قال في البحر: والحاصل أنهم اتفقوا على أن المشيئة إذا ذكرت بعد جمل متعاطفة بالواو كقوله عبده حر وامرأته طالق وعليه المشي إلى بيت الله تعالى إن شاء الله تعالى ينصرف إلى الكل فبطل الكل، فمشي أبو حنيفة على أصله وهما أخرجا صورة.
مطلب: صك كتب فيه بيع وإجارة وإقرار وغير ذلك وكتب في آخره إن شاء الله تعالى كتب الصك من عمومه بعارض اقتضى تخصيص الصك من عموم حكم الشرط المتعقب جملا متعاطفة للعادة، وعليها يحمل الحادث، ولذا كان قولهما استحسانا راجحا على قوله، وظاهره أن الشرط ينصرف إلى الجميع وإن لم يكن بالمشيئة ا ه.
وفي وكالة البزازية: وعن الثاني قال امرأة زيد طالق وعبده حر وعليه المشي إلى بت الله إن دخل هذه الدار فقال زيد نعم كان بكله، لان الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال انتهى.
وكأن الشارح غفل عن قوله وأخرجا صورة كتب الصك فكان عليه أن يقول وعلى انصرافه للكل في جمل قولية لم تكتب.
قوله: (وأعقبت بشرط) أي سواء كان الشرط هو المشيئة أو غيرها كما صرح به في البحر، والظاهر أن هذا خاص بالاقرار لما سيأتي بعده من قوله: (وأما الاستثناء الخ) تأمل.
قوله: (وأما الاستثناء بإلا الخ) أي الواقع لفظا أو الواقع خطأ، وهو بإطلاقه يعم طلاقين وعتاقين وطلاقا وعتقا.
قوله: (فللاخير) أي اتفاقا لقربه واتصاله وانقطاعه عما سواه كما علم في آية رد شهادة المحدود في القذف، فإن قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * (النور: 5) راجع إلى قوله: * (وأولئك هم الفاسقون) * (النور: 4) لا إلى قوله: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * (النور: 4) أيضا، فلو أقر بمالين لشخصين واستثنى شيئا كان من الآخر.
بحر.
وفيه: والحاصل أن الشرط إذا تعقب جملا متعاطفة متصلا بها فإنه للكل ا ه.
قال في الحواشي السعدية: لا يقال كيف خالف أبو حنيفة أصله، فإن الاستثناء ينصرف إلى الجملة الاخيرة على أصله لان ذلك في الاستثناء بإلا، وقوله إن شاء الله تعالى شرط شاع إطلاق الاستثناء عليه في عرفهم وليس إياه حقيقة.
فتأمل.
قوله: (إلا لقرينة) فيعمل بها للاول أو للثاني.
قوله: (فللاول) لو قال إلا دينارا
فللثاني.
قوله: (إيقاعيتين) أي منجزتين ليس فيهما تعليق بقرينة المقابلة نحو أنت طالق وهذا حر إن شاء الله تعالى ح.
قوله: (وبعد طلاقين معلقين) نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة إن شاء الله تعالى.
قوله: (أو طلاق معلق أو عتق معلق) نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر إن شاء الله تعالى، وأشار به إلى أنه لا فرق بين الشيئين من جنس واحد أو من جنسين والخلاف، هذا في النطق.
وأما في الصك فهي المسألة المتقدمة، وأفاد أن اتفاقهما معه إنما هو في الايقاعيتين، وأما في المعلقتين فمحمد معه، وخالف أبو يوسف ط.
قوله: (ولو بلا عطف) مفهوم قوله عطفت: أي إذا وقع الشرط بعد جمل غير متعاطفة أو متعاطفة لكن حصل سكوت بينها: أي في اللفظ أو فرجة في الخط.
قوله:
__________
- أحكي الخلاف وثانيا وحكى التفاق فلزم أن نفسر الجمل بالقويلة للثمن ا ه.
منه.(1/447)
(أو به بعد سكوت) أي إذا كان السكوت بين الجملة الاخيرة وبين ما قبلها.
قوله: (فللاخير اتفاقا) مراده بالاخير ما بعد السكوت.
قوله: (وعطفه بعد سكوته لغو) إذا كان فيه ما يوسع على نفسه كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وكت ثم قال وهذه الدار: أي فقصد أن لا يقع الطلاق إلا بدخولهما.
قوله: (إلا بما فيه تشديد على نفسه) كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وسكنت ثم قال وهذه الاخرى دخلت الثانية في اليمين، بخلاف وهذه الدار الاخرى، ولو قال هذه طالقة ثم سكت وقال وهذه طلقت الثانية، وكذا في العتق.
بحر.
قوله: (أسلمت بعد موته) أي وقد مات وهي على دينه فلها الميراث.
قوله: (وقالت ورثته قبله) أي أسلمت قبل موته فلا ميراث لها.
قوله: (صدقوا) أي بلا يمين إلا إذا ادعت عليهم بكفرها بعد موته فيحلفون على عدم العلم.
قوله: (تحكيما للحال) أي استصحابا لظاهر الحال، فإن سبب الحرمان ثابت في الحال فيثبت فيما مضى.
وفي التحرير: الاستصحاب: الحكم ببقاء أمر محقق لم يظهر عدمه.
وحرر ابن نجيم تفاريعه في الاشباه والنظائر في قاعدة: اليقين لا يزول بالشك، وفي آخر باب التحالف في بحره.
قوله: (كما يحكم الحال الخ) إن هذه العبارة ليست موجودة في أصل المصنف، وإنما الذي فيه قوله بعد كما في مسلم الخ وجعل المصنف وجه الشبه فيهما كون القول للورثة فيهما، وأراد بقوله كما يحكم الحال في مسألة
جريان ماء الطاحونة وانقطاعه: أي إذا اختلف المؤجر والمستأجر في جريان ماء الطاحونة وانقطاعه فإنه يحكم الحال ويستدل بها على الماضي، فإذا كان الماء جاريا في الحال حكمنا بأنه جار من أول مدة الاجارة إلى زمان النزاع فيستحق الاجرة، وإن لم يجز حكمنا بالانقطاع كما في الخانية.
فإن قلت: جريان الماء يثبت الاستحقاق وكلامنا في عدمه.
قلت: يمكن أن يقال: إن الاقدام على العقد إقرار بالجريان فكان الاجر ثابتا ومستحقا من كل وجه، فإذا ادعى الجريان يكون مدعيا استحقاقه الاجر عملا بالاقرار السابق لا بتحكيم الحال اللاحق، فإذا لم يستحق بهذا التحكيم يصير دافعا به وهو يصلح للدفع.
فإن قلت: إذا كان الاستحقاق ثابتا بالعقد من كل وجه يكون ادعاء المستأجر عدم الجريان وتحكيمه له حجة لاستحقاقه ما في ذمته من الاجرة: قلت: يمكن أن يجاب بأن كون الاقدام على العقد إقرارا إنما هو حجة غير قوية فلا يعمل به إذا خالفه عدم الجريان المشاهد، فيكون عدم الجريان تحكيما للدفع عنه لا للاستحقاق.
قوله: (جريان الخ) لا وجه لتخصيص الجريان بل الانقطاع كذلك فكان الاولى حذفه.
قوله: (الطاحونة) أي المستأجرة إذا قال المستأجر لم أتمكن من الانتفاع بها لعدم جريان مائها وقال المالك بل تمكنت فينظر إلى وصف الماء في الحال ويحكم به فيما مضى.
قوله: (للدفع لا للاستحقاق) أي لدفع دعوى المدعي كما في المسألة السابقة.
فإن قيل: هذا منقوض بالقضاء بالاجر على المستأجر إذا كان ماء الطاحونة جاريا عند الاختلاف لانه استدلال بالحال لاثبات الاجر.
قلنا: إنه استدلال لدفع ما يدعي المستأجر على الاجر من ثبوت العيب الموجب لسقوط الاجر، أما ثبوت الاجر فإنه بالعقد السابق الموجب له فيكون دافعا لا موجبا.(1/448)
يعقوبية.
قوله: (كما في مسلم مات الخ) ظاهره أنه مثال للاستحقاق بتحكيم الحال، وصنيع الشرح هنا ليس على ما ينبغي، فلو أبقى المصنف من غير زيادة مسألة الطاحونة لكان أولى.
قال سيدي الوالد: وهو تمثيل للمنفي وهو الاستحقاق.
وحاصله: إنما كان القول لهم هنا أيضا لما سيأتي، ولا يمكن أن يكون لها بناء على تحكيم الحال
لانه لا يصلح حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه، أما الورثة فهم الدافعون ويشهد لهم ظاهر الحدوث أيضا.
قوله: (فإرثه) بصيغة المضارع.
قوله: (لان الحادث الخ) أي وهو الاسلام، ولو كان القول قولها لكان تحكيم الحال موجبا لاستحقاقها الارث، وكان الاولى للشارح التعليل بالعلة السابقة، لان ما ذكر لا يصلح تعليلا لما تقدم.
قوله: (لاقرب أوقاته) وأقر بها ما بعد موت الزوج.
قوله: (وقع الاختلاف الخ) بأن مات رجل له أبوان ذميان وولد مسلم فقالا مات ابننا كافرا وقال ولده المسلم مات مسلما فالميراث للولد دون الابوين، وكذا لو قالت امرأة مسلمة مات زوجي مسلما وقال أولاده الكفار كافرا وصدق المرأة أخو الميت وهو مسلم قضى بالميراث للمرأة والاخ دون الاولاد.
قال صاحب البحر: ولا يحتاج إلى تصديق الاخ، بل تكفي دعوى المرأة أنه مات مسلما، وتبعه المقدسي، لكن استظهر فيه سيدي الوالد أن تصديق الاخ شرط لارثه مشاركا للمرأة، لانه لو أكذبها يكون معترفا بأن ولده وارثه فيحجب الاخ به فلا يرث، وكأن صاحب البحر فهم أنه شرط لارث المرأة أيضا، وليس كذلك فيما يظهر، فلا منافاة.
تأمل.
مطلب: مدة التلوم في دفع المال للوارث الذي أقر به المودع قوله: (هذا ابن مودعي) مراده بالابن من يرث بكل حال فالبنت والاب والام كالابن، وقيد بالابن لانه لو قال هذا أخوه شقيقه ولا وارث له غيره وهو يدعيه فالقاضي يتأنى في ذلك.
والفرق أن استحقاق الاخ مشروط بعدم الابن، بخلاف الابن لانه وارث على كل حال، وكل من يرث في حال دون حال فهو كالاخ.
بحر مع زيادة.
ثم إذا تأنى إن حضر وارث آخر دفع المال إليه لانه خلف عن الميت، وإن لم يحضر أعطى كل مدع ما أقر به لكن بكفيل ثقة، وإن لم يجد كفيلا أعطاه المال وضمنه إن كان ثقة حتى لا يهلك أمانة، وإن كان غير ثقة تلوم القاضي حتى يظهر أن لا وارث للميت أو أكبر رأيه ذلك ثم يعطيه المال ويضمنه، ولم يقدر مدة التلوم بشئ بل موكول إلى رأي القاضي، وهذا أشبه بأبي حنيفة.
وعندهما مقدر بحول، هكذا حكي الخلاف في الخلاصة عن الاقضية.
قال: وعن أبي يوسف مقدر بشهر.
قوله: (لا وارث له غيره) قيد به، لانه لو قال له وارث غيره ولا أدري أمات أم لا لا يدفع إليه شئ، لا قبل التلوم ولا بعده، حتى يقيم المدعي بينة تقول لا نعلم له وارثا غيره،
ومثل إقرار المودع بما ذكر ما لو أقر أن الميت أقر بأن هذا ابنه أو أبوه أو مولاه أعتقه، بخلاف ما لو أخبر عنه بأنها زوجته أو أنه مولى الموالاة أو الموصى له بالكل أو بالثلث فإنه لا يدفع إليهم المال، لان(1/449)
ذا اليد أقر بسبب ينتقض ط.
وفي فتح القدير: ولو ادعى أنه أخو الغائب وأنه مات وهو وارثه لا وارث له غيره، أو ادعى أنه ابنه أو أبوه أو مولاه أعتقه، أو كانت امرأة وادعت أنها عمة الميت أو خالته أو بنت أخته وقال لا وارث له غيري وادعى آخر أنه زوج أو زوجة للميت أو أن الميت أوصى له بجميع ماله أو ثلثه وصدقهما ذو اليد وقال لا أدري للميت وارثا غيرهما أو لا لم يكن لمدعي الوصية شئ بهذا الاقرار، ويدفع القاضي إلى الاب والام والاخ ومولى العتاقة أو العمة أو الخالة أو بنت الاخت إذا انفرد.
أما عند الاجتماع فلا يزاحم مدعي النبوة مدعي الاخوة، لكن مدعي هذه الاشياء إذا زاحمه مدعي الزوجية أو الوصية بالكل أو الثلث مستدلا بإقرار ذي اليد فمدعي الاخوة أو البنوة أولى بعد ما يستحلف الابن: ما هذه زوجة الميت أو موصى له، هذا إذا لم تكن بينة على الزوجية والوصية، فإن أقام أخذ بها ا ه.
بحر.
وفيه: ومن دعوى المجمع وإن كانت في يد زيد فجاء أحد الزوجين فصدقه زيد بإعطاء أقل النصيبين لا أكثرهما ا ه.
قيد بتصديقه لانه لو برهن وقالا لا نعلم له وارثا آخر فله أكثر النصيبين اتفاقا، كذا في شرحه لابن ملك.
قوله: (دفعها إليه وجوبا) لاقراره أن ما في يده ملك الوارث خلافة عن الميت والعارية والعين المغصوة بالوديعة ط.
قوله: (كقوله هذا ابن دائني) والمسألة بحالها بأن قال لا وارث له سواه.
قوله: (قيد بالوارث) أي الذي هو الابن ونحوه.
قوله: (لم يدفعها) لانه أقر بقيام حق المودع وملكه فيها الآن فيكون إقرارا على ملك الغير، ولا كذلك بعد موته لزوال ملكه فإنه أقر له بملكه لما في يده من غير ثبوت ملك مالك معين فيه للحال.
وفي فصل الشراء: وإن أقر بزوال ملك المودع لكن لا ينفذ في حذه لا يملك إبطال ملكه بإقراره فصار كإقراره بالوكالة بقبض الوديعة ط.
وتوضيح الفرق بينهما: أن في المسألة الاولى أقر أن ما في يده ملك الوارث خلافة عن الميت فصار كما إذا أقر أنه ملك الوارث وهو حي أصالة، وفي هذه المسائل فيه إبطال حق المودع في العين
بإزالتها عن يده لان يد المودع كيد المالك فلا يقبل إقراره.
قوله: (فإن أقر ثانيا) سواء كان متصلا بالاول بأن قال هذا ابنه وهذا الآخر أيضا، أو منفصلا بأن أقر للثاني في مجلس آخر.
حموي.
قوله: (إذا كذبه الابن الاول) حكم مفهومه ظاهر، وهو ما إذا صدقه فيشتركان قوله (لانه إقرار على الغير) لصحة الاقرار للاول لعدم من يكذبه قوله: (إن دفع للاول بلا قضاء) وهو الصواب كما في الفتح خلافا لما في غاية البيان من أن المودع لا يغرم للابن الثاني شيئا بإقراره له لان استحقاقه لم يثبت فلم يتحقق التلف.
تنبيه: لو أقر بالوديعة لرجل ثم قال لا بل وديعة فلان أو قال غصبت هذا من فلان لا بل من فلان، وكذا العارية، فإنه يقضى بها للاول ويضمن للثاني قيمته، وكذا في الاقرار بالدين، ولو قال هذا لفلان وهذا لفلان المقر له إلا نصف الاول فإنه لفلان كان جائزا، وكان لو قال هذه الحنطة والشعير لفلان إلا كرا من هذه الحنطة فإنه لفلان إذا كانت الحنطة أكثر من الكر كذا في الاصل لمولانا محمد رحمه الله من الدعوى ا ه.
ط عن البحر.
قوله: (تركة قسمت بين الورثة) أي سواء كانوا ممن(1/450)
يحجب أو لا.
قال في آخر الفصل الثاني عشر من جامع الفصولين رامزا إلى الاصل الوارث لو كان محجوبا بغيره كجد وجدة وأخ وأخت لا يعطى شيئا ما لم يبرهن على جميع الورثة: أي إذا ادعى أنه أخو الميت فلا بد أن يثبت ذلك في وجه جميع الورثة الحاضرين أو يشهد أنهما لا يعلمان وارثا غيره، ولو قالا لا وارث له غيره تقبل عندنا لا عند ابن أبي ليلى لانهما جازفا، ولنا العرف.
فإن مراد الناس به لا نعلم له وارثا غيره، وهذه شهادة على النفي فقبلت لما مر من أنها تقبل على الشرط ولو نفيا وهنا كذلك لقيامها على شرط الارث، ولو كان الوارث ممن لا يحجب بأحد، فلو شهدا أنه وارثه ولم يقولا لا وارث له غيره أو لا نعلمه يتلوم القاضي زمانا رجاء أن يحضر وارث آخر، فإن لم يحضر يقض له بجميع الارث، ولا يكفل عند أبي حنيفة في المسألتين: يعني فيما إذا قالا لا وارث له غيره أو لا نعلمه، وعندهما: يكفل فيهما.
ومدة التلوم مفوضة إلى رأي القاضي، وقيل حول، وقيل شهر وهذا عند أبي يوسف.
وأما أحد الزوجين لو أثبت الوراثة ببينة ولم يثبت أنه لا وارث له غيره، فعند أبي
حنيفة ومحمد: يحكم لهما بأكثر النصيبين بعد العلوم.
وعند أبي يوسف: بأقلهما وله الربع ولها الثمن ا ه ملخصا.
وإن تلوم ومضى زمانه فلا فرق بين كونه ممن يحجب كالاخ أو ممن لا يحجب كالابن، كما في البزازية من العاشر في النسب والارث.
قال الصدر الشهيد: وحاصله المدعي لو برهن أنه مات مورثه ولم يذكروا عدد الورثة ولا قالوا لا نعلم له وارثا فإنه لا يقضى له، وإن بينوا عددهم وقالوا لا نعلم له وارثا غير ما ذكر، فإن كان ممن لا يحجب فإنه يقضي له القاضي ولا يتأنى ولا يكفل، وإن كان ممن يحجب بحال تأنى ثم قضى، وإن شهدوا أنه ابنه أو وارثه وأنه مات وتركه ميراثه له ولم يقولوا لم نعلم له وارثا غيره تلوم القاضي زمانا ثم قضى، ولا يؤخذ منه كفيل عند الامام خلافا لها، ويدفع لاحد الزوجين أوفر النصيبين عند أبي يوسف، وعند محمد أقلهما ا ه.
وروي عن الامام أنه قال في أخذ الكفيل: هذا شئ احتاط به بعض القضاة وهو ظلم، وعنى بالبعض ابن أبي ليلى قاضي الكوفة.
وأورد أنه مجتهد والمجتهد مأجور، وإن أخطأ فلا وجه لنسبته إلى الظلم.
وقد قال الامام: كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد: أي مصيب في اجتهاده بحسب ما عنده، وإن أخطأ الحق في الواقع.
والجواب ما قاله في التلويح: المخطئ في الاجتهاد لا يعاتب ولا ينسب إلى الضلال بل يكون معذورا ومأجورا، إذ ليس عليه إلا بذل الوسع وقد فعل، فلم ينل لخفاء دليله إلا أن يكون الدليل الموصل إلى الصواب بينا فأخطأ المجتهد لتقصير منه وتركه المبالغة في الاجتهاد فإنه يعاتب، وما فعل من طعن السلف بعضهم على بعض في المسائل الاجتهادية كان مبنيا على أن طريق الصواب بين في زعم الطاعن ا ه: أي ومنه طعن الامام على ابن أبي ليلى، وانظر ما سيأتي قبيل باب الشهادة على الشهادة.
قوله: (كذا نسخ المتن) أي بإسقاط لا، والحق ثبوتها كما في سائر الكتب.
سيدي.
قال ط: ولعله فيما وقع له، والذي بيده فيما ذكر لا، وكلام المصنف في الشارح مثله.
واعلم أن مفهوم المتن أمران: سكوتهم، وقولهم لا نعلم، ولم يكفلوا فيهما عند الامام.
وقال الصاحبان: يكفلون في صورة السكوت إلا إذا قالوا لا نعلم، فعدم الكفالة في الثاني متفق عليه، وهو مراد الشارح في قولولو قال الشهود ذلك ويكون تفريقعا على غير المتن.
قوله: (لم يكفلوا) مبني
للمجهول مضعف العين والواو للورثة أو الغرماء: أي لا يأخذ القاضي منهم كفيلا ح.
قال في(1/451)
الدرر: أي لم يؤخذ منه كفيل بالنفس عند الامام، وقالا يؤخذ ا ه.
وهذا ظاهر في أنه على قولهما يؤخذ كفيل بالنفس، ثم رأيته لتاج الشريعة أبو السعود عن شيخه ولم يره في البحر فتوقف في أنها بالمال أو بالنفس ا ه سيدي، فافهم.
واقتصر على نفي التكفيل لان القاضي بعد يتلوم كما ذكره الشارح بعد، ولا يدفع إليه حتى يغلب على ظنه أنه لا وارث له غيره ولا غريم له اتفاقا، لانه من باب الاحتياط لنفسه بزيادة علم بانتفاء الشريك المستحق معه بقدر الامكان كما في غاية البيان.
قوله: (خلافا لهما) أي لاحتمال أن يكون له وارث أو غريم آخر.
قوله: (لجهالة المكفول له) علة لقوله لم يكفلوا ولان حق الحاضر ثابت قطعا أو ظاهرا فلا يؤخر لاجل المرهوم، كذا قالوا: (ويتلوم القاضي) أي يتأنى في تأخير القضاء إلى المدة المتقدم بيانها لا في الدفع بعد القضاء.
والمسألة على وجوه ثلاثة تقدم بيانها عن الصدر الشهيد، وسيأتي شئ منها قبيل باب الشهادة على الشهادة إن شاء الله تعالى.
قوله: (مدة) تقدم أنها مفوضة إلى رأي القاضي، وقدرها الطحاوي بحول، وعلى عدم التقدير حتى يغلب على ظنه أنه لا وارث له غيره أو لا غريم له آخر، قوله: (ولو ثبت) أي ما ذكر من الورثة أو الغرماء.
قوله: (بالاقرار) أي بالارث أو بالدين وهو محترز قوله بشهود.
قوله: (كفلوا اتفاقا) يعني والخلاف فيما إذا ثبت الدين والارث بالشهادة ولم يقل الشهود لا نعلم له وارثا غيرهم، أما إذا ثبت بالاقرار يؤخذ كفيل بالاتفاق.
قوله: (ولو قال الشهود ذلك) أي لا نعلم له وارثا أو غريما غيره.
قوله: (لا) أي لا يؤخذ منهم كفيل سواء كان وارثا يحجب بحال أو لا.
قوله: (اتفاقا) تقدم بيان الصور في الحاصل.
قوله: (ادعى) قال في جامع الفصولين من الرابع: ادعى عليهما أن الدار التي بيدكما ملكي فبرهن على أحدهما، فلو الدار في يد أحدهما بإرث فالحكم عليه حكم على الغائب إذ أحد الورثة ينتصب خصما عن البقية، ولو لم يكن كل الدار بيده لا يكون قضاء على الغائب بل يكون قضاء بما في يد الحاضر على الحاضر، ولو بيد أحدهما بشراء لا يكون الحكم على أحدهما حكما على الآخر ا ه.
قوله: (إرثا) قيد به لانه لو شراء لا يكون الحاضر خصما عن الغائب كما تقدم.
قوله:
(مشاعا) يعني ينتفع به انتفاع المشاع لا أنه يقسمه ويفرزه لانه سيأتي في القسمة، فإن برهن وارث واحد لا يقسم إذ لا بد من حضور اثنين ولو أحدهما صغيرا أو موصى له.
قوله: (جحد ذو اليد دعواه أو لم يجحد) هذا التعميم غير صحيح بعد قوله وبرهن عليه لان البرهان يستلزم سبق الجحد، وقد أجمعوا أنه لا يؤخذ الكفيل في صورة الاقرار.
والصواب أنه يبدل قوله وبرهن عليه بقوله: وثبت ذلك فيشمل الثبوت بالاقرار ولا كفيل فيه اتفاقا وبالبينة وفيه الخلاف، وحينئذ يسقط قوله جحد دعواه أو لم يجحد ا ه ط.
وأجاب عنه سيدي الوالد بأن هذا التعميم راجع إلى قوله وترك باقيه أشار به إلى الخلاف، فافهم.
أقول: عبارة الهداية والمجمع والبحر وغيرها تساوي عبارة المصنف وهي عبارة متن الدرر، وكأنهم تساهلوا في ذلك لوضوح المراد.
ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله وترك باقيه مستأنف ليس من تمام حكم البرهان، ويكون المراد بيان مسألة وفاقية وهي أخذ المدعي النصف إذا برهن، ومسألة خلافية(1/452)
وهي ترك الباقي مع ذي اليد مطلقا، وأشار إلى الخلاف بالتعميم بقوله جحد أو لا، هذا ما ظهر لي.
نعم الاولى ما في شرح أدب القضاء حيث ذكر أن المدعي يأخذ النصف ويترك الباقي مع ذي اليد عند الامام، وعندهما: ينزع منه: أي ويجعل في يد أمين، ثم ذكر أنهم أجمعوا أنه لو مقرا ينزع الباقي منه أيضا.
قوله: (خلافا لهما) أي في صورة الجحود حيث قالا: إن جحد ذو اليد يؤخذ منه ويجعل في يد أمين لخيانته بجحوده وإلا ترك في يده، فلا نظر في تركه في يده، فهو راجع إلى قوله وترك باقيه في يد ذي اليد لا لقوله بلا كفيل فإنه لا خلاف فيه، وله أن الحاضر ليس بخصم عن الغائب في الاستيفاء وليس للقاضي التعرض بلا خصم، كما إذا رأى شيئا في يد إنسان يعلم أنه لغيره لا ينتزعه منه بلا خصم، وقد ارتفع جحوده بقضاء القاضي بالكل.
بحر.
قوله: (خصما للميت) الاوضح عن الميت.
قوله: (حتى تقضى منها ديونه) وتنفذ منها وصاياه.
قوله: (ثم إنما يكون خصما) أي عن بقية الورثة فيما يدعي على الميت.
قوله: (بشروط تسعة) الاولى أن يقول ثلاثة: الاول كون العين كلها في يده، وأن لا تكون مقسومة، وأن يصدق الغائب أنها إرث عن الميت المعين كما في البحر والحموي.
قوله: (مبسوطة في البحر) ليس جميع المذكور في البحر شروطا، بل بعضه شروط وبعضه أحكام، ونصه: تنبيهات: (الاول): إنما ينتصب الحاضر الذي في يده العين خصما عن الباقين إذا كانت العين لم تقسم بين الحاضر والغائب، فإن قسمت وأودع الغائب نصيبه عند الحاضر كانت كسائر أمواله فلا ينتصب الحاضر خصما عنه.
