وتعدي الظلمة على أرباب الأيدي الثابتة المحققة في المدد المطاولة بلا معارض ولا منازع ووضع العشر أو الخراج عليها لا ينافي ملكيتها كما مر وهو صريح قول المصنف وغيره هنا إن أرض سواد العراق خراجية وإنها مملوكة لأهلها واحتمال موت أهلها بلا وارث لا يصلح حجة في إبطال اليد المثبتة للملك فإنه مجرد احتمال لم ينشأ عن دليل ومثله لا يعارض المحقق الثابت فإن الأصل بقاء الملكية واليد أقوى دليل عليها فلا تزول إلا بحجة ثابتة وإلا لزم أن يقال مثل ذلك في كل مملوك بظاهر اليد مع أنه لا يقول به أحد
وقد سمعت نقل الإمام النووي الإجماع على عدم التعرض مع أن مذهبه أن تلك الأراضي في الأصل غير مملوكة لأهلها بل هي وقف أو ملك لبيت المال فعلى مذهبنا بالأولى واحتمال كون أهلها ماتوا بلا وارث بعد الإمام النووي أبعد البعد وهذا ابن حجر المكي بعد النووي بمئات من السنين وقد سمعت كلامه
والحاصل في الأراضي الشامية والمصرية ونحوها أن ما علم منها كونه لبيت المال بوجه شرعي فحكمه ما ذكره الشارح عن الفتح وما لم يعلم فهو ملك لأربابه والمأخوذ منه خراج لا أجرة لأنه خراجي في أصل الوضع فاغتنم هذا التحرير فإنه صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ وإنما أطلت في ذلك لأني لم أر من تعرض لذلك هنا بل تبعوا المحقق الكمال في ذلك والحق أحق أن يتبع ولعل مراد المحقق ومن تبعه الأراضي التي علم كونها لبيت المال والله تعالى أعلم
مطلب في السلطان وشرائه أراضي بيت المال قوله ( وعلى هذا ) أي على كونها صارت لبيت المال
قوله ( من وكيل بيت المال ) متعلق ب شراؤه وهو من نصبه الإمام قيما على بيت المال وأما البيع فيصح بيعه بنفسه بخلاف الشراء فإن وصي اليتيم لا يصح شراؤه مال اليتيم فلذا قيد الشراء بكونه من الوكيل وفي الخانية والخلاصة فإن أراد السلطان أن يأخذها لنفسه يبيعها من غيره ثم يشتري من المشتري اه
وفي التجنيس إذا أراد السلطان أن يشتريها لنفسه أمر غيره أن يبيعها من غيره ثم يشتريها لنفسه من المشتري لأن هذا أبعد من التهمة اه
قوله ( لأنه كوكيل اليتيم ) أي كوصيه وسماه ويكلا مشاكلة
قوله ( فلا يجوز إلا لضرورة ) أي بأن احتاج بيت المال لكن نازعه صاحب البحر في رسالته بإطلاق ما مر آنفا ن الخانية والخلاصة فإنه يدل على جواز البيع للإمام مطلقا وبما في الزيلعي من أن للإمام ولاية عامة وله أن يتصرف في مصالح المسلمين والاعتياض ع المشترك العام جائز من الإمام ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه فقوله شيئا نكرة في سياق الشرط يعم العقار وغيره لحاجة وغيرها
قوله ( زاد في البحر ) أي زاد على قوله إلا لضرورة قوله أو رغب في العقار الخ وعبر عن هذه الزيادة في التحفة المرضية بقوله أو مصلحة فافهم
قلت وسنذكر آخر الباب أن للإمام أن يقطع من بيت المال الأرض لمن يستحق وأن هذا تمليك رقبتها كما سنحققه وعلى هذا فيمكن شراؤها من المستحق
____________________
(4/182)
قوله ( على قول المتأخرين ) أي في وصي اليتيم أنه ليس له بيع العقار إلا في المسائل السبع الآتية وهو المفتى به
وعند المتقدمين له البيع مطلقا واختاره الإسيبجابي وصاحب المجمع وكثير كما في التحفة المرصية
قوله ( في سبع مسائل ) ونصه وجاز بيعه عقار صغير من أجنبي لا من نفسه بضعف قيمته أو لنفقة الصغير أو دين الميت أو وصية مرسلة لا إنفاذ لها إلا منه أو تكون غلبته لا تزيد على مؤنته أو خوف خرابه أو نقصانه أو كونه في يد متغلب اه ح
قوله ( فضل الله الرومي ) في بعض النسخ الرضي ولعله تحريف
قوله ( بأن غالب أراضينا ) الظاهر أن المراد الأراضي الشامية ويحتمل أن يكون المراد الأراضي الرومية ويؤيده الأول ما قدمناه عن الدر المنتقى من قوله وكذا الشامية حيث جعلها مثل المصرية وكان هذا مأخوذ من كلام الفتح المار وقد علمت ما فيه
قوله ( كالعارية ) وجه الشبه بينهما عدم تصرف من هي في يده تصرف الملاك من البيع ونحوه اه ح
فلا بنافي ما مر عن التتارخانية من أنها تكون في أيديهم بالأجرة بقدر الخراج وسيذكر الشارح أن من أقطعه السلطان أرضا فله إجارتها
قوله ( ثم يشتريها منه ) يعني من المشتري كما قدمنا التصريح به في عبارة التجنيس وظاهر هذا أنه لا تشترط الضرورة في صحة البيع والشراء كما مر
قوله ( وإذا لم يعرف الحال في الشراء الخ ) أي لم يعرف أنه شراء صحيح وجد فيه المسوغ الشرعي بناء على ما مر عن الفتح من أنه لا يجوز إلا لضرورة
قوله ( فالأصل الصحة ) حملا لحال المسلم على الكمال
قوله ( وبه عرف الخ ) هذا كله أيضا من كلام النهر وأصله لصاحب البحر
مطلب في وقف الأراضي التي لبيت المال ومراعاة شروط الواقف حاصله أن من اشترى أرضا مما صار لبيت المال فقد ملكها وإن لم يعرف حال الشراء حملا على الصحة ولا خراج عليها بناء على ما مر من أنها لما مات ملاكها بلا ورثة عادت لبيت المال وسقط خراجها لعدم من يجب عليه فإذا باعها الإمام لم يجب على المشتري خراجها لقبض الإمام ثمنها وهو بدل عينها
وتقدم أيضا أنه لا عشر عليها أيضا وقدمنا ما في ذلك وحيث ملكها بالشراء صح وقفه لها وتراعى شروط وقفه
قال في التحفة المرضي سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما
وما ذكره الجلال السيوطي من أنه لا يراعى شروطه إن كان سلطانا أو أميرا وأنه يستحق ريعه من يستحق في بيت المال من غير مباشرة للوظائف فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان إياه من بيت المال كما لا يخفى اه
وحاصله أن ما ذكره السيوطي لا يخالف ما قلنا لأنه محمول على ما إذا لم يعرف شراء الواقف لها من بيت المال بل وصلت إليه بإقطاع السلطان لها أي بأن جعل له خراجها مع بقاء عينها لبيت المال فلم يصح وقفه لها ولا تلزم شروطه بخلاف ما إذا ملكها ثم وقفها كما قلنا
مطلب أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها قلت لكن بقي ما إذا لم يعرف شراؤه لها ولا عدمه والظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأنه لا يلزم من وقفه لها أنه ملكها ولهذا قال السيد الحموي في حاشية الأشباه قبيل قاعدة إذا اجتمع الحلال والحرام ما نصه
____________________
(4/183)
وقد أفتى علامة الوجود المولى أبو السعود مفتي السلطنة السليمانية بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو ترجع إليه وإذا كان كذلك يجوز الإحداث إذا كان المقرر في الوظيفة أو المرتب من مصاريف بيت المال اه
ولا يخفى أن المولى أبا السعود أدرى بحال أوقاف الملوك
ومثله ما سيذكره الشارح في الوقف عن المحبية عن المبسوط من أن السلطان يجوز له مخالفة الشرط إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع لأن أصلها لبيت المال اه يعني إذا كانت لبيت المال ولم يعلم ملك الواقف لها فيكون ذلك إرصادا لا وقفا حقيقة أي أن ذلك السلطان الذي وقفه أخرجه من بيت المال وعينه لمستحقيه من العلماء والطلبة ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال
مطلب على ما وقع للسلطان برقوق من إرادته نقض أوقاف بيت المال ولذا لما أراد السلطان نظام المملكة برقوق في عام نيف وثمانين وسبعمائة أن ينقض هذه الأوقاف لكونها أخذت من بيت المال وعقد لذلك مجلسا حافلا حضره الشيخ سراج الدين البلقيني والبرهان ابن جماعة وشيخ الحنفية الشيخ أكمل الدين شارح الهداية فقال البلقيني ما وقف على العلماء والطلية لا سبيل إلى نقضه لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك وما وقف على فاطمة وخديجة وعائشة ينقض ووافقه على ذلك الحاضرون كما ذكره السيوطي في النقل المستور في جواز قبض معلوم الوظائف بلا حضور
ثم رأيت نحوه في شرح الملتقى ففي هذا صريح بأن أوقاف السلاطين من بيت المال إرصادات لا أوقاف حقيقة وأن ما كان منها على مصاريف بيت المال لا ينقض بخلاف ما وقفه السلطان على أولاده أو عتقائه مثلا وأنه حيث كانت أرصادا لا يلزم مراعاة شروطها لعدم كونها وقفا صحيحا فإن شرط صحته ملك الواقف والسلطان بدون الشراء من بيت المال لا يملكه
وقد علمت موافقة العلامة الأكمل على ذلك وهو موافق لمامر عن المبسوط وعن المولى أبي السيعود ولما سيذكره الشارح في الوقف عن النهر من أن وقف الإقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت أرضا مواتا أو ملكا للإمام فأقطعها رجلا وهذا خلاف ما في التحفة المرضية عن العلامة قاسم من أن وقف السلطان لأرض بيت المال صحيح
قلت ولعل مراده أنه لازم لا يغير إذا كان على مصلحة عامة كما نقل الطرسوسي عن قاضيخان من أن السلطان لو وقف أرضا من بيت مال المسلمين على مصلحة عامة للمسلمين جاز
قال ابن وهبان لأنه إذا أبده على مصرفه الشرعي فقد منع من يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه اه
فقد أفاد أن المراد من هذا الوقف تأبيد صرفه على هذه الجهة المعينة التي عينها السلطان مما هو مصلحة عامة وهو معنى الإرصاد السابق فلا ينافي ما تقدم والله سبحانه أعلم
قوله ( بإذن الإمام ) قيد به لأن الإحياء يتوقف على إذنه
ط عن المنح
قوله ( كما مر ) أنه إذا قاتل مع المسلمين أو دلهم على الطريق يرضخ له
ط
قوله ( خراجي ) لأنه ابتداء وضع على الكافر وهو أليق به كما مر
قوله ( اعتبر قربه ) أي قرب ما أحياه إن كان إلى أرض الخراج أقرب كانت خراجية وإن كان إلى العشر أقرب فعشرية
نهر
وإن كانت بينهما فعشرية مراعاة لجانب المسلم
ط
وعند أبي يوسف واعتبر محمد الماء فإن أحياها بماء الخراج فخراجية وإلا فعشرية
بحر
وبالأول يفتى
د
منتقى
قوله ( ما قارب الشيء يعطى حكمه ) استئناف قصد به التعليل كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به وإن لم يكن ملكا له ولذا لا يجوز إحياء
____________________
(4/184)
ما قرب من العامر
بحر
قوله ( وكل منهما الخ ) تبع في هذا صاحب الدرر وهو مخالف لما في الهداية والتبيين والكافي وغيرها من أن اعتبار الماء فيما لو جعل المسلم داره بستانا
قال في الكافي لأن المؤنة في غير المنصوص عليه تدور مع الماء فإن كانت تسقى بماء بئر أو عين فهي عشرية وإن كانت تسقى بأنهار الأعاجم فخراجية ولو بهذا مرة وبهذا مرة فالعشر أحق بالمسلم اه
ومقتضاه أن المنصوص على أنه عشري كأرض العرب ونحوها أو على أنه خراجي كأرض السواد ونحوها لا يعتبر فيه الماء وعن هذا قال في الفتح بعد كلام والحاصل أن التي فتحت عنوة إن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ولو سقيت بماء المطر وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر وإن سقيت بماء الأنهر
وكل أرض لم تفتح عنوة بل أحياها مسلم إن كان يصل إليها ماء الأنهار فخراجية أو ماء عين ونحوه فعشرية وهذا قول محمد وهو قول أب يحنيفة اه
فتحصل أن الماء يعتب رفيما لو أحيا مسلم أرضا أو جعل داره بستانا بخلاف المنصوص على أنه عشري أو خراجي وقدمنا عن الدر المنتقى أن المفتى به قول أبي يوسف إنه يعتبر القرب وهو ما مشى عليه المصنف أولا كالكنز وغيره وقدمه في متن الملتقى فأراد ترجيحه على قول محمد
وقال ح وهو المختار كما في الحموي على الكنز عن شرح قراحصاري وعليه المتون واعتبار الماء قول محمد
قال في الشرنبلالية قوله وكل منهما الخ فيه مخالفة لقوله قبله وما أحياه مسلم يعتبر بقربه لأنه اعتبر الحيز ثمة وهنا اعتبر الماء وعلمت أن ذاك قول أبي يوسف وهذا قول محمد اه
قوله ( بماء العشر ) هو ماء السماء والبئر والعين والبحر الذي لا يدخل تحت ولاية أحد وماء الخراج هو ماء أنها حفرتها الأعاجم وكذا سيحون وجيحون ودجلة والفرات خلافا لمحمد
والحاصل أنه ما كان عليه يد الكفرة ثم حويناه قهرا وما سواه عشري وتمامه فيما قدمناه في باب العشر
مطلب في خراج المقاسمة قوله ( خراج مقاسمة الخ ) هذا إنما يوضع ابتداء على الكافر كالموظف فإذا فتح بلدة ومن على أهلها بأرضها له أن يضع الخراج عليها مقاسمة أو موظفا بخلاف ما إذا قسمها بين الجيش فإنه يضع العشر
قال الخير الرملي خراج المقاسمة كالموظف مصرفا وكالعشر ما أخذ إلا فرق فيه بين الرطاب والزرع والكرم والنخل المتصل وغيره فيقسم الجميع على حسب ما تطيق الأرض من النصف أو الثلث أو الربع أو الخمس وقد تقرر أن خراج المقاسمة كالعشر لتعلقه بالخارج ولذا يتكرر بتكرر الخارج في السنة وإنما بفارقه في المصرف فكل شيء يؤخذ منه العشر أو نصفه يؤخذ منه خراج المقاسمة وتجري الأحكام التي قررت في العشر وفاقا وخلافا فإذا علمت ذلك علمت ما يزرع في بلادنا وما يغرس فإذا غرس رجل في أرضه زيتونا أو كرما أو أشجارا يقسم الخارج كالزرع ولا شيء عليه قبل أن يطعم بخلاف ما إذا غرس في الموظف ولو أخذها مقاطعة على دراهم معينة بالتراضي ينبغي الجواز وكذا لو وقع على عداد الأشحار لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان ولأن تقدير خراج المقاسمة مفوض لرأي الإمام وكل من الأنواع الثلاثة يفعل في بلادنا
____________________
(4/185)
فبعض الأرض تقسم ثمار أشجارها ويأخذ مأذون السلطان منها ثلثا أو ربعا ونحوه وبعضها يقطع عليه دراهم معينة وبعضها بعد أشجارها ويأخذ على كل شجرة قدرا معينا وكل ذلك جائز عند الطاقة والرتاضي على أخذ شيء في مقابله خراج المقاسمة لمن يستحقه ولا شك أن أراضي بلادنا خراجية وخراجها مقاسمة كما هو مشاهد وتقديره مفوض إلى رأي الإمام اه
ويأتي تمام الكلام
قلت لكن مر أن المأخوذ الآن من أراضي مصر والشام أجرة لا عشر ولا خراج والمراد الأراضي التي صارت لبيت المال لا المملوكة أو الموقوفة كما قدمناه لكن هذه الأجرة بدل الخراج كما مر ويأتي
قوله ( يتعلق بالتمكن من الانتفاع ) بيان لكونه واجبا في الذمة أي أنه يجب في ذمته بمجرد تمكنه من الانتفاع بالأرض لا بعين الخارج حتى لو تمكن من الزراعة وعطلها وجب بخلاف ما لم يتمكن كما سيذكره المصنف
قوله ( كما وضع الخ ) تمثيل لخراج الوظيفة
قوله ( على السواد ) أي قرى العراق
قوله ( بذراع كسرى ) احترز عن ذراع العامة وهو ست قبضات
فتح
والقبضة أربع أصابع
قوله ( بالفدان ) بالتثقيل آلة الحرث ويطلق على الثورين يحرث عليهما في قران وجمعه فدادين وقد يخفف فيجمع على أفدنة وفدن
مصباح
والمراد هنا الأرض وهو في عرف الشام نوعان روماني وخطاطي ومساحة كل معروفة عند الفلاحين
قوله ( وعلى الأول المعول بحر ) وأصله في الفتح وقال إن الثاني يقتضي أن الجريب يختلف قدره في البلدان ومقتضاه أن يتحد الواجب مع اختلاف المقادير فإنه قد يكون عرف بلد فيه مائة ذراع وعرف أخرى فيبين خمسون ذراعا
قوله ( يبلغه الماء ) صفة لجريب قيد به لما يأتي من أنه لا خراج إن غلب الماء على أرضه أو انقطع وبه علم أن المراد الماء الذي تصير به الأرض صالحة للزراعة فصار كقول الكنز جريب صلح للزراعة
قوله ( صاعا ) مفعول وضع وهو القفيز الهاشمي الذي ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه كما في الهداية وغيره وهو ثمانية أرطال أربعة أمناء وهو صاع رسول الله وينسب إلى الحجاج فيقال صاع حجاجي لأن الحجاج أخرجه بعد ما فقد كما في ط عن الشلبي
قوله ( من بر أو شعير أي فهو بخير في إعطاء الصاع من الشعير أو البر كما في النهاية معزيا إلى فتاوى قاضيخان
والصحيح أنه مما يزرع في تلك الأرض كما في الكافي شرنبلالية ومثله في البحر
وبقي ما إذا عطلها والظاهر أن الإمام بخير
تأمل
قوله ( ودرهما ) هو وزن سبعة كما في الزكاة
بحر
وهو أن يكون وزنه أربعة عشر قيراطا
جوهرة قوله ( الرطبة ) بالفتح والجمع الرطاب وهي القثاء والخيار والبطيخ والباذنجان وما جرى مجراه والبقول غير الرطاب مثل الكراث
شرنبلالية
قوله ( متصلة ) يعني أنه يشترط في تلك الأشجار التي للعنب والتمر وغيرهما أن يكون متصلا بعضها ببعض بحيث لا يمكن أن يزرع بينها
أفاده في شرح الملتقى فلو كانت متفرقة في جوانب الأرض ووسطها مزورع فلا شيء فيها كما لا شيء في غرس أشجار غير مثمرة
بحر ط
وقوله فلا شيء فيها أي في الأشجار المتفرقة بل يجب في الأرض لأنها إذا كانت متفرقة فهي بستان فيجب بقدر الطاقة على ما يأتي أو الماد لا شيء فيها مقدر
تأمل
وقوله كما لا شيء في غرس الخ هذا إذا لم يقصد شغل أرضه بها فلو استنمى أرضه بقوائم الخلاف وما أشبهه أو القصب
____________________
(4/186)
أو الحشيش كان فيه العشر كما قدمناه في بابه عن البدائع وغيرها
تأمل
ضعفها أي ضعف الخمسة وهو عشرة دراهم لما فيه من الأثمار فإن كانت لم تثمر بعد ففيها خراج الزرع كما في الخانية
در
منتقى
قوله ( ولما سواه ) أي سوى ما ذكر من الأشباه الثلاثة الموظف عليها
قوله ( مما ليس فيه توظيف عمر ) قصد به إصلاح المتن فإن ظاهره أن الزعفران والبستان فيه توظيف عمر كما هو قضية العطف مع أنه ليس كذلك
قوله ( يحوطها ) أي يرعاها ويحفظها أو هو بتشديد الواو أي دار عليها حائط
قال في المصباح حاطه يحوطه حوطا رعاه وحوط حوله تحويطا أدار عليه نحو التراب حتى جعله محيطا له اه
قوله ( فلو ملتفة الخ ) في المصباح التف النبات بعضه ببعض اختلط
ثم اعلم أن حاصل ما ذكره من الفرق بين البستان والكرم هو أن ما كانت أشجار ملتفة فهو كرم وما كانت متفرقة فهو بستان وقد عزاه في البحر إلى الظهيرية ومثله في كافي النسفي ومق جريب الأرض التي فيها أشجار مثمرة بحيث لا يمكن زراعتها لم يذكر في ظاهر الرواية
وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا كان النخل ملتفا جعلت عليه الخراج بقدر ما يطيق ولا أزيد على جريب الكرم عشرة دراهم
قوله ( لأن التنصيف الخ ) علة لقوله وغاية الطاقة نصف الخراج فلا ينافي أنه يجوز النقص عنه فافهم
مطلب لا يحول خراج الموظف إلى خراج المقاسمة وبالعكس قوله ( فلا يزاد عليه في خراج المقاسمة ) ترك ما لم يوظف مع أن الكلام فيه فكان عليه أن يقول فلا يزاد عليه فيه ولا في خراج المقاسمة ولا في الموظف الخ
أفاده ح
قلت وقد يجاب بأن قوله والتنصيف الخ يفيد أنه يجوز وضع النصف أو الربع أو الخمس فيصير خراج مقاسمة لأنه جزء من الخارج وهو غير الموظف فقوله في خراج مقاسمة أراد به هذا النوع وقوله ولا في الموظف الخ أراد به النوع الأول فافهم
قوله ( ولا في الموظف على مقدار ما وظفه عمر ) وكذا إذا فتحت بلدة بعد عمر فأراد الإمام أن يضع على ما يزرع حنطة درهمين وقفيزا وهي تطيقه ليس له ذلك عند أبي حنيفة وهو الصحيح لأن عمر رضي الله تعالى عنه لم يزد لما أخبر بزيادة الطاقة
أفاد في البحر عن الكافي
قال ط وهذا نص صريح في حرمة ما أحدثه الظلمة على الأرض من الزيادة على الموظف ولو سلم أن الأراضي آلت لبيت المال وصارت
____________________
(4/187)
مستأجرة اه أي لما قدمناه عن التاترخانية من أن الإمام يدفعها للزراع بأحد طريقين إما بإقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج وإما بإجارتها لهم بقدر الخراج فقوله بقدر الخراج يدل على عدم الزيادة
قلت لكن المأخوذ الآن من الأراضي الشامية التي آلت إلى بيت المال بوجب البراءة والدفاتر السلطانية وكذا من الأوقاف شيء كثير فإن منها ما يؤخذ منه نصف الخارج ومنها الربع ومنها العشر والظاهر أنه خراج مقاسمة في أصل الوضع فيأخذ بقدره إذا صار بدل أجرة ولعل ما مر من التوظف كان على سواد العراق فقط والموضوع على الأراضي الشامية كان خراج مقاسمة فبقي المأخوذ قدره وقدمنا التصريح عن الخير الرملي بأنه خراج مقاسمة
قوله ( وإن أطاقت ) تعمتم لقوله ولا يزاد عليه الخ فيشمل ما لم يوظف كما صرح في قوله وغاية الطاقة نصف الخارج ويشمل خارج المقاسمة كما نص عليه في النهر وكذا الموظف من عمر رضي الله تعالى عنه كما في البحر
أو من إمام بعده كما مر فافهم
مطلب لا يلزم جميع خراج المقاسمة إذا لم تطق لكثرة المظالم قوله ( وجوازا عند الإطاقة ) اعلم أن قول المصنف وغيره وينقص مما وظف إن لم تطق يفهم منه أنها إن أطاقت لا ينقص منه وهو مخالف لما في الدراية من جواز النقصان عند الإطاقة
قال في النهر ولو قيل بوجوبه عند عدم الإطاقة وبجوازه عند الإطاقة لكان حسنا وعليه يحمل ما في الدراية فتدبره اه
وحينئذ فالمفهوم من قول المصنف إن لم تطق أنه لا يجب التنقيص عند الإطاقة فلا ينافي جوازه فقول الشارح وجوبا قيد لقول المصنف وينقص مما وظف لا لقوله في الشرح فينقص إلى نصف الخراج وقوله وجوازا عطف على وجوبا فكأنه قال وينقص وجوبا مما وظف إن لم تطق وجوازا إن أطاقت وهذا كلام لا غبار عليه وبه سقط ما قيل إن مقتضى هذا العطف أن الخارج من الكلام مثلا لو بلغ ألف درهم جاز أخذ خمسمائة ولا قائل به والمراد أنه إن بلغ الخارج ضعف الموظف أو أكثر جاز للإمام أن ينقص عن الموظف اه
ووجه السقوط أن هذا إنما يرد لو كان قوله وجوبا قيد لقوله فينقص إلى نصف الخارج فيصير معنى قوله وجواز أنه ينقص إلى نصف الخارج جوازا عند الإطاقة ولا موجب لهذا الحل فافهم
قوله ( وينبغي أن لا يزاد على النصف الخ ) هذا في خراج المقاسمة ولم يقيد به لانفهامه من التعبير بالنصف والخمس فإن خراج الوظيفة ليس فيه جزء معين
تأمل
قال في النهر وسكت عن خراج المقاسمة وهو إذ من الإمام عليهم بأراضيهم ورأى أن يضع عليهم جزءا من الخارج كنصف أو ثلث أو ربع فإنه يجوز ويكون حكمه حكم العشر ومن حكمه أن لا يزيد على النصف وينبغي أن لا ينقص عن الخمس
قاله الحدادي اه
وبه علم أن قول الشارح وينبغي مذكور في غير محله لأن الزيادة على النصف غير جائزة كما مر التصريح به في قوله ولا يزاد عليه وكأن عدم النقيص عن الخمس غير منقول فذكره الحدادي بحثا
لكن قال الخير الرملي يجب أن يحمل على ما إذا كانت تطيق فلو كانت قليلة الريع كثيرة المؤن ينقص إذ يجب أن يتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة كما في أرض العشر ثم قال وفي الكافي وليس للإمام أن يحول الخراج الموظف إلى خراج المقاسمة
أقول وكذلك عكسه فيما يظهر من تعليله لأنه قال لأن فيه نقص العهد وهو حرام اه
قلت صرح بالعكس القهستاني وقدمنا على الرملي أن المؤخوذ من الأراضي الشامية خراج مقاسمة وكتبنا أن ما صار منها لبيت المال تؤخذ أجرته بقدر الخراج ويكون المأخوذ في حق الإمام خراجا فحيث كان كذلك
____________________
(4/188)
تعتبر فيه الطاقة وبه يعلم أن ما يفعله أهل التيمار والزعامات من مطالبية أهل القرى بجميع ما عينه لهم السلطان على القرى كالقسم من النصف ونحوه طلم محض لأن ذلك المعين في الدفاتر السلطانية مبني على أنه كان لا يؤخذ من الزراع سوى ذلك القسم المعين والفاضل عنه يبقى للزراع والواقع في زماننا خلافه فإن ما يؤخذ منهم الآن ظلما مما يسمى بالذخائر وغيرها شيء كثير ربما يستغرق جميع الخارج من بعض الأراضي بل يؤخذ منهم ذلك وإن لم تخرج الأرض شيئا وقد شاهدنا مرارا أن بعضهم يتنزل عن أرضه لغيره بلا شيء لكثرة ما عليها من الظلم وحينئذ فمطالبته بالقسم ظلم على ظلم والظلم يجب إعدامه فلا يجوز مساعدة أهل التيمار على ظلمهم بل يجب أن ينظر إلى ما تطيقه الأراضي كما أفتى به الخير الرملي ونقل بعض الشراح عن شمس الأئمة من سيرة الأكاسرة إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة عوضوا له ما أنفقه في الزراعة من بيت مالهم وقالوا التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فإذا لم يعطه الإمام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج
قوله ( فعليه خراج الأرض ) كذا في البحر عن شرح الطحاوي
قال ط والأولى خراج الزرع كما نقله الشارح عن جميع الفتاوى في باب زكاة الأموال أي فيدفع صاعا ودرهما
قوله ( إلى أن يطعم ) بضم أوله وكسر ثالثه مبنيم للفاعل
قال في المصباح أطعمت الشجرة بالألف أدرك تمرها
قوله ( فعليه خراج الكرم ) أي دائما لأنه صار إلى الأدنى مع قدرته على الأعلى
قال في الفتاوى الهندية قالوا من انتقل إلى أخس الأمرين من غير عذر فعليه خراج الأعلى كمن له أرض الزعفران فتركه وزرع الحبوب فعليه خراج الزعفران وكذا لو كان له كرم فقطع وزرع الحبوب فعليه خراج الكرم وهذا شيء يعلم ولا يفتى به كي لا يطمع الظلمة في أموال الناس كذا في الكافي ح
قال في الفتح إذ يدعي كل ظالم أن أرضه كانت تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب اه
قوله ( وإذا أطعم ) معطوف عن قوله إلى أن يطعم قال في البحر وفي شرح الطحاوي لو أنيت أرضه كرما فعليه خراجها إلى أن يطعم فإذا أطعم فءن كان ضعف وظيفة الكلام ففيه وظيفة الكرم وإن كان أقل فنصفه إلى أن ينقص عن قفيز ودرهم فإن نقص فعليه قفيز ودراهم اه
والقفيز صاع كما مر وهذا بناء على أنها كانت للزراعة فلو للرطبة فالظاهر لزوم خمسة دراهم فلذا قال الشارح ولا ينقص عما كان
تأمل
قوله ( وكل ما يمكن الخ ) مكرر مع ما تقدم ح
قوله ( على المسناة ) قال في جامع اللغة المسناة العرم وهو ما يبنى للسيل ليرد الماء اه ح
وحاصله أنها ما يبنى حول الأرض ليرد السيل عنها وتسمى حافتا النهر مسناة أيضا والظاهر أن الحكم فيها كذلك لأن ذلك ليس محل الزرع فلا يسمى شاغلا للأرض فيكون تابعا لها
قوله ( قوم ) أراد باسم الجمع الاثنين مجازا بقرينة قوله أحدهما وواو الجمع في شروا باعتبار صورة اسم الجمع ج
قوله ( وفيها كرم ) أراد به الجنس كالذي بعده بقرينة الجمع فيما يأتي ح
قوله ( فشرى ) عطف على شروا عطف مفصل على مجمل ح
قوله ( فلو معلوما ) أي علم حصة الكروم وحصة الأراضي من الخراج المأخوذ
قوله ( وإلا كأن كان جملة ) في بعض النسخ بأن كان جملة أي بأن كان خراج الضيعة يؤخذ جملة من غير بيان لحصة الكروم وحصة الأراضي
____________________
(4/189)
قوله ( فإن لم تعرف الخ ) يعني لم يعرف أحد أن الكروم كانت أراضي ولا أن الأراضي كانت كروما ح
قوله ( قسم بقدر الحصص ) أي ينظر إلى خراج الكروم والأراضي فإذا عرف ذلك يقسم جملة خراج الضيعة عليها على قدر حصصها
ح عن الخانية
قلت والظاهر أن المراد أن ينظر إلى خراجهما خراج وظيفة بأن ينظركم جريبا فيهما فإذا بلغ خراج الكروم مائة درهم مثلا وخراج الأراضي مائتين يقسم جملة خراج الضيعة عليها ثلاثة ثلثه على الكروم وثلثاه على الأراضي
قرية المراد أهلها فلذا قال خراجهم
قوله ( إن لميعلم الخ ) أي إن كان لا يعلم أن خراج أراضيهم كان على التساوي أم لا ترك كما كان
تنبيه في الخيرية سئل في المسجد قرية له أرض لم يعرف عليها خراج من قديم الزمان ويريد السباهي المتكلم على القرأن أن يأخذ عليها خراجا
أجاب ليس له ذلك والقديم يبقى على قدمه وحمل أحوال المسلمين على الصلاح واجب
قوله ( ولا خراج الخ ) أي خراج الوظيفة وكذا خراج المقاسمة والعشر بالأولى لتعلق الواجب بعين الخارج فيهما ومثل الزرع والرطبة والكرم ونحوهما
خيرية
قوله ( ما يمكن الزرع فيه ثانيا ) قال في الكبرى والفتوى أنه مقدر بثلاثة أشهر
نهر
ويمكن احتراز عنها خرج ما لا يمكن كالجراد كما في البزازية
قوله ( كأنعام ) وكقردة وسباع ونحو ذلك
بحر
قوله ( وفأر ودودة ) عبارة ومنه يعلم أن الدودة والفأرة إذا أكلا الزرع لا يسقط الخراج اه
قلت لا شك أنهما مثل الجراد في عدم إمكان الدفع وفي النهر لا ينبغي التردد في كون الدودة آفة سماوية وأنه لا يمكن الاحتراز عنها
قال الخيرالرملي وأقول إن كان كثيرا غالبا لا يمكن دفعه بحيلة يجب أن يسقط به وإن أمكن دفعه لا يسقط هذا هو المتعين للصواب
قوله ( أو هلك الخارج بعد الحصاد ) مفهومه أنه لو هلك قبله يسقط الخراج لكن يخالفه التفصيل المذكور فيما لو أصاب الزرع آفة فإن الزرع اسم للقائم في أرضه فحيث وجب الخراج بهلاكه بآفة يمكن الاحتراز عنها علم أنه يجب قبل الحصاد إلا أن يحمل الهلاك هنا على ما إذا كان بما لا يمكن الاحتراز عنه فتندفع المخالفة
وقدمنا في باب العشر من الزكاة الاختلاف في وقت وجوبه
فعنده يجب عند ظهور الثمرة والأمن عليها من الفساد وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدا ينتفع به وعند الثاني عند استحقاق الحصاد وعند الثالث إذا حصدت وصارت في الجرين فلو أكل منها بعد بلوغ الحصاد قبل أن تحصد ضمن عندهما لا عند محمد ولو بعد ما صارت في الجرين لا يضمن إجماعا ومر تمامه هناك
قوله ( وقبله يسقط ) أي إلا إذا بقي من السنة ما يتمكن فيه من الزراعة كما يأخذ مما سلف ط
قال الخيرالرملي ولو هلك الخارج في خراج المقاسمة قبل الحصاد أو بعده فلا شيء عليه لتعلقه بالخارج حقيقة وحكمه حكم الشريك شركة الملك فلا يضمن إلا بالتعدي فاعلم ذلك فإنه مهم ويكثر وقوعه في بلادنا
وفي الخانية ما هو صريح في سقوطه في حصة رب الأرض بعد الحصاد ووجوبه عليه في حصة الأكار معللا بأن الأرض في حصته بمنزلة المستأجرة اه
قوله ( إن فضل عما أنفق ) ينبغي
____________________
(4/190)
أن يلحق بالنفقة على الزرع ما يأخذه الأعراب وحكم السياسة ظلما كما يعلم مما قدمناه
قوله ( أخذ منه مقدار ما بينا ) أي إن بقي ضعف الخراج كدرهمين وصاعين يجب الخراج وإن بقي أقل من مقدار الخراج يجب نصفه وأشار الشارح إلى هذا بقوله وتمامه في الشرنبلالية فإنه مذكور فيها
أفاده ح
قوله ( مصنف
سراج ) على حذف العاطف أو على معنى مصنف عن السراج
قوله ( وكذا حكم الإجارة ) أي لو استأجر أرضا فغلب عليها الماء أو انقطع لا تجب الأجرة وأما لو أصاب الزرع آفة فإنما يسقط أجرة ما بقي من السنة بعد الهلاك لا ما قبله لأن الأجرة يجب بإزاء المنفعة شيئا فشيئا فيجب أجر ما استوفى لا غيره فيفرق بين هذا وبين الخراج فإنه يسقط كما في البحر عن الولوالجية
قلت لكن في إجارة البزازية عن المحيط الفتوى على أنه إذا بقي بعد هلاك الزرع مدة لا يتمكن من الزراعة لا يجب الأجر وإلا يجب إذا تمكن من زراعته مثل الأول أو دونه فيالضرر وكذا لو منعه غاصب اه
والخراج كذلك كما علمت
قوله ( فإن عطلها صاحبها ) أي عطل الأرض الصالحة للزراعة
در
منتقى
قلت في الخانية له في أرض الخراج أرض سبخة لا تصلح للزراعة أو لا يصلها الماء إن أمكنه إصلاحها ولم يصلح فعليه الخراج وإلا للا اه
ومن التعطيل من وجه ما لو زرع الأخس مع قدرته على الأعلى كما مر
قلت ويستثنى من التعطيل ما ذكره في الإسعاف في فصل أحكام المقابر والربط لو جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا سقط الخراج عنه وقيل لا يسقط والصحيح هو الأول اه
وعليه مشى في المنظومة المحبية
مطلب فيما لو عجز المالك عن زراعة الأرض الخراجية وبقي ما لو عجز مالكها عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه فللإمام أن يدفعها لغيره مزارعة ليأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي لمالك وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة وإن شاء زرعها من بيت المال فإن لم يتمكن باعها وأخذ الخراجمن ثمنها
قال في النهاية وهذا بلا خلاف لأنه من باب صرف الضرر العام بالضرر الخاص
وعن أبي يوسف يدفع للعاجز كفايته من بيت المال قرضا ليعمل فيها
زيلعي
وفي الذخيرة لو عادت قدرة مالكها ردها الإمام عليه إلا في البيع
قوله ( يجب الخراج ) أما في التعطيل فلأن التقصير جاء من جهته وأما فيما بعده فلأن الهراج فيه معنى المؤنة فإمكن إبقاؤه على المسلم وقد صح أن الصحابة اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها وتمامه في الفتح
قوله ( لا يجب شيء ) لأنه إذا منع ولم يقدر على دفعه لم يتمكن من الزراعة ولأن خراج المقاسمة يتعلق بعين الخارج مثل العشر فإذا لم يزرع مع القدرة لو يوجد الخارج بخلاف خراج الوظيفة لأنه يجب في الذمة بمجرد التمكن من الزراعة
مطلب لو رحل الفلاح من قرية لا يجبر على العود قوله ( وقد علمت الخ ) حاصله دفع ما يتوهم من قولهم لو عطلها صاحبها يجب الخراج أنه لو ترك الزراعة لعذر أو لغيره أو رحل من القرية يجبر على الزراعة والعود وليس كذلك أما أولا فلما علمت من قولهم إن الإمام
____________________
(4/191)
يدفعها لغيره مزارعة أو بالأجرة أو يبيعها ولم يقولوا بإجبار صاحبها وأما ثانيا فلما مر من أن الأراضي الشامية خراجها مقاسمة لا وظيفة فلا يجب بالتعطيل أصلا وأما ثالثا فلأنها لما صارت لبيت المال صار المأخوذ منها أجرة بقدر الخراج والأجرة لا تلزم هنا بدون التزام إما بعقد الإجارة أو بالزراعة
قال الخير الرملي في حاشية البحر أقول رأيت بعض أهل العلم أفتى بأنه إذا رحل الفلاح من قريته ولزم خراب القرية برحيله أنه يجبر على العود وربما اغتر به بعض الجهلة وهو محمول على ما إذا رحل لا عن ظلم وجور ولا عن ضرورة بل تعنتا وأمر السلطان بإعادته للمصلحة وهي صيانة القرية عن الخراب ولا ضرر عليه في العود وأما ما يفعله الظلمة الآن من الإلزام بالرد إلى القرية مع التكاليف الشاقة والجور المفرط فلا يقول به مسلم وقد جعل الحصني الشافعي في ذلك رسالة أقام بها الطامة على فاعل ذلك فارجع إليها إن شئت اه
قوله ( كي لا يتجرى الظلمة ) قال في العناية ورد بأنه كيف يجوز الكتمان وأنهم لو أخذوا كان في موضعه لكونه واجبا أجيب بأنا لو أفتينا بذلك لادعى كل ظالم في أرض ليس شأنها ذلك أنها قبل هذا كانت تزرع الزعفران فيأخذ خراج ذلك وهو ظلم وعدوان اه
قوله ( باع أرضا خراجية الخ ) هذا إذا كانت فارغة لكن اختلفوا في اعتبار ما يتمكن المشتري من زراعته فقيل الحنطة والشعير وقيل أي زرع كان وفي أنه هل يشترط إدراك الربع بكماله أو لا
وفي واقعات الناطفي أن الفتوى على تقديره بثلاثة أشهر وهذا منه اعتبار لزرع الدهن وإدراك الريع فإن ريع الدهن يدرك في مثل هذه المدة
وأما إذا كانت الأرض مزروعة فباعها مع الزرع فإن كان قبل بلوغه فالخراج على المشتري مطلقا وإن بعد بلوغه وانعقاد حبه فهو كمالو باعها فارغة ولو كان لها ريعان خريفي وربيعي وسلم أحدهما للبائع والآخر للمشتري فالخراج عليهما ولو تداولتها الأيدي ولم تمكث في ملك أحدهما ثلاثة أشهر فلا خراج على أحد اه
من التاترخانية ملخصا
قوله ( عناية ) لم أجده فيها وإنما عزاه في البحر إلى البناية وهي شرح الهداية للعيني
قوله ( ولا يؤخذ العشر الخ ) أي لو كان له أرض خراجها موظف لا يأخذ منها عشر الخارج وكذا لو كان خراجها مقاسمة من النصف ونحوه وكذا لو كانت عشرية لا يؤخذ منها خراج لأنهما لا يجتمعان ولذا لم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين وإلا لنقل وتمامه في الفتح
قوله ( ولا يتكرر الخراج الخ ) قال في الفتح فالخراج له شدة من حيث تعلقه بالتمكن وله خفة باعتبار عدم تكرره في السنة ولو زرع فيها مرارا والعشر له شدة وهو تكرره بتكرر خروج الخارج وخفة بتعلقه بعين الخارج فإذا عطلها لا يؤخذ شيء اه
قلت ومن ذلك أن الخراج يسقط بالموت وبالتداخل كالجزية وقيل لا كالعشر وسيأتي تمام الكلام عليه
____________________
(4/192)
في الفصل الآتي
قوله ( أو وهبه له ) بأن أخذه منه ثم أعطاه إياه
قوله ( عند الثاني ) أي عند أبي يوسف
وقال محمد لا يجوز
بحر
ولم يظهر لي وجه قول محمد إن كان مرادة أنه لا يجوز ولو كان مصرفا للخراج
قوله ( وحل له لو مصرفا ) أعاده لأن قوله جاز أي جاز ما فعله السلطان بمعنى أنه لا يضمن ولا يلزم من ذلك حله لرب الأرض
وفي القنية ويعذر في صرفه إلى نفسه إن كان مصرفا كالمفتي والمجاهد والمعلم والمتعلم والذاكر والواعظ عن علم ولا يجوز لغيرهم وكذا إذا ترك عمال السلطان الخراج لأحد بدون علمه اه
قوله ( خلاف المشهور ) أي مخالف لما نقله العامة عن أبي يوسف نهر
قوله ( لا يجوز إجماعا ) لعل وجهه أن العشر مصرفه مصرف الزكاة لأنه زكاة الخارج ولا يكون الإنسان مصرفا لزكاة نفسه بخلاف الخراج فإنه ليس زكاة ولذا يوضع على أرض الكافر هذا ما ظهر لي
تأمل
قوله ( معزيا للبزازية ) وذلك حيث قال وفي البزازية السلطان إذا ترك العشر لمن هو عليه جاز غنيا كان أو فقيرا لكن إن كان المتروك له فقيرا فلا ضمان على السلطان وإن كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة اه
قلت وينبغي حمله على ما إذا كان الغني من مستحقي الخراج وإلا فينبغي أن يضمن السلطان ذلك من ماله
تأمل
وقدمنا في باب العشر عن الذخيرة مثل ما في البزازية
وقال في الدر المنتقى ثم رأيت في البرجندي في بيان مصرف الجزية وكذا لو جعل العشور للمقاتلة جاز لأنه مال حصل بقوتهم اه
فليحفظ
وليكن التوفيق اه أي بحمل القول بالمنع على غير المقاتلة والقول بالجواز عليهم
قلت لكن قوله لو جعل العشور للمقاتلة ليس صريحا في جعل عشور أراضيهم
تأمل
قوله ( وفي النهر ) من هنا إلى قوله وفي الأشباه من كلام النهر
قوله ( يعلم من قول الثاني ) أي بجواز ترك الخراج وهبته لمن هو مصرف له
مطلب في أحكام الإقطاع من بيت المال قوله ( حكم الاقطاعات الخ ) قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في كتاب الخراج وللإمام أن يقطع كل موات وكل ما ليس فيه ملك لأحد ويعمل بما يرى أنه خير للمسلمين وأعم نفعا
وقال أيضا وكل أرض ليست لأحد ولا عليها أثر عمارة فأقطعها رجلا فغمرها فإن كانت في أرض الخراج أدى عنها الخراج وإن كانت عشرية ففيها العشر
وقال في ذكر القطائع إن عمر اصطفى أموال كسرى وأهل كسرى وكل من فر عن أرضه أو قتل في المعركة وكل مفيض ماء أو أجمة فكان عمر يقطع من هذا لمن أقطع
قال أبو يوسف وذلك بمنزلة بيت المال الذي لم يكن لأحد ولا في يد وارث فللإمام العادل أن يجيز منه ويعطي من كانله عناء في الإسلام ويضع ذلك موضعه ولا يحابي به فكذلك هذه الأرض فهذا سبيل القطائع عند في أرض العراق وإنما صارت القطائع يؤخذ منها العشر لأنها بمنزلة الصدقة اه
قلت وهذا صريح في أن القطائع قد تكون من الموت وقد تكون من بيت المال لمن هو من مصارفه وأنه يملك رقية الأرض ولذا قال يؤخذ منها العشر لأنها بمنزلة الصدقة ويدل له قوله أيضا وكل من أقطعه
____________________
(4/193)
الولاة المهديون أرضا من أرض السواد وأرض العرب والجبال من الأصناف التي ذكرنا أن للإمام أن يقطع منها فلا يحل لمن بعده من الخلفاء أن يرد ذلك ولا يخرجه من يد من هو في يده وارث أو مشتر ثم قال والأرض عندي بمنزلة المال فللإمام أن يجيز من بيت المال من له عناء في الإسلام ومن يقوى به على العدو ويعمل في ذلك بالذي يرى أنه خير للمسلمين وأصلح لأمرهم وكذلك الأرضون يقطع الإمام منها من أحب من الأصناف اه
فهذا يدل على أن للإمام أن يعطي الأرض من بيت المال على وجه التمليك لرقبتها كما يعطي المال حيث رأى المصلحة إذ لا فرق بين الأرض والمال في الدفع للمستحق فاغتنم هذه الفائدة فإني لم أر من صرح بها وإنما المشهور في الكتب أن الإقطاع تمليك الخراج مع بقاء رقبة الأرض لبيت المال
قوله ( وحينئذ ) أي حين إذا كانت رقبتها ببيت المال وهذا ظاهر وأما إذا كانت رقبتها للمقطع له كما قلنا فلا شك في صحة بيعه وغيره
مطلب في إجارة الجندي ما أقطعه له الإمام قوله ( نعم له إجازته الخ ) قال ابن نجيم في رسالته في الإقطاعات وصرح الشيخ قاسم في فتوى رفعت له بأن للجندي أن يؤجر ما أقطعه له الإمام ولا أثر لجواز إخراج الإمام له أثناء المدة كما لا أثر لجواز موت المؤجر في أثناء المدة وللا لكونه ملك منفعة لا في مقابلة مال لاتفاقهم على أن من صولح على خدمة عبد سنة كان للمصالح أن يؤجره إلى غير ذلك من النصوص الناطقة بإبحار ما ملكه من المنافع لا في مقابلة مال فهو نظير المستأجر لأنه ملك منفعة الإقطاع بمقابلة استعداده لما أعد له وإذا مات المؤجر أو أخرج الإمام الأرض عن المقطع تنفسخ الإجارة لانتقال الملك إلى غير المؤجر كما لو انتقل الملك في النظائر التي خرج عليها إجارة الإقطاع وهي إجارة المستأجر وإجارة العبد الذي صولح على خدمته مدة وإجارة الموقوف عليه الغلة وإجارة العبد المأذون وإجارة أم الولد اه
تنبيه المراد بهذه الإجارة إجارة الأرض للزراعة لكن إذا كان للأرض زراع واضعون أيديهم عليها ولهم فيها حرث وكيس ونحوه مما يسمى كردارا ويؤدون ما عليها لا تصح إجارتها لغيرهم أما إذا لم يكن لها زارع مخصوصون بل يتواردها أناس بعد آخرين ويدفعون ما عليها من خراج المقاسمة فله أن يؤجرها لمن أراد لكن الواقع في زماننا المستأحر يستأجرها لأجل أخذ خراجها لا للزارعة ويسمى ذلك التزاما وهو غير صحيح كما أفتى به الخير الرملي في كتاب الوقف وكذا في كتاب الإجارة في عدة مواضع فراجعه
قوله ( وانتقل من أقطع له في زمن سلطان آخر ) كذا في عبارة النهر والظاهر أن ثقوله انتقل بمعنى مات ولو عبر به لكان أولى
قوله ( هل يكون لأولاده ) أي هل تصير الأرض لأولاد المقطع له عملا يقول السلطان ولأولاده فإنه بمعنى إن مات عن أولاد فلأولاده من بعده فهو تعليق معنى
مطلب في بطلان التعليق بموت المعلق قوله ( ومقتضى قواعدهم الخ ) حاصل الجواب أنها لا تكون لأولاده لبطلان التعليق المذكور بموت السلطان المعلق
____________________
(4/194)
مطلب في صحة تعليق التقرير في الوظائف قال في الأشباه من كتاب الوقف يصح تعليق التقرير في الوظائف أخذا من تعليق القضاء والإمارة بجامع الولاية فلو مات المعلق بطل التقرير فإذا قال القاضي إن مات فلان أو شغرت وظيفة كذا فقد قررتك فيها صح وقد ذكره في أنفع الوسائل تفقها وهو فقه حسن اه
أقول قدم الشارح في فضل كيفية القسمة في التنفيل أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا وإن مات الوالي أو عزل ما لم يمنعه الثاني ومقتضى هذا أن التعليق لا يبطل لموت المعلق فإن قوله من قتل قتيلا فله سلبه فيه تعليق استحقاق السلب على القتل لكن قدمنا هناك عن شرح السير الكبير خلافه وهو أنه يبطل التنفيل بعزل الأمير وكذا بموته إذا نصب غيره من جهة الخليفة لا من جهة العسكر
قوله ( ولو أقطعه السلطان أرضا مواتا ) أي من أراضي بيت المال حيث كان المقطع له من أهل الاستحقاق فيملك رقبتها كما قدمناه أو من غير بيت المال والمراد بإقطاعه أنه له من أهل الاستحقاق فيملك رقبتها كما قدمناه أو من غير بيت المال والمراد بإقطاعه أنه له بإحيائها على قول أبي حنيفة من اشتراط إذنه بصحة الإحياء وهذا لا يختص بكون المحيي مستحقا من بيت المال بل لو كان ذميا ملك ما أحياه
قوله ( أو ملكها السلطان ) أي بإحياء أو شراء من وكيل بيت المال
قوله ( ثم أقطعها له ) يعني وهبها له
قوله ( جاز وقفه لها ) وكذا بيعه ونحوه لأنه ملكها حقيقة
قوله ( والإرصاد الخ ) الرصد الطريق ورصدته رصدا من باب قتل قعدت له على الطريق وقعد فدن بالمرصد كجعفر وبالمرصاد بالكسر وبالمرتصد أيضا أي بطريق الارتقاب والانتظار وربك لك بالمرصاد أي مراقبك فلا يخفى عليه شيء من فعالك ولا تفوته
مصباح
ومنه سمى إرصاد السلطان بعض القرى والمزارع من بيت المال على المساجد والمدارس ونحوها لمن يستحق من بيت المال كالقراء والأئمة والمؤذنين ونحوهم كأن ما أرصده قائم على طريق حاجاتهم يراقبها وإنما لم يكن وقفا حقيقة لعدم ملك السلطان له بل هو تعيين شيء من بيت المال على بعض مستحقيه فلا يجوز لمن بعده أن يغيره ويبدله كما قدمنا ذلك مبسوطا
قوله ( بصحة إجارة المقطع ) تقدم آنفا وذكرنا عبارة العلامة قاسم والله سبحانه أعلم
فصل في الجزية هذا هو الضرب الثاني من الخراج وقدم الأول لقوته وإن أسلموا بخلاف الجزية أو لأنه الحقيقة إذ هو المتبادر عند الإطلاق ولا يطلق على الجزية إلا مقيدا أي فيقال خراج الرأس وهذا أمارة المجاز وبنيت على فعلة دلالة على الهيئة التي هي الإذلال عند الإعطاء
نهر
وتسمى جالية من جلوت عن البلد يجدء بالفتح والمد خرجت وأجليت مثله والجالية الجماعة ومنه قيل لأهل الذمة الذين جلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب الجالية ثم نقلت الجالية إلى الجزية التي أخذت منهم ثم استعملت في كل جزية تؤخذ
وإن لم يكن صاحبها أجلى عن وطنه
____________________
(4/195)
فقيل استعمل فلان على الجالية والجمع الجوالي
مصباح
فإطلاقها على الجزية مجاز بمرتبتين
قوله ( لأنها جزت عن القتل ) أي قضت وكفت عنه فإذا قبلها سقط عنه القتل
بحر
أو لأنها وجبت عقوبة على الكفر كما في الهداية
قال في الفتح ولهذا سميت جزية وهي والجزاء واحد وهو يقال على ثواب الطاعة وعقوبة المعصية
قوله ( والجمع جزي ) وفي لغة جزيات مصباح
قوله ( لا يقدر ولا يغير ) أي لا يكون له تقدير من الشارع بل كل ما يقع الصلح عليه يتعين ولا يغير بزيادة ولا نقص
درر
وذلك كما صالح عليه الصلاة والسلام أهل نجران وهم قوم نصارى بقرب اليمن على ألفي حلة في العام وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب على أن يؤخذ من كل واحد منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم من المال الواجب فلزم ذلك وتقدم تفصيله في الزكاة فتح
قوله ( وما وضع بعد ما قهروا الخ ) هذا الوضع والتقدير لا يشترط فيه رضاهم كما في الفتح
قوله ( على فقير معتمل ) ظاهره أن القدرة على العمل شرط في حق الفقير فقط لقوله الآتي وفقير غير معتمل وليس كذلك بل هو شرط في حق الكل ولذا قال في البناية وغيرها لا يلزم الزمن منهم وإن كان مفرطا في اليسار وكذا لو مرض نصف السنة كما في شرح الزيلعي فلو حذف الفقير لكان أولى
بحر أي لو حذفه من قوله الآتي فيمن لا يوضع عليه الجزية وفقير غير معتمل بأن يقول وغير معتمل ليشمل الفقير وغيره لا من قوله هنا على فقير معتمل كما فهمه في النهر فاعترضه بأنه لو اقتصر على قوله ومعتمل لما أفاد اشتراط القدرة على العمل في حق الغني كيف وقد قابله اه
قلت الاعتمال الاضطراب في العمل وهو الاكتساب والمراد القدرة عليه حتى لو لم يعمل مع قدرته وجبت كمن عطل الأرض كما في الفتح
وقال قيد بالاعتمال لأنه لو كان مريضا في نصف السنة فصاعدا لا يجب عليه شيء اه
وبه ظهر أن التقييد بالمعتمل هنا واقع في محله وأن قوله الآتي لا توضع على زمن وأعمى وفقير غير معتمل تصريح بمفهوم القيد هنا وأن عطف الفقير والأعمى على الزمن عطف خاص على عام لأن المراد بالزمن العاجز فلو اقتصر عليه لأغناه لشموله الفقير وغيره وقد يقال إن غير المعتمل أعم لأنه يشمل ما إذا كان سالم الآلات صحيح البدن لكنه لا يقدر على الكسب لخرقه وعدم معرفته معرفة يكتسب منها وعلى هذا فتكون القدرة على العمل شرطا في الفقير فقط إذ لا شك أن غير الفقير توضع عليه إذا كان صحيحا غير زمن ولا أعمى وإن لم يكن معتملا بهذا المعنى المذكور فيتعين تفسير غير المعتمل بما ذكرنا ليندفع الاستدراك على عبارات المتون ثم رأيت في القهستاني ما يؤيده حيث قال وفيه إشارة إلى أن الفقير هو الذي يعيش بكسب يده في كل يوم فلو فضل على قوته وقوت عياله أخذت منه وإلا فلا وإلى أن غيره من لا حاجة له إلى الكسب للنفقة في الحال
قوله ( وهذا للتسهيل الخ ) الإشارة إلى قوله في كل شهر درهم وقوله في كل شهر درهمان وقوله في كل شهر أربعة وفي القهستاني عن المحيط إنها تجب في أوله عندهم لأنها جزاء القتل وبعقد الذمة يسقط الأصل فوجب خلفه في الحال إلا أنه يخاطب بأداء الكل عنده في آخر الحول تخفيفا وبأداء قسط شهرين عند أبي يوسف آخرهما وقسط شهر عند محمد في آخره اه
ومثله في التاترخانية فما ذكره الشارح تبعا للهداية قول محمد
____________________
(4/196)
والحاصل أنها تجب في أول العام وجوبا موسعا كالصلاة وإنما يجب الأداء في آخره أو في آخر كا شهرين أو شهر للتهسيل والتخفيف عليه
قوله ( واعتبر أبو جعفر العرف حيث قال ينظر إلى عادة كل بلد في ذلك ألا ترى أن صاحب خمسين ألفا يبلغ يعد من المكثرين وفي البصرة وبغداد لا يعد مكثرا
وذكره عن أبي نصر محمد بن سلام
فتح
قوله ( وهو الأصح ) صححه في الولوالجية أيضا
قال في الدر المنتقى والصحيح في معرفة هؤلاء عرفهم كما في الكرماني وهو المختار كما في الاختيار وذكره القهستاني واعترف في المنح تبعا للبحر بأنه أي التجديد لم يذكر في ظاهر الرواية ولا يخفى أن الأول أي اعتبار العرف أقرب لرأي صاحب المذهب وأقره في الشرنبلالية
وفي شرح المجمع وغيره ويبنغي تفويضه للإمام أي كما هو رأي الإمام وفي التاترخانية إنه الأصح فتبصر اه يعني أن رأي الإمام أن المقدرات التي لم يرد بها نص لا تثبت بالرأي بل تفوض إلى رأي المبتلي كما قال في الماء الكثير وفي غسل النجاسة وغير ذلك
قوله ( ويعتبر وجود هذه الصفات في آخر السنة الخ ) قال في البحر وينبغي اعتبارها في أولها لأنه وقت الوجوب اه
ورده في النهر بأنهم اعتبروا وجودها في آخرها لأنه وقت وجوب الأداء ومن ثم قالوا ولو اعتبر الأول لوجب إذا كان في أولها غنيا فقيرا في أكثرها أن يجب جزية الأغنياء وليس كذلك نعم الأكثر كالكل اه
واعترضه محشي مسكين بأن ما أورده على اعتبار الأول مشترك الإلزام إذ هو وارد أيضا على اعتبار الآخر لاقتضائه وجوب جزية الأغنياء إذا كان غنيا في آخرها فقيرا في أكثرها اه
قلت وحاصله أنه إذا كان المعتبر الوصف الموجود في أكثر السنة فلا فرق بين كونه في أولها أو آخرها وعلى هذا فمن اعتبر آخرها أراد إذا كان ذلك الوصف موجودا في أكثرها وعلى هذا فلا اعتبار لخصوص الأول أو الآخر لكن سيذكر المصنف أن المعتبر في الأهلية وعدمها وقت الوضع بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث توضع عليه
وحاصله على وجه يحصل به التوفيق بينه وبين اعتبار أكثر السنة أن من كان من أهلها وقت الوضع وضعت عليه وذلك بأن يكون حرا مكلفا وإلا لم توضع عليه وإن صار أهلا بعده كما سيأتي ومن كان أهلا وقت الوضع لكن قام به عذر لم توضع عليه إلا إذا زال العذر بعده كالفقير إذا أيسر والمريض إذا صح لكن بشرط أن يبقى من السنة أكثرها وعلى هذا فيعتبر أول السنة لتعرف الأهل من غيره وبعد تحقق الأهلية لا يعتبر أولها في حق تغير الأوصاف بل يعتبر أكثرها فيه كما إذا كان مريضا في أولها فإن صح بعده وجبت وإلا فلا وكذا لو كان فقيرا غير معتمل ثم صار فقيرا معتملا أو متوسطا أو غنيا في أكثرها وعلى هذا يحمل ما في الولوالجية وغيرها من أن الفقير لو أيسر في آخر السنة أخذت منه اه أي إذا أيسر أكثرها وعلى هذا عكسه بأن كان غنيا في أولها فقيرا في آخرها اعتبر ما وجد في أكثرها لكن ما مر من أنه يؤخذ في كل شهر قسط يؤخذ ممن كان غنيا في أولها شهرين مثلا قسط شهرين دون الباقي لما في القهستاني عن المحيط يسقط الباقي في جزية السنة إذا صار شيخا كبيرا أو فقيرا أو مريضا نصف سنة أو أكثرها اه
وأشار إلى أن ما نقص عن نصف سنة لا يجعل عذرا ولذا قال في الفتح إنما يوظف على المعتمل إذا كان صحيحا في أكثر السنة وإلا فلا جزية عليه لأن الإنسان لا يخلو عن قليل مرض فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام اه
هذا ما ظهر لي
____________________
(4/197)
في تحير هذا المحل والله تعالى أعلم
قوله ( وتوضع على كتابي ) أي ولو عربيا
فتح
والكتابي من يعتقد دينا سماويا أي منزلا بكتاب كاليهود والنصاري
قوله ( السامرة ) فاعل يدخل وهم فرقة من اليهود وتخالف اليهود في أكثر الأحكام ومنهم السامري الذي وضع العجل وعبده مصباح
قوله ( والأرمن ) نسبة على خلاف القياس إلى أرمينية بكسر الهمزة والميم بينهما راء ساكنة وبفتح الياء الثانية بعد النون وهي ناحية بالروم كما في المصباح
قوله ( تؤخذ منهم عنده خلافا لهما ) أي بناء على أنهم من النصارى أو من اليهود فهم من أهل الكتاب عنده وعندهما يعبدون الكواكب فليسوا من الكتابيين بل كعبدة الأوثان كما في الفتح والنهر
قال ح أقول ظاهر كلامهم إن الصائبة من العرب إذ لو كانوا من العجم لما تأتى الخلاف لما علمت أن العجمي تؤخذ منه الجزية لو مشركا اه
قلت ويؤيده ما نقله السائحاني عن البدائع من أنه عندهما تؤخذ منهم الجزية إذا كانوا من العجم لأنهم كعبدة الأوثان اه
قوله ( ومجوسي ) من يعبد النار
فتح
قوله ( على مجوس هجر ) بفتحتين
قال في الفتح بلدة في البحرين اه
وفي المصباح وقد أطلقت على ناحية بلاد البحرين وعلى جميع الأقاليم وهو المراد بالحديث اه
وفيه أيضا البحران على لفظ التثنية موضع بين البصرة وعمان وهو من بلاد نجد
قوله ( ووثني عجمي ) الوثن ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له والصنم ما كان على صورة الإنسان والصليب ما لا نقش له ولا صورة ولكنه يعبد
منح
عن السراج ومثله في البحر لكن ذكر قبله الوثن ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت والجمع أوثان وكانت العرب تنصبها وتعبدها اه
وفي المصباح الوثن الصنم سواء كان من خشب أو حجر أو غيره اه
والعجمي خلاف العربي
قوله ( لجواز استرقاته الخ ) وإنما لم تضرب الجزية على النساء والصبيان مع جواز استرقاقهم لأنهم صاروا اتباعا لأصولهم في الكفر فكانوا أتباعا في حكمهم فكانت الجزية عن الرجل وأتباعه في المعنى إن كان له أتباع وإلا فهي عنه خاصة
فتح
قوله ( لإن المعجزة في حقه أظهر ) لأن القرآن نزل بلغتهم فكان كفرهم والحالة هذه أغلظ من كفر العجم
فتح
وأورد في النهر أن هذا يشمل ما إذا كان كتابيا اه أي فيخالف ما مر من أنها توضع عليه
قلت والجواب أنه وإن شمله لكن خص بقوله تعالى { من الذين أوتوا الكتاب } سورة التوبة الآية 29 اه
ثم رأيته في الشرنبلالية
قوله ( فلا يقبل منهما ) أي من العربي الوثني والمرتد إلا الإسلام وإن لم يسلما قتلا بالسيف وفي الدر المنتقى عن البرجندي أن نسبة القبول إلى السيف مسامحة
قوله ( ولو ظهرنا عليهم فنساؤهم وصبيانهم فيء ) لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه استرق بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين
هداية
قال في الفتح إلا أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون على الإسلام بعد الاسترقاق بخلاف ذراري عبدة الأوثان لا يجبرون اه أي وكذا نساؤهم والفرق أن ذراري المرتدين تبع لهم فيجبرون مثلهم وكذا نساؤهم لسبق الإسلام منهن
____________________
(4/198)
مطلب الزنديق إذا أخذ قبل التوبة يقتل ولا تؤخذ منه الجزية تنبيه قال في الفتح قالوا لو جاء زنديق قبل أن يؤخذ فأخبر بأنه زنديق وتاب تقبل توبته فإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل لأنهم باطنية يعتقدون في الباطن خلاف ذلك فيقتل ولا تؤخذ منه الجزية اه
وسيأتي في باب المرتد أن هذا التفصيل هو المفتى به
وفي القهستاني ولا توضع على المبتدع ولا يسترق وإن كان كافرا لكن يباح قتله إذا أظهر بدعته ولم يرجع عن ذلك وتقبل توبته
وقال بعضهم لا تقبل توبة الإباحية والشيعة والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة وقال بعضهم إن تاب المبتدع قبل الأخذ والإظهار تقبل وإن تاب بعدهما لا تقبل كما هو قياس قول أبي حنيفة كما في التمهيد السالمي اه
قال في الدرر المنتقى واعتمد الأخير صاحب التنوير
قوله ( وصبي ) ولا مجنون
فتح
قوله ( وامرأة ) إلا نساء بني تغلب فإنها تؤخذ من نسائهم كما تؤخذ من رجالهم لوجوبه بالصلح كذلك كما سيأتي
قوله ( وابن أم ولد ) صورته استولد جارية لها ولد قد ملكه معها فإن الولد يتبع أمه في الحرية والتدبير والاستيلاد
تنبيه قال في الدر المنتقى سقط من نسخ الهداية لفظ ابن وتبعه القهستاني بل زاد وأمه ولا ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الأحرار فكيف بأم الولد وإنما المراد ابن أم الولد
قوله ( وفقير غير معتمل ) تقدم الكلام عليه
قوله ( لأنه لا يقتل الخ ) الأصل أن الجزية لإسقاط القتل فمن لا يجب قتله لا توضع عليه الجزية إلا إذا أعانوا برأي أو مال فتجب الجزية كما في الاختيار وغيره
در
منتقى وقهستاني
قوله ( وجزم الحدادي بوجوبها ) أي إذا قدر على العمل حيث قال قوله ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس هذا محمول على أنهم إذا كانوا لا يقدرون على العمل أما إذا كانوا يقدرون فعليهم الجزية لأن القدرة فيهم موجودة وهم الذين ضيعوها فصار كتعطيل أرض الخراج اه
وبه جزم في الاختيار أيضا كما في الشرنبلالية قال في النهر وجعله في الخانية ظاهر الرواية حيث قال ويؤخذ من الرهبان والقسيسين في ظاهر الرواية وعن محمد أنها لا يؤخذ اه
قوله ( ونقل ابن كمال أنه القياس ) فيه نظر لأنه قال في شرح قوله ولا على راهب لا يخالط فأما الرهابن وأصحاب الصوامع الذين يخالطون الناس فقال محمد كان أبو حنيفة يقول بوضع الجزية إذا كانوا يقدرون على العمل وهو قول أبي يوسف
قال عمرو بن أبي عمر قلت لمحمد فما قولك قال القياس ما قال أبو حنيفة كذا في شرح القدوري للأقطع اه
وبه علم أن هذا في المخالط على أن هذه الصيغة من محمد تفيد اختيار قول أبي حنيفة ولا تفيد أن مقابله هو الاستحسان الذي يقدم على القياس ووجه كونه هو القياس أنا لو ظهرنا على دار الحرب لنا أن نقتل الراهب المخالط بخلاف غير المخالط وقد مر أن من لا يقتل لا توضع الجزية عليه وهذا القياس هو مفهوم ما جرى عليه أصحاب المتون فيكون هو المذهب وما مر عن الخانية يمكن حملة عليه فلا يلزم أن يكون ظاهر الرواية فافهم
قوله ( لم توضع عليه ) لأن وقت الوجوب أول السنة عند وضع الإمام فإن الإمام يجدد الوضع عند رأس كل سنة لتغير أحوالهم ببلوغ الصبي وعتق العبد وغيرهما فإذا احتلم وعتق العبد بعد
____________________
(4/199)
الوضع فقد مضى وقت الوجوب فلم يكونا أهلا للوجوب ولوالجية
قوله ( بخلاف الفقير ) أي غير المعتمل إذا أيسر بالعمل فإنها توضع عليه ط
قوله ( لأن سقوطها لعجزه ) لأن الفقير أهل لوضع الجزية كما في الاختيار أي لكونه حرا مكلفا لكنه معذور بالفقر فإذا زال أخذت منه لكن إن بقي من الحول أكثره على ما قدمنا تحريره
قوله ( كما طعن الملحدة ) أي الطاعنين في الدين قال في المصباح ألحد الرجل في الدين لحدا وألحد إلحادا طعن
قوله ( إنما هي عقوبة لهم ) ولأنها دعوة إلى الإسلام بأحسن الجهات وهو أن يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الإسلام فيسلم مع دفع شره في الحال قهستاني
قوله ( فإذا جاز إمهالهم ) أي تأخيرهم بلا جزية للاستدعاء إلى الإيمان أي لأجل دعائهم إليه بمحاربتهم وقتالهم بدونها فيها أولى أي فإمهالهم للاستدعاء إلى الإيمان بالجزية أولى لأن مخالطتهم للمسلمين ورؤيتهم حسن سيرتهم تدعوهم إلى الإسلام كما علمت فيحصل المقصود بلا قتال فيكون أولى هذا ما ظهر لي في تقرير كلامه وقد صرح أبو يوسف في كتاب الخراج بأنه لا يجوز ترك واحد بلا جزية فعلم أن المراد ما قررناه فتأمل
قوله ( تعالى الخ ) لا حاجة إلى سوق الدليل النقلي هنا لأن الملحد معترض على مشروعية هذا الحكم من أصله
قوله ( ونصارى نجران ) بلدة من بلاد همدان من اليمن
مصباح
وفي الفتح روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال صالح رسول الله أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والنصف في رجب
قوله ( ثم فرع عليه ) أي على كونها عقوبة على الكفر
قوله ( ولو بعد تمام السنة ) يجب أن تحمل البعدية على المقارنة للتمام لأنه لو أسلم بعد التمام بمدة فالسقوط بالتكرار قبل الإسلام لا بالإسلام اه
خ
قلت لكن تحقق التكرار بدخول السنة الثانية فيه خلاف كما تعرفه
قوله ( ويسقط المعجل ) على تقدير مضاف أي يسقط رده فالسقوط هنا عن الإمام لا عنه بخلاف الواقع في المتن
قوله ( فيرد عليه سنة ) أي لو عجل لسنتين لأنه أدى خراج السنة الثانية قبل الوجوب فيرد عليه أما لو عجل لسنة في أولها فقد أدى خراجها بعد الوجوب
قال في الولوالجية وهذا على قول من قال بوجوب الجزية في أول الحول كما نص عليه في الجامع الصغير وعليه الفتوى
قوله ( والموت ) أي ولو عند تمام السنة في قولهم جميعا كما في الفتح
قوله ( والتكرار ) أي بدخول السنة ولا يتوقف على مضيها في الأصح كما يأتي قريبا وسقوطها بالتكرار قول الإمام وعندها لا تسقط كما في الفتح
قوله ( وبالعمى والزمانة الخ ) أي لو حدث شيء من ذلك وقد بقي عليه شيء لم يؤخذ كما في الولوالجية والخانية أي لو بقي عليه شيء من أقساط الأشهر وكذا لو كان لم يدفع شيئا لكن قدمنا عن القهستاني عن المحيط تقييد سقوط الباقي بما إذا دامت هذه الأعذار نصف سنة فأكثر ومثله ما ذكره الشارح أو الفصل عن الهداية فافهم
هذا وفي التتارخانية ق ال في المنتقى قال أبو يوسف إذا أغمى عليه أو أصابته
____________________
(4/200)
زمانة وهو موسر أخذت منه الجزية قال الإمام الحاكم أبو الفضل على هذه الرواية يشترط للأخذ أهلية الوجوب في أول الحول وعلى رواية الأصل شرطها من أوله إلى آخره اه
ملخصا
قلت وحاصله أنه على رواية المنتقى يشترط وجود الأهلية في أوله فقط فلا يضر زوالها بعده وعلى رواية الأصل يشترط عدم زوالها وهو ما مشى عليه المصنف وليس المراد عدم الزوال أصلا بل المراد أن لا يستمر العذر نصف سنة فأكثر فلا ينافي ما مر فتدبر
قوله ( لا يستطيع العمل ) راجع لقوله فقيرا وما بعده
قوله ( والأصح الخ ) وقيل لا بد من مضي الثانية ليتحقق الاجتماع
قوله ( بعكس خراج الأرض ) فإن وجوبه بآخر الحول لأن به يتحقق الانتفاع
قوله ( ويسقط الخراج ) أي خراج الأرض
قوله ( وقيل لا ) جزم به فيالملتقى
قوله ( بحر ) أقره في النهر أيضا
قوله ( وعزاه في الخانية ) حيث قال فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة ولا يؤخذ بخراج السنة الأولى ويسقط ذلك عنه كما قال في الجزية ومنهم من قال لا يسقط الخراج بالإجماع بخلاف الجزية وهذا إذا عجز عن الزراعة فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل اه
قلت وقد ترك المصنف والشارح هذا القيد وهو العجز عن الزراعة أي في السنة الأولى وعلى هذا فلا محل لذكر الخراج هنا لأنه لا يجب إلا بالتمكين من الزراعة فإذا لم يجب لا يقال إنه سقط ويظهر أن الخلاف المذكور لفظي يحمل القول الأول على ما إذا عجز والثاني على ما إذا لم يعجز إذ لا يتأتى الوجوب مع العجز كما مر في الباب السابق ولذا قال فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل وعلى هذا فلم يبق في المسألة قولان لكنه خلاف الظاهر من كلامهم فإن الخلاف محكي في كثير من الكتب وقد علمت أنه لا يتأتى الخلاف مع العجز فالظاهر أن الخلاف عند عدمه وعليه فالمناسب إسقاط هذا القيد ولذا ذكر في الخانية هذه في المسألة باب العشر بدونه ولم يذكر أيضا القول الثاني فاقتضى كلامه اعتماد قول الإمام إنه لا يؤخذ بخراج السنة الأولى لكن في الهندية عن المحيط ذكر صدر الإسلام عن أبي حنيفة روايتين والصحيح أنه يؤخذ اه
وجزم به في الملتقى كما قدمناه وبه ظهر أن كلا من القولين مروي عن صاحب المذهب والمصرح بتصحيحه عدم السقوط فكان هو المعتمد ولذا جزم به في متن الملتقى وذكر في العناية الفرق بينه وبين الجزية بأن الخراج في حالة البقاء مؤنة من غير التفات إلى معنى العقوبة ولذا لو شرى مسلم أرضا خراجية لزم خراجها فجاز أن لا يتداخل بخلاف الجزية فإنها عقوبة ابتداء وبقاء والعقوبات تتداخل اه
وبه اندفع ما في البحر
قوله ( وفيها الخ ) أي في الخانية ومحل ذكر هذه المسألة الباب السابق وقد ذكرها في باب العشر وقدمنا الكلام عليها
قوله ( في الأصح ) أي من الروايات لأن قبولها من النائب يفوت المأمور به من إذلاله عند الإعطاء قال تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } سورة التوبة الآية 29 فتح
قوله ( والقابض منه باعد ) وتكون يد المؤدي أسفل ويد القابض أعلى
هندية
قوله ( ويقول الخ ) هذا في الهداية أيضا لكن لم يجزم به كما فعله الشارح
____________________
(4/201)
بل قال وفي رواية يأخذ بتلبيبه وبهزه هزا ويقول أعط الجزية يا ذمي اه
ومفاده عدم اعتمادها وفي غاية البيان والتلبيب بالفتح ما على موضع اللبب من الثياب واللبب موضع القلادة من الصدر
قوله ( يا عدو الله ) كذا في غاية البيان والذي في الهداية والفتح والتبيين يا ذمي
قوله ( ويصفعه في عنقه ) الصفع أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع بل يقال ضربه بجمع مصباح
وما ذكره من الصفع نقله في التتارخانية ونقله أيضا في النهر عن شرح الطحاوي وقد حكاه بعضهم بقيل
قوله ( لا يا كافر ) مفادة المنع من قول يا عدو الله بل ومن الأخذ بالتلبيب والهز والصفع إذا لا شك بأنه يؤذيه ولهذا رد بعض المحققين من الشافعية ذلك بأنه لا أصل له في السنة ولافعله أحد من الخلفاء الراشدين
قوله ( ويأثم القائل إن أذاه به ) مقتضاه أنه يعزر لارتكاب الإثم
بحر
وأقره المصنف لكن نظر فيه في النهر
قلت ولعل وجه ما مر في يا فاسق من أنه هو الذي ألحق الشين بنفسه قبل قول القائل
أفاده الشارح في التعزير ط
قلت لكن ذكرنا الفرق هناك فافهم
مطلب في أحكام الكنائس والبيع قوله ( ولا يجوز أن يحدث ) وكسر الدال وفاعله الكافر ومفعوله بيعة كما يقتضيه قول الشارح ولا صنما
وفي نسخة ولا يحدثوا أي أهل الذمة اه
ح
ومن الإحداث نقلها إلى غير موضعها كما في البحر وغيره
ط
قوله ( بيعة ) بالكسر معبد النصارى واليهود كذلك الكنيسة إلا أنه غلب البيعة على معبد النصارى والكنيسة على اليهود
قهستاني
وفي النهر وغيره وأهل مصر يطلقون الكنيسة على متعبدهما ويخصان اسم الدير بمعبد النصارى
قلت وكذا أهل الشام
در
منتقى
والصومعة بيت يبنى برأس طويل ليتعبد فيه بالانقطاع عن الناس بحر
قوله ( ولا مقبرة ) عزاه المصنف إلى الخلاصة ثم ذكر ما يخالفه عن جواهر الفتاوى ثم قال والظاهر الأول ومن ثم عولنا عليه في المختصر
مطلب لا يجوز إحداث كنيسة في القرى ومن أفتى بالجواز فهو مخطىء ويحجر عليه قوله ( ولو قرية في المختار ) نقل تصحيحه في الفتح عن شرح شمس الأئمة السرخسي في الإجارات ثم قال إنه المختار وفي الوهبانية إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون إلى أن قال فقد علم أنه لا يحل الإفتاء بالإحداث في القرى لأحد من أهل زماننا بعدما ذكرنا من التصحيح والاختيار للفتوى وأخذ عامة المشايخ ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا ولا يحل العمل به ولا الأخذ بفتواه ويحجر عليه في الفتوى ويمنع لأن ذلك منه مجرد اتباع هوى النفس وهو حرام لأنه ليس له قوة الترجيح لو كان الكلام مطلقا فكيف مع وجود النقل بالترجيح والفتوى فتنبه لذلك والله الموفق
مطلب تهدم الكنائس من جزيرة العرب ولا يمكنون من سكناها قال في النهر والخلاف في غير جزيرة العرب أما هي فيمنعون من قراها أيضا لخبر لا يجتمع دينان في جزيرة العرب اه
____________________
(4/202)
قلت الكلام في الإحداث مع أن أرض العرب لا تقر فيها كنيسة ولو قديمة فضلا عن إحداثها لأنهم لا يمكنون من السكنى بها للحديث المذكور كما يأتي وقد بسطه في الفتح وشرح السير الكبير وتقدم تحديد جزيرة العرب أول الباب المار
مطلب في بيان أن الأمصار ثلاثة وبيان إحداث الكنائس فيها تنبيه في الفتح قيل الأمصار ثلاثة ما مصره المسلمون كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط ولا يجوز فيه إحداث ذلك إجماعا
وما فتحه المسلمون عنوة فهو كذلك وما فتحوه صلحا فإن وقع على أن الأرض لهم جاز الإحداث وإلا فلا إلا إذا شرطوا الإحداث اه
ملخصا
وعليه فقوله ولا يجوز أن يحدثوا مقيد بما إذا لم يقع الصلح على أن الأرض لهم أو على الإحداث لكن ظاهر الرواية أنه لا استثناء فيه كما في البحر والنهر
قلت لكن إذا صالحهم على أن الأرض لهم فلهم الإحداث لا إذا صار مصرا للمسلمين بعد فإنهم يمنعون من الإحداث بعد ذلك ثم لو تحول المسلمون من ذلك المصر إلا نفرا يسيرا فلهم الإحداث أيضا فلو رجع المسلمون إليه لم يهدموا ما أحدث قبل عودهم كما في شرح السير الكبير وكذا قوله وما فتح عنوة فهو كذلك ليس على إطلاقه أيضا بل هو فيما قسم بين الغانمين أو صار مصرا للمسلمين فقد صرح في شرح السير بأنه لو ظهر على أرضهم وجعلهم ذمة لا يمنعون من إحداث كنيسة لأن المنع مختص بأمصار المسلمين التي تقام فيها الجمع والحدود فلو صارت مصرا للمسلمين منعوا من الإحداث ولا تترك لهم الكنائس القديمة أيضا كما لو قسمها بين الغانمين لكن لا تهدم بل يجعلها مساكن لهم لأنها مملوكة لهم بخلاف ما صالحهم عليها قبل الظهور عليهم فإنه يترك لهم القديمة ويمنعهم من الإحداث بعدما صارت من أمصار المسلمين اه
ملخصا
مطلب لو اختلفنا معهم في أنها صلحية أو عنوية فإن وجد أثر وإلا تركت بأيديهم تتمة لو كانت لهم كنيسة في مصر فادعوا أنا صالحناهم على أرضهم وقال المسلمون بل فتحت عنوة وأراد منعهم من الصلاة فيها وجهل الحال لطول العهد سأل الإمام الفقهاء وأصحاب الأخبار فإن وجد أثرا عمل به فإن لم يجد أو اختلفت الآثار جعلها أرض صلح وجعل القول فيها لأهلها لأنها في أيديهم وهم متمسكون بالأصل وتمامه في شرح السير
قوله ( ويعاد المنهدم ) هذا في القديمة التي صالحناهم على إبقائها قبل الظهور عليهم
قال في الهداية لأن الأبنية لا تبقى دائما ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة إلا أنهم لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة اه
مطلب إذا هدمت الكنيسة ولو بغير وجه لا تجوز إعادتها قوله ( أشباه ) حيث قال في فائدة نقل السبكي الإجماع على أن الكنيسة إذا هدمت ولو بغير وجه لا يجوز إعادتها
ذكره السيوطي في حسن المحاضرة
قلت يستنبط منه أنها إذا قفلت لا تفتح ولو بغير وجه كما وقع ذلك في عصرنا بالقاهرة في كنيسة بحارة زويلة قفلها الشيخ محمد بن إلياس قاضي القضاة فلم تفتح إلى الآن حتى ورد الأمر السلطاني بفتحها فلم يتجاسر حاكم على فتحها ولا ينافي ما نقله السبكي قول أصحابنا يعاد المنهدم لأن الكلام فيما هدمه الإمام لا فيما تهدم فليتأمل اه
____________________
(4/203)
قال الخير الرملي في حواشي البحر أقوال كلام السبكي عام فيما هدمه الإمام وغيره
في كلام الأشباه يخص الأول
والذي يظهر ترجيحه العموم لأن العلة فيما يظهر أن في إعادتها بعد هدم المسلمين استخفافا بهم وبالإسلام وإخمادا لهم وكسرا لشوكتهم ونصرا للكفر وأهله غاية الأمر أن فيه افتياتا على الإمام فيلزم فاعله التعزير كما إذا أدخل الحربي بغير إذن يصح أمانه ويعزر لافتياته بخلاف ما إذا هدموها بأنفسهم فإنها تعاد كما صرح به علماء الشافعية وقواعدنا لا تأباه لعدم العلة التي ذكرناها فيستثنى من عموم كلام السبكي اه
مطلب ليس المراد من إعادة المنهدم أنه جائز نأمرهم به بل المراد نتركهم وما يدينون تنبيه ذكر الشرنبلالي في رسالة في أحكام الكنائس عن الإمام السبكي معنى قولهم لا نمنعهم من الترميم ليس المراد أنه جائز نأمرهم به بل بمعنى نتركهم وما يدينون فهو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ونحوه ولا نقول إن ذلك جائز لهم فلا يحل للسلطان ولا للقاضي أن يقول لهم افعلوا ذلك ولا أن يعينهم عليه ولا يحل لأحد من المسلمين أن يعمل لهم فيه ولا يخفى ظهوره وموافقته لقواعدنا
مطلب لم يكن من الصحابة صلح مع اليهود ثم نقل عن السراج البلقيني في كنيسة لليهود ما حاصله أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند فتح النواحي لم يكن منهم صلح مع اليهود أصلا اه
قلت وهذا ظاهر فإن البلاد كانت بيد النصارى ولم تزل اليهود مضروبة عليهم الذلة ثم رأيت في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي كتب عند قول الشارح في خطبة الإمام بجامع بني أمية ما نصه ثم نقض أهل الذمة عهدهم في وقعة التتار وقتلوا عن آخرهم فكنائسهم الآن موضوعة بغير حق اه
مهم حادثة الفتوى في أخذ النصارى كنيسة مهجورة لليهود ويؤخذ من هذا حكم حادثة الفتوى الواقعة في عام ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف قريبا من كتابتي لهذا المحل وهي أن كنيسة لفرقة من اليهود تسمى اليهود القرايين مهجورة من قديم لفقد هذه الفرقة وانقطاعهم في دمشق فحضر يهودي غريب هو من الفرقة إلى دمشق فدفع له النصارى دراهم معلومة وأذن لهم في بنائها وأن يجعلوها معبدا لهم وصدق لهم على ذلك جماعة من اليهود لقوة شوكة النصارى في ذلك الوقت وبلغني أن الكنيسة المذكورة في داخل حارة لليهود مشتملة على دور عديدة وأن مراد النصارى شراء الحارة المذكورة وإدخالها للكنيسة وطلبوا فتوى على صحة ذلك الإذن وعلى كونها صارت معبدا للنصارى فامتنعت من الكتابة
مطلب فيما أفتى به بعض المتهورين في زماننا وقلت إن ذلك غير جائز فكتب لهم بعض المتهورين طمعا في عرض الدنيا أن ذلك صحيح جائز
فقويت بذلك شوكتهم وعرضوا ذلك على ولي الأمر ليأذن لهم بذلك حيث وافق غرضهم الحكم الشرعي بناء على ما أفتاهم به ذلك المفتي ولا أدري ما يؤول إليه الأمر وإلى الله المشتكى
____________________
(4/204)
ومستندي فيما قلته أمور منها ما علمته من أن اليهود لا عهد لهم فالظاهر أن كنائسهم القديمة أقرت مساكن لا معابد فتبقى كما أبقيت عليه وما علمته أيضا من أن أهل الذمة نقضوا عهدهم لقتالهم المسلمين مع التتار الكفار فلم يبق لهم عهد في كنائسهم فهي موضوعة الآن بغير حق ويأتي قريبا عند قوله وسب النبي أن عهد أهل الذمة في الشام مشروط بأن لا يحدثوا بيعة ولا كنيسة ولا يشتموا مسلما ولا يضربوه وأنهم إن خالفوا فلا ذمة لهم
ومنها أن هذه كنيسة مهجورة انقطع أهلها وتعطلت عن الكفر فيها فلا تجوز الإعانة على تجديد الكفر فيها وهذا إعانة على ذلك بالقدر الممكن حيث تعطلت عن كفر أهلها
وقد نقل الشرنبلالي في رسالته عن الإمام القرافي أنه أفتى بأنه لا يعاد ما انهدم من الكنائس وأن من ساعد على ذلك فهو راض بالكفر والرضا بالكفر كفر اه
فنعوذ بالله من سوء المنقلب
ومنها أن عداوة اليهود للنصارى أشد من عداوتهم لنا وهذا الرضا والتصديق ناشىء عن خوفهم من النصارى لقوة شوكتهم كما ذكرناه
ومنها أنها إذا كانت معينة لفرقة خاصة ليس لرجل من أهل تلك الفرقة أن يصرفها إلى جهة أخرى وإن كان الكفر ملة واحدة عندنا كمدرسة موقوفة على الحنفية مثلا لا يملك أحد أن يجعلها لأهل مذهب آخر وإن اتحدت الملة
ومنها أن الصلح العمري الواقع حين الفتح مع النصارى إنما وقع على إبقاء معابدهم التي كانت لهم إذ ذاك ومن جملة الصلح معهم كما علمته آنفا أن لا يحدثوا كنيسة ولا صومعة وهذا إحداث كنيسة لم تكن لهم بلا شك واتفقت مذاهب الأئمة الأربعة على أنهم يمنعون عن الإحداث كما بسطه الشرنبلالي بنقله نصوص أئمة المذاهب ولا يلزم من الإحداث أن يكون بناء حادثا لأنه نص في شرح السير وغيره على أنه لو أرادوا أن يتخذوا بيتا لهم معدا للسكنى كنيسة يجتمعون فيه يمنعون منه لأن فيه معارضة للمسلمين وازدراء بالدين اه أي لأنه زيادة معبد لهم عارضوا به معابد المسلمين وهذه الكنيسة كذلك جعلوها معبدا لهم حادثا فما أفتى به ذلك المسكين خالف فيه إجماع المسلمين وهذا كله مع قطع النظر عما قصدوه من عمارتها بأنقاض جديدة وزيادتهم فيها فإنها لو كانت كنيسة لهم يمنعون من ذلك بإجماع أئمة الدين أيضا ولا شك أن من أفتاهم وساعدهم وقوى شوكتهم يخشى عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى
قوله ( عن النقض ) بالضم ما انتقض من البنيان قاموس
قوله ( وتمامه في شرح الوهبانية ) ذكر عبارته في النهر حيث قال قال في عقد الفرائد وهذا أي قولهم من غير زيادة يفيد أنهم لا يبنون ما كان باللبن بالآجر ولا ما كان بالآجر بالحجر ولا ما كان بالجريد وخشب النخل بالنفي والساج ولا بياض لم يكن قال ولم أجد في شيء من الكتب المعتمدة أن لا تعاد إلا بالنقض الأول وكون ذلك مفهوم الإعادة شرعا ولغة غير ظاهر عندي على أنه وقع في عبارة محمد يبنونها
وفي إجارة الخانية يعمروا وليس فيها ما يشعر باشتراط النقض الأول
في كيفية إعادة المنهدم من الكنائس وفي الحاوي القدسي وإذا انهدمت البيع والكنائس لذوي الصلح إعادتها باللبن والطين إلى مقدار ما كان قبل ذلك ولا يزيدون عليه ولا يشيدونها بالحجر والشيد والآجر وإذا وقف الإمام على بيعه جديدة أو بنى منها فوق ما كان في القديم خربها وكذا ما زاد في عمارتها العتيقة اه
ومقتضى النظر أن النقض الأول حيث وجد
____________________
(4/205)
كافيا للبناء الأول لا يعدل عنه إلى آلة جديدة إذ لا شك في زيادة الثاني على الأول حينئذ اه
قوله ( وأما القديمة الخ ) مقابل قوله ولا يحدث بيعة ولا كنيسة وكان الأولى ذكره قبل قوله ويعاد المنهدم لأن إعادة المنهدم إنما هي في القديمة دون الحادثة
قوله ( في الفتحية ) أراد بها المفتوحة عنوة بقرينة مقابلتها بالصلحية
قوله ( بحر ) عبارته قال في فتح القدير واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الروايات كلها وأما في الأمصار فاختلف كلام محمد فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة وذكر في الإجارة لا تهدم وعمل الناس على هذا فإنا رأينا كثيرا منها توالت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها فكان متوارثا من عهد الصحابة وعلى هذا لو مصرنا برية فيها أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك فإنها كانت فضاء فأدار العبيديون عليها السور ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا وعلى هذا أيضا فالكنائس الموضوعة الآن في دار الإسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لأنها إن كانت في الأمصار قديمة فلا شك أن الصحابة أو التابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وبقوها وبعد ذلك ينظر فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم بقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب وإن عرف أن فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الإظهار اه
قلت وقوله فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم ظاهره أنه لم يره منقولا وقد صرح به في الذخيرة وشرح السير وقوله وبعد ذلك ينظر الخ قدمنا ما لو اختلف في أنها فتحية أو صلحية ولم يعلم من الآثار والأخبار تبقى في أيديهم قوله ( خلافا لما في القهستاني ) أي عن التتمة من أنها في الصلحية تهدم في المواضع كلها في جميع الروايات
مطلب في تمييز أهل الذمة في الملبس قوله ( ويميز الذمي الخ ) حاصله أنهم لما كانوا مخالطين أهل الإسلام فلا بد من تمييزهم عنا كي لا يعامل معاملة المسلم من التوقير والإجلال وذلك لا يجوز وربما يموت أحدهم فجأة في الطريق ولا يعرف فيصلى عليه وإذا وجب التمييز وجب أن يكون بما فيه صغار لا إعزاز لأن إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة فتح
قوله ( ومركبه ) مخالفة الهيئة فيه إنما تكون إذا ركبوا من جانب واحد وغالب ظني أني سمعته من الشيخ الأخ كذلك
نهر
قلت وهو كذلك ففي رسالة العلامة قاسم في الكنائس وقد كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن يختموا أهل الذمة بالرصاص ويركبوا على الأكف عرضا
قوله ( وسلاحه ) تبع فيهالدرر وهو مناف لقوله تبعا لغيره من أصحاب المتون ولا يعمل بسلاح إلا أن يحمل على ما إذا استعان بهم الإمام أو المراد من تمييزه في سلاحه بأن لا يحمل سلاحا وهو بعيد
تأمل
قوله ( إلا إذا استعان بهم الإمام الخ ) لكنه يركب في هذه الحالة بإكاف لا بسرج كما قال بعضهم
نهر
قوله ( وذب ) بالذال المعجمة أي دفع وطرد العدو
قوله ( وجاز بغل ) أي إن لم يكن فيه عز وشرف وتمامه في شرح الوهبانية
قوله ( وهذا ) أي جواز ركوبه لبغل أو حمار وكان ينبغي تأخير هذه الجملة
____________________
(4/206)
كلها عن قوله ويركب سرجا كالأكف
قوله ( إلا لضرورة ) كما إذا خرج إلى قرية أو كان مريضا
فتح
قوله ( والمعتمد أن لا يركبوا ) كتب بعضهم هنا أن الصواب يركبون بالنون كما هو عبارة الأشباه لعدم الناصب والجازم وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن
أقول هذا التصويب خطأ محض لأن المخففة من الثقيلة التي لا تنصب المضارع شرطا أن تقع بعد فعل اليقين أو ما ينزل منزلته نحو { علم أن سيكون } سورة المزمل الآية 20 { أفلا يرون ألا يرجع } وهذه ليست كذلك بل هي المصدرية الناصبة نحو { وأن تصوموا خير لكم } سورة البقرة الآية 184
قوله ( مطلقا ) أي ولو حمارا
قوله ( في المجامع ) أي في مجامع المسلمين إذا مر بهم
فتح
قوله ( كالأكف ) بضمتين جمع إكاف مثل حمار وحمر
مصباح
فكان الأولى التعبير بالإكاف المفرد
قوله ( كالبرذعة ) بدل من قوله كالأكف قال في المصباح البرذعة بالذال والدال حلس يجعل تحت الرحل والجمع البراذع هذا هو الأصل
وفي عرف زماننا هي للحمار ما يركب عليه بمنزلة السرج للفرس اه
فالمراد هنا المعنى العرفي لا اللغوي
قوله ( ولا يعمل بسلاح ) أي لا يستعمله ولا يحمله لأنه عز وكل ما كان كذلك يمنعون عنه
قلت ومن هذا الأصل تعرف أحكام كثيرة
در
منتقى
قوله ( ويظهر الكستيج ) بضم الكاف وبالجيم كما في القهستاني فارسي معرب معناه العجز والذل كما في النهر فيشمل القلنسوة والزنار والنعل لوجود الذل فيها ولقوله في البحر وكستيجات النصارى قلنسوة سوداء من اللبد مضربة وزنار من الصوف اه
فتعبيره بخصوص الزنار بيان لبعض أنواعه اه
ح
قوله ( الزنار ) بوزن تفاح وجمعه زنانير
مصباح وفي البحر عن المغرب أنه خيط غليظ بقدر الأصبع يشده الذمي فوق ثيابه
قال القهستاني وينبغي أن يكون من الصوف أو الشعر وأن لا يجعل له حلقة تشده كما يشد المسلم المنطقة بل يعلقه على اليمين أو الشمال كما في المحيط
قوله ( ولو زرقاء أو صفراء ) أي خلافا لما في الفتح من أنه إذا كان المقصود العلامة يعتبر في كل بلدة متعارفها وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزم النصارى بالأزرق واليهود بالأصفر واختص المسلمون بالأبيض
قال في النهر إلا أنه في الظهيرية قال وأما لبس العمامة والزنار الإبريسم فجفاء في حق أهل الإسلام ومكسرة لقلوبهم وهذا يؤذن بمنع التمييز بها ويؤيده ما ذكره في التاترخانية حيث صرح بمنعهم من القلانس الصغار وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة وهذا في العلامة أولى وإذا عرف هذا فمنعهم من لبس العمائم هو الصواب الواضح بالتبيان فأيد الله سلطان زماننا ولسعادته أبد ولملكه شيد ولأمره سدد إذ منعهم من لبسها اه
قلت وهذا هو الموافق لما ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج من إلزامهم لبس القلانس الطويلة المضربة وأن عمر كان يأمر بذلك ومنعهم من لبس العمائم
تنبيه قال في الفتح وكذا تؤخذ نساؤهم بالزي في الطرق فيجعل على ملاءة اليهودية خرقة صفراء وعلى النصرانية زرقاء وكذا في الحمامات اه أي فيجعل في أعناقهن طوق الحديد كما في الاختيار
قال في الدر المنتقى قلت وسيجيء أن الذمية في النظر إلى المسلمة كالرجل الأجنبي في الأصح فلا تنظر أصلا إلى المسلمة فليتنبه لذلك اه
ومفاده منعهن من دخول حمام فيه مسلمة وهو خلاف المفهوم من كلامهم هنا تأمل
قوله ( وإنما تكون طويلة سوداء )
____________________
(4/207)
ظاهره أن الضمير للعمامة وليس كذلك بل هو للقلنسوة لأن المقصود منعهم من العمامة وللو غير طويلة وإلزامهم بالقلنسوة الطويلة كما علمته فكان الصواب أن يقول إنما يلبس قلنسوة طويلة سوداء والقلنسوة هي التي يدخل فيها الرأس والعمامة ما يدار عليها من منديل ونحوه
قوله ( الإبريسم ) بكسر الهمزة والراء وفتح السين وهو الحرير
قال في المصباح الحريرة واحدة الحرير وهو الإبريسم
قوله ( كصوف مربع ) لعله الفرجية فإنه الآن من خصوصيات أهل القرآن والعلم
ط
قوله ( وأبراد رقيقة ) البرد نوع من الثياب مخطط كما في النهاية
قوله ( وتمامه في الفتح ) حيث قال بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة لهم خوفا من أن يتغير خاطره منه فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر
ثم قال وتجعل مكاعبهم خشنة فاسدة اللون ولا يلبسون طيالسة كطيالسة المسلمين ولا أردية كأرديتهم هكذا أمروا واتفقت الصحابة على ذلك اه
وقال أيضا ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار اه
قلت وفي هذه السنة في البلاد الشامية استأسدت اليهود والنصارى على المسلمين ولله در القائل أحبابنا نوب الزمان كثيرة وأمر منها رفعة السفهاء فمتى يفيق الدهر من سكراته وأرى اليهود بذلة الفقهاء قوله ( وينبغي أن يلازم الصغار ) أي الذل والهوان والظاهر أن ينبغي هنا بمعنى يجب
قال في البحر وإذا وجب عليهم إظهار الذل والصغار مع المسلمين وجب على المسلمين عدم تعظيمهم لكن قال في الذخيرة إذا دخل يهودي الحمام إن خدمه المسلم طمعا في فلوسه فلا بأس به وإن تعظيما له فإن كان ليميل قلبه إلى الإسلام فكذلك وإن لم ينو شيئا مما ذكرنا كره
وكذا لو دخل ذمي على مسلم فقام له ليميل قلبه إلى الإسلام فلا بأس وإن لم ينو شيئا أو عظمة لغناه كره اه
قال الطرسوسي وإن قام تعظيما لذاته وما هو عليه كفر لأن الرضا بالكفر كفر فكيف بتعظيم الكفر اه
قلت وبه علم أنه لو قام له خوفا من شره فلا بأس أيضا بل إذا تحقق الضرر فقد يجب وقد يستحب على حسب حال ما يتوقعه
قوله ( ويتضيق عليه في المرور ) بأن يلجئه إلى أضيق الطريق وعبارة الفتح ويضيق عليهم في الطريق
قوله ( ويجعل على داره علامة ) لئلا يقف سائل فيدعو له بالمغفرة أو يعامله في التضرع معاملة المسلمين فتح
قوله ( لأنهما من أرض العرب ) أفاد أن الحكم غير مقصور على مكة والمدينة بل جزيرة العرب كلها كذلك كما عبر به في الفتح وغيره وقدمنا تحديدها والحديث المذكور قاله عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه كما أخرجه في الموطأ وغيره وبسطه في الفتح
قوله ( ولا يطيل ) فيمنع أن يطيل فيها المكث حتى يتخذ فيها مسكنا لأن حالهم في المقام في أرض العرب مع التزام الجزية كحالهم في غيرها بلا جزية وهناك لا يمنعون من التجارة بل
____________________
(4/208)
من إطالة المقام فكذلك في أرض العرب
شرح السير
وظاهره أن حد الطول سنة
تأمل
قوله ( فالظاهر أنه ورد فيه ما استقر عليه الحال ) أي فيكون المنع هو المعتمد في المذهب
قلت لكن الذي ذكره أصحاب المتون في كتاب الحظر والإباحة أن الذمي لا يمنع من دخول المسجد الحرام وغيره
وذكر الشارح هناك أن قول محمد والشافعي وأحمد المنع من المسجد الحرام فالظاهر أن ما في السير الكبير هو قول محمد وحده دون الإمام وأن الأصحاب المتون على قول الإمام ومعلوم أن المتون موضوعة لنقل ما هو المذهب فلا يعدل عما فيها على أن الإمام السرخسي ذكر في شرح السير الكبير أن أبا سفيان جاء إلى المدينة ودخل المسجد ولذلك قصة قال فهذا دليل لنا على مالك رحمة الله تعالى بمنعه المشرك من أن يدخل شيئا من المساجد ثم قال إن الشافعي قال يمنعون من دخول المسجد الحرام خاصة للآية { إنما المشركون نجس } سورة التوبة الآية 28 فأما عندنا لا يمنعون كما لا يمنعون عن دخول سائر المساجد ويستوي في ذلك الحربي والذمي الخ قوله ( وفي الخانية الخ ) كان أولى تقديمه على مسألة الاستيطان ثم إن ظاهره أن نسائهم تميز بالكستيج دون العبيد مع أنه ليس في عبارة الخانية ذكر النساء أصلا ونصها ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات وهكذا نقله عنها في البحر والنهر
وعبارة النهر قالوا ويجب تميز نساؤهم أيضا عن نسائنا في الطرقات والحمامات وفي الخانية ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات اه
مطلب في سكنى أهل الذمة المسلمين في المصر قوله ( الذمي إذا اشترى دارا الخ ) قال السرخسي في شرح السير فإن مصر الإمام في أراضيهم للمسلمين كما مصر عمر رضي الله عنه البصرة والكوفة فاشترى بها أهل الذمة دورا وسكنوا مع المسلمين لم يمنعوا من ذلك فإنا قبلنا منهم عقد الذمة ليقفوا على مجاسن الدين فعسى أن يؤمنوا واختلاطهم بالمسلمين والسكن معهم يحقق هذا المعنى وكان شيخنا الإمام شمس الأئمة الحلواني يقول هذا إذا قلوا وكان بحيث لا تتعطل جماعات المسلمين ولا تتقلل الجماعة بسكناهم بهذه الصفة فإما إذا كثروا على وجه يؤدي إلى تعطيل بعض الجماعات أو تقليلها منعوا من ذلك وأمروا أن يسكنوا ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة وهذا محفوظ عن أبي يوسف في الأمالي اه
قوله ( أي أراد شراءها ) إنما فسره بها لقوله بعد لا ينبغي أن تباع منه
قوله ( وقيل لا يجبر إلا إذا كثر ) نقله في البحر عن الصغرى بعد أن نقله عن الخانية بلا تقييد بالكثرة ولكن لم يعبر عنه بقيل ولا يخفى أن هذا القيد يصلح توفيقا بين القولين وهذا قول شمس الأئمة الحلواني كما علمته آنفا ومشى عليه في الوهبانية وشرحها وكذا قال
____________________
(4/209)
الخير الرملي إن الذي يجب أن يعول عليه التفصيل فلا نقول بالمنع مطلقا ولا بعدمه مطلقا بل يدور الحكم على القلة والكثرة والضرر والمنفعة وهذا هو الموافق للقواعد الفقهية فتأمل
قوله ( فأجاب الخ ) هذا الجواب مبني على اختيار الحلواني وغيره
قال ط ولم يجب عن المسؤول عنه وجوابه أنهما يستحقان الوظيفة لقيامهما بالعمل اه
قلت وإنما تركه لظهوره وتنبيها على ما هو الأهم فهو من أسلوب الحكيم كما في قوله تعالى { يسألونك عن الأهلة } سورة البقرة الآية 189 الآية
قوله ( ففي الخانية الخ ) أي والاستخدام المذكور ينافي الاستخفاف
قوله ( وإذا تكارى الخ ) شروع في الكراء بعد الفراغ من الشراء وظاهر كلام المصنف الفرق بينهما وهو مبني على القول بالجبر على البيع مطلقا وقد علمت أن المعول عليه القول بالتفصيل فلا فرق بين الكراء والشراء بل أصل العبارة المذكورة إنما هو في الشراء كما نقلناه آنفا في السرخسي
قوله ( في المصر ) الظاهر أنه غير قيد بعد اعتبار الشرط المذكور
قوله ( ليس فيها مسلمون ) هو في معنى ما مر من قوله ليس فيها للمسلمين جماعة لأن من شأن المسلمين إقامة الجماعة
قوله ( لكن رده الخ ) وعبارته كما رأيته في حاشية الحموي وغيرها
قوله ( في محلة خاصة ) هذا اللفظ لم أجده لأحد وإنما الموجود في الكتب أن الجواز مقيد بما ذكره الحلواني بقوله هذا إذا قلوا بحيث لا تتعطل بسبب سكناهم جماعات المسلمين ولا تتقلل أما إذا تعطلت أو تقللت فلا يمكنون من السكنى فيها ويسكنون في ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة فكأن المصنف فهم من الناحية المحلة وليس كذلك بل قد صرح التمرتاشي في شرح الجامع الصغير بعد ما نقل عن الشافعي يؤمرون ببيع دورهم في أمصار المسلمين والخروج عنها وبالسكنى خارجها لئلا تكون لهم منعة كمنعة المسلمين بمنعهم عن أن تكون لهم محلة خاصة حيث قال بعد ما ذكرناه نقلا عن النسفي والمراد أي بالمنع المذكور عن الأمصار أن يكون لهم في المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة كمنعة المسلمين فأما سكناهم بينهم وهم مقهورون فلا كذلك اه
قلت وقوله بمنعهم متعلق بقوله صرح وقوله حيث قال أي التمرتاشي وحاصل كلامه أن المحلة من جملة المصر مع أن الحلواني قال لا يمكنون من السكنى فيها أي في المصر ويسكنون في ناحية الخ
فهو صريح بأنه إذا لزم تقليل الجماعة يسكنون في ناحية خارجة عن المصر فهي غير المحلة وصريح كلام التمرتاشي أيضا منعهم عن أن يكون لهم محلة خاصة في المصر وإنما يسكنون بينهم مقهورين يعني إذا لم يلزم تقليل الجماعة فتحصل من مجموع كلام الحلواني والتمرتاشي أنه إذا لزم من سكناهم في المصر تقليل الجماعة أمروا بالسكنى في ناحية خارج المصر ليس فيها جماعة للمسلمين وإن لم يلزم ذلك يسكنون في المصر بين المسلمين مقهورين لا في محلة خاصة في المصر لأنه يلزم منه أن يكون لهم في مصر المسلمين منعة كمنعة المسلمين بسبب اجتماعهم في محلتهم فافهم
قوله ( إنهم يؤمرون )
____________________
(4/210)
مفعول نقل
ط
قوله ( نقلا ) حال من فاعل صرح بتأويل اسم الفاعل اه
ح
قوله ( والمراد ) الأوضح أن يقول بأن المراد ويكون متعلقا بصرح ط
قوله ( ولهم فيها منعة ) الواو للحال والمنعة بفتح النون جمع مانع أي جماعات يمنعونهم من وصول غيرهم إليهم
أفاده ح
وقوله عارضة صفة منعة وعروضها إنما هو بسبب اجتماعهم في محلة خاصة وقوله فأما سكناهم الخ مقابلة أي أن سكناهم بين المسلمين لا في محلة خاصة بل متفرقين بينهم وهم مقهورون لهم فلا كذلك أي فلا يكون ممنوعا
مطلب في منعهم عن التعالي في البناء على المسلمين تنبيه قال في الدر المنتقى وكذا يمنعون عن التعلي في بنائهم على المسلمين ومن المساواة عند بعض العلماء نعم يبقى القديم كما في الوهبانية وشروحها وفي المنظومة المحبية ويمنع الذمي من أن يسكنا أو أن يحل منزلا عالي البنا إن كان بين المسلمين يسكن بل أهل ذمة على ما بينوا قلت ومقتضى النظم الذي ذكره المنع ولو البناء قديما لأنه علق المنع على السكنى لا على التعلية في البناء لكن سئل في الخيرية عن طبقة ليهودي راكبة على بيت لمسلم يريد المسلم منعه من سكناها ومن التعلي عليه فأجاب بأنه ليس للمسلمين ذلك فقد جوزوا إبقاء دار الذمي العالية على دار المسلم وسكناها إذا ملكها ما لم تنهدم فإنه لا يعيدها عالية كما كانت وممن صرح بذلك ابن الشحنة في شرح النظم الوهباني وكثير من علمائنا اه
وذكر في جواب سؤال آخر أنه إذا كان التعلي للتحفظ من اللصوص لا يمنع منه لأنهم نصوا على أنهم ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين وعلة المنع مقيدة بالتعلي على المسلمين فإذا لم يكن ذلك بل للتحفظ فلا يمنعون كما هو ظاهر اه
وقال قارىء الهداية في فتاواه أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين فما جاز للمسلم فعله في ملكه جاز لهم وما لا فلا وإنما يمنع من تعلية بنائه إذا حصل لجاره ضرر كمنع وضوء وهواء
قال هذا هو ظاهر المذهب وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن للقاضي منعهم من السكنى بين المسلمين بل يسكنون منعزلين
قال قارىء الهداية وهو الذي أفتى به أنا اه
أي لأنه إذا كان له منعهم من السكنى بيننا فله منعهم من التعلي بالأولى
وذكر في جواب آخر لا يجوز لهم أن يعلوا بناءهم على بناء المسلمين ولا أن يسكنوا دارا عالية البناء بين المسلمين بل يمنعون أن يسكنوا محلات المسلمين اه
وهذا ميل منه إلى ما نقله عن أبي يوسف وأفتى به أولا أيضا والظاهر أن قوله هذا هو ظاهر المذهب يرجع إلى قوله أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين ولما كان لا يلزم منه أن يكونوا مثلهم فيما فيه استعلاء على المسلمين أفتى في الموضعين بالمنع لما قدمه الشارح عن الحاوي من أنه ينبغي أن يلازم الصغار فيما يكون بينه وبين المسلمين في كل شيء ولا يخفى أن استعلاءه في البناء على جيرانه المسلمين خلاف الصغار بل بحث في الفتح أنه إذا استعلى على المسلمين حل للإمام قتله ولا يخفى أن لفظ استعلى يشمل ما بالقول وما بالفعل وبهذا التقرير اندفع ما ذكره في الخيرية مخالفا لما قدمناه عنه من قوله إن ما أفتى به قارىء الهداية من ظاهر المذهب أقوى مدركا للحديث الشريف الموجب لكونهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا فإن قارىء الهداية لم يفت به بل أفتى في الموضعين بخلافه كما سمعت
والحديث الشريف لا يفيد أن لهم ما لنا من العز والشرف بل في المعاملات
____________________
(4/211)
من العقود ونحوها للأدلة الدالة على إلزامهم الصغار وعدم التمرد على المسلمين وصرح الشافعية بأن منعهم عن التعلي واجب وأن ذلك لحق الله تعالى وتعظيم دينه فلا يباح برضا الجار المسلم اه
وقواعدنا لا تأباه فقد مر أنه يحرم تعظيمه ولا يخفى أن الرضا باستعلائه تعظيم له هذا ما ظهر لي في هذا المحل والله تعالى أعلم
مطلب فيما ينتقض به عهد الذمي وما لا ينتقض قوله ( وينتقض عهدهم الخ ) لأنهم بذلك صاروا حربا علينا وعقد الذمة ما كان إلا لدفع شر حرابتهم فيعرى عن الفائدة فلا يبقي ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده
فتح
قوله ( بالغلبة على موضع ) أي قرية أو حصن
فتح
قوله ( للحرب ) أي لأجل حربنا وفي بعض النسخ للحراب بزيادة الألف واحترز بالغلبة المذكورة عما لو كانوا من أهل البغي يعنونهم على القتال فإنه لا ينتقض عهدهم كما ذكره الزيلعي وغيره في باب البغاة
قوله ( أو باللحاق بدار الحرب ) لا يبعد أن يقال انتقاله إلى المكان الذي تغلبوا فيه كانتقاله إلى دار الحرب بالاتفاق إن لم يكن ذلك المكان مواخما لدار الإسلام أي بأن كان متصلا بدار الحرب وإلا فعلى قولهما كما في الفتح
قوله ( أو بالامتناع عن قبول الجزية ) أي بخلاف الامتناع عن أدائها على ما يأتي لكن الامتناع عن قبولها إنما يكون عند ابتداء وضعها وهو حينئذ لم يكن له عهد ذمة حتى ينتقض ويمكن تصويره فيمن دخل في عقد الذمة تبعا ثم صار أهلا كالمجنون والصبي فإذا أفاق أو بلغ أول الحول توضع عليه فإذا امتنع انتقض عهده
أفاده ط
قوله ( أو يجعل نفسه طليعة للمشركين ) هذا مما زاده في الفتح أيضا لكن لم يذكره هنا بل ذكره في النكاح في باب نكاح المشرك
قوله ( بأن يبعث ليطلع الخ ) صورته أن يدخل مستأمن ويقيم سنة وتضرب عليه الجزية وقصده التجسس على المسلمين ليخبر العدو ط
قوله ( فلو لم يبعثوه ) بأن كان ذميا أصليا وطرأ عليه هذا القصد
ط
قوله ( وعليه يحمل كلام المحيط ) حيث قال لو كان يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين ليقتله لا يكون نقضا للعهد وهذا التوفيق لصاحب البحر وأقره في النهر وغيره ويشعر به تعبير الفتح بالطليعة فإن الطليعة واحدة الطلائع في الحرب وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو كما في البحر عن المغرب
قوله ( في كل أحكامه ) فيحكم بموته باللحاق وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الإسلام إجماعا ويقسم ماله بين ورثته
فتح
وتمامه في البحر
قوله ( والمرتد يقتل ) لأن كفره أغلظ
بحر
قوله ( والمرتد يجبر على الإسلام ) أما المرتدة فإنها تسترق بعد اللحاق رواية واحدة وقبله في رواية
بحر
قوله ( بقوله نقضت العهد ) لأنه لا ينتقض عهده بالقول بل بالفعل كما مر بخلاف الأمان للحربي
قلت ولعل وجه الفرق أن أمان الحربي على شرف الزوال لتمكنه من العود متى أراد فهو غير لازم بخلاف عهد الذمة فهو لازم لا يصح الرجوع عنه ولذا لا يمكن من العود إلى دار الحرب فيجبره الإمام على الجزية ما دام تحت قهره بخلاف ما إذا لحق بدارهم أو غلبوا على موضع أو جعل نفسه طليعة أو امتنع عن قبول الجزية لأنه في الأولين صار حربا علينا كما مر وفي الثالث أنه لم يقصد العهد بل جعله علم وصلة إلى إصراره بنا
____________________
(4/212)
وفي الرابع لم يوجد منه ما يدفع عنه القتل بخلاف ما إذا امتنع عن أدائها ولذا قال الزيلعي وغيره لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها والالتزام باق فيأخذها الإمام منه جبرا اه
وبهذا اندفع ما استشكله في النهر من أنه لو امتنع عن قبولها نقض عهده وليس ذلك إلا بالقول
وجه الدفع أن الانتقاض لم يجىء من قوله لا أقبل بل من عدم وجود ما يدفع عنه القتل وهو التزام أدائها بخلاف امتناعه عن أدائها بقوله لا أؤديها فإنه قول وجد بعد التزامها الدافع للقتل ولا يزول ذلك الالتزام به وكذا بقوله نقضت العهد لما قلنا من أنه لازم لا يملك فسخه صريحا ولا دلالة ما دام تحت قهرنا فافهم
واندفع به أيضا ما أورده في الدرر من أن امتناعه عن أدائها بقوله لا أعطيها ينافي بقاء الالتزام لما قلنا من لزوم ذلك الالتزام وأنه لا يملك نقضه صريحا فكذا دلالة بالأولى فيجبر على أدائها ما دام مقهورا في دارنا ثم رأيت الحموي أجاب بنحوه والله تعالى أعلم
قوله ( بل عن قبولها ) أي بل ينتقض عهده بالإباء عن قبولها وقدمنا تصويره وقد علمت آنفا وجه الفرق بين المسألتين
قوله ( ونقل العيني ) حيث قال وفي رواية مذكورة في واقعات حسام أن أهل الذمة إذا امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد ويقاتلون وهو قول الثلاثة اه
ولا يخفى ضعفها رواية ودراية
بحر
قلت أما وجه الضعف رواية فلأنه خلاف الرواية المشهورة في المذهب المنصوصة في المتون وغيرها وأما الدراية أي الضعف من حيث المعنى فلما علمت من بقاء الالتزام الدافع للقتل فتؤخذ منهم جبرا ويمكن تأويل ما في الواقعات بما إذا كانوا جماعة تغلبوا على موضع هو بلدهم أو غيرها وأظهروا العصيان والمحاربة فإنها حينئذ لا يمكن أخذها منهم إلا بالقتال
تأمل
قوله ( ولا بالزنا بمسلمة ) بل يقام عليه موجبه وهو الحد وكذا لو نكحها لا ينقض عهده والنكاح باطل ولو أسلم بعده ويعزران وكذا الساعي بينهما
بحر
قوله ( وإفتان مسلم ) مصدر أفتن الرباعي اه ح
قلت لكن الذي رأيناه في النسخ افتتان بتاءين وفي المصباح فتن المال الناس من باب ضرب استمالهم وفتن في دينه وافتتن أيضا بالبناء للمفعول مال عنه اه
ومقتضاه أن الافتتان متعد لا لازم
تأمل
مطلب في حكم سب الذمي النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( وسب النبي ) أي إذا لم يعلن فلو أعلن بشتمه أو اعتاده قتل ولو امرأة وبه يفتى اليوم
در
منتقى
وهذا حاصل ما سيذكره الشارح هنا وقيده الخير الرملي بقيد آخر حيث قال أقول هذا إن لم يشترط انتقاضه به أما إذا شرط انتقض به كما هو ظاهر اه
قلت وقد ذكر الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج في صلح أبي عبيدة مع أهل الشام أنه صالحهم واشترط عليهم حين دخلها على أن يترك كنائسهم وبيعهم على أن لا يحدثوا بناء بيعة ولا كنيسة وأن لا يشتموا مسلما ولا يضربوه الخ وذكر العلامة قاسم من رواية الخلال والبيهقي وغيرهما كتاب العهد وفي آخره فلما أتيت عمر بن الخطاب بالكتاب زاد
فيه وأن لا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لهم ذلك علينا وعلى أهل ملتنا وقبلنا
____________________
(4/213)
عنهم الأمان فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق
وفي رواية الخلال فكتب عمر أن أمض لها ما سألوه وألحق فيه حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم أن لا يشتروا شيئا من سبايانا ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده اه
وقد ذكر الشرنبلالي في رسالته كتاب العهد بتمامه ثم قال وقد اعتمد الفقهاء ذلك من كل مذهب كما نقله القاضي بدر الدين القرافي اه
ثم ذكر الشرنبلالي أنه انتقض عهدهم بإحداث ذلك الدير أي الذي أحدثوه في زمنه وألف فيه الرسالة المذكورة ثم قال بعد ذكره ما ألحقه عمر رضي الله تعالى عنه إن هذا دليل لما قاله الكمال بن الهمام من نقض العهد بتمردهم واستعلائهم على المسلمين
قلت ولعلهم لم يقيدوا بهذا القيد لظهوره كما تقدم عن الرملي لأن المعلق على أمر لا يوجد بدونه ولأن مرادهم بيان أن مجرد عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه من السب ونحوه والجهاد ماض إلى يوم القيامة وليس كل إمام إذا فتح بلدة يشترط هذا الشرط الذي شرطه عمر فلذا تركوا التصريح به على أن ما شرطه عمر على الشام ونحوها لا يجري حكمه على كل ما فتحه من البلاد ما لم يعلم اشتراطه عليهم أيضا
فصار الحاصل أن عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه ما لم يشترط انتقاضه به فإذا اشترط انتقض وإلا فلا إلا إذا أعلن بالشتم أو اعتاده لما قدمناه ولما يأتي عن المعروضات وغيرها ولما ذكره ط عن الشلبي عن حافظ الدين النسفي إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهرا جاز قتله لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة اه
لكن مقتضى هذا التعليل اشتراط عدم الطعن بمجرد عقد الذمة وهو خلاف كلامهم فتأمل
تنبيه قيد الشافعية الشتم بما لا يتدينون به
ونقله في حاشية السيد أبي السعود عن الذخيرة بقوله إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به بأن قال إنه ليس برسول أو قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب فعند بعض الأئمة لا ينتقض عهده أما إذا ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه اه
قوله ( المقارن له ) أي لعهد الذمة
قوله ( فالطارىء ) أي بالسب
قوله ( فلو من مسلم قبل ) أي إن لم يتب لا مطلقا خلافا لما ذكره في الدرر هنا والبزازية وغيرهما فإنه مذهب المالكية لا مذهبنا كما سيأتي تحريره فافهم
قوله ( ويؤدب الذمي ويعاقب الخ ) أطلقه فشمل تأديبه وعقابه بالقتل إذا اعتاده وأعلن به كما يأتي ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن حافظ الدين وجميع الظلمة وجميع الكبائر وأنه أفتى الناصحي بقتل كل مؤذ
ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا لا ينتقض العهد بالسب ولا يقتل الذمي بذلك لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار
____________________
(4/214)
أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك وحكاه الطحاوي عن الثوري ومن أصولهم يعني الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر فللإمام أن يقتل فاعله وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك ويحملون ما جاء عن النبي وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم على أنه رأى المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة
وكان حاصله أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار وشرع القتل في جنسها ولهذا أفتى أكثرهم بقتل من أكثر من سب النبي من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه وقالوا يقتل سياسة وهذا متوجه على أصولهم اه
فقد أفاد أنه يجوز عندنا قتله إذا تكرر منه ذلك وأظهره وقوله وإن أسلم بعد أخذه لم أر من صرح به عندنا لكنه نقله عن مذهبنا وهو ثبت فيقبل
قوله ( قال العيني الخ ) قال في البحر لا أصل له في الرواية اه
ورده الخير الرملي لا يلزم من عدم النقض عدم القتل وقد صرحوا قاطبة بأنه يعزر على ذلك ويؤدب وهو يدل على جواز قتله زجرا لغيره إذ يجوز الترقي في التعزير إلى القتل إذا عظم موجبه ومذهب الشافعي كمذهبنا على الأصح
قال ابن السبكي لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل فإن ذلك لا يلزم اه
وليس في مذهبنا ما ينفي قتله خصوصا إذا أظهر ما هو الغاية في التمرد وعدم الاكتراث والاستخفاف واستعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم اه
ونقل المقدسي ما قاله العيني ثم قال وهو مما يميل إليه كل مسلم والمتون والشروح خلافه
أقول ولنا أن نؤدب الذمي تعزيرا شديدا بحيث لو مات كان دمه هدرا اه
قلت لكن هذا إذا أعلن بالسب وكان مما لا يعتقده كما علمته آنفا
قوله ( وتبعه ابن الهمام ) حيث قال والذي عندي أن سبه عليه الصلاة والسلام أو نسبة مالا ينبغي إلى الله تعالى إن كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك إذا أظهره يقتل به وينتقض عهده وإن لم يظهره ولكن عثر عليه وهو يكتمه فلا وهذا لأنه الغاية في التمرد والاستخفاف بالإسلام والمسلمين فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتل وهو أن يكون صاغرا ذليلا إلى أن قال وهذا البحث منا يوجب أنه إذا استعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم يحل للإمام قتله أو يرجع إلى الذل والصغار اه
قال في البحر وهو بحث خالف فيه أهل المذهب اه
وقال الخير الرملي إن ما بحثه في النقض مسلم مخالفته للمذهب وأما ما بحثه في القتل فلا اه أي لما علمته آنفا من جواز التعزير بالقتل ولما يأتي من جواز قتله إذا أعلن به
قوله ( وبه أفتى شيخنا ) أي بالقتل لكن تعزيرا كما قدمناه عنه وينبغي تقييده بما إذا ظهر أنه معتاده كما قيده به في المعروضات أو بما إذا أعلن به كما يأتي بخلاف ما إذا عثر عليه وهو يكتمه كما مر عن ابن الهمام
قوله ( وبه أفتى ) أي أبو السعود مفتي الروم بل أفتى به أكثر الحنفية إذا أكثر السب كما قدمناه عن الصارم المسلول وهو معنى قوله إذا ظهر أنه معتادة ومثله ما إذا أعلن به كما مر وهذا معنى قول ابن الهمام إذا أظهره يقتل به فلم يكن كلامه مخالفا للمذهب بل صرح به محرر المذهب الإمام محمد كما يأتي
قوله ( بأنه يقتل ) لم يقيده بما إذا اعتاده كما قيد به أولا فظاهره أنه يقتل مطلقا وهو موافق لما أفتى به الخير الرملي ولما مر عن العيني
____________________
(4/215)
والمقدسي لكن علمت تقييده بالإعلان أو بما في الصارم المسلول من اشتراط التكرار
قوله ( لسبه للأنبياء ) المراد الجنس وإلا فهو قد سب نبيا واحدا
قوله ( ويؤيده ) أي يؤيد قتل الكافر الساب
قوله ( في أحاديثه ) الجار والمجرور خبر مقدم وما في قوله ما نصه نكرة موصوفة بمعنى شيء مبتدأ مؤخر والجملة من المبتدأ والخبر خبر إن ونصه مصدر بمعنى منصوصه مرفوع على أنه مبتدأ وقوله والحق الخ هذه الجملة إلى آخرها أريد بها لفظها في محل رفع على أنها خبر نصه وجملة هذا المبتدأ وخبره في محل رفع على أنها صفة لما الواقعة مبتدأ وجملة ما وخبرها المقدم خبر أن في قوله أن ابن كمال والمعنى أن ابن كمال شيء منصوصه والحق الخ ثابت في أحاديثه الأربعينية فافهم
قوله ( حيث قال الخ ) بيانه أن هذا استدلال من الإمام محمد رحمه الله تعالى على جواز قتل المرأة إذا أعلنت بالشتم فهو مخصوص من عموم النهي عن قتل النساء من أهل الحرب كما ذكره في السير الكبير فيدل على جواز قتل الذمي المنهي عن قتله بعقد الذمة إذا أعلن بالشتم أيضا واستدل لذلك في شرح السير الكبير بعدة أحاديث منها حديث أبي إسحاق الهمداني قال جاء رجل إلى رسول لله قال سمعت مرأة من يهود وهي تشتمك ولله يا رسول لله إنها لمحسنة إلي فقتلتها فأهدر النبي دمها
قوله ( تغلبي وتغلبية ) بكسر اللام على الأصل ومنهم من يفتحها
مصباح
نسبة إلى تغلب بن وائل بن ربيعة بوزن تضرب قوم تنصروا في الجاهلية وسكنوا بقرب الروم امتنعوا عن أداء الجزية فصالحهم عمر على ضعف زكاتنا فهو وإن كان جزية في المعنى إلا أنه لا يراعى فيه شرائطها من وصف الصغار وتقبل من النائب بل شرائط الزكاة وأسبابها ولذا أخذت من المرأة لأهليتها لها بخلاف الصبي والمجنون فلا يؤخذ من مواشيهم وأموالهم كما في النهر
قوله ( إلا الخراج ) أي خراج الأرض فإنه يؤخذ من طفلهم والمجنون لأنه وظيفة الأرض وليس عبادة
بحر
قوله ( ضعف زكاتنا ) فيأخذ الساعي من غنمهم السائمة من كل أربعين شاة شاتين ومن كل مائة وإحدى وعشرين أربع شياة وعلى هذا من الإبل والبقر
نهر
ولا شيء عليهم في بقية أموالهم ورقتهم كما في الإتقاني يعني إلا إذا مروا على العاشر فإنه يؤخذ منهم ضعف ما يأخذ من المسلمين
ط عن الحموي
قوله ( كمولى القرشي ) يعني أن معتق التغلبي كمعتق القرشي في أن كلا منهما لا يتبع أصله حتى توضع الجزية والخراج عليهما وإن لم يوضعا على أصلهما تخفيفا والمعتق لا يلحق أصله في التخفيف ولذا لو كان لمسلم مولى نصراني وضعت عليه الجزية وتمامه في الفتح
قوله ( وحديث الخ ) جواب سؤال وهو أن ما عللتم به من أن المعتق لا يلحق أصله في التخفيف معارض للنص
والجواب أن الحديث المذكور غير مجري على عمومه بالإجماع فإن مولى الهاشمي لا يلحقه في الكفاءة للهاشمية ولا في الإمامة وإذا كان عاما مخصوصا يصح تخصيصه أيضا بما ذكرنا من العلة وتمامه في الفتح
____________________
(4/216)
مطلب في مصارف بيت المال قوله ( ومصرف الجزية والخراج الخ ) لأن العشر مصرفه مصرف الزكاة كما مر
قوله ( وإنما يقبلها الخ ) ترك قيدا آخر ذكره في الجوهرة وهو أن يكون المهدي لا يطمع في إيمانه لو ردت هديته فلو طمع في إيمانه بالرد لا يقبل منه
قوله ( وما أخذ منهم بلا حرب ) فيه أن ما قبله مأخوذ بلا حرب لكن فسره في النهر بالمأخوذ صلحا على ترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم
قوله ( مصالحنا ) نبه بذلك عن أنه لا يخمس ولا يقسم بين الغانمين
نهر
وهو جمع مصلحة بفتح الميم واللام ما يعود نفعه إلى الإسلام
ط عن القهستاني
قوله ( كسد ثغور ) أي حفظ المواضع التي ليس وراءها إسلام وفيه إشعار بأنه يصرف إلى جماعة يحفظون الطريق في دار الإسلام عن اللصوص
قهستاني
قوله ( وبناء قنطرة وجسر ) القنطرة ما بني على الماء للعبور والجسر بالفتح والكسر ما يعبر به النهر وغيره مبنيا كان أو غيره كما في المغرب ومثله بناء مسجد وحوض ورباط وكري أنهار عظام غير مملوكة كالنيل وجيحون
قهستاني
وكذا النفقة على المساجد كما في زكاة الخانية فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الإمامة والأذان ونحوهما
بحر
قوله ( وكفاية العلماء ) هم أصحاب التفسير والحديث والظاهر أن المراد بهم من يعلم العلوم الشرعية فيشمل الصرف والنحو وغيرهما
حموي عن البرجندي ط
وفي التعبير بالكفاية إشعار بأنه لا يزاد عليها وسيأتي بيانه وكذا يشعر باشتراط فقرهم لكن في حظر الخانية سئل علي الرازي عن بيت المال هي للأغنياء فيه نصيب قال لا إلا أن يكون عاملا أو قاضيا وليس للفقهاء فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن اه
قال في البحر أي بأن صرف غالب أوقاته في العلم وليس مراد الرازي الاقتصار على العامل أو القاضي بل أشار بهما إلى كل من فرغ نفسه لعمل المسلمين فيدخل فيه المفتي والجندي فيستحقان الكفاية مع الغني اه
وذكر قبله عن الفتح أن طالب العلم قبل أن يتأهل عامل لنفسه لكن ليعمل بعده للمسلمين
قوله ( والعمال ) من عطف العام على الخاص لما في القهستاني أنه بالضم والتشديد جمع عامل وهو الذي يتولى أمور رجل في ماله وعمله كما قال ابن الأثير فيدخل فيه المذكر والواعظ بحق وعلم كما في المنية وكذا الوالي وطالب العلم والمحتسب والقاضي والمفتي والمعلم بلا أجر كما في المضمرات
قوله ( وشهود قسمة ) بالسين المهملة أي الذين يشهدون بالقسمة بين الورثة والشركاء واستيفاء حقوقهم وفي نسخة وشهود قيمة بالياء المثناة التحتية أي الذين يشهدون على التقويم عند الاختلاف في القيمة ط
قوله ( ورقباء سواحل ) جمع رقيب من رقبته أرقبه من باب قتل أي حفظته والسواحل جمع ساحل وهو شاطىء البحر
مصباح
فالمراد الذين يحفظون السواحل وهم المرابطون في الثغور أو أعم فافهم
قوله ( ورزق المقاتلة ) الرزق بالكسر اسم من الرزق بالفتح ما ينتفع به
قاموس
وقال الراغب الرزق يقال للعطاء الجاري دينيا كان أو دنيويا وللنصيب ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به
قهستاني ط
قوله ( أي ذراري من ذكر الخ ) لأن العلة تعم الكل كما صرح به القهستاني ومنلا مسكين وغيرهما وعبارة الهداية والكافي توهم تخصيصهم بالمقاتلة وبه صرح شارح
____________________
(4/217)
المجمع
قال في الشرنبلالية قال في البحر وليس كذلك وتبعه في المنح
در
منتقى
وفسر الذراري في شرح درر البحار بالزوجة والأولاد
مطلب من له استحقاق في بيت المال يعطى ولده من بعده قوله نقل الشيخ عيسى السفطي في رسالته ما نصه قال أبو يوسف في كتاب الخراج إن من كان مستحقا في بيت المال وفرض له استحقاقه فيه فإنه يفرض لذريته أيضا تبعا له ولا يسقط بموته
وقال صاحب الحاوي الفتوى على أنه يفرض لذراري العلماء والفقهاء والمقاتلة ومن كان مستحقا في بيت المال لا يسقط ما فرض لذراريهم بموتهم اه ط
قلت لكن قول المتون الآتي ومن مات في نصف الحول حرم من العطاء ينافي ذلك إلا أن يجاب بأن ما يجري على الذراري عطاء مستقل خاص بالذراري لا عطاء الميت بطريق الإرث بين جميع الورثة
تأمل
لكن ما مر عن الحاوي لم أره في الحاوي القدسي ولا في الحاوي الزاهدي وراجعت مواضع كثيرة من كتاب الخراج فلم أره فيه والله أعلم
نعم قال الحموي في رسالته وقد ذكر علماؤنا أنه يفرض لأولادهم تبعا ولا يسقط بموت الأصل ترغيبا اه
وذكر العامة المقدسي أن إعطاءهم بالأولى لشدة احتياجهم سيما إذا كانوا يجتهدون في سلوك طريق آبائهم اه
مطلب من له وظيفة توجه لولده من بعده ونقل العلامة البيري عن الخزانة عن مبسوط فخر الإسلام إذا مات من له وظيفة في بيت المال لحق الشرع وإعزاز الإسلام كأجر الإمامة والتأذين وغير ذلك مما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وللميت أبناء يراعون ويقيمون حق الشرع وإعزاز الإسلام كما يراعي ويقيم الأب فللإمام أن يعطي وظيفة الأب لأبناء الميت لا لغيرهم لحصول مقصود الشرع وانجبار كسر قبولهم اه
مطلب تحقيق مهم في توجيه الوظائف للابن قال البيري أقول هذا مؤيد لما هو عرف الحرمين الشريفين ومصر والروم من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ولو كانوا صغارا على وظائف آبائهم مطلقا من إمامة وخطابة وغير ذلك عرفا مرضيا لي لأن فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الذين يعول على إفتائهم اه
قلت ومقتضاه تخصيص ذلك بالذكور دون الإناث وأنت خبير بأن الحكم يدور مع علته فإن العلة هي إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على تحصيل العلم فإذا اتبع الابن طريقة والده في الاشتغال في العلم فذلك ظاهر أما إذا أهمل ذلك واشتغل باللهو واللعب أو في أمور الدنيا جاهلا غافلا معطلا للوظائف المذكورة أو ينيب غيره من أهل العلم بشيء قليل ويصرف باقي ذلك في شهواته فإنه لا يحل لما فيه من أخذ وظائف العلماء وتركهم بلا شيء يستعينون به على العلم كما هو الواقع في زماننا فإن عامة أوقاف المدارس والمساجد والوظائف في أيدي جهلة أكثرهم لا يعلمون شيئا من فرائض دينهم ويأكلون ذلك بلا مباشرة ولا إنابة بسبب تمسكهم بأن خبز الأب
____________________
(4/218)
لابنه فيتوارثون الوظائف أبا عن جد كلهم جهلة كالأنعام ويكبرون بذلك فراهم وعمائمهم ويتصدرون في البلدة حتى أدى ذلك إلى اندراس المدارس والمساجد وأكثرها صار بيوتا باعوها أو بساتين استغلوها فمن أراد أن يطلب العلم لا يجد له مأوى يسكنه ولا شيئا يأكله فيضطر إلى أن يترك العلم ويكتسب
ووقع في زماننا أن رجلا من أكابر دمشق مات عن ولد أجهل منه لا يقرأ ولا يكتب فوجهت من وظائفه تولية مسجد ومدرسة على رجلين من أعلم علماء دمشق فذهب ولده وعزلهما عن ذلك بالرشوة
وفي أواخر الفن الثالث من الأشباه إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته
وفي البزازية السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين بمنع المستحق وإعطاء غيره اه
ففي توجيه هذه الوظائف لأبناء هؤلاء الجهلة ضياع العلم والدين وإعانتهم على إضرار المسلمين فيجب على ولاة الأمور توجيهها على أهلها ونزعها من أيدي غير الأهل وإذا مات أحد من أهلها توجه على ولده فإن لم يخرج على طريقة والده يعزل عنها وتوجه للأهل إذ لا شك أن غرض الواقف إحياء ما أوقفه من ذلك فكل ما كان فيه تضييعه فهو مخالف لغرض الشرع والواقف هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قوله ( فهذا ) أي ما ذكر من المصالح
وقوله مصرف جزية وخراج أي ونحوهما مما ذكر معهما
قوله ( مر في الزكاة ) أي في باب المصرف
قوله ( مر في السير ) أي في فصل كيفية القسمة
قوله ( وبقي رابع ) تقدم هذا مع الثلاثة التي قبله نظما لابن الشحنة في آخر باب العشر من كتاب الزكاة وقدمنا الكلام عليها
قوله ( وفقير بلا ولي ) أي ليس له من تجب نفقته عليه
قال في البحر يعطون منه نفقتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم ويعقل به جنايتهم اه
تنبيه قال في الأحكام العلماء يستحقون من النوع الأول بالعمل مع الغني ومن النوع الثاني بصفة الفقر ونحوها ومن النوع الثالث بأحد صفات مستحقيه ومن النوع الرابع بصفة المرض ونحوه ومن خص استحقاقهم بالأول نظر إلى محض صفة العلم اه
قوله ( بيتا يخصه ) فلا يخلط بعضه ببعض لأن لكل نوع حكما يختص له
زيلعي
قوله ( ليصرفه للآخر ) أي لأهله
قال الزيلعي ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده في المستقرض منه إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج وهم فقراء فإنه لا يرد فيه شيئا لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق اه
قوله ( ويعطى بقدر الحاجة الخ ) الذي في الزيلعي هكذا ويجب على الإمام أن يتقي الله تعالى ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة فإن قصر في ذلك كان الله تعالى عليه حسيبا اه
وفي البحر عن القنية كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يسوي في العطاء من بيت المال وكان عمر رضي الله تعالى عنه يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل والأخذ بهذا في زماننا أحسن فتعتبر الأمور الثلاثة اه
أي فله أن يعطي الأحوج أكثر من غير الأحوج وكذا الأفقه والأفضل أكثر من غيرهما وظاهره أنه لا تراعى الحاجة في الأفقه والأفضل وإلا فلا فائدة في ذكرهما ويؤيده أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعطي من كان له زيادة فضيلة من علم أو نسب أو نحو ذلك أكثر من غيره وفي البحر أيضا عن المحيط والرأي إلى الإمام من تفضيل وتسوية من غير أن يميل في ذلك إلى هوى وفيه عن القنية وللإمام الخيار في المنع والإعطاء في الحكم اه
____________________
(4/219)
قلت ومثله في كتاب الخراج لأبي يوسف الذي خاطب به هارون الرشيد حيث قال فأما الزيادة أرزاق القضاة والعمال والولاة والنقصان مما يجري عليهم فذلك إليك من رأيت أن تزيده من الولاة والقضاة في رزقهم فزدهم ومن رأيت أن تحط رزقه حططت
قوله ( هو المفتي اليوم ) لأنهم كانوا يحفظون القرآن ويعلمون أحكامه ط
قوله ( ممن ذكر ) أي ممن يقوم بمصالح المسلمين كالقضاة والغزاة ونحوهم
زيلعي
قوله ( في نصف الحول ) المراد به ما قبل آخره بقرينة قوله ولو في آخره ط
قوله ( حرم من العطاء ) هو ما يثبت في الديوان باسم كل ممن ذكرنا من المقاتلة وغيرهم وهو كالجامكية في عرفنا إلا أنها شهرية والعطاء سنوي
فتح
قوله ( لأنه صلة ) ولذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض فلا يورث ويسقط بالموت
فتح
قوله ( في زماننا ) قال في العناية وفي الابتداء كان يعطي كل من كان له ضرب مزية في الإسلام كأزواج النبي وأولاده والمهاجرين والأنصار
قوله ( القاضي والمفتي والمدرس ) عبارة البحر مثل القاضي والمفتي والمدرس وهي أولى لشمولها نحو المقاتلة اه ح
قلت وهي عبارة الهداية أيضا قوله ( أو بعد تمامه ) هذا مفهوم بالأولى لأنه إذا استحب الصرف إلى القريب قبل التمام فبعده أولى
قوله ( فيندب الوفاء له ) قال في الفتح والوجه يقتضي الوجوب لأن حقه تأكد بإتمام عمله في السنة كما قلنا إنه يورث سهم الغازي بعد الإحراز بدار الإسلام لتأكد الحق حينئذ وإن لم يثبت له ملك وقلو فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير وإنما خص نصف السنة لأن عند آخرها يستحب أن يصرف ذلك إلى ورثته فأما قبل ذلك فلا إلا على قدر عنائه يقتضي أن يعطي حصته من العام اه
قوله ( قيل يجب الخ ) عبارة الزيلعي قيل يجب رد ما بقي من السنة وقيل على قياس قول محمد في نفقة الزوجة يرجع وعندهما لا يرجع هو يعتبره بالإنفاق على امرأة ليتزوجها وهما يعتبرانه بالهبة اه
ونقل في الشرنبلالية تصحيح وجوب الرد عن الهداية والكافي ولكني لم أره فيهما في هذا المضوع فليراجع
مطلب فيما إذا مات المؤذن أو الإمام قبل أخذ وظيفتهما قوله ( فإنه سقط الخ ) حاصله أن ما يأخذه الإمام والمؤذن من الوقف بمنزلة ما يأخذه القاضي ونحوه من بيت المال نظرا إلى أنه في معنى الصلة لا تملك إلا بالقبض كما مر
قوله ( وقيل لا يسقط الخ ) أي ما يأخذه الإمام والمؤذن
قال وفي الشرنبلالية جزم في البغية تلخيص القنية بأنه يورث بخلاف رزق القاضي كما في الأشباه والنظائر اه
قلت ووجهه ما أشار إليه الشارح تبعا للدرر بقوله لأنه كالأجرة أي فيه معنى الأجرة ومعنى الصلة فليس أجرة من كل وجه لكن وجه الأجرة فيه أرجح لجواز أخذ الأجرة على الأذان والإمامة والتعليم كما أفتى به
____________________
(4/220)
المتأخرون بخلاف القضاء وغيره من الطاعات
فإنه لا يجوز أصلا ولعل وجه القول الأول ترجيح معنى الصلة في الكل بناء على أصل المذهب من عدم جواز الأجرة على شيء من الطاعات لكن الفتوى على قول المتأخرين فلذا جزم في البغية بالقول الثاني وفرق بين الإمام والقاضي كما قدمناه قبيل فصل في كيفية القسمة وقدمنا هناك عن الطرسوسي وغيره أن المدرس ونحوه إذا مات في أثناء السنة يعطي بقدر ما باشر فقط بخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإن المعتبر فيهم ظهور الغلة فمن مات بعد ظهورها استحق لا قبله وقدمنا هناك أيضا عن المفتي أبي السعود مثل ذلك وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت توجيه السلطان
قوله ( وهذا ) أي قوله والمؤذن الخ وقد نقله في الدر عن فوائد صاحب المحيط
قوله ( وتمامه في الدرر ) قال فيها وفي فوائد صدر الإسلام طاهر بن محمود قرية فيها أراضي الوقف على إمام المسجد يصرف إليه غلتها وقت الإدراك فأخذ الإمام الغلة وقت الإدراك وذهب عن تلك القرية لا يسترد منه حصه ما بقي من السنة وهو نظير موت القاضي وأخذ الرزق ويحل للإمام أكل ما بقي من السنة إن كان فقيرا وكذلك الحكم في طلبة العلم في المدارس والله سبحانه أعلم
باب المرتد شروع في أحكام الكفر الطارىء بعد بيان الأصلي أي الذي لم يسبقه إيمان
قوله ( وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان ) هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم وإلا فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين
أفاده ط
قوله ( بعد الإيمان ) خرج به الكافر إذا تلفظ بمكفر فلا يعطي حكم المرتد ط
نعم قد يقتل الكافر ولو امرأة إذا أعلن بشتمه كما مر في الفصل السابق
قوله ( هو تصديق الخ ) معنى التصديق قبول القلب وإذعانه لما علم بالضرورة أنه من دين محمد بحيث تعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال كالوحدانية والنبوة والبعث والجزاء ووجوب الصلاة والزكاة وحرمة الخمر ونحوها اه
ح عن شرح المسايرة
قوله ( وهل هو فقط ) أي وهل الإيمان التصديق فقط وهو المختار عند جمهور الأشاعرة وبه قال الماتريدي ح عن شرح المسايرة
قوله ( أو مع الإقرار ) قال في المسايرة وهو منقول عن أبي حنيفة ومشهور عن أصحابه وبعض المحققين من الأشاعرة وقال الخوارج هو التصديق مع الطاعة ولذا كفروا بالذنب لانتفاء جزء الماهية
وقال الكرامية هو التصديق باللسان فقط فإن طابق تصديق القلب فهو مؤمن ناج وإلا فهو مؤمن مخلد في النار اه
ح
قلت وقد حقق في المسايرة أنه لا بد في حقيقة الإيمان من عدم ما يدل على الاستخفاف من قول أو فعل ويأتي بيانه
قوله ( والإقرار شرط ) هو من تتمة القول الأول ح
أما على القول الثاني فهو شطر لأنه جزء من ماهية الإيمان فلا يكون بدونه مؤمنا لا عند الله تعالى ولا في أحكام الدنيا لكن بشرط أن يدرك زمنا يتمكن
____________________
(4/221)
فيه من الإقرار وإلا فيكفيه التصديق اتفاقا كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد
قوله ( لإجراء الأحكام الدنيوية ) أي من الصلاة عليه وخلفه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشور والزكوات ونحو ذلك ولا يخفى أن الإقرار لهذا الغرض لا بد أن يكون على وجه الإعلان والإظهار على الإمام وغيره من أهل الإسلام بخلاف ما إذا كان لإتمام الإيمان فإنه يكفي مجرد التكلم وإن لم يظهر على غيره كذا في شرح المقاصد
قوله ( بعد الاتفاق ) أي بعد اتفاق القائلين بعدم اعتبار الإقرار
قال في شرح المسايرة واتفق القائلون بعدم اعتبار الإقرار على أنه يلزم المصدق أنه يعتقد أنه متى طولب به أتى به فإن طولب به فلم يقر به فهو أي كفه عن الإقرار كفر عناد وهذا ما قالوا إن ترك العناد شرط وفسروه به أي فسروا ترك العناد بأن يعتقد أنه متى طولب بالإقرار أتى به اه
بقي ما لو لم يعتقد ذلك بأن كان خالي الذهن أو اعتقد أنه متى طولب به لا يأتي به لكنه عندما طولب به أتى به فهل يكفي نظرا لحصول المقصود أو لا يكفي نظرا لاشتراطهم الاعتقاد السابق فليحرر اه ح
أقول الظاهر أن المراد بالاشتراط المذكور نفي اعتقاد عدمه أي لا يعتقد أنه متى طولب به لا يقر وفي شرح المقاصد وشرح التحرير ما يفيده ونصه ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا وترك التكلم لا على وجه الإباء إذ العاجز كالأخرس مؤمن اتفاقا والمصر على عدم الإقرار مع المطالبة به كافر وفاقا لكون ذلك من أمارات عدم التصديق ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب
اه
فظهر أن خالي الذهن لو أتى به عند المطالبة مؤمن لعدم الإصرار على عدم الإقرار ومن اعتقد عدم الإتيان به عندها ليس مؤمنا فلو أتى به عندها كان ذلك إيمانا مستأنفا هذا ما ظهر لي
قوله ( من هزل بلفظ كفر ) أي تكلم به باختياره غير قاصد معناه وهذا لا ينافي ما مر من أن الإيمان هو التصديق فقط أو مع الإقرار لأن التصديق وإن كان موجودا حقيقة لكنه زائل حكما لأن الشارع جعل بعض المعاصي أمارة على عدم وجوده كالهزل المذكور وكما لو سجد لصنم أو وضع مصحفا في قاذورة فإنه يكفر وإن كان مصدقا لأن ذلك في حكم التكذيب كما أفاده في شرح العقائد وأشار إلى ذلك بقوله للاستخفاف فإن فعل ذلك استخفافا واستهانة بالدين فهو أمارة عدم التصديق ولذا قال في المسايرة وبالجملة فقد ضم إلى التصديق بالقلب أو بالقلب واللسان في تحقيق الإيمان أمورا الإخلال بها إخلال بالإيمان اتفاقا كترك السجود لصنم وقتل نبي والاستخفاف به وبالمصحف والكعبة وكذا مخالفة أو إنكار ما أجمع عليه بعد العلم به لأن ذلك دليل على أن التصديق مفقود ثم حقق أن عدم الإخلال بهذه الأمور أحد أجزاء مفهوم الإيمان فهو حينئذ التصديق والإقرار وعدم الإخلال بما ذكر بدليل أن بعض هذه الأمور تكون مع تحقق التصديق والإقرار ثم قال ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفر الحنفية بألفاظ كثيرة وأفعال تصدر من المتهتكين لدلالتها على الاستخفاف بالدين كالصلاة بلا وضوء عمدا بل بالمواظبة على ترك سنة استخفافا بها بسبب أنه فعلها زيادة أو استقباحها كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه أو إحفاء شاربه اه
قلت ويظهر من هذا أن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به وإن لم يقصد الاستخفاف لأنه لو وقف على قصده لما احتاج إلى زيادة عدم الإخلال بما مر لأن قصد الاستخفاف مناف للتصديق
قوله ( فهو ككفر العناد ) أي ككفر من صدق بقلبه وامتنع عن الإقرار بالشهادتين عنادا ومخالفة فإنه أمارة على عدم التصديق وإن قلنا
____________________
(4/222)
إن الإقرار ليس ركنا
قوله ( والكفر لغة الستر ) ومنه سمي الفلاح كافرا لأنه يستر البذر في الأرض ومنه كفر النعمة وهو موجود في المعنى الشرعي لأنه ستر ما وجب إظهاره
قوله ( تكذيبه ) المراد بالتكذيب عدم التصديق الذي مر أي عدم الإذعان والقبول لما علم مجيئه به ضرورة أي علما ضروريا لا يتوقف على نظر واستدلال
وليس المراد التصريح بأنه كاذب في كذا لأن مجرد نسبة الكذب إليه كفر وظاهر كلامه تخصيص الكفر بجحد الضروري فقط مع أن الشرط عندنا ثبوته على وجه القطع وإن لم يكن ضروريا بل قد يكون استخفافا من قول أو فعل كما مر ولذا ذكر في المسايرة أن ما ينفي الاستسلام أو يوجب التكذيب فهو كفر فما ينفي الاستسلام كل ما قدمناه عن الحنفية أي مما يدل على الاستخفاف وما ذكر قبله من قتل نبي إذ الاستخفاف فيه أظهر وما يوجب التكذيب جحد كل ما ثبت عن النبي ادعاؤه ضرورة وأما ما لم يبلغ حد الضرورة كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت بإجماع المسلمين فظاهر كلام الحنفية الإكفار بجحده فإنهم لم يشرطوا سوى القطع في الثبوت ويجب حمله على ما إذا علم المنكر ثبوته قطعا لأن مناط التكفير وهو التكذيب أو الاستخفاف عند ذلك يكون أما إذا لم يعلم فلا إلا أن يذكر له أهل العلم ذلك فيلج اه
مطلب في منكر الإجماع وهذا موافق لما قدمناه عنه من أنه يكفر بإنكار ما أجمع عليه بعد العلم به ومثله ما في نور العين عن شرح العمدة أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع اه
ثم نقل في نور العين عن رسالة الفاضل الشهير حسام جلبي من عظماء علماء السلطان سليم بن بايزيد خان ما نصه إذا لم تكن الآية أو الخبر المتواتر قطعي الدلالة أو لم يكن الخبر متواترا أو كان قطعيا لكن فيه شبهة أو لم يكن الإجماع إجماع الجميع أو كان ولم يكن إجماع الصحابة أو كان ولم يكن إجماع جميع الصحابة أو كان إجماع جميع الصحابة ولم يكن قطعيا بأن لم يثبت بطريق التواتر أو كان قطعيا لكن كان إجماعا سكوتيا ففي كل من هذه الصور لا يكون الجحود كفرا يظهر ذلك لمن نظر في كتب الأصول فاحفظ هذا الأصل فإنه ينفعك في استخراج فروعه حتى تعرف منه صحة ما قيل إنه يلزم الكفر في موضع كذا ولا يلزم في موضع آخر اه
تنبيه في البحر والأصل أن من اعتقد الحرام حلالا فإن كان حراما لغيره كمال الغير لا يكفر وإن كان لعينه فإن كان دليله قطعيا كفر ولا فلا
وقيل التفصيل في العالم أما الجاهل فلا يفرق بين الحرام لعينه ولغيره وإنما الفرق في حقه أن ما كان قطعيا كفر به
وإلا فلا يكفر إذا قال الخمر ليس بحرام وتمامه فيه
قوله ( بل أفردت بالتآليف ) من أحسن ما ألف فيها ما ذكره في آخر نور العين وهو تأليف مستقل ومن ذلك كتاب الإعلام في قواطع الإسلام لابن حجر المكي ذكر فيه المكفرات عند الحنفية والشافعية وحقق فيه المقام وقد ذكر في البحر جملة من المكفرات
مطلب ما يشك أنه ردة لا يحكم بها قوله ( قال في البحر الخ ) سبب ذلك ما ذكره قبله بقوله وفي جامع الفصولين روى الطحاوي من أصحابنا
____________________
(4/223)
لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه ثم ما تيقن أنه ردة يحكم بها وما يشك أنه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك مع أن الإسلام يعلو وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المكره
أقول قدمت هذا ليصير ميزانا فيما نقلته في هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر في بعضها أنه كفر مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة فليتأمل اه
ما في جامع الفصولين
وفي الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر اه
وفي الخلاصة وغيرها إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم
زاد في البزازية إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل ح
وفي التتارخانية لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية اه
والذي تحرر أنه لا يفتي بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على مجمع حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتي بالتكفير فيها وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها اه
كلام البحر باختصار
قوله ( والطوع ) أي الاختيار احترازا عن الإكراه ودخل فيه الهازل كما مر لأنه يعد مستخفا لتعمده التلفظ به وإن لم يقصد معناه
وفي البحر عن الجامع الصغير إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر قال بعض أصحابنا لا يكفر لأن الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر وقال بعضهم يكفر وهو الصحيح عندي لأنه استخف بدينه اه
ثم قال في البحر والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده كما صرح به في الخانية ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل ومن تكلم بها عامدا عالما كفر عند الكل ومن تكلم بها اختيارا جاهلا بأنها كفر ففيه اختلاف اه
قوله ( ومعتوه ) عزاه في نهر إلى السراج وهو الناقص العقل وقيل المدهوش من غير جنون كذا في المغرب
وفي أحكامات الأشباه أن حكمه حكم الصبي العاقل فتصح العبادات منه ولا تجب وقيل هو كالمجنون وقيل كالبالغ العاقل اه
قلت والأول هو الذي صرح به الأصوليون ومقتضاه أن تصح ردته لكنه لا يقتل كما هو حكم الصبي العاقل
تأمل
ثم رأيت في الخانية قال وأما ردة المعتوه فلم تذكر في الكتب المعروفة
قال مشايخنا هو في حكم الردة بمنزلة الصبي اه
قوله ( وموسوس ) بالكسر ولا يقال بالفتح ولكن موسوس له أو إليه أي تلقى إليه الوسوسة
وقال الليث الوسوسة حديث النفس وإنما قيل موسوس لأنه يحدث بما في ضميره وعن الليث لا يجوز طلاق الموسوس قال يعني المغلوب في عقله وعن الحاكم هو المصاب في عقله إذا تكلم يتكلم بغير نظام كذا في المغرب
قوله ( وصبي لا يعقل ) قدر عقله في فتاوى قارىء الهداية بأن يبلغ سبع سنين
نهر
وسيأتي آخر الباب
قوله ( وسكران ) أي ولو من محرم لما في أحكامات الأشباه أن السكران من محرم كالصاحي إلا في ثلاث الردة والإقرار بالحدود الخالصة والإشهاد على شهادة نفسه الخ قوله ( ومكره عليها ) أي على الردة والمراد الإكراه بملجىء من قتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح فإنه يرخص له أن يظهر ما أمر به على لسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين زوجته استحسانا كما سيجيء في بابه
قوله ( فليسا بشرط ) هذا في الذكورة بالاتفاق وأما في البلوغ فعندهما خلافا لأبي يوسف كما يأتي
____________________
(4/224)
آخر الباب ح
قوله ( فإنه يقتل ولا يعفى عنه ) قيده في البحر بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره مختارا بلا إكراه وإلا فهو كالمجنون اه ح
قلت وما جزم به الشارح من أنه لا يعفى عنه أي إن تاب سيأتي ما يخالفه
قوله ( من ارتد ) أي عن الإسلام فلو أن اليهودي تنصر أو تمجس أو النصراني تهود أو تمجس لم يجبر على العود لما كان عليه لأن الكفر كله ملة واحدة كما في البرجندي وغيره
در منتقى وسيذكره المصنف
قوله ( الحاكم ) أي الإمام أو القاضي
بحر
قوله ( لبلوغه الدعوة ) مصدر مضاف للمفعول والدعوة فاعل اه ح
قال في البحر وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة
قوله ( بيان لثمرة العرض ) الظاهر أن ثمرة العرض الإسلام والنجاة من القتل وأما هذا فهو ثمرة التأجيل ثلاثة أيام لأن من انتقل عن الإسلام والعياذ بالله تعالى لا بد له غالبا من شبهة فتكشف له إن أبداها في هذه المدة
تأمل
قوله ( وقيل ندبا ) أي وإن استمهل وظاهر الرواية الأول وهو أنه لا يمهل بدون استمهال كما في البحر
قوله ( إن استمهل ) أي بعد العرض للتفكر قهستاني
قوله ( وإلا قتله ) أي بعد عرض الإسلام عليه وكشف شبهته ط
قوله ( إلا إذا رجى إسلامه ) أي فإنه يمهل وهل هو حينئذ واجب أو مستحب محل تردد والظاهر الثاني
تأمل
قوله ( لكنه يضرب الخ ) أي إذا ارتد ثانيا ثم تاب ضربه الإمام وخلى سبيله وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه ضربا وجيعا وحبسه حتى تظهر عليه آثار التوبة ويرى أنه مخلص ثم خلى سبيله فإن عاد فعل به هكذا
بحر عن التاترخانية
وفي الفتح فإن ارتد بلد إسلامه ثانيا قبلنا توبته أيضا
وكذا ثالثا ورابعا إلا أن الكرخي قال فإن عاد بعد الثالثة يقتل إن لم يتب في الحال ولا يؤجل فإن تاب ضربه ضرباوجيعا ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه حتى يرى عليه خشوع التوبة وحال المخلص فحينئذ يخلى سبيله فإن عاد بعد ذلك فعل به كذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام
قال الكرخي هذا قول أصحابنا جميعا إن المرتد يستتاب أبدا وما ذكره الكرخي مروي في النوادر قال إذا تكرر ذلك منه يضرب ضربا مبرحا ثم يحبس إلى أن تظهر توبته ورجوعه اه
وذلك لإطلاق قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة } سورة التوبة الآية 5 الآية
وعن ابن عمر وعلي لا تقبل توبة من تكررت ردته كالزنديق وهو قول مالك وأحمد والليث وعن أبي يوسف لو فعل ذلك مرارا يقتل غيلة وفسره بأن ينتظر فإذا أظهر كلمة الكفر قتل قبل أن يستتاب لأنه ظهر منه الاستخفاف اه
باختصار
وحاصله أن ظاهر قوله وكذا ثالثا ورابعا أنه لو استمهل بعد الرابعة يؤجل ولا يحبس بعد التوبة
والذي نقله عن الكرخي أنه لا يؤجل بعد الرابعة بل يقتل إلا أن تأدب فإنه يضرب ويحبس كما هو رواية النوادر وعن ابن عمر وغيره يقتل ولا توبة له مثل الزنديق
قوله ( عن آخر حدود الخانية ) ونصه وحكى أنه كان ببغداد نصرانيان مرتدان إذا أخذا تابا وإذا تركا عادا إلى الردة
قال أبو عبد الله البلخي يقتلان ولا تقبل توبتهما اه
أقول الظاهر أن البلخي اختار قول ابن عمر ولا يصح بناؤه على رواية النوادر المارة عن الفتح كما لا يخفى
____________________
(4/225)
فافهم
قوله ( بلا توبة ) أي بلا قبول توبة وليس المراد أنه يقتل إن لم يثبت لأنه لا نزاع فيه
قوله ( وإلا قتل ) أي ولو عبدا فيقتل وإن تضمن قتله إبطال حق المولى وهذا بالإجماع لإطلاق الأدلة
فتح
قال في المنح وأطلق فشمل الإمام وغيره لكن إن قتله غيره أو قطع عضوا منه بلا إذن الإمام أدبه الإمام اه
وسيأتي متنا وشرحا استثناء أربعة عشر لا يقتلون
قوله ( لحديث الخ ) رواية أحمد والبخاري وغيرهما
زيلعي
قوله ( بعد نطقه بالشهادتين ) كذا قيده في العناية والنهاية وعزاه القهستاني إلى المبسوط والإيضاح وغيرهما وقال وإنما لم يذكره لأن ذلك معلوم لكن مقتضى ما في الفتح عدم اعتماده لأنه عبر عنه بقيل وكأنه تابع ظاهر المتون وهو مفاد كلام الزيلعي ويؤيده ما سيذكره في المتن من أن إنكاره الردة توبة ورجوع
وقد يوق بحمل ما هو ظاهر المتون على الإسلام المنجي في الدنيا عن القتل
وما في الشروح من اشتراط النطق بالشهادتين أيضا محمول على الإسلام الحقيقي النافع في الدنيا والآخرة
تأمل وذكر في الفتح أن الإقرار بالبعث والنشور مستحب
قوله ( على وجه العادة ) أي بدون التبري
قال في البحر وأفاد باشتراط التبري أنه لو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال إذ لا يرتفع بهما كفره كذا في البزازية وجامع الفصولين اه
قلت وظاهره اشتراط التبري وإن لم ينتحل دينا آخر بأن كان كفره بمجرد كلمة ردة والظاهر خلافه وأن اشتراط التبري فيمن انتحل دينا آخر إنما هو شرط لإجراء أحكام الدنيا عليه أما بالنسبة لأحكام الآخرة فيكفيه التلفظ بالشهادتين مخلصا كما يدل عليه ما نذكره في إسلام العيسوية
قوله ( لما مر ) أي من أن العرض مستحب ويكره تحريما عند من أوجبه
أفاده في شرح الملتقى ط
قوله ( قيد بإسلام المرتد ) أي في قوله وإسلامه
مطلب في أن الكفار خمسة أصناف وما يشترط في إسلامهم قوله ( لأن الكفار ) أي بكفر أصلي والمرتد كفره عارض
قوله ( كالدهرية ) بضم الدال نسبة إلى الدهر بفتحها سموا بذلك لقولهم { وما يهلكنا إلا الدهر } سورة الجاثية الآية 24 ح
قوله ( كالثنوية ) وهم المجوس القائلون بإلهين أو كالمجوس كما في أنفع الوسائل ومقتضاه أنهم غيرهم وهو الذي حققه ابن كمال باشا نقلا عن الآمدي مع مشاركة الكل في اعتقاد أن أصل العالم النور والظلمة أي النور المسمى يزدان وشأنه خلق الخير
والظلمة المسماة أهر من وشأنها خلق الشر
قوله ( كالفلاسفة ) أي قوم منهم كما في النهر وإلا فجمهور الفلاسفة يثبتون الرسل على أبلغ وجه لقولهم بالإيجاب اه ح
أي باللزوم والتوليد لا بالاختيار لإنكارهم كونه تعالى مختارا وينكرون كونها بنزول الملك من السماء وكثيرا مما علم بالضرورة مجيء الأنبياء كحشر الأجساد والجنة والنار
والحاصل أنهم وإن أثبتوا الرسل لكن لا على الوجه الذي يثبته أهل الإسلام كما ذكره في شرح المسايرة فصار إثباتهم بمنزلة العدم وعليه فيصح إطلاق الشارح
تأمل
قوله ( كالوثنية ) فيه أن الوثنية لا ينكرون الصانع تعالى كما لا يخفى ح
قال في شرح السير وعبدة الأوثان كانوا يقرون بالله تعالى قال تعالى { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله }
____________________
(4/226)
سورة الزخرف الآية 87 ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية
قال تعالى { إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } سورة الصافات الآية 35 اه
وهذا زاده في الدرر على ما في البدائع وتبعه الشارح
والظاهر أن صاحب البدائع أدخله في الثنوية لأنهم جعلوا مع الله تعالى معبودا ثانيا وهو أصنامهم فهم منكرون للوحدانية كالمجوس وحكمهم في الإسلام واحد كما تعرفه
قوله ( كالعيسوية ) هم قوم من اليهود ينسبون إلى عيسى الأصفهاني اليهودي ح
قلت وعبارة البدائع وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة لكنهم ينكرون عموم رسالة رسولنا وهم اليهود والنصارى
قال في النهر وليس المراد كل النصارى بل طائفة منهم في العراق يقال لهم العيسوية صرح بذلك في المحيط والخانية اه
قوله ( فيكتفي في الأولين الخ ) عبارة البدائع فإن كان من الصنف الأول أو الثاني فقال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم وكذلك إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله لأنهم يمتنعون عن كل واحدة من كلمتي الشهادة فكان الإتيان بواحدة منهما أيتهما كانت دلالة الإيمان اه أي ويلزم من الإيمان بإحداهما الإيمان بالأخرى وهذا صريح في أن الثنوية ينكرون الرسالة فهم كالوثنية فكيتفي في الكل بإحدى الكلمتين وبه صرح في أنفع الوسائل فقال إن عبدة الأوثان والنيران والمشرك في الربوبية والمنكر للوحدانية كالثنوية إذا قال الواحد منهم لا إله إلا الله يحكم بإسلامه وكذا لو قال أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمنا أو آمنا بالله
اه
وذكر قبله عن المحيط أن الكافر إذا أقر بخلاف ما اعتقد يحكم بإسلامه ونحوه في شرح السير الكبير
وبه علم أن ما في شرح المسايرة لابن أبي شريف الشافعي من أنه يكتفي في الثنوي والوثني بالشهادتين بدون تبري فهو على مذهبه أو المراد به إحداهما فافهم
قوله ( وفي الثالث بقول محمد رسول الله ) فلو قال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه لأنه منكر الرسالة ولا يمتنع عن هذه المقالة ولو قال أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه لأنه يمتنع عن هذه الشهادة فكان الإقرار بها دليل الإيمان
بدائع
ومقتضاه أن الإتيان بالثانية يكفيه لأن المدار على الإقرار بخلاف معتقده
قوله ( وفي الرابع بأحدهما ) علله في الدرر بأنه لا منكر للأمرين جميعا فبأيهما شهد دخل في دين الإسلام اه
وهذا التعليل موافق لما قدمناه عن البدائع وبه صرح أيضا في شرح السير الكبير وزاد أنه لو قال أنا مسلم فهو مسلم لأن عبدة الأوثان لا يدعون هذا الوصف لأنفسهم بل يبرؤون على قصد المغايظة للمسلمين وكذا لو قال أنا على دين محمد أو على الحنفية أو على دين الإسلام وقد علمت أن هذا الرابع داخل في الأولين والحكم في الكل واحد وهو الاكتفاء بأحد اللفظين عن الآخر وأن ما مر عن شرح المسايرة لا يدفع المنقول عندنا فافهم
مبحث في اشتراط التبري مع الإتيان بالشهادتين قوله ( وفي الخامس بهما في التبري الخ ) ذكر ابن الهمام في المسايرة أن اشتراط التبرى لإجراء أحكام الإسلام عليه لا لثبوت الإيمان فيما بينه وبين الله تعالى فإنه لو اعتقد عموم الرسالة وتشهد فقط كان مؤمنا عند الله تعالى اه
ثم إن الذي في البدائع لو أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ عن الدين الذي هو عليه وزاد على المحيط لا يكون مسلما حتى يتبرأ من دينه مع ذلك ويقر أنه دخل في الإسلام لأنه يحتمل أنه تبرأ من اليهودية ودخل في النصرانية فإذا قال مع ذلك ودخلت في الإسلام يزول هذا الاحتمال
وقال بعض مشايخنا إذا قال دخلت في الإسلام يحكم بإسلامه وإن لم يتبرأ مما كان عليه لأنه يدل على دخول حادث منه
____________________
(4/227)
في الإسلام اه
ومثله في شرح السير الكبير
قلت اشتراط قوله ودخلت في دين الإسلام ظاهر فيما إذا تبرأ من دينه فقط إلا إذا تبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام فلا يحتاج إليه لعدم الاحتمال المذكور فلذا لم يذكره الشارح مع صيغة التبري التي ذكرها
والظاهر أنه لو أتى بالشهادتين وصرح بتعميم الرسالة إلى بني إسرائيل وغيرهم أو قال أشهد أن محمدا رسول الله إلى كافة الخلق الإنس والجن يكفي عن التبري أيضا كما صرح به الشافعية
تنبيه قال في الفتح إن اشتراط التبري إنما هو فيمن بين أظهرنا منهم وأما من في دار الحرب لو حمل عليه مسلم فقال محمد رسول الله فهو مسلم أو قال دخلت في دين الإسلام أو دين محمد فهو دليل إسلامه فكيف إذا أتى بالشهادتين لأن في ذلك الوقت ضيقا وقوله هذا إنما أراد به الإسلام الذي يدفع عنه القتل الحاضر فيحمل عليه ويحكم به بمجرد ذلك اه
قلت وإنما اكتفى عليه الصلاة والسلام بالشهادتين لأن أهل زمنه كانوا منكرين لرسالته أصلا كما يأتي
ثم اعلم أنه يؤخذ من مسألة العيسوي أن من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلا أنه لا بد من تبرئه مما كان يعتقده لأنه كان يقر بالشهادتين معه فلا بد من تبرئه منه كما صرح به الشافعية وهو ظاهر
قوله ( فيستفسر من جهل حاله ) ذكر ذلك في النهر بعد أن ذكر أنه ليس كل اليهود والنصارى كذلك بل طائفة منهم يقال لهم العيسوية فقال وعلى هذا فينبغي أن يستفسر الآتي بالشهادتين منهم إن جهم حاله اه أي فإن ادعى أنه عيسوي يعتقد تخصيص الرسالة بغير بني إسرائيل لا يصح إسلامه إلا بالتبري وإن ادعى أنه ينكرها مطلقا اكتفى بالشهادتين فافهم
قوله ( بل عمم في الدرر الخ ) في البحر أو الجهاد عن الذخيرة أما اليهود والنصارى فكان إسلامهم في زمنه عليه الصلاة والسلام بالشهادتين لأنهم كانوا ينكرون رسالته وأما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الإسلام لأنهم يقولون إنه رسول إلى العرب والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد اه
وفي شرح السير للسرخسي وأما اليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا أتى واحد منهم بالشهادتين لا يكون مسلما لأنهم جميعا يقولون هذا ليس من نصراني ولا يهودي عندنا نسأله إلا قال هذه الكلمة فإذا استفسرته قال رسول الله إليكم لا إلى بني إسرائيل ثأ قال ولو قال أنا مسلم لم يكن مسلما بهذا لأن كل فريق يدعي ذلك لنفسه فالمسلم هو المستسلم للحق وكل ذي دين يدعي أنه منقاد للحق وكان شيخنا الإمام يقول إلا المجوس في ديارنا فإن من يقول منهم أنا مسلم يصير مسلما لأنهم يأبون هذه الصفة لأنفسهم ويسبون به أولادهم ويقولون يا مسلمان اه
قلت وما عزاه إلى شيخه يعني الإمام الحلواني جزم به في محل آخر وقدمنا عنه قريبا في الوثني أنه يصير مسلما بقوله أنا مسلم أو على دين محمد أو الحنيفية أو الإسلام فعلى هذا يقال كذلك في اليهود والنصارى في بلادنا فإنهم يمنعون من قول أنا مسلم حتى أن أحدهم إذا أراد منع نفسه عن أمر يقول إن فعلته أكون مسلما
____________________
(4/228)
فإذا قال أنا مسلم طائعا فهو دليل إسلامه وإن لم يسمع منه النطق بالشهادتين كما صرح به في شرح السير فيمن صلى بجماعة فإنه يحكم بإسلامه وبأنه يحكم بالإسلام بمجرد سيما المسلمين في حق الصلاة عليه إذا مات وكذا يمتنعون من النطق بالشهادتين أشد الامتناع فإذا أتى بهما طائعا يجب الحكم بإسلامه لأنه فوق السيما إذ لا شك أن محمدا إنما اشترط التبري بناء على ما كان في زمنه من إقرارهم بالرسالة على خلاف ما كان في زمن النبي من إنكارها فإذا أنكروها في زماننا وامتنعوا من النطق بالشهادتين يجب أن يرجع الأمر إلى ما كان في زمنه إذ لم يبق وجه للعدول عنه
على أن محمدا إنما حكم على ما كان في بلاد العراق لا مطلقا كما يوهمه ما في الدرر وعن هذا ذكر العلامة قاسم أنه سئل عن سامري أتى بالشهادتين ثم رجع فأجاب بما حاصله أنه ينظر في اعتقاده فإنهم ذكروا أن بعض اليهود يخصص رسالة نبينا بالعرب وهذا لا يكفيه مجرد الشهادتين بخلاف من ينكر الرسالة أصلا وبعض من أعمى الله قلبه جعلهم فرقة واحدة في جميع البلاد حتى حكم في نصراني منكر للرسالة تلفظ بالشهادتين ببقائه على النصرانية لم يتبرأ اه
ملخصا
والحاصل أن الذي يجب التعويل عليه أنه إن جهل حاله يستفسر عنه وإن علم كما في زماننا فالأمر ظاهر وهذا وجه ما يأتي عن قارىء الهداية
