مُبَاشَرَةً دُونَ أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فِعْلُ فَاعِلٍ آخَرَ . كَذَا لَوْ شَقَّ شَخْصٌ زِقًّا مَمْلُوءًا زَيْتًا أَوْ قَطَعَ حَبْلًا مُعَلَّقًا بِهِ قِنْدِيلٌ فَتَلِفَ الزَّيْتُ الَّذِي فِيهِ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُتَسَبِّبًا فَقَطْ ; لِأَنَّ فِعْلَ الشَّقِّ وَفِعْلَ الْقَطْعِ سَبَبَانِ نَشَأَ عَنْهُمَا التَّلَفُ مُبَاشَرَةً . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) لَوْ دَلَّ مُودِعٌ لِصًّا عَلَى مَكَانِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ فَسَرَقَهَا اللِّصُّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُودَعِ الْمُتَسَبِّبِ لِتَقْصِيرِهِ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 787 ) وَاللِّصُّ بِمَا أَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَيَحِقُّ لِلْمُودِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ أَيْضًا . كَذَلِكَ الْقَضَاءُ هُوَ مِنْ مُسْتَثْنَيَاتِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمُقْتَضَاهَا يَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ الْمُتَسَبِّبِينَ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُبَاشِرِ مَعَ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ دُونَ الشُّهُودِ وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ إلَى هَذَا الرَّأْيِ تَمَسُّكًا بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ , وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَاكِمُ مُجْبَرًا عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ أَدَاءِ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ وَتَحَقُّقِهِ مِنْ عَدَالَتِهِمْ وَيَأْثَمُ فِيمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْحُكْمِ , وَالشُّهُودُ هُمْ الْمُكْرِهُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ . وَفِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَالِ الْأُمُورِ . فَقَدْ تَرَتَّبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَهُمْ الْمُتَسَبِّبُونَ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُبَاشِرِ . ( الْمَادَّةُ 91 ) : الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ , وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَخْصٌ مَا أُجِيزَ لَهُ فِعْلُهُ شَرْعًا وَنَشَأَ عَنْ فِعْلِهِ هَذَا ضَرَرٌ مَا فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْخَسَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ ذَلِكَ . مِثَالٌ : لَوْ حَفَرَ إنْسَانٌ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا فَوَقَعَ فِيهِ حَيَوَانُ رَجُلٍ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ حَافِرُ الْبِئْرِ شَيْئًا ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرْءِ بِمِلْكِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ , أَمَّا لَوْ تَلِفَ الْحَيَوَانُ فِي بِئْرٍ حَفَرَهُ شَخْصٌ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ ضَمَانُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْفِرَ
____________________
(1/81)
بِئْرًا فِي أَرْضٍ بِدُونِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ . وَلَكِنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَلْزَمُ ضَمَانُهُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً مَثَلًا وَحَفَرَ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِئْرًا فَسَقَطَ فِيهِ حَيَوَانٌ وَتَلِفَ - نِصْفُ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ . وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَعْضُ فُرُوعِ الْإِجَارَةِ , وَالْأَمَانَاتِ , وَالْهِبَةِ , وَالشَّرِكَةِ وَهِيَ كَمَا يَلِي : إجَارَةٌ - لَوْ حَمَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْحَيَوَانَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ الْمِقْدَارَ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ تَحْمِيلَهُ إيَّاهُ وَمِثْلَهُ أَوْ مَا دُونَهُ فَتَلِفَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ' رَاجِعْ الْفِقْرَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَادَّةِ ( 605 ) ' الْأَمَانَاتُ - كَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ فِيمَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ غَائِبًا كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 799 ) وَفَرَضَ الْحَاكِمُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ نَفَقَةً لِمَنْ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ , وَالْمُسْتَوْدَعُ أَدَّى تِلْكَ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ مِنْ الْمَالِ الْمُودَعِ فَالْمَوَادُّ ( 796 ) وَ ( 822 ) وَ ( 824 ) هِيَ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ . الْهِبَةُ - إذَا أَبَاحَ شَخْصٌ لِآخَرَ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِبَاحَتِهِ لَهُ إيَّاهُ . الشَّرِكَةُ بِمَا أَنَّ الشَّرِيكَ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 1075 ) أَنْ يَسْكُنَ فِي الدَّارِ مُدَّةً بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِذَا سَكَنَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ وَاحْتَرَقَتْ الدَّارُ أَثْنَاءَ سُكْنَاهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ . الْوَكَالَةُ - بِمَا أَنَّ لِلْوَكِيلِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 1500 ) أَنْ يَأْخُذَ مُقَابِلَ ثَمَنِ الْمَالِ الَّذِي بَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَإِذَا تَلِفَ الرَّهْنُ أَوْ أَفْلَسَ الْكَفِيلُ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ ضَامِنًا . كَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْمُتَوَلِّي وَكِيلًا عَنْهُ وَتَرَتَّبَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ فَبِمَا أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي شَرْعًا أَنْ يُوَكِّلَ فَلَا يَضْمَنُ . إنَّ الْمَادَّةَ ( 33 ) تُقَيِّدُ هَذِهِ الْمَادَّةَ بَعْضَ التَّقْيِيدِ ; لِأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ جَوَازٍ شَرْعِيٍّ لِلْأَكْلِ مِنْ طَعَامِ الْغَيْرِ فِي حَالَةِ الْوُصُولِ إلَى دَرَجَةِ الْهَلَاكِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا يَكُونُ الضَّمَانُ لَازِمًا . كَذَلِكَ الْمَادَّةُ ( 1086 ) مِنْ مُسْتَثْنَيَاتِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ . ( الْمَادَّةُ 92 ) : الْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَيْ أَنَّهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ الْمُبَاشِرُ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ يَكُونُ ضَامِنًا . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَسَبِّبِ هُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَالْمُبَاشِرُ يَضْمَنُ عَلَى حَالَيْنِ كَمَا أَسْلَفْنَا وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هِيَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِلتَّلَفِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حُكْمِهَا بِدَاعِي عَدَمِ التَّعَمُّدِ . وَبِمَا أَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ بِالْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَزِمَ أَنْ يَقْتَرِنَ الْعَمَلُ فِيهِ بِصِفَةِ الِاعْتِدَاءِ لِيَكُونَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ . فَعَلَيْهِ لَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ مَالَ غَيْرِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ أَمِينِهِ قَصْدًا أَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَكُونُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 912 ) ضَامِنًا . كَذَا يَضْمَنُ مَنْ يُتْلِفُ مَالًا لِآخَرَ بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 913 ) مِثَالٌ : - لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ حَانُوتَ بَقَّالٍ فَزَلَقَتْ رِجْلُهُ فَسَقَطَ عَلَى زِقِّ عَسَلٍ فَشَقَّهُ يَضْمَنُ . كَذَلِكَ لَوْ تَطَايَرَتْ شَرَارَةٌ مِنْ دُكَّانِ حَدَّادٍ وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدَ فَحَرَقَتْ لِبَاسَ إنْسَانٍ لَزِمَهُ ضَمَانُهَا . كَذَا لَوْ تَطَايَرَتْ قِطْعَةُ حَطَبٍ وَالْحَطَّابُ يَكْسِرُ الْحَطَبَ فَكَسَرَتْ زُجَاجَ نَافِذَةِ دَارِ الْجَارِ يَكُونُ الْحَطَّابُ ضَامِنًا .
____________________
(1/82)
كَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ إنْسَانًا لَأَنْ يَهْدِمَ لَهُ حَائِطًا فَوَقَعَ مِنْ الْحَائِطِ حَجَرٌ فَأَصَابَ شَخْصًا فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَامِلِ . كَذَلِكَ لَوْ أَطْلَقَ شَخْصٌ عِيَارًا نَارِيًّا فَأَتْلَفَ مَالًا لِآخَرَ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُبَاشِرًا لَا يُشْتَرَطُ التَّصَدِّي لِلُزُومِ الضَّمَانِ . ( الْمَادَّةُ 93 ) - ( الْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَمُّدِ ) قَدْ أُخِذَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَنْ قَاعِدَةِ ( الْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ وَالْمُتَسَبِّبُ غَيْرُ ضَامِنٍ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا ) الْوَارِدَةِ فِي الْأَشْبَاهِ وَيُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ شَيْئَانِ : ( 1 ) : أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا . ( 2 ) : أَنْ يَكُونَ مُعْتَدِيًا . فَعَلَيْهِ لَوْ ذُعِرَ حَيَوَانُ شَخْصٍ مِنْ آخَرَ وَفَرَّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ الْحَيَوَانُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا كَذَلِكَ لَوْ أَحْرَقَ شَخْصٌ أَعْشَابًا جَافَّةً فِي أَرْضِهِ فَسَرَتْ النَّارُ إلَى شَيْءٍ لِأَحَدٍ مَا فَأَحْرَقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِأَنْ كَانَ إحْرَاقُ الْأَعْشَابِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الرِّيحِ . كَذَا لَوْ حَفَرَ شَخْصٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ حَيَوَانٌ وَتَلِفَ فَيَكُونُ ضَامِنًا بِافْتِيَاتِهِ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَتَعَدِّيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ لِحَفْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ . أَمَّا لَوْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ ; لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَيْفَمَا شَاءَ فَلَا يُعَدُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَهْمَا كَانَ تَعَدِّيًا ( اُنْظُرْ 924 ) . كَذَلِكَ : لَوْ أَسْقَى مَنْ لَهُ حَقُّ الشَّرَابِ أَرَاضِيه حَسَبَ الْعَادَةِ فَطَفَتْ الْمِيَاهُ عَلَى أَرَاضِيِ جِيرَانِهِ فَأَحْدَثَتْ ضَرَرًا فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ ضَمَانٍ عَلَيْهِ . أَمَّا لَوْ كَانَ الْإِسْقَاءُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ ضَامِنًا . فَائِدَةٌ - إذَا اجْتَمَعَ مُسَبِّبَانِ كَاجْتِمَاعِ حَالِ الْقَيْدِ وَفَاتِحِ الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ مِثَالٌ : لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ فَرَسَهُ مُقَيَّدًا فِي إصْطَبْلِهِ فَجَاءَ شَخْصَانِ فَحَلَّ أَحَدُهُمَا قَيْدَ الْفَرَسِ وَفَتَحَ الْآخَرُ بَابَ الْإِصْطَبْلِ فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ . ( الْمَادَّةُ 94 ) : ( جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه { الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ ( إتْلَافُ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا ) . أَيْ : إنَّ الْحَيَوَانَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا أَوْ تَسَبَّبَ بِخَسَارَةٍ وَضَرَرٍ لِأَحَدِ النَّاسِ فَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَنْشَأْ ذَلِكَ عَنْ تَعَدٍّ مِنْهُ أَوْ تَقْصِيرٍ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ رَبَطَ شَخْصَانِ فَرَسَيْهِمَا فِي مَكَانٍ مُعَدٍّ لِذَلِكَ فَأَتْلَفَ فَرَسُ أَحَدِهِمَا فَرَسَ الْآخَرِ فَلَيْسَ مِنْ ضَمَانٍ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ الْمُتْلِفِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 929 ) . كَذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى صَاحِبِ الْهِرَّةِ ضَمَانٌ فِيمَا لَوْ أَتْلَفَتْ طَيْرًا لِإِنْسَانٍ وَإِنْ نَطَحَتْ جَامُوسَةُ إنْسَانٍ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا وَإِذَا رَفَسَ حَيَوَانُ إنْسَانٍ حَيَوَانًا لِآخَرَ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ كَذَلِكَ عَلَى
____________________
(1/83)
صَاحِبِ الْحَيَوَانِ الْمُتْلِفِ . قُلْنَا ( مَا لَمْ يَنْشَأْ ذَلِكَ عَنْ تَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِ الْحَيَوَانِ أَوْ تَقْصِيرٍ ) ; لِأَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ الْحَيَوَانُ شَيْئًا وَكَانَ ذَلِكَ بِتَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ تَقْصِيرٍ يَكُونُ بِمَا أَتْلَفَ الْحَيَوَانُ ضَامِنًا وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ . لَوْ أَطْلَقَ شَخْصٌ حَيَوَانَهُ فِي مَزْرُوعَاتِ آخَرَ يَكُونُ ضَامِنًا بِمَا يُتْلِفُ الْحَيَوَانُ . وَلَوْ رَأَى إنْسَانٌ حَيَوَانَهُ وَهُوَ فِي مَزْرُوعَاتِ آخَرَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ فَيَكُونُ ضَامِنًا بِكُلِّ مَا يُحْدِثُهُ الْحَيَوَانُ مِنْ الْأَضْرَارِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي الْحَالِ الْأُولَى وَمُقَصِّرًا فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 929 ) . وَلَوْ تَرَكَ إنْسَانٌ حَيَوَانَهُ مُطْلَقًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَهُوَ مَا لَا يُطْلَقُ فِي الشَّوَارِعِ فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا فَتَلْزَمُهُ دِيَةُ الْقَتِيلِ أَوْ قِيمَةُ الْمَالِ الْمُتْلَفِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 929 ) أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْرِ النَّطُوحِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ يَكُونُ ضَامِنًا بِمَا أَتْلَفَاهُ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهٍ أَوْ قَرْيَتِهِ بِقَوْلِهِ : حَافِظْ عَلَى حَيَوَانِك وَلَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِ . ( الْمَادَّةُ 95 ) : الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ هَذِهِ الْمَادَّةُ قَدْ أُخِذَتْ مِنْ الْمَجَامِعِ الْمِلْكُ هُوَ مَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ سَوَاءٌ أَكَانَ عِيَانًا أَوْ مَنَافِعَ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 125 ) وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآخَرِ فَالْأَمْرُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ الْبَاطِلُ وَغَيْرُ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ وَالنَّصِيحَةِ فَلَا يَتَرَتَّبُ بِحَقِّ الْأَمْرِ حُكْمٌ . لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ إنْسَانٍ أَوْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ يَحْرِقَ لِبَاسَ أَحَدِ النَّاسِ , أَوْ يَذْبَحَ شَاةً لِآخَرَ فَأَخَذَ الْمَالَ أَوْ أَلْقَاهُ أَوْ مَزَّقَ اللِّبَاسَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْآمِرِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 151 ) . فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِإِنْسَانٍ حَقُّ الِادِّعَاءِ عَلَى آخَرَ بِأَنَّهُ أَمَرَ شَخْصًا بِإِتْلَافِ مَالِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1007 ) . أَمَّا لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ آخَرَ بِإِتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ وَالْمَأْمُورُ لَا يَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ مَالُ الْآمِرِ وَأَنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ فَيَحِقُّ لِلْمَأْمُورِ بَعْدَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ الْمُتْلَفَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ بِتَقْرِيرِهِ إيَّاهُ . كَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ مَدِينَهُ بِأَنْ يُلْقِيَ الدَّيْنَ الْمَطْلُوبَ لَهُ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ فَبِمَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُضَافًا لِمَالٍ يَمْلِكُهُ الْآمِرُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِذَا أَلْقَى الْمَأْمُورُ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يُسَاوِي الدَّيْنَ إلَى الْبَحْرِ فَيَكُونُ قَدْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وَأَضَاعَ الْمَبْلَغَ الْمُلْقَى عَلَى نَفْسِهِ . كَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ بَنَّاءً بِفَتْحِ بَابٍ فِي حَائِطٍ وَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ عَلِمَ بِأَنَّ الْحَائِطَ لَيْسَتْ لِلْآمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ . أَمَّا إذَا قَالَ الْآمِرُ : افْتَحْ لِي بَابًا فِي حَائِطِي أَوْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْحَائِطُ وَقَالَ افْتَحْ بَابًا فِي هَذِهِ الْحَائِطِ فَلِلْبَنَّاءِ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ . كَذَا لَوْ أَمَرَ رَجُلٌ وَلَدَهُ بِأَنْ يُتْلِفَ مَالَ إنْسَانٍ وَأَتْلَفَهُ فَالضَّمَانُ يَتَرَتَّبُ بِحَقِّ الْمُتْلِفِ وَلَا يَتَرَتَّبُ
____________________
(1/84)
بِحَقِّ الْأَبِ الْآمِرِ وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي بُطْلَانِ الْأَمْرِ : 1 - أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ 2 - أَنْ لَا يَكُونَ وِلَايَةً لِلْآمِرِ فَإِذَا أَمَرَ إنْسَانٌ آخَرَ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنْ مَالِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمْرُهُ صَحِيحٌ فَلَوْ نَدِمَ الْآمِرُ عَلَى أَمْرِهِ وَطَلَبَ تَضْمِينَ الْمَأْمُورِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( الْمَادَّةُ 96 ) : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ هَذِهِ الْمَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْفِقْهِيَّةِ ( لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا وِلَايَتِهِ ) الْوَارِدَةِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ . فَعَلَيْهِ إذَا أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَبْنِيَ بِنَاءً مُحَاذِيًا لِحَائِطِ بِنَاءِ إنْسَانٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ حَائِطَ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِدُونِ إذْنِهِ حَتَّى وَلَوْ أَذِنَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَلَهُ بَعْدَئِذٍ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ إذْنِهِ . كَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْآخَرِ أَوْ مَزْرَعَتَهُ الْمُسَيَّجَةَ بِدُونِ إذْنِهِ ; لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ أَوْ الْمَزْرَعَةَ يَكُونُ قَدْ اسْتَعْمَلَهَا . كَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَرْكَبَ الْحَيَوَانَ الْمُشْتَرَكَ أَوْ أَنْ يُحَمِّلَهُ مَتَاعًا بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَإِذَا رَكِبَهُ أَوْ حَمَّلَهُ وَتَلِفَ يَكُونُ ضَامِنًا حِصَّةَ الشَّرِيكِ . كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ حَائِطٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاتَّفَقَا عَلَى نَقْضِهَا وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ ارْتِفَاعَهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلًا فَيَحِقُّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ . فَعَدَمُ جَوَازِ فَتْحِ بَابٍ عَلَى طَرِيقٍ خَاصٍّ مِنْ شَخْصٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ بِتِلْكَ الطَّرِيقِ وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْوَاهِبِ وَالْمُصَالِحِ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَالِ أَوْ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ وَصِيًّا عَلَيْهِ أَوْ وَلِيًّا لِنَفَاذِ الْبَيْعِ , وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ الْمَالِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ( رَاجِعْ الْمَوَادَّ 1219 و 365 و 446 و 857 و 1546 و 1075 ) قَدْ ذُكِرَ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ قَيْدٌ وَهُوَ ( عَدَمُ الْإِذْنِ ) ; لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِإِذْنِهِ جَائِزٌ . وَالْإِذْنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرَاحَةً وَهُوَ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي الْمَادَّةِ ( 95 ) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَادَّتَيْنِ ( 1078 و 1079 ) . فَالْإِذْنُ صَرَاحَةً هُوَ كَاَلَّذِي يَحْصُلُ فِي تَوْكِيلِ إنْسَانٍ آخَرَ لَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي إحْدَى الْخُصُوصَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ لِلْمُوَكِّلِ الْقِيَامُ بِهَا كَتَوْكِيلِ إنْسَانٍ آخَرَ لَأَنْ يَبِيعَ لَهُ مَالًا أَوْ أَنْ يُؤَجِّرَ لَهُ عَقَارًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . أَمَّا الْإِذْنُ دَلَالَةً فَهُوَ كَذَبْحِ الرَّاعِي شَاةً مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ فَالرَّاعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا صَرَاحَةً فَقَدْ اُعْتُبِرَ اسْتِحْسَانًا مَأْذُونًا . أَمَّا لَوْ كَانَ ذَابِحُ الشَّاةِ غَيْرَ الرَّاعِي فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَالْبَعْضُ مِنْهُمْ يَقُولُ بِعَدَمِ ضَمَانِ الذَّابِحِ ; لِأَنَّهُ يُعَدُّ كَالرَّاعِي مَأْذُونًا وَالْبَعْضُ قَالَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ . قَدْ مَرَّ مَعَنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِأَنَّ ( لِلْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ حَقَّ التَّصَرُّفِ بِلَا إذْنِ الشَّخْصِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ أَوْ وِصَايَتِهِ ) ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّتَيْنِ ( 365 و 637 ) . نَافِذٌ فَإِذَا شَبَّتْ النَّارُ فِي دَارٍ مَثَلًا فَلِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِ الدُّورِ الَّتِي فِي جَانِبِهَا مَنْعًا لِسَرَيَانِ النَّارِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَأَمْرُهُ صَحِيحٌ وَمَشْرُوعٌ .
____________________
(1/85)
أَمَّا إذَا وَجَدَ ضَرُورَةً فَيَجُوزُ لِكُلِّ إنْسَانٍ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ سَقَطَ رِدَاءُ شَخْصٍ عَلَى دَارِ جَارِهِ وَخَافَ مِنْ الْجَارِ أَنْ يُخْفِيَهُ فَلِصَاحِبِ الرِّدَاءِ دُخُولُ الدَّارِ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَإِنْ عُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَصَرُّفًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَقَدْ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 27 ) . وَإِلَيْك فِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ عَلَى الْإِذْنِ بِالدَّلَالَةِ : إذَا مَرِضَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ فَلِلْوَالِدِ أَوْ الْوَلَدِ أَنْ يَصْرِفَ بِدُونِ إذْنِ الْمَرِيضِ مِنْ مَالِهِ لِمُدَاوَاتِهِ وَإِطْعَامِهِ ; لِأَنَّ الْإِذْنَ بِمُدَاوَاةِ الْمَرِيضِ وَإِطْعَامِهِ ثَابِتٌ عَادَةً فَاحْتِيَاجُ الْمَرِيضِ لِلْمُدَاوَاةِ وَالْإِطْعَامِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ . كَذَلِكَ : إذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ إلَى سَفَرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلِرُفَقَائِهِ بَيْعُ أَمْتِعَتِهِ لِتَجْهِيزِهِ مِنْهَا وَتَسْلِيمِ مَا بَقِيَ إلَى وَرَثَتِهِ . كَذَا : لَوْ أُغْمِيَ عَلَى شَخْصٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلِرُفَقَائِهِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ; لِأَنَّ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ . ( الْمَادَّةُ 97 ) : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَحَدٍ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ { لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ } فَإِذَا أَخَذَ أَحَدٌ مَالَ الْآخَرِ بِدُونِ قَصْدِ السَّرِقَةِ هَازِلًا مَعَهُ أَوْ مُخْتَبِرًا مَبْلَغَ غَضَبِهِ فَيَكُونُ قَدْ ارْتَكَبَ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا ; لِأَنَّ اللَّعِبَ فِي السَّرِقَةِ جَدٌّ فَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ اللُّقَطَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ بِقَصْدِ امْتِلَاكِهَا أَوْ الْمَالِ الَّذِي يُؤْخَذُ رِشْوَةً أَوْ سَرِقَةً أَوْ غَصْبًا لِصَاحِبِهَا عَيْنًا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَبَدَلًا فِيمَا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ ( رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 899 و 891 ) . كَذَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ وَبَعْدَ أَنْ تَصَالَحَا ظَهَرَ بِأَنْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ بِمَا ادَّعَى فَيَحِقُّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْهُ . كَمَا لَوْ صَالَحَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى عَيْبٍ ادَّعَاهُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَهُ هُوَ فَتَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ خَالٍ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ كَانَ فِيهِ فَزَالَ بِنَفْسِهِ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُشْتَرِي . وَهَكَذَا إذَا دَفَعَ إنْسَانٌ شَيْئًا إلَى آخَرَ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَوُجِدَ مَا يَمْنَعُ مِنْ رَدِّهَا . فَإِذَا دَفَعَ إنْسَانٌ رِشْوَةً لِقَاضٍ فَنَدِمَ عَلَى إعْطَائِهِ إيَّاهَا فَلَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِهَا قَدْ قُيِّدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ بِقَوْلِهِ ( بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ ) لِأَنَّهُ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ , وَالْإِجَارَةِ , وَالْهِبَةِ , وَالْكَفَالَةِ , وَالْحَوَالَةِ يَحِقُّ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ , فَلَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَلِلْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ 369 أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا أَخْذُ الْخَمْسِينَ قِرْشًا . ( الْمَادَّةُ 98 ) : تَبَدُّلُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْ ( اخْتِلَافُ الْأَسْبَابِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ ) وَ ( تَبَدُّلُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ ) الْوَارِدَتَيْنِ فِي الْمَجَامِعِ . وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا تَبَدَّلَ سَبَبُ تَمَلُّكِ شَيْءٍ مَا وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ هُوَ حَقِيقَةً يُعَدُّ مُتَبَدِّلًا .
____________________
(1/86)
فَعَلَيْهِ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ فَرَسًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَوَهَبَهُ الرَّجُلُ لِآخَرَ وَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ فَعَادَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْأَخِيرُ وَتَصَدَّقَ بِالْفَرَسِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْفَرَسَ لِاخْتِلَافِ سَبَبِ الْمِلْكِ ' رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 869 ) ' . وَهَذِهِ حِيلَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَّخِذُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُمْ عَادَةً لِمَنْعِ الْوَاهِبِينَ مِنْ اسْتِرْدَادِ هِبَاتِهِمْ . كَذَلِكَ يَجُوزُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي حَيَاتِهِ وَمِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 255 ) ; لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ وُجُودُ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ . فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدٌ بَغْلًا مِنْ آخَرَ مَثَلًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَأَرْجَعَهُ إلَى مِلْكِهِ ثَانِيَةً فَبِمَا أَنَّ رُجُوعَ الْبَغْلِ إلَى مِلْكِهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَتَبَدُّلَ السَّبَبِ تَبَدُّلٌ لِلذَّاتِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَوْ زَادَ فَزِيَادَتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ . ( الْمَادَّةُ 99 ) : مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ ( مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ ) وَ ( مَنْ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ يُجَازَى بِرَدِّهِ ) وَ ( مَنْ اسْتَعْجَلَ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِي ثُبُوتِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ ) الْوَارِدَةِ فِي الْأَشْبَاهِ , وَالْكِفَايَةِ , وَزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ . فَعَلَيْهِ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ مُوَرِّثَهُ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْكَفَّارَةَ يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ ; لِأَنَّهُ بِقَتْلِهِ مُوَرِّثَهُ تَعَجَّلَ الْوَقْتَ الَّذِي يَرِثُهُ بِهِ فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ فَلَا يَكُونُ وَارِثًا لِلْمُوَرِّثِ . كَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِآخَرَ بِمَالِ فَقَتَلَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيُحْرَمُ مِنْ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ . قَدْ قَيَّدْنَا الْقَتْلَ الَّذِي يُوجِبُ الْحِرْمَانَ مِنْ الْإِرْثِ بِاَلَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْكَفَّارَةَ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ الَّذِي لَا يُوجِبُ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْمِيرَاثِ فَالْقَتْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَقَتْلُ الزَّوْجَةِ أَوْ إحْدَى الْمَحَارِمِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ بِسَبَبِ الزِّنَا فَلَا تُوجِبُ الْحِرْمَانَ مِنْ الْإِرْثِ . هَذَا وَقَدْ جَاءَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ ( الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ أَيْ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لِمَوْتِهِ ) فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ نَظَرًا إلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَلَّا يُعَدَّ قَتْلُ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي فَرْعًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ . وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ إجْرَاءَ الْعِقَابِ وَالْقِصَاصِ وَأَمْثَالِهِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ إنَّمَا لِارْتِكَابِهِ الْأَمْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْمَوْتُ عَادَةً فَذَلِكَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالشُّئُونِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) يُوجَدُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ : مِنْهَا لَوْ قَتَلَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ الَّذِي تَأَجَّلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى سَنَةٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَحِلُّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمَدِينِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْقَاتِلِ حَالًا اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ . ( الْمَادَّةُ 100 ) : مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ . هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ .
____________________
(1/87)
وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا عَمِلَ شَخْصٌ عَلَى نَقْضِ مَا أَجْرَاهُ وَتَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا اعْتِبَارَ لِعَمَلِهِ . مِثَالٌ : لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فُضُولًا وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَالنَّفَاذِ حَتَّى وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى بِأَنَّهُ بَاعَ الْمَالَ بِدُونِ إذْنِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً . كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ مَالًا مِنْ آخَرَ وَجَاءَ رَجُلٌ فَكَفَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فِي الْمَادَّةِ ( 616 ) فَلَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمِلْكِيَّةِ ذَلِكَ الْمَالِ ; لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَادِّعَاءُ الْكَفِيلِ بِمِلْكِيَّتِهِ لِلْمَالِ نَقْضٌ لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ . كَذَلِكَ لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَرْهُونَ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِقْرَارُهُ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُصَدَّقٍ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ مُلْزَمٌ بِهِ بَعْدَ أَدَائِهِ الدَّيْنَ وَاسْتِرْدَادِهِ الرُّهُونَ . كَذَلِكَ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ وَدِيعَةً مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْتَوْدِعِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا سَلَّمَهُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْدَادُهَا مِنْهُ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ وَكَالَتَهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَقْضَ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ . كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمُحْتَمِلُ الْبُلُوغَ أَوْ اشْتَرَى وَاعْتَرَفَ بِالْبُلُوغِ ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ الْبُلُوغِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِادِّعَائِهِ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ . ( مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ) لَوْ بَاعَ وَالِدُ الصَّغِيرِ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَوْ وَصِيُّ التَّرِكَةِ مَالَ الصَّغِيرِ أَوْ مَالَ الْوَقْفِ أَوْ مَالَ التَّرِكَةِ مِنْ آخَرَ وَادَّعَى أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ وَالِدُ الصَّغِيرِ مَثَلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَحِقُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ مَانِعٌ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 97 ) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُبَايِعَيْنِ بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ بِوُجُودِ فَسَادِ مَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ حِينَ الْبَيْعِ فَكَمَا أَنَّ ادِّعَاءَهُ يَكُونُ مَقْبُولًا فَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ بِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ قَدْ بَاعَ الشَّيْءَ الْمَذْكُورَ مِنْ شَخْصٍ غَيْرَهُ غَائِبٍ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ الِادِّعَاءُ وَالْإِثْبَاتُ أَيْضًا . كَذَلِكَ يُقْبَلُ ادِّعَاءُ الْمُشْتَرِي بِعَقَارٍ بِأَنَّ الْبَائِعَ قَبْلَ بَيْعِهِ مِنْهُ كَانَ اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ أَنَّ الْبَائِعَ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ . الْكِتَابُ الْأَوَّلُ :
____________________
(1/88)
الْبُيُوعُ يَنْقَسِمُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَسَبْعَةِ أَبْوَابٍ ( كِتَابٌ ) لُغَةً بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ وَاصْطِلَاحًا هُوَ جَمْعُ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَقِلَّةِ ( بَحْرٌ ) تَقْدِيمُ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ كَالْإِجَارَةِ , وَالْكَفَالَةِ , وَالْحَوَالَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ , بُيُوعٌ جَمْعُ - بَيْعٍ , وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ . فَإِذَا قِيلَ ( قَدْ بَاعَ فُلَانٌ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ ) فَكَمَا يُفْهَمُ أَنَّهُ أَخْرَجَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ مِلْكِهِ يُفْهَمُ أَيْضًا أَنَّهُ أَدْخَلَهُ إلَى مِلْكِهِ . إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ هُوَ الْغَالِبُ أَصْبَحَتْ لَا تُحْمَلُ إلَّا عَلَيْهِ . تَرِدُ كَلِمَةُ ( الْبَيْعِ ) بِمَعْنَى ( مَبِيعٍ ) حَمْلًا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ لِلْمَبِيعِ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً ( مَنْقُولٌ , وَعَقَارٌ , وَحَيَوَانٌ , وَمَكِيلٌ , وَمَوْزُونٌ ) وَغَيْرُهُ فَقَدْ جَاءَتْ هُنَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ . وَتَرِدُ عَلَى أَصْلِهَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَتُجْمَعُ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ لِأَنْوَاعِ الْبَيْعِ . فَالْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ نَافِذٌ وَمَوْقُوفٌ وَفَاسِدٌ وَبَاطِلٌ أَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ ( فَمُقَايَضَةٌ , سَلَمٌ , صَرْفٌ وَمُطْلَقٌ ) وَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ ( مُرَابَحَةٌ , تَوْلِيَةٌ , وَضِيعَةٌ , وَمُسَاوَمَةٌ ) . وَسَنَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالتَّفْصِيلِ . مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ - إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْبَيْعِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْإِجْمَاعِ . فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ { أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَاشَرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ وَشَاهَدَ النَّاسَ يَتَعَاطَوْنَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَأَقَرَّهُمْ وَلَمْ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ . وَقِيلَ : إنَّ أَفْضَلَ الْكَسْبِ التِّجَارَةُ .
____________________
(1/89)
مُقَدِّمَةٌ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبُيُوعِ الِاصْطِلَاحُ : لُغَةً الِاتِّفَاقُ , وَاصْطِلَاحًا : هُوَ إخْرَاجُ طَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ مُعَيَّنَةٍ لَفْظًا مِنْ الْأَلْفَاظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَوَضْعُهُ لِمَعْنًى آخَرَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ . وَذَلِكَ كَوَضْعِ الْفُقَهَاءِ كَلِمَةَ ( الْإِيجَابِ ) لِلْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ ( 101 ) وَكَلِمَةَ الْبَيْعِ لِلْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ ( 105 ) وَكَلِمَةَ الْإِجَارَةِ لِلْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ ( 405 ) . فَكَلِمَةُ الْإِيجَابِ مَثَلًا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ : الْإِثْبَاتُ فَاصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا ( لِأَوَّلِ كَلَامٍ يَصْدُرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ ) كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ : ( الْمَادَّةُ 101 ) الْإِيجَابُ أَوَّلُ كَلَامٍ يَصْدُرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَجْلِ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ وَبِهِ يُوجَبُ وَيَثْبُتُ التَّصَرُّفُ . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الْكَلَامُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ يَقَعَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ : قَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْمَتَاعَ وَالْمُشْتَرِي قَالَ : اشْتَرَيْتُهُ , أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا , فَقَالَ الْبَائِعُ : وَأَنَا قَدْ بِعْتُكَ إيَّاهُ , فَكَمَا أَنَّ كَلَامَ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إيجَابٌ وَفِي الثَّانِيَةِ قَبُولٌ فَكَلَامُ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إيجَابٌ وَفِي الْأُولَى قَبُولٌ أَيْضًا . وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ ( لِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ ) الْوَارِدَةِ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَحْصُلُ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 168 ) . الْإِيجَابُ : لُغَةً الْإِثْبَاتُ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ السَّلْبِ وَلَقَدْ سُمِّيَ الْإِيجَابُ إيجَابًا لِكَوْنِ الْمُوجَبِ بِإِيجَابِهِ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ حَقَّ الْقَبُولِ . يُسْتَفَادُ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا فِي التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمَذْكُورَ هُنَا لَيْسَ بِالْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَأْثَمُ تَارِكُهُ . هَذَا وَيَنْطَبِقُ تَعْرِيفُ الْإِيجَابِ الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ عَلَى الْإِيجَابِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا إذَا هُوَ جُرِّدَ مِنْ بَعْضِ الْقُيُودِ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْمَقَامُ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ . قَدْ يَعْتَرِضُ الْبَعْضُ عَلَى تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ الْوَارِدِ هُنَا قَائِلًا : 1 - يُسْتَدَلُّ مِنْ كَلِمَةِ ( ثَانِي كَلَامٍ ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ مَادَّةِ ( 102 ) بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي كَلِمَةِ ( أَوَّلِ كَلَامٍ ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ هَذِهِ هُوَ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْإِيجَابِ عَلَى الْقَبُولِ وَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ ( 167 ) يَنْعَقِدُ إذَا صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَالتَّعْرِيفُ هَذَا غَيْرُ جَامِعٍ لِأَفْرَادِهِ . 2 - وَذَكَرَ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّهُ ( كَلَامٌ ) ( أَيْ الْإِيجَابُ ) وَالْحَالُ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا كَمَا
____________________
(1/90)
جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 115 ) وَفِي التَّعَاطِي لَا يُسْتَعْمَلُ كَلَامٌ فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ تَعْرِيفُ الْإِيجَابِ الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَتَعْرِيفُ الْقَبُولِ الَّذِي سَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ جَامِعَيْنِ لِأَفْرَادِهِمَا أَيْضًا . 3 - بِمَا أَنَّ كَلِمَةَ ( بِعْت , وَاشْتَرَيْت ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْإِخْبَارِ وَلَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءِ فَكَيْفَ يَنْشَأُ بِهِمَا عَقْدُ الْبَيْعِ . فَجَوَابُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي : جَوَابُ الْأَوَّلِ : لَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ إذَا صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَالْبَعْضُ مِنْهُمْ يَقُولُ بِانْعِقَادِهِ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ , الدُّرُّ الْمُنْتَقَى , الْبَحْرُ ) وَالْمَجَلَّةُ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَكَلِمَةُ ( أَوَّلُ ) فِي الْمَادَّةِ ( 101 ) وَكَلِمَةُ ثَانِي فِي الْمَادَّةِ ( 102 ) يُسْتَدَلُّ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَيْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَلَيْسَ بِذَلِكَ مِنْ مَأْخَذٍ يُؤْخَذُ عَلَيْهَا . جَوَابُ الثَّانِي : أَجَلْ إنَّ الْإِيجَابَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ أَمَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِالْفِعْلِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ إيجَابٌ فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ تَعَاطٍ لَيْسَ إلَّا . جَوَابُ الثَّالِثِ : أَمَّا كَلِمَتَا ( بِعْت , وَاشْتَرَيْت ) وَإِنْ كَانَتَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لِلْإِخْبَارِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا الشَّرْعُ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ فَأَصْبَحَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءِ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ , فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُك مَالِي , وَقَالَ الْآخَرُ : قَدْ اشْتَرَيْت فَلَا يَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ إخْبَارًا بِبَيْعٍ وَقَعَ قَبْلًا بَلْ إنْشَاءً لِعَقْدِ بَيْعٍ فِي ذَلِكَ الْمَالِ مُجَدَّدًا ; لِأَنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ لَا تَدُلُّ عَلَى زَمَنٍ . هَذَا وَإِنَّ كَلِمَتَيْ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ كَثِيرٌ مَا يُرَادُ بِهِمَا الْإِخْبَارُ فَمَتَى أُرِيدَ بِهِمَا هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا بَيْعٌ فَلَوْ سَأَلَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا : مَا فَعَلْت بِفَرَسِك فَأَجَابَهُ بِعْته مِنْ زَيْدٍ , فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : قَدْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِكَلِمَةِ ' بِعْتُ ' هُنَا الْإِخْبَارُ لَيْسَ إلَّا , كَمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ . ( الْمَادَّةُ 102 ) الْقَبُولُ ثَانِي كَلَامٍ يَصْدُرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَجْلِ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ وَبِهِ يَتِمُّ الْعَقْدُ . أَيْ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ جَاءَ بَعْدَ الْإِيجَابِ لِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ وَبِقَصْدِ إتْمَامِ الْعَقْدِ سُمِّيَ قَبُولًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُتَكَلِّمُ أَمْ كَانَ الْبَائِعُ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك مَالِي هَذَا بِكَذَا قِرْشًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُهُ , أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : بِعْتَ مَالَكَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا - , فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهُ لَكَ , فَكَمَا أَنَّ كَلَامَ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَبُولٌ فَكَلَامُ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَبُولٌ أَيْضًا . ( الْمَادَّةُ 103 ) الْعَقْدُ الْتِزَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَعَهُّدُهُمَا أَمْرًا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ . يُقَالُ عَقَدَ الْبَيْعَ كَمَا يُقَالُ عَقَدَ الْحَبْلَ . وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ هُنَا الِانْعِقَادُ فَعَقْدُ الْبَيْعِ مَثَلًا الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يُقْصَدُ بِهِ الْتِزَامُ وَتَعَهُّدُ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِالْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ .
____________________
(1/91)
( الْمَادَّةُ 104 ) الِانْعِقَادُ تَعَلُّقُ كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا . فَمُتَعَلَّقُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ مَوْجُودًا وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَمَالًا مُتَقَوِّمًا مَعَ الثَّمَنِ . وَالْأَثَرُ : هُوَ أَنْ يُصْبِحَ الْبَائِعُ مَالِكًا لِلثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْمَبِيعِ . وَالِانْعِقَادُ : يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا وَبِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ حُصُولِ الْقَبْضِ أَمَّا الْبَيْعُ الْبَاطِلُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ انْعِقَادٌ ( رَاجِعْ الْمَوَادَّ 369 و 370 و 371 ) وَسَنَأْتِي فِي الْمَادَّةِ ( 361 ) عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْبَيْعُ مُنْعَقِدًا . ( الْمَادَّةُ 105 ) الْبَيْعُ : مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالِ وَيَكُونُ مُنْعَقِدًا وَغَيْرَ مُنْعَقِدٍ . يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ هُوَ تَمْلِيكُ مَالٍ مُقَابِلَ مَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُقْسَمُ بِاعْتِبَارِهِ مُطْلَقًا إلَى بَيْعٍ مُنْعَقِدٍ وَغَيْرِ مُنْعَقِدٍ . وَهَذَا التَّعْرِيفُ كَمَا أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْبَيْعِ فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلشِّرَاءِ أَيْضًا وَكَمَا أَنَّهُ يَنْطَبِقُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ كُلِّ وُجُوهِهِ أَيْضًا . هَذَا إلَّا أَنَّ بِقَوْلِهِ ' مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ ' تَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ ( 405 ) هِيَ ( بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ) وَالنِّكَاحُ هُوَ ( مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْبُضْعِ ) أَبُو السُّعُودِ . وَتَخْرُجُ الْهِبَةُ وَالْإِعَارَةُ أَيْضًا . أَمَّا بِقَوْلِهِ ( عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ) الْوَارِدِ فِي الشَّرْحِ فَيَخْرُجُ أَيْضًا التَّبَرُّعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ . فَالْوَجْهُ الْمَخْصُوصُ لِلْبَيْعِ هُوَ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ ( بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ ) أَوْ التَّعَاطِي . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ آخَرَ مَالًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَهَبَ ذَلِكَ الْوَاهِبَ مَالًا آخَرَ غَيْرَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَيْضًا فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ بَيْعًا وَيَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ فِي الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ كَلِمَتَيْ ( بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ ) الْمُخْتَصَّتَيْنِ بِالْبَيْعِ . وَلَرُبَّ قَائِلٍ يَقُولُ : 1 - قَدْ اُشْتُرِطَ الرِّضَاءُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ قوله تعالى { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ } وَجَاءَ تَعْرِيفُ الْبَيْعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِأَنَّهُ ( مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالرِّضَاءِ ) فَتَعْرِيفُ الْمَجَلَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ إذْ يَدْخُلُ بِهِ بَيْعُ الْمُكْرَهِ . 2 - بِمَا أَنَّ بَعْضَ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِتَعْرِيفِهَا الْبَيْعَ ( أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مُفِيدٍ ) قَدْ قَيَّدْتُهُ بِكَلِمَةِ ( مُفِيدٍ ) إخْرَاجًا لِلْبَيْعِ غَيْرِ الْمُفِيدِ وَهُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي مُبَادَلَةِ مَالَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَزْنًا وَصِفَةً كَمُبَادَلَةِ دِرْهَمَيْنِ فِضَّةً بِدِرْهَمَيْنِ فِضَّةً مُسَاوِيَيْنِ بَعْضُهُمَا الْبَعْضَ وَزْنًا , وَعِيَارًا , وَوَصْفًا وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ وَالْبَيْعُ غَيْرُ الْمُفِيدِ يَكُونُ فَاسِدًا فَتَعْرِيفُ الْمَجَلَّةِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْمُقَيِّدَ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا غَيْرُ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ . 3 - بِمَا أَنَّ تَقْسِيمَ الْبَيْعِ الْوَارِدَ فِي تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ ( وَهُوَ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ إلَى مُنْعَقِدٍ وَغَيْرِ مُنْعَقِدٍ ) هُو
____________________
(1/92)
َ تَقْسِيمٌ لِلْبَيْعِ الْمُعَرَّفِ ( بِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ . وَذَلِكَ ( كَتَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى قَسِيمِهِ ) أَيْ نَقِيضِهِ وَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَبَيْعُ الْحُرِّ لَيْسَ فِيهِمَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ ; لِأَنَّ الْمَيْتَةَ وَالْحُرَّ لَا يُعَدَّانِ مَالًا فَيَكُونُ الْبَيْعُ الْمُقَسَّمُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ الْمُعَرَّفِ بَلْ هُوَ مِنْ أَغْيَارِهِ . فَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ . فَجَوَابُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي : جَوَابُ الْأَوَّلِ : بِمَا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ بِطَبْعِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ فَلَمْ تَرَ الْمَجَلَّةُ لُزُومًا لِلْإِتْيَانِ بِقَيْدِ الرِّضَا لِلْإِحَاطَةِ بِأَفْرَادِ الْبَيْعِ . جَوَابُ الثَّانِي : وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرَ الْمُفِيدِ هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا فَلَا لُزُومَ لِإِضَافَةِ قَيْدِ ( مُفِيدٍ ) الْمَذْكُورِ حَتَّى يَكُونَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ . جَوَابُ الِاعْتِرَاضِ الثَّالِثِ : إنَّ التَّقْسِيمَ الْوَارِدَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا بَلْ إنَّمَا هُوَ تَقْسِيمٌ لِمُطْلَقِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَيُقَالُ عَنْهُ فِي اللُّغَةِ بَيْعًا . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ بِدَلِيلِ قوله تعالى { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } وَقَوْلِهِ { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ } الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ . ( الْمَادَّةُ 106 ) الْبَيْعُ الْمُنْعَقِدُ هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَيَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ , وَفَاسِدٍ , وَنَافِذٍ , وَمَوْقُوفٍ . وَلِهَذِهِ الْأَقْسَامِ تَعَارِيفُ جَاءَتْ فِي الْمَادَّةِ ( 108 ) وَمَا يَلِيهَا عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَتَدَاخَلُ بِبَعْضِهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ تَبَايُنٌ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبَيْنَ النَّافِذِ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ فَلَيْسَ مِنْ تَبَايُنٍ بَيْنَ النَّافِذِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ وَالنَّافِذِ وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا وَتَدَاخُلُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ . وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَفَادُ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْوَارِدَ هُنَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ . ( الْمَادَّةُ 107 ) الْبَيْعُ غَيْرُ الْمُنْعَقِدِ هُوَ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ . إنَّ كَلِمَةَ الْبَيْعِ غَيْرِ الْمُنْعَقِدِ مُرَادِفَةٌ لِكَلِمَةِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَكِلْتَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَقَدْ عَرَّفَتْ الْمَادَّةُ ( 110 ) الْبَيْعَ الْبَاطِلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا . ( الْمَادَّةُ 108 ) الْبَيْعُ الصَّحِيحُ هُوَ الْبَيْعُ الْجَائِزُ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوعُ أَصْلًا وَوَصْفًا . فَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ حَتَّى قَبْلَ الْقَبْضِ رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ ( 262 و 263 ) أَيْ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ هَذَا الْبَيْعِ يُصْبِحُ الْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْمَبِيعِ كَمَا أَنَّ الْبَائِعَ يُصْبِحُ مَالِكًا لِلثَّمَنِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ . وَقَدْ عَرَّفَتْ الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ بِأَنَّهُ ( مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ ) . وَعَرَّفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ الصِّحَّةَ فِي الْعَقْدِ بِأَنَّهَا ' وَأَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُوَصِّلًا لِلْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ ' أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْعِبَادَاتِ مُفْرِغًا وَمُخَلِّصًا لِلذِّمَّةِ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ مُوَصِّلًا ( لِلِاخْتِصَاصَاتِ ) الشَّرْعِيَّةِ مِثْلِ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ بِالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ
____________________
(1/93)
. فَتَعْرِيفُ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا يَجْرِي حُكْمُهُ فِي الْإِجَارَةِ , وَالْكَفَالَةِ , وَالْحَوَالَةِ , وَالْهِبَةِ , وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَجْرِي كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ , وَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَيْعُ النَّافِذُ وَالْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ غَيْرُ الْفَاسِدِ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ أَقْسَامِهِ . أَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ بِقَيْدِ ( الْمَشْرُوعُ وَصْفًا ) الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ . هَذَا وَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ يَأْتِي فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ بِمَعْنَى نَقِيضِ الْبَاطِلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ , وَالْمُرَادُ هُنَا إنَّمَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُقَابِلُ لِلْفَاسِدِ فَقَدْ جِيءَ فِي الْمَجَلَّةِ بِقَيْدِ ( الْجَائِزِ ) احْتِرَازًا عَنْ الْخَطَأِ فِي التَّعْرِيفِ . ( الْمَادَّةُ 109 ) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ هُوَ الْمَشْرُوعُ أَصْلًا لَا وَصْفًا يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ فَاسِدًا بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ ( رَاجِعْ الْبَابَ السَّابِعَ ) . يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا إذَا كَانَ الْبَيْعُ أَوْ الثَّمَنُ مَجْهُولًا أَوْ كَانَ الْأَجَلُ الَّذِي سَيُدْفَعُ فِيهِ الثَّمَنُ مَجْهُولًا أَوْ كَانَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْبَيْعِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ , أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ نَفْسُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ فَلَا يَكُونُ فَاسِدًا بَلْ بَاطِلًا وَهَذَا الْبَيْعُ يُفِيدُ الْحُكْمَ عِنْدَ الْقَبْضِ أَيْ أَنَّهُ يَصِيرُ نَافِذًا , وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ فِي الْبَيْعِ يَكُونُ جَائِزًا . وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ وَالْمَشْرُوعِيَّة فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمَا جَوَازَ الْبَيْعِ وَصِحَّتَهُ إذْ أَنَّ فَسَادَهُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ . وَقَدْ عَرَّفَ الْأُصُولِيُّونَ الْفَسَادَ بِأَنَّهُ ( أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُوَصِّلًا لِلْغَايَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ ) وَيَشْمَلُ هَذَا التَّعْرِيفُ كُلَّ مَا هُوَ فَاسِدٌ مِنْ الْعُقُودِ كَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا ( الإزميري ) رَاجِعْ الْمَوَادَّ ( 364 و 213 و 237 و 248 ) . وَقَدْ يُطْلَقُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ عَلَى الْبَيْعِ الْبَاطِلِ أَحْيَانًا فَقَدْ جَاءَ الْفَاسِدُ فِي قَوْلِ الزَّاهِدِيِّ ( إنَّ بَيْعَ الْأَبِ مَالَ الصَّغِيرِ فِي نَفْسِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَاسِدٌ إجْمَاعًا وَكَذَا شِرَاؤُهُ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ ) بِمَعْنَى الْبَاطِلِ . ( الْمَادَّةُ 110 ) الْبَيْعُ الْبَاطِلُ مَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا أَصْلًا . أَيْ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ هُوَ الْبَيْعُ غَيْرُ الصَّحِيحِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ , وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَلَا يُصْبِحُ لَهُ مَالِكًا وَيَكُونُ كَأَمَانَةٍ عِنْدَهُ وَذَلِكَ بِعَكْسِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا . أَمَّا لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ فَيُعَدُّ غَاصِبًا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَقَدْ عَرَّفَ الْأُصُولِيُّونَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّهُ ( أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِحَالَةٍ غَيْرِ مُوَصِّلَةٍ لِلْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلًا ) . وَيَشْمَلُ هَذَا التَّعْرِيفُ الْبُطْلَانَ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهَا كُلِّهَا , وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ فَكَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ يَخْتَلِفُ عَنْ الْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةُ يَخْتَلِفُ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ . ( الْمَادَّةُ 111 ) ( الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ بَيْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ ) وَيُعَرَّفُ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ أَنَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ أَصْلًا وَوَصْفًا وَاَلَّذِي يُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ .
____________________
(1/94)
وَهَذَا التَّعْرِيفُ بِمَا أَنَّهُ يَتَوَافَقُ بِتَعَارِيفِ الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ . السَّابِقَةِ الذِّكْرِ وَلَا يَتَنَافَرُ مَعَهَا بِشَيْءٍ وَيَتَنَاوَلُ بَيْعَ الْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورِ فَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ وَأَضْبَطُ . هَذَا وَبِمَا أَنَّ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَنْطَبِقُ عَلَى الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَالْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ هُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا بَيْعٌ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ هُوَ أَنْ يُفِيدَ الْمِلْكِيَّةَ بِدُونِ قَبْضٍ وَالْمَوْقُوفُ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ بِدُونِ قَبْضٍ أَيْضًا . وَانْعِقَادُ هَذَا الْبَيْعِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ صَحِيحًا كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ . غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ ( الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ ) مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ النَّافِذِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ نَافِذٍ . ( الْمَادَّةُ 112 ) الْفُضُولِيُّ : هُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِحَقِّ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ , إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ هُوَ تَعْرِيفُ الْفُضُولِيِّ شَرْعًا أَمَّا تَعْرِيفُهُ لُغَةً فَهُوَ الَّذِي يَتَدَاخَلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ . وَيُقْصَدُ بِقَوْلِهِ ( بِدُونِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ ) هُوَ أَلَّا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ وِصَايَةٌ أَوْ وَكَالَةٌ ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لَا يُعَدُّ فُضُولًا . الْفُضُولِيُّ : نِسْبَةً إلَى الْفُضُولِ , وَالْفُضُولُ جَمْعُ فَضْلٍ , وَالْفَضْلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ . وَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ قِيَاسًا أَنْ يُقَالَ ( فَضْلِيٌّ ) ; لِأَنَّ ( يَاءَ ) النِّسْبَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْجَمْعِ وَلَكِنْ قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ كَعَلَمٍ وَمُفْرَدٍ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ , مِثْلُ قَوْلِهِمْ : الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَعْرَابِيُّ وَمَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ . قُلْنَا : إنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لَا يُعَدُّ فُضُولًا فَإِذَا ضَمَمْنَا إلَى ذَلِكَ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَقَاضِي الْجَيْشِ لِمَا لَهُمْ مِنْ الْوِلَايَةِ فَنَكُونُ قَدْ فَسَّرْنَا التَّعْرِيفَ تَفْسِيرًا تَامًّا ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ بِشَرْطِ اقْتِرَانِهِ بِالْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفٌ نَافِذٌ وَمَشْرُوعٌ فَلَوْ أَوْقَفَ الْإِمَامُ أَرْضًا مِنْ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ لِيَصْرِفَ رِيعَهَا فِي سَبِيلِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ وَلَا يُعَدُّ فُضُولًا . وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقَائِدُ الْجَيْشِ فَلَوْ تَصَرَّفَ الْقَاضِي بِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ لِتَنْمِيَتِهَا أَوْ تَصَرَّفَ الْقَائِدُ بِالْغَنَائِمِ لِتَقْسِيمِهَا فَلَا يُعَدُّ تَصَرُّفُهُمَا فُضُولًا وَيَكُونُ نَافِذًا . ( الْمَادَّةُ 113 ) الْبَيْعُ النَّافِذُ بَيْعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى لَازِمٍ وَغَيْرِ لَازِمٍ الْبَيْعُ النَّافِذُ ( يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي الْحَالِ ) وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 374 ) . وَالْبَيْعُ النَّافِذُ هُوَ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ , فَمَتَى قِيلَ : بَيْعٌ نَافِذٌ , أُرِيدَ أَنَّهُ بَيْعٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ . مَعْنَى النَّفَاذِ : هُوَ تَرَتُّبُ أَثَرِ التَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ فَالْمِلْكِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَثَرٌ لِلْبَيْعِ تَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَيُصْبِحُ الْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْبَيْعِ . بِعَكْسِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَلَا تَثْبُتُ الْمِلْكِيَّةُ إلَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا لَا تَثْبُتُ الْمِلْكِيَّةُ إلَّا عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ . ( الْمَادَّةُ 114 ) الْبَيْعُ اللَّازِمُ هُوَ الْبَيْعُ النَّافِذُ الْعَارِي عَنْ الْخِيَارَاتِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَالْبَيْعُ اللَّازِمُ هُوَ الْبَيْعُ الْخَالِي مِنْ الْخِيَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفُصُولِ السَّبْعَةِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ
____________________
(1/95)
لِكِتَابِ الْبُيُوعِ . وَحُكْمُ الْبَيْعِ اللَّازِم كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 375 ) هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي لَا يَحِقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِدُونِ رِضَاءِ الْآخَرِ . وَقَدْ عَرَّفَ الْأُصُولِيُّونَ اللُّزُومَ بِقَوْلِهِمْ ( هُوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رَفْعُهُ ) وَفِي الْوَاقِعِ لَا يَحِقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قِسْمَةٍ لَيْسَ فِيهَا خِيَارُ فَسْخِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ . وَالْبَيْعُ اللَّازِمُ هُوَ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ غَيْرِ اللَّازِمِ وَتُقْسَمُ الْعُقُودُ بِاعْتِبَارِهِ لَازِمَةٌ أَوْ غَيْرُ لَازِمَةٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : 1 - الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ بِحَقِّ الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ الْعُقُودُ الْآتِيَةُ : ( 1 ) الْبَيْعُ ( 2 ) السَّلَمُ ( 3 ) الْإِجَارَةُ ' وَإِنْ جَازَ فَسْخُهَا بِبَعْضِ الْأَعْذَارِ ' ( 4 ) الصُّلْحُ ( 5 ) الْحَوَالَةُ ( 6 ) الْمُسَاقَاةُ ( 7 ) الْوَصِيَّةُ الَّتِي تُقْبَلُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي ( 8 ) النِّكَاحُ ( 9 ) الصَّدَاقُ ( أَيْ الْمَهْرُ ) ( 10 ) الصَّدَقَةُ الْمَقْبُوضَةُ ( 11 ) الْهِبَةُ الْمَقْبُوضَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْمَوَانِعِ السَّبْعَةِ . 2 - عَقْدُ الرَّهْنِ وَهُوَ لَازِمٌ بِحَقِّ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالْمُرْتَهِنُ لَهُ فَسْخُ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الرَّاهِنُ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ فَسْخُ عَقْدِ الرَّهْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ الْخِيَارَ . 3 - الْعُقُودُ غَيْرُ اللَّازِمَةِ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَاَلَّتِي يَحِقُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُمَا بِدُونِ رِضَاءِ الطَّرَفِ الثَّانِي وَهِيَ : ( 1 ) الشَّرِكَةُ , ( 2 ) الْوَكَالَةُ , ( 3 ) الْعَارِيَّةُ الَّتِي تُعْطَى لِغَيْرِ الرَّهْنِ ( 4 ) الْمُضَارَبَةُ , ( 5 ) الْوَدِيعَةُ , ( 6 ) الْقَضَاءُ , ( 7 ) الْوِصَايَةُ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيِّ ( 8 ) الْوَصِيَّةُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَصِيِّ . ( الْمَادَّةُ 115 ) ( الْبَيْعُ غَيْرُ اللَّازِمِ هُوَ الْبَيْعُ النَّافِذُ الَّذِي فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ ) فَالْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ فَسْخُهُ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 376 ) ) . ( الْمَادَّةُ 116 ) ( الْخِيَارُ كَوْنُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مُخَيَّرًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ ) . الْخِيَارُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ . الِاخْتِيَارُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ مَثَلًا فَخِيَارُ الشَّرْطِ هُنَا قَائِمٌ بِالْبَائِعِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْبَائِعُ وَحْدُهُ مُقْتَدِرًا عَلَى إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُخَيَّرُ فَالْخِيَارُ يَكُونُ قَائِمًا بِهِ وَلَهُ حَقُّ إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ بِدُونِ رِضَاءِ الْبَائِعِ وَمُوَافَقَتِهِ . ( الْمَادَّةُ 117 ) ( الْبَيْعُ الْبَاتُّ هُوَ الْبَيْعُ الْقَطْعِيُّ ) يُسْتَعْمَلُ هَذَا الْبَيْعُ تَارَةً عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ وَأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْخِيَارِ . فَاسْتُعْمِلَ فِي الْبَزَّازِيَّةُ عِنْدَ قَوْلِهَا ( هَلَاكُ الْمَبِيعِ بَاتًّا أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فِي يَدِ الْبَائِعِ . ) عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَفِي رَدِّ الْمُحْتَارِ قُبَيْلَ بَابِ الْكَفَالَةِ حَيْثُ يَقُولُ ( ادَّعَى الْبَائِعُ وَفَاءً وَالْمُشْتَرِي بَاتًّا أَوْ عَكْسًا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ ) قَدْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ .
____________________
(1/96)
أَمَّا فِي الْمَجَلَّةِ فَقَدْ جَاءَ عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1658 ) . ( وَالْبَتُّ ) مَأْخُوذٌ مِنْ مَصْدَرِ ( بَتَّ ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْقَطْعِ فَيُقَالُ : بَتَّ فُلَانٌ الشَّيْءَ إذَا قَطَعَهُ . ( الْمَادَّةُ 118 ) بَيْعُ الْوَفَاءِ هُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الْمَبِيعَ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْجَائِزِ بِالنَّظَرِ إلَى انْتِفَاعِ الْمُشْتَرِي بِهِ وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُقْتَدِرًا عَلَى الْفَسْخِ وَفِي حُكْمِ الرَّهْنِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ إلَى الْغَيْرِ . إنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ مِنْ جِهَةٍ وَالْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ جِهَةٍ وَعَقْدَ الرَّهْنِ مِنْ جِهَةٍ . فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ ; لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَهُ أَيْضًا فِي حَالَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الِاسْتِغْلَالِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِهِ لِلْبَائِعِ . وَهُنَا يَتَبَايَنُ حُكْمُ هَذَا الْبَيْعِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ ( 750 ) أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْجِيرُهُ لِلرَّاهِنِ فَإِذَا أَجَّرَهُ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ مِنْ الرَّاهِنِ . وَيُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ; لِأَنَّ لِلْفَرِيقَيْنِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 396 ) حَقَّ فَسْخِهِ وَفِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ لَيْسَ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَقُّ فَسْخِ الْبَيْعِ بِدُونِ رِضَاءِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ . وَلِهَذَا فَقَدْ كَانَ حُكْمُ بَيْعِ الْوَفَاءِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ حُكْمُ الْفَاسِدِ . وَيُشْبِهُ الرَّهْنَ ( 1 ) لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْمَبِيعِ لِآخَرَ ( 2 ) لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ ( 3 ) لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ وَفَاةِ الْبَائِعِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ( 4 ) لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمُحَاكَمَةِ عِنْدَ ادِّعَاءِ شَخْصٍ بِالْمَبِيعِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1637 ( 5 ) لِأَنَّ وَرَثَةَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ تَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَ الْوَفَاةِ فِي أَحْكَامِ هَذَا الْبَيْعِ ( 6 ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجْرِي فِي هَذَا الْبَيْعِ ( 7 ) لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِي الْعَقَارِ الْمُجَاوِرِ لِلْمَبِيعِ بَيْعَ وَفَاءٍ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي ( 8 ) لِعَدَمِ تَمَامِهِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ ( 9 ) لِلُزُومِ نَفَقَاتِ تَعْمِيرِ الْمَبِيعِ بَيْعًا وَفَائِيًّا لِلْبَائِعِ . كُلُّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُنَافِيَةٌ لَأَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْوَفَاءِ بَيْعًا صَحِيحًا ( اُنْظُرْ مَادَّتَيْ 706 و 724 ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ بَيْعًا وَفَائِيًّا لِدَائِنِهِ مُقَابِلَ دَيْنِهِ وَاحْتَرَقَتْ الدَّارُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَطَالَبَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ بِالدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَدِينِ بِدَاعِي سُقُوطِهِ اسْتِنَادًا عَلَى الْمَادَّةِ ( 399 ) حَقُّ الِامْتِنَاعِ عَنْ دَفْعِهِ . كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْمَدِينُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَالِ الْمُبَاعِ مِنْ قِبَلِهِ وَفَاءً لِلْمُشْتَرِي فَيَحِقُّ لِغَيْرِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَدِينِ فِي حَالِ زِيَادَةِ الدَّيْنِ الَّذِي بِذِمَّتِهِ عَنْ التَّرِكَةِ الْمُخَلَّفَةِ عِنْدَ إدْخَالِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّرِكَةِ وَاقْتِسَامِهَا مَعَ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ أَحَدُ الدَّائِنِينَ وَلَا يُلْتَفَتُ فِي ذَلِكَ إلَى حُكْمِ الْمَادَّةِ ( 729 ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ فَأَرْجَحُهَا الْقَوْلُ الَّذِي اتَّبَعَتْهُ الْمَجَلَّةُ فِي قَوْلِهَا ' وَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْجَائِزِ بِالنَّظَرِ إلَى انْتِفَاعِ الْمُشْتَرِي بِهِ وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُقْتَدِرًا عَلَى الْفَسْخِ وَفِي حُكْمِ الرَّهْنِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ إلَى الْغَيْرِ ' . وَلَكِنْ عَلَى كُلٍّ فَوَجْهُ الشَّبَهِ فِيهِ بِالرَّهْنِ أَبْيَنُ وَأَرْجَحُ كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَمَّا حُكْمُ الْبَيْعِ
____________________
(1/97)
الصَّحِيحِ وَحُكْمُ الْفَاسِدِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ فَقَدْ جَاءَتْ فِي الْمَوَادِّ ( 369 , 372 , 829 ) مِنْ الْمَجَلَّةِ . هَذَا وَقَدْ ذَكَرَتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ الْمَبِيعَ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ , وَجَاءَ فِي الْمَتْنِ التُّرْكِيِّ ( الْمَالُ ) بَدَلًا مِنْ الْمَبِيعِ عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ فِي الْعَقَارِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ فِي الْمَنْقُولِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ وَقَدْ أَفْتَى كَثِيرُونَ مِنْ شُيُوخِ الْمُسْلِمِينَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ . وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ ذَكَرَتْ الْمَالَ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ هُوَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ جَائِزٌ فِي الْمَنْقُولَاتِ , جَوَازَ بَيْعِ الْوَفَاءِ فِي الْمَالِ الْمَنْقُولِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمَنْقُولِ فَقَطْ . وَقَدْ قَصَدَ بِكَلِمَةِ ( الْمَالُ ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَتْنِ التُّرْكِيِّ بَدَلًا مِنْ كَلِمَةِ , الْمَبِيعِ , الَّتِي جَاءَتْ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ الْعَرَبِيّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْمُسْتَغَلَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَالْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَيْعُ بِالْوَفَاءِ , وَالْفَرَاغُ بِالْوَفَاءِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِمَا يَفْتَرِقُ عَنْ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ اسْمًا وَحُكْمًا . ( الْمَادَّةُ 119 ) ( بَيْعُ الِاسْتِغْلَالِ هُوَ بَيْعُ وَفَاءٍ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ الْبَائِعُ ) وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ إنَّ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ هُوَ بَيْعُ الْوَفَاءِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي . يُفْهَمُ مِنْ هَذَا ( بِأَنَّ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ مُرَكَّبٌ مِنْ بَيْعِ وَفَاءٍ وَعَقْدِ إجَارَةٍ ) فَتَاوَى أَبُو السُّعُودِ فِي الْبَيْعِ . مِثَالٌ : فَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ لِآخَرَ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ عِنْدَ إعَادَةِ الثَّمَنِ وَعَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا لَهُ وَبَعْدَ إخْلَاءِ الدَّارِ وَتَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي اسْتَأْجَرَهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَلْفِ قِرْشٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ فَهَذَا الْبَيْعُ هُوَ بَيْعُ اسْتِغْلَالٍ وَالْأَلْفُ قِرْشٍ غَلَّةُ الْبَيْعِ هِيَ الْفَائِدَةُ الَّتِي تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ . وَلَمَّا كَانَتْ الْمَجَلَّةُ لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ أَلْبَتَّةَ وَبِمَا أَنَّ مَسَائِلَ الِاسْتِغْلَالِ تَتَعَلَّقُ بِالْإِجَارَةِ مُبَاشَرَةً فَقَدْ عَزَمْنَا عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ عَنْهَا فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ . ( الْمَادَّةُ 120 ) ( الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : بَيْعُ الْمَالِ بِالثَّمَنِ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ أَشْهَرُ الْبُيُوعِ يُسَمَّى بِالْبَيْعِ . الْقِسْمُ الثَّانِي : هُوَ الصَّرْفُ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : السَّلَمُ ) . إنَّ الْبَيْعَ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي الْمَادَّةِ ( 105 ) وَيُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ هَذِهِ الْمَادَّةِ . وَتَعَارِيفُ هَذِهِ الْبُيُوعِ سَتَأْتِي فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ . ( الْمَادَّةُ 121 ) ( الصَّرْفُ بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ ) يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الصَّرْفِ هُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ الْمَسْكُوكِ أَوْ غَيْرِ الْمَسْكُوكِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْفِضَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ مِثْلِهَا فِضَّةً . فَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ جُنَيْهًا مِصْرِيًّا أَوْ لِيرَةً عُثْمَانِيَّةً وَأَخَذَ مِنْهُ مُقَابِلَهَا نُقُودًا فِضِّيَّةً أَوْ نُقُودًا ذَهَبِيَّةً مِنْ ( أَجْزَاءِ اللِّيرَةِ ) فَذَلِكَ الْبَيْعُ هُوَ بَيْعُ الصَّرْفِ . وَأَحْكَامُ بَيْعِ الصَّرْفِ وَمَسَائِلُهُ الْمَخْصُوصَةُ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ أَمَّا الْمَجَلَّةُ فَلَمْ تَأْتِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا .
____________________
(1/98)
( الْمَادَّةُ 122 ) ( بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ أَيْ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ ) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَايَضَةِ ( 1 ) أَلَّا يَكُونَ الْمَالَيْنِ نَقْدًا ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الِاثْنَانِ نَقْدَيْنِ فَالْبَيْعُ صَرْفٌ وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا فَالْبَيْعُ يَكُونُ هُوَ الْبَيْعَ الْمَشْهُورَ . ( 2 ) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَالَيْنِ عَيْنًا . كَمُبَادَلَةِ فَرَسٍ مُعَيَّنٍ بِفَرَسٍ مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَبَيْعُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِآخَرَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ فَرَسًا مُعَيَّنًا بِخَمْسِينَ كَيْلَةً مِنْ الْحِنْطَةِ دَيْنًا لَا يُعَدُّ مُقَايَضَةً بَلْ يَكُونُ بَيْعًا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ الَّتِي جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ ( 120 ) . ( الْمَادَّةُ 123 ) ( بَيْعُ السَّلَمِ مُؤَجَّلٌ بِمُعَجَّلٍ ) وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا وَاسْتِلَامُ الْمَبِيعِ مُؤَجَّلًا . وَهُوَ بِعَكْسِ الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ فَالْبَيْعُ الْمُؤَجَّلُ هُوَ الَّذِي فِيهِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مُعَجَّلًا وَالثَّمَنُ مُؤَجَّلًا . فَيُقَالُ فِي هَذَا الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي ( صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ ) ( رَبُّ السَّلَمِ ) ( وَمُسَلِّمٌ ) بِكَسْرِ اللَّامِ مَعَ تَشْدِيدِهَا وَلِلْبَائِعِ ( مُسَلَّمٌ إلَيْهِ ) وَلِلثَّمَنِ ( رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ ) وَلِلْمَالِ الْمُبَاعِ ( مُسْلَمٌ فِيهِ ) - رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي السَّلَمِ . وَكَمَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَالًا قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا . هَذَا وَالْبَيْعُ كَمَا مَرَّ مَعَنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ يُقْسَمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : ( 1 ) - الْمُسَاوَمَةُ ( 2 ) - الْمُرَابَحَةُ ( 3 ) - التَّوْلِيَةُ ( 4 ) - الْوَضِيعَةُ . بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ - هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْمَالَ كَأَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ لِآخَرَ ثَوْبَ قُمَاشٍ بِمِائَةِ قِرْشٍ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ لِلْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ الَّتِي كَانَ دَفَعَهَا ثَمَنًا لِذَلِكَ الْقُمَاشِ . بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ - هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ بَيَانِ الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى رِبْحٍ مَعْلُومٍ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : قَدْ كَلَّفَنِي هَذَا الْمَالُ مِائَةَ قِرْشٍ فَأَبِيعُهُ لَك بِمِائَةٍ وَعَشْرَةِ قُرُوشٍ . بَيْعُ التَّوْلِيَةِ - هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ بَيَانِ الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ مَالًا بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِعَشْرٍ أَيْضًا . بَيْعُ الْوَضِيعَةِ - هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِنَقْصٍ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ عَمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ الْبَائِعُ . وَذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ مَالًا بِعَشْرَةِ جُنَيْهَاتٍ فَيَبِيعَهُ بِسَبْعَةٍ . ( الْمَادَّةُ 124 ) ' الِاسْتِصْنَاعُ عَقْدُ مُقَاوَلَةٍ مَعَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا فَالْعَامِلُ صَانِعٌ وَالْمُشْتَرِي مُسْتَصْنِعٌ وَالشَّيْءُ مَصْنُوعٌ ' . الِاسْتِصْنَاعُ : لُغَةً طَلَبُ الْعَمَلِ وَتَعْرِيفُهُ الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ هُوَ التَّعْرِيفُ الشَّرْعِيُّ لَهُ وَشُرُوطُهُ أَن
____________________
(1/99)
ْ يَكُونَ الْعَمَلُ وَالْعَيْنُ مِنْ الصَّانِعِ وَإِلَّا فَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ عَقْدُ إجَارَةٍ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 421 ) مِثَالٌ : إذَا قَاوَلَ شَخْصٌ خَيَّاطًا عَلَى صُنْعِ جُبَّةٍ , وَقُمَاشُهَا وَكُلُّ لَوَازِمِهَا مِنْ الْخَيَّاطِ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَصْنَعَهُ تِلْكَ الْجُبَّةَ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُدْعَى بِالِاسْتِصْنَاعِ . أَمَّا لَوْ كَانَ الْقُمَاشُ مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ وَقَاوَلَهُ عَلَى صُنْعِهَا فَقَطْ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَأْجَرَهُ وَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ عَقْدُ إجَارَةٍ لَا عَقْدَ اسْتِصْنَاعٍ . ( الْمَادَّةُ 125 ) ( الْمِلْكُ مَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ سَوَاءٌ كَانَ أَعْيَانًا أَوْ مَنَافِعَ ) أَيْ أَنَّهُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ . أَعْيَانٌ - جَمْعُ عَيْنٍ وَقَدْ جَاءَ تَعْرِيفُهَا فِي الْمَادَّةِ ( 159 ) الْمَنَافِعُ - جَمْعُ مَنْفَعَةٍ وَهِيَ الْفَائِدَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِاسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ فَكَمَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُسْتَحْصَلُ مِنْ الدَّارِ بِسُكْنَاهَا تُسْتَحْصَلُ مِنْ الدَّابَّةِ بِرُكُوبِهَا . وَلَمَّا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ كَالْحَرَكَةِ مِنْ الْأَعْرَاضِ الزَّائِلَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فَيَجِبُ قِيَاسًا أَلَّا تَكُونَ مَحِلًّا لِلْعَقْدِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ بِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ قَدْ أَعْطَاهَا حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَجَوَّزَ بِأَنْ تَكُونَ مَحِلًّا لِلْعَقْدِ فَأَقَامَ الْعَقْدَ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعُقُودِ فَيُقَالُ فِي تَأْجِيرِ دَارٍ مَثَلًا قَدْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَتَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِقَبُولِ الْمُسْتَأْجِرِ , أَمَّا إذَا قِيلَ : قَدْ أَجَّرْتُكَ مَنْفَعَةَ الدَّارِ فَعَلَى قَوْلٍ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ فَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ ( إزميري ) وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً وَصَحِيحَةً وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ . ( الْمَادَّةُ 126 ) ( الْمَالُ هُوَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُ الْإِنْسَانِ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ ) فَكُلُّ شَيْءٍ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ لَمْ يُبَحْ وَكُلُّ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ بِالْفِعْلِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذَا التَّعْرِيفِ . هَذَا وَيُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ ( مَالِيَّةِ ) الشَّيْءِ وَبَيْنَ تَقَوُّمِهِ فَالْمَالِيَّةُ تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ جَمِيعِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَمَّا التَّقَوُّمُ فَيَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ وَجَعْلِ الشَّرْعِ إيَّاهُ مُبَاحًا لِلِانْتِفَاعِ ( حَمَوِيٌّ ) . الِادِّخَارُ - بِتَشْدِيدِ الدَّالِ هُوَ الْجَمْعُ . أَمَّا بِقَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ ( وَهُوَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُ الْإِنْسَانِ ) فَيَخْرُجُ لَحْمُ الْمَيْتَةِ , وَالْإِنْسَانُ الْحُرُّ . وَبِقَوْلِهِ ( وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ ) يَخْرُجُ كُلُّ مَا لَا يَقَعُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ كَحَبَّةٍ مِنْ الْقَمْحِ مَثَلًا إلَى كُلِّ مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهَا مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ , وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ الْمَنَافِعِ غَيْرِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَاَلَّتِي لَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهَا وَحِفْظُهَا . وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِإِخْرَاجِهِ مَا مَرَّ تَامًّا ; لِأَنَّ حَبَّةَ الْقَمْحِ وَمَا حَبَّةٌ مِنْ الْقَمْحِ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَتْ مِمَّا يُدَّخَرُ . وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَلَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهَا إذْ لَا ادِّخَارَ بِدُونِ بَقَاءٍ وَإِنْ عُدَّتْ الْمَنْفَعَةُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَمَا مَرَّ بِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ مُتَقَوِّمَةً ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . هَذَا وَيُفْهَمُ مَا مَرَّ مَعَنَا مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْمَالِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَكُلُّ مَالٍ
____________________
(1/100)
كَفَرَسٍ مَثَلًا مِلْكٌ وَلَيْسَ كُلُّ مِلْكٍ كَالْمَنَافِعِ مَثَلًا يُعَدُّ مَالًا . ( الْمَادَّةُ 127 ) ( الْمَالُ الْمُتَقَوِّمِ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ : الْأَوَّلُ : مَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ . وَالثَّانِي : بِمَعْنَى الْمَالِ الْمُحْرَزِ فَالسَّمَكُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِذَا اُصْطِيدَ صَارَ مُتَقَوِّمًا بِالْإِحْرَازِ ) . فَالْمَعْنَى الْأَوَّلِيُّ هُوَ مَعْنَى الْمَالِ الشَّرْعِيِّ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ . فَلَحْمُ الْخَرُوفِ الْمَذْبُوحِ مَثَلًا , بِمَا أَنَّ أَكْلَهُ وَتَنَاوُلَهُ مُبَاحٌ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مَالٌ وَمُتَقَوِّمٌ أَيْضًا . أَمَّا لَحْمُ غَيْرِ الْمَذْبُوحِ كَالْمَخْنُوقِ خَنْقًا فَبِمَا أَنَّ أَكْلَهُ وَتَنَاوُلَهُ حَرَامٌ وَمَمْنُوعٌ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُعَدُّ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ وَإِنْ عَدَّهُ الْبَعْضُ مَالًا . كَذَلِكَ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ وَإِنْ تَكُنْ وَفْقًا لِهَذَا الْمَعْنَى مُتَقَوِّمَةً أَيْ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُبَاحٌ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ كَمَا قَدْ أَسْلَفْنَا . كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا يُعَدُّ مَالًا . فَعَلَى هَذَا يُفْهَمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فُقِدَ مِنْهُ كُلٌّ مِنْ التَّمَوُّلِ وَالتَّقَوُّمِ فَلَا يَكُونُ مَالًا وَلَا يُعَدُّ مُتَقَوِّمًا وَسَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ ( 363 ) الْإِيضَاحُ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ ( الْمُتَقَوِّمِ ) فِي كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي . ( الْمَادَّةُ 128 ) الْمَنْقُولُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُمْكِنُ نَقْلُهُ مِنْ مَحِلٍّ إلَى آخَرَ وَيَشْمَلُ النُّقُودَ وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ . وَكَذَلِكَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ الْمَمْلُوكَةُ الْوَاقِعَةُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ أَوْ فِي الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ هِيَ فِي حُكْمِ الْمَنْقُولِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1019 ) . فَلِلْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ اعْتِبَارَانِ : ( 1 ) - فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ مَعَ الْأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ عَلَيْهَا تُعَدُّ حِينَئِذٍ عَقَارًا . ( 2 ) - أَمَّا إذَا اُعْتُبِرَتْ لِوَحْدِهَا بِدُونِ الْأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ عَلَيْهَا فَتُعَدُّ مَنْقُولًا . هَذَا وَبِمَا أَنَّ الْمَذْرُوعَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ دَاخِلَةٌ فِي الْعُرُوضِ فَلَمْ تَرَ الْمَجَلَّةُ حَاجَةً لِتَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ . ( الْمَادَّةُ 129 ) غَيْرُ الْمَنْقُولِ مَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ مِنْ مَحِلٍّ إلَى آخَرَ كَالدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ مِمَّا يُسَمَّى بِالْعَقَارِ . وَعَلَيْهِ يُفْهَمُ بِأَنَّ الْعَقَارَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَبْنِيٍّ كَالدُّورِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي وَغَيْرِ مَبْنِيٍّ وَهُوَ الْأَرَاضِي إلَّا أَنَّ الْبِنَاءَ بِدُونِ الْأَرْضِ يُعَدُّ مَنْقُولًا ( بَحْرٌ وَذَخِيرَةٌ ) فَإِذَا بَنَى أَحَدٌ دَارًا مَثَلًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَتَكُونُ الدَّارُ مَنْقُولًا . ( الْمَادَّةُ 130 ) النُّقُودُ جَمْعُ نَقْدٍ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ . سَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ وَيُقَالُ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ النَّقْدَانِ وَالْحِجَارَانِ وَدَعَتْهُمَا الْمَادَّةُ 122 بِالنَّقْدَيْنِ . وَقَدْ اُعْتُبِرَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ هُمَا الْمِقْيَاسُ الَّذِي تُقَدَّرُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ وَقِيمَتُهَا وَيُعَدَّانِ ثَمَنًا . أَمَّا النُّقُودُ النُّحَاسِيَّةُ وَالْأَوْرَاقُ النَّقْدِيَّةُ ( البانكنوط ) فَتُعَدُّ سِلْعَةً وَمَتَاعًا فَهِيَ فِي وَقْتِ رَوَاجِهَا تُعْتَبَرُ
____________________
(1/101)
مِثْلِيَّةً وَثَمَنًا وَفِي وَقْتِ الْكَسَادِ تُعَدُّ قِيَمِيَّةً وَعُرُوضًا ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1339 ) رَدُّ الْمُحْتَارِ . وَالنُّقُودُ الْمَعْدِنِيَّةُ الْمُتَدَاوَلَةُ فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ لَيْسَتْ بِثَمَنٍ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي شِرَاءِ الْأَشْيَاءِ الْبَخْسَةِ فَهِيَ بِمَقَامِ أَجْزَاءٍ ضُرِبَتْ لِلتَّسْهِيلِ عَلَى النَّاسِ إذْ لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي شِرَاءَ شَيْءٍ بِقِرْشٍ فَلَيْسَ فِي إمْكَانِهِ اسْتِخْرَاجُ الْمِقْدَارِ الْمُسَاوِي لِهَذِهِ الْقِيمَةِ فِضَّةً مِنْ الرِّيَالِ أَوْ ذَهَبًا مِنْ الْجُنَيْهِ ( الدُّرُّ الْمُنْتَقَى ) ( الْمَادَّةُ 131 ) الْعُرُوض جَمْعُ عَرَضٍ بِالتَّحْرِيكِ وَهِيَ مَا عَدَا النُّقُودِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَالْمَتَاعِ وَالْقُمَاشِ وَكَذَلِكَ الْكِتَابُ , وَالْمَلْبُوسَاتُ , وَاللِّحَافُ , وَالْكُرْسِيُّ , وَالْفِرَاشُ , وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلُّهَا عُرُوضٌ أَمَّا الْعَقَارُ فَلَيْسَ بِعَرَضٍ . هَذَا وَقَدْ جَاءَتْ ( كَلِمَةُ عَرْضٍ ) فِي الصِّحَاحِ بِسُكُونِ الرَّاءِ ( عُرُوضٌ ) وَذَكَرَ بِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْأَمْوَالِ مَا عَدَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَمَّا فِي ' الْمُغْرِبِ ' فَقَدْ جَاءَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي مَتْنِ الْمَادَّةِ عَلَى أَنَّ الْعَرَضَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ فِي الْعُرُوضِ . ( الْمَادَّةُ 132 ) الْمَقْدُورَاتُ مَا تَتَعَيَّنُ مَقَادِيرُهَا بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ الذِّرَاعِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِلْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ , وَالْمَذْرُوعَاتِ . وَيُقَالُ لِلْمَكِيلَاتِ , وَالْمَوْزُونَاتِ , وَالْعَدَدِيَّاتِ , وَالْمَذْرُوعَاتِ ( الْمُقَدَّرَاتُ الْأَرْبَعَةُ ) . ( الْمَادَّةُ 133 ) الْكَيْلِيُّ وَالْمَكِيلُ هُوَ مَا يُكَالُ بِهِ وَيُقَالُ لَهُ كَيْلٌ أَيْضًا كَمَا جَاءَ فِي الْمَتْنِ التُّرْكِيِّ الْكَيْلُ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ سَيْلٍ . وَكَمَا أَنَّ الْكَيْلَ يَجِيءُ بِمَعْنَى كَيْلِ الشَّيْءِ يَجِيءُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمِكْيَالِ . وَكَلِمَةُ كَيْلٍ الْوَارِدَةُ فِي الْمَتْنِ التُّرْكِيِّ قَدْ أُرِيدَ بِهَا الِاحْتِرَازُ عَمَّا يُكَالُ بِالذِّرَاعِ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ وَالْكَيْلِيُّ : هُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالذُّرَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبَاتِ الَّتِي تُبَاعُ بِالْكَيْلِ . ( الْمَادَّةُ 134 ) الْوَزْنِيُّ وَالْمَوْزُونُ هُوَ مَا يُوزَنُ الْوَزْنِيُّ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الزَّايِ جَمْعُهُ وَزْنِيَّاتٌ . وَالْوَزْنِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْوَزْنِ وَيُجْمَعُ مَوْزُونٌ عَلَى مَوْزُونَاتٍ وَالْوَزْنُ - هُوَ اخْتِبَارُ الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ . ( الْمَادَّةُ 135 ) الْعَدَدِيُّ وَالْمَعْدُودُ هُوَ مَا يُعَدُّ الْعَدَدِيُّ - بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَنْسُوبِ مِنْ الْعَدَدِ وَيُجْمَعُ عَلَى عَدَدِيَّاتٍ وَالْمَعْدُودُ - بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيُجْمَعُ عَلَى مَعْدُودَاتٍ
____________________
(1/102)
. وَالْعَدُّ : هُوَ ضَمُّ أَعْدَادٍ إلَى أُخْرَى غَيْرِهَا ( الْمَادَّةُ 136 ) الذَّرِعِي أَوْ الْمَذْرُوعُ هُوَ مَا يُقَاسُ بِالذِّرَاعِ كَالْقُمَاشِ , وَالْعَرْصَةِ , وَالْبُسْتَانِ وَمَا إلَيْهَا ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1148 ) وَيُجْمَعُ ذَرْعِيٌّ عَلَى ذَرْعِيَّاتٍ , وَمَذْرُوعٌ عَلَى مَذْرُوعَاتٍ وَيُرَادُ بِقَوْلِ الْمَتْنِ ( بِالذِّرَاعِ ) الِاحْتِرَازُ عَنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُكَالُ كَيْلًا ( الْمَادَّةُ 137 ) الْمَحْدُودُ هُوَ الْعَقَارُ الَّذِي يُمْكِنُ تَعْيِينُ حُدُودِهِ وَأَطْرَافِهِ كَالْعَرْصَةِ وَالْمَزْرَعَةِ حُدُودٌ : جَمْعُ حَدٍّ وَالْحَدُّ لُغَةً مَعْنَاهُ الْمَنْعُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَائِلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ ; لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ اخْتِلَاطِهِمَا ( الْمَادَّةُ 138 ) الْمُشَاعُ مَا يَحْتَوِي عَلَى حِصَصٍ شَائِعَةٍ كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ وَالسُّدُسِ وَالْعُشْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِصَصِ السَّارِيَةِ إلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَالِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ وَقَدْ سُمِّيَتْ الْحِصَّةُ السَّارِيَةُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ شَائِعَةً لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا فِي أَيِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ حِصَصٌ : جَمْعُ حِصَّةٍ وَالْجَمْعُ هُنَا يُسْتَعْمَلُ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَالْمُشَاعُ : الشَّائِعُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيُطْلَقَانِ عَلَى الْحِصَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرِ الْمُقَسَّمَةِ ( طَحْطَاوِيٌّ ) وَعَلَيْهِ فَالْحِصَّةُ السَّارِيَةُ هِيَ الْحِصَّةُ الشَّائِعَةُ أَوْ الْمُشَاعَةُ وَمَجْمُوعُ الْحِصَصِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يُعَدُّ مُشَاعًا فَالْمَزْرَعَةُ الْمُشْتَرَكَةُ مِنْ حَيْثُ كُلُّ حِصَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا مُشَاعَةٌ وَمِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعُ غَيْرُ مُشَاعَةٍ . ( الْمَادَّةُ 139 ) الْحِصَّةُ الشَّائِعَةُ هِيَ السَّهْمُ السَّارِي إلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ . كَمَا لَوْ كَانَتْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ بِالتَّسَاوِي فَيَكُونُ كُلُّ مَا فِيهَا مِنْ غُرَفٍ , وَأَخْشَابٍ , وَحِجَارَةٍ , وَمَسَامِيرَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ شُرَكَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ ( الْمَادَّةُ 140 ) الْجِنْسُ : مَا لَا يَكُونُ بَيْنَ أَفْرَادِهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرَضِ مِنْهُ هَذَا التَّعْرِيفُ هُوَ التَّعْرِيفُ الْفِقْهِيُّ لِلْجِنْسِ أَمَّا تَعْرِيفُهُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ; فَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوجَدُ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ بَيْنَ أَفْرَادِهِ فِي الْغَرَضِ وَالْمَقْصِدِ . كَالْإِنْسَانِ فَهُوَ جِنْسٌ فِقْهِيٌّ ; لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لَا جِنْسٌ حَقِيقِيٌّ ; لِأَنَّ أَحْكَامَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَتَفَاوَتُ عَنْ بَعْضِهَا فَالرَّجُلُ أَهْلٌ لِلنُّبُوَّةِ , وَالْخِلَافَةِ , وَالْإِمَامَةِ , وَالشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِعَكْسِ الْمَرْأَةِ فَهِيَ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ . كَذَلِكَ الْقُمَاشُ جِنْسٌ فِقْهِيٌّ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَقْمِشَةِ الْمُتَغَايِرَةِ كَالْجُوخِ , وَالْحَرِيرِ , وَمِنْهُ الْهِنْدِيُّ وَالشَّامِيُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاعِ . النَّوْعُ : هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُوجَدُ تَفَاوُتٌ بَيْنَ أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ الْغَرَضُ كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , فَالرَّجُلُ نَوْعٌ ; لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ الرِّجَالِ أَهْلٌ لَأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ إمَامًا وَهُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ
____________________
(1/103)
وَالْقِصَاصِ . عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَفْرَادُ الَّتِي تَتَنَاوَلُهَا كَلِمَةُ ( رَجُلٍ ) فِي الْوَاقِعِ غَيْرَ مُتَسَاوِيَةٍ حُكْمًا فَمِنْهَا الْعَاقِلُ الَّذِي يَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَالْإِمَامَةِ وَمِنْهُمْ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . فَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَمَّا كَانَ اخْتِلَافًا عَارِضًا وَلَيْسَ بِأَصْلِيٍّ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ . هَذَا وَبِمَا أَنَّ أَهْلَ الْمِيزَانِ يَبْحَثُونَ فِي الْأَشْيَاءِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْعَرَضُ وَالْحَقِيقَةُ فَيَعُدُّونَ الْإِنْسَانَ نَوْعًا , أَمَّا أَهْلُ الشَّرْعِ فَبِمَا أَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ فَيَعُدُّونَهُ جِنْسًا وَعَلَيْهِ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ كُلِّهَا أَنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمَجَلَّةِ تَعْرِيفًا لِلْجِنْسِ غَيْرَ مُنْطَبِقٍ عَلَى تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ . وَقَدْ عَرَّفَتْ الْمَجَلَّةُ الْجِنْسَ هُنَا لِلُزُومِهِ فِي الْبُيُوعِ وَالْوَكَالَةِ . ( الْمَادَّةُ 141 ) الْجُزَافُ وَالْمُجَازَفَةُ : بَيْعُ مَجْمُوعٍ بِلَا تَقْدِيرٍ الْجُزَافُ : تَعْرِيبُ كَلِمَةِ ( كُزَافْ ) الْفَارِسِيَّةِ . وَهُوَ الْبَيْعُ بِالنَّظَرِ وَالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ ( شَرْحُ الْمَجْمَعِ ) . وَيَكُونُ الْجُزَافُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : 1 - فِي الْمَبِيعِ كَبَيْعِ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ بِدُونِ ذِكْرِ كَيْلِهَا وَبَيْعِ كَوْمِ تِبْنٍ بِدُونِ ذِكْرِ وَزْنِهِ . وَهَذَا هُوَ بَيْعُ الْجُزَافِ . وَسَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ ( 4218 ) مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ تَمَامَ التَّوْضِيحِ . 2 - فِي الثَّمَنِ : وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ اشْتَرَيْت دَارَك هَذِهِ بِمَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الْجُنَيْهَاتِ وَلَمْ يَكُنْ عَدَدُهَا وَلَا وَزْنُهَا مَعْلُومًا . وَهَذَا الْبَيْعُ لَا يَكُونُ بَيْعَ جُزَافٍ . 3 - فِي الْبَيْعِ وَفِي الثَّمَنِ مَعًا : وَذَلِكَ كَشِرَاءِ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ بِنُقُودٍ يُشَارُ إلَيْهَا وَمِقْدَارُ الْحِنْطَةِ وَمِقْدَارُ النُّقُودِ غَيْرُ مَعْلُومَيْنِ . وَهَذَا الْبَيْعُ يُعَدُّ جُزَافًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَبِيعِ . ( الْمَادَّةُ 142 ) حَقُّ الْمُرُورِ هُوَ حَقُّ الْمَشْيِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ مَمْلُوكَةً لِشَخْصٍ وَلِآخَرَ الْحَقُّ بِأَنْ يَمُرَّ مِنْهَا فَقَطْ . وَهَذَا الْحَقُّ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ ( 1227 ) . ( الْمَادَّةُ 143 ) حَقُّ الشُّرْبِ : هُوَ نَصِيبٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ مِنْ النَّهْرِ وَيَكُونُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا بِمَزْرَعَةٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ حَدِيقَةٍ . ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1262 ) وَيُعَيَّنُ مِقْدَارُ هَذَا الْحَقِّ بِالزَّمَنِ تَارَةً وَأُخْرَى بِأَنَابِيبَ أَوْ فَجَوَاتٍ ذَاتِ اتِّسَاعٍ مُعَيَّنٍ . ( الْمَادَّةُ 144 ) حَقُّ الْمَسِيلِ حَقُّ جَرَيَانِ الْمَاءِ وَالسَّيْلُ والتوكاف مِنْ دَارٍ إلَى الْخَارِجِ . أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمَحِلُّ الَّذِي يَسِيلُ إلَيْهِ الْمَاءُ مِلْكًا لِغَيْرِ صَاحِبِ الدَّارِ وَلِصَاحِبِ الدَّارِ حَقُّ الْإِسَالَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَقَطْ وَحَقُّ الْمَسِيلِ هَذَا كَحَقِّ الْمُرُورِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهَا
____________________
(1/104)
وَالْمَسِيلُ هُنَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يَسِيلُ الْمَاءُ مِنْهُ . وَحَقُّ الْمَسِيلِ بِمَعْنَى حَقِّ التَّسْيِيلِ أَوْ حَقِّ الْإِسَالَةِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 145 ) الْمِثْلِيُّ : مَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي السُّوقِ بِدُونِ تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ كَالْكَيْلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ مِثْلِ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 1119 ) ; لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ تَفَاوُتٌ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَآحَادِهِمَا فَذَلِكَ التَّفَاوُتُ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ وَيُبَاعُ الْكَبِيرُ مِنْهُمَا بِمِثْلِ مَا يُبَاعُ بِهِ الصَّغِيرُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . هَذَا وَلْيَكُنْ مَعْلُومًا بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَكِيلٍ وَلَا كُلُّ مَوْزُونٍ بِمِثْلِيٍّ فَالْقَمْحُ الْمَخْلُوطُ بِشَعِيرٍ وَالْكَأْسُ الْمَصْنُوعُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ لَيْسَا بِمِثْلِيَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَكِيلًا وَالثَّانِي مَوْزُونًا . ( الْمَادَّةُ 146 ) الْقِيَمِيُّ : مَا لَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي السُّوقِ أَوْ يُوجَدُ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ الْمُعْتَدِّ بِهِ فِي الْقِيمَةِ كَالْمِثْلِيِّ الْمَخْلُوطِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِشَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ كَمَا مَرَّ مَعَنَا , وَالْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ وَالْغَنَمُ , وَالْبَقَرُ وَالْبِطِّيخُ وَكَتْبُ الْخَطِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُوجَدُ تَفَاوُتٌ بَيْنَ أَفْرَادِهَا بِحَيْثُ تَتَفَاوَتُ فِي الْأَثْمَانِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا . فَفَرَسٌ مِنْ الْخَيْلِ قَدْ يُسَاوِي مِائَتَيْ جُنَيْهٍ وَآخَرُ قَدْ لَا يُسَاوِي مِعْشَارَ ذَلِكَ كَذَلِكَ الْغَنَمُ مِنْهَا مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ جُنَيْهَاتٍ وَمِنْهَا لَا يُسَاوِيَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ جُنَيْهٍ , وَالْبِطِّيخُ يُوجَدُ مِنْهُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تُسَاوِي خَمْسَةَ قُرُوشٍ وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُسَاوِي الْقِرْشَ الْوَاحِدَ , وَكِتَابٌ بِخَطٍّ جَيِّدٍ لَا يَسْتَوِي بِكِتَابِ رَدِيءِ الْخَطِّ . فَالْأَوَّلُ قَدْ يُسَاوِي الْعَشَرَةَ جُنَيْهَاتٍ أَمَّا الثَّانِي رُبَّمَا كَانَ لَا يُسَاوِي عُشْرَ مِعْشَارِ هَذِهِ الْقِيمَةِ . ( الْمَادَّةُ 147 ) الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا يَكُونُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَآحَادِهَا تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ فَجَمِيعُهَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1119 ) وَتُعَدُّ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 145 ) مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ عَلَى رَغْمِ التَّفَاوُتِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَآحَادِهَا ; لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ جُزْئِيٌّ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى أَثْمَانِهَا . ( الْمَادَّةُ 148 ) الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي يَكُونُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَآحَادِهَا تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ فَجَمِيعُهَا قِيَمِيَّاتٌ بِنِصْفِ قِرْشٍ وَأُخْرَى لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوشٍ أَوْ خَمْسَةٍ وَالْأَشْيَاءُ الْأُخْرَى الْقِيَمِيَّةُ كُلُّهَا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ . ( الْمَادَّةُ 149 ) رُكْنُ الْبَيْعِ : يَعْنِي مَاهِيَّتَهُ عِبَارَةٌ عَنْ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَيُطْلَقُ عَلَى
____________________
(1/105)
الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْضًا لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى الْمُبَادَلَةِ الرُّكْنُ هُنَا هُوَ الَّذِي إذَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ لَا يُمْكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَكَمَا يُطْلَقُ الرُّكْنُ عَلَى مَعْنَى ( الْمُتَمِّمِ لِمَاهِيَّةِ الشَّيْءِ ) قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى ( الْجُزْءِ لِمَاهِيَّةِ الشَّيْءِ ) كَقَوْلِهِمْ ( الْقِيَامُ رُكْنُ الصَّلَاةِ ) فَالْقِيَامُ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ . وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ . وَالْمُتَمِّمُ لِمَاهِيَّةِ الْبَيْعِ بِحَدِّ ذَاتِهِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَإِنْ أُطْلِقَ أَحْيَانًا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَوْ عَلَى التَّعَاطِي الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَدْلُولِ عَلَى الدَّالِّ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . وَيُفْهَمُ مِنْ مَاهِيَّةِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ مَالًا , فَتَنَزُّلُ الْإِمَامِ أَوْ الْخَطِيبِ أَوْ الْمُؤَذِّنِ عَنْ إمَامَتِهِ أَوْ وَظِيفَتِهِ لِآخَرَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ مِنْ الْمُتَوَلِّي وَلَا يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا تَنَزَّلَ عَنْهُ فِيمَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُتَنَزَّلَ عَنْهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يُعَدُّ بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ فَرَاغٌ وَتَنَزُّلٌ . ( الْمَادَّةُ 150 ) مَحِلُّ الْبَيْعِ هُوَ الْمَبِيعُ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 3663 ) . فَمَحِلُّ الْبَيْعِ وَالْمَبِيعِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا كَلِمَتَانِ مُتَرَادِفَتَانِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَالثَّمَنُ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَيْعِ وَيُخَالُ أَنَّهُ مَحِلٌّ لَهُ كَالْمَبِيعِ فَبِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْبَيْعُ فَهُوَ وَحْدَهُ مَحِلُّ الْبَيْعِ فَقَطْ . ( الْمَادَّةُ 151 ) الْمَبِيعُ : مَا يُبَاعُ وَهُوَ الْعَيْنُ الَّتِي تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَعْيَانِ , وَالْأَثْمَانُ وَسِيلَةٌ لِلْمُبَادَلَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا فَمَتَى تَعَيَّنَ فِي الْبَيْعِ وَفْقًا لِمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 204 ) فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَ لِلْمُشْتَرِي سِلْعَةً أُخْرَى مُمَاثِلَةً لَهُ أَوْ أَحْسَنَ مِنْهُ , فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُكَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْمَخْزَنِ الْفُلَانِيِّ وَقَبِلَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهُ خِلَافَ الْحِنْطَةِ الْمُبَاعَةِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ مِنْ جِنْسٍ أَعْلَى مِنْ جِنْسِ تِلْكَ . وَلَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْبَيْعِ فَقَدْ اُشْتُرِطَ فِيهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَوَادِّ ( 194 و 197 و 198 ) أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ . أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 243 ) . فَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً مِنْ الْحِنْطَةِ وَكَانَ حِينَ الْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الْحِنْطَةَ الْمَذْكُورَةَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 115 ) وَلَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ إلَى حَالِ الصِّحَّةِ لَوْ أَصْبَحَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالِكًا لِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الْحِنْطَةِ حَتَّى وَلَوْ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي . أَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مَالًا بِمِائَةِ جُنَيْهٍ وَكَانَ لَا يَمْلِكُ الْمِائَةَ جُنَيْهٍ حِينَ الْعَقْدِ فَلَا يَطْرَأُ بِذَلِكَ خَلَلٌ مَا عَلَى الْعَقْدِ وَلَهُ بَعْدَئِذٍ أَنْ يَتَدَارَكَهَا وَيَدْفَعَهَا لِلْبَائِعِ ; لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَعْيَانِ , وَالْأَثْمَانُ إنْ هِيَ إلَّا وَسِيلَةٌ لِلْمُبَادَلَةِ . أَعْيَانٌ : جَمْعُ عَيْنٍ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ كَمَا عُرِّفَتْ فِي الْمَادَّةِ ( 159 ) تَشْمَلُ الثَّمَنَ الْمَوْجُودَ فَبِالنَّظَرِ
____________________
(1/106)
لِلْمُقَابَلَةِ الْوَارِدَةِ هُنَا يُعْلَمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْيَانِ إنْ هُوَ إلَّا غَيْرُ الثَّمَنِ . الْأَمْوَالُ : جَمْعُ مَالٍ وَكَلِمَةُ الْمَالِ وَإِنْ تَكُنْ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَادَّةِ ( 126 ) تَشْمَلُ الثَّمَنَ أَيْضًا وَلَكِنْ بِمَا أَنَّهَا جَاءَتْ هُنَا مُقَابِلَةً لِلثَّمَنِ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ الْأَثْمَانِ مِنْ الْأَمْوَالِ . ( الْمَادَّةُ 152 ) الثَّمَنُ مَا يَكُونُ بَدَلًا لِلْمَبِيعِ وَيَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ حَتَّى وَلَوْ أُشِيرَ إلَى الثَّمَنِ حِينَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ نَقْدًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ بَلْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ ( 243 ) لَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ . وَالثَّمَنُ : لُغَةً هُوَ قِيمَةُ الشَّيْءِ وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ فَنَقْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ هُوَ مِنْ نَقْلِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ . وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الثَّمَنُ بِمَعْنَى الْبَدَلِ مُطْلَقًا وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 463 ) بِهَذَا الْمَعْنَى فَسَيَأْتِي فِي شَرْحِهَا إيضَاحُهُ وَتَفْصِيلُهُ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ لِلثَّمَنِ مَعْنَيَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَيَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ , وَمَعْنَى أَنَّهُ بَدَلٌ : أَيْ أَنَّهُ الْمَالُ الَّذِي يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْمَبِيعِ . فَيَدْخُلُ فِيهِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمَكِيلَاتُ , وَالْمَوْزُونَاتُ , وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ وَالنُّقُودُ دُونَ الْأَعْيَانِ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَرَتُّبِهَا بِالذِّمَّةِ . وَيَدْخُلُ فِيهِ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي النُّقُودُ وَالْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْأَعْيَانُ غَيْرُ الْمِثْلِيَّةِ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَمَا إلَيْهَا هَذَا وَالثَّمَنُ نَوْعَانِ : النَّوْعُ الْأَوَّلُ : الثَّمَنُ الْمُسَمَّى . النَّوْعُ الثَّانِي : ثَمَنُ الْمِثْلِ . وَسَيَأْتِي فِي الْمَادَّتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ تَعْرِيفُهُمَا . وَقُصَارَى الْقَوْلِ أَنَّهُ بِمَا أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمَبِيعِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ . وَلِلسَّبَبِ نَفْسِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الْعَقْدِ وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ . وَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ . مِثَالٌ : لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَكَانَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ حِينَ الْعَقْدِ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِينَارًا فَاشْتَرَى بِهَا مَالًا وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْبَائِعِ تَلِفَتْ بِيَدِهِ فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ مَا عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فَسَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 155 ) . ( الْمَادَّةُ 153 ) الثَّمَنُ الْمُسَمَّى هُوَ الثَّمَنُ الَّذِي يُسَمِّيهِ وَيُعَيِّنُهُ الْعَاقِدَانِ وَقْتَ الْبَيْعِ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَ مُطَابِقًا لِلْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ نَاقِصًا عَنْهَا أَوْ زَائِدًا عَلَيْهَا . وَعَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى قَدْ يَكُونُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ الْحَقِيقِيَّةِ يَكُونُ أَيْضًا أَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ أَنْقَصَ .