ذكره العتابي عن مشايخنا.
وفي جامع الفصولين من السابع والعشرين: ولو أودع نصيبه من عين عند وارث آخر فادعى رجل هذا العين ينتصب هذا الوارث خصما إذ ينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين لو كان العين بيده، بخلاف الاجنبي ا ه.
أقول: فقوله بخلاف الاجنبي: أي غير الوارث تكون العين في يده فيدعي عليه فلا يتعدى القضاء عليه إلى غيره بأن تكون شركة بينه وبين غيره فلا يكون الشريك الغائب مقضيا عليه.
سيدي الوالد.
(الثاني): إنما لا تسمع دعوى الغائب إذا حضر بشرط أن يصدق أن العين ميراث بينه وبين الحاضر، أما لو أنكر الارث وادعى أنه اشتراها أو ورث نصيبه من رجل آخر لا يكون القضاء على الحاضر قضاء عليه فتسمع دعواه وتقبل بينته.
فالحاصل: أنه إنما ينتصب خصما عن الباقي بثلاثة شروط: كون العين كلها في يده، وأن لا تكون مقسومة، وأن يصدق الغائب على أنها إرث عن الميت المعين.
(الثالث): إنما يكفي ثبوت بعض الورثة أن لو ادعى الجميع وقضى به، أما لو ادعى حصته فقط وقضى بها فلا يثبت حق الباقين.
(الرابع): ادعى بيتا فقال ذو اليد إنه ملكي ورثته من أبي، فلو قضى عليه: أي على ذي اليد:(1/453)
أي ببرهان المدعي يظهر على جميع الورثة، لان العين كلها في يده غير مقسومة فليس لاحد منهم أن يدعيه بجهة الارث إذ صار مورثهم مقضيا عليه، فهو ادعاه أحدهم ملكا مطلقا تقبل إذا لم يقض عليه
في الملك المطلق، فلو ادعاه ذو اليد ملكا مطلقا لا إرثا لا تصير الورثة مقضيا عليهم فلهم أخذه بدعوى الارث، لكن ليس لذي اليد حصة فيه إذا قضى عليه.
(الخامس): إذا كان الورثة كبارا غيبا وصغارا نصب القاضي وكيلا عن الصغير لسماع دعوى الدين على الميت، والقضاء على هذا الوكيل قضاء على جميع الورثة.
(السادس): إذا أثبت المدعي دينه على بعض الورثة وفي يده حصته فإنه يستوفي جميع دينه مما في يد الحاضر ثم يرجع الحاضر على الغائب بحصته.
(السابع): يحلف الوارث على الدين إذا أنكر: أي على العلم وإن لم يكن للميت تركة.
(الثامن): يصح الاثبات على الوارث وإن لم يكن للميت تركة.
مطلب: وكيل بيت المال ليس بخصم إلا إذا وكله السلطان في أن يدعي ويدعى عليه لا بالجمع والحفظ (التاسع): لو لم يكن للميت وارث فجاء مدع للدين على الميت نصب القاضي وكيلا للدعوى كما في أدب القاضي للخصاف، وظاهره أن وكيل بيت المال ليس بخصم ا ه بزيادة.
أقول: قال سيدي في حاشيته عليه: يجب تقييده بما إذا وكله السلطان بجمعه وحفظه، أما إذا وكله بأن يدعي ويدعى عليه أيضا تسمع دعواه والدعوى عليه، ويملك في ذلك ما يملكه السلطان لانه فوض إليه ما يملكه، وهذه المسألة كثيرة الوقوع.
ويتفرع من ذلك أن المزارع لا يصلح خصما لمن يدعي الملك في الارض وكذلك المقاطع المسمى بلغتهم تيماريا.
تأمل هذا.
وسئل شيخنا ابن الحانوتي عن هذه المسألة، فأجاب بما ذكره الشيخ زين هنا ا ه.
قوله: (والحق الخ) لا ارتباط له بما قبله، لان ما قبله في انتصاب أحد الورثة خصما للميت، وهذا الفرق في انتصاب أحدهم خصما فيما عليه.
قال في البحر: وكذا ينتصب أحدهم فيما عليه مطلقا إن كان دينا، وإن كان في دعوى عين فلا بد من كونها في يده ليكون قضاء على الكل، وإن كان البعض في يده نفذ بقدره كما صرح به في الجامع الكبير وظاهر ما في الهداية والنهاية والعناية أنه لا بد من كونها كلها في يده في دعوى الدين أيضا، وصرح في فتح القدير بالفرق بين العين والدين وهو الحق وغيره سهو ا ه.
وفي حاشية أبي السعود عن شيخه: ووجه الفرق بينهما أن حق الدائن شائع في جميع التركة، بخلاف مدعي العين ا ه قوله (والعين) حيث لا ينتصب أحد الورثة خصما عن الباقي في دعوى العين إلا إذا كانت في يده.
وأما في دعوى الدين عليه فإنه ينتصب خصما عنهم وإن لم يكن في يده غير تركة، لان حق الدائن شائع في جميع التركة، بخلاف العين المدعى بها كما تقدم آنفا، وقد علمت أن ذلك فيما إذا كان الوارث مدعى عليه.
وأما إذا كان هو المدعي إرث العين على ذي اليد فإن أثبت كان القضاء بالارث له ولبقية الورثة إذا ادعاه إرثا له ولهم، وإن لم يثبت ودفع المدعى عليه دعوى المدعي بأن مورثك باعها مني مثلا وأثبت الشراء تندفع دعوى الارث في حق الحاضر والغائب، كما أفاده الطحاوي عن أبي السعود.
قوله: (فيما ذكر) من أخذ الحاضر حصته وترك باقيه في يد ذي اليد، وقيل يوضع عند عدل إلى حضور صاحبه.(1/454)
مطلب: هل ينزع المنقول من يد ذي اليد؟ وفي الحموي: ولو كانت الدعوى في منقول: قيل يؤخذ منه اتفاقا لاحتياج المنقول إلى الحفظ والنزع من يده أبلغ في الحفظ كي لا يتلفه، أما العقار فمحفوظ بنفسه، وقيل المنقول على الخلاف، وقول الامام في المنقول أظهر لحاجته إلى الحفظ، والترك في يده أبلغ فيه، لان المال بيد الضمين أشد حفظا وبالانكار صار ضامنا، ولو وضع عند عدل كان أمينا.
كذا في الكافي والفتح وغيرهما.
وبحث العلامة المقدسي بأن النزع من يد الخائن أبلغ في الحفظ باحتمال هروبه أو تحيله بوجه ما، فليتأمل ا ه.
قوله: (ومثله في البحر) فإنه حكي مقابل الاتفاق بقيل ط.
قوله: (أنه لا يؤخذ) أي المنقول لو مقرا: أي كالعقار، وهذه العبارة توهم أن العقار لم يجمعوا على عدم أخذه لو مقرا وليس كذلك، فإن الحكم فيهما واحد كما علم بما سبق.
مطلب: أوصى بثلث ماله جاز قوله: (أوصى له بثلث ماله) وكذا لو قال ثلثي لفلان أو سدسي فهو وصية جائزة، وقيد بالوصية لانه لو قال ثلث مالي وقف ولم يزد قال في البزازية من الوصايا: إن كان ماله دراهم أو دنانير
فقوله باطل، وإن ضياعا صار وقفا على الفقراء، ولو قال ثلث مالي لله تعالى الوصية باطلة عندهما، وعند محمد يصرف إلى وجوه البر، ولو صرح به إلى سراج المسجد يجوز، ولو قال ثلث مالي في سبيل الله فهو للغزو، فإن أعطوه حاجا منقطعا جاز.
بحر.
قوله: (يقع ذلك على كل شئ) وهل تدخل الديون في الوصية؟ في الخانية لا، وكلام الشارح في الوصايا يفيد دخوله في الوصية بالمال لانه يصير مالا بالاستيفاء فتناولته الوصية خصوصا.
قالوا: إنها أخت الميراث وهو يجري فيهما، وكذا كلام الوهبانية يشير إلى الخلاف.
ورجح الدخول حيث قال: وفي ثلث مالي يدخل الدين أجدر.
قال ابن الشحنة في شرحه المسألة في القنية رامزا للبرهان صاحب المحيط وقال: لو أوصى بثلث ماله لا يدخل الدين ثم رمز للاصل وقال يدخل.
قال المصنف: وفي حفظي من فتاوى قاضيخان رواية دخول الدين في الوصية بثلث المال، والمراد بدخولها أن يدخل ثلثها في الوصية ولا يسقط فيجعل كأنها لم تكن ا ه.
مطلب: هل يدخل تحت الوصية بالمال ما على الناس من الديون؟ قولان: وفي وصايا الكنز: أوصى له بألف وله عين ودين: فإن خرج لالف من ثلث العين دفع إليه، وإلا فثلث العين، وكلما خرج شئ من الدين له ثلثه حتى يستوفي الالف، وهذه غير مسألتنا.
وما نقله عن حفظ ابن وهبان يخالفه ما ذكره في البحر عن الخانية من عدم دخول الدين.
ورأيت في وصايا الظهيرية: إذا كان مائة درهم عين ومائة درهم على أجنبي دين فأوصى لرجل بثلث ماله فإنه يأخذ ثلث العين دون الدين، ألا ترى إن حلف أن لا مال له وله ديون على الناس لم يحنث، ثم ما خرج من الدين أخذ منه ثلثه حتى يخرج الدين كله لانه لما تعين الخارج مالا التحق بما كان عينا في الابتداء.
ولا يقال: لما لم يثبت حقه في الدين قبل أن يتعين كيف يثبت حقه فيه إذا تعين؟ لانا نقول: مثل هذا غير ممتنع، ألا ترى أن الموصى له بثلث المال لا يثبت حقه في القصاص، ومتى انقلب مالا يثبت حقه فيه ا ه.(1/455)
مطلب: في التوفيق بين القولين في دخول الدين في الوصية وعدم دخوله قال سيدي الوالد: ويمكن أن يوفق بين القولين بهذا فتدبر، والله تعالى أعلم ا ه.
وينبغي التأمل
عند الفتوى، لان كلام كل متكلم يبنى على عرفه، فإذا كان العرف أن المال يقع على ما سوى العقار أو الدين أو يعم الكل فيفتى به.
قوله: (لانها أخت بالميراث) أي والميراث يجري في كل شئ: أي في الدين والعين.
مطلب: من قال جميع ما أملكه صدقة قوله: (مالي أو ما أملكه صدقة الخ) أما لو قال لله علي أن أهدي جميع مالي أو ملكي فإنه يدخل فيه جميع ما يملكه وقت الحلف بالاجماع فيجب أن يهدي ذلك كله إلا قدر قوته، فإذا استفاد شيئا تصدق بمثله، وفي مسألة المصنف يدخل الموجود وقت القول في المنجز.
أما لو كان معلقا بالشرط نحو قوله مالي صدقة للمساكين إن فعل كذا دخل المال القائم عند اليمين والحادث بعده.
قال سيدي الوالد: ظاهره أنه بدون التنجيز لا يشمل الحادث بعد اليمين، وهذا بخلاف الوصية.
مطلب: أوصى بثلثهى لفلان وليس له مال ثمم استفاد تصح الوصية لما في الخانية: ولو قال أوصيت بثلث مالي لفلان وليس له مال ثم استفاد مالا ومات كان للموصى له ثلث ما ترك، ثم قال بعده ولو قال عبيدي لفلان أو براذيني لفلان ولم يضف إلى شئ ولم ينسبهم يدخل فيه ما كان له في الحال وما يستفيد قبل الموت ا ه.
لكن قد يقال: الوصية في معنى المعلق.
وفي حاشية أبي السعود: وقوله والحادث بعده ظاهره ولو بعد وجود الشرط، لكن ذكر الابياري ما نصه: لو علقه بشرط دخل المال الموجود عند اليمين والحادث بعده إلى وجود الشرط ا ه.
فظاهر قول المصنف مالي أو ما أملكه الخ دخول الدين أيضا، وفيه ما قدمناه آنفا من الخلاف والتوفيق.
قوله: (فهو على جنس مال الزكاة) أي أي جنس كانت بلغت نصابا أو لا عليه دين مستغرق أو لا، ولا يتصدق بغير ذلك من الاموال لانها ليست بأموال الزكاة.
وقال زفر: يلزمه التصدق بالكل لان اسم المال يتناول الكل.
ولنا أنه يعتبر بإيجاب الله تعالى.
قال تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * (التوبة: 301) وهو خاص بالنقدين وعروض التجارة والسوائم والغلة والثمرة العشرية والارض العشرية، لان المعتبر جنس ما يجب فيه الزكاة مع قطع النظر عن قدرها وشرطها، فإن قضى دينه لزمه أن يتصدق بعده بقدره.
عيني
وغيره.
قال ط: ولا تدخل الارض العشرية عند الطرفين ولا الخراجية اتفاقا ا ه.
وخرج رقيق الخدمة ودور السكنى وأثاث المنازل وما كان من الحوائج الاصلية.
مطلب: مالي أو ما أملك سواء في الصحيح قال في البحر: وتسوية المصنف بين قوله مالي وبين قوله ما أملك هو الصحيح لانهما يستعملان استعمالا واحدا فكان فيهما القياس والاستحسان خلافا للبعض، واختاره في المجمع والهداية.
وذكر القاضي الاسبيجابي أن الفرق بين المال والملك إنما هو قول أبو يوسف، وأبو حنيفة لم يفرق بينهما، واختاره الطحاوي في مختصره ا ه.
قوله: (أمسك منه قدر موته) لم يبين في المبسوط قدر ما يمسك،(1/456)
لان ذلك يختلف باختلاف العيال وباعتبار ما يتجدد له من التحصيل، فيمسك أهل كل صنعة قدر ما يكفيه إلى أن يتجدد له شئ.
قال ط: المتأخرون قدروا هذا القدر، فقالوا في المحترف يمسك لنفسه وعياله قوت يومه، وصاحب الغلة وهو آجر الدار ونحوها يمسك قوت شهر، وصاحب الضيعة يمسك قوت سنة، وصاحب التجارة يمسك قدر ما يكفيه إلى أن يتجدد له شئ ا ه.
قوله: (تصدق بقدره) أي بقدر ما أمسك.
مطلب: لو قال إن فعلت كذا فما أملكه صدقة فالحيلة في الفعل وعدم الحنث الخ قوله: (فحيلته) أي إن أراد أن يفعل ولا يحنث.
قوله: (أن يبيع ملكه) أي ما تجب فيه الزكاة.
قوله: (ثم يفعل ذلك) أي المحلوف عليه.
قوله: (فلا يلزمه شئ) يعلم منه كما قال المقدسي أن المعتبر الملك حين الحنث لا حين الحلف ا ه.
ووجه المسألة أنه حين الحنث لا مال له.
أقول: ويعلم منه أن المشتري باسم المفعول بخيار الرؤية لا يدخل في ملكه حتى يراه ويرضى به.
قاله الشيخ أبو الطيب مدني.
أقول: الذي يظهر لي أنه يدخل في ملكه لكنه غير لازم وإلا لزم أن يخرج البدلان من ملكه، ولا قائل به، والمسألة تحتاج إلى المراجعة، وما نقله عن البحر عزاه في البحر إلى الولوالجية في الحيل آخر الكتاب، وتمامه فيها حيث قال: وإن كان له ديون على الناس يتصالح على تلك الديون مع رجل بثوب في
منديل ثم يفعل ذلك ويرد الثوب بخيار الرؤية فيعود الدين ولا يحنث ا ه.
قوله: (لزمه بقدر ما يملك) ولا يلزمه شئ بعد لانه بمنزلة النذر بما لا يملك، وكذا يقال فيما بعد.
قوله: (ولو لم يكن له شئ لا يجب شئ) الظاهر أن التعليق ليس بشرط، حتى لو نجز النذر فقال علي أن أتصدق بألف درهم كان الحكم كذلك، فإن كان يملك دونها يلزمه التصدق، وإن لم يكن عنده شئ لا يلزمه فراجع.
رحمتي.
قال في الهداية: ومن نذر نذرا مطلقا فعليه الوفاء به لقوله صلى الله عليه وآله: من نذر وسمى فعليه الوفاء بما يسمي وإن علق النذر بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس النذر لاطلاق الحديث، ولان المعلق بالشرط كالمنجز عنده.
وعن أبي حنيفة أنه رجع عنه وقال: إذا قال إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه عن ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد، ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا، وهذا إذا كان شرطا لا يريد كونه لان فيه معنى اليمين وهو المنع، وهو باظهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه، وهذا التفصيل هو الصحيح ا ه.
وعليه مشى في متن مجمع البحرين والدرر والغرر، وأفتى به إسماعيل الزاهد ومشايخ بلخ وبعض مشايخ بخارى، واختاره شمس الائمة والقاضي المروزي.
وقال في البزازية: وعليه الفتوى.
وقال في الفيض: والمفتى به ما رويناه عن أبي حنيفة من رجوعه، وقد أوضح المسألة العلامة الشرنبلالي في رسالة سماها (تحفة التحرير وإسعاف الناذر الغني(1/457)
والفقير بالتخيير على الصحيح والتحرير) فليراجعها من رام ذلك.
قوله: (وصح الايصاء) أي من شخص لشخص على صغيره أو وصيته (1).
مطلب: لا يشترط علم الوصي بالايصاء بخلاف الوكيل قوله: (فصح تصرفه) أي من غير علم بالايصاء، وإذا تصرف يعد قابلا له فلا يتمكن من إخراج نفسه منه، وإلا فله إخراج نفسه إذا علم لعدم القبول، لانه لا يخفى أن من حكم الوصي أنه لا يملك عزل نفسه بعد القبول حقيقة أو حكما، وظاهر ما هنا تبعا للكنز، أنه يصير وصيا قبل التصرف وليس كذلك، بل إنما يصير بعده كما نبه عليه في البحر، ولذا قال في نور العين من 23: غازيا مات وباع
وصيه قبل علمه بوصايته وموته جاز استحسانا ويصير ذلك قبولا منه للوصاية ولا يملك عزل نفسه ا ه.
فكان على الشارح أن يقول إن تصرف قبله بدل قوله فصح تصرفه فتنبه.
قوله: (لا يصح التوكيل بلا علم وكيل) فلو باع الوكيل قبل العلم لم يجز.
بحر: أي لم يلزم فيكون بيع الفضولي فيتوقف على إجازته بعد العلم أو على إجازة الموكل كما في منحة الخالق لسيدي الوالد.
وفي البزازية عن الثاني خلافه.
مطلب: علم المشتري بالوكالة دون الوكيل يصح وفي البحر: أما إذا علم المشتري بالوكالة واشترى منه ولم يعلم البائع الوكيل كونه وكيلا بالبيع، بأن كان المالك قال للمشتري اذهب بعبدي إلى زيد فقل له حتى يبيعه بوكالته عني منك فذهب به إليه ولم يخبره بالتوكيل فباعه هو منه يجوز، ومثله الاذن للعبد والصبي بالتجارة فلا يثبت إلا بعد العلم والامر باليد حتى لو جعل أمرها بيدها لا يصير الامر بيدها ما لم تعلم، فلو طلقت نفسها قبل العلم لم يقع.
خانية.
وفي شرح المجمع لابن مالك: إذا قال المولى لاهل السوق بايعوا عبدي فلانا يصير مأذونا قبل العلم، بخلاف ما لو قال أذنت لعبدي فلان ولم يشهد بين الناس فعلم العبد به شرط كما في البحر.
قوله: (خلافة) فلا تتوقف على العلم كتصرف الوارث ملكا وولاية، حتى لو باع الجد مال ابن ابنه بعد موت الابن من غير علم بموته جاز.
لكن قال في البحر: ثم اعلم أنه وقع في الهداية هنا أن الوصية خلافة كالوراثة وهو مشكل، فإن المصرح به إن ملك الموصى له ليس بطريق الخلافة كملك الوارث.
قال الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء: إن الموصى له ليس بخليفة عن الميت، ولهذا لا يصح إثبات دين الميت عليه، وإنما يصح على وارث أو وصي، ولو أوصى له بعبد اشتراه فوجد به الموصى له عيبا فإنه لا يرده، بخلاف الوارث، ويصير الوارث مغرورا لو استحقت الجارية بعد الولادة كالمورث، بخلاف الموصى له ا ه.
ولم أر أحدا من الشارحين بينه، وقد ظهر لي أن صاحب الهداية أراد بالخلافة أن ملك كل منهما يكون بعد الموت لا بمعنى أنه قائم مقامه.
ومما يدل على عدم الخلافة ما في التلخيص بعد بيان أن ملكه ليس خلافة أنه يصح شراء ما باع الميت بأقل مما باع قبل نقد الثمن،
بخلاف الوارث، وقدمنا تعريف المال أول كتاب البيوع ا ه.
__________
(1) قوله: (أو وصيته) هكذا بالاصل، والذي في ط أو تركته.(1/458)
أقول: وقد سبق صاحب البحر إلى ذلك صاحب الكفاية حيث قال: قوله لانها خلافة كهي: أي كالوراثة من حيث إنهما يثبتان الملك بعد الموت ا ه.
وفي البحر أيضا: ثم اعلم أن صاحب الهداية ذكر هنا أن الوصاية خلافة لا نيابة كالوراثة، وقال قبله: إن الوصية خلافة كهي، وقدمنا ما في الثاني.
وأما الاول فالمراد به أنه خليفة الميت في التصرف كالوارث لا في الملك، بخلاف الخلافة في الوصية فإنها في الملك لا في التصرف.
ومما يدل على أن الوصي خليفة الميت ما في خزانة المفتين: لو مات عن وصي وابن صغير ودين فقبضه الوصي بعد بلوغ الصغير جاز إلا إذا نهاه.
ثم اعلم أنهم فرقوا بين الوارث والوصي في مسألة: لو أوصى بعتق عبد ملك الوارث إعتاقه تنجيزا وتعليقا وتدبيرا وكتابة، ولا يملك الوصي إلا التنجيز وهي في التلخيص ا ه.
قوله: (والوكيل نيابة) أي عن الموكل، فالموكل أثبت له ولاية التصرف في ملكه، لا يطريق الخلافة لبقاء ولاية الموكل فلا بد من العلم، فلو أودع ألفا عند رجل ثم قال المالك أمرت فلانا بقبضها منه ولم يعلم فلان بكونه مأمورا بالقبض فقبضه وتلف عنده فالمالك بالخيار في تضمين أيهما شاء، ولو علم المودع فقط فدفع للمأمور المذكور فتلف عنده لا شمان على أحد، لان المستودع دفع بالاذن، ولو لم يعل أحدهما فقال المأمور ادفع لي وديعة فلان لادفعها إلى صاحبها أو ادفعها إلي تكون عندي لصاحبها فدفع فضاعت فللمالك تضمين أيهما شاء عندهما.
بحر عن الخانية.
مطلب: الوصاية والوكالة يجتمعان ويفترقان ثم اعلم أن الوصية والوكالة يجتمعان ويفترقان، فيفترقان في مسألة الكتاب وفي أن الوصاية من الميت لا تقبل التخصيص، بخلاف وصي القاضي فإنه يتخصص، والوكالة تقبل التخصيص، وفي أنه يشترط في الوصي أن يكون مسلما حرا بالغا عاقلا، بخلاف الوكيل إلا العقل، وفي أن الوصي إذا
مات قبل تمام المصلحة نصب القاضي غيره، ولو مات وكيل الغائب لا ينصب غيره إلا عن المفقود للحفظ، وفي أن القاضي يعزل الوصي بخيانة أو تهمة بخلاف الوكيل عن الحي، وفي أن الوارث يملك إعتاق الموصى بعتقه تنجزيا وتعليقا وتدبيرا وكتابة، ولا يملك الوصي إلا الاول.
قال في الحواشي الحموية على الاشباه من بحث ما افترق فيه الوكيل والوصي: إن الوكيل يملك عزل نفسه لا الوصي بعد القبول، ولا يشترط القبول في الوكالة ويشترط في الوصاية، ويتقيد الوكيل بما قيده الموكل ولا يتقيد الوصي، ولا يستحق الوكيل أجرة عمله بخلاف الوصي، ولا تصح الوكالة بعد الموت والوصاية تصح، وتصح الوصاية وإن لم يعلم بها الوصي، بخلاف الوكالة، ويشترط في الوصي: الاسلام والحرية والبلوغ والعقل، ولا يشترط في الوكيل إلا العقل.
وإذا مات الوصي قبل تمام المقصود نصب القاضي غيره، بخلاف موت الوكيل لا ينصب غيره إلا عن مفقود للحفظ، وفي أن القاضي يعزل وصي الميت بخيانة أو تهمة بخلاف الوكيل، وفي أن الوصي إذا باع شيئا من التركة فادعى المشتري أنه معيب ولا بينة فإنه يحلف على الثبات، بخلاف الوكيل فإنه يحلف على نفي العلم.
وهي في القنية: ولو أوصى لفقراء أهل بلخ فالافضل للوصي أن لا يجاوز أهل بلخ، فإن أعطى لاهل كورة أخرى جاز على الاصح.
ولو أوصى بالتصدق على فقراء الحاج يجوز أن يتصدق على(1/459)
غيرهم من الفقراء، ولو خص فقال فقراء هذه السكة لم يجز، كذا في وصايا خزانة الاكمل.
مطلب: الوصي يخالف الوكيل في هذه المسألة وفي الخانية: ولو قال لله علي أن أتصدق على جنس فتصدق على غيره لو فعل ذلك بنفسه جاز.
ولو أمر غيره بالتصدق ففعل المأمور ذلك ضمن ا ه.
فهذا مما خالف فيه الوصي الوكيل.
ولو استأجر الموصي الوصي لتنفيذ الوصية كانت وصية له بشرط العمل، وهي في الخانية: ولو استأجر الموكل الوكيل فإن كان على عمل معلوم صحت، وإلا لا ا ه.
فهي خمس عشرة مسألة، فلتحفظ.
مطلب: وصي القاضي نائب عن الميت لا عن القاضي
ثم اعلم أن وصي القاضي نائب عن الميت لا عن القاضي.
قال في البحر: ولم أر نقلا في حكم وصايته قبل العلم.
مطلب: الناظر وكيل لا وصي وكذا في حكم تولية الناظر من الواقف، وينبغي أن يكون على الخلاف، فمن جعل الناظر وصيا قال ثبت قبل العلم، ومن جعله وكيلا قال لا، وصححوا أنه وكيل حتى ملك الواقف عزله بلا شرط ا ه.
مطلب: تقرير في النظر بلا علمه قال سيدي الوالد معزيا لابي السعود: ومقتضاه أن تقريره في النظر بلا علمه لا يصح.
مطلب: الناظر له شبه بالوصي وشبه بالوكيل ثم رأيت بخط الشيخ شرف الدين الغزي محشي الاشباه أنهم لا يجعلونه وصيا من كل وجه ولا وكيلا كذلك، بل له شبه بالوصي حتى صح تفويضه في مرض موت، وشبه بالوكيل حتى ملك الواقف عزله من غير شرط على قول أبي يوسف.
وأما على قول محمد فهو وكيل عن الموقوف عليهم كما ذكره في الاشباه.