قوله ( لأن التلفظ به صار علامة على الإسلام الخ ) أفاد بقوله صار إلى أن ما كان في زمن الإمام محمد تغير لأنهم في زمنه ما كانوا يمتنعون عن النطق بها فلم تكن علامة الإسلام فلذا شرط معها التبري
أما في زمن قارىء الهداية فقد صارت علاقة الإسلام لأنه لا يأتي بها إلا المسلم كما في زماننا هذا ولذا نقل في البحر أول كتاب الجهاد كلام قارىء الهداية ثم أعقبه بقوله وهذا المصير إليه في ديار مصر بالقاهرة لأنه لا يسمع من أهل الكتاب فيها الشهادتان ولذا قيده محمد بالعراق اه
ومثله في شرح العلامة المقدسي
ونقل أيضا في الدر المنتقى كلام قارىء الهداية ثم قال وبه أفتى أحمد بن كمال باشا
وفي شرح الملتقى لعبد الرحمن أفندي داماد وأفتى البعض في ديارنا بإسلامه من غير تبر وهو المعمول له اه
فليحفظ اه
وقد أسمعناك آنفا ما فيه الكفاية
مطلب الإسلام يكون بالفعل أيضا كالصلاة بجماعة اعلم أن الإسلام يكون بالفعل أيضا كالصلاة بجماعة أو الإقرار بها أو الأذان في بعض المساجد أو الحج وشهود المناسك لا الصلاة وحده ومجرد الإحرام
بحر
وقدم الشارح ذلك نظما في أول كتاب الصلاة وقدمنا الكلام عليه مستوفى وذكرنا هناك أنه لا فرق في الإسلام بالفعل بين العيسوي وغيره والمراد أنه دليل الإسلام فيحكم على فاعل ذلك به وإلا فحقيقة الإسلام المنجية في الآخرة لا بد فيها من التصديق الجازم مع الإقرار بالشهادتين أو بدونه على الخلاف المار
قوله ( لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن ) ظاهره أنه لا يفتى به من حيث استحقاقه للقتل ولا من حيث الحكم ببينونة زوجته
وقد يقال المراد الأول فقط لأن تأويل كلامه للتباعد عن قتل المسلم بأن يكون قصد ذلك التأويل وهذا لا ينافي معاملته بظاهر كلامه فيما هو حق العبد وهو طلاق الزوجة وملكها لنفسها بدليل ما صرحوا به من أنهم إذا أراد أن يتكلم بكلمة مباحة فجرى على لسانه كلمة الكفر خطأ بلا قصد لا يصدقه القاضي وإن كان لا يكفر فيما
____________________
(4/229)
بينه وبين ربه تعالى فتأمل ذلك وحرره نقلا فإني لم أر التصريح به نعم سيذكر الشارح أن ما يكون كفرا اتفاقا يبطل العمل والنكاح وما فيه خلاف يؤمر بالاستغفار والتوبة وتجديد النكاح اه
وظاهره أنه أمر احتياط
مطلب في حكم من شتم دين مسلم ثم إن مقتضى كلامهم أيضا أنه لا يكفر بشتم دين مسلم أي لا يحكم بكفره لإمكان التأويل
ثم رأيته في جامع الفصولين حيث قال بعد كلام أقول وعلى هذا ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم ولكن يمكن التأويل بأن مراده أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الإسلام فينبغي أن لا يكفر حينئذ والله تعالى أعلم اه
وأقره في نور العين ومفهومه أنه لا يحكم بفسخ النكاح وفيه البحث الذي قلناه
وأما أمره بتجديد النكاح فهو لا شك فيه احتياطا خصوصا في حق الهمج الأرذال الذين يشتمون بهذه الكلمة فإنهم لا يخطر على بالهم هذا المعنى أصلا
وقد سئل في الخيرية عمن قال له الحاكم أرض بالشرع فقال لا أقبل فأفتى مفت بأنه كفر وبانت زوجته فهل يثبت كفره بذلك فأجاب بأنه لا ينبغي للعالم أن يبادر بتكفير أهل الإسلام إلى آخر ما حرره في البحر
وأجاب قبله في مثله بوجوب تعزيره وعقوبته
قوله ( ولو رواية ضعيفة ) قال الخير الرملي أقول ولو كانت الرواية لغير أهل مذهبنا ويدل على ذلك اشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعا عليه اه
قوله ( كما حرره في البحر ) قدمنا عبارته قبيل قوله وشرائط صحتها
قوله ( وجوه ) أي احتمالات لما مر في عبارة البحر عن التتارخانية أنه لا يكفر بالمحتمل
قوله ( وإلا ) أي وإن لم تكن له نية ذلك الوجه الذي يمنع الكفر بأن أراد الوجه المكفر أو لم تكن له نية أصلا لم ينفعه تأويل المفتي لكلامه وحمله إياه على المعنى الذي لا يكفر كما لو شتم دين مسلم وحمل المفتي الدين على الأخلاق الرديئة لنفي القتل عنه فلا ينفعه ذلك التأويل فيما بينه وبين ربه تعالى إلا إذا نواه
قوله ( وينبغي التعوذ بهذا الدعاء صباحا ومساء ) تدخل أوراد الصباح من نصف الليل الأخير والمساء من الزوال هذا فيما عبر فيه بهما
وأما إذا عبر باليوم والليلة فيعتبران تحديدا من أولهما فلو قدم المأمور به فيهما عليه لا يحصل له الموعود به
أفاده بعض من كتب على الجامع الصغير السيوطي
ط
قلت ولم أر في الحديث ذكر صباحا ومساء بل فيه ذكر ثلاثا كما في الزواجر عن الحكيم الترمذي أفلا أدلك على ما يذهب الله به عنك صغار الشرك وكباره تقول كل يوم ثلاث مرات اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم وأستغفرك بما لا أعلم وعند أحمد والطبراني أيها الناس اتقوا الشرك فإنه أخفى من ذبيب النمل وقالوا كيف نتقيه يا رسول الله قال قولوا للهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه
مطلب توبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس قوله ( وتوبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس ) هو بالمثناة التحتية ضد الرجاء وقطع الطمع عن الحياة وعلل
____________________
(4/230)
قبولها في الدرر تبعا للبزازية بأن الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى وابتدأ إيمانا وعرفانا والفاسق له حالة البقاء والبقاء أسهل من الابتداء
والدليل على قبولها مطلقا قوله تعالى { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } سورة الشورى الآية 25 اه
وقد أطال في آخر البزازية في هذه المسألة ونقل قبله القول بعدم قبول كل منهما وعزاه أيضا إلى الحنفية والمالكية والشافعية وانتصر له منلا علي القاري في شرح بدء الأمالي وقدمنا ذلك مبسوطا في أول باب صلاة الجنائز
مطلب أجمعوا على كفر فرعون وأما إيمان اليأس فذهب أهل الحق أنه لا ينفع عند الغرغرة ولا عند معاينة عذاب الاستئصال لقوله تعالى { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } سورة غامر الآية 85 ولذا أجمعوا على كفر فرعون كما رواه الترمذي في تفسير سورة يونس وإن خالف في ذلك الإمام العارف المحقق سيدي محيي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات
قال العلامة ابن حجر في الزواجر فإنا وإن كنا نعتقد جلالة قائله فهو مردود فإن العصمة ليست إلا للأنبياء مع أنه نقل عن بعض كتبه أنه صرح فيها بأن فرعون مع هامان وقارون في النار
وإذا اختلف كلام إمام فيؤخذ بما يوافق الأدلة الظاهرة ويعرض عما خالفها ثم أطال في بيان رده
مطلب في استثناء قوم يونس وذكر أيضا أنه يستثنى من إيمان اليأس قوم يونس عليه السلام لقوله تعالى { إلا قوم يونس } سورة يونس الآية 98 الآية بناء على أن الاستثناء متصل وأن إيمانهم كان عند معاينة عذاب الاستئصال وهو قول بعض المفسرين بجعله كرامة وخصوصية لنبيهم فلا يقاس عليها
مطلب في إحياء أبوي النبي بعد موتهما ألا ترى أن نبينا قد أكرمه الله تعالى بحياة أبويه له حتى آمنا به في حديث صححه القرطبي وابن ناصر الدين حافظ الشام وغيرهما فانتفعا بالإيمان بعد الموت على خلاف القاعدة إكرما لنبيه كما أحيا قتيل بني إسرائيل ليخبر بقاتله
وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى وكذلك نبينا أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى
وقد صح أن الله تعالى رد عليه الشمس بعد مغيبها حتى صلى علي كرم الله وجهه العصر فكما أكرم بعود الشمس والوقت بعد فواته فكذلك أكرم بعود الحياة ووقت الإيمان بعد فواته
وما قيل إن قوله تعالى { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } سورة البقرة الآية 119 نزل فيهما لم يصح وخبر مسلم أبي وأبوك في النار كان قبل علمه اه
ملخصا وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب نكاح الكافر
قوله ( وفيها أيضا شهد نصرانيان الخ ) هذا ساقط من بعض النسخ وسيذكره بعد قوله وكل مسلم ارتد الخ
قوله ( على ما مر ) أي عن الخانية معزيا للبلخي لكن قدمنا أن المروي عن أصحابنا جميعا خلافه
مطلب مهم في حكم ساب الأنبياء قوله ( الكافر بسب نبي ) في بعض النسخ والكافر بواو العطف وهو المناسب
قوله ( فإنه يقتل حدا ) يعني
____________________
(4/231)
أن جزاءه القتل على وجه كونه حدا ولذا عطف عليه قوله ولا تقبل توبته لأن الحد لا يسقط بالتوبة فهو عطف تفسير وأفاد أنه حكم الدنيا أما عند الله تعالى فهي مقبولة كما في البحر
ثم اعلم أن هذا ذكره الشارح مجاراة لصاحب الدرر والبزازية وإلا فسيذكر خلافه ويأتي تحقيقه
قوله ( مطلقا ) أي سواء جاء تائبا بنفسه أو شهد عليه بذلك
بحر
قوله ( لأنه حق عبد ) فيه أن حق العبد لا يسقط إذا طالب به كحد القذف فلا بد هنا من دليل يدل على أن الحاكم له هذه المطالبة ولم يثبت وإنما الثابت أنه عفا عن كثيرين ممن آذوه وشتموه قبل إسلامهم كأبي سفيان وغيره
قوله ( وتمامه في الدرر ) حيث قال نقلا عن البزازية
وقال ابن سحنون المالكي أجمع المسلمون أن شاتمه كافر وحكمه القتل ومن شك في عذابه وكفره كفر اه
قلت وهذه العبارة مذكورة في الشفاء للقاضي عياض المالكي نقلها عنه البزازي وأخطأ في فهمها لأن المراد بها ما قبل التوبة وإلا لزم تكفير كثير من الأئمة المجتهدين القائلين بقبول توبته وسقوط القتل بها عنه
على أن من قال يقتل وإن تاب يقول إنه إذا تاب لا يعذب في الآخرة كما صرحوا به وقدمناه آنفا فعلم أن المراد ما قلناه قطعا
قوله ( والديك ووالدي الذين خلفوك ) بكسر الدال على لفظ الجمع فيهما أو في أحدهما
قوله ( فيعم حضرة الرسالة ) أي صاحبها وعليه لا يختص الحكم بالشريف بل غيره مثله لأن آدم عليه السلام أبو جميع الناس ونوح الأب الثاني
قوله ( باحتمال العهد ) المفهوم من العبارة السابقة أنهما يقولان بأنه لا يعم وإن لم يتحقق عهد
قوله ( فلا كفر ) أي لوجود الخلاف في عمومه وتحقق الاحتمال فيه
قوله ( لكن صرح في آخر الشفاء الخ ) هذا استدراك على ما في فتاوى المصنف
وعبارة الشفاء هكذا قال أبو بكر بن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي يقتل وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي وهو مقتضى قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه ولا تقبل توبته عند هؤلاء وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم لكنهم قالوا هي ردة
وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك وروى الطبراني مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه أو برىء منه أو كذبه اه
وحاصله أنه نقل الإجماع على كفر الساب ثم نقل عن مالك ومن ذكر بعده أنه لا تقبل توبته
فعلم أن المراد من نقل الإجماع على قتله قبل التوبة
ثم قال وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه الخ أي قال إنه يقتل يعني قبل
____________________
(4/232)
التوبة لا مطلقا ولذا استدرك بقوله لكنهم قالوا هي ردة يعني ليست حدا ثم ذكر أن الوليد روى عن مالك مثل قول أبي حنيفة فصار عن مالك روايتان في قبول التوبة وعدمه والمشهور عنه العدم ولذا قدمه
وقال في الشفاء في موضع آخر قال أبو حنيفة وأصحابه من برىء من محمد أو كذب به فهو مرتد حلال الدم إلا أن يرجع اه
فهذا تصريح بما علم من عبارته الأولى
وقال في موضع بعد أن ذكر عن جماعة من المالكية عدم قبول توبته وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا
وأما على رواية الوليد عن مالك ومن وافقه على ذلك من أهل العلم فقد صرحوا أنه ردة قالوا ويستتاب منها فإن تاب نكل وإن أبى قتل فحكموا له بحكم المرتد مطلقا والوجه الأول أشهر وأظهر اه يعني أن قول مالك بعدم قبول التوبة أشهر وأظهر مما رواه عنه الوليد فهذا كلام الشفاء صريح في أن مذهب أبي حنيفة وأصحابه القول بقبول التوبة كما هو رواية الوليد عن مالك وهو أيضا قول الثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم أي بخلاف الذمي إذا سب فإنه لا ينقض عهده عندهم كما مر تحريره في الباب السابق
ثم إن ما نقله عن الشافعي المشهور عنه والمشهور قبول التوبة على تفصيل فيه
قال الإمام خاتمة المجتهدين الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه السيف المسلول على من سب الرسول حاصل المنقول عند الشافعية أنه متى لم يسلم قتل قطعا ومتى أسلم فإن كان السب قذفا فالأوجه الثلاثة هل يقتل أو يجلد أو لاشيء وإن كان غير قذف فلا أعرف فيه نقلا للشافعية غير قبول توبته
وللحنفية في قبول توبته قريب من الشافعية ولا يوجد للحنفية غير قبول التوبة
وأما الحنابلة فكلامهم قريب من كلام المالكية
والمشهور عن أحمد عدم قبول توبته وعنه رواية بقبولها فمذهبه كمذهب مالك سواء
هذا تحرير المنقول في ذلك اه
ملخصا
فهذا أيضا صريح في أن مذهب الحنفية القبول وأنه لا قول لهم بخلافه وقد سبقه إلى نقل ذلك أيضا شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية الحنبلي في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول كما رأيته في نسخة منه قديمة عليها خط حيث قال وكذلك ذكر جماعة آخرون من أصحابنا أي الحنابلة أنه يقتل ساب الرسول ولا تقبل توبته سواء كان مسلما أو كافرا وعامة هؤلاء لما ذكروا المسألة قالوا خلافا لأبي حنيفة والشافعي وقولهما أي أبي حنيفة والشافعي وإن كان مسلما يستتاب فإن تاب وإلا قتل كالمرتد
وإن كان ذميا فقال أبو حنيفة لا ينقض عهده ثم قال بعد ورقة قال أبو الخطاب إذا قذف أم النبي لا تقبل توبته وفي الكافر إذا سبها ثم أسلم روايتان
وقال أبو حنيفة والشافعي تقبل توبته في الحالين اه
ثم قال في محل آخر قد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه وهو قول الليث بن سعد
وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي
وحكي عن مالك وأحمد أنه تقبل توبته وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبته المرتد اه
فهذا صريح كلام القاضي عياض في الشفاء والسبكي وابن تيمية وأئمة مذهبه على أن مذهب الحنفية قبول التوبة بلا حكاية قول آخر عنهم وإنما حكوا الخلاف في بقية المذاهب وكفى بهؤلاء حجة لو لم يوجد النقل كذلك في كتب مذهبنا التي قبل البزازي ومن تبعه مع أنه موجود أيضا كما يأتي في كلام الشارح قريبا وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحذ أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام
قوله ( ومفاده قبول التوبة ) أقول بل هو صريح ونص في ذلك كما علمته
____________________
(4/233)
قوله ( والبزازي تبع صاحب السيف المسلول ) الذي قاله البزازي إنه يقتل حدا ولا توبة له أصلا سواء بعد القدرة عليه والشهادة أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لأنه حد وجب فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور فيه خلاف لأحد لأنه تعلق به حق العبد إلى أن قال ودلائل المسألة تعرف في كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول اه
وهذا كلام يقتضي منه غاية العجب كيف يقول لا يتصور فيه خلاف لأحد بعد ما وقع فيه الأئمة المجتهدين مع صدق الناقلين عنهم كما أسمعناك وعزوه المسألة إلى كتاب الصارم المسلول وهو ابن تيمية الحنبلي يدل على أنه لم يتصفح ما نقلناه عنه من التصريح بأن مذهب الحنفية والشافعية قبول التوبة في مواضع متعددة وكذلك صرح به السبكي في السيف المسلول والقاضي عياض في الشفاء كما سمعته مع أن عبارة البزازي بطولها أكثرها مأخوذ من الشفاء
فقد علم أن البزازي قد تساهل غاية التساهل في نقل هذه المسألة وليته حيث لم ينقلها عن أحد من أهل مذهبنا بل استند إلى ما في الشفاء والصارم أمعن النظر في المراجعة حتى يرى ما هو صريح في خلاف ما فهمه ممن نقل المسألة عنهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم
فلقد صار هذا التساهل سببا لوقوع المتأخرين عنه في الخطإ حيث اعتمدوا على نقله وقلدوه في ذلك ولم ينقل أحد منهم المسألة عن كتاب من كتب الحنفية بل المنقول قبل حدوث هذا القول من البزازي في كتبنا وكتب غيرنا خلافه
قوله ( وقد صرح في النتف الخ ) أقول ورأيت في كتاب الخراج لأبي يوسف ما نصه وأيما رجل مسلم سب رسول الله أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته فإن تاب وإلا قتل وكذلك المرأة إلا أن أبا حنيفة قال لا تقتل المرأة وتجبر على الإسلام اه
وهكذا نقل الخبر الرملي في حاشية البحر أن المسطور في كتب المذهب أنها ردة وحكمها حكمها ثم نقل عبارة النتف ومعين الحكام والعجب منه أنه أفتى بخلافه في الفتاوى الخيرية
رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني في هذا المحل والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الإسلام يعني ابن عبد العال ورأى هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن ذلك
وقد أسمعني بعض مشايخي رسالة حاصلها أنه لا يقتل بعد الإسلام وأن هذا هو المذهب اه
وكذلك كتب شيخ مشايخنا الرحمتي هنا على نسخته أن مقتضى كلام الشفاء وابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري في حديث إن فريضة لحج أدركت أبي الخ أن مذهب أبي حنيفة والشافعي حكمه حكم المرتد وقد علم أن المرتد تقبل توبته كما نقله هنا عن النتف وغيره فإذا كان هذا في ساب الرسول ففي ساب الشيخين أو أحدهما بالأولى فقد تحرر أن المذهب كمذهب الشافعي قبول توبته كما هو رواية ضعيفة عن مالك وأن تختم قتله مذهب مالك وما عداه فإنه إما نقل غير أهل المذهب أو طرة مجهولة لم يعلم كاتبها فكن على بصيرة في الأحكام ولا تغتر بكل أمر مستغرب وتغفل عن الصواب والله تعالى أعلم اه
وكذلك قال الحموي في حاشية الأشباه نقلا عن بعض العلماء إن ما ذكره صاحب الأشباه من عدم قبول التوبة قد أنكره عليه أهل عصره وأن ذلك إنما يحفظ لبعض أصحاب مالك كما نقله القاضي عياض وغيره
أما على طريقتنا فلا اه
وذكر في آخر كتاب نور العين أن العلامة النحرير الشهير ب حسام جلبي ألف رسالة في الرد على البزازي وقال في آخرها وبالجملة قد تتبعنا كتب الحنفية فلم نجد القول بعدم قبول توبة الساب عندهم سوى
____________________
(4/234)
ما في البزازية وقد علمت بطلانه ومنشأ غلطه أول الرسالة اه
وسيذكر الشارح عن المحقق المفتي أبي السعود التصريح بأن مذهب الإمام الأعظم أنه لا يقتل إذا تاب ويكتفي بتعزيره فهذا صريح المنقول عمن تقدم على البزازي ومن تبعه ولم يستند هو ولا من تبعه إلى كتاب من كتب الحنفية وإنما استند إلى فهم أخطأ فيه حيث نقل عمن صرح بخلاف ما فهمه كما قدمناه وإن أردت زيادة البيان في المقام فارجع إلى كتابنا تنبيه الولاة والحكام
قوله ( وهو ظاهر في قبول توبته ) المراد بقول التوبة في الدنيا بدفع القتل عنه أما قبولها في الآخرة فهو محل وفاق وأصرح منه ما قدمناه عن كتاب الخراج لأبي يوسف فإن تاب وإلا قتل
قوله ( كذلك ) أي يكون شاتما لنبي لكن قوله يا ابن مائة كلب إن قاله لشريف فهو ممكن فجرى فيه الخلاف في قول توبته وعدمه وإلا فقد يكون له مائة أب ليس فيهم نبي
على أنه يمكن أن يكون مراده أنه اجتمع على أن المشتوم مائة كلب أو ألف خنزير فلا يدخل أجداده في ذلك وحيث احتمل التأويل فلا يحكم بالكفر عندنا كما مر
قوله ( وإن شتم الملائكة كالأنبياء ) هو مصرح به عندنا فقالوا إذا شتم أحدا من الأنبياء أو الملائكة كفر وقد علمت أن الكفر بشتم الأنبياء كفر ردة فكذا الملائكة فإن تاب فيها وإلا قتل
قوله ( فليحرر ) قد علمت تحريره بما قلنا
قوله ( هل للشافعي أن يحكم بقبول توبته ) أي في إسقاط القتل عنه وهو مبني على ما ذكره البزازي وقد علمت أن أهل المذهب قائلون بقبول توبته فلا وجه لما ذكره
اه
ط
ولذا قال الرحمتي قد علمت أن هذا ليس مذهبا للحنفية كما نطقت به كتبهم ونقله عنهم الأئمة كالقاضي عياض وابن أبي حمزة
قوله ( لأنها حادثة أخرى الخ ) يعني أن حكم الحنفي بكفره بناء على أن مذهبه عدم قبول التوبة لا يرفع الخلاف في عدم قبول التوبة لأن عدم قبولها حادثة أخرى لم يحكم بها الحنفي فيسوغ للشافعي الحكم بقبولها وإن قال الحنفي حكمت بالكفر وموجبه لأن موجب الكفر القتل إن لم يتب وهو المتفق عليه ولا يلزم منه القتل أيضا إن تاب على أنه له موجبات أخر من فسخ النكاح وحبط العمل وغير ذلك فلا يكون قول الحنفي حكمت بموجبه حكما بقتله وإن تاب فللشافعي أن يحكم بعدم قتله إذا تاب
والعجب من الشارح حيث نقل صريح ما في كتب المذهب من أن الحنفي كالشافعي في قبول توبته كيف جارى صاحب النهر في هذه المسألة فكان الصواب أن يبدل الحنفي بالمالكي أو الحنبلي
قوله ( سؤالا ) مفعول رأيت
وفي بعض النسخ سؤال بالرفع وهو تحريف
قوله ( فأجاب بأنه يكفر الخ ) قال السائحاني أقول هذا لا يصدر عن أبي السعود لأن كلام القائل يحتمل أن كل الأحاديث الموجودة ليست صدقا لأن فيها الموضوع وهذا الاحتمال
____________________
(4/235)
أقرب من غيره
وتقدم عن الدرر إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي الميل لما يمنعه
وقوله والثاني أي إلحاق الشين يفيد الزندقة
أقول لا إفادة فيه لأن الزندقة أن لا يتدين بدين اه
وكتب ط
نحوه قوله ( فبعد أخذ الخ ) تفريع على كونه صار زنديقا
وحاصل كلامه أن الزنديق لو تاب قبل أخذه أي قبل أن يرفع إلى الحاكم تقبل توبته عندنا وبعده لا اتفاقا وورد الأمر السلطاني للقضاة بأن ينظروا في حال ذلك الرجل إن ظهر حسن توبته بعمل بقول أبي حنيفة وإلا فبقول باقي الأئمة وأنت خبير بأن هذا مبني على ما مشى عليه القاضي عياض من مشهور مذهب مالك وهو عدم قبول توبته وأن حكمه حكم الزنديق عندهم وتبعه البزازي كما قدمناه عنه وكذا تبعه في الفتح وقد علمت أن صريح مذهبنا خلافه كما صرح به القاضي عياض وغيره
قوله ( وليكن التوفيق ) أي يحمل ما مر عن النتف وغيره من أنه يفعل به ما يفعل بالمرتد على ما إذا تاب قبل أخذه وحمل ما في البزازية على ما بعد أخذه وأنت خبير بأن هذا التوفيق غير ممكن لتصريح علمائنا بأن حكمه حكم المرتد ولا شك أن حكم المرتد غير حكم الزنديق ولم يفصل أحد منهم هذا التفصيل ولأن البزازي ومن تابعه قالوا إنه لا توبة له أصلا سواء بعد القدرة عليه والشهادة أو جاء تائبا من قبل نفسه كما هو مذهب المالكية والحنابلة فعلم أنهما قولان مختلفان بل مذهبان متباينان
على أن الزنديق الذي لا تقبل توبته بعد الأخذ هو المعروف بالزندقة الداعي إلى زندقته كما يأتي ومن صدرت منه كلمة الشتم مرة عن غيظ أو نحوه لا يصير زنديقا بهذا المعنى
قوله ( وهو الذي ينبغي التعويل عليه ) قلت الذي ينبغي التعويل عليه ما نص عليه أهل المذهب فإن اتباعنا له واجب ط
قوله ( رعاية لجانب حضرة المصطفى ) أقول رعاية جانبه في اتباع ما ثبت عنه عند المجتهد
قوله ( لكن في النهر الخ ) قال السيد الحموي في حاشية الأشباه حكي عن عمر بن نجيم أن أخاه أفتى بذلك فطلب منه النقل فلم يوجد إلا على طرة الجوهرة وذلك بعد حرق الرجل اه
مطلب مهم في حكم سب الشيخين وأقول على فرض ثبوت ذلك في عامة نسخ الجوهرة لا وجه له يظهر لما قدمناه من قبول توبة من سب الأنبياء عندنا خلافا للمالكية والحنابلة وإذا كان كذلك فلا وجه للقول بعدم قبول توبة من سب الشيخين بل لم يثبت ذلك
____________________
(4/236)
عن أحد من الأئمة فيما أعلم اه
ونقله عنه السيد أبو السعود الأزهري في حاشية الأشباه اه
أقول نعم نقل في البزازية عن الخلاصة أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر وإن كان يفضل عليا عليهما فهو مبتدع اه
وهذا لا يستلزم عدم قبول التوبة
على أن الحكم عليه بالكفر مشكل لما في الاختيار اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل الخ
وذكر في فتح القدير أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة
وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون
قال ابن المنذر ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء
وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع
وبعضهم يكفرون البعض وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة والنقل الأول أثبت وابن المنذر أعرف بنقل كلام المجتهدين نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا اه
ومما يزيد ذلك وضوحا ما صرحوا به في كتبهم متونا وشروحا من قولهم ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية
وقال ابن ملك في شرح الجمع وترد شهادة من يظهر سب السلف لأنه يكون ظاهر الفسق وتقبل من أهل الأهواء الجبر والقدر والرفض والخوارج والتشبيه والتعطيل اه
وقال الزيلعي أو يظهر سب السلف يعني الصالحين منهم وهم الصحابة والتابعون لأن هذه الأشياء تدل على قصور عقله وقلة مروءته ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة بخلاف ما لو كان يخفي السب اه
ولم يعلل أحد لعدم قبول شهادتهم بالكفر كما ترى نعم استثنوا الخطابية لأنهم يرون شهادة الزور لأشياعهم أو للحالف وكذا نص المحدثون على قبول رواية أهل الأهواء فهذا فيمن يسب عامة الصحابة ويكفرهم بناء على تأويل له فاسد
فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر قول ضعيف مخالف للمتون والشروح بل هو مخالف لإجماع الفقهاء كما سمعت
وقد ألف العلامة منلا علي القاري رسالة في الرد على الخلاصة وبهذا تعلم قطعا أن ما عزى إلى الجوهرة من الكفر مع عدم قبول التوبة على فرض وجوده في الجوهرة باطل لا أصل له ولا يجوز العمل به وقد مر أنه كان في المسألة خلاف ولو رواية ضعيفة فعلى المفتي أن يميل إلى عدم التكفير فكيف يميل هنا إلى التكفير المخالف للإجماع فضلا عن ميله إلى قتله وإن تاب وقد مر أيضا أن المذهب قبول توبة ساب الرسول فكيف ساب الشيخين
والعجب من صاحب البحر حيث تساهل غاية التساهل في الإفتاء بقتله مع قوله وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء من ألفاظ التكفير المذكورة في كتاب الفتاوى نعم لا شك في تكفير من قذف السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أو أنكر صحبة الصديق أو اعتقد الألوهية في علي أو أن جبريل غلط في الوحي أو نحو ذلك من الكفر الصريح المخالف للقرآن ولكن لو تاب تقبل توبته هذا خلاصة ما حررناه في كتابنا تنبيه الولاة والحكام وإن أردت الزيادة فارجع إليه واعتمد عليه ففيه الكفاية لذوي الدراية
قوله ( ويكفينا الخ ) هذا مرتبط بقوله وهذا يقوي القول الخ ط
والمراد بالأمر الأمر السلطاني وقد علمت ما فيه
____________________
(4/237)
والحاصل أنه لا شك ولا شبهة في كفر شاتم النبي وفي استباحة قتله وهو المنقول عن الأئمة الأربعة وإنما الخلاف في قبول توبته إذا أسلم
فعندنا وهو المشهور عند الشافعية القبول
وعند المالكية والحنابلة عدمه بناء على أن قتله حدا أو لا وأما الرافضي ساب الشيخين بدون قذف للسيدة عائشة ولا إنكار لصحبة الصديق ونحو ذلك فليس بكفر فضلا عن عدم قبول التوبة بل هو ضلال وبدعة وسيأتي تمامه في أول باب البغاة إن شاء الله تعالى
مطلب في حال الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي نفعنا الله تعالى به قوله ( للشيخ محيي الدين بن العربي ) هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي العارف الكبير ابن عربي ويقال ابن العربي
ولد سنة 560 ومات في ربيع سنة 681 ودفن بالصالحية
وحسبك قول زروق وغيره من الفحول ذاكرين بعض فضله هو أعرف بكل فن من أهله وإذا أطلق الشيخ الأكبر في عرف القوم فهو المراد وتمامه في ط عن طبقات المناوي
قوله ( بعض المتصلفين ) أي المتكلفين
قوله ( تيقنا الخ ) لعل تيقنه بذلك بدليل ثبت عنده أو بسبب عدم اطلاعه على مراد الشيخ فيها وأنه لا يمكن تأويلها فتعين عنده أنها مفتراة عليه كما وقع للعارف الشعراني أنه افترى عليه بعض الحساد في بعض كتبه أشياء مكفرة وأشاعها عنه حتى اجتمع بعلماء عصره وأخرج لهم مسودة كتابه التي عليها خطوط العلماء فإذا هي خالية عما افترى عليه هذا ومن أراد شرح كلماته التي اعترضها المنكرون فليرجع إلى كتاب الرد المتين على منتقص العارف محيي الدين لسيدي عبد الغني النابلسي
قوله ( فيجب الاحتياط الخ ) لأنه إن ثبت افتراؤها فالأمر ظاهر وإلا فلا يفهم كل أحد مراده فيها فيخشى على الناظر فيها من الإنكار عليه أو فهم خلاف المراد
وللحافظ السيوطي رسالة سماها تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي ذكر فيها أن الناس افترقوا فيه فرقتين الفرقة المصيبة تعتقد ولايته والأخرى بخلافها
ثم قال والقول الفصل عندي فيه طريقة لا يرضاها الفرقتان وهي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه
فقد نقل عنه أنه قال نحن قوم يحرم النظر في كتبنا وذلك أن الصوفية تواطؤوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها بين الفقهاء فمن حملها على معانيها المتعارفة كفر نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه وقال إنه شبيه بالمتشابه في القرآن والسنة كالوجه واليد والعين والاستواء
وإذا ثبت أصل الكتاب عنه فلا بد من ثبوت كل كلمة لاحتمال أن يدس فيه ما ليس منه من عدو أو ملحد أو زنديق وثبوت أنه قصد بهذه الكلمة المعنى المتعارف وهذا لا سبيل إليه ومن ادعاه كفر لأنه من أمور القلب التي لا يطلع عليها إلا الله تعالى
وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية ما حملكم على أنكم اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها فقال غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس أهله والمتصدي للنظر في كتبه أو إقرائها لم ينصح نفسه ولا غيره من المسلمين ولا سيما إن كان من القاصرين عن علوم الظاهر فإنه يضل
____________________
(4/238)
ويضل وإن كان عارفا فليس من طريقتهم إقرار المريدين لكتبهم ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب اه
ملخصا
وذكر في محل آخر سمعت أن الفقيه العالم العلامة عز الدين بن عبد السلام كان يطعن في ابن عربي ويقول هو زنديق فقال له يوما بعض أصحابه أريد أن تريني القطب فأشار إلى ابن عربي فقال له أنت تطعن فيه فقال حتى أصون ظاهر الشرع أو كما قال اه
وللمحقق ابن كمال باشا فتوى قال فيها بعد ما أبدع في مدحه وله مصنفات كثيرة منها قصوص حكمية وفتوحات مكية بعض مسائلها مفهوم النص والمعنى وموافق للأمر الإلهي والشرع النبوي وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن ومن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام ولقوله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } سورة الإسراء الآية 36
قوله ( شيخ الطريقة حالا وعلما ) الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات والحال عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيبة ويزول بظهور صفات النفس سواء تعقبه المثل أم لا فإذا دام وصار ملكه يسمى مقاما فالأحوال مواهب والمقامات تحصل ببذل المجهود والعلم هو الاعتقاد الجزم المطابق للواقع ومنه فعلي وهو ما لا يؤخذ من الغير وانفعالي ما أخذ من الغير اه
من تعريفات السيد الشريف قدس سره
قوله ( وإمام الحقيقة ) هي مشاهدة الربوبية بالقلب ويقال هي سر معنوي لا حد له ولا جهة وهي الطريقة والشريعة متلازمة لأن الطريق إلى الله تعالى لها ظاهر وباطن فظاهرها الشريعة والطريقة وباطنها الحقيقة فبطون الحقيقة في الشريعة والطريقة كبطون الزبد في لبنه لا يظفر من اللبن بزبده بدون مخضه والمراد من الثلاثة إقامة العبودية على الوجه المراد من العبد اه
من الفتوحات الإلهية للقاضي زكريا
قوله ( حقيقة ورسما ) الحقيقة ضد المجاز
والرسم الأثر أو بقيته أو مالا شخص له من الآثار جمعه أرسم ورسوم
قاموس
والمراد أنه الإمام من جهة الحقيقة ونفس الأمر ومن جهة الأثر الظاهر للبصر
لقوله ( فعلا واسما ) أي أحيا آثارها من جهة الفعل والاسم حتى صارت المعارف فاعلة أفعالها ومشهورة بين الناس
قوله ( إذا تغلغل الخ ) هذا بيت من بحر البسيط
والتغلغل الدخول والإسراع
والفكر بالكسر ويفتح إعمال النظر في الشيء
والخاطر الهاجس
قاموس
وهو ما يخطر في القلب من تدبير أمر
مصباح
قوله ( عباب ) كغراب معظم السيل وكثرته وموجه
والدلاء جمع دلو أي لا يتغير بأخذ الدلاء منه لأنها لا تصل إلى أسفله لكثرته
قوله ( تتقاصى عنه الأنواء ) التقاصي بالقاف والصاد المهملة التباعد
والأنواء جمع نوء وهو النجم
واستناءه طلب نوءه أي عطاءه
قاموس أي أنه سحاب تتباعد عن مطره وفيضه النجوم التي يكون المطر وقت طلوعها أو تتباعد عنه عطايا الناس أي لا تشبهه
قوله ( الآفاق ) جمع أفق بضم وبضمتين الناحية وما ظهر من نواحي الفلك
قاموس
قوله ( وهو يقينا ) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أيقنه جملة معترضة بين المبتدأ والخبر ط
قوله ( وناطق بما كتبته ) المراد أنه مقر به وأن الأول طابق الفعل ط
____________________
(4/239)
والجملة عطف على أصفه
قوله ( ما أنصفته ) يقال أنصفته إنصافا
عاملته بالعدل والقسط
مصباح
قوله ( وما علي ) ما استفهامية أو نافية أي وما علي شيء
قوله ( يظن الجهل ) أي يظن الجهل في غيره فهو مفعول أول أو يظن الظن الجهل فهو مفعول مطلق وقوله عدوانا أي ظلما مفعول لأجله أو حال وهذا أولى مما قيل إن الجهل بمعنى المجهول مفعول أول وعدوانا مفعول ثان أي ذا عدوان فافهم
قوله ( برهانا ) هو الحجة
قاموس
فهو حال مؤكدة ط
قوله ( من مناقبه ) جمع منقبة وهي المفخرة
قاموس ط قوله ( إلا لعلي ) أي لكن أخاف وأشفق اني زدت من جهة النقصان والتقصير في حقه فنقصانا تمييز لا مفعول زدت لئلا يرد عليه ما قيل في زاد النقص أنه لا مناسبة بين الزيادة والنقص حتى يتسلط أحدهما على الآخر
مطلب في الساحر والزنديق قوله ( والكافر بسبب اعتقاد السحر ) في الفتح السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم واعتقاد إباحته كفر
وعن أصحابنا ومالك وأحمد يكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد الحرمة أو لا ويقتل وفيه حديث مرفوع حد الساحر ضربة بالسيف يعني القتل
وعند الشافعي لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته
وأما الكاهن فقيل هو الساحر وقيل هو العراف الذي يحدث ويتخرص وقيل من له من الجن من يأتيه بالأخبار
وقال أصحاينا إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر لا إن اعتقد أنه تخييل
وعند الشافعي إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب وأنها تفعل ما يلتمسه كفر
وعند أحمد حكمه كالساحر في رواية يقتل وفي رواية إن لم يتب ويجب أن لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر والعراف وعدمه
وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره اه
وحاصله أنه اختار أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد مكفرا وبه جزم في النهر وتبعه الشارح وأنه يقتل مطلقا إن عرف تعاطيه له ويؤيده ما في الخانية اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه
قالوا هو مرتد ويقتل إن كان يعتقد لها أثرا ويعتقد التفريق من اللعبة لأنه كافر اه
وفي نور العين عن المختارات ساحر يسحر ويدعي الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته
وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس
وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر
قال أبو حنيفة الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب منه والمسلم والذمي والحر والعبد فيه سواء
وقيل يقتل الساحر المسلم لا الكتابي والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد
____________________
(4/240)
الإسلام
والسحر في نفسه حق أمر كائن إلا أنه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما اه
والفرق بين الثلاثة أن الأول مصرح بما هو كفر
والثاني لا يدري كيف يقول كما وقع التعبير به في الخانية لأنه جاحد ويعلم منه أن الأول لا يستتاب أي لا يمهل طلبا للتوبة لأنها لا تقبل منه في دفع القتل عنه بعد أخذه كما يأتي دفعا للضرر عن الناس كقطاع الطريق والخناق وإن كانوا مسلمين
وبه علم أن الثالث وإن كان لا يكفر لكنه يقتل أيضا للاشتراك في الضرر وأن تقييد الشارح بكونه كافرا بسبب اعتقاد السحر غير قيد بل يقتل ولو كان كافرا أصليا أو لم يكفر باعتقاده نعم لما كان كلام المصنف في المسلم الذي ارتد قيد بذلك
وعلم به وبما نقلناه عن الخانية أنه لا يكفر بمجرد عمل السحر ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل فهو مكفر ولذا نقل في تبيين المحارم عن الإمام أبي منصور أن القول بأنه كفر على الإطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته
فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا اه
والظاهر أن ما نقله في الفتح عن أصحابنا مبني على أن السحر لا يكون إلا إذا تضمن كفرا
ويأتي تحقيقه وقدمنا في خطبة الكتاب تعداد أنواع السحر وتمام بيان ذلك في رسالتنا المسماة سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي
قوله ( لسعيها الخ ) أي لا بسبب اعتقادها الذي هو ردة لأن المرتدة لا تقتل عندنا ومقابل لأصح ما في المنتقى أنها لا تقتل بل تحبس وتضرب كالمرتدة كما في الزيلعي
مطلب في الفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد قوله ( وكذا الكافر بسبب الزندقة ) قال العلامة ابن كمال باشا في رسالته الزنديق في لسان العرب يطلق على من ينفي الباري تعالى وعلى من يثبت الشريك وعلى من ينكر حكمته
والفرق بينه وبين المرتد العموم الوجهي لأنه قد لا يكون مرتدا كما لو كان زنديقا أصليا غير منتقل عن دين الإسلام والمرتد قد لا يكون زنديقا كما لو تنصر أو تهود وقد يكون مسلما فيتزندق
وأما في اصطلاح الشرع فالفرق أظهر لاعتبارهم فيه إبطال الكفر والاعتراف بنبوة نبينا على ما في شرح المقاصد لكن القيد الثاني في الزنديق الإسلامي بخلاف غيره
والفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد مع الاشتراك في إبطان الكفر أن المنافق غير معترف بنبوة نبينا
والدهري كذلك مع إنكاره إسناد الحوادث إلى الصانع سبحانه وتعالى
والملحد وهو من مال عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر من ألحد في الدين حاد وعدل لا يشترط فيه الاعتراف بنبوة نبينا ولا بوجود الصانع تعالى وبهذا فارق الدهري أيضا ولا إضمار الكفر وبه فارق المنافق ولا سبق الإسلام وبه فارق المرتد فالملحد أوسع فرق الكفر حدا أي هو أعم من الكل اه
ملخصا
قلت لكن الزنديق باعتبار أنه قد يكون مسلما وقد يكون كافرا من الأصل
لا يشترط فيه الاعتراف بالنبوة وسيأتي عن الفتح تفسيره بمن لا يتدين بدين
ثم بين حكم الزنديق فقال اعلم أنه لا يخلو إما أن يكون معروفا داعيا إلى الضلال أو لا
والثاني ما ذكره صاحب الهداية في التجنيس من أنه على ثلاثة أوجه إما أن يكون زنديقا من الأصل على الشرك أو يكون مسلما فيتزندق أو يكون ذميا فيتزندق فالأول يترك على شركه إن كان من العجم أي بخلاف مشرك العرب
____________________
(4/241)
فإنه لا يترك
والثاني يقتل إن لم يسلم لأنه مرتد
وفي الثالث يترك على حاله لأن الكفر ملة واحدة اه
والأول أي المعروف الداعي لا يخلو من أن يتوب بالاختيار ويرجع عما فيه قبل أن يؤخذ أو لا
والثاني يقتل دون الأول اه
وتمامه هناك
قوله ( لا توبة له ) تصرحي بوجه الشبه والمراد بعدم التوبة أنها لا تقبل منه في نفي القتل عنه كما مر في الساب ولذا نقل البيري عن الشمني بعد نقله اختلاف الرواية في القبول وعدمه أن الخلاف في حق الدنيا أما فيما بينه وبين الله تعالى فتقبل توبته بلا خلاف فهو
ونحوه في رسالة ابن كمال
قوله ( لكن في حظر الخانية الخ ) استدراك على الفتح حيث لم يذكر هذا التفصيل
ونقل في النهر عن الدراية رواية في القبول وعدمه ثم قال وينبغي أن يكون هذا التفصيل محمل الروايتين اه
قوله ( المعروف ) أي بالزندقة الداعي أي الذي يدعو الناس إلى زندقته اه ح
فإن قلت كيف يكون معروفا داعيا إلى الضلال وقد اعتبر في مفهومه الشرعي أن يبطن الكفر
قلت لا بعد فيه فإن الزنديق يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة ويخرجها في الصورة الصحيحة وهذا معنى إبطال الكفر فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال وكونه معروفا بالإضلال اه
ابن كمال
قوله ( إن الخناق لا توبة له ) أفاد بصيغة المبالغة أن من خنق مرة لا يقتل
قال المصنف قبيل الجهاد ومن تكرر الخنق منه في المصر قتل به وإلا لا اه ط
قلت ذكر الخناق هنا استطرادي لأن الكلام في الكافر الذي لا تقبل توبته والخناق غير كافر
وإنما لا تقبل توبته لسعيه في الأرض بالفساد ودفع ضرره عن العباد ومثله قطاع الطرق
مطلب في الكاهن والعراف قوله ( الكاهن قبل كالساحر ) في الحديث من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه الحاكم عن أبي هريرة
والكاهن كما في مختصر النهاية للسيوطي
من يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الأسرار
والعراف المنجم
وقال الخطابي هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق والضالة ونحوهما اه
والحاصل أن الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب وهي مختلفة فلذا انقسم إلى أنواع متعددة كالعراف والرمال والمنجم وهو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه والذي يضرب الحصى والذي يدعي أن له صاحبا من الجن يخبره عما سيكون والكل مذموم شرعا محكوم عليهم وعلى مصدقهم بالكفر
وفي البزازية يكفر بادعاء علم الغيب وبإتيان الكاهن وتصديقه
وفي التتارخانية يكفر بقوله أنا أعلم المسروقات أو أنا أخبر عن إخبار الجن إياي اه
قلت فعلى هذا أرباب التقاويم من أنواع الكاهن لادعائهم العلم بالحوادث الكائنة
وأما ما وقع لبعض
____________________
(4/242)
الخواص كالأنبياء والأولياء بالوحي والإلهام فهو بإعلام من الله تعالى فليس مما نحن فيه اه
ملخصا من حاشية نوح من كتاب الصوم
مطلب في دعوى علم الغيب قلت وحاصله أن دعوى علم الغيب معارضة لنص القرآن فيكفر بها إلا إذا أسند ذلك صريحا أو دلالة إلى سبب من الله تعالى كوحي أو إلهام وكذا لو أسنده إلى أمارة عادية بجعل الله تعالى
قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل وأما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم إذ هو قسمان حسابي وإنه حق وقد نطق به الكتاب قال تعالى { الشمس والقمر بحسبان } سورة الرحمن الآية 5 أي سيرهما بحسبان
واستدلالي بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب بنفسه يكفر اه
وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من رسالتنا سلي الحسام الهندي
قوله ( الداعي إلى الإلحاد ) قدمنا عن ابن كمال بيانه
قوله ( والإباحي ) أي الذي يعتقد إباحة المحرمات وهو معتقد الزنادقة
ففي فتاوى قارىء الهداية الزنديق هو الذي يقول ببقاء الدهر ويعتقد أن الأموال والحرم مشتركة اه
وفي رسالة ابن كمال عن الإمام الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام والزندقة ومن جنس ذلك ما يدعيه بعض من يدعي التصوف أنه بلغ حالة بينه وبين الله تعالى أسقطت عنه الصلاة وحل له شرب المسكر والمعاصي وأكل مال السلطان فهذا مما لا أشك في وجوب قتله إذ ضرره في الدين أعظم ويفتح به باب من الإباحة لا ينسد وضرر هذا فوق ضرر من يقول بالإباحة مطلقا فإنه يمتنع عن الإصغاء إليه لظهور كفره
أما هذا فيزعم أنه لم يرتكب إلا تخصيص عموم التكليف بمن ليس له مثل درجته في الدين ويتداعى هذا إلى أن يدعي كل فاسق مثل حاله اه
ملخصا
مطلب في الأهواء إذا ظهرت بدعتهم وفي نور العين عن التمهيد أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم بحيث توجب الكفر فإنه يباح قتلهم جميعا إذا لم يرجعوا ولم يتوبوا وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعا إلا الإباحية والغالية والشيعة من الروافض والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة لا تقبل توبتهم بحال من الأحوال ويقتل بعد التوبة وقبلها لأنهم لم يعتقدوا بالصانع تعالى حتى يتوبوا ويرجعوا إليه
وقال بعضهم إن تاب قبل الأخذ والإظهار تقبل توبته وإلا فلا وهو قياس قول أبي حنيفة وهو حسن جدا فأما في بدعة لا توجب الكفر فإنه يجب التعزير بأي وجه يمكن أن يمنع من ذلك فإن لم يمكن بلا حبس وضرب يجوز حبسه وضربه وكذا لو لم يمكن المنع بلا سيف إن كان رئيسهم ومقتداهم جاز قتله سياسة وامتناعا
والمبتدع لو له دلالة ودعوة للناس إلى بدعته ويتوهم منه أن ينشر البدعة وإن لم يحكم بكفره جاز للسلطان قتله سياسة وزجرا لأن فساده أعلى وأعم حيث يؤثر في الدين والبدعة لو كانت كفرا يباح قتل أصحابها عاما ولو لم تكن كفرا يقتل معلمهم ورئيسهم زجرا وامتناعا اه
قوله ( الذي لا يتدين بدين ) يحتمل أن يكون
____________________
(4/243)
المراد به الذي لا يستقر عن دين أو الذي يكون اعتقاده خارجا عن جميع الأديان
والثاني هو الظاهر من كلامه الذي سنذكره عنه وقدمنا عن رسالة ابن كمال تفسيره شرعا بمن يبطن الكفر وهذا أعم
قوله ( وتمامه فيه ) أي في الفتح حيث قال ويجب أن يكون حكم المنافق في عدم قبولنا توبته كالزنديق لأن ذلك في الزنديق لعدم الاطمئنان إلى ما يظهر من التوبة إذا كان يخفي كفره الذي هو عدم اعتقاده دينا والمنافق مثله في الإخفاء
وعلى هذا فطريق العلم بحاله إما بأن يعثر بعض الناس عليه أو يسره إلى من أمن إليه اه
حكم الدروز والتيامنة والنصيرية والإسماعيلية تنبيه يعلم مما هنا حكم الدروز والتيامنة فإنهم في البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح وحل الخمر والزنا وأن الألوهية تظهر في شخص بعد شخص الحشر والصوم والصلاة والحج ويقولون المسمى به غير المعنى المراد ويتكلمون في جناب نبينا كلمات فظيعة
وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادي فيهم فتوى مطولة وذكر فيها أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقبون بالقرامطة والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف
ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم في ديار الإسلام بجزية ولا غيرها ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وفيهم فتوى في الخيرية أيضا فراجعها
مطلب جملة من لا تقبل توبته والحاصل أنهم يصدق عليهم اسم الزنديق والمنافق والملحد
ولا يخفى أن إقرارهم بالشهادتين مع هذا الاعتقاد الخبيث لا يجعلهم في حكم المرتد لعدم التصديق ولا يصح إسلام أحدهم ظاهرا إلا بشرط التبري عن جميع ما يخالف عن الإسلام لأنهم يدعون الإسلام ويقرون بالشهادتين وبعد الظفر بهم لا تقبل توبتهم أصلا
وذكر في التتارخانية أنه سئل فقهاء سمرقند عن رجل يظهر الإسلام والإيمان ثم أقر بأني كنت أعتقد مع ذلك مذهب القرامطة وأدعو إليه والآن تبت ورجعت وهو يظهر الآن ما كان يظهره قبل من الإسلام والإيمان قال أبو عبد الكريم ابن محمد قتل القرامطة واستئصالهم فرض
وأما هذا الرجل الواحد فبعض مشايخنا قال يتغفل ويقتل أي تطلب غفلته في عرفان مذهبه
وقال بعضهم يقتل بلا استغفال لأن من ظهر منه ذلك ودعا الناس لا يصدق فيما يدعي بعد من التوبة ولو قبل منه ذلك لهدموا الإسلام وأضلوا المسلمين من غير أن يمكن قتلهم وأطال في ذلك وتقل عدة فتاوى عن أئمتنا وغيرهم بنحو ذلك لكن تقدم اعتماد قبول التوبة قبل الأخذ لا بعده
قوله ( لكن في حظر الخانية ) أي في كتاب الحظر والإباحة منها والاستدراك على قول الفتح أولا أي أو لم يعتقد تحريمه وقدمنا أنه في الفتح نقل ذلك عن أصحابنا وأنه اختار أنه لا يكفر ما لم يعتقد ما يوجب الكفر لكنه يقتل ولعل ما نقله عن الأصحاب مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر كما يفيده قوله تعالى { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } سورة البقرة الآية 102 وعلى هذا فغير المكفر لا يسمى سحرا ويؤيد ما قدمناه عن المختارات من أن المراد بالساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا من يعتقد الإسلام أي بأن لم يفعل أو يعتقد ما ينافي الإسلام ولذا قال هنا ولا يعتقده فقد علم أنه يسمى ساحرا ما لم يعتقد أو يفعل ما هو كفر والله سبحانه أعلم
____________________
(4/244)
مطلب جملة من لا يقتل إذا رتد قوله ( فالمستثنى أحد عشر وكل مسلم ارتد فتوبته مقبولة إلا أحد عشر من تكررت ردته وساب النبي وساب أحد الشيخين والساحر والزنديق والخناق والكاهن والملحد والإباحي والمنافق ومنكر بعض الضروريات باطنا اه ط
قلت لكن الساحر لا يلزم أن يكون مرتدا بأن يكون مسلما أصليا فعلى ذلك فإنه يقتل ولو كافرا كما مر والخناق غير كافر وإنما يقتل لسعيه بالفساد كما قدمناه
وأما الزنديق الداعي والملحد وما بعده فيكفي فيه إظهاره للإسلام وإن كان كافرا أصليا فعلم أن المراد بيان جملة من لا تقبل توبته سواء كان مسلما ارتد أو لم يرتد أو كان كافرا أصليا وعليه فكان المناسب ذكر قطاع الطريق وكذا أهل الأهواء كما مر عن التمهيد وكذا العواني كما مر في باب التعزير وكذا كل من وجب عليه حد زنا أو سرقة أو قذف أو شرب
وأما ذكر ساب النبي أو أحد الشيخين فقد علمت ما فيه
قوله ( المرأة ) يستثنى منها المرتدة بالسحر كما مر وهو الأصح كما في البحر
قوله ( والخنثى ) أي المشكل فإنه إذا ارتد لم يقتل ويحبس ويجبر على الإسلام
بحر عن التتارخانية
قوله ( ومن إسلامه تبعا ) صوابه تبع اه ح
قال في البحر عن البدائع صبي أبواه مسلمان حتى حكم بإسلامه تبعا لأبويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه إقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ حتى لو أقر بالإسلام ثم ارتد يقتل ولكنه في الأولى يحبس لأنه كان له حكم الإسلام قبل البلوغ تبعا والحكم في أكسابه كالحكم في أكساب المرتد لأنه مرتد حكما اه
قوله ( والصبي إذا أسلم ) أي استقلالا بنفسه لا تبعا لأبويه وإلا فهو المسألة المارة وأطلق عدم قتله فشمل ما بعد البلوغ
ففي البحر لو بلغ مرتدا لا يقتل استحسانا لقيام الشبهة باختلاف العلماء في صحة إسلامه وسيأتي الكلام في إسلامه وردته
وبقي مسألة أخرى ذكرها في البحر والفتح عن المبسوط وهي ما لو ارتد الصبي في صغره
فعلم أن الأولى فيما إذا ارتد حال البلوغ أي قبل أن يقر بالإسلام
قوله ( والمكره على الإسلام ) لأن الحكم بإسلامه من حيث الظاهر لأن قيام السيف على رأسه ظاهر في عدم الاعتقاد فيصير شبهة في إسقاط القتل
فتح وفيه بعد نقله هذه المسائل عن المبسوط قال وفي كل ذلك يجبر على الإسلام ولو قتله قاتل قبل أن يسلم لا يلزمه شيء
قوله ( ثم رجعا ) لأن الرجوع شبهة الكذب في الشهادة
قوله ( ومن ثبت إسلامه بشهادة رجل وامرأتين ) هذا على رواية النوادر كما ستراه
ح
قوله ( وقيل تقبل ) يوهم أن المسألة الأولى اتفاقية وليس كذلك ويمكن إرجاعه للمسألتين في
قوله ( ولو على نصرانية قبلت اتفاقا ) لأن المرتدة لا تقتل بخلاف المرتد ولكنها تجبر على الإسلام وهذا كله قول الإمام
وفي النوادر تقبل شهادة رجل وامرأتين على الإسلام وشهادة نصرانيين على نصراني أنه أسلم وهذا هو الذي في آخر كراهية الدرر كما في ح
واعتمد قاضيخان قول الإمام بعدم القتل بشهادة النساء وإن كان يجبر على الإسلام لأن أي نفس كانت لا تقتل بشهادة النساء
ط عن نوح أفندي
قوله ( من ولدته المرتدة بيننا ) لأنه يجبر على الإسلام كأمه لكنه لا يقتل كمن كان إسلامه
____________________
(4/245)
تبعا لأبويه ولم يصف الإسلام فبلغ كافرا كما مر وقوله بيننا أي المسلمين غير قيد لما سيأتي من أن الزوجين لو ارتدا معا فولدت ولدا يجبر بالضرب على الإسلام وإن حبلت به ثمة
قوله ( والسكران إذا أسلم ) يعني فإن إسلامه يصح فإن ارتد لا يقتل كالصبي العاقل إذا ارتد
بحر عن التتارخانية
قلت أي إن ارتد بعد صحوه لا يقتل لأن في إسلامه شبهة
قوله ( لأن إسلامه حكمي ) أي بتبعية الدار كما سيأتي في بابه
قوله ( وفي الاستحسان يصح ) وهو المعمول به
رملي
وهو الصواب
ط عن بعض العلماء
قلت ووجهه أن الحربي إنما يقاتل على الإسلام أصالة فلا يتأتى فيه قياس واستحسان بخلاف الذمي فإنه بعد التزام الذمة لا يقاتل عليه فالقياس أن لا يصح إسلامه بالإكراه كما لا تصح ردة المسلم به
وفي الاستحسان يصح لكن لو ارتد لا يقتل وتقدم وجهه
قوله ( فالمستثنى أربعة عشر ) لأن المكره تحته ثلاثة الحربي والذمي والمستأمن وشهادة نصرانيين على نصراني أو نصرانية صورتان والباقي ظاهر
قوله ( لأن إنكاره توبة ورجوع ) ظاهره ولو بدون إقرار بالشهادتين وهو ظاهر قول المتون أول الباب وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان حيث لم يذكر والإقرار بالشهادتين
ويحتمل أن يكون المراد الإنكار مع الإقرار بهما ويؤيده ما في كافي الحاكم وإذا رفعت المرتدة إلى الإمام فقالت ما ارتددت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كان هذا توبة منها اه
تأمل
ثم رأيت في البيري على الأشباه قال كون مجرد الإنكار توبة غير مراد بل ذلك مقيد بثلاثة قيود
قال في الذخيرة عن بشر بن الوليد إذا جحد المرتد الردة وأقر بالتوحيد وبمعرفة رسول الله وبدين الإسلام فهذا منه توبة اه
قوله ( كحبط عمل ) يأتي الكلام عليه
قوله ( وبطلان وقف ) أي الذي وقفه حال إسلامه سواء كان على قربة ابتداء أو على ذريته ثم على المساكين لأنه قربة ولا بقاء لها مع وجود الردة وإذا عاد مسلما لا يعود وقفه إلا بتجديد منه وإذا مات أو قتل أو لحق كان الوقف ميراثا بين ورثته
بحر عن الخصاف
قوله ( وبينونة زوجة ) وتكون فسخا عندهما
وقال محمد فرقة بطلاق ولو هي المرتدة فبغير طلاق إجماعا ثم إذا تاب وأسلم ترتفع تلك البينونة
بيري عن شرح الطحاوي
وأقره السيد أبو السعود في حاشية الأشباه
قلت والظاهر أن قوله ترفع أصله لا ترتفع فسقطت لفظة لا النافية من قلم الناسخ وإلا فهو مخالف لفروعهم الكثيرة المقررة في باب نكاح الكافر وغيره المصرحة بلزوم تجديد النكاح ومنها ما يأتي قريبا وصرح في البحر عن العناية أن البينونة لا تتوقف على إسلامه كبطلان وقفه فإنه لا يعود صحيحا بإسلامه
تأمل
قوله شررط في قوله السابق ) فيمتنع القتل ط
قوله ( كما مر ) قدمنا ما فيه
قوله ( وقد رأيت من يغلط في هذا المحل ) أي حيث فهم أن الشهادة لا تقبل أصلا حتى في بقية الأحكام المذكورة
قوله ( فالمستثنى أربعة عشر )
____________________
(4/246)
صوابه خمسة عشر لأن هذا زائد على ما تقدم
والوجه فيه أنه لم يتب حقيقة وإنما تاب حكما بجعل إنكاره توبة فهو داخل في المسلم الذي ارتد ولم يتب ط
قوله ( وأولاده أولاد زنا ) كذا في فصول العمادي لكن ذكر في نور العين ويجدد بينهما النكاح إن رضيت زوجته بالعود إليه وإلا فلا تجبر والمولود بينهما قبل تجديد النكاح بالوطء بعد الردة يثبت نسبه منه لكن يكون زنا اه
قلت ولعل ثبوت النسب لشبهة الخلاف فإنها عند الشافعي لا تبين منه
تأمل
قوله ( والتوبة ) أي تجديد الإسلام
قوله ( وتجديد النكاح ) أي احتياطا كما في الفصول العمادية
وزاد فيها قسما ثالثا فقال وما كان خطأ من الألفاظ ولا يوجب الكفر فقائله يقر على حاله ولا يؤمر بتجديد النكاح ولكن يؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك
وقوله احتياطا أي يأمره المفتي بالتجديد ليكون وطؤه حلالا باتفاق وظاهره أنه لا يحكم القاضي بالفرقة بينهما وتقدم أن المراد بالاختلاف ولو رواية ضعيفة ولو في غير المذهب
قوله ( بخلاف المرتدة ) أي فإنها تسترق بعد اللحاق بدار الحرب وتجبر على الإسلام بالضرب والحبس ولا تقتل كما صرح به في البدائع ولا يكون استرقاقها مسقطا عنها الجبر على الإسلام كما لو ارتدت الأمة ابتداء فإنها تجبر على الإسلام
بحر
قوله ( ويزول ملك المرتد الخ ) أي خلافا لهما
وفي البدائع لا خلاف أنه إذا أسلم فأمواله باقية على ملكه وأنه إذا مات أو قتل أو لحق تزول عن ملكه وإنما الخلاف في زوالها بهذه الثلاثة مقصورا على الحال عندهما ومستندا إلى وقت وجود الردة عنده وتظهر الثمرة في تصرفاته فعندهما نافذة قبل الإسلام وعنده موقوفة لوقوف أملاكه اه
قيد بالملك لأنه لا توقف في إحباط طاعته وفرقة زوجته وتجديد الإيمان فإن الارتداد فيها عمل عمله كذا في العناية
وتقدم أن من عباداته التي بطلب وقفه وأنه لا يعود بإسلامه وكذا لا توقف في بطلان إيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه وتوكيله ووكالته وتمامه في البحر
قلت ويستثنى من فرقة الزوجة ما لو ارتدا معا فإنه يبقى النكاح كما صرح به في العناية
وفي البحر وأفاد أن الكلام في الحر ولذا قال في الخانية وتصرف المكاتب في ردته نافذ في قولهم
زاد في النهر عن السراج وكسبه حال الردة لمولاه
قوله ( فإن أسلم الخ ) جملة مفسرة لما قبلها ط
قوله ( ورث كسب إسلامه وارثه المسلم ) أشار إلى أن المعتبر وجود الوارث عند الموت أو القتل أو الحكم باللحاق وهو رواية محمد عن الإمام وهو الأصح وروى عنه اعتبار وقت الردة وروى اعتبارهما معا فعلى الأصح لو كان له ولد كافر أو عبد يوم الردة فعتق أو أسلم بعدها قبل أحد الثلاثة ورثه وكذا لو ولد من علوق حادث بعدها إذا كان مسلما تبعا لأمه بأن علق من أمة مسلمة وتمامه في البحر لكن قوله أو الحكم باللحاق خلاف الأصح فإن الأصح وهو ظاهر الرواية اعتبار وجود الوارث عند اللحاق وروى عند الحكم به كما في شرح السير الكبير
قوله ( ولو زوجته ) لأنه بالردة كأنه مرض مرض الموت لاختياره سبب المرض بإصراره على الكفر مختارا حتى قتل
نهر
قوله ( بشرط العدة ) قال في النهر هذا يقتضي أن غير المدخول بها لا ترث لصيرورتها بالردة أجنبية وليست الردة موتا
____________________
(4/247)
حقيقيا بدليل أن المدخولة إنما تعتد بعد موته بالحيض لا بالأشهر فلا تنتهض سببا للإرث والإرث وإن استند إلى الردة لكن يتقرر عند الموت
هذا حاصل ما في الفتح اه
قوله ( بعد قضاء دين إسلامه الخ ) هذا أعني قضاء دين إسلامه من كسب الإسلام ودين الردة من كسبها رواه زفر عن الإمام
وروى أبو يوسف عنه أنه من كسب الردة إلا أن لا يفي فيقضي الباقي من كسب الإسلام
وروى الحسن عنه أنه من كسب الإسلام إلا أن لا يفي فيقتضي الباقي من كسب الردة
قال في البدائع والولوالجية وهو الصحيح لأن دين الميت إنما يقضي من ماله وهو كسب إسلامه فأما كسب الردة فلجماعة المسلمين فلا يقتضي منه الدين إلا لضرورة فإذا لم يف تحققت
نهر
فما في المتن تبعا للكنز ضعيف كما في البحر
قلت لكن الحكم عليه بالضعف غير مسلم فإنه جرى عليه أصحاب المتون كالمختار والوقاية والمواهب والملتقى وهي موضوعة لنقل المذهب كما صرحوا به
تنبيه في القهستاني هذا إذا كان له كسبان وإلا قضى مما كان بلا خلاف وهذا أيضا إذا ثبت الدين بغير الإقرار وإلا ففي كسب الردة
قوله ( وكسب ردته فيء ) أي للمسلمين فيوضع في بيت المال
قهستاني
والمراد ما اكتسبه قبل اللحاق
أما ما اكتسبه في دار الحرب فهو لابنه الذي ارتد ولحق معه إذا مات مرتدا لأنه اكتسبه وهو من أهل الحرب وهم يتوارثون فيما بينهم فلو لحق معه ابن مسلم ورث كسب إسلامه فقط وتمامه في شرح السير
قوله ( وقالا ميراث أيضا ) لأن زوال ملكه عندهما مقصور على الحال كما مر
قوله ( ككسب المرتدة ) فإنه لورثتها ويرثها زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة لقصدها إبطال حقه وإن كانت صحيحة لا يرثها لأنها لا تقتل فلم يتعلق حقه بمالها بالردة بخلاف المرتد
والحاصل أن زوجة المرتد ترث منه مطلقا وزوج المرتدة لا يرثها إلا إذا ارتدت وهي مريضة
بحر
وسيأتي أيضا
قوله ( وإن حكم بلحاقه ) كان الأولى للمصنف أن يذكر الحكم باللحاق أولا كما عبر الشارح ويقول وعتق مدبره الخ عطفا على ورث لئلا يوهم اختصاص العتق بالحكم باللحاق وإن كان يفهم منه أن الموت والقتل مثله فإنه تطويل بلا فائدة كما أفاده ح
قوله ( من ثلث ماله ) الظاهر أن المراد به كسب الإسلام ح
وبه جزم ط بناء على ما مر من الصحيح
قوله ( وحل دينه ) لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بالقضاء لاحتمال العود
وإذا تكرر موته تثبت الأحكام المتعلقة به كما ذكر
نهر
قوله ( ويؤدي مكاتبه ) أي يؤدي بدل كتابته
قوله ( والولاء للمرتد ) أي لورثته ابتداء فيرثه العصبة بنفسه بخلاف ما إذا كان للورثة فإنه يدخل فيه الإناث ط
قوله ( وينبغي الخ ) اعلم أن بعضهم لا يشترط القضاء باللحاق بل يكتفي بالقضاء بحكم من أحكامه وعامتهم على أنه يشترط القضاء به سابقا على القضاء بالأحكام
أفاده في المجتبى ونحوه في الفتح
وظاهره أن القضاء باللحاق قصدا صحيح وينبغي أنه لا يصح إلا في ضمن دعوى حق للعبد لأن اللحاق كالموت ويوم الموت لا يدخل تحت القضاء فينبغي أن لا يدخل اللحاق تحت القضاء قصدا
بحر
قال في النهر وأقول ليس معنى الحكم بلحاقه سابقا على هذه الأمور أن يقول ابتداء حكمت بلحاقه بل إذا ادعى مدبر مثلا على وارثه أنه لحق بدار الحرب مرتدا وأنه عتق بسببه وثبت ذلك عند القاضي حكم أولا بلحاقه ثم يعتق ذلك المدبر كما يعرف ذلك من كلامهم اه
ونحوه في شرح المقدسي
____________________
(4/248)
والحاصل أن ما في المجتبى من الخلاف معناه أنه لو حكم القاضي بعتق المدبر يكفي عند البعض لثبوت اللحاق ضمنا وأما عند العامة فلا بد من حكمه أولا باللحاق لأنه السبب وفي كونه في حكم الموت خلاف الشافعي فلشبهة الخلاف لا بد من الحكم به أولا ثم بالعتق وليس المراد أنه يحكم باللحاق قبل دعوى المدبر مثلا حتى يرد ما قاله في البحر فقول الشارح إلا في ضمن دعوى حق العبد معناه أن يسبق دعوى حق العبد فيحكم به أولا ثم بما ادعاه العبد لأنه الذي في النهر وليس المراد أنه يكتفي عن الحكم به بالحكم بما ادعاه ليثبت الحكم باللحاق في ضمن الحكم الأول فافهم
قوله ( واعلم الخ ) بيان لتصرفه حال ردته بعد بيان حكم أملاكه قبل ردته
بحر
قوله ( على أربعة أقسام ) نافذ اتفاقا باطل اتفاقا موقوف اتفاقا موقوف عنده نافذ عندهما ط
قوله ( ما لا يعتمد تمام ولاية ) قال الزيلعي لأنها لا تستدعي الولاية ولا تعتمد حقيقة الملك حتى صحت هذه التصرفات من العبد مع قصور ولايته اه ط
قوله ( الاستيلاد ) صورته إذا جاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه ويرث ذلك الولد مع ورثته وتصير أم ولد له بحر
ط
قوله ( والطلاق ) أي ما دامت في العدة لأن الحرمة بالردة غير متأبدة لارتفاعها بالإسلام فيقع طلاقه عليها في العدة بخلاف حرمة المحرمية فإنها لا غاية لها فلا يفيد لحقق الطلاق فائدة
فتح
من باب نكاح الكافر
وقدمنا هناك عن الخانية أن طلاقه إنما يقع قبل لحوقه فلو لحق بدار الحرب فطلق امرأته لا يقع إلا إذا عاد مسلما وهي في العدة فطلقها
وأورد أنه كيف يتصور طلاقه وقد بانت بردته
وأجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع الطلاق وقد سلف أن المبانة يلحقها الصريح في العدة
بحر أي ولو كان الواقع بذكل الصريح بائنا كالطلاق الثلاث أو على مال وكذا لو قال أنت طالق بائن وأما قولهم إن البائن لا يلحق البائن فذاك إذا أمكن جعله إخبارا عن الأول حتى لو قال أبنتك بأخرى يقع كما تقدم في الكنايات فافهم
قوله ( وتسليم الشفعة والحجر ) قال في البحر ولا يمكن توقف التسليم لأن الشفعة بطلت به مطلقا
وأما الحجر فيصح بحق الملك فبحقيقة الملك الموقوف أولى اه
قلت ومفهومه أن له قبل إسلامه الأخذ بالشفعة
والذي في شرح السير أن ذلك قول محمد
وفي قول أبي حنيفة لا شفعة له حتى يسلم فلو لم يسلم ولم يطلب بطلت شفعته لتركه الطلب بعد التمكن بأن يسلم
قوله ( ما يعتمد الملة ) أي ما يكون الاعتماد في صحته على كون فاعله معتقدا ملة من الملل ط أي والمرتد لا ملة له أصلا لأنه لا يقر على ما انتقل إليه وليس المراد ملة سماوية لئلا يرد النكاح فإن نكاح المجوسي والوثني صحيح ولا ملة لهما سماوية بل المراد الأعم
قوله ( النكاح ) أي ولو لمرتدة مثله
قوله ( والذبيحة ) الأولى والذبح لأنه من التصرفات
قوله ( والصيد ) أي بالكلب والبازي ومثله الرمي
بحر
قوله ( والشهادة ) أي أداؤها لا تحملها ط
وذكر في الأشباه عن شهادات الولوالجية أنه يبطل ما رواه لغيره من الحديث فلا يجوز للسامع منه أن يرويه عنه بعد ردته اه
ولكن كلامنا فيما فعله في ردته وهذا قبلها
قوله ( الإرث ) فلا يرث أحدا ولا يرثه أحد مما اكتسبه في ردته بخلاف كسب إسلامه فإنه يرثه ورثته كما مر لاستناده إلى ما قبلها فهو إرث مسلم من مثله والكلام في إرث المرتد فافهم
قوله ( ما يعتمد المساواة ) أي بين المتعاقدين في الدين
وهو المفاوضة فإذا فاوض مسلما توقفت اتفاقا فإن أسلم نفذت وإن هلك بطلت وتصير عنانا من الأصل عندهما وتبطل عنده
بحر عن الخانية
قوله ( أو ولاية متعدية ) أي إلى غيره
____________________
(4/249)
قوله ( ويتوقف منه عند الإمام ) بناء على زوال الملك كما سلف
نهر
قوله ( وينفذ عندهما ) إلا أنه عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح لأن الظاهر عوده إلى الإسلام
وعند محمد كما تصح من المريض لأنها تفضي إلى القتل ظاهرا
ط عن البحر
قوله ( والصرف والسلم ) من عطف الخاص لأنهما من عقود المبايعة ط
قوله ( والهبة ) هي من قبيل المبادلة إن كانت بعوض كما في النهر ومن قبيل التبرع إن لم تكن ح
قوله ( والرهن ) لأنه مضمون عند الهلاك بالدين فهو معاوضة مآلا
قوله ( والصلح عن إقرار ) أي فيكون مبادلة
وأما إذا كان عن إنكار أو سكوت فالمذكور في كتاب الصلح أنه معاوضة في حق المدعي وفداء يمين وقطع نزاع في حق الآخر
ومقتضاه أنه إن كان المرتد مدعيا فهو داخل في عقود المبادلة وإن كان المدعي عليه يدخل في عقد التبرع
أفاده ط
لكن في كونه تبرعا نظر لأنه لم يدفع المال مجانا بل مفاداة ليمينه فهو خارج عن مبادلة المال بالمال وعن عقد التبرع
تأمل
قوله ( لأنه مبادلة حكمية ) وجهه ما قالوا إن الدين يقضي بمثله وتقع المقاصة فقابض الدين أخذ بدل ما تحقق في ذمة المدين ط
قوله ( والوصية ) أي التي في حال ردته أما التي في حال إسلامه فالمذكور في ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل قربة كانت أو غير قربة من غير ذكر خلاف وتمامه في الشرنبلالية عن الفتح
قوله ( وبقي الخ ) لما فرغ من ذكر المنقول في الأقسام الأربعة ذكر أشياء لم يصرحوا بها فافهم
قوله ( ولا شك في بطلانهما ) أما الأمان فلأنه لا يصح من الذمي فمن المرتد أولى
وأما العقل فلأن المرتد لا ينصر ولا ينصر والعقل بالنصرة ح
قوله ( فينبغي عدم جوازها ) عبارة النهر فلا ينبغي التردد في جوازها منه اه
فلفظة عدم من سبق القلم
قوله ( بطل ذلك كله ) الإشارة ترجع إلى المتوقف اتفاقا والمتوقف عند الإمام
ط
قوله ( فكأنه لم يرتد ) فلا يعتق مدبره وأم ولده ولا تحل ديونه وله إبطال ما تصرف فيه الوارث لكونه فضوليا
بحر
وما مع وارثه يعود لملكه بلا قضاء ولا رضا من الوارث
در منتقى
قلت وكذا يبطل ما تصرف فيه بنفسه بعد اللحاق قبل الحكم به كما لو أعتق عبده الذي في دار الإسلام أو باعه من مسلم في دار الحرب ثم رجع تائبا قبل الحكم بلحاقه فما له مردود عليه وجميع ما صنع فيه باطل لأنه باللحاق زال ملكه وإنما توقف على القضاء دخوله في ملك وارثه فتصرفه بعد اللحاق صادف مالا غير مملوك له فلا ينفذ وإن عاد إلى ملكه بعد كالبائع بشرط خيار المشتري إذا تصرف في المبيع لا ينفذ وإن عاد إلى ملكه بفسخ المشتري نعم لو أقر بحرية العبد أو بأنه لفلان صح لأنه ليس بإنشاء التصرف بل هو إقرار لازم كما لو أقر بعبد الغير ثم ملكه اه
ملخصا من شرح السير الكبير
قوله ( وكما لو عاد بعد الموت الحقيقي ) أي لو أحيا الله تعالى ميتا حقيقة وأعاده إلى دار الدنيا كان له أخذ ما في يد ورثته بحر
إلا أنه ذكره بعد عود من حكم بلحاقه وكذا ذكره الزيلعي فكان على الشارح ذكره بعد قوله وإن جاء بعده كما أفاده ح
قوله ( بقضاء أو رضا ) لأن بقضاء القاضي بلحاقه صار المال ملكا لورثته فلا يعود إلا بالقضاء ألا ترى أن الوارث لو أعتق العبد بعد رجوع المرتد قبل
____________________
(4/250)
القضاء برد المال عليه نفذ عتقه ولم يضمن للمرتد شيئا كما لو أعتقه قبل رجوع المرتد وبهذا يستدل على أنه لا ينفذ عتق المرتد لأن العتق يستدعي حقيقة الملك
شرح السير ونقله في البحر عن التتارخانية وبه جزم الزيلعي
قوله ( ولو في بيت المال لا ) قال في النهر وفي قوله وإرثه إيماء إلى أنه لا حق له فيما وجده من كسب ردته لأن أخذه ليس بطريق الخلافة عنه بل لأنه فيء ألا ترى أن الحربي لا يسترد ماله بعد إسلامه وهذا وإن لم نره مسطورا إلا أن القواعد تؤيده اه
وأصل البحث لصاحب البحر
وظاهره أن ما وضع في بيت المال لعدم الوارث له أخذه ففي كلام الشارح إيهام كما أفاده السيد أبو السعود
قوله ( أو أزاله الوارث عن ملكه ) سواء كان بسبب يقبل الفسخ كبيع أو هبة أو لا يقبله كعتق أو تدبير واستيلاد فإنه يمضي ولا عود له فيه ولا يضمنه اه
فتح
قوله ( وله ولاء مدبره وأم ولده ) أفاد أنهم لا يعودون في الرق لأن القضاء بعتقهم قد صح والعتق بعد نفاذه لا يقبل البطلان
فتح
قوله ( ومكاتبه له ) مبتدأ وخبر
قوله ( إن لم يؤد ) أي إلى الورثة بدل الكتابة فيأخذها من المكاتب وأما إن أداه إليهم فلا سبيل له عليه لأنه عتق بأداء المال والعتق لا يحتمل الفسخ ويؤخذ منهم المال لو قائما وإلا لا ضمان عليهم كسائر أمواله بحر
مطلب المعصية تبقى بعد الردة قوله ( والمعصية تبقى بعد الردة ) نقل ذلك مع التعليل قبله في الخانية عن شمس الأئمة الحلواني
قال القهستاني وذكر التمرتاشي أنه يسقط عند العامة ما وقع حال الردة وقبلها من المعاصي ولا يسقط عند كثير من المحققين اه
وتمامه فيه
قلت والمراد أنه يسقط عند العامة بالتوبة والعود إلى الإسلام للحديث لإسلام يجب ما قبله
وأما في حال الردة فيبقى ما فعله فيها أو قبلها إذا مات على ردته لأنه بالردة ازداد فوقه ما هو أعظم منه فكيف تصلح ماحية له بل الظاهر عود معاصيه التي تاب منها أيضا لأن التوبة طاعة وقد حبطت طاعاته وبدل له ما في التتارخانية عن السراجية من ارتد ثم أسلم ثم كفر ومات فإنه يؤاخذ بعقوبة الكفر الأول والثاني وهو قول الفقيه أبي الليث اه
ثم لا يخفى أن هذا الحديث يؤيد قول العامة ولا ينافيه وجوب قضاء ما تركه من صلاة أو صيام ومطالبته بحقوق العباد لأن قضاء ذلك كله ثابت في ذمته وليس هو نفس المعصية وإنما المعصية إخراج العبادة عن وقتها وجنايته على العبد فإذا سقطت هذه المعصية لا يلزم سقوط الحق الثابت في ذمته كما أجاب بعض المحققين بذلك عن القول بتكفير الحج المبرور الكبائر والله سبحانه وتعالى أعلم
قوله ( وما أدى منها فيه يبطل ) في التتارخانية معزيا إلى التتمة قيل له لو تاب تعود حسناته قال هذه المسألة مختلفة فعند أبي علي وأبي هاشم وأصحابنا أنه يعود
وعند أبي القاسم الكعبي لا ونحن نقول إنه لا يعود ما بطل من ثوابه لكنه تعود طاعاته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد
اه
بحر
مطلب لو تاب المرتد هل تعود حسناته وفي شرح المقاصد للمحقق التفتازاني في بحث التوبة ثم اختلفت المعتزلة في أنه إذا سقط استحقاق عقاب المعصية بالتوبة هل يعود استحقاق ثواب الطاعة الذي أبطلته تلك المعصية فقال أبو علي وأبو هاشم لا لأن الطاعة
____________________
(4/251)
تنعدم في الحال وإنما يبقى استحقاق الثواب وقد سقط والساقط لا يعود
وقال الكعبي نعم لأن الكبيرة لا تزيل الطاعة وإنما تمنع حكمها وهو المدح والتعظيم فلا تزيل ثمرتها فإذا صارت بالتوبة كأن لم تكن ظهرت ثمرة الطاعة كنور الشمس إذا زال الغيم
وقال بعضهم وهو اختيار المتأخرين لا يعود ثوابه السابق لكن تعود طاعته السالفة مؤثرة في استحقاق ثمراته وهو المدح والثواب في المستقبل بمنزلة شجرة احترقت بالنار أغصانها وثمارها ثم انطفأت النار فإنه يعود أصل الشجرة وعروقها إلى خضرتها وثمرتها اه
وهذا يفيد أن الخلاف بين أبي علي وأبي هاشم وبين الكعبي على عكس ما مر وأن الخلاف في إحباط الكبائر للطاعات لأن هؤلاء الجماعة من المعتزلة
وعندهم أن الكبيرة تخرج صاحبها من الإيمان لكنها لا تدخله في الكفر وإن كان يخلد في النار ويلزم من إخراجه من الإيمان حبط طاعاته فالكبيرة عندهم من هذه الجهة بمنزلة الردة عندنا فيصح نقل الخلاف المذكور إلى الردة تأمل
قوله ( إلا الحج ) لأن سببه البيت المكرم وهو باق بخلاف غيره من العبادات التي أداها لخروج سببها ولهذا قالوا إذا صلى الظهر مثلا ثم ارتد ثم تاب في الوقت يعيد الظهر لبقاء السبب وهو الوقت ولذا اعتراض اقتصاره على ذكر الحج وتسميته قضاء بل هو إعادة لعدم خروج السبب
قوله ( لأنه بالردة الخ ) علة لقوله ولا يقضي ولقوله إلا الحج ط
قوله ( أصاب مالا ) أي أخذ وقوله أو شيئا أي فعل شيئا الخ
ط قوله ( يعني المال المسروق لا الحد ) الأولى ذكره عند قول المصنف يؤاخذ به وليس ذلك في عبارة الخانية ولا هو محل إيهام لأن قوله أو حد مرفوع عطفا على فاعل يجب لا منصوب عطفا على مفعول أصاب حتى يحتاج للتأويل
قوله ( وأصله ) أي القاعدة فيما ذكر
ط
قوله ( أنه يؤاخذ بحق العبد ) أي لا يسقط عنه بالردة إلا إذا كان ممن لا يقتل بها كالمرأة ونحوها إذا لحقت بدار الحرب فسبيت فصارت أمة يسقط عنها جميع حقوق العباد إلا القصاص في النفس فإنه لا يسقط
بيري عن شرح الطحاوي
قوله ( ففيه التفصيل ) وهو أنه يقضي ما ترك من عبادة في الإسلام كما مر
وأما الحدود
ففي شرح السير لو أصاب المسلم مالا أو ما يجب به القصاص أو حد القذف ثم ارتد أو أصابه وهو مرتد ثم لحق ثم تاب فهو مأخوذ به لا لو أصابه بعد اللحاق ثم أسلم
وما أصابه المسلم من حدود الله تعالى في زنا أو سرقة أو قطع طريق ثم ارتد أو أصابه بعد الردة ثم لحق ثم أسلم فهو موضوع عنه إلا أنه يضمن المال المسروق والدم في قطع الطريق بالقصاص أو الدية لو خطأ على العاقلة لو قبل الردة وفي ماله لو بعدها
وما أصابه من حد الشرب ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحاق لا يؤاخذ به وكذا لو أصابه وهو مرتد محبوس في يد الإمام ثم أسلم لأن الحدود زواجر عن أسبابها فلا بد من اعتقاد المرتكب حرمة السبب ويؤخذ بما سواه من حدوده تعالى لاعتقاده حرمة السب وتمكن الإمام من إقامته لكونه في يده فإن لم يكن في يده حين أصابه ثم أسلم قبل اللحاق لا يؤخذ به أيضا اه
ملخصا
قوله ( أو الدية ) أي على عاقلته إن أصاب ذلك قبل الردة وفي ماله إن أصابه بعدها كما مر
قوله ( وحاربنا زمانا ) تأكيد لقوله ثم لحق وكذا بدون ذلك بالأولى
قوله ( أخبرت بارتداد زوجها ) أي من
____________________
(4/252)
رجلين أو رجل وامرأتين على رواية السير
وعلى رواية كتاب الاستحسان يكفي خبر الواحد العدل لأن حل التزوج وحرمته أمر ديني كما لو أخبر بموته
والفرق على الرواية الأولى أن ردة الرجل يتعلق بها استحقاق القتل كما في شرح السير الكبير للسرخسي
ونقل المصنف عنه أن الأصح رواية الاستحسان ومثله في الشرنبلالية معللا بأن المقصود الإخبار بوقوع الفرقة لا إثبات الردة
قوله ( أو تطليقه ثلاثا ) ينبغي أن يكون البائن مثله وظاهره أنها في الرجعي لا يجوز لها التزوج ولعله لاحتمال المراجعة وليحرر ط
قوله ( فأتاها بكتاب ) ظاهره أن غير الثقة لو لم يأتها بكتاب لا يحل لها وإن كان أكبر رأيها صدقه
تأمل
قوله ( لا بأس بأن تعتد ) أي من حين الطلاق أو الموت لا من حين الإخبار فيما يظهر
تأمل
ثم لا يخفى أنه إذا ظهرت حياته أو أنكر الطلاق أو الردة ولم تقم عليه بينة شرعية ينفسخ النكاح الثاني وتعود إليه
قوله ( تحبس ) لم يذكر ضربها في ظاهر الرواية
وعن الإمام أنها تضرب في كل يوم ثلاثة أسواط
وعن الحسن تسعة وثلاثين إلى أن تموت أو تسلم وهذا قتل معنى لأن موالاة الضرب تفضي إليه كذا في الفتح
واختار بعضهم أنها تضرب خمسة وسبعين سوطا وهذا ميل إلى قول الثاني في نهاية التعزير
وقال في الحاوي القدسي وهو المأخوذ به في كل تعزير بالضرب
نهر
وجزم الزيلعي بأنها تضرب في كل ثلاثة أيام
وظاهر الفتح تضعيف ما مر والظاهر اختصاص الضرب والحبس بغير الصغيرة تأمل وسنذكر ما يؤيده
قوله ( ولا تقتل ) يستثنى الساحرة كما تقدم وكذا من أعلنت بشتم النبي كما مر في الجزية
قوله ( خلافا للشافعي ) أي وباقي الأئمة والأدلة مذكورة في الفتح
قوله ( لا يضمن شيئا ) لكنه يؤدب على ذلك لارتكابه ما لا يحل
بحر
قوله ( وليس للمرتدة التزوج بغير زوجها ) في كافي الحاكم وإن لحقت بدار الحرب كان لزوجها أن يتزوج أختها قبل أن تنقضي عدتها فإن سببت أو عادت مسلمة لم يضر ذلك نكاح الأخت وكانت فيئا إن سبيت وتجبر على الإسلام وإن عادت مسلمة كان لها أن تتزوج من ساعتها اه
وظاهره أن لها التزوج بمن شاءت لكن قال في الفتح وقد أفتى الدبوسي والصفار وبعض أهل سمرقند بعدم وقوع الفرقة بالردة ردا عليها وغيرهم مشوا على الظاهر ولكن حكموا بجبرها على تجديد النكاح مع الزوج ويضرب خمسة وسبعين سوطا واختاره قاضيخان للفتوى اه
قوله ( وعن الإمام ) أي في رواية النوادر كما في الفتح
قوله ( ولو أفتى به الخ ) في الفتح قيل ولو أفتى بهذه لا بأس به فيمن كانت ذات زوج حسما لقصدها السيىء بالردة من إثبات الفرقة
قوله ( وتكون قنة للزوج بالاستيلاء ) قال في الفتح قيل وفي البلاد التي استولى عليها التتر وأجروا أحكامهم فيها ونفوا المسلمين كما وقع في خوارزم وغيرها إذا استولى عليها الزوج بعد الردة ملكها لأنها صارت دار حرب في الظاهر من غير حاجة إلى أن يشتريها من الإمام اه
قوله ( وفي الفتح الخ ) هذا ذكره في الفتح قبل الذي نقلناه عنه آنفا
____________________
(4/253)
وحاصله أنها إذا ارتدت في دار الإسلام صارت فيئا للمسلمين فتسترق على رواية النوادر بأن يشتريها من الإمام أو يهبها له
أما لو ارتدت فيما استولى عليه الكفار وصار دار حرب فله أن يستولي عليها بنفسه بلا شراء ولا هبة كمن دخل دار الحرب متلصصا وسبى منهم وهذا ليس مبنيا على رواية النوادر لأن الاسترقاق وقع في دار الحرب لا في دار الإسلام قوله ( وصح تصرفها ) أي لا تتوقف تصرفاتها من مبايعة ونحوها بخلاف المرتد نعم يبطل منها ما يبطل من تصرفاته المارة
قوله ( لأنها لا تقتل ) فلم تكن ردتها سببا لزوال ملكها فجاز تصرفها في مالها بالإجماع
بحر عن البدائع
قال المقدسي فلو كانت ممن يجب قتلها كالساحرة والزنديقة ينبغي أن تلحق بالمرتد
قوله ( وأكسابها مطلقا لورثتها ) أي سواء كانت كسب إسلام أو كسب ردة
قال في النهر تبعا للبحر وينبغي أن يلحق بها من لا يقتل إذا ارتد لشبهة في إسلامه كما مر
قوله ( لو مريضة ) لأنها تكون فارة كما قدمناه
قوله ( لو صحيحة ) أي لو ارتدت حال كونها صحيحة
قوله ( فلم تكن فارة ) لأنها إذا كانت لا تقتل لم تكن ردتها في حكم مرض الموت فلم تكن فارة فلا يرثها لأنها بانت منه وقد ماتت كافرة بخلاف ردته لأنها في حكم مرض الموت مطلقا فترثه مطلقا
قوله ( فتأمل ) ما ذكره في الزواهر مفهوم مما قبله وقدمنا التصريح به عن البحر وتقدم متنا في باب طلاق المريض أيضا فلم يظهر وجه الأمر بالتأمل نعم يوجد في بعض النسخ قبل قوله قلت ما نصه ويرثها زوجها المسلم استحسانا إن ماتت في العدة وترث المرتدة زوجها المرتد اتفاقا
خانية
قلت وفي الزواهر الخ وعليه فالأمر بالتأمل وارد على إطلاق قول الخانية ويرثها زوجها المسلم والله سبحانه أعلم
قوله ( ولدته لأقل من نصف حول ) أي من وقت الارتداد ط
قوله ( أي الكتابية ) فسره به ليعم اليهودية ط
قوله ( إلا إذا جاءت به لأكثر الخ ) استثناء من قوله يرثه أما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر كان العلوق في حالة الإسلام فيكون مسلما يرث المرتد
درر
قوله ( بالجبر عليه ) أي على الإسلام فالظاهر من حاله أن يسلم درر أي بخلاف ما إذا اتبع أمه الكتابية لأنها لا تجبر عليه
قوله ( وظهر عليه ) بالبناء للمجهول أي غلب وقهر
قوله ( فيء ) أي غنيمة يوضع في بيت المال لا لورثته
بحر
قوله ( لأن المرتد لا يسترق ) بل يقتل إن لم يسلم
ولا يشكل كون ماله فيئا دون نفسه لأن مشركي العرب كذلك
بحر
قوله ( بلا مال ) متعلق بلحق
بقي ما إذا لحق ببعض ماله ثم رجع ولحق بالباقي ومقتضى النظر أن ما لحق به أولا فيء وما لحق به ثاينا لورثته اه ح
قوله ( في ظاهر الرواية ) لأن عوده وأخذه ولحاقه ثانيا يرجح جانب عدم العود ويؤكده فيتقرر موته وما احتيج للقضاء باللحاق لصيرورته ميراثا إلا ليترجح عدم عوده فتقرر إقامته ثمة فيتقرر موته فكان
____________________
(4/254)
رجوعه ثم عوده ثانيا بمنزلة القضاء
وفي بعض روايات السير جعله فيئا لأن بمجرد اللحاق لا يصير المال ملكا للورثة والوجه ظاهر الرواية كذا في الفتح تبعا للنهاية والعناية وفخر الإسلام من أن ظاهر الرواية الإطلاق واعتمده في الكافي وبه سقط إشكال الزيلعي على النهاية
أفاده في البحر
قوله ( وحكمه ) أي حكم المالك القديم إذا وجد ملكه في الغنيمة ما مر في الجهاد من التفصيل المذكور
قوله ( لعدم الفائدة ) أي في أخذه ودفع مثله
قوله ( لحق بدارهم ) أي بدار إهل الحرب
قوله ( فجاء المرتد مسلما ) يعني قبل أداء البدل للابن إذ لو كان بعده يكون الولاء للابن وقيد بالكتابة لأن الابن إذا دبره ثم جاء الأب مسلما فإن الولاء للابن دون الأب كما في البحر عن التتارخانية وكأن الفرق أن الكتابة تقبل الفسخ بالتعجيز فلم تكن في معنى العتق من كل وجه بخلاف التدبير
نهر
قوله ( كلاهما للأب ) قال في البحر أشار به إلى أنه لا يملك فسخ الكتابة لصدورها عن ولاية شرعية وقد صرح به الزيلعي وقدمنا عن الخانية أنه يملك إبطال كتابة الوارث قبل أداء جميع البدل إلا أن يقال إن مرادهم أنه لا يملك فسخها بمجرد مجيئه من غير أن يفسخها أما إذا فسخها انفسخت إلا أن جعلهم الوارث كالوكيل من جهته يأباه اه
قوله ( فلحق ) أما لو قتل بعد اللحاق ثم جاء تائبا فلا شيء عليه وكذا لو غصب أو قذف لصيرورته في حكم أهل الحرب
بحر
قوله ( فديته في كسب الإسلام ) هذا بناء على رواية الحسن المصححة كما قدمناه من أن دين المرتد يقضي من كسب إسلامه إلا أن لا يفي فمن كسب ردته كما يظهر من عبارة البحر وهذا خلاف ما مشى عليه المصنف كغيره في الدين
قوله ( عن الخانية ) صوابه عن التتارخانية وفيه رد على قول الفتح لو لم يكن له إلا كسب ردة فقط فجنايته هدر عنده خلافا لهما
قال في البحر والظاهر أنه سهو ثم قال وإن كان له الكسبان قالا يستوفي منهما
وقال الإمام من كسب الإسلام أولا فإن فضل شيء استوفى من كسب الردة
قوله ( وكذا ) ظاهره أن الإشارة إلى ما قبله من وجوبه في كسب الإسلام إن كان الخ وهو صريح عبارة النهر عن الفوائد الظهيرية لكن في الشرنبلالية عن فوائد الظهيرية وإن ثبت ذلك بإقراره فعندهما يستوفي من الكسبين جميعا وعنده من كسب الردة لأن الإقرار تصرف منه فيصح في ماله وكسب الردة ماله عنده اه
ومثله في البحر عن التتارخانية
قوله ( كجنايتهم في غير الردة ) فيخير السيد بين الدفع والفداء والمكاتب موجب جنايته في كسبه وأما الجناية عليهم فهدر
أفاده في البحر
وأما جناية المدبر فستأتي في الجنايات ط
قوله ( فارتد ) أفاد أن الردة بعد القطع فلو قبله لا يضمن قاطعه إذ لو قتله لا يضمن كما مر
قوله ( والعياذ بالله ) مبتدأ وخبر أو بالنصب مفعول مطلق أي نعوذ العياذ بالله تعالى
قوله ( ومات منه ) أي من القطع أي مات مرتدا فلو مسلما فيأتي
قوله ( نصف الدية ) أي ضمن دية اليد فقط وذلك نصف دية النفس ولا يضمن بالسراية إلى النفس شيئا
قوله ( لوارثه ) إنما كانت له لأنها بمنزلة كسب الإسلام ط
قوله ( لأن السراية الخ ) تعليل للمسألة الأولى
وعلل الثانية في الهداية بأنه صار ميتا
____________________
(4/255)
تقديرا والموت يقطع السراية وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى اه
وإنما سقط القصاص لاعتراض الردة
قوله ( لأنه في الخطإ على العاقلة ) الضمير يرجع إلى ما ذكر من ضمان نصف الدية وفيه أن العاقلة لا تعقل الأطراف فليتأمل ط
أقول لم نر من قال ذلك وإنما المصرح به أن العاقلة لا تعقل ما دون نصف عشر الدية والواجب هنا نصف الدية فتتحمله العاقلة بلا شبهة
قوله ( كلها ) هذا عندهما وعند محمد النصف
بحر
قوله ( ارتد القاطع ) لما بين حكم المقطوع المرتد أراد بيان حكم القاطع المرتد ط
قوله ( لفوات محل القود ) مقتضاه عدم الفرق في القاطع بين أن يرتد أو لا ط
قلت وقد صرحوا في الجنايات بأن موت القاتل قبل المقتول مسقط للقود
قوله ( فالدية على العاقلة ) لأنه حين القطع كان مسلما وتبين أن الجناية قتل
بحر
قوله ( ولا عاقلة لمرتد ) اعتراض بأنه لا محل له هنا بل محله عند قوله مرتد قتل رجلا خطأ
قلت أشار بذكره هنا إشارة خفية كما هو عادته شكر الله تعالى سعيه إلى فائدة التقييد بكون الردة بعد القطع في قوله ارتد القاطع وهي ما لو كان القطع في حال الردة فإنه لا شيء على العاقلة فإنه لا عاقلة للمرتد فاستغنى بالتعليل عن التصريح بالمعلل لانفهامه مما قبله ولا تنس قوله في خطبة الكتاب فربما خالفت في حكم أو دليل فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل الخ فافهم
قوله ( وأخذ بماله ) أي أسر مع ماله الذي اكتسبه في زمن ردته
نهر
قوله ( فبدل مكاتبته لمولاه الخ ) أما على أصلهما فظاهر لأن كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكاتبا وأما عنده فلأن المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة فكذا أكسابه
بحر
قوله ( ولحقا فولدت ) وكذا إذا ولدت قبل الردة ثم لحقا به أو أحدهما إلى دار الحرب فإنه خرج عن الإسلام لأنه كان بالتبعية لهما أو للدار وقد انعدم الكل فيكون الولد فيئا ويجبر على الإسلام إذا بلغ كالأم فإن كان الأب ذهب به وحده والأم مسلمة في دار الإسلام لم يكن الولد فيئا لأنه بقي مسلما تبعا لأمه
بحر
قوله ( فالولدان فيء كأصلهما ) هذا ظاهر في الولد فإن أمه تسترق والولد يتبع أمه في الحرية والرق
أما ولد الولد فلا يتبعها لأنه لا يتبع الجد كما يأتي وهذه جدة في حكم الجد ولا أباه لأن أباه تبع والتبع لا يستتبع غيره كما يأتي
وأجيب بأنه تبع لأمه الحربية وفيه أنه قد تكون أمه ذمية مستأمنة فالمناسب كون العلة في كونه فيئا أن حكمه حكم الحربي كما يأتي فافهم
قوله ( والولد الأول يجبر بالضرب ) أي والحبس
نهر
أي بخلاف أبويه فإنهما يجبران بالقتل
قوله ( وإن حبلت به ثمة ) أشار إلى أنها لو حبلت به في دار الإسلام يجبر بالأولى
وبه يظهر أن تقييد الهداية بالحبل في دار الحرب غير احترازي
أفاده في البحر
قوله ( لتبعيته لأبويه ) أي في الإسلام والردة هما يجبران فكذا هو
____________________
(4/256)
وإن اختلفت كيفية الجبر ط
قوله ( لعدم تبعية الجد ) ولعدم تبعيته لأبيه لأن ردة أبيه كانت تبعا والتبع لا يستتبع خصوصا وأصل التبعية ثابتة على خلاف القياس لأنه لم يرتد حقيقة ولذا يجبر بالحبس لا بالقتل بخلاف أبيه
بحر
قوله ( على الظاهر ) أي ظاهر الرواية وفي رواية الحسن عنه أنه يتبع الجد
وجه الأول أنه لو تبع الجد لكان الناس كلهم مسلمين تبعا لآدم وحواء عليهما السلام ولم يوجد في ذريتهما كافر غير مرتد وتمامه في الزيلعي
والمسائل التي يخالف فيها الجد الأب ثلاث عشرة ستأتي في الفرائض وذكر في البحر منها هنا إحدى عشرة ذكرها المحشي
قوله ( فحكمه كحربي ) في أنه يسترق وتوضع عليه الجزية أو يقتل
وأما الجد فيقتل لا محالة لأنه المرتد بالأصالة أو يسلم
بحر عن الفتح
قوله ( لأنه مسلم ) أي تبعا لأبيه ولا يتبع أمه في الرف لعدم تحقق الملك عليها وقت ولادته بخلاف ما إذا ولدته بعد السبي ط
مطلب في ردة الصبي وإسلامه قوله ( وإذا ارتد صبي عاقل صح ) سواء كان إسلامه بنفسه أو تبعا لأبويه ثم ارتد قبل البلوغ فتحرم عليه امرأته ولا يبقى وارثا
قهستاني
ولكن لا يقتل كما مر لأن القتل عقوبة وهو ليس من أهلها في الدنيا ولكن لو قتله إنسان لم يغرم شيئا كالمرأة إذا ارتدت لا تقتل ولا يغرم قاتلها كما في الفتح عن المبسوط
قوله ( خلافا للثاني ) فلا تصح عنده لأنه ضرر محض
وفي التتارخانية عن الملتقى أن الإمام رجع إليه ومثله في الفتح
قوله ( ولا خلاف في تخليده في النار ) فالخلاف إنما هو في أحكام الدنيا فقط
بحر
لأن العفو عن الكفر دخول الجنة مع الشرك خلاف حكم الشرع والعقل كما في الأصول
قهستاني
قوله ( كإسلامه ) فتترتب عليه أحكامه من عصمة النفس والمال وحل الذبح ونكاح المسلمة والإرث من المسلم
قهستاني قوله ( فإنه يصح اتفاقا ) أي من أئمتنا الثلاثة وإلا فقد خالف في صحة إسلامه زفر والشافعي كما في الفتح
فإن قيل هو غير مكلف
قلنا إنما يلزم إذا قلنا بوجوبه عليه قبل البلوغ كما عن أبي منصور والمعتزلة وأنه يقع مسقطا للواجب لكنا إنما نختار أنه يصح ليترتب عليه الأحكام الدنيوية والأخروية فتح
قوله ( ويجبر عليه بالضرب ) أي والحبس كما مر
قلت والظاهر أن هذا بعد بلوغه لما مر أن الصبي ليس من أهل العقوبة ولما في كافي الحاكم وإن ارتد الغلام المراهق عن الإسلام لم يقتل فإن أدرك كافرا حبس ولم يقتل
قوله ( وقيل الذي يعقل الخ ) قال في الفتح بين أي صاحب الهداية أن الكلام في الصبي الذي يعقل الإسلام
زاد في المبسوط كونه بحيث يناظر ويفهم ويفحم اه
قلت والظاهر أن ما ذكره المصنف بيان لقوله يعقل الإسلام ومعنى تمييزه المذكور أن يعرف أن الصدق
____________________
(4/257)
مثلا حسن والكذب قبيح يلام فاعله وأن العسل حلو والصبر مر ومعنى كونه بحيث يناظر أن يقول إن المسلم في الجنة والكافر في النار وإذا قيل له لا ينبغي لك أن تخالف دين أبويك يقول نعم لو كان دينهما حقا أو نحو ذلك
ولا يخفى أن ابن سبع لا يعقل ذلك غالبا ويحتمل أن يكون المراد المناظرة ولو في أمر دنيوي كما لو اشترى شيئا ودفع إلى البائع الثمن وامتنع البائع من تسليم المبيع قائلا لا أسلمه إلا إلى أبيك لأنك قاصر فيقول له لم أخذت مني الثمن فإن لم تسلمني المبيع ادفع لي الثمن فهذا ونحوه من ابن سبع غالبا وعليه يتحد القولان
تأمل
قوله ( وقد رأيت بفتح تاء المخاطب
قوله ( وسنه سبع ) وقيل ثمان وهو الصحيح وأخرجه البخاري في تاريخه عن عروة وقيل عشر أخرجه الحاكم في المستدرك وقيل خمسة عشر وهو مردود وتمام ذلك مبسوط في الفتح وهو أول من أسلم من الصبيان الأحرار ومن الرجال الأحرار أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة وتمام تحقيق ذلك في الدر المنتقى ونقل عبارته المحشي
قوله ( حتى قال الخ ) ذكر في القاموس في مادة ودق
قال المازني لم يصح أن عليا رضي الله تعالى عنه تكلم بشيء من الشعر غير هذين البيتين
تلكم قريش تمناني لتقتلني الخ
وصوبه الزمخشري اه
ومقتضاه أن نسبة ما هنا إليه لم تصح
قوله ( ظاهر كلامهم نعم اتفاقا ) فائدة وقوعه فرضا عدم فرضية تجديد إقرار آخر بعد البلوغ
قال في الفتح ومقتضى الدليل أنه يجب عليه بعد البلوغ
ثم قال لكنهم اتفقوا على أن لا يجب على الصبي بل يقع فرضا قبل البلوغ
أما عند فخر الإسلام فلأنه يثبت أصل الوجوب به على الصبي بالسبب وهو حدوث العالم وعقلية دلالته دون وجوب الأداء لأنه بالخطاب وهو غير مخاطب فإذا وجد بعد السبب وقع الفرض كتعجيل الزكاة
وأما عند شمس الأئمة لا وجوب أصلا لعدم حكمه وهو وجوب الأداء فإذا وجد وجد فصار كالمسافر يصلي الجمعة يسقط فرضه وليست الجمعة فرضا عليه لكن ذلك للترفيه عليه بعد سببها فإذا فعل تم اه
مطلب هل يجب على الصبي الإيمان قوله ( وفي التحرير الخ ) هذا قول ثالث
وعبارة التحرير في الفصل الرابع وعن أبي منصور الماتريدي وكثير من مشايخ العراق والمعتزلة إناطة وجوب الإيمان به أي بعقل الصبي وعقابه بتركه
ونفاه باقي الحنفية دراية لقوله عليه الصلاة والسلام رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن لصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ورواية لعدم انفساخ نكاح المراهقة بعدم وصف الإيمان اه
موضحا من شرحه لابن أمير حاج
وقال في أول الفصل الثاني وزاد أبو منصور إيجابه على الصبي العاقل
ونقلوا عن أبي حنيفة لو لم يبعث الله تعالى للناس رسولا لوجب عليهم معرفته بعقولهم
وقال البخاريون لا تعلق لحكم الله تعالى بفعل المكلف قبل البعثة والتبليغ كالأشاعرة وهو المختار وحكموا بأن المراد من رواية لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السموات الأرض وخلق نفسه
____________________
(4/258)
بعد البعثة وحينئذ فيجب حمل الوجوب في قول الإمام لوجب عليهم معرفته على معنى ينبغي وتمامه في شرحه المذكور
قوله ( لو مات بعده ) أي بعد العقل
مطلب في معنى درويش درويشان قوله ( كفر بعضهم ) لأن معناه جميع الأشياء مباحة فيدخل فيه ما لا تجوز إباحته فيكون مبيح الحرام وهو كفر وهذا باطل لأن معناه مسكنة المساكين أو فقر الفقراء فكأنه قال تمسكنا بمسكنة المساكين أو افتقرنا إليك بفقر الفقراء ولا دلالة فيه قط على ما ذكر كذا في البزازية
ونازعه في نور العين بأن ما ذكره من المعنى هو معناه الوضعي أما العرفي الذي جرى عليه اصطلاح الملاحدة والقلندرية فهو أن جميع الأشياء مباحة لك
فالحق أن يكفر القائل إن كان من تلك الفئة أو أراد ما أرادوه أو لم يعلم معناه لكنه قاله تقليدا وتشبيها بهم أو يخشى عليه الكفر فيجدد وجوبا أو احتياطا إيمانه وإن قاله غير عالم ولا متأمل فهو مخطىء يلزمه أن يستغفر وغاية الأمر أن لا يرخص في التكلم بأمثال هذه المقالة اه
ملخصا
قوله ( قيل بكفره ) لعل وجهه أنه طلب شيئا لله تعالى والله تعالى غني عن كل شيء والكل مفتقر ومحتاج إليه وينبغي أن يرجح عدم التكفير فإنه يمكن أن يقول أردت أطلب شيئا إكراما لله تعالى اه
شرح الوهبانية
قلت فينبغي أو يجب التباعد عن هذه العبارة وقد مر أن ما فيه خلاف يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد النكاح لكن هذا إن كان لا يدري ما يقول أما إن قصد المعنى الصحيح فالظاهر أنه لا بأس به
قوله ( ليس يكفر ) فإن الحضور بمعنى العلم شائع { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } سورة المجادلة الآية 7 والنظر بمعنى الرؤية { ألم يعلم بأن الله يرى } سورة العلق الآية 14 فالمعنى يا عالم من يرى
بزازية
مطلب في مستحل الرقص قوله ( ومن يستحل الرقص قالوا بكفره ) المراد به التمايل والخفض والرفع بحركات موزونة كما يفعله بعض من ينتسب إلى التصوف
وقد نقل في البزازية عن القرطبي إجماع الأئمة على حرمة هذا الغناء وضرب القضيب والرقص
قال ورأيت فتوى شيخ الإسلام جلال الملة والدين الكرماني أن مستحل هذا الرقص كافر وتمامه في شرح الوهبانية
ونقل في نور العين عن التمهيد أنه فاسق لا كافر
ثم قال التحقيق القاطع للنزاع في أمر الرقص والسماع يستدعي تفصيلا ذكره في عوارف المعارف وإحياء العلوم وخلاصته ما أجاب به العلامة النحرير ابن كمال باشا بقوله ما في التواجد إن حققت من حرج ولا التمايل إن أخلصت من باس فقمت تسعى على رجل وحق لمن دعاه مولاه أن يسعى على الراس الرخصة فيما ذكر من الأوضاع عند الذكر والسماع للعارفين الصارفين أوقاتهم إلى أحسن الأعمال
____________________
(4/259)
السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الأحوال فهم لا يستمعون إلا من الإله ولا يتشاقون إلا له إن ذكروه ناحوا وإن شكروه باحوا وإن وجدوه صاحوا وإن شاهدوه استراحوا وإن سرحوا في حضرة قربه ساحوا إذا غلب عليهم الوجد بغلباته وشربوا من موارد إرادته فمنهم من طرقتهم طوارق الهيبة فخر وذاب ومنهم من برقت له بوارق اللطف فتحرك وطاب ومنهم من طلع عليه الحب من مطلع القرب فسكر وغاب هذا ما عن لي في الجواب والله تعالى أعلم بالصواب
ومن يك وجده وجدا صحيحا فلم يحتج إلى قول المغني له من ذاته طرب قديم وسكر دائم من غير دن مطلب في كرامات لأولياء قوله ( ومن لولي الخ ) من مبتدأ وقال صلته وجهول خبره ولولي متعلق بيجوز وطي مبتدأ خبره يجوز وأصل التركيب ومن قال طي مسافة يجوز لولي جهول وهذا قول الزعفراني والقائل بكفره هو ابن مقاتل ومحمد بن يوسف ط
قوله ( وإثباتها الخ ) قال في البزازية وقد ذكر علماؤنا أن ما هو من المعجزات الكبار كإحياء الموتى وقلب العصا حية وانشقاق القمر وإشباع الجمع من الطعام وخروج الماء من بين الأصابع لا يمكن إجراؤه كرامة للولي وطي المسافة من لقوله عليه الصلاة والسلام زويت لي الأرض فلو جاز لغيره لم يبق فائدة للتخصيص لكن في كلام القاضي أبي زيد ما يدل على أنه ليس بكفر اه
قلت ويدل له ما قالوا فيمن كان بالمشرف وتزوج امرأة بالمغرب فأتت بولد يلحقه فتأمل
وفي التتارخانية أن هذه المسألة تؤيد الجواز
وقد قال العلامة التفتازاني بعد أن حكى عن أكثر المعتزلة المنع من إثبات الكرامات للأولياء وأن الأستاذ أبا إسحاق يميل إلى قريب من مذهبهم وحكى ما قدمناه وأن إمام الحرمين قال المرضي عندنا تجويز جميلة خوارق العادات في معرض الكرامات
ثم قال نعم قد يرد في بعض المعجزات نص قاطع على أن أحدا لا يأتي بمثله أصلا كالقرآن ثم ذكر بقية الأقوال ثم قال والإنصاف ما ذكره الإمام النسفي حين سئل عما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء هل يجوز القول به فقال نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جاز عند أهل السنة
قلت النسفي هذا هو الإمام نجم الدين عمر مفتي الإنس والجن رأس الأولياء في عصره اه
من شرح الوهبانية
وتمامه فيه والله سبحانه أعلم
باب البغاة أخره لقلة وجوده ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار
بحر
قلت ولم يترجم له بكتاب إشارة إلى دخوله تحت كتاب الجهاد لأن القتال معهم في سبيل الله تعالى ولذا كان المقتول منا شهيدا كما سيأتي إذا لا يختص الجهاد بقتال الكفار وبه اندفع ما في النهر
قال في الفتح والبغاة
____________________
(4/260)
جمع باغ وهذا الوزن مطرد في كل اسم فاعل معتل اللام كغزاة ورماة وقضاة اه
وإنما جمعه لأنه قلما يوجد واحد يكون له قوة الخروج
قهستاني
قوله ( البغي لغة الطلب الخ ) عبارة الفتح البغي في اللغة الطلب بغيت كذا أي طلبته
قال تعالى حكاية ذلك ما كنا نبغ ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم
والباغي في عرف الفقهاء الخارج على أمام الحق اه
لكن في المصباح بغيته أبغيه بغيا طلبته وبغى على الناس بغيا ظلم واعتدى فهو باغ والجمع بغاة وبغى سعى في الفساد ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن القصد وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد اه
وفي القاموس الباغي الطالب وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل اه
قال في البحر فقوله في فتح القدير الباغي في عرف الفقهاء الخارج عن إمام الحق تساهل لما علمت أنه في اللغة أيضا اه
قلت قد اشتهر أن صاحب القاموس يذكر المعاني العرفية مع المعاني اللغوية وذلك مما عيب به عليه فلا يدل ذكره لذلك أنه معنى لغوي ويؤيده أهل اللغة لا يعرفون معنى الإمام الحق الذي جاء في الشرع بعد اللغة نعم قد يعترض على الفتح بأن كلامه يقتضي اختصاص البغي بمعنى الطلب وأن استعماله في الجور والظلم معنى عرفي فقط وقد سمعت أنه لغوي أيضا
وقد يجاب بأن مراده بقوله ثم اشتهر في العرب الخ العرف اللغوي وأن الأصل ومدار اللفظ على معنى الطلب لكن ينافيه قول المصباح وأصله من بغى الجرح الخ فتأمل
قوله ( وشرعا هم الخارجون ) عطفه على ما قبله يقتضي أن يكون التقدير والبغي شرعا هم الخارجون هو فاسد كما أفاده ح فكان المناسب أن يقول فالبغاة عرفا الطالبون لما لا يحل من جور وظلم وشرعا الخ
أفاده ط
ويمكن أن يكون على تقدير مبتدأ أي والبغاة شرعا الخ
قوله ( على الإمام الحق ) الظاهر أن المراد به ما يعم المتغلب لأنه بعد استقرار سلطنته ونفوذ قهره لا يجوز الخروج عليه كما صرحوا به ثم رأيت في الدر المنتقى قال إن هذا في زمانهم وأما في زماننا فالحكم للغلبة لأن الكل يطلبون الدنيا فلا يدرى العادل من الباغي كما في العمادية اه
وقوله بغير حق أي في نفس الأمر وإلا فالشرط اعتقادهم أنهم على حق بتأويل وإلا فهم لصوص ويأتي تمام بيانه
قوله ( وتمامه في جامع الفصولين ) حيث قال في أول الفصل الأول بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام وصاروا آمنين به فخرج عليه طائفة من المؤمنين فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم به فهم ليسوا من أهل البغي وعليه أن يترك الظلم وينصفهم ولا ينبغي للناس أن يعينوا الإمام عليهم لأن فيه إعانة على الظلم ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الإمام أيضا لأن فيه إعانة على خروجهم على الإمام وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم ولكن لدعوى الحق والولاية فقالوا الحق معنا فهم أهل البغي فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين لأنهم ملعونون على لسان صاحب الشرع قال عليه الصلاة والسلام لفتنة نائمة لعن الله من أيقظها فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد فليس للإمام أن يعترض لهم لأن العزم على الجناية لم يوجد بعد كذا ذكر في واقعات اللامشي وذكر القلانسي في تهذيبه قال بعض المشايخ لولا علي رضي الله عنه ما درينا القتال مع أهل القبلة وكان علي ومن تبعه من أهل العدل وخصمه من أهل البغي وفي زماننا الحكم للغلبة ولا تدري
____________________
(4/261)
العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا اه ط
لكن قوله ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الإمام فيه كلام سيأتي
قوله ( قطاع طريق ) وهم قسمان أحدهما الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة يأخذون أموال المسلمين ويقتلونهم ويخيفون الطريق
والثاني قوم كذلك إلا أنهم لا منعة لهم لكن لهم تأويل كذا في الفتح لكنه عد الأقسام أربعة وجعل هذا الثاني قسما منهم مستقلا ملحقا بالقطاع من جهة الحكم
وفي النهر هنا تحريف فتنبه له
قوله ( وبغاة ) هم كما في الفتح قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم اه
والمراد خرجوا بتأويل وإلا فهم قطاع كما علمت
وفي الاختيار أهل البغي كل فئة لهم منعة يتغلبون ويجتمعون ويقاتلون أهل العدل بتأويل ويقولون الحق معنا ويدعون الولاية اه
قوله ( وخوارج وهم قوم الخ ) الظاهر أن المراد تعريف الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه لأن مناط الفرق بينهم وبين البغاة هو استباحتهم دماء المسلمين وذراريهم بسبب الكفر إذ لا تسبى الذراري ابتداء بدون كفر لكن الظاهر من كلام الاختيار وغيره أن البغاة أعم فالمراد بالبغاة ما يشمل الفريقين ولذا فسر في البدائع البغاة بالخوارج لبيان أنهم منهم وإن كان البغاة أعم وهذا من حيث الاصطلاح وإلا فالبغي والخروج متحققان في كل من الفريقين على السوية ولذا قال علي رضي الله تعالى عنه في الخوارج إخواننا بغوا علينا
قوله ( لهم منعة ) بفتح النون أي عزة في قومهم فلا يقدر عليهم من يريدهم مصباح
قوله ( بتأويل ) أي بدليل يؤولونه على خلاف ظاهره كما وقع للخوارج الذين خرجوا من عسكر علي عليه بزعمهم أنه كفر هو ومن معه من الصحابة حيث حكم جماعة في أمر الحرب الواقع بينه وبين معاوية وقالوا إن الحكم إلا الله ومذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر وأن التحكيم كبيرة لشبه قامت لهم استدلوا بها مذكورة مع ردها في كتب العقائد
مطلب في أتباع عبد الوهاب الخوارج في زماننا قوله ( ويكفرون أصحاب نبينا ) علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف
قوله ( كما حققه في الفتح ) حيث قال وحكم الخوارج عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة
وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم
قال ابن المنذر ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء
____________________
(4/262)
مطلب في عدم تكفير الخوارج وأهل البدع وقد ذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع
وبعضهم يكفر من خالف منهم ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة والنقل الأول أثبت نعم يقع في كلام أهل مذهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم
مطلب لا عبرة بغير الفقهاء يعني المجتهدين ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين اه
لكن صرح في كتابه المسايرة بالاتفاق على تكفير المخالف فيما كان من أصول الدني وضرورياته كالقول بقدم العالم ونفي حشر الأجساد ونفي العلم بالجزئيات وأن الخلاف في غيره كنفي مبادىء الصفات ونفي عموم الإرادة والقول بخلق القرآن الخ
وكذا قال في شرح منية المصلي إن ساب الشيخين ومنكر خلافتهما ممن بناه على شبهة له لا يكفر بخلاف من ادعى أن عليا إله وأن جبريل غلط لأن ذلك ليس عن شبهة واستفراغ وسع في الاجتهاد بل محض هوى اه
وتمامه فيه
قلت وكذا يكفر قاذف عائشة ومنكر صحبة أبيها لأن ذلك تكذيب صريح القرآن كما مر في الباب السابق
قوله ( بخلاف المستحل بلا تأويل ) أي من يستحل دماء المسلمين وأموالهم ونحو ذلك مما كان قطعي التحريم ولم يبنه على دليل كما بناه الخوارج كما مر لأنه إذا بناه على تأويل دليل من كتاب أو سنة كان في زعمه اتباع الشرع لا معارضته ومنابذته بخلاف غيره
قوله ( والإمام ) أي الإمام الحق الذي ذكره أولا ولم يذكر شروطه استغناء بما قدمه في باب الإمامة من كتاب الصلاة وقدمنا الكلام عليها هناك فراجعها
مطلب الإمام يصير إماما بالمبايعة أو بالاستخلاف ممن قبله قوله ( يصير إماما بالمبايعة ) وكذا باستخلاف إمام قبله وكذا بالتغلب والقهر كما في شرح المقاصد
قال في المسايرة ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياه كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وإما ببيعه جماعة من العلماء أو من أهل الرأي والتدبير
وعند الأشعري يكفي الواحد من العلماء المشهورين من أولي الرأي بشرط كونه بمشهد شهود لدفع الإنكار إن وقع
وشرط المعتزلة خمسة
وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص اه
ثم قال لو تعذر وجود العلم والعدالة فيمن تصدى للإمامة وكان في صرفه عنها إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته كي لا تكون كمن يبني قصرا ويهدم مصرا وإذا تغلب آخر على المتغلب وقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إماما وتجب طاعة الإمام عادلا كان أو جائرا إذا لم يخالف الشرع فقد علم أنه يصير إماما بثلاثة أمور لكن الثالث في الإمام المتغلب وإن لم تكن فيه شروط الإمامة وقد يكون بالتغلب مع المبايعة وهو الواقع في سلاطين الزمان نصرهم الرحمن
قوله ( وبأن ينفذ حكمه ) أي يشترط مع وجود المبايعة نفاذ حكمه وكذا هو شرط أيضا مع الاستخلاف فيما يظهر بل يصير إماما بالتغلب ونفاذ الحكم والقهر بدون مبايعة أو استخلاف كما علمت
قوله ( فلا يفيد ) أي لا يفيد عزله
____________________
(4/263)
مطلب فيما يستحق به الخليفة العزل قوله ( وإلا ينعزل به ) أي إن لم يكن له قهر ومنعه ينعزل به أي بالجور
قال في شرح المقاصد ينحل عقد الإمامة بما يزول به مقصود الإمامة كالردة والجنون المطبق وصيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه وكذا بالمرض الذي ينسبه المعلوم وبالعمي والصمم والخرس وكذا بخلعه نفسه لعجزه عن القيام بمصالح المسلمين وإن لم يكن ظاهرا بل استشعره من نفسه وعليه يحمل خلع الحسن نفسه
وأما خلعه لنفسه بلا سبب ففيه خلاف وكذا في انعزاله بالفسق
والأكثرون على أنه لا ينعزل وهو المختار من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى
وعن محمد روايتان ويستحق العزل بالاتفاق اه
وقال في المسايرة وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل ولكن يستحق العزل إن لم يستلزم فتنة اه
وفي المواقف وشرحه إن للأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين كما كان لهم نصبه وإقامته لانتظامها وإعلائها وإن أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى الضرتين اه
قوله ( فإذا خرج جماعة مسلمون ) قيد بذلك لأن أهل الذمة إذا غلبوا على بلدة صاروا أهل حرب كما مر ولو قاتلونا مع أهل البغي لم يكن ذلك نقضا للعهد منهم وهذا لا يرد على المصنف لأنهم أتباع للبغاة المسملين
نهر أي فلهم حكمهم بطريق التبعية
قوله ( عن طاعته ) أي طاعة الإمام وقيده في الفتح بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة اه
ومثله ما ذكره عن الدرر وجهه أنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزا أو جائرا ظالما يجوز الخروج عليه وعزله إن لم يلزم منه فتنة كما علمته آنفا
قوله ( وغلبوا على بلد ) الظاهر إن ذكر البلد بيان للواقع غالبا لأن المدار على تجمعهم وتعسكرهم وهو لا يكون إلا في محل يظهر فيه قهرهم والغالب كونه بلدة فلو تجمعوا في برية فالحكم كذلك
تأمل
قوله ( أي إلى طاعته ) أشار إلى أنه على تقدير مضاف
قوله ( وكشف شبهتهم استحبابا ) أي بأن يسألهم عن سبب خروجهم فإن كان لظلم منه أزاله وإن لدعوى أن الحق معهم والولاية لهم فهم بغاة فلو قاتلهم بلا دعوة جاز لأنهم علموا ما يقاتلون عليه كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة
بحر
قوله ( فإن تحيزوا مجتمعين ) أي مالوا إلى جهة مجتمعين فيها أو إلى جماعة وهذا في معنى قوله وغلبوا على بلد فكان أحدهما يغني عن الآخر على ما قلنا
قوله ( حل لنا قتالهم بدءا ) هذا اختيار لما نقله خواهر زاده عن أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤونا لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ( ربما ) لا يمكنه الدفع فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم
ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤوه
وظاهر كلامهم أن المذهب الأول بحر
ولو اندفع شرهم بأهون من القتل وجب بقدر ما يندفع به شرهم
زيلعي
مطلب في وجوب طاعة الإمام قوله ( افترض عليه إجابته ) والأصل تعالى { وأولي الأمر منكم } سورة النساء الآية 59 وقال سمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع وروى مجدع وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال
____________________
(4/264)
عليكم بالسمع والطاعة لكل من يؤمر عليكم ما لم يأمركم بمنكر ففي المنكر لا سمع ولا طاعة ثم إذا أمر العسكر بأمر فهو على وجه إن علموا أنه نفع بيقين أطاعوه وإن علموا خلافه كأن كان لهم قوة وللعدو مدد يلحقهم لا يطيعونه وإن شكوا لزمهم إطاعته وتمامه في الذخيرة
قوله ( وإلا لزم بيته ) أي إن لم يكن قادرا وعليه يحمل ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال
والمروي عن أبي حنيفة من قول الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام
وما روى إذا لتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار محمول على اقتتالهما حمية وعصبية كما يتفق بين أهل قريتين ومحلتين أو لأجل الدنيا والملك وتمامه في الفتح
قوله ( وفي المبتغى الخ ) موافق لما مر من جامع الفصولين ومثله في السراج لكن في الفتح ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا أن أبدوا ما يجوز لهم القتال كان ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه اه
قلت ويمكن التوفيق بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه وإلا فلا كما يفيده قول المبتغى ولا يمتنع عنه
تأمل
قوله ( ولو طلبوا الموادعة ) أي الصلح من ترك قتالهم ط
قوله ( ولا يؤخذ منهم شيء ) أي على الموادعة لأنهم مسلمون ومثله في المرتدين
قوله ( لا نقتل رهونهم ) أي وإن وقع الشرط على أن أيهما غدر يقتل الآخرون الرهن لأنهم صاروا آمنين بالموادعة أو بإعطاء الأمان لهم حين أخذناهم رهنا والغدر من غيرهم لا يؤاخذون به والشرط باطل وتمامه في الفتح
قوله ( أو يصيروا ذمة لنا ) أو بمعنى إلا فلذلك حذف النون ح
قوله ( أجهز على جريحهم ) بالبناء للمفعول فيه وفي اتبع
قوله ( أي أتم قتله ) في المصباح جهزت على الجريح من باب نفع وأجهزت إجهازا أتممت عليه وأسرعت قتله
قوله ( واتبع موليهم ) أي هاربهم لقتله أو أسره كي لا يلحق هو أو الجريح بفئته
قوله ( وإلا لا ) أي وإن لم يكن لهم فئة يلحقون بها لا يجهز ولا يتبع
قوله ( إن شاء قتله ) أي إن كان له فئة وإلا لا كما في القهستاني عن المحيط
قال في الفتح ومعنى هذا الخيار أن يحكم نظره فيما هو أحسن الأمرين في كسر الشوكة لا بهوى النفس والتشفي
قوله ( كنساء وشيوخ ) أدخلت الكاف الصبيان والعميان كما في البحر ط
قوله ( ما لم يقاتلوا ) أي فيقتلون حال القتال وبعد الفراغ إلا الصبيان والمجانين
بحر
قوله ( ولا يقتل ) أي يكره له كما في الفتح
قوله ( ما لم يرد قتله ) فإذا أراده فله دفعه ولو بقتله وله أن يتسبب ليقتله
____________________
(4/265)
غيره كعقر دابته بخلاف أهل الحرب فله أن يقتل محرمه منهم مباشرة إلا الوالدين
بحر أي فإنه لا يجوز له قتل الوالدين الحربيين مباشرة بل له منعهما ليقتلهما غيره إلا إذا أراد قتله ولا يمكن دفعه إلا بالقتل فله قتلهما مباشرة كما مر أول الجهاد
والحاصل أن المحرم هنا كالوالدين بخلاف أهل الحرب فإن له قتل المحرم فقط
والفرق كما في الفتح أنه اجتمع في الباغي حرمتان حرمة الإسلام وحرمة القرابة
وفي الكافر حرمة القرابة فقط
قوله ( ولم تسب لهم ذرية ) أي أولاد صغار وكذا النساء لأن الإسلام يمنع الاسترقاق ابتداء كما في الزيلعي
قوله ( وبيع الكراع أولى ) بضم الكاف من تسمية الشيء باسم بعضه لما في المصباح أن الكراع من الغنم والبقر مستدق الساعد بمنزلة الوظيف من الفرس وهو مؤنث يجمع على أكرع والأكرع على أكارع
قال الأزهري الأكارع للدابة قوائمها
قوله ( لأنه أنفع ) أي أنفع من إمساكه والإنفاق عليه من بيت المال أو للرجوع على صاحبه كما يفيده كلام البحر
قوله ( وألقى السلاح ) فعل ماض معطوف على قال
قوله ( فمتى ألقاه الخ ) قال في الفتح وما لم يلق السلاح في صورة من الصور كان له قتله ومتى ألقاه كف عنه بخلاف الحربي لا يلزمه الكف عنه بإلقاء السلاح
قوله ( فلا شيء فيه ) أي لا دية ولا قصاص إذا ظهرنا عليهم
فتح
قوله ( لكونه مباح الدم ) ألا ترى أن العادل إذا قتله لا يجب عليه شيء ولأن القصاص لا يستوفى إلا بالولاية وهي بالمنفعة ولا ولاية لإمامنا عليهم فلم يجب شيء وصار كالقتل في دار الحرب
وعند الأئمة الثلاثة يقتل به فتح
( فلا إثم أيضا )
أخذه في النهر من ظاهر كلام الفتح ومثله في البحر فتأمله قوله ( وقتلانا شهداء ) أي فيصنع بهم ما يصنع بالشهداء كافي
قوله ( بل يكفنون ) أي بعد أن يغسلوا كما في البحر ح
قوله ( لأنها مثلة ) أي لأن هذه الهيئة أو أنثه لتأنيث الخبر أي والمثلة منهى عنهما
قوله ( وجوزه بعض المتأخرين ) لمنع كونه مثلة
قال في البحر ومنعه في المحيط في رؤوس البغاة وجوزه في رؤوس أهل الحرب
قوله ( إن لم يجر الخ ) أي بأن أخرجهم إمام العدل قبل تقرر حكمهم لأنه حينئذ لم تنقطع ولاية الإمام فوجب القود
فتح
قوله ( وإن جرى لا ) أي لا يقتل به ولكن يستحق عذاب الآخرة
فتح
قوله ( مطلقا ) يفسره ما بعده
قال في البحر إذا قتل عادل باغيا فإنه يرثه ولا تفصيل فيه لأنه قتله بحق فلا يمنع الإرث
وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم لأنه مأمور بقتالهم دفعا
____________________
(4/266)
لشرهم كذا في الهداية ونحوه في البدائع
وفي المحيط العادل لو أتلف مال الباغي يضمن لأنه معصوم في حقنا
ووفق الزيلعي بحمل الأول على إتلافه حال القتال بسبب القتال إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شيء من أموالهم كالخيل وأما في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان لعصمة أموالهم اه
ملخصا
قلت ويظهر لي التوفيق بوجه آخر وهو حمل الضمان على ما قبل تحيزهم وخروجهم أو بعد كسرهم وتفرق جمعهم أما إذا تحيزوا لقتالنا مجتمعين فإنهم غير معصومين بدليل حل قتالنا لهم ويدل عليه تعليل الهداية بالأمر بقتالهم إذ لا يؤمر بقتالهم إلا في هذه الحالة
فلو أتلف العادل منهم شيئا في هذه الحالة لا يضمنه لسقوط العصمة بخلاف غيرها فإنه يضمن لأنه حينئذ معصوم في حقنا ولم أر من ذكر هذا التوفيق والله تعالى الموفق
قوله ( وبالعكس ) أي إذا قتل باغ عادلا
قوله ( وقت قتله ) متعلق بقوله أنا على باطل فكان عليه أن يذكره عقبه إذ لا يلزم قوله ذلك وقت قتله بل اللازم اعتقاد ذلك وقته لكن قد يأتي لفظ قال بمعنى اعتقد تأمل
وعبارة البحر وإن قال قتلته وأنا أعلم أني على باطل لم يرثه
اتفاقا أي من أبي يوسف وصاحبيه
قوله ( لعدم الشبهة ) وهي التأويل باعتقاد كونه على حق
قوله ( ورثه ) أي خلافا لأبي يوسف لأنه أتلف بتأويل فاسد والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم
والحاصل أن نفي الضمان منوط بالمنعة مع التأويل فلو تجردت المنعة عن التأويل كقوم تغلبوا على بلدة فقتلوا واستهلكوا الأموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك ولو انفرد التأويل عن المنعة بأن انفرد واحد واثنان فقتلوا وأخذوا عن تأويل ضمنوا إذا تابوا وقدر عليهم وتمامه في الفتح والزيلعي
وفي الاختيار وما أصاب كل واحد من الفريقين من الآخر من دم أو جراحة أو استهلاك مال فهو موضوع لا دية فيه ولا ضمان ولا قصاص وما كان قائما في يد كل واحد من الفريقين للآخر فهو لصاحبه
قال محمد رحمه الله تعالى إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا ولا أجبرهم على ذلك لأنهم أتلفوه بغير حق فسقوط المطالبة لا يسقط الضمان فيما بينه وبين الله تعالى وقال أصحابنا ما فعلوه قبل التحيز والخروج وبعد تفرق جمعهم يؤخذون به لأنهم من أهل دارنا ولا منعة لهم كغيرهم من المسلمين أما ما فعلوه بعد التحيز لا ضمان فيه لما بيننا اه
قلت فتحصل من ذلك كله أن أهل البغي إذا كانوا كثيرين ذوي منعة وتحيزوا لقتالنا معتقدين حله بتأويل سقط عنهم ضمان ما أتلفوه من دم أو مال دون ما كان قائما ويضمنون كل ذلك إذا كانوا قليلين لا منعة لهم أو قبل تحيزهم أو بعد تفرق جمعهم وتقدم أن ما أتلفه أهل العدل لا يضمنونه وقيل يضمنونه وقدمنا التوفيق
قوله ( تبطل ديانته ) أي تأويله الذي كان يتدين به وأسقطنا ضمانه بسببه فإذا رجع ظهر أنه لا تأويل له فلا يرث ويضمن ما أتلف
وفي عامة النسخ ديانة بدون ضمير وهو تحريف والموافق لما في ابن كمال عن غاية البيان هو الأول
قوله ( عمدا ) ليس في كلام الفتح ولكن حمله عليه في النهر لأنه المراد بدليل التعليل
ثم قال في النهر وينبغي أن لا يرث منه وهذه ترد على إطلاق المصنف
قوله ( كما في المستأمن ) أي كما لو قتل المسلم مستأمنا في دارنا
فتح
قوله ( لبقاء شبهة الإباحة ) علة لعدم وجوب القصاص المفهوم من وجوب الدية اه ح
____________________
(4/267)
مطلب في كراهة بيع ما تقوم المعصية بعينه قوله ( تحريما ) بحث لصاحب البحر حيث قال وظاهر كلامهم أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالإعانة على المعصية ط
قوله ( من أهل الفتنة ) شمل البغاة وقطاع الطريق واللصوص
بحر
قوله ( إن علم ) أي إن علم البائع أن المشتري منهم
قوله ( لأنه إعانة على المعصية ) لأنه يقاتل بعينه بخلاف ما لا يقاتل به إلا بصنعة تحدث فيه كالحديد ونظيره كراهة بيع المعازف لأن المعصية تقام بها عينها ولا يكره بيع الخشب المتخذة هي منه وعلى هذا بيع الخمر لا يصح ويصح بيع العنب والفرق في ذلك كله ما ذكرنا
فتح
ومثله في البحر عن البدائع وكذا في الزيلعي لكنه قال بعده وكذا لا يكره بيع الجارية المغنية والكبش النطوح والديك المقاتل والحمامة الطيارة لأنه ليس عينها منكرا وإنما المنكر في استعمالها المحظور اه
قلت لكن هذه الأشياء تقام المعصية بعينها لكن ليست هي المقصود الأصلي منها فإن عين الجارية للخدمة مثلا والغناء عارض فلم تكن عين المنكر بخلاف السلاح فإن المقصود الأصلي منه هو المحاربة به فكان عينه منكرا إذا بيع لأهل الفتنة فصار المراد بما تقام المعصية به ما كان عينه منكر بلا عمل صنعة فيه فخرج نحو الجارية المغنية لأنها ليست عين المنكر ونحو الحديد والعصير لأنه وإن كان يعمل منه عين المنكر لكنه بصنعة تحدث فلم يكن عينه وبهذا ظهر أن بيع الأمرد ممن يلوط به مثل الجارية المغنية فليس مما تقوم المعصية بعينه خلافا لما ذكره المصنف والشارح في باب الحظر والإباحة ويأتي تمامه قريبا
قوله ( يكره لأهل الحرب ) مقتضى ما نقلناه عن الفتح عدم الكراهة إلا أن يقال المنفي كراهة التحريم والمثبت كراهة التنزيه لأن الحديد وإن لم تقم المعصية بعينه لكن إذا كان بيعه ممن يعمله سلاحا كان فيه نوع إعانة
تأمل
قوله ( نهر ) عبارته وعرف بهذا أنه لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به كبيع الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والعصير والخشب الذي يتخذ منه المعازف وما في بيوع الخانية من أنه يكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به مشكل
والذي جزم به في الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية ممن يأتيها في دبرها أو بيع الغلام من لوطي وهو الموافق لما مر
وعندي أن ما في الخانية محمول على كراهة التنزيه والمنفي هو كراهة التحريم وعلى هذا فيكره في الكل تنزيها وهو الذي إليه تطمئن النفس لأنه تسبب في الإعانة ولم أر من تعرض لهذا والله تعالى الموفق اه
قوله ( ينفذ ) بالتشديد مبنيا للمجهول
قوله ( لو عادلا ) أي لو كان حكم قاضيهم عادلا أي على مذهب أهل العدل
قال في الفتح وإذا ولى البغاة قاضيا على مكان غلبوا عليه فقضى ما شاء ثم ظهر أهل العدل فرفعت أقضيته إلى قاضي العدل نفذ منها ما هو عدل وكذا ما قضى برأي بعض المجتهدين لأن قضاء القاضي في المجتهدات نافذ وإن كان مخالفا لرأي قاضي العدل اه
قوله ( ولو كتب قاضيهم الخ ) محله إذا كان من أهل العدل وإلا لا يقبل كتابه لفسقه كما في الفتح
وأفاد صحة تولية البغاة القضاء كما سيأتي في بابه والله سبحانه أعلم
____________________
(4/268)
كتاب اللقيط أي كتاب لقط اللقيط
قهستاني والأولى ق ول الحموي كتاب في بيان أحكام اللقيط لأن الكتاب معقود لبيان ما هو أعم من لقطه كنفقته وجنايته وإرثه وغير ذلك ط
قوله ( عقبه مع اللقطة بالجهاد ) تبع في هذا التعبير صاحب النهر وفيه قلب وصوابه عقب الجهاد به مع اللقطة ط
قلت لكن في المصباح كل شيء جاء بعد شيء فقد عاقبه وعقبه تعقيبا ثم قال وعقبت زيدا عقبا من باب قتل وعقوبا جئت بعده ثم قال والسلام يعقب التشهد أي يتلوه فهو عقيب له اه
فعلى هذا إذا قلت أعقبت زيدا عمرا كان معناه جعلت زيدا تاليا لعمرو لأن زيدا فاعل في الأصل كما في ألبست زيدا جبة وكذا تقول أعقبت السلام التشهد أي أتيت بالسلام بعد التشهد ومثله أعقبت السلام بالتشهد بزيادة الباء وعليه فقوله عقب اللقيط بالجهاد معناه أتى به عقب الجهاد فلا قلب فيه هذا ما ظهر لي
قوله ( لعرضيتهما ) بفتح العين والراء اه ح أي لتوقع عروض الهلاك والزوال فيهما أي كما أن الأنفس والأموال في الجهاد على شرف الهلاك وإنما قدمه عليهما لكونهما فرضا لإعلاء كلمة الله تعالى والالتقاط مندوب
قوله ( ما يلقط ) أي يرفع من الأرض
فتح
قوله ( ثم غلب ) أي في اللغة كما هو ظاهر المغرب والمصباح فهو كاستعمالهم اللفظ بمعنى الملفوظ ثم تخصيصه بما يلفظه الفم من الحروف
قوله ( باعتبار المآل ) لأنه يؤول أمره إلى الالتقاط في العادة وظاهره أنه مجاز لغوي بعلاقة الأول مثل ( أعصر خمرا وانظر ما قدمناه في باب كيفية القسمة عند قوله سماه قتيلا الخ
قوله ( وشرعا اسم لحي مولود الخ ) كذا في البحر وظاهر الفتح اتحاد المعنى الشرعي واللغوي وعلى ما هنا فالمغايرة بينهما بزيادة قيد الحياة وهو غير ظاهر لأن الميت كذلك فيما يظهر حتى يحكم بإسلامه تبعم للدار فيغسل ويصلى عليه ولو وجد قتيلا في محلة تجب فيه الدية والقسامة كما سنذكره
تأمل
والمراد به ما كان من بني آدم كما نقل عن الإتقاني وقيد بقوله طرحه أهله احترازا عن الضائع
قوله ( خوفا من العيلة ) بالفتح الفقر
مصباح
قوله ( فرارا من تهمة الريبة ) التهمة بفتح الهاء وسكونها الشك والريبة
مصباح
وفيه أيضا الريبة الظن والشك لكن المراد بها هنا الزنا
قوله ( مضيعة ) أي طارحه أو تاركه حتى ضاع أي هلك
قوله ( إن غلب على ظنه هلاكه ) بأن وجده في مفازة ونحوها من المهالك وليس مراد الكنز من الوجوب الاصطلاحي بل الافتراض فلا خلاف بيننا وبين باقي الأئمة كما قدم توهم
بحر
قال في النهر وفيه إيماء إلى أنه يشترط في الملتقط كونه مكلفا فلا يصح التقاط الصبي والمجنون ولا يشترط كونه مسلما عدلا رشيدا لما سيأتي من أن التقاط الكافر صحيح والفاسق أولى وأن العبد المحجور عليه يصح التقاطه أيضا فالمحجور عليه بالسفه أولى اه
ويأتي قريبا تمام الكلام على المحجور
قوله ( وإلا فمندوب ) قال في البحر وينبغي أن يحرم طرحه بعد التقاطه لأنه وجب عليه بعد التقاطه حفظه فلا يملك رده إلى ما كان عليه
قوله ( وهو حر )
____________________
(4/269)
أي في جميع أحكامه حتى يحد قاذفه لأن الأصل في بني آدم الحرية لأنهم أولاد خيار المسلمين آدم وحواء وإنما عرض الرق بعروض الكفر لبعضهم وكذا الدار دار الأحرار
فتح
وشمل ما إذا كان الواجد حرا أو عبدا أو مكاتبا ولا يكون تبعا للواجد والولوالجية
وفي المحيط لو وجده المحجور ولا يعرف إلا بقوله قال المولى كذبت بل هو عبدي فالقول للمولى لأنه ذو اليد إذا لا يد للعبد على نفسه وإن كان العبد مأذونا فالقول له لأن له يدا وتمامه في البحر
قوله ( مسلم تبعا للدار ) أفاد أن المعتبر في ثبوت إسلامه المكان سواء كان الواجد مسلما أو كافرا وفيه خلاف سيأتي
قوله ( إلا بحجة رقه ) يستثنى منه ما لو كان الملتقط عبدا محجورا وادعى مولاه أنه عبده كما مر آنفا وكذا لو ادعاه الملتقط الحر إن لم يكن أقر بأنه لقيط كما في البحر
قوله ( على خصم وهم الملتقط ) هذا إذا كان اللقيط صغيرا فلو كبيرا يثبت رقه بإقامة البينة عليه وبإقراره أيضا كما في القهستاني عن النظم لكن إقراره يقتصر عليه ويأتي بيانه في الفروع
قوله ( وما يحتاج إليه ) عبارة المتون ونفقته في بيت المال
قال في البحر ولو قال وما يحتاج إليه كان أولى لما في المحيط من أن مهره إذا زوجه السلطان في بيت المال وإن كان له مال ففي ماله اه
قوله ( من نفقة وكسوة الخ ) في النهر قد مر أن النفقة اسم للطعام والشراب والكسوة والسكنى
قوله ( ودواء ) ذكره في النهر بحثا لأنه أولى من التزويج
قوله ( إذا زوجه السلطان ) أي أو وكيله وقيد به لأن الملتقط لا يملك تزويجه كما يأتي
والظاهر أن تزويج السلطان له مقيد بالحاجة كما لو احتاج إلى خادم فزوجه امرأة تخدمه أو نحو ذلك وإلا ففيه الاتفاق من بيت المال بلا ضرورة
والظاهر أن نفقة زوجته في بيت المال أيضا فتأمل
قوله ( إن برهن على التقاطه ) لأنه عساه ابنه والوجه أن لا يتوقف على البينة بل ما يرجح صدقه لأنها لم تقم على خصم حاضر ولذا قال في المبسوط هذه لكشف الحال والبينة لكشف الحال مقبولة وإن لم تقم على خصم
فتح
تنبيه أفاد أنه لو أنفق الملتقط من ماله فهو متبرع إلا إذا أذن له القاضي بشرط الرجوع وسيأتي تمامه في اللقطة
قوله ( ولو دية ) قال في الفتح حتى لو وجد اللقيط قتيلا في محلة كان على أهلها ديته لبيت المال وعليهم القسامة وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال ولو عمدا فالخيار إلى الإمام اه أي بين القتل والصلح على الدية وليس له العفو
بحر
قوله ( كجنايته ) أي على غيره
مطلب في قولهم الغرم بالغنم قوله ( لأن الغرم بالغنم ) تعليل كجنايته
قال في المصباح والغنم بالغرم أي مقابل به فكما أن المالك يختص بالغنم ولا يشاركه فيه أحد فكذلك يتحمل الغرم ولا يتحمل معه أحد وهذا معنى قولهم الغرم مجبور بالغنم اه
قوله ( وليس لأحد أخذه منه قهرا ) لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده وينبغي أن ينتزع منه إذا لم يكن أهلا لحفظه كما قالوا في الحاضنة وكما يفيده قول الفتح الآتي إلا بسبب يوجب ذلك
بحر
قلت وكذا يفيده ما سيأتي من أنه يثبت نسبه من ذمي ولكن هو مسلم فينزع من يده قبيل عقل الأديان
والظاهر أن النزع فيه واجب كما لو كان الملتقط فاسقا يخشى عليه منه الفجور باللقيط فينزع منه قبيل حد الاشتهاء
____________________
(4/270)
ولا ينافيه ما في الخانية من أنه إذا علم القاضي عجزه عن حفظه بنفسه وأتى به إليه فإن الأولى له أن يقبله اه لأنه إذا لم يرد بالأولى الوجوب فوجهه أنه إذا لم يقبله منه بعد ما أتى به إليه علم أمانته وديانته وأنه حيث لم يقبله منه يدفعه هو إلى من يحفظه فلم يتعين القاضي لأخذه منه بخلاف ما إذا كان يخشى عليه من الملتقط وبه اندفع ما في النهر
قوله ( في الفتح لا ) حيث قال لا ينبغي للإمام أن يأخذ من الملتقط إلا بسبب يوجب ذلك لأن يده سبقت إليه فهو أحق منه
قوله ( وحرر في النهر نعم ) حيث قال وأقول المذكور في المبسوط أن للإمام الأعظم أن يأخذه بحكم الولاية العامة إلا أنه لا ينبغي له ذلك وهو الذي ذكره في الفتح
قوله ( وهذا ) أي عدم أخذه من الملتقط
قوله ( لأنه أنفع للقيط ) لأنه يعلمه أحكام الإسلام ولأنه محكوم له بالإسلام فكان المسلم أولى بحفظه
أفاده في البحر
قلت وهذا إذا لم يعقل الأديان وإلا نزع من الكافر ولو كان هو الملتقط وحده كما يأتي
تأمل
قوله ( ولو استويا ) بأن كانا مسلمين أو كافرين
قوله ( فالرأي للقاضي ) وينبغي أن يرجح ما هو أنفع للقيط
نهر
بأن يقدم العدل على الفاسق والغني على الفقير بل ظاهر تعليل الخانية بأنه أنفع للقيط عدم اختصاص الترجيح بالإسلام فيعم ما ذكر فيقضي به للعدل والغنى حيث كان هو الأنفع ولذا قال في البحر وهو يفيد أنه إن أمكن الترجيح اختص به الراجح اه
وعلى هذا يحمل قوله ولو استويا أي في صفات الترجيح كلها
قوله ( استحسانا ) والقياس أن لا تصح دعواهما أما الملتقط فلتناقضه وأما غيره فلأن فيه إبطال حق ثابت بمجرد دعوى أعني الحفظ للملتقط وحق الولد للعامة
وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه والتناقض لا يضر في دعوى النسب وإبطال حق الملتقط ضمنا ضرورة ثبوت النسب وكم من شيء يثبت ضمنا لا قصدا ألا ترى أن شهادة القابلة بالولادة تصح ثم يترتب عليها استحقاقه للإرث ولو شهدت عليه ابتداء لم يصح
نهر
قوله ( لو حيا ) أي لو كان اللقيط حيا وهو مرتبط بقوله بمجرد دعواه
قوله ( وإلا فبالبينة ) أي وإن كان اللقيط ميتا وترك مالا أو لم يترك فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة
بحر عن الخانية أي لاحتمال ظهور مال له ولعل وجه الفرق أن دعوى الحي تتمحض للنسب بخلاف الميت لاستغنائه عنه بالموت فصارت دعوى الإرث ثم رأيته صريحا في الفتح
وأيضا فإنه في دعوى الحي غير متهم لإقراره على نفسه بوجوب النفقة
تأمل
قوله ( ومن اثنين مستويين ) أي إذا ادعياه معا فلو سبق أحدهما فهو ابنه ما لم يبرهن الآخر وقيد الاستواء إذ لو كان لأحدهما مرجح فهو أولى كملتقط وخارج فيحكم به للملتقط ولو ذميا وبإسلام الولد ولو خارجين يقدم من برهن على من لم يبرهن والمسلم على الذمي والحر على العبد والذمي الحر على العبد المسلم أفاده في البحر
وكأن الشارح ترك التقييد بالمعية لكون الأسبق له مرجح وهو السبق لعدم المنازع ومن المرجح وصف أحدهما علامة كما يأتي
قوله ( كولد أمة مشتركة ) أي فإنه لو ادعاه كل من الشريكين أو الشركاء معا ثبت من الكل فهو تشبيه لمسألة المتن بهذه كما نبه عليه في الدر المنتقى لا تقييد لما في المتن بما إذا ادعاه كل من
____________________
(4/271)
الملتقطين من جارية مشتركة خلافا لما فهمه في البحر من عبارة الخانية كما نبه عليه في النهر ولذا قال بعده ولا يشترط اتحاد الأم وبه صرح في التتارخانية كما يأتي
قوله ( وعبارة المنية ) مبتدأ ومضاف إليه وقوله ادعاه الخ بدل من عبارة وقوله ظاهرة خبر المبتدأ ومثل ما في المنية ما في الفتح حيث قال ولا يلحق بأكثر من اثنين عند أبي يوسف وهو رواية عن أحمد
وعند محمد لا يلحق بأكثر من ثلاثة
وفي شرح الطحاوي وإن كان المدعي أكثر من اثنين فعن أبي حنيفة أنه جوزه إلى خمسة اه
قال في البحر ولم أر توجيه هذه الأقوال
قوله ( ولا يشترط اتحاد الأم ) لما في النهر عن التتارخانية لو عين كل واحد منهما امرأة أخرى قضى بالولد بينهما وهل يثبت نسب الولد من المرأتين على قياس قوله يثبت وعلى قولهما لا
قوله ( لكن في القهستاني الخ ) استدراك على ما في المنية وعبارة القهستاني هكذا وفيه أي في قول النقاية ولو رجلين إشارة إلى أنه لو ادعاه أكثر من رجلين لم يثبت منه وهذا عند أبي يوسف
وأما عند محمد فيثبت من الثلاث لا الأكثر
وعند أبي حنيفة يثبت من الأكثر اه
فقوله من الأكثر يشمل ما فوق الخمسة لكن حيث قيده غيره بالخمسة يحمل إطلاقه عليه لأنه صريح
قوله ( ولو رجلا وامرأتين ) لعله أتى بالمبالغة إشارة إلى أن قوله الآتي فلا بد من شهادة رجلين ليس المراد به الحصر في الرجلين بل المراد به نصاب الشهادة فهو نفي لقبول شهادة الفرد فلا ينافي قبول شهادة رجل وامرأتين لأن الشهادة على النسب لا يشترط فيها الرجال بخلاف نحو الحدود والقود فافهم
قوله ( على الغير ) أي على الزوج لأنه يلزم من ثبوته منها ثبوته منه لأن الولد للفراش
قوله ( فلا بد من شهادة رجلين ) ذكر في النهر أن هذا يخالف ما في المنية من أنها تصدق ولو ادعت أنه ابنها منه اه
وذكر في الخانية الفرق بين هذا وبين قبول دعوى الرجل بلا بينة وهو أن في قبول قول الرجل دفع العار عن اللقيط وليس ذلك في دعوى المرأة فلا يقبل قولها بلا بينة اه
ولذا قبل قولها بتصديق الزوج وشهادة القابلة لأنه يثبت نسبه من الزوج فيندفع عنه العار أي عاره بكونه لا أب له فإنه مظنة كونه ابن زنا
قوله ( خلافا لهما ) فعندهما لا يكون لواحدة منهما لكن عن محمد روايتان أحداهما كقول الإمام كما في البحر عن البدائع
قوله ( الكل من الخانية ) أي ما ذكر من مسائل دعوى المرأة والمرأتين
قوله ( وإن ادعاه خارجان ) أي لا بد لأحدهما عليه وقيد به لما في البحر من أن ظاهر ما في الفتح تقديم ذي اليد على الخارج ذي العلامة
قوله ( أي بجسده ) أي كشامة وسلعة
قوله ( لا بثوبه ) لأن الثوب غير ملازم له فلا يفيد التعيين ط
قلت وهذا ذكره في النهر أخذا من مفهوم قول القدوري بجسده
قوله ( ووافق ) قيد به لأنه لو لم يوافق فلا ترجيح وهو ابنهما وكذا لو أصاب في البعض دون البعض أو وصفا ولم يصب واحد منهما أما لو أصاب أحدهما دون الآخر فهو لمن أصاب
بحر عن الظهيرية
قوله ( وسبقه ) أي لو كانت دعوى أحدهما سابقة على الآخر
____________________
(4/272)
كان ابنه ولو وصف الثاني علامة لثبوته في وقت لا منازع له فيه اه
فتح
فعلم أن المراد السبق في الدعوى لا في وضع اليد لأن الكلام في الخارجين فافهم
قوله ( وحريته ) ذكره في النهر بحثا
قوله ( وسنه إن أرخا فإن اشتبه فبينهما ) هذا يوجد في بعض النسخ
قال في البحر وفي الظهيرية رجلان ادعياه وأرخت بينة كل منهما يقضي لمن يشهد له سن الصبي فلو السن مشتبها فعلى قولهما يسقط اعتبار التاريخ ويقضي لهما
وعلى قوله وفي رواية كذلك وفي أخرى لأسبقهما تاريخا
وفي التتارخانية يقضي به بينهما في عامة الروايات وهو الصحيح اه
ملخصا
وحيث كانت العلامة مرجحة فالظاهر اعتبارها هنا أيضا فيقضي به لذي العلامة
قال في الفتح وكلما لم يترجح دعوى واحد من المدعيين يكون ابنا لهما
وعند الشافعي يرجع إلى القافة
قوله ( قضى لهما ) لأنه لم يظهر ترجيح أحدهما على الآخر فاستويا كما لو وصف به وصفا ولم يصب واحد منهما كما مر فافهم
قوله ( وإلا فلمن ادعى أنه ابنه ) مقتضاه ولو ظهر أنه أنثى وهو مخالف للمسائل المارة ولذا قال المقدسي ينبغي أنه لمن وافق
قلت على أن الذي رأيته في التتارخانية وإن لم يكن مشكلا وحكم بكونه ابنا فهو الذي يدعي أنه ابنه اه
وهذا لا إشكال فيه والشارح تبع في التعبير صاحب البحر وفيه اختصار مخل
قوله ( قضى به للمسلم ) لأن الذميين شهدا على ذمي والمسلمين على مسلم فصحت الشهادتان وترجح المسلم اه ح
قوله ( استحسانا ) والقياس أن لا يثبت نسبه لأن فيه نفي إسلامه الثابت بالدار
وجه الاستحسان أن دعواه تضمنت شيئين النسب وهو نفع للصغير ونفي الإسلام الثابت بالدار وهو ضرر به وليس من ضرورة ثبوت النسب من الكافر الكفر لجواز مسلم هو ابن كافر بأن أسلمت أمه فصححنا دعواه فيما ينفعه دون ما يضره
فتح
قوله ( ما لم يبرهن ) وذكر ابن سماعة عن محمد لو عليه زي أهل الشرك كالصليب ونحوه فهو ابنه وهو نصراني
فتح
قوله ( بمسلمين ) فلو أقام بينة من أهل الذمة لا يكون ذميا لأنا حكمنا بإسلامه فلا يبطل هذا الحكم بهذه البينة لأنها شهادته قامت في حق الدين على مسلم فلا تقبل
بحر عن الخانية
قوله ( أو عكسه ) أي مسلم في مكانهم
قوله ( فظاهر الرواية اعتبار المكان ) أي في الصورتين في بعض نسخ المبسوط اعتبر الواجد وفي بعضها اعتبر الإسلام أي ما يصير به الولد مسلما نظرا له ولا ينبغي أن يعدل عن ذلك
وقيل يعتبر بالسيما والزي
فتح
وعلى ما رجحه في الفتح يصير مسلما في ثلاث صور وذميا في صورة واحدة وهي ما لو وجده ذمي في مكانهم وهو ظاهر الكنز وغيره
وقال في البحر أيضا ولا يعدل عنه
قوله ( لسبقه ) أي سبق المكان على يد الواجد
قوله ( وهو حر ) أي إلا بحجة رقه كما قدمه المصنف
قوله ( عند محمد ) وقال أبو يوسف يكون عبدا لأنه يستحيل أن يكون الولد حرم بين رقيقين
قلنا لا يستحيل لجواز عتقه قبل
____________________
(4/273)
الانفصال وبعده فلا تبطل الحرية بالشك
زيلعي
وتمامه في النهر
قوله ( لثبوته من الجانبين ) فيه أن النسب يثبت من جانب الأم أيضا سواء كانت الأمة زوجة له أو مملوكة له فالمراد ثبوت أحكامه كما عبر به الزيلعي أي كالإرث وحق الحضانة ووجوب النفقة ونحو ذلك وهذا مختص بالحرة فكانت هذه البينة أكثر إثباتا
قوله ( عملا بالظاهر ) أورد عليه أن الظاهر يصلح للدفع لا للإثبات
قلنا نعم يدفع بهذا الظاهر دعوى ملك غيرة عنه ثم يثبت ملكه بقيام يده مع حريته المحكوم بها
أفاده في الفتح
قوله ( ولو فوقه أو تحته ) دخل فيه الدراهم الموضوعة عليه وينبغي أن تكون الدراهم التي فوق فراشه أو تحته كلباسه ومهاده ودثاره بخلاف المدفونة تحته ولم أره
بحر
قوله ( أو دابة ) بالنصب عطفا على فوقه أي ولو كان ذلك المال دابة هو عليها اه ح
قوله ( لا ما كان بقربه ) في بعض النسخ لا مكان بقربه وعليها كتب ح فقال الظاهر أنه سقط لفظ في والأصل لا في مكان بقربه عطفا على فوقه اه
قال في النهر وبه عرف أن الدار التي هو فيها وكذا البستان لا يكون له بالأولى اه
وقد توقف فيه في البحر بعد أن نقل عن الشافعية أن الدار له وفي البستان وجهان
قوله ( لأنه مال ضائع ) قال في الفتح أي لا حافظ له ومالكه وإن كان معه فلا قدرة له على الحفظ وللقاضي ولاية صرف مثله إليه لغير الواجد بأمره والقول له في نفقة مثله وقيل له صرفه عليه بغير أمر القاضي
قوله ( ولو قرر القاضي ولاءه للملتقط صح ) أي بأن يقول له جعلت ولاء هذا اللقيط لك ترثه إذا مات وتعقل عنه إذا جنى
قوله ( لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه ) فإن من العلماء من قال إن الملتقط يشبه المعتق من حيث إنه أحياه كالمعتق فعلى هذا لا يكون متبرعا بالإنفاق بغير أمر القاضي إذا أشهد ليرجع كالوصي
بحر من كتاب اللقطة ط
قوله ( نعم له الخ ) ظاهره أن له ذلك ولو بعد ما قرر القاضي ولاءه للملتقط والظاهر خلافه لأنه تأكد بالقضاء وقد راجعت عبارة الخانية فرأيته ذكر المسألة الثانية ولم يذكر مسألة تقرير القاضي
قوله ( ما لم يعقل عنه بيت المال ) فإن جنى ثم عقل عنه تقرر إرثه له لأن الغنم بالغرم
قوله ( ويدفعه في حرفة ) ينبغي أن يقال ما قيل في وصي اليتيم أنه يعلمه العلم أولا فإن لم يجد فيه قابلية سلمه لحرفة
نهر
قوله ( ويقبض هبته وصدقته ) أي ما وهبه له الغير أو تصدق به عليه إذا كان فقيرا
قوله ( وليس له ختنه ) الظاهر أن هذا لو بدون إذن السلطان أو نائبه فلو أذن صح لأن ولايته له كما يأتي لذا كان لوصي اليتيم أن يختنه
قوله ( ولو علم الختان الخ ) نقله في البحر عن الذخيرة بقيل
قوله ( ولا ينفذ للملتقط عليه نكاح ) لأنه يعتمد الولاية من القرابة والملك والسلطنة ولا وجود لواحد منها
نهر
وقدم الشارح أن مهره في بيت المال إذا زوجه السلطان
قوله ( وبيع ) أي بيع ماله وكذا شراء شيء ليستحق الثمن دينا عليه لأن الذي إليه ليس إلا الحفظ والصيانة وما من ضروريات ذلك اعتبارا بالأم فإنها لا يجوز لها ذلك مع أنها تملك تزويجه عند عدم العصبة وتمامه في الفتح
قوله ( في الأصح ) لأنه يملك إتلاف منافعه ولا يملك تمليكها فأشبه العم بخلاف الأم لأنها تملك
____________________
(4/274)
إتلاف منافعه بالاستخدام والإعارة بلا عوض فبالعوض بالإجارة أولى
فتح
وقوله ولا يملك تمليكها يشمل ما إذا آجره ليأخذ الأجرة لنفسه أو للقيط بل المتبادر الثاني لأن الأول معلوم من قوله لا يملك إتلاف منافعه
وعليه فيشكل قول القهستاني لا يجوز أن يؤجره ليأخذ الأجرة لنفسه مع أنه خلاف إطلاق المتون
وعلى هذا فلا يصح أن يحمل مقابل الأصح من جواز إيجاره على ما إذا آجره ليأخذ الأجرة لنفسه توفيقا بين القولين فافهم
قوله ( لو باع الخ ) أي اللقيط بعد بلوغه
قوله ( وسلم ) قيد في وهب وتصدق لأن به يحصل الملك للموهوب له والمتصدق عليه
قوله ( لا يصدق في إبطال شيء من ذلك ) مفهومه أنه يصدق في إقراره بالرق لزيد وهذا إذا كان زيد يدعيه وكان قبل أن يقضي عليه بما لا يقضي به إلا على الأحرار كالحد الكامل ونحوه فلو بعد القضاء بنحو ذلك لا يقبل لأن فيه إبطال حكم الحاكم ولأنه مكذب شرعا فهو كما لو كذبه زيد ولو كانت اللقيطة امرأة لها زوج كانت أمة للمقر له ولا تصدق في إبطال النكاح ولو كان رجلا عليه مهر لزوجته لا يصدق في إبطاله لأنه دين ظهر وجوبه اه
فتح
ملخصا وتمامه في البحر
وفيه عن التتارخانية إذا أقر أنه عبد لا يصدق على إبطال شيء كان فعله إلا النكاح لأنه زعم أنه لم يصح لعدم إذن من يزعم أنه مولاه فيؤاخذ بزعمه بخلاف المرأة لا يبطل نكاحها اه
قوله ( ومجهول نسب كلقيط ) أي فيما ذكر من الإقرار لا في جميع أحكامه كما لا يخفى وهذه المسألة ستأتي في آخر كتاب الإقرار بتفاصيلها إن شاء الله تعالى والله سبحانه أعلم
كتاب اللقطة تقدم وجه تقديم اللقيط عليها
وقال في العناية هما متقاربان لفظا ومعنى وخص اللقيط ببني آدم واللقطة بغيرهم للتمييز بينهما وقدم الأول لشرف بني آدم
قوله ( بالفتح ) أي فتح القاف مع ضم اللام وبفتحهما كما في القاموس
قوله ( وتسكن ) قال الأزهري الفتح قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين
وقال الليث هي بالسكون ولم أسمعه لغيره
ومنهم من يعد السكون من لحن العوام
مصباح قوله ( اسم وضع للمال الملتقط ) فهو حقيقة لا مجاز وهذا هو المتبادر من كتب اللغة لكن اختار في الفتح أنها مجاز لأنها بالفتح وصف مبالغة للفاعل كهمزة ولمزة لكثير الهمز واللمز وبالسكون للمفعول كضحكة وهزأة لمن يضحك منه ويهزأ به وإنما قيل للمال لقطة بالفتح لأن الطباع في الغالب تبادر إلى التقاطه لأنه مال فصار باعتبار أنه داع إلى أخذه لمعنى فيه كأنه الكثير الالتقاط مجازا وإلا فحقيقته الملتقط الكثير الالتقاط وما عن الأصمعي وابن الأعرابي أنه بالفتح اسم للمال أيضا محمول على هذا اه
قوله ( وشرعة مال يوجد ضائعا ) الظاهر أنه مساو للمعنى اللغوي المذكور ومثله قول المصباح الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه ويدل عليه أن ابن كمال لم يذكر المعنى اللغوي هو ظاهر كلام الفتح أيضا
وعليه فلا يلزم في حقيقتها عدم معرفة المالك ولا عدم الإباحة
أما الأول فلأنه إذا وجب رده إلى مالكه الذي ضاع منه لا يخرج عن كونه لقطة
وأما كونها يجب تعريفها فذاك إذا لم يعرف مالكها إذ لا يلزم اتحاد الحكم في جميع أفراد الحقيقة كالصلاة وغيرها
وأما المباح كالساقط من حربي فكذلك ومثله
____________________
(4/275)
ما يلقط من الثمار كجوز ونحوه كما يأتي فهو يسمى لقطة شرعا ولغة وإن لم يجب تعريفه ولا رده إلى مالكه
وبه علم مغايرة هذا التعريف لما بعده ولا ضرر في ذلك فافهم
قوله ( مال يوجد الخ ) فخرج ما عرف مالكه فليس لقطة بدليل أنه لا يعرف بل يرد إليه وبالأخير مال الحربي
لكن يرد عليه ما كان محرزا بمكان أو حافظ فإنه داخل في التعريف فالأولى أن يقال هو مال معصوم معرض للضياع
بحر
وأقول الحرز بالمكان ونحوه خرج بقوله يوجد أي في الأرض ضائعا إذ لا يقال في المحرز ذلك
على أنه في المحيط جعل عدم الإحراز من شرائطها وعرفها بما يأتي وهذا يفيد أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومهما
نهر
قوله ( رفع شيء الخ ) هذا تعريف لها بالمعنى المصدري أعني الالتقاط لأنه لازمها وهذا يقع في كلامهم كثيرا ومنه الأضحية فإنها اسم لما يضحى به
وعرفوها شرعا بذبح حيوان مخصوص الخ وهذا التعريف يخرج ما كان مباحا
قوله ( لا للتمليك ) الأولى لا للتملك
قوله ( وفيه أنه أمانة لا لقطة الخ ) فيه نظر فإن اللقطة أيضا أمانة وعدم وجوب تعريفه لا يخرجه عن كونه لقطة كما قدمنا لأنه وإن علم مالكه فهو مال ضائع أي لا حافظ له نظير ما مر في المال الذي يوجد مع اللقيط
وفي القاموس ضاع الشيء صار مهملا ولهذا ذكر في النهر أن هذا الفرع يدل على ما استفيد من هذا التعريف من أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومهما
قوله ( ندب رفعها ) وقيل الأفضل عدمه
والصحيح الأول وهو قول عامة العلماء خصوصا في زماننا كما في شرح الوهبانية
قلت ويمكن التوفيق بالأمن وعدمه
قوله ( إن أمن على نفسه تعريفها ) أي عدم تعريفها كما لا يخفى اه ح أي لأن الأمن مما يخاف منه والمخوف عدم التعريف لا التعريف إلا أن يدعي تضمين أمن على نفسه معنى وثق منها
تأمل
قوله ( وإلا ) أي وإن لم يأمن بأن شك فلا ينافي ما في البدائع لأنه فيما إذا أخذها لنفسه فإذا تيقن من نفسه منعها من صاحبها فرض الترك وإذا شك ندب
أفاده ط
لكن إن أخذها لنفسه لم يبرأ من ضمانها إلا بردها إلى صاحبها كما في الكافي
قوله ( لأنها كالغصب ) أي حكما من جهة الحرمة والضمان وإلا فحقيقة الغصب رفع اليد المحقة ووضع المبطلة ولا يد محقة هنا
تأمل
قوله ( ووجب أي فرض ) ظاهره أن المراد الفرض القطعي الذي يفكر منكره وفيه نظر
علم أنه في الفتح لم يفسر الوجوب بالافتراض كما فعل الشارح بل قال وإن غلب على ظنه ذلك أي ضياعها إن لم يأخذها ففي الخلاصة يفترض الرفع اه
تأمل
قوله ( فتح وغيره ) أي كالخلاصة والمجتبى لكن في البدائع أن الشافعي قال إنه واجب وهو غير سديد لأن الترك ليس تضييعا بل امتناع عن حفظ غير ملتزم كالامتناع عن قبول الوديعة اه
وأشار في الهداية إلى التبري من الوجوب بقوله وهو واجب إذا خاف الضياع على ما قالوا بحر ملخصا
وجزم في النهر بأن ما في البدائع شاذ وأن ما في الخلاصة جرى عليه في المحيط والتتارخانية والاختيار وغيرها اه
قلت وكذا في شرح الوهبانية تبعا للذخيرة
قوله ( عند خوف ضياعها ) المراد بالخوف غلبة الظن كما نقلناه
____________________
(4/276)
آنفا عن الفتح وهذا إذا أمن على نفسه وإلا فالترك أولى كما في البحر عن المحيط
تأمل
قوله ( كما مر ) أي في اللقيط من قوله التقاطه فرض كفاية إذا غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه ولو لم يعلم به غيره ففرض عين اه
وينبغي هذا التفصيل هنا حموي
قوله ( فلو تركها ) أي وقد أمن على نفسه وإلا فالترك أفضل ط
قوله ( ظاهر كلام النهر لا ) الأولى أن يقول استظهر في النهر لا وأصله لصاحب البحر استدلالا بما في جامع الفصولين لو انفتح زق فمر به رجل فلو لم يأخذه برىء ولو أخذه ثم ترك ضمن لو مالكه غائبا لا لو حاضرا وكذا لو رأى ما وقع من كم رجل اه
فقوله وكذا يدل على أنه لا يضمن بترك أخذه لكنه يدل على أنه لو أخذه ثم تركه يضمنه وهو خلاف ما يأتي قريبا عن الفتح والفرق بينه وبين الزق أن الزق إذا انفتح ثم تركه بعد أخذه لا بد من سيلان شيء منه فالهلاك فيه محقق بخلاف الواقع من الكم لو تركه بعد أخذه لاحتمال أن يلتقطه أمين غيره
تنبيه أفاد أنه لا يلزم من الإثم الضمان واستدل له في البحر بما قالوا لو منع المالك عن أمواله حتى هلكت يأثم ولا يضمن اه
قلت وكذا لو حل دابة مربوطة ولم يذهب بها فهربت أو فتح باب قفص فيه طير أو دار فيها دواب فذهبت فلا يضمن بخلاف ما إذا حل حبلا علق فيه شيء أو شق زقا فيه زيت كما في كافي الحاكم لأن السقوط والسيلان محقق بنفس الحل والشق بخلاف ذهاب الدواب أو الطير فإنه بفعلها لا بنفس فتح الباب ومثله ترك اللقطة بعد أخذها فإن هلاكها ليس بالترك بل بفعل الآخذ بعده وكذا لو تركها قبل أخذها بالأولى بخلاف ترك الزق المنفتح بعد أخذه فإن سيلانه بتركه أما لو تركه قبل أخذه فإنه لا ينسب سيلانه إليه أصلا
قوله ( لما في الصيرفية الخ ) ذكر الزاهدي هذا الفرع بلفظ رأى حماره
قال الخير الرملي فلو الحمار لغيره أفتيت بعدم الضمان اه
ولا يخفى ظهور الفرق بين حماره وحمار غيره فإنه إذا كان الحمار له وتركه صار الفعل منسوبا إليه والنفع عائدا عليه بخلاف حمار غيره فإنه وإن كان الإتلاف محققا وهو يشاهده لكنه لا ينتفع به فهو كما لو رأى زقا منفتحا كما مر وإذا لم يضمن هنا لا يضمن بترك اللقطة بالأولى لعدم تحقق التلف به كما قلنا فافهم
قوله ( لم يضمن في ظاهر الرواية ) هذا إذا أخذها ليعرفها فلو ليأكلها لا يبرأ ما لم يردها إلى ربها كما في نور العين عن الخانية وقدمناه عن كافي الحاكم وأطلقه فشمل ما إذا ردها قبل أن يذهب بها أو بعده
قال في الفتح وقيده بعض المشايخ بما إذا لم يذهب بها فلو بعده ضمن وبعضهم ضمنه مطلقا والوجه ظاهر المذهب اه
وشمل أيضا ما لو خاف بإعادتها الهلاك وهو مؤيد لما استظهره في النهر كما مر
قوله ( وصح التقاط صبي وعبد ) أي ويكون التعريف إلى ولي الصبي كما في المجتبى
وينبغي أن يكون التعريف إلى مولى العبد كالصبي بجامع الحجر فيهما أما المأذون والمكاتب فالتعريف إليهما
نهر
وصح أيضا التقاط الكافر لقول الكافي لو أقام مدعيها شهودا كفارا على ملتقط كافر قبلت اه
وعليه فتثبت الأحكام من التعريف والتصدق بعده أو الانتفاع ولم أره صريحا
بحر
قوله ( لا مجنون الخ ) مأخوذ من قوله في النهر ينبغي أن لا يتردد في اشتراط كونه عاقلا صاحيا فلا يصح التقاط المجنون الخ لكن الشارح زاد عليه المعتوه وقدمنا أول باب المرتد أن حكمه حكم الصبي العاقل ومقتضاه صحة التقاطه
تأمل
قال ط وفائدة عدم صحة التقاط
____________________
(4/277)
المجنون ونحوه أنه بعد الإفاقة ليس له الأخذ ممن أخذها منه
ومفاد التعليل تقييد الصحة في الصبي بالعقل اه
قوله ( فإن أشهد عليه ) ظاهر المبسوط اشتراط العدلين فتح
قوله ( ويكفيه ) أي في الإشهاد أن يقول الخ وكذا قوله عندي ضالة أو شيء فمن سمعتموه الخ ولا فرق بين كون اللقطة واحدة أو أكثر لأنها اسم جنس ولا يجب أن يعين ذهبا أو فضة خصوصا في هذا الزمان فتح