____________________
(1/107)
مِثَالٌ : لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ فَرَسًا لَهُ قِيمَتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ خَمْسِينَ جُنَيْهًا بِخَمْسِينَ جُنَيْهًا فَيَكُونُ قَدْ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ لَوْ بَاعَهُ بِسِتِّينَ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ جُنَيْهَاتٍ زِيَادَةً عَنْ قِيمَتِهِ , أَمَّا لَوْ بَاعَهُ بِأَرْبَعِينَ فَيَكُون الثَّمَنُ الْمُسَمَّى قَدْ نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلْفَرَسِ . هَذَا وَلَمَّا كَانَتْ كَلِمَةُ ( قِيمَةٍ ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ هِيَ السِّعْرُ الْحَقِيقِيُّ لِثَمَنِ الْمَبِيعِ فَوَصْفُهَا بِالْحَقِيقِيَّةِ إنَّمَا هُوَ وَصْفٌ تَفْسِيرِيٌّ . حَاشِيَةٌ لِبَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالثَّمَنِ : 1 - الْغِشُّ الْغَالِبُ : هُوَ أَنْ تَكُونَ كَمِّيَّةُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فِي النُّقُودِ أَقَلَّ مِنْ الْكَمِّيَّةِ الْمَعْدِنِيَّةِ الْمَمْزُوجَةِ مَعَهَا كَأَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا وَالثُّلُثَانِ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَعَادِنِ الْأُخْرَى . 2 - الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ : وَذَلِكَ هُوَ النُّقُودُ الَّتِي تَكُونُ كَمِّيَّةُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فِيهَا أَزْيَدَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْأُخْرَى الْمَمْزُوجَةِ بِهَا . 3 - النَّقْدُ الْخَالِصُ : وَهُوَ النُّقُودُ الذَّهَبِيَّةُ أَوْ الْفِضِّيَّةُ الَّتِي لَمْ تُمْزَجْ بِمَعْدِنٍ آخَرَ مِنْ الْمَعَادِنِ . زُيُوفٌ : جَمْعُ زَيْفٍ هِيَ الدَّرَاهِمُ الَّتِي لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ مِثْلُ الْأَجْزَاءِ الْمَعْدِنِيَّةِ أَوْ النُّحَاسِيَّةِ الْبَحْتَةِ . 5 - الْكَسَادُ : وَهُوَ أَنْ يَبْطُلَ التَّدَاوُلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعُمْلَةِ وَيَسْقُطَ رَوَاجُهَا فِي الْبِلَادِ كَافَّةً . 6 - الِانْقِطَاعُ : هُوَ عَدَمُ وُجُودِ مِثْلِ الشَّيْءِ مَا فِي الْأَسْوَاقِ . وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمِثْلُ فِي الْبُيُوتِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَسْوَاقِ فَيُعَدُّ مُنْقَطِعًا . 7 - الرُّخْصُ : هُوَ تَنَزُّلُ قِيمَةِ شَيْءٍ مَا أَيْ نُقْصَانُهَا . 8 - الْغَلَاءُ : تَزَايُدُ قِيمَةِ الشَّيْءِ أَيْ ارْتِفَاعُهَا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 154 ) الْقِيمَةُ هِيَ الثَّمَنُ الْحَقِيقِيُّ لِلشَّيْءِ وَكَذَلِكَ ثَمَنُ الْمِثْلِ . : أَيْ أَنَّهَا الْمِقْيَاسُ لِلْمَالِ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ . فَالْقِيمَةُ بِمَا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمِقْيَاسِ فَلَا تَكُونُ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَتُجْمَعُ الْقِيمَةُ عَلَى قِيَمٍ كَعِنَبٍ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقِيَامِ ; لِأَنَّ السِّعْرَ لَمَّا كَانَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَتَاعِ فَقَدْ سُمِّيَ قِيمَةً . وَكَمَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 152 ) أَنَّ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى وَثَمَنَ الْمِثْلِ هُمَا مِنْ أَقْسَامِ الثَّمَنِ فَالثَّمَنُ هُوَ الْمُطْلَقُ الْأَعَمُّ أَمَّا الثَّمَنُ الْمُسَمَّى وَثَمَنُ الْمِثْلِ فَهُمَا الْمُطْلَقُ الْأَخَصُّ . عَلَى أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ ثَمَنِ الْمِثْلِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ فَيَجْتَمِعَانِ فِي مَادَّةٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي اثْنَتَيْنِ . مَادَّةُ الِاجْتِمَاعِ - هِيَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالَهُ الَّذِي يُسَاوِي مِائَةَ قِرْشٍ بِمِائَةِ قِرْشٍ ثَمَنًا مُسَمِّيًا فَالْمِائَةُ قِرْشٍ كَمَا أَنَّهَا الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِلْمَبِيعِ فَهِيَ الْقِيمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لَهُ أَوْ ثَمَنُ الْمِثْلِ . افْتِرَاقُ الْقِيمَةِ عَنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى - وَذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالًا يُسَاوِي مِائَةَ قِرْشٍ بِخَمْسِينَ قِرْشًا بَيْعًا فَاسِدًا وَتَلِفَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَتَلْزَمُهُ الْمِائَةُ قِرْشٍ قِيمَةُ الْمَبِيعِ الْحَقِيقِيَّةُ وَيَضْمَنُهَا لِلْبَائِعِ . فَهُنَا قَد
____________________
(1/108)
ْ وُجِدَتْ الْقِيمَةُ وَلَمْ يُوجَدْ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى . افْتِرَاقُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَنْ الْقِيمَةِ - وَذَلِكَ كَأَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ مَالًا يُسَاوِي مِائَةَ قِرْشٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بَيْعًا صَحِيحًا فَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ هِيَ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِلْمَبِيعِ وَلَيْسَتْ قِيمَتُهُ . ( الْمَادَّةُ 155 ) الْمُثَمَّنُ الشَّيْءُ الَّذِي يُبَاعُ بِالثَّمَنِ الْمُثَمَّنِ : مِنْ التَّثْمِينِ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى مَعَ فَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمُشَدَّدَةِ . التَّثْمِينُ : بِمَعْنَى وَضْعِ الْقِيمَةِ وَالسِّعْرِ . يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُثَمَّنِ وَالْمَبِيعِ بَلْ بَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَبَيْنَ الْمَادَّةِ ( 151 ) . فَالْمُثَمَّنُ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ( 152 ) بِتَعْرِيفِ الثَّمَنِ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُبَاعُ مُقَابِلَ بَدَلٍ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَمَّا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَإِنْ قُبِلَ لِلْبَدَلَيْنِ بَيْعٌ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مُثَمَّنٌ . فَعَلَى ذَلِكَ يُفْهَمُ بِأَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْمُثَمَّنِ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَالْمُثَمَّنُ هُوَ الْمُطْلَقُ الْأَخَصُّ , فَإِذَا بِيعَ مَالٌ مَثَلًا بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَكَمَا أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمَالِ مَبِيعٌ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا مُثَمَّنٌ . أَمَّا إذَا بِيعَ حِصَانٌ بِجَمَلٍ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ فَيُقَالُ لِلْحِصَانِ وَالْجَمَلِ : مَبِيعٌ , فَقَطْ . وَلَا تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا لَفْظَةُ مُثَمَّنٍ . هَذَا وَلَمَّا كَانَ فَهْمُ الْمَادَّتَيْنِ ( 252 و 253 ) فَهْمًا جَيِّدًا يَقْتَضِي مَعْرِفَةَ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فَنَرَى أَنْ نَأْتِيَ هُنَا بِالْإِيضَاحَاتِ الْآتِيَةِ : الْأَعْيَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهِيَ الْأَعْيَانُ الَّتِي تَكُونُ دَائِمًا أَثْمَانًا . وَتِلْكَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ . وَلَا يَكُونُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إلَّا ثَمَنٌ سَوَاءٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا ( الْبَاءُ ) وَهِيَ الْأَدَاةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ وَسَوَاءٌ كَانَ مُقَابِلُهُمَا فِي الْبَيْعِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ مِثْلُهُمَا أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَالْقِيَمِيَّاتِ . وَعَلَيْهِ لَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهَا فِي الْعَقْدِ وَإِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهَا . الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ الْأَعْيَانُ الَّتِي تَكُونُ أَبَدًا مَبِيعَةً . وَهَذِهِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالدُّورِ وَالْأَثْوَابِ وَمَا إلَيْهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ , وَهَذِهِ الْأَمْوَالُ سَوَاءٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا ( الْبَاءُ ) أَدَاةُ الثَّمَنِ وَاسْتُعْمِلَتْ مَعَهَا أَوْ لَمْ تَدْخُلْ وَسَوَاءٌ اُسْتُبْدِلَتْ بِأَمْوَالٍ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَلَا تَتَغَيَّرُ عَنْ وَضْعِيَّتِهَا وَتَبْقَى مَبِيعًا أَبَدًا لِهَذَا فَقَدْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً وَمَعْلُومَةً فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ صِحَّتِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 200 و 203 ) . الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مُتَرَاوِحًا بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَذَلِكَ كَالْمَكِيلَاتِ , وَالْمَوْزُونَاتِ , وَالْعَدَدِيَّاتِ , الْمُتَقَارِبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ . وَسَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ : 1 - إذَا تَقَابَلَتْ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ أَيْ كُلُّ مَا كَانَ غَيْرَ النَّقْدِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَهُنَاكَ احْتِمَالَانِ : الْأَوَّلُ : هُوَ كَوْنُ تِلْكَ الْمِثْلِيَّاتِ مُتَعَيِّنَةً وَعَلَى ذَلِكَ فَتُعَدُّ مِنْ الْمَبِيعَاتِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ : قَدْ بِعْتُ حِنْطَتِي الْمَوْجُودَةَ فِي الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ لَكَ بِكَذَا دِينَارًا وَعَقَدَ الْبَيْعَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْمِثْلِيَّاتُ تَكُونُ مَبِيعًا مُتَعَيَّنًا فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِ الْمَبِيعِ فِيهَا .
____________________
(1/109)
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي - كَوْنُ الْمِثْلِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ مُقْتَرِنَةٍ بِحَرْفِ ( الْبَاءِ ) أَدَاةِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ عَقْدَ سَلَمٍ وَالْمِثْلِيَّاتُ الْمَذْكُورَةُ ( مُسْلَمٌ فِيهِ ) . وَتَجِبُ فِيهِ مُرَاعَاةُ . شَرَائِطَ السَّلَمِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْتُ كَذَا كَيْلَةً حِنْطَةً بِكَذَا دِينَارًا فَالْحِنْطَةُ الْمَذْكُورَةُ مَبِيعٌ مُسْلَمٌ فِيهِ . ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . 2 - مَتَى تَقَابَلَتْ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ ( أَيْ كُلُّ الْأَمْوَالِ الْمِثْلِيَّةِ مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ ) بِعَيْنٍ وَفِي ذَلِكَ احْتِمَالَانِ أَيْضًا : الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ - هُوَ كَوْنُ الْمِثْلِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ مُتَعَيِّنَةً فَتَكُونُ بِذَلِكَ ثَمَنًا كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُكَ هَذَا الْحِصَانَ بِصُبْرَةِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ بِعْتُكَ صُبْرَةَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْحِصَانِ فَالْحِنْطَةُ تَكُونُ ثَمَنًا وَالْحِصَانُ مَبِيعًا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . الِاحْتِمَالُ الثَّانِي - هُوَ كَوْنُ الْمِثْلِيَّاتِ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ فَتَكُونُ تِلْكَ الْمِثْلِيَّاتُ مَبِيعًا وَمُسْلَمًا فِيهِ , وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ كَذَا كَيْلَةً مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْفَرَسِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ 2 ) . 3 - أَمَّا إذَا تَقَابَلَتْ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ أَيْ كُلُّ مَا كَانَ مِثْلِيًّا مِنْ الْأَمْوَالِ مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ بِأَمْثَالِهَا أَيْ بِمَالٍ مِثْلِيٍّ مِنْ نَوْعِهَا فَإِذَا كَانَ الْمُقَابِلُ ( بِالْكَسْرِ ) وَالْمُقَابَلُ ( بِالْفَتْحِ ) عَيْنًا فَيُعَدُّ الْبَدَلَانِ مَبِيعًا وَالْبَيْعُ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُ هَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةَ حِنْطَةٍ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ قَنَاطِيرَ أُرْزٍ فَالْبَدَلَانِ مَبِيعَانِ وَالْبَيْعُ بَيْعُ مُقَايَضَةٍ . ( الْمَادَّةُ 156 ) التَّأْجِيلُ : تَعْلِيقُ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ . وَهُوَ لُغَةً بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ وَتَحْدِيدِ الْأَجَلِ وَشَرْعًا هُوَ كَمَا وَرَدَ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْمَادَّةِ . وَيُقَالُ لِلزَّمَنِ الْمَضْرُوبِ فِي التَّأْجِيلِ وَلِلْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فِيهِ ( أَجَلٌ ) وَلِلدَّيْنِ ( مُؤَجَّلٌ ) وَيُقَالُ لِلدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ( الدَّيْنُ الْحَالُّ ) يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ التَّأْجِيلَ قَدْ خُصِّصَ أَوَّلًا : بِالدَّيْنِ ثَانِيًا : بِالْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ . أَمَّا إذَا أُجِّلَتْ الْعَيْنُ الَّتِي تَكُونُ ثَمَنًا أَوْ مَبِيعًا أَوْ كَانَ الْأَجَلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَمَجْهُولًا فَالتَّأْجِيلُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَالْبَيْعُ يَكُونُ فَاسِدًا . هَذَا وَالتَّأْجِيلُ لَازِمٌ فِي غَيْرِ الْقَرْضِ وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّلِ الرُّجُوعُ عَنْ تَأْجِيلِهِ . وَيَحْصُلُ التَّأْجِيلُ ( 1 ) حِينَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ اللَّذَيْنِ يُعْقَدَانِ عَلَى أَنْ يُؤَدَّى بَدَلُهُمَا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا . ( 2 ) بَعْدَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ اللَّذَيْنِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا تَعْجِيلُ الثَّمَنِ أَوْ الْبَدَلِ حِينَ الْعَقْدِ ثُمَّ يُؤَجَّلَانِ لِمُدَّةِ سَنَةٍ مَثَلًا ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 248 ) ' . هَذَا وَيُقَابِلُ تَأْجِيلَ الدَّيْنِ حُلُولُ أَجَلِهِ . ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 157 ) التَّقْسِيطُ تَأْجِيلُ أَدَاءِ الدَّيْنِ مُفَرَّقًا إلَى أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُعَيَّنَةٍ . هَذَا التَّعْرِيفُ هُوَ تَعْرِيفُ التَّقْسِيطِ الشَّرْعِيِّ وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ اللُّغَوِيُّ : فَهُوَ تَجْزِئَةُ الشَّيْءِ إلَى أَجْزَاءٍ وَذَلِكَ كَتَأْجِيلِ دَيْنٍ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ إلَى خَمْسَةِ أَسَابِيعَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ مِنْهُ مِائَةَ قِرْشٍ كُلَّ أُسْبُوعٍ .
____________________
(1/110)
فَعَلَى ذَلِكَ يُفْهَمُ بِأَنَّ فِي كُلِّ تَقْسِيطٍ يُوجَدُ تَأْجِيلٌ وَلَيْسَ فِي كُلِّ تَأْجِيلٍ يُوجَدُ تَقْسِيطٌ . وَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُوجَدُ بَيْنَ التَّأْجِيلِ وَالتَّقْسِيطِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ وَالتَّقْسِيطُ هُوَ الْمُطْلَقُ الْأَخَصُّ مِنْهُمَا . ( الْمَادَّةُ 158 ) الدَّيْنُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمِقْدَارٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ وَمِقْدَارٍ مِنْهَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ وَالْمِقْدَارُ الْمُعَيَّنُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ صُبْرَةِ الْحِنْطَةِ الْحَاضِرَتَيْنِ قَبْلَ الْإِفْرَازِ فَكُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الدَّيْنِ . وَالدَّيْنُ يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَوَالَةِ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ أَوْ اسْتِقْرَاضٍ وَالدَّيْنُ هُوَ مَالٌ حُكْمِيٌّ سَوَاءٌ كَانَ نَقْدًا أَوْ مَالًا مِثْلِيًّا غَيْرَ النَّقْدِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَلَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقِيٍّ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُدَّخَرُ وَأَنَّ اعْتِبَارَ الدَّيْنِ مَالًا حُكْمِيًّا إنَّمَا هُوَ ; لِأَنَّهُ بِاقْتِرَانِهِ بِالْقَبْضِ فِي الزَّمَنِ الْآتِي سَيَكُونُ قَابِلًا لِلِادِّخَارِ . أَمَّا الذِّمَّةُ فَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُهَا فِي الْمَادَّةِ الثَّامِنَةِ . هَذَا وَإِنَّ أَحْكَامَ الدَّيْنِ تَخْتَلِفُ عَنْ أَحْكَامِ الْعَيْنِ . فَالدَّيْنُ قَابِلٌ لِلْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ تَكُونُ فِي بَيْعِ السَّلَمِ ثَمَنًا بِعَكْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : 1 - هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمَدِينِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ . 2 - هُوَ الَّذِي وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ فَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مُشَارٍ إلَيْهِ . 3 - هُوَ الَّذِي وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَمُشَارًا إلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ الْمُفْرَزَةِ كَكَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ غَيْرِ مُفْرَزَةٍ فِي صُبْرَةِ حِنْطَةٍ . يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ كُلِّهَا أَنَّ الدَّيْنَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالشَّيْءِ الثَّابِتِ بِالذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْمِثَالُ الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُمَثَّلِ . أَمَّا الْقَرْضُ فَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمِثْلِيِّ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ . يُوجَدُ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْقَرْضِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ وَالْقَرْضُ هُوَ الْمُطْلَقُ الْأَخَصُّ . فَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَكَمَا أَنَّ الْمَالَ يُصْبِحُ مِلْكًا لَهُ تُصْبِحُ الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ فِي ذِمَّتِهِ مِلْكًا لِلْبَائِعِ وَبِإِعْطَاءِ الْمُشْتَرِي الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ لِلْبَائِعِ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ هَذِهِ إلَّا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُتَرَتِّبَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِاشْتِرَاءِ الْمَبِيعِ يَكُونُ بَاقِيًا ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يُؤَدِّ عَيْنَ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بَلْ إنَّمَا قَضَى مِثْلَهُ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي قَضَاهُ إيَّاهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ إذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ الْمُتَقَابِلَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَالْحَاصِلُ بِمَا أَنَّهُ كَمَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ الْبَيْعِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ لِلْبَائِعِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَيْضًا وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْبَائِعُ ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ فَيَحْصُلُ بَيْنَ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ تَقَاضٍ جَبْرِيٌّ فَلَا يَحِقُّ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُطَالَبَةُ الْآخَرِ أَشْبَاهٌ هَذَا وَيَتَفَرَّعُ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ أَدَاءِ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ التَّقَاضِي الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ : 1 - إذَا أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ بَعْدَ أَنْ أَوْفَاهُ الْمَدِينُ إيَّاهُ فَالْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ وَيَحِقُّ لِلْمَدِينِ
____________________
(1/111)
اسْتِرْدَادُ الْمَبْلَغِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلدَّائِنِ أَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ إبْرَاءَ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ ; لِأَنَّ إبْرَاءَ الِاسْتِيفَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ إقْرَارٍ بِقَبْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَائِهِ ( أَشْبَاهٌ رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . 2 - إذَا أَوْفَى الْمَدِينُ الدَّيْنَ الَّذِي فِي مُقَابِلِهِ رَهْنٌ فَتَلِفَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَبِمَا أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي فِي مُقَابِلِ الرَّهْنِ يَسْقُطُ فَيَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ إعَادَةُ مَا اسْتَوْفَاهُ وَفَاءً لِلدَّيْنِ ( الْمَادَّةُ 159 ) الْعَيْنُ : هِيَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ الْمُشَخَّصُ كَبَيْتٍ وَحِصَانٍ وَكُرْسِيٍّ وَصُبْرَةِ حِنْطَةٍ وَصُبْرَةِ دَرَاهِمَ حَاضِرَتَيْنِ وَكُلُّهَا مِنْ الْأَعْيَانِ . الْعَيْنُ : هِيَ لَفْظٌ مِنْ أَشْهَرِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَكْثَرِهَا مَعَانٍ . فَمِنْ مَعَانِيهَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ كَاسْتِعْمَالِهَا لِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَمِنْهَا الْمَجَازِيُّ . فَتَجِيءُ الْعَيْنُ بِمَعْنَى النَّفْسِ وَالذَّاتِ كَمَا تَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْحَاضِرِ الْمَوْجُودِ وَيُرَادُ بِهَا هُنَا الشَّيْءُ الْمُقَابِلُ لِلدَّيْنِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . يُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالِ الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ لَفْظَةَ الْعَيْنِ كَمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَقَارًا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ , وَالْمِثْلِيَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ , وَالْمَكِيلَاتِ , وَالْمَوْزُونَاتِ , وَالنُّقُودِ , وَالْعُرُوضِ ( الْمَادَّةُ 160 ) الْبَائِعُ : هُوَ مَنْ يَبِيعُ . هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَشْهُورُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَقَدْ تُطْلَقُ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا . ( الْمَادَّةُ 161 ) الْمُشْتَرِي هُوَ مَنْ يَشْتَرِي وَهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا هُوَ الْمَشْهُورُ لِكَلِمَةِ مُشْتَرِي وَقَدْ تُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ . ( الْمَادَّةُ 162 ) الْمُتَبَايِعَانِ هُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَيُسَمَّيَانِ عَاقِدَيْنِ أَيْضًا مُتَبَايِعَانِ مُثَنَّى مُتَبَايِعٍ وَعَاقِدَانِ مُثَنَّى عَاقِدٍ , وَكَلِمَةُ عَاقِدَيْنِ أَعَمُّ مِنْ مُتَبَايِعَيْنِ ; لِأَنَّهَا تَشْمَلُ كُلَّ عَاقِدَيْنِ لِعَقْدٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ عَقْدَ بَيْعٍ أَوْ عَقْدَ إجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ . ( الْمَادَّةُ 163 ) الْإِقَالَةُ : رَفْعُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَإِزَالَتُهُ . تَقَعُ إقَالَةُ الْبَيْعِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ كَأَقَلْتُ وَقَبِلْتُ وَبِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ . يَخْرُجُ بِقَوْلِنَا ' بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ ' فَسْخُ الْعُقُودِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ , وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ , وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ . وَمَعْنَى الْإِقَالَةِ , هُوَ رَفْعُ وَإِزَالَةُ الْعَقْدِ أَيْ فَسْخُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً أَوْ أَيَّ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ الْأُخْرَى اللَّازِمَةِ . وَذِكْرُ الْإِقَالَةِ هُنَا لَا يُسْتَدَلُّ مِنْهُ بِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْبَيْعِ فَهِيَ كَمَا تَقَعُ فِي الْبَيْعِ تَقَعُ أَيْضًا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ . وَلَمَّا كَانَ جَوْهَرُهَا وَاحِدًا وَحَقِيقَتُهَا لَا تَتَغَيَّرُ فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ جَمِيعِهَا فَلَمْ تُذْكَرْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مِنْ كُتُبِ الْمَجَلَّةِ . ( الْمَادَّةُ 164 ) التَّغْرِيرُ : تَوْصِيفُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ . تَغْرِيرٌ , عَلَى وَزْنِ تَفْعِيلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِخْدَاعِ . وَيُقَالُ لِلْخَادِعِ غَارٌّ وَلِلْمَخْدُوعِ مَغْرُورٌ .
____________________
(1/112)
وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : إنَّ مَالِيَ يُسَاوِي كَذَا وَهُوَ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ فَخُذْهُ , أَوْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : إنَّ مَالَكَ لَا يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ كَذَا , وَهُوَ يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , فَبِعْهُ لِي بِهِ . أَمَّا الْغُرُورُ فَهُوَ أَنْ يَخْدَعَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ : وَذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ مَالَهُ بِأَنْقَصَ مِمَّا يُسَاوِي بِدُونِ تَغْرِيرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ لِلْبَائِعِ : إنَّهُ لَا يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ كَذَا . ( الْمَادَّةُ 165 ) الْغَبْنُ الْفَاحِشُ : غَبْنٌ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ الْعُشْرِ فِي الْعُرُوضِ وَالْعُشْرِ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْخُمُسِ فِي الْعَقَارِ أَوْ زِيَادَةٍ . وَرُبْعُ الْعُشْرِ فِي الدَّرَاهِمِ بِالنَّظَرِ إلَى قِيَمِ الْأَشْيَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ أَيْضًا . يَعْنِي : أَنَّ إعْطَاءَ الْعَشَرَةِ بِعَشَرَةٍ وَرُبْعٍ , أَوْ أَخْذَ الْعَشَرَةِ وَرُبْعٍ بِعَشَرَةٍ فِي الدَّرَاهِمِ وَإِعْطَاءَ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ , أَوْ أَخْذَ مَا قِيمَتُهُ الْعَشَرَةُ وَنِصْفٌ بِعَشَرَةٍ فِي الْعُرُوضِ وَإِعْطَاءَ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِأَحَدَ عَشَرَ , أَوْ أَخْذَ مَا قِيمَتُهُ أَحَدَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَإِعْطَاءَ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَأَخْذَ مَا قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ فِي الْعَقَارِ يُعَدُّ غَبْنًا فَاحِشًا . وَوَجْهُ اخْتِلَافِ مِقْدَارِ الْغَبْنِ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ نَاشِئٌ عَنْ مِقْدَارِ التَّصَرُّفِ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ فَمَا كَانَ التَّصَرُّفُ بِهَا كَثِيرًا قَلَّ الْمِقْدَارُ الَّذِي يُعَدُّ فِيهَا غَبْنًا فَاحِشًا وَمَا كَانَ التَّصَرُّفُ بِهَا قَلِيلًا كَثُرَ فِيهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ . الْغَبْنُ , مِنْهُ الْفَاحِشُ وَذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَمِنْهُ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَبْلُغُ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ لِلْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَأَنْ يُعْطِيَ رَجُلٌ آخَرَ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ وَثُمْنٍ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْعَشَرَةَ وَثُمْنٍ بِعَشَرَةٍ فِي الدَّرَاهِمِ , أَوْ يُعْطِيَ الْعَشَرَةَ بِعَشَرَةٍ وَرُبْعٍ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْعَشَرَةَ وَرُبْعٍ بِعَشَرَةٍ فِي الْعُرُوضِ . وَالْعُرُوضُ هُنَا أَيْضًا تَشْمَلُ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ كَمَا قَدْ مَرَّ مَعَنَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ' 131 ' وَيُوجَدُ بَيْنَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَرْقٌ فِي الْأَحْكَامِ . فَبَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ صَحِيحٌ وَبَاطِلٌ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ . وَالْغَبْنُ الْيَسِيرُ وَلَوْ اقْتَرَنَ بِالتَّغْرِيرِ فَلَا يَكُونُ مُثْبِتًا لِخِيَارِ الْغَبْنِ , وَالتَّغْرِيرُ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَإِنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِالتَّغْرِيرِ فَيَجِبُ فِيهِ الْخِيَارُ . ( الْمَادَّةُ 166 ) الْقَدِيمُ : هُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ مَنْ يَعْرِفُ أَوَّلَهُ . فَمُنْتَهَى الْوَقْتِ الَّذِي يَعْلَمُهُ النَّاسُ يُعْتَبَرُ حَدًّا لِلْقِدَمِ . وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَلِمَةُ الْقَدِيمِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لِوُجُودِهِ عَدَمٌ وَلَكِنَّ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَ فِي تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ . عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ إضَافَةُ كَلِمَةٍ ' بِالْمُشَاهَدَةِ ' عَلَى التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى عَهْدٍ بَعِيدٍ كَمِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعْرَفُ زَمَنُ وُجُودِهَا بِمَا ذَكَرَهُ التَّارِيخُ عَنْهَا . وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْقَدِيمِ بِمَعْنَاهُ هَذَا فِي الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ وَفِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ .
____________________
(1/113)
الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرُكْنِ الْبَيْعِ ( الْمَادَّةُ 167 ) : الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ . وَيَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ الْقَبُولُ مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي حَصَلَ الْإِيجَابُ لَهُ وَإِلَّا فَالْقَبُولُ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرَهُ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا وَمَتَى اقْتَرَنَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَى إذْنِ أَحَدِ النَّاسِ أَوْ رِضَائِهِ . إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ الْآتِيَةُ : 1 - مُرَافَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ . 2 - وُجُودُ الْمُوجِبِ حِينَ الْقَبُولِ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ . 3 - أَلَا يَكُونَ الْمُوجِبُ قَدْ رَجَعَ عَنْ إيجَابِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ . 4 - أَلَا يَكُونَ الْمُخَاطَبُ قَدْ رَدَّ الْإِيجَابَ . 5 - أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَدْ سَمِعَا أَلْفَاظَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ . 6 - صُدُورُ كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ شَخْصٍ غَيْرِ الشَّخْصِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ الْآخَرُ . 7 - أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَانِ جَادَّيْنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ غَيْرَ هَازِلَيْنِ . فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ ' 177 ' وَالْمَوَادِّ الَّتِي تَلِيهَا . الشَّرْطُ الثَّانِي : هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ حِينَ الْقَبُولِ وَيَكُونَ أَهْلًا لِلْبَيْعِ . فَإِذَا تُوُفِّيَ الْمُوجِبُ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ فَإِيجَابُهُ يُصْبِحُ بَاطِلًا وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْمُخَاطَبِ بَعْدَ ذَلِكَ هِنْدِيَّةٌ ' . الشَّرْطُ الثَّالِثُ : سَيَأْتِي بَيَانُهُ ' فِي الْمَادَّةِ ' 184 , وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ . شَرْطُ الرُّجُوعِ : لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِيَكُونَ رُجُوعُ الْمُوجِبِ صَحِيحًا سَمَاعُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ إيَّاهُ . فَإِذَا وَجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُكَ مَالِي الْفُلَانِيَّ بِكَذَا وَقَبْلَ الْقَبُولِ رَجَعَ عَنْ إيجَابِهِ هَذَا فَأَجَابَهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ وَلَمْ يَسْمَعْ رُجُوعَهُ قَدْ قَبِلْت فَيُعْقَدُ الْبَيْعُ ' الْهِنْدِيَّةُ الشَّرْطُ الرَّابِعُ : إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ فَرَدَّ الثَّانِي إيجَابَهُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ فَلَوْ حَصَلَ الْقَبُولُ بَعْدَئِذٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ طَحْطَاوِيٌّ , ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 15 ) . الشَّرْطُ الْخَامِسُ : يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ سَمَاعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إيجَابَهُمَا وَقَبُولَهُمَا فَلَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْمَعْ الْبَائِعُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَلَكِنْ إذَا سَمِعَ الْحَاضِرُونَ قَبُولَ الْمُشْتَرِي فَادِّعَاءُ الْبَائِعِ
____________________
(1/114)
بِعَدَمِ السَّمَاعِ غَيْرُ مُصَدَّقٍ مَا لَمْ يَدَّعِ فَقْدَ السَّمْعِ أَوْ ضَعْفَهُ ' هِنْدِيَّةٌ ' . الشَّرْطُ السَّادِسُ : لَا يَصِحُّ قِيَامُ شَخْصٍ بِمُفْرَدِهِ مَقَامَ الْعَاقِدَيْنِ فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوَلِّي شَخْصٍ فِي عَقْدِ بَيْعٍ وَاحِدٍ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ مَعًا ; لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُتَمَلِّكٌ وَالثَّانِي مُمَلَّكٌ وَلَا تَجْتَمِعُ الصِّفَتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفِي شَيْءٍ وَاحِدٍ . وَعَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْبُيُوعُ الْآتِيَةُ صَحِيحَةً : 1 - إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِبَيْعِ مَالٍ وَوَكَّلَ آخَرُ الْوَكِيلَ بِاشْتِرَاءِ الْمَالِ فَبَاعَهُ مُوَكِّلَهُ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا ' مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' 2 - إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِبَيْعِ مَالٍ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ بَاعَ مَالَ الرَّجُلِ أَوْ اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا ( خُلَاصَةٌ فِي بَيْعِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ) . 3 - إذَا وَكَّلَ أَبٌ بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِابْنٍ صَغِيرٍ ثَانٍ لَهُ وَالْوَكِيلُ فَعَلَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ , أَمَّا إذَا وَكَّلَ أَبٌ شَخْصًا فِي بَيْعِ مَالٍ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَوَكَّلَ آخَرَ فِي شِرَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ لِوَلَدِهِ الْآخَرِ الصَّغِيرِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا . وَذَلِكَ لِوُقُوعِهِ مِنْ شَخْصَيْنِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1449 ) . عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْحُكْمِ مُسْتَثْنَيَاتٍ يَجُوزُ فِيهِمَا صُدُورُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ أَحْيَانًا فِيهِمَا بِالْإِيجَابِ فَقَطْ وَإِلَيْكَ إيَّاهُمَا . 1 - لِأَبِي الصَّغِيرِ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَأَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْبَيْعَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ الْأَنْقِرْوِيُّ فَقَدْ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مِنْ الْأَبِ مَقَامَ اللَّفْظَيْنِ بِدَاعِي الشَّفَقَةِ الْأَبَوِيَّةِ . مِثَالٌ : لَوْ أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ بَيْعَ مَالٍ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَقَالَ : بِعْت مَالِي مِنْ وَلَدِي الصَّغِيرِ فُلَانٍ بِكَذَا قِرْشًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَا حَاجَةٍ لِقَبُولِ الْأَبِ أَوْ قَبُولِ شَخْصٍ آخَرَ لِهَذَا الْبَيْعِ . وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ شِرَاءَ مَالِهِ لِنَفْسِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا . عَلَى أَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ إنَّمَا يَتِمُّ بِإِنْشَاءِ الْعَاقِدِ الْبَيْعَ بِأَلْفَاظٍ تُفِيدُ الْأَصَالَةَ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا رَأَيْت فِي الْمِثَالَيْنِ , أَمَّا إذَا أَنْشَأَ الْعَاقِدُ الْبَيْعَ بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَى الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَبُولِ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ . مِثَالٌ : لَوْ أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ شِرَاءَ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ قَائِلًا : قَدْ بِعْت مِنْ نَفْسِي هَذَا الْمَالَ الْمَمْلُوكَ لِوَلَدِي الصَّغِيرِ بِكَذَا دِينَارًا فَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَيْعَ فَلَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الْأَبَ بِقَوْلِهِ ' بِعْتُ ' فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ الْبَيْعَ بِصِفَتِهِ وَلِيًّا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لَوْ أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ هَذَا مِنْ وَلَدٍ صَغِيرٍ آخَرَ لَهُ . فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى هُنَا أَيْضًا طَرَفَيْ الْعَقْدِ أَنْقِرْوِيٌّ هِنْدِيَّةٌ ' . مِثَالٌ : لَوْ قَالَ الْأَبُ : قَدْ بِعْت هَذَا الْمَالَ الْمَمْلُوكَ لِوَلَدِي الصَّغِيرِ فُلَانٍ مِنْ وَلَدِي الصَّغِيرِ الْآخَرِ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ . وَيَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ هَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَبُو الْأَبِ , وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي هِنْدِيَّةٌ ' . وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي الْبَيْعِ رَسُولًا لِكِلَا الْعَاقِدَيْنِ هِنْدِيَّةٌ ' . الشَّرْطُ السَّابِعُ : رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ' 69 ' .
____________________
(1/115)
هَذَا وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْ الْبَيْعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدَاعِي أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يُرْبَطْ بِحُجَّةٍ أَوْ سَنَدٍ , أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّ مَجْلِسَ الْبَيْعِ لَمْ يُفَضَّ ; لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَيَكُونُ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّ الْمِلْكِيَّةِ الثَّابِتَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْبَائِعُ فَيَكُونُ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِيَّةِ الْبَيْعِ ' بَدَائِعُ ' . فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِكَذَا , وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُهُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَلَا فَائِدَةَ مِنْ رُجُوعِ الْبَائِعِ بَعْدَئِذٍ , وَقَوْلُهُ : نَدِمْتُ فَلَا أُرِيدُ بَيْعَ مَالِي ' رَاجِعْ الْمَادَّةَ 375 ' هِنْدِيَّةٌ ' . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَلِلْعَاقِدَيْنِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَنْ يُجِيزَهُ حَتَّى انْفِضَاضِ الْمَجْلِسِ وَإِذَا أَمْضَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْخِيَارِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ . أَمَّا إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَعَاقِدَانِ بَدَنًا أَوْ اخْتَارَا لُزُومَ الْعَقْدِ فَلَا خِيَارَ مَجْلِسٍ وَالتَّفَرُّقُ مِنْ الْمَجْلِسِ يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ ; لِأَنَّ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَدٌّ أَوْ مِقْدَارٌ فَيُرْجَعُ بِهَا إلَى الْعُرْفِ , وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ بِدُونِ أَنْ يَشْتَرِطَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتَّى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ خِيَارُ مَجْلِسٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ الْبَاجُورِيُّ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَسْتَدِلُّ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ { الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } . أَمَّا الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ فَيَقُولُونَ : إنَّ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُقْصَدُ بِهِ خِيَارُ رُجُوعِ الْقَوْلِ يَعْنِي إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُ فَيَحِقُّ لِلْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَنْ يَقُولَ : رَجَعْتُ عَنْ الْبَيْعِ , كَمَا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ الْبَيْعَ , وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْمَالَ فَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ : رَجَعْتُ , قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ , كَمَا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ : لَا أَقْبَلُ , فَالْخِيَارُ الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ هُوَ هَذَا الْخِيَارُ بَدَائِعُ ' . أَسْبَابُ الِاخْتِلَافِ : يُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِاسْتِعْمَالِ اسْمِ الْفَاعِلِ . إذَا كَانَ مَعْنَى الْمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ اسْمُ الْفَاعِلِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ كَاسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ ' ضَارِبٍ ' فِيمَنْ يَضْرِبُ فِي الْحَالِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ . 2 - إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرَ مَوْجُودٍ إلَّا أَنَّهُ سَيُوجَدُ فِي الْآتِي فَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي ذَلِكَ مَجَازِيٌّ كَاسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ ' ضَارِبٍ ' فِيمَنْ لَمْ يَضْرِبْ وَسَيَضْرِبُ وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . 3 - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَاضِي وَانْقَضَى فِي الْحَالِ فَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَجَازٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَقِيقَةٌ كَإِطْلَاقِ كَلِمَةِ ' ضَارِبٍ ' عَلَى مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الضَّرْبُ وَانْقَطَعَ . وَلَفْظَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْوَارِدَةُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ بِمَا أَنَّهَا قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَنْ وَقَعَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ فَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يُثْبِتُوا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَحَمَلُوا كَلِمَةَ التَّفَرُّقِ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ , وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَثْبَتُوا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَحَمَلُوا لَفْظَةَ التَّفَرُّقِ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ .
____________________
(1/116)
أَمَّا سَبَبُ وُجُوبِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا لِآخَرَ بِدُونِ قَبُولِهِ وَرِضَاهُ ; لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الرِّضَاءِ وَالْقَبُولِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا وُجُوبُ الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى الْمِيرَاثُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ . فَمَالُ الْمُوَرِّثِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ بِدُونِ رِضَا الْوَارِثِ - حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَارِثُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ . إنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَرَاخِيًا أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ أَوَّلًا وَالْقَبُولُ ثَانِيًا . فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ . وَإِمَّا أَنْ يَصْدُرَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَعَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ لَا يَنْعَقِدُ مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' الدُّرُّ الْمُنْتَقَى ' الْبَحْرُ , وَلَمْ يَرِدْ فِي الْمَجَلَّةِ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ صَرَاحَةً إلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمَجَلَّةِ فِي الْمَادَّةِ ' 101 ' وَالْمَادَّةِ ' 102 ' إنَّ الْإِيجَابَ هُوَ أَوَّلُ كَلَامٍ وَأَنَّ الْقَبُولَ هُوَ ثَانِي كَلَامٍ يَشْمَلُ اخْتِيَارُهَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ . يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مِنْ الَّذِي وُجِّهَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ فَلَوْ أَوْجَبَ شَخْصٌ الْبَيْعَ لِشَخْصٍ فَقَبِلَ الْبَيْعَ آخَرُ كَانَ مَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْحِصَانَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمْ يُجِبْ ذَلِكَ الشَّخْصُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّ الشَّخْصَ الْآخَرَ الْجَالِسَ بِجَانِبِ ذَلِكَ الشَّخْصِ قَالَ : قَبِلْت الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الْقَبُولَ وَقَعَ مِنْ شَخْصٍ لَمْ يُوَجَّهْ إلَيْهِ الْإِيجَابُ . وَلَكِنْ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ وَأَمَرَ الْمُوَجَّهُ إلَيْهِ الْإِيجَابُ آخَرَ مَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ فَقَبِلَهُ يُنْظَرُ مَاذَا قَبِلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَإِنْ كَانَ قَبِلَ الْبَيْعَ بِأَلْفَاظِ قَبُولِ الرَّسُولِ لِلْبَيْعِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَأَمَّا إذَا قَبِلَ بِأَلْفَاظِ قَبُولِ الْوَكِيلِ لِلْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . وَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدُونِ أَنْ يَتَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى إذْنِ أَحَدٍ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ كَيْفَمَا يَشَاءُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي تَصَرُّفِهِ لِإِذْنِ آخَرَ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ' 1192 ' وَعَلَى هَذَا فَكَمَا يَحِقُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ دَارِهِ وَأَمْوَالَهُ الْمَنْقُولَةَ لِشَخْصٍ آخَرَ بِدُونِ إذْنٍ فَكَذَلِكَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَشْجَارَهُ الْمَغْرُوسَةَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ مَرْبُوطَةٍ بِمُقَاطَعَةٍ أَوْ أَبْنِيَتِهِ الْمُنْشَأَةِ عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ بِدُونِ إذْنِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ . إلَّا أَنَّهُ قَدْ صَدَرَتْ إرَادَةٌ سَنِيَّةٌ بِتَارِيخِ 17 أَيْلُول سَنَةَ 1318 تَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْأَمْلَاكِ غَيْرِ الْمَنْقُولَةِ إذَا حَصَلَ الْبَيْعُ بِسَنَدَاتٍ عَادِيَّةٍ وَلَمْ يُرْبَطْ بِسَنَدَاتِ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ أَيْ سَنَدَاتِ الطَّابُو . ( الْمَادَّةُ 168 ) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ مُسْتَعْمَلَيْنِ لِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ فِي عُرْفِ الْبَلَدِ وَالْقَوْمِ . أَلْفَاظُ الْبَيْعِ هِيَ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَقَبِلْتُ وَرَضِيتُ وَقَوْلُكَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَكَ خَمْسَةُ قُرُوشٍ , وَهَذَا الشَّيْءُ فِدَاءٌ لَكَ , أَوْ أُمَلِّكُكَ هَذَا الشَّيْءَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْعِبَارَاتِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ فِي عُرْفِ الْبُلْدَانِ وَعَادَاتِ الْأُمَمِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْنِي هَذَا الْمَالَ بِكَذَا , فَقَالَ لَهُ الثَّانِي : بِعْته مِنْك فَقَبِلَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ : اشْتَرَيْتُهُ مِنْك أَوْ اشْتَرَيْت يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَكُونَا هَازِلَيْنِ . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَأَجَابَهُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ قَبِلْت يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظَةِ قَبِلْتُ . وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسٍ : إذَا دَفَعْت لِي أَلْفَ قِرْشٍ فِي حِصَانِي هَذَا أَبِيعُهُ فَدَفَعَ
____________________
(1/117)
الْمُشْتَرِي لَهُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ فِي نَفْسِ الْمَجْلِسِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَقَدْ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى فِعْلِ الْقَلْبِ ' الرَّغْبَةِ ' كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ إذَا : رَغِبْتَ فِي اشْتِرَاءِ هَذَا الشَّيْءِ فَقَدْ بِعْتُهُ مِنْكَ بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَيُجِيبُهُ الْآخَرُ نَعَمْ إنَّهُ يُوَافِقُنِي أَوْ أَحْبَبْتُهُ أَوْ رَغِبْتُ فِيهِ أَوْ أُرِيدُهُ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ . وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ ' الرَّدِّ ' كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ قَدْ رَدَدْتُ لَكَ هَذَا الْحِصَانَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَيُجِيبُهُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ قَبِلْتُ . وَكَذَلِكَ يَصِيرُ إيجَابُ الْبَيْعِ بِلَفْظِ أَدْخَلْتُكَ أَوْ أَشْرَكْتُكَ . وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظَةِ ( الْقَصْرِ ) كَأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِشَرِيكِهِ : قَصَرْت عَلَيْك حَقِّي فِي هَذَا الْحِصَانِ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَيُجِيبُهُ الشَّرِيكُ بِقَوْلِهِ قَبِلْت . وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ ' ادْفَعْ النُّقُودَ فَهُوَ لَك وَهُوَ فِدَاءٌ لَك هِنْدِيَّةٌ ' . وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ ' السَّلَمِ ' ' وَالْهِبَةِ ' كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ وَهَبْتُكَ مَالِي هَذَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِنْ أَجَابَهُ الْآخَرُ بِقَوْلِهِ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِكَلِمَتَيْ ' أَعْطَيْتُ وَمَلَّكْتُ ' كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ ' 169 ' . وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا بِقَوْلِ أَحَدِ الْمُتَابِعَيْنِ وَيَشْمَلُ الثَّانِي كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ : بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَبِقَبْضِ الْمُشْتَرِي لِلْمَالِ بِدُونِ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا . وَيَنْعَقِدُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ قَوْلِيٌّ لَا بَيْعُ تَعَاطٍ ; لِأَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي لَا يَتَضَمَّنُ إيجَابًا بَلْ يَتَضَمَّنُ قَبْضًا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِثَانٍ : كِلْ لِي كَيْلَةَ حِنْطَةٍ بِعِشْرِينَ قِرْشًا فَكَالَ لَهُ الثَّانِي صَامِتًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ , وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ فِي مَجْلِسٍ : قَدْ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْحِنْطَةِ بِخَمْسِينَ قِرْشًا وَأَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ وَتَصَدَّقَ الثَّانِي بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ تَصَدُّقَ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ تَصَدَّقَ الْبَائِعُ بِالْحِنْطَةِ بَعْدَ انْفِضَاضِ الْمَجْلِسِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ مُبْطِلٌ لِلْإِيجَابِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ' 183 ' وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ . كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُك هَذَا الْقُمَاشَ بِخَمْسِينَ قِرْشًا وَخَاطَ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْقُمَاشِ ثَوْبًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ هِنْدِيَّةٌ ' . وَيُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ ' إنْشَاءِ الْبَيْعِ ' أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِإِقْرَارِ الطَّرَفَيْنِ بِهِ فَلَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِبَيْعٍ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا بَيْنَهُمَا قَبْلًا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ كَمَا يَتَبَيَّنُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 1572 ) وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : كُنْتُ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِكَذَا قِرْشًا , فَأَجَابَهُ الثَّانِي : أَنَا لَمْ أَشْتَرِ مِنْك ذَلِكَ الْمَالَ , فَسَكَتَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُقِرَّ إنْكَارَ الثَّانِي . ثُمَّ أَقَرَّ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُنْكِرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بِاشْتِرَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ يَثْبُتُ الشِّرَاءُ ; لِأَنَّ حَقَّ الْبَيْعِ عَائِدٌ لِلْمُتَابِعَيْنِ فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ حَقٌّ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ كَالْهِبَةِ , وَالصَّدَقَةِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ . وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ : بِعْنِي هَذَا الْمَالَ بِكَذَا قِرْشًا , فَيُجِيبُهُ بِقَوْلِهِ : إنَّنِي أَرْغَبُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ طَحْطَاوِيٌّ . وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ : قَدْ أَقَلْتُكَ مَالِي هَذَا بِكَذَا قِرْشًا فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَجَابَهُ الْآخَرُ بِقَوْلِهِ : قَبِلْتُ هِنْدِيَّةٌ ' . يُفْهَمُ مِنْ جُمْلَةِ ' الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ إلَخْ ' أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : هَلْ تَبِيعُنِي مَالَك هَذَا بِكَذَا قِرْشًا ؟ فَأَشَارَ لَهُ الثَّانِي بِرَأْسِهِ إشَارَةَ قَبُولٍ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ; لِأَنّ
____________________
(1/118)
َ تَحْرِيكَ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ رَأْسَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إلَّا إذَا أَتْبَعَ الْإِشَارَةَ بِاللَّفْظِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَنْعَقِدُ . جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إنْشَاءِ الْبَيْعِ أَكْثَرُ مَا تَكُونُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الثَّانِيَةَ ) وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ صِيغَةِ الْمَاضِي فِي الْبَيْعِ يَكُونُ إنْشَاءً ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 101 ) . وَيُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْوَارِدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْإِيجَابَ إذَا كَانَ لَفْظِيًّا فَلَيْسَ بِضَرُورِيٍّ أَنْ يُعَادَ فِي الْقَبُولِ جَمِيعُهُ كَمَا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ قِرْشٍ فَأَجَابَهُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ : أَخَذْته مِنْك , أَوْ قَالَ الْأَوَّلُ : أَخَذْت مِنْك هَذَا بِمِائَةِ قِرْشٍ , فَأَجَابَهُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ : بِعْت , فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَلَا حَاجَةَ لَأَنْ يَقُولَ الْآخَرُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ فِي قَبُولِهِ وَلَا أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ . الْجِدُّ , شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْهَزْلِ إذْ لَا رِضَاءَ فِي عَقْدٍ يُبْنَى عَلَى الْهَزْلِ وَالْهَزْلُ لُغَةً اللَّعِبُ وَاصْطِلَاحًا قَصْدُ شَيْءٍ بِلَفْظٍ لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَلَا يَصْلُحُ لِلتَّجَوُّزِ فِيهِ . وَعَلَى هَذَا إذَا قُصِدَ بِالْمُبَايَعَةِ الْهَزْلُ وَجَبَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ إذْ لَا تُغْنِي دَلَالَةُ الْحَالِ عَنْ ذَلِكَ وَحْدُهَا . فَعَلَى الْهَازِلِ فِي بَيْعِهِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي إنِّي بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ هَازِلًا . وَإِذَا تَوَاطَأَ مُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي سَيُجْرِيَانِهِ بِحُضُورِ الشُّهُودِ يُرَادُ بِهِ الْهَزْلُ فَالتَّوَاطُؤُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْعَقْدَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِقَصْدِ الْهَزْلِ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ وَيَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ بَيْعَ هَزْلٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ هَلْ هُوَ هَزْلٌ أَوْ جِدٌّ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْهَزْلِ فِي الْبَيْعِ كَأَنْ يُبَاعَ الشَّيْءُ بِنَقْصٍ فَاحِشٍ جِدًّا فَالْقَوْلُ إذْ ذَاكَ لِمُدَّعِي الْهَزْلِ , أَمَّا إذَا ادَّعَى الْهَزْلَ مُشْتَرٍ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضَهُ فَدَعْوَاهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ . ( الْمَادَّةُ 169 ) : الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ يَكُونَانِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَأَيُّ لَفْظٍ مِنْ هَذَيْنِ ذُكِرَ أَوَّلًا فَهُوَ إيجَابٌ وَالثَّانِي قَبُولٌ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت , ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْت , أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا : اشْتَرَيْت , ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت , انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَيَكُونُ لَفْظُ ' بِعْت ' فِي الْأَوَّلِ إيجَابًا وَ ' اشْتَرَيْت ' قَبُولًا . وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ , وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ إنْشَاءِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ : أَعْطَيْت أَوْ مَلَّكْت وَقَوْلِ الْمُشْتَرِي : أَخَذْت أَوْ تَمَلَّكْت أَوْ رَضِيت أَوْ أَمْثَالُ ذَلِكَ ' . قَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْمَوَادِّ السَّابِقَةِ مَا فِيهِ الْغَنِيَّةُ عَنْ التَّطْوِيلِ وَالتَّكْرَارِ بِشَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَلْيُرَاجَعْ فِي مَوَاطِنِهِ . ( الْمَادَّةُ 170 ) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ أَيْضًا إذَا أُرِيدَ بِهَا الْحَالُ كَمَا فِي عُرْفِ بَعْضِ الْبِلَادِ كَأَبِيعُ وَأَشْتَرِي وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا الِاسْتِقْبَالُ لَا يَنْعَقِدُ . فِي الْبَيْعِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ :
____________________
(1/119)
الْأَوَّلُ : أَنَّ مَا يُرَادُ مِنْهُ إيجَابُ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : أَبِيعُك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ قِرْشٍ , وَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي : أَشْتَرِيهِ , وَكَانَ قَصْدُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ قَوْلِهِمَا الْحَالَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ , وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ : أَشْتَرِيه وَقَصَدَ الْحَالَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ . الِاحْتِمَالُ الثَّانِي : أَنْ يَقْصِدَ الِاسْتِقْبَالَ فَلَا يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ . الثَّالِثُ : أَنْ يَخْلُوَ عَنْ قَصْدِ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . مُسْتَثْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْمُضَارِعِ تُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ بَلَدٍ لِلْحَالِ وَغَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ لِإِرَادَةِ الِاسْتِقْبَالِ كَمَا هُوَ الْحَالُ عِنْدَ أَهْلِ خَوَارِزْمَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِلَا نِيَّةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمَادَّةِ 2 الْبَحْثُ فِي سَبَبِ احْتِيَاجِ التَّبَايُعِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ إلَى النِّيَّةِ . وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي الْمُضَارِعِ إذَا اُقْتُرِنَ بِمَا يَعْنِيهِ لِلْحَالِ فَالْبَيْعُ بِهِ يَنْعَقِدُ بِلَا نِيَّةٍ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ : أَبِيعُ الْآنَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ . ( الْمَادَّةُ 171 ) : صِيغَةُ الِاسْتِقْبَالِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْوَعْدِ الْمُجَرَّدِ مِثْلُ سَأَبِيعُ وَأَشْتَرِي لَا يَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ . صِيغَةُ الِاسْتِقْبَالِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ هِيَ الْمُضَارِعُ الْمُقْتَرِنُ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ كَأَنْ يُقَالَ : سَأَبِيعُك أَوْ سَوْفَ أَبِيعُك وَإِنَّمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَا ; لِأَنَّهَا وَعْدٌ مُجَرَّدٌ وَفِي مَعْنَى الْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ هَلْ تَبِيعُنِي هَذَا بِمِائَةِ قِرْشٍ فَأَجَابَهُ ' بِعْتُ ' نَعَمْ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي ثَالِثًا ' قَبِلْت ' فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ حَصَلَا بِكَلِمَتَيْ ( بِعْت وَقَبِلْت ) الدَّالَّتَيْنِ عَلَى الْإِنْشَاءِ هِنْدِيَّةٌ ' . ( الْمَادَّةُ 172 ) لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْضًا كَبِعْ وَاشْتَرِ إلَّا إذَا دَلَّتْ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى الْحَالِ فَحِينَئِذٍ يَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : بِعْنِي هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ , أَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : خُذْ الْمَالَ بِكَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : أَخَذْته , أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : أَخَذْت هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا قِرْشًا , وَقَالَ الْبَائِعُ : خُذْهُ , أَوْ قَالَ : اللَّهُ يُبَارِكُ لَك وَأَمْثَالَهُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ فَإِنَّ قَوْلَهُ : خُذْهُ , وَاَللَّهُ يُبَارِكُ هَهُنَا بِمَعْنَى : هَا أَنَا ذَا بِعْت فَخُذْ ( رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ الثَّانِيَةِ ) . يَعْنِي أَنَّ إرَادَةَ مَعْنَى الْحَالِ مِنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلِذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَشْبَاهٌ وَنَهْرٌ ' إلَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَالِ دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ وَذَلِكَ الدَّلَالَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : 1 - دَلَالَةُ مَنْطُوقِ النَّصِّ . 2 - دَلَالَةُ مَفْهُومِ النَّصِّ .
____________________
(1/120)
3 - دَلَالَةُ إشَارَةِ النَّصِّ . 4 - دَلَالَةٌ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ . وَلَا شَأْنَ لَنَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَذِهِ الْمَادَّةِ فَنَكْتَفِي بِإِيضَاحِ الدَّلَالَةِ الرَّابِعَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ دُونَ غَيْرِهَا . فَدَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ هَذِهِ أَلَّا يَصِحَّ اللَّفْظُ شَرْعًا إلَّا بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ لَهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْلَا التَّقْدِيرُ لَكَانَ لَغْوًا يُصَارُ عَنْهُ كَلَامُ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ كَأَنْ يُقَالَ لِرَجُلِ مَثَلًا : اعْتِقْ عَبْدَكَ مِنِّي بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَالْإِعْتَاقُ الْمَذْكُورُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ وَالْمِلْكِيَّةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ ' فَتَقْدِيرُ الْبَيْعِ لَازِمٌ لِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ ( اعْتِقْ عَبْدَكَ ) إلَخْ . فَالْبَيْعُ هُنَا ' مُقْتَضًى ' كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِعْتَاقِ ( مُقْتَضًى ) أَيْضًا وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمِثَالِ : قَدْ اشْتَرَيْت عَبْدَك بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَإِنَّنِي أُوَكِّلُك بِعِتْقِهِ . فَالْبَيْعُ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ هُنَا قَدْ أَصْبَحَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ مَذْكُورًا وَقَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ حَمَوِيٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْت عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ , وَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ : فَهُوَ حُرٌّ , فَقَدْ ثَبَتَ اقْتِضَاءُ لَفْظَةِ ' اشْتَرَيْت ' وَأَصْبَحَ مَعْنَى ذَلِكَ قَدْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ هُنَا ( مُقْتَضًى ) وَطَلَبَ هَذَا الْكَلَامُ الزِّيَادَةَ يَعْنِي طَلَبَهُ الْبَيْعُ ( اقْتِضَاءً ) وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ ( مُقْتَضًى ) وَالشَّيْءُ الَّذِي ثَبَتَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ ثَبَتَ ( بِحُكْمِ الِاقْتِضَاءِ ) . وَبَيَانُ الْمِثَالِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَهُوَ ( إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : خُذْ هَذَا الْمَالَ , وَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي : أَخَذْت , أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : أَخَذْت , وَأَجَابَهُ الْبَائِعُ : خُذْهُ ) إنَّ صِيغَةَ ( خُذْ ) هُنَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْبَيْعِ قَبْلَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فَأَصْبَحَتْ دَالَّةً عَلَى الْحَالِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ إذْ يَكُونُ الْمَعْنَى بِعْتُكَ فَخُذْهُ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَا وَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَنْ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ , أَمَّا عَدَمُ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَهُوَ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الْقَبُولِ ثَالِثًا كَمَا تَقَدَّمَ , أَمَّا إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ ثَالِثًا فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : بِعْنِي هَذَا الْمَالَ بِكَذَا دِرْهَمًا فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ : بِعْته , ثُمَّ عَادَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ : اشْتَرَيْتُهُ أَوْ أَخَذْته , أَوْ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْمَالَ بِمَبْلَغِ كَذَا فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْت ثُمَّ خَاطَبَهُ الْبَائِعُ بِقَوْلِهِ : بِعْت فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ ( هِنْدِيَّةٌ ) ' رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 170 ' ( الْمَادَّةُ 173 ) : كَمَا يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْمُشَافَهَةِ يَكُونُ بِالْمُكَاتَبَةِ أَيْضًا يَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ كَالْإِجَارَةِ , وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا فَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ لَفْظًا وَشِفَاهًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا مُكَاتَبَةً , وَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مُكَاتَبَةً مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَذَلِكَ يَجُوزُ بِكِتَابٍ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ . ثَالِثًا : بِرِسَالَةٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ . رَابِعًا : بِرِسَالَةٍ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ وَلَفْظٍ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَ الْإِيجَابَ مِنْ الْمُخَاطَبُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ إلَيْهِ الْكِتَابُ . يَعْنِي يَعْتَبِرُ الْمَجْلِسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بُلُوغَ الْكِتَابِ أَدَاءُ الرِّسَالَةِ . مِثَالٌ : إذَا كَتَبَ شَخْصٌ كِتَابًا لِآخَرَ غَائِبٍ يَتَضَمَّنُ بَيْعَهُ لِمَالٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَرْسَلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ لَهُ وَبَعْدَ أَنْ وَصَلَ الْكِتَابُ لِذَلِكَ
____________________
(1/121)
الشَّخْصِ وَقَرَأَهُ وَوَقَفَ عَلَى مَالِهِ كَتَبَ أَيْضًا كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْبَائِعِ مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا يَتَضَمَّنُ قَبُولَ ذَلِكَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ يَكُونُ قَدْ انْعَقَدَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ كِتَابِيٍّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ كِتَابًا إلَى شَخْصٍ غَائِبٍ يَتَضَمَّنُ بَيْعَهُ مَالًا مُعَيَّنًا وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ إلَيْهِ وَعِنْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ لِلشَّخْصِ الْآخَرِ وَبَعْدَ أَنْ قَرَأَهُ وَاطَّلَعَ عَلَى مَالِهِ قَالَ : قَبِلْت الْبَيْعَ , فَالْبَيْعُ يَكُونُ قَدْ انْعَقَدَ بِإِيجَابٍ كِتَابِيٍّ وَقَبُولٍ شَفَهِيٍّ . وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنِّي بِعْت مَالِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا دِرْهَمًا اذْهَبْ وَاعْلِمْهُ فَذَهَبَ ذَلِكَ الرَّسُولُ أَوْ ذَهَبَ شَخْصٌ آخَرُ فُضُولًا وَأَخْبَرَ ذَلِكَ الشَّخْصَ بِذَلِكَ وَقَبِلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِطَرِيقِ الرِّسَالَةِ مِنْ طَرَفٍ وَبِطَرِيقِ الْقَبُولِ الشَّفَهِيِّ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ هِنْدِيَّةٌ ' . وَانْعِقَادُ الْبَيْعِ وَلَوْ بِإِخْبَارِ شَخْصٍ غَيْرِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُوجِبَ بِقَوْلِهِ لِلرَّسُولِ أَخْبِرْ فُلَانًا يَكُونُ قَدْ أَظْهَرَ الرِّضَاءَ بِالتَّبْلِيغِ عَنْ نَفْسِهِ فَالتَّبْلِيغُ الَّذِي جَرَى مِنْ أَيِّ شَخْصٍ كَانَ هُوَ بِرِضَاءِ الْمُوجِبِ , أَمَّا الْإِيجَابُ فِي غِيَابِ الطَّرَفِ الْآخَرِ بِغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ فَقَطْ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ : قَدْ بِعْت مَالِي الْفُلَانِيَّ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَالْإِيجَابُ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ سَمِعَ هَذَا الْإِيجَابَ شَخْصٌ وَأَخْبَرَ بِهِ الطَّرَفَ الْآخَرَ بِلَا أَمْرٍ مِنْ الْمُوجِبِ أَيْ بِدُونِ رِسَالَةٍ وَالشَّخْصُ الْآخَرُ قَبِلَ الْبَيْعَ عِنْدَمَا بَلَغَهُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . كَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ إلَى آخَرَ كِتَابًا لِآخَرَ وَسَأَلَهُ : هَلْ تَبِيعُنِي مَالَكَ بِكَذَا ؟ وَأَجَابَهُ الْآخَرُ : قَدْ بِعْته فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَزَّازِيَّةٌ ' ; لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَصِحُّ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ . كَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ إلَى آخَرَ بِعْنِي مَالَك بِكَذَا دِينَارًا فَأَجَابَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ بِكِتَابٍ أَنِّي بِعْته مِنْك فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَلْ يَحْتَاجُ انْعِقَادُ الْبَيْعِ إلَى قَبُولٍ . ثَالِثًا ; لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَصِحُّ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 172 ' , وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ الْوَاقِعُ كِتَابَةً وَرِسَالَةً إذَا رَجَعَ الْكَاتِبُ أَوْ الْمُرْسِلُ عَنْ إيجَابِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالْمُرْسَلِ إلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ ' . وَالْقَبُولُ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُوجِبِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ لَاغِيًا ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 174 ' . أَمَّا إذَا عُزِلَ الرَّسُولُ فَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ عِلْمُ عَزْلِهِ فَعَلَى هَذَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ عَزْلِ الرَّسُولِ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِيجَابِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَأَمَرَ رَسُولًا أَنْ يُبَلِّغَهُ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ رَجَعَ الْمُوجِبُ عَنْ الْبَيْعِ بِدُونِ أَنْ يَعْلَمَ الرَّسُولُ حَتَّى أَدَّى الرِّسَالَةَ فَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الطَّرَفَ الْآخَرَ قَبِلَ الْبَيْعَ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُوجِبِ عَنْ إيجَابِهِ وَبَعْدَ بُطْلَانِ الْإِيجَابِ , أَمَّا إذَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُوجِبُ عَنْ الْإِيجَابِ إلَّا أَنَّهُ عَزَلَ الرَّسُولَ وَلَمْ يَعْلَمْ الرَّسُولُ خَبَرَ عَزْلِهِ حَتَّى أَدَّى الرِّسَالَةَ فَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِعَزْلِهِ فَالرِّسَالَةُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بِقَبُولِ الطَّرَفِ الْآخَرِ لِلْبَيْعِ . ( الْمَادَّةُ 174 ) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْإِشَارَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِلْأَخْرَسِ . يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَعْرُوفَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَخْرَسُ عَالِمًا بِالْكِتَابَةِ أَوْ جَاهِلًا بِهَا . فَلَا يَسْقُطُ الْعَمَلُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ انْضِمَامُ إشَارَتِهِ إلَى كِتَابَتِهِ . وَكَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ يَنْعَقِدُ بِهَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْأُخْرَى كَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَشْبَاهٌ ' وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مَعْرُوفَةً فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ كِفَايَةٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 70 أَمَّا إشَارَةُ غَيْرُ الْأَخْرَسِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَا فَلِذَلِكَ قُيِّدَتْ الْإِشَارَةُ بِالْأَخْرَسِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 168 ' .
____________________
(1/122)
( الْمَادَّةُ 175 ) بِمَا أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ تَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْمُبَادَلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاضِي وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ التَّعَاطِي . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي لِلْخَبَّازِ مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَيُعْطِيَهُ الْخَبَّازُ مِقْدَارًا مِنْ الْخُبْزِ بِدُونِ تَلَفُّظٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ , أَوْ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَيَأْخُذَ السِّلْعَةَ وَيَسْكُتَ الْبَائِعُ , وَكَذَا لَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى بَائِعِ الْحِنْطَةِ وَدَفَعَ لَهُ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ وَقَالَ : بِكَمْ تَبِيعَ الْمُدَّ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ ؟ فَقَالَ : بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي , ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ , فَقَالَ الْبَائِعُ : أُعْطِيك إيَّاهَا غَدًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ ارْتَفَعَ سِعْرُ الْحِنْطَةِ فِي الْغَدِ إلَى دِينَارٍ وَنِصْفٍ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْحِنْطَةِ بِسِعْرِ الْمُدِّ بِدِينَارٍ وَكَذَا بِالْعَكْسِ لَوْ رَخُصَتْ الْحِنْطَةُ وَتَدَنَّتْ قِيمَتُهَا فَالْمُشْتَرِي مُجْبَرٌ عَلَى قَبُولِهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ , وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَصَّابِ : اقْطَعْ لِي بِخَمْسَةِ قُرُوشٍ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَقَطَعَ الْقَصَّابُ اللَّحْمَ وَوَزْنَهُ وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهِ وَأَخْذِهِ أَيْ أَنَّ الْمَقْصِدَ فِي الْبَيْعِ تَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ إلَّا أَنَّ تَرَاضِيَ الطَّرَفَيْنِ بِمَا أَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ فَقَدْ أُقِيمَ مَقَامَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ; لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَيْهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 68 ' . وَكَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ لِدَلَاتِهِمَا عَلَى التَّرَاضِي فَكَذَلِكَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْمُبَادَلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا . وَكَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فِي الْأَمْوَالِ الْخَسِيسَةِ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ الشَّلَبِيُّ عَلَى الزَّيْلَعِيّ ' ; لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ لَيْسَ مُسْتَنَدُهُ صُورَةُ اللَّفْظِ بَلْ مُسْتَنَدُهُ التَّرَاضِي وَلِذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يَتَرَاضَ الْمُتَعَاقِدَانِ لَفْظِيًّا . يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي أَلَّا يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَفْظِيَّيْنِ فَإِذَا كَانَا كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ لَا يَكُونُ بَيْعَ تَعَاطٍ بَلْ يَكُونُ قَوْلِيًّا فَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَفْظًا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ أَنْ يَجْرِيَ التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَلَكِنْ لَا يُعَدُّ هَذَا الْبَيْعُ بَيْعَ تَعَاطٍ وَبَيْعُ التَّعَاطِي يَنْعَقِدُ إمَّا بِالدَّفْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَإِمَّا بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَيْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعُ التَّعَاطِي بِتَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ . وَكَذَلِكَ يَنْعَقِدُ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ أَوْ تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي بِدُونِ قَبْضِ الثَّمَنِ هِنْدِيَّةٌ ' وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَإِعْطَاءُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمِثَالِ الْوَارِدِ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ هُوَ رِضَاءٌ صَرَاحَةً وَإِعْطَاءُ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ هُوَ رِضَاءٌ دَلَالَةً . أَمَّا إذَا لَمْ يَسْكُتْ الْبَائِعُ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الرِّضَاءِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي النُّقُودَ لِلْبَائِعِ وَحِينَمَا أَخَذَ الْبِطِّيخَةَ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ : اُتْرُكْهَا فَلَا يَبْقَى حُكْمٌ لِبَيْعِ التَّعَاطِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْبَائِعِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ بَيَانَ بَيْعِهِ الْمَالَ بِالرُّخْصِ وَأَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ هَذَا إدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى
____________________
(1/123)
الْمُشْتَرِي لَا عَدَمَ الرِّضَاءِ بِالْبَيْعِ . كَذَلِكَ إذَا رَدَّ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا بِخِيَارِ الْغَبْنِ وَكَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي هُوَ غَيْرُ هَذَا الْمَالِ الَّذِي رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ وَرَضِيَ بِهِ فَالْبَيْعُ يَكُونُ بَيْعُ تَعَاطٍ أَبُو السُّعُودِ . كَذَلِكَ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مَا اشْتَرَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ الطَّلَبُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ وَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ أَيْ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ فَبِالتَّعَاطِي يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ . إنَّ فِي الْمِثَالِ الْأَخِيرِ الْوَارِدِ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ خَمْسَ مَسَائِلَ : ( 1 ) - إنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي . ( 2 ) - إنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَنْعَقِدُ فِي الْأَمْوَال الْخَسِيسَةِ وَالنَّفِيسَةِ . ( 3 ) - إنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ ( 4 ) - بِإِعْطَاءِ الْمَبِيعِ وَبِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ . ( 5 ) - يَنْعَقِدُ بَيْعُ التَّعَاطِي وَلَوْ تَأَخَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ , مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْصُلُ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ . كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ بَعْدَ شِرَائِهِ الْمَالَ ثُمَّ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ فَتَسَلَّمَهُ الْمُوَكِّلُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ وَيَكُونُ بَيْعَ تَعَاطٍ وَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُوَكَّلِ أَثْبِتْ وَكَالَتَك وَإِلَّا فَإِنَّنِي أَسْتَرِدُّ الْمَالَ . كَذَلِكَ إذَا سَأَلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِكَمْ تَبِيعَ كَيْلَةَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ ؟ فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ بِعِشْرِينَ قِرْشًا مَثَلًا فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي : كِلْ لِي كَيْلَةً فَكَالَ لَهُ الْبَائِعُ ذَلِكَ وَسَلَّمَهُ لَهُ أَوْ وَضَعَهُ بِأَمْرِ الْبَائِعِ فِي كِيسٍ لَهُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ . يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُبَادَلَةِ الْفِعْلِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بَيْعُ التَّعَاطِي إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُبَادَلَةُ الْفِعْلِيَّةُ فِعْلًا . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ رَأَى شَخْصٌ حَطَّابًا يَحْمِلُ عَلَى حِمَارِهِ حَطَبًا فَقَالَ : لَهُ كَمْ ثَمَنُ حِمْلِ الْحِمَارِ , فَقَالَ الْحَطَّابُ : عَشْرَةُ قُرُوشٍ , فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي : سُقْ الْحِمَارَ إلَى بَيْتِي فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ حِمْلَ الْحِمَارِ إلَى الْبَيْتِ , وَيَدْفَعُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ ; لِأَنَّ سَوْقَ الْبَائِعِ حِمَارَهُ نَحْوَ بَيْتِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ فِيهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ وَلَا يَتِمُّ بَيْعُ التَّعَاطِي إلَّا بِالتَّسْلِيمِ . يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي ( 1 ) أَنْ يُسَمَّى الثَّمَنُ وَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا وَمَعْلُومًا ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 197 و 237 ' إلَّا أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَكُونُ أَسْعَارُهَا مَعْلُومَةً كَالْخُبْزِ مَثَلًا لَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ فِيهَا ( 2 ) يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ هَذَا الْبَيْعِ أَلَّا يَكُونَ التَّعَاطِي مَبْنِيًّا عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ وَقَعَ قَبْلًا . فَإِذَا بُنِيَ التَّعَاطِي عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ فَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُتَارَكَةٌ أَيْ فَسْخُ أَوْ إقَالَةُ الْبَيْعِ السَّابِقِ ( بَزَّازِيَّةَ ) ( وَالدُّرَّ الْمُخْتَارَ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ شَخْصٌ سَمَكَةً تَسْبَحُ فِي الْبَحْرِ مِنْ شَخْصٍ بِعَشْرَةِ قُرُوشٍ مَثَلًا وَالْمُشْتَرِي قَبِلَ بِذَلِكَ فَاصْطَادَ الْبَائِعُ تِلْكَ السَّمَكَةَ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ وَقَعَا بَيْنَهُمَا وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ سَلَّمَ الْبَائِعُ السَّمَكَةَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي سَلَّمَهُ الْعَشَرَةَ الْقُرُوشَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَذَا التَّعَاطِي وَيَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ . أَمَّا إذَا تَفَرَّغَ الطَّرَفَانِ عَنْ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ بِوَجْهِ الْمُتَارَكَةِ ثُمَّ تَبَايَعَا بِالتَّعَاطِي فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ جَوَازُ الْعَقْدِ بِالتَّعَاطِي قَاصِرًا عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ وَالْإِجَارَةِ أَيْضًا . ( الْمَادَّةُ 176 ) إذَا تَكَرَّرَ عَقْدُ الْبَيْعِ بِتَبْدِيلِ الثَّمَنِ أَوْ تَزْيِيدِهِ أَوْ تَنْقِيصِهِ يُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الثَّانِي فَلَوْ تَبَايَعَ رَجُلَانِ مَالًا مَعْلُومًا بِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ تَبَايَعَا ذَلِكَ الْمَالَ بِدِينَارٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ أَوْ بِتِسْعِينَ قِرْشًا يُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الثَّانِي .
____________________
(1/124)
الْقَاعِدَةُ الْأَصْلِيَّةُ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا جُدِّدَ وَأُعِيدَ فَالثَّانِي بَاطِلٌ . فَالْبَيْعُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ وَالنِّكَاحُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَالْحَوَالَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا يَجِيءُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَإِذَا عُقِدَ الْبَيْعُ أَوَّلًا ثُمَّ عُقِدَ ثَانِيًا عَلَى مِثْلِ ثَمَنِ الْأَوَّلِ جِنْسًا وَوَصْفًا وَقَدْرًا فَالْعَقْدُ الثَّانِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَيَبْقَى الْعَقْدُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فَائِدَةٌ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي . وَشَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 200 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بِيعَ مَالٌ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ عُقِدَ بَيْعُ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ الْبَائِعِ لِنَفْسِ الْمُشْتَرِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْعَقْدِ الثَّانِي ( هِنْدِيَّةٌ ) . كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مَالًا مِنْ آخَرَ بِعَشَرَةِ رِيَالَاتٍ ثُمَّ دَفَعَ لِلْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي رِيَالَيْنِ مِنْهَا إبْرَاءَ إسْقَاطٍ ثُمَّ عَادَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَعَقَدَا الْبَيْعَ ثَانِيَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ بِعَشَرَةِ رِيَالَاتٍ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ . أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي يَتَضَمَّنُ تَبْدِيلَ الثَّمَنِ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ نَقْصَهُ فَالْعَقْدُ الثَّانِي صَحِيحٌ لِمَكَانِ الْفَائِدَةِ مِنْهُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ . وَإِذَا شَرَطَ الطَّرَفَانِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا ثُمَّ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا , أَوْ إذَا اتَّفَقَا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَفِي الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُعَجَّلًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَصَارَ الثَّانِي مُعْتَبَرًا وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ ( مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ أَنْقِرْوِيٌّ ) . إنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى الْوَارِدَةَ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ هِيَ تَبْدِيلٌ وَزِيَادَةٌ لِلثَّمَنِ , وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ , وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ تَبْدِيلٌ وَتَنْزِيلٌ لِلثَّمَنِ , وَفِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ زِيَادَةٌ لِلثَّمَنِ فَقَطْ , وَفِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ تَنْزِيلٌ لَهُ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ , وَالْمُشْتَرِي يَكُونُ مُجْبَرًا عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ الَّذِي يُسَمَّى فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّنِي بِعْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّنِي اشْتَرَيْتهَا فِي شَهْرِ شَوَّالٍ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَجَدَّدَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى تَنْزِيلِ الثَّمَنِ وَيُحْكَمُ فِي الثَّمَنِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَنْقِرْوِيٌّ وَيُعْتَبَرُ أَنَّ شُهُودَ الطَّرَفَيْنِ صَادِقُونَ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ
____________________
(1/125)
الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي بَيَانِ لُزُومِ مُوَافَقَةِ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ ( الْمَادَّةُ 177 ) إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعَ شَيْءٍ بِشَيْءٍ يَلْزَمُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ قَبُولُ الْعَاقِدِ الْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُطَابِقِ لِلْإِيجَابِ وَلَيْسَ لَهُ تَبْعِيضُ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ وَتَفْرِيقُهُمَا فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةِ قِرْشٍ مَثَلًا فَإِذَا قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ أَخَذَ الثَّوْبَ جَمِيعَهُ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ جَمِيعَهُ أَوْ نِصْفَهُ بِخَمْسِينَ قِرْشًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ : بِعْتُك هَذَيْنِ الْفَرَسَيْنِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ قِرْشٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي , يَأْخُذُ الْفَرَسَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ آلَافٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ . يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُوَافِقًا لِلْإِيجَابِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : أَوَّلًا : فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ . ثَانِيًا : فِي جِنْسِهِ . ثَالِثًا : فِي الْمُثَمَّنِ . رَابِعًا : فِي صِفَةِ الثَّمَنِ . خَامِسًا : فِي شَرْطِ الْخِيَارِ . لِئَلَّا تَتَفَرَّقَ صَفْقَةُ الْبَيْعِ . وَيُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالِ الْوَارِدِ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ تَبْعِيضُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ تَغْيِيرُهُمَا أَوْ تَبْدِيلُهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا أَمْ مُتَعَدِّدًا فَإِذَا فَرَّقَ فِي ذَلِكَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى تَفْرِيقِ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَالْبَائِعُ يَتَضَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ أَنْ يَضُمُّوا الْمَالَ الْجَيِّدَ إلَى الْمَالِ الدُّونِ وَيَبِيعُوهُمَا مَعًا بِقَصْدِ تَرْوِيجِ الْمَالِ الدُّونِ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَحِقُّ لَهُ تَفْرِيقُ صَفْقَةِ الْبَيْعِ لَاخْتَارَ الْمَالَ الْجَيِّدَ لِنَفْسِهِ وَتَرَكَ الدُّونَ لِلْبَائِعِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ يَخْرُجُ الْمَالُ الْجَيِّدُ مِنْ يَدِهِ وَيَبْقَى لَهُ الدُّونُ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا وَكَانَ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ سَيَكْتَسِبُ صِفَةَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَالْبَائِعُ أَيْضًا يَتَضَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ إذَا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى تَفْرِيق صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَالْمُشْتَرِي يَتَضَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي بِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ تَكُونُ رَغْبَةُ الْمُشْتَرِي بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ الِاشْتِرَاءِ فِي زِيَادَةِ الْمَبِيعِ الْمُتَعَدِّدِ عَنْ الْمَبِيعِ غَيْرِ الْمُتَعَدِّدِ فَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى تَفْرِيقِ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يُبْقِيَ بَعْضَ الْمَبِيعِ وَيَنْشَأَ عَنْ ذَلِكَ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : قَدْ اشْتَرَيْت هَذَيْنِ الْحِصَانَيْنِ مِنْك بِثَلَاثَةِ آلَافِ قِرْشٍ فَإِذَا بَاعَهُ الْبَائِعُ الْحِصَانَيْنِ عَلَى ذَلِكَ
____________________
(1/126)
الْوَجْهِ يَكُونُ قَدْ بَاعَهُمَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ قِرْشٍ وَلَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ أَوْ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ . كَذَلِكَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِخَمْسِينَ قِرْشًا , وَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْتُهُ بِلَا ثَمَنٍ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . إنَّ مُوَافَقَةَ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ تَتَّضِحُ فِيمَا يَأْتِي : إذَا كَانَ الْقَبُولُ مُخَالِفًا لِلْإِيجَابِ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الطَّرَفُ الْآخَرُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : قَدْ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْته مِنْك بِأَلْفِ قِرْشٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ , أَوْ قَدْ اشْتَرَيْته بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ أَبُو السُّعُودِ . أَمَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ صَارَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ بَاطِلًا وَالْقَبُولُ الثَّانِي إيجَابًا وَرِضَا الْبَائِعِ الثَّالِثُ قَبُولًا وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ . إنَّ عَدَمَ جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الثَّمَنِ وَفِي الْمُثَمَّنِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَدْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ أَمَّا إذَا أُعِيدَ صَارَ الْبَيْعُ صَحِيحًا بِاعْتِبَارِهِ بَيْعًا جَدِيدًا وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَالْعَاقِدُ الثَّانِي قَبِلَ الْبَيْعَ بِتَبْعِيضِ الثَّمَنِ وَتَفْرِيقِ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَ الْمُوجِبُ ثَالِثًا يَعْنِي ( الَّذِي أَوْجَبَ الْبَيْعَ أَوَّلًا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ) يُنْظَرُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي قَبُولِ الثَّانِي وُجِدَتْ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ بِالرِّضَاءِ الَّذِي يَقَعُ ثَالِثًا وَيَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ بَيْعًا جَدِيدًا وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُك هَذَيْنِ الْحِصَانَيْنِ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ , وَأَجَابَهُ الْآخَرُ ثَانِيًا : قَدْ اشْتَرَيْت هَذَا الْحِصَانَ الْأَشْقَرَ مِنْهُمَا بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ ثَالِثًا : بِعْته مِنْك أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّضَاءِ فَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ الَّذِي قِيلَ أَوَّلًا وَيُصْبِحُ الْقَوْلُ الَّذِي قِيلَ ثَانِيًا إيجَابًا ثُمَّ يَكُونُ الرِّضَاءُ الَّذِي قِيلَ ثَالِثًا قَبُولًا وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ عَلَى الْحِصَانِ الْأَشْقَرِ بِأَرْبَعِمِائَةِ هِنْدِيَّةٌ ' . أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمَّ الثَّمَنُ فِي قَبُولِ الْقَابِلِ فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ الْقِيَمِيِّ فَبِالرِّضَاءِ الْوَاقِعِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُنْقَسِمًا عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ يُصْبِحُ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ضَرَرٌ مِنْ الِانْقِسَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ بِعْتُك هَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةَ حِنْطَةٍ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَقَالَ الْآخَرُ ثَانِيًا قَدْ اشْتَرَيْت خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَيْلَةً فَإِذَا قَبِلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ بِثَمَنِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ قِرْشًا وَهُوَ حِصَّةُ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَوَّلًا : قَدْ بِعْتُك حِصَانِي هَذَا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَأَجَابَهُ الْآخَرُ ثَانِيًا قَدْ اشْتَرَيْت نِصْفَهُ فَأَجَابَهُ ذَلِكَ الْبَائِعُ ثَالِثًا بِكَلَامٍ يُفِيدُ الرِّضَاءَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ فِي نِصْفِ الْحِصَانِ بِثَمَنِ خَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُنْقَسِمٍ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ وَكَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا وَمُتَعَدِّدًا أَوْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ مِثْلِيَّانِ وَلَكِنْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُسَمَّ الثَّمَنُ فِي قَبُولِ الْقَابِلِ فَبِالرِّضَاءِ الثَّالِثِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ يَكُونُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْعَلُ حِصَّةَ الْمَبِيعِ مِنْ الثَّمَنِ مَجْهُولَةً . وَقَدْ جَاءَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ ' : ' صُورَةُ الْبَيْعِ فِي الْحِصَّةِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَالَ : بِعْت هَذَا الْحَيَوَانَ بِحِصَّةٍ مِنْ الْأَلْفِ الْمُوَزَّعِ عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى قِيمَةِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ
____________________
(1/127)
الْآخَرِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْبَيْعِ , وَخَرَجَ بِالِابْتِدَاءِ مَا إذَا عَرَضَ الْبَيْعَ بِالْحِصَّةِ بِأَنْ بَاعَ الدَّارَ بِتَمَامِهَا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِعُرُوضِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ انْتِهَاءً ' . وَقَدْ اتَّضَحَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ يَكُونُ عَلَى صُورَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا وَاحِدًا وَأَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ . وَكَذَلِكَ يَكُونُ عَدَمُ انْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ عَلَى صُورَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا قِيَمِيًّا وَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا مِنْ أَجْنَاسٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَبَيْعِ عَشْرِ كَيْلَاتِ حِنْطَةٍ وَعَشَرِ كَيْلَاتِ شَعِيرٍ مَعًا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ . فَعَلَيْهِ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَوَّلًا : قَدْ بِعْتُك حِصَانِي هَذَا الْأَشْقَرَ وَحِصَانِي هَذَا الْأَدْهَمَ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ , وَقَالَ الْآخَرُ ثَانِيًا : قَدْ قَبِلْت هَذَا الْحِصَانَ الْأَدْهَمَ فَقَطْ وَأَجَابَهُ الْبَائِعُ ثَالِثًا أَنْ قَدْ قَبِلْت فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ حِصَّةَ الْحِصَانِ الْأَدْهَمِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى قَدْ أَصْبَحَتْ مَجْهُولَةً وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 385 و 364 ' . لَا يُقَالُ : إنَّ حِصَّةَ الْحِصَانِ الْأَدْهَمِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ اثْنَانِ وَالثَّمَنَ أَلْفُ قِرْشٍ ; لِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْحِصَانِ الْأَدْهَمِ سَبْعُمِائَةِ قِرْشٍ وَقِيمَةُ الْحِصَانِ الْأَشْقَرِ ثَلَاثُمِائَةِ قِرْشٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الشُّفْعَةِ قَدْ جُوِّزَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ دَارًا وَحِصَانًا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَالثَّمَنُ الْمُسَمَّى يُقْسَمُ عَلَى الدَّارِ وَالْحِصَانِ , وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ الْعَقَارَ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ يَحِلُّ بِقَاعِدَةِ التَّنَاسُبِ مِنْ عِلْمِ الْحِسَابِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا كَانَ مَجْمُوعُ قِيمَةِ ذَلِكَ الْعَقَارِ وَالْحِصَانِ خَمْسَةَ آلَافِ قِرْشٍ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى ثَمَنِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ وَوُجِدَ أَنَّ قِيمَةَ الدَّارِ الْحَقِيقِيَّةَ ثَلَاثَةُ آلَافِ قِرْشٍ وَبِمَا أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّمَنِ هُوَ نِصْفُ مَجْمُوعِ الْقِيمَةِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ الْعَقَارَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَيْ بِنِصْفِ الثَّلَاثَةِ الْآلَافِ الَّتِي هِيَ قِيمَتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ . وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ عَقَارٌ مُتَعَدِّدٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَالشَّفِيعُ شَفَعَ بِبَعْضِ الْعَقَارِ فَقَطْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ الْمَشْفُوعَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1041 ' فَتَجْوِيزُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الشُّفْعَةِ هُوَ لِضَرُورَةِ حِفْظِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَبِمَا أَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا تَجُوزُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ فِي غَيْرِ الشُّفْعَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الضَّرُورَةِ . ( الْمَادَّةُ 178 ) تَكْفِي مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ ضِمْنًا فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِأَلْفِ قِرْشٍ , وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْته مِنْك بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْبَائِعُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَجْلِسِ يَلْزَمُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَهُ الْخَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ الَّتِي زَادَهَا أَيْضًا وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْمَالَ بِأَلْفِ قِرْشٍ , فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْته مِنْك بِثَمَانِمِائَةِ قِرْشٍ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ تَنْزِيلُ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْأَلْفِ . مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ ضِمْنًا تَكُونُ كَمَا إذَا كَانَ الْمُوجِبُ الْبَائِعَ وَسَمَّى الثَّمَنَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ أَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْمُشْتَرِي فَقَبِلَ الْبَائِعُ بِثَمَنٍ أَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ الضِّمْنِيَّةَ تَكُونُ فِيمَا إذَا دَلَّتْ عِبَارَةُ الْقَبُولِ عَلَى قَبُولِ الْإِيجَابِ ضِمْنًا ; لِأَنَّ الْأَلْفَ الْقِرْشَ الَّتِي سُمِّيَتْ ثَمَنًا فِي الْإِيجَابِ فِي مِثَالِ الْمَتْنِ تَدْخُلُ ضِمْنًا فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِ الْمِائَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقَبُولِ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَبِذَلِكَ تَكُونُ مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ ضِمْنًا . وَاذَا كَانَ الْقَابِلُ لِلْبَيْعِ الْمُشْتَرِيَ وَزَادَ فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى تَوَقَّفَ لُزُومُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَبُولِ الْبَائِعِ فِي الْمَجْلِسِ .
____________________
(1/128)
فَإِذَا قَبِلَ الْبَائِعُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعُهَا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مِثَالِ الْمَتْنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 155 ) أَمَّا إذَا صَرَّحَ الْبَائِعُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ لِلزِّيَادَةِ كَأَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ مَثَلًا أَوْ صَمَتَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ قَبُولَهُ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَهَا وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ عَلَى الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي الْإِيجَابِ وَهُوَ الْأَلْفُ الْقِرْشُ فِي الْمِثَالِ الْوَارِدِ هَهُنَا . وَتَكُونُ الْمُوَافَقَةُ الضِّمْنِيَّةُ مَعَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ . مِثَالُ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ , وَمِثَالُ الثَّانِي : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ رِيَالٍ , فَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْته بِمِائَةِ رِيَالٍ وَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَالْمُوَافَقَةُ الضِّمْنِيَّةُ هَهُنَا حَاصِلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . وَإِذَا بَايَنَ الثَّمَنُ الْوَارِدُ فِي عِبَارَةِ الْقَبُولِ الثَّمَنَ الْوَارِدَ فِي عِبَارَةِ الْإِيجَابِ لَمْ تَحْصُلْ الْمُوَافَقَةُ الضِّمْنِيَّةُ وَبَطَل الْبَيْعُ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ رِيَالٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْته بِمِائَةِ دِينَارٍ فَالْمُوَافَقَةُ الضِّمْنِيَّةُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي هَذَا الْمِثَالِ ; لِأَنَّ الْمِائَةَ الدِّينَارَ الْوَارِدَةَ فِي عِبَارَةِ الْقَبُولِ مُغَايِرَةٌ لِلْمِائَةِ الرِّيَالِ الْوَارِدَةِ فِي عِبَارَةِ الْإِيجَابِ وَإِذَا كَانَ الْقَابِلُ لِلْبَيْعِ هُوَ الْبَائِعُ وَحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي دَفْعُ مَا حَطَّهُ الْبَائِعُ وَيُصْبِحُ الْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ الْبَائِعُ فِي قَبُولِهِ . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ رِيَالٍ وَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَيُجِيبُهُ الْبَائِعُ بِقَوْلِهِ : قَدْ بِعْته مِنْك بِمِائَةِ رِيَالٍ فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ عَلَى الْمِائَةِ الرِّيَالِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي قَبُولِ الْبَائِعِ , أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْت هَذَا الْمَالَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْته مِنْك بِخَمْسَةِ رِيَالَاتٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ لِلْمُبَايَنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ' اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 177 ' وَهِبَةُ كُلِّ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبُولِ مُبْطِلَةٌ لِلْإِيجَابِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْت مِنْك مَالِي هَذَا بِخَمْسِينَ قِرْشًا وَقَالَ لَهُ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ : وَهَبْتُك خَمْسِينَ قِرْشًا فَالْإِيجَابُ بَاطِلٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ ; لِأَنَّ الْبَائِعَ أَعْقَبَ بَيْعَهُ بِالْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ قَدْ اخْتَلَّ رُكْنُهُ كَالْبَيْعِ الَّذِي يُنْفَى فِيهِ الثَّمَنُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 362 ' . ( الْمَادَّةُ 179 ) إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ أَمْ لَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَقْبَلَ وَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيَأْخُذَ مَا شَاءَ مِنْهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَثَلًا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت هَذِهِ الْأَثْوَابَ الثَّلَاثَةَ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَبِلْت أَحَدَهُمَا بِمِائَةِ قِرْشٍ أَوْ كِلَيْهِمَا بِمِائَتَيْ قِرْشٍ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ' . إذَا كَانَ الْإِيجَابُ وَاحِدًا لَا يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 177 ' . وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ صَفْقَةِ الْقَبْضِ . فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَيَطْلُبَ تَسْلِيمَ بَعْضِ الْمَبِيعِ كَمَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ أَجَّلَ لَهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَا يُصِيبُ ذَلِكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمَبِيعِ . أَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَيَتَعَدَّدُ الْبَيْعُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ جِهَةَ التَّعَدُّدِ رَاجِحَةٌ فِيهِ بَيْدَ أَنَّ وَاضِعِي الْمَجَلَّةِ اخْتَارُوا قَوْلَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ . وَقَدْ مَثَّلَتْ الْمَجَلَّةُ . فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لِوُقُوعِ الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَنَحْنُ نُمَثِّلُ لِوُقُوعِ الْإِيجَابِ مِنْ
____________________
(1/129)
الْمُشْتَرِي وَالْقَبُولِ مِنْ الْبَائِعِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْت هَذَيْنِ الْحِصَانَيْنِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ قِرْشٍ فَهَذَا بِأَلْفٍ وَهَذَا بِأَلْفَيْنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُمَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ قِرْشٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا بِمَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ , وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَثْوَابٍ كُلَّ ثَوْبٍ بِمِائَةٍ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ : بِعْتُك أَحَدَهَا بِمِائَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِمِائَتَيْنِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ : الْعَاقِدُ , وَالْعَقْدُ , وَالثَّمَنُ . فَيَتَّحِدُ الْعَقْدُ بِاتِّحَادِ الْآخَرَيْنِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَاحِدًا وَالثَّمَنُ ذُكِرَ جُمْلَةً فَصَفْقَةُ الْبَيْعِ تُعْتَبَرُ مُتَّحِدَةً قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 177 ' وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَيَتَعَدَّدُ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الْآخَرَيْنِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا , وَإِذَا كَانَ الْإِيجَابُ وَاحِدًا فَالْعَقْدُ مُتَّحِدٌ فَلَا يَسْتَطِيعُ الَّذِي يَقْبَلُ الْإِيجَابَ الْمُتَّحِدَ أَنْ يُفَرِّقَ الْبَيْعَ . وَلِذَلِكَ ثَمَانِي صُوَرٍ : الْأُولَى : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا . الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُتَعَدِّدًا وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا . وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا وَالْمُشْتَرِي مُتَعَدِّدًا . وَالرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُتَعَدِّدًا وَالْمُشْتَرِي مُتَعَدِّدًا . وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُفْصَلَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ . وَالثَّانِي : أَلَّا يُفْصَلَ فَتَكُونَ الصُّوَرُ ثَمَانِيًا وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَمْثِلَةً لِلصُّورَةِ الْأُولَى وَنُورِدُ الْآنَ أَمْثِلَةَ مَا بَقِيَ : فَمِثَالُ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ وَعَمْرٌ و لِرَجُلٍ : بِعْنَاك مَالَنَا هَذَا بِأَلْفِ قِرْشٍ , فَيَقُولُ الرَّجُلُ : قَبِلْت بِحِصَّةِ زَيْدٍ فَقَطْ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . وَمِثَالُ الثَّالِثَةِ : أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِاثْنَيْنِ بِعْت مَالِي هَذَا مِنْكُمَا بِأَلْفِ قِرْشٍ إذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . وَمِثَالُ الرَّابِعَةِ : قَالَ زَيْدٌ وَعَمْرٌ و لِبَكْرٍ وَعُثْمَانَ قَدْ بِعْنَاكُمَا هَذَيْنِ الْحِصَانَيْنِ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الثَّانِي فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . وَمِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ الْأَرْبَعَةِ لِلصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ تُسْتَخْرَجُ أَمْثِلَةٌ لِلْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ . ( الْمَادَّةُ 180 ) : لَوْ ذَكَرَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً وَبَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَتِهِ وَجَعَلَ لِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ إيجَابًا وَقَبِلَ الْآخَرُ بَعْضَهَا بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَهُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ فِيمَا قَبِلَهُ فَقَطْ . مَثَلًا : لَوْ ذَكَرَ الْبَائِعُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً وَبَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثَمَنًا مُعَيَّنًا عَلَى حِدَةٍ وَكَرَّرَ لَفْظَ الْإِيجَابِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَأَنْ يَقُولَ : بِعْت هَذَا بِأَلْفٍ وَبِعْت هَذَا بِأَلْفَيْنِ فَالْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ ' . إذَا كَرَّرَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْإِيجَابَ وَفَصَلَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَعَدُّدِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ تَكْرِيرَ الْإِيجَابِ مَعَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ دَلِيلٌ عَلَى رِضَا الْمُوجِبِ بِالتَّفْرِيقِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 68 ' . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يُشِيرَ الْبَائِعُ إلَى أَرْبَعَةِ حُصُنٍ وَيَقُولَ : بِعْت هَذِهِ الْحُصُنَ الْأَرْبَعَةَ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فَهَذَانِ الْأَدْهَمَانِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ قِرْشٍ وَهَذَانِ الْأَشْقَرَانِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْت هَذَيْنِ الْأَدْهَمَيْنِ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَمِائَتَيْنِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى هَذَيْنِ الْحِصَانَيْنِ اللَّذَيْنِ حَصَلَ الْقَبُولُ فِيهِمَا بِالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فِي الْإِيجَابِ وَهُوَ الْأَلْفُ الْقِرْشُ وَالْمِائَتَانِ . أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْت أَحَدَ هَذَيْنِ الْأَدْهَمَيْنِ بِسِتِّمِائَةِ قِرْشٍ مُشِيرًا إلَيْهِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي ثَمَنِ هَذَيْنِ الْحِصَانَيْنِ . وَكَذَلِكَ إذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ وَالْخُلَاصَةُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ
____________________
(1/130)
الْإِيجَابَ وَسَمَّى لِكُلِّ مَبِيعٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ فَلِلْآخَرِ قَبُولُ الْبَيْعِ فِي أَيٍّ شَاءَ مِنْ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ . وَلِذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ : الْأُولَى : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا . وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُتَعَدِّدًا وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا . وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا وَالْمُشْتَرِي مُتَعَدِّدًا . وَالرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُتَعَدِّدًا وَالْمُشْتَرِي مُتَعَدِّدًا . وَلَا يَذْكُرُ هُنَا تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَلَا عَدَمَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلُ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثَالَ الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ . وَمِثَالُ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ وَعَمْرٌ و لِبَكْرٍ : بِعْنَاك هَذَيْنِ الْبَغْلَيْنِ بِأَلْفِ قِرْشٍ هَذَا بِسِتِّمِائَةٍ وَهَذَا بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ فَلِبَكْرٍ أَنْ يَقْبَلَ أَيَّهمَا شَاءَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَهُ . وَمِثَالُ الثَّالِثَةِ أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ لِعَمْرٍ و وَبَكْرٍ : بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْبَغْلَيْنِ بِأَلْفِ قِرْشٍ هَذَا بِسِتِّمِائَةِ قِرْشٍ وَهَذَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ فَلِعَمْرٍ و وَبَكْرٍ أَنْ يَقْبَلَا أَحَدَ الْبَغْلَيْنِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . وَمِثَالُ الرَّابِعَةِ أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ وَعَمْرٌ و لِبَكْرٍ وَعُثْمَانَ : قَدْ بِعْنَاكُمَا هَذَيْنِ الْبَغْلَيْنِ بِأَلْفِ قِرْشٍ هَذَا بِسَبْعِمِائَةٍ وَهَذَا بِثَلَاثِمِائَةٍ فَلِبَكْرٍ وَعُثْمَانَ أَنْ يَقْبَلَا مَا شَاءَا مِنْ الْبَغْلَيْنِ بِثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَهِنْدِيَّةٌ ' .
____________________
(1/131)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ : فِي حَقِّ مَجْلِسِ الْبَيْعِ ( الْمَادَّةُ 181 ) مَجْلِسُ الْبَيْعِ هُوَ الِاجْتِمَاعُ الْوَاقِعُ لِعَقْدِ الْبَيْعِ . بَعْدَ أَنْ يُوجِبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي مَجْلِسٍ فَالْآخَرُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِ الْبَيْعِ عَلَى مَا فِي الْمَادَّةِ 177 وَرَدِّهِ وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارُ الْقَبُولِ وَيَثْبُتُ هَذَا الْخِيَارُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَمَّا سَائِرُ الْخِيَارَاتِ فَتَثْبُتُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ . وَإِنَّمَا ثَبَتَ خِيَارُ الْقَبُولِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَلَزِمَ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الْإِيجَابِ مِنْ الْآخَرِ وَدُخُولِ الْبَيْعِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ مُوجِبِ الْبَيْعِ زَيْلَعِيٌّ وَيَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْمَجْلِسَ اسْمُ مَكَان بِمَعْنَى مَكَانِ اسْتِقْرَارِ النَّاسِ أَمَّا الِاجْتِمَاعُ فَهُوَ وَصْفُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَحَمْلُ لَفْظِ ' اجْتِمَاعٍ ' عَلَى الْمَجْلِسِ غَيْرُ جَائِزٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ ' مَحِلُّ الِاجْتِمَاعِ ' عَلَى حَدِّ قوله تعالى { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ . الثَّانِي - أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَجْلِسَ اسْمُ مَكَان بَلْ هُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ فَيَكُونُ مَعْنَى مَجْلِسِ الْبَيْعِ ' الْجُلُوسُ لِأَجْلِ الْبَيْعِ ' . وَالْخِيَارُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَتُوُفِّيَ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ , فَقَبِلَ وَارِثُهُ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ . إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ مُتَبَاعِدَيْنِ لَكِنَّهُمَا بِحَيْثُ يَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَاعُدُهُمَا لَا يُنَافِي اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بَزَّازِيَّةٌ ' مَا لَمْ يَكُنْ التَّبَاعُدُ يُؤَدِّي إلَى الْتِبَاسٍ وَاشْتِبَاهٍ فِي كَلَامِهِمَا أَيْ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّذَيْنِ يَقَعَانِ بَيْنَهُمَا مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' . ( الْمَادَّةُ 182 ) الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْإِيجَابِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ , مَثَلًا : لَوْ أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ : بِعْت هَذَا الْمَالَ أَوْ اشْتَرَيْت وَلَمْ يَقُلْ الْآخَرُ عَلَى الْفَوْرِ اشْتَرَيْت أَوْ بِعْت بَلْ قَالَ ذَلِكَ مُتَرَاخِيًا قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمَجْلِسِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَإِنْ طَالَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ . خِيَارُ الْقَبُولِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَقَدْ جَعَلَ الْمَتْنُ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مَعَ أَنَّ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا وَالْمُخَيَّرُ مِنْهُمَا هُوَ الْقَابِلُ فَإِذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ; لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْقَبُولِ وَإِذَا أَوْجَبَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ صَارَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا ; لِأَنَّهُ الْقَابِلُ فَلَوْ قَالَ الْمَتْنُ ( الْقَابِلُ ) مَكَانَ قَوْلِهِ ( الْمُتَبَايِعَانِ ) لَكَانَ أَبْيَنَ وَأَوْضَحَ .