قلت: وقول محمد مشكل، إذ مقتضى كونه وكيلا عنهم أن لهم عزله، مع أن الظاهر من كلامهم أنه لا يصح، بل لو عزله القاضي لم يصح إذا كان منصوب الواقف إلا بخيانة ا ه.
مطلب: الناظر وكيل في حياة الواقف وصي في موته قلت: إنه وكيل ما دام الواقف حيا وصي بعد وفاته، والظاهر أن مراد محمد أنه نظير الوكيل في سعيه لهم، لا وكيل حقيقة، إذ ليست ولايته منهم.
تأمل.
مطلب: الكتابة كالخطاب فيقع بها علم الوكيل بالوكالة قوله: (فلو علم الخ) وفي الهداية: الكتاب كالخطاب.
قوله: (ولو من مميز).
أقول: إقحامه لفظ مميز لا يظهر لانه لا يشترط في المعلم إلا التمييز.
قوله: (أو فاسق (1)) أي
__________
(1) قوله: (اختار السرخسي قبول خبر الفاسق فتجب عليه الاحكام بخبره لان المخبر له رسول الله صلى الله عليه وآله، والعدالة لا تشترط
في الرسول كما مر وصححه الزيلعى.
ورده في الفتح بأن عدم اشتراط العدالة إنما هو في الرسول الخامس للارسال وإلا فيلزم على قوله أن لا تشترط العدالة في رواية الحديث مقدسي ا ه.
منه.(1/460)
إذا صدقه الوكيل، حتى لو كذبه لا يثبت، فعلى هذا لا فرق بين الوكالة والعزل، لان في العزل أيضا إذا صدقه ينعزل.
كذا في غاية البيان.
يعقوبية.
قوله: (ولا يثبت عزله الخ) هذا قوله، وقالا: لا يشترط في المخبر بهذه إلا التمييز لكونها معاملة، وله أن فيها إلزاما من وجه دون وجه، فيشترط أحد شطري الشهادة، إما العدد أو العدالة.
وقال في البحر: أطلقه، وهو مقيد بأن يكون المخبر غير الخصم ورسوله فلا يشترط فيه العدالة، حتى لو أخبر الشفيع المشتري بنفسه وجب الطلب إجماعا والرسول يعمل بخبره، وإن كان فاسقا اتفاقا صدقه أو كذبه كما ذكر الاسبيجابي، وكذا لو كان الرسول صغيرا، وظاهر ما في العمادية أنه لا بد أن يول له إني رسول بعزلك، ومقيد أيضا بما إذا بلغه العزل إن كان العزل قصديا، أما إذا كان حكميا كموت الموكل فإنه يثبت وينعزل قبل العلم ا ه.
قوله: (إن صدقه) أي الوكيل حتى لو كذبه لا يثبت كما قدمناه على اليعقوبية.
قوله: (في الاصح) راجع للفاسقين، خلافا لما في الكنز حيث قيد بالمستورين، فإن ظاهره أنه لا يقبل خبر الفاسقين وهو ضعيف، لان تأثير خبر الفاسقين أقوى من تأثير خبر العدل بدليل أنه لو قضى بشهادة واحد عدل لم ينفذ، وبشهادة فاسقين نفذ، فلو أخبره بالعزل غيره من ذكر وتصرف صح تصرفه لعدم عزله كما في البحر.
قوله: (كإخبار السيد بجناية عبده) أي فإنه يشترط فيه أحد شطري الشهادة: أي العدد أو العدالة عنده خلافا لهما.
قوله: (فلو باعه كان مختار للفداء) يعني إذا أخبره أحد من ذكر ثم باعه كان مختارا للفداء فلا يكون مختارا له بإخبار غير من ذكر فيدفعه البائع أو المشتري إلى ولي الجناية فيما إذا باعه بعد أن أخبره فاسق مثلا بالجناية، وإنما يدفعه إذا لم يعلم بجنايته المشتري، أما إذا علم فيكون مختارا للفداء لقدومه على شرائه مع العلم بعيبه، وأما إذا أعتق العبد كان الطلب بالارش عليه.
أفاده أبو السعود.
قوله: (والشفيع بالبيع) وهو على الخلاف أيضا، فإذا أخبر الشريك مثلا بالبيع فسكت ولم يطلب، فإن كان المخبر عدلا أو مستورين مثلا سقطت شفعته لا إن أخبره مستور فبسكوته لا يعد
مسلما للشفعة.
قوله: (والبكر بالنكاح) هو على الخلاف أيضا، فلا يكون سكوتها رضا إلا إذا أخبرها عدل أو مستوران مثلا، أما إذا أخبرها مستور بنكاح وليها فسكتت لا يكون ذلك رضا منها.
قال في البحر: ثم اعلم أن الامام محمد نص على خمسة منها، ولم يذكر مسألة البكر وإنما قاسها المشايخ ا ه.
مطلب: الفاسق إذا أخبر من أسلم ولم يهاجر يلزمه العمل بالشرائع في الاصح قوله: (والمسلم الذي لم يهاجر) أي الذي أسلم في دار الحرب فأخبره أحد من ذكر.
قوله: (بالشرائع) فإنه إذا أخبره مستور لا يلزمه الشرائع عنده خلافا لهما، وإذا أخبره عدل مستور إن لزمته حتى إذا ترك الفرائض يلزمه قضاؤها.
مطلب: البكر إذا أخبرها رسول الولي بالتزويج والاصح أنه يكفي فيه خبر الفاسق كما في المفتاح.
حموي: أي فإنه يجب عليه الاحكام بخبره كما في الرسول فإنه لا يشترط عدالته، كالبكر إذا أخبرها رسول الولي بالتزويج كما يأتي قريبا إن شاء الله(1/461)
تعالى.
قوله: (وكذا الاخبار بعيب لمريد شراء) فلو قال له رجل عدل أو مستوران هذه العين معيبة وقدم على شرائها يكون راضيا بالعيب، لا إن أخبره فاسق.
قوله: (وحجر مأذون) فإذا أخبر المأذون بحجره عدل أو مستوران حجر، لا إذا أخبره فاسق.
قوله: (وفسخ شركة) أي من أحد الشريكين لا يثبت الفسخ عند الآخر إلا بإخبار عدل أو مستورين فيمنع عن التصرف في ماله الشركة، لا إن أخبره فاسق.
قوله: (وعزل قاض) فهو على الحكم السابق.
قال في البحر: وينبغي أن يزاد أيضا عزل القاضي ولم أره ا ه.
قال سيدي الوالد: وهو ظاهر لانهم صرحوا في كتاب القضاء بأنه ملحق بالوكيل كما قدمه: أي صاحب البحر فيه ا ه.
قوله: (ومتولي وقف) أي وعزل متولي وقف: أي على القول بصحة عزله بلا شرط، أو على قول الكل إن كان شرط الواقف ا ه.
بحر بحثا.
وقدمنا الكلام عليه مستوفى قبل ورقة عند الكلام على وصى القاضي.
قوله: (أحد شطري الشهادة) أي العدد أو العدالة.
وفي الحواشي السعدية أقول: فيه إشارة إلى أن العدالة لا تشترط في العدد، وإن قوله عدل صفة
رجل، قال في التلويح: وهو الاصح.
قوله: (ويشترط) أي في المخبر.
قوله: (سائر الشروط) أي مع العدد أو العدالة على قول الامام الاعظم فلا يثبت بخبر المرأة والعبد والصبي وإن وجد العدد أو العدالة، وقل من نبه على هذا سيدي الوالد.
قوله: (في الشاهد) أي المشروطة في الشاهد، والمراد به المخبر: أي من الحرية والبلوغ، وأن لا يكون أعمى ولا محدود في قذف مع العدد العدالة والمعنى، ويشترط في المخبر ما اشترط في الشاهد مما ذكر إلا لفظ أشهد وحضور مجلس القاضي عنده خلافا لهما كما سبق.
قوله: (وقيده في البحر) أي قيد عزل الوكيل بكون المخبر لا بد أن يكون فيه أحد شطري الشهادة بالعزل القصدي احترازا عما إذا كان حكميا كموت الموكل وجنونه مطبقا فإنه يثبت وينعزل قبل العلم.
قوله: (وربما إذا لم يصدقه) أما إذا صدقه قبل ولو فاسقا.
بحر.
وقد مر.
قوله: (غير المرسل) سبق قلم، وصوابه كما في البحر غير الخصم ورسوله فلو أخبر الشفيع المشتري بنفسه وجب الطلب إجماعا، حتى إذا أخره سقط طلبه.
قوله: (فإنه يعمل بخبره) أي الرسول مطلقا وإن كان فاسقا أو صغيرا أو كذبه، وظاهره أن ذلك يجري في ما ذكر فينعزل بذلك، وتسقط الشفعة بعدم الطلب بعده ويكون سكوت البكر بعده رضا، وقس الباقي مما يتأتى فيه ذلك، وظاهر ما في العمادية أنه لا بد أن يقول له إني رسول بعزلك كما في البحر.
أقول: وعليه فلا بد للرسول أن يقول للمرسل إليه إني رسول إليك بكذا.
تنبيه: يثبت العزل بكتاب الموكل إذا بلغه وعلم ما فيه كما في ط عن سري الدين، وسيذكره الشارح أواخر باب عزل الوكيل.
قوله: (كما سيجئ في بابه) أي باب عزل الوكيل حيث قال: ويثبت بمشافهته وبإرساله رسولا أو غيره اتفاقا صدقه أو كذبه إذا قال أرسلني إليك لابلغك عزله إياك الخ.
قوله: (وإن لم يقل جعلتك أمينا في بيعه) بأن قال له بع هذا العبد فقط ولم يزد.
قوله: (على الصحيح والولجية) اعلم أن أمين القاضي هو من يقول له القاضي جعلتك أمينا في بيع هذا العبد،(1/462)
أما إذا قال بيع هذا العبد ولم يزد عليه اختلف المشايخ، والصحيح أنه لا يلحقه عهدة ذكره شيخ الاسلام خواهر زاده كما في البحر معزيا إلى شرح التلخيص للفارسي.
أقول: والمسألة مذكورة في الفتاوي الولوالجية.
منح.
قوله: (عبدا لدين الغرماء) أي أرباب الديون، ولم يذكر الوارث مع أنهما سواء، فإذا لم يكن في التركة دين: أي نقود كان العاقد عاملا له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة إن كان وصي الميت، وإن كان القاضي أو أمينه هو العاقد رجع عليه المشتري لان ولاية البيع للقاضي إذا كانت التركة قد أحاط بها الدين ولا يملك الوارث البيع كما في البحر قوله: (أو ضاع) أي هلك العبد من يد القاضي أو أمينه قبل التسليم إلى المشتري كما في المنح.
فالانسب زيادة أو أمينه.
قوله: (كالامام) وينبغي أن يجعل نائب الامام كالامام، لان القاضي إنما قبل قوله بلا يمين لكونه نائبا عن الامام ولا ضمان عليه فلا ضمان على القاضي، فعلى هذا يقبل قول أمين بيت المال بلا يمين، وإنما لم يضمن من ذكر لانه يؤدي إلى تباعدهم عن قبول هذه الامانة فتتعطل مصالح الناس عيني.
قال في البحر: وأشار إلى أن أمينه لو قال بعت وقبضت الثمن وقضيت الغريم صدق بلا يمين وعهدة إلحاقا بالقاضي، وأما العيب إذا كان ظاهرا يرد المبيع به بنظر القاضي أو أمينه، وإذا وجب يمين على مخدرة وجه لها القاضي ثلاثة من العدول يستحلها واحد وآخران يشهدان على يمينها أو نكولها، فعلى هذا المستحلف ليس بأمينه وإلا قبل قوله في اليمين والنكول وحده.
ثم أعلم أن القاضي وأمينه لا ترجع حقوق عقد باشراه لليتيم إليهما، بخلاف الوكيل والاب والوصي، فلو ضمن القاضي أو أمينه ثمن ما باعه لليتيم بعد بلوغه صح بخلافهم، وقيد بعدم ضمان القاضي عند الاستحقاق، لانه لو أخطأ في قضائه ضمن، كما إذا رجم محصنا بأربعة شهود وظهر أحدهم عبدا أو محدودا في قذف فديته على القاضي ويرجع بها في بيت المال بالاجماع.
مطلب: لو أخطأ القاضي يضمن والاصل في جنس هذه المسائل أن القاضي متى ظهر خطؤه فيما قضى بيقين فإنه يضمن ما قضى به ويرجع بذلك على المقضي له كالمودع والوكيل، وإن كان الخطأ في المال: فإن كان قائما بيد المقضي له أخذه القاضي ورده على المقضي عليه، وإن كان مستهلكا ضمن قيمته ورجع بذلك على المقضي له، وإن كان في قطع أو رجم ضمن ورجع بما ضمن في بيت المال ا ه.
وتمامه فيه.
مطلب: ملخص ما قيل في خطأ القاضي
أقول: ملخص ما قيل في خطأ القاضي في غير الجور: إن كان في مال لا في حد فخطؤه في مال المقضي له، وإن كان في حد: فإن ترتب عليه تلف نفس أو عضو فخطؤه في بيت المال، وإن لم يترتب عليه شئ من ذلك كالجلد فهدر، كذا عند الصاحبين.
وعند الامام رحمهم الله تعالى: يكون هدرا في الحدود ترتب عليه تلف نفس أو عضو أو لا، كذا أفاده في الخانية من الحدود والسير، وهذا إذا لم يتعمد الجور، وإن تعمد الجور كان ذلك في مال القاضي، سواء كان في مال أو حد ترتب عليه تلف نفس أو عضر، وتعمده الجور يظهر فيما إذا أقر هو بذلك، وخطؤه بلا جوز يظهر بإقرار المقضى له في الاموال كأن بان أن الشهود عبيد مثلا بإقرار المقضي له أو تقوم البينة على ذلك، هذا خلاصة ما(1/463)
تحرر من النصوص المعتمدة في هذه المسألة كشرح السير الكبير للسرخسي والهندية والخانية من الحدود والسير والاشباه من القضاء وحواشي الطحاوي وسيدي الوالد وأبي السعود.
فالحاصل: أن خطأ القاضي، تارة يكون في بيت المال وهو إذا أخطأ في حد ترتب عليه تلف نفس أو عضو، وتارة يكون في مال المقضى له وهو إذا أخطأ في قضائه في الاموال، وتارة يكون هدرا وهو إذا أخطأ في حد ولم يترتب على ذلك تلف نفسه أو عضو كحد شرب مثلا، وتارة يكون في ماله: أي مال القاضي وهو إذا تعمد الجور.
قوله: (بخلاف نائب الناظر) قيد لقوله ولا يخلف فإنه يحلف: أي كما يحلف الناظر.
قال في المنح: إن نائب الامام كهو ونائب الناظر كهو في قبول قوله، فلو ادعى ضياع مال الوقف أو تعريفه على المستحقين فأنكروا القول له كالاصيل لكن مع اليمين، وبه فارق أمين القاضي فإنه لا يمين عليه كالقاضي ا ه.
قوله: (ورجع المشتري على الغرماء) لان البيع وقع لهم فكانت العهدة عليهم عند تعذر جعلها على العاقد كما تجعل العهدة على الموكل عند تعذر جعلها على الوكيل المحجور عليه، كما إذا كان العاقد عبدا أو صبيا يعقل البيع وكله رجل يبيع ماله فإنه لا تتعلق الحقوق بهما بل بموكلهما، لان التزام العهدة لا يصح منهما لقصور الاهلية في الصبي وحق السيد في العبد كما في فتح القدير.
قوله: (لتعذر الرجوع على العاقد) أي لانه عقد لم ترجع عهدته إلى عاقده فتجب على من
يقع له العقل والبيع واقع للغرماء فتكون العهدة عليهم كما في الدرر.
وفي فتح القدير: الاصل أنه إذا تعذر تعلق الحقوق بالعاقد تتعلق بأقرب الناس إلى العاقد، وأقرب الناس إليه من ينتفع به، ألا ترى أن القاضي لا يأمر ببيعه حتى يطلب الغريم، وأقرب الناس إليه من ينتفع بهذا العقد وهو الغريم.
قوله: (ولو باعه الوصي) لا فرق بين وصي الميت ومنصوب القاضي.
مدني.
قوله: (أو بلا أمره) هو مفهوم بالاولى، لانه إذا رجع عليه في الامر فلان يرجع عليه عند عدمه بالاولى ط.
قوله: (فاستحق العبد) أي من يد المشتري.
قوله: (وإن نصبه القاضي عاقدا) الاولى حذف هذا التعليل لانه إنما يظهر في وصي القاضي، والاقتصار على قوله لانه أي وصي الميت عاقد نيابة عن الميت فترجع الحقوق إليه، كما إذا وكله حال حياته كما في الهداية ليشمل وصي الميت.
قال في الكفاية: أما إذا كان الميت أوصى إليه فظاهر، وأما إذا نصبه فكذلك، لان القاضي إنما نصبه ليكون قائما مقام الميت لا مقام القاضي.
قوله: (فترجع) حذف الفاء.
قوله: (إليه) كما إذا وكله حال حياته.
قوله: (لانه عامل لهم) ومن عمل لغيره عملا ولحقه بسببه ضمان يرجع به على من يقع له العمل.
قوله: (ولو ظهر بعده للميت مال رجل الغريم فيه) أي في المال الذي ظهر للميت.
قوله: (بديته هو الاصح) قال سيدي الوالد: فيه إيجاز مخل يوضحه ما في فتح القدير، فلو ظهر للميت مال يرجع فيه الغريم بدينه بلا شك، وهل يرجع بما ضمن للمشتري؟ فيه خلاف.(1/464)
قيل نعم.
وقال مجد الائمة السرخكتي (1) لا يأخذ في الصحيح من الجواب، لان الغريم إنما يضمن من حيث إن العقد وقع له فلم يكن له أن يرجع على غيره.
وفي الكافي: الاصح الرجوع لانه قضى بذلك وهو مضطر فيه فقد اختلف التصحيح كما سمعت ا ه.
وقوله بما ضمن للمشتري يفيد أن الاختلاف في المسألة الاولى (2) لانه في الثانية (3) إنما ضمن للوصي لا للمشتري، لكن قال في البحر: وقيل لا يرجع به في الثانية، والاول أصح ا ه.
والحاصل: أنه في الاولى الختلف التصحيح في الرجوع، وفي الثانية الاصح عدمه، فتنبه.
ووجدت في نسخة: رجع الغريم فيه بدينه لا بما غرم هو الاصح، وهذه لا غبار عليها، قال الحلبي:
وقيل يرجع بما غرم أيضا وصحح.
قوله: (كان الهالك من مالهم) لانه نائب عنهم في القبض.
مطلب: للقاضي إفراز حصة الموصى له في المكيل والموزون إذا كان غائبا وقوله: (لما مر) متعلق بقوله: كان الهالك من مالهم والمراد بما مر أن القاضي لا يضمن لانه عامل لهم، والاولى ذكرها عند معلومها، وإنما كان الهالك من مالهم لما يأتي في باب الوصي من قوله: وصح قسمة القاضي وأخذ قسط الموصى له إن غاب الموصى له فلا شئ له إن هلك في يد القاضي أو أمينه، لكنه قال ثمة: وهذا في المكيل والموزون، لانه إفراز، وفي غيرها: لا يجوز لانه بادلة كالبيع ومبادلة مال الغير لا يجوز، فكذا القسمة ا ه.
فلينظر هل فرق بين أن يكون الموصى له الغائب معينا أو مطلق الفقراء أو يجري القيد فيهما؟ وليحرر.
قوله: (أمرك قاض عدل) أي وعالم، كذا قيده في الملتقى وغيره.
مدني.
وكذا قيد في الكنز وهو الموافق لما في بعض نسخ المتن، وهو قيد لا بد منه هنا بمقابلة قوله الآتي: وإن عدلا جاهلا قال في البحر: وما ذكره المصنف قول الماتريدي.
وفي الجامع الصغير لم يقيده بهما: أي العدالة والعلم، ثم رجع محمد فقال: لا يؤخذ بقوله ما لم يعاين الحجة أو يشهد بذلك مع القاضي عدل، وبه أخذ مشايخنا ا ه.
وبهذا يظهر لك أن كلام المصنف ملفق من قولين، لان عدم تقييده بالعدالة والعلم مبني على ما في الجامع الصغير، والتفصيل بعده مبني على قول الماتريدي، وحينئذ فحيث قيده الشارح بقوله عدل يجب زيادة عالم أيضا ليكون على قول الماتريدي، ويكون قوله بعد: وقيل يقبل لو عدلا عالما مستدركا، وحقه أن يقول: وقيل يقبل ولو لم يكن عدلا عالما، وهو ما في الجامع الصغير.
كذا أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى، وسيأتي تتمة الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (قضى به) أي بما ذكر، أشار به إلى أن إفراد الضمير باعتبار المذكور ولا حاجة إليه لان العطف بأو.
__________
(1) قوله: (السرخكتي) بضم السين وسكون الراء وفتح الخاء المعجمة والكاف وفي آخرها التاء المثناة للفوقية نسبة إلى سرخكت قرية بثغر جسان سمر قند ينسب إليها محمد بن عبد الله بن فاعل ذكره عهد القادر في الطبقات ا ه.
منه.
(2) أي مسألة بيع القاضي أو أمينه والرجوع فيها بما ضمنه المشتري ا ه.
منه.
(3) أي مسألة بيع الوصي والرجوع فيها بما ضمنه الوصي ا ه.
منه.(1/465)
مطلب طاعة أولي الامر واجبة قوله: (لوجوب طاعة ولي الامر) بالآية الشريفة، ومن طاعته تصديقه.
قال العلامة البيري في أواخر شرحه على الاشباه والنظائر عند الكلام على شروط الامامة: ثم إذا وقعت البيعة من أهل الحل والعقد صار إماما يفترض إطاعته كما في خزانة الاكمل.
وفي شرح الجواهر: تجب إطاعته فيما إباحه الدين وهو ما يعود نفعه إلى العامة، كعمارة دار الاسلام والمسلمين مما تناوله الكتاب والسنة والاجماع ا ه.
وفي النهاية وغيرهما: روي عن أبي يوسف لما قدم بغداد صلى بالناس العيد وكلفه هارون الرشيد وكبر تكبير ابن عباس رضي الله عنهما.
وروي عن محمد هكذا.
وتأويله أن هارون أمرهما أن يكبرا تكبير جده، ففعلا ذلك امتثالا لامره، وقد نصوا في الجهاد على امتثال أمره في غير معصية.
وفي التاترخانية عن المحيط: إذا أمر الامير أهل العسكر بشئ فعصاه في ذلك واحد فالامير لا يؤدبه في أول وهلة، ولكن ينصحه حتى لا يعود إلى مثل ذلك بل يعذره، فإن عصاه بعد ذلك أدبه، إلا إذا بين في ذلك عذرا فعند ذلك يخلي سبيله، ولكن يحلفه بالله تعالى لقد فعلت هذا بعذر ا ه.
وقد أخذ البيري من مجموع هذه النقول أنه لو أمر أهل بلدة بصيام أيام بسبب الغلاء أو الوباء وجب امتثال أمره، والله تعالى أعلم.
وتقدم في العيدين والاستسقاء، وانظر ما قدمه سيدي الوالد في باب الامامة من كتاب الصلاة.
قوله: (ومنعه محمد) هذا ما رجع إليه بعد الموافقة ح.
قوله: (حتى يعاين الحجة) زاد عليه بعض المشايخ: أو يشهد بذلك مع القاضي عدل، وهو رواية عنده، ومعناه: أو يشهد القاضي والعدل على شهادة الذين شهدوا بسبب الحد لا على حكم القاضي وإلا كان القاضي شاهدا على فعل نفسه، واستبعده في فتح القدير بكونه بعيدا في العادة وهو شهادة القاضي عند الجلاد، والاكتفاء بالواحد على هذه الرواية في حق يثبت بشاهدين، وإن كان في زنا فلا بد من ثلاثة أخر.
كذا ذكره الاسبيجابي.
بحر.
مطلب: القضاة إذا تولوا بالرشا أحكامهم باطلة
قوله: (واستحسنوه في زماننا) لان القضاة قد فسدوا فلا يؤمنوا على نفوس الناس ودمائهم وأموالهم ح.
قال في العناية: لا سيما قضاة زماننا، فإن أكثرهم يتولون بالرشا فأحكامهم باطلة ا ه.
والتدارك غير ممكن.
أقول: هذا في قضاة زمانهم فما بالك في قضاة زماننا، أصلح الله تعالى أحوالنا جميعا آمين بمنه وكرمه.
قوله: (وفي العيون وبه يفتى) قال في البحر: لكن رأيت بعد ذلك في شرح أدب القضاء للصدر الشهيد أنه صح رجوع محمد إلى قولهما، رواه هشام عنه ا ه.
فالحاصل: أن الشيخين قالا بقبول إخبار القاضي عن إقرار الخصم بما لا يصح رجوع المقر عنه كالقصاص وحد القذف والاموال والطلاق وسائر الحقوق، وإن محمدا وافقهما أولا ثم رجع إلى ما ذكر عنه من أنه لا يقبل إلا بضم رجل آخر إليه ثم صح رجوعه إلى قولهما.
وأما إذا أخبر القاضي بإقراره عن شئ يصح رجوعه عنه كالحد لم يقبل قوله بالاجماع، وإن أخبر عن ثبوت الحق بالبينة فقال قامت بذلك وعدلوا وقبلت شهادتهم على ذلك تقبل في الوجهين جميعا، وهذا في القاضي المولى.(1/466)
أما المعزول فلا يقبل ولو شهد معه عدل كما مر عن النهر أوائل القضاء.
قوله: (إلا في كتاب القاضي للضرورة) أي ضرورة إحياء الحق، ولان الخيانة في مثله قلما تقع، وظاهر الاقتصار على كتاب القاضي أن القاضي لا يقبل قوله فيما عداه: أي على قول محمد سواء كان قتلا أو قطعا أو ضربا، فلو قال: قضيت بطلاقها أو بعتقه أو ببيع أو نكاح أو إقرار لم يقبل قوله.
وفي التهذيب: ويصدق فيما قال من التصرف في الاوقاف وأموال الايتام والغائبين من أداء وقبض.
قوله: (وقيل: يقبل لو عدلا عالما) دخول على المتن قصد به إصلاحه، وذلك أنه إذ أطلق أولا القاضي ولم يقيده بالعدل العالم تبعا للجامع الصغير وهو ظاهر الرواية، ثم ذكر التفصيل، وهو على قول الماتريدي القائل باشتراط كونه عالما كما مشى عليه في الكنز كما مر بيانه، وإن أردت زيادة الدراية فارجع إلى الهداية، وحيث كان مراد الشارح ذلك فكان الصواب أن يحذف قوله: عدل في أول المسألة فإنه من الشرح على ما رأيناه، بل الاولى حذف هذا القيل لكونه عين ما في المصنف، ثم إن هذا القيل هو قائله أبو منصور، لان عدم الاعتماد إنما علل بالفساد والغلط وهو منتف في العالم العدل.
وذكر الاسبيجابي أن المسألة مصورة عند الامام في القاضي العالم العدل، لانه إذا كان غير هذا لا يولى القضاء ولا يؤتمر بأمره بالاتفاق ا ه.