وقوله أو شيء يدل على أنه لا يشترط التصريح بكونه لقطة وبه صرح في البحر عن الولوالجية
قوله ( ينشد ) في المصباح نشدت الضالة نشدا من باب قتل طلبتها وكذا إذا عرفتها والاسم نشدة ونشدان بكسرهما وأنشدتها بالألف عرفتها
قوله ( وعرف ) معطوف على أشهد فظاهره أن الإشهاد لا يكفي لنفي الضمان وهكذا شرط في المحيط لنفي الضمان الإشهاد وإشاعة التعريف
وحكى فيه في الظهيرية اختلافا
فقال الحلواني يكفي عن التعريف إشهاده عند الأخذ بأنه أخذها ليردها وهو المذكور في السير
ومنهم من قال يأتي على أبواب المساجد وينادي
وحاصله أن الإشهاد لا بد منه على قول الإمام باتفاقهم والخلاف في أنه هل يكفي عن التعريف بعده أو لا ولم يقل أحد إن التعريف بعد الأخذ يكفي عن الإشهاد وقت الأخذ خلافا لما فهمه في الفتح هذا حاصل ما في البحر والنهر
قوله ( أي نادى عليها الخ ) أشار إلى أن المراد بالتعريف الجهر به كما في الخلاصة لا كما فعله بعضهم حيث دلى رأسه في بئر خارج المصر فنادى عليها فاتفق أن صاحبها كان هناك فسمعه كما حكاه السرخسي
ومر أن لقطة الصبي يعرفها وليه زاد في القنية أو وصيه
وهل للملتقط دفعها إلى غيره ليعرفها فقيل نعم إن عجز وقيل لا ما لم يأذن القاضي
بحر ملخصا
وفي القهستاني له دفعها لأمين وله استردادها منه وإن هلكت في يده لم يضمن
قوله ( وفي المجامع ) أي محلات الاجتماع كالأسواق وأبواب المساجد
بحر
وكبيوت القهوات في زماننا
قوله ( إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها ) لم يجعل للتعريف مدة اتباعا للسرخسي فإنه بنى الحكم على غالب الرأي فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه وصححه في الهداية وفي المضمرات والجوهرة وعليه الفتوى وهو خلاف ظاهر الرواية من التقدير بالحول في القليل والكثير كما ذكره الإسبيجابي وعليه قيل يعرفها كل جمعة وقيل كل شهر وقيل كل ستة أشهر
بحر
قلت والمتون على قول السرخسي والظاهر أنه رواية أو تخصيص لظاهر الرواية بالكثير
تأمل
قال في الهداية فإن كانت شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به بلا تعريف ولكنه يبقى على ملك مالكه لأن التمليك من المجهول لا يصح
وفي شرح السير الكبير لو وجد مثل السوط والحبل فهو بمنزلة اللقطة وما جاء في الترخيص في السوط فذاك في المنكسر ونحوه مما لا قيمة له ولا يطلبه صاحبه بعد ما سقط منه وربما ألقاه مثل النوى وقشور الرمان وبعر الإبل وجلد الشاة الميتة
أما ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة والدابة العجفاء التي يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها إنسان فعليه ردها استحسانا لأن صاحبها إنما تركها عجزا فلا يزول ملكه عنها بذلك والسوط إنما ألقاه رغبة عنه لقدرته على حمله ولو ادعى على صاحب الدابة أنك قلت من أخذها فهي له فالقول لصاحبها بيمينه إلا إذا نكل أو برهن الآخذ فهي له وإن لم يكن حاضرا حين هذه المقالة وبعد صحة الهبة إذا سمنت الدابة في يده فليس للواهب الرجوع لأن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع اه
ملخصا
قوله ( كانت أمانة ) جواب قوله فإن أشهد الخ
قوله ( مع التمكن منه ) أي من الإشهاد أما لو لم يجد من يشهده عند الرفع
____________________
(4/278)
أو خاف أنه لو أشهد عنده يأخذه منه الظالم فتركه لا يضمن
بحر عن الخانية
قوله ( أو لم يعرفها ) مبني على ما مر من أن الإشهاد لا يكفي عن التعريف
قوله ( إن أنكر ربها ) أما لو صدقه فلا ضمان إجماعا
بحر
قوله ( وبه نأخذ الخ ) وكذا ذكر الطحاوي كما في النهر عن الإتقاني
قال في البحر وفي الوالوالجية محل الاختلاف فيما إذا اتفقا على كونها لقطة لكن اختلفا هل التقطها للمالك أو لا
أما إذا اختلفا في كونها لقطة فقال المالك أخذتها غصبا وقال الملتقط لقطة وقد أخذتها لك فالملتقط ضامن بالإجماع
قوله ( ولو من الحرم ) لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام عرف عفاصها أي وعاءها ووكاءها أي رباطها وعرفها سنة وأما قوله عليه الصلاة والسلام في مكة ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد فقال في الفتح لا يعارضه لأن معناه لا يحل إلا لمن يعرف ولا يحل لنفسه وتخصيص مكة حينئذ لدفع وهم سقطو التعريف بها بسبب أن الظاهر أن ما وجد بها من لقطة فالظاهر أن للغرباء وقد تفرقوا فلا يفيد التعريف فيسقط
قوله ( ولقطة ولقطة ) أي لا فرق بينهما أي في وجوب أصل التعريف ليناسب قوله إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها فإنه يقتضي تعريف كل لقطة بما يناسبها بخلاف ما مر عن ظاهر الرواية من التعريف حولا للكل
قوله ( فينتفع الرافع ) أي من رفعها من الأرض أي التقطها وأتى بالفاء فدل على أنه إنما ينتفع بها بعد الإشهاد والتعريف إلى أن غلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها والمراد جواز الانتفاع بها والتصدق وله إمساكها لصاحبها وفي الخلاصة له بيعها أيضا وإمساك ثمنها ثم إذا جاء ربها ليس له نقض البيع لو بأمر القاضي وإلا فلو قائمة له إبطاله وإن هلكت فإن شاء ضمن البائع وعند ذلك ينفذ بيعه في ظاهر الرواية وله دفعها للقاضي فيتصدق بها أو يقرضها من ملىء أو يدفعها مضاربة والظاهر أن له البيع أيضا
وفي الحاوي القدسي الدفع إلى القاضي أجود ليفعل الأصلح
وفي المجتبى التصدق بها في زماننا أولى وينبغي التفصيل بين من يغلب على الظن ورعه وعدمه نهر ملخصا
تنبيه ظاهر كلامهم متونا وشروحا أن حل الانتفاع للفقير بعد التعريف لا يتوقف على إذن القاضي ويخالفه ما في الخانية من أنه لا يحل ذلك للفقير بلا أمره عند عامة العلماء
وقال بشر يحل اه
بحر
ومثله في الشرنبلالية عن البرهان نعم في الهداية والعناية جواز الانتفاع للغني بإذن الإمام لأنه مجتهد فيه ويأتي قريبا عن النهر
وفي النهر معنى الانتفاع بها صرفها إلى نفسه كما في الفتح وهذا لا يتحقق ما بقيت في يده لا تملكها كما توهمه في البحر لأنها باقية على ملك صاحبها ما لم يتصرف بها حتى لو كانت أقل من نصاب وعنده ما تصير به نصابا حال عليه الحول تحت يده لا يجب عليه زكاة اه
قلت مقتضاه أنها لو كانت ثوبا فلبسه لا يملكها مع أنه يصدق عليه أنه صرفها إلى نفسه فمراد البحر التصرف لها على وجه التملك فلو دراهم يكون بإنفاقها وغيرها بحسبه فهو احتراز عن التصرف بطريق الإباحة على ملك صاحبها ولذا قال وإنما فسرنا الانتفاع بالتملك لأنه ليس المراد الانتفاع بدونه كالإباحة لذا ملك بيعها وصرف الثمن إلى نفسه كما في الخانية اه
قوله ( لو فقيرا ) قيد به لأن الغني لا يحل له الانتفاع بها إلا بطريق القرض لكن بإذن الإمام
نهر
قوله ( على فقير ) أي ولو ذميا لا حربيا كما في شرح السير
قال في النهر قالوا ولا يجوز على غني ولا على طفله الفقير وعبده ولو فعل ينبغي أن لا يتردد في ضمانه
قوله ( وفرعه ) الضمير
____________________
(4/279)
عائد إلى الغني المفهوم من قوله وإلا تصدق بها فلا بد أن يراد بفرعه الكبير الفقير لما علمت من أنه لا يجوز على طفل الغني ولو فقيرا
قوله ( توضع في بيت المال ) للنوائب
بحر ط
قوله ( وفي القنية الخ ) عبارتها وما يتصدق به الملتقط بعد التعريف وغلبة ظنه أنه لا يوجد صاحبه لا يجب إيصاؤه وإن كان يرجو وجود المالك وجب الإيصاء اه
والمراد الإيصاء بضمانها إذا ظهر صاحبها ولم يجز تصدق الملتقط لا الإيصاء بعينها قبل التصدق بها لكنه مفهوم بالأولى فلذا عمم الشارح
وفي النهر ثم إذا أمسكها وحضرته الوفاة أوصى بها ثم الورثة يعرفونها
قال في الفتح ومقتضى النظر أنهم لو لم يعرفوها حتى هلكت وجاء صاحبها أنهم يضمنون لأنهم وضعوا أيديهم على اللقطة ولم يشهدوا أي لم يعرفوا
قال في البحر وقد يقال إن التعريف عليهم غير واجب حيث عرفها الملتقط اه
قلت الظاهر أن كلام الفتح فيما إذا لم يشهد الملتقط ولم يعرفها بناء على ما قدمناه عنه من أن الشرط التعريف قبل هلاكها لا الإشهاد وقت الأخذ وتقدم ما فيه
قوله ( بعد التصدق ) أراد به ما يشمل انتفاع الملتقط بها إذا كان فقيرا كما في البحر
قوله ( أو تضمينه ) فيملكها الملتقط من وقت الأخذ ويكون الثواب له خانية
قوله ( إجازتها ) الأولى إجازته أي إجازة فعل الملتقط
قوله ( الصبي كبالغ ) أي في اشتراط الإشهاد
قال في البحر وفي القنية وجد الصبي لقطة ولم يشهد يضمن كالبالغ اه
قلت والمراد ما يشمل إشهاد وليه أو وصيه
قوله ( ثم لأبيه أو وصيه التصدق ) أي بعد الإشهاد والتعريف كما في القنية
قال في البحر وكذا له تمليكها للصبي لو فقيرا بالأولى
قوله ( وضمانها في مالهما ) كذا بحثه في شرح منظومة ابن وهبان للمصنف حيث قال ينبغي على قول أصحابنا إذا تصدق بها الأب أو الوصي ثم ظهر صاحبها وضمنها أن يكون الضمان في مالهما دون الصبي اه
قلت قد يؤيد بحثه بما يأتي من أن للملتقط تضمين القاضي
تأمل
وبه يندفع بحث البحر بأن في تصدقهما بها إضرارا بالصغير إذا حضر المالك والعين هالكة من يد الفقير
قوله ( ولو تصدق بأمر القاضي ) مرتبط بقوله أو تضمينه لأن أمر القاضي يزيد على تصدقه بنفسه
قوله ( وأيهما ضمن لا يرجع به على صاحبه ) فإن ضمن الملتقط ملكها الملتقط من وقت الأخذ ويكون الثواب له
خانية
وبه علم أن الثواب موقوف
بحر
قوله ( أو ضال ) الضال هو الإنسان والضالة الحيوان الضائع من ذكر أو أنثى ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة
مصباح
فعلم أن الضالة بالتاء تشمل الإنسان الضائع وغيره من الحيوان وبدون تاء خاص بالإنسان وهو المناسب هنا لعطفه على البهيمة
قوله ( أصلا ) أي سواء التقطه من مكان قريب أو بعيد بخلاف الآبق كما يأتي
وفي كافي الحاكم وإن عوضه شيئا فحسن
قوله ( فله أجر مثله ) علله في المحيط بأنها إجارة فاسدة
____________________
(4/280)
واعترضه في البحر بأنه لا إجارة أصلا لعدم من يقبل وأجاب المقدسي بحمله على أنه قال ذلك لجمع حضر
قلت يؤيده ما في إجارات الولوالجية ضاع له شيء فقال من دلني عليه فله كذا فالإجارة باطلة لأن المستأجر له غير معلوم والدلالة ليست بعمل يستحق به الأجر فلا يجب الأجر وإن خصص بأن قال لرجل بعينه أن دللتني عليه فلك كذا أن مشى له ودله يجب أجر المثل في المشي لأن ذلك عمل يستحق بعقد الإجارة إلا أنه غير مقدر بقدر فيجب أجر المثل وإن دله بلا مشي فهو والأول سواء اه
وبه ظهر أنه هنا إن خصص فالإجارة فاسدة لكون مكان الرد غير مقدر فيجب أجر المثل وإن عمم فباطلة ولا أجر فقوله كإجارة فاسدة الأولى ذكره بصيغة التعليل كما فعل في المحيط
قوله ( وندب التقاط البهيمة الخ ) وقال الأئمة الثلاثة إذا وجد البقر والبعير في الصحراء فالترك أفضل لأن الأصل في أخذ مال الغير الحرمة وإباحة الالتقاط مخافة الضياع وإذا كان معها ما تدفع به عن نفسها كالقرن مع القوة في البقر والرفس مع الكدم في البعير والفرس يقل ظن ضياعها ولكنه يتوهم
ولنا أنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس كالشاة وقوله عليه الصلاة والسلام في ضالة لإبل ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر فذرها حتى يجدها ربها أجاب عنه في المبسوط بأنه كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والأمانة وأما في زماننا فلا يأمن وصول يد خائنة إليها بعده ففي أخذها إحياؤها وحفظها فهو أولى ومقتضاه إن غلب على ظنه ذلك أن يجب الالتقاط وهذا حق فإنا نقطع بأن مقصود الشارع وصولها إلى ربها فإذا تغير الزمان وصار طريق التلف فحكمه عنده بلا شك خلافه وهو الالتقاط للحفظ وتمامه في الفتح
قوله ( وكره الخ ) قال في البحر وبه علم أن التقاط البهيمة على ثلاثة أوجه لكن ظاهر الهداية أن صورة الكراهة إنما هي عند الشافعي لا عندنا اه
قلت وهو أيضا ظاهر ما قدمناه آنفا عن الفتح
قوله ( وكدم ) بفتح الكاف وسكون الدال فعله من باب ضرب وقتل وهو العض بأدنى الفم
قوله ( إن ظن أنها ضالة ) أي غلب على ظنه بأن كانت في موضع لم يكن بقربه بيت مدر أو شعر أو قافلة نازلة أو دواب في مراعيها
بحر عن الحاوي
قوله ( إلا إذا قال له قاض الخ ) أي بعد إقامة البينة من الملتقط كما شرطه في الأصل وصححه في الهداية لاحتمال أن يكون غصبا في يده والبينة لكشف الحال لا للقضاء فلا يشترط لها خصم وصرح في الظهيرية بأن الملتقط كذلك وإن قال لا بينة لي يقول له بين يدي ثقات أنفق عليها إن كنت صادقا وقدمنا أن القاضي لو جعل ولاء اللقيط للملتقط جاز لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه فعليه لا يكون متبرعا بالإنفاق بلا أمره إذا أشهد ليرجع كالوصي
بحر ملخصا
قوله ( لم يكن دينا في الأصح ) لأن الأمر متردد بين الحسبة والرجوع فلا يكون دينا بالشك
بحر
قوله ( لا ما زعمه ابن الملك ) من أنه إذا لم يأمره بالإنفاق فادعاه به بلوغه وصدقه اللقيط رجع عليه ح
قوله ( نهر ) أصله للبحر
قوله ( والمديون ) أي الذي يثبت
____________________
(4/281)
للملتقط الرجوع عليه بما أنفقه بقول القاضي أنفق لترجع
قوله ( أو سيده ) أي إن ظهر له سيد بإقراره
بحر
قوله ( أو هو بعد بلوغه ) فلو مات صغيرا يرجع على بيت المال كما في القهستاني عن النظم
قوله ( وإن كان لها نفع ) بأن كانت بهيمة يحمل عليها كالحمار والبغل
قوله ( بإذن الحاكم ) الذي في الملتقى وغيره أنه يؤجرها القاضي لكن لا يخفى أن إذنه كفعله قوله ( منه ) أي من بدل الإجارة
قوله ( كالضال ) أي العبد الذي ضل عن سيده
قوله ( بخلاف الآبق ) فإنه لا يؤجره القاضي لأنه يخاف عليه أن يأبق كذا في التبيين وسوى بينهما في الهداية بقوله كذلك يفعل العبد الآبق
بحر
ووفق المقدسي في شرحه بحمل ما في الهداية على ما إذا كان معه علامة تمنع من الإباق كالراية
ونقل الشرنبلالي عنه وجها آخر وهو حمله على ما إذا كان المستأجر ذا قوة ومنعة لا يخاف عليه أو على الإيجار مع إعلام المستأجر بحاله ليحفظ غاية الحفظ اه
قال في البحر ولم أر حكم اللقيط إذا صار مميزا ولا مال له هل يؤجره القاضي للنفقة أو لا
قوله ( ولو الإنفاق أصلح الخ ) قالوا إنما يأمر بالإنفاق يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها فإذا لم يظهر يأمر ببيعها لأن دارة النفقة مستأصلة فلا نظر في الإنفاق مدة مديدة
هداية
قوله ( وله منعها من ربها ليأخذ النفقة ) فإن لم يعطه باعها القاضي وأعطى نفقته ورد عليه الباقي ولا فرق بين أن يكون الملتقط أنفق من ماله أو استدل بأمر القاضي ليرجع على صاحبها كما في الحاوي وقد صرحوا في نفقة الزوجة المستدانة بإذن القاضي أن المرأة تتمكن من الحوالة عليه بغير رضاه وقياسه هنا كذلك
بحر
قوله ( فإن هلكت بعد حبسه ) أي مع الملتقط اللقطة عن صاحبها سقطت النفقة لأنها تصير كالرهن
قال في النهر ولم يحك المنصف في الكافي تبعا لصاحب الهداية فيه خلافا فيفهم أنه المذهب وجعله القدوري في تقريبه قول زفر وعند أصحابنا لا يسقط لو هلك بعده وعزاه في الينابيع إلى علمائنا الثلاثة اه
قلت وظاهر الفتح اعتماد ما ذكره القدوري فإنه قال إنه المنقول وكذا نقل في الشرنبلالية عن خط العلامة قاسم أن ما في الهداية ليس بمذهب لأحد من علمائنا الثلاثة وإنما هو قول زفر ولا يساعده الوجه ثم نقل عن المقدسي أنه يمكن أن يكون عن علمائنا فيه روايتان أو اختار في الهداية قول زفر فتأمله اه
وعلى ما في الهداية جرى في الملتقى والدرر والنقاية وغيرها
قوله ( جبرا عليه ) أفاد أن المراد بعدم الدفع عدم لزومه كما في البحر
قوله ( بلا بينة ) أراد بها القضاء بها
بحر
قوله ( فإن بين علامة ) أي مع المطابقة ومر في اللقيط أن الإصابة في بعض العلامات لا تكفي
وظاهر قول التتارخانية أصاب في علامات اللقطة كلها أنه شرط ولم أر ما لو بين كل من المدعيين وأصابا وينبغي حل الدفع لهما
بحر
قوله ( بين أولا ) لكن هل يجبر قيل نعم كما لو برهن وقيل لا كالوكيل يقبض الوديعة إذا صدقه المودع
ودفع الفرق بأن المالك هنا غير ظاهر والمودع في مسألة الوديعة ظاهر فتح
تتمة دفع بالتصديق أو بالعلامة وأقام آخر بينة أنها له فإن قائمة أخذها وإن هالكة ضمن أيها شاء فإن ضمن القابض لا يرجع على أحد أو الملتقط فكذلك في رواية وفي أخرى يرجع وهو الصحيح لأنه وإن صدقه
____________________
(4/282)
إلا أنه بالقضاء عليه صار مكذبا شرعا فبطل إقراره
نهر عن الفتح
قوله ( لأن يده أحق ) لعل وجهه كونها أسبق وأن له حق تملكها بعد التعريف لو فقيرا ويفهم منه بالأولى أنه لو انتزعها من يده آخر له أخذها منه كما قالوا في اللقيط وهو خلاف ما في الوالوالجية حيث سوى بين مسألتي الضياع والانتزاع في أنه لا خصومة له ولا يخفى أن ما في السراج يشملها
قوله ( جهل أربابها ) يشمل ورثتهم فلو علمهم لزمه الدفع إليهم لأن الدين صار حقهم
وفي الفصول العلامية من له على آخر دين فطلبه ولم يعطه فمات رب الدين لم تبق له خصومة في الآخرة عند أكثر المشايخ لأنها بسبب الذين وقد انتقل إلى الورثة
والمختار أن الخصومة في الظلم بالمنع للميت وفي الدين للوارث
قال محمد ابن الفضل من تناول مال غيره بغير إذنه ثم رد البدل على وارثه بعد موته برىء عن الدين وبقي حق الميت لظلمه إياه ولا يبرأ عنه إلا بالتوبة والاستغفار والدعاء له اه
قوله ( فعليه التصدق بقدرها من ماله ) أي الخاص به أو المتحصل من المظالم اه ط
وهذا إن كان له مال
وفي الفصول العلامية لو لم يقدر على الأداء لفقره أو لنسيانه أو لعدم قدرته قال شداد والناطفي رحمهما الله تعالى لا يؤاخذ به في الآخرة إذا كان الدين ثمن متاع أو قرضا وإن كان غصبا يؤاخذ به في الآخرة وإن نسي غصبه وإن علم الوارث دين مورثه والدين غصب أو غيره فعليه أن يقضيه من التركة وإن لم يقض فهو مؤاخذ به في الآخرة وإن لم يجد المديون ولا وارثه صاحب الدين ولا وارثه فتصدق المديون أو وارثه عن صاحب الدين برىء في الآخرة
مطلب فيمن عليه ديون ومظالم جهل أربابها قوله ( كمن في يده لا يعلم مستحقيها ) يشمل ما إذا كانت لقطة علم حكمها وإن كانت غيرها فالظاهر وجوب التصدق بأعيانها أيضا
قوله ( سقط عنه المطالبة الخ ) كأنه والله تعالى أعلم لأنه بمنزلة المال الضائع والفقراء مصرفه عند جهل أربابه وبالتوبة يسقط إثم الإقدام على الظلم ط
قوله ( يجب عليه أن يتصدق بمثله ) المختار أنه لا يلزمه ذلك في القهستاني عن الظهيرية وكذا في البحر والنهر عن الولوالجية
مطلب فيمن مات في سفره فباع رفيقه متاعه قوله ( جاز لرفيقه الخ ) الظاهر أنه احتراز عن الأجنبي إذ الرفيق في السفر مأذون بذلك دلالة كما قالوا في جواز إحرامه عن رفيقه إذا أغمي عليه وكذا إنفاقه عليه
وهذه المسألة وقعت لمحمد رحمه الله تعالى في سفره مات بعض أصحابه فباع كتبه وأمتعته فقيل له كيف تفعل ذلك ولست بقاض فقال { والله يعلم المفسد من المصلح } سورة البقرة الآية 220 يعني أن ذلك من المصلح المأذون فيه عادة فإنه لو حمل متاعه إلى أهله يحتاج إلى نفقة ربما استغرقت المتاع لكن للورثة الخيار
ففي أدب الأوصياء عن المحيط عن المنتقى مات في السفر فباع رفقاؤه تركته وهم
____________________
(4/283)
في موضع ليس فيه قاض
قال محمد جاز بيعهم وللمشتري الانتفاع بما اشتراه منهم ثم إذا جاء الوارث إن شاء أجاز البيع وإن شاء أخذ ما وجده من المتاع وضمن ما لم يجد كاللقطة إذا جاء صاحبها يأخذها فإن لم يجد فله أن يضمن الذي أصابها وله أن يجيز التصدق اه
مطلب فيمن وجد حطبا في نهر أو وجد جوزا أو كمثرى قوله ( إن له قيمة فلقطة ) وقيل إنه كالتفاح الذي يجده في الماء
وذكر في شرح الوهبانية ضابطا وهو أن ما لا يسرع إليه الفساد ولا يعتاد رميه كحطب وخشب فهو لقطة إن كانت له قيمة ولو جمعه من أماكن متفرقة في الصحيح كما لو وجد جوزة ثم أخرى وهكذا حتى بلغ ماله قيمة
بخلاف تفاح أو كمثرى في نهر جار فإنه يجوز أخذه وإن كثر لأنه مما يفسد لو ترك وبخلاف النوى إذا وجد متفرقا وله قيمة فيجوز أخذه لأنه مما يرمي عادة فيصير بمنزلة المباح ولا كذلك الجوز حتى لو تركه صاحبه تحت الأشجار فهو بمنزلته
قوله ( ما لم يكن كثيرا ) ذكر الضمير على تأويل التركة بالمتروك والظاهر أن المراد بالكثير ما زاد على خمسة دراهم لما في البحر عن الخلاصة والولوالجية مات غريب في دار رجل ومعه قدر خمسة دراهم فله أن يتصدق على نفسه إن كان فقيرا كاللقطة
وفي الخانية ليس له ذلك لأنه ليس كاللقطة
قال في البحر والأول أثبت وصرح به في المحيط
قوله ( فإن لم يجدهم فله لو مصرفا ) هذا ذكره في النهر وهو زائد على ما نقله في البحر عن الحاوي القدسي وقد راجعت الحاوي فلم أجده فيه أيضا
قوله ( محضنة ) بالحاء المهملة والضاد المعجمة في المصباح حضن الثائر بيضه إذا جثم عليه
قوله ( أي برج ) في المصباح برج الحمام مأواه
قوله ( اختلط بها أهلي لغيره ) المراد بالأهلي ما كان مملوكا
قوله ( لا ينبغي له أن يأخذه ) لأنه ربما يطير فيذهب إلى محله الأصلي فلا ينافي ما مر أن اللقطة يندب أخذها
أفاده ط
قوله ( لأنه ملك الغير ) لأن ولد الحيوان يتبع أمه
قوله ( وإذا لم يملك الفرخ ) أي ولم يعلم مالكه
قوله ( وفي الوهبانية الخ ) نقل بالمعنى وترك مما في الوهبانية قيد كون الثمار مما لا يبقى وكون ذلك في بستان احتراز عن القرى والسواد
وحاصل ما في شرحها عن الخانية وغيرها أن الثمار إذا كانت ساقطة تحت الأشجار فلو في المصر لا يأخذ شيئا منها ما لم يعلم أن صاحبها أباح ذلك نصا أو دلالة لأنه في المصر لا يكون مباحا عادة وإن كان في البستان فلو الثمار مما يبقى ولا يفسد كالجوز واللوز لا يأخذه ما لم يعلم الإذن ولو مما لا يبقى فقيل كذلك والمعتمد أنه لا بأس به إذا لم يعلم النهي صريحا أو دلالة أو عادة وإن كان في السواد والقرى فلو الثمار مما يبقى لا يأخذ ما لم يعلم الإذن
____________________
(4/284)
ولو مما لا يبقى اتفقوا على أن له الأخذ ما لم يعلم النهي ولو كان الثمر على الشجر فالأفضل أن لا يؤخذ ما لم يؤذن له إلا في موضع كثير الثمار يعلم أنهم لا يشحون بمثل ذلك فله الأكل دون الحمل
قوله ( وفي الجوز ينكر ) لأنه مما يبقى ولا يرمي عادة بخلاف التفاح والكمثرى لأنه لو ترك يفسد وبخلاف النوى لأنه مما يرى كما مر بيانه في مسألة الحطب
مطلب ألقى شيئا وقال من أخذه فهو له فروع ألقى شيئا وقال وقال من أخذه فهو له فلمن سمعه أو بلغه ذلك القول أن يأخذه وإلا لم يملكه لأنه أخذه إعانة لمالكه ليرده عليه بخلاف الأول لأنه أخذه على وجه الهبة وقد تمت بالقبض
ولا يقال إنه إيجاب لمجهول فلا يصح هبة
لأنا نقول هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة والملك يثبت عند الأخذ
وعنده هو متعين معلوم أصله أنه عليه الصلاة والسلام قرب بدنات ثم قال من شاء قتطع
مطلب له الأخذ من نثار السكر في العرس ويقرره أن مجرد الإلقاء من غير كلام يفيد هذا الحكم كمن ينثر السكر والدراهم في العرس وغيره فمن أخذ شيئا ملكه لأن الحال دليل على الإذن وعلى هذا لو وضع الماء والجمد على بابه يباح الشرب منه لمن مر به من غني أو فقير وكذا إذا غرس شجرة في موضع لا ملك فيه لأحد وأباح للناس ثمارها وكل ذلك مأخوذ من الحديث اه
ملخصا من شرح السير الكبير
مطلب من وجد دراهم في الجدار أو استيقظ وفي يده صرة وفي التتارخانية عن الينابيع اشترى دارا فوجد في بعض الجدار دراهم
قال أبو بكر إنها كاللقطة
قال الفقيه وإن ادعاه البائع رد عليه وإن قال ليست لي فهي لقطة اه
وفيها سأل رجل عطاء رحمه الله تعالى عمن بات في المسجد فاستيقظ وفي يده صرة دنانير قال إن الذي صرها في يدك لا يريد إلا أن يجعلها لك
وفي البحر وجد في البادية بعيرا مذبوحا قريب الماء لا بأس بالأكل منه إن وقع في قلبه أن مالكه أباحه
مطلب أخذ صوف ميتة أو جلدها وعن الثاني طرح ميتة فأخذ آخر صوفها له الانتفاع به وللمالك أخذه منه ولو سلخ الجلد ودبغه للمالك أن يأخذه ويرد عليه ما زاد الدبغ فيه
وفي الخانية وضعت ملاءتها ووضعت الأخرى ملاءتها ثم أخذت الأولى ملاءة الثانية لا ينبغي للثانية الانتفاع بملاءة الأولى فإن أرادت ذلك قالوا ينبغي أن تتصدق بها على بنتها الفقيرة بنية كون الثواب لصاحبتها إن رضيت ثم يستوهب الملاءة من البنت لأنها بمنزلة اللقطة
مطلب سرق مكعبه ووجد مثله أو دونه وكذلك الجواب في المكعب إذا سرق اه
وقيده بعضهم بأن يكون المكعب الثاني كالأول أو أجود فلو دونه له
____________________
(4/285)
الانتفاع به بدون هذا التكلف لأن أخذ الأجود وترك الأدون دليل الرضا بالانتفاع به كذا في الظهيرية وفيه مخالفة للقطة من جهة جواز التصدق قبل التعريف وكأنه للضرورة اه
ملخصا
قلت ما ذكر من التفصيل بين الأدون وغيره إنما يظهر في المكعب المسروق وعليه لا يحتاج إلى تعريف لأن صاحب الأدون معرض عنه قصدا فهو بمنزلة الدابة المهزولة التي تركها صاحبها عمدا بل بمنزلة إلقاء النوى وقشور الرمان
أما لو أخذ مكعب غيره وترك مكعبه غلطا لظلمة أو نحوها ويعلم ذلك بالقرائن فهو في حكم اللقطة لا بد من السؤال عن صاحبه بلا فرق بين أجود وأدون وكذا لو اشتبه كونه غلطا أو عمدا لعدم دليل الإعراض هذا ما ظهر لي فتأمله
فائدة ذكر ابن حجر في حاشية الإيضاح عن بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ما نصه إذا ضاع منك شيء فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا ويسميه باسمه فإنه مجرب
قال النووي وقد جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب غالبا
ونقل عن بعض مشايخه مثل ذلك اه
والله سبحانه أعلم
كتاب الآبق اسم فاعل من أبق كضرب وسمع ومنع
قاموس
والأكثر الأول
مصباح ومصدره أبق ويحرك وإباق ككتاب وجمعه ككفار وركع
قاموس
قوله ( مناسبته ) أي مناسبة الآبق للقيط واللقطة عرضية التلف أي الهلاك والزوال أي زوال يد المالك أي توقع عروض الأمرين أو أحدهما في الثلاثة وهو وجه ذكرها عقب الجهاد فإن الأنفس والأموال فيه على شرف الزوال كما مر
واعترض في الفتح بأن عرضية ذلك في الآبق بفعل فاعل مختار فالأولى ذكره عقب الجهاد
وأجاب في البحر بأن خوف التلف من حيث الذات في اللقيط أكثر من اللقطة فذكرا عقبه وأما التلف في الآبق فمن حيث الانتفاع للمولى لا من حيث الذات لأنه لو لم يعد إلى مولاه لا يموت بخلاف اللقيط فإنه لصغره إن لم يرفع يموت فالأنسب ترتيب المشايخ
قوله ( والإباق انطلاق الرقيق تمردا ) وهو في اللغة الهرب كما في المغرب
والتمرد الخروج عن الطاعة احترز به عن الضال وهو المملوك الذي ضل عن الطريق إلى منزل سيده بلا قصد
قوله ( من مؤجره ) بفتح الجيم اه ح أي مستأجره ولو عبر لكان أولى ط
قوله ( ومودعه ) بفتح الدال اه ح
قوله ( ووصيه ) أي الوصي عليه بأن مات سيده عن أولاد صغار وأقام هو أو القاضي عليهم وصيا فإن العبد يكون داخلا تحت وصايته
____________________
(4/286)
قوله ( أخذه فرض إن خاف ضياعه ) أي إن غلب على ظنه ذلك وهذا ذكره في البحر أخذا من عبارة البدائع ويأتي ما فيه
وذكر في الفتح بحثا فتبعه المصنف
قوله ( ويندب أخذه إن قوي عليه ) عبارة كافي الحاكم وإذا وجد عبدا آبقا وهو قوي على أخذه قال يسعه تركه وأحب إلي أن يأخذه فيرده على صاحبه اه
ومفهومه أن قيد القوة على أخذه تأكيد لإفادة جواز الترك وأنه لا يجب أخذه بل يندب فهو في الحقيقة لدفع توهم الوجوب عند القوة عليه
وبه اندفع ما أورد على المصنف من أن هذا الشرط لا يخص ما نحن فيه بل هو عام في سائر التكليف
على أن كون القدرة شرطا عاما لا يوجب عدم ذكرها في معرض بيان الأحكام
قال تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } سورة آل عمران الآية 97 ولم يصرح باشتراط عدم خوف ضياعه لعلمه من قوله فرض إن خاف ضياعه فافهم
قوله ( لما في البدائع الخ ) تعليل لقوله أخذه فرض إن خاف ضياعه الخ وقد تبع في ذلك البحر
واعترضه في النهر بأنه قدم عن البدائع أن القول بفرضية أخذ اللقطة عند خوف الضياع قول الشافعي فقول البدائع هنا إن حكم أخذ الآبق كحكم اللقطة لا يدل على فرضية أخذه عندنا نعم في الفتح يمكن أن يجري فيه التفصيل في اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه وإلا فلا اه
قلت لكن تقدم أن ما نسبه في البدائع إلى الشافعي مذهبنا فقوله هنا حكمه كحكم اللقطة يفيد أنه إذا كان أخذها واجبا يكون أخذه مثلها وقد صرح في غير البدائع بأن أخذها واجب فأخذ الآبق كذلك فليتأمل
قوله ( واستوثق منه بكفيل إن شاء ) قال في الفتح ثم إذا دفعه إليه عن بينة ففي أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان اه
وظاهره أن ذلك في حق القاضي وهو صريح ما في كافي الحاكم
قال ط وذكر العلامة نوح قيل رواية عدم أخذ الكفيل أصح لأنه لما أقام البينة أنه له حرم تأخيره لأن الدفع في هذه الصورة واجب اه
قلت لكن في التتارخانية أن رواية الأخذ أحوط
قوله ( أيضا ) أي مع الاستيثاق منه بكفيل
قوله ( بوجه ) كبيع أو هبة بنفسه أو بوكيله
قوله ( دفع إليه بكفيل ) أخذه الكفيل هنا رواية واحدة كما في الفتح
قال في التتارخانية ولم يذكر في الكتاب أن القاضي يتخير في الدفع إليه أو يجب عليه الدفع وقد اختلف المشايخ فيه اه
قلت ينبغي وجوب الدفع في صورة إقرار العبد وعدمه في صورة ذكر العلامة
تأمل
قوله ( مخافة جعله ) أي أخذ جعله
قوله ( بذلك ) أي بإباقه
قوله ( فإن طالت المدة ) سيأتي أن القاضي يحبس الآبق تعزيرا
وفي التتارخانية يحبسه إلى أن يجيء طالبه ويكون هذا الحبس بطريق التعزير وينفق عليه في مدة الحبس من بيت المال
ثم قال فإن لم يجىء له طالب وطال ذلك باعه بعد ما حبسه ستة أشهر ويدفع الثمن إلى صاحبه إذا وصف حليته وعلامته اه
وجواز بيعه ظاهر على أنه لا يؤجره خوف إباقه كما مر في اللقطة ويأتي
قوله ( ولو علم مكانه ) في الحواشي اليعوقبية
____________________
(4/287)
ينبغي أن يكون هذا إذا تعذر إيصاله إلى مالكه وخيف تلفه
وقد ذكر في القنية أن ملال الغائب لا يباع إذا علم مكان الغائب لإمكان إيصاله اه
نهر
قلت قد يكون إيصاله إلى مالكه موجبا لكثرة النفقة فيتضرر مالكه وقد لا يمكن معه أخذ ما أنفقه عليه القاضي
قوله ( وأمسك من ثمنه ما أنفق منه ) الضمير في منه للقاضي والمراد ما أنفقه من بيت المال أي يمسك قدر ما أنفق ليرده إلى بيت المال
قوله ( أو علم ) بتشديد اللام أي وصف علامته
وفي المصباح علمت له علامة بالتشديد وضعت به أمارة يعرفها
قوله ( دفع باقي الثمن إليه ) نقل في التتارخانية عن التهذيب أنه لا يدفع إليه الثمن إلا بالبينة ولا يكتفي بالحلية
ونقل عن الكافي أنه يجوز أن يكتفي بها
قلت يمكن التوفيق بأن الأول في وجوب الدفع والثاني في جوازه
قوله ( عن إعطاء الإذن ) أي لواحد الآبق
قوله ( فحينئذ فلا يصح الخ ) لأنه لا يصح بيعه بلا إذن القاضي وحيث كان القاضي ممنوعا من إعطاء الإذن لا يصح إذنه لأنه يستفيد الولاية من السلطان ولكن هذا المنع السلطاني لا يبقى بعد موت السلطان المانع على ما أفاده الخير الرملي في فتاواه
تأمل
قوله ( فكذلك ) أي لا يصح بيع القاضي لأن تصرفه منوط بالمصلحة وخصوصا بعد ورود الأمر له بذلك
قوله ( لم يصدق في نقضه ) أي لم يصدق في زعمه المذكور في حق نقض البيع وإلا فهو مؤاخذ بإقراره على نفسه
قوله ( إلا أن يكون عنده ولد منها ) أي ولد ولدته في ملكه فيدعي أنه ولده منها فيصدق عليه ويثبت النسب ويفسخ البيع اه
كافي الحاكم الشهيد
قوله ( أو يبرهن على ذلك ) أي على ما زعمه من التدبير ونحوه
وأفاد أن ما ذكره المصنف محمول على ما إذا كان مجرد دعوى بلا برهان
وبه اندفع ما في البحر من اللقطة من أن عدم تصديقه مشكل لأنه أي المالك لو باع بنفسه ثم قال هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد وبرهن قبل برهانه لأن التناقض في دعوى الحرية وفروعها لا يمنع اه
قال في النهر فيحمل على ما إذا لم يبرهن اه
وبه أجاب المقدسي أيضا
قوله ( واختلف في الضال ) الأولى للمصنف ذكر هذا بعد قوله ويندب إن قوي عليه لئلا يوهم أن الاختلاف في نقض البيع
قوله ( قيل الخ ) وعليه فهو مما خالف فيه الآبق ويخالفه أيضا في أنه لا جعل لراده وأنه لا يحبس وأنه يؤجره وينفق عليه من أجرته كاللقطة كما في البحر وسيأتي
قوله ( ولو عرف بيته الخ ) يشير إلى أن محل الاختلاف ما إذا لم يعلم الواجد مولاه ولا مكانه
قال في الفتح أما إذا علم فلا ينبغي أن يختلف في أفضلية أخذه ورده
قوله ( صدق ) أي بيمينه كافي
قوله ( من مدة سفر ) الظاهر أن المعتبر في هذه المسافة ما بين مكان الأخذ ومكان سيد العبد سواء أبق من مكان سيده
____________________
(4/288)
أو غيره كما يشعر به قول الهداية ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فقد اعتبر مكان الرد ومكان المولى وعليه فلو خرج في حاجة لمولاه مسافة يومين ثم أبق منها مسافة يوم فأخذه رجل ورده على مولاه فله أربعون درهما اعتبارا لمكان المولى
والظاهر أيضا كما أفاده ط أن المعتبر في مكان المولى المكان الذي يحصل فيه الرد عليه حتى لو لحقه المولى وقد سار يوما فلقيه الواجد بعد ما سار يومين فله جعل اليومين فقط
قوله ( ولو صبيا أو عبدا الخ ) جملة معترضة بين اسم إن وخبرها وهو قوله ممن يستحق الجعل ودخل في هذا التعميم ما إذا تعدد الراد كاثنين فيشتركان في الأربعين إذا رداه إلى مولاه وما إذا رداه بنفسه أو بنائبه كما إذا دفعه إلى رجل وأمره أن يأتي به إلى مولاه وأن يأخذه منه الجعل وما إذا اغتصبه منه رجل وجاء به إلى مولاه وأخذ جعله ثم جاء الآخذ وبرهن أنه أخذه من مسيرة سفر فله الجعل ويرجع المولى على الغاصب بما دفعه إليه لأنه أخذه بغير حق
قوله ( ممن يستحق الجعل ) بأن لم يكن ممن يعمل متبرعا بخلاف المتبرع أما لوجوب ذلك العمل عليه كالسلطان أو أحد نوابه أو لكونه يحفظ مال سيد العبد كوصي اليتيم وعائله أو لكونه ممن جرت العادة برده عليه تبرعا أما لاستعانة به لأنه ممن في عياله أو لزوجية أو بنوة أو شركة
قوله ( وشحنة ) هو حافظ المدينة اه ح
قوله ( وخفير ) هو بمعنى المعاهد أي من يعاهدك على النصرة ولعل المراد به من ينصبه الحاكم في الطريق لدفع القطاع عن المسافرين ثم رأيت نقلا عن الحموي أن المراد به هنا الحارس
قوله ( وعائله ) أي من يعول اليتيم ويربيه في حجره بلا وصاية
قوله ( فقال نعم ) كذا شرطه في التتارخانية معللا بأنه قد وعد له الإعانة
بحر
قال المقدسي والظاهر أنه ليس بشرط لأن الظاهر منه التبرع بالعمل حيث لم يشرط عليه جعلا اه
قلت وفيه نظر فإن عدم شرط الجعل لا يدل على التبرع وإلا لزم شرطه في كل المواضع بخلاف ما إذا استعان به ووعده الإعانة فإن إجابته بالقول لما طلب دليل التبرع
تأمل
قوله ( أو كان في عياله ) عطف على استعان وشمل أحد الأبوين إذا رد عبد الابن فلا جعل له إذا كان في عيال الابن كحكم بقية المحارم كما في الهداية وشروحها
كفاية البيان والمعراج والفتح والعناية
وكذا في البزازية والجوهرة والقهستاني والنهر على خلاف ما في البحر والمنح حيث سوى بين الأبوين والابن ومثله قول الحاوي القدسي إذا كان الراد في عيال مالك الغلام لا جعل له وإلا فله الجعل سواء كان أجنبيا أو ذا رحم إلا الوالدين والمولودين
قوله ( وابن ) عطف على سلطان ح
قوله ( مطلقا ) أي سواء كان الابن في عيال الأب وأحد الزوجين في عيال الآخر أو لا
قال الزيلعي لأن رد الآبق على المولى نوع خدمة للمولى وخدمة الأب مستحقه على الابن فلا تقابل بالأجر وكذا خدمة أحد الزوجين الآخر اه ح
قوله ( وشريك ) لأن عمله يكون في حصته وحصة شريكه بلا تمييز فلا أجر له كمن استأجر شريكه على حمل الحمل المشترك بينهما لا يستحق أجرا ومنه ما في الولوالجية لو جاء به وارث الميت إن أخذه وسار به ثلاثة أيام وسلمه في حياة المولى يستحق الجعل إن لم يكن في عياله وإن سلمه بعد موته وليس ولد المولى ولا في عياله وكان معه وارث آخر
قال محمد له الجعل في حصة شركائه
وقال أبو يوسف لا
وقيل قول أبي حنيفة كقول محمد اه
ملخصا
____________________
(4/289)
قلت ولعل وجه الخلاف أنه إن نظر إلى أن العمل الموجب للجعل وهو سير ثلاثة أيام حصل في حياة المولى قبل أن يصير الراد شريكا وجب الجعل وإن نظر إلى أن الاستحقاق بالتسليم وهو لم يحصل إلا بعد الموت والاشتراك لم يجب الجعل ويؤيد الثاني عدم استحقاق الجعل في موت مولى أم الولد والمدبر كما يأتي قريبا
تأمل
قوله ( ووهبانية ) كذا في بعض النسخ
والذي رأيته في عدة نسخ ورهبان وهكذا رأيته معزيا إلى نسخة الشارح وهو الصواب لأن الشارح عزاه الولوالجية والذي رأيته فيها ورهبان وشحنة وهكذا رأيته في التجنيس والظاهر أنه في عرفهم اسم لنوع ممن يرهب منه من أهل الولايات بقرينة ذكره مع الشحنة وحينئذ يتم قول الشارح فالمستثنى أحد عشر فإن به يتم العدد فافهم
قوله ( أربعون درهما ) بوزن سبعة مثاقيل
فتح
وإن أنفق أضعافها بغير أمر القاضي كافي الحاكم
أما لو أنفق بأمره فإن له الأربعين مع جميع ما أنفق فلا يستحق الأربعين فقط إلا إذا كان إنفاقه بغير أمر القاضي وبه سقط اعتراضه في الدر المنتقى على شارح الوهبانية بأن تعبيره بلفظ غير من سبق القلم
قوله ( فبطل صلحه فيما زاد عليها ) لأنه زيادة على ما ثبت بالنص كما بطل صلح القاتل فيما زاد على الدية
قال في البحر بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط منه
قوله ( استحسانا ) والقياس أن لا يكون له شيء إلا بالشرط كما إذا رد بهيمة ضالة أو عبدا ضالا
وجه الاستحسان أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على أصل الجعل
واختلفوا في مقداره فأوجبنا الأربعين في مدة السفر وما دونها فيما دونه جمعا بين الروايتين
نهر
قوله ( ولو رد أمة الخ ) اعلم أنه في كافي الحاكم عمم أولا في وجوب الجعل في رد الآبق فقال بالغا أو غير بالغ
ثم قال وإذا أبقت الأمة ولها صبي رضيع فردها رجل كان له جعل واحد فإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله الجعل ثمانون درهما اه
قال في الفتح لأن من لم يراهق لم يعتبر آبقا اه
ومقتضاه أن المراد بقوله أو غير بالغ هو المراهق
ووفق في البحر بين عبارتي الكافي بأن الولد إن كان مع أحد أبويه اشترط كونه مراهقا أي اشترط ذلك لوجوب جعل آخر لرد الولد وإن لم يكن مع أحدهما لا يشترط أن يكون مراهقا لكن يشترط عقله لقول التتارخانية وما ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان يعقل الإباق وإلا فهو ضال لا يستحق له الجعل اه
ووفق في النهر بأن قوله قد قارب الحلم غير قيد لقول شارح الوهبانية اتفق الأصحاب أن الصغير الذي يجب الجعل برده في قول محمد هو الذي يعقل الإباق
وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا في وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده بل الشرط أن يعقل الإباق فبحث النهر إنما هو تقييد الولد في مسألة الكافي بكونه يعقل الإباق إشارة إلى أنه المراد من قوله قد قارب الحلم
قوله ( لثبوته بالنص ) فلا يحط منه لنقصان القيمة كصدقة الفطر لا يحط منها لو كانت قيمة الرأس أنقص من صدقة الفطر
قاله العيني
وقال محمد يقضي بقيمته إلا درهما لأن المقصود إحياء مال المالك فلا بد أن يسلم له شيء تحقيقا للفائدة
وذكر صاحب البدائع والإسبيجابي الإمام مع محمد فكان هو المذهب
بحر
والذي عليه المتون مذهب أبي يوسف كما لا يخفى فينبغي أن يعول عليه لموافقته للنص والله تعالى أعلم منح ط
قوله ( إن أشهد الخ ) شرط لاستحقاق الجعل المذكور وهذا عند التمكن من الإشهاد وإلا فلا يشترط والقول قوله في أنه لم يتمكن منه كما صرح به في التتارخانية
بحر
وفي الكافي أخذه رجل فاشتراه
____________________
(4/290)
منه رجل وجاء به فلا جعل له لأنه لم يأخذه ليرده وكذلك الهبة والوصية والميراث وإن أشهد حين اشتراه أنه إنما اشتراه ليرده على صاحبه لأنه لا يقدر عليه إلا بالشراء فله الجعل اه
ويكون متبرعا بالثمن
نهر
قوله ( بقسطه ) أي بأن تقسم الأربعون على الأيام لكل يوم ثلاثة عشر وثلث
نهر
قوله ( يرضخ له ) يقال رضخ له كمنع وضرب أعطاه عطاء غير كثير قاموس واعتبار رأي الحاكم عند عدم الاصطلاح على شيء ط
قوله ( به يفتى ) أي بالرضخ برأي الحاكم
قوله ( ولو من المصر ) تعميم لقوله ومن أقل وعنه أنه لا شيء له
قهستاني عن المضمرات
لكن الأول هو المذكور في الأصل وهو الصحيح
بحر
قوله ( كقن في الجعل ) أي في وجوبه وهذا إذا رد المدبر وأم الولد في حياة المولى كما أفاده ما بعده
قوله ( لعقتهما بموته ) فيقع رد حر لا مملوك وهذا في أم الولد ظاهر وكذا في المدبر لو يخرج من الثلث لأنه حينئذ يعتق بالموت اتفاقا وإلا فكذلك عندهما
وعنده يصير كالمكاتب لأنه يسعى في قيمته ليعتق ولا جعل في رد المكاتب وتمامه في الفتح
قوله ( وإن أبق منه ) وكذا لو مات في يده
نهر
قوله ( ثم إنه أبق ) أي في حال استعماله أما لو بعد فراغه وعزمه على أن يرده إلى صاحبه فينبغي عدم الضمان لعوده إلى الوفاق ط
قوله ( ويلزم مريد الرد قيمته ) أي إذا أبق منه أو مات في يده سواى أشهد أنه أخذه ليرده أو لا كما هو ظاهر لأنه غير مقيد عند إنكار المولى إباقه
قوله ( ما لم يبين إباقه ) أي بإقامة البينة على إباقه أو على إقرار المولى به
زيلعي
قوله ( في الوجهين ) أي فيما إذا أبق منه بعد الإشهاد أو قبله
قال في المنح أما الأول فلأنه لم يرده إلى مولاه وأما الثاني فلأنه بترك الإشهاد صار غاصبا
قوله ( خلافا للثاني في الثاني ) أي في قوله وضمن لو قبله فإنه لا يضمن عند أبي يوسف وإن لم يشهد والأولى ذكر الخلاف قبل قوله ولا جعل له لئلا يوهم أن الخلاف في الجعل وليس كذلك لأن أبا يوسف وإن أوجب الجعل بدون إشهاد لكن لا بد فيه أن يرده على مولاه والكلام فيما إذا أبق أو مات قبل الرد فافهم
قوله ( أو بيع العبد فيه ) أي إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل
والظاهر أن الذي يبيعه هو القاضي
قوله ( على من يستقر له الملك ) وهو المولى إن اختار قضاء دينه أو الغرماء إن اختار بيعه في الدين فيجب الجعل في الثمن وفي كلامه تسامح لأن الملك لم يستقر لهم فيه بل في ثمنه وإنما استقر ملكه للمشتري ولا شيء عليه كما في الفتح
قوله ( جنى خطأ ) أي قبل الإباق أو بعده قبل الأخذ
____________________
(4/291)
كما يفيده قوله لا في يد الآخذ واحترز به عما لو جنى في يد الآخذ فلا جعل له على أحد كما لو قتل عمدا ثم رده
قوله ( على من سيصير له ) وهو المولى إن اختار فداءه أو الأولياء إن اختار دفعه إليهم فلو دفع المولى الجعل ثم قضى عليه بالدفع إلى الأولياء له الرجوع على المدفوع إليه بالجعل
بحر عن المحيط
تأمل
قوله ( على غاصبه ) لأنه أحياه له لتبرأ ذمته بدفعه وظاهره لزوم الجعل له ولو رده إلى مالكه ويحرر ط
قوله ( وهو ترك التصرف ) أي تصرفه بما يمنع رجوع الواهب في هبته
قوله ( عبد صبي ) بالإضافة أي جعل عبد الصبي في مال الصبي
قوله ( كنفقة لقطة ) لأنه لقطة حقيقة فإذا أنفق عليه الآخذ بلا أمر القاضي كان متبرعا وبإذنه كان له الرجوع بشرط أن يقول على أن ترجع على الأصح
بحر
قوله ( وله حبسه لدين نفقته ) فإن طالت المدة ولم يجىء صاحبه باعه القاضي وحفظ ثمنه كما قدمناه
بحر
قلت وله حبسه أيضا للجعل
قال في الكافي ولمن جاء بالآبق أن يمسكه حتى يأخذ الجعل فإن مات في يده بعد ما قضى له القاضي بإمساكه بالجعل فلا ضمان عليه ولا جعل وكذلك لو مات قبل أن يرفعا إلى القاضي
قوله ( وقيل يؤجره للنفقة ) تقدم الكلام عليه في اللقطة
قوله ( بخلاف اللقطة والضال ) فإن الدابة اللقطة تؤجر لينفق عليها من أجرتها الضال لا يحبس وظاهره أنه يؤجره لينفق عليه من أجرته وبه صرح في كتاب اللقطة
قوله ( ثم بعدها يبيعه القاضي ) أي ويرد لبيت المال ما أنفقه منه كما قدمناه ح والله سبحانه أعلم
كتاب المفقود مناسبته للآبق أن كلا منهما فقده أهله وهم في طلبه وأخر عنه لقلة وجوده
قوله ( هو غائب الخ ) أفاد أن قول الكنز هو غائب لم يدر موضعه معناه لم تدر حياته ولا موته
قال في البحر فالمدار إنما هو على الجهل بحياته وموته لا على الجهل بمكانه فإنهم جعلوا منه كما في المحيط المسلم الذي أسره العدو ولا يدري أحي أم ميت مع أن مكانه معلوم وهو دار الحرب فإنه أعم من أن يكون عرف أنه في بلدة معينة من دار الحرب أو لا اه
لكن في الملتقى وغيره هو غائب لا يدري مكانه ولا حياته ولا موته قيل فهذا صريح في اشتراط جهل المكان فيكون التعويل عليه
قلت الظاهر أن علم المكان يستلزم العلم بالموت والحياة غالبا وعدمه عدمه فالعطف للتفسير ولو علم مكانه من دار الحرب مع تحقق الجهل بحاله وعدم إمكان الاطلاع عليه لا شك في أنه مفقود فافهم
قوله ( فيتوقع قدومه ) أي يطلب أو ينتظر وقوعه وقوله قدومه بدل اشتمال من الضمير في يتوقع العائد إلى قوله غائب
____________________
(4/292)
لا نائب فاعل لأن حذفه لا يجوز
قوله ( ومرتد لم يدر ألحق أم لا ) أي فإنه يوقف ميراثه كما يوقف ميراث المسلم كافي الحاكم لأنه إذا جهل لحاقه لا يمكن الحكم به بخلاف ما إذا علم فإنه يحكم به ويكون موتا حكما فيقسم ميراثه على ما مر في بابه
قوله ( وهو في حق نفسه حي ) مقابله قوله الآتي وميت في حق غيره
وحاصله أنه يعتبر حيا في حق الأحكام التي تضره وهي المتوقفة على ثبوت موته ويعتبر ميتا فيما ينفعه ويضر غيره وهو ما يتوقف على حياته لأن الأصل أنه حي وأنه إلى الآن كذلك استصحابا للحال السابق والاستصحاب حجة ضعيفة تصلح للدفع لا للإثبات أي تصلح لدفع ما ليس بثابت لا لإثباته
قوله ( نزعه ) أي نزع مال المفقود قوله ( لما سيجيء الخ ) فيه أن ما هنا أودعه بنفسه وما يجيء في مال مورثه ط
قلت لكن يأتي قريبا أنه لو كان وكيل له حفظ ماله أي لأنه لا ينعزل بفقد الموكل كما يأتي لكن نقل ابن المؤيد عن جامع الفصولين لو أخذ القاضي وديعة المفقود ممن هي بيده ووضعها عند ثقة لا بأس به اه
وهذا يخالف ما في المعروضات إلا أن يقال ما فيها هو في حق أمين بيت المال فليس له ذلك وإن كان المفقود لا وارث له إلا بيت المال لأن الوارث حقيقة ليس له ذلك فأمين بين المال بالأولى وما نقلناه إنما هو في القاضي الذي له ولاية حفظ مال الغائب
والظاهر أنه محمول على ما إذا رأى المصلحة في ذلك بأن كان من المال بيده غير ثقة إلا فهو عبث تأمل
قوله ( ولا تنفسخ إجارته ) لأنها وإن كانت تفسخ بموت المؤجر أو المستأجر لكنه لم يثبت موته
قوله ( المقر بها ) بالبناء للمجهول أي التي أقر بها غرماؤه قيد له لما في النهر ويخاصم في دين وجب بعقده بلا خلاف لا فيما وجب بعقد المفقود ولا في نصيب له في عقار أو عرض في يد رجل ولا في حق من الحقوق إذا جحده من هو عنده أو عليه لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه وإنما هو وكيل من جهة القاضي وهو لا يملك الخصومة بلا خلاف
قوله ( ويقوم عليه ) أعم مما قبله لأنه يشمل الحفظ وغيره كحصاد ودياس مثلا
قوله ( عند الحاجة الخ ) متعلق بقوله ونصب القاضي وهذا بحث ذكره في البحر أصله أنه إنما ينصب إذا لم يكن له وكيل في الحفظ أقامه الغائب قبل فقده لأنه لا ينعزل بفقده لما في التجنيس جعل داره بيد رجل ليعمرها أو دفع ماله ليحفظه وفقد الدافع فله الحفظ لا التعمير إلا بإذن الحاكم لأنه لعله مات ولا يكون الرجل وصيا اه
وأجاب في النهر بأن الظاهر أنه أي وكيل المفقود لا يملك قبض ديونه التي أقر بها غرماؤه ولا غلاته وحينئذ فيحتاج إلى النصب وكأن هذا هو السر في إطلاقهم نصب الوكيل اه
قلت وفيه نظر لأن مراد البحر أن القاضي إنما ينصب له من يأخذ حقه ويحفظ ماله إذا لم يكن له وكيل في ذلك لأن وكيله لا ينعزل بفقده وقول النهر الظاهر أنه لا يملك قبض ديونه الخ غير مسلم إلا بنقل صريح لأنه إذا لم ينعزل وقد وكله بذلك فما المانع له منه فلذا والله أعلم لم يعول الشارح على كلامه
قوله ( ليس بخصم فيما يدعي على المفقود ) ولا فيما يدعي له كما علمته
قال في البحر وكذا ليس للورثة ما ذكر لأنهم يرثونه بعد موته ولم يثبت
____________________
(4/293)
ثم نقل عن البزازية مات عن ابنين أحدهما مفقود فزعم ورثة المفقود أنه حي وله الميراث والابن الآخر بزعم موته لا خصومة بينهما لأن ورثة المفقود اعترفوا أنه لا حق لهم في التركة فكيف يخاصمون عمهم اه
لأن اعترافهم بحياته اعتراف بأن الحق له
قوله ( ونحوه ) أي نحو ما ذكر من رد بعيب أو مطالبة لاستحقاق
بحر
قوله ( بلا خلاف ) لما فيه من تضمن الحكم على الغائب وإنما الخلاف المعروف بينهم فيمن وكله المالك بقبض الدين هل يملك الخصومة أم لا فعنده يملكها وعندهما لا اه ح عن الزيلعي
مطلب قضاء القاضي ثلاثة أقسام قوله ( لم ينفذ ) اعلم أن ثلاثة أقسام قسم يرد بكل حال وهو ما خالف النص أو الإجماع
وقسم يمضي بكل حال حتى لو رفع إلى قاض آخر لا يراه نفذه وأمضاه ولا يبطله وهو ما يكون الخلاف فيه لا في نفس القضاء بل في سببه
وأمثلته كثيرة منها لو قضى شافعي بشهادة المحدودين بعد التوبة أو قضى لامرأة بشهادة زوجها وأجنبي نفذ ولو رفع إلى حنفي لزمه تنفيذه لأن الاختلاف في سبب القضاء وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا أما نفسه الحكم فلا اختلاف فيه
والقسم الثالث الحكم المجتهد فيه وهو ما يقع الخلاف فيه في نفس الحكم فقيل ينفذ أيضا وقيل لا ينفذ إلا إذا نفذه قاض آخر فإذا نفذه الثاني نفذ حتى لو رفع إلى ثالث أمضاه وإذا أبطله الثاني فليس لأحد أن يجيزه وهذا هو الصحيح
وبعضهم صحح الأول وذلك كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته بشهادة رجلين لأن نفس القضاء مختلف فيه
واختلفوا فيما لو قضى على الغائب فقيل هو من هذا القسم فلا ينفذ إلا بتنفيذ قاض آخر وهو ما نقله عن الزيلعي والكمال بناء على أن الاختلاف في نفس القضاء على الغائب
وقيل هو من القسم الثاني فينفذ بلا توقف على تنفيذ قاض آخر وهو ما نقله عن الخلاصة بناء على أن الاختلاف لا في نفس القضاء بل في سببه وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر أو لا
قوله ( يعني لو القاضي مجتهدا ) ومثله ما لو كان مقلد المجتهد وهذا ترجيح لما حققه في البحر من كتاب القضاء من أن الخلاف في نفاذ القضاء على الغائب محله ما إذا كان مذهب القاضي صحة هذا القضاء بخلاف القاضي الحنفي وسيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك
قوله ( ولا يبيع القاضي ما لا يخاف فساده ) منقولا كان أو عقارا لأن القاضي لا ولاية له على الغائب إلا في الحفظ وفي البيع ترك حفظ الصورة بلا ملجىء وما يخاف عليه الفساد كالثمار ونحوها يبيعه لأنه تعذر حفظ صورته ومعناه فينظر للغائب بحفظ معناه اه
من الهداية والفتح
وفي جامع الفصولين وشرح الوهبانية للقاضي بيع مال المفقود والأسير من المتاع والرقيق والعقار إذا خيف عليه الفساد وليس له بيعها لنفقة عيالهما وإن باعها لخوف الضياع فصارت دراهم أو دنانير يعطي النفقة منها بطريقة اه
وفيه شراه فغاب قبل قبضه غيبة منقطعة ولا يدري أين هو جاز للقاضي بيع المبيع وإبقاء الثمن للبائع لو
____________________
(4/294)
كان المبيع منقولا لا لو عقارا
وعلى هذا لو رهن المديون وغاب غيبة منقطعة فرفع المرتهن الأمر للقاضي ليبيع الرهن بدينه ينبغي أن يجوز كما في هذه المسألة اه
قلت ومسألة بيع المبيع ذكرها المصنف في متفرقات البيوع وذكر في النهر هناك أنه لو غاب بعد قبض المبيع ليس للقاضي بيعه ومسألة بيع الرهن ذكرها الشارح في كتاب الرهن ومقتضى قياس هذه على المسألة الأولى تخصيص الرهن بكونه منقولا
تأمل
قوله ( مأمورون بالبيع ) أي أمرهم السلطان بذلك
أقول كيف يتجه هذا الأمر مع مخالفته لما ذكره المصنف تبعا لما في كتب المذهب كالهداية وغيرها وكافي الحاكم الشهيد بلا حكاية خلاف
إلا أن يقال إنه إذن للقضاة بالحكم على مذهب الغير لكن في حكم القاضي بخلاف مذهبه كلام مذكور في كتاب القضاء على أن أمر قضاة زمانه لا يسري على غيرهم كما حرره
في الخيرية
قوله ( وينفق ) أي الوكيل المنصوب
نهر أي ينفق من مال المفقود لحاصل في بيته والواصل من ثمن ما يتسارع إليه الفساد ومن مال مودوع عند مقر ودين على مقر وتمامه في الفتح والبحر
قوله ( ولادا ) نصب على التمييز
نهر
قوله ( وهم أصوله وفروعه ) أعاد الضمير بالجمع على القريب لأنه يصدق على الواحد والأكثر والمراد الأصول وإن علوا والفروع وإن سفلوا ولم يشترط الفقر في الأصول استغناء بما مر في النفقات وإنما ينفق عليهم لأن وجوب النفقة لهم ولا يتوقف على القضاء فكان إعانة لهم بخلاف غير الولاد من الأخ ونحوه فإن وجوبها يتوقف عليه فكان قضاء على الغائب وهو لا يجوز وهذا الإطلاق مقيد بالدراهم والدنانير والتبر لأن حقهم في المطعوم والملبوس فإن لم يكن ذلك في ماله احتيج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان وقد علمت أنه على الغائب لا يجوز إلا في الأب فإن له بيع العرض لنفقته استحسانا كما في المبسوط وقدم المصنف في النفقات أن لهؤلاء أخذ النفقة من مودعه ومديونه المقرين بالنكاح والنسب إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي فإن ظهرا لم يشترط أو أحدهما اشترط الإقرار بما خفي هو الصحيح فإن أنكر الوديعة والدين لم ينتصب أحد من هؤلاء خصما فيه والمسألة بفروعها مرت نهر أي مرت في النفقات
مطلب في الإفتاء بمذهب مالك في زوجة المفقود قوله ( خلافا لمالك ) فإن عنده تعتد زوجة المفقود عدة الوفاة بعد مضي أربع سنين وهو مذهب الشافعي القديم وأما الميراث فمذهبهما كمذهبنا في التقدير بتسعين سنة أو الرجوع إلى رأي الحاكم
وعند أحمد إن كان يغلب على حاله الهلاك كمن فقد بين الصفين أو في مركب قد انكسر أو خرج لحاجة قريبة فلم يرجع ولم يعلم خبره فهذا بعد أربع سنين يقسم ماله وتعتد زوجته بخلاف ما إذا لم يغلب عليه الهلاك كالمسافر لتجارة أو لسياحة فإنه يفوض للحاكم في رواية عنه وفي أخرى يقدر بتسعين من مولده كما في شرح ابن الشحنة لكنه اعترض على الناظم بأنه لا حاجة للحنفي إلى ذلك أي لأن ذلك خلاف مذهبنا فحذفه أولى
وقال في الدر المنتقى ليس بأولى لقول القهستاني لو أفتى به في موضع الضرورة لا بأس به على ما أظن اه
____________________
(4/295)
قلت ونظير هذه المسألة عدة ممتدة إلى الطهر التي بلغت برؤية الدم ثلاثة أيام ثم امتد طهرها فإنها تبقى في العدة إلى أن تحيض ثلاث حيض
وعند مالك تنقضي عدتها بتسعة أشهر
وقد قال في البزازية الفتوى في زماننا على قول مالك
وقال الزاهدي كان بعض أصحابنا يفتون به للضرورة
واعترضه في النهر وغيره بأنه لا داعي إلى الإفتاء بمذهب الغير لإمكان الترافع إلى مالكي يحكم بمذهبه وعلى ذلك مشى ابن وهبان في منظومته هناك لكن قدمنا أن الكلام عند تحقق الضرورة حيث لم يوجد مالكي يحكم به
قوله ( وميت في حق غيره ) معطوف على قوله وهو في حق نفسه حي كما مر
قوله ( وللمفقود بنتان وأبناء ) الظاهر أنه بالمد جمع ابن إذ لا يصح أن يكون مفردا منصوبا
وفي بعض النسخ وابنان بصيغة المثنى وفي بعضها وابن بصيغة المفرد والكل صحيح
قوله ( والتركة في يد البنتين ) أي بنتي الرجل الميت
واعلم أن في هذه المسألة ست صور والمذكور هنا صورة واحدة منها
وحاصل الصور أن المال إما أن يكون في يد أجنبي أو في يد البنتين أو في يد أولاد الابن وعلى كل إما أن ينفقوا على الفقد أو ينكره من في يده المال ويدعي أنه مات وأحكام الكل مبينة في الفتح فراجعه إن شئت
قوله ( أي لا ينزعه من يد البنتين ) بل يقضي لهما بالنصف ميراثا ويوقف النصف في أيديهما على حكم ملك الميت فإن ظهر المفقود حيا دفع إليه وإن ظهر ميتا أعطى البنتان سدس كل المال من ذلك النصف والثلث الباقي لأولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين
فتح
قوله ( ولا يستحق الخ ) أي لا يحكم باستحقاقه للوصية بعد موت الموصي ولا بعدمه بل يوقف إلى ظهور الحال فإن ظهر إلى آخر ما سيذكره المصنف
قوله ( إلى موت أقرانه ) هذا ليس خاصا بالوصية بل هو حكمه العام في جميع أحكامه من قسمة ميراثه وبينونة زوجته وغير ذلك
قوله ( في بلده ) هو الأصح
بحر
وقيل المعتبر موت أقرانه من جميع البلاد فإن الأعمار قد تختلف طولا وقصرا بحسب الأقطار بحسب إجرائه سبحانه العادة ولذا قالوا الصقالبة أطول أعمارا من الروم لكن في تعرف موت أقرانه من البلاد حرج عظيم بخلافه من بلده فإنما فيه نوع حرج محتمل
فتح
قوله ( على المذهب ) وقيل يقدر بتسعين سنة بتقديم التاء من حين ولادته واختاره في الكنز وهو الأرفق
هداية
وعليه الفتوى
ذخيرة
وقيل بمائة وقيل بمائة وعشرين واختار المتأخرون ستين سنة واختار ابن الهمام سبعين لقوله عليه الصلاة والسلام أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين فكانت المنتهى غالبا
وذكر في شرح الوهبانية أنه حكاه في الينابيع عن بعضهم
قال في البحر والعجب كيف يختارون خلاف ظاهر المذهب مع أنه واجب الاتباع على مقلد أبي حنيفة
وأجاب في النهر بأن التفحص عن موت الأقران غير ممكن أو فيه حرج فعن هذا اختاروا تقديره بالسن اه
قلت وقد يقال لا مخالفة بل هو تفسير لظاهر الرواية وهو موت الأقران لكن اختلفوا فمنهم من اعتبر أطول ما يعيش إليه الأقران غالبا ثم اختلفوا فيه هل هو تسعون أو مائة أو مائة وعشرون ومنهم وهم المتأخرون اعتبروا الغالب من الأعمار أي أكثر ما يعيش إليه الأقران غالبا لا أطوله فقدروه بستين لأن من يعيش فوقها نادر والحكم للغالب وقدره ابن الهمام بسبعين للحديث لأنها نهاية هذا الغالب ويشير إلى هذا الجواب قوله في الفتح بعد حكاية الأقوال
____________________
(4/296)
والحاصل أن الاختلاف ما جاء إلا من اختلاف الرأي في أن الغالب هذا في الطول أو مطلقا اه
قوله ( واختار الزيلعي تفويضه للإمام ) قال في الفتح فأي وقت رأى المصلحة حكم بموته
قال في النهر وفي الينابيع قيل يفوض إلى رأي القاضي ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية
وفي القنية جعل هذا رواية عن الإمام اه
قلت والظاهر أن هذا غير خارج عن ظاهر الرواية أيضا بل هو أقرب إليه من القول بالتقدير لأنه فسره في شرح الوهبانية بأن ينظر ويجتهد ويفعل ما يغلب على ظنه فلا يقول بالتقدير لأنه لم يرد الشرع بل ينظر في الأقران وفي الزمان والمكان ويجتهد ثم نقل عن مغني الحنابلة حكايته عن الشافعي ومحمد وأنه المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف
وقال الزيلعي لأنه يختلف باختلاف البلاد كذا غلبة الظن تختلف باختلاف الأشخاص فإن الملك العظيم إذا انقطع خبره يغلب على الظن في أدنى مدة أنه قد مات اه
ومقتضاه أنه يجتهد ويحكم القرائن الظاهرة الدالة على موته وعلى هذا يبتني على ما في جامع الفتاوى حيث قال وإذا فقد في المهلكة فموته غالب فيحكم به كما إذا فقد في وقت الملاقاة مع العدو أو مع قطاع الطريق أو سافر على المرض الغالب هلاكه أو كان سفره في البحر وما أشبه ذلك حكم بموته لأنه الغالب في هذه الحالات وإن كان بين احتمالين واحتمال موته ناشىء عن دليل لا احتمال حياته لأن هذا الاحتمال كاحتمال ما إذا بلغ المفقود مقدار ما لا يعيش على حسب ما اختلفوا في مقدار نقل من الغنية اه
ما في جامع الفتاوى
وأفتى به بعض مشايخ مشايخنا وقال إنه أفتى به قاضي زاده صاحب بحر الفتاوى لكن لا يخفى أنه لا بد من مضي مدة طويلة حتى يغلب على الظن موته لا بمجرد فقده عند ملاقاة العدو أو سفر البحر ونحوه إلا إذا كان ملكا عظيما فإنه إذا بقي حيا تشتهر حياته فلذا قلنا إن هذا مبني على ما قاله الزيلعي تأمل
قوله ( وطريق قبول البينة ) فيه إيهام أنه يحتاج إلى بينة على موت أقرانه وليس بمراد بل المراد ما إذا قامت بينة على موته حقيقة
ففي النهر عن التتارخانية ثم طريق موته إما بالبينة أو موت الأقران
وطريق قبول هذه البينة أن يجعل القاضي الخ
قوله ( أو ينصب عليه قيما ) أي إذا لم يكن له وكيل يحفظ ماله ينصب عنه مسخرا لإثبات دعوى موته من زوجته أو أحد ورثته أو غريمه
قوله ( بقضاء الخ ) هو أحد قولين
قال القهستاني وفي الفاء من قوله فتعتد عرسه دلالة على أنه يحكم بموته بمجرد انقضاء المدة فلا يتوقف على قضاء القاضي كما قال شرف الأئمة
وقال نجم الأئمة القاضي عبد الرحيم نص على أنه يتوقف عليه كما في المنية اه وما قاله شرف الأئمة موافق للمتون سائحاني
قلت لكن المبتادر من العبارة أن المنصوص عليه في المذهب الثاني
ثم رأيت عبارة الواقعات عن القنية أن هذا أي ما روى عن أبي حنيفة من تفويض موته إلى رأي القاضي نص على أنه إنما يحكم بموته بقضاء الخ
قوله ( فإن ظهر قبله ) هذه القبلية لا مفهوم لها وإن ذكرها الكثيرون سائحاني ولذا قال في البحر وإن علم حياته في وقت من الأوقات يرث من مات قبل ذلك الوقت من أقاربه اه
لكن لو عاد حيا بعد الحكم بموت أقرانه قال ط ثم بعد رقمه رأيت المرحوم أبا السعود نقله عن الشيخ شاهين ونقل أن زوجته له والأولاد للثاني اه
تأمل
قوله ( فله ذلك القسط )
____________________
(4/297)
أي الموقوف له من الوصية وكذا الإرث كما علمت
قوله ( وبعده ) أي بعد موت أقرانه وهو متعلق بقوله يحكم لا بقوله ظهر لأنه يصير المعنى وإن ظهر حيا بعد موت أقرانه يحكم بموته الخ وهو فاسد كما لا يخفى
قوله ( فتعتد منه عرسه للموت ) أي عدة الوفاة ويرد قسطه من الوصية إلى ورثة الموصي
قوله ( بين من يرثه الآن ) أي حين حكم بموته لا من مات قبل ذلك الوقت من ورثته
زيلعي
وكذا يحكم بعتق مدبريه وأمهات أولاده في ذلك الوقت
بحر
قوله ( من حين فقده ) أي مال لم تعلم حياته في وقت كما مر
قوله ( عند موته ) أي موت المورث
قوله ( حجة دافعة ) فتدفع ثبوت حق لغيره في ماله
قوله ( لا مثبتة ) فلا يثبت له حق في مال غيره
قوله ( ولو كان مع المفقود وارث يحجب به الخ ) أي يحجب ذلك الوارث بالمفقود ويظهر هذا من المثال السابق حيث لم يعط أولاد الابن المفقود شيئا قبل ظهور حياته لحجبهم به وأعطي البنتان النصف فقط دون الثلثين ووقف لهما السدس ولأولاد الابن الثلث إلى ظهور موته فإن ظهر حيا أخذ النصف الموقوف
قوله ( كالحمل ) فإنه لو كان معه وارث لا يتغير إرثه بحال يعطي كل نصيبه وإن كان ينقص حقه به يعطي الأقل وإن كان يسقط به لا يعطي شيئا فلو ترك ابنا وزوجته حاملا تعطى الزوجة الثمن لأنه لا يتغير والابن نصف الباقي لأنه أقل من كل الباقي على تقدير موت الحمل ومن ثلثي الباقي على تقدير كون الحمل أنثى ولو ترك زوجة حاملا وأخا شقيقا أو عما لا يعطي شيئا لاحتمال ذكورة الحمل
قوله ( ولذا حذفه ) أي حذف قوله ولو كان مع المفقود وارث الخ
قوله ( ويبيعهما ) في شرح الوهبانية عن القنية فقدت مولاها ولا تجد نفقة وخيف عليها الفاحشة فللقاضي أن يبيعها أو يؤجرها من امرأة ثقة وليس له تزويجها اه
والله سبحانه أعلم
كتاب الشركة قيل مشروعيتها ثابتة بالكتاب والسنة والمعقول
واختلفوا في النص المفيد لذلك
قال في الفتح ولا شك أن مشروعيتها أظهر ثبوتا إذ التوارث والتعامل بها من لدن رسول الله وهلم جرا متصل لا يحتاج فيه لإثبات حديث بعينه
قوله ( من حيث الأمانة ) فإن مال أحد الشريكين أمانة في يد الآخر كما أن مال المفقود أمانة في يد الحاضر
بحر
وجعل في الفتح هذه مناسبة عامة فيهما وفي الآبق واللقيط واللقطة
قوله ( بل قد تحقق في ماله ) هذه مناسبة خاصة بيانها أنه لو مات أبوه عنه وعن ابن آخر فإن مال المفقود من التركة على تقدير حياته مشترك أي مختلط مع مال أخيه
قوله ( بكسر فسكون في المعروف ) كذا في الفتح أي المشهور فيها كسر الشين
____________________
(4/298)
وسكون الراء
قال في النهر ولك فتح الشين مع كسر الراء وسكونها
قوله ( لغة الخلط ) قال في الفتح هي لغة خلط النصيبين بحيث لا يتميز أحدهما وما قيل اختلاط النصيبين تساهل لأنها اسم المصدر والمصدر الشرك مصدر شركت الرجل أشركه شركا فظهر أنها فعل الإنسان وفعله الخلط
وأما الاختلاط فصفة للمال تثبت عن فعلهما ليس له اسم من المادة وتمامه فيه
قلت لكن الشركة قد تتحقق بالاختلاط كما يأتي فيلزم أن لا يكون لها اسم
تأمل
إلا أن يقال إن أهل اللغة لا يسمونها شركة
قوله ( سمي بها العقد ) عبارة الزيلعي ثم يطلق اسم الشركة على العقد مجازا لكونه سببا له
قوله ( لأنها سببه ) الضمير الأول عائد إلى العقد بتأويل الشركة والثاني إلى الخلط اه ح
والأظهر تذكير الضميرين كعبارة الزيلعي أو يقول لأنه سببها أي لأن العقد سبب الشركة التي حقيقتها الخلط فالعلاقة السببية من إطلاق اسم المسبب على سببه
قال في الفتح فإذا قيل شركة العقد بالإضافة فهي إضافة بيانية
قوله ( وشرعا الخ ) ظاهر كلامهم اتحاد اللغوي والشرعي فإنها في الشرع تطلق على الخلط وكذا على العقد مجازا
تأمل
بدليل تقسيمهم لها إلى شركة عقد وشركة ملك
والثانية تكون بالخلط أو الاختلاط إلا أن يقال المراد تعريف شركة العقد فقط لأنها التي فصلت أنواعها إلى أربعة من مفاوضة وغيرها
تأمل
قوله ( في شركة العين ) أي الملك فإنها في مقابلة العقد الذي هو عرض غير عين وقوله اختلاطهما أي اختلاط المالين بحيث لا يتميز أحدهما وعبر بالاختلاط تبعا للفتح مع أن مقتضى ما مر التعبير بالخلط
تأمل قوله ( اللفظ المفيد له ) أي لعقد الشركة وهو الإيجاب والقبول ولو معنى كما سيأتي
قوله ( كون الواحد الخ ) كذا في البحر عن المحيط
والظاهر أن المراد بالواحد المعقود عليه احترازا عن المباحات والنكاح والوقف لما سيأتي من قوله وشرطها كون المعقود عليه قابلا للوكالة فإن المراد من قبوله الاشتراط
قوله ( وهي ضربان ) أي الشركة من حيث هي لا بقيد كونها شركة عقد ففيه شبه الاستخدام وإلا كان من تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره
قوله ( شركة ملك ) أي اختصاص فالإضافة بمعنى الباء كما في المغرب
قهستاني
قوله ( أو حفظا ) دخوله في الملك المفسر بالاختصار ظاهر والمقصود بيان اشتراكهما في الحفظ وثبوت الحق لهما الواحد فقط ولا يلزم من ذكر مسألة في باب جريان جميع أحكام الباب فيها كالدين المشترك فإنه لا تجري فيه جميع أحكام العين فافهم
قوله ( هبه الريح ) حقه أن يقال هبت به الريح لما في القاموس الهب والهبوب ثوران الريح وهبه هبا وهبة بالفتح وهبة بالكسر قطعة اه
فقد جعل المتعدي بمعنى القاطع وهو غير مراد هنا كما لا يخفى
مطلب الحق أن الدين يملك قوله ( على ما هو الحق ) ذكر من شركة الأملاك الشركة في الدين فقيل مجاز لأن الدين وصف شرعي لا يملك
وقد يقال بل يملك شرعا ولذا جاز هبته ممن عليه
وقد يقال إن الهبة مجاز عن الإسقاط ولذا لم تجز من غير من عليه
والحق ما ذكروا من ملكه ولذا ملك ما عنه من العين
____________________
(4/299)
الاشتراك حتى لو دفع الخ اه
وقوله ملك ما عنه الخ أي لو صالح أحدهما عن نصيبه على عين كثوب مثلا ملكه مشتركا بينه وبين الآخر وتمامه في الصلح قبيل التخارج
قوله ( وإن من حيل اختصاصه ) أي اختصاص الآخذ بما أخذ دون شريكه وهذه الحيلة مذكورة في الفتح أيضا وسيأتي غيرها في الصلح
قوله ( بإرث ) متعلق بقوله يملك متعدد ط
قوله ( بأي سبب كان الخ ) هو مفهوم قوله بإرث أو بيع فإن الأول جبري والثاني اختياري ومن الأول ما لو اختلط مالهما بلا صنع من أحدهما ومن الثاني ما لو ملكا عينا بهبة أو استيلاء على مال حربي أو خلطا ما لهما بحيث لا يتميز كما يأتي أو قبلا وصية بعين لهما كما في البحر
قوله ( ولو متعاقبا ) مرتبط بقوله أن يملك متعدد ط
قوله ( ثم أشرك فيه آخر ) سيذكر المصنف مسألة الإشراك آخر الشركة
قوله ( في الامتناع ) الأولى حذفه لأنه أجنبي في التصرف لا في الامتناع عنه إلا أن يقال قوله أجنبي أي كأجنبي ويكون هذا بيانا لوجه الشبه ط
قوله ( عن تصرف مضر ) احترز به الغير المضر كالانتفاع ببيت وخادم وأرض في غيبة شريكه على ما سيأتي بيانه
قوله ( فصح له بيع حصته ) تفريع على التقييد بمال صاحبه ط
قوله ( إلا في صورة الخلط ) والاختلاط فإنه لا يجوز البيع من غير شريكه بلا إذنه
والفرق أن الشركة إذا كانت بينهما من الابتداء بأن اشتريا حنطة أو ورثاها كانت كل حبة مشتركة بينهما فبيع كل منهما نصيبه شائعا جائز من الشريك والأجنبي بخلاف ما إذا كانت بالخلط أو الاختلاط كان كل حبة مملوكة بجميع أجزائها ليس للآخر فيها شركة فإذا باع نصيبه من غير الشريك لا يقدر على تسليمه إلا مخلوطا بنصيب الشريك فيتوقف على إذنه بخلاف بيعه من الشرك للقدرة على التسلم اه
فتح وبحر
قلت ومثل الخلط والاختلاط بيع ما فيه ضرر على الشريك أو البائع أو المشتري كبيع الحصة من البناء أو الغراس
وبيع بيت معين من دار مشتركة كما يأتي تحريره
قوله ( بفعلهما ) احتراز عما إذا كان بفعل أحدها بلا إذن الآخر فإن الخالط يملك مال الآخر ويكون مضمونا عليه بالمثل للتعدي
قوله ( كحنطة بشعير ) ومثله حنطة بحنطة بالأولى لتعزر التمييز وفي الأول يتعسر
قوله ( وكبناء وشجر وزرع مشترك ) صنيعه يقتضي أن هذا من قبيل الخلط وليس كذلك وإنما توقف البيع فيه من الأجنبي على إذن شريكه لتضرر الشريك بالقلع والهدم كما سيأتي تفصيله اه ح
قلت ويمكن الجواب بأن قوله وكبناء معطوف على قول المصنف في صورة الخلط فيكون استثناء صورة أخرى وهي ما في بيعه ضرر كما قلنا
قوله ( ونحوه في فتاوى ابن نجيم ) أي في كتاب البيع حيث أفتى بأنه لو باع أحد الشريكين في البناء حصته لأجنبي لا يجوز ولشريكه جاز وأفتى أيضا بأنه لو باع حصته من الزرع لأجنبي بلا رضا شريكه لا يجوز ومفاده تقييد الأول أيضا بما إذا لم يرض الشريك أفاده ح
وفي الخيرية صرحوا بأن بيع الحصة في البناء والغرس لغير الشريك لا يجوز
قوله ( وفيها بعد ورقتين أن المبطخة كذلك ) ونصه سئل
____________________
(4/300)
في مبطخة بين شريكين باع أحدهما حصته لأجنبي بثمن معلوم بدون رضا شريكه هل يجوز البيع أم لا أجاب لا يجوز البيع اه
والمراد بالمبطخة البطيخ المزروع لا أرض البطيخ إذ بيعه مع الأرض جائز والمراد أيضا ما إذا باعه قبل النضج لإن فيه ضررا على الشريك بالقطع
قال في جامع الفصولين باع نصيبه من المبطخة برضا شريكه فلو ضره لقطع لم يجز البيع ونصيب البائع المشتري ما لم يفسخ البيع ولشريكه أن لا يرضى بعد الإجازة إذ في قلعه ضرر والإنسان لا يجبر على تحمل الضرر اه
ومفاده أن البيع فاسد قبل الفسخ لقوله ونصيب البائع للمشتري الخ يعني إذا قبض المبيع
مطلب مهم في بيع الحصة الشائعة من البناء أو الغراس قوله ( لكن فيها الخ ) أفتى بمثله في الفتاوى الخيرية واستند إلى ما في فتاوى ابن نجيم وبين وجه ذلك حيث قال سئل فيما إذا باع أحد الشركاء حصته في الغراس في الأرض المحتكرة من أجنبي وأعلمه بما على الحصة من الحكر هل يجوز بيعه لكونه لا مطالب له بالقلع فلا يتضرر أم لا أجاب نعم يجوز بيعه لعدم الضرر بعدم التكليف بالقلع
ففي فتاوى الشيخ زين بن نجيم إذا باع أحد الشريكين في البناء والغراس في الأرض المحتكرة حصته من أجنبي هل يجوز البيع منه أم لا أجاب نعم يجوز وكذا من الشريك واللع أعلم اه
ووجه عدم المطالبة في الأرض المحتكرة بالقلع كما هو ظاهر اه
ما في الخيرية
وبه ظهر أنه لا مخالفة بين هذا وما تقدم لأن مناط الفساد حصول الضرر فافهم
ولذا قال الطرطوسي بعد كلام فتحرر لنا من هذه النقول أن بيع الحصة من الزرع والثمرة والمبطخة بغير الأرض من الأجنبي أو من أحد شريكيه لا يجوز فلو رضي الشريك قيل لا يجوز أيضا وقيل يجوز
ويظهر لي التوفيق بحمل الأول على ما إذا قصد المشتري إجبار الشريك على القلع والثاني على ما إذا لم يقصد ذلك ويفهم هذا التوفيق من تعليل المحيط لعدم الجواز بقوله لأن فيه ضررا والإنسان لا يجبر على تحمل الضرر وإن رضي به اه
كما قالوا فيما إذا باع نصف زرعه من رجل لا يجوز لأن المشتري يطالبه بالقلع فيتضرر البائع فيما لم يبعه وهو النصف الآخر كبيع الجذع في السقف
ثم إذا طلب المشتري القلع لا يجاب إليه نظرا للشريك لكن إن طلب هو أو البائع النقض فسخ البيع لأنه فاسد وإن سكت إلى وقت الإدراك انقلب جائزا لزوال المانع وذكر في الخانية أن نصيب البائع يكون للمشتري ما لم ينقض البيع اه
وأما بيع هذه المذكورات من الشريك كأرض بينهما فيها زرع لهما لم يدرك فباع أحدهما نصيبه من الزرع لشريكه بدون الأرض ففي رواية يجوز وفي أخرى لا وعليها جواب عامة الأصحاب ولكنها تحمل على ما فيه ضرر بالقلع كبيع رب الأرض من الأكار حصته من الزرع أو الثمرة فلا يجوز لأنه يكلف الأكار القلع فيتضرر
أما لو باع الأكار لرب الأرض فإنه يجوز اتفاقا والدليل قول المحيط لأن البائع يطالبه بالقلع ليفرغ نصيبه من الأرض ولا يمكن ذلك إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري فيما لم يشتره وهو نصيب نفسه اه
كلام الطرسوسي ملخصا
ثم حرر أن حكم الغراس كالزرع وهذا كله فيما إذا لم يدرك الزرع والثمر وإلا جاز لعدم الضرر بالقلع كما سيذكره الشارح عن الفتاوى إذا بلغت لأشجار أوان القطع جاز الشراء وإلا فسد ومثله الزرع كما في بيوع البحر عن الولوالجية
____________________
(4/301)
والحاصل أن ما بلغ أوان قطعه يصح بيع الحصة منه للشريك ولغيره ولو بلا إذن الشريك لعدم الضرر وإلا لم يجز بيعه من الأجنبي بلا إذن الشريك فلو بإذنه لم يجز إن كان مراد المشتري إجبار الشريك على القلع وإلا بأن سكت إلى وقت الإدراك يجوز وعلى هذا ما كان في الأرض المحتكرة لأنه معد للبقاء لا للقطع فلا يتضرر أحدهما فلو أراد القطع قبل بلوغ أوانه لا يجاب إلى ذلك وإذا طلب أحدهما فسخ البيع يجاب لأنه فاسد وإنما ينقلب جائزا إذا سكت إلى وقت الإدراك
وأما البناء فذكر الطرسوسي أنه إما أن تكون الأرض لهما أو لغيرهما أو لأحدهما فإن كانت لهما ففي المحيط أنه لو باع أحدهما حصته من البناء فقط لأجنبي لم يجز ولو بإذن الشريك لأن للبائع مطالبته بالهدم وكذا لو كان الكل له فباع نصفه من رجل لأن المشتري يطالبه بالهدم فيتضرر البائع فيما لم يبعه
ولو باع من شريكه في رواية جاز وفي أخرى لا واختارها أبو الليث لأن البائع يطالبه بتفريغ نصيبه من الأرض
وإن كانت الأرض لغيرهما ففي البدائع والخلاصة لو باع الأجنبي لم يجز لأنه لا يمكنه تسليمها إلا بضرر وهو نقض البناء ومقتضاه أنه لشريكه يجوز لكن ينبغي حمله على ما لا ضرر فيه كما لو استعارها للبناء مدة ومضت المدة لأن البائع لا حق له في الأرض فلا يمكنه مطالبة المشتري بالقلع بخلاف الأرض المستأجرة لبقاء حقه في الأرض إلا أن يؤجره نصيبه منها قبل البيع وكذا لو كانت الأرض مغصوبة لأن البناء غير مستحق للبقاء بل للقلع فهو كالمقلوع حقيقة فيصح بيعه ولو لأجنبي ومثله الأحكار التي يدفع لها كل سنة مبلغ معلوم بلا إجارة شرعية فينبغي أن يكون كالمغصوبة لأنه مستحق للقلع وإن كانت الأرض لأحدهما فإن باع أحدهما لأجنبي لا يجوز وإن لشريكه ينبغي الجواز سواء كان البائع صاحب الأرض أو الآخر لأن البناء هنا لا يكون إلا بطريق الإباحة فهو مستحق القلع بخلاف الزرع في أرض أحدهما فإنه بطريق المزارعة وهي عقد لازم فالزرع مستحق البقاء فلذا لم يصح بيع صاحب الأرض حصته في الزرع للمزارع وصح العكس لعدم الضرر هذا خلاصة ما حرره الطرطوسي في أنفع الوسائل
قلت والعرف الآن في العمارة أنها تبنى في أرض الوقف أو أرض بيت المال بعد استئجار أرض الوقف مدة طويلة على مذهب من يراها فإذا باع حصته من البناء لأجنبي بعدما أحكره الحصة من الأرض أو فرغ له عن حق تصرفه في الأرض السلطانية بإذن المتكلم عليها صح لعدم الضرر وكذا لو تأخر الإحكار أو الفراغ عن البيع لارتفاع المفسد كما مر فيما لو باع حصته من الشجر قبل الإدراك ولم يطلب القلع إلى الإدراك وعلى هذا فما مر عن البدائع والخلاصة من عدم الجواز للأجنبي ينبغي حمله على ما إذا كانت الأرض مستعارة بقرينة التعليل وذلك لأن المشتري غير مستعير ولا بد من تسليم المبيع فلا بد من الهدم وفيه ضرر على الشريك بخلاف ما إذا كانت في أرض وقف أو أرض سلطانية لأنه يمكنه تسليم المبيع مع الأرض فيقوم المشتري مقام البائع إذا كان قصده إبقاء البناء وتزول علة الفساد التي ذكرها وهذا ما استند إليه الخير الرملي في علة الجواز تبعا لابن نجيم كما مر لكنه سوى بين الغراس والبناء فيحمل ما مر من عدم الجواز في الغراس الذي لم يبلغ أوان القطع على ما إذا كانت الأرض للبائع وقد استوفينا الكلام على هذه المسائل في كتابنا العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية فراجعه
قوله ( فتنبه ) أشار به إلى وجه التوفيق الذي ذكرناه بين كلامي ابن نجيم
قوله ( فلا يجوز بيعه إلا بإذنه ) راجع إلى قوله إلا في صورة الخلط وما بعده اه ح
وقد سقط في بعض النسخ من هنا إلى قوله والاختلاط
قوله ( فللآخر أن يبطل البيع ) كذا في غالب كتب المذهب معللين بتضرر الشريك بذلك عند القسمة إذ لو صح في نصيبه لتعين
____________________
(4/302)
نصيبه فيه فإذا وقعت القسمة للدار كان ذلك ضررا على الشريك إذ لا سبيل إلى جمع نصيب الشريك فيه والحال هذه لأن نصفه للمشتري ولا جمع نصيب البائع فيه لفوات ذلك ببيعه النصف وإذا سلم الأمر من ذلك انتفى ذلك وسهل طريق القسمة كذا في الخيرية من البيع
قوله ( باع أحدهما نصيبه ) أي من البناء فقط كما هو صريح العمادية أما بيع النصيب من الدار بتمامها فلا مانع من جوازه
أفاده ح
قوله ( بشرط القلع أو الهدم ) أي قلع الأخشاب أو هدم البناء والعمارة
والذي في ح عن العمادية والهدم بالواو
قوله ( كشرط إجارة في البيع ) أي كما لو باع البناء واشترط عليه إجارة الأرض وهو مفسد للعقد لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين
قوله ( باع أحدهم نصيبه ) أي من الشجر وبه عبر في شرح الملتقى ط
قوله ( قد انتهت أوان القطع ) الأولى قد انتهى أوان قطعها وهذا إنما يظهر في شجر يراد منه القطع بخلاف ما يراد منه الثمر ط
قوله ( حتى لا يضرها ) أي لا يضر الأشجار
وفي نسخة لا يضرهما بضمير التثنية أي لا يضر الشريك والمشتري
قوله ( وللمشتري أن يقطع ) أي بعد القسمة ط
قوله ( وفي النوازل ) هو عين ما في الفتاوى ط لكن أعاده لأن فيه التصريح بقوله بلا أرض وبقوله بلا إذن شريكه
ومفاده أنه لو باع نصيبه من الأرض والشجر يصح وإن لم يبلغ أوان القطع لأنه ليس لأحدهما أن يطالب شريكه بالقلع لأن ما تحته ملكه فلا يتضرر أحدهما كما في أنفع الوسائل عن المحيط وأنه لو باع بإذن شريكه أو من الشريك نفسه أنه يصح أيضا وتقدم الكلام عليه
قوله ( وفيها الخ ) هي مسألة الواقعات ط
قوله ( والاختلاط بلا صنع من أحدهما ) كما إذا انشق الكيسان فاختلط ما فيهما من الدراهم ط عن الشلبي
قوله ( لعدم شيوع الشركة الخ ) يشير إلى الفرق الذي قدمناه عن الفتح والبحر
قوله ( حيث يصح بيع حصته ) أي من غير شريكه ط
قوله ( كما بسطه المصنف في فتاويه ) حاصل ما بسطه هو ما قدمناه من ذكر الفرق بين المشترك بالخلط والاختلاط والمشترك بغيرهما كإرث ونحوه وأنه لا يشترط في صحة البيع الإقرار عند التسليم لاتفاقهم على صحة بيع مشاع لا يمكن إفرازه كالحمام والطاحون والعبد والدابة
قوله ( ثم الظاهر أن البيع ) أي الواقع في قول المصنف فصح له بيع حصته الخ وهذا مأخوذ من البحر لكن إخراج المشترك عن الملك بهبة يشترط له كونه غير قابل للقسمة كبيت صغير وحمام وطاحون أما قابلها فلا يصح ما لم يقسم فيصير كالمشترك بخلط أو اختلاط وبعد القسمة لا حاجة إلى إذن الشريك
____________________
(4/303)
تأمل
قوله ( وتمامه في الرسالة المباركة إلى قوله وأما الانتفاع ) ساقط من بعض النسخ
قال في النهر وباقي الأحكام في الأشياء المشتركة بيناه مستوفي في الرسالة المباركة في الأشياء المشتركة فعليك بها تزدد بها بهاء فإنها لمن ابتلي بالإفتاء نافعة وأنوار القبول عليها ساطعة
قوله ( وزاد الواني ) أي محشي الدرر حيث قال قوله إلا في صورة الخلط الاختلاط اعترض عليه بأنه ينبغي أن يشير إلى استثناء صورة الشفعة أيضا فإنهما لو ورثا أرضا لا يجوز أن يبيع أحد الوارثين حصته من الأرض من غير شريكه إلا بإذنه ولا يخفى أن هذه الصورة غير خارجة عن صورة الاختلاط اه
وفيه تأمل
بل هذه الصورة من الشركة بسبب جبري فإذا آلت إليهما بالإرث جاز لكل التصرف في حصته وإن كان لشريكه الشفعة ط
قلت ويؤيده أن قوله إلا في صورة الخلط والاختلاط استثناء من صحة البيع بلا إذن الشريك
وحاصله توقف الصحة على إذن الشريك وهذا لا يتأتى في الشفعة فإن بيع الحصة من الدار صحيح وإن كان للشريك حق التملك بالشفعة فإنه إذا ادعى الشفعة يتملكها ملكا جديدا وإن سكت يبقى ملك المشتري على حاله سواء أذن أو لا
قوله ( وأما الانتفاع الخ ) محترز قوله عن تصرف مضر
قوله ( ففي بيت وخادم الخ ) قال في جامع الفصولين وفي الكرم يقوم عليه فإذا أدركت الثمرة يبيعه ويأخذ حصته ويقف حصة الغائب فإذا قدم الغائب أجاز بيعه أو ضمنه القيمة ولو أدى الخراج فمتبرع
أرض بينهما زرع أحدهما كلها تقسم الأرض بينهما فما وقع في نصيبه أقر وما وقع في نصيب شريكه أمر بقلعه وضمن نقصان الأرض هذا إذا لم يدرك الزرع فلو أدرك أو قرب يغرم الزارع لشريكه نقصان نصفه لو انتقصت لأنه غاصب في نصيب شريكه اه
قلت هذا إذا كان الشريك حاضرا كما قيده في الخانية لأن قسمة الأرض لا تكون مع الغائب ولأنه لا يكون غاصبا في صورة الغيبة وإلا لم يكن له زراعتها نعم يمكن كونه غاصبا لو كانت الزراعة تنقصها لقوله في الفصولين ويفتى بأنه لو علم أن الزرع ينفع الأرض ولا ينقصها فله أن يزرع كلها ولو حضر الغائب فله أن ينتفع بكل الأرض مثل تلك المدة لرضا الغائب في مثله دلالة ولو علم أن الزرع ينقصها أو الترك ينفعها ويزيدها قوة فليس للحاضر أن يزرع فيها شيئا أصلا إذ الرضا لم يثبت وكذا لو مات أحدهما فللشريك أن يزرع اه
قلت وفي القنية لا يلزم الحاضر في الملك المشترك أجر وليس للغائب استعماله بقدر تلك المدة لأن الميهأة بعد الخصومة اه
وهذا موافق لما سيأتي آخر الباب عن المنظومة المحبية لكنه مخالف لما مر ولما ذكره في تنوير البصائر عن الخانية أن الدار كالأرض وأن للغائب أن يسكن مثل ما سكن شريكه وأن المشايخ استحسنوا ذلك وهكذا روى عن محمد وعليه الفتوى اه
وسيأتي تمامه في الغصب
قوله ( ينتفع بالكل ) في الخانية للحاضر أن يسكن كل الدار بقدر حصته وفي رواية له أن يسكن منها قدر حصته ولو خاف أن تخرب الدار له أن يسكن كلها
والفرق بين الروايتين أن الرواية المشهورة أنه لو كان له نصف الدار مثلا يسكنها كلها مدة بقدر حصته كنصف سنة ويتركها نصف سنة
وعلى الرواية الثانية يسكن نصفها فقط وهذا إذا لم يخف خرابها بالترك فلو خاف يسكنها كلها دائما
وذكر في الفصولين وكذا في الخادم يستخدمه الحاضر بحصته ومقتضاه أنه يستخدمه يوما ويتركه يوما بقدر حصة الغائب فإطلاق الشارح في محل التقييد
قوله ( بخلاف الدابة ) لتفاوت الناس في الركوب
____________________
(4/304)
لا السكنى والاستخدام فصولين وهذا ظاهر إذا كان يسكن وحده أما لو كان له أولاد وعيال كثيرون لا شك أن السكنى تتفاوت أكثر من الركوب وكذا الاستخدام يتفاوت بكثرة الأعمال والأشغال فليتأمل
وأفاد في شرح الوهبانية أن المنع في الركوب خاصة لا في غيره كالحرث ونحو
قوله ( أي واقعة بسبب العقد ) أشار به إلى أن الإضافة من الإضافة إلى السبب وهي أقوى الإضافات وقد سلف عن الكمال أن الإضافة للبيان ط
قوله ( قابلة للوكالة ) يغني عنه قول المصنف بعد وشرطها كون المعقود عليه قابلا للوكالة ط
قوله ( الإيجاب والقبول ) كأن يقول أحدهما شاركتك في كذا ويقبل الآخر ولفظ كذا كناية عن الشيء أعم من أن يكون خاصا كالبز والبقل أو عاما كما إذا شاركه في عموم التجارات
بحر
قوله ( ولو معنى ) يرجع إلى كل من الإيجاب والقبول ط
قوله ( كما لو دفع له ألفا ) أي وقبل الآخر وأخذها وفعلا انعقدت الشركة
بحر
وقوله وأخذها عطف تفسير لأن المراد القبول معنى وهو بنفس الأخذ
مطلب شركة العقد قوله ( وشرطها الخ ) أفاد أن كل صور عقود الشركة تتضمن الوكالة وذلك ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما فيتحقق حكم عقد الشركة المطلوب منه وهو الاشتراك في الربح إذ لو لم يكن كل منهما وكيلا عن صاحبه في النصف وأصيلا في الآخر لا يكون المستفاد مشتركا لاختصاص المشتري بالمشتري
فتح
قوله ( كاحتطاب ) واحتشاش واصطياد وتكد فإن الملك في كل ذلك يختص بمن باشر السبب
فتح
قوله ( وحكمها الشركة في الربح ) الواو للحال ط أي فيلزم انتفاء حكمها لو لم يربح غير المسمى ويحمل كون الواو للعطف على قوله وشرطها
مطلب اشتراط الربح متفاوتا صحيح بخلاف اشتراط الخسران تنبيه ويندب الإشهاد عليها وذكر محمد كيفية كتابتهم فقال هذا ما اشترك عليه فلان وفلان اشتراكا على تقوى الله تعالى وأداء الأمانة ثم يبين قدر رأس مال كل منهما ويقول ذلك كله في أيهما يشتريان به ويبيعان جميعا وشتى ويعمل كل منهما برأيه ويبيع بالنقد والنسيئة وهذا وإن ملكه كل بمطلق عقد الشركة إلا أن بعض العلماء يقول لا يملكه إلا بالتصريح به ثم يقول فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما وما كان من وضيعة أو تبعة فكذلك ولا خلاف أن اشتراط الوضيعة بخلاف قدر رأس المال باطل واشتراط الربح متفاوتا عندنا صحيح فيما سيذكر فإن اشترطا التفاوت فيه كتباه كذلك ويكتب التاريخ كي لا يدعي أحدهما لنفسه حقا فيما اشتراه الآخر قبل التاريخ
فتح
قوله ( وهي ) أي شركة العقد وقوله أربعة خبر عنه وقول المصنف إما مفاوضة مع ما عطف عليه بدل منه
تأمل
قوله ( وكل من الأخيرين ) أي التقبل والوجوه فهي حينئذ ستة ولا يخفى ما فيه من الركاكة فكان
____________________
(4/305)
عليه أن يقول وهي ستة شركة بالمال وبالأعمال ووجوه وكل إما مفاوضة أو عنان كما قال الشيخان الطحاوي والكرخي وجرى عليه الزيلعي وغيره نعم ما فعله الشارح حسن من حيث إن قول المصنف إما مفاوضة وإما عنان خاص بشركة المال بدليل قوله بعده وإما تقبل وأما وجوه فقد دفع ما يوهمه المتن من أن الأخيرين لا يكونان مفاوضة ولا عنانا فافهم
وسنذكر أن شروط المفاوضة في المواضع الثلاثة مختلفة وأن الظاهر أنها في الأخيرين مجاز
مطلب في شركة المفاوضة قوله ( من التفويض ) أي من الفوض الذي منه فاض الماء إذا عم
فتح
ولذا قال في الهداية لأنها شركة عامة في جميع التجارات
وفي القاموس المفاوضة الاشتراك في كل شيء المساواة اه
لكنها في الاصطلاح أخص لأنه لا يلزم فيها مساواتهما في العقار والعروض كما أفاده ط
قوله ( إن تضمنت وكالة وكفالة ) أي بأن يكون كل واحد منهما فيما وجب لصاحبه بمنزلة الوكيل وفيما وجب عليه بمنزلة الكفيل عنه خانية
وقد اعترض ذكر الوكالة بأنه لا فائدة فيه لأنه لا يختص المفاوضة
وأجاب في النهر بأنه لا بدع في ذكر شرط الشيء وإن كان شرطا لآخر اه
على أن الشرط مجموع الوكالة والكفالة وهذا خاص بالمفاوضة
قوله ( لصحة الوكالة بالمجموع ضمنا ) جواب عما أورد من أن الوكالة بالمجهول لا تصح
وأورد أيضا أن الكفالة لا تصح بدون قبول المكفول له وهو هنا مجهول
وأجيب بمثل ما أجاب به الشارح فكان عليه أن يذكر الكفالة أيضا لكن قال في البحر عقب الجواب المذكور على أن الفتوى في الكفالة على الصحة أي بلا توقف على القبول وسبقه إلى هذا في الدرر فالاعتراض بها ساقط من أصله فلذا لم يذكرها الشارح لكن فيه اشتباه وهو أن الواقع هنا جهالة المكفول له
ولا خلاف في أن العلم به شرط وإنما الخلاف في اشتراط قبول الكفالة فقيل يشترط وعليه المتون وصححوه وقيل غير شرط وصحح أيضا
قوله ( تصح به الشركة ) صفة لقوله مالا احترز به عما لو اختص أحدهما بملك عرض أو عقار كما يأتي أو دين كما في الخانية أي قبل قبضه فلو قبضه بطلت وانقلبت عنانا إذ تشترط المساواة ابتداء وبقاء كما يأتي
قوله ( كما حققه الواني ) أخذا من كونها عبارة عن المساواة في جميع ما تتعلق به الشركة وقال فلذا لم يتعرضوا له
قلت في الخانية ويشترط المساواة في الربح أيضا
قوله ( يستلزم في الدين ) لأن الكافر إذا اشترى خمرا أو خنزيرا لا يقدر المسلم أن يبيعه وكالة من جهته فيفوت شرط التساوي في التصرف
ابن كمال
قوله ( مع الكراهة ) لأن الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود
يزلعي
قوله ( ومسلم وكافر ) أفاد أنها تصح بين ذميين كنصراني ومجوسي كما في الخانية
قوله ( لعدم المساواة ) فإن العبد لا يملك التصرف والكفاية إلا بإذن المولى بخلاف الحر والصبي لا يملك الكفالة أصلا ويملك التصرف بإذن الولي بخلاف البالغ والكافر يقدر على تمليك الخمر وتملكها بخلاف المسلم
____________________
(4/306)
أفاده في الدر والنهر
وفي عبارة ح هنا سقط فتنبه
قوله ( وأفاد ) أي بالدلالة الأولوية
قوله ( لعدم أهليتهما للكفالة ) أي ولو بإذن الولي
نهر
قوله ( ولا مأذونين ) ولا مكاتبين نهر ولا بين حر ومكاتب ولا بين مجنون وعاقل
ح عن الهندية
قوله ( لتفاوتهما قيمة ) أي فإنهما وإن كانا أهلا للكفالة بالإذن إلا أنهما يتفاضلان فيها لأنهما يتفاوتان قيمة فلم يتحقق كون كل منهما كفيلا بجميع ما لزم صاحبه
نهر
لأنه إذا استغرق الدين رقبتهما يتعلق بقيمتهما فيلزم مطالبة الأكثر قيمة بأكثر من الآخر
قوله ( ولا يشترط ذلك في العنان ) جملة حالية احترز بها عما يشترط في العنان أيضا كعدم اشتراط دراهم معلومة من الربح لأحدهما فلا تكون عنانا أيضا
قوله ( كما مر ) في قوله وإن صحت عنانا ح
قوله ( لاستجماع شرائطه ) أي شرائط العنان
قوله ( كما سيتضح ) أي في قوله فتصح من أهل التوكيل وإن لم يكن أهلا للكفالة ح
قوله ( لتساويهما ملة الخ ) جواب عما استدل به لأبي يوسف على جوازها بين مسلم وكافر بإبداء الفارق
قال في الفتح وأما الحنفي والشافعي فالمساواة بينهما ثابتة لأن الدليل على كونه ليس مالا متقوما قائم وولاية الإلزام بالمحاجة ثابتة باتحاد الملة والاعتقاد فلا يجوز التصرف فيه للشافعي كالحنفي اه أي بخلاف الكافر فإن الدليل على منع بيع الخمر والخنزير وإن كان قائما لكنه لم يلتزم ملتنا حتى نلزمه بالدليل
قوله ( وإن لم يعرفا معناها ) لأن لفظها علم على تمام المساواة في أمر الشركة فإذا ذكراه تثبت أحكامها إقامة للفظ مقام المعنى
فتح
قوله ( أو بيان جميع مقتضياتها ) بأن يقول أحدهما وهما حران بالغان مسلمان أو ذميان شاركتك في جميع ما أملك من نقد وقدر ما تملك على وجه التفويض العام من كل منا للآخر في التجارات والنقد والنسيئة وعلى أن كلا ضامن عن الآخر ما يلزمه من أمر كل بيع
فتح
مطلب فيما يقع كثيرا في الفلاحين ما صورته شركة مفاوضة تنبيه يقع كثيرا في الفلاحين ونحوهم أن أحدهم يموت فتقوم أولاده على تركته بلا قسمة ويعملون فيها من حرث وزراعة وبيع وشراء واستدانة ونحو ذلك وتارة يكون كبيرهم هو الذي يتولى مهماتهم ويعملون عنده بأمره وكل ذلك على وجه الإطلاق والتفويض لكن بلا تصريح بلفظ المفاوضة ولا بيان جميع مقتضياتها مع كون التركة أغلبها أو كلها عروض لا تصح فيها شركة العقد ولا شك أن هذه ليست شركة مفاوضة خلافا لما أفتى به في زماننا من لا خبرة له بل هي شركة ملك كما حررته في تنقيح الحامدية
ثم رأيت التصريح به بعينه في فتاوى الحانوتي فإذا كان سعيهم واحدا ولم يتميز ما حصله كل واحد منهم بعمله يكون ما جمعوه مشتركا بينهم بالسوية وإن اختلفوا في العمل والرأي كثرة وصوابا كما أفتى به في الخيرية وما اشتراه أحدهم لنفسه يكون له ويضمن حصة شركائه من ثمنه إذا دفعه من المال المشترك وكل ما استدانه أحدهم يطالب به وحده
وقد سئل في الخيرية من كتاب الدعوى عن إخوة أشقاء عائلتهم وكسبهم واحد وكل مفوض لأخيه جميع التصرفات ادعى أحدهم أنه اشترى بستانا لنفسه
فأجاب إذا قامت البينة على أنه من شركة المفاوضة تقبل وإن كتب في
____________________
(4/307)
صك التبايع أنه اشترى لنفسه اه
ملخصا
ويأتي تمام الكلام في أول الفصل الآتي
قوله ( استحسانا ) والقياس أن يكون الطعام المشترى والكسوة المشتراة بينهما لأنهما من عقود التجارة فكان من جنس ما يتناوله عقد الشركة
زيلعي
قوله ( لأن المعلوم الخ ) لأن كلا منهما لم يقصد بالمفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه ولا يتمكن من تحصيل حاجته إلا بالشراء فصار كل منهما مستثنيا هذا القدر من تصرفه والاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء المشروط
درر
قوله ( ما كان من حوائجه ) شمل شراء بيت السكنى والاستئجار للسكنى أو للركوب لحاجته كالحج وغيره وكذا الإدام
بحر
قوله ( ولو جارية للوطء ) لكن هنا لا يرجع شريكه عليه بشيء من ثمنها المؤدي من مال الشركة
قوله ( كما يأتي ) أي في الفصل الآتي
قوله ( أيهما شاء ) أي المشتري بالأصالة وصاحبه بالكفالة
درر
قوله ( بما أدى ) الأولى حذفه ليشمل ما لو أدى المشتري نعم يفهم ذلك دلالة
وفي ط عن الشليب قال في الينابيع وإن نقد الثمن من مال الشركة ضمن نصفه لصاحبه فإذا وصل إلى يده بطلت المفاوضة لأنه فضل مال شريكه والفضل في المال يبطل المفاوضة
قوله ( بقدر حصته ) بدل من قوله بما أدى
قوله ( إن أدى من مال الشركة ) وإن أدى من غيره وهو ملك له لا يرجع بطلت المفاوضة إن كان من جنس ما تصح فيه الشركة لأنه بدخوله في ملكه زاد ملكه وإلا فلا تبطل كما إذا دفع عرضا كما لا يخفى ط
قوله ( وكل دين لزم أحدهما الخ ) يستثنى ما إذا كان الدائن الشريك لما في الظهيرية لو باع أحدهما من صاحبه ثوبا ليقطعه قميصا لنفسه أو أمة ليطأها أو طعاما لأهله جاز البيع بخلاف ما إذا باعه شيئا من الشركة لأجل التجارة اه
ففي صورة الجواز لزمه الثمن ولم يلزم شريكه
أفاده في البحر
قلت ويكون الثمن نصفه له ونصفه لشريكه كما ذكره الحاكم في الكافي وإنما جاز البيع لأن ذلك مما يختص به المشتري فلا يقع مشتركا بينهما حيث اشتراه لنفسه بخلاف ما إذا اشتراه للتجارة فإنه لا يصح لأنه لا يفيد إذ لو صح عاد مشتركا بينهما كما كان ولهذا قال في الكافي وإن كان لأحدهما عبد ميراث فاشتراه الآخر للتجارة جاز وكان بينهما اه
ووجهه أن الشراء هنا مفيد لأنه لم يكن مشتركا قبل الشراء هذا ما ظهر لي
قوله ( بتجارة كثمن المشتري في بيع جائز وقيمته في فاسد سواء كان مشتركا أو لنفسه وأجرة ما استأجره لنفسه أو لحاجة التجارة وكذا مهر المشتراة الموطوءة لأحدهما إذا استحقت فللمستحق أن يأخذ أيهما شاء بالعقر لأنه وجب بسبب التجارة بخلاف المهر في النكاح ) بحر
قوله ( واستقراض ) هو ظاهر الرواية وليس لأحدهما الإقراض في ظاهر الرواية
بحر
وسيأتي تمام الكلام عليه
قوله ( وغصب ) المراد به ما يشبه ضمان التجارة فيدخل فيه الاستهلاك والوديعة المجحودة أو المستهلكة وكذا العارية لأن تقرر الضمان في هذه المواضع يفيد له تملك الأصل فيصير في معنى التجارة بحر
وعليه فالأولى أن يقول بتجارة أو ما يشبهها كاستقراض وغصب الخ وخرج ما لا يشبه ضمان التجارة كمهر وبدل خلع وجناية كما يأتي
قوله ( وكفالة بمال بأمره ) هذا قول الإمام
وقالا لا يلزم الآخر لأنها تبرع وله أنها تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء لأن للكفيل تضمين المكفول عنه لو كانت بأمره بخلاف كفالة النفس ولأنها تبرع ابتداء وانتهاء وكذا كفالة المال بلا أمر فلا يلزم صاحبه
____________________
(4/308)
في الصحيح لانعدام معنى المعاوضة تمامه في الفتح
قوله ( ولو لزومه ) أي لزوم ما ذكر من الثلاثة بإقراره
أي فإنه يكون عليهما لأنه أخبر عن أمر يملك استئنافه
بحر عن المحيط
وسنذكر في الفروع أن إقراره بالاستقراض يلزمه خاصة ويأتي تمامه وما ذكره من لزومه بالإقرار في شركة المفاوضة أما العنان فلا يمضي إقراره على شريكه بل على نفسه على تفصيل سنذكره عند قول المصنف لا إقراره بدين
قوله ( لمن لا تقبل شهادته له ) كأصوله وفروعه وامرأته
وعندهما يلزم شريكه أيضا إلا لعبده ومكاتبه
( بحر )
قوله ( ولو معتدته ) أي عن نكاح فلو أعتق أم ولده ثم أقر لها بدين يلزمهما وإن كانت في عدته لأن شهادته لها جائزة بخلاف المعتدة عن نكاح في ظاهر الرواية
بحر
قوله ( وخلع ) على تقدير مضاف أي بدل خلع كما لو عقدت امرأة شركة مفاوضة مع آخر ثم خالعت زوجها على مال لا يلزم شريكها وكذا لو أقرت ببدل الخلع
فتح
قوله ( وجناية ) أي أرش جناية على الآدمي أما الجناية على الدابة أو الثوب فيلزم شريكه في قول الإمام ومحمد لما أنه يملك المجنى عليه بالضمان
نهر عن الحدادي
قوله ( وكل ما لا تصح الشركة فيه ) كالصلح عن دم العمد وعن النفقة
بحر
قوله ( وفائدة اللزوم الخ ) بيان لوجه الفرق بين ما يلزم أحد الشريكين بمباشرة الآخر وما لا يلزمه
قوله ( أنه إذا ادعى على أحدهما ) أي ادعى عليه بيعا أو نحوه فله تحليف الآخر أي الذي لم يباشر العقد لكن يحلف المباشر على البت أي القطع بأن يحلف إني ما بعتك مثلا لأنه فعل نفسه ويحلف الآخر على العلم بأن يحلف إني لا أعلم أن شريكي باعك وإنما يحلف الآخر لأن الدعوى على أحدهما دعوى عليهما
قال في البحر ولو ادعى عليهما يستحلف كل واحد البتة لأن كل واحد منهما يستحلف على فعل نفسه فأيهما نكل عن اليمين يمضي الأمر عليهما لأن إقرار أحدهما كإقرارهما اه
وهذا لو كان كل من المدعى عليهما مباشرين كما يفيده التعليل فلو كان المباشر أحدهما يحلف الآخر على العلم لأنه فعل غيره كما لا يخفى
قوله ( ولو ادعى على الغائب ) أي على فعل الغائب بأن ادعى على الحاضر بأن شريكك الغائب باعني كذا
قوله ( له تحليف الحاضر على علمه ) لأنه فعل غيره
بحر
قوله ( له تحليفه البتة ) لأنه يستحلفه على فعل نفسه
بحر
قال ح أي اليمين البتة فالبتة قائم مقام المفعول المطلق المحذوف قيام الصفة مقام الموصوف اه
قال في البحر ولو ادعى على أحدهما أرش جراحة خطأ واستحلفه البتة لم يكن له تحليف الآخر وكذا المهر والخلع والصلح عن دم العمد لأن هذه الأشياء غير داخلة تحت الشركة فلا يكون فعل أحدهما كفعلهما
قوله ( وبطلت إن وهب الخ ) لو قال وبطلت إن ملك أحدهما الخ لكان أخصر وأفود لشموله ما ذكره الشارح من الصدقة والإيصاء
ط عن أبي السعود
قوله ( مما يجيء ) أي في قوله ولا تصح مفاوضة وعنان بغير النقدين الخ ط
قوله ( ووصل ليده ) مقتضاه اشتراط ذلك في الموروث أيضا
ورده في الشرنبلالية بأن الملك حصل بمجرد موت المورث اه ح
وهو محمول على النقد العين بخلاف الدين لقول الزيلعي ولو ورث أحدهما دينا وهو دراهم أو دنانير لا تبطل حتى تقبض لأن الدين لا تصح الشركة فيه
أفاده ط عن أبي السعود
قوله ( كعرض ) أدخلت الكاف الديون فإنها لا تبطل بها إلا بالقبض
ط عن البحر
قوله ( بما ذكر ) أي بملك
____________________
(4/309)
أحدهما ما تصح فيه الشركة ط
قوله ( صارت عنانا ) لعدم اشتراط المساواة فيها
ط عن المنح
قوله ( ذكر فيهما المال ) لا حاجة إليه لأن الكلام في شركة الأموال اه ح
أي لما قدمنا من أن قوله إما مفاوضة وإما عنان خاص بشركة المال بدليل عطفه عليه قوله وتقبل ووجوه
وقد تابع الشارح النهر والدرر
قوله ( بغير النقدين ) فلا تصحان بالعرض ولا بالمكيل والموزون والعدد المتقارب قبل الخلط بجنسه وأما بعده فكذلك في ظاهر الرواية فيكون المخلوط شركة ملك وهو قول الثاني
وقال محمد شركة عقد وأثر الخلاف يظهر في استحقاق المشروط من الربح وأجمعوا أنها عند اختلاف الجنس لا تنعقد
نهر
قوله ( والفلوس النافقة ) أي الرائجة وكان يغني عنه ما بعده من التقييد بجريان التعامل والجواز بها هو الصحيح لأنها أثمان باصطلاح الكل فلا تبطل ما لم يصطلح على ضده
نهر
قوله ( والتبر والنقرة ) في المغرب التبر ما لم يضرب من الذهب والفضة والنقرة القطعة المذابة منهما اه
زاد في المصباح وقيل الذوب هي التبر فما ذكره الشارح يصلح تفسيرا لهما لأخذ عدم الضرب في كل منهما لكن الفرق بينهما أن التبر لم يذب في النار
تأمل
قوله ( إن جرى التعامل بهما ) قيد بذلك زيادة على ما في الكنز ليوافق الرواية المصححة كما أوضحه في البحر
قوله ( وصحت ) أي شركة الأموال سواء كانت مفاوضة أو عنانا بقرينة قوله ثم عقداها مفاوضة أو عنانا ط
قوله ( إن باع كل منهما الخ ) لأنه بالبيع صار بينهما شركة ملك حتى لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر ثم بالعقد بعده صارت شركة عقد فيجوز لكل منهما التصرف
زيلعي
قوله ( بنصف عرض الآخر ) وكذا لو باعه بالدراهم ثم عقد الشركة في العرض الذي باعه جاز أيضا
زيلعي وبحر
وقوله الذي باعه يعني الذي باع نصفه بالدراهم
قوله ( وهذا ) أي بيع النصف بالنصف
قوله ( بقدر ما تثبت به الشركة ) أوضحه في النهاية بأن تكون قيمة عرض أحدهما أربعمائة وقيمة عرض الآخر مائة فإنه يبيع صاحب الأقل أربعة أخماس عرضه بخمس عرض الآخر فيصير المتاع كله أخماسا ويكون الربح كله بينهما على قدر رأس ماليهما اه
ورده الزيلعي بأن هذا الحمل غير محتاج إليه لأنه يجوز أن يبيع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر وأن تفاوتت قيمتهما حتى يصير المال بينهما نصفين وكذا العكس جائز وهو ما إذا كانت قيمتهما متساوية فباعاه على التفاوت بأن باع أحدهما ربع ماله بثلاثة أرباع مال الآخر فعلم بذلك أن قوله باع نصف ماله الخ وقع اتفاقا أو قصدا ليكون شاملا للمفاوضة والعنان لأن المفاوضة شرطها التساوي بخلاف العنان اه
وأقره في البحر ولا يخفى ما فيه فإن ما صوره في النهاية هو الواقع عادة لأن صاحب الأربعمائة مثلا لا يرضى في العادة ببيع نصف عرضه بنصف عرض صاحب المائة حتى يصير العرضان بينهما نصفين وإن أمكن ذلك لكن مطلق الكلام يحمل على المتعارف ولذا حملوا ما في المتون من بيع النصف بالنصف على ما إذا تساويا قيمة فافهم
قوله ( اتفاقي ) أي لم يقصد ذكره لفائدة وقد علمت أن فائدته موافقته للعادة وشموله للمفاوضة أي نصا بخلاف ما إذا قال باع بعض عرضه ببعض عرض الآخر فإنه وإن شمل المفاوضة أيضا
____________________
(4/310)
لكن لا يشملها إلا إذا أريد بالبعض النصف دون الأقل والأكثر فافهم نعم هو اتفاقي بالنظر إلى جواز بيع نصفه بالدراهم كما مر
مطلب لا تصح الشركة بمال غائب قوله ( ولا تصح بمال غائب ) بل لا بد من كونه حاضرا والمراد حضوره عند عقد الشراء لا عند عقد الشركة فإنه لو لم يوجد عند عقدها يجوز ألا ترى أنه لو دفع إلى رجل ألفا وقال أخرج واشتر بها والحاصل بيننا أنصافا ولم يكن المال حاضرا وقت الشركة فبرهن المأمور على أنه فعل ذلك وأحضر المال وقت الشراء جاز
بحر عن البزازية
ومثله في الفتح وغيره لكن نقل في البحر أيضا عن القنية ما يفيد فسادها بالافتراق بلا دفع ثم انعقادها وقت حضور المال
فرع دفع إلى رجل ألفا وقال اشتر بها بيني وبينك نصفين والربح لنا والوضيعة علينا فهلك المال قبل الشراء ويضمن وبعده ضمن المشتري النصف بحر عن الذخيرة
قلت ووجهه أنه لما أمره بالشراء نصفين صار مشتريا للنصف وكالة عن الآمر وللنصف أصالة عن نفسه وقد أوفى الثمن من مال الآمر فيضمن حصة نفسه والظاهر أن هذه شركة ملك لا شركة عقد كما سيتضح قبيل الفروع وليست مضاربة لما قلنا فتنبه لذلك فإنه يقع كثيرا
قوله ( على موجب الشركة ) أي من البيع والشراء بالمال والربح به
مطلب في شركة العنان قوله ( وإما عنان ) مأخوذ من عن كذا عرض أي ظهر له أن يشاركه في البعض من ماله وتمامه في النهر
قوله ( من أهل التوكيل ) أي توكيل غيره فتصح من الصبي المأذون بالتجارة وفي حكمه المعتوه
قوله ( لكونها لا تقتضي الكفالة ) أي بخلاف المفاوضة كما مر فلو ذكر الكفالة مع توفر باقي شروط المفاوضة انعقدت مفاوضة وإن لم تكن متوفرة كانت عنانا ثم هل تبطل الكفالة يمكن أن يقال تبطل وأن يقال لا تبطل لأن المعتبر فيها أي في العنان عدم اعتبار الكفالة لا اعتبار عدمها
قال في الفتح وقد يرجح الأول بأنها كفالة بمجهول فلا تصح إلا ضمنا فإذا لم تكن مما تتضمنها الشركة لم يكن ثبوتها إلا قصدا اه
نهر
قلت لكن في الخانية ولا يكون في شركة العنان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه إذا لم يذكر الكفالة بخلاف المفاوضة اه
ومقتضاه أنه يكون كفيلا إذا ذكر الكفالة وهذا ترجيح للاحتمال الثاني ولعل وجهه أن الكفالة متى ذكرت في عقد الشركة تثبت تبعا لها وضمنا لا قصدا لأن الشركة لا تنافي الكفالة بل تستدعيها لكنها لا تثبت فيها إلا باقتضاء اللفظ لها كلفظ المفاوضة أو بذكرها في العقد
تأمل
قوله ( ولذا ) أي لكونها لا تقتضي الكفالة ومقتضاه أنها لو اقتضتها لم تصح خاصة أي في نوع من أنواع التجارة ولا مؤقتة بوقت خاص
قال ح وهذا يقتضي أن المفاوضة لا تكون خاصة مع أنها تكون كما صرح به في البحر اه
____________________
(4/311)
مطلب في توقيت الشركة روايتان ثم إذا وقتها فهل تتوقت بالوقت حتى لا تبقى بعض مضيه فيه روايتان كما في توقيت الوكالة وتمامه في البحر عن المحيط ولم يذكر ترجيحا وجزم في الخانية بأنها تتوقت حيث قال والتوقيت ليس بشرط لصحة هذه الشركة والمضاربة وإن وقتا لذلك وقتا بأن قال ما اشتريت اليوم فهو بيننا صح التوقيت فما اشتراه بعد اليوم يكون للمشتري خاصة وكذا لو وقت المضاربة لأنها والشركة توكيل والوكالة مما يتوقف اه
لكن سيذكر الشارح في كتاب الوكالة عن البزازية الوكيل إلى عشرة أيام وكيل في العشرة وبعدها في الأصح
تأمل
قوله ( ومع التفاضل في المال دون الربح ) أي بأن يكون لأحدهما ألف وللآخر ألفان مثلا واشترطا التساوي في الربح وقوله عكسه أي بأن يتساوى المالان ويتفاضلا في الربح لكن هذا مقيد بأن يشترط الأكثر للعامل منهما أو لأكثرهما عملا أما لو شرطاه للقاعد أو لأقلهما عملا فلا يجوز كما في البحر عن الزيلعي والكمال
قلت والظاهر أن هذا محمول على ما إذا كان العمل مشروطا على أحدهما
وفي النهر اعلم أنهما إذا شرطا العمل عليهما إن تساويا مالا وتفاوتا ربحا جاز عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر والربح بينهما على ما شرطا وإن عمل أحدهما فقط وإن شرطاه على أحدهما فإن شرطا الربح بينهما بقدر رأس مالهما جاز ويكون مال الذي لا عمل له بضاعة عند العامل له ربحه وعليه وضيعته وإن شرطا الربح للعامل أكثر من رأس ماله جاز أيضا على الشرط ويكون مال الدافع عند العامل مضاربة ولو شرطا الربح للدافع أكثر من رأس ماله لا يصح الشرط ويكون مال الدافع عند العامل بضاعة لكل واحد منهما ربح ماله والوضيعة بينهما على قدر رأس مالهما أبدا
هذا حاصل ما في العناية اه
ما في النهر
قلت وحاصل ذلك كله أنه إذا تفاضلا في الربح فإن شرطا العمل عليهما سوية جاز ولو تبرع أحدهما بالعمل وكذا لو شرطا العمل على أحدهما وكان الربح للعامل بقدر رأس ماله أو أكثر ولو كان الأكثر لغير العامل أو لأقلهما عملا لا يصح وله ربح ماله فقط وهذا إذا كان العمل مشروطا كما يفيده قلوه إذا شرطا العمل عليهما الخ فلا ينافي ما ذكره الزيلعي في كتاب المضاربة من أنه إذا أراد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب أقرضه كله إلا درهما منه وسلمه إليه وعقد شركة العنان ثم يدفع إليه الدرهم ويعمل فيه المستقرض فإن ربح كان بينهما على ما شرطا وإن هلك هلك عليه اه
ورأيت مثله في آخر مبسوط السرخسي
ووجه عدم المنافاة أن العمل هنا لم يشرط على أحد في عقد الشركة بل تبرع به المستقرض فيجوز لصاحب الدرهم الواحد أن يأخذ من الربح بقدر ما شرط من نصف أو أكثر أو أقل وإن لم يكن عاملا ويؤيد هذا التوفيق ما ذكره في البحر قبيل كتاب الكفالة في بحث ما لا يبطل بالشرط الفاسد حيث قال ما نصه قوله والشركة بأن قال شاركتك على أن تهديني كذا ومن هذا القبيل ما في شركة البزازية لو شرطا العمل على أكثرهما مالا والربح بينهما نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا اه
وقد وقعت حادثة توهم بعض حنفية العصر أنها من هذا القبيل وليس كذلك هي تفاضلا في المال وشرطا الربع بينهما نصفين ثم تبرع أفضلهما مالا بالعمل فأجبت بأن الشرط صحيح لعدم اشتراط العمل على أكثرهما
____________________
(4/312)
مالا والتبرع ليس من قبيل الشرط والدليل عليه ما في بيوع الذخيرة اشترى حطبا في قرية شراء صحيحا وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء حمله إلى منزلي لا يفسد العقد لأن هذا ليس بشرط في البيع بل هو كلام مبتدأ بعد تمام البيع فلا يوجب فساده اه
هذا كلام صاحب البحر وهو صريح فيما ذكرناه من التوفيق والله تعالى الموفق
وبقي ما يقع كثيرا وهو أن يدفع رجل إلى آخر ألفا يقرضه نصفها ويشاركه على ذلك على أن الربح ثلثاه للدافع وثلثه للمستقرض فهنا تساويا في المال دون الربح وهي صورة العكس
وصريح ما مر عن الزيلعي والكمال أنه لا يصح للدافع أخذ أكثر من نصف الربح إلا إذا كان هو العامل فلو كان العامل هو المستقرض كما هو العادة كان له نصف الربح بقدر ماله لكنه محمول على ما إذا شرط العمل عليه وإن لم يشرط صح التفاضل كما علمت من التوفيق
ومما يكثر وقوعه أيضا أنه يكون لأحدهما ألف فيدفع له آخر ألفين ليعمل بالكل ويشرطا الربح أثلاثا وهذا جائز أيضا حيث كان الربح بقدر رأس المال كما مر في عبارة النهر فلو شرطا الربح أرباعا مع اشتراط العمل لم يصح كما يفيده التقييد بكونه بقدر رأس مالهما ومثله قول الظهيرية وإن اشترطا الربح على قدر رأس مالهما أثلاثا والعمل من أحدهما كان جائزا
تنبيه علم مما مر أن العمل لو كان مشروطا وعليهما لا يلزم اجتماعهما عليه كما هو صريح قوله وإن عمل أحدهما فقط ولذا قال في البزازية اشتركا وعمل أحدهما في غيبة الآخر فلما حضر أعطاه حصته ثم غاب الآخر وعمل الآخر فلما حضر الغائب أبى أن يعطيه حصته من الربح إن كان الشرط أن يعملا جميعا وشتى فما كان من تجارتهما من الربح فبينهما على الشرط عملا أو عمل أحدهما فإن مرض أحدهما ولم يعمل وعمل الآخر فهو بينهما اه
والظاهر أن عدم العمل من أحدهما لا فرق أن يكون بعذر أو بدونه كما صرح بمثله في البزازية في شركة التقبل معللا بأن العقد لا يرتفع بمجرد امتناعه واستحقاقه الربح بحكم الشرط في العقد لا العمل اه
ولا يخفى أن العلة جارية هنا
مطلب في تحقيق حكم التفاضل في الربح قوله ( وإن تفاوتت قيمتهما لخلاف الجنس والوصف واحترز به عن المفاوضة فإنه لا بد فيها من تساوي القيمة فيهما في ظاهر الرواية كما في البحر فافهم
قوله ( والربح على ما شرطا ) أي من كونه بقدر رأس المال أو لا لكنه محمول على ما علمته من التفصيل المار وأعاده مع قوله مع التفاصيل في المال دون الربح للتصريح بأن هذا الشرط صحيح فافهم نعم ذكره بين المتعاطفات غير مناسب وقيد بالربح لأن الوضيعة على قدر المال وإن شرطا غير ذلك كما في الملتقى وغيره
قوله ( ومع عدم الخلط ) فيه إشعار بأن المفاوضة يشترط فيها الخلط وهذا قياس وفي الاستحسان لا يشترط كما في المبسوط وغيره
ح عن القهستاني
قوله ( لاستناد الشركة في الربح إلى العقد لا المال ) لأن العقد يسمى شركة ولا بد من تحقق معنى الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا
بحر فلو كان لأحدهما مائة درهم وللآخر مائة دينار فاشتريا بها فهو على قدر المال وكذا لو اشتريا بالدراهم متاعا ثم بالدنانير آخر فوضعا أي خسرا في أحدهما وربحا في الآخر فهو على قدر مالهما اه
ملخصا من كافي الحاكم
____________________
(4/313)
قوله ( فلم يشترط الخ ) تفريع على قوله ومع التفاضل وما عطف عليه
قوله ( فقط ) قيد للمشتري أي ولا يطالب شريكه الآخر
قوله ( لعدم تضمن الكفالة ) هذا إذا لم يذكر الكفالة كما قدمناه عن الخانية
مطلب في دعوى الشريك أنه أدى الثمن من ماله قوله ( ويرجع إلى شريكه بحصته منه ) أي بحصة شريكه من الثمن لأن المشتري وكيل عنه في حصته فيرجع عليه بحسابه إن أدى من مال نفسه وإن من مال الشركة لم يرجع وإن كان شراؤه لا يعرف إلا بقوله فعليه الحجة لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر وهو ينكر والقول للمنكر بيمينه كما في المنح ونحوه في الزيلعي
وبقي ما لو صدقه في الشراء للشركة وكذبه في دعوى الأداء من مال نفسه
قال الخير الرملي في حاشية المنح والذي يظهر أن القول للمشتري لأنه لما صدقه الآخر في الشراء ثبت الشراء للشركة وبه يثبت نصف الثمن بذمته ودعواه أنه دفع من مال الشركة دعوى وفائه فلا تقبل بلا بينة ولذا قالوا إذا لم يعرف شراؤه إلا بقوله فعليه الحجة لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر وهو ينكر وهنا ليس منكرا بل مقر بالشراء الموجب لتعلق الثمن بذمته وله تحليفه أنه ما دفعه من مال الشركة اه
ثم لا يخفى أنه في صورة ما إذا كذبه في الشراء للشركة إن كان ما اشتراه هالكا فظاهر وإن كان قائما فهو له وإن كذبه في أصل الشراء وادعى أنه من أعيان فالقول للمشتري إن كان المال في يده لما سيأتي في الفروع أنه لو قال ذو اليد استقرضت ألفا فالقول له ويأتي بيانه
مطلب ادعى الشراء لنفسه وأما لو ادعى الشراء لنفسه لا للشركة
ففي الخانية اشترى متاعا فقال الآخر هو من شركتنا وقال المشتري هو لي خاصة اشتريته بمالي لفنسي قبل الشركة فالقول له بيمينه بالله ما هو من شركتنا لأنه حر يعمل لنفسه فيما اشترى اه
والظاهر أن قوله قبل الشركة احتراز عن الشراء حال الشركة ففيه تفصيل ذكره في البحر عن المحيط وهو أنه لو من جنس تجارتهما فهو للشركة وإن أشهد عند الشراء أنه لنفسه لأنه في النصف بمنزلة الوكيل بشراء شيء معين وإن لم يكن من تجارتهما فهو له خاصة اه
قلت ويخالفه ما في فتاوى الهداية إن أشهد عند الشراء أنه لنفسه فهو له وإلا فإن نقد الثمن من مال الشركة فهو للشركة اه
لكن اعترض بأنه لم يستند لنقل فلا يعارض ما في المحيط
وقد يجاب بحمله على ما إذا لم يكن من جنس تجارتهما
تأمل
وبقي شيء آخر يقع كثيرا وهو ما لو اشترى أحدهما من شريكه لنفسه هل يصح أم لا لكونه اشترى ما يملك بعضه والذي يظهر لي أنه يصح لأنه في الحقيقة اشترى نصيب شريكه بالحصة من الثمن المسمى وإن أوقع الشراء في الصورة على الكل
ثم رأيت في الفتح من باب البيع الفاسد لو ضم ماله إلى مال المشتري وباعهما بعقد واحد صح في ماله بالحصة من الثمن على الأصح وقيل لا يصح في شيء اه
ملخصا
ورأيت في بيوع الصيرفية أيضا اشترى نصف دار مشاعا ثم اشترى جميعها ثانيا قال يجوز في النصف الباقي وفي فتاوى الصغرى لا يجوز اه
قوله ( وإلا )
____________________
(4/314)
أي إن لم يبق مال الشركة أي لم يكن في يده مال ناض بل صار مال الشركة أعيانا وأمتعة فاشترى بدراهم أو دنانير نسيئة فالشراء له خاصة دون شريكه لأنه لو وقع على الشركة صار مستدينا على مال الشركة وأحد شريكي العنان لا يملك الاستدانة إلا أن يأذن له في ذلك
بحر عن المحيط
مطلب فيما يبطل الشركة قوله ( وتبطل بهلاك المالين الخ ) لأن المعقود عليه فيها هو المال ويبطل العقد بهلاك المعقود عليه كما في البيع وسيذكر المصنف تمام المبطلات في الفصل الآتي
قوله ( أو أحدهما قبل الشراء ) لأنها لما بطلت في الهالك بطلت فيما يقابله لأنه ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا بشركته في ماله
قوله ( والهلاك على مالكه ) فلا يرجع بنصف الهالك على الشريك الآخر حيث بطلت الشركة ولو الهلاك في يد الآخر لأن المال في يده أمانة بخلاف ما لو هلك بعد الخلط لأنه يهلك على الشركة لعدم التمييز
ط عن الإتقاني
قال وظاهره أنه إذا تميز الخلط كدراهم بدنانير فهو كعدم الخلف اه
وفي كافي الحاكم لو خلف الدراهم كان الهالك منها عليهما والباقي بينهما إلا أن يعرف كل شيء من الهالك أو الباقي من مال أحدهما بعينه فيكون ذلك له وعليه والباقي من الهالك والقائم بينهما على قدر ما اختلف ولم يعرف اه
ملخصا
قوله ( وإن اشترى أحدهما ) بيان لمفهوم تقييد الهلاك بما قبل الشراء بعده أي بعد الشراء ونبه بزيادته على أن الواو هنا للترتيب احترازا عما لو هلك قبله كما يأتي
قوله ( فالمشتري بينهما ) لقيام الشركة وقت الشراء فلا يتغير الحكم بهلاك مال آخر بعد ذلك
بحر
قوله ( شركة عقد على ما شرطا ) أي من الربح وأيهما باع جاز بيعه وهذا عند محمد
وعند الحسن بن زياد هي شركة ملك فلا يصح تصرف أحدهما إلا في نصيبه وظاهر كلام كثير ترجيح قول محمد كما في النهر
قوله ( ورجع على شريكه بحصته منه ) لأنه وكيل في حصة شريكه وقد قضى الثمن من ماله فيرجع عليه بحسابه
وفي المحيط لأحدهما مائة دينار قيمتها ألف وخمسمائة وللآخر ألف درهم وشرطا الربح والوضيعة على قدر المال فاشترى الثاني جارية ثم هلكت الدنانير فالجارية بينهما وربحها أخماسا ثلاثة أخماسه للأول وخمساه للثاني لأن الربح يقسم على قدر ماليهما يوم الشراء ويرجع الثاني على الأول بثلاثة أخماس الألف لأنه وكيل عنه بالشراء في ثلاثة أخماس الجارية وقد نقد الثمن من ماله ولو كان على عكسه رجع صاحب الدنانير على الآخر بخمسي الثمن أربعون دينارا ولو اشترى كل واحد منهما بماله غلاما وقبضا وهلكا يهلكان من مالهما لأن كل واحد حين اشترى كانت الشركة بينهما قائمة اه
بحر ملخصا
قوله ( لقيام الشركة الخ ) علة لكون المشتري بينهما كما مر وأما علة الرجوع فكونه وكيلا كما علمت
قوله ( بأن قال ) الأولى قالا كما في عبارة النهر
وأفاد بهذا التصوير أنه ليس المراد من التصريح بالوكالة ذكر لفظها بل ما يشمل معناها
قوله ( كل منهما ) الأولى كل منا
أفاده ح
قوله ( بماله هذا ) قيد به لأن فرض المسألة في عقد الشركة على مال مخصوص لا لكونه قيدا في ثبوت الوكالة صريحا فافهم
____________________
(4/315)
مطلب اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا قال في الولوالجية رجل قال لغيره ما اشتريت من شيء فهو بيني وبينك أو اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا يجوز ولا يحتاج فيه إلى بيان الصفة والقدر والوقت لأن كلا منهما صار وكيلا عن الآخر في نصف ما يشتريه وغرضه بذلك تكثير الربح وذلك لا يحصل إلا بعموم هذه الأشياء اه
وسيأتي تمامه في الفصل
قلت وهذه الشركة تقع في زماننا كثيرا يكون أحد الشريكين في بلدة والآخر في بلدة يشتري كل منهما ويرسل إلى الآخر ليبيع ويشتري لكنها شركة ملك والغالب أنهما يعقدان بينهما شركة عقد بمال متساو أو متفاضل منهما ويجعلان الربح على قدر رأس المال ويقتسمان ربح الشركتين كذلك وهذا صحيح في شركة العقد لا في شركة الملك لأن الربح فيها على قدر الملك فإذا شرطا الشراء بينهما مناصفة يكون الربح كذلك إلا إذا شرطا الشراء على قدر مال شركة العقد فيكون الربح على قدر المال في الشركتين فتنبه لذلك فإنه يقع كثيرا ويغفل عنه
قوله ( لا الربح ) فإنه يكون بقدر المال
قوله ( لصيرورتها الخ ) علة لقوله لا الربح وقوله لبقاء الوكالة علة لقوله مشترك بينهما ح
قوله ( ولم يتصادقا على الوكالة ) عبارة ابن كمال ولم ينصا على الوكالة فيها ط
قوله ( كما مر ) أي في قوله وعدم ما يقطعها الخ وأشار به إلى أن التصريح بفسادها بما ذكر مفرع على ما قدمه من أنه يشترط فيها عدم ما يقطعها فليس ذلك تكرارا محضا فافهم
وبيان القطع أن اشتراط عشرة دراهم مثلا من الربح لأحدهما يستلزم اشتراط جميع الربح له على تقدير أن لا يظهر ربح إلا العشرة والشركة تقتضي الاشتراك في الربح وذلك بقطعها فتخرج إلى القرض أو البضاعة كما في الفتح
قوله ( لا لأنه شرط الخ ) يعني أن علة الفساد ما ذكر من قطع الشركة وليست العلة اشتراط شرط فاسد فيها لأن الشركة لا تفسد بالشروط الفاسدة والمصرح به أن هذه الشركة فاسدة فقوله قلت الخ تأييد لقوله لا لأنه شرط الخ
وأما قوله وظاهره أي ظاهر قوله لعدم فسادها بالشروط فلا محل له للاستغناء عنه بما قبله
قوله ( ويكون الربح على قدر المال ) أي وإن اشترط فيه التفاضل لأن الشركة لما فسدت صار المال مشتركا شركة ملك والربح في شركة الملك على قدر المال وسيأتي في الفصل أنها لو فسدت وكان المال كله لأحدهما فللآخر أجر مثله
قوله ( ولكل من شريكي العنان الخ ) هذا كله عند عدم النهي
ففي الفتح وكل ما كان لأحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله ولهذا لو قال له اخرج لدمياط ولا تجاوزها فجاوزها فهلك المال ضمن حصة شريكه لأنه نقل حصته بغير إذنه وكذا لو نهاه عن بيع النسيئة بعدما كان أذن له فيه اه
قلت وسيأتي في المضاربة أنه إذا صار المال عروضا لا يصح نهي المضارب عن البيع نسيئة لأنه لا يملك عزله في هذه الحالة
وظاهره أن الشركة ليست كذلك لأنه يملك فسخها مطلقا كما سيأتي في الفصل
قوله ( ويبضع الخ ) في القاموس الباضع الشريك اه
والمراد هنا دفع المال لآخر ليعمل فيه على أن يكون الربح لرب المال ولا شيء
____________________
(4/316)
للعامل
بحر
قوله ( ويعير ) فلو أعار دابة فعطبت تحت المستعير فالقياس أن يضمن المعير نصف شريكه ولكني أستحسن أن لا أضمنه وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وكذلك لو أعار ثوبا أو دارا أو خادما بحر عن كافي الحاكم
قوله ( ويضارب ) أي يدفع المال مضاربة وهو الأصح
أما إذا أخذ مالا مضاربة فإن أخذه ليتصرف فيما ليس من تجارتهما فالربح له خاصة وكذا فيما هو من تجارتهما إذا كان بحضرة صاحبه ولو مع غيبته أو مطلقا كان الربح بينهما نصفه لشريكه ونصفه بين المضارب ورب المال كذا في المحيط
نهر
وقوله أو مطلقا أي عن التقييد بكونه من تجارتهما
قوله ( لأنها ) أي المضاربة دون الشركة لكون الوضيعة تلزم الشريك ولا تلزم المضارب فتتضمن الشركة المضاربة
فتح
قوله ( ويوكل ) لأن التوكيل بالبيع والشراء من أعمال التجارة والشركة انعقدت لها بخلاف الوكيل صريحا بالشراء ليس له أنه يوكل به لأنه عقد خاص طلب به شراء شيء بعينه فلا يستتبع مثله
فتح
قوله ( ولو نهاه المفاوض الآخر ) التقييد بالمفاوض ويكون النهي عن التوكيل اتفاقيا لما مر أن كل ما كان لأحدهما فعله يصح نهي الآخر عنه ط
أقول سياق كلام البحر يقتضي أن هذا خاص بالمفاوضة خلافا لما فهمه ح كما يعلم من مراجعة البحر
لكن يخالفه ما في الخانية في فصل العنان ولو وكل أحدهما رجلا في بيع أو شراء وأخرجه الآخر عن الوكالة صار خارجا عنها فإن وكل البائع رجلا يتقاضى ثمن ما باع فليس للآخر أن يخرجه عن الوكالة اه
أي ليس لأحدهما قبض ثمن ما باعه الآخر ولا المخاصمة فيه كما يأتي قريبا فكذا ليس له إخراج وكيله بالقبض ثم لا يخفى أن الضمير المنصوب في قول الشارح ولو نهاه عائد إلى الوكيل كما هو صريح عبارة الخانية لا إلى الموكل حتى يكون النهي عن التوكيل ويكون التقييد فيه اتفاقيا فافهم
قوله ( ويبيع بما عز وهان ) أي له أن يبيع بثمن زائد وناقص قيد بالبيع لأن الشراء لا يجوز إلا بالمعروف كما في الرملي عن المنح عن الجوهرة وسيذكر الشارح في كتاب الوكالة أن الوكيل له البيع بما قل أو كثر وبالعرض وخصاه بالقيمة والنقود وبه يفتى
بزازية اه
ومقتضاه أن المفتى به هنا كذلك لكن ذكر العلامة قاسم هناك تصحيح قول الإمام وإنه أصح الأقاويل فافهم
وفي البحر عن البزازية وإن باع أحدهما متاعا ورد عليه فقبله جاز ولو بلا قضاء وكذا لو حط أو أخر من عيب وإن بلا عيب جاز في حصته وكذا لو وهب ولو أقر بعيب في متاع باعه جاز عليهما اه
ويأتي تمام ذلك قبيل قوله وهو أمين
قوله ( وبنقد ونسيئة ) متعلق بقوله يبيع
وأما الشراء فإن لم يكن في يده دراهم ولا دنانير من الشركة فاشترى بدراهم أو دنانير فهو له خاصة لأنه لو وقع مشتركا تضمن إيجاب مال زائد على الشريك وهو لم يرض بالزيادة على رأس المال
والولوالجية
ومفاده أنه لو رضي وقع مشتركا لأنه يملك الاستدانة بإذن شريكه كما قدمناه عن البحر عن المحيط ومنه ما سيأتي قبيل الفروع عن الأشباه ويأتي تمامه وما مر من التفصيل في الشراء إنما هو في شركة العنان أما في المفاوضة فهو عليهما مطلقا كما في الخانية قوله ( خلافا للأشباه ) الذي فيها هو ما نقله عقبه عن الظهيرية
قوله ( ومؤنة السفر الخ ) أي ما أنفقه على نفسه من كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من جملة رأس المال في رواية الحسن عن أبي حنيفة
قال محمد وهذا استحسان فإن ربح تحسب النفقة من الربح وإن لم يربح كانت من رأس المال
الخانية
قوله ( لا يملك الشريك ) أي شريك العنان بقرينة قوله أما المفاوضة الخ
وفي الخانية من فصل العنان ولو شارك أحدهما شركة
____________________
(4/317)
عنان فما اشتراه الشريك الثالث كان نصفه له ونصفه بين الشريكين وما اشتراه الذي لم يشارك فهو بينه وبين شريكه نصفين ولا شيء منه للشريك الثالث اه
ومثله في الولوالجية
وفيها ولو أخذ مالا مضاربة فهو له كما لو آجر نفسه اه
ولكن فيه تفصيل قدمناه قريبا
قوله ( ولا الرهن ) قال في الفتح أي رهن عين من مال الشركة فإن رهن بدين عليهما لم يجز وضمن ولو ارتهن بدين لهما لم يجز على شريكه فإن هلك الرهن في يده وقيمته والدين سواء ذهب بحصته ويرجع شريكه بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن وإن شاء شريك المرتهن ضمن شريكه حصته من الدين لأن هلاك الرهن في يده كالاستيفاء اه
قوله ( أو يكون هو ) أي الراهن العاقد أي الذي تولى عقد المبايعة
قال في الخانية ولمن ولي المبايعة أن يرهن بالثمن اه ط
قوله ( في موجب ) بكسر الجيم ح
قوله ( وحينئذ ) أي حين إذا كان الراهن هو العاقد بنفسه
قال في النهر وإقراره بالرهن والارتهان عند ولايته العقد صحيح اه ط
أما لو ولي العقد غيره أو كانا ولياه لا يجوز إقراره في حصة شريكه وهل يجوز في حصة نفسه فهو على الخلاف ولا يصح إقراره بعدما تناقضا الشركة إذا كذبه الآخر
تتارخانية
قوله ( ولا الكتابة ) لأنه ليس من عادة التجار
بحر
قوله ( فله كل ذلك ) أي المذكور من الشركة والرهن الخ
قوله ( ولو فاوض ) أي المفاوض
قوله ( وإلا تنعقد عنانا ) وما خصه من الربح يكون بينه وبين شريكه ط
قوله ( ولا يجوز لهما تزوج العبد ) أي عبد التجارة
واحترز بالعبد عن الأمة فإن لأحد المتفاوضين تزويجها كما في الخانية ولا يزوج العبد ولو من أمة التجارة استحسانا ط عن الهندية
قوله ( ولا الهبة ) يستثنى منه هبة ثمن ما باعه
ففي البحر عن الظهيرية لو باع أحد المتفاوضين عينا من تجارتهما ثم وهب الثمن من المشتري أو أبرأه منه جاز خلافا لأبي يوسف ولو وهب غير البائع جاز في حصته إجماعا اه
قلت لكنه في الأولى يضمن نصيب صاحبه كوكيل البيع إذا فعل ذلك كما في الخانية
قوله ( ونحوه ) أي مما ليس من جنس ما يؤكل ويهدى عادة بقرينة ما بعده
قوله ( فلم يجز ) أي ما ذكر من الهبة في حصة شريكه بل جاز في حصته إن وجد شرط الهبة من التسليم والقسمة فيما يقسم وكذا الإعتاق وتجري فيه أحكام عتق أخذ الشريكين المقررة في بابه
قوله ( وجاز في نحو لحم الخ ) محترز قوله أي لثوب ونحوه
مطلب يملك الاستدانة بإذن شريكه قوله ( ولا القرض ) أي الإقراض في ظاهر الرواية أما الاستقراض فقدم أنه يجوز ويأتي تمامه في الفروع
قوله ( إذنا صريحا ) فلو قال اعمل برأيك لا يكفي
قوله ( وفيه الخ ) ومثله ما في البحر عن البزازية ولو قال كل منهما للآخر اعمل برأيك فلكل منهما أن يعمل ما يقع في التجارة كالرهن والارتهان والسفر والخلط
____________________
(4/318)
بماله والشركة بمال الغير لا الهبة والقرض وما كان إتلافا للمال أو تمليكا من غير عوض فإنه لا يجوز ما لم يصرح به نصا
قوله ( لأن الشركة ) أي مطلقها
قوله ( وصح بيع شريك مفاوض ) انظر هل المفاوض قيد في كلام المصنف
ط عن الحموي
قوله ( لا يصح إقراره بدين ) أي لمن لا تقبل شهادته له أما لغيره فيقبل كما سبق في قوله وكل دين لزم أحدهما الخ
وهذا إنما هو في شريك المفاوضة أما شريك العنان ففيه تفصيل
قال في الخانية ولو أقر أحد شريكي العنان بدين في تجارتهما لزم المقر جميع ذلك إن كان هو الذي وليه وإن أقر أنه ولياه لزمه نصفه وإن أقر أن صاحبه وليه لا يلزمه شيء بخلاف الشركة المفاوضة فإن كل واحد منهما يكون مطالبا بذلك اه
ونحوه في الفتح
وحاصله أن إقرار أحد شريكي العنان بدين في تجارتهما لا يمضي على الآخر وإنما يمضي على نفسه على التفصيل المذكور
أما شريك المفاوضة فيمضي عليهما مطلقا فافهم لكن سيأتي في الفروع أنه لو قال أحد الشريكين استقرضت ألفا فالقول له إن المال في يده ويأتي الكلام عليه
قوله ( وفي الخلاصة ) استدراك على المتن بأن العين كالدين اه ح
لكن ما في المتن في المفاوضة وهذا في العنان
قوله ( بجارية ) أي في يده من الشركة أنها لرجل تتارخانية
قوله ( ليس للآخر أخذ ثمنه ) أفاد أن للمديون أن يمتنع من الدفع إليه فإن دفع برىء من حصة القابض ولم يبرأ من حصة الآخر
فتح
وكذا لا يجوز تأجيله الدين لو العاقد غيره أو هما عند أبي حنيفة
وعندهما يجوز في نصيبه ولو أجله العاقد جاز في النصيبين عندهما
وعند أبي يوسف في نصيبه فقط وأصله الوكيل بالبيع إذا أبرأ عن الثمن أو حط أو أجله يصح عندهما خلافا لأبي يوسف إلا أن هناك يضمن لموكله عندهما لا هنا
بحر عن المحيط
مطلب أقر بمقدار الربح ثم ادعى الخطأ قوله ( في مقدار الربح ) فلو أقر بمقداره ثم ادعى الخطأ فيه لا يقبل قوله كذا نقله أبو السعود عن إقرار الأشباه ط
قلت لكن في حاوي الزاهدي قال الشريك ربحت عشرة ثم قال لا بل ربحت ثلاثة فله أن يحلفه أنه لم يربح عشرة اه
ومقتضاه أن القول له بيمينه لكن لا يخفى أن الأوجه ما في الأشباه لأنه برجوعه متناقض فلايقبل منه وما في الأشباه عزاه إلى كافي الحاكم فهو نص المذهب فلا يعارضه ما في الحاوي
قوله ( والضياع ) أي ضياع المال كلا أو بعضا ولو من غير تجارة ط
قوله ( مستدلا بما في وكالة الولوالجية ) عبارة الولوالجية ولو وكل بقبض وديعة ثم مات الموكل فقال الوكيل قبضت في حياته وهلك وأنكرت الورثة أو قال دفعته إليه صدق ولو كان دينا لم يصدق لأن الوكيل في الموضعين حكى أمرا لا يملك استئنافه لكن من حكى أمرا لا يملك استئنافه إن كان فيه إيجاب الضمان على الغير لا يصدق وإن كان فيه نفي الضمان عن نفسه صدق والوكيل بقبض الوديعة فيما يحكي ينفي الضمان عن نفسه فصدق والوكيل بقبض الدين
____________________
(4/319)
فيما يحكى يوجب الضمان على الميت وهو ضمان مثل المقبوض فلا يصدق اه
مطلب في قبول قوله دفعت المال بعد موت الشريك أو الموكل قلت أي أن الوكيل بقبض الدين إذا قال قبضته من المديون وهلك عندي أو قال دفعته للموكل الميت لا يصدق بالنسبة إلى براءة المديون لأن في ذلك إلزام الضمان على الميت فإن الديون تقضى بأمثالها فيثبت للمديون بذمة الدائن مثل ما للدائن بذمته فيلتقيان قصاصا
وأما بالنسبة إلى الوكيل نفسه فيصدق لأنه أمين وبموت الموكل لم ترتفع أمانته وإن بطلت وكالته فلا يضمن ما قبضه ولا يرجع عليه المديون وقد أوضح المسألة في الخيرية أول كتاب الوكالة فافهم
قوله ( كل من حكى أمرا الخ ) فإن الوكيل هنا حكى أمرا وهو قبض الوديعة أو الدين في حياة الموكل وهو لا يملك استئنافه بعد موت الموكل أي لو كان لم يقبض في حياته وأراد استئناف القبض بعد موته لم يملكه لأنه انعزل عن الوكالة
قوله ( التقييد بالمكان صحيح الخ ) ظاهر التفريع أن التنصيص على المكان بلا نهي لا يكون تقييدا وعبارة البزازية التقييد بالمكان صحيح حتى لو قال اخرج إلى خوارزم ولا تجاوزه صح فلو جاوزه ضمن
وفي الجوهرة من المضاربة
وألفاظ التخصيص والتقييد أن يقول خذ هذا مضاربة بالنص على أن تعمل به في الكوفة أو فاعمل به في الكوفة ما إذا قال واعمل به في الكوفة بالواو لا يكون تقييدا فله أن يعمل في غيرها لأن الواو حرف عطف ومشورة وليست من حروف الشرط اه
فأفاد أن مجرد التنصيص لا يكفي بل لا بد من أمر يفيد التقييد كالشرط وكالنهي
قوله ( وفي الأشباه الخ ) أعم منه ما قدمناه عن الفتح من أن كل ما كان لأحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله
قوله ( جاز ) أي النهي
قوله ( بموته مجهلا الخ ) في حاوي الزاهدي مات الشريك ومال الشركة ديون على الناس ولم يبين ذلك بل مات مجهلا يضمن كما لو مات مجهلا للعين اه أي عين مال الشركة الذي في يده ومثله بقية الأمانات لكن إذا علم أن وارثه يعلمها لا يضمن ولو ادعى الوارث العلم وأنكر الطالب فإن فسرها الوارث وقال هي كذا وهلكت صدق كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الوديعة
قوله ( والقول بخلافه غلط ) وهو عدم تضمين المفاوض
قوله ( وسيجيء في الوديعة ) سيجيء هناك بضع عشرة موضعا يضمن فيها الأمين بموته مجهلا
قوله ( خلافا للأشباه ) حيث جرى في كتاب الأمانات على ما هو الغلط
قوله ( في المحيط ) صوابه في البحر فإن الحادثتين وقعتا لصاحب البحر سئل عنهما وأجاب بما ذكر ثم قال ولم أر فيهما إلا ما قدمته أي ما مر عن الخانية
قوله ( فإن أجاز فالربح لهما )
____________________
(4/320)
إن لم يجز فالبيع في حصته باطل
قوله ( فأجبت أنه غاصب ) أي كما هو صريح ما قدمه عن الخانية من قوله ضمن حصة شريكه
قوله ( بالإخراج ) فيه نظر
ففي مضاربة الجوهرة عند قول القدوري وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز أن يتجاوز ذلك فإن خرج إلى غير ذلك البلد أو دفع المال إلى من أخرجه لا يكون مضمونا عليه بمجرد الإخراج حتى يشتري به خارج البلد فإن هلك المال قبل التصرف فلا ضمان عليه وكذا لو أعاده إلى البلد عادت المضاربة كما كانت على شرطها وإن اشترى به قبل العود صار مخالفا ضامنا ويكون ذلك لأنه تصرف بغير إذن صاحب المال فيكون له ربحه وعليه وضيعته لا يطيب له الربح عندهما خلافا لأبي يوسف وإن اشترى ببعضه وأعاد بقيته إلى البلد ضمن قدر ما اشترى به ولا يضمن قدر ما أعاد اه
والظاهر أن الشركة كذلك
قوله ( فينبغي أن لا يكون الربح على الشرط ) أي بل يكون له كما علمته منقولا
قوله ( ومقتضاه فساد الشركة ) أي مقتضى الجواب بأنه صار غاصبا وبأن الربح لا يكون على الشرط ولكن هذا بعد التصرف في المال لا بمجرد الإخراج فلو عاد قبل التصرف تبقى الشركة كما علمت
فافهم
قوله ( فأجاب الخ ) حيث قال إن القول قول الشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران مع يمينه ولا يلزمه أن يذكر الأمر مفصلا والقول قوله في الضياع والرد إلى الشريك اه
مطلب فيما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة قلت بقي ما لو لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة ففي قضاء الأشباه لا يحلف
ونقل الحموي عن قارىء الهداية أنه يحلف وإن لم يبين مقدارا لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يبين مقدار ما نكل فيه
ثم قال وأنت خبير بأن قارىء الهداية لم يستند إلى نقل فلا يعارض ما نقله في الأشباه عن الخانية
قوله ( ومثله المضارب والوصي والمتولي ) سيذكر الشارح في الوقف عن القنية أن المتولي لا تلزمه المحاسبة في كل عام ويكتفي القاضي منه بالإجمال لو معروفا بالأمانة ولو متهما يجبره على التعيين شيئا فشيئا ولا يحبسه بل يهدده ولو اتهمه يحلفه اه
والظاهر أنه يقال مثل ذلك في الشريك والمضارب والوصي فيحمل إطلاقه على غير المتهم أي الذي لم يعرف بالأمانة
تأمل
قوله ( نهر ) يغني عنه قوله أولا وفيه
قوله ( إلى سحت المحصول ) السحت بالضم وبضمتين الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه من العار ط عن القاموس إذ لا يجوز للقاضي الأخذ على نفس المحاسبة لأنها واجبة عليه نعم لو كتب سجلا أو تولى قسمة وأخذ أجر المثل له ذلك كما حرره في البحر من الوقف
مطلب في شركة التقبل قوله ( وإما تقبل ) عطف على قوله إما مفاوضة
قوله ( وتسمى شركة صنائع ) جمع صناعة كرسالة ورسائل وهي كالصنعة حرفة الصانع وعمله
قوله ( وأعمال وأبدان ) لأن العمل يكون منهما غالبا بأبدانهما
قوله ( إن اتفق صانعان الخ ) أشار إلى أنه لا بد من العقد أو لا بأن يتفقا على الشركة قبل التقبل لما سيأتي قبيل الفروع لو تقبل
____________________
(4/321)
ثلاثة عملا بلا عقد شركة فعمله أحدهم فله ثلث الأجر ولا شيء للآخرين وسيأتي بيانه والمراد عقد الشركة على التقبل والعمل لما في البحر عن القنية اشترك ثلاثة من الحمالين على أن يملأ أحدهم الجوالق ويأخذ الثاني فمها ويحملها الثالث إلى بيت المستأجر والأجر بينهم بالسوية فيه فاسدة
قال فسادها لهذه الشروط فإن شركة الحمالين صحيحة إذا اشتركوا في التقبل والعمل جميعا اه
أي وهنا لم يذكر التقبل أصلا بل مجرد العمل مقيدا على كل واحد بنوع منه لكن لا يشترط كون التقبل منهما معا لما في البحر أيضا لو اشتركا على أن يتقبل أحدهما المتاع ويعمل الآخر أو يتقبله أحدهما ويقطعه ثم يدفعه إلى الآخر للخياطة بالنصف جاز كذا في القنية لكن من شرط عليه العمل فقط لو تقبل جاز فلو شرط على من عليه العمل أن لا يتقبل لا يجوز لأنه عند السكوت جعل إثباتها اقتضاء ولا يمكن ذلك مع النفي كذا في المحيط اه
قلت وبه علم أن الشرط عدم نفي التقبل عن أحدهما لا التنصيص على تقبل كل منهما ولا على عملهما لأنه إذا اشتركا على أن يتقبل أحدهما ويعمل الآخر بلا نفي كان لكل منهما التقبل والعمل لتضمن الشركة الوكالة
قال في البحر وحكمها أن يصير كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه بتقبل الأعمال والتوكيل به جائز سواء كان الوكيل يحسن مباشرة ذلك العمل أو لا
قوله ( فلا يلزم اتحاد صنعة ومكان ) تفريع الأول على كلام المصنف ظاهر
وأما الثاني فمن حيث إنه لم يقيد بالمكان
ووجه عدم اللزوم كما في الفتح أن المعنى المجوز لشركة التقبل من كون المقصود تحصيل الربح لا يتفاوت بين كون العمل في دكاكين أو دكان وكون الأعمال من أجناس أو جنس
قوله ( على أن يتقبلا الأعمال ) أي محلها كالثياب مثلا فإن العمل عرض لا يقبل القبول
أفاده القهستاني
وعلمت أن التنصيص على تقبل كل منهما أو على عمله غير شرط
وفي النهر أن المشترك فيه إنما هو العمل ولذا قالوا من صور هذه الشركة أن يجلس آخر على دكانه فيطرح عليه العمل بالنصف والقياس أن لا يجوز لأن من أحدهما العمل ومن الآخر الحانوت واستحسن جوازها لأن التقبل من صاحب الحانوت عمل اه
ومنها ما في البحر عن البزازية لأحدهما آلة القصارة للآخر بيت اشتركا على أن يعملا في بيت هذا والكسب بينهما جاز وكذا سائر الصناعات ولو من أحدهما أداة القصارة والعمل من الآخر فسدت والربح للعامل وعليه أجر مثل الأداة اه
ونظير هذه الأخيرة مسائل ستأتي في الفصل قبيل قوله وتبطل الشركة الخ
قوله ( التي يمكن استحقاقها ) أي التي يستحقها المستأجر بعقد الإجارة
وزاد في البحر قيد أن يكون العمل حلالا لما في البزازية لو اشتركا في عمل حرام لم يصح اه
وأنت خبير بأن الحرام لا يستحق بالأجر فافهم
قوله ( ومنه ) الأولى ومنها أي الأعمال المذكورة
قوله ( على المفتى به ) أي الذي هو قول المتأخرين من جواز الأجرة على التعليم وكذا على الأذان والإمامة فافهم
قوله ( بخلاف شركة دلالين ) فإن عمل الدلالة لا يمكن استحقاقه بعقد الإجارة حتى لو استأجر دلالا يبيع له أو يشتري فالإجارة فاسدة إذا لم يبين له أجلا كما صرح به في إجارة المجتبى ح
قوله ( ومغنين ) لأن الغناء حرام ح
قوله ( وشهود محاكم ) لعدم صحة الاستئجار على الشهادة ح
قوله ( وقراء مجالس وتعاز ) يحتمل أنه عطف تفسير أو مغاير وهو بفتح التاء المثناة فوق وبعين مهملة بعدها ألف ثم زاي جمع تعزية وهي المأتم بالهمزة والتاء المثناة الفوقية الذي يصنع للأموات لأن عادتهم القراءة بصوت واحد يشتمل على التمطيط وعلى قطع بعض الكلمات والابتداء من أثناء الكلمة ولأنه استئجار على القراءة
____________________
(4/322)
والذي أجازه المتأخرون إنما هو الاستئجار على التعليم خلافا لمن توهم خلافه كما سيأتي في الإجارات إن شاء الله تعالى
وفي القنية ولا شركة القراء بالزمزمة في المجالس والتعازي لأنها غير مستحقة عليهم اه
وفي القاموس الزمزمة الصوت البعيد له دوي وتتابع صوت الرعد
وذكر ابن الشحنة أن ابن وهبان بالغ في النكير على إقرارهم على هذا في زمانه وعلى القراءة بالتمطيط ومنه من جواز سماعها وأطنب في إنكارها وتمامه في ح
قوله ( ووعاظ ) أي شركة وعاظ فيما يتحصل لهم بسب الوعظ لأنه غير مستحق عليهم ط
قوله ( وسؤال ) بتشديد الهمزة جمع سائل وهو الشحاذ اه ح
قوله ( لأن التوكيل بالسؤال لا يصح ) وما لا تصح فيه الوكالة لا تصح فيه الشركة كما مر
قوله ( مطلقا ) أي سواء شرطا الربح على السواء أو متفاضلا وسواء تساويا في العمل أو لا وقيل إن شرطا أكثر الربح لأدناهما عملا لا يصح
والصحيح الجواز
أفاده في البحر وهذا إذا لم تكن مفاوضة إذ لا تكون المفاوضة إلا مع التساوي كما يأتي
قوله ( لأنه ليس بربح الخ ) اعلم أن التفاضل في الربح عند اشتراط التساوي في العمل لا يجوز قياسا لأن الضمان بقدر ما شرط عليه من العمل فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن فلم يجز العقد كما في شركة الوجوه
ويجوز استحسانا لأن ما يأخذه ليس ربحا لأن الربح إنما يكون عند اتحاد الجنس وهنا رأس المال عمل والربح مال فلم يتحد الجنس فكان ما يأخذه بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم إذا رضيا بقدر معين فيقدر بقدر ما قوم به فلم يؤد إلى ربح ما لم يضمن بخلاف شركة الوجوه حيث لا يجوز فيها التفاوت في الربح عند التساوي في المشتري لأن جنس المال وهو الثمن الواجب في ذمتهما متحد والربح يتحقق في الجنس المتحد فلو جاز زيادة الربح كان ربح ما لم يضمن وتمامه في العناية
قوله ( فيطالب كل واحد منهما بالعمل الخ ) هذا ظاهر فيما إذا كانت مفاوضة أما إذا أطلقاها أو قيداها بالعنان فثبوت هذين الحكمين استحسان وفيما سواهما فهي باقية على مقتضى العنان ولذا لو أقر بدين من ثمن مبيع مستهلك أو أجر أجير أو دكان لمدة مضت لا يصدق إلا ببينة لأن نفاذ الإقرار على الآخر موجب المفاوضة ولم ينصا عليها فلو كان المبيع لم يستهلك أو المدة لم تمض فإنه يلزمهما كما في المحيط اه ح ملخصا
قوله ( ويبرأ دافعها ) أنث الضمير وإن عاد على الأجر لتأويله بالأجرة ط
قوله ( والحاصل الخ ) ما مر من قوله ويكون الكسب بينهما إنما هو في الكسب الحاصل من عملهما وما هنا في الحاصل من عمل أحدهما أي لا فرق بين أن يعملا أو يعمل أحدهما سواء كان عدم عمل الآخر لعذر أو لا لأن العامل معين القابل والشرط مطلق العمل الخ ما ذكره
مطلب شركة الوجوه قوله ( وإما وجوه ) ويقال لها شركة المفاليس
قهستاني
قوله ( نوعا أو أنواعا ) أفاد أنها تكون خاصة وعامة كما في النهر ولذا حذف المصنف المفعول
قوله ( أي بسبب وجهاهتهما ) أفاد وجه التسمية لأن من لا مال له
____________________
(4/323)
لا يبيعه الناس نسيئة إلا إذا كان له جاه ووجاهة وشرف عندهم
وأفاد الكمال أن الجاه مقلوب الوجه بوضع الواو موضع العين فوزنه عقل إلا أن الواو انقلبت ألفا للموجب لذلك وقيل ضيفت إلى الوجوه لأنها تبتدل فيها الوجوه لعدم المال
قوله ( بالنسيئة ) هو على حل الشارح متعلق بقوله اشتريا وقصده بذلك دفع ما يوهمه المتن من كونه مطلوبا ليشتريا ويبيعا وليس كذلك بل هو مطلوب لقوله يشتريا فكان ينبغي للمصنف ذكره عقبه لأنه لا مال لهما فشراؤهما يكون بالنسيئة أما البيع فهو أعم
قوله ( ويكون كل منهما عنانا ومفاوضة بشرطه ) فصورة اجتماع شرائط المفاوضة في التقبل كما في المحيط أن يشترط الصانعان على أن يتقبلا جميعا الأعمال وأن يضمنا جميعا على التساوي وأن يتساويا في الريح والوضيعة وأن يكون كل منهما كفيلا عن صاحبه فيما لحقه بسبب الشركة ا هـ
وصورتها في الوجوه كما في النهاية أن يكون الرجلان من أهل الكفالة وأن يكون ثمن المشتري بينهما نصفين وأن يتلفظا بلفظ المفاوضة
زاد في الفتح ويتساويا في الربح ويكفي ذكر مقتضيات المفاوضة عن التلفظ بها كما سلف وتمامه في البحر ولا يخفى أنه إذا فقد منها شرط كانت عندنا
وفي القهستاني أن شروط المفاوضة في المواضع الثلاثة قد اختلفت ولم يتعرض في المتداولات إلى أنها في كل منها حقيقة والظاهر أنها في الأول أي في المال حقيقة وفي الباقيين مجاز ترجيحا على الاشتراك
قوله ( من مناصفة المشتري ) أي في المفاوضة والعنان وقوله أو مثالثته أي في العنان
قهستاني
قوله ( لئلا يؤدي الخ ) علة لمفهوم ما قبله وهو أنه لا يجوز أن يكون الربح مخالفا لقدر الملك
و عبارة الكنز وإن شرطا مناصفة المشتري أو مثالثته فالريح كذلك وبطل شرط الفضل اه
قال في النهر لأن استحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان وهو على قدر الملك في المشتري فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن بخلاف العنان فإن التفاضل في الربح فيها مع التساوي في المال صحيح لأنها في معنى المضاربة من حيث أن كلا منهما يعمل في مال صاحبه فالتحقت بها
قوله ( بخلاف العنان ) أي في شركة الأموال وكذا في شركة التقبل فإنه يجوز فيها التفاضل كما قدمناه لأن المأخوذ فيها ليس بربح بل بدل عمل كما مر تقريره فافهم
قوله ( بمال ) كما في شركة الأموال وفي المضاربة في حق رب المال
قوله ( أو عمل ) كالمضارب في المضاربة
قوله ( أو تقبل ) عبارة الدرر أو ضمان وكذا في البحر وغيره وذلك كمن أجلس على دكانه تلميذا يطرح عليه العمل بالنصف وكما في شركة الوجوه فإن الربح فيها بقدر الضمان والزائد عليه ربح ما لم يضمن فلا يجوز كما مر
قال في الدرر ولهذا لو قال لغيره تصرف في مالك على أن لي بعض ربحه لا يستحق شيئا لعدم هذه المعاني والله سبحانه أعلم
____________________
(4/324)
فصل في الشركة الفاسدة ما في هذا الفصل مسائل متفرقة من كتاب الشركة فكان الأولى أن يترجم بها وإن كانت الزيادة على ما في الترجمة لا تضر
قوله ( واصطياد ) جعله من المباح وذلك مقيد بما إذا لم يكن للتلهي أو يتخذه حرفة وإلا فلا يحل كما في الأشباه وسيأتي تمام الكلام على ذلك في بابه
قوله ( وطلب معدن من كنز ) المعدن ما وضع في الأرض خلقة و الكنز ما وضعه بنو آدم والركاز يعمهما فلو قال وطلب معدن وكنز جاهلي كما فعل في الهندية لكان أولى لأن الكنز الإسلامي لقطة ط
قوله ( من طين مباح ) فإن كان الطين أو النورة أو سهلة الزجاج مملوكا فاشتركا على أن يشتريا ذلك ويطبخاه ويبيعاه جاز وهو كشركة الوجوه كذا في الخلاصة معزيا إلى الشافي وتبعه البزازي والعيني
والمذكور في الفتح أن هذا من شركة الصنائع والأول أظهر
نهر
قوله ( وما حصله أحدهما ) أي بدون عمل من الآخر
قوله ( وما حصلاه معا الخ ) يعني ثم خلطاه وباعه فيقسم الثمن على كيل أو وزن ما لكل منهما وإن لم يكن وزنيا ولا كيليا قسم على قيمة ما كان لكل منهما وإن لم يعرف مقدار ما كان لكل منهما صدق كل واحد منهما إلى النصف لأنهما استويا في الاكتساب وكأن المكتسب في أيديهما فالظاهر أنه بينهما نصفان والظاهر يشهد له في ذلك فيقبل قوله ولا يصدق على الزيادة على النصف إلا ببينة لأنه يدعي خلاف الظاهر ا هـ
فتح
مطلب اجتمعا في دار واحدة واكتسبا ولا يعلم التفاوت فهو بينهما بالسوية تنبيه يؤخذ من هذا ما أفتى به في الخيرية في زوج امرأة وابنها اجتمعا في دار واحدة وأخذ كل منهما يكتسب على حدة ويجمعان كسبهما ولا يعلم التفاوت ولا التساوي ولا التمييز
فأجاب بأنه بينهما سوية وكذا لو اجتمع إخوة يعلمون في تركة أبيهم ونما المال فهو بينهم سوية ولو اختلفوا في العمل والرأي ا هـ
وقدمنا أن هذا ليس شركة مفاوضة ما لم يصرحا بلفظها أو بمقتضياتها مع استيفاء شروطها ثم هذا في غير الابن مع أبيه لما في القنية الأب وابنه يكتسبان في صنعة واحدة ولم يكن لهما شيء فالكسب كله للأب إن كان الابن في عياله لكونه معينا له ألا ترى لو غرس شجرة تكون للأب ثم ذكر خلافا في المرأة مع زوجها إذا اجتمع بعملهما أموال كثيرة فقيل هي للزوج وتكون المرأة معينة له إلا إذا كان لها كسب على حدة فهو لها وقيل بينهما نصفان
وفي الخانية زوج بنيه الخمسة في داره وكلهم في عياله واختلفوا في المتاع فهو للأب وللبنين الثياب التي عليهم لا غير فإن قالوا هم أو امرأته بعد موته إن هذا استفدناه بعد موته فالقول لهم وإن أقروا أنه كان يوم موته فهو ميراث من الأب
قوله ( بإعانة صاحبه ) سواء كانت الإعانة بعمل كما إذا أعانه في الجمع والقلع أو الربط أو الحمل أو غيره أو بآلة كما لو دفع له بغلا أو راوية ليستقي عليها أو شبكة ليصيد بها حموي وقهستاني ط
قوله ( لا يجاوز به ) بفتح الواو على البناء
____________________
(4/325)
للمفعول وقوله نصف ثمن ذلك بالرفع لأنه هو النائب عن الفاعل ا هـ
فتح أي يعطي أجر المثل لو كان مثل نصف الثمن أو أقل فلو أكثر لا يزاد على نصف الثمن لأنه رضي بنصف الثمن ثم التعبير بنصف الثمن وقع في كافي الحاكم و الهداية وغيرهما
قال ط وذكر في النقاية أن أجر المثل لا يزاد على نصف القيمة لأن المعين وصاحب العدة يطلبان أجر المثل عند تمام العمل فربما لا يتيسر البيع عند تمام العمل فكيف يفرض نصف ثمنه حتى يطلب حموي
وفي القهستاني ولا يزاد على نصف القيمة أي قيمة المباح يوم الأخذ إن كان له قيمة وإلا فينبغي أن يكون الحكم فيه التخمين والقياس ا هـ
قوله ( يؤذن باختياره ) قال في العناية وكذا تقديم دليل أبي يوسف على دليل محمد في المبسوط دليل على أنهم اختاروا قول محمد ا هـ أي لأن الدليل المتأخر يتضمن الجواب عن الدليل المتقدم وهذه عادة صاحب الهداية أيضا أنه يؤخر دليل القول المختار و عبارة كافي الحاكم تؤذن أيضا باختيار قول محمد حيث قال فله أجر مثله لا يجاوز نصف الثمن في قول أبي يوسف
وقال محمد له أجر مثله بالغا ما بلغ ألا ترى أنه لو أعانه عليه فلم يصب شيئا كان له أجر مثله ا هـ
ونقل ط عن الحموي عن المفتاح أن قول محمد هو المختار للفتوى
وعن غاية البيان أن قول أبي يوسف استحسان ا هـ
مطلب يرجح القياس قلت وعليه فهو من المسائل التي ترجح فيها القياس على الاستحسان
قوله ( والربح الخ ) حاصله أن الشركة الفاسدة إما بدون مال أو به من الجانبين أو من أحدهما فحكم الأولى أن الربح فيها للعامل كما علمت والثانية بقدر المال ولم يذكر أن لأحدهم أجرا لأنه لا أجر للشريك في العمل بالمشترك كما ذكروه في قفيز الطحان والثالثة لرب المال وللآخر أجر مثله
قوله ( فالشركة فاسدة ) لأنه في معنى بع منافع دابتي ليكون الأجر بيننا فيكون كله لصاحب الدابة لأن العاقد عقد العقد على ملك صاحبه بأمره وللعاقد أجرة مثله لأنه لم يرض أن يعمل مجانا
فتح
تنبيه لم يذكروا ما لو كانت الدابة بين اثنين دفعها أحدهما للآخر على أن يؤجرها ويعمل عليها على أن ثلثي الأجر للعامل والثلث للآخر وهي كثيرة الوقوع ولا شك في فسادها لأن المنفعة كالعروض لا تصح فيها الشركة وحينئذ فالأجر بينهما على قدر ملكهما وللعامل أجر مثل عمله ولا يشبه العمل في المشترك حتى نقول لا أجر له لأن العمل فيما يحمل وهو لغيرهما تأمل وتمامه في حواشي المنح للخير الرملي ويأتي قريبا ما يؤيده
قوله ( وكذلك السفينة والبيت ) أي مثل الدابة
وفي البحر عن القنية له سفينة فاشترك مع أربعة على أن يعملوا بسفينته وآلاتها والخمس لصاحب السفينة والباقي بينهم بالسوية فهي فاسدة والحاصل لصاحب السفينة وعليه أجر مثلهم ا هـ
قوله ( ولو لأحدهما بغل وللآخر بعير ) أي وقد اشتركا على أن كلا يؤجر ما لكل واحد والحاصل بينهما فهو باطل أيضا لأن معنى هذا أن كلا قال لصاحبه بع منافع دابتك ودابتي على أن ثمنه بيننا ثم إن آجراهما بأجر معلوم
____________________
(4/326)