____________________
(1/132)
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : كَمَا أَنَّ الْقَابِلَ مُخَيَّرٌ فَالْمُوجِبُ مُخَيَّرٌ أَيْضًا فَإِنْ شَاءَ بَقِيَ عَلَى إيجَابِهِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْهُ فَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ : إنَّ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ ' إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ' وَمِثَالُهُ لَا يُسَاعِدَانِ عَلَى ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ يَكُونُ تَكْرَارًا لِلْمَادَّةِ 184 ' وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَبْطُلُ بِتَرَاخِي الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ التَّرَاخِي طَوِيلًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِيجَابُ خِطَابًا أَمْ كِتَابَةً الدُّرَرُ ' ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 73 ' . أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بَعْضُ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ كَصُدُورِ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ; لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالتَّفَرُّقِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ مَهْمَا طَالَ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُضْطَرٌّ إلَى التَّفْكِيرِ وَالتَّرَوِّي فِي أُمُورِهِ فَجُعِلَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مُمْتَدًّا إلَى آخِرِهِ لِذَلِكَ تَيْسِيرًا وَبِمَا أَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَقَدْ عُدَّتْ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَلَوْ جُعِلَ خِيَارُ الْقَبُولِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَكَانَ فَوْرًا لَلَزِمَ الْحَرَجُ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } , وَقَالَ { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } وَقَالَ عليه الصلاة والسلام { يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا } الزَّيْلَعِيّ . إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ وَكَانَ الْآخَرُ قَائِمًا فَجَلَسَ وَقَبِلَ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ يَعْنِي أَنَّ قُعُودَ الْقَابِلِ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبُولِ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ وَكَانَ فِي يَدِ الْآخَرِ كَأْسُ مَاءٌ أَوْ لُقْمَةُ خُبْزٍ فَشَرِبَ الْمَاءَ أَوْ أَكَلَ اللُّقْمَةَ ثُمَّ قَبِلَ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ . أَمَّا إذَا انْفَضَّ الْمَجْلِسُ كَاشْتِغَالِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِأَكْلِ الطَّعَامِ ثُمَّ قَبُولِهِ بِالْإِيجَابِ يَبْطُلُ وَلَا يَبْقَى مَحِلٌّ لِلْقَبُولِ لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَلَوْ نَامَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَاعِدًا بَعْدَ الْإِيجَابِ ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ فَقَبِلَ الْآخَرُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَيُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ مُنْفَضًّا وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِقَبُولِ الْآخَرِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ , وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ فِي مَجْلِسٍ : بِعْت مَالِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ حَضَرَ ذَلِكَ الْغَائِبُ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ هِنْدِيَّةٌ ' . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ فَوْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَدَّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فَلَا يَرَى فِي ذَلِكَ حَرَجًا وَلَا مَشَقَّةً وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قُلْنَا فِيهِ بِامْتِدَادِ خِيَارِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَنْ يَكُونَ التَّبَايُعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ سَائِرَيْنِ أَثْنَاءَ سَيْرِهِمَا مَاشِيَيْنِ فَإِنَّ الْقَبُولَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْإِيجَابِ كَمَا سَيَتَّضِحُ فِي مَحِلِّهِ . يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ أَيْ حُصُولُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَ مَجْلِسُ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ هِنْدِيَّةٌ ' . وَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ يَكُونُ بِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ سَبَبِ الْعَقْدِ وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَكَانِ , وَالْإِعْرَاضُ يَكُونُ إمَّا بِالْقَوْلِ وَإِمَّا بِالْفِعْلِ فَالْقِيَامُ مِنْ الْمَجْلِسِ لِمَصْلَحَةٍ كَأَكْلِ الطَّعَامِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ وَإِنْ كَانَ مَكَانُ الِاجْتِمَاعِ مُتَّحِدًا لِتَفَرُّقِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ امْتِدَادَ خِيَارِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا مَعَ حُدُوثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ .
____________________
(1/133)
كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالْمَشْيِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَمَّا إتْمَامُ الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ النَّفْلِ فَلَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ كَمَا أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ مِنْ الْكَأْسِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ ازْدِرَادَ اللُّقْمَةِ لَا يُنَافِيَانِ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ بِأُمُورٍ عَدِيدَةٍ مِنْهَا : 1 - صُدُورُ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُبْطِلُ الْإِيجَابَ وَهُوَ الَّذِي يُبْحَثُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ . 2 - الرُّجُوعُ عَنْ الْإِيجَابِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ 185 . 3 - تَكْرَارُ الْإِيجَابِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ 185 . 4 - وَفَاةُ الْمُوجِبِ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ . 5 - تَغْيِيرُ الْمَبِيعِ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ 184 . 6 - هِبَةُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي جَمِيعَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 177 ' . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك مَالِي بِكَذَا وَكَانَا جَالِسَيْنِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْإِيجَابُ وَلَوْ لَمْ يَمْشِ ; لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلٌ عَلَى الرُّجُوعِ وَالْإِعْرَاضِ كَمَا يَبْطُلُ أَيْضًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ زَيْلَعِيٌّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَ شَخْصَانِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا دَاخِلَ الدَّارِ وَالْآخَرُ خَارِجَهَا وَبَعْدَ أَنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ خَرَجَ الْآخَرُ مِنْ الدَّارِ وَقَالَ : قَبِلْت فَالْإِيجَابُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ رَاجِلَيْنِ أَوْ رَاكِبَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا وَالْآخَرُ رَاجِلًا وَعَقَدَا الْبَيْعَ أَثْنَاءَ سَيْرِهِمَا يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْقَبُولُ مُتَّصِلًا بِالْإِيجَابِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَإِذَا حَصَلَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْإِيجَابِ بِمُدَّةٍ وَلَوْ وَجِيزَةٍ أَوْ فَصَلَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ تَغَيَّرَ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ قَائِمَيْنِ وَبَعْدَ أَنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ مَشَيَا أَوْ مَشَى أَحَدُهُمَا وَقَبِلَ الْآخَرُ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ هِنْدِيَّةٌ ' . وَإِذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي سَفِينَةٍ أَوْ قِطَارٍ فَكَمَا لَوْ كَانَا فِي غُرْفَةٍ , وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إذَا صَدَرَ الْقَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا مُتَرَاخِيًا عَنْ الْإِيجَابِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ . وَسَيْرُ السَّفِينَةِ وَالْقِطَارِ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمُتَابِعَيْنِ إيقَافُ السَّفِينَةِ أَوْ الْقِطَارِ . وَيَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِقَبُولِ أَحَدِ الْمُتَابِعَيْنِ لِلْإِيجَابِ وَلَوْ حَصَلَ الْقَبُولُ بَعْدَ صُدُورِ فِعْلٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ; لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ , وَقَبُولُ الْبَيْعِ قَوْلٌ صَرِيحٌ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنْ لَا اعْتِبَارَ لِلدَّلَالَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ وَالْجَوَابُ أَنَّ تَقْدِيمَ التَّصْرِيحِ عَلَى الدَّلَالَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلَمْ يُسْبَقْ الْحُكْمُ بِالدَّلَالَةِ فَأَمَّا هُنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالدَّلَالَةِ سَابِقٌ فَالتَّصْرِيحُ الَّذِي يَرِدُ بَعْدَئِذٍ يَكُونُ لَغْوًا فَلَا يُفِيدُ إجَازَةَ الْمَفْسُوخِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 13 ' . ( الْمَادَّةُ 184 ) لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَنْ الْبَيْعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ فَلَوْ قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ مَثَلًا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا وَقَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت رَجَعَ الْبَائِعُ ثُمَّ قَبِلَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِمُوجِبِ الْبَيْعِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ ; لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِغَيْرِ الْقَبُولِ لَا يُفِيدُ حُكْمًا الدُّرَرُ ' وَالزَّيْلَعِيّ غَيْرَ أَنَّ صِحَّةَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِيجَابِ الَّذِي يَقَعُ مُوَاجَهَةً تَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ لِلرُّجُوعِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 167 ) فَإِذَا قَبِلَ الْآخَرُ دُونَ أَنْ يَسْمَعَ
____________________
(1/134)
رُجُوعَ الْمُوجِبِ فَالْقَبُولُ مُعْتَبَرٌ وَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَلَا حُكْمَ لِهَذَا الرُّجُوعِ . وَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ عَنْ إيجَابِهِ بَعْدَ قَبُولِ الْآخَرِ فَرُجُوعُهُ لَغْوٌ وَالْبَيْعُ بَاقٍ عَلَى الِانْعِقَادِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 127 و 375 ' . وَمِمَّا يَبْطُلُ بِهِ الْإِيجَابُ أَنْ يَرُدَّهُ الطَّرَفُ الْآخَرُ فَلَوْ قَبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ . فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 167 . وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبُولِ طَحْطَاوِيٌّ فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْتُك هَذَا الدَّقِيقَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ تَحَوَّلَ الدَّقِيقُ خُبْزًا فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . فَأَمَّا الْإِيجَابُ الَّذِي يَقَعُ كِتَابَةً أَوْ رِسَالَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْهُ عِلْمُ الطَّرَفِ الْآخَرِ بِهَذَا الرُّجُوعِ ' اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 173 ' . ( الْمَادَّةُ 185 ) : تَكْرَارُ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ يُبْطِلُ الْأَوَّلَ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِيجَابُ الثَّانِي فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْإِيجَابِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت رَجَعَ فَقَالَ بِعْتُك إيَّاهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي يُلْغَى الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا ' ; لِأَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إيجَابِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْمُوجِبُ فِي إيجَابِهِ الثَّانِي رُجُوعَهُ عَنْ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَإِذَا قَبِلَ الطَّرَفُ الْآخَرُ الْبَيْعَ عَلَى الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ . مَثَلًا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك بَغْلِي هَذَا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَقَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي قَبِلْته بِأَلْفِ قِرْشٍ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 177 ' . وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الْبَغْلَ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي قَالَ : بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى الْأَلْفِ وَخَمْسمِائَةٍ , وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي قَالَ بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَتَيْ وَعِشْرِينَ قِرْشًا فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ زَادَ فِي الثَّمَنِ مِائَةً . وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَوْ أَنْ يَرُدَّهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 178 ) . هَذَا وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ حُكْمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَحُكْمِ الْمَادَّةِ ' 176 ' ; لِأَنَّ ' الْمَادَّةَ 176 ' تَبْحَثُ فِي تَكْرَارِ الْعَقْدِ وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَبْحَثُ فِي تَكْرَارِ الْإِيجَابِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَبْحَثَيْنِ ظَاهِرٌ وَيَزْدَادُ ظُهُورًا بِمُطَالَعَةِ الْمَادَّتَيْنِ ' 101 و 103 ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْإِيجَابُ جُزْءٌ مِنْ الْعَقْدِ وَلَيْسَ هُوَ الْعَقْدُ . ( الْمَادَّةُ 186 ) : الْبَيْعُ بِشَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ . مَثَلًا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَضُرُّ فِي الْبَيْعِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ . الشُّرُوطُ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَيَاتُ الْعَقْدِ هِيَ الَّتِي يُوجِبُهَا الْعَقْدُ وَلَوْ لَمْ تُذْكَرْ فِي أَثْنَائِهِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تُفِيد
____________________
(1/135)
ُ شَيْئًا زَائِدًا عَنْ الْعَقْدِ بَلْ هِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا يُوجِبُهُ وَلِذَلِكَ لَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَهِيَ سِتَّةٌ : 1 - حَبْسُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ . 2 - تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ . 3 - امْتِلَاكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ . 4 - طَرْحُ زِنَةِ الْإِنَاءِ مِنْ مَجْمُوعِ زِنَتِهِ وَزِنَةِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ مِنْ الْمَائِعَاتِ . 5 - قَطْفُ الثَّمَرِ مِنْ الشَّجَرِ كَوْنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الثَّمَرِ . 6 - حَطُّ شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ . وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَائِعًا كَالزَّيْتِ أَوْ السَّمْنِ أَوْ الْخَلِّ أَوْ الْعَسَلِ فِي إنَاءٍ وَشَرَطَ الْمُشْتَرِي تَنْزِيلَ مَا يُقَابِلُ وَزْنَ الْإِنَاءِ فَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ وَيَجِبُ تَنْزِيلُ وَزْنِ الْإِنَاءِ مِنْ الْمَبِيعِ . وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ زِنَةَ الْإِنَاءِ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي طَرْحُ ذَلِكَ مِنْ زِنَةِ الْمَبِيعِ أَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْإِنَاءَ هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي اشْتَرَى فِيهِ الْمَبِيعَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ . وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُشْتَرِي قَابِضٌ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ سَوَاءٌ كَانَ ضَمِينًا أَوْ أَمِينًا أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلُ مِنْهُ . وَيَرِدُ عَلَى قَاعِدَةِ ' الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ' اعْتِرَاضَانِ أَحَدُهُمَا فِيمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ حِصَانَيْنِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِهِمَا لِلْمُشْتَرِي تَلِفَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَرَدَّ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَوَقَعَ نِزَاعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ فِي الَّذِي تَلِفَ فَالْقَوْلُ هُنَا لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ; لِأَنَّهُ قَابِضٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَائِعَ مُنْكِرٌ لِقَبْضِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ , وَالثَّانِي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ الْيَمِينَ وَالْيَمِينُ هُنَا خِلَافُ الْقِيَاسِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ تَكُونُ فِيمَا إذَا قَدَّرْنَا الْيَمِينَ نَاشِئَةً مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ قَصْدًا وَالْخِلَافُ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَحْصُلْ قَصْدًا بَلْ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلْإِنَاءِ . ( الْمَادَّةُ 187 ) : الْبَيْعُ بِشَرْطٍ يُؤَيِّدُ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ أَيْضًا مُعْتَبَرٌ مَثَلًا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَائِعِ شَيْئًا مَعْلُومًا أَوْ أَنْ يَكْفُلَ لَهُ بِالثَّمَنِ هَذَا الرَّجُلَ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الشَّرْطُ مُعْتَبَرًا حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ الْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ فَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ مُؤَيِّدٌ لِلتَّسْلِيمِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ . وَيُسَمَّى هَذَا الشَّرْطُ الْمُلَائِمُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ بَلْ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ . وَكَمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُؤَيِّدُ الْمُقْتَضَى . وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ عَقْدِ الْبَيْعِ أَمَامَ شُهُودٍ أَوْ تَقْرِيرُهُ كَذَلِكَ وَأَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إنْسَانٌ آخَرُ وَأَنْ يُحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُلَائِمَةِ الْمُؤَيِّدَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا لَكِنْ إذَا لَمْ يُرَاعِهَا الْمُشْتَرِي فَلَا يُجْبَرُ عَلَى مُرَاعَاتِهَا ; لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَصِحُّ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ الْمُشْتَرِي لِإِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ
____________________
(1/136)
يَدْفَعُ عَنْهُ أَوْ يَكْفُلُهُ أَوْ يَقْبَلُ وَالْإِحَالَةُ عَلَيْهِ فَإِنَّ إجْبَارَ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إجْبَارٌ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي اشْتِرَاطِ الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَفِ بِمَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فِي الثَّمَنِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَضْمُونَ بِالرَّهْنِ أَوْثَقُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ فَصَارَ الرَّهْنُ هَهُنَا مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ . وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مَرْغُوبًا فِيهِ فَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ . وَلَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ فَوْرًا أَوْ سَلَّمَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي هَذَا الرَّهْنِ عَيْنَ الْمَرْهُونِ بَلْ الْمَقْصُودُ قِيمَتُهُ فَبِدَفْعِهَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ . وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي اشْتِرَاطِ الْكَفَالَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَدَفْعُ الثَّمَنِ فَوْرًا تَحْصِيلٌ لِلْمَقْصُودِ بِصُورَةٍ أَتَمَّ , وَإِذَا شُرِطَ الرَّهْنُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْوَصْفِ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَسَدَ الْبَيْعُ ; لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مُوجِبَةٌ لِلنِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمَرْهُونَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَيَطْلُبُ أَعْلَى مِنْهُ وَأَغْلَى . وَإِذَا عَيَّنَ الْمُتَبَايِعَانِ الرَّهْنَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْمَجْلِسِ بِالتَّرَاضِي أَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الرَّهْنَ إلَى الْبَائِعِ فَوْرًا صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَهِنْدِيَّةٌ ' ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ' . وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُقَدِّمَ كَفِيلًا بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْلُومًا حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَأَنْ يَقْبَلَ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَ غَائِبًا ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْكَفِيلُ مَجْهُولًا فَمِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ كَفِيلًا فَقِيرًا فَلَا يَقْبَلُهُ الْبَائِعُ فَيَقَعُ بَيْنَهُمَا النِّزَاعُ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ مَجْهُولًا أَوْ غَائِبًا وَحَضَرَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ الْكَفَالَةِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا الْمَجْلِسَ فَلَمْ يَقْبَلْ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ تَشَاغَلَ بِأَمْرٍ آخَرَ . وَلَوْ قَبِلَ بَعْدَ التَّشَاغُلِ لَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا هِنْدِيَّةٌ ' وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَحُكْمُ الْكَفَالَةِ بِالدَّرْكِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ ' 616 ' كَحُكْمِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ هِنْدِيَّةٌ ' وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْحَوَالَةِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ . أَعْنِي إذَا تَبَايَعَ اثْنَانِ عَلَى أَنْ يُحَوِّلَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا الْبَائِعَ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ لِاقْتِضَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ فَهَذَا الشَّرْطُ كَشَرْطِ الْبَيْعِ بِالْكَفَالَةِ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا ; لِأَنَّ تَحْوِيلَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ مَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ وَيُؤَكِّدُ أَدَاءَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ . وَإِذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعًا عَلَى أَنْ يُحَوِّلَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعًا وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْسَانٌ غَيْرُهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ حَوَالَةَ الْبَائِعِ لَيْسَتْ لِلِاسْتِيثَاقِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَتَأْكِيدِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَقَطْ بَزَّازِيَّةٌ ' وَهِنْدِيَّةٌ ' . ( الْمَادَّةُ 188 ) : الْبَيْعُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ يَعْنِي الْمَرْعِيَّ فِي عُرْفِ الْبَلَدِ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ , مَثَلًا : لَوْ بَاعَ الْفَرْوَةَ عَلَى أَنْ يَخِيطَ بِهَا الظِّهَارَةَ , أَوْ الْقُفْلَ عَلَى أَنْ يُسَمِّرَهُ فِي الْبَابِ أَوْ الثَّوْبَ عَلَى أَنْ يُرَقِّعَهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ عَلَى الْبَائِعِ الْوَفَاءُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ .
____________________
(1/137)
الشَّرْطُ الْمُتَعَارَفُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ جُوِّزَ الْبَيْعُ مَعَهُ اسْتِحْسَانًا وَصَارَ مُعْتَبَرًا هِنْدِيَّةٌ ' ' اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 36 و 38 و 83 ' وَجَوَازُ الْبَيْعِ مَعَهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ ; لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْعُرْفُ وَالتَّعَامُلُ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ مَتَى كَانَ مُتَعَارَفًا فَلَا يَكُونُ بَاعِثًا عَلَى النِّزَاعِ وَيَحْصُلُ الْمِلْكُ الْمَقْصُودُ بِغَيْرِ خِصَامٍ . وَقَدْ جَاءَتْ الْمَجَلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي جَرَى الْعُرْفُ عَلَى التَّعَامُلِ بِهَا فِي الْبَيْعِ . وَالْمَدَارُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ وَالتَّعَامُلِ فَحَيْثُمَا وُجِدَا فِي شَرْطٍ صَحَّ الْبَيْعُ مَعَهُ . وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ بَيْعُ الثَّمَرِ الَّذِي نَضِجَ قِسْمٌ مِنْهُ وَلَمْ يَنْضَجْ الْقِسْمُ الْآخَرُ بِشَرْطِ إبْقَائِهِ عَلَى الشَّجَرِ حَتَّى يَنْضَجَ وَيَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْبَيْعِ فَتَجْوِيزُ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ هُوَ تَرْجِيحٌ لِلْعُرْفِ عَلَى النَّصِّ مَعَ أَنَّ نَصَّ الشَّارِعِ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ النَّصَّ بِالْعُرْفِ كَمَا اتَّضَحَ فِي شَرْحِ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ مَا يُثِيرُهُ الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ مِنْ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ ; لِأَنَّ غَايَةَ الشَّارِعِ إنَّمَا هِيَ قَطْعُ النِّزَاعِ وَحَسْمُ الْخِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ وَالشُّرُوطُ الَّتِي يَجْرِي بِهَا الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ لَيْسَتْ مِمَّا يُسَبِّبُ نِزَاعًا وَيُثِيرُ خِصَامًا فَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَإِذَا اقْتَرَنَ الشَّرْطُ ' بِإِنْ ' بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 82 ' مَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مُعَلَّقًا بِرِضَا مُعَيَّنٍ مَثَلًا : إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْتُك مَالِي هَذَا بِكَذَا قِرْشًا إنْ قَبِلَ زَيْدٌ بِذَلِكَ فِي مُدَّةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَهَذَا يَكُونُ بَيْعًا مُشْتَرَطًا فِيهِ الْخِيَارُ لِإِنْسَانٍ أَجْنَبِيٍّ فَإِذَا عُيِّنَتْ الْمُدَّةُ كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَمِنْ الشُّرُوطِ الْعُرْفِيَّةِ : لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ ثَمَرًا بَعْضَهُ صَالِحٌ لِلْأَكْلِ وَالْآخَرَ غَيْرُ صَالِحٍ عَلَى أَنْ يَبْقَى الثَّمَرُ عَلَى الشَّجَرِ إلَى أَنْ يَنْضَجَ جَمِيعُهُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّالِثِ وَعَلَى الْبَائِعِ مُرَاعَاةُ هَذَا الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَكَذَلِكَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُسَوَّغُ شَرْعًا كَالْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ النَّقْدِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ وَخِيَارِ الْغَبْنِ وَخِيَارِ التَّغْرِيرِ وَخِيَارِ كَشْفِ الْحَالِ وَخِيَارِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَشَرْطِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْبَائِعِ مِنْ دَعْوَى الْعَيْبِ وَشَرْطِ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَبِيعُ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَشَرْطِ أَنْ يَسْتَأْصِلَ الْمُشْتَرِي الشَّجَرَةَ وَشَرْطِ رَدِّ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ إنْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا . فَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ وَمُعْتَبَرٌ وَالْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحٌ ' أَشْبَاهٌ ' وَ ' بَزَّازِيَّةَ ' . وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ الَّذِي يُشْتَرَطُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ وَاجِبٌ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُتَبَايِعَانِ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ حِينَ الْعَقْدِ بَلْ ذَكَرَاهُ بَعْدَ تَمَامِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْدِ فَلَا يُخِلُّ ذِكْرُهُ حِينَئِذٍ بِالْبَيْعِ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' ( الْمَادَّةُ 189 ) : الْبَيْعُ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ يَصِحُّ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ مَثَلًا بَيْعُ الْحَيَوَانِ عَلَى أَلَّا يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ أَوْ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى الْمَرْعَى صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ .
____________________
(1/138)
لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ إذْ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَالنِّزَاعُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ عِنَادٌ وَتَحَكُّمٌ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ أَلَّا يَرْكَبَهُ , أَوْ الْأَثْوَابَ عَلَى أَلَّا يَلْبَسَهَا , أَوْ الطَّعَامَ عَلَى أَلَّا يَأْكُلَهُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 83 ' ; لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَائِدَةٌ لِلْحَيَوَانِ لَكِنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ مِمَّا لَهُ حَقٌّ وَلِلْمُشْتَرِي بَيْعُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ هِبَتُهُ لِمَنْ أَرَادَ كَمَا أَنَّ لَهُ الْحَقَّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمَرْعَى وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَإِنَّمَا قِيلَ فِي الْمِثَالِ هُنَا ' بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ آخَرَ ' وَلَمْ يَقُلْ ' مِنْ مُعَيَّنٍ ' لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْبَيْعَ لِمُعَيَّنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى الْحَيَوَانَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُقَدِّمَ لَهُ عَلَفًا أَوْ أَنْ يَذْبَحَهُ , أَوْ مَالًا بِشَرْطِ أَلَّا يَبِيعَهُ فِي الْبَلْدَةِ بَلْ يَبِيعَهُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ عَبْدُ الرَّحِيمِ وَ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَ ( الْهِنْدِيَّةُ ) وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مَالًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ يُبَاعُ مِنْهُ أَوْ يُوهَبُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ أَمَّا إذَا عَيَّنَ ذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ زَيْدٍ أَوْ هِبَتَهُ لِعَمْرٍ و فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ هِنْدِيَّةٌ ' . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ ثَمَرًا نَاضِجًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ أَنْ يَبْقَى عَلَى الشَّجَرِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى عَلَى الشَّجَرِ مُدَّةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ ' مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَهِنْدِيَّةٌ ' ; لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ . وَإِذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ مُضِرٌّ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ الْعَبَاءَةَ عَلَى أَنْ يُمَزِّقَهَا أَوْ الدَّارَ عَلَى أَنْ يَهْدِمَهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ , وَكَذَلِكَ لَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ كَاشْتِرَاطِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَكْلَ الطَّعَامِ أَوْ لُبْسَ الثِّيَابِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ الَّتِي بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ أَلَّا يَسْكُنَهَا غَيْرُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ طَحْطَاوِيٌّ . وَكَذَلِكَ لَوْ عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى شَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ' خَانِيَّةٌ . قُهُسْتَانِيٌّ . بَحْرٌ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يُقْرِضَ الْمُشْتَرِي إنْسَانًا مُعَيَّنًا قَرْضًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ . وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ دَارًا وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَسْكُنَهَا شَخْصٌ مُعَيَّنٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ . وَكَذَلِكَ كُلُّ شَرْطٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فِيمَا لَوْ شَرَطَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذَا شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَهَبَ الشَّخْصَ الْفُلَانِيَّ الْمُشْتَرِي عِشْرِينَ قِرْشًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ , وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَإِذَا لَمْ يُعْطِ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ الْهِبَةَ الْمَشْرُوطَةَ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَزَّازِيَّةٌ ' وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ مَبْلَغًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُقْرِضْ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَائِعَ الْمَبْلَغَ فَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ خَانِيَّةٌ ' . ' فَائِدَةٌ : . إذَا ذَكَرَ الْمُتَبَايِعَانِ شَرْطًا مُفْسِدًا لِلْبَيْعِ خَارِجَ الْعَقْدِ وَجَرَى الْعَقْدُ دُونَ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَيُبْنَى عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ لَا يَكُونُ فَاسِدًا أَمَّا إذَا ذَكَرَاهُ دَاخِلَ الْعَقْدِ وَبَنَيَا الْعَقْدَ عَلَيْهِ مُتَّفِقَيْنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . وَهَا هُنَا مَسَائِلُ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَسَّمُوا فِي مَذْهَبِهِمْ شَرَائِطَ الْبَيْعِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : جَائِزٌ , وَمُفْسِدٌ , وَلَغْوٌ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 189 الشَّرْطُ اللَّغْوُ وَنَرَى مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ نَذْكُرَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ . فَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ هِنْدِيَّةٌ ' : الْأَوَّلُ : مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَقْدِ الْبَيْعِ , أَوْ الْمُتَعَارَفُ أَوْ
____________________
(1/139)
الْمَشْرُوعُ , أَوْ الْمُؤَيِّدُ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ , أَوْ مَا فِيهِ نَفْعٌ أَوْ فَائِدَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَالْبَيْعُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَاسِدٌ قُهُسْتَانِيٌّ , رَدُّ الْمِحْتَارُ ' ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ التَّمْلِيكُ وَالتَّمَلُّكُ خَاصَّةً أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ مَالِكًا لِلثَّمَنِ بِلَا مَانِعٍ وَلَا مُزَاحِمٍ . فَإِذَا وَقَعَ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ نَافِعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كَانَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ طَالِبًا لِهَذَا الشَّرْطِ وَالْآخَرُ هَارِبًا مِنْهُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ تَامًّا . وَتَجْرِي الْإِجَارَةُ هَذَا الْمَجْرَى إنْ عُدِمَ وُقُوعُ الْمُنَازَعَةِ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ الْمُحْتَوِيَةِ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي لَمْ يَقَعْ فِيهِ مُنَازَعَةٌ مَعَ احْتِوَائِهِ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْجِنْسِ لَا فِي الْأَفْرَادِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ الْمُشْتَمِلَيْنِ عَلَى شَرْطٍ نَافِعٍ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ قَدْ اُعْتُبِرَا فَاسِدَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا الشَّرْطُ إلَى النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ; لِأَنَّ جِنْسَ الْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ الْمُشْتَمِلَ عَلَى شَرْطٍ نَافِعٍ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَنْبَغِي تَجْوِيزُ بَعْضِ الْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرْطٍ نَافِعٍ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى النِّزَاعِ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْجِنْسِ لَا لِلْفَرْدِ مَنَافِعُ الدَّقَائِقِ ' وَنَذْكُرُ هُنَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَرْطًا مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ : ( 1 ) إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَالًا بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ يُقْرِضَهُ مَالًا مَعْلُومًا أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ يُعِيرَهُ مَالًا مُعَيَّنًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِيهَا نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ آخَرُ مِلْكَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَعُولَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ هُنَا أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ إلَّا إذَا ذُكِرَ فِي الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْوَاوِ فَإِذَا ذُكِرَ بِالْوَاوِ كَمَا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي خَمْسَةً فَالْبَيْعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ جَائِزٌ وَلَا يُعْتَبَرُ مِثْلُ هَذَا شَرْطًا ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' ; لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ بِالْوَاوِ يَجْعَلُهُ مُسْتَقِلًّا عَنْ الْعَقْدِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِهِ . ( 2 ) إذَا بَاعَتْ امْرَأَةٌ مَالًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا إذَا بَاعَتْ مَالَهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَلَّا يُطَلِّقَهَا . ( 3 ) إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ حِصَانًا عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ أَنْ يَتَّهِبَهُ أَوْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ الشَّارِي الْأَوَّلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ دَارًا وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ هَذِهِ الدَّارَ زِيَادَةً عَنْ مَبْلَغِ كَذَا أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي هَذِهِ الزِّيَادَةَ ' فَتْحُ الْقَدِيرِ ' . وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ حِمَارًا مِنْ آخَرَ وَشَرَطَ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا وَشَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَلَّا يَسْقُطَ خِيَارُهُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَلَوْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ هِنْدِيَّةٌ ' وَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ وَالتَّدْقِيقِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ بِعَرْضِ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ بِالْخِيَارِ . ( 4 ) لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ عِنَبَ كَرْمٍ لَمْ يَنْضَجْ عَلَى أَنْ يَبْقَى فِي الْكَرْمِ حَتَّى يَنْضَجَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلِلْبَائِعِ قَطْفُهُ خَانِيَّةٌ ' كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْعِنَبَ عَلَى الْكَرْمِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ . ( 5 ) إذَا بَاعَ إنْسَانٌ نِصْفَ أَرْضِهِ الَّتِي مِسَاحَتُهَا مِائَةٌ دُونَم بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى نِصْفِهِ الْآخَرِ مِنْ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ هُوَ الضَّرِيبَةَ السَّنَوِيَّةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَى تِلْكَ الْأَرْضِ كُلَّهَا . ( 6 ) إذَا كَانَ إنْسَانٌ مَدِينًا لِآخَرَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَبَاعَ الْمَدِينُ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَالًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ
____________________
(1/140)
وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا تَقَاضٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ هِنْدِيَّةٌ ' ; لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مُتَّحِدَانِ صِفَةً وَجِنْسًا فَيَحْصُلُ التَّقَاضِي جَبْرًا . ( 7 ) إذَا بَاعَ إنْسَانٌ آخَرَ مَالًا وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ إنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْبَائِعِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَبَقِيَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ عَدَمَ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا إذَا ضَبَطَ الْمَبِيعَ بِالِاسْتِحْقَاقِ ' بَهْجَةٌ . مُؤَيَّدُ زَادَهْ . ( 8 ) إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ مِائَةَ قِرْشٍ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْحَقُ أَصْلَ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ تَنْزِيلِ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 186 ( بَزَّازِيَّةٌ ) . ( 9 ) إذَا شَرَطَ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي يُعْقَدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . ( 10 ) إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ ثَمَرًا عَلَى شَجَرٍ وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ قَطْفَ الثَّمَرِ عَلَى الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . ( 11 ) إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ عَدَمَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ شَهْرٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ قُهُسْتَانِيٌّ . ( 12 ) إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ قَطِيعَ غَنَمٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ رَأْسٍ كُلُّ رَأْسٍ بِكَذَا قِرْشًا وَأَنْ يَكُونَ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ بِلَا ثَمَنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . النَّوْعُ الثَّانِي : مِنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ كَبَيْعِ الْبَقَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَالْبَيْعُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ . النَّوْعُ الثَّالِثُ : شَرْطُ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ عَيْنًا فَهَذَا الشَّرْط مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ . النَّوْعُ الرَّابِعُ : شَرْطُ الْخِيَارِ مُؤَبَّدًا وَمُوَقَّتًا بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَالْبَيْعُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ بَيْعٌ فَاسِدٌ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 300 ) ( هِنْدِيَّةٌ )
____________________
(1/141)
( الفصل الخامس في اقالة البيع ) ( الْمَادَّةُ 190 ) : لِلْعَاقِدَيْنِ أَنْ يَتَقَايَلَا الْبَيْعَ بِرِضَاهُمَا . إنَّ جَوَازَ الْإِقَالَةِ ثَابِتٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ فَمِنْ النَّقْلِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ : { مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَثَرَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَالْعَقْلُ يَقْضِي بِأَنَّ مِنْ حَقِّ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَرْفَعَا الْعَقْدَ تَبَعًا لِلْمَصْلَحَةِ ' مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَتَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي الْمَبِيعِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ . مِثَالُ الْأَوَّلِ : إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْتَرِي : أَقَلْت الْبَيْعَ , فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَبِلْت فَتَكُونُ الْإِقَالَةُ هَهُنَا فِي كُلِّ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ . وَمِثَالُ الثَّانِي إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَيْلَةً حِنْطَةً , وَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَدْفَعَ لِي الثَّمَنَ أَوْ تَرُدَّ لِي الْحِنْطَةَ فَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي خَمْسَ كَيْلَاتٍ فَقَدْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْخَمْسِ الْكَيْلَاتِ بِالتَّعَاطِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 275 ) . وَيُفْهَمُ مِنْ قَيْدِ الرِّضَاءِ أَنَّ رِضَاءَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْإِقَالَةِ شَرْطٌ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ اللَّازِمِ أَمَّا رَفْعُ الْعَقْدِ غَيْرِ اللَّازِمِ فَعَائِدٌ إلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَا الْآخَرِ بَلْ يَكْفِي عِلْمُهُ ( أَبُو السُّعُودِ ) وَلَا يُقَالُ لِرَفْعِ هَذَا الْعَقْدِ إقَالَةٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 163 ) ( الْمَادَّةُ 191 ) الْإِقَالَةُ كَالْبَيْعِ تَكُونُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ : أَقَلْت الْبَيْعَ أَوْ فَسَخْته وَقَالَ الْآخَرُ : قَبِلْت , أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : أَقِلْنِي الْبَيْعَ فَقَالَ الْآخَرُ : قَدْ فَعَلْت صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ . تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ فِي خَمْسِ صُوَرٍ : الْأُولَى : الْمَذْكُورَةُ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ وَهِيَ الِانْعِقَادُ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صِيغَةُ الْمَاضِي فِي الْأَكْثَرِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ تَنْعَقِدُ بِهَا مِنْ أَحَدِ الْمُتَقَايِلَيْنِ وَصِيغَةِ الْمَاضِي مِنْ الْآخَرِ كَمَا أَفْتَى الشَّيْخَانِ وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ مُحَمَّدٌ وَالسَّبَبُ فِي جَوَازِ انْعِقَادِ الْإِقَالَةِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَامْتِنَاعِهِ فِي الْبَيْعِ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِي الْبَيْعِ تُحْمَلُ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فَلَا تَدُلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ وَلَا تَكْفِي لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ , أَمَّا الْإِقَالَةُ فَتَقَعُ بَعْدَ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي الْأَمْرِ وَلَيْسَ فِيهَا مُسَاوَمَةٌ فَصِيغَةُ الْأَمْرِ فِيهَا تُحْمَلُ عَلَى التَّحْقِيقِ وَقَبُولُ الْإِقَالَةِ يَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : الْقَوْلُ وَالنَّصُّ . وَلَا يَنْحَصِرُ انْعِقَادُ الْإِقَالَةِ فِي لَفْظِ ' الْإِقَالَةِ ' بَلْ تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَى الْإِقَالَةِ كَأَلْفَاظِ الْفَسْخِ وَالتَّرْكِ وَالرَّفْعِ وَالتَّرْدَادِ وَأَعِدْ لِي نُقُودِي وَخُذْ نَقُودَك وَبِعْ مِنْ نَفْسِك وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 3 ) وَلَكِنْ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْإِقَالَةِ فَرْقٌ فَإِذَا عُقِدَتْ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ ( الْإِقَالَةِ ) فَحُكْمُهَا فِي حَقّ
____________________
(1/142)
ِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخٌ وَفِي حَقِّ الْغَيْرِ بَيْعٌ جَدِيدٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 196 ) أَمَّا إذَا عُقِدَتْ الْإِقَالَةُ بِأَلْفَاظِ الْمُفَاسَخَةِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ أَوْ التَّرَادِّ فَلَيْسَتْ بَيْعًا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَقَالَ الْبَائِعَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : أَعِدْ لِي نُقُودِي أَوْ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ : خُذْ نَقُودَك وَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ تَنْعَقِدُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مَتَاعًا مِنْ آخَرَ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَرَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ : بِعْ لِي ذَلِكَ الْمَتَاعَ فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ بِالْمُوَافَقَةِ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هَاهُنَا وَكَّلَ الْبَائِعَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ . أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : بِعْ لِي الْمَبِيعَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ وَرَآهُ فَالْبَيْعُ لَا يَنْفَسِخُ بَلْ يَكُونُ الْبَائِعُ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَانْظُرْ الْمَادَّةَ ( 1455 ) كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعًا وَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَالَ لِلْبَائِعِ : بِعْ الْمَبِيعَ مِنْ نَفْسِك فَبَاعَهُ الْبَائِعُ مِنْ نَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ إقَالَةً وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ أَنْقِرْوِيٌّ أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : بِعْ الْمَبِيعَ أَوْ بِعْهُ مِمَّنْ شِئْت أَوْ بِعْ الْمَبِيعَ لِأَجْلِي فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ بَقَرَةً وَبَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتهَا مِنْك رَخِيصَةً فَقَالَ الْمُشْتَرِي : إذَا كَانَتْ رَخِيصَةً فَخُذْهَا وَبِعْهَا وَارْبَحْ مِنْهَا وَأَعِدْ لِي الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعْته إلَيْك فَبَاعَ الْبَائِعُ الْبَقَرَةَ وَرَبِحَ مِنْهَا يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ قَدْ جَرَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ أَوْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَالَ لِلْبَائِعِ : بِعْهَا مِنْ نَفْسِك فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إقَالَةً وَالرِّبْحُ يَعُودُ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا كَانَ تَوْكِيلًا وَالرِّبْحُ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمُوَكَّلِ . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ طَعَامًا وَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَالَ لِلْبَائِعِ كُلْهُ فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ أَكَلَ مَالَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْكُلْهُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ إيجَابُ الْإِقَالَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ أَنْقِرْوِيٌّ وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمَنْقُولَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ رَهَنَهُ وَقَبِلَ الْبَائِعُ الْهِبَةَ أَوْ الرَّهْنَ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ ( بَزَّازِيَّةٌ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ الْهِبَةَ أَوْ الرَّهْنَ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ وَالْبَيْعُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 253 ) لَكِنْ إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ وَقَبِلَ الْبَائِعُ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهَا ضِدُّ الْبَيْعِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْبَيْعُ مَجَازًا فِي الْإِقَالَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْنِي الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنِّي بِكَذَا قِرْشًا فَيَبِيعُهُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ وَيَقْبَلُ الْبَائِعُ فَهَذَا لَا يَكُونُ إقَالَةً بَلْ يَكُونُ بَيْعًا فَتَجِبُ فِيهِ مُرَاعَاةُ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْقِرْوِيَّ وَرَدَّ الْمُحْتَارِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ ثَوْبَ حَرِيرٍ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ قَالَ لِلْبَائِعِ : لَا يَنْفَعُنِي هَذَا الثَّوْبُ فَخُذْهُ وَأَعِدْ لِي دَرَاهِمِي فَلَمْ يُوَافِقْ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ نَزَلْت عَنْ مِقْدَارِ كَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَادْفَعْ لِي الْبَاقِيَ فَوَافَقَ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ وَتَمَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فَهَذَا إقَالَةٌ وَلَيْسَ بَيْعًا جَدِيدًا . تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ ( لَا أُرِيدُ ) مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا أُرِيدُ هَذَا الْبَيْعَ فَلَا تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقَالَةِ وَإِذَا بَاعَ الدَّلَّالُ مَالًا بِأَمْرٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ أَحْضَرَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ فَقَالَ الْبَائِعُ : لَا أُعْطِي الْمَبِيعَ بِهَذَا الثَّمَنِ وَسَمِعَهُ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لَهُ وَأَنَا لَا أُرِيدُ فَالْبَيْعُ لَا يَنْفَسِخُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ أَوَّلًا وَثَانِيًا ; لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِقَالَةِ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ . النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعِ قَبُولِ الْإِقَالَةِ : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلَالَةً وَفِعْلًا وَيَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ مَا يَأْتِي : أَوَّلًا : إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ خَمْسَ أَذْرُعٍ قُمَاشًا وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَهُ ذَلِكَ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : قَدْ أَقَلْت الْبَيْعَ فَخُطَّ مِنْ هَذَا الْقُمَاشِ ثَوْبًا وَبِدُونِ أَنْ يَنْبِسَ الْمُشْتَرِي بِبِنْتِ شَفَةٍ قَصَّ الْقُمَاشَ ثَوْبًا لِلْبَائِعِ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ تَنْعَقِدُ ثَانِيًا إذَا كَانَ الْقُمَاشُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ قَدْ أَقَلْت الْبَيْعَ فَإِذَا قَصَّ
____________________
(1/143)
الْبَائِعُ الْقُمَاشَ ثَوْبًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْإِقَالَةُ تَنْعَقِدُ ثَالِثًا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ الْمَبِيعَ : أَقَلْت الْبَيْعَ فَقَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْإِقَالَةُ تَنْعَقِدُ . إنَّ إيجَابَ الْإِقَالَةِ يُصْبِحُ مَرْدُودًا بِالرَّدِّ وَعَلَيْهِ إذَا رَدَّ الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ صَرَاحَةً فَالْإِيجَابُ يَبْطُلُ وَاسْتِعْمَالُ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ بَعْدَ رَدِّهِ الْإِيجَابَ لَا يُعَدُّ قَبُولًا لِلْإِقَالَةِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ يُعَدُّ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِهِ الْإِقَالَةَ إلَّا أَنَّ الدَّلَالَةَ دُونَ التَّصْرِيحِ فَلَا يَبْطُلُ بِهَا الرَّدُّ الَّذِي حَصَلَ بِهِ ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 184 ) . ثَانِيًا : تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِالرِّسَالَةِ فَإِذَا أَرْسَلَ أَحَدُ الْمُتَابِعَيْنِ رَسُولًا إلَى الْآخَرِ لِيَبِيعَهُ الْإِقَالَةَ وَبَلَّغَهُ الرَّسُولُ إيَّاهَا وَقَبِلَ الْمُبَلَّغُ إلَيْهِ الْإِقَالَةَ فِي مَجْلِسِ التَّبْلِيغِ دُونَ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ يَأْتِيَ بِأَيِّ شَيْءٍ دَالٍّ عَلَى الْإِعْرَاضِ تَكُونُ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً وَعَلَيْهِ فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ الشَّخْصُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ وَقَبِلَ الْإِقَالَةَ فِي مَجْلِسِ التَّبْلِيغِ فَأَنْكَرَ الطَّرَفُ الْآخَرُ حُصُولَ الْقَبُولِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِالْإِقَالَةِ لَا تُصَدَّقُ دَعْوَاهُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ ' بَزَّازِيَّةٌ ' كَذَلِكَ تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِالْكِتَابِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَعْرُوفَةِ ( الْمَادَّةُ 192 ) : الْإِقَالَةُ بِالتَّعَاطِي الْقَائِمِ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صَحِيحَةٌ . يَعْنِي أَنَّ الْإِقَالَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِتَرَادِّ الْبَدَلَيْنِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِتَعَاطِي الْبَدَلَيْنِ ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 175 وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقَالَةَ بِالتَّعَاطِي تَنْعَقِدُ بِثَلَاثِ طُرُقٍ : الْأَوَّلُ : بِتَعَاطِي الْفَرِيقَيْنِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ بِدَاعِي وُجُودِ عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهِ فَيَقْبَلُ الْبَائِعُ الرَّدَّ بِالرِّضَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إقَالَةً حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ ذَلِكَ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ إعَادَةَ الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى تَبَيُّنِ عَدَمِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ . الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ : بِإِعْطَاءِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ إقَالَةَ الْبَيْعِ فَيَطْلُبُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ لَهُ الثَّمَنَ فَيَكْتُبُ الْبَائِعُ سَنَدًا عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ ثُمَّ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِيَ فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ فَالْإِقَالَةُ مُنْعَقِدَةٌ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ ( الْخَيْرِيَّةُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ ) وَكَذَلِكَ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي صَكَّ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ عَلَى سَبِيلِ الْإِقَالَةِ إلَى الْبَائِعِ فَأَخَذَ الصَّكَّ وَتَصَرَّفَ فِي الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ فَتَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِطَرِيقِ الْإِعْطَاءِ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي . الطَّرِيقُ الثَّالِثَةُ : بِإِعْطَاءِ الْبَائِعِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَتَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي مِائَةَ كَيْلَةٍ حِنْطَةً شَرَاهَا مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ يَقُولَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ : إنَّ السِّعْرَ غَالٍ فَيَرُدُّ لَهُ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَيَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي فَتَجْرِي الْإِقَالَةُ فِيمَا رُدَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ ' رَدُّ الْمُحْتَارِ الْهِنْدِيَّةُ ' . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ عِدَّةَ بَقَرَاتٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَقَبَضَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْت بِثَمَنٍ غَالٍ فَرَدَّ الْبَائِعُ الْجُزْءَ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَالْإِقَالَةُ تَنْعَقِدُ وَانْعِقَادُهَا هَهُنَا بِإِعْطَاءِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْبَقَرَاتِ إلَى الْبَائِعِ فَعَلَيْهِ اسْتِرْدَادُهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ ذَلِكَ بِدَعْوَى أَنَّ الْإِقَالَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ . ( الْمَادَّةُ 193 ) يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ فِي الْإِقَالَةِ كَالْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْقَبُولُ
____________________
(1/144)
فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ , وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ : أَقَلْت الْبَيْعَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْآخَرُ انْفَضَّ الْمَجْلِسُ أَوْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِعْلٌ أَوْ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ثُمَّ قَبِلَ الْآخَرُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ وَلَا يُفِيدُ شَيْئًا حِينَئِذٍ . اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ فِي الْإِقَالَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ قَوْلِيَّةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بِالتَّعَاطِي وَجَبَ اتِّحَادُ مَجْلِسِ التَّعَاطِي وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ حِصَانًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَأَعَادَهُ إلَى الْبَائِعِ فَرَفَضَ الْبَائِعُ قَبُولَ الْحِصَانِ صَرَاحَةً فَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وَذَهَبَ فَاسْتَعْمَلَ الْبَائِعُ الْحِصَانَ فِي أَعْمَالٍ فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ قَبُولًا مِنْهُ لِلْإِقَالَةِ وَلَهُ أَلَّا يَرُدَّ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَرُدَّ الْحِصَانَ إلَيْهِ ; لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحِصَانِ وَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ الْبَائِعِ لِلْإِقَالَةِ إلَّا أَنَّ الرَّدَّ الَّذِي وَقَعَ صَرَاحَةً مَانِعٌ مِنْ اعْتِبَارِ قَبُولِ الدَّلَالَةِ ; لِأَنَّ الدَّلَالَةَ دُونَ التَّصْرِيحِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ , الْهِنْدِيَّةُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 184 ' وَعَلَى هَذَا إذَا ذَهَبَ الْمُشْتَرِي بِالْحِصَانِ الَّذِي شَرَاهُ لِيَرُدَّهُ إلَى الْبَائِعِ وَيَسْتَقِيلَ مِنْ الْبَيْعِ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ فِي دَارِهِ فَتَرَكَ الْحِصَانَ فِي إصْطَبْلِهِ وَرَجَعَ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ اسْتَعْمَلَ الْحِصَانَ فِي مَصَالِحِهِ فَالْإِقَالَةُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الْبَائِعِ لِلْحِصَانِ قَبُولًا فِعْلِيًّا لِلْإِقَالَةِ غَيْرَ أَنَّ مَجْلِسَ التَّعَاطِي لَمْ يَكُنْ مُتَّحِدًا فَلِهَذَا لَيْسَتْ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً . ( الْمَادَّةُ 194 ) يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَمَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الْإِقَالَةِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ تَلِفَ لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ مَوَانِعُ الْإِقَالَةِ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا هَلَاكُ الْمَبِيعِ هَلَاكًا حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا . ثَانِيهَا : حُصُولُ زِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ مُنْفَصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ فِيهِ ثَالِثُهَا حُصُولُ زِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ مُنْفَصِلَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ فِيهِ . رَابِعُهَا تَبَدُّلُ اسْمِ الْمَبِيعِ فَهَذِهِ الْمَوَانِعُ الْأَرْبَعَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ ; لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى قِيَامِ الْبَيْعِ وَقِيَامَ الْبَيْعِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ لِوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُتَعَيَّنًا وَبِهَلَاكِ الْمَبِيعِ يَرْتَفِعُ الْبَيْعُ وَلَوْ بَقِيَ الثَّمَنُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَوْجُودًا فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فَلَيْسَ ثَمَّةَ عَقْدٌ يُمْكِنُ رَفْعُهُ وَالتَّقَايُلُ فِيهِ . وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ حَقِيقَةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَوْتِ الْحِصَانِ الْمَبِيعِ مَثَلًا أَمَّا هَلَاكُ الْمَبِيعِ حُكْمًا فَكَأَنْ يَكُونَ حِصَانًا فَيَفِرَّ أَوْ طَائِرًا فَيَطِيرَ وَلَا يُعْلَمُ مَكَانُهُمَا فَيَصِيرُ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلْبَائِعِ . وَلَفْظَةُ ( قَائِمٌ ) الْوَارِدَةُ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ يُقْصَدُ بِهَا عَدَمُ هَلَاكِ الْمَبِيعِ حُكْمًا , وَلَفْظَةُ ' مَوْجُودٌ ' يُقْصَدُ بِهَا عَدَمُ هَلَاكِ الْمَبِيع حَقِيقَةً . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَقَبْلَ إعَادَةِ الْمَبِيعِ أَوْ كَانَ حَيَوَانًا فَفَرَّ أَوْ فُقِدَ فَالْإِقَالَةُ تَبْطُلُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 292 . إنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ فِي خِيَارِ الْبَيْعِ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَمْنَعُ أَيْضًا مِنْ الرَّدِّ فِي الْإِقَالَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 349 و 352 ) وَقَدْ قُلْنَا آنِفًا أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ غَيْرَ الْمُتَوَلِّدَةِ وَالزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ تَمْنَعَانِ مِنْ الْإِقَالَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ الْمَقْبُوضُ أَثْوَابًا فَتُصْبَغُ أَوْ أَرْضًا فَيَبْنِي فِيهَا فَفِي ذَلِكَ حُصُولُ زِيَادَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ الْمَقْبُوضُ حَيَوَانًا فَيَلِدُ أَوْ بُسْتَانًا فَيُثْمِرُ وَفِي هَذَا حُصُولُ زِيَادَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ فَحُصُولُ الزِّيَادَةِ فِي
____________________
(1/145)
كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْإِقَالَةِ ; لِأَنَّ حُصُولَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَجْعَلُ فَسْخَ الْعَقْدِ مُتَعَذَّرًا ; لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي شَرْعًا وَلَمْ تَكُنْ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَجُوزَ رَدُّهَا إلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إعَادَةِ حَادِثٍ سَابِقٍ فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً فَلَا يَبْقَى مَانِعٌ مِنْ بَقَاءِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَكُونُ مِنْ مَوَانِعِ الْإِقَالَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ أَرْضَهُ الْمَزْرُوعَةَ مَعَ زَرْعِهَا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ . وَمِنْ مَوَانِعِ الْإِقَالَةِ تَبَدُّلُ الِاسْمِ كَمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ خُيُوطًا أَوْ قَمْحًا فَنَسَجَ مِنْ الْخُيُوطِ ثَوْبًا أَوْ طَحَنَ الْقَمْحَ وَصَارَ اسْمُ تِلْكَ الْخُيُوطِ ثَوْبًا وَالْقَمْحُ دَقِيقًا أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَخَاطَهُ قَمِيصًا فَالْإِقَالَةُ فِي هَذِهِ الْمَبِيعَاتِ الَّتِي تَبَدَّلَتْ أَسْمَاؤُهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ هَذَا إذَا بُنِيَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْأَصْلَ لِلْبَائِعِ فَقَطْ دُونَ الزِّيَادَةِ كَأَنْ يُقَالَ لِلْمُشْتَرِي مَثَلًا : اُفْتُقْ الْخِيَاطَةَ وَسَلِّمْ الثَّوْبَ لِلْبَائِعِ عَلَى مَا فِي هَذَا مِنْ الضَّرَرِ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ بُنِيَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى رَدِّ الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ لِلْبَائِعِ كَأَنْ يُسَلِّمَ الثَّوْبَ إلَى الْبَائِعِ بَعْدَ أَنْ صَيَّرَهُ الْمُشْتَرِي قَمِيصًا كَمَا هُوَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ رَدُّ الْمُحْتَارِ الْأَنْقِرْوِيُّ ' . أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ فَلَيْسَتَا مِنْ مَوَانِعِ الْإِقَالَةِ صُرَّةُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ حَيَوَانًا وَيُقْبِضَهُ ثُمَّ يَسْمَنُ هَذَا الْحَيَوَانُ أَوْ يَكُونُ مُصَابًا فِي عَيْنِهِ فَيَبْرَأُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْإِقَالَةُ فِي هَذَا الْحَيَوَانِ صَحِيحَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ طَاحُونًا أَوْ حِصَانًا فَأَجَّرَ الْمُشْتَرِي الطَّاحُونَ أَوْ أَكْرَى الْحِصَانَ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَقَايَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَالْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي . وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقَالَةِ حَيَاةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِوَرَثَتِهِمَا أَنْ يَتَقَايَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا وَلِوَصِيِّهِمَا أَيْضًا رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَلِلْإِقَالَةِ ضَبْطٌ عَامٌّ وَهُوَ : كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ حَقَّ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَمْلِكُ حَقَّ الْإِقَالَةِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ فَقَطْ : الْأَوَّلُ : فِيمَا إذَا كَانَ بَيْعُ الْوَصِيِّ لِلْمَالِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ فَالْإِقَالَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِاشْتِرَاطِ الْفَائِدَةِ فِي جَوَاز إقَالَةِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58 ) وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ أَوْ التَّرِكَةَ بِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَقَالَ الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ , وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى وَصِيُّ الْمُتَوَفَّى مِنْ مَدِينِهِ مَالًا يُسَاوِي خَمْسِينَ قِرْشًا بِعِشْرِينَ قِرْشًا ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ; لِأَنَّهَا فِي الْحَالَتَيْنِ مُضِرَّةٌ بِالصَّغِيرِ , وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ إذَا اشْتَرَى لِلْيَتِيمِ مَالًا أَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الصَّغِيرَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُقِيلَ الْبَيْعَ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْإِقَالَةَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ بِالْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ وَلَا يَحِقُّ لِلْوَصِيِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ . أَمَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْوَصِيِّ ثُمَّ وَهَبَ الصَّغِيرَ أَوْ الْوَصِيَّ الثَّمَنَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ وَأَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ وَبِذَلِكَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُولَى عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَمَنَ الْمَوْهُوبِ . الْمَوْضُوعُ الثَّانِي : الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ لِلْبَيْعِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا فَائِدَةٌ
____________________
(1/146)
. الثَّالِثُ : مُتَوَلِّي الْوَقْفِ فَلَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فَائِدَةٌ لِلْوَقْفِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَوْ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مَالًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتُهٌ أَوْ اشْتَرَى مَالًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا تَصِحُّ إقَالَتُهُمَا لِهَذَا الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ مَالًا مِنْ صَبِيٍّ مَأْذُونٍ ثُمَّ وَهَبَ الصَّبِيُّ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ; لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَيَكُونُ قَدْ تَبَرَّعَ بِالْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ . أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ الثَّمَنَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمَوْهُوبَ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَبِمُقْتَضَى الْإِقَالَةِ يَحِقُّ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ وَيَكُونَ الثَّمَنُ قَدْ تَأَدَّى إلَيْهِ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَالثَّانِيَةُ ثَمَنًا لِلْمَوْهُوبِ ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . الرَّابِعُ : الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَادَّةِ 1493 . الْخَامِسُ : الْوَكِيلُ بِالسَّلَمِ فَلَيْسَ لَهُ إقَالَةُ الْبَيْعِ عَلَى رَأْيِ الْبَعْضِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' ( الْمَادَّةُ 195 ) لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَدْ تَلِفَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي مَثَلًا لَوْ بَاعَ أَرْضَهُ الَّتِي مَلَكَهَا مَعَ الزَّرْعِ وَبَعْدَ أَنْ حَصَدَ الْمُشْتَرِي الزَّرْعَ تَقَايَلَا الْبَيْعَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي حَقِّ الْأَرْضِ بِقَدْرِ حِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّ الْبَيْعَ ثَابِتٌ فِي الْبَاقِي فَتْحُ الْقَدِيرِ ' فَبِالنَّظَرِ لِلْبَاقِي تَكُونُ الِاسْتِقَالَةُ صَحِيحَةً وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَبِيعُ وَضُمُورُهُ تَلَفًا فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ صَابُونًا مَثَلًا فَجَفَّ ثُمَّ أُقِيلَ الْبَائِعُ فِيهِ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ فِيهِ كُلِّهِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَجَاءَ فِي مِثَالِ الْمَتْنِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْإِقَالَةَ صَحِيحَةٌ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ مَحْصُولِهَا بِحِصَّةِ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَنِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ مِثْلُ هَذِهِ الْحِصَّةِ , وَتَعْيِينُهَا مَا يَأْتِي : إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْأَرْضِ مَثَلًا وَثَمَنَ الزَّرْعِ كُلًّا عَلَى حِدَةٍ وَقْتَ الْبَيْعِ فَحِصَّةُ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْحَالِ تَكُونُ مَعْلُومَةً وَإِذَا لَمْ يَفْصِلْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَتَعْيِينُ حِصَّةِ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ الْبَائِعُ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ أَنْ حَصَدَ الْمُشْتَرِي الزَّرْعَ فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْأَرْضِ مَعَ الزَّرْعِ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَنُ الْأَرْضِ وَحْدَهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ فَمَجْمُوعُ الثَّمَنِ نِصْفُ مَجْمُوعِ الْقِيمَةِ فَيَدْفَعُ الْبَائِعُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَهُوَ مِائَةُ دِينَارٍ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي الْأَرْضِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 177 ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حِينَ الْبَيْعِ وَاحِدًا ثُمَّ حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بَعْدَ الْبَيْعِ فَصَارَ مُتَعَدِّدًا فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَوْ هَلَكَتْ فَالْإِقَالَةُ لَا تَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ إيضَاحُهُ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ أَنْقِرْوِيٌّ . وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ ; لِأَنَّ كُلَّ بَدَلٍ مِنْهُمَا الْمَبِيعُ مِنْ وَجْهٍ فَبِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا يَبْقَى الْبَيْعُ قَائِمًا فَيُمْكِنُ رَفْعُهُ وَإِقَالَتُهُ فَتْحُ الْقَدِيرِ ' وَيُنْظَرُ فِي الْبَدَلِ الْهَالِكِ فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا رُدَّتْ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا رُدَّ مِثْلُهُ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا تَقَايَضَ رَجُلَانِ بِحِصَانَيْهِمَا أَوْ قَايَضَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِخَمْسِينَ كَيْلَةَ قَمْحٍ مِائَةَ كَيْلَةَ شَعِيرٍ فَهَلَكَ أَحَدُ الْحِصَانَيْنِ أَوْ الْحِنْطَةُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِمَا ثُمَّ تَقَايَلَا هَذَا الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ فِي الْحِصَانِ الْبَاقِي وَالشَّعِيرِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْحِصَانِ الْهَالِكِ أَوْ الْحِنْطَةِ قِيمَةَ الْحِصَانِ
____________________
(1/147)
أَوْ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَإِذَا كَانَ الْبَدَلَانِ مَوْجُودَيْنِ حِينَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ تَلِفَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا حُكْمٌ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا جَرَتْ الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ فَإِذَا تَلِفَ هَذَا الْبَدَلُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ ( هِنْدِيَّةٌ ) ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 194 ) ( الْمَادَّةُ 196 ) هَلَاكُ الثَّمَنِ أَيْ تَلَفُهُ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ . إنَّ تَلَفَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا التَّلَفُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ أَمْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ تَلِفَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ إلَى الثَّمَنِ حِينَ الْعَقْدِ تَكُونُ كَقَوْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ : اشْتَرَيْت هَذَا الْحِصَانَ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ وَذَلِكَ ; لِأَنَّ قِيَامَ الْبَيْعِ بِالْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ كَمَا اتَّضَحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 194 وَذَلِكَ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَكُونُ مَالًا بَلْ يَكُونُ دَيْنًا إمَّا حَقِيقَةً كَالثَّمَنِ الْوَاجِبِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ الَّذِي لَا يُشَارُ فِيهِ إلَى الثَّمَنِ أَوْ حُكْمًا كَالْبَيْعِ الَّذِي يُشَارُ فِيهِ إلَى الثَّمَنِ وَعَلَى كُلٍّ فَحَقُّ الْبَائِعِ لَا يَتَرَتَّبُ فِي الثَّمَنِ بَلْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 243 ) . فَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَابَّتَهُ بِثَمَنٍ قَدْرُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَاسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ تَقَايَلَ هُوَ وَالْآخَرُ الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ , وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ رَجُلٌ آخَرَ مَالًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ مُتَقَارِبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ بَلْ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ تَقَايَلَ هُوَ وَالْآخَرُ الْبَيْعَ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ الْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ مُسْتَهْلَكًا ( فَتْحُ الْقَدِيرِ ) ( هِنْدِيَّةٌ ) أَمَّا بَيْعُ الصَّرْفِ فَلِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ كِلَيْهِمَا ثَمَنٌ وَبَقَاءُ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ فَتَلَفُهُمَا فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ السَّلَمِ وَلَوْ لَمْ يُقْبَضْ الْمُسْلَمُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَالَةِ - لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ : الْأَوَّلُ - عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ فَسْخُ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَمُوجِبَاتُ الْعَقْدِ هِيَ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى شَرْطٍ وَذَلِكَ كَتَعْيِينِ الثَّمَنِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَصْفًا وَتَعْيِينِ الْمَبِيعِ فَعَلَى هَذَا إذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَيَجِبُ رَدُّ مِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ مِقْدَارِهِ الَّذِي اُتُّفِقَ عَلَيْهِ حِينَ الْعَقْدِ . وَلَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يُشْتَرَطَ حِينَ الْإِقَالَةِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْ يَنْقُصَ لِلنَّدَامَةِ أَوْ لِأَسْبَابٍ أُخْرَى أَوْ أَنْ يُزَادَ الثَّمَنُ أَوْ يُرَدَّ بَدَلُ غَيْرِهِ أَوْ يُؤَجَّلَ كَمَا أَنَّ السُّكُوتَ حِينَ الْإِقَالَةِ عَنْ الثَّمَنِ لَا يَضُرُّ شَيْئًا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقَالَةِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ رَفْعُ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ يَكُونُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى ذَلِكَ تَثْبُتُ الْحَالُ الْأُولَى وَثُبُوتُ هَذِهِ الْحَالِ يَقْتَضِي رُجُوعَ عَيْنِ الثَّمَنِ لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ وَعَدَمَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِخَمْسِينَ رِيَالًا وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَ الثَّمَنَ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ رِيَالًا عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْسِينَ رِيَالًا لِلْمُشْتَرِي دُونَ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ رَجُلٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ بِخَمْسِينَ رِيَالًا ثُمَّ اتَّفَقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ أَوْ عَشَرَةً بَدَلًا مِنْ الْخَمْسِينَ رِيَالًا وَبَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ لِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ إلَى الْمُشْتَرِي الْخَمْسِينَ رِيَالًا الْمُسَمَّاةَ ثَمَنًا حِينَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الدَّنَانِيرَ الَّتِي قَبَضَهَا ; لِأَنَّ قَبْضَ الْبَائِعِ لِلثَّمَانِيَةِ الدَّنَانِيرِ أَوْ الْعَشَرَةِ بَدَلًا مِنْ
____________________
(1/148)
الْخَمْسِينَ رِيَالًا عَقْدٌ آخَرُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الَّذِي وَقَعَ سَابِقًا وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِرِضَاهُ بَدَلًا مِنْ سِتِّينَ رِيَالًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ بَعْدَ هُبُوطِ سِعْرِ الْمَالِ وَقِيمَةِ الرِّيَالِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ إلَى الْمُشْتَرِي الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ لَا السِّتِّينَ رِيَالًا الَّتِي قَبَضَهَا أَوْ مِثْلَهَا وَكَذَلِكَ إذَا عَقَدَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا ثُمَّ تَقَايَلَا عَلَى أَنْ يُرَدَّ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَوْرًا , وَكَذَلِكَ إذَا أَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا التَّأْجِيلُ صَحِيحًا عِنْدَ الْإِمَامِ . وَالشَّرْطُ بَعْدَ الْعَقْدِ يُلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَوُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي كَمَا أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَالْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى ذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَقَبْلَ إعَادَتِهِ إلَى الْبَائِعِ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ الْمَبِيعِ التَّالِفِ وَقَدْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الضَّمَانُ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِالْإِبْرَاءِ . وَيَجُوزُ فِي الْإِقَالَةِ تَنْزِيلُ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَبَعْدَ اتِّفَاقِ الْمُتَقَايِلَيْنِ عَلَى التَّقَايُلِ عَلَى شَرْطِ تَنْزِيلِ الثَّمَنِ بِإِزَاءِ نَقْصٍ فِي الْمَبِيعِ لِعَيْبٍ فِيهِ فَفِي مِثْلِ ذَلِكَ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ وَالشَّرْطُ وَالْمِقْدَارُ الَّذِي حُطَّ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 83 ) أَمَّا إذَا شَرَطَ الْمُتَقَايِلَانِ تَنْزِيلَ الثَّمَنِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَقْتَضِي الْعَيْبُ أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ لَغْوٌ وَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَقْتَضِي الْعَيْبُ الْحَقِيقِيُّ وَإِذَا حُطَّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْإِقَالَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْمَبِيعِ وَزَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ مِنْ نَفْسِهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِمَا حُطَّ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 98 ) . وَجَفَافُ الْمَبِيعِ وَضُمُورُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يُعَدَّانِ تَلَفًا فِي الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حِينَ الْبَيْعِ أَخْضَرَ ثُمَّ جَفَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَنَقَصَ وَزْنُهُ ثُمَّ تَقَايَلَا هُوَ وَالْبَائِعُ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِحَطِّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابَلَةَ الْجَفَافِ وَنَقْصِ الْوَزْنِ اللَّذَيْنِ حَدَثَا فِي الْمَبِيعِ ' هِنْدِيَّةٌ ' . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ صَابُونٍ قَدْ جَفَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَصَارَتْ ثَمَانِيَةً وَتَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ بِغَيْرِ نُقْصَانٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَفَافَ الْمَبِيعِ كَمَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِيهِ فَلَا يُعَدُّ تَلَفًا فِي بَعْضِهِ أَبُو السُّعُودِ . الْحُكْمُ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْإِقَالَةِ : اعْتِبَارُهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فِيمَا لَمْ يَثْبُتْ بِمُوجَبِ الْعَقْدِ أَيْ مَا يَكُونُ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ الْعَقْدِ بَلْ بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ يَعْنِي بِغَيْرِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ مَسَائِلُ : الْأُولَى : إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ مَالًا مُقَابِلَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلَا يَعُودُ الْأَجَلُ وَيَصِيرُ الْمَطْلُوبُ مُعَجَّلًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْمَبِيعَ ثَانِيًا ; لِأَنَّ حُلُولَ هَذَا الدَّيْنِ قَدْ حَصَلَ بِرِضَا الْمَدِينِ لِقَبُولِهِ كَوْنَ هَذَا الدَّيْنِ ثَمَنًا وَلِأَنَّ الْمَدِينَ قَدْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ) فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَوْرًا وَقَدْ جَاءَ فِي ( الطَّحْطَاوِيِّ وَرَدِّ الْمُحْتَارِ ) : ' وَلَوْ رَدَّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِقَضَاءٍ عَادَ الْأَجَلُ ; لِأَنَّهُ فَسْخٌ فَإِنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ فَسْخًا وَلِذَا ثَبَتَ لِلْبَائِعِ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالتَّرَاضِي فَإِنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ .
____________________
(1/149)
' الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِمَّاْ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي : إذَا ادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ الْإِقَالَةِ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ فَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْتَبَرُ كَأَنَّهُ بَائِعُ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ ( لِأَنَّ الَّذِي بَاعَهُ ثُمَّ شَهِدَ لِغَيْرِهِ ) وَلَوْ كَانَتْ فَسْخًا لَقُبِلَتْ , أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَادَّعَى الْمَبِيعَ رَجُلٌ وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؟ لِأَنَّهُ عَادَ هَذَا لِفَسْخِ مِلْكِهِ الْقَدِيمِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَلَقِّيًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . الثَّالِثَةُ : إذَا بَاعَ رَجُلٌ مَتَاعًا بِخَمْسِ كَيْلَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ قَبْضِ الْحِنْطَةِ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ إلَى الْمُشْتَرِي الْحِنْطَةَ الَّتِي قَبَضَهَا عَيْنَهَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا وَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي ذَلِكَ قَدْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ بِخَمْسِ كَيْلَاتِ حِنْطَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ زَيْلَعِيٌّ . الرَّابِعَةُ : إذَا اشْتَرَى الدَّائِنُ الْمَكْفُولُ دَيْنُهُ مِنْ مَدِينِهِ مَالًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَ الشِّرَاءِ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 659 ' فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْكَفَالَةَ فِي الْبَيْعِ بِمَا عَلَيْهِ لَا يَعُودَانِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَفِي الرَّدِّ بِالْقَضَاءِ فِي الْعَيْبِ يَعُودُ الْأَجَلُ وَلَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالرِّضَا لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ بِالْأَوْلَى رَدُّ الْمُحْتَارِ ' الْحُكْمُ الثَّالِثُ - أَنْ تَكُونَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّخْصِ الثَّالِثِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ إذَا كَانَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَنَذْكُرُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ خَمْسًا : إحْدَاهَا : الشُّفْعَةُ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فِي شِرَاءِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ الْعَقَارَ بِالشُّفْعَةِ ; لِأَنَّ الشَّفِيعَ شَخْصٌ ثَالِثٌ فَالْإِقَالَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ بَيْعٌ جَدِيدٌ أَيْ يُعْتَبَرُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلْعَقَارِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ فِي الْإِقَالَةِ . ثَانِيَتُهَا : الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ قَدِيمٌ كَانَ فِيهِ حِينَمَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى بَائِعِهِ ; لِأَنَّ حُصُولَ الْإِقَالَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي بَيْعٌ جَدِيدٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَيْ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ قَدْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَتَبَدُّلُ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي الشَّيْءِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ . الثَّالِثَةُ : الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ هِبَةً فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ هِبَتِهِ ; لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاهِبِ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي زَيْلَعِيٌّ . الرَّابِعَةُ : الرَّهْنُ فَإِذَا رَهَنَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ ثُمَّ تَقَايَلَ هُوَ وَالْبَائِعُ فَالْإِقَالَةُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 747 ' . الْخَامِسَةُ : الْإِجَارَةُ فَإِذَا أُقِيلَ الْبَيْعُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ إيجَارِهِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي السَّابِقِ أَبُو السُّعُودِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 590 ' وَاعْتِبَارُ الْإِقَالَةِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّخْصِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَمَّا إذَا وَقَعَتْ قَبْلَهُ فَهِيَ فِيمَا عَدَا الْعَقَارِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا بَيْعًا زَيْلَعِيٌّ وَيَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ أَقَالَ الْبَيْعَ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ أَبْقَى الْإِقَالَةَ دُونَ أَنْ يَحِقَّ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْإِقَالَةَ فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ وَأَصْبَحَ مِنْ الْمُتَعَذَّرِ رَدُّهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ . أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا وَقْتَ الْإِقَالَةِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا بَعْدَ الْإِقَالَةِ رَدُّ الْمُحْتَار
____________________
(1/150)
ِ الْخَيْرِيَّةُ الْأَنْقِرْوِيُّ وَنَفَقَةُ النَّقْلِ وَغَيْرِهِ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ عِنْدَ الْمَبِيعِ أَوْ فِي مَحِلٍّ آخَرَ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ التَّقَايُلِ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ غَيْرُ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هُوَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 187 ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . وَتَصِحُّ إقَالَةُ الْإِقَالَةِ فَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ حِصَانًا بِأَلْفِ قِرْشٍ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ ثُمَّ عَادَا فَتَقَايَلَا الْإِقَالَةَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَالْحِصَانُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقَالَةُ بَيْعِ السَّلَمِ ; لِأَنَّ إقَالَتَهُ تَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبِمَا أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فَيَسْقُطُ الْإِبْرَاءُ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ' رَدُّ الْمُحْتَارِ ' وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ عَلَى شَرْطٍ فَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ حِصَانًا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : قَدْ بِعْته مِنْك رَخِيصًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي : إذَا طَلَبَهُ طَالِبٌ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ فَبِعْهُ فَبَاعَ الْبَائِعُ الْحِصَانَ بِأَلْفٍ وَمِائَةِ قِرْشٍ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي رَدُّ الْمُحْتَارِ . الْهِنْدِيَّةُ ' .
____________________
(1/151)
الْبَابُ الثَّانِي : فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَبِيعِ وَيَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي حَقِّ شُرُوطِ الْمَبِيعِ وَأَوْصَافِهِ ( الْمَادَّةُ 197 ) : يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا . وَذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 105 أَنَّ الْبَيْعَ عِبَارَةٌ عَنْ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَالْمَالُ كَمَا فِي الْمَادَّةِ 126 مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَادِّخَارُهُ وَلَمَّا كَانَ الْمَعْدُومُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَلَا ادِّخَارُهُ فَلَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ بَاطِلٌ فَبَيْعُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 205 ) مَثَلًا إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ أَلْفَ كَيْلَةِ حِنْطَةٍ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْحِنْطَةِ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ خَمْسُمِائَةِ كَيْلَةٍ مِنْهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْبَاقِي وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ فِي الْمَالِ فَيَجُوزُ بَيْعُ مُهْرِ الْفَرَسِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ ( الْهِنْدِيَّةُ الْكَفَوِيُّ ) أَمَّا إيجَارُ مَا لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ الْمُهْرِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ مِنْهُ ( الْمَادَّةُ 198 ) : يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَعَلَى ذَلِكَ فَبَيْعُ الْمَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ كَبَيْعِ الدَّابَّةِ الْفَارَّةِ وَالطَّيْرِ الطَّائِرَةِ بَاطِلٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 209 ) حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ دَابَّتَهُ الْفَارَّةَ فَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ إلَى الصِّحَّةِ ( بَحْرٌ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 52 ) ( الْمَادَّةُ 199 ) : يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا مُتَقَوِّمًا يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَبَيْعُ مَا لَا يُعْتَبَرُ مَالًا بَاطِلٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 210 ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُتَقَوِّمًا أَيْ يُبَاحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَبَيْعُ الْمَالِ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ بَاطِلٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 211 ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا لِعَدَمِ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ فَشِرَاءُ مَالٍ بِثَمَنٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 212 ) ( الْمَادَّةُ 200 ) : يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي
____________________
(1/152)
هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْجَهَالَةُ فِيهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعَهُ الَّذِي عِنْدَهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَكَانَ مِقْدَارُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) ( أَنْقِرْوِيٌّ ) فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَدَعُ سَبِيلًا لِلنِّزَاعِ ; لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ تَمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ وَتُؤَدِّي إلَى تَنَازُعِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَيَصِيرُ الْعَقْدُ بِهَا غَيْرَ مُفِيدٍ وَكُلُّ عَقْدٍ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَاسِدٌ فَبَيْعُ الْمَالِ الْمَجْهُولِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَاسِدٌ كَبَيْعِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ قَطِيعِ غَنَمٍ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 212 ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ أَنَّ الْمَبِيعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا التَّقْيِيدُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا لِلْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ إنَّ أَرْضَكَ الَّتِي تَحْتَ يَدِي لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ وَقَدْ اشْتَرَيْتُهَا مِنْك بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَقَالَ الْآخَرُ قَدْ بِعْتُكهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 322 ) وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ فِي دَارِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِمِقْدَارِ تِلْكَ الْحِصَّةِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يَعْرِفُ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ فِيهَا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ غَبْنٌ وَتَضْرِيرٌ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّضْرِيرِ كَمَا سَيَرِدُ فِي الْمَادَّةِ 357 ( الْمَادَّةُ 201 ) يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ أَحْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ مَثَلًا لَوْ بَاعَهُ كَذَا مُدًّا مِنْ الْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ أَوْ بَاعَهُ أَرْضًا مَعَ بَيَانِ حُدُودِهَا صَارَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَصَحَّ الْبَيْعُ . إنَّ طُرُقَ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ وَمِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ بِهِ أَوَّلًا بِالْإِشَارَةِ ثَانِيًا بِالْخَوَاصِّ الَّتِي تُمَيِّزُهُ عَنْ سِوَاهُ وَهِيَ مِقْدَارُهُ وَحُدُودُهُ وَصِفَاتُهُ ثَالِثًا مَكَانُهُ الْخَاصُّ رَابِعًا بِإِضَافَةِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ إلَى نِصْفِهِ خَامِسًا بِبَيَانِ الْجِنْسِ عَلَى قَوْلِ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِالْإِشَارَةِ . إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُشَارًا إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ مِقْدَارِهِ وَوَصْفِهِ ; لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِالْإِشَارَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي تُلَاقِي الْمَبِيعَ فِي الْجِنْسِ . الثَّانِي : السَّلَمُ . الثَّالِثُ : إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ الثَّمَنِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ فَيَجِبُ بَيَانُ مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَصِفَتِهِ فِي مُبَادَلَةِ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ لَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ بَلْ يَجِبُ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) طَرِيقُ الْعِلْمِ بِبَيَانِ الصِّفَاتِ وَالْحُدُودِ . وَتَكُونُ بِالْقَوْلِ مِثْلُ : بِعْت كَذَا كَيْلَةَ حِنْطَةٍ مِنْ الْجِنْسِ الْفُلَانِيِّ أَيْ بِذِكْرِ صِفَتِهِ وَمِقْدَارِهِ أَوْ بِعْت الْأَرْضَ الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا وَكَذَا أَوْ بِعْتُ الْأَرْضَ فِي الْمَوْقِعِ الْفُلَانِيِّ وَاَلَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَذَا ذِرَاعًا بِبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَالْبَيْعُ صَحِيحًا ذَاتًا وَوَصْفًا ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ مِقْدَارَ الْمُقَدَّرَاتِ وَوَصَفَهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك الْحِصَانَ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ الْحِصَانُ الَّذِي شَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَاحِدًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ . الْعِلْمُ بِبَيَانِ الْجِنْسِ .
____________________
(1/153)
إنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي يُذْكَرُ جِنْسُهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَهُ وَوَصْفَهُ وَلَمْ يَنْسِبْهُ الْبَائِعُ إلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُشِرْ فِي الْبَيْعِ إلَى مَكَانِهِ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا لَمْ يُلَائِمْ الْمُشْتَرِيَ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا جَهَالَةَ تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا غَيْرَ مُتَفَاوِتٍ كَالْحِنْطَةِ مَثَلًا بِدُونِ أَنْ يُشِيرَ إلَى مَكَانِ الْمَبِيعِ الْخَاصِّ أَوْ يَنْسِبَ الْمَبِيعَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْبَيْعِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَاشْتَرَاهُ وَسَلَّمَهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ أَلْفَ كَيْلَةِ حِنْطَةٍ فِي مِلْكِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ أَنْقِرْوِيٌّ وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْرِفُ مَكَانَ الْحِنْطَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَإِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَكَانَ الْمَبِيعِ حِينَ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ بِالْمَادَّةِ 286 ( مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ ) وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ مَتَى كَانَتْ هَذِهِ الْحِنْطَةُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ فَسَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ الْحِنْطَةُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ أَمْ فِي أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنُهَا نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ جَمِيعُهَا فِي الْبُرِّ فَالْبَيْعُ صَحِيحُ وَاَلَّذِي يَنْفِي صِحَّةَ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْحِنْطَةِ فِي الْبَلَدِ وَبَعْضُهَا فِي الْبُرِّ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . الْعِلْمُ بِالْإِشَارَةِ إلَى مَكَانِ الْمَبِيعِ الْخَاصِّ - وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ : بِعْت جَمِيعَ ثِيَابِي الَّتِي فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ أَوْ هَذِهِ الْخِزَانَةِ أَوْ فِي غُرْفَتِي هَذِهِ فَفِي مِثْلِ هَذَا الْمِثَالِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَالْبَيْعُ صَحِيحًا وَلِهَذَا خَمْسُ صُوَرٍ : الْأُولَى : أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت جَمِيعَ الدَّقِيقِ وَالْبُرِّ وَالثِّيَابِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . الثَّانِيَةُ : أَنْ يَقُولَ بِعْت جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ . الثَّالِثَةُ : أَنْ يَقُولَ بِعْت جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ . الرَّابِعَةُ : أَنْ يَقُولَ بِعْتُ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ . الْخَامِسَةُ : أَنْ يَقُولَ بِعْت جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الْأَكْيَاسِ . فَهَذِهِ الصُّوَرُ الْخَمْسُ تَنْقَسِمُ إلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِمَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْأَمْوَالِ . الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ جَائِزًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْخَمْسِ . وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي الْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ أَيْ الْقَرْيَةِ وَالدَّارِ وَجَائِزٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ أَنْقِرْوِيٌّ . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ رَجُلٌ آخَرَ بَغْلَتَهُ الَّتِي فِي الْإِصْطَبْلِ الْفُلَانِيِّ أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْإِصْطَبْلِ أَوْ الْمَوْضِعِ بَغْلَةٌ غَيْرُهَا فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ . الْعِلْمُ بِالْمَبِيعِ بِإِضَافَةِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ إلَى نَفْسِهِ - وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ : قَدْ بِعْت حِصَانِي الَّذِي فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ فَالْبَائِعُ هُنَا أَضَافَ الْمَبِيعَ إلَى نَفْسِهِ وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ الْخَاصِّ فَالْبَيْعُ فِي هَذَا صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ . أَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك حِصَانِي وَاقْتَصَرَ عَلَى إضَافَةِ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يُعَيِّنَ مَكَانَهُ وَكَانَ لِلْبَائِعِ حِصَانٌ وَاحِدٌ فَقَطْ فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى قَوْلِ ( الْمُحِيطِ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ . لَكِنْ إذَا اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ هُوَ نَفْسُ الْحِصَانِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ( هِنْدِيَّةٌ ) ( بَزَّازِيَّةٌ ) مَعَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ حِصَانَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِتَعَيُّنِ الْحِصَانِ الْمَبِيعِ . ( الْمَادَّةُ 202 ) : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى عَيْنِهِ مَثَلًا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الْحِصَانَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ وَهُوَ يَرَاهُ صَحَّ الْبَيْعُ . لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ أَبْلَغُ أَنْوَاعِ التَّعْرِيفِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى تَحْدِيدِ الْمَبِيعِ أَوْ وَصْفِهِ أَوْ بَيَانِ مِقْدَارِهِ ; لِأَنَّ جَهَالَةَ ذَلِكَ لَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْمَبِيعِ فَلَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ
____________________
(1/154)
265 ) وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ مُشِيرًا إلَيْهَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ مِقْدَارِ كَيْلَاتِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 317 ) وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُشَارًا إلَيْهِ وَذُكِرَ بِاسْمِ جِنْسٍ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يُخِلُّ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ فَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْحِمَارَ فَقَبِلَ الْآخَرُ مَعَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ حِمَارًا بَلْ حِصَانًا وَكِلَا الْمُتَبَايِعَيْنِ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 65 . وَتَمْثِيلُ الْمَجَلَّةِ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ يُقْصَدُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إلَى إخْرَاجِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ ) . ( الْمَادَّةُ 203 ) : يَكْفِي كَوْنُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا حَاجَةَ إلَى وَصْفِهِ وَتَعْرِيفِهِ بِوَجْهٍ آخَرَ ; لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَبِيعِ لَا تَضُرُّ الْبَائِعَ بَلْ تَضُرُّ الْمُشْتَرِيَ فَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ وَعِلْمُهُ بِهِ , وَتُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمُشْتَرِي وَعِلْمُهُ بِالْمَبِيعِ فَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَارًا يَعْلَمُ حُدُودَهَا سَابِقًا بِدُونِ ذِكْرٍ لِحُدُودِهَا وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِدَعْوَى أَنَّ حُدُودَ الدَّارِ لَمْ تُذْكَرْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 176 ) , كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ حُدُودَ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ أَوْ لَمْ تُذْكَرْ الْحُدُودُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَجَاحُدٌ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الَّذِي يَدَّعِيه الْمُشْتَرِي أَنْقِرْوِيٌّ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 201 ) . ( الْمَادَّةُ 204 ) الْمَبِيعُ يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ . مَثَلًا : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ وَأَشَارَ إلَى سِلْعَةٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْمَجْلِسِ إشَارَةً حِسِّيَّةً وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي لَزِمَ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ سِلْعَةً غَيْرَهَا مِنْ جِنْسِهَا . يَتَعَيَّنُ الْمَبِيعُ بِالتَّعَيُّنِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ بِهِ فِي الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ أَمْ الْمِثْلِيَّاتِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1 5 1 ) . وَكَذَلِكَ إذَا أَشَارَ الْبَائِعُ إلَى صُبْرَةِ حِنْطَةٍ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي : قَدْ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَ تِلْكَ الصُّبْرَةَ عَيْنَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْحِنْطَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا وَيُسَلِّمَ الْمُشْتَرِيَ حِنْطَةً مِثْلَهَا أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا وَصْفًا ( كِفَايَةٌ ) وَلَفْظُ ( الْإِشَارَةِ بِحِسِّيَّةٍ ) الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ فَإِذَا عُيِّنَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ كَالتَّعْرِيفِ أَوْ الْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَهُ . وَلَفْظُ الْمَبِيعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الثَّمَنِ وَسَيَجِيءُ حُكْمُهُ فِي الْمَادَّةِ 243 .
____________________
(1/155)
( الفصل الثاني فيما يجوز و ما لا يجوز ) ( الْمَادَّةُ 5 20 ) : بَيْعُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ فَيَبْطُلُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ لَمْ تَبْرُزْ أَصْلًا . الْمَعْدُومُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا حَقِيقَةً أَوْ مَعْدُومًا عُرْفًا وَالْمَعْدُومُ عُرْفًا هُوَ الْمُتَّصِلُ اتِّصَالًا خِلْقِيًّا بِغَيْرِهِ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَقِيقَةً أَمْ عُرْفًا بَاطِلٌ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 97 1 ) . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ عِنَبَ كَرْمِهِ وَهُوَ زَهْرٌ , أَوْ مُهْرَ فَرَسِهِ وَهُوَ جَنِينٌ , أَوْ زَرْعَ أَرْضَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ أَيْ يَنْفَصِلَ الثَّمَرُ مِنْ الزَّهْرِ وَيَنْعَقِدَ وَلَوْ صَغِيرًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ , وَكَذَلِكَ بَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي ; لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ التِّبْنِ وَهُوَ فِي السُّنْبُلِ قَبْلَ التَّذْرِيَةِ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ التِّبْنَ لَا يَكُونُ مِنْ السُّنْبُلِ إلَّا بَعْدَ الدِّرَاسِ فَبَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَيْعٌ لِلْمَعْدُومِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْبَصَلِ وَالثُّومِ وَاللِّفْتِ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ وَهُوَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَبَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِذَا نَبَتَ وَعَلِمَ وُجُودَهُ فِي الْأَرْضِ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ ( الْخُلَاصَةُ ) وَكَذَلِكَ بَيْعُ بَذْرِ الْبِطِّيخَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا بَاطِلٌ أَمَّا بَعْدَ الْكَسْرِ فَصَحِيحٌ وَبَيْعُ حَقِّ وَضْعِ الْأَخْشَابِ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ وَضْعِ الْأَقْذَارِ فِي الْعَرْصَةِ غَيْرُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْبَيْعِ وَأَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَهُ كَبَيْعِ حِنْطَةٍ وَحِذَاءٍ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعَ سَلَمٍ أَوْ اسْتِصْنَاعٍ ( الْخُلَاصَةُ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَا سَيَمْلِكُهُ فِيمَا بَعْدُ كَالْحِنْطَةِ أَوْ السَّفِينَةِ الَّتِي سَيَصْنَعُهَا أَوْ الْجُلُودِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ أَمَّا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى سَبِيلِ السَّلَمِ أَوْ الِاسْتِصْنَاعِ وَرُوعِيَتْ شَرَائِطُهُمَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ . قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْدُومَ عُرْفًا هُوَ الْمُتَّصِلُ اتِّصَالًا خِلْقِيًّا بِغَيْرِهِ فَبَيْعُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ حَالَ اتِّصَالِهِ بَاطِلٌ بِخِلَافِ اتِّصَالِ الْجُذُوعِ وَالثَّوْبِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ الْعَبَا ابْنُ مَلَكٍ . ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) أَمْثِلَةُ الْمَعْدُومِ عُرْفًا بَيْعُ اللَّبَنِ وَهُوَ فِي الضَّرْعِ وَأَحْشَاءِ الشَّاةِ وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ لَحْمِهَا أَوْ كُلْيَتَيْهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ جِلْدِهَا أَوْ صُوفِهَا وَبَيْعُ الزَّيْتِ فِي زَيْتُونِهِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ فِي حَبِّهِ قَبْلَ اسْتِخْرَاجِهِمَا كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ الْبَائِعُ الشَّاةَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَسَلَّمَ الْجِلْدَ إلَى الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ لَا يَحُولُ عَنْ بُطْلَانِهِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 175 ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَعْدُومَةٌ عُرْفًا فَأَمَّا اللَّبَنُ فِي ضَرْعِ الشَّاةِ فَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ انْتِفَاخُ ضَرْعِ الشَّاةِ لِوُجُودِ لَبَنٍ فِيهِ أَوْ رِيحٍ أَوْ دَمٍ ؟ فَلِذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ مَالًا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ اللَّبَنَ يَحْصُلُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَبِالتَّتَابُعِ فَلَوْ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ لَاخْتَلَطَ مِلْكُ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَصُوفُ الشَّاةِ الْحَيَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِذَلِكَ الْحَيَوَانِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الصُّوفَ يَتَزَايَدُ أَيْضًا وَذَلِكَ يُوجِبُ اخْتِلَاطَ الْبَيْعِ بِغَيْرِهِ ' رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي ' هَذَا وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ أَيْ جَعْلُهُ مَبِيعًا بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا جَعْلُهُ ثَمَنًا فَصَحِيحٌ أَيْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَوْجُودًا فَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ حَيَوَانًا بِخَمْسِينَ رِيَالًا أَوْ عِشْرِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَلَا فِي يَدِهِ الْخَمْسُونَ رِيَالًا أَوْ الْعِشْرُونَ كَيْلَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ .
____________________
(1/156)
وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : الْبَيْعُ بِالِاسْتِجْرَارِ فَقَدْ جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ وَالْبَيْعُ بِالِاسْتِجْرَارِ يَكُونُ بِغَيْرِ مُسَاوَمَةٍ بَيْنَ الْمُتَابِعَيْنِ وَبِغَيْرِ بَيَانِ الثَّمَنِ كَشِرَاءِ السَّمْنِ وَالْأُرْزِ وَالْحِمَّصِ وَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبِدَالِ الْبَقَّالُ فَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَيْهِ غَيْرَ صَحِيحٍ وَبَاطِلًا لَوَجَبَ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَالِ مِثْلُ ضَمَانِ الْمَالِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَضَمَانِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا . الثَّانِيَةُ : بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ , وَمِثَالُهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ خَمْسُونَ كَيْلَةً حِنْطَةً فَأَخَذَ الدَّائِنُ مِنْ الْمَدِينِ خَمْسِينَ رِيَالًا بَدَلًا مِنْ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ ( بَهْجَةٌ ) إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَحِلِّ عَيْنِهِ وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ . ( الْمَادَّةُ 206 ) الثَّمَرَةُ الَّتِي بَرَزَتْ جَمِيعُهَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَهِيَ عَلَى شَجَرِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْأَكْلِ أَمْ لَا . لِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 197 لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَابِلًا لِلِانْتِفَاعِ مَعَهُ فِي الْحَالِ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْفِ الثَّمَرِ فِي الْحَالِ وَإِخْلَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ يَبْقَى الثَّمَرُ عَلَى الشَّجَرِ حَتَّى يُدْرَكَ وَيَصْلُحَ لِلْأَكْلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 189 ) فَإِذَا عُقِدَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ قَطْعُ الثَّمَرِ عَنْ الشَّجَرِ فِي الْحَالِ فَأَثْمَرَ الشَّجَرُ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ تَمْيِيزِ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ حِينَئِذٍ وَهَذِهِ حَالٌ تُشْبِهُ حَالَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَمَّا إذَا أَثْمَرَ الشَّجَرُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَالْبَائِعُ وَالشَّارِي شَرِيكَانِ فِيهِ لِاخْتِلَاطِ مَا يَمْلِكَانِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1060 ) فَإِذَا كَانَ الثَّمَرُ لَمْ يُزْهِرْ فَالْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ السَّابِقَةَ ) وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا صَحِيحٌ وَالْبَائِعُ مُلْزَمٌ بِحَصَادِ الْحِنْطَةِ وَدِرَاسِهَا وَتَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت مَا فِي مَزْرَعَتِي هَذِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ أَوْ بِهَذِهِ الْبَغْلَةِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادُ الْحِنْطَةِ وَدِرَاسِهَا وَتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي . أَمَّا إذَا بَاعَ الْبَائِعُ الْحِنْطَةَ مَعَ تِبْنِهَا وَسُنْبُلِهَا فَلَيْسَ بِمُلْزَمٍ بِالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 207 ) مَا تَتَلَاحَقُ أَفْرَادُهُ يَعْنِي أَنْ لَا يَبْرُزَ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَالْفَوَاكِهِ وَالْأَزْهَارِ وَالْوَرَقِ وَالْخَضْرَاوَاتِ إذَا كَانَ بَرَزَ بَعْضُهَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا سَيَبْرُزُ مَعَ مَا بَرَزَ تَبَعًا لَهُ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ . قَدْ جُوِّزَ هَذَا الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ وَالتَّعَامُلِ فَالْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْجُودِ وَتَبَعًا فِي الْمَعْدُومِ أَنْقِرْوِيٌّ , اُنْظُرْ مَضْبَطَةَ ( الْمَجَلَّةِ ) أَمَّا بَيْعُ الثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَبْرُزْ مِنْهُ شَيْءٌ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ فِي الْمَادَّةِ ( 205 ) . وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَشْتَرِطُ لِجَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ الَّذِي ظَهَرَ أَكْثَرَ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِيَكُونَ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ , وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يَشْتَرِطُ هَذَا الشَّرْطَ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَجَلَّةِ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ الثَّانِي . ( الْمَادَّةُ 208 ) إذَا بَاعَ شَيْئًا وَبَيَّنَ جِنْسَهُ فَظَهَرَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَطَلَ
____________________
(1/157)
الْبَيْعُ فَلَوْ بَاعَ زُجَاجًا عَلَى أَنَّهُ الْمَاسُ بَطَلَ الْبَيْعُ . فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْمَبِيعُ أَدْنَى مِنْ الْمَشْرُوطِ وَفِي الثَّانِي أَعْلَى ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ بِزْرًا عَلَى أَنَّهُ بِزْرُ بِطِّيخٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ بِزْرُ قَرْعٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الْبِزْرَ عَيْنًا إنْ كَانَ مَوْجُودًا وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ قَدْ دُفِعَ إلَى الْبَائِعِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَقَدْ فُهِمَ مِنْ لَفْظِ ( جِنْسِ ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ الْوَصْفَ وَظَهَرَ خِلَافُهُ فَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِاخْتِلَافِ الْوَصْفِ كَمَا يَبْطُلُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 310 ) ( الْمَادَّةُ 209 ) : بَيْعُ مَا هُوَ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ بَاطِلٌ كَبَيْعِ سَفِينَةٍ غَرِقَتْ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْبَحْرِ أَوْ حَيَوَانٍ نَادِرٍ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهُ وَتَسْلِيمُهُ . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 198 ) أَمَّا بَيْعُ مَا يَسْتَلْزِمُ تَسْلِيمُهُ ضَرَرًا فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْجَامُوسَةِ الْمُسْتَوْحِشَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَقْدُورَةِ التَّسْلِيمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَفِي هَذِهِ الْمَادَّةِ تَقْيِيدُ الْمَبِيعِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ , فَلَوْ بَاعَ إنْسَانٌ حَمَامَهُ الطَّائِرَ الَّذِي اعْتَادَ أَنْ يَأْوِيَ إلَى بُرْجِهِ وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَمَامُ لَيْسَ فِي بُرْجِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ ( الْهِنْدِيَّةُ ) ; لِأَنَّ الْمَعْلُومَ عَادَةً كَالْوَاقِعِ وَتَجْوِيزُ كَوْنِهَا لَا تَعُودُ أَوْ عُرُوضُ عَدَمِ عَوْدِهَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْمَبِيعِ كَتَجْوِيزِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ . ثُمَّ إذَا عَرَضَ الْهَلَاكُ انْفَسَخَ . كَذَا إذَا فُرِضَ عَدَمُ وُقُوعِ الْمُعْتَادِ مِنْ عَوْدِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . اسْتِثْنَاءٌ : يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ النَّادِرِ مِمَّنْ يُقِرُّ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا فَرَّ حَيَوَانُ إنْسَانٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ وَقَالَ لَهُ : إنَّ حَيَوَانَك عِنْدِي بِعْنِي إيَّاهُ بِكَذَا قِرْشًا فَبَاعَهُ مِنْهُ وَالْمُشْتَرِي قَبِلَ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ( الْهِنْدِيَّةُ ) وَإِذَا كَانَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ مَقْدُورًا غَيْرَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّرَرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : إذَا بَاعَ رَجُلٌ جِسْرَ خَشَبٍ مِنْ جُسُورِ دَارِهِ وَكَانَ قَلْعُهُ مِنْ مَكَانِهِ مُسْتَلْزِمًا لِتَشَعُّثِ بِنَاءِ الدَّارِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . 2 - إذَا بَاعَ إنْسَانٌ حِصَّةً شَائِعَةً فِي الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ مِنْ آخَرَ غَيْرِ شَرِيكِهِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الزَّرْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ حَصَادِ الزَّرْعِ كُلِّهِ وَبِمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَيَطْلُبُ تَسْلِيمَ حِصَّتِهِ فَالْبَائِعُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ فِي حِصَّتِهِ الَّتِي لَمْ يَبِعْهَا ; لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ النَّبَاتِ يُصْبِحُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا حَصَلَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ لَمْ يُسْمَحْ لَهُ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ بِطَلَبِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 91 ) وَالْبَائِعُ هُنَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِضْرَارَ بِنَفْسِهِ بِعَقْدِهِ هَذَا الْعَقْدَ إذْ لَيْسَ فِي عَقْدِ الْبَائِعِ لِلْبَيْعِ ضَرَرٌ فَلَيْسَ هُوَ إلَّا عَقْدٌ وَإِنَّمَا الضَّرَرُ يَقَعُ أَثْنَاءَ التَّسْلِيمِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 373 ) . أَمَّا إذَا هَدَمَ الْبَائِعُ دَارِهِ وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ الْجِسْرَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَطْلُبْ الْمُشْتَرِي قَلْعَ الزَّرْعِ وَسَكَتَ حَتَّى أُدْرِكَ الزَّرْعُ فَالْبَيْعُ يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ فَسْخُ الْبَيْعِ ( الْهِنْدِيَّةُ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ) وَإِذَا كَانَ الْجِسْرُ الْمَبِيعُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ حِينَ الْبَيْعِ فَإِذَا فَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْبِنَاءِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
____________________
(1/158)
أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَيَزُولُ الْمُفْسِدُ بِالتَّسْلِيمِ وَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ . وَلَمَّا كَانَ بَيْعُ بَعْضِ الثَّوْبِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ تَبْعِيضُهُ ضَرَرًا فَاسِدًا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 52 فَقَوْلُ الدُّرُّ الْمُخْتَارُ أَصَحُّ . 3 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ ذِرَاعَ جُوخٍ مِنْ جُبَّتِهِ الْمَخِيطَةِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ فِي قَطْعِ ذِرَاعٍ مِنْ الْجُبَّةِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي ضَرَرًا لِلْبَائِعِ . 4 - لَوْ أَنَّ إنْسَانًا بَاعَ نِصْفَ دَارِهِ الْمَشَاعَ وَاسْتَثْنَى صَحْنَ الدَّارِ وَسَاحَتَهَا فِيمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَيَطْلُبُ هَدْمَ نِصْفَ الدَّارِ فَيَلْحَقُ الْبَائِعُ ضَرَرٌ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَمَّا إذَا بِيعَ بَعْضُ مَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَبْعِيضُهُ ضَرَرًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ كَأَنْ يَبِيعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبِ جُوخٍ . ( الْمَادَّةُ 210 ) : بَيْعُ مَا لَا يُعَدُّ مَالًا بَيْنَ النَّاسِ وَالشِّرَاءُ بِهِ بَاطِلٌ مَثَلًا لَوْ بَاعَ جِيفَةً أَوْ آدَمِيًّا حُرًّا أَوْ اشْتَرَى بِهِمَا مَالًا فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بَاطِلَانِ أَيْ بَاطِلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي الْبَدَلَيْنِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَيْسَ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ وَكَانَ الْمَالُ الَّذِي جَعَلَ بَدَلَهُ دَيْنًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَرَضًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْبَدَلَيْنِ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَدَلُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْمَبِيعُ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ أَيْضًا فِي الْبَدَلَيْنِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَهُنَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِ فَقْدُ رُكْنٍ مِنْ الْبَيْعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ أَوْ حَبَّةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَشِرَاءُ شَيْءٍ بِهِمَا بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ . وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْمَجَلَّةِ بُطْلَانُهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ بَيْعُ غَيْرِ الْمَالِ فَقَطْ بِغَيْرِ الْمَالِ فَقَطْ أَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ مَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْمَجَلَّةُ لَهُ وَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ أَحْيَانًا فِي الْجَمِيعِ وَمِثَالُهُ إذَا بِيعَ آدَمِيٌّ حُرٌّ أَوْ لَحْمُ مَيْتَةٍ أَوْ مَسْجِدٌ عَامِرٌ مَعَ مَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً فُصِلَ الثَّمَنُ أَمْ لَمْ يُفْصَلْ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّ أَوْ فِي لَحْمِ الْمَيْتَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ مَعًا ( الْهِنْدِيَّةُ ) أَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَإِنْ فُصِلَ الثَّمَنُ فَالْبَيْعُ فِي الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ صَحِيحٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعِلَّةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَدَّدُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ بَلْ لَا بُدَّ لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ مِنْ تَكْرَارِ الْإِيجَابِ فِي كُلِّ مَبِيعٍ يُفْصَلُ ثَمَنُهُ وَالصَّاحِبَانِ يَرَيَانِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ بِدُونِ حَاجَةٍ إلَى تَكْرَارِ الْإِيجَابِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 179 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . أَمَّا إذَا بَاعَ رَجُلٌ مَزْرَعَتَهُ أَوْ ضَيْعَتَهُ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَلَمْ يَسْتَثْنِ حِينَ الْبَيْعِ الْمَسْجِدَ أَوْ الْمَقْبَرَةَ مِنْ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْمَزْرَعَةِ وَالضَّيْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ الْمَقْبَرَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ مِنْ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْمَقْبَرَةَ وَالْمَسْجِدَ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ الْبَيْعِ عَادَةً اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 36 ) فَلَا يَدْخُلَانِ فِي ضِمْنِ الْمَبِيعِ وَلَا يَقَعُ الْبَيْعُ إلَّا عَلَى الْمَزْرَعَةِ أَوْ الضَّيْعَةِ . وَأَحْيَانًا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ فَقَطْ , مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ إنْسَانٌ وَقْفَهُ الْمَعْمُورَ بِمَالِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ هَذَا الْوَقْفُ مَحْكُومًا بِهِ وَمُسَجَّلًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي مَالِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَاطِلٌ فِي الْوَقْفِ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ فِي مَالِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَغَيْرُ لَازِمٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 378 ) وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ ضَيْعَتَهُ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى مَسَاكِنَ عَدِيدَةٍ وَأَدَوَات
____________________
(1/159)
ٍ زِرَاعِيَّةٍ وَحَيَوَانَاتٍ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمَزَارِعِ الْمُسَجَّلَةِ عَلَيْهِ فِي ( الطَّابُو ) مِنْ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِلَا إذْنٍ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ ( مَأْمُورُ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيُّ ) فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ ذَلِكَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَاطِلٌ فِي الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ دَارِهِ مَعَ عَرْصَةِ الْوَقْفِ الَّتِي هِيَ وَاقِعَةٌ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ بِالْإِجَارَتَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الدَّارِ الَّتِي يَمْلِكُهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ بَاطِلٌ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ إذْ لَا يَجُوزُ الْفَرْعُ مِنْ أَرْضِ الْوَقْفِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَوَلِّي وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِنَا ( حِصَّةُ الشَّيْءِ مِنْ الثَّمَنِ ) أَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى عَلَى الْمَبِيعِ الْمِلْكُ مِنْهُ وَالْوَقْفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِيمَتِهِمَا كِلَيْهِمَا وَسَيُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ حَمْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحِسَابِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 346 ) بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ مُحَرَّزٍ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَائِزٌ وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ مَدَارُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى حِلِّ الِانْتِفَاعِ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ الَّذِي يَأْوِي إلَى خَلَايَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خَلَايَاهُ عَسَلٌ وَكَذَلِكَ دُودُ الْحَرِيرِ وَبِزْرِهِ وَالْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ أَوْ الْقَابِلُ لِلتَّعْلِيمِ وَالْهِرَّةُ وَالطَّيْرُ وَالْفِيلُ وَالْعُقَابُ وَالْبَاشِقُ وَكُلُّ حَيَوَانٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( الْمَادَّةُ 211 ) : بَيْعُ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ بَاطِلٌ . كَالْمَوْقُوذَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاس مَالًا مُقَوَّمًا فَإِنَّهَا عِنْدَ الْآخَرِينَ مَالٌ غَيْرُ مُقَوَّمٍ فَبَيْعُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ دَيْنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ بَاطِلٌ فَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَا الْبَائِعُ الثَّمَنَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ عَيْنُ الْمَبِيعِ ; لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الثَّمَنَ إذْ هُوَ لَيْسَ إلَّا وَسِيلَةٌ إلَى الْمَبِيعِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى فِي الذِّمَّةِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) وَلِأَنَّ كَرْيَ الْأَرْضِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَبَيْعُهُمَا بَاطِلٌ إذَا بِيعَا بِدَيْنٍ أَمَّا إذَا بِيعَا بِعَيْنٍ فَالْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَاسِدٌ وَفِيهِمَا بَاطِلٌ وَسَيَتَّضِحُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَالْخُلَاصَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَالِ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ بَاطِلٌ فَإِذَا كَانَ الْمُقَابِلُ لِلْمَبِيعِ دَيْنًا فَالْبَيْعُ فِيهِمَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَإِذَا كَانَ عَرَضًا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَايَضَةِ فَالْبَيْعُ فِي الْعَرَضِ فَاسِدٌ وَالْبَائِعُ يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْقَبْضِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الْآتِيَةَ وَالْمَادَّةَ 371 ) , وَكَلِمَةُ ( مُتَقَوِّمٍ ) الْوَارِدَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 127 ) . ( الْمَادَّةُ 212 ) : الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَاسِدٌ . وَتَجْرِي عَلَى هَذَا الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَحْكَامُ الْمَادَّتَيْنِ 371 و 382 أَمَّا الْبَيْعُ بِالْمَالِ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَبَاطِلٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ السَّابِقَةَ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ الْمَبِيعُ ( اُنْظُرْ مَادَّةَ 1 15 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بَادَلَ إنْسَانٌ آخَرَ حَيَوَانَهُ الْمَيِّتَ خَنْقًا بِبَغْلَةِ الْآخَرِ فَالْبَيْعُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَيِّتِ بَاطِلٌ وَفِي الْبَغْلَةِ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ الْمَيِّتَ خَنْقًا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا ثَمَنًا ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 199 ) إذْ الْحَيَوَانُ الْمَخْنُوقُ مَالٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ أَمَّا شِرَاءُ الْمَالِ بِمَا لَا يُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ 210 ( الدُّرُّ الْمُخْتَارُ ) . ( الْمَادَّةُ 213 ) : بَيْعُ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي
____________________
(1/160)
هِيَ مِلْكِي وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرِيهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . هَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ كَبَيْعِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ قَطِيعِ غَنَمٍ ( الْهِنْدِيَّةُ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 200 ) لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ مُؤَدِّيَةٌ إلَى النِّزَاعِ وَالْجَهَالَةُ فِي الْمَبِيعِ إذَا أَدَّتْ إلَى النِّزَاعِ فَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ الثَّمَنَ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُزَاحِمٍ وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا فَالْبَائِعُ يُسَلِّمُ نَوْعًا مِنْهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي يُطَالِبُ الْبَائِعَ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ نَوْعًا آخَرَ فَيَقَعُ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى ذَلِكَ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا أَمَّا بَيْعُ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً لَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ كَبَيْعِ إحْدَى بَغْلَتَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي اخْتِيَارُ أَيِّ الْبَغْلَتَيْنِ شَاءَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 316 ) أَوْ كَبَيْعِ كَيْلَةِ حِنْطَةٍ مِنْ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ أَوْ جَمِيعِ مَا فِي غُرْفَةٍ أَوْ كِيسٍ مِنْ الْمَالِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 201 ) وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَجْهُولِ هُنَا مَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ كَمَا تَقَدَّمَ . أَمَّا الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ كَأَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ بِأَنَّ فِي يَدِهِ مَالًا لِآخَرَ وَصَلَ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْإِيدَاعِ وَيَشْتَرِيهِ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ طَحْطَاوِيٌّ وَنُورِدُ هَاهُنَا أَمْثِلَةً لِبَيْعِ الْمَجْهُولِ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت دَارًا أَوْ بَغْلَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ أَيَّةَ دَارِ أَوْ بَغْلَةٍ بِيعَتْ مِنْهُ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْبَغْلَةَ قَدْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَغْلَتَهُ وَأَنْ تَكُونَ بَغْلَةَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً . إذَا كَانَ عِنْد رَجُلٍ نَوْعَانِ مِنْ الْحِنْطَةِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ ( مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 201 ) . إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَمْوَالٌ قِيَمِيَّةٌ فَأَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ اخْتِيَارَ أَيَّهمَا شَاءَ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ يَنُصَّ الْبَائِعُ عَلَى تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ حَتَّى لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَالَيْنِ فَتَلِفَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِمَا كِلَيْهِمَا ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَسَبَ الْمَادَّةِ 371 مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ وَالْآخَرَ وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ وَدِيعَةً أَوْ مَضْمُونًا فَالضَّمَانُ وَاعْتِبَارُ الْإِيدَاعِ شَائِعَانِ فِيهِمَا أَيْ سَارِيَانِ فِي كِلَا الْمَالَيْنِ فَيَنْقَسِمَانِ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا تَلِفَا عَلَى التَّعَاقُبِ أَيْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرِي يَضْمَنُ التَّالِفَ أَوَّلًا وَيَبْقَى الْآخَرُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ حَسَبَ الْمَادَّةِ 768 ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَفَاوِتَيْ الْقِيمَةِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي تَلِفَ أَوَّلًا هُوَ الْمَالُ الْأَقَلُّ قِيمَةً وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 ) أَمَّا إذَا أَقَامَ الِاثْنَانِ الْبَيِّنَةَ فَتَرْجَحُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 77 ) . إذَا بَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ الْإِرْثِيَّةَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى الْمَجْهُولَةِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ حَتَّى أَنَّ إبْرَاءَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي مِنْ دَعْوَى الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْبَيْعُ يُفْسَخ عَلِي
____________________
(1/161)
ٌّ أَفَنْدِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 52 ) إذَا بِيعَ الْبِطِّيخُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حُلْوًا وَالسِّمْسِمُ أَوْ الزَّيْتُونُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الزَّيْتِ وَبَيْدَرُ الْأُرْزِ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَذَا قِنْطَارًا مِنْ الْأَرُزِّ وَقَطِيعُ الْغَنَمِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مَا يُبَاعُ لِلذَّبْحِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ كَذَا رِطْلًا مِنْ اللَّحْمِ أَوْ الْبَقَرَةُ عَلَى أَنْ يُحْلَبَ مِنْهَا مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ مِنْ اللَّبَنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ قَبْلَ الْعَمَلِ ( الْهِنْدِيَّةُ ) . بَيْعُ عَدَدٍ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ مِقْدَارٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمَبِيعِ يُفْسِدُ الْبَيْعَ ( الْهِنْدِيَّةُ ) مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَارًا وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ اسْتِثْنَاءَ غُرْفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الدَّارِ وَإِخْرَاجَهَا مِنْ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَبْقَى لَهُ شَاتَانِ غَيْرُ مُعَيَّنَتَيْنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْبَيْعِ جَهَالَةً فِي الْمَبِيعِ بَزَّازِيَّةٌ - رَدُّ الْمُحْتَارِ - ( تَنْقِيحٌ ) وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ صَارَ الْبَاقِي مَجْهُولًا . إذَا بِيعَ مِقْدَارٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ عَلَى أَنَّ عَدَدَهُ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّ عَدَدَهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( الدُّرُّ الْمُخْتَارُ ) . بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ فَاسِدٌ لِفَسَادِ الْمَبِيعِ وَبَيْعُ الْمُلَامَسَةِ أَنْ يَلْمِسَ الْمُشْتَرِي مَتَاعًا مِنْ جُمْلَةِ أَمْتِعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَيُعَدُّ مَا لَمَسَهُ مَبِيعًا مِنْهُ , وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسِّلْعَةِ إلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَاعَهَا مِنْهُ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ , وَبَيْعُ إلْقَاءِ الْحَجَرِ هُوَ أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَمْتِعَةَ الْآخَرِ بِحَجَرٍ فَمَا أَصَابَهُ الْحَجَرُ فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَهَذِهِ الْبُيُوعُ الثَّلَاثَةُ فَاسِدَةٌ وَإِنْ سُمِّيَ الثَّمَنُ وَإِذَا لَمْ يُسَمَّ الثَّمَنُ كَانَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ عَدَمَ تَسْمِيَتِهِ وَإِذَا سُمِّيَ فَعِلَّةُ الْفَسَادِ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَلَوْ عُيِّنَ الْمَبِيعُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَيْضًا وَلَيْسَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ حِينَئِذٍ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ بَلْ لِتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى خَطَرٍ ; لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّمَا يَقُولُ لِلْمُشْتَرِي : إذَا وَقَعَ الْحَجَرُ عَلَى مَتَاعٍ فَقَدْ بِعْته لَك وَمِثْلُ هَذَا الْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا اتَّضَحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 87 ( الْمَادَّةُ 214 ) : بَيْعُ حِصَّةٍ شَائِعَةٍ مَعْلُومَةٍ كَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَالْعُشْرِ مِنْ عَقَارٍ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْإِفْرَازِ صَحِيحٌ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ حِصَّتَهُ فِي الدَّارِ الْفُلَانِيَّةِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ عَالِمًا بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَيْضًا عَالِمًا بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ أَوْ مُصَدِّقًا لِلْمُشْتَرِي فِيمَا بَيَّنَهُ مِنْ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ , أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَعْرِفُ الْحِصَّةَ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعُ يَعْرِفُ تِلْكَ الْحِصَّةَ أَمْ لَا يَعْرِفُهَا ( الْهِنْدِيَّةُ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 200 ) . وَتَحْتَ حُكْمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ الصُّورَتَانِ الْآتِيَتَانِ : الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْعَقَارُ جَمِيعُهُ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ فَيَبِيعَ ثُلُثَهُ وَيُبْقِيَ ثُلُثَيْهِ . الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْعَقَارُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ مَثَلًا فَيَبِيعُ أَحَدُهُمَا نِصْفَ حِصَّتِهِ الشَّائِعَةِ مِنْ آخَرَ فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِصَّةِ وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ , وَلَوْ كَانَتْ الْحِصَّةُ مَجْهُولَةً وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمَجَلَّةِ ( بِمَعْلُومٍ ) أَنَّهَا اخْتَارَتْ قَوْلَ الطَّرَفَيْنِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ لِأَجْنَبِيٍّ يَكُونُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَلَا يُسْتَغْنَى بِهَذِهِ الْمَادَّةِ عَنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ ; لِأَنَّ الْمَادَّةَ الْآتِيَةَ أَعَمُّ مِنْ مِلْكِ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْعَامَّ قَدْ
____________________
(1/162)
ذُكِرَ بَعْدَ الْخَاصِّ فَلَا يَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ وَلَوْ أَنَّ الْمَجَلَّةَ حَذَفَتْ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ لَفْظَةَ ( الْعَقَارِ ) لَأَفَادَتْ مَعْنَى الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَأَغْنَتْ عَنْهَا كُلَّ الْإِغْنَاءِ وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ 138 و 139 أَنَّ الْحِصَّةَ الشَّائِعَةَ هِيَ السَّارِيَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْمِلْكِ وَعَلَى ذَلِكَ لَا تَكُونُ إلَّا قَبْلَ الْإِفْرَازِ فَعِبَارَةُ ( حِصَّةٍ شَائِعَةٍ ) تُغْنِي عَنْ عِبَارَةِ ( قَبْلَ الْإِفْرَازِ ) كَمَا أَنَّ الثَّانِيَةَ تُغْنِي عَنْ الْأُولَى . وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مِلْكًا مُشْتَرَكًا مَشَاعًا مَعَ آخَرَ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَهُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَهَذَا النِّصْفُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَنَافِذًا ; لِأَنَّ الْأَوْلَى حَمْلُ تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْجَوَازِ مَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا بَاعَ فُضُولِيٌّ نِصْفَ مَالٍ شَائِعٍ فَالْبَيْعُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكَيْنِ فِي تِلْكَ الدَّارِ ; لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِصَرْفِهِ إلَى حِصَّةِ أَحَدِهِمَا دُونَ حِصَّةِ الْآخَرِ فَإِذَا أَجَازَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَيْعَ ذَلِكَ الْفُضُولِيِّ فَالْبَيْعُ يَنْصَرِفُ إلَى حِصَّةِ الْمُجِيزِ وَهِيَ النِّصْفُ عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي وَحِكْمَةُ الْقَوْلِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ مُنْصَرِفٌ إلَى نِصْفِ كُلِّ حِصَّةٍ مِنْ حِصَّتَيْ الشَّرِيكَيْنِ أَيْ إلَى رُبْعِ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ فَكَيْفَ يُصْرَفُ إلَى حِصَّةِ الْمُجِيزِ كُلِّهَا , وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ الشَّرِيكَ نَفْسَهُ انْصَرَفَ الْبَيْعُ إلَى نِصْفِ حِصَّتِهِ فَقَطْ فَإِجَازَةُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فِي ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ إلَّا بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ لِذَلِكَ الْفُضُولِيِّ وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَنْصَرِفُ الْبَيْعُ إلَى رُبْعِ الْمَبِيعِ وَيَنْفُذُ فِيهِ فَقَطْ ( هِنْدِيَّةٌ ) ; لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْعَقْدِ انْقَسَمَ إلَى نِصْفِ كُلِّ حِصَّةٍ فَيَنْقَسِمُ كَذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ فِي الْإِجَازَةِ . إيضَاحُ الْقُيُودِ - قُيِّدَتْ الْحِصَّةُ ( بِشَائِعَةٍ ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ ; لِأَنَّ الشَّرِيكَ إذَا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ الْآخَرِ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فَلَوْ بَاعَ الشَّرِيكُ غُرْفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ إلَى أَجْنَبِيٍّ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حِصَّةِ الْبَائِعِ وَلَا فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّ الْغُرْفَةَ الَّتِي بِيعَتْ لَيْسَتْ لِلْبَائِعِ فَقَطْ بَلْ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ شَرِكَةٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا كَمَا لِلْأَوَّلِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ جَائِزٌ وَفِي الْآخَرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الشَّرِيكِ ( الشَّارِحُ ) إنَّ بَيْعَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَعْدَ التَّقْسِيمِ وَالْإِفْرَازِ جَائِزٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَفْظَةُ ( شَائِعَةٍ ) لَيْسَتْ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا وَقَدْ ذَكَرَتْ الْمَجَلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَفْظَ ( عَقَارٍ مُلُوكٍ ) لِأَنَّ الْمُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ الَّتِي يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْإِجَارَتَيْنِ وَالْأَرَاضِيَ الْأَمِيرِيَّةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كُلِّهَا وَلَا بَعْضِهَا وَيَجْرِي فِيهِمَا الْفَرَاغُ وَهُوَ إجَارَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا كَانَ رَجُلَانِ يَتَصَرَّفَانِ فِي وَقْفٍ بِالْإِجَارَتَيْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَفَرَّغَ مِنْ حِصَّتِهِ لِمَنْ شَاءَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ مَنْعُهُ مِنْ الْفَرَاغِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَيْضًا لِجَوَازِ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ إذْنُ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَفِي فَرَاغِ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشُّفْعَةِ . ( الْمَادَّةُ 215 ) يَصِحُّ بَيْعُ الْحِصَّةِ الْمَعْلُومَةِ الشَّائِعَةِ بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشَاعُ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ أَوْ غَيْرَ قَابِلٍ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1088 ) لِأَنَّهُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّةِ 1192 لِكُلٍّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَمَا يَشَاءُ وَهَذَا الْبَيْعُ مِنْ جُمْلَةِ التَّصَرُّفَاتِ وَعَلَى هَذَا كَمَا يَحِقُّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ الْعَرْصَةَ الْمُشْتَرَكَةَ مِنْ شَرِيكِهِ فَكَذَلِكَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ
____________________
(1/163)
بِدُونِ إذْنٍ مِنْ شَرِيكِهِ وَكَمَا أَنَّ لِمَنْ يَمْلِكُ حِصَّةً فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ مَعَ عَرْصَتِهَا لِشَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ هَذِهِ الْحِصَّةَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلِشَرِيكِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ ( اُنْظُرْ الْكِتَابَ التَّاسِعَ ) . وَكَذَلِكَ : لِمَنْ يَمْلِكُ ثَوْبًا أَوْ بَغْلَةً أَوْ حَطَبًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَتَاعٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلِشَرِيكِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ . وَكَذَلِكَ لِلشَّرِيكِ الَّذِي يَمْلِكُ حِصَّةً شَائِعَةً فِي زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ إذَا أَدْرَكَا وَأَصْبَحَ حَصَادُ الزَّرْعِ وَقَطْفُ الثَّمَرِ غَيْرُ مُضِرٍّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ فِيهِ لِشَرِيكِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ كَمَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَبِيعَ الْأَشْجَارَ مَعَ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعِ فِيهَا الزَّرْعُ وَالشَّجَرُ . وَكَذَلِكَ إذَا فَرَّغَ إنْسَانٌ مَا يَمْلِكُ مِنْ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ فِي أَرْضٍ أَمِيرِيَّةٍ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَاعَ مَا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ حِصَّتِهِ فِي الْمَزْرُوعَاتِ مِنْ هَذَا الْأَجْنَبِيِّ وَكَانَ هَذَا الْبَيْعُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَوْ لَمْ يُدْرَكْ ذَلِكَ الزَّرْعُ ( تَنْقِيحٌ ) وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرْضِ بَعْدَ إذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ فِي الْحُبُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ كَالْحِنْطَةِ الَّتِي صَارَتْ مُشْتَرَكَةً بِغَيْرِ خَلْطِ الْأَمْوَالِ وَاخْتِلَاطِهَا كَالشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِحْرَازِ الْمَالِ الْمُبَاحِ مِنْ إنْسَانٍ أَجْنَبِيٍّ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَقُولَ : إنَّنِي أَعْتَبِرُ الْبَيْعَ ; لِأَنَّنِي لَمْ آذَنْ بِهِ . وَيَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَا اُسْتُثْنِيَ بِالْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ 1088 فَفِي تِلْكَ الْفِقْرَةِ مَا لَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَسَيُبَيَّنُ فِي شَرْحِ تِلْكَ الْمَادَّةِ تَفْصِيلَاتُ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى مَعَ عِلَلِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُوجِبَةِ . رَجَعَ الْقَوْلُ إلَى إيضَاحِ الْقُيُودِ - يُقْصَدُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ ( حِصَّةٍ شَائِعَةٍ ) الِاحْتِرَازُ عَنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَوَّغُ لَهُ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1075 ) فَإِذَا حِصَّةٌ مُشَارِكَةٌ لِحِصَّتِهِ فَالْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ بَيْعُ فُضُولِيٍّ يُسَوَّغُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُجِيزَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ . أَمَّا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ حِصَّتَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ بَعْضِ شُرَكَائِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْبَيْعِ ضَرَرٌ يَنْتَفِي بِبَيْعِهَا مِنْ جَمِيعِ شُرَكَائِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْعِهَا لِلشَّرِيكِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ أَرْضٌ قَامَ فِيهَا بِنَاءٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ فِي الْبِنَاءِ فَقَطْ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِهَذِهِ الْحِصَّةِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَهُ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَهَا قَائِمَةً فِي الْأَرْضِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 189 ) فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَهُوَ مُلْزَمٌ بِرَفْعِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَإِخْلَاءِ الْأَرْضِ مِنْهُ وَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ لَا يَكُونُ لَازِمًا بِالْإِذْنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1226 ) . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِثَلَاثَةِ رِجَالٍ زَرْعٌ فِي أَرْضِهِمْ الْمُشْتَرَكَةِ فَبَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حِصَّتَهُ أَجْنَبِيًّا أَوْ أَحَدَ شُرَكَائِهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّرْعِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ دُونَ الْأَرْضِ فَإِذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ حِصَّتِهِ فِي الْحَالِ وَقَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ وَقِسْمَةَ الزَّرْعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى طَلَبِ هَذَا وَلَا رِضَاءِ شَرِيكِهِ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ وَلِلْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 19 و 372 ) فَأَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ حَصْدَ حِصَّتِهِ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَالْبَيْعُ يَعُودُ إلَى الصِّحَّةِ ; لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهَا قَدْ زَالَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ) وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ تِلْكَ الْحِصَّةَ إلَى شَرِيكَيْهِ اللَّذَيْنِ يُشَارِكَانِهِ فِي الزَّرْعِ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْ أَخْذَ حِصَّتِهِ فَوْرًا وَحَصْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَالْبَيْعُ يَعُودُ إلَى الصِّحَّةِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ , الْهِنْدِيَّةُ , الْوَاقِعَاتُ , ) .
____________________
(1/164)
وَكَذَلِكَ إذَا زَرَعَ إنْسَانٌ أَرْضَ آخَرَ عَلَى سَبِيلِ الْمُزَارَعَةِ فَبَاعَ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ فِي ذَلِكَ الزَّرْعِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ مِنْ الْآخَرِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ أَمَّا إذَا بَاعَ رَبُّ الْأَرْضِ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ مِنْ الْمَزَارِعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا طَلَبَ تَخْلِيَةَ أَرْضٍ مِنْ الزَّرْعِ فَقَدْ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي ( بَزَّازِيَّةٌ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ الْبَائِعُ تَخْلِيَةَ أَرْضِهِ وَصَمَتَ إلَى إدْرَاكِ الْمَحْصُولِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 4 2 ) وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَزِيدُ تَفْصِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَرَدِّ الْمُحْتَارِ فَقِفْ عَلَيْهِ . ( الْمَادَّةُ 216 ) يَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الشُّرْبِ وَالْمَسِيلِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَالْمَاءِ تَبَعًا لِقَنَوَاتِهِ . يَجُوزُ بَيْعُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ أَيْ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الْمَسِيلِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَحَقِّ الْمَاءِ تَبَعًا لِلْقَنَوَاتِ وَقَدْ جُوِّزَ هَذَا الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ . وَفِي ( الْأَرْضِ ) احْتِمَالَانِ : أَحَدُهُمَا : أَرْضُ الطَّرِيقِ بِأَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ رَقَبَةَ أَرْضِهِ مَعَ حَقِّ الْمُرُورِ وَسَيَجِيءُ . مِثَالُ ذَلِكَ : ثَانِيهِمَا أَرْضٌ غَيْرُ أَرْضِ الطَّرِيقِ بِأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ بُسْتَانٌ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ إلَيْهِ مِنْ عَرْصَةِ آخَرَ فَيَبِيعُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بُسْتَانَهُ مَعَ حَقِّ الْمُرُورِ الَّذِي لَهُ فِي أَرْضِ جَارِهِ فَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلْبُسْتَانِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ يَشْمَلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَالْأَوْلَى حَمْلُ النَّصِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَرْضُ الَّتِي لَهَا حَقُّ الْمُرُورِ وَحَقُّ الْمَسِيلِ . أَمَّا إذَا بِيعَ حَقُّ الْمُرُورِ وَحَقُّ الشُّرْبِ أَوْ حَقُّ الْمَسِيلِ مَعَ غَيْرِ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَابِعًا لَهَا فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ الْبَيْعِ خِلَافٌ سَيَجِيءُ ذِكْرُهُ . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ - قِيلَ فِي الْمَادَّةِ ( تَبَعًا لِلْأَرْضِ ) لِأَنَّهُ إذَا بِيعَ حَقُّ الْمُرُورِ مُسْتَقِلًّا فَالْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى رِوَايَةٍ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ هِيَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ وَلِذَلِكَ عِبَارَةُ ( تَبَعًا لِلْأَرْضِ ) قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ مُسْتَقِلًّا جَائِزٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَحْرَزَتْ قَبُولَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُفْهَمُ مِنْ الْمَادَّةِ 1781 الَّتِي تَنُصُّ عَلَى إفْرَازِ حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ لِحَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الشُّرْبِ تَرْجِيحُهَا لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( فَتْحُ الْقَدِيرِ , رَدُّ الْمُحْتَارِ عَبْدُ الْحَلِيمِ , الْخَادِمِيُّ الدُّرَرُ الْغَرُّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ) وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا تَكُونُ عِبَارَةُ ( تَبَعًا لِلْأَرْضِ ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ الَّتِي نَصَّتْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ , فَحَقُّ الشُّرْبِ وَحَقُّ الْمَسِيلِ مُنْفَرِدَةٌ حَسَبَ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهَا تَكُونُ قَدْ أَفْتَتْ فُتْيَا مُخَالِفَةً فِي نَصِّهَا هَذَا لِحُكْمِ الْمَادَّةِ 168 1 . أَمَّا بَيْعُ الْمَسِيلِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَجَائِزٌ وَبَيْعُهُ مُنْفَرِدًا غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ أَشَارَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَادَّةُ 68 1 1 وَفِي هَذِهِ الْمَادَّةِ الْإِيضَاحَاتُ الْكَافِيَةُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ فَنَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ مَالٌ بَلْ بِالْهَوَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ أَنْ يُسِيلَ الْمَاءَ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا يُفْسِدَهَا فَيَجُرَّهُ عَلَى أَرْضٍ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ الَّذِي يَأْخُذُهُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) قِيلَ فِي الْمَادَّةِ ( حَقُّ الْمَسِيلِ ) فَعَلَى هَذَا إذَا بَيَّنَ الْمَحِلَّ الَّذِي سَيَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ أَوْ صَارَ تَعْيِينُ الْحُدُودِ فِي أَرْضِ الْمَسِيلِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهَا النَّهْرُ وَغَيْرُهُ مِنْ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ , أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَحِلَّ الَّذِي سَيَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَبِيعَ الْمَسِيلِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ . أَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ تَبَعًا لِبَيْعِ الْقَنَوَاتِ فَبِمَا أَنَّ حَقَّ الشُّرْبِ كَمَا
____________________
(1/165)
ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 43 1 هُوَ النَّصِيبُ الْمُعَيَّنُ الْمَعْلُومُ مِنْ نَهْرٍ فَهُوَ أَيْضًا مَاءٌ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ حَقِّ الشُّرْبِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَبَيْنَ الْمَاءِ تَبَعًا لِلْقَنَوَاتِ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ بَيْنَ مُتَعَلِّقِهِمَا ; لِأَنَّ حَقَّ الشُّرْبِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْضِ وَالْمَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَنَوَاتِ وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَا يَجْرِي فِي قَنَاتِهِ مِنْ الْمَاءِ مَعَ قَنَوَاتِهِ مِنْ آخَرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ . وَكَذَلِكَ بَيْعُ الطَّرِيقِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ الطَّرِيقَ الَّتِي يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا مُنْفَرِدَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فَإِذَا بَيَّنَ حِينَ الْعَقْدِ عَرْضَ الطَّرِيقِ فَهُوَ الْمِقْدَارُ الْمُعْتَبَرُ لِلطَّرِيقِ الْمَبِيعَةِ إذَا لَمْ يَبِعْ عَرْضَهَا حِينَئِذٍ فَعَرْضُ الطَّرِيقِ يَكُونُ عَرْضَ بَابِ دَارِ الْبَائِعِ الْخَارِجِيِّ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) لَكِنْ إذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَاقْتِسَامِ ثَمَنِهَا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 223 1 ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِشَرِيكٍ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ مُنْفَرِدًا لَكِنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ دَارِهِ مَعَ حِصَّتِهِ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ تَبَعًا لِلدَّارِ طَحْطَاوِيٌّ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 4 5 ) ( الْمَادَّةُ 7 1 2 ) كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَعَدَدًا وَذَرْعًا يَصِحُّ بَيْعُهَا جُزَافًا أَيْضًا مَثَلًا : لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ أَوْ كَوْمَ تِبْنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ حِمْلَ قُمَاشٍ جُزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ . بَيْعُ الْمَكِيلَاتِ بِالْكَيْلِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِيَّاتِ بِالْعَدِّ وَالْمَذْرُوعَاتِ بِالذَّرْعِ صَحِيحٌ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَقَايِيسُ بِالْمَقَادِيرِ الْأَرْبَعَةِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا بِشَرْطِ أَنْ تُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهَا وَأَلَّا تُجْعَلَ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٍ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَكِيلًا يُعْلَمُ بِتَعْيِينِ مِقْدَارِهِ بِالْكَيْلِ وَجُزَافًا يُعْلَمُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَهُوَ مَعْلُومٌ عَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ أَمَّا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَإِذَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَالْبَيْعُ جُزَافًا فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَلِكَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ جُزَافًا بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ; لِأَنَّ السَّلَمَ إذَا أُقِيلَ بِالتَّرَاضِي وَجَبَ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يُعِيدَ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مِقْدَارُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَلَا تُمْكِنُ الْإِعَادَةُ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ( 1 0 2 ) . وَعَلَى ذَلِكَ إذَا بِيعَ الْمَالُ جُزَافًا وَطَلَبَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ بِدَعْوَى أَنَّ الْمَبِيعَ نَقَصَ عَنْ تَخْمِينِهِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ حِنْطَتَهُ الَّتِي فِي الْمَطْمُورَةِ جُزَافًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي مِقْدَارَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ وَعُمْقَ الْمَطْمُورَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ عِنْدَ وُقُوفِهِ عَلَى مِقْدَارِ عُمْقِ الْمَطْمُورَةِ بَيْنَ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ مِقْدَارَ عُمْقِ تِلْكَ الْمَطْمُورَةِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِذَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْحِنْطَةِ فَلَا يَكُونُ
____________________
(1/166)
مُخَيَّرًا وَإِذَا أُصِيبَ فِي الْمَطْمُورَةِ وِعَاءٌ فَارِغٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بِخِيَارِ كَشْفِ الْحَالِ ( الْهِنْدِيَّةُ ) . النِّزَاعُ فِي الْكَيْلِ وَالْجُزَافِ . - إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ شَيْئًا مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ أَوْ الْمَكِيلَاتِ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْبَيْعَ جُزَافًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَأَنَّهُ يُنْقَضُ عَنْ الْمَبِيعِ تَحَالَفَا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1778 ) وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ سِلْعَةً مَذْرُوعَةً وَادَّعَى الْبَائِعُ الْبَيْعَ جُزَافًا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَأَبَى أَنْ يُطَالَبَ بِنُقْصَانٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بِأَلْفِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ كَذَا ذِرَاعًا وَأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ السِّلْعَةَ نَاقِصَةً فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ . أَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت الْمَذْرُوعَ جُزَافًا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْته عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْهُ بِكَذَا قِرْشًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ يَجْرِي التَّحَالُفُ وَالتَّرَادُّ ( خُلَاصَةٌ بَزَّازِيَّةٌ ) . ( الْمَادَّةُ 218 ) لَوْ بَاعَ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَكِيلَهَا بِكَيْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يَزِنَهَا بِحَجَرٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ الْكَيْلِ وَثِقَلَ الْحَجَرِ . يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ الْحَدِيدِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ قَابِلًا لِلِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى الْعِيَارُ سَوَاءٌ أَكَانَ كَيْلًا أَوْ حَجَرًا حَتَّى تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ صَحِيحٌ , وَإِنْ كَانَ الْعِيَارُ لَا يُعْلَمُ كَمْ رِطْلًا هُوَ أَوْ دِرْهَمًا ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ , وَإِنْ كَانَ يَكُونُ بِذَلِكَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَا مُؤَدِّيَةٍ إلَى النِّزَاعِ نَعَمْ قَدْ يُفْقَدُ الْعِيَارُ فَيَقَعُ النِّزَاعُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَوْرًا وَكَانَ مِنْ النَّادِرِ فِقْدَانُ الْعِيَارِ فِي مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ النَّادِرُ الْوُقُوعِ إذْ لَا اعْتِبَارَ بِالنَّادِرِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 2 4 ) أَمَّا فِي السَّلَمِ فَلِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَأَخَّرُ وَلَيْسَ مِنْ النَّادِرِ فِقْدَانُ الْعِيَارِ فِيمَا بَيْنَ حُصُولِ السَّلَمِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَكَانَ النِّزَاعُ مُتَوَقَّعًا فَالْبَيْعُ لَا يَصِحُّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فِي السَّلَمِ . وَقَدْ قِيلَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ غَيْرَ لَازِمٍ وَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَنْعَقِدُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي فِيهِ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ كَشْفِ الْحَالِ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَمَا يَطَّلِعُ عَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ الْعِيَارِ وَوَزْنِهِ فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ . وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَذَلِكَ كَالْقُفَّةِ فَالْبَيْعُ بِهَا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُنَازِعَ الْبَائِعَ فَيَدَّعِي أَنَّ الْقُفَّةَ لَمْ تَنْفَتِحْ كَمَا يَجِبُ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ بَيْعُ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ . وَقِيلَ فِي الْمَادَّةِ ( بِحَجَرٍ ) فَإِذَا كَانَ الْمِعْيَارُ الَّذِي اُتُّخِذَ لِوَزْنِ الْمَبِيعِ لَيْسَ حَجَرًا بَلْ كَانَ بِطِّيخًا مَثَلًا مِمَّا يُمْكِنُ ذُبُولُهُ وَتَنَاقُصُ وَزْنِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ وَزْنًا وَسَلَمًا فِي الْحَالِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ نُقْصَانَ وَزْنِ الْمِعْيَارِ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فِيمَا نَقَصَ مِنْ وَزْنِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنْ يَكِيلَهَا بِكَيْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يَزِنَهَا , إلَى لُزُومِ بَقَاءِ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ الْحَجَرِ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يُسَلَّمَ الْمَبِيعُ فَإِذَا فُقِدَ ذَلِكَ الْمِكْيَالُ أَوْ الْحَجَرُ بَعْدَ الْوَزْنِ بِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَدٍّ إلَى النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ الْمِعْيَارَ كَانَ كَذَا رِطْلًا أَوْ دِرْهَمًا وَيَدَّعِي الْبَائِعُ أَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 13 2 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) .
____________________
(1/167)
( الْمَادَّةُ 219 ) كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَبِيعِ مَثَلًا : لَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا كَذَا رِطْلًا عَلَى أَنَّهُ لَهُ صَحَّ الْبَيْعُ . ( الْهِنْدِيَّةُ ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِنَاءً أَوْ شَجَرًا مِمَّا يَدْخُلُ تَبَعًا فِي الْمَبِيعِ أَوْ كَانَ كَذَا كَيْلَةَ حِنْطَةٍ أَوْ رِطْلَ خَلٍّ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَبَعًا فِي الْمَبِيعِ بَلْ يَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الْبَيْعِ , يَعْنِي أَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً قِسْمَانِ : الْأَوَّلُ : الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ بِغَيْرِ ذِكْرٍ وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَبِيعِ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ ( 23 و 231 ) . وَالثَّانِي : الْأَمْوَالُ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ الْبَيْعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 233 ) مَثَلًا : إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا عَشْرَ كَيْلَاتٍ أَوْ الْقَطِيعَ إلَّا عَشْرَ شِيَاهٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ ; لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا فَاسْتِثْنَاؤُهُ صَحِيحٌ وَتَعْيِينُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : يَكُونُ بِبَيَانِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ . وَالثَّانِي : بِذِكْرِ جُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ . وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ طَحْطَاوِيٌّ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : ( 1 ) لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ يَبْقَى ثُلُثُهَا لَهُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ . ( 2 ) إذَا بَاعَ رَجُلٌ دَارِهِ وَاسْتَثْنَى مِنْ الْبَيْعِ طَرِيقَهَا الْمَعْلُومَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ أَنْقِرْوِيٌّ . ( 3 ) إذَا بَاعَ رَجُلٌ رَقَبَةَ طَرِيقِهِ عَلَى أَنْ يَبْقَى حَقُّ مُرُورِهِ مِنْهَا أَوْ بَاعَ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مِنْ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَبْقَى حَقُّ الْقَرَارِ فِي الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا لَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ . ( 4 ) لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ بُسْتَانَه وَاسْتَثْنَى مِنْ الْبَيْعِ شَجَرَةَ جَوْزٍ بِقَرَارِهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْبُسْتَانُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَتِلْكَ الشَّجَرَةُ مَعَ قَرَارِهَا تَبْقَى مِلْكًا لِلْبَائِعِ . فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ اقْتِطَافَ ثَمَرِهَا فَالْمُشْتَرِي مُلْزَمٌ إمَّا بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْبُسْتَانَ وَيَقْتَطِفَ ثَمَرَ شَجَرَتِهِ أَوْ بِأَنْ يَقْتَطِفَ هُوَ هَذَا الثَّمَرَ وَيُقَدِّمَهَا إلَى صَاحِبِ الشَّجَرَةِ ( الْخَانِيَّةُ ) إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ أَنْ يُعَارِضَ فِي تَدَلِّي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ وَامْتِدَادِهَا إلَى شَجَرِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1169 ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَغْصَانُ الَّتِي زَادَتْ وَنَمَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ ( الشَّارِحُ ) ( 5 ) إذَا بَاعَ إنْسَانٌ بِنَاءً مِنْ آخَرَ وَاسْتَثْنَى الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءِ عَدَدًا مُعَيَّنًا مِنْ الْأَخْشَابِ أَوْ الْأَحْجَارِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ اشْتَرَى ذَلِكَ الْبِنَاءَ لِنَقْضِهِ وَنَقَلَهُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ( الْهِنْدِيَّةُ ) . أَمَّا مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْبَيْعُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ فَاسِدًا وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً عَلَى نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : كَبَيْعِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ أَوْ حِلْيَةِ السَّيْفِ مِمَّا هُوَ جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ . وَالثَّانِي : مَا كَانَ مَجْهُولًا وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ قَطِيعَ غَنَمٍ عَلَى أَنْ يُبْقِيَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَاةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ رَجُلٌ بَقَرَةً حَامِلًا وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَبِيعِ جَنِينَهَا أَوْ شَاةً غَيْرَ مَذْبُوحَةٍ وَاسْتَثْنَى أَلْيَتَهَا أَوْ فَخِذَهَا أَوْ سَيْفًا وَاسْتَثْنَى الْفِضَّةَ مِنْهُ أَوْ الذَّهَبَ الَّذِي فِي مِقْبَضِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا اُسْتُثْنِيَ مُنْفَرِدًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 5 20 ) وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَا اُسْتُثْنِيَ لَمْ يَكُنْ مِقْدَارُهُ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 13 2 ) .
____________________
(1/168)
( الْمَادَّةُ 220 ) : بَيْعُ الْمَعْدُودَاتِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مَعَ بَيَانِ ثَمَنِ كُلِّ فَرْدٍ وَقِسْمٍ مِنْهَا صَحِيحٌ مَثَلًا : لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ أَوْ وَسْقَ سَفِينَةٍ مِنْ حَطَبٍ أَوْ قَطِيعَ غَنَمٍ أَوْ قِطْعَةً مِنْ جُوخٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ كَيْلٍ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ قِنْطَارٍ مِنْ الْحَطَبِ أَوْ رَأْسٍ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ الْجُوخِ بِكَذَا صَحَّ الْبَيْعُ . وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَزْرَعَةٍ مَعْلُومَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ دُونَمٍ مِنْهَا أَوْ كُلُّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِكَذَا جُنَيْهًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ فِي الصُّبْرَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِي الْحَطَبِ الَّذِي فِي السَّفِينَةِ وَفِي قَطِيعِ الْغَنَمِ وَثَوْبِ الْجُوخِ وَفِي الْمَزْرَعَةِ الْمَحْدُودَةِ بِحُدُودٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي كَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا يُبَاعُ بِالْكَيْلَةِ وَلَا فِي قِنْطَارٍ وَاحِدٍ مِمَّا يُبَاعُ بِالْقِنْطَارِ وَلَا فِي شَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَطِيعِ وَلَا فِي دُونَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْضِ وَالْمَزْرَعَةِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ : إنَّنِي ظَنَنْت أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ كَذَا ذِرَاعًا فَظَهَرَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مِمَّا ظَنَنْتُ فَلَا أُرِيدُهُ أَوْ لَا آخُذُ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعٍ مِنْهُ . وَقَدْ تَضَمَّنَتْ الْأَمْثِلَةُ السَّابِقَةُ التَّمْثِيلَ لِلْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَالْمُتَقَارِبَةِ وَالْمَذْرُوعَاتِ . وَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَوْ لَمْ تَزُلْ الْجَهَالَةُ مِنْهُ بِكَيْلَةٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَكِلْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمُقَدَّرَاتُ الْمَذْكُورَةُ مِثْلِيَّةً أَوْ قِيَمِيَّةً فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا حِينَمَا يَقِفُ أَوْ يَطَّلِعُ عَلَى مِقْدَارِ مَجْمُوعِ مَا اشْتَرَاهُ ( الْهِنْدِيَّةُ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . الدُّرَرُ . عَبْدُ الْحَلِيمِ ) . وَفِي بَيْعِ الْمُقَدَّرَاتِ أَرْبَعَةُ احْتِمَالَاتٍ : ( 1 ) الْبَيْعُ جُزَافًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ ( 217 ) وَالْبَيْعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْمَادَّةِ 218 بَيْعَ مُجَازَفَةٍ ( التَّنْوِيرُ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( 2 ) بَيْعُ الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مِقْدَارِ جُمْلَتِهَا مَعَ بَيَانِ ثَمَنِ أَفْرَادِهَا وَأَقْسَامِهَا وَاَلَّذِي تَعَرَّضَتْ لَهُ الْمَادَّةُ هُوَ هَذَا الِاحْتِمَالُ . ( 3 ) بَيْعُ الْمُقَدَّرَاتِ مَعَ بَيَانِ مِقْدَارِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ ثَمَنِ أَفْرَادِهَا أَوْ أَقْسَامِهَا . بَيْعُ الْمُقَدَّرَاتِ مَعَ بَيَانِ مِقْدَارِهَا وَثَمَنِ أَفْرَادِهَا أَوْ أَقْسَامِهَا . وَالِاحْتِمَالَانِ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي الْمَادَّةِ 23 2 . وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ الَّذِي يُبَيَّنُ فِيهِ ثَمَنُ أَفْرَادِ الْمَبِيعِ أَوْ أَقْسَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ صُبْرَتَيْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ كُلِّ كَيْلَةٍ مِنْ الصُّبْرَتَيْنِ كَذَا قِرْشًا وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَوَاقِعٌ عَلَى الصُّبْرَتَيْنِ وَإِذَا قِيلَ فِي الْبَيْعِ ( كُلَّ كَيْلَةٍ ) فَلَا يَكُونُ وَاقِعًا عَلَى كَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ ( كُلَّ كَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ ) فَلَا يَقَعُ عَلَى كَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَقَطْ .
____________________
(1/169)
وَإِذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَا فِي كَرْمِهِ مِنْ الْعِنَبِ عَلَى أَنَّ كُلَّ حِمْلٍ مِنْهُ بِكَذَا قِرْشًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْعِنَبُ الَّذِي فِي الْكَرْمِ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً ( خُلَاصَةٌ ) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَالْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يَصِحُّ فِي الْأَقْسَامِ وَالْأَفْرَادِ الْمُسَمَّاةِ فَقَطْ فَإِذَا بِيعَتْ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ كُلِّ كَيْلَةٍ مِنْهَا كَذَا قِرْشًا فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا فِي كَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنْ بِيعَتْ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَيْلَتَيْنِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي كَيْلَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا يَصِحُّ فِي الْبَاقِي ( الدُّرَرُ . الْغُرَرُ ) . أَمَّا الْمَجَلَّةُ فَقَدْ جَرَتْ عَلَى رَأْيِ الصَّاحِبَيْنِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ عَبْدُ الْحَلِيمِ . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 17 ) أَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فِي الْمَادَّةِ 494 الْمُمَاثِلَةِ لِهَذِهِ فَلَا يَجْرِي فِيهَا هَذَا الِاخْتِلَافُ وَالْإِجَارَةُ تَصِحُّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ بِالِاتِّفَاقِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ تِلْكَ الْمَادَّةِ . أَمَّا فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَإِذَا بِيعَ قَطِيعُ الْغَنَمِ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَاةٍ مِنْهُ بِكَذَا جَرَى فِيهِ حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِذَا بِيعَ كُلُّ شَاتَيْنِ بِكَذَا أَوْ كُلُّ ثَلَاثٍ فَالْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاقِفًا عَلَى مِقْدَارِ الْكُلِّ فِي الْمَجْلِسِ وَكَانَ مَجْمُوعُ الْقَطِيعِ مُوَافِقًا لِلْمِقْدَارِ الْمُسَمَّى وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبِلَ بِهِ ; لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ثَمَنَ كُلِّ شَاتَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْقَطِيعَ أَزْوَاجٌ بَلْ أَفْرَادٌ فَإِنَّ حِصَّةَ الْفَرْدِ تَكُونُ مَجْهُولَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ أَجْزَاءَ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْبَيْعِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ وَإِذَا ظَهَرَ الْقَطِيعُ أَزْوَاجًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهُ لَا يَتَعَيَّنُ ثَمَنُهَا إلَّا بِضَمِّ شَاةٍ أُخْرَى وَلَا يُعْلَمُ أَيُّ شَاةٍ يَجِبُ ضَمُّهَا إلَيْهَا فَإِذَا ضُمَّتْ الْأَغْلَى قِيمَةً كَانَ ثَمَنُ الْمَضْمُومِ إلَيْهَا زَائِدًا وَإِذَا ضُمَّتْ الْأَرْخَصُ كَانَ ثَمَنُ الْمَضْمُومِ إلَيْهَا قَلِيلًا وَبِمَا أَنَّ ذَلِكَ مُؤَدٍّ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَجَبَ فَسَادُ الْبَيْعِ ( هِنْدِيَّةٌ ) . ( الْمَادَّةُ 221 ) كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَقَارِ الْمَحْدُودِ بِالذِّرَاعِ وَالْجَرِيبِ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِتَعْيِينِ حُدُودِهِ أَيْضًا . بِمَا أَنَّ الْعَقَارَاتِ مِنْ قِسْمِ الْمَذْرُوعَاتِ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ صَحَّ بَيْعُهَا بِالذِّرَاعِ وَالدُّونَمِ . وَلِبَيْعِ الْعَقَارِ أَرْبَعُ صُوَرٍ : ( 1 ) بَيْعُ الْمَحْدُودِ بِحُدُودِهِ . وَهُوَ صَحِيحٌ كَقَوْلِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِعْتُكَ عَرْصَتِي الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا فَفِي هَذَا الْبَيْعِ الِاعْتِبَارُ بِالْحُدُودِ وَلَا مَجَالَ لِنِزَاعِ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ : ظَنَنْتُ مِسَاحَةَ هَذَا الْعَقَارِ أَكْثَرَ مِمَّا ظَهَرَ وَلَا الْبَائِعُ أَنْ يَقُولَ : ظَنَنْتُهَا أَقَلَّ . ( 2 ) بَيْعُ الْمَحْدُودِ مِنْ الْعَقَارِ بِالذِّرَاعِ أَوْ الدُّونَمِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْت كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْ عَرْصَتِي هَذِهِ بِكَذَا فَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مِسَاحَةُ الْعَقَارِ . ( 3 ) أَنْ تُذْكَرَ الْحُدُودُ فِي الْبَيْعِ وَأَنْ يُذْكَرَ مِقْدَارُ دُونَمَاتِهَا أَوْ أَذْرُعِهَا مَعَ تَعْيِينِ ثَمَنِ كُلِّ ذِرَاعٍ مِنْهَا فَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الذِّرَاعُ . ( 4 ) أَنْ تُذْكَرَ الْحُدُودُ وَالْأَذْرُعُ وَالدُّونَمَاتُ وَيَكُونَ الْبَيْعُ بِالْحُدُودِ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ : إنَّ هَذِهِ الْعَرْصَةَ حُدُودُهَا كَذَا وَذَرْعُهَا كَذَا وَقَدْ بِعْتهَا بِخَمْسِينَ جُنَيْهًا فَفِي هَذَا الْبَيْعِ الِاعْتِبَارُ لِلْحُدُودِ , وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ بُسْتَانَه وَبَيَّنَ حُدُودَهُ ثُمَّ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ دُونَمَاتٌ كَأَنْ يَقُولَ : إنَّ حُدُودَ بُسْتَانِي الْأَرْبَعَةَ هِيَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ دُونَمَاتٌ وَقَدْ بِعْته مِنْك بِكَذَا فَيَقِيسُهُ الْمُشْتَرِي فَتَظْهَرُ مِسَاحَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ دُونَمَيْنِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ أَنْ يَسْتَبْقِيَ لَهُ مَا يَزِيدُ عَنْ الدُّونَمَيْنِ فَإِذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَزْرَعَةً مَعْلُومَةَ الْحُدُودِ وَادَّعَى
____________________
(1/170)
الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ دُونَمَاتٍ وَلِأَنَّهَا ظَهَرَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ 226 وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى تَعْيِينِ الْمَبِيعِ بِالْحُدُودِ وَهَيْئَةِ الْمَزْرَعَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بِالذِّرَاعِ وَالدُّونَمِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ الْيَمِينِ فِي إنْكَارِ الشَّرْطِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 172 ) . وَالْفَرْقُ فِي الْبَيْعِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ إذَا بِيعَتْ الْعَرْصَةُ بِتَعْيِينِ الْحُدُودِ تُعْتَبَرُ الْحُدُودُ فَقَطْ وَلَا تُعْتَبَرُ مِسَاحَتُهَا فَإِذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ عَرْصَةً مُعَيَّنَةً بِالْحُدُودِ وَذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ الْمِسَاحَةَ بِالذِّرَاعِ أَوْ الدُّونَمِ أَوْ أَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ كَذَا كَيْلَةً مِنْ الْبَذْرِ ظَهَرَ أَنَّهَا أَنْقَصُ مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا ( الْمَادَّةُ 222 ) إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ لَا غَيْرُهُ . أَيْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ الْمَالِ وَالثَّمَنِ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ الثَّمَنِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ أَمَّا مَا يَزِيدُ عَنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ أَوْ بِظَنِّ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ; لِأَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فَلَا تَكُونُ وَاقِعَةً تَحْتَ الْبَيْعِ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ : ( 1 ) إذَا بِيعَتْ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ الْمُتَقَارِبَةُ وَالْمَوْزُونَاتُ الَّتِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ مَعَ بَيَانِ مِقْدَارِ مَجْمُوعِهَا فَظَهَرَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ زِيَادَةً عَنْ الْمِقْدَارِ الْمُبَيَّنِ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ ( هِنْدِيَّةٌ ) . ( 2 ) إذَا بِيعَتْ رِزْمَةُ وَرَقٍ عَلَى أَنْ تُعَدَّ أَوْرَاقُهَا وَعَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَرْبَعُمِائَةِ طَلْحِيَّةٍ لَكِنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الرِّزْمَةِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْعَدَدِ وَاشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ عُدَّتْ فَظَهَرَ أَنَّهَا تَزِيدُ عَنْ أَرْبَعِ الْمِائَةِ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي . ( 3 ) مَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ مَادَّةِ 226 فَهُوَ فَرْعٌ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ شَجَرَةً مِنْ آخَرَ لِيَتَّخِذَهَا حَطَبًا بَعْد أَنْ أَحْضَرَ الْمُتَبَايِعَانِ أَهْلَ خِبْرَةٍ لِيُقَدِّرُوا مَا فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ مِنْ الْحَطَبِ وَخَمَّنَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ مِقْدَارَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ عِشْرُونَ حِمْلًا مِنْ الْحَطَبِ فَاشْتَرَى الْمُشْتَرِي تِلْكَ الشَّجَرَةَ فَإِذَا حَطَبُهَا يَزِيدُ عَنْ الْعِشْرِينَ حِمْلًا فَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي ; لِأَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَجْرِي فِي الثَّمَنِ فَإِذَا أَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَبْتَاعَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ كَيْلَةً سِعْرُ كُلِّ كَيْلَةٍ اثْنَا عَشَرَ قِرْشًا وَنِصْفًا وَوَافَقَهُ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا حُسِبَ مَجْمُوعُ الثَّمَنِ بَلَغَ سِتَّمِائَةٍ وَسَبْعًا وَثَمَانِينَ قِرْشًا وَنِصْفًا لَكِنْ وَقَعَ غَلَطٌ فِي الْحِسَابِ فَظُنَّ أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّمَنِ يَبْلُغُ سِتَّمِائَةِ قِرْشٍ فَقَطْ فَبَاعَ الْبَائِعُ الْخَمْسَ وَالْخَمْسِينَ كَيْلَةً بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْفَلْتُ فِي جَمْعِهِ فَإِذَا تَنَبَّهَ الْبَائِعُ لِلْفَلْتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ بِدَاعِي الْفَلْتِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْحِسَابِ . ( الْمَادَّةُ 323 ) : الْمَكِيلَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ وَالْمَوْزُونَاتُ الَّتِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ إذَا بِيعَ مِنْهَا جُمْلَةٌ مَعَ بَيَانِ قَدْرِهَا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ سُمِّيَ ثَمَنُهَا فَقَطْ أَوْ بُيِّنَ وَفُصِّلَ لِكُلِّ كَيْلٍ أَوْ فَرْدٍ أَوْ رِطْلٍ مِنْهَا ثَمَنٌ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ تَامًّا لَزِمَ الْبَيْعُ , وَإِذَا ظَهَرَ نَاقِصًا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمِقْدَارَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا ظَهَرَ زَائِدًا فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ مَثَلًا لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ عَلَى أَنَّهَا خَمْسُونَ كَيْلَةً أَوْ عَلَى أَنَّهَا خَمْسُونَ كَيْلَة
____________________
(1/171)
ً كُلُّ كَيْلَةٍ مِنْهَا بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ أَيْ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَإِذَا ظَهَرَتْ وَقْتَ التَّسْلِيمِ خَمْسِينَ كَيْلَةً لَزِمَ الْبَيْعُ وَإِنْ ظَهَرَتْ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ كَيْلَةً فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْخَمْسَ وَأَرْبَعِينَ كَيْلَةً بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا وَإِنْ ظَهَرَتْ خَمْسًا وَخَمْسِينَ كَيْلَةً فَالْخَمْسُ الْكَيْلَاتُ الزَّائِدَةُ لِلْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ سَفَطَ بَيْضٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ بَيْضَةٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ بَيْضَةٍ كُلُّ بَيْضَةٍ بِنِصْفِ قِرْشٍ بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَإِنْ ظَهَرَتْ عِنْدَ التَّسْلِيمِ تِسْعِينَ بَيْضَةً فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ تِسْعِينَ بَيْضَةً بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ قِرْشًا إذَا ظَهَرَتْ مِائَةٌ وَعَشْرُ بَيْضَاتٍ فَالْعَشَرَةُ الزَّائِدَةُ لِلْبَائِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ زِقَّ سَمْنٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ رِطْلٍ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ . إنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي تَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَائِهِ وَهُوَ ( 1 ) الْمَكِيلَاتُ ( 2 ) الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ ( 3 ) الْمَوْزُونَاتُ الَّتِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهَا وَتَفْرِيقِهَا ضَرَرٌ فَإِذَا بَيَّنَ مِقْدَارَ الْمَجْمُوعِ مِنْهَا لَفْظًا أَوْ عَادَةً وَبِيعَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ فَإِذَا ذُكِرَ ثَمَنُهُ جُمْلَةً أَوْ كَانَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ فَذَكَرَ وَفَصَّلَ ثَمَنَ كُلِّ كَيْلَةٍ أَوْ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ رِطْلٍ مَثَلًا فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ ظَهَرَ الْمَجْمُوعُ مُسَاوِيًا لِلْمِقْدَارِ الَّذِي بُيِّنَ أَوْ زَائِدًا عَنْهُ أَوْ نَاقِصًا ; لِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ أَفْرَادِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَأَقْسَامِهَا فَإِذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا عُرِفَتْ حِصَّةُ مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَحِصَّةُ الْمَوْجُودِ مِنْ الثَّمَنِ ( الْخُلَاصَةُ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْجُزَافِ أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى بَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّتَيْنِ 217 و 0 22 أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي تَيْنِكَ الْمَادَّتَيْنِ مِقْدَارَ الْجُمْلَةِ وَبَيَّنَ مِقْدَارَهَا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَلِذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ نَأْتِي بِبَيَانِهَا : 1 - أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ مُطَابِقًا لِلْمِقْدَارِ الْمُبَيَّنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْبَيْعُ لَازِمٌ فِي الْمَجْمُوعِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْخِيَارَاتِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ ; لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتَفَرَّقْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَبِيعُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا . 2 - أَنْ يَظْهَرَ مِقْدَارُهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَقَلَّ مِنْ الْمِقْدَارِ الْمُبَيَّنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَرْكُ الْمَجْمُوعِ كُلِّهِ لِلْبَائِعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَعَ عِلْمِهِ بِنَقْصِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 224 ) لَوْ بَاعَ مَجْمُوعًا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ وَذَكَرَ ثَمَنَ مَجْمُوعِهِ فَقَطْ وَحِينَ وَزْنِهِ وَتَسْلِيمِهِ ظَهَرَ نَاقِصًا عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي بَيَّنَهُ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . وَإِنْ ظَهَرَ زَائِدًا عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي بَيَّنَهُ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ . مَثَلًا : لَوْ بَاعَ فَصَّ أَلْمَاسٍ عَلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ قَرَارِيطَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ فَإِذَا ظَهَرَ أَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ وَنِصْفًا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَصَّ بِعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ وَإِذَا ظَهَرَ خَمْسَةَ قَرَارِيطَ وَنِصْفًا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ .
____________________
(1/172)
أَيْ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ فِي الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ قَدْرَ الْمَجْمُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ بَلْ ذَكَرَ ثَمَنَ الْمَجْمُوعِ فَقَطْ يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ تَامًّا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ مِنْ الْخِيَارَاتِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا . أَمَّا إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا فَبِمَا أَنَّ النُّقْصَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَتَرَكَ الْمَبِيعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ( الْخُلَاصَةُ ) وَلَيْسَ لَهُ إنْقَاصُ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ النُّقْصَانِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ وَالْوَصْفُ لَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَالْحُكْمُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 337 وَهَذَا الْخِيَارُ مِنْ قَبِيلِ خِيَارِ الْعَيْبِ . أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْمَجْمُوعُ زَائِدًا عَنْ الْمِقْدَارِ الْمُبَيَّنِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ أَيْضًا وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ بِلَا بَدَلٍ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ خِيَارٌ . وَلَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ ; لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرُ وَصْفٍ كَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ , وَالْوَصْفُ لَيْسَ لَهُ مِنْ حِصَّةٍ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْهُ ( الدُّرُّ الْمُنْتَقَى ) ( رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 223 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بِيعَ فَصُّ أَلْمَاسٍ بِعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ عَلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ قَرَارِيطَ فَإِذَا ظَهَرَ خَمْسَةَ قَرَارِيطَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ . وَإِذَا ظَهَرَ نَاقِصًا كَأَنْ ظَهَرَ أَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ وَنِصْفًا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِنُقْصَانِهِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 229 ) وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْفَصَّ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى الْعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ أَلْفَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ لِلنِّصْفِ الْقِيرَاطِ النَّاقِصِ وَيَأْخُذَ الْأَرْبَعَةَ الْقَرَارِيطَ وَالنِّصْفَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ قِرْشٍ . أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْفَصُّ زَائِدًا كَأَنْ ظَهَرَ خَمْسَةَ قَرَارِيطَ وَنِصْفًا يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا أَيْضًا وَيَتَمَلَّكُ الْمُشْتَرِي الْفَصَّ بِعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ زِيَادَةَ أَلْفَيْ قِرْشٍ عَلَى الثَّمَنِ مُقَابِلًا لِلنِّصْفِ الْقِيرَاطِ الَّذِي ظَهَرَ زَائِدًا . وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ قَدْرٌ مِنْ النُّحَاسِ عَلَى أَنَّهُ كَذَا أُقَّةٍ وَظَهَرَ وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَقَلَّ مِنْ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إذَا شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِذَا قَبِلَ الْبَيْعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّ ظُهُورَ الْمَبِيعِ نَاقِصٌ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ عَيْبٍ فِيهِ لِذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ آنِفًا أَمَّا إذَا اسْتَلَمَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِنُقْصَانِهِ وَحَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِاسْتِرْدَادِهِ لِذَلِكَ يَعْمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى مُقْتَضَى الْمَادَّتَيْنِ ( 345 و 346 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْفَصَّ الْأَلْمَاسَ الَّذِي بِيعَ مِنْهُ بِعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ عَلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَظَهَرَ أَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ وَنِصْفًا بَعْدَ أَنْ حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْفَصِّ تُسَاوِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ إذَا كَانَ خَمْسَةَ قَرَارِيطَ وَعِشْرِينَ أَلْفَ قِرْشٍ إذَا كَانَ أَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ وَنِصْفًا فَبِمَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ خُمُسُ ثَمَنِ الْفَصِّ وَهُوَ خَمْسَةُ قَرَارِيطَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْبَائِعِ خُمُسَ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ قِرْشٍ ( الْخُلَاصَةُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الْبُيُوعِ ) ( الْمَادَّةُ 225 ) إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ مَعَ بَيَانِ مِقْدَارِهِ وَبَيَانِ أَثْمَانِ أَقْسَامِهِ وَأَجْزَائِهِ وَتَفْصِيلِهَا فَإِذَا ظَهَرَ وَقْتَ التَّسْلِيمِ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي بَيَّنَهُ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ بِحِسَابِ الثَّمَنِ الَّذِي
____________________
(1/173)
و فَصَّلَهُ لِأَجْزَائِهِ وَأَقْسَامِهِ . مَثَلًا : لَوْ بَاعَ مِنْقَلًا مِنْ النُّحَاسِ عَلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ كُلُّ رِطْلٍ بِأَرْبَعِينَ قِرْشًا فَظَهَرَ الْمِنْقَلُ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفًا أَوْ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمِنْقَلَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ قِرْشًا إنْ كَانَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفًا وَبِمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ قِرْشًا إنْ كَانَ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفًا . أَيْ أَنَّهُ إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ بِبَيَانِ ثَمَنِهِ أَوْ ثَمَنِ أَقْسَامِهِ وَأَجْزَائِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فَإِذَا ظَهَرَ الْمَجْمُوعُ تَامًّا لَدَى تَسْلِيمِهِ يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا ; لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعَ مَعْلُومَانِ وَالْمُرَادُ مِنْ اللُّزُومِ هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ خِيَارٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا أَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ خِيَارٌ مِنْ الْخِيَارَاتِ الْأُخْرَى فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ لَازِمًا بِطَبِيعَتِهِ , أَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَبِيعُ تَامًّا بِأَنْ ظَهَرَ نَاقِصًا عَنْ الْقَدْرِ الْمُبَيَّنِ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي فِي الْحَالَيْنِ الْخِيَارُ فِي قَبُولِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِهِ . وَذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَوْ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَدْرَ الَّذِي ظَهَرَ بِالثَّمَنِ الَّذِي جُعِلَ لِأَجْزَائِهِ وَأَقْسَامِهِ ; لِأَنَّ تَفْرِيقَ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَنْ الْمَبِيعِ مُضِرٌّ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ أَمَّا إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْوَزْنَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ وَلَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ بِذِكْرِ ثَمَنِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ وَأَقْسَامِهِ وَأَفْرَادِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَصْبَحَ أَصْلًا وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَصْفًا أَوْ تَابِعًا لِشُمُولِ الْمَبِيعِ الْوَصْفَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَأَصْبَحَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بِذَلِكَ اكْتَسَبَ الْأَصَالَةَ وَأَصْبَحَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةُ 223 ) . لِذَلِكَ فَقَدْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَوْ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ وَإِذَا ظَهَرَ زَائِدًا فَلِلْمُشْتَرِي أَيْضًا حَقُّ الْخِيَارِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ نَفْعٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ فَأَصْبَحَ النَّفْعُ مَمْزُوجًا بِضَرَرٍ فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ بِدُونِ ثَمَنٍ فَلَا يَكُونُ قَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ . ( الْمَادَّةُ 226 ) إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَرَاضِيِ أَمْ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَشْيَاءِ السَّائِرَةِ وَبَيَّنَ مِقْدَارَهُ وَجُمْلَةَ ثَمَنِهِ فَقَطْ أَوْ فَصَّلَ أَثْمَانَ زِرَاعَاتِهِ فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَجْرِي الْحُكْمُ عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ , وَأَمَّا الْأَمْتِعَةُ وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ كَالْجُوخِ وَالْكِرْبَاسِ فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الْمَكِيلَاتِ . مَثَلًا : لَوْ بِيعَتْ عَرْصَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَظَهَرَ أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ ذِرَاعًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ تِلْكَ الْعَرْصَةَ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَإِذَا ظَهَرَتْ زَائِدَةً أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَطْ وَكَذَا لَوْ بِيعَ ثَوْبُ قُمَاشٍ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي قَبَاءً وَأَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ فَظَهَرَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ وَإِنْ ظَهَرَ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِتَمَامِهِ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ أَيْضًا . كَذَلِكَ لَوْ
____________________
(1/174)
بِيعَتْ عَرْصَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ فَظَهَرَتْ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا وَمِائَةً وَخَمْسَةَ أَذْرُعٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا إذَا كَانَتْ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ , وَإِذَا كَانَ مِائَةً وَخَمْسَةَ أَذْرُعٍ بِأَلْفٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا وَكَذَا إذَا بِيعَ ثَوْبُ قُمَاشٍ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِعَمَلِ قَبَاءٍ وَأَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَإِذَا ظَهَرَ تِسْعَةُ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ إذَا كَانَ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَإِنْ كَانَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا , وَأَمَّا لَوْ بِيعَ ثَوْبُ جُوخٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا بِسَبْعَةِ آلَافٍ وَخَمْسمِائَةِ قِرْشٍ أَوْ أَنَّ كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْهُ بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَإِذَا ظَهَرَ مِائَةٌ وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمِائَةَ وَالْأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بِسَبْعَةِ آلَافِ قِرْشٍ فَقَطْ وَإِذَا ظَهَرَ زَائِدًا عَنْ الْمِائَةِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ . أَيْ أَنَّهُ إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَرَاضِيِ أَمْ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَشْيَاءِ السَّائِرَةِ وَبَيَّنَ مِقْدَارَهُ وَجُمْلَةَ ثَمَنِهِ فَقَطْ أَوْ بَيَّنَ مِقْدَارَهُ وَفَصَّلَ أَثْمَانَ ذِرَاعَاتِهِ فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَجْرِي الْحُكْمُ عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ كَمَا مَرَّ الْبَحْثُ عَنْهَا فِي الْمَادَّتَيْنِ 224 و 225 فَبَيْعُ الْمَجْمُوعِ مَعَ بَيَانِ ثَمَنِهِ قَدْ مَرَّ حُكْمُهُ فِي الْمَادَّةِ 224 وَبَيْعُ الْمَجْمُوعِ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ مَعَ بَيَانِ مِقْدَارِهِ وَتَفْصِيلِ أَثْمَانِ ذِرَاعَاتِهِ قَدْ مَرَّ فِي الْمَادَّةِ 225 . أَمَّا الْجُوخُ وَالْكِرْبَاسُ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَكِيلَاتِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَقْطِيعِهِ وَتَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ فَعَلَيْهِ إذَا بِيعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَشْيَاءِ وَبُيِّنَ مِقْدَارُ مَجْمُوعِهِ فَقَطْ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ أَمَّا إذَا ذَكَرَ ثَمَنَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ وَفَصَّلَ ثَمَنَ كُلِّ ذِرَاعٍ مِنْ ذِرَاعَاتِهِ فَإِذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ تَامًّا عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ أَمَّا إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ قَبُولِ الْمِقْدَارِ الَّذِي ظَهَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ . وَإِذَا ظَهَرَ زَائِدًا فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 223 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بِيعَتْ عَرْصَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ وَبُيِّنَ مَجْمُوعُ ثَمَنِهَا أَنَّهُ أَلْفُ قِرْشٍ بِدُونِ تَفْصِيلِ أَثْمَانِ أَقْسَامِهَا وَأَجْزَائِهَا فَيَجْرِي فِيهَا الْحُكْمُ عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِ الْمَادَّةِ 224 وَهُوَ إذَا ظَهَرَتْ الْعَرْصَةُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ مِائَةَ ذِرَاعٍ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَالْمُشْتَرِي مُجْبَرٌ عَلَى أَخْذِهَا بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا وَإِذَا ظَهَرَتْ نَاقِصَةً كَأَنْ ظَهَرَتْ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ حِينَئِذٍ فِي تَرْكِهَا ; لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَرْغُوبَ قَدْ أَصْبَحَ مَعْدُومًا مِنْهَا وَبِذَلِكَ اخْتَلَّ رِضَاءُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ نَاقِصٌ فَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي التَّرْكِ حِينَئِذٍ . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 229 ( الدُّرُّ الْمُخْتَارُ ) أَوْ أَخْذِهَا بِالْأَلْفِ قِرْشٍ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ الثَّمَنَ بِقَدْرِ مَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ النُّقْصَانِ ; لِأَنَّ الذَّرْعَ هُوَ وَصْفٌ وَالْوَصْفُ لَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا قُلْنَا . رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ هُنَا أَنَّ الصِّفَةَ الْعَرَضِيَّةَ لِلشَّيْءِ بَلْ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ : التَّابِعُ غَيْرُ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الشَّيْءِ , وَهُوَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي شَيْءٍ زَادَهُ حُسْنًا فَالْوَصْفُ عَلَى هَذَا جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ أَيْضًا وَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ قُمَاشٍ كَغِطَاءِ مَائِدَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةَ قُرُوشٍ فَإِذَا أَنْقَصَ ذِرَاعًا وَاحِدًا فَالتِّسْعَةُ الْأَذْرُعِ الْبَاقِيَةِ لَا تُسَاوِي قِيمَتُهَا تِسْعَةَ قُرُوشٍ إذْ أَنَّ إنْقَاصَ ذِرَاعٍ وَاحِدٍ
____________________
(1/175)
قَدْ يُذْهِبُ بِحُسْنِ الْقُمَاشِ وَبِهَائِهِ وَزِيَادَةَ آخَرَ قَدْ تَمْنَحُهُ جَمَالًا وَكَمَالًا . بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ فَبِمَا أَنَّ بَعْضَهَا مُسْتَقِلٌّ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَصْلٌ فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَمَالًا أَوْ نَقْصًا فِي الْمَجْمُوعِ بِانْضِمَامِهِ إلَيْهِ أَوْ عَدَمِهِ ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَشْرِ كَيْلَاتِ حِنْطَةٍ تُسَاوِي مِائَةَ قِرْشٍ فَالتِّسْعُ كَيْلَاتٍ تُسَاوِي تِسْعِينَ قِرْشًا ( الدُّرَرُ ) وَإِذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ زَائِدًا كَأَنْ ظَهَرَتْ الْعَرْصَةُ مِائَةً وَخَمْسَةَ أَذْرُعٍ يَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِأَلْفِ قِرْشٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ ضَمَّ خَمْسِينَ قِرْشًا عَلَى الْأَلْفِ مُقَابِلًا لِلْخَمْسَةِ أَذْرُعٍ الزَّائِدَةِ ; لِأَنَّهُ كَمَا سَبَقَ الْقَوْلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَصْفٌ وَالْوَصْفُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فَلَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ( 225 ) . كَذَلِكَ إذَا بِيعَ ثَوْبُ كِرْبَاسَ عَلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ لَيُفَصِّلَ سِرْوَالًا بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ وَلَمْ تُفْصَلْ أَثْمَانُ أَجْزَائِهِ يَجْرِي حُكْمُ هَذَا عَلَى مُقْتَضَى الْمَادَّةُ 224 وَهُوَ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ الْقُمَاشُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْقُمَاشَ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ أَيْ بِمَجْمُوعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 0 31 ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ النُّقْصَانِ فِي الْمَبِيعِ ; لِأَنَّ الذَّرْعَ بِمَا أَنَّهُ وَصْفٌ فَلَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ وَإِذَا ظَهَرَ الْقُمَاشُ زَائِدًا كَظُهُورِهِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْقُمَاشَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَرْبَعُمِائَةِ الْقِرْشِ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ إنْسَانٍ مَالًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ وَظَهَرَ سَالِمًا مِنْ الْعَيْبِ فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ هُنَا أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْأَذْرُعِ الزَّائِدَةِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ قَدْ قَالُوا بِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تَحِلُّ دِيَانَةً لِلْمُشْتَرِي . كَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ عَرْصَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ وَأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ ذِرَاعٍ عَشَرَةُ قُرُوشٍ وَبُيِّنَ مِقْدَارُ الْمَجْمُوعِ وَفُصِّلَتْ أَثْمَانُ أَقْسَامِهِ وَأَجْزَائِهِ يَجْرِي حُكْمُ هَذَا الْبَيْعِ عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِ الْمَادَّةِ 225 وَهُوَ إذَا ظَهَرَتْ تِلْكَ الْعَرْصَةُ وَفْقًا لِلْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِذَا ظَهَرَتْ نَاقِصَةً كَظُهُورِهَا خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا أَوْ زَائِدَةً كَظُهُورِهَا مِائَةً وَخَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْبَيْعَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَرْصَةَ بِالثَّمَنِ الْمُبَيَّنِ لِأَقْسَامِ الْمَبِيعِ وَأَجْزَائِهِ أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا فَبِمَا أَنَّ قِسْمًا مِنْهُ بِذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَصَحِيحٌ فِي الْقِسْمِ الْمَوْجُودِ , وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ظَهَرَتْ تِلْكَ الْعَرْصَةُ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا يَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا , وَإِذَا ظَهَرَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ يَأْخُذُهَا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَدْ جَعَلَ الْمُشْتَرِيَ هُنَا مُخَيَّرًا إمَّا لِحُصُولِ التَّفْرِيقِ فِي الصَّفْقَةِ أَوْ فَقْدِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ مِنْ الْمَبِيعِ كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 225 ) وَقَدْ أَصْبَحَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فِي وَقْتِ ظُهُورِ زِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 225 نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي فَذَلِكَ النَّفْعُ مَمْزُوجٌ بِشَيْءٍ مِنْ الضَّرَرِ لِاقْتِضَائِهِ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ وَصْفًا إلَّا أَنَّهَا أَصْبَحَتْ صَالِحَةً لَأَنْ تَكُونَ أَصْلًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَحْدَهَا وَلَهَا حِصَّةٌ فِي الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا فِي مَبِيعٍ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ . وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ ثَوْبُ قُمَاشٍ لِيُفَصَّلَ سِرْوَالًا عَلَى أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ لِكُلِّ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ قِرْشًا ثَمَنًا أَيْ أَنَّهُ إذَا بُيِّنَ فِي الْمَبِيعِ مِقْدَارُ الْمَجْمُوعِ وَفُصِلَتْ أَثْمَانُ كُلِّ قِسْمٍ وَجُزْءٍ مِنْهُ يَجْرِي حُكْمُهُ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الْمَادَّةِ ( 225 ) وَهُوَ إذَا ظَهَرَ الْقُمَاشُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ كَمَا ذُكِرَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ , أَمَّا إذَا ظَهَرَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ تِسْعَةً فَالْمُشْتَرِي يَكُونُ مُخَيَّرًا فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَظْهَرُ إنْ كَانَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا بِالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِأَقْسَامِ الْمَبِيعِ وَأَجْزَائِهِ وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ إذَا ظَهَرَ الْقُمَاشُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ يَأْخُذُهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا وَإِذَا ظَهَرَ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ يَأْخُذُهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا
____________________
(1/176)
. إنَّ هَذِهِ الْأَسْئِلَةَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْمَجَلَّةِ إنَّمَا هِيَ لِلنَّاقِصِ وَالزَّائِدِ إذَا كَانَ عَدَدًا صَحِيحًا بِدُونِ كَسْرٍ أَمَّا إذَا كُسِرَ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ كَأَنْ ظَهَرَ الْقُمَاشُ الَّذِي بِيعَ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَثَمَنُ كُلِّ ذِرَاعٍ مِنْهُ عَشَرَةُ قُرُوشٍ تِسْعًا وَتِسْعِينَ ذِرَاعًا وَنِصْفًا أَوْ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَنِصْفًا يَجْرِي الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ حَسْبَ قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي أَخْذِ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ قِرْشًا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَلْفٌ وَخَمْسَةُ قُرُوشٍ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الذَّرْعُ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ فَثَمَنُ النِّصْفِ ذَرْعٍ خَمْسَةُ قُرُوشٍ أَمَّا الْقُمَاشُ الَّذِي لَا يَكُونُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَأَقْسَامِهِ تَفَاوُتٌ وَهُوَ مَا لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ كَثَوْبٍ مِنْ الْجُوخِ إذَا بِيعَ عَلَى أَنَّهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا بِسَبْعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ أَوْ فَصَّلَ أَثْمَانَ أَجْزَائِهِ عَلَى أَنَّ ثَمَنَ كُلِّ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ قِرْشًا يَجْرِي الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 223 ) فَإِذَا ظَهَرَ الثَّوْبُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ تَامًّا أَيْ مِائَةً وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَلَازِمًا فِي الْمَبِيعِ كُلِّهِ . وَإِذَا ظَهَرَ نَاقِصًا كَظُهُورِهِ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمِقْدَارَ الَّذِي ظَهَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَيْ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمِائَةَ وَالْأَرْبَعِينَ الذَّرْعَ بِسَبْعَةِ آلَافِ قِرْشٍ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِذَا ظَهَرَ الثَّوْبُ زَائِدًا وَقْتَ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 222 ) . كَذَلِكَ إذَا بِيعَ ثَوْبُ كِرْبَاسٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ ثَمَنًا لِمَجْمُوعِهِ أَوْ بِخَمْسَةِ قُرُوشٍ لِكُلِّ ذِرَاعٍ مِنْهُ يَجْرِي الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ آنِفًا . أَمَّا عِبَارَةُ ( أَمَّا ثَوْبُ الْجُوخِ إلَخْ ) فَهِيَ مِثَالٌ لِلْعِبَارَةِ الْوَارِدَةِ فِي ابْتِدَاءِ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَقَطْ . ( الْمَادَّةُ 227 ) إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَبُيِّنَ مِقْدَارُ ثَمَنِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ فَقَطْ فَإِنْ ظَهَرَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ تَامًّا صَحَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ وَإِنْ ظَهَرَ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا كَانَ الْبَيْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَاسِدًا مَثَلًا إذَا بِيعَ قَطِيعُ غَنَمٍ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ رَأْسًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَإِذَا ظَهَرَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ رَأْسًا أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ بِدُونِ تَفْصِيلِ أَثْمَانِ آحَادِهِ وَأَفْرَادِهِ بَلْ ذَكَرَ ثَمَنَ الْمَجْمُوعِ فَقَطْ فَإِذَا ظَهَرَ الْمَجْمُوعُ مُوَافِقًا لِلْمِقْدَارِ الَّذِي بُيِّنَ حِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورِ كُلِّهِ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَعْلُومَانِ وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ أَنْقَصَ مِنْ الْمِقْدَارِ الْمُبَيَّنِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا فِي مَجْمُوعِ الْمَبِيعِ ; لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا فَلَا تَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُثَمَّنِ فِي الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ وَتَكُونُ بِذَلِكَ حِصَّةُ الْمِقْدَارِ النَّاقِصِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى مَجْهُولَةً وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 238 ) وَهَذَا الْفَسَادُ نَاشِئٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ زِيَادَةٌ فِي الْمَبِيعِ فَعَلَى مُقْتَضَى حُكْمِ الْمَادَّةِ ( 222 ) لَا تَدْخُلُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي الْبَيْعِ وَيَجِبُ رَدُّهَا لِلْبَائِعِ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ فَقَدْ يَكُونُ رَدُّهَا سَبَبًا لِلنِّزَاعِ فَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَفَسَادُهُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ . وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بَيْعَ الْمَجْمُوعِ بِبَيَانِ ثَمَنِهِ فَقَطْ أَمَّا بَيْعُ الْمَجْمُوعِ مَعَ ذِكْرِهِ وَتَفْصِيلُ أَثْمَانِ آحَادِهِ فَسَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ وَحُكْمُهُ يَجْرِي عَلَى مُقْتَضَاهَا . مِثَالٌ : إذَا بِيعَ خَمْسُونَ رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَظَهَرَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ تَامًّا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ أَمَّا إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا كَأَنْ ظَهَرَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ رَأْسًا أَوْ ظَهَرَ زَائِدًا بِأَنْ كَانَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ رَأْسًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ بُسْتَانٌ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَوٍ مِائَةَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ وَوُجِدَتْ الْأَشْجَارُ حَامِلَةً ثَمَرًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ أَمَّا إذَا ظَهَرَتْ شَجَرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهَا غَيْرُ مُثْمِرَةٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ الثَّمَرَ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ بِذِكْرِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ وَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَشْجَارُ
____________________
(1/177)
كُلُّهَا حَامِلَةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَنْحَصِرُ الْبَيْعُ فِي الْمَوْجُودِ فَقَطْ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ حِصَّةَ الْمَوْجُودِ فِي الثَّمَنِ مَجْهُولَةٌ فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا . ( الْمَادَّةُ 228 ) إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَبُيِّنَ مِقْدَارُهُ وَأَثْمَانُ آحَادِهِ وَأَفْرَادِهِ فَإِذَا ظَهَرَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ تَامًّا لَزِمَ الْبَيْعُ وَاذَا ظَهَرَ نَاقِصًا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الْمُسَمَّى وَإِذَا ظَهَرَ زَائِدًا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا مَثَلًا : لَوْ بِيعَ قَطِيعُ غَنَمٍ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ شَاةً كُلُّ شَاةٍ بِخَمْسِينَ قِرْشًا وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ الْقَطِيعُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ شَاةً خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْخَمْسَةَ وَأَرْبَعِينَ شَاةً بِأَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ قِرْشًا وَإِذَا ظَهَرَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ رَأْسًا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا . إذَا بِيعَ مَجْمُوعٌ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبُيِّنَ مِقْدَارُ الْمَجْمُوعِ وَفُصِّلَ أَثْمَانُ آحَادِهِ وَأَفْرَادِهِ فَظَهَرَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَفْقًا لِلْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ أَمَّا إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا عَنْ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ لَمَّا فَصَّلَ أَثْمَانَ آحَادِهِ وَأَفْرَادِهِ كَانَتْ حِصَّةُ النَّاقِصِ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةً وَبِذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَوْجُودِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بِسَبَبِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَقَطْ أَمَّا إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ زَائِدًا عَنْ الْمِقْدَارِ الْمُبَيَّنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 226 ) , يَجِبُ رَدُّ الزِّيَادَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَجْهُولَةً وَيُؤَدِّي الْجَهْلُ بِهَا إلَى النِّزَاعِ فَقَدْ فَسَدَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَقُولَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الزِّيَادَةَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى كَمَا حَصَلَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ إذْ أَنَّهُ قَدْ لَا يَقْبَلُ الْبَائِعُ بِإِعْطَاءِ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ الزَّائِدَةِ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ لِجَوْدَتِهَا كَمَا أَنَّهُ قَدْ لَا يَقْبَلُ بِهَا الْمُشْتَرِي لِرَدَاءَتِهَا وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا التَّفَاوُتِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بِيعَ قَطِيعٌ مِنْ الْغَنَمِ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ رَأْسًا لِكُلِّ رَأْسٍ خَمْسُونَ قِرْشًا فَظَهَرَ الْقَطِيعُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ خَمْسِينَ رَأْسًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ أَمَّا إذَا ظَهَرَ نَاقِصًا كَأَنْ ظَهَرَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ رَأْسًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسَةَ وَأَرْبَعِينَ رَأْسًا بِأَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْ قِرْشٍ . أَمَّا إذَا ظَهَرَ زَائِدًا بِأَنْ كَانَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ رَأْسًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ قَدْ جَاءَ فِي الْمِثَالِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجْرِي عَلَى خَمْسِينَ رَأْسًا لِكُلِّ رَأْسٍ خَمْسُونَ قِرْشًا وَلَمْ يَأْتِ فِي الْمِثَالِ أَنَّ ثَمَنَ الرَّأْسَيْنِ مِائَةُ قِرْشٍ وَالثَّلَاثَةُ رُءُوسٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ فِيمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 220 ) ( الْهِنْدِيَّةُ ) . وَإِذَا حَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي نُقْصَانِ الْمَبِيعِ وَتَمَامِهِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُشْتَرِي فِي زِيَادَةِ الْمَبِيعِ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَضُرُّ بِهِ فِيمَا إذَا قَبَضَهَا ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ قَبْضَ الزِّيَادَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ شَخْصٌ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْأُرْزِ عَلَى أَنَّ ثَمَنَ الرِّطْلِ عَشَرَةُ قُرُوشٍ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ بَعْدَ الْوَزْنِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْأُرْزَ الَّذِي اسْتَلَمَهُ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ عَشَرَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْبَائِعُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الْعَشَرَةَ الْأَرْطَالَ عَلِيٌّ أَفَنْدِي رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 76 ) مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُقِرًّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ تَامًّا وَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ النُّقْصَانَ رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 79 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) كَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ ادِّعَاءُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ النُّقْصَانُ نَاشِئًا مِنْ الْحَرَارَةِ أَوْ جُزْئِيًّا يَتَدَاخَلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ وَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبَائِعِ ( التَّنْقِيحُ ) ( الْمَادَّةُ 229 ) إنَّ الصُّوَرَ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَوَادِّ السَّابِقَةِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ نَاقِصٌ لَا يُخَيَّرُ فِي الْفَسْخِ بَعْدَ الْقَبْضِ .
____________________
(1/178)
لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ قَدْ رَضِيَ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الطَّحْطَاوِيُّ فَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ الَّذِي ظَهَرَ نَافِصًا فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَوَادِّ ( 223 و 225 و 228 ) وَيَأْخُذُهُ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ ( 4 22 ) بِمَجْمُوعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ إنْسَانٌ صُبْرَةً مِنْ حِنْطَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهَا خَمْسُونَ كَيْلَةً وَثَمَنُ كُلِّ كَيْلَةٍ مِنْهَا عَشَرَةُ قُرُوشٍ فَاسْتَلَمَ الْمُشْتَرِي الصُّبْرَةَ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهَا خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ كَيْلَةً فَلَا يَبْقَى لَهُ خِيَارٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ بَلْ يَكُونُ مُجْبَرًا عَلَى أَخْذِ الْخَمْسِ وَالْأَرْبَعِينَ كَيْلَةً بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا . وَقَدْ جَاءَتْ عِبَارَةُ ( إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَهُوَ عَالِمٌ ) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ الْقَبْضِ غَيْرَ عَالِمٍ بِوُجُودِ النُّقْصَانِ وَعَلِمَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَاءِ فَالْأَحْرَى فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ الْحَقُّ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ . قَدْ وَرَدَتْ عِبَارَةُ ( الْمَبِيعَ كُلَّهُ ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ فِي رَدِّهِ لَا يَزُولُ بِقَبْضِهِ بَعْضَهُ ( الطَّحْطَاوِيُّ , رَدُّ الْمُحْتَارِ الْخَانِيَّةُ ) . فَإِذَا قِيلَ : بِمَا أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ رِضَاءٌ بِالْمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَلَمْ يُوجَدْ رِضَاءٌ بِالْمِقْدَارِ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَلِمَا لَا يَكُونُ الرَّدُّ جَائِزًا فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي قُبِضَ فَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ ذَلِكَ يُجْعَلُ تَفْرِيقًا فِي الصَّفْقَةِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ . أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الرِّضَاءِ فِي الْقِسْمَيْنِ بِوُجُودِهِ فِي قِسْمٍ وَهُوَ الْمَقْبُوضُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ . فَعَلَيْهِ قَدْ أَصْبَحَ مَعَنَا ثَلَاثُ صُوَرٍ : الْأُولَى : أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الْكُلَّ وَهُوَ عَالِمٌ بِنُقْصَانِهِ . الثَّانِيَةُ : أَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِنُقْصَانِهِ . الثَّالِثَةُ : أَنْ يَقْبِضَ الْبَعْضَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالنُّقْصَانِ . فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَيْسَ لَهُ خِيَارٌ أَمَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ . تَلْخِيصٌ - الْقَاعِدَةُ الْأُولَى : كُلُّ شَيْءٍ يَشْمَلُهُ الْمَبِيعُ فِي عُرْفِ الْبَلْدَةِ وَيُبَاعُ تَبَعًا لَهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَعَلَى هَذَا فَالْأَشْيَاءُ الَّتِي تَكُونُ لِجُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ تَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ . الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ : كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ . الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ : مَا دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ وَصُرِّحَ بِهِ وَأُدْخِلَ فِي الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ . وَمَا تَشْمَلُهُ الْأَلْفَاظُ الْعَامَّةُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ هِيَ لِلْمُشْتَرِي وَمَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ وَعَلَى أَصْلٍ وَالْقَاعِدَةُ الْأُولَى مِنْهَا بُيِّنَتْ فِي الْمَادَّةِ 230 وَالثَّانِيَةُ فِي الْمَادَّةِ 232 وَالثَّالِثَةُ فِي الْمَادَّةِ 235 وَالْمَادَّةُ 1 23 تَدْخُلُ حُكْمًا فِي الْمَادَّةِ 232 طَحْطَاوِيٌّ . ( الْمَادَّةُ 230 ) كُلُّ مَا جَرَى عُرْفُ الْبَلْدَةِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُشْتَمِلَاتِ الْمَبِيعِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ . مَثَلًا : فِي بَيْعِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْمَطْبَخُ والكيلار وَفِي بَيْعِ حَدِيقَةِ زَيْتُونٍ تَدْخُلُ أَشْجَارُ الزَّيْتُونِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ ; لِأَنَّ الْمَطْبَخَ والكيلار مِنْ مُشْتَمِلَاتِ الدَّارِ وَحَدِيقَةُ الزَّيْتُونِ تُطْلَقُ عَلَى أَرْضٍ يَحْتَوِي عَلَى أَشْجَارِ الزَّيْتُونِ فَلَا يُقَالُ لِأَرْضٍ خَالِيَةٍ حَدِيقَةُ زَيْتُونٍ . الْمُرَادُ مِنْ عُرْفِ الْبَلْدَةِ التَّعَارُفُ الْجَارِي فِي الْبَيْعِ وَيَدْخُلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبِيعِ وَلَوْ لَمْ يُصَرَّحْ بِذِكْرِهِ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُ بِيعَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 0 36 ) . ( الْمَادَّةُ 231 ) مَا كَانَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ أَيْ مَا لَا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ عَنْ
____________________
(1/179)
الْمَبِيعِ نَظَرًا إلَى غَرَضِ الِاشْتِرَاءِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ مَثَلًا إذَا بِيعَ قُفْلٌ دَخَلَ مِفْتَاحُهُ , وَإِذَا اشْتَرَيْت بَقَرَةً حَلُوبًا لِأَجْلِ اللَّبَنِ يَدْخُلُ فَلُوُّهَا الرَّضِيعُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ . وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْأَشْيَاءُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمَنْقُولَةُ التَّابِعَةُ لِلْمَبِيعِ وَاَلَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ هِيَ فِي حُكْمِ جُزْءِ الْمَبِيعِ وَفِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ بِهِ فَكَمَا أَنَّهَا إذَا ذُكِرَتْ وَصُرِّحَ بِهَا فِي الْبَيْعِ تَدْخُلُ فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تُذْكَرْ وَلَمْ يُصَرَّحْ بِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْقُفْلِ بِغَيْرِ مِفْتَاحٍ كَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِالْمِفْتَاحِ بِغَيْرِ قُفْلٍ وَمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَصَالَةً كَمَا إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ قُفْلًا مِنْ الْحَدَّادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ دُخُولَ الْمِفْتَاحِ فِي الْبَيْعِ أَوْ عَدَمَ دُخُولِهِ فَالْمِفْتَاحُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْبَيْعِ . وَمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا كَمَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ فَالْأَقْفَالُ الَّتِي عَلَى أَبْوَابِ هَذِهِ الدَّارِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا أَمَّا فِي بَيْعِ الْفَرَسِ ذَاتِ الْفَلُوِّ فَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ فُلُوِّهَا فَلَا يَدْخُلُ الْفَلُوُّ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرِهِ كَمَا إذَا بِيعَتْ وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْ مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُذْكَرْ الْفَلُوُّ فِي الْبَيْعِ وَإِذَا حَضَرَتْ هِيَ وَفُلُّوهَا مَجْلِسَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَيْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْفَلُوِّ أَوْ عَدَمِ دُخُولِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 43 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ شَجَرَةً لِلْقَطْعِ مِنْ بُسْتَانِ آخَرَ فَإِذَا بَيَّنَ مَوْضِعَ قَطْعِهَا قَطَعَهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بُيِّنَ وَإِلَّا فَلَهُ قَطْعُهَا مِنْ عُرُوقِهَا . أَمَّا إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ قَطْعَهَا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَجَبَ قَطْعُهَا مِنْ حَيْثُ شُرِطَ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مُجَاوِرَةً لِحَائِطٍ وَكَانَ قَطْعُهَا مِنْ عُرُوقهَا مُضِرًّا بِالْبَائِعِ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَهَا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِنْ يَكُنْ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ أَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْعُرُوقُ دَاخِلَةً فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْفِرَ الْأَرْضَ لِاسْتِئْصَالِ الشَّجَرَةِ مِنْ عُرُوقِهَا بَلْ يَقْطَعُ الشَّجَرَةَ حَسْبَ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً لِيَقْطَعَهَا وَكَانَ يَنْبُتُ عَلَى عُرُوقِهَا وَيَتَشَعَّبُ مِنْهَا أَشْجَارٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ قَطْعُ الشَّجَرَةِ يُؤَدِّي إلَى تَلَفِ هَذِهِ الْأَشْجَارِ دَخَلَتْ فِي بَيْعِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَإِلَّا فَلَا ( بَزَّازِيَّةٌ ) . ( الْمَادَّةُ 232 ) : تَوَابِعُ الْمَبِيعِ الْمُتَّصِلَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِدُونِ ذِكْرٍ مَثَلًا إذَا بِيعَتْ دَارٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَقْفَالُ الْمُسَمَّرَةُ وَالدَّوَالِيبُ أَيْ الْخَزْنُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالدُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ الْمُعَدَّةُ لِوَضْعِ فُرُشٍ وَالْبُسْتَانُ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ حُدُودِ الدَّارِ وَالطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ الدَّاخِلَةُ الَّتِي لَا تَنْفُذُ وَفِي بَيْعِ الْعَرْصَةِ تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ الْمَغْرُوسَةُ عَلَى أَنْ تَسْتَقِرَّ ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ لَا تُفْصَلُ عَنْ الْمَبِيعِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ وَلَا تَصْرِيحٍ . التَّوَابِعُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ أَيْ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ الْقَرَارِ وَاتِّصَالُ الْقَرَارِ وَضْعُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يُفْصَلُ مِنْ مَحِلِّهِ وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ فَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ فَالشَّجَرُ الْمَغْرُوسُ فِيهَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْأَشْجَارَ مُتَّصِلَةٌ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ الْقَرَارِ أَمَّا الْأَشْجَارُ الْيَابِسَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْأَشْجَارِ عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَطَبِ يَعْنِي أَنَّ الشَّجَرَ الْيَابِسَ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ إلَّا أَنَّ اتِّصَالَهُ لَيْسَ اتِّصَالَ الْقَرَارِ أَمَّا الزَّرْعُ فَلَمَّا كَانَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ الْقَرَارِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَتَاعِ وَكَذَلِكَ الثَّمَرُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالشَّجَرِ إلَّا أَنَّ اتِّصَالَهُ لَيْسَ اتِّصَالَ قَرَارٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ
____________________
(1/180)
الشَّجَرِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالثَّمَرِ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّرْعَ فِي الْأَرْضِ وَالثَّمَرَ عَلَى الشَّجَرِ فِي حُكْمِ الْمَتَاعِ وَالدَّابَّةُ الْحَامِلُ يَدْخُلُ حَمْلُهَا فِي الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اتِّصَالُهُ بِهَا لَيْسَ اتِّصَالَ قَرَارٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَلَّا يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ فَصْلَهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا عَنْ الْقُدْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ اُعْتُبِرَ مِنْ التَّوَابِعِ الْمُتَّصِلَةِ وَعَلَى ذَلِكَ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الدَّابَّةِ فَيَجِبُ أَنْ يَتْبَعَهَا وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مَفَاتِيحُ الْأَقْفَالِ الْمُسَمَّرَةِ الثَّابِتَةِ فِي أَبْوَابِ الدَّارِ ; لِأَنَّ الْمَفَاتِيحَ تَابِعَةٌ لِلْأَقْفَالِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَبْوَابِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْهَا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَكَذَلِكَ تَدْخُلُ الْأَحْجَارُ وَالْبَلَاطُ الْمَفْرُوشُ بِهِ الْمَطْبَخُ وَسَاحَةُ الدَّارِ وَدَرَجُ الْخَشَبِ الْمُسَمَّرَةِ وَالْأَبْوَابُ وَدُولَابُ الْبِئْرِ الْمُسَمَّرِ وَالْقِدْرُ فِي بَيْعِ الْحَمَّامِ وَالرَّكَائِزُ الْمَدْفُونَةُ فِي الْأَرْضِ فِي بَيْعِ الْكُرُومِ وَالْأَحْجَارُ الْمُثَبَّتَةُ فِي بَيْعِ الْعَرْصَةِ أَمَّا الْأَحْجَارُ الْمَدْفُونَةُ فَلَا تَدْخُلُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 49 , رَدُّ الْمُحْتَارِ . دُرُّ الْمُخْتَارِ مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . وَعَلَى ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى دَارًا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ احْتَرَقَتْ تِلْكَ الدَّارُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ دَارًا جَدِيدَةً فِي عَرْصَتِهَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مَنْعُهُ مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ بِدَعْوَى أَنَّ الْعَرْصَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي بَيْعِ الدَّارِ لِعَدَمِ ذِكْرِهَا أَثْنَاءَ الْبَيْعِ ( هِدَايَةٌ ) وَإِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَرَارِ الْأَشْيَاءِ مَثَلًا كَأَنْ يَدَّعِيَ الْمُشْتَرِي أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ قَدْ وُضِعَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ وَيَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمَبِيعِ فَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّحَالُفُ حَسْبَ الْمَادَّةِ ( 778 ) وَقَدْ يُقَالُ يَصْدُقُ الْبَائِعُ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي تَابِعٍ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالتَّحَالُفُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مِلْكِهِ فَتَأَمَّلْ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( الْمَادَّةُ 233 ) : مَا لَا يَكُونُ مِنْ مُشْتَمِلَاتِ الْمَبِيعِ وَلَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ بِبَيْعِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مَا لَمْ يُذْكَرْ وَقْتَ الْبَيْعِ . أَمَّا مَا جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ وَالْعُرْفُ بِبَيْعِهِ تَبَعًا لِلْمَبِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ مَثَلًا الْأَشْيَاءُ غَيْرُ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي تُوضَعُ لَأَنْ تُسْتَعْمَلَ وَتُنْقَلَ مِنْ مَحِلٍّ إلَى آخَرَ كَالصُّنْدُوقِ وَالْكُرْسِيِّ وَالتَّخْتِ الْمُنْفَصِلَاتُ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِلَا ذِكْرٍ وَكَذَا أَحْوَاضُ اللَّيْمُونِ وَالْأَزْهَارُ الْمُنْفَصِلَةُ وَالْأَشْجَارُ الصَّغِيرَةُ الْمَغْرُوسَةُ عَلَى أَنْ تُنْقَلَ لِمَحِلٍّ آخَرَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِنَا بِالنُّصُبِ وَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبَسَاتِينِ بِدُونِ ذِكْرٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرَاضِيِ وَالثَّمَرُ فِي بَيْعِ الْأَشْجَارِ مَا لَمْ تُذْكَرْ صَرِيحًا حِينَ الْبَيْعِ لَكِنَّ لِجَامَ دَابَّةِ الرُّكُوبِ وَخِطَامَ الْبَعِيرِ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِيهَا أَنْ تُبَاعَ تَبَعًا فَهَذِهِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ . وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ التِّبْنُ وَالشَّعِيرُ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا وَلَا الْأَقْفَالُ غَيْرُ الْمُسَمَّرَةِ الْمَحْفُوظَةُ فِي الدَّارِ وَالْمَصَابِيحُ وَالْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْبُيُوتِ وَلَا السَّلَالِمُ وَالْأَوَانِي وَالْأَثَاثُ وَفِي بَيْعِ الْحَمَّامِ لَا تَدْخُلُ طِسَاسُ الْمَاءِ وَلَا الْقَبَاقِيبُ وَالْمَنَاشِفُ وَفِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ لَا تَدْخُلُ رَكَائِزُ الشَّجَرِ غَيْرُ الْمَغْرُوزَةِ وَلَا الْفُؤُوسُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَدَوَاتِ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا فِي الْبَسَاتِينِ وَفِي بَيْعِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ الْبَذْرُ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ وَالنَّبَاتُ الْحَدِيثُ الَّذِي جَدَّ اخْضِرَارُهُ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقُطْنِ وَالْبِرْسِيمِ وَالنُّحَاسِ الدَّفِينِ فِي التُّرَابِ أَوْ فِي الْحَائِطِ لِحِفْظِهِ وَكَذَلِكَ النُّقُودُ الْمَخْبُوءَةُ فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وَلَوْ ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ بِأَلْفَاظٍ عَامَّةٍ كَقَوْلِ الْبَائِع
____________________
(1/181)
ِ بِعْت ذَلِكَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ : أَوَّلًا : يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ وَيَقْطِفَ الثَّمَرَ وَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي ; لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُخَلِّيَ الْمَبِيعَ مِنْ مَالِهِ كَمَا أَنَّهُ تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا أَنْ يُخَلِّيَ الدَّارَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 267 و 268 ) . ثَانِيًا : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ أَرْضًا بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا فَهَدَمَ حَائِطَهَا وَظَهَرَ فِي الْحَائِطِ رَصَاصٌ أَوْ صَاجٌ أَوْ خَشَبٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْبِنَاءِ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ كَأَحْجَارِ الرُّخَامِ الْمَحْفُوظَةِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ فَإِنْ قَالَ : إنَّهَا لَيْسَتْ لِي كَانَتْ لُقَطَةً . ثَالِثًا : إذَا بِيعَتْ دَارٌ أَوْ دُكَّانٌ فَالْقُفْلُ الَّذِي لَيْسَ ثَابِتًا بَلْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى بَابِ الدُّكَّانِ أَوْ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ مُعَلَّقًا أَوْ كَانَتْ الدَّارُ أَوْ الدُّكَّانُ تُقْفَلُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَقْفَالِ الْأُخْرَى ; لِأَنَّ الْقُفْلَ الَّذِي لَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْبَابِ لَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ ( زَيْلَعِيٌّ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . رَابِعًا : فِي بَيْعِ الدَّارِ لَا تَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَحَقُّ الشُّرْبِ وَحَقُّ الْمَسِيلِ وَالدَّلْوُ وَحَبْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنُصَّ فِي الْبَيْعِ عَلَى دُخُولِهَا أَوْ لَمْ يُعَمِّمْ حَسْبَ الْمَادَّةِ 235 لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . خَامِسًا : إذَا بَاعَ شَخْصٌ عِدَّةَ غُرَفٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْفُنْدُقِ الَّذِي يَمْلِكُهُ فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِطَرِيقِ تِلْكَ الْغُرَفِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِالْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ 235 فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ هَذِهِ الطَّرِيقُ ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ تِلْكَ الْغُرَفَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ لَهَا طَرِيقًا آخَرَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ طَرِيقِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ ذَكَرَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ الْأَلْفَاظَ الْعَامَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَادَّةِ 235 كَأَنْ قَالَ : بِعْت هَذِهِ الْغُرَفَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا أَوْ جَمِيعِ مَرَافِقِهَا دَخَلَتْ طَرِيقُ هَذِهِ الْغُرَفِ فِي الْبَيْعِ ( بَزَّازِيَّةٌ . خُلَاصَةٌ هِنْدِيَّةٌ ) أَمَّا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ بُسْتَانَه الَّذِي فِي حَقْلِهِ مَعَ طَرِيقِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبُسْتَانِ طَرِيقٌ مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا كَانَتْ جَوَانِبُ ذَلِكَ الْحَقْلِ غَيْرَ مُتَفَاوِتَةٍ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ أَيِّ جَوَانِبِهِ شَاءَ طَرِيقًا إلَى بُسْتَانِهِ وَإِذَا كَانَتْ جَوَانِبُ الْحَقْلِ مُتَفَاوِتَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . سَادِسًا : فِي بَيْعِ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ الْبُسْتَانُ الَّذِي يَكُونُ خَارِجَ الدَّارِ إلَّا إذَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا فَيَدْخُلُ تَبَعًا وَلَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَكْبَرَ فَلَا إلَّا بِالشَّرْطِ ( زَيْلَعِيٌّ , عَيْنِيٌّ , رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَيُفْهَمُ مِنْ قَيْدِ ( إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَيْعِ ) إلَخْ . أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَدْخُلُ إذَا ذُكِرَتْ وَشُرِطَ دُخُولُهَا فِيهِ فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت هَذِهِ الْأَرْضَ مَعَ مَا عَلَيْهَا مِنْ الثَّمَرِ أَوْ بِعْت هَذِهِ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ أَوْ بِعْت هَذِهِ الشَّجَرَةَ مَعَ مَا عَلَيْهَا مِنْ الثَّمَرِ أَوْ بِعْت هَذِهِ الشَّجَرَةَ مَعَ ثَمَرِهَا أَوْ بِعْت هَذَا الْحِصَانَ مَعَ سَرْجِهِ دَخَلَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالسَّرْجُ فِي الْمَبِيعِ فَإِذَا قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ : بِعْت هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْك عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهَا مِنْ الزَّرْعِ لَك , أَوْ بِعْت هَذِهِ الشَّجَرَ مِنْك عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الثَّمَرِ لَك فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ . وَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ هِيَ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ بَيْعُ اللِّجَامِ فِي بَيْعِ حِصَانِ الرُّكُوبِ وَرَسَنِ حِصَانِ الْحَمْلِ فِي الْبَلَدِ الَّتِي فِي عَادَاتِهَا وَعُرْفِهَا أَنْ يَدْخُلَ ذَلِكَ تَبَعًا ; لِأَنَّ الْحِصَانَ لَا يَنْقَادُ بِلَا رَسَنٍ ( زَيْلَعِيٌّ . هِنْدِيَّةٌ ) وَفِي بَيْعِ الْحِصَانِ لَا يَدْخُلُ السَّرْجُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ ; لِأَنَّ الْحِصَانَ يَنْقَادُ بِلَا سَرْجٍ بِخِلَافِ الْحِمَارِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَادُ بِغَيْرِ رَسَنٍ ( اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 63 و 37 و 42 و 45 ) ( الْمَادَّةُ 234 ) : مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ , مَثَلًا : لَوْ سُرِقَ خِطَامُ الْبَعِيرِ الْمُبْتَاعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَلْزَمُ فِي مُقَابَلَتِهِ تَنْزِيلُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . ( تَبَعًا ) يَعْنِي الَّذِي لَا يَدْخُلُ قَصْدًا أَوْ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَإِذَا تَلِفَ أَوْ ضَاعَ
____________________
(1/182)
قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذًا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِهَلَاكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ ضَيَاعِهِ ; لِأَنَّهُ كَالْوَصْفِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 48 ) إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَبِيعَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأُمُورِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا أَوْصَافٌ , وَيُقَالُ لِلنُّقْصَانِ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْمَبِيعِ بِسَبَبِ هَلَاكِ تِلْكَ الْأُمُورُ نُقْصَانُ وَصْفٍ فَفِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهَا تَبَعًا فَهِيَ وَصْفٌ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 226 ) وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ يَدْخُلُ الرَّأْسُ وَالْأَرْجُلُ وَفِي بَيْعِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ تَدْخُلُ الْجَوْدَةُ تَبَعًا فَذَلِكَ كُلُّهُ وَصْفٌ ( بَزَّازِيَّةٌ ) فَعَلَى هَذَا إذَا بِيعَتْ دَابَّةٌ فَقُطِعَتْ أُذُنُهَا أَوْ ذَنَبُهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَمَّا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَعَلَى هَذَا إذَا ضُبِطَ الشَّيْءُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ يُنْظَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَصْفُ كَحَقِّ الْمَسِيلِ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا فَبِمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَرْجِعَ الْبَائِعُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَأَنْ يَتْرُكَهُ مَعَ إذَا كَانَ كَالشَّجَرِ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا فَبِمَا أَنَّ لَهُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ . أَوَّلًا : إذَا بِيعَ حِصَانٌ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَسُرِقَ رَسَنُ هَذَا الْحِصَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَلْزَمُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَلْفِ حَسَبَ شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 293 ) وَهُوَ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَأَنْ يَقْبَلَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى بِتَمَامِهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَيْبٌ فِيمَا يَدْخُلُ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِشَيْءٍ طَحْطَاوِيٌّ . ثَانِيًا : إذَا كَانَ لِإِنْسَانٍ أَرْضٌ وَلِلْآخَرِ أَشْجَارٌ فِيهَا فَبَاعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْآخَرِ جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ قُسِمَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَصَابَتْ تِلْكَ الْأَشْجَارَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ وَتَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ تَرْكُ الْمَبِيعِ وَلَهُ أَخْذُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَكُلُّ الثَّمَنِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ; لِأَنَّ الْأَشْجَارَ وَصْفٌ وَالثَّمَنَ مُقَابِلٌ لِلْأَصْلِ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لِلْوَصْفِ أَمَّا إذَا فَصَّلَ ثَمَنَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ أَثْنَاءَ الْبَيْعِ فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ فِي الْبَيْعِ حِصَّةً لِلشَّجَرِ مِنْ الثَّمَنِ فَبِهَلَاكِ الشَّجَرِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا هَلَكَ نِصْفُ الشَّجَرِ فَرُبْعُ الثَّمَنِ يَعُودُ عَلَى صَاحِبِ الشَّجَرِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ . قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ ( الَّذِي لَا يَدْخُلُ قَصْدًا ) فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا أُدْخِلَ قَصْدًا فِي الْبَيْعِ أَيْ ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ وَصُرِّحَ بِدُخُولِهِ فِيهِ وَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ; لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْصُودٌ طَحْطَاوِيٌّ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 293 ) إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا أُدْخِلَ حِينَ الْبَيْعِ قَصْدًا غَيْرَ مَوْجُودٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَ الْمَالَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 310 ) أَمَّا فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ إذَا شَرَطَ أَثْنَاءَ الْبَيْعِ وُجُودَهُ وَدُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ فَوُجِدَ أَصْلُ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْمَالُ فَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ ذَلِكَ الْمَالَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ( الْمَادَّةُ 235 ) : الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَشْمَلُهَا الْأَلْفَاظُ الْعُمُومِيَّةُ الَّتِي تُزَادُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ وَقْتَ الْبَيْعِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ . مَثَلًا : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ حَقُّ الْمُرُورِ وَحَقُّ الشُّرْبِ وَحَقُّ الْمَسِيلِ . بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ الْمَوْجُودُ وَالْأَلْفَاظُ الْعَامَّةُ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ : ( 1 ) بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ . ( 2 ) بِجَمِيعِ مَرَافِقِهِ . ( 3 ) بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فِيهِ . ( 4 ) بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْهُ .
____________________
(1/183)
وَيَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَادَّةِ 332 أَنَّهُ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ أَوْ الزُّقَاقُ غَيْرُ النَّافِذِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْبَيْعِ إحْدَى الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْمَادَّتَيْنِ تَنَافٍ وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ 232 هِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي تَكُونُ مِنْ التَّوَابِعِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَبِيعِ وَاَلَّذِي لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ اللَّفْظِ الْعَامِّ هُوَ حَقُّ الْمُرُورِ فَالدَّاخِلُ وَغَيْرُ الدَّاخِلِ مُخْتَلِفَانِ وَلَا تَنَافٍ بَيْنَ الْمَادَّتَيْنِ . و ( الْحُقُوقُ ) جَمْعُ حَقٍّ وَيَكُونُ تَارَةً بِمَعْنَى ضِدِّ الْبَاطِلِ وَتَارَةً بِمَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا مِنْ الْحَقِّ الشَّيْءُ التَّابِعُ لِلْمَبِيعِ اللَّازِمُ لَهُ وَالْمَقْصُودُ بِسَبَبِهِ فَقَطْ كَالدَّلْوِ وَالْحَبْلِ فِي بَيْعِ الْبِئْرِ وَكَحَقِّ الشُّرْبِ وَحَقِّ الْمَسِيلِ وَحَقِّ الطَّرِيقِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَوْ بَيْعِ الدَّارِ . الْمَرَافِقُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَعْنَى مَنَافِعِ الدَّارِ إلَّا أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَتَتْ هُنَا بِمَعْنَى الْحُقُوقِ فَهِيَ مُرَادِفَةٌ لِلَفْظَةِ الْحُقُوقِ وَذِكْرُ إحْدَاهُمَا يُغْنِي عَنْ الْأُخْرَى إلَّا أَنَّ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ تَفْتَرِقَانِ أَحْيَانًا عَنْ اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَفِي بَيْعِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِاللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَدْخُلَانِ فِي اللَّفْظَيْنِ الْآخَرَيْنِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت هَذِهِ الْأَرْضَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فِيهَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي الْبَيْعِ إلَّا الزَّرْعَ الْمَحْصُودَ وَالثَّمَرَ الْمَقْطُوفَ اللَّذَيْنِ يَكُونَانِ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ مَا لَمْ يُصَرَّحْ بِدُخُولِهِمَا فِي الْبَيْعِ , وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : بِعْت هَذِهِ الْأَرْضَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا وَمِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ فِي الْأَرْضِ فِي هَذَا الْبَيْعِ وَقَدْ قُيِّدَتْ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي الشَّرْحِ بِكَوْنِهَا مَوْجُودَةً حِينَ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلشَّخْصِ طَرِيقٌ خَاصٌّ مُؤَدِّيَةٌ إلَى دَارِهِ فَسَدَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ وَفَتَحَ طَرِيقًا آخَرَ لِلدَّارِ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا دَخَلَتْ الطَّرِيقُ الْمَوْجُودَةُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهِيَ الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ وَلَمْ تَدْخُلْ الطَّرِيقُ الْأُولَى , وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ دَارًا وَكَانَتْ طَرِيقُ تِلْكَ الدَّارِ الطَّرِيقَ الْعَامَّ وَالشَّارِعَ النَّافِذَ فَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الطَّرِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَيْعِ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الطَّرِيقِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَلَا تُبَاعُ تِلْكَ الطَّرِيقُ وَلَا تُشْرَى إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ كَكُلِّ النَّاسِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 926 ) . ( الْمَادَّةُ 236 ) الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ كَالثَّمَرَةِ وَأَشْبَاهِهَا هِيَ لِلْمُشْتَرِي مَثَلًا إذَا بِيعَ بُسْتَانٌ ثُمَّ قَبْلَ الْقَبْضِ حَصَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ كَالثَّمَرِ وَالْخَضْرَاوَاتِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى ثَمَرَةُ الْمَبِيعِ الَّذِي يُبَاعُ بَيْعًا بَاتًّا لَازِمًا وَزِيَادَتُهُ هُمَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى الْمَبِيعِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الثَّمَرَةَ نَمَاءُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 85 ) أَمَّا كَوْنُ الثَّمَرِ لِلْمُشْتَرِي فَظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ الْخُضْرَةَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ زَرَعَهَا حَسَبَ شَرْحِ الْمَادَّةِ 233 فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ النَّبَاتِ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ حَسَبَ الْمَادَّةِ 1 24 1 فَهِيَ مُبَاحٌ وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ فَيَنْبَغِي اخْتِيَارُ الشِّقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ الْخُضْرَةَ فِي الْأَرْضِ وَنَبَتَتْ بَاعَ تِلْكَ الْأَرْضَ بِالْخُضْرَةِ الَّتِي نَبَتَتْ ثُمَّ نَمَتْ تِلْكَ الْخُضْرَةُ وَكَثُرَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَذَلِكَ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ فِي الْخُضْرَةِ يُعَدَّانِ مِنْ الْمَبِيعِ فَالْمَسْأَلَةُ حَسَبَ هَذَا الْمِثَالِ تِحْتَاحُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَمَّا الْمَالُ الَّذِي يُبَاعُ بِالْخِيَارِ فَالثَّمَرَةُ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى حُكْمُهَا مَوْقُوفًا فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ وَأَصْبَحَ لَازِمًا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَسُقُوطِهِ تُصْبِحُ الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ عَادَتْ لِلْبَائِعِ ( هِنْدِيَّةٌ )
____________________
(1/184)
الْبَابُ الثَّالِثُ : فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالثَّمَنِ وَفِيهِ فَصْلَانِ : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَوْصَافِ الثَّمَنِ وَأَحْوَالِهِ ( الْمَادَّةُ 237 ) تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ لَازِمَةٌ فَلَوْ بَاعَ بِدُونِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا . يَجِبُ حِينَ الْبَيْعِ ذِكْرُ الثَّمَنِ وَتَسْمِيَتُهُ فَإِذَا كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ فَإِذَا سَكَتَ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ كَانَ مَقْصِدُهُ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ بِعْتُ مَالِي بِقِيمَتِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ مُجْمَلَةً يَجْعَلُ الثَّمَنَ مَجْهُولًا فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا . وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ ( إذَا لَمْ يُذْكَرْ ثَمَنُ الْمَبِيعِ ) أَنَّهُ إذَا بِيعَ الْمَالُ وَنُفِيَ الثَّمَنُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ حَتَّى إنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ لَا يُفِيدُ الْمُشْتَرِيَ الْمِلْكِيَّةَ ; لِأَنَّ نَفْيَ الثَّمَنِ نَفْيٌ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَالُ فَلَا تَكُونُ مِثْلُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ بَيْعًا ( الدُّرَرُ ) وَلَا قِيَاسُ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ عَنْ الثَّمَنِ ; لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلدَّلَالَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ وَعَدَمِ ذِكْرِ الثَّمَنِ حَقِيقَةً كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ مَجَّانًا أَوْ بِلَا بَدَلٍ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قَبِلْت فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَعَدَمُ ذِكْرِ الثَّمَنِ حُكْمًا كَأَنْ يَقُولَ إنْسَانٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِأَلْفِ الْقِرْشِ الَّتِي لَك فِي ذِمَّتِي فَيَقْبَلُ الْمُشْتَرِي مَعَ كَوْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَعْلَمَانِ أَنْ لَا دَيْنَ فَالْبَيْعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ اتِّخَاذَ مَا لَا يُقْصَدُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا - ثَمَنًا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرِ الثَّمَنِ ( بَزَّازِيَّةٌ , هِنْدِيَّةٌ , رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَالْخُلَاصَةُ أَنَّ فِي الثَّمَنِ ثَلَاثَةَ احْتِمَالَاتٍ : الْأَوَّلُ السُّكُوتُ عَنْهُ . الثَّانِي : نَفْيُهُ حَقِيقَةً . الثَّالِثُ : نَفْيُهُ حُكْمًا . فَفِي الْأَوَّلِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ . ( الْمَادَّةُ 238 ) يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ ( 1 ) الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ ( 2 ) الْعِلْمُ بِوَصْفِهِ صَرَاحَةً أَوْ عُرْفًا , وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ يَحْتَاجُ حَمْلُهُ إلَى نَفَقَةٍ وَجَبَ الْعِلْمُ بِمَكَانِ التَّسْلِيمِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالثَّمَنِ مُؤَدٍّ إلَى النِّزَاعِ فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَيُفْهَمُ مِنْ لَفْظَتَيْ ( قَدْرًا , وَصْفًا ) .
____________________
(1/185)
إنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَصْفًا كَأَنْ يُقَالَ : دِينَارٌ سُورِيٌّ أَوْ مِصْرِيٌّ أَوْ إنْكِلِيزِيٌّ ( ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ ) وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ : 1 - إذَا قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِرَأْسِ مَالِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ بِالْقِيمَةِ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْمُخَمِّنُونَ أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي شَرَى بِهِ فُلَانٌ فَإِذَا لَمْ تُقَدَّرْ الْقِيمَةُ وَيُعَيَّنُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِي الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَالًا تَتَفَاوَت قِيمَتُهُ كَالْخُبْزِ . أَمَّا إذَا عُيِّنَ الثَّمَنُ أَوْ قُدِّرَ وَلَوْ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ) إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْمَبِيعَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قَدْ ظَهَرَ وَانْكَشَفَ فِي الْحَالِ ( كَفَوِيٌّ ) وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارُ تَكَشُّفِ الْحَالِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 218 ) ( الْهِنْدِيَّةُ ) . 2 - إذَا كَانَ إنْسَانٌ مَدِينًا لِآخَر بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَالَ لَهُ خُذْ مِنِّي كَذَا كَيْلَةَ حِنْطَةٍ وَالثَّمَنُ مَحْسُوبٌ مِنْ الدَّيْنِ بِالْقِيمَةِ الرَّائِجَةِ وَقَدْ قَبَضَ الدَّائِنُ تِلْكَ الْحِنْطَةَ وَالسِّعْرُ الرَّائِجُ يَوْمَ قَبَضَهَا مَعْلُومٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتَكُونُ الْحِنْطَةُ قَدْ بِيعَتْ بِالسِّعْرِ الرَّائِجِ يَوْمَ قَبَضَهَا . أَمَّا إذَا كَانَ السِّعْرُ الرَّائِجُ لِلْحِنْطَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا مَجْهُولًا فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ سَوَاءٌ أَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَعْلَمُونَ السِّعْرَ الرَّائِجَ أَمْ لَا يَعْلَمُونَ . 3 - الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ : بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمَا هُوَ مَرْقُومٌ فِي هَذَا الدَّفْتَرِ مِنْ الثَّمَنِ لِلثَّوْبِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ الثَّمَنَ الْمَرْقُومَ فِي ذَلِكَ الدَّفْتَرِ وَقَبِلَ بِهِ فَالْبَيْعُ يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ لَيْسَتْ بِحَيْثُ تَبْعَثُ عَلَى النِّزَاعِ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَقُولَ مَدِينٌ لِشَخْصٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِهَذَا الشَّخْصِ : بِعْتُك مَالِي هَذَا بِبَاقِي عَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ وَيَقْبَلُ رَبُّ الدَّيْنِ هَذَا الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ ; لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هَهُنَا لَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ أَبُو السُّعُودِ ; لِأَنَّ ثَمَنَهَا يَكُونُ عَشَرَةً عَشَرَةً بِضَمِّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ . كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا بِالْوَصْفِ : - إذَا اُعْتُبِرَتْ الْحِنْطَةُ ثَمَنَ مَبِيعٍ وَجَبَ وَصْفُ الْحِنْطَةِ أَنَّهَا مِنْ الْجِنْسِ الْأَعْلَى أَوْ الْأَدْنَى أَوْ الْأَوْسَطِ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ . إنَّ الْمَادَّةَ ( 0 4 2 ) فَرْعٌ لِلُزُومِ كَوْنِ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَصْفًا . بَيَانُ مَكَانِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ : - إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَكَانَ مُحْوِجًا حَمْلُهُ إلَى نَفَقَةٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحِلِّ الَّذِي سَيُسَلَّمُ فِيهِ فَإِذَا بِيعَ مَالٌ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ وَلَمْ يُعَيَّنْ مَكَانُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا عُيِّنَ مَكَانُ التَّسْلِيمِ وَجَبَ أَنْ يُسَلَّمَ الثَّمَنُ حَيْثُ عُيِّنَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِلْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ التَّسْلِيمِ فَالْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ حَيْثُمَا شَاءَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّسْلِيمِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الشَّرْطُ بَلْ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ حَيْثُمَا أَرَادَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْلِيمُهُ مُؤْنَةً وَكُلْفَةً وَقَدْ قُيِّدَ الثَّمَنُ بِالْمُؤَجَّلِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُعَجَّلَ الَّذِي لَا يَتَطَلَّبُ تَسْلِيمُهُ نَفَقَةً إذَا اُشْتُرِطَ تَسْلِيمُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( بَزَّازِيَّةٌ . أَنْقِرْوِيٌّ ) ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْبَائِعِ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَالْبَيْعُ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ يَفْسُدُ . ( الْمَادَّةُ 239 ) إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَاضِرًا فَالْعِلْمُ بِهِ يَحْصُلُ بِمُشَاهَدَتِهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ
____________________
(1/186)
وَإِذَا كَانَ غَائِبًا يَحْصُلُ بِبَيَانِ مِقْدَارِهِ وَوَصْفِهِ . الثَّمَنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْإِشَارَةِ كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ أَوْ بِبَيَانِ مِقْدَارِهِ كَأَنْ يَذْكُرَ أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا دِينَارًا وَبَيَانِ وَصْفِهِ كَأَنْ يُذْكَرَ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً أَنَّ الدِّينَارَ فَرَنْسَاوِيٌّ أَوْ إنْكِلِيزِيٌّ أَوْ عُثْمَانِيٌّ يَعْنِي أَنَّ الثَّمَنَ يَعْمَلُ بِالْإِشَارَةِ أَيْ إذَا أُشِيرَ إلَى الثَّمَنِ لَا يَلْزَمُ بَيَانُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ وَسَائِلِ التَّعْرِيفِ فَجَهَالَةُ قَدْرِ الثَّمَنِ وَوَصْفِهِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ لَا تَكُونُ بَاعِثَةً عَلَى النِّزَاعِ وَلَا مَانِعَةً فِي جَوَازِ الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالُ رِبَوِيًّا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ جُزَافًا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا أَوْ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ زَيْلَعِيٌّ أَيْ ; لِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ يَنْفَسِخُ فَيَلْزَمُ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّدُّ . خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي مَحْفَظَةٍ بِحَيْثُ لَا يُرَى مِنْ الْخَارِجِ فَأَشَارَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَاشْتَرَى الْمَالَ بِالنُّقُودِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْمَحْفَظَةِ فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ عِنْدَ فَتْحِ الْمَحْفَظَةِ وَلَوْ كَانَ مَا فِي الْمَحْفَظَةِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَهُ قَبُولُ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا فِي دَاخِلِ الْمَحْفَظَةِ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ; لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَكُونُ فِي النُّقُودِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 355 ) . وَكَذَلِكَ إذَا أَشَارَ الْمُشْتَرِي إلَى النُّقُودِ الْمَسْتُورَةِ وَظَهَرَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَنَّهَا مُزَيَّفَةٌ أَوْ مِنْ نَقْدٍ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَمِنْ النَّقْدِ الْجَيِّدِ فَإِذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَادَّعَى بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّهَا نُقُودٌ مُزَيَّفَةٌ وَأَرَادَ رَدَّهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي : إنَّ هَذِهِ النُّقُودَ غَيْرُ الَّتِي دَفَعْتهَا إلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ; لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَكَأَنَّهُ مُنْكِرٌ قَبْضَ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ يَدَّعِي فَسْخَ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ هَذَا الْعَيْنِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَمِثَالُ الْبَيْعِ الَّذِي يُشَارُ فِيهِ إلَى الثَّمَنِ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي فِي يَدِي وَقَبِلَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَأَى الدَّنَانِيرَ الَّتِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِقَدْرِ الدَّنَانِيرِ وَوَصْفِهَا . مِثَالٌ لِلْبَيَانِ صَرَاحَةً - وَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : بِعْتُك حِصَانِي هَذَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ ذِي الْمِائَةِ فَبِذِكْرِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ يُعْلَمُ الثَّمَنُ وَيَجِبُ أَدَاءُ الذَّهَبِ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي ذُكِرَ فَإِذَا كَانَ رَائِجُ الذَّهَبِ الْعُثْمَانِيِّ فِي الْآسَتَانَةِ بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةِ قِرْشٍ وَالْبَائِعَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ عَلَى مِائَةِ لِيرَةٍ عُثْمَانِيَّةٍ ثُمَّ اجْتَمَعَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَدِينَةِ جُدَّةَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَكَانَ هُنَاكَ ذَهَبٌ عُثْمَانِيٌّ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَائِعَ الْمِائَةَ الذَّهَبَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ أَنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ بِدَاعِي أَنَّ رَائِجَ الذَّهَبِ فِي جُدَّةَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ قِرْشًا . الْبَيَانُ دَلَالَةً - كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ فِي كَمِّيَّةِ الثَّمَنِ ثُمَّ أَنْشَآ عَقْدَ الْبَيْعِ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إلَى الْكَلَامِ الْأَخِيرِ وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ الثَّمَنُ أَمَّا الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَنْ الْبَيَانِ دَلَالَةً فَهِيَ : أَوَّلًا : إذَا أَرَادَ شَخْصٌ اشْتِرَاءَ مَالٍ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ فَتَسَاوَمَا فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْته بِخَمْسَةَ عَشَرَ قِرْشًا , وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْته بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ وَكَانَ الْمَالُ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ وَذَهَبَ وَسَكَتَ الْبَائِعُ فَثَمَنُ الْمَبِيعِ يَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ قِرْشًا ( اُنْظُرْ الْفِقْرَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَادَّةِ - 67 ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَخَذَهُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ فَالثَّمَنُ عَشْرَةُ قُرُوشٍ . ثَانِيًا : إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْته بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ فَقَالَ الْبَائِعُ : لَا أَبِيعُهُ إلَّا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ ثُمَّ طَلَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ
____________________
(1/187)
وَالْبَائِعُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِدُونِ أَنْ يَتَكَلَّمَ شَيْئًا فَثَمَنُ الْمَبِيعِ يَكُونُ عَشَرَةَ قُرُوشٍ . ثَالِثًا : إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : إنَّ ثَمَنَ هَذَا الْمَتَاعِ عِشْرُونَ قِرْشًا فَقَالَ الْآخَرُ : لَا أُرِيدُهُ وَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَأَخَذَ الْمَتَاعَ بِغَيْرِ مُسَاوَمَةٍ لِلْبَائِعِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عِشْرِينَ قِرْشًا . رَابِعًا : إذَا سَاوَمَ الْمُشْتَرِي آخَرَ مَتَاعًا ثُمَّ تَفَارَقَا ثُمَّ عَادَ بِإِنَاءٍ لِيَضَعَ فِيهِ الْمَتَاعَ وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ نُقُودًا فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى مَا تَسَاوَمَا عَلَيْهِ . ( الْمَادَّةُ 240 ) الْبَلَدُ الَّذِي يَتَعَدَّدُ فِيهِ نَوْعُ الدِّينَارِ الْمُتَدَاوَلِ إذَا بِيعَ فِيهِ شَيْءٌ بِكَذَا دِينَارًا وَلَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ نَوْعُ الدِّينَارِ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَالدَّرَاهِمُ كَالدَّنَانِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ . هَذَا فِي الذَّهَبِ الَّذِي يَكُونُ مُتَسَاوِيًا فِي الرَّوَاجِ مُخْتَلِفًا فِي الْمَالِيَّةِ فَإِذَا لَمْ يُبَيَّنْ حِينَ الْعَقْدِ وَصْفُ الذَّهَبِ كَأَنْ يُقَالَ ( جُنَيْهٌ عُثْمَانِيٌّ أَوْ فَرَنْسَاوِيٌّ أَوْ إنْكِلِيزِيٌّ ) مَثَلًا أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ وَصْفَ الثَّمَنِ يَبْقَى مَجْهُولًا فَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الْأَرْفَعَ وَالْمُشْتَرِي يَعْرِضُ الْأَدْوَنَ فَيَقَعُ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَبِمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى النِّزَاعِ مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ فَالْبَيْعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسِدٌ . وَهَا هُنَا أَرْبَعُ صُوَرٍ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَفِي الْبَاقِي يَصِحُّ فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَجَلَّةُ مُطْلَقَةٌ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَيَّدَةٌ وَهَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ : ( 1 ) أَنْ تَكُونَ الدَّنَانِيرُ مُتَسَاوِيَةَ الرَّوَاجِ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ ( 2 ) أَنْ تَكُونَ مُخْتَلِفَةَ الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ ( 3 ) أَنْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ مُخْتَلِفَةَ الرَّوَاجِ ( 4 ) أَنْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ . 2 فَالصُّورَةُ الْأُولَى كَأَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعَ عَلَى جُنَيْهٍ فِي بَلَدٍ يُتَدَاوَلُ فِيهَا الْجُنَيْهَاتُ الْعُثْمَانِيَّةُ وَالْإِنْكِلِيزِيَّة والفَرَنْساوِيَّةُ مُتَسَاوِيَةَ الرَّوَاجِ فَإِذَا عُقِدَ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْبَلَدِ عَلَى جُنَيْهٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِنَوْعِهِ هَلْ هُوَ عُثْمَانِيٌّ أَوْ إنْكِلِيزِيٌّ أَوْ فَرَنْسَاوِيٌّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ; 2 لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْجُنَيْهَاتِ مُتَسَاوِيَةُ الرَّوَاجِ فِي هَذِهِ الْبَلَدِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْجُنَيْهُ عَادَةً إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْجُنَيْهَاتِ كَمَا أَنَّ مَالِيَّتَهَا مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْجُنَيْهَ الْعُثْمَانِيَّ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَنْ الْجُنَيْهِ الْفَرَنْسَاوِيِّ وَالْجُنَيْهَ الْإِنْكِلِيزِيَّ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَنْ الْجُنَيْهِ الْعُثْمَانِيِّ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْجُنَيْهَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَوَقَعَ التَّرَاضِي فَالْبَيْعُ يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ ; لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَكَانَ هَذَا الْبَيَانُ كَالْبَيَانِ الْمُقَارَنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 4 2 ) . وَالصُّورَتَانِ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ اللَّتَانِ يَكُونُ فِيهِمَا الذَّهَبُ مُخْتَلِفُ الرَّوَاجِ كَأَنْ يَكُونَ الْجُنَيْهُ الْعُثْمَانِيُّ فِي بَلَدٍ أَرْوَجَ مِنْ الْجُنَيْهِ الْإِنْكِلِيزِيِّ والْفَرَنْسَاوِيِّ فَالْبَيْعُ فِيهِمَا صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجُنَيْهَاتُ الْمُتَدَاوَلَةُ مُتَسَاوِيَةً أَمْ غَيْرَ مُتَسَاوِيَةٍ وَيَنْصَرِفُ الْجُنَيْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى الْأَكْثَرِ رَوَاجًا وَتَدَاوُلًا فِي تِلْكَ الْبَلَدِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 54 ) . وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعًا بِكَذَا جُنَيْهَاتٍ فِي الْآسَتَانَةِ فِيمَا أَنَّ الذَّهَبَ الْعُثْمَانِيَّ هُنَالِكَ أَرْوَجُ مِنْ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ الْجُنَيْهُ إلَى الْجُنَيْهِ الْعُثْمَانِيِّ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَدِينَةِ بَيْرُوتَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ جُنَيْهَاتٍ فَرَنْسَاوِيَّةً بِدَاعِي أَنَّهَا أَرْوَجُ مِنْ غَيْرِهَا فِي بَيْرُوتَ ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَرْوَجِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ نَوْعِ الذَّهَبِ الَّذِي يَكُونُ أَكْثَرَ رَوَاجًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ . الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ : وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الدَّنَانِيرُ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ , الْبَيْعُ فِيهَا صَحِيحٌ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ الدَّنَانِيرِ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلَيْسَ فِي الْوَقْت
____________________
(1/188)
ِ الْحَاضِرِ نَقْدٌ مِنْ الذَّهَبِ مُتَسَاوِي الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الدُّوَلَ إذَا اتَّفَقَتْ جَمِيعُهَا عَلَى تَوْحِيدِ دَنَانِيرِهَا ظَهَرَتْ فَائِدَةُ هَذِهِ الصُّورَةِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . بَحْرٌ . زَيْلَعِيٌّ ) . وَالْفِضَّةُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْ إذَا كَانَ فِي بَلْدَةٍ نُقُودٌ فِضِّيَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَالِيَّةِ مُتَسَاوِيَةُ الرَّوَاجِ وَلَمْ يُبَيَّنْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ نَوْعُهَا كَأَنْ يُقَالَ ( كَذَا رِيَالًا ) أَوْ مَجِيدِيًّا أَوْ مِصْرِيًّا أَوْ فَرَنْكًا أَوْ شِلِنًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلْوَصْفِ فَإِذَا عَقَدَ الطَّرَفَانِ بِالتَّرَاضِي نَوْعَ تِلْكَ الْفِضَّةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَالْبَيْعُ لَا يَكُونُ فَاسِدًا وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا أَمَّا إذَا كَانَتْ النُّقُودُ الْفِضِّيَّةُ مُخْتَلِفَةَ الرَّوَاجِ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ أَوْ مُخْتَلِفَتَهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَنْصَرِفُ الثَّمَنُ إلَى أَرْوَجِ أَنْوَاعِ الْفِضَّةِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أَنْوَاعُ النُّقُودِ الْفِضِّيَّةِ مُتَسَاوِيَةً رَوَاجًا وَمَالِيَّةً فَالْبَيْعُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَالْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ ( الْمَادَّةُ 241 ) إذَا جَرَى الْبَيْعُ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْقُرُوشِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ غَيْرِ الْمَمْنُوعِ تَدَاوُلِهَا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ نَوْعًا مَخْصُوصًا مِنْهَا . لِأَنَّ طَلَبَ الْبَائِعِ ذَلِكَ النَّوْعَ الَّذِي لَا يَزِيدُ قِيمَةً عَنْ غَيْرِهِ وَامْتِنَاعَهُ عَنْ قَبُولِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ تَعَنُّتٌ فَإِذَا سُمِّيَ الثَّمَنُ قُرُوشًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَلَا يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ وَصْفَ الثَّمَنِ ; لِأَنَّ صُورَةَ الْفَسَادِ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُتَسَاوِيًا رَوَاجًا مُخْتَلِفًا مَالِيَّةً فَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ بِالْقُرُوشِ لَا يَجْعَلُ اخْتِلَافًا فِي مَالِيَّةِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الْقِرْشُ فِي الْأَصْلِ اسْمًا لِقِطْعَةٍ فِضِّيَّةٍ مَعْلُومَةٍ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ جَرَى عَلَى جَوَازِ أَدَاءِ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ سُمِّيَ قُرُوشًا أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُتَدَاوَلِ وَلَا يُحَتَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ مِنْ الْقُرُوشِ الْفِضِّيَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مَثَلًا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ فِي الْآسَتَانَةِ مَالًا بِمِائَتَيْ قِرْشٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ دِينَارًا عُثْمَانِيًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةُ قُرُوشٍ وَأَنْ يَدْفَعَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا بِعِشْرِينَ قِرْشًا وَأَنْ يَدْفَعَ بشلكا مِنْ النُّقُودِ الْمَغْشُوشَةِ بِقِرْشَيْنِ وَنِصْفٍ أَوْ مِنْ النُّقُودِ الْفِضِّيَّةِ ذَاتِ الْقَرْضِ أَوْ أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَتَيْ الْقِرْشَ مَخْلُوطَةً مِنْ النُّقُودِ السَّالِفَةِ الذِّكْرِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ النُّقُودِ الْفِضِّيَّةِ مِنْ سِكَّةِ الْقِرْشِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِرْشَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْقِرْشُ إلَّا أَنَّ النُّقُودَ الْأُخْرَى تُقَوَّمُ بِالْقِرْشِ إذْ أَنَّ هَذِهِ النُّقُودَ بَعْضُهَا ذُو عَشَرَةِ قُرُوشٍ وَبَعْضُهَا ذُو عِشْرِينَ قِرْشًا وَبَعْضُهَا ذُو مِائَةٍ وَثَمَانِيَةِ قُرُوشٍ وَبَعْضُهَا ذُو خَمْسَةِ قُرُوشٍ وَبَعْضُهَا يُقَوَّمُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ لَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِالْقِرْشِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَفْسُ الْقِطْعَةِ الْمُسَمَّاةِ وَإِذَا كَانَ الشِّرَاءُ بِالْقُرُوشِ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَعُمُّ الْكُلَّ ثُمَّ رَخُصَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ أَوْ كُلُّهَا وَاخْتَلَفَتْ فِي الرُّخْصِ بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا كَثِيرَ الرُّخْصِ وَبَعْضُهَا قَلِيلَهُ وَبَعْضُهَا مُتَوَسِّطَهُ فَالْحُكْمُ الْمُوَافِقُ فِيمَا إذَا وَقَعَ الرُّخْصُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الْمُتَوَسِّطِ رُخْصًا لَا الْأَكْثَرِ وَلَا الْأَقَلِّ ; لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ يَنْقَسِمُ بَيْنَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا وَالْمُسَاوَاةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُمِرَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الْأَكْثَرِ رُخْصًا فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَمْلِ الضَّرَرِ كَمَا أَنَّهُ إذَا أُمِرَ بِدَفْعِ الْأَقَلِّ رُخْصًا فَإِنَّ الْبَائِعَ يَخْتَصُّ بِحَمْلِ الضَّرَرِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 31 ) وَاذَا رَخُصَ
____________________
(1/189)
بَعْضُ الْعُمْلَةِ الرَّائِجَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَبَعْضُهَا بَقِيَ عَلَى قِيمَتِهِ فَالْمُشْتَرِي مُجْبَرٌ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ الْعُمْلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَى قِيمَتِهَا وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ الْعُمْلَةِ الَّتِي رَخُصَتْ حَسَبَ سِعْرِهَا سَابِقًا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ ) . ( الْمَادَّةُ 242 ) إذَا بُيِّنَ وَصْفٌ لِثَمَنٍ وَقْتَ الْبَيْعِ لَزِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَوْعِ النُّقُودِ الَّتِي وَصَفَهَا مَثَلًا لَوْ عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى ذَهَبٍ مَجِيدِي أَوْ إنْكِلِيزِيٍّ أَوْ فَرَنْسَاوِيٍّ أَوْ رِيَالٍ مَجِيدِي أَوْ عَمُودِيٍّ لَزِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي وَصَفَهُ وَبَيَّنَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ . وَلَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ مِنْ أَنْوَاعِ النَّقْدِ السَّائِرَةِ ; لِأَنَّ التَّعَيُّنَ عَلَى هَذَا مُفِيدٌ وَتَعَيُّنُ الثَّمَنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُنَافِي الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْمَادَّةُ الْآتِيَةُ وَهُوَ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عَدَمُ تَعْيِينِهِ اسْتِحْقَاقًا إذْ أَنَّ الثَّمَنَ يَتَعَيَّنُ جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَصْفًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَعَلَى هَذَا أَوَّلًا : إذَا بِيعَ مَالٌ بِمِائَةِ جُنَيْهٍ عُثْمَانِيٍّ فَالْمُشْتَرِي مُلْزَمٌ بِأَنْ يُؤَدِّيَ مِائَةَ جُنَيْهٍ عُثْمَانِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَكَانَ ذَلِكَ مِائَةَ جُنَيْهٍ فَرَنْسَاوِيٍّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ الْمُشْتَرِيَ بِدَفْعِ مِائَةِ لِيرَةٍ إنْكِلِيزِيَّةٍ . ثَانِيًا : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِنَقْدٍ فِضِّيٍّ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ صَكًّا بِنَقْدٍ ذَهَبِيٍّ فَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ دِيَانَةً أَنْ يَأْخُذَ ذَهَبًا بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الصَّكِّ أَمَّا إذَا وَصَلَ النِّزَاعُ إلَى الْمَحْكَمَةِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ ذَهَبًا وَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْخَتْمَ وَالْإِمْضَاءَ اللَّذَيْنِ فِي الصَّكِّ لَهُ وَلَكِنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ فِضَّةً فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ هَذَا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 589 1 ) فَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِدَفْعٍ ذَهَبًا اسْتِنَادًا عَلَى إقْرَارِهِ الْكِتَابِيِّ . ثَالِثًا : إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : قَدْ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْمَالَ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ نُقُودًا ذَهَبِيَّةً وَفِضِّيَّةً فَقَبِلَ الْبَائِعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ ذَهَبًا وَفِضَّةً مُنَاصَفَةً ; لِأَنَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَالْعَقْدُ مُضَافٌ إلَيْهِ مَا عَلَى السَّوَاءِ وَيَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا . رَابِعًا : إذَا بِيعَ بِنَوْعٍ مِنْ الثَّمَنِ وَقَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ رَخُصَ الثَّمَنُ أَوْ غَلَا فَلَيْسَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَلْ الْمُشْتَرِي مُلْزَمٌ بِأَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ وَالْبَائِعُ مُلْزَمٌ بِقَبُولِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ النَّقْدِ الْغَالِبِ الْغِشِّ أَمْ الْغَالِبِ الْفِضَّةِ أَمْ الذَّهَبِ . مِثَالُ ذَلِكَ : كَمَا إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعًا بِخَمْسِينَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا مِنْ الرَّائِجِ بِعِشْرِينَ قِرْشًا وَقَبْل أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ غَلَا سِعْرُ الْمَجِيدِي فَأَصْبَحَتْ رَائِجَةً بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ قِرْشًا أَوْ رَخُصَ إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ قِرْشًا فَالْمُشْتَرِي مُلْزَمٌ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ الْخَمْسِينَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا كَمَا أَنَّ الْبَائِعَ مُلْزَمٌ بِقَبُولِ ذَلِكَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى الْغَلَاءِ أَوْ الرُّخْصِ الْعَارِضِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْقَرْضِ فَإِذَا اقْتَرَضَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ عِشْرِينَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا حِينَمَا كَانَ الرِّيَالُ الْمَجِيدِيُّ رَائِجًا بِثَلَاثِينَ قِرْشًا ثُمَّ هَبَطَتْ قِيمَةُ الرِّيَالِ إلَى عِشْرِينَ فَإِذَا دَفَعَ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْمُقْرِضِ
____________________
(1/190)
مِثْلَ الرِّيَالَاتِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا مِنْهُ فَالْمُقْرِضُ مُلْزَمٌ بِقَبُولِهَا وَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ كُلِّ رِيَالٍ ثَلَاثِينَ قِرْشًا لَكِنْ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ بِنَقْدٍ غَالِبِ الْغِشِّ أَوْ زَيْفٍ حِينَمَا كَانَ ذَلِكَ النَّقْدُ رَائِجًا وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَن كَسَدَ ذَلِكَ النَّقْدُ أَوْ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَرَأْيُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ قِيمَةَ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْبَيْعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْمَغْصُوبِ , وَرَأْيُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُلْزَمٌ بِأَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَةَ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الثَّمَنِ إذَا انْقَطَعَ ; لِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ رَدِّ الْمِثْلِيِّ إلَى قِيمَتِهِ إنَّمَا صَارَ بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمُهُ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ : إنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ رِفْقًا بِالنَّاسِ , وَبَعْضُهُمْ قَالَ : يُفْتَى بِرَأْيِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ جَارٍ فِي الْقَرْضِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ مَشَايِخَ الْإِسْلَامِ أَفْتَوْا بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ عَلِيٌّ أَفَنْدِي وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَدَلِ الْإِجَارَةِ . خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ : - أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ النَّقْدِ غَيْرَ كَاسِدٍ بَلْ رَائِجًا فِي بِلَادٍ أُخْرَى وَغَيْرَ رَائِجٍ فِي الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْعَقْدُ فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بِعَيْبِ الثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ - عَيْنًا وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الثَّمَنِ إذَا كَسَدَ الثَّمَنُ أَوْ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ ضَمَانٌ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الدَّلَّالُ مَالًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ مِنْ آخَرَ فَكَسَدَ الثَّمَنُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَالْبَائِعُ مُلْزَمٌ بِأَخْذِ الثَّمَنِ عَيْنًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ غَيْرَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 464 أَوْ 235 ) . ( الدُّرَّ الْمُنْتَقَى . عَلِيٌّ أَفَنْدِي . هِنْدِيَّةٌ . تَنْقِيحُ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ الْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ ) . ( الْمَادَّةُ 243 ) لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ مَثَلًا لَوْ أَرَى الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ذَهَبًا مَجِيدِيًّا فِي يَدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِذَلِكَ الذَّهَبِ شَيْئًا لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ الذَّهَبِ بِعَيْنِهِ بَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعَ ذَهَبًا مَجِيدِيًّا مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ غَيْرِ الَّذِي أَرَاهُ . إيَّاهُ . وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ : لَا آخُذُ مِثْلَهُ بَلْ عَيْنَهُ وَإِذَا تَلِفَ لَمْ يَطْرَأْ خَلَلٌ عَلَى الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْفِضَّةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الثَّمَنِ النَّقْدُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَضْرُوبًا أَمْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ اللَّذَيْنِ دَاخَلَتْهُمَا الصَّنْعَةُ وَقَارَنَتْهُمَا الصِّيَاغَةُ بِحَيْثُ يَكُونُ مَا فِيهِمَا مِنْ الصَّنْعَةِ مَقْصُودًا كَالْقِلَادَةِ وَالْمِنْطَقَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَتَعَيَّنُ الثَّمَنُ مِنْهُمَا بِالتَّعَيُّنِ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ مَا عَدَا النَّقْدِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَيْضًا بِالتَّعْيِينِ ( حَاشِيَةُ الدُّرِّ ) . مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا أَشَارَ الْمُشْتَرِي إلَى كَأْسٍ مِنْ الْفِضَّةِ تَبْلُغُ زِنَتُهَا خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَقَالَ لِلْبَائِعِ : قَدْ اشْتَرَيْت مِنْك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِهَذِهِ الْكَأْسِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُبْقِيَ تِلْكَ الْكَأْسِ وَيَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ كَأْسًا مِثْلَهَا أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا وَزْنًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً أَشَارَ إلَيْهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعُ هَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً أَوْ غَيْرَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَعَيَّنُ اسْتِحْقَاقًا إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ . أَحْكَامُ النُّقُودِ هِيَ : أَوَّلًا : فِي الْبَيْعِ وَفِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ . ثَانِيًا : فِي فُسُوخِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ اسْتِحْقَاقًا ; لِأَنَّ النَّقْدَ ثَمَنٌ وَقَدْ خُلِقَ لِيَكُونَ وَسِيلَةً لَعَيْنِ الْمَقْصُودِ فَالْأَصْلُ فِيهِ وُجُوبُهُ فِي الذِّمَّةِ فَجَعَلَهُ مُتَعَيَّنًا
____________________
(1/191)
بِالتَّعَيُّنِ مُخَالِفًا لِذَلِكَ الْأَصْلِ . ثَالِثًا : لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ . رَابِعًا : لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي حِينَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ غَالِبَ الْغِشِّ . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ - ( عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ ) فَإِذًا إذَا كَانَتْ الْعُقُودُ لَيْسَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ فَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِيهَا بِالتَّعَيُّنِ : مِثَالُ ذَلِكَ الْأَمَانَةُ - إذَا أَوْدَعَ إنْسَانٌ آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ مَوْجُودَةً عَيْنًا وَجَبَ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يَرُدَّهَا عَيْنًا إلَى صَاحِبِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ تِلْكَ النُّقُودِ وَيَدْفَعَ إلَى الْمُودِعِ غَيْرَهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ . الْوَكَالَةُ - إذَا تَلِفَ النَّقْدُ الَّذِي فِي يَدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْوَكِيلُ فَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ عَنْ الْوَكَالَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : كَمَا إذَا قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ : اشْتَرِ لِي حِصَانًا وَدَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ لِتَكُونَ ثَمَنَ الْحِصَانِ فَإِذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَوْ اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الْمَالَ وَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ شِرَاءِ الْحِصَانِ ثُمَّ اشْتَرَى الْحِصَانَ فَالْحِصَانُ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكَّلِ الشَّرِكَةُ - فِي الشَّرِكَةِ بِالْمَالِ إذَا تَلِفَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَالْخَلْطِ فَالشَّرِكَةُ تُصْبِحُ بَاطِلَةً سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ جِنْسَيْنِ . الْغَصْبُ - إذَا غَصَبَ إنْسَانٌ آخَرَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الرِّيَالُ مَا زَالَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ عَيْنًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَغْصُوبِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 892 ) . قِيلَ ( عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ ) وَلَمْ يَقُلْ ( الْبَيْعُ ) ; لِأَنَّ بَدَلَ الْإِجَارَةِ مِنْ النُّقُودِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَيْضًا بِالتَّعَيُّنِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 484 ) وَقِيلَ ( النُّقُودُ الرَّائِجَةُ ) ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ النُّقُودُ مِنْ نَوْعٍ غَالِبِ الْغِشِّ وَاشْتَرَى بِهَا مَالًا بَعْدَ أَنْ كَسَدَتْ فَمِثْلُ هَذَا الثَّمَنِ فِي حُكْمِ الْمَتَاعِ فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ كَوْنَ النَّقْدِ الْغَالِبِ الْغِشِّ ثَمَنًا كَانَ بِالِاصْطِلَاحِ وَقَدْ زَالَ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) فَلِذَلِكَ إذَا اشْتَرَى مَالًا بِمِثْلِ هَذِهِ النُّقُودِ الْكَاسِدَةِ وَجَبَ تَعْيِينُ ثَمَنِهِ مِنْهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَتَاعِ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 293 ) . وَقَدْ قُيِّدَ عَدَمُ التَّعَيُّنِ بِجِهَةِ ( الِاسْتِحْقَاقِ ) ; لِأَنَّ الثَّمَنَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَصْفًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 249 و 242 ) وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَيْضًا فِي فُسُوخِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْد أَنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لِلْبَائِعِ أَلَّا يَرُدَّ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي قَبَضَهَا عَيْنًا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا إلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَانَ الْفَسْخُ نَاشِئًا عَنْ فَسَادِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَعَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الثَّمَنَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ وَذَلِكَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ آخَرُ مَالًا بِبَيْعٍ فَاسِدٍ بِخَمْسِينَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا مُعَيَّنَةً مُشَارًا إلَيْهَا ثُمَّ فَسَخَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ لِفَسَادِهِ فَإِذَا كَانَتْ الْخَمْسُونَ رِيَالًا الَّتِي قَبَضَهَا الْبَائِعُ ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ مَا تَزَالُ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا إلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فَيَرُدُّ مِثْلَهَا ضَرُورَةً وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ آخَرُ مَالًا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ مُشَارًا إلَيْهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمَبِيعَ لَيْسَ بِمَالٍ كَأَنْ يَكُونَ مَيْتَةً فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ مَوْجُودَةً بِعَيْنِهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا ; لِأَنَّ
____________________
(1/192)
الْقَبْضَ هُنَا فِي حُكْمِ الْغَصْبِ . ( الْمَادَّةُ 244 ) النُّقُودُ الَّتِي لَهَا أَجْزَاءٌ إذَا جَرَى الْعَقْدُ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ الثَّمَنَ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ النَّوْعِ لَكِنْ يَتْبَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ عُرْفَ الْبَلْدَةِ وَالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مَثَلًا لَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ عَلَى رِيَالٍ مَجِيدِيٍّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَجْزَائِهِ النِّصْفَ وَالرُّبْعَ لَكِنْ نَظَرًا لِلْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ فِي إسْلَامْبُولْ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ بَدَلَ الرِّيَالِ الْمَجِيدِيِّ مِنْ أَجْزَائِهِ الصَّغِيرَةِ الْعُشْرَ وَنِصْفَهُ وَفِي بَيْرُوتَ بِالْعَكْسِ ; لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ فِيهَا أَغْلَى . هَذَا إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ تِلْكَ النُّقُودِ مُسَاوِيَةً لَهَا مَالِيَّةً وَرَوَاجًا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَا وَجْهَ لِلْبَائِعِ فِي التَّمَنُّعِ مِنْ قَبْضِ ذَلِكَ كَأَنْ يَدْفَعَ فِي زَمَانِنَا مَكَانَ الدِّينَارِ الْعُثْمَانِيِّ ذِي الْمِائَةِ الْقِرْشِ نِصْفَيْ الدِّينَارِ الْعُثْمَانِيِّ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِينَ قِرْشًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِهِ الَّتِي أَحَدُهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ مُسَاوِيَةٌ لِأَصْلِهَا مِنْ النُّقُودِ وَهُوَ الدِّينَارُ الْعُثْمَانِيُّ مَالِيَّةً وَرَوَاجًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ عُرْفَ الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْعَقْدُ وَعَادَتُهَا الْجَارِيَةُ وَالتَّعَامُلُ بَيْنَ التُّجَّارِ فِيهَا فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَائِزِ عُرْفًا وَعَادَةً وَتَعَامُلًا فِي بَلَدٍ أَنْ يَدْفَعَ مَكَانَ النُّقُودِ أَجْزَاءَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ أَجْزَاءَ النُّقُودِ مَكَانَ النُّقُودِ وَإِلَّا فَلَا ( اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 36 و 37 و 34 و 44 ) . لَمَّا ظَهَرَتْ الْمَجَلَّةُ كَانَ الْعُرْفُ فِي الْآسَتَانَةِ أَلَّا يُعْطَى أَجْزَاءَ الْعِشْرِينَ قِرْشًا ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرِّيَالِ الْمَجِيدِيِّ وَنِصْفَيْهِ وَأَرْبَعَةِ أَرْبَاعِهِ كَانَ رَائِجًا بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ قِرْشًا وَلَمْ تَكُنْ أَجْزَاؤُهُ مِنْ الْقِطْعَةِ ذَاتِ الْقِرْشِ وَالْقِرْشَيْنِ مِثْلَهُ رَوَاجًا وَلَا مِثْلَ نِصْفِهِ وَرُبْعِهِ فَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ عَنْ الرِّيَالِ الْمَجِيدِيِّ ذِي الْعِشْرِينَ قِرْشًا أَجْزَاؤُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِرْشِ وَالْقِرْشَيْنِ لَحِقَ الْبَائِعَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ بِنُقْصَانِ كُلِّ قِرْشٍ عِدَّةً مِنْ الْبَارَّاتِ وَلِذَلِكَ تُعَدُّ هَذِهِ الْقُرُوشُ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الرِّيَالِ الْكَامِلِ إلَّا أَنَّ جَوَازَ دَفْعِ أَجْزَاءِ النُّقُودِ مَكَانَهَا مَشْرُوطٌ بِمُسَاوَاةِ الْأَجْزَاءِ لِأَصْلِهَا رَوَاجًا وَمَالِيَّةً وَالرِّيَالُ الْوَاحِدُ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ لِعِشْرِينَ قِطْعَةً مِنْ ذَوَاتِ الْقِرْشِ الْوَاحِدِ فَهِيَ دُونَهُ مَالِيَّةً أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ أَصْبَحَ الرِّيَالُ رَائِجًا بِعِشْرِينَ قِرْشًا بَلْ أَصْبَحَتْ أَجْزَاءُ الْمَجِيدِيِّ ذَاتُ الْقِرْشِ وَالْقِرْشَيْنِ أَكْثَرَ اعْتِبَارًا مِنْ الرِّيَالِ الْمَجِيدِيِّ فَالْبَائِعُ لَا يَتَرَدَّدُ فِي قَبُولِهَا فَإِذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا بِعَشَرَةِ مَجِيدِيَّاتٍ فَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ مَجِيدِيَّاتٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِائَتَيْ قِطْعَةٍ بِقِرْشٍ وَاحِدٍ أَوْ مِائَةً بِقِرْشَيْنِ مِمَّا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الرِّيَالِ الْمَجِيدِيِّ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبْضِ ذَلِكَ فَإِذَا امْتَنَعَ كَانَ امْتِنَاعُهُ تَعَنُّتًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَفِتَ الْحَاكِمُ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا حَسَبُ عُرْفِ هَذَا الزَّمَانِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبْضِ مِائَتَيْ قِطْعَةٍ ذَاتِ الْقِرْشِ وَمِائَةِ قِطْعَةٍ ذَاتِ الْقِرْشَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِطْعَةً ذَاتَ الْخَمْسَةِ الْقُرُوشِ وَعِشْرِينَ قِطْعَةً مِنْ نِصْفِ الرِّيَالِ بَدَلًا مِنْ الْعَشَرَةِ الرِّيَالَاتِ الْمَجِيدِيَّةِ الَّتِي سُمِّيَتْ ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 39 ) .
____________________
(1/193)
( الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بالبيع بالنسيئة و التأجيل ) الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ هُوَ الْأَصْلُ وَالْبَيْعُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا خِلَافَ الْأَصْلِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ إثْبَاتُ مُدَّعَاهُ فَإِنْ عَجَزَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا . وَجَوَازُ الْبَيْعِ عَلَى تَأْجِيلِ الثَّمَنِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } فَإِنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مُطْلَقًا يَشْمَلُ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَالْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَتَكُونُ الْآيَةُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ الثَّمَنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا , وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم { اشْتَرَى مَالًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَرَهَنَ فِي ذَلِكَ دِرْعَهُ } زَيْلَعِيٌّ ( الْمَادَّةُ 245 ) الْبَيْعُ مَعَ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَقْسِيطِهِ صَحِيحٌ يُصْبِحُ الْبَيْعُ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَقْسِيطِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ : أَوَّلًا : بِخِلَافِ جِنْسِهِ . وَثَانِيًا : أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لَا عَيْنًا لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ . وَيُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ مَعَ التَّأْجِيلِ صَحِيحٌ لَوْ كَانَ الْأَجَلُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِائَةً وَخَمْسِينَ أَوْ إلَى أَمَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ الْأَجَلَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَدِينِ وَيَجِبُ أَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ فَوْرًا . أَمَّا الْمَبِيعُ أَوْ الثَّمَنُ الَّذِي يَكُونُ عَيْنًا فَفَاسِدٌ وَلَوْ كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا . مِثَالُ ذَلِكَ : كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت بَغْلَتِي هَذِهِ بِخَمْسِ كَيْلَاتِ حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُؤَجَّلَةً شَهْرًا فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ رَدُّ الْمُحْتَارِ , زَيْلَعِيٌّ ) ; لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ وَيَكْسِبَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ لَكِنْ إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَالْمُشْتَرِي مُلْزَمٌ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى بَائِعِهِ فَلَا يَكُونُ فَائِدَةٌ مِنْ هَذَا التَّأْجِيلِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي مُبَادَلَةِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِجِنْسِهَا . وَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَقْسِيطُهُ حِينَ عُقِدَ الْبَيْعُ كَذَلِكَ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَتَقْسِيطُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُصْبِحُ الْأَجَلُ لَازِمًا وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مُعَجَّلًا ثُمَّ أَجَّلَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَصْبَحَ التَّأْجِيلُ لَازِمًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 248 ) . وَالْمَادَّةُ الْآتِيَةُ ( 47 2 ) مِثَالٌ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ فَكَانَ اللَّازِمُ أَنْ تُجْعَلَ مِثَالًا لَهَا لَا أَنْ تُجْعَلَ مَادَّةً مُنْفَرِدَةً .
____________________
(1/194)
( الْمَادَّةُ 246 ) يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فِي الْبَيْعِ بِالتَّأْجِيلِ وَالتَّقْسِيطِ الْأَجَلُ يَتَعَيَّنُ بِكَذَا سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ إلَى الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فَسَدَ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا فَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الثَّمَنَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ وَيَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ حُصُولُ النِّزَاعِ مِنْ الْمُتَوَقَّعِ بِسَبَبِ جَهَالَةِ الْأَجَلِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) وَإِذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ كَوْنَ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرِ رَجَبٍ انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى رَجَبٍ الْآتِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 60 ) أَمَّا إذَا بِيعَ الْمَالُ فِي رَجَبٍ وَأُجِّلَ الثَّمَنُ فَإِنَّ الْأَجَلَ يَنْصَرِفُ إلَى رَجَبٍ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ . وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَمَجْهُولًا عِنْدَ الْآخَرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَيْضًا وَإِذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لِمُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ قِرْشٍ فَالْقِسْطُ يَحِلُّ بِدُخُولِ السَّنَةِ لَا بِخُرُوجِهَا ( صُرَّةُ الْفَتَاوَى رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 247 ) إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى تَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى كَذَا يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ كَيَوْمِ قَاسِمَ أَوْ النَّيْرُوزَ صَحَّ الْبَيْعُ . يَعْنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ إذَا كَانَ بِالْأَيَّامِ أَوْ الشُّهُورِ أَوْ السِّنِينَ أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَهُوَ صَحِيحٌ مَا دَامَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا ( بَحْرٌ ) وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَتَاعًا وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ; لِأَنَّ الْأَجَلَ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَدِينِ لَا يَبْطُلُ بِوَفَاةِ الدَّائِنِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي وَهَذِهِ الْمَادَّةُ فَرْعٌ لِلْمَادَّةِ 245 ( الْمَادَّةُ 248 ) تَأْجِيلُ الثَّمَنِ إلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَإِمْطَارِ السَّمَاءِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْبَيْعِ . وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ مَقْدَمِ الْحَاجِّ أَوْ إلَى الْبَيْدَرِ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ الْقِطَافِ أَوْ جَزِّ صُوفِ الْغَنَمِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْأَجَلُ يَجْهَلُهُ الْعَاقِدَانِ جَهَالَةً يَسِيرَةً أَمْ فَاحِشَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فِي الْأَجَلِ كَمَا إذَا كَانَ حُلُولُ الْأَجَلِ مُحَقَّقًا إلَّا أَنَّهُ يَقَعُ أَحْيَانًا فِي وَقْتٍ أَقْرَبَ وَأَحْيَانًا فِي وَقْتٍ أَبْعَدَ كَالْحَصَادِ وَالْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهُ مَجْهُولًا كَنُزُولِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي أَجَلِ كُلِّ الثَّمَنِ أَمْ بَعْضِهِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ . وَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى ذَلِكَ هِيَ : أَوَّلًا : إذَا أَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَبِيعَ مِنْ آخَرَ مَالًا بِأَلْفِ قِرْشٍ مُؤَجَّلًا فَكَانَ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَقْسَاطًا أَوْ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ أُسْبُوعٍ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ وَفَّى خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ لِمُضِيِّ شَهْرٍ بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ عَدَدَ الْأَقْسَاطِ وَالْيَوْمَ الَّذِي يَجِبُ دَفْعُ الْقِسْطِ فِيهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ , تَنْوِيرٌ , هِنْدِيَّةٌ ) . ثَانِيًا : إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مَالًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ الثَّمَنِ نَقْدًا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ حِينَمَا يَعُودُ مِنْ مَكَانِ كَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ حِينَمَا يُوَظَّفُ فِي وَظِيفَةٍ فَالْبَيْعُ
____________________
(1/195)
فَاسِدٌ . ثَالِثًا : إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ مَالًا فِي الْآسَتَانَةِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَهُ فِي إزمير فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَمَّا إذَا بَاعَ مَالًا فِي الْآسَتَانَةِ بِمِائَةِ قِرْشٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى مُضِيِّ شَهْرٍ وَشَرَطَ دَفْعَ الثَّمَنِ فِي إزمير فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ أَدَاءِ الثَّمَنِ الَّذِي لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ بَاطِلٌ . رَابِعًا : إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مَالًا مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ عِنْدَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَالَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( فَيْضِيَّةٌ ) ; لِأَنَّ الْبُيُوعَ الْمَذْكُورَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً إلَّا أَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يُعَيَّنْ . وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَّحِدُ فِيهَا أَحْكَامُ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ أَوْ تَخْتَلِفُ إذَا أُسْقِطَ فِيهَا الْأَجَلُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ انْقَلَبَ الْبَيْعُ إلَى الصِّحَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةً أَمْ فَاحِشَةً أَمَّا إذَا أُسْقِطَ الْأَجَلُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا جَهَالَةً يَسِيرَةً وَبِعِبَارَةٍ : إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَجَلًا مَجْهُولًا جَهَالَةً يَسِيرَةً فَإِذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ غَيْرِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَفَسَخَ الْبَيْعَ يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ إلَى الصِّحَّةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 2 4 ) . وَانْقِلَابُ الْبَيْعِ إلَى الصِّحَّةِ يَكُونُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ , وَيَكْفِي إسْقَاطُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْبَائِعِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فَقَطْ لَكِنْ إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ تَأَكَّدَ فَسَادُ الْبَيْعِ كَمَا إذَا أُسْقِطَ الْأَجَلُ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِفَسَادٍ فِيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ الْمَفْسُوخُ إلَى الصِّحَّةِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ارْتَفَعَ بِالْفَسْخِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1 5 ) أَمَّا إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مَالًا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً وَأَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَحُلُولِ الْأَجَلِ فَالْبَيْعُ يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ سَوَاءٌ أَوْفَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَمْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَمَّا إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ لِتَأَكُّدِ فَسَادِ الْبَيْعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . شُرُنْبُلَالِيّ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ) . مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ فَإِذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ . وَالْأَجَلُ الَّذِي ذَكَرَتْهُ الْمَجَلَّةُ هُوَ الْأَجَلُ الَّذِي يُذْكَرُ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ أَمَّا الْأَجَلُ وَمُدَّةُ تَنْجِيمِ الثَّمَنِ اللَّذَانِ يُذْكَرَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَا مَجْهُولَيْنِ جَهَالَةً فَاحِشَةً أَمْ يَسِيرَةً فَلَا . وَلَكِنْ فِي اعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ ثُمَّ أَجَّلَهُ إلَى الْحَصَادِ أَوْ مَقْدَمِ الْحَاجِّ أَوْ إلَى مَجْهُولٍ جَهَالَةً يَسِيرَةً وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَالْبَيْعُ وَالتَّأْجِيلُ صَحِيحَانِ وَلَازِمَانِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ; لِأَنَّ التَّأْجِيلَ بَعْدَ الْبَيْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَبَرُّعٍ فَجُوِّزَتْ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هُنَا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 56 ) وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي بَطَلَ التَّأْجِيلُ وَكَانَ الثَّمَنُ حَالًّا وَصِحَّةُ التَّأْجِيلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَلْ إنَّ الدُّيُونَ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا وَتُصْبِحُ لَازِمَةً إلَّا الْأَمْوَالَ السِّتَّةَ الْآتِيَةَ فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا وَهِيَ : الْقَرْضُ . ( 2 ) الثَّمَنُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ . ( 3 ) بَدَلُ الصَّرْفِ . ( 4 ) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ . ( 5 ) دَيْنُ الْمَيِّتِ .
____________________
(1/196)
( 6 ) ثَمَنُ الْمَشْفُوعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ الْمَشْفُوعَ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ . أَمَّا إذَا أُجِّلَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً كَأَنْ يُؤَجَّلَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ ( هِنْدِيَّةٌ ) . وَكَذَلِكَ الدُّيُونُ الْأُخْرَى كَبَدَلِ الْإِجَارَةِ إذَا أُجِّلَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَالتَّأْجِيلُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الَّذِي يُشْتَرَطُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 189 ) تَفْصِيلَاتٌ فِي تَأْجِيلِ الدُّيُونِ : إنَّ التَّأْجِيلَ يَكُونُ تَارَةً مُطْلَقًا كَقَوْلِ الدَّائِنِ لِمَدِينِهِ : قَدْ أَجَّلْت مَا لِي فِي ذِمَّتِك مِنْ الدَّيْنِ إلَى سَنَةٍ فَهَذَا التَّأْجِيلُ صَحِيحٌ فِي غَيْرِ الْقَرْضِ وَالْأَجَلُ لَازِمٌ فِي حَقِّ الدَّائِنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 15 ) , وَتَارَةً يَكُونُ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَأَنْ يَقُولَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّتِهِ أَلْفُ قِرْشٍ مُعَجَّلَةٌ : إذَا أَدَّيْتنِي غَدًا خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ فَقَدْ أَجَّلْت الْبَاقِيَ إلَى سَنَةٍ فَإِذَا دَفَعَ الْمَدِينُ الْخَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ فِي الْغَدِ صَارَ الْبَاقِي مُؤَجَّلًا إلَى سَنَةٍ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 82 ) . كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِإِنْسَانٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ ثَمَنٍ جَعَلَهُ أَقْسَاطًا إنْ أَخَلَّ بِقِسْطٍ حَلَّ الْبَاقِي فَالْأَمْرُ كَمَا اُشْتُرِطَ وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَفِ الْمَدِينُ بِالشَّرْطِ تَحَوَّلَ بَاقِي الدَّيْنِ مُعَجَّلًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 83 ) أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَالَ لِلْمَدِينِ ادْفَعْ إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مِائَةً فَلَيْسَ بِتَأْجِيلٍ ; لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّأْجِيلَ . سُقُوطُ الْأَجَلِ وَعَوْدَتُهُ : - إذَا قَالَ الْمَدِينُ : أَبْطَلْت الْأَجَلَ أَوْ تَرَكْته أَصْبَحَ الْأَجَلُ مُعَجَّلًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1262 ) أَمَّا إذَا قَالَ الْمَدِينُ : لَا أُرِيدُ الْأَجَلَ فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ وَإِذَا أَدَّى الْمَدِينُ الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ ظَهَرَ أَنَّ النُّقُودَ الَّتِي قَبَضَهَا الدَّائِنُ مِنْ الْمَدِينِ مُزَيَّفَةٌ فَرَدَّهَا إلَى الْمَدِينِ أَوْ أَنَّ مَا تَسَلَّمَهُ مَعِيبٌ فَرَدَّهُ إلَى الْمَدِينِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَالْأَجَلُ يَعُودُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 2 5 ) وَإِذَا شَرَى الدَّائِنُ مِنْ مَدِينِهِ مَالًا بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَعُودُ الْأَجَلُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1 5 ) ; لِأَنَّهُ كَمَا فُصِّلَ فِي الْمَادَّةِ ( 196 ) أَنَّ الْإِقَالَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ بَلْ تَثْبُتُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَهِيَ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ شَرْطٌ جَدِيدٌ كَمَا أَنَّهُ بِوَفَاةِ الْمَدِينِ كَالْمُشْتَرِي مَثَلًا يَبْطُلُ الْأَجَلُ وَالثَّمَنُ يُسْتَوْفَى حَالًّا مِنْ تَرِكَةِ الْمُشْتَرِي . أَمَّا بِوَفَاةِ الدَّائِنِ فَلَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِوَرَثَةِ الْبَائِعِ أَوْ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَنْ يَطْلُبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ الْمَدِينِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ . التَّأْجِيلُ غَيْرُ الصَّحِيحِ : - إنَّ التَّأْجِيلَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَدِينِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ لَا حُكْمَ لِذَلِكَ التَّأْجِيلِ فَالدَّائِنُ بَعْدَ هَذَا التَّأَجُّلِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَطْلُوبَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَدِينِ ; لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يَشْتَغِلَ الْمَدِينُ وَيَتَّجِرَ وَيُوَفِّيَ الدَّيْنَ مِنْ نَمَاءِ مَالِهِ فَإِذَا مَاتَ لَمْ تَبْقَ لِلتَّأْجِيلِ فَائِدَةٌ وَيَكُونُ الْمَالُ الْمَتْرُوكُ مُتَعَيَّنًا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . بَزَّازِيَّةٌ . عَلِيٌّ أَفَنْدِي ) . ( الْمَادَّةُ 249 ) إذَا بَاعَ نَسِيئَةً بِدُونِ مُدَّةٍ تَنْصَرِفُ إلَى شَهْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ . هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُفْتَى بِهِ وَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْتُك مَالِي هَذَا بِكَذَا قِرْشًا وَأَجَّلْت الثَّمَنَ فَقَالَ الْبَائِعُ اشْتَرَيْت فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ تَمَامِ شَهْرٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْمَعْهُودَ فِي
____________________
(1/197)
السَّلَمِ وَالْيَمِينَ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ آجِلًا شَهْرًا وَاحِدٌ فَإِذًا يَنْصَرِفُ التَّأْجِيلُ إلَى شَهْرٍ وَاحِدٍ وَهَهُنَا اعْتِرَاضٌ وَارِدٌ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي صِحَّةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا حَسَبَ الْمَادَّتَيْنِ ( 246 و 248 ) وَالْبَيْعُ هَهُنَا مُؤَجَّلٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلْأَجَلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ بِالتَّأْجِيلِ مَعْهُودٌ , انْصِرَافُ التَّأْجِيلِ فِيهِ إلَى شَهْرٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ فِي التَّأْجِيلِ جَهَالَةٌ . ( الْمَادَّةُ 250 ) تُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْأَجَلِ وَالْقِسْطِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ مِنْ وَقْتِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَثَلًا لَوْ بِيعَ مَتَاعٌ عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ مُؤَجَّلٌ إلَى سَنَةٍ فَحَبَسَهُ الْبَائِعُ عِنْدَهُ سَنَةً ثُمَّ سَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي اُعْتُبِرَ أَوَّلُ السَّنَةِ الَّتِي هِيَ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ وَسَنَتَيْنِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ . هَذَا يَكُونُ : أَوَّلًا : إذَا لَمْ يُخَصَّصْ الْأَجَلُ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ . ثَانِيًا : إذَا كَانَ عَدَمُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ نَاشِئًا عَنْ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ وَمَنْعِهِ . ثَالِثًا : إذَا كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا أَيْ لَيْسَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ ابْتِدَاءً مُدَّةَ الْأَجَلِ مُنْذُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ تَسْهِيلُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي لِيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ رِبْحِهِ فَلِلْحُصُولِ عَلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ يَجِبُ اعْتِبَارُ مُدَّةِ الْأَجَلِ مُنْذُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ . إيضَاحُ الْقُيُولَةِ : - وَإِنَّمَا قِيلَ : إذَا كَانَ الْأَجَلُ غَيْرَ مُخَصَّصٍ بِوَقْتٍ . لِأَنَّ مُدَّةَ التَّأْجِيلِ إذَا خُصِّصَتْ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ كَأَنْ يُقَالَ : إنَّ الْأَجَلَ هُوَ سَنَةَ 1331 إلَى شَهْرِ رَجَبٍ وَكَانَ الْأَجَلُ مُخَصَّصًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَحَبَسَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي يَدِهِ سَنَةً ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَئِذٍ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَخِّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ سَنَةً أُخْرَى اعْتِبَارًا مِنْ تَارِيخِ التَّسْلِيمِ بَلْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ فَوْرًا ( طَحَاوِيّ ) . وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرِ رَجَبٍ أَوْ شَهْرِ شَعْبَانَ أَوْ إلَى عِيدِ الْأَضْحَى فَحَبَسَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي يَدِهِ إلَى شَهْرِ رَجَبٍ أَوْ شَهْرِ شَعْبَانَ أَوْ عِيدِ الْأَضْحَى فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَجَلٌ خِلَافَهُ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْأَجَلِ بِمُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ تَعَيُّنٌ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ فِي مُدَّةٍ أُخْرَى . وَإِنَّمَا قِيلَ : إذَا كَانَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ نَاشِئًا عَنْ مَنْعِ الْبَائِعِ . لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِغَيْرِ سَبَبِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ التَّسْلِيمِ بَلْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ عَدَمِ طَلَبِ الْمُشْتَرِي تَسَلُّمَهُ فَالْأَجَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُعْتَبَرُ مُنْذُ وَقْتِ الْبَيْعِ لَا التَّسْلِيمِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) لِأَنَّ الْقُصُورَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ فِي مِثَالِهِ بِلَفْظَةِ ( حَبَسَ ) . وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ كَانَ الِاثْنَانِ مُخَيَّرَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ مُطْلَقًا ابْتَدَأَ الْأَجَلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَلُزُومِ الْبَيْعِ أَمَّا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَالْأَجَلُ يُعْتَبَرُ مِنْ تَارِيخِ الْعَقْدِ . ( الْمَادَّةُ 251 ) الْمَبِيعُ الْمُطْلَقُ يَنْعَقِدُ مُعَجَّلًا أَمَّا إذَا جَرَى الْعُرْفُ فِي مَحَلٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ مُؤَجَّلًا أَوْ مُقَسَّطًا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ يَنْصَرِفُ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ .
____________________
(1/198)
مَثَلًا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ السُّوقِ شَيْئًا بِدُونِ أَنْ يُذْكَرَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَلَا تَأْجِيلُهُ لَزِمَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ جَرَى الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِإِعْطَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ بَعْدَ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ لَزِمَ اتِّبَاعُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا أَيْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ أَوْ تَعْجِيلُهُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مُعَجَّلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ بِالشَّرْطِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ فِي بَلَدٍ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَالْبَيْعُ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا ( اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 46 و 44 و 54 ) . الِاخْتِلَافُ فِي التَّأْجِيلِ وَالْأَجَلِ : - وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ مُعَجَّلٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُؤَجَّلٌ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَجَلِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 9 ) وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ دَعْوَاهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْبَيِّنَةُ شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 77 ) أَمَّا فِي بَيْعِ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَجَلِ لِأَنَّ نَافِي الْأَجَلِ مُدَّعٍ لِفَسَادِ بَيْعِ السَّلَمِ , وَمُدَّعِي الْأَجَلِ مُدَّعٍ لِصِحَّةِ السَّلَمِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ , وَإِذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُنْكِرًا لِلزِّيَادَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ إلَى شَهْرَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ . وَإِذَا أَقَامَ الطَّرَفَانِ الْبَيِّنَةَ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْبَائِعِ أَثْبَتَتْ الظَّاهِرَ , وَالْبَيِّنَةُ قَدْ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَإِذَا اتَّفَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى مِقْدَارِ الْأَجَلِ لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي مُرُورِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ لِمُرُورِ الْأَجَلِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 76 ) فَإِذَا ادَّعَى الْبَائِعُ قَائِلًا : بِعْت هَذَا الْمَالَ قَبْلَ شَهْرَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ شَهْرَيْنِ وَقَدْ مَرَّ الْأَجَلُ فَأَطْلُبُ أَنْ يَدْفَعَ لِي الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : نَعَمْ قَدْ اشْتَرَيْت الْمَالَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرَيْنِ لَكِنْ لَمْ يَمْضِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا شَهْرٌ وَاحِدٌ فَالْقَوْلُ هُنَا لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا أَقَامَ الطَّرَفَانِ الْبَيِّنَةَ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَجَلِ أَصْلٌ لِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى وُجُودِ الْأَجَلِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي مُرُورِ الْأَجَلِ كَمَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِأَنَّ هُنَا يُنْكِرُ تَوَجُّهَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَلِهَذَيْنِ السَّبْيَيْنِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) .
____________________
(1/199)
الْبَاب الرَّابِع بَيَان الْمَسَائِل الْمُتَعَلِّقَة فِي الثَّمَن وَالْمُثَمَّن بَعْد الْعَقْد وَيَشْتَمِل عَلَى فَصلين : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي بَيَانِ حَقِّ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ . الْمَقْصُودُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا كَانَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَوَالَةِ كَمَا يُفْهَمُ مَا يَأْتِي : ( الْمَادَّةُ 252 ) الْبَائِعُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَثَلًا لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ لَهُ أَنْ يُحِيلَ بِثَمَنِهِ دَائِنَهُ . يَعْنِي يَحِقُّ لِلْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَذَا الثَّمَنِ بَيْعًا وَهِبَةً وَوَصِيَّةً وَحَوَالَةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ مِنْ النُّقُودِ الَّتِي لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَمْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَكِيلَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ عَيْنًا كَالْمَكِيلَاتِ وَالنُّقُودِ الْمُعَيَّنَةِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يَهَبَهَا أَوْ يُوصِيَ بِهَا لِلْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ كَمَا أَنَّ لَهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا كَنُقُودٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَكِيلَاتٍ أَوْ مَوْزُونَاتٍ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْمُشْتَرِي بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ أَيْ أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُجِيزَ لِلتَّصَرُّفِ ثَابِتٌ وَبِهَلَاكِهِ يَنْتَفِي غَرَرُ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ أَصْلًا فِي الْبَيْعِ فَبِهَلَاكِهِ لَا يَنْفَسِخُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا فَإِنَّ عَدَمَ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ ( 243 ) , أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ فَلِأَنَّ هَذِهِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ رُجِّحَتْ جِهَةُ الثَّمَنِ فِي التَّصَرُّفِ تَيْسِيرًا وَتَسْهِيلًا ( فَتْحُ الْقَدِيرِ ) وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ ( 195 ) . إيضَاحُ الْبَيْعِ : - بَاعَ مَالًا بِخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً مَعْلُومَةً مُشَارًا إلَيْهَا فَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَالًا مَعْلُومًا وَإِذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ رِيَالًا مَجِيدِيًّا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْمُشْتَرِي مُقَابِلَ هَذَا الثَّمَنِ عَشْرَ لِيرَاتٍ . إيضَاحُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ : - لِلدَّائِنِ أَنْ يَهَبَ أَوْ يَتَصَدَّقَ أَوْ يُوصِيَ لِلْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ الثَّابِتِ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 847 ) , فَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ أَوْ التَّصَدُّقِ وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى الْقَبْضِ كَمَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَهَبَ الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 848 ) وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ وَكَذَلِكَ بَدَلُ الْمَغْصُوبِ وَالْقَرْضِ وَالْأُجْرَةِ مِنْ الدُّيُونِ
____________________
(1/200)
السَّائِرَةِ يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ لِلْمَدِينِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ . ( الْمَادَّةُ 353 ) لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ لِآخَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ كَانَ عَقَارًا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 845 ) , وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّيْخَانِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُمَيِّزَيْنِ عَاقِلَيْنِ وَأَنْ يَقَعَ فِي مَحَلِّهِ أَيْ فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَبِمَا أَنَّ الْهَلَاكَ نَادِرٌ فِي الْعَقَارِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلنَّادِرِ فَلَيْسَ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمَنْقُولِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 2 4 ) . ( بَدَائِعُ , ) أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَهْدِمَهُ الْأَمْوَاجُ أَوْ كَانَ مِنْ الْعُلُوِّ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ سُقُوطِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ ) , وَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ ( لِآخَرَ ) مَعْنَاهُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا فَعَلَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا فِي بَيْعِ الْمَنْقُولِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ بَائِعُهُ فَإِذَا وَهَبَهُ مِنْهُ وَقَبِلَ الْبَائِعُ كَانَ إقَالَةً ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 119 ) وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَجِّرَ الْمَبِيعَ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَجَّرَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 85 وَالْمَادَّةَ 275 ) وَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ ( لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ ) يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَلَا نَافِذًا لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَاءِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَائِعُ الثَّانِي - ثَمَنَ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى رِضَاهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 278 ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مُعَجَّلٌ فَلَمْ يَدْفَعْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ حَتَّى ذَلِكَ الْحِينِ فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي لِلْعَقَارِ فَالْبَيْعُ الثَّانِي نَافِذٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَبَاطِلٌ وَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 747 ) . وَإِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ قَبْلَ أَدَاءِ ثَمَنِهِ لِلْبَائِعِ تَصَرُّفًا قَابِلًا لِلنَّقْضِ فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى النَّحْوِ الْمَشْرُوعِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَمْ بَعْدَ قَبْضِهِ لَهُ وَتَصَرُّفِهِ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ . وَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ ( لَهُ أَنْ يَبِيعَ ) يُقْصَدُ بِهِ الِاحْتِرَازُ مِنْ الْإِيجَارِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إيجَارِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ . وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ فِي ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا فَقَدْ اُخْتِيرَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَوَجَبَ قَبُولُ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا وَهَذَا الْقَبُولُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْمَادَّةِ ( 586 ) مِنْ أَحْكَامِ الْمَجَلَّةِ وَإِذَا قُبِلَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَجَبَ أَنْ يَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَادَّةِ ( 586 ) . وَقَدْ عَبَّرَتْ الْمَجَلَّةُ بِالْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَهَنَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ أَوْدَعَ الْمَبِيعَ شَخْصًا آخَرَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُشْتَرِي وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَالْبَيْعُ يُصْبِحُ مُنْفَسِحًا وَلَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَهُ الْمَبِيعَ لِأَنَّهُ لَوْ حَقَّ لَهُ ذَلِكَ لَحَقَّ لَهُ الرُّجُوعُ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْخَسَارَةُ مِنْ تَلَفِ الْمَبِيعِ عَائِدَةً عَلَى الْبَائِعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 293 ) . أَمَّا إذَا أَعَارَ الْبَائِعُ أَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ لِشَخْصٍ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُودِعِ أَوْ الْمُعَارِ أَوْ فِي يَدِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْدَعَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَبِيعَ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ وَيَضْمَنَ الْمَالَ الشَّخْصُ الْآخَرُ وَأَنْ يُفْسِخَ الْبَيْعَ وَيَسْتَرِدَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ إذَا كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمَوْهُوبَ لَه
____________________
(1/201)
ُ وَالْمُسْتَوْدَعَ الَّذِي اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ الْمَالَ إذَا ضَمِنُوا لَيْسَ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 658 ) . وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ بَيْعًا ثَانِيًا إلَى آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُفْسِخَ الْبَيْعَ وَأَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْمَبِيعَ , إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الثَّمَنَ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَجِّرَ الْمَبِيعَ الْمَنْقُولَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَائِعِهِ فَإِذَا أَجَّرَهُ وَاسْتَعْمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَبِيعَ بِمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - 58 , ) اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ : قَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِعَدَمِ الْجَوَازِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِهِ فِي الْعَقَارِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَنْقُولِ وَذَهَبَ عُثْمَانُ التَّيْمِيُّ إلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا ( عَيْنِيٌّ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ ) . وَقَدْ جَرَى التُّجَّارُ فِي زَمَانِنَا عَلَى بَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ قَالَتْ الْمَجَلَّةُ أَيْضًا بِفَسَادِهِ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ إلَّا عَلَى رَأْيِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ وَالْفُقَهَاءُ لَا يَأْخُذُونَ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاحِبَ مَذْهَبٍ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْإِيضَاحِ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ أَكْثَرُ تَسَامُحًا فِي بَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى ( شَارِحٌ ) . أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ مَنْقُولًا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مُسْتَقِرًّا وَالْمَبِيعُ إذَا كَانَ مَنْقُولًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ فِيهِ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 293 ) فَإِذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ أَصْبَحَ الْبَيْعُ الثَّانِي لَغْوًا وَلَا يَجُوزُ لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَفْعَلُوا مَا هُوَ لَغْوٌ ( شَارِحٌ ) وَعِلَاوَةٌ عَلَى ذَلِكَ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ الْمَنْقُولُ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبَائِعُ الثَّانِي قَدْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ 267 و 268 , ) . وَيَرِدُ عَلَى هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ : إذَا كَانَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ مَانِعًا لِجَوَازِ الْبَيْعِ لَزِمَ أَيْضًا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يُضْبَطَ الْمَبِيعُ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْغَرَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَرَرٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الْغَرَرَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَصْبَحَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ مِثْلَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ غَرَرُ الِاسْتِحْقَاقِ وَجَبَ سَدُّ بَابِ الْبَيْعِ ( فَتْحُ الْقَدِيرِ ) فَلِذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا الضَّرَرِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْمَنْقُولَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ إذَا بَاعَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى ذَلِكَ هِيَ : أَوَّلًا : إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي حِصَانَيْنِ وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا فَبَاعَ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَالْبَيْعُ فِي الْحِصَانِ الْمَقْبُوضِ جَائِزٌ وَفِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ غَيْرُ جَائِزٍ . ثَانِيًا : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَهُ مَعَ مَالٍ مَنْقُولٍ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ . ثَالِثًا : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَهُ الْمَنْقُولَ مِنْ آخَرَ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ بَاعَهُ ثَانِيَةً مِنْ شَخْصٍ آخَرَ فَإِذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ هَذَا الْبَيْعَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَازَةَ عِبَارَةٌ عَنْ إجَازَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لِمَبِيعٍ غَيْرِ مَقْبُوضٍ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 453 1 ) . ( هِنْدِيَّةٌ . بَزَّازِيَّةٌ . طَحْطَاوِيٌّ ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْمَبِيعَ الْمَنْقُولَ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَيْعُ الثَّانِي يَكُونُ فَاسِدًا أَوْ يَبْقَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ ضِدُّ الْإِقَالَةِ وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ الثَّانِي مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ أَمَّا إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ لِبَائِعِهِ فَهَذِهِ الْهِبَةُ فِي مَعْنَى الْإِقَالَةِ فَإِذَا قَبِلَهَا الْبَائِعُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْهَا بَقِيَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ
____________________
(1/202)
وَعِبَارَةُ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لِلِاحْتِرَازِ بِاعْتِبَارٍ لِأَنَّ مُحَمَّدًا يَرَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَهَبَ الْمَبِيعَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا أَوْ يُعِيرَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَيَأْمُرُ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْمَوْهُوبَ لَهُ مَثَلًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَإِذَا قَبَضَهُ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا وَكَانَ أَوَّلًا نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي وَآخِرًا قَابِضًا لِنَفْسِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 845 ) . وَبِاعْتِبَارٍ آخَرَ لَيْسَتْ عِبَارَةُ الْبَيْعِ لِلِاحْتِرَازِ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ أَنْ يَفِيَ بِهِ دَيْنَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ الْآخَرِ . مُسْتَثْنًى : إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَأُقِيلَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ آخَرَ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الثَّالِثِ بَيْعٌ جَدِيدٌ . ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا انْفَسَخَ بِسَبَبٍ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ أَمَّا إذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِسَبَبٍ هُوَ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخٌ , وَفِي حَقِّ الْغَيْرِ بَيْعٌ فَإِنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي جَائِزٌ وَمِنْ غَيْرِهِ لَا . وَعَدَمُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ فَكُلُّ عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِسَبَبِ هَلَاكِ الْعِوَضِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِالْعِوَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَبَدَلِ الْإِجَارَةِ الْعَيْنَ وَبَدَلِ الصُّلْحِ الْعَيْنَ فِي الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ . أَمَّا فِي الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي هَذَا الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالصَّدَاقِ الْعَيْنِ وَكَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَلِ الْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَالَهُ الْمَوْرُوثَ أَوْ الْمُوصَى بِهِ ( فَتْحُ الْقَدِيرِ . هِنْدِيَّةٌ ) أَمَّا بَيْعُ الْمَقْسُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا قِسْمَةُ الْقَضَاءِ حَسَبَ الْمَوَادِّ ( 132 1 و 133 1 و 134 1 ) فَجَائِزٌ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَقْسُومُ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي قِسْمَةِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَإِنَّ فِيهَا جِهَةَ الْإِفْرَازِ أَيْضًا فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُرَجَّحُ جِهَةُ الْإِفْرَازِ تَسْهِيلًا لِلتَّعَامُلِ أَمَّا فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَجْرِي فِيهَا قِسْمَةُ الْقَضَاءِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْمَادَّةِ ( 1351 ) فَإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَقَارًا فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ بِالْمَقْسُومِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُبَادَلَةِ رَاجِحَةٌ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ ( بَدَائِعُ )
____________________
(1/203)
( الفصل الثاني في بيان التزييد في الثمن و المبيع بعد العقد ) الْمَادَّةُ 254 ) لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ مِقْدَارَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْمُشْتَرِي إذَا قَبِلَ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَلَا تُفِيدُ نَدَامَةُ الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْبَلْ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ وَقَبِلَ بَعْدَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِقَبُولِهِ مَثَلًا لَوْ اشْتَرَى عِشْرِينَ بِطِّيخَةً بِعِشْرِينَ قِرْشًا ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ قَالَ الْبَائِعُ أَعْطَيْتُك خَمْسًا أُخْرَى أَيْضًا فَإِنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَجْلِسِ أَخَذَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بِطِّيخَةً بِعِشْرِينَ قِرْشًا وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَلْ قَبِلَ بَعْدَهُ فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى إعْطَاءِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ عِشْرُونَ بِطِّيخَةً بِعِشْرِينَ قِرْشًا ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ قَدْ ضَمَمْت هَذِهِ الْكَأْسَ أَيْضًا إلَى الْمَبِيعِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ فَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْعِشْرِينَ بِطِّيخَةً وَالْكَأْسَ بِالْعِشْرِينَ قِرْشًا وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَ قَبْضِ أَصْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَنْ يَطْرَحَ مِنْ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زِيَادَةُ الْبَائِعِ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَمْ لَا لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمِلْكِهِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) وَتُلْتَحَقُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّةِ 257 إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ مَعْلُومًا ( اُنْظُرْ مَادَّةَ 0 0 2 و 213 ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا وَقَائِمًا فِي وَقْتِ الزِّيَادَةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِهِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ تَثْبُتُ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ قَائِمٌ فِي الذِّمَّةِ ( طَحْطَاوِيٌّ ) وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ ثَابِتًا فِي مُقَابَلَةِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَقَدْ جُعِلَ مَوْجُودًا فِي الذِّمَّةِ لِحَاجَةِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا تَدْفَعُ حَاجَةَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَلْ تُزِيدُ تِلْكَ الْحَاجَةَ فَلِذَلِكَ لَا تَجُوزُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ . وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ وَقَبِلَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِلْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97 ) مَا لَمْ يُكَرِّرْ الْبَائِعُ الْإِيجَابَ فِي الزِّيَادَةِ . إيضَاحُ الْحَطِّ مِنْ الْمَبِيعِ : إذَا حَطَّ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ الْمَبِيعِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسَلَّمًا فِيهِ وَكَانَ دَيْنًا كَأَنْ يَكُونَ عَشْرُ كَيْلَاتٍ مِنْ صُبْرَةِ الْحِنْطَةِ هَذِهِ فَالْحَطُّ صَحِيحٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 26 5 1 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ مَوْجُودَةٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ خَمْسِينَ كَيْلَةً قَبْلَ أَنْ تُفْرَزَ مِنْ الصُّبْرَةِ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ حَطَّ الْمُشْتَرِي عَشْرَ كَيْلَاتٍ قَبْلَ الْإِفْرَازِ وَالْقَبْضِ فَالْحَطُّ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي مُجْبَرًا عَلَى أَخْذِ الْأَرْبَعِينَ كَيْلَةً بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا فَلَا يَكُونُ الْحَطُّ صَحِيحًا ;
____________________
(1/204)
لِأَنَّ الْحَطَّ لَيْسَ إلَّا إبْرَاءً وَإِسْقَاطًا وَذَلِكَ لَا يَجْرِي إلَّا فِي الدَّيْنِ . أَمَّا إسْقَاطُ الْعَيْنِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ نَقْلَ مِلْكِيَّةِ الْعَيْنِ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَجْهٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَلَا تَكُونُ بِالْإِسْقَاطِ ( بَحْرٌ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةَ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةً بِأَلْفِ قِرْشٍ فَإِذَا حَطَّ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ عَشْرَ كَيْلَاتٍ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَالْخُلَاصَةُ : أَنَّ حَطَّ الثَّمَنِ وَزِيَادَتَهُ مُتَقَابِلَانِ كَمَا فِي الْمَادَّتَيْنِ 255 و 256 كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْحَطَّ مِنْهُ مُتَقَابِلَانِ قِسْمًا . ( الْمَادَّةُ 355 ) لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا قَبِلَ الْبَائِعُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِهَا وَلَا تُفِيدُ نَدَامَةُ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا لَوْ قَبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ حِينَئِذٍ مَثَلًا لَوْ بِيعَ حَيَوَانٌ بِأَلْفِ قِرْشٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ زِدْتُك مِائَتَيْ قِرْشٍ وَقَبِلَ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْحَيَوَانَ الْمُبْتَاعَ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ قِرْشٍ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَلْ قَبِلَ بَعْدَهُ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الْمِائَتَيْ قِرْشٍ الَّتِي زَادَهَا يَجُوزُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي , ثَانِيًا لِوَارِثِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ , ثَالِثًا لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا وَأَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي يَعْنِي إذَا زِيدَ عَلَى الثَّمَنِ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا فَالزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ وَبِقَبُولِ الْبَائِعِ تَكُونُ لَازِمَةً لِأَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ عَدْلًا وَلَهُمَا وِلَايَةُ الرَّفْعِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغْيِيرِ كَمَا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ أَوْ شُرِطَ بَعْدَ الْعَقْدِ تَلْتَحِقُ الزِّيَادَةُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ . أَمَّا إذَا قَبِلَ الْبَائِعُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا قَبُولُ الْبَائِعِ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 183 ) مَا لَمْ يُعَدْ الْإِيجَابُ وَيُكَرَّرُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمَزِيدُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مَالًا قِيَمِيًّا . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَلَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّمَنِ مِائَةَ قِرْشٍ أَوْ أَكْثَرَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ شَاةَ غَنَمٍ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَيْنًا فَتَلِفَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِلْبَائِعِ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعِ . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ شَاةً بِمِائَةِ قِرْشٍ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْمَبِيعَ زَادَ عَلَى ثَمَنِهِ ثَوْبًا يُسَاوِي خَمْسِينَ قِرْشًا فَتَلِفَ الثَّوْبُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ مَعَ الثَّوْبِ مِائَةً وَخَمْسِينَ قِرْشًا وَكَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ وَحْدَهُ خَمْسِينَ قِرْشًا فَلَمَّا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ وَهِيَ الْخَمْسُونَ قِرْشًا ثُلُثَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ فِي ثُلُثِ الشَّاةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حِينَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وُجُودُ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَمَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْمُعَاوَضَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97 1 ) . وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الثَّمَنِ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ حَسَبَ الْمَادَّةِ 257 وَكَانَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا حِينَ حُدُوثِ أَصْلِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ ثُبُوتُ الْمُسْتَنَدِ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَلْزَمُ اسْتِنَادُهُ وَبِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ أَصْبَحَ غَيْرَ مُمْكِنٍ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ اسْتِنَادُهُ مُتَعَذِّرًا فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلَا تَصِحّ
____________________
(1/205)
ُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالتَّلَفُ الْحَقِيقِيُّ ظَاهِرٌ , وَأَمَّا التَّلَفُ الْحُكْمِيُّ فَكَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ شَاةً فَيُبَاعُ مِنْ آخَرَ أَوْ حِنْطَةً فَيُطْحَنُ أَوْ دَقِيقًا فَيُخْبَزُ أَوْ قُطْنًا فَيُصْنَعُ خُيُوطًا أَوْ خُيُوطًا فَيُنْسَجُ ثَوْبًا أَوْ لَحْمًا فَيُطْبَخُ طَعَامًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْمَبِيعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَدْ تَلِفَ حُكْمًا . وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِهِ بِأَنْ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ سَلَّمَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَبِيعُ ثَانِيَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَزَادَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَإِذَا أَجَّرَ الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَاةَ غَنَمٍ فَذُبِحَ دُونَ أَنْ يُقْطَعَ أَوْ قُطْنًا مُجَلَّحًا فَإِذَا زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ شَيْئًا فَالزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ ( خُلَاصَةٌ ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَلَمْ يَتْلَفْ حُكْمًا . إيضَاحُ زِيَادَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الثَّمَنِ . كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ زِيَادَةُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَكُلُّ مَوْضِعٍ جَازَ أَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى مِنْ الْمُشْتَرِي يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ الْعَقْدِ . إلَّا أَنَّ لِزِيَادَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الثَّمَنِ خَمْسَ صُوَرٍ : أَوَّلًا - أَنْ يَزِيدَ الْأَجْنَبِيُّ الثَّمَنَ بِأَمْرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي . ثَانِيًا - أَنْ يَزِيدَ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُجِيزُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا . ثَالِثًا - أَنْ يَزِيدَ بِلَا أَمْرٍ مِنْهُ وَلَا إجَازَةٍ . رَابِعًا - أَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ . خَامِسًا - أَنْ يُضِيفَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ إلَى مَالِهِ . فَفِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً وَفِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَفِي الثَّالِثَةِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةً وَفِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ الزِّيَادَةَ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ ضَمِنَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَضَافَهَا إلَى مَالِهِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَّا كَانَ مُتَبَرِّعًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ ( هِنْدِيَّةٌ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 7 5 6 ) . ( الْمَادَّةُ 356 ) حَطُّ الْبَائِعِ مِقْدَارًا مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ مَثَلًا لَوْ بِيعَ مَالٌ بِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ حَطَطْت مِنْ الثَّمَنِ عِشْرِينَ قِرْشًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مُقَابِلَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ قِرْشًا فَقَطْ إنَّ هِبَةَ الْبَائِعِ مِقْدَارًا مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لِلْمُشْتَرِي أَوْ حَطَّهُ مِقْدَارًا مِنْهُ عَنْهُ أَوْ إبْرَاءَهُ مِنْ بَعْضِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا أَمْ هَالِكًا حَقِيقَةً أَمْ حُكْمًا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْحَطِّ قَبُولُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْحَطَّ إبْرَاءٌ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 568 1 ) إلَّا أَنَّهُ يُصْبِحُ مَرْدُودًا بِالرَّدِّ ( ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ ) فَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ لَكِنْ يَجُوزُ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِبَةِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ حَطُّهُ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ إيفَاءِ الثَّمَنِ يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ صَحِيحًا لَا الْهِبَةُ وَالْحَطُّ بَعْدَ الْإِيفَاءِ لَا يُضَافَانِ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 158 لَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي
____________________
(1/206)
لَمْ يُؤَدِّ بِالْإِيفَاءِ عَيْنَ الْوَاجِبِ بَلْ مِثْلَهُ فَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى بَعْدَ الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ حَقُّ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنْ الْمُطَالَبَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَطُّ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَمِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ ( بَحْرٌ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . دُرُّ الْمُخْتَارِ ) فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ تَمَامًا قَبْلَ الْحَطِّ مِنْهُ أَوْ الْإِبْرَاءِ إبْرَاءِ إسْقَاطٍ أَوْ الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْمِقْدَارَ الَّذِي حَطَّهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَسْقَطَهُ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ قَيَّدَ الْإِبْرَاءَ فِي الشَّرْحِ بِالْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا : إبْرَاءُ إسْقَاطٍ . وَالثَّانِي : إبْرَاءُ اسْتِيفَاءٍ . فَإِذَا أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَدَّى الثَّمَنَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ أَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ إبْرَاءَ اسْتِيفَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ مَا قَبَضَهُ وَبَرَاءَةُ الْإِسْقَاطِ تَكُونُ بِعِبَارَةِ ( أَبْرَأْت بِبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ ) أَوْ ( حَطَطْت بِبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ ) وَبَرَاءَةُ الِاسْتِيفَاءِ تَكُونُ بِعِبَارَةِ ( أَبْرَأْت بِبَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ ) أَوْ ( أَبْرَأْت بِبَرَاءَةِ الْقَبْضِ ) . أَمَّا إذَا أَطْلَقَ الْبَائِعُ الْإِبْرَاءَ فَيُحْمَلُ عَلَى بَرَاءَةِ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ أَقَلُّ مِنْ الْأُخْرَى ( بَحْرٌ ) أَمَّا الْهِبَةُ وَالْحَطُّ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا عَلَى قِسْمَيْنِ كَالسَّابِقِ فَإِذَا وَهَبَ الْبَائِعُ مِقْدَارًا مِنْ الثَّمَنِ . أَوْ حَطَّ مِقْدَارًا مِنْهُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ فَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي حَطَّهُ عَنْهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . طَحْطَاوِيٌّ . بَحْرٌ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1 26 ) . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى كَمَا يَجُوزُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الزِّيَادَةُ فِيهِ يَجُوزُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الزِّيَادَةُ فِيهِ . ( الْخُلَاصَةُ ) . ( الْمَادَّةُ 257 ) زِيَادَةُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَتَنْزِيلُ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ تَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ يَعْنِي يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَا حَصَلَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ ( زِيَادَةُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ ) كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ 254 ( وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ ) كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ 255 ( وَتَنْزِيلُ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ ) كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ 256 أَيْ أَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْمَوَادِّ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةٌ : - الِاسْتِنَادُ وَالِانْقِلَابُ وَالِاقْتِصَارُ وَالتَّبْيِينُ . الِاسْتِنَادُ - ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ بِاسْتِنَادِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالِاسْتِنَادُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاقْتِصَارِ اللَّذَيْنِ سَيَأْتِي بَيَانُهُمَا مِثَالُ ذَلِكَ الْغَاصِبُ الَّذِي غَصَبَ مَالًا قَبْلَ شَهْرٍ فَاسْتَهْلَكَهُ فَإِذَا ضَمِنَ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ فِي يَوْمٍ كَانَ مَالِكًا لِلْمَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَكِنْ حُكْمُ هَذِهِ الْمِلْكِيَّةِ يَرْجِعُ إلَى الْوَرَاءِ أَيْ إلَى يَوْمِ الْغَصْبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْمَالِ فَيَكُونُ الْغَاصِبُ بِمَنْزِلَةِ مُسْتَهْلِكٍ مَالَ نَفْسِهِ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ . الِانْقِلَابُ - صَيْرُورَةُ الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ عِلَّةٌ كَالتَّعْلِيقِ . مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ إنْسَانٌ لِذِي دَيْنٍ إذَا حَضَرَ مَدِينُك فَأَنَا كَفِيلٌ بِمَالِك عَلَيْهِ فَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ فِي الْحَالِ عِلَّةً وَسَبَبًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ . الْكَفَالَةُ وَلَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِمَا كَفَلَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْمَدِينُ مِنْ السَّفَرِ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ فَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ سَبَبًا وَعِلَّةً لِثُبُوتِ الْحُكْمِ قَدْ انْتَقَلَ فِيمَا بَعْدُ فَصَارَ سَبَبًا وَعِلَّةً وَأَصْبَحَ الْكَفِيلُ مُطَالَبًا بِالْمَكْفُولِ بِهِ . الِاقْتِصَارُ - ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ كَإِنْشَاءِ الْبَيْعِ .