فما قاله أبو منصور كشف عن مذهب الامام ا ه.
قوله: (وإن عدلا جاهلا إن استفسر فأحسن تفسير الشرائط) بأن يقول في حد الزنا إني أستفسر المقر بالزنا كما هو المعروف فيه وحكمت عليه بالرجم، ويقول في حد السرقة إنه ثبت عندي بالحجة أنه أخذ نصابا من حرز لا شبهة فيه، وفي القصاص إنه قتل عمدا بلا شبهة.
وإنما يحتاج إلى استفسار الجاهل لانه ربما يظن بسبب جهله غير الدليل دليلا.
كفاية.
قوله: (صدق) أي يجب تصديقه وقبول قوله، ثم المراد من جهله جهله بوقائع الناس لانها فرض كفاية، فإنه يسأل المفتي ويحكم بقوله، بخلاف جهله بما يفترض عليه عينا فإنه يفسق فلا يكون عدلا فيكون من القسم الآتي بيانه.
قوله: (فالقضاة أربعة) لانه إما عالم أو جاهل، وفي كل إما عدل أو فاسق.
قوله: (أي سببا شرعا) للحكم فحينئذ يقبل قوله لانتفاء التهمة ا ه.
منح.
وإنما أول الحجة بالسبب ليعم الاقرار ط.
قوله: (صب دهنا لانسان عند الشهود) لا حاجة إليه لانه مقر ط.
قوله: (لانكاره الضمان) أي الضمان بالمثل لا بالقيمة وإلا كان مشكلا، لان المتنجس مال بدليل جواز بيعه فيجزي فيه التملك والتمليك فيكون مالا معصوما.
وأيضا فإن ظاهره أن القول له في عدم الضمان، وليس كذلك بل القول قوله في كونه متنجسا، وأما الضمان فلا يضمن فيمته متنجسا فلا يكون القول له إلا في أنها متنجسة فيضمن قيمتها متنجسة، كما نقله أبو السعود عن الشيخ شرف الدين الغزي محشي الاشباه، ويدل له عبارة الخانية قبيل كتاب القاضي من الشهادات: والقول قوله مع يمينه في إنكاه استهلاك الطاهر، ولا يسع الشهود أن يشهدوا عليه أنه صب زيتا غير نجس.
وتمامه فيها فراجعها.
وفي البزازية: أراق زيت إنسان أو سمنه وقد وقعت فيه فأرة ضمنه، وحينئذ فتعين أن المراد(1/467)
بعدم الضمان ضمان المثلي لانه المتبادر، وأن المراد بالضمان المثبت ضمان القيمة لانه بالتنجس صار قيميا، لقولهم: المثلي ما حصره كيل أو وزن وكان على صفته الاصلية من الطهارة، فإن خرج عنها بالتنجس صار قيميا كما هو صريح كلام البزازي ثانيا.
وفي فصول العمادي: وإذا أتلف زيت غيره في السوق أو سمنه أو خله أو نحو ذلك وقال أتلفته لكونه نجسا لانه ماتت فيه فأرة فالقول قوله، لان الزيت النجس ونحوه قد يباع في السوق، وإن أتلف لحم قصاب في السوق وقال: أتلفته لكونه ميتة ضمن لان الميتة لا تباع في السوق، فجاز للشهود أن يشهدوا أنها ذكية كما في الحواشي الحموية.
قوله: (وأمر الدم عظيم فلا يهمل) ألا ترى أنه حكم في المال بالنكول وفي الدم حبس حتى يقرأ ويحلف، واكتفى في المال باليمين الواحدة وبخمسين يمينا في الدم.
قوله: (بخلاف المال) قال في البحر: لو أتلف لحم طواف فطولب بالضمان فقال: كانت ميتة فأتلفتها لا يصدق، وللشهود أن يشهدوا أنه لحم ذكي بحكم الحال.
وقال القاضي: لا يضمن، فاعترض عليه بمسألة كتاب الاستحسان المتقدمة، وهي لو قتل رجلا الخ فأجاب عنه بما نقله الشارح عن إقرار البزازية.
قوله: (صدق قاض) وكذا لا ضمان على القاطع والآخد لو أقر بما أقر به القاضي ووجه عدم الضمان على القاضي أنهما لما توافقا أنه فعل ذلك في قضائه كان الظاهر شاهدا له، إذ القاضي لا يقضي بالجور ظاهرا ولا يمين عليه لانه ثبت فعله في قضائه بالتصادق، ولا يمين على القاضي كما في البحر.
قوله: (كذا لو زعم) أي المقضي عليه، لكن لو أقر القاطع والآخذ في هذا بما أقر به القاضي يضمنان لانهما أقرا بسبب الضمان، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان عن غيره بخلاف الاول لانه ثبت فعله في قضائه بالتصادق: أي فيدفع قول القاضي الضمان عن نفسه وعن غيره، ولو كان المال في يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه، أو لا يؤخذ منه لانه أقر أن اليد كانت له فلا يصدق في دعوى التملك إلا بحجة، وقول المعزول ليس بحجة فيه.
بحر.
قوله: (لانه أسند) أي القاضي.
مطلب: واقعة الفتوى قوله: (إلى حالة معهودة) فصار كما إذا قال طلقت أو أعتقت وأنا مجنون وجنونه معهود ومثله المدهوش وهي واقعة الفتوى للخير الرملي، فإذا كانت الدهشة معهودة منه يقبل قوله، وإذا لم تكن معهودة لا يقبل قوله إلا ببينة، ولو أقر القاطع والآخذ في هذا الفصل بما أقر به القاضي يضمنان
لانهما أقرا بسبب الضمان، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب(1/468)
الضمان عن غيره، بخلاف الفصل الاول لانه ثبت فعله في قضائه بالتصادق.
مطلب: الاصل أن المقر إذا أسند إقراره إلى حالة منافية للضمان من كل وجه فإنه لا يلزمه شئ وجعل بعضهم هذا أصلا فقال: الاصل أن المقر إذا أسند إقراره إلى حالة منافية للضمان من كل وجه فإنه لا يلزمه ضمان ما ذكر.
ومنها: لو قال العبد لغيره بعد العتق قطعت يدك وأنا عبد فقال المقر له بل قطعتها وأنت حر فالقول للعبد.
ومنها: لو قال المولى لعبد قد أعتقه أخذت منك غلة كل شهر خمسة دراهم وأنت عبد فقال المعتق أخذتها بعد العتق كان القول للمولى.
ومنها: الوكيل بالبيع إذا قال بعت وسلمت قبل العزل وقال الموكل بعد العزل فالقول للوكيل إن كان المبيع مستهلكا، وإن كان قائما فالقول للموكل لانه أخبر عما لا يملك الانسائ.
وكذا في مسألة الغلة لا يصدق في الغلة القائمة لانه أقر بالاخذ وبالاضافة يدعي عليه التمليك.
ومنها: لو قال الوصي بعد ما بلغ اليتيم أنفقت عليك كذا وكذا من المال وأنكر اليتيم كان القول للوصي لكونه أسند إلى حالة منافية للضمان.
وأورد في النهاية على هذا الاصل ما إذا أعتق أمته ثم قال لهما قطعت يدك وأنت أمتي فقالت هي قطعتها وأنا حرة فالقول لها، وكذا في كل شئ أخذه منها عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه منكر للضمان بإسناد الفعل إلى حالة منافية للضمان، فأجاب بالفرق من حيث إن المولى أقر بأخذ مالها ثم ادعى التمليك لنفسه فيصدق في إقراره ولا يصدق في دعواه التمليك، وكذا لو قال لرجل أكلت طعامك بإذنك فأنكر الاذن يضمن المقر.
وذكر الشارح: أي الزيلعي أن هذا الفرق غير مخلص، وهو كما قال كما في البحر: أي لعدم جريانه في صورة النزاع في أخذ غلة العبد وقطع يد الامة كما لا
يخفى كما في الحواشي السعدية.
ثم قال في البحر وقد خرج هذا الفرع ونحوه بما زدناه على القاعدة من قولنا من كل وجه، لان كونها أمة له لا ينفي الضمان عنه من كل وجه لانه يضمن من قولنا من كل وجه، لان كونها أمة له لا ينفي الضمان عنه من كل وجه لانه يضمن فيما لو كانت مرهونة أو مأذونة مديونة فلم يرد.
وأصل المسألة في المجمع من الاقرار.
مطلب: السلطان إذا عزل قاضيا لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر تتمة: السلطان إذا عزل قاضيا لا ينعزل ما لم يصل إليه الخبر، حتى لو قضى بقضايا بعد العزل قبل وصول الخبر إليه جاز قضاؤه.
وعن أبي يوسف أنه لا ينعزل وإن علم بعزله ما لم يقلد غيره مكانه ويصل صيانة لحقوق الناس، ولو مات رجل ولا يعلم له وارث فباع القاضي داره يجوز، ولو ظهر وارث بعد ذلك فالبيع ماض ولا ينقض.
رجل له على رجل ألف درهم جياد، فقضاه زيوفا وقال أنفقها، فإن لم ترج فردها ففعل فلم ترج، قال أبو يوسف: له أن يردها عليه استحسانا، لان ما قبض من الدراهم ليس هو عين حقه بل هو مثل حقه، وإنما يصير حقا له إذا رضي به، فإذا لم يرض به لم يصر حقا له فيكون القابض متصرفا(1/469)
في ملك الدافع بأمره فلا يبطل حق القابض، وهذا بخلاف ما لو اشترى شيئا فوجده معيبا فأراد أن يرده فقال له البائع بعه فإن لم يبع رده علي، فعرضه على البيع فلم يشتره أحد لم يرده، وذلك لان المقبوض عين حقه إلا أنه معيب، فلم يكن قول البائع بعد إذنا له بالتصرف في ملك البائع فكان متصرفا في ملك نفسه فيبطل حقه في الرد.
مطلب: إذا قال المقر لسامع إقراره لا تشهد له أن يشهد بخلاف ما إذا قال له المقر له لا تشهد فلا يشهد عليه إذا قال المقر لسامع إقراره لا تشهد علي وسعه أن يشهد عليه، لا إذا قال المقر له لا تشهد عليه بما أقر به لا يسعه أن يشهد، فلو رجع المقر له وقال إنما نهيتك لعذر وطلب منه الشهادة فقولان.
أشباه.
قوله: (منافيه للضمان) أي من كل وجه كما زاده في البحر وتقدم الكلام عليه آنفا.
قوله: (كونهما) أي الواقعتين.
مطلب: في أخذ القاضي العشر من مال الايتام والاوقاف قوله: (نقل في الاشباه) وعبارتها: قال في بسط الانوار للشافعية من كتاب القضاء ما لفظه: وذكر جماعة من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة: إذا لم يكن للقاضي شئ من بيت المال فله أخذ عشر ما يتولى من مال الايتام والاوقاف ثم بالغ في الانكار ا ه.
ولم أر هذا لاصحابنا ا ه.
وما أحببت نقل الشارح العبارة على هذا الوجه لئلا يظن بعض المتهورين صحة هذا لنقل مع أن النافل بالغ في إنكاره كما ترى.
كيف وقد اختلفوا عندنا في أخذه مبيت المال، فما ظنك في اليتامى.
والاوقاف.
قال الشيخ خير الدين الرملي في حاشيته على الاشباه ما نصه: قوله ثم بالغ في الانكار.
أقول: يعني على الجماعتين، والمبالغة في الانكار واضحه الاعتبار، لانه لو تولى على عشرين ألفا مثلا ولم يلحقه فيها من المشقة شئ بماذا يستحق عشرها وهو مال اليتيم وفي حرمته جاءت القواطع؟ فما هو إلا بهتان على الشرع الساطع، وظلمة غطت على بصائرهم، فنعوذ بالله من غضبه الواقع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ا ه.
مطلب: إذا كان للقاضي عمل في مال الايتام له العشر قال الحموي: لا وجه للمبالغة في الانكار لجواز أن يكون ذلك مقيدا بما إذا كان له عمل، وأقله حفظ المال إلى أوان بلوغ القاصر ا ه.
مطلب: المراد بالعشر أجر المثل ولو زاد يرد الزائد قال بيري زاده في حاشيتها: والصواب أن المراد من العشر أجر مثل عمله، حتى لو زاد رد الزائد ا ه.
مدني.
قوله: (للمتولي العشر في مسألة الطاحونة) أي إذا كان له عمل.
قال ط: هذه المسألة لا محل لذكرها هنا على أنها غير محررة.(1/470)
مطلب: لا يستوجب الاجر إلا بطريق العمل وفي الاشباه وعبارة الخانية: رجل وقف ضيعة على مواليه فمات الواقف وجعل القاضي الوقف في يد القيم وجعل للقيم عشر الغلات وفي الوقف طاحونة في يد رجل بالمقاطعة لا حاجة فيها
إلى القيم وأصحاب هذه الطاحونة يقبضون غلتها لا يجب للقيم عشر الغلة من هذه الطاحونة، لان القيم ما يأخذ إلا بطريق الاجر فلا يستوجب الاجر إلا بطريق العمل ا ه.
وفي تلخيص الكبرى: قاض نصب قيما على غلات مسجد وجعل له شيئا معلوما يأخذه كل سنة حل له العشرة لو كان أجر مثله ا ه.
وقدم سيدي الكلام على ذلك في كتاب الوقف فراجعه.
وقال في فصل: يراعى شرط الواقف بعد كلام.
ثم رأيت في إجابة السائل: ومعنى قول الولوالجية بعد أن جعل القاضي للقيم عشر غلة الوقف: أي التي هي أجر مثله، لا ما توهمه أرباب الاغراض الفاسدة الخ ا ه.
مطلب: للناظر ما عينه له الواقف وإن زاد على أجر مثله قلت: وهذا فيمن لم يشترط له الواقف شيئا.
وأما الناظر بشرط الواقف فله ما عينه له الواقف ولو أكثر من أجر المثل كما في البحر، ولو عين له أقل فللقاضي أن يكمل له أجر المثل بطلبه كما بحثه في أنفع الوسائل ا ه.
وتمامه ثمة.
قوله: (قلت لكن الخ) لا وجه لهذا الاستدراك لما علمت من أن ما نقله عن الاشباه هو قول لبعض الشافعية فكيف يستدرك عليه بعبارة البزازية التي هي مذهب الحنفية.
قوله: (لا يحل لهما أخذ الاجر به) أي بسببه.
قوله: (كإنكاح صغيرة) قال في الخلاصة يحل للقاضي أخذ أجرة على كتبه السجلات وغيره بقدر أجرة المثل هو المختار، ولا يحل أخذ شئ على نكاح الصغار، وفي غيره يحل، ولا يحل أخذ الاجرة على إجازة بيع مال اليتيم، ولو أخذ لا ينفذ البيع ط عن الحموي.
قوله: (وكجواب المفتي بالقول) لان أخذ الاجرة على بيان الحكم الشرعي لا يحل عندنا، وأما الهدية له فقد تقدم الكلام عليها في كتاب القضاء، فراجعه.
مطلب: للقاضي والمفتي أخذ أجر مثل الكتابة إذا كلفا إليها قوله: (أما بالكتابة فيجوز لهما على قدر كتبهما) لان الكتابة لا تلزمهما: أي لو كلفا للكتابة فيجوز لهما أخذ أجر مثلهما ولا يجوز لهما الزيادة عليه، وإذا كان لا يجوز لهما قبول الهدية ولا الدعوة الخاصة لانهما في معنى الرشوة وهي من أقبح قبائح القضاة والمفتين فكيف يجوز لهما أن يأخذ زائدا على أجر مثلهما: أي على مقدار ما يستحق كل منها من الاجرة على مثل تلك الخطوط اللهم
ألهمنا الصواب وجنبنا الخطأ آمين.
مطلب: لو سئل المفتي عما يتعسر أو يتعذر جوابه باللسان هل يجب عليه بالكتابة؟ قال العلامة الرملي: ومما يتعلق بذلك مسألة سئلت عنها: لو سئل المفتي عما لا يمكنه أو عما يعسر عليه جوابه باللسان ولا يعسر عليه بالكتابة، كمسائل المناسخات التي يدق كسورها جدا ولا تثبت في حفظ السائل، هل يفرض عليه الكتابة مع تيسرها أو لا؟ ولم أر من صرح بالحكم، لكن النظر الفقهي يقتضي وجوبها عليه حيث تعسر أو تعذر باللسان، ويكون الجواب بالكتابة نائبا عن(1/471)
الجواب باللسان ليخرج عن عهدة الواجب عليه من الجواب باللسان، فيكتب المفتي ما يتعذر عليه أو يتعسر النطق بلا كتابة حيث تيسرت له آلة الكتابة لاجل القيام بالواجب فيقرأ على السائل فيخرج من العهدة.
مطلب: ليس على المفتي دفع الرقعة، وليس عليه أن يفهم السائل ما يصعب ولا يؤاخذ المفتي بسوء حفظ السائل ولا يجب عليه دفع الرقعة له، ولا أن يفهمه ما يشق ويحفظه ما يصعب عليه، بل كل ذلك خارج عن التكليف، ولا يؤاخذ المفتي بسوء حفظ السائل وقلة فهمه.
مطلب: على المفتي الجواب بأي طريق كان ولو بالكتابة إذا تيسرت له والحاصل: أن على المفتي الجواب بأي طريق يتوصل به إليه، وكل ما لا يتوصل إلى الفرض إلا به فهو فرض.
مطلب: إذا سئل المفتي عما يتعسر أو يتعذر باللسان ويتيسر بالكتابة لا يجب عليه بذل آلتها وحيث كان في وسع المفتي الجواب بالكتابة لا باللسان وجب عليه الجواب بها حيث تيسرت إليه بلا مشقة عليه بأن أحضرها له السائل، ولا يلزم المفتي بذلها من عنده له، ومقتضى القياس وجوب تحصيلها على المفتي كماء الوضوء ليحصل به ما هو المفروض عليه، وهذا كله إذا تعين عليه الافتاء ولم يكن في البلدة من يقوم مقامه في ذلك، والافتاء طاعة والطاعة بحسب الاستطاعة، فما يراعى في
غيره من الطاعات يراعى فيه فرضا ووجوبا واستحبابا وندبا، فليتأمل فيه ا ه.
ومثله في الحواشي الحموية.
مطلب: الاجر مقدر بقدر المشقة قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) قال فيه: والاصح أنه: أي الاجر بقدر المشقة، وقد تزيد مشقة الوثيقة في أجناس مختلفة بمائة على مشقة ألف ألف في النقود ونحوها.
مطلب: ما قيل في كل ألف خمسة دراهم لا يعول عليه قلت في العمادية عن الملتقط: وما قيل في كل ألف خمسة دراهم لا يعول عليه ولا يليق ذلك بفقه أصحابنا رحمه الله تعالى، وأي مشقة للكاتب في كثرة الثمن، وإنما له أجر مثله بقدر مشقته وبقدر صنعته وعمله كما يستأجر الحكاك بأجرة كثيرة في مشقة قليلة.
مطلب: يجب الاجر بقدر العناء والتعب وفي شرح التمرتاشي عن النصاب: يجب بقدر العناء والتعب، وهذا أشبه بأصول أصحابنا.
مطلب: الصحيح أنه يرجع في الاجرة إلى مقدار طول الكتاب وقصره الخ وفي كتب السجلات: الصحيح أنه يرجع في الاجرة إلى مقدار طول الكتاب وقصره وصعوبته وسهولته ا ه.
قوله: (وفيها الخ) يوهم أن هذه الابيات المذكورة من الوهبانية وليس كذلك، بل هي(1/472)
من كلام ابن الشحنة كما أفصح به بقوله: لكميل: قال العلامة عبد البر: هل يستحق القاضي الاجر أم لا؟ قال الزاهدي في شرحه للقدوري: لا يستحق الاجر، وإنما يستحقه إذا لم يكن له في بيت المال شئ.
مطلب: إذا تولى القاضي قسمة التركة لا يستحق الاجر وإن لم تكن له مؤنة في بيت المال وفي القنية عن ظهير الدين المرغيناني وشرف الائمة المكي القاضي: إذا تولى قسمة التركة لا أجر له وإن لم تكن له مؤنة في بيت المال.
ثم رقم للمحيط وشرح بكر خواهر زاده وقال له: لا حمرة إذا لم تكن له مؤنة في بيت المال، لكن المستحب: أي لا يأخذ.
قال البديع: ما أجاب به الظهير والشرف
حسن في هذا الزمن لفساد القضاة، إذ لو أطلق لهم لا يقنعون بأجر المثل فأحببت إلحاقه، فقلت: وذكر البيتين الاولين ثم ذكر البيت الاخير بعد كلام يتعلق بالمفتي.
قوله: (وإن كان قاسما) أي للتركات مثلا.
قوله: (فالقول الاول) بوصل همزة الاول.
قوله: (إذ ليس) أي المفتي قوله (في الكتب) أي في الكتابة.
قوله: (يحصر) أي يلزم ويجب عليه.
مطلب: لا بأس للمفتي أن يأخذ شيئا من كتابه جواب الفتوى وفي ذلك الشرح عن جلال الدين أبي المحامد قالوا: لا بأس للمفتي أن يأخذ شيئا من كتابه جواب الفتوى.
مطلب: الواجب على المفتي الجواب باللسان لا بالبنان وذلك لان الجواب على المفتي الجواب اللسان دون الكتابة بالبنان، ومع هذا الكف عن ذلك أولى.
قوله: (على قدره) أي قدر الخط: أي والعناء، وقد سبق ما فيه من أن الكف أولى احترازا عن القيل والقال، وصيانة لماء الوجه عن الابتذال ا ه.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.(1/473)
كتاب الشهادات جمعها وإن كانت في الاصل مصدرا باعتبار أنواعها فإنها تكون في حد الزنا وغيره.
قوله: (أخرها عن القضاء) وإن كان المتبادر تقديمها عليه، لان القضاء موقوف عليها إذا كان ثبوت الحق بها.
وفي الحموي: أخرها لان القاضي يحتاج إليها عند الانكار فكان ذلك من تتمة حكمه، ولان الشهادة إنما تقبل في مجلس القضاء ولا تكون ملزمة بدون القضاء ا ه.
قوله: (هي لغة) الضمير عائد للشهادة المفهومة من الشهادات.
قوله: (خبر قاطع) تقول منه شهد الرجل على كذا، وربما قالوا: شهد الرجل بسكون الهاء للتخفيف، وقولهم: أشهد بكذا: أي أحلف، والمشاهدة: المعاينة، وشهده شهودا: أي حضره، وقوم شهود: أي حضور.
وهو في الاصل مصدر.
وشهد أيضا مثل راكع وركع، وشهد له بكذا شهادة: أي أدى ما عنده فهو شاهد، والجمع شهد كصاحب وصحب وسافر وسفر، وبعضهم ينكره، وجمع الشهد شهود وأشهاد، والشهيد: الشاهد والجمع الشهداء.
قوله: (أخبار صدق)
فالاخبار كالجنس، قوله: صدق: يخرج الاخبار الكاذبة: وصدق الخبر: مطابقته للواقع.
قوله: لاثبات حق يخرج قول القائل في مجلس القضاء أشهد بكذا لبعض العرفيات.
قال في البحر: هي أخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان: أي الشهادة شرعا، وصرح الشارح بأن هذا معناها اللغوي وهو خلاف الظاهر، وإنما هو معناها الشرعي أيضا كما أفاده في إيضاح الاصلاح.
والمشاهدة: المعاينة كما تقدم.
والعيان: المعاينة.
والتخمين: الحدس، وهو الظن، والحسبان بالكسر: الظن.
وأورد على هذا التعريف الشهادة بالتسامع فإنها لم تكن مشاهدة.
وأجاب في الايضاح بأن جوازها إنما هو الاستحسان، والتعريفات الشرعية إنما تكون على وفق القياس ولكونها أخبارا عن معاينة.
قال في الخانية: إذا قرئ عليه صك ولم يفهم ما فيه لا يجوز له أن يشهد بما فيه.
مطلب: لا تحل الشهادة بسماع صوت المرأة من غير رؤية شخصها وإن عرف بها اثنان وفي الملتقط إذا سمع صوت المرأة ولم ير شخصها فشهد اثنان عنده أنها فلانة لا يحل له أن يشهد عليها، وإن رأى شخصها وأقرت عنده فشهد اثنان أنها فلانة حل له أن يشهد عليها ا ه: أي ويصح التعريف ولو من زوجها وابنها وممن لا يصح شاهدا لها، سواء كانت الشهادة لها أو عليها كما في التنقيح لسيدي الوالد.
قوله: (مجاز) من حيث المشابهة الصورية: أي مجاز مرسل وعلاقته الضدية لان الزور إخبار بكذب.
قوله: (كإطلاق اليمين على الغموس) فإن حقيقة اليمين عقد يتقوى به عزم الحالف على الفعل أو الترك في المستقبل.
والغموس: الحلف على ماض كذبا عمدا.
قوله: (بلفظ الشهادة) فلا يجزئ التعبير بالعلم ولا بالبقين فيتعين لفظها كما يأتي.
قوله: (في مجلس القاضي) خرج به إخباره في غير مجلسه فلا يعتبر، وإنما قيد بالقاضي وإن كان المحكم كذلك لان المحكم لا يتقيد(1/474)
حكمه بمجلس بل كل مجلس حكم فيه كان مجلس حكمه.
حموي: أي بخلاف القاضي فإنه يتقيد بمجلس حكمه المعين من الامام وبمحل ولايته ط.
قوله: (كما في عتق الامة) وطلاق الزوجة فليست
الدعوى شرط صحتها مطلقا بل كل شهادة حسبة كذلك.
قال في البحر: ولم يقولوا بعد دعوى لتخلفها عنها في عتق الامة وطلاق الزوجة فلم تكن الدعوى شرطا لصحتها مطلقا، وقول بعضهم: إنها إخبار بحق الغير على الغير، بخلاف الاقرار فإنه إخبار بحق على نفسه للغير، والدعوى فإنها إخبار بحق لنفسه على الغير غير صحيح لعدم شموله لما إذا أخبر بما يوجب الفرقة من قبلها قبل الدخول فإنه شهادة ولم يوجد فيها ذلك المعنى كما أشار إليه في إيضاح الاصلاح، وكأنه لاحظ أنه لم يخبر بحق للغير لان ذلك موجب لسقوط المهر (1).
وجوابه: أن سقوطه عن الزوج عائدا إلى أنه له فهو كالشهادة بالابراء عن الدين فإنه إخبار بحق للمديون وهو السقوط عنه، فكذا هنا.
وجعل الاخبار أربعة، والرابع إنكار، وعزاه إلى شرح الطحاوي ا ه.
قوله: (طلب ذي الحق) يشمل الحق تعالى في شهادة الحسبة فإنه مطالب فيها بالاداء شرعا والآدميين في حقوقهم، فيحرم كتمانها لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * (البقرة: 382) فهو نهي عن الكتمان فيكون أمرا بضده حيث كان له ضد واحد، وهو آكد من الامر بأدائها، ولذا أسند الاثم إلى رئيس الاعضاء وهو الآلة التي وقع بها أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الاسناد إلى كله.