صفقة واحدة في عمل معلوم قسم الأجر على مثل أجر البغل ومثل أجر الجمل بخلاف ما لو اشتركا على أن يتقبلا الحمولات المعلومة بأجرة معلومة ولم يؤجرا البغل والجمل كانت صحيحة لأنها شركة التقبل والأجر بينهما نصفان ولا يعتبر زيادة حمل الجمل على حمل البغل كما لا يعتبر في شركة التقبل زيادة عمل أحدهما كصباغين لأحدهما آلة الصبغ وللآخر بيت يعمل فيه وإن أجر البغل أو البعير بعينه كان كل الأجر لصاحبه لأنه هو العاقد فلو أعانه الآخر على التحميل والنقل كان له أجر مثله
فتح
قوله ( على مثل أجر البغل ) الأولى أجر مثل البغل وقوله والبعير أي وأجر مثل البعير فلو البعير يؤجر بضعف ما يؤجر به البغل مثلا فلصاحب البعير ثلثا الأجر ولصاحب البغل ثلثه ط
وإن آجر كل واحد منهما دابته وشرطا عملهما في الدابة أو علم أحدهما من السوق والحمل وغير ذلك كان الأجر مقسوما بينهما على قدر أجر مثل دابتهما وعلى مقدار أجر عملهما كما قبل الشركة اه
قال الخير الرملي وهو مؤيد لما قلنا
فرع أعطى بذر الفيلق رجلا ليقوم عليه فيعلفه بالأوراق على أن ما حصل فهو بينهما فالفيلق لصاحب البذر لأنه حصل من بذره وللرجل الذي قام عليه قيمة الأوراق وأجر مثله على صاحب البذر وعلى هذا دفع البقرة بالعلف ليكون الحادث بينهما نصفين فما حدث فهو لصاحب البقرة وللآخر مثل علفه وأجر مثله التتارخانية
قوله ( أي شركة العقد ) أما شركة الملك فلا تبطل وقول الدرر وتبطل الشركة مطلقا فالإطلاق فيه بالنظر للمفاوضة والعنان ط
قلت والمراد أن شركة الملك لا تبطل أي لا يبطل الاشتراك فيها بل يبقى المال مشتركا بين الحي وورثة الميت كما كان وإلا فلا يخفى أن شركة الميت مع الحي بطلت بموته
تأمل
قوله ( بموت أحدهما ) لأنها تضمن الوكالة أي شرط لها ابتداء وبقاء لأنه لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة وبه اندفع ما قيل الوكالة تثبت تبعا ولا يلزم من بطلان التبع بطلان الأصل
فتح فلو كانوا ثلاثة فمات أحدهم حتى انفسخت في حقه لا تنفسخ في حق الباقيين
بحر عن الظهيرية
قوله ( بأن قضى بلحاقه مرتدا ) حتى لو عاد مسلما لم يكن بينهما شركة وإن لم يقض بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالإجماع فإن عاد مسلما قبل الحكم بقيت وإن مات أو قتل انقطعت ولو لم يلحق وانقطعت المفاوضة على التوقف هل تصير عنانا عنده لا وعندهما نعم
بحر عن الولوالجية ملخصا
قوله ( بإنكارها ) أي ويضمن حصة الآخر لأن جحود الأمين غصب
كافي البحر سائحاني
قوله ( وبقوله لا أعمل معك ) هذا في المعنى فسخ فكان الأولى تأخيره عن قوله ويفسخ أحدهما
وفي البحر عن البزازية اشتركا واشتريا أمتعة ثم قال أحدهما لا أعمل معك بالشركة وغاب فباع الحاضر الأمتعة فالحاصل للبائع وعليه قيمة المتاع لأن قوله لا أعمل معك فسخ للشركة معه وأحدهما يملك فسخها وإن كان المال عروضا بخلاف المضاربة هو المختار ا هـ
قوله ( بخلاف المضاربة ) والفرق أن مال الشركة في أيديهما معا وولاية التصرف إليهما جميعا فيملك كل نهي صاحبه عن التصرف في ماله نقدا كان أو عروضا بخلاف مال المضاربة لأنه بعدما صار عروضا ثبت حق المضارب فيه لاستحقاقه ربحه وهو المنفرد بالتصرف فلا يملك رب المال نهيه ا هـ
____________________
(4/327)
فتح
قوله ( خلافا للزيلعي ) حيث قيد فسخ أحدهما الشركة يكون المال دراهم أو دنانير فأفاد عدمه لو عروضا كما في المضاربة وهو قول الطحاوي
وصرح في الخلاصة بأن أحد الشريكين لا يملك فسخ الشركة إلا برضى صاحبه قال في الفتح وهذا غلط وقد صحح هو أي صاحب الخلاصة انفراد الشريك بالفسخ والمال عروض ا هـ
ووفق في البحر بين كلامي الخلاصة
واعترضه في النهر وأجبنا عنه فيما علقناه على البحر
قوله ( ويتوقف الخ ) تقييد للمتن
قوله ( لأنه عزل قصدي ) لأنه نوع حجر فيشترط علمه دفعا للضرر عنه
فتح
قوله ( وبجنونه مطبقا ) فالشركة قائمة إلى أن يتم إطباق الجنون فتنفسخ فإذا عمل بعد ذلك فالربح كله للعامل والوضيعة عليه وهو كالغصب لمال المجنون فيطيب له ربح ماله لا ما ربح من مال المجنون فيتصدق به
بحر عن التتارخانية
قال ط وظاهره أنه لا يحكم بالفسخ إلا بإطباق الجنون وهو مقدر بشهر أو بنصف حول على الخلاف
قوله ( لكنه يتصدق الخ ) والظاهر أنه يقال مثل ذلك فيما إذا تصرف أحدهما بالمال في صور بطلان الشركة المارة فإن الربح يكون للعامل ويتصدق بما ربح من مال الآخر
قوله ( ولم يزك أحدهما الخ ) لأن الإذن بينهما في التجارة والزكاة ليست منها ولأن أداء الزكاة من شرطه النية وعند عدم الإذن لا نية له فلا تسقط عنه لعدمها
ط عن الحموي
قوله ( وأديا معا ) أي أدى كل منهما عن نفسه وعن شريكه ح
وصورته كما قال ابن كمال بأن أدى كل منهما بغيبة صاحبه واتفق أداؤهما في وقت واحد
قوله ( وتقاصا ) أي إن كانت مفاوضة أو عنانا تساويا فيها ط
قوله ( أو رجع ) أي بالزيادة إن كانت عنانا لم يتساو فيها المالان ط
قوله ( اشترى أحد المتفاوضين ) قيل التقييد بالمتفاوضين اتفاق وفيه نظر لأن قوله وللبائع أخذ كل بثمنها لا يشمل العنان لعدم تضمنها الكفالة
وأيضا فإن شريك العانان له أن يشتري ما ليس من جنس تجارتهما ويقع الشراء له ويطالب بالثمن وكذا يقع الشراء له إذا اشترى من جنس تجارتهما بعدما صار المال عروضا كما مر قبيل قول المصنف وتبطل بهلاك المالين
قوله ( بإذن الآخر ) قيد به لأنه لو اشتراها للوطء بلا إذن كانت شركة
بحر
قوله ( للوطء ) متعلق بالشراء وقوله الهبة بالنصب مفعول تضمن
قوله ( وقالا يلزمه نصف الثمن ) لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك فيرجع عليه صاحبه بنصيبه
بحر
والمتون على قول الإمام
قوله ( وللبائع الخ ) لأنه دين وجب بسبب التجارة بحر
والمراد بالتجارة الشراء فإنه من أنواعها كما مر في قوله وكل دين لزم أحدهما بتجارة فافهم
قوله ( وعقرها ) يرجع إلى المستحق
قال ح فهو نشر مرتب
قوله ( للكفالة ) متعلق بتضمن واللام فيه للتقوية وهي الداخلة على معمول المتعدي بنفسه إذا كان محمولا على الفعل أو متأخرا عن معموله وما هنا من الأول فافهم
قوله ( ومن اشترى ) بمعنى المفرد لما في الفتح
____________________
(4/328)
لو اشترى اثنان عبدا فأشركا فيه آخر فالقياس أن يكون له نصفه ولكل من المشتريين ربعه لأن كلا صار مملكا نصف نصيبه
وفي الاستحسان له ثلثه لأنهما حين أشركاه سوياه بأنفسهما فكأنه اشترى العبد معهما ا هـ
قوله ( إن قبل القبض لم يصح ) قال في الفتح اعلم أن ثبوت الشركة فيما ذكرنا كله ينبني على صيرورة المشتري بائعا للذي أشركه وهو استفاد الملك منه فانبنى على هذا أن من اشترى عبدا فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا لم يجز لأنه بيع ما لم يقبض ولو أشركه بعد القبض ولم يسلمه إليه حتى هلك لم يلزمه ثمن ويعلم أنه لا بد من قبول الذي أشركه لأن لفظ أشركتك صار إيجابا للبيع ا هـ
قلت ومثله قوله في الذخيرة اشترى شيئا ثم أشرك آخر فيه فهذا بيع النصف بنصف الثمن الذي اشتراه به ا هـ
ومقتضاه أنه يثبت فيه بقية أحكام البيع من ثبوت خيار العيب والرؤية ونحوه وأنه لا بد من علم المشتري بالثمن في المجلس وهو خلاف المتبادر من قول المصنف وإن بعده صح الخ فتأمل
قوله ( ولزمه نصف الثمن ) بناء على أن مطلق الشركة يقتضي التسوية قال الله تعالى { فهم شركاء في الثلث } النساء 12 إلا أن يبين خلافه
فتح
قوله ( ثم لقيه آخر ) أما لو أشرك اثنين صفقة واحدة كان العبد بينهم أثلاثا
فتح و كافي
قوله ( فإن كان القائل ) أي الثاني
قوله ( فله ربعه ) أي ربع جميع العبد لأنه طلب منه الإشراك في نصيبه ونصيبه النصف
بحر
قوله ( لكون مطلوبه شركته في كامله ) لأنه حيث لم يعلم بمشاركة الأول يصير طالبا لشراء النصف وقد أجابه إليه
تنبيه لا يخفى أن هذه الشركة شركة ملك
وفي التتارخانية عن التتمة سئل والدي عن أحد شريكي عنان اشترى بما في يده من المال عروضا ثم قال لأجنبي أشركتك في نصيبي مما اشتريت قال يصير شريكا له شركة ملك
قوله ( ما اشتريت اليوم الخ ) ذكر اليوم غير قيد كما في الهندية وفي كافي الحاكم وإن اشتركا بلا مال على أن ما اشتريا من الرقيق فهو بينهما جاز وكذلك لو قالا في هذا الشهر فخصا العمل والوقت فإن قال أحدهما اشتريت متاعا فهلك مني وطالب شريكه بنصف ثمنه لم يصدق فإن برهن على الشراء والقبض ثم ادعى الهلاك صدق بيمينه وإن شرط الربح أثلاثا بطل الشرط والربح بينهما نصفان ولا يستطيع أحدهما الخروج من الشركة إلا بمحضر من صاحبه ا هـ
ملخصا
زاد في البحر عن الظهيرية وليس لواحد منهما أن يبيع حصة الآخر مما اشترى إلا بإذن صاحبه لأنهما اشتركا في الشراء لا في البيع ا هـ
فأفاد أن هذه شركة ملك لا عقد وقدمنا عن الولوالجية اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا يجوز ولا يحتاج فيه إلى بيان الصفة والقدر والوقت لأن كلا منهما صار وكيلا عن الآخر في نصف ما يشتريه وغرضه تكثير الربح وذلك لا يحصل إلا بعموم هذه الأشياء
وفي التتارخانية عن المنتقى قال هشام سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لآخر معي عشرة آلاف فخذها شركة تشتري بيني وبينك قال هو جائز والربح والوضيعة عليهما ا هـ
قوله ( ولا شيء للآخرين ) لأنهم لما لم يكونوا شركاء كان على كل منهم ثلث العمل لأن المستحق على كل منهم ثلثه بثلث الأجر فإذا عمل أحدهم الكل صار متطوعا في الثلثين فلا يستحق الأجر ا هـ ح عن البحر
قال ابن وهبان هذا في القضاء أما في الديانة فينبغي أن يوفيه بقية الأجرة لأن
____________________
(4/329)
الظاهر من حال العامل أنه إنما عمل الجميع على الظن أن يعطيه جميع الأجرة فلا ينبغي أن يخيب ظنه
قوله ( القول لمنكر الشركة ) أي إذا كان المال في يده فادعى عليه آخر أنه شاركه مفاوضة فالقول للجاحد مع يمينه وعلى المدعي البينة لأن يدعي العقد واستحقاق ما في يده وهو منكر
فتح
قوله ( وبرهن الورثة الخ ) أي إذا مات أحد المفاوضين والمال في يد الحي فبرهن الورثة على المفاوضة لم يقض لهم بشيء مما في يد الحي لأنهما شهدا بعقد علم ارتفاعه بالموت ولأنه لا حكم فيما شهدا به على المال الذي في يده في الحال لأن المفاوضة فيما مضى لا توجب أن يكون المال الذي في يده في الحال من شركتهما إلا أن يبرهنوا أنه كان في يده في حياة الميت أو أنه من شركتهما فإنه حينئذ شهدوا بالنصف للميت وورثته خلفاؤه
فتح
قوله ( برهنوا على الإرث ) يعني والمال في أيديهم كما في الفتح
قوله ( قضى له بنصفه ) أي ترجيحا لبينته على بينتهم لأنه خارج يدعي نصف المال على ذي اليد بعقد المفاوضة مع المورث
قوله ( تصرف أحد الشريكين في البلد الخ ) تخصيص أحدهما بكونه تصرف في البلد والآخر في السفر مبني على كونه صورة الواقعة أو ليفيد أن القول لذي اليد وإن لم يعلم صاحبه بما صنع
مطلب إذا قال الشريك استقرضت ألفا فالقول له إن المال بيده قوله ( فالقول له إن المال في يده ) لأنه حينئذ أمين فقد ادعى أن الألف حق الغير بخلاف ما إذا لم يكن في يده لأنه يدعي دينا عليه فلو قال لي في هذا المال الذي في يدي كذا يقبل أيضا كما يقبل أنه للغير
تأمل
وهي واقعة الفتوى وبه أفتيت
رملي على المنح
وأفتى أيضا في الخيرية فيما إذا قال الذي في يده المال كنت استدنت من فلان كذا للشركة ودفعت له دينه بأن القول قوله بيمينه واستدل له بما في المنح عن جواهر الفتاوى وهو ما ذكره الشارح هنا ويؤيده ما في الحامدية عن محيط السرخسي في فصل ما يجوز لأحد شريكي العنان لو استقرض أحدهما مالا لزمهما لأن الاستقراض تجارة ومبادلة معنى لأنه يملك المستقرض ويلزمه رد مثله فشابه المصارفة أو الاستعارة وأيهما كان نفذ على صاحبه ا هـ
ومثله في الولوالجية وكذا في الخانية من فصل شركة العنان
لكن في الخانية أيضا قال أحد شريكي العنان إني استقرضت من فلان ألف درهم للتجارة لزمه خاصة دون صاحبه لأن قوله لا يكون حجة لإلزام الدين عليه وإن أمر أحدهما صاحبه بالاستدانة لا يصح الأمر ولا يملك الاستدانة على صاحبه ويرجع المقرض عليه لا على صاحبه لأن التوكيل بالاستدانة توكيل بالاستقراض وهو باطل لأنه توكيل بالتكدي إلا أن يقول الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك ألف درهم فحينئذ يكون المال على الموكل لا على الوكيل ا هـ
أي لأنه يكون حينئذ رسولا والمستقرض هو المرسل وكذا لو قال في الولوالجية وإن أذن كل منهما لصاحبه بالاستدانة عليه لزم خاصة فكان للمقرض أن يأخذه منه وليس له أن يرجع على شريكه وهو الصحيح لأن التوكيل بالاستقراض باطل فصار الإذن وعدمه سواء ا هـ
قلت ويظهر من هذا أن في المسألة قولين أحدهما ما مر عن المحيط من أن لكل من شريكي العنان الاستقراض
____________________
(4/330)
لأنه تجارة أي مبادلة معنى
والثاني عدم الجواز ولو بصريح الإذن وهو الصحيح لموافقته لقولهم إن التوكيل بالاستقراض باطل لأنه توكيل بالتكدي
وبيانه أن الاستقراض تبرع ابتداء فكان في معنى التكدي أي الشحاذة
ويتفرع على ذلك أنه لو استقرض بالإذن وهلك القرض يهلك عليهما على القول الأول
وعلى الثاني يهلك على المستقرض لكن لا يخفى أن هذا لا ينافي ما مر عن الجواهر
لأن ما استقرضه أحدهما يملكه المستقرض لعدم صحة الإذن فينفذ عليه فإذا أخذ المال ووضعه في مال الشركة وكان المال في يده يصدق فله أخذ نظيره لما قدمه المصنف أن الشريك أمين في المال فيقبل قوله بيمينه
وأما قوله وليس له أن يرجع على شريكه فذاك فيما إذا هلك القرض فلا ينافي قبول قوله إن بعض هذا المال قرض وأراد أخذ نظيره إذ لا رجوع في ذلك على الشريك وكذا لا ينافي ما قدمناه عند قوله لا يصح إقراره بدين من أنه يلزم المقر جميع الدين إن كان هو الذي وليه الخ لما قلنا نعم يشكل عليه ما مر هناك في الشرح من أنه لو أقر بجارية في يده من الشركة أنها لرجل لم يجز في حصة شريكه إلا أن يجاب بأن المراد ما إذا علم ببينة أو إقرار أنها من المال المشترك بينهما إذ لا يصدق على شريكه بل إقراره يقتصر عليه هذا ما ظهر لي في هذا المقام فاغتنم تحريره والسلام
قوله ( ودفعوه ) أي الثمن المفهوم من البيع التزاما والمصنف صرح به ا هـ ح
قوله ( فدسه في التراب ) أي تراب الكرم الحصين بباب وغلق ولو في الأرض المملوكة لم يضمن إن جعل علامة وإلا ضمن كالوضع في المفازة مطلقا جامع الفصولين
والفرق بين الكرم والأرض أن الكرم مطلوب لأجل الثمار فلا بد من كونه حرزا وأما الأرض فليست مقصودة
سائحاني فافهم
قوله ( أقرضه نصفه ) يحتمل أن يكون الإقراض بعد إفرازه أو قبله فإن قرض المشاع جائز بالإجماع كما في جامع الفصولين
مطلب دفع ألفا على أن نصفه قرض ونصفه مضاربة أو شركة وفي مضاربة التتارخانية ولو قال خذ هذه الألف على أن نصفها قرض على أن تعمل بالنصف الآخر على أن يكون الربح لي جاز ولا يكره فإن تصرف بالألف وربح كان بينهما على السواء والوضيعة عليهما لأن نصف الألف صار ملكا للمضارب بالقرض والنصف الآخر بضاعة في يده وإن على أن نصفها قرض ونصفها مضاربة بالنصف جاز ولم يذكر الكراهة هنا ا هـ
قلت ويظهر عدم الكراهة في الثاني بالأولى والظاهر أن الشركة كالمفاوضة لو دفع ألفا نصفها قرض على أن يعمل بالألف بالشركة بينهما والربح بقدر المالين مثلا وأنه لا كراهة في ذلك لأنه ليس قرضا جر نفعا
قوله ( فطلب رب المال حصته ) أي مما كان من الشركة منح والمراد أنه طلب مال القرضة فإن صبر إلى أن يصير مال الشركة ناضا أي دراهم ودنانير يأخذ ما أقرضه من جنسه وإن لم يصبر لنضه أخذ متاعا بقيمة الوقت والظاهر أنه مقيد برضا شريكه وإلا فله دفع قرضه من غير المتاع إن كان له غيره أو يأمره القاضي ببيعه وإنما قلنا إن المراد مال القرض لأنه لو كان المراد قسمة حصته من مال الشركة فإنه يقوم بقيمته يوم اشترياه ويكون الربح بينهما على قدره كما نقله في البحر عن الينابيع
قوله ( بينهما متاع الخ ) لو كان بينهما
____________________
(4/331)
بعير حمل عليه أحدهما بأمر شريكه فسقط في الطرق فنحره إن كان ترجي حياته ضمن وإلا فلا ولو نحره أجنبي يضمن مطلقا وهو الأصح وكذا الشاة لو ذبحها الراعي على هذا التفصيل ولو ذبحها غيره يضمن
ط ملخصا عن الهندية
قوله ( دابة مشتركة ) أي بين حاضر وغائب ط
قوله ( قال البيطارون ) جمع بيطار معالج الدواب
قاموس ط
قوله ( لم يضمن ) أي إذا هلكت لأنه اعتمد على خبر أهل المعرفة ومفهومه أنه لو فعله من تلقاء نفسه ضمن ط
قوله ( سكن أحدهما الخ ) تقدمت مسائل الانتفاع بالمشترك في غيبة شريكه أول الباب عند قوله إلا في الخلط والاختلاط وقدمنا الكلام عليه
قوله ( طاحون مشتركة ) المراد بها كل ما لا يقسم ط
قوله ( عمرها ) بصيغة الأمر أي قال للآخر عمرها معي فافهم
قوله ( لم يرجع ) لأن شريكه يجبر على أن يفعل معه كما يعلم من الضابط الآتي قوله ( فليس بمتطوع ) مخالف لما قبله وللضابط
قوله ( فهو متطوع ) لأنه يجبر على الإنفاق وعلى أداء الخراج ط
مطلب مهم فيما إذا امتنع الشريك من العمارة والإنفاق في المشترك قال في جامع الفصولين جاز الجبر على الإنفاق في قن وزرع ودابة مشتركة ولم يجبر ذو السفل على البناء لأنه في الأول يصير الممتنع عن النفقة متلفا حقا قائما لشريكه فيجبر بخلاف الثاني لأن حق ذي العلو فائت إذ حقه قرار العلو على السفل ولم يبقيا لكن يأتي في الحائط المشترك لو انهدم وعرصته عريضة قيل لا يجبر وقيل يجبر وهو الأشبه لتضرر الشريك فعلى هذا القول ينبغي أن يجبر ذو السفل على البناء ا هـ
ملخصا
وذكر قبيله في قن أو زرع بينهما فغاب أحدهما وأنفق الآخر يكون متبرعا بخلاف ذي العلو مع أن كلا لا يصل إلى إحياء حقه إلا بالإنفاق
والفرق أن الأول غير مضطر لأنص شريكه لو حاضرا يجبره القاضي على الإنفاق ولو غائبا يأمر القاضي الحاضر به ليرجع على الآخر فلما زال الاضطرار كان متبرعا أما ذو العلو فمضطر في بناء السفل إذ القاضي لا يجبره لو حاضرا فلا يأمر غيره لو غائبا والمضطر ليس بمتبرع ا هـ ملخصا
وحاصله أن في الجبر على الإنفاق على القن والزرع قولين وأنه ينبغي أن يكون ذو السفل كذلك
قوله ( والضابط الخ ) نقل هذا الضابط في متفرقات قضاء البحر عن الإمام الحلواني
قلت ولا بد من تقييده بما إذا كان مريد الانفاق مضطرا إلى إنفاق شريكه معه فيقال إذا كان أحدهما مضطرا إلى الإنفاق معه وأنفق بلا إذن الآخر فإن كان الآخر الممتنع يجبر على الفعل معه فهو متطوع لتمكنه من
____________________
(4/332)
رفعه إلى القاضي ليجبره وإلا لا أي وإن لم يجبر الممتنع لا يكون متطوعا
فالأول كما في الثلاث التي ذكرها الشارح وكما في قن وزرع ودابة على أحد القولين والثاني كما في سفل انهدم فإن صاحبه لا يجبر على البناء على ما مر فذو العلو مضطر إلى البناء وصاحبه لا يجبر فإذا أنفق ذو العلو لا يكون متبرعا ومثله الحائط المنهدم إذا كان عليه حمولة الآخر على ما يأتي بيانه بخلاف ما إذا كان مريد الإنفاق غير مضطر وكان صاحبه لا يجبر كدار يمكن قسمتها وامتنع الشريك من العمارة فإنه لا يجبر فلو أنفق عليها الآخر بلا إذنه فهو متبرع لأنه غير مضطر إذ يمكنه أن يقسم حصته ويعمرها كما صرح به في الخانية ويعلم مما يأتي من التقييد بما لا يقسم أيضا وبه علم أنه لا بد من التقييد بالاضطرار كما قلنا وإلا لزم أن لا يكون متبرعا حيث أمكنته القسمة
وعلى هذا يحمل ما في جامع الفصولين حيث قال والتحقيق أن الاضطرار يثبت فيما لا يجبر صاحبه لا فيما يجبر ففي الأول يرجع لا في الثاني لو فعله بلا إذن وهذا يخلصك عن الاضطراب الواقع في هذا الباب ا هـ ملخصا فافهم هذا
وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي حمام بين رجلين أو دولاب ونحوه مما تفوت بقسمته المنفعة المقصودة احتاج إلى المرمة وامتنع أحدهما منها
قال بعضهم يؤجرها القاضي ليرمها بالأجرة أو يأذن لأحدهما بالإجارة ويأخذ المرمة منها
وقال بعضهم أن القاضي يأذن لغير الآبي بالإنفاق ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته والفتوى على هذا القول اه
ومثله في الخيرية عن الخانية
قلت وهذا زيادة بيان لما سكت عنه الضابط المذكور وهو أنه إذا اضطر ورفع الأمر إلى القاضي ليجبره ثم امتنع تعنتا أو عجزا يأذن القاضي للمضطر ليرجع بقي أنه لم يذكر بماذا يرجع
وفي جامع الفصولين حائط بينهما وهي وخيف سقوطه فأراد أحدهما نقضه وأبى الآخر يجبر على نقضه
ولو هدما حائطا بينهما فأبى أحدهما عن بنائه يجبر ولو انهدم لا يجبر ولكنه يبني الآخر فيمنعه حتى يأخذ نصف ما أنفق بأمر القاضي ونصف قيمة البناء لو أنفق بلا أمر القاضي ا هـ
ونقل هذا الحكم في شرح الوهبانية عن الذخيرة في مسألة انهدام السفل وقال إنه الصحيح المختار للفتوى فعلم أن هذا فيما لا يجبر عليه كالحائط والسفل أما ما يجبر عليه مثل ما لا يقسم ولا بد فيه عند الامتناع من إذن القاضي كما علمت خلافا لما سيأتي عن الأشباه
وبه يظهر لك ما في قسمة الخيرية حيث سئل في عقار لا يقبل القسمة كالطاحون والحمام إذا احتاج إلى مرمة وأنفق أحد الشريكين من ماله أجاب لا يكون متبرعا ويرجع بقيمة البناء بقدر حصته كما حققه في جامع الفصولين وجعل الفتوى عليه في الولوالجية قال في جامع الفصولين معزيا إلى فتاوى الفضلي طاحونة لهما أنفق أحدهما في مرمتها بلا إذن الآخر لم يكن متبرعا إذ لا يتوصل إلى الانتفاع بنصيبه إلا به ا هـ
فراجع كتب المذهب فإن في هذه المسألة وقع تحير واضطراب في كلام الأصحاب ا هـ ملخصا
قلت ما نقله في جامع الفصولين عن الفضلي قال عقبه أقول ينبغي أن يكون على تفصيل قدمته ا هـ
قلت أراد بالتفصيل ما مر من إناطة الرجوع وعدمه على الجبر وعدمه
وحاصله أنه لم يرض بما في فتاوى الفضلي لأن الشريك في الطاحون يجبر لكونها مما لا يقسم فلا يرجع المعمر بلا إذنه وبلا أمر القاضي
ويمكن تأويل كلام الفضلي بحمله على ما إذا أنفق بأمر القاضي أو هو قول آخر كما يأتي
وأما ما في الولوالجية فقد ذكره في مسألة السفل وهو ما قدمناه آنفا عن شرح الوهبانية عن الذخيرة بعينه وهذه المسألة لا يجبر فيها الشريك فيرجع عليه المعمر وإن عملا بلا إذنه كما علمت ولا تقاس عليها مسألة الطاحون
____________________
(4/333)
مطلب في الحائط إذا خرب وطلب أحد الشريكين قسمته أو تعميره والذي تحصل في هذا المحل أن الشريك إذا لم يضطر إلى العمارة مع شريكه بأن أمكنه القسمة فأنفق بلا إذنه فهو متبرع وإن اضطر وكان الشريك يجبر على العمل معه فلا بد من إذنه أو أمر القاضي فيرجع بما أنفق وإلا فهو فمتبرع إن اضطر وكان شريكه لا يجبر فإنه أنفق بإذنه أو بأمر القاضي رجع بما أنفق أو لا فبالقيمة فاغتنم تحرير هذا المقام الذي هو مزلة أقدام الأفهام
قوله ( وصي وناظر ) قال في وصايا الخانية جدار بين دار صغيرين عليه حمولة يخاف عليه السقوط ولكل صغير وصي فطلب أحد الوصيين مرمة الجدار وأبى الآخر وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يبعث القاضي أمينا ينظر فيه إن علم أن في تركه ضررا عليهما أجبر الآبي أن يبني مع صاحبه وليس هذا كإباء أحد المالكين لأن ثمة الآبي رضي بدخول الضرر عليه فلا يجبر أما هنا الوصي أراد إدخال الضرر على الصغير فيجبر أن يرم مع صاحبه ا هـ
قلت ويجب أن يكون الوقف كمال اليتيم فإذا كانت الدار مشتركة بين وقفين واحتاجت إلى المرمة فأرادها أحد الناظرين وأبى الآخر يجبر على التعمير من مال الوقف وقد صارت حادثة الفتوى كذا في متفرقات قضاء البحر ح
قلت بقي لو كانت الشركة بين بالغ ويتيم وينبغي أنه لو كان الضرر على البالغ لا يجبر وصي اليتيم بخلاف العكس وكذا لو بين يتيمين والضرر على أحدهما بأن كانت حمولة الجدار له فينبغي أن يجبر وصي المتضرر لو امتنع وكذا يقال في الواقف مع الملك
تأمل
قوله ( وضرورة تعذر قسمة ) الإضافة للبيان ط
قوله ( ككرى نهر ) أي تعديله
قوله ( فإن كان الحائط يحتمل القسمة ) أي يحتمل أساسه القسمة بأن كان عريضا
وفي المسألة تفصيل لأنه إما أن يكون عليه حمولة أو لا ففي الثاني إن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر فقيل لا يجبر مطلقا وقيل يجبر لو عرصته عريضة وبه يفتى
وإن طلب أحدهما البناء لا القسمة فلو عريضة لا يجبر الآبي ولو غير عريضة قبل لا يجبر أيضا وقيل يجبر وهو الأشبه وإن بنى أحدهما قيل لا يرجع لو عريضة لأنه غير مضطر فيه وفي الأول وهو هو ما إذا كان عليه حمولة فإما أن تكون الحمولة لهما أو لأحدهما فإن كانت لهما فإن طلب أحدهما قسمة عرصة الحائط لا يجبر الآخر ولو عريضة إذ لكل منهما في كامل العرصة وهو وضع الجذوع على جميع الحائط
وإن طلب أحدهما البناء قيل لا يجبر الآبي لو عريضة وقيل مطلقا وقيل يجبر مطلقا وبه يفتى إذ في عدم الجبر تعطيل حق شريكه وهو وضع الجذوع على جميع الحائط ولو بنى بلا إذن قيل لو عريضة لا يرجع وقيل يرجع وهو الصحيح لأنه مضطر كما لو كانت غير عريضة لكن مر أن الفتوى على أن شريكه يجبر على البناء ولا اضطرار فيما يجبر
____________________
(4/334)
عليه كما مر تحقيقه فينبغي أن يفتى بأنه متبرع وإن كانت الحمولة لأحدهما وطلب صاحبها القسمة يجبر الآبي لو عريضة وهو الصحيح وبه يفتى ولو أراد ذو الحمولة البناء وأبى الآخر فالصحيح أنه يجبر ولو بنى فالصحيح أنه يرجع لما مر أنه مضطر ولو بناه الآخر والعرصة عريضة فهو متبرع ثم في كل موضع لم يكن الباني متبرعا كان له منع صاحبه من الانتفاع إلى أن يرد عليه ما أنفق أو قيمة البناء على ما مر فلو قال صاحبه أنا لا أتمتع بالمبنى قيل لا يرجع الباني وقيل يرجع اه
جامع الفصولين ملخصا
قوله ( وإلا أجبر ) أي وإن لم يحتمل القسمة أجبر الآبي على البناء وهو الأشبه كما مر
قوله ( كحمام الخ ) أي إذا احتاج إلى مرمة أو قدر أو نحوه بخلاف ما إذا خرب وصار صحراء لأنه يمكن قسمته كما في جامع الفصولين
قوله ( بلا إذن شريكه ) أي في الأرض بأن كانت مشتركة بينهما نصفين
قوله ( لم يجز ) لأنه بيع معنى فلا يصح في معدوم
قوله ( وإن أراد ) عن غير الزارع
قوله ( يقاسمه ) أي يقاسمه الأرض المشتركة بينهما
قوله ( فيقلعه ) أي يقلع الزرع من نصيبه من الأرض
ونظير هذا ما قالوا فيما لو بنى في دار مشتركة وطلب الآخر رفع البناء فإنه يقاسمه الدار ويأمره بهدم ما خرج من البناء في حصته
قوله ( ويضمن الزارع نقصان الأرض بالقلع ) أي نقصان نصف الأرض لو انتقصت لأنه غاصب في نصيب شريكه
شرح الملتقى
قوله ( والصواب نقصان الزرع ) هذا من عند الشارح لأنه عبارة المجتبى انتهت عند قوله نقصان الأرض بالقلع كما وجدته في نسخة معتمدة من نسخ المجتبى ولا وجه لتصويب الشارح فإن نقصان الزرع بإرادة مالكه على الخصوص
أما نقصان الأرض بالقلع فمضر للشريك لكونها ملكهما فإن القسمة وقعت على الزرع فقط لا على الأرض أيضا وهذا ما ظهر لي فتأمل ا هـ ح
قلت في عبارته قلب والصواب أن يقول فإن القسمة وقعت على الأرض فقط لا على الزرع أيضا
على أن ما فهمه من كلام الشارح غير متعين ويبعد من هذا الشارح الفاضل أن يفهم هذا الفهم العاطل بل مراده أن الصواب أن يقول ويضمن الزارع نقصان الأرض بالزرع لكنه اختصر العبارة فقال نقصان الزرع من إضافة المصدر إلى فاعله أي ما نقصها الزرع
ووجه التصويب أن الأرض ينقصها الزرع لا القلع لأنها تحرث لأجل الزرع فإذا زرعت ونبت الزرع تحتاج إلى حرث آخر بل بعض أنواع الزرع يعطل الأرض بحيث لا يمكن زراعتها حتى تترك عامين أو أكثر
أما نفس القلع فليس ضرر الأرض منه فافهم
قوله ( وإلا بنى ثم أجره ليرجع ) أي آجره بإذن القاضي ليأخذ ما أنفقه من الأجرة وهذا أحد قولين والثاني أن القاضي يأذن له بالإنفاق ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته وقدمنا عن شرح الوهبانية للشرنبلالي أن الفتوى على هذا القول وعبارة الأشباه كما ذكره الشارح في آخر القسمة وإلا بنى ثم آجره ليرجع بما أنفق لو بأمر قاض وإلا فبقيمته البناء وقت البناء ا هـ
وقدمنا أن هذا التفصيل فيما لا يجبر فيه الشريك
قوله ( باع شريك الخ ) أي شركة الملك وهذه المسألة
____________________
(4/335)
تقدمت متنا أول الباب عند قوله وكل أجنبي في مال صاحبه الخ
قوله ( وهلكا ) أي الفرس والألف فيه للإطلاق والمراد أنه هلك بيد المشتري
قوله ( وكان ذا ) أي البيع المقرون بالتسليم إذ البيع وحده لا يوجب الضمان لعدم تحقق الغصب به كما ذكروه في كتاب الغصب وفي البزازية قال بعت الوديعة وقبضت ثمنها لا يضمن ما لم يقل دفعتها إلى المشتري
قوله ( فإن يشاؤوا الخ ) أي الشركاء وفي الحامدية عن فتاوى قارىء الهداية والمنح لهما دابة فباع أحدهما نصيبه وسلمها إلى المشتري بغير إذن شريكه فهلكت عند المشتري فالشريك يخير بين أن يضمن شريكه أو المشتري فإن ضمن الشريك جاز بيعه فنصف الثمن له وإن ضمن المشتري رجع بنصف الثمن على بائع والبائع لا يرجع بما ضمن على أحد كما هو حكم الغاصب ا هـ
وبه علم أن مبنى الضمان هو التسليم إلى المشتري بدون إذن الشركاء لا مجرد البيع كما قلنا فافهم
ووجه الخيار هو أن البائع كالغاصب والمشتري كغاصب الغاصب
قوله ( وإن يكن كل شريك آجر الخ ) هذه المسألة سئل عنها الإمام الفضلي وأجاب فيها بعدم الرجوع
ثم قال يحتمل أن يقال المستأجر يقوم مقام مؤجره فيما أنفق فيرجع على مؤجره وهو أي مؤجره على شريكه
ويحتمل أن يقال المستأجر إنما رجع على مؤجره بالأمر وأمره إنما يجوز على نفسه لا على غيره فالمستأجر متبرع في نصيب شريكه فلا يرجع على أحد ا هـ
وناقشه في جامع الفصولين بقوله أقول لو رم المؤجر بنفسه فلو كان له الرجوع على شريكه ينبغي أن يرجع المستأجر على مؤجره وهو على شريكه لصحة الأمر إذا أمر فيما له فعله فكأنه رم بنفسه فلا معنى لقوله وأمره إنما يجوز على نفسه لا على غيره ولو لم يكن له الرجوع إذا رم بنفسه لم يجز أمره على حق شريكه فلا رجوع فلا يفيد قوله يقوم مقام مؤجره
فالحاصل أن أحد الاحتمالين باطل إلا أن يكون قولان في رجوع المؤجر لو رم بنفسه
والظاهر أن فيه قولين على ما يظهر مما تقدم ولو رمه المؤجر بنفسه يتأتى فيه يكون رجوعه على التفصيل ا هـ
قلت وهو كلام وجيه لكن تقدم عن فتاوى الفضلي أنه لو أنفق في مرمة الطاحون لمك يكن متبرعا أي بناء على أن الآبي لا يجبر وهو مخالف للضابط المتقدم كما قدمنا تحريره فالظاهر أن كلام الفضلي هنا مبني على ما ذكره في فتاواه فيرجع لو رم بنفسه أو رم مأمورة وهو المستأجر لأنه أمر بما يملك فعله فيرجع المستأجر عليه وهو يرجع على شريكه أما عدم رجوع المستأجر على شريك المؤجر فظاهر لأنه أجنبي عنه
وقد كتب الشرح هنا على الهامش عند قوله فلا رجوع صاح للمستأجر الخ ما نصه قلت ظاهره أنه يرجع على الآذان
بقي بم يرجع بكله أو بحصته فليراجع ا هـ
قلت صريح عبارة الفضلي المارة أنه يرجع على الآذان وهو المؤجر وأنه يرجع بالكل على الاحتمال الأول وبحصة المؤجر فقط على الاحتمال الثاني لأنه جعله متبرعا في نصيب الشريك وإذا قلنا بأنه يثبت للشريك الرجوع فالظاهر أن مأموره يرجع عليه بالكل أما على مقتضى الضابط المار فلا رجوع للشريك ويرجع
____________________
(4/336)
المأمور عليه بحصته فقط والله تعالى أعلم
قوله ( لو واحد من الشريكين سكن الخ ) قدمنا الكلام على هذه المسألة أول الباب قبيل شركة العقد
قوله ( بأجرة السكنى ) أي ولو معدا للاستغلال لأنه سكن بتأويل ملك فلا أجر عليه نعم لو كان وقفا أو مال يتيم يلزمه أجر شريكه على ما اختاره المتأخرون وهو المعتمد كما سيأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى
قوله ( لكنه الخ ) هذا في غير الوقف لأن الوقف لا تجري فيه القسمة ولا المهايأة كما يأتي والله سبحانه وتعالى أعلم
كتاب الوقف هو مصدر وقفت أقف حبست ومنه الموقف لحبس الناس فيه للحساب وأوقفت لغة رديئة حتى ادعى المازني أنها لم تعرف من كلام العرب قال الجوهري وليس في الكلام أوقفت إلا حرفا واحدا أوقفت على الأمر الذي كنت عليه ثم اشتهر في الموقوف فقيل هذه الدار وقف ولذا جمع على أوقاف
وقد قال الشافعي رحمع الله تعالى لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمت وإنما حبس أهل الإسلام
وفي وقف المنية الرباط أفضل من العتق
نهر
قوله ( إدخال غيره معه في ماله ) هذا في الشركة ظاهر
وأما في الوقف فلا يتم إلا إذا وقف على نفسه وغيره
وما في النهر أوضح حيث قال مناسبته بالشركة باعتبار أن المقصود بكل منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال إلا أنه في الشركة على ملك صاحبه
وفي الوقف يخرج عنه عند الأكثر ا هـ ح
قوله ( على حكم ملك الواقف ) قدر لفظ حكم تبعا للإسعاف والشرنبلالية ليكون تعريفا للوقف اللازم المتفق عليه
أما غير اللازم فإنه باق على ملك الواقف حقيقة عنده ولذا قال القهستاني وشرعا عنده حبس العين ومنع الرقبة المملوكة بالقول عن تصرف الغير حال كونها مقتصرة على ملك الوقف فالرقبة باقية على ملكه في حياته وملك لورثته بعد وفاته بحيث يباع ويوهب
ثم قال ويشكل بالمسجد فإنه حبس على ملك الله تعالى بالإجماع اللهم إلا أن يقال إنه تعريف للوقت المختلف فيه اه
والحاصل أن المصنف عرف الوقف المختلف والشارح قدر الحكم اختيار اللازم المتفق عليه ولكل جهة هو موليها لكن جهة الشارح أرجح من حيث إن المصنف قال هو حبس العين وذلك لا يناسب تعريف غير اللازم إذ لا حبس فيه لأنه غير ممنوع عن بيعه ونحوه بخلاف اللازم فإنه محبوس حقيقة وكثيرا ما تخفى رموز هذا الشرح الفاضل على الناظرين خصوصا من هو مولع بالاعتراض عليه فافهم
مطلب لو وقف على الأغنياء وحدهم لم يجز قوله ( ولو في الجملة ) فيدخل فيه الوقف على نفسه ثم على الفقراء وكذا الوقف على الأغنياء ثم الفقراء
____________________
(4/337)
لما في النهر عن المحيط لو وقف على الأغنياء وحدهم لم يجز لأنه ليس بقربة أما لو جعل آخره للفقراء فإنه يكون قربة في الجملة ا هـ
وبهذا التعميم صار التعريف جامعا واستغنى عما زاده فيه الكمال وتبعه ابن كمال من قوله أو صرف منفعتها إلى من أحب وقال إن الوقف يصح لمن يحب من الأغنياء بلا قصد القربة وهو وإن كان لا بد في آخره من القربة بشرط التأبيد كالفقراء ومصالح المسجد لكنه يكون وقفا قبل انقراض الأغنياء بلا تصدق
ا هـ
أفاده في النهر
وأجاب في البحر أيضا بأنه قد يقال إن الوقف على الغني تصدق بالمنفعة لأن الصدقة تكون على الأغنياء أيضا وإن كانت مجازا عن الهبة عند بعضهم وصرح في الذخيرة بأن في التصدق على الغني نوع قربة دون قربة الفقير ا هـ
واعترضه ح بأن هذا النوع من القربة لو كفى في الوقف لصح الوقف على الأغنياء من غير أن يجعل آخره للفقراء وعلمت تصريح المحيط بأنه لا يصح وسيأتي قبيل الفصل
قلت والجواب الصحيح أن الوقف تصدق ابتداء وانتهاء إذ لا بد من التصريح بالتصدق على وجه التأبيد أو ما يقوم مقامه كما يأتي تحقيقه ولكنه إذا جعل أوله على معنيين صار كأنه استثنى ذلك من الدفع إلى الفقراء كما صرحوا به ولذا لو وقف على بنيه ثم على الفقراء ولم يوجد إلا ابن واحد يعطى النصف والنصف الباقي للفقراء لأن ما بطل من الوقف على الابن صار للفقراء لأن الوقف خرج عن ملك الواقف بقوله صدقة موقوفة أبدا فقد ابتدأه بالصدقة وختمه بها كما قاله الخصاف فعلم أنه صدقة ابتداء ولا يخرجه عن ذلك اشتراط صرفه لمعين
قوله ( والأصح أنه عنده جائز الخ ) قال في الإسعاف وهو جائز عند علمائنا أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى
وذكر في الأصل كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف فأخذ بعض الناس بظاهر هذا اللفظ وقال لا يجوز الوقف عنده
والصحيح أنه جائز عند الكل وإنما الخلاف بينهم في اللزوم وعدمه فعنده يجوز جواز ولو رجع عنه حال حياته جاز مع الكراهة ويورث عنه
ولا يلزم إلا بأحد أمرين إما أن يحكم به القاضي أو يخرجه مخرج الوصية
وعندهما يلزم بدون ذلك وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح
ثم إن أبا يوسف يقول يصير وقفا بمجرد القول لأنه بمنزلة الإعتاق عنده وعليه الفتوى
وقال محمد لا إلا بأربعة شروط ستأتي ا هـ
ملخصا
وبحث في الفتح بأنه إذا لم يزل ملكه عنده قبل الحكم فلفظ حبس لا معنى له لأن التصرف فيه متى شاء فلم يحدث الوقف إلا مشيئة التصدق بالمنفعة وله أن يترك ذلك متى شاء وهذا القدر كان ثابتا قبل الوقف فلم يفد لفظ الوقف شيئا وحينئذ فقول من أخد بظاهر ما في الأصل صحيح
ونظر فيه في البحر بأن سلب الفائدة مطلقا غير صحيح لأنه يصح الحكم ويحل للفقير أن يأكل منه ويثاب الواقف به ويتبع شرطه ويصح نصب المتولي عليه
وقوله من أخذ بظاهر اللفظ غير صحيح لأن ظاهره عدم الصحة أصلا ولم يقل به أحد وإلا لزم أن لا يصح الحكم به ا هـ
قلت بل ذكر في الإسعاف أنه عنده يكون نذرا بالتصدق حيث قال وحكمه ما ذكر في تعريفه فلو قال أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة جاز لازما عند العلماء
وعند أبي حنيفة يكون نذرا بالصدقة بغلة الأرض يبقي ملكه على حاله فإذا مات يورث عنه ا هـ أي فيجب عليه التصدق بغلته
قوله ( على حكم ملك الله تعالى ) قدر لفظ حكم ليفيد أن المراد أنه لم يبق على ملك الواقف ولا انتقل إلى ملك غيره بل صار على حكم
____________________
(4/338)
ملك الله تعالى الذي لا ملك فيه لأحد سواه وإلا فالكل ملك الله تعالى واستحسن في الفتح قول مالك رحمه الله أنه حبس العين على ملك الواقف فلا يزول عنه ملكه لكن لا يباع ولا يورث ولا يوهب مثل أم الولد والمدير وحققه بما لا مزيد عليه
قلت والظاهر أن هذا مراد شمس الأئمة السرخسي حيث عرفه بأنه حبس المملوك عن التمليك من الغير فإن الحبس يفيد أنه باق على ملكه كما كان وأنه لا يباع ولا يوهب
قوله ( وصرف منفعتها على من أحب ) عبر به بدل قوله والتصدق بالمنفعة لأنه أعم وإلى التعميم أشار بقوله ولو غنيا أفاده ح لكن علمت أن الوقف على الأغنياء وحدهم لا يجوز فالمناسب التعبير بالتصدق بالمنفعة لا أن يراد صرف منفعتها على وجه التصدق
قوله ( فيلزم ) تفريع على ما أفاده التعريف من خروج العين عن ملك الواقف لثبوت التلازم بين اللزوم والخروج عن ملكه باتفاق أئمتنا الثلاثة كما ذكره في الفتح
قوله ( وعليه الفتوى ) أي على قولهما يلزمه
قال في الفتح والحق ترجح قول عامة العلماء بلزومه لأن الأحاديث والآثار متظافرة على ذلك واستمر عمل الصحابة والتابعين ومن بعدهم على ذلك فلذا ترجح خلاف قوله ا هـ
ملخصا
قوله ( ببر الأحباب ) أي من يحب برهم ونفعهم من قريب أو فقير أجنبي قوله ( يعني بالنية ) قيد للثواب إذ لا ثواب إلا بالنية
قوله ( من أهلها ) وهو المسلم العاقل
وأما البلوغ فليس بشرط لصحة النية والثواب بها بل هو شرط هنا لصحة التبرع
قوله ( لأنه مباح الخ ) يعني قد يكون مباحا كما عبر في البحر المراد أنه ليس موضوعا للتعبد به كالصلاة والحج بحيث لا يصح من الكافر أصلا بل التقرب به موقوف على نية القربة فهو بدونها مباح تى يصح من الكافر كالعتق والنكاح لكن العتق أنفذ منه حتى صح مع كونه حراما كالعتق للصنم بخلاف الوقف فإنه لا بد فيه من أن يكون في صورة القربة وهو معنى ما يأتي في قوله ويشترط أن يكون قربة في ذاته إذ لو اشترط كونه قربة حقيقة لم يصح من الكافر هذا ما ظهر لي فتأمل
قوله ( فيتصدق بها أو بثمنها ) خلط الشارح مسألة النذر بالوقف بمسألة ما لو كانت صيغة الوقف نذرا مع أن حكمهما مختلف فأما النذر به فقال في البحر والثالث المنذور كما لو قال إن قدم ولدي فعلي أن أقف هذه الدار على ابن السبيل فقدم فهو نذر يجب الوفاء به فإن وقفه على ولده وغيره ممن لا يجوز دفع زكاته إليهم جاز في الحكم ونذره باق وإن وقفه على غيرهم سقط وإنما صح النذر لأن من جنسه واجبا فإنه يجب أن يتخذ الإمام للمسلمين مسجدا من بيت المال أو من مالهم إن لم يكن لهم بيت مال كذا في فتح القدير
وأما مسألة ما لو كانت صيغة الوقف نذرا فقال في البحر قبل هذا التاسع لو قال هي للسبيل إن تعارفوه وقفا مؤبدا للفقراء كان كذلك وإلا سئل فإن قال أردت الوقف صار وقفا لأنه محتمل لفظه أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر فيتصدق بها أو بثمنها وإن لم ينو كانت ميراثا
ذكره في النوازل ا هـ ح
قلت صيغة النذر بالوقف التي ذكرها في البحر غير متعينة فليكن الشارح أشار إلى صيغة غيرها تشمل المسألتين كأن قال إن قدم ولدي فعلي أن أجعل هذه الدار للسبيل وحينئذ فإن أراد بالسبيل الصدقة كانت كذلك وقد ذكر حكمها بقوله فيتصدق بها أو بثمنها وإن أراد الوقف أو كان متعارفا كانت وقفا وقد أفاد حكمها بقوله ولو وقفها الخ
____________________
(4/339)
ودقة نظر الشارح وإيجازه في التعبير يفوق ذلك كما لا يخفى على من مارس كتابه فافهم
قوله ( جاز في الحكم ) أي صح الوقف في حكم الشرع لصدوره من أهله في محله وصح تعيينه الموقوف عليه لكنه لا يسقط به النذر لأن الصدقة الواجبة لا بد أن تكون لله تعالى على الخلوص وصرفها إلى من لا تجوز شهادته له فيه نفع له فلم تخلص لله تعالى كما لو صرف إليه الكفارة أو الزكاة وقعت صدقة وبقيت في ذمته
قوله ( وبهذا ) أي بما ذكر من أنه يكون قربة بالنية ومباحا بدونها وواجبا بالنذر
قوله ( وحكمه ) أي الأثر المترتب عليه
قوله ( ما مر في تعريفه ) أي من أنه تصدق بالمنفعة
قوله ( ومحله المال المتقوم ) أي بشرط أن يكون عقارا أو منقولا فيه تعامل كما سيأتي بيانه ثم رأيت هذا مسطورا في الإسعاف
مطلب قد يثبت الوقف بالضرورة قوله ( وركنه الألفاظ الخاصة ) وهي ستة وعشرون لفظا على ما بسطه في البحر ومنها ما في الفتح حيث قال فرع يثبت الوقف بالضرورة وصورته أن يوصي بغلة هذه الدار للمساكين أبدا أو لفلان وبعده للمساكين أبدا فإن الدار تصير وقفا بالضرورة
والوجه أنها كقوله إذ مت فقد وقفت داري على كذا ا هـ أي فهو من المعلق بالموت وسيأتي الكلام عليه وأنه كوصية من الثلث وذكر في البحر منها لو قال اشتروا من غلة داري هذه كل شهر بعشرة دراهم خبزا وفرقوه على المساكين صارت الدار وقفا ا هـ
وعزاه للذخيرة وبسط الكلام عليه في أنفع الوسائل وقال لا أعلم في المسألة خلافا بين الأصحاب
قلت ومقتضاه أن الدار كلها تصير وقفا من ثلث ماله ويصرف منها الخبز إلى ما عينه الواقف والباقي إلى الفقراء لأنهم مصرف الوقف في الأصل ما لم ينص على غيرهم
ونظيره ما قدمناه لو وقف على أولاده وليس له إلا ولد واحد فله النصف والباقي للفقراء
وقد سألت عن نظير هذه المسألة في رجل أوصى بأن يؤخذ من غلة داره كل سنة كذا دراهم يشتري بها زيت لمسجد كذا ثم باع الورثة الدار وشرطوا عل المشتري دفع ذلك المبلغ في كل سنة للمسجد فأفتيت بعدم صحة البيع وبأنها صارت وقفا حيث كانت تخرج من الثلث
قوله ( واكتفى أبو يوسف بلفظ موقوفة الخ ) أي بدون ذكر تأبيد أو ما يدل عليه كلفظ صدقة أو لفظ المساكين ونحوه كالمسجد وهذا إذا لم يكن وقفا على معين كزيد أو أولاد فلان فإنه لا يصح بلفظ موقوفة لمنافاة التعيين للتأبيد ولذا فرق بين موقوفة وبين موقوفة على زيد حيث أجار الأول دون الثاني نعم تعيين المسجد لا يضر لأنه مؤبد وسيأتي تمامه
قال في البحر لا يصح أي موقوفة فقط إلا عند أبي يوسف فإنه يجعلها بمجرد هذا اللفظ موقوفة على الفقراء وإذا كان مفيدا لخصوص المصرف أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا لأن جهة الفقراء لا تنقطع
قال الصدر الشهيد ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف ونحن نفتي به أيضا لمكان العرف لأن العرف إذا كان يصرفه إلى الفقراء كان كالتنصيص عليهم ا هـ
قلت وهذا بناء على أن ذكر التأبيد أو ما يدل عليه غير شرط عنده كما سيأتي بيانه
قوله ( وشرطه شرط سائر التبرعات ) أفاد أن الواقف لا بد أن يكون مالكه وقت الوقف ملكا باتا ولو بسبب فاسد وأن لا يكون
____________________
(4/340)
محجورا عن التصرف حتى لو وقف الغاصب المغصوب لم يصح وإن ملكه بعد بشراء أو صلح ولو أجاز المالك وقف فضولي جاز وصح وقف ما شراه فاسدا بعد القبض وعليه القيمة للبائع وكالشراء الهبة الفاسدة بعد القبض بخلاف ما لو اشتراه بخيار البائع فوقفها وإن جاز البائع بعده وينقض وقف استحق بملك أو شفعة وإن جعله مسجدا ووقف مريض أحاط دينه بماله بخلاف صحيح وسيأتي تمامه مع حكم وقف المرهون قبيل الفصل وكذا وقف محجور لسفه أو دين كذا أطلقه الخصاف
قال في الفتح وينبغي أنه إذا وقفها المحجور لسفه على نفسه ثم على جهة لا تنقطع أن يصح على قول أبي يوسف وهو الصحيح عند المحققين وعند الكل إذا حكم به الحاكم ا هـ
قال في البحر وهو مدفوع بأن الوقف تبرع وهو ليس من أهله
وفي النهر يمكن أن يجاب بأن الممنوع التبرع على غيره لا على نفسه كما هنا واستحقاق الغير له إنما هو بعد موته
قوله ( وإن يكون قربة في ذاته ) أي بأن يكون من حيث النظر إلى ذاته وصورته قربة والمراد أن يحكم الشرع بأنه لو صدر من مسلم يكون قربة حملا على أنه قصد القربة لكنه يدخل فيه ما لو وقف الذمي على حج أو عمرة مع أنه لا يصح ولو أجرى الكلام على ظاهره لا يدخل فيه وقف الذمي على الفقراء لأنه لا قربة من الذمي ولو حمل على أن المراد ما كان قربة في اعتقاد الواقف يدخل فيه وقف الذمي على بيعة مع أنه لا يصح فتعين أن هذا شرط في وقف المسلم فقث بخلاف الذمي لما في البحر وغيره أن شرط وقف الذمي أن يكون قربة عندنا وعندهم كالوقف على الفقراء أو على مسجد القدس بخلاف الوقف على بيعة فإنه قربة عندهم فقط أو على حج أو عمرة فإنه قربة عندنا فقط فأفاد أن هذا شرط لوقف الذمي فقط لأن وقف المسلم لا يشترط كونه قربة عندهم بل عندنا كوقفنا على حج وعمرة بخلافه على بيعة فإنه غير قربة عندنا بل عندهم
قوله ( معلوما ) حتى لو وقف شيئا من أرضه ولم يسمه لا يصح ولو بين بعد ذلك وكذا لو قال وقفت هذه الأرض أو هذه نعم لو وقف جميع حصته من هذه الأرض ولم يسم السهام جاز استحسانا ولو قال وهو ثلث جميع الدار فإذا هو النصف كان الكل وقفا كما في الخانية نهر أي كل النصف
وفي البحر عن المحيط وقف أرضا فيها أشجار واستثناها لا يصح لأنه صار مستثنيا الأشجار بمواضعها فيصير الداخل تحت الوقف مجهولا
قوله ( منجزا ) مقابلة المعلق والمضاف
قوله ( لا معلقا ) كقوله إذا جاء غدا أو إذا جاء رأس الشهر أو إذا كلمت فلانا فأرضي هذه صدقة موقوفة أو إن شئت أو أحببت يكون الوقف باطلا لأن الوقف لا يحتمل التعليق بالخطر لكونه مما لا يحلف به كما لا يصح تعليق الهبة بخلاف النذر لأنه يحتمله ويحلف به فلو قال إن كلمت فلانا إذا قدم أو إن برئت من مرضي هذا فأرضي صدقة موقوفة يلزمه التصدق بعينها إذا وجد الشرط لأن هذا بمنزلة النذر واليمين إسعاف
قوله ( إلا بكائن ) أو موجود للحال فلا ينافي عدم صحته معلقا بالموت
قال في الإسعاف ولو قال إن كانت هذه الأرض في ملكي فهو صدقة موقوفة فإن كانت في ملكه وقت التكلم صح الوقف وإلا فلا لأن التعليق بالشرط الكائن تنجيز
قوله ( ولا مضافا ) يعني إلى ما بعد الموت
فقد نقل في البحر أن محمدا نص في السير الكبير أنه إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باطلا عند أبي حنيفة ا هـ
نعم سيأتي في الشرح أنه يكون وصية لازمة من الثلث بالموت لا قبله أما لو قال داري صدقة موقوفة غدا فإنه صحيح كما جزم به في جامع الفصولين وأقره في البحر والنهر وسيذكره المصنف قبيل باب الصرف فمراد الشارح بالمضاف الأول فلا غلط في كلامه فافهم
قوله ( ولا مؤقتا ) كما إذا وقف داره يوما أو شهرا قاله الخصاف وفصل هلال بين أن يشترط رجوعها إليه بعد الوقت فيبطل وإلا فلا
وظاهر الخانية اعتماده
بحر
نهر
ويأتي تمامه عند قول المصنف
____________________
(4/341)
وإذا وقت بطل
قوله ( ولا بخيار شرط ) معلوما كان أو مجهولا عند محمد وصححه هلال
إسعاف
وفي ط عن الهندية وصح اشتراطه ثلاثة أيام عند الثاني ومحل الخلاف في غير وقف المسجد حتى لو اتخذ مسجدا على أنه بالخيار جاز والشرط باطل ا هـ
قوله ( ولا ذكر معه اشتراط بيعه الخ ) في الخصاف لو قال على أن لي إخراجها من الوقف إلى غيره أو على أن أهبها أو أتصدق بثمنها أو على أن أهبها لمن شئت أو على أن أرهنها متى بدا لي وأخرجها عن الوقف بطل الوقف ثم ذكر أن هذا في غير المسجد أما المسجد لو اشترط إبطاله أو بيعه صح وبطل الشرط
قلت ولو اشترط في الوقف استبداله صح وسيأتي بيانه
تتمة لا يشترط قبول الموقوف عليه لو غير معين كالفقراء فلو لشخص بعينه وآخره للفقراء اشترط قبوله في حقه فإن قبله فالغلة له وإن رده فللفقراء ومن قبل ليس له الرد بعده ومن رده أول الأمر ليس له القبول بعده وتمام الفروع في الإسعاف و البحر ولا يشترط أيضا وجود الموقوف عليه حين الوقف حتى لو وقف على مسجد هيأ مكانه قبل أن يبنيه فالصحيح الجواز كما سيأتي ولا تحديد العقار بل الشرط كونه معلوما خلافا لما يوهمه كلام القنية و الفتح نعم هو شرط الشهادة وسنذكر تمامه عند قوله ولو وقف العقار ببقرة
قوله ( بطل وقفه ) هو المختار جامع الفصولين وغيره
مطلب في وقف المرتد والكافر قوله ( فقتل أو مات ) أما إن أسلم صح كما في البحر
قوله ( أو ارتد المسلم بطل وقفه ) ويصير ميراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا إن عاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل
بحر
وفي هذه المسألة الاغتفار في الابتداء لا في البقاء عكس القاعدة فإن الردة المقارنة للوقف لا تبطله بل يتوقف بخلاف الطارئة فإنه تبطله بتا اه ط
وسيأتي تمام الكلام على ذلك قبيل الفصل الآتي
قوله ( ولا يصح وقف مسلم أو ذمي على بيعة ) أما في المسلم فلعدم كونه قربة في ذاته وأما في الذمي فلعدم كونه قربة عندنا وعنده كما مر
أفاده ح
لكن هذا إذا لم يجعل آخره للفقراء لما في لفتح لو وقف أي الذمي على بيعة مثلا فإذا خربت يكون للفقراء كان للفقراء ابتداء ولو لم يجعل آخره للفقراء كان ميراثا عنه نص عليه الخصاف في وقفه ولم يحك فيه خلافا اه
ومثله في الإسعاف ويظهر منه أن في عبارة البحر سقطا حيث قال ولو وقف على بيعة فإذا خربت كان للفقراء لم يصح وكان ميراثا لأنه ليس بقربة عندنا اه
قلت وينبغي أن يصح وقفا على الفقراء مطلقا على قول أبي يوسف المفتى به وهو عدم اشتراط التصريح بالتأبيد كما مر ويأتي إلا أن يجاب بأن التقييد بالبيعة ينافي التأبيد كما قدمناه قريبا فتأمل
قوله ( أو حربي ) لأنا قد نهينا عن برهم ط
قوله ( قيل أو مجوسي ) أشار إلى أن الصحيح صحة الوقف عليه ابتداء كما اختاره في القنية وفي الإسعاف لو وقف نصراني مثلا على مساكين أهل الذمة جز صرفها لمساكين اليهود والمجوس لكونهم من أهل الذمة ولو عين مساكين أهل دينه تعينوا ولو صرفها القيم إلى غيرهم ضمن وإن كان أهل الذمة ملة واحدة لتعين الوقف بمن يعينه الواقف
____________________
(4/342)
مطلب شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع قوله ( على المذهب ) فيه رد على الطرسوسي حيث شنع على الخصاف بأنه جعل الكفر سبب الاستحقاق والإسلام سبب الحرمان
قال في الفتح ولا نعلم أحدا من أهل المذهب تعقب الخصاف غيره وهذه للبعد من الفقه فإن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء ولو كان الوضع في كلهم قربة ولا شك أن التصدق على أهل الذمة قربة حتى جاز أن يدفع إليهم صدقة الفطر والكفارات عندنا فكيف لا يعتبر شرطه في صنف دون صنف من الفقراء أرأيت لو وقف على فقراء أهل الذمة ولم يذكر غيرهم أليس يحرم منه فقراء المسلمين ولو دفع المتولي إلى المسلمين ضمن فهذا مثله والإسلام ليس سببا للحرمان بل الحرمان لعدم تحقق سبب تملكه لهذ المال وهو إعطاء الواقف المالك اه
قوله ( والملك يزول ) أي ملك الواقف فيصير الوقف لازما للاتفاق على التلازم بين اللزوم والخروج عن ملكه كما قدمناه عن الفتح
قوله ( بأربعة ) هذا على قول الإمام لكن فيه أنه بالثاني والثالث لا يزول الملك فيه عند الإمام حتى كان له الرجوع عنه ما دام حيا كما سينبه عليه الشارح
قوله ( بإفراز مسجد ) عبر بالإفراز لأنه لو كان مشاعا لا يصح إجماعا وأفاد أنه يلزم بلا قضاء
قوله ( وبقضاء القاضي ) أي قضائه بلزومه كما في الفتح وعبر في موضع آخر قبله بقوله أي بخروجه عن ملكه وكل صحيح لما قدمناه عنه آنفا من التلازم بين الخروج واللزوم
تنبيه قال العلامة ابن الغرس في الفواكه البدرية قالو القضاء بصحة الوقف لا يكون قضاء بلزومه
وتوجيهه أن الوقف جائز غير لازم عند الإمام لازم عندهما فإذا قضى القاضي بصحته احتمل أن يكون قضى بذلك على مذهبه ولا معنى للجواز هاهنا إلا الصحة ولا يلزمها اللزوم فيحتاج في لزوم الوقف إلى التصريح بذلك وفيه نظر وجهه أن الإمام لم يقل بكون الوقف جائزا غير لازم مطلقا بل هو عنده لازم إذا علقه الواقف بالموت أو قضى به القاضي ولا شك أن القضاء بصحة الوقف قضاء بالوقف فيكون القضاء بصحته مقتضيا للزومه فلا يحتاج إلى التصريح باللزوم وفي القضاء به فليتأمل اه
كلام ابن الغرس
وحاصله أن القضاء بصحته كالقضاء بلزومه أو بخروجه عن ملكه وفيه نظر لأنهم اتفقوا على صحة الوقف بمجرد القول وإنما الخلاف في اللزوم فالإمام لا يقول به وقد تقرر أن كل مجتهد فيه إذا حكم به حاكم يراه نفذ حكمه وصار مجمعا عليه فليس لحاكم غيره نقضه والوقف من هذا القبيل فإذا حكم بلزومه حاكم يراه لزم اتفاقا وارتفع الخلاف أما لو حكم بأصل الصحة فلا لأنها ليست محل الخلاف ولا نسلم أنها تستلزم اللزوم وإلا لم يكن خلاف فيه مع أنه ثابت فقولهم يلزم عند الإمام بالقضاء معناه بالقضاء بلزومه أو بخروجه عن ملكه كما مر أما لو حكم بالصحة بأن وقع النزاع فيها فقط بأن ادعى عبده تعليق عتقه على وقفه أرضه فأنكر المولى صحة الوقف لكونه علقه بشرط مثلا فأثبت العبد أنه علقه بكائن فحكم الحاكم بصحته فهو صحيح ولا يستلزم اللزوم لأنه ليس محل النزاع هذا ما يظهر للفكر الفاتر فتدبره
قوله ( لأنه مجتهد فيه ) أي أنه يسوغ فيه الاجتهاد والاختلاف بين الأئمة فيكون الحكم فيه رافعا للخلاف كما قلنا وهذا تعليل لزوال الملك ولزومه عند الإمام القائل بعدم ذلك فافهم
قوله ( وصورته ) أي صورة قضاء القاضي بلزومه
قوله ( إن يسلمه ) أي يسلم الواقف
____________________
(4/343)
وقفه بعد أن نصب له متوليا
قوله ( ثم يظهر الرجوع ) أي يدعي عند القاضي أنه رجع عن وقفه ويطلب رده إليه لعدم لزومه ويمتنع المتولي من رده إليه فيحكم القاضي بلزومه فيلزم عند الإمام أيضا لارتفاع الخلاف بالقضاء
قوله ( لا المحكم ) فإن الصحيح أن بحكمه لا يرتفع الخلاف وللقاضي أن يبطله
بحر عن الخانية
ومثله في الإسعاف خلافا لما صححه في الجوهرة
تنبيه قال في الإسعاف ولو كان الواقف مجتهدا يرى لزوم الوقف فأمضى رأيه فيه وعزم على زوال ملكه عنه أو مقلدا فسأل فأفتى بالجواز فقبله وعزم على ذلك لزم الوقف ولا يصح الرجوع فيه وإن تبدل رأي المجتهد وأفتى المقلد بعدم اللزوم بعد ذلك اه
فهذا مما يزاد على ما يلزم به الوقف لكن قال في النهر بعد نقله له الظاهر ضعفه اه أي لمخالفته لقول المتون يزول بقضاء القاضي وأيضا فإن العبرة لرأي الحاكم فإذا رفع إليه حكم يحكم فيه برأيه لا برأي الخصم والظاهر أن ما في الإسعاف صحيح بالنسبة إلى الديانة لأن المجتهد إذا تغير رأيه لا ينقض ما أمضاه أولا وكذا المقلد في حادثة ليس له الرجوع فيها بتقليده مجتهدا آخر أما لو رفعت حادثة ذلك المجتهد أو المقلد إلى حاكم آخر فإنه يحكم برأي نفسه كما قلنا ولذا قال ولا يصح الرجوع فيه ولم يقل ولا يصح الحكم بخلافه فاغتنم هذا التحرير
قوله ( وسيجيء ) أي في أول الفصل الآتي
قوله ( إن البينة تقبل بلا دعوى ) أي في الوقف لأن حكمه هو التصدق بالغلة وهو حق الله تعالى وفي حقوق الله تعالى يصح القضاء بالشهادة من غير دعوى
بحر عن المحيط
وأشار بهذا إلى أن ما مر من تصويره بالدعوى غير لاك لكن قال الخير الرملي والكلام في الحكم الرافع للخلاف لا الحكم بثبوت أصله فإنه غير محتاج إلى الدعوى عند البعض وأما الحكم باللزوم عند دعوى عدمه فلا يرفع الخلاف إلا بعد تمام الدعوى فيه ليصير في حادثة إذ المتنازع فيه حينئذ اللزوم وعدمه فيرفع الخلاف
قوله ( قضاء على الكافة الخ ) أي لا على المقضي عليه فقط كما في دعوى الملك فإنه لو ادعى على ذي اليد أن هذا ملكه وحكم به القاضي تسمع دعوى رجل آخر على المدعي بأنه ملكه بخلاف ما أذا حكم لإنسان بالحرية ولو عارضة أو بنكاح امرأة أو بنسب أو بولاء عتاقة فإنه لا يسمع دعوى آخر عليه فإنه في هذه الأربعة قضاء على كافة الناس كما أفاده في البحر وسيجيء في باب الاستحقاق
قوله ( ورجحه المصنف ) حيث قال وينبغي أنه يفتى به ويعول عليه لما فيه من صون الوقف عن التعرض إليه بالحيل والتلابيس والدعاوى المفتعلة قصدا لإبطاله ولما فيه من النفع للوقف وقد صرح صاحب الحاوي القدسي بأنه يفتي بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه حتى نقضت الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى وإبقاء للخيرات اه ط
قوله ( إن المعتمد الثاني ) قال شيخنا حفظه الله تعالى ينبغي الإفتاء بهذا إن عرف الواقف بالحيل لأنه قد يقف عقاره غيره ويقضي القاضي بلزومه لدفع دعوى مالكه وإلا فيفتى بالأول اه
وهو حسن وفيه جمع بين القولين
قوله ( أو بالموت الخ ) معطوف على قوله بقضاء ومقتضاه أنه يزول الملك به وهو ضعيف كما أشار إليه الشارح
قال في الهداية وهذا أي زوال الملك في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فيلزمه اه
____________________
(4/344)
والحاصل أنه إذا علقه بموته فالصحيح أنه وصية لازمة لكن لم يخرج عن ملكه فلا يتصور التصرف فيه ببيع ونحوه بعد موته لما يلزم من إبطال الوصية وله أن يرجع قبل موته كسائر الوصايا وإنما يلزم بعد موته
بحر
ومثله في الفتح
ومحصل هذا أن المعلق بالموت لا يكون وقفا في الصحيح فلا يزول به الملك قبل الموت ولا بعده بل يكون وصية لازمة بعده حتى لا يجوز التصرف به لا قبله حتى جاز له الرجوع عنه وهذا معنى قول الشارح فالصحيح أنه كوصية الخ فإنه قصد به تحويل كلام المصنف لأن كلامه فيما يزول به الملك لا فيما يلزم ولا ينافي هذا ما قدمناه من الاتفاق على التلازم بين اللزوم والخروج عن الملك لأن ذاك في الوقف وأما المعلق بالموت فليس وقفا كما علمت فلا يلزم من لزومه وصية أن يخرج عن الملك
قوله ( فالصحيح أنه كوصية ) قد علمت أنه تحويل لكلام المصنف لا تفريع
قال في الفتح وإنما كان هذا هو الصحيح لما يلزم على مقابله من جواز تعليق الوقف والوقف لا يقبل التعليق بالشرط اه
واعترضه الحموي بأنه تعليق بكائن وهو كالمنجز
قلت قدمنا أن المراد بالكائن المحقق وجوده للحال فافهم
قوله ( ولو لوارثه الخ ) أي يلزم من الثلث ولو كان وقفا على وارثه وإن ردوه أي الورثة الموقف عليهم أو وارث آخر
مطلب في وقف المريض وفي البحر عن الظهيرية امرأة وقفت منزلا في مرضها على بناتها ثم على أولادهن وأولاد أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا فللفقراء ثم ماتت في مرضها وخلفت بنتين وأختا لأب والأخت لا ترضى بما صنعت ولا مال لها سوى المنزل جاز الوقف في الثلث ولم يجز في الثلثين فيقسم الثلثان بين الورثة على قدر سهامهم ويوقف الثلث فما خرج من غلته قسم بين الورثة كلهم على قدر سهامهم ما عاشت البنتان فإذا ماتتا صرفت الغلة إلى أولادهما وأولاد أولادهما كما شرطت الواقفة لا حق للورثة في ذلك
رجل وقف دارا له في مرضه على ثلاث بنات له وليس له وارث غيرهن قال الثلث من الدار وقف والثلثان مطلق يصنعن بهما ما شئن
قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يجزن أما إذا أجزن صار الكل وقفا عليهن اه
وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد
إسعاف أي لأنه مشاع حيث وقفه على الثلاثة ولم يقسمه كما يفهم من كلام الإسعاف
قوله ( لكنه يقسم ) أي إذا ردوه يقسم الثلث الذي صار وقفا أي تقسم غلته كالثلثين فتصرف مصرف الثلثين على الورثة كلهم ما دام الموقوف عليه حيا أما إذا مات تقسم غلة الثلث الموقوف على من يصير له الوقف كما علمت
وبقي ما لو مات بعض الموقوف عليهم فإنه ينتقل سهمه إلى ورثته ما بقي أحد من الموقوف عليه حيا كما في الإسعاف
قوله ( فقول البزازية ) عبارتها أرضي هذه موقوفة على ابني فلان فإن مات فعلى ولدي وولد ولدي ونسلي ولم تجز الورثة فهي إرث بين كل الورثة ما دام الابن الموقوف عليه حيا فإذا مات صار كلها للنسل اه
____________________
(4/345)
قوله ( أي حكما ) اعلم أن خبر المبتدأ وهو قول مدلول أي التفسيرية فكأنه قال مفسر بالإرث حكما وحكما تمييز عن الإرث المقدر
وحاصله أن المراد أنه إرث من جهة الحكم أي من حيث إنه يقسم كالإرث على الفريضة الشرعية ما دام الموقوف عليه حيا وإلا ففي الحقيقة الثلث وقف والباقي ملك
قوله ( فلا خلل في عبارته ) أي عبارة البزازي وهذا جواب عن قول البحر هي عبارة غير صحيحة لما مر عن الظهيرية أن الثلثين ملك والثلث وقف وأن غلة الثلث تقسم على الورثة ما دام الموقوف عليه حيا اه
قلت والظاهر أن الاعتراض على عبارة البزازي من وجهين الأول ما مر من قوله فهي إرث وجوابه ما علمت من أنها إرث حكما أي حصة الوقف فقط
والثاني قوله فإذا مات صار كلها للنسل فإنه غير صحيح أيضا لأن الذي يصير للنسل هو الثلث الموقوف أما الثلثان فهما ملك للورثة حيث لم يجيزوا
والذي يظهر في الجواب عن الوجهين أن الضمير في قوله فهي إرث راجع إلى غلة الثالث الموقوف وكذا ضمير قوله صار كلها للنسل أو يقال مراده ما إذا كانت الأرض كلها تخرج من الثلث فإنها حينئذ تصير كلها وقفا وحيث لم يجيزوا تقسم غلتها كالإرث ثم بعد موت الابن تصير كلها للنسل يؤيد ما قلنا ما في البزازية أيضا وقف أرضه في مرضه على بعض ورثته فإن أجاز الورثة فهو كما قالوا في الوصية لبعض ورثته وإلا فإن كانت تخرج من الثلث صارت الأرض وقفا وإلا فمقدار ما خرج من الثلث يصير وقفا ثم تقسم جميع غلة الوقف ما جاز فيه الوقف وما لم يجز على فرائض الله تعالى ما دام الموقوف عليه أو أحدهم في الإحياء فإذا انقرضوا كلهم تصرف غلة الأرض إلى الفقراء إن لم يوص الواقف إلى واحد من ورثته ولو مات أحد من الموقوف عليهم من الورثة وبقي الآخرون فإن الميت في قسمة الغلة ما دام الموقوف عليهم أحياء كأنه حي فيقسم ثم يجعل سهمه ميراثا لورثته الذين لا حصة لهم من الوقف اه
بقي لو وقفها في مرضه ثم مات عن زوجة ولم تجز ففي البحر ينبغي أن يكون لها السدس والباقي وقف لما في وصايا البزازية لو مات عن زوجة وأوصى بكل ماله لرجل فإن أجازت فالكل له وإلا فالسدس لها وخمسة الأسداس له لأن الموصى له يأخذ الثلث أو لا بقي أربعة تأخذ الربع والثلاثة الباقية له فحصل له خمسة من ستة اه
ولا شك أن الوقف في مرض الموت وصية اه
قوله ( فاعتبروا الوارث الخ ) قال في البحر والحاصل أن المريض إذا وقف على بعض ورثته ثم على أولادهن ثم على الفقراء فإن أجاز الوارث الآخر كان الكل وقفا واتبع الشرط وإلا كان الثلثان ملكا بين الورثة والثلث وقفا مع أن الوصية للبعض لا تنفذ في شيء لأنه لم يتمحض للوارث لأنه بعده لغيره فاعتبر الغير بالنظر إلى الثلث واعتبر الوارث بالنظر إلى غلة الثلث الذي صار وقفا فلا يتبع الشرط ما دام الوارث حيا وإنما تقسم غلة هذا الثلث على فرائض الله تعالى فإذا انقرض الوارث الموقوف عليه اعتبر شرطه في غلة الثلث اه
قوله ( بالنظر للغلة ) ولهذا الاعتبار قسموها كالثلثين اه ح
قوله ( والوصية ) بالنصب عطفا على قوله الوارث أي واعتبروا الوصية بالنظر للغير وكان حق العبارة أن يقول واعتبروا الغير بالنظر إلى الوصية أي إلى لزومها ط
قوله ( وإن ردوا ) أي الورثة أي بقيتهم ط وكذا لو رد كلهم كما قدمناه عن الظهيرية
قوله ( وإن لم تنفذ لوارثه ) الأوضح أن يقول لعدم نفاذها للوارث ويكون علة لقوله والوصية بالنظر للغير يعني إنما اعتبر الغير في لزوم الوصية لعدم نفاذها للوارث ط
قوله ( لأنها لم تتمحض له ) علة لقوله واعتبروا الوصية ح
قوله ( فافهم ) أمر بالفهم لدقة المقام
____________________
(4/346)
ثم اعلم أن ما ذكره الشارح من قوله قلت إلى هنا ليس هذا محله لأن خروج الملك بالقضاء أو بالتعليق بالموت تفريع على قول الإمام أو بيان لمسألة إجماعية كما يأتي عن النهر وما ذكره هنا مصور في مسألة الوقف في المرض فكان عليه أن يذكره آخر الباب عند الكلام على وقف المريض لأن ذكره هنا يوهم أن الوقف في المرض يلزم عند الإمام نظير التعليق بالموت وليس كذلك
ففي البحر عن الهداية ولو وقف في مرض موته قال الطحاوي هو بمنزلة الوصية بعد الموت والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة وعندهما يلزم إلا أنه يعتبر من الثلث والوقف في الصحة من جميع المال اه
والحاصل أن ما ذكره الشارح صحيح من حيث الحكم لكنه على قولهم وظاهر كلامهم اعتماده أما على قول الإمام الذي الكلام فيه فلا في الصحيح كما علمته من عبارة البحر
والعجب ممن نقل صدر عبارة البحر المذكورة ولم ينظر تمامها فافهم ثم هذا بخلاف ما إذا أوصى أن تكون وقفا بعد وفاته فإن له الرجوع لأنه وصية بعد الموت والذي نجزه في مرضه يصير وقف الصحة إذا برىء من مرضه فافترقا كما في الخصاف
قوله ( أو بقوله الخ ) ذكر الحياة والموت غير قيد لإغناء التأبيد عنه
قال في الإسعاف لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة جاز عند عامة العلماء إلا أن محمدا اشترط التسليم إلى المتولي واختاره جماعة
وعند الإمام يكون نذرا بالصدقة بغلة الأرض ويبقى ملكه على جاله فإذا مات تورث عنه اه
قوله ( فإنه جائز عندهم ) أي عند أئمتنا الثلاثة وهذا أيضا تحويل لكلام المصنف عن ظاهره اصطلاحا له لأن كلامه فيما يزول به الملك عند الإمام
قوله ( لكن الخ ) أفاد أنه عند الصاحبين جائز لازم
تأمل
قوله ( وله الرجوع ) أي مع الكراهة كما قدمناه عن الإسعاف
قوله ( جاز من الثلث ) ويكون كالعبد الموصي بخدمته لإنسان فالخدمة له والرقبة على ملك مالكها فلو مات الموصى له يصير العبد ميراثا لورثة المالك إلا أن في الوقف لا يتوهم انقطاع الموصى لهم وهم الفقراء فتتأبد هذه الوصية
إسعاف و درر
قوله ( ففي هذين الأمرين ) أي فيما إذا علقه بالموت وفيما إذا قال وقفتها في حياتي وبعد مماتي وقد استوى الأمران من حيث إنهما يفيدان الخروج واللزوم بموت الواقف بخلاف الأمر الأول والرابع وهما ما إذا حكم به حاكم أو أفرزه مسجدا فإنهما يفيدان الخروج واللزوم في حياته بلا توقف على موته كما في الشرنبلالية فاللزوم فيهما حالي وفي الآخرين مآلي
قوله ( له الرجوع ) الظاهر أن هذا على قوله أما على قولهما فالظاهر أنه وقف لازم لكن ينافيه ما قدمناه في تعليقه بالموت من أنه لا يكون وقفا في الصحيح بل هو وصية لازمة بعد الموت لا قبله فله الرجوع قبله لما يلزم على جعله وقفا من جواز تعليقه والوقف لا يقبل التعليق
تأمل
نعم لا تعليق في المسألة الثانية فاللزوم فيها ظاهر عندهما
قوله ( لو غير مسجل ) أي محكوم به فأطلق التسجيل وهو الكتابة في السجل وأراد ملزومه وهو الحكم لأنه في العرف إذا حكم بشيء كتب في السجل ط
قوله ( منظور فيه ) لأن في هذين الأمرين له الرجوع بلا اشتراط فقر ولا فسخ قاض على قول الإمام كما علمته وسيأتي تمام الكلام على ذلك قبيل الفصل عند قول المصنف أطلق القاضي بيع الوقف غير المسجل لوارث الواقف فباع صح ولو لغيره لا
____________________
(4/347)
مطلب شروط الوقف على قولهما قوله ( ولا يتم الوقف الخ ) شروع في شروطه على القول بلزومه كما أشار إليه الشارح بعد
قوله ( لأن تسليم الخ ) وليشمل تسليمه إلى الموقوف عليهم كما في العزمية عن الخانية
قوله ( ففي المسجد بالإفراز ) أي والصلاة فيه وسيأتي وفي المقبرة بدفن واحد فصاعدا بإذنه وفي السقاية بشرب واحد وفي الخان بنزول واحد من المارة لكن السقاية التي تحتاج إلى صب الماء فيها والخان الذي ينزله الحاج بمكة والغزاة بالثغر لا بد فيهما من التسليم إلى المتولي لأن نزولهم يكون في السنة مرة فيحتاج إلى من يقوم بمصالحه وإلى من يصب الماء فيها إسعاف
قوله ( وفي غيره ) أي غير المسجد ونحوه مما ذكرناه
وفي القهستاني أن التسليم ليس بشرط إذا جعل الواقف نفسه قيما ولا يعتبر التسليم للمشرف لأنه حافظ لا غير اه
لكن نبه أن من شرط التسليم وهو محمد لم يصحح تولية الواقف نفسه ومن صححها وهو أبو يوسف لم يشترطه
تأمل
قوله ( ويفرز ) أي بالقسمة وهذا الشرط وإن كان مفرعا على اشتراط القبض لأن القسمة من تمامه إلا أنه نص عليه إيضاحا وأبو يوسف لما لم يشترط التسليم أجاز وقف المشاع والخلاف فيما يقبل القسمة أما ما لا يقبلها كالحمام والبئر والرحى فيجوز اتفاقا إلا في المسجد والمقبرة لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى
نهر و فتح
قوله ( فلا يجوز وقف مشاع القسم الخ ) شمل ما لو استحق جزء من الأرض شائع فيبطل في الباقي لأن الشيوع مقارن كما في الهبة بخلاف ما لو رجع الوارث في الثلثين بعد موت الواقف في مرضه وفي المال ضيق لأنه شيوع طارىء ولو استحق جزء معين لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع
بحر عن الهداية
ولو بينهما أرض وقفاها ودفعاها معا إلى قيم واحد جاز اتفاقا لأن المانع من الجواز عند محمد هو الشيوع وقت القبض لا وقت العقد ولم يوجد هاهنا لوجودهما معا منهما وكذا لو وقف كل منهما نصيبه على جهة وسلماه معا لقيم واحد لعدم الشيوع وقت القبض وكذا لو اختلفا في وقفيهما جهة وقيما واتحد زمان تسليمهما مالهما أو قال كل منهما لقيمه اقبض نصيبي مع نصيب صاحبي لأنهما صارا كمتول واحد بخلاف ما لو وقف كل واحد وحده وسلم لقيمه وحده فلا يصح عند محمد لوجود الشيوع وقت العقد وتمكنه وقت القبض
إسعاف
وفيه أيضا وقفت دارها على بناتها الثلاث ثم على الفقراء ولا مال لها غيرها ولا وارث غيرهن فالثلث وقف والثلثان ميراث لهن وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد اه أي لأنه مشاع حيث لم تقسمه بينهن
مطلب في الكلام على اشتراط التأبيد قوله ( ويجعل آخره لجهة قربة لا تنقطع ) يعني لا بد أن ينص على التأبيد عند محمد خلافا لأبي يوسف اه ح
ويأتي بيانه
وهذا في غير المسجد إذ لا مخالفة لمحمد في لزومه بل هو موافق للإمام فيه وتمامه في الشرنبلالية
قوله ( هذا بيان ) أي ما ذكره المصنف تبعا للكنز وغيره من قوله ولا يتم حتى يقبض وأشار إلى ما في النهر حيث قال فإن
____________________
(4/348)
قلت هذا مناف لقوله أو لا والملك يزول بالقضاء إذ مفاده أنه لا يزول بغيره ولو توفرت هذه الشروط
قلت الأولى أن يحمل ما قاله أولا على مسألة إجماعية هي أن الملك بالقضاء يزول أما إذا خلا عن القضاء فلا يزول إلا بعد هذه الشروط عند محمد واختاره المصنف تبعا لعامة المشايخ وعليه الفتوى وكثير من المشايخ أخذوا بقول أبي يوسف وقالوا إن عليه الفتوى ولم يرجح أحد قول الإمام وبهذا التقرير اندفع ما في البحر كيف مشى أولا على قول الإمام وثانيا على قول غيره وهذا مما لا ينبغي يعني في المتون الموضوعة للتعليم اه
قوله ( لأنه كالصدقة ) أي فلا بد من القبض والإفراز اه ح
قوله ( وجعله أبو يوسف كالإعتاق ) فلذلك لم يشترط القبض والإفراز اه ح أي فيلزم عنده بمجرد القول كالإعتاق بجامع إسقاط الملك
قال في الدرر والصحيح أن التأبيد شرط اتفاقا لكن ذكره ليس بشرط عند أبي يوسف وعند محمد لا بد أن ينص عليه اه
وصححه في الهدية أيضا
وقال في الإسعاف لو قال وقفت أرضي هذه على ولد زيد وذكر جماعة بأعيانهم لم يصح عند أبي يوسف أيضا لأن تعيين الموقوف عليه يمنع إرادة غير بخلاف ما إذا لم يعين لجعله إياه على الفقراء ألا ترى أنه فرق بين قوله موقوفة وبين قوله موقوفة على ولدي فصحح الأول دون الثاني لأن مطلق قوله موقوفة يصرف إلى الفقراء عرفا فإذا ذكر الولد صار مقيدا فلا يبقى العرف فظهر بهذا أن الخلاف بينهما في اشتراط ذكر التأبيد وعدمه إنما هو في التنصيص عليه أو على ما يقوم مقامه كالفقراء ونحوهم
مطلب التأبيد معنى شرطه اتفاقا وأما التأبيد معنى فشرط اتفاقا على لصحيح وقد نص عليه محققو المشايخ اه
قلت ومقتضاه أن المقيد باطل اتفاقا لكن ذكر في البزازية أن عن أبي يوسف في التأبيد روايتين الأولى أنه غير شرط حتى لو قال وقفت على أولادي ولم يزد جاز الوقف وإذا انقرضوا عاد إلى ملكه لو حيا وإلا فإلى ملك الوارث
والثاني أنه شرط لكن ذكره غير شرط حتى تصرف الغلة بعد الأولاد إلى الفقراء اه
ومقتضاه أنه على الرواية الأولى يصح كل من الوقف والتقييد وعلى الثانية يصح الوقف ويبطل التقييد لكن ذكر في البحر أن ظاهر المجتبى والخلاصة أن الروايتين عنه فيما إذا ذكر لفظ الصدقة أما إذا ذكر لفظ الوقف فقط لا يجوز اتفاقا إذا كان الموقوف عليه معينا اه
مطلب مهم فرق أبو يوسف بين قوله موقوفة وقوله فموقوفة على فلان قلت ويشهد له ما في الذخيرة لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة فهي وقف بلا خلاف إذا لم يعين إنسانا فلو عين وذكر مع لفظ الوقف لفظ صدقة بأن قال صدقة موقوفة على فلان جاز ويصرف بعده إلى الفقراء ثم ذكر بعده عن المنتقى أنه يجوز ما دام فلان حيا وبعده يرجع إلى ملك الواقف أو إلى ورثته بعده اه
وفيها أيضا لو عين كوقفتها على فلان لا يجوز اه
فهذا يدل على أن الروايتين عن أبي يوسف فيما إذا ذكر لفظ صدقة مع موقوفة وعين الموقوف عليه أما إذا لم يعينه يجوز بلا خلاف وإذا أفرد موقوفة وعين لا يجوز بلا خلاف خلافا لما
____________________
(4/349)
في البزازية حيث جعل الروايتين فيه فإنه يقتضي صحة الوقف ويخالفه أيضا كلام الإسعاف وقوله في الهداية وقيل إن التأبيد شرط الإجماع إلا أن عند أبي يوسف لا يشترط ذكره لأن لفظ الوقف والصدقة منبىء عنه ولهذا قال في الكتاب وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم وهذا هو الصحيح وعند محمد ذكره شرط الخ فقوله لأن لفظ الوقف والصدقة يفيد أن الكلام في ذكرهما معا لا في ذكر لفظ الوقف فقط ويوضحه ما في الخانية لو قال صدقة موقوفة على فلان صح ويصير تقديره صدقة موقوفة على الفقراء لأن محل الصدقة الفقراء إلا أن غلتها تكون لفلان ما دام حيا ولو قال موقوفة على فقراء قرابتي وعلى ولدي لا يصح لأنهم ينقطعون فلا يتأبد الوقف وبدون التأبيد لا يصح إلا أن يجعل آخره للفقراء فرق أبو يوسف بين قوله موقوفة وبين قوله موقوفة على ولدي فيصح الأول لا الثاني اه أي لأن الثاني ذكر مقيدا بالموقوف عليه المعين وذلك ينافي التأبيد حيث لم يصرح به ولا بما في معناه بخلاف ما إذا قال موقوفة فقط لانصرافه إلى الفقراء عرفا فهو مؤبد وكذا صدقة موقوفة على فلان فإنه وإن قيد بمعين لكنه مطلق لأن الصدقة للفقراء فكأنه قال وبعد فلان فعلى الفقراء فيكون مؤبدا لكن إذا لم يقيد بمعين فهو مؤبد بلا خلاف فيصح عند محمد أيضا كما مر لعدم منافي التأبيد أصلا ولذا قال في الخانية لو قال موقوفة ولم يزد لا يجوز إلا عند أبي يوسف ويكون وقفا على المساكين ولو قال موقوفة صدقة أو صدقة موقوفة ولم يزد جاز عند أبي يوسف ومحمد وهلال وقيل لا ما لم يقل وآخرها للمساكين أبدا والصحيح الجواز لأن محل الصدقة في الأصل الفقراء فلا يحتاج إلى ذكر الأبد أيضا اه
فهذا صريح في أن التصريح بالصدقة تصريح بالتأبيد فيجوز عندهما بلا خلاف إن لم يعين فلو عين لم يجز عند محمد وجاز عند أبي يوسف ثم بعد انقطاعه يعود إلى الفقراء كما صححه في الهداية وعليه المتون كالقدوري و الملتقى والنقاية وغيرها أو يعود إلى ملك الواقف أو ورثته
وسيذكر الشارح تصحيحه لكن نقل في الذخيرة أن هذا القول مذكور في شرح الطحاوي و شرح السرخسي وأن بعض المشايخ قالوا إنه خطأ
قلت ويؤيده ما مر عن الإسعاف من أن التأبيد معنى شرط اتفاقا وإذا عاد إلى الملك لم يكن مؤبدا إلا لفظا ومعنى
والحاصل أنه لا خلاف عندهما في صحة الوقف مع عدم تعيين الموقوف عليه إذا ذكر لفظ التأبيد وأما في معناه كالفقراء وكلفظ صدقته موقوفة وكموقوفة لله تعالى وكموقوفة على وجوه البر لأنه عبارة عن الصدقة وكذا موقوفة على الجهاد أو على أكفان الموتى أو حفر القبور كما في الخانية وغيرها وأنه لا خلاف في بطلانه لو اقتصر على لفظ موقوفة مع التعيين كموقوفة على زيد خلافا لما في البزازية وإنما الخلاف بينهما لو اقتصر بلا تعيين أو جمع مع التعيين كصدقة موقوفة على فلان فعند أبي يوسف يصح ثم يعود إلى الفقراء وهو المعتمد
وقيل يعود إلى الملك والمراد بالمعين ما يحتمل الانقطاع كأولاد زيد أو فقراء قرابة فلان وهم يحصون
وفي الذخيرة عن وقف الخصاف قال جعلت الأرض صدقة موقوفة على فلان وولده وولد ولده وأولاده أولادهم فإذا سمى من ذلك ثلاث بطون فهي وقف مؤبد إلى يوم القيامة
وبقي ما إذا وقف على عمارة مسجد معين فقيل
____________________
(4/350)
يصح عند أبي يوسف لتأبده مسجد إلا عند محمد وقيل يصح اتفاقا
وفي البحر عن المحيط أنه المختار فاغتنم تحرير هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب والحمد لله تعالى ملهم الصواب
قوله ( واختلف الترجيح ) مع التصريح في كل منهما بأن الفتوى عليه لكن في الفتح أن قول أبي يوسف أوجه عند المحققين
قوله ( بطل اتفاقا ) هذا إذا شرط رجوعه بعد الوقت وإلا فهو باطل أيضا عند الخصاف صحيح مؤبد عند هلال كما في الإسعاف وظاهر ما في الخانية اعتماده كما في البحر ووجهه أنه إذا قال صدقة موقوفة يوما أو شهرا فهو مثل ما لو وقفه على معين فينبغي أن يجري فيه الخلاف المار بين محمد وأبي يوسف فيصح عند الثاني لأن لفظ صدقة يفيد التأبيد فيلغو التوقيت أما إذا شرط رجوعه إليه بعد مضي الوقت فقد أبطل التأبيد فيبطل الوقف نعم ذكر في الإسعافعن هلال أنه لو قال صدقة موقوفة بعد موتي سنة يصح مؤبدا إلا إذا قال فإذا مضت السنة فالوقف باطل فهو كما شرط فتصير الغلة للمساكين سنة والأرض ملك لورثته لأنه باشتراط البطلان خرجت من الوقف المضاف اللازم بعد الموت إلى الوصية المحضة
قوله ( وعليه فلو وقف على رجل ) أي مقرونا بلفظ صدقة وإلا لم يجز اتفاقا كما حققناه قريبا ثم إن هذا لا يصح بناؤه على بطلان الوقف الموقت بل هو مبني على صحته فكان عليه أن يذكره بعد كلام الخانية بل الأولى ذكره قبل قوله وإذا وقته ليكون تفريعا على قول أبي يوسف لكنه على إحدى الروايتين عنه وقد علمت أنه خلاف المعتمد لمخالفته لما نص عليه محققو المشايخ ولما في المتون من أنه بعد موت الموقوف عليه يعود للفقراء لأنه لو عاد للملك لم يكن موقتا لا لفظا ولا معنى والتأبيد معنى متفق عليه في الصحيح كما مر فلذا أفاد في النهر ضعف ما هنا وإن نقل في الفتح عن الأجناس أنه به يفتى
قوله ( قلت وجزم في الخانية الخ ) استدراك على قول الدر بطل اتفاقا وعبارة الشرنبلالي أقول يرد عليه أي على الدرر ما في الخانية رجل وقف داره يوما أو شهرا أو وقتا معلوما ولم يزد على ذلك جاز الوقف ويكون وقفا أبدا اه
قلت وعلى ما حملنا عليه كلام الدرر لا يرد ما في الخانية لأن المراد به ما إذا لم يشترط رجوعه إليه بقرينة قوله ولم يزد على ذلك وبه تعلم أنه لا محل لقول الشارح مطلقا لأنه ليس في كلامه ما يفسر الإطلاق بل ربما يفيد أنه يجوز وإن شرط رجوعه إليه مع أنه يبطل اتفاقا كما علمت وقد قال في الخانية عقب عبارته المذكورة ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة شهرا فإذا مضى شهر فالوقف باطل كان الوقف باطلا في قول هلال لأن الوقف لا يجوز إلا مؤبدا فإذا كان التأبيد شرطا لا يجوز مؤقتا اه
وإنما قيد بقوله في قول هلال لأنه على قول الخصاف باطل مطلقا كما علمت آنفا وقيد الصيغة بقوله صدقة موقوفة لأنه بدون لفظ صدقة أو ما يقوم مقامها لا يصح كما مر وبه يظهر أن قوله وقف داره يوما ليس صيغة الوقف بل حكاية عند صيغته قول الواقف أرضي صدقة موقوفة ونحوه
قوله ( فإذا تم ولزم ) لزومه على قول الإمام بأحد الأمور الأربعة المارة عندهما بمجرد القول ولكنه عند محمد لا يتم إلا بالقبض والإفراز والتأبيد لفظا وعند أبي يوسف بالتأبيد فقط ولو معنى كما
____________________
(4/351)
علم مما مر
قوله ( لا يملك ) أي لا يكون مملوكا لصاحبه ولا يملك أي لا يقبل التمليك لغيره بالبيع ونحوه لاستحالة تمليك الخارج عن ملكه ولا يعار ولا يرهن لاقتضائهما الملك
درر
ويستثنى من عدم تمليكه ما لو اشترط الواقف استبداله وسيأتي الكلام عليه وعلى بيع الوقف إذا افتقر الواقف لم يكن مسجلا ويستثنى من عدم الإعارة ما لو كان دارا موقوفة للسكنى لأن من له السكنى له الإعارة كما صرح به في البحر وغيره
بخلاف الموقوف للاستغلال
قال في الإسعاف ومن وقف دوره للاستغلال ليس له أن يسكنها أحد بلا أجر اه
وفي شرح الملتقى وجاز بيع المصحف المخرق وشراء آخر بثمنه
قوله ( فبطل الخ ) لا يصح تفريعه على قوله ولا يرهن لأنه في رهن الوقف لا في الرهن به بل هو تفريع على قوله ولا يملك فافهم ووجهه أن الرهن حبس شيء مالي بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين والأعيان المضمونة بالمثل والقيمة حتى لو هلك الرهن صار المرتهن مستوفيا حقه لو مساويا للرهن ولأنه أمانة عند المستعير وهو غير مضمون
مطلب في شرط واقف الكتب أن لا تعار إلا برهن قال في الأشباه في القول في الدين معزيا إلى السبكي فرع حدث في الأعصار القريبة وقف كتب شرط الواقف أن لا تعار إلا برهن أو لا تخرج أصلا والذي أقول في هذا إن الرهن لا يصح بها لأنها غير مضمونة في يد الموقوف عليه ولا يقال لها عارية أيضا بل الآخذ لها إن كان من أهل الوقف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة فشرط أخذ الرهن عليها فاسد وإن أعطى كان رهنا فاسدا ويكون في يد خازن الكتب أمانة هذا إن أريد الرهن الشرعي وإن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة فيصح الشرط لأنه غرض صحيح وإذا لم يعلم مراد الواقف فالأقرب الحمل على اللغوي تصحيحا لكلامه وفي بعض الأوقاف يقول لا تخرج إلا بتذكرة فيصح ويكون المقصود أن تجويز الواقف الانتفاع مشروط بذلك ولا نقول إنها تبقى رهنا بل له أخذها فيطالبه الخازن برد الكتاب وعلى كل فلا تثبت له أحكام الرهن ولا بيعه ولا بدل الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرط اه
ملخصا
قال في الأشباه بعد نقله وقول أصحابنا لا يصح الرهن بالأمانات شامل للكتب الموقوفة والرهن بالأمانات باطل فإذا هلك لم يجب شيء بخلاف الرهن الفاسد فإنه مضمون كالصحيح وأما وجوب اتباع شرطه وحمله على المعنى اللغوي فغير بعيد اه
وسيأتي تمام الكلام على جواز نقل الكتب قبيل قوله ويبدأ من غلته بعمارته
مطلب سكن دارا ثم ظهر أنها وقف يلزمه أجرة ما سكن قوله ( لزم أجر المثل ) بناء على المفتى به عند المتأخرين من أن منافع العقار تضمن إذا كان وقفا أو ليتيم أو معدا للاستغلال كما سيأتي في الفصل عند قول المصنف يفتى بالضمان الخ وبه أفتى الرملي وغيره وجزم به في الفتح آخر الباب وعلى هذا فما ذكره في القنية أيضا من أنه لو سكن الدار سنين يدعي الملك ثم استحقت للوقف لا تلزمه أجرة ما مضى ا هـ
ضعيف كما جزم به في البحر لأنه مبني على قول المتقدمين ووجوب الأجرة قول المتأخرين كما نص عليه في الإسعاف
أفاده الخير الرملي
ولو بنى المشتري أو غرس فسيأتي حكمه عند
____________________
(4/352)
مسألة ابن النقار في سوادة الفصل الآتي
قوله ( ولا يقسم إلا عندهما الخ ) أي إذا قضى قاض بجواز وقف المشاع ونفذ قضاؤه وصار متفقا عليه كسائر المختلفات فإن طلب بعضهم القسمة فعنده لا يقسم ويتهايؤون وعندهما يقسم إلا إذا كانت بين الواقف والمالك وأجمعوا أن الكل لو كان موقوفا على الأرباب فأرادوا القسمة لا يقسم كذا في المحيط
درر
وهذا معنى قول المصنف إلا عندهما إذا كانت بين الواقف والمالك لا الموقوف عليهم
مطلب في التهايؤ في أرض الوقف بين المستحقين قوله ( بل يتهايؤون ) قال في فتاوى ابن الشلبي القسمة بطريق التهايؤ وهو التناوب في العين الموقوفة كما إذا كان الموقوف أرضا مثلا بين جماعة فتراضوا على أن كل واحد منهم يأخذ له من الأرض الموقوفة قطعة معينة يزرعها لنفسه هذه السنة ثم في السنة الأخرى يأخذ كل منهم قطعة معينة يزرعها لنفسه هذه السنة ثم في السنة الأخرى يأخذ كل منهم قطعة غيرها فذلك سائغ ولكنه ليس بلازم فلهم إبطاله وليس ذلك في الحقيقة بقسمة إذ القسمة الحقيقية أن يختص ببعض من العين الموقوفة على الدوام ا هـ
ونحوه في البحر عن الإسعاف ومقتضاه أنه ليس لهم استدامة هذه القسمة بل يجب عليهم نقضها واستبدال الأماكن بعضها ببعض إذ لو استديمت صارت من القسمة الممنوعة بالإجماع تأديها في طول الزمان إلى دعوى الملكية أو دعوى كل منهم أو بعضهم أن ما في يده موقوف عليه بعينه ولا يخفى ما في ذلك من الضرر ثم لا يخفى أن ما قيل من أن المهايأة في الوقف لا يمكن إبطالها لأنه لا يكون إلا بطلب القسمة والقسمة في الوقف متعذرة فهو ممنوع بل يمكن نقضها وإبطالها بإعادته كما كان أو باستبدال الأماكن كما قلنا ولو ثبت عدم إمكان إبطالها لبطل ما نقلوه من الإجماع على أن الوقف لا يقسم أي قسمة مستدامة فقد ظهر لك أن هذا كلام ناشىء عن عدم التدبر لمخالفته للإجماع فتدبر
مطلب فيما إذا ضاقت الدار على المستحقين بقي ما لو كان الموقوف دار شرط الواقف سكناها لأولاده ونسائه قال في الإسعاف تكون سكناها لهم ما بقي منهم أحد فلو لم يبق إلا واحد وأراد أن يؤجرها أو ما فضل عنه منها ليس له ذلك وإنما له السكنى فقط ولو كثرت أولاد الواقف وضاقت الدار عليهم ليس لهم أن يؤجروها وإنما تسقط سكناها على عددهم ومن مات منهم بطل ما كان له من سكناها ويكون لمن بقي منهم ولو كانوا ذكورا وإناثا وأراد كل من الرجال والنساء أن يسكنوا معهم نساءهم وأزواجهن معهن جاز لهم ذلك إن كانت الدار ذات مقاصير وحجر يغلق على كل واحد باب وإن كانت دارا واحدة لا يمكن أن تسقط بينهم لا يسكنها إلا من جعل لهم الواقف السكنى دون غيرهم من نساء الرجال ورجال النساء ا هـ أي لأن الواقف قصد صيانتهم وسترهم فلو سكن زوج امرأة معها ولها في هذه الدار أخوات مثلا كان فيه بذلة لهن بدخول الرجل عليهن كما في الخصاف بخلاف ما إذا كان لكل منهم حجرة لها باب يغلق فإن لكل أن يسكن بأهله وحشمه وجميع من معه كما في الخصاف أيضا
وقدمنا في السرقة أن المقصورة الحجرة بلسان أهل الكوفة وإنه ذكر محمد فيما لو أخرج السارق السرقة إلى صحن الدار أنه إن كان فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع
قال في الفتح هناك أي إذا
____________________
(4/353)
كانت الدار عظيمة فيها بيوت كل بيت يسكنه أهل بيت على حدتهم ويستغنون به استغناء أهل المنازل بمنازلهم عن صحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاعهم بالسكنة ا هـ
وهل المراد هنا بالحجرة كذلك الظاهر نعم كما يفيده قول الخصاف لكل أن يسكن في حجرة بأهله وحشمه وجميع من معه
ثم قد صرح الخصاف بأنه إذا لم يكن فيها حجر لا تقسم ولا يقع فيها مهايأة بينهم وظاهره أنه لو كان فيها حجر لا تكفيهم فهي كذلك أي يسكنها المستحقون فقط دون نساء الرجال ورجال النساء ولذا قال في الفتح بعد نقله كلام الخصاف وعن هذا تعرف أنه لو سكن بعضهم فلم يجد الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب أجرة حصته على الساكنين بل إن أحب أن يسكن معه في بقعة من تلك الدار بلا زوجة أو زوج وإلا ترك المتضيق وخرج أو جلسوا معا كل في بقعة إلى جنب الآخر ثم ذكر أن الخصاف لم يخالفه أحد فيما ذكر كيف وقد نقلوا إجماعهم على الأصل المذكور أي على قولهم لو كان الكل وقفا على أربابه وأرادوا القسمة لا يجوز التهايؤ ا هـ
لكن هذا يشكل على قول الشارح بل يتهايؤون
والتوفيق كما أفاده الخير الرملي بحمل ما في الخصاف وغيره من عدم جواز القسمة والتهايؤ على قسمة التملك جبرا وما في الشرح تبعا للإسعاف وغيره على قسمة التراضي بلا لزوم ولذا قالوا ولمن أبى منهم بعد ذلك إبطاله
مطلب في قسمة الواقف مع شريكه قوله ( فيقسم المشاع ) فإذا تقاسم الواقف مع شريكه فوقع نصيب الواقف في موضع لا يلزمه أن يقفه ثانيا لأن القسمة تعيين الموقوف وإذا أراد الاجتناب عن الخلاف يقف المقسوم ثانيا
بحر عن الخلاصة أي إذا لم يكن محكوما بصحته إذ بعد الحكم لم يبق خلاف
مطلب قاسم وجمع حصة الوقف في أرض واحدة جاز وفي البحر عن الظهيرية ولو كانت له أرضون ودور بينه وبين آخر فوقف نصيبه ثم أراد أن يقاسم شريكه ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة فإنه جائز في قول أبي يوسف وهلال ا هـ
مطلب لو كان في القسمة فضل دراهم من الوقف صح لا من الشريك وفي الفتح ولو كان في القسمة فضل دراهم بأن كان أحد النصفين أجود فجعل بإزاء الجودة دراهم فإن كان الآخذ للدراهم هو الواقف بأن كان غير الموقوف هو الأحسن لا يجوز لأنه يصير بائعا بعض الوقف وإن كان الآخذ شريكه بأن كان نصيب الوقف أحسن جاز لأن الواقف مشتر لا بائع فكأنه اشترى بعض نصيب شريكه فوقفه ا هـ
لكن في الإسعاف وما اشتراه ملك له ولا يصير وقفا ومثله في الخانية وكذا في البحر عن الظهيرية
تأمل
مطلب إذا وقف كل نصف على حدة صارا وقفين قوله ( إن اختلفت جهة وقفهما ) أي بأن كان كل وقف منهما على جهة غير الجهة الأجرى لكن هذا التقييد مخالف لما في الإسعاف حيث قال ولو وقف نصف أرضه على جهة معينة جعل الولاية عليه لزيد
____________________
(4/354)
في حياته وبعد مماته ثم وقف النصف الآخر على تلك الجهة أو غيرها وجعل الولاية عليه لعمره في حياته وبعد وفاته يجوز لهما أن يقتسما ويأخذ كل واحد منهما النصف فيكون في يده لأنه لما وقف كل نصف على حدة صارا وقفين وإن اتحدت الجهة كما لو كانت لشريكين فوقفاها كذلك ا هـ
قوله ( فالقاضي يقسمه مع الواقف ) أي بأن يأمر رجلا بأن يقاسمه وله طريق آخر كما في الفتح وهو أن يبيع نصيبه الثاني من رجل ثم يقاسم المشتري ثم يشتري ذلك منه إن أحب وهذا لأن الواحد لا يصلح أن يكون مقاسما ومقاسما ا هـ
قوله ( به أفتى قارىء الهداية ) حيث قال نعم تجوز القسمة ويفرز الوقف من الملك ويحكم بصحتها ويجوز للورثة بيع ما صار إليهم بالقسمة وإذا قسم بينهم من هو عالم بالقسمة إن شاء عين جهة الوقف وجهة الملك بقوله والأولى أن يقرع بين الجزءين نفيا للتهمة عن نفسه ا هـ
قوله ( فلا يقسم الوقف بين مستحقيه إجماعا ) وكذا لا يجوز التهايؤ فيه جبرا كما حررناه آنفا
قوله ( وبعضهم جوز ذلك ) هذا ضعيف لمخالفته الإجماع
قوله ( لأن المهايأة إنما تكون بعد الخصومة ) مفهومه ثبوت المهايأة له بعد الخصومة في المستقبل وقد علمت أنه لا مهايأة في الوقف
نعم هذا في الملك كما مر قبيل الوقف نظما
قوله ( لزمه أجر حصة شريكه ) لأنه لما استعمله بالغلبة صار غاصبا ومنافع الوقف مضمونة على المفتى به بخلاف المسألة التي قبل هذه لأن الساكن فيها غير غاصب كما أفاده في النهر والخير الرملي خلافا لما توهمه في البحر
قوله ( ولو وقفا على سكناهما ) أي وإن كان من له السكنى ليس له الإيجار كما قدمناه عن الإسعاف لأن هذا تضمين لا إيجار قصدي
قوله ( بخلاف الملك المشترك ) أي بين بالغين فلو أحدهما يتيما وسكنه الآخر لزمه أجر حصة اليتيم
قوله ( ولو معدا للإجارة ) لأنه سكنه بتأويل ملك كما يأتي في الغصب ا هـ ح
قوله ( ولو بعضه ملك وبعضه وقف ) جملة المبتدأ والخبر وما عطف عليها خبر كان المقدرة بعد لو واسمها مستتر فيها عائد على المكان المستعمل المحدث عنه والولوع بالاعتراض يمنع الاهتداء إلى طريق الصواب فافهم
قوله ( ويأتي في الغصب ) في بعض النسخ بدون واو على أنه جواب لو الأخيرة لكن نسخ إثباتها أحسن لأن غالب ما ذكر هنا من مسائل الغصب يأتي في بابه وإن كانت الأخيرة لم تذكر فيه نصا لكنها معلومة لأنهم نصوا هناك على تضمين منافع الوقف ولم يقيدوه بما إذا لم يكن بعضه ملكا على أنه في الغصب
قال أما في الوقف إذا سكنه أحدهما بالغلبة بلا إذن لزم الآخر ا هـ
فقوله إذا سكنه أحدهما أي أحد الشريكين يشمل الشريك في الملك أو في الوقف واحترز بالغلبة عما إذا لم يجد شريك الوقف موضعا يسكن فيه فخرج باختياره كما مر وأما إذا كانت الدار كلها وقفا فإن الساكن يلزمه أجرها ولو كانت تأويل ملك كما إذا اشتراها ثم ظهر أنها وقف كما قدمنا
قوله ( ويزول ملكه عن المسجد الخ ) اعلم أن المسجد يخالف سائر الأوقاف في عدم اشتراط التسليم إلى المتولي
____________________
(4/355)
عند محمد وفي منع الشيوع عند أبي يوسف وفي خروجه عن ملك الواقف عند الإمام وإن لم يحكم به حاكم كما في الدرر وغيره
قوله ( والمصلى ) شمل مصلى الجنازة ومصلي العيد
قال بعضهم يكون مسجدا حتى إذا مات لا يورث عنه
وقال بعضهم هذا في مصلى الجنازة
أما مصلى العيد لا يكون مسجدا مطلقا وإنما يعطي له حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام وإن كان منفصلا عن الصفوف وفيما سوى ذلك فليس له حكم المسجد
وقال بعضهم يكون مسجدا حال أداء الصلاة لا غير وهو والجبانة سواء ويجنب هذا المكان عما يجنب عنه المساجد احتياطا اه
خانية وإسعاف
والظاهر ترجيح الأول لأنه في الخانية يقدم الأشهر
قوله ( بالفعل ) أي بالصلاة فيه ففي شرح الملتقى أنه يصير مسجدا بلا خلاف ثم قال عند قول الملتقى وعند أبي يوسف يزول بمجرد القول ولم يرد أنه لا يزول بدونه لما عرفت أنه يزول بالفعل أيضا بلا خلاف ا هـ
في أحكام المسجد قلت وفي الذخيرة وبالصلاة بجماعة يقع التسليم بلا خلاف حتى أنه إذا بنى مسجدا وأذن للناس بالصلاة فيه جماعة فإنه يصير مسجدا ا هـ
ويصح أن يراد بالفعل الإفراز ويكون بيانا للشرط المتفق عليه عند الكل كما قدمناه من أن المسجد لو كان مشاعا لا يصح إجماعا وعليه فقوله عند الثاني مرتبط بقول المتن بقوله جعلته مسجدا وليست الواو فيه بمعنى أو فافهم لكن عنده لا بد من إفرازه بطريقة
ففي النهر عن القنية جعل وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول والصلاة فيه إن شرط معه الطريق صار مسجدا في قولهم جميعا وإلا فلا عند أبي حنيفة وقالا يصير مسجدا ويصير الطريق من حقه من غير شرط كما لو آجر أرضه ولم يشترط الطريق ا هـ
وفي القهستاني ولا بد من إفرازه أي تمييزه عن ملكه من جميع الوجوه فلو كان العلو مسجدا والسفل حوانيت أو بالعكس لا يزول ملكه لتعلق حق العبد به كما في الكافي
تنبيه وذكر في البحر أن مفاد كلام الحاوي اشتراط كون أرض المسجد ملكا للباني اه
لكن ذكر الطرسوسي جوازه على الأرض المستأجرة أخذا من جواز وقف البناء كما سنذكره هناك وسئل في الخيرية عمن جعل بيت شعر مسجدا فأفتى به لا يصح
قوله ( وشرط محمد والإمام الصلاة فيه ) أي مع الإفراز كما علمته واعلم أن الوقف إنما احتيج في لزومه إلى القضاء عند الإمام لأن لفظه لا ينبىء عن الإخراج عن الملك بل عن الإبقاء فيه لتحصل الغلة على ملكه فيتصدق بها بخلاف قوله جعلته مسجدا فإنه لا ينبىء عن ذلك ليحتاج إلى القضاء بزواله فإذا أذن بالصلاة فيه قضى العرف بزواله عن ملكه ومقتضى هذا أنه لا يحتاج إلى قوله وقفت ونحوه وهو كذلك وأنه لو قال وقفته مسجدا ولم يأذن بالصلاة فيه ولم يصل فيه أحد أنه لا يصير مسجدا بلا حكم وهو بعيد كذا في الفتح ملخصا
ولقائل أن يقول إذا قال جعلته مسجدا فالعرف قاض وماض بزواله عن ملكه أيضا غير متوقف على القضاء وهذا هو الذي ينبغي أن لا يتردد فيه
نهر
قلت يلزم على هذا أن يكتفي فيه بالقول عنده وهو خلاف صريح كلامهم
تأمل
وفي الدر المنتقى وقدم
____________________
(4/356)
في التنوير والدرر والوقاية وغيرها قول أبي يوسف وعلمت أرجحيته في الوقف والقضاء ا هـ
قوله ( بجماعة ) لأنه لا بد من التسليم عندهما خلافا لأبي يوسف وتسليم كل شيء بحبسه ففي المقبرة واحدة وفي السقاية بشربه وفي الخان بنزوله كما في الإسعاف واشتراط الجماعة لأنها المقصودة من المسجد ولذا شرط أن تكون جهرا بأذان وإقامة وإلا لم يصر مسجدا
قال الزيلعي وهذه الرواية هي الصحيحة
وقال في الفتح ولو اتحد الإمام والمؤذن وصلى فيه وحده صار مسجدا بالاتفاق لأن الأداء على هذا الوجه كالجماعة
قال في النهر وإذ قد عرفت أن الصلاة فيه أقيمت مقام التسليم علمت أنه بالتسليم إلى المتولي يكون مسجدا دونها أي دون الصلاة وهذا هو الأصح كما في الزيلعي وغيره
وفي الفتح وهو الأوجه لأن بالتسليم إليه يحصل تمام التسليم إليه تعالى وكذا لو سلمه إلى القاضي أو نائبه كما في الإسعاف وقيل لا واختاره السرخسي ا هـ
قوله ( وقيل يكفي واحد ) لكن لو صلى الواقف وحده فالصحيح أنه لا يكفي لأن الصلاة إنما تشترط لأجل القبض للعامة وقبضه لنفسه لا يكفي فكذا صلاته
فتح وإسعاف
قوله ( وجعله في الخانية ظاهر الرواية ) وعليه المتون كالكنز والملتقى وغيرهما وقد علمت تصحيح الأول وصححه في الخانية أيضا وعليه اقتصر في كافي الحاكم فهو ظاهر الرواية أيضا
قوله ( إن الباني الخ ) المتبادر من العبارة أن المراد باني المسجد أو لا لكن المناسب أن يراد مريد البناء الآن
وفي ط عن الهندية مسجد مبني أراد رجل أن ينقضه ويبنيه أحكم ليس له ذلك لأنه لا ولاية له مضمرات إلا أن يخاف أن ينهدم إن لم يهدم
تتارخانية وتأويله إن لم يكن الباني من أهل تلك المحلة وأما أهلها فلهم أن يهدموه ويجددوا بناءه ويفرشوا الحصير ويعلقوا القناديل لكن من مالهم لا من مال المسجد إلا بأمر القاضي
خلاصة
ويضعوا حيضان الماء للشرب والوضوء إن لم يعرف للمسجد بان فإن عرف فالباني أولى وليس لورثته منعهم من نقضه والزيادة فيه ولأهل المحلة تحويل باب المسجد
خانية
وفي جامع الفتاوى لهم تحويل المسجد إلى مكان آخر إن تركوه بحيث لا يصلى فيه ولهم بيع مسجد عتيق لم يعرف بانيه وصرف ثمنه في مسجد آخر ا هـ
سائحاني ا هـ
قلت وفي الهندية آخر الباب الأول من إحياء الموات نقلا عن الكبرى أراد أن يحفر بئرا في مسجد من المساجد إذا لم يكن في ذلك ضرر بوجه من الوجوه وفيه نفع من كل وجه فله ذلك كذا قال هنا
وذكر في باب المسجد قبل كتاب الصلاة لا يحفر ويضمن والفتوى على المذكور هنا ا هـ
وقد ذكر في البحر جملة وافية من أحكام المسجد فراجعه
قوله ( وإذا جعل تحته سردابا ) جمعه سراديب بيت يتخذ تحت الأرض لغرض تبريد الماء وغيره كذا في الفتح وشرط في المصباح أن يكون ضيقا
نهر
قوله ( أو جعل فوقه بيتا الخ ) ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون البيت للمسجد أو لا إلا أنه يؤخذ من التعليل أن محل عدم كونه مسجدا فيما إذا لم يكن وقفا على مصالح المسجد وبه صرح في الإسعاف فقال وإذا كان السرداب أو العلو لمصالح المسجد أو كانا وقفا عليه صار مسجدا ا هـ
شرنبلالية
____________________
(4/357)
قال في البحر وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى { وأن المساجد لله } الجن 18 بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفا لمصالح المسجد فهو كسرداب بيت المقدس هذا هو ظاهر الرواية وهناك روايات ضعيفة مذكورة في الهداية ا هـ
قوله ( كما لو جعل الخ ) ظاهره أنه لا خلاف فيه مع أن فيه خلافهما أيضا كما قدمناه عن القنية ونحوه في الهداية فكان المناسب ذكر قوله خلافا لهما بعد هذه المسألة ليكون راجعا للمسائل الثلاث
قوله ( وأذن للصلاة ) اللام للتعليل لا صلة أذن والأوضح وأذن للناس بالصلاة فيه والمراد الإذن مع الصلاة إذا لو لم يصل فيه أحد لا يصح في المسجد الفرز فهنا أولى كما لا يخفى
قوله ( أما لو تمت المسجدية ) أي فالقول على المفتى به أو بالصلاة فيه على قولهما ط
وعبارة التاترخانية وإن كان حين بناه خلى بينه وبين الناس ثم جاء بعد ذلك يبني لا يترك ا هـ
وبه علم أن قوله في النهر وأما لو تمت المسجدية ثم أراد هدم ذلك البناء فإنه لا يمكن من ذلك الخ
فيه نظر لأنه ليس في عبارة التتارخانية ذكر الهدم وإن كان الظاهر أن الحكم كذلك
قوله ( فإذا كان هذا في الواقف الخ ) من كلام البحر والإشارة إلى المنع من البناء
قوله ( ولو على جدار المسجد ) مع أنه لم يأخذ من هواء المسجد شيئا اه ط
ونقل في البحر قبله ولا يوضع الجذع على جدار المسجد وإن كان من أوقافه ا هـ
قلت وبه علم حكم ما يصنعه بعض جيران المسجد من وضع جذوع على جداره فإنه لا يحل ولو دفع الأجرة قوله ( ولا أن يجعل الخ ) هذا ابتداء عبارة البزازية والمراد بالمستغل أن يؤجر منه شيء لأجل عمارته وبالسكنى محلها
وعبارة البزازية على ما في البحر
ولا مسكنا
وقد رد في الفتح ما بحثه في الخلاصة من أنه لو احتاج المسجد إلى نفقة تؤجر قطعة منه بقدر ما ينفق عليه بأنه غير صحيح
قلت وبهذا علم أيضا حرمة إحداث الخلوات في المساجد كالتي في رواق المسجد الأموي ولا سيما ما يترتب على ذلك من تقذير المسجد بسبب الطبخ والغسل ونحوه ورأيت تأليفا مستقلا في المنع من ذلك
مطلب فيما لو خرب المسجد أو غيره قوله ( ولو خرب ما حوله ) أي ولو مع بقائه عامرا وكذا لو خرب وليس له ما يعمر به وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر
قوله ( عند الإمام والثاني ) فلا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا وهو الفتوى
حاوي القدسي
وأكثر المشايخ عليه
مجتبى
وهو الأوجه فتح ا هـ
بحر
قال في الإسعاف وذكر بعضهم أن قول أبي حنيفة كقول أبي يوسف وبعضهم ذكره كقول محمد
قوله ( وعاد إلى الملك عند محمد )
____________________
(4/358)
ذكر في الفتح ما معناه أنه يتفرع على الخلاف المذكور ما إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما يعمر به فيرجع إلى الباني أو ورثته عند محمد خلافا لأبي يوسف لكن عند محمد إنما يعود إلى ملكه ما خرج عن الانتفاع المقصود للواقف بالكلية كحانوت احترق ولا يستأجر بشيء ورباط وحوض محلة خرب وليس له ما يعمر به
وأما ما كان معدا للغلة فلا يعود إلى الملك إلا نقضه وتبقى ساحته وقفا تؤجر ولو بشيء قليل بخلاف الرباط ونحوه فإنه موقوف للسكنى وامتنعت بانهدامه
أما دار الغلة فإنها قد تخرب وتصير كوما وهي بحيث لو نقل نقضها يستأجر أرضها من يبني أو يغرس ولو بقليل فيغفل عن ذلك وتباع لواقفها مع أنه لا يرجع إليه منها إلا النقض واستند في ذلك للخانية وغيرها وظاهر كلامه اعتماده
قوله ( وعن الثاني الخ ) جزم به في الإسعاف حيث قال ولو خرب المسجد وما حوله وتفرق الناس عنه لا يعود إلى ملك الواقف عند أبي يوسف فيباع نقضه بإذن القاضي ويصرف ثمنه إلى بعض المساجد ا هـ
قوله ( ومثله حشيش المسجد الخ ) أي الحشيش الذي يفرش بدل الحصر كما يفعل في بعض البلاد كبلاد الصعيد كما أخبرني به بعضهم
قال الزيلعي وعلى هذا حصير المسجد وحشيشه إذا استغنى عنهما يرجع إلى مالكه عند محمد وعند أبي يوسف ينقل إلى مسجد آخر وعلى هذا الخلاف الرباط والبئر إذا لم ينتفع بهما ا هـ
وصرح في الخانية بأن الفتوى على قول محمد
قال في البحر وبه علم أن الفتوى على قول محمد في آلات المسجد وعلى قول أبي يوسف في تأبيد المسجد ا هـ
والمراد بآلات المسجد نحو القنديل والحصير بخلاف أنقاضه لما قدمنا عنه قريبا من أن الفتوى على أن المسجد لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر
قوله ( وكذا الرباط ) هو الذي يبنى للفقراء
بحر عن المصباح
قوله ( إلى أقرب مسجد أو رباط الخ ) لف ونشر مرتب وظاهره أنه لا يجوز صرف وقف مسجد خرب إلى حوض وعكسه وفي شرح الملتقى يصرف وقفها لأقرب مجانس لها ا هـ
ط
قوله ( تفريع على قولهما ) أي قوله فيصرف الخ مفرع على قول الإمام وأبي يوسف إن المسجد إذا خرب يبقى مسجدا أبدا لكن علمت أن المفتى به قول أبي يوسف إنه لا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر كما مر عن الحاوي نعم هذا التفريع إنما يظهر على ما ذكره الشارح من الرواية الثانية عن أبي يوسف وقدمنا أنه جزم بها في الإسعاف
وفي الخانية رابط بعيد استغنى عنه المارة وبجنبه رباط آخر قال السيد الإمام أبو الشجاع تصرف غلته إلى الرباط الثاني كالمسجد إذا خرب واستغنى عنه أهل القرية فرفع ذلك إلى القاضي فباع الخشب وصرف الثمن إلى مسجد آخر جاز
وقال بعضهم يصير ميراثا وكذا حوض العامة إذا خرب ا هـ
ونقل في الذخيرة عن شمس الأئمة الحلواني أنه سئل عن مسجد أو حوض خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه هل للقاضي أن يصرف أوقافه إلى مسجد أو حوض آخر فقال نعم ومثله في البحر عن القنية وللشرنبلالي رسالة في هذه المسألة اعترض فيها ما في المتن تبعا للدرر ما مر عن الحاوي وغيره ثم قال وبذلك تعلم فتوى بعض مشايخ عصرنا بل ومن قبلهم كالشيخ الإمام أمين الدين بن عبد العال والشيخ الإمام أحمد بن يونس الشلبي والشيخ زين بن نجيم والشيخ محمد الوفائي فمنهم من أفتى بنقل بناء المسجد ومنهم من أفتى بنقله ونقل ماله إلى مسجد آخر وقد مضى الشيخ الإمام محمد بن سراج الدين الحانوتي على القول المفتى به من عدم نقل المسجد ومنهم من أفتى بنقله ونقل ماله إلى مسجد آخر وقد مشى الشيخ الإمام محمد بن سراج الدين الحانوتي على القول المفتى به من عدم نقل بناء المسجد ولم يوافق المذكورين ا هـ
ثم ذكر الشرنبلالي أن هذا في
____________________
(4/359)
المسجد بخلاف حوض وبئر ورباط ودابة وسيف بثغر وقنديل وبساط وحصير مسجد فقد ذكر في التاترخانية وغيرها جواز نقلها ا هـ
مطلب في نقل أنقاض المسجد ونحوه قلت لكن الفرق غير ظاهر فليتأمل
والذي ينبغي متابعة المشايخ المذكورين في جواز النقل بل فرق بين مسجد أو حوض كما أفتى به الإمام أبو شجاع والإمام الحلواني وكفى بهما قدوة ولا سيما في زماننا فإن المسجد أو غيره من رباط أو حوض إذا لم ينقل يأخذ أنقاضه اللصوص والمتغلبون كما هو مشاهد وكذلك أوقافه يأكلها النظار أو غيرهم ويلزم من عدم النقل خراب المسجد الآخر المحتاج إلى النقل إليه وقد وقعت حادثة سألت عنها في أمير أراد أن ينقل بعض أحجار مسجد خراب في سفح قاسيون بدمشق ليبلط بها صحن الجامع الأموي فأفتيت بعدم الجواز متابعة للشرنبلالي ثم بلغني أن بعض المتغلبين أخذ تلك الأحجار لنفسه فندمت على ما أفتيت به ثم رأيت الآن في الذخيرة قال وفي فتاوى النسفي سئل شيخ الإسلام عن أهل قرية رحلوا وتداعى مسجدها إلى الخراب وبعض المتغلبة يستولون على خشبه وينقلونه إلى دورهم هل لواحد لأهل المحلة أن يبيع الخشب بأمر القاضي ويمسك الثمن ليصرفه إلى بعض المساجد أو إلى هذا المسجد قال نعم وحكى أنه وقع مثله في زمن سيدنا الإمام الأجل في رباط في بعض الطرق خرب ولا ينتفع المارة به وله أوقاف عامرة فسئل هل يجوز نقلها إلى رباط آخر ينتفع الناس به قال نعم لأن الواقف غرضه انتفاع المارة ويحصل ذلك بالثاني ا هـ
قوله ( فلو قبله ) أي قبل التسجيل الذي هو الحكم لا مجرد التسليم الذي في صدر العبارة لكن هذا إنما يظهر على قول الإمام بعد لزوم الوقف قبل الحكم ولذا لم يذكر التسجيل في الخانية حيث قال وقف ضيعة في صحته على الفقراء وأخرجها من يده إلى المتولي ثم قال لوصيه عند الموت أعط من غلتها لفلان كذا ولفلان كذا فجعله لأولئك باطل لأنها صارت للفقراء أو فلا يملك إبطال حقهم إلا إذا شرط في الوقف أن يصرف غلتها إلى من شاء ا هـ
والمراد ببطلانه أنه لا يكون حقا لازما لفلان في غلة الوقف فلو كان فلان فقيرا لا يلزم إعطاؤه بل له أن يعطي غيره
قوله ( لكن سيجيء ) أي آخرا الفصل الآتي وفيه كلام سيأتي
قوله ( اتحد الواقف والجهة ) بأن وقف وقفين على المسجد أحدهما على العمارة والآخر إلى إمامه أو مؤذنه والإمام والمؤذون لا يستقر لقلة المرسوم للحاكم الدين أن يصرف من فاضل وقف المصالح والعمارة إلى الإمام والمؤذن باستصواب أهل الصلاح من أهل المحلة إن كان الوقف متحدا لأن غرضه إحياء وقفه وذلك يحصل بما قلنا
بحر عن البزازية
وظاهره اختصاص ذلك بالقاضي دون الناظر
قوله ( بسبب خراب وقف أحدهما ) أي خراب أماكن أحد الوقفين
قوله ( بأن بنى رجلان مسجدين ) الظاهر أن هذا من اختلافهما معا أما اختلاف الواقف ففيما إذا وقف رجلان وقفين على مسجد
قوله ( لا يجوز له ذلك )
____________________
(4/360)
أي الصرف المذكور لكن نقل في البحر بعد هذا عن الولوالجية مسجد له أوقاف مختلفة لا بأس للقيم أن يخلط غلتها كلها وإن خرب حانوت منها فلا بأس بعمارته من غلة حانوت آخر لأن الكل للمسجد ولو كان مختلفا لأن المعنى يجمعهما ا هـ
ومثله في البزازية
تأمل
تنبيه قال الخير الرملي أقول ومن اختلاف الجهة ما إذا كان الوقف منزلين أحدهما للسكنى والآخر للاستغلال فلا يصرف أحدهما للآخر وهي واقعة الفتوى ا هـ
مطلب في وقف المنقول تبعا للعقار قوله ( ولو وقف العقار ) هو الأرض مبنية أو غير مبنية فتح
وفي القاموس هو الضيعة وهو المناسب لقوله ببقرة الخ نهر
قوله ( عبيده الحراثون ) الأكرة الحراثون من أكرت الأرض حرثتها واسم الفاعل أكار للمبالغة
مصباح
والمراد أنهم إذا كانوا عبيده صح وقفهم تبعا للأرض وكذا آلات الحراثة كما في البحر
قوله ( صح استحسانا الخ ) فإنه قد يثبت من الحكم تبعا ما لا يثبت مقصودا كالشرب في البيع والبناء في الوقف وهذا قول أبي يوسف ومحمد معه لأنه أجازه إفراد بعض المنقول بالوقف فالتبع أولى
قال في الإسعاف ويدخل في وقف الأرض ما فيها من الشجر والبناء دون الزرع والثمرة كما في البيع ويدخل أيضا للشرب والطريق كالإجارة ولو جعلها مقبرة وفيها أشجار عظام وأبنية لا تدخل ولو زاد في وقف الأض بحقوقها وجميع ما فيها ومنها على الشجرة ثمرة قائمة يوم الوقف قال هلال لا تدخل قياسا وفي الاستحسان يلزمه التصدق بها على وجه النذر لا الوقف
وذكر الناطفي إذا قال بحقوقها تدخل في الوقف وهذا أولى خصوصا إذا زاد بجميع ما فيها ومنها ولو وقف دارا بجميع ما فيها وفيها حمامات يطرن أو بيتا وفيه كورات عسل يدخل الحمام والنحل تبعا للدار والعسل كما لو وقف ضيعة وذكر ما فيها من العبيد الدواليب وآلات الحراثة ا هـ
ملخصا
وقوله وذكر ما فيها الخ يفيد عدم الدخول بلا ذكره وبه صرح في الفتح وقد اختصر في البحر عبارة الإسعاف اختصارا مخلا
مطلب لا يشترط التحديد في وقف العقار تنبيه لم يذكر المصنف لصحة الوقف اشتراط تحديد العقار لأن الشرط كونه معلوما وقول الفتح إذا كانت الدار مشهورة معروفة صح وقفها وإن لم تحدد استغناء بشهرتها عن تحديدها ا هـ
ظاهره اشتراط التحديد ولا يخفى ما فيه بل ذلك شرط لقبول الشهادة بوقفيتها وتمامه في البحر
وقال في ( أنفع الوسائل ) بعدما قسم مسألة التحديد إلى سبع صور وأما الصورة الثالثة أي ما لو لم يحددها أصلا وهم لا يعرفونها فقال الخصاف فيها الوقف باطل إلا أن تكون مشهورة
وقال هلال الشهادة باطلة ولا شك أن الأول يحتاج إلى تأويل بمعنى أن الشهادة باطلة كما قال هلال وغيره ولا يجوز العمل بظاهره لأن الوقف لا يشترط لصحته التحديد في نفس الأمر ولا يجوز الحكم بإبطاله بمجرد قول الشهود لم يحددها لنا ولا نعرفها ولا هي مشهورة ا هـ
ملخصا
قوله ( وجاز وقف القن على مصالح الرباط ) ظاهره جواز وقفه استقلالا ويؤيده أنه ذكره في الفتح عن الخلاصة في مسائل وقف المنقول الذي جرى فيه التعامل فكان ينبغي للشارح ذكره بعد قول المصنف ومنقول فيه تعامل لئلا يتوهم
____________________
(4/361)
أن المراد أنه وقفه تبعا للرباط كما توهمه في البحر حيث قال وأما وقف العبيد تبعا للمدرسة والرباط فسيأتي أنه جوزه بعض المشايخ ا هـ
مع أنه فيما سيأتي إنما ذكر ما في الفتح عن الخلاصة
قوله ( ونفقته ) أي وإن لم يشرطها الواقف
وفي الإسعاف لو شرطها من الغلة ثم مرض بعضهم استحقها إن شرط إجراءها عليهم ما داموا أحياء وإن قال لعملهم لا يجري شيء على من تعطل عن العمل ولو باع العاجز واشترى بثمنه عبدا مكانه جاز ا هـ
وقال في موضع آخر وكذلك الدواليب والآلات يبيعها ويشتري بثمنها ما هو أصلح للوقف
قوله ( وجنايته في مال الوقف ) وعلى المتولي ما هو الأصلح من الدفع أو الفداء ولو فداه بأكثر من أرش الجناية كان متطوعا في الزائد فيضمنه من ماله وإن فداه أهل الوقف كانوا متطوعين ويبقى العبد على ما كان عليه من العمل
إسعاف
قوله ( لا قود فيه ) كأن وجهه أن في القود ضرر الوقف بفوات البدل ا هـ ح
والظاهر أن محل ما ذكر فيما إذا رضي القاتل بدفع البدل أما إذا لم يرض إلا بتسليم نفسه للقصاص فإنه لا يجبر لأن القصاص عندنا هو الأصل ط
قوله ( بل تجب قيمته ) كما لو قتل خطأ ويشتري به المتولي عبدا ويصير وقفا كما لو قتل المدبر خطأ وأخذ مولاه قيمته فإنه يشتري بها عبدا ويصير مدبرا وقد صرح به في الذخيرة عن الخصاف
بحر
مطلب في وقف المشاع المقضي به قوله ( كما صح وقف مشاع فى بجوازه ) ويصير بالقضاء متفقا عليه والخلاف في وقف المشاع مبني على اشتراط التسليم وعدمه لأن القسمة من تمامه فأبو يوسف أجازه لأنه لم يشترط التسليم ومحمد لم يجزه لاشتراطه التسليم كما مر عند قوله ويفرز وقدمنا أن محل الخلاف فيما يقبل القسمة بخلاف ما لا يقبلها فيجوز اتفاقا إلا في المسجد والمقبرة وقدمنا بعض فروع ذلك
قوله ( لأنه مجتهد فيه ) أي يسوغ فيه الاجتهاد لعدم مخالفته لنص أو إجماع
مطلب مهم إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد لم يكن حاكما بخلاف مذهبه قوله ( فللحنفي المقلد الخ ) أفاد أن المراد بقوله قضى بجوازه ما يشمل قضاء الحنفي وإنما خصه بالتفريع لئلا يتوهم أن المراد به من مذهب آخر لأن إمام مذهبنا غير قائل به لكن لما كان قول أصحابه غير خارج عن مذهبه صح حكم مقلده به ولذا قال في الدرر من كتاب القضاء عند الكلام على قضاء القاضي بخلاف مذهبه أن المراد به خلاف أصل المذهب كالحنفي إذا حكم على مذهب الشافعي وأما إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد أو نحوهما من أصحاب الإمام فليس حكما بخلاف رأسه ا هـ
فقد أفاد أن أقوال أصحاب الإمام غير خارجة عن مذهبه فقد نقلوا عنهم أنهم ما قالوا قولا إلا هو مروي عن الإمام كما أوضحت ذلك في شرح منظومتي في رسم المفتي
مطلب مهم في إشكال وقف المنقول على النفس وبهذا يرتفع الإشكال المشهور الذي ذكره الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل والعلامة ابن الشلبي في فتاواه وهو أن وقف الإنسان عى نفسه أجازه أبو يوسف ومنعه محمد كما سيأتي ووقف المنقول كالبناء بدون أرض
____________________
(4/362)
والكتب والمصحف منعه أبو يوسف وأجازه محمد فوقف المنقول على النفس لا يقول به واحد منهما فيكون الحكم به ملفقا من قولين والحكم الملفق باطل بالإجماع كما مر أول الكتاب وبه يندفع ما أجاب به الطرطوسي من أنه في منية المفتي أفاد جواز الحكم الملفق وتمام ذلك مبسوط في كتابنا تنقيح الحامدية في الباب الأول من الوقف
قوله ( لاختلاف الترجيح ) فإن كلا من قول أبي يوسف وقول محمد صحح بلفظ الفتوى كما مر
مطلب فيما إذا كان في المسألة قولان مصححان قوله ( قولان مصححان ) أي وقد تساويا في لفظي التصحيح وإلا فالأولى الأخذ بما هو آكد في التصحيح كما لو كان أحدهما بلفظ الصحيح والآخر بلفظ عليه الفتوى فإن الثاني أقوى وكذا لو كان أحدهما في المتون أو كان ظاهر الرواية أو كان عليه الأكثر أو كان هو الأرفق فإنه إذا صحح هو ومقابله كان الأخذ به أولى كما قدمناه في أول الكتاب
قوله ( بأحدهما ) أي بأي واحد منهما أراد لكن إذا قضى بأحدهما في حادثة ليس له القضاء فيها بالقول الآخر نعم يقضي به في حادثة غيرها وكذا المفتي وينبغي أن يكون مطمح نظره إلى ما هو الأرفق والأصلح وهذا معنى قولهم أن المفتي يفتي بما يقع عنده من المصلحة أي المصلحة الدينية لا مصلحتة الدنيوية
مطلب في وقف المنقول قصدا قوله ( كل منقول قصدا ) أما تبعا للعقار فهو جائز بلا خلاف عندهما كما مر لا خلاف في صحة وقف السلاح والكراع أي الخيل للآثار المشهورة والخلاف فيما سوى ذلك فعند أبي يوسف لا يجوز وعند محمد يجوز ما فيه تعامل من المنقولات واختاره أكثر فقهاء الأمصار كما في الهداية وهو الصحيح كما في الإسعاف وهو قول أكثر المشايخ كما في الظهيرية لأن القياس قد يترك بالتعامل
ونقل في المجتى عن السير جواز وقف المنقول مطلقا عند محمد وإذا جرى فيه التعامل عند أبي يوسف وتمامه في البحر والمشهور الأول
قوله ( وقدوم ) بفتح أوله وضم ثانيه مخففا ومثقلا
مطلب في وقف الدراهم والدنانير قوله ( بل ودراهم ودنانير ) عزاه في الخلاصة إلى الأنصاري وكان من أصحاب زفر وعزاه في الخانية إلى زفر حيث قال وعن زفر شرنبلالية
وقال المصنف في المنح ولما جرى التعامل في زماننا في البلاد الرومية وغيرها في وقف الدراهم والدنانير دخلت تحت قول محمد المفتى به في وقف كل منقول فيه تعامل كما لا يخفى فلا يحتاج على هذا إلى تخصيص القول بجواز وقفها بمذهب الإمام زفر من رواية الأنصاري والله تعالى أعلم وقد أفتى مولانا صاحب البحر بجواز وقفها ولم يحك خلافا اه
ما في المنح
قال الرملي لكن في إلحاقها بمنقول فيه تعامل نظر إذ هي مما ينتفع بها مع بقاء عينها على ملك الواقف وإفتاء صاحب البحر بجواز وقفها بلا حكاية خلاف لا يدل على أنه داخل تحت قول محمد المفتى به في وقف منقول فيه تعامل لاحتمال أنه اختار قول زفر وأفتى به وما استدل به في المنح من مسألة البقرة الآتية ممنوع بما قلنا إذ ينتفع بلبنها وسمنها مع بقاء عينها لكن إذا حكم به حاكم ارتفع الخلاف اه
ملخصا
____________________
(4/363)
قلت إن الدراهم لا تتعين بالتعيين فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية ولا شك في كونها من المنقول فحيث جرى فيها تعامل دخلت فيما أجازه محمد ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه قال في الفتح إن بعض المشايخ زادوا أشياء من المنقول على ما ذكره محمد لما رأوا جريان التعامل فيها وذكر منها مسألة البقرة الآتية ومسألة الدراهم والمكيل حيث قال ففي الخلاصة وقف بقرة على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل قال إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون جائزا وعن الأنصاري وكان من أصحاب زفر فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو ما يوزن أيجوز ذلك قال نعم قيل وكيف قال يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال أو يوزن يباع ويدفع ثمنه لمضاربة أو بضاعة
قال فعلى هذا القياس إذا وقف كرا من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبدا على هذا السبيل يجب أن يكون جائزا
قال ومثل هذا كثير في الري وناحية دوما وند اه
وبهذا ظهر صحة ما ذكره المصنف من إلحاقها بالمنقول المتعارف على قول محمد المفتى به وإنما خصوها بالنقل عن زفر لأنها لم تكن متعارفة إذ ذاك ولأنه هو الذي قال بها ابتداء
قال في النهر ومقتضى ما مر عن محمد عدم جواز ذلك أي وقف الحنطة في الأقطار المصرية لعدم تعارفه بالكلية نعم وقف الدراهم والدنانير تعورف في الديار الرومية اه
قوله ( ومكيل ) معطوف على قول المصنف ودراهم
قوله ( ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة ) وكذا يفعل في وقف الدراهم والدنانير وما خرج من الربح يتصدق به في جهة الوقف وهذا هو المراد في قول الفتح عن الخلاصة ثم يتصدق بها فهو على تقدير مضاف أي بربحها وعبارة الإسعاف ثم يتصدق بالفضل
قوله ( فعلي هذا ) أي القول بصحة وقف المكيل
قوله ( وجنازة ) بالكسر النعش وثيابها ما يغطى به الميت وهو في النعش ط
مطلب في التعامل والعرف قوله ( لأن التعامل يترك به القياس ) فإن القياس عدم صحة وقف المنقول لأن من شرط الوقف التأبيد والمنقول لا يدوم والتعامل كما في البحر عن التحرير هو الأكثر استعمالا وفي شرح البيري عن المبسوط أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص اه
وتمام تحقيق ذلك في رسالتنا المسماة ( نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف ) وظاهر ما مر في مسألة البقرة اعتبار العرف الحادث فلا يلزم كونه من عهد الصحابة وكذا هو ظاهر ما قدمناه آنفا من زيادة بعض المشايخ أشياء جرى التعامل فيها وعلى هذا فالظاهر اعتبار العرف في الموضع أو زمان الذي اشتهر فيه دون غيره فوقف الدراهم متعارف في بلاد الروم دون بلادنا ووقف الفأس والقدوم كان متعارفا في زمن المتقدمين ولم نسمع به في زماننا فالظاهر أنه لا يصح الآن ولئن وجد نادرا لا يعتبر لما علمت من أن التعامل هو الأكثر استعمالا فتأمل
قوله ( لحديث الخ ) رواه أحمد في كتاب السنة ووهم من عزاه للمسند
____________________
(4/364)
من حديث أبي وائل عن ابن مسعود وهو موقوف حسن وتمامه في حاشية الحموي عن المقاصد الحسنة للسخاوي
قوله ( ومتاع ) ما يتمتع به فهو عطف عام على خاص فيشمل ما يستعمل في البيت من أثاث المنزل كفراش وبساط وحصير لغير مسجد والأواني والقدور نعم تعورف وقف الأواني من النحاس ونص المتقدمون على وقف الأواني والقدور والمحتاج إليها في غسل الموتى
قوله ( وهذا ) أي جواز وقف المنقول المتعارف
قوله ( وألحق في البحر السفينة بالمتاع ) أي فلا يصح لكن قال شيخ مشايخنا السائحاني إنهم تعاملوا وقفها فلا تردد في صحته اه
وكأنه حدث بعد صاحب البحر وألحق في المنح وقف البناء بدون الأرض وكذا وقف الأشجار بدونه لأنه منقول فيها تعامل وتمامه في الدر المنتقى
وسيأتي عند قول المصنف بني على أرض الخ
قوله ( جاز وقف الأكسية الخ ) قلت وفي زماننا قد وقف بعض المتولين على المؤذنين الفراء شتاء ليلا فينبغي الجواز سيما على ما مر عن الزاهدي فتدبر
شرح الملتقى أي ما ذكره الزاهدي في المجتبى من جواز وقف المنقول مطلقا عند محمد ولا يخفى أن هذا في وقف نفس الأكيسة أما لو وقف عقارا وشرط أن يشتري من ريعه أكسية للفقراء أو المؤذنين فلا كلام فيه كما أفاده ط
مطلب متى ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة قوله ( إن يحصون جاز ) هذا الشرط مبني على ما ذكره شمس الأئمة من الضابط وهو أنه إذا ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة حقيقة كالفقراء أو استعمالا بين الناس كاليتامى والزمني لأن الغالب فيهم الفقر فيصح للأغنياء والفقراء منهم إن كانوا يحصون وإلا فلفقرائهم فقط ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الأغنياء والفقراء فإن كانوا يحصون صبح باعتبار أعيانهم وإلا بطل
وروى عن محمد أن ما لا يحصى عشرة وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ به عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى أنه مفوض إلى رأي الحاكم
إسعاف وبحر
قوله ( وإن وقف على المسجد جاز ) ظاهره أنه لا يشترط فيه كون أهله ممن يحصون لأن الوقف على المسجد لا على أهله كما هو المتبادر من المقابلة ولعل وجهه أنه يصير كالتنصيص على التأبيد بمنزلة الوقف على عمارة مسجد معين فإنه يصح في المختار لتأبده مسجدا كما قدمناه عند قوله ويجعل آخره لجهة قربة
قوله ( ولا يكون محصورا على هذا المسجد ) هذا ذكر في الخلاصة بقوله وفي موضع آخر ولا يكون الخ أي وذكر في كتاب آخر فهو قول آخر مقابل لقوله ويقرأ فيه فإن ظاهره أنه يكون مقصورا على ذلك المسجد وهذا هو الظاهر حيث كان الواقف عين ذلك المسجد فلما فعله صاحب الدر حيث نقل العبارة عن الخلاصة وأسقط منها قوله وفي موضع آخر غير مناسب لإيهامه أنه من تتمة ما قبله إلا أن يكون قد فهم أن قوله ويقرأ فيه محمول على الأولوية فيكون ما في موضع آخر غير مخالف له
تأمل
لكن في القنية سبل مصحفا في مسجد بعينه للقراءة ليس له بعد ذلك أن يدفعه إلى آخر من غير أهل تلك المحلة للقراءة
قال في النهر وهذا يوافق القول الأول لا ما ذكر في موضع آخر اه
فهذا يفيد أنهما قولان متغايران خلافا لما فهمه في الدرر وتبعه الشارح
قوله ( وبه عرف حكم الخ ) الحكم هو ما بينه بعد قوله فإن وقفها الخ ط
قوله ( لم يجز نقلها ) ولا سيما إذا كان الناقل
____________________
(4/365)
ليس منهم
نهر
ومفاده أنه عين مكانها بأن بنى مدرسة وعين وضع الكتب فيها لانتفاع سكانها
مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم قوله ( وإن على طلبة العلم الخ ) ظاهره صحة الوقف عليهم لأن الغالب فيهم الفقر كما علم من الضابط المار آنفا
وفي البحر قال شمس الأئمة فعلى هذا إذا وقف على طلبة العلم في بلدة كذا يجوز لأن الفقر غالب فيهم فكان الاسم منبئا عن الحاجة ثم ذكر الضابط المار
قلت ومقتضاه أنهم إذا كانوا لا يحصون يختص بفقرائهم فعلى هذا وقف المصحف في المسجد والكتب في المدارس لا يحل لغير فقير وهو خلاف المتبادر من عبارة الخلاصة و القنية في المصحف
وقد يقال إن هذا مما يستوي في الانتفاع به الغني والفقير كما سيأتي من أن الوقف على ثلاثة أوجه منها ما يستوي فيه الفريقان كرباط وخان ومقابر وسقاية وعلله في الهداية بأن أهل العرف يريدون فيه التسوية بينهم ولأن الحاجة ذاعية وهنا كذلك فإن واقف الكتب يقصد نفع الفريقين ولأنه ليس كل غني يجد كل كتاب يريده خصوصا وقت الحاجة إليه
مطلب في نقل كتب الوقف من محلها قوله ( ففي جواز النقل تردد ) الذي تحصل من كلامه أنه إذا وقف كتبا وعين موضعها فإن وقفها على أهل ذلك الموضع لم يجز نقلها منه لا لهم ولا لغيرهم وظاهره أنه لا يحل لغيرهم الانتفاع بها وإن وقفها على طلبة العلم فلكل طالب الانتفاع بها في محلها وأما نقلها منه ففيه تردد ناشىء مما قدمه عن الخلاصة من حكاية القولين من أنه لو وقف المصحف على المسجد أي بلا تعيين أهله قيل يقرأ فيه أي يختص بأهله المترددين إليه وقيل لا يختص به أي فيجوز نقله إلى غيره وقد علمت تقوية القول الأول بما مر عن القنية وبقي ما لو عمم الواقف بأن وقفه على طلبة العلم لكنه شرط أن لا يخرج من المسجد أو المدرسة كما هو العادة وقدمنا عند قوله ولا يرهن عن الأشباه أنه لو شرط أن لا يخرج إلا برهن لا يبعد وجوب اتباع شرطه وحمل الرهن على المعنى اللغوي تبعا لما قاله السبكي ويؤيده ما قدمناه قبيل قوله والملك يزول عن الفتح من قوله إن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء وكذا سيأتي في فروع الفصل الأول أن قولهم شرط الواقف كنص الشارع أي في المفهوم والدلالة ووجوب العمل به
قلت لكن لا يخفى أن هذا إذا علم أن الواقف نفسه شرط ذلك حقيقة أما مجرد كتابة ذلك على ظهر الكتب كما هو العادة فلا يثبت به الشرط وقد أخبرني بعض قوام مدرسة أن واقفها كتب ذلك ليجعل حيلة لمنع إعارة من يخشى منه الضياع والله سبحانه أعلم
مطلب يبدأ من غلة الوقف بعمارته قوله ( ويبدأ من غلته بعمارته ) أي الصرف إلى المستحقين
قال القهستاني العمارة بالكسر مصدر أو اسم ما يعمر به المكان بأن يصرف إلى الموقوف عليه حتى يبقى على ما كان عليه دون الزيادة إن لم يشترط ذلك ك ما في الزاهدي وغيره فلو كان الوقف شجرا يخاف هلاكه كان له أن يشتري من غلته قصيلا فيغرزه
____________________
(4/366)
لأن الشجر يفسد على امتداد الزمان وكذا إذا كانت الأرض سبخة لا ينبت فيها شيء كان له أن يصلحها كما في المحيط اه
مطلب دفع المرصد مقدم على الدفع للمستحقين ومثله في الخانية وغيرها ودخل في ذلك دفع المرصد الذي على الدار فإنه مقدم على الدفع للمستحقين كما في فتاوى تلميذ الشارح المرحوم الشيخ إسماعيل وهذه فائدة جليلة قل من تنبه لها فإن المرصدين على الوقف لضرورة تعميره فإذا وجد في الوقف مال ولو في كل سنة شيء حتى تتخلص رقبة الوقف ويصير يؤجر بأجرة مثله لزم الناظر ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مطلب كون التعمير من الغلة إن لم يكن الخراب بصنع أحد وذكر في البحر أن كون التعمير من غلة الوقف إذا لم يكن الخراب بصنع أحد ولذا قال في الولوالجية رجل آخر دار الوقف فجعل المستأجر رواتها مربطا للدواب وخربها يضمن لأنه فعل بغير إذن اه
مطلب عمارة الوقف على الصفة التي وقفه تنبيه لو كان الوقف على معين فالعمارة في ماله كما سيأتي بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه فإن خرب يبني كذلك ولا تجوز الزيادة بلا رضاء ولو كان على الفقراء فكذلك وعند البعض تجوز والأول أصح
هداية ملخصا
وبه علم أن عمارة الوقف زيادة على ما في زمن الواقف لا تجوز بلا رضا المستحقين وظاهر قوله بقدر ما يبقى الخ منع البياض والحمرة على الحيطان من مال الوقف إن لم يكن فعله الواقف وإن فعله فلا منع
بحر
مطلب يبدأ بعد العمارة بما هو أقرب إليها قوله ( ثم ما هو أقرب لعمارته الخ ) أي فإن انتهت عمارته وفضل من الغلة شيء يبدأ بما هو أقرب للعمارة وهو عمارته المعنوية التي هي قيام شعائره
قال في الحاوي القدسي والذي يبدأ به من ارتفاع الوقف أي من غلته عمارته شرط الواقف أولا ثم ما هو أقرب إلى العمارة وأعم للمصلحة كالإمام للمسجد والمدرس للمدرسة يصرف إليهم إلى قدر كفايتهم ثم السراج و البساط كذلك إلى آخر المصالح هذا إذا لم يكن معينا فإن كان الوقف معينا على شيء يصرف إليه بعد عمارة البناء اه
قال في البحر والسراج بالكسر القناديل ومراده مع زيتها والبساط بالكسر أيضا الحصير ويلحق بهما معلوم خادمهما وهو الوقاد والفراش فيقدمان وقوله إلى آخر المصالح أي مصالح المسجد يدخل فيه المؤذن والناظر ويدخل تحت الإمام الخطيب لأنه إمام الجامع اه
ملخصا
ثم لا يخفى أن تعبير الحاوي بثم يفيد تقديم العمارة على الجميع كما هو إطلاق المتون فيصرف إليهم الفاضل عنها خلافا لما يوهمه كلام البحر نعم كلام الفتح الآتي يفيد المشاركة ويأتي بيانه فافهم
قوله ( بقدر كفايتهم ) أي لا بقدر استحقاقهم المشروط لهم والظاهر أن قول الحاوي هذا إذا لم يكن معينا إلخ راجع إليه كما فهمه في شرح الملتقى وقال إن فرض المسألة فيما إذا كان
____________________
(4/367)
الوقف على جملة المستحقين بلا تعيين قدر لكل فلو به فلا ينبغي جعل الحكم كذلك اه أي بل يصرف إلى كل منهم القدر الذي عينه الواقف ثم قال في شرح الملتقى ويمكن أن يقال لا فرق بين التعيين وعدمه لأن الصرف إلى ما هو قريب من العمارة كالعمارة وهي مقدمة مطلقا ويقويه تجويزهم مخالفة شرط الواقف في سبعة مسائل منها الإمام لو شرط له ما لا يكفيه يخالف شرطه اه
قلت وهذا مأخوذ من البحر حيث قال والتسوية بالعمارة تقتضي تقديمهما أي الإمام والمدرس عند شرط الواقف إنه إذا ضاق ريع الوقف قسم الريع عليهم بالحصة وإن هذا الشرط لا يعتبر اه
والحاصل أن الوجه يقتضي أن ما كان قريبا من العمارة يلحق بها في التقديم على بقية المستحقين وإن شرط الواقف قسمة الريع على الجميع بالحصة أو جعل لكل قدرا وكان ما قدره للإمام ونحوه لا يكفيه فيعطى قدر الكفاية لئلا يلزم تعطيل المسجد فيقدم أولا العمارة الضرورية ثم الأهم فالأهم من المصالح والشعائر بقدر ما يقوم به الحال فإن فضل شيء يعطى لبقية المستحقين إذ لا شك أن مراد الواقف انتظام حال مسجده أو مدرسته لا مجرد انتفاع أهل الوقف وإن لزم تعطيله خلافا لما يوهمه كلام الحاوي المذكور ولكن يمكن إرجاع الإشارة في قول الحاوي هذا إذا لم يكن معينا الخ إلى صدر عبارته يعني أن الصرف إلى ما هو أقرب إلى العمارة كالإمام ونحوه إنما هو فيما إذا لم يكن الوقف معينا على جماعة معلومين كالمسجد والمدرسة أما لو كان معينا كالدار الموقوفة على الذرية أو الفقراء فإنه بعد العمارة يصرف الريع إلى ما عينه الواقف بلا تقديم لأحد على أحد فاغتنم هذا التحرير
قوله ( كذلك ) أي بقدر الكفاية لا بقدر الشرط وأما قوله الآتي فيعطوا المشروط وقوله فلهم أجرة عملهم فيأتي الكلام فيه
قوله ( لثبوته اقتضاء ) لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء
بحر
ومثلها ما هو قريب منها كما قررناه آنفا
مطلب في قطع الجهات لأجل العمارة قوله ( وتقطع الجهات ) أي تمنع من الصرف إليها وعبارة الفتح وتقطع الجهات الموقوف عليها للعمارة إن لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم اه أي إن لم يخف بقطعه ضرر كإمام ونحوه يقدم أي على بقية المستحقين ممن ليس في قطعهم ضرر بين لا على العمارة فافهم إلا أن يكون المراد العمارة الغير الضرورية فإن الإمام يقدم عليها ويحتمل أن المراد من قوله قدم أنه لا يقطع بقرينة صدر العبارة لكن يصير مفاده أن من في قطعه ضرر بين يساوي العمارة فيصرف أولا إليها وإليه وهو خلاف المفاد من التعبير بثم في عبارة الحاوي كما مر فإما أن يراد بثم معنى الواو كما هو مفاد كلام البحر أو يراد بالعمارة فيما مر الضرورية كرفع سقف أو جدار فيصرف الريع إليها أولا كما هو مفاد المتون ثم الفاضل إلى الجهات الضرورية الأهم فالأهم دون غيرها كالشاهد والجابي وخازن الكتب ونحوهم ويراد بما في الفتح العمارة الغير الضرورية فتقدم الجهات الضرورية عليها أو تشاركها إذا كان الريع يكفي كلا منهما ثم لا يخفى أنه لو احتيج قطع الكل العمارة الضرورية قدمت على جميع الجهات إذ ليس من النظر خراب المسجد لأجل إمام ومؤذن
فالحاصل أن الترتيب المستفاد من عبارة الحاوي بالنظر إلى تقديم العمارة الضرورية على جميع الجهات والمشاركة
____________________
(4/368)
المفادة من عبارة الفتح بالنظر إلى غير الضرورية أو إذا كان في الريع زيادة على الضرورية ثم رأيت في حاشية الأشباه التصريح بحمل ما في الحاوي على ما قلنا
قوله ( فيعطي المشروط لهم ) برفع المشروط نائب فاعل يعطي وفي بعض النسخ فيعطلوا بالجزم بحذف النون عطفا على قدموا ونصب المشروط مفعول ثان
واعترض بأن ما ذكره تابع في النهر وهو خلاف ما مر من أنهم يعطون بقدر كفايتهم وخلاف ما في البحر من أخذ قدر الأجرة
قلت لا يخفى عليك أن قول الفتح المار وتقطع الجهات الخ معناه أن من يخاف بقطعه ضرر بين لا يقطع معلومه المشروط له بل يقدم ويأخذه بخلاف غيره من المستحقين كالناظر والشاد والمباشر ونحو ذلك فإنه يقطع ولا يعطي شيئا أي إلا إذا عمل زمن العمارة فله قدر أجرته فقط لا المشروط فإنه في الفتح قال بعد قوله قدم وأما الناظر فإن كان المشروط له من الواقف فهو كأحد المستحقين فإذا قطعوا للعمارة قطع إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته وإن لم يعمل لا يأخذ شيئا اه
ولهذا قال في النهر وأفاد في البحر أن مما يخاف بقطعه الضرر البين الإمام والخطيب فيعطيان المشروط لهما أما المباشر والشاد إذا عملا زمن العمارة فإنما يستحقان بقدر أجرة عملهما لا المشروط اه
لكن الظاهر أن قوله وأفاد في البحر سبق قلم صوابه وأفاد في الفتح لأن ما ذكره هو مفاد كلام الفتح كما علمته وأما ما في البحر فإنه خلاف هذا لأنه بعد ما ذكر كلام الفتح قال فظاهره أن من عمل من من المستحقين زمن العمارة يأخذ قدر أجرته لكن إذا كان مما لا يمكن ترك عمله إلا بضرر بين كالإمام والخطيب ولا يراعى المعلوم المشروط زمن العمارة فعلى هذا إذا عمل المباشر والشاد زمن العمارة يعطيان بقدر أجرة عملهما فقط وأما ما ليس في قطعه ضرر بين فإنه لا يعطي شيئا أصلا زمن العمارة اه
وأنت خبير بأن ما نسبه إلى ظاهر الفتح خلاف الظاهر فإن ظاهر الفتح أن من لا يقطع يعطى المشروط الأجر ومن يقطع وهو من ليس في قطعه ضرر بين لا يعطى ثم ذكر أن الناظر ممن يقطع وأنه إذا عمل فله قدر أجرته أي لا ما شرطه له الواقف فأفاد أن من يقطع كالناظر لا يعطى شيئا إلا إذا عمل وهذا كله كما ترى مخالف لما فهمه في البحر من أن من لا يقطع كالإمام له الأجر إذا عمل ومن يقطع لا يعطى شيئا أصلا أي لا أجرا ولا مشروطا وإن عمل وفيه أيضا أنه جعل للشاد والمباشر أجرة إذا عملا ومقتضاه أنهما من الشعائر التي لا تقطع وهو خلاف ما صرح به نفسه بعد نحو ثلاث أوراق نعم هو موافق لما بحثه في الأشباه من أنه ينبغي أن يلحق بهؤلاء يعني الإمام والمدرس والخطيب والمؤذن والميقاتي والناظر وكذا الشاد والكاتب والجاني زمن العمارة اه
لكن رد في النهر ما في الأشباه بأنه مخالف لصريح كلامهم كما مر بل الناظر وغيره إذا عمل زمن العمارة كان له أجر مثله كما جرى عليه في البحر وهو الحق اه
ومراده بما جرى عليه في البحر ما نقله عن الفتح ومراده بقوله بل الناظر وغيره أي من ليس في قطعه ضرر بين ووجه مخالفته للمنقول
أن هؤلاء لهم أجرة عملهم إذا عملوا زمن العمارة فإلحاقهم بالإمام وأخويه يقتضي أن لهم المشروط وليس كذلك كما دل عليه كلام الفتح وبه ظهر خلل ما في البحر وصحة ما ذكره الشارح تبعا للنهر خلافا لمن نسبهما إلى عدم الفهم فافهم
نعم في عبارة البحر و النهر خلل من وجه آخر وهو أن كلامهما مبني على أن المراد بالعمل في عبارة الفتح عمله في وظيفته وهو بعيد لأنه إذا عمل في وظيفته وأعطى قدر أجرته لم يقطع بل صدق عليه أنه قدم كغيره ممن في قطعه ضرر كالإمام وهذا خلاف ما مر من تقديم الأهم فالأهم
وأيضا من لم يعمل عمله المشروط لا يعطى شيئا أصلا ولو كان في قطعه ضرر فلا فرق بينه وبين
____________________
(4/369)
غيره فيتعين حمل العمل في كلام الفتح على العمل في التعمير وعبارة الفتح صريحة في ذلك فإنه قال إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته اه لكن هو مقيد بما إذا عمل بأمر القاضي لما في جامع الفصولين لو عمل المتولي في الوقف بأجر جاز ويفتي بعدمه إذ لا يصلح مؤجرا ومستأجرا وصح لو أمره الحاكم أن يعمل فيه اه
وعليه كما في القنية إذا عمل القيم في عمارة المسجد والوقف كعمل الأجير لا يستحق أجرا محمول على ما إذا كان بلا أمر الحاكم والظاهر أن الناظر غير قيد بل كل من عمل في التعمير من المستحقين له أجرة عمله وإنما نصوا على الناظر لأنه لا يصلح مؤجرا ومستأجرا أو مستأجرا لنفسه فإذا كان بأمر الحاكم كان الحاكم هو المستأجر له بخلاف غيره من المستحقين فإن المستأجر له هو الناظر فلا شبهة في استحقاقه الأجرة كالأجنبي
وحيث حملنا كلام الفتح على ما قلنا صار حاصله أن من في قطعه ضرر بين لا يقطع زمن التعمير أي بل يبقى على ما شرط له الواقف وأما غيره فيقطع ولا يعطى شيئا أصلا وإن عمل في وظيفته
نعم يعطي لكل أجرة عمله إذا عمل في العمارة ولو هو الناظر لكن لو بأمر الحاكم وبهذا التقرير سقط ما قدمناه عن النهر في الرد على الأشباه إذ لا أجرة على العمل في غير التعمير ثم الظاهر أن المراد بالمشروط ما يكفيه لأن المشروط له من الواقف لو كان دون كفايته وكان لا يقوم بعمله إلا بها يزاد عليه ويؤيده ما سيأتي في فروع الفصل الأول أن للقاضي الزيادة على معلوم الإمام إذا كان لا يكفيه وكذا الخطيب
قلت بل الظاهر أن كل من في قطعه ضرر بين فهو كذلك لأنه في حكم العمارة فهو مثل ما لو زادت أجرة الأجيرة في التعمير وأما لو كان المشروط له أكثر من قدر الكفاية فلا يعطى إلا الكفاية في زمن التعمير لأنه لا ضرورة إلى دفع الزائد المؤدي إلى قطع غيره فيصرف الزائد إلى من يليه من المستحقين وعلى هذا يحصل التوفيق بين ما مر عن الحاوي من أنهم يعطون بقدر كفايتهم وبين ما استفيد من الفتح من أنهم يعطون المشروط
والحاصل مما تقرر وتحرر أنه يبدأ بالتعمير الضروري حتى لو استغرق جميع الغلة صرفت كلها إليه ولا يعطى أحد ولو إماما أو مؤذنا فإن فضل عن التعمير شيء يعطى ما كان أقرب إليه مما في قطعه ضرر بين وكذا لو كان التعمير غير ضروري بأن كان لا يؤدي تركه إلى خراب العين لو أخر إلى غلة السنة القابلة فيقدم الأهم فالأهم ثم من لا يقطع يعطي المشروط له إذا كان قدر كفايته وإلا يزاد أو ينقص ومن لم يكن في قطعه ضرر بين قدمت العمارة عليه وإن أمكن تأخيرها إلى غلة العام القابل كما هو مقتضى إطلاق المتون ولا يعطى شيئا أصلا وإن باشر وظيفته ما دام الوقف محتاجا إلى التعمير وكل من عمل المستحقين في العمارة فله أجرة عمله لا المشروط ولا قدر الكفاية
فهذا غاية ما ظهر لي في تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام
قوله ( وأما الناظر والكاتب الخ ) قد علمت ما في هذا الكلام وما ادعاه في النهر أنه الحق مخلفا لما في الأشباه بما حررناه آنفا
قوله ( ضمن ) هذا إذا كان في تأخير التعمير خراب عين الوقف وإلا فيجوز الصرف للمستحقين وتأخير العمارة للغلة الثانية إذا لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم كما في الزواهر عن البحر
در منتقى
قوله ( الظاهر لا ) قياسا على مودع الابن إذا أنفق على الأبوين
____________________
(4/370)
بلا إذنه ولا إذن القاضي فإنه يضمن بلا رجوع عليهما لأنه بالضمان تبين أنه دفع مال نفسه وأنه متبرع
بحر
وفيه نظر بل له الرجوع ما دام المدفوع قائما لو هلك لأنه هبة نهر
أقول لا وجه لجعله هبة بل هو دفع مال يستحقه غير المدفوع إليه على ظن أنه يستحقه المدفوع إليه فينبغي الرجوع قائما أو مستهلكا كدفع الدين المظنون بخلاف مودع الابن فإنه مأمور بالحفظ
رملي ملخصا ونحوه في شرح المقدسي ونقل ط نحوه عن البيري
والحاصل أن الظاهر الرجوع مطلقا لا عدمه مطلقا ولا التفصيل
قوله ( وما قطع الخ ) في الأشباه إذا حصل تعمير الوقف في سنة وقطع معلوم المستحقين كله أو بعضه فما قطع لا يبقى دينا لهم على الوقف إذ لا حق لهم في الغلة زمن التعمير وفائدته لو جاءت الغلة في السنة الثانية وفاض شيء بعد صرف معلومهم هذه السنة لا يعطيهم الفاضل عوضا عما قطع اه
قوله ( قدر العمارة ) أي القدر الذي يغلب على ظنه الحاجة إليه
حموي
ويصرف الزيادة على ما شرط الواقف
أشباه
قوله ( ولا غلة ) أي والحال أنه لا غلة للأرض حين يحدث حدث
قوله ( فليحفظ الفرق الخ ) قال في الأشباه فيفرق بين اشتراط تقديم العمارة كل سنة والسكوت عنه فإنه مع السكوت تقدم العمارة عند الحاجة إليها ولا يدخر لها عند عدم الحاجة إليها ومع الاشتراط تقدم عند الحاجة ويدخر لها عند عدمها ثم يفرق الباقي لأن الواقف إنما جعل الفاضل عنها للفقراء اه ط
قوله ( لو زاد المتولي دانقا ) صورته استأجر المتولي رجلا في عمارة المسجد بدرهم ودانق وأجرة مثله درهم ضمن جميع الأجرة من ماله لأنه زاد في الأجر أكثر مما يتغابن فيه الناس فيصير مستأجرا لنفسه فإذا نقض الأجر من مال المسجد كان ضامنا
بحر عن الخانية
والدانق سدس الدرهم والمدار على ما لا يتغابن فيه أي ما لا يقبل الناس الغبن فيه إذا ما دونه يسير لا يمكن الاحتراز عنه
قوله ( وفي شرحها ) خبر مقدم وجملة قوله الشعائر الخ قصد بها لفظها مبتدأ مؤخر
قوله ( في وقف المصالح ) أي فيما لو وقف على مصالح المسجد
قوله ( يعبر ) من العبور بمعنى الدخول
قوله ( التي تقدم ) أي على بقية المستحقين بعد العمارة الضرورية
قوله ( إمام وخطيب الخ ) ظاهره أن جميع من ذكر يكون في قطعه ضرر بين وخصه في النهر بالخطيب فقط بشرط أن يتحد في البلد كمكة والمدينة ولم يوجد من يخطب حسبة بإذن الإمام اه
وفيه نظر كما في الحموي
قوله ( مباشر ) انظر ما المراد به
قوله ( وشاهد ) قيل المراد به كاتب الغيبة المعروف بالنقطجي بعرف أهل الشام
قوله ( وشاد ) هو الملازم للمسجد مثلا لتفقد حاله من تنظيف ونحوه ط
وقيل هو المسمى بالدعجي
____________________
(4/371)
قلت ويؤيده ما في القاموس الإشادة رفع الصوت بالشيء وتعريف الضالة والإهلال والشيادة الدعاء بالأيل وذلك الطيب بالجلد اه
قوله ( ومزملاتي ) هو الشاوي بعرف أهل الشام
در منتقى
وقيل هو في عرف أهل مصر من ينقل الماء من الصهريج إلى الجرار
وفي القاموس مزملة كمعظمة التي يبرد فيها الماء
قوله ( قاله في البحر ) أي قال ما مر من قوله
الشعائر إلى هنا
قوله ( قلت ولا تردد ) رد على قول البحر ويقع الاشتباه إلخ قوله
قوله ( انتهى ) أي كلام الشرنبلالي في شرح الوهبانية
قوله ( لو مدرس المدرسة ) ولا يكون مدرسها من الشعائر إلا إذا لازم التدريس على حكم الشرط أما مدرسو زماننا فلا أشباه ولو أنكر الناظر ملازمة المدرس فالقول للمدرس بيمينه وكذا لورثته لقيامهم مقامه وكذا كل ذي وظيفة وتمامه في حاشية الرملي عند قول البحر السادسة
مطلب فيمن لم يدرس لعدم وجود الطلبة وفي الحموي سئل المصنف عمن لم يدرس لعدم وجود الطلبة فهل يستحق المعلوم أجاب إن فرغ نفسه للتدريس بأن حضر المدرسة المعينة لتدريسه استحق المعلوم لإمكان التدريس لغير الطلبة المشروطين قال في شرح المنظومة المقصود من المدرس يقوم بغير الطلبة بخلاف الطالب فإن المقصود لا يقوم بغيره اه
وسيأتي قبيل الفرع أنه لو درس في غيرها لتعذره فيها ينبغي أن يستحق العلوفة وفي فتاوى الحانوتي يستحق المعلوم عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجاني
مطلب في استحقاق القاضي والمدرس الوظيفة في يوم البطالة قوله ( وينبغي إلحاقه ببطالة القاضي الخ ) قال في الأشباه وقد اختلفوا في أخذ القاضي ما رتب له في بيت المال في يوم بطالته فقال في المحيط إنه يأخذ لأنه يستريح لليوم الثاني وقيل لا اه
وفي المنية القاضي يستحق الكفاية من بيت المال في يوم البطالة في الأصح وفي الوهبانية أنه أظهر فينبغي أن يكون كذلك في المدرس لأن يوم البطالة للاستراحة وفي الحقيقة تكون للمطالعة والتحرير عند ذوي المهمة ولكن تعارف الفقهاء في زماننا بطالة طويلة أدت إلى أن صار الغالب البطالة وأيام التدريس قليلة اه
ورده البيري بما في القنية إن كان الواقف قدر للدرس لكل يوم مبلغا فلم يدرس يوم الجمعة أو الثلاثاء لا يحل له أن يأخذ ويصرف أجر هذين اليومين إلى مصارف المدرسة من المرمة وغيرها بخلاف ما إذا لم يقدر لكل يوم مبلغا فإنه يحل له الأخذ وإن لم يدرس فيهما للعرف بخلاف غيرهما من أيام الأسبوع حيث لا يحل له أخذ الأجر عن يوم لم يدرس فيه مطلقا سواء قدر له أجر كل يوم أو لا اه ط
قلت هذا ظاهر فيما إذا قدر لكل يوم درس فيه مبلغا أما لو قال يعطى المدرس كل يوم كذا فينبغي أن يعطى ليوم البطالة المتعارفة بقرينة ما ذكره في مقابله من البناء على العرف فحيث كانت البطالة معروفة في يوم الثلاثاء والجمعة وفي رمضان والعيدين يحل الأخذ وكذا لو بطل في يوم غير معتاد لتحرير درس إلا إذا نص الواقف على تقييد الدفع باليوم الذي يدرس فيه كما قلنا
وفي الفصل الثامن عشر من التتارخانية قال الفقيه أبو الليث
____________________
(4/372)
ومن يأخذ الأجر من طلبة العلم في يوم لا درس فيه أرجو أن يكون جائزا
وفي الحاوي إذا كان مشغلا بالكتابة والتدريس اه
قوله ( وسيجيء ) أي عن نظم الوهبانية بعد قوله مات المؤذن والإمام
قوله ( على من له السكنى ) أي على من يستحقها ومفاده أنه لو كان بعض المستحقين غير ساكن فيها يلزمه التعمير مع الساكنين لأن تركه لحقه لا يسقط حق الوقف فيعمر معهم وإلا تؤجر حصته كما يأتي
قوله ( من ماله ) فإذا رم حيطانها بالآجر أو أدخل فيها جذعا ثم مات ولا يمكن نزع ذلك فليس للورثة نزعه بل يقال لمن له السكنى بعده اضمن لورثته قيمة البناء فإن أبى أو جرت الدار وصرفت الغلة إليهم بقدر قيمة البناء ثم أعيدت السكنى إلى من له السكنى وليس له أن يرضى بالهدم والقلع وإن كان ما رم الأول مثل تجصيص الحيطان وتطيين السطوح وشبه ذلك لم يرجع الورثة بشيء
بحر عن الظهيرية أي لأن ما لا يمكن أخذ عينه فهو في حكم الهالك بخلاف الآجر والجذع ولو بنى الأول ما يمكن رفعه بلا ضرر أمر الورثة برفعه وليس للثاني تملكه بلا رضاهم كما في الإسعاف
وفي البحر عن القنية لو بنى واحد من الموقوف عليهم بعض الدار وطين البعض وجصص البعض وبسط فيه الآوجر فطلب الآخر حصته ليسكن فيها فمنعه حتى يدفع حصة ما أنفق ليس له ذلك والطين والجص صار تبعا للوقف وله نقض الآجر إن لم يضر
مطلب في عمارة من له السكنى قوله ( لا من الغلة ) لأن من له السكنى لا يملك الاستغلال بلا خلاف
واختلف في عكسه والراجح الجواز كما حرره الشرنبلالي في رسالة ويأتي تمامه قريبا
قوله ( إذ الغرم بالغنم ) أي المضرة بمقابلة المنفعة
قوله ( بقدر الصفة التي وقفها الواقف ) هذا موافق لما قدمناه عن الهداية عند قوله يبدأ من غلته بعمارته والظاهر أن المراد منه منع الزيادة بلا رضاه كما يفيده تمام عبارة الهداية وكذا ما يأتي عن الزيلعي فلا ينافي ما في الإسعاف من أنه يقال له رمها مرمة لا غنى عنها وهي ما يمنع من خرابها ولا يلزمه أزيد من ذلك اه
فلا يلزمه إعادة البياض والحمرة ولا إعادة مثل ما خرب في الحسن والنفاسة هذا ما ظهر لي
قوله ( ولو أبي من له السكنى ) أي كلهم أو بعضهم فيؤجر حصته الآبي ثم يردها إليه كما في القهستاني و الدر المنتقى و الإسعاف
قوله ( عمر الحاكم ) أي أو المتولي
قهستاني
قال في البحر ولو قالوا عمرها المتولي أو القاضي لكان أولى
قوله ( كعمارة الواقف ) أتى به مع علمه مما تقدم للاستثناء ط
قوله ( ولم يزد في الأصح ) يشير إلى أن فيه خلافا لكن هذا ذكره الزيلعي في الموقوف على الفقراء وقدمناه أيضا عن الهداية وكلامنا الآن في الموقوف على معين أي كذرية الواقف ونحوهم ممن عين لهم السكنى وظاهر كلامهم أنه لا خلاف في عدم الزيادة فيه
مطلب فيما لو آجر من له السكنى قوله ( ولا تصح إجارة من له السكنى ) أي إذا لم يكن متوليا ولو زادت على قدر حاجته ولا مستحق غيره كما قدمناه عند قوله ولا يقسم وقدمنا هناك ما لو ضاقت على المستحقين وكذا لا تصح إجارة من له الغلة كما
____________________
(4/373)
في البحر وسيأتي في قول المصنف والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة
بقي لو آجر ولم تصح ينبغي أن تكون للوقف
بحر
لكن قال الحانوتي إنه غاصب وصرحوا بأن الأجرة للغاصب اه
قلت هذا مبني على مذهب المتقدمين والمفتى به ضمان منافع الوقف كما سيأتي قبيل قوله يفتي بالضمان في غصب عقار الوقف فإذا كانت الغلة أو السكنى له وحده ينبغي أن تكون الأجرة له وإلا فللكل
تأمل
مطلب لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله قوله ( بل المتولي أو القاضي ) ظاهره أن للقاضي الإجارة ولو أبى المتولي إلا أن يكون المراد التوزيع فالقاضي يؤجرها إن لم يكن لها متول أو كان وأبى الأصلح وأما مع حضور المتولي فليس للقاضي ذلك بحر
وفي الأشباه في قاعدة الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة بعد أن ذكر فروعا وعلى هذا لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله اه
قال الرملي وسيأتي أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه تنبه اه
ومفاده أنه ليس له الإيجار مع حضور المتولي وأيده الرملي في محل آخر واستند له بالقاعدة المارة لكنه نقل بعده عن أوقاف هلال أن القاضي إذا آجر دار الوقف أو وكيله بأمره جاز
قال وظاهره إطلاق الجواز مع وجود المتولي ووجهه ظاهر اه
لكن في فتاوى الحانوتي أن تنصيصهم على أن القاضي محجور عن التصرف في مال اليتيم عند وصي الميت أو القاضي يقتضي بالقياس عليه أنه هنا كذلك فلا يؤجر إلا إذا لم يكن متول أو كان وامتنع اه
وعليه يحمل كلام هلال
تنيه لم يذكر الشارحون حكم العمارة من المتولي أو القاضي وفي المحيط أنها لصاحب السكنى لأن الأجرة بدل المنفعة وهي كانت له فكذا بدلها والقيم إنما آجر لأجله اه
ومقتضاه أنه لو مات تكون ميراثا كما لو عمرها بنفسه
بحر
قوله ( رعاية للحقين ) حق الوقف وحق صاحب السكنى لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا
بحر
قوله ( فلا عمارة على من له الاستغلال الخ ) مفهوم قول المتن فعمارة على من له السكنى وهذا معلوم أيضا من قوله يبدأ من غلة الوقف بعمارته وعطف عليه قوله ولو دارا الخ