____________________
(1/207)
التَّبَيُّنُ - ظُهُورُ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ إنْسَانٌ لِامْرَأَتِهِ إذَا كَانَ زَيْدٌ فِي دَارِهِ فَأَنْتِ طَالِقَةٌ فَإِذَا تَبَيَّنَ فِي الْغَدِ أَنَّ زَيْدًا كَانَ فِي دَارِهِ حِينَمَا صَدَرَ مِنْهُ الطَّلَاقُ فَالْمَرْأَةُ تَكُونُ طَالِقَةً مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ بَدْءُ عِدَّتِهَا ذَلِكَ الْحِينِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . يَعْنِي كَأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ وَاقِعَتَانِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ . مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ ثَمَانِي بِطِّيخَاتٍ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ ثُمَّ زَادَ بِطِّيخَتَيْنِ عَلَى الْمَبِيعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ ابْتِدَاءً عَلَى عَشْرِ بِطِّيخَاتٍ بِثَمَانِ عَشَرَةَ قُرُوشٍ وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ دَابَّةٌ بِأَلْفِ قِرْشٍ ثُمَّ زَادَ الْمُشْتَرِي مِائَتَيْ قِرْشٍ عَلَى الثَّمَنِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ الزِّيَادَةَ يُعْتَبَرُ أَنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ بِيعَتْ ابْتِدَاءً بِأَلْفِ قِرْشٍ وَمِائَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ مَالٌ بِمِائَةِ قِرْشٍ فَحَطَّ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ عِشْرِينَ يُعْتَبَرُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ بِيعَ ابْتِدَاءً بِثَمَانِينَ قِرْشًا وَالْتِحَاقُ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : فِيمَا إذَا تَلِفَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ . وَالثَّانِي : فِيمَا إذَا ظَهَرَ عَيْبٌ فِي الزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا يَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الْمَادَّةِ ( 135 ) . الثَّالِثُ : الشُّفْعَةُ . الرَّابِعُ : فَسَادُ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ . وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 258 ) وَالْتِحَاقُ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي سَبْعَةِ أُمُورٍ : - التَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ وَالشُّفْعَةُ وَالِاسْتِحْقَاقُ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُهُ وَفَسَادُ الْعَقْدِ . التَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ - الْمُشْتَرِي يَتَوَلَّى وَيُرَابِحُ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ فِي مَجْمُوعِ الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ وَفِي الْمَحْطُوطِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَاقِيهِ الشُّفْعَةُ - إذَا حَطَّ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ بِبَاقِي الثَّمَنِ كَمَا اتَّضَحَ ذَلِكَ ( فِي الْمَادَّةِ 260 ) الِاسْتِحْقَاقُ - سَيَجِيءُ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَادَّةِ ( 259 ) هَلَاكُ الْمَبِيعِ - سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ ( 258 ) . حَبْسُ الْمَبِيعِ - إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَقْبِضَ أَصْلَ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 278 ) . فَسَادُ الْعَقْدِ - إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ شَيْئًا غَيْرَ صَالِحٍ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فَقَبِلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي جَاءَتْ آنِفًا أَنَّ أَحْكَامَ الْمَوَادِّ ( 258 و 259 و 0 26 ) مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ . وَالْتِحَاقُ الْحَطِّ مِنْ الثَّمَنِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلَّا يَكُونَ الْحَطُّ مِنْ الْوَكِيلِ فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ عَقَارًا بِأَلْفِ قِرْشٍ ثُمَّ حَطَّ بَعْدَ الْعَقْدِ مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ مَا حَطَّهُ لِمُوَكِّلِهِ وَإِذَا ظَهَرَ لِهَذَا الْعَقَارِ شَفِيعٌ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَيْ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَالثَّانِي أَلَّا يَكُونَ الْمَحْطُوطُ مِنْ الثَّمَنِ تَابِعًا وَلَا وَصْفًا كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ ( 0 26 ) فَإِنْ كَانَ الْمَحْطُوطُ مِنْ الثَّمَنِ تَابِعًا وَوَصْفًا لَا يَلْتَحِقُ الْحَطُّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اُشْتُرِيَ عَقَارٌ بِعَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ نَقْدِ قِرْشٍ مِنْ الْعُمْلَةِ الْخَالِصَةِ ثُمَّ قَبِلَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي عَشَرَةَ آلَافِ قِرْشٍ مِنْ الْعُمْلَةِ الْمَغْشُوشَةِ فَالْبَيْعُ بَاقٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ قِرْشٍ مِنْ الْعُمْلَةِ الْخَالِصَةِ فَإِذَا ظَهَرَ شَفِيعٌ فِي الْمَبِيعِ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ مِنْ الْعُمْلَةِ
____________________
(1/208)
الْخَالِصَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْعُمْلَةِ الْمَغْشُوشَةِ وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ عَقَارٌ بِحِصَانٍ أَصِيلٍ صَحِيحٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافِ قِرْشٍ ثُمَّ أَصَابَ الْحِصَانَ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَنَزَلَتْ قِيمَتُهُ إلَى ثَمَانِيَةِ آلَافِ قِرْشٍ ثُمَّ أَنَّ الْبَائِعَ قَبَضَ الْحِصَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَبِلَهُ عَلَى عَيْبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ يُعْتَبَرُ مُقَابِلًا لِلْحِصَانِ وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا ظَهَرَ شَفِيعٌ لِذَلِكَ الْعَقَارِ فَلَهُ أَخْذُ الْعَقَارِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْحِصَانِ وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ مَعِيبٌ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . ( الْمَادَّةُ 358 ) مَا زَادَهُ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى مَثَلًا لَوْ بَاعَ ثَمَانِي بِطِّيخَاتٍ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ زَادَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ بِطِّيخَتَيْنِ فَصَارَتْ عَشْرَةً وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ عَشْرَ بِطِّيخَاتٍ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الْبِطِّيخَتَانِ الْمَزِيدَتَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَزِمَ تَنْزِيلُ ثَمَنِهَا قِرْشَيْنِ مِنْ أَصْلِ ثَمَنِ الْبِطِّيخِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ حِينَئِذٍ مِنْ الْمُشْتَرِي سِوَى ثَمَنِ ثَمَانِي بِطِّيخَاتٍ كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مِنْ أَرْضِهِ أَلْفَ ذِرَاعٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ زَادَ الْبَائِعُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ فَتَمَلَّكَ رَجُلٌ الْأَرْضَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ كَانَ لِهَذَا الشَّفِيعِ أَخْذُ جَمِيعِ الْأَلْفِ وَمِائَةِ الذِّرَاعِ الْمَبِيعَةِ وَالْمَزِيدَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ . إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَسَبَ حُكْمِ الْمَادَّةِ الْمَارَّةِ آنِفًا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْأُولَى تَلَفُ الْمَبِيعِ يَعْنِي إذَا تَلِفَ مَا زِيدَ عَلَى الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 293 ) أَمَّا إذَا تَلِفَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَيَكُونُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَالزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ لَا تَلْتَحِقُ ( زَيْلَعِيٌّ , رَدُّ الْمُحْتَارِ ) فَأَمَّا حَطُّ قِرْشَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ الْبِطِّيخَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ فَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَشْرُ الْبِطِّيخَاتِ مُسَاوِيًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ فِي الْقِيمَةِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ بِطِّيخَةٍ مِنْهَا بِقِرْشٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَفَاوِتَةَ الْقِيمَةِ فَمَا يَجِبُ تَنْزِيلُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْبِطِّيخَتَيْنِ يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَسَبَ الْأُصُولِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْمَادَّةِ 177 . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الشُّفْعَةُ وَقَدْ جَاءَ مِثَالُهَا فِي مَتْنِ هَذِهِ الْمَادَّةِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الرَّدُّ بِالْعَيْبِ كَأَنْ يَشْتَرِيَ إنْسَانٌ ثَمَانِي بِطِّيخَاتٍ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ فَيَزِيدُ الْبَائِعُ عَلَيْهَا بِطِّيخَتَيْنِ ثُمَّ يَجِدُ الْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ الْبِطِّيخَاتِ عَيْبًا قَدِيمًا فَيَجْرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الْمَادَّةِ ( 1 35 ) وَهُوَ تَخْيِيرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبِطِّيخَاتِ جَمِيعَهَا وَأَنْ يَقْبَلَهَا جَمِيعَهَا بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَذَلِكَ إذَا كَانَ ظُهُورُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ مِنْ الْبِطِّيخِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ الْمَعِيبُ مَا زِيدَ عَلَى أَصْلِ الْمَعِيبِ . الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فَسَادُ الْعَقْدِ وَذَلِكَ إذَا زَادَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَبِيعِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَبِلَ
____________________
(1/209)
الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ . ( الْمَادَّةُ 259 ) إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنٍ شَيْئًا كَانَ مَجْمُوعُ الثَّمَنِ مَعَ الزِّيَادَةِ مُقَابِلًا لِجَمِيعِ الْمَبِيعِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ مَثَلًا لَوْ اشْتَرَى عَقَارًا بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ فَزَادَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الثَّمَنِ خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ وَقَبِلَ الْبَائِعُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ كَانَ ثَمَنُ ذَلِكَ الْعَقَارِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَقَارِ فَأَثْبَتَهُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ وَتَسَلَّمَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ أَمَّا لَوْ ظَهَرَ شَفِيعٌ لِذَلِكَ الْعَقَارِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَكَوْنَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الَّتِي صَدَرَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ تَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ ذَلِكَ الشَّفِيعِ فَلِذَا لَا تَلْزَمُهُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بَلْ يَأْخُذُ الْعَقَارَ بِعَشَرَةِ آلَافِ الْقِرْشِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الثَّمَنِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِخَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ الَّتِي زَادَهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ هَذَا وَيَنْطَبِقُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ 255 وَالْمَادَّةِ 257 وَأَثَرُ هَذَا الِالْتِحَاقِ يَظْهَرُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَحَبْسِ الْمَبِيعِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 255 لَا يُشْتَرَطُ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وُجُودُ الْمَبِيعِ . وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ الْمُبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مَعَ تَوَفُّرِ شُرُوطِ الْإِجَازَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْمَادَّةِ 378 أَخَذَ عَشَرَةَ الْآلَافِ وَخَمْسَمِائَةِ الْقِرْشِ كَامِلَةً ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَلَا تُعَدُّ زِيَادَةُ خَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ فِي الْمَبِيعِ تَبَرُّعًا لِلْبَائِعِ يَجِبُ بَقَاؤُهَا بِيَدِهِ . وَكَذَلِكَ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ كَمَا إذَا رَدَّهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ أَوْ الرُّؤْيَةِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعَشَرَةِ الْآلَافِ وَخَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ تَمَامِ الثَّمَنِ . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مُشْتَرٍ ذَلِكَ الْعَقَارَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ بِطَرِيقِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ 278 حَتَّى يَقْبِضَ الزِّيَادَةَ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الثَّمَنِ . وَكَذَلِكَ إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ثُمَّ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ أَصْلُ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةِ أَمَّا إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَلَا تَلْتَحِقُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ أَنْ تَلْتَحِقَ الزِّيَادَةُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَجِبَ حَسَبَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ الْمَشْفُوعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَيْ بِأَصْلِ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ لِلسَّبَبِ الَّذِي يَأْتِي بَيَانُهُ جَعَلَتْ لِلشَّفِيعِ أَخْذَ الْمَشْفُوعِ بِأَصْلِ الثَّمَنِ فَقَطْ دُونَ الزِّيَادَةِ وَعَلَى ذَلِكَ إذَا ظَهَرَ لِذَلِكَ الْعَقَارِ شَفِيعٌ فِيمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ الَّذِي سُمِّيَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَيْ بِعَشَرَةِ الْآلَافِ قِرْشٍ وَخَمْسِ الْمِائَةِ الَّتِي زِيدَتْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَاقِدَيْنِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الشَّفِيعَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْعَاقِدَيْنِ مِنْ أَخْذِ الْمَشْفُوعِ بِعَشَرَةِ الْآلَافِ قِرْشٍ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَا يَحِقّ
____________________
(1/210)
ُ لِلْعَاقِدَيْنِ أَنْ يُبْطِلَا حَقَّ الشَّفِيعِ فِي أَخْذِ الْمَشْفُوعِ بِالثَّمَنِ الْأَصْلِيِّ بِأَنْ يَزِيدَا فِي الثَّمَنِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَشْفُوعَ بِالْعَشَرَةِ الْآلَافِ الْقِرْشِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الشَّفِيعَ بِخَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ( بَحْرٌ , دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) تَوْضِيحُ الْقُيُودِ - قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ الزِّيَادَةَ مِنْ الشَّفِيعِ . يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَبِلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بِحُضُورِ الْمُشْتَرِي وَحَكَمَ الْحَاكِمُ لِلشَّفِيعِ بِالْمَشْفُوعِ وَحَكَمَ عَلَى الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَشْفُوعِ لَهُ يُنَبَّهُ عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ عَشَرَةَ آلَافِ قِرْشٍ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ بِخَمْسِ الْمِائَةِ الَّتِي زِيدَتْ وَلَكِنْ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَذِهِ الزِّيَادَةَ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَدَاءَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ نُزِعَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَبْقَ فِي إمْكَانِهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُ زِيَادَةِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي ( شَارِحٌ ) . وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا ضُبِطَ الْمَبِيعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبَائِعِ . وَإِذَا تَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي الْعَقَارَ مِنْ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ فَخَصْمُ الشَّفِيعِ هُوَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ حُضُورُ الْبَائِعِ فَإِذَا حُكِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الْمَشْفُوعِ إلَى الشَّفِيعِ يُنَبَّهُ عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي عَشَرَةَ آلَافِ قِرْشٍ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعَ خَمْسَ الْمِائَةِ الْقِرْشِ الزَّائِدَةِ وَإِذَا كَانَ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِأَدَاءِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ هُوَ عَقْدُ الْبَيْعِ وَعَقْدُ الْبَيْعِ الَّذِي بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بَاقٍ كَالْأَوَّلِ وَغَيْرُ مُنْفَسِخٍ وَعِبَارَةُ ( فَإِذَا ظَهَرَ لِذَلِكَ الْعَقَارِ شَفِيعٌ ) جَاءَتْ لِبَيَانِ قَيْدِ الْعَاقِدَيْنِ وَلِتَوْضِيحِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ بِذَلِكَ الْقَيْدِ ( الْمَادَّةُ 260 ) إذَا حَطَّ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ مِقْدَارًا كَانَ جَمِيعُ الْمَبِيعِ مُقَابِلًا لِلْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّنْزِيلِ وَالْحَطِّ مَثَلًا لَوْ بِيعَ عَقَارٌ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ قِرْشٍ كَانَ ذَلِكَ الْعِقَارُ مُقَابِلًا لِتِسْعَةِ آلَافِ الْقِرْشِ الْبَاقِيَةِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ ظَهَرَ شَفِيعٌ لِلْعَقَارِ الْمَذْكُورِ أَخَذَهُ بِتِسْعَةِ آلَافِ قِرْشٍ فَقَطْ . كَمَا تَبَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 256 ) إذَا حَطَّ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ وَهَبَ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِهِ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ فَإِنَّ الْحَطَّ وَالْهِبَةَ وَالْإِبْرَاءَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 257 ) تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيُصْبِحُ تَمَامُ الْمَبِيعِ مُقَابِلًا لِبَاقِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَمِنْ الْمَادَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ آنِفًا أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْمَشْفُوعَ بِالْأَقَلِّ فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ فَلَوْ بِيعَ عَقَارٌ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَظَهَرَ لَهُ شَفِيعٌ وَأَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ أَعْطَى الْمُشْتَرِي أَلْفَ الْقِرْشِ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ فَلِلشَّفِيعِ أَيْضًا أَنْ يَسْتَرِدَّ مِائَةَ قِرْشٍ مِنْ الْمَبْلَغِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97 ) أَمَّا إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَسَلَّمَهُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَكُونُ عَقْدًا جَدِيدًا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْهِبَةِ لَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ
____________________
(1/211)
الْعَقْدِ وَلَا يَسْتَفِيدُ الشَّفِيعُ مِنْ هَذِهِ الْهِبَةِ ( طَحْطَاوِيّ ) وَكَذَلِكَ إذَا حَطَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مِقْدَارًا مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ ( 256 ) وَلَا يَسْتَفِيدُ الشَّفِيعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا ضُبِطَ الْمَبِيعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَدَّى الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الْبَاقِي بَعْدَ الْحَطِّ . ( الْمَادَّةُ 261 ) لِلْبَائِعِ أَنْ يَحُطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكِنْ لَا يَلْحَقُ هَذَا الْحَطُّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَثَلًا لَوْ بَاعَ عَقَارًا بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ ثُمَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْعَقَارَ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدُونِ ثَمَنٍ أَصْلًا . الْبَائِعُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَعْدَ قَبْضِهِ جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُطَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَنْ يَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَنْ يُبْرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَيُسْقِطَ الثَّمَنَ بِذَلِكَ وَلَا يَطْرَأَ خَلَلٌ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1562 ) . أَمَّا الْحَطُّ الَّذِي يَقَعُ قَبْلَ تَمَامِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَدْ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَقَدْ وَهَبْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ أَوْ أَبْرَأْتُك مِنْهَا فَيُجِيبُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبُولِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بَرِيئًا مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ إيجَابِهِ فَالْإِبْرَاءُ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبُولِ إبْرَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا ( مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ ) وَحَطُّ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ مَقْصِدَ الطَّرَفَيْنِ التِّجَارَةُ وَالْمُعَاوَضَةُ فَلَوْ الْتَحَقَ حَطُّ الْكُلِّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَانْقَلَبَ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ عَقْدَ هِبَةٍ وَتَبَرُّعٍ أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَكُونُ عَقْدًا فَاسِدًا لَكِنْ لَيْسَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ شُفْعَةٌ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَلَعَلَّهُ يَقْصِدُ مِنْ لَفْظِ ' فَاسِدًا ' بَاطِلًا ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 109 ) ( شَارِحٌ ) وَالْمِثَالُ الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ مِثَالٌ لِلْحَطِّ قَبْلَ الْقَبْضِ . الْحَطُّ وَالْإِبْرَاءُ بَعْدَ الْقَبْضِ : إذَا حَطَّ الْبَائِعُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْمَبِيعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَهُ فَصَحِيحٌ وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ مِنْ الْبَائِعِ مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا إذَا بِيعَ مَالٌ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَاسْتَوْفَى الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَامِلًا مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ حَطَطْت عَنْك مِائَةَ الْقِرْشِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ أَوْ وَهَبْت لَك ذَلِكَ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ جَمِيعَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي مِنْ مَجْمُوعِ الثَّمَنِ فَلِذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ : - الْأُولَى : أَنْ يُبْرِئَهُ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ كَمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ سِلْعَةً بِمِائَةِ قِرْشٍ وَبَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ كَامِلًا قَالَ لَهُ قَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ مِائَةِ الْقِرْشِ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ فَإِبْرَاؤُهُ صَحِيحٌ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ الْمِائَةَ الْقِرْشِ إلَى الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 158 و 256 ) الثَّانِيَةُ : إذَا أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي إبْرَاءَ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْإِبْرَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ حَقٌّ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ .
____________________
(1/212)
الثَّالِثَةُ : إذَا أُطْلِقَ الْإِبْرَاءُ وَلَمْ يُبَيَّنْ أَيُّ إبْرَاءٍ هُوَ كَمَا إذَا قِيلَ أَبْرَأْتُك مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ حُمِلَ هَذَا الْإِبْرَاءُ الْمُطْلَقُ عَلَى أَنَّهُ إبْرَاءُ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ . لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ أَقَلُّ مِنْ بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ فَالْإِطْلَاقُ فِي حُكْمِ النَّصِّ عَلَى تِلْكَ الْبَرَاءَةِ . قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ لَفْظُ ( وَاحِدَةً ) قَيْدًا ( لِحَطِّ ثَمَنِ الْمَبِيعِ دَفْعَةً ) لِأَنَّ عَدَمَ الْتِحَاقِ الْحَطِّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا إذَا حَطَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِكَلِمَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَالْحَطُّ الْأَخِيرُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ مَا قَبْلَهُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ أَلْفَ قِرْشٍ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ مِائَتَيْنِ مِنْ الْأَلْفِ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَحَطَّ ثَلَثَمِائَةٍ بِالثَّانِيَةِ ثُمَّ مِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّالِثَةِ ثُمَّ ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بِالرَّابِعَةِ فَالْحَطُّ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْحَطِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَادَّةِ ( 260 ) . أَمَّا الْحَطُّ الرَّابِعُ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ هَذَا الْحَطَّ الْأَخِيرَ حَطٌّ لِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَالْحَطُّ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالرَّابِعُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّهِ وَلَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ يَأْخُذُ الْعَقَارَ بِثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) .
____________________
(1/213)
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَفِيهِ سِتَّةُ فُصُولٍ : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِمَا ( الْمَادَّةُ 262 ) الْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى تَمَّ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ أَوَّلًا ثُمَّ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَيْهِ . يَعْنِي لَا يُشْتَرَطُ لِتَمَامِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْمُطْلَقِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ وَالْبَائِعَ لِلثَّمَنِ بَلْ إنَّ الْبَيْعَ يُفِيدُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ وَالْبَائِعِ لِلثَّمَنِ فَلِذَلِكَ إذَا نَدِمَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ فَلَا يَحِقُّ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يُقْبَضْ وَأَنَّ مَجْلِسَ الْبَيْعِ لَمْ يَنْقَضِ ( عَلِيٌّ أَفَنْدِي ) إلَّا أَنَّ لُزُومَ الضَّمَانِ لِلْمُشْتَرِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 293 و 294 ) أَمَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الصَّرْفِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ وَفِي السَّلَمِ قَبْضُ الثَّمَنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 378 ) إلَّا أَنَّهُ إذَا حَصَلَ نِزَاعٌ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ قَابِلًا لِلنَّقْضِ وَكَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا وَالثَّمَنُ مُعَجَّلًا وَلَا خِيَارَ فِي الْبَيْعِ كَانَ الْمُشْتَرِي مُجْبَرًا عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِلْبَائِعِ أَوْ لِمَنْ يَأْمُرُ الْبَائِعُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَكَانَ الْبَائِعُ مُجْبَرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ لِمَنْ يَأْمُرُ الْمُشْتَرِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا مُجْبَرًا بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ 204 يَتَعَيَّنُ الْمَبِيعُ بِالتَّعْيِينِ وَيَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَبِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْبَيْعِ يَتَعَيَّنُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 243 ) لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنُ بِالتَّعْيِينِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِهِ فَلِذَلِكَ وَتَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ ( يُسَلِّمُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي ) أَنَّ الْبَائِعَ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى زَوْجِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ إلَى شَخْصٍ آخَرَ بِمَرْأَى مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى أَبُو الصَّغِيرِ مَالًا لِوَلَدِهِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَلَغَ الصَّغِيرُ فَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْأَبِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1461 ) أَمَّا إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى شَخْصٍ أَمَرَ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ الْقَبْضُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ فَإِذَا أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 253 ) . بِمَا . أَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا إعْطَاءُ الثَّمَنِ فَإِذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مَالًا عَلَى شَرْطٍ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ
____________________
(1/214)
قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 189 ) . الْمَسَائِلُ الَّتِي لَا يَلْزَمُ فِيهَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ قَبْلُ هِيَ : أَوَّلًا - بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ 379 . ثَانِيًا - بَيْعُ الصَّرْفِ يَجِبُ فِيهِ أَدَاءُ الْبَدَلَيْنِ مَعًا لِأَنَّ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِيهِ تَسَاوِيًا فَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُ تَسْلِيمِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ . ثَالِثًا - بَيْعُ الْمَنْقُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ . رَابِعًا - إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ مُقَدَّمًا حَسَبَ الْمَادَّةِ 28( هِنْدِيَّةٌ . أَبُو السُّعُودِ . مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . طَحْطَاوِيٌّ ) خَامِسًا - إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا أَنْ يَطْلُبَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ . فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُ الثَّمَنِ قَبْلَ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ ) . سَادِسًا - إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَنَّ فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا يُوجِبُ فَسْخَ الْبَيْعِ أَوْ حَطَّ الثَّمَنِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَلْ يَجِبُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 337 أَنْ يَتَقَاضَيَا فَإِذَا ظَهَرَ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ رَدُّهُ وَإِذَا ظَهَرَ مَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ . سَابِعًا - إذَا بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ الْمَأْجُورَةَ وَوَافَقَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ فَسْخِ الْبَيْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُجْبِرَ الْبَائِعَ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ الدَّارَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمُشْتَرِي ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( أَنْوَاعُ الْقَبْضِ وَقِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ ) . الْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَبْضُ مَضْمُونٍ . الثَّانِي : قَبْضُ أَمَانَةٍ . إذَا كَانَ الْقَبْضَانِ مُتَجَانِسَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا قَبْضَ مَضْمُونٍ أَوْ قَبْضَ أَمَانَةٍ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ أَمَّا إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ لَا يَقُومُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ مَقَامَ قَبْضِ الْمَضْمُونِ لِأَنَّ فِي الْأَعْلَى مِثْلَ الْأَدْنَى وَزِيَادَةً بِخِلَافِ الْأَدْنَى . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ شَخْصٌ مَالًا بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ثُمَّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ فَالْقَبْضُ الَّذِي ضِمْنَ الْغَصْبِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَقُومُ مَقَامَ الَّذِي يَكُونُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ أَمَّا إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ آخَرُ مَالًا أَوْ أَعَارَهُ أَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْهُ احْتَاجَ ذَلِكَ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ وَلَا يَقُومُ قَبْضُهُ بِطَرِيقٍ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الْقَبْضُ الَّذِي يَلْزَمُ بِالْبَيْعِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ الْوَدِيعَةَ الَّتِي فِي بَيْتِهِ مِنْ مُودِعِهَا ثُمَّ عَادَ إلَى بَيْتِهِ فَوَجَدَهَا قَدْ هَلَكَتْ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُودِعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 293 ) . أَمَّا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ الْوَدِيعَةَ الَّتِي فِي يَدِهِ وَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ لَيْسَتْ حَاضِرَةً غَيْرَ أَنَّ الْمُشْتَرِي قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهَا وَتَسَلُّمِهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ عُدَّ الْمُشْتَرِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَابِضًا وَلَا يُعَدُّ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى إنَّهُ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ يَدُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمَبِيعِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِطَرِيقِ الِاسْتِيدَاعِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 278 ) ( هِنْدِيَّةٌ . زَيْلَعِيٌّ ) .
____________________
(1/215)
( الْمَادَّةُ 263 ) تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ مَانِعٍ مِنْ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ إذَا أَذِنَ الْبَائِعُ . لِلْمُشْتَرِي بِتَسَلُّمِ الْمَبِيعِ الَّذِي يَكُونُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا وَمُفْرَزًا ثَانِيًا وَغَيْرَ مَشْغُولٍ بِحَقِّ الْغَيْرِ ثَالِثًا أَيْ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَانِعٌ وَلَا حَائِلٌ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَأَذِنَ لَهُ بِالتَّسَلُّمِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ جَهْدِ الْبَائِعِ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْقَبْضُ بِالْفِعْلِ عَائِدٌ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ الْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ شَخْصٌ بَغْلَتَهُ الَّتِي فِي دَارِهِ مِنْ آخَرَ وَكَانَتْ الْبَغْلَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ قَبْضَ الْبَغْلَةِ وَتَسَلُّمَهَا بِلَا مَانِعٍ وَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَغْلَةِ فَتَسَلَّمْهَا فَبِذَلِكَ يَتِمُّ التَّسْلِيمُ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَسَلَّمْهَا الْمُشْتَرِي حِينَ ذَاكَ وَتَرَكَهَا لِلْغَيْرِ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا فَهَلَكَتْ فِي دَارِ الْبَائِعِ , بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا تَقْصِيرٍ فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَيَكُونُ هَلَاكُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 295 ) أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالتَّخْلِيَةُ فِي دَارِ الْبَائِعِ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ ( وَاقِعَاتٌ ) . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا وَأَمَرَهُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ ثُمَّ سَرَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَرِيبًا مِنْ الْمُشْتَرِي بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ قَبْضَهُ بِدُونِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ حِينَمَا أُمِرَ بِقَبْضِهِ تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ قَبْضَ الْمَبِيعِ بِلَا قِيَامٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ ( خُلَاصَةٌ ) أَنَّ الْقَبْضَ يَحْصُلُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ وَإِلَّا فَتَسْلِيمُ أَحَدِ مِصْرَاعَيْ الْبَابِ أَوْ أَحَدِ زَوْجَيْ النَّعْلِ مِمَّا يَكُونُ فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا لِلْآخَرِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ بَابًا ذَا شَطْرَيْنِ أَوْ حِذَاءً فَتَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ شَطْرَيْ الْبَابِ أَوْ أَحَدَ زَوْجَيْ الْحِذَاءِ وَتَلِفَ الشَّطْرُ الْآخَرُ مِنْ الْبَابِ أَوْ الزَّوْجُ الْآخَرُ مِنْ الْحِذَاءِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فَتَلَفُهُ عَلَى الْبَائِعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 293 ) فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُ أَحَدِهِمَا قَبْضًا لِلْآخَرِ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ أَوْ يَأْخُذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيُرَى فِي الْخِيَارِ أَنَّهُمَا جُعِلَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا مِنْ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّيْءِ فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَبْضًا لِلْآخَرِ حُكْمًا فَإِذَا تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَحْبِسْهُ أَوْ يَمْنَعْهُ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ ) وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 276 . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 54 ) . قَدْ قِيلَ ( بَعْدَ الْبَيْعِ ) لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ بِعْت هَذَا الْمَتَاعَ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَسَلَّمْته وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الْوَارِدِ فِي الْإِيجَابِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَعِبَارَةُ ( الْمَبِيعِ ) فِي الْمَادَّةِ تُفِيدُ هَذَا الْقَيْدَ أَيْ قَيْدَ ( بَعْدَ الْبَيْعِ ) لِأَنَّ صَيْرُورَةَ الشَّيْءِ مَبِيعًا حَقِيقَةً بَعْدَ تَعَلُّقِ عَقْدِ الْبَيْعِ بِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ . ( بِلَا مَانِعٍ ) أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَسْلِيمِهِ كَمَا سَيَتَّضِحُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّتَيْنِ ( 267 و 268 ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا وَكَانَ فِيهَا مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ أَوْ مَزْرَعَةٌ وَكَانَ فِيهَا زَرْعُ الْبَائِعِ فَاشْتِغَالُ الْمَبِيعِ بِذَلِكَ مَانِعٌ لِلتَّسْلِيمِ فَلِذَلِكَ صَدَرَ إذْنُ الْبَائِعِ بِالتَّسَلُّمِ وَقَبْضِهِ وَالْمَبِيعُ مَشْغُولٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ تَسْلِيمٌ لَكِنْ إذَا أَوْدَعَ الْبَائِعُ مَا فِي دَارِهِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ الْمُشْتَرَاةِ ثُمَّ سَلَّمَ الدَّارَ
____________________
(1/216)
فَالتَّسْلِيمُ صَحِيحٌ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ ) . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ مِمَّنْ يُسَاكِنُهُ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يُخَلِّ الدَّارَ وَيَخْرُجْ مِنْهَا فَلَا يُعَدُّ الْمُشْتَرِي قَابِضًا وَإِذَا بَاعَ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارِهِ الَّتِي يَسْكُنُهَا أَوْ الَّتِي فِيهَا عِيَالُهُ وَأَمْتِعَتَهُ أَوْ ثِيَابَهُ الَّتِي يَلْبَسُهَا أَوْ دَابَّتَهُ الَّتِي يَرْكَبُهَا أَوْ الَّتِي تَحْمِلُ أَمْتِعَتَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ مَا لَمْ يُخَلِّ الدَّارَ وَيَنْزِعْ الثِّيَابَ وَيَضَعْ الْحِمْلَ عَنْ الدَّابَّةِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ الْأَبُ سَاكِنًا فِي الدَّارِ الَّتِي بَاعَهَا فَاحْتَرَقَتْ أَوْ انْهَدَمَتْ فَإِنَّهَا تَهْلِكُ مِنْ مَالِهِ وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ شَاغِلًا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ 275 وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فِي عِدْلِ الْبَائِعِ عَلَى أَيٍّ شَاغِلًا حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمِهِ وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ ثَمَرًا عَلَى الشَّجَرِ فَإِذَا سَلَّمَهُ الْبَائِعُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إلَى الْمُشْتَرِي فَالتَّسْلِيمُ صَحِيحٌ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) لِأَنَّ الثَّمَرَ شَاغِلٌ لِلشَّجَرِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ الصُّوفَ الَّذِي فِي الْفِرَاشِ وَسَلَّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا كَانَ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَ الصُّوفَ بِدُونِ تَمْزِيقِ الْفِرَاشِ وَإِتْلَافِ الْخِيَاطَةِ يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ شَاغِلٌ لَا مَشْغُولٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ خَلًّا فِي زِقٍّ فَخَتَمَ الْمُشْتَرِي بَابَ الزِّقِّ فَذَلِكَ قَبْضٌ لِلْمَبِيعِ ( خُلَاصَةٌ ) . ( الْمَادَّةُ 264 ) مَتَى حَصَلَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ إذَا تَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَسَبَ الْأُصُولِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ وَالْمَوَادِّ التَّالِيَةِ يَكُونُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ شَرْعًا . وَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ الْقَبْضِ الشَّرْعِيِّ عَلَى قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الْقَبْضِ لُغَةً فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ إلَى الْمُشْتَرِي حَسَبَ الْأُصُولِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ وَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهِ الْمَبِيعَ فَلَا يُعَدُّ الْمُشْتَرِي بِهَذَا الْإِقْرَارِ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 5771 ) فَمَثَلًا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَزْرَعَةِ الْمَشْغُولَةِ بِزَرْعِ الْبَائِعِ فَبِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَا يُعَدُّ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ ) . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ فِي الْآسَتَانَةِ دَارِهِ الَّتِي فِي أَدَرِنَةَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي سَلَّمْتهَا إلَيْك فَيَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ إنْ كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَطَرِيقُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الَّذِي يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ مَجْلِسِ الْبَيْعِ سَيُبَيَّنُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 270 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . بَزَّازِيَّةٌ ) ( الْمَادَّةُ 265 ) تَخْتَلِفُ كَيْفِيَّةُ التَّسْلِيمِ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ . سَيَتَّضِحُ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَادَّةَ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ لَهَا . ( الْمَادَّةُ 266 ) الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ فِي الْعَرْصَةِ أَوْ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ أَوْ كَانَ يَرَاهُمَا مِنْ طَرَفِهِمَا يَكُونُ إذْنُ الْبَائِعِ لَهُ بِالْقَبْضِ تَسْلِيمًا . وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ وَإِذَا كَانَ خَارِجَ ذَلِكَ الْعَقَارِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِ بَابِهِ وَإِقْفَالِهِ فِي الْحَالِ يُعَدُّ قَرِيبًا وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 270 ) وَإِذَا كَانَتْ الْعَرْصَةُ
____________________
(1/217)
وَالْأَرْضُ لَيْسَتْ قَرِيبَةً بِهَذَا الْقَدْرِ فَإِذْنُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا ( خُلَاصَةٌ ) . لِأَنَّ قِيَامَ الْإِذْنِ مَقَامَ الْقَبْضِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ مُمَكَّنًا فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ لِبُعْدِ الْمَبِيعِ فَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ لَيْسَ قَبْضًا ( وَاقِعَاتٌ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَاشْتِرَاطُ الْقُرْبِ مَذْهَبُ الصَّاحِبَيْنِ أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَعِنْدَهُ إنَّ إذْنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْعَرْصَةِ وَالْأَرْضِ تَسْلِيمٌ وَلَوْ كَانَا بِعِيدَيْنِ . وَالْمَبِيعُ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي سَيَكُونُ فِي بَلْدَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ فِيهِ إلَّا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْكَافِي لِلْوُصُولِ إلَيْهِ حَيْثُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّةِ 270 ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْضَ وَالْعَرْصَةَ إذَا كَانَتَا قَرِيبَتَيْنِ يَتِمُّ تَسْلِيمُهُمَا بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ سَلَّمْت وَإِذَا كَانَتَا بَعِيدَتَيْنِ يَتِمُّ التَّسْلِيمُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ سَلَّمْت وَمُضِيِّ وَقْتٍ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَبِيعِ وَيَدْخُلَهُ . ( الْمَادَّةُ 267 ) إذَا بِيعَتْ أَرْضٌ مَشْغُولَةٌ بِالزَّرْعِ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى رَفْعِ الزَّرْعِ بِحَصَادِهِ أَوْ رَعْيِهِ وَتَسْلِيمُ الْأَرْضِ خَالِيَةً لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَرْضَ إذَا بِيعَتْ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ دُخُولُ الزَّرْعِ فِي الْمَبِيعِ فَبِحُكْمِ الْمَادَّةِ 223 لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي الْبَيْعِ فَيَجِبُ تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ لِلْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّرْعُ قَابِلًا لِلِانْتِفَاعِ أَوْ غَيْرَ قَابِلٍ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَالْبَائِعُ مُجْبَرٌ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَارِغًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 263 ) وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ حَصَادِ الزَّرْعِ بِحُجَّةِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ مُجْبَرٌ عَلَى تَخْلِيَةِ الْأَرْضِ حِينَ لُزُومِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي . أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ الْحَالَّ إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَحِنْ الْوَقْتُ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَوَالْحَالَةِ هَذِهِ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْقِيَ الزَّرْعَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يُدْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا قَبِلَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ 252 و 586 ) ( الْمَادَّةُ 268 ) إذَا بِيعَتْ أَشْجَارٌ فَوْقَهَا ثِمَارٌ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى جَزِّ الثِّمَارِ وَرَفْعِهَا وَتَسْلِيمِ الْأَشْجَارِ خَالِيَةً لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَيَبْقَى الثَّمَرُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَخْلِيَةُ الشَّجَرِ بِقَطْفِ الثَّمَرِ مِنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَرُ صَالِحًا لِلْأَكْلِ أَمْ لَا ; ذَا قِيمَةٍ أَمْ لَا ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِي أَصْبَحَ مَالِكًا لِلشَّجَرِ فَأَصْبَحَ الْبَائِعُ مُجْبَرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي فَارِغًا . أَمَّا إذَا بِيعَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَرِ فَبِحُكْمِ الْمَادَّةِ 233 يَدْخُلُ الثَّمَرُ فِي الْبَيْعِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ الشَّجَرِ مَعَ ثَمَرِهِ فَإِذَا بِيعَ شَجَرٌ عَلَيْهِ ثَمَرٌ غَيْرُ نَاضِجٍ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِإِيجَارِ الشَّجَرِ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَنْضَجَ الثَّمَرُ فَلَا يَصِحُّ الْإِيجَارُ وَإِذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِإِعَارَةِ الشَّجَرِ لِلْبَائِعِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْبَائِعُ مُجْبَرًا عَلَى تَخْلِيَةِ الْمَبِيعِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فِيهِ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ مُجْبَرًا قَبْلَ ذَلِكَ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَزْرَعَتَهُ الْمَزْرُوعَةَ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَحِينَمَا يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ يَكُونُ الْبَائِعُ مُجْبَرًا عَلَى حَصَادِ الزَّرْعِ أَوْ إطْلَاقِ مَاشِيَتِهِ فِيهِ لِرَعْيِهِ لِتَخْلِيَةِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ مُجْبَرًا عَلَى تَخْلِيَةِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 267 و 278 ) . ( بَحْرٌ . مُنْلَا مِسْكِينٍ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 269 ) إذَا بِيعَتْ ثِمَارٌ عَلَى أَشْجَارِهَا يَكُونُ إذْنُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِجَزِّهَا تَسْلِيمًا
____________________
(1/218)
لِأَنَّ مَئُونَةَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُبَاعُ جُزَافًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَسَبَ الْمَادَّةِ 290 كَمَا أَنَّ كَوْنَ الْمَبِيعِ شَاغِلًا لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ حَسَبَ الْمَادَّةِ 263 حَتَّى إذَا أَذِنَ الْبَائِعُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ سَمَاوِيَّةٌ قَبْلَ قَطْفِ الْمُشْتَرِي لِلثَّمَرِ عَنْ الشَّجَرِ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 264 و 294 , ) . ( بَزَّازِيَّةٌ ) . لَكِنْ إذَا بَاعَ الْبَائِعُ الْحِنْطَةَ وَهِيَ فِي سُنْبُلِهَا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْحَالِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّسْلِيمُ بَلْ عَلَى الْبَائِعِ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 206 أَنْ يَحْصُدَ الْحِنْطَةَ وَأَنْ يَدْرُسَهَا وَيُسَلِّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي حِنْطَةً ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 270 ) : الْعَقَارُ الَّذِي لَهُ بَابٌ وَقُفْلٌ كَالدَّارِ وَالْكَرَمِ إذَا وُجِدَ الْمُشْتَرِي دَاخِلَهُ وَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ سَلَّمْته إلَيْك كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي خَارِجَ ذَلِكَ الْعَقَارِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِ بَابِهِ وَإِقْفَالِهِ فِي الْحَالِ يَكُونُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي سَلَّمْتُك إيَّاهُ تَسْلِيمًا , أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَرِيبًا بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَإِذَا مَضَى وَقْتٌ يُمْكِنُ فِيهِ ذَهَابُ الْمُشْتَرِي إلَى ذَلِكَ الْعَقَارِ وَدُخُولُهُ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمًا . وَكَذَلِكَ الْمَخْزَنُ وَالدُّكَّانُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ إغْلَاقُهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُقْفَلًا بِالْفِعْلِ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ الْعَقَارُ الْمَذْكُورُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ ( فَتَاوَى فابري الْهِدَايَةُ ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَيْسَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي إقْفَالُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ مَا لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُشْتَرِي الْوُصُولُ وَدُخُولُ ذَلِكَ الْعَقَارِ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . فَلِذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ فِي الْآسَتَانَةِ عَرْصَتَهُ أَوْ دَارِهِ الَّتِي فِي مَدِينَةِ أَدِرْنَهُ وَأَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَمُرَّ الْوَقْتُ الْكَافِي لِلْوُصُولِ إلَى مَدِينَةِ أَدِرْنَهُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ صَحِيحًا وَلَا مُعْتَبَرًا ( فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ ) . وَإِذَا احْتَرَقَتْ الدَّارُ أَوْ خَرِبَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ قَبْلَ مُرُورِ ذَلِكَ الْوَقْتِ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْمَادَّةِ ( 293 ) . ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 264 ) , إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اشْتِرَاطِ مُرُورِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الدُّخُولِ لَيْسَ الدُّخُولَ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ حَتَّى إذَا كَانَ غَاصِبٌ يَشْغَلُ الدَّارَ أَوْ أَمْتِعَةٌ لِلْبَائِعِ وَكَانَتْ الدَّارُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ فَمُرُورُ الْوَقْتِ الْكَافِي لِلْوُصُولِ وَالدُّخُولِ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْقَبْضُ . ( الْمَادَّةُ 271 ) إعْطَاءُ مِفْتَاحِ الْعَقَارِ الَّذِي لَهُ قُفْلٌ لِلْمُشْتَرِي يَكُونُ تَسْلِيمًا . لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقَارِ الْمُقْفَلِ حَقِيقَةً حِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَلْ الْمُعْتَادُ إقْفَالُهُ فَعَلَى هَذَا إذَا بِيعَ عَقَارٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي مِفْتَاحَ بَابِ ذَلِكَ الْعَقَارِ الْخَارِجِيِّ الَّذِي يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ فَتْحِ الْبَابِ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا اسْتِعَانَةٍ وَأَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهِ فَذَلِكَ تَسْلِيمٌ لِلْعَقَارِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمِفْتَاحُ الَّذِي سُلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ مِفْتَاحَ الْبَابِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ إلَى الْمَبِيعِ بَلْ مِفْتَاحُ بَابٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمِفْتَاحُ الَّذِي سُلِّمَ هُوَ مِفْتَاحُ الْعَقَارِ يَكُونُ فِي وُسْعِ الْمُشْتَرِي اسْتِلَامُ الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمِفْتَاحُ مِفْتَاحَ بَابٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِدُونِ التَّرْخِيصِ فِي الْقَبْضِ ( هِنْدِيَّةٌ ) كَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي عَاجِزًا
____________________
(1/219)
عَنْ فَتْحِ بَابِ ذَلِكَ الْعَقَارِ بِذَلِكَ الْمِفْتَاحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا ( بَزَّازِيَّةٌ ) إنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَقَارِ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُقْفِلَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَادَّةِ 270 فَتَسْلِيمُ مِفْتَاحِ ذَلِكَ الْعَقَارِ . تَسْلِيمٌ لِلدَّارِ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ لَيْسَ قَرِيبًا بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَمُجَرَّدُ تَسْلِيمِ الْعَقَارِ لَا يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبْضِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُرُورِ الزَّمَنِ الْكَافِي لِوُصُولِ الْمُشْتَرِي إلَى الْمَبِيعِ وَدُخُولِهِ . ( الْمَادَّةُ 272 ) الْحَيَوَانُ يُمْسَكُ بِرَأْسِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ رَسَنِهِ الَّذِي فِي رَأْسِهِ فَيُسَلَّمُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ فِي مَحَلٍّ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسَلُّمِهِ بِدُونِ كُلْفَةٍ فَأَرَاهُ الْبَائِعُ إيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ كَانَ ذَلِكَ تَسْلِيمًا أَيْضًا ( خُلَاصَتُهُ ) وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ هِيَ : 1 - إذَا بَاعَ شَخْصٌ دَابَّتَهُ الَّتِي فِي الْمَرْعَى وَقَالَ إلَى الْمُشْتَرِي اذْهَبْ وَاقْبِضْهُ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّابَّةُ فِي مَحَلٍّ قَرِيبٍ يُشَارُ إلَيْهِ وَكَانَ مَنْظُورًا وَالْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى قَبْضِهَا بِلَا اسْتِعَانَةٍ فَهُوَ تَسْلِيمٌ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . 2 - إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ حِصَانًا فِي إصْطَبْلٍ أَوْ طَائِرًا فِي قَفَصٍ وَأَذِنَ الْبَائِعُ لَهُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَفَتَحَ الْمُشْتَرِي الْإِصْطَبْلَ فَفَرَّ الْحِصَانُ أَوْ الْقَفَصَ فَأَفْلَتَ الطَّائِرُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى قَبْضِهِ بِلَا اسْتِعَانَةٍ يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ وَإِذَا ضَاعَ الْحِصَانُ أَوْ الطَّائِرُ فَضَيَاعُهُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَخَسَارَتُهُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَفْتَحْ الْمُشْتَرِي الْبَابَ بَلْ فُتِحَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَفَرَّ الْحِصَانُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَادَّةِ 29( بَزَّازِيَّةٌ ) . 3 - إذَا كَانَ رَسَنُ الدَّابَّةِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَمَرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الدَّابَّةِ فَأَمْسَكَ الْمُشْتَرِي بِالرَّسَنِ وَفَرَّ الْحِصَانُ حِينَئِذٍ مِنْ يَدِ الِاثْنَيْنِ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَيَجْرِي حُكْمُ الْمَادَّةِ ( 429 ) وَإِنَّمَا قِيلَ ( بِلَا كُلْفَةٍ ) لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ أَوْ مَعُونَةٍ وَرَأَّى الْمَبِيعِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لَكِنْ إذَا تَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَقِيقَةً يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ كَمَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ الدَّابَّةَ فِي الْمَرْعَى وَكَانَ قَبْضُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعُونَةِ آخَرِينَ وَعَلَى وُجُودِ حَبْلٍ وَرَسَنٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُتَوَفِّرًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ مُسْتَعِدُّونَ لِمَعُونَتِهِ فِي الْقَبْضِ فَإِذَا أَرَى الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا ( الْمَادَّةُ 273 ) كَيْلُ الْمَكِيلَاتِ وَوَزْنُ الْمَوْزُونَاتِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي وَوَضْعُهَا فِي الظَّرْفِ الَّذِي هَيَّأَهُ لَهَا يَكُونُ تَسْلِيمًا . 1 - وَلَوْ كَانَ كَيْلُ الْبَائِعِ أَوْ وَزْنُهُ لِلْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَوَضْعُهَا فِي الْإِنَاءِ فِي دُكَّانِهِ أَوْ دَارِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي أَصْبَحَ مَالِكًا لِتِلْكَ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ بِالشِّرَاءِ فَأَمْرُهُ يَكُونُ مُضَافًا إلَى مِلْكِهِ وَصَحِيحًا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا قَصْدًا لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلظَّرْفِ وَالْإِنَاءِ وَهَذَا الْمِثَالُ هُوَ لِلْقَبْضِ تَبَعًا وَضِمْنًا وَالْقَبْضُ تَارَةً يَكُونُ كَذَلِكَ وَتَارَةً يَكُونُ حُكْمًا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ وَهِيَ : 2 - إذَا أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَطْحَنَ لَهُ الْحِنْطَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا فَطَحَنَهَا الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ إلَّا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ أَنْ يُسَلِّمَ الدَّقِيقَ بَعْدَ الطَّحْنِ إلَى الْمُشْتَرِي فَتَلِفَ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ
____________________
(1/220)
الْمَادَّةَ 229 ) ( 3 ) إذَا اسْتَعْمَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 54 ) ( 4 ) إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعَابَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ وَزَوْجَيْ الْحِذَاءِ أَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ بِإِتْلَافِهِ أَوْ عَيْبِهِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَلَمَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ ( 5 ) إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي مَا قَبَضَهُ أَوْ عَابَهُ يَكُونُ قَدْ قَبَضَ الشَّيْءَ الْآخَرَ حَتَّى إذَا تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَعُودُ خُسْرَانُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَمْتَنِعْ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي حِينَ طَلَبِهِ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ خَسَارَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ : - إنَّ سَبَبَ إسْنَادِ الْإِعْطَاءِ فِي الْمَجَلَّةِ إلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إذَا وُزِنَ الْمَبِيعُ أَوْ كِيلَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي وَوُضِعَ فِي . الظَّرْفِ الَّذِي هَيَّأَهُ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا كَمَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي وَتَوْكِيلِهِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَسْلِيمٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 54 ) وَقُيِّدَتْ ( الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ ) بِقَيْدٍ ( مُعَيَّنَةٍ ) , لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالشِّرَاءُ لَيْسَ صَحِيحًا وَيَكُونُ كَيْلُ الْمَكِيلِ أَوْ وَزْنُ الْمَوْزُونِ الَّذِي لَيْسَ مُعَيَّنًا وَوَضْعُهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي أَمْ فِي غِيَابِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 13 ) إلَّا أَنَّهُ إذَا وَزَنَ الْبَائِعُ الْمَوْزُونَ أَوْ كَانَ الْمَكِيلُ الَّذِي لَيْسَ مُعَيَّنًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ بَيْعُ تَعَاطٍ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 175 وَمَتْنَهَا ) لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عِبَارَةِ ( الظَّرْفِ وَالْإِنَاءِ الَّذِي هَيَّأَهُ الْمُشْتَرِي ) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ وَالْإِنَاءُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اسْتَعَارَ الظَّرْفَ مِنْ الْبَائِعِ وَأَمَرَ الْبَائِعَ بِكَيْلِ الْمَكِيلِ أَوْ وَزْنِ الْمَوْزُونِ وَوَضْعِهِ فِي الْإِنَاءِ وَعَمِلَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الظَّرْفُ الْمَذْكُورُ مُعَيَّنًا حِينَ الِاسْتِعَارَةِ فَمُقْتَضَى الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ إنَّ ذَلِكَ قَبْضٌ لِلْمَبِيعِ أَمَّا إذَا كَانَ الظَّرْفُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِي كَانَ حَاضِرًا حِينَمَا كَالَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ أَوْ وَزَنَهُ وَوَضَعَهُ فِي الظَّرْفِ فَكَذَلِكَ يُعَدُّ قَبْضًا وَلَكِنْ إذَا كَانَ الظَّرْفُ أَوْ الْإِنَاءُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَالْوَضْعِ فِي الظَّرْفِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 181 ) . التَّفْصِيلَاتُ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ انْكِسَارِ الْإِنَاءِ : - إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ زَيْتًا مُعَيَّنَةً وَأَعْطَى الْبَائِعَ إنَاءً وَأَمَرَهُ بِزِنَةِ الْمَبِيعِ وَوَضْعِهِ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ . فَانْكَسَرَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ وَسَالَ الزَّيْتُ وَلَمْ يَطَّلِعْ الطَّرَفَانِ عَلَى ذَلِكَ وَوَزَنَ الْبَائِعُ الْبَاقِي وَوَضَعَهُ أَيْضًا فِي الْإِنَاءِ يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ فِيمَا وُضِعَ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ كَسْرِهِ وَالْخَسَارَةُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ 429 عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ فِي الزَّيْتِ الَّذِي وُضِعَ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ كَسْرِهِ وَيَعُودُ الْخُسْرَانُ فِيهِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ 293 عَلَى الْبَائِعِ أَمَّا مَا وُضِعَ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ كَسْرِهِ وَاعْتُبِرَ أَنَّهُ سُلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْإِنَاءِ وَاخْتَلَطَ فِي الزَّيْتِ الَّذِي وُضِعَ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ انْكِسَارِهِ وَاعْتُبِرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الْإِنَاءَ فَمَا وُضِعَ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الِانْكِسَارِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِخَلْطِهِ زَيْتَهُ بِزَيْتِ الْمُشْتَرِي يُعَدُّ غَاصِبًا لِزَيْتِ الْمُشْتَرِي وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَادَّةِ ( 891 ) أَمَّا إذَا لَمْ يُعْطِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ذَلِكَ الْإِنَاءَ بَلْ أَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَعُودُ الْخُسْرَانُ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ الَّذِي سَلَّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي
____________________
(1/221)
لِوَضْعِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فِيهِ مَكْسُورًا وَغَيْرَ صَالِحٍ لِلْحِفْظِ وَتَلِفَ مَا وُضِعَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي جَاهِلًا لَهُ وَوَضَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي الْإِنَاءِ فَسَالَ فَخَسَارَتُهُ تَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ يَجْهَلُ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنْ الْكَسْرِ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَوْ كَانَ الطَّرَفَانِ يَعْلَمَانِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَعَلَيْهِ الْخُسْرَانُ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي . يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ سَلِيمًا لِلْقَبْضِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا سَلَّمَ إلَى الْبَائِعِ إنَاءً بَعْدَ شِرَائِهِ الْمَالَ وَأَمَرَهُ بِوَضْعِ الْمَالِ فِي الْإِنَاءِ وَوَزْنِهِ فَوَضَعَهُ الْبَائِعُ لِذَلِكَ الْغَرَضِ فَانْكَسَرَ الْإِنَاءُ وَتَلِفَ الْمَالُ الَّذِي فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَزْنِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ وَضْعَ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي لِلْوَزْنِ لَا لِلتَّسْلِيمِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 2 ) لَكِنْ إذَا وَضَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي إنَائِهِ وَوَزَنَهُ ثُمَّ أَفْرَغَهُ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي فَانْكَسَرَ هَذَا الْإِنَاءُ وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فَبِمَا أَنَّ الْقَبْضَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( بَزَّازِيَّةٌ ) . وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَبْضِ حُكْمًا مَا يَأْتِي : ( 1 ) إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ قَبْضًا لَهُ ( هِنْدِيَّةٌ ) . ( 2 ) إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لِمِقْدَارِ مَا اُسْتُهْلِكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهُ وَقَبْضًا لِلْبَاقِي بِعَيْبِهِ لَهُ حَتَّى إذَا تَلِفَ الْبَاقِي مِنْهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَادَتْ خَسَارَتُهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ 294 عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا طَلَبَ الْبَاقِيَ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْخَسَارَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي مِقْدَارَ مَا اسْتَهْلَكَهُ فَقَطْ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . ( 3 ) إذَا تَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَزَوْجِ النَّعْلِ فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ عَابَهُ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا طَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْبَاقِي فِي يَدِهِ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ الْبَاقِي فَمِنْ مَالِهِ ( هِنْدِيَّةٌ ) . ( 4 ) إذَا أَعَابَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَيْبًا يُورِثُ نُقْصَانًا فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ مَا لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَيْبِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ الْبَائِعُ فَيَتْلَفُ فِي يَدِهِ فَإِنْ تَلِفَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَضْمَنَ النَّقْصَ الَّذِي طَرَأَ عَلَى الْمَبِيعِ بِسَبَبِ عَيْبِهِ لَهُ ( خُلَاصَةٌ ) . ( 5 ) إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ أَجَّرَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى آخَرَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعَارَ الْمَبِيعَ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ بِدُونِ أَمْرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِي أَجَازَ عَمَلَهُ هَذَا فَالْمُشْتَرِي يُعَدُّ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( 6 ) إذَا أَوْصَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَطْرِحْ الْمَبِيعَ فِي الْمَاءِ فَعَمِلَ الْبَائِعُ بِأَمْرِهِ فَالْمُشْتَرِي يَكُونُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَ الْمَبِيعِ الَّذِي أَصْبَحَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِيهِ مُتَعَيَّنًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَتَلِفَ الْمَبِيعُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( 7 ) إذَا أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ فَقَامَ الْمُشْتَرِي بِتَضْمِينِ الْمُتْلِفِ يَكُونُ قَابِضًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 54 ) فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْبَدَلِ مِنْ الْمُتْلِفِ لِإِفْلَاسِهِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَالْمَسَائِلُ الَّتِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُشْتَرِي قَابِضًا هِيَ : إذَا أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِشَيْءٍ لَا يُحْدِثُ نَقْصًا فِي الْمَبِيعِ كَأَنْ يَأْمُرَ بِغَسْلِهِ فَعَمِلَ الْبَائِعُ بِأَمْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُعَدُّ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ ( هِنْدِيَّةٌ ) إذَا أَوْدَعَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ أَوْ أَجَّرَه
____________________
(1/222)
ُ أَوْ أَدَّى بَعْضَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَرَهَنَهُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِبَاقِي الثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَلَا يُلْزَمُ الْبَائِعُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ بِاسْتِئْجَارِهِ الْمَبِيعَ ( خُلَاصَةٌ ) كَمَا أَنَّهُ إذَا أَجَّرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْأُجْرَةُ تَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ الْبَائِعُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَسَارَتُهُ عَلَيْهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 85 ) . ( الْمَادَّةُ 274 ) : تَسْلِيمُ الْعُرُوضِ يَكُونُ بِإِعْطَائِهَا لِيَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِوَضْعِهَا عِنْدَهُ أَوْ بِإِعْطَاءِ الْإِذْنِ لَهُ بِالْقَبْضِ بِإِرَاءَتِهَا لَهُ . سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا فَالتَّسْلِيمُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّعَامُلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعُرُوض لَيْسَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْمُشْتَرِي بِقَدْرٍ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي بِهِ مِنْ قَبْضِهَا وَهُوَ جَالِسٌ دُونَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ شَخْصٌ ثَوْبًا مِنْ آخَرَ وَأَذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ أَجْنَبِيٌّ وَأَضَاعَهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ قَرِيبًا مِنْ الْمُشْتَرِي بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ مِنْ دُونِ قِيَامٍ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَالْخُسْرَانُ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا بِهَذَا الْقَدْرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُهُ بِدُونِ قِيَامٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَيَعُودُ خُسْرَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ . ( الْمَادَّةُ 275 ) الْأَشْيَاءُ الَّتِي بِيعَتْ جُمْلَةً وَهِيَ دَاخِلُ صُنْدُوقٍ أَوْ أَنْبَارٍ أَوْ مَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَحِلَّاتِ الَّتِي تُقْفَلُ يَكُونُ إعْطَاءُ مِفْتَاحِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِلْمُشْتَرِي وَالْإِذْنِ لَهُ بِالْقَبْضِ تَسْلِيمًا مَثَلًا لَوْ بِيعَ أَنْبَارُ حِنْطَةٍ أَوْ صُنْدُوقُ كُتُبٍ جُمْلَةً يَكُونُ إعْطَاءُ مِفْتَاحِ الْأَنْبَارِ أَوْ الصُّنْدُوقِ لِلْمُشْتَرِي تَسْلِيمًا أَيْ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْأَمْتِعَةِ الَّتِي تُبَاعُ وَتَكُونُ دَاخِلَ مَخْزَنٍ أَوْ صُنْدُوقٍ أَوْ عُلْبَةٍ فَإِذَا بِيعَتْ عُلْبَةُ لُؤْلُؤٍ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي مِفْتَاحَ تِلْكَ الْعُلْبَةِ وَأَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ اللُّؤْلُؤِ فَذَلِكَ تَسْلِيمٌ لِلْمَبِيعِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَكِيلَ الْقَمْحَ أَوْ يَزِنَ التِّبْنَ أَوْ يُعِدَّ الْكُتُبَ وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا أَعْطَى الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي مِفْتَاحَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَمْ يَقُلْ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ وَافْتَحْ الْمَحَلَّ وَأَخْرِجْ الْمَبِيعَ أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ إنِّي سَلَّمْتُك مَا فِيهِ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَتْنُ ( وَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ ) فَقَرَنَ الْإِعْطَاءَ بِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ فَتْحَ الْمَخْزَنِ وَالدُّخُولَ فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 96 ) . ( الْمَادَّةُ 276 ) عَدَمُ مَنْعِ الْبَائِعِ حِينَمَا يُشَاهِدُ قَبْضَ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ يَكُونُ إذْنًا مِنْ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ الْمَقْصِدُ مِنْ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا فَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ ( أَشْبَاهٌ ) ( اُنْظُرْ الْفِقْرَةَ الِاسْتِثْنَائِيَّة مِنْ الْمَادَّةِ 67 ) وَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذْنُ دَلَالَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْبَيْعِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَإِذَنْ لَا يَجُوزُ قَبْضُ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا بَعْدَ مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِدُونِ رِضَاءِ الْبَائِعِ صَرَاحَةً ( قُهُسْتَانِيٌّ ) وَكَمَا أَنَّ الْقَبْضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ دَلَالَةً مُعْتَبَرٌ فَكَذَلِكَ قَبْضُهُ صَرَاحَةً سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِذْنُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ
____________________
(1/223)
أَوْ بَعْدَهُ فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 281 ) ( الْمَادَّةُ 277 ) : قَبْضُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِدُونِ الْإِذْنِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ تَعَيَّبَ يَكُونُ الْقَبْضُ مُعْتَبَرًا حِينَئِذٍ الْمَقْصُودُ مِنْ الثَّمَنِ هُنَا الْمُعَجَّلُ فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْ تَصَرَّفَ بِهِ تَصَرُّفًا قَابِلًا لِلنَّقْضِ وَالْفَسْخِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ لِيَحْبِسَهُ حَتَّى قَبْضِ الثَّمَنِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَيَبِيعَهُ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ اسْتِرْدَادَ الْمَبِيعِ يُنْظَرُ فَإِذَا أَقَرَّ ذَلِكَ الشَّخْصُ دَعْوَى الْبَائِعِ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلًا وَإِنْ أَنْكَرَ الدَّعْوَى أَوْ أَجَابَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ تُؤَجَّلُ الدَّعْوَى إلَى حِينِ حُضُورِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِذَا حَضَرَ وَصَدَّقَ دَعْوَى بَائِعِهِ فَتَصْدِيقُهُ حُكْمٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 78 ) . وَإِذَا كَذَّبَهُ طُولِبَ الْبَائِعُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِذَا أَثْبَتَهَا بِحُضُورِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي حَكَمَ الْبَائِعُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ إلَى بَائِعِهِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الثَّانِي أَيْضًا مَا لَمْ يَنْقُدْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الْبَائِعَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ بَعْدَ أَنْ اسْتَرَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ الثَّانِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ) . وَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَالْبَائِعُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَالْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَكُونُ فِي حُكْمِ عَيْنِ الْمَبِيعِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مَا دَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ قَبْلَ هَلَاكِ الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَخَذَ تِلْكَ الْقِيمَةَ مِنْ الْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ ( هِنْدِيَّةٌ ) فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي إعَادَةَ الْمَبِيعِ إلَيْهِ فَأَذِنَ الْمُشْتَرِي لَهُ بِقَبْضِهِ فَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَقِيقَةً أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنٍ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ تَعَيَّبَ كَانَ الْقَبْضُ مُعْتَبَرًا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 275 . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ - قِيلَ ( بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 276 ) وَ ( الْمَادَّةَ 28 ) وَكَذَلِكَ إذْنُ الْبَائِعُ بِقَبْضِ شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّيْئِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَإِذْنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِقَبْضِ أَحَدِ مِصْرَاعَيْ الْبَابِ أَوْ إحْدَى زَوْجَيْ الْحِذَاءِ فِي حُكْمِ الْإِذْنِ بِقَبْضِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ بِنَاءً عَلَى إذْنِ الْبَائِعِ بِقَبْضِ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ اسْتِرْدَادَ ذَلِكَ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ إلَّا بِاسْتِلَامِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ جَبْرًا كَانَ غَاصِبًا ( هِنْدِيَّةٌ ) وَقِيلَ ( إذَا تَلِفَ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا مَثَلًا فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنٍ ثُمَّ صَبَغَهُ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرْصَةً ثُمَّ أَنْشَأَ فِيهَا الْمُشْتَرِي دَارًا أَوْ غَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَإِذَا أَرَادَ الْبَائِعُ هَدْمَ الْبِنَاءِ وَقَلْعَ الْأَشْجَارِ وَإِعَادَةَ الْمَبِيعِ
____________________
(1/224)
إلَى حَالِهِ الْأَصْلِيَّةِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْمَبِيعِ تُهْدَمُ الدَّارُ وَتُقْلَعُ الْأَشْجَارُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَلِلْبَائِعِ أَلَّا يَفْعَلَ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 19 ) وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ فَقَدِمَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ضَمِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي كُلْفَةَ الصَّبْغِ الَّذِي كَانَ فِي الثَّوْبِ ( هِنْدِيَّةٌ ) رُجُوعُ حَقِّ الْحَبْسِ بَعْدَ سُقُوطِهِ - إذَا تَسَلَّمَ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَضُبِطَ مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لِمُشْتَرِي تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفًا قَابِلًا لِلْفَسْخِ كَبَيْعِهِ مِنْ آخَرَ أَوْ إيجَارِهِ أَوْ رَهْنِهِ وَتَسْلِيمِهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْفَسْخِ . خُلَاصَةُ الْفَصْلِ - إنَّ حَقَّ الْحَبْسِ يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَوْ بَيْعِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ قِسْمٍ مِنْ الثَّمَنِ وَأَدَاءِ قِسْمٍ وَيَسْقُطُ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ عَشَرَةٍ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي الْمَادَّتَيْنِ 281 و 282 . وَكَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ , لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَرْهُونَ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْحَبْسَيْنِ فَرْقًا مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ مُطْلَقًا لَكِنْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ غَائِبًا بِأَنْ كَانَ فِي مَدِينَةٍ وَكَانَ إحْضَارُهُ يُكَلِّفُ الْمُرْتَهِنَ نَفَقَةً فَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ مُلْزَمًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ . الثَّانِي : إذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّهْنِ وَلَا أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا أَعَارَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي . الثَّالِثُ : إذَا نَقَدَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ الثَّمَنَ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فَظَهَرَ الثَّمَنُ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ نُقُودًا زَائِفَةً فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( أَشْبَاهٌ ) ( الْمَادَّةُ 278 ) فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ أَعْنِي غَيْرَ الْمُؤَجَّلِ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ . وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا فَإِذَا كَانَ حَالًّا جَمِيعُهُ فَلِلْبَائِعِ وَقْفُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الْبَعْضَ الْمُعَجَّلَ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ ( هِنْدِيَّةٌ ) فَعَلَى هَذَا لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ وَدَفَعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا عَلَى الْآخَرِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ حِصَانَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ فَإِذَا أَوْفَى
____________________
(1/225)
أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْآخَرُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصَانِ حِصَانًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُعْلَمْ مُسْتَقَرُّهُ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ أَدَاءُ كُلِّ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْحِصَانِ مِنْ الْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ أَمَّا الْمِثْلِيُّ كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَلَا جَبْرَ عَلَى دَفْعِ الْكُلِّ وَلِذَا مَثَّلْتُ الْمَسْأَلَةَ بِالْحِصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) أَقُولُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا لِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ فَإِذَا دَفَعَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ مِنْ الْمَبِيعِ الْمِثْلِيِّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فَاضْطِرَارُ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِيِّ ( شَارِحٌ ) . فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ جَمِيعِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ فَإِذَا حَضَرَ الْمُشْتَرِي الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْمُشْتَرِي الَّذِي أَدَّى جَمِيعَ الثَّمَنِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا تَلِفَ الْحِصَانُ قَبْلَ حُضُورِ الْمُشْتَرِي الْغَائِبِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ طَلَبِهِ الْحِصَانَ فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرَ لَيْسَ فِي دَفْعِهِ حِصَّةَ الْغَائِبِ مِنْ الثَّمَنِ مُتَبَرِّعًا بَلْ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُجْبَرٌ ( الْمُخْتَارُ ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . أَمَّا إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمَهُ الْحِصَانَ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَحَبَسَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنْهُ فَإِذَا تَلِفَ الْحِصَانُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ فِي أَثْنَاءِ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِي الْغَائِبَ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ كَمَا لَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي الْغَائِبِ أَنْ يَطْلُبَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ قِيمَةَ الْحِصَانِ ( هِنْدِيَّةٌ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 91 ) وَإِنَّمَا قِيلَ ( إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَائِبًا وَلَمْ يُعْلَمْ مُسْتَقَرُّهُ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لَيْسَ غَائِبًا بَلْ حَاضِرًا فَاَلَّذِي يَدْفَعُ كُلَّ الثَّمَنِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا فِي إيفَاءِ الْكُلِّ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْقَاضِي فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَسْتَوْفِيَ نَصِيبَهُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَمَا دَامَ لِلْبَائِعِ حَقُّ وَقْفِ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَسَبَ الْمَادَّةِ 262 مُجْبَرًا عَلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ قَبْلًا فَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِأَلْفِ قِرْشٍ حَالَّةً فَأَوْفَى الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ قِرْشًا مِنْ الْأَلْفِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ عَشَرَةَ الْقُرُوشِ الْبَاقِيَةِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ كَيْلَةً وَنِصْفًا . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ سَبْعِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَلْفُ قِرْشٍ مِنْهَا مُعَجَّلَةً وَخَمْسُمِائَةٍ مُؤَجَّلَةً فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ كُلِّ الْمَبِيعِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الْقِسْمَ الْمُعَجَّلَ وَهُوَ الْأَلْفُ الْقِرْشِ وَلَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ تَسْلِيمَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَيْلَةً حِصَّةَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ آخَرَ فِي الْآسَتَانَةِ كَذَا رِطْلِ زَيْتٍ ثُمَّ لَاقَى الْمُسْتَوْدَعَ فِي مَدِينَةٍ بُورْصَةَ فَبَاعَ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يُجَدِّدْ تَسْلِيمَ ذَلِكَ الزَّيْتِ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 262 ) لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا اشْتَرَى مَا أُودِعَ فَلَا يَكُونُ قَابِضًا بِقَبْضِ الْإِيدَاعِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ جَدِيدٍ . وَأَمَّا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فَيَقْتَضِي إحْضَارَ السِّلْعَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا قَائِمَةٌ فَإِذَا أَحْضَرَهَا الْبَائِعُ أَمَرَ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ دَفْعِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنْ مِصْرِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا ( خَيْرِيَّةٌ ) . إذَا نُظِرَ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَائِهِ الثَّمَنَ فَحَسَبَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَجَلَّةِ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَطَلَبُ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا مَنْقُولًا وَغَابَ
____________________
(1/226)
وَلَمْ يُعْلَمْ مَقَرُّهُ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُرَاجِعَ الْقَاضِيَ وَيُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ بَيْعَهُ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَالْقَاضِي يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَالَ وَيُؤَدِّي ثَمَنَهُ إلَى الْبَائِعِ فَإِذَا زَادَ الثَّمَنُ عَنْ مَطْلُوبِ الْبَائِعِ حَفِظَ الْقَاضِي الزِّيَادَةَ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا أَنْقَصَ فَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ حِينَمَا يَجِدُهُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ أَوْ كَانَ مَقَرُّ الْمُشْتَرِي مَعْلُومًا مَعَ بُعْدِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَتَأْدِيَةُ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ , الْمُخْتَارُ ) لِأَنَّ مُرَاجَعَةَ الْمُشْتَرِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُمْكِنَةٌ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ سِلْعَةً مِمَّا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَغَابَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ فَإِذَا خَسِرَ عَادَتْ الْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ غِيَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ شِرَائِهِ مَا لَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إذْنٌ مِنْهُ دَلَالَةً بِفَسْخِ الْبَيْعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 279 ) إذَا بَاعَ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ . يَعْنِي إذَا بَاعَ الْبَائِعُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ أَوْ الْأَشْيَاءَ الْمُتَعَدِّدَةَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِالثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ أَوْ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ سَوَاءٌ أَفَصَّلَ الثَّمَنَ أَمْ لَمْ يُفَصِّلْ وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ مُتَعَدِّدٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّ الثَّمَنِ ( الْخُلَاصَةُ ) وَإِذَا كَانَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَاحِدَةً وَبَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ النَّزْرُ الْقَلِيلُ إمَّا لِأَدَاءِ الْمُشْتَرِي لِلْجَانِبِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لِإِبْرَاءِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ كُلَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : ( 1 ) إذَا بَاعَ شَخْصٌ عَشْرَ شِيَاهٍ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ ثَمَنُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسُونَ قِرْشًا فَأَجَّلَ الْبَائِعُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا أَيْ ثَمَنَ تِسْعِ شِيَاهٍ . وَأَبْرَأَ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَ التِّسْعَ الشِّيَاهَ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ حَتَّى اسْتِيفَاءِ الْخَمْسِينَ قِرْشًا وَهُوَ الثَّمَنُ الْمُعَجَّلُ . ( 2 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ فَرَسَيْنِ بِأَلْفٍ وَمِائَةِ قِرْشٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً قَائِلًا أَنَّ ثَمَنَ هَذِهِ خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ وَثَمَنَ تِلْكَ سِتُّمِائَةٍ فَإِذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ خَمْسَمِائَةٍ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ لِأَحَدِ الْفَرَسَيْنِ بِعَيْنِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْفَرَسَيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ سِتَّ الْمِائَةِ ثَمَنَ الْفَرَسِ الْأُخْرَى . ( 3 ) إذَا كَانَ بَعْضُ ثَمَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ مُعَجَّلًا وَثَمَنُ الْبَعْضِ الْآخَرِ مُؤَجَّلًا فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ كُلِّ الْمَبِيعِ حَتَّى يُؤَدِّيَ لَهُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ . ( 4 ) إذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مِائَةَ قِرْشٍ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ تِسْعُونَ قِرْشًا وَأَوْ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ التَّقَاضِي فَلَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ إيفَاءِ الْعَشَرَةِ الْقُرُوشِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الثَّمَنِ . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ - : قِيلَ ( الْأَشْيَاءُ الْمُتَعَدِّدَةُ ) لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِذَا بَاعَ شَخْصٌ بَغْلَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْبَيْعِ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْ نِصْفَيْ الْبَغْلَةِ بِأَنْ قِيلَ ثَمَنُ نِصْفِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ بِأَلْفِ قِرْشٍ . وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْبَغْلَةِ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ , وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ أَلْفَ قِرْشٍ وَيَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ تَبْقَى الْبَغْلَةُ عِنْدَهُ يَوْمًا آخَرَ . وَمَا وَرَدَ فِي الشَّرْحِ مِنْ عِبَارَةِ ( سَوَاءٌ فَصَّلَ الثَّمَنَ ) إلَخْ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ
____________________
(1/227)
عَنْ الْبَيْعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ كُلِّ مَبِيعٍ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَجْرِي عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ عَشْرَ شِيَاهٍ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا فَلِلْبَائِعِ أَيْضًا حَقُّ الْحَبْسِ فَعَلَيْهِ إذَا بَاعَ شَخْصٌ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ بِمُفْرَدِهِ وَشَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ ثَمَنَ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ مُعَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُؤَجَّلٌ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمُعَجَّلَ كُلَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ مِنْ الثَّمَنِ يَسِيرًا جِدًّا وَلَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْقِسْمَ الْمُؤَجَّلَ ثَمَنُهُ مِنْ الْمَبِيعِ . ( الْمَادَّةُ 280 ) إعْطَاءُ الْمُشْتَرِي رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا بِالثَّمَنِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ وَكَذَلِكَ إبْرَاءُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ فَلِذَلِكَ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الْمُعَجَّلَ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ , هِنْدِيَّةٌ ) لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالْوَكَالَةَ هُمَا تَوْثِيقٌ لِلدَّيْنِ وَحَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِيفَاءِ بِالْفِعْلِ وَالتَّوْثِيقِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِيفَاءِ . ( الْمَادَّةُ 281 ) إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ حَبْسِهِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَحْبِسَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ بِأَحَدَ عَشَرَ سَبَبًا : 1 - أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ . 2 - أَنْ يُودِعَهُ الْمُشْتَرِي . 3 - أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ 4 - إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَرَآهُ الْبَائِعُ فَسَكَتَ 5 - إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبْضَ 6 - أَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا . فَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ السِّتِّ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 276 ) ( هِنْدِيَّةٌ خُلَاصَةٌ . بَزَّازِيَّةٌ ) . وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ السِّتِّ أَيْضًا لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ أَوْ اسْتِرْدَادُهُ لِيَحْبِسَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ . فَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مَثَلًا لَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِحَبْسِهِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ بَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ أَمَّا الْأَسْبَابُ الْخَمْسَةُ الْأُخْرَى الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ فَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 277 ) . وَيُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْبَائِعِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ شُمُولُ الْبَائِعِ لِلْأَصِيلِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِهِ لِلْمَبِيعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ لِحَبْسِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ) ( خُلَاصَةٌ ) .
____________________
(1/228)
( الْمَادَّةُ 282 ) إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ إنْسَانًا بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْحَوَالَةَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ حَبْسِهِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَحْبِسَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ . وَكَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ . عَلَى آخَرَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَبِلَ الْبَائِعُ أَوْ أَدَّى الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ كُلَّهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ كُلَّهُ أَوْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَقٌّ فِي مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 690 و 1562 ) . وَيُفْهَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَادَّتَيْنِ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ بِأَحَدَ عَشَرَ سَبَبًا وَإِنَّمَا قِيلَ ( أَحَالَ الْبَائِعُ شَخْصًا آخَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَحَالَ الْبَائِعَ عَلَى شَخْصٍ لِأَخْذِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ وَعَلَى ذَلِكَ تَكُونُ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ أَحَدَ عَشَرَ سَبَبًا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ ( أَنْقِرْوِيّ ) وَلَمَّا كَانَ الْفُقَهَاءُ يُرَجِّحُونَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَا سِيَّمَا إذَا شَارَكَهُ فِيهِ أَبُو يُوسُفَ فَلِذَلِكَ وَجَبَ تَرْجِيحُ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ هُنَا وَعُدَّتْ الْأَسْبَابُ الْمُسْقِطَةُ لِلْحَقِّ الْمَذْكُورِ أَحَدَ عَشَرَ . . ( الْمَادَّةُ 283 ) فِي بَيْعِ النَّسِيئَةِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَقْتَ حُلُولِ الْأَجَلِ . أَيْ إذَا كَانَ كُلُّ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا ( هِنْدِيَّةٌ ) مَثَلًا إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَتَاعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلَمْ يَطْلُبْ الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ فَحَلَّ أَجَلُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الْحَالَّ مِنْ الثَّمَنِ . ( الْمَادَّةُ 284 ) إذَا بَاعَ حَالًّا أَيْ مُعَجَّلًا ثُمَّ أَجَّلَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ سَقَطَ حَقُّ حَبْسِهِ لِلْمَبِيعِ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَقْتَ حُلُولِ الْأَجَلِ . لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْبَائِعِ فِيمَا بَعْدُ فِي حُكْمِ التَّأْجِيلِ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ بِمِائَةِ قِرْشٍ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ ثُمَّ يُؤَجِّلُ ذَلِكَ الثَّمَنَ شَهْرَيْنِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ حِينَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ شَهْرَيْنِ وَطَلَبُ تَأْخِيرِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ( بَحْرٌ ) .
____________________
(1/229)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حَقِّ مَكَانِ التَّسْلِيمِ خُلَاصَةُ الْفَصْلِ : 1 - لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ بَيَانُ مَكَانِ التَّسْلِيمِ . 2 - يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ . 3 - إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَ الْمَبِيعِ حِينَ الِاشْتِرَاءِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بِخِيَارِ كَشْفِ الْحَالِ . 4 - إذَا اُشْتُرِطَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ هُنَاكَ أَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ نَقْلِ الْمَبِيعِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ . ( الْمَادَّةُ 285 ) مُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ حِينَئِذٍ مَثَلًا لَوْ بَاعَ رَجُلٌ وَهُوَ فِي إسْلَامْبُولْ حِنْطَةً الَّتِي فِي تكفور طَاغِي يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحِنْطَةِ الْمَوْقُوتَةِ فِي تكفور طَاغِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهَا فِي إسْلَامْبُولْ . لَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَيَانُ الْمَكَانِ الَّذِي يُسَلَّمُ فِيهِ الْمَبِيعُ فَعَقْدُ الْبَيْعِ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يُبَيَّنُ فِيهِ مَكَانَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يُسَلَّمُ فِيهِ الْمَبِيعُ إلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَبِيعُ حِينَ الْعَقْدِ لَا فِي مَكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى إذَا نَقَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِلَا إذْنِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ الْعَقْدِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إلَى حَيْثُ كَانَ أَمَّا ثَمَنُ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْحَمْلِ وَالْمَئُونَةِ فَيَجِبُ بَيَانُ مَكَانِ تَسْلِيمِهِ فِي بَيَانِ الْعَقْدِ فَلِذَلِكَ خَصَّصَتْ الْمَجَلَّةُ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْمَبِيعِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 238 . ( الْمَادَّةُ 286 ) إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَيِّ مَحَلٍّ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلِمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا . يُعْتَبَرُ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَكَانَ الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْبَائِعُ مَكَانَ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ وَكَانَ ظَاهِرًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَكَانِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِي يَكُونُ مُخَيَّرًا خِيَارَ كَشْفِ الْحَالِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَرْكُ الْمَبِيعِ وَلَهُ قَبْضُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ حِينَ الْعَقْدِ بِكُلِّ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ( مُشْتَمَلُ الْأَحْكَامِ ) . ( مَادَّةُ 287 ) إذَا بِيعَ مَالٌ عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ فِي مَحَلِّ كَذَا لَزِمَ تَسْلِيمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 188 ) . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ حِنْطَةً مِنْ مَزْرَعَةٍ لَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فِي دَارِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمُشْتَرِي فِي دَارِهِ وَكَذَلِكَ إذَا شُرِطَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى مَئُونَةٍ فِي نَقْلِهِ إلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ حَمْلِ الْمَبِيعِ وَنَقْلِهِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 1890 ) ( هِنْدِيَّةٌ ) فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ تَعَيَّنَ مَحَلُّ الْمَبِيعِ مَكَانًا لِلتَّسْلِيمِ فَاشْتِرَاطُ نَقْلِهِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ شَرْطٌ زَائِدٌ وَمُفْسِدٌ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَتْهَا , الْمَجَلَّةُ فَلَيْسَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
____________________
(1/230)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَئُونَةِ التَّسْلِيمِ وَلَوَازِمِ إتْمَامِهِ : خُلَاصَةُ الْفَصْلِ : مَئُونَةُ التَّسْلِيمِ أَيْ كُلْفَتُهُ النَّفَقَاتِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُشْتَرِي هِيَ 1 - نَفَقَةُ التَّسْلِيمِ فِي بَيْعِ الْمُجَازَفَةِ 2 - النَّفَقَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ 3 - أُجْرَةُ كِتَابَةِ الصَّكِّ 4 - النَّفَقَاتُ الَّتِي يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِمُقْتَضَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 129 ) النَّفَقَاتُ الَّتِي تَلْزَمُ الْبَائِعَ هِيَ 1 - نَفَقَةُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ 2 - النَّفَقَةُ الَّتِي يَكُونُ مُكَلَّفًا بِأَدَائِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ حَسَبَ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 291 ) ( الْمَادَّةُ 288 ) : الْمَصَارِفُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثَّمَنِ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِي مَثَلًا أُجْرَةُ عَدِّ النُّقُودِ وَوَزْنِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ . لِأَنَّ الْوَزْنَ وَالْعَدَّ مِنْ إتْمَامِ التَّسْلِيمِ وَلَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي مُلْزَمًا بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَزِمَهُ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّسْلِيمُ فَأُجْرَةُ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ تَمَامِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَهَا . وَيُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ ( الْمَصَارِفُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثَّمَنِ ) أَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ خِلَافٌ فِي جَوْدَةِ الثَّمَنِ وَزَعَمَ الْمُشْتَرِي الْجَوْدَةَ فَالنَّفَقَةُ الَّتِي تُصْرَفُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ ) إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَأَعَادَهُ بِزَعْمِ أَنَّهُ زُيُوفٌ فَمَا يُنْفَقُ عَلَى وَزْنِهِ وَعَدِّهِ يَلْزَمُ الْبَائِعَ لِأَنَّ النَّقْدَ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَشَرْطٌ لِثُبُوتِ الرَّدِّ إذْ لَا تَثْبُتُ زِيَافَتُهُ إلَّا بِنَقْدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ شَخْصٌ مَدِينًا لِآخَرَ بِدَيْنٍ غَيْرِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَأَرَادَ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَأُجْرَةُ تَعْدَادِ هَذَا الدَّيْنِ وَوَزْنِهِ تَلْزَمُ الْمَدِينَ إلَّا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الدَّائِنُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ دَيْنَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ بِدُونِ عَدٍّ فَمَصَارِفُ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ الدَّيْنَ أَصْبَحَ فِي ضَمَانِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 289 ) : الْمَصَارِفُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِتَسَلُّمِ الْمَبِيعِ تَلْزَمُ الْبَائِعَ وَحْدَهُ مَثَلًا أُجْرَةُ الْكَيَّالِ لِلْمَكِيلَاتِ وَالْوَزَّانِ لِلْمَوْزُونَاتِ الْمَبِيعَةِ تَلْزَمُ الْبَائِعَ وَحْدَهُ . هَذَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ الَّتِي لَمْ تُبَعْ جُزَافًا فَهَذِهِ الْمَصَارِفُ تَلْزَمُ الْبَائِعَ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْعَدَّ وَالذَّرْعَ وَالْوَزْنَ مِنْ مُتَمِّمَاتِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَمَّا كَانَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لَازِمًا لَهُ فَيَلْزَمُهُ مَا يَتِمُّ بِهِ نَفَقَةُ مَا يَكُونُ بِهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لَازِمَةً لَهُ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . فَإِذَا بَاعَ شَخْصٌ حِمْلَ سَفِينَةٍ حَطَبًا كُلَّ قِنْطَارٍ بِعِشْرِينَ قِرْشًا فَأُجْرَةُ تَسْلِيمِ الْقِنْطَارِ تَلْزَمُ الْبَائِعَ إلَّا أَنَّ الْعَمَلَ فِي زَمَانِنَا جَارٍ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي حَسَبَ النِّظَامِ الْمَخْصُوصِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ إفْرَاغِ الْحِنْطَةِ فِي الْأَعْدَالِ ( الْأَكْيَاسِ ) تَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ إذْ اشْتَرَى مَاءً مِنْ السِّقَاءِ بِالْقِرْبَةِ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي يَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 43 ) وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَإِنَّمَا قِيلَ ( لَمْ تُبَعْ جُزَافًا ) لِأَنَّ مَا يُبَاعُ جُزَافًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ وَالْعَدِّ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ وَلِذَلِكَ فَأُجْرَةُ ذَلِكَ لَا تَلْزَمُ الْبَائِعَ كَمَا سَيُبَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ : مَصَارِفُ الدَّلَالَةِ - إذَا بَاعَ الدَّلَّالُ مَالًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ تُؤْخَذُ أُجْرَةُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا يَعُودُ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ
____________________
(1/231)
أَمَّا إذَا كَانَ الدَّلَّالُ مَشَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَاعَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مُجْرَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنْ تُؤْخَذَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ جَمِيعُهَا مِنْ الْبَائِعِ أُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي أُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ الِاثْنَيْنِ أُخِذَتْ مِنْهُمَا ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 45 ' أَمَّا إذْ بَاعَ الدَّلَّالُ الْمَالَ فُضُولًا لَا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَالْبَيْعُ الْمَذْكُورُ مَوْقُوفٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ 268 وَيُصْبِحُ نَافِذًا إذْ أَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلدَّلَّالِ أُجْرَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا ( طَحْطَاوِيٌّ دُرُّ الْمُخْتَارِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 290 ) : الْأَشْيَاءُ الْمَبِيعَةُ جُزَافًا مُؤْنَتُهَا وَمَصَارِفُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي مَثَلًا لَوْ بِيعَتْ ثَمَرَةُ كَرْمٍ جُزَافًا كَانَتْ أُجْرَةُ قَطْعِ الثَّمَرَةِ وَجَزُّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ بِيعَ أَنْبَارُ حِنْطَةٍ فَأُجْرَةُ إخْرَاجِ الْحِنْطَةِ مِنْ الْأَنْبَارِ وَنَقْلِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا إذَا بِيعَ الْبَصَلُ أَوْ الثُّومُ أَوْ الْجَزَرُ الْمَزْرُوعُ فِي الْبُسْتَانِ مُجَازَفَةً يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي نَفَقَةُ قَلْعِهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزَافًا فِي مَخْزَنٍ فَنَفَقَةُ فَتْحِ بَابِهِ يَلْزَمُ الْبَائِعَ ( الْمَادَّةُ 291 ) : مَا يُبَاعُ مَحْمُولًا عَلَى الْحَيَوَانِ كَالْحَطَبِ وَالْفَحْمِ تَكُونُ أُجْرَةُ نَقْلِهِ وَإِيصَالِهِ إلَى بَيْتِ الْمُشْتَرِي جَارِيَةً عَلَى حَسَبَ عُرْفِ الْبَلْدَةِ وَعَادَتِهَا . وَكَذَلِكَ الْحَشِيشُ وَالتِّبْنُ وَالْحِنْطَةُ إذَا كَانَ عُرْفُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ نَقْلَهَا إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي يُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ الْبَلَدِ يَعْنِي إذْ كَانَ عُرْفُ الْبَلَدِ نَقْلَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِهِ هَذَا إذَا لَمْ يُبَيَّنْ مَكَانُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ فِي الْآسَتَانَةِ فَحْمًا أَوْ تِبْنًا مَحْمُولًا عَلَى جَمَلٍ أَوْ بَغْلٍ وَلَمْ يُبَيَّنْ حِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ مَكَانَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ الْفَحْمَ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْآسَتَانَةِ جَارٍ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا عُيِّنَ مَكَانُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ حِينَ الْعَقْدِ فَيَجْرِي فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَادَّةِ 287 ( الْمَادَّةُ 292 ) : أُجْرَةُ كِتَابَةِ السَّنَدَاتِ وَالْحُجَجِ وَصُكُوكِ الْمُبَايَعَاتِ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِي لَكِنْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَقْرِيرُ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فِي الْمَحْكَمَةِ الْمَقْصِدُ مِنْ السَّنَدِ وَالْحُجَّةِ سَنَدُ الْبَيْعِ أَوْ حُجَّتُهُ وَلَا يُجْبِرُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ سَنَدًا وَحُجَّةً بِالْبَيْعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 87 ) إلَّا أَنَّهُ إذَا كَتَبَ الْمُشْتَرِي سَنَدَ الْبَيْعِ وَطَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يُقَرِّرَ الْبَيْعَ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُقَرِّرَ الْبَيْعَ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ الَّذِي جِيءَ بِهِمْ لِحُضُورِهِ وَكَذَلِكَ . يَجْرِي الْبَائِعُ عَلَى تَقْرِيرِ الْبَيْعِ بِمَحْضَرِ نَائِبِ الْمَحْكَمَةِ الَّذِي يُرْسَلُ إلَيْهِ لِتَسْجِيلِ الْبَيْعِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ عَنْ تَقْرِيرِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ فَالْمُشْتَرِي يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ فَإِذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ يُسَجِّلُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالذَّهَابِ إلَى مَحْضَرِ الشُّهُودِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ حُجَّةَ الْمَبِيعِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ الدَّارَ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ شَخْصٍ لِشَخْصٍ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَسَلَّمَهُ الْمَبِيعَ وَطَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ حَتَّى يُسَلِّمَ الْبَائِعُ إلَيْهِ حُجَّةَ الْبَيْعِ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُ حِينَمَا اشْتَرَى الْمَبِيعَ وَسُجِّلَتْ عِنْدَ الْقَاضِي لَكِنْ إذَا طُلِبَ مِنْ الْبَائِعِ صُورَةٌ مُصَدَّقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْحُجَّةِ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى السَّمَاحِ لِلْمُشْتَرِي بِأَخْذِ تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ نَفَقَةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي .
____________________
(1/232)
( الفصل الخامس في بيان المواد المترتبة على هلاك المبيع ) ( الْمَادَّةُ 293 ) الْمَبِيعُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي . وَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ مَنْ سُلِّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ لِيَحْفَظَهُ إلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ فَلَا يَتَرَتَّبُ شَيْءٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَعُودُ الضَّرَرُ وَالْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَا لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى أَنْ يَعُودَ الْخُسْرَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَمْ مُشْتَرَطًا فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَكَمَا أَنَّهُ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ قَبْلَ قَبْضِهِ تَعُودُ الْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ تَعُودُ الْخَسَارَةُ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانٌ بِاسْتِهْلَاكِهِ لِلْمَبِيعِ مَثَلًا إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالًا لَهُ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ذَهَبًا بِسِتَّةٍ وَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتُهْلِكَ الْمَالُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْبَائِعَ عَشَرَةَ الدَّنَانِيرِ قِيمَةَ هَذَا الْمَالِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ وَبِهَلَاكِهِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ فَلَا يَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ ضَمَانُ الثَّمَنِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97 ' . وَتَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ خَمْسُ صُوَرٍ . ( 1 ) أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ . ( 2 ) بِاسْتِهْلَاكِ الْبَائِعِ لَهُ . ( 3 ) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَهِيمَةً فَتُهْلِكُ نَفْسَهَا . بِهَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ إذَا كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ ' بَزَّازِيَّةٌ , وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : ( 1 ) إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَ مَنْ وُضِعَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ لِحِفْظِهِ إلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَتَعُودُ الْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذَا الْمُوَكَّلَ بِحِفْظِهِ إنَّمَا يَحْفَظُهُ لِأَجْلِ الْبَائِعِ فَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِ الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) , ( هِنْدِيَّةٌ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ وَقَالَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ هَذَا الْمَالِ سَلِّمْ الْمَالَ إلَى فُلَانٍ لِيَحْفَظَهُ حَتَّى أُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إلَيْك فَامْتَثَلَ الْبَائِعُ وَتَلِفَ الْمَبِيعُ وَتَعُودُ الْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ ( 2 ) إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ فَأَبْقَاهُ الْبَائِعُ فِي يَدِهِ حَتَّى يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الثَّمَنَ
____________________
(1/233)
فَدَفَعَ الْمُشْتَرِي جَانِبًا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ سُرِقَ الْمَبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ وَيَكُونُ الْبَائِعُ مُجْبَرًا عَلَى رَدِّ مَا قَبَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِي بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 275 ) . ( 3 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ صَابُونًا وَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ خَلَطَهُ الْبَائِعُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الصَّابُونِ بِدُونِ إذْنِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى تَمْيِيزِ مَا اشْتَرَاهُ مِمَّا خُلِطَ بِهِ لِأَنَّ خَلْطَ الْمَبِيعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِهْلَاكِ لَهُ وَمُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ . ( 4 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ بَهِيمَةً مَرِيضَةً وَقَالَ لِلْبَائِعِ لِتَبْقَى هَذِهِ الْبَهِيمَةُ عِنْدَك فَإِذَا تَلِفَتْ فَعَلَيَّ فَتَلِفَتْ فَتَلَفُهَا عَلَى الْبَائِعِ . ( 5 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ بَقَرَةً مَرِيضَةً مِنْ الْمَرْعَى وَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا قَالَ لِلْبَائِعِ أَوْصِلْهَا إلَى دَارِك وَسَأَحْضُرُ بَعْدَئِذٍ لِأَخْذِهَا فَإِذَا تَلِفَتْ فَعَلَيَّ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَتَلَفُهَا عَلَيْهِ ( 6 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مُحْلَبَة لَبَنٍ فَقَالَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْصِلْهَا إلَى دَارِي فَوَقَعَتْ الْمُحْلِبَةُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَتَلِفَ اللَّبَنُ فَالتَّلَفُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَقَعْ ( 7 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حَطَبًا تَحْمِلُهُ دَابَّةٌ وَكَانَ فِي مُتَعَارَفِ الْبَلَدِ أَنْ يَنْقُلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي فَذَهَبَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ لِيُوَصِّلَهُ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي فَاغْتُصِبَ مِنْهُ أَثْنَاءَ ذَهَابِهِ فَالْخَسَارُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ 291 يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْتِهِ جَرْيًا عَلَى الْعُرْفِ ( 8 ) إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِذَا كَانَ الْبَدَلُ الْآخَرُ فِي يَدِ الْقَابِضِ يَجِبُ رَدُّهُ عَيْنًا وَإِذَا اُسْتُهْلِكَ يَجِبُ رَدُّهُ بَدَلًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97 ) . الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ تَلَفُ الْمَبِيعِ بِإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعَدُّ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 275 أَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا قَبْلُ أَوْ الْمُشْتَرَى فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَيَضْمَنُهُ بِحَسَبِ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ 89( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 308 وَ 371 ) مَتْنًا وَشَرْحًا . الْخَامِسَةُ : أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ فَيَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَيَكُونَ حَقُّ التَّضْمِينِ لِلْبَائِعِ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ فَيَكُونَ لَهُ حَقُّ تَضْمِينِ الْمُتْلِفِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْإِتْلَافِ وَمَكَانِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ) فَعَلَى هَذَا إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ أَوْ أَعَارَهُ شَخْصًا آخَرَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي فَتَلِفَ فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ أَوْدَعَهُ شَخْصًا آخَرَ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُسْتَوْدَعُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ إبْقَاءِ الْبَيْعِ وَتَضْمِينِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لِلْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّخْصِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ - وَفَسْخُ الْبَيْعِ . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَا بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مُخَيَّرٌ فَيُبْقِي الْبَيْعَ إذَا أَرَادَ وَيُضَمِّنُ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي وَيَسْتَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مَا دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ مَوْجُودًا أَخَذَهُ عَيْنًا .
____________________
(1/234)
وَسَنَذْكُرُ الْمَسَائِلَ فِي تَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ . إنَّ تَلَفَ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَكُونُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْحَاءٍ : ( 1 ) تَلَفُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالنُّقْصَانُ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْمَبِيعِ إنْ كَانَ نُقْصَانَ قَدَرٍ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِقْدَارَ الْبَاقِيَ مِنْ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ( خُلَاصَةٌ ) وَيُسَمَّى هَذَا الْخِيَارُ خِيَارَ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ( بَحْرٌ ) . مِثَالُ ذَلِكَ . إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْحِنْطَةِ تَلِفَ مِنْهَا عَشْرُ كَيْلَاتٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَ يَدَهُ عَنْ الْمَبِيعِ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْبَلَ الْأَرْبَعِينَ كَيْلَةً الْبَاقِيَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ وَسُقُوطُ الثَّمَنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ ( وَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ . كَفَوِيٌّ ) . وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ مِقْدَارٌ مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ أَوْ الْمَعْدُودَاتِ الْمَبِيعَةِ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ فِي الْمِقْدَارِ الْهَالِكِ . وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي مُخَيَّرًا فَلَهُ أَخْذُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَتَرْكُهُ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ( وَاقِعَاتٌ ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ دَابَّتَيْنِ مِنْ آخَرَ فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ تَلِفَا وَاخْتُلِفَ فِي . قِيمَتِهِمَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ الَّذِي عَرَضَ لِلْمَبِيعِ نُقْصَانَ وَصْفٍ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِهِ لَكِنْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَبِيعَ وَأَنْ يَأْخُذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 234 ) وَالْوَصْفُ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ ذِكْرٍ كَالْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ وَالْأَطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ وَالْجَوْدَةِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ( خُلَاصَةٌ ) . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ طَاحُونًا مِنْ آخَرَ وَقَبَضَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ لَهُ جَاءَ سَيْلٌ جَارِفٌ فَهَدَمَ الطَّاحُونَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُقَصِّرَ يَدَهُ عَنْ الطَّاحُونِ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ . ( 2 ) أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ أَكَانَ النُّقْصَانُ الْعَارِضُ فِي الْمَبِيعِ بِهَلَاكِ الْبَعْضِ نُقْصَانَ وَصْفٍ أَمْ نُقْصَانَ قَدَرٍ فَعَلَى أَيِّ حَالٍ الْبَائِعُ مُخَيَّرٌ فَلَهُ تَرْكُ الْمَبِيعِ وَلَهُ قَبُولُ الْبَاقِي مِنْهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي تَضْمِينُ الْبَائِعِ مَا اسْتَهْلَكَهُ . ( 3 ) أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَنْ يَقْبَلَهُ كُلَّهُ وَيُضَمِّنَ مَا تَلِفَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي كَذَا أُقَّةِ أُرْزٍ فَقَبَضَ بَعْضَهَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَعْضَ الْآخَرَ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ أَسْعَارُ الْأُرْزِ فَبَاعَ الْبَائِعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَبِيعِ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ أَغْلَى وَاسْتَهْلَكَ الْآخَرُ مَا اشْتَرَاهُ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مِثْلَ الْأُرْزِ لِلْآخَرِ وَحِينَئِذٍ يَنْفُذُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَبْطُلُ الثَّانِي وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَنْفُذُ الثَّانِي وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْبَائِعَ مِثْلَ الْأُرْزِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ فَلَا يَتَوَجَّهُ ضَمَانُ غَيْرِهِ كَمَا وَضَحَ سَابِقًا ( خَيْرِيَّةٌ ) . ( 4 ) أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَهُ بِإِتْلَافِهِ وَقَابِضًا بَاقِيَ الْمَبِيعِ بِتَعْيِيبِهِ لَهُ فَإِذَا تَلِفَ بَاقِي الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ حَبْسِ الْبَائِعِ لَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَبْسِ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي سِوَى مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 275 ) .
____________________
(1/235)
( 5 ) أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا إذَا كَانَ دَابَّةٌ فَحُكْمُ ذَلِكَ كَحُكْمِ التَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ . ( الْمَادَّةُ 294 ) إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ . أَيْ إذَا تَلِفَ كُلُّ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكِيلِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ تَعَدَّى الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ دَفْعِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الْمُعَجَّلَ أَصْبَحَ مُجْبَرًا عَلَى أَدَائِهِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا فَأَرْسَلَ رَسُولًا لِقَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبَضَهُ الرَّسُولُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَالْخَسَارَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الرَّسُولَ قَبَضَ بِأَمْرِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ زِنْ لِي مِنْ هَذَا السَّمْنِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَسَلِّمْهَا إلَى أَجِيرِك أَوْ أَجِيرِي فَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ إلَى الْأَجِيرِ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَالتَّلَفُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ أَجِيرَ الْبَائِعِ أَوْ أَجِيرَ الْمُشْتَرِي كَانَ وَكِيلًا لَهُ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ زِنْ لِي مِنْ هَذَا السَّمْنِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَأَرْسِلْهُ إلَى دَارِي مَعَ أَجِيرِك أَوْ مَعَ أَجِيرِي فَوَزَنَ الْبَائِعُ السَّمْنَ وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ أَوْ أَجِيرِ الْمُشْتَرِي فَكَسَرَ إنَاءَ السَّمْنِ وَتَلِفَ السَّمْنُ عَادَتْ الْخَسَارَةُ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَبْضِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَالْفَرْقُ فِي الْمِثَالَيْنِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي الْأَوَّلِ لَفْظَةَ ( تَسْلِيمٍ ) فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَالَةً مِنْ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَاسْتَعْمَلَ فِي الثَّانِي لَفْظَةَ ( الْإِرْسَالِ ) فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَالَةً مِنْ الْمُشْتَرِي لِلْأَجِيرِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ( مُعْرَبٌ ) وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ شَرْطٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِدُونِ إذْنِهِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَعُودُ خَسَارَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا أَمْ مُؤَجَّلًا وَسَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَمْ خِيَارُ عَيْبٍ أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الَّذِي لَهُ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ فَأَوْدَعَهُ بَائِعَهُ مُدَّةَ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهَا فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَلَا يَنْفَسِخُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي أَدَاءُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَمَّا إذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ فَأَوْدَعَهُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ أَكَانَ التَّلَفُ أَثْنَاءَ مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهَا ( هِنْدِيَّةٌ ) . وَيُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ ( الْمَبِيعَ ) أَنَّهُ إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا تَعُودُ خَسَارَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا تَعُودُ خَسَارَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِ جَمِيعِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْقَبْضِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ اسْتِرْدَادٍ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ فَأَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ بِهَذَا الْإِتْلَافِ يَكُونُ قَدْ اسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَيَكُونُ اسْتِهْلَاكُهُ فِي حُكْمِ اسْتِهْلَاكِ الْأَجْنَبِيِّ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَهُ أَوْ مِثْلَهُ وَلَا يَطْرَأُ عَلَى الْبَيْعِ خَلَلٌ فِي ذَلِكَ وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ يَكُونُ مَا لَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْمَبِيعِ مَالًا لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ هَلَاكُ بَاقِي الْمَبِيعِ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلَاتُ السَّابِقَةُ يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ يَكُونُ قَدْ اسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي .
____________________
(1/236)
- لَاحِقَةٌ - فِي الِاخْتِلَافِ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ . ( 1 ) مَسْأَلَةٌ : إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي تَلَفَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَادَّعَى الْبَائِعُ تَلَفَهُ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِضَمَانِ الثَّمَنِ وَمُدَّعٍ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 ) وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ أَيٍّ أَقَامَهَا مِنْهُمَا فَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الَّذِي يَدَّعِي الْهَلَاكَ فِي زَمَنٍ أَسْبِقَ فَإِذَا لَمْ يُبَيَّنْ الزَّمَنُ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلثَّمَنِ . ( 2 ) مَسْأَلَةٌ : إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِي اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ اسْتَهْلَكَهُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ أَيِّهِمَا فَإِذَا أَقَامَ الِاثْنَانِ الْبَيِّنَةَ رُجِّحْت بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي . ( الْمَادَّةُ 295 ) إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ بَلْ يَكُونُ مِثْلَ الْغُرَمَاءِ . وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ فِيمَا إذَا تَلِفَ أَوْ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَكُلُّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى يُبَاعُ الْمَبِيعُ وَيُقْسَمُ بَدَلُهُ مَعَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ حَسَبَ دُيُونِهِمْ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَدْ أَبْطَلَ حَقَّ حَبْسِهِ لِلْمَبِيعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 281 ) . ( شَرْحُ الْمَجْمَعِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَهُ أَنَّ الثَّمَنَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ ثَبَتَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ كَمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي وَمَاتَ مُفْلِسًا ( شَرْحُ الْمَجْمَعِ ) وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُفْلِسِ هُنَا الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَسُدُّ جَمِيعَ دُيُونِهِ سَوَاءٌ أَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ قَبْلًا أَمْ لَمْ يَحْكُمْ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ : - قِيلَ ( بِإِذْنِ الْبَائِعِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجُزْ الْبَائِعُ هَذَا الْقَبْضَ وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَبِمَا أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ حَسَبَ الْمَادَّةِ 277 لَيْسَ مُعْتَبَرًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ . وَقِيلَ ( إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ ( عَبْدُ الْحَلِيمِ ) وَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِعْطَاءُ كُلِّ غَرِيمٍ حِصَّتَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَدِينِ بِنِسْبَةِ دَيْنِهِ بِأَنْ يُضْرَبَ دَيْنُ كُلِّ غَرِيمٍ عَلَى حِدَةٍ فِي مَجْمُوعِ التَّرِكَةِ ثُمَّ يُقْسَمَ حَاصِلُ الضَّرْبِ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَحَاصِلُ الْقِسْمَةِ يَكُونُ حِصَّةَ الْغُرَمَاءِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ تَرِكَةُ الْمَدِينِ بَعْدَ تَجْهِيزِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَيَكُونُ الْمَدِينُ مَدِينًا لِزَيْدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلِعَمْرٍ و بِخَمْسَةٍ فَلَمَّا كَانَ مَجْمُوعُ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا يُضْرَبُ دَيْنُ زَيْدٍ الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ فِي مَجْمُوعِ التَّرِكَةِ وَهِيَ التِّسْعَةُ الدَّنَانِيرَ وَيُقْسَمُ حَاصِلُ الضَّرْبِ وَهُوَ التِّسْعُونَ عَلَى مَجْمُوعِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَحَاصِلُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ يَكُونُ حِصَّةَ زَيْدٍ مِنْ التَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبْت حِصَّةَ عَمْرٍ و الْخَمْسَةَ الدَّنَانِيرَ فِي التِّسْعَةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ التَّرِكَةِ وَيُقْسَمُ حَاصِلُ الضَّرْبِ عَلَى الْخَمْسَةِ فَالثَّلَاثَةُ الَّتِي تَكُونُ خَارِجَ الْقِسْمَةِ حِصَّةُ عَمْرٍ و مِنْ التَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ .
____________________
(1/237)
( الْمَادَّةُ 296 ) إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَأَدَاءِ الثَّمَنِ كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُشْتَرِي وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ فَيُوفِي حَقَّ الْبَائِعِ بِتَمَامِهِ وَإِنْ بِيعَ بِأَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَصْلِيِّ أَخَذَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَ بِهِ وَيَكُونُ فِي الْبَاقِي كَالْغُرَمَاءِ وَإِنْ بِيعَ بِأَزْيَدَ أَخَذَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْأَصْلِيَّ فَقَطْ وَمَا زَادَ يُعْطَى إلَى الْغُرَمَاءِ . يَحْبِسُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ جَمِيعَهُ وَلَيْسَ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْمَبِيعِ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَحْبُوسٌ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَكَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَكَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ , وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي حَسَبَ الْمَادَّةِ 292 وَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ( الدُّرُّ الْمُخْتَارُ ) . وَإِنَّمَا قِيلَ ( يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ ) لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ بِالدُّيُونِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَصَارَ بَيْعُ التَّرِكَةِ مِنْ وَظَائِفِ الْقَاضِي وَإِذَا بَاعَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ فَلِلْغُرَمَاءِ نَقْضُ الْبَيْعِ ( خَيْرِيَّةٌ ) أَمَّا إذَا بَاعَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ بِبَدَلِ الْمِثْلِ فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ نَقْضُ الْبَيْعِ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ ( بَدَلِ الْمِثْلِ ) قِيمَتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ فَعَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ التَّرِكَةَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ( نُورُ الْعَيْنِ ) . ( الْمَادَّةُ 297 ) إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي كَانَ الْمَبِيعُ . أَمَانَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَا يُزَاحِمُهُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ . يَعْنِي لَا يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِيمَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ التَّرِكَةِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) أَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ فَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُ الْمَادَّةِ 293 لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَهُوَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ أَخْذِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .
____________________
(1/238)
الفصل السادس فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ وَسَوْمِ النَّظَرِ ( السَّوْمُ ) بِوَزْنِ النَّوْمِ يُضَافُ إلَى الْبَائِعِ فَيُقَالُ ( سَوْمُ الْبَائِعِ ) وَهُوَ تَعْيِينُ الثَّمَنِ لِمَتَاعٍ مَعْرُوضٍ لِلْبَيْعِ وَكَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُقَالُ ( سَوْمُ الْمُشْتَرِي ) وَهُوَ بِمَعْنَى عَرْضُ الْمُشْتَرِي ثَمَنًا آخَرَ . خُلَاصَةُ الْفَصْلِ : أَوَّلًا - إذَا سُمِّيَ الثَّمَنُ فَالْمَالُ الَّذِي يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُهُ يَكُونُ فِي ضَمَانِهِ . ثَانِيًا - إذَا لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي . سَوْمُ النَّظَرِ : الْمَالُ الَّذِي يُقْبَضُ لِيُنْظَرَ إلَيْهِ وَيُرَى أَمَانَةً . ( الْمَادَّةُ 298 ) . مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ مَالًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ أَوْ ضَاعَ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ لَزِمَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ لَزِمَ عَلَيْهِ أَدَاءُ مِثْلِهِ لِلْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَهُ بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ وَيُسَمِّيَ لَهُ ثَمَنًا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ أَوْ ضَاعَ بِلَا تَعَدٍّ مَثَلًا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي ثَمَنُ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَلْفُ قِرْشٍ اذْهَبْ بِهَا فَإِنْ أَعْجَبَتْك اشْتَرِهَا فَأَخَذَهَا الْمُشْتَرِي عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لِيَشْتَرِيَهَا فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ أَدَاءُ قِيمَتِهَا لِلْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ بَلْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي خُذْهَا فَإِنْ أَعْجَبَتْك فَاشْتَرِهَا وَأَخَذَهَا الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ إذَا أَعْجَبَتْهُ يُقَاوِلُهُ عَلَى الثَّمَنِ وَيَشْتَرِيهَا فَبِهَذِهِ الصُّورَةِ إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ . سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حَقِيقَةً أَمْ حُكْمِيَّةً وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ الَّذِي سُلِّمَ إلَى الْمُسَاوِمِ الطَّالِبِ الشِّرَاءِ عَيْنَ الْمَالِ الْمُسَاوَمِ عَلَيْهِ أَمْ كَانَ مَالًا آخَرَ سُلِّمَ إلَى الْمُسَاوِمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ الْمَالُ الْمُسَاوَمُ بِهِ وَكَمَا أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيمَا إذَا تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُسَاوِمِ كَذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى وَرَثَتِهِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكُوهُ بَعْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِمْ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي ذَلِكَ لَوْ اُشْتُرِطَ عَدَمُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُسَاوِمُ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَيَضْمَنُ أُولَئِكَ قِيمَةَ الْمَالِ الْمُسَاوَمِ بِهِ إذَا كَانَ قِيَمِيًّا وَلَوْ تَجَاوَزَتْ الْقِيمَةُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى وَيَضْمَنُونَ مِثْلَهُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَ الشَّخْصُ الَّذِي اسْتَلَمَ الْمَبِيعَ مَا اسْتَلَمَهُ مُسَاوَمَةً أَوْ أَتْلَفَهُ فِي حَيَاةِ الْبَائِعِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ اسْتِهْلَاكَهُ لِذَلِكَ الْمَالِ يَدُل
____________________
(1/239)
ُّ عَلَى قَبُولِهِ الْبَيْعَ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِهْلَاكِ الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثِ أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْمُشْتَرِي فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ كَانَ رَاضِيًا بِإِمْضَاءِ عَقْدِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ مَا اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ الْعَاقِدِ بَلْ الْعَقْدُ انْفَسَخَ بِمَوْتِهِ وَبَقِيَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْوَارِثِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ دُونَ الثَّمَنِ . وَتَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حَقِيقَةً أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ ثَمَنَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَلْفُ قِرْشٍ فَخُذْهَا إذَا رَغِبْت فِيهَا فَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي قَائِلًا سَأَشْتَرِيهَا إذَا أَعْجَبَتْنِي . وَتَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حُكْمًا كَأَنْ يُسَمِّيَ أَحَدُ الْمُتَسَاوِمِينَ الثَّمَنَ وَيَظْهَرَ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالثَّمَنِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَنَّ ثَمَنَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَلْفُ قِرْشٍ فَإِذَا أَعْجَبَتْك فَاشْتَرِهَا فَتُسَلَّمُ وَيُسَلِّمُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي تِلْكَ الدَّابَّةَ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ اسْتِنَادًا عَلَى كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ أَنْ يُصَرِّحَ الْمُشْتَرِي بِالْقَبُولِ إذَا أَعْجَبَهُ أَوْ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي سَآخُذُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَإِنْ أَعْجَبَتْنِي اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَلَمْ يَأْخُذْ الْبَائِعُ شَيْئًا صَرَاحَةً إلَّا أَنَّهُ سَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى الْمُشْتَرِي ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) فَلِذَلِكَ إذَا أَخَذَ شَخْصٌ مَالًا عَلَى جِهَةِ سَوْمِ الشِّرَاءِ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنَّ ثَمَنَ هَذَا الْمَالِ عِشْرُونَ قِرْشًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي كَلًّا بَلْ آخُذُهُ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْبَائِعُ بَيْعَهُ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الْعِشْرِينَ قِرْشًا بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ لَكِنْ الْقِيَاسُ يُوجِبُ ضَمَانَ الْقِيمَةِ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَإِذَا رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ مَاتَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَالِ الَّذِي قَبَضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 183 ) حَتَّى إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ دَفْعُ بَدَلَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ اسْتِهْلَاكُ هَذَا الْمَالِ إجَازَةً لِلْبَيْعِ وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ شَخْصٌ إلَى آخَرَ مَالًا لَمْ يَبِعْهُ مِنْهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ فَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي يَضْمَنُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ ( طَحْطَاوِيٌّ ) . وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ سَأَنْظُرُ إلَى الْمَالِ أَوْ أُرِيه غَيْرِي فَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْكَلَامِ الْأَخِيرِ الضَّمَانُ الَّذِي يَلْزَمُ ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَإِذَا اشْتَرَطَ طَالِبُ الشِّرَاءِ أَيْ الْمُسَاوِمُ أَوْ الْبَائِعُ حِينَ الْقَبْضِ أَلَّا يَلْزَمَ الْمُشْتَرِي ضَمَانٌ فِيمَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . مُؤَيَّدُ زَادَهْ ) ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 83 ) وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُسَاوِمُ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَأَرَى مُوَكِّلَهُ الْمَالَ فَلَمْ يَقْبَلْ بِهِ وَرَدَّهُ إلَى الْوَكِيلِ فَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ تَوَجَّهَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ أَمَرَهُ بِالْمُسَاوَمَةِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ بِالشِّرَاءِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ أَوْ سَمَّاهُ إلَّا أَنَّ الْمُسَاوِمَ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ لِلشِّرَاءِ بَلْ لِيَرَاهُ أَوْ يُرِيه غَيْرَهُ فَالْمُسَاوَمُ بِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 768 ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَمَّى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الثَّمَنَ فِي سَوْمِ الشِّرَاءِ وَقَبِلَ الْآخَرُ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً ثُمَّ تَلِفَ الْمَبِيعُ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمُتَعَاقِدَانِ الثَّمَنَ أَصْلًا أَوْ يُسَمِّ الْبَائِعُ فَلَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَأَخَذَهُ عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ بِرِضَا الْبَائِعِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَبِيعُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَجَاءَ فِي ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) قَالَ لَهُ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَ هَاتِهِ أَنْظُرُ إلَيْهِ أَوْ أُرِيه غَيْرِي فَأَخَذَهُ عَلَى هَذَا وَضَاعَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ هَذَا الْمَالُ بِعِشْرِينَ قِرْشًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَخَذْته بِعَشَرَةٍ ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ تَمَامًا ( بَزَّازِيَّةٌ ) .
____________________
(1/240)
وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ شَخْصٌ كَأْسًا مِنْ حَانُوتِ الزَّجَّاجِ بِدُونِ تَسْمِيَةٍ عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ يُرِيَهُ غَيْرَهُ فَيَشْتَرِيَهُ إذَا أَعْجَبَهُ فَوَقَعَتْ الْكَأْسُ مِنْ يَدِهِ وَكَسَرَتْ كُؤُوسًا أُخْرَى فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ تِلْكَ الْكَأْسِ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِلثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْكُؤُوسَ الْأُخْرَى سَوَاءٌ أَذَكَرَ ثَمَنَ الْكَأْسِ أَمْ لَا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 925 ) وَأَمَّا إذَا أَخَذَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْكَأْسَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْحَانُوتِ فَيَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ كَمَا لَوْ بَيَّنَ كَأَنْ يَسْأَلَ الشَّخْصُ صَاحِبَ الْحَانُوتِ عَنْ ثَمَنِ الْكَأْسِ فَيَقُولَ صَاحِبُ الْحَانُوتِ بِعَشَرَةِ قُرُوشٍ فَيَقُولَ الشَّخْصُ سَآخُذُهُ وَأَرْفَعُهُ فَيَقُولَ صَاحِبُ الْحَانُوتِ خُذْهُ وَارْفَعْهُ فَيَأْخُذُهُ فَبِحَسَبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْكَأْسِ وَلِلْكُؤُوسِ الْأُخْرَى ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 771 ) كَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ شَخْصٌ مَالَهُ إلَى الدَّلَّالِ لِيَبِيعَهُ فَتَرَكَ الدَّلَّالُ ذَلِكَ لِشَخْصٍ يُرِيدُ شِرَاءَهُ فَضَاعَ يُنْظَرُ فَإِذَا سَمَّى الثَّمَنَ يَضْمَنُ الشَّخْصُ قِيمَتَهُ وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ الدَّلَّالُ مَأْذُونًا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الطَّالِبِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّلَّالِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 91 و 1464 ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا يَضْمَنُ ( فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ ) ( هِنْدِيَّةٌ ) . فِي تَعَدُّدِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُؤْخَذُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ : إذَا أَخَذَ شَخْصٌ ثَلَاثَةَ أَمْتِعَةٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لِيَشْتَرِيَ وَاحِدًا مِنْهَا وَسَمَّى الثَّمَنَ فَهَلَكَتْ جَمِيعُهَا جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَدْرِ أَيَّهَا تَلِفَ أَوَّلًا وَأَيَّهَا تَلِفَ ثَانِيًا ضَمِنَ الشَّخْصُ ثُلُثَ بَدَلِ الْأَمْتِعَةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ عَلَى أَنَّ ثَمَنَ أَحَدِهَا ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَالثَّانِي عِشْرُونَ وَالثَّالِثِ عَشَرَةٌ فَتَتْلَفُ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهَا تَلِفَ قَبْلَ سَائِرِهَا فَيَضْمَنُ الشَّخْصُ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُلُثَ السِّتِّينَ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ أَثْمَانِ الْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَيَّهَا تَلِفَ قَبْلَ الْبَاقِي فَيَضْمَنُ الْمُسَاوَمَ الَّذِي تَلِفَ أَوَّلًا وَيَكُونُ الْبَاقِي أَمَانَةً وَإِذَا تَلِفَ ثَوْبَانِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهمَا تَلِفَ أَوَّلًا فَيَضْمَنُ نِصْفَ بَدَلِهِمَا وَالثَّالِثُ أَمَانَةٌ يُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ وَإِذَا طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَضْمَنُ الْمُسَاوِمُ شَيْئًا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( الْمَادَّةُ 299 ) مَا يُقْبَضُ عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ مَالًا لِيَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ لِيُرِيَهُ لِآخَرَ سَوَاءٌ أَبَيَّنَ ثَمَنَهُ أَمْ لَا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْقَابِضِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ أَوْ ضَاعَ بِلَا تَعَدٍّ . أَشْبَاهٌ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ وَالْمَادَّةَ 778 ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِي قَدْ أَخَذَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ لَا عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ أَيْ سَوْمِ الشِّرَاءِ أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَ الْقَابِضُ ذَلِكَ الْمَالَ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 912 ) وَلِذَلِكَ إذَا نَظَرَ شَخْصٌ إلَى الْخَلِّ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ فَرَعَفَ وَسَالَ الدَّمُ مِنْ أَنْفِهِ فِي زِقِّ الْخَلِّ فَقَذَرَ الْخَلَّ فَإِنْ كَانَ نَظَرُهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْخَلِّ فَلَا يَضْمَنُ ( الْخَانِيَّةُ ) .
____________________
(1/241)
الْبَابُ السَّادِسُ ( فِي بَيَانِ الْخِيَارَاتِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى سَبْعَةِ فُصُولٍ ) : الْخِيَارَاتُ جَمْعُ خِيَارٍ وَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُهُ فِي الْمَادَّةِ 116 وَتُقْسَمُ خَمْسَةَ تَقَاسِيمَ : التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ : بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ وَتَحْتَهُ : ( 1 ) خِيَارُ الشَّرْطِ ( 2 ) خِيَارُ وَصْفِ الْمَبِيعِ ( 3 ) خِيَارُ النَّقْدِ ( 4 ) خِيَارُ التَّعْيِينِ ( 5 ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( 6 ) خِيَارُ الْعَيْبِ ( 7 ) خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ وَهَذِهِ الْخِيَارَاتُ السَّبْعَةُ قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَجَلَّةِ وَبُيِّنَتْ أَحْكَامُهَا ( 8 ) خِيَارُ وَصْفِ الثَّمَنِ . ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 187 ) ( 9 ) خِيَارُ الْقَبُولِ . ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 181 ) ( 10 ) خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 243 ) ( 11 ) خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ . ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ 217 و 218 ) . ( 12 ) خِيَارُ تَكَشُّفِ الْحَالِ . ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 238 ) ( 13 ) خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِظُهُورِ الْمَبِيعِ نَاقِصًا ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 223 ) , ( 14 ) خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 293 ) , ( 15 ) خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 239 ) , ( 16 ) خِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 351 ) ( 17 ) خِيَارُ الْخِيَانَةِ . ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 360 ) . ( 18 ) خِيَارُ إجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 378 ) ( 19 ) خِيَارُ ظُهُورِ الْمَبِيعِ مُسْتَأْجَرًا ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 590 ) ( 20 ) خِيَارُ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ غَرَّرَ بِالْمُشْتَرِي فِعْلًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا رَبَطَ الْبَائِعُ ضَرْعَ بَقَرَتِهِ وَلَمْ يَحْلِبْ لَبَنَهَا حَتَّى تَجَمَّعَ لِيُغْرِ بِهِ الْمُشْتَرِيَ فَيَظُنَّ أَنَّ الْبَقَرَةَ كَثِيرَةُ اللَّبَنِ فَاغْتَرَّ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَى الْبَقَرَةَ ظَانًّا أَنَّهَا كَثِيرَةُ اللَّبَنِ فَالْبَائِعُ قَدْ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِعْلًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ الْبَقَرَةَ وَقِيمَةَ اللَّبَنِ الَّذِي احْتَلَبَهُ مِنْ الْبَقَرَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَرُدُّ الْبَقَرَةَ فَقَطْ وَصَاعَ تَمْرٍ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا يَرَى لَهُ رَدَّ الْبَقَرَةِ بَلْ يُمْسِكُهَا وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ . ( 21 ) خِيَارُ ظُهُورِ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 747 ) . ( 22 ) خِيَارُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ فُضُولِيٌّ كُلَّ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مُشَاعًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَجَازَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَفَسَخَ الْآخَرُ فَالْبَيْعُ نَافِذٌ فِي حِصَّةِ الْمُجِيزِ وَمُنْفَسِخٌ فِي حِصَّةِ الْفَاسِخِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ حِصَّةَ الْمُجِيزِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ تِلْكَ وَيُسَمَّى هَذَا الْخِيَارُ خِيَارَ عَيْبِ الشَّرِكَةِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . بَزَّازِيَّةٌ ) . - التَّقْسِيمُ الثَّانِي : بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : الْأَوَّلُ : الْخِيَارُ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ كِلَيْهِمَا وَهُوَ : ( 1 ) خِيَارُ الشَّرْطِ ( 2 ) خِيَارُ النَّقْدِ ( 3 ) خِيَارُ التَّعْيِينِ ( 4 ) خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ ( 5 ) خِيَارُ الْقَبُولِ
____________________
(1/242)
( 6 ) خِيَارُ إجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ . الثَّانِي : الْخِيَارُ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ وَهُوَ : ( 1 ) خِيَارُ وَصْفِ الْمَبِيعِ . ( 2 ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ . ( 3 ) خِيَارُ الْعَيْبِ . ( 4 ) خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ . ( 5 ) خِيَارُ تَكَشُّفِ الْحَالِ . ( 6 ) خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِظُهُورِ الْمَبِيعِ نَاقِصًا . ( 7 ) خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ . ( 8 ) خِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ . ( 9 ) خِيَارُ الْخِيَانَةِ . ( 10 ) خِيَارُ ظُهُورِ الْمَبِيعِ مُسْتَأْجَرًا . ( 11 ) خِيَارُ ظُهُورِ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا . الثَّالِثُ الْخِيَارُ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ وَهُوَ خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ ( 2 ) خِيَارُ وَصْفِ الثَّمَنِ ( 3 ) خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ . * * * * * - - التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ - بِاعْتِبَارِ التَّوَقُّفِ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَهُوَ ( 1 ) خِيَارُ الشَّرْطِ ( 2 ) خِيَارُ وَصْفِ الْمَبِيعِ ( 3 ) خِيَارُ وَصْفِ الثَّمَنِ ( 4 ) خِيَارُ التَّعْيِينِ . الثَّانِي : الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَهُوَ ( 1 ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( 2 ) خِيَارُ الْعَيْبِ ( خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ ) ( 4 ) خِيَارُ الْقَبُولِ ( 5 ) خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ ( 6 ) خِيَارُ تَكَشُّفِ الْحَالِ ( 7 ) خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِظُهُورِ الْمَبِيعِ نَاقِصًا ( 8 ) خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( 9 ) خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ ( 10 ) خِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ ( 11 ) خِيَارُ الْخِيَانَةِ ( 12 ) خِيَارُ ظُهُورِ الْمَبِيعِ مُسْتَأْجَرًا ( 13 ) خِيَارُ ظُهُورِ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا ( 14 ) خِيَارُ إجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ . * * * * * - - التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ - بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَوْرُوثًا وَعَدَمِهِ . فَيَكُونُ نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : يُورَثُ وَهُوَ ( 1 ) خِيَارُ الْوَصْفِ ( 2 ) خِيَارُ التَّعْيِينِ ( 3 ) خِيَارُ الْعَيْبِ . الثَّانِي : مَا لَا يُورَثُ وَهُوَ ( 1 ) خِيَارُ الشَّرْطِ ( 2 ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( 3 ) خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ . * * * * * - - التَّقْسِيمُ الْخَامِسُ - بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ : وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : مَا لَهُ أَجَلٌ وَهُوَ ( 1 ) خِيَارُ الشَّرْطِ ( 2 ) خِيَارُ النَّقْدِ . الثَّانِي : مَا لَا أَجَلَ لَهُ وَهُوَ ( 1 ) خِيَارُ الْوَصْفِ ( 2 ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( 3 ) خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ هَذَا وَتَقْسِيمُ الْخِيَارَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ * * * * * -
____________________
(1/243)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي بَيَانِ خِيَارِ الشَّرْطِ : إنَّ إضَافَةَ ( خِيَارِ ) إلَى ( الشَّرْطِ ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ إلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْخِيَارِ هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخِيَارِ أَيْ الَّذِي اشْتَرَطَهُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ مُخَيَّرًا فِي قَبُولِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ , وَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الصِّلَةِ يَعْنِي مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ أَخْرَجَ الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِدْخَالَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الْخِيَارُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ . وَالْعِلَّةُ نَوْعَانِ : الْأَوَّلُ : الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَهِيَ مَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ وَتَرَاخِيهِ عَنْهَا كَالسَّوَادِ مَعَ الِاسْوِدَادِ فَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمَعْلُولِهَا كَالصَّبْغِ مَثَلًا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلِاصْطِبَاغِ فَإِذَا وُجِدَ الصَّبْغُ وُجِدَ الِاصْطِبَاغُ بِدُونِ تَرَاخٍ وَلَا يَكُونُ حُصُولُ الصَّبْغِ فِي زَمَنٍ وَالِاصْطِبَاغِ فِي زَمَنٍ آخَرَ . النَّوْعُ الثَّانِي : الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كَعِلَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمِلْكِ , وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَخَلُّفُهُ عَنْ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَرَاخِيهِ وَتَرَاخِي الْحُكْمِ يَنْشَأُ عَنْ مَوَانِعَ وَهِيَ أَنْوَاعٌ : 1 - مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى الْحُرِّ مِنْ بَنِي آدَمَ فَالْبَيْعُ هَذَا لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إلَّا فِيمَا كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ . 2 - مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ كَإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى مَالِ الْغَيْرِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ لِلْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ فِيهِ نَافِذًا بَلْ مَوْقُوفًا . 3 - مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَيْ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ( فَتْحُ الْقَدِيرِ ) . 4 - مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ . 5 - مَا يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَيْعِ بَلْ يَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ وَالْقِسْمَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ أَيْ يَجْرِي فِي كُلِّ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَفِي الْكَفَالَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ لِلْكَفِيلِ وَفِي الْحَوَالَةِ لِلْمُحَالِ لَهُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ أَمَّا فِي الصُّلْحِ عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلَا يَجْرِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ فَخِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ أَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي ذَلِكَ لَا حُكْمَ لَهُ فَالْإِبْرَاءُ وَالْوَكَالَةُ وَالْإِقْرَارُ كُلُّ ذَلِكَ يَصِحُّ بِلَا خِيَارٍ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي بَيْعِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَعَلَى ذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ كَذَا يَوْمًا فَالْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ
____________________
(1/244)
وَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ يَقْبَلُ الْخِيَارَ . اسْتِثْنَاءٌ : إذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ عَقْدَ الْإِقْرَارِ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ رَجَعَ الْإِقْرَارُ إلَى الْبَيْعِ وَكَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 60 ) أَمَّا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ فَالْمُقِرُّ مُكَلَّفٌ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ ( بَحْرٌ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . الدُّرُّ الْمُنْتَقَى ) * * * * * - ( الْمَادَّةُ 300 ) يَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ الْخِيَارُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إجَازَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ . وَكَمَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِكِلَيْهِمَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَ صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا قَبَضَ فِيهِ الْمَبِيعَ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعُ أَصِيلًا أَمْ وَكِيلًا أَمْ وَصِيًّا أَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ يَوْمًا أَمْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَمْ أَكْثَرَ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ الَّتِي يُتَّفَقُ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةٌ مَهْمَا بَلَغَتْ مِنْ الْأَيَّامِ . وَقَدْ أَطْلَقَتْ الْمَجَلَّةُ الْمُدَّةَ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَزِيدَ مُدَّةُ الْخِيَارِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا اشْتَرَطَ زِيَادَةً عَنْ ذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالصَّاحِبَيْنِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْخِيَارِ كَمَا يُتَّفَقُ عَلَيْهَا كَالْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَيُرَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ لَكِنْ فِي بَيْعِ مَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إذَا شُرِطَتْ مُدَّةٌ لَا يَبْقَى مَعَهَا الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ حَتَّى لَا يَتْلَفَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 31 ) فَعَلَى ذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَمَا لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ وَيُتْلِفْ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ شَهْرًا فِي اللَّحْمِ الَّذِي شَرَاهُ فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ . وَخِيَارُ الشَّرْطِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَمَّا السُّنَّةُ فَإِنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ شَكَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الضَّرَرَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { قُلْ لَا خِلَابَةَ وَإِذَا بِعْت بَيْعًا فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ } وَالْخِلَابَةُ الْخَدِيعَةُ وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ فَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ فِيمَا يَشْتَرِيه وَيَبِيعُهُ حَتَّى لَا يُضَرَّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا بِخِيَارِ الشَّرْطِ ( فَتْحٌ . عِنَايَةٌ ) . تَقْسِيمُ خِيَارِ الشَّرْطِ : يَنْقَسِمُ خِيَارُ الشَّرْطِ بِأَرْبَعَةِ اعْتِبَارَاتٍ : الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : 1 - اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ . 2 - لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ . 3 - لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا . 4 - لِلْأَجْنَبِيِّ . وَالصُّوَرُ الثَّلَاثُ الْأُولَى سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ . أَمَّا الرَّابِعَةُ فَتُفَصَّلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ وَمِثَالُهَا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا قِرْشًا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فُلَانٌ فِي مُدَّةِ كَذَا يَوْمًا وَيَقْبَلُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فَالْخِيَارُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطٌ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِذَا رَضِيَ الْأَجْنَبِيُّ أَصْبَحَ الْبَيْعُ لَازِمًا وَإِذَا لَمْ يَرْضَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَإِذَا لَمْ تُعَيَّنْ الْمُدَّةُ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا . التَّقْسِيمُ الثَّانِي : بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ وَتَحْتَهُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَهِيَ :
____________________
(1/245)
1 - اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مُدَّةً بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ أَوْ تَأْبِيدٍ كَأَنْ يَقُولَ أَنْتَ مُخَيَّرٌ . 2 - اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مُؤَبَّدًا كَأَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِي شَخْصٌ مَالًا مُشْتَرَطًا لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا . 3 - أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارُ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ كَأَنْ يُشْتَرَطَ بِضْعَةَ أَيَّامٍ بِدُونِ أَنْ يُبَيَّنَ عَدَدُهَا أَوْ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ حُضُورِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرٍ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ الْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ بِقَوْلِهَا ( مُدَّةً مَعْلُومَةً ) وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ وَتُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ كَمُدَّةِ خِيَارِ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِ أَحْمَدَ بِصِحَّتِهَا وَمَعَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا لَمْ يُشْرَطْ الْخِيَارُ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ بَلْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِلْآخَرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ أَنْتَ مُخَيَّرٌ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَطْ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 55 ) . وَالْبَيْعُ بِالْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمُدَّةِ الْخِيَارِ فَاسِدٌ لَكِنْ إذَا أَسْقَطَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ إلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 22 ) . 4 - أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَالْعَقْدُ مَعَ هَذَا صَحِيحٌ ( مُعَرِّبٌ ) التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ بِاعْتِبَارِ زَمَانِ الشَّرْطِ وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : 1 - وُقُوعُهُ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنْ أَكُونَ مُخَيَّرًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَيَقُولَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشُّرُوطِ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ . 2 - وُقُوعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ بِضْعَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ وَتَجْرِي فِيهِ الْأَرْبَعُ الصُّوَرِ الْمَاضِيَةِ فِي التَّقْسِيمِ السَّابِقِ فَإِذَا قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِلْآخَرِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا خِيَارٍ قَدْ خَيَّرْتُك فِي الْبَيْعِ أُسْبُوعًا ثَبَتَ بِذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لِي عِنْدَك مَالِي أَوْ الْمِائَةُ الْقِرْشِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الثَّالِثِ يُعَدُّ ذَلِكَ خِيَارُ شَرْطٍ أَيْ يَكُونُ الْبَائِعُ بِقَوْلِهِ هَذَا قَدْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي . 3 - اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهَذَا لَا حُكْمَ لَهُ فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ خَيَّرْتُك فِي الْبَيْعِ الَّذِي سَنَعْقِدُهُ ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ مُطْلَقًا أَيْ بِغَيْرِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ خِيَارٌ . التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ . وَتَحْتَهُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : - 1 - أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ . 2 - أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ خِيَارٌ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ يُفْهَمُ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 64 ) وَيَرِدُ عَلَيْنَا الِاعْتِرَاضُ الْآتِي وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مُسْتَوْجِبٌ لِلْفَسْخِ ذَاتًا فَمَا فَائِدَةُ الْخِيَارِ فِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَلَا يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكِنْ لَوْلَا الْخِيَارُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ بِقَبْضِهِ . 3 - أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ
____________________
(1/246)
. 4 - أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ : الْأُولَى : أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ مَالِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ فَهَذَا صَحِيحٌ فُصِّلَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُفَصَّلْ لِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْمَالِ الْقِيَمِيِّ الْوَاحِدِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ بِعْت هَذِهِ الْفَرَسَ بِأَلْفِ قِرْشٍ عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي نِصْفِهَا فَالْخِيَارُ فِي النِّصْفِ وَالْبَيْعُ صَحِيحَانِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ : الثَّانِيَةُ : فِي الْأَمْوَالِ الْمِثْلِيَّةِ الْخِيَارُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ مَا فِيهِ الْخِيَارُ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ أَيْضًا فُصِّلَ الثَّمَنُ أَمْ لَمْ يُفَصَّلْ لِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْمِثْلِيَّاتِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ بِعْتُك هَذِهِ الْخَمْسُونَ كَيْلَةً حِنْطَةً عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي نِصْفِهَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت فَالْبَائِعُ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي نِصْفِ الْمَبِيعِ أَيْ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً فَإِذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَيَكُونُ ثَمَنُ نِصْفِهِ مَعْلُومًا وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَالْجَوَازَ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت هَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي نِصْفِهَا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي النِّصْفِ . وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِيمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ وَفَسَخَ الْبَيْعَ فِي الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ بِقَبُولِ الطَّرَفِ الْآخَرِ لِهَذَا الشَّرْطِ حَصَلَ التَّرَاضِي . 3 - فِي بَيْعِ مَالَيْنِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ إذَا عُيِّنَ ثَمَنُ الْمَالِ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَالْبَيْعُ وَالْخِيَارُ صَحِيحَانِ . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ أَنَّ ثَمَنَ هَذَا الْحِصَانِ الْأَدْهَمِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَهَذَا الْأَبْلَقِ ثَمَانِيَةٌ وَقَدْ بِعْتهمَا عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَبْلَقِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ وَالْخِيَارُ صَحِيحَانِ . وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الصُّوَرِ التَّالِيَةِ : 1 - إذَا لَمْ يُفَصِّلْ قِيمَةَ الْمَالَيْنِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَلَا الْخِيَارُ وَلَا الْبَيْعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ صَحِيحَانِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَجْهُولَانِ . 2 - إذَا فُصِّلَ ثَمَنُ الْمَالَيْنِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيَّنْ الْمَالُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِيَارِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَبْقَى مَجْهُولًا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَالَيْنِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ وَعُيِّنَ مَحَلُّ الْخِيَارِ فِيهِمَا لَكِنْ لَمْ يُفَصَّلْ الثَّمَنُ فَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ مَا يُشْرَطُ فِيهِ الْخِيَارُ يَكُونُ كَالْخَارِجِ مِنْ الْبَيْعِ وَالدَّاخِلُ هُوَ الْمَبِيعُ الْآخَرُ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الدَّاخِلِ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 200 و 338 ) وَقَدْ جَاءَ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ ( وَلَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ إلَّا بِالتَّفْصِيلِ ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 301 ) كُلُّ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ يَصِيرُ مُخَيَّرًا بِفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْخِيَارِ . الْمُخَيَّرُ خِيَارَ شَرْطٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ وَكِيلَيْهِمَا أَوْ وَصِيَّهُمَا أَوْ أَجْنَبِيًّا . وَالْمَقْصِدُ مِنْ مُدَّةِ الْخِيَارِ أَنَّ صَاحِبَ الْخِيَارِ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي مَجْمُوعِ الْمَبِيعِ وَتَبْلِيغُ ذَلِكَ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ فَإِذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ فَمَئُونَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ :
____________________
(1/247)
إذَا كَانَ صَاحِبُ الشَّرْطِ وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِهِ وَلَوْ كَانَ قَدْ بَاعَ الْمَالَ بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِأَنْقَصَ ( هِنْدِيَّةٌ ) . وَإِذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ اسْتِحْسَانًا وَلِلْمُسْتَنِيبِ أَيْضًا أَيْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ لِلْغَيْرِ نِيَابَةً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ لَوْ شُرِطَ لِجِيرَانِهِ إنْ عَدَّ أَسْمَاءَهُمْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا . ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) فَإِذَا شَرَطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّصْرِيحِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ لَهُ وَلِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ لِشَارِطِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إجَازَةٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُجِيزَ وَإِنْ كَرِهَهُ وَلَيْسَ لِلشَّارِطِ لَهُ عَزْلُهُ وَلَا لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى الْأَصَحِّ لَا تَوْكِيلٌ 4 ( بَاجُورِيّ ) . وَلِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ ثَلَاثُ صُوَرٍ : الْأُولَى : أَنْ يُجِيزَ النَّائِبُ وَيُوَافِقُ الْمُسْتَنِيبُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا : الثَّانِيَةُ : أَنْ يَفْسَخَ أَحَدُهُمَا وَيُجِيزَ الْآخَرُ وَيُرْفَعُ خِيَارُ الشَّرْطِ فَالسَّابِقُ مِنْ الْفَسْخِ أَوْ الْإِجَازَةِ الْمُعْتَبَرُ وَالْأَخِيرُ لَا حُكْمَ لَهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ) . الثَّالِثَةُ : أَنْ يَفْسَخَ الْمُسْتَنِيبُ فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي أَجَازَ فِيهَا النَّائِبُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْفَسْخِ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لَهُ فَجَانِبُهُ أَوْلَى ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 46 ) . قِيلَ فِي ( جَمِيعِ الْمُدَّةِ ) فَإِذَا شُرِطَ الْخِيَارُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَصَاحِبُ الْخِيَارِ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَنْتَهِي الْخِيَارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخَامِسِ وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمُ الْخَامِسُ فِي الْخِيَارِ فَالْمُخَيَّرُ إلَى اللَّيْلِ أَوْ الظُّهْرِ مُخَيَّرٌ فِي اللَّيْلَةِ كُلِّهَا وَفِي وَقْتِ الظُّهْرِ كُلِّهِ وَلَا يَنْتَهِي الْخِيَارُ قَبْلَ مُرُورِ الْغَايَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي مِيزَانِ الشَّعْرَانِيِّ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إنَّ الْخِيَارَ إذَا شُرِطَ إلَى اللَّيْلِ لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ فِي الْخِيَارِ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَوَّلُ فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالثَّانِي فِيهِ تَخْفِيفٌ وَتَوْسِعَةٌ . وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ أَوْ الْإِجَازَةُ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ الْإِجَازَةُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَالْفَسْخُ فِي بَعْضِهِ الْآخَرِ فِيمَا بِيعَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَاشْتُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ أَيْ لَا يَكُونُ حُكْمٌ لِلْإِجَازَةِ أَوْ الْفَسْخِ وَيَبْقَى الْخِيَارُ عَلَى حَالِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الْبَائِعَ أَمْ الْمُشْتَرِي أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا أَمْ مُتَعَدِّدًا أَوْ كَانَ مَقْبُوضًا أَمْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مَانِعٌ لِتَمَامِ الصَّفْقَةِ فَالْإِجَازَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ تُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ أَمَّا بَعْدَ التَّمَامِ فَجَائِزٌ ( هِنْدِيَّةٌ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَبِيعَ الْبَائِعُ بَغْلَتَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الْبَيْعِ ثُمَّ يَبْطُلُ الْخِيَارُ فِي أَحَدِهِمَا بِلَا تَعْيِينٍ أَوْ بِتَعْيِينٍ فَهَذَا الْإِبْطَالُ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا وَيَبْقَى الْخِيَارُ عَلَى حَالِهِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ بَغْلَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الْبَيْعِ فَنَقَضَ الْبَيْعَ فِي النِّصْفِ فَهَذَا النَّقْضُ بَاطِلٌ ( هِنْدِيَّةٌ . أَنْقِرْوِيّ ) . قُلْنَا ( يُشْتَرَطُ عِلْمُ الطَّرَفِ الْآخَرِ بِالْفَسْخِ ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْخِيَارِ إذَا فَسَخَ الْخِيَارَ بِالْقَوْلِ فَعِنْدَ الطَّرَفَيْنِ يَجِبُ عِلْمُ الطَّرَفِ الْآخَرِ بِالْفَسْخِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِذَا فَسَخَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ وَمَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ بِدُونِ أَنْ يَعْلَمَ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِذَلِكَ لَزِمَ الْبَيْعُ عَلِمَ الطَّرَفُ الْآخَرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَكَذَلِكَ إذَا فَسَخَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الْبَيْعَ فِي غِيَابِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فَهَذَا الْفَسْخُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِهِ فَإِذَا أَجَازَ الْبَيْعَ كَانَتْ إجَازَتُهُ صَحِيحَةً . أَمَّا إذَا عَلِمَ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ ( خُلَاصَةٌ ) وَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ
____________________
(1/248)
مَالًا عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَاخْتَفَى الْبَائِعُ لِيَكُونَ الْبَائِعُ عَاجِزًا عَنْ فَسْخِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَنْصِبَ وَكِيلًا لِلْبَائِعِ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ وَعِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي يَصِحُّ الْفَسْخُ الْقَوْلِيُّ بِدُونِ عِلْمِ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي الْمَجَلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِهَا أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَمَّا الْفَسْخُ الْفِعْلِيُّ فَيَجُوزُ بِدُونِ أَنْ يَعْلَمَ الطَّرَفُ الْآخَرُ وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فَيَبِيعَ الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ يُؤَجِّرَهُ فَالْبَيْعُ بِذَلِكَ يَنْفَسِخُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ بَيْعَ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ أَوْ إيجَارَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُخَيَّرًا وَتَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ عَيْنًا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ وَمَوَانِعُ الْفَسْخِ : ( 1 ) الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ ( 2 ) الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ ( 3 ) الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَانِعَةٌ ( 1 ) لِلْفَسْخِ وَذَلِكَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَزَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي يَدِهِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسَّمْنِ وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ وَذَهَابِ الْبَيَاضِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَصَبْغِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ , أَوْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ فَالْبَيْعُ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَاتِ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ . الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الزِّيَادَاتِ : الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْفَسْخِ كَغَلَّةِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ إيجَارِهِ فَإِذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ مَعَ أَصْلِ الْبَيْعِ وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ يَرُدُّ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ يَرُدُّ الْأَصْلَ لَا غَيْرُ - وَالزَّوَائِدُ لِلْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ , بَحْرٌ ) وَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ إجَازَةُ - الْبَيْعِ إنْ شَاءَ بِشَرْطِ ( 1 ) أَنْ تَكُونَ الْإِجَازَةُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَ ( 2 ) أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ حَالًا أَوْ مُضَافَةً وَ ( 3 ) أَلَّا يَكُونَ مَانِعٌ مِنْ الْإِجَازَةِ - وَ ( 4 ) أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ وَ ( 5 ) وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِالْإِجَازَةِ وَ ( 6 ) وَلَوْ كَانَتْ بِاتِّفَاقٍ عَلَى حَطٍّ أَوْ زِيَادَةٍ . وَفَوَائِدُ هَذِهِ الْقُيُودِ تَظْهَرُ فِيمَا يَلِي : فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِيهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَلِلْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ السِّتَّةِ أَيَّامٍ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَنْ يُجِيزَهُ ( 1 ) قَيْدُ ( جَمِيعَ الْمَبِيعِ ) تَقَدَّمَ بَيَانُ ثَمَرَتِهِ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ ( 2 ) ( حَالًا أَوْ مُضَافَةً ) إنَّ إضَافَةَ إبْطَالِ الْخِيَارِ إلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ صَحِيحَةٌ فَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي غَدًا فَالْإِبْطَالُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ جَاءَ الْغَدُ بَطَلَ خِيَارِي . وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ غَدًا آتٍ لَا مَحَالَةَ أَمَّا إبْطَالُ الْخِيَارِ مُعَلَّقًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ فَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْخِيَارِ إنْ لَمْ أَعْمَلْ هَذَا الْيَوْمَ الْفُلَانِيَّ فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ . وَإِجَازَةُ الْبَيْعِ تَكُونُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَهَذَا الْإِسْقَاطُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكُلِّ أَوْ فِي الْبَعْضِ فَإِذَا أَسْقَطَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ فِي الْكُلِّ وَأَجَازَ الْبَيْعَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي فِقْرَةِ الْمَجَلَّةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ مُدَّةُ خِيَارِهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَأَسْقَطَ مِنْهَا سِتَّةً يَسْقُطُ مِنْهَا سِتَّةٌ وَيَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَيَكُونُ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ( هِنْدِيَّةٌ ) أَمَّا الْإِبْرَاءُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يُسْقِطُ خِيَارَ الشَّرْطِ فَإِذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مَالًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِيهِ كَذَا يَوْمًا فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَا يَطْرَأُ بِذَلِكَ خَلَلٌ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ بِلَا نُقُودٍ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) ( 3 ) وَأَلَّا يَكُونَ مَانِعٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَازَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ وَعَلَى ذَلِكَ فَكَمَا يَكُونُ مَا يَمْنَعُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ يَكُونُ مَا يَمْنَعُ مِنْ إجَازَتِهِ . وَمَوَانِعُ الْإِجَازَةِ هِيَ : إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ أُخِذَ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا إذَا بَاعَ شَخْصٌ بَغْلَتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَتَلِفَتْ إحْدَى الْبَغْلَتَيْنِ أَوْ أُخِذَتْ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَلَا يَصِحُّ حَتَّى الْبَغْلَةَ الَّتِي لَمْ تَهْلَكْ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لَيْسَ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ بِالْحِصَّةِ أَيْ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْبَغْلَةِ الْبَاقِيَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَبِمَا أَنَّ الْحِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَجْهُولَةٌ فَالْبَيْعُ غَيْرُ
____________________
(1/249)
جَائِزٍ حَسَبَ الْمَادَّةِ 33( هِنْدِيَّةٌ ) لَكِنْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا وَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ أُخِذَتْ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ ) وَهَذَا الْفَرْقُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ ( 308 و 309 ) ثَانِيًا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفَ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا ثُمَّ ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ هَذَا الْمَالِ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58 ) ( 4 ) إذَا كَانَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا كَأَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنْ يَكُونَا مُخَيَّرَيْنِ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ فَسْخُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّهُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُجِيزَهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ ذَلِكَ لَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ شَرِكَةٌ يَتَضَرَّرُ بِهَا الْمُشْتَرِي . أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ صَفْقَتَيْنِ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُجِيزَهُ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا فِي حِصَّةِ الْمُجِيزِ وَمُنْفَسِخًا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدْ رَضِيَ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ ( دُرُّ الْمُخْتَارِ , أَنْقِرْوِيّ ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا مُشْتَرَكًا مُنَاصَفَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا نِصْفُ أَحَدِهِمَا بِعَقْدٍ عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ وَنِصْفُ الْآخَرِ بِعَقْدٍ آخَرَ كَذَلِكَ أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فَإِذَا فَسَخَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْبَائِعَيْنِ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَأَجَازَ الْآخَرُ صَحَّ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُتَعَدِّدًا كَأَنْ يَشْتَرِي اثْنَانِ مَالًا مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَا مُخَيَّرَيْنِ فِيهِ فَإِذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً كَبَيْعِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْإِجَازَةُ خِيَارَ الْآخَرِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ إجَازَتُهُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُجِيزَ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ بِالْعَكْسِ يَحْصُلُ فِي الْمَبِيعِ عَيْبُ الشَّرِكَةِ وَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 19 ) أَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَيُجِيزُ انْفِرَادَ أَحَدِ الْمُخَيَّرَيْنِ بِالْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ وَلَيْسَ فِي الْمَجَلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِهَا أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَاشْتَرَى مَالًا مِنْ شَخْصَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمَا وَأَنْ يُجِيزَهُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَيْضًا ( مُلْتَقَى , مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ , رَدُّ الْمُحْتَارِ , هِنْدِيَّةٌ ) ( 5 ) وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِهَذِهِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا قَصَدَ الْإِجَازَةَ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ أَيْضًا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) لِأَنَّ قَبُولَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِخِيَارِ الْآخَرِ يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ فِي أَيِّ زَمَانٍ شَاءَ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ حُضُورُ الطَّرَفِ الْآخَرِ أَوْ عِلْمُهُ حِينَ الْإِجَازَةِ ( مِيزَانُ الشَّعْرَانِيِّ ) ( 6 ) وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْإِجَازَةُ مَعَ تَرَاضٍ وَاتِّفَاقٍ عَلَى حَطٍّ أَوْ زِيَادَةٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اشْتَرَى مَالًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لِيُسْقِطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ وَيُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ اصْطَلَحَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعُ عَلَى الْمَبِيعِ مَالًا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا عَلَى أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الْبَيْعِ فَزَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ مَالًا مِنْ جِنْسِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ لِيُسْقِطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ وَيُجِيزَ الْبَيْعَ وَاصْطَلَحَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَابْتِدَاءً لِعَقْدٍ جَدِيدٍ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 302 ) : فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ . الْمُرَادُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ هُنَا مَا يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ ( مُلْتَقَى , مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ , هِنْدِيَّةٌ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ أَنَّ بَيْنَ هَذِهِ الْفُسُوخِ فَرْقًا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهَا وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تُفِيدُ أَوَّلًا صِحَّةَ الْفَسْخِ قَوْلًا ثَانِيًا صِحَّةُ الْقَوْلِ فِعْلًا ثَالِثًا صِحَّةُ الْإِجَازَةِ قَوْلًا رَابِعًا صِحَّةُ الْإِجَازَةِ فِعْلًا وَالصُّورَتَانِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ سَيُبَيَّنَانِ فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ سَيُبَيَّنَانِ فِي الْمَادَّةِ 305 . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 303 ) الْإِجَازَةُ الْقَوْلِيَّةُ هِيَ كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِلُزُومِ الْبَيْعِ كَأَجَزْتُ وَرَضِيتُ وَالْفَسْخُ الْقَوْلِيُّ هُوَ كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا كَفَسَخْتُ وَتَرَكْتُ . أَمَّا إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ كَلَامٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ فَسَخَهُ فِي قَلْبِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَاطِنِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَقَدْ أُشِيرَ إلَى ذَلِك
____________________
(1/250)
َ بِقَيْدِ الْكَلَامِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 2 ) فَلِذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا وَفَاهُ بِكَلَامٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَقَوْلِهِ أَحْبَبْت شِرَاءَ الْمَبِيعِ أَوْ رَغِبْتُ فِي شِرَائِهِ أَوْ سُرِرْتُ بِهِ فَلَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ إجَازَةٌ ( هِنْدِيَّةٌ ) * * * * * - ( الْمَادَّةُ 304 ) الْإِجَازَةُ الْفِعْلِيَّةُ هِيَ كُلُّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْفَسْخُ الْفِعْلِيُّ هُوَ كُلُّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا مَثَلًا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا وَتَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ كَأَنْ يَعْرِضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ أَوْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ كَانَ إجَازَةً فِعْلِيَّةً يَلْزَمُ بِهَا الْبَيْعُ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا وَتَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ فَسْخًا فِعْلِيًّا لِلْبَيْعِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 68 ) كَذَلِكَ عَرْضُ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ وَلَوْ بِخِيَارٍ وَرَهْنُهُ وَلَوْ بِلَا تَسْلِيمٍ أَوْ إعَارَتُهُ أَوْ هِبَتُهُ مَعَ التَّسَلُّمِ أَوْ زِرَاعَتُهُ أَوْ حَرْثُهُ أَوْ كَرْيُ نَهْرِهِ أَوْ رَعْيُ عُشْبِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ نَهْرًا مَعَ أَرْضٍ فَسَقَى أَرْضًا أُخْرَى مِنْهُ أَوْ دَارًا أَوْ حَانُوتًا فَسَكَنَهُ أَوْ عَمَّرَهُ أَوْ بَنَى شَيْئًا أَوْ جَصَّصَهُ أَوْ هَدَمَ شَيْئًا مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَسَقَى الزَّرْعَ أَوْ قَطَعَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَاهُ مِنْ الْعُشْبِ أَوْ نَقَلَهُ إلَى الْبَيْدَرِ وَدَرَسَهُ أَوْ كَانَ بَقَرَةً فَحَلَبَهَا أَوْ كَانَ دَارًا مَأْجُورَةً فَبَاعَهَا الْبَائِعُ بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فَأَبْقَى الْمُشْتَرِي الْمُسْتَأْجِرَ فِي تِلْكَ الدَّارِ وَطَلَبَ مِنْهُ أُجْرَتَهَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِ التَّمَلُّكِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ إجَازَةً فِعْلِيَّةً وَإِذَا عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فَتَصَرُّفُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ بَيْعِهِ الْمَبِيعَ أَوْ عَرْضِهِ لِلْبَيْعِ أَوْ هِبَتِهِ مَعَ تَسْلِيمِهِ أَوْ رَهْنِهِ أَوْ إيجَارِهِ مَعَ التَّسْلِيمِ أَوْ جَزِّ صُوفِهِ إنْ كَانَ شَاةً أَوْ الطَّحْنِ بِهِ إنْ كَانَ طَاحُونًا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ , فَسْخٌ فِعْلِيٌّ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَصَرُّفَاتُ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَلِيلًا عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمِلْكِ وَهَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ ضَابِطٌ لِلْإِجَازَةِ الْفِعْلِيَّةِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ أَوْرَدْنَا لِزِيَادَةِ التَّفْصِيلِ وَالْإِيضَاحِ الْأَمْثِلَةَ السَّالِفَةَ وَكَذَلِكَ مَا يَأْتِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَهِيَ : أَوَّلًا : إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي دَارًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَبِيعَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ دَارٌ مُجَاوِرَةٌ لِتِلْكَ الدَّارِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ بِسَبَبِ شِرَائِهِ لِلدَّارِ الْأُولَى فَذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مَا دَامَ مُخَيَّرًا لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِيهِ فَطَلَبُ الشُّفْعَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَمَلُّكِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فَطَلَبُ الشُّفْعَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَهُ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُخَيَّرًا فَمِلْكُهُ بَاقٍ . ثَانِيًا : إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ إلَى الْمُشْتَرِي وَكَانَ تَسْلِيمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ أَمَّا إذَا سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ . ثَالِثًا : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ طَاحُونًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَطَحَنَ بِهَا تَجْرِبَةً يُنْظَرُ فَإِنْ طَحَنَ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنْ طَحَنَ بِهَا مُدَّةً قَلِيلَةً فَلَا يَسْقُطُ وَالطَّحْنُ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً كَثِيرٌ وَمَا دُونَ ذَلِكَ قَلِيلٌ . رَابِعًا : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ دَابَّةً عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَإِنْ رَكِبَهَا مُدَّةً تَزِيدُ عَنْ الْمُدَّةِ الْكَافِيَةِ لِتَجْرِبَتِهَا أَوْ رَكِبَهَا فِي مَصْلَحَتِهِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِلْوِقَايَةِ مِنْ الْبَرْدِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ أَمَّا إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ لِتَجْرِبَتِهَا أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِيَعْتَبِرَهُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 305 ) إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَفْسَخْ أَوْ لَمْ يُجِزْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَتَمَّ . فَاَلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الِاثْنَيْنِ مَعًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَالْبَيْعُ يَصِيرُ لَازِمًا بِمُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَوْ كَانَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مَرِيضًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُصَابًا بِجُنُونٍ أَوْ نَائِمًا نَوْمًا عَمِيقًا وَلَمْ يَشْعُرْ لِتِلْكَ الْعَوَارِضِ بِمُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي مُدَّتِهِ فَقَطْ وَيَبْطُلُ بِمُرُورِهَا وَيُصْبِحُ الْعَقْدُ لَازِمًا بِبُطْلَانِ الْخِيَارِ الْمَانِعِ مِنْ تَمَامِهِ ( زَيْلَعِيٌّ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ) ( إذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْمَمْنُوعُ ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءُ
____________________
(1/251)
الثَّمَنِ الْمُسَمَّى كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَمَرَّتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ قَبْلَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ يُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا بِمُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَإِذَا تَفَاوَتَتْ مُدَّتَا خِيَارِ الطَّرَفَيْنِ يَسْقُطُ خِيَارُ الطَّرَفِ الَّذِي تَنْقَضِي مُدَّةُ خِيَارِهِ وَيَبْقَى خِيَارُ الْآخَرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّتُهُ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ لِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَخِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي لِعَشَرَةٍ يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِانْقِضَاءِ الثَّمَانِيَةِ الْأَيَّامِ وَيَظَلُّ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بَاقِيًا إلَى انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ زَوَالِ عَقْلِهِ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا أَفَاقَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَإِذَا لَمْ يُفِقْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ سَقَطَ بِمُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَصْبَحَ الْبَيْعُ لَازِمًا وَلَا يَنْتَقِلُ هَذَا الْخِيَارُ إلَى الْوَارِثِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَارِثِ الْمَجْنُونِ أَوْ لِوَصِيِّهِ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ الْخِيَارِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 306 ) خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَمَاتَ فِي مُدَّتِهِ مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَمَاتَ مَلَكَهُ وَرَثَتُهُ بِلَا خِيَارٍ . أَيْ أَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَكَانَ لَهُ خِيَارُ شَرْطٍ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَمَاتَ فِي مَدَّتْهُ مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَمَاتَ مَلَكَهُ وَرَثَتُهُ بِلَا خِيَارٍ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ أَيْ إرَادَةِ فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إنْفَاذِهِ وَذَلِكَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَيِّتِ فَكَمَا أَنَّ أَوْصَافَ الْمَيِّتِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِ هَذِهِ الصِّفَةُ أَيْضًا وَالْجُنُونُ كَالْمَوْتِ فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ مَعًا فَأَيُّهُمَا مَاتَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ أَمَّا إذَا تُوُفِّيَ الطَّرَفُ الَّذِي لَيْسَ مُخَيَّرًا فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى خِيَارِ الطَّرَفِ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ أَوْ قَبُولُهُ كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ فَبِوَفَاةِ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَيُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا كَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ مَالًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَبِوَفَاةِ الْوَصِيِّ الَّذِي بَاشَرَ الْبَيْعَ أَوْ بِوَفَاةِ الصَّبِيِّ أَوْ بِوَفَاةِ الْوَكِيلِ أَوْ بِوَفَاةِ الْمُوَكَّلِ يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَيُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا ( طَحْطَاوِيٌّ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ أَيْ الْغَائِبُ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ حَيًّا وَتُوُفِّيَ الْمُسْتَنِيبُ لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ ( الشَّارِحُ ) نَفَاذُ الْبَيْعِ الَّذِي . فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : ( 1 ) الْإِجَازَةُ ( 2 ) بِمُرُورِ الْمُدَّةِ ( 3 ) بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ . وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَوَادِّ ( 301 و 305 و 306 ) * * * * * - ( الْمَادَّةُ 307 ) إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَأَيُّهُمَا فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَأَيُّهُمَا أَجَازَ سَقَطَ خِيَارُ الْمُجِيزِ فَقَطْ وَبَقِيَ الْخِيَارُ لِلْآخَرِ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ . إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ مَعًا لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَلْ يَبْقَيَانِ فِي مِلْكِهِمَا وَفِي ذَلِكَ تِسْعَةُ أَحْكَامٍ وَهِيَ : أَوَّلًا : أَنْ يُجِيزَ الِاثْنَانِ الْبَيْعَ . ثَانِيًا أَنْ يَفْسَخَاهُ . ثَالِثًا : أَنْ يُجِيزَهُ الْبَائِعُ وَيَفْسَخَهُ الْمُشْتَرِي . رَابِعًا : أَنْ يَفْسَخَهُ الْبَائِعُ وَيُجِيزَهُ الْمُشْتَرِي . فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا كَمَا إذَا مَرَّتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَفْسَخْ الِاثْنَانِ الْبَيْعَ أَوْ يُجِيزَانِهِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 305 ) . وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَبِكَلِمَةٍ أَوْضَحَ يَنْفَسِخُ إذَا فَسَخَهُ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ( رَاجِعْ الْمَادَّةَ 301 ) وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِإِجَازَةِ الثَّانِي مِنْ اعْتِبَارٍ ( هِنْدِيَّةٌ ) سَوَاءٌ أَوَقَعَتْ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ أَمْ بَعْدَهُ أَوْ وَقَعَتْ هِيَ وَالْفَسْخُ فِي وَقْتٍ مَعًا ( رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 51 و 46 ) إلَّا أَنَّهُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ ثُمَّ أَجَازَهُ الثَّانِي وَقَبِلَ الطَّرَفُ الَّذِي فَسَخَ الْبَيْعَ تِلْكَ الْإِجَازَةَ يَجُوزُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ آخَرَ . خَامِسًا : يَسْقُطُ خِيَارُ مَنْ يُجِيزُ الْبَيْعَ مِنْهُمَا وَيُصْبِحُ الْبَيْعُ بَاتًّا فِي حَقِّهِ وَخِيَارُ الطَّرَفِ الْآخَرِ يَبْقَى كَمَا كَانَ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَبِذَلِكَ يَنْفَسِخُ وَلَا يَبْقَى حُكْمٌ لِإِجَازَةِ الطَّرَفِ الْآخَرِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا . سَادِسًا : إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ مَعًا فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي
____________________
(1/252)
الثَّمَنِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ فَإِذَا تَصَرَّفَا فِيهِ فَتَصَرُّفُهُمَا بَاطِلٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 96 ) . سَابِعًا . إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ الْمُتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 293 ) وَشَرْحَهَا . ثَامِنًا : إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ بِيَوْمِ الشِّرَاءِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 298 ) . تَاسِعًا : إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ الْمُتَعَيَّنِ بِالتَّعْيِينِ أَوْ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ لَزِمَ الْبَائِعَ تَأْدِيَةُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ إلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ لَزِمَهُ أَدَاءُ مِثْلِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . عَاشِرًا : الِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِ التَّلَفِ - إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ لِمُدَّةِ بِضْعَةِ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَلِفَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا فَسَخَا الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَادَّعَى الثَّانِي أَنَّهُ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَعْدَ إجَازَتِهِمَا الْبَيْعَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مُدَّعَاهُمَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْإِجَازَةِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 308 ) إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِهِ بَلْ يَبْقَى مَعْدُودًا مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِ فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ يَوْمَ قَبْضِهِ . أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ مَا دَامَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ بَاقِيَةً سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا وَهِيَ : أَوَّلًا - لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَتِمُّ بِرِضَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَاشْتِرَاطُ الْبَائِعِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ يُقَيِّدُ عَدَمَ رِضَائِهِ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ بِذَلِكَ نَفَاذُ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ فَتَصَرُّفُهُ يَكُونُ نَافِذًا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَمَّا إذَا أَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 96 ) . ثَانِيًا - إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَيْ بِأَنْ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمْ بِدُونِ إذْنِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ الْبَيْعُ مُنْفَسِخًا وَالْإِجَازَةُ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى بَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ يَوْمَ قَبْضِهِ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ أَوْ مِثْلُهُ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا عُدَّ لِتَعَذُّرِ نَفَاذِهِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ مَقْبُوضًا يَوْمَ الشِّرَاءِ . ثَالِثًا : إذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا مِنْ آخَرَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ وَيَسْتَوْفِيَهُ . رَابِعًا : إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ يَخْرُجُ الثَّمَنُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ ( الْهِنْدِيَّةُ ) ( أَبُو السُّعُودِ ) الطَّحْطَاوِيُّ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . ( الْفَتْحُ الْقَدِيرُ ) وَهُنَا أَلَّا يَصِحَّ أَنْ نَقُولَ رَدًّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ( كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصْبِحَ الْمِلْكُ بِدُونِ مَالِكٍ ) , وَنَقُولَ رَدًّا عَلَى الرَّأْيِ الثَّانِي ( أَلَّا يُصْبِحَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ لَهُ مِلْكًا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ بِبَقَاءِ الْمَبِيعِ مِلْكًا لِلْبَائِعِ وَدُخُولِ الثَّمَنِ فِي مِلْكِهِ ) ( الشَّارِحُ ) . إيضَاحٌ لِلْقُيُودِ : ( إذَا تَلِفَ الْبَيْعُ بَعْدَ الْقَبْضِ ) فَلِتَلَفِ الْمَبِيعِ ثَمَانِي صُوَرٍ : ( 1 ) : تَلَفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَلِفَ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِع
____________________
(1/253)
ِ يَجْرِي الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 293 ) كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ حُكْمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى وَلَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَالَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي أَوْدَعَهُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَيْنِ مِنْ آخَرَ وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَتَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ بِدُونِ رِضَاءِ الْمُشْتَرِي وَيُلْزِمَهُ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ( 293 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ الْهِنْدِيَّةُ ) ( 2 ) : تَلَفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ( 3 ) : تَلَفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ إيَّاهُ فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَكُونُ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَضْمِينُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهُ وَلَهُ إجَازَةُ الْبَيْعِ فَإِذَا أَجَازَ الْبَيْعَ وَكَانَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ الْمَبِيعَ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا كَمَا وَضَحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 263 ) فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَبِيعَ . ( 4 ) : تَلَفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ إيَّاهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ ( 5 ) : تَلَفُ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ مَرَّ الْحُكْمُ فِيهِ . ( 6 ) : تَلَفُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمُتْلَفُ مَشْرُوطًا فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَضْمِينُ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ ( 7 ) : تَلَفُ الْمَبِيعِ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي بِإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ إيَّاهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلِلْمُشْتَرِي تَضْمِينُ الْمُتْلِفِ الْمَبِيعَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيُضَمِّنَ الْمُتْلِفَ الْأَجْنَبِيَّ الْمَبِيعَ ( 8 ) : تَلَفُ الْمَبِيعِ بَعْدَ ' الْقَبْضِ بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ إيَّاهُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا يَتَرَتَّبُ شَيْءٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُنَاكَ ثَمَانِي صُوَرٍ أُخْرَى لِلْمَالِ الْقِيَمِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَيَحْدُثُ فِيهِ عَيْبٌ : فَإِذَا حَدَثَ ذَلِكَ الْعَيْبُ فِي الْمَالِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ يُنْظَرُ فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ آفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ مَا عَلَى خِيَارِ الْمَبِيعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى جَمِيعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَفِي هَذِهِ الْحَالِ إمَّا أَنْ يُضَمِّنَ الْأَجْنَبِيَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَحِينَئِذٍ لَهُ كَمَا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَجْنَبِيَّ قِيمَةَ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِي وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالْمَبْلَغِ أَمَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي نُقْصَانَ الْقِيمَةِ فَقَطْ وَيَحْصُلُ الْعَيْبُ فِي الْمَالِ الَّذِي يُبَاعُ وَالْخِيَارُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ( 1 ) بِفِعْلِ الْبَائِعِ ( 2 ) بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ( 3 ) بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ( 4 ) بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَجْرِي الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى مَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 304 ) وَهُوَ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْحَالِ أَخْذُ الْمَبِيعِ مَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ أَمَّا الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَعَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ كَمَا فِي السَّابِقِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَضْمِينُ الْأَجْنَبِيِّ بِمَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْعَيْبِ بِالْمَبِيعِ مِنْ النُّقْصَانِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ أَيْضًا فَلَهُ قَبُولُ الْبَيْعِ وَتَضْمِينُ الْأَجْنَبِيِّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَجْنَبِيَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ أَمَّا الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ نُقْصَانَ الْبَدَلِ وَإِذَا شَاءَ أَجَازَهُ . وَأَخَذَ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى , وَالْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ عَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَعَدَمُ سُقُوطِ خِيَارِ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ لَا يُجِيزُهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالِ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَخْذُ الْمَبِيعِ بِمَجْمُوعِ الثَّمَنِ وَلَهُ تَرْكُهُ أَمَّا الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ فَيَجْرِي عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِ الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ ( هِنْدِيَّةٌ ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 922 ) وَشَرْحَ الْمَادَّةِ ( 293 ) . الِاخْتِلَافُ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهَا وَفِي تَلَفِهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهَا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا مِنْ آخَرَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّلَفَ وَقَعَ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ وَيَجِبُ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى
____________________
(1/254)
وَادَّعَى ثَانِيهِمَا أَنَّ الْبَيْعَ تَلِفَ فِي ظَرْفِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيَجِبُ إعْطَاءُ الْقِيمَةِ حَسَبَ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لِمُدَّعِي التَّلَفِ فِي ظَرْفِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ مُدَّعِي التَّلَفِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مُنْكِرٌ لُزُومَ الْبَيْعِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي تَلَفَ الْمَبِيعِ بَعْدَ مُرُورِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ أَيْ تَلَفَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إذَا اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ تَلِفَ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا ادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِي فَسَخَ الْبَيْعَ فِي حُضُورِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ تَلَفِ الْمَبِيعِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ عَدَمِ لُزُومِ الضَّمَانِ حَسَبَ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنَّ الْبَيْعَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 301 ) أَصْبَحَ لَازِمًا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْفَسْخِ وَيَجِبُ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إذَا اتَّفَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا ادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْإِجَازَةِ فَعَلَيْهِ إذَا بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا كَذَا مُدَّةً وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَادَّعَى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّ الْمَبِيعَ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْإِجَازَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْفَسْخِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 309 ) إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ ثَمَنِهِ الْمُسَمَّى لِلْبَائِعِ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي : أَوَّلًا : إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فَقَطْ . ثَانِيًا : إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرَيْنِ مَعًا وَأَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ . ثَالِثًا : إذَا شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ وَيَصِيرُ الْمَبِيعُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفَاتُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ تَصِيرُ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فَقَطْ فَالثَّمَنُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَمَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامَيْنِ فَيَدْخُلُ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ زَوَالَ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ آخَرَ وَلَيْسَ لِهَذَا نَظِيرٌ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ وَقَدْ اخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ هُنَا قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ ( الْهِنْدِيَّةُ ) ( وَدُرُّ الْمُخْتَارِ ) ( وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ كَمَا كَانَ ( الْفَتْحُ الْقَدِيرُ ) وَلَكِنْ إذَا كَانَ ذَلِكَ ( أَلَّا يُصْبِحَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ بِهِ مِلْكَ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ . الشَّارِحُ ) أَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَمْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْفَسْخِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَثْنَاءَ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ أَصْبَحَ لَازِمًا فَتَلْزَمُ تَأْدِيَةُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ التَّلَفَ لَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ حُدُوثُ عَيْبٍ وَحُدُوثُ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الْفَسْخِ وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَهَكَذَا فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَلُزُومِ الْبَيْعِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لَا قِيمَةُ الْمَبِيعِ ( الطَّحْطَاوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ ) . مِثَالٌ : إذَا كَانَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَمَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ ( الْأَنْقِرْوِيّ ) . إيضَاحُ الْقُيُودِ : فَقَوْلُهُ ( بَعْدَ الْقَبْضِ ) لِأَنَّهُ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ ( وَاقِعَاتٌ فِي الْخِيَارَاتِ ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ ( 293 ) . وَقَوْلُهُ ( التَّلَفُ ) تَعْبِيرٌ يُقْصَدُ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ إحْدَاثِ الْعَيْبِ وَإِلَيْك التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةَ فِي إحْدَاثِ الْعَيْبِ وَهِيَ إذَا حَصَلَ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ
____________________
(1/255)
( 1 ) بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ( 2 ) بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ( 3 ) بِفِعْلِ الْبَائِعِ ( 4 ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ . يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَيْبُ لَا يَزُولُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْ أَنَّهُ يَزُولُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْعَقْدُ لَازِمٌ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَوْ زَالَ الْعَيْبُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى مُشْتَرٍ مَالًا وَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ وَحَصَلَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ بِفِعْلِ الْبَائِعِ وَهُوَ فِي يَدِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا وَيُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا عَلَى رَأْيِ الشَّيْخَيْنِ . لِكَوْنِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَ فِي يَدِهِ ( الْبَحْرُ ) وَإِذَا حَصَلَ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا مَحَلَّ لِلتَّضْمِينِ وَيُضَمِّنُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ فِي حَالَةِ حُصُولِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ فِي حَالَةِ حُصُولِ الْعَيْبِ مِنْهُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 917 ) وَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ قَبْلَ مُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ بَقِيَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 24 ) ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . الْبَحْرُ ) ( لَاحِقَةٌ ) - فِي الِاخْتِلَافِ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ , وَشَرْطِ الْخِيَارِ , وَمُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَفِي فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِجَازَتِهِ . الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إذَا اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عَقْدَ الْبَيْعِ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا الْمَبِيعَ فَالْقَوْلُ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا الْمَبِيعَ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا كَمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِعْته مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ هَذَا الْمَالِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هُوَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ بِعَيْنِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إذَا أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَأَلْزَمَهُ بِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ غَيْرُ هَذَا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ نَفْسَ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُشْتَرِي . الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ الْمَبِيعِ بِحَقِّ الْخِيَارِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِعْته مِنْك لَيْسَ هَذَا بَلْ هُوَ غَيْرُهُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هُوَ ذَاتُهُ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا أَثْبَتَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ غَيْرُهُ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ . الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي حُصُولِ شَرْطِ خِيَارٍ وَعَدَمِ حُصُولِهِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فَلِذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ نَفَاهُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 9 ) . أَمَّا إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُدَّعَاهُ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْخِيَارِ . الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : إذَا اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ فِي انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَعَدَمِ انْقِضَائِهَا كَأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقَدْ مَرَّتْ وَيَدَّعِيَ الْآخَرُ أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا عُقِدَ الْيَوْمَ أَوْ قَبْلَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ وَلَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ انْقِضَائِهَا لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى حُصُولِ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ أَحَدُهُمَا سُقُوطَهُ بِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِ وَيَدَّعِيَ الْآخَرُ سُقُوطَهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ . الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْخِيَارِ كَأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَيَدَّعِيَ الْآخَرُ أَنَّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزِّيَادَةِ يَعْنِي يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْعَشَرَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالثَّانِي يُنْكِرُهَا . الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَطْ وَاخْتَلَفَا فِي حُصُولِ إجَازَةِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ أَثْنَاءَ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِلْعَاقِدِ الْمُخَيَّرِ سَوَاءٌ ادَّعَى الْفَسْخَ أَمْ الْإِجَازَةَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُقْتَدِرٌ عَلَى إيجَادِهِ فِي الْحَالِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّرَفِ غَيْرِ الْمُجِيزِ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعُ أَمْ الْمُشْتَرِي وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي الْفَسْخِ . الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : إذَا كَانَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُخَيَّرَيْنِ مَعًا وَاخْتَلَفَا فِي وُقُوعِ فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إجَازَتُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْفَسْخِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْآخَرِ . أَمَّا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْإِجَازَةِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي الْفَسْخِ . الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : أَنَّ التَّفْصِيلَاتِ الْمُبَيَّنَةَ فِي الْمَسَائِلِ التِّسْعَةِ الْآنِفَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ تَارِيخٍ لِبَيِّنَتَيْ الْعَاقِدَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّةَ تَارِيخٌ لِبَيِّنَةِ كِلَا الطَّرَفَيْنِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْأَسْبَقِ تَارِيخًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَائِمَةً عَلَى الْفَسْخِ أَمْ عَلَى الْإِجَازَةِ ( الْهِنْدِيَّةُ , الْبَحْرُ . رَدُّ الْمُحْتَارِ , الدُّرَرُ ) . * * * * * -
____________________
(1/256)
الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي بَيَانِ خِيَارِ الْوَصْفِ خُلَاصَةُ الْفَصْلِ : ( 1 ) خِيَارُ الْوَصْفِ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ بِشَرْطٍ وَالثَّانِي مَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ شَرْطٍ . ( 2 ) الضَّرْبُ الْأَوَّلُ نَوْعَانِ : مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَصْرِيحًا اتِّصَافُهُ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ . وَمَا يُشْتَرَطُ اتِّصَافُهُ بِذَلِكَ عُرْفًا . ( 3 ) كُلُّ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَمَ فَاشْتِرَاطُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ صَحِيحٌ وَإِذَا فُقِدَ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ أَمَّا اشْتِرَاطُ مَا يَحْتَمِلُ الْعَدَمَ أَوْ غَيْرَ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ . ( 4 ) اشْتِرَاطُ اتِّصَافِ الْمَبِيعِ بِوَصْفٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحًا وَانْعِدَامُ الْوَصْفِ فِيهِ مُوجِبًا لِلْخِيَارِ . وَالثَّانِي مَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحًا لَكِنْ انْعِدَامُ الْوَصْفِ فِيهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْخِيَارِ . وَالثَّالِثُ مَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَعَهُ فَاسِدًا . ( 5 ) إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَبِيعَ مُتَّصِفٌ بِوَصْفٍ أَعْلَى مِنْ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَطِ فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ مُفَوِّتًا لِغَرَضِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ خِيَارُ الْوَصْفِ وَإِلَّا فَلَا . ( 6 ) إنَّ فِقْدَانَ الْوَصْفِ يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ أَوْ الْقَبُولِ فَقَطْ وَلَا يُثْبِتُ الْحَقَّ فِي قَبُولِ الْمَبِيعِ مَعَ حَطٍّ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّ الْمَبِيعِ بِعُذْرٍ مَشْرُوعٍ فَحِينَئِذٍ يُثْبِتُ لَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ . ( 7 ) إذَا اُخْتُلِفَ فِي شَرْطِ اتِّصَافِ الْمَبِيعِ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ أَحَصَلَ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي . ( 8 ) إنَّ خِيَارَ الْوَصْفِ يَنْتَقِلُ بِالْإِرْثِ . ( 9 ) إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ خِيَارَ الْوَصْفِ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَصَارَ الْبَيْعُ لَازِمًا . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 310 ) إذَا بَاعَ مَالًا بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فَظَهَرَ الْمَبِيعُ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَيُسَمَّى هَذَا خِيَارَ الْوَصْفِ مَثَلًا لَوْ بَاعَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ فَظَهَرَتْ غَيْرَ حَلُوبٍ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَصًّا لَيْلًا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَصْفَرَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي . قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الْوَصْفِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يَثْبُتُ بِشَرْطٍ وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ لَا يَكُونُ فِيهِ غَرَرٌ
____________________
(1/257)
أَيْ احْتِمَالُ الْعَدَمِ فَاشْتِرَاطُهُ صَحِيحٌ وَإِذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ خَالِيًا عَنْهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَرْكُ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبِلَ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ . وَلَهُ قَبُولُ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ قَدْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا وَبِمَا أَنَّ التَّابِعَ لَا يَعُودُ بِالْحُكْمِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 48 ) فَلَا يَكُونُ لِلْوَصْفِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 234 ) . أَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي فِيهِ غَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَبَيْعُ الْبَقَرَةِ عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ مِقْدَارَ كَذَا مِنْ اللَّبَنِ فِي الْيَوْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَمِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 189 ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا فِي بَطْنِ الْبَقَرَةِ وَضَرْعِهَا أَحَمْلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ أَوْ لَبَنٌ وَهَذَا الْقِسْمُ يَعْنِي الْأَوَّلَ عَنْ نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُشْتَرَطُ اتِّصَافُهُ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ تَصْرِيحًا كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا إذَا بِيعَتْ بَقَرَةٌ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَيْ مُتَّصِفَةٌ بِالْحَلْبِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْبَقَرَةَ غَيْرُ حَلُوبٍ وَأَنَّ الْوَصْفَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ لَيْسَ فِيهَا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْبَقَرَةَ لِلْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَهَا بِخَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ فِقْدَانِ الْحَلْبِ وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي خُلُوَّ الْمَبِيعِ مِنْ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ حَاصِلٌ فِي وَصْفٍ عَارِضٍ وَالرَّاجِحُ فِيهِ الْعَدَمُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ حِصَانٌ عَلَى أَنَّهُ هِمْلَاجٌ ( رَهْوَانَ ) أَوْ كَلْبٌ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّمٌ ( كَلْبُ صَيْدٍ ) وَفَرْوُ سَمُّورٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَعِيرُ عَلَى أَنَّهُ نَاقَةٌ أَوْ الْبَغْلُ عَلَى أَنَّهُ بَغْلَةٌ أَوْ اللَّحْمُ عَلَى أَنَّهُ لَحْمُ مَعْزٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْحِصَانَ لَيْسَ بِهِمْلَاجٍ ( رَهْوَانَ ) وَالْكَلْبَ لَيْسَ مُعَلَّمًا ( كَلْبَ صَيْدٍ ) وَالْفَرْوَ لَيْسَ مِنْ الظَّهْرِ بَلْ مِنْ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْبَغْلَ لَيْسَ بَغْلَةً وَالْبَعِيرَ جَمَلٌ لَا نَاقَةٌ وَاللَّحْمَ لَحْمُ ضَأْنٍ لَا مَعْزٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ ( تَنْقِيحٌ . بَحْرٌ ) . وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ بُسْتَانٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا شَجَرَةً أَوْ دَارٌ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا غَرْفَةً أَوْ عَرْصَةٌ عَلَى أَنَّ مِسَاحَتَهَا كَذَا ذِرَاعًا فَظَهَرَ أَنَّ الْبُسْتَانَ لَا يَحْتَوِي عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الشَّجَرِ وَالدَّارَ لَا تَحْتَوِي عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْغُرَفِ وَالْعَرْصَةَ لَا تَحْتَوِي عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْأَذْرُعِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ عَلَى مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَبِيعَ كَمَا لَوْ بِيعَتْ عَرْصَةٌ بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى أَنَّ فِيهَا أَشْجَارًا فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَشْجَارٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ ( هِنْدِيَّةٌ ) . ( تَوْضِيحُ الْقُيُودِ ) ( الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ ) أَمَّا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَصْفٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَيَظْهَرُ خُلُوُّهُ مِنْهُ فَلَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا إذَا بِيعَ حِصَانٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ أَوْ عَيْنَهُ رَمْدَاءُ أَوْ أَنَّ فِيهِ لَهَثًا فَظَهَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ مَالٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ عَيْبًا فَظَهَرَتْ سَلَامَتُهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا ( فَرَائِدُ شَرْحِ الْمُلْتَقَى ) . وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي مَرَّتْ آنِفًا أَنَّ شَرْطَ اتِّصَافِ الْمَبِيعِ يُوصَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : ( 1 ) مَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحًا وَعَدَمُ الْوَصْفِ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْخِيَارِ . مَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحًا لَكِنْ عَدَمُ الْوَصْفِ فِيهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْخِيَارِ ( 3 ) مَا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا إذَا ظَهَرَ الْبَيْعُ خَالِيًا مِنْ الْوَصْفِ . وَمَا يُبَاعُ عَلَى شَرْطِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَيَظْهَرُ فِيهِ وَصْفٌ أَعْلَى مِنْ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَطِ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى غَرَضِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَإِلَّا يَثْبُتُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) .
____________________
(1/258)
مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ لَيْلًا فَصَّ الْمَاسِ زِنَةَ خَمْسَةِ قَرَارِيطَ عَلَى أَنَّهُ أَخْضَرُ اللَّوْنِ لِيَصْنَعَ قُرْطًا ( حَلَقًا ) فَظَهَرَ أَنَّهُ أَبْيَضُ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ ( شَارِحٌ ) . وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ تَقْيِيدِ الشِّرَاءِ بِاللَّيْلِ حَقِيقَةَ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ فَلَوْ بِيعَ الْفَصُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشِّرَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لَيْلًا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ أَنْ اطَّلَعَ عَلَى وَصْفِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ سَوَاءٌ أَوَقَعَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ أَمْ النَّهَارِ . مَثَلًا إذَا أَشَارَ الْبَائِعُ إلَى فَصِّ يَاقُوتٍ أَصْفَرَ فَقَالَ بِعْت هَذَا الْفَصَّ الْأَحْمَرَ بِكَذَا قِرْشًا فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ اطَّلَعَ عَلَى وَصْفِهِ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ الْوَصْفِ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 45 هَذَا إذَا ظَهَرَ أَصْفَرَ وَبِيعَ عَلَى أَنَّهُ أَحْمَرُ فَإِنْ بِيعَ مُشَارًا إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ زُجَاجٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ 208 اسْتِثْنَاءٌ - إنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ حَطِّ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْوَصْفِ الْفَائِتِ الْمُشْتَرَطِ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ بِعُذْرٍ مَشْرُوعٍ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي حَطُّ الثَّمَنِ فَيُقَوَّمُ الْمَبِيعُ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ ثُمَّ يُقَوَّمُ عَارِيًّا عَنْ الْوَصْفِ فَإِذَا كَانَ النُّقْصَانُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عُشْرَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ حَائِزٌ لِذَلِكَ الْوَصْفِ طُرِحَ مِنْ الثَّمَنِ عُشْرُهُ . وَإِذَا كَانَ النُّقْصَانُ خُمْسَ قِيمَتِهِ طُرِحَ مِنْ الثَّمَنِ خُمْسُهُ مَثَلًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمَالِ عَلَى تَقْدِيرِ اتِّصَافِهِ بِالْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ مِائَةَ قِرْشٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ وَهُوَ خَالٍ مِنْهُ 75 قِرْشًا وَكَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ 120 قِرْشًا فَبِعَمَلِيَّةِ التَّنَاسُبِ الْآتِيَةِ 75 100 س 120 90 90 فَإِذَا طُرِحَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ الثَّمَنِ يَبْقَى 90 فَإِذَا كَانَ رَدُّ الْمَبِيعِ غَيْرَ مُمْكِنٍ وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَوْفَى الثَّمَنَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ 30 قِرْشًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا كَانَ لَمْ يُوَفِّ الثَّمَنَ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ 30 قِرْشًا أَيْ يَدْفَعُ لَهُ 90 قِرْشًا بَدَلًا مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ قِرْشًا ( بَحْرٌ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 310 ) . لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي مُتَّصِفًا بِالْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الْمَشْرُوطِ وَعَلَى هَذَا إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ تَامًّا إلَى الْبَائِعِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَجِبُ حَطُّهُ مِنْ الثَّمَنِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97 ) . النَّوْعُ الثَّانِي مَا يُشْرَطُ اتِّصَافُهُ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ عُرْفًا . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ بَقَرَةً وَظَهَرَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا غَيْرُ حَلُوبٍ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمُتَعَارَفِ أَنَّ شِرَاءَ تِلْكَ الْبَقَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهَا حَلُوبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا أَمَّا إذَا كَانَ شِرَاؤُهَا لِلذَّبْحِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 42 وَشَرْحَهَا ) . الِاخْتِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ - إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي اشْتِرَاطَهُ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقَّ الْفَسْخِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُدَّعٍ حَقَّ الْفَسْخِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ نَسِيجَ الشَّامِ وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ نَسِيجَ الْبَلَدِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ الثَّوْبَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَوْ قَبْلَهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَطُولُهُ تِسْعًا فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ ذِرَاعًا وَالطُّولُ سَبْعًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ خِيَارِ الْوَصْفِ مَا يَثْبُتُ بِلَا شَرْطٍ وَذَلِكَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا فِيهِ وَصْفٌ
____________________
(1/259)
مَرْغُوبٌ فِيهِ فَزَالَ ذَلِكَ الْوَصْفُ قَبْلَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْمَالِ إلَى الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْوَصْفُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَدْ تَغَيَّرَ فَلِذَلِكَ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 311 ) خِيَارُ الْوَصْفِ يُورَثُ مَثَلًا لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي الَّذِي لَهُ خِيَارُ الْوَصْفِ فَظَهَرَ الْبَيْعُ خَالِيًا مِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَانَ لِلْوَاصِفِ حَقُّ الْفَسْخِ . لِأَنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْوَصْفُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ فَيَنْتَقِلُ أَيْضًا خِيَارُ الْوَصْفِ الَّذِي فِي ضِمْنِهِ إلَى الْوَارِثِ وَيَكُونَ الْوَارِثُ فِي ذَلِكَ خَلَفًا لِلْمُوَرِّثِ فَيَحِقُّ لَهُ كَمُوَرِّثِهِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ أَوْ يَقْبَلَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى نَعَمْ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُورَثُ إلَّا أَنَّ خِيَارَ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ بِكَوْنِهِ خَلَفًا لِلْمُوَرِّثِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) , يَعْنِي أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ كَمَا أَنَّ الْمُوَرِّثَ يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ مُتَّصِفًا بِالْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَالْوَارِثُ أَيْضًا بِكَوْنِهِ خَلَفًا لِلْمُوَرِّثِ يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَإِذَا وُجِدَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ نُقْصَانٌ فَلَهُ حَقُّ الرَّدِّ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَبِيعَ خَالٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ يُجِيزَهُ فَوَارِثُهُ مُخَيَّرٌ أَمَّا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ مُتَعَدِّدِينَ فَأَجَازَ بَعْضُهُمْ وَفَسَخَ بَعْضُهُمْ فَبِمَا أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلشَّرِكَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالشَّرِكَةُ مُجْلِبَةٌ لِلضَّرَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْمُجِيزِ مَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 312 ) : الْمُشْتَرِي الَّذِي لَهُ خِيَارُ الْوَصْفِ إذَا تَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بَطَلَ خِيَارُهُ . وَيَصِيرُ الْبَيْعُ لَازِمًا ( بَحْرٌ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58 ) . وَالتَّصَرُّفُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ أَيْ تَصَرَّفَ الْمَالِكُ فِي مِلْكِهِ قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ ( 404 ) وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ خِيَارَ الْوَصْفِ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فَوْرًا يَعْنِي لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُجْبَرًا عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى فَسْخِ الْبَيْعِ حِينَمَا يَظْهَرُ لَهُ خُلُوُّ الْمَبِيعِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بَعْدَ مُدَّةٍ . أَمَّا إذَا تَصَرَّفَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي الْمُتَوَفَّى الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ أَيْ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ فَلَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ الْمُجِيزِ فِعْلًا . * * * * * -
____________________
(1/260)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حَقِّ خِيَارِ النَّقْدِ : النَّقْدُ هُنَا إعْطَاءُ ثَمَنِ الشَّيْءِ وَالنَّقْدُ أَيْضًا إعْطَاءُ النَّقْدِ . خُلَاصَةُ الْفَصْلِ : 1 - يَكُونُ خِيَارُ النَّقْدِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي . 2 - يَجِبُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ . 3 - يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي خِيَارِ النَّقْدِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ . 4 - خِيَارُ النَّقْدِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِوَفَاةِ الْمُشْتَرِي . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 313 ) إذَا تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي وَقْتِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا يُقَالُ لَهُ خِيَارُ النَّقْدِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 83 وَشَرْحَ الْمَادَّةِ 188 ) كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ النَّقْدِ يُشْتَرَطُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا . وَالْبَيْعُ بِخِيَارِ النَّقْدِ يَكُونُ مَشْرُوطًا فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى شَرْطٍ وَبِمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْبَيْعُ فَاسِدَةٌ فَيَكُونُ الْبَيْعُ الَّذِي تُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِقَالَةُ الْفَاسِدَةُ فَاسِدًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَالْقِيَاسُ يُوجِبُ عَدَمَ جَوَازِ الْبَيْعِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ خِيَارُ النَّقْدِ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الِاحْتِرَازُ مِنْ مُمَاطَلَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ فَالْحَاجَةُ تَمَسُّ إلَى فَسْخِ الْبَيْعِ ( اُنْظُرْ مَادَّةَ 20 ) وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ النَّقْدِ فَلِلْمُشْتَرِي دَفْعُ الثَّمَنِ وَإِمْضَاءُ الْبَيْعِ وَفَسْخُ الْبَيْعِ وَعَدَمُ دَفْعِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ الْغَرِيبَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ مِنْ الْخِيَارِ إنَّمَا هُوَ الْبَائِعُ . إيضَاحُ شَرْطِ الْبَائِعِ - إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّهُ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا لِلْمَبِيعِ بِقِيمَتِهِ وَإِذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَعُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْبَائِعُ هُوَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ حَتَّى إذَا تَصَرَّفَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ وَبَاعَهُ مِنْ الْغَيْرِ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحًا وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ غَيْرَ صَحِيحٍ وَالْغَرِيبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَعَ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فَالْمَنْفَعَةُ تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( بَحْرٌ . هِنْدِيَّةٌ ) وَفِي سَائِرِ الْخِيَارَاتِ النَّفْعُ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ إلَّا خِيَارَ النَّقْدِ فَالْأَمْرُ فِيهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ إذْ الْخِيَارُ فِي جَانِبٍ وَالْمَنْفَعَةُ فِي جَانِبٍ كَمَا تَقَدَّمَ . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ : ( إلَى أَجَلٍ ) يَعْنِي يَجِبُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ مِنْ صُوَرِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ يَوْمَيْنِ أَمْ ثَلَاثَةً أَمْ أَكْثَرَ فَإِذَا لَمْ تُبَيَّنْ مُدَّةُ الْخِيَارِ مُطْلَقًا كَأَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدَّ الثَّمَنُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِيعَ أَوْ ذُكِرَتْ مُدَّةٌ غَيْرُ مَجْهُولَةٍ كَأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بِضْعَةَ أَيَّامٍ فَالْبَيْعُ يَكُونُ فَاسِدًا لَهُ * * * * *
____________________
(1/261)
- ( الْمَادَّةُ 314 ) : إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَانَ الْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ النَّقْدِ فَاسِدًا . الْمُرَادُ مِنْ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ مَا يُعَيِّنُهُ الطَّرَفَانِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَإِذَا أَدَّى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَصْبَحَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَلَازِمًا أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بَقِيَ الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ فَالْبَيْعُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِخِيَارِ النَّقْدِ لَا يَنْفَسِخُ بَلْ يَكُونُ فَاسِدًا وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَبَاعَهُ بَعْدَ مُرُورِ الْمُدَّةِ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ آخَرَ كَانَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي بَدَلَهُ إلَى الْبَائِعِ . أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي قَبْضَتِهِ فَتَصَرُّفُهُ لَا يَكُونُ نَافِذًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 371 و 382 ) . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ : ( فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُؤَدِّ الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بَلْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ إلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ فَاسِدًا بِعَدَمِ الْأَدَاءِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بَعْدَ ذَلِكَ ( بَقِيَ الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ ) فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالِهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَالْبَيْعُ يَصِيرُ لَازِمًا وَلَا يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) لِأَنَّ الْبَيْعَ بِخِيَارِ النَّقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا حَصَلَ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ بِخِيَارِ النَّقْدِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ ثُمَّ انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَدْفَعْ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا وَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ , وَتَرْكِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَخْذِ الثَّمَنِ , أَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مُرُورِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُوَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَوْ بَدَلَهُ لِلْبَائِعِ ( بَزَّازِيَّةٌ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 371 ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 315 ) إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ النَّقْدِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْبَيْعُ . لِأَنَّ خِيَارَ النَّقْدِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ فَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالتَّغْرِيرِ أَيْ إذَا تُوُفِّيَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ النَّقْدِ قَبْلَ مُرُورِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْخِيَارِ يَبْطُلُ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ . * * * * * - الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ خِيَارِ التَّعْيِينِ : 1 - إنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَكُونُ فِي مَبِيعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قِيَمِيَّةٍ وَلَا يَكُونُ فِي أَكْثَرَ وَلَا فِي مِثْلِيٍّ . 2 - يَجْتَمِعُ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ . 3 - يَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ . 4 - يَجِبُ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ تَعْيِينُ ثَمَنِ كُلِّ مَبِيعٍ . 5 - إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ مِثْلُ قَوْلِ الْبَائِعِ أَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي شِرَاءِ مَا تُرِيدُهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
____________________
(1/262)
6 - يَجِبُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ . 7 - يَكُونُ الطَّرَفُ الْمُخَيَّرُ خِيَارَ التَّعْيِينِ مُجْبَرًا عَلَى تَعْيِينِ الْمَبِيعِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْمَبِيعَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ . 8 - إذَا كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْمُشْتَرِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تِسْعَةُ أَحْكَامٍ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ سَبْعَةٌ . 9 - إنَّ التَّعْيِينَ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ وَالتَّعْيِينُ الِاخْتِيَارِيُّ إمَّا تَصْرِيحًا وَإِمَّا دَلَالَةً . 10 - خِيَارُ التَّعْيِينِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ . ( الْمَادَّةُ 316 ) : لَوْ بَيَّنَ الْبَائِعُ أَثْمَانَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي يَأْخُذُ أَيًّا شَاءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُ أَوْ الْبَائِعُ يُعْطِي أَيًّا أَرَادَ كَذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا يُقَالُ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ . قَدْ جُوِّزَ هَذَا الْخِيَارُ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهِ . وَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الْمِثَالِ الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورِيِّ اجْتِمَاعُ هَذَا الْخِيَارِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ فَقَدْ يُوجَدُ خِيَارُ التَّعْيِينِ بِدُونِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فَإِذَا اجْتَمَعَا ثَبَتَ لِخِيَارِ الشَّرْطِ حُكْمُهُ الَّذِي مَرَّ فِي الْمَادَّةِ ( 301 ) عَلَى حِدَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ ( 328 ) وَكَمَا يَصِحُّ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَالْمَالُ الَّذِي يُعَيَّنُ مَبِيعًا يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 371 ) أَمَّا فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ فَكَأَحْكَامِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ( هِنْدِيَّةٌ ) يَكُونُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ أَحَدُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ كَمَا سَيُفَصَّلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ( 318 ) . فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَسَادُهُ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْخِيَارَ قَدْ شُرِعَ لِلِاحْتِيَاجِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَالِاحْتِيَاجُ إلَى ذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَضْطَرُّ أَحْيَانَا لِأَخْذِ رَأْيِ مَنْ يَعْتَمِدُهُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ أَوْ رَأْيِ أَهْلِهِ وَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ هَذَا الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَمَّا لِلْبَائِعِ فَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرِثُ مَالًا قِيَمِيًّا وَيَتَسَلَّمُهُ وَكِيلُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 32 ) لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَرُدُّ الْأَمْرَ إلَى الرِّضَاءِ ( مِيزَانُ الشَّعْرَانِيِّ ) . وَالْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ ( بَيَانُ قِيمَةِ كُلِّ مَالٍ عَلَى حِدَةٍ ) أَلَّا يُعَيَّنَ الثَّمَنُ لِمَالَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَجْمُوعَةً بَلْ يَجِبُ تَعْيِينُ ثَمَنِ كُلٍّ مِنْ الْمَالَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عَلَى حِدَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَثْمَانُهَا مُتَّفِقَةً أَمْ مُخْتَلِفَةً وَعَيْنُ الْمَالِ الَّذِي سَيُؤْخَذُ أَمْ لَا . إيضَاحُ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِلْمُشْتَرِي : إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ هَذِهِ الْبَغْلَةَ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَتِلْكَ بِثَمَانِمِائَةٍ وَهَذِهِ بِسَبْعِمِائَةٍ وَقَدْ بِعْتُك بِشَرْطِ أَنْ تَخْتَارَ الَّتِي تُرِيدُهَا مِنْهَا بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ بِأَلْفِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ مِنْهَا أَيَّةَ شِئْت فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَكُونُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي . إيضَاحُ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ : إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ قَدْ اشْتَرَيْت إحْدَى بَغْلَتَيْك بِأَلْفِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ
____________________
(1/263)
تَكُونَ مُخَيَّرًا فِي أَنْ تُعْطِيَنِي أَيَّهمَا شِئْت فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَبِلَ الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ . أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ الَّتِي تَكُونُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَفَاوِتَةٍ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِخِيَارِ التَّعْيِينِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 22 وَشَرْحَهَا ) فَإِذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ ثَلَاثَ كَيْلَاتٍ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا الْمُشْتَرِي كَيْلَةً بِثَمَنِ كَذَا أَوْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْهَا كَيْلَةً فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ . ( أَنْ يَأْخُذَ مَا يُرِيدُ ) فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بَلْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك أَحَدَ مَالِي أَوْ أَمْوَالِي الثَّلَاثَةِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا بِخِيَارِ التَّعْيِينِ بَلْ بَيْعًا لِمَجْهُولٍ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 213 ) فَاسِدٌ . ( اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ) فَإِذَا لَا يَصِحُّ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْوَالٍ . لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ يَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مَجْهُولًا وَحَسَبَ الْمَادَّةِ ( 200 ) مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَدَمُ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 32 ) وَبِمَا أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَمْوَالِ الْأَدْنَى وَالْأَوْسَطِ وَالْأَعْلَى فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . ( اُنْظُرْ مَتْنَ الْمَادَّةِ 22 وَشَرْحَهَا ) . لَاحِقَةٌ : وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تُبَيِّنُ أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي وَلَكِنْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعًا إنَّنِي لَمْ أَجِدْ نَصًّا فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ رَأْيِي أَنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِلطَّرَفَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ مَا دَامَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِكُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَيَجُوزُ شَرْطُهُ لِلِاثْنَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ يَكُونُ خِيَارًا مُرَكَّبًا مِنْ جَائِزَيْنِ . وَالْحُكْمُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلِذَلِكَ إذَا شُرِطَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعًا فَإِذَا أَلْزَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْمَبِيعَاتِ وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي يَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ لَازِمًا أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي مَا أَلْزَمَهُ بِهِ الْبَائِعُ وَطَلَبَ خِلَافَهُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ الْبَيْعُ بِلَا حُكْمٍ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي مَبِيعًا وَاحِدًا مِنْ الْمَبِيعَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَقَبِلَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَصْبَحَ لَازِمًا أَمَّا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ الْبَيْعُ بِلَا حُكْمٍ مُطْلَقًا 0 * * * * * - ( الْمَادَّةُ 317 ) يَلْزَمُ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ خِيَارُ شَرْطٍ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُعَيَّنْ مُدَّةٌ فَالطَّرَفُ الْمُعَيِّنُ يُمَاطِلُ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ فَمِنْ الْوَاجِبِ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ حَتَّى يَتَأَتَّى إجْبَارُ الطَّرَفِ الْمُخَيَّرِ عَلَى تَعْيِينِ الْمَبِيعِ بَعْدَ مُرُورِ الْمُدَّةِ وَلَا يُجْبَرُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى تَعْيِينِ الْمَبِيعِ قَبْلَ مُرُورِ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمُدَّةُ يَوْمَيْنِ أَمْ ثَلَاثَةً أَمْ أَكْثَرَ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 300 ) . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ اشْتَرَيْت أَحَدَ بِغَالِك الثَّلَاثِ هَذِهِ بِأَلْفِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ أُعَيِّنُ مِنْهَا مَا أُرِيدُهُ فِي مُدَّةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَالْمُدَّةُ قَدْ تَعَيَّنَتْ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ تَعْيِينُهَا وَالْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةٍ غَيْرُ جَائِزٍ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 318 ) : مَنْ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ الشَّيْءَ الَّذِي يَأْخُذُهُ فِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي عُيِّنَتْ .