واستدل في الهداية بهذه الآية على فرضيتها مع احتمال أن يراد نهي المدينين عن كتمانها كما احتمل أن يراد نهي الشهود.
قال القاضي: * (ولا تكتموا الشهادة) * (البقرة: 382) أيها الشهود أو المدينون، والشهادة شهادتهم على أنفسهم، فعلى الثاني المراد النهي عن كتمان الاقرار بالدين، فالاولى الاستدلال على فرضيتها بالاجماع، واحتمل أن الضمير في قول المؤلف تلزم عائد إلى الشهادة بمعنى تحملها لا بمعنى أدائها، فإن تحملها عند الطلب والتعين فرض (2) وأما عند عدم التعين ففرض كفاية كما في البحر.
قوله: (بأن لم يعلم بها ذو الحق) أي بشهادته.
قوله: (وخاف) أي الشاهد، فلا يجب عليه الشهادة بلا طلب في حق آدمي إلا إذا لم يعلم بشهادته ذو الحق وخاف الشاهد إن لم يشهد ضاع حق المدعي فيجب عليه حينئذ إعلام المدعي بما يشهد، فإن طلب وجب عليه أن يشهد، وإلا لا، إذ يحتمل أنه ترك حقه كما أفاده العلامة المقدسي.
قوله: (شرائط مكانها واحد وهو مجلس القضاء) وهو من شروط الاداء كما في البحر.
والاولى أن يقول شرط مكانها ولعله إنما جمعه مع أنه واحد وهو مجلس القاضي للازدواج،
أي التناسب بقوله: وشرائط التحمل.
قوله: (العقل الكامل) المراد ما يشمل التمييز بدذليل ما سيأتي في الباب الآتي، فلا يصح تحملها من مجنون وصبي لا يعقل.
قوله: (وقت التحمل) قال الطحطاوي: لا
__________
(1) قال المقدسي: وما أورد من الشهادة على إممرأة بما يوجب فرقة قبل الدخول وليس لاثبات حق فجوابه أن سقوط المهر من الزوج حق له كشهادة بإيراء من دين يثبت به حق المديون: أي سقوطه عنه انتهى.
(2) قوله: (فرض) كذا بالاصل، ولعله فرض عين بدليل مقابلة ا ه.
مصححة.(1/475)
حاجة إليه.
قوله: (والبصر) فلا يصح تحملها من أعمى.
ولا يشترط للتحمل البلوغ والحرية والاسلام والعدالة، حتى لو كان وقت التحمل صبيا عاقلا أو عبدا أو كافرا أو فاسقا ثم بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر وتاب الفاسق فشهدوا عند القاضي تقبل.
بحر.
أقول: ولا ينافيه ما نقله بعد عن الخانية: صبي احتلم لا أقبل شهادته ما لم أسأل عنه، ولا بد أن يتأتى بعد البلوغ بقدر ما يقع في قلوب أهل مسجده ومحلته أنه صالح أو غيره ا ه.
فإن ذلك للتزكية فقط لا لرد شهادته.
تأمل.
قوله: (ومعاينة المشهود به) قال في البزازية: شهد أن فلانا ترك هذه الدار ميراثا ولم يدركا الميت فشهادتهما باطلة لانهما شهدا بملك لم يعاينا سببه، وسيصرح بها الشارح في شهادة الارث.
قوله: (إلا فيما يثبت بالتسامع) كالشهادة بالموت والنسب والنكاح والوقت كما يأتي.
قوله: (عشرة عامة) أي في جميع أنواع الشهادة، أما العامة فهي الحرية والبصر والنطق والعدالة، لكن هي شرط وجوب القبول على القاضي لا شرط جوازه، وأن لا يكون محدودا في قذف، وأن لا يجر الشاهد إلى نفسه مغنما ولا يدفع عن نفسه مغرما، فلا تقبل شهادة الفرع لاصله وعكسه وأحد الزوجين للآخر، وأن لا يكون خصما فلا تقبل شهادة الوصي لليتيم والوكيل لموكله، وأن يكون عالما بالمشهود به وقت الاداء ذاكرا له، ولا يجوز اعتماده على خطه، خلافا لهما فإنهما يقولان: إذا لم يكن للشاهد شبهة في الخط يشهد وإن كان في يد الخصم، وعليه الفتوى.
اختيار.
وأما ما يخص بعضها دون بعض: فالاسلام إن كان المشهود عليه مسلما، والذكورة في الشهادة في الحد والقصاص وتقدم الدعوى فيما كان من حقوق العباد وموافقتها للدعوى، فإن خالفتها لم تقبل
إلا إذا وفق المدعي عند إمكانه وقيام الرائحة في الشهادة على شرب الخمر ولم يكن سكران لا لبعد مسافة (1)، والاصالة في الشهادة في الحدود والقصاص، وتعذر حضور الاصل في الشهادة على الشهادة.
كذا في البحر.
لكنه ذكر أولا أن شرائط الشهادة نوعان: ما هو شرط تحملها، وما هو شرط أدائها.
فالاول ثلاثة وقد ذكرها الشارح، والثاني أربعة أنواع: ما يرجع إلى الشاهد، وما يرجع للشهادة، وما يرجع إلى مكانها، وما يرجع إلى المشهود به.
وذكر أن ما يرجع إلى الشاهد السبعة عشر العامة والخاصة، وما يرجع إلى الشهادة ثلاثة: لفظ الشهادة، والعدد في الشهادة بما يطلع عليه الرجل، واتفاق الشاهدين، وما يرجع إلى مكانها واحد وهو مجلس القضاء، وما يرجع إلى المشهود به علم من السبعة الخاصة.
ثم قال: فالحاصل أن شرائطها إحدى وعشرون، فشرائط التحمل ثلاثة، وشرائط الاداء سبعة عشر: منها عشر شرائط عامة، ومنها سبع شرائط خاصة.
وشرائط نفس الشهادة ثلاثة، وشرائط مكانها واحد ا ه.
ومقتضاه أن شرائط الاداء نوعان لا أربعة كما ذكر أولا.
والصواب أن يقول: إنها أربعة وعشرون: ثلاثة منها شرائط التحمل، وإحدى وعشرون شرائط الاداء منها سبعة عشر: شرائط الشاهد وهي عشرة عامة وسبعة خاصة، ومنها ثلاث شرائط لنفس الشهادة، ومنها واحد شرط
__________
(1) قوله: (ولم يكن سكران لا لبعد مسافة) هكذا بالاصل وليتأمل اه.
مصححه.(1/476)
مكانها، وبهذا يظهر لك ما في كلام الشارح أيضا.
قوله: (منها) أي العامة الضبط: أي ضبط الشاهد المشهود عليه، بأن يكون غيرك، وأن يكون ذاكرا.
قوله: (والولاية) أي تكون ولاية للشاهد على المشهود عليه، بأن يكون من أهل دينه أو ممن دينه حق حرا بالغا، فلذا فرع عليه بقوله فيشترط الاسلام الخ.
قوله: (لو المدعى عليه مسلما) أما لو كان كافرا فتقبل شهادة المسلم والكافر عليه.
قوله: (والقدرة على التمييز) الاولى حذف القدرة لان الشرط التمييز بالفعل.
قوله: (بالسمع) هذا زائد على الشروط المذكورة.
قوله: (ومن الشرائط) أي المتقدمة: أي العامة.
قوله: (عدم قرابة ولاد) فلا تقبل شهادة الاصل لفرعه كعكسه.
قوله: (عدم قرابة ولاد) فلا تقبل شهادة الاصل لفرعه كعكسه.
قوله: (أو زوجية) أي: وعدم الزوجية فلا تقبل شهادة أحد
الزوجين للآخر.
قوله: (أو عداوة دنيوية) أي وعدم عداوة دنيوية، أما الدينية فلا تمنع الشهادة.
قوله: (لفظ أشهد) بلفظ المضارع، فلو قال شهدت لا يجوز، لان الماضي موضوع للاخبار عما وقع فيكون غير مخبر في الحال س.
قوله: (لا غير) أي لا غيره من الالفاظ كأعلم وأتحقق وأتيقن.
قوله: (لتضمنه) أي باعتبار الاشتقاق معنى مشاهدة وهي الاطلاع على الشئ عيانا.
سيدي.
قال ط: دخل في ذلك الشهادة بالتسامع فإنها عن مشاهدة حكما أو أنها خارجة عن القياس اه.
وقدمنا بيانه كافيا.
قوله: (وقسم) لانه قد استعمل في القسم نحو أشهد بالله لقد كان كذا: أي أقسم، وقد مر في الايمان.
قوله: (وإخبار للحال) بخلاف لفظ الماضي فإنه موضوع للاخبار عما وقع كما قدمنا.
قوله: (فكأنه يقول أقسم بالله) هذا راجع إلى قوله وقسم.
قوله: (لقد اطلعت على ذلك) هذا راجع إلى قوله لتضمنه معنى مشاهدة.
قوله: (وأنا أخبر به) هذا راجع إلى قوله وإخبار للحال.
والحاصل أن في كلامه نشرا على غير ترتيب اللف قوله (فتعين) فلذا اقتصر عليه احتياطا واتباعا للمأثور، ولا يخلو عن معنى التعبد إذ لم ينقل غيره بحر.
قوله: (حتى لو زاد فيما أعلم بطل للشك) لانه يشترط أن لا يأتي بما يدل على الشك بعد، فلو قال أشهد بكذا فيما أعلم لم تقبل كما لو قال في ظني، بخلاف ما لو قال أشهد بكذا قد علمت، ولو ال لا حق لي قبل فلان فيما أعلم لا يصح الابراء، ولو قال لفلان علي ألف درهم فيما أعلم لا يصح الاقرار، ولو قال المعدل هو عدل فيما أعلم لا يكون تعديلا، بحر.
فرع: قال المقدسي: ولا بد من علمه بما يشهد به.
وفي النوازل: شهد أن المتوفى أخذ من هذا المدعى منديلا فيه درام ولم يعلما كم وزنها تجوز شهادتهما.
وله لهما أن يشهدا بالمقدار؟ وقال: إن كانوا وقفوا على تلك الصرة وفهموا أنها دراهم وحرروا فيما يقع عليه يقينهم من مقدارها شهدوا بذلك.
وينبغي أن يعتبرا جودتها فقد تكون ستوقة، فإذا فعلوا ذلك جازت شهادتهم اه.
وفي خزانة الاكمل: بيده درهما كبير وصغير فأقر بأحدهما لرجل فشهدا أنه أقر بأحدهما ولا(1/477)
يدري بأيهما أقر يؤمر بتسليم الصغير اه.
قوله: (وحكمها) أي صفتها لما تقدم في أول كتاب القضاء
أن من معاني الحكم الاثر الثابت بالخطاب كالوجوب والحرمة فيكون المعنى هنا وصفتها.
قوله: (وجوب الحكم) أي القضاء.
قوله: (بموجبها) بفتح الجيم: أي بما تعلق بها، إذ الموجب عبارة عن المعنى المتعلق بما أضيف إليه في ظن القاضي، فالذي أضيف إليه الموجب الشهادة، والمعنى المتعلق بها إلزام الخصم بالمشهود به.
قوله: (بعد التزكية) اشتراط التزكية قولهما، وهو المفتى به.
ط عن الشرنبلالية.
قوله: (افتراضه) أي القضاء.
قوله: (إلا في ثلاث قدمناها) أي قبيل باب التحكيم، وهي رجاء الصلح بين الاقارب، وإذا استمهل المدعي وخوف ريبة عند القاضي.
قوله: (بعد وجود شرائطها) أي المتقدمة.
قوله: (إن لم ير الوجوب) نقله في أول قضاء البحر عن شرح الكنز لباكير.
قوله: (ابن ملك) في شرح المجمع في مبحث القضاء بشهادة الزور.
قوله: (وأطلق الكافيجي كفره) في سألته (سيف القضاة على البغاة) حيث قال: حتى لو أخر الحكم بلا عذر عمدا قالوا إنه يكفر.
كذا في المنح.
قوله: (واستهظر المصنف الاول) لما تقدم في باب الردة من الاعتماد على عدم تكفير المسلم ولو بالرواية الضعيفة.
قوله: (ويجب أداؤها) أي عينا.
قوله: (بالطلب) أي طلب المدعي.
قوله: (ولو حكما كما مر) أي من أنه لو خاف فوت الحق والطالب لا يعلم بها لزمه أن يشهد بلا طلب.
قال في البحر: وإنما قلنا أو حكما ليدخل من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق فإنه يجب عليه أن يشهد بلا طلب كما في فتح القدير لكونه طالبا لادائه حكما اه.
لكن نظر فيه المقدسي بأن الواجب في هذا إعلام المدعي بما يشهد، فإن طلب وجب عليه أن يشهد وإلا لا، إذ يحتمل أنه ترك حقه كما قدمنا.
قوله: (بشروط سبعة) ذكر منها خمسة، منها أن يتعين عليه الاداء وهو المشار إليه بقوله إن لم يوجد بدله، فإن لم يتعين بأن كانوا جماعة فأدى غيره ممن تقبل شهادته فقبلت لم يأثم، بخلاف ما إذا أدعى غيره فلم يقبل، فإن من لم يؤد ممن يقبل يأثم بامتناعه.
السادس: أن لا يخبره عدلان ببطلان المشهود به، فلو شهد عن الشاهد عدلان أن المدعي قبض دينه أو أن الزوج طلقها ثلاثا أو أن المشتري أعتق العبد أو أن الولي عفا عن القاتل لا يسعه أن يشهد بالدين والنكاح والبيع والقتل، وإن لم يكن المخبر عدلا فالخيار للشهود، إن شاؤوا شهدوا بالدين مثلا وأخبروا القاضي بخبر المخبرين، وإن شاؤوا امتنعوا عن الشهادة، وإن كان المخبر عدلا واحدا لا يسعه
ترك الشهادة، وكذا لو عاينا واحدا يتصرف في شئ تصرف الملاك وشهد عدلان عندهما أن هذا الشئ لفلان آخر لا يشهدان أنه للمتصرف، بخلاف أخبار العدل الواحد.
وفي البزازية في الشهادة بالتسامع: إذ شهد عندك عدلان بخلاف ما سمعته ممن وقع في قلبك صدقه لم يسعك الشهادة، إلا إذا علمت يقينا أنهما كاذبان، وإن شهد عندك عدل لك أن تشهد بما سمعت، إلا أن يقع في قلبك صدقه، وينبغي ذلك جميعه في كل شهادة اه بالمعنى.
السابع: أن لا يقف الشاهد على أن المقر أقر خوفا، فإن علم بذلك لا يشهد، فإن قال المقر(1/478)
أقررت خوفا وكان المقر له سلطانا وكان المقر في يد عون من أعوان السلطان ولم يعلم الشاهد بخوفه شهد عند القاضي وأخبره أنه كان في يد عون من أعوان السلطان اه ط.
قال سيدي الوالد معزيا للجوهرة: وكذا إذا خاف الشاهد على نفسه من سلطان جائر أو غيره أو لم يتذكر الشهادة على وجهها وسعه الامتناع اه.
مطلب: للشاهد أن يمتنع من أدائها عند غير العدل قوله: (منها عدالة قاض) فله أن يمتنع من الاداء عند غير المعدل، لانه ربما لا يقبل ويجرح، ولو غلب على ظنه أنه يقبله لشهرته مثلا ينبغي أن يتعين عليه الاداء، وكذا المعدل لو سئل عن الشاهد فأخبر بأنه غير عدل لا يجب عليه أن يعدله عنده.
بحر.
مطلب: إذا كان موضع القاضي بعيدا من موضع الشاهد بحيث لا يغدو ويرجع في يومم لا يأثم بعدم الاداء قوله: (وقرب مكانه) أي أن يكون موضع الشاهد قريبا من موضع القاضي، فإن كان بعيدا بحيث لا يمكنه أن يغدو إلى القاضي لاداء الشهادة ويرجع إلى أهله في يومه ذلك.
قالوا: لا يأثم لانه يلحقه الضرر بذلك.
وقال تعالى: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * (البقرة: 282).
قوله: (وعلمه بقبوله) فلو علم أنه لا يقبلها لا يلزمه.
بحر.
قال الحموي: فلا شك ينظر حكمه.
قوله: (أو بكونه أسرع قبولا) أي فيجب الاداء وإن كان هناك من تقبل شهادته.
فتح.
وفيه تأمل.
مقدسي.
وكأنه لعدم
ظهور وجه الوجوبه حيث كان هناك من يقوم به الحق، ط عن الحموي.
أقول: لكنه بحثه في مقابلة المنقول، فقد ذكر المسألة في شرح الوهبانية عن الخانية.
قوله: (إن لم يوجد بدله) أي بدل الشاهد، وهذا هو خامس الشروط.
وأما الاثنان الباقيان تتمة السبعة فقد قدمناهما آنفا، وهما: أن لا يعلم بطلان المشهود به، وأن لا يعلم أن المقر أقر خوفا الخ.
وأل في الشاهد للجنس فيصدق بالواحد والمتعدد.
مطلب: لو لزم الشاهد الاداء ولم يؤد ثم أدى الشهادة ولو لزم الشاهد الاداء بالشروط المذكورة فلم يؤد بلا عذر ظاهر ثم أدى، قال شيخ الاسلام: لا تقبل لتمكن الشبهة، فإنه يحتمل أن تأخيره كان لاستجلاب الاجرة.
قال الكمال: والوجه القبول، ويحمل على العذر من نسيان ثم تذكر أو غيره اه.
قال العلامة عبد البر: وعندي أن الوجه ما قاله شيخ الاسلام، لا سيما وقد فسد الزمان وعلم من حال الشهود التوقف بمقتضى القوة، وهذا مطلق عن مسائل الفروج، والظاهر أن هذا مطرد في كل حرفة لا يتوجه فيها تأويل اه.
قوله: (لانها فرض كفاية) أي إذا قام بها البعض الكافي سقط عن الباقين.
قوله: (تتعين لو لم يكن إلا شاهدان لتحمل أو أداء) قال الامام الرازي في أحكام القرآن في قوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * (البقرة: 282) إنه عام في التحمل والاداء، لكن في التحمل على المتعاقدين الحضور إليهما للاشهاد، ولا يلزم الشاهدين الحضور إليهما، وفي الاداء(1/479)
يلزمهما الحضور إلى القاضي، لا أن القاضي يأتي إليهما ليؤديا.
ويستحب الاشهاد في العقود إلا في النكاح فإنه يجب عندنا، وكذا في الرجعة عند الشافعي وأحمد.
قال في البحر: وفي الملتقط: الاشهاد على المداينة والبيوع فرض.
كذا رواه نصير.
وذكر الامام الرازي في أحكام القرآن أن الاشهاد على المبايعات والمداينات مندوب، إلا النزر اليسير كالخبز والماء والبقل، وأطلقه جماعه من السلف حتى في البقل اه.
قال في التاترخانية عن المحيط: وذكر في فتاوى أهل سمرقند أن الاشهاد على المداينة والبيع فرض على العباد، إلا إذا كان شيئا حقيرا لا يخاف عليه
التلف، وبعض المشايخ على أن الاشهاد مندوب وليس بفرض اه.
وفي البزازية: لا بأس للرجل أن يتحرز عن تحمل الشهادة، ولو طلب منه أن يكتب شهادته أو يشهد على عقد أو طلب منه الاداء: إن كان يجد غيره فله الامتناع، وإلا فلا انتهى.
وحينئذ فالتحمل في الآية الكريمة محمول على ما إذا لم يوجد غيره، وإلا فالاولى الامتناع كما ذكرنا.
قوله: (وكذا الكاتب إذا تعين) صرح الامام الرازي في أحكام القرآن بأن عليهما الكتابة إذا لم يوجد غيرهما إذا كان الحق مؤجلا، وإلا فلا اه.
بحر.
قوله: (لكن له أخذ الاجرة لا للشاهد) في المجتبى عن الفضلي: تحمل الشهادة فرض على الكفاية كأدائها وإلا لضاعت الحقوق، وعلى هذا الكاتب، إلا أنه يجوز أخذ الاجرة على الكتابة دون الشهادة فيمن تعينت عليه بإجماع الفقهاء، وكذا من لم تتعين عليه عندنا، وهو قول للشافعي.
وفي قول يجوز لعدم تعينه عليه اه.
شلبي.
ا ه ط.
لكن ينظر مع ما تقدم من قوله كل ما يجب على القاضي والمفتي لا يحل لهما أخذ الاجر به، وليس خاصا بهما بدليل ما ذكروه من أن غاسل الاموات إذا تعين لا يحل له أخذ الاجر.
تأمل.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (حتى لو أركبه بلا عذر) بأن كان يقدر على المشي أو مال يستأجر به دابة وأركبه من عنده.
قوله: (وبه) أي بالعذر، بأن كان شيخا لا يقدر على المشي ولا يجد ما يستأجر به دابة، وهذا التفصيل لصاحب النوازل ط.
قوله: (لحديث أكرموا الشهود) تمامه فإن الله تعالى يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم رواه الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس.
قوله: (وجوز الثاني الاكل مطلقا) أي سواء صنعه لاجلهم أو لا، ومنعه محمد مطلقا، وبعضهم فصل.
قال في البحر: الشهود في الرستاق واحتيج إلى أداء شهادتهم هل يلزمهم كراء الدواب؟ قال: لا رواية فيه، ولكن سمعت من المشايخ أنه يلزمهم.
وفي فتح القدير: ولو وضع للشهود طعاما فأكلوا: إن كان مهيئا من قبل ذلك تقبل، وإن صنعه لاجلهم لا تقبل.
وعن محمد: لا تقبل فيهما.
وعن أبي يوسف: تقبل فيهما للعادة الجارية بإطعام من حل محل الانسان ممن يعز عليه شاهدا أو لا، ويؤنسه ما تقدم من أن الاهداء إذا كان بلا شرط ليقضي حاجته عند الامير يجوز.
كذا قيل: وفيه نظر فإن الاداء فرض بخلاف الذهاب إلى الامير اه.
وجزم
في الملتقط بالقبول مطلقا اه.
قوله: (وبه يفتى بحر) نقله عن ابن وهبان في شرحه لمنظومته.
قال شارحها العلامة ابن عبد البر بن الشحنة نقلا عن مختصر المحيط للخبازي: أخرج الشهود إلى ضيعة اشتراها فاستأجر لهم دواب ليركبوها: إن لم يكن لهم قوة المشي ولا طاقة الكراء تقبل شهاتدهم، وإلا(1/480)
فلا، فإن أكل طعاما للمشهود له لا ترد شهادته.
وقال الفقيه أبو الليث: الجواب في الركوب ما قال، أما في الطعام: إن لم يكن المشهود له هيأ طعامه للشاهد بل كان عنده طعام فقدمه إليهم وأكلوه لا ترد شهادتهم، وإن هيأ لهم طعاما فأكلوه لا تقبل شهادتهم.
هذا إذا فعل ذلك لاداء الشهادة، فإن لم يكن كذلك لكنه جمع الناس للاستشهاد وهيأ لهم طعاما أو بعث لهم دواب وأخرجهم من المصر فركبوا وأكلوا طعامه اختلفوا فيه.
قال الثاني في الركوب: لا تقبل شهادتهم بعد ذلك وتقبل في أكل الطعام.
وقال محمد: لا تقبل فيهما، والفتوى على قول الثاني لجري العادة به، سيما في الانكحة ونثر السكر والدراهم، ولو كان قادحا في الشهادة لما فعلوه.
كذا في الفخرية اه.
قوله: (ويجب الاداء) أي يفترض إما كفاية أو عينا.
قوله: (لو الشهادة في حقوق الله تعالى) وجه قبول الشهادة بلا طلب فيما ذكر أنها حق الله تعالى، وحق الله تعالى يجب على كل أحد القيام بإثباته، والشاهد من جملة من عليه ذلك فكان قائما بالخصومة من جهة الوجوب وشاهدا من جهة تحمل ذلك فلم يحتج إلى خصم آخر اه.
وبعضهم جعل القائم بالخصومة القاضي ط.
قوله: (أربعة عشر) ذكر منها طلاق المرأة وعتق الامة وتدبيرها، ومنها الوقف.
قال قاضيخان: ينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم لا تقبل البينة عليه بدون الدعوى عند الكل، وإن كان على الفقراء أو على المسجد لا تقبل عنده بدون الدعوى، وتقبل عندهما بدونه، وبه أفتى أبو الفضل الكرماني وهو المختار.
عمادية.
ومنها هلال رمضان.
قال قاضيخان: الذي ينبغي أنه لا تشرط الدعوى فيه كما لا تشترط في عتق الامة وطلاق الحرة.
وفي العمادية عن فتاوى رشيد الدين، الشهادة بهلال عيد الفطر لا تقبل بدون الدعوى.
وفي الاضحى اختلاف المشايخ: قاسه بعضهم على هلال رمضان، وبعضهم على هلال الفطر.
ومنها:
الحدود غير حد القذف والسرقة.
ومنها: النسب، وفيه خلاف.
حكى صاحب المحيط القبول من غير دعوى لانه يتضمن حرمات كلها لله تعالى: حرمة الفرج، وحرمة الامومة والابوة.
وقيل لا تقبل من غير خصم.
ومنها: الخلع فإن الشهادة عليه بدون دعوى المرأة مقبولة اتفاقا ويسقط المهر عن ذمة الزوج، ودخول المال في هذه الشهادة تبع.
ومنها: الايلاء والظهار والمصاهرة، ويشترط أن يكون المشهود عليه حاضرا.
ومنها: الحرية الاصلية عندهما.
والصحيح اشتراط الدعوى في ذلك عند الامام كما في العتق العارض.
ومنها: النكاح فإنه لا يثبت بلا دعوى كالطلاق، لان حل الفرج والحرمة حق لله تعالى.
ومنها: عتق العبد عندهما، لان الغالب عندهما فيه حق الله تعالى لان الحرية يتعلق بها حقوق الله تعالى من وجوب الزكاة والجمعة وغيرهما كالعيد والحج والحدود، ولذا لم يجز استرقاق العبد برضاه لما فيه من إبطال حق الله تعالى.
وقال الامام لا بد في عتقه من دعوى والغالب فيه حق العبد لان نفع الحرية عائد إليه من مالكيته وخلاصة من كونه مبتذلا كالمال، وقد تمت الاربع عشرة مسألة.
وقوله عد منها الخ يفيد أن هناك مسائل أخر هو كذلك وهي التي ذكرها بعد، وقد أعاد صاحب الاشباه ذكر شهادة الحسبة بعد، فعد حد الزنا وحد الشرب مسألتين، وزاد الشهادة على دعوى مولى العبد نسبه اه ط.
قال سيدي الوالد: قلت: ويزاد الشهادة بالرضاع كما مشى عليه المصنف في بابه وتقدم في(1/481)
الوقف.
قوله: (بلا عذر فسق فترد) نصوا عليه في الحدود وطلاق الزوجة وعتق الامة، وظاهر ما في القنية: أنه في الكل، وهو في الظهيرية واليتيمة اه.
أشباه.