مطلب من له السكنى لا يملك الاستغلال واختلف في عكسه قوله ( لأنه لا سكنى له ) قال في البحر وظاهر كلام المصنف وغيره أن من له الاستغلال لا يملك السكنى ومن له السكنى لا يملك الاستغلال كما صرح به في البزازية والفتح أيضا بقوله وليس للموقوف عليهم الدار سكناها بل الاستغلال كما ليس للموقوف عليهم السكنى بل الاستغلال ا هـ
وما في الظاهرية من أن العمارة على من يستحق اللغة محمول على أن العمارة في غلتها ولما كانت غلتها له صار كأن العمارة عليه ا هـ
قلت ويؤيده أن الخصاف سوى بين المسألتين لكنه فرق بينهما في محل آخر بأن من له الاستغلال له السكنى لأن سكناه كسكنى غيره بخلاف العكس لأنه يوجب فيها حقا لغيره ومن له الاستغلال إذا سكن لا يوجب حقا لغيره وادعى الشرنبلالي في رسالة أن الراجح هذا كما قدمته قريبا وتمامه فيما علقته على البحر
____________________
(4/374)
مطلب وقف الدار عند الإطلاق يحمل على الاستغلال لا على السكنى تنبيه يفهم من كلام الفتح المذكور أن الواقف إذا أطلق ولم يقيد بكونها للسكنى أو للاستغلال أنها تكون للاستغلال وفي الفتاوى الخيرية المصرح بها في كتبنا أن الواقف إذا أطلق الوقف فهو على الاستغلال لا السكنى
قال في النظم الوهباني ومن وقفت دار عليه فما له سوى الأجر والسكنى بها لا تقرر ثم ذكر عبارة شرحه لابن الشحنة وأن المسألة من التجنيس وفتاوى الخاصي وذكر في الخيرية في محل آخر
مطلب من له الاستغلال لا يملك السكنى وبالعكس والحاصل أن الواقف إذا أطلق أو عين الاستغلال كان للاستغلال وإن قيد بالسكنى تقيد بها وإن صرح بهما كان لهما جريان على كون شرط الواقف كنص الشارع وهذا كما ترى خلاف ما رجحه الشرنبلالي وسيذكر الشارح القولين عند قول المنصف والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة
قوله ( فلو سكن ) أي من له الغلة على القول بأنه لا سكنى له
قوله ( لعدم الفائدة ) لأنها إذا أخذت منه دفعت إليه حيث لم يكن له شريك في الغلة كما في البحر
قوله ( ولو هو المتولي ) أي لو كان الساكن في دار الغلة هو المتولي
قوله ( ينبغي الخ ) البحث لصاحب النهر
قوله ( نصب متوليا ليعمرها ) الظاهر أنه لا حاجة لنصب متول لما مر من أنه لو أبى من له السكنى أو عجز عمر الحاكم إلا أن يراد أنه ينصب متوليا مطلقا لا لخصوص التعمير لظهور خيانة الأول بما فعل فليتأمل
قوله ( ولو شرط الواقف غلتها له ) أي للموقوف عليه الدار
قوله ( صحا ) أي الوقف والشرط المذكور لكن أصل العبارة في التتارخانية فالوقف جائز مع هذا الشرط ا هـ
هذا يحتمل أن يكون المراد جواز الوقف مقترنا بهذا الشرط ولا يلزم منه صحة هذا الشرط
تأمل
قوله ( الظاهر لا ) هذا خلاف ما استظهره في البحر حيث قال وظاهره أنه يجبر على عمارتها وقياسه أن الموقوف عليه السكنى كذلك ا هـ
واستوضح في النهر لما استظهره بقول الهداية فيما مر ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة ولا يكون امتناعه منه رضا ببطلان حقه لأنه في حيز التردد ا هـ
قال في النهر وأنت خبير بأن هذا بإطلاقه يشمل ما لو شرط عليه الواقف المرمة لأنها حيث كانت عليه كان في إجباره إتلاف ماله ا هـ
واعترض بأن الجبر فائدة صحة الشرط وإلا فلا ثمرة له
قلت علمت أن صحة الشرط صريحة في عبارة التتارخانية وتعليل الهداية شامل للشرط وغيره فهو دليل على عدم صحته فافهم على أن هذا الشرط لا ثمرة له لأن الغلة حيث كانت للموقوف عليه فلا فرق بين
____________________
(4/375)
تعميره منها أو من غيرها فإذا امتنع عن العمارة من ماله يؤجرها ينصب غيره ليعمرها أو يعمرها الحاكم كما مر
نعم قد تظهر الثمرة فيما إذا كانت غلتها لا تفي بعمارتها فإن قلنا بصحة الشرط لزمه أن يعمرها من ماله وهو بعيد لما علمته من كلام الهداية ولأن كلام الواقف لا يصلح ملزما له بتعميرها إذ لا ولاية له على المستحق
قوله ( لم أره ) قال في الفتح بعد هذا والحال فيها يؤدي إلى أن تصير نقصا على الأرض كرماد تسفوه الرياح ا هـ أي لو تركت بلا عمارة تصير هكذا
قوله ( أو يردها لورثة الواقف ) قال في البحر وهو عجيب لأنهم صرحوا باستبدال الوقف إذا خرب وصار لا ينتفع به وهو شامل للأرض والدار قال في الذخيرة وفي المنتقى قال هشام سمعت محمدا يقول الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وليس ذلك إلا للقاضي ا هـ
وأما عود الوقف بعد خرابه إلى ملك الواقف أو ورثته فقد قدمنا ضعفه
فالحاصل أن الموقوف عليه السكنى إذا امتنع من العمارة ولم يوجد مستأجر باعها القاضي واشترى بثمنها ما يكون وقفا لكن الظاهر كلام المشايخ أن محل الاستبدال عند التعذر إنما هو الأرض لا البيت وقد حققناه في رسالة الاستبدال ا هـ
كلام البحر
واعترضه الرملي بأن كلام المنتقى المذكور شامل للأرض زالبيت فالفرق بينهما غير صحيح
قوله ( فلو هو الوارث لم أره ) قيل هذا عجيب من الشارح بعدما رأى كلام البحر خصوصا وقد أقره في النهر من أن الحكم هو الاستبدال فقط وهو لا يختلق بالوارث وغيره وبه ظهر ضعف ما في فتاوى قارىء الهداية ا هـ
قلت بل هو عجيب من المعترض بعد قول البحر لكن ظاهر كلام المشايخ الخ
نعم يرد عليه ما قاله الرملي وكذا ما قدمنا عن الفتح عند قوله وعاد إلى الملك عند محمد من أن دار الغلة إذ خربت إنما يعود إلى الملك عنده نقضها دون ساحتها لأن ساحتها يمكن استغلالها ولو بشيء قليل بخلاف غير المعد للغلة كرباط أو حوض خرب فهذا يعود إلى الملك كله عند محمد
مطلب في الوقف إذا خرب ولم يمكن عمارته قوله ( وفي فتاوى قارىء الهداية الخ ) حيث قال سئل عن وقف انهدم ولم يكن له شيء يعمر منه ولا أمكن إجارته ولا تعميره هل تباع أنقاضه من حجر وطوب وخشب أجاب إذا كان الأمر كذلك صح بيعه بأمر الحاكم ويشتري بثمنه وقف مكانه فإذا لم يمكن رده إلى ورثة الواقف إن وجدوا ولا يصرف للفقراء ا هـ
قلت الظاهر أن البيع مبني على قول أبي يوسف والرد إلى الورثة أو إلى الفقراء على قول محمد وهو جمع حسن حاصله أنه يعمل بقول أبي يوسف حيث أمكن وإلا فبقول محمد
تأمل
تتمة قال في الدر المنتقى في كلام المصنف إشارة إلى أن الخان لو احتاج إلى المرمة آجر بيتا أو بيتين وأنفق عليه وفي رواية يؤذن للناس بالنزول سنة ويؤجر سنة أخرى ويرم من أجرته وقال الناطقي القياس في المسجد أن يجوز إجارة سطحه لمرمته محيط
وفي البرجندي والظاهر أن حكم عمارة أوقاف المسجد والحوض والبئر وأمثالها حكم الوقف على الفقراء ا هـ
____________________
(4/376)
قوله ( نقضه ) بتثليث النون على ما ذكره البرجندي أي المنقوض من خشب وحجر وآجر وغيرها
شرح الملتقى
قوله ( إن احتاج ) بأن أحضرت المؤن أو كان المنهدم لقلته لا يختل بالانتفاع فيؤخره للاحتياج وإلا فبالانهدام تتحقق الحاجة فلا معنى للشرط حينئذ
نبه عليه في الفتح وأغفله في البحر
نهر
قوله ( ليحتاج ) الأولى للاحتياج كما عبر في الكنز
قوله ( فيبيعه ) فعلى هذا يباع النقض في موضعين عند تعذر عوده عند خوف هلاكه
بحر
ويزاد ما في الفتح حيث قال واعلم أن عدم جواز بيعه إلا إذا تعذر الانتفاع به إنما هو فيما إذا ورد عليه وقف الواقف أما إذا اشتراه المتولي من مستغلات الوقف فإنه يجوز بيعه بلا هذا الشرط لأن في صيرورته وقفا خلافا والمختار أنه لا يكون وقفا فللقيم أن يبيعه متى شاء لمصلحة عرضت ا هـ
وستأتي المسألة في الفصل الآتي متنا
قوله ( لا العين ) لأنها حق المالك أو حق الله تعالى على الخلاف ومنه يؤخذ عدم جواز قسمة حصر المسجد العتيقة بين المستحقين وكذا ما بقي من شمع رمضان وزيته للإمام والوقادين
حموي
إلا إذا كان العرف في ذلك الموضع أن الإمام أو المؤذن يأخذه بلا صريح إذن الدافع فله ذلك كما في البحر عن القنية ط
قلت وشجر الوقف ليس له حكم العين لما في البحر عن الفتح
سأل أبو القاسم الصفار عن شجرة وقف يبس بعضها وبقي بعضها قال ما يبس منها فسبيله سبيل غلتها وما بقي متروك على حالها
وفي البزازية عن الفضلي إن لم تكن مثمرة يجوز بيعها قبل القلع لأنه غلتها والمثمرة لا تباع إلا بعد القلع كبناء الوقف ا هـ
وفي جامع الفصولين غصب وقفا فنقض فما يؤخذ بنقصه يصرف إلى مرمته لا إلى أهل الوقف لأنه بدل الرقبة وحقهم في الغلة لا في الرقبة ا هـ
قوله ( جعل شيء ) بالبناء للمفعول وشيء نائب فاعل والأصل ما فسر به الشارح وكان المناسب ذكر هذه المسائل فيما مر من الكلام على المسجد
قوله ( أي جعل الباني ) ظاهره أن أهل المحلة ليس لهم ذكر ذلك وسنذكر ما يخالفه
مطلب في جعل شيء من المسجد طريقا قوله ( من الطريق ) أطلق في الطريق فعم النافذ وغيره وفي عبارتهم ما يؤيده ط
وتمامه فيه
قوله ( الضيقة ولم يضر بالمارين ) أفاد أن الجواز بهذين الشرطين ط
قوله ( جاز ) ظاهره أنه يصير له حكم المسجد وقد قال في جامع الفصولين المسجد الذي يتخذ من جانب الطريق لا يكون له حكم المسجد بل هو طريق بدليل أنه لو رفع حوائطه عاد طريقا كما كان قبله ا هـ شرنبلالية
قلت الظاهر أن هذا في مسجد جعل كله من الطريق والكلام فيما أدخل من الطريق في المسجد وهذا
____________________
(4/377)
لا مانع من أخذه حكم المسجد حيث جعل منه كمسجد مكة والمدينة وقد مر قبيل الوتر والنوافل في بحث أحكام المسجد أن ما ألحق بمسجد المدينة ملحق به في الفضيلة نعم تحري الأول أولى ا هـ
فافهم
قوله ( كعكسه ) فيه خلاف كما يأتي تحريره وهذا عند الاحتياج كما قيده في الفتح فافهم
قوله ( لتعارف أهل الأمصار في الجوامع ) لا نعلم ذلك في جوامعنا
نعم تعارف الناس المرور في مسجد له بابان وقد قال في البحر وكذا يكره أن يتخذ المسجد طريقا وأن يدخله بلا طهارة ا هـ
نعم يوجد في أطراف صحن الجوامع رواقات مسقوفة للمشي فيها وقت المطر ونحوه لأجل الصلاة أو للخروج من الجامع لا لمرور المارين مطلقا كالطريق العام ولعل هذا هو المراد فمن كان له حاجة إلى المرور في المسجد يمر في ذلك الموضع فقط ليكون بعيدا عن المصلين وليكون أعظم حرمة لمحل الصلاة فتأمل
قوله ( حتى الكافر ) اعترض بأن الكافر لا يمنع من دخول المسجد حتى المسجد الحرام فلا وجه لجعله غاية هنا
قلت في البحر عن الحاوي ولا بأس أن يدخل الكافر وأهل الذمة المسجد الحرام وبيت المقدس وسائر المساجد لمصالح المسجد وغيرها من المهمات ا هـ
ومفهومه أن في دخوله لغير مهمة بأسا وبه يتجه ما هنا فافهم
قوله ( كما جاز الخ ) قال في الشرنبلالية فيه نوع استدراك بما تقدم إلا أن يقال ذاك في اتخاذ بعض الطريق مسجدا وهذا في اتخاذ جميعها ولا بد من تقييده بما إذا لم يضر كما تقدم ولا شك أن الضرر ظاهر في اتخاذ جميع الطريق مسجدا لإبطال حق العامة من المرور المعتاد لدوابهم وغيرها فلا يقال به إلا بالتأويل بأن يراد بعض الطريق لا كله فليتأمل ا هـ
وأجيب بأن صورته ما إذا كان لمقصد طريقان واحتاج العامة إلى مسجد فإنه يجوز جعل أحدهم مسجدا وليس فيه إبطال حقهم بالكلية
قوله ( لا عكسه ) يعني لا يجوز أن يتخذ المسجد طريقا وفيه نوع مدافعة لما تقدم إلا بالنظر للبعض والكل
شرنبلالية
قلت إن المصنف قد تابع صاحب الدرر مع أنه في جامع الفصولين نقل أو لا جعل شيئا من المسجد طريقا ومن الطريق مسجدا جاز ثم رمز لكتاب آخر لو جعل الطريق مسجدا يجوز لا جعل المسجد طريقا لأنه لا تجوز الصلاة في الطريق فجاز جعله مسجدا ولا يجوز المرور في المسجد فلم يجز جعله طريقا ا هـ
ولا يخفى أن المتبادر أنهما قولان في جعل المسجد طريقا بقرينة التعليل المذكور ويؤيده ما في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث وإن أراد أهل المحلة أن يجعلوا شيئا من المسجد طريقا للمسلمين فقد قيل ليس لهم ذلك وأنه صحيح ثم نقل عن العتابية عن خواهر زاده إذا كان الطريق ضيقا والمسجد واسعا لا يحتاجون إلى بعضه تجوز الزيادة في الطريق من المسجد لأن كلها للعامة ا هـ
والمتون على الثاني فكان هو المعتمد لكن كلام المتون في جعل شيء منه طريقا وأما جعل كل المسجد طريقا فالظاهر أنه لا يجوز قولا واحدا نعم في التتارخانية سئل أبو القاسم عن أهل مسجد أراد بعضهم أن يجعلوا المسجد رحبة والرحبة مسجدا أو يتخذوا له بابا أو يحلوا بابه عن موضعه وأبى البعض ذلك قال إذا اجتمع أكثرهم وأفضلهم ليس للأقل منعهم ا هـ
قلت ورحبة المسجد ساحته فهذا إن كان المراد به جعل بعضه رحبة فلا إشكال فيه وإن كان المراد جعل كله فليس فيه إبطاله من كل جهة لأن المراد تحويله بجعل الرحبة مسجدا بدله بخلاف جعله طريقا
تأمل ثم ظاهر ما نقلناه أن تقييد الشارح أولا بالباني وثانيا بالإمام غير قيد نعم في التتارخانية وعن محمد في مسجد ضاق بأهله
____________________
(4/378)
لا بأس بأن يلحق به من طريق العامة إذا كان واسعا وقيل يجب أن يكون بأمر القاضي وقيل إنما يجوز إذا فتحت البلدة عنوة لا لو صلحا
قوله ( لجواز الصلاة في الطريق ) فيه أن الصلاة في الطريق مكروهة كالمرور في المسجد فالصواب لعدم جواز الصلاة في الطريق كما قدمناه عن جامع الفصولين يعني أن فيه ضرورة وهي أنهم لو أرادوا الصلاة في الطريق لم يجز فكان في جعله مسجدا ضرورة بخلاف جعل المسجد طريقا لأن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا فلم يجز لأنه يلزم المرور في المسجد ولا يخفى أن المتبادر من هذا كون المراد مرور أي مار ولو غير جنب وهذا يؤيد أن هذا قول آخر وقد علمت ترجيح خلافه وهو جواز جعل شيء منه مسجدا وتسقط حرمة المرور فيه للضرورة لكن لا تسقط عنه جميع أحكام المسجد فلذا لم يجز المرور فيه لجنب ونحوه كما مر فافهم
قوله ( وتؤخذ أرض ) في الفتح ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض وقف عليه أو حانوت جاز أن يؤخذ ويدخل فيه ا هـ
زاد في البحر عن الخانية بأمر القاضي وتقييده بقوله وقف عليه أي على المسجد يفيد أنها لو كانت وقفا على غيره لم يجز لكن جواز أخذ المملوكة كرها يفيد الجواز بالأولى لأن المسجد لله تعالى والوقف كذلك ولذا ترك المصنف في شرحه هذا القيد وكذا في جامع الفصولين
تأمل
قوله ( بالقيمة كرها ) لما روى عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في المسجد الحرام
بحر عن الزيلعي
قال في نور العين ولعل الأخذ كرها ليس في كل مسجد ضاق بل الظاهر أن يختص بما لم يكن في البلد مسجد آخر إذ لو كان فيه مسجد آخر يمكن دفع الضرورة بالذهاب إليه نعم فيه حرج لكن الأخذ كرها أشد حرجا منه ويؤيد ما ذكرنا فعل الصحابة إذ لا مسجد في مكة سوى المسجد الحرام ا هـ
مطلب في اشتراط الواقف الولاية لنفسه قوله ( جاز بالإجماع ) كذا ذكره الزيلعي وقال لأن شرط الواقف معتبر فيراعى لكن الذي في القدوري أنه يجوز على قول أبي يوسف وهو قول هلال أيضا وفي الهداية أنه ظاهر الرواية وقد رد العلامة قاسم على الزيلعي دعواه الإجماع بأن المنقول أن اشتراطها يفسد الوقف عند محمد كما في الذخيرة ونازعه في النهر وأطال وأطاب
وحاصل ما ذكره أن فيه اختلاف الرواية عن محمد واختلاف المشايخ في تأويل ما نقل عنه وإن هلالا أدرك بعض أصحاب أبي حنيفة لأنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين ولفظ المشايخ يقال على من دونه ا هـ
مطلب في ترجمة هلال الرائي البصري وفي الفتح هلال الرائي هو هلال بن يحيى بن مسلم البصري نسب إلى الرأي لأنه كان علي مذهب الكوفيين ورأيهم وهو من أصحاب يوسف بن خالد البصري ويوسف هذا من أصحاب أبي حنيفة وقيل إن هلالا أخذ العلم عن أبي يوسف وزفر ووقع في المبسوط والذخيرة وغيرهما الرازي وفي المغرب هو تحريف لأنه من البصرة لا من الري والرازي نسبة إلى الري وهكذا في صحيح مسند أبي حنيفة وغيره ا هـ
قوله ( خلافا لما نقله المصنف ) أي عن السراجية
____________________
(4/379)
من أنه لا يصح هذا الوقف عند محمد وبه يفتى
قوله ( وسيجيء ) أي في الفصل الآتي وهو قول المتن ولاية نصب القيم إلى الواقف ثم لوصيه ثم للقاضي
مطلب يأثم بتولية الخائن قوله ( وينزع وجوبا ) مقتضاه إثم القاضي بتركه والإثم بتولية الخائن ولا شك فيه
بحر
لكن ذكر في البحر أيضا عن الخصاف أن له عزله أو إدخال غيره معه
وقد يجاب بأن المقصود رفع ضرره عن الوقف فإذا ارتفع بضم آخر إليه حصل المقصود
قال في البحر قدمنا أنه لا يعزله القاضي بمجرد الطعن في أمانته بل بخيانة ظاهرة ببينة وأنه إذا أخرجه وتاب وأناب أعاده وأن امتناعه من التعمير خيانة وكذا لو باع الوقف أو بعضه أو تصرف تصرفا جائزا علما به ا هـ
وقوله لا يعزله القاضي بمجرد الطعن الخ سيذكره الشارح في الفروع ويأتي الكلام قريبا على حكم عزل القاضي بلا حجة وسيأتي في الفصل قبيل قوله باع دارا حكم عزل الواقف للناظر
مطلب فيما يعزل به الناظر تنبيه إذا كان ناظرا على أوقاف متعددة وظهرت خيانته في بعضها أفتى المفتي أبو السعود بأنه يعزل من الكل
قلت ويشهد قولهم في الشهادة أن الفسق لا يتجزىء وفي الجواهر القيم إذا لم يراع الوقف يعزله القاضي وفي خزانة المفتين إذا زرع القيم لنفسه يخرجه القاضي من يده
قال البيري يؤخذ من الأول أن الناظر إذا امتنع من إعارة الكتب الموقوفة كان للقاضي عزله ومن الثاني لو سكن الناظر دار الوقف ولو بأجر المثل له عزله لأنه نص في خزانة الأكمل أنه لا يجوز له السكنى ولو بأجر المثل اه
وفي الفتح أن ينعزل بالجنون المطبق سنة لا أقل ولو برىء عاد إليه النظر قال في النهر والظاهر أن هذا في المشروط له النظر أما منصوب القاضي فلا
وفي البيري أيضا عن أوقاف الناصحي الواقف على قوم ولا يوصل إليهم ما شرط لهم ينزعه القاضي من يده ويوليه غيره اه
وينعزل المتولي من قبل الواقف بموت الواقف على قول أبي يوسف المفتى به لأنه وكيل عنه إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد موته كما في البحر
قوله ( لو الواقف ) أي لو كان المتولي هو الواقف
قوله ( فغيره بالأولى ) قال في البحر واستفيد منه أن للقاضي عزل المتولي الخائن غير الواقف بالأولى
مطلب في شروط المتولي قوله ( غير مأمون الخ ) قال في الإسعاف ولا يولى إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه لأن الولاية مقيدة بشرط النظر وليس من النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود وكذا تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به ويستوي فيه الذكر والأنثى وكذا الأعمى والبصير وكذا المحدود في قذف إذا تاب لأنه أمين وقالوا من طلب التولية على الوقف لا يعطى له وهو كمن طلب القضاء لا يقلد ا هـ
والظاهر أنها شرائط الأولوية لا شرائط الصحة وأن الناظر إذا فسق استحق العزل ولا ينعزل كالقاضي إذا فسق لا ينعزل على الصحيح المفتى به
____________________
(4/380)
مطلب في تولية الصبي ويشترط للصحة بلوغه وعقله لا حريته وإسلامه لما في الإسعاف لو أوصى إلى الصبي تبطل في القياس مطلقا وفي الاستحسان هي باطلة ما دام صغيرا فإذا كبر تكون الولاية له ولو كان عبدا يجوز قياسا واستحسانا لأهليته في ذاته بدليل أن تصرفه الموقوف لحق المولى ينفذ عليه بعد العتق لزوال المانع بخلاف الصبي ثم الذمي في الحكم كالعبد فلو أخرجهما القاضي ثم عتق العبد وأسلم الذمي لا تعود إليهما ا هـ
بحر ملخصا ونحوه في النهر
وفي فتاوى العلامة الشلبي وأما الإسناد للصغير فلا يصح بحال لا على سبيل الاستقلال بالنظر ولا على سبيل المشاركة لغيره لأن النظر على الوقف من باب الولاية والصغير يولى عليه لقصوره فلا يصح أن يولي على غيره ا هـ
وفي أنفع الوسائل عن وقف هلال لو قال ولايتها إلى ولدي وفيهم الصغير والكبير يدخل القاضي مكان الصغير رجلا وإن شاء أقام الكبار مقامه ثم نقل عنه ما مر عن الإسعاف بهذه النقول صريحة بأن الصبي لا يصلح ناظرا وأما ما في الأشباه في أحكام الصبيان من أن الصبي يصلح وصيا وناظرا ويقيم القاضي مكانه بالغا إلى بلوغه كما في منظومة ابن وهبان من الوصايا اه
ففيه أنه لم يذكر في المنظومة قوله ناظرا ثم رأيت شارح الأشباه نبه على ذلك أيضا
وأما ما ذكره الشارح في باب الوصي عن المجتبى
ومن أنه لو فوض ولاية الوقف للصبي صح استحسانا ففي أن ما ذكره صاحب المجتبى صرح به نفسه في الحاوي بقوله ولو أوصى إلى صبي في وقفه فهو باطل في القياس ولكن استحسن أن تكون الولاية إليه إذا كبر ا هـ وهذا هو ما مر عن الأسعاف
نعم رأيت في أحكام الصغار للاستروشني عن فتاوى رشيد الدين قال القاضي إذا فوض التولية إلى صبي يجوز إذا كان أهلا للحفظ وتكون له ولاية التصرف كما أن القاضي يملك الصبي وإن كان الولي لا يأذن ا هـ
وعليه فيمكن التوفيق بحمل ما في الإسعاف وغيره على غير الأهل للحفظ بأن كان لا يقدر على التصرف أما القادر عليه فتكون توليته من القاضي إذنا له في التصرف وللقاضي أن يأذن للصغير وإن لم يأذن له وليه
مطلب فيما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف للصغير وبهذا نعلم أن ما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف لصغير لا يعقل وحكم القاضي الحنفي بصحة ذلك خطأ محض ولا سيما إذا شرط الواقف تولية النظر للأرشد فالأرشد من أهل الوقف فإنه حينئذ إذا ولى بالغ عاقل رشيد وكان من أهل الوقف أرشد منه لا تصح توليته لمخالفتها شرط الواقف فكيف إذا كان طفلا لا يعقل وثم بالغ رشيد إن هذا لهو الضلال البعيد واعتقادهم أن خبز الأب لابنه لا يفيد لما فيه من تغيير حكم الشرع ومخالفة شرط الواقف وإعطاء الزظائف من تدريس وإمامة وغيرها إلى غير مستحقها كما أوضحت ذلك في الجهاد في آخر فصل الجزية كيف ولو أوصى الواقف بالتولية لابنه لا تصح ما دام صغيرا حتى يكبر فتكون الولاية له كما مر وكذلك اعتقادهم أن الأرشد إذا فوض وأسند في مرض موته لمن أراد صح لأن مختار الأرشد أرشد فهو باطل لأن الرشد في أمور الوقف صفة قائمة بالرشيد لا تحصل به بمجرد اختيار غيره له كما لا يصير الجاهل عالما بمجرد اختيار الغير له في وظيفة التدريس وكل هذه أمور ناشئة عن الجهل واتباع العادة المخالفة لصريح الحق بمجرد تحكيم العقل المختل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قوله ( أو كان يصرف ماله في الكيمياء ) لأنه استقرىء من أحوال متعاطيها أنها تستجره إلى أن يخرج من جميع ما في يده وقد ترتب عليه ديون بهذا السبب فلا يبعد أن يجره
____________________
(4/381)
الحال إلى إضاعة مال الوقف ط
قوله ( وإن شرط عدم نزعه ) هي من المسائل السبع التي يخالف فيها شرط الواقف على ما في الأشباه وستأتي ط
قوله ( كالوصي ) فإنه ينزع وإن شرط الموصي عدم نزعه وإن خان ط
مطلب في عزل الناظر قوله ( فلو مأمونا تصح تولية غيره ) قال في شرح الملتقى إلى الأشباه لا يجوز للقاضي عزل الناظر لمشروط له النظر بلا خيانة ولو عزله لا يصير الثاني متوليا ويصح عزل الناظر بلا خيانة لو منصوب القاضي أي لا الواقف وليس للقاضي الثاني أن يعيده وإن عزله الأول بلا سبب لحمل أمره على السداد إلا أن تثبت أهليته ا هـ
وأما الواقف فله عزل الناظر مطلقا به يفتى
ولو لم يجعل ناظرا فنصبه القاضي لم يملك الواقف إخراجه كذا في فتاوى صاحب التنوير ا هـ
بتصرف
والتفصيل المذكور في عزل الناظر نقله في البحر عن القنية
وذكر المرحوم الشيخ شاهين عن الفصل الأخير من جامع الفصولين إذا كان للوقف متول من جهة الواقف أو من جهة غيره من القضاة لا يملك القاضي نصب متول آخر بلا سبب موجب لذلك وهو ظهور خيانة الأول أو شيء آخر ا هـ
قال وهذا مقدم على ما في القنية ا هـ
أبو السعود
قال وكذا الشيخ خير الدين أطلق في عدم صحة عزله بلا خيانة وإن عزله مولانا السلطان فعم إطلاقه ما لو كان منصوب القاضي ا هـ ط
قلت وذكر في البحر كلاما عن الخانية ثم قال عقبه وفيه دليل على أن للقاضي عزل منصوب قاض آخر بغير خيانة إذا رأى المصلحة ا هـ
وهذا داخل تحت قول جامع الفصولين أو شيء آخر كما دخل فيه ما لو عجز أو فسق وفي البيري عن حاوي الحصيري عن وقف الأنصاري فإن لم يكن من يتولى من جيران الواقف وقرابته إلا برزق ويفعل واحد من غيرهم بلا رزق فذلك إلى القاضي ينظر فيما هو الأصلح لأهل الوقف اه
مطلب لا يصح عزل صاحب وظيفة بلا جنحة أو عدم أهلية تنبيه قال في البحر واستفيد من عدم صحة عزل الناظر بلا جنحة عدمها لصاحب وظيفة في وقف بغير جنحة وعدم أهلية واستدل على ذلك بمسألة غيبة المتعلم من أنه لا تؤخذ حجرته ووظيفته على حالها إذا كانت غيبته ثلاثة أشهر فهذا مع الغيبة فكيف مع الحضرة والمباشرة وستأتي مسألة الغيبة وحكم الاستنابة في الوظائف قبيل قول المصنف ولاية نصف القيم إلى الواقف وفي آخر الفن الثالث من الأشباه إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته لأن فعله مقيد بالمصلحة خصوصا إن كان المقرر عن مدرس أهل فإن الأهل لم ينعزل وصرح البزازي في الصلح بأن السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين بمنع المستحق وإعطاء غير المستحق ا هـ
ملخصا
مطلب في النزول عن الوظائف وذكر في البحر أيضا أن المتولي لو عزل نفسه عند القاضي ينصب غيره ولا ينعزل بعزل نفسه حتى يبلغ القاضي ومن عزل نفسه لفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيرها ثم إن كان المنزول له غير أهل لا يقرره القاضي ولو أهلا
____________________
(4/382)
لا يجب عليه تقريره وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان عن وظيفته سقط حقه وإن لم يقرر الناظر المنزول له اه
فالقاضي بالأولى وقد جرى التعارف بمصر الفراغ بالدراهم ولا يخفى ما فيه وينبغي الإبراء العام بعده ا هـ
ما في البحر ملخصا
لكن لا ينافي هذا ما يأتي في الفصل من أن المتولي إذا أراد إقامة غيره مقامه لا يصح إلا في مرض موته وسيأتي تمام الكلام عليه مع الجواب عنه هناك
مطلب لا بد بعد الفراغ من تقرير القاضي في الوظيفة وذكر صاحب البحر في بعض رسائله أن ما ذكره العلامة قاسم لم يستند فيه إلى نقل وأنه خولف في ذلك أي فلا بد من تقرير القاضي
وسئل في الخيرية عما إذا قرر السلطان رجلا في وظيفة كانت لرجل فرغ لغيره عنها بمال
أجاب بأنها لمن قرره السلطان لا للمفروغ له إذ الفراغ لا يمنع تقريره سواء قلنا بصحته المتنازع فيها أو بعدمها الموافق للقواعد الفقهية كما حرره العلامة المقدسي
ثم رأيت صريح المسألة في شرح منهاج الشافعية لابن حجر معللا بأن مجرد الفارغ سبب ضعيف لا بد من انضمام تقرير الناظر إليه ا هـ
ملخصا
مطلب لو قرر القاضي رجلا ثم قرر السلطان آخر فالمعتبر الأول وأفتى في الخيرية أيضا بأنه لو قرر القاضي رجلا ثم قرر السلطان آخر فالعبرة لتقرير القاضي كالوكيل إذا نجز ما وكل فيه ثم فعله الموكل
مطلب الناظر المشروط له التقدير مقدم على القاضي وأفتى أيضا بأن الناظر المشروط له التقرير لو قرر شخصا فهو المعتبر دون تقرير القاضي أخذا من القاعدة المشهورة وهي أن الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة وبه أفتى العلامة قاسم وأما إذا لم يشترط الواقف له التقرير فالمعتبر تقرير القاضي ا هـ
مطلب للمفروغ له الرجوع بمال الفراغ وأفتى في الخيرية أيضا بأنه لو فرغ عن الوظيفة بمال فللمفروغ له الرجوع بالمال لأنه اعتياض عن حق مجرد وهو لا يجوز صرحوا به قاطبة
قال ومن أفتى بخلافه فقد أفتى بخلاف المذهب لبنائه على اعتبار العرف الخاص وهو خلاف المذهب والمسألة شهيرة وقد وقع فيها للمتأخرين رسائل واتباع الجادة أولى والله أعلم
وكتب على ذلك أيضا كتابة حسنة في أول كتاب الصلح من الخيرية فراجعها وسيأتي تمام الكلام على ذلك في أول كتاب البيوع وحاصله جواز أخذ المال بلا رجوع
____________________
(4/383)
مطلب في اشتراط الغلة لنفسه قوله ( وجاز جعل غلة الوقف لنفسه الخ ) أي كلها أو بعضها
وعند محمد لا يجوز بناء على اشتراطه التسليم إلى متول
وقيل هي مسألة مبتدأة أي غير مبنية على ذلك وهو أوجه
ويتفرع على الخلاف ما لو وقف على عبيده وإمائه صحح عند أبي يوسف لا عند محمد
وأما اشتراط الغلة لمدبريه وأمهات أولاده فالأصح صحته اتفاقا لثبوت حريتهم بموته فهو كالوقف على الأجانب وثبوته لهم حال حياته تبع لما بعدها وقيد بجعل الغلة لنفسه لأنه لو وقف على نفسه قيل لا يجوز وعن أبي يوسف جوازه وهو المعتمد
وما في الخانية من أنه لو وقف على نفسه وعلى فلان صح نصفه وهو حصة فلان وبطل حصة نفسه
ولو قال ثم على فلان لا يصح شيء منه مبني على القول الضعيف
بحر ملخصا
لكنه لم يستند في تضعيفه واعتماد الجواز إلى نقل صريح ولعله بناه على عدم الفرق بين جعل الغلة لنفسه والوقف على نفسه إذ ليس المراد من الوقف على شخص سوى صرف الغلة إليه لأن الوقف تصدق بالمنفعة فحينئذ يكون التصحيح المنقول في صحة الأول شاملا لصحة الثاني وهو ظاهر ويؤيده قول الفتح ويتفرع على الخلاف ما لو وقف على عبيده وإمائه الخ مع أن الخلاف المذكور في جعل الغلة لنفسه
مطلب في الوقف على نفس الواقف قوله ( أو الولاية ) مفاده محمد مع أنه قدم أن اشتراط الولاية لنفسه جائز بالإجماع لكن لما كان في دعوى الإجماع نزاع كما قدمناه مع التوفيق بأن عن محمد روايتين إحداهما توافق قول أبي يوسف والأخرى تخالفه فدعوى الإجماع مبنية على الرواية الأولى ودعوى الخلاف على الثانية فلا خلل في النقلين فلذا مشى الشارح عليهما في موضعين مشيرا إلى صحة كل من العبارتين فافهم
قوله ( وعليه الفتوى ) كذا قاله الصدر الشهيد وهو مختار أصحاب المتون ورجحه في الفتح واختار مشايخ بلخ وفي البحر عن الحاوي أنه المختار للفتوى ترغيبا للناس في الوقف وتكثيرا للخير
مطلب في استبدال الوقف وشروطه قوله ( وجاز شرط الاستبدال به الخ ) اعلم أن الاستبدال على ثلاثة وجوه الأول أن يشرطه الواقف لنفسه أو لغيره أو لنفسه وغيره فالاستبدال فيه جائز على الصحيح وقيل اتفاقا
والثاني أن لا يشرط سواء شرط عدمه أو سكت لكن صار بحيث لا ينتفع به بالكلية بأن لا يحصل منه شيء أصلا أو لا يفي بمؤنته فهو أيضا جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي ورأيه المصلحة فيه
والثالث أن لا يشرطه أيضا ولكن فيه نفع في الجملة وبدله خير منه ريعا ونفعا وهذا لا يجوز استبداله على الأصح المختار
كذا حرره العلامة قنالي زاده في رسالته الموضوعة في الاستبدال وأطنب فيها عليه الاستدلال وهو مأخوذ من الفتح أيضا كما سنذكره عند قول الشارح لا يجوز استبدال العامر إلا في أربع ويأتي بقية شروط الجواز
وأفاد صاحب البحر في رسالته في الاستبدال أن الخلاف
____________________
(4/384)
في الثالث إنما هو في الأرض إذا ضعفت عن الاستغلال بخلاف الدار إذا ضعفت بخراب بعضها ولم تذهب أصلا فإنه لا يجوز حينئذ الاستبدال على كل الأقوال
قال ولا يمكن قياسها على الأرض فإن الأرض إذا ضعفت لا يرغب غالبا في استئجارها بل في شرائها أما الدار فيرغب في استئجارها مدة طويلة لأجل تعميرها للسكنى
على أن باب القياس مسدود في زماننا وإنما للعلماء النقل من الكتب المعتمدة كما صرحوا به
قوله ( أرضا أخرى ) مفعول به للاستبدال وعمل المصدر المقرون بأل قليل
قوله ( حينئذ ) أي حين إذ كان الفتوى على قول أبي يوسف وأشار بهذا إلى أن اشتراط الاستبدال مفرع على القول بجواز اشتراط الغلة لنفسه ولهذا قال في البحر وفرع في الهداية على الاختلاف بين الشيخين شرط والاستبدال لنفسه فجوزه أبو يوسف وأبطله محمد وفي الخانية الصحيح قول أبي يوسف ا هـ
وذكر في الخانية في موضع آخر صحة الشرط إجماعا ووفق بينهما صاحب البحر في رسالته بحمل الأول على ما إذا ذكر الشرط بلفظ البيع والثاني على ما إذا ذكره بلفظ الاستبدال بقرينة تعبير الخانية بذلك وإلا فهو مشكل ا هـ قوله ( أو شرط بيعه ) ظاهره أنه لا فرق بين ذكره بلفظ الاستبدال أو البيع وهو خلاف التوفيق المذكور آنفا
قوله ( ويشتري بثمنه أرضا ) أي وأن يشتري على حد قوله للبس عباءة وتقر عيني وقيد به لأن شرط البيع فقط يفسد الوقف كما مر أول الباب لأنه لا يدل على إرادة الاستبدال إلا بذكر الشراء
وفي فتاوى الكازروني عن الشرنبلالي أنه سئل عن واقف شرط لنفسه الاستبدال والبيع فأجاب بأن الوقف باطل لأنه لما شرط البيع بعد الاستبدال كان عطف مغاير وأطلق البيع ولم يقل واشترى بالثمن ما يكون وقفا مكانها فأبطل الوقف لقول الخصاف لو اشترط بيع الأرض ولم يقل استبدل بثمنها ما يكون وقفا مكانها فالوقف باطل ا هـ
قوله ( إذا شاء ) كذا وقع في عبارة الدرر ولم يذكره في البحر والفتح وأكثر الكتب التي رأيتها نعم رأيته معزيا للذخيرة والظاهر أنه قيد للبيع لا للشراء فكان المناسب ذكره قبل قوله ويشتري لئلا يوهم أنه قيد للشراء فيلزم منه اشتراط البيع وإن لم يرد أن مطلب في اشتراط الإدخال والإخراج قوله ( ثم لا يستبدلها بثالثة ) قال في الفتح إلا أن يذكر عبارة تفيد له ذلك دائما وكذلك ليس للقيم الاستبدال إلا أن ينص له عليه وعلى وزان هذا الشرط لو شرط لنفسه أن ينقص من المعاليم إذا شاء ويزيد ويخرج من شاء ومن استبدل به كان له ذلك وليس لقيمه أن يجعله له وإذا أدخل وأخرج مرة فليس له ثانيا
____________________
(4/385)
إلا بشرطه ولو شرطه للقيم ولم يشرطه لنفسه كان له أن يستبدل بنفسه ا هـ
وذكر في البحر فروعا مهمة فلتراجع
قوله ( ولو للمساكين آل ) أي رجع وهذه المبالغة لم يذكرها في الدرر
قال ح ولم يظهر لي وجهها
قوله ( بدون الشرط ) دخل فيه ما لو اشترط عدمه كما سيذكره الشارح في شرح الوهبانية عن الطرسوسي أنه لا نقل فيه لكنه مقتضى قواعد المذهب لأنهم قالوا إذا شرط الواقف أن لا يكون للقاضي أو السلطان كلام في الوقف أنه شرط باطل وللقاضي الكلام لأن نظره أعلى وهذا شرط فيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم وتعطيل للوقف فيكون شرطا لا فائدة فيه للوقف ولا مصلحة فلا يقبل ا هـ
بحر
قوله ( وشرط في البحر الخ ) عبارته وقد اختلف كلام قاضيخان في موضع جوزه للقاضي بلا شرط الواقف حيث رأى المصلحة فيه وفي موضع منع منه ولو صارت الأرض بحال لا ينتفع بها والمعتمد أنه بلا شرط يجوز للقاضي بشرط أن يخرج عن الانتفاع بالكلية وأن لا يكون هناك ريع للوقف يعمر به وأن لا يكون البيع بغبن فاحش وشرط في الإسعاف أن يكون المستبدل قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل لئلا يحصل التطرق إلى إبطال أوقاف المسلمين كما هو الغالب في زماننا ا هـ
ويجب أن يزاد آخر في زماننا وهو أن يستبدل بعقار لا بدراهم ودنانير فإنا قد شاهدنا النظار يأكلونها وقل أن يشترى بها بدلا ولم نر أحدا من القضاة فتش على ذلك مع كثرة الاستبدال في زماننا ا هـ
مطلب في شروط الاستبدال وحاصله أنه يشترط له خمسة شروط أسقط الشارح منها الثاني والثالث لظهورهما لكن في الخامس كلام يأتي قريبا وأفاد في البحر زيادة شرط سادس وهو أن لا يبيعه ممن لا تقبل شهادته له ولا ممن له عليه دين حيث قال وقد وقعت حادثتان للفتوى
إحداهما باع الوقف من ابنه الصغير فأجبت بأنه لا يجوز اتفاقا كالوكيل بالبيع باع من ابنه الصغير والكبير كذلك خلافا لهما كما عرف في الوكالة
ثانيتهما باع من رجل له على المستبدل دين وباعه الوقف بالدين وينبغي أن لا يجوز على قول أبي يوسف وهلال لأنهما لا يجوزان البيع بالعروض فالدين أولى ا هـ
وذكر عن القنية ما يفيد شرطا سابعا حيث قال وفي القنية مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة أو محلة الأخرى خيرا وبالعكس لا يجوز وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال خرابها في أدون المحلتين لدناءتها وقلة الرغبة فيها ا هـ
وزاد العلامة قنالي زاده في رسالته ثامنا وهو أن يكون البدل والمبدل من جنس واحد لما في الخانية لو شرط لنفسه استبدالها بدار لم يكن له استبدالها بأرض وبالعكس أو بأرض البصرة تقيد ا هـ
فهذا فيما شرطه لنفسه فكذا يكون شرطا فيما لو لم يشترطه لنفسه بالأولى
تأمل
ثم قال والظاهر عدم اشتراط اتحاد الجنس في الموقوفة للاستغلال لأن المنظور فيها كثرة الريع وقلق المرمة والمؤنة فلو استبدل الحانوت بأرض تزرع ويحصل منها غلة قدر أجرة الحانوت كان أحسن لأن الأرض أدوم وأبقى وأغنى عن كافة الترميم والتعمير بخلاف الموقوفة للسكن لظهور أن قصد الواقف الانتفاع بالسكن ا هـ
ولا يخفى أن هذه الشروط فيما لم يشترط الواقف استبداله لنفسه أو غيره
____________________
(4/386)
فلو شرطه لا يلزم خروجه عن الانتفاع ولا مباشرة القاضي له ولا عدم ريع يعمر به كما لا يخفى فاغتنم هذا التحرير
قوله ( ولو بالدراهم والدنانير ) رد لما مر عن البحر من اشتراط كون البدل عقارا
وحاصله أن اشتراط ذلك إنما هو لكون الدراهم يخشى عليها أكل النظار لها وإذا كان المشروط كون المستبدل قاضي الجنة لا يخشى ذلك
قلت وفيه نظر لأن قاضي الجنة شرط للاستبدال فقط لا للشراء بالثمن أيضا فقد يستبدل قاضي الجنة بالدراهم ويبقيها عنده أو عند الناظر ثم يعزل القاضي ويأتي في السنة الثانية من لا يفتش عليها فتضيع
نعم ذكر في البحر أن صريح كلام قاضيخان جوازه بالدراهم ولكن قال قارىء الهداية وإن كان للوقف ريع ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطى مكانه بدلا أكثر ريعا منه في صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند أبي يوسف والعمل عليه وإلا فلا فقد عين العقار للبدل فدل على منعه بالدراهم ا هـ
واعترضه الخير الرملي بأنه كيف يخالف قاضيخان مع صراحته مع صراحته بالجواز بما قال قارىء الهداية مع أنه ليس فيه تعرض للاستبدال بالدرهم لا ينفي ولا إثبات ا هـ
قلت لا يخفى أن قوله إن أعطى مكانه بدلا الخ يدل على نفي الجواز بدون العقار بل صرح به في قوله وإلا فلا نعم يرد على البحر أن كلام قارىء الهداية لا يعارض كلام قاضيخان لأنه فقيه النفس والجواب أن صاحب البحر لم ينكر كون المنقول في الذهب ما قاله قاضيخان ولكن مراده أن هذا المنقول كان في زمنمهم وأن ما قاله قارىء الهداية مبني على تغير الزمان ويدل على أن مراده هذا قوله فيما سبق ويجب أن يزاد آخر في زماننا الخ ولا شك أن هذا هو الاحتياط ولا سيما إذا كان المستبدل من قضاة هذا الزمن وناظر الوقف غير مؤتمن نعم ما أفتى به قارىء الهداية من جواز الاستبدال إذا كان للوقف ربع مخالف لما مر في الشروط من اشتراط خروجه عن الانتفاع بالكلية ويأتي تمام الكلام عليه قريبا
قوله ( وكذا لو شرط عدمه ) معطوف على قول المتن وأما بدون الشرط وقدمنا عن الطرطوسي أن هذا لا نقل فيه بل قواعد المذهب تقتضيه
مطلب يجوز مخالفة شرط الواقف في مسائل قوله ( وهي إحدى المسائل السبع ) الثانية شرط أن القاضي لا يعزل الناظر فله عزل غير الأهل
الثالثة شرط أن لا يؤجر وقفه أكثر من سنة والناس لا يرغبون في استئجار سنة أو كان في الزيادة نفع للفقراء فللقاضي المخالفة دون الناظر
الرابعة لو شرط أن يقرأ على قبره فالتعيين باطل أي على القول بكراهة القراءة على القبر والمختار خلافه
الخامسة شرط أن يتصدق بفاضل الغلة على من يسأل في مسجد كذا فللقيم التصدق على سائل غير ذلك المسجد أو خارج المسجد أو على من لا يسأل
السادسة لو شرط للمستحقين خبزا ولحما معينا كل يوم فللقيم دفع القيمة من النقد وفي موضع آخر لهم طلب المعين وأخذ القيمة أي فالخيار لهم لا له وذكر في الدر المنتقى أنه الراجح
السابعة تجوز الزيادة من القاضي على معلوم الإمام إذا كان لا يكفيه وكان عالما تقيا وهذه الأخيرة سيذكرها الشارح في فروع الفصل الآتي ويأتي الكلام عليها هناك وزاد عليها أخرى وهي جواز مخالفة السلطان الشروط إذا كان أصل الوقف لبيت المال
قوله ( وزاد ابن المصنف في زواهره ) أي في حاشيته زواهر
____________________
(4/387)
الجواهر على الأشباه والنظائر ونص عبارة أنفع الوسائل هكذا إذا نص الواقف على أن أحدا لا يشارك الناظر في الكلام على هذا الوقف ورأى القاضي أن يضم إليه مشارفا يجوز له ذلك كالوصي إذا ضم إليه غيره حيث يصح ا هـ
وهذا حاصل ما يأتي عن المعروضات
قلت وأوصلها في الدر المنتقى إلى إحدى عشرة فراجعه
وزاد البيري مسألتين الأولى ما إذا شرط أن لا يؤجر بأكثر من كذا وأجر المثل أكثر
والثانية لو شرط أن لا يؤجر لمتجوه أي لصاحب جاه فآجره منه بأجرة معجلة واعترض بأن العلة الخوف على رقبة الواقف كما هو مشاهد
قلت وينبغي التفصيل بين الخوف على الأجرة والخوف على الوقف ففي الأول يصح بتعجيل الأجرة
قوله ( وفيها ) أي في الأشباه
مطلب لا يستبدل العامر إلا في أربع قوله ( إلا في أربع ) الأولى لو شرطه الواقف
الثانية إذا غصبه غاصب وأجرى عليه الماء حتى صار بحرا فيضمن القيمة ويشتري المتولي بها أرضا بدلا
الثالثة أن يجحده الغاصب ولا بينة أي وأراد دفع القيمة فللمتولي أخذها ليشتري بها بدلا
الرابعة أن يرغب إنسان فيه ببدل أكثر غلة وأحسن صقعا فيجوز على قول أبي يوسف وعليه الفتوى كما في فتاوى قارىء الهداية
قال صاحب النهر في كتابه إجابة السائل قول قارىء الهداية والعمل على قول أبي يوسف معارض مما قاله صدر الشريعة نحن لا نفتي به وقد شاهدنا في الاستبدال ما لا يعد ويحصى فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة لإبطال أوقاف المسلمين وعلى تقديره فقد قال في الإسعاف المراد بالقاضي هو قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل ا هـ
ولعمري أن هذا أعز من الكبريت الأحمر وما أراه إلا لفظا يذكر فالأحرى فيه السد خوفا من مجاوزة الحد والله سائل كل إنسان ا هـ
قال العلامة البيري بعد نقله أقول وفي فتح القدير والحاصل أن الاستبدال إما عن شرط الاستبدال أو لا عن شرطه فإن كان لخروج الوقف عن انتفاع الوقوف عليهم فينبغي أن لا يختلف فيه وإن كان لا لذلك بل اتفق أنه أمكن أن يؤخذ بثمنه ما هو خير منه مع كونه منتفعا به فينبغي أن لا يجوز لأن الواجب إبقاء الوقف على ما كان عليه دون زيادة ولأنه لا موجب لتجويزه لأن الموجب في الأول الشرط وفي الثاني الضرورة ولا ضرورة في هذا إذ لا تجب الزيادة بل نبقيه كما كان ا هـ
أقول ما قاله هذا المحق هو الحق الصواب ا هـ
كلام البيري
وهذا ما حرره العلامة القنالي كما قدمناه
قوله ( قلت لكن الخ ) استدراك على الصورة الرابعة المذكورة
قوله ( بمنع استبداله ) أي استبدال العامر إذا قل ريعه ولم يخرج عن الانتفاع بالكلية وهو الصورة الرابعة بقرينة قوله تبعا لترجيح صدر الشريعة فإن الذي رجحه هو هذه الصورة كما علمته آنفا
قوله ( فالمتولون الخ ) لا يخفى ما في هذه العبارة من الركاكة والظاهر أنها معربة من عبارة تركية
____________________
(4/388)
وحاصلها أنه ورد الأمر بعدم العلم بهذا الشرط فإذا كان المتولي من الأمراء لا يستقل بنفسه بل يعرض أمر الوقف على الدولة العلية أي على السلطان لقرب الأمير منه فيتصرف بالوقف برأي السلطان على مقتضى الشرع الشريف وإن كان المتولي ممن دون الأمراء في الرتبة وهو من لا وصول له بنفسه إلى السلطان يعرض أمر الوقف برأي الأمراء على القضاة ليتصرف معهم على وفق المشروع من المواد الحادثة ولا يخالف المتولي للقاضي إذا أمره بالمشروع ولا القاضي المتولي إذا كان تصرف المتولي على وفق المشروع
قوله ( فالواقفون الخ ) حاصله أن الواقفين إذا شرطوا هذا الشرط ولعنوا من يداخل الناظر من الأمراء والقضاة كانوا هم الملعونين لأنهم أرادوا بهذا الشرط أنه مهما صدر من الناظر من الفساد لا يعارضه أحد وهذا شرط مخالف للشرع وفيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم وتعطيل الوقف فلا يقبل كما قدمناه عن أنفع الوسائل
قوله ( بنى على أرض الخ ) كان المناسب للمصنف ذكر هذه المسألة عند قوله ومنقول فيه تعامل لما تقرر أن البناء والغراس من قسم المنقول ولذا لا تجري فيه الشفعة كما سنحققه في بابها ولزم من ذكرها هنا الفصل بين مسائل الاستبدال والبيع
مطلب في وقف البناء بدون أرض قوله ( ثم وقف البناء قصدا ) احترز به عن وقفه تبعا للأرض فإنه جائز بلا نزاع
ثم اعلم أن العلامة قاسما أفتى بأنه لا يصح وقف البناء بدون أرض وعزاه في الأصل للإمام محمد وإلى هلال بن يحيى البصري والخصاف وإلى الواقعات والمضمرات وقال يحتمل هذا المنع أن يكون لا لعدم التعارف بل لأن غير المنقولات تبقى بنفسها مدة طويلة فتكون متأبدة بخلاف البناء فإنه لا بقاء له بدون الأرض فلا يتم التخريج فثبت أنه باطل بالاتفاق والحكم به باطل ا هـ
مخلصا
قلت لكن في البحر عن الذخيرة وقف البناء من غير وقف الأصل لم يجز هو الصحيح لأنه منقول وقفه غير متعارف وإذا كان أصل البقعة موقوفا على جهة قربة فبنى عليها بناء ووقف بناءها على جهة قربة أخرى اختلفوا فيه ا هـ
مطلب مناظرة ابن الشحنة مع شيخه العلامة قاسم في وقف البناء فهذا صريح بأن علة عدم الجواز كونه غير متعارف لا لما ذكره العلامة قاسم فحيث تعورف وقفه جاز وعن هذا خالفه تلميذه العلاخة عبد البر بن الشحنة بعدما جرى بينهما كلام في مجلس السلطان الملك الظاهر سنة 872 وقال إن الناس من زمن قديم نحو مائتي سنة وإلى الآن على جوازه والأحكام به من القضاة العلماء متواترة والعرف جار به فلا ينبغي أن يتوقف فيه ا هـ
ورده العلامة محمد بن ظهيرة القرشي كما في فتاوى الكازروني بما حاصله أنه خالف نصوص المذهب على عدم جوازه وخالف شيخه الذي أجمع علماء عصره من المذاهب الأربعة على
____________________
(4/389)
علمه وقبول قوله وأنه اعتمد على قول مرجوح وأنه احتج بالعرف وعمل القضاة والعرف لا يصادم المنقول وحكم القضاة بالمرجوح لا ينفذ ا هـ
قلت لا يخفى عليك أن المفتى به الذي عليه المتون جواز وقف المنقول المتعارف وحيث صار وقف البناء متعارفا كان جوازه موافقا للمنقول ولم يخالف نصوص المذهب على عدم جوازه لأنها مبنية على أنه لم يكن متعارفا كما دل عليه كلام الذخيرة المار ويأتي قريبا نص الخصاف على جوازه إذا كان البناء في أرض محتكرة هذا والذي حرره في البحر أخذا من قول الظهيرية وأما إذا وقفه على الجهة التي كانت البقعة وقفا عليها جاز اتفاقا تبعا للبقعة أن قول الذخيرة لم يجز في الصحيح مقصور على ما عدا صورة الإنفاق وهو ما إذا كانت الأرض ملكا أو وقفا على جهة أخرى
قال وقصره الطرسوسي على الملك وهو غير ظاهر ا هـ
قلت وهو كذلك فإن شرط الوقف التأبيد والأرض إذا كانت ملكا لغيره فللمالك استردادها وأمره بنقض البناء وكذا لو كانت ملكا له فإن لورثته بعده ذلك فلا يكون الوقف مؤبدا وعلى هذا فينبغي أن يستثني من أرض الوقف ما إذا كانت معدة لاحتكار لأن البناء يبقى فيها كما إذا كان وقف البناء على جهة وقف الأرض فإنه لا مطالب لنقضه والظاهر أن هذا وجه جواز وقفه إذا كان متعارفا ولهذا أجازوا وقف بناء قنطرة على النهر العام وقالوا إن بناءها لا يكون ميراثا
وقال في الخانية إنه دليل على جواز وقف البناء وحده يعني فيما سبيله البقاء كما قلنا وبه يتضح الحال ويزول الإشكال ويحصل التوفيق بين الأقوال
قوله ( وقيل صح وعليه الفتوى ) أخذه من إطلاق ما نقله قارىء الهداية فقد قال في البحر إن ظاهره أنه لا فرق بين أن تكون الأرض ملكا أو وقفا لكنه مخالف لما حرره كما علمته آنفا ولما يأتي عن فتاواه وقد علمت ما فيه من منافاته للتأبيد وعن هذا نص في الخانية وغيرها على أنه لا يجوز وقف البناء في أرض عارية أو إجارة كما يأتي فيجب حمل كلام قارىء الهداية على غير الملك
قوله ( وأقره المصنف ) ليس في عبارته التصريح بالملك شارح الوهبانية فليس في كلامه تصريح بترجيحه فإنه قال نظما وتجويز إيقاف البنا دون أرضه ولو تلك ملك الغير بعض يقرر قوله ( والصحيح الصحة ) أي إذا كانت الأرض محتكرة كما علمت وعن هذا قال في أنفع الوسائل إنه لو بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجدا أنه يجوز
قال وإذا جاز فعلى من يكون حكره والظاهر أنه يكون على المستأجر ما دامت المدة باقية فإذا انقضت ينبغي أن يكون من بيت مال الخراج وأخواته ومصالح المسلمين
قوله ( لو الأرض وقفا ) مبني على ما مشى عليه المتن
____________________
(4/390)
مطلب في زيادة أجرة الأرض المحتكرة قوله ( في الأرض المحتكرة ) أصل الحكر المنع
بحر عن الخطط وفي الخيرية الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض مقررة للبناء والغرس أو لأحدهما
قوله ( فأجاب نعم ) أي يجوز بيعه ووقفه
أما البيع فقدمنا الكلام عليه محررا في أول كتاب الشركة
وأما وقف المأجور ففي البحر يصح ولا تبطل الإجارة فإذا انقضت أو مات أحدهما صرف إلى جهات الوقف ا هـ
وأما وقف المرهون فسيأتي بيانه قبيل الفصل
وأما وقف الشجر فهو كوقف البناء
وفي البزازية غرس شجرة ووقفها إن غرسها على أرض مملوكة يجوز وقفها تبعا للأرض وإن بدون أصلها لا يجوز وإن كانت في أرض موقوفة إن وقفها على تلك الجهة جاز كما في البناء وإن وقفها على جهة أخرى فعلى الخلاف المذكور في وقف البناء ا هـ
قوله ( أو إجارة ) يستثنى منه ما ذكره الخصاف من أن الأرض إذا كانت متقررة للاحتكار فإنه يجوز
بحر
قال في الإسعاف وذكر في أوقاف الخصاف أن وقف حوانيت الأسواق يجوز إن كانت الأرض بإجارة في أيدي الذين بنوها لا يخرجهم السلطان عنها من قبل أنا رأيناها في أيدي أصحاب البناء توارثوها وتقسم بينهم لا يتعرض لهم السلطان فيها ولا يزعجهم وإنما له غلة يأخذها منهم وتداولها خلف عن سلف ومضى عليها الدهور وهي في أيديهم يتبايعونها ويؤجرونها وتجوز فيها وصاياهم ويهدمون بناءها ويعيدونه ويبنون غيره فكذلك الوقف فيها جائز ا هـ
وأقره في الفتح وذكر أيضا أنه مخصص لإطلاق قوله أو إجازة وقد علمت وجهه وهو بقاء التأبيد وهو مؤيد لما قلنا من تخصيص الوقف لما إذا كانت الأرض محتكرة
مطلب في وقف الكردار والكدك [ تتمة ] في البزازية وقف الكردار بدون الأرض لا يجوز كوقف البناء بلا أرض ا هـ
وفي مزارعة الخيرية الكردار هو أن يحدث المزارع في الأرض بناء أو غراسا أو كبسا بالتراب صرح به غالب أهل الفتاوى ا هـ
قلت فعلى هذا ينبغي التفصيل في الكردار فإن كان كبسا بالتراب فلا يصح وقفه وإن كان بناء أو غرسا ففيه ما مر في وقف البناء والشجر ومن الكردار ما يسمى الآن كدكا في حوانيت الوقف ونحوها من وقوف مركبة في الحانوت وإغلاق على وجه القرار ومنه ما يسمى قيمة في البساتين وفي الحمامات وقد أوضحناه في تنقيح الحامدية والظاهر أنه لا يصح وقفه لعدم العرف الشائع بخلاف وقف البناء والشجر فإنه مما شاع وذاع في عامة البقاع
قوله ( وأما الزيادة في الأرض المحتكرة الخ ) محل ذكر هذا المسائل في أول الفصل الآتي عند ذكر إجارة الوقف
والحاصل أن مستأجر أرض الوقف إذا بنى فيها ثم زادت أجرة المثل زيادة فاحشة فإما أن تكون الزيادة بسبب العمارة والبناء أو بسبب زيادة أجرة الأرض في نفسها ففي الأول لا تلزمه الزيادة لأنها أجرة عمارته وبنائه وهذا لو كانت العمارة ملكه أما لو كانت للوقف كما لو بنى بأمر الناظر ليرجع على الوقف تلزمه الزيادة ولهذا قيد
____________________
(4/391)
بالمحتكرة وفي الثاني تلزمه الزيادة أيضا كما يأتي بيانه في الفصل
قوله ( أمر برفع العمارة ) ينبغي تقييده بما إذا لم يضرر رفعه بالأرض أخذا مما بعده
قوله ( وتؤجر لغيره ) لأن النقصان عن أجر المثل لا يجوز من غيره ضرورة بحر
مطلب في استيفاء العمارة بعد فراغ مدة الإجارة بأجر المثل قوله ( وإلا تترك في يده بذلك الأجر ) لأن فيها ضرورة
بحر عن المحيط
وظاهر التعليل تركنها بيده ولو بعد فراغ مدة الإجارة لأنه لو أمر برفعها لتؤجر من غيره يلزم ضرره وحيث كان يدفع أجرة مثلها لم يوجد ضرر على الوقف فتترك في يده لعدم الضرر على الجانبين وحينئذ فلو مات المستأجر كان لورثته الاستبقاء أيضا إلا إذا كان فيه ضرر على الوقف بوجه ما بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سيىء المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر كما في حاشية الخير الرملي من الإجارات
وأفتى به في فتاواه الخيرية لكنه مخالف لإطلاق المتون والشروح من أنه بعد فراغ المدة يؤمر بالرفع والتسليم وبه أفتى في الخيرية أيضا قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة
قلت لكن ينبغي تخصيص إطلاق المتون والشروح وإخراج الأرض المعدة للاحتكار من هذا الإطلاق ليتوافق كلامهم ويؤيد ذلك ما مر عن الخصاف من صحة وقف البناء في الأرض المحتكرة وقدمنا وجهه وهو أن البناء عليها يكون على وجه الدوام
فيبقى التأبيد المشروط لصحة الوقف ومثل ذلك غالب القرى أالتي هي وقف أو لبيت المال فإن أهلها إذا علموا أن بناءهم وغراسهم يقلع كل سنة وتؤخذ القرية من أيديهم وتدفع لغيرهم لزم خرابها وعدم من يقوم بعمارتها
ومثل ذلك أصحاب الكردار في البساتين ونحوها وكذا أصحاب الكدك في الحوانيت ونحوها فإن إبقاءها في أيديهم سبب لعمارتها ودوام استغلالها ففي ذلك نفع للأوقاف وبيت المال ولكن كل ذلك بعد كونهم يؤدون أجرة مثلها بلا نقصان فاحش وهذا خلاف الواقع في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا خلاصة ما حررته في رسالتي المسماة ( تحرير العبارة فيمن هو أحق بالإجارة ) فعليك بها فإنها بديعة في بابها مغنية لطلابها ولله تعالى الحمد
قوله ( وفيه ) أي في البحر وعزاه إلى المحيط وغيره
قوله ( لو زيد عليه ) أي من غير أن يزيد أجر المثل في نفسه فتاوى الخيرية
ويدل له قوله الآتي والظاهر أنه لا تقبل الزيادة الخ فظهر أن المراد زيادة متعنت فافهم
قوله ( تفسح عند رأس الشهر ) أي قبل دخوله لأنه إذا استأجر مشاهرة كل شهر بكذا تصح في الشهر الأول فقط وكلما دخل شهر صحت فيه
قوله ( أو يتمكله القيم ) هذا فيما إذا ضر رفع البناء فكان عليه أن يقول فإن لم يضر رفع وإن ضر لا بل يتملكه القيم الخ
و عبارة البحر ينظر إن كانت أجرته مشاهرة إذا جاء رأس الشهر كان للقيم فسخ الإجارة ثم ينظر إن كان رفع البناء لا يضر بالوقف فله رفعه لأنه ملكه وإن كان يضر به فليس له رفعه لأنه وإن كان ملكه فليس له أن يضر بالوقف ثم إن رضي المستأجر
____________________
(4/392)
أن يتملكه القيم للوقف بالقيمة مبنيا أو منزوعا أيهما كان أخف يتملكه القيم وإن لم يرض لا يتملك لأن التملك بغير رضاه لا يجوز فيبقى إلى أن يخلص ملكه ا هـ
قلت سيأتي في كتاب الإجارات إنه إن ضر يتملكه القيم لجهة الوقف جبرا على المستأجر كما في عامة الشروح فيعول عليها لأنها لنقل المذهب بخلاف نقول الفتاوى ا هـ
وذكر مثله في المنح هناك وحاصله أنهم في الفتاوى كالمحيط و الخانية و العمادية جعلوا الخيار للمستأجر ولو كان القلع يضر وأصحاب الشروح جعلوا الخيار للناظر إن ضر وإلا فللمستأجر ولا يخفى أن كلا مما في الفتاوى و الشروح مخالف لما مر من قوله وإلا تترك في يده كما نبهنا عليه آنفا وعلمت التوفيق على التحقيق
قوله ( والظاهر أنه لا تقبل الزيادة الخ ) حاصله أنها مثل المشاهرة فإنه في المشاهرة لا تقبل الزيادة أيضا بل يصير إلى انتهاء الشهر
والحاصل أنه لا تقبل الزيادة في كل الصور حيث لم تزد أجرة مثله في ذاتها للزوم العقد وعدم موجب الفسخ فلو قال والظاهر أنها كذلك لكان أحصر وأولى أفاده الخير الرملي في حاشية البحر
مطلب مهم في وقف الإقطاعات قوله ( وأما وقف الإقطاعات الخ ) هي ما يقطعه الإمام أي يعطيه من الأراضي رقبة أو منفعة لمن له حق في بيت المال
وحاصل ما ذكره صاحب البحر في رسالته التحفة المرضية في الأراضي المصرية أن الواقف لأرض من الأراضي لا يخلو إما أن يكون مالكا لها من الأصل بأن كان من أهلها حين يمن الإمام على أهلها أو تلقى الملك من مالكها بوجه من الوجوه أو غيرهما فإن كان الأول فلا خفاء في صحة وقفه لوجود ملكه وإن كان الواقف غيرهما فلا يخلوا إما إن وصلت إلى يده بإقطاع السلطان إياها له أو بشراء من بيت المال من غير أن تكون ملكه فإن كان الأول فإن كانت مواتا أو ملكا للسلطان صح وقفها وإن كانت من حق بيت المال لا يصح
قال الشيخ قاسم إن من أقطعه السلطان أرضا من بيت المال ملك المنفعة بمقابلة ما أعد له فله إجارتها وتبطل بموته أو إخراجه من الإقطاع لأن للسلطان أن يخرجها منه ا هـ
وإن وصلت الأرض إلى الواقف بالشراء من بيت المال بوجه مسوغ فإن وقفه صحيح لأنه ملكها ويراعي فيها شروطه سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما وما ذكره السيوطي من أنه لا يراعي فيها الشرائط إن كان سلطانا أو أميرا فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان من بيت المال أو بناء على أصل في مذهبه وإن كان الواقف لها السلطان من بيت المال من غير شراء فأفتى العلامة قاسم بأن الوقف صحيح أجاب به حين سئل عن وقف السلطان جقمق فإنه أرصد أرضا من بيت المال على مصالح مسجد وأفتى بأن سلطانا آخر لا يملك إبطاله ا هـ
حاصل ما في الرسالة
____________________
(4/393)
قلت وما أفتى به العلامة قاسم مشكل لما تقدم من أنها إن كانت من حق بيت المال لا يصح وكذا ما سيذكره الشارح في فروع الفصل الآتي عن المبسوط من أن للسلطان مخالفة شرط الواقف إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع لأن أصلها لبيت المال أي فلم تكن وقفا حقيقة بل هي أرصاد أخرجها الإمام من بيت المال وعينها لمن يستحق منه من العلماء ونحوهم كما أوضحناه في باب العشر والخراج والجزية وقدمنا هناك أنه إذا لم يعلم شراؤه لها ولا عدمه فالظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأن شرطه الملك ولم يعلم ولا يلزم علمه من وقفه لها لأن الأصل بقاؤها لبيت المال كما يفيده المذكور عن المبسوط
مطلب في أوقاف الملوك والأمراء ولهذا أفتى المولى أبو السعود بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو تؤول إليه اه
وأما ذكره في النهر هناك من قوله وإذا لم يعرف الحال في الشراء من بيت المال فالأصل هو الصحة فالظاهر أن معناها إذ علم الشراء ولكن لم يعلم حاله هل هو صحيح أم لا لعدم وجود شرطه لأنه لا يصح الشراء من بيت المال إلا إذا كان بالمسلمين حاجة كما مر هناك فيحمل على الأصل وهو الصحة فافهم
ولعل مراد العلامة قاسم بقوله إن الوقف صحيح أي لازم لا ينقص على وجه الأرصاد المقصود منه وصول المستحقين إلى حقوقهم ولم يرد حقيقة الوقف وقدمنا تمام ذلك هناك فراجعه
قوله ( يجعلونها مشتراة صورة ) أي بدون شرائطه المسوغة لعدم احتياج بيت المال إلى بيعها في هذه الدولة العثمانية أعز الله بها الإسلام والمسلمين ومقتضاه أنه لا يكون وقفا حقيقة بل هو إرصاد كما علمته مما حررناه آنفا فلم يكن مما جهل حال شرائه حتى يحمل على الصحة فافهم
قوله ( لمصلحة عمت ) كالوقف على المسجد بخلافه على معين وأولاده فإنه لا يصح وإن جعل آخره للفقراء كما أوضحه العلامة عبد البر بن الشحنة ط
قوله ( ويؤجر ) لأن بيت المال معد لمصالح المسلمين فإذا أبده على مصرفه الشرعي يثاب لا سيما إذا كان يخاف عليه أمراء الجور الذين يصرفونه في غير مصرفه الشرعي فيكون قد منع من يجيء منهم ويتصرف ذلك التصرف
ذكره العلامة عبد البر ط
ومفاده أنه إرصاد لا وقف حقيقة كما قدمناه
قوله ( قلت الخ ) أصله ما في الخانية لو أن سلطانا أذن لقوم أن يجعلوا أرضا من أرضي بلدة حوانيت موقوفة على المسجد أو أمرهم أن يزيدوا في مسجدهم قالوا إن كانت البلدة فتحت عنوة ينفذ لأنها تصير ملكا للغانمين فيجوز أمر السلطان فيها وإذا فتحت صلحا تبقى على ملك ملاكها فلا ينفذ أمره فيها اه
قلت ومفاد التعليل أن المراد بالمفتوحة عنوة التي لم تقسم بين الغانمين إذ لو قسمت صارت ملكا لهم حقيقة فتأمل
مطلب في إطلاق القاضي بيع الوقف للواقف أو لوارثه قوله ( أطلق القاضي ) أي أجاز ط عن الواني
قوله ( بيع الوقف ) أي كله أو بعضه كما أفتى به المولى أبو السعود فقال إن لم يكن مسجلا وباعه برأي الحاكم يبطل وقفية ما باعه والباقي على ما كان كما نقله عنه المصنف في المنح
____________________
(4/394)
قوله ( غير المسجل ) معنى قولهم مسجلا أي محكوما بلزومه بأن صار اللزوم حادثة وقع التنازع فيها فحكم القاضي باللزوم بوجهه الشرعي
رملي
وسمي مسجلا لأن المحكوم به يكتب في سجل القاضي
قوله ( وكان حكما ببطلان الوقف ) الضمير في كان عائد إلى إطلاق القاضي
وعبارة البزازية كان حكما بصحة بيع الوقف اه
والظاهر أن الحكم ببطلان الوقف يكون بعد بيعه
تأمل
قوله ( كما حققه المصنف ) حيث ذكر أن هذا ليس مبنيا على قول الإمام فقط بعدم لزوم الوقف قبل التسجيل بل هو صحيح على قولهما أيضا لوقوعه في فصل مجتهد فيه كما صرح به في البزازية ويؤيده قول قارىء الهداية إذا رجع الواقف عما وقفه قبل الحكم بلزومه صح عنده لكن الفتوى على خلافه وأنه يلزم بلا حكم ومع ذلك إذا قضى بصحة الرجوع قاض حنفي صح ونفذ فإذا وقفه ثانيا على جهة أخرى وحكم به حاكم صح ولزم وصار المعتبر الثاني لتأبده بالحكم اه
وبه يندفع ما ذكره العلامة قاسم ومن تبعه من عدم النفاذ معللا بأنه قضاء بالمرجوح اه
وليس كذلك لما في السراجية من تصحيح أن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق ثم بقول أبي يوسف ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد ولا يتخير إذا لم يكن مجتهدا وقول الإمام مصحح أيضا فقد جزم به بعض أصحاب المتون ولم يعولوا على غيره ورجحه ابن كمال في بعض مؤلفاته
وإذا كان في المسألة قولان مصححان يجوز القضاء والإفتاء بأحدهما
هذا حاصل ما ذكره المصنف وفيه نظر
فإن كتب المذهب مطبقة على ترجيح قولهما بلزومه بلا حكم وبأني المفتى به
وفي الفتح أنه الحق كما مر فعلى المفتي والقاضي العمل به
وأما قوله جزم به بعض أصحاب المتون الخ ففيه أنهم ذكروا أولا قول الإمام لكون المتون موضوعة لنقل مذهبه ثم ذكروا قولهما وفرعوا عليه
وأما قول السراجية إن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق ولا يتخير فذاك في غير ما صرح أهل المذهب بترجيح خلافه ولذا قال إذا لم يكن مجتهدا ولا شك أن أهل الاجتهاد في المذهب رجحوا قولهما فعلينا اتباع ترجيحهم وإلا كان عبثا كما رجحوا قولهما في المزارعة والحجر فثبت أن قوله مرجوح والقضاء بالمرجوح غير صحيح
وأما ما أفتى به قارىء الهداية فقد أفتى نفسه بخلافه وقال لكن الفتوى على قولهما أنه لا يشترط للزومه شيء مما شرطه أبو حنيفة فعلى هذا الوقف هو الأول وما فعله ثانيا لا اعتبار به إلا إن شرطه في وقفه اه
وعن هذا قال في البحر ولو قضى الحنفي بصحة بيعه فحكمه باطل لأنه لا يصح إلا بالصحيح المفتى به فهو معزول بالنسبة إلى القول الضعيف ولذا قال في القنية فالبيع باطل ولو قضى القاضي بصحته وقد أفتى به العلامة قاسم
وأما ما أفتى به قارىء الهداية من صحة الحكم ببيعه قبل الحكم بوقفه فمحمول على أن القاضي مجتهد أو سهو منه اه
فافهم
تنبيه صريح كلام القنية المذكور أن البيع باطل لا فاسد
قال المقدسي في شرحه وقد وقع فيه اختلاف وأفتى بعض مشايخ العصر بفساده ورتب عليه ملك المشتري إياه والصحيح أنه باطل وقد بينا ذلك في رسالة لما وقع الاختلاف في البلاد الرومية وأفتى مفتيها بسريان الفساد إذا بيع ملك ووقف صفقة واحدة وخالفه شيخنا السيد الشريف محيي الدين الشهير بمعلول أمير وألف جماعة من المصريين رسائل في ذلك حتى الشافعية كالشيخ
____________________
(4/395)
ناصر الدين الطبلاوي لما وقع بين قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي وقاضي القضاة محيي الدين بن إلياس اه
قوله ( وأفتى به ) أي المصنف في فتاواه
قوله ( تبعا لشيخه ) أي صاحب البحر في فتاواه وقد علمت أنه في بحره ما ارتضاه
قوله ( لكن حمله في النهر ) أي تبعا للبحر كما علمت ومثل القاضي المجتهد من قلد مجتهدا يراه
أفاده ح
مطلب بيع الوقف باطل لا فاسد قوله ( لا يصح بيعه ) يفيد أن إطلاق القاضي بيع الوقف لغير الوارث حكم ببطلان الوقف ويعود إلى ملك الوارث غايته أن بيع غير الوارث باطل لأنه باع ملك الغير لكن ينبغي أن يكون البيع صحيحا موقوفا على إجازة الوارث كما لا يخفى اه ح
لكن ليس في كلام الشارح ما يوجب البطلان لأن قوله لا يصح وقوله لا يجوز لا يقتضيه وليس في كلامه أيضا ما يقتضي بطلان الوقف بمجرد إطلاق القاضي بيعه لغير الوارث وقوله لأنه إذا بطل يعني بعد البيع
قوله ( لما في العمادية باع القيم الخ ) ينبغي أن يكون هذا في صورة الاستبدال اه ح
وعليه فالمراد بالمسوغ الشرعي وجود شرائط الاستبدال وقيد بأمر القاضي لأن الاستبدال إذا لم يشرطه الواقف لا يجوز لغير القاضي كما مر
مطلب في الوقف إذا انقطع ثبوته قوله ( وأما المسجل الخ ) ظاهره أنه مقابل قول المتن غير المسجل فيكون المراد به المحكوم بلزومه وهذا لا شبهة في عدم صحة بيعه ما لم يصل إلى حال يجوز استبداله وأما لو انقطع ثبوته ففي الخصاف أن الأوقاف التي تقادم أمرها ومات شهودها فما كان لها رسوم في دواوين القضاة وهي في أيديهم أجريت على رسومها الموجودة في دواوينهم استحسانا إذا تنازع أهلها فيها وما لم يكن لها رسوم في دواوين القضاة القياس فيها عند التنازل أن من أثبت حقا حكم له به اه وسيأتي تمامه في الفروع
مطلب الوقف في مرض الموت قوله ( الوقف في مرض موته كهبة فيه ) أي في مرض الموت أقول إلا أنه إذا وقف على بعض الورثة ولم يجزه باقيهم لا يبطل أصله وإنما يبطل ما جعل من الغلة لبعض الورثة دون بعض
فيصرف على قدر مواريثهم عن الواقف ما دام الموقوف عليه حيا ثم يصرف بعد موته إلى من شرطه الواقف لأنه وصية ترجع إلى الفقراء وليس كوصية لوارث ليبطل أصله بالرد
نص عليه هلال رحمه الله تعالى فتنبه لهذه الدقيقة
شرنبلالية
وقدمنا تمام الكلام عليه عند قول المصنف أو بالموت
قوله ( من الثلث مع القبض ) خبر ثان عن قوله الوقف أو متعلق بمحذوف وعبارة الدرر فيعتبر من الثلث ويشترط فيه ما يشترط فيها من القبض والإفراز اه
وأصله في الخانية حيث
____________________
(4/396)
قال فيها قال الشيخ الإمام ابن الفضل الوقف على ثلاثة أوجه إما في الصحة أو في المرض أو بعد الموت
فالقبض والإفراز شرط في الأول كالهبة دون الثالث لأنه وصية
وأما الثاني فكالأول وإن كان يعتبر من الثلث كالهبة في المرض
وذكر الطحاوي أنه كالمضاف إلى ما بعد الموت
وذكر السرخسي أن الصحيح أنه كوقف الصحة حتى لا يمنع الإرث عند أبي حنيفة ولا يلزم إلا أن يقول في حياتي وبعد مماتي اه
ملخصا
وبه علم أن المراد بالقبض قبض المتولي وهو مبني على قول محمد باشتراط التسليم والإفراز كما مر بيانه وإن الخلاف في كون وقف المرض كوقف الصحة أو كالمضاف إلى ما بعد الموت ثمرته في كونه لا يلزم على قول الإمام فإذا مات يورث عنه كوقف الصحة أو يلزم فلا يورث كالمضاف وحيث مشى الشارح على ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط القبض كان الأولى له حذف قوله مع القبض ولئلا يوهم أن المراد قبض الموقوف عليه
قوله ( أو أجازه الوارث ) أي وإن لم يخرج من الثالث
قوله ( وإلا بطل ) إلا أن يظهر له مال آخر
إسعاف و خانية
قوله ( ولو أجاز البعض ) أي بعض الورثة جاز بقدره أي نفذ مما زاد على الثلث ما أجازه وبطل باقي ما زاد
وصورته لو كان ماله تسعة ووقف في مرضه ستة ومات عن ثلاثة أولاد فأجاز أحدهم نفذ في واحد فيصح الوقف من أربعة وسيأتي في كتاب الوصايا لو أجاز البعض ورد البعض جاز على المجيز بقدر حصته وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
قوله ( وبطل وقف راهن معسر ) فيه مسامحة والمراد أنه سيبطل ففي الإسعاف وغيره لو وقف المرهون بعد تسليمه صح وأجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه اه
وكذا لو مات فإن عن وفاء عاد إلى الجهة وإلا بيع وبطل الوقف كما في الفتح
قوله ( ومريض مديون بمحيط ) أي بدين محيط بماله فإنه يباع وي وحاصله أن وقفه على نفسه ليس تبرعا بقي أن عدم صحة وقف المحجور إنما يظهر على قولهما بصحة حجر السفيه
أما على قوله فلا لأنه لا يرى صحة حجره فيبقى تصرفه نافذا وعن هذا حكم بعض القضاة بصحة وقفه لأن القضاء بحجره لا يرفع الخلاف لوقوع الخلاف في نفس القضاء كما صرح به في الهداية فيصح الحكم بصحة تصرفه عند الإمام فيصح وقفه لكن الحكم بلزومه مشكل لأن الإمام وإن قال بصحة تصرفه لكنه لا يقول بلزوم الوقف والقائل بلزومه لا يقول بصحة تصرف المحجور فيصير الحكم بلزوم وقفه مركبا من مذهبين
هذا حاصل
____________________
(4/397)
ما ذكره في أنفع الوسائل وأجاب عنه بأنه في منية المفتي جواز الحكم الملفق وقدمنا ما فيه عند الكلام على وقف المشاع
قوله ( فإن شرط وفاء دينه ) أي وقفه على نفسه وشرط وفاء دينه منه كما في فتاوى ابن نجيم وحذفه الشارح استغناء بالمقابل وهو قوله ولو وقفه على غيره ا هـ ح
قوله ( يوفى من الفاضل عن كفايته ) إي إذا فضل من غلة الوقف شيء عن قوته فللغرماء أن يأخذوا منه لأن الغلة بقيت على ملكه
ذخيرة
قوله ( لو له ورثة ) أي ولم يجيزوا فقوله وإلا أي وإن لم يكن له ورثة أو كان وأجازوا هـ ح
قوله ( فلو باعها القاضي ) أي في صورة المحيط ا هـ ح
قوله ( أي وإلا فيبطل ) بالبناء للمجهول وهذا تصريح بالمفهوم أي وإن لم يمت عن مال يفي بما عليه من الدين فإن الوقف يغير أي يبطله القاضي ويبيعه للدين
قال الشرنبلالي في شرح الوهبانية وهذا يخالف عتق العبد الرهن لا يباع ويسعى في الدين إن لم يزد على قيمته ولا يبطل العتق
وبحث فاضل فقال ينبغي أن لا يبطل الوقف ويؤخذ من غلته لوفاء الدين كسعاية العبد إذا لم يقدر بزمن
والجامع بينهما التحرير فإن الوقف تحرير عن البيع وتعلق حق الغير يقضى من ريعه كسعاية العبد بل إنه أمكن إذ قد يموت العبد قبل أداء السعاية والعقار باق رعاية للمصلحة فليتأمل ا هـ
ما في شرح الوهبانية
قلت وفيه نظر لظهور الفرق بين الوقف والعبد فإن العتق عقد لازم واستهلاك للرهن من كل وجه بخلاف الوقف فإنه حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة عند الإمام ولهذا يدوم الثواب بدوامه لبقائه على ملكه وقد وقع الخلاف في عوده إلى ملك الواقف بعد خرابه
وفي جواز بيعه إذا أطلقه القاضي للواقف أو وارثه كما مر بخلاف العبد بعد العتق فإنه لا خلاف في عدم عوده إلى الملك فلذا كان الوقف موقوفا على الفكاك فإذا افتكه نفذ وإن لم يفتكه حتى مات وترك مالا فإنه يفتك منه وإن لم يترك ما لا يبطل لتعذر الفكاك من العين بدونه والمنفعة كالكسب خارجة عن الرهن فإن الذي كان للمرتهن فيه حق الحبس إنما هو العين وأما العبد فلا يمكن رده بعد العتق إلى الملك بوجه فلذا يستسعى ولأن العتق من أول الأمر صدر منجزا غير موقوف بخلاف الوقف هذا ما ظهر لي
قوله ( أو للغلة يمهل ) حكاية قول آخر فليست أو فيه للتخيير لكن علمت أن هذا القول بحث غير منقول وأنه قياس مع الفارق غير مقبول
قوله ( قلت لكن الخ ) استدراك على قوله صحح ا هـ ح
والأقرب أنه استدراك على ما في الوهبانية فإنه في معناه أيضا
____________________
(4/398)
مطلب في وقف الراهن والمريض المديون قوله ( فأجاب لا يصح ولا يلزم الخ ) هذا مخالف لصريح المنقول كما قدمناه عن الذخيرة و الفتح إلا أن يخصص بالمريض المديون
و عبارة الفتاوى الإسماعيلية لا ينفذ القاضي هذا الوقف ويجبر الواقف على بيعه ووفاء دينه والقضاء ممنوعون عن تنفيذه كما أفاده المولى أبو السعود اه
وهذا التعبير أظهر وحاصله أن القاضي إذا منعه السلطان عن الحكم به كان حكمه باطلا لأنه وكيل عنه وقد نهاه الموكل صيانة لأموال الناس ويكون جبره على بيعة من قبيل إطلاق القاضي بيع وقف لم يسجل وقد مر الكلام فيه وينبغي ترجيح بطلان الوقف بذلك للضرورة
قوله ( أو للأغنياء ثم الفقراء ) أما للأغنياء فقط فلم يجز لأنه ليس بقربة كما مر أول الباب
قوله ( كمساجد الخ ) وكذا مصاحف مساجد وكتب مدارس كما هو ظاهر ما مر عند قوله ومنقول فيه تعامل
قوله ( لاحتياج الكل لذلك ) أي للنزول في الخان والشرب من السقاية الخ
زاد في الهداية أن الفارق بين الموقوف للغلة وبين هذا هو العرف فإن أهل العرب يريدون بذلك في الغلة للفقراء وفي غيرها التسوية بينهم وبين الأغنياء
قوله ( بخلاف الأدوية ) أي الموقوفة في التيمارخانة فإن الحاجة إليها دون الحاجة إلى السقاية فإن العطشان لو ترك شرب الماء يأثم ولو ترك المريض التداوي لا يأثم
أفاده ح عن المنح قوله ( فيدخل الأغنياء تبعا ) هذا في التعميم أما في التنصيص فهم مقصودون ا هـ ح
قوله ( وبأنه أخرجه من يده ) أي سلمه إلى المتولي على قول محمد بأن ذلك شرط وقوله صحيح يغني عنه لأن صحة الوقف باستيفاء شروطه
قوله ( ووارثه يعلم خلافه ) أي أنه لم يقفه ولم يخرجه من يده
درر
قوله ( قضاء ) أما في الديانة فتسمع دعواه يعني يسوغ له السعي في إبطاله وأخذه لنفسه حيث علم أن إقرار مورثه كاذب في نفس الأمر وأنه باق على ملكه لأن الحكم بجوازه إنما هو بناء على ما أقر به لا على نفس الأمر
مطلب في وقف المرتد قوله ( وتبطل أوقاف امرىء بارتداده الخ ) لذكره هنا ومحله أول الباب وقد ذكره هناك عن الفتح
وحاصله مسألتان إحداهما ولو وقف ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بطل وقفه وإن عاد إلى الإسلام ما لم يعد وقفه بعد عوده لحبوط عمله بالردة ونظر فيه ابن الشحنة في شرحه بأن الحبوط في إبطال الثواب لا فيما تعلق به حق الفقراء وأجاب الشرنبلالي في شرحه بما في الإسعاف من أنه لما جعل آخره للمساكين وذلك قربة فبطل ا هـ
____________________
(4/399)
قلت وهذا الجواب غير ملاق للسؤال وإنما ذكره في الإسعاف جوابا عن سؤال آخر وهو أنه إذا وقفه على قوم بأعيانهم لم يكن قربة فأجاب بما ذكر
فالجواب الصحيح أن الوقف على الفقراء قربة باقية إلى حال الردة والردة تبطل القربة التي قارنتها كما لو ارتد في حال صلاته أو صومه بخلاف ما إذا ارتد بعد صلاته أو صيامه فإنه لا يبطل نفس الفعل بل ثوابه فقط وأما حق الفقراء فإنما هو في الصدقة فقط فإذا بطل التصدق الذي هو معنى الوقف بطل حقهم ضمنا وإن كان لا يمكن إبطاله قصدا كما يبطل في خراب الوقف وخروجه عن المنفعة هذا ما ظهر لي فافهم
الثانية لو وقف في حال ردته فهو موقوف عند الإمام فإن عاد إلى الإسلام صح وإلا بأن مات أو قتل على ردته أو حكم بلحاقه بطل ولا رواية فيه عن أبي يوسف
وعند محمد يجوز منه ما يجوز من القوم الذين انتقل إلى دينهم ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل إلا أن يكون على حج أو عمرة ونحو ذلك فلا يجوز كما في شرح الوهبانية ملخصا
قوله ( فحال ارتداد ) منصوب على الظرفية متعلق باسم لا و أجدر أي أحق خبرها والمعنى لا يكون الوقف حال الردة أحق بالبطلان من الوقف قبلها بل ذاك أحق بالبطلان لعدم توقفه هذا ما ظهر لي فافهم والله سبحانه أعلم
فصل هذا الفصل مشتمل على بيان أحكام إجارة الوقف وغصبه والشهادة عليه والدعوى به والمتولي عليه وما يتبع ذلك وزاد فيه الشارح فروعا مهمة وفوائد جمة
قوله ( يراعى شرط الوقف في إجازته ) أي وغيرها لما سيأتي في الفروع من أن شرط الواقف كنص الشارح كما سيأتي بيانه إلا في مسائل تقدمت
قوله ( فلم يزد القيم الخ ) يعني إذا شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنة والناس لا يرغبون في استئجارها وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فليس للقيم أن يؤجرها أكثر من سنة بل يرفع الأمر للقاضي حتى يؤجرها لأن له ولاية النظر للفقراء والغائب والميت وإن لم يشترط الواقف فللقيم ذلك بلا إذن القاضي كما في المنح عن الخانية ولو استثنى فقال لا تؤجر أكثر من سنة إلا إذا كان أنفع للفقراء فللقيم ذلك إذا رآه خيرا بلا إذن القاضي
إسعاف
قوله ( لفقير ) أي فيما إذا كان الوقف على الفقراء ومثله الوقف على المسجد وكذا الوقف على أولاد الواقف لأن منهم الفقير والغائب بل ومن لم يخلق عند الإجارة
قوله ( وغائب وميت ) فإنه يحفظ اللقطة ومال المفقود ومال الميت إلى أن يظهر له وارث أو وصي
قوله ( وقيل تقيد بسنة ) لأن المدة إذا طالت تؤدي إلى إبطال الوقف فإن من رآه يتصرف بها تصرف الملاك على طول الزمان يظنه مالكا
إسعاف
قوله ( مطلقا ) أي في الدار والأرض ح
قوله ( وبثلاث سنين في الأرض ) أي إذا كان لا يتمكن المستأجر من الزراعة فيها إلا في الثلاث كما قيده المصنف تبعا للدرر حيث قال يعني أن الأرض إن كانت مما تزرع في كل سنتين مرة أو في كل ثلاث كان له أن يؤجرها مدة يتمكن فيها من الزراعة ا هـ
ومثله في الإسعاف وكذا في الخانية لكن ذكر فيها بعد ذلك قوله وعن الإمام أبي حفص البخاري أنه كان يجيز إجارة الضياع ثلاث سنين فإن آجر أكثر اختفلوا فيه وأكثر مشايخ بلخ لا يجوز وقال غيرهم يرفع الأمر إلى القاضي حتى يبطله وبه أخذ الفقيه أبو الليث ا هـ
وظاهره جواز الثلاث بلا تفصيل
تأمل
وأن مختار الفقيه جواز الأكثر ولكن للقاضي
____________________
(4/400)
إبطالها أي إذا كان أنفع للوقف ثم رأيت الشرنبلالي اعترض على الدرر بأنه أخرج المتن عن ظاهره والفتوى على إطلاق المتن كما أطلقه شارح المجمع وهو قول الإمام أبي حفص الكبير ا هـ
واعلم أن المسألة فيها ثمانية أقوال ذكرها العلامة قنالي زاده في رسالته أحدها قول المتقدمين عدم تقدير الإجارة بمدة ورجحه في أنفع الوسائل والمفتى به ما ذكره المصنف خوفا من ضياع الوقت كما علمت
قوله ( إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك ) هذا أحد الأقوال الثمانية وهو ما ذكره الصدر الشهيد من أن المختار أنه لا يجوز في الدور أكثر من سنة إلا إذا كانت المصلحة في الجواز وفي الضياع يجوز إلى ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز وهذا أمر يختلف باختلاف المواضع واختلاف الزمان ا هـ
وعزاه المصنف إلى أنفع الوسائل وأشار الشارح إلى أنه لا يخالف ما في المتن لأن أصل عدول المتأخرين عن قول المتقدمين بعدم التوقيت إلى التوقيت إنما هو بسبب الخوف على الوقف فإذا كانت المصلحة الزيادة أو النقص اتبعت وهو توفيق حسن
ومن فروع ذلك ما في الإسعاف دار لرجل فيها موضع وقف بمقدار بيت واحد وليس في يد المتولي شيء من غلة الوقف وأراد صاحب الدار استئجارها مدة طويلة قالوا إن كان لذلك الموضع مسلك إلى الطريق الأعظم لا يجوز له أن يؤجره مدة طويلة لأن فيه إبطال الوقف وإن لم يكن له مسلك جاز ا هـ
وفي فتاوى قارىء الهداية إذا لم تحصل عمارة الوقف إلا بذلك يرفع الأمر للحاكم ليؤجره أكثر ا هـ
أي إذا احتيج إلى عمارته من أجرته يؤجره الحاكم مدة طويلة بقدر ما يعمر به
تنبيه محل ما ذكر من التقييد ما إذا كان المؤجر غير الواقف لما في القنية آجر الواقف عشر سنين ثم مات بعد خمس وانتقل إلى مصرف آخر انتقضت الإجارة ويرجع بما بقي في تركة الميت ا هـ
تأمل
مطلب أرض اليتيم وأرض بيت المال في حكم أرض الوقف ثم إن أرص اليتيم في حكم أرض الوقف كما ذكره في الجوهرة وأفتى به صاحب البحر و المصنف كذا أرض بيت المال كما أفتى به في الخيرية وقال من كتاب الدعوى إن أراضي بيت المال جرت على رقبتها أحكام الوقوف المؤبدة
قوله ( لو احتيج لذلك ) أي للإيجار إلى مدة زائدة عن التقدير المذكور أي بأن لم تحصل عمارة الوقف إلا بذلك كما ذكرناه آنفا عن قارىء الهداية
قوله ( يعقد عقودا ) أي عقودا مترادفة كل عقد سنة بكذا
خانية
والظاهر أن هذا في الدار أما في الأرض فيصح كل عقد ثلاث سنين
وصورة ذلك اين يقول آجرتك الدار الفلانية سنة تسع وأربعين بكذا وآجرتك إياها سنة خمسين بكذا وآجرتك إياها سنة إحدى وخمسين بكذا وهكذا إلى تمام المدة
مطلب في لزوم الأجرة المضافة تصحيحان قوله ( والثاني لا ) أي لا يكون لازما وأراد بالثاني ما عدا العقد الأول لأن جميع ما عداه مضاف لكن قال قاضيخان وذكر شمس الأئمة السرخسي أن الإجارة المضافة تكون لازمة في إحدى الروايتين وهو الصحيح وأيضا اعترض
____________________
(4/401)
قاضيخان قولهم إن احتاج القيم إلى تعجيل الأجرة يعقد عقودا مترادفة بأنهم أجمعوا على أن الأجرة لا تملك في الإجارة المضافة باشتراط التعجيل أي فيكون للمستأجر الرجوع بما عجله من الأجرة فلا يكون هذا العقد مفيدا لكن أجاب العلامة قنالي زادة بأن رواية عدم لزوم الإجارة المضافة مصصحة أيضا وبأن قاضيخان نفسه أجاب في كتاب الإجارات برواية الملك هنا للحاجة وهذا ينافي دعواه الإجماع هنا
قلت وقد ذكر الشارح في أواخر كتاب الإجارة أن رواية عدم اللزوم تأيدت بأن عليها الفتوى أي فتكون أصح التصحيحين لأن لفظ الفتوى في التصحيح أقوى لكن أنت خبير بأن رواية عدم اللزوم هنا لا تنفع لأنه يثبت للمستأجر الفسخ فيرجع بما عجله من الأجرة وإن قلنا إنها تملك بالتعجيل فينبغي هنا ترجيح رواية اللزوم للحاجة نظير ما قاله قاضيخان في رواية الملك
مطلب في الإجارة الطويلة بعقود قوله ( الفتوى على إبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود ) أي لتحقق المحذور المار فيها وهو أن طول المدة يؤدي إلى إبطال الوقف كما في الذخيرة
قلت لكن الكلام هنا عند الحاجة فإذا اضطر إلى ذلك لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مستقبلة يزول المحذور الموهوم عند وجود الضرر المتحقق فالظاهر تخصيص بطلان هذه الإجارة بما عدا هذه الصورة وهو جعلها حيلة لتطويل المدة فتدبر
ثم رأيت ط نقل عن الهندية أن بعض الصكاكين أرادوا بهذه الإجارة إبقاء الوقف في يد المستأجر أكثر من سنة فقال الفقيه أبو جعفر إنا نبطلها صيانة للوقف وعليه الفتوى كذا في المضمرات اه ملخصا
وأنت خبير بأن هذا دليل على ما قلنا من أن إبطالها عند عدم الحاجة فلا يناسب ذكره هنا فافهم
مطلب لا يصح إيجار الوقف بأقل من أجرة المثل إلا عن ضرورة قوله ( فلا يجوز بالأقل ) أي لا يصح إذا كان بغبن فاحش كما يأتي
قال في جامع الفصولين إلا عن ضرورة
وفي فتاوى الحانوتي شرط إجارة الوقف بدون أجرة المثل إذا نابته نائبة أو كان دين ا هـ
مطلب في استئجار الدار لمرصد بدون أجرة المثل قلت ويؤخذ منه ومما عزاه للأشباه جواز إجارة الدار التي عليها مرصد بدون أجرة المثل ووجه ذلك أن المرصد دين على الوقف ينفقه المستأجر لعمارة الدار لعدم مال حاصل في الوقف فإذا زادت أجرة مثلها بعد العمارة
____________________
(4/402)
التي صارت للوقف لا تلزمه الزيادة لأنه إذا أراد الناظر إيجار هذه الدار لمن يدفع ذلك المرصد لصاحبه لا يرضى باستئجارها بأجرة مثلها الآن لكن أفتى في الخيرية بلزوم الأجرة الزائدة ولعله محمول على ما إذا كان في الوقف مال وأراد الناظر دفع المرصد منه فحينئذ لا شك في لزوم الزيادة فتأمل
قوله ( ولو هو المستحق ) الضمير راجع للمؤجر
و عبارة قارىء الهداية سئل عن مستحق لوقف عليه هو ناظره آجره بدون أجرة المثل هل يصح ذلك فأجاب لا يجوز ذلك وإن كان هو المستحق لما يصل إليه من الضرر للوقف بالأجرة ا هـ أي لاحتمال موته فيضر بمن بعده من المستحقين وربما يتضرر الوقف أيضا الآن إذا كان محتاجا للتعمير
وأما ما يوجد في بعض نسخ الشرح من قوله لجواز أن يموت قبل انقضاء المدة وتفسخ هذه الإجارة ا هـ
فهو غير ظاهر لأنها لا تفسخ بموت الناظر على أن الضرر إنما هو في إبقائها بالأجرة القليلة لا في فسخها لأنها إذا فسخت تؤجر بأجر المثل فلا يتضرر أحد
تأمل
ولا يجوز إرجاع الضمير في قوله ولو هو المستحق إلى المستأجر إذ الظاهر أنه لا ضرر فيه على أحد بعده لانفساخها بموته فافهم
قوله ( إلا بنقصان يسير ) هو مت يتغابن الناس فيه
إسعاف أي ما يقبلونه ولا يعدونه غبنا
مطلب ليس للناظر الإقالة قوله ( لا يفسخ العقد ) أي لو طلب المستأجر فسخه لا يجيبه الناظر للزوم الضرر على الوقف
قال في الفتح وليس له الإقالة إلا إن كانت أصلح للوقف
مطلب فيما زاد أجر المثل بعد العقد قوله ( ولو زاد أجره ) أي بعد العقد على أجر مثله أي الذي كان وقت العقد وقيد في الحاوي القدسي الزيادة بالفاحشة قال في البحر وهو يدل على عدم نقضها باليسيرة ولعل المراد بالفاحشة ما لا يتغابن الناس فيها كما مر في طرف النقصان والواحد في العشرة يتغابن الناس فيه كما ذكروه في كتاب الوكالة وهذا قيد حسن يجب حفظه فإذا كانت أجرة دار عشرة مثلا وزاد أجر مثلها واحدا فإنها لا تنقض كما لو آجرها المتولي بتسعة فإنها لا تنقض بخلاف الدرهمين في الطرفين ا هـ
قلت لكن نقل البيري وغيره عن الحاوي الحصيري أن الزيادة الفاحشة مقدارها نصف ما آجر به أو لا ا هـ
وأنت خبير بأن هذا يرد ما بحثه في البحر
نعم في إجارات الخيرية ما يفيد أن المراد بها قدر الخمس وهو عين ما بحثه في البحر
نعم في إجارات الخيرية ما يفيد أن المراد بها قدر الخمس وهو عين ما بحثه في البحر
وفي الخلاصة إن آجره المتولي بأجر مثله أو بقدر ما يتغابن الناس فيه فإنه لا تنفسخ الإجارة وإن جاء آخر وزاد في الأجرة درهمين في عشرة فهو يسير حتى لو آجر بثمانية وأجر مثله عشرة لا تنفسخ اه
فهذا صريح في أن الخمس قليل في طرفي الزيادة والنقصان فلا تنفسخ به الإجارة
لكن في وكالة البحر عن السراج أن ما يتغابن الناس فيه نصف العشر أو أقل فلو أكثر فلا
ثم نقل بعده تفصيلا وهو أن ما يتغابن الناس فيه في العروض نصف العشر وفي الحيوان العشر وفي العقار الخمس وما خرج عنه فهو مما لا يتغابن فيه ووجهه كثرة التصرف في العروض وقلته في العقار وتوسطه في الحيوان وكثرة الغبن لقلة التصرف فهذا يؤيد بحث البحر هنا وعليه عمل الناس اليوم
وانظر ما في
____________________
(4/403)
جامع الفصولين آخر الفصل السابع والعشرين فإنه نقل التفصيل ثم قال وقيل ما لا يدخل تحت تقويم المقومين مما ليس له قيمة معلومة فلو علمت كفحم شراه بيسير الغبن لا ينفذ على الموكل وبه يفتى
ونقل الخير الرملي في حاشيته عليه عن البحر و المنح وغيرهما أن الأخير هو الصحيح
قلت والظاهر أن القول بالتفصيل بيان لهذا القول
تأمل
تنبيه حرر في البحر أن طريق علم القاضي بالزيادة أن يجتمع رجلان من أهل البصر والأمانة فيؤخذ بقولهما معا عند محمد وعندهما قول الواحد يكفي ا هـ
قوله ( قيل يعقد ثانيا ) أي مع المستأجر الأول كما نبه عليه بعده وقوله به أي بأجر المثل والمراد أنه يجدد العقد بالأجرة الزائدة والظاهر أن قبول المستأجر الزيادة يكفي عن تجديد العقد
قوله ( في الأشباه الخ ) هو عين ما في المتن لكنه نقله لأمور سكت عنها المتن
أولها أنه ليس المراد بالزيادة ما يشمل زيادة تعنت أي إضرار من واحد أو اثنين فإنها غير مقبولة بل المراد أن تزيد في نفسها عند الكل كما صرح به الإسبيجابي وأفاد أن الزيادة من نفس الوقف لا من عمارة المستأجر بماله لنفسه كما في الأرض المحتكرة لأجل العمارة كما مر قبل الفصل
ثانيها التصحيح بأنه به يفتى فإنه أقوى
ثالثها أنه لا ينفسخ العقد بمجرد الزيادة بل يفسخه المتولي كما حرره في أنفع الوسائل وقال فإن امتنع يفسخه القاضي
رابعها أنه قبل الفسخ لا يجب إلا المسمى وإنما تجب الزيادة بعده
قوله ( وقيل لا يعقد به ثانيا ) أي لا يفسخ ولا يعقد بناء على أن أجر المثل يعتبر وقت العقد وهذا رواية فتاوى سمرقند وعليها مشى في التجنيس لصاحب الهداية و الإسعاف والأولى رواية شرح الطحاوي بناء على أن الإجارة تنعقد شيئا فشيئا والوقف يجب له النظر
قوله ( والمستأجر الأول أولى الخ ) تقييد لقوله يعقد ثانيا والمراد إذا كان مستأجرا إجارة صحيحة وإلا فلا حق له وتقبل الزيادة ويخرج كما في البحر وقوله إذا قبل الزيادة أي الزيادة المعتبرة عند الكل كما مر بيانها فإن قبلها فهو الأحق وإلا آجرها من الثاني إذا كانت الأرض خالية من الزراعة وإلا وجبت الزيادة على المتسأجر الأول من وقتها إلى أن يستحصد الزرع لأن شغلها بملكه يمنع من صحة إيجارها لغيره فإذا استحصد فسخ وأجر من غيره وكذا لو كان بنى فيها أو غرس لكن هنا يبقى إلى انتهاء العقد لأنه لا نهاية معلومة للبناء والغراس بخلاف الزرع فإذا انتهى العقد فقد مر بيانه قبل الفصل في قوله وأما حكم الزيادة في الأرض المحتكرة الخ وقدمنا أن المناسب ذكرها هنا
مطلب مهم في معنى قولهم المستأجر الأول أولى تنبيه قد علم مما قررناه أن قولهم إن المستأجر الأول أولى إنما هو فيما إذا زادت أجرة المثل في أثناء المدة قبل فراغ أجرته وقد قبل الزيادة أما إذا فرغت مدته فليس بأولى إلا إذا كان له فيها حق القرار وهو المسمى بالكردار على ما قدمناه مبسوطا في مسألة الأرض المحتكرة من أن له الاستبقاء بأجرة المثل دفعا للضرر عنه
مع عدم الضرر على الوقف وأن هذا مستثنى من إطلاق عبارات المتون والشروح المفيدة لوجوب القلع والتسليم بعد مضي مدة الإجارة فهذا وجه كونه أحق بالاستئجار من غيره وأما وجهه في مسألة زيادة أجرة المثل في أثناء
____________________
(4/404)
المدة فهو أن مدة إجارته قائمة لم تنقض وقد عرض في أثنائها ما يسوغ الفسخ وهو الزيادة العارضة فإذا قبلها ورضي بدفعها كان أولى من غيره لزوال ذلك المسوغ في أثناء مدته فلا يسوغ فسخها وإيجارها لغيره بل تؤجر منه بالزيادة المذكورة إلى تمام مدته ثم يؤجرها ناظر الوقف لمن أراد وإن قبل المستأجر الأول الزيادة لزوال علة الأحقية وهي بقاء مدة إجارته إلا إذا كان له فيها حق القرار فهو أحق من غيره ولو بعد تمام المدة لهذه العلة الأخرى كما علمت
وبهذا ظهر أن المستأجر لأرض الوقف ونحوها من حانوت أو دار إذا لم يكن له فيها حق القرار المسمى بالكردار لا يكون أحق بالاستئجار بعد فراغ مدة استئجاره سواء زادت أجرة المثل أو لا وسواء قبل الزيادة أو لا خلافا لما يفهمه أهل زماننا من أنه أحق من غيره مطلقا ويسمونه ذا اليد ويقوله إنه متى قبل الزيادة العارضة لا تؤجر لغيره ويحكمون بذلك ويفتون به مع كونه مخالفا لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون وشروح وفتاوى بل مستندهم إطلاق عبارة المصنف هنا وهو باطل قطعا لما علمت من أنه مصور في زيادة أجرة المثل قبل انتهاء مدة الإجارة كما هو صريح عباراتهم ولم يقل أحد بإطلاقه ولا يخفى مع ذلك ما فيه من الفساد وضياع الأوقاف حيث لزم من إبقاء أرض الوقف بيد مستأجر واحد مدة مديدة تؤديه إلى دعوى تملكها مع أنهم منعوا من تطويل مدة الإجارة خوفا من ذلك كما علمته وهذا خلاصة
ما ذكرته في رسالتي المسماة ( بتحرير العبارة فيمن هو أولى بالإجارة ) وبمراجعتها يظهر لك العجب العجاب وتقف على حقيقة الصواب والحمد لله المنعم الوهاب
مطلب الموقوف عليه لا يملك الإجارة قوله ( لا يملك الإجارة ) لأنه يملك المنافع بلا بدل فلم يملك تمليكها ببدل وهو الإجارة وإلا لملك أكثر مما يملك بخلاف الإعارة ط
قوله ( ولا الدعوى لو غصب منه الوقف ) ظاهره أنه لا يملك دعوى العين فقط مع أن دعوى الغلة كذلك
ففي جامع الفصولين ادعى الموقوف عليه أنه وقف عليه لو ادعاه بإذن القاضي يصح وفاقا وبغير إذنه ففيه روايتان والأصح أنه لا يصح لأن له حقا في الغلة لا غير فلا يكون خصما في شيء آخر ولو كان الموقوف عليه جماعة فادعى أحدهم أنه وقف بغير إذن القاضي لا يصح رواية واحدة ومستحق غلة الوقف لا يملك دعوى غلة الوقف وإنما يملكه المتولي ا هـ
مطلب في دعوى الموقوف عليه فأفاد أن دعوى الموقوف عليه في الغلة كدعوى عين الوقف لكن تعليله للأصح بأن له حقا في الغلة لا غير يفيد صحة دعواه بها وقد يجاب بأن عدم سماع دعواه في الغلة إذا كان الموقوف عليهم جماعة بخلاف ما إذا كان واحدا وادعى بها لأنه يريد إثبات حقه فقط ويؤيده قوله بعد ما مر
ولو كان الوقف على رجل معين قيل
____________________
(4/405)
يجوز أن يكون هو المتولي بغير إطلاق القاضي إذ الحق لا يعدوه ويفتى بأنه لا يصح لأن حقه أخذ الغلة لا التصرف في الوقف ا هـ
فإذا كان حقه أخذ الغلة وغصبها غاصب ينبغي أن لا يتردد في سماع دعواه عليه ليصل إلى حقه
وفي فتاوى الحانوتي والحق أن الوقف إذا كان على معين تصح الدعوى منه وظاهر سماعها على عين الوقف أيضا ولذا قال في نور العين إن الغلة نماء الوقف فبزوال الوقف تزول الغلة فيصير كأن الموقوف عليه ادعى شطر حقه فينبغي أن تكون رواية الصحة هي الأصح ا هـ
واستشهد في البزازية لهذه الرواية بعدة مسائل عن الخصاف
قلت وكذا في الإسعاف ادعى أحد الموقوف عليهم على واحد منهم أنه باع الوقف من الغاصب وسلمه إليه وبرهن أو نكل الآخر يقضى عليه بقيمته ويشتري بها ضيعة توقف كالأول ا هـ
وفي التتارخانية عن المحيط أرض في يد رجل يزعم أنها ملكه فادعى قوم أنه وقفها عليهم قبلت بينتهم وحكمت عليه بالوقف وأخرجتها من يده
قال وهذه المسألة تصريح بأن الدعوى من الموقوف عليه صحيحة ا هـ
قلت وبقي ما لو ادعى رجل على المتولي بأنه من الموقوف عليهم وأن له حقا في غلة الوقف أو بأن حقه فيها كذا أكثر مما كان يعطيه وينبغي عدم التردد أيضا في سماعها لأنه يزيد مجرد إثبات حقه ويؤيده ما في الإسعاف لو منع الواقف أهل الوقف ما سمى لهم فطالبوه به ألزمه القاضي بدفع ما في يده من غلته ا هـ
وكذا ما سيذكره الشارح بعد صفحة عن المصنف والخانية وذكر في البزازية في الفصل السادس من الوقف عدة مسائل من هذا القبيل
منها دعواه أنه من فقراء القرابة فراجعه
وسيذكر المصنف أن بعض المستحقين ينتصب خصما عن الكل إذا كان أصل الوقف ثابتا وهو صريح في صحة دعوى أحد الموقوف عليهم ولم يقيدوه بإذن القاضي فيحمل ما مر من عدم سماعها رواية واحدة على ما إذا لم يكن أصل الوقف ثابتا وهذا مؤيد لما قلناه من صحة دعواه على المتولي بأنه من الموقوف عليهم أو باستحقاقه فتأمل هذا
واعلم أن عدم ملكه الدعوى في عين الوقف لا ينافي قبول الشهادة لأنها تقبل حسبة وإن لم تصح الدعوى كما سيذكره المصنف قريبا ويأتي بيانه بل سيأتي متنا أنه لو باع دارا ثم ادعى أني كنت وقفتها أو قال وقف علي لم يصح ولو أقام بينة قبلت ويأتي تمام الكلام عليه
مطلب إذا كان الوقف على معين قيل يجوز أن يكون هو المتولي قوله إلا بتولية ) أي بأن يكون متوليا من قبل أو ينصبه القاضي متوليا ليسمع دعواه كما في البزازية وفيها أيضا أنه تصح دعوى الواقف
قوله ( أو إذن قاض ) بالدعوى والإيجار
قوله ( ولو وقف على رجل معين الخ ) هذا في الدعوى وقد علمت بيانه وأما في الإيجار فلم يذكره في العمادية على هذا الوجه بل قال الموقوف عليهم لم يملكوا إجارة الوقف
وقال الفقيه أبو جعفر لو كان الأجر كله للموقوف عليه بأن كان لا يحتاج إلى العمارة ولا شريك معه في الغلة فحينئذ يجوز في الدور والحوانيت وأما الأراضي فإن شرط الواقف تقديم العشر والخراج وسائر المؤن وجعل للموقوف عليه الفاضل لم يكن له أن يؤجرها لأنه لو جاز كان كل الأجر له بحكم العقد فيفوت شرط الواقف ولو لم يشترط يجب أن يجوز ويكون الخراج والمؤن عليه ا هـ
ونحوه في الإسعاف
____________________
(4/406)
مطلب في إيجار الموقوف عليه إذا كان معينا فقد علم صحة إيجار الموقوف عليه إذا كان معينا بهذه الشروط ويشترط أيضا أن يؤجر بأجرة المثل وإلا لم يصح كما مر عن قارىء الهداية
قلت وينبغي عدم التردد في صحة إيجاره إذا شرط الواقف التولية والنظر للموقوف عليهم أو للأرشد منهم وكان هو الأرشد أو لم يوجد غيره لأنه حينئذ يكون منصوب الواقف
قوله ( وهل يملك السكنى الخ ) قدمنا بيان ذلك عند قول المتن ولو أبى أو عجز أمر الحاكم بأجرتها قوله ( كما غلط فيه بعضهم ) منشأ غلطه أنه وقع في عبارة الخلاصة لزمه فأرجع ذلك البعض الضمير للمتولي مع أنه للمستأجر كما نبه عليه العلامة قاسم في فتاواه مستندا إلى النقول الصريحة
مطلب إذا آجر المتولي بغبن فاحش كان خيانة لكن قال في البحر أن يكون ذلك خيانة من المتولي لو عالما بذلك
وذكر الخصاف أن الواقف أيضا إذا آجر بالأقل مما لا يتغابن الناس فيه لم تجز ويبطلها القاضي فإن كان الواقف مأمونا وفعل ذلك على طريق السهو والغفلة أقره القاضي في يده وأمره بإجارتها بالأصلح وإن كان غير مأمون أخرجها من يده وجعلها في يد من يثق بدينه وكذا إذا آجرها الواقف سنين كثيرة ممن يخاف أن يتلف في يده يبطل القاضي الإجارة ويخرجها من يد المستأجر ا هـ
فإذا كان هذا في الواقف فالمتولي أولى ا هـ
قوله ( لكل منهما ) الأولى منهم ليدخل المتولي ط
قوله ( وعليه تسليم زود السنين الماضية ) لا ينافي هذا ما مر من أن الإجارة ما لم تفسخ كان على المستأجر المسمى لأن موضوعه فيما إذا آجر أو لا بأجرة المثل ثم زاد الأجر في نفسه ط أي فالإجارة وقعت من ابتدائها صحيحة بخلاف ما هنا
قوله ( لا غرامة عليه ) وعليه الحرمة ولا يعذر وكذا أهل المحلة
قال في الأشباه عن القنية لا يعذر أهل المحلة في الدور والحوانيت المسبلة إذا أمكنهم رفعه
قال في شرح الملتقى فيأثم كلهم بنفس السكوت فما بالك بالمتولي والجابي والكاتب إذا تركوها ولا سيما لأجل الرشوة نعوذ بالله تعالى ا هـ ط
قوله ( بمال الساكن ) يعني وكان من جنس حقه
ط عن الحموي
قوله ( قضاء وديانة ) مرتبط بقوله أخذ ط
قوله ( ما منافعه مضمونة ) أي على الغاصب ط
قوله ( أو معد ) أي للاستغلال
قوله ( فعلى المستأجر المسمى ) يعني للغاصب كما يفيده ما بعده
قال
____________________
(4/407)
العلامة البيري الصواب أن هذا مفرع على قول المتقدمين أما على ما عليه المتأخرون فعلى الغاصب أجر المثل ا هـ أي إن كان ما قبضه من المستأجر أجر المثل أو دونه فلو أكثر يرد الزائد أيضا لعدم طيبه له كما حرره الحموي وتبعه السيد أبو السعود
قلت وينبغي على قول المتأخرين المفتى به وتضمين منافع مال الوقف واليتيم والمعد أن له تضمين المستأجر أيضا تمام أجر المثل كما لو آجره المتولي بدون أجر المثل كما مر
تأمل
قوله ( لتأويل العقد ) ليس هذا في عبارة الأشباه ط
قوله ( في غصب عقار الوقف ) بأن كان أرضا أجرى عليها الماء حتى صارت لا تصلح للزراعة
قوله ( وغصب منافعه ) يشمل ما لو عطله ولم ينتفع به كما يدل عليه قوله أو إتلافها فإن الأصل في العطف المغايرة فإن إتلافها بالاستعمال ولذا قال كما لو سكن الخ ويدل عليه أيضا ما سيأتي في الغصب من قول المصنف تبعا للدرر لا تضمن منافع الغصب استوفاها أو عطلها إلا في ثلاث فمقتضاه ضمانها فيها بالاستيفاء أو التعطيل فقول الشرنبلالية هناك وينظر ما لو عطل المنفعة هل يضمن الأجرة كما لو سكن ا هـ لا محل له
نعم وقع في الخصاف لو قبض المستأجر الأرض في الإجارة الفاسدة ولم يزرع لا أجر عليه وكذلك الدار إذا قبضها ولم يسكنها اه
لكنه مبني على قول المتقدمين كما صرح به في الإسعاف ومفاده لزوم الأجرة بالتمكن في الفاسدة على قول المتأخرين وسيذكره الشارح في أوائل الإجارات عن الأشباه ( قوله أو أسكنه المتولي ) أي أسكن فيه غيره إلا إذا كان موقوفا للسكنى وانحصرت فيه فإن له إعارته ولو سكنه المتولي بنفسه ولم يكن للسكنى فإنه يلزمه أجر المثل بل قدمنا عن خزانة المفتين أنه لو زرع الوقف لنفسه يخرجه القاضي من يده
مطلب سكن المشتري دار الوقف قوله ( كان على الساكن أجر المثل ) حتى لو باع المتولي دار الوقف فسكنها المشتري ثم أبطل القاضي البيع كان على المشتري أجرة المثل
فتح
وبه أفتى الرملي وغيره كما قدمناه وما في الإسماعيلية من الإفتاء بخلافه تبعا للقنية فهو ضعيف كما صرح به في البحر ودخل ما لو كان الوقف مسجدا أو مدرسة سكن فيه فتجب فيه أجرة المثل كما أفتى به في الحامدية
قال وأفتى به الجد والعم والرملي والمقدسي وكذا ما لو كان بعضه ملكا وسكنه الشريك كما مر أول الشركة
قوله ( وكذا منافع مال اليتيم ) دخل فيه ما لو سكنته أمه مع زوجها فيلزم الزوج الأجرة وكذا شريك اليتيم كما سيأتي تحريره في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى وكذا ما لو شراها أحد ثم ظهر أنها ليتيم كما في جامع الفصولين
قوله ( فيما اختلف العلماء فيه ) حتى نقضوا الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى كما في الحاوي القدسي أيضا أي مع أن في المسألة قولين مصححين وكذا أفتوا بالضمان في غصب عقاره ومنافعه مع أن العقار لا يضمن بالغصب عندهما بل عند محمد وزفر والشافعي وكذا في مسائل كثيرة منها عدم استبدال ما قل ريعه وكذا صحة الوقف على النفس وعدم صحة الإجارة مدة طويلة كما مر والتتبع ينفي الحصر
____________________
(4/408)
فافهم
قوله ( ومتى قضى بالقيمة ) أي بأن غصب أرضا وأجرى عليها الماء حتى صارت بحرا لا تصلح للزراعة
إسعاف
وقدمنا عن جامع الفصولين لو غصب وقفا فنقص مما يؤخذ بنقصه يصرف إلى مرمته لا إلى أهل الوقف لأنه بدل الرقبة وحقهم في الغلة لا في الرقبة ا هـ
قوله ( فيكون وقفا بدل الأول ) أي بلا توقف على تلفظ بوقفه كما في معين المفتي وغيره كذا في شرح الملتقى ط
قوله ( حسبة ) الحسبة بالكسر الأجر كما في القاموس أي لقصد الأجر لا لإجابة مدع
أفاده ط
مطلب المواضع التي تقبل فيها الشهادة حسبة بلا دعوى قوله ( أربعة عشر ) وهي الوقف وطلاق الزوجة وتعليق طلاقها وحرية الأمة وتدبيرها والخلع وهلال رمضان والنسب لكن في البحر خلافه وحد الزنا وحد الشرب والإيلاء والظهار وحرمة المصاهرة ودعوى المولى نسب العبد ا هـ
قلت ويزاد الشهادة بالرضاع كما مشى عليه المصنف في بابه
قوله ( منها الوقف ) أي الشهادة بأصله لا بريعه أشباه وأما الدعوى به أو بريعه فقد مر الكلام عليها ويأتي قريبا ويأتي بيان المراد بأصله
قوله ( وهذا التفصيل ) أي بين ما إذا كان الوقف على معينين فلا تقبل وبين ما إذا قامت على أنه للفقراء أو للمسجد ونحوه فتقبل
قوله ( وفي التتارخانية ) هو عين التفصيل ا هـ ح
قوله ( لكن بحث فيه ابن الشحنة الخ ) أي بحث في الإطلاق المذكور في المتن ا هـ ح
والأصوب إبداله بابن وهبان ويعود الضمير إلى التفصيل
قال المصنف في المنح نقلا عن الخانية وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم لا تقبل البينة عليه بدون الدعوى ا هـ
قال ابن وهبان وهذا التفصيل غير محتاج إليه لأن الوقف وإن كان على قوم بأعيانهم فآخره لا بد وأن يكون لجهة بر لا تنقطع كالفقراء وغيرهم فالشهادة تقبل بحقهم إما حالا أو مآلا ا هـ
قال ابن الشحنة التفصيل لا بد منه لأن البينة إذ قامت بأن هذا وقف يستحقه قوم بأعيانهم لا بد فيه من الدعوى لثبوت استحقاقهم وتناولهم وإن كان آخره ما ذكر بخلاف ما إذا قامت على أنه وقف على الفقراء أو المسجد أو نحو ذلك ا هـ
قال المصنف أقول ما ذكر ابن وهبان ظاهر جدا وما ذكره ابن الشحنة لا ينتهض حجة عليه لأن كلام ابن وهبان في أن ثبوت أصل الوقف لا يحتاج إلى الدعوى مطلقا وإن كان المستحق لا يدفع له شيء على تقدير عدم دعواه وكلام ابن الشحنة في ثبوت الاستحقاق للموقوف عليه المعين ولا شك في توقفه على الدعوى ا هـ
قلت لكن في الحادي عشر من دعوى البزازية باع أرضا ثم ادعى أنه كان وقفها أو قال وقف علي فإن لم تكن له بينة وأراد تحليف البائع لا يحلف لعدم صحة الدعوى للتناقض وإن برهن قال الفقيه أبو جعفر
____________________
(4/409)
يقبل ويبطل البيع لعدم اشتراط الدعوى في الوقف كما عتق الأمة وبه أخذ الصدر والصحيح أن الإطلاق غير مرضي فإن الوقف لو حق الله تعالى فالجواب ما قاله وإن حق العبد لا بد فيه من الدعوى ا هـ
وأنت خبير بأن الوقف لا بد أن يكون فيه حق الله تعالى إما حالا أو مآلا وهذا التصحيح للتفصيل المار عن الخانية يقتضي أن المنظور إليه الحال لا المآل وإلا لم يصح قوله وإن حق العبد الخ وهذا خلاف ما قاله ابن وهبان حيث جعل الوقف كله حقا لله تعالى باعتبار المآل ومؤيد لما قاله ابن الشحنة حيث اعتبر فيه الحال لكن قد يقال التحقيق أن الوقف من حيث هو حق الله تعالى لأنه تصدق بالمنفعة فلا تشترط له الدعوى لكن إذا كان أوله على معين وأريد إثبات استحقاقه اشترط له الدعوى وإن ثبت أصل الوقف بدونها فثبت ما قاله المصنف وهذا في الحقيقة تحقيق وتلفيق بين القولين وتوفيق بنظر دقيق لكن لو كان المدعي هو البائع لا يمكن إثبات استحقاقه لأنه متناقض فلا تصح دعواه وتبقى البينة مسموعة لإثبات أصل الوقف ويأتي له زيادة بيان عند قوله باع دارا
قوله ( إلا بتولية ) أي أو بإذن قاض
قوله ( كما مر ) أي عن العمادية لكن فيه أن ما مر في دعوى عين الوقف لو غصبه غاصب أما دعوى المستحق استحقاقه من غلة الوقف فلا شبهة في صحتها ولا تحتاج إلى التدبر أفاده ح
قلت قدمنا التصريح بأن مستحق غلة الوقف لا يملك الدعوى بها وهو مشكل يحتاج إلى التدبير وقدمنا بيانه وقوله فلا شبهة الخ مؤيد لما قدمناه
قوله ( لنا شاهد حسبة في أربعة عشر ) هذا مكرر بما تقدم فالأولى الاقتصار على ما بعده
أفاده ط
قوله ( وليس لنا مدع حسبة ) بتنوين مدع ونصب حسبة على التمييز
وفي بعض النسخ مدعي بالياء فهو مضاف وحسبة مجرور به
قوله ( قوله والمفتى به لا ) أي لا تسمع دعواه فلا يحلف الخصم لو أنكر كما قدمناه آنفا عن البزازية لكن لو أقام بينة تقبل بطريق الحسبة كما علمت تحريره قوله ( فالأجنبي أولى ) قال في الأشباه عقب هذا وظاهر كلامهم أنها لا تسمع من غير الموقوف عليه اتفاقا ا هـ أي لأن الخلاف مذكور في دعوى الموقوف عليه هل تسمع أم لا والمفتى به لا فظاهره أن الأجنبي لا تسمع دعواه اتفاقا ا هـ
لكن قال العلامة البيري بل الظاهر من كلامهم أن الخلاف فيه أيضا لأن محل النزاع كون المحل قابلا لدعوى الحسبة أم لا فمن قال بأنه قابل جوز ذلك من الموقوف عليه كما لا يخفى ا هـ
وحينئذ يتجه ما مر من التفصيل فإذا كانت الدعوى لإثبات عين الوقف يكون حق الله تعالى فتسمع فيه الدعوى حسبة من الموقوف عليه وغيره إلا إذا باع الوقف ثم ادعى فلا تسمع دعواه وأما البينة فإنها تقبل مطلقا إلا إذا كانت لإثبات غلة الوقف فلا تقبل بلا دعوى صحيحة وتقدم الكلام فيه ثم لا يخفى أن شاهد الحسبة لا بد أن يدعي ما يشهد به إن لم يوجد مدع غيره وعلى هذا فكل ما تقبل فيه الشهادة حسبة يصدق عليه أنه تقبل فيه الدعوى حسبة وهذا ينافي ما مر عن الأشباه إلا أن يكون مراده أنه لا يسمى مدعيا أو أن مدعي الحسبة لا يحلف له الخصم عند عدم البينة فلا يتحقق بدون الشهادة فلذا نفاه فليتأمل
وفي الفصولين وفي عتق الأمة والطلاق قيل يحلف وقيل لا
تنبيه شاهد الحسبة إذا أخرها لغير عذر لا تقبل لفسقه
أشباه عن القنية
وقال ابن نجيم في رسالته المؤلفة فيما تسمع في الشهادة حسبة ومقتضاه أن الشاهد في الوقف كذلك
قوله ( وقد مر ) أي عدم سماع الدعوى من الموقوف عليه لو غصب منه الوقف إلا بتولية مع زيادة قوله ولو الوقف على معين
ولا يخفى أن الدعوى على الغاصب دعوى
____________________
(4/410)
أصل الوقف أي لا دعوى الغلة فافهم
قوله ( لئلا يكون إثباتا للمجهول ) هذا بناء على قول الإمام إن الوقف حبس أصل الملك على ملك الواقف فلا بد من ذكره
أفاده المصنف ط
قوله ( وفي العمادية تقبل ) أي من غير بيان الواقف وهو قول أبي يوسف وعليه مشايخ بلخ كأبي جعفر وغيرهم وعليه اقتصر الخصاف ومقتضى كون الفتوى على قول أبي يوسف في الوقف أنه يفتى بقوله هنا
أفاده في المنح ط
وفي الخيرية وقف قديم مشهور لا يعرف واقفه استولى عليه ظالم فادعى المتولي أنه وقف على كذا مشهور وشهدا بذلك فالمختار أنه يجوز اه
وعزاه إلى جامع الفصولين
وفي الإسعاف عن الخانية وتصح دعوى الوقف والشهادة به من غير بيان الواقف
مطلب في دعوى الوقف بلا بيان الواقف وبلا بيان أنه وقف وهو يملكه تنبيه ذكر في الإسعاف لو ادعى أن هذه الأرض وقفها فلان علي وذو اليد يجحد ويقول هي ملكي لا يصح وإن شهدت البينة أنها كانت في يده يوم وقفها لأن الإنسان قد يقف ما لا يملكه وهو بيده بإجارة أو إعارة ا هـ
ملخصا
ومفاده أنه يشترط بعد بيان الواقف بيان أنه وقفه وهو يملكه وهذا ظاهر في نحو هذه الدعوى وكذا لو اختلفا في أنه وقفه قب أن يملكه أو بعد ما باعه أما لو اختلفا في أن فلانا وقفه أو لا أو كان وقفا قديما مشهورا فباعه أحد أو استولى عليه ظالم فهذا شرط للحكم بصحة الوقف لا للحكم بنفس الوقف ففي فتاوى قارىء الهداية سئل هل يشترط في صحة حكم الحاكم بوقف أو بيع أو إجارة ثبوت ملك الواقف أو البائع أو المؤجر وحيازته أم لا أجاب إنما يحكم بالصحة إذا ثبت أنه مالك لما وقفه أو أن له ولاية الإيجار أو البيع لما باعه بملك أو نيابة وكذا في الوقف وإن لم يثبت شيء من ذلك لا يحكم بالصحة بل بنفس الوقف والإجارة والبيع ا هـ قوله ( لإثبات أصله ) متعلق بالشهادة بالشهرة فقط ح
وفي المنح كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط
مطلب في الشهادة على الوقف بالتسامع قوله ( وإن صرحوا به ) بأن قالوا عند القاضي نشهد بالتسامع درر
وفي شهادات الخيرية الشهادة على الوقف بالسماع أن يقول الشاهد أشهد به لأني سمعته من الناس أو بسبب أني سمعته من الناس ونحوه قوله ( أي بالسماع ) أشار به إلى تأويل الشهرة بالسماع فساغ تذكير الضمير فأفاد أنهما شيء واحد ط
وفي حاشية نوح أفندي الشهادة بالشهرة أن يدعي المتولي أن هذه الضيعة وقف على كذا مشهور ويشهد الشهود بذلك والشهادة بالتسامع أن يقول الشاهد أشهد بالتسامع ا هـ
ولا يخفى أن المال واحد وإن اختلفت المادة فافهم
قوله ( في المختار الخ ) هذا مخالف لما في المتون من الشهادات ففي الكنز وغيره ولا يشهد بما لم يعاين إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي وأصله الوقف فله أن يشهد بها إذا أخبره بها من يثق به ومن في يده شيء سوى الرقيق لك أن تشهد أنه
____________________
(4/411)
له وإن فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع أو بمعاينة اليد لا تقبل
قال العيني وإن فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع في موضع يجوز بالتسامع أو فسر أنه يشهد له بالملك بمعاينة اليد يعني برؤيته في يده لا تقبل لأن القاضي لا يزيد علما بذلك فلا يجوز له أن يحكم الخ ومثله في الزيلعي مبسوطا وفي شهادات الخيرية الشهادة على الوقف بالسماع فيها خلاف والمتون قاطبة قد أطلقت القول بأنه إذا فسر أنه يشهد بالسماع لا تقبل وبه صرح قاضيخان وكثير من أصحابنا اه
ومثله في فتاوى شيخ الإسلام علي أفندي مفتي الروم اه ملخصا من مجموعة شيخ مشايخنا منلا علي التركماني
قلت لكن تقدم أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه كما أشار إلى وجهه تبعا للدرر بقوله حفظا للأوقاف القديمة الخ وذكر المصنف عن فتاوى رشيد الدين أنه تقبل وإن صرحا بالتسامع لأن الشاهد ربما يكون سنه عشرين سنة وتاريخ الوقف مائة سنة فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع لا بالعيان فإذا لا فرق بين السكوت والإفصاح
أشار إليه ظهير الدين المرغيناني
وهذا بخلاف ما تجوز فيه الشهادة بالتسامع فإنهما إذا صرحا به لا تقبل ا هـ
أي بخلاف غير الوقف من الخمسة المارة فإنه لا يتيقن فيها بأن الشهادة بالتسامع فيفرق فيها بين السكوت والإفصاح
والحاصل أن المشايخ رجحوا استثناء الوقف منها للضرورة وهي حفظ الأوقاف القديمة عن الضياع ولأن التصريح بالتسامع فيه لا يزيد على الإفصاح به والله سبحانه أعلم
قوله ( إثبات شرائطه ) المراد من الشرائط أن يقولوا إن قدرا من الغلة لكذا ثم يصرف الفاضل إلى كذا بعد بيان الجهة
بحر من الشهادات
وقوله بعد بيان الجهة متعلق بقوله أن يقولوا لأن بيان الجهة هو بيان المصرف ويأتي أنه من الأصل لا من الشرائط فالمراد من الشرائط ما يشرطه الواقف في كتاب وقفه لا الشرائط التي يتوقف عليها صحة الوقف كالملك والإفراز والتسليم عند القائل به ونحو ذلك مما مر أول الباب
قوله ( في الأصح ) وعليه الفتوى
هندية عن السراجية ط
قوله ( وأقره الشرنبلالي ) وعزاه إلى العلامة قاسم
مطلب في حكم الوقف القديم المجهولة شرائطه ومصارفه قوله ( وقواه في الفتح بقولهم الخ ) حيث قال في كتاب الشهادات وأنت إذا عرفت قولهم ذلك لم تتوقف عن تحسين ما في المجتبى لأن ذلك هو معنى الثبوت بالتسامع ا هـ أي لأن الشهادة بالتسامع هي أن يشهد بما لم يعاينه والعمل بما في دواوين القضاة عمل بما لم يعاين وأيضا قولهم المجهولة شرائطه ومصارفه يفهم منه أن ما لم يجهل منها يعمل بما علم منها وذلك العلم قد لا يكون بمشاهدة الواقف بل بالتصرف القديم وبه صرح في الذخيرة حيث قال سئل شيخ الإسلام عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف إلى مستحقيه
قال ينظر إلى المعهود من حاله فيم سبق من الزمان من أن قوامه كيف يعملون فيه وإلى من يصرفونه فيبني على ذلك لأن الظاهر أنهم
____________________
(4/412)
كانوا يفعلون ذلك على موافقة شرط الواقف وهو المظنون بحال المسلمين فيعمل على ذلك ا هـ
فهذا عين الثبوت بالتسامع
وفي الخيرية إن كان للوقف كتاب في ديوان القضاة المسمى في عرفنا بالسجل وهو في أيديهم اتبع ما فيه استحسانا إذا تنازع أهله فيه وإلا ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان من أن قوامه كيف كانوا يعملون وإن لم يعلم الحال فيما سبق رجعنا إلى القياس الشرعي وهو أن من أثبت بالبرهان حقا حكم له به ا هـ
لكن قولهم المجهولة شرائطه الخ يقتضي أنها لو علمت ولو بالنظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من تصرف القوام لا يرجع إلى ما في سجل القضاة وهذا عكس ما في الخيرية فتنبه لذلك
مطلب أحضر صكا فيه خطوط العدول والقضاة لا يقضى به تنبيه ذكر في الخانية و الإسعاف ادعى على رجل في يده ضيعة أنها وقف وأحضر صكا فيه خطوط العدول والقضاة الماضين وطلب من القاضي القضاء بذلك الصك قالوا ليس للقاضي ذلك لأن القاضي إنما يقضي بالحجة والحجة إنما هي البينة أو الإقرار أما الصك فلا يصلح حجة لأن الخط يشبه الخط وكذا لو كان على باب الدار لوح مضروب ينطق بالوقف لا يجوز للقاضي أن يقضي ما لم يشهد الشهود ا هـ
قلت وهذا بظاهره ينافي ما هن من العلم بما في دواوين القضاة والجواب أن العمل بما فيها استحسان كما في الإسعاف وغيره وما ذكرناه عن الخانية محله إذا لم يكن للصك وجود في سجل القضاة أما لو وجد فيه فإنه يعمل به كما في حواشي الأشباه ومثله ما قدمناه من قول الخيرية إن كان للواقف كتاب الخ ووجهه ظاهر لأنه إذا كان له كتاب موافق لما في سجل القضاة يزداد به قوة ولا سيما إذا كان الكتاب عليه خطوط القضاة الماضين
مطلب لا يعتمد على الخط إلا في مسائل فعلى هذا فقول الأشباه في أول كتاب القضاء لا يعتمد على الخط ولا يعمل به إلا في كتاب أهل الحرب بطلب الأمان إلى الإمام وفي دفتر السمسار والصراف والبياع يستثنى منه أيضا هذه المسألة كما أفاده البيري فتصير المسائل المستثناة ثلاثا وتمام بيانها في كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية من كتاب الدعوى فراجعه فإنه مهم
مطلب في البراءات السلطانية والدفاتر الخاقانية ثم أعلم أنه ذكر في الأشباه أنه يمكن أن يلحق بكتاب أهل الحرب البراءات السلطانية بالوظائف إن كانت العلة أنه لا يزور
قال العلامة البيري والظاهر هذا ويشهد له ما في الزكاة إذا قال أعطيتها وأظهر البراءة يجوز العمل به وعلل بأن الاحتيال في الخط نادر كما في المصفى ا هـ
قلت وهذا يؤيد ما ذكره الشارح في رسالة عملها في الدفتر الخاقاني المعنون بالطرة السلطانية المأمونة من التزوير إلى أن قال فلو وجد في الدفاتر أن المكان الفلاني وقف على المدرسة الفلانية مثلا يعمل به من غير بينة
____________________
(4/413)
قال وبذلك يفتي مشايخ الإسلام كما هو مصرح به في بهجة عبد الله أفندي وغيرها ا هـ
لكن أفتى في الخيرية بأنه لا يثبت الوقف بمجرد وجوده في الدفتر السلطاني لعدم الاعتماد على الخط
فتأمل
قوله ( والمدعى أعم ) أي من كونه للضرورة أو غيرها ولكن فيه نظر فإن الكلام في جهل الشرائط كما علمت إذ عند علمها لا حاجة إلى إثباتها فالكلام عند الضرورة لا أعم فكلام الكمال أتم فافهم
قوله ( وبيان المصرف من أصله ) مبتدأ وخبر أي فتقبل الشهادة على المصرف بالتسامع كالشهادة على أصله لأن المراد بأصله كل ما تتوقف عليه صحته وإلا فهو من الشرائط كما قدمناه وكونه وقفا على الفقراء أو على مسجد كذا تتوقف عليه صحته بخلاف اشتراط صرف غلته لزيد أو للذرية فهو من الشرائط لا من الأصل ولعل هذا مبني على قول محمد باشتراط التصريح في الوقف بذكر جهة لا تنقطع وتقدم ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط التصريح به فإذا كان ذلك غير لازم في كلام الواقف فينبغي أن لا يلزم في الشهادة بالأولى لعدم توقف الصحة عليه عنده ويؤيده هذا ما في الإسعاف و الخانية لا تجوز الشهادة على الشرائط والجهات بالتسامع ا هـ
ولا يخفى أن الجهات هي بيان المصارف فقد ساوى بينها وبين الشرائط إلا أن يراد بها الجهات التي لا يتوقف صحة الوقف عليها
وفي التتارخانية وعن أبي الليث تجوز الشهادة في الوقف بالاستفاضة من غير الدعوى وتقبل الشهادة بالوقف وإن لم يبينوا وجها ويكون للفقراء ا هـ
وفي جامع الفصولين ولو ذكروا الواقف لا المصرف تقبل لو قديما ويصرف إلى الفقراء ا هـ
وهذا صريح فيما قلنا من عدم لزومه في الشهادة والظاهر أنه مبني على قول أبي يوسف وعليه فلا يكون بيان المصرف من أصله فلا تقبل فيه الشهادة بالتسامع كما سمعت نقله عن الخانية و الإسعاف والظاهر أن هذا إذا كان المصرف جهة مسجد أو مقبرة أو نحوهما أما لو كان للفقراء فلا يحتاج إلى إثباته بالتسامع لما علمت من أنه يثبت بالشهادة على مجرد الوقف فإذا ثبت الوقف بالتسامع يصرف إلى الفقراء بدون ذكرهم كما علم من عبارة التتارخانية و الفصولين هذا ما ظهر لي في هذا المحل وقد ذكر الخير الرملي في حاشية المنح توفيقا آخر بين ما ذكره المصنف وبين ما نقلناه عن الإسعاف و الخانية بحمل جواز الشهادة على ما إذا لم يكن الوقف ثابتا على جهة بأن ادعى على ذي يد يتصرف بالملك بأنه وقف على جهة كذا فشهدوا بالسماع وحمل عدم الجواز على ما إذا كان أصله ثابتا على جهة فادعى جهة غيرها وشهدوا عليها بالسماع للضرورة في الأول دون الثاني لأن أصل جواز الشهادة فيه بالسماع للضرورة والحكم يدور مع علته وجازت إذ قدم
قال وقد رأيت شيخنا الحانوتي أجاب بذلك ا هـ
ملخصا
مطلب فيمن ينتصب خصما عن غيره قوله ( وبعض مستحقيه ) مبتدأ أو مضاف إليه وقوله ينتصب خصما عن الكل خبر المبتدأ ويأتي بيانه وكذا بعض نظار الوقف لما في الحادي عشر من التتارخانية وقف أرضه على قرابته فادعى رجل أنه منهم والواقف حي فهو خصمه وإلا فالقيم ولو متعددا وإن ادعى على واحد جاز ولا يشترط اجتماعهم ولا يكون خصما وارث الميت ولا أحد أرباب الوقف
قوله ( وكذا بعض الورثة ) أي يقوم مقام جميعهم فيما للميت أو عليه ويأتي تمامه قريبا
قوله ( قلت الخ ) استدراك على قوله ولا ثالث لهما
قوله ( وكذا لو ثبت إعساره في وجه أحد الغرماء ) فإنه
____________________
(4/414)
ينصب خصما عن بقيتهم فلا يحبس لهم ط
قوله ( كما سيجيء ) لم أره في فصل الحبس من كتاب القضاة ولا في كتاب الحجر فلعله ذكره في غيرهما فليراجع
قوله ( وقالوا تقبل بينة الإفلاس بغيبة المدعي ) هذا تأييد لقبولها في وجه أحد الغرماء لا بيان لموضع آخر مما نحن فيه حتى يرد عليه أنه لا محل لذكره هنا لعدم انتصاب أحد عن أحد فيه فافهم
قوله ( وكذا بعض الأولياء المتساوين ) كذا خبر مقدم و بعض الأولياء مبتدأ مؤخر وجملة يثبت الخ استئناف بياني يعني أن رضا بعض الألياء المتساوين بنكاح غير الكفء قبل العقد أو بعده كرضا الكل لأن حق الاعتراض ثبت لكل واحد من الأولياء كملا وهذا على ظاهر الرواية أما على المفتى به فالنكاح باطل من أصله لفساد الزمان كما تقدم في باب الولي ا هـ ح أي أن تزويجها نفسها لغير كفء باطل إذا كان لها ولي لم يرض به قبل العقد ولا يفيد رضا بعده وإن لم يكن لها ولي فهو صحيح كما مر في بابه ثم حيث ثبت الحق لكل من الأولياء كملا فإذا رضي أحدهما فكأنه قام مقام غيره في الرضا حتى لا يثبت لغيره حق الاعتراض ولو قال يثبت الاعتراض وكذا الإنكاح في الصغير لكان أولى
قوله ( وكذا الأمان ) يعني أمان واحد من المسلمين لحربي كأمان جميعهم كما تقدم في السير ا هـ ح
قوله ( والقود ) يعني إذا عفا واحد من أولياء المقتول سقط القود كما إذا عفا جميعهم ا هـ ح
قلت وكذا استيفاء القود فسيأتي في الجنايات أن للكبار القود قبل كبر الصغار خلافا لهما والأصل أن كل ما لا يتجزأ إذا وجد سببه كاملا يثبت لكل على الكمال كولاية إنكاح وأمان إلا إذا كان الكبير أجنبيا عن الصغير فلا يملك القود حتى يبلغ الصغير إجماعا
زيلعي
وذلك كابن للمتوفى صغير وامرأته وهي غير أم الصغير ا هـ ط
قوله ( وولاية المطالبة الخ ) قال المصنف من باب ما يحدثه الرجل في الطريق من نحو الكنيف والميزاب ولكل واحد من أهل الخصومة ولو ذميا منعه ابتداء ومطالبته بنقضه ورفعه بعده أي بعد البناء سواء كان فيه ضرر أو لا إذا بنى لنفسه بغير إذن الإمام ولم يكن للمطالب مثله ا هـ
فقوله بإزالة الضرر ليس بقيد بل يقوم أحد من له الخصومة بالمطالبة وإن لم يضر ا هـ ط
قوله ( والتتبع يقتضي عدم الحصر ) يعني أنه زاد ما ذكر ولم يحصر المواضع بعدد لأنه يمكن التتبع الزيادة عليها خلافا لما فعله في الأشباه وقد زاد البيري مسألة وهي قال محمد رحمه الله تعالى لو قال سالم وبزيغ وميمون أحرار وأقام واحد منهم البينة على ذلك ثم جاء غيره لا يعيد البينة لأنه إعتاق واحد ا هـ
قلت ويزاد أيضا ما في الفصل الرابع من جامع الفصولين برهن على رجل أنه باعه وفلانا الغائب قنا بكذا يقضى على الحاضر بنصف ثمنه لا على الغائب إلا أن يحضر ويعيد البينة عليه ولو كان قد ضمن كل منهما ما على الآخر من الثمن جاز ويقضى عليهما فلا حاجة إلى إعادة البينة على الغائب ا هـ
وسيأتي في كتاب القضاء أنه لا يقضى على غائب ولا له إلا في مواضع منها أن يكون ما يدعى على الغائب سببا لما يدعى على الحاضر كما إذا برهن
____________________
(4/415)
على ذي اليد أنه اشترى الدار من فلان الغائب فحكم على الحاضر كان ذلك حكما على الغائب أيضا حتى لو حضر وأنكر لم يعتبر
قال الشارح هناك وله صور كثيرة ذكر منها في ( المجتبى ) تسعا وعشرين
مطلب في انتصاب بعض الورثة خصما عن الكل قوله ( ثم إنما ينتصب الخ ) قال في جامع الفصولين ادعى بيتا إرثا لنفسه ولإخوته الغيب وسماهم وقال الشهود لا نعلم له وارثا غيرهم تقبل البينة في ثبوت البيت للميت إذ أحد الورثة خصم عن الميت فيما يستحق له وعليه ألا ترى أنه لو ادعى على الميت دين بحضرة أحدهم يثبت في حق الكل
وكذا لو ادعى أحدهم دينا على رجل للميت وبرهن ثبت في حق الكل
وأجمعوا على أنه لا يدفع إلى الحاضر إلا نصيبه يعني في البيت مشاعا غير مقسوم ثم قالا يؤخذ نصيب الغائب ويوضع عند عدل وقال أبو حنيفة لا يؤخذ وأجمعوا على أن ذا اليد لو مقرا لا يؤخذ منه نصيب الغائب هذا في العقار
أما في النقلي فعندهما يوضع عند عدل وعنده قيل كذلك وقيل لا يؤخذ كما لو كان مقرا
ولو مات عن ثلاثة بنين فغاب اثنان وبقي ابن والدار في يده غير مقسومة فادعى رجل كلها ملكا مرسلا أو الشراء من أيبهم يحكم له بالك ولو برهن على أحدهم أن الميت غصب شيئا وبعضه بيد الحاضر وبعضه بيد وكيل الغائب قضى على الحاضر بدفع ما بيده دون وكيل الغائب
فالحاصل أن أحد الورثة خصم عن الميت في عين هو في يد هذا الوارث لا فيما ليس بيده حتى لو ادعى عليه عينا من التركة ليست في يده لا يسمع وفي دعوى الدين ينتصب أحدهم خصما عن الميت ولو لم يكن بيده شيء من التركة ا هـ
ملخصا
وتمام الكلام فيه من الفضل الرابع
مطلب بعض المستحقين ينتصب خصما عن الكل قوله ( وينتصب خصما عن الكل ) أي كل المستحقين وكذا بعض النظار كما قدمناه والمسألة في المحيط و القنية وقف بين أخوين مات أحدهما وبقي في يد الحي وأولاد الميت فبرهن الحي على أحدهم أن الواقف بطنا بعد بطن والباقي غيب والواقف واحد يقبل وينتصب خصما عن الباقين ولو برهن الأولاد أن الوقف مطلق علينا وعليك فبينة الأولى أولى
قوله ( وهذا الخ ) وعليه فلا منافاة بين ما هنا وما قدمه من أن الموقوف عليه لا يملك الدعوى لأن ذاك فيما إذا لم يكن الوقف ثابتا وأراد إثبات إنه وقف ومر تقريره
مطلب اشترى بمال الوقف دارا للوقف يجوز بيعها قوله ( اشترى بمال الوقف ) أي بغلة الوقف كما عبر به في الخانية وهو أولى احترازا عما لو اشترى ببدل الوقف فإنه يصير وقفا كالأول على شروطه وإن لم يذكر شيئا كما مر في بحث الاستبدال وقيده في الفتح بما إذا لم يحتج الوقف إلى العمارة وهو ظاهر إذ ليس له الشراء كما ليس له الصرف إلى المستحقين كما مر
وفي البحر
____________________
(4/416)
عن القنية إنما يجوز الشراء بإذن القاضي لأنه لا يستفاد الشراء من مجرد تفويض القوامة إليه فلو استدان في ثمنه وقع الشراء له ا هـ
قلت لكن في التاترخانية قال الفقيه ينبغي أن يكون ذلك بأمر الحاكم احتياطا في موضع الخلاف
قوله ( ويجوز بيعها في الأصح ) في البزازية بعد ذكر ما تقدم
وذكر أبو الليث في الاستحسان يصير وقفا وهذا صريح في أنه المختار ا هـ رملي
قلت وفي التتارخانية المختار أنه يجوز بيعها إن احتاجوا إليه
مطلب في الإمام والمؤذن إذا مات في أثناء السنة قوله ( كالقاضي ) فإنه يسقط حقه إلا إذا مات في آخر السنة فيستحب الصرف لورثته كما في الهداية قبيل باب المرتد
قوله ( وقيل لا يسقط ) أي بل يعطى بقدر ما باشر ويصير ميراثا عنه كما يأتي
قوله ( قلت قد جزم في البغية الخ ) أي فجزمه به يقتضي ترجيحه قلت ووجهه ما سيذكره في مسألة الجامكية أن لها شبه الأجرة وشبه الصلة ثم إن المتقدمين منعوا أخذ الأجرة على الطاعات وأفتى المتأخرون بجوازه على التعليم والأذان والإمامة فالظاهر أن من نظر إلى مذهب المتقدمين رجح شبه الصلة فقال بسقوطها بالموت لأن الصلة لا تملك قبل القبض ومن نظر إلى مذهب المتأخرين رجح شبه الأجرة فقال بعدم السقوط وحيث كان مذهب المتأخرين هو المفتى به جزم في البغية بالثاني بخلاف رزق القاضي فإنه ليس له شبه بالأجرة أصلا إذ لا قائل بأخذ الأجرة على القضاء
مطلب إذا مات المدرس ونحوه يعطى بقدر ما باشر بخلاف الوقف على الذرية وعلى هذا مشى الطرسوسي في أنفع الوسائل على أن المدرس ونحوه من أصحاب الوظائف إذا مات في أثناء السنة يعطى بقدر ما باشر ويسقط الباقي وقال بخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإنه يعتبر فيهم وقت ظهور الغلة فمن مات بعد ظهورها ولو لم يبد صلاحها صار ما يستحقه لورثته وإلا سقط ا هـ
وتبعه في الأشباه وأفتى به في الخيرية وهو الذي حرره المرحوم مفتي الروم أبو السعود العمادي وهذا خلاصة ما قدمناه في كتابالجهاد قبيل فصل القسمة وقبيل باب المرتد
ولو كان الوقف يؤجر أقساطا فتمام كل قسط بمنزلة طلوع الغلة فمن وجد وقته استحق كما أفتى به الحانوتي تبعا للفتح
وبما قررناه ظهر سقوط ما نقله البيري عن شيخ الشيوخ الديري من أنه ينبغي أن يعمل بهذا القول وهو عدم السقوط بالموت في حق المدرس والطلبة لا في حق المؤذن والإمام لأن الأذان والإمامة من فروض الكفاية فلا تكون بمقابلة أجرة ا هـ ملخصا
فإن المتأخرين أفتوا بأخذ الأجرة على الثلاثة
____________________
(4/417)
مطلب إذا مات من له شيء من الصر والحب يستحق نصيبه تنبيه ذكر البيري أيضا أنه سئل العلامة ابن ظهيرة القرشي الحنفي إذا كان للميت شيء من الصر والحب وورد ذلك عن السنين الماضية في حياته وفي السنة التي مات فيها هل يستحقه بقسطه أجاب نعم يستحق نصيبه منه وإن كان مبرة من السلطان صار نصيبه في حكم المحلول وذكر الإمام أبو الليث في النوازل أنه يكون لورثته ا هـ
ويؤيده ما في البزازية عن محمد قوم أمروا أن يكتبوا مساكين مسجدهم فكتبوا ورفعوا أساميهم وأخرجوا الدراهم على عددهم فمات واحد من المساكين قال يعطى وارثه إن مات بعد رفع اسمه ا هـ
ومنه يعلم حكم الأمانات الواصلة لأهل مكة المشرفة والمدينة المنورة على وجه الصلة والمبرة ثم يموت المرسل إليه وقد أفتيت بدفع ذلك لولده
بيري
قوله ( وإن آجرها الإمام لا ) أي لا يسقط معلومه تنزيلا لعقده منزلة القبض
تأمل
لكن تقدم أن الموقوف عليه الغلة أو السكنى لا يملك الإجارة والظاهر أن هذا الفرع مبني على القول الأول بالسقوط
مطلب فيما إذا قبض المعلوم وغاب قبل تمام السنة قوله ( أخذ الغلة ) أي قبض معلوم السنة بتمامها كما في البحر
قال في الهندية إمام المسجد رفع الغلة وذهب قبل مضي السنة لا يسترد منه الصلة والعبرة بوقت الحصاد فإن كان يؤم في المسجد وقت الحصاد يستحق كذا في الوجيز
وهل يحل للإمام أكل حصة ما بقي من السنة إن كان فقيرا يحل وكذا الحكم في طلبة العلم يعطون في كل سنة شيئا مقدرا من الغلة وقت الإدراك فأخذ واحد منهم قسطه وقت الإدراك فتحول عن تلك المدرسة كذا في المحيط ا هـ
وقوله والعبرة بوقت بوقت الحصاد ظاهره المنافاة لما قدمناه عن الطرسوسي لكن أجاب في البحر بأن المراد أن العبرة به فيما إذا قبض معلوم السنة قبل مضيها لا لاستحقاقه بلا قبض
قال مع أنه نقل في القنية عن بعض الكتب أنه ينبغي أن يسترد من الإمام حصة ما لم يؤم فيه
قال ط قلت وهو الأقرب لغرض الواقف ا هـ
قلت وينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن ذلك مقدرا لكل يوم لما قدمنا عن القنية إن كان الواقف قدر للمدرس لكل يوم مبلغا فلم يدرس يوم الجمعة أو الثلاثاء لا يحل أجر هذين اليومين وتقدم تمامه قبيل قوله ولو دارا فعمارته على من له السكنى
قوله ( فصار كالجزية ) أي إذا مات الذمي في أثناء السنة لا يؤخذ منه الجزية لما مضى من الحول ويحتمل أن المراد أنه إذا عجلها أثناء السنة ثم أسلم أو مات لا تسترد ط
قوله ( ونظم ابن شحنة الغيبة الخ ) أقول حاصل ما في شرحه تبعا للبزازية أنه إذا غاب عن المدرسة فإما أن يخرج من المصر أو لا فإن خرج مسيرة سفر ثم رجع ليس له طلب ما مضى من معلومه بل يسقط وكذا لو سافر لحج ونحوه وإن لم يخرج لسفر بأن خرج إلى الرستاق فإن أقام خمسة عشر يوما فأكثر فإن بلا عذر كالخروج للتنزه فكذلك وإن لعذر كطلب المعاش فهو عفو إلا أن تزيد غيبته على ثلاثة أشهر فلغيره أخذ حجرته ووظيفته أي معلومه وإن لم يخرج من المصر فإن اشتغل
____________________
(4/418)
بكتابة علم شرعي فهو عفو وإلا جاز عزله أيضا
واختلف فيما إذا خرج للرستاق وأقام دون خمسة عشر يوما ليغر عذر فقيل يسقط وقيل لا هذا حاصل ما ذكره ابن الشحنة في شرحه
وملخصه أنه لا يسقط معلومه الماضي ولا يعزل في الآتي إذا كان في المصر مشتغلا بعلم شرعي أو خرج لغير سفر وأقام دون خمسة عشر يوما بلا عذر على أحد القولين أو خمسة عشر فأكثر لكن لعذر شرعي كطلب المعاش ولم يزد على ثلاثة أشهر وأنه يسقط الماضي ولا يعزل لو خرج مدة سفر ورجع أو سافر لحج ونحوه أو خرج للرستاق لغير عذر ما لم يزد على ثلاثة أشهر وأنه يسقط الماضي ويعزل لو كان في المصر غير مشتغل بعلم شرعي أو خرج منه وأقام أكثر من ثلاثة أشهر ولو لعذر
قال الخير الرملي وكل هذا إذا لم ينصب نائبا عنه وإلا فليس لغيره أخذ وظيفته ا هـ
ويأتي قريبا حكم النيابة
هذا وفي القنية من باب الإمامة إمام يترك الإمامة لزيارة أقربائه في الرساتيق أسبوعا أو نحوه أو لمصيبة أو لاستراحة لا بأس به ومثله عفو في العادة والشرع ا هـ
وهذا مبني على القول بأن خروجه أقل من خمسة عشر يوما بلا عذر شرعي لا يسقط معلومه وقد ذكر في الأشباه في قاعدة العادة محكمة عبارة القنية هذه وحملها على أنه يسامح أسبوعا في كل شهر واعترضه بعض محشيه بأن قوله في كل شهر ليس في عبارة القنية ما يدل عليه
قلت والأظهر ما في آخر شرح منية المصلي للحلبي أن الظاهر أن المراد في كل سنة
تنبيه ذكر الخصاف أنه لو أصاب القيم خرس أو عمى أو جنون أو فالج أو نحوه من الآفات فإن أمكنه الكلام والأمر والنهي والأخذ والإعطاء فله أخذ الأجر وإلا فلا
قال الطرسوسي ومقتضاه أن المدرس ونحوه إذا أصابه عذر من مرض أو حج بحيث لا يمكنه المباشرة لا يستحق المعلوم على نفس المباشرة فإن وجدت استحق المعلوم وإلا فلا وهذا هو الفقه ا هـ ملخصا
قلت ولا ينافي هذا ما مر من المسامحة بأسبوع ونحوه لأن القليل مغتفر كما سومح بالبطالة المعتادة على ما مر بيانه في محله
قوله ( ومنه ) أي من النظم لأن ابن الشحنة نظم في هذه المسألة خمسة أبيات فاقتصر الشارح على بيتين منها
قوله ( مطلقا ) أي سواء كان له منه بد أو لا لكن بعد كونه مسيرة سفر كما أفاده بقوله والحكم في الشرع يسفر بفتح الياء من السفر
قال ناظمه والمراد بقولنا في الشرع يسفر أي من يعد مسافرا شرعا
لكن اعترضه ط بقول القاموس السافر والمسافر لا فعل له
مطلب في الغيبة التي يستحق بها العزل عن الوظيفة وما لا يستحق قوله ( قلت وهذا ) أي التفصيل المذكور في الغيبة إنما هو فيما إذا قال وقفت هذا على ساكني مدرستي وأطلق
أما لو شرط شرطا تبع كحضور الدرس أياما معلومة في كل جمعة فلا يستحق المعلوم إلا من باشر خصوصا إذا قال من غاب عن الدرس قطع معلومه فيجب اتباعه وتمامه في البحر
قوله ( أما فيهما ) أي في فرض الحج وصلة الرحم
قوله ( والمعلوم ) بالنصب عطفا على العزل
قوله ( لا تجز استنابة الفقيه ) لا ناهية وتجز مجزوم بها وهو
____________________
(4/419)
بضم أوله وكسر ثانيه ولا الثانية تأكيد للأولى وقوله سائر الأرباب أي أصحاب الوظائف وقوله فذا من باب أي عدم جواز الاستنابة إن لك يكن عذر من باب أولى وقد تابع الناظم في هذا ما فهمه الطرسوسي من كلام الخصاف المار آنفا
قال فإنه لم يجعل له الاستنابة مع قيام الأعذار المذكورة فإنها لو جازت لقال ويجعل له من يقوم مقامه إلى زوال عذره
واعترضه في البحر بأن الخصاف صرح بأن للقيم أن يوكل وكيلا يقوم مقامه وله أن يجعل به من المعلوم شيئا وكذا في الإسعاف وهذا كالتصريح بجواز الاستنابة لأن النائب وكيل بالأجرة
وفي القنية استخلف الإمام خليفة في المسجد ليؤم فيه زمان غيبته لا يستحق الخليفة من أوقاف الإمامة شيئا إن كان الإمام أم أكثر السنة ا هـ
وفي الخلاصة أن الإمام يجوز استخلافه بلا إذن بخلاف القاضي وعلى هذا لا تكون وظيفته شاغرة وتصح النيابة
مطلب مهم في الاستنابة في الوظائف قال في البحر وحاصل في ما في القنية أن النائب لا يستحق شيئا من الوقف لأن الاستحقاق بالتقرير ولم يوجد ويتسحق الأصيل الكل إن عمل أكثر السنة وسكت عما يعينه الأصيل للنائب كل شهر في مقابلة عمله والظاهر أنه يستحق لأنها إجارة وقد وفى العمل بناء على قول المتأخرين المفتى به من جواز الاستئجار على الإمامة والتدريس وتعليم القرآن وعلى القول بعدم جواز الاستنابة إذا لم يعمل الأصيل وعمل النائب كانت الوظيفة شاغرة ولا يجوز للناظر الصرف إلى واحد منهما ويجوز للقاضي عزله وعمل الناس بالقاهرة على الجواز وعدم اعتبارها شاغرة مع وجود النيابة
ثم قال فالذي تحرر جواز الاستنابة في الوظائف ا هـ
ويؤيده ما مر في الجمعة من ترجيح جواز استنابة الخطيب
قال الخير الرملي في حاشيته ما تقدم عن الخلاصة ذكره في كتاب القضاء من الكنز والهداية وكثير من المتون والشروح والفتاوى ويجب تقييد جواز الاستنابة بوظيفة تقبل الإنابة كالتدريس بخلاف التعلم وحيث تحرر الجواز فلا فرق بين أن يكون المستناب مساويا له في الفضيلة أو فوقه أو دونه كما هو ظاهر ورأيت لمتأخري الشافعية من قيده بالمساوىء وبما فوقه وبعضهم قال بجوازه مطلقا ولو دونه وهو الظاهر والله تعالى أعلم
ا هـ
وقال في الخيرية بعد نقل حاصل ما في البحر والمسألة وضع فيها رسائل ويجب العمل بما عليه الناس وخصوصا مع العذر وعلى ذلك جميع المعلوم للمستنيب وليس للنائب إلا الأجرة التي استأجره بها ا هـ
قلت وهذا اختيار لخلاف ما أفتى به علامة الوجود المفتي أبو السعود من اشتراط العذر الشرعي وكون الوظيفة مما يقبل النيابة كالإفتاء والتدريس وكون النائب مثل الأصيل أو خيرا منه وأن المعلوم بتمامه يكون للنائب ليس للأصيل منه شيء ا هـ
ونقله البيري وقال إنه الحق لكنه نقل عن الشيخ بدر الدين الشهاوي الحنفي مثل ما في البحر وعن شيخ مشايخه القاضي علي بن ظهيرة الحنفي اشتراط العذر
مطلب فيما إذا شرط المعلوم المباشر الإمامة لا يستحق المستنيب قلت أما اشتراط العذر فله وجه وأما كون النائب مثل الأصيل أو خيرا منه فهو بعيد حيث وجدت في النائب أهلية تلك الوظيفة إلا أن يراد مثله في الأهلية ويشير إليه ما في فتاوى ابن الشلبي حيث سئل عن الناظر
____________________
(4/420)
إذا ضعفت قوته عن التحدث على الوقف هل له أن يأذن لغيره فيه بقية حياته وهل له النزول عن النظر أجاب نعم له استنابة من فيه العدالة والكفاية ولا يصح نزوله عن النظر المشروط له ولو عزل نفسه لم ينعزل ا هـ
وأما كون المعلوم للنائب فينافيه ما مر عن البحر من أن الاستحقاق بالتقرير ولا سيما إذا باشر الأصيل أكثر السنة فصريح ما مر عن القنية أنه لا يستحق النائب شيئا أي إلا إذا شرط له الأصيل أجرة أما إذا كان المباشر هو النائب وحده وشرط الواقف المعلوم لمباشر الإمامة أو التدريس مثلا فلا خفاء في اختصاصه بالمعلوم بتمامه
وكتبت في تنقيح الحامدية عن المحقق الشيخ عبد الرحمن أفندي العمادي أنه سئل فيما إذا كان لمؤذني جامع مرتبات في أوقاف شرطها واقفوها لهم في مقابلة أدعية يباشرونها للواقفين المذكورين وجعل جماعة من المؤذنين لهم نوابا عنهم في ذلك فهل يستحق النواب المباشرون للأذان والأدعية والمزبورة المرتبات المرقومة دون الجماعة المذكورين الجواب نعم
مطلب فيما إذا أجر ولم يذكر جهة توليته قوله ( والمتولي لو وقف أجرا الخ ) في الإسعاف الناظر إذا آجر أو تصرف تصرفا آخر وكتب في الصك آجر وهو متول على هذا الوقف ولم يذكر أنه متول من أي جهة قالوا تكون فاسدة ا هـ
قلت وهذا مشكل إذ لو كان متوليا في نفس الأمر من جهة الواقف أو القاضي يصح إيجاره والظاهر أن المراد فساد كتابة الصك لأن الصكوك تبنى على زيادة الإيضاح ولأنه لا يمكن للحاكم أن يحكم بصحة إيجاره وباقي تصرفاته ما لم يصح نصبه مما له ولاية ذلك يؤيده ما في السابع والعشرين من جامع الفصولين لو كان الوصي أو المتولي من جهة الحاكم فالأوثق أن يكتب في الصكوك والسجلات وهو الوصي من جهة حاكم له ولاية نصب الوصية والتولية لأنه لو اقتصر على قوله وهو الوصي من الحاكم ربما يكون من حاكم ليس له ولاية نصب الوصي فإن القاضي لا يملك نصب الوصي والمتولي إلا إذا كان ذكر التصرف في الأوقاف والأيتام منصوصا عليه في منشوره فصار كحكم نائب القاضي فإن لا بد أن يذكر وأن فلانا القاضي مأذون بالإنابة تحرزا عن هذا الوهم ا هـ
قال في البحر ولا شك أن قول السلطان جعلتك قاضي القضاة كالتنصيص على هذه الأشياء في المنشور كما صرح به في الخلاصة في مسألة استخلاف القاضي ا هـ
قوله ( بحسب التقليد ) متعلق بقوله يختلف
قوله ( فقس كل التصرفات ) أي على الإجارة وذلك كالبيع والشراء وقوله كي لا تلتبس أي الأحكام وهو علة لقوله ما جوزوا ط
قوله ( سماها الضبابة ) اسمها كشف الضبابة
في القاموس الضباب بالفتح ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان ط
مطلب ولاية نصب القيم إلى الوقف ثم لوصيه ثم للقاضي قوله ( ولاية نصب القيم إلى الواقف ) قال في البحر قدمنا أن الولاية للواقف ثابتة مدة حياته وإن لم يشترطها وإن له عزل المتولي وإن من ولاه لا يكون له النظر بعد موته أي موت الواقف إلا بالشرط على قول أبي يوسف
____________________
(4/421)
مطلب الأفضل في زماننا نصب المتولي بلا إعلام القاضي وكذا وصي اليتيم ثم ذكر عن التتارخانية ما حاصله أن أهل المسجد لو اتفقوا على نصب رجل متوليا لمصالح المسجد فعند المتقدمين يصح ولكن الأفضل كونه بإذن القاضي ثم اتفق المتأخرون إن الأفضل أن لا يعلموا القاضي في زماننا لما عرف من طمع القضاة في أموال الأوقاف وكذلك إذا كان الواقف على أرباب معلومين يحصى عددهم إذا نصبوا متوليا وهم من أهل الصلاح ا هـ
قلت ذكروا مثل هذا في وصي اليتيم وأنه لو تصرف في ماله أحد من أهل السكة من بيع أو شراء جاز في زماننا للضرورة
وفي الخانية إنه استحسان وبه يفتى
وأما ولاية نصب الإمام والمؤذن فسيذكرها المصنف
مطلب الوصي يصير متوليا بلا نص قوله ( ثم لوصيه ) فلو موته وصيا ولم يذكر من أمر الوقف شيئا تكون ولاية الوقف إلى الوصي
بحر
ومقتضى قولهم وصي القاضي كوصي الميت إلا في مسائل إن وصي القاضي هنا كذلك لعدم استثنائه من الضابط المذكور
أفاده الرملي
قلت ووصي الوصي كالوصي كما يأتي
قوله ( كان وصيا في كل شيء ) هو ظاهر الرواية وهو الصحيح
تتارخانية
قوله ( خلافا للثاني ) فعنده إذا قال له أنت وصيي في أمر الوقف فهو وصي في الوقف فقط وهو قول هلال أيضا وجعل في الخانية أبا يوسف مع أبي حنيفة فكان عنه روايتان
إسعاف
وفي التاترخانية إنه قول محمد أيضا وجعل ما في الخانية ظاهر الرواية عن أبي يوسف فكان الأولى أن يقول خلافا لمحمد وأن يحذف قوله فقط
قوله ( ما لم يخصص ) بأن يقول وقفت أرضي على كذا وجعلت ولايتها لفلان وجعلت ولايتها لفلان وجعلت فلانا وصيي في تركاتي وجميع أموري فحينئذ ينفرد كل منهما بما فوض إليه
إسعاف ولعل وجهه أن تخصيص كل منهما بشيء في مجلس واحد قرينة على عدم المشاركة لكن في أنفع الوسائل عن الذخيرة ولو أوصى لرجل في الوقف وأوصى إلى آخر في ولده كانا وصيين فيهما جميعا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ا هـ
تأمل
مطلب نصب متوليا ثم آخر اشتركا قوله ( فلو وجد كتابا وقف الخ ) أي كتابان لوقف واحد وهذا الجواب أخذه في البحر من عبارة الإسعاف المذكورة
ثم قال ولا يقال إن الثاني ناسخ كما تقدم عن الخصاف في الشرائط أي من أنه لو شرط أن لا تباع ثم قال في آخره على أن له الاستبدال كان له لأن الثاني ناسخ للأول
لأنا نقول إن التولية من الواقف خارجة عن حكم سائر الشرائط لأن له فيها التغيير والتبديل كلما بدا له من غير شرط في عقدة الوقف على قول أبي يوسف وأما باقي الشرائط فلا بد من ذكرها في أصل الوقف ا هـ
وفيه نظر بل تعليله يدل على خلافه فتأمل
نعم ذكر في
____________________
(4/422)
أنفع الوسائل عن الخصاف إذا وقف أرضين على كل أرض على قوم وجعل ولاية كل أرض إلى رجل ثم أوصى بعد ذلك إلى زيد فلزيد أن يتولى مع الرجلين فإن أوصى زيد إلى عمرو فلعمرو مثل ما كان لزيد
قال في أنفع الوسائل فقد جعل وصي الوصي بمنزلة الواقف حتى جعل له أن يشارك من جعل الواقف النظر له ا هـ
وفي أدب الأوصياء عن التتارخانية أوصى إلى رجل ومكث زمانا فأوصى إلى آخر فهما وصيان في كل وصاياه سواء تذكر إيصاءه إلى الأول أو نسي لأن الوصي عندنا لا ينعزل ما لم يعزله الموصي حتى لو كان بين وصيتيه مدة سنة أو أكثر لا ينعزل الأول عن الوصاية ا هـ
وقد قالوا إن الوقف يستقى من الوصية
نعم في القنية لو نصب القاضي قيما آخر لا ينعزل الأول إن كان منصوبا من الواقف فلو من جهته ويعلمه وقت نصب الثاني ينعزل ومفاده الفرق بين الواقف والقاضي في نصب الثاني ففي الواقف يشارك وفي القاضي يختص الثاني وينعزل الأول إن كان يعلمه وقت نصب الثاني فاغتنم هذا التحرير
مطلب طالب التولية لا يولى قوله ( طالب التولية لا يولى ) كمن طلب القضاء لا يقلد
فتح
وهل المراد أنه لا ينبغي أو لا يحل استظهر في البحر الأول
تأمل
قوله ( إلا المشروط له النظر ) بأن قال جعلت نظر وقفي لفلان والظاهر أن مثله ما لو شرطه للذكور من الموقوف عليهم ولم يوجد غير ذكر واحد وأما لو انحصر الوقف في واحد لا يلزم أن يكون هو الناظر عليه بلا شرط الواقف كما قدمناه عن جامع الفصولين عند قوله الموقوف عليه لا يملك الإيجار ولا الدعوى
مطلب التولية خارجة عن حكم سائر الشرائط لأن له فيها التغيير بلا شرط بخلاف باقي الشرائط قوله ( بعد موت الواقف الخ ) قيد به لأنه لو مات قبله قال في المجتبى ولاية النصب للواقف وفي السير الكبير قال محمد النصب للقاضي اه
وفي الفتاوى الصغرى الرأي للواقف لا للقاضي فإن كان الواقف ميتا فوصيه أولى من القاضي فإن لم يكن أوصى فالرأي للقاضي ا هـ بحر
ومفاده أنه لا يملك التصرف في الوقف مع وجود المتولي ومنه الإيجار كما حررناه عند قول المصنف ولو أبى أو عجز عمر الحاكم بأجرتها الخ ويؤيده قوله في البحر بعد ما نقلناه عنه
مطلب ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه فأفاد أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه فيستفاد منه عدم صحة تقرير القاضي في الوظائف في الأوقاف إذا كان الوقف شرط التقرير للمتولي وهو خلاف الواقع في القاهرة في زماننا وقبله بيسير ا هـ
وأفتى في الخيرية بهذا المستفاد وقال وبه أفتى العلامة قاسم كما قدمناه عند قول المنصف ينزع لو غير مأمون
قوله ( ولم يوص ) أي المشروطة له قال في البحر إذا مات المتولي المشروط له بعد الواقف فالقاضي ينصب غيره وشرط في المجتبى أن لا يكون المتولي أوصى به لآخر عند موته فإن أوصى لا ينصب القاضي ا هـ
____________________
(4/423)
قلت وهذا إذا لم يكن الواقف شرط بعد المتولي المذكور إلى آخر أنه يصير مشروطا أيضا ويأتي بيانه قريبا
مطلب المراد القضاة في كل موضع ذكروا القاضي في أمور الأوقاف قوله ( للقاضي ) قيده في البحر بقاضي القضاة أخذا من عبارة الفصولين التي قدمناها قبل ورقة ثم قال وعلى هذا فقولهم في الاستدانة بأمر القاضي المراد به قاضي القضاة وفي كل موضع ذكروا القاضي في أمور الأوقاف بخلاف قولهم وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه فإنه أعم كما لا يخفى ا هـ
مطلب نائب القاضي لا يملك إبطال الوقف قال في الخيرية وهو صريح في أن نائب القاضي لا يملك إبطال الوقف وإنما ذلك خاص بالأصل الذي ذكر له السلطان في منشوره نصب الولاة والأوصياء وفوض له أمور الأوقاف وينبغي الاعتماد عليه وإن بحث فيه شيخنا الشيخ محمد بن سراج الدين الحانوتي لما في إطلاق مثله للنواب في هذا الزمان من الاختلال والمسألة لا نص فيها بخصوصها فيما اطلعنا عليه وكذا فيما اطلع عليه شيخنا المذكور وصاحب البحر وإنما استخرجها تفقها ا هـ
ونقل في حاشيته على البحر عبارة شيخه الحانوتي بطولها وأقرها ومن جملتها ومما يدل على عدم اختصاص قاضي القضاة باستبدال الوقف بل يجوز من نائبه أيضا أن نائبه قائم مقامه ولذا كان المفهوم من كلامهم أنه إذا شرط في منشوره تزويج الصغائر والصغار كان لمنصوبه ذلك
وعبارة ابن الهمام في ترتيب الأولياء في النكاح ثم السلطان ثم القاضي إذا شرط في عهده ذلك ثم من نصبه القاضي ا هـ
ملخصا
تنبيه قدمنا عن البحر أن المتولي ينعزل بموت الواقف إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد موته وذكر في القنية إذا مات القاضي أو عزل يبقى ما نصه على حاله قياسا على نائبه في القضاء ا هـ
قال في أنفع الوسائل وينبغي أن يحمل على ما إذا عمم له الولاية في حياته وبعد وفاته لأن القاضي بمنزلة الواقف اللهم إلا أن يقال إن ولاية القاضي أعم وفعله حكم وحكمه لا يبطل بموته ولا عزله وتمامه فيه لكنه ذكر أن ولاية الوقف للقاضي وإن لم يشرطها السلطان في تقليده ولم يعزه إلى أحد وهو خلاف المنقول في ( جامع الفصولين )
قوله ( إذ ولاية لمستحق ) تعليل لما فهم من حصر الولاية بمن ذكر
قوله ( كما مر ) أي من قوله والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة بتولية وقدمناه قريبا
مطلب لا يجعل الناظر من غير أهل الوقف قوله ( وما دام أحد الخ ) المسألة في كافي الحاكم ونصها لا يجعل القيم فيه من الأجانب ما وجد في ولد الواقف وأهل بيته من يصلح لذلك فإن لم يجد فيهم من يصلح لذلك فجعله إلى أجنبي ثم صار فيهم من يصلح له صرفه إليه ا هـ
ومفاده تقديم أولاد الواقف وإن لم يكن الوقف عليهم بأن كان على مسجد أو غيره ويدل له التعليل الآتي
وفي الهندية عن التهذيب والأفضل أن ينصب من أولاد الموقوف عليه وأقاربه ما دام يوجد أحد منهم يصلح لذلك ا هـ
والظاهر أن مراده بالموقوف عليه من كان من أولاد الواقف فلا ينافي ما قبله ثم تعبيره بالأفضل
____________________
(4/424)
يفيد أنه لو نصب أجنبيا مع وجود من يصلح من أولاد الواقف يصح
فافهم
ولا ينافي ذلك ما في جامع الفصولين من أنه لو شرط الواقف كون المتولي من أولاده وأولادهم ليس للقاضي أن يولي غيرهم بلا خيانة لو فعل لا يصير متوليا ا هـ لأنه فيما إذا شرطه الواقف وكلامنا عند عدم الشرط ووقع قريبا من أواخر كتاب الوقف من الخيرية ما يفيد أنه فهم عدم الصحة مطلقا كما هو المتبادر من لفظ لا يجعل
فتأمل
وأفتى أيضا بأن من كان من أهل الوقف لا يشترط كونه مستحقا بالفعل بل يكفي كونه مستحقا بعد زوال المانع وهو ظاهر ثم لا يخفى أن تقديم من ذكر مشروط بقيام الأهلية فيه حتى لو كان خائنا يولي أجنبي حيث لم يوجد فيهم أهل لأنه إذا كان الواقف نفسه يعزل بالخيانة فغيره بالأولى
مطلب إذا قبل الأجنبي النظر مجانا فللقاضي نصيبه تنبيه قدمنا عن البيري عن حاوي الحصيري عن وقف الأنصاري أنه إذا لم يكن من يتولى الوقف من جيران الوقف وقرابته إلا برزق ويقبل واحد من غيرهم بلا رزق فللقاضي أن ينظر الأصلح لأهل الوقف
قوله ( ومن قصده ) أي قصد الواقف
وعبارة الإسعاف أو لأن من قصد الواقف نسبة الوقف إليه وذلك فيما ذكرنا
مطلب للناظر أن يوكل غيره قوله ( أراد المتولي إقامة غيره مقامه ) أي بطريق الاستقلال أما بطريق التوكيل فلا يتقيد بمرض الموت وفي الفتح للناظر أن يوكل من يقوم بما كان إليه من أمر الوقف ويجعل له من جعله شيئا وله أن يعزله ويستبدل به أو لا يستبدل ولو جن انعزل وكيله ويرجع إلى القاضي في النصب ا هـ
وشمل كلام المصنف المتولي من جهة القاضي أو الواقف كما في أنفع الوسائل عن التتمة وقال وهو أعم من قوله في القنية للمتولي أن يفوض فيما فوض إليه إن عمم القاضي التفويض إليه وإلا فلا ا هـ
فإن ظاهره أن هذا الحكم في المتولي من جهة القاضي فقط
قوله وصحته عطف تفسير أراد به بيان أن المراد بالحياة ما قابل المرض وهو الصحة لا ما يشملهما فافهم
قوله ( إن كان التفويض له بالشرط عاما صح ) لم يظهر لي معنى قوله بالشرط ولعل المراد به اشتراط الواقف أو القاضي ذلك له وقت النصب ومعنى العموم كما في أنفع الوسائل أنه ولاه وأقامه مقام نفسه وجعل له أن يسنده ويوصي به إلى من شاء ففي هذه الصورة يجوز التفويض منه في حال الحياة وفي حالة المرض المتصل بالموت ا هـ
قوله ( ولا يملك عزله الخ ) هذا ذكره الطرسوسي بحثا وقال بخلاف الواقف فإن له عزل القيم وإن لم يشرطه والقيم لا يملكه كالوكيل إذا أذن له الموكل في أن يوكل فوكل حيث لم يملك العزل وكالقاضي إذا أذن له السلطان في الاستخلاف فاستخلف شخصا لا يملك عزله إلا إن شرط السلطان العزل وأطال في ذلك فراجعه إن شئت
قوله ( وإلا ) أي وإن لم يكن التفويض له عاما لا يصح
قوله فإن فوض في صحته الأولى حذفه لأن الكلام في الصحة وحينئذ فقوله وإن في مرض موته مقابل لقوله في حياته وإنما صح إذا فوض في مرض
____________________
(4/425)
موته وإن لم يكن التفويض له عاما لما في الخانية من أنه بمنزلة الوصي وللوصي أن يوصي إلى غيره ا هـ
وسيذكر الشارح في كتاب الإقرار عن الأشباه الفعل في المرض أحط رتبة من الفعل في الصحة إلا في مسألة إسناد الناظر النظر لغيره بلا شرط فإنه في مرض الموت صحيح لا في الصحة كما في التتمة وغيرها ا هـ
ووجهه ما علمته من أنه بمنزلة الوصي
ولما كان الوصي له عزل من أوصى إليه ونصب غيره أتجه قوله وينبغي أن يكون له العزل والتفويض كالإيصاء بخلاف الإسناد في حال الصحة لأنه في حال الصحة كالوكيل ولا يملك الوكيل العزل كما مر