____________________
(1/264)
وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْمَبِيعَاتِ أَوْ جَمِيعُهَا كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْجَمِيعِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ فَلِلْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْمَبِيعِ حَتَّى لَوْ اخْتَارَ أَحَدَهَا وَعَيَّنَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . بَحْرٌ ) لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا أَوْ اثْنَيْنِ أَمَانَةٌ فَيُرَدُّ أَوْ يُرَدَّانِ كَالْأَمَانَةِ وَالْآخَرُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَيَرُدُّهُ بِهَذَا الْخِيَارِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 301 ) . لَكِنْ إذَا سَقَطَ خِيَارُ الشَّرْطِ بِمُرُورِ الْمُدَّةِ أَوْ مَوْتِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ يَكُونُ لَازِمًا فِي أَحَدِ الْمَبِيعَاتِ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى التَّعْيِينِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 305 ) . وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلِذَلِكَ تِسْعَةُ أَحْكَامٍ : الْأَوَّلُ : الَّذِي تَقَدَّمَ . الثَّانِي : إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَوْجُودٌ يَقِينًا وَفِي كَوْنِ الْهَالِكِ الْمَبِيعِ شَكٌّ وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ الشَّكُّ بِالتَّعْيِينِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 4 ) فَإِذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَاتِ تَعَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْبَاقِينَ هُوَ الْمَبِيعُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ اثْنَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَاقِي يَتَعَيَّنُ مَبِيعًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْبَاقِي اثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُجْبَرًا عَلَى قَبُولِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي كَانَ سَيَنْتَقِي مَالًا وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ فَبِتَلَفِ أَحَدِ هَذِهِ الْمَبِيعَاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَاتَ غَرَضُ الْمُشْتَرِي ( هِنْدِيَّةٌ ) . الثَّالِثُ : إذَا تَلِفَ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمُقْتَضَى الْمَادَّةِ ( 293 ) بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَانْفِسَاخُهُ . الرَّابِعُ : إذَا تَعَيَّبَ أَحَدُ الْمَبِيعِينَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ تَرْكُهَا جَمِيعًا وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ أَوْ الْمَعِيبَ بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى وَكَذَلِكَ إذَا تَعَيَّبَ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَبَيَّنَ . الْخَامِسُ : إذَا هَلَكَ أَوْ تَعَيَّبَ أَحَدُ الْمَبِيعَاتِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ فَمَا هَلَكَ أَوْ تَعَيَّبَ يَتَعَيَّنُ مَبِيعًا وَيَجِبُ إيفَاءُ ثَمَنِهِ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ أَصْبَحَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ وَبِمَا أَنَّ بَاقِيَ الْمَبِيعَاتِ أَصْبَحَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرَى بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 768 ) . وَإِذَا تَلِفَ مَالًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهمَا تَلِفَ قَبْلَ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرِي يَضْمَنُ نِصْفَ الْمَالَيْنِ ( زَيْلَعِيٌّ ) وَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ ثَلَاثَةُ مَبِيعَاتٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي ثُلُثَ ثَمَنِ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَوْ أَحَدِهَا مَبِيعًا دُونَ الْآخَرِ أَوْ الْآخَرَيْنِ فَصِفَةُ الْأَمَانَةِ وَالْبَيْعِ تُصْبِحُ شَائِعَةً فِي الْجَمِيعِ مَثَلًا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةَ أَمْوَالٍ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا ثَلَاثُمِائَةِ قِرْشٍ وَالثَّانِي أَرْبَعُمِائَةٍ وَالثَّالِثُ خَمْسُمِائَةٍ بِبَيْعٍ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الْأَمْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهَا تَلِفَ قَبْلَ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرِي يَضْمَنُ أَرْبَعَمِائَةِ قِرْشٍ وَأَثَرُ هَذَا الْحُكْمِ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ تَفَاوُتٌ بَيْنَ أَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ مُتَسَاوِيَةً فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْحُكْمِ وَيُؤَدِّي الْمُشْتَرِي ثَمَنَ أَحَدِهَا ( الْفَتْحُ . مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) وَإِذَا تَعَيَّبَ اثْنَانِ مَعًا بَقِيَ خِيَارُ التَّعْيِينِ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا لَا كِلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ شَرْطٍ أَيْضًا ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 309 ) إلَّا أَنَّهُ إذَا زَادَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ آخَرُ بَعْدَ أَنْ تَعَيَّبَا مَعًا فَمَا زَادَ أَوْ حَدَثَ فِيهِ الْعَيْبُ الْآخَرُ يَتَعَيَّنُ مَبِيعًا ( هِنْدِيَّةٌ ) .
____________________
(1/265)
السَّادِسُ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَقَطَعَ الْآخَرَ قَمِيصًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَرْت الَّذِي قَطَعْته وَتَلِفَ الْآخَرُ وَأَنَا فِيهِ أَمِينٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ وَقَالَ الْبَائِعُ لَا بَلْ اخْتَرْت الَّذِي تَلِفَ ثُمَّ قَطَعْت الْآخَرَ فَعَلَيْك قِيمَةُ الَّذِي قَطَعْت مَعَ ثَمَنِ الَّذِي تَلِفَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي ضَامِنٌ نِصْفَ الَّذِي ضَاعَ وَنِصْفَ ثَمَنِ الَّذِي قَطَعَ . السَّابِعُ : إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي أَيِّ مَالٍ تَلِفَ قَبْلُ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ مِنْهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 ) ( هِنْدِيَّةٌ ) . الثَّامِنُ : إذَا تَعَيَّبَ الْمَالَانِ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى التَّعَاقُبِ فَاَلَّذِي تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَعَيَّبْ يُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ فَإِذَا تَعَيَّبَ ثَانِيًا مَا تَعَيَّبَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَتِهِ ( هِنْدِيَّةٌ ) . التَّاسِعُ : إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ الْأَمْوَالِ الْمَقْبُوضَةِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ تَعَيَّنَ الْمُتَصَرَّفُ فِيهِ مَبِيعًا وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى وَيَكُونُ الْمَالُ الْآخَرُ أَوْ الْمَالَانِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِمَا مَعًا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ أَيَّهمَا شَاءَ وَيَرُدَّ الْآخَرَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الِاثْنَيْنِ ( هِنْدِيَّةٌ ) مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ شَرْطٍ . إذَا كَانَ الْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ هُوَ الْبَائِعُ يَجْرِي فِي ذَلِكَ الْأَحْكَامُ السَّبْعَةُ الْآتِيَةُ : الْأَوَّلُ : إنَّ الْبَائِعَ مُجْبَرٌ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ مَا يُرِيدُهُ مَبِيعًا مِنْ الْمَالَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَاعَهَا بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَلَيْسَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ الْبَائِعَ بِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمَبِيعَاتِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ قَبُولِ مَا يُلْزِمُ بِهِ الْبَائِعَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بَاتٌّ لَكِنْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْمَبِيعِينَ مَعًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَاحِدٌ فَقَطْ . الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إذَا تَلِفَ مَبِيعٌ أَوْ مَبِيعَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ التَّلَفُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ ثَابِتٌ يَقِينًا وَمَوْجُودٌ وَتَرَدُّدُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ هُوَ الْمَبِيعُ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ فَلَا يَبْطُلُ شَكٌّ لَا يَزُولُ بِهِ مَا هُوَ ثَابِتٌ يَقِينًا فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 4 ) إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَاتِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَقِيَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ كُنْت أُرِيدُ أَنْ أُعَيِّنَ التَّالِفَ مَبِيعًا وَقَدْ فَاتَنِي ذَلِكَ الْآنَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ قَبُولِ مَا يُلْزِمُهُ بِهِ الْبَائِعُ بِزَعْمِ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُعَيِّنَ الْهَالِكَ مَبِيعًا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا فِي الْبَيْعِ . الثَّالِثُ : إذَا تَعَيَّبَ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِي يَكُونُ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْمَبِيعَ الَّذِي يُلْزِمُهُ بِهِ الْبَائِعُ بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ بِسَبَبِ خِيَارِ الْعَيْبِ . الرَّابِعُ : إذَا تَعَيَّبَ بَعْضُ الْمَبِيعَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ أَيْضًا وَيُنْظَرُ بَعْدَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْمَبِيعِ الْخَالِي مِنْ الْعَيْبِ فَالْمُشْتَرِي مُجْبَرٌ عَلَى قَبُولِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَبُولِ بِحُجَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَرْغَبُ فِي الْمَالِ الْمَعِيبِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ تَعَيَّبَ فَلَا يُرِيدُ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ خِيَارُ تَعْيِينٍ أَمَّا إلْزَامُ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ لَهُ قَبُولُهُ بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى وَلَهُ رَدُّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 293 ) وَلَكِنْ إذَا أَلْزَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَعِيبِ فَأَبَى الْمُشْتَرِي قَبُولَهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ إلْزَامُهُ بِالْخَالِي مِنْ الْعَيْبِ لِأَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ قَدْ انْتَهَى بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً .
____________________
(1/266)
الْخَامِسُ : إذَا تَلِفَ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُصْبِحُ الْبَيْعُ مُنْفَسِخًا وَبَاطِلًا بِحَسَبِ الْمَادَّةِ 293 . السَّادِسُ : إذَا تَلِفَتْ الْمَبِيعَاتُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ وُقُوعُ التَّلَفِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَيْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الْآخَرِ فَمَا مَلَكَ أَوَّلًا يَكُونُ أَمَانَةً وَمَا تَلِفَ ثَانِيًا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَإِذَا تَلِفَا مَعًا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِمَا . السَّابِعُ : إذَا تَعَيَّبَ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ أَوْ بَعْضُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْبَائِعُ كَمَا كَانَ مُخَيَّرًا وَلَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِمَا يُرِيدُهُ مِنْ الْمَالِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا كَانَ الْمَالُ الَّذِي أُلْزِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي غَيْرَ الْمَعِيبِ فَالْمُشْتَرِي مُجْبَرٌ عَلَى قَبُولِهِ وَإِذَا كَانَ قَدْ أَلْزَمَهُ بِالْمَالِ الْمَعِيبِ فَإِنْ كَانَ عَيْبُهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا مُجْبَرًا عَلَى قَبُولِهِ . وَالتَّعْيِينُ عَلَى نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : تَعْيِينٌ اخْتِيَارِيٌّ . وَالثَّانِي : ضَرُورِيٌّ . فَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصْرِيحًا كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرِ قَدْ اخْتَرْت هَذَا الْمَبِيعَ أَوْ أَرَدْته أَوْ رَضِيت بِهِ أَوْ أَجَزْته وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ صَرَاحَةً وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُخَيَّرُ الْبَائِعَ وَقَالَ قَدْ أَلْزَمْت هَذَا الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَيَّنْت هَذَا مَبِيعًا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْيِينٌ صَرَاحَةً وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْيِينُ الِاخْتِيَارِيُّ دَلَالَةً مَثَلًا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا وَبَعْدَ أَنْ اسْتَلَمَ الْمَبِيعَ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ أَوْ عَيَّبَ إحْدَى الْمَبِيعَاتِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَيُصْبِحُ الْبَيْعُ لَازِمًا فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَلِذَلِكَ إذَا تَصَرَّفَ الْبَائِعُ الْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ فِي أَحَدِ الْمَالَيْنِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ مَبِيعًا . وَالتَّعْيِينُ الضَّرُورِيُّ كَمَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَبِيعَاتِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ تَعَيَّبَ خِيَارٌ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ فِي تِلْكَ الْمَبِيعَاتِ فَقَدْ وَقَعَ التَّعْيِينُ ضَرُورِيًّا فِي ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ . وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي التَّعْيِينِ مِنْ الْمَبِيعِ الْمُتَعَدِّدِ الْمُتَفَاوِتِ الثَّمَنِ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا هِنْدِيًّا بِعِشْرِينَ قِرْشًا وَآخَرَ بِأَرْبَعِينَ عَلَى أَنَّ لَهُ خِيَارَ التَّعْيِينِ فَصَبَغَ أَحَدَهُمَا وَعَيَّنَ الْمَبِيعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَرَدَّ الْآخَرَ فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي صَبَغْته وَعَيَّنْته مَبِيعًا هُوَ الَّذِي ثَمَنُهُ أَرْبَعُونَ قِرْشًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي إنَّ الثَّوْبَ الَّذِي صَبَغْته هُوَ الَّذِي ثَمَنُهُ عِشْرُونَ قِرْشًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 ) أَمَّا إذَا لَمْ يَصْبُغْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ بَلْ قَطَعَهُ وَجَرَى الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الَّذِي ادَّعَاهُ أَوْ الثَّوْبَ الْمَقْطُوعَ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِيمَا لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 319 ) خِيَارُ التَّعْيِينِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مَثَلًا لَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ أَعْلَى وَأَوْسَطَ وَأَدْنَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَبَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ وَبَاعَ أَحَدَهَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَأْخُذُ أَيَّهَا شَاءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي تَعَيَّنَ لَهُ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَفِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهَا وَدَفْعِ ثَمَنِهِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ يَكُونُ الْوَارِثُ أَيْضًا مُجْبَرًا عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهَا وَدَفْعِ ثَمَنِهِ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ .
____________________
(1/267)
سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي فَبِوَفَاةِ الْمُخَيَّرِ مِنْهُمَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْمَوَادِّ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ كَمَا يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعَيِّنَ مَالَهُ وَيُمَيِّزَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ الْمُخْتَلَطِ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ يَحِقُّ لِوَارِثِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنْ يُمَيِّزَ وَيُعَيِّنَ مَالَهُ الْمَوْرُوثَ يَعْنِي لَا يَثْبُتُ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ بَلْ بِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ ( عَيْنِيٌّ ) . وَالْفِقْرَةُ الْأُولَى مِنْ الْمِثَالِ مِثَالٌ لِلْفَقَرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ ( 316 ) وَلِلْمَادَّةِ ( 313 ) لَا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ اسْتِطْرَادًا وَالْمِثَالُ الْحَقِيقِيُّ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ الْفِقْرَةُ الْأَخِيرَةُ . فَإِذَا تُوُفِّيَ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ مُرُورِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَيَكُونُ مُجْبَرًا عَلَى هَذَا التَّعْيِينِ وَعَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ لِلْمُوَرِّثِ خِيَارُ شَرْطٍ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَبْطُلُ بِوَفَاةِ الْمُوَرِّثِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 306 ) وَيَبْقَى خِيَارُ التَّعْيِينِ ( أَبُو السُّعُودِ ) وَهَذَا الْمِثَالُ الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ لِخِيَارِ التَّعْيِينِ لِلْمُشْتَرِي وَيُؤْخَذُ لِلْبَائِعِ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ . * * * * * - الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حَقِّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ : يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ وَذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ سِلْعَةً لَمْ يَرَهَا . الثَّانِي : أَنْ يَرَى بَعْضَ مَا اشْتَرَاهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ أَشْيَاءَ مُتَفَاوِتَةٍ . الثَّالِثُ : أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَعْمَى شَيْئًا لَا يَعْرِفُ وَصْفَهُ . وَيَثْبُتُ هَذَا الْخِيَارُ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى عَيْنٍ وَلَا يَثْبُتُ فِي أُمُورٍ : أَحَدُهَا : الدُّيُونُ . الثَّانِي : النَّقْدُ . الثَّالِثُ : مَا قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ . الرَّابِعُ : لِلْبَائِعِ . وَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ فِيمَا بِيعَ بَعْدَ رُؤْيَةِ عَيِّنَتِهِ الثَّانِي الدَّارُ الَّتِي تَكُونُ غُرَفُهَا مُتَمَاثِلَةً وَيَرَى الْمُشْتَرِي غَرْفَةً مِنْهَا الثَّالِثُ فِيمَا يُعْلَمُ بِاللَّمْسِ أَوْ الشَّمِّ أَوْ الذَّوْقِ بَعْدَ لَمْسِهِ أَوْ شَمِّهِ أَوْ ذَوْقِهِ . الرَّابِعُ : فِيمَا يُشْتَرَى بَعْدَ أَنْ يُرَى بِقَصْدِ الشِّرَاءِ قَبْلُ . وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ أَيْ بِالرِّضَا الْفِعْلِيِّ . الثَّانِي : بِالرِّضَا الْقَوْلِيِّ . الثَّالِثُ : بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَى وَقَبَضَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ . الرَّابِعُ : بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ . الْخَامِسُ : بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ . السَّادِسُ : بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالنَّظَرِ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ . السَّابِعُ : بِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمَبِيعِ . وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُرْسِلِ بِرُؤْيَةِ الْمُرْسَلِ لِلشِّرَاءِ الثَّانِي بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ لِلْقَبْضِ الثَّالِثِ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالرُّؤْيَةِ . وَلَا يَنْتَقِلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إلَى الْوَارِثِ وَتَخْتَلِفُ الرُّؤْيَةُ بِتَبَدُّلِ الْمَبِيعِ وَلِأَسْبَابِ سُقُوطِ الرُّؤْيَةِ تَقْسِيمٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ السُّقُوطِ إمَّا اخْتِيَارِيَّةٌ كَالتَّصَرُّفِ بِالْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَإِمَّا ضَرُورِيَّةٌ كَتَعَيُّبِ الْمَبِيعِ أَوْ تَلَفِهِ . وَإِضَافَةُ ( خِيَارٍ . ) إلَى ( الرُّؤْيَةِ ) مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ ( عَبْدُ الْحَلِيمِ )
____________________
(1/268)
وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتٍ وَيَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ يَعْنِي أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ مُؤَقَّتًا بِمُدَّةٍ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْأَسْبَابُ الْمُبْطِلَةُ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ الْمُشْتَرِي فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ النَّصَّ الَّذِي أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ مُطْلَقٌ وَعَلَى ذَلِكَ إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَصَمَتَ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْفَسْخُ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 67 . طَحْطَاوِيٌّ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ عَقْدٍ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ يُتَمَلَّكُ بِهِ عَيْنٌ كَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى عَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ أَمَّا الْمَهْرُ وَالْقِصَاصُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ مُخَالَفَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِذَا زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِمَهْرِ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرَاهُ فَلَيْسَ لَهَا خِيَارُ رُؤْيَةٍ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَذِهِ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا تَصَالَحَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ عَنْ دَعْوَى الْقِصَاصِ عَلَى عَيْنٍ لَمْ يَرَوْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا وَكَذَلِكَ إذَا خَالَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهَا فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 320 ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَرَهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى يَرَاهُ فَإِذَا رَآهُ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ . إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا بِغَيْرِ أَنْ يَرَاهُ حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 201 ) إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ قَدْ عَرَّفَهُ الْمُشْتَرِي بِالْوَصْفِ أَوْ التَّعْرِيفِ أَوْ الْإِشَارَةِ إلَى مَكَانِهِ الْخَاصِّ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِيهِ حَتَّى يَرَاهُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَيَبْقَى ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 83 ) . وَتَقُولُ الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ ( مُخَيَّرٌ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ) وَبَيْنَ ذَلِكَ وَقَوْلِ الْمَجَلَّةِ ( حَتَّى يَرَاهُ ) فَرْقٌ فَإِنَّ تَعْبِيرَ الْمَجَلَّةِ يُفِيدُ ثُبُوتَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَتَعْبِيرَ الْفُقَهَاءِ يُفِيدُ ثُبُوتَهُ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بَلْ وَقْتُهَا وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَا يُسَبِّبُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ كَوْنِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ غَيْرَ لَازِمٍ وَمِنْ حَقِّ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الَّذِي لَا يُعِدُّ الْعَقْدَ لَازِمًا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ هَذَا الْعَقْدَ فَلَوْ قَالَتْ الْمَجَلَّةُ ( هُوَ مُخَيَّرٌ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ) لَكَانَ أَوْفَى بِالْمَقْصُودِ وَأَدْفَعَ لِلْوَهْمِ وَسُوءِ الْفَهْمِ . فَإِذَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ بِغَيْرِ حَائِلٍ يَعْنِي إذَا وَقَفَ عَلَى الْحَالِ وَالْمَحَلِّ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمَبِيعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 323 ) فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ وَيَتْرُكَ الْمَبِيعَ فَالْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَهُ فَسْخُ الْمَبِيعِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا وَاشْتَرَى الْمَالَ بِأَنْقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا لَمْ يَرَهُ فَنَقَلَهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا أَعَادَ الْمَبِيعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْلُ الْمَذْكُورُ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ أَمْ يُنْقِصُ فِيهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) إنَّ رَدَّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا أَمْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَهَذَا الْفَسْخُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمُخَيَّرَ أَمَرَ الْبَائِعَ بِبَيْعِ الْمَبِيعِ لِآخَرَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَالْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ شَخْصٍ
____________________
(1/269)
آخَرَ فَثَمَنُ الْمَبِيعِ يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْ الْمَبِيعَ بِالْوَكَالَةِ عَنِّي فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ الْبَائِعُ بِالْقَبُولِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 191 ) . إيضَاحُ الْقُيُودِ - ( بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعَ ) أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُنْفَرِدًا بِحَقِّ فَسْخِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْفَسْخُ بِدُونِ عِلْمِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِالْفَسْخِ لَا يَتَحَرَّى مُشْتَرِيًا آخَرَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِي قَبِلَ الْبَيْعَ فَيَتَضَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 19 ) فَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْفَسْخِ حُكْمٌ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ . وَإِذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَمَئُونَةُ إعَادَةِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( رَدُّ الْمُحْتَارِ الطَّحْطَاوِيُّ ) وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا مِنْ وَجْهٍ وَبَائِعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهُ كَبَيْعِ الْمُقَايَضَةِ مَثَلًا إذَا قَايَضَ شَخْصٌ آخَرَ فَأَعْطَاهُ دَارًا وَأَخَذَ مِنْهُ حِنْطَةً فَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْمُتَقَايِضَيْنِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْمَالِ الَّذِي قَصَدَهُ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ أَنَّ شَخْصًا بَاعَ مَالَهُ بِدَيْنٍ وَعَيْنٍ لَمْ يَرَهَا وَفَسَخَ الْبَيْعَ حِينَمَا رَأَى الْعَيْنَ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ بِحِصَّةِ الْعَيْنِ وَيَبْقَى فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ . مِثَالُ ذَلِكَ : لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حِصَانَهُ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ وَبِبَغْلَةٍ لَمْ يَرَهَا ثُمَّ عِنْدَمَا رَأَى الْبَغْلَةَ رَدَّهَا فَالْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الْبَغْلَةِ مُنْفَسِخٌ وَفِي خَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ لَازِمٌ لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي الدَّيْنِ ( هِنْدِيَّةٌ . عَبْدُ الْحَلِيمِ ) لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ يَكُونُ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ بِالْحِصَّةِ فِي الْحِصَانِ وَلَهُ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيْعِ لِحُصُولِ الشَّرِكَةِ فِي الْحِصَانِ وَلِصَاحِبِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ أَنْ يَقْبَلَهُ بِحُضُورِ الْبَائِعِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حُضُورُ الْبَائِعِ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ( الْهِنْدِيَّةُ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) سَوَاءٌ أَظَهَرَ الْمَبِيعُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي وَصَفَ وَعَرَفَ بِهِ الْمُشْتَرِي أَمْ كَانَ مُخَالِفًا بِأَنْ يَكُونَ أَدْنَى مِنْهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ . فَفِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( هِنْدِيَّةٌ ) . أَمَّا الْعَيْنُ الَّتِي تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّيْنِ فَلَيْسَ فِيهِمَا خِيَارُ رُؤْيَةٍ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ . الْمِثْلِيُّ - أَمَّا الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ الْمُعَيَّنَةُ فَإِنَّهَا مِنْ الْأَعْيَانِ يَجْرِي فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِلَا حَائِلٍ أَمَّا الرُّؤْيَةُ مِنْ وَرَاءِ سِتَارٍ فَغَيْرُ كَافِيَةٍ فَلَوْ رَأَى شَخْصٌ شَيْئًا فِي جَامٍ أَوْ مُنْعَكِسًا فِي الْمَرْأَةِ أَوْ عَلَى الْمَاءِ فَلَا يَكُونُ رُؤْيَتُهُ رُؤْيَةً لِلْمَبِيعِ فَحِينَمَا يَرَاهُ رُؤْيَةً حَقِيقِيَّةً يَكُونُ مُخَيَّرًا حَسَبَ الْمُعْتَادِ وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ الْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالْأُرْزِ فِي سَنَابِلِهَا وَالسِّمْسِمِ فِي قِشْرِهِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ فِي قِشْرَتِهِ الْعُلْيَا لَا تُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 206 ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ : ( 1 ) الْوَكِيلُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ الشَّيْءَ بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ ( رَدَّ الْمُحْتَار ) . ( 2 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا لَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ أَيْضًا وَحَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( هِنْدِيَّةٌ ) .
____________________
(1/270)
إنَّ قَبُولَ الْمَبِيعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالتَّصْرِيحِ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ قَدْ رَضِيتُ بِهِ أَوْ أَجَزْتُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً كَأَنْ يَقْبِضَهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ يَعْرِضَ بَعْضَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ ( هِنْدِيَّةٌ ) كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ دَارًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهَا فَقَالَ عِنْدَمَا رَآهَا لِلْحَاضِرِينَ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَدُلُّ عَلَى تَقْرِيرِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 335 ) . ( بَزَّازِيَّةٌ ) . وَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَحَقُّقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 82 ) وَيَرِدُ عَلَيْنَا الِاعْتِرَاضُ الْآتِي : وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَلَّا يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْلَ السَّبَبِ لَكِنْ قَدْ جُوِّزَ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ جَوَازَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ فَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ رَضِيت بِالْمَبِيعِ أَوْ أَسْقَطْت خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَعِنْدَمَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ يَكُونُ مُخَيَّرًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ دَارًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهَا وَبَعْدَ الشِّرَاءِ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّعَاوَى كُلِّهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْمَبِيعَ فَيَحِقُّ لَهُ عِنْدَمَا يَرَى تِلْكَ الدَّارَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 563 1 ) . الِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِ الرِّضَاءِ : إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي وَقْتِ الرِّضَا فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّ الْمُشْتَرِي رَأَى الْمَبِيعَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَرَضِيَ بِهِ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ رَضِيَ بِهِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ وَإِنَّ خِيَارَهُ بَاقٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَمَّا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي فِعْلًا بِأَنْ تَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 336 ) . الِاخْتِلَافُ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ - إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ رَدِّ الْمَبِيعِ إلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الَّذِي رَدَّهُ لَيْسَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ الْمَبِيعُ عَيْنُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ( الْمُلْتَقَى . الْبَهْجَةُ . مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 321 ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ فَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَرَى الْمَبِيعَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِوَارِثِهِ . يَعْنِي إذَا تُوُفِّيَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ فَلَا يَنْتَقِلُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَصْفٌ مُجَرَّدٌ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَشِيئَةٍ وَإِرَادَةٍ فَلَا يُمْكِنُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ الثَّانِي إنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَدْ ثَبَتَ لِلْعَاقِدِ بِحَسَبِ النَّصِّ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ فَإِذَا تُوُفِّيَ الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى مَالًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ خِيَارُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَصْبَحَ الْبَيْعُ لَازِمًا وَمَلَكَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَالَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 322 ) : لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ مَثَلًا لَوْ بَاعَ رَجُلٌ مَالًا دَخَلَ
____________________
(1/271)
فِي مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ وَكَانَ لَمْ يَرَهُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَا خِيَارٍ لِلْبَائِعِ . الْبَائِعُ الَّذِي يَبِيعُ مَالَهُ بِثَمَنٍ سَوَاءٌ أَكَانَ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى فَلَوْ بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَظَهَرَ سَلِيمًا لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ( 201 ) بَاعَ أَرْضَهُ فِي الْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِعُثْمَانَ إنَّك غَبَنْت وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِطَلْحَةَ إنَّك غُبِنْت فَقَالَ عُثْمَانُ أَنَا بِالْخِيَارِ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ وَقَالَ طَلْحَةُ إنِّي بِالْخِيَارِ لِإِنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ لِفَصْلِ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ ( أَبُو السُّعُودِ ) وَإِذَا تُقَايَض الطَّرَفَانِ بِمَالِ لَمْ يَرَيَاهُ فَلَهُمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذَلِكَ الْمَالِ ( أَبُو السُّعُودِ شُرُنْبُلَالِيّ ) كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَبِيعِ فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَيْضًا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 320 ) . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حِصَانًا بِخَمْسِينَ كَيْلَةٍ حِنْطَةً ثَابِتَةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُشْتَرِي الْخَمْسِينَ كَيْلَةً إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْحِنْطَةَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ غَبْنٌ وَتَغْرِيرٌ بِالْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 200 وَالْمَادَّةِ 357 ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 333 ) الْمُرَادُ مِنْ الرُّؤْيَةِ فِي بَحْثِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْوُقُوفُ عَلَى الْحَالِ وَالْمَحَلِّ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمَبِيعِ مَثَلًا الْكِرْبَاسُ وَالْقُمَاشُ الَّذِي يَكُونُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ مُتَسَاوِيَيْنِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ وَالْقُمَاشُ الْمَنْقُوشُ وَالْمُدَرَّبُ تَلْزَمُ رُؤْيَةُ نَقْشِهِ وَدُرُوبِهِ وَالشَّاةُ الْمُشْتَرَاةُ لِأَجْلِ التَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ يَلْزَمُ رُؤْيَةُ ثَدْيِهَا وَالشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ لِأَجْلِ اللَّحْمِ يَقْتَضِي جَسُّ ظَهْرِهَا وَأَلْيَتِهَا وَالْمَأْكُولَاتُ وَالْمَشْرُوبَاتُ يَلْزَمُ أَنْ يَذُوقَ طَعْمَهَا فَالْمُشْتَرِي إذَا عَرَفَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ . لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ بِاسْتِعْمَالِ إدْرَاكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالرُّؤْيَةُ هُنَا مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ ( عَبْدُ الْحَلِيمِ . شُرُنْبُلَالِيّ ) . إذْ لَيْسَ مَقْصُودًا بِهَا الْإِبْصَارُ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ رُؤْيَةَ الْمَبِيعِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ ( هِدَايَةٌ ) . ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 17 ) . وَعَلَى ذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْمِسْكُ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ وَالْمَأْكُولُ بِالذَّوْقِ وَالْمِزْمَارُ بِالسَّمْعِ فَشَمُّ الْمِسْكِ وَذَوْقُ الْمَأْكُولِ وَسَمَاعُ الْمِزْمَارِ رُؤْيَةٌ . لَهَا حَتَّى أَنَّ الطَّبْلَ وَالْمِزْمَارَ اللَّذَيْنِ يُشْتَرَيَانِ لِلْجُيُوشِ يَلْزَمُ سَمَاعُهُمَا وَلَا تَكْفِي رُؤْيَتُهُمَا وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِسْكًا وَرَآهُ بِعَيْنِهِ دُونَ أَنْ يَشُمَّهُ أَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً لِلنِّتَاجِ وَرَأَى جَمِيعَ أَطْرَافِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرَ ضَرْعَهَا أَوْ شَاةً لِلذَّبْحِ وَرَآهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجُسَّ كَانَ مُخَيَّرًا عِنْدَ شَمِّهِ الْمِسْكَ وَرُؤْيَتِهِ ضَرْعَ الْبَقَرَةِ وَجَسِّهِ ظَهْرَ الشَّاةِ ( هِنْدِيَّةٌ ) وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مَعْدُودًا مُتَقَارِبًا فَرَأَى سَطْحَ صُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَاشْتَرَى الصُّبْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ أَقْسَامِهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُؤْيَةُ الْكُلِّ وَعَلَامَةُ عَدَمِ التَّفَاوُتِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُعْتَادِ
____________________
(1/272)
بَيْعُ ذَلِكَ الْمَالِ اكْتِفَاءً بِرُؤْيَةِ نَمُوذَجِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ أَسْفَلَ الصُّبْرَةِ دُونَ أَعْلَاهَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ لَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 320 ) . ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ رُؤْيَةَ وَجْهِ الدَّابَّةِ الَّتِي تُشْتَرَى لِلرُّكُوبِ كَافِيَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُ أَنْ يَرَى وَجْهَهَا وَكِفْلَهَا ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَلَا حَاجَةَ إلَى رُؤْيَةِ رِجْلَيْهَا أَمَّا إذَا قَالَ الْخَبِيرُونَ بِالدَّوَابِّ يَجِبُ رُؤْيَةُ أَرْجُلِ الدَّوَابِّ لِمَعْرِفَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ بَغْلَةً وَبَعْدَ أَنْ رَأَى وَجْهَهَا رَضِيَ فَحِينَمَا يَرَى كِفْلَهَا يَكُونُ مُخَيَّرًا وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِسْكًا فِي الظَّلَامِ بَعْدَ أَنْ شَمَّهُ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فِي الصَّبَاحِ حِينَمَا يَرَاهُ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ شَرَابًا فِي الظَّلَامِ وَذَاقَهُ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا رَآهُ فِي النَّهَارِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَرَ مَا ذَاقَهُ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ قَفِيزَ أُرْزٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ رَأَى أَحَدَهُمَا وَتَصَرَّفَ بِهِ فَإِذَا رَأَى الْآخَرَ فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ أُرْزُهُ دُونَ الْأَوَّلِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بِخِيَارِ الْعَيْبِ ( أَنْقِرْوِيّ . هِنْدِيَّةٌ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . عَبْدُ الْحَلِيمِ ) . ( اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 324 و 325 و 335 ) وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ ثَوْبًا ذَا بِطَانَةٍ فَرَأَى الْبِطَانَةَ فَقَطْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ أَدْوَنَ ثَمَنًا مِنْ وَجْهِ الثَّوْبِ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبِطَانَةُ أَغْلَى قِيمَةً فَيَكْفِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْوَجْهُ يَفُوقُ الْبِطَانَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الِاثْنَيْنِ مَعًا ( بَزَّازِيَّةٌ ) وَإِذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَقَبَضَهُ وَرَآهُ وَصَمَتَ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 22 ) لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 324 ) الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُبَاعُ عَلَى مُقْتَضَى أُنْمُوذَجِهَا تَكْفِي رُؤْيَةُ الْأُنْمُوذَجِ مِنْهَا فَقَطْ . كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ وَالثِّيَابِ الَّتِي تَكُونُ نَسِيجَ مَكَان وَاحِدٍ فَرُؤْيَةُ الْأُنْمُوذَجِ مِنْهُ أَوْ بَعْضِهِ تَكْفِي لِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْمَبِيعِ فَبِرُؤْيَةِ الْأُنْمُوذَجِ يَحْصُلُ ذَلِكَ وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ بِذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 45 ) . فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ رُؤْيَةِ أُنْمُوذَجِهِ فَلَيْسَ خِيَارُ رُؤْيَةٍ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَاقِي مَا لَمْ يَكُنِ الْبَاقِي أَدْنَى مِنْ الْأُنْمُوذَجِ أَوْ مِنْ الْبَعْضِ الَّذِي رُئِيَ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ ( الْمُلْتَقَى . مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) فَرُؤْيَةُ نَمَاذِجِ الثِّيَابِ الَّتِي اعْتَادَ التُّجَّارُ بَيْعَهَا بِعَرْضِ هَذِهِ النَّمَاذِجِ الَّتِي تُبَيِّنُ طُولَ الثَّوْبِ وَعَرْضَهُ وَشَكْلَهُ مُسْقِطَةٌ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ التُّجَّارِ بَيْعُ هَذِهِ الثِّيَابِ بِعَرْضِ نَمَاذِجِهَا وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِثْلِيًّا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ أَمْ أَوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ تُجْزِئُ عَنْ رُؤْيَةِ بَاقِيهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ ( بَزَّازِيَّةٌ ) لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوِعَاءِ ( طَحْطَاوِيٌّ ) فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ رُؤْيَةِ نَمُوذَجِهِ وَالرِّضَا بِهِ فَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَاقِي إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي لَمْ يَرَهُ قَبْلًا دُونَ مَا رَأَى نَمُوذَجِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ التَّالِيَةَ ) أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمِثْلِيَّاتُ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ فَلَا تَكْفِي رُؤْيَةُ جِنْسٍ مِنْهَا لِإِسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الْأَجْنَاسِ الْأُخْرَى وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا رَآهُ وَمَا لَمْ يَرَهُ . * * * * *
____________________
(1/273)
- ( الْمَادَّةُ 325 ) مَا بِيعَ عَلَى مُقْتَضَى الْأُنْمُوذَجِ إذَا ظَهَرَ دُونَ الْأُنْمُوذَجِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ مَثَلًا الْحِنْطَةُ وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَمَا صُنِعَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ مِنْ الْكِرْبَاسِ وَالْجُوخِ وَأَشْبَاهِهَا إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي أُنْمُوذَجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ فَظَهَرَتْ أَدْنَى مِنْ الْأُنْمُوذَجِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ . إذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ أَدْوَنَ مِنْ الْأُنْمُوذَجِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْمَبِيعِ الَّذِي رَآهُ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي يَكُونُ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ فِيمَا رَآهُ نَمُوذَجًا وَفِيمَا لَمْ يَرَهُ وَلَهُ قَبُولُ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَوْ رَدُّهُ وَفَسْخُ الْبَيْعِ ( دُرَرٌ غَرَّرَ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 337 ) . وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا فِي الْأُنْمُوذَجِ أَوْ بَعْضِ الْمَبِيعِ الَّذِي أُرِيه الْمُشْتَرِي وَمُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مَانِعٌ لِتَمَامِ الصَّفْقَةِ فَلَوْ عُدَّ الْبَيْعُ لَازِمًا فِيمَا رُئِيَ وَرُدَّ مَا لَمْ يَرَ لَزِمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ( زَيْلَعِيٌّ ) ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 238 ) وَكَذَلِكَ إذَا رُئِيَ أُنْمُوذَجُ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَجَرَى الْعَقْدُ ثُمَّ تَلِفَ الْأُنْمُوذَجُ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْأُنْمُوذَجِ الَّذِي رَآهُ وَأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْهُ وَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ مُطَابِقٌ فَالْأَوْجُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ أَنَّ مَا أُحْضِرَ لَهُ هُوَ الْمَبِيعُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76 ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَكَانَ مَخْبُوءًا فِي صَنَادِيقَ أَوْ أَعْدَالٍ ( أَكْيَاسٍ ) وَعُرِضَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُنْمُوذَجٌ مِنْهُ ثُمَّ حَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي هَلْ الْمَبِيعُ مُطَابِقٌ أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَإِذَا كَانَ الْأُنْمُوذَجُ بَاقِيًا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 77 ) ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . هِنْدِيَّةٌ ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 336 ) فِي شِرَاءِ الدَّارِ وَالْخَانِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعَقَارِ تَلْزَمُ رُؤْيَةُ كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا إلَّا أَنَّ مَا كَانَتْ بُيُوتُهَا مَصْنُوعَةً عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ فَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْهَا . وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ رُؤْيَةُ دَاخِلِ الدَّارِ أَوْ الْخَانِ وَرُؤْيَةُ سَاحَتِهِ وَمَطْبَخِهِ وَطَبَقَتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ وَكَذَلِكَ سَطْحُ الدَّارِ إنْ كَانَ مَقْصُودًا فِي الْبَيْعِ تَجِبُ رُؤْيَتُهُ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ مَا لَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ أَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ سَبَبُهُ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ لَا اخْتِلَافُ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 39 ) ( دُرَرٌ ) . أَمَّا الدَّارُ الَّتِي تَكُونُ غُرَفُهَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ غَرْفَةٍ مِنْهَا لِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ رُؤْيَةَ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يَحْصُلُ بِهَا الْعِلْمُ بِالْغُرَفِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ فِي اشْتِرَاءِ الْبُسْتَانِ يَجِبُ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي اشْتِرَاءِ الْكُرُومِ يَجِبُ رُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْعِنَبِ بِأَنْوَاعِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 327 ) إذَا اُشْتُرِيَتْ أَشْيَاءُ مُتَفَاوِتَةٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً تَلْزَمُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ
____________________
(1/274)
مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ . يَعْنِي يَجِبُ رُؤْيَةُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا وَلَا تُجْزِئُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ سَائِرِهَا فَمَا لَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي الْجَمِيعَ يَكُنْ مُخَيَّرًا فِي الْجَمِيعِ وَيَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : الْأُولَى : لَوْ رَأَى شَخْصٌ بَغْلَةً وَبَعْدَ أَنْ رَآهَا اشْتَرَاهَا مَعَ أُخْرَى لَمْ يَرَهَا فَعِنْدَ رُؤْيَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي كُلِّ الْمَبِيعِ أَيْ فِي الْبَغْلَتَيْنِ لِأَنَّ عَدَّ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ لَازِمًا إلْزَامٌ لِلْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ لَمْ يَرَهُ وَذَلِكَ خِلَافُ النَّصِّ . الثَّانِيَةُ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ صُنْدُوقَ ثِيَابٍ أَوْ سَفِينَةَ بِطِّيخٍ أَوْ سَلَّةَ تُفَّاحٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ سَفَرْجَلٍ بَعْدَ أَنْ رَأَى بَعْضَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ الْبَاقِي يَكُونُ مُخَيَّرًا إذَا رَأَى الْبَاقِي لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ مِنْهَا لَا تَكْفِي لِلْعِلْمِ بِالْبَاقِي . الثَّالِثَةُ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ الثَّمَرَ عَلَى شَجَرِهِ وَرَأَى بَعْضَ ثَمَرِ كُلِّ شَجَرَةٍ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ . الرَّابِعَةُ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَزَوْجِ النَّعْلَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى الزَّوْجَيْنِ فَعِنْدَ رُؤْيَةِ الزَّوْجِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الزَّوْجَيْنِ ( أَنْقِرْوِيّ . طَحْطَاوِيٌّ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ) . الْخَامِسَةُ : خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ * * * * * - ( الْمَادَّةُ 328 ) إذَا اُشْتُرِيَتْ أَشْيَاءُ مُتَفَاوِتَةٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي رَأَى بَعْضَهَا وَلَمْ يَرَ الْبَاقِي فَمَتَى رَأَى ذَلِكَ الْبَاقِي إنْ شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمَبِيعَةِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ جَمِيعَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا رَآهُ وَيَتْرُكَ الْبَاقِي . إنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ : الْمَبِيعُ . فَإِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَلَمْ يَرَ الْبَاقِي قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً . سَوَاءٌ أَعَيَّنَ الثَّمَنَ جُمْلَةً أَمْ تَفْصِيلًا فَعِنْدَمَا يَرَى الْمُشْتَرِي الْبَعْضَ الَّذِي لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ كُلَّهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ لِأَنَّ الرِّضَا بِوَاحِدٍ لَا يَسْتَوْجِبُ الرِّضَا بِالْآخَرِ فَلِذَلِكَ إذَا رَدَّ أَحَدَهُمَا فَمِنْ الضَّرُورِيِّ رَدُّ الْبَاقِي الَّذِي رَضِيَ بِهِ حَتَّى لَا يَحْصُلَ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ وَيَأْخُذَ مَا رَغِبَ فِيهِ وَيَتْرُكَ مَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ فَإِذَا رَغِبَ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ الْحِصَانَيْنِ اللَّذَيْنِ بِيعَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَرَضِيَ بِهِ قَوْلًا وَجَبَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَقْبَلَ الْحِصَانَيْنِ مَعًا أَوْ يَرُدَّهُمَا مَعًا ( بَزَّازِيَّةٌ ) قَوْلُ ( إذَا رَضِيَ قَوْلًا ) وَعَلَيْهِ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ رَآهُمَا بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا أَوْ عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْآخَرِ ( هِنْدِيَّةٌ ) . وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ حِصَانَيْنِ بِدُونِ أَنْ يَرَاهُمَا ثُمَّ رَآهُمَا فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا أَوْ عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ فِي الْحِصَانَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ بِالْعَرْضِ لِلْبَيْعِ يَثْبُتُ اللُّزُومُ حُكْمًا وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ الثَّابِتِ بِالْحُكْمِ فَالْبَيْعُ يَكُونُ لَازِمًا بِالضَّرُورَةِ فِي الْكُلِّ ( بَزَّازِيَّةٌ ) .
____________________
(1/275)
وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ فَإِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي نَمُوذَجًا مِنْهُ بَعْدَ شِرَائِهِ وَرَضِيَ بِهِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا فَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامَيْنِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ لِأَنَّ التَّعَامُلَ جَرَى بِهِ وَالِاحْتِيَاجُ دَاعٍ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَدًّا كَالْفُجْلِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ( شُرُنْبُلَالِيّ ) . الثَّانِي : الْمُشْتَرِي . فَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ثَابِتًا لِأَحَدِهِمَا غَيْرَ ثَابِتٍ لِلْآخَرِ فَلَهُمَا الرَّدُّ بِالِاتِّفَاقِ . مَثَلًا : إذَا اشْتَرَى شَخْصَانِ مَالًا لَمْ يَرَيَاهُ ثُمَّ رَأَيَاهُ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ وَأَرَادَ الرَّدَّ فَلَهُ رَدُّهُ جَمِيعِهِ وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرَهُ الْآخَرُ وَاشْتَرَى ذَلِكَ الْمَالَ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ فَالِاثْنَانِ يَرُدَّانِ الْمَبِيعَ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ الشَّخْصُ الَّذِي رَأَى الْمَبِيعَ أَوَّلًا بِالْبَيْعِ وَأَجَازَهُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرُ فَعِنْدَمَا يَرَى الشَّخْصُ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ لَهُ رَدُّ جَمِيعِ الْمَبِيعِ ( شُرُنْبُلَالِيّ . هِنْدِيَّةٌ ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 329 ) بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْمَالِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ بِدُونِ أَنْ يَعْلَمَ وَصْفَهُ مَثَلًا لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَا يَعْلَمُ وَصْفَهَا كَانَ مُخَيَّرًا فَمَتَى عَلِمَ وَصْفَهَا إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا ( دُرُّ الْمُخْتَارِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَفِي شِرَاءِ الْأَعْمَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَمْتَدُّ خِيَارُهُ جَمِيعَ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْمَبِيعِ أَوْ يَتَعَيَّبُ فِي يَدِهِ أَوْ يَهْلَكُ بَعْضُهُ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 320 ) وَالْأَعْمَى فِي هَذَا الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ كَالْبَصِيرِ إلَّا فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْهَا الشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَالدِّيَةُ لِعَيْنِهِ ( أَشْبَاهٌ ) أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدْ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَلَا شِرَاؤُهُ إلَّا إذَا كَانَ رَأَى شَيْئًا قَبْلَ الْعَمَى مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ كَالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَهُ قُصُورٌ عَنْ إدْرَاكِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ فَرُبَّمَا نَدِمَ إذَا أَخْبَرَهُ الْغَيْرُ بِرَدَاءَةِ لَوْنِهِ مَثَلًا وَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّهِ مَعَ الْحَيَاءِ . بَعْضُ مَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْأَعْمَى - إذَا اشْتَرَى الْأَعْمَى مَالًا غَيْرَ عَالِمٍ بِوَصْفِهِ وَتَعَيَّبَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ مِنْ الْآخَرِ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى آخَرَ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ أَرْضًا فَأَمَرَ الْأَكَّارِينَ بِزَرْعِهَا يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ وَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ مَا يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ بِأَمْرِهِ يَكُونُ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ وَعُدَّ الْبَيْعُ لَازِمًا فِي بَعْضِهِ غَيْرَ لَازِمٍ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ مَعِيبًا لِأَنَّهُ إذَا رُدَّ إلَى الْبَائِعِ مَعِيبًا تَضَرَّرَ بِهِ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ . طَحْطَاوِيٌّ ) ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 335 ) . يَجِبُ أَنْ يُوصَفَ الْمَبِيعُ وَصْفًا مُطَابِقًا لَهُ حَتَّى يَكُونَ الْوَصْفُ بِمَنْزِلَةِ رُؤْيَتِهِ فَإِذَا وُصِفَ الْمَبِيعُ لِلْأَعْمَى وَظَهَرَ مُخَالِفًا لِلْوَصْفِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْأَعْمَى ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا لَمْ يَرَهُ حِينَ كَانَ بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْأَعْمَى كَالْوَصْفِ وَالتَّعْرِيفِ وَالشَّمِّ وَالْجَسِّ وَالذَّوْقِ لِأَنَّ الْعَجْزَ قَدْ وُجِدَ قَبْلَ الْعِلْمِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 53 ) كَمَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْأَعْمَى مَالًا وَسَقَطَ خِيَارُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَعُودُ إذَا أَصْبَحَ بَصِيرًا ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . هِنْدِيَّةٌ ) . * * * * *
____________________
(1/276)
- ( الْمَادَّةُ 330 ) إذَا وُصِفَ شَيْءٌ لِلْأَعْمَى وَعَرَفَ وَصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَا يَكُونُ مُخَيَّرًا . يَنْقَسِمُ مَا يَشْتَرِيهِ الْأَعْمَى إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ مَا يُعْلَمُ بِالْوَصْفِ وَالتَّعْرِيفِ فَإِذَا وُصِفَ هَذَا النَّوْعُ إلَى الْأَعْمَى وَصْفًا كَامِلًا بَلِيغًا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ الْأَعْمَى فَلَا يَكُونُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْوَصْفَ وَالتَّعْرِيفَ لِلْأَعْمَى بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ لِلْبَصِيرِ وَتَكُونُ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْأَعْمَى الْوَصْفَ وَالتَّعْرِيفَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَصْفُ وَالتَّعْرِيفُ حَيْثُ الْمَبِيعُ مَوْجُودٌ كَأَنْ يَكُونَ عَقَارًا فَيُوقَفُ الْأَعْمَى عِنْدَهُ وَيُعْرَضُ وَيُوصَفُ لَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ فَإِذَا وُصِفَ لِلْأَعْمَى عَقَارٌ وَعُرِّفَ لَهُ ثُمَّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْعَقَارَ فَلَا يَبْقَى لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي ذَلِكَ الْعَقَارِ وَعَلَى قَوْلٍ يَجِبُ مَعَ وَصْفِ الْمَبِيعِ وَتَعْرِيفِهِ لَهُ أَنْ يُوقَفَ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَوْ كَانَ بَصِيرًا فَشِرَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ إذَا وَكَّلَ الْأَعْمَى وَكِيلًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَةِ الْأَعْمَى وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ يَجِبُ تَعْرِيفُ الْمَبِيعِ وَوَصْفُهُ لِلْأَعْمَى فَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ شَجَرًا يَجِبُ أَنْ يَمَسَّهُ فَإِذَا شَرَى مَا وُصِفَ لَهُ وَعُرِّفَ وَمَسَّهُ سَقَطَ خِيَارُهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا وُصِفَ الْمَبِيعُ لِلْأَعْمَى وَمَسَّهُ أَوْ ذَاقَهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ ثُمَّ رَجَعَ بَصِيرًا فَلَا يَرْجِعُ خِيَارُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ) ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . هِنْدِيَّةٌ ) الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يُعْلَمُ بِاللَّمْسِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 331 ) : الْأَعْمَى يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِلَمْسِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعْرَفُ بِاللَّمْسِ وَشَمِّ الْمَشْمُومَاتِ وَذَوْقِ الْمَذُوقَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمَسَ وَشَمَّ وَذَاقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا كَانَ شِرَاؤُهُ صَحِيحًا لَازِمًا . وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْأَعْمَى تِلْكَ الْأَشْيَاءَ فَلَمَسَهَا بَعْدَ شِرَائِهَا أَوْ شَمَّهَا أَوْ ذَاقَهَا وَرَضِيَ بِهَا يَكُونُ شِرَاؤُهُ صَحِيحًا وَلَازِمًا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَا يَكُونُ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا تُعْرَفُ بِاللَّمْسِ أَوْ الشَّمِّ أَوْ الذَّوْقِ فَإِذَا لَمْ تُعَرَّفْ وَتُوصَفْ لِلْأَعْمَى لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ 330 قَوْلُهُ ( ثُمَّ اشْتَرَاهَا ) أَمَّا إذَا اشْتَرَى تِلْكَ الْأَشْيَاءَ ثُمَّ لَمَسَهَا أَوْ شَمَّهَا أَوْ ذَاقَهَا فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ وَيَمْتَدُّ الْخِيَارُ حَتَّى حُصُولِ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 329 ) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ رِضَا الْأَعْمَى بِالْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يُوصَفَ لَهُ الْمَبِيعُ فَإِذَا رَضِيَ الْأَعْمَى قَبْلَ أَنْ يُوصَفَ لَهُ الْمَبِيعُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 32 ) يَسْقُطُ خِيَارُ الْأَعْمَى أَيْضًا بِالْحَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ ( 333 ) وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ تِلْكَ الْمَادَّةِ . الْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا يُعْلَمُ بِالْوَصْفِ وَالتَّعْرِيفِ وَاللَّمْسِ مَعًا : أَيْ مَا لَا يُعْلَمُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الْمَبِيعِ مِنْهُ لِلْأَعْمَى وَلَمْسِهِ إيَّاهُ مَثَلًا إذَا أَرَادَ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا وَجَبَ بَيَانُ طُولِ هَذَا الثَّوْبِ وَعَرْضِهِ لِلْأَعْمَى وَأَنْ يَجُسَّهُ بِيَدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْأَعْمَى شِرَاءَ حِنْطَةٍ يَجِبُ أَنْ يَلْمِسَهَا وَأَنْ تُوصَفَ لَهُ فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ' هِنْدِيَّةٌ ' . * * * * *
____________________
(1/277)
- ( الْمَادَّةُ 332 ) مَنْ رَأَى شَيْئًا بِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ الشَّيْءُ الَّذِي رَآهُ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ الشَّيْءَ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ الْحَالِ الَّذِي رَآهُ فِيهِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ حِينَئِذٍ . فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِشَرْطَيْنِ : الْأَوَّلُ أَنْ يَرَى الْمَبِيعَ بِقَصْدِ الشِّرَاءِ فَإِذَا رَأَى شَخْصٌ مَالًا غَيْرَ قَاصِدٍ شِرَاءَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُخَيَّرًا لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِقَصْدِ الشِّرَاءِ فَلَا تُسْتَوْفَى وَكَذَلِكَ لَوْ قَصَدَ الشِّرَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا أَيْضًا ' طَحْطَاوِيٌّ ' . الشَّرْطُ الثَّانِي : أَنْ يَعْلَمَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ هُوَ الَّذِي رَآهُ أَوَّلًا بِقَصْدِ الشِّرَاءِ فَلَوْ رَآهُ بِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْمَالُ الَّذِي رَآهُ كَانَ مُخَيَّرًا وَذَلِكَ كَأَنْ يَرَى الْمُشْتَرِي سَرَاوِيلَ بِقَصْدِ شِرَائِهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بَعْدَ مُدَّةٍ فِي صُوَانِهِ ' مَا يُحْفَظُ فِيهِ ' وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الَّذِي رَآهُ . الِاخْتِلَافُ : إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ رَأَى الْمَبِيعَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِقَصْدِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَهُ مُطْلَقًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا مَعَ يَمِينِهِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 95 ) الْمُلْتَقَى . مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' . أَمَّا إذَا حَصَلَ تَغْيِيرٌ فِي الْمَالِ بَعْدَ أَنْ رَآهُ أَيْ اخْتَلَفَتْ بَعْضُ صِفَاتِهِ أَوْ حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ وَلَوْ رَآهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ بِتَغَيُّرِ ذَلِكَ الْمَالِ أَصْبَحَ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ آخَرَ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي كَأَنْ لَمْ يَرَهُ . الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ : إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي ذَلِكَ فَزَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَبِيعَ تَغَيَّرَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْمَبِيعُ فِي الْغَالِبِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ مَعَ الْيَمِينِ وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً بِحَيْثُ يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْمَبِيعُ فِي الْغَالِبِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي . وَالْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ فِي الْحَيَوَانِ شَهْرٌ وَأَقَلُّ مِنْهُ قَصِيرَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَحْوَالِ هَذِهِ الدُّنْيَا الْمُتَقَلِّبَةِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهَا شَيْءٌ طَوِيلًا بِلَا تَغَيُّرٍ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ بَغْلَةً كَأَنْ رَآهَا قَبْلَ عِشْرِينَ يَوْمًا بِقَصْدِ الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهَا حِينَ الشِّرَاءِ فَقَالَ لَمَّا رَآهَا إنَّهَا انْحَطَّتْ قُوَّتُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مُنْذُ عِشْرِينَ يَوْمًا إذْ رَآهَا وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ هِيَ عَلَى حَالِهَا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَغْلَةَ لَا تَتَغَيَّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ شَهْرٍ ' اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 5 و 78 ' . وَإِذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى مُدَّعَاهُ قُبِلَتْ مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهَا قَبْلَ شَهْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ' . إنَّ الشِّرَاءَ الْمُبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ الشِّرَاءُ أَصَالَةً أَمَّا الشِّرَاءُ وَكَالَةً فَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي رَآهُ مُوَكِّلُهُ بِقَصْدِ الشِّرَاءِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْمَالُ الَّذِي رَآهُ مُوَكِّلُهُ فَلِلْوَكِيلِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ . ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1641 ' إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَكِيلًا بِشِرَاءِ مَالٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ ' اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 320 * * * * * - ( الْمَادَّةُ 333 ) : الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِهِ تَكُونُ رُؤْيَتُهُمَا لِذَلِكَ الشَّيْءِ كَرُؤْيَةِ الْأَصِيلِ
____________________
(1/278)
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ الَّذِي يُوَكَّلُ لِيَنْظُرَ الْمَبِيعَ وَيُجِيزَهُ إذَا رَضِيَ بِهِ أَوْ يَفْسَخَهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُوَكَّلُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى فَلَا يَبْقَى بَعْدَئِذٍ لِلْوَكِيلِ وَلَا لِلْمُوَكِّلِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 1441 ) لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ . أَمَّا رُؤْيَةُ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمٌ أَوْ أَثَرٌ مُطْلَقًا فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِهَا . الْوَكَالَةُ بِالشِّرَاءِ - كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ إلَى آخَرَ وَكَّلْتُك بِأَنْ تَشْتَرِيَ لِي الْمَالَ الْفُلَانِيَّ وَلِلْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِقَبْضِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ أَرَهُ فَلِذَلِكَ تَكُونُ رُؤْيَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ كَرُؤْيَةِ الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ عَلَى نَوْعَيْنِ : الْأَوَّلُ : الْقَبْضُ التَّامُّ وَهُوَ قَبْضُ الْوَكِيلِ لِلْمَبِيعِ وَهُوَ يَرَاهُ وَهَذَا الْقَبْضُ يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُوَكِّلِ . الثَّانِي : الْقَبْضُ النَّاقِصُ وَهُوَ قَبْضُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ لِلْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ . فَلَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ الْمَبِيعَ وَهُوَ مَسْتُورٌ بِشَيْءٍ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ كَمَا أَنَّهُ لَوْ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَرَضِيَ بِهِ وَأَسْقَطَ خِيَارَهُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 54 ' لِأَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ لِلْمَبِيعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مَسْتُورٌ يَجْعَلُ وَكَالَةَ الْوَكِيلِ مُنْتَهِيَةً بِذَلِكَ الْقَبْضِ النَّاقِصِ وَيَكُونُ مُنْعَزِلًا وَبِمَا أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ خِيَارِ رُؤْيَةِ الْأَصِيلِ . الْوَكِيلُ بِالنَّظَرِ - إذَا وَكَّلَ الْمُشْتَرِي شَخْصًا لِيَنْظُرَ الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ عَلَى أَنْ يُبْرِمَ الْعَقْدَ إذَا رَضِيَ بِهِ أَوْ يَفْسَخَهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَنَظَرُ ذَلِكَ الْوَكِيلِ يَقُومُ مَقَامَ نَظَرِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ فَيَصِحُّ ' هِنْدِيَّةٌ ' أَمَّا رُؤْيَةُ الرَّسُولِ بِالشِّرَاءِ كَرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ بِالشِّرَاءِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالرَّسُولِ بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ أَمَّا الرَّسُولُ بِالشِّرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ' أَبُو السُّعُودِ . رَدُّ الْمُحْتَارِ . زَيْلَعِيٌّ شُرُنْبُلَالِيّ . دُرَرٌ ' . ' اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 1450 و 1454 ' . وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالرُّؤْيَةِ قَصْدًا لَا تَصِحُّ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ بِالرُّؤْيَةِ لَا تَكُونُ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُ رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى الْمُوَكَّلُ أَوْ الْمُرْسَلُ بِالذَّاتِ الْمَالَ الَّذِي رَآهُ وَكِيلُهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ رَسُولُهُ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا خِيَارَ لِلْوَكِيلِ ' بَزَّازِيَّةٌ ' . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 334 ) : الرَّسُولُ يَعْنِي مَنْ أُرْسِلَ مِنْ طَرَفِ الْمُشْتَرِي لِأَخْذِ الْمَبِيعِ وَإِرْسَالُهُ فَقَطْ لَا تُسْقِطُ رُؤْيَتُهُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي الرَّسُولُ الَّذِي لَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ لِلْمَبِيعِ كَرُؤْيَةِ الْأَصِيلِ ضَرْبَانِ : الْأَوَّلُ : الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ . الثَّانِي الرَّسُولُ بِالشِّرَاءِ . فَرُؤْيَةُ هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ لِلْمَبِيعِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي . وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي مَرَّتْ آنِفًا أَنَّ رُؤْيَةَ الرَّسُولِ لِلْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَسُولًا بِالْقَبْضِ أَمْ بِالشِّرَاءِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَهُنَا سِتَّةً :
____________________
(1/279)
وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ . رَسُولًا بِالشِّرَاءِ . وَكِيلًا بِالْقَبْضِ . رَسُولًا بِالْقَبْضِ . وَكِيلًا بِالنَّظَرِ وَكِيلًا بِالرُّؤْيَةِ فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ يُسْقِطُونَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ أَمَّا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ فَلَا . الرِّسَالَةُ بِالْقَبْضِ - إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ بِدُونِ أَنْ أَرَاهُ , أَوْ قَالَ : قَدْ أَرْسَلْتُك لِقَبْضِ ذَلِكَ الْمَالِ أَوْ قَالَ لَهُ قُلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْك الْمَبِيعَ فَيَكُونَ ذَلِكَ رِسَالَةً . قَبْضُ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُوَكِّلِ وَالْمُرْسِلِ كَقَبْضِهِ بَزَّازِيَّةٌ . هِنْدِيَّةٌ ' . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 335 ) : تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ يُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ وَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْغَيْرِ يُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 67 ' وَالْأَحْوَالُ الَّتِي تُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ أَوْ لَا تُسْقِطُهُ تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ : الْأَوَّلُ : إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ بِالْمَبِيعِ خِيَارَ رُؤْيَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَمْ بَعْدَهَا وَهَذَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا جَازَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 20 ) . وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ هِيَ : ( 1 ) إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ الْمَالَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ دُونَ أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَلَّمَهُ قَبْلَ أَنْ رَآهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّ إلَيْهِ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ فَكَّ الرَّهْنَ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلَا يَعُودُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ' . 2 - إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ أَوْ عَشْرَ شِيَاهٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ بَعْدَ الْقَبْضِ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ فِي الْكُلِّ حَتَّى لَوْ عَادَتْ الثِّيَابُ إلَى مِلْكِهِ كَأَنْ يَكُونَ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا وَرَجَعَ عَنْ هِبَتِهِ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 51 ' ( بَحْرٌ . تَنْقِيحٌ ) . 3 - إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ أَرْضًا زِرَاعِيَّةً بِدُونِ أَنْ يَرَاهَا فَأَعَارَ شَخْصًا إيَّاهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمُحْتَارِ ' ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 832 ' أَمَّا إذَا لَمْ يَزْرَعْهَا ذَلِكَ الشَّخْصُ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُ رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي . * * * * * - الْأَصْلُ الثَّانِي : إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَبِيعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ لِلْغَيْرِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ مَثَلًا إذَا عَرَضَ الْمُشْتَرِي كُلَّ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ أَوْ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَشَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَلَّا يَسْقُطَ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تُفِيدُ سِوَى أَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ وَالرِّضَا تَصْرِيحًا بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ . فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ دَارًا لَمْ يَرَهَا وَبِيعَتْ فِي جِوَارِهَا دَارٌ أُخْرَى فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ بِسَبَبِ تِلْكَ الدَّارِ فَإِذَا رُدَّتْ تِلْكَ الدَّارُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَبْقَى الْعَقَارُ الَّذِي أَخَذَهُ فِي الشُّفْعَةِ فِي يَدِهِ وَلَكِنْ إذَا رَأَى تِلْكَ الدَّارَ وَأَخَذَ الْعَقَارَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ
____________________
(1/280)
فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تُفِيدُ الرِّضَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ تُسْقِطُ خِيَارَهَا . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا عَرَضَ الْمُشْتَرِي الْمُخَيَّرُ خِيَارَ رُؤْيَةٍ كُلَّ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ وَهَبَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ أَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ أَوْ أَدَّى الثَّمَنَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فَلِذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالَيْنِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَ أَنْ رَآهُمَا قَبَضَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ بِذَلِكَ رَاضِيًا بِالْبَيْعِ فِي الْمَالَيْنِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِدُونِ أَنْ يَرَاهُمَا وَتَقَايَلَ الطَّرَفَانِ الْبَيْعَ فِي نِصْفِ الْمَبِيعِ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ . * * * * * - الْأَصْلُ الثَّالِثُ : الْأُمُورُ الَّتِي تُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ تُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : 1 - إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَزْرَعَةً بِدُونِ أَنْ يَرَاهَا وَأَبْقَى الْمُشْتَرِي الزُّرَّاعَ الَّذِينَ كَانُوا فِي تِلْكَ الْمَزْرَعَةِ فَزَرَعُوا تِلْكَ الْأَرْضَ فَلَا يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ لِأَنَّ فِعْلَ أُولَئِكَ الزُّرَّاعِ يُضَافُ إلَى الْمُشْتَرِي كَمَا أَنَّهُ إذَا زَرَعَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ تِلْكَ الْأَرْضَ أَوْ أَمَرَ شَخْصًا آخَرَ بِزِرَاعَتِهَا فَزَرَعَهَا الشَّخْصُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ . 2 - إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ لَا يَزُولُ أَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي وَأَصْبَحَ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ مُتَعَذِّرًا يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ . * * * * * - الْأَصْلُ الرَّابِعُ : حُصُولُ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكِيلِهِ يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً . مِثَالُ ذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ حَيَوَانًا فَيُنْتِجُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ كَرْمًا فَيُثْمِرُ عِنَبًا فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ سَوَاءٌ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الزِّيَادَةَ أَمْ لَا . إلَّا إنَّهُ إذَا تَلِفَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِنْ نَفْسِهَا يَعُودُ حَقُّ خِيَارِهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24 ' ( التَّنْقِيحُ , الْهِنْدِيَّةُ , الْأَنْقِرْوِيّ , الْبَحْرُ , رَدُّ الْمُحْتَارِ , الدُّرَرُ , الْخُلَاصَةُ ) . * * * * * - خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ : لَيْسَ فِي النُّقُودِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ بَلْ خِيَارُ كَمِّيَّةٍ . مَثَلًا : لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ اشْتَرَيْت هَذَا الْمَالَ بِهَذِهِ الرِّيَالَاتِ الَّتِي فِي كِيسِي فَبَاعَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَ الرِّيَالَاتِ الَّتِي فِي الْكِيسِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 229 ' إلَّا أَنَّهُ حِينَمَا يَطَّلِعُ الْبَائِعُ عَلَى مِقْدَارِ تِلْكَ الرِّيَالَاتِ الَّتِي فِي الْكِيسِ يَكُونُ مُخَيَّرًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَمِّيَّةَ النُّقُودِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْكِيسِ مِنْ الْخَارِجِ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارَ الْكَمِّيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ النُّقُودُ مِنْ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا .
____________________
(1/281)
أَمَّا لَوْ أَشَارَ شَخْصٌ إلَى النُّقُودِ الَّتِي فِي كِيسِهِ وَقَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الْمَالَ مِنْك بِهَذِهِ النُّقُودِ فِي الْكِيسِ فَبَاعَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمِقْدَارِ النُّقُودِ الْحَقِيقِيِّ فِي ذَلِكَ الْكِيسِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خِيَارُ كَمِّيَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ الْخَارِجِ مِقْدَارَ النُّقُودِ الَّتِي فِي الْكِيسِ إلَّا إنَّهُ إنْ كَانَتْ تِلْكَ النُّقُودُ غَيْرَ رَائِجَةٍ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ تِلْكَ النُّقُودَ وَأَنْ يَطْلُبَ نُقُودًا رَائِجَةً فِي الْبَلَدِ لِأَنَّ ذِكْرَ الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ . * * * * *
____________________
(1/282)
- الفصل السادس في بيان خيار العيب إضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الْعَيْبِ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ أَيْ الْخِيَارُ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَبِلَا مُدَّةٍ أَيْ لَيْسَ لِخِيَارِ الْعَيْبِ أَجَلٌ مُعَيَّنٌ فَلِذَلِكَ إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الْعَيْبِ أَوْ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْمَبِيعِ دَامَ لَهُ الْخِيَارُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ لِتَعَوُّدِهِ عَنْ الْمُخَاصِمَةِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْمُخَاصَمَةُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 67 ) حَتَّى لَوْ وَجَدَ فِي الدَّابَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا عَيْبًا وَقَصَدَ رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ وَأَطْعَمَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا حِينَمَا يَجِدُ الْبَائِعَ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ خِلَالَ مُدَّةِ الْإِمْسَاكِ أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَخِيَارُ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ وَيَبْطُلُ بِتَأْخِيرِهِ بِلَا عُذْرٍ وَيُعْتَبَرُ الْفَوْرُ حَسَبَ الْمُعْتَادِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسَارَعَةُ خِلَافَ الْمُعْتَادِ ( بَاجُورِيّ ) وَيَجْرِي خِيَارُ الْعَيْبِ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ ( اُنْظُرْ كِتَابَ الْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ وَالْقِسْمَةِ ) وَيَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْمُخَالَصَةِ ( هِنْدِيَّةٌ ) * * * * * - خُلَاصَةُ الْفَصْلِ : 1 - يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَبِلَا مُدَّةٍ أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَفَوْرًا . 2 - يَجْرِي خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْمُخَالَصَةِ ' هِنْدِيَّةٌ ' . 3 - يَقْتَضِي الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ سَالِمًا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ . 4 - الْعَيْبُ الْفَاحِشُ وَالْيَسِيرُ سِيَّانِ فِي إيجَابِ الْخِيَارِ . 5 - يَجِبُ لِثُبُوتِ خِيَارِ الْعَيْبِ تَحَقُّقُ سِتَّةِ شُرُوطٍ . 6 - يَحِقُّ لِلْمُخَيَّرِ خِيَارَ الْعَيْبِ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ . 7 - مَئُونَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ تَلْزَمُ الْمُشْتَرِي . 8 - صَاحِبُ خِيَارِ الْعَيْبِ لَهُ قَبُولُ الْمَبِيعِ بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى كُلِّهِ وَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَنَقْصُ الثَّمَنِ بِمَا يُقَابِلُ الْعَيْبَ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ كَانَ ثَمَّةَ مَانِعٍ مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوْصَافِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ . 9 - إذَا أَدَّى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَرَدَّ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ . 10 - فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ 11 - لِدَعْوَى رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ أُصُولُ مُحَاكِمَةٍ خَاصَّةٌ . 12 - إذَا كَانَتْ دَعْوَى رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ يَجِبُ إثْبَاتُهَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ لِلْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ حُكْمٌ . 13 - يَنْتَقِلُ خِيَارُ الْعَيْبِ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لِلْمُوَرَّثِ 14 - إذَا كَانَ الرَّدُّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَقَعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْمَبِيعِ مِنْ نَفْسِهِ رَأْسًا بِشَرْطِ أَنْ
____________________
(1/283)
يَكُونَ الْبَائِعُ حَاضِرًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي . 15 - الرِّضَا بِالْفَسْخِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً . 16 - الْعَيْبُ هُوَ الْقُصُورُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُورِثُ النُّقْصَانَ فِي قِيمَةِ الْمَالِ فِي رَأْيِ أَصْحَابِ الْخِبْرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَاَلَّذِي يَخْلُو مِنْهُ الْمَالُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ السَّلِيمَةِ أَوْ الْقُصُورُ الْمُفَوِّتُ لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْمَبِيعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ . 17 - الْعَيْبُ الْقَدِيمُ هُوَ الْقُصُورُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ أَمْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ . 18 - يَحْصُلُ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فِي خَمْسِ صُوَرٍ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا . 19 - لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ فِي مَسَائِلَ : الْأُولَى : إذَا بَيَّنَ الْبَائِعُ عَيْبَ الْمَبِيعِ حِينَ الْبَيْعِ . الثَّانِيَةُ : إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ . الثَّالِثَةُ : إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ . الرَّابِعَةُ : إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ شَخْصٌ آخَرُ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ . الْخَامِسَةُ : إذَا بَاعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا مِنْ كُلِّ دَعْوَى عَيْبٍ . السَّادِسَةُ : إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ وَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي . 20 - إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَيْبِهِ وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلِلْأَوَّلِ رَدُّهُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ فِي أَرْبَعٍ . 21 - إذَا حَدَثَ فِي الْمُشْتَرَى عَيْبٌ جَدِيدٌ وَهُوَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ بَيْعَ تَوْلِيَةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا . 22 - يُرْجَعُ إلَى رَأْيِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْخَالِينَ مِنْ الْغَرَضِ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ نُقْصَانِ الثَّمَنِ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ احْتِمَالَاتٍ . 23 - إذَا زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ فَالْقَدِيمُ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ . 24 - كُلُّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ فِيهِ رَدُّ الْمَبِيعِ الْقَائِمِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِرِضًا مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ رِضًا إذَا أَزَالَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ . كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ رَدُّ الْمَبِيعِ الْقَائِمِ فِي الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ بِرِضًا مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ رِضًا إذَا أَزَالَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ . 26 - الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ مَانِعَةٌ لِلرَّدِّ أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ فَلَا تَمْنَعَانِ الرَّدَّ . 27 - إذَا وُجِدَ مَانِعٌ لِلرَّدِّ فَلَوْ رَضِيَ الطَّرَفَانِ أَيْضًا فِي الرَّدِّ لَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ بَلْ يُؤْخَذُ نُقْصَانُ الثَّمَنِ . 28 - إذَا ظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي بِيعَتْ صَفْقَةً وَاحِدَةً مَعِيبٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ
____________________
(1/284)
رَدُّ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ لَيْسَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ يُرَدُّ الْمَعِيبُ فَقَطْ أَمَّا إذَا كَانَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ فَيَلْزَمُ إمَّا قَبُولُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ . 29 - إذَا أُخِذَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ أَخْذُ الْبَعْضِ يُورِثُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَلَا . 30 - إذَا ظَهَرَ عَيْبٌ فِي بَعْضِ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ . 31 - إذَا ظَهَرَ فِي الْحِنْطَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ الْحُبُوبِ تُرَابٌ فَإِنْ يَسِيرًا عُفِيَ وَإِنْ كَثِيرًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ وَإِذَا ظَهَرَ فِي الْبَيْضِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثٌ فِي الْمِائَةِ فَاسِدَةً فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَإِنْ أَكْثَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ . 32 - إذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِالْمَبِيعِ فِي شَيْءٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 336 ) : الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْمَالِ بِدُونِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَبِلَا ذِكْرِ أَنَّهُ مَعِيبٌ أَوْ سَالِمٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ سَالِمًا خَالِيًا مِنْ الْعَيْبِ . يَعْنِي بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ مَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِسَلَامَةِ الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ وَهَذَا الْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ ( 64 ) وَلَا مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّتَيْنِ ( 251 و 285 ) لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا فَكَأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ 43 قَدْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ . فَإِذَا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ السَّلَامَةُ فِي الْمَبِيعِ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا حَتَّى لَا يُضَرَّ بِإِلْزَامِهِ بِشَيْءٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَلِذَلِكَ تَكُونُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ كَأَنَّمَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ فَبَيْعُ مَا فِيهِ عَيْبٌ بِغَيْرِ بَيَانِ الْعَيْبِ تَغْرِيرٌ وَحَرَامٌ وَمَمْنُوعٌ فَلِذَلِكَ إذَا أَرَادَ شَخْصٌ بَيْعَ مَالٍ فِيهِ عَيْبٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ الْعَيْبَ لِلْمُشْتَرِي كَأَنْ يَقُولَ لَهُ إنَّ فِي هَذَا الْمَالِ الْعَيْبَ الْفُلَانِيَّ فَإِذَا أَرَدْت فَخُذْهُ عَلَى عَيْبِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ ثَمَنًا فِيهِ عَيْبٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ الْعَيْبَ كَأَنْ يُبَيِّنَ نُقْصَانَ وَزْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْفِيَ عَيْبَهُ وَيَزْعُمَ سَلَامَتَهُ تَرْوِيجًا لَهُ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 91 ) . ( مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ . دُرُّ الْمُخْتَارِ ) . . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 337 ) : مَا بِيعَ مُطْلَقًا إذَا بِيعَ وَفِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَهُ بِثَمَنِهِ الْمُسَمَّى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَهَذَا يُقَالُ لَهُ خِيَارَ الْعَيْبِ . أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا عَلَى التَّرَاخِي بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ ' اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 341 ' وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَمَانِيَةٍ : 1 - أَلَّا يَرَى الْمُشْتَرِي حِينَ الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ ذَلِكَ الْعَيْبَ وَإِذَا رَآهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَيْبٌ عِنْدَ التُّجَّارِ . 2 - أَلَّا تَحْصُلَ حَالٌ تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ . 3 - أَلَّا يُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ بَرَاءَةُ الْبَائِعِ مِنْ دَعْوَى الْعَيْبِ . 4 - أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ قَدِيمًا .
____________________
(1/285)
5 - أَلَّا يُمْكِنَ إزَالَةُ الْعَيْبِ بِلَا مَشَقَّةٍ . 6 - أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا . 7 - أَلَّا يَزُولَ ذَلِكَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْفَسْخِ . 8 - أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ الْعَيْبُ مِنْ لَوَازِمِ الْخِلْقَةِ السَّلِيمَةِ . وَيَتَّضِحُ هَذَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا أَمْ فَاحِشًا . الْعَيْبُ الْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مَثَلًا إذَا قَدَّرَ شَخْصٌ مَالًا سَالِمًا مِنْ الْعَيْبِ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَقَدَّرَهُ وَهُوَ مَعِيبٌ بِتِسْعِمِائَةٍ وَقَدَّرَهُ آخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِأَلْفِ قِرْشٍ يَكُونُ الْعَيْبُ يَسِيرًا . وَالْعَيْبُ الْفَاحِشُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مَثَلًا إذَا قَوَّمَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ جَمِيعًا قِيمَةَ الْمَالِ سَالِمًا مِنْ الْعُيُوبِ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَقِيمَتُهُ مَعِيبًا أَقَلُّ مِنْ أَلْفٍ يَكُونُ الْعَيْبُ فَاحِشًا ( بَزَّازِيَّةٌ ) . وَالْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ إمَّا بِالذَّاتِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ إمَّا إلَى الْبَائِعِ أَوْ وَكِيلِهِ وَأَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ الثَّمَنَ إذَا كَانَ قَدْ أَدَّاهُ . وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ : : الْأُولَى : إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ مَالًا بِأَنْقَصَ مِنْ قِيمَتُهٌ فَلَيْسَ لَهُمَا رَدُّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58 ) وَلَكِنْ لَهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ 301 و 320 ) . الثَّانِيَةُ : إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا وَسَلَّمَهُ وَقَبْلَ قَبْضِهِ الثَّمَنَ وَهَبَهُ ذَلِكَ الثَّمَنَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ وَاسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَيُّ ضَرَرٍ مِنْ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا ثَمَنٍ أَمَّا إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرَى وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَاطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْعَيْبِ فَلَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ وَاسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ مِنْهُ . الثَّالِثَةُ : إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي مَالًا مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ فِيهِ عَيْبًا قَدِيمًا حِينَمَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى أَحَدٍ ( اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 98 ) . مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا وَبَاعَ الْآخَرُ ذَلِكَ الْمَالَ إلَى آخَرَ ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ الْأَخِيرَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ بَائِعِهِ فَوَجَدَ فِيهِ بَائِعُهُ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَائِعِهِ هَذَا كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَائِعِهِ الْأَخِيرِ جَازَ لِبَائِعِهِ الْأَخِيرِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ فَائِدَةً لِهَذَا الرَّدِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْهُ آخَرُ ( رَدُّ الْمُحْتَارِ ) . الرَّابِعَةُ : إذَا نَقَلَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرَ مَوْضِعِ الشِّرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ أَوْجَبَ النَّقْلُ زِيَادَةً فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ إلَى مَوْضِعِ الشِّرَاءِ فَلَهُ أَيْضًا رَدُّهُ . إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبِ الْمَبِيعِ وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إلَّا أَنَّهُ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَ خِيَارُ عَيْبِهِ وَإِذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَمَئُونَةُ رَدِّهِ وَنَفَقَتُهُ تَلْزَمُهُ . * * * * * - الِاخْتِلَافُ - إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْمَبِيعُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي . * * * * * - اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ - إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ بِرِضَاهُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ رِيَالَاتٍ فِضِّيَّةً ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ذَهَبًا لَا الرِّيَالَاتِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَى الْبَائِعِ
____________________
(1/286)
لِأَنَّ إعْطَاءَ الرِّيَالَاتِ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ عَقْدٌ ثَانٍ فَلَا يَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ الَّذِي أَصَابَ الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي وَالْحُكْمُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا ' أَنْقِرْوِيّ ' . مُسْتَثْنًى - لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَهِيَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حِصَانًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت الثَّمَنَ وَقَدْ تَلِفَ فِي يَدِي أَوْ دَفَعْته إلَى الْبَائِعِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ قَبْضَ الْوَكِيلِ لِلثَّمَنِ وَالتَّلَفَ فِي يَدِهِ أَوْ تَسْلِيمَ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بَرِيئًا مِنْ الثَّمَنِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1774 ' ثُمَّ إذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ عَلَى زَعْمِ الْبَائِعِ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بَيْعٌ وَتَصْدِيقُ الْوَكِيلِ لِدَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا صَدَّقَ الْآمِرُ الْوَكِيلَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ دُونَ الْقَابِضِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ الْمَبِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَحَمَّلَ ضَرَرَ الْبَيْعِ وَيَسْقُطُ حَقُّ رَدِّهِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ ' اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 341 ' وَالْمَوَادَّ ' 345 و 348 و 349 ' لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا وَلَا تُعَدُّ مِنْ الْأَصْلِ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَصْفُ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا تَعَيَّبَ مَالٌ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِي ذَلِكَ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ . وَيُسَمَّى هَذَا الْخِيَارُ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ خِيَارَ الْعَيْبِ وَخِيَارَ النَّقِيصَةِ . . * * * * * - وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ عِبَارَةُ ( إذَا ظَهَرَ ) فَالْمُحَاكَمَةُ الَّتِي تُجْرَى لِإِظْهَارِ الْعَيْبِ تَجْرِي عَلَى النِّظَامِ الْآتِي : 1 - لِتَوَجُّهِ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ يَجِبُ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ يَعْنِي يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ أَثْنَاءَ الْمُحَاكَمَةِ وُجُودُ ذَلِكَ الْعَيْبِ يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي يَدَّعِي الْعَيْبَ إثْبَاتُهُ فِي الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلَا تَتَوَجَّهُ خُصُومَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ يَكُونُ بِوُجُوهٍ : الْأَوَّلُ : بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فِي الْمَبِيعِ وَأَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ تَتَوَجَّهُ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا كَمَا يَتَّضِحُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ . الثَّانِي : بِالْمُشَاهَدَةِ إذْ أَنَّ الْمَعِيبَ عَلَى قِسْمَيْنِ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ فَالظَّاهِرُ مَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ كَالْقُرُوحِ وَالْعَمَى وَالْعُضْوِ الزَّائِدِ وَالْعَرَجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَاهَاتِ الظَّاهِرَةِ فَلِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ يَكْفِي رُؤْيَةُ الْحَاكِمِ لِذَلِكَ وَإِذَا أَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْحَاكِمِ . الثَّانِي الْعَيْبُ الْبَاطِنُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ كَالْأَمْرَاضِ الدَّاخِلِيَّةِ . الثَّالِثُ : بِإِخْبَارِ أَرْبَابِ الْخِبْرَةِ كَأَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ بَاطِنِيًّا فَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ كَذَلِكَ وَلَا يَعْرِفُهُ الطَّبِيبُ أَوْ الْبَيْطَارُ بِالْفَحْصِ وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ وَجَبَ أَنْ يُحِيلَ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ إلَى طَبِيبٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَةِ فِي خَبَرِ الطَّبِيبِ أَوْ الْبَيْطَارِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ مُشْتَرَطَةً ' اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 1679 ' . وَلَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ الطَّبِيبِ أَوْ الْبَيْطَارِ بَلْ لَا بُدَّ
____________________
(1/287)
مِنْ بَيَانِ كَوْنِ الْعَيْبِ قَدِيمًا كَمَا سَيَأْتِي . الرَّابِعُ : بِنُكُولِ الْبَائِعِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامَيْنِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي وُجُودَ الْعَيْبِ فِي الْحَالِ فِي الْمَبِيعِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ فَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ تَتَوَجَّهُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَرَتَّبُ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَصِحَّةُ الدَّعْوَى هُنَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ وَبِدُونِ الْعَيْبِ لَا تَتَوَجَّهُ الْخُصُومَةُ . * * * * * - 2 - يَجِبُ لِلْحُكْمِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ تَحَقُّقُ قِدَمِهِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ : الْأَوَّلُ : بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ أَوْ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ يُسْأَلُ الْبَائِعُ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1816 ' فَإِذَا أَقَرَّ يُحْكَمُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ إلَيْهِ أَوْ نُقْصَانِ الثَّمَنِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 87 و 1817 ' وَحِينَئِذٍ تَنْتَهِي الدَّعْوَى وَالْمُحَاكَمَةُ ' خُلَاصَةٌ ' إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ سُقُوطَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي رَدِّ الْمَبِيعِ كَمَا سَيَتَّضِحُ ذَلِكَ ' شَارِحٌ ' . الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الْمُشَاهَدُ غَيْرَ مُمْكِنٍ حُدُوثُهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَسَلَّمَ فِيهَا الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ كَأَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ عُضْوًا زَائِدًا كَانَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ كَانَ لَيْسَ مُحْتَمَلًا حُدُوثُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيُحْكَمُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ بِالرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ لِأَنَّ وُجُودَ الْعَيْبِ فِي الْحَالِ قَدْ عُلِمَ بِالْمُشَاهَدَةِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ عَدَمُ إمْكَانِ حُدُوثِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّ رَدِّهِ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ وَحِينَئِذٍ إنْ ثَبَتَ هَذَا فِيهَا وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76 ' وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً حَسَبَ الْمَادَّةِ ' 244 ' كَمَا يَدَّعِي ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1632 ' . الِاخْتِلَافُ - إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْحَيَوَانِ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْبَيْعِ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى حَيَوَانًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنَّ - مِثْلَ هَذَا الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَخَالَفَهُ الْبَائِعُ قَائِلًا بِعْت هَذَا الْحَيَوَانَ قَبْلَ شَهْرٍ وَإِنَّ مِثْلُ هَذَا الْعَيْبِ يَحْدُثُ فِي شَهْرٍ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ ' هِنْدِيَّةٌ ' . - الثَّالِثُ : بِإِثْبَاتِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ مُحْتَمَلًا وُقُوعُهُ فِيمَا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبَيْنَ الْخُصُومَةِ وَبَيْنَ أَنَّهُ حَاصِلٌ قَبْلَ وَقْتِ الْبَيْعِ كَالْجُرُوحِ أَيْ إنَّ الْجَزْمَ بِإِمْكَانِ حُدُوثِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَعَدَمِ إمْكَانِهِ مُتَعَذِّرٌ فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ وَأَنَّهُ كَانَ حِينَمَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُحْكَمُ بِالرَّدِّ . مُسْتَثْنًى : إذَا كَانَ الْعَيْبُ غَيْرَ مُحْتَمَلِ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا يَطْلُبُ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَلَا يَحْكُمُ بِالرَّدِّ ' اُنْظُرْ مَادَّةَ 1697 ' . - الرَّابِعُ : بِنُكُولِ الْبَائِعِ عَنْ الْيَمِينِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُشْتَرِي إثْبَاتَ قِدَمِ الْعَيْبِ بِالْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِطَلَبِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ بِسَبَبِ هَذَا الْعَيْبِ الَّذِي يَدَّعِيهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَلَا تَثْبُتُ تِلْكَ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ مَثَلًا إذَا بَاعَ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ مَتَاعًا مِنْ الْغَنَائِمِ الْمُحَرَّزَةِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ يُنْصَبُ وَكِيلٌ بِإِذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ لِيُخَاصِمَ الْمُشْتَرِيَ وَالْمُشْتَرِي مُكَلَّفٌ بِأَنْ يُثْبِتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُقِرَّ بِدَعْوَى الْمُشْتَرِي كَمَا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الدَّعْوَى لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِدَعْوَى الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا فَضْلًا عَنْ أَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ عَنْ وَكَالَتِهِ ' هِنْدِيَّةٌ ' . ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1518 ' . * * * * *
____________________
(1/288)
- انْتِقَالُ خِيَارِ الْعَيْبِ إلَى الْوَارِثِ - إنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ أَيْ كَمَا أَنَّ الْمُوَرِّثَ يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا فَكَذَلِكَ وَارِثُهُ ' رَدُّ الْمُحْتَارِ هِنْدِيَّةٌ ' وَلَيْسَ هَذَا الِانْتِقَالُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ . وَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ انْتِقَالَ خِيَارِ الْعَيْبِ إلَى الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تُوُفِّيَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْعَيْبُ الْحَاصِلُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْقَدِيمِ ' اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 340 ' وَعَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فَالْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ وَفَاةِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ خِيَارٌ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ لِوَارِثِهِ . . * * * * * - وَهَلْ يَجِبُ حُضُورُ الْبَائِعِ عِنْدَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَقَضَاءِ الْحَاكِمِ وَإِذَا كَانَ اطِّلَاعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ وَتَحَقُّقُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ قَدْ حَصَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ رَأْسًا بِحُضُورِ الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ فَسَخْت الْبَيْعَ أَوْ رَدَدْت الْمَبِيعَ وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى رِضَا الْبَائِعِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّ خِيَارَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَانِعًا لِتَمَامِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ رِضَا الْبَائِعِ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ حَاضِرٍ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ فَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَبْطَلْت الْبَيْعَ أَوْ رَدَدْت الْمَبِيعَ فَالْبَيْعُ يَنْفَسِخُ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ بِذَلِكَ . * * * * * - لَاحِقَةٌ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّقَابُضِ رَدَّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَاخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي عَدَدِ الْمَبِيعِ أَوْ فِي عَدَدِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَابِضٌ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ هَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَفِي الْوَصْفِ وَتَعْيِينِهِ . وَهَلْ هَذَا هُوَ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا أَنَّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ . مِثَالُ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ بَغْلَةً بِأَلْفَيْ قِرْشٍ وَاسْتَلَمَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا وَاسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ لِوُجُودِ عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهَا فَأَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ إلَّا أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ تِلْكَ الْبَغْلَةَ مَعَ بَغْلَةٍ أُخْرَى بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ وَأَنَّهُ يَرُدُّ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بَغْلَةً وَاحِدَةً بِالْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ بَغْلَتَيْنِ بِأَلْفِ قِرْشٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَلِمْ مِنْهُمَا إلَّا هَذِهِ الْبَغْلَةَ الَّتِي وَجَدَ فِيهَا الْعَيْبَ وَأَنَّهُ يُرِيدُ رَدَّهَا وَاسْتِرْجَاعَ كُلِّ الثَّمَنِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اسْتَلَمَ مِنْهُ الْبَغْلَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَرُدُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ حِصَّةَ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَقَطْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ قَابِضٌ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ بِالرَّدِّ مُسْقِطٌ لِلثَّمَنِ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ السُّقُوطِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ إلَّا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ تَخَلُّصًا مِنْ الْيَمِينِ إذَا أَرَادَ . كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي . مِثَالُ ذَلِكَ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ شَيْئَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِصَفْقَتَيْنِ أَحَدَهُمَا بِأَلْفِ قِرْشٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ وَاسْتَلَمَهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ فَرَدَّهُ لِلْبَائِعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَاخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ الْمَرْدُودِ بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الشِّرَاءَ الَّذِي رُدَّ لَهُ هُوَ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفُ قِرْشٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَكْسَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي . أَمَّا إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ عَبْدَيْنِ مِنْ آخَرَ بِصَفْقَتَيْنِ أَوْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا مُعَجَّلًا وَثَمَنُ الْآخَرِ مُؤَجَّلًا فَرَدَّ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا
____________________
(1/289)
بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّك رَدَدْت الْعَبْدَ الْمُؤَجَّلَ ثَمَنُهُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَدَّ الْمُعَجَّلَ ثَمَنُهُ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَبْدُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَوْجُودًا أَمْ لَا . * * * * * - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئَيْنِ مِنْ آخَرَ وَبَعْدَ أَنْ اسْتَلَمَهُمَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّ مَا فِي يَدِهِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ بِأَنَّ ثَمَنَهُ كَانَ ذَهَبًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ فِضَّةً فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 338 ) الْعَيْبُ هُوَ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ عِنْدَ التُّجَّارِ وَأَرْبَابِ الْخِبْرَةِ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ نَقْصًا فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ أَمْثَالَهُ أَوْ الَّذِي تَقْتَضِي الْخِلْقَةُ السَّلِيمَةُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَارِيًّا وَخَالِيًا مِنْهُ أَوْ الَّذِي يُفَوِّتُ الْغَرَضَ وَالْمَقْصُودَ مِنْهُ أَوْ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ وَالنُّقْصَانُ فِي الْمَالِيَّةِ يُوجِبُ الِانْتِقَاصَ فِي الْقِيمَةِ ' مُلْتَقَى وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ' . تَوْضِيحُ الْقُيُودِ : التُّجَّارِ وَأَرْبَابُ الْخِبْرَةِ . مَثَلًا : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُجَوْهَرًا مِنْ الْمُجَوْهَرَاتِ كَالْمَاسِ وَاللُّؤْلُؤِ فَتُجَّارُهُ وَأَرْبَابُ الْخِبْرَةِ فِيهِ هُمْ الصُّيَّاغُ : وَإِذَا كَانَ كِتَابًا فَأَرْبَابُهُ الْعُلَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَكَاتِبِ , وَعَلَيْهِ فَاَلَّذِي يُوجِبُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ يُدْعَى عَيْبًا وَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ النُّقْصَانِ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَشْتَغِلُونَ فِي تِجَارَةِ وَصَنْعَةِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ ' طَحْطَاوِيٌّ ' . وَالْمَقْصُودُ مِنْ النُّقْصَانِ هُنَا هُوَ حُصُولُ النُّقْصَانِ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ لَا فِي ثَمَنِهِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِدَرَجَةٍ فَاحِشَةٍ وَالنُّقْصَانُ الَّذِي يَطْرَأُ عَلَى الثَّمَنِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ لَا يُؤَدِّي إلَى حُصُولِ نُقْصَانٍ فِي الْمَبِيعِ . الْخِلْقَةُ السَّلِيمَةُ : أَمَّا الَّذِي يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ السَّلِيمَةِ فَلَا يُدْعَى عَيْبًا وَعَلَيْهِ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً فَوَجَدَهَا رَدِيئَةً فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ تِلْكَ الْحِنْطَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ تِلْكَ الْحِنْطَةَ رَدِيئَةٌ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ فِي خِلْقَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ إمَّا رَدِيئَةً وَإِمَّا حَسَنَةً وَإِمَّا مُتَوَسِّطَةً أَمَّا الْحِنْطَةُ الَّتِي تَكُونُ حَبَّاتُهُ فَارِغَةً مِنْ تَأْثِيرِ الطَّقْسِ فِيهَا وَاَلَّتِي لَا تُدْرَكُ جَيِّدًا وَاَلَّتِي أَصَابَهَا بَلَلٌ فَهِيَ مَعِيبَةٌ وَلَيْسَ مَنْ اشْتَرَى كَأْسًا فِضِّيًّا لَا عَيْبَ فِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِسَبَبِ رَدَاءَتِهِ وَلَا لِمَنْ اشْتَرَى حِصَانًا كَبِيرَ السِّنِّ أَنْ يَرُدَّهُ لِكِبَرِهِ مَا لَمْ يَشْرِطْ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ صَغِيرَ السِّنِّ . الْغَرَضُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَبِيعِ : إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ شَاةً لِأَجْلِ الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ أَنْ يُضَحَّى بِهَا كَأَنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْطُوعَ الْأُذُنِ مَثَلًا وَلِأَنَّ ذَلِكَ الْعَيْبَ مُفَوِّتٌ لِغَرَضِ الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَانَ اشْتَرَى تِلْكَ الشَّاةَ لِغَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ فَوَجَدَهَا مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ فَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَطْعُ عَيْبًا عِنْدَ التُّجَّارِ وَأَرْبَابِ الْخِبْرَةِ فَلَا يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ . وَإِذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَانَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ شَجَرَةً لِيَقْطَعَهَا وَيَعْمَلَ مِنْهَا بَابًا وَبَعْدَ الْقَطْعِ تَبَيَّنَ أَنَّ خَشَبَهَا لَا يَصْلُحُ لِلْأَبْوَابِ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْقَطْعَ مَانِعٌ لِلرَّدِّ . إزَالَةُ الْعَيْبِ بِلَا مَشَقَّةٍ : وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَيْبِ أَنْ لَا يُمْكِنَ إزَالَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا ضَرَرٍ فَعَلَيْهِ فَوُجُودُ
____________________
(1/290)
نَجَاسَةٍ فِي ثَوْبٍ لَا يَضُرُّهُ الْغَسْلُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنْ ضَرَّهُ الْغَسْلُ كَانَ عَيْبًا . وَوُجُودُ آثَارِ الزَّيْتِ فِي الثَّوْبِ عَيْبٌ إذْ لَا يُمْكِنُ إزَالَةُ الزَّيْتِ مِنْهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ . يَجِبُ فِي الْعَيْبِ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْكُلِّ : فَلَوْ قَالَ بَعْضُ التُّجَّارِ إنَّ هَذَا عَيْبٌ وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 4 ) . إنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ ضَابِطٌ كُلِّيٌّ تُبَيِّنُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ الْعُيُوبَ الْمُوجِبَةَ لِلْخِيَارِ وَإِلَيْك الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ مِنْ الْعُيُوبِ وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَعْدُودَةً مِنْهَا . الْمَسَائِلُ الَّتِي صُرِّحَ أَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ : أَوَّلًا : عَدَمُ نَهْقِ الْحِمَارِ حَسَبَ الْمُعْتَادِ . أَنْ تَكُونَ الدَّارُ أَوْ الْعَرْصَةُ مَشْئُومَةً أَوْ فِي ضِمْنِهَا قَبْرٌ . أَنْ يَكُونَ فِي الْحِنْطَةِ تُرَابٌ أَوْ سُوسٌ أَوْ تَكُونَ ذَاتَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ أَوْ حَبَّاتُهَا ضَئِيلَةً أَوْ غَيْرَ مُدْرَكَةٍ . أَنْ يَكُونَ فِي الْكَرْمِ نَمْلٌ كَثِيرٌ فَوْقَ الْعَادَةِ . أَنْ يَكُونَ فِي الْحَائِطِ خَرْقٌ كَبِيرٌ . أَنْ يَظْهَرَ الْجَمَلُ الَّذِي بِيعَ عَلَى كَوْنِهِ هَجِينًا أَنَّهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ . أَنْ يَظْهَرَ فِي الْكِتَابِ الْمُبَاعِ نَقْصُ جُزْءٍ أَوْ جُزْأَيْنِ مِنْهُ . أَنْ يَظْهَرَ فِي الْفَرْوِ الْمُبَاعِ نَحْتٌ . أَنْ يَتَبَيَّنَ اللَّحْمُ الْمُبَاعُ عَلَى أَنَّهُ ضَأْنٌ أَنَّهُ لَحْمُ مَاعِزٍ . أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي بِيعَتْ تُرْضِعُ جَمِيعَ مَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ . أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ الْمُبَاعُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ . أَنْ يَتَوَقَّفَ الْحِصَانُ الْمُبَاعُ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ الِانْقِيَادِ . وَأَنْ يَكُونَ الْحِذَاءُ ضَيِّقًا لَا يُمْكِنُ لُبْسُهُ . أَنْ تَكُونَ الْعَرْصَةُ طَرِيقًا لِلنَّاسِ أَوْ مَسِيلًا لَهُمْ . أَنْ يَكُونَ فِي الْكَرْمِ حِصَّةٌ لِآخَرَ فِي حَائِطِهِ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّهْنِ مِلْحٌ زَائِدٌ عَنْ الْمُعْتَادِ . أَنْ تُشْتَرَى دَارٌ مَعَ مَسِيلٍ لَهَا فِي مِلْكِ آخَرَ فَيُتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَسِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ عُيُوبٌ . ثَانِيًا : إذَا اشْتَرَى عَرْصَةً عَلَى أَنَّ ضَرِيبَةَ الْأَمْلَاكِ الَّتِي تَأْخُذُهَا الْحُكُومَةُ عَنْهَا مِائَةُ قِرْشٍ فَظَهَرَ أَنَّ ضَرِيبَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا عُدَّ ذَلِكَ عَيْبًا عِنْدَ التُّجَّارِ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ . ثَالِثًا : إذَا اشْتَرَى عَقَارًا عَلَى كَوْنِهِ لَا ضَرِيبَةَ عَلَيْهِ فَظَهَرَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنَّ عَلَيْهِ ضَرِيبَةً فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ ضَرِيبَتِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ . رَابِعًا : الْحِمَارُ الَّذِي بِيعَ عَلَى كَوْنِهِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ عُمْرِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ فِي الْعَاشِرَةِ مِنْهُ وَعُدَّ ذَلِكَ عَيْبًا يُوجِبُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ . خَامِسًا : قِلَّةُ أَكْلِ الْحَيَوَانِ الْعَلَفَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَعُثُورُهُ وَوُقُوعُهُ دَائِمًا عَيْبٌ أَمَّا كَثْرَةُ أَكْلِهِ فَوْقَ الْعَادَةِ وَعُثُورُهُ وَوُقُوعُهُ أَحْيَانًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ .
____________________
(1/291)
سَادِسًا : أَكْلُ الْحَيَوَانَاتِ كَالْبَقَرِ النَّجِسَ إنْ كَانَ دَائِمًا فَهُوَ عَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 42 ) . سَابِعًا : نَزْوُ الْحَمِيرِ عَلَى الْحِمَارِ الذَّكَرِ الْمُبَاعِ بِمُطَاوَعَتِهِ عَيْبٌ وَإِنْ كَانَ بِالْجَبْرِ وَالْقَهْرِ فَلَا . ثَامِنًا : إذَا ظَهَرَتْ فَرْدَةُ الْحِذَاءِ أَضْيَقَ مِنْ الْفَرْدَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الضِّيقُ خِلَافَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرَ نَاشِئٍ عَنْ عِلَّةٍ فِي رِجْلِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ وَإِلَّا فَلَا . وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا غَيْرُ حَلُوبٍ فَإِنْ كَانَتْ تُشْتَرَى لِلَّبَنِ فَلَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَإِذَا كَانَتْ تُشْتَرَى لِلذَّبْحِ فَلَا . مَشْيُ الْحِمَارِ بِبُطْءٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا فِي سَيْرِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 310 ) . وَلَيْسَ بِعَيْبٍ وُجُودُ كِتَابَةٍ عَلَى بَابِ الدَّارِ الْمُبَاعَةِ ' إنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَوْقُوفَةٌ ' لِأَنَّ حَسَبَ الْمَادَّةِ ( 1736 ) إذْ لَا يُبْنَى عَلَى مِثْلِ هَذَا الْخَطِّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ وَقْفِيَّةُ تِلْكَ الدَّارِ كَمَا فِي الْمَادَّةِ ( 1736 ) . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 339 ) : الْعَيْبُ الْقَدِيمُ هُوَ مَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ . يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ مَوْجُودًا وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا وَأَنَّهُ حَدَثَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُحْتَمَلِ حُصُولُهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 11 ) لِأَنَّ الْبَائِعَ مُنْكِرٌ لِلْخِيَارِ إلَّا أَنَّهُ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي حَقِّ قِدَمِ ذَلِكَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ( 77 ) ' رَدُّ الْمُحْتَارِ , وَالْهِنْدِيَّةُ . أَنْوَاعُ الْعُيُوبِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ : الْعُيُوبُ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ : 1 : بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ آخَرُ قَدِيمٌ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ الْحَاصِلِ فِي الْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ كَمَا أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ . 2 : بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي : وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ الَّذِي حَصَلَ بِفِعْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ قَدِيمٌ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ نُقْصَانِ الثَّمَنِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ . 3 : بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ : وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَضْمَنُ الْأَجْنَبِيُّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَ نُقْصَانِ الثَّمَنِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ . 4 : بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ . 5 : بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ إلَّا إذَا وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ آخَرُ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ بِعَيْبِهِ ' طَحْطَاوِيٌّ ' . * * * * * - ( الْمَادَّةُ 340 ) : الْعَيْبُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ الَّذِي يُوجِبُ الرَّدَّ .
____________________
(1/292)