وفي البحر عن القنية: أجاب بعض المشايخ في شهود شهدوا بالحرمة المغلظة بعد ما أخروا شهادتهم خمسة أيام من غير عذر أنها لا تقبل إن كانوا عالمين بأنهما يعيشان عيش الازواج، ثم نقل عن العلاء الحمامي والخطيب الانماطي وكمال الائمة البياعي: شهدوا بعد ستة أشهر بإقرار الزوج بالطلقات الثلاث لا يقبل إذا كانوا عالمين بعيشهم عيش الازواج، وكثير من المشايخ أجابوا كذلك في جنس هذا.
وتمامه فيه وفي الحموي.
وقيل المدار في التأخير على التمكن من الشهادة عند القاضي،
وهل ذلك خاص بالفروج أو لا؟.
قال في البزازية: إذا طلب المدعي الشاهد لاداء الشهادة فأخر من غير ظاهر لا تقبل اه.
فإطلاقه يفيد عدم القبول مطلقا وهو الذي اعتمده ابن الشحنة اه ملخصا.
وأفتى في تنقيح الحامدية بأنه حتى أخر خمسة أيام من غير عذر إن كانوا عالمين بأنهما يعيشان عيش الازواج فإنها لا تقبل، وعزاه لمعين المفتي وجامع الفتاوى.
أقول: قد علمت أن ذكر خمسة أيام أو ستة أشهر ليس بقيد، بل المراد التمكن من الشهادة عند القاضي وهو مطلق عن مسائل الفروج، بل هو مطرد في كل حرمة لا يوجد فيها تأويل كما أفاده الحموي.
قوله: (كطلاق امرأة حرة أو أمة، وقيد القبول في النهاية بما إذا كان الزوج حاضرا، أما إذا كان غائبا فلا.
قال العلامة عبد البر: وكذا يشترط حضور المولى في صورة الامة، ولكن لا يشترط حضور المرأة ولا الامة على المشهور، وتقبل إن أنكر الزوجان ط.
ومثله في العمادية والفصولين والبزازية.
قال في الذخيرة: إذا غاب الرجل عن امرأته فأخبرها عدل أن زوجها طلقها ثلاثا أو مات عنها فلها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر، وكذا إن كان المخير فاسقا، لان هذا من باب الديانة فيثبت بخبر الواحد، بخلاف النكاح والنسب اه.
أقول: لكنه في التنقيح ذكر العدل دون الفاسق.
قال في الفصولين: ولو أخبرها فاسق تحرت، وهذا عند المعاينة أو المشاهدة لموته أو جنازته.
ويأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
قوله: (أي بائنا) هذا القيد لم يذكره في التنقيح بل أطلق الطلاق، وكذلك أطلقه في الاشباه ولم يقيده بالبائن، وكذا محشوها، لكن قال ط: والتقييد به ظاهر، لانه إذا طلقها رجعيا لا ينكر بعده معيشتهم معيشة الازواج لانه يعد مراجعا لها.
قوله: (وعتق أمة) أي عند الكل لانها شهادة بحرمة الفرج وهي حق الله تعالى، وهل يحلف حسبة في طلاق المرأة وعتق الامة؟ أشار محمد في باب التحري أنه يحلف.
كذا في شرح القدوري.
وذكر السرخسي في مقدمه باب السلسلة أنه لا يحلف، فتأمله عنده الفتوى.
كذا ذكره ابن الشحنة ط.
قوله: (وتدبيرها) جعل ابن وهبان القبول يختلف بالنسبة إلى الامة والعبد كما في عتقهما.
فتقبل في الامة عند الكل، وفي العبد
يجري الخلاف، لان التدبير فيها يتضمن حرمة فرجها على الورثة بعد موت السيد ط.
قوله: (وكذا عتق عبد) أي عندهما خلافا له، فإن دعواه شرط عنده، كما إذا شهد شاهدان على رجل بعتق عبده والعبد والمولى ينكران ذلك لا تقبل الشهادة عند الامام.
وقالا: تقبل.(1/482)
وفي الحقائق: قد تتحقق الدعوى حكما بأن يقطع العبد يد حر فقال الحر أعتقك مولاك قبل الجناية ولي عليك القصاص فأنرك العبد والمولى ذلك تقبل بينته ويقضى بعتقه، لان دعوى المجني عليه العتق قائم مقام دعوى العبد حكما.
ثم اعلم أن الشهادة بلا دعوى أحد مقبولة في حقوق الله تعالى، لان القاضي يكون نائبا عن الله تعالى فتكون شهادة على خصم فتقبل، وغير مقبولة في حقوق العبد، وهذا أصل متفق عليه، لكن الغالب عندهما في عتق العبد حق الله تعالى، لان سبب المالكية وهي الحرية يتعلق بها حقوق الله تعالى من وجوب الزكاة والجمعة وغيرهما: يعني كالعيد والحج والحدود ولذا لم يجز استرقاق الحر برضاه لما فيه من إبطال حق الله تعالى، فتقبل بدون الدعوى، والغالب عنده حق العبد لان نفع الحرية عائدا إليه من مالكيته وخلاصه من كونه مبتذلا كالمال، فلا تقبل بدون الدعوى كما في شرح المجمع لابن ملك.
قوله: (وتدبيره) قد علمت أنه على الخلاف كما ذكره ابن وهبان، ولا فرق عند الامام بين أن يشهدوا بالعتق أو بالحرية الاصلية، والشارح مشى على قولهما وتبع الشرنبلالي في عدم الفرق بين الحرية الاصلية والعارضة.
قوله: (وهل يقبل جرح الشاهد حسبة) الجرح بفتح الجيم بمعنى تجريح، ثم قوله حسبة يحتمل أنه حال من جرح: يعني أن المجرح يفعل ذلك حسبة، ويحتمل أنه حال من المشاهد ذكره بعضهم ط.
والاول أظهر.
قال الحلبي: حسبة متعلق بالجرح لا بالشاهد.
قوله: (فبلغت ثمانية عشر) أي بزيادة عتق العبد وتدبيره والرضاع والجرح.
وأما طلاق المرأة وعتق الامة وتدبيرها فمن الاربعة عشر ح.
قال ط: وفيه أن عتق العبد من جملة الاربعة عشر اه.
أقول: لم يزد على ما في الاشباه غير عتق العبد وتدبيره والرضاع وهي داخلة في الاربعة عشر، فعتق العبد وتدبيره داخل في عتق الامة وتدبيرها على قولهما، والرضاع داخل في حرمة المصاهرة.
تأمل.
قوله: (وليس لنا مدعي حسبة) الاولى مدع حسبة بحذف ياء مدعي.
قوله: (إلا في الوقف) يعني إذا ادعى الوقوف عليه أصل الوقف تسمع عند البعض، والمفتى به عدم سماعها إلا من المتولي كما تقدم في الوقف.
قال ط: فإذا كان الموقوف عليه لا تسمع دعواه فالاجنبي بالاولى.
أشباه اه.
أقول: لكن في فتاوى الحانوتي أن الحق أن الوقف إذا كان على معين تسمع منه اه.
فتأمل.
لكن قيده سيدي الوالد في تنقيحه بأن تكون بإذن قاض على ما عليه الفتوى قوله: (وسترها في الحدود) أي كتمانها.
قال في الهداية: والشهادة يخير فيها الشاهد في الستر والاظهار، لانه بين حسبتين: إقامة الحد، والتوقي عن الهتلك والستر أفضل اه.
قال الكاكي: والحسبة ما ينتظر به الاجر في الآخرة.
وفي الصحاح: احتسب كذا أجرا عند الله تعالى، والاسم الحسبة بالكسر والجمع الحسب اه.
قوله: (أبر) أفاد أن عدمه (1) جائز إقامة للحسبة لما فيه من إزالة الفساد أو تقليله فكان حسنا، ولا يعارضه قوله تعالى: * (إن الذي يحبون أن تشيع *
__________
(1) أي يزم الستر وهو الشهادة اه.
منه.(1/483)
لا لفاحشة في الذين آمنوا) * (النور: 19) الآية، لان ظاهرها أنهم يحبون ذلك لاجل إيمانهم وذلك صفة الكافر، ولان مقصود الشاهد ارتفاعها لا إشاعتها وكذا لا يعارض أفضلية الستر آية النهي عن كتمانها لانها في حقوق العباد بدليل قوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * (البقرة: 282) إذ الحدود لا مدعى فيها.
ورد قول من قال إنها في الديون بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كما ذكره الرازي، أو لانه عام مخصوص بأحاديث الستر التي بلغت مبلغا لا ينحط عن درجة الشهرة لتعدد متونها مع قبول الامة لها، أو هي مستند الاجماع على تخيير الشاهد في الحدود كما يفهم من البحر.
وتمام الكلام على ذلك فيه، فراجعه فإنه مهم.
قوله: (ولحديث من ستر ستر) الذي في الفتح من ستر على مسلم ستره الله تعالى وأفاد أنه في الصحيحين.
قوله: (إلا لمتهتك بحر) وفيه عن الفتح.
وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به خلاف الاولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه لانها في رتبة الندب في جانب الفعل وكراهة التنزيه في جانب الترك، وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يتهتك به، أما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به، بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة
أولى من تركها، لان مطلوب الشارع إخلاء الارض من المعاصي والفواحش بالخطابات المفيدة لذلك، وذلك يتحقق بالتوبة من الغافلين وبالزجر لهم، فإذا ظهر حال الشهرة في الزنا مثلا والشرب وعدم المبالاة به وإشاعته، فإخلاء الارض المطلوب حينئذ بالتوبة احتمال يقابله ظهور عدمها ممن اتصف بذلك، فيجب تحقيق السبب الآخر للاخلاء وهو الحدود، خلاف من زنى مرة أو مرارا مستترا متخرفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر الشاهد، وقوله عليه الصلاة والسلام لهزال في ماعز لو كنت سترته بثوبك الحديث، وذكره في غير مجلس القاضي بمنزلة الغيبة يحرم منه ما يحرم منها ويحل منه ما يحل منها اه.
قوله: (والاولى الخ) هذا كالاستدراك على قوله أبر، لانه ربما يفيد عدم التعرض بالشهادة في السرقة أصلا ويلزم منه ضياع حق الغير، فاستثنى السرقة وأثبت لها حكما خاصا، وهو أنه يأتي بلفظ يفيد الضمان من غير قطع.
فاستثنى السرقة وأثبت لها حكما خاصا، وهو أنه يأتي بلفظ يفيد الضمان من غير قطع.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وفيه إشارة إلى أن المراد ستر أسباب الحدود اه.
وبه ظهر الجواب.
قوله: (أخذ) الاخذ أعم من كونه غصبا أو على ادعاء أنه ملكه مودعا عند المأخوذ منه وغير ذلك، فلا تستلزم الشهادة بالاخذ مطلقا ثبوت الحد بها.
كمال.
لكن قد يقال مع هذا الاحتمال لا إحياء للحق فيه ط.
قال في البحر: ولا يقول سرق محافظة على الستر، ولانه لو ظهرت السرقة لوجب القطع والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه.
وصرح في غاية البيان بأن قوله أخذ أولى من سرق، وعلى هذا فيحمل قول القدوري: وجب أن يقول أخذ على معنى ثبت لا الوجوب الفقهي، وقوله في العناية: فتعين ذلك مع قوله لا يجوز: أي أن يقول سرق تسامح، وإنما الكلام في الافضل، وكل منهما جائز اه.
(وفيه لطيفة) حكى الفخر الرازي في التفسير: أن هارون الرشيد كان مع جماعة من الفقهاء وفيهم أبو يوسف، فادعى رجل على آخر بأنه أخذ ماله من بيته فأقر بالاخذ، فسأل الفقهاء فأفتوا بقطع يده، فقال أبو يوسف: لا، لانه لم يقر بالسرقة وإنما أقر بالاخذ، فادعى المدعي أنه سرق فأقر بها فأفتوا بالقطع.
وخالفهم أبو يوسف فقالو له: لم؟ قال: لانه لما أقر أولا بالاخذ ثبت الضمان عليه وسقط(1/484)
القطع.
فلا يقبل إقراره بعده بما يسقط الضمان عنه فعجبوا اه.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: هذا ظاهر في أنه إذا ادعى أنه أخذ مالي أو دابتي تسمع، وإن لم يبين وجه الاخذ اه.
قوله: (ونصابها) أي ما تنصب عليه: أي تتوقف عليه.
قال ابن الكمال: ولم يقل وشرطها: أي كما قال في الكنز، لما سيأتي أن المرأة ليست بشرط في الولادة وأختيها.
قوله: (للزنا أربعة) وذلك يشير إلى ندب الستر، لانه قلما يشهد به أربعة بصفته الموجبة، والدليل قوله تعالى * (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) * النساء: 15) وقوله: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * (النور: 4).
فلا يجوز بالاقل، ونحن إن لم نقل بالمفهوم فالاجماع عليه، وقدم الاستدلال بالآيتين على قوله تعالى: * (استشهدوا شهدين من رجالكم) * (البقرة: 282) لان الاول مانع والثاني مبيح والمانع مقدم، والدليل وإن كان في النساء مثبت في حق الرجال للمساواة.
ط أخذا من البحر بالمعنى عن فتح القدير.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: عبارة فتح القدير: وأن النص أوجب أربعة رجال بقوله تعالى: * (أربعة منكم) * (النساء: 15) فقبول امرأتين مع ثلاثة مخالف لما نص عليه من العدد والمعدود، وغاية الامر المعارضة بين عموم قوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * (البقرة: 282) وبين هذه فتقدم هذه لانها مانعة وتلك مبيحة ا ه.
ولا يخفى عليك ما في كلامه من المخالفة والايهام.
تأمل.
قال في البحر: وقدمنا في الحدود أنه يجوز كون الزوج أحدهما، إلا في مسألتين: أن يقذفها الزوج أولا ثم يشهد مع ثلاثة، وأن يشهد معهم على زناها بابنه مطاوعه ا ه.
قوله: (ليس منهم ابن زوجها) أي إذا كان الاب مدعيا أو أم الابن حية، أما إذا فقد فيجوز.
قال في البحر: اعلم أنه يجوز أن يكون من الاربعة ابن زوجها.
وحاصل ما ذكره في المحيط البرهاني أن الرجل إذا كان له امرأتان ولاحداهما خمسة بنين شهد أربعة منهم على أخيهم أنه زنى بامرأة أبيهم تقبل، إلا إذا كان الاب مدعيا أو كانت أمهم حية اه.
والمنع في كون الاب مدعيا لعله مقيد بما إذا كان بعد قذفه لها لانه يدفع بشهادته عن أبيه اللعان، وفي كون أمهم حية للعداوة الدنيوية عادة.
قوله: (ولو علق عتقه بالزنا) أي بزنا نفس المولى.
قوله: (ولا حد) أي على المولى ويستحلف إذا أنكره للعتق.
قال في البحر: ثم اعلم أن العتق المعلق بالزنا يقع بشهادة رجلين وإن لم يحد المولى، ويستحلف المولى إذا أنكره للعتق، وفيه خلاف ذكره في الخانية وأدب القضاء للخصاف اه.
مطلب: في الشهادة على اللواطة قال أبو السعود: واختلفوا في الشهادة على اللواطة: فعند الامام: يقبل فيها رجلان عدلان لان موجبها التعزير عنده، وعندهما: لا بد فيه من أربعة كالزنا.
مطلب: في الشهادة على إتيان البهيمة وأما إتيان البهيمة فالاصح أنه يقبل فيه شاهدان عدلان، ولا يقبل فيه شهادة النساء اه.
قوله: (فأعتقه القاضي) أي حكم بعتقه، وكذا قوله ورجمه.
قوله: (ضمن الاولان قيمته لمولاه) لاتلاف رقبته(1/485)
المملوكة على السيد.
قوله: (ديته له) انظر هل المراد بالدية هنا قيمته لانه رقيق أو دية الاحرار لحكم القاضي عليه بالحرية، ويدل لذلك قوله لو وارثه فإن لو كان رقيقا لكانت الدية للسيد ولا بد ط.
قوله: (لو وارثه) بأن لم يكن له وارث غيره وإلا لوارثه.
قوله: (والقود) شمل القود في النفس والعضو، وقيد به لما في الخانية: ولو شهد رجل وامرأتان بقتل الخطأ أو بقتل لا يوجب القصاص تقبل شهادتهم، وكذا الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي، لان موجب هذه الجناية المال فقيل فيه شهادة الرجال مع النساء اه.
أقول: علم به قبول شهادة رجل وامرأتين في طرف الرجل والمرأة والحر والعبد وكل ما لا قصاص فيه وكان موجبه المال، ويعلم به كثير من الوقائع الحالية.
قوله: (ومنه) أي من القود.
قوله: (لمآلها) أي تؤول.
قوله: (لقتله) بسبب ردته: أي إن أصر على كفره.
قوله: (بخلاف الانثى) فإنها لا تقتل بل تحبس، فتقبل شهادة رجل وامرأتين فلذا قيد بذكر، بل في المقدسي: لو شهد نصرانيان على نصرانية أنها أسلمت جاز وتجبر على الاسلام.
قلت: وينبغي في النصراني كذلك،، فيجبر ولا يقتل، ورأيته في الولوالجية اه.
سائحاني.
وإنما لا يقتل لانه لم يشهد على إسلامه مسلمان.
قال سيدي الوالد: وانظر لم لم يقل كذلك في شهادة رجل وامرأتين على إسلامه لكنه يعلم بالاولى، وصرح به في البحر عن المحيط عند قوله والذمي على مثله، وتقدم في باب المرتد أن كل مسلم ارتد فإنه يقتل إن لم يتب، إلا من ثبت إسلامه بشهادة رجلين ثم رجعا.
ومن ثبت إسلامه بشهادة رجل وامرأتين على رواية النوادر.
ولو شهد نصرانيان على نصراني أنه أسلم وهو ينكر لم تقبل شهادتهما وقيل تقبل في المسألتين ولو على نصرانية قبلت اتفاقا، لان المرتدة لا تقتل بخلاف المرتد، ولكنها تجبر على الاسلام، وهذا كله قوله الامام.
وفي النوادر: تقبل شهادة رجل وامرأتين على الاسلام وشهادة نصرانيين على نصراني أنه أسلم، وهذا هو الذي في آخر كراهية الدرر كما في ح.
واعتمد قاضيخان أن قول الامام بعدم القتل بشهادة النساء وإن كان يجبر على الاسلام، لان أي نفس كانت لا تقتل بشهادة النساء ا ه.
قوله: (ومثله ردة مسلم) أي حكما وهو تقييد أو علة، قال في البحر: وأما الشهادة بردة مسلم فلا يقبل فيها شهادة النساء كما ذكره في العناية من اليسر اه.
قوله: (رجلان) إنما لم تقبل شهادة النساء لحديث الزهري: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص، ولان فيها شبهة البذلية لقيامها مقام شهادة الرجال، فلا تقبل فيها تندرئ بالشبهات.
كذا في الهداية.
وإنما لم يكن فيها حقيقة البدلية لانها إنما تكون فيما امتنع العمل بالبدل مع إمكان الاصل، وليست كذلك فإنها جائزة مع إمكان العمل بشهادة الرجلين كما في العناية.
وفي خزانة الاكمل: لو قضى بشهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص وهو يراه أو لا يراه ثم رفع إلى آخر أمضاه ا ه.
بحر.
أقول: والاحسن حذف قوله أو لا يراه، لان القاضي حينئذ يحكم بمقتضى مذهبه.
قوله: (إلا(1/486)
المعلق فيقع) أي إذا كان بعض الشهود نسوة ولا يحد: يعني ما علق على شئ مما يوجب الحد والقود لا يشترط فيه رجلان، بل يثبت برجل وامرأتين وإن كان المعلق عليه لا يثبت بذلك.
وصورته كما في البحر عن الولوالجية: رجل قال إن شربت الخمر يثبت بذلك فمملوكي حر، فشهد رجل
وامرأتان أنه شرب الخمر عتق العبد ولا يحد، لان هذه شهادة لا مجال لها في الحدود، ولو قال إن سرقت من فلان شيئا فعلى قياس ما ذكرناه ينبغي أن يضمن المال ويعتق العبد ولا يقطع اه.
وعزى المسألتين في الخانية إلى أبي يوسف، ثم قال: والفتوى فيهما على قول أبي يوسف.
وفي خزانة الاكمل: شهدا أنه أعتق عبده ثم شهد أربعة بأنه زنى وهو محصن فأعتقه القاضي ثم رجمه ثم رجع الكل ضمن شاهدا الاعتاق قيمته لمولاه وشهود الزنا ديته لمولاه أيضا إن لم يكن له وارث غيره اه.
قوله: (كما مر) أي قريبا عند قوله ولو علق عتقه بالزنا وقع برجلين ولا حد ومر أيضا في الزنا إذا شهد به رجلان.
قوله: (وللولادة) أي في حق ثبوت النسب دون الميراث عنده ذكره قاضيخان.
وهو خبر مقدم لامرأة، ولم يذكروا الولادة في الاصلاح، لان شهادة امرأة واحدة على الولادة إنما تكفي عندهما، خلافا له على ما مر في باب ثبوت النسب، وأما شهادتهما على الاستهلال فتقبل بالاجماع في حق الصلاة، إنما قلنا في حق الصلاة لان في حق الارث لا تقبل عنده خلافا لهما.
قوله: (للصلاة) متعلق بالاخيرة: أي تقبل شهادة القابلة باستهلال الصبي للصلاة عليه اتفاقا كما في المنح، وإنما قبلت وإن كان يمكن أن يطلع عليه الرجال لكنهم لا يحضرون الولادة عادة فألحق بما لم يطلع عليه الرجال.
قوله: (وللارث عندهما) أي تقبل شهادة القابلة باستهلال الصبي للارث عندهما.
قوله (والبكارة) أي الشهادة عليها، فإن شهدت أنها بكر يؤجل العنين سنة، فإذا مضت فقال وصلت إليها وأنكرت تري النساء، فإن قلن هي بكر تخير، فإن اختارت الفرقة فرق للحال، وكذا في رد المبيع إذا اشتراها بشرط البكارة إن قلن إنها ثيب يحلف البائع لينضم نكوله إلى قولهن، فالعيب يثبت بقولهن لسماع الدعوى وللتحليف، إذ لولا شهادتهن لم يحلف البائع وكان القول قوله بلا يمين لتمسكه بالاصل وهو البكارة كما في البحر، وسيأتي قريبا أوضح من ذلك.
قوله: (وعيوب النساء) كالاماء المبيعة من نحو رتق وقرن، كما لو اشترى جارية فادعى أن بها قرنا أو رتقا، لكن ذكر في المنح في باب خيار العيب عند قوله ادعى إباقا: أن ما لا يعرفه إلا النساء يقبل في قيامه للحال قول امرأة ثقة، ثم إن كان بعد القبض لا يرد بقولها بل لا بد من تحليف البائع، وإن كان قبله فكذلك عند محمد، وعند أبي يوسف: يرد بقولهن بلا يمين البائع اه.
وفي الفتح قبيل باب خيار الرؤية أن لاصل أن
القول لمن تمسك بالاصل، وأن شهادة النساء بانفرادهن فيما لا يطلع عليه الرجال حجة إذا تأيدت بمؤيد، وإلا تعتبر لتوجه الخصومة لا لالزام الخصم.
ثم ذكر أنه لو اشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا قبل القبض أو بعده في بكارتها يريها القاضي النساء: فإن قلن بكر لزم المشتري لان شهادتهن تأيدت بأن الاصل البكارة، وإن قلن ثيب لم يثبت حق الفسخ بشهادتهن لانها حجة قوية لم تتأيد بمؤيد، لكن تثبت الخصومة ليتوجه اليمين على البائع فيحلف(1/487)
بالله لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر، فإن نكل ردت عليه، وإلا فلا اه ملخصا، والاولى حذف قوله قوية أو إبداله بلفظ ضعيفة.
قال الرملي: ذكر في الدرر والغرر وللولادة واستهلال الصبي للصلاة عليه والبكارة وعيوب النساء امرأة اه.
فدخل في قوله: وعيوب النساء الحبل لانه من العيوب التي يرد بها المبيع.
قال في الخانية: وفيما لا ينظر إليه الرجال كالقرن والرتق ونحوه اختلف الروايات، وآخر ما روي عن محمد أنه إن كان قبل القبض وهو عيب لا يحدث ترد بشهادة النساء، وهو قول أبي يوسف الآخر والمرأة الواحدة والمرأتان سواء، والمرأتان أوثق، وأما الحبل فيثبت بقول النساء في حق الخصومة، ولا ترد بشهادتهن.
قوله: (فيما لا يطلع عليه الرجال) قال الرملي: قدم: أي صاحب البحر في باب ثبوت النسب في شرح قوله: والمعتدة إن جحدت ولادتها بشهادة رجلين الخ أفاد بقوله بشهادة رجلين قبول شهادة الرجال على الولادة من الاجنبية، وأنهم لا يفسقون بالنظر إلى عورتها، إما لكونه قد يتفق ذلك من غير قصد نظر ولا تعمد، أو للضرورة كما في شهود الزنا.
وفي المنح نقلا عن السراج: وقال بعض مشايخنا: تقبل شهادته أيضا وإن قال تعمدت النظر إليها.
وأقول: فثبت الخلاف في التعمد ظاهرا.
ويمكن التوفيق بأن يحمل كلام النافي على التعمد لا لتحمل الشهادة، والمثبت على التعمد لها إحياء للحقوق بإيصالها إلى مستحقها بواسطة أداء الشهادة عند الحاجة إليها.
وفي كلامهم نوع إشارة إليه، وربما أفهم كلام الزيلعي في شرح قوله ولو قال شهود الزنا تعمدنا النظر قبلت أرجحية القبول، وأيضا عبارته في هذا المحل.
ثم اختلفوا فيما إذا قال
تعمدت النظر.
قال بعضهم: تقبل كما في الزنا لطرحه ذكر مقابله وقياسه على الزنا والراجح فيه القبول.
تأمل.
ثم رأيت في التاترخانية نقلا عن العتابية: واختلف المشايخ فيما إذا ادعى إلى تحمل الشهادة عليها وهو يعلم أنه لو نظر إليها يشتهي، فمنهم من جوز ذلك بشرط أن يقصد بذلك تحمل الشهادة.
قال شيخ الاسلام: الاصح أنه لا يباح ذلك ذكره في كتاب الكراهة.
قوله: (امرأة حرة مسلمة) بالغة عاقلة عدلة.
زيلعي.
ودليله قوله عليه الصلاة والسلام شهادة النساء جائزة فيما لا تستطيع الرجال النظر إليه والجمع المحلى بالالف واللام يراد به الجنس فيتناول الاقل وهو الواحد، وهو حجة على الشافعي في اشتراط الاربع، ولانه إنما سقط الذكورة ليخف النظر لان نظر الجنس أخف فكذا بسقط اعتبار العدد.
قوله: (والثنتان أحوط) وكذا الثلاث أحوط لما فيه من معنى الالزام.
بحر.
وفيه عن خزانة الاكمل: لو شهد عنده نسوة عدول أنها امرأة فلان أو ابنته وسعته الشهادة اه.
وفيها: يقبل تعديل المرأة ولا يقبل ترجمتها.
قوله: (والاصح قبول رجل واحد) إذا شهد بالولادة.