مطلب في الفرق بين تفويض الناظر في صحته وبين فراغه عنه تنبيه صرحوا بصحة الفراغ عن النظر وغيره من الوظائف وأفتى العلامة قاسم بسقوط حق الفارغ بمجرد لكنه لم يتابع على ذلك فلا بد من تقرير الماضي كما قدمناه عند قوله وينزع له غير مأمون وأنت خبير بأن هذا شامل للفراغ في حال الصحة والمرض فينافي ما هنا من عدم صحة التفويض في حال الصحة بلا تعميم وتوقفت في ذلك مدة وظهر لي الآن الجواب بأن الفراغ مع التقرير من القاضي عزل لا تفويض ويدل عليه قوله في البحر إذا عزل نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره ولا ينعزل بعزل نفسه ما لم يبلغ القاضي ثم قال ومن عزل نفسه الفراغ عن وظيفة النظر لرجل عند القاضي الخ فهذا صريح فيما قلناه ولله الحمد وبه ظهر أن قولهم هنا لا يصح إقامة المتولي غيره مقامه في حياته وصحته مقيد بما إذا لم يكن عند القاضي أما لو كان عند القاضي كان عزلا لنفسه وتقرير القاضي للغير نصب جديد وهي مسألة الفراغ بعينها وبهذا يتجه عدم سقوط حق الفارغ قبل تقرير القاضي خلافا لما أفتى به العلامة قاسم إذ لو سقط قبله انتقض قولهم لا تصح إقامنه في صحته بخلافه بعد تقرير القاضي لأنه بعده يصير عزلا لنفسه عن الوظيفة
ولا يرد أن العزل يكفي فيه مجرد علم القاضي كما مر فلا حاجة إلى التقرير لأن الفراغ عزل خاص مشروط فإنه لم يرض بعزل نفسه إلا لتصير الوظيفة لمن نزل له عنها فإذا قرر القاضي المنزول له تحقق الشرط فتحقق العزل وبهذا تجمع كلماتهم فاغتنم هذا التحرير فإنه فريد
قوله ( قال ) أي صاحب الأشباه
قوله ( فأجبت إن فوض الخ ) أي أخذا مما مر آنفا من الفرق بين حال الصحة والمرض لكن فيه أن مقتضى كلام الواقف عدم الإذن بإقامة غيره مقامه لا في الصحة ولا في المرض حيث شرط انتقاله كن بعده للحاكم وكذا نقل الحموي أنه يجب انتقاله للحاكم ولو فوض في مرضه
____________________
(4/426)
لأن في التوفيض تفويت العمل بالشرط المنصوص عليه من الواقف ا هـ
ونقل السيد أبو السعود أن هذه المسألة مما لم يطلع على نص فيها ا هـ
مطلب شرط الواقف النظر لعبد الله ثم لزيد ليس لعبد الله أن يفرض لرجل آخر قلت بل هي منصوصة في أنفع الوسائل عن أوقاف هلال ونصه إذا شرط الواقف ولاية هذه الصدقة إلى عبد الله ومن عبد الله إلى زيد فمات عبد الله وأوصى إلى رجل أيكون للوصي ولاية مع زيد قال لا يجوز له ولاية مع زيد ا هـ
ولا يخفى أن قوله فمات عبد الله وأوصى إلى رجل يقتضي أن ذلك في المرض فما قيل إنه محمول على حالة الصحة فلا ينافي ما في الأشباه مردود بل العمل بالمتبادر من المنقول ما لم يوجد نقل صريح بخلافه ولم يستند في الأشباه إلى نقل حتى يعدل عن هذا المنقول الواجب العمل به لأنه مقتضى نص الواقف وهذا ما حرره سيدي عبد الغني النابلسي ردا على الأشباه وبذلك أفتى العلامة الحانوتي أيضا فيمن شرط النظر للأرشد من ذريته ففرغ الأرشد لزوج بنته ومات فقال ينتقل لمن بعده عملا بشرط الواقف وتمامه في فتاواه
وفي فتاوى الشيخ إسماعيل التفويض المخالف لشرط الواقف لا يصح فإذا شرط للإرشاد ففوض الأرشد في المرض لغير الأرشد وظهرت خيانته يولي القاضي الأرشد ا هـ
وقوله وظهرت خيانته أي خيانة المفوض حيث خالف في تفويضه ذلك شرط الواقف وما اشتهر على الألسنة من أن مختار الأرشد أرشد قدمنا رده عند قوله وينزع لو غير مأمون الخ وتمام ذلك في كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية
قوله ( شرط مرتبا ) أي رتب له من ريع الوقف دراهم أو غيرها
قوله ( وفيها ) أي في الأشباه
مطلب للواقف عزل الناظر قوله ( للواقف عزل الناظر مطلقا ) أي سواء كان بجنحة أو لا وسواء كان شرط له العزل أو لا وهذا عند أبي يوسف لأنه وكيل عنه وخالفه محمد كما في البحر أي لأنه وكيل الفقراء عنده
وأما عزل القاضي للناظر فقدمنا الكلام عليه عند قوله وينزع له غير مأمون الخ
قوله ( به يفتى ) والذي في التجنيس والفتوى على قول محمد أي بعدم العزل عند عدم الشرط وجزم به في تصحيح القدوري للعلامة القاسم وكذلك المؤلف أي ابن نجيم في رسائله وهو من باب الاختلاف في الاختيار ا هـ
بيري أي فيه اختلاف التصحيح
قلت وهو مبني على الاختلاف في اشتراط التسليم إلى المتولي فإنه شرط عند محمد فلا تبقى للواقف ولاية إلا بالشرط وغير شرط عند أبي يوسف فتبقى ولايته فاختلاف التصحيح هنا مبني على اختلافه هناك
مطلب في عزل الواقف المدرس والإمام وعزل الناظر نفسه قوله ( ولم أر حكم عزله لمدرس وإمام ولاهما ) أقول وقع التصريح بذلك في حق الإمام والمؤذن ولا ريب أن المدرس كذلك بلا فرق
ففي لسان الحكام عن الخانية إذا عرض للإمام والمؤذن عذر منعه من المباشر ستة أشهر للمتولي أن يعزله ويولي غيره وتقدم ما يدل على جواز عزله إذا مضى شهر
بيري
أقول إن هذا العزل لسبب مقتض والكلام عند عدمه ط
____________________
(4/427)
قلت وسيذكر الشارح عن المؤيدة التصريح بالجواز لو غيره أصلح ويأتي تمام الكلام عليه وقدمنا عن البحر حكم عزل القاضي لمدرس ونحوه وهو أنه لا يجوز إلا بجنحة وعدم أهلية
قوله ( فنصب القاضي ) عبارة الأشباه فنصب القاضي له قيما وقضى بقوامته وظاهر أن القضاء شرط لعدم إخراج الواقف له
وذكر البيري أن منصوب الواقف كذلك إذا قضى القاضي بقوامته لا يملك الواقف إخراجه وعزاه للأجناس
قوله ( إن علم الواقف أو القاضي صح ) فهو كالوكيل إذا عزل نفسه وقدمنا تمام الكلام على عزل نفسه وفراغه لآخر وظاهر هذا أنه ينعزل بلا عزل لكن في الأشباه في بحث ما يقبل الإسقاط
قال وفي القنية الناظر المشروط له النظر إذا عزل نفسه لا ينعزل إلا أن يخرجه الواقف أو القاضي ا هـ
تأمل
مطلب فيمن باع دارا ثم ادعى أنها وقف قوله ( ثم باعها المشتري من آخر ) ليس هذا قيدا بل ذكره ليفيد أنه لا فرق في قبول البينة بين بقائه في يد المشتري الأول أو خروجه عنها إلى آخر أو لأنه صورة واقعة سئل عنها ابن نجيم فيمن يملك عقارا فباعه من آخر وباعه المشتري من آخر ومضى على ذلك مدة سنين ثم أظهر البائع مكتوبا شرعيا بإيقاف العقار قبل البيع فأجاب تسمع دعواه وتقبل بينته وإذا ثبت بطل البيع ا هـ
قوله ( أو قال وقف علي ) يشير إلى أنه لا فرق بين أن يكون هو الواقف أو غيره
رملي
قوله ( لم تصح ) أي الدعوى للتناقض وهو الصحيح كما في الخانية
قوله ( فلا يحلف المشتري ) لأن التحليف يترتب على دعوى صحيحة
أفاده في الهندية ط
قوله ( أو أبرز حجة شرعية ) أي كتاب وقف له أصل في ديوان القضاة الماضين كما قدمناه عند قوله وتقبل فيه الشهادة حسبة لا الدعوى الخ
وفي القنية أما الكتاب الشرعي الذي وجد في يد الخصم هل يدفع الدعوى والفتوى على أنه يدفع ويعمل القضاة بكتاب القضاة الماضين ا هـ
وظاهر كلامهم أن هذا خاص بالوقف القديم
قوله ( قبلت ) أي البينة لأن الدعوى وإن بطلت للتناقض بقيت الشهادة وهي مقبولة في الوقف من غير دعوى
هندية ط
قوله ( ويلزم أجر المثل فيه ) أي يلزم المشتري لأن منافع الوقف مضمونة وإن كانت بشبهة ملك كما مر وقدمنا أن هذا هو الصحيح
قوله ( لا في الملك ) يستثنى منه ملك اليتيم فإنه كالوقف وأما المعد للاستغلال فإنه مضمون أيضا لكنه إذا سكنه بتأويل ملك كسكنى شريك أو مشتر أو بتأويل عقد رهن فإنه لا يضمن بخلاف عقار الوقف أو اليتيم فإنه مضمون مطلقا كما سيأتي في الغصب
قوله ( وليس للمشتري حبسه بالثمن ) لأن الحبس بمنزلة الرهن والوقف لا يرهن ط
مطلب من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه إلا في تسع مسائل قوله ( وهي ) أي مسألة المتن إحدى المسائل السبع المذكورة في قضاء الأشباه أنها تسع الأولى اشترى عبدا قبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان الغائب بكذا وبرهن يقبل لأنه برهن على إقرار البائع أنه ملك
____________________
(4/428)
الغائب
الثانية وهب جارية واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان دبرها أو استولدها وبرهن يقبل ويستردها والعقر لأن التناقض فيما هو من حقوق الحرية لا يمنع صحة الدعوى حملا على أنه فعل وندم
الثالثة باعه ثم ادعى أنه كان أعتقه
وفي الفتح التناقض لا يضر في الحرية وفروعها ا هـ
وظاهره قبول دعوى البائع التدبير والاستيلاد فالهبة مثال
الرابعة اشترى أرضا ثم ادعى أن بائعها كان جعلها مقبرة أو مسجدا
الخامسة اشترى عبدا ثم ادعى أن البائع كان أعتقه وبرهن يقبل عند الثاني لا عندهما
السادسة مسألة المتن
السابعة باع الأب مال ولده ثم ادعى الغبن الفاحش إلا إذا أقر أنه باعه بثمن المثل
الثامنة إذا باع الوصي ثم ادعى كذلك
التاسعة المتولي على الوقف كذلك
قال في القنية بعد ذكر هذه الثلاثة وكذا كل من باع ثم ادعى الفساد وشرط العمادي التوفيق بأنه لم يكن عالما به وذكر فيها اختلافا
ا هـ
ما في الأشباه ملخصا مع زيادة
مطلب باع عقارا ثم ادعى أنه وقف قوله ( واعتمد في الفتح والبحر الخ ) أي في باب الاستحقاق من كتاب البيع فإنه في الفتح جزم به حيث قال هناك باع عقارا ثم برهن أنه وقف لا يقبل لأن مجرد الوقف لا يزيل الملك بخلاف الإعتاق ولو برهن أنه وقف محكوم بلزومه يقبل ا هـ
وجزم به المصنف هناك في متنه وقال في شرحه هنا ينبغي أن يعول عليه في الإفتاء والقضاء ا هـ
قال ط وهذا إنما يتأتى على قول الإمام أما على المفتى به من أنه يتم بلفظ الوقف ونحوه ا هـ
على أن الوقف يلزم عند الإمام أيضا إذا كان مضافا إلى الموت أو كان في الحياة وبعد الموت
قوله ( وفي العمادية لا تقبل الخ ) مخالف لما في شرح المصنف حيث قال ولو أقام بينة قبلت على المختار كما تقدم في العمادية وبه صرح في الخلاصة والبزازية
وفي خزانة الأكمل تقبل البينة وينقض البيع قال وبه نأخذ ا هـ
قوله ( وصوبه الزيلعي ) حيث قال وإن أقام البينة على ذلك قيل تقبل وقيل لا تقبل وهو أصوب وأحوط
قوله ( قلت قد قدمنا ) أي عن المصنف عند قوله وتقبل فيه الشهادة بدون الدعوى
قوله ( مطلقا ) أي سواء كان على معين ابتداء أو على الفقراء وهو المراد من قوله هو حق الله تعالى وقدمنا تمام الكلام عليه
قوله ( تسمع دعواه وبينته ) يعني الدعوى المقرونة بالبينة أما الدعوى المجردة عن البينة فلا تسمع حتى لا يحلف المشتري كما مر وقد صرح في الخانية بعدم سماعها في الصحيح
والحاصل أن المعتمد سماع البينة دون الدعوى المجردة وهو ما ذكره المصنف في المتن هنا وقدمنا عن شرحه ترجيحه
وفي الخيرية أجاب لا تسمع دعواه ولكن إذا أقام البينة اختلفوا فيه
والأصح القبول نص عليه في الخلاصة وكثير من الكتب وعللوه بأن الوقف حق الله تعالى فتسمع فيه البينة بدون الدعوى وفرق بعضهم بين المسجل فتقبل وبين غيره فلا تقبل والأصح ما قدمنا أنه الأصح وإذا ثبت أنه وقف وجبت الأجرة له في تلك المدة ا هـ
وقال
____________________
(4/429)
الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب تقبل على الأصح خلافا لما صوبه الزيلعي ا هـ
قلت ويظهر لي أن التحقيق هو التفصيل والتوفيق وذلك أن البائع إذا ادعى فإن كان هو الموقوف عليه تقبل بينته على إثبات أصل الوقف ولا يعطى شيئا من الغلة لعدم صحة دعواه وقد مر عند قوله وتقبل فيه الشهادة بدون الدعوى تحقيق ما ذكره المصنف في شرحه من أن ثبوت أصل الوقف لا يحتاج للدعوى وأن المستحق لا يدفع له شيء بلا دعوى حينئذ فإذا كان البائع هو المستحق لا تسمع دعواه لتناقضه بخلاف ما إذا كان المدعي غيره من المستحقين لعدم التناقض منهم
وأما إذا كان الوقف على الفقراء أو على المسجد فتقبل البينة ويثبت الوقف فلا فرق بين كون المدعي هو البائع أو غيره والله سبحانه أعلم
تنبيه بقي ما لو اشترى دارا ثم ادعى المشتري أنها وقت تسمع دعواه على البائع لو هو المتولي وإلا نصب القاضي له متوليا
وعلى قول أبي جعفر وغيره وإن لم تسمع الدعوى على غير المتولي للتناقض تقبل الشهادة بدون الدعوى وتمام ذلك في الخيرية في الثلث الثالث من كتاب الوقف
قوله ( الباني أولى ) وكذا ولده وعشيرته أولى من غيرهم أشباه
قوله ( بنصب الإمام والمؤذن ) أما في العمارة فنقل في أنفع الوسائل أن الباني أولى أي بلا تفصيل
قوله ( إلا إذا عين القوم أصلح ممن عينه ) لأن منفعة ذلك ترجع إليهم أنفع الوسائل
قوله ( أو على مكان هيأه الخ ) فيه نظر فإن المكان موجود فيكون وقفا على موجود والذي في المنح عن العمادية هيأ موضعا لبناء مدرسة وقبل أن يبني وقف على هذه المدرسة وقفا لشرائطه وجعل آخره للفقراء الخ وقيد بتهيئة المكان لأنه لو وقف على مسجد سيعمره ولم يهيىء مكانه لم يصح الوقف كما أفتى به مفتي دمشق المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي
قوله ( وتصرف الغلة للفقراء الخ ) أقول هذا الوقف يسمى منقطع الأول
قال في الخانية ولو قال أرضي صدقة موقوفة على من يحدث لي من الولد وليس له ولد يصح فإذا أدركت الغلة تقسم على الفقراء وإن حدث له ولد بعد القسمة تصرف الغلة التي توجد بعد ذلك إلى هذه الولد لأن قوله صدقة موقوفة وقف على الفقراء وذكر الولد الحادث للاستثناء كأنه قال إلا إن حدث لي ولد فغلتها له ما بقي ا هـ
ومنه ما في الإسعاف وقف على ولده وليس له إلا ولده ابن تصرف الغلة لولد الابن إلى أن يحدث للواقف ولد لصلبه فتصرف إليه ا هـ
وقد يكون منقطع الوسط
ومنه ما في الخانية وقف على ولديه ثم على أولادهما أبدا ما تناسلوا
قال ابن الفضل إذا مات أحدهما عن ولد يصرف نصف الغلة إلى الباقي والنصف إلى الفقراء فإذا مات الآخر يصرف الجميع إلى أولاد أولاد الواقف لأن مراعاة شرط الواقف لازم والواقف إنما جعل أولاد الأولاد بعد انقراض البطن الأول فإذا مات أحدهما يصرف النصف إلى الفقراء ا هـ
مطلب في الوقف المنقطع الاول والمنقطع الوسط تنبيه علم من هذا أن منقطع الأول ومنقطع الوسط يصرف إلى الفقراء
ووقع في الخيرية خلافه حيث قال في تعليل جواب ما نصه للانقطاع الذي صرحوا به بأنه يصرف إلى الأقرب للواقف لأنه أقرب لغرضه على الأصح ا هـ
____________________
(4/430)
وهذا سبق قلم فإن ما ذكره مذهب الشافعي فقد قال نفسه في محل آخر من الخيرية والمنقطع الوسط فيه خلاف قيل يصرف إلى المساكين وهو المشهور عندنا والمتظافر على ألسنة علمائنا ثم قال بعد أسطر في جواب سؤال آخر وفي منقطع الوسط الأصح صرفه إلى الفقراء وأما مذهب الشافعي فالمشهور أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف ا هـ
قوله ( ينبغي الخ ) وفي فتاوى الحانوتي بعد كلام فعلم أنه إذا شرط الوقف المعلوم لأحد أنه يستحقه عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجابي ا هـ
قوله ( أرصد الإمام أرضا ) أي أخرجها من بيت المال وعينها لهذه الجهة والإرصاد ليس بوقف حقيقة لعدم الملك بل يشبهه كما قدمناه
قوله ( يعني فيصح ) عبارة النهر بعده وهذا لم أره في كلام علمائنا إلا أنه في الخلاصة قال المسجد إذا خرب أو الحوض إذا خرب ولم يحج إليه لتفرق الناس عنه صرفت أوقافه في مسجد آخر أو حوض آخر ا هـ
وعلى هذا فيلزم المرصد عليه أن يديرها لسقي الدواب وتسبيل الماء كما كانت ولا يتوهم من كونه إرصادا على المالك أن لا يلزم ذلك فتدبره ا هـ
كلام النهر
وحاصله أن المنقول عندنا أن الموقوف عليه إذا خرب يصرف وقفه إلى مجانسه فتصرف أوقاف المسجد إلى مسجد آخر وأوقاف الحوض إلى حوض آخر والإرصاد نظير الوقف فحيث استغنى عن الساقية الأولى وأرصد وكيل الإمام الأرض على الساقية الثانية المملوكة وكان ذلك إرصادا على مالكها يلزم المالك أن يدير تلك الأرض أي غلتها وخراجها إلى سقي الدواب ونحوها ليكون صرفا إلى ما يجانس الأول كما في الوقف لأن وكيل الإمام لم يرصدها لينتفع المالك بخراجها كيفما أراد بل ليكون لسقي الماء كما كانت حين أرصدها الإمام أولا وظاهر هذا أنه لا يلزم المالك إرادة خراج الأرض على ساقيته التي أرصد عليها وكيل الإمام بل عليها أو على ساقية أخرى إذ لا يلزمه بالإرصاد المذكور أن يسبل ملكه كما لا يخفى وبهذا التقرير ظهر لك أن الضمير في قوله إدارتها كما كانت عائد إلى الأرض المرصدة لا إلى الساقية كما لا يخفى وإلا لزم أن يجعل ساقيته سبيلا للناس جبرا ولا يقوله أحد فافهم
قوله ( لما في الحاوي الخ ) حاصله أن ما خرب تصرف أوقافه إلى مجانسه فكذا الإرصاد فهو استدلال على قوله تلزم إدارتها أي الأرض المرصدة كما كانت أي بأن يصرف خراجها في تسبيل الماء كما قررناه والمقصود إلحاق الإرصاد بالوقف لأنه نظيره ولا يضر كون النقل فيما ذكره من وقف إلى وقف وفي الحادثة من وقف إلى ملك فافهم
مطلب وقف بيتا على عتيقة فلان والباقي على عتقائه هل يدخل فلان معهم قوله ( في الثاني ) متعلق بيدخل أي في الوقف الثاني الموقوف على الذرية والعقب ثم على العتقاء والمراد هل يشارك عتيقة فلان بقية العتقاء فيما آل إليهم لكونه منهم أو لا يدخل لكون الواقف خصه بوقف على حدة
____________________
(4/431)
قوله ( مذكور في الذخيرة ) عبارتها لو جعل نصف غلة أرضه لفقراء قرابته والنصف الآخر للمساكين فاحتاج فقراء قرابته هل يعطون من نصف المساكين قال هلال لا
وهو قول إبراهيم بن خالد السمتي وقال إبراهيم بن يوسف وعلي بن أحمد الفارسي وأبو جعفر الهنداوني يعطون
ا هـ
نهر
قوله ( لكن في الخانية الخ ) استدراك على قوله اختلف الإفتاء فإن المراد به إفتاء بعض علماء الروم يعني حيث وجد تصريح الخانية بالأصح فلا وجه للاختلاف بل يلزمه متابعة الأصح بعد عبارة الخانية
وقال في النهر هذا ملخص رسالة كبيرة لمولانا قاضي القضاة علي جلبي وضعها حين نقض حكم مولانا محمد شاه بأدرنه وكل منهما رد على صاحبه وقد علمت ما هو المعتمد فاعتمده والله سبحانه الموفق ا هـ
مطلب وقف النصف على ابنه زيد والنصف على امرأته ثم على أولاده يدخل زيد فيهم قلت وقد رأيت في الخانية صريح الواقعة وهو وقف ضيعة نصفها على امرأته ونصفها على ولد زيد على أنه إن ماتت المرأة فنصيبها لأولاده ثم ماتت المرأة فالنصف لابنه زيد ونصيب المرأة لسائر الأولاد ولزيد لأنه جعل نصيب بعد موتها لأولاده وزيد منهم أيضا ا هـ ملخصا ولم يحك فيه خلافا
وأما مسألة الوصية المذكورة هنا فقد ذكر في الولوالجية فيها تفصيلا فقال إن أوصى للكل دفعة واحدة لا يأخذ وإن أوصى له ثم أوصى بوصايا أخر ثم أوصى في آخره للفقراء بكذا فله الأخذ لأنه في الأول لما قال بمرة واحدة ميزه بينه وبين الفقراء فلا يصح الجمع ا هـ
وأفتى الحانوتي في الوقف بمثله قياسا عليه فيمن وقف ثلثي كذا على طائفة والثلث على الفقراء فراجعه لكن ما نقلناه عن الخانية يخالفه فإن ظاهره أنه وقف الكل دفعة واحدة وهو ظاهر ما نقله الشارح عنها أيضا
فالظاهر عدم التفصيل في الوقف والوصية والله سبحانه أعلم
مطلب استأجر دارا فيها أشجار قوله ( لم يأكل ) أي بل يبيعها المتولي ويصرفها في مصالح الوقف
بحر
قوله ( إن غرس للسبيل ) وهو الوقف على العامة
بحر
قوله ( وإلا ) أي وإن لم يغرسها للسبيل بأن غرسها أو لم يعلم غرضه
بحر عن الحاوي
وهذا محل الاستدلال على قوله الظاهر أنه إذا لم يعلم شرط الواقف لم يأكل وهو ظاهر فافهم
وأصله لصاحب البحر حيث قال ومقتضاه أي مقتضى ما في الحاوي أنه في البيت الموقوف إذا لم يعرف الشرط أن يأخذها المتولي ليبيعها ويصرفها في مصالح الوقف ولا يجوز للمستأجر الأكل منها ا هـ
وضمير يبيعها للثمار لا للأشجار لما في البحر عن الظهيرية شجرة وقف في دار وقف خربت ليس للمتولي أن يبيع الشجرة ويعمر الدار ولكن يكري الدار ويستعين بالكراء على
____________________
(4/432)
عمارة الدار لا بالشجرة ا هـ
فهذا مع خراب الدار فكيف يجوز بيعها مع عمارها
ثم الظاهر أنه في مسألتنا يدفع الشجرة على وجه المساقاة للمستأجر
قال في الإسعاف ولو كان في أرض الوقف شجر فدفعه معاملة بالنصف مثلا جاز
ا هـ
ثم ظاهر كلام البحر أن هذه الأشجار في الدار لا تمنع صحة استئجارها لأنها لا تعد شاغلة لأنها لا تخل بالمقصود وهو السكنى بخلاف الأشجار في الأرض لأن ظلها يمنع الانتفاع بالزراعة ولهذا شرطوا أن يتقدم عقد المساقاة على الأشجار وستأتي مسألة غرس المستأجر والمتولي
مطلب في قولهم شرط الواقف كنص الشارع قوله ( قولهم شرط الواقف كنص الشارع ) في الخيرية قد صرحوا بأن الاعتبار في الشروط لما هو الواقع لا لما كتب في مكتوب الوقف فلو أقيمت بينة لما لم يوجد في كتاب الوقف عمل بها بلا ريب لأن المكتوب خط مجرد ولا عبرة به لخروجه عن الحجج الشرعية ا هـ ط
مطلب بيان مفهوم المخالفة قوله ( أي في المفهوم والدلالة الخ ) كذا عبر في الأشباه والذي في البحر عن العلامة قاسم في الفهم والدلالة وهو المناسب لأن المفهوم عندنا غير معتبر في النصوص والمراد به مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد واللقب أي الاسم الجامد كثوب مثلا والمراد بعدم اعتباره في النصوص أن مثل قولك أعط الرجل العالم أو أعط زيدا إن سألك أو أعطه إلى أن يرضى أو أعطه عشرة أو أعطه ثوبا لا يدل على نفي الحكم عن المخالف للمنطوق بمعنى أنه لا يكون منهيا عن إعطاء الرجل الجاهل بل هو مسكوت عنه وباق على العدم الأصلي حتى يأتي دليل يدل على الأمر بإعطائه أو النهي عنه وكذا في البواقي
وتمام الكلام على ذلك في كتب الأصول
مطلب مفهوم التصنيف حجة نعم المفهوم معتبر عندنا في الروايات في الكتب ومنه قوله في أنفع الوسائل مفهوم التصنيف حجة ا هـ
أي لأن الفقهاء يقصدون بذكر الحكم في المنطوق نفيه عن المفهوم غالبا كقولهم تجب الجمعة على كل ذكر حر بالغ عاقل مقيم فإنهم يريدون بهذه الصفات نفي الوجوب عن مخالفها ويستدل به الفقيه على نفي الوجوب على المرأة والعبد والصبي الخ
وقد يقال إن مراده بقوله في المفهوم إنه لا يعتبر مفهومه كما لا يعتبر في نصوص الشارع
مطلب لا يعتبر المفهوم في الوقف وفي البيري نحن لا نقول بالمفهوم في الوقف كما هو مقرر ونص عليه الإمام الخصاف وأفتى به العلامة قاسم ا هـ
وبه صرح في الخيرية أيضا أي فإذا قال وقفت على أولادي الذكور يصرف إلى الذكور منهم بحكم المنطوق وأما الإناث فلا يعطي لهن لعدم ما يدل على الإعطاء إلا إذا دل في كلامه دليل على إعطائهن فيكون مثبتا لإعطائهن
____________________
(4/433)
ابتداء لا بحكم المعارضة لكن نقل البيري في محل آخر عن المصفى وخزانة الروايات والسراجية أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي ما عداه في متفاهم الناس وفي المعقولات وفي الروايات
مطلب المفهوم معتبر في عرف الناس والمعاملات والعقليات قلت وكذا قال ابن أمير حاج في شرح التحرير عن حاشية الهداية للخبازي عن شمس الأئمة الكردي أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه في خطابات الشارع أما في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات بدل ا هـ
قال في شرح التحرير وتداوله المتأخرون وعليه ما في خزانة الأكمل والخانية لو قال مالك علي أكثر من مائة درهم كان إقرارا بالمائة ا هـ
فعلم أن المتأخرين على اعتبار المفهوم في غير النصوص الشرعية وتمام تحقيق ذلك في شرحنا على منظومتنا في رسم المفتي وحيث كان المفهوم معتبرا في متفاهم الناس وعرفهم وجب اعتباره في كلام الواقف أيضا لأنه يتكلم على عرفه وعن هذا قال العلامة قاسم ونص أبو عبد الله الدمشقي في كتاب الوقف عن شيخه شيخ الإسلام قول الفقهاء نصوصه كنص الشارع يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغتها لتي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا ا هـ
قال العلامة قاسم قلت وإذا كان المعنى ما ذكر فما كان من عبارة الواقف من قبيل المفسر لا يحتمل تخصيصا ولا تأويلا يعمل به وما كان من قبيل الظاهر كذلك وما احتمل وفيه قرينة حمل عليها وما كان مشتركا لا يعمل به لأنه لا عموم له عندنا ولم يقع فيه نظر المجتهد ليترجح أحد مدلوليه وكذلك ما كان من قبيل المجمل إذا مات الواقف وإن كان حيا يرجع إلى بيانه هذا معنى ما أفاده ا هـ
قوله ( ووجوب العمل به ) هذا مخالف لما نقلناه آنفا مع أنه في البحر نقله أيضا وقال عقبه فعلى هذا إذا ترك صاحب الوظيفة مباشرتها في بعض الأوقات المشروط عليه فيها العمل لا يأثم عند الله تعالى غايته أنه لا يستحق المعلوم ا هـ
نعم في الأشباه جزم بما ذكره الشارح وقواه في النهر وعزاه في قضاء البحر إلى شرح المجمع
قلت ويظهر لي عدم التنافي وذلك أن عدم وجوب العمل به من حيث ذاته بدليل أنه لو ترك الوظيفة أصلا وباشرها غيره لم يأثم وهذا لا شبهة فيه ووجوب العمل به باعتبار حل تناول المعلوم بمعنى أنه لو لم يعمل به وتناول المعلوم أثم لتناوله بغير حق
قوله ( الكل من النهر ) مبتدأ وخبر أي كل هذه الفروع مأخوذ من النهر
مطلب الجامكية في الأوقاف قوله ( الجامكية ) هي ما يرتب في الأوقاف لأصحاب الوظائف كما يفيده كلام البحر عن ابن الصائغ
وفي الفتح الجامكية كالعطاء وهو ما يثبت في الديوان باسم المقاتلة أو غيرهم إلا أن العطاء سنوي والجامكية شهرية
____________________
(4/434)
مطلب فيما لو مات المدرس أو عزل قبل مجيء الغلة قوله ( أي في زمن المباشرة الخ ) يعني أن اعتبار شبهها بالأجرة من حيث حل تناولها للأغنياء إذ لو كانت صدقة محضة لم تحل لمن كان غنيا ومن حيث إن المدرس لو مات أو عزل في أثناء السنة قبل مجيء الغلة وظهورها من الأرض يعطي بقدر ما باشر ويصير ميراثا عنه كالأجير إذا مات في أثناء المدة ولو كانت صلة محضة لم يعط شيئا لأن الصلة لا تملك قبل القبض بل تسقط بالموت قبله بخلاف القاضي إذا مات في أثناء المدة فإنه يسقط رزقه لأنه ليس فيه شبه الأجرة لعدم جواز أخذ الأجرة على القضاء
أما على التدريس وهو التعليم فأجازه المتأخرون وبخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإن من مات منهم قبل ظهور الغلة سقط أيضا لأنه صلة محضة كما حرره الطرسوسي وتقدم تمامه عند قول المصنف مات المؤذن والإمام ولم يستوفيا وظيفتهما الخ
قوله ( لا نسترد المعجلة ) أي لو قبض جامكية السنة بتمامها ومات في أثناء السنة لا يسترد حصة ما بقي لأن الصلة تملك بالقبض ويحل له لو فقيرا كما قدمه الشارح ولو كانت أجرة محضة استرد منه ما بقي
قوله ( فإنه لا يصح على الأغنياء ابتداء ) لأنه لا بد أن يكون صدقة من ابتدائه لأن قوله صدقة موقوفة أبدا ونحوه شرط لصحته كما مر تحريره وأشرنا إليه أول الباب وبينا أن اشتراط صرف الغلة لمعين يكون بمنزلة الاستثناء من صرفه إلى الفقراء فيكون ذلك المعين قائما مقامهم فصار في معنى الصدقة عليه لقيامه مقامهم
هذا غاية ما وصل إليه فهمي في هذا المحل فليتأمل
قوله ( وتمامه فيها ) قدمنا حاصله
قوله ( يكره إعطاء نصاب لفقير الخ ) لأنه صدقة فأشبه الزكاة أشباه
قوله ( إلا وقف على فقراء قرابته ) أي فلا يكره لأنه كالوصية أشباه ولأنه وقف على معينين لا حق لغيرهم فيه فيأخذونه قل أو كثر
قوله ( لبعض العلماء الفقراء ) متعلق بالمرتب فإن كان ذلك المرتب بشرط الواقف فلا شبهة في جواز ما رتبه وإن كثر وإن كان من جهة غيره كالمتولي فلا يجوز النصاب
هذا ما ظهر لي
وفي حاشية الحموي المرتب إعطاء شيء لا في مقابلة خدمة بل لصلاح المعطي أو علمه أو فقره ويسمى في عرف الروم الزوائد ا هـ
مطلب ليس للقاضي أن يقرر وظيفة في الوقف إلا النظر قوله ( أن يقرر وظيفة في الوقف الخ ) يعني وظيفة حادثة لم يشرطها الواقف أما لو قرر في وظيفة مشروطة جاز إلا إذا شرط الواقف التقرير للمتولي كما قدمناه عن الخيرية
وقال الخير الرملي في حاشية البحر وهذا أي عدم التقرير بغير شرط إذا لم يقل وقف على مصالحه فلو قال يفعل القاضي كل ما هو من مصالحه ا هـ
وهذا أيضا في غير أوقاف الملوك والأمراء أما هي فهي أوقاف صورية لا تراعى شروطها كما أفتى به المولى أبو السعود ويأتي قريبا في الشرح عن المبسوط
قوله ( إلا النظر على الوقف ) اعلم أن عدم جواز الأحداث مقيد بعدم الضرورة كما في فتاوى الشيخ قاسم أما ما دعت إليه الضرورة واقتضت المصلحة كخدمة الربعة الشريفة وقراءة العشر والجباية
____________________
(4/435)
وشهادة الديوان فيرفع إلى القاضي ويثبت عنده الحاجة فيقرر من يصلح لذلك ويقدر له أجر مثله أو يأذن للناظر في ذلك
قال الشيخ قاسم والنص في مثل هذا في الولوالجية أبو السعود على الأشباه وعليه فالاقتصار على النظر فيه نظر كما أفاد ط
قلت لكن في الذخيرة وغيرها ليس للقاضي أن يقرر فراشا في المسجد بلا شرط الواقف
قال في البحر إن في تقريره مصلحة لكن يمكن أن يستأجر المتولي فراشا والممنوع تقريره في وظيفة تكون حقا له ولذا صرح في الخانية بأن للمتولي أن يستأجر خادما للمسجد بأجرة المثل واستفيد منه عدم صحة تقرير القاضي بلا شرط في شهادة ومباشرة وطلب بالأولى ا هـ
مطلب المراد من العشر للمتولي أجر المثل قوله ( بأجر مثله ) وعبر بعضهم بالعشر والصواب أن المراد من العشر أجر المثل حتى لو زاد على أجر مثله رد الزائد كما هو مقرر معلوم ويؤيده أن صاحب الولوالجية بعد أن قال جعل القاضي للقيم عشر غلة الوقف فهو أجر مثله ثم رأيت في إجابة السائل ومعنى قول القاضي للقيم عشر غلة الوقف أي التي هي أجر مثله لا ما توهمه أرباب الأغراض الفاسدة الخ
بيري على الأشباه من القضاء
قلت وهذا فيمن لم يشرط له الواقف شيئا وأما الناظر بشرط الواقف فله ما عينه له الواقف ولو أكثر من أجل المثل كما في البحر ولو عين له أقل فللقاضي أن يكمل له أجر المثل بطلبه كما بحثه في أنفع الوسائل ويأتي قريبا ما يؤيده وهذا مقيد لقوله الآتي ليس للمتولي أخذ زيادة على ما قرر له الواقف أصلا
مطلب في زيادة القاضي في معلوم الإمام قوله ( تجوز الزيادة من القاضي الخ ) أي إذا اتحد الواقف والجهة كما مر في المتن وفي البحر عن القنية قبيل فصل أحكام المسجد يجوز صرف شيء من وجوه مصالح المسجد للإمام إذا كان يتعطل لو لم يصرف إليه يجوز صرف الفاضل عن المصالح للإمام الفقير بإذن القاضي ولو زاد القاضي في مرسومه من مصالح المسجد والإمام مستغن وغيره يؤم بالمرسوم المعهود تطيب له الزيادة لو عالما تقيا ولو نصب إمام آخر له أخذ الزيادة إن كانت لقلة وجود الإمام لا لو كانت لمعنى في الأول كفضيلة أو زيادة حاجة ا هـ
فعلم أنه تجوز الزيادة إذا كان يتعطل المسجد بدونها أو كان فقيرا أو عالما تقيا فالمناسب العطف بأو في قوله وكان عالما تقيا وأما ما في قضاء البحر لو قضى بالزيادة لا ينفذ فهو محمول على ما إذا فقدت منه الشروط المذكورة كما أجاب به بعضهم ومقتضى التقييد بالقاضي أن المتولي ليس له أن يزيد للإمام
قوله ( ثم قال ) أي في الأشباه
قوله ( يلحق بالإمام ) الظاهر أنه يلحق به كل من في قطعه ضرر إذا كان المعين لا يكفيه كالناظر والمؤذن ومدرس المدرسة والبواب ونحوهم إذا لم يعملوا بدون الزيادة يؤيده ما في البزازية إذا كان الإمام والمؤذن لا يستقر لقلة المرسوم للحاكم الدين أن يصرف إليه من فاضل وقف المصالح والعمارة باستصواب أهل الصلاح من أهل المحلة لو اتحد الواقف لأن غرضه
____________________
(4/436)
إحياء وقفه لا لو اختلف أو اختلفت الجهة بأن بنى مدرسة ومسجدا وعين لكل وقفا وفضل من غلة أحدهما لا يبدل شرطه
مطلب للسلطان مخالفة الشرط إذا كان الوقف من بيت المال قوله ( ونقل ) أي صاحب المحبية عن المبسوط أي مبسوط خواهر زاده
والذي في الأشباه بعد ما نقل عن ينبوع السيوطي ما يفيد أن الوظائف المتعلقة بأوقاف الأمراء والسلاطين إن كان لها أصل من بيت المال أو ترجع إليه يجوز لمن كان بصفة الاستحقاق من عالم بعلم شرعي وطالب علم كذلك أن يأكل مما وقفوه غير مقيد بما شرطوه ما نصه وقد اغتر بذلك كثير من الفقهاء في زماننا فاستباحوا تناول معاليم الوظائف بغير مباشرة ومخالفة الشروط والحال أن ما نقله السيوطي عن فقهائهم إنما هو فيما بقي لبيت المال ولم يثبت له ناقل أما الأراضي التي باعها السلطان وحكم بصحة بيعها ثم وقفها المشتري فإنه لا بد من مراعاة شرائطه ولا فرق بين أوقاف الأمراء والسلاطين فإن للسلطان الشراء من وكيل بيت المال وهي جواب الواقعة التي أجاب عنها المحقق ابن الهمام في فتح القدير فإنه سئل عن الأشرف برسباي أنه اشترى من وكيل بيت المال أرضا وقفها فأجاب بما ذكرناه
وأما إذا وقف السلطان من بيت المال أرضا للمصلحة العامة فذكر في الخانية جوازه ولا يراعى ما شرطه دائما ا هـ
فحينئذ ينبغي التفصيل فيما نقله في المحبية فإن كان السلطان اشترى الأراضي والمزارع من وكيل بيت المال يجب مراعاة شرائطه وإن وقفها من بيت المال لا تجب مراعاتها ا هـ ط
قلت ويفهم من قول الأشباه إنما هو فيما بقي من بيت المال ولم يثبت له ناقل الخ أنه إنما يراعى شروطه إذا ثبت الناقل وهو كون الواقف ملكها بشراء أو إقطاع رقبة بأن كانت مواتا لا ملك لأحد فيها فأقطعها السلطان لمن له حق في بيت المال أما بدون ثبوت الناقل فلا لأنها بعدما علم أنها من بيت المال فالأصل بقاؤها على ما كانت فيكون وقفها أرصادا وهو ما يفرزه الإمام من بيت المال ويعينه لمستحقيه من العلماء ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال فتجوز مخالفة شرطه لأن المقصود وصول المستحق إلى حقه
وعن هذا قال المولى أبو السعود مفتي دار السلطنة إن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو ترجع إليه ا هـ
قلت والمراد من عدم مراعاة شرطها أن للإمام أو نائبه أن يزيد فيها وينقص ونحو ذلك وليس المراد أنه يصرفها عن الجهة المعينة بأن يقطع وظائف العلماء ويصرفها إلى غيرهم فإن بعض الملوك أراد ذلك ومنعهم علماء عصرهم وقد أوضحنا ذلك كله في باب العشر والخراج وقدمنا شيئا منه قبيل الفصل عند قوله وأما وقف الاقطاعات ولا يقاس على ذلك أوقاف غير الملوك والأمراء بل تجب مراعاة شروطهم لأن أوقافهم كانت أملاكا لهم
____________________
(4/437)
مطلب يصح تعليق التقرير في الوظائف قوله ( يصح تعليق التقرير التقرير في الوظائف ) هذا ذكره في أنفع الوسائل تفقها أخذا من جواز تعليق القضاة والإمارة بجامع الولاية فلو مات المعلق بطل التقرير وهو نفقة حسن
أشباه
قلت ودليله من السنة ما في صحيح البخاري من أنه أمر في غزوة موتة زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة الحديث
ثم رأيت الإمام السرخسي في شرح السير الكبير ذكر الحديث دليلا على ذلك وقال فيه أيضا ما حاصله لو جاء مع المدد أمير وعزل الأمير الأول بطل تنفيله فيما يستقبل لزوال ولايته بالعزل لا لو مات أميرهم فأمورا عليهم غيره لأن الثاني قائم مقامه إلا إذا أبطله الثاني أو كان الخليفة قال لهم إن مات أميركم مأميركم فلان فإنه يبطل تنفيل الأول لأن الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته فكأنه قلده ابتداء فينقطع رأي الأول برأي فوقه ا هـ ملخصا
وحاصله بطلان تنفيل الأمير بعزله وكذا بموته إذا نصب غيره من جهة الخليفة لا من جهة العسكر إلا إذا أبطله الثاني ولا يخفى أن التنفيل بقوله من قتل قتيلا فله سلبه فيه تعليق استحقاق النفل بالقتل ففيه دليل على قوله فلو مات المعلق بطل التقرير ويدل أيضا على بطلانه بالعزل
بقي هل له الرجوع قبل الموت أو الشغور فالذي حرره في أنفع الوسائل أنه لا يصح عزله لأن المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط والتعليق ليس بسبب للحال عندنا
وفرق بين هذه المسألة وبين ما لو وكله وكالة مرسلة ثم قال له كلما عزلتك فأنت وكيل في ذلك وكالة مستقبلة ثم قال عزلتك في تلك الوكالة كلها فروي عن محمد أنه ينعزل عن المعلقة وعن أبي يوسف لا ينعزل
ووجه الفرق أن التعليق عند محمد حصل في ضمن الوكالة المنجزة فصار المجموع سببا وقد يثبت ضمنا ما لا يثبت قصدا فلا يمكن أن يقول هنا بصحة العزل لأنه قصدي فيبقى جواب محمد وجواب أبي يوسف هنا واحدا في أنه لا يصح العزل
هذا خلاصة ما أطال به
قلت لكن علمت أن للأمير الثاني إبطال التنفيل والظاهر أن الأول كذلك فكذا يقال هنا لو رجع عن التعليق يصح لأنه قبل موت فلان ليس عزلا بلا جنحة لأنه لا يتقرر في الوظيفة إلا بعد موت فلان وقبله لم يثبت له استحقاق فيها إذا لو ثبت لم يبطل التقرير بموت المعلق فافهم
قوله ( أو شغرت ) بفتح الشين والغين المعجمتين أي خلت عن العمل والبلد الشاغر الخانية عن النصر والسلطان ط
مطلب ليس للقاضي عزل الناظر قوله ( ليس للقاضي عزل الناظر ) لأن الواقف له عزله ولو بلا جنحة به يفتى كما قدمناه عند قوله وينزع لو غير مأمون وقدمنا هناك عن الأشباه أنه لا يجوز للقاضي عزل الناظر المشروط له النظر بلا خيانة ولو عزله لا يصير الثاني متوليا ويصح عزله لو منصوب القاضي
وأنه في جامع الفصولين قال لا يملك القاضي عزله مطلقا إلا لموجب وتقدم تمامه
وأنه في البحر أخذ منه عدم العزل لصاحب وظيفة إلا بجنحة أو عدم أهلية وقدمنا هناك أيضا بعض موجبات العزل وأحكام الفراغ والتقرير في الوظائف
____________________
(4/438)
مطلب للقاضي أن يدخل مع الناظر غيره بمجرد الشكاية قوله ( حتى يثبتوا عليه خيانة ) نعم له أن يدخل معه غيره بمجرد الشكاية والطعن كما حرره في أنفع الوسائل أخذا من قول الخصاف إن طعن عليه في الأمانة لا ينبغي إخراجه إلا بخيانة ظاهرة وأما إذا أدخل معه رجلا فأجره باق وإن رأى الحاكم أن يجعل ذلك الرجل منه شيئا فلا بأس وإن كان المال قليلا فلا بأس أن يجعل للرجل رزقا من غلة الوقف ويقتصد فيه ا هـ ملخصا
وسيأتي حكم تصرفه عند قوله ولو ضم القاضي للقيم ثقة الخ
قوله ( وكذا الوصي ) أي وصي الميت ليس للقاضي عزله بمجرد الشكاية بخلاف الوصي من جهة القاضي كما سيأتي في بابه آخر الكتاب
قوله ( إذا آجر إنسانا ) أي وامتنع عن مطالبته
بزازية
قوله ( ولو فرط في خشب الوقف الخ ) وعلى هذا إذا قصر المتولي في عين ضمنها إلا فيما كان في الذمة كما في البحر فلو ترك بساط المسجد بلا نفض حتى أكلته الأرضة ضمن إن كان له أجرة وكذا خازن الكتب الموقوفة كما في الصيرفية
ط عن الحموي والبيري
مطلب في الاستدانة على الوقف قوله ( لا تجوز الاستدانة على الوقف أي إن لم تكن بأمر الواقف وهذا بخلاف الوصي فإن له أن يشتري لليتيم شيئا بنسيئة بلا ضرورة لأن الدين لا يثبت ابتداء إلا في الذمة واليتيم له ذمة صحيحة وهو معلوم فتتصور مطالبته أما الوقف فلا ذمة له
والفقراء وإن كانت لهم ذمة لكن لكثرتهم لا تتصور مطالبتهم فلا يثبت إلا على القيم وما وجب عليه لا يملك قضاء من غلة للفقراء ذكره هلال
وهذا هو القياس لكنه ترك عند الضرورة كما ذكره أبو الليث وهو المختار أنه إذا لم يكن من الاستدانة بد تجوز بأمر القاضي إن لم يكن بعيدا عنه لأن ولايته أعم في مصالح المسلمين وقيل تجوز مطلقا للعمارة
والمعتمد في المذهب الأول
أما ما له منه بد كالصرف على المستحقين فلا كما في القنية إلا الإمام والخطيب والمؤذن فيما يظهر لقوله في جامع الفصولين لضرورة مصالح المسجد ا هـ
وإلا للحصر والزيت بناء على القول بأنهما من المصالح وهو الراجح
هذا خلاصة ما أطال به في البحر
قوله ( الأول أذن القاضي ) فلو ادعى الإذن فالظاهر أنه لا يقبل إلا ببينة وإن كان المتولي مقبول القول لما أنه يريد الرجوع في الغلة وهو إنما يقبل قوله فيما في يده وعلى هذا فإذا كان الواقع أنه لم يستأذن يحرم عليه الأخذ من الغلة لأنه بلا إذن متبرع
بحر
قوله ( الثاني أن لا تتيسر إجارة العين الخ ) أطلق الإجارة فشمل الطويلة منها ولو بعقود فلو وجد ذلك لا يستدين
أفاده البيري
وما سلف من أن المفتى به بطلان الإجارة الطويلة فذاك عند عدم الضرورة كما حررناه سابقا فافهم
قوله ( والاستدانة القرض والشراء نسيئة ) صوابه الاستقراض ا هـ ح
____________________
(4/439)
وتفسير الاستدانة كما في الخانية أن لا يكون للواقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان للواقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف كان له أن يرجع بذلك في غلة الوقف ا هـ
ومفاده أن المراد بالقرض الإقراض من ماله لا الاستقراض من مال غيره لدخوله في الاستدانة
مطلب في إنفاق الناظر من ماله على العمارة وفي فتاوى الحانوتي الذي وقفت عليه في كلام أصحابنا أن الناظر إذا أنفق من مال نفسه على عمارة الوقف ليرجع في غلته له الرجوع ديانة لكن لو ادعى ذلك لا يقبل منه بل لا بد أن يشهد أنه أنفق ليرجع كما في الرابع والثلاثين من جامع الفصولين وهذا يقتضي أن ذلك ليس من الاستدانة على الوقف وإلا لما جاز إلا بإذن القاضي ولم يكف الإشهاد ا هـ
قلت لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا كان للوقف غلة وإلا فلا بد من إذن القاضي كما أفاده ما ذكرناه عن الخانية ومثله قوله في الخانية أيضا لا يملك الاستدانة إلا بأمر القاضي وتفسير الاستدانة أن يشتري للوقف شيئا وليس في يده شيء من الغلة أما لو كان في يده شيء فاشترى للوقف من ماله نفسه ينبغي أن يرجع ولو بلا أمر قاض ا هـ
وما ذكرناه في إنفاقه بنفسه يأتي مثله في إذنه للمستأجر أو غيره بالإنفاق فليس من الاستدانة
مطلب في إذن الناظر للمستأجر بالعمارة وفي الخيرية سئل في علية جارية في وقف تهدمت فأذن الناظر لرجل بأن يعمرها من ماله فما الحكم فيما صرفه من ماله بإذنه أجاب اعلم أن عمارة الوقف بإذن متوليه ليرجع بما أنفق يوجب الرجوع باتفاق أصحابنا وإذا لم يشترط الرجوع
ذكر في جامع الفصولين في عمارة الناظر بنفسه قولين وعمارة مأذونة كعمارته فيقع فيها الخلاف وقد جزم في القنية والحاوي بالرجوع وإن لم يشترطه إذا كان يرجع معظم العمارة إلى الوقف ا هـ
قلت وفي الفصل الثاني من إجارات التتارخانية عن الحاوي سئل عمن آجر منزلا لرجل وقفه والده عليه وعلى أولاده وأنفق المستأجر في عمارته بأمر المؤجر
قال إن كان للمؤجر ولاية على الوقف يرجع بما أنفق على الوقف وإلا كان المستأجر متطوعا ولا يرجع على المؤجر ا هـ وظاهره مع ما مر عن الخيرية أنه يرجع وإن لم يكن في يد القيم مال من غلة الوقف وهو خلاف ما قدمناه عن الخانية فيما لو أنفق من مال نفسه فلعل ما هنا مبني على رواية أنه لا يشترط في الاستدانة إذن القاضي وإلا فهو مشكل فليتأمل
وإذا قلنا ببنائه على ذلك فعلى هذا ما يفعل في زماننا في إثبات المرصد من تحكيم قاض حنبلي يرى صحة إذن الناظر للمستأجر بالعمارة الضرورية بلا أمر قاض غير لازم
قوله ( فوق قيمته ) أي شراء بثمن مؤجل فوق ما يباع بثمن حال لأن قيمة المؤجل فوق قيمة الحال
قوله ( ويكون الربح ) أي ما ربحه بائع المتاع بسبب التأجيل
مطلب لو اشترى القيم العشرة بثلاثة عشر فالربح عليه قوله ( الجواب نعم ) كذا حرره ابن وهبان
أشباه
لكن في القنية لو لم يكن فيه غلة للعمارة في الحال فاستقرض العشرة بثلاثة عشر في السنة واشترى من المقرض شيئا يسيرا دنانير يرجع في غلته العشرة وعليه الزيادة ا هـ
____________________
(4/440)
قال في البحر وبه اندفع ما ذكره ابن وهبان من أنه لا جواب للمشايخ فيها ا هـ
ومثله في شرح المقدسي وكذا نقل البيري عن التتارخانية مثل ما في القنية وقال وهذا الذي نفتي به ومنشأ ما حرره ابن وهبان عدم الوقوف على تحريف الحكم ممن تقدمه والعجب من المصنف أي صاحب الأشباه كيف اختاره ورضي به ا هـ
قوله ( وكذبه ) أي الغير
قوله ( ثم ملكها ) أي المقر ولو بسبب جبري
أشباه
قوله ( صارت وقفا ) مؤاخذة له بزعمه أشباه
مطلب في المصادقة على الاستحقاق قوله ( يعمل بالمصادقة على الاستحقاق الخ ) أقول اغتر كثير بهذا الإطلاق وأفتوا بسقوط الحق بمجرد الإقرار والحق الصواب أن السقوط مقيد بقيود يعرفها الفقيه
قال العلامة الكبير الخصاف أقر فقال غلة هذه الصدقة لفلان دوني ودون الناس جميعا بأمر حق واجب ثابت لازم عرفته ولزمني الإقرار له بذلك قال أصدقه على نفسه وألزم ما أقر به ما دام حيا فإذا مات رددت الغلة إلى من جعلها الواقف له لأنه لما قال ذلك جعلته كأن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له وعلله أيضا بقوله لجواز أن الواقف إن له أن يزيد وينقص وأن يخرج وأن يدخل مكانه من رأى فيصدق زيد على حقه ا هـ
أقول ويؤخذ من هذا أنه لو علم القاضي أن المقر إنما أقر بذلك لأخذ شيء من المال من المقر له عوضا عن ذلك لكي يستبد بالوقف أن ذلك الإقرار غير مقبول لأنه إقرار خال عما يوجب تصحيحه مما قاله الإمام الخصاف وهو الإقرار الواقع في زماننا فتأمله ولا قوة إلا بالله
بيري أي لو علم أنه جعله لغيره ابتداء لا يصح كما أفاده الشارح بعد
قوله ( وإن خالفت كتاب الوقف ) حملا على أن الواقف رجع عما شرطه وشرط ما أقر به المقر ذكره الخصاف في باب مستقل
أشباه
أقول لم أر شيئا منه في ذلك الباب وإنما الذي فيه ما نقله البيري آنفا وليس فيه التعليل بأنه رجع عما شرطه ولذا قال الحموي إنه مشكل لأن الوقف إذا لزم لزم ما في ضمنه من الشروط إلا أن يخرج على قول الإمام بعدم لزومه قبل الحكم ويحمل كلامه على وقف لم يسجل ا هـ ملخصا
قلت ويؤيده ما مر عن الدرر قبيل قول المصنف اتحد الواقف والجهة وهذا التأويل يحتاج إليه بعد ثبوت النقل عن الخصاف والله تعالى أعلم
قوله ( لكن في حق المقر خاصة ) فإذا كان الوقف على زيد وأولاده ونسله ثم على الفقراء فأقر زيد بأن الوقف عليهم وعلى هذا الرجل لا يصدق على ولده ونسله في إدخال النقص عليهم بل تقسم الغلة على زيد وعلى من كان موجودا من ولده ونسله فما أصاب زيدا منها كان بينه وبين المقر له ما دام زيد حيا فإذا مات بطل إقراره ولم يكن للمقر له حق وإن كان الوقف على زيد ثم من بعده على الفقراء فأقر زيد بهذا الإقرار لهذا الرجل شاركه الرجل في الغلة ما دام حيا فإذا مات زيد كانت للفقراء ولم يصدقه زيد عليهم
____________________
(4/441)
وإن مات الرجل المقر له وزيد حي فنصف للفقراء والنصف لزيد فإذا مات زيد صارت الغلة كلها للفقراء ا هـ
خصاف ملخصا
قلت وإنما عاد نصف الغلة للفقراء إذا مات المقر له مع أن استحقاق الفقراء بعد موت زيد في هذه الصورة الأخيرة لأن إقراره المذكور يتضمن الإقرار بأنه لا حق له في النصف الذي أقر به للرجل فلا يرجع إليه بعد موت الرجل فيرجع إلى الفقراء لعدم من يستحقه غيرهم هذا ما ظهر لي
ويؤخذ منه أنه لو كان الوقف على زيد وأولاده وذريته ثم على الفقراء كما في الصورة الأولى فمات الرجل المقر له ويرجع ما كان يأخذه إلى الفقراء لا إلى زيد لإقراره بأنه لا حق له فيه ولا إلى أولاده لأنه لم يقر لهم به ولم ينقص عليهم شيئا من حقهم وكذا لو كان الوقف على زيد ثم من بعده على أولاده وذريته ثم على الفقراء ثم مات الرجل المقر له يرجع ما كان يأخذه إلى الفقراء لا إلى زيد لما قلنا ولا إلى أولاده أنهم لا يستحقون شيئا إلا بعد موته فصارت المسألة في حكم منقطع الوسط الذي بيناه قبيل الفروع كما حررناه في تنقيح الحامدية فاغتنم هذه الفائدة السنية
مطلب في المصادقة على النظر قوله ( أو النظر ) أفاد أن الإقرار بالنظر بريع الوقف أي غلته فلو أقر الناظر أن فلانا يستحق معه نصف النظر مثلا يؤاخذ بإقراره ويشاركه فلان في وظيفته ما داما حيين
بقي لو مات أحدهما فإن كان هو المقر فالحكم ظاهر وهو بطلان الإقرار وانتقال النظر لمن شرطه له الواقف بعده وأما لو مات المقر له فهي مسألة تقع كثيرا وقد سئلت عنها مرارا
والذي يقتضيه النظر بطلان الإقرار أيضا لكن لا تعود الحصة المقر بها إلى المقر لما مر وإنما يوجهها القاضي للمقر أو لمن أراد من أهل الوقف لأنا صححنا إقراره حملا على أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر عن الخصاف فيصير كأنه جعل النظر لاثنين
قال في الأشباه وما شرطه لاثنين ليس لأحدهما الانفراد وإذا مات أحدهما أقام القاضي غيره وليس للحي الانفراد إلا إذا أقامه القاضي كما في الإسعاف ا هـ
ولا يمكن هنا القول بانتقال ما أقر به إلى المساكين كما قلنا في الإقرار بالغلة إذ لا حق لهم في النظر وإنما حقهم في الغلة فقط
هذا ما حررته في تنقيح الحامدية ولم أر من نبه عليه فاغتنمه
قوله ( صح ) أي الإقرار المذكور والمراد أنه يؤاخذ بإقراره حيث أمكن تصحيحه أما لو كان في نفس الأمر أقر كاذبا لا يحل للمقر له شيء مما أقر به كما صرحوا في غير هذا المحل إذ الإقرار إخبار لا تمليك على أن التمليك هنا غير صحيح
مطلب في جعل النظر أو الريع لغيره قوله ( ولو جعله لغيره لا ) أي لا يصير لغيره لأن تصحيح الإقرار إنما هو معاملة له بإقراره على نفسه من حيث ظاهر الحال تصديقا له في إخباره مع أمكان تصحيحه حملا على أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر
أما إذا قال المشروط له الغلة أو النظر جعلت ذلك لفلان لا يصح لأن ليس له ولاية إنشاء ذلك من تلقاء نفسه وفرق بين الإخبار والإنشاء
نعم لو جعل النظر لغيره في مرض موته يصح إن لم يخالف شرط الواقف لأنه يصير وصيا عنه وكذا لو فرغ عنه لغيره وقرر القاضي ذلك الغير يصح أيضا لأنه يملك عزل نفسه والفراغ عزل ولا يصير المفروغ له ناظرا بمجرد الفراغ بل لا بد من تقرير القاضي كما حررناه سابقا فإذا قرر القاضي
____________________
(4/442)
المفروغ له صار ناظرا بالتقرير لا بمجرد الفراغ وهذا غير الجعل المذكور هنا فافهم
وأما جعل الريع لغيره فقال ط إن كان الجعل بمعنى التبرع بمعلومه لغيره بأن يوكله ليقبضه له ثم يأخذه لنفسه فلا شبهة في صحة التبرع به وإن كان بمعنى الإسقاط فقال في الخانية إن الاستحقاق المشروط كإرث لا يسقط بالإسقاط ا هـ
قلت ما عزاه للخانية الله أعلم بثبوته فراجعها
نعم المنقول في الخانية ما سيأتي وقد فرق في الأشباه في بحث ما يقبل الإسقاط من الحقوق بين إسقاطه لمعين وغير معين وذكر ذلك في جملة مسائل كثر السؤال عنها ولم يجد فيها نقلا فقال إذا أسقط لمشروط له الريع لا لأحد لا يسقط كما فهمه الطرسوسي بخلاف ما إذا أسقط حقه حقه لغيره ا هـ
أي فإنه يسقط لكنه ذكر أنه لا يسقط مطلقا في رسالته المؤلفة في بيان ما يسقط من الحقوق وما لا يسقط أخذا مما في شهادات الخانية من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله فلو قال أبطلت حقي كان له أن يأخذه ا هـ
قلت لكن لا يخفى أن ما في الخانية إسقاط لا لأحد
نعم ينبغي عدم الفرق إذ الموقوف عليه الريع إنما يستحقه بشرط الواقف فإذا قال أسقطت حقي منه لفلان أو جعلته له يكون مخالفا لشرط الواقف حيث أدخل في وقفه ما لم يرضه الواقف لأن هذا إنشاء استحقاق بخلاف إقراره بأنه يستحقه فلان فإنه إخبار يمكن تصحيحه كما مر ثم رأيت الخير الرملي أفتى بذلك وقال بعد نقل ما في شهادات الخانية وهذا في وقف المدرسة فكيف في الوقف على الذرية المستحقين بشرط الواقف من غير توقف على تقرير الحاكم وقد صرحوا بأن شرط الواقف كنص الشارع فأشبه الإرث في عدم قبوله الإسقاط وقد وقع لبعضهم في هذه المسألة كلام يجب أن يحذر ا هـ
مطلب لا يكفي صرف الناظر لثبوت الاستحقاق قوله ( ولا يكفي صرف الناظر الخ ) أي لو ادعى رجل أنه من ذرية الواقف متمسكا بأن الناظر كان يدفع له الاستحقاق لا يكفي بل لا بد من إثبات نسبه
وفي الخيرية في جواب سؤال أن الشهادة بأنه هو وأبوه وجده متصرفون في أربعة قراريط لا يثبت به المدعي كمن ادعى حق المرور أو رقبة الطريق على آخر وبرهن أنه كان يمر في هذه لا يستحق به شيئا كما صرح به غالب علمائنا والشاهد إذا فسر للقاضي أنه يشهد معاينة اليد لا تقبل شهادته
وأنواع التصرف كثيرة فلا يحل الحكم بالاستحقاق في غلة الوقف بالشهادة بأنه هو وأبوه وجده متصرفون فقد يكون تصرفهم بولاية أو وكالة أو غصب أو نحو ذلك ومما صرحوا به أن دعوى بنوة العم تحتاج إلى ذكر نسبة الأب والأم إلى الجد ليصير معلوما لأن انتسابه بهذه النسبة ليس بثابت عند القاضي فيشترط البيان ليعلم لأنه يحصل العلم للقاضي بدون ذكر الجد والمقصود هنا العلم بالنسبة إلى الواقف وكونه ابن عم فلان لا يتحقق به استحقاق من وقف الجد الأعلى لتحقق العمومة بأنواع منها العم للأم ا هـ
قلت هذا ظاهر فيما إذا أراد إثبات أنه من ذرية الواقف بمجرد كونه ابن عم فلان الذي هو من ذرية الواقف فحينئذ لا بد من إثبات نسبه إلى الجد الجامع
وأما لو ادعى أنه من ذرية الواقف المستحقين للوقف فالظاهر أنه يكفي إثبات ذلك بدون ذكر النسب إذا كان الوقف على الذرية لأنه يحصل المقصود بذلك لأنه لا يختلف ذلك بخلاف بنوة العم لأنه قد يكون ابن عم للمتوفى ولا يكون من ذرية الواقف لكونه ابن عم لأم
تأمل
وسيأتي أنه لو وقف على فقراء قرابته لا بد من إثبات القرابة وبيان جهتها
قوله ( وسيجيء في دعوى ثبوت النسب ) أي
____________________
(4/443)
في الفروع حيث قال الشارح ولو أحضر رجلا ليدعي عليه حقا لأبيه وهو مقر به أو لا فله إثبات نسبه عند القاضي بحضرة ذلك الرجل ا هـ
مطلب متى ذكر الواقف شرطين متعارضين يعمل بالمتأخر قوله ( متى ذكر الواقف شرطين متعارضين الخ ) في الإسعاف لو كتب أول كتاب الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يملك ثم قال في آخره على أن لفلان بيعه والاستبدال بثمنه ما يكون وقفا مكانه جاز بيعه ويكون الثاني ناسخا للأول ولو عكس على أن لفلان بيعه والاستبدال به ثم قال آخره لا يباع ولا يوهب ولا يجوز بيعه لأنه رجوع عما شرطه أولا وهذا إذا تعارض الشرطان
أما إذا لم يتعارضا وأمكن العمل بهما وجب كما ذكره البيري في القاعدة التاسعة من الأشباه وما ذكروه داخل تحت قولهم شرط الواقف كنص الشارع فإن النصين إذا تعارضا عمل بالمتأخر منهما ط
قوله ( الوصف بعد الجمل الخ ) سيذكر الشارح هذه المسألة عن نظم المحبية مع ما يناسبها وسيأتي الكلام على ذلك
مطلب مهم في قول الواقف على الفريضة الشرعية قوله ( متى وقف ) أي على أولاده لأنه منشأ الجواب المذكور كما تعرفه وبه يظهر فائدة التقييد بقوله حال صحته
قوله ( كما حققه مفتي دمشق الخ ) أقول حاصل ما ذكره في الرسالة المذكورة أنه ورد في الحديث أنه قال سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا أحدا لآثرت النساء على الرجال
رواه سعيد في سننه
وفي صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير تقوا الله وعدلوا في أولادكم فالعدل من حقوق الأولاد في العطايا والوقف عطية فيسوي بين الذكر والأنثى لأنهم فسروا العدل في الأولاد بالتسوية في العطايا حال الحياة
وفي الخانية ولو وهب شيئا لأولاده في الصحة وأراد تفضيل البعض على البعض روى عن أبي حنيفة لا بأس به إذا كان التفضيل لزيادة فضل في الدين وإن كانوا سواء يكره
وروى المعلى عن أبي يوسف أنه لا بأس به إذا لم يقصد الإضرار وإلا سوى بينهم وعليه الفتوى
وقال محمد يعطى للذكر ضعف الأنثى
وفي التتارخانية معزيا إلى تتمة الفتاوى قال ذكر في الاستحسان في كتاب الوقف وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في العطايا والعدل في ذلك التسوية بينهم في قول أبي يوسف وقد أخذ أبو يوسف حكم وجوب التسوية من الحديث وتبعه أعيان المجتهدين وأوجبوا التسوية بينهم وقالوا يكون آثما في التخصيص وفي التفضيل
وليس عند المحققين من أهل المذهب فريضة شرعية في باب الوقف إلا هذه بموجب الحديث المذكور والظاهر من حال المسلم اجتناب المكروه فلا تنصرف الفريضة الشرعية في باب الوقف إلا إلى التسوية والعرف لا يعارض النص
هذا خلاصة ما في هذه الرسالة وذكر فيها أنه أفتى بذلك شيخ الأسلام محمد الحجازي الشافعي والشيخ سالم السنهوري المالكي والقاضي تاج الدين الحنفي وغيرهم ا هـ
____________________
(4/444)
قلت وقد كنت قديما جمعت في هذه المسألة رسالة سميتها العقود الدرية في قول الواقف على الفرضية الشرعية حققت فيها المقام وكشفت عن مخدراته اللثام بما حاصله أنه صرح في الظهيرية بأنه لو أراد أن يبر أولاده فالأفضل عند محمد أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وعند أبي يوسف يجعلهما سواء وهو المختار ثم قال في الظهيرية قبيل المحاضر والسجلات عند الكلام على كتابة صك الوقف إن أراد الوقف على أولاده يقول للذكر مثل حظ الأنثيين وإن شاء يقول الذكر والأنثى على السواء ولكن الأول أقرب إلى الصواب وأجلب للثواب
مطلب مراعاة غرض الواقفين واجبة والعرف يصلح مخصصا وهكذا رأيته في نسخة أخرى بلفظ الأول أقرب إلى الصواب فهذا نص صريح في التفرقة بين الهبة والوقف فتكون الفريضة الشرعية في الوقف هي المفاضلة فإذا أطلقها الواقف انصرفت إليها لأنها هي الكاملة المعهودة في باب الوقف وإن كان الكامل عكسها في باب الصدقة فالتسوية بينهما غير صحيحة على أنهم صرحوا بأن مراعاة غرض الواقفين واجبة وصرح الأصوليون بأن العرف يصلح مخصصا والعرف العام بين الخواص والعوام أن الفريضة الشرعية يراد بها المفاضلة وهي إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين ولذا يقع التصريح بذلك لزيادة التأكيد في غالب كتب الأوقاف بأن يقول يقسم بينهم على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ولا تكاد تسمع أحدا يقول على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثى لأنه غير المتعارف بينهم في هذا اللفظ
وفي الأشباه في قاعدة العادة محكمة أن ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم كما في وقف فتح القدير ومثله في فتاوى ابن حجر ونقل التصريح بذلك على جماعة من أهل مذهبه وفي جامع الفصولين مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف وقدمنا نحوه عن العلامة قاسم وقد مر وجوب العمل بشرط الواقف فحيث شرط القسمة كذلك وكان عرفه بهذا اللفظ المفاضلة وجب العمل بما أراده ولا يجوز صرف اللفظ عن مدلوله العرفي لأنه صار حقيقة عرفية في هذا المعنى والألفاظ تحمل على معانيها الحقيقية اللغوية إن لم يعارضها نقل في العرف إلى معنى آخر فلفظ الفريضة الشرعية إذا كان معناه لغة أو شرعا التسوية وكان معناه في العرف المفاضلة وجب حمله على المعنى العرفي كما علمت ولو ثبت أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وأن النص الوارد في الهبة وارد في الوقف أيضا نقول إن هذا الواقف أراد المفاضلة وارتكب المكروه فلا يكون في ذلك تقديم العرف على النص بل فيه إعمال النص بإثبات الكرامة فيما فعله وإعمال لفظه بحمله على مدلوله العرفي فإن النص لا يغير الألفاظ عن معانيها المرادة بل يبقى اللفظ على مدلوله العرفي وهو المفاضلة لأنه صار علما عليها وهي فريضة شرعية في ميراث الأولاد فإذا ذكرها في وقفه على أولاده وجب العمل بمراده وهذا كله بعد تسليم أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وقد سمعت التصريح بخلافه عن الظهيرية
وقد وقع سؤال في أواخر كتاب الوقف من الفتاوى الخيرية فيه ذكر الفريضة الشرعية مع عدم التصريح بأن للذكر مثل حظ الأنثيين
فأجاب فيه بالقسمة بالمفاضلة وأجاب في الخيرية قبله في سؤال آخر بذلك أيضا وبه أفتى مفتي دمشف المرحوم الشيخ إسماعيل تلميذ الشارح وكذا شيخ مشايخنا السائحاني ورأيت مثل ذلك
____________________
(4/445)
في فتاوى الشهاب أحمد بن الشلبي الحنفي شيخ صاحب البحر ووافقه عليه الشهاب أحمد الرملي الشافعي في فتاويه ورأيت مثل ذلك في فتاوى شيخ الإسلام محقق الشافعية السراج البلقيني ومثله في فتاوى المصنف وعزاه أيضا إلى المقدسي والطبلاوي كما يأتي قريبا فكل هؤلاء الأعلام أفتوا بما هو المتعارف من معنى هذا اللفظ وكفى بهم قدوة وهذا خلاصة ما ذكرته في الرسالة المذكورة ومن أراد زيادة على ذلك فليرجع إليها وليعتمد عليها ففيها المقنع لمن يتدبر ما يسمع ولله الحمد
قوله ( ونحوه في فتاوى المصنف ) هذا عجيب بل الذي فيها خلافه وهو انصراف الفريضة الشرعية إلى إلى القسمة بالمفاضلة حيث وجد ذكور وإناث
نعم وقع في السؤال الذي سئل عنه المصنف أنه آل الوقف إلى أخي الميت لأمه وأخيه الشقيق
فأجاب بأنها تقسم الغلة بينهما نصفين لا قسمة الميراث أي لا يعطى للأخ للأم السدس والباقي للشقيق وقال إن هذا هو الموافق لغالب أحوال الواقفين وهو قصد التفاوت بين الذكر والأنثى فإذا قال على حكم الفريضة ينزل على الغالب المذكور ثم قال وقد أجاب بهذا الجواب شيخ الإسلام عمدة الأنام مفتي الوقت بالقاهرة المحروسة هو الشيخ نور الدين المقدسي وشيخ الإسلام محمد الطبلاوي مفتي الديار المصرية ا هـ
وحاصل كلامه أنه حيث وجد ذكور فقط كما في واقعة السؤال من أخوين أحدهما لأم والآخر شقيق يحمل لفظ الفريضة الشرعية على القسمة بالسوية لا على قسمة الميراث بينهما لأن الغالب من أحوال الواقفين إرادة التفاوت بين الذكر والأثنى فيحمل هذا اللفظ على الغالب إذا وجد ذكر وأنثى لا إذا كانا ذكرين
قلت وهذا لا شك فيه وهو صريح فيما قلنا من حمل اللفظ المذكور على معناه العرفي وكأن الشارح نظر إلى قوله في صدر الجواب تقسم الغلة بينهما نصفين ولم ينظر إلى باقيه مع أن الضمير في بينهما راجع للأخوين لا إلى ذكر وأنثى وقد وقع لابن المنقار في رسالته نظير ما وقع للشارح فإنه نقل عن الحافظ السيوطي فتوى استدل بها على كلامه مع أنها دالة على خلاف مرامه
فإن حاصلها أن واقفا شرط انتقال نصيب من مات من غير ولد إلى أقرب الطبقات إليه فمات شخص عن ابن عم وبنتي عم
فأجاب بانتقال النصيب إلى الثلاثة وأن قوله بالفريضة الشرعية محمول على تفضيل الذكر على الأنثى فقط فلا يختص به ابن العم وإن كان عصبة
وحاصله حمل الفريضة الشرعية على المفاضلة لا على التسوية ولا على قسمة الميراث من كل وجه وهذا عين ما أجاب به المصنف والله الموفق فافهم
قوله ( وللمتولي أجر مثله ) أي أجر مثل المكان المذكور في مدة وضع المشتري يده على القول المختار كما في البزازية وغيرها فتاوى المصنف
مطلب فيما لو اشترى دار الوقف وعمر أو غرس فيها قوله ( فذلك لهما ) هكذا عبارة فتاوى المصنف ونصها وإذا زاد المشتري في المكان المذكور زيادة هي مال متقوم كالبناء والغرس فلذلك لهما ولهما المطالبة به فيسلك معهما فيه طريقا يظهر نفعها لجهة الوقف ويعظم وقعها ا هـ
والظاهر أن يقول فذلك له أي للمشتري والمراد بالأنفع للوقف أنه كان القلع والتسليم للمشتري أنفع للوقف يفعل وإلا بأن كان القلع يضر بالوقف يتملكه الناظر للوقف كما مر في بناء المستأجر
تأمل
____________________
(4/446)
مطلب إذا هدم المشتري أو المستأجر دار الوقف ضمن قلت وهذا إذا كان النقض ملك المشتري فلو بناه بنقض الوقف فهو للوقف وبقي لو هدمه
ففي البحر عن المحيط لو هدم المشتري البناء إن شاء القاضي ضمن البائع قيمة البناء فينفذ بيعه أو ضمن المشتري ولا ينفذ البيع ويملك المشتري البناء بالضمان ويكون الضمان للوقف لا للموقوف عليهم ا هـ
والمراد بالبناء نقضه وهذا إذا لم تمكن إعادته وإلا أمر كما سنذكره في الغصب وبقي أيضا لو هدمه وبناه على غير صفته ففي الحامدية عن فتاوى المفتي أبي السعود يلزم المشتري قلع ما بناه وقيمة ما قلعه ا هـ
قلت هذا إن لم يكن البناء الثاني أنفع للوقف ففي فتاوى قارىء الهداية سئل إذا استأجر شخص دارا وقفا ثم إنه هدمها وجعلها طاحونا أو فرنا أو غيره ما يلزمه أجاب ينظر القاضي إن كان ما غيرها إليه أنفع لجهة الوقف أخذ منه الأجرة وبقي ما عمر لجهة الوقف وهو متبرع بما أنفقه في العمارة ولا يحسب له الأجرة وإن لم يكن أنفع ولا أكثر ريعا ألزم بهدم ما صنع وإعادة الوقف إلى الصفة التي كان عليها بعد تعزيره بما يليق بحاله اه
قوله ( وفي البزازية الخ ) الذي في فتاوى المصنف وكذا له الرجوع بقيمة البناء على البائع إذا نقض المستحق البناء بلا قيد كما في البزازية نقلا عن الذخيرة وفيها نقلا عن الجامع أنه إنما يرجع على البائع وأما إذا أمسك النقض لا يرجع على البائع بشيء ا هـ
ما في فتاوى المصنف
قوله بلا قيد أي قيد التسليم المقيد به في العبارة الثانية ومثله ما سيذكره الشارح في باب الاستحقاق عن المنية شرى دارا وبنى فيها فاستحقت رجع الثمن وقيمة البناء مبنيا على البائع إذا سلم النقض إليه يوم تسليمه وإن لم يسلم فبالثمن لا غير ا هـ
وقوله يوم تسليمه متعلق بالقيمة حتى لو أنفق في البناء عشرة آلاف وسكن في الدار حتى تغير البناء وتهدم بعضه لم يرجع إلا بقيمته يوم يسلم البناء للبائع ولو غلا حتى صار بعشرين ألفا يرجع بقيمته يوم يسلم ولا ينظر إلى ما أنفق كذا في الخانية
وبه ظهر أن قول الشارح بعد نقضه متعلق بيرجع لا بقيمة وأشار به إلى أنه إنما يرجع بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه إلى البائع فلا يرجع بقيمة جص وطين كما سيذكره في باب الاستحقاق فافهم
قوله ( بخلاف ما لو استحق المبيع ) هذا لم يذكر في فتاوى المصنف ولا في البزازية كما سمعت والصواب إسقاطه لأن ما نحن فيه من استحقاق المبيع وهذا يوهم الفرق بين ما لو استحق الوقف وما لو استحقه مالك ولم نر من فرق بينهما والمصنف لم يفرق بينهما كما علمت من عبارته في الفتاوى فافهم
مطلب في الوقف إذا انقطع ثبوته قوله ( لو انقطع ثبوته الخ على أنه وقف بالشهرة ولكن جهلت شرائطه ومصارفه بأن لم يعلم حاله ولا تصرف قوامه السابقين كيف كانوا يعملون وإلى من يصرفونه فحينئذ ينظر إلى ما في دواوين القضاة فإن لم يوجد فيها لا يعطى أحد ممن يدعي فيه حقا ما لم يبرهن فإن لم يبرهن يصرف للفقراء لأن الوقف في الأصل لهم وقد علم مجرد كونه وقفا ولم يثبت فيه حق لغيرهم فيصرف إليهم فقط وهذا معنى قولهم يجعلها القاضي موقوفة إلى
____________________
(4/447)
أن يظهر الحال وقدمنا تمام تحقيق هذه المسألة عند قوله وبيان المصرف من أصله فافهم
قوله ( أو وارثه ) أي إن مات مالكه أو لبيت المال إن لم يكن له وارث
قوله ( فلو وقفه السلطان ) أي بعد ما صار لبيت المال بموت أربابه وقدمنا أن هذا إرصاد لا وقف حقيقي
قوله ( عاما ) كالمسجد والمقبرة والسقاية ومثله ما وظفه في مسجد ونحوه للعلماء ونحوهم ممن له حق في بيت المال فلا يجوز لأحد إبطاله
نعم للسلطان مخالفة شرط واقفه بزيادة ونقص ونحو ذلك لا بصرفه عن جهته إلى غير جهته كما مر عند قوله ونقل عن المبسوط
قوله ( ولو لجهة خاصة ) كذريته أو عتقائه
قوله ( لا يصح ) لأن فيه تعطيل حق بقية المسلمين وقد بسط المقام في شرح الوهبانية فراجعه
قوله ( فظاهر كلامهم قبولها ) كما لو شهد بوقف مدرسة وهو صاحب وظيفة بها فتاوى المصنف وكذا شهادة أهل المحلة بوقف عليها وأبناء السبيل بوقف على أبناء السبيل وهذا في الشهادة بأصل الوقف لا فيما يرجع إلى الغلة كشهادة بإجارة ونحوها فلا تقبل لأن له حقا فيها فكان متهما كما في شهادات البحر وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى قبيل قوله والأجير الخاص ووجه القبول أن الشهادة تقبل في الوقف حسبة بدون الدعوى كما مر
قوله ( بل يهدده ) يومين أو ثلاثة فإن فعل وإلا يكتفي منه باليمين
بحر
مطلب في محاسبة المتولي وتحليفه قوله ( ولو اتهمه يحلفه ) أي وإن كان أمينا كالمودع بدعي هلاك الوديعة أو ردها قيل إنما يستحلف إذا ادعى عليه شيئا معلوما وقيل يحلف على كل حال
بحر عن القنية
قلت وسيأتي قبيل كتاب الإقرار أنه لا تحليف على حق مجهول إلا في ست إذا اتهم القاضي وصي يتيم ومتولي وقف وفي رهن مجهول ودعوى سرقة وغصب وخيانة مودع ا هـ
قوله ( قلت وقدمنا الخ ) استدراك على قوله ولو متهما يجبره على التعيين وقد يجاب بحمل ما قدمه على ما إذا كان معروفا بالأمانة
مطلب في قبول قول المتولي في ضياع الغلة وتفريقها قوله ( بلا يمين ) مخالف لما في البحر عن وقف الناصحي إذا آجر الواقف أو قيمة أو وصيه أو أمينه ثم قال قبضت الغلة فضاعت أو فرقتها على الموقوف عليهم وأنكروا فالقول له مع يمينه ا هـ
ومثله في الإسعاف وكذا في شرح الملتقى عن شروط الظهيرية ثم قال وسيجيء في العارية أنه لا يضمن ما أنكروه بل يدفعه ثانيا من مال الوقف ا هـ
وفي حاشية الخير الرملي الفتوى على أنه يحلف في هذا الزمان ا هـ
____________________
(4/448)
مطلب إذا كان الناظر مفسدا لا يقبل بيمينه قلت بل نقل في الحامدية عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بأنه إن كان مفسدا مبذرا لا يقبل قوله بصرف مال الوقف بيمينه وفيها القول في الأمانة قول الأمين مع يمينه إلا أن يدعي أمرا يكذبه الظاهر فحينئذ تزول الأمانة وتظهر الخيانة فلا يصدق بيري عن أحكام الأوصياء وعلى هذا لو ظهرت خيانة ناظر لا يصدق قوله ولو بيمينه وهي كثيرة الوقوع ا هـ
وفيها عن فتاوى الشلبي بعد كلام ومن اتصف بهذه الصفات المخالفة للشرع التي صار بها فاسقا لا يقبل قوله فيما صرفه إلا ببينة ا هـ
وبقي هل يقبل قول الناظر الثقة بعد العزل أيضا ذكر الحموي في حاشية الأشباه من كتاب الأمانات أن ظاهر كلامهم القبول لأن العزل لا يخرجه عن كونه أمينا وأطال فيه فراجعه وبه أفتى المصنف قياسا على الوصي لو ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه أنفق كذا فإنه يقبل وعللوه بأنه أسنده إلى حالة منافية للضمان
قوله ( في وقفه ) أي وقف الواقف المعلوم من المقام
قوله ( قبل قوله ) أي ولو بعد موتهم كما في شرحه على الملتقى
قوله ( لا يقبل قوله ) لأن ما يأخذه الإمام ونحوه ليس مجرد صلة بل فيه شوب الأجرة كما مر
قوله ( قال المصنف ) أي في فتاواة لكن قال في كتابه تحفة الأقران غير أن العلماء على الإفتاء بخلافه ا هـ
وفي حاشية الخير الرملي والجواب عما قاله أبو السعود أنها ليس لها حكم الأجرة من كل وجه ومقتضى ما قاله أبو السعود أنه يقبل قوله في حق براءة نفسه لا في حق صاحب الوظيفة لأنه أمين فيما في يده فيلزم الضمان في الوقف لأنه عامل له وفيه ضرر بالوقف فالإفتاء بما قاله العلماء متعين وقوله يعني المصنف هو تفصيل في غاية الحسن في غير محله إذ يلزم منه تضمين الناظر إذا دفع لهم بلا بينة لتعديه ا هـ
قلت وفيه نظر بل الضمان على الوقف لأنه عامل له ولا تعدي منه أصلا لأنه دفع حقا لمن يستحقه فأين التعدي إذا لم يشهد وإلا لزم أنه يضمن أيضا في مسألة استئجاره شخصا للبناء إذا دفع له الأجرة بلا بينة ولذا قال في الحامدية بعد نقله كلام الخير الرملي قلت تفصيل أبي السعود في غاية الحسن باعتبار التمثيل بالأجرة فهي مثلها وقول العلماء يقبل قوله في الدفع إلى الموقوف عليهم محمول على غير أرباب الوظائف المشروط عليهم العمل ألا ترى أنهم إذا لم يعملوا لا يستحقون الوظيفة فهي كالأجرة لا محالة وهو كأنه أجير فإذا اكتفينا بيمين الناظر يضيع عليه الأجر لا سيما نظار هذا الزمان
وقال المولى عطاء الله أفندي في مجموعته سئل شيخ الإسلام زكريا أفندي عن هذه المسألة فأجاب بأنه إن كانت الوظيفة في مقابلة الخدمة فهي أجرة لا بد للمتولي من إثبات الأداء بالبينة وإلا فهي صلة وعطية يقبل في أدائه قول المتولي مع يمينه وإفتاء من بعده من المشايخ الإسلامية إلى هذا الزمان على هذا متمسكين بتجويز المتأخرين الأجرة في مقابلة الطاعات ا هـ
قوله ( قلت وسيجيء الخ ) حيث قال وأما إذا ادعى الصرف إلى وظائف المرتزقة فلا يقبل قوله في حقهم لكن لا يضمن ما أنكروه له بل يدفعه ثانيا من مال الوقف كما بسط في حاشية أخي زادة ا هـ
قلت وسيجيء قبله في الوديعة حكم ما لو مات الناظر مجهلا غلات الوقف فراجعه
قوله ( في الأصح ) ذكر
____________________
(4/449)
مثله في البحر عن القنية معللا بأن المعزول آجرها للوقف لا لنفسه خلافا لما أفتى به في فتاواه كما نبه عليه الرملي
قوله ( قال المصنف والذي ترجح عندي لا ) أي لا تصح مصادقته وأخذ المصنف ذلك من قوله في الولوالجية من حكى أمرا لا يملك استئنافه إن كان فيه إيجاب الضمان على الغير لا يصدق وإن كان فيه نفي الضمان عن نفسه صدق
قال وحكاية المتولي ذلك فيه إيجاب الضمان على جهة الوقف فينبغي عدم تصديقه وهذا ما ترجح عندي في الجواب ا هـ
قلت وهذا يشمل المعزول والمنصوب فذكر المعزول غير قيد وأصرح مما ذكره المصنف ما في دعوى البزازية لا ينفذ إقرار المتولي على الوقف ومثله في السابع من العمادية وفي فتاوى الحانوتي من الإجارة التصادق غير صحيح لأنه إقرار منه على الوقف وإقرار الناظر على الوقف غير صحيح
قوله ( ليس للمتولي الخ ) فيه كلام يأتي قريبا
مطلب فيما يأخذه المتولي من العوائد العرفية قوله ( ويجب صرف الخ حاصل ما ذكره المصنف أنه سئل عن قرية موقوفة يريد المتولي أن يأخذ من أهاليها ما يدفعونه بسبب الوقف من العوائد العرفية من سمن ودجاج وغلال يأخذونها لمن يحفظ الزرع ولمن يحضر تذريته فيدفع المتولي لهما منها يسيرا ويأخذ الباقي مع ما ذكر لنفسه زيادة على معلومه
فأجاب جميع ما تحصل من الوقف من نماء وغيره مما هو من تعلقات الوقف يصرف في مصارفه الشرعية كعمارته ومستحقيه ا هـ ملخصا
لكن أفتى في الخيرية بأنه إذا كان في ريع الوقف عوائد قديمة معهودة يتناولها الناظر بسعيه له طلبها لقول الأشباه عن إجارات الظهيرية والمعروف عرفا كالمشروط شرطا فهو صريح في استحقاقه ما جرت به العادة ا هـ ملخصا
مطلب في تحرير حكم ما يأخذه المتولي من عوائد قلت ويؤيده ما في البحر من جواز أخذ الإمام فاضل الشمع في رمضان إذا جرت به العادة وقد ظهر لي أنه لا ينافي ما ذكره المصنف لأن هذا في المتعارف أخذه من ريع الوقف بأن تعورف مثلا أن هذا الوقف يأخذه متوليه عشر ريعه فحيث كان قديما يجعل كأن الواقف شرطه له وما ذكره المصنف فيما يأخذه المتولي من أهل القرية كالذي يهدى له من دجاج وسمن فإن ذلك رشوة وكالذي يأخذه من الغلال المذكورة التي جعلت للحافظ
فافهم
لكن الذي يظهر أن الغلال إذا كانت من ريع الوقف يجب صرفها في مصارف الوقف
____________________
(4/450)
وأما مثل الدجاج فيجب رده على أصحابه وهو ما أشار إليه بقوله ويجب على الحاكم أمر المرتشي برد الرشوة على الراشي
مطلب فيما يسمى خدمة وتصديقا في زماننا نعم إن كان ما يأخذه منهم تكملة أجر المثل يجب صرفه في مصارف الوقف وذلك كما يقع في زماننا كثيرا أن المستأجر إذا كان له كدك أو كردار في دكان أو عقار لا يستأجر إلا بدون أجر المثل ويدفع للناظر دراهم تسمى خدمة لأجل أن يرضى الناظر بالإجارة المذكورة فهي في الحقيقة من أجرة المثل فلو قلنا يردها على المستأجر يلزم ضرر الوقف ولا تحل للناظر لأنه عامل للوقف بما شرطه له الواقف أو القاضي وقد صرحوا أيضا بأن الناظر إذا لم يمكنه أخذ الأجرة من المستأجر وظفر بمال المستاجر فله أخذ قدر الأجرة منه فهذه الخدمة إن كانت رشوة لا يجب ردها على الراشي حيث لم يمكنه أخذ أجرة المثل منه بل عليه صرفها في مصارف الوقف وبهذا علم حكم ما يفعله النظار في زماننا من أخذهم ما يسمونه تصديقا فيما إذا مات صاحب الكدك أو الكردار فيأخذ الناظر من ورثته دراهم ليصدق لهم على انتقال ذلك إليهم وكذا إذا اشترى أحد ذلك يأخذ من المشتري درهم فإن كان ذلك تكملة أجر المثل فأخذه جائز إن صرفه في مصارفه وإلا فلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قوله ( ويجب على الحاكم الخ ) لم أجده في نسختي من فتاوى المصنف
قوله ( غب الدعوى الشرعية ) الغب بالكسر عاقبة الشيء كما في القاموس ط وهو متعلق بقوله يجب لأن وجوب الحكم على الحاكم بعد الدعوى الشرعية فإذا ادعى الراشي على المرتشي بما دفعه إليه وثبت ذلك وجب على الحاكم أمر المرتشي برد الرشوة فافهم
قوله ( قلت لكن الخ ) استدراك على قول المصنف في فتاواه ليس للمتولي أخذ زيادة على ما قرره له الواقف
قلت والجواب أن كلام المصنف فيمن شرط له الواقف شيئا معينا وما سيجيء في الوصايا ومر أيضا عقب مسألة الجامكية فيمن نصبه القاضي ولم يشرط له الواقف شيئا كما قدمناه لكن قدمنا أيضا عن أنفع الوسائل بحثا أن الأول لو عين له الواقف أقل من أجر المثل فللقاضي أن يكمل له أجر المثل بطلبه فهذا مقيد لإطلاق المصنف كما قدمناه هناك
مطلب في أحكام الوقف على فقراء قرابته قوله ( لو وقف على فقراء قرابته الخ ) سيأتي تفسير القرابة والفقر في آخر الفصل الآتي
وفي البزازية وقف على فقراء قرابته فجاء رجل وادعى أنه من أقرباء الواقف وهو فقير كلف أن يبرهن على الفقر وأنه من أقارب الواقف وأنه لا أحد تجب عليه نفقته وينفق عليه والفقر وإن كان أمرا أصليا يثبت بظاهر الحال لكن الظاهر يكفي للدفع لا للاستحقاق وإنما شرط عدم المنفق لأنه بالإنفاق عليه يعد غنيا في باب الوقف وشرط
____________________
(4/451)
لزومه لأنه لو لم يكن واجبا عليه فالظاهر ترك الإنفاق فيكون فقيرا
قال هلال ولا بد أيضا أن يسأل عنه في السر ثم يستحلفه بالله ما لك مال ولا لك أحد تجب نفقتك عليه وإن برهن على ما ذكرنا فأخبر عدلان بغناه فهما أولى والخبر والشهادة هنا سواء لأنه ليس بشهادة حقيقة بل هو خبر ولو قالا لا نعلم أحدا تجب نفقته عليه كفى ولو زعم البعض أنه غني إن ادعى أن له مالا يصير به غنيا له أن يحلفه على أنه ليس بغني وليس له تحليف المتولي لأنه لو أقر لا يلزم شيء فإذا أنكر لا يحلف والخصم في ذلك هو الواقف لو حيا وإلا فمن الوقف في يده ولو أحد الوصيين دون الوارث وأصحاب الوقف فإن برهن على المتولي بأنه قريب الواقف لا يقبل حتى يبرهن على نسب معلوم كالإخوة لأبوين أو لأب أو لأم لا على الأخوة المطلقة أو العمومة وإن قالوا لا نعلم به وارثا آخر أعطاه وإلا يتأنى زمانا ثم يدفع إليه ويأخذ كفيلا عندهما كما في الميراث وإذا أراد الرجل إثبات قرابة ولده أو فقره فله ذلك لو صغيرا بخلاف الكبار فإنهم يثبتون فقرهم بأنفسهم ووصي الأب مثله فإن لم يكون فللأم أو العم إثبات ذلك لو الصغير في حجرهما استحسانا لأنه تمحض نفعا له فأشبه قبول الهبة ا هـ ملخصا
وتمام الفروع فيها فراجعها وسيأتي آخر الفصل الآتي ما له تعلق بما هنا
قوله ( من حين الوقف عليه ) أي من حين وجود شرط كونه من أهل الوقف وهو الفقر والقرابة لا من حين القضاء
قال في الإسعاف فإن شهدا له بالفقر بعد مجيء الغلة لا يدخل فيها وإنما يدخل فيما يحدث منها بعد الشهادة إلا أن يشهدا له في وقف ويسند فقره إلى زمن سابق فإنه يقضى له بالاستحقاق من مبدأ الزمن الأول وإن طال ا هـ
مطلب إذا قال ما دامت عزبا فتزوجت وطلقت ينقطع حقها قوله ( أجاب نعم ) أي ينقطع حقها بالتزوج إلا أن يشترط أن من مات زوجها أو طلقها عاد حقها
إسعاف و فتح
وفي لسان الحكام لابن الشحنة أن جده أجاب كذلك وأن الكافيجي خالفه وقال يعود الدوام كما كان بالفرق ووقع النزاع بين يدي السلطان وأن جده أخرج النقول فوافقه الحاضرون
قوله ( فلا شيء له إلا أن يشرط الخ ) بخلاف ما لو وقف على من يسكن بغداد من فقراء قرابته فانتقل بعضهم وسكن الكوفة ثم عاد إليها وسكن فإنه يعود حقا لأن النظر هاهنا إلى حالهم يوم قسمة غلة الوقف ألا ترى أنه لو افتقر الأغنياء
____________________
(4/452)
واستغنى الفقراء تكون الغلة لمن افتقر دون من استغنى ولو لم ينظر إلى حالهم يوم القسمة لربما لزم دفع الغلة إلى الأغنياء دون الفقراء
وتمامه في الإسعاف فافهم
مطلب فيما إذا قضى بدخول ولد البنت قوله ( قضى بدخول ولد البنت ) أي في صورة الوقف على أولاد أولاده
قوله ( لا الماضي لو مستهلكة ) لأن الحكم وإن كان يستند إلى وقت الوقف لكن في حق الموجود وقت الحكم وغلات تلك السنين معدومة كالحكم بفساد النكاح بغير ولي لا يظهر في الوطات الماضية
والمهر حتى لو كان غلات السنين الماضية قائمة يستحق أولاد البنات حصتهم منها شرح الوهبانية عن القنية ملخصا
لكن تقدم آنفا في الوقف لفقراء قرابته أنه من قضى له استحقه من حين الوقف عليه وفي قضاء الخيرية لو ثبت أن الوقف سوية بين زيد وعمرو وكان زيد يتناول زيادة عما يخصه مدة سنين
أجاب لعمرو الرجوع عليه بما تناوله زائدا عن حقه المدة الماضية والقضاء هنا مظهر ومعين لكونه كاشفا فيستند لا مثبت وعامل حتى يقتصر كما قرره أصحاب الأصول والفروع أيضا ا هـ
مطلب أثبت واحد أنه من الذرية يرجع بما يخصه في الماضي وفي فتاوى ابن نجيم سئل عن واقف وقف على ذريته ففرق الناظر الغلة سنين على جماعة منهم ثم أثبت واحد أنه منهم وقضى به على الناظر فطالبه بما يخصه في الماضي فهل له ذلك أجاب بأنه إن دفع إلى الجماعة بغير قضاء رجع بما يخصه على الناظر وإلا رجع على الجماعة أخذا من مسألة الوصي إذا قضى دين الميت بجميع التركة ثم ظهر دين آخر عليه فإنهم قالوا إن دفع بغير قضاء رجع الدائن عليه وإلا على الفارضين
ولا يعارضه ما في القنية لو قضى بدخول أولاد البنات الخ لأن دخولهم مختلف فيه بخلاف ما نحن فيه للاتفاق ا هـ
وذكر ذلك بعينه في فتاوى الحانوتي وحاصله أن في دخول أولاد البنات في الوقف على أولاد أولاده خلافا كما سيأتي تحريره فإذا قضى بدخولهم فإنه وإن وقع دخولهم مستندا إلى وقت الوقف لكن بسبب الاختلاف صار الحكم مثبتا حقهم الآن في الغلة القائمة فلهم غلة سنة الحكم وغلة السنين الماضية إذا كانت قائمة للاستناد دون المستهلكة لشبهة الاقتصار بخلاف من لم يقع خلاف في دخوله ثم أثبت دخوله فإن القضاء به مظهر أنه منهم لا مثبت فيستند ولا يقتصر كما مر فتدبر
قوله ( لأنه مفرد مضاف فيعم ) أي الواحد والأكثر بخلاف بنيه و عبارة الإسعاف لأن أقل الجمع هنا اثنان واسم الولد يصدق على الواحد فلهذا اختلفا في الحكم ا هـ
مطلب من وقف على أولاده هل يشمل الواحد أو لا تنبيه في البحر ولو وقف على أولاده وليس له إلا واحد وعلى بنيه وليس له إلا ابن واحد كان النصف له والنصف للفقراء هكذا سوى بينهما في الخانية
وفرق بينهما في فتح القدير فقال في الأولاد يستحق الواحد الكل وفي البنين لا يستحق الكل وقال كأنه مبني على العرف وقد علمت أن المنقول خلافه ا هـ
قلت والحاصل أنه لا فرق بين أولاده وبنيه في أن الواحد يستحق النصف فقط لأن اللفظ جمع أقله في الوقف اثنان كالوصية بخلاف ولده فإن الواحد يستحق الكل لما مر وما ذكره في الفتح مشى عليه في أيمان الأشباه
____________________
(4/453)
حيث قال الجمع لا يكون للواحد إلا في مسائل وقف على أولاده وليس له إلا واحد فله كل الغلة بخلاف بنيه الخ
وقال في الدر المنتقى آخر الوقف وأما ما في الأشباه فقد عزاه للعمدة وكذا ذكره في التتارخانية وغيرها فلم يبق الكلام إلا في التوفيق
فأقول وبالله التوفيق قد لاح لي أنه لا يبعد أن يحمل كلام الخانية على ما إذا وقف على أولاده وله ولدان ثم على الفقراء فمات واحد وبقي واحد وقت وجود الغلة كما يفيده قوله وله ولد وقت وجود الغلة فيندفع عن الأشباه الاشتباه فتدبر ولا قوة إلا الله ا هـ
قلت ويكفي في التوفيق ما مر عن الفتح من ابتنائه على العرف إذ لا شك أن من وقف على أولاده وأولادهم يريد أنه لو بقي منهم واحد يأخذ الوقف كله وبما تقرر علمت أن ما في الفتح منقول أيضا
مطلب في إقالة المتولي عقد الإجارة قوله ( للمتولي الإقالة لو خيرا ) كذا في البحر عن جامع الفصولين
وقال في الأشباه إقالة الناظر عقد الإجارة جائزة إلا في مسألتين الأولى إذا كان العاقد ناظرا قبله كما فهم من تعليلهم
الثانية إذا كان الناظر تعجل الأجرة كما في القنية ومشى عليه ابن وهبان ا هـ
لكن في شرح الوهبانية للشرنبلالي أقول هذا ليس ليس فيه تحرير فإن قبض الأجرة وعدمه ليس فيه نظر للخير وعدمه بل النظر إنما هو لما فيه مصلحة وهو الذي في البحر عن جامع الفصولين المتولي يملك الإقالة لو خيرا وإطلاقه يشمل القبض وعدمه ويشمل إقالة عقد ناظر قبله ويؤيده مسألة هي لو باع القيم دارا اشتراها بمال الوقف فله أن يقبل البيع مع المشتري إذا لم يكن البيع بأكثر من ثمن المثل وكذا إذا عزل ونصب غيره فللمنصوب إقالته بلا خلاف كذا في البحر
وفي الأشباه المتولي على الوقف لو آجر الوقف ثم أقال ولا مصلحة لم يجز على الوقف فالمنظور إليه المصلحة وعدمها ولذا قال في الدرر إذا باع المتولي أو الوصي شيئا بأكثر من قيمته لا تجوز إقالته ا هـ
مع أن المبيع إذا عاد ترجع ماليته على ما كانت عليه والعين المؤجرة لا تبقى الأجرة بمضي الزمن إلا بالاستئجار فيفوت النفع الذي لزم بالاستئجار فكان عدم صحة الإقالة مع فوات النفع ألزم من إقالة البيع خصوصا وقد تربو المضرة باحتياج العين التي كانت مؤجرة لمؤنة كطعام ومرمة بها ا هـ
قوله ( وخصاه بالنقود ) بناء على أن الناظر وكيل يتصرف بالعرض وبالنقد وبالنسيئة عنده وعندهما بالنقود كما سيأتي في كتاب الوكالة كذا قيل والمسألة نظمها في الوهبانة
مطلب للمستأجر غرس الشجر قوله ( للمستأجر غرس الشجر الخ ) كذا في الوهبانية وأصله في القنية
يجوز للمستأجر غرس الأشجار والكروم في الأراضي الموقوفة إذا لم يضر بالأرض بدون صريح الإذن من المتولي دون حفر الحياض
مطلب إنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا وإنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا ثم قال قلت وهذا إذا لم يكن لهم حق قرار العمارة فيها أما إذا كان يجوز الحفر والغرس والحائط من ترابها لوجود الإذن في مثلها دلالة ا هـ
ولا يخفى أن قوله قلت الخ محله عند
____________________
(4/454)
عدم الضرر بالأرض كما يعلم بالأولى من قوله وإنما يحل الخ ثم اعلم أن العادة في زماننا أن الناظر لا يمكن المستأجر من الغراس إلا بإذنه إذا لم يكن له في الأرض حق القرار المسمى بمشد المسكة فينبغي أنه لا يملك ذلك بدون إذنه ولا سيما فيه ضرر على الوقف لأن الأنفع أن يغرس الناظر للوقف أو يأذن للمستأجر بالمناصبة وهي أن يغرس على أن الغراس بينه وبين الوقف كما هو العادة ولا شك أنه أنفع من غرسه لنفسه فقط
مطلب في حكم بناء المستأجر في الوقف بلا إذن قوله ( وما بناه مستأجر أو غرسه فله ) أي إذا بناه من ماله بلا إذن الناظر ثم إذا لم يضر رفعه بالبناء القديم رفعه وإن ضر فهو المضيع ماله فليتربص إلى أن يتخلص من تحت البناء ثم يأخذه ولا يكون بناؤه مانعا من صحة الإجارة من غيره إذ لا يد له عليه حيث لا يملك رفعه ولو اصطلحوا على أن يجعله للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعا فيه أو مبنيا صح
جامع الفصولين
وفي حاشيته للخير الرملي أقول ظاهره اشتراط الرضا إذ الصلح لا يكون إلا عنه مع أنهم صرحوا في الإجارة إذا مضت المدة وكان القلع يضر بالأرض يتملكه المؤجر بأقل القيمتين جبرا وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين الوقف والملك إذ لا وجه للفرق بينهما في ذلك فيحمل الصلح في كلامه على مجرد الإخبار بالصحة لا على أنه شرط متعين في ذلك ا هـ
وفي الخانية طرح فيها السرقين وغرس الأشجار ثم مات فالأشجار لورثته ويؤمرون بقلعها ولا رجوع لهم بما زاد السرقين في الأرض عندنا ا هـ
وقدمنا مسألة استبقاء المستأجر العمارة في الأرض المحتكرة قبل الفصل عند قول الشارح وأما الزيادة في الأرض المحتكرة قدمنا مسألة العمارة بإذن الناظر عند مسألة الاستبدال
مطلب في حكم المتولي وغيره في أرض الوقف قوله ( والمتولي بناؤه الخ ) اعلم أن البناء في أرض الوقف فيه تفصيل فإن كان الباني المتولي عليه فإن كان بمال الوقف فهو وقف سواء بناه للوقف أو لنفسه أو أطلق وإن من ماله للوقف أو أطلق فهو وقف إلا إذا كان هو الواقف وأطلق فهو له كما في الذخيرة وإن بناه من ماله لنفسه وأشهد أنه له فهو له كما في القنية و المجتبى وإن لم يكن متوليا فإن بنى بأذن المتولي ليرجع فهو وقف وإلا فإن بنى للوقف فوقف وإن لنفسه أو أطلق فله رفعه إن لم يضر
وتمامه في ط عن الأشباه وحواشيها
وفي الخانية ولو غرس في المسجد يكون للمسجد لأنه لا يغرس فيه لنفسه
قوله ( ما لم يشهد أنه لنفسه قبله ) أي قبل البناء وهو متعلق بيشهد وهذا إذا بناه من ماله كما علم مما مر قبله وقيد بالإشهاد تبعا لجامع الفصولين وغيره لكن صرح الخصاف بأن القول قوله إذا اختلف هو وأهل الوقف بأن قال زرعتها لنفسي ببذري ونفقتي وقالوا بل لنا لأن البذر له فما حدث منه فهو له بمنزلة الواقف فيما يزرع له
قال الخصاف وأرى إخراجه من يده بما فعل ويضمن نقصان الأرض ا هـ
ومثله في الخانية وهو صريح أيضا بأنه يكون خيانة منه يستحق بها العزل وكأنه في البحر لم يره حيث قال وينبغي أن يكون خيانة وقدمنا عند قوله وينزع وجوبا لو خائنا عن شرح الأشباه للبيري أنه يؤخذ مما ذكرناه أن الناظر لو سكن دار الوقف ولو بأجر المثل للقاضي عزله لأنه نص في خزانة الأكمل أنه لا يجوز له السكنى ولو بأجر المثل
____________________
(4/455)
مطلب لو آجر المتولي لابنه أو أبيه لم يجز إلا بأكثر من أجر المثل قوله ( ولو آجر لابنه ) أي الكبير إذ الصغير تبع له
شرح الوهبانية
وفي جامع الفصولين لو باع القيم مال الوقف أو آجر ممن لا تقبل شهادة له لم يجز عند أبي حنيفة وكذا الوصي
وقيل الوصي كمضارب وفيه المتولي إذا آجر دار الوقف من ابنه البالغ أو أبيه لم يجز عند أبي حنيفة إلا بأكثر من أجر المثل كبيع الوصي لو بمثل قيمته صح عندهما ولو خيرا لليتيم صح عند أبي حنيفة وكذا متول آجر من نفسه لو خيرا صح وإلا لا ومعنى الخير مر في بيع الوصي من نفسه وبه يفتى ا هـ
والذي مر هو قوله في شراء مال الصغير جاز للوصي ذلك لو خيرا وتفسيره أن يأخذ بخمسة عشر ما يساوي عشرة أو يبيع منه بعشرة ما يساوي خمسة عشر وبه يفتى ا هـ
قوله ( كعبده اتفاقا ) وكذا لو لنفسه
قوله ( هذا لو باشر بنفسه ) أما لو ذهب إلى القاضي فآجره صح
شرح الوهبانية عن الخانية
قلت ويشكل عليه ما مر عند قوله ولاية نصب القيم إلى الواقف ثم لوصيه ثم للقاضي من أن القاضي لا يملك التصرف مع وجود المتولي
والجواب أنه لا يملك ذلك على ما فيه من النزاع عند صحة تصرف المتولي بنفسه وهنا لا يصح وقدمنا عند الكلام على قطع الجهات للتعمير أن المتولي لو عمل كالفاعل والبناء فله قدر أجرته لو أمره الحاكم وإلا فلا إذ لا يصلح مؤجرا ومستأجرا وهذه العلة جارية هنا
وقدمنا أيضا أول الفصل إذا شرط الواقف أن لا تؤجر الأرض أكثر من سنة وكانت إجارتها أكثر أنفع للفقراء فليس للقيم أن يؤجرها أكثر بل يرفع الأمر للقاضي ليؤجرها لأن له ولاية النظر للفقراء فافهم
قوله ( وكذا الوصي ) أي من قبل الأب بخلاف وصي القاضي فإنه لا يصح بيعه ولا شراؤه مال اليتيم ولو خيرا كما سيأتي في بابه والإجارة بيع المنافع
أفاده ط
قوله ( بخلاف الوكيل ) فإنه لا يعقد مع من ترد شهادته له للتهمة عند الإمام إلا إذا أطلق له الموكل كما سيأتي في بابها
أفاده ط
قوله ( أي لكونه يعمل بالمرسل ) هو من سقط منه الصحابي ط
وهذا التعليل ذكره في شرح الوهبانية بقوله وفي حفظي تعليله بكونه يعمل إلخ ولكني لم أظفر له الآن اه
قلت ووجهه أنه عمل بكل الأحاديث حيث لم يترك العمل بهذين فصار أحق بإطلاق هذا اللفظ عليه والظاهر أن هذا عند عدم العرف
أما إذا تعورف إطلاقه على من غلب عليه هذا العلم حتى اشتهر به وصار يطلق عليه أنه من أهل الحديث تعين حمله على عرف الواقف كما قدمناه في مسألة ابن المنقار
قوله ( وجاز على حفر القبور والأكفان ) هو المفتى به كما في البحر عن الفتاوى وفي شرح الوهبانية أن الصحة أظهر
مطلب في الوقف على الصوفية والعميان قوله ( لا على الصوفية والعميان في الأصح ) فإنه وقع فيه خلاف
قال في شرح الوهبانية عن الخلاصة بعد حكاية الخلاف وأخرج الإمام علي السعدي الرواية من وقف الخصاف أنه لا يجوز على الصوفية والعميان فرجعوا إلى جوابه اه
____________________
(4/456)
قلت لكن في الإسعاف قال شمس الأئمة إذا ذكر مصرف فيهم تنصيص على الحاجة فهو صحيح وإن استوى فيه الأغنياء والفقراء فإن يحصون صح وإلا بطل إلا إن كان في لفظه ما يدل على الحاجة عرفا كاليتامى فالوقف عليهم صحيح ويصرف لفقرائهم فهذا الضابط يقتضي صحة الوقف على الزمنى والعميان وقراء القرآن والفقهاء وأهل الحديث ويصرف لفقرائهم لإشعار الأسماء بالحاجة استعمالا لأن العمى والاشتغال بالعلم يقطع عن الكسب فيغلب فيهم الفقر وهو أصح مما سيأتي في باب الباطل أنه باطل على هؤلاء اه
ومقتضاه أنه يصح على الصوفية أيضا لأن الفقر فيهم أغلب من العميان بل اصطلاحهم تسميتهم بالفقراء وهذا إن كانت العلة ما ذكر وإلا ففي التتارخانية عن الإمام أبي اليسر أن الصوفية أنواع فمنهم قوم يضربون بالمزامير ويشربون الخمور إلى أن قال فيهم إذا كانوا بهذه المثابة كيف يصح الوقف عليهم اه
فأفاد أن العلة أن منهم من لا يصح الوقف عليهم فلا يكون قربة ويحتمل أن المراد لا يصح الوقف على هذا النوع منهم إذا عينهم الواقف وهذا وإن كان خلاف ظاهر العبارة لكنه من حيث المعنى أظهر لأن لفظ الصوفية إنما يراد به في العادة من كانوا على طريقة مرضية أما غيرهم فليسوا منهم حقيقة وإن سموا أنفسهم بهذا الاسم فإذا أطلق الاسم لا يدخلون فيه فيصح الوقف ويستحقه أهل ذلك الاسم حقيقة وحينئذ تكون علة الصحة ما مر من غلبة وصف الفقر عليهم فاغتنم هذا التحرير
قوله ( وفي النهر عن الإسعاف إلخ ) تخصيص لما أفتى به أبو السعود
قوله ( فهو أولى ) أي الأعلم بأمور الوقف أولى ومثله لو استويا في الديانة والسداد والفضل والرشاد فالأعلم بأمر الوقف أولى
بحر عن الظهيرية
مطلب في شرط التولية للأرشد فالأرشد قوله ( وكذا لو شرطه لأرشدهم ) فيقدم بعد الاستواء فيه الأسن ولو أنثى كما في الإسعاف والأعلم بأمور الوقف وأفتى في الإسماعيلية بتقديم الرجل على الأنثى والعالم على الجاهل أي بعد الاستواء في الفضيلة والرشد
قال في البحر والظاهر أن الرشد صلاح المال وهو حسن التصرف وفيه عن الإسعاف ولو قال الأفضل فالأفضل فأبى الأفضل القبول أو مات يكون لمن يليه على الترتيب
ذكره الخصاف
وقال هلال القياس أن يدخل القاضي بدله رجلا ما دام حيا فإن مات صارت الولاية لمن يليه في الفضل ولو كان الأفضل غير موضع أقام رجلا مقامه وإذا مات تنتقل لمن يليه فيه وإذا صار أهلا بعده ترد الولاية إليه وكذا لو لم يكن فيهم أهل أقام القاضي أجنبيا إلى أن يصير فيهم أهل ولو صار المفضول منهم أفضل ممن كان أفضلهم تنتقل الولاية إليه فينظر في كل وقت إلى أفضلهم كالوقف على الأفقر فالأفقر اه ملخصا
مطلب إذا صار غير الأرشد أرشد قلت وبه علم عدم صحة ما أفتى به في الحامدية أنه إذا أثبت أحدهم أرشديته أنه لا تقبل بينة آخر أنه صار أرشد واستند لما في حاوي السيوطي أن العبرة لمن فيه هذا الوصف في الابتداء لا في الأثناء وبينت الجواب عنه
____________________
(4/457)
في تنقيحها وذكرت فيه تفصيلا أخذا من القواعد المذهبية وهو أنه إذا ادعى آخر الأرشدية قبل الحكم بها للأول وتعارضت البينتان اشتركا في التولية لما مر من أن أفعل التفضيل ينتظم الواحد والأكثر وأنه لا سبيل إلى ترجيح إحدى البينتين على الأخرى قبل الحكم وإن كان بعده وقصر الزمن لا تسمع الثانية لترجح الأولى بالحكم بها فتلغو الثانية
وأما إذا طال بحيث يمكن أن يصير الثاني أرشد من الأول والله تعالى أعلم اه
ثم رأيت التصريح بذلك في فتاوى الشيخ قاسم حيث قال إذا قامت بينة أخرى بالأرشدية لغيره فلا بد من تصريحها بأن هذا أمر تجدد وذكر قبله أن الشهادة بالأرشدية تحتاج أن يكون الأولاد وأولاد الأولاد معلومين محصورين ليكون المشهود له أرشد من غيرهم
قوله ( ولو ضم القاضي للقيم ثقة ) تقدم عند قول الشارح ليس للقاضي عزل الناظر بمجرد شكاية المستحقين أنه يضمه إليه إذا طعن في أمانته بدون إثبات خيانة وإلا عزله وتقدم تمام الكلام عليه هناك
قوله ( وإلا فله ذلك ) قد يقال إنه إذا ضمه إليه للطعن في أمانته وكان للأصيل الاستقلال بالتصرف لم يبق فائدة لضمه إليه إلا أن يصور فيما إذا ضمه إليه إعانة له لا لطعن ولا لخيانة
تأمل
مطلب ليس للمشرف التصرف قوله ( ليس للمشرف التصرف ) بل له الحفظ لأن التصرف في مال الوقف مفوض إلى المتولي
خانية
والظاهر أن المراد بالحفظ حفظ مال الوقف عنده لكن قال في الفتح وهذا يختلف بحسب العرف في معنى المشرف اه
ومقتضاه أنه لو تعورف تصرفه مع المتولي اعتبر ويحتمل أن يراد بالحفظ مشارفته للمتولي عند التصرف لئلا يفعل ما يضر ويؤيده ما ذكروه في مشرف الوصي ففي الخانية قال الإمام الفضلي يكون الوصي أولى بإمساك المال ولا يكون المشرف وصيا وأثر كونه مشرفا أنه لا يجوز تصرف الوصي إلا بعلمه
وفي أدب الأوصياء عن فتاوى الخاصي وبقول الفضلي يفتى
وأنت خبير بأن الوقف يستقى من الوصية ومسائله تنزع منها وعن هذا أفتى في الحامدية بأنه ليس للمتولي التصرف في أمور الوقف بدون إذن المشرف واطلاعه
مطلب القيم والمتولي والناظر بمعنى واحد وفي الخيرية إن كان الناظر بمعنى المشرف فقد صرحوا بأن الوصي لا يتصرف إلا بعلم المشرف وفيها سئل في وقف له ناظر ومتول هل لأحدهم التصرف بلا علم الآخر أجاب لا يجوز والقيم والمتولي والناظر في كلامهم بمعنى واحد اه
قلت هذا ظاهر عند الأفراد أما لو شرط الواقف متوليا وناظرا عليه كما يقع كثيرا فيراد بالناظر المشرف وعن هذا أجبت في حادثة بأنه ليس للمتولي الإيجار بلا علم الناظر خلافا لما في الفتاوى الرحيمية من أنه لو آجر المتولي إجارة شرعية بأجرة المثل لا يملك الناظر معارضته لأنه في معنى المشرف تأمل
وأفتى في الإسماعيلية بأنه ليس للناظر معارضة المتولي إلا أن يثبت أن نظارته بشرط الواقف اه
قلت وفيه نظر إذ لو نصبه القاضي ناظرا على المتولي لثبوت خيانته لم يستقل المتولي بالتصرف كما مر
____________________
(4/458)
عن النهر بل مثله ما لو نصبه عليه للطعن في أمانته كما بحثناه آنفا
تأمل
قوله ( ليس للمتولي أن يستدين إلخ ) مكرر مع ما تقدم
قوله ( إذا كان مسجلا ) مبني على قول الإمام إن الوقف لا يلزم قبل الحكم والتسجيل ومر أن المفتى به قولهما
مطلب لا يجوز الرجوع عن الشروط قوله ( وإن كانوا أصلح ) الذي رأيته في فتاوى مؤيد زاده إذا لم يكونوا أصلح أو في أمرهم تهاون فيجوز للواقف الرجوع عن هذا الشرط اه
وهكذا نقله عنها في شرحه على الملتقى
ثم نقل عن الخلاصة لا يجوز الرجوع عن الوقف إذا كان مسجلا ولكن يجوز الرجوع عن الموقوف عليه وتغييره وإن كان مشروطا كالمؤذن والإمام والمعلم إن لم يكونوا أصلح أو تهاونوا في أمرهم فيجوز للواقف مخالفة الشرط اه
قال ط أقول وبالله تعالى التوفيق إن ما ذكره من المؤذن والإمام إن لم يكونوا أصلح ليس من الرجوع وإنما مخالفة للشرط لكونها أنفع للوقف بنصب غيرهم ممن يصلح فهو كما إذا شرط أن لا ينزع من الولاية فخان فإنه ينزع ولا يعتبر هذا الشرط ويولي غيره وكما إذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة ولا رغبة فيما عينه فإنه يخالف وما كان ينبغي للشارح أن يفرد هذا بفرع مستقل لأنه يوهم أنه يجوز له الرجوع في جميع الشروط وليس كذلك اه
قلت قد أجاد فيما أفاد أعطاه مولاه غاية المراد
وحاصله أنه لو شرط الواقف أن يكون الإمام أو المؤذن أو المعلم شخصا معينا يصح الرجوع عنه لو كان متهاونا في مباشرة وظيفته أو كان غيره أصلح فهو في الحقيقة تغيير كما عبر به في الخلاصة أي تغيير الشخص المعين بغيره للمصلحة الراجعة إلى المسلمين فهو نظير ما قدمه المصنف من قوله الباني أولى بنصب الإمام والمؤذن في المختار إلا إذا عين القوم أصلح ممن عينه
وبه ظهر الجواب عما نقله الشارح عن الأشباه من قوله ولم أر حكم عزله لمدرس وإمام ولاهما وهو أنه جائز للمصلحة إذا كانا مشروطين في أصل الوقف فبدونه بالأولى وقد ظهر أنه ليس المراد أنه يجوز للواقف الرجوع عن شروط الوقف كما فهمه الشارح حتى تكلف في شرحه على الملتقى للجواب عما قدمه عن الدرر قبيل قول المصنف اتحد الواقف والجهة من أنه ليس له إعطاء الغلة لغير من عينه لخروج الوقف عن ملكه بالتسجيل اه
فإنه صريح في عدم صحة الرجوع عن الشروط ولا يخالفه ما في المؤيدية على ما علمت ويدل عليه قوله في البحر إن التولية خارجة عن حكم سائر الشروط لأن له فيها التغيير كلما بدا له
وأما باقي الشرائط فلا بد من ذكرها في أصل الوقف اه
وفي الإسعاف ولا يجوز له أن يفعل إلا ما شرط وقت العقد اه
وفيه لو شرط في وقفه أن يزيد في وظيفة من يرى زيادته أو ينقص من وظيفة من يرى نقصانه أو يدخل معهم من يرى إدخاله أو يخرج من يرى إخراجه جاز ثم إذا فعل ذلك ليس له أن يغيره لأن شرطه وقع على فعل يراه فإذا رآه وأمضاه فقد انتهى ما رآه اه
وفي فتاوى الشيخ قاسم وما كان من شرط معتبر في الوقف فليس للواقف تغييره ولا تخصيصه بعد
____________________
(4/459)
تقرره ولا سيما بعد الحكم اه
فقد ثبت أن الرجوع عن الشروط لا يصح إلا التولية ما لم يشرط ذلك لنفسه فله تغيير المشروط مرة واحدة إلا أن ينص على أنه يفعل ذلك كلما بدا له وإلا إذا كانت المصلحة اقتضته فاغتنم هذا التحرير
قوله ( فإنها ) أي الكناية كما يعلم مما بعده والمراد بها الضمير وتسمية الضمير كناية اصطلاح الكوفيين أفاده ط
قوله ( لأقرب المكنيات ) أي لأقرب المذكورات التي يمكن أن يكون الضمير كناية عنها
مطلب في أن الأصل عود الضمير إلى أقرب مذكور قوله ( بمقتضى الوضع )
أي الأصل وهو عود الضمير إلى أقرب مذكور إليه
قلت وهذا الأصل عند الخلو عن القرائن
مطلب فيما إذا قال على أولادي وأولاد أولادي الذكور ولذا قال في الخيرية سئل عمن وقف على ولده حسن وعلى من يحدث له من الأولاد ثم على أولاده الذكور ثم على أولاده الإناث وأولادهن ثم حدث للواقف ولد اسمه محمد ثم مات حسن المذكور فهل الضمير في يحدث له راجع إلى حسن لأنه أقرب مذكور أم إلى الواقف فيدخل محمد فأجاب مفتي الحنفية بمصر مولانا الشيخ حسن الشرنبلالي بأنه راجع إلى الواقف
ثم قال في الخيرية إن هذا مما لا يشك ذو فهم فيه إذ هو الأقرب إلى غرض الواقف مع صلاحية اللفظ له
مطلب إذا كان للفظ محتملان تعين أحدهما بغرض الواقف وقد تقرر في شروط الواقفين أنه إذا كان للفظ محتملان تعين أحدهما بالغرض وإذا أرجعنا الضمير إلى حسن لزم حرمان ولد الواقف لصلبه واستحقاق أولاد أولاد البنات وفيه غاية البعد ولا تمسك بكونه أقرب مذكور لما ذكرنا من المحظور وهذا لغاية ظهوره غني عن الاستدلال اه
قوله ( وكذلك مسائل ثلاث ) أي يعتبر فيها الأقرب وإن لم يكن هناك ضمير فإن الثانية والثالثة لا ضمير فيهما ط
قوله ( فالهاء لعمرو فقط ) أي فلا يدخل نسل زيد زاد الإمام الخصاف فإن قال على عبد الله وزيد وعمرو ونسلهما فالغلة لعبد الله وزيد وعمرو ونسل زيد وعمرو دون نسل عبد الله اه
قوله ( فالذكور راجع لولد الولد فحسب ) أي فقط أي للمضاف المعطوف دون المضاف إليه دون المعطوف عليه فقوله على ولدي بقي شاملا للذكور والإناث من صلبه وقوله وولد ولدي الذكور يختص بالذكور من أولاد الذكور والإناث أي بالمضاف فقط لأنه أقرب مذكور
ولا يقال المضاف إليه اقرب مذكور لأنا نقول الأصل عود الضمير على المضاف كما إذا قلت جاء غلام زيد وأكرمته أي الغلام لأنه المحدث عنه والمضاف إليه ذكر معرفا للمضاف غير مقصود بالحكم
ويحتمل أن يكون قوله فحسب احترازا عن رجوعه للمضاف إليه فقط فلا ينافي رجوعه للمعطوف عليه أيضا وهذا
____________________
(4/460)
وإن كان بعيدا من فحوى العبارة لكنه هو الموافق لما نص عليه هلال بقوله قلت أرأيت إن قال على ولدي وولد ولدي الذكور
قال فهي لمن كان ذكرا من ولده وولد ولده قال الذكور من ولد البنين والبنات قال نعم اه
فقد جعله قيدا للمعطوف والمعطوف عليه دون المضاف إليه ومثله في الإسعاف
ونصه ولو قال على ولدي وولد ولدي الإناث يكون للإناث من ولده دون ذكورهم والإناث من ولد الذكور والإناث وهن فيهما سواء اه
وهو المتبادر من كلام الخصاف أيضا لكن يأتي أن الوصف ينصرف إلى ما يليه عندنا وهو مؤيد للاحتمال الأول في عبارة جواهر الفتاوى ومقتضى كلام الأشباه أنه قيد للمضاف إليه فقط وتمام تحرير المقام في كتابنا تنقيح الحامدية فراجع
مطلب إذا تقدم القيد يكون لما قبل العاطف قوله ( وعكسه وقفت إلخ ) عكس مبتدأ والجملة بعده أريد بها لفظها خبر والمراد أنه عكس ما قبله في كون القيد فيه متقدما فيكون لما قبل العاطف بخلاف ما تقدم فإن القيد فيه متأخر فيكون لما بعد العاطف فالضمير في قوله لأنه أقرب وفي قوله فيصرف عائد للقيد وهو لفظ بني لا لعمرو كما وهم ومقتضى كلامه أن الوصف يعود إلى ما يليه سواء تأخر أو تقدم فإذا قال على فقراء أولادي أو جيراني ينصرف إلى الأول فقط وكذا لو قال على ذكور أولادي وأولادهم فيدخل فيه الإناث من أولاد الذكور يؤيده أن الأصل العطف على المضاف ولم أر ما لو توسط الوصف مثل على أولادي الذكور وأولاد أولادي والظاهر انصرافه للأول فقط فيخص الذكور لصلبه ويعم الذكور والإناث من أولاد أولاده الذكور والإناث نعم لو قال وأولادهم يخص الذكور والإناث من أولاد الذكور لعود الضمير إليهم
وفي الإسعاف لو قال على الذكور من ولدي وعلى أولادهم فهي للذكور من ولده لصلبه ولولد الذكور إناثا كانوا أو ذكورا دون بنات الصلب فلا تعطى البنت الصلبية وتعطى بنت أختها ولو قال على ذكور ولدي وذكور ولدي يكون للذكور من ولده لصلبه وللذكور من ولد ولده ويكون الذكور من ولد البنين والبنات فيه سواء ولا يدخل أنثى من ولده ولا ولد ولده ولو قال على ولدي وعلى أولاد الذكور من ولدي يكون على ولده لصلبه الذكور والإناث وعلى الذكور والإناث من ولد الذكور من ولده ولا يدخل بنات الصلب اه
قوله ( هذا هو الصحيح ) راجع لأصل المسألة ومقابله القول بأن الكناية تنصرف للواقف لا لابنه كما أفاده كلام المنح قبيل هذا الفصل والظاهر أن الخلاف في باقي المسائل كذلك
مطلب الوصف بعد جمل يرجع إلى الأخير عندنا قوله ( قلت وقدمنا ) أي في هذا الفصل حيث قال الوصف بعد الجمل يرجع إلى الأخير عندنا إلخ ويأتي قريبا وهذا تأييد لقوله فالذكور راجع لولد الولد فحسب لكن علمت مخالفته لكلام هلال و الإسعاف
قوله ( عندنا )
____________________
(4/461)
وعند الشافعي للجميع إن لم يعطف بثم كما مر ويأتي
قوله ( من باب المحرمات ) أي في كتاب النكاح
قوله ( وهو الأصل ) أي انصراف الشرط إلى المتعاطفين عندنا وعند الشافعية
قوله ( في الشرط المصرح به ) مثل فلانة طالق وفلانة إن دخلت الدار فيكون دخول الدار شرطا لطلاقهما لا للمعطوف فقط اه ط
قوله ( والاستثناء بمشيئة الله تعالى ) لأنه شرط حقيقة وإن سمي استثناء عرفا واحترز به عن الاستثناء بإلا
ففي التلويح إذا ورد الاستثناء عقيب جمل معطوف بعضها على بعض بالواو فلا خلاف في جواز رده إلى الجميع والأخير خاصة وإنما الخلاف في الظهور عند الإطلاق
فذهب الشافعي أنه ظاهر في العود إلى الجميع
وذهب بعضهم إلى التوقف وبعضهم إلى التفصيل
ومذهب أبي حنيفة أنه ظاهر في العود إلى الأخيرة اه
والمراد بالتفصيل هو أنه إن استقلت الثانية عن الأول بالإضراب عنها فللأخيرة وإلا فللجميع
واحترز بالجمل عن الاستثناء عقيب مفردات فإنه للكل اتفاقا كما في شرح التحرير
مثال الأول وقفت داري على أولادي ووقفت بستاني على إخوتي إلا إذا خرجوا
ومثال الثاني وقفت داري على أولادي وأولادهم إلا إذا خرجوا
قوله ( فتصرف إلى ما يليه ) أي إلى ما يلي العاطف وهو المعطوف المتأخر وهو الأوجه من صرفها للجميع كما في تحرير ابن الهمام
قوله ( نحو جاء زيد وعمرو العالم ) لا يخفى أن الوصف هنا لا يمكن صرفه للجميع وإن أمكن للأول لكنه غير محل الخلاف فالمناسب تمثيل ابن الهمام بقوله كتميم وقريش الطوال فعلوا فإن الطوال جمع طويل يمكن صرفه للمتعاطفين وللأخير فقط والثاني مذهبنا وهو الأوجه كما علمت والأول مذهب الشافعي
قال في جمع الجوامع وشرحه الصفة كالاستثناء في العود إلى كل المتعدد على الأصح ولو تقدمت نحو وقفت على أولادي وأولادهم المحتاجين ووقفت على محتاجي أولادي وأولادهم فيعود الوصف في الأول إلى الأولاد مع أولادهم وفي الثاني إلى أولاد الأولاد مع الأولاد وقيل لا
أما المتوسطة نحو وقفت على أولادي المحتاجين وأولادهم فالمختار اختصاصها بما وليته ويحتمل أن يقال تعد إلى ما وليها أيضا اه
مطلب الشرط والاستثناء يرجع إلى الكل اتفاقا لا الوصف فإنه للأخير عندنا تنبيه حاصل ما مر أن كلا من الشرط والاستثناء والوصف يعود إلى المتعاطفين جميعا عند الشافعي وكذا عندنا إلا الوصف فإلى الأخير فقط لكن علمت مخالفته لما قدمناه عن هلال وغيره
مطلب على أن من مات عن ولد من قبيل الشرط وقد سئل المصنف عمن وقف على أولاده وعددهم على الفريضة الشرعية وليس للإناث حق إلا إذا كن عازبات ثم على أولاد الموقوف عليهم ثم على أولادهم ونسلهم على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده فهل هذا الشرط راجع للكل أو للجملة الثانية المعطوفة بثم وما بعدها لطول الفصل بين الأولى والثانية وهو قوله ليس للإناث حق إلخ
____________________
(4/462)
أجاب صرح أصحابنا بأن قوله على أن كذا من قبيل الشرط لما فيها من معنى اللزوم ووجود الجزاء يلازمه وجود الشرط كما قال تعالى { يبايعنك على أن لا يشركن } الممتحنة 12 أي بشرط أن لا يشركن وبأن الشرط إذا تعقب جملا يرجع إلى الكل بخلاف الصفة والاستثناء فإلى الأخير عندنا ولم يفرق أصحابنا بين العطف بالواو والعطف بثم وعلى هذا فيعود نصيب من مات عن ولد لولده عملا بالشرط المذكور وهو الموافق لغرض الواقفين اه ملخصا
وظاهره أن طول الفصل المذكور لا يضر أيضا
قوله ( إن كان ذا العطف بواو ) قال العراقي في فتاواه وقد أطلق أصحابنا في الأصول والفروع العطف ولم يقيدوه بأداة وممن حكى الأطلاق إمام الحرمين والغزالي والشيخان وزاد بعضهم على ذلك فجعل ثم كالواو كالمتولي حكاه عنه الرافعي ومثل إمام الحرمين المسألة بثم ثم قيدها بطريق البحث بما إذا كان ذلك بالواو وتمامه فيه حموي
قوله ( إلى الأخير ) متعلق برجعا الذي هو جواب أما
مطلب في تحرير الكلام على دخول أولاد البنات قوله ( ولو على البنين وقفا يجعل إلخ ) يعني لو قال على بني وله بنون وبنات يدخل فيه البنات لأن البنات إذا جمعن مع البنين ذكرن بلفظ التذكير ولو له بنات فقط أو قال على بناتي وله بنون لا غير فالغلة للمساكين ولا شيء لهم وتمامه في الإسعاف
وهذا البيت يغني عنه البيتان الأخيران
قوله ( وولد الابن كذاك البنت ) أي كذاك ولد البنت فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره اه ح أي لو وقف على ذريته يدخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات
قوله ( ولو وقف الوقف على الذرية ) أي لو قال على ذرية زيد أو قال على نسله أبدا ما تناسلوا يدخل فيه ولده وولد ولده وولد البنين وولد البنات في ذلك سواء
خصاف
قوله ( من غير ترتيب إلخ ) أي إن لم يرتب بين البطون تقسم الغلة يوم تجيء على عددهم من الرجال والنساء والصبيان من ولده لصلبه والأسفل درجة بالسوية بلا تفضيل ثم كلما مات أحد منهم سقط سهمه وتنقض القسمة وتقسم بين من يكون موجودا يوم تأتي الغلة أما لو رتب بأن قال يقدم البطن الأعلى على الذين يلونهم ثم الذين يلونهم بطنا بعد بطن اعتبر شرطه وتمامه في الخصاف
قوله ( ولو على أولاده الخ ) اعلم أنهم ذكروا أن ظاهر الرواية المفتى به عدم دخول أولاد البنات في الأولاد مطلقا أي سواء قال على أولادي بلفظ الجمع أو بلفظ اسم الجنس كولدي وسواء اقتصر على البطن الأول كما مثلنا أو ذكر البطن الثاني مضافا إلى البطن الأول المضاف إلى ضمير الواقف كأولادي وأولاد أولادي
أو العائد على الأولاد كأولادي وأولادهم على ما في أكثر الكتب
وقال الخصاف يدخلون في جمع ما ذكر
وقال علي
____________________
(4/463)
الرازي إن ذكر البطن الثاني بلفظ اسم الجنس المضاف إلى ضمير الواقف كولدي وولد ولدي لا يدخلون وإن بلفظ الجمع المضاف إلى ضمير الأولاد كأولادي وأولاد أولادهم دخلوا
وقال شمس الأئمة السرخسي لا يدخلون في البطن الأول رواية واحدة وإنما الخلاف في البطن الثاني
وظاهر الرواية الدخول لأن ولد الولد اسم لمن ولده ولده وابنته ولده فمن ولدته بنته يكون ولد ولده حقيقة بخلاف ما إذا قال على ولدي فإن ولد البنت لا يدخل في ظاهر الرواية لأن اسم الولد يتناول ولده لصلبه وإنما يتناول ولد الابن لأنه ينسب إليه عرفا وهو اختيار لقول هلال وصححه في الخانية مستندا لكلام محمد في السير الكبير
وفي الإسعاف أنه الصحيح وجزم به قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي وتلميذه الشلبي وابن الشحنة وابن نجيم والحانوتي وغيرهم من المتأخرين وكذا الخير الرملي في موضع من فتاواه وخالف في موضع آخر وتمام تحرير ذلك وترجيح ما جننح إليه المتأخرون في كتابي تنقيح الحامدية وقدمنا في الجهاد بعض ذلك
ثم رأيت في فتاوى الكازروني جوابا مطولا للعلامة الشيخ علي المقدسي ملخصه أن المحقق ابن الهمام قال في الفتح ولو ضم إلى الولد ولد الولد فقال على ولدي وولد ولدي اشترك الصلبيون وأولاد بنيه وأولاد بناته كذا اختاره هلال والخصاف وصححه في الخانية
وأنكر الخصاف رواية حرمان أولاد البنات وقال لم أجد من يقول برواية ذلك عن أصحابنا وإنما روى عن أبي حنيفة فيمن أوصى بثلث ماله لولد زيد فإن وجد له ولد ذكور وإناث لصلبه يوم موت الموصي كان بينهم وإن لم يكن له ولد لصلبه بل ولد ولد من أولاد الذكور والإناث كان لأولاد الذكور دون أولاد الإناث فكأنهم قاسوه على ذلك وفرق شمس الأئمة بينهما بالفرق المشهور المذكور في الخانية وغيرها أي ما قدمناه عنه فهذا ابن الهمام المعروف بالتحقيق عند الخاص والعام قد اعتمد على هؤلاء الأئمة العظام أما هلال فإنه تمليذ أبي يوسف
وأما الخصاف فقد شهد له بالفضل شمس الأئمة الحلواني فقال إن الخصاف إمام كبير في العلوم يصح الاقتداء به وقد اقتدى به أئمة الشافعية
وأما قاضيخان وشمس الأئمة فما في الطبقات يغني عن التطويل وإذا كان مثل الإمام الخصاف لم يجد من يقوم برواية حرمان أولاد البنات في صورة ولدي وولد ولدي يعلم أن الصورة التي بلفظ الجمع ليس فيها اختلاف رواية قطعا بل دخول أولاد البنات فيها رواية واحدة
فعن هذا قال شيخ مشايخنا السري ابن الشحنة ينبغي أن تصحح رواية الدخول قطعا لأن فيها نص محمد عن أصحابنا والمراد بهم أبو حنيفة وأبو يوسف وقد انضم إلى ذلك أن الناس في هذا الزمان لا يفهمون سوى ذلك ولا يقصدون غيره وعليه عملهم وعرفهم مع كونه حقيقة اللفظ
وقد وقع لشيخ مشايخنا الصدر الأجل المولى ابن كمال باشا مثل ما وقع ابن الهمام من الاعتماد على هؤلاء الأئمة العظام
قال ويقطع عرق شبهة الاختلاف في صورة أولاد أولادي ما نقله في الذخيرة عن شمس الأئمة السرخسي أن أولاد البنات يدخلون رواية واحدة وإنما الروايتان فيما إذا قال آمنوني على أولادي اه
وبهذا البيان اتضح أن ما وقع في بعض الكتب ك التجنيس والواقعات والمحيط الرضوي من ذكر الخلاف في العبارة المذكورة من قبيل نقل الخلاف في إحدى الصورتين قياسا على الأخرى مع قيام الفرق بينهما وما ذكروه في التعليل من أن ولد البنت ينسب لأبيه لا يساعدهم لأنه إن أريد أن الولد لا ينسب إلى الأم لغة وشرعا فلا وجه له إذ لا شبهة في صحة قول الواقف وقفت على أولاد بناتي وإن أريد لا ينسب إليها عرفا فلا يجدي نفعا في عدم دخول ولد البنت في الصورة المذكورة لما عرف أن دخوله فيها بحكم العبارة لا بحكم العرف والدخول بحكم العرف إنما هو في صورتي الوجه الأول وهما ولدي
____________________
(4/464)
وأولادي والتعليل المذكور ينطلق عليهما
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن الشحنة أن العرف موافق للحقيقة اللغوية فيجب المصير إليه والتعويل عليه اه
وقد أجاب العلامة الحانوتي بمثل ما قاله المقدسي
قوله ( يشترك الإناث والذكور ) أي عند الاجتماع تغليبا للمذكر على المؤنث
مطلب في مسألة السبكي الواقعة في الأشباه في نقض القسمة والدرجة الجعلية قوله ( ومما يكثر وقوعه إلخ ) اعلم أن هذه المسألة وقع فيها اختلاف واشتباه ولا سيما على صاحب الأشباه
ولما رأيت الأمر كذلك جمعت فيها حين وصولي إلى هذا المحل رسالة سميتها ( الأقوال الواضحة الجلية في مسألة نقض القسمة ومسألة الدرجة الجعلية ) وكنت ذكرت شيئا من ذلك في كتاب تنقيح الحامدية وأوضحت فيه المسألتين بما تقر به العين فمن أراد الوقوف على حقيقة الأمر فليرجع إلى هذين التأليفين فإن ذلك يستدعي كلاما طويلا ولنذكر لك خلاصة ذلك باختصار
وذلك أنه إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم وهكذا مرتبا بين البطون وشرط أن من مات عن ولد فنصيبه لولده أو عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته ومن مات قبل استحقاقه لشيء وله ولد قام ولده مقامه واستحق ما كان يستحق لو بقي حيا فمات الواقف أو غيره عن عشرة أولاد مثلا ثم مات أحدهم عن ولد يعطى سهمه لولده عملا بالشرط فلو مات بعده آخر عن ولد وعن ولد ولد مات والده في حياة أبيه فهل يعطى هذا الولد مع عمه حصة جده لأن الواقف جعل درجته درجة أبيه وهي درجته الجعلية فيشارك أهل الطبقة الأولى وهي درجة عمه أو لا يعطى له شيئا أفتى السبكي بعدم المشاركة وخص العم بحصة أبيه بناء على أن المتوفى في حياة والده لا يسمى موقوفا عليه ولا من أهل الوقف وإنما يعمل بشرطه الأول وهو كل من مات عن ولده فنصيبه لولده فكلما مات واحد من العشرة يعطى سهمه لولده دون ولد ولده الذي مات قبل الاستحقاق إلى أن يموت العاشر من الطبقة العليا فإذا مات هذا العاشر عن ولد لا يعطى نصيبه لولده بل تنقض القسمة ويقسم على البطن الثاني قسمة مستأنفة ويبطل قول الواقف من مات عن ولده فنصيبه لولده ويرجع إلى العمل بقوله ثم على أولادهم حيث رتب بين الطبقات وبعد ذلك فكل من مات من البطن الثاني عن ولده فنصيبه لولده وهكذا إلى أن يموت آخر هذه الطبقة الثانية فتبطل القسمة وتستأنف قسمة أخرى على الطبقة الثالثة وهكذا إلى آخر الطبقات كما نص عليه الخصاف وغيره
لكن السبكي قسم على الموتى من كل طبقة عند استئناف القسمة وأعطى حصة كل ميت لأولاده وأما الخصاف فقسم على عدد أهل الطبقة التي تستأنف القسمة عليها ولم ينظر إلى أصولهم فهذا خلاصة ما قاله السبكي وخالفه الجلال السيوطي فاختار أن ولد من مات قبل الاستحقاق يقوم مقام والده عملا بالشرط ويستحق من جده مع أعمامه وأنه إذا مات أحد من أعمامه من غير ولد استحق معهم أيضا لأن عدم كونه من أهل الوقف ممنوع بل صريح
____________________
(4/465)
قول الواقف ومن مات من أهل الوقف قبل استحقاقه أنه منهم فأهل الوقف يشمل المستحق ومن كان بصدد الاستحقاق وأنه إذا مات آخر من في الطبقة عن ولد يعطى سهمه لولده
وحاصله أنه خالفه في شيئين أحدهما أن أولاد المتوفى في حياة والده لا يحرمون مع بقاء الطبقة الأولى بل يستحقون معهم عملا باشتراط الدرجة الجعلية
ثانيهما أنه إذا انقرضت الطبقة لا تنقض القسمة كما هو صريح إعطائه سهم آخر من مات من الطبقة لولده فقوله في الأشباه أنه وافق السبكي على نقض القسمة غير صحيح
ثم إن صاحب الأشباه قال إن مخالفته للسبكي في أولاد المتوفى في حياة أبيه واجبة
وأما نقض القسمة بعد انقراض كل بطن فقد أفتى به بعض علماء العصر وعزوه للخصاف ولم يتنبهوا للفرق بين صورتي الخصاف والسبكي فإن صورة السبكي ذكر فيها العطف بكلمة ثم بين الطبقات وصورة الخصاف قال فيها وقف على ولده وولد ولده ونسلهم مرتبا أي قائلا على أن يبدأ بالبطن الأعلى ثم بالذين يلونهم ثم الذين يلونهم بطنا بعد بطن فصدر مسألة الخصاف اقتضى اشتراك البطن الأعلى مع الأسفل وقوله على أن يبدأ بالبطن الأعلى إخراج بعد الدخول
وصدر مسألة السبكي اقتضى عدم الاشتراك للعطف بثم لا بالواو فنقض القسمة خاص بمسألة الخصاف دون مسألة السبكي فكيف يصح أن يستدل بكلام الخصاف على مسألة السبكي وحاصله أنه إن عبر بالواو بين الطبقات مرتبا بعده بأن يبدأ بالبطن الأعلى تنقض القسمة عند انقراض كل بطن كما قاله الخصاف وإن عبر بثم لا يصح القول بنقض القسمة خلافا للسبكي بل كلما مات أحد عن ولد يعطى سهمه لولده في جميع البطون
هذا خلاصة ما قاله في الأشباه
وقد رد عليه جميع من جاء بعده حتى إن العلامة المقدسي ألف في الرد عليه رسالة مستقلة ذكرها الشرنبلالي في مجموع رسائله وحقق فيها عدم الفرق في نقض القسمة بين العطف بثم والعطف بالواو المقترنة بما يفيد الترتيب
وقال قد أفتى بذلك جماعة من أفاضل الحنفية والشافعية منهم السري عبد البر بن الشحنة الحنفي ونور الدين المحلي الشافعي وبرهان الدين الطرابلسي الحنفي ونور الدين الطرابلسي الحنفي وشهاب الدين الرملي الشافعي والبرهان بن أبي شريف الشافعي وعلاء الدين الإخميمي وغيرهم
قلت وأفتى بذلك أيضا العلامة ابن الشلبي في سؤال مرتب بثم وقال الصواب نقض القسمة كما اقتضاه صريح كلام الخصاف ولا أعلم أحدا من مشايخنا خالفه في ذلك بل وافقه جماعة من الشافعية وغيرهم اه
وقد أيد العلامة ابن حجر في فتاواه القول بنقض القسمة على نحو ما مر عن الخصاف ونقل مثله عن الإمام البلقيني وغيره في صورة الترتيب بثم فقد تحرر بهذا أن الصواب القول بنقض القسمة بلا فرق بين العرف بثم أو بالواو المقترنة بما يفيد الترتيب وأن اشتراط الدرجة الجعلية معتبر لكن الذي عليه جمهور العلماء قيام من مات في حياة والده قيام والده في الاستحقاق من سهم جده
وأما دخوله في الاستحقاق من عمه ونحوه ممن هو في درجة أبيه المتوفى قبل الاستحقاق فقد وقع فيه معترك عظيم بين العلماء فمنهم من قال بدخوله في الموضعين وهو اختيار السيوطي كما مر ووافقه جماعة كثيرون واعتمده الشرنبلالي وألف فيه رسالة تبع فيها العلامة
____________________
(4/466)
المقدسي وأفتى جماعة كثيرون من أئمة المذاهب الأربعة بعدم دخوله في الثاني وهو الذي حققته في الرسالة وفي تنقيح الحامدية والله سبحانه أعلم فاغتنم توضيح هذا المحل وأشكر مولاك عز وجل
قوله ( أفتى السبكي بالمشاركة وخالفه السيوطي ) العبارة مقلوبة كما ظهر لك مما قررناه فإن السبكي أفتى بعدم المشاركة وبنقض القسمة والسيوطي خالفه في الأمرين لا في أحدهما خلافا الأشباه
قوله ( وهذه المخالفة واجبة ) أي يجب القول بمشاركته لأهل درجة أبيه على التفصيل الذي قلناه أو مطلقا
قوله ( فبالواو ) أي المقترنة بما يفيد الترتيب بين الطبقات وقوله يشارك صوابه تنقض القسمة
قوله ( بخلاف ثم ) فإن القسمة لا تنقض فيها بانقراض كل طبقة وقد علمت أن الصواب نقض القسمة في الموضعين
قوله ( ولقد أفتيت إلخ ) أفتى بمثله الحانوتي
قوله ( بأنه ينتقل نصيبها لهما ) أي إذا وجد في كلام الواقف ما يدل على انتقال نصيب الميت لولده
قوله ( وفي الإسعاف الخ ) هذا كله إلى الفصل ساقط من بعض النسخ ويدل على أنه لم يوجد في أصل النسخة ما فيه من التكرار بإعادة الحادثة التي أفتى بها
قوله ( إلا أن يكون أزواجهن من ولد ولده ) استثناء من قوله دون الإناث وهذا دليل ما أفتى به وهو مراده من قوله كما يعلم من الإسعاف وهذا يؤيد سقوط هذه الجملة من أصل النسخة
قوله ( كل من يرجع إلخ ) توضيح لما قبله ط وسيذكر في الفصل الآتي تفسير العقب والنسل والآل والجنس ويأتي الكلام عليه والله سبحانه أعلم
فصل فيما يتعلق في وقف الأولاد ما قدمه عن جواهر الفتاوى وما بعده إلى هنا من متعلقات هذا الفصل فكان المناسب ذكره فيه
قوله ( وعبارة المواهب ) أي مواهب الرحمن للعلامة برهان الدين إبراهيم الطرابلسي صاحب الإسعاف
قوله ( في الوقف على نفسه )
____________________
(4/467)
أي في فصل الوقف على نفسه وظاهره أن جميع ما ذكره عبارة المواهب وليس كذلك لأن أكثر ما ذكره هنا لم يذكر في المواهب
قوله ( جعل ريعه لنفسه إلخ ) تقدم في قول المتن وجاز جعل غلة الوقف لنفسه عند الثاني
قوله ( ثم وثم ) حكاية لما يذكره الواقف من العطف بثم في وقفه كقوله ثم بعدي على أولادي ثم على أولادهم وهذا لا مدخل له في نقل الخلاف لأن الخلاف في جعله الريع لنفسه لا لأولاده ونحوهم نعم من جعل الوقف على النفس باطلا أبطل ما عطف عليه أيضا
قوله ( كجعله لولده ) متعلق بقوله جاز لكن لا بقيد كونه عند الثاني كما علمت
قوله ( ولكن يختص بالصبي ) أي بالبطن الأول إن وجد فلا يدخل فيه غيره من البطون لأن لفظ ولدي مفرد وإن عم معنى بخلاف أولادي بلفظ الجمع على ما يأتي
قوله ( ويعم الأنثى ) أي كالذكر لأن اسم الولد مأخوذ من الولادة وهي موجودة فيهما
درر وإسعاف
قوله ( ما لم يقيد بالذكر ) في بعض النسخ بالذكور وهي كذلك في الدرر
قوله ( ويستقل به الواحد ) أي بأن كان له أولاد حين الوقف فماتوا إلا واحدا أو لم يكن له إلا واحد فإن ذلك الواحد يأخذ جميع غلة الوقف لأن لفظ ولدي مفرد مضاف فيعم بخلاف الواقف على بنيه فإن الواحد يستحق نصفها والنصف الآخر للفقراء لأن أقل الجمع اثنان كما في الإسعاف وقد مر في الفروع
قوله ( فإن انتفى الصلبي ) أي مات والأولى التعبير به
قوله ( دون ولد الولد ) لاقتصاره على البطن الأول ولا استحقاق بدون شرط
إسعاف
وإنما صرف للفقراء لانقطاع الموقوف عليه كما في الدرر وهذا يسمى منقطع الوسط كما قدمناه
قوله ( فيختص بولد الابن ) أي لا يشاركه في الغلة من دونه من البطون ويكون ولد الابن عند عدم الصلبي بمنزلة الصلبي
درر أي لأنه ينسب إليه
وفي الخصاف فإن لم يكن له ولد لصلبه ولا ولد ولد وكان له ولد وولد ولد فالغلة له ولمن كان أسفل من البطون
والفرق بينه وبين الصلبي حيث لم يدخل مع الصلبي من هو أسفل أنه لما نزل إلى ثلاثة أبطن فقد صاروا مثل الفخذ والقبيلة كما لو قال لولد العباس بن عبد المطلب فهو لمن ينسب إلى العباس اه ملخصا
قوله ( ولو أنثى ) لأن لفظ الولد يعمها كما قدمه آنفا
قوله ( في الصحيح ) وهو ظاهر الرواية وبه أخذ هلال لأن أولاد البنات ينسبون إلى آبائهم لا آباء أمهاتهم بخلاف من الابن
درر
وقوله بخلاف ولد الابن أي فإنه يدخل فيه ولد البنت وقدمنا تحريره
قوله ( ولو زاد ولد ولدي فقط ) أي مقتصرا على البطن الأول والثاني
قوله ( اقتصر عليهما ) أي على البطنين
قال في الدرر يشتركون في الغلة ولا يقدم الصلبي على ولد الابن لأنه سوى بينهما أي حيث لم يذكر ما يدل على الترتيب بخلاف ما إذا رتب كما يأتي
ثم قال في الدرر ثم إذا انقرض الأولاد وأولادهم في الصورتين المذكورتين أي صورة الاقتصار على البطن الأول وصورة زيادة الثاني صرفت الغلة إلى الفقراء لانقطاع الموقوف عليه اه أي لأنه في الصورتين لا يدخل البطن الثالث حيث لم يذكر الولد بلفظ الجمع
قوله ( ولو زاد البطن الثالث ) بأن قال على ولدي وولد ولدي وولد ولد ولدي درر
قوله ( عم نسله ) أي صرف إلى أولاده ما تناسلوا لا للفقراء ما بقي واحد من أولاده وإن سفل
درر
قوله ( ويستوي الأقرب والأبعد ) أي يشترك جميع البطون في الغلة لعدم ما يدل على الترتيب وعلله الخصاف بأنه لما سمى ثلاثة أبطن صاروا بمنزلة الفخذ وتكون الغلة لهم ما تناسلوا قال ألا ترى أنه لو قال على ولد زيد وزيد قد مات وبيننا وبينه ثلاثة أبطن أو أكثر أن هؤلاء بمنزلة الفخذ
____________________
(4/468)
والغلة لمن كان من ولد زيد وولد ولده ونسلهم أبدا
قوله ( إلا أن يذكر ما يدل على الترتيب ) بأن يقول الأقرب فالأقرب أو يقول على ولدي ثم على ولد ولدي أو يقول بطنا بعد بطن فحينئذ يبدأ بما بدأ به الوقف
درر
قوله ( كما لو قال الخ ) مرتبط بقوله عم نسله وعبارة الدرر كذا أي صرف إلى أولاده ما تناسلوا لا الفقراء إذا قال على ولدي وأولاد أولادي أو قال ابتداء على أولادي يستوي فيه الأقرب والأبعد إلا أن يذكر ما يدل على الترتيب كما مر اه
قال محشيه عزمي زاده قوله أو قال ابتداء الخ هذا مخالف لما في الخانية رجل وقف أرضا على أولاده وجعل آخره للفقراء فمات بعضهم قال هلال يصرف الوقف إلى الباقي فإن ماتوا يصرف إلى الفقراء لا إلى ولد الولد اه
وهو موافق لما في الخلاصة و البزازية وخزانة الفتاوى وخزانة المفتين والنتف
مطلب لو قال على أولادي بلفظ الجمع هل يدخل كل البطون نعم قال في الاختيار شرح المختار لو قال على أولادي يدخل فيه البطون كلها لعموم اسم الأولاد ولكن يقدم البطن الأول فإذا انقرض فالثاني ثم من بعدهم يشترك جميع البطون فيه على السواء قريبهم وبعيدهم اه
وقد استفتى عن ذلك بعض العلماء من المولى أبي السعود وأدرج في سؤاله عبارة واقعة في بعض الكتب موافقة لما مر عن الاختيار
فأجاب عنه المولى المذكور بما حاصله إن هذه المسألة قد خطأ فيها رضي الدين السرخسي في محيطه واعتمد عليه صاحب الدرر اه
وما قاله حق مطابق للكتب المعتبرة كما تحققت وخلافه شاذ ثم إن ما في الدرر غير موافق لذلك القول الشاذ أيضا لأن مؤدى كلامهم تقديم البطن الأول ثم البطن الثاني ثم الاشتراك بين الأقرب والأبعد بخلاف ما يدل عليه كلام الدرر من استواء الأقرب والأبعد أولا وآخرا اه
ما في العزمية ملخصا
وأفاد أن قول المفتي أبي السعود واعتمد عليه صاحب الدرر فيه نظر لأن كلام الدرر غير موافق لكل من القولين لكن جزم بمثله في فتح القدير و المقدسي في شرحه و الأشباه في قاعدة الأصل الحقيقية نعم ما في الخانية وغيرها ذكره الخصاف أيضا
مطلب وقف على أولادهم وسماهم قوله ( ولكن سماهم ) فقال على فلان وفلان وفلان وجعل آخره للفقراء
درر
قلت فلو كان أولاده أربعة وسمى منهم ثلاثة لم يدخل المسكوت عنه فلو قال ثم على أولادهم لم يدخل أولاد المسكوت عنه لعود الضمير في أولادهم إلى المسمين بخلاف ما إذا قال ثم على أولاد أولادي فإنهم يدخلون لأنه لم يضف إليهم ويدل عليه ما في الإسعاف لو قال على ولدي وأولادهم وأولاد أولادهم وله أولاد مات بعضهم قبل الوقف يكون على الأحياء وأزلادهم فقط دون أولاد من مات قبل الوقف لأن الوقف لا يصح إلا على الأحياء ومن سيحدث دون الأموات وقد أعاد الضمير إلى أولاد الأحياء يوم الوقف دون غيرهم ولو قال على ولدي وولد ولدي وأولادهم دخلوا لقوله وولد ولدي فإن ولد من مات قبله ولد ولده اه ملخصا
فروع مهمة قال على ولدي المخلوقين ونسلي فحدث له ولد لصلبه يدخل بقوله ونسلي بخلاف ما إذا قال ونسلهم فإن الحادث لا يدخل هو ولا أولاده ولو قال على ولدي المخلوقين ونسلهم وكل ولد يحدث لي فإنه يدخل الحادث دون أولاده ولو قال على ولدي المخلوقين ونسلهم ونسل من يحدث لي دخل أولاد الحادث دونه
____________________
(4/469)
ولو قال على ولدي المخلوقين وعلى أولاد أولادهم ونسلهم يدخل أولاد أولاده بقوله ونسلهم وإن تجاوزهم ببطن بخلاف ما إذا قال على ولدي المخلوقين وعلى نسل أولادهم اه ملخصا من الخصاف
قوله ( صرف نصيبه للفقراء ) لأنه وقف على كل واحد منهم بخلاف ما إذا وقف على أولاده ثم للفقراء أي ولم يسم الأولاد فمات بعضهم فإنه يصرف إلى الباقي لأنه وقف على الكل لا على كل واحد
أفاده في الدرر
قوله ( لم يختص ابنها ) أي المتولي من الوقف بل يكون نصيبها لجميع الأولاد
درر
لكن مقتضى ما قدمناه في بيان المنقطع أن يصرف نصيبها إلى الفقراء
تأمل
قوله ( دخل الإناث على الأوجه ) لأن جمع الذكور عند الاختلاط يشمل الإناث كما سلف ط
قوله ( لا يدخل البنون ) وكذا لا تدخل الخنثى في الصورتين لأنا لا نعلم ما هو
هندية ط
قوله ( فالغلة للمساكين ) ولا شيء للبنات أو البنين لعدم صدق كل منهما على مدلول الآخر
برهان ط
قوله ( ويكون وقفا منقطعا ) أي منقطع الأول
قوله ( فإن حدث ما ذكر ) أي بأن ولد له بنون في الأول أو بنات في الثاني عاد الوقف إليه أي إلى الحادث
مطلب في بيان طلوع الغلة الذي أنيط به الاستحقاق قوله ( ويدخل في قسمة الغلة الخ ) قال في الفتح ثم المستحق من الولد كل من أدرك خروج الغلة عالقا في بطن أمه حتى لو حدث ولو بعد خروج الغلة بأقل من ستة أشهر استحق ومن حدث إلى تمامها فصاعدا لا يستحق لأنا نتيقن بوجود الأول في البطن عند خروج الغلة فاستحق فلو مات قبل القسمة كان لورثته وهذا في ولد الزوجة أما لو جاءت أمته بولد لأقل من ستة أشهر فاعترف به لا يستحق لأنه متهم في الإقراء على الغير أعني باقي المستحقين بخلاف ولد الزوجة فإنه حين يولد ثابت النسب
قوله ( مذ طلوع الغلة ) قال في الفتح وخروج الغلة التي هي المناط وقت انعقاد الزرع حبا
وقال بعضهم يوم يصير الزرع متقوما
ذكره في الخانية
وهذا في الحب خاصة
وفي وقف الخصاف يوم طلعت الثمرة وينبغي أن يعتبر وقت أمانه العاهة كما في الحب لأنه بالانعقاد يأمن العاهة وقد اعتبر انعقاده
وأما على طريقة بلادنا من إجارة أرض الوقف لمن يزرعها لنفسه بأجرة تستحق على ثلاثة أقساط كل أربعة أشهر قسط فيجب اعتبار إدراك القسط فهو كإدراك الغلة فكل من كان خلوقا قبل تمام الشهر الرابع حتى تم وهو مخلوق استحق هذا القسط ومن لا فلا اه
قوله ( لدون سنتين ) أي من وقت الإبانة والعتق وإن كان لأكثر من ستة أشهر من وقت وجود الغلة لحكم الشرع بوجود الحمل قبل الطلاق والعتق لحرمة الوطء في العدة فيكون موجودا عند طلوع الغلة اه ح
قوله ( لثبوت نسبه بلا حل وطئها ) هو معنى قولنا لحكم الشرع الخ
____________________
(4/470)
وهو تعليل لقوله إلا إذا ولدت أي يدخل في قسمة الغلة إذا ولدت مبانته الخ والمراد دخوله في كل غلة خرجت في هذه المدة لتحقق وجوده عندها
قوله ( فلو يحل ) أي وطؤها بأن كانت أم ولد غير معتقة أو زوجة أو معتدة رجعي
قوله ( فلا ) أي لا يدخل إلا إذا ولدت لدون لستة أشهر من قوت الغلة ط
قوله ( وتقسم بينهم بالسوية ) يغني عنه قوله سابقا ويستوي الأقرب والأبعد الخ ط
مطلب قال للذكر كأنثيين ولم يوجد إلا ذكور فقط أو إناث فقط قوله ( وإن قال للذكر كأنثيين الخ ) فيه اختصار وأصله ما في الإسعاف ولو قال بطنا بعد البطن للذكر مثل حظ الأنثيين فإن جاءت الغلة والبطن الأعلى على ذكور وإناث يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن ذكورا فقط وإناثا فقط فبالسوية من غير أن يفرض ذكر مع الإناث أو أنثى مع الذكور بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله لولد زيد بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وكانوا ذكورا فقط أو إناثا فقط فإنه يفرض مع الذكور أنثى ومع الإناث ذكر ويقسم الثلث عليهم فما أصابهم أخذوه وما أصاب المضموم إليهم يرد إلى ورثة الموصي
والفرق أن ما يبطل من الثلث يرجع ميراثا إلى ورثة الموصي وما يبطل من الوقف لا يرجع ميراثا وإنما يكون للبطن الثاني وأنه لا حق له ما دام أحد من البطن الأعلى باقيا فعلم أن مراده بقوله للذكر مثل حظ الأنثيين إنما هو على تقدير الاختلاط لا مطلقا وعلى هذا أمور الناس ومعانيهم ا هـ
قوله ( فرض ذكر ) كذا في كثير من النسخ وفي بعضها ذكرا بالنصب فيكون فرض مبنيا للفاعل
قوله ( فالغلة لجميع ولده الخ ) لأنه لم يرتب بين البطون ولم يفضل بين الذكور والإناث
قوله ( ونصيب الميت لولده أيضا ) أي ما أصاب الميت يأخذه ولده منضما إلى نصيبه لأنه استحقه من وجهين
إسعاف
وكذا يقال لو رتب بين البطون وشرط انتقال نصيب الميت لولده كما بسطه في الإسعاف
قوله ( بالإرث ) الأولى حذفه والاقتصار على ما بعده لأنه ليس إرثا حقيقة ولذا لو كان ولد الميت ذكرا وأنثى استحقه سوية نعم هو شبيه بالإرث من حيث انتقال نصيب الأصل إلى فرعه
مطلب مهم فيما لو شرط عود نصيب من مات لا عن ولد لأعلى طبقة قوله ( ولو قال الخ ) أي في صورة الترتيب بين البطون طبقة بعد طبقة كما صوره الخصاف وتبعه في الإسعاف وقوله أو سكت معطوف على قوله لو قال
والحاصل أن إذا رتب بين البطون لا يعطى للبطن الثاني ما لم ينقرض الأول إلا إذا شرط بعد ذلك أن من مات عن ولد فنصيبه لولده فيعطى لولده وإن كان من البطن الثاني فإن سكت عن بيان نصيبه لا يعطي لولده بل يرجع لأصل الغلة فيقسم على جميع المستحقين وكذا إذا بين نصيب من مات عن غير ولد بأن شرط عوده لأعلى طبقة أو لمن في درجته وطبقته أو لمن دونه اتبع شرطه فإن لم يوجد ما شرطه عاد نصيب ذلك الميت لأصل الغلة فيقسم
____________________
(4/471)
على الجميع لا على الفقراء لأنه شرط تقديم النسل عليهم فلا حق لهم ما بقي أحد من نسله وكذلك لو سكت عن نصيب من مات فإنه يرجع إلى أصل الغلة
قلت وبهذا ظهر لك أنه لو شرط عود نصيب من مات عن غير ولد إلى من في درجته الأقرب فالأقرب منهم كما هو الغالب في الأوقاف ولم يوجد في الدرجة أحد يرجع نصيبه إلى أصل الغلة لا إلى أعلى طبقة كما أفتى به كثيرون منهم الرملي ولا إلى الأقرب من أي طبقة كانت كما أفتى به آخرون منهم الرملي أيضا لأنه إنما اشترط الدرجة واشترط الأقرب من أهل الدرجة فإذا لم يوجد في الدرجة أحد لم يوجد شرطه فتلغو الأقربية أيضا وحيث لم يوجد الشرط يرجع نصيبه إلى أصل الغلة إذ لا فرق بين قوله لأعلى طبقة وقوله لمن في درجته فمن أفتى بخلاف ذلك فقد خالف ما نص عليه الخصاف وتبعه في الإسعاف ولم يستند أحد منهم إلى نقل يعارض ذلك فتعين الرجوع إلى المنصوص عليه كما أوضحت ذلك في تنقيح الحامدية بما لم أسبق إليه ثم بعد أيام من تحرير هذا المقام ورد علي السؤال من طرابلس الشام مضمونه أنه وجد في درجة المتوفى أولاد عم وفي الدرجة التي تحتها أولاد أخت وفيه فتاوى جماعة من أهل العصر تبعا لما في الخيرية بانتقال نصيب المتوفى إلى أولاد الأخت لأنهم أقرب نسبا وإن كانوا أنزل درجة وأفتيت بعوده لأولاد العم تبعا لما في الحامدية ولما نقله فيها عن البهنسي شارح الملتقى لأن الواقف إنما اشترط عود النصيب للأقرب من أهل درجة المتوفى لا إلى مطلق أقرب وأوضحت ذلك غاية الإيضاح في رسالة سميتها غاية المطلب في شرط الواقف عود النصيب إلى أهل درجة المتوفى الأقرب فالأقرب وبينت فيها ما وقع في جواب الرملي من الأوهام
قوله ( ولو أنثى ) ذكر هلال روايتين في دخول أولاد البنات في النسل وكذا قاضيخان وصاحب المحيط ورجح كلا المرجين كما يفيده كلام العلامة عبد البر ا هـ ط
قوله ( والعقب للولد وولده من الذكور ) أي أبدا ما تناسلوا فكل من يرجع بنسبه إلى الواقف بالآباء فهو من عقبه وكل من كان أبوه من غير الذكور من ولد الواقف فليس من عقبه إسعاف
مطلب في النسل والعقب والآل والجنس وأهل البيت والقرابة والأرحام والأنساب قوله ( كل من يناسبه ) أي بآبائه
إسعاف
وهو مفاعلة من النسب أي من يداخله في نسبه بمحض الآباء إلى أقصى أب في الإسلام وهو الذي أدرك الإسلام أسلم أو لم يسلم فكل من يناسبه إلى هذا الأب من الرجال والنساء والصبيان فهو من أهل بيته كما في الإسعاف وكذا من آله وجنسه والمراد من كان موجودا منهم حال الوقف أو حدث بعد ذلك لأقل من ستة أشهر من مجيء الغلة كما في الفتح وقيل يشترط إسلام الأب الأعلى ففي العلوي أقصى أب له أدرك الإسلام هو أبو طالب فيدخل أولاده عقيل وجعفر وعلي أما على القول الآخر لا يدخل إلا أولاد علي لأنه أول أب أسلم كما في التتارخانية
قوله ( من قبل أبويه ) أي من جهة أي واحد منهما
قوله ( خلافا لمحمد فعدهم منها ) أي عد محمد من القرابة من علا من جهة أبويه ومن سفل من جهة ولده ويوهم هذا التعبير ضعفه مع أنه في الإسعاف قال وهو ظاهر الرواية عنهما وروى عنهما أنهم لا يدخلون
____________________
(4/472)
مطلب يعتبر في لفظ القرابة المحرمية والأقرب فالأقرب وقال ويدخل فيه المحارم وغيرهم من أولاد الإناث وإن بعدوا عندهما
وعند أبي حنيفة تعتبر المحرمية والأقرب فالأقرب للاستحقاق ا هـ
قلت وقول الإمام هو الصحيح كما في القهستاني وغيره وعليه المتون في كتاب الوصايا ومحل الخلاف إذا لم يقل الأقرب فالأقرب لأنهم قالوا لو قال على أقاربي أو أقربائي أو أرحامي أو أنسابي لا يكون لأقل من اثنين عند أبي حنيفة وعندهما يطلق على الواحد أيضا
قال في شرح درر البحار وشرح المجمع الملكي عن الحقائق إذا ذكر مع هذه الألفاظ الأقرب فالأقرب لا يعتبر الجمع اتفاقا لأن الأقرب اسم فرد خرج تفسيرا للأول ويدخل فيه المحرم وغيره ولكن يقدم الأقحرب لصريح شرطه ا هـ
ونحوه في الذخيرة
قوله ( وإن قيده بفقرائهم ) أما لو قال من افتقر منهم قال محمد تكون لمن كان غنيا منهم ثم افتقر ونفيا اشتراط تقدم الغني ولو قال من احتاج منهم فهي لكل من يكون محتاجا وقت وجود الغلة سواء كان غنيا ثم احتاج أو كان محتاجا من الأصل ومثله المسكين والفقير
إسعاف
قوله ( وهو المجوز لأخذ الزكاة ) أي الفقر هنا المجوز الخ لكن ذكر في الإسعاف بعده أنه لو كان ولد غني تجب نفقته عليه لا يدخل في الوقف بل قدمنا في الفروع عند قوله لو وقف على فقراء قرابته أنه لا بد أن يكون له أحد تجب نفقته عليه لأنه بالإنفاق عليه يعد غنيا في باب الوقف
وذكر في الإسعاف أن الأصل أن الصغير يعد غنيا بغنى أبويه وجديه فقط والرجل والمرأة بغنى فروعهما وزوجها فقط وهذا مذهب أصحابنا
قال الخصاف والصواب عندي إعطاؤهم وإن كان تفرض نفقتهم على غيرهم ورده هلال وتمامه فيه
قوله ( فلو تأخر صرفها سنين الخ ) لو وقف على أولاده فاستحقاق الغلة يعتبر يوم حدوث الغلة على قول عامة المشايخ لا يوم الوقف فالموجود منهم يوم الوقف والمولود بعده سواء إذا كان موجودا يوم حدوث الغلة وكذا لو وقف على فقراء قرابته فمن كان فقيرا يوم حدوث الغلة يعطى له ولو استغنى بعده أو كان غنيا قبله ا هـ
وفي التتارخانية المستحق للغلة من كان فقيرا يوم تجيء الغلة عند هلال وبه نأخذ وفي الخانية وعليه الفتوى
ثم ذكر بعده أن الخصاف يعتبر يوم القسمة لا يوم طلوع الغلة وقال في الفتح وفي وقف الخصاف لو اجتمعت عدة سنين بلا قسمة حتى استغنى قوم وافتقر آخرون ثم قسمت يعطى من كان فقيرا يوم القسمة ولا أنظر إلى من كان فقيرا يوم الغلة ثم استغنى ا هـ
وبهذا ظهر لك أن قوله شارك المفتقر وقت القسمة الخ لا يتمشى على قول هلال ولا على قول الخصاف لأنه يقتضي أن من كان غنيا وقت الغلة ثم افتقر وقت القسمة يستحق مع من كان غنيا وقت القسمة فقيرا وقت الغلة واستحقاق الأول ظاهر على قول الخصاف والثاني على قول هلال فالظاهر أن الصواب أن يقال لا يشارك بلا النافية فيكون كل من المسألتين على قول هلال المفتى به ويدل عليه قوله فلو تأخر الخ فإنه مفرع على قوله قبله يعتبر الفقر وقت وجود الغلة
قوله ( لأن الصلات الخ ) بكسر الصاد جمع صلة وهو تعليل لما فهم من اختصاص الاستحقاق بمن كان فقيرا وقت وجود الغلة بناء على ما قلنا من أن الصواب لا يشارك بلا النافية وهذا مؤيد له أيضا وبيان التعليل حينئذ أن من كان فقيرا وقت الغلة في هذه السنين يستحق غلة كل سنة ولا يصير
____________________
(4/473)
غنيا بما يستحقه لأنه صلة لا تملك إلا بالقبض فإذا جاء يوم القسمة وكان غنيا يأخذ ما استحقه في السنين الماضية بصفة الفقر لأن طرو الغنى لا يبطل ذلك كما لو مات بعد طلوع الغلة فإن نصيبه منها لا يبطل بالموت بل يصير ميراثا لورثته
قوله ( فلا حظ له ) أي من هذه الغلة التي خرجت وهو حمل في بطن أمه
قوله ( لعدم احتياجه ) لأن الفقير هو المحتاج والحمل غير محتاج بخلاف الوقف على أولاده فإنه يدخل الحمل لتعلق الاستحقاق بالنسب وهنا بالفقر
قوله ( وقيل يستحق ) هذا قول الخصاف والأول قول هلال
مطلب تفسير في الصالح قوله ( ولو قيده بصلحائهم ) الصالح من ولم يكن مهتوكا ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل الشر ليس بمعاقر للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال ولا قذافا للمحصنات ولا معروفا بالكذب فهذا هو الصلاح عندنا ومثله أهل العفاف
إسعاف
مطلب المراد بالأقرب فالأقرب قوله ( أو بالأقرب فالأقرب ) أقرب الناس رحما لا الإرث والعصوبة كما في الخيرية
وذكر في أنفع الوسائل أن أبا يوسف لم يعتبر لفظ أقرب في التقديم بل سوى بينه وبين الأبعد ثم قال وبالجملة إنه ضعيف لأنه يلزم منه إلغاء صيغة أفعل بلا دليل وإلغاء مقصود الواقف من تقديم الأقرب ا هـ
فالمعتمد اعتبار الأقربية وهو المشهور وبه أفتى في الخيرية لكن أفتى في موضع آخر بخلافه حيث شارك جميع أهل الدرجة في وقف اشترط فيه تقديم الأقرب من أهل الدرجة والظاهر أنه ذهول منه عن هذا الشرط وإلا فهو ضعيف كما علمت
وفي الإسعاف لو قال على أقرب الناس مني أو إلي ثم على المساكين وله ولد وأبوان فهي للولد ولو أنثى لأنه أقرب إليه من أبويه ثم تكون للمساكين دون أبويه لأنه لم يقل للأقرب فالأقرب ولو له أبوان فهي بينهما نصفين ولو له أم وإخوة فللأم وكذا لو له أم وجدة لأب ولو له جد لأب وإخوة فللجد على قول من يجعله بمنزلة الأب وعلى القول الآخر للإخوة لأن من ارتكض معه في رحم أو خرج معه من صلب أقرب إليه ممن بينه وبينه حائل ولو له أب وابن ابن فللأب لأنه أقرب من النافلة ولو له بنت بنت وابن ابن ابن فلبنت البنت لأن الوقف ليس من قبيل الإرث ولو قال على أقرب قرابة مني وله أبوان وولد لا يدخل واحد منهم في الوقف إذ لا يقال لهم قرابة ولو قال على أقاربي على أن يبدأ بأقربهم إلي نسبا أو رحما ثم من يليه وله أخوان أو أختان يبدأ بمن لأبويه ثم بمن لأب ولو كان أحدهما لأب والآخر لأم يبدأ بمن لأبيه عنده
وقالا هما سواء والخال أو الخالة لأبوين أولى من العم لأم أو لأب كعكسه والعم أو العمة لأبوين مقدم على الخال أو الخالة عند أبي حنيفة وعلى القول الآخر هما سواء ومن الأب منهما أولى ممن لأم عنده وعندهما سواء وحكم الفروع إذا اجتمعوا متفرقين كحكم الأصول وعندهما قرابته من جهة أبيه أو من جهة أمه سواء ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين ويقدم الأقرب فالأقرب منهم عملا بشرط الواقف ا هـ ملخصا وتمامه فيه
____________________
(4/474)
تنبيه قد علم مما ذكرناه أن لفظ الأقرب لا يختص بالقرابة ما لم يقيد بها بأن يقول الأقرب من قرابتي أما لو قال على أقرب الناس مني يشمل القرابة وغيرها ولذا يدخل فيه الأبوان مع أنهما ليسا من القرابة وعلى هذا فلو قال على أن من مات عن غير ولد عاد نصيبه إلى من في درجته يقدم الأقرب فالأقرب في ذلك ووجد في درجته أولاد عم وفي الدرجة التي تحتها ابن أخت يصرف إلى أولاد عمه دون ابن أخته خلافا لما أفتى به في الخيرية حيث صرفه لابن الأخت لكونها أقرب وكون أولاد العم ليسوا رحما محرما ولا يخفى أنه خطأ لأن الأقرب لا يخص الرحم المحرم لأنه أعم من القرابة كما علمت وانظر ما قدمناه قبل ورقة عن الحقائق يظهر لك الحق قوله ( أو فالأحوج ) قال الحسن في رجل أوصى بثلثه للأحوج فالأحوج من قرابته وكان فيهم من يملك مائة درهم مثلا ومن يملك أقل منها يعطى ذو الأقل إلى أن يصير معه مائة درهم ثم يقسم الباقي بينهم جميعا بالسوية
قال الخصاف الوقف عندي بمنزلة الوصية
إسعاف
قوله ( أو بمن جاوره ) لو قال على فقراء جيراني فهي عنده للفقير الملاصقة داره لداره الساكن هو فيها لتخصيصه الجار بالملاصق فيما لو أوصى لجيرانه بثلث ماله والوقف مثلها وبه قال زفر ويكون لجميع السكان في الدور الملاصقة له الأحرار والعبيد والذكور والإناث والمسلمون وأهل الذمة سواء وبعد الأبواب وقربها سواء ولا يعطى القيم بعضا دون بعض بل يقسمها على عدد رؤوسهم وعندهما تكون للجيران الذين يجمعهم محلة واحدة وتمام الكلام على ذلك في الإسعاف
قوله ( ومن أحوجه حوادث زمانه ) من هنا كتاب البيوع ساقط من بعض النسخ والظاهر سقوطه من نسخة الأصل خصوصا المسائل الآتية فإنها لا ارتباط لها بكتاب الوقف
والظاهر أن الشارح لما انتهى إلى هنا بقي معه بياض ورق هو آخر الجزء فكتب فيه هذه المسائل لا على أنها من الكتاب فألحقها الناسخ به
ويدل على ذلك أن الشارح في كتاب الدعوى ذكر عدة مسائل التي لا يحلف فيها المنكر ثم قال ولولا خشية التطويل لسردتها وذكر نحوه قبل كتاب الدعوى وإلا كان الأولى أن يقول قدمتها في محل كذا لكن قوله في الآخرة فاغتنم هذا المقام فإنه من جواهر هذا الكتاب يقتضي أن مراده جعلها منه إلا أن تكون هذه العبارة من حملة ما نقله عن زواهر الجواهر لا من كلامه والله سبحانه أعلم
قوله ( قول الأشباه ) أي صاحبها ط
مطلب ذكر مسائل استطرادية خارجة عن كتاب الوقف قوله ( إلا في إحدى وأربعين ) عبارة الأشباه وقد ذكرت في الشرح أن المستثنى اثنان وأربعون مسألة وبينتها مفصلة وكذا قال الشارح في كتاب الشهادات إلا في اثنين وأربعين وزاد ابن المصنف ثلاثة عشر أخر تركتها خشية التطويل
قوله ( في الشرح المحال عليه ) يعني البحر
قوله ( وشهد الآخر أنه أقر بألف درهم تقبل )
____________________
(4/475)
هو قول أبي يوسف ورجحه الصدر
وقالا لا تقبل ومثلها كما في خزانة الأكمل إذا شهد أحدهما بالطلاق والآخر بإقراره به وزاد في الولوالجية ما لو شهد أحدهما على قرض مائة درهم والآخر على الإقرار بذلك ط
قوله ( بالردية ) الأنسب بالرداءة ا هـ ح
قوله ( يقضي بالبخارية بلا خلاف ) ومثله لو شهد أحدهما بألف بيض والآخر بألف سود والمدعي يدعي الأفضل تقبل على الأقل ووجهه في المسائل الثلاث أنهما اتفقا على الكمية وانفرد أحدهما بزيادة وصف ولو كان المدعي يدعي الأقل لا تقبل إلا إن وفق بالإبراء
وتمامه في فتح القدير
بحر
قوله ( الرابعة الخ ) ذكر في البحر أنه لا يشترط في الموافقة لفظا أن يكون بعين ذلك بل إما بعينه أو مرادفه حتى لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالعطية يقبل ا هـ
وحينئذ لا وجه للاستثناء لكن قال في البحر بعد ذلك وقد خرج عن ظاهر قول الإمام مسائل وإن أمكن رجوعها إليه في الحقيقة وحينئذ فالاستنثاء مبني على ظاهر قول الإمام لا على ما هو التحقيق في المقام
حموي
قوله ( الخامسة الخ ) فيها ما تقدم في التي قبلها
حموي قوله ( تقبل على الثلث ) وهكذا الحكم له شهد أحدهما بالكل والآخر بالنصف فإنه يقضي بالنصف المتفق عليه
حموي
ومحله ما إذا كان المدعي يدعي الأكثر ولا فرق بين كون المدعى عليه يقر بالوقف وينكر الاستحقاق أو ينكرهما وأقيمت البينة بما ذكر ط
قوله ( السابعة ادعى الخ ) لأن في البيع يتحد الإنشاء ولفظ الإقرار جامع الفصولين
وفي البحر لا خصوصية لبيع الوفاء ولا للبيع بل كل قول كذلك بخلاف الفعل والنكاح من الفعل
قوله ( أنها كانت له تقبل ) لأن الأصل بقاء ما كان على ما عليه كان ط
قوله ( ادعى ألفا مطلقا ) أي غيره مقيد بقرض ولا وديعة
قال في البحر وإن ادعى أحد السببين لا تقبل لأنه أكذب شاهده كذا في البزازية
قوله ( فشهد أحدهما على إقراره بألف قرض الخ ) بخلاف ما إذا شهد أحدهما بألف قرض والآخر بألف وديعة فإنها لا تقبل
بحر عن البزازية
قلت ولعل وجهه أن القرض فعل والإيداع فعل آخر بخلاف الشهادة على الإقرار بالقرض والإقرار بالوديعة فإن الإقرار بكل منهما قول وهو جنس واحد والمقر به وإن كان جنسين
لكن الوديعة مضمونة عند الإنكار والشهادة إنما قامت بعد الإنكار فكانت شهادة كل منهما قائمة على إقراره بما يوجب الضمان
تأمل
ثم رأيت في البزازية علل بقوله لاتفاقهما على أنه وصل إليه منه الألف وقد جحد فصار ضامنا
قوله ( والآخر أنه هبة ) الذي في البحر أنه وهبه
قوله ( جاز ) لأن هبة الدين من المديون والتصدق به عليه وتحليله منه إبراء له ط
بخلاف ما إذا شهد أحدهما على الهبة والآخر على الصدقة لا تقبل
بحر عن البزازية
تأمل
قوله ( ادعى الهبة ) أي أن الدائن وهبه الدين والوجه فيها ما ذكر في سابقتها ط
قوله ( وثبت الإبراء ) لأنه أقلهما فلا يرجع الكفيل على
____________________
(4/476)
الأصيل بزازية أي لأن إبراء الطلب للكفيل لا يوجب رجوع الكفيل على الأصيل بخلاف هبة الطالب الكفيل فافهم
قوله ( شهد أحدهما على إقراره أنه أخذ منه ) صورتها ادعى رجل عبدا في يد رجل فأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي بما ذكر فإنها تقبل ومثله يقال في الصورة الآتية ط
ووجه القبول اتفاق الشاهدين على الإقرار بالأخذ لكن بحكم الوديعة أو الأخذ مفردا
بزازية
قوله ( الخامسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه الخ ) الظاهر أن صورتها فيما لو علق طلاقها على الحبل فإن الولادة يلزمها الحبل فقد اتفق الشاهدان عليه ولا يصح تصويرها بالتعليق على الحبل فإن الحبلى قد لا تلد لموتها أو لموت الولد في بطنها فافهم
قوله ( السادسة عشرة شهد أحدهما أنه أقر أن الدار له ) هذه الصورة ذكرت في بعض النسخ مرتين السادسة عشرة والسابعة عشرة فالمناسب ما في بعض النسخ موافقا لما في البحر السادسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه ذكرا والآخر أنثى تقبل ولكنها متحدة مع الخامسة عشرة في التصوير ولذا عطفها عليها في البزازية بأو فالمناسب أن يذكر بدلها ما في البزازية عن الأقضية شهد أحدهما أنه أقر أنه غصب من فلان كذا والآخر أنه أقر بأنه أخذه منه تقبل ا هـ
قوله ( أنه أقر ) أي أن المدعى عليه أقر أن الدار له أي للمدعي
قوله ( والآخر أنه سكن فيها ) أي أن المدعي سكن فيها شهادة بثبوت يد المدعي عليها والأصل في اليد الملك فقد وافقت الأولى
تأمل
وقوله ( والآخر في الطعام يقبل ) لأن الإذن في نوع يعم الأنواع كلها لأنه لا يتخصص بنوع كما ذكروه في المأذون ط
قوله ( بخلافه في الطرق ) قال في الأشباه والأصح القبول فيهما قوله ( إزادي ) كلمة فارسية بمعنى حر
قال ط وفي نسخ زيادة لام بين الدال والياء
قوله ( طلقت ) لأن الكلام يتكرر فيمكن أنها كلمته في الوقتين
قوله ( والآخر أنه طلقها أمس ) أي في اليوم الذي قبل يوم الشهادة لا قبل يوم التعليق لأن المعلق عليه طلاق مستقبل
قوله ( يقضي بطلقتين ويملك الرجعة ) لأنه لا يحتاج إلى قوله البتة في ثلاث
بحر عن العيون لأبي الليث وبيانه أن الثلاث طلاق بائن فقوله البتة لغو فكأنه لم يذكره وانفرد بذكره الشاهد الثاني فصار الاختلاف بين الشاهدين في مجرد العدد وقد اتفقا على الثنتين فيقضى بهما وتلغو الثالثة لانفراد أحدهما بها كما لغا لفظ البتة لذلك فلذا كان الطلاق رجعيا فافهم
ولكن الظاهر أن قبول الشهادة هنا مبني على قول محمد لأنه في البزازية عزاه إليه
____________________
(4/477)
وعند أبي حنيفة لا تقبل أصلا لما في البحر عن الكافي شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل عنده
وعندهما تقبل على ألف إذا كان المدعي يدعي ألف إذا كان المدعي يدعي ألفين وعلى هذا المائة والمائتان والطلقة والطلقتان والطلقة والثلاث ثم ذكر في البحر بعد ورقة مستدركا على ما في البزازية أن ما في الكافي هو المذهب
قوله ( شهد أحدهما أنه عتق بالعربية الخ ) هذا لفظ الشاهد ولم يذكر أنه قال أنت حر ولم يذكر الآخر أنه قال أنت أزاد فلا تكون مكررة مع العشرين ط
تأمل
قوله ( اختلفا في مقدار المهر يقضى بالأقل ) كذا في البزازية
وفي جامع الفصولين شهد ببيع أو إجارة أو طلاق أو عتق على مال واختلفا في قدر البدل لا تقبل إلا في النكاح تقبل ويرجع في المهر إلى مهر المثل
وقالا لا تقبل في النكاح أيضا ا هـ بحر
قلت الظاهر أن هذا فيما إذا أنكر الزوج النكاح من أصله وكذا البيع ونحوه وما ذكره الشارح فيما إذا اتفقا على النكاح واختلفا في قدر المهر ووجه عدم القبول في البيع ونحوه أن العقد بألف مثلا غير العقد بألفين وكذا النكاح على قولهما وعلى قوله باستثناء النكاح أن المال فيه غير مقصود ولذا صح بدون ذكره بخلاف البيع ونحوه وينبغي أن يكون ما ذكره الشارح على الخلاف المار آنفا عن الكافي
قوله ( تقبل في دار اجتمعا عليه ) أي فيما اتفق عليه الشاهدان من الخصومة في دار كذا دون ما زاده الآخر
قال في جامع الفصولين إذ الوكالة تقبل التخصيص وفيما اتفقا عليه تثبت الوكالة لا فيما تفرد به أحدهما فلو ادعى وكالة معينة فشهد بها والآخر بوكالة عامة ينبغي أن تثبت المعينة ا هـ
قوله ( قبلا ) إذا شهدا بوقف بات لأن حكم المرض ينتقض فيما لا يخرج من الثلث وبهذا لا تمتنع الشهادة
بحر عن جامع الفصولين
قال في الإسعاف ثم إن خرجت من ثلث ماله كانت كلها وقفا وإلا فبحسابه ولو قال أحدهما وقفها في صحته وقال الآخر جعلها وقفا بعد وفاته لم تقبل وإن خرجت من الثلث لأن الثاني شهد بأنها وصية وهما مختلفان ا هـ
قوله ( ادعى مالا فشهد أحدهما أن المحتال عليه أحال غريمه بهذا المال ) سقط منه شيء يوجد في بعض النسخ وهو وشهد الآخر أنه كفل عن غريمه بهذا المال تقبل وهذه المسألة نقلها في البحر عن القنية لكن عبارة القنية فشهد أحدهما أن المحتال عليه احتال عن غريمه بهذا المال الخ
قال ط اعلم أن الغريم يطلق على الدائن وهو المراد بالأول وعلى المديون وهو المراد بالثاني
وصورته ادعى زيد على عمرو مالا فأقام زيد شاهدين شهد أحدهما أن عمرا محال عليه يعني أن دائنه أحال زيدا عليه بما له عليه من الدين وشهد الثاني أن عمرا كفل عن مديون زيد بهذا المال
وحاصله أن المال على عمرو غير أن أحد الشاهدين شهد أن المال لزمه بطريق الإحالة عليه والآخر شهد أن المال لزمه بطريق الكفالة والله تعالى أعلم بالصواب
وستأتي هذه الصورة في كلام الشيخ صالح إلا أنه قال يقضي بالكفالة لأنها الأقل ا هـ
لكن هذا التصوير لا يوافق عبارة الشارح والموافق لها ما لو كان لزيد على عمرو
____________________
(4/478)
ألف مثلا فأحال عمرو زيدا بالألف على بكر ودفعها بكر ثم ادعى بها بكر على عمرو فشهد أحد الشاهدين بما ذكر وشهد الآخر أن بكرا كفل عمرا بإذنه وأنه دفع الألف لزيد وعلى هذا فغريمه في كلام الشارح بالرفع فاعل أحال والمراد به عمرو المديون لأنه المحيل لزيد على بكر وهذا معنى قول القنية إن المحتال عليه احتال عن غريمه أي أن بكرا قبل الحوالة عن غريمه عمرو
قوله ( شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ) أي والآخر بلا شرط كما يوجد في بعض النسخ
قوله ( يقبل فيهما ) أي في هذه المسألة والتي قبلها لكن في التي قبلها صرح بقوله تقبل فلا حاجة إلى قوله فيهما والمراد أنه يثبت البيع وإن لم يثبت الأجل والشرط
قوله ( جازت شهادتهما ) أي على أصل الوكالة بالخصومة
قوله ( والآخر أنه جراه ) في باب الألف المقصورة من الصحاح الجري الوكيل والرسول ا هـ
وعلل القبول في شرح أدب القاضي للخصاف بقوله لأن الجراية والوكالة سواء والجري والوكيل سواء فقد اتفق الشاهدان في المعنى واختلفا في اللفظ وأنه لا يمنع
قوله ( والآخر أنه أوصى إليه بقبضه في حياته تقبل ) لأن الوصاية في الحياة وكالة كما أن الوكالة بعد الموت وصاية كما صرحوا به فالمراد بالوصاية هنا الوكالة حقيقة لتقييدها بقوله في حياته فافهم
قوله ( التاسعة والثلاثون الخ ) قال في جامع الفصولين لو اختلف الشاهدان في زمان أو مكان أو إنشاء وإقرار بأن شهد أحدهما على إنشاء والآخر على إقرار فإن كان هذا الاختلاف في فعل حقيقة وحكما يعني في تصرف فعلي كجناية وغصب أو في قول ملحق بالفعل كنكاح لتضمنه فعلا وهو إحضار الشهود يمنع قبول الشهادة وإن كان الاختلاف في قول محض كبيع وطلاق وإقرار وإبراء وتحرير أو في فعل ملحق بالقول وهو القرض لا يمنع القبول وإن كان القرض لا يتم إلا بالفعل وهو التسليم لأن ذلك محمول على قول المقرض أقرضتك فصار كطلاق وتحرير وبيع ا هـ
قلت ووجهه أن القول إذا تكرر فمدلوله واحد فلم يختلف بخلاف الفعل وإطلاق الإقرار يفيد أن الوقف غير قيد
قوله ( الحادية والأربعون ) مكررة مع السابعة والعشرين ح
قوله ( تكون وقفا على الفقراء ) لاتفاق الشاهدين
____________________
(4/479)
على الوقف وهو صدقة
قوله ( قلت ) من كلام الشيخ صالح وما قبله من الشرح المحال عليه وهو البحر
قوله ( منها لو اختلفا في تاريخ الرهن ) في جامع الفصولين الشهادة بعقد تمامه بالفعل كرهن وهبة وصدقة يبطلها الاختلاف في زمان ومكان إلا عند محمد ا هـ
ونقل الخلاف هنا على العكس كماترى ثم قال في جامع الفصولين ولو شهدا برهن واختلفا في زمانه أو مكان وهما يشهدان على معاينة القبض تقبل شراء وهبة وصدقة لأن القبض قد يكون غير مرة ا هـ
فعلم أن الاختلاف في الشهادة على مجرد العقد
قوله ( ومنها لو اتفق الشاهدان على الإقرار الخ ) هذه من اختلاف الشهادة على الإقرار في المكان والتي بعدها في الزمان وهما مكررتان مع التاسعة والثلاثين والأربعين لأهما وإن كانتا في الإقرار بالوقف وهاتان في الإقرار بالمال فإن كل إقرار كذلك كما مر فافهم
قوله ( أن المرأة التي كانت له الخ ) بهذا تعين أن المطلقة الآن هي بنت فلان حيث لم يكن في نكاحه غيرها
أفاده ط
قوله ( قبل هذا التطليق ) أي الذي وقع فيه التعيين من أحد الشاهدين ط
قوله ( ومنها ادعى ملك داره ) الأولى دار بلا ضمير وهذه المسألة مكررة مع الثامنة
قوله ( ومنها ادعى ألفين الخ ) في بعض النسخ ألفا والصواب إسقاط كل منهما والاقتصار على قوله ألفا وخمسمائة
قال في الكنز فإن شهد أحدهما بالألف والآخر بألفين لم تقبل وإن شهد الآخر بألف وخمسمائة والمدعي يدعي ذلك
قبلت على ألف
قال في البحر لاتفاقهما على الألف لفظا ومعنى وقد انفرد أحدهما بخمسمائة بالعطف والمعطوف غير المعطوف عليه فيثبت ما اتفقا عليه بخلاف الألف والألفين لأن لفظ الألف غير لفظ الألفين ولم يثبت واحد منهما وتمامه فيه
قوله ( وشهد أحدهما الخ ) أي زاد في شهادته أنه قضاه منها خمسمائة
____________________
(4/480)
لم تقبل هذة الزيادة ما لم يشهد معه بها آخر ولا يكون ذلك تكذيبا لشاهد القضاء لأنه لم يكذبه فيما شهد له بل فيما شهد عليه
قوله ( خلافا لهما ) استظهر صدر الشريعة قولهما وهذا إذا لم يذكر المدعي لونها
ذكره الزيلعي ط
قوله ( شهد أحدهما بكفالة ) مكررة مع التاسعة والعشرين ط
قوله ( تقبل في الحوالة لأنها أقل ) وهذان اللفظان جعلا كلفظة واحدة ألا ترى أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة والحوالة بشرط أن لا يبرأ كفالة
جامع الفصولين
قلت ووجه كون الكفالة أقل أنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فلا يثبت الدين في ذمة الكفيل بخلاف الحوالة فإنه يثبت في ذمة المحال عليه وتثبت مطالبته أيضا فقد اتفق الشاهدان على ثبوت المطالبة واختلفا في ثبوت الدين
قوله ( ومنها شهد أحدهما أنه وكله بطلاقها الخ ) مكررة مع السادسة والعشرين لأن في كل منهما تثبت الوكالة فيما اتفقا عليه لا فيما اختلفا فيه لقبول الوكالة التخصيص كما قدمناه
قوله ( وهي فيه ) أي هذه المسألة في جامع الفصولين
قوله ( تقبل في الوكالة لا في العزل ) فهي نظير ما لو شهدا بألف وزاد أحدهما أن المطلوب قضاه منها خمسمائة والطالب ينكر
قوله ( عوضا عن الدستيمان ) بالدال والسين المهملتين وفي أكثر النسخ الاستيمان بالألف واللام قبل السين والذي في جامع الفصولين هو الأول وهو ما يدفعه الزوج للمرأة لأجل الجهاز وتقدم بيانه في باب المهر
قوله ( لأن كل بائع الخ ) أي والزوج هنا باعها الدار بالدستيمان ط
قوله ( وشهد بالعقد ) الأولى إسقاط الواو كما رأيته مصلحا في نسخة جامع الفصولين فيكون جوابا لما وهو أولى من جعل جوابها قوله فاختلف لأن اقتران جوابها بالفاء قليل
قوله ( تقبل لاتفاقهما ) أي لأن كلا منهما شهد على القول لأن قول أحدهما دفعها عوضا بمعنى باعها والآخر شهد على الإقرار بذلك والإقرار بالبيع يصلح لإنشائه وبالعكس
قال في جامع الفصولين ادعى شراء وشهد أحدهما به والآخر أنه أقر به تقبل لأن لفظ الشراء يصلح للإقرار وللابتداء فقد اتفقا على أمر واحد ثم قال لو ادعى الغصب وشهد أحدهما به والآخر بالإقرار به لا تقبل ا هـ أي لأن أحدهما شهد بفعل والآخر بقول
____________________
(4/481)
مطلب المواضع التي يكون فيها السكوت كالقول قوله ( عد منها سبعة وثلاثين ) سكوت البكر عند استثمار وليها قبل التزويج 2 سكوتها عند قبض مهرها 3 سكوتها إذا بلغت بكرا فلا خيار لها بعده 4 حلفت أن لا تتزوج فزوجها أبوها فسكتت حنثت 5 سكوت المتصدق عليه قبول لا الموهوب له 6 سكوت المالك عند قبض الموهوب له أو المتصدق عليه إذن 7 سكوت الوكيل قبول ويرتد برده 8 سكوت المقر له قبول ويرتد برده 9 سكوت المفوض إليه القضاء أو الولاية قبول وله رده 10 سكوت الموقوف عليه قبول ويرتد برده وقيل لا 11 سكوت أحد المتبايعين في بيع التلجئة حين قال صاحبه قد بدا لي أن أجعله بيعا صحيحا
والتلجئة أن يتواضعا على إظهار البيع عند الناس لكن بلا قصده 12 سكوت المالك القديم حين قسم ماله بين الغانمين رضا 13 سكوت المشتري بالخيار حين رأى العبد يبيع ويشتري يسقط الخيار بخلاف سكوت البائع بالخيار 14 سكوت البائع الذي له حق حبس المبيع حين رأى المشتري قبض المبيع إذن بقبضه صحيحا كان البيع أو فاسدا 15 سكوت الشفيع حين علم بالبيع 16 سكوت المولى حين رأى عبده يبيع ويشتري إذن في التجارة أي فيما بعد ذلك التصرف لا فيه 17 لو حلف المولى لا يأذن له فسكت حنث في ظاهر الرواية 18 سكوت القن وانقياده عند بيعه أو رهنه أو دفعه بجناية إقرار برقه إن كان يعقل بخلاف سكوته عند إجارته أو عرضه للبيع أو تزويجه أي لأن الرهن محبوس بالدين ويستوفى منه عند الهلاك فصار كالبيع 19 لو حلف لا ينزل فلانا في داره وهو نازل في داره فسكت حنث لا لو قال أخرج منها فأبى الخروج فسكت أي لأن النزول مما يمتد فلدوامه حكم الابتداء بخلاف الخروج فإنه الانفصال من داخل إلى خارج 20 سكوت الزوج عند ولادة المرأة وتهنئته إقرار به فلا يملك نفيه 21 سكوت المولى عند ولادة أم ولده إقرار به أي بخلاف سكوته عند ولادة قنته 22 السكوت قبل البيع عند الإخبار بالعيب رضا بالعيب إن كان المخبر عدلا لا لو فاسقا عنده وعندهما رضا ولو فاسقا 23 سكوت البكر عند إخبارها بتزويج الولي على هذا الخلاف 24 سكوته عند بيع زوجته أو قريبه عقارا إقرار بأنه ليس له على ما أفتى به مشايخ سمرقند خلافا لمشايخ بخارى فلينظر المفتي أي لاختلاف التصحيح كما سيذكره اشارح لكن المتون على الأول فقد مشى عليه في الكنز والملتقى آخر الكتاب في مسائل شتى واحترز بالبيع عن نحو الإجارة والرهن 25 رآه يبيع عرضا أو دارا فتصرف فيه المشتري زمانا وهو ساكت تسقط دعواه أي أن الأجنبي كالجار مثلا لا يجعل سكوته مسقطا لدعواه بمجرد رؤية البيع بل لا بد من سكوته أيضا عند رؤيته تصرف المشتري فيه زرعا وبناء بخلاف الزوجة والقريب فإن مجرد سكوته عند البيع يمنع دعواه 26 أحد شريكي العنان قال للآخر إني أشتري هذه الأمة لنفسي خاصة فسكت الشريك لا تكون لهما أي بل للمشتري أما في المفاوضة فلا بد من النطق 27 سكوت الموكل حين قال له الوكيل بشراء معين أريد شراءه لنفسي فشراه كان له 28 سكوت ولي الصبي العاقل إذا رآه يبيع ويشتري إذن 29 سكوته عند رؤية غيره يشق زقه حتى سال ما فيه رضا لكن اعتارض بما في الأشباه أيضا لو رأى غيره يتلف ماله فسكت لا يكون إذنا بإتلافه 30 سكوت الحالف لا يستخدم مملوكه إذا خدمه بلا أمره ولم ينهه حنث 31 دفعت في تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الأب وهو ساكت ليس له الاسترداد 32 أنفقت الأم في جهازها ما هو معتاد فسكت لأب لم تضمن الأم 33 باع جارية وعليها حلي ولم يشترط ذلك للمشتري لكن تسلمها وذهب بها والبائع ساكت كان بمنزلة التسليم فكان الحلي له 34 القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح 35 سكوت المدعى
____________________
(4/482)
عليه ولا عذر به إنكار وقيل لا ويحسب أي قيل لا يكون إنكارا ولا إقرارا فيحبس عند الثاني كما لو قال لا أقر ولا أنكر وبه أفتى صاحب البحر 36 سكوت المزكي عند سؤاله عن الشاهد تعديل 37 سكوت الراهن عند قبض المرتهن العين المرهونة ا هـ
ملخصا مع زيادات
قوله ( وزاد في تنوير البصائر ) أي حاشية الأشباه والنظائر للشرف الغزي
قوله ( كقوله لساكن داره ) أي ساكنها بإعارة أو غصب مثلا
قوله ( وذكره المؤلف ) أي مؤلف الأشباه
قوله ( قال المؤلف الخ ) بيان لقوله سكوت المودع
قوله ( فإنه قبول دلالة ) أي فيضمن بالتعدي
قوله ( عند قوله ) أي قول صاحب الأشباه
قوله ( لما في البزازية ) أي في آخر الفصل الخامس عشر من كتاب الدعوى إذا باع عقارا وامرأته أو وولده حاضر ساكت إلى أن قال بعد حكايته اختلاف الفتوى ما نصه وفي الفتاوى يتأمل المفتي في ذلك فإن رأى المدعي الساكت الحاضر ذا حيلة أفتى بعدم السماع لكن الغالب على أهل الزمان الفساد فلا يفتى إلا بما اختاره أئمة خوارزم ا هـ
قوله ( في القريب والزوجة ) على تقدير مضاف أي في حضورهما كما يعلم مما نقلناه عن البزازية فافهم
قوله ( فليتأمل عند الفتوى ) أي بسبب اختلاف التصحيح بأن ينظر في المدعي هل هو ذو حيلة أو لا لكن قدمنا أن المتون على عدم السماع ووجهه ما نقلناه آنفا عن البزازية من غلبة الفساد
قلت لكن لا يلزم من غلبة الفساد أن لا يوجد من يعلم حاله بالصلاح وعدم التزوير
تأمل
قوله ( من سكوت الجار عند تصرف المشتري ) أي وعند البيع فسكوته عند البيع فقط لا يمنع دعواه بخلاف الزوجة والقريب كما قدمناه وليس لهذا مدة محدودة
وأما عدم سماع الدعوى بعد مضي خمس عشرة سنة إذا تركت بلا عذر فذاك في غير هذه الصورة مع أنه منع سلطاني فيكون القاضي معزولا عن سماعها ولولا ذلك المنع تسمع ما لم يمض ثلاث وثلاثون سنة على ما نقله في الفواكه البدرية عن المبسوط من عدم سماعها إذا تركت هذه المدة بلا عذر كما أوضحته في تنقيح الحامدية ثم إن من لم تسمع دعواه لمانع لا تسمع دعوى وارثه بعده كما في البزازية وغيرها
قوله ( وعزيناه للبزازي ) أي عزى ما في متفرقات التنوير
قوله ( فالعجب من صاحب الجواهر الجواهر الخ ) أي الشيخ صالح ابن صاحب تنوير الأبصار
والحاصل أنه في البزازية ذكر أولا المسألة السابقة آنفا ثم ذكر هذه
ثم إن صاحب زواهر الجواهر أراد الاستدراك على الأشباه بزيادة صور أخرى فنقل عن البزازية المسألة الأولى وترك هذه مع أنها مذكورة في البزازية فكأنه نظر إلى أول العبارة وترك آخرها
قلت لا عجب أصلا بل إنما ترك هذه لكونها مذكورة في الأشباه فإنها المسألة الخامسة والعشرون والمقصود
____________________
(4/483)
الزيادة على الأشباه
قوله ( لو تزوجت من غير كفء الخ ) هذه مبنية على ظاهر الرواية وأما على رواية الحسن المفتى بها فلا ينعقد النكاح ط
قوله ( لأن قبول التهنئة دليل الإجازة ) أي دليل على أن سكوته وقت التزويج كان رضا وإجازة وبهذا يظهر أنه لا يلزم أن يكون قبول التهنئة بدون قول فافهم
قوله ( ومنها أن الوكالة تثبت بالصريح الخ ) الأولى أن يقول تثبت بالسكوت كما تثبت بالصريح
وفي نسخة كما تثبت بالصريح تثبت بالسكوت وهي أوضح والمراد بالوكالة التوكيل كما يفيده التمثيل وإلا فقد عد من جملة المسائل المزيد عليها وهو السابع منها سكوت الوكيل قبول والمراد به التوكيل لا التوكيل تأمل
قوله ( فكيف تكون الخ ) اختلفت النسخ في هذه العبارة
فالذي في أغلب النسخ فكيف يكون أن فيه تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد وفي بعضها لكون باللام ونعدها بالنون بدل الفاء وعليه فقوله لكون علة لقوله نعدها والمعنى كيف نعدها من الزوائد لأجل كونه قيد المزكي بكونه من أهل العلم والصلاح
وحاصله الاعتراض على صاحب زواهر الجواهر بأن قول الأشباه سكوت المزكي عند السؤال عن الشاهد تعديل مقيد بكونه من أهل العلم والصلاح فلا يكون بزيادة هذا القيد زاد عليه مسألة أخرى
وفي بعض النسخ فكيف تكون من الزوائد إلا أن يقال فيه تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد ا هـ
وعليه فهو اعتذار لا اعتراض
قوله ( بعلامة قع عت ) الأول بالقاف والعين المهملة رمز للقاضي عبد الجبار والثاني بالعين المهملة والتاء رمز لعلاء الدين الترجماني ا هـ ح
قوله ( من الدنانير ) أي التي يبعثها الزوج إلى أبي الزوجة بمقابلة الجهاز وهي المسماة في عرفهم بالدستيمان كما قدمناه وقدمنا تحقيقه في باب المهر واختلاف التصحيح والتوفيق بين ما إذا كان من جملة المسمى في المهر أو كان المسمى غيره ففي الثاني له المطالبة بالجهاز لا في الأول فافهم
قوله ( نج ) بالنون والجيم كما رأيته في نسخة مصححة من القنية وهو رمز لنجم الأئمة الحكيمي
____________________
(4/484)
وبعد هذا الرمز يفتي بأنه وجد في بعض نسخ الشارح فح بالفاء والحاء وبعده يعني مضارع عني وهو تحريف
قوله ( ولو سكت الخ ) هو المقصود من ذكر هذه المسألة
قوله ( ومنها إذا أبرأه فسكت ) أطلقه فشمل سائر الديون وقيده في مداينات الأشباه نقلا عن البدائع بغير بدل الصرف والسلم ففيهما يتوقف على القبول أي لأن الإبراء عنهما يوجب انفساخ عقدهما فلا ينفرد أحد المتعاقدين به لأنه يوجب فوات القبض المستحق
وزاد الحموي ثالثة وهي ما لو أبرأ الطالب الأصيل فإنه يتوقف على قبوله أو موته قبل القبول لأنه قبول حكما
قوله ( وهي تعلم من الأشباه ) حيث قال ولو رأى المرتهن الراهن يبيع الرهن لا يبطل الرهن ولا يكون رضا في رواية ا هـ
قال الزيلعي والمذهب ما روى الطحاوي عن أصحابنا أنه رضا ويبطل الرهن ا هـ
من حاشية الفتال
قال ح واعلم أن البائع في عبارة الأشباه هو الراهن وفي عبارة الشارح وهو المرتهن كما لا يخفى لكن الحكم لا يختلف لما يأتي أن الرهن لا يبيعه أحدهما إلا برضا الآخر ا هـ
تتمة زاد بعضهم ما إذا استأجر أحد الوصيين أو أحد الورثة بحضرة الوصيين من يحمل الجنازة إلى المقبرة والآخر حاضر ساكت والسكوت على البدعة والمنكر فإنه رضا أي مع القدرة على الإزالة وإلا كفاه الإنكار بالقلب وما لو أوصى لرجل فسكت في حياته فلما مات باع الوصي بعض التركة أو تقاضى دينه فهو قبول للوصاية كما عزاه الحموي إلى معين الحكام
وزاد البيري ما لو غزلت امرأته قطنه أو نسجت غزله ليس له تضمينها قيمته محلوجا أو مغزولا ويعد سكوته رضا وكذا لو عجن العجين أو أضجع شاة فجاء إنسان وخبزه أو ذبحها يكون السكوت كالأمر دلالة
قوله ( قول الأشباه يحلف المنكر في إحدى وثلاثين ) صوابه لا يحلف كما يوجد في بعض النسخ وفي بعضها يحلف المنكر إلا في إحدى وثلاثين
قوله ( بيناها في الشرح ) أي في البحر
مطلب في المواضع التي لا يحل فيها المنكر قوله ( على الأشياء بتقديم المثناة على السين كالتي بعدها ا هـ ح
وهي ما سيأتي في كتاب الدعوى من قوله ولا تحليف في نكاح أنكره هو أو هي ورجعة جحدها هو أو هي بعد عدة وفيء إيلاء أنكره أحدهما بعد المدة واستيلاد تدعيه الأمة ورق نسب وولاء أن ادعى على مجهول أنه قنه أو ابنه وبالعكس وحد ولعان
والحاصل أن المفتى به التحليف في الكل إلا في الحدود ا هـ
وأفاد أن ما ذكر من عدم التحليف في هذه التسعة
____________________
(4/485)
على قول الإمام خلاف المفتى به
قوله ( وفي تزويج البنت ) عطف على التسعة أي وذكر عدم الاستحلاف في تزويج البنت ا هـ ح أي إذا ادعى عليه أنه زوجه ابنته صغيرة أو كبيرة وهي مسألة واحدة وإلا زادت على العدد المذكور ط
قوله ( وعندهما يستحلف الأب في الصغيرة ) يوجد في بعض النسخ لا يستحلف والذي في البحر بدون لا وهي الصواب
قوله ( وفي دعوى الدائن الإيصاء ) أي دعواه على رجل أنك وصي الميت فادفع لي ديني من تركته
قوله ( وفي دعوى الدين على الوصي ) أي دعواه على الوصي الثابتة وصيانته بأن لي على الميت كذا ولا بينة للمدعي فلا يحلف الوصي إذا أنكر الدين
قوله ( في المسألتين كالوصي ) أي إذا ادعى الدائن على الوكيل بالوكالة فأنكرها أو ادعى عليه الدين وهو ثابت الوكالة فأنكره ففي المسألتين لا يحلف كالوصي فيهما
قوله ( كل اشترى منه ) أي ادعى كل منهما أنه اشترى منه ذلك الشيء وعبارة البحر الشراء بالمد
قوله ( لا يحلفه ) لأنه لما أقر به لأحدهما صار له فإذا نكل عن اليمين لا يصير للآخر فلا يحلف لعدم الفائدة
قوله ( لو أنكرهما ) أي أنكر دعواهما
قوله ( فحلف لأحدهما ) بتشديد اللام مبنيا للمجهول أي طلب القاضي تحليفه لأحدهما
قوله ( لم يحلف للآخر ) لأن نكوله بمنزلة إقرار به للأول
قوله ( وفيما إذا ادعى كل منهما أنه رهنه وقبضه ) أي ادعى كل منهما أن ذا اليد رهن عندي هذا الشيء وقبضته منه
قوله ( فأقر بالرهن وأنكر البيع الخ ) أما لو أقر بالبيع وأنكر الرهن فالظاهر أنه لا يحلف بالأولى لأنه لما أقر بالبيع صار ملك المشتري فلا يملك الإقرار بعده بالرهن لأنه إقرار على الغير
وفائدة التحليف النكول الذي هو بمنزلة الإقرار
قوله ( لا يحلف للمشتري ) لعل وجهه أنه لو طلب تحليفه فنكل حتى صار نكوله إقرارا بالبيع لا يكون له فائدة لأن المرتهن يمكنه فسخ البيع وكذا يقال في المسألة بعده ولكن هذا بناء على القول بأن للمرتهن والمستأجر فسخ البيع ولكن المعتمد خلافه وإنما لهما حبس الرهن والمأجور
تأمل
قوله ( فأقر بها ) أي بالإجارة
وفي بعض فأقر بهما أي بالرهن في الصورة
____________________
(4/486)
الأولى وبالإجارة في هذه والأولى أولى
قوله ( وأنكره ) أي أنكر البيع
قوله ( ويقال لمدعيه الخ ) أي مدعي الشراء في الصورتين وهذا إذا أثبت الشراء وإلا فما فائدة هذا القول لكن فيه أن الكلام فيما إذا أنكر وليس للمدعي بينة لا إن طلب التحليف عند العجز عن البينة
إلا أن يقال وجد بينة بعد
قوله ( أو فك الرهن ) معطوف على انقضاء وفيه لف ونشر مشوش
قوله ( فأقر لأحدهما لا يحلف ) لأن كلا منهما يدعي الملك فإذا أقر به لأحدهما ثبت ولا يصدق بعده بنكوله فلا فائدة في التحليف
قوله ( أو نكل ) لأنه بمنزلة الإقرار
قوله ( الغصب منه ) أي من المدعي
قوله ( يحلف للثاني ) لأنه لو أقر للثاني بالغصب يؤاخذ به لأنه إقرار على نفسه فيحلف رجاء نكوله لكن يلزمه للثاني ضمان المغصوب بالمثل أو القيمة لا رد عين ما في يده لأنه صار للأول فلا يملك إخراجه عنه وكذا يقال فيما بعده
قوله ( كما لو ادعى الخ ) لأنه بإنكار الوديعة أو العارية صار غاصبا
قوله ( ويحلف ما له عليك كذا ولا قيمته ) أي يحلف في مسألة الغصب وما بعدها لما علمت من أنه بالإنكار يصير غاصبا
قوله ( ولا قيمته وهي كذا وكذا ) الظاهر أن المراد التحليف على مقدار القيمة إذا ادعى أنها أقل لأنه لما أقر به للأول وثبت له لا يمكنه تسليمه للثاني لو أقر له به أيضا بالنكول فيكون الواجب القيمة وإن لم يقل ولا قيمته فتأمل
قوله ( وفيما إذا ادعى البائع رضا الموكل الخ ) أي لو باع لوكيل رجل بالشراء ثم أراد الوكيل رده عليه بعيب فادعى البائع على الوكيل أن الموكل رضي بالعيب لم يحلف الوكيل وهو المشتري
ويحتمل أن يراد ما إذا أراد الموكل رده بعيب فادعى البائع على الموكل أنك رضيت بالعيب وكان ينبغي أن يعدها صورة أخرى مع أنه في الخلاصة جعلهما صورتين كما يأتي
قوله ( وفيما إذا أنكر توكيله له بالنكاح ) أي لو زوجه رجل فأنكر توكيله لأنه في الحقيقة إنكار للنكاح وقد مر
قوله ( لا يمين على واحد منهما ) لأنه لو عمل ما اتفقا عليه فللمتصنع أخذه وتركه كما هو مذكور آخر السلم فمن باب أولى إذا اختلفا ط
قوله ( لا يستحلف المديون ) لأنه لو نكل يلزمه الدفع وهو ضرر به إذ قد يصدق الموكل الوكيل عند حضوره فيضيع عليه ما دفعه إن هلك عند الوكيل من غير تعد كما يعلم باب الوكالة بالخصومة ط
قوله ( انتهى ) أي ما في الخانية
قوله ( وبه علم الخ ) من كلام الشرح المحال عليه وهو البحر
قوله ( تساهل وقصور ) لاقتصاره على استثناء ثلاث ط وهذه الثلاث تقدمت
____________________
(4/487)
الأولى منها فقط في المسائل المارة
قوله ( فإذا أقر الوكيل ) أي برضا الموكل ط
قوله ( الثانية لو ادعى على الآمر رضاه ) أي رضا الآمر فافهم
وصورتها اشترى الوكيل شيئا فظهر به عيب فأراد الآمر أي الموكل رده بالعيب فادعى البائع على الآمر أنك رضيت بالعيب لا يحلف الآمر أي لأن الرد به يثبت للوكيل ما دام حيا ولوصيه من بعده لا للموكل كما أوضحه في شرح الوهبانية وتمام الكلام على هذه الصورة فيه فراجعه
قوله ( وإن أقر لزمه ) أي لزم الوكيل إقراره أي مقتضى إقراره وهو ترك المخاصمة معه وليس المراد أنه يلزم الموكل ما أقر به وكيله
أفاده ط
ومثله في نور العين
قوله ( وزدت على الواحد والثلاثين السابقة ) هذا من كلام البحر وهو عجيب فإن ما نقله عن الخلاصة من المسائل الثلاث فيه مسألتان وهما الثانية والثالثة لم يذكرهما في المسائل السابقة فتصير المسائل ثلاثة وثلاثين
قوله ( البائع إذا أنكر قيام العيب للحال ) أي لو ادعى المشتري إباق العبد مثلا لم يحلف بائعه على أنه لم يأبق عند المشتري حتى يبرهن المشتري لتتوجه الخصومة على البائع فإن برهن يحلف البائع بالله ما أبق عندك
قوله ( ولو أقر به ) أي بقيام العيب للحال أي بأنه أبق عند المشتري لزمه إقراره أي حكم إقراره وهو أنه صار خصما حتى يحلف على أنه ما أبق عندك أيضا وليس المراد أنه بمجرد إقراره بإباقه عند المشتري يلزمه لأنه لا بد من وجوده عند البائع أيضا حتى يثبت الرد
قوله ( كما مر في خيار العيب ) أي مر في البحر فإنه ذكر هذه المسائل في كتاب الدعوى لا هنا
قوله ( ضمن ما تلف بها ) أي بشهادته
قوله ( والسارق إذا أنكرها ) أي أنكر السرقة
قوله ( لا يستحلف للقطع ) قيد به لأنه يستحلف لأجل إثبات المال كما مر عن عصام حين سأله أمير بلخ عن سارق ينكر فقال عصام عليه اليمين
قوله ( وكذا قال الإسبيجابي ) عبارة البحر وذكر الإسبيجابي
قوله ( ولا يستحلف الأب إلى الخ ) أي لو جنى الصبي جناية فأنكر أبوه أو وصيه أو ادعى أحد جدار المسجد أو الدار الموقوفة وأنه أنفق على الوقف شيئا بإذن المتولي السابق
قوله ( إلا إذا ادعى عليهم العقد ) بأن ادعى على أحدهم أنه آجر كذا من مال الوقف أو الصبي مثلا وأنكر فإنه يحلف لمن ادعى الاستئجار ط
قوله ( انتهى ) أي ما في الشرح المحال عليه ط
قوله ( قلت ) من كلام الشرف الغزي ط
قوله ( وفي فتاوى الفضلي الخ ) الذي يظهر خلافه ولذ قدمه الشارح وجزم به غير واحد في باب الإقرار ا هـ
سائحاني
____________________
(4/488)
قلت وفي الأشباه من فن الحيل إذا ادعى عليه شيئا باطلا فالحيلة لمنع اليمين أن يقر به لابنه أو لأجنبي وفي الثاني خلاف ا هـ
ومقتضاه أنه لا خلاف في الأول وهو مباين لقول الفضلي عليه اليمين في قولهم جميعا
وذكر في جامع الفصولين أن بعض المشايخ سووا بين الصغير والأجنبي دفعا للحيل وبعضهم فرقوا بينهما بأن إقراره للغائب يتوقف عمله على تصديقه فلا يملك العين بمجرد الإقرار فلا تسقط اليمين بخلاف إقراره للصغير
قوله ( والمدعي أرض ) جملة حالية والظاهر أنه غير قيد
وفي بعض النسخ أرضا وفي بعضها المدعى عليه أرض وكلاهما تحريف
قوله ( ضمن الولد قيمة الأرض ) أي للمدعي ا هـ ح
قوله ( وهذا بمنزلة ما لو أقر لغائب لم يظهر جحوده ولا تصديقه ) جملة لم يظهر الخ صفة لغائب ويوجد في بعض النسخ بعد قوله لغائب ما نصه أي رجل ادعى على آخر أن ما في يده ملكي فقال المدعى عليه هو لفلان الغائب مثلا لم يظهر جحوده ولا تصديقه والظاهر أنها هامش ألحقت بالأصل في غير محلها
قوله ( لا تسقط عنه اليمين ) أي فيحلف للمدعى فإن نكل قضى به عليه وينتظر قدوم الغائب فإن صدق المدعي فيها وإلا دفع له وضمن قيمته للمدعي ط
قوله ( قلت ) من كلام الشرف الغزي
قوله ( وعلى الأول ) أي القول بعد التحليف
قوله ( إلى قول المصنف ) أي صاحب الأشباه وهو ما مر آنفا عن الإسبيجابي
قوله ( وفيه تأمل ) لعل وجهه أن قول المصنف فيما تحقق أنه مال الصبي وهنا لم يعرف أنه ماله إلا بإقرار الأب ويمكن أنه أقر تحيلا لدفع الدعوى عنه ط
قوله ( فأنكر المشتري الشراء ) يعني وأقر أنها لابنه كما ذكره عن النوازل وإلا فمجرد إنكار الشراء لا يدفع عند التحليف بل يحلف فإن نكل قضى بها عليه كما ذكروه في كتاب الشفعة
قوله ( أو قر أن الدار ) الصواب العطف بالواو لا بأو ولما علمت
وفي جامع الفصولين ادعى شفعة بجوار فقال خصمه هذه الدار لابني هذا الطفل صح إقراره لابنه إذ الدار في يده واليد دليل الملك فكان مقرا على نفسه فصح وليس للشفيع تحليفه بالله ما أنا شفيعها لأن إقرار الأب بالشفعة على ابنه لم يجز فلا يفيد التحليف وهذا من جملة الحيل في الخصومات ولو برهن الشفيع على الشراء كان الأب خصما لقيامه مقام الابن
قوله ( الثالثة مكررة مع قول البحر وفيما إذا كان في يد رجل شيء فادعاه رجلان كل الشراء منه نعم في هذه زيادة الدعوى في الملك المرسل كما فيى الزواهر ا هـ ح
قوله ( فالقول للأب بلا يمين ) لأن الثمن مال الصبي ولا يستحلف
____________________
(4/489)
في مال الصبي كما مر
قوله ( فالقول للسارق ولا يمين عليه ) الظاهر أن عدم اليمين إذا كانت الدعوى بعد القطع أما لو كانت قبله فعليه اليمين لأنه لا يسقط تقوم المسروق إلا بالقطع فيكون قبله مضمونا عليه وإن سقط الضمان بالقطع بعد
تأمل
قوله ( ويستوي حكمه ) وهو عدم الضمان
قوله ( فيما استهلكه قبل القطع ) يعني ثم قطع بعد الاستهلاك أما لو استهلكه ولم يقطع بعد بقي مضمونا عليه لعدم ما يسقط تقومه
قوله ( فإن قال السارق قد هلك الخ ) هذا محل الاستدلال على المسألة وعبر بالهلاك مع أن الكلام في الاستهلاك لأنه لا فرق بينهما ولأنه لازم الاستهلاك
قوله ( ولا يمين عليه ) لأنكر ينكر الرد كما ذكره في كتاب الهبة ط
قوله ( السابعة ) تقدمت هي والثامنة في جملة الإحدى والثلاثين المارة
أفاده ح
قوله ( فالقول له بلا يمين ) لأن الأصل في الهبة أن تكون بلا عوض ط
قوله ( فالقول له بدون اليمين ) لعل وجهه أن إقدام البائع على بيعه اعتراف منه بالإذن فلا تسمع دعواه لتناقضه وكذا يقال فيما بعده
قوله ( فقال القاضي أبرأتني منه ) أي من ذلك العيب
قوله ( لأن قوله على وجه الحكم ) فيه أن الحكم القولي يحتاج إلى الدعوى وظاهره كما قال ط إن البينة لا تقبل عليه
قوله ( لو كبيرة بكرا ) أما لو كانت كبيرة ثيبا فإن الأب ليس له قبض مهرها من الزوج بلا إذنها
قوله ( على العلم بذلك ) أي على أنه لا يعلم أنها ثيب
____________________
(4/490)
قوله ( فادعى أن لها زوجا ) أي ليردها على البائع بخيار العيب لأن ذلك ينقص عليه منفعة وهي استمتاعه بها
قوله ( وقال ) أي المدعى عليه هو أي الشاهد
قوله ( فأقر بها ) أي ادعى أنه أقر بها
قوله ( وإنما يحلف على نفس الحق ) أي لأنه قد يكون أقر كاذبا ففي إلزامه بالحلف على الإقرار إضرار به ثم لا يخفى أنه لا فائدة في ذكر هذه المسألة لأنه يحلف اتفاقا وإنما الخلاف فيما يحلف عليه
قوله ( بل لنفسك ) أي قرضا أو غصبا فهو مضمون عليك بالهلاك
قوله ( لا يحلف المدعى عليه ) بل يكون القول للدافع فقوله قال القاضي بيان لحكم المسألة ط
قوله ( بل يبرهن الابن عليهما ) أي على أنه ابنه وأن أباه مات
قوله ( وقيل يستحلف على العلم ) أي على أنه ما يعلم أني ابنه وأنه مات
قوله ( الصحيح قول الثاني ) في بعض النسخ القول الثاني وهي أولى لأن الثاني قولهما لا قول أبي يوسف فقط وحيث كان الصحيح التحليف فلا فائدة في استثناء هذه المسألة وكذا التي بعدها
قوله ( ثم خرج من دعواه ذلك ) أي من نفس دعواه بمعنى أنه تركها أو من مكان دعواه بذلك
قوله ( والصحيح أنه ) أي مدعي المال يستحلف على دعواه أي دعوى المدعى عليه أنه أبرأه عن الدعوى كما يحلف على دعوى التحليف جامع الفصولين أي على دعواه أن المدعي حلفني على هذه الدعوى عند فلان القاضي
قوله ( وأراد استحلافه على السبب ) أي سبب الضمان وهو الخرق لا يحلفه على السبب بأن يقول والله ما خرقته لأنه قد يخرقه بإذنه أو على ملكه ثم باعه له مخروقا
____________________
(4/491)
ولا بينة له بل يحلفه لا ضمان له عليه بهذا الخرق
أفاده ط
قوله ( فائدة ) سقط من بعض النسخ وهو الظاهر
قوله ( وبهذه مع ما قبلها صارت اثنين وخمسين ) أقول بل هي ثمانية وخمسون في الخانية إحدى وثلاثون وزاد في البحر ستة وفي تنوير البصائر أربع عشرة وفي الزواهر سبعة ا هـ ح
قلت بل هي ستون بزيادة الثانية والثالثة من المسائل الثلاث التي اقتصر عليهما في الخلاصة كما نبهنا عليه وبمسألة الجهالة الآتية تصير إحدى وستين
وزدت عليها ثماني مسائل من جامع الفصولين الشاهد لو أنكر الشهادة لا يحلف
المدعى عليه لو قال كذب الشاهد وأراد تحليف المدعي ما يعلم أنه كاذب لا يحلف
ادعى عليه عتق أمته أو طلاق زوجته قيل يحلف وقيل لا فليتأمل عند الفتوى
ادعيا امرأة وقال كل منهما تزوجتها فأقرت لأحدهما وأنكرت للآخر لا تحلف له وفاقا وكذا لو لم تقر ولكن حلفت لأحدهما فنكلت لا تحلف للآخر
بالغة زوجها وليها فادعى الزوج رضاها وأنكرت لا تحلف
وكذا لو زوجها رجل لآخر ثم ادعت المرأة به فأنكر لا يحلف
ادعى كل منهما أنه في يده ولا بينة وأراد أحدهما تحليف الآخر بالله ما تعلم أنه في يدي قيل يحلف وقيل لا اه
فصارت تسعة وستين والحمد لله رب العالمين
قوله ( تمنع الاستحلاف أيضا ) كما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة
قوله ( إلا إذا اتهم القاضي الخ ) زاد في الأشباه أربعة غير هاتين الأولى إذا ادعى المودع على المودع خيانة مطلقة فإنه يحلفه كما في القنية
الثانية الرهن المجهول
الثالثة في دعوى الغصب
الرابعة في دعوى السرقة اه
مطلب القاضي إذا قضى في مجتهد فيه نفذ قضاؤه إلا في مسائل قوله ( قول الأشباه القاضي إذا قضى الخ ) عبارته مع زيادة تفسير للتوضيح القاضي إذا قضى في مجتهد نفذ قضاؤه إلا في مسائل نص أصحابنا فيها على عدم النفاذ لو قضى ببطلان الحق بمضي المدة أي خلافا لمن قال إذا لم يخاصم ثلاث سنين وهو في المصر بطل حقه لأنه قول مهجور فلا ينفذ قضاء القاضي فيه إذا رفع إلى آخر أبطله وجعل المدعي على حقه كما في الخانية
قلت والظاهر أنه ليس المراد من هذا القول بطلان الحق في الآخرة بل بطلان الدعوى به لكن كونه مهجورا ليس على إطلاقه بل هو معمول عندنا حيث قامت قرينة على بطلان الدعوى كما تقدم في مسائل السكوت من عدم سماع الدعوى إذا سكت عند بيع القريب أو أحد الزوجين أو سكت مع الاطلاع على تصرف المشتري أو سكت ثلاثا وثلاثين سنة مطلقا فتنبه لذلك
قال أو بالتفريق للعجز على الإنفاق غائبا على الصحيح لا حاضرا أي فإنه إذا حكم شافعي على الزوج الحاضر بالفرقة لعجزه عن النفقة نفذ حكمه عندنا بخلاف الغائب لأن عجزه غير معلوم فلا ينفذ في الصحيح كما في الذخيرة لظهور مجازفة الشهود وقدمنا تمام الكلام على ذلك
____________________
(4/492)
في النفقة فافهم
قال أو بصحة نكاح مزنية أبيه أو ابنه لم يصح عند أبي يوسف أي لأن حرمته منصوص عليها في الكتاب العزيز لأن النكاح لغة الوطء
وعند محمد ينفذ لأن هذا النص ظاهر والتأويل فيه سائغ
قال أو بصحة نكاح أو مزنيته أو بنتها أي على الخلاف السابق وستأتي في عبارة الزواهر في القسم الثاني قال أو بنكاح المتعة أي لأنها منسوخة وقد صح رجوع ابن عباس عن القول بجوازها
قال أو بسقوط المهر بالتقادم أي بأن لم تخاصم زوجها فيه حتى مضت مدة طويلة ثم خاصمته يبطل حقها في الصداق والقاضي لا يلتفت إلى خصومتها شرح أدب القضاء فلو قضى عليها ببطلانه لم ينفذ
قال أو بعدم تأجيل العنين أي فلو رفع قضاؤه لقاض أبطله وأجل الزوج حولا
خانية
قال أو بعدم صحة الرجعة بلا رضاها أي لمخالفته لقوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } قال أو بعدم وقوع الثلاث على الحبلى أو بعدم وقوعها قبل الدخول أو بعدم الوقوع على الحائض أو بعدم وقوع ما زاد على الواحدة أو بعدم وقوع الثلاث بكلمة أي لمخالفته قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له } لأن المراد به الطلقة الثالثة فمن قال لا يقع شيء أو تقع واحدة فقد أثبت الحل للزوج الأول بدون الزوج الثاني وهو خلاف الكتاب فلا ينفذ القضاء به
شرح أدب القضاء
قلت فما ذكر في الفتاوى المنسوبة إلى ابن كمال باشا من وقوع طلقة واحدة لا يعول عليه ومن أفتى به من أهل عصرنا فهو جاهل كما أوضحته في إفتاء طويل
قال أو بعدم وقوعه على الموطوءة عقبه في عبارته في البحر أو بعدم وقوع الطلاق في طهر جامعها فيه
قال أو بنصف الجهاز لمن طلقها قبل الوطء بعد المهر والتجهيز أي لو طلقها قبل الدخول بعد ما قبضت المهر وتجهزت به فقضى القاضي للزوج بنصف الجهاز لرأيه أن الزوج بدفع المهر رضي بتصرفها فيه فصار كأن الزوج اشتراه بنفسه وساقه إليها ثم طلقها قبل الدخول فله نصفه لم ينفذ لأنه قضاء بخلاف النص لأنه تعالى جعل له نصف المفروض أي المسى في العقد والجهاز غير مسمى فلا ينتصف اه
ملخصا من حاشية الأشباه عن المحيط
قال أو بشهادة بخط أبيه أي شهادته على شيء بسبب رؤيته بخط أبيه
قال في شرح أدب القضاء صورته أن الرجل إذا مات فوجد ابنه خط أبيه في صك وعلم يقينا أنه خط أبيه يشهد بذلك الصك لأن الابن خليفة الميت في جميع الأشياء لكن هذا قول مهجور الخ
قلت وزاد في البحر بعد هذه المسألة أو بشاهد ويمين أو في الحدود والقصاص بشهادة رجل وامرأتين أو بما في ديوانه وقد نسي وبشهادة شاهد على صك لم يذكر ما فيه إلا أنه يعرف خطه وخاتمه أو بشهادة من شهد على قضية مختومة من غير أن تقرأ عليه وبقضاء المرأة في حد أو قود اه
لكن صرح في الفصولين بنفاذه في هذه المواضع وإنما حكي خلافا في الأول فقط ولعله أسقطها من الأشباه لهذا والله تعالى أعلم
قال أو في قسامة بقتل أي قضى فيما فيه القسامة بالقتل
وصورته كما في شرح أدب القضاء ما قاله بعض العلماء إذا كان بين المدعى عليه والقتيل عداوة ظاهرة ولا يعرف له عداوة على غير المدعى عليه وبين دخوله في المحلة ووجود القتيل مدة قريبة فالقاضي يحلف الولي على دعواه فإذا حلف قضى له بالقصاص وهو خلاف السنة وإجماع الصحابة بل فيه الدية والقسامة عندنا
قال أو بالتفريق بين الزوجين بشهادة المرضعة أو قضى لولده أي لأنه قضاء لنفسه من وجه
أما لو قضى بشهادة الابن لأبيه أو بالعكس ففيه خلاف بين الصحابة ثم وقع الإجماع على بطلانه فينفذ قضاؤه عند أبي يوسف بناء على أن الإجماع المتأخر لا يرفع الخلاف السابق عنده
وعند محمد لا ينفذ بناء على أنه يرفعه عنده فلم يكن قضاء في فصل مجتهد فيه
قال أو رفع إليه حكم صبي أو عبد أو كافر أي لو قضى بما حكم به هؤلاء
____________________
(4/493)
لا ينفذ لأن حكمهم غير نافذ
قال أو الحكم بحجر سفيه يعني لو حجر القاضي على سفيه فأطلقه آخر جاز وبطل قضاء الأول فليس لقاض ثالث أن ينفذه لأن الأول ليس قضاء بل فتوى لعدم المقضي له ولئن كان قضاء فنفسه مجتهد فيه فلا يكون حجة ما لم يمضه قاض آخر كما لو قضى المحدود في قذف لا يكون حجة ما لم يتصل به الإمضاء من قاض آخر
هذا حاصل ما في شرح أدب القضاء من باب الحجر وبه علم أنه كان عليه أن يقول أو الحكم بحجر سفيه أبطله قاض آخر فإنه حينئذ لو رفع إلى ثالث لا ينفذه
أما لو أجازه الثاني لزم الثالث تنفيذه فافهم
قال أو بصحة بيع نصيب الساكت من قن حرره أحدهما أي حرره أحد الشريكين معسرا كما في البحر أي لو باع الساكت نصفه وقضى القاضي به ثم اختصموا إلى آخر فإنه يبطله لأن الصحابة اتفقوا على أنه لا يجوز استدامة الرق فيه كما في شرح أدب القضاء
قال أو ببيع مبروك التسمية عمدا أي عند الثاني وهو الأصح
وقالا ينفذ كما في خزانة الأكمل
قال أو ببيع أم الولد
على الأظهر وقيل ينفذ على الأصح أي الأظهر عدم النفاذ عند محمد لأنه اختلف فيه بين الصحابة ثم وقع الإجماع على عدم جوازه وبه يرتفع الخلاف السابق عنده كما مر
وعندهما لا يرتفع فينفذ البيع
وذكر السرخسي أن الأكثر على عدم النفاذ وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب التدبير فراجعه فإنه مهم
قال أو ببطلان عفو المرأة عن القود أي لو قتل زوجها أو أبوها عمدا فعفت على القاتل فأبطله من لا يرى للنساء حقا في القصاص ثم قبل القود رفع إلى قاض آخر فإنه لا ينفذه ويحكم بصحة العفو وبطلان القود لمخالفته للجمهور وإن كان بعد القود فالقاضي الثاني لا يتعرض بشيء لكن ذكر في شرح أدب القضاء أن هذا التفصيل غير سديد بل السديد أنه بعد القود يلزمه أي القائد القصاص لو عالما لأنه قتل شخصا محقون الدم ولو جاهلا فالدية
قال أو بصحة ضمان الخلاص أي بأن قال البائع أو أجنبي للمشتري إن استحقت الدار المشتراة من يدك فأنا ضامن لك استخلاصها بالبيع أو بالهبة وأسلمها إليك فهذا الضمان باطل لأنه ضمن ما ليس له قدرة على الوفاء به والقائل بأنه يصح لم يستند إلى قياس صحيح فالقضاء به باطل
وفسر أبو يوسف ومحمد الخلاص بالرجوع بالثمن عند الاستحقاق فهو والدرك والعهدة واحد عندهما وحينئذ فالقضاء به صحيح وإذا رفع إلى آخر لا يبطله وتمامه في شرح أدب القضاء
قال أو بزيادة أهل المحلة في معلوم الإمام من أوقاف المسجد أي إذا كانت بلا موجب وإلا فقد ذكرنا في فروع الفصل الأول من كتاب الوقف أنه يجوز للقاضي زيادة مرسوم الإمام إذا كان يتعطل المسجد بدونها أو كان فقيرا أو عالما تقيا
قال أو بحل المطلقة ثلاثا بمجرد عقد الثاني أي بلا دخول كما هو قول سعيد بن المسيب لأنه مخالف للآثار المشهورة كما في القنية نعم في قضاء الفتح عن الفصول إذا طلقها الثاني بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا في العدة ثم طلقها قبل الدخول فتزوجها الأول قبل انقضاء العدة وحكم بصحته نفذ إذ للاجتهاد فيه مساغ وهو صريح
قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } الآية وهو مذهب زفر اه
وقدمنا الكلام على هذه المسألة في الطلاق فراجعه
قال أو بعدم ملك الكافر مال المسلم بإحرازه بدراهم أي دار أهل الحرب لأنه لم يثبت فيه اختلاف بين الصحابة كما في فتح القدير فكان القضاء به مخالفا لإجماعهم
قال أو ببيع درهم بدرهمين يدا بيد أي لو قضى ببيع الفضة بالفضة متفاضلا مع القابض كما هو قول ابن عباس لم يصح إذ لم يوافقه غيره لا عليه
قال أو بصحة صلاة المحدث أي لو قال إن صليت صلاة صحيحة فأمرك بيدك فرعف في أثناء صلاته وقضى قاض بصحتها وبأنه صار أمر المرأة بيدها فللحنفي إبطاله لعدم وجود الشرط المأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام من قاء أو رفف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن عل صلاته ما لم يتكلم كما في حاشية الأشباه عن تنوير الأذهان فتأمل
____________________
(4/494)
قال أو بقسامة على أهل محلة بتلف المال أي إذا تلف مال إنسان في محلة فقضى بضمانهم بالقسامة قياسا على النفس فهو باطل لمخالفته للإجماع فللثاني أن ينقضه كما في شرح أدب القضاء
قال أو بحد القذف بالتعريض أي كقوله أما أنا فلست بزان وقال به عمر رضي الله تعالى عنه وهو قول مهجور خالفه فيه علي رضي الله تعالى عنه فللقاضي الثاني أن يبطله ويجعل ذلك المحدود مقبول الشهادة كما في شرح أدب القضاء
قال أو بالقرعة في معتق البعض أي في مريض أعتق بعض عبيده بغير عينه لكن صرح الخصاف في أدب القضاء بنفاذه نعم نقل في تنوير الأذهان عن المحيط أنه ينفذ لأنه مجتهد فيه
وعن أبي يوسف لا ينفذ لأن استعمال القرعة نوع قمار
قال أو بعدم تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها لم ينفذ في الكل أي في كل هذه المسائل
هذا ما حررته من البزازية والعمادية و الصيرفية و التتارخانية اه
كلام الأشباه بزيادات توضحه مع ذكر المسائل التي زادها في البحر
وذكر في البحر أيضا عقب ذلك عن السبكي أن القضاء ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه
مطلب ما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص والحكم به حكم بلا دليل وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا اه
وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم شرط الواقف كنص الشارع فيجب اتباعه كما صرح به في شرح المجمع للمصنف اه
قوله ( الأول ما لم يختلف مشايخنا فيه ) أي في نقصه وكذا هو مرجع الضمير بعده وأراد بالمشايخ الإمام وصاحبيه وأراد بالأصحاب في قوله واختلف أصحابنا فيه الصاحبين ط
مطلب المراد بأصحابنا أئمتنا الثلاثة وبالمشايخ من لم يدرك الإمام قلت لكن المشهور إطلاق أصحابنا على أئمتنا الثلاثة أبي حنيفة وصاحبيه كما ذكره في شرح الوهبانية
وأما المشايخ ففي وقف النهر عن العلامة قاسم أن المراد بهم في الاصطلاح من لم يدرك الإمام
قوله ( والثالث ما لا نص فيه عن الإمام ) أي لا نص فيه ظاهر يعتمد عليه فلا ينافي قوله الآتي في قسم الثالث إذا حكم بالشاهد واليمين في الأموال ثم رفع إلى حاكم يرى خلافه نقضه عند الثاني وعن الإمام لا
أفاده ط
قوله ( وتعارضت فيه تصانيفهم ) أي تصانيف الأصحاب بمعنى أهل المذهب
مطلب قضايا القضاة على ثلاثة أقسام قال في جامع الفصولين قضايا القضاة على ثلاثة أقسام الأول حكمه بخلاف نص وإجماع وهذا باطل فلكل من القضاة نقضه إذا رفع إليه وليس لأحد أن يجيزه
الثاني حكمه فيما اختلف فيه وهو ينفذ وليس لأحد نقضه
والثالث حكمه لشيء يتعين فيه الخلاف بعد الحكم فيه أي يكون الخلاف في نفس الحكم فقيل نفذ وقيل توقف على إمضاء آخر فلو أمضاه يصير كالقاضي الثاني إذا حكم في مختلف فيه فليس للثاني نقضه فلو أبطله الثاني بطل وليس لأحد أن يجيزه اه ط
وسيأتي تمام الكلام على هذه الثلاثة في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى
____________________
(4/495)
قوله ( وتعذر على البائع ردها ) أي إلى المشتري
قوله ( في المواضع ) أي المساكن والخطة أي المحلة والذرع أي عدد الأذرع اه ح
قوله ( كقول عثمان البستي ) هذا خلاف ما في الزواهر فإن الذي فيها أن عثمان البستي قال إذا رفع إلى قاض آخر أبطله الخ
قوله ( لمخالفته لنص الحديث ) هو ما ورد
أنه عليه الصلاة والسلام كان يقضي بالشفعة في كل ربع وحائط فلا يعمل بخلاف من خالف في ذلك ط
قوله ( إذا قضى بعد ثبوته ) في بعض النسخ بعد توبته أي بعد أن تاب وهي أظهر لأن القضاء بشيء لا يكون إلا بعد ثبوته عند القاضي لكن كل من النسختين غير موجود في الزواهر على ما نقله المحشي أبو السعود عنها
قلت والصواب قبل توبته لأن الكلام فيما ينقض ولا ينفذه أحد وهذا ليس كذلك لما في شرح أدب القضاء وأما المحدود في القذف إذا قضى قبل التوبة فالقاضي الثاني يبطل قضاءه لا محالة حتى لو نفذه ثم رفع إلى قاض ثالث فله أن ينقضه لأنه لا يصلح قاضيا بالإجماع فكان القضاء الثاني مخالفا للإجماع فكان باطلا وأما إذا كان بعد التوبة لا ينفذ قضاؤه عندنا لكن لقاض آخر أن ينفذه حتى لو نفذه ثم رفع إلى ثالث ليس للثالث أن يبطله اه
قوله ( ومنه ما لو حكم أعمى الخ ) في جامع الفصولين ولو أمضى حكم الأعمى نفذ إذ في أهلية شهادته خلاف ظاهر ولو رفع حكمه إل قاض لا يرى جواز قضائه أبطله إذ نفس الحكم مجتهد فيه اه
وحاصله أنه من القسم الثالث من الأقسام المارة آنفا عن جامع الفصولين فيتوقف على إمضاء قاض ثان فإن أمضاه الثاني نفذ فليس لثالث إبطاله وإن أبطله الثاني بطل فهو نظير حكم المحدود بعد التوبة وعلمت ما فيه
قوله ( لأنه ليس من أهل الشهادة ) علة للمسألتين قبله ط
قوله ( وكذا ما أداه لانائم في نومه ) يعني إذا أدى النائم شهادة فقضى بها ورفع لقاض آخر نقضه ط
قوله ( في شجاج الحمام ) قال الشارح في الشهادات وكذا لا تقبل شهادة الصبيان فيما يقع في الملاعب ولا شهادة النساء فيما يقع في الحمامات وإن مست الحاجة لمنع الشرع عما يستحق به السجن وملاعب الصبيان وحمامات النساء فكان التقصير مضافا إليهم لا إلى الشرع
بزازية وصغرى وشرنبلالية لئلا يهدر الدم اه
لكن في الحاوي تقبل شهادة النساء في القتل في الحمام بحكم الدية لئلا يهدر الدم اه
فليتنبه عند الفتوى اه ط
قوله ( ومنه الحكم بإجارة المديون في دينه ) أي لو حكم للدائن بأن يؤجر مديونه ليستوفي دينه من أجرته لا ينفذ لمخالفته لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } نعم قالوا إنه لو كان له كسب يفضل عن حاجته يأمره الحاكم بدفع الفاضل
هذا وقد أسقط الشارح من عبارة الزواهر مسألة قبل هذه وهي قوله ومنه إذا قال الرجل لامرأته كلي أو اشربي يريد الطلاق فقضى عليه القاضي بذلك وفرق بينهما ثم رفع إلى من لا يراه نقضه
قوله ( ومنه القضاء بخط شهود أموات ) لأن الشاهد لا بد من نطقه بالشهادة فالحكم
____________________
(4/496)
بالخط حكم بلا شهادة فهو باطل
قوله ( نسيئة ) وكذا مع التفاضل كما مر
قوله ( نقضه ) لأنه لا شهادة لكافر على مسلم
قوله ( أمضى النقض ) عبارة الزواهر ثم رفع النقض إلى آخر أمضى النقض اه أي حملا لحكمه بالنقض على الصحة بأن علم الناقض أن الحكم الأول باطل فعد هذه هنا بالنظر إلى هذا
تأمل
قوله ( ثم ظهر فيه عيب ) قيده في شرح أدب القضاء بالجنون فإن بعضهم قال يرد العبد به مطلقا لأنه إنما يكون من نقصان يتمكن من أصل الخلقة فيكون من عند البائع
قوله ( التي لم يدخل بها ) صفة للمرأة
قوله ( الآية ) تتمتها { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } النساء 23
قوله ( لم ينقض عنده خلافا للثاني ) كذا في الزواهر
ويظهر لي أن العبارة مقلوبة والصواب ينقض عنده بإسقاط لم لأن ما ذكره هو المسألة الأصولية وهي أن الإجماع اللاحق هل يرفع الخلاف السابق فعندهما لا وعند محمد نعم فإذا حكم بالقول المتروك أي الذي تركه أهل الإجماع فعندهما لا ينقض حكمه لعدم ارتفاع الخلاف السابق فكان حكما في محل مجتهد فيه
وعند محمد ينقض لارتفاع الخلاف فيكون حكما مخالفا للإجماع ومثله ما قدمناه من شهادة الابن لأبيه أو بالعكس ومن مسألة بيع المدبر فتدبر
قوله ( ومنه إذا وطىء أم امرأته الخ ) في شرح أدب القضاء ( لو وطىء أم امرأته أو بنتها فخاصمته زوجته إلى قاض يرى أن الحرام لا يحرم الحلال فقضى بها لزوجها ثم رفعته إلى قاض يرى أن ذلك يحرمها على زوجها فليس للثاني أن يبطل قضاء الأول لأن هذا مما اختلف فيه الصحابة والعلماء فإذا قضى نفذ قضاؤه بالإجماع فإذا قضى الثاني بخلافه كان قضاؤه مخالفا للإجماع ثم هل يحل للزوج المقام معها فلو جاهلا وقضى بالمرأة له حل بلا شبهة لا لو قضى بتحريمها ولو عالما فإن قضى عليه بأن كان هو لا يرى تحريمها والقاضي قضى بتحريمها نفذ القضاء عليه فلا يحل له المقام معها وإن قضى له بأن كان هو يرى تحريمها وقضى له بحلها فعند أبي يوسف كذلك وعندهما يحل اه ملخصا
ورأيت بهامشه بخط بعض العلماء عند قوله فإذا قضى نفذ قضاؤه بالإجماع ما نصه ذكر في الواقعات الصغرى أن نفاذ القضاء مختلف فيه عند أبي يوسف لا ينفذ وللثاني أن يبطله وعند محم ينفذ وليس للثاني ذلك فكان النفاذ المجمع عليه موقوفا على قضاء ثان بصحة قضاء الأول اه
ورأيت نحوه في جامع الفصولين من حكاية الخلاف المذكور
قوله ( وإن عالما لا يحل له المقام ) أي إن عالما بحرمتها معتقدا لها وقضى له بالحل
قوله ( وذكر ذلك مطلقا ) أي بلا حكاية خلاف
قوله ( فالظاهر أن ذلك مذهبه ) أي مذهب صاحب المنتقى
قوله ( أو قول الإمام ) قد علمت أنه قول أبي يوسف
قوله ( لمخالفته لنص ولا تنكحوا ) أي ما نكح آباؤكم من النساء
____________________
(4/497)
وهذا لا يصلح دليلا على ما قبله بل إنما يصلح دليلا لمسألة ذكرها في جامع الفصولين
وعبارته ولو قضى بجواز نكاح مزنية الأب للابن أو الابن للأب لا ينعقد عند أبي يوسف إذ الحادثة نص عليها في الكتاب اه ط
مطلب في قضاء القاضي بخلاف مذهبه قوله ( ومنه إذا قضى بخلاف مذهبه الخ ) في قضاء البحر لو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا نفذ عليه
وفي العامد روايتان وعندهما لا ينفذ في الوجهين واختلف الترجيح
قال في الفتح والوجه الآن أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره هذا كله في القاضي المجتهد
فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم اه
وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى
قوله ( وقال القاسم بن معن حجر ) أي الحبس حجر ط
قلت والقاسم هذا من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى أخذ عنه محمد بن الحسن كما في طبقات عبد القادر
قوله ( فلو حكم الثاني ) أي الحاكم الثاني بأنه حجر نفذ ولا ينقض مفاده أن هذا من القسم الثالث من الأقسام التي قدمناها عن جامع الفصولين
قوله ( إذا حكم بالشاهد واليمين ) قال في جامع الفصولين ذكر في بعض المواضع أنه ينفذ وفي بعضها لا ينفذ وفي أقضية الجامع أنه يتوقف على إمضاء قاض آخر اه ط
قوله ( وعن الإمام لا ) تقدم أن هذا القسم لا نص فيه عن الإمام وتقدم ج وابه
قوله ( لأنه مما يستشنعه الناس ) أي يعدونه أمرا شنيعا لأنها بنته حقيقة ولغة لوجود الجزئية وإنما قطع الشرع نسبتها إليه فقط إذ الجزئية لا تنتفي بالزنا ثم إنه لم يذكر فيه خلافا ومقتضى عده من القسم الثالث وجود الخلاف فيه
قوله ( ثم مات المعتق ) بكسر التاء والذي بعده بفتحها ط
قوله ( إنما الولاء لمن أعتق ) لأن إنما تفيد قصر الولاء على من أعتق ومن أحكام الولاء الإرث
قوله ( ولا يلزم ) أي لا يلزمنا أن نقول مولى الموالاة كذلك أي أنه يكون إرثه من أحد الجانبين فقط كما قلنا في ولاء العتاقة لأنه أي الولاء المفهوم من مولى الموالاة مستحق بالعقد لأن صورته أن يعقد رجلان مجهولا النسب عقد الموالاة بينهما على أن من مات منهما قبل صاحبه عن غير وارث ورثه الآخر وهذا العقد قائم بهما أي وجد منهما فيتوارثان به من الطرفين بخلاف ولاء العتاقة فإن سببه الإعتاق وهو قائم
____________________
(4/498)
بالمعتق فقط كالزوجية فإنها من أسباب الميراث والإرث ثابت بها من الطرفين لقيام عقدها بهما معا فيتوارثان بها وإن اختلف مقدار الإرث بها من جهة أخرى وهي تفضيل الزوج على الزوجة بذكورته وكونه قواما عليها والله سبحانه أعلم
قوله ( فاغتنم هذا المقام ) أي فز به بلا مشقة كما في القاموس حيث قال غنم بالكسر غنما بالضم وبالفتح وبالتحريك وغنيمة وغنمانا بالضم الفوز بالشيء بلا مشقة اه
والاغتنام افتعال منه فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم وله الحمد على ما علم وفهم وصلى الله وبارك وسلم على عبده ورسوله المعظم وعلى آله وصحبه ومن في سلكه انتظم لا سيما إمامنا الأعظم وقدوتنا المقدم وأصحابه ومشايخ مذهبه المحكم وأتباعه ذوو المقام الأفخم والمصنف ذو الفضل المسلم والشارح الذي أتقن مسائله وأحكم ووالدينا ومشايخنا وأهالينا ومن أسدى إلينا معروفا وأكرم ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين وتقبل مني هذا العمل وبلغني في إكماله غاية الأمة وجنبني فيه عن الخطأ والخلل واجعله سببا لغفران الذنب والزلل ولحسن الختام عند انتهاء الأجل والحمد لله رب العالمين
____________________
(4/499)
كتاب البيوع قوله ( لما فرغ الخ ) بيان للمناسبة جملة ما تقدم وجملة ما يأتي مع بيان المناسبة بين خصوص الوقف والبيع والمراد بالعبادات ما كان المقصود منها في الأصل تقرب العبد إلى الملك المعبود ونيل الثواب والجود كالأركان الأربعة ونحوها وبالمعاملات ما كان المقصود منها الأصل قضاء مصالح العباد كالبيع والكفالة والحوالة ونحوها وكون البيع أو الشراء قد يكون واجبا لعارض لا يخرجه عن كونه من المعاملات كما لا تخرج الصلاة مع الرياء عن كون أصل الصلاة عبادة
ثم إن ما تقدم غير مختص بالعبادات بل هو حقوقه تعالى وهي ثلاثة عبادات وعقوبات وكفارات فالمعاملات في مقابلة حقوقه تعالى
وأورد في الفتح أنه لا يخفى شروعه في المعاملات من زمان فإن ما تقدم من اللقطة واللقيط والمفقود من المعاملات
قال في النهر وكان النكاح أولى بالذكر من اللقيط ونحوه ا هـ
قلت وفيه نظر ظاهر فإن النكاح وإن كان في المعاملات لكنه من العبادات أيضا بل المقصود الأصلي منه العبادة وهي تحصين النفس عن المحرمات وتكثير المسلمين بل قالوا إن التخلي له أفضل من التخلي للنوافل
وقد يقال الأولى إيراد الشركة لأن كلا من اللقطة واللقيط أي التقاطهما مندوب إليه من حيث هو وقد يجب فلذا ذكر في حقوقه تعالى وكذا رد الآبق وأما المفقود فإنه ذكر فيها لمناسبة اقتضته وكذا اللقطة ونحوها والشركة كما ذكروا في المعاملات بعض العبادات كالأضحية لمناسبتها للذبائح والقرض لمناسبته للبيع
تأمل
قوله ( لكن لا إلى مالك ) أي الإزالة في الوقف لا تنتهي إلى مالك فهو في حكم ملك الله تعالى وهذا قولهما وقال الإمام هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ط
قوله ( فكانا كبسيط ومركب ) أي والبسيط مقدم على المركب في الوجود فقدم عليه في الذكر
قال ط وإنما لم يكن البيع مركبا حقيقة لأن الإزالة أمر اعتباري لا يتحقق منه تركيب
قوله ( وجمع الخ ) لما كان البيع في الأصل مصدرا والمصدر لا يجمع لأنه اسم للحدث كالقيام والقعود وقد جمعه تبعا للهداية أجابوا عنه بأنه قد يراد به المفعول فجمع باعتباره كما يجمع المبيع أي فإن أنواع المبيعات كثيرة مختلفة أو أنه بقي على أصله مرادا به المعنى لكنه جمع باعتبار أنواعه فإن البيع الذي
____________________
(4/500)
هو الحدث إن اعتبر من حيث هو فهو أربعة نافذ إن أفاد الحكم للحال وموقوف إن إفاده عند الإجازة وفاسد إن أفاده عند القبض وباطل إن لم يفده أصلا
وإن اعتبر من حيث تعلقه بالمبيع فهو أربعة أيضا لأنه إما أن يقع على عين بعين أو ثمن بثمن أي يكون المبيع فيه من الأثمان أي النقود أو ثمن بعين أو عين بثمن
ويسمى الأول مقايضة والثاني صرفا والثالث سلما وليس للرابع اسم خاص فهو بيع مطلق وإن اعتبر من حيث تعلقه بالثمن أو بمقداره فهو أربعة أيضا لأنه إن كان بمثل الثمن الأول مع زيادة فمرابحة أو بدون زيادة فتولية أو أنقص من الثمن فوضيعة أو بدون زيادة ولا نقص فمساومة
وزاد في البحر خامسا وهو الإشراك أي أن يشرك غيره فيما اشتراه أي بأن يبيعه نصفه مثلا وتركه الشارح لأنه غير خارج عن الأربعة وقد يعتبر من حيث تعلقه بوصف الثمن ككونه حالا أو مؤجلا وبما قررناه ظهر لك أن قوله باعتبار كل من البيع والمبيع ليس المراد اعتبار المبيع وحده أي بدون تعلق بيع به حتى يرد أنه إذا أريد كل منهما بانفراده يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز فإن جمع البيع باقيا على مصدريته نظرا إلى أنواعه حقيقة بخلاف جمعه منقولا إلى اسم المفعول فإنه مجاز ووجه عدم الورود أن المراد جمعه باعتبار حقيقته لكن نظرا إلى ذاته منفردا أو متعلقا بغيره لا منقولا إلى اسم المفعول فافهم قوله ( أنواعا أربعة ) خبر الكون وقوله ( نافذ الخ ) بيان للأنواع الأربعة في كل واحد من الثلاثة على طريق اللف والنشر المرتب وقد علمت بيانها
ثم إن تقسيم الأول إلى ما ذكر هو ما مشى عليه في الحاوي وظاهره أن الموقوف من قسم الصحيح وهو أحد طريقين للمشايخ وهو الحق
ومنهم من جعله قسيما للصحيح وعليه مشى الزيلعي فإنه قسمه إلى صحيح وباطل وفاسد وموقوف وتمام تحقيقه في أول البيع الفاسد من البحر ويأتي قريبا استثناء بيع المكره
وقوله ( هو لغة مقابلة شيء بشيء ) أي على وجه المبادلة ولو عبر بها بدل المقابلة لكان أولى كما فعل المصنف فيما بعده وظاهره شمول الإجارة لأن المنفعة شيء باعتبار الشرع أنها موجودة حتى صح الاعتياض عنها بالمال وكذا باعتبار اللغة تأمل
مطلب في تعريف المال والملك والمتقوم قوله ( مالا أو لا ) بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم والتقوم يثبت بها بإباحة الانتفاع به شرعا فما يباح بلا تمول لا يكون مالا كحبة حنطة وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقوما كالخمر وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدم
بحر ملخصا عن الكشف الكبير
وحاصله أن المال اعم من المتمول لأن المال ما يمكن ادخاره ولو غير مباح كالخمر والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة فالخمر مال لا متقوم فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا وإنما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا لأن الثمن غير مقصود بل وسيلة إلى المقصود إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع وتمام تحقيقه في فصل النهي من التلويح ومن هذا قال في البحر ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن ولذا تشترط
____________________
(4/501)
القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن ا هـ
وفي التلويح أيضا من بحث القضاء والتحقيق أن المنفعة ملك لا مال لأن الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص والمال ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة والتقويم يستلزم المالية عند الإمام والملك عند الشافعي وفي البحر عن الحاوي القدسي المال اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي وامكن احرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد وإن كان فيه معنى المالية لكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه ا هـ
قلت وفيه نظر لأن المال المنتفع به في التصرف على الوجه الاختيار والقتل والإهلاك ليس بانتفاع ولأن الانتفاع بالمال يعتبر في كل شيء بما يصلح له ولا يجوز إهلاك شيء من المال بلا انتفاع أصلا كقتل الدابة بلا سبب موجب
قوله ( بدليل وشروه بثمن بخس ) أي باعوه أي إخوة يوسف بثمن ناقص وقيل باعوه بعشرين درهما فالآية دليل على أن البيع لا يلزم كون المبيع فيه مالا لأن الحر لا يملك
قلت وفيه أن أهل اللغة في الجاهلية كانوا يسترقون الأحرار ويبيعونهم فلا تدل الآية على أن البيع لغة لا يشترط فيه المالية على أن الظاهر أن الحر يملك قبل شرعنا بدليل { قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه } ثم رأيت ذلك في القهستاني من البيع الفاسد حيث قال إن الحر كان مالا في شريعة يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حتى استرق السارق كما في شرح التأويلات فلا ينبغي أن يقال إنه لم يكن مالا عند أحد ا هـ
فالأولى الاستدلال بمثل { التوبة } { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } البقرة 16 ونحوه ولا يخفى أن دعوى المجاز في ذلك خلاف الأصل فافهم
وبهذا ظهر أن تعريفه لغة بما ذكره الشارح تبعا للمحيط أولى مما في الفتح عن فخر الإسلام من أن البيع لعة مبادلة المال بالمال لكن يرد على الأول أنه يدخل فيه النكاح إلا أن يراد بالمقابلة ما يكون على وجه التمليك حقيقة
تأمل
قوله ( وهو من الأضداد ) أي من الألفاظ التي تطلق على الشيء وعلى ضده كما في قوله تعالى { وكان وراءهم ملك } أي قدامهم
قال في الفتح يقال باعه إذا أخرج العين من ملكه إليه وباعه أي اشتراه ا هـ
وكذا الشراء بدليل { وشروه بثمن بخس } فيطلق كل منهما على الآخر
وفي المصباح والبيع من الأضداد مثل الشراء ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة قوله ( ويستعمل متعديا ) أي بنفسه إلى مفعولين
قوله ( وبمن للتأكيد ) كبعت من زيد الدار وظاهر الفتح أنها للتعدية لأنه قال ويتعدى بنفسه وبالحرف
قوله ( وباللام ) أي قليلا
وعبارة ابن القطاع على ما في المصباح وربما دخلت اللام مكان من تقول بعتك الشيء وبعت لك فهي زائدة ا هـ
قوله ( يقال بعتك الشيء ) مثال للمتعدي بنفسه وترك مثال التعدي بمن
قوله ( وباع عليه القاضي ) أفاد أنه يتعدى بعلى أيضا في مقام الإجبار والإلزام
قوله ( مبادلة شيء ) مصدر مضاف إلى مفعوله الأول والفاعل محذوف والأصل أن يتبادل المتبايعان شيئا مرغوبا فيه بمثله فشيئا مفعول أول وبمثله مفعول ثان بواسطة الحرف فافهم
قوله ( مرغوب فيه ) أي ما من شأنه أن ترغب إليه النفس وهو المال ولذا احترز به الشارح عن التراب والميتة والدم فإنها ليست بمال فرجع إلى قول الكنز والملتقى مبادلة المال بالمال ولذا فسر الشارح كلام الملتقى في شرحه بقوله أي تمليك شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه فقد تساوى التعريفان فافهم نعم زاد في الكنز بالتراضي
____________________
(4/502)
مطلب في بيع المكره والموقوف وأورد عليه أنه يخرج بيع المكره مع أنه منعقد وأجاب في شرح النقاية بأن من ذكره أراد تعريف البيع النافذ ومن تركه أراد الأعم واعترضه في البحر بأن بيع المكره فاسد موقوف لا موقوف فقط كبيع الفضولي كما يفهم من كلام شارح النقاية
قلت لكن قدمنا أن الموقوف من قسم الصحيح ومقتضاه أن بيع المكره كذلك لكن صرحوا في كتاب الإكراهأنه يثبت به الملك عند القبض للفساد فهو صريح في أنه فاسد وإن خالف بقية العقود الفاسدة في أربعة صور سيذكرها المصنف هناك وأفاد في المناروشرحه أنه ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذي هو شرط النفاذ وأنه بالإجازة يصح ويزول الفساد وبه علم أن الموقوف على الإجازة صحته فصح كونه فاسدا موقوفا وظهر أن الموقوف منه فاسد كبيع المكره ومنه صحيح كبيع عبد أو صبي محجورين
وأمثلته كثيرة ستأتي في باب بيع الفضولي
والحاصل أن الموقوف مطلقا بيع حقيقة والفاسد بيع أيضا وإن توقف حكمه وهو الملك على القبض فلا يناسب ذكر التراضي في التعريف ولذا قال في الفتح إن التراضي ليس جزء مفهوم البيع الشرعي بل شرط ثبوت حكمه شرعا ا هـ أي لأنه لو كان جزء مفهومه شرعا لزم أن يكون بيع المكره باطلا وليس كذلك بل هو فاسد كما علمت وأنت خبير بأن التعريف شامل للفاسد بسائر أنواعه كما ذكره في النهر لأنه بيع حقيقة وإن توقف حكمه على القبض فالتقييد بالتراضي لإخراج بعض الفاسد وهو بيع المكره غير مرضي لأنه إذا كان المراد تعريف مطلق البيع يكون غير جامع لخروج هذا منه وإن أريد تعريف البيع الصحيح فليس بمانع لدخول أكثر البياعات الفاسدة فيه
ثم اعلم أن الخمر مال كما قدمناه عن الكشف والتلويح وإن كان غير متقوم مع أن بيعه باطل في حق المسلم بخلاف البيع به فإنه فاسد ومر الفرق وأما ما في البحر عن المحيط من أنه غير مال فالظاهر أنه أراد بالمال المتقوم توفيقا بين كلامهم وحينئذ فيرد على تعريف المصنف كالكنز فافهم
ويرد على تعريف المصنف فقط الإجارة والنكاح
قال ط فإن فيهما مبادلة مال مرغوب فيه بمرغوب فيه ولا يخرجان بقوله على وجه مخصوص لأن المراد به الإيجاب والقبول والتعاطي ا هـ
إلا أن يجاب بأن المراد بالمرغوب فيه المال كما قررناه أو لا والمنفعة غير مال كما مر أو يقال إن المبادلة هي التمليك كما في النهر عن الدراية أي التمليك المطلق والمنفعة في الإجارة والنكاح مملوكة ملكا مقيدا فافهم قوله ( على وجه مفيد ) هذا التقييد غير مفيد إذ غايته أنه أخرج ما لا يفيد كبيع درهم بدرهم اتحد وزنا وصفة وهو فاسد وقد علمت شمول التعريف لجميع أنواع الفاسد فلا فائدة في إخراج نوع منه كما قلناه في بيع المكره نعم لو كان بيع الدرهم بالدرهم باطلا فهو تقييد مفيد ولكن بطلانه بعيد لوجود المبادلة بالمال فتأمل
قوله ( أي بإيجاب أو تعاط ) بيان للوجه المخصوص وأراد الإيجاب ما يكون بالقول بدليل المقابلة فيشمل القبول وإلا لم يخرج التبرع من الجانبين على ما قاله ط فتأمل
قوله ( فخرج التبرع من الجانبين الخ ) قال المصنف في المنح ولما كان هذا يشمل مبادلة رجلين بمالهما بطريق التبرع أو الهبة
____________________
(4/503)
بشرط العوض فإنه ليس ببيع ابتداء وإن كان في حكمه بقاء أراد إخراج ذلك فقال على وجه مخصوص ا هـ
قلت وهذا صريح في دخولهما تحت المبادلة على خلاف ما في النهر ووجهه أنه لو تبرع لرجل بشيء ثم الرجل عوض عليه بشيء آخر بلا شرط فهو تبرع من الجانبين مع المبادلة لكن من جانب الثاني وهذا يوجد كثيرا بين الزوجين يبعث إليها متاعا وتبعث له أيضا وهو في الحقيقة هبة حتى لو ادعى الزوج العارية رجع ولها أيضا الرجوع لأنها قصدت التعويض عن هبة فلما لم توجد الهبة بدعوى العارية لم يوجد التعويض عنها فلها الرجوع كما سيأتي في الهبة وكذا لو وهبه شيئا على أن يعوضه عنه شيئا معيبا فهو هبة ابتداء مع وجود المبادلة المشروطة فافهم
قوله ( استويا وزنا ) أما إذا لم يستويا فيه فالبيع فاسد لربا الفضل لا لعدم الفائدة وقوله وصفة خرج ما اختلفا فيها مع اتحاد الوزن ككون أحدهما كبيرا والآخر صغيرا أو أحدهما أسود والآخر أبيض
قلت والمسألة مذكورة في الفصل السادس من الذخيرة باع درهما كبيرا بدرهم صغير أو درهما جيدا بدرهم رديء جاز لأن لهما فيه غرضا صحيحا أما إذا كانا مستويين في القدر والصفة اختلفوا فيه
قال بعض المشايخ لا يجوز وإليه أشار محمد في الكتاب وبه كان يفتي الحاكم الإمام أبو أحمد ا هـ
قوله ( ولا مقايضة أحد الشريكين ) أي المستويين والمتبادر من التعبير بالشريكين أن الدار مشاعة بينهما أما لو كانت حصة كل منهما مفروزة عن الأخرى فالظاهر جواز المقايضة لأنه قد يكون رغبة كل منهما فيما في يد الآخر فهو بيع مفيد بخلاف المشاعة فافهم
قوله ( ولا إجارة السكنى بالسكنى ) لأن المنفعة معدومة فيكون بيع الجنس نسيئة وهو لا يجوز
ط عن حاشية الأشباه
قوله ( ويكون ) أي البيع منح والأظهر إرجاع الضمير إلى قوله على وجه مخصوص فهو بيان له وإلا كان تكرارا
تأمل
قوله ( وهما ركنه ) ظاهره أن الضمير للإيجاب والقبول ويحتمل إرجاعه للقول والفعل كما يفيده قول البحر
وفي البدائع ركنه المبادلة المذكورة وهو معنى ما في الفتح من أن ركنه الإيجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي فركنه الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل ا هـ
وأراد بالفعل أو لا ما يشمل فعل اللسان
وبالفعل ثانيا غيره وقوله الدال على الرضا أي بالنظر إلى ذاته وإن كان ثم ما ينافي الرضا كإكراه وظاهر كلام المصنف أن الإيجاب والقبول غير البيع مع أن ركن الشيء عينه وإذا أرجعنا الضمير في قوله يكون إلى قوله على وجه الخصوص لا يرد ذلك وكذا إذا أريد بالبيع حكمه وهو الملك وها هنا أبحاث رائقة مذكورة في النهر
قوله ( وشرطه أهلية المتعاقدين ) أي بكونهما عاقلين ولا يشترط البلوغ والحرية
مطلب شرائط البيع أنواع أربعة وذكر في البحر أن شرائط البيع أربعة أنواع شرط انعقاد ونفاذ وصحة ولزوم
فالأول أربعة أنواع في العاقد وفي نفس العقد وفي مكانه وفي المعقود عليه
فشرائط العاقد اثنان
العقل العدد فلا ينعقد بيع مجنون وصبي لا يعقل ولا وكيل من الجانبين إلا في الأب ووصيه والقاضي وشراء العبد نفسه من مولاه بأمره والرسول من الجانبين ولا يشترط فيه البلوغ ولا الحرية فيصح بيع الصبي
____________________
(4/504)
أو العبد لنفسه موقوفا ولغيره نافذا ولا الإسلام والنطق والصحو
وشرط العقد اثنان أيضا موافقة الإيجاب للقبول فلو قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة بأن باع عبدا وعقارا فطلب الشفيع العقار وحده وكونه بلفظ الماضي وشرط مكانه واحد وهو اتحاد المجلس
وشرط المعقود عليه ستة كونه موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه وكون الملك البائع فيما يبيعه لنفسه وكونه مقدور التسليم فلم ينعقد بيع المعدوم وماله خطر العدم كالحمل واللبن في الضرع والثمر قبل ظهوره وهذا العبد فإذا هو جارية ولا بيع الحر والمدبر وأم الولد والمكاتب ومعتق البعض والميتة والدم ولا بيع الخمر والخنزير في حق مسلم وكسرة خبز لأن أدنى القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس ولا بيع الكلأ ولو في أرض مملوكة له والماء في نهر أو بئر والصيد والخطب والحشيش قبل الإحراز ولا بيع ما ليس مملوكا له وإن ملكه بعده إلا السلم والمغصوب لو باعه الغاصب ثم ضمن قيمته وبيع الفضولي فإنه منعقد موقوف وبيع الوكيل فإنه نافذ ولا بيع معجوز التسليم كالآبق والطير في الهواء والسمك في البحر بعد أن كان في يده فصارت شرائط الانعقاد أحد عشر
قلت صوابه تسعة
وأما الثاني وهو شرائط النفاذ فاثنان الملك أو الولاية وأن لا يكون في البيع حق لغير البائع فلم ينعقد بيع الفضولي عندنا أما شراؤه فنافذ
قلت أي لم ينعقد إذا باعه لأجل نفسه لا لأجل مالكه لكنه على الرواية الضعيفة
والصحيح انعقاده موقوفا كما سيأتي في بابه
والولاية إما بإنابة المالك كالوكالة والشارع كولاية الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه ولا ينفذ بيع مرهون ومستأجر وللمشتري فسخه إن لم يعلم لا لمرتهن ومستأجر
وأما الثالث وهو شرائط الصحة فخمسة وعشرون منها عامة ومنها خاصة فالعامة لكل بيع شروط الانعقاد المارة لأن ما لا ينعقد لا يصح وعدم التوقيت ومعلومية المبيع ومعلومية الثمن بما يرفع المنازعة فلا يصح بيع شاة من هذا القطيع وبيع الشيء بقيمته أو بحكم فلان وخلوه عن شرط مفسد كما سيأتي في البيع الفاسد والرضا والفائدة ففسد بيع المكره وشراؤه وبيع ما لا فائدة فيه وشراؤه كما مر والخاصة معلومة الأجل في البيع المؤجل ثمنه والقبض في بيع المشتري المنقول وفي الدين ففسد بيع الدين قبل قبضه كالمسلم فيه ورأس المال وبيع شيء بدين على غير البائع وكون البدل مسمى في المبادلة القولية فإن سكت عنه فسد وملك بالقبض والمماثلة بين البدلين في أموال الربا والخلو عن شبهة الربا ووجود شرائط السلم فيه والقبض في الصرف قبل الافتراق وعلم الثمن الأول في مرابحة وتولية وإشراك ووضيعة
وأما الرابع وهو شرائط اللزوم بعد الانعقاد والنفاذ فخلوه من الخيارات الأربعة المشهورة وباقي الخيارات
____________________
(4/505)
الآتية في أول باب خيار الشرط فقد صارت جملة الشرائط ستة وسبعين ا هـ ملخصا أي لأن شرائط الانعقاد أحد عشر على ما قاله أولا وشرائط النفاذ اثنان وشرائط الصحة خمسة وعشرون صارت ثمانية وثلاثين وهي كلها شرائط اللزوم مع زيادة الخلو من الخيارات لكن بذلك تصير الجملة سبعة وسبعين نعم تنقص ثمانية على ما قلنا من أن الصواب أن شرائط الانعقاد تسعة فيسقط منها اثنان ومن شرائط الصحة اثنان ومن شرائط اللزوم أربعة فتصير الجملة تسعة وستين
نعم يزاد في شروط المعقود عليه إذا لم يرياه الإشارة إليه أو إلى مكانه كما سيأتي في باب خيار الرؤية وسيأتي تمام الكلام عليه عند قوله وشرط الصحة معرفة قدر مبيع وثمن
قوله ( ومحله المال ) فيه نظر لما مر من أن الخمر مال مع أن بيعه باطل في حق المسلم فكان عليه إبداله بالمتقوم وهو أخص من المال كما مر بيانه فيخرج ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم وما كان مالا غير متقوم كالخمر فإن ذلك غير محل للبيع
قوله ( وحكمه ثبوت الملك ) أي في البدلين لكل منهما في بدل وهذا حكمه الأصلي والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن ووجوب استبراء الجارية على المشتري وملك الاستمتاع بها وثبوت الشفعة لو عقارا وعتق المبيع لو محرما من البائع بحر
وصوابه من المشتري
قوله ( وحكمته نظام بقاء المعاش والعالم ) حقه أن يقول بقاء نظام المعاش الخ فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على أتم نظام وأحكم أمر معاشه أحسن إحكام ولا يتم ذلك إلا بالبيع والشراء إذ لا يقدر أحد أن يعمل لنفسه كل ما يحتاجه لأنه إذا اشتغل بحرث الأرض وبذر القمح وخدمته وحراسته وحصده ودراسته وتذريته وتنظيفه وطحنه وعجنه لم يقدر على أن يشتغل بيده ما يحتاج ذلك من آلات الحراثة والحصد ونحوه فضلا عن اشتغاله فيما يحتاجه من ملبس ومسكن فاضطر إلى شراء ذلك ولولا الشراء لكان يأخذه بالقهر أو بالسؤال إن أمكن وإلا قاتل صاحبه عليه ولا يتم مع ذلك بقاء العالم
قوله ( مباح ) هو ما خلا عن أوصاف ما بعده
قوله ( مكروه ) كالبيع بعد النداء في الجمعة
قوله ( حرام ) كبيع خمر لمن يشربها
قوله ( واجب ) كبيع شيء لمن يضطر إليه
قوله ( والسنة ) فإنه عليه الصلاة والسلام باع واشترى وأقر أصحابه على ذلك أيضا
قوله ( والقياس ) عبارة البحر والمعقول ا هـ ح لأنه أمر ضروري يجزم العقل بثبوته كباقي الأمور الضرورية المتوقف عليها انتظام معاشه وبقائه فافهم
قوله ( فالإيجاب الخ ) هذه الفاء الفصيحة وهي المفصحة عن شرط مقدر أي إذا أردت معرفة الإيجاب والقبول المذكورين وفي الفتح الإيجاب الإثبات لغة لأي شيء كان والمراد هنا إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أو لا سواء وقع من البائع أو من المشتري كأن يبتدىء المشتري فيقول اشتريت منك هذا بألف والقبول الفعل الثاني وإلا فكل منهما إيجاب أي إثبات فسمى الثاني بالقبول تمييزا له عن الإثبات الأول ولأنه يقع قبولا ورضا بفعل الأول ا هـ
قوله ( والقبول ) في بعض النسخ فالقبول بالفاء فهو تفريع على تعريف الإيجاب ولذا قال المصنف لما ذكر أن الإيجاب ما ذكر أولا علم أن الإيجاب هو ما ذكر ثانيا من كلام أحدهما أفاده ط
قوله ( ما يذكر ثانيا من الآخر ) أي من العاقد الآخر والتعبير بيذكر لا يشمل الفعل وعرفه في الفتح بأنه الفعل الثاني كما مر وقال لأنه أعم من اللفظ فإن من الفروع ما لو قال كل هذا الطعام بدرهم فأكله تم البيع وأكله حلال والركوب واللبس بعد قول البائع أركبها بمائة وألبسه بكذا رضا بالبيع
____________________
(4/506)
مطلب القبول قد يكون بالفعل وليس من صور التعاطي وكذا إذا قال بعتكه بألف فقبضه ولم يكن شيئا كان قبضه قبولا بخلاف بيع التعاطي فإنه ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط ففي جعل الأخيرة من صور التعاطي كما فعل بعضهم نظر ا هـ
وذكر في الخانية أن القبض يقوم مقام القبول وعليه فتعريف القبول بالقول لكونه الأصل
قوله ( الدال على التراضي ) الأولى أن يقول الرضا كما عبر به في الفتح والبحر لأن التراضي من الجانبين لا يدل عليه الإيجاب وحده بل هو مع القبول
أفاده ح
قوله ( قيد به اقتداء بالآية ) وهي قوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } النساء 29
قوله ( وبيانا للبيع الشرعي ) استظهر في الفتح أن التراضي لا بد منه في البيع اللغوي أيضا فإنه لا يفهم من باع زيد عبده لغة إلا أنه استبدله بالتراضي ا هـ
ونقل مثله القهستاني عن إكراه الكفاية والكرماني وقال وعليه يدل كلام الراغب خلافا لشيخ الإسلام
قوله ( ولذا لم يلزم بيع المكره ) قدمنا أن بيع المكره فاسد موقوف على إجازة البائع وأن البيع المعرف يشمل سائر أنواع البيع الفاسد وأن قول الكنز البيع مبادلة المال بالمال بالتراضي عير مرضي لأنه يخرج بيع المكره مع أنه داخل
وأجيب عنه بما ذكره الشارح بأنه قيد به اقتداء بالآية أي لا للاحتراز لكن قوله وبيانا للبيع الشرعي إن أراد به البيع المقابل اللغوي
يرد عليه ما علمته من اعتبار التراضي في البيع اللغوي وأنه لا يعتبر في البيع الشرعي إذ لو كان جزء مفهومه لزم أن يكون بيع المكره باطلا لا فاسدا بل التراضي شرط لثبوت حكمه شرعا وهو الملك كما قدمناه عن الفتح وإن أراد بالشرعي الخالي عن الفساد فالتقييد بالتراضي لا يخرج بقية البيوع الفاسدة بل التعريف شامل لها ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يتأتى في عبارة الكنز حيث جعل فيها التراضي قيدا في التعريف
أما قول المصنف الدال على التراضي فلا لكونه ذكره صفة للإيجاب فهو بيان للواقع فإن الأصل فيه أن يكون دليلا على الرضا ولكن لا يلزم منه وجود الرضا حقيقة فلا يخرج به بيع المكره
تأمل
مطلب في حكم البيع مع الهزل قوله ( ولم ينعقد مع الهزل في اللغة اللعب
وفي الاصطلاح هو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ولا ما صح له اللفظ استعارة والهازل يتكلم بصيغة العقد مثلا باختياره ورضاه لكن لا يختار ثبوته الحكم ولا يرضاه والاختيار هو القصد إلى الشيء وإرادته
والرضا هو إيثاره واستحسانه فالمكره على الشيء يختاره ولا يرضاه ومن هنا قالوا إن المعاصي والقبائح بإرادة الله تعالى لا برضاه { ولا يرضى لعباده الكفر } كذا في التلويح
وشرطه أي شرط تحقق الهزل واعتباره في التصرفات أن يكون صريحا باللسان مثل أن يقول إني أبيع هازلا ولا يكتفي بدلالة الحال إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد فيكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع أي توافقا على أنهما يتكلمان بلفظ البيع عند الناس ولا يريدانه واتفقا على البناء أي على أنهما لم يرفعا الهزل ولم يرجعا عنه فالبيع منعقد لصدوره من أهله في محله لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بحكمه فصار كالبيع بشرط الخيار أبدا لكنه لا يملك بالقبض لعدم الرضا بالحكم حتى لو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه هكذا ذكروا وينبغي أن يكون البيع باطلا لوجود حكمه وهو أنه لا يملك بالقبض
وأما الفاسد
____________________
(4/507)
فحكمه أن يملك بالقبض حيث كان مختارا راضيا بحكمه أما عند عدم الرضا به فلا ا هـ
منار وشرحه لصاحب البحر
فقول الشارح ولم ينعقد مع الهزل الذي هو من مدخول العلة غير صحيح لمنافاته ما تقدم من أنه منعقد لصدوره من أهله في محله لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم إلا أن يحمل على نفي الانعقاد الصحيح أو يتمشى على البحث الذي ذكره بقوله وينبغي الخ ا هـ ط
قلت قد صرح في الخانية والقنية بأنه بيع باطل وبه يتأيد ما بحثه في شرح المنار وكثيرا ما يطلقون الفاسد على الباطل كما ستعرفه في بابه لكن يرد على بطلانه أنهما لو أجازه جاز والباطل لا تلحقه الإجازة وأن الباطل ما ليس منعقد أصلا والفاسد ما كان منعقدا بأصله لا بوصفه وهذا منعقد بأصله لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه ولذلك أجاب بعض العلماء بحمل ما في الخانية على أن المراد بالبطلان الفساد كما في حاشية الحموي وتمامه فيها
قلت وهذا أولى لموافقته لما في كتب الأصول من أنه فاسد وأما عدم إفادته الملك بالقبض فلكونه أشبه البيع بالخيار لهما وليس كل فاسد يملك بالقبض ولذا قال في الأشباه إذا قبض المشتري المبيع فاسدا ملكه إلا في مسائل الأولى لا يملكه في بيع الهازل كما في الأصول
الثانية لو اشتراه الأب من ماله لابنه الصغير أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله كذا في المحيط
الثالثة لو كان مقبوضا في يد المشتري أمانة لا يملكه به ا هـ
وذكر الشارح مسألة بيع الهزل قبيل الكفالة وذكرها المصنف متنا في الإكراه
قوله ( ويرد على التعريفين ) أي تعريفي الإيجاب والقبول حيث قيد الإيجاب بكونه أولا والقبول بكونه ثانيا ط
قوله ( لكن في القهستاني الخ ) ومثله في التجنيس لصاحب الهداية
قوله ( كما قالوا في السلام ) أي لو رد على المسلم مع السلام فلا بد من الإعادة
قوله ( وعلى الأول ) أي ويرد على التعريف الأول حيث قيد بكونه أولا والمعتبر في التكرار هو الثاني
والجواب أن الإيجاب الأول لما بطل صار الثاني أولا في التحقيق على أن كلا من الإيجابين أول بالنسبة إلى القبول
أفاده ط
قوله ( تكرار الإيجاب ) أي قبل القبول
قوله ( مبطل للأول ) وينصرف القبول إلى الإيجاب الثاني ويكون بيعا بالثمن الأول
بحر
وصوابه بالثمن الثاني كما هو ظاهر ويعلم مما يأتي
قوله ( إلا في عتق وطلاق على مال ) لم يذكر في الأشباه الطلاق بل ذكره في البحر
وقد اعترض البيري على الأشباه حيث اقتصر على العتق مع أن الولوالجي ذكر الطلاق أيضا وذكر أنه روي عن أبي يوسف أنهما كالبيع وأن ما روي عن محمد أصح ا هـ
وفي البيري أيضا عن الذخيرة قال لغيره بعتك هذا بألف درهم ثم قال بعتكه بمائة دينار فقال المشتري قبلت انصرف قبوله إلى الإيجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار بخلاف ما لو قال لعبده أنت حر على ألف درهم أنت حر على مائة دينار فقال العبد قبلت لزمه المالان والفرق أن الإيجاب الثاني رجوع عن الإيجاب الأول ورجوع البائع قبل قبول المشتري عامل ألا ترى أنه لو قال رجعت عن ذلك قبل قبول المشتري يعمل رجوعه وإذا عمل رجوعه بطل الإيجاب الأول وانصرف القبول إلى الإيجاب الثاني
أما رجوع المولى عن إيجاب العتق ليس بعامل ألا ترى أنه لو قال رجعت عن ذلك لا يعمل رجوعه لأن إيجاب العتق بالمال تعليق بالقبول والرجوع في التعليقات
____________________
(4/508)
لا يعمل فبقي كل من الإيجاب الأول والثاني فانصرف القبول إليهما ا هـ
قوله ( وسيجيء في الصلح ) قال الشرح هناك والأصل أن كل عقد أعيد فالثاني باطل إلا في الكفالة والشراء والإجارة ا هـ
وفيه أن هذا وما في النظم من تكرار العقد والكلام في تكرار الإيجاب كما لا يخفى ا هـ ح أي لأن العقد اسم لمجموع الإيجاب والقبول وتكراره غير تكرار الإيجاب الذي كلامه فيه
قوله ( وكل عقد بعد عقد جددا الخ ) في التتارخانية قال بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال المشتري قبلت
ينصرف إلى الإيجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار ولو قال بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل المشتري ثم قال بعته منك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال المشتري اشتريت ينعقد الثاني وينفسخ الأول وكذا لو باعه بجنس الثمن الأول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه بتسعة أو بأحد عشر فإن باع بعشرة لا ينعقد الثاني ويبقى الأول بحاله ا هـ فهذا مثال لتكرار الإيجاب فقط ومثال لتكرار العقد
قوله ( فأبطل الثاني ) أي إذا كان بمثل الثمن الأول كما علمت لأنه سدى أي لا فائدة فيه
قوله ( فالصلح بعد الصلح أضحى باطلا ) هذا إذا كان الصلح على سبيل الإسقاط أما إذا كان الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر فالثاني هو الجائز ويفسخ الأول كالبيع بيري عن الخلاصة عن المنتقى
قلت الظاهر أن الصلح على سبيل الإسقاط بمعنى الإبراء وبطلان الثاني ظاهر ولكنه بعيد الإرادة هنا فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه ويكون المراد به ما إذا كان بمثل العوض الأول بقرينة قوله كالبيع وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه
قوله ( كذا النكاح ) أي فالثاني باطل فلا يلزمه المهر المسمى فيه إلا إذا جدده للزيادة فه المهر كما في القنية بحر
قلت ولكن قدمنا في أوائل باب المهر عن البزازية أن عدم اللزوم إذا جدد العقد للاحتياط وقدمنا أيضا عن الكافي لو تزوجها في السر بألف ثم في العلانية بألفين ظاهر المنصوص في الأصل أنه يلزمه عنده الألفان ويكون زيادة في المهر وعند أبي يوسف المهر هو الأول إذ العقد الثاني لغو فيلغو من فيه وعند الإمام أن الثاني وإن لغا لا يلغو ما فيه من الزيادة ا هـ
وذكر في الفتح هناك أن هذا إذا لم يشهد على أن الثاني هزل وإلا فلا خلاف في اعتبار الأول ثم ذكر أن بعضهم اعتبر ما في العقد الثاني فقط وبعضهم أوجب كلا المهرين وأن قاضيخان أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شيء ما لم يقصد به الزيادة في المهر ثم وفق بينه وبين إطلاق الجمهور اللزوم بحمل كلامه على أنه لا يلزمه ديانة في نفس الأمر إلا بقصد الزيادة بل يلزمه قضاء لأنه يؤاخذ بظاهر لفظه إلا أن يشهد على الهزل ا هـ
والحاصل اعتماد قول الإمام الذي هو ظاهر المنصوص من لزوم الزيادة وحينئذ فمعنى كون الثاني لغوا أنه لا ينفسخ الأول به
قوله ( ما عدا مسائلا ) استثناء من قوله فأبطل الثاني
قوله ( منها الشرا بعد الشراء ) بقصر الشرا الأول للنظم
قال في الأشباه أطلقه في جامع الفصولين وقيده في الالقنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الأول أو أقل أو بجنس آخر وإلا فلا يصح ا هـ
____________________
(4/509)
قلت فعلى ما في القنية لا فرق بين الشراء والبيع ولذا أطلق العقد في البحر حيث قال وإذا تعدد الإيجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الأول إن كان الثاني بأزيد من الأول أو أنقص وإن كان مثله لم ينفسخ الأول
واختلفوا فيما إذا كان الثاني فاسدا هل يتضمن فسخ الأول ا هـ
قال في النهر ومقتضى النظر أن الأول لا ينفسخ ا هـ
لكن جزم في جامع الفصولين والبزازية بأنه ينفسخ وكذا قال في الذخيرة إن الثاني وإن كان فاسدا فإنه يتضمن فسخ الأول كما لو اشترى قلب فضة وزنه عشرة بعشرة وتقابضا ثم اشتراه منه بتسعة
وعلله البزازي بأن الفاسد ملحق بالصحيح في كثير من الأحكام ا هـ
رملي ملخصا
قوله ( كذا كفالة ) قال في الخانية الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الأصيل برىء الكفيلان وكذا لو مات الكفيل الأول برىء الكفيل الثاني كذا ذكره بعض الأفاضل
قال وأشار بجواز تعددها إلى أن المكفول له لو أخذ من الأصيل كفيلا آخر بعد الأول لم يبرأ الأول كذا في حاشية السيد أبي السعود على الأشباه
تنبيه زاد في الأشباه إن الإجارة بعد الإجارة من المستأجر الأول فسخ للأولى كما في البزازية
وقال البحر وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيهما واتحد الأجران لا تصح الثانية كالبيع
قوله ( إذ المراد الخ ) تعليل لعدم بطلان الكفالة الثانية بأن المراد منها الحقيقة إذا أي حين كررت إنما هو زيادة التوثق بأخذ كفيل آخر حتى يتمكن من مطالبة أيهما أراد
قوله ( وهما عبارة الخ ) أي الإيجاب والقبول معبر بهما عن كل لفظين الخ
قال الزيلعي وينعقد بكل لفظ ينبني عن التحقيق كبعت واشتريت ورضيت أو أعطيتك أو خذه بكذا ا هـ
أو كل هذا الطعام بدرهم لي عليك فأكله ونحو ذلك من الأفعال كما قدمناه عن الفتح قبل ورقتين وينعقد ببيع معلق بفعل قلب كإن أردت فقال أردت أو إن أعجبك أو وافقك فقال أعجبني أو وافقني وأما إن أديت إلي الثمن فقد بعتك فإن أدى في المجلس صح ويصح الإيجاب بلفظ الهبة وأشركتك فيه وأدخلتك فيه وينعقد بلفظ الرد بحر عن التتارخانية
قلت وعبارتها ولو قال أرد عليك هذه الأمة بخمسين دينارا وقبل الآخر ثبت البيع ا هـ
وفي البحر ويصح الإيجاب بلفظ الجعل كقوله جعلت لك هذا بألف وتمامه فيه
قلت وفي عرفنا يسمى بيع الثمار على الأشجار ضمانا فإذا قال ضمنتك هذه الثمار بكذا وقبل الآخر ينبغي أن يصح وكذا تعارفوا في بيع أحد الشريكين في الدواب لشريكه الآخر لفظ المقاصرة فيقول قاصرتك بكذا ومراده بعتك حصتي من هذه الدابة بكذا فإذا قيل الآخر صح لأنها من ألفاظ التمليك عرفا
____________________
(4/510)
تنبيه ظاهر قوله على لفظين أنه لا ينعقد بالإشارة بالرأس ويدل عليه ما في الحاوي الزاهدي في فصل البيع الموقوف فضولي باع مال غيره فبلغه فسكت متأملا فقال ثالث هل أذنت لي في الإجازة فقال نعم فأجازه ينفذ ولو حرك رأسه بنعم فلا لأن تحريك الرأس في حق الناطق لا يعتبر ا هـ
لكن قد يقال إذا قال بعني كذا بكذا فأشار برأسه نعم فقال الآخر اشتريت وحصل التسليم بالتراضي يكون بيعا بالتعاطي بخلاف ما إذا لم يحصل التسليم من أحد الجانبين على ما يأتي من بيع التعاطي أنه لا بد من وجوده ولو من أحدهما هذا ما ظهر لي
وفي الأشباه من أحكام الإشارة وإن لم يكن معتقل اللسان لم تعتبر إشارته إلا في أربع الكفر والإسلام والنسب والإفتاء الخ
قوله ( أو حالين ) بتخفيف اللام
قوله ( لا يحتاج الأول ) وهو الصادر بلفظين ماضيين
ط عن المنح وكذا الماضي فيما لو كانا مختلفين
قوله ( بخلاف الثاني ) فإنه يحتاج إليها وإن كان حقيقة للحال عندنا على الأصح لغلبة استعماله في الاستقبال حقيقة أو مجازا
بحر عن البدائع
قوله ( وإلا لا ) صادق بما إذا نوى الاستقبال أو لم ينو شيئا ط
قوله ( للحال ) أي ولا يستعملونه للوعد والاستقبال ط
قوله ( فكالماضي ) فلا يحتاج إلى النية بحر ط
قوله ( وكأبيعك الآن ) عطف على المستثنى ا هـ ح
وهذا أولى بالحكم لأنه إذا علمت نية الحال فالتصريح به أولى ط
قوله ( وأما المتمحض للاستقبال ) كالمقرون بالسين وسوف ط
قوله ( فكالأمر ) بأن قال المشتري بعني هذا الثوب بكذا فيقول بعت أو يقول البائع اشتره مني بكذا فيقول اشتريته
قوله ( لا يصح أصلا ) أي سواء نوى بذلك الحال أو لا لكون الأمر متمحضا للاستقبال وكذا المضارع المقرون بالسين أو سوف
قوله ( كخذه بكذا الخ ) قال في الفتح فإنه وإن كان مستقبلا لكن خصوص مادته أعني الأمر بالأخذ يستدعي سابقة البيع فكان كالماضي إلا أن استدعاء الماضي سبق البيع بحسب الوضع واستدعاء خذ سبقه بطريق الاقتضاء فهو كما إذا قال بعتك عبدي هذا بألف فقال فهو حر عتق ويثبت باشتريت اقتضاء بخلاف ما لو قال هو حر بلا فاء لا يعتق
قوله ( كوجه وفرج ) بأن قال بعتك وجه هذا العبد أو فرج هذه الأمة لأنه مما يعبر به عن الكل
قوله ( وكل ما دل الخ ) تفصيل لقوله وهما عبارتان عن كل لفظين الخ
قوله ( قبول ) خبر قوله وكل وظاهره أنه قبول سواء كان من البائع أو المشتري وأنه لا يكون إيجابا مع أنه يكون من البائع فقط كما نبه عليه بقوله ولكن في الولوالجية ويكون إيجابا أيضا قال في البحر لو قال أتبيعني عبدك هذا بألف فقال نعم فقال أخذته فهو بيع لازم فوقعت كلمة نعم إيجابا وكذا تقع قبولا
____________________
(4/511)
فيما لو قال اشتريت منك هذا بألف فقال نعم ا هـ
ونحوه في الفتح
قوله ( لكن في الولوالجية الخ ) ومثله ما في التتارخانية بعت منك هذا بألف فقال المشتري قد فعلت فهذا بيع ولو قال نعم لا يكون بيعا
وذكر في فتاوى سمرقندي أن من قال لغيره اشتريت عبدك هذا بألف درهم فقال البائع قد فعلت أو قال نعم أو قال هات الثمن صح البيع وهو الأصح ا هـ
فهذا أيضا صريح في أنه لا يكون قبولا من المشتري
قوله ( لأنه ليس بتحقيق ) لأن قول المشتري نعم تصديق لقول البائع بعتك ولا يتحقق البيع بمجرد قوله بعتك بخلاف قول البائع نعم بعد قول المشتري اشتريت لأنه جواب له فكأنه قال نعم اشتريت مني والشراء يتوقف على سبق البيع هذا ما ظهر لي فتأمله قوله ( وفي القنية الخ ) استدراك أيضا على المتن بأنه يكون إيجابا أيضا كما نبهنا عليه وعبارتها كما في البحر كهل بعت مني بكذا أو هل اشتريت مني بكذا الخ وظاهره أن نقد الثمن قائم مقام القبول لأن نعم بعد الاستفهام إيجاب فقط فكان النقد بمنزلة قوله أخذته أو رضيت ولا يشترط في القبول أن يكون قولا كما نقلناه سابقا عن الفتح
قوله ( ولو قال بعته الخ ) المناسب ذكر هذا الفرع عقب قوله الآني إلا إذا كان بكتابة أو رسالة ووجه الجواز ما نقل عن المحيط أنه حين قال بلغه فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ فكل من بلغه التبليغ برضاه فإن قبل صح البيع
قوله ( ولا يتوقف ) أي بل يبطل ح
قوله ( شطر العقد ) المراد به الإيجاب الصادر أولا
قوله ( فيه ) أي البيع احتراز عن الخلع والعتق كما يأتي
قوله ( فبلغه ) أي من غير أن يأمر أحدا بتبليغه كما في الخلاصة أما لو أمر أحدا به فبلغه وقبل يصح ولو كان المبلغ غير المأمور كما مر آنفا
قوله ( إلا إذا كان بكتابة أو رسالة ) صورة الكتابة أن يكتب أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك اشتريت تم البيع بينهما
وصورة الإرسال أن يرسل رسولا فيقول البائع بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم فاذهب يا فلان وقل له فذهب الرسول فأخبره بما قال فقبل المشتري في مجلسه ذلك
وفي النهاية وكذا هذا في الإجارة والهبة والكتابة
بحر
قلت ويكون بالكتابة من الجانبين فإذا كتب اشتريت عبدك فلانا بكذا فكتب إليه البائع قد بعت فهذا بيع كما في التتارخانية
قوله ( فيعتبر مجلس بلوغها ) أي بلوغ الرسالة أو الكتابة
قال في الهداية والكتابة كالخطاب وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتابة وأداء الرسالة ا هـ
وفي غاية البيان وقال شمس الأئمة السرخسي في كتاب النكاح من مبسوطه كما ينعقد النكاح بالكتابة ينعقد البيع وسائر التصرفات بالكتابة أيضا
وذكر شيخ الإسلام
____________________
(4/512)
جواهر زاده في مبسوطه الكتاب والخطاب سواء إلا في فصل واحد وهو أنه لو كان حاضرا فخاطبها بالنكاح فلم تجب في مجلس الخطاب ثم أجابت في مجلس آخر فإن النكاح لا يصح
وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت الكتاب ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح النكاح لأن الغائب إنما صار خاطبا لها بالكتاب والكتاب باق في المجلس الثاني فصار بقاء الكتاب في مجلسه وقد سمع الشهود ما فيه في المجلس الثاني بمنزلة ما لو تكرر الخطاب من الحاضر في مجلس آخر فأما إذا كان حاضرا لها فإنما صار خاطبا بالكلام وما وجد من الكلام لا يبقى إلى المجلس الثاني وإنما سمع الشهود في المجلس الثاني أحد شطري العقد ا هـ
وحاصله أن قوله تزوجتك بكذا إذا لم يوجد قبول يكون مجرد خطبة منه لها فإذا قبلت في مجلس آخر لا يصح بخلاف ما لو كتب ذلك إليها لأنها لما قرأت الكتاب ثانيا وفيه قوله تزوجتك بكذا وقبلت عند الشهود صح العقد كما لو خاطبها به ثانيا وظاهره أن البيع كذلك وهو خلاف ظاهر الهداية فتأمل
ثم لا يخفى أن قراءة الكتاب صارت بمنزلة الإيجاب من الكاتب فإذا قبل المكتوب إليه في المجلس فقد صدر الإيجاب والقبول في مجلس واحد فلا حاجة إلى قوله إلا إذا كان بكتابة أو رسالة نعم بالنظر إلى مجلس الكتابة يصح فإنه لما كتب بعتك لم يلغ بل توقف على القبول وإن كان ذلك القبول متوقفا على قراءة الكتاب فافهم
قوله ( فله الرجوع ) ليس المراد أن الموجب له الرجوع في هذه الصورة فإن الإيجاب إذا كان باطلا فلا معنى للرجوع عنه بل المراد أن الموجب له الرجوع قبل قبول الحاضر
قال في المنح ثم في كل موضع لا يتوقف شطر العقد فإنه يجوز من العاقد الرجوع عنه ولا يجوز تعليقه بالشرط لأنه عقد معاوضة وفي كل موضع يتوقف كالخلع والعتق على مال لا يصح الرجوع ويصح التعليق بالشرط لكونه يمينا من جانب الزوج والمولى معاوضة من جانب الزوجة والعبد ا هـ ح
قوله ( لأنه يمين ) أي من جانب الزوج والمولى وذلك أن اليمين بغير الله تعالى ذكر الشرط والجزاء والخلع والعتق تعليق الطلاق والعتق بقبول المرأة والعبد وهما من جانب المرأة والعبد معاوضة فحيث كان يمينا من جانب الزوج والمولى امتنع الرجوع وتمامه في العزمية
قوله ( أما الفعل ) عطف على قوله وأما القول قوله ( وهو التناول قاموس ) قال في البحر وهكذا في الصحاح والمصباح وهو إنما يقتضي الإعطاء من جانب والأخذ من جانب لا الإعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي أي حيث قال إن حقيقة التعاطي وضع الثمن وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ وهو يفيد أنه لا بد من الإعطاء من الجانبين لأنه من المعاطاة وهي مفاعلة ا هـ
قلت وقوله من غير لفظ يفيد ما قدمناه عن الفتح من أنه لو قال بعتكه بألف فقبضه المشتري ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا وليس من بيع التعاطي خلافا لمن جعله منه فإن التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن
قوله ( في خسيس ونفيس ) النفيس ما كثر ثمنه كالعبد والخسيس ما قل ثمنه كالخبز
ومنهم من حد النفيس بنصاب السرقة فأكثر والخسيس بما دونه والإطلاق هو المعتمد
ط عن البحر
قلت ليس في البحر قوله والإطلاق هو المعتمد
نعم ذكره في شمول التعاطي للخسيس والنفيس فقال وهو الصحيح المعتمد
قوله ( خلافا للكرخي ) فإنه قال لا ينعقد إلا الخسيس
ط عن القهستاني
وما في الحاوي
____________________
(4/513)
القدسي من أن هذا هو المشهور فهو خلاف المشهور كما في البحر
قوله ( ولو التعاطي من أحد الجانبين ) صورته أن يتفقا على الثمن ثم يأخذ المشتري المتاع ويذهب برضا صاحبه من غير دفع الثمن أو يدفع المشتري الثمن للبائع ثم يذهب من غير تسليم المبيع فإن البيع لازم على الصحيح حتى لو امتنع أحدهما بعده أجبره القاضي وهذا فيما ثمنه غير معلوم
أما الخبز واللحم فلا يحتاج فيه إلى بيان الثمن
ذكره في البحر
والمراد في صورة دفع الثمن فقط أن المبيع موجود معلوم لكن المشتري دفع ثمنه ولم يقبضه ط
وفي القنية دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة وقال له بكم تبيعها فقال مائة بدينار فسكت المشتري ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال البائع غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ الحنطة وقد تغير السعر فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الأول
وقال رضي الله عنه وفي هذه الواقعة أربع مسائل إحداها الانعقاد بالتعاطي الثانية الانعاقاد في الخسيس والنفيس وهو الصحيح
الثالثة الانعقاد به من جانب واحد الرابعة كما ينعقد بإعطاء المبيع ينعقد بإعطاء الثمن ا هـ
قلت وفيها مسألة خامسة أنه ينعقد به ولو تأخرت معرفة المثمن لكون دفع الثمن قبل معرفته
بحر
قوله ( لم ينعقد ) أي وإن كان يعلم عادة السوقة أن البائع إذا لم يرض برد الثمن أو يسترد المتاع وإلا يكون راضيا به ويصح خلفه لا أعطيها تطييبا لقلب المشتري فإنه مع هذا لا يصح البيع قنية
مطلب البيع بالتعاطي قوله ( كما لو كان ) أي البيع بالتعاطي بعد عقد فاسد وعبارة الخلاصة اشترى رجل من وسائدي وسائد ووجوه الطنافس وهي غير منسوجة بعد ولم يضربا له أجلا لم يجز فلو نسج الوسائد ووجوه الطنافس وسلم إلى المشتري لا يصير هذا بيعا بالتعاطي لأنهما يسلمان بحكم ذلك البيع السابق وأنه وقع باطلا ا هـ
وعبارة البزازية والتعاطي إنما يكون بيعا إذا لم يكن بناء على بيع فاسد أو باطل سابق أما إذا كان بناء عليه فلا ا هـ
قوله ( لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد ) يتفرع عليه ما في الخانية لو اشترى ثوبا شراء فاسدا ثم لقيه غدا فقال قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم فقال بلى فقال قد أخذته فهو باطل وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد فإن كانا تتاركا البيع الفاسد فهو جائز اليوم ا هـ
قلت لكن في النهاية والفتح وغيرهما عند قول الهداية ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم الخ البيع بالرقم فاسد لأن فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد وهي جهالة الثمن برقم لا يعلمه المشتري فصار بمنزلة القمار
وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني وإن علم بالرقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزا ولكن إن كان البائع دائما على الرضا فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد بالتراضي ا هـ
وعبر في الفتح بالتعاطي والمراد واحد وسيأتي أيضا في باب البيع الفاسد أن بيع الآبق لا يصح وأنه لو باعه ثم عاد وسلمه يتم البيع في رواية وظاهر الرواية أنه لا يتم
قال في البحر هناك وأولوا الرواية الأولى بأنه ينعقد بيعا بالتعاطي ا هـ
وظاهر هذا عدم اشتراط متاركة الفاسد وقد يجاب على بعد بحمل الاشتراط على ما إذا كان التعاطي بعد المجلس
____________________
(4/514)
أما فيه فلا يشترط كما هنا والفرق أنه بعد المجلس يتقرر الفساد من كل وجه فلا بد من المتاركة أما في المجلس فلا يتقرر من كل وجه فتحصل المتاركة ضمنا
تأمل
ويحتمل وهو الظاهر أن يكون في المسألة قولان وانظر ما يأتي عند قوله وفسد في الكل في بيع ثلة الخ هذا وما ذكره عن الحلواني في البيع بالرقم جزم بخلافة في الهندية آخر باب المرابحة وذكر أن العلم في المجلس يجعل كابتداء العقد ويصير كتأخير القبول إلى آخر المجلس وبه جزم في الفتحهناك أيضا
قوله ( ففي بيع التعاطي بالأولى الخ ) مأخوذ عن البحر حيث قال ففي بيع التعاطي بالأولى وهو صريح الخلاصة
والبزازية إن التعاطي بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد به البيع لأنه بناء على السابق وهو محمول على ما ذكرناه ا هـ
وقوله على ما ذكرناه أي من أن عدم الانعقاد قبل متاركة الأول وهو معنى قول الشارح فيحمل ما في الخلاصة وغيرها على ذلك ومراده بما في الخلاصة ما قدمه من قوله كما لو كان بعد عقد فاسد ونقلنا عبارتها وعبارة البزازية وليس فيها التقييد بما قبل متاركة الأول فقيده الشارح به تبعا للبحر لئلا يخالف كلام غيرها فافهم
قوله ( وتمامه في الأشباه من الفوائد ) أي فى آخر الفن الثالث وليس فيه زيادة على أصل المسألة فلعله أراد ما كتب على الأشباه في ذلك الموضع أو ما أشبه هذه المسألة مما تفرع على الأصل المذكور
قوله ( إذا بطل المتضمن ) بالكسر بطل المتضمن ب الفتح فإنه لما بطل البيع الأول بطل ما تضمنه من القبض إذا كان قبل المتاركة
قال ح وهو بدل من الفوائد بدل بعض من كل ا هـ ط
وفي هذه القاعدة بحث سنذكره عند الكلام على بيع الثمرة البارزة
قوله ( فتحرر ثلاثة أقوال ) هذا الاختلاف نشأ من كلام الإمام محمد فإنه ذكر بيع التعاطي في مواضع فصوره في موضع بالإعطاء من الجانبين ففهم منه البعض أنه شرط وصوره في موضع بالإعطاء من أحدهما ففهم البعض أنه يكتفي به وصوره في موضع بتسليم المبيع ففهم البعض أن تسليم الثمن لا يكفي
بحر عن الذخيرة ط
قوله ( وحررنا في شرح الملتقى الخ ) عبارته عن البزازية الإقالة تنعقد بالتعاطي أيضا من أحد الجانبين على الصحيح ا هـ
وكذا الإجارة كما في العمادية وكذا الصرف كما في النهر مستدلا عليه بما في التتارخانية اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار فأعطاه مائة دينار ثم فسخ البيع فعلى قول الإمام الصرف جائز ويرد الدراهم وعلى قول أبي يوسف الصرف باطل وهي فائدة حسنة لم أر من نبه عليها ا هـ
تتمة طالب مديونه فبعث إليه شعيرا قدرا معلوما وقال خذه بسعر البلد والسعر لهما معلوم كان بيعا وإن لم يعلماه فلا
ومن بيع التعاطي تسليم المشتري ما اشتراه إلى من يطلبه بالشفعة في موضع لا شفعة فيه وكذا تسليم الوكيل بالشراء إلى الموكل بعدما أنكر التوكيل
ومنه حكما ما إذا جاء المودع بأمة غير المودعة وحلف حل للمودع وطؤها وكان بيعا بالتعاطي
وعن أبي يوسف لو قال للخياط ليست هذه بطانتي فحلف الخياط أنها هي وسعه أخذها وينبغي تقييده بما إذا كانت العين للدافع ومنه لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي بها
____________________
(4/515)
كما في الفتح وعلى هذا فلا بد من الرضا في جارية الوديعة والبطانة وتمامه في البحر
قوله ( ما يستجره الإنسان الخ ) ذكر في البحر أن من شرائط المعقود عليه أن يكون موجودا فلم ينعقد بيع المعدوم
ثم قال ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية الأشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها ثم اشتراها بعدما انعدمت صح ا هـ
فيجوز بيع المعدوم هنا ا هـ
وقال بعض الفضلاء ليس هذا بيع معدوم إنما هو من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفا تسهيلا للأمر ودفعا للحرج كما هو العادة وفيه أن الضمان بالإذن مما لا يعرف في كلام الفقهاء حموي
وفيه أيضا أن ضمان المثليات بالمثل لا بالقيمة والقيميات بالقيمة لا بالثمن ط
قلت كل هذا قياس وقد علمت أن المسألة استحسان ويمكن تخريجها على فرض الأعيان ويكون ضمانها بالثمن استحسانا وكذا حل الانتفاع في الأشياء القيمية لأن قرضها فاسد لا يحل الانتفاع به وإن ملكت بالقبض وخرجها في النهر على كون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي وأنه لا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن لأنه معلوم ا هـ
واعترضه الحموي بأن أثمان هذه تختلف فيفضي إلى المنازعة ا هـ
قلت ما في النهر مبني على أن الثمن معلوم لكنه على هذا لا يكون من بيع المعدوم بل كلما أخذ شيئا انعقد بيعا بثمنه المعلوم
قال في الولوالجية دفع دراهم إلى خباز فقال اشتريت منك مائة من من خبز وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء فالبيع فاسد وما أكل فهو مكروه لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه فكان المبيع مجهولا
ولو أعطاه الدراهم وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمناء ولم يقل في الابتداء اشتريت منك يجوز وهذا حلال وأن كان نيته وقت الدفع والشراء لأنه بمجرد النية لا ينعقد البيع وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا ا هـ
قلت ووجهه أن ثمن الخبز معلوم فإذا انعقد بيعا بالتعاطي وقت الأخذ مع دفع الثمن قبله فكذا إذا تأخر دفع الثمن بالأولى وهذا ظاهر فيما كان ثمنه معلوما وقت الأخذ مثل الخبز واللحم أما إذا كان ثمنه مجهولا فإنه وقت الأخذ لا ينعقد بيعا بالتعاطي لجهالة الثمن فإذا تصرف فيه الآخذ وقد دفعه البياع برضاه بالدفع وبالتصرف فيه على وجه التعويض عنه لم ينعقد بيعا وإن كان على نية البيع لما علمت من أن البيع لا ينعقد بالنية فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته فإذا توافقا على شيء بدل المثل أو القيمة برئت ذمة الآخذ لكن يبقى الإشكال في جواز التصرف فيه إذا كان قيميا فإن قرض القيمي لا يصح فيكون تصحيحه هنا استحسانا كقرض الخبز والخميرة ويمكن تخريجه على الهبة بشرط العوض أو على المقبوض على سوم الشراء
ثم رأيته في الأشباه في القول في ثمن المثل حيث قال ومنها لو أخذ من الأرز والعدس وما أشبهه وقد كان دفع إليه دينارا مثلا لينفق عليه ثم اختصما بعد ذلك في قيمته هل تعتبر قيمته يوم الأخذ أو يوم الخصومة قال في التتمة تعتبر يوم الأخذ قيل له لو لم يكن دفع إليه شيئا بل كان يأخذ منه على أن يدفع إليه ثمن ما يجتمع عنده
قال يعتبر وقت الأخذ لأنه سوم حين ذكر الثمن ا هـ
قوله ( بيع البراءات ) جمع براءة وهي الأوراق التي يكتبها كتاب الديوان على العاملين على البلاد بحظ كعطاء أو على الأكارين بقدر ما عليهم وسميت براءة لأنه يبرأ بدفع ما فيها ط
قوله ( بخلاف بيع حظوظ الأئمة ) بالحاء المهملة والظاء المشالة جمع حظ بمعنى النصيب المرتب له من الوقف أي فإنه يجوز بيعه وهذا مخالف لما في الصيرفية فإن مؤلفها سئل عن بيع الحظ فأجاب لا يجوز
ط عن حاشية الأشباه
____________________
(4/516)
قلت وعبارة الصيرفية هكذا سئل عن بيع الخط قال لا يجوز لأنه لا يخلو إما إن باع ما فيه أو عين الخط
لا وجه للأول لأنه بيع ما ليس عنده ولا وجه للثاني لأن هذا القدر من الكاغد ليس متقوما بخلاف البراءة لأن هذه الكاغدة متقومة ا هـ
قلت ومقتضاه أن الخط بالخاء المعجمة والطاء المهملة وهذا لا يخالف ما ذكره الشارح لأن المراد بحظوظ الأئمة ما كان قائما في يد المتولي من نحو خبز أو حنطة قد استحقه الإمام وكلام الصيرفية فيما ليس بموجود
قوله ( ثمة ) أي هناك أي في مسألة بيع حظوظ الأئمة وأشار إليها بالبعيد لأن الكلام كان في بيع البراءات ولذا أشار إليها بلفظ هنا
قوله ( من المشرف ) أي المباشر الذي يتولى قبض الخبز
قوله ( بخلاف الجندي ) أي إذا باع الشعير المعين لعلف دابته من حاشية السيد أبي السعود
مطلب في بيع الاستجرار قوله ( وتعقبه في النهر ) أي تعقب ما ذكر من مسألة بيع الاستجرار وما بعده حيث قال أقول الظاهر أن ما في القنية ضعيف لاتفاق كلمتهم على أن بيع المعدوم لا يصح وكذا غير المملوك وما المانع من أن يكون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي ولا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن لأنه معلوم كما سيأتي
وحظ الإمام لا يملك قبل القبض فأنى يصح بيعه وكن على ذكر مما قاله ابن وهبان في كتاب الشرب ما في القنية إذا كان مخالفا للقواعد لا التفات إليه ما لم يعضده نقل من غيره ا هـ
وقدمنا الكلام على بيع الاستجرار
وأما بيع حظ الإمام فالوجه ما ذكره من عدم صحة بيعه
ولا ينافي ذلك أنه لو مات يورث عنه لأنه أجرة استحقها ولا يلزم من الاستحقاق الملك كما قالوا في الغنيمة بعد إحرازها بدار الإسلام فإنها حق تأكد بالإحراز ولا يحصل الملك فيها للغانمين إلا بعد القسمة والحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط كما في الفتح
وعن هذا بحث في البحر هناك بأنه ينبغي التفصيل في معلوم المستحق بأنه إن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الإحراز وإن مات قبل ذلك لا يورث لكن قدمنا هناك أن معلوم الإمام له شبه الصلة وشبه الأجرة والأرجح الثاني وعليه يتحقق الإرث ولو قبل إحراز الناظر ثم لا يخفى أنها لا تملك قبل قبضها فلا يصح بيعها
مطلب في بيع الجامكية قوله ( وأفتى المصنف الخ ) تأييد لكلام النهر
وعبارة المصنف في فتاواه سئل عن بيع الجامكية وهو أن يكون لرجل جامكية في بيت المال ويحتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل بعتني جامكيتك التي قدرها كذا بكذا أنقص من حقه في الجامكية فيقول له بعتك فهل البيع المذكور صحيح أم لا لكونه بيع الدين بنقد أجاب إذا باع الدين من غير من هو عليه كما ذكر لا يصح
قال مولانا في فوائده وبيع الدين لا يجوز ولو باعه من المديون
____________________
(4/517)
أو وهبه ا هـ
قوله ( وفيها ) الظاهر أن الضمير للقنية ويحتمل عوده لفتاوى المصنف المفهومة من أفتى وأما ضمير وفيها الآتية فللأشباه ا هـ ح
مطلب لا يجوز الاعتياض الحقوق المجردة قوله ( لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة على الملك ) قال في البدائع الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها
أقول وكذا لا تضمن بالاتلاف
قال في شرح الزيادات للسرخسي وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان لأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل إلا إذا فوت حقا مؤكدا فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن ولذا لا يضمن بإتلاف شيء من الغنيمة أو وطء جارية منها قبل الإحراز لأن الفائت مجرد الحق وأنه غير مضمون وبعد الإحراز بدار الإسلام ولو قبل القسمة يضمن لتفويت حقيقة الملك ويجب عليه القيمة في قتله عبدا من الغنيمة بعد الإحراز في ثلاث سنين بيري
وأراد بقوله لتفويت حقيقة الملك الحق المؤكد إذ لا تحصل حقيقة الملك إلا بعد القسمة كما مر
قوله ( كحق الشفعة ) قال في الأشباه فلو صالح عنها بمال بطلت ورجع ولو صالح المخيرة بمال لتختاره بطل ولا شيء لها ولو صالح إحدى زوجتيه بمال لتترك نوبتها لم يلزم ولا شيء لها وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف في الأوقاف وخرج عنها حق القصاص
وملك النكاح وحق الرق فإنه يجوز الاعتياض عنها كما ذكره الزيلعي في الشفعة والكفيل بالنفس إذا صالح المكفول له بمال لا يصح ولا يجب وفي بطلانها روايتان وفي بيع حق المرور في الطريق روايتان وكذا بيع الشرب إلا تبعا ا هـ
مطلب في الاعتياض عن الوظائف والنزول عنها قوله ( وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف بالأوقاف ) من إمامة وخطابة وأذان وفراشة وبوابة ولا على وجه البيع أيضا لأن بيع الحق لا يجوز كما في شرح الأدب وغيره
وفي الذخيرة أن أخذ الدار بالشفعة أمر عرف بخلاف القياس فلا يظهر ثبوته في حق جواز الاعتياض عنه هـ
أقول والحق في الوظيفة مثله والحكم واحد
بيري
قوله ( المذهب عدم اعتبار العرف الخاص ) قال في المستصفي التعامل العام أي الشائع المستفيض والعرف المشترك لا يصح الرجوع إليه مع التردد ا هـ
وفي محل آخر منه
____________________
(4/518)
ولا يصلح مقيدا لأنه لما كان مشتركا كان متعارضا ا هـ
بيري
وفي الأشباه عن البزازية وكذا أي تفسد الإجارة لو دفع إلى حائك غزلا على أن ينسجه بالثلث ومشايخ بلخ وخوارزم أفتوا بجواز إجارة الحائك للعرف وبه أفتى أبو علي النسفي أيضا والفتوى على جواب الكتاب لأنه منصوص عليه فيلزم إبطال النص ا هـ
فأفاد أن عدم اعتباره بمعنى أنه إذا وجد النص بخلافه لا يصلح ناسخا للنص ولا مقيدا له وإلا فقد اعتبروه في مواضع كثيرة منها مسائل الإيمان وكل عاقد وواقف وحالف يحمل كلامه على عرفه كما ذكره ابن الهمام
وأفاد ما مر أيضا أن العرف العام يصلح مقيدا ولذا نقل البيري في مسألة الحائك المذكورة قال السيد الشهيد لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ بل نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين لأن التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الأول فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي عليه الصلاة والسلام إياهم على ذلك فيكون شرعا منه فإذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجة إلا إذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون إجماعا والإجماع حجة ألا ترى أنهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل ا هـ
قلت وبه ظهر الفرق بين العرف الخاص والعام وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا المسماة بنشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف
مطلب في النزول عن الوظائف بمال قوله ( وعليه فيفتى بجواز النزول عن الوظائف بمال ) قال العلامة العيني في فتاواه ليس للنزول شيء يعتمد عليه ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة واشترطوا إمضاء الناظر لئلا يقع فيه نزاع ا هـ
ملخصا من حاشبة الأشباه للسيد أبي السعود
وذكر الحموي أن العيني ذكر في شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصحبتها لأن كلا منهما مجرد إسقاط ا هـ
مطلب في العرف الخاص والعام وقلت وقدمنا في الوقف عن البحر أن للمتولي عزل نفسه عند القاضي وأن من العزل الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيره وأنه لا ينعزل بمجرد عزل نفسه خلافا للعلامة قاسم بل لا بد من تقرير القاضي المفروغ له لو أهلا وأنه لا يلزم القاضي تقريره ولو أهلا وأنه جرى العرف بالفراغ بالدراهم ولا يخفى ما فيه فينبغي الإبراء العام بعده ا هـ لما فيه من شبهة الاعتياض عن مجرد الحق وقد مر أنه لا يجوز وليس فيما ذكر عن العيني جوازه لكن قال الحموي وقد استخرج شيخ مشايخنا نور الدين على المقدسي صحة الاعتياض عن ذلك في شرحه على نظم الكنز من فرع في مبسوط السرخسي وهو أن العبد الموصى برقبته لشخص وبخدمته لآخر لو قطع طرفه أو شج موضحة فأدى الأرش فإن كانت الجناية تنقص الخدمة يشتري به عبد آخر يخدمه أو يضم إليه ثمن العبد بعد بيعه فيشتري به عبد يقوم مقام الأول فإن اختلفا في بيعه لم يبع وإن اصطلحا على قسمة الأرض بينهما نصفين فلهما ذلك ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من الأرض بدل الخدمة لأنه لا يملك الاعتياض عنها ولكنه إسقاط لحقه به كما لو صالح موصى له بالرقبة على مال دفعه للموصى له بالخدمة ليسلم العبد له ا هـ
قال فربما يشهد هذا النزول عن الوظائف بمال ا هـ
قال الحموي فليحفظ هذا فإنه نفيس جدا ا هـ
وذكر نحوه البيري عند قول الأشباه وينبغي
____________________
(4/519)
أنه لو نزل له وقبض المبلغ ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك فقال أي على وجه إسقاط الحق إلحاقا له بالوصية بالخدمة والصلح عن الألف على خمسمائة فإنهم قالوا يجوز أخذ العوض على وجه الإسقاط للحق ولا ريب أن الفارغ يستحق المنزول به استحقاقا خاصا بالتقرير ويؤيده ما في خزانة الأكمل وإن مات العبد الموصى بخدمته بعد ما قبض الموصى له بدل الصلح فهو جائز ا هـ
ففيه دلالة على أنه لا رجوع على النازل وهذا الوجه هو الذي يطمئن به القلب لقربه ا هـ
كلام البيري
ثم استشكل ذلك بما مر من عدم جواز الصلح عن حق الشفعة والقسم فإنه يمنع جواز أخذ العوض هنا ثم قال ولقائل أن يقول هذا حق جعله الشرع لدفع الضرر وذلك حق فيه صلة ولا جامع بينهما فافترقا وهو الذي يظهر ا هـ
وحاصله أن ثبوت حق الشفعة للشفيع وحق القسم للزوجة وكذا حق الخيار في النكاح للمخيرة إنما هو لدفع الضرر عن الشفيع والمرأة وما ثبت لذلك لا يصح الصلح عنه لأن صاحب الحق لما رضي علم أنه لا يتضرر بذلك فلا يستحق شيئا أما حق الموصى له بالخدمة فليس كذلك بل ثبت له على وجه البر والصلة فيكون ثابتا له أصالة فيصح الصلح عنه إذا نزل عنه لغيره ومثله ما مر عن الأشباه من حق القصاص والنكاح والرق حيث صح الاعتياض عنه لأنه ثابت لصاحبه أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبه ولا يخفى أن صاحب الوظيفة ثبت له الحق فيه بتقرير القاضي على وجه الأصالة لا على وجه رفع الضرر فإلحاقها بحق الموصى له بالخدمة وحق القصاص وما بعده أولى من إلحاقها بحق الشفعة والقسم وهذا كلام وجيه لا يخفى على نبيه وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة وهي حرام بالنص والعرف لا يعارض النص وجه الدفع ما علمت من أنه صلح عن حق كما في نظائره والرشوة لا تكون بحق
واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما عن الخلافة لمعاوية على عوض وهو ظاهر أيضا وهذا أولى مما قدمناه في الوقف عن الخيرية من عدم الجواز ومن أن للمفروغ له الرجوع بالبدل بناء على أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص وأنه لا يجوز الاعتياض عن مجرد الحق لما علمت من أن الجواز ليس مبنيا على اعتبار العرف الخاص بلى على ما ذكرنا من نظائره الدالة عليه وأن عدم جواز الاعتياض عن الحق ليس على إطلاقه
ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف وعدم صحة الرجوع
وبالجملة فالمسألة ظنية والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الأظهر فيها ما قلنا فالأولى ما قاله في البحر من أنه ينبغي الإبراء العام بعده والله سبحانه وتعالى أعلم
تنبيه ما قلنا في الفراغ عن الوظيفة يقال مثله في الفراغ عن حق التصرف في مشد مسكة الأراضي ويأتي بيانها قريبا وكذا في فراغ الزعيم عن تيماره ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهه السلطان للمفروغ له بل أبقاه على الفارغ أو وجهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ لأنه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحق له لا بمجرد الفراغ وإن حصل لغيره وبهذا أفتى في الإسماعيلية والحامدية وغيرهما خلافا لما أفتى به بعضهم عن عدم الرجوع لأن الفارغ فعل ما وسعه وقدرته إذ لا يخفى أنه غير مقصود من
____________________
(4/520)
الطرفين ولا سيما أذا أبقى السلطان والقاضي التيمار أو الوظيفة على الفارغ فإنه يلزم اجتماع العوضين في تصرفه وهو خلاف قواعد الشرع فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
مطلب في خلو الحوانيت قوله ( وبلزوم خلو الحوانيت ) عبارة الأشباه أقول على اعتباره أي اعتبار العرف الخاص ينبغي أن يفتي بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم ويصير الخلو في الحانوت حقا له فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفا وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو وجعل لكل حانوت قدرا أخذه منهم وكتب ذلك بمكتوب الوقف ا هـ
وقد أعاد الشارح ذكر هذه المسألة قبيل كتاب الكفالة ثم قال قلت وأيده في زواهر الجواهر بما في واقعات الضريري رجل في يده دكان فغاب فرفع المتولي أمره للقاضي فأمره القاضي بفتحه وإجارته ففعل المتولي ذلك وحضر الغائب فهو أولى بدكانه وإن كان له خلو فهو أولى بخلوه أيضا وله الخيار في ذلك فإن شاء فسخ الإجارة وسكن في دكانه وإن شاء أجازها ورجع بخلوه على المستأجر ويؤمر المستأجر بأداء ذلك إن رضي به وإلا يؤمر بالخروج من الدكان ا هـ
بلفظه ا هـ
لكن قال السيد الحموي أقول ما نقل عن واقعات الضريري من ذكر لفظة الخلو فضلا عن أن يكون المراد بها ما هو المتعارف كذب فإن الإثبات من النقلة كصاحب جامع الفصولين نقل عبارة الضريري ولم يذكر فيها لفظ الخلو وهذا وقد اشتهر نسبة مسألة الخلو إلى مذهب الإمام مالك والحال أنه ليس فيه نص عنه ولا عن أحد من أصحابه حتى قال البدر القرافي من المالكية إنه لم يقع في كلام الفقهاء التعرض لهذه المسألة وإنما فيها فتيا للعلامة ناصر الدين اللقاني المالكي بناها على العرف وخرجها عليه وهو من أهل الترجيح فيعتبر تخريجه وإن نوزع فيه وقد انتشرت فتياه في المشارق والمغارب وتلقاها علماء عصره بالقبول ا هـ
قلت ورأيت في فتاوى الكازروني عن العلامة اللقاني أنه لو مات صاحب الخلو يوفى منه ديونه ويورث عنه وينتقل لبيت المال عند فقد الوارث ا هـ
هذا وقد استدل بعضهم على لزومه وصحة بيعه عندنا بما في الخانية رجل باع سكنى له في حانوت لغيره فأخبر المشتري أن أجرة الحانوت كذا فظهر أنها أكثر من ذلك قالوا ليس له أن يرد السكنى بهذا العيب ا هـ
وللعلامة الشرنبلالي رسالة رد فيها على هذا المستدل بأنه لم يفهم معنى السكنى لأن المراد بها عين مركبة في الحانوت وهي غير الخلو
ففي الخلاصة اشترى سكنى حانوت في حانوت رجل مركبا وأخبره البائع أن أجرة الحانوت كذا فإذا هي أكثر ليس له أن يرد وفي جامع الفصولين عن الذخيرة شرى سكنى في دكان وقف فقال المتولي ما أذنت له أي للبائع بوضعها فأمره أي أمر المشتري بالرفع فلو شراه بشرط القرار يرجع على بائعه وإلا فلا يرجع عليه بثمنه ولا بنقصانه ا هـ
ثم نقل عن عدة كتب ما يدل على أن السكنى عين قائمة في الحانوت ورد فيها أيضا على الأشباه بأن الخلو لم يقل به إلا متأخر من المالكية حتى أفتى بصحة وقفه ولزم منه أن أوقاف المسلمين صارت للكافرين بسبب وقف خلوها على كنائسهم وبأن عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخلو يلزم منه حجر الحر المكلف عن ملكه وإتلاف ماله مع أن صاحب الخلو لا يعطي
____________________
(4/521)
أجر المثل ويأخذ هو في نظير خلوه قدرا كثيرا بل لا يجوز هذا في الوقف
وقد نصوا على أن من سكن الوقف يلزمه أجر المثل وفي ومنع الناظر من إخراجه تفويت نفع الوقف وتعطيل ما شرطه الواقف من إقامة شعائر مسجد ونحوها ا هـ ملخصا
مطلب في الكدك قلت وما ذكره حق خصوصا في زماننا هذا وأما ما يتمسك به صاحب الخلو من أنه اشترى خلوه بمال كثير وأنه بهذا الاعتبار تصير أجرة الوقف شيئا قليلا فهو تمسك باطل لأن ما أخذه منه صاحب الخلو الأول لم يحصل منه نفع للوقف فيكون الدافع هو المضيع ماله فكيف يحل له ظلم الوقف بل يجب عليه دفع أجرة مثله وإن كان له فيه شيء زائد على الخلو من بناء ونحوه مما يسمى في عرفنا بالكدك وهو المراد من لفظ السكنى المار فإذا لم يدفع أجرة مثله لم يؤمر برفعه وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار ويرجع هذا إلى مسألة الأرض المحتكرة المنقولة في أوقاف الخصاف حيث قال حانوت أصله وقف وعمارته لرجل وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر المثل قالوا إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلف رفعه ويؤجر من غيره وإلا يترك في يده بذلك الأجر ا هـ
وقوله وإلا يترك في يده يفيد أنه أحق من غيره حيث كان ما يدفعه أجر المثل فهنا يقال ليس للمؤجر أن يخرجه ولا أن يأمره برفعه إذ ليس في استبقائه ضرر على الوقف مع الرفق به بدفع الضرر عنه كما أوضحناه في الوقف
وعن هذا قال في جامع الفصولين وغيره بنى المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حق القرار وهو المسمى بالكردار له الاستبقاء بأجر المثل اه
وفي الخيرية وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناء أو غرسا أو كبسا بالتراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده ا هـ
وقد يقال إن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو للواقف واستعان بها على بناء الوقف شبيهة بكبس الأرض بالتراب فيصير له حق القرار فلا يخرج من يده إذا كان يدفع أجر المثل ومثله ما لو كان يرم دكان الوقف ويقوم بلوازمها من ماله بإذن الناظر أما مجرد وضع اليد على الدكان ونحوها وكونه يستأجرها عدة سنين بدون شيء مما ذكر فهو غير معتبر فللمؤاجر إخراجها من يده إذا مضت مدة إجارته وإيجارها لغيره كما أوضحناه في رسالتنا تحرير العبارة في بيان من هو أحق بالإجارة وذكرنا حاصلها في الوقف وعلى ما ذكرناه من أن صاحب الخلو المعتبر أحق من غيره لو استأجر بأجر المثل يحمل ما ذكره في الخيرية من الوقف حيث سئل في الخلو الواقع في غالب الأوقاف المصرية والأوقاف الرومية في الحوانيت وغيرها هل يصير حقا لازما لصاحب الخلو ويجوز بيع سكناه وشراؤه وإذا حكم به حاكم شرعي يمتنع على غيره من حكام الشرع الشريف نقضه ثم ذكر في الجواب عبارة الأشباه وواقعات الضريري وما ذكرناه من مسألة الأرض المحتكرة ومسألة حق القرار ومسألة بيع السكنى
ثم قال أقول ليس الغرض بإيراد هذه الجمل القطع بالحكم بل ليقع اليقين بارتفاع الخلاف بالحكم حيث استوفى شرائطه من مالكي يراه أو غيره صح ولزم وارتفع الخلاف خصوصا فيما للناس إليه ضرورة لا سيما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك فإنهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كلي ويضر بهم نقضه وإعدامه فلربما بفعله تكثر الأوقاف ألا ترى ما فعله الغوري كما مر
ومما بلغني أن بعض الملوك عمر مثل ذلك بأموال التجار ولم يصرف عليه من ماله الدرهم والدينار وكان يحب ما خفف عن أمته والدين يسر ولا مفسدة في ذلك في الدين ولا عار به على الموحدين والله تعالى أعلم ا هـ ملخصا
وممن أفتى بلزوم الخلو الذي يكون
____________________
(4/522)
بمقابلة دراهم بدفعها للمتولي أو المالك العلامة المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي صاحب هدية ابن العماد وقال فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم فيفتى بجواز ذلك للضرورة قياسا على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالا على الربا الخ
قلت وهو مقيد أيضا بما قلنا بما إذا كان يدفع أجر المثل وإلا كانت سكناه بمقابلة ما دفعه من الدراهم عين الربا كما قالوا فيمن دفع للمقرض دارا ليسكنها أو حمارا ليركبه إلى أن يستوفي قرضه أنه يلزمه أجرة الدار أو الحمار على أن ما يأخذه المتولي من الدراهم ينتفع به لنفسه فلو لم يلزم صاحب الخلو أجرة المثل للمستحقين يلزم ضياع حقهم اللهم إلا أن يكون ما قبضه المتولي صرفه في عمارة الوقف حيث تعين ذلك طريقا إلى عمارته ولم يوجد من يستأجره بأجرة المثل مع دفع ذلك المبلغ اللازم للعمارة فحينئذ قد يقال بجواز سكناه بدون أجرة المثل للضرورة ومثل ذلك يسمى في زماننا مرصدا كما قدمناه في الوقف والله سبحانه أعلم
بقي طريق معرفة أجر المثل وينبغي أن يقال فيه إنا ننظر إلى ما دفعه صاحب الخلو للواقف أو المتولي على الوجه الذي ذكرناه وإلى ما ينفقه في مرمة الدكان ونحوها فإذا كان الناس يرغبون في دفع جميع ذلك لصاحب الخلو ومع ذلك يستأجرون الدكان بمائة مثلا فالمائة هي أجرة المثل ولا ينظر إلى ما دفعه هو إلى صاحب الخلو السابق من مال كثير طمعا في أن أجرة هذه الدكان عشرة مثلا كما هو الواقع في زماننا لأن ما دفعه من المال الكثير لم يرجع منه نفع للوقف أصلا بل هو محض ضرر بالوقف حيث لزم منه استئجار الدكان بدون أجرتها بغبن فاحش وإنما ينظر إلى ما يعود نفعه إلى الوقف فقط كما ذكرنا نعم جرت العادة أن صاحب الخلو حين يستأجر الدكان بالأجرة اليسيرة يدفع للناظر دراهم تسمى خدمة هي في الحقيقة تكملة أجرة المثل أو دونها وكذا إذا مات صاحب الخلو أو نزل عن خلوه لغيره يأخذ الناظر من الوارث أو المنزول له دراهم تسمى تصديقا فهذه تحسب من الأجرة أيضا ويجب على الناظر صرفها إلى جهة الوقف كما قدمناه في كتاب الوقف في مسألة العوائد العرفية والله سبحانه وتعالى أعلم
تنبيه ذكر السيد محمد أبو السعود في حاشيته على الأشباه أن الخلو يصدق بالعين المتصل اتصال قرار وبغيره وكذا الجدك المتعارف في الحوانيت المملوكة ونحوها كالقهاوي تارة يتعلق بماله حق القرار كالبناء بالحانوت وتارة يتعلق بما هو أعم من ذلك والذي يظهر أنه كالخلو في الحكم بجامع وجود العرف في كل منهما والمراد بالمتصل اتصال قرار ما وضع لا ليفصل كالبناء ولا فرق في صدق كل من الخلو والجدك به وبالمتصل لا على وجه القرار كالخشب الذي يركب بالحانوت لوضع عدة الحلاق مثلا فإن الاتصال وجد لكن لا على وجه القرار وكذا يصدقان بمجرد المنفعة المقابلة للدراهم لكن ينفرد الجدك بالعين الغير المتصلة أصلا كالبكارج والفناجين بالنسبة للقهوة والمقشة والفوط بالنسبة للحمام والشونة بالنسبة للفرن وبهذا الاعتبار يكون الجدك أعم
بقي لو كان الخلو بناء أو غراسا بالأرض المحتكرة أو المملوكة يجري فيه حق الشفعة لأنه لما اتصل بالأرض اتصال قرار التحق بالعقار ا هـ
قلت ما ذكره من جريان الشفعة فيه سهو ظاهر لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى فافهم
هذا غاية ما تحرر لي في مسألة الخلو فاغتنمه فإنه مفرد وقد أوضحنا الفرق في باب مشد المسكة من تنقيح الفتاوى الحامدية بين المشد والخلو والجدك والقيمة والمرصد المتعارفة في زماننا إيضاحا لا يوجد في غير ذلك الكتاب والحمد لله الملك الوهاب
قوله ( وفي معين المفتي الخ ) أفاد به أن الخلو إذا لم يكن عينا قائمة
____________________
(4/523)
لا يصح بيعه
قوله ( جاز ) ترك قيدا ذكره في معين المفتي وهو قوله إذا لم يشترط تركها ا هـ
ومثله في الخانية أي لأنه شرط مفسد للبيع
قوله ( وإن كرابا أو كرى انهار ) في المغرب كرب الأرض كربا قلبها للحرث من باب طلب وكريت النهر كريا حفرته
قوله ( ولا بمعنى مال ) لعل المراد به التراب المسمى كبسا وهو ما تكبس به الأرض أي تطم وتسوى فتأمل وفي ط وهو كالسكنى في الأرض الموقوفة بطريق الخلو وكالجدك على ما سلف
مطلب في بيان مشد المسكة قوله ( ومفاده أن بيع المسكة لا يجوز ) لأنها عبارة عن كراب الأرض وكري أنهارها سميت مسكة لأن صاحبها صار له مسكة بها بحيث لا تنزع من يده بسببها وتسمى أيضا مشد مسكة لأن المشد من الشدة بمعنى القوة أي قوة التمسك ولها أحكام مبنية على أوامر سلطانية أفتى بها علماء الدولة العثمانية ذكرت كثيرا منها في بابها من تنقيح الفتاوى الحامدية منها أنها لا تورث وإنما توجه للابن القادر عليها دون البنت وعند عدم الابن تعطى للبنت فإن لم توجد فللأخ لأب فإن لم يوجد فللأخت الساكنة في القرية فإن لم توجد فللأم
وذكر الشارح في خراج الدر المنتقى أنها تنتقل للابن ولا تعطى البنت حصة وإن لم يترك ابنا بل بنتا لا يعطيها ويعطيها صاحب التيمار لمن أراد وفي سنة ثمانية وخمسين وتسعمائة في مثل هذه الأراضي التي تحيا وتفلح بعمل وكلفة دراهم فعلى تقدير أن تعطى للغير بالطابو فالبنات لما كان يلزم حرمانهن من المال الذي صرفه أبوهن ورد الأمر السلطاني بالإعطاء لهن لكن تنافس الأخت البنت في ذلك فيؤتى بجماعة ليس لهن غرض فأي مقدار قدروا به الطابو تعطيه البنات ويأخذن الأرض ا هـ
ونقل في الحامدية أنه إذا وقع التفويض بلا إذن صاحب الأرض يعني التيماري الذي وجه السلطان له أخذ خراجها لا تزول الأرض على يد المفوض حقيقة فكانت في يد المفوض إليه عارية وإذا كانت الأرض وقفا فتفويضا متوقف على إذن الناظر لا على إجازة التيمار ولا تؤجر ممن لا مسكة له مع وجوده بدون وجه شرعي وإذا زرع أجنبي فيها بلا إذن صاحب المسكة يؤمر بقلع الزرع ويسقط حق صاحبها منها بتركها ثلاث سنوات اختيارا ا هـ
فافهم
قوله ( ولذا جعلوه ) أي جعلوا بيعها والمراد به الخروج عنها يعني أن المسكة لما لم تكن مالا متقوما لا يمكن بيعها فإذا أراد صاحبها النزول عنها لغيره بعوض جعلوا ذلك بطريق الفراغ كالنزول عن الوظائف وقدمنا عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجوازه وكأن الشارح لم يطلع على ذلك فأمر بتحريره والله سبحانه أعلم
قوله ( وسنذكره في بيع الوفاء ) أي قبيل كتاب الكفالة والذي ذكره هناك هو النزول عن الوظائف ومسألة الخلو ولم يتعرض هناك للمسكة
____________________
(4/524)
مطلب في انعقاد البيع بلفظ واحد من الجانبين قوله ( وينعقد أيضا ) أي كما ينعقد بإيجاب وقبول منهما أو بتعاط من الجانبين ط
قوله ( بلفظ واحد ) ظاهره أنه لا يكون بالتعاطي هنا
قوله ( كما في بيع القاضي ) أي بيعه مال اليتيم من يتيم آخر أو شرائه له كذلك أما عقده لنفسه فلا يجوز لأن فعله قضاء وقضاؤه لنفسه باطل
أفاده في البحر جامعا بذلك بين ما في البدائع من الجواز وما في الخزانة من عدمه ط
قوله ( والوصي ) أي إذا اشترى لليتيم من مال نفسه أو لنفسه منه بشرطه المعروف وقيده في نظم الزندويستي بما إذا لم يكن نصبه القاضي ا هـ
فتح أي لأن وصي القاضي وكيل محض والوصي لا يملك البيع أو الشراء لنفسه خلاصة وأراد بالشرط المعروف الخيرية وهي في الشراء من مال اليتيم لنفسه أو يكون ما يساوي عشرة بخمسة عشر وفي البيع منه بالعكس وقيل يكتفي بدرهمين في العشرة والأول المعتمد كما قدمناه قبيل البيوع
قوله ( والأب من طفله ) ولا تشترط فيه الخيرية كما في البحر وزاد فيمن يتولى العقد من الطرفين العبد إذا اشترى نفسه من مولاه بأمره والرسول من الجانبين بخلاف الوكيل منهما ا هـ
زاد في الدرر قوله وكذا لو قال بعت منك هذا بدرهم فقبضه المشتري ولم يقع شيئا ينعقد البيع ا هـ
وقال في العزمية والظاهر أن هذا من باب التعاطي ا هـ
وفيه نظر لأن بيع التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقظ كما قدمناه عن الفتح وقدمنا عنه أن القبول يكون بالقول والفعل وأن القبض قبول فحينئذ لم يوجد انفراد أحدهما بالعقد
قوله ( فإنه لوفور شفقته الخ ) أي ووصى الأب نائبا عنه فله حكمه ولذا سكت عنه وأما القاضي فكذلك قوله ( وتمامه في الدرر ) ذكر فيها بعد عبارة الشارح ما نصه فلم يحتج إلى القبول وكان أصيلا في حق نفسه ونائبا عن طفله حتى إذا بلغ كانت العهدة عليه دون أبيه بخلاف ما إذا باع مال طفله من أجنبي فبلغ كانت العهدة على أبيه فإذا لزم عليه الثمن في صورة شرائه لا يبرأ عن الدين حتى ينصب القاضي وكيلا يقبضه للصغير فيرده على أبيه فيكون أمانة عنده ا هـ
قوله ( قبل الآخر ) بكسر الباء من القبول المقابل للإيجاب وقوله ( أو ترك عطف عليه ) أي يخير الآخر بين القبول والترك في المجلس ما دام الموجب على إيجابه فلو رجع عنه قبل القبول بطل كما يأتي ولا بد أيضا من كون القبول في المجلس وكونه موافقا للإيجاب كما نبه عليه وكونه في حياة الموجب
فلو مات قبله بطل إلا في مسألة على ما فهمه في البحر ورده في النهر بأنه لا استثناء فراجعه وكونه قبل رد المخاطب الإيجاب وكونه قبل تغير المبيع فلو قطعت يد الجارية بعد الإيجاب وأخذ البائع أرشها لم يصح قبول المشترى كما في الخانية
بحر
والظاهر أن التقييد بأخذ الأرش اتفاقي نهر
____________________
(4/525)
قلت ويؤيده قول التتارخانية ودفع أرش اليد إلى البائع أو لم يدفع
قوله ( في المجلس ) حتى لو تكلم البائع مع إنسان في حاجة فإنه يبطل
بحر
فالمراد بالمجلس ما لا يوجد فيه ما يدل على الإعراض ولا أن يشتغل بمفوت له فيه وأن لم يكن للإعراض
أفاده في النهر
فإن وجد بطل ولو اتحد المكان ط
قوله ( كل المبيع بكل الثمن ) بيان لاشتراط موافقة القبول للإيجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة كما قدمناه في شروط العقد وإلا فيما إذا كان الإيجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن صح وكان خطأ أو كان من البائع فقبل المشتري بأزيد صح وكان زيادة إن قبلها في المجلس لزمت أفاده في البحر
وذكر أن هبة الثمن بعد الإيجاب قبل القبول تبطل الإيجاب وقيل لا ويكون إبراء وسكوت المشتري عن الثمن مفسد للبيع ا هـ
مطلب ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها قوله ( لئلا يلزم تفريق الصفقة هي ضرب اليد على اليد في البيع ثم جعلت عابرة عن العقد نفسه
مغرب
قال في البحر ولا بد من معرفة ما يوجب اتحادها وتفريقها
وحاصل ما ذكروه أن الموجب إذا اتحد وتعدد المخاطب لم يجز التفريق بقبول أحدهما بائعا كان الموجب أو مشتريا وعلى عكسه لم يجز القبول في حصة أحدهما وإن اتحدا لم يصح قبول المخاطب في البعض فلم يصح تفريقها مطلقا في الأحوال الثلاثة لاتحاد الصفقة في الكل وكذا إذا اتحد العاقدان وتعدد المبيع كأن يوجب في مثلين أو قيمي ومثلي لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد قبوله في البعض ويكون المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كعبد واحد أو مكيل أو موزون فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا وبطل الإيجاب الأول فإن كان مما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين وعبدين لا يجوز فلو بين ثمن كل واحد فلا يخلو إما أن يكرر لفظ البيع فالاتفاق على أنه صفقتان فإذا قبل في أحدهما يصح كقوله بعتك هذين العبدين هذا بألف وبعتك هذا بألف وإما أن لا يكرره وفصل الثمن فظاهر الهداية التعدد وبه قال بعضهم ومنعه الآخرون وحملوا كلامه على ما إذا كرر لفظ البيع
وقيل إن اشتراط تكراره للتعدد استحسان وهو قول الإمام وعدمه قياس وهو قولهما ورجحه في الفتح بقوله والوجه الاكتفاء بمجرد تفريق الثمن لأن الظاهر أن فائدته ليس إلا بقصده بأن يبيع منه أيهما شاء وإلا فلو كان غرضه أن لا يبيعهما منه إلا جملة لم تكن فائدة لتعيين كل ا هـ
واعلم أن تفصيل الثمن إنما يجعلهما عقدين على القول به إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار القيمة أما إذا كان منقسما عليهما باعتبار الأجزاء كالقفيزين من جنس واحد فإن التفصيل لا يجعله في حكم عقدين للانقسام من غير تفصيل فلم يعتبر التفصيل كما في شرح المجمع للمصنف وهو تقييد حسن ا هـ
ما في البحر وتمام الكلام فيه
قوله ( إلا إذا أعاد الايجاب والقبول ) كأن قال اشتريت نصف هذا المكيل بكذا وقبل الآخر فيكون بيعا مستأنفا لوجود
____________________
(4/526)
ركنيه وبطل الأول
قوله ( أو رضي الآخر ) أي بدون إعادة الإيجاب فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا كما مر
قوله ( كمكيل وموزون ) أدخلت الكاف العبد الواحد كما سلف ذكره في عبارة البحر ط
ووجه الصحة أنه إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار الأجزاء تكون حصة كل بعض معلومة
قوله ( وإلا لا ) أي وإن يكن الثمن منقسما عليهما كذلك بل كان منقسما باعتبار القيمة كما إذا كان المبيع عبدين أو ثوبين لا يصح القبول لأحدهما وإن رضي الآخر لجهالة ما يخص أحدهما من الثمن
قوله ( لعدم جواز البيع بالحصة ابتداء ) صورته ما إذا قال بعت منك هذا العبد بحصته من الألف الموزع على قيمته وقيمة ذلك العبد الآخر فإنه باطل لجهالة الثمن وقت البيع كذا في فصل قصر العام من التوليح
عزمية
وقوله ابتداء خرج به ما إذا عرض البيع بالحصة بأن باعه الدار بتمامها فاستحق بعضها ورضي المشتري بالباقي فإنه يصح لعروض البيع بالحصة انتهاء وقد علمت أن محل عدم الجواز فيما إذا لم يكرر الثمن ولفظ البيع أو يفصل الثمن فقط على ما ذهب إليه صاحب الهداية ط
قوله ( كما حرره الواني ) لم يذكر الواني في هذا المحل تحريرا ط
قوله ( أو بين ثمن كل ) أي فيما إذا كان المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالقيمة كعبدين وثوبين
قوله ( وإن لم يكرر لفظ بعت ) لأنه بمجرد تفصيل الثمن تتعدد الصفقة على ما هو ظاهر الهداية كما مر
قوله ( وهو المختار ) تقدم وجه ترجيحه عن الفتح
مطلب ما يبطل الإيجاب سبعة قوله ( بطل الايجاب إن رجع الموجب الخ ) قال في البحر والحاصل أن الأيجاب يبطل بما يدل على الإعراض وبرجوع أحدهما عنه وبموت أحدهما ولذا قلنا إن خيار القبول لا يورث وبتغير المبيع بقطع يد وتخلل عصير وزيادة بولادة وهلاكه بخلاف ما إذا كان بعد قلع عينه بآفة سماوية أو بعد ما وهب للمبيع هبة كما في المحيط وقدمنا أنه يبطل بهبة الثمن قبل قبوله فأصل ما يبطله سبعة فليحفظ ا هـ
قوله ( قبل القبول ) وكذا معه فلو خرج القبول ورجع الموجب معا كان الرجوع أولى كما في الخانية بحر
قوله ( وإن لم يذهب عن مجلسه على الراجح ) وقيل لا يبطل ما دام في مكانه
بحر
ويبطل بالقيام وإن كان لمصلحة لا معرضا كما في القنية
قال في النهر واختلاف المجلس باعتراض ما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر كأكل إلا إذا كان لقمة وشرب ألا إذا كان الإناء في يده ونوم إلا أن يكونا جالسين وصلاة إلا إتمام الفريضة أو شفع نفلا وكلام ولو لحاجة ومشى مطلقا في ظاهر الرواية حتى لو تبايعا وهما يمشيان أو يسيران ولو على دابة واحدة لم يصح
واختار غير واحد كالطحاوي أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز وصححه في المحيط
وقال في الخلاصة لو قبل بعد ما مشى خطوة أو خطوتين
____________________
(4/527)
جاز
وفي مجمع التفاريق وبه نأخذ
وفي المجتبى المجلس المتحد أن لا يشتغل أحد المتعاقدين بغير ما عقد له المجلس أو ما هو دليل الإعراض والسفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها لأنهما لا يملكان إيقافهما أ هـ
ملخصا ط
وفي الجوهرة لو كان قائما فقعد لم يبطل
بحر
وكذا لو ناما جالسين لا لو مضطجعين أو أحدهما
فتح
تأمل
قوله ( فإنه كمجلس خيار المخيرة ) أي التي ملكها زوجها طلاقها بقوله لها اختاري نفسك
وفي البحر عن الحاوي القدسي ويبطل مجلس البيع بما يبطل به خيار المخيرة ا هـ
وهذا أولى لأن خيارها يقتصر على مجلسها خاصة لا على مجلس الزوج بخلاف البيع فإنه يقتصر على مجلسهما كما في البحر عن غاية البيان
قوله ( وكذا سائر التمليكات فتح ) لم يذكر في الفتح إلا خيار المخيرة ط
وفي البحر قيد بالبيع لأن الخلع والعتق على مال لا يبطل الإيجاب فيه بقيام الزوج والمولى لكونه يمينا ويبطل بقيام المرأة والعبد لكونه معاوضة في حقهما كما في النهاية ا هـ
قوله ( خلافا للشافعي ) وبقوله قال أحمد وبقولنا قال مالك كما في الفتح
قوله ( وحديثه ) أي الخيار أو الشافعي وقد روى بروايات متعددة كما في الفتح منها ما في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتبايعان بلخيار ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا ط
قوله ( محمول على تفرق الأقوال ) هو أن يقول الآخر بعد الإيجاب لا أشتري أو يرجع الموجب قبل القبول وإسناد التفرق إلى الناس مرادا به تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف قال الله تعالى { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } وقال فرقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فتح
قوله ( إذ الأحوال ثلاثة الخ ) لأن حقيقة المتبايعين المشتغلان بأمر البيع لا من تم البيع بينهما وانقضى لأنه مجاز والمتشاغلان يعني المتساومين يصدق عند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر أنهما متبايعان فيكون ذلك هو المراد وهذا هو خيار القبول وهذا حمل إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى
لا يقال هذا أيضا مجاز لأن الثابت قبل قبول الآخر بائع واحد لا متبايعان لأنا نقول هذا من المواضع التي تصدق الحقيقة فيها بجزء من معنى اللفظ ولأنا نفهم من قول القائل زيد وعمرو هناك يتبايعان على وجه التبادر إلا أنهما مشتغلان بأمر البيع متراضيان فيه فليكن هو المعنى الحقيقي والحمل على الحقيقي متعين فيكون الحديث لنفي توهم أنهما إذا اتفقا على الثمن وتراضيا عليه ثم أوجب أحدهما البيع يلزم الآخر من غير أن يقبل ذلك أصلا للاتفاق والتراضي السابق على أن السمع والقياس معضدان للمذهب
أما السمع فقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } المائدة 1 وهذا عقد قبل التخيير وقوله تعالى { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } النساء 29 وبعد الإيجاب والقبول تصدق تجارة عن تراض من غير توقف على التخيير فقد أباح الله تعالى أكل المشتري قبل التخيير وقوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } البقرة 282 أمر بالترفق بالشهادة حتى لا يقع التجاحد والبيع يصدق قبل الخيار بعد الإيجاب والقبول فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان إبطالا لهذه النصوص وأما القياس فعلى النكاح والخلع والعتق والكتابة كل منها عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع وتمامه في المنح والفتحط
قوله ( مجاز لكون ) أي باعتبار ما تؤول إليه عاقبته ط عن المنح مثل إني أراني أعصر خمرا
قوله ( مجاز الكون ) أي باعتبار ما كان عليه من قبل مثل { وآتوا اليتامى أموالهم } النساء 2
____________________
(4/528)
قوله ( وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن ) ككر حنطة وخمسة دراهم أو أكرار حنطة فخرج ما لو كان قدر المبيع مجهولا أي جهالة فاحشة فإنه لا يصح وقيدنا بالفاحشة لما قالوه لو باعه جميع ما في هذه القرية أو هذه الدار والمشتري لا يعلم ما فيها لا يصح لفحش الجهالة أما لو باعه جميع في هذا البيت أو الصندوق أو الجوالق فإنه يصح لأن الجهالة يسيرة