قال وفى المنح وأشار بقوله فيما لا يطلع عليه الرجال إلى أن الرجل لو شهد لا تقبل شهادته، وهو محمول على ما إذا قال: تعمدت النظر، أما إذا شهد بالولادة وقال فاجأتها فاتفق نظري عليها تقبل شهادته إذا كان عدلا كما في المبسوط اه.
وقدمنا نحوه آنفا.
قوله: (وفي الرجندي عن الملتقط الخ) ذكر(1/488)
الحموي في شرحه عن الحاوي القدسي: تقبل شهادة النساء وحدهن في التل في الحمام في حكم الدية لئلا يهدر الدم، ومثله في خزانة الفتاوى.
وفي خير مطلوب خلافه قال: شهادة أهل السجن بعضهم على بعض فيما يقع بينهم لا تقبل، وكذا شهادة الصبيان فيما يقع بينهم في الملاعب، وشهادة النساء فيما يقع في الحمامات وإن مست الحاجة لعدم حضور العدول في هذه المواضع، لان الشارع لما شرع طريقا وهو منعهن من الحمامات والصبيان عن الملاعب والامتناع عما يستحق به الحبس كان التقصير مضافا إليهم لا إلى الشرع اه.
وقد تقدم أن المعتمد جواز دخولهن الحما إذا لم يشتمل على مفسدة، ومعلوم أنه قد يسجن من لا معصية منه كمعسر ومظلوم، والصبيان غير مكلفين حتى يتوجه
خطاب الدفع عليهم.
فما علل به لا يظهر على أن المعصية لا تنافي إقامة الاحكام، ألا ترى أن في حانة الخمر تجري له وعليه الاحكام، فالاظهر ما في الحاوي وخزانة المفتين لمسيس الحاجة.
قال الحموي في الملتقط من كتاب المواريث: إذا ادعت امرأة الميت أنها حبلى تعرض على امرأة ثقة أو امرأتين، فإن لم يوقف على شئ من علامات الحمل قسم ميراثه، فإن وقف على شئ من علامات الحمل يوقف نصيب ابنين، ونحوه عن أبي يوسف ومحمد ط.
قوله: (ونصابها) أي الشهادة.
قوله: (لغيرها) أي لغير الحدود والقصاص وما لا يطلع عليه الرجال.
منح.
فشمل القتل خطأ والقتل الذي لا قصاص فيه لان موجبه المال، وكذا تقبل فيه الشهادة عن الشهادة وكتاب القاضي.
رملي عن الخانية، وتمامه فيه.
قوله: (سواء كان الحق مالا أو غيره) أطلقه فشمل المال وغيره.
قال الرملي: وشمل الشهادة على قتل الخطأ، وما لا يوجب القصاص من قبيل الشهادة على المال.
قال في الخانية: ولو شهد رجل وامرأتان بقتل الخطأ أو بقتل لا يوجب القصاص تقبل إلى آخر ما مر.
مطلب: لا فرق في الشهادة بين الوصية والايصاء قوله: (ووصية) أي الايصاء إذ الكلام فيما ليس بمال قال في الشرنبلالية: ولعل الحال لا يفترق في الحكم بين الشهادة بالوصية والايصاء اه.
قوله: (واستهلال صبي) هذا قوله، وعندهما يثبت بشهادة القابلة وهو الارجح كما سلف.
قوله: (ولو) في بعض النسخ لو بلا واو، والظاهر حذفها.
تأمل.
قوله: (للارث) أي والعتاق والنسب عنده، فالمصنف جرى على مذهب الامام، والشارح فيما تقدم جرى على مذهبهما كما ترى.
قوله: (إلا في حوادث صبيان المكتب) هذا مكرر مع ما تقدم.
والذي في الملتقط عدم التقييد بصبيان المكتب فيعم صبيان الحرفة، فالظاهر أن التقييد بصبيان المكتب هنا اتفاقي.
أبو السعود.
قوله: (أو رجل وامرأتان) لقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * (البقرة: 282) ومعنى الآية على ما ذكره إن لم يشهدا حال كونهما رجلين فليشهد رجل وامرأتان، ولولا هذا التأويل لما اعتبر شهادتهن مع وجود الرجال، وشهادتهن معتبرة معهم عند الاختلاط بالرجال، حتى إذا شهد رجال ونسوة بشئ يضاف الحكم إلى الكل حتى يجب الضمان على الكل عند الرجوع اه ط.(1/489)
قال في البحر: والاصل في شهادة النساء القبول لوجود ما يبتني عليه أهلية الشهادة، وهي المشاهدة والضبط والاداء، ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الاخرى إليها فلم يبق بعد ذلك إلى الشبهة، ولهذا لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات، وهذه الحقوق تثبت بالشبهات.
وحقق الاكمل في العناية بأنه لا نقصان في عقلهن فيما هو مناط التكليف بل فيما هو العقل بالملكة، ففيهن نقصان بمشاهدة حالهن في تحصل البديهيات باستعمال الحواس الجزئيات وبالنسبة إن ثبتت، فإنه لو كان في ذلك نقصان لكان تكليفهن دون تكليف الرجال في الاركان، وقوله صلى الله عليه وآله: ناقصات عقل المراد به العقل بالعقل ولذلك.
لم يصلحن للولاية والخلافة والامارة اه ملخصا.
وتمامه فيه.
قوله: (ولا يفرق بينهما) أي المرأتين، حكي أن أم بشر شهدت هي وأم الشافعي عند الحاكم، فقال الحاكم فرقوا بينهما، فقالت ليس لك ذلك، قال الله تعالى: * (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى) * (البقرة: 282) فسكت الحاكم كذا في البحر.
قال التاج السبكي بعد نقل هذه الحكاية: وهذا فرع حسن واستنباط جيد ومنزع غريب، والمعروف في مذهب ولدها إطلاق القول بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود استحب له التفريق بينهم، وكلامها صريح في استثناء النساء للمنزع الذي ذكرته ولا بأس به اه.
وما ذكره في البحر من الحكاية المذكورة ليس صريحا في أن المذهب عندنا عدم التفريق في الشهادة للنساء إذا ارتاب القاضي.
ذكره بعض الفضلاء.
قوله: (لقوله تعالى فتذكر إحداهما الاخرى) ولا تذكر إلا مع الاجتماع.
قوله: (لئلا يكثر خروجهن) أي ولعدم ورود الشرع به.
قوله: (وخصهن) أي خص قبول شهادتهن.
قوله: (وتوابعها) كالاجل وشرط الخيار.
منح.
والدليل لكل مذكور في المطولات.
والحاصل: أن أنواع الشهادة ستة (1): ما لا يقبل إلا بشهادة أربع، وما لا يقبل إلا برجلين، وما يقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وما قبل فيه شهادة المرأة، وما قبل فيه شهادة النساء وحدهن بحكم الدية كما ذكرنا.
قوله: (ولزم) أي شرط، والشرط هنا ما لا بد منه ليشمل الركن والشرط.
بحر.
قوله: (من المراتب الاربع) هي الزنا وبقية الحدود وما لا يطلع عليه الرجال، والرابع
غيرها من الحقوق.
وقيل لا يشترط في النساء وهو ضعيف، ولا بد من شرط آخر لجميعها وهو التفسير، حتى لو قال أشهد مثل شهادته لا تقبل، ولو قال مثل شهادة صاحبي تقبل عند العامة، وقيده الاوزجندي بما إذا قال لهذا المدعي على هذا المدعى عليه، وبه يفتى.
خلاصة.
وقال الحلواني: إن كان فصيحا لا يقبل منه الاجمال، وإن كان عجميا يقبل بشرط أن يكون بحال إن استفسر بين.
وقال السرخسي: إن أحس القاضي بخيانة كلفه التفسير، وإلا لا.
وفي البزازية: وقال الحلواني: لو أقر المدعى عليه أو وكيله فقال الشاهد أشهد بما ادعاه هذا المدعي على هذا المدعى عليه أو قال المدعي في يده بغير حق يصح عندنا اه.
وفيها كتب شهادته فقرأها بعضهم فقال الشاهد أشهد أن لهذا المدعي على هذا المدعى عليه كل ما سمى ووصف في هذا الكتاب، أو قال هذا المدعي الذي
__________
(1) قوله: (أنواع الشهادة ستة) كذا بالاصل والمعدود خمسة وليحرر اه.
مصححه.(1/490)
قرئ ووصف في هذا الكتاب في يد هذا المدعى عليه بغير حق وعليه تسليمه إلى هذا المدعي يقبل، لان الحاجة تدعو إليه لطول الشهادة ولعجز الشاهد عن البيان اه.
مطلب: لا تقبل الشهادة بلفظ أعلم أو أتيقن قوله: (لفظ أشهد) حتى لو قال أعلم أو أتيقن لا تقبل شهادته، لان النصوص ناطقة بلفظ الشهادة فلا يقوم غيرها مقامها لما فيها من زيادة توكيد، لانها من ألفاظ اليمين فيكون معنى اليمين ملاحظا فيها، خلافا للعراقيين فإنهم لا يشترطون لفظ الشهادة في شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال فيجعلونها من باب الاخبار لا من باب الشهادة، والصحيح هو الاول لانه من باب الشهادة، ولهذا شرط فيه شرائط الشهادة من الحرية ومجلس الحكم وغيرها.
يعقوبية.
قوله: (بلفظ المضارع بالاجماع) فلا يجوز شهدت لاحتمال الاخبار عما مضى فلا يكون شاهدا للحال.
قوله: (كطهارة ماء) أي ونجاسته ونحوه حيث يقبل إن عدلا، أما الفاسق فخبره في الديانات التي لا يتيسر تلقيها من العدول كرواية الاخبار، بخلاف الاخبار بطهارة الماء ونجاسته ونحوه حيث يتحرى في خبره: أي الفاسق، إذ قد لا يقدر على تلقيها من جهة العدول، وقول الطحاوي: أو غير عدل، محمول على
المستور كما هو رواية الحسن.
سيدي الوالد من الصوم، وتمامه في حاشيته.
قوله: (ورؤية هلال) أي هلال رمضان.
قوله: (فهو إخبار لا شهادة) لانه أمر ديني فأشبه رواية الاخبار.
هداية.
وأما في المعاملات فيقبل الخبر ولو من كافر أو فاسق أو عبد أو صبي إن غلب على الرأي صدقة كما في الحظر والاباحة من الدرر.
قوله: (والعدالة لوجوبه) أي وجوب القاضي على القاضي.
منح.
قال العلامة عبد البر: أحسن ما قيل في تفسير العدل أنه المجتنب للكبائر غير المصر على الصغائر، صلاحه وصوابه أكثر من فساده وخطئه، مستعملا للصدق، مجتنبا للكذب ديانة ومروءة، وهو مروي عن أبي يوسف اه.
ونحوه في الذخيرة.
قوله: (ومنه) أي مما يطعن به فيه.
قوله: (الكذب) ذكر بعضهم أن الكذب من الصغائر إن لم يترتب عليه ما يصيره كبيرة كأكل مال مسلم أو قذفه ونحو ذلك ط.
قوله: (لا لصحته) أي لصحة القضاء: أي نفاذه.
منح.
واعلم أن صاحب الكنز تبع صاحب الهداية وغيره في اشتراط العدالة كلفظ الشهادة تسوية منهم بينهما، وليس كذلك لان لفظ الشهادة: أي أشهد شرط لصحة الاداء بل ركنه كما قدمناه.
وأما العدالة فليست شرطا في صحة الاداء، وإنما ظهورها شرط وجوب القضاء على القضاء كما قدمناه، وبه صرح صدر الشريعة وصاحب البدائع والبحر والمنح، وتبعهم الشارح تبعا لما في الهداية، وأقره ابن الهمام حيث قال في الهداية: لو قضى القاضي بشهادة الفاسق صح عندنا.
زاد في فتح القدير: وكان عاصيا.
قوله: (فلو قضى بشهادة فاسق نفذ) هذا إذا غلب على ظنه صدقه وهو مما يحفظ.
درر.
وظاهر قوله وهو مما يحفظ اعتماده.
قال في جامع الفتاوى: وأما شهادة الفاسق: فإن تحرى القاضي الصدق في شهادته تقبل، وإلا فلا اه.
قوله: (الامام) أي الاعظم وهو السلطان بأن قال لمستنيبه لا(1/491)
تقض بشهادة الفاسق.
قوله: (فلا ينفذ) أي القضاء بشهادة الفاسق لمنع الامام القاضي عن القضاء به.
قوله: (لما مر) أي في كتاب القضاء.
قوله: (يتأقت) قياس مادته يتوقت بالواو.
قوله: (وقول معتمد) وظاهره أنه إذا أطلق أوامره بالقضاء به أن يجوز القضاء به.
وقد ذكروا أنه لا يجوز العمل بالقول الضعيف إلا للانسان في خاصة نفسه إذا كان له رأي، وبعضهم منع العمل به فحينئذ لا يجوز العمل
به عند الاطلاق ولا عند التصريح، ويحرر.
ويحتمل أنه راجع إلى القضاء في ذاته وإن لم يقيد بذلك الامام ط.
أقول: تحريره ما نقل العلامة الشرنبلالي في رسالته (العقد الفريد في جواز التقليد): مقتضى مذهب الشافعي كما قاله السبكي منع العمل بالقول المرجوح في القضاء والافتاء دون العمل لنفسه، ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا اه.
فليحفظ.
وقيده البيري بالعامي: أي الذي لا رأي له يعرف به معنى النصوص حيث قال: هل يجوز للانسان العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه؟ نعم إذا كان له رأي.
أما إذا كان عاميا فلم أره، لكن مقتضى تقييده بذي الرأي أنه لا يجوز للعامي ذلك.
قال في خزانة الروايات: العالم الذي يعرف معنى النصوص والاخبار، وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه اه.
قال سيدي الوالد: وهذا في غير موضع الضرورة، فقد ذكر في حيض البحر في بحث ألوان الدماء أقوالا ضعيفة.
ثم قال: وفي المعراج عن فخر الائمة: لو أفتى مفت بشئ من هذه الاقوال في مواضع الضرورة كان حسنا اه.
وكذا قول أبي يوسف في المني إذا خرج بعد فتور الشهوة لا يجب به الغسل ضعيف.
وأجازوا العمل به للمسافر أو الضيف الذي خاف الريبة وذلك من مواضع الضرورة.
قوله: (ذي المروءة) وهي آداب نفسانية تحمل على محاسن الاخلاق وجميل العادات، والهمزة وتشديد الواو فيه لغتان، والمراد الفاسق ذو المروءة كمكاس.
قوله: (فقول الثاني بحر) الذي في البحر أنه رواية عن الثاني.
قوله: (في مقابلة النص) وهو قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (الطلاق: 2) وقوله تعالى: * (ممن ترضون من الشهداء) * (البقرة: 282) أي فلا يقبل، وأقره المصنف.
قال في البحر: إن ظاهر النص أنه لا يحل قبول شهادة الفاسق قبل تعرف حاله فإذا ظهر للقاضي من حاله الصدق وقبله يكون موافقا للنص، إلا أن يريد بالنص قوله تعالى: * (وأشهدوا) * (الطلاق: 2) الآية، لكن فيه أن دلالته على عدم قبول العدل إنما هي بالمفهوم، وهو غير معتبر عندنا، ولا سيما هو مفهوم لقب، مع أن الآية الاولى
تدل على قبول قوله عند التبيين عن حاله كما قلنا.
تأمل.
قوله: (وهي) أي الشهادة.
قوله: (على حاضر) أي خصم حاضر، والمراد به جنس الخصم ليشمل المتداعيين.
قوله: (يحتاج الشاهد) أي في قبول شهادته.
قوله: (إلى الاشارة) أي إشارة الشاهد.
قوله: (مواضع) الاولى أشياء.
قوله: (بأن لا(1/492)
يشاركه في المصر غيره) لم يشترط هذا في جامع الفصولين.
شرنبلالية.
مطلب: إذا عرف باللقب واشتهر به لا يلزم ذكر أبيه وجده حيث لم يشتهر بهما قوله: (فالمعتبر التعريف لا تكثير الحروف) قال في جامع الفصولين: والحاصل أن المعتبر حصول المعرفة وارتفاع الالتباس بأي وجه كان.
وقال في أثناء الفصل السابع في تحديد العقار ودعواه ما نصه: كما لو كان الرجل معروفا مشهورا باسمه أو بلقبه لا بأبيه وجده يكتفي بذكر ما اشتهر به، وجهالة أبيه وجده لا تضر التعريف، بل ذكره وعدمه سواء لعدم معرفة الناس به اه ونحوه في نور العين.
قوله: (أو بلقبه) وكذا بصفته كما أفتى به في الحامدية، فيمن شهد أن المرأة التي قتلت في سوق كذا يوم كذا وقت كذا قتلها فلان تقبل بلا بيان اسمها وأبيها حيث كانت معروفة لم يشاركها في ذلك غيرها.
قال في الاشباه: وتكفي النسبة إلى الزوج لان المقصود الاعلام، وفي العبد اسمه واسم مولاه وأبي مولاه، ولا يكفي الاقتصار على الاسم إلا أن يكون مشهورا.
قوله: (جامع الفصولين) أي في الفصل التاسع.
قوله: (ولا يسأل عن شاهد) أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أي لا يجب على الحاكم أن يسأل عن الشاهد، بل يجوز له الاقتصار على ظاهر العدالة في المسلم.
قوله: (بلا طعن من الخصم) قال الرملي: ولو بالجرح المجرد، ولا ينافيه قوله فيما يأتي: ولا يسمع القاضي الشهادة على جرح مجرد لان عدم سماعها لعدم دخوله تحت الحكم، وإلا فالخبر عن فسق الشهود يمنع القاضي عن قبول شهادتهم والحكم بها، فالطعن به مسموع منه قبل التزكية، وسيظهر من مسائل الطعن، والله تعالى أعلم اه.
قوله: (إلا في حد وقود) أي فإنه يسأل عنهم للاحتيال في إسقاطها فيستقصى، ولان الشبهة فيها دارئة.
والحاصل: أنه إن طعن الخصم سأل عنهم في الكل، وإلا سأل في الحدود والقصاص وفي
غيرها محل الاختلاف.
وقيل هذا اختلاف عصر وزمان، والفتوى على قولهما في هذا الزمان.
بحر عن الهداية.
قوله: (وعندهما يسأل في الكل) أي وجوبا، وليس بشرط للصحة عندهما كما أوضحه في البحر: أي فيأثم بتركه ولا يبطل الحكم اه.
حموي.
قال في المحيط البرهاني: لو قضى بالحد ببينة ثم ظهر أنهم فساق بعد ما رجم فإنه لا ضمان على القاضي لانه لم يظهر الخطأ بيقين اه.
وهذا يدل على أن القاضي لو قضى في الحدود قبل السؤال بظاهر العدالة فإنه يصح وإن كان آثما، فقوله في الهداية: يشترط الاستقصاء معناه يجب، ومعنى قول الامام يقتصر الحاكم يجوز اقتصاره لا أنه يجب اقتصاره اه.
فرع: في الملتقط صبي احتلم لا أقبل شهادته ما لم أسأل عنه، ولا بد أن يتأتى بعد البلوغ بقدر ما يقع في قلوب أهل محلته ومسجده أنه صالح أو غيره اه.
قوله: (إن جهل بحالهم بحر) وعبارته: ومحل السؤال على قولهما عند جهل القاضي بحالهم، ولذا قال في الملتقط: القاضي إذا(1/493)
عرف الشهود بجرح أو عدالة لا يسأل عنهم اه.
قوله: (سرا) بأن يبعث الرقعة ويقال لها المستورة لسترها عن أعين الناس إلى المزكي، ويكتب في ذلك البياض نسب الشاهد وحليته ومسجده الذي يصلي فيه، ثم يكتب المزكي الذي بعث القاضي إليه عدالته، بأن يكتب: هو عدل جائز الشهادة، وإن لم يعرفه بشئ كتب: هو مستور، ومن عرفه بفسق لم يصرح به بل يسكت تحرزا عن هتك الستر، أو يكتب الله تعالى أعلم به، إلا إذا عدله غيره وخاف أنه إن لم يصرح به يقضي بشهادته يصرح به.
كذا في البناية.
وفائدة السر أن المزكي إذا جرح الشاهد يقول القاضي للمدعي هات شاهدا آخر ولا يقول إنه مجروح.
وفي هذا صيانة عن هتك حرمة المسلم وصيانة حال المزكي.
ولو تعارض الجرح والتعديل، قال العلامة قاسم: إذا جرح واحد وعدل واحد فعندهما الجرح أولى، لان مذهبهما أن الجرح والتعديل بثبت بقول واحد كما لو كان في كل جانب اثنان.
مطلب: لو جرحه واحد وعدله اثنان فالتعديل، وإن جرحه اثنان وعدله عشرة فالجرح وعند محمد تتوقف الشهادة حتى يجرحه واحد أو يعدله فيثبت الجرح أو التعديل، فإن جرحه
واحد وعدله اثنان فالتعديل أولى بالاجماع، وإن جرحه اثنان وعدله عشرة فالجرح أولى، فلو قال المدعي بعد الجرح أنا أجئ بقوم صالحين يعدلونهم.
قال في العيون قبل ذلك: وفي النوادر أنه لا يقبل، وهو اختيار ظهير الدين.
وعلى قول من يقبل إذا جاء بقوم ثقة يعدلونهم فالقاضي يسأل الجارحين فلعلهم جرحوا بما لا يكون جرحا عند القاضي لا يلتفت إلى جرحهم، وهذا ألطف الاقاويل، وبه جزم في الخانية.
وكذا لو عدل المزكي الشهود سرا وطعن الشهود عليه وقال القاضي سل عنهم فلانا وفلانا وسمى قوما يصلحون.
مطلب: لو عدل شاهد وقضي ومضى مدة وشهد في أخرى ولو عدل شاهد في قضية وقضى به ثم شهد في أخرى: إن بعدت المدة أعيد التعديل، وإلا لا.
وفي الظهيرية: القاضي إذا عرف أحدهما بالعدالة فسأله عن صاحبه فعدله قال نصير لا يقبل، ولابن سلمة قولان.
مطلب: إذا ردت الشهادة لعلة ثم زالت تلك العلة وفي البزازية: من ردت شهادته في حادثة لعله ثم زالت العلة فشهد لم تقبل إلا في أربعة: الصبي، والعبد، والكافر على المسلم، والاعمى إذا شهد وأفردت فزال المانع فشهدوا يقبل، وقد جمعها العلامة المقدسي في قوله: إن زالت العلة في شهاده ردت فلا تقبل في الاعاده في غير ما أربعة في العد أعمى وكافر صبي عبد مطلب: يفرق بين المردود بتهمة أو لشبهة وفي البحر: يفرق بين المردود لتهمة وبين المرود لشبهة، فالثاني يقبل عند زوالها، بخلاف الاول فإنه لا يقبل مطلقا إليه أشار في النوازل.
وذلك كأجير الوحد لا تقبل شهادته ما دامت الاجارة قائمة، فإذا انقضت قبلت.
قوله: (وعلنا) بفتح اللام مصدر علن الامر: ظهر وانتشر.
وفي المصباح: علن الامر علونا من باب قعد: ظهر وانتشر فهو عالن، وعلن علنا من باب تعب لغة، فهو علن(1/494)
وعلين، والاسم العلانية، بأن يجمع بين المزكي والشاهد الذي زكاه ويقول للمزكي هذا هو الذي
زكيته.
حموي.
قال في البحر: لو زكى من في السر علنا يجوز عندنا، والخصاف شرط تغايرهما.
كذا في البزازية.
ولو قال المؤلف: ثم علنا ليفيد أنه لا بد من تقديم تزكية السر على العلانية لكان أولى، لما في الملتقط عن أبي يوسف: لا أقبل تزكية العلانية حتى يزكي في السر اه.
وشمل سؤال القاضي عن الشاهد الاصلي والفرعي فيسأل عن الكل.
كذا عن أبي يوسف.
وعن محمد: يسأل عن الاولين، فإن زكيا سأل عن الآخرين.
كذا في الملتقط.
تنبيه: لا تجوز التزكية إلا أن تعرفه أنت أو وصف لك أو عرفت أن القاضي زكاه أو زكى عنده.
وقال محمد: كم من رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله، يعني أن الشهادة على الظواهر ولا كذلك التعديل، كذا في الملتقط.
مطلب: يشترط في التزكية شروط فيشترط لجوازها شروط: الاول أن تكون الشهادة عند قاض عدل عالم.
الثاني أن تعرفه وتختبره بشركة أو معاملة أو سفر.
الثالث أن تعرف أنه ملازم للجماعة.
الرابع أن يكون معروفا بصحة المعاملة في الدينار والدرهم.
الخامس أن يكون مؤديا للامانة.
السادس أن يكون صدوق اللسان.
السابع اجتناب الكبائر.
الثامن أن تعلم منه اجتناب الاصرار على الصغائر وما يخل بالمروءة.
والكل في شرح أدب القضاء للخصاب.
وفي النوازل: من قال لا أدري أنا مؤمن أو غير مؤمن لا تعدله ولا تصل خلفه.
مطلب: عرف فسق الشاهد فغاب ثم قدم وفي البزازية: عرف فسق الشاهد فغاب غيبة منقطعة ثم قدم، ولا يدري منه إلا الصلاح لا يجرحه المعدل ولا يعدله.
مطلب: لو كان معروفا بالصلاح فغاب ثم عاد فهو على عدالته ولو كان معروفا بالصلاح فغاب غيبة منقطعة ثم حضر فهو على العدالة.
والشاهدان لو عدلا بعد ما تابا يقضى بشهادتهما، وكذا لو غابا ثم عدلا، ولو خرسا أو عميا لا يقضى.
تاب الفاسق لا
يعدله كما تاب، بل لا بد من مضي زمان يقع في القلب صدقه في التوبة اه.
بحر.
وفيه: وشمل إطلاقه ما إذا كان الشاهد غريبا، فإن كان ولا يجد معدلا فإنه يكتب إلى قاضي بلده ليخبره عن حاله أو إلى أهل بلدته ليعرف حاله، وكذا غريب نزل بين ظهراني قوم لا يعدله حتى تبعد المدة ويظهر حاله للقوم.
وكان الامام الثاني يقول: إن المدة ستة أشهر ثم رجع إلى سنة، ومحمد لم يقدره بل على ما يقع في القلوب الوثوق، وعليه الفتوى اه ملخصا.
قوله: (به يفتى) مرتبط بقوله وعندهما يسأل في الكل.
قال في البحر: والحاصل أنه إن طعن الخصم سأل عنهم في الكل إلى آخر ما قدمناه قريبا، فكان ينبغي للمصنف أن يقدمه على قوله سرا وعلنا لئلا يوهم خلاف المراد فإنه سينقل أن الفتوى الاكتفاء بالسر، وجزم به ابن الكمال في متنه.
وذكر في البحر أن ما في الكنز خلاف المفتى به، وبه ظهر أن ما يفعل في زماننا من الاكتفاء بالعلانية خلاف المفتى به بل في البحر لا بد من تقديم تزكية السر على العلانية إلى آخر ما قدمناه آنفا، فتنبه.(1/495)
أقول: وعمل قضاة زماننا الآن على تزكية السر والعلانية لورود الامر السلطاني بذلك.
قوله: (لانهما كانا في القرن الرابع) بعد تغير أحوال الناس، فظهرت الخيانة والكذب.
وأبو حنيفة كان في القرن الثالث وهم ناس شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالخير والصلاح، فقال عليه الصلاة والسلام خير القرون قرني الذي أنا فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل قبل أن يستحلف، ويشهد قبل أن يستشهد اه.
زيلعي.
وهذا بناء على أن القرن خمسون سنة كما نقله الاخضري في شرح السلم اه.
ح.
وقال ابن حجر في شرح البخاري: يطلق القرن على مدة من الزمان.
واختلفوا في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين، لكن لم أر من صرح بالسبعين ولا بمائة وعشرة، وما عدا ذلك فقد قال به قائل اه.
مطلب: تاريخ وفاة أئمتنا الثلاثة وذكروا أن الامام مات سنة 150 مائة وخمسين، وأبو يوسف سنة 182 مائة واثنتين وثمانين،
ومحمد سنة 187 مائة وسبع وثمانين.
فإن قلت: هلا قال الشارح في القرن الثالث عوضا عن قوله في القرن الرابع لانهم أدركوا أبا حنيفة وهو من التابعين الذين هم أهل القرن الثاني، كما أن الصحابة هم أهل القرن الاول؟ فيجاب: إن الذين كانوا يتحاكمون إلى الصاحبين هم أهل القرن الرابع وهم ما بعد أتباع التابعين.
قوله: (سراجية) عبارتها كما في البحر: أو الفتوى على أنه يسأل في السر.
وقد تركت التزكية في العلانية في زماننا كي لا يخدع المزكي أو يخوف اه.
وقد كانت العلانية وحدها في الصدر الاول.
ويروى عن محمد تزكية العلانية بلاء وفتنة اه.
قال القهستاني: وتزكية السر أحدثها شريح، وعليه الفتوى كما في المضمرات وغيره.
ويشكل ما في الاختيار أنه يسأل سرا وعلانية وعليه الفتوى اه.
قلت: يمكن إرجاعه إلى قوله يسأل: أي لا يكتفي بالعدالة الظاهرة، فهو ترجيح لقولهما.
تأمل.
قاله سيدي الوالد.
قوله: (لثبوت الحرية بالدار درر) ونحوه في الهداية، لكن في البحر: واختار السرخسي أنه لا يكتفي بقول هو عدل، لان المحدود في قذف بعد التوبة عدل غير جائز الشهادة، وكذا الاب إذا شهد لابنه فلا بد من زيادة جائز الشهادة كما في الظهيرية وينبغي ترجيحه اه.
وفي البزازية: ينبغي أن يعدل قطعا ولا يقول هم عندي عدول لاخبار الثقات به، ولو قال لا أعلم منهم إلا خيرا فهو تعديل في الاصح.
قوله: (الحرية) مخالف لما نقل في بعض الشروح عن الجامع الكبير من أن الناس أحرار، إلا في الشهادة والحدود والقصاص كما لا يخفى.
فليتأمل.
يعقوبية.
لكن ذكر في البحر عن الزيلعي أن هذا محمول على ما إذا طعن الخصم بالرق كما قيده القدوري.
قوله: (فهو) أي لفظ عدل بعبارته: أي بمنطوقه فيه أنه لا يكون كذلك إلا إذا كانت الحرية تفهم منطوقا من العدل، ولا يطلق على العبد عدل مع أنه ليس كذلك ط.
قوله: (بعبارته) أي(1/496)
بمنطوقه وهو ما سيق الكلام له.
قوله: (وبدلالته) هو الحكم الذي يساوي المنطوق لكن لم يسق النص إليه، وهو يفيد أن المحدود في القذف لا يكون عدلا وليس كذلك، ولذا اختار السرخسي عدم
الاكتفاء بقوله هو عدل كما قدمناه آنفا.
وقد جعل الحلبي مرجع الضمير في قوله: (فهو بعبارته) إلى الاصل فيمن كان في دار الاسلام الحرية بمفهوم الموافقة المسمى بدلالة النص، فإنه بمنطوقه جواب عن النقض بالعبد الوارد على قول المزكي هو عدل فقط، وبدلالته الذي هو مفهوم الموافقة جواب عن النقص بالمحدود في القذف الوارد على عبارة المزكي السابقة، وإنما دل بمفهوم الموافقة عليه لان الاصل فيمن كان في دار الاسلام عدم الحد في القذف أيضا فهو مساو اه.
قوله: (والتعديل) أي التزكية.
قوله: (من الخصم) أي المدعى عليه والمدعي بالاولى كتعديل الشاهد نفسه، وأطلقه فشمل ماذا عدله المدعى عليه قبل الشهادة أو بعدها كما في البزازية، ويحتاج إلى تأمل، فإنه قبل الدعوى لم يوجد منه كذب في إنكاره وقت التعديل وكان الفسق الطارئ على المعدل قبل القضاء كالمقارن.
بحر.
قوله: (لم يصح) أي لم يصح مزكيا، لان في زعم المدعي وشهوده أن المدعى عليه كاذب في الانكار ومبطل في الاصرار، وتزكية الكاذب الفاسق لا تصح، هذا عند الامام رحمه الله تعالى.
وعندهما: يصح إن كان من أهله بأن كان عدلا، لكن عند محمد: لا بد من ضم آخر إليه.
درر.
ومفاده أنه لو كان مقرا يصح.
قال في منية المفتي: المشهود عليه إذا كان ساكتا غير جاحد للحق فقال هم عدول يقبل بالاتفاق، فإن جحد وقال هم عدول لكن أخطؤوا أو نسوا ففي صحة التعديل ووايتان اه.
وهذا موضوع المسألة.
وفي شرح أدب القضاء للصدر الشهيد أن يكون مقرا بقوله صدقوا فيما شهدوا به علي، وبقوله هم عدول فيما شهدوا به علي أطلقه وقيده.
في البزازية: بما إذا كان المدعى عليه لا يرجع إليه في التعديل، فإن كان صح قوله.
مطلب: جرح الشاهد نفسه مقبول قال في البحر: وأما جرح الشاهد نفسه فمقبول لكنه يأثم بذلك حيث كان صادقا في شهادته لما فيه من إبطال حق المدعي.
مطلب: تعديل أحد الشاهدين صاحبه وتعديل أحد الشاهدين صاحبه
فيه اختلاف.
قال في الظهيرية: شاهدان شهد الرجل والقاضي يعرف أحدهما بالعدالة ولا يعرف الآخر فعدله الذي عرفه القاضي بالعدالة.
قال نصير رحمه الله تعالى: لا يقبل القاضي تعديله.
ولابن سلمة فيه قولان: وعن أبي بكر البلخي في ثلاثة شهدوا والقاضي يعرف اثنين منهم بالعدالة ولا يعرف الثالث فإن القاضي يقبل تعديلهما لو شهد هذا الثالث شهادة(1/497)
أخرى، ولا يقبل تعديلهما في الشهادة الاولى وهو كما قال نصير رحمه الله تعالى.
قوله: (ولا تنس ما مر عن الاشباه) أي قبيل التحكيم من أن الامام لو أمر قضاته بتحليف الشهود وجب على العلماء أن ينصحوه ويقولوا له لا تكلف قضاتك إلى أمر يلزم منه سخطك إن خالفوك أو سخط الخالق إذا وافقوك اه ح.
وأقول: وعبارة البحر بعد ما ذكر عبارة القلانسي من أن مختار ابن أبي ليلى استحلاف الشهود.
قال قلت: ولا يضعفه ما في الكتب المعتمدة كالخلاصية والبزازية من أنه لا يمين على الشاهد لانه عند ظهور عدالته والكلام عند خفائها، خصوصا في زماننا أن الشاهد مجهول الحال، وكذا المزكي غالبا والمجهول لا يعرف المجهول، لكن قال العلامة المقدسي بعد ما ذكر ما في التهذيب للقلانسي: لا يخفى أنه مخالف لما في الكتب المعتمدة.
ولا يقال: يجب العمل به لان الشاهد مجهول كالمزكي غالبا والمجهول لا يعرف المجهول.
لانا نقول: الامر كذلك، لكن قال الفقيه: لو استقصى مثل ذلك لضاق الامر ولا يوجد مؤمن بغير عيب كما قيل: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه أقول: لكن صدر الامر السلطاني أنه إذا ألح الخصم على القاضي بأن يحلف الشهود قبل الحكم لتقوية الشهادة ورأى الحاكم لزوم ذلك فله إجابته كما في مادة 1727 من المجلة.
لطيفة في الملتقط عن غسان بن محمد المروزي قال: قدمت الكوفة قاضيا فوجدت فيها مائة وعشرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إلى ستة ثم أسقطت أربعة، فلما رأيت ذلك استعفيت واعتزلت.
تنبيه: قال إسماعيل بن حماد حفيد أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهو من جملة الائمة.
أخذ عن أبي يوسف وزاحمه في العلم، ولو عمر لفاق المتقدمين والمتأخرين، لكنه مات شابا رحمه الله تعالى: أربعة من الشهود لا أسأل عنهم.
شاهد غريب: وهو أن يجتمع الخصوم بباب القاضي ومنهم شخص يدعي الغربة والعزم على السفر وفوت الرفاق بالتأخير وطلب تقديمه لذلك: أي بلا قرعة كما في البحر، فلا يقبل إلا بشاهدين على ذلك، ولا يحتاج إلى تزكيتهما لتحقق الفوات بطول المدة بالتزكية.
الثانية: العدوى، وهي ما لو سمى شخصا بينه وبين المصر أكثر من يوم وله عليه دعوى لا يرسل القاضي خلفه حتى يقيم بينة بالحق الذي عليه، ولا يشترط تعديلها.
ونقل عن محمد أنه اشترط تعديل هذين لما فيه من الالزام على الغير، وكل ما كان كذلك سبيله التعديل، وإليه مال الحلواني وقال: إنه روى عن الامام.
الثالثة: شاهد رد الطينة، وهو ما لو ادعى على شخص ليس بحاضر معه بحق وذكر أنه امتنع من الحضور معه أعطاه القاضي طينة أو خاتما وقال أره إياه وادعه إلي وأشهد عليه، فإن أراه ذلك وقال لا أحضر وشهد عند القاضي بذلك مستوران لا يسأل عنهما.
قالوا: وفيما نقل عن محمد إشارة إلى تعديلهما حيث قيد بما فيه إلزام على الغير.
وقال الصدر الشهيد: إن عدم التعديل أنظر للناس وبه نأخذ لخوف اختفاء الخصم مخافة العقوبة، فإذا شهدا كتب إلى الوالي في إحضاره.(1/498)
الرابعة: شاهد تعديل العلانية لا يشترط تزكيته ظاهرا بعد يؤال القاضي عن الشهود المطلوب تعديلهم في السر ممن يثق به من أمنائه وأخبره بعدالتهم، ولا بد من المغايرة بين شهود السر والعلانية، وإنما لم تشترط عدالتهم لانها للاحتياط إجابة للمدعي إلى ما طلب اه.
ذكر العلامة عبد البر في شرح الوهبانية، ومثله في شرحها لمصنفها.
وذكر في البحر أن ذلك في شهادة العلانية محمول على أن مزكيها معروف العدالة لنقل الاجماع على أن تزكيه العلانية كالشهادة، أو هو محمول عن ما إذا تقدمت التزكية سرا، ولئن كان ما ذكره العلامة عبد البر عن الامام إسماعيل مرادا فهو ضعيف لنقل الاجماع
على أن تزكية العلانية كالشهادة اه.
قوله: (بما سمع) أي إن كان من المسموعات، وقوله: أو رأى أي إن كان من المرئيات، وقد يكون الشئ مسموعا ومرئيا باعتبارين، وأشار بقوله: بما سمع إلى أنه لا بد من علم الشاهد بما يشهد به، ولهذا قال في النوازل عن رجل ادعى على ورثة ميت مالا فالامر بإثبات ذلك فأحضر شاهدين شهدا أن المتوفى قد أخذ من هذا المدعي منديلا فيه دراهم ولم يعلما كم وزنها هل تجوز شهادتهما، وهل يجوز للشاهدين أن يشهدا بذلك؟ قال: إن كان الشهود وقفوا على تلك الصرة وفهموا أنها دراهم وحرزوها فيما يقع عليه يقينهم من مقدارها شهدوا بذلك، وينبغي أن يعتبروا جودتها فإنها قد تكون ستوقة، فإذا فعلوا ذلك جازت شهادتهم اه.
وفي خزانة الاكمل: رجل في يده درهمان كبير وصغير فأقر بأحدهما لرجل فشهدا أنه أقر بأحدهما ولا ندري بأيهما أقر فإنه يؤمر بتسليم الصغير اه.
قوله: (في مثل البيع) إن عقداه بإيجاب وقبول كان من المسموعات، وإن بتعاط كان من المرئيات: وفيه يشهدون بالاخذ والاعطاء، ولو شهدوا بالبيع جاز.
بحر عن البزازية.
قال في الدرر: ويقول: أشهد أنه باع أو أقر لانه عاين السبب فوجب عليه الشهادة كما عاين، وهذا إذا كان البيع بالعقد ظاهر، وإن كان بالتعاطي فكذلك، لان حقيقة البيع مبادلة المال بالمال وقد وجد.
وقيل: لا يشهدون على البيع بل على الاخذ والاعطاء لانه بيع حكمي لا حقيقي اه.
في البحر عن الخلاصة: رجل حضر بيعا ثم احتيج إلى الشهادة للمشتري، يشهد له بالملك بسبب الشراء ولا يشهد له بالملك المطلق، لان الملك المطلق ملك من الاصل والملك بالشراء حادث اه.
وانظر ما قدمناه في شتى القضاء وما سنذكره في باب الاختلاف في الشهادة إن شاء الله تعالى.
قوله: (والاقرار) هو باللسان من المسموعات بأن يسمع قول المقر لفلان علي كذا.
قوله: (ولو بالكتابة) في البحر عن البزازية ما ملخصه: إذا كتب إقراره بين يدي الشهود ولم يقل شيئا لا يكون إقرارا فلا تحل الشهادة به ولو كان مصدرا مرسوما، وإن لغائب على وجه الرسالة على ما عليه العلامة لان الكتابة قد تكون للتجربة.
وفي حق الاخرس يشترط أن يكون معنونا مصدرا وإن لم يكن الغائب.
وإن كتب
وقرأ عند الشهود مطلقا أو قرأه غيره وقال الكاتب: اشهدوا علي به أو كتبه عندهم وقال: اشهدوا علي بما فيه وعلموا به كان إقرارا وإلا فلا، وبه ظهر أن ما هنا خلاف ما عليه العامة، لكن جزم به في الفتح وغيره، وأفتى به الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، إذا كان على رسم الصكوك واعترف بأنه خطه أو شهدوا عليه به وقد شاهدوا كتابته وعرفوا ما كتبه أو قرأه عليهم.
هذا حاصل ما أجاب به في(1/499)
موضعين من فتاواه، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى تمام الكلام على ذلك.
قوله: (وحكم الحاكم) يكون من المسموع إن كان بالقول، ويكون من المرئيات إن كان فعلا.
قوله: (والغصب والقتل) من المرئيات.
قوله: (وإن لم يشهد عليه) لو قال بدله ولو قال: لا تشهد علي لكان أفود، لما في الخلاصة: لو قال المقر لا تشهد علي بما سمعت تسعة الشهادة اه.
فيعلم حكم ما إذا سكت بالاولى.
بحر.
وفيه: وإذا سكت يشهد بما علم، ولا يقول: أشهدني لانه كذب.
وفي النوازل: سئل محمد بن مقاتل عن شريكين يتحاسبان وعندهما قوم فقالا: لا تشهدوا علينا بما تسمعونه منا ثم أقر أحدهما لصاحبه بشراء أو باع شيئا فطلب المقر له بعد ذلك منهم الشهادة، قال: ينبغي لهم أن يشهدوا بذلك، وهو قول محمد بن سيرين.
وأما الحسن البصري والحسن بن زياد فإنهما يقولان: لا يشهدون به.
قال الفقيه: وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ينبغي لهم أن يشهدوا وبه نأخذ اه ثم قال بعده: قال الفقيه: إن كان يخاف على نفسه أنه إذا أقر بشئ صدق وادعى أن شريكه قبض لا يصدقه يقول للمتوسط: اجعل كأن هذا المال على غيري وأنا أعبر عنه ثم يقول: قبض كذا وكذا فيبين الجميع من غير أن يضيف إلى نفسه كي لا يصير حجة عليه اه.
قوله: (ولو مختفيا يرى وجه المقر ويفهمه) وإن لم يروه وسمعوا كلامه لا يحل لهم الشهادة إلا إذا دخل بيتا فرأى رجلا فيه وحده فخرج وجلس على بابه وليس له مسلك غيره فسمع إقراره من الباب من غير رؤية وجهه حل له أن يشهد بما أقر.
كذا ذكره الخصاف.
وفي العيون: رجل خبأ قوما لرجل ثم سأله عن شئ فأقر وهم يسمعون كلامه ويرونه وهو لا يراهم جازت شهادتهم، وإن لم يروه وسمعوا كلامه لا تحل لهم الشهادة اه.
بحر.
قوله: (لكن لو
فسر) بأن قال: إني شاهد على المحتجب.
قوله: (لا تقبل) إذ ليس من ضرورة جواز الشهادة القبول عند التفسير، فإن الشهادة بالتسامع تقبل في بعض الحوادث، لكن إذا صرح لا تقبل ط.
قوله: (أو يرى شخصها) في الملتقط: إذا سمع صوت المرأة ولم ير شخصها فشهد اثنان عنده أنها فلانة لا يحل له أن يشهد عليها، وإن رأى شخصها وأقرت عنده فشهد اثنان أنها فلانة حل له أن يشهد عليها اه.
بحر من أول الشهادات.
واحترز برؤية شخصها عن رؤية وجهها.
قال في جامع الفصولين: حسرت عن وجهها وقالت أنا فلانة بنت فلان بن فلان وهبت لزوجي مهري فلا يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين أنها فلانة بنت فلان ما دامت حية، إذ يمكن الشاهد أن يشير إليها، فإن ماتت فحينئذ يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين بنسبها.
وقال قبله: لو أخبر الشاهد عدلان أن هذه المقرة فلانة بنت فلان يكفي هذا للشهادة على الاسم والنسب عندهما، وعليه الفتوى، ألا ترى أنهما لو شهدا عند القاضي يقضي بشهادتهما والقضاء فوق الشهادة فتجوز الشهادة بإخبارهما بالطريق الاولى، فإن عرفها باسمهما ونسبها عدلان ينبغي للعدلين أن يشهد الفرع على شهادتهما فيشهد عند القاضي عليها بالاسم والنسب وبالحق أصالة اه.
وفيه: ولا يجوز الاعتماد عليهما بإخبار المتعاقدين باسمهما ونسبهما لعلهما تسميا وانتسبا باسم غيرهما ونسبه يريدان أن يزورا على الشهود ليخرجا المبيع من يد مالكه، فلو اعتمد على قولهما نفذ تزويرهما وبطل أملاك الناس.(1/500)
مطلب: ما يغفل الناس عنه كثيرا من الشهادة على المتعاقدين باسمهما ونسبهما بأخبارهما وهذا فصل غفل عنه كثير من الناس، فإنهما يسمعون لفظ الشراء والبيع والاقرار والتقابض من رجلين لا يعرفونهما، ثم إذا استشهدوا بعد موت صاحب البيع شهدوا على ذلك الاسم والنسب ولا علم لهم بذلك، فيجب أن يحترز عن مثل ذلك.
وطريق علم الشهود بالنسب أن يشهد عندهم جماعة لا يتصرر تواطؤهم على الكذب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما: شهادة رجلين كاف كما في سائر الحقوق.
أقول: يحصل للقاضي العلم بالنسب بشهادة عدلين، فينبغي أن يحصل للشهود أيضا بشهادة عدلين كما هو قولهما اه.
وقيد برؤية الشخص لانه لا يشترط رؤية الوجه لصحة الشهادة على المنتقبة كما قال به بعض مشايخنا عند التعريف.
شرنبلالية وإلى هذا مال خواهر زاده.
وبعضهم قال: لا يصح التحمل عليها بدون رؤية وجهها، ذكره سري الدين.
قال أبو السعود: فتحصل منه أن الفتوى على عدم اشتراط رؤية وجه المرأة.
أقول: ولا يخفى أن هذا كله عند عدم معرفته لها، أما إذا عرفها فيشهد عليها بدون رؤية وجهها، ولكن هذا ظاهر إذا رأى وجهها ثم تنقبت فشهد على إقرارها مثلا في حال تنقبها فهذا لا شك أنه لا يحتاج إلى تعريف من غيره، إذ تعريف غيره حينئذ لا يزيد على معرفته.
وأما إذا كانت متنقبة وكان يعرفها قبل فعرفها بصوتها وهيئتها ولم ير وجهها وقت التنقب أو الاقرار فهل يكفي ذلك؟ ظاهر إطلاقهم أنه لا يكفي.
ففي العمادية قالوا: لا يصح التحمل بدون رؤية وجهها: وبه يفتي شمس الاسلام الاوزجندي وظهير الدين المرغيناني اه، ولم يفصل بين ما إذا عرفها بصوتها أو لا.
وفي البيري على الاشباه: لا يجوز أن يشهد على من سمعه من وراء حائط أو من فوق البيت وهو لا يراه وإن عرف كلامه، لان الكلام يشبه بعضه بعضا كما في التاترخانية.
وفي منية المفتي: أقرت من وراء حجاب لا يجوز أن يشهد على إقرارها إلا إذا رأى شخصها، ولم يشترط في النوادر رؤية وجهها انتهى.
وانظر كلام الفتح فإنه يفيد ذلك أيضا.
قوله: (وعليه الفتوى) مقابله ما تقدم قريبا من أنه لا بد من شهادة جماعة.
ذكر الفقيه أبو الليث عن نصير بن يحيى قال: كنت عند أبي سليمان فدخل ابن لمحمد بن الحسن فسأله عن الشهادة على المرأة متى تجوز إذا لم يعرفها؟ قال: كان أبو حنيفة يقول: لا تجوز حتى يشهد عنده جماعة أنها فلانة.
وكان أبو يوسف وأبوك يقولان: يجوز إذا شهد عنده عدلان أنها فلانة، وهو المختار للفتوى وعليه الاعتماد، لانه أيسر على الناس انتهى.
واعلم أنهما كما احتاجا للاسم والنسب للمشهود عليه وقت التحمل يحتاجان عند أداء الشهادة إلى من يشهد أن صاحبة الاسم والنسب هذه.
وذكر الشيخ خير الدين أنه يصح التعريف ممن لا تقبل
شهادته لها سواء كانت الشهادة عليها أو لها.
سائحاني بزيادة من البحر وغيره.
قوله: (لان عند الاداء) كذا وقع في المنح، وفيه حذف اسم إن وهو ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها.
قوله:(1/501)
(فيضره) أي يضر المدعى عليه بغضه للفقيه.
قوله: (ظاهرة) معنى دالة فعداه بعلى.
قوله: (على أنهما كخط كاتب واحد) لفظ على معنى في أو متعلق بمحذوف تقديره تدل، والاولى حذف الكاف من كخط كما هو في المنح، وهو كذلك في بعض النسخ.
قوله: (لا يحكم عليه بالمال) لانه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكنه ليس علي هذا المال وثمة لا يجب، فكذا هنا.
منح.
قوله: (خانية) عبارتها من الشهادات: رجل كتب صك وصية وقال للشهود اشهدوا بما فيه ولم يقرأ وصيته عليهم.
قال علماؤنا: لا يجوز للشهود أن يشهدوا بما فيه.
وقال بعضهم: وسعهم أن يشهدوا، والصحيح أنه لا يسعهم، وإنما يحل لهم أن يشهدوا بأحد معان ثلاثة: إما أن يقرأ الكتاب عليهم وكتبه غيره، أو قرئ الكتاب عليه بين يدي الشهود فيقول هو لهم اشهدوا علي بما فيه، أو يكتب هو بين يدي الشاهد ويعلم بما فيه ويقول اشهدوا علي بما فيه.
قال أبو علي النسفي: هذا إن لم يكن الكتاب مكتوبا على الرسوم، فإن كان مكتوبا على الرسم وكتب بين يدي الشهود والشاهد يعلم ما في الكتاب وسعه أن يشهد، وإن لم يقل له اشهد علي بما فيه، هكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في النوادر اه.
وتمامه فيها.
قوله: (واعتمده في الاشباه) قال في أحكام الكتابة: منها: وذكر القاضي ادعى عليه مال وأخرج خطا وقال إنه خط المدعى عليه بهذا المال فأنكر أن يكون خطه فاستكتب فكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة دالة على أنهما خط كات واحد لا يحكم عليه بالمال في الصحيح، لانه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكن ليس علي هذا المال وثمة لا يجب.
كذا هنا.
قوله: (لكن في شرح الوهبانية الخ) هذا قول القاضي النسفي، والعامة على خلافه كما في البحر، ونصه: قال القاضي النسفي: إن كتب مصدرا مرسوما وعلم الشاهد حل له الشهادة على إقراره كما لو أقر كذلك وإن لم يقل اشهد علي به، وعلى هذا إذا كتب للغائب على وجه الرسالة، أما بعد ذلك فلك علي كذا يكون إقرارا لان الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر فيكون متكلما، والعامة على خلافه
لان الكتابة قد تكون للتجربة اه.
قوله: (وفتاوى قارئ الهداية وعبارتها) سئل: إذا كتب شخص ورقة بخطه إن في ذمته لشخص كذا ثم ادعى عليه فجحد المبلغ واعترف بخطه ولم يشهد عليه.
أجاب إذا كتب على رسول الصكوك يلزم المال، وهو أن يكتب يقول فلان بن فلان الفلاني: إن في ذمته لفلان بن فلان الفلاني كذا وكذا فهو إقرار يلزم به، وإن لم يكتب على هذا الرسم فالقول قوله مع يمينه اه.
ثم أجاب عن سؤال آخر نحوه بقوله: إذا كتب إقراره على الرسم المتعارف بحضرة الشهود فهو معتبر فيسع من شاهد كتابته أن يشهد عليه إذا جحده إذا عرف الشاهد ما كتب أو قرأه عليه، أما إذا شهدوا أنه خطه من غير أن يشاهدوا كتابته لا يحكم بذلك اه.(1/502)
وحاصل الجوابين: أن الحق يثبت باعترافه بأنه خطه أو بالشهادة عليه بذلك إذا عاينوا كتابته أو قرأه عليهم، وإلا فلا، وهذا إذا كان معنونا.
ثم لا يخفى أن هذا لا يخالف ما في المتن.
نعم يخالف ما في البحر عن البزازية في تعليل المسألة بقوله لانه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكن ليس علي هذا المال وثمة لا يجب، كذا هنا.
وقد يوفق بينهما بحمله على ما إذا لم يكن معنونا، لكن هو قول القاضي النسفي كما في البزازية، وقد قدمنا أنه