قال في القنية إلا إذا كان لا يحتاج معه إلى التسليم والتسلم فإنه يصح بدون معرفة قدر المبيع كمن أقر أن في يده متاع فلان غصبا أو وديعة ثم اشتراه جاز وإن لم يعرف مقداره ا هـ
ومعرفة الحدود تغني عن معرفة المقدار
ففي البزازية باعه أرضا وذكر حدودها لأذرعها طولا وعرضا جاز وكذا إن لم يذكر الحدود ولم يعرفه المشتري إذا لم يقع بينهما تجاحد وفيها جهل البائع معرفة المبيع لا يمنع وجهل المشتري يمنع ا هـ
وعلى هذا تفرع ما في القنية لك في يدي أرض خربة لا تساوي شيئا في موضع كذا فبعها مني بستة دراهم فقال بعتها ولم يعرفها البائع وهي تساوي أكثر من ذلك جاز ولم يكن ذلك بيع المجهول لأنه لما قال لك في يدي أرض صار كأنه قال أرض كذا
وفي المجمع لو باعه نصيبه من دار فعلم العاقدين شرط أي عند الإمام ويجيزه أي أبو يوسف مطلقا وشرط أي محمد علم المشتري وحده
وفي الخانية اشترى كذا كذا قربة من ماء الفرات
قال أبو يوسف إن كانت القربة بعينها جاز لمكان التعامل وكذا الرواية والجرة وهذه استحسان
وفي القياس لا يجوز إذا كان لا يعرف قدرها وهو قول الإمام
وخرج أيضا ما لو كان الثمن مجهولا كالبيع بقيمته أو برأس ماله أو بما اشتراه أو بمثل ما اشتراه فلان فإن علم المشتري بالقدر في المجلس جاز ومنه أيضا ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت
نهر
قوله ( ووصف ثمن ) لأنه إذا كان مجهول الوصف تتحقق المنازعة فالمشتري يريد دفع الأدون والبائع يطلب الأرفع فلا يحصل مقصود شرعية العقد
نهر
تنبيه ظاهر كلامه كالكنز يعطى أن معرفة وصف المبيع غير شرط وقد نفى اشتراطه في البدائع في المبيع والثمن وظاهر الفتح اثباته فيهما ووفق في البحر بحمل ما في البدائع على المشار إليه أو إلى مكانه وما في الفتح على غيره لكن حقق في النهر أن ما فهمه من الفتح وهم فاحش لأن كلام الفتح في الثمن فقط
قلت وظاهره الاتفاق على اشتراط معرفة القدر في المبيع والثمن وإنما الخلاف في اشتراط الوصف فيهما
وللعلامة الشرنبلالي رسالة سماها
( نفس المتجر بشراء الدرر ) حقق فيها أن المبيع المسمى جنسه لا حاجة فيه إلى بيان قدره ولا وصفه ولو غير مشار إليه أو إلى مكانه لأن الجهالة المانعة من الصحة تنتفي بثبوت حيار الرؤية لأنه إذا لم يوافقه يرده فلم تكن الجهالة مفضية إلى المنازعة واستدل على ذلك بفروع صححوا فيها البيع بدون بيان قدر ولا وصف منها ما قدمناه من صحة بيع جميع ما في هذا البيت أو الصندوق وشراء ما في يده من غصب
____________________
(4/529)
أو وديعة وبيع الأرض مقتصرا على ذكر حدودها وشراء الأرض الخربة المارة عن القنية
ومنها ما قالوا لو قال بعتك عبيدي وليس له إلا عبد واحد صح بخلاف بعتك عبدا بدون إضافة فإنه لا يصح في الأصح
ومنها لو قال بعتك كرا من الحنطة فإن لم يكن كل الكر في ملكه بطل ولو بعضه في ملكه بطل في المعدوم وفسد في الموجود ولو كله في ملكه لكن في موضعين أو من نوعين مختلفين لا يجوز ولو من نوع واحد في موضع واحد جاز وإن لم يضف البيع إلى تلك الحنطة وكذا لو قال بعتك ما في كمي فعامتهم على الجواز وبعضهم على عدمه وأول قول الكنز ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن بأن لفظ قدر غير منون مضافا لما بعده من الثمن مثل قول العرب بعتك بنصف وربع درهم
قلت ما ذكره من الاكتفاء بذكر الجنس عن ذكر القدر والوصف يلزم عليه صحة البيع في نحو بعتك حنطة بدرهم ولا قائل به ومثله بعتك عبدا أو دارا وما قاله من انتفاء الجهالة بثبوت خيار الرؤية مدفوع بأن خيار الرؤية قد يسقط برؤية بعض المبيع فتبقى الجهالة المفضية إلى المنازعة وكذا قد يبطل خيار الرؤية قبلها بنحو بيع أو رهن لما اشتراه كما سيأتي بيانه في بابها ولذا قال المصنف هناك صح البيع والشراء لما لم يرياه الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز أه
فأفاد أن انتفاء الجهالة بهذه الإشارة شرط جواز أصل البيع ليثبت بعده خيار الرؤية نعم صحح بعضهم الجواز بدون الإشارة المذكورة لكنه محمول على ما إذا حصل انتفاء الجهالة بدونها ولذا قال في النهاية هناك صح شراء ما لم يره يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم ا هـ
وقال في العناية قال صاحب الأسرار لأن كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائزا ا هـ
وفي حاوي الزاهدي باع حنطة قدرا معلوما ولم يعينها لا بالإشارة ولا بالوصف لا يصح ا هـ
هذا والذي يظهر من كلامهم تفريعا وتعليلا أن المراد بمعرفة القدر والوصف ما ينفي الجهالة الفاحشة وذلك بما يخصص المبيع عن أنظاره وذلك بالإشارة إليه لو حاضرا في مجلس العقد وإلا فبيان مقداره مع بيان وصفه لو من المقدرات كبعتك كر حنطة بلدية مثلا بشرط كونه في ملكه أو ببيان مكانه الخاص كبعتك ما في هذا البيت أو ما في كمي أو بإضافته إلى البائع كبعتك عبدي ولا عبد له غيره أو ببيان حدود أرض ففي كل ذلك تنتفي الجهالة الفاحشة عن المبيع وتبقى الجهالة اليسيرة التي لا تنافي صحة البيع لارتفاعها بثبوت خيار الرؤية فإن خيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع تلك الجهالة اليسيرة لا لرفع الفاحشة المنافية لصحته فاغتنم تحقيق هذا المقام بما يرفع الظنون والأوهام ويندفع به التناقض واللوم عن عبارات القوم
قوله ( كمصري أو دمشقي ) ونظيره إذا كان الثمن من غير النقود كالحنطة لا بد من بيان قدرها ووصفها ككر حنطة بحيرية أو صعيدية كما أفاده الكمال وحققه في النهر
قوله ( غير مشار إليه ) أي إلى ما ذكر من المبيع والثمن قال في البحر لأن التسليم والتسلم واجب بالعقد وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز ا هـ
قوله ( لا يشترط ذلك في مشار إليه ) قال في البحر وقوله غير مشار إليه قيد فيهما لأن المشار إليه مبيعا كان أو ثمنا لا يحتاج إلى معرفة قدره ووصفه فلو قال بعتك هذه الصبرة من الحنطة أو هذه الكورجة من الأرز والشاشات وهي مجهولة العدد بهذه الدراهم التي في يدك وهي مرئية له فقبل جاز ولزم لأن الباقي جهالة الوصف يعني القدر وهو لا يضر إذ لا يمنع من التسليم والتسلم ا هـ
قوله ( ما لم يكن ) أي المشار إليه ربويا قوبل
____________________
(4/530)
بجنسه أي وبيع مجازفة مثل بعتك هذه الصبرة من الحنطة بهذه الصبرة
قال في البحر فإنه لا يصح لاحتمال الربا واحتماله مانع كحقيقته
قوله ( أو سلما ) أراد به المسلم فيه بقرينة ما بعده لكنه لا حاجة لذكره لأن المسلم فيه مؤجل غير حاضر فلا يصح أن يكون مشارا إليه والكلام فيه
قوله ( لو مكيلا أو موزونا ) فلا تكفي الإشارة إليه كما في مذروع وحيوان خلافا لهما لأنه ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه فيحتاج إلى رد رأس المال وقد ينفق بعضه ثم يجد باقيه معيبا فيرده ولا يستبدله رب السلم في مجلس الرد فيفسخ العقد في المردود ويبقى في غيره فتلزم جهالة المسلم فيه فيما بقي فوجب بيانه كما سيجيء في باب السلم
قوله ( خير ) أي البائع والذي في الفتح والبحر عدم التخيير
وعبارة الفتح ولو قال اشتريتها بهذه الصرة من الدراهم فوجد البائع ما فيها بخلاف نقد البلد فله أن يرجع بنقد البلد لأن مطلق الدراهم في البيع ينصرف إلى نقد البلد وإن وجدها نقد البلد جاز ولا خيار للبائع بخلاف ما لو قال اشتريت بما في هذه الخابية ثم رأى الدراهم التي كانت فيها كان له الخيار وإن كانت نقد البلد لأن الصرة يعرف مقدار ما فيها من خارجها
وفي الخانية لا يعرف ذلك من الخارج فكان له الخيار ويسمى هذا الخيار خيار الكمية لا خيار الرؤية لأن خيار الرؤية لا يثبت في النقود ا هـ ط
قوله ( وصح بثمن حال ) بتشديد اللام قال في المصباح حل الدين يحل بالكسر حلولا ا هـ
قيد بالثمن لأن تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده
بحر
مطلب في الفرق بين الأثمان والمبيعات واعلم أن كلا من النقدين ثمن أبدا والعين الغير المثلى مبيع أبدا وكل من المكيل والموزون الغير النقد والعددي المتقارب إن قوبل بكل من النقدين كان مبيعا أو قوبل بعين فإن كان ذلك المكيل والموزون المتقارب متعينا كان مبيعا أيضا وإن كان غير متعين فإن دخل عليه حرف الباء مثل اشتريت هذا العبد بكر حنطة كان ثمنا وإن استعمل استعمال المبيع وكان سلما مثل اشتريت منك كر حنطة بهذا العبد فلا بد من رعاية شرائط السلم
غرر الأذكار شرح درر البحار
وسيأتي له زيادة بيان في آخر الصرف
قوله ( وهو الأصل ) لأن الحلول مقتضى العقد وموجبه والأجل لا يثبت إلا بالشرط
بحر عن السراج
قوله ( لئلا يفضي إلى النزاع ) تعليل لاشتراط كون الأجل معلوما لأن علمه لا يفضي إلى النزاع وأما مفهوم الشرط المذكور وهو أنه لا يصح إذا كان الأجل مجهولا فعلته كونه يفضي إلى النزاع فافهم
وسيذكر المصنف في البيع الفاسد بيان الأجل المفسد وغيره
مطلب في التأجيل إلى أجل مجهول تنبيه من جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدي إليه الثمن في بلد آخر ولو قال إلى شهر على أن يؤدي الثمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر ويبطل الشرط لأن تعيين مكان الإيفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة غير صحيح فلو له حمل ومؤنة يصح
ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض فإن لم يشرط في البيع بل ذكر بعده لم يفسد وكان له أخذ الكل جملة
وتمامه في البحر
وقوله لم يفسد أي البيع فيه
____________________
(4/531)
كلام يأتي قريبا
قوله ( ولو باع مؤجلا ) أي بلا بيان مدة بأن قال بعتك بدرهم مؤجل
قوله ( صرف لشهر ) كأنه لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين في ليقضين دينه آجلا
بحر
قوله ( به يفتى ) وعند البعض لثلاثة أيام
بحر عن شرح المجمع
قلت ويشكل على القولين أن شرط صحة التأجيل أن يعرفه العاقدان ولذا لم يصح البيع بثمن مؤجل إلى النبروز والمهرجان وصوم النصارى إذا لم يدره العاقدان كما سيأتي في البيع الفاسد وكذا لو عرفه أحدهما دون الآخر فتأمل
قوله ( فالقول لنا فيه ) وهو البائع لأن الأصل الحلول كما مر
قوله ( إلا في السلم ) فإن القول لمثبته لأن نافيه يدعي فساده بفقد شرط صحته وهو التأجيل ومدعيه يدعي صحته بوجوده والقول لمدعي الصحة ط
قوله ( فلمدعي الأقل ) لإنكاره الزيادة ح
قوله ( والبينة فيهما ) أي في المسألتين للمشتري لأنه يثبت خلاف الظاهر والبينات للإثبات ح
قوله ( فالقول والبينة للمشتري ) لأنهما لما اتفقا على الاجل فالأصل بقاؤه فكان القول للمشتري في عدم مضيه ولأنه منكر توجه المطالبة وهذا ظاهر
وأما تقديم بينته على بينة البائع فعلله في البحر عن الجوهرة بأن البينة مقدمة على الدعوى ا هـ
وهو مشكل فإن شأن البينة إثبات خلاف الظاهر وهو هنا دعوى البائع على أن بينة المشتري على عدم المضي شهادة على النفي وقد يجاب عن الثاني بأنه إثبات في المعنى لأن المعنى أن الأجل باق
تأمل
وحينئذ فوجه تقديم بينته كونها أكثر إثباتا ويدل له ما سيأتي في السلم من أنهما لو اختلفا في مضي الأجل فالقول للمسلم إليه بيمينه وإن برهنا فبينته أولى
وعلله في البحر بإثباتها زيادة الأجل
قال فالقول قوله والبينة بينته
هذا ولم يذكر الاختلاف في الثمن أو في المبيع لأنه سيأتي في كتاب الدعوى في فصل دعوى الرجلين
قوله ( ويبطل الأجل بموت المديون ) لأن فائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الثمن من نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك لقضاء الدين فلا يفيد التأجيل بحر عن شرح المجمع وصرح قبله بأنه لو مات البائع لا يبطل الأجل
قوله ( أو مجهولا ) أي جهالة يسيرة بدليل التمثيل فيخرج ما لو أجله إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كهبوب الريح
قوله ( صار مؤجلا ) كذا جزم به المصنف في باب البيع الفاسد كما سيأتي متنا وذكره في الهداية أيضا وكذا في الزيلعي ومتن الملتقى والدرر وغيرها وعزاه في التاترخانية إلى الكافي
وفي الخانية رجل باع شيئا بيعا جائزا وأخرج الثمن إلى الحصاد أو الدياس قال يفسد البيع في قول أبي حنيفة وعن محمد أنه لا يفسد البيع ويصح التأخير لأن التأخير بعد البيع تبرع فيقبل التأجيل إلى الوقت المجهول كما لو كفل بمال إلى الحصاد أو الدياس وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي هذا يشكل بما إذا أقرض رجلا وشرط في القرض أن يكون مؤجلا لا يصح التأجيل ولو أقرض ثم أخر لا يصح أيضا فكان الصحيح من الجواب ما قاله الشيخ الإمام إنه يفسد البيع سواء أجله إلى هذه الأوقات في البيع أو بعده ا هـ
قلت وهذا تصحيح لخلاف ما قدمناه عن الهداية وغيرها وفيه بحث فإن إلحاق البيع بالقرض غير ظاهر بدليل أن القرض لا يصح تأجيله أصلا وإن كان الأجل معلوما وتأجيل البيع إلى أجل معلوم صحيح اتفاقا على أن ذكر في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين الشرط الفاسد لو ألحق بعد العقد هل يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة قيل
____________________
(4/532)
نعم وقيل لا هو الصحيح ا هـ
ثم قال بعده استأجر أرضا وشرط تعجيل الأجرة
إلى الحصاد أو الدياس يفسد العقد ولو لم يشرطه في العقد بل بعده لا يفسد كما في البيع فإن الرواية محفوظة أنه لو باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى حصاد ودياس لا يفسد ويصح الأجل
تنبيه على مما مر أن الآجال عن ضربين معلومة ومجهولة والمجهولة على ضربين متقاربة كالحصاد ومتفاوتة كهبوب الريح فالثمن العين يفسد بالتأجيل ولو معلوما والدين لا يجوز لمجهول لكن لو جهالته متقاربة وأبطله المشتري قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو بعد مضيه
أما لو متفاوتة وأبطله المشتري قبل التفرق انقلب جائزا كما في البحر عن السراج
هذا وذكر الشارح في البيع الفاسد عن العيني ما يوهم أن الأخير لا ينقلب جائزا وليس كذلك فافهم
ونقل الشارح هناك تبعا للمصنف عن ابن كمال وابن ملك أن إبطاله قبل التفرق شرط في المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وهو خطأ كما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى
قوله ( فليس بتأجيل ) لأن مجرد الأمر بذلك لا يستلزم التأجيل تأمل
قوله ( إن أخل بنجم ) حال من فاعل جعله بتقدير القول أي جعله ربه نجوما قائلا إن أخل الخ ا هـ ح
مطلب مهم في أحكام النقود إذا كسدت أو انقطعت أو غلت أو رخصت قوله ( قلت ومما يكثر وقوعه الخ ) اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها أو بالفلوس ولم يسلمها للبائع ثم كسدت بطل البيع والانقطاع عن أيدي الناس كالكساد ويجب على المشتري رد المبيع لو قائما ومثله أو قيمته لو هالكا وإن لم يكن مقبوضا فلا حكم لهذا البيع أصلا وهذا عنده وعندهما لا يبطل البيع لأن المتعذر التسليم بعد الكساد وذلك لا يوجب الفساد لاحتمال الزوال بالرواج لكن عند أبي يوسف تجب قيمته يوم البيع وعند محمد يوم الكساد وهو آخر ما تعامل الناس بها
وفي الذخيرة الفتوى على قول أبي يوسف
وفي المحيط والتتمة والحقائق وبقول محمد يفتي رفقا بالناس ا هـ
والكساد أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد فلو في بعضها لا يبطل لكنه تتعيب إذا لم ترج في بلدهم فيتخير البائع إن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته
وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق وإن وجد في يد الصيارفة والبيوت هكذا في الهداية والانقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب لكن قال في المضمرات فإن انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع هو المختار ا هـ
هذا إذا كسدت وانقطعت أما إذا غلت قيمتها أو انتقضت فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع كذا في فتح القدير وفي البزازية عن المنتقى غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولا ليس عليه غيرها
وقال الثاني ثانيا عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض وعليه الفتوى
وهكذا في الذخيرة
____________________
(4/533)
والخلاصة عن المنتقى ونقله في البحر وأقره
فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء ولم أر من جعل الفتوى على قول الإمام
هذا خلاصة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في رسالته بذل المجهود في مسألة تغير النقود وفي الذخيرة عن المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت
قال أبو يوسف قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء وليس له غيرها ثم رجع أبو يوسف وقال عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع ويوم وقع القبض ا هـ
وقوله يوم وقع البيع أي في صورة البيع
وقوله ويوم وقع القبض أي في صورة القرض كما نبه عليه في النهر في باب الصرف
وحاصل ما مر أنه على قول أبي يوسف المفتى به لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض لا مثلها
وفي دعوى البزازية من النوع الخامس عشر عن فوائد الإمام أبي حفص الكبير استقرض منه دانق فلوس حال كونها عشرة بدانق فصارت ستة بدانق أو رخص وصار عشرون بدانق يأخذ منه عدد ما أعطى ولا يزيد ولا ينقص ا هـ
قلت هذا مبني على قول الإمام وهو قول أبي يوسف أولا وقد علمت أن المفتى به قوله ثانيا بوجوب قيمتها يوم القرض وهو دانق أي سدس درهم سواء صار الآن ستة فلوس بدانق أو عشرين بدانق تأمل
ومثله ما سيذكره المصنف في فصل القرض من قوله استقرض من الفلوس الرائجة والعدالى فكسدت فعليه مثلها كاسدة لا قيمتها ا هـ
فهو على قول الإمام
وسيأتي في باب الصرف متنا وشرحا اشترى شيئا به أي بغالب الغش وهو نافق أو بفلوس نافقة فكسد ذلك قبل التسليم للبائع بطل البيع كما لو انقطعت عن أيدي الناس فإنه كالكساد وكذا حكم الدراهم لو كسدت أو انقطعت بطل وصححاه بقيمة المبيع وبه يفتى رفقا بالناس
بحر وحقائق ا هـ
وقوله بقيمة المبيع صوابه بقيمة الثمن الكاسد وفي غاية البيان قال أبو الحسن لم تختلف الرواية عن أبي حنيفة في قرض الفلوس إذا كسدت أن عليه مثلها
قال بشر قال أبو يوسف عليه قيمتها من الذهب يوم وقع القرض في الدراهم التي ذكرت لك أصنافها يعني البخارية والطبرية واليزيدية
وقال محمد قيمتها في آخر نفاقها
قال القدوري وإذا قبت من قول أبي حنيفة في قرض الفلوس ما ذكرنا فالدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة والطبرية واليزيدية
هي التي غلب الغش عليها فتجري مجرى الفلوس فلذلك قاسها أبو يوسف على الفلوس ا هـ
ما في غاية البيان
وما ذكره في القرض جاز في البيع أيضا
كما قدمناه عن الذخيرية من قوله يوم وقع البيع الخ
ثم اعلم أن الذي فهم من كلامهم أن الخلاف المذكور إنما هو في الفلوس والدراهم الغالبة الغش ويدل عليه أنه في بعض العبارات اقتصر على ذكر الفلوس في بعضها ذكر العدالي معها وهي كما في البحر عن البناية بفتح العين المهملة والدال وكسر اللام دراهم فيها غش
وفي بعضها تقييد الدراهم بغالبة الغش وكذا تعليلهم قول الإمام ببطلان البيع بأن الثمنية بطلت بالكساد لأن الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح فلم تبق ثمنا فبقي البيع بلا ثمن فبطل
ولم أر من صرح بحكم الدراهم الخالصة أو المغلوبة الغش سوى ما أفاده الشارح هنا
وينبغي أنه لا خلاف في أنه لا يبطل البيع بكسادها ويجب على المشتري مثلها في الكساد والانقطاع والرخص والغلاء أما عدم بطلان البيع فلأنها ثمن خلقة فترك المعاملة بها لا يبطل ثمنيتها فلا يتأتى تعليل البطلان المذكور وهو بقاء البيع بلا ثمن وأما وجوب مثلها وهو ما وقع عليه العقد كمائة ذهب
____________________
(4/534)
مشخص أو مائة ريال فرنجي فلبقاء ثمنيتها أيضا وعدم بطلان تقومها وتمام بيان ذلك في رسالتنا ( تنبيه الرقود في أحكام النقود )
وأما ما ذكره الشارح من أنه تجب قيمتها من الذهب فغير ظاهر لأن مثليتها لم تبطل فكيف يعدل إلى القيمة وقوله إذا لم يمكن الخ فيه نظر لأن منع السلطان التعامل بها في المستقبل لا يستلزم منع الحاكم من الحكم على شخص بما وجب عليه منها في الماضي
وأما قوله ولا يدفع قيمتها من الجديدة فظاهر وبيانه أن كسادها عيب فيها عادة لأن الفضة الخالصة إذا كانت مضروبة رائجة تقوم بأكثر من غيرها فإذا كانت العشرة من الكاسدة تساوي تسعة من الرائجة مثلا فإن ألزمنا المشتري بقيمتها وهو تسعة من الجديدة يلزم الربا وإن ألزمناه بعشرة نظرا إلى أن الجودة والرداءة في باب الربا غير معتبرة يلزم ضرر المشتري حيث ألزمناه بأحسن مما التزم فلم يمكن إلزامه بقيمتها من الجديدة ولا بمثلها منها فتعين إلزامه بقيمتها من الذهب لعدم إمكان إلزامه بمثلها من الكاسدة أيضا لما علمت من منع الحكام منه لكن علمت ما فيه
هذا ما ظهر لي في هذا المقام والله سبحانه وتعالى أعلم وبقي ما لو وقع الشراء بالقروش كما هو عرف زماننا ويأتي الكلام عليه قريبا قوله ( أما ما غلب غشه الخ ) أفاد أن كلامه السابق فيما كان خاليا عن الغش أو كان غشه مغلوبا وأنه لا خلاف فيه على ما يفهم من كلامهم كما قررناه آنفا
قوله ( كما سيجيء في فصل القرض ) صوابه في باب الصرف كما علم مما قدمناه
قوله ( وهذا ) أي ما ذكره في المتن من صحة البيع بثمن مؤجل إلى معلوم
قوله ( بثمن دين الخ ) أراد بالدين ما يصح أن يثبت في الذمة سواء كان نقدا أو غيره وبالعين ما قابله فيدخل في الدين الثوب الموصوف بما يعرفه لقوله في الفتح وغيره
إن الثياب كما تثبت مبيعا في الذمة بطريق السلم تثبت دينا مؤجلا في الذمة على أنها ثمن وحينئذ يشترط الأجل لا لأنها ثمن بل لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة فلذا قلنا إذا باع عبدا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز ويكون بيعا في حق العبد حتى لا يشترط قبضه في المجلس بخلاف ما لو أسلم الدراهم في الثوب وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في الثوب حتى شرط فيه الأجل وامتنع بيعه قبل قبضه لإلحاقه بالمسلم فيه ا هـ
فافهم
قوله ( وبخلاف جنسه ) عطف على قوله بثمن دين وفي بعض النسخ أو بدل الواو والأولى أولى لأن الشرط كل منهما لا أحدهما كما أفاده ط
وقوله ولم يجمعهما قدر جملة حالية والقدر كيل أو وزن وذلك كبيع ثوب بدراهم واحترز عما لو كان بجنسه وجمعهما قدر ككر بر بمثله أو كان بجنسه ولم يجمعهما قدر كثوب هروي بمثله أو كان بخلاف جنسه وجمعهما قدر ككر بر بكر شعير فإنه لا يصح التأجيل لما فيها من ربا النساء فقول الشارح لما فيه من ربا النساء بالفتح أي التأخير تعليل لمفهوم المتن وهو عدم صحة التأجيل في الصور الثلاثة أفاده ح
قلت بقي شرط آخر وهو أن لا يكون المبيع الكيلي أو الوزني هالكا فقد ذكر الخير الرملي أول البيوع عن جواهر الفتاوى له على آخر حنطة غير السلم فباعها منه بثمن معلوم إلى شهر لا يجوز لأنه بيع الكالىء بالكالىء وقد نهينا عنه وإن باعها ممن عليه ونقد المشتري الثمن في المجلس جاز فيكون دينا بعين ا هـ
وذكر المسألة في المنح قبيل باب الربا ومثله كل مكيل وموزون وكالبيع الصلح ففي الثلاثين من جامع الفصولين ولو غصب كر بر فصالحه وهو قائم على دراهم مؤجلة جاز وكذا الذهب والفضة وسائر الموزونات ولو صالحه على كيل مؤجل لم يجز
____________________
(4/535)
إذ الجنس بانفراده يحرم النساء ولو كان البر هالكا لم يجز الصلح على شيء من هذا نسيئة لأنه دين بدين إلا إذا صالح على بر مثله أو أقل منه مؤجلا جاز لأنه عين حقه والحط جائز لا لو على أكثر للربا والصلح على بعض حقه في الكيلي والوزني حال قيامه لم يجز ا هـ
وفي البزازية الحيلة في جواز بيع الحنطة المستهلكة بالنسيئة أن يبيعها بثوب ويقبض الثوب ثم يبيعه بدراهم إلى أجل ا هـ
أقول وتجري هذه الحيلة في الصلح أيضا وهي واقعة الفتوى ويكثر وقوعها ا هـ
قوله ( فمذ سقوط الخيار عنده ) أي عند أبي حنيفة لأن ذلك وقت استقرار البيع
قوله ( مذ تسلم ) متعلق بأجل
قوله أ هـ لمنع اللام للتعليل أو للتوقيت متعلقة بما تعلق به قوله وللمشتري
قوله ( تحصيلا لفائدة التأجيل ) وهي التصرف في المبيع وإيفاء الثمن من ربحه مثلا
قوله ( فلو معينة ) كسنة كذا ومثله إلى رمضان مثلا
قوله ( لأن التقصير منه ) تعليل للثانية أما الأولى فلكونه لما عين تعين حقه فيما عينه فلا يثبت في غيره
قوله ( والثمن المسمى قدره لا وصفه ) لما كان قول المصنف ينصرف مطلقه موهما أن المراد بالمطلق ما لم يذكر قدره ولا وصفه بقرينة قوله أولا وشرط لحصته معرفة قدر ووصف ثمن دفع ذلك بأن المراد المطلق عن تسمية الوصف فقط
مطلب يعتبر الثمن في مكان العقد وزمنه قوله ( مجمع الفتاوى ) فإنه قال معزيا إلى بيوع الخزانة باع عينا من رجل بأصفهان بكذا من الدنانير فلم ينقد الثمن حتى وجد المشتري ببخارى يجب عليه الثمن بعيار أصفهان فيعتبر مكان العقد ا هـ
منح
قلت وتظهر ثمرة ذلك إذا كانت مالية الدينار مختلفة في البلدين وتوافق العاقدان على أخذ قيمة الدينار لفقده أو كساده في البلدة الأخرى فليس للبائع أن يلزمه بأخذ قيمته التي في بخارى إذا كانت أكثر من قيمته التي في أصبهان وكما يعتبر مكان العقد يعتبر زمنه أيضا كما يفهم مما قدمناه في مسألة الكساد والرخص فلا يعتبر زمن الإيفاء لأن القيمة فيه مجهولة وقت العقد
وفي البحر عن شرح المجمع لو باعه إلى أجل معين شرط أن يعطيه المشتري أي نقد يروج يومئذ كان البيع فاسدا
قوله ( كذهب شريفي وبندقي ) فإنهما اتفقا في الرواج لكن مالية أحدهما أكثر فإذا باع بمائة ذهب مثلا ولم يبين صفته فسد للتنازع لأن البائع يطلب الأكثر مالية والمشتري يدفع الأقل
قوله ( مع الاستواء في رواجها ) أما إذا اختلفت رواجا مع اختلاف ماليتها أو بدونه فيصح وينصرف إلى الأروج وكذا يصح لو استوت مالية ورواجا لكن يخير المشتري بين أن يؤدي أيهما شاء
والحاصل أن المسألة رباعية وأن الفساد في صورة واحدة وهي الاختلاف في المالية فقط والصحة في الثلاث الباقية كما بسطه في البحر ومثل في الهداية مسألة الاستواء في المالية والرواج بالثنائي والثلاثي واعترضه الشراح بأن مالية الثلاثة أكثر من الاثنين
وأجاب في البحر بأن المراد بالثنائي ما قطعتان منه بدرهم وبالثلاثي ما ثلاثة منه بدرهم
____________________
(4/536)
مطلب مهم في حكم الشراء بالقروش في زماننا قلت وحاصله أنه إذا اشترى بدرهم فله دفع درهم كامل أو دفع درهم مكسر قطعتين أو ثلاثة حيث تساوى الكل في المالية والرواج ومثله في زماننا الذهب يكون كاملا ونصفين وأربعة أرباع كلها سواء في المالية والرواج بل ذكر في القنية في باب المتعارف بين التجار كالمشروط برمز عت باع شيئا بعشرة دنانير واستقرت العادة في ذلك البلد أنهم يعطون كل خمسة أسداس مكان الدينار واشتهرت بينهم فالعقد ينصرف إلى ما تعارفه الناس فيما بينهم في تلك التجارة ثم رمز فك جرت العادة فيما بين أهل خوارزم أنهم يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودية أو ثلثي دينار وطسوج نيسابورية قال يجري على المواضعة ولا تبقى الزيادة دينا عليهم ا هـ
ومثله في البحر عن التتارخانية ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش فإن القرش في الأصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقروش فمنها ما يساوي عشرة قروش ومنها أقل ومنها أكثر فإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد إما من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة من ريال أو ذهب ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا بل هي أو ما يساويها من أنواع العملة المتساوية في الرواج المختلفة في المالية ولا يرد أن صورة الاختلاف في المالية مع التساوي في الرواج هي صورة الفساد من الصور الأربع لأنه هنا لم يحصل اختلاف مالية الثمن حيث قدر بالقروش وإنما يحصل الاختلاف إذا لم يقدر بها كما لو اشترى بمائة ذهب وكان الذهب أنواعا كلها رائجة مع اختلاف ماليتها فقد صار التقدير بالقروش في حكم ما إذا استوت في المالية والرواج وقد مر أن المشتري يخير في دفع أيهما شاء قال في البحر فلو طلب البائع أحدهما للمشتري دفع غيره لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت ا هـ
بقي هنا شيء وهو أنا قدمنا أنه على قول أبي يوسف المفتى به لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض إذا كانت فلوسا أو غالبة الغش وإن كان فضة خالصة أو مغلوبة الغش تجب قيمتها من الذهب يوم البيع على ما قاله الشارح أو مثلها على ما بحثناه وهذا إذا اشترى بالريال أو الذهب مما يراد نفسه أما إذا اشترى بالقروش المراد بها ما يعم الكل كما قررناه ثم رخص بعض أنواع العملة أو كلها واختلفت في الرخص كما وقع مرارا في زماننا ففيه اشتباه فإنها إذا كانت غالبة الغش وقلنا تجب قيمتها يوم البيع فهنا لا يمكن ذلك لأنه ليس المراد بالقروش نوع معين من العملة حتى نوجب قيمته وإذا قلنا إن الخيار للمشتري في تعيين نوع منها كما كان الخيار له قبل أن ترخص فإنه كان مخيرا في دفع أي نوع أراد فإبقاء الخيار له بعد الرخص يؤدي إلى النزاع والضرر فإن خياره قبل الرخص لا ضرر فيه على البائع أما بعده ففيه ضرر لأن المشتري ينظر إلى الأنفع له والأضر على البائع فيختاره فإن كان يساوي عشرة إذا صار نوع منه بثمانية ونوع منه بثمانية ونصف يختار ما صار بثمانية فيدفعه للبائع ويحسبه عليه بعشرة كما كان يوم البيع وهذا في الحقيقة دفع ما كان يوم البيع لا قيمته
لأن قيمة كل نوع تعتبر بغيره فحيث لم يمكن دفع القيمة لما قلنا ولزم من إبقاء الخيار للمشتري لزوم الضرر للبائع حصل الاشتباه
____________________
(4/537)
في حكم المسألة كما قلنا والذي حررته في رسالتي تنبيه الرقود أنه ينبغي أن يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا لا بالأكثر رخصا ولا بالأقل حتى لا يلزم اختصاص الضرر به ولا بالبائع لكن هذا إذا حصل الرخص لجميع أنواع العملة أما لو بقي منها نوع على حاله فينبغي أن يقال بإلزام المشتري الدفع منه لأن اختياره دفع غيره يكون تعنتا بقصده إضرار البائع مع إمكان غيره بخلاف ما إذا لم يمكن بأن حصل الرخص للجميع فهذا غاية ما ظهر لي في هذه المسألة والله سبحانه أعلم قوله ( إلا إذا بين في المجلس ) قال في البحر فإذا ارتفعت الجهالة ببيان أحدهما في المجلس ورضي الآخر صح لارتفاع المفسد قبل تقرره فصار كالبيان المقارن
قوله ( هو في عرف المتقدمين الخ ) كذا قاله في الفتح واستدل له بحديث الفطرة كنا نخرج على عهد رسول الله صاعا من طعام أو صاعا من شعير
لكن قال في البحر وفي المصباح الطعام عند أهل الحجاز البر خاصة وفي العرف اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب وجمعه أطعمة ا هـ
والمراد به في كلام المصنف الحبوب كلها لا البر وحده ولا كل ما يؤكل بقرينة قوله كيلا وجزافا ا هـ
قوله ( كيلا وجزافا ) منصوبان على الحال لأنهما بمعنى اسم الفاعل أو المفعول فافهم
قوله ( مثلث الجيم الخ ) أي يجوز في جيمه الحركات الثلاث في القاموس الجزاف والجزافة مثلثتين والمجازفة الحدس في البيع والشراء معرب كزاف ا هـ
والحدس الظن والتخمين
وحاصله ما في المغرب من أنه البيع والشراء بلا كيل ولا وزن
ونقل ط
أن شرط جوازه أن يكون مميزا مشارا إليه قوله ( إذا كان بخلاف جنسه ) أما بجنسه فلا يجوز مجازفة لاحتمال التفاضل إلا إذا ظهر تساويهما في المجلس
بحر
حتى لو لم يحتمل التفاضل كأن باع كفة ميزان من فضة بكفة منها جاز وإن كان مجازفة كما في الفتح والمجازفة فيه بسبب أنه لا يعرف قدرها
قوله ( لشرطية معرفته ) لاحتمال أن يتفاسخا السلم فيريد المسلم إليه دفع ما أخذ ولا يعرف ذلك إلا بمعرفة القدر ط
قوله ( ومن المجازفة البيع الخ ) صرح بأنه من المجازفة مع أن ظاهر المتن أنه ليس منها بقرينة العطف
والأصل فيه المغايرة لأنه على صورة الكيل والوزن وليس به قيقة
أفاده من النهر قوله ( وللمشتري الخيار فيهما ) أفاد أن البيع جائز غير لازم وهذا الخيار خيار كشف الحال بحر
وفي رواية لا يجوز البيع والأول أصح وأظهر كما في الهداية وأول في الفتح قوله لا يجوز بأنه لا يلزم توفيقا بين الروايتين أي فلا حاجة إلى التصحيح لارتفاع الخلاف فاعتراض البحر عليه بأنه خلاف ظاهر الهداية غير ظاهر
وفي البحر عن السراج ويشترظ لبقاء عقد البيع على الصحة بقاء الإناء والحجر على حالهما فلو تلفا قبل التسليم فسد البيع لأنه لا يعلم مبلغ ما باعه منه ا هـ
قوله ( وهذا إذا لم يحتمل الإناء النقصان ) بأن لا ينكبس ولا ينقبض كأن يكون من خشب أو حديد أما إذا كان كالزنبيل والجوالق فلا يجوز إلا في قرب الماء استحسانا للتعامل
نهر
قوله ( والحجر التفتت ) هذا مروي عن أبي يوسف حتى لا يجوز بوزن هذه البطيخة ونحوها لأنها تنقص بالجفاف وعول بعضهم على ذلك وليس بشيء فإن البيع بوزن حجر بعينه لا يصح إلا بشرط تعجيل التسليم ولا جفاف يوجب نقصانا في ذلك الزمان
____________________
(4/538)
وما قد يعرض من تأخره يوما أو يومين ممنوع بل لا يجوز ذلك كما لا يجوز في السلم وكل العبارات تفيد تقييد صحة البيع في ذلك بالتعجيل وتمامه في الفتح
قال في البحر وهو حسن جدا وقواه في النهر أيضا قوله ( كبيعه الخ ) عبر في الفتح وغيره بقوله وعن أبي جعفر باعه من هذه الحنطة قدر ما يملأ الطشت جاز ولو باعه قدر ما يملأ هذا البيت لا يجوز ا هـ
قوله ( وصح فيما سمى ) أشار به إلى أن الصاع ليس بقيد حتى لو قال كل صاعين أو كل عشرة بدرهم صح في اثنين أو عشرة وعلى هذا فقول المتن صاع بدل من ما بدل بعض من كل وفيه من الحزازة ما لا يخفى ا هـ ح
قوله ( في بيع صبرة ) هي الطعام المجموع سميت بذلك لإفراغ بعضها على بعض ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبر
قاله الأزهري وأراد صبرة مشارا إليها كما سيأتي وليست قيدا بل كل مكيل أو موزون أو معدود من جنس واحد إذا لم تختلف قيمته كذلك نهر
وقيد بصبرة احترازا عن صبرتين من جنسين كما في الغرر
وقال في شرحه الدرر أي لا يصح البيع عنده في القدر المسمى إذا بيع صبرتان من جنسين كصبرتي بر وشعير كل قفيز أو قفيزين بكذا حيث لم يصح البيع عنده في قفيز واحد لتفاوت الصبرتين وعندهما يصح فيهما أيضا
وذكر في المحيط والإيضاح أن العقد يصح على قفيز واحد منهما ا هـ
وقوله يصم أي عنده كما في الكافي وقوله منهما أي من الصبرتين من جنسين أي من كل واحدة نصف قفيز كما نبه عليه شراح الهداية
عزمية
قوله ( كل صاع بكذا ) قيل بجر كل بدل من صبرة وقيل مبتدأ وخبر والجملة صفة صبرة ا هـ أي على تقدير القول أي مقول فيها كل صاع بكذا ويحتمل كون الجملة صفة لبيع وكونها في محل نصب على الحال بإضمار القول أيضا
قوله ( مع الخيار للمشتري ) أي دون البائع
نهر وفي البحر ولم يذكر المصنف الخيار على قول الإمام قالوا وله الخيار في الواحد كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع ثم نقل عن غاية البيان أن لكل منهما الخيار قبل الكيل وذلك لأن الجهالة قائمة أو لتفرق الصفقة ثم قال وصرح في البدائع بلزوم البيع في الواحد وهذا هو الظاهر وعندهما البيع في الكل لازم ولا خيار ا هـ
قوله ( لتفرق الصفقة عليه ) استشكل على قول الإمام لأنه قائل بانصرافه إلى الواحد فلا تفريق
وأجاب في المعراج بأن انصارفه إلى الواحد مجتهد فيه والعوام لا علم لهم بالمسائل الاجتهادية فلا ينزل عالما فلا يكون راضيا كذا في الفوائد الظهيرية
وفيه نوع تأمل ا هـ بحر
ولعل وجه التأمل أنه يلزم عليه أن من علم أن العقد منصرف إلى الواحد لم يثبت له الخيار لعدم تفرق الصفقة عليه مع أن كلامهم شامل للعالم وغيره وعن هذا كان الظاهر ما مر عن البدائع من لزوم البيع في الواحد
قوله ( ويسمى خيار التكشف ) أي تكشف الحال بالصحة في واحد وهو من الإضافة إلى السبب ط
قوله ( إن كيلت في المجلس ) وله الخيار أيضا كما في الفتح والتبيين والنهر قوله ( لزوال المفسد ) وهو جهالة المبيع والثمن
قوله ( قبل تقرره ) أي قبل ثبوته بانقضاء المجلس ط
قوله ( أو سمى جملة قفزانها ) وكذا لو سمى ثمن الجميع ولم يبين جملة الصبرة كما لو قال بعتك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم فإنه يجوز في الجميع اتفاقا بحر
والحاصل أنه إن لم يسم جملة المبيع وجملة الثمن صح في واحد وإن سمى أحدهما صح في الكل كما لو سمى الكل ويأتي بيان ما لو ظهر المبيع أزيد أو أنقص وبقي ما إذا باع قفيزا مثلا من الصبرة والظاهر أنه يصح بلا خلاف للعلم بالمبيع فهو كبيع الصبرة كل قفيز بكذا إذا سمى جملة قفزانها ولذا أفتى في الخيرية بصحة المبيع بلا ذكر خلاف
____________________
(4/539)
حيث سئل فيمن اشترى غرائر معلومة من صبرة كثيرة فأجاب بأنه يصح ويلزم ولا جهالة مع تسمية الغرائر ا هـ
قوله ( بلا خيار لو عند العقد ) صرح به ابن كمال والظاهر أن التسمية قبل العقد في مجلسه كذلك
قوله ( وبه لو بعده الخ ) الضمير الأول للخيار والثاني للعقد
قال ح أي وصح في الكل بالخيار للمشتري لو سمى جملة قفزانها بعد العقد في المجلس
قوله ( أو بعده ) أي بعد المجلس
قوله ( عندهما ) راجع لقوله أو بعده لكن لا خيار للمشتري في هذه الصورة عندهما خلافا لما تقتضيه عبارته
أفاده ح
قلت فكان الأصوب أن يقول لا بعده وصح عندهما
وعبارة الملتقى مع شرحه لا يصح لو زالت الجهالة بأحدهما بعد ذلك أي المجلس لتقرر المفسد وقالا يصح مطلقا ا هـ
ولا يخفى أن عدم الصحة عنده إنما هو فيما زاد على صاع أما فيه فالصحة ثابتة وإن لم توجد تسمية أصلا كما تفيده عبارة المتن
قوله ( وبه يفتى ) عزاه في الشرنبلالية إلى البرهان وفي النهر عن عيون المذاهب وبه يفتى لا لضعف دليل الإمام بل تيسيرا ا هـ
وفي البحر وظاهر الهداية ترجيح قولهما لتأخيره دليلهما كما هو عادته ا هـ
قلت لكن رجح في الفتح قوله وقوي دليله على دليلهما ونقل ترجيحه أيضا العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة ولعله من حيث قوة الدليل فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير ثم رأيته في شرح الملتقى أفاد ذلك وظاهره ترجيح التيسير على قوة الدليل قوله ( فإن رضي ) تفريع على قوله وبه لو بعده في المجلس قوله ( الظاهر نعم ) هو رواية محمد عن الإمام استظهرها في النهر على رواية أبي يوسف عنه أنه لا يجوز إلا بتراضيهما
قوله ( وفسد في الكل ) أي عنده خلافا لهما لأن الأفراد إذا كانت متفاوتة لم يصح في شيء بحر أي لا في واحد ولا في أكثر بخلاف مسألة الصبرة وسيأتي ترجيح قولهما وهذا شروع في حكم القيميات بعد بيان حكم المثليات كالصبرة ونحوها من كل مكيل وموزون
قوله ( بفتح ) أي بفتح الثاء المثلثة أما بضمها فالكثير من الناس أو من الدراهم وبكسرها الهلكة كما في القاموس
قوله ( وثوب ) أي يضره التبعيض أما في الكرباس فينبغي جوازه في ذراع واحد كما في الطعام الواحد بحر عن غاية البيان
قلت ووجهه ظاهر فإن الكرباس في العادة لا يختلف ذراع منه عن ذراع ولذا فرض القهستاني المسألة فيما يختلف في القيمة وقال فإن الذراع من مقدم البيت أو الثوب أكثر قيمة من مؤخرة ا هـ
فأفاد أن ما لا يختلف مقدمه ومؤخره فهو كالصبرة
قوله ( كل شاة ) أما لو قال شاتين بعشرين وسمى الجملة مائة مثلا كان باطلا إجماعا وإن وجده كما سمى لأن كل شاة لا يعرف ثمنها إلا بانضمام غيرها إليها
قاله الحدادي وفي الخانية ولو كان ذلك في مكيل أو موزون أو عددي متقارب جاز
نهر
قوله ( وإن علم ) أي بعد العقد كما يفيده ما يأتي
قوله ( ولو رضيا الخ ) في السراج قال الحلواني الأصح أن عند أبي حنيفة إذا أحاط علمه بعدد الأغنام في المجلس لا ينقلب صحيحا لكن لو كان البائع على رضاه ورضى المشتري ينعقد البيع بينهما بالتراضي كذا في الفوائد الظهيرية ونظيره البيع بالرقم ا هـ بحر
وفي المجتبى ولو اشترى عشر شياه من مائة شاة أو عشر بطيخات من وقر فالبيع باطل وكذا الرمان ولو عزلها البائع وقبلها اشترى جاز استحسانا والعزل والقبول بمنزلة إيجاب وقبول ا هـ
ومثله في التاترخانية وغيرها
قال الخير الرملي وفيه نوع إشكال وهو أنه تقدم أن التعاطي بعد عقد فاسد لا ينعقد به البيع ا هـ
وانظر ما قدمناه من الجواب عند الكلام على بيع التعاطي
____________________
(4/540)
مطلب البيع بالرقم قوله ( ونظيره البيع بالرقم ) بسكون القاف علامة يعرف بها مقدار ما وقع به البيع من الثمن فإذا لم يعلم المشتري ينظر إن علم في مجلس البيع نفذ وإن تفرقا قبل العلم بطل
درر من باب البيع الفاسد
وتعقبه في الشرنبلالية بأن النافذ لازم وهذا فيه الخيار بعد العلم بقدر الثمن في المجلس وبأن قوله بطل غير مسلم لأنه فاسد يفيد الملك بالقبض وعليه وقيمته بخلاف الباطل
وأجيب عن الأول بأنه ليس كل نافذ لازما فقد شاع أخذهم النافذ مقابلا للموقوف ا هـ
وفي الفتح أن البيع بالرقم فاسد لأن الجهالة تمكنت في صلب العقد وهو جهالة الثمن بسبب الرقم وصارت بمنزلة القمار للخطر الذي فيه أنه سيظهر كذا وكذا وجوازه فيما إذا علم في المجلس بعقد آخر هو التعاطي كما قاله الحلواني ا هـ
وانظر ما قدمناه في بحث البيع بالتعاطي
قوله ( ولو سمى الخ ) أي في صلب العقد فلا ينافي قوله وإن علم عدد الغنم في المجلس الخ
قال في البحر قيد بعدم تسمية ثمن الكل لأنه لو سمى كما إذا قال بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم وكل ذراع بدرهم فإنه جاز في الكل اتفاقا كما لو سمى جملة الذرعان أو القطيع ا هـ
مطلب الضابط في كل قوله ( والضابط لكلمة كل الخ ) اعلم فروعا في كل ظاهرها التنافي فإنهم تارة جعلوها مفيدة للاستغراق وتارة للواحد وتارة لا تفيد شيئا منهما فاقتحم صاحب البحر في ذكر ضابط يحصر الفروع المذكورة بعد تصريحهم بأن لفظ كل لاستغراق أفراد ما دخلته من المنكر وأجزائه في المعرف
قلت ولذا صح قولك كل رمان مأكول بخلاف قولك كل الرمان مأكول لأن بعض أجزائه كقشرة غير مأكول
قوله ( إن لم تعلم نهايتها ) أما إن علمت فالأمر فيها واضح كما إذا قال كل زوجة لي طالق وله أربع زوجات مثلا فإن كلا تستغرقها ا هـ ح أي بلا تفصيل
قوله ( فإن لم تؤد للجهالة ) أي المفضية إلى المنازعة والأولى قول البحر فإن لم تفض الجهالة إلى منازعة
قوله ( كيمين وتعليق ) عطف تفسير وعبارة البحر كمسألة التعليق والأمر بالدفع عنه وذكر قبله مسألة التعليق وقال إنها للكل اتفاقا كما إذا قال كل امرأة أتزوجها أو كلما اشتريت هذا الثوب أو ثوبا فهو صدقة أو كلما ركبت هذه الدابة أو دابة وفرق أبو يوسف بين المنكر والمعين في الكل وتمامه في الزيلعي من التعليق
وفي الخانية كلما أكلت اللحم فعلي درهم فعليه بكل لقمة درهم وذكر مسألة الأمر بالدفع فيما إذا أمر رجلا بأن يدفع لزوجته نفقة فقال ادفع عني كل شهر كذا فدفع المأمور أكثر من شهر لزم الآمر
قوله ( وإلا ) أي بأن أدت للجهالة المفضية إلى المنازعة
قوله ( فإن لم تعلم ) أي لم يمكن علمها كما في البحر ففي عبارته تسامح
قوله ( كإجارة ) صورته آجرتك داري كل شهر بكذا صح في شهر واحد وكل شهر سكن أوله لزمه
قوله ( وكفالة ) صورته إذا ضمن لها نفقتها كل شهر أو كل يوم لزمه نفقة واحدة عند الإمام
____________________
(4/541)
خلافا لأبي يوسف
بحر
قوله ( وإقرار ) صورته إذا قال لك على كل درهم ولو زاد من الدراهم فقياس قول الإمام عشرة وقالا ثلاثة
بحر
تنبيه زاد في البحر هنا قسما آخر وعبارته ثم رأيت بعد ذلك في آخر غصب الخانية من مسائل الإبراء لو قال كل غريم لي فهو في حل قال ابن مقاتل لا يبرأ غرماؤه لأن الإبراء إيجاب الحق للغرماء وإيجاب الحقوق لا يجوز إلا لقوم بأعيانهم وأما كلمة كل في باب الإباحة فقال في الخانية من ذلك الباب
لو قال كل إنسان تناول من مالي فهو له حلال قال محمد بن سلمة لا يجوز من تناوله ضمن
وقال أبو نصر محمد بن سلام هو جائز نظرا إلى الإباحة والإباحة للمجهول جائزة ومحمد جعله إبراء عما تناوله والإبراء للمجهول باطل والفتوى على قول أبي نصر ا هـ
ويمكن أن يقال في الضابط بعد قوله فهو على الواحد اتفاقا إن لم يكن فيه إيجاب حق لأحد فإن كان لم يصح ولا في واحد كمسألة الإبراء ا هـ
كلام البحر
قوله ( وإلا ) أي بأن علمت في المجلس والمراد أمكن علمها فيه كما قدمناه عن البحر في قوله فإن لم تعلم وحينئد فلا يرد أن الغنم إن علمت في صلب العقد صح في الكل وإن الصبرة إن علمت في المجلس صح في الكل أيضا فافهم
قوله ( كالغنم ) أدخلت الكاف كل معدود متفاوت ط
قوله ( وإلا ) بأن لم تتفاوت
قوله ( وصححاه فيهما في الكل ) أي وصحح الصاحبان العقد في الثلة والصبرة في كل الغنم وكل الأقفزة ا هـ ح
أي سواء علم في المجلس أو لا والأولى إرجاع ضمير فيهما إلى المثلي والقيمي ليشمل المذروع وكل معدود متفاوت
وعبارة مواهب الرحمن هكذا وبيع صبرة مجهولة القدر كل صاع بدرهم وثلة أو ثوب كل شاة أو ذراع بدرهم صحيح في واحدة في الأولى فاسد في كل الثانية والثالثة وأجازه في الكل كما لو عم في المجلس بكيل
أقول وبه يفتى ا هـ
وعبارة القهستاني
وهذا كله عنده وأما عندهما فنفذ في الكل في الصورتين أي صورتي المثلي والقيمي بلا خيار للمشتري إن رآه وعليه الفتوى كما في المحيط وغيره ا هـ
قوله ( وإن باع صبرة الخ ) قيل هذا مقابل قوله وفي صاع في بيع صبرة
قلت وفيه نظر بل مقابله قوله وصح في الكل إن سمى جملة قفزانها وما هنا بيان لذلك المقابل تفصيل له فافهم
قوله ( على أنها مائة قفيز ) قيد بكونه بيع مكايلة لأنه لو اشترى حنطة مجازفة في البيت فوجد تحتها دكانا خير بين أخذها بكل الثمن وتركها وكذا لو اشترى بئرا من حنطة على أنها كذا وكذا ذراعا فإذا هي أقل وإذا كان طعاما في حب فإذا نصفه تبن يأخذه بنصف الثمن لأن الحب وعاء يكال فيه فصار المبيع حنطة مقدرة والبيت والبئر لا يكال بهما وشمل ما إذا كان المسمى مشروطا بلفظ أو بالعادة لما في البزازية اتفق أهل بلدة على سعر الخبز واللحم وشاع على وجه لا يتفاوت فأعطى رجل ثمنا واشترى وأعطاه أقل من المتعارف إن من أهل البلدة يرجع بالنقصان فيهما من الثمن وإلا رجع في الخبز لأنه فيه متعارف فيلزم الكل لا في اللحم فلا يعم ا هـ بحر
قوله ( أخذ الأقل بحصته أو فسخ ) أطلق في تخييره عند النقصان في المثلي وذكر له في البحر قيدين الأول عدم قبضه كل المبيع أو بعضه فإن قبض الكل لا يخير كما في الخانية يعني بل يرجع في النقصان
والثاني عدم كونه مشاهدا له
____________________
(4/542)
لما في الخانية اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع ولا خيار للمشتري لأن هذا مما يعرف بالعيان فإذا عاينه انتفى الغرر كما لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من الدهن فظهر أنه متخذ من أقل والمشتري ينظر إلى الصابون وقت الشراء وكذا لو اشترى قميصا على أنه متخذ من عشرة أذرع وهو ينظر إليه فإذا هو من تسعة جاز البيع ولا خيار للمشتري ا هـ
واعترض في النهر الأول بأن الموجب للتخيير إنما هو تفريق الصفقة وهذا القدر ثابت فيما لو وجده بعد القبض ناقصا إلا أن يقال إنه بالقبض صار راضيا بذلك فتدبره ا هـ
قلت هذا ظاهر إذا علم بنقصه قبل القبض وإلا فلا يكون راضيا فينبغي التفصيل
تأمل
واعترض في النهر أيضا الثاني بأن الكلام في مبيع ينقسم أجزاء الثمن فيه على أجزاء المبيع وما في الخانية ليس منه لتصريحهم بأن السويق قيمي لما بين السويقين من التفاوت الفاحش بسبب القلي وكذا الصابون كما في جامع الفصولين وأما الثوب فظاهر وعلى هذا فما سيأتي من أنه يخير في نقص القيمي بين أخذه بكل الثمن أو تركه مقيدا بما إذا لم يكن مشاهدا فتدبره ا هـ
قلت وينبغي أن يكون هذا فيما يمكن معرفة النقصان فيه بمجرد المشاهدة وذلك إنما يظهر فيما يفحش نقصانه فإذا شاهده يكون راضيا به ثم إن الظاهر من كلام الخانية أنه عند المعاينة يلزم البيع بكل الثمن بلا خيار وكلامنا في التخيير بين الفسخ وأخد الأقل بحصته لا بكل الثمن فلذا جعل في النهر عدم المشاهده قيدا في القيمي لا في المثلي أي أنه في القيمي يأخذ الأقل بكل الثمن بلا خيار إذا كان مشاهدا وعن هذا لم يذكره الشارح هنا بل في القيمي
قوله ( ليس في تبعيضه ضرر ) خرج ما في تبعيضه ضرر لما في الخانية لو باع لؤلؤة على أنها تزن مثقالا فوجدها أكثر سلمت للمشتري لأن الوزن فيما يضره التبعيض وصف بمنزلة الذرعان في الثوب ا هـ
وفيها القول للمشتري في النقصان وإن وزنه له البائع ما لم يقر بأنه قبض منه المقدار ا هـ
نهر
قوله ( وما زاد للبائع ) راجع إلى قوله أو أكثر
قال في النهر وقيده الزاهدي بما لا يدخل تحت الكيلين أو الوزنين أما ما يدخل فلا يجب رده
واختلف في قدره فقيل نصف درهم في مائة وقيل دانق في مائة لا حكم له
وعن أبي يوسف دانق في عشر كثير وقيل ما دون حبة عفو في الدينار وفي القفيز المعتاد في زماننا نصف من ا هـ
مطلب المعتبر ما وقع عليه العقد وإن ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر قوله ( على قدر معين ) فما زاد عليه لا يدخل في العقد فيكون للبائع
بحر
ومفاده أن المعتبر ما وقع عليه العقد من العدد وإن كان ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر ولذا قال في القينة عد الكواغد فظنها أربعة وعشرين وأخبر البائع به ثم أضاف العقد إلى عينها ولم يذكر العدد ثم زادت على ما ظنه فهي حلال للمشتري
ساومه الحنطة كل قفيز بثمن معين وحاسبوا فبلغ ستمائة درهم فغلطوا وحاسبوا المشتري بخمسمائة وباعوها منه بالخمسمائة ثم ظهر أن فيها غلطا لا يلزمه إلا خمسمائة
أفرز القصاب أربع شياه فقال بائعها هي بخمسة كل واحدة بدينار وربع فجاء القصاب بأربعة دنانير فقال هل بعت هذه بهذا القدر والبائع يعتقد أنها خمسة صح البيع
قال وهذا إشارة إلى أنه لا يعتبر ما سبق أن كل واحدة بدينار وربع ا هـ
وأقره في البحر
قوله ( وإن باع المذروع ) كثوب وأرض
در منتقى
قوله ( على أنه مائة ذراع )
____________________
(4/543)
بيان للمثلية والأولى أن يزيد بمائة درهم لتتم المماثلة
قوله ( إلا إذا قبض المبيع أو شاهده الخ ) قدمنا قريبا أن صاحب البحر ذلك ذكر في بيع المثلي كالصبرة إذا ظهر المبيع ناقصا وأنه في النهر بحث في الأول بأنه لا فرق بين ما قبل قبض أو بعده وفي الثاني بأنه مسلم في نقص القيمي دون المثلي فلذا ذكر الشارح ذلك في المذروع لأنه قيمي وترك ذكره في المثلي وكأنه لم يعتبر ما بحثه في النهر في الأول وهو اعتبار القبض وقدمنا أنه ينبغي التفصيل وأن سقوط الخيار بالمشاهدة ينبغي أن يكون فيما يدرك نقصانه بالمشاهدة قوله ( وأخذ الأكثر ) أي قضاء وهل تحل له الزيادة ديانة فيه خلاف نقله في البحر عن المعراج
قلت وظاهر إطلاق المتون اختيار الحل
وفي البحر عن الغمدة لو اشترى حطبا على أنه عشرون وقرا فوجده ثلاثين طابت له الزيادة في الذرعان
قال في البحر وهو مشكل وينبغي أن يكون من قبيل القدر لأن الحطب لا يتعيب بالتبعيض فينبغي أن تكون الزيادة للبائع خصوصا إن كان من الطرفاء التي تعورف وزنها بالقاهرة ا هـ
قوله ( لأن الذرع وصف الخ ) بيان لوجه الفرق بين القدر في المثليات من مكيل وموزون وبين الذرع في القيميات حيث جعل القدر أصلا والذرع وصفا وبنوا على ذلك أحكاما منها ما ذكروه هنا من مسألة بيع الصبرة على أنها مائة قفيز بمائة وبيع المذروع كذلك وقد اختلفوا في وجه الفرق على أقوال منها ما ذكره الشارح هنا وكذا في شرحه على الملتقى حيث قال قلت وإنما كان الذرع وصفا دون المقدار لأن التشقيص يضر الأول دون الثاني وقالوا ما تعيب بالتشقيص والزيادة والنقصان وصف وما ليس كذلك أصل وكا ما هو وصف في المبيع لا يقابله شيء من الثمن الخ
قوله ( إلا إذا كان مقصودا بالتناول ) أي تناول المبيع له كأنه جعل كل ذراع مبيعا ط
قوله ( لصيرورته ) أي الذرع أصلا أي مقصودا كالقدر في المثليات
قوله ( بإفراده ) الباء للسببية
قوله ( كل ذراع بدرهم ) بنصب كل حال من الأثر لتأوله بالمشتق أي مذروعا كل ذراع بدرهم
قوله ( أو فسخ ) حاصله أن له الخيار في الوجهين
أما في النقصان فلتفرق الصفقة وأما في الزيادة فلدفع التزام الزائد من الثمن وهو قول الإمام وهو الأصح
وقيل الخيار فيما تتفاوت جوانبه كالقميص والسراويل وأما فيما لا تتفاوت كالكرباس فلا يأخذ الزائد لأنه في المعنى المكيل كذا في شرح الملتقى ط
وقدمنا وجه كونه في معنى المكيل وأنه جزم به في البحر عن غاية البيان ويأتي أيضا وكذا يأتي في كلام المصنف ما إذا كانت الزيادة أو النقصان بنصف ذراع ففيه تفصيل وفيه خلاف
تنبيه قال في الدرر إنما قال في الأولى أو ترك
وقال ها هنا أو فسخ لأن البيع لما كان ناقصا في الأولى لم يوجد المبيع فلم ينعقد البيع حقيقة وكان أخذ الأقل بالأقل كالبيع بالتعاطي
وفي الثانية وجد المبيع مع زيادة هي تابعة في الحقيقة فتدبر ا هـ
قوله ( من مائة ذراع ) قيد به وإن كان فاسدا عنده بين جملة ذرعانها أو لا لدفع قول الخصاف إن محل الفساد عنده فيما إذا لم يسم جملتها فإنه ليس بصحيح وليصح قوله لا أسهم فإنه لو لم يبين جملة السهام كان فاسدا اتفاقا وحينئذ يكون الفساد فيما إذا لم يبين جملة الذرعان مفهوما أولويا
أفاده
____________________
(4/544)
في البحر
قوله ( من دار أو حمام ) أشار إلى أنه لا فرق بين ما يحتمل القسمة وما لا يحتملها ح
قوله ( وصححاه الخ ) ذكر في غاية البيان نقلا عن الصدر الشهيد والإمام العتابي أن قولهما بجواز البيع إذا كانت الدار مائة ذراع ويفهم هذا من تعليلهما أيضا حيث قالا لأن عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار فأشبه عشرة أسهم من مائة سهم وله أن البيع وقع على قدر معين من الدار لا على شائع لأن الذراع في الأصل اسم لخشبة يذرع بها واستعير ههنا لما يحله وهو معين لا مشاع لأن المشاع لا يتصور أن يذرع فإذا أريد به ما يحله وهو معين لكنه مجهول الموضع بطل العقد
درر
قلت ووجه كون الموضع مجهولا أنه لم يبين أنه من مقدم الدار أو من مؤخرها وجوانبها تتفاوت قيمة فكان المعقود عليه مجهولا جعالة مفضية إلى النزاع فيفسد كبيع بيت من بيوت الدار كذا في الكافي
عزمية
قوله ( على الصحيح الخ ) حاصله أنه إذا سمى جملة الذرعان صح وإلا فقيل لا يجوز عندهما للجهالة والصحيح الجواز عندهما لأنها جهالة بيدهما أي المتبايعين إزالتها بأن تقاس كلها فيعلم نسبة العشرة منها فيعلم المبيع
فتح
قوله ( لشيوع السهم ) لأن السهم اسم للجزء الشائع فكان المبيع عشرة أجزاء شائعة من مائة سهم كما في الفتح أي فهو كبيع عشرة قراريط مثلا من أربعة وعشرين فإنه شائع في كل جزء من أجزاء الدار بخلاف الذراع كما مر
قوله ( فبيع بالتعاطي ) بناء على أنه لا يلزم في صحته متاركة العقد الأول وقدمنا الكلام عليه
قوله ( اشترى عددا ) أي معدودا وقوله من قيمي بيان له واحترز به عن المثلي كالصبرة وقد مر حكمها وبالعددي عن المذروع ومر حكمه أيضا فما قيل إن الأولى أن يقول اشترى قيميا على أنه كذا لأن كذا عبارة عن العدد مدفوع فافهم
قوله ( على أنه كذا ) بأن قال بعتك ما في هذا العدل على أنه عشرة أثواب بمائة درهم
نهر
وفسر الشراء في كلام الكنز بالبيع فلذا صوره به وهو غير لازم
قوله ( للجهالة ) أي جهالة الثمن في النقصان لأنه لا تنقسم أجزاؤه على أجزاء المبيع القيمي فلم يعلم للثواب الناقص حصة معلومة من الثمن المسمى لينقص ذلك القدر منه فكان الناقص من الثمن قدرا مجهولا فيصير الثمن مجهولا وجهالة المبيع في فصل الزيادة لأنه يحتاج إلى رد الزائد فيتنازعان في المردود
نهر
قوله ( مشمرا ) قيد به لأنه لو باع أرضا على أنه فيها كذا نخلة فوجدها المشتري ناقصة جاز البيع ويخير المشتري إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك لأن الشجر يدخل في بيع الأرض تبعا ولا يكون له قسط من الثمن وكذا لو باع دارا على أن فيها كذا بيتا فوجدها ناقصة جاز البيع ويخير على هذا الوجه
بحر عن الخانية
قوله ( فسد ) لأن الثمر له قسط من الثمن فإذا كانت الواحدة غير مثمرة لم يدخل المعدوم في البيع فصارت حصة الباقي مجهولة فيكون هذا ابتداء عقد في الباقي بثمن مجهول فيفسد البيع
بحر عن الخانية
قوله ( كما لو باع ) تنظير لا تمثيل وقوله عدلا بكسر العين في المغرب عدل الشيء مثله من جنسه وفي المقدار أيضا ومنه عدلا الحمل ا هـ فعدل الحمل ما يساوي العدل الآخر في مقداره وهذا شامل للوعاء وما فيه من الثياب ونحوها والمراد به هنا الثياب
قوله ( فسد ) لأنه يؤدي إلى التنازع في المستثنى بخلاف ما إذا كان معينا
قوله ( ولو بين الخ )
____________________
(4/545)
راجع إلى قوله اشترى عددا من قيمي
قوله ( ونقص ثوب ) الأول أن يقول ثوبا كما قال في طرف الزيادة فيكون في نقص ضمير يعود إلى القيمي وثوبا تمييز وعلى جعله فاعل نقص يحتاج إلى تقدير ضمير مجرور بمن يعود على القيمي
فتدبر
قوله بقدره أي بما سوى قدر الناقص
فتح ونهر
والأول بقدر ما سوى الناقص أو بقدر الموجود المعلوم من المقام أو بقدر القيمي المذكور الذي نقص ثوبا وهذا أقرب بناء على ما قلنا من أن الأولى نصب ثوبا فيتحد مرجع الضمير في نقص وفي بقدره قوله ( لجهالة المزيد ) فتقع المنازعة في تعيين العشرة المبيعة من الأحد عشر كما في النهر
قوله ( ولو رد الزائد ) أي إلى البائع إن كان حاضرا وقوله أو عزله أي أفرزه وأبقاه عنده إن كان البائع غائبا
قوله ( خلاف ) مذكور في الشرح والنهر
لم يذكر في النهر خلافا وإنما ذكره في شرح المصنف وعبارته
قلت وفي البزازية اشترى عدلا على أنه كذا فوجده أزيد والبائع غائب يعزل الزائد ويستعمل الباقي لأنه ملكه ا هـ
وكأنه استحسان وإلا فالبيع فاسد لجهالة المزيد
وقد صرح في الخانية والقنية بأن محمدا قال فيه استحسن أن يعزل ثوبا من ذلك ويستعمل البقية وفيها قبله اشترى شيئا فوجده أزيد يدفع الزيادة إلى البائع والباقي حلال له في المثليات وفي ذوات القيم لا يحل له حتى يشتري منه الباقي إلا إذا كانت تلك الزيادة مما لا تجري فيها الضنة فحينئذ يعذر ا هـ
وهو يقتضي عدم الحل عند غيبة البائع بالأولى فهو معارض لما تقدم ا هـ
ما في شرح المصنف وهو مأخوذ من البحر
ويمكن دفع المعارضة بحمل الثاني على القياس فلا ينافي ما مر أنه استحسان ويظهر منه ترجيح ما مر لكن ذكروا الاستحسان في صورة غيبة البائع
قال في الخانية فإن غاب البائع قالوا يعزل المشتري من ذلك ثوبا ويستعمل الباقي وهذا استحسان أخذ به محمد نظرا للمشتري ا هـ لأنه عند غيبة البائع يلزم الضرر على المشتري بعدم الانتفاع بالمبيع إلى حضور البائع وربما لا يحضر أو تطول غيبته فلذا استحسن محمد عزل ثوب واستعمال الباقي نظرا للمشتري وهذا لا يجري في صورة حضرة البائع لإمكان تجديد العقد معه فالظاهر بقاؤه على القياس وبه ظهر أنه لا معارضة بين الكلامين وأن ما ذكره الشارح من إجراء الخلاف في الصورتين غير محرر فافهم
قوله ( وجاز بيع ذراع منه نهر ) عبارة النهر قيدنا بتفاوت جوانبه لأنها لو لم تتفاوت كالكرباس لا تسلم له الزيادة لأنه بمنزلة الموزون حيث لا يضره النقصان وعلى هذا قالوا يجوز بيع ذراع منه ا هـ
قوله ( في عشرة وزيادة نصف ) أي فيما إذا ظهر أنه عشرة ونصف
قوله ( لأنه أنفع ) كما لو اشتراه معيبا فوجده سالما
نهر أي حيث لا خيار له
قوله ( في تسعة ونصف ) أي في نقصانه نصفا عن العشرة
قوله ( وقال محمد الخ ) يوجد قبل هذا في بعض النسخ وقال أبو يوسف يأخذه في الأولى بأحد عشر بالخيار وفي الثانية بعشرة به
قوله ( وفي الثاني بتسعة ونصف به ) لأن من ضرورة مقابلة الذراع
____________________
(4/546)
بالدرهم مقابلة نصفه فيجري عليه حكمهما
درر
وقوله به أي بالخيار لأن في الزيادة نفعا يشوبه ضرر بزيادة الثمن عليه وفي النقصان فوات وصف مرغوب فيه
نهر قوله ( وهو ) أي قول محمد أعدل الأقوال
قال الإتقاني وفي غاية البيان وبه نأخذ
قوله ( لكن صحح القهستناني وغيره الخ ) وفي الفتح عن الذخيرة قول أبي حنيفة أصح ا هـ
وفي تصحيح العلامة قاسم عن الكبرى أنه المختار
قوله ( فعليه الفتوى ) تفريع على ما ذكر من تصحيحه ومشى المتون عليه لأنه إذا اختلف التصحيح لقولين وكان أحدهما قول الإمام أو في المتون أخذ بما هو قول الإمام لأنه صاحب المذهب وبما في المتون لأنها موضوعة لنقل المذهب وهنا اجتمع الأمران فافهم
والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل فيما يدخل في لبيع تبعا وما لا يدخل فيه ما يصح ستثناؤه من البيع ومسائل أخرى قوله ( الأصل الخ ) في المصباح أصل الشيء أسفله وأساس الحائط أصله حتى قيل أصل كل شيء ما يستند وجود ذلك الشيء إليه ا هـ
وفيه أيضا القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط وهو الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته ا هـ
فالمراد هنا أن الأصل الذي يستند إليه معرفة هذا الفصل هو أن مسائله مبنية على قاعدتين ولا يخفى أن هذا تركيب صحيح فافهم
قوله ( على قاعدتين ) الأولى أن يقول على ثلاث قواعد كما في الدرر وقال والثالث أن ما لا يكون من القسمين إن كان من حقوق المبيع ومرافقه يدخل في المبيع بذكرها وإلا فلا ا هـ
وقد ذكره الشارح بقوله وما لم يكن من القسمين الخ أفاده ط
قوله ( يعني كل ما هو متناول اسم المبيع ) أشار به إلى أن البناء في كلام المصنف مثال لا قيد وكذا الدار ط
قوله ( اتصال قرار الخ ) فيدخل الحجارة المخلوقة والمثبتة في الأرض والدار لا المدفونة يدل عليه قولهم لو اشترى أرضا بحقوقها وانهدم حائط منها فإذا فيه رصاص أو ساج أو خشب إن من جملة البناء كالذي يكون تحت الحائط يدخل وإن شاء مودعا فيه فهو للبائع وإن قال البائع ليس لي فحكمه حكم اللقطة فقولهم شيئا مودعا يدخل فيه الأحجار المدفونة ويقع كثيرا في بلادنا أنه يشتري الأرض أو الدار فيرى المشتري فيها بعد حفرها أحجار المرمر والكذان والبلاط والحكم فيه إن كان مبنيا فللمشتري وإن موضوعا لا على وجه البناء فللبائع وهي كثيرة الوقوع فاغتنم ذلك
بقي لو ادعى البائع أنها كانت مدفونة فلم تدخل والمشتري أنها مبنية فقد يقال يتحالفان لأنه يرجع إلى الاختلاف في قدر المبيع وقد يقال يصدق البائع لأن اختلافهما في تابع لم يرد عليه العقد والتحالف على خلاف القياس فيما ورد عليه العقد فلا يقاس عليه غيره والبائع ينكر خروجه عن ملكه والأصل بقاء ملكه
فتأمل ا هـ
ملخصا من حاشية المنح للخير الرملي
قوله ( وهو ما وضع لا لأن يفصله البشر الخ ) فيدخل الشجر كما يأتي لاتصالها بها اتصال قرار إلا اليابس لأنه على شرف القلع كما يأتي ولا يدخل الزرع لأنه متصل لأن يفصل فأشبه متاعا فيها كما في الدرر إنما يدخل المفتاح لأنه تبع للغلق المتصل فهو كالجزء منه إذ لا ينتفع به إلا به بخلاف مفتاح القفل كما يأتي
____________________
(4/547)
والحاصل أنه قد يدخل بعض المنقول المنفصل إذا كان تبعا للمبيع بحيث لا ينتفع به إلا به فيصير كالجزء كولد البقرة الرضيع بخلاف ولد الأتان وقد يدخل عرفا كقلادة الحمار وثياب العبد قوله ( وما لا فلا ) تبع فيه الدرر والمناسب إسقاطه ليصح التفصيل في قوله وما لم يكن من القسمين الخ تأمل
قوله ( فإن من حقوقه ومرافقه ) المرافق هي الحقوق في ظاهر الرواية فهو عطف مرادف والحق ما هو تبع للمبيع ولا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله كالطريق والشرب للأرض كما سيأتي في باب الحقوق إن شاء الله تعالى قوله ( دخل بذكرها ) أي بذكر الحقوق والمرافق
قوله ( وإلا لا ) أي وإن لم يكن من حقوقه ومرافقه لا يدخل وإن ذكرها فلا يدخل الثمر بشراء شجر لأنه وإن كان اتصاله خلقيا فهو للقطع لا للبقاء فصار كالزرع إلا إذا قال بكل ما فيها أو منها لأنه حينئذ يكون من المبيع كما في الدرر
قوله ( فيدخل البناء والمفاتيح الخ ) وكذا العلو والكنيف كما في الدرر
وقوله الآتي في بيع دار متعلق بيدخل أي إذا باعها بحدودها يدخل ما ذكر وإن لم يقل بكل حق لها أو بمرافقها كما في الدرر
قال لأن الدار اسم لما يدار عليه الحدود والعلو منها وكذا البناء
ثم قال لا يدخل في بيعها الظلة والطريق والشرب والمسيل إلا به أي بكل حق لها ونحوه
أما الظلة فلأنها مبنية على هواء الطريق فأخذت حكمه
وأما الطريق والشرب والمسيل فلأنها خارجة عن الحدود لكنها من الحقوق فتدخل بذكرها وتدخل في الإجارة بلا ذكرها لأنها تعقد للانتفاع ولا يحصل إلا به بخلاف البيع لأنه قد يكون للتجارة ا هـ
قلت وذكر في الذخيرة أن الأصل أن ما لا يكون من بناء الدار ولا متصلا بها لا يدخل إلا إذا جرى العرف في أن البائع لا يمنعه عن المشتري فالمفتاح يدخل استحسانا لا قياسا لعدم اتصاله وقلنا بدخوله بحكم العرف ا هـ ملخصا
ومقتضاه أن شرب الدار يدخل في ديارنا دمشق المحمية للتعارف بل هو أولى من دخول السلم المنفصل في عرف مصر القاهرة لأن الدار في دمشق إذا كان لها ماء جار وانقطع عنها أصلا لم ينتفع بها وأيضا إذا علم المشتري أنه لا يستحق شربها بعقد البيع لا يرضى بشرائها إلا بثمن قليل جدا بالنسبة إلى ما يدخل فيها وشربها
وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف
قوله ( المتصلة أغلاقها الخ ) جمع غلق بفتحتين أي ما يغلق على الباب
قال في الفتح المراد بالغلق ما نسميه ضبة وهذا إذا كانت مركبة لا إذا كانت موضوعة في الدار ا هـ
هذا وإنما اقتصر على ذكر المفاتيح للعلم بدخول الأغلاق المتصلة بالأولى لأن دخول المفاتيح بالتبعية لها فافهم قوله ( كضبة وكيلون ) قيل الأول هو المسمى بالسكرة والثاني المسمى بالغال
قوله ( لا القفل ) بضم فسكون أي لا يدخل سواء ذكر الحقوق أو لا وسواء كان الباب مغلقا أو لا وسواء كان المبيع حانوتا أو بيتا أو دارا كما في الخانية
بحر
قوله ( لعدم اتصاله ) وإنما تدخل الألواح وإن كانت منفصلة لأنها في العرف كالأبواب المركبة والمراد بهذه الألواح ما تسمى بمصر دراريب الدكان وقد ذكر فيها عدم الدخول فلا يعود عليه ا هـ
فتح أي لأنها لا ينتفع بالدكان إلا بها
قوله ( والسلم المتصل ) في عرف القاهرة ينبغي دخوله مطلقا لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه ولا يرد عدم دخول الطريق من أنه لا انتفاع إلا به لأن ملك رقبتها قد يقصد للأخذ بشفعة الجوار ولهذا دخل في الإجارة بلا ذكر كما سيأتي
بحر أي لأن إجارة الأرض لا يقصد بها إلا الانتفاع برقبتها فلذا دخل الطريق فيها بخلاف البيع لكن لا يخفى أن هذا ناقض للجواب لأن لقائل أن يقول في بيوت القاهرة لا يدخل السلم الموضوع لأنه قد يقصد بشراء البيت الأخذ بالشفعة أي أن يأخذ بالشفعة ما يجاوره فلم يكن المقصود
____________________
(4/548)
الانتفاع برقبته حتى يدخل فيه السلم تبعا تأمل
قوله ( المتصلة ) هذا يغني عن قوله قبله المتصل لأنه نعت للثلاثة المذكورة ولو جعل نعتا للسرير والدرج لكان المناسب أن يقول المتصلان
قال في البحر ويدخل الباب المركب لا الموضوع ولو اختلفا فيه فادعاه كل فلو مركبا متصلا بالبناء فالقول للمشتري ولو مقلوعا فلو الدار بيد البائع فالقول له وإلا فللمشتري ا هـ
قلت وبه علم حكم أبواب الشبابيك وذلك أن الأبواب التي كلها من الدف تدخل إن كانت مركبة متصلة والتي من البلور لا تدخل إلا إذا كانت متصلة أيضا لأن غير المتصلة توضع وترفع
تأمل
وأما الدف الذي يفرش في إيوان البيوت لدفع العفن والنداوة فالظاهر أنه كالسرير المسمى بالتخت فيعتبر فيه الاتصال وعدمه ولكن قد يقال إن السرير ينقل ويحول وأما هذا فإنه لا ينقل من محله فهو في حكم المتصل فليتأمل
قوله ( لو أسلفها مبنيا ) أي فيدخل الحجر الأعلى استحسانا وهذا في ديارهم أما في ديار مصر لا تدخل الرحى لأنها بحجريها تنقل وتحول ولا تبنى فهي كالباب الموضوع لا يدخل بالاتفاق فتح
قوله ( والبكرة ) أي بكرة البئر التي عليها فتدخل مطلقا لأنها مركبة بالبئر ا هـ
بحر
وظاهر التعليل أنها لو لم تكن مركبة بأن كانت مشدودة بحبل أو موضوعة بخطاف في حلقة الخشبة التي على البئر أنها لا تدخل ويحرر
وفي الهندية والبكرة والدلو الذي في الحمام لا يدخل كذا في محيط السرخسي
قال السيد أبو القاسم في عرفنا للمشتري كذا في مختارات الفتاوى ا هـ
وهذا يقتضي أن المعتبر العرف ط
قوله ( في بيعها أي الدار ) وهو متعلق بقوله فيدخل كما قدمناه قوله ( وكذا بستانها ) أي الذي فيها ولو كبيرا لا لو خارجها وإن كان بابه فيها قاله أبو سليمان وقال الفقيه أبو جعفر يدخل لو أصغر منها ومفتحه فيها لا لو أكبر أو مثلها
وقيل إن صغر دخل وإلا لا وقيل يحكم الثمن ا هـ
فتح
قوله ( كما سيجيء في باب الاستحقاق ) صوابه في باب الحقوق وعبارته وكذا البستان الداخل وإن لم يصرح بذلك لا البستان الخارجي إلا إذا كان أصغر منها فيدخل تبعا ولو مثلها أو أكثر فلا إلا بالشرط
زيلعي وعيني ا هـ
وبذلك جزم أيضا في البحر والنهر هناك
قوله ( ويدخل في بيع الحمام القدور ) جمع قدر بالكسر آنية يطبخ فيها
مصباح
والظاهر أن المراد بها قدر النحاس التي يسخن فيها الماء وتسمى حلة أو المراد الفساقي التي ينزل إليها الماء ويغتسل منها وتسمى أجرانا لكن إن كانت متصلة فلا كلام أما إن كانت منفصلة موضوعة
فإن كانت كبيرة لا تنقل ولا تحول فالظاهر أنها كالمتصلة وألا فلا تأمل
قال في الفتح وأما قدر الصباغين والقصارين وأجاجين الغسالين وخوابي الزياتين وحبابهم ودنانهم وجذع القصار الذي يدق عليه المثبت كل ذلك في الأرض فلا يدخل وإن قال بحقوقها
قلت ينبغي أن تدخل كما إذا قال بمرافقها ا هـ
أقول بل في التتارخانية عن الذخيرة أنه على قياس مسألة البكرة والسلم ما كان مثبتا في البناء من هذه الأشياء ينبغي أن يدخل في البيع ا هـ أي وإن لم يقل بحقوقها
قوله ( وفي الحمار إكافه ) في القاموس إكاف الحمار ككتاب وغراب بردعته وهي الحلس تحت الرحل وقد تنقط داله ا هـ
وظاهر كلام الفقهاء أنه غيره والعرف أنها الخشب فوق البردعة
بحر
قوله ( لا لو من الحمريين ) جمع حمري وهو من يبيع الحمير وكأنه لأن عادتهم التجارة فيها مجردة عن الإكاف ط
____________________
(4/549)
قلت ويؤيده قوله في التتارخانية وهذا بحسب العرف وفيها أيضا إذا باع حمارا موكفا دخل الإكاف والبردعة بحكم العرف
وفي الظهيرية هو المختار وإن لم يكن عليه بردعة ولا إكاف دخلا أيضا كذا اختاره الصدر الشهيد
وبعضهم قالوا إذا كان عريانا لا يدخل شيء
وفي الخانية أن ابن الفضل قال لا يدخل ولم يفصل بين كونه موكفا أو لا وهو الظاهر ثم إذا دخلا لا يكون لهما حصة من الثمن كما في ثياب الجارية
قوله ( وتدخل قلادته عرفا ) في الظهيرية باع فرسا دخل العذار بحكم العرف والعذار والمقود واحد ا هـ
لكن في الخانية لا يدخل المقود في بيع الحمار لأنه ينقاد بدونه بخلاف الفرس والبعير
قال في الفتح وليتأمل في هذا
قوله ( في الأتان الخ ) الفرق أن البقرة لا ينتفع بها إلا بالعجل ولا كذلك الأتان
ظهيرية
قوله ( وتدخل ثياب عبد وجارية الخ ) هذا إذا بيعا في الثياب المذكورة وإلا دخل ما يستر العورة فقط ففي البحر لو باع عبدا أو جارية كان على البائع من الكسوة ما يواري عورته فإن بيعت في ثياب مثلها دخلت في البيع ا هـ
ومثله في الفتح
ودخول ثياب المثل بحكم العرف كما مر في التتارخانية وحينئذ فالمدار على المعرف
قوله ( يعطيهما هذه أو غيرها ) أي يخير البائع بين أن يعطى ما عليهما أو غيره لأن الداخل بالعرف كسوة المثل ولهذا لم يكن لها حصة من الثمن حتى لو استحق ثوب منها لا يرجع على البائع بشيء وكذا إذا وجد بها عيبا ليس له أن يردها
زيلعي
زاد في البحر ولو هلكت الثياب عند المشتري أو تعيبت ثم رد الجارية بعيب ردها بجميع الثمن ا هـ
وأما رجوعه بكسوة مثلها فثابت له كما يعلم من كلامهم ا هـ
وفي التتارخانية وكذلك إذا وجد بالجارية عيبا ردها ورد معها ثيابها وإن لم يجد بالثياب عيبا ا هـ
وعليه فما في الزيلعي من قوله لو وجد بالجارية عيبا كان له أن يردها بدون تلك الثياب فمعناه كما في البحر إذا هلكت وإلا لزم حصولها للمشتري بلا مقابل وهو لا يجوز
قوله ( أو قبضها ) أي المشتري وسكت أي البائع لأنه كالتسليم
منح عن الصيرفية وفي التاترخانية فأما سلم البائع الحلى لها فهو لها وإن سكت عن طلبه وهو يراه فهو كما لو سلم لها
وفيها عن المحيط باع عبدا معه مال فإن سكت عن ذكر المال جاز البيع والمال للبائع هو الصحيح ولو باعه مع ماله وسمى مقداره فإن كان الثمن من جنسه لا بد أن يكون الثمن أزيد من مال العبد ليكون بإزاء مال العبد قدره من الثمن والباقي بإزاء العبد وتمامه فيها
قوله ( ويدخل الشجر الخ ) قال في المحيط كل ماله ساق ولا يقطع أصله كان شجرا يدخل تحت بيع الأرض بلا ذكر وما لم يكن بهذه الصفة لا يدخل بلا ذكر لأنه بمنزلة الثمرة ا هـ
عن الهندية
قوله ( قيد للمسألتين ) الأولى البناء وما عطف عليه والثانية الشجر ط
قوله ( مثمرة كانت أو لا الخ ) لأن محمدا لم يفصل بينهما ولا بين الصغيرة والكبيرة فكان الحق دخول الكل خلافا لمن قال إن غير المثمرة لا تدخل إلا بالذكر لأنها لا تغرس للقرار بل للقطع إذا كبر خشبها فصارت كالزرع ولمن قال إن الصغيرة لا تدخل
فتح
وفي التتارخانية عن المحيط إن هذا أصح أي عدم التفصيل ا هـ
قلت لكن في الذخيرة إن العرائس والأشجار والأبنية تدخل لأنها ليس بنهايتها مدة معلومة فتكون للتأبيد فتتبع الأرض بخلاف الزرع والثمر لأن لقطعها غاية معلومة فكانت كالمقطوع ا هـ
ملخصا
ومقتضاه
____________________
(4/550)
أن غير المثمر المعد للقطع كالزرع إلا أن يقال إنه ليس له نهاية معلومة
قوله ( لأنها على شرف القلع ) فهي كحطب موضوع فيها
فتح
قوله ( كالبناء ) أشار بذكره إلى أن العلة في دخول الشجر هي العلة في دخول البناء وهي أنهما وضعا للقرار ط
قوله ( فلو فيها صغار الخ ) نقله في الفتح عن الخانية
ويأتي قريبا ما يفيد أن صغرها وقطعها في كل سنة غير قيد
قوله ( وإن من وجه الأرض لا ) أي لا تدخل لأنها تكون حينئذ كالثمرة كما يعلم مما نذكره قريبا
قوله ( وتمامه في شرح الوهبانية ) حاصله أنه في الواقعات صرح بأن القصب لا يدخل بلا شرط لأنه ما يقطع فكان بمنزلة الثمرة
وأخد الطرسوسي من التعليل بالقطع أن الحور ونحوه مما يقطع في أوقات معروفة لا يدخل
ونازعه تلميذه ابن وهبان بأن القصب يقطع في كل سنة فكان كالثمرة بخلاف خشب الحور فلا وجه للإلحاق ا هـ
لكن في الواقعات أيضا لو فيها أشجار تقطع في كل ثلاث سنين فلو تقطع من الأصل تدخل ولو من وجه الأرض فلا لأنها بمنزلة الثمرة
قال ابن الشحنة فيه إشارة إلى أن العلة كونه يباع شجرا بأصله فلا يكون كالثمرة بخلاف المقطوع من وجه الأرض مع بقاء أصله لأنه كالثمرة ا هـ
قلت والحاصل أن الشجر الموضوع للقرار وهو الذي يقصد للثمر يدخل إلا إذا يبس وصار حطبا كما مر أما غير المثمر المعد للقطع فإن لم يكن له نهاية معلومة فلا يدخل أيضا بخلاف ما أعد للقطع في زمن خاص كأيام الربيع أو في كل ثلاث سنين فهو على التفصيل المذكور ولا يخفى أن الحور بالمهملتين ليس لقطعه نهاية معلومة والله سبحانه وتعالى أعلم
هذا واعلم أنه نقل في البحر وكذا في شرح الوهبانية عن الخانية أنه لو باع أرضا فيها رطية أو زعفران أو خلاف يقلع في كل ثلاث سنين أو رياحين أو بقول
قال الفضلي ما على وجه الأرض بمنزلة الثمر لا يدخل بلا شرط وما في الأرض من أصولها يدخل لأن أصولها للبقاء بمنزلة البناء وكذا لو كان فيها قصب أو حشيش أو حطب نابت يدخل أصوله لا ما على وجه الأرض
واختلفوا في قوائم الخلاف والصحيح أنها لا تدخل ا هـ
وفي شرح الوهبانية إن هذا التفصيل أنسب لمقتضى قواعدهم ا هـ
قوله ( دخل الوثائل الخ ) الوثل بالتحريك الحبل من الليف والوثيل نبت كذا في جامع اللغة ا هـ ح
وهو المنقول عن القنية
وفي نسخة الوتائر وهو جمع وتيرة وهي ما يوتر بالأعمدة من البيت كالوترة محركة كذا في القاموس ثم قال وترها يترها
علق عليها ا هـ
فالمراد ما يعلق عليه الكرم والذي وقع فيما رأيته من نسخ المنح يدخل الوتائر المشدودة على الأوتار المنصوبة في الأرض ا هـ ط
قلت والذي رأيته في الشرح وكذا في المنح الوتائد المشدودة على الأوتاد الخ بالدال المهملة في الموضعين تأمل
قوله ( وكذا الأعمدة المدفونة في الأرض ) قال في المنح تقييده بالمدفونة يفيد أن الملقاة على الأرض لا تدخل لأنها بمنزلة الحطب الموضوع في الكرم وصارت المسألة واقعة الفتوى فيفتى بالدخول في المبيع وإن كانت مدفونة وهي المسماة في ديارنا ببرابير الكرم ا هـ
____________________
(4/551)
مطلب كل ما دخل تبعا لا يقابله شيء من الثمن قوله ( وفي النهر الخ ) قال فيه ولذا قال في القنية اشترى دارا فذهب بناؤها لم يسقط شيء من الثمن وإن استحق أخذ الدار بالحصة ومنهم من سوى بينهما ا هـ
ونحو ذلك ثياب الجارية كما سلف ط
وفي الكافي رجل له أرض بيضاء ولآخر فيها نخل فباعهما رب الأرض بإذن الآخر بألف وقيمة كل واحد خمسمائة فالثمن بينهما نصفان فإن هلك النخل قبل القبض بآفة سماوية خير المشتري بين الترك وأخذ الأرض بكل الثمن لأن النخل كالوصف والثمن بمقابلة الأصل لا الوصف فلذا لا يسقط شيء من الثمن ا هـ
وقيده في البحر بما إذا لم يفصل ثمن كل فلو فصل سقط قسط النخل بهلاكها كما في تلخيص الجامع
تنبيه في حاشية السيد أبي السعود استفيد من كلامهم أنه إذا كان لباب الدار المبيعة كيلون من فضة لا يشترط أن ينقد من الثمن ما يقابله قبل الافتراق لدخوله في البيع تبعا ولا يشكل بما سيأتي في الصرف من مسألة الأمة مع الطوق والسيف المحلى لأن دخول الطوق والحلية في البيع لم يكن على وجه التبعية لكون الطوق غير متصل بالأمة والحلية وإن اتصلت بالسيف إلا أن السيف اسم للحلية أيضا كما سيأتي في الصرف فكانت من مسمى السيف إذا علم هذا ظهر أنه في بيع الشاش ونحوه إذا كان فيه علم لا يشترط نقد ما قابل العلم من الثمن قبل الافتراق خلافا لمن توهم ذلك من بعض أهل العصر لأن العلم لم يكن من مسمى المبيع فكان دخوله على وجه التبعية فلا يقابله حصة من الثمن ا هـ
قلت وما ذكره في الكيلون غير مسلم وسنذكر تحرير المسألة في باب الصرف إن شاء الله تعالى
قوله ( ولا يدخل الزرع الخ ) إطلاقه يعم إذا ما إذا لم ينبت لأنه حينئذ يمكن أخذه بالغربال وما إذا عفن واختار الفضلي وتبعه في الذخيرة أنه حينئذ يكون للمشتري لأنه لا يجوز بيعه على الإفراد وبالإطلاق أخذ أبو الليث
نهر
وقال في الفتح واختار الفقيه أبو الليث أنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف ا هـ
قوله ( إلا إذا نبت ولا قيمة له ) ذكر في الهداية قولين في هذه المسألة بلا ترجيح وذكر في التجنيس أن الصواب الدخول كما نص عليه القدوري والإسبيجابي والخلاف مبني على الاختلاف في جواز بيعه قبل أن تناله المشافر والمناجل
قال في الفتح يعني أن من قال لا يجوز بيعه قال يدخل ومن قال يجوز قال لا يدخل ولا يخفى أن كلا من الاختلافين مبني على سقوط تقومه وعدمه فإن القبول بعدم جواز بيعه وبعدم دخوله في البيع كلاهما مبني على سقوط تقومه والأوجه جواز بيعه على رجاء تركه كما يجوز بيع الجحش كما ولد رجاء حياته فينتفع به في ثاني الحال ا هـ
ما في الفتح
وظاهره اختيار عدم الدخول لاختياره جواز بيعه وبه صرح في السراج حيث قال لو باعه بعدما نبت ولم تنله المشافر والمناجل ففيه روايتان والصحيح أنه لا يدخل إلا بالتسمية ومنشأ الخلاف هل يجوز بيعه أو لا الصحيح الجواز ا هـ
والحاصل أن الصور أربع لأنه إما أن يكون بعد النبات أو قبله وعلى كل إما أن يكون له قيمة أو لا
____________________
(4/552)
ولا يدخل في الكل لكن وقع الخلاف فيما ليس له قيمة قبل النبات أو بعده ففي الثانية الأصح الدخول كما ذكره الشارح بل علمت أنه الصواب وظاهر الفتح اختيار عدمه وبه صرح في السراج وكذا في الأولى اختلف الترجيح فاختار الفضلي الدخول واختار أبو الليث عدمه كما قدمناه عن النهر والفتح واقتصار الشارح على استثناء الثانية فقد يفيد ترجيح ما اختاره أبو الليث في الأولى لكن قدمنا عن الفتح أن اختيار أبي الليث إنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف يعني صاحب الهداية وظاهره عدم الدخول في الصور الأربع وقد وقع في البحر ههنا خلل في فهم كلام السراج المتقدم وفي بيان الخلاف في الصور المذكورة والصواب ما ذكرناه كما أوضحته فيما علقته فافهم
تنبيه قيد بالبيع لأنه في رهن الأرض يدخل الشجر والثمر والزرع وفي وقفها يدخل البناء والشجر لا الزرع وكذا لو أقر بأرض عليها زرع أو شجر دخل ولا يدخل الزرع في إقالة الأرض وتمامه في البحر
قوله ( ولا الثمر في بيع الشجر ) الثمر بمثلثة الحمل الذي تخرجه الشجرة وإن لم يؤكل فيقال ثمر الأراك والعوسج والعنب
مصباح وفي الفتح ويدخل في الثمرة الورد والياسمين ونحوهما من المشمومات
نهر
وشمل ما إذا بيع الشجر مع الأرض أو وحده كان له قيمة أو لا
بحر
قوله ( ليفيد أنه لا فرق ) أي بين أن يسمى الزرع والثمر بأن يقول بعتك الأرض وزرعها أو بزرعها أو الشجر وثمره أو معه أو به وبين أن يخرجه مخرج الشرط فيقول بعتك الأرض على أن يكون زرعها لك أو بعتك الشجر على أن يكون الثمر لك كذا في المنح ا هـ ح
ومثله في البحر
مطلب المجتهد إذا ستدل بحديث كان تصحيحا له قوله ( وخصه بالثمر خص ذكر الشرط بمسألة الثمر دون مسألة الزرع مع إمكان العكس اتباعا للحديث المذكور الذي استدل به الإمام محمد على أنه لا فرق بين كون الثمر مؤبرا أو لا
التأبير التلقيح وهو أن يشق الكم وبذر فيه من طلع النخل ليصلح إناثها والكم بالكسر وعاء الطلع
وأما حديث الكتب الستة
من باع نخلا مؤبرا فلثمرة للبائع إلا أن يشترط لمبتاع فلا يعارضه لأن مفهوم الصفة غير معتبر عندنا وما قيل من أن الحديث الأول غريب ففيه أن المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له كما في التحرير وغيره
نعم يرد ما في الفتح أم حمل المطلق على المقيد هنا واجب لأنه في حادثة واحدة في حكم واحد ثم أجاب عنه بأنهم قاسوا الثمر على الزرع كما قال في الهداية إنه متصل للقطع لا للبقاء وهو قياس صحيح وهم يقدمون القياس على المفهوم إذا تعارضا
مطلب في حمل المطلق على المقيد واعترض في البحر قوله إن حمل المطلق على المقيد واجب الخ بأنه ضعيف لما في النهاية من أن الأصح أنه لا يجوز لا في حادثة ولا في حادثتين حتى جوز أبو حنيفة التيمم بجميع أجزاء الأرض بحديث جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ولم يحمل هذا المطلق على المقيد وهو حديث التراب طهور ا هـ
____________________
(4/553)
أقول أجبت عنه فيما علقته على البحر بأن المقيد هنا لا ينفي الحكم عما عداه لأن التراب لقب ومفهوم اللقب غير معتبر إلا عند فرقة شاذة ممن اعتبر المفاهيم فليس مما يجب فيه الحمل فلا دلالة في ذلك على أنه لا يحمل في حادثة عندنا كيف وحمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم والحادثة مشهور عندنا مصرح به في متن المنار والتوضيح والتلويح وغيرها فما استند إليه من كلام النهاية غير مسلم فافهم
قوله ( ويؤمر البائع بقطعهما ) أي فيما إذا باع أرضا فيها زرع لم يسمه أو شجرا عليه ثم لم يشترطه حتى بقي الزرع والثمر على ملك البائع
قوله ( الزرع والثمر ) بدل من ضمير التثنية وقوله الأرض والشجر بدل من المبيع
قوله ( عند وجوب تسليمهما ) أي تسليم الأرض والشجر وذلك عند نقد المشتري الثمن
قوله ( لم يؤمر به ) أي بالقطع لعدم وجوب التسليم
قوله ( وإن لم يظهر صلاحه ) الأولى صلاحهما أي الزرع والثمر وهو المناسب لقوله بقطعهما
قوله ( لأن ملك المشتري مشغول الخ ) علة لقوله ويأمر البائع بقطعهما الخ وفي النهر عن جامع الفصولين باع شجرا عليه ثمر أو كرما عليه عنب لا يدخل الثمر فلو استأجر الشجرة من المشتري ليترك عليه الثمر لم يجز ولكن يعار إلى الإدراك فلو أبى المشتري يخير البائع إن شاء أبطل البيع أو قطع الثمر ا هـ
وسيذكره الشارح آخر الباب فتأمله مع قول المتون ويؤمر البائع بالقطع فإنه ينافي التخيير المذكور ولعله قول آخر فليحرر
قوله ( وما في الفصولين ) أي جامع الفصولين لابن قاضي سماوة جمع فيه بين فصولي العمادي والأستروشني ط
قوله ( محمول على ما إذا رضي المشتري ) أي رضي بإبقاء الزرع بأجر مثل الأرض وإلا أمر البائع بالقلع توفيقا بين كلامهم وأما إذا نقضت المدة في الأجارة فللمستأجر أن يبقى الزرع بأجر المثل إلى انتهائه لأنها للانتفاع وذكل بالترك دون القلع بخلاف الشراء لأنه لملك الرقبة فلا يراعي فيه إمكان الانتفاع
بحر
مطلب في بيع الثمر والزرع والشجر مقصودا قوله ( ومن باع ثمرة بارزة ) لم فرغ من بيع الثمر تبعا للشجر شرع في بيعه مقصودا ولم يذكر حكم بيع الزرع والشجر مقصودا
قال في الدرر لا يصح بيع الزرع قبل صيرورته بقلا لأنه ليس بمنتفع به وتابع للأرض فيكون كالوصف فلا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده وإن باع على أن يتركه حتى يدرك لم يجز وكذا الرطبة والبقول ويجوز بيع حصته من شريكه مطلقا أي سواء بلغ أوان الحصاد أو لا ومن غيره بغير إذنه إن لم يفسخ إلى الحصاد فإنه حينئذ ينقلب إلى الجواز كما إذا باع الجذع في السقف ولم يفسخ البيع حتى أخرجه وسلمه ا هـ
ويأتي في المتن بيع البر في سنبله
وفي البحر عن الظهيرية اشترى شجرة للقلع يؤمر بقلعها بعروقها وليس له حفر الأرض إلى انتهاء العروق بل يقلعها على العادة إلا أن شرط البائع القطع على وجه الأرض أو يكون في القلع من الأصل مضرة للبائع ككونها بقرب حائط أو بئر فيقطعها على وجه الأرض فإن قطعها أو قلعها فنبت مكانها أخرى فالنبات للبائع إلا إذا قطع من أعلاها فهي للمشتري
سراج ولو اشترى نخلة ولم يبين أنها للقلع أو للقرار قال أبو يوسف
____________________
(4/554)
لا يملك أرضها وأدخل محمد ما تحتها وهو المختار وإن اشتراها للقطع لا تدخل الأرض اتفاقا وإن للقرار تدخل إتفاقا وإن باع نصيبا له من شجرة بلا إذن الشريك جاز إن بلغت أوان قطعها وإلا فلا ا هـ
وقدمنا في الشركة حكم بيع الحصة الشائعة من ثمر أو زرع أو شجر مفصلا موضحا فراجعه
قوله ( أما قبل الظهور ) أشار إلى أن البروز بمعنى الظهور والمراد به انفراك الزهر عنها وانعقادها ثمرة وإن صغرت
قوله ( ظهر صلاحها أو لا ) قال في الفتح لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به ولا في الجواز بعد بدو الصلاح ولكن بدو الصلاح عندنا أن تؤمن العاهة والفساد
وعند الشافعي هو ظهور النضج وبدو الحلاوة والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح على الخلاف في معناه لا بشرط القطع فعند الشافعي ومالك وأحمد لا يجوز وعندنا إن كان بحال لا ينتفع به في الأكل ولا في علف الدواب فيه خلاف بين المشايخ
قيل لا يجوز ونسبه قاضيخان لعامة مشايخنا والصحيح أنه يجوز لأنه مال منتفع به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعا به في الحال والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثري أول ما تخرج مع أوراق الشجر فيجوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ا هـ
قوله ( لا يصح في ظاهر المذهب ) قال في الفتح ولو اشتراها مطلقا أي بلا شرط قطع أو ترك فأثمرت ثمرا آخر قبل القبض فسد البيع لأنه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز فأشبه هلاكه قبل التسليم ولو أثمرت بعد القبض يشتركان فيه للاختلاط والقول قول المشتري في مقداره مع يمينه لأنه في يده وكذا في بيع الباذنجان والبطيخ إذا حدث بعد القبض خروج بعضها اشتركا كما ذكرنا ا هـ
ومقتضاه أنها لو أثمرت بعد القبض يصح في البيع في الموجود وقت البيع فإطلاق المصنف تبعا للزيلعي محمول على ما إذا باع الموجود والمعدوم كما يفيده ما يأتي عن الحلواني وما ذكره في الفتح من التفصيل محمول على ما إذا باع الموجود فقط وعلى هذا فقول الفتح عقب ما قدمناه عنه وكان الحلواني يفتي بجوازه في الكل الخ لا يناسب التفصيل الذي ذكره لأنه لا وجه لجواز البيع في الكل إذا وقع البيع على الموجود فقط فاغتنم هذا التحرير
قوله ( وأفتى الحلواني بالجواز ) وزعم أنه مروي عن أصحابنا وكذا حكي عن الإمام الفضلي وقال استحسن فيه لتعامل الناس وفي نزع الناس عن عادتهم حرج
قال في الفتح وقد رأيت رواية في نحو هذا عن محمد في بيع الورد على الأشجار فإن الورد متلاحق وجوز البيع في الكل وهو قول مالك ا هـ
قال الزيلعي وقال شمس الأئمة السرخسي والأصح أنه لا يجوز لأن المصير إلى مثل هذه الطريقة عند تحقق الضرورة ولا ضرورة هنا لأنه يمكنه أن يبيع الأصول على ما بينا أو يشتري الموجود ببعض الثمن ويؤخر العقد في الباقي إلى وقت وجوده أو يشتري الموجود بجميع الثمن ويبيح له الانتفاع بما يحدث منه فيحصل مقصودهما بهذا الطريق فلا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم مصادما للنص
وهو ما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلما هـ
قلت لكن لا يخفى تحقق الضرورة في زماننا ولا سيما في مثل دمشق الشام كثيرة الأشجار والثمار فإنه لغلبة الجهل على الناس لا يمكن إلزامهم بالتخلص بأحد الطرق المذكورة وإن أمكن ذلك بالنسبة إلى بعض أفراد الناس لا يمكن بالنسبة إلى عامتهم وفي نزعهم عن عادتهم حرج كما علمت ويلزم تحريم أكل الثمار في هذه البلدان
____________________
(4/555)
إذ لا تباع إلا كذلك والنبي إنما رخص في السلم للضرورة مع أنه بيع المعدوم فحيث تحققت الضرورة هنا أيضا أمكن إلحاقه بالسلم بطريق الدلالة فلم يكن مصادما للنص فلذا جعلوه من الاستحسان لأن القياس عدم الجواز وظاهر كلام الفتح الميل إلى الجواز ولذا أورد له الرواية عن محمد بل تقدم أن الحلواني رواه عن أصحابنا وما ضاق الأمر إلا اتسع ولا يخفى أن هذا مسوغ للعدول عن ظاهر الرواية كما يعلم من رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف فراجعها
قوله ( لو الخارج أكثر ) ذكر في البحر عن الفتح أن ما نقله شمس الأئمة عن الإمام الفضلي لم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد أكثر بل قال عنه أجعل الموجود أصلا وما يحدث بعد ذلك تبعا
قوله ( ويقطعها المشتري ) أي إذا طلب البائع تفريغ ملكه وهذا راجع لأصل المسألة
قوله ( جبرا عليه ) مفاده أنه لا خيار للمشتري في إبطال البيع إذ امتنع البائع عن إبقاء الثمار على الأشجار وفيه بحث لصاحب البحر والنهر سيذكره الشارح آخر الباب
قوله ( فسد ) أي مطلقا كما يرشد إليه التفصيل في القول المقابل له فافهم
وعلل في البحر الفساد بأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير
قوله ( كشرط القطع على البائع ) في البحر عن الولوالجية باع عنبا جزافا وكذا الثوم في الأرض والجزر والبصل فعلى المشتري قطعه إذا خلى بينه وبين المشتري لأن القطع إنما يجب على البائع إذا وجب عليه الكيل أو الوزن ولم يجب لأنه لم يبع مكايلة ولا موازنة
قوله ( وبه يفتى ) قال في الفتح ويجوز عند محمد استحسانا وهو قول الأئمة الثلاثة واختاره الطحاوي لعموم البلوى
قوله ( بحر عن الأسرار ) عبارة البحر وفي الأسرار الفتوى على قول محمد وبه أخذ الطحاوي
وفي المنتقى ضم إليه أبا يوسف وفي التحفة والصحيح قولهما
قوله ( لكن في القهستاني عن المضمرات ) حقه أن يقول عن النهاية لأن عبارة القهستاني مع المتن وشرط تركها على الشجر والرضا به يفسد البيع عندهما وعليه الفتوى كما في النهاية ولا يفسد عند محمد إن بدا صلاح بعض وقرب صلاح الباقي وعليه الفتوى كما في المضمرات ا هـ
وما نقله القهستاني عن المضمرات مخالف لما في الهداية والفتح والبحر وغيرها من حكاية الخلاف في الذي تناهى صلاحه فإنه صريح في تناهي الصلاح لا في بدوه وأيضا المتبادر منه صلاح الكل
تأمل
قوله ( فتنبه ) أشار به إلى اختلاف التصحيح وتخيير المفتي في الإفتاء بأيهما شاء لكن حيث كان قول محمد هو الاستحسان يترجح على قولهما
تأمل
قوله ( قيد باشتراط الترك ) أي قيد المصنف الفساد به
قوله ( مطلقا ) أي بلا شرط ترك أو قطع وظاهره ولو كان الترك متعارفا مع أنهم قالوا المعروف عرفا كالمشروط نصا ومقتضاه فساد البيع وعدم حل الزيادة
تأمل
قوله ( طلب به الزيادة ) هي ما زاد في ذات المبيع فلا ينافي ما قدمناه من أنه لو أثمرت ثمرا آخر فإن قبل القبض فسد البيع أو بعده يشتركان فيه لأن ذاك في الزيادة على المبيع مما لم يقع عليه البيع وهذا في زيادة ما وقع عليه البيع كما أفاده في النهر
وحاصله أن المراد هنا الزيادة المتصلة لا المنفصلة
قوله ( تصدق بما زاد في ذاتها ) لحصوله بجهة محظورة
بحر
وتعرف الزيادة بالتقويم يوم البيع والتقويم يوم الإدراك فالزيادة تفاوت ما بينهما
ط عن العيني
قوله ( لم يتصدق بشيء ) نعم عليه إثم غصب المنفعة
فتح
قوله ( بطلت الإجارة ) وإن عين المدة
در منتقى
فإن أصل الإجارة
____________________
(4/556)
مقتضى القياس فيها البطلان إلا أن الشرع أجازها للحاجة فيما فيه تعامل ولا تعامل في إجارة الأشجار المجردة فلا يجوز وكذا لو استأجر أشجارا ليجفف عليها ثيابه لم يجز
ذكره الكرخي
فتح
قوله ( لترك الزرع ) الأولى تعبير الهداية وغيرها بقوله إلى أن يدرك الزرع أي إلى وقت إدراكه بلا ذكر مدة
قوله ( ولم تطب الزيادة ) أي الزيادة على الثمرة وعلى ما غرم من أجرة المثل ط
عن العيني
مطلب فساد المتضمن يوجب فساد المتضمن قوله ( كما حررناه في شرحه ) ونصه لفساد الإذن بفساد الإجارة وفساد المتضمن يوجب فساد المتضمن بخلاف الباطل فإنه معدوم شرعا أصلا ووصفا فلا يتضمن شيئا فكانت مباشرته عبارة عن الإذن ا هـ ح
وحاصل الفرق كما في الفتح وغيره أن الفاسد له وجود لأنه فائت الوصف دون الأصل فكان الإذن ثابتا في ضمنه فيفسد بخلاف الباطل فإنه لا وجود له أصلا فلم يوجد إلا الإذن ولا يخفى أن هذا الفرق ينافي ما مر أول البيوع من أن البيع بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد قبل متاركة العقد الأول وينافي فروعا أخر مذكورة في آخر الفن الثالث من الأشباه عند قوله فائدة إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه فراجعها متأملا
قوله ( والحيلة ) في أن يطيب للمشتري ما زاد في ذات المبيع وما لم يكن بارزا وقت العقد
قوله ( أن يأخذ ) أي المشتري
قوله ( معاملة ) أي مساقاة لمدة معلومة كما في القنية
قوله ( على أن له الخ ) أي للبائع
قال في شرحه على الملتقى وينبغي أن يقول المشتري للبائع بعد ما دفع الثمن أخذت منك هذا الشجر معاملة على أن لك جزءا من ألف جزء ولي ألف جزء إلا جزءا أي من الثمر
ذكره الشمني وفيه أن المشتري قد أخذ الثمر شراء فكيف يأخذه معاملة إلا أن يقال إنه دفع له الثمن على وجه التبرع ويكون الاعتبار على عقد المعاملة ا هـ
قلت الشراء إنما وقع على البارز وقت العقد والمعاملة لأجل طيب ما لم يبرز بعد وطيب ما زاد في ذات البارز نعم هذه الحيلة إنما تتأتى إذا لم يكن الشجر وقفا أو ليتيم لعدم الحظ والمصلحة في أخذه جزءا من ألف جزء والباقي للمشتري كما ذكر الشارح نظيره في أول كتاب الإجارة
قوله ( وأن يشتري الخ ) هذه حيلة ثانية وبيانها أن المشري إما أن يكون مما يوجد شيئا فشيئا وقد وجد بعضه أو لم يوجد منه شيء كالباذنجان والبطيخ والخيار أو يوجد كله لكنه لم يدرك كالزرع والحشيش أو يكون وجد بعضه دون بعض كثمر الأشجار المختلفة الأنواع
ففي الأول يشتري الأصول ببعض الثمن ويستأجر الأرض مدة معلومة بباقي الثمن لئلا يأمره البائع بالقلع قبل خروج الباقي أو قبل الإدراك
وفي الثاني يشتري الموجود من الحشيش والزرع ويستأجر الأرض كما قلنا
وفي الثالث يشتري الموجود من الثمر بكل الثمن ويحل له البائع ما سيوجد لأن استئجار الأرض لا يتأتى هنا
____________________
(4/557)
لأن الأشجار باقية على ملك البائع وقيامها في الأرض مانع من صحة استئجار الأرض إلا أن يأخذها أو لا معاملة كما مر لأنها تصير في تصرفه أو تكون الأشجار على المسناة فإنها حينئذ لا تمنع صحة إجارة الأرض كما يعلم من بابها ومسألة الإحلال تتأتى في الأول والثاني أيضا
قوله ( ببعض الثمن ) تنازع فيه يشتري الأول ويشتري الثاني في المسألتين
وقوله ويستأجر الأرض راجع للمسألتين أيضا كما علم مما قررناه
قوله ( وفي الأشجار الموجود ) أي وفي ثمار الأشجار يشتري الموجود منها
قوله ( فإن خاف الخ ) قال في جامع الفصولين أقول كتبت في لطائف الإشارات أنهم قالوا قال وكلتك بكذا على أني كلما عزلتك فأنت وكيلي صح وقيل لا فإذا صح يبطل العزل عن المعلقة قبل وجود الشرط عند أبي يوسف وجوزه محمد فيقول في عزله رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن الوكالة المنجزة ا هـ رملي
وحاصله أنه على قول محمد يمكن الرجوع هنا عن الإحلال بأن يقول رجعت عن الإحلال المعلق وعن المنجز فيتعين حينئذ الاحتيال بالعاملة على الأشجار كما مر
قوله ( في الترك ) المناسب في الأكل لأن فرض المسألة أنه أحل له ما يوجد في المستقبل والترك إنما يناسب الموجود إلا أن يدعي أن المراد ما يوجد من الزيادة في ذات المبيع الموجود
تتمة اشترى الثمار على رؤوس الأشجار فرأى من كل شجرة بعضها يثبت له خيار الرؤية
بحر
ثم ذكر حكم بيع المغيب في الأرض وسياتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في أول البيع الفاسد
قوله ( ما جاز إيراد العقد عليه الخ ) هذه قاعدة مذكورة في عامة المعتبرات مفرع عليها مسائل منها ما ذكر هنا
منح
قوله ( صح استثناؤه منه ) أي من العقد كما هو مصرح به في عبارة الفتح وهذا أولى من جعل الضمير في منه راجعا للمبيع المعلوم من المقام فافهم ولا يصح إرجاعه إلى ما لأنها واقعة على المستثنى فيلزم استثناء الشيء من نفسه كما لا يخفى
قال في الفتح وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه بخلاف استثناء الحمل من الجارية أو الشاة وأطراف الحيوان لا يجوز كما لو باع هذه الشاة إلا أليتها أو هذاالعبد إلا يده فيصير مشتركا متميزا بخلاف ما لو كان مشتركا على الشيوع فإنه جائز ا هـ أي كبيع العبد إلا نصفه مثلا لأنه غير متميز في جزء بعينه بل شائع في جميع أجزائه فيجوز
قوله ( يصح إفرادها ) بأن يوصي بها وحدها بدون الرقبة ا هـ ح
قوله ( دون الاستثناء ) بأن يوصى له بعبد دون خدمته ا هـ ح
وقيد بالخدمة لأن الحمل يصح استثناؤه في الوصية حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية والفرق أن الوصية أخت الميراث والميراث يجري فيما في البطن بخلاف الخدمة والغلة كالخدمة
بحر من البيع الفاسد
قوله ( وشاة معينة من قطيع ) أما لو غير معينة فلا يجوز كثوب غير معين من عدل أفاده في البحر
____________________
(4/558)
قوله ( وأرطال معلومة ) أفاد أن محل الاختلاف الآتي ما إذا استثنى معينا فإن استثنى جزءا كربع وثلث فإنه صحيح اتفاقا كما في البحر عن البدائع
قلت وجهه أن ما يقدر بالرطل شيء معين بخلاف الربع مثلا فإنه غير معين بل هو جزء شائع كما قلنا آنفا ونظيره ما قدمناه عند قوله وفسد بيع عشرة أذرع من مائة ذراع من دار لا أسهم وقيد بالأرطال لأنه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا لأنه استثناء القليل من الكثير بخلاف الأرطال لجواز أن لا يكون إلا ذلك القدر فيكون استثناء الكل من الكل بحر عن البناية
ومقتضاه أنه لو علم أنه يبقى أكثر من المستثنى يصح ولو المستثنى أرطالا على رواية الحسن الآتية وهو خلاف ما يدل عليه كلام الفتح من تعليل هذه الرواية بأن الباقي بعد إخراج المستثنى ليس مشارا إليه ولا معلوم الكيل المخصوص فكان مجهولا وإن ظهر آخرا أنه بقي مقدار معين لأن المفسد هو الجهالة القائمة ا هـ
ومقتضاه الفساد باستثناء الرطل الواحد أيضا على هذه الرواية
تأمل
قوله ( لصحة إيراد العقد عليها ) أي على القفيز والشاة المعينة والأرطال المعلومة وهو تعليل لقوله فصح أفاد به دخول من ذكر تحت القاعدة المذكورة
قوله ( ولو الثمر على رؤوس النخل ) فيصح إذا كان مجذوذا بالأولى لأنه محل وفاق
قوله ( على الظاهر ) متعلق بقوله فصح ومقابل ظاهر الرواية رواية الحسن عن الإمام أنه لا يجوز واختاره الطحاوي والقدوري لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول وفي الفتح أنه أقيس بمذهب الإمام في مسألة بيع الصبرة وأجاب عنه في النهر فراجعه
قوله ( بغير سنبل البر ) متعلق ببيع والباء فيه للبدل قال الخير الرملي في حاشية البحر وسيأتي في الربا أن بيع الحنطة الخالصة بحنطة في سنبلها لا يجوز ويجب تقييده بما إذا لم تكن الحنطة الخالصة أكثر من التي في سنبلها وقد صرح بذلك في الخانية ويعلم يذلك أنه يجوز بيع التي في سنبلها معه بالأخرى التي في سنبلها معه صرفا للجنس إلى خلافة ا هـ
وبه ظهر أن قول المصنفكبيع بر في سنبله إن أراد به بيع الحب فقط كما يشعر به قول الشارح الآتي وعلى البائع إخراجه فتقييده بقوله بغير سنبل البر احتراز عما إذا باعه باعه بسنبل البر أي بالبر مع سنبله فإنه لا يجوز إذا لم يكن الحب الخالص أكثر أما إذا كان أكثر يكون الزائد بمقابلة التبن فيجوز وإن أراد به بيع البر مع السنبل فلا يصح تقييده بقوله بغير سنبله لما علمت من جواز بيعه بمثله بأن يجعل الحب في أحدهما بمقابلة التبن في الآخر
قوله ( لاحتمال الربا ) تعليل للمفهوم وهو أنه لو بيع بسنبل البر لا يجوز لاحتمال أن يكون البر الذي بيع وحده مساويا للبر الذي بيع مع سنبله أو أقل فيكون الفضل ربا إلا إذا علم أن ما بيع وحده أكثر كما قلنا آنفا
قوله ( وباقلاء ) هو القول بحر
على وزن فاعلاء يشدد فيقصر ويخفف فيمد الواحدة باقلاة في الوجهين
مصباح
قوله ( في قشرها الأول ) وكذا الثاني بالأولى لأن الأول فيه خلاف الشافعي
قوله ( فعلى البائع إخراجه ) في البزازية لو باع حنطة في سنبلها لزم البائع الدوس والتذرية
بحر
وكذا الباقلاء وما بعدها
قوله ( إلأ إذا باع بما فيه ) عبارته في الدر المنتقى إلا إذا بيعت بما هي فيه ا هـ
وهي أوضح يعني إذا باع الحنطة بالتبن لا يلزم البائع تخليصه ط
قوله ( الوجه نعم ) لأنه لم يره
فتح
وأقره في البحر والنهر
قوله ( وإنما بطل الخ ) قال في الفتح وأورد المطالبة بالفرق بين ما إذا باع حب قطن في قطن بعينه أو نوى تمر في تمر بعينه أي باع ما في هذا القطن من الحب أو ما في هذا التمر من النوى فإنه لا يجوز
____________________
(4/559)
مع أنه أيضا في غلافه أشار أبو يوسف إلى الفرق بأن النوى هناك معتبر عدما هالكا في العرف فإنه يقال هذا تمر وقطن
ولا يقال هذا نوى في تمره ولا حب في قطنه
ويقال هذه حنطة في سنبلها وهذا لوز وفستق في قشره ولا يقال هذه قشور فيها لوز ولا يذهب إليه وهم وبما ذكرنا يخرج الجواب عن امتناع بيع اللبن في الضرع واللحم والشحم في الشاة والألية والأكارع والجلد فيها والدقيق في الحنطة والزيت في الزيتون والعصير في العنب ونحو ذلك حيث لا يجوز لأن كل ذلك منعدم في العرف
لا يقال هذا عصير وزيت في محله وكذا الباقي ا هـ
قوله ( من نوى الخ ) نشر مرتب ط
قوله ( لأنه من تمام التسليم ) إذ لا يتحقق تسليم المبيع إلا بكيله ووزنه ونحوه ومعلوم أن الحاجة إلى هذا باع مكايلة أو موازنة ونحوه إذ لا يحتاج إلى ذلك في المجازفة وكذا صب الحنطة في وعاء المشتري على البائع
فتح
قوله ( وأجرة وزن ثمن ونقده ) أما كون أجرة وزن الثمن على المشتري فهو باتفاق الأئمة الأربعة وأما الثاني فهو ظاهر الرواية وبه كان يفتي الصدر الشهيد وهو الصحيح كما في الخلاصة لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد وتعرفه بالنقد كما يعرف المقدار بالوزن ولا فرق بين أن يقول دراهمي منقودة أو لا هو الصحيح خلافا لمن فصل وتمامه في النهر
قوله ( وقطع ثمر ) في الفتح عن الخلاصة وقطع العنب المشري جزافا على المشتري وكذا كل شيء باعه جزافا كالثوم والبصل والجزر إذا خلى بينها وبين المشتري وكذا قطع الثمر يعني إذا خلى بينها وبين المشتري ا هـ
قوله ( إلا إذا قبض البائع الثمن الخ ) أي فإن أجرة النقد على البائع لأنه من تمام التسليم وشرط لثبوت الرد إذ لا تثبت زيافته إلا بنقده
قال في البحر وأما أجرة نقد الدين فعلى المديون إلا إذا قبض رب الدين ثم ادعى عدم النقد فالأجرة على رب الدين لأنه بالقبض دخل في ضمانه
قوله ( فبقدره ) أي فيرد من الأجرة بقدر ما ظهر زيفا فيرد نصف الأجرة إن ظهر نصف الدراهم زيوفا وما عزاه إلى البزازية رأيته أيضا في الخانية والولوالجية ورأيت منقولا عن المحيط أنه لا أجر له بظهور البعض زيوفا لأنه لم يوف عمله ولا ضمان عليه
قوله ( فأجرته على البائع ) وليس له أخذ شيء من المشتري لأنه هو العاقد حقيقة شرح الوهبانية وظاهره أنه لا يعتبر العرف هنا لأنه لا وجه له
قوله ( يعتبر العرف ) فتجب الدلالة على البائع أو المشتري أو عليهما بحسب العرف
جامع الفصولين
قوله ( إن إحضر البائع السلعة ) شرط لإلزام المشتري بتسليم الثمن أولا والشرط أيضا كون الثمن حالا وأن لا يكون في البيع خيار للمشتري فلا يطالب بالثمن قبل حلول الأجل ولا قبل سقوط الخيار
وأفاد أن للبائع حبس المبيع حتى يستوفي كل الثمن فلو شرط دفع المبيع قبل نقد الثمن فسد البيع لأنه لا يقتضيه العقد
وقال محمد لجهالة الأجل فلو سمى وقت تسليم المبيع جاز وله الحبس وإن بقي منه درهم كما في البحر
وفي الفتح والدر المنتقى لو هلك المبيع بفعل البائع أو بفعل المبيع أو بأمر سماوي بطل البيع ويرجع بالثمن لو مقبوضا وإن هلك بفعل المشتري فعليه ثمنه إن كان البيع مطلقا أو بشرط الخيار له وإن كان الخيار للبائع أو كان البيع فاسدا لزمه ضمان مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا وإن هلك بفعل أجنبي فالمشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع فيضمن الجاني للبائع ذلك وإن شاء أمضاه ودفع الثمن واتبع الجاني ويطيب له الفضل إن كان الضمان من خلاف الثمن وإلا فلا ا هـ
____________________
(4/560)
مطلب في حبس المبيع القبض الثمن وفي هلاكه وما يكون قبضا تنبيه للبائع حبس المبيع إلى قبض الثمن ولو بقي منه درهم ولو المبيع شيئين بصفقة واحدة وسمى لكل ثمنا فله حبسهما إلى استيفاء الكل ولا يسقط حق الحبس بالرهن ولا بالكفيل ولا بإبرائه عن بعض الثمن حتى يستوفي الباقي ويسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا وكذا بحوالة المشتري البائع به على رجل عند أبي يوسف وعند محمد فيه روايتان وبتأجيل الثمن بعد البيع وبتسليم البائع المبيع قبل قبض الثمن فليس له بعده رده إليه بخلاف ما إذا قبضه المشتري بلا إذنه إلا إذا رآه ولم يمنعه من القبض فهو إذن وقد يكون القبض حكميا
قال محمد كل تصرف يجوز من غير قبض إذا فعله المشتري قبل القبض لا يجوز وكل ما لا يجوز إلا بالقبض كالهبة إذا فعله المشتري قبل القبض جاز ويصير المشتري قابضا ا هـ
أي لأن قبض الموهوب له يقوم مقام قبض المشتري ومن القبض ما لو أودعه المشتري عند أجنبي أو أعاره وأمر البائع بالتسليم إليه لا لو أودعه أو أعاره أو أجره من البائع أو دفع إليه بعض الثمن وقال تركته عندك رهنا على الباقي ومنه ما لو قال للغلام تعالى معي وامش فتخظى أو أعتقه أو أتلف المبيع أو أحدث فيه عيبا أو أمر البائع بذلك ففعل أو أمره بطحن الحنطة فطحن أو وطىء الأمة فحبلت ومنه ما لو اشترى دهنا ودفع قارورة يزنه فيها فوزنه فيها بحضرة المشتري فهو قبض وكذا بغيبته في الأصح وكذا كل مكيل أو موزون إذا دفع له الوعاء فكاله أو وزنه فيه بأمره ومنه ما لو غصب شيئا ثم اشتراه صار قابضا بخلاف الوديعة والعارية إلا إذا وصل إليه بعد التخلية ولو اشترى ثوبا أو حنطة فقال للبائع بعه قال الإمام الفضلي إذا كان قبل القبض والرؤية كان فسخا وإن لم يقل البائع نعم لأن المشتري ينفرد بالفسخ في خيار الرؤية وإن قال بعه لي أي كن وكيلا في الفسخ فما لم يقبل البائع لا يكون فسخا وكذا لو بعد القبض والرؤية لكن يكون وكيلا بالبيع سواء قال بعه أو بعه لي هذا كله ملخص ما في البحر
قوله ( أو ثمن بمثله ) المراد بالثمن النقود من الدارهم والدنانير لأنها خلقت أثمانا ولا تتعين بالتعيين
قوله ( سلما معا ) لاستوائهما في التعيين في الأول وفي عدمه في الثاني أما في بيع سلعة بثمن فإنما تعين حق المشتري في المبيع فلذا أمر بتسليم الثمن أولا ليتعين حق البائع أيضا تحقيقا للمساواة
قوله ( ما لم يكن الخ ) الظرف الذي نابت عنه ما المصدرية الظرفية متعلق بقوله ويسلم الثمن فكان المناسب ذكره عقب قوله إن أحضر البائع السلعة بأن يقول ولم يكن دينا الخ
قوله ( كسلم وثمن مؤجل ) تمثيل لما إذا كان أحد العوضين دينا فالأول مثال المبيع لأن المراد بالسلم المسلم فيه والثاني مثال الثمن
قوله ( ثم التسليم ) أي في المبيع والثمن ولو كان البيع فاسدا كما في البحر ط
مطلب فيما يكون قبضا للمبيع قوله ( على وجه يتمكن من القبض اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاج إليه وقال خليت بينك وبينها فهو قبض وإن دفعه ولم يقل شيئا لا يكون قبضا وإن باع دارا غائبة فقال سلمتها إليك فقال قبضتها لم يكن قبضا وإن كانت قريبة كان قبضا وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة وفي جمع النوازل دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه بلا كلفة وكذا لو اشترى بقرا في السرح فقال البائع اذهب واقبض وإن كان يرى بحيث يمكنه الإشارة إليه يكون قبضا ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه
____________________
(4/561)
حتى أخذه إنسان إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح ولو اشترى طيرا أو فرسا في بيت وأمره البائع بقبضه ففتح الباب فذهب إن أمكنه أخذه بلا عون كان قبضا وتمامه في البحر
مطلب في شروط التخلية وحاصله أن التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة لكن ذلك يختلف بحسب حال المبيع ففي نحو حنطة في بيت مثلا فدفع المفتاح إذا أمكنه الفتح بلا كلفة قبض وفي نحو دار فالقدرة على إغلاقها قبض أي بأن تكون في البلد فيما يظهر وفي نحو بقر في مرعى فكونه بحيث يرى ويشار إليه قبض وفي نحو ثوب فكونه بحيث لو مد يده تصل إليه قبض وفي نحو فرس أو طير في بيت إمكان أخذه منه بلا معين قبض
قوله ( بلا مانع ) بأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره فلو كان المبيع شاغلا كالحنطة في جوالق البائع لم يمنعه
بحر
وفي الملتقط ولو باع دارا وسلمها إلى المشتري وله فيها متاع قليل أو كثير لا يكون تسليما حتى يسلمها فارغة وكذا لو باع أرضا وفيها زرع ا هـ
وفي البحر عن القنية لو باع حنطة في سنبلها فسلمها كذلك لم يصح كقطن في فراش ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية وإن كانت متصلة بملك البائع
وعن الوبري المتاع لغير البائع لا يمنع فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده ا هـ
مطلب اشترى دارا مأجورة لا يطالب بالثمن قبل قبضها قلت ويدخل في الشغل بحق الغير ما لو كانت الدار مأجورة فليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن لعدم القبض وهي واقعة الفتوى سئل عنها ورأيت نقلها في الفصل الثاني والثلاثين من جامع الفصولين باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الإجارة ثم يقبضه من البائع فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم وكذا لو شرى غائبا لا يطالبه بثمنه ما لم يتهيأ المبيع للتسليم ا هـ
قوله ( ولا حائل ) بأن يكون في حضرته ا هـ ح
وقد علمت بيانه
قوله ( أن يقول خليت الخ ) الظاهر أن المراد به الإذن بالقبض لا خصوص لفظ التخلية لما في البحر ولو قال البائع للمشتري بعد البيع خذ لا يكون قبضا ولو قال خذه يكون تخلية إذا كان يصل إلى أخذه ا هـ
وفي الفروع المارة ما يدل عليه أيضا
قوله ( أو كان بعيدا ) أي وإن قال خليت الخ كما مر والمراد بالبعيد مالا يقدر على قبضه بلا كلفة ويختلف باختلاف المبيع كما قررناه أو المراد به حقيقته ويقاس عليه ما شابهه
قوله ( وهو لا يصح به القبض ) أي الإقرار المذكور ولا يتحقق به القبض وقيد بالقبض لأن العقد في ذاته صحيح غير أنه لا يجب على المشتري دفع الثمن لعدم القبض
قوله ( على الصحيح ) وهو ظاهر الرواية ومقابله ما في المحيط وجامع شمس الأئمة أنه بالتخلية يصح القبض وإن كان العقار بعيدا غائبا عنهما عند أبي حنيفة خلافا لهما وهو ضعيف كما في البحر
وفي الخانية والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه إذا كان قريبا يتصور فيه القبض الحقيقي في الحال فتقام التخلية مقام القبض أما إذا كان
____________________
(4/562)
بعيدا لا يتصور القبض في الحال فلا تقام التخلية مقام القبض ا هـ
هذا ثم إن ما ذكره الشارح هنا نقل مثله في أواخر الإجارات عن وقف الأشباه
ثم قال قلت لكن نقل محشيها ابن المصنف في زواهر الجواهر عن بيوع فتاوى قارىء الهداية أنه متى مضى مدة يتمكن من الذهاب إليها والدخول فيها كان قابضا وإلا فلا تنبيه ا هـ
قلت لكن أنت خبير بأن هذا مخالف للروايتين ولا يمكن التوفيق بحمل ظاهر الرواية عليه لأن المعتبر فيها القرب الذي يتصور معه حقيقة القبض كما علمته من كلام الخانية
قوله ( وكذا الهبة والصدقة ) أي لا تكون تخلية البعيد فيهما قبضا
قال في البحر وعلى هذا تخلية البعيد في الإجارة غير صحيحة فكذا الإقرار بتسلمها ا هـ
قلت ومفاده أن تخلية القريب في الهبة قبض لكن هذا في غير الفاسدة كما في الخانية حيث قال أجمعوا على أن التخلية في البيع الجائز تكون قبضا وفي البيع الفاسد روايتان والصحيح أنه قبض وفي الهبة الفاسدة كالهبة في المشاع الذي يحتمل القسمة لا تكون قبضا باتفاق الروايات
واختلفوا في الهبة الجائزة ذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يصير قابضا في قول أبي يوسف وذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يصير قابضا ولم يذكر فيه خلافا ا هـ
تتمة في البزازية قبض المشتري المشري قبل نقذه بلا إذن البائع فطلبه منه فخلى بينه وبين البائع لا يكون قبضا حتى يقبضه بيده بخلاف ما إذا خلى البائع بينه وبين المشتري اشترى بقرة مريضة وخلاها في منزل البائع قائلا إن هلكت فمني وماتت فمن البائع لعدم القبض وكذا لو قال للبائع سقها إلى منزلك فاذهب فتسلمها فهلكت حال سوق البائع فأن ادعى البائع التسليم فالقول للمشتري
قال المشتري للعبد اعمل كذا أو قال للبائع مره يعمل كذا فعمل فعطب العبد هلك من المشتري لأنه قبض
قال المشتري للبائع لا أعتمدك على المبيع فسلمه إلى فلان يمسكه حتى أدفع لك الثمن ففعل البائع وهلك عند فلان هلك من البائع لأن الإمساك كان لأجله
اشترى وعاء لبن خائر في السوق فأمر البائع بنقله إلى منزله فسقط في الطريق فعلى البائع إن لم يقبضه المشتري اشترى في المصر حطبا فغصبه غاصب حال حمله إلى منزله فمن البائع لأن عليه التسليم في منزل الشاري بالعرف قال للبائع زنه له وأبعثه مع غلامك أو غلامي ففعل وانكسر الوعاء في الطريق فالتلف من البائع إلا أن يقول ادفعه إلى الغلام لأنه توكيل للغلام والدفع إليه كالدفع إلى المشتري ا هـ
قوله ( لسقوط حقه بالتسليم ) فيه أن التسليم موجود أيضا فيما لو وجده رصاصا أو ستوقة الأولى التعليل بما في المنح بأنه استوفى أصل حقه فلا يكون له حق نقض التسليم ا هـ أي لأن الزيوف دراهم لكنها معيبة ومثلها النبهرجة كما في المنية بخلاف الرصاص والستوقة فإنها ليست دراهم فلم يوجد قبض الثمن أصلا فله نقض التسليم وأفاد أن هذا لو سلم المبيع أما لو قبضه المشتري بلا إذن البائع فله نقضه في الزيوف وغيرها كما في البزازية
قوله ( كما لو وجدها ) الأولى وجده أي الثمن المحدث عنه
قوله ( أو مستحقا ) أي بأن أثبت رجل أن المقبوض حقه فيثبت للبائع استرداد السلعة لانتقاض الاستيفاء
قوله ( وكالمرتهن ) عبارة منية المفتي والمرتهن يسترد في الوجوه كلها ا هـ
أي في الزيوف والرصاص وغيرها أي لو قبض دينه وسلم الرهن لراهنه ثم ظهر ما قبضه زيوفا أو رصاصا أو ستوقة أو مستحقا فإنه يسترد الرهن
تنبيه لو تصرف المشتري في المبيع بعد قبضه بيعا أو هبة ثم وجد البائع الثمن كذلك لا ينقض التصرف
____________________
(4/563)
لأن تصرف المشتري بعد القبض بإذن البائع كتصرفه وإن كان قبضه بعد نقد الثمن بلا إذن البائع وتصرف فيه ثم وجد الثمن كذلك ينقض من التصرفات ما يحتمل النقض ولا ينقض ما لا يحتمل النقض
بزازية
وما يحتمل النقض كالبيع والهبة وما لا يحتمله كالعتق وفروعه
قوله ( وإلا ) أي وإن لم تكن قائمة سواء كانت هالكة أو مستهلكة
درر
قوله كما لو علم بذلك أي بأنها زيوف لأنه يكون راضيا بها فلا يكون له رد ولا استرداد
قوله ( وقال أبو يوسف يرد مثل الزيوف الخ ) لأن الرجوع بالنقصان باطل لاستلزامه الربا ولا وجه لإبطال حقه في الجودة لعدم رضاه
درر قال في الحقائق نقلا عن العيون إن ما قاله أبو يوسف حسن وأدفع للضرر ولذا اخترناه للفتوى ا هـ
وكذلك صرح في المجمع بأنه المفتى به
عزمية
قوله ( كما لو كانت رصاصا أو ستوقة ) فإنها ترد اتفاقا
درر
وظاهر إطلاقه أنها ترد ولو علم بها وقت القبض لأنها ليست من جنس الأثمان ط
مطلب لو اشترى شيئا ومات مفلسا قبل قبضه فالبائع أحق قوله ( ومات مفلسا ) أي ليس له مال يفي بما عليه من الديون سواء فلسه القاضي أو لا
قوله ( فالبائع أسوة للغرماء ) أي يقتسمونه ولا يكون البائع أحق به
درر
قوله ( فإن البائع أحق به ) الظاهر أن المراد أنه أحق بحبسه عنده حتى يستوفي الثمن من مال الميت أو يبيعه القاضي ويدفع له الثمن فإن وفى بجميع دين البائع فيها وإن زاد دفع الزائد لباقي الغرماء وإن نقص فهو أسوة للغرماء فيما بقي له وليس المراد بكونه أحق به أنه يأخذه مطلقا إذ لا وجه لذلك لأن المشتري ملكه وانتقل بعد موته إلى ورثته وتعلق به حق غرمائه وإنما كان أحق من باقي الغرماء لأنه كان له حق حبس المبيع إلى قبض الثمن في حياة المشتري فكذا بعد موته وهذا نظير ما سيذكره المصنف في الإجارات من أنه لو مات المؤجر وعليه ديون فالمستأجر أحق بالدار من غرمائه أي إذا كانت الدار بيده وكان قد دفع الأجرة وانفسخ عقد الإجارة بموت المؤجر فله حبس الدار وهو أحق بثمنها بخلاف ما إذا عجل الأجرة ولم يقبض الدار حتى مات المؤجر فإنه يكون أسوة لسائر الغرماء ولا يكون له حبس الدار كما في جامع الفصولين وكذا ما سيأتي في البيع الفاسد لو مات بعد فسخه فالمشتري أحق به من سائر الغرماء فله حبسه حتى يؤخذ ماله هكذا ينبغي حل هذالمحل وبه ظهر جواب حادثة الفتوى سئلت عنها وهي ما لو مات البائع مفلسا بعد قبض الثمن وقبل تسليم المبيع للمشتري يكون المشتري أحق به لأنه ليس للبائع حق حبسه في حياته بل للمشتري جبره على تسليمه ما دامت عينه باقية فيكون له أخذه بعد موت البائع أيضا إذ لا حق للغرماء فيه بوجه لأنه أمانة عند البائع وإن كان مضمونا بالثمن لو هلك عنده ومثله الراهن فإن الراهن أحق به من غرماء المرتهن والله
____________________
(4/564)
سبحانه أعلم
قوله ( باع نصف الزرع الخ ) صورة المسألة رجل له أرض دفعها لأكار أي فلاح ودفع له البذر أيضا على أن يعمل الأكار فيها ببقرة بنصف الخارج فعمل وخرج الزرع فباع الأكار نصفه لرب الأرض جاز البيع أما لو رب الأرض باع نصفه للأكار فلا يجوز لأنه يأمره بقلع ما باعه ولا يمكن إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري بقلع نصيبه الذي كان له قبل الشراء مستحقا للبقاء في الأرض إلى وقت الإدراك نعم إذا كان البذر من الأكار ويكون مستأجرا الأرض بنصف الخارج فليس لرب الأرض أمره بقلع ما باعه فينبغي أن يجوز البيع لعدم الضرر
وهذه من مسائل بيع الحصة الشائعة من الزرع وقدمنا الكلام عليها وعلى نظائرها أو كتاب الشركة
قوله ( قال في النهر الخ ) أصله لصاحب البحر
وحاصل البحث أنه ينبغي على قياس هذا أنه لو باع ثمرة بدون الشجر ولم يرض البائع بإعارة الشجر أن يتخير المشتري أيضا إن شاء أبطل البيع أو قطعها لأن في القطع إتلاف المال وفيه ضرر عليه لكن تقدم تصريح المتن كغيره من المتون بقوله ويقطعها المشتري في الحال
وأيضا فما نقله عن جامع الفصولين مخالف أيضا لتصريح المصنف كغيره في بيع الشجر وحده أو الأرض وحدها بقوله ويؤمر البائع بقطعهما أي الزرع والثمر وتسليم المبيع وإن لم يظهر صلاحه كما نبهنا عليه هناك فافهم
والله سبحانه أعلم
باب خيار الشرط من إضافة الشيء إلى سببه لأن الشرط سبب للخيار
فإن الأصل في العقد اللزوم من الطرفين ولا يثبت لأحدهما اختيار الإمضاء أو الفسخ ولو في مجلس العقد عندنا إلا باشتراط ذلك
قوله ( مبين في الدرر ) حيث قال بعدما ترجم بباب خيار الشرط والتعيين وقدمهما على باقي الخيارات لأنهما يمنعان ابتداء الحكم ثم ذكر خيار الرؤية لأنه يمنع تمام الحكم وأخر خيار العيب لأنه يمنع لزوم الحكم
وخيار الشرط أنواع فاسد وفاقا كما إذا قال اشتريت على أني بالخيار أو على أني بالخيار أياما أو أبدا وجائز وفاقا وهو أن يقول على أني بالخيار ثلاثة أيام فما دونها
ومختلف فيه وهو أن يقول على أني بالخيار شهرا أو شهرين فإنه فاسد عند أبي حنيفة وزفر والشافعي جائز عند أبي يوسف ومحمد ا هـ
وفي البحر فرع لا يصح تعليق خيار الشرط بالشرط فلو باعه حمارا على أنه إن لم يجاوز هذا النهر فرده يقبله وإلا لا لم يصح وكذا إذا قال ما لم يجاوز به إلى الغذ كذا في النية أه
قوله ( الثلاثة المبوب لها ) أي التي ذكر لكل واحد منها باب وهي خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار العيب
قوله ( وخيار تعيين ) هو أن يشتري أحد الشيئين أو الثلاثة على أن يعين أيا شاء وهو المذكور في هذا الباب في قول المصنف باع عبدين على أنه بالخيار
____________________
(4/565)
في أحدهما الخ
قوله ( وغبن ) وهو ما يأتي في المرابحة في قوله ( ولا رد بغبن فاحش في ظاهر الرواية ) ويفتي بالرد إن غره أي غر البائع المشتري أو بالعكس أو غره الدلال وإلا فلا
قوله ( ونقد ) هو ما يأتي قريبا في قوله فإن اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن الخ
قوله ( وكمية ) هو ما مر أول البيوع فيما لو اشترى بما في هذه الخابية الخ
وقدمنا بيانه
قوله ( واستحقاق ) هو ما سيذكره في باب خيار العيب في قوله ( استحق بعض المبيع ) فإن كان استحقاقه قبل القبض للكل خير في الكل وإن بعده خير في القيمي لا في غيره
قوله ( وتغرير فعلي ) أما القولي فهو ما مر في قوله وغبن والفعلي كالتصرية وهي أن يشد البائع ضرع الشاة ليجتمع لبنها فيظن المشتري أنها غزيرة اللبن
والخيار الوارد فيها أنه إذا حلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر وبه أخذ الأئمة الثلاثة وأبو يوسف وعندهما يرجع بالنقصان فقط إن شاء وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في خيار العيب عند قوله اشترى جارية لها لبن
قوله ( وكشف حال ) هو ما مر أول البيوع فيما إذا اشترى بوزن هذاالحجر ذهبا أو بإناء أو حجر لا يعرف قدره فقد ذكر الشارح هناك أن للمشتري الخيار فيهما وقدمنا عن البحر هناك أن هذا الخيار خيار كشف الحال ومنه ما ذكره بعده في بيع صبرة كل صاع بكذا ومر الكلام عليه
قوله ( وخيانة مرابحة وتولية ) هو ما سيأتي في المرابحة في قوله فإن ظهر خيانة في مرابحة بإقرار أو برهان على ذلك أو نكوله عن اليمين أخذه المشتري بكل ثمنه أو رده لفوات الرضا وله الحط قدر الخانية في التولية لتتحقق التولية
قال ح وينبغي أن تكون الوضيعة كذلك
قوله ( وفوات وصف مرغوب فيه ) هو ما يذكره في هذا الباب في قوله اشترى عبدا بشرط خبزه أو كتبه الخ
مطلب في هلاك بعض المبيع قبل قبضه قوله ( وتفريق صفقة بهلاك بعض مبيع ) أي هلاكه قبل القبض وقيد بالبعض لأن هلاك الكل قبل قبضه فيه تفصيل قدمناه قبيل هذا الباب
وحاصله كما في جامع الفصولين أنه إن كان بآفة سماوية أو بفعل البائع أو بفعل المبيع يبطل البيع وإن بفعل أجنبي يتخير المشتري إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجاز وضمن المستهلك ا هـ
وذكره في البزازية أيضا
ثم قال وإن هلك البعض قبل قبضه سقط من الثمن قدر النقض سواء كان نقصان قدر أو وصف وخير المشتري بين الفسخ والإمضاء وإن بفعل أجنبي فالجواب فيه كالجواب في جميع المبيع وإن بآفة سماوية إن نقصان قدر طرح عن المشتري حصة الفائت من الثمن وله الخيار في الباقي وإن نقصان وصف لا يسقط شيء من الثمن لكنه يخير بين الأخذ بكل الثمن أو الترك والوصف ما يدخل تحت البيع بلا ذكر كالأشجار والبناء في الأرض والأطراف في الحيوان والجودة في الكيلي والوزني وإن بفعل العقود عليه فالجواب كذلك
وتمام الكلام فيها فراجعه
قوله ( وظهور المبيع مستأجرا أو مرهونا ) أي ولو اشترى دارا مثلا فظهر أنها مرهونة أو مستأجرة يخير بين الفسخ وعدمه وظاهره أنه لو كان عالما بذلك لا يخير وهو قول أبي يوسف
وقالا يتخير ولو عالما وهو ظاهر الرواية كما في جامع الفصولين وفي حاشيته للرملي وهو الصحيح وعليه الفتوى كما في الولوالجية ا هـ
وكذا يخير المرتهن والمستأجر بين الفسخ وعدمه وهو الأصح كما في جامع الفصولين
لكن في حاشيته للرملي
____________________
(4/566)
عن الزيلعي أن المرتهن ليس له الفسخ في أصح الروايتين
وفي العمادية أن المستأجر له ذلك في ظاهر الرواية
وذكر شيخ الإسلام أن الفتوى على عدمه وسيأتي في فصل الفضولي أن من الموقوف بيع المرهون والمستأجر والأرض في مزارة الغير على إجازة مرتهن ومستأجر ومزارع أه
فإن أجاز المستأجر أو المرتهن فلا خيار للمشتري وإن لم يجز فالخيار للمشتري في الانتظار والفسخ وسيأتي تمامه في فصل الفضولي
قوله ( أشباه ) قال فيها وكلها يباشرها العاقدان إلا التحالف فإنه لا ينفسخ به وإنما يفسخه القاضي وكلها تحتاج إلى الفسخ ولا ينفسخ شيء منها بنفسه ا هـ ح
قوله ( ويفسخ بإقالة وتحالف ) لا يخفى أن الكلام في الخيار لا في مجرد الفسخ لكن قد يجاب بأنه لو أقال أحدهما الآخر فالآخر بالخيار بين القبول وعدمه وكذا يخير كل منهما بين الحلف وعدمه فلو اختار عدم الحلف يلزمه دعوى صاحبه
وصورة التحالف أن يختلفا في قدر ثمن أو مبيع أو فيهما ويعجزا عن البينة ولم يرضى واحد منهما بدعوى الآخر تحالفا وفسخ القاضي البيع بطلب أحدهما والمسألة مبسوطة في باب دعوى الرجلين من كتاب الدعوى
قوله ( صح شرطه ) أي شرط الخيار المذكور وصرح بفاعل صح إشارة إلى أن ضمير صح الواقع في عبارة الكنز وغيره عائد إلى المضاف إليه في الترجمة
قال في البحر والظاهر أن الضمير يعود إلى الخيار وفي الوقاية والنقاية صح خيار الشرط فأبرزه والأولى ما في الإصطلاح صح شرط الخيار لأن الموصوف بالصحة شرط الخيار لا نفس الخيار ا هـ
فالضمير على الأول في كلام البحر عائد إلى المضاف وعلى الأخير إلى المضاف إليه وبه جزم في النهر فقال الضمير في صح يعود إلى المضاف إليه بقرينة صح ولقد أفصح المصنف عنه في الخلع حيث قال وصح شرط الخيار لها في الخلع لا له ومن غفل عن هذا ما قال ا هـ
قلت فيه نظر فإن الشرط الواقع في الترجمة عام بقرينة الإضافة ولقولهم إنه من إضافة الحكم إلى سببه أي الخيار الواقع بسبب الشرط فلا يصح عود الضمير إلى الشرط المذكور لأن الموصوف بالصحة شرط خاص وهو شرط الخيار الذي أفصح عنه في الخلع وأين العام من الخاص وما في الإصلاح لا يصلح دليلا على عوده إلى الشرط بل هو تركيب آخر صحيح في نفسه
والأحسن ما استظهره في البحر من عوده إلى الخيار لكن بقيد وصفه بالمشروطية فإنه في الأصل من إضافة الموصوف إلى صفته أي الخيار المشروط وهذا لا ينافي كون الشرط سببا للحكم كما أفاده الحموي
وقد يقال إن خيار الشرط مركب إضافي صار علما في اصطلاح الفقهاء على ما يثبت لأحد المتعاقدين من الاختيار بين الإمضاء والفسخ وكذا خيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيب كما صار الفاعل والمفعول به ونحو ذلك من التراجم علما في اصطلاح النحويين على شيء خاص عندهم وعلى هذا يعود الضمير في صح إلى هذا المركب الإضافي وهو ما أفصح عنه في الوقاية والنقاية كما مر فكان ينبغي للمصنف متابعتهما لخلوه من التكليف والتعسف
قوله ( ولو وصيا ) وكذا لو وكيلا
قال في البحر ولو أمره ببيع مطلق فعقد بخيار له أو للآمر أو لأجنبي صححاه ولو أمره ببيع بخيار للآمر فشرطه لنفسه لا يجوز ولو أمره بشراء بخيار للآمر فاشتراه بدون الخيار نفذ الشراء عليه دون الآمر للمخالفة بخلاف ما إذا أمره ببيع بخيار فباع باتا حيث يبطل أصلا ا هـ ملخصا ط
وسيذكر الشارح الفرق بين الفرعين الأخيرين
قوله ( ولغيرهما ) ويثبت الخيار لهما مع ذلك الغير أيضا كما سيأتي في قول المصنف ولو شرط المشتري الخيار لغيره صح الخ
قوله ( ولو بعد العقد ) ربما يتوهم اختصاصه بقوله ولغيرهما مع أنه جار
____________________
(4/567)
في الأقسام الثلاثة فلو قدمه وقال صح شرطه ولو بعد العقد لكان أولى ا هـ ح
فلو قال أحدهم بعد البيع ولو بأيام جعلتك بالخيار ثلاثة أيام صح إجماعا بحر
قوله ( لا قبله ) فلو قال جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى مطلقا لم يثبت
بحر عن التتارخانية
قوله ( أو بعضه ) لا فرق في ذلك بين كون الخيار للبائع أو للمشتري ولا بي أن يفصل الثمن أو لا لأن نصف الواحد لا يتفاوت
ط عن النهر
قوله ( كثلثه أو ربعه ) مثله ما إذا كان المبيع متعددا وشرط الخيار في معين منه مع تفصيل الثمن كما يأتي قبيل خيار التعيين اه ح
قوله ( ولو فاسدا ) أي ولو كان العقد الذي شرط فيه الخيار فاسدا وكان الأقعد في التركيب أن يقول صح شرطه ولو بعد العقد ولو فاسدا كما لا يخفى ح
وفائدة اشتراطه في الفاسد مع أن لكل منهما الفسخ بدونه ما قيل إنه يثبت لمن اشترط ولو بعد القبض ولا يتوقف على القضاء به أو الرضا ا هـ
قلت وفيه نظر لأنه إن كان الضمير في قوله ولا يتوقف الخ عائد إلى الخيار فهو لا يتوقف على ذلك مطلقا أو إلى فسخ البيع الفاسد فكذلك نعم تظهر الفائدة في أنه لو كان الخيار للبائع أو لهما وقبضه المشتري بإذن البائع لا يدخل في ملك المشتري مع أنه لولا الخيار ملكه بالقبض فافهم
قوله ( فالقول لنا فيه ) لأنه خلاف الأصل كما في البحر وهو مكرر مع ما يأتي متنا ا هـ ح
قوله ( على المذهب ) وعند محمد القول لمدعيه والبينة للآخر عن البحر
قوله ( ثلاثة أيام ) لكن إن اشترى شيئا مما يتسارع إليه الفساد ففي القياس لا يجبر المشتري على شيء وفي الاستحسان يقال له إما أن تفسخ البيع أو تأخذ المبيع ولا شيء عليك من الثمن حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا للضرر من الجانبين
بحر عن الخانية
تنبيه اعلم أن الخيار في العقود كلها لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام إلا في الكفالة في قول الإمام
زاد في البزازية وللمحتال وكذا في الوقف لأن جوازه على قول الثاني وهو غير مقيد عنده بالثلاث
در منتقى
وتمامه في النهر
قوله ( وفسد عند إطلاق ) أي عند العقد
أما لو باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال له أنت بالخيار فله الخير ما دام في المجلس بمنزلة قوله لك الإقالة كما في البحر عن الولوالجية وغيرها وحمل عليه قول الفتح لو قال له أنت بالخيار فله خيار المجلس فقط
قال في النهر ولم أر من فرق بينهما ويظهر لي أن المفسد في الثاني أن الإطلاق وقت العقد مقارن فقوي عمله وفي الأول بعد التمام فضعف وقد أمكن تصحيحه بإمكان الخيار له في المجلس ا هـ
تنبيه قدمنا عن الدرر أنه لو قال علي أتى بالخيار أياما فهو فاسد واعترض في الشرنبلالية بأن قولهم لو حلف لا يكلمه أياما يكون على ثلاثة ومقتضاه أن يكون هنا كذلك تصحيحا لكلام العاقل عن الإلغاء وإلا فما الفرق
قلت قد يجاب بأن أياما في الحلف يصح أن يراد منه الثلاثة والعشرة مثلا لكن اقتصر على الثلاثة لأنها المتيقن وذلك لا ينافي صحة إرادة ما فوقها حتى لو نوى الأكثر حنث بخلافه هنا فإن الثلاثة لازمة بالنص البتة ولفظ أياما صالح لما فوقها وما فوقها مفسد للعقد فلا ينفعنا حمله على الثلاثة لأنه لا يقطع الاحتمال
قوله فلكل فسخه شمل من له الخيار منهما والآخر وهذا على القول بفساده ظاهر وكذا على القول الآتي بأنه موقوف
قال في الفتح ذكر الكرخي نصا عن أبي حنيفة أن البيع موقوف على إجازة المشتري وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الإجازة لأن لكل من المتعاقدين حق الفسخ في البيع الموقوف ا هـ
قوله ( خلافا لهما ) فعندهما يجوز إذا سمى مدة معلومة
فتح
____________________
(4/568)
قوله ( غير أنه يجوز إن أجاز في الثلاثة ) وكذا لو أعتق العبد أو مات العبد المشتري أو أحدث به ما يوجب لزوم البيع ينقلب البيع جائزا عند أبي حنيفة وتمامه في البحر عن الخانية
قوله ( في الثلاثة ) ولو في ليلة الرابع
قهستاني
قوله ( فينقلب صحيحا الخ ) لأنه قد زال المفسد قبل تقرره وذلك أن المفسد ليس هو شرط الخيار بل وصله بالرابع فإذا أسقطه تحقق زوال المعنى المفسد قبل مجيئه فيبقى العقد صحيحا
ثم اختلفوا في حكم هذا العقد في الابتداء فعند مشايخ العراق حكمه الفساد ظاهرا إذ الظاهر دوامهما على الشرط فإذا أسقطه تبين خلاف الظاهر فينقلب صحيحا وقال مشايخ خراسان والإمام السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر هو موقوف وبالإسقاط قبل الرابع ينعقد صحيحا وإذا مضى جزء من الرابع فسد العقد الآن وهو الأوجه كذا في الظهيرية والذخيرة فتح ملخصا وتمامه فيه ولكن الأول ظاهر الرواية بحر ومنح
وفي الحدادي فائدة الخلاف تظهر في أن الفاسد يملك إذا اتصل به القبض والموقوف لا يملك إلا أن يجيزه المالك ونظر فيه بأن الفاسد أيضا لا يملك إلا بإذن البائع كما في المجمع
والأولى أن يقال إنها تظهر في حرمة المباشرة وعدمها فتحرم على الأول لا على الثاني
نهر
قلت وفي التنظير نظر فإن الملك في الفاسد يحصل بقبض المبيع بإذن البائع فالمتوقف فيه على إذن البائع هو القبض لا نفس الملك
وأما الموقوف كبيع الفضولي فإن الملك يتوقف فيه على إجازة المالك البيع فتبقى ثمرة الخلاف ظاهرة لكن ما قدمناه قريبا عن الخانية من أنه لو أعتق العبد ينقلب جائزا يشمل ما قبل القبض مع أن قوله ينقلب جائزا إنما يناسب القول بأنه فاسد لا موقوف فيفيد حصول الملك قبل القبض ويؤيده ما مر من أن حكمه عند مشايخ العراق الفساد ظاهرا فيدل على أنه لا فساد في نفس الأمر ولذا قال في الفتح إن حقيقة القولين أنه لا فساد قبل الرابع بل هو موقوف ولا يتحقق الخلاف لا بإثبات الفساد على وجه يرتفع شرعا بإسقاط الخيار قبل مجيء الرابع كما هو ظاهر الهداية
قوله ( في لازم ) أخرج به الوصية فلا محل للخيار فيها لأن للموصي الرجوع فيها ما دام حيا وللموصي له القبول وعدمه أفاده ط
ومثلها العارية والوديعة
قوله ( يحتمل الفسخ ) أخرج ما لا يحتمله كنكاح وطلاق وخلع وصلح عن قود
واستشكل في جامع الفصولين النكاح بفسخه بالردة وملك أحدهما الآخر فإنه فسخ بعد التمام أما فسخه بعدم الكفاءة والعتق والبلوغ فهو قبل التمام
قلت قد يجاب بأن المراد بما يحتمل الفسخ ما يحتمله بتراضي المتعاقدين قصدا وفسخ النكاح بالردة والملك ثبت تبعا
قوله ( كمزارعة ومعاملة ) أي مساقاة وهذان ذكرهما في البحر بحثا فقال وينبغي صحته في المزارعة والمعاملة لأنهما إجارة مع أنه جزم بذلك في الأشباه
قال الحموي يحتمل أنه ظفر بالمنقول بعد ذلك فإن تصنيف البحر سابق
قوله ( وإجارة ) فلو فسخ في اليوم الثالث هل يجب عليه أجر يومين أفتى صط أنه لا يجب لأنه لم يتمكن من الانتفاع بحكم الخيار لأنه لو انتفع يبطل خياره جامع الفصولين
قوله ( وقسمة ) لأنها بيع من وجه
قوله ( وصلح على مال ) احترز به عن صلح عن قود لأنه لا يحتمل الفسخ كما مر
قوله ( ورهن ) كان ينبغي تقديمه على الخلع أو تأخيره عن العتق لأن قول المتن على مال راجع للخلع أيضا ولا يصح رجوعه للرهن كما لا يخفى
____________________
(4/569)
وكان ينبغي أن يذكر الطلاق على مال أيضا لأنه معاوضة من جانب المرأة كالخلع وكما أن العتق على مال معاوضة من جانب العبد ا هـ ح
قوله ( لزوجة وراهن وقن ) لأن العقد في جانبهم لازم يحتمل الفسخ بخلاف الزوج والسيد فإن العقد من جانبهما وإن كان لازما لكنه لا يحتمل الفسخ لأنه يمين
وبخلاف المرتهن فإن العقد من جانبه غير لازم أصلا وحينئذ فيجب ذكرهم في المقابل ا هـ ح
أي فيما لا يصح فيه الخيار
ويمكن أن يقال إن الخلع والعتق على مال داخلان في قوله الآتي ويمين تأمل
وقوله لازم يحتمل الفسخ أي قبل تمامه بالقبول أما بعد القبول من الزوجة والراهن والقن فلا يحتمله
قوله ( ككفالة ) أي بنفس أو مال وشرط الخيار للمكفول له أو للكفيل
بحر
وقدمنا أن الخيار في الكفالة والحوالة يصح أكثر من ثلاثة أيام
قوله ( وحوالة ) إذا شرط للمحتال أو المحال عليه لأنه يشترط رضاه ط
قوله ( وإبراء ) بأن قال أبرأتك على أني بالخيار ذكره فخر الإسلام من بحث الهزل
بحر
قال ط لكن نقل الشريف الحموي عن العمادية لو أبرأه من الدين على أنه بالخيار فالخيار باطل ولعل في المسألة خلافا ا هـ
قلت وبالثاني جزم الشارح في أول كتاب الهبة وعزاه إلى الخلاصة
قوله ( ووقف ) فيه أنه لا يحتمل الفسخ
تأمل
قوله ( عند الثاني ) لأنه عنده لازم
وعند محمد وإن كان كذلك لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط ولو معلوما وقدمنا في الوقف أن الخلاف في غير المسجد فلو فيه صح الوقف وبطل الخيار
قوله ( فهي ستة عشر ) أي مع البيع
قوله ( لا في نكاح الخ ) لأنها لا تحتمل الفسخ
قوله ( وطلاق ) أي بلا مال لما عرفت وينبغي أن يكون الخلع بلا مال مثله ا هـ ح
قوله ( وإقرار الخ ) عبارته مع المتن في كتاب الإقرار أقر بشيء على أنه بالخيار ثلاثة أيام لزمه بلا خيار لأن الإقرار إخبار فلا يقبل الخيار وإن صدقه المقر له في الخيار إلا إذا أقر بعقد بيع وقع بالخيار له فيصح باعتبار العقد إذا صدقه أو برهن الخ
قوله ( ووكالة ووصية ) فلا خيار فيهما لعدم اللزوم من الطرفين ولزوم الوكالة في بعض الصور نادر
أفاده ط
وهذان زادهما في النهر بحثا أخذا مما مر في قوله في لازم
قوله ( فهي تسعة ) يزاد عاشر وهو الهبة لما سيذكره المصنف في بابها من أن حكمها عدم صحة خيار الشرط فيها الخ
مطلب المواضع التي يصح فيها خيار الشرط والتي لا يصح قوله ( وقد كنت غيرت ما نظمه في النهر ) فإن نظم النهر كان هكذا والصلح والخلع مع الحواله زالوقف والقسمة والإقاله وليس في هذا التغيير كبير فائدة مع أنهما لم يستوفيا الأقسام كما قاله ح أي لأنهما أسقطا من القسم الأول المزارعة والمعاملة والكتابة ومن الثاني الوصية لكن الظاهر أن إسقاط الكتابة ذهول وأما ما عداها فلكونه بحثا كما علمته مما مر
قلت وقد كنت نظمت جميع مسائل القسمين مشيرا إلى البحث منها مع زيادة الهبة في القسم الثاني فقلت يصح خيار الشرط في ترك شفعة وبيع وإبراء ووقف كفاله
____________________
(4/570)
وفي قسمة خلع وعتق إقالة وصلح عن الأموال ثم الحواله مكاتبة رهن كذاك إجارة وزيد مساقاة مزارعة له وما صح في نذر نكاح ألية وفي سلم صرف طلاق وكاله وإقرار إيهاب وزيد وصية كما مر بحثا فغتنم ذي المقاله قوله ( والخلع ) بالرفع خبره كذا ولا يصح جعل كذا خبرا عن القسمة لأنه مجرور بالعطف على ما قبله نعم يصح متعلقا بمحذوف حالا من الخلع
مطلب خيار النقد قوله ( على أنه أي المشتري الخ ) وكذا لو نقد المشتري الثمن على أن البائع إن رد الثمن إلى ثلاثة فلا بيع بينهما صح أيضا والخيار في مسألة المتن للمشتري لأنه المتمكن من إمضاء البيع وعدمه وفي الثاني للبائع حتى لو أعتقه صح ولو أعتقه المشتري لا يصح
نهر
تنبيه ذكر في البحر هنا بيع الوفاء تبعا للخانية قائلا لأنه من أفراد مسألة خيار النقد أيضا وذكر فيه ثمانية أقوال ذكره الشارح آخر البيوع قبيل كتاب الكفالة وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى
قوله ( فلو لم ينقد في الثلاث فسد ) هذا لو بقي المبيع على حاله
قال في النهر ثم لو باعه المشتري ولم ينقد الثمن في الثلاث جاز البيع وكان عليه الثمن وكذا لو قتلها في الثلاث أو مات أو قتلها أجنبي خطأ وغرم القيمة ولو وطئها وهي بكر أو ثيب أو جنى عليها أو حدث بها عيب لا بفعل أحد ثم مضت الأيام ولم ينقد خير البائع إن شاء أخذها مع النقصان ولا شيء له من الثمن وإن شاء تركها وأخذ الثمن كذا في الخانية ا هـ
قوله ( فنفذ عتقه الخ ) أي وعليه قيمته
بحر عن الخانية
وهذا تفريع على قوله فسد
قال في النهر واعلم أن ظاهر قوله فلا بيع يفيد أنه إن لم ينفذ في الثلاث ينفسخ
قال في الخانية والصحيح أنه يفسد ولا ينفسخ حتى لو أعتقه بعد الثلاث نفذ عنقه إن كان في يده ا هـ
وأما عتقه قبل مضي الثلاث فينفذ بالأولى كما لو باعه كما مر لأنه بمعنى خيار الشرط قوله ( وإن اشترى كذلك ) أي على أنه إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام
قوله ( لا يصح ) والخلاف السابق في أنه فاسد أو موقوف ثابت هنا
نهر عن الذخيرة
قوله ( خلافا لمحمد ) فإنه جوزه إلى ما سمياه
قوله ( فلو ترك التفريع ) أي في قوله فإن اشترى فإن الإلحاق يقتضي المغايرة والتفريع يقتضي أنه من فروعه
قال في الدرر لم يذكره بالفاء كما ذكره في الوقاية إشارة إلى أنه ليس من صور خيار الشرط حقيقته ليتفرع عليه بل أورده عقيبه لأنه في حكمه معنى ا هـ
____________________
(4/571)
قال محشيه خادمي أفندي أقول الواقع في الزيلعي كونها من صوره وقد قال صدر الشريعة في وجه إدخال الفاء إنه فرع مسألة خيار الشرط لأنه إنما شرع ليدفع بالفسخ الضرر عن نفسه سواء كان الضرر تأخير أداء الثمن أو غيره على أن قوله لأنه في حكمه يصلح أن يكون علة مصححة لدخول الفاء قوله ( ولا يخرج مبيع عن ملك البائع مع خياره ) لأنه يمنع الحكم وفي قوله عن ملك البائع إيماء إلى أن البائع هو المالك فلو كان فضوليا كان اشتراط الخيار له مبطلا للبيع لأن الخيار له بدون الشرط كما في فروق الكرابيسي
ولا يرد الوكيل بالبيع إذا باع بشرط الخيار له لأنه كالمالك حكما نهر
قوله ( فقط ) قيد به وأن كان الحكم كذلك إذا كان الخيار لهما لأن المصنف سيذكره صريحا وإلا لزم التكرار فافهم
قوله ( فيهلك ) بكسر اللام ط
قوله ( على المشتري بقيمته ) لأن البيع ينفسخ بالهلاك لأنه كان موقوفا ولا نفاذ بدون بقاء المحل فبقي مقبوضا بيده على سوم الشراء وفيه القيمة كذا في الهداية
ولا فرق في مسألة المصنف بين هلاكه في مدة الخيار مع بقائه أو بعدما فسخ البائع البيع كما في جامع الفصولين
وأما إذا هلك في يده بعد المدة بلا فسخ فيها فإنه يهلك بالثمن لسقوط الخيار ولو ادعى هلاكه في يد المشتري ووجوب القيمة وادعى المشتري إباقه من يده فالقول به بيمينه لأن الظاهر حياته ويتم البيع ولو ادعى البائع الإباق والمشتري الموت فالقول للبائع بيمينه كذا في ( السراج )
بحر
قوله ( إذا قبضه بإذن البائع ) وكذا بلا إذنه بالأولى ط
وأما إذا هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شيء عليهما كما في المطلق عنه وإن تعيب في يد البائع فهو على خياره لأن ما انتقض بغير فعله لا يكون مضمونا عليه ولكن المشتري يتخير إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء فسخ كما في البيع المطلق وإذا كان العيب بفعل البائع ينتقص المبيع فيه بقدره لأن ما يحدث بفعله يكون مضمونا عليه ويسقط به حصته من الثمن
بحر عن الزيلعي
ويأتي حكم تعيبه في يد المشتري
قوله ( يوم قبضه ) ظرف لقيمته ح
قوله ( فإنه بعد بيان الثمن مضمون بالقيمة ) أطلقه فشمل بيان الثمن من البائع أو المساوم وخصه الطرسوسي في أنفع الوسائل بالثاني
ورده في البحر بأنه خطأ لما في الخانية طلب منه ثوبا ليشتريه فأعطاه ثلاثة أثواب وقال هذا بعشرة وهذا بعشرين وهذا بثلاثين فأحملها فأي ثوب ترضى بعته منك فحمل فهلكت عند المشتري
قال الإمام ابن الفضل إن هلكت جملة أو متعاقبا ولا يدري الأول وما بعده ضمن ثلث الكل وإن عرف الأول لزمه ذلك الثوب والثوبان أمانة وإن هلك اثنان ولا يعلم أيهما الأول ضمن نصف كل منهما ورد الثالث لأنه أمانة وإن نقص الثالث ثلثه أو ربعه لا يضمن النقصان وإن هلك واحد فقط لزمه ثمنه ويرد الثوبين ا هـ ملخصا
قال في البحر فهذا صريح في أن بيان الثمن من جهة البائع يكفي للضمان ا هـ
وأجاب العلامة المقدسي بأن مراد الطرسوسي أنه لا بد من تسمية الثمن من الجانبين حقيقة أو حكما أما الأول فظاهر وأما الثاني فبأن يسمى أحدهما ويصدر من الآخر ما يدل على الرضا به
ثم قال ومن نظر عبارة الطرسوسي وجدها تنادي بما ذكرناه ا هـ
____________________
(4/572)
مطلب في المقبوض على سوم الشراء قلت وبيان ذلك أن المساوم إنما يلزمه الضمان إذا رضي بأخذه بالثمن المسمى على وجه الشراء فإذا سمى الثمن البائع وتسلم المساوم الثوب على وجه الشراء يكون راضيا بذلك كما أنه إذا سمى هو الثمن وسلم البائع يكون راضيا بذلك فكأن التسمية صدرت منهما معا بخلاف ما إذا أخذه على وجه النظر لأنه لا يكون ذلك رضا بالشراء بالثمن المسمى
قال في القنية سم عن أبي حنيفة قال له هذا الثوب لك بعشرة دراهم فقال هاته حتى أنظر فيه أو قال حتى أريه غيري فأخذه على هذا وضاع لا شيء عليه ولو قال هاته فإن رضيته أخذته فضاع فهو على ذلك الثمن ا هـ
قلت ففي هذا وجدت التسمية من البائع فقط لكن لما قبضه المساوم على وجه الشراء في الصورة الأخيرة صار راضيا بتسمية البائع فكأنها وجدت منهما أما في الصورة الأولى والثانية فلم يوجد القبض على وجه الشراء بل على وجه النظر منه أو من غيره فكأنه أمانة عنده فلم يضمنه
ثم قال في القنية ط
أخذ منه ثوبا وقال إن رضيته اشتريته فضاع فلا شيء عليه وإن قال إن رضيته أخذته بعشرة فعليه قيمته ولو قال صاحب الثوب هو بعشرة فقال المساوم هاته حتى أنظر إليه وقبضه على ذلك وضاع لا يلزمه شيء
قلت ووجهه أنه في الأول لم يذكر الثمن من أحد الطرفين فلم يصح كونه مقبوضا على وجه الشراء وإن صرح المساوم بالشراء وفي الثاني لما صرح بالثمن على وجه الشراء صار مضمونا وفي الثالث وإن صرح البائع بالثمن لمن المساوم قبضه على وجه النظر لا على وجه الشراء فلم يكن مضمونا وبهذا ظهر الفرق بين المقبوض على سوم الشراء والمقبوض على سوم النظر فافهم واغتنم تحقيق هذاالمحل
قوله ( مضمون بالقيمة ) أي إذا هلك أما إذا استهلكه فمضمون بالثمن كما حققه الطرسوسي وإن رده في البحر بأنه غير صحيح لما في الخانية إذا أخذ ثوبا على وجه المساومة بعد بيان الثمن فهلك في يده كان عليه قيمته وكذا لو استهلكه وارث المشتري بعد موت المشتري ا هـ
قال والوارث كالمورث فقد أجاب في النهر بقوله لا نسلم إنه غير صحيح إذ الطرسوسي لم يذكره تفقها بل نقلا عن المشائخ صرح به في المنتقى
وعلله في المحيط بأنه صار راضيا بالمبيع حملا لفعله على الصلاح والسداد وعزاه في الخزانة أيضا إلى المنتقى غير أنه قال في القياس تجب القيمة ا هـ
كلام النهر
قلت وما نقله في البحر عن الخانية لا دلالة فيه على ما يدعيه بل فيه ما ينافيه لأن قوله وكذا لو استهلكه وارث المشتري يفيد أنه لو استهلكه المشتري نفسه كان الواجب الثمن لا القيمة
ووجهه أيضا ظاهر لما علمته من تعليل المحيط
والفرق بينه وبين استهلاك الوارث أن العاقد هو المشتري فإذا استهلكه كان راضيا بإمضاء عقد الشراء بالثمن المذكور بخلاف ما إذا استهلكه وارثه لأن الوارث غير العاقد بل العقد انفسخ بموته فبقي أمانة في يد الوارث فيلزمه القيمة دون الثمن فقوله في البحر والوارث كالمورث غير مسلم
ثم رأيت الطرسوسي نقل عن المنتقى ما يفيد ذلك وهو قوله ولو قال البائع رجعت عما قلت أو مات أحدهما قبل أن يقول لمشتري رضيت انتقض جهة البيع فإن استهلكه المشتري بعد ذلك فعليه قيمته كما في حقيقة البيع لو انتقض يبقى المبيع في يده مضمونا فكذا هنا ا هـ
فهذا صريح بانفساخ العقد بموته فكيف يلزم الوارث الثمن باستهلاكه فافهم واغتنم
قوله ( بالغة ما بلغت ) رد على الطرسوسي حيث قال وظاهر كلام الأصحاب أنها تجب بالغة ما بلغت ولكن ينبغي أن يقال لا يزاد بها على المسمى كما في الإجارة الفاسدة
قال في النهر وفيه نظر بل ينبغي أن تجب بالغة ما بلغت وقد صرحوا
____________________
(4/573)
بذلك في البيع الفاسد فكذا هنا ا هـ
قوله ( ولو شرط المشتري ) أي مريد الشراء وهو المساوم
قوله ( ولو في يد الوكيل الخ ) قال في البحر عن الخانية الوكيل بالشراء إذا أخذ الثوب على سوم الشراء فأراه الموكل فلم يرض به ورده عليه فهلك عند الوكيل قال الإمام ابن الفضل ضمن الوكيل قيمته ولا يرجع بها على الموكل إلا أن يأمره بالأخذ على سوم الشراء فحينئذ إذا ضمن الوكيل رجع على الموكل ا هـ
مطلب المقبوض على سوم النظر قوله ( أما على سوم النظر ) حتى أنظر إليه أو حتى أريه غيري ولا يقول فإن رضيته أخذته
وقوله ( مطلقا ) أي سواء ذكر الثمن أو لا ا هـ ح عن النهر
ولا يخفى أن عدم ضمانه إذاهلك
أما لو استهلكه القابض فإنه يضمن قيمته
وقدمنا وجه الفرق بينه وبين المقبوض على سوم الشراء وفي حكمه المقبوض على سوم الشراء إذا لم يبين الثمن أو مات أحد العاقدين قبل الرضا أو رجع عما قال كما قدمناه آنفا عن المنتقى
وقدمنا أول المسألة ما لو قبض ثلاثة أثواب وسمى ثمن كل واحد بعينه ليشتري أحدها فهلك واحد منها فإنه يضمنه دون الآخرين وتقدم تفصيله
وهل هذا خاص بما إذا كانت ثلاثة لتكون مما فيه خيار التعيين الآتي بيانه أو أعم والظاهر الثاني لو كانت أكثر فلا شك أن واحدا منها مقبوض على سوم الشراء وإن كان فاسدا والباقي على سوم النظر فهو أمانة بخلاف الأول
فتأمل
قوله ( وعلى سوم الرهن بالأقل من قيمته ومن الدين ) أي إذا سمى قدر الدين فلا ينافي ما سيذكره المصنف في كتاب الرهن من قوله المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار ليس بمضمون على الأصح ا هـ
وفي البزازية الرهن بالدين الموعود مقبوض على سوم الرهن مضمون بالموعود بأن وعده أن يقرضه ألفا فأعطاه رهنا وهلك قبل الإقراض يعطيه الألف الموعود جبرا فإن هلك هذا في يد المرتهن أو العدل ينظر إلى قيمته يوم القبض والدين
وعن الثاني أقرضني وخذا هذا ولم يسم القرض فأخذ الرهن ولم يقرضه حتى ضاع يلزمه قيمة الرهن ا هـ
وما عن الثاني مقابل الأصح المذكور
قوله ( وعلى سوم القرض الخ ) في البحر عن جامع الفصولين وما قبض على سوم القرض مضمون بما ساوم كمقبوض على حقيقته بمنزلة مقبوض على سوم البيع إلا أن في البيع يضمن القيمة وهنا يهلك الرهن بما ساومه من القرض ا هـ
وقوله يهلك الرهن بما ساومه من القرض أي إذا كانت قيمته مثل الرهن لا أقل فلا ينافي ما تقدم من أنه يضمن بالأقل وبه ظهر أن ما في قوله وما قبض نكرة موصوفة بمعنى الرهن فتكون هذه عين المسألة التي قبلها كما يعلم مما نقلناه عن البزازية في تصوير المسألة السابقة فافهم
قوله ( وعلى سوم النكاح الخ ) يعني لو قبض أمة غيره ليتزوجها بإذن مولاها فهلكت في يده ضمن قيمتها
جامع الفصولين
____________________
(4/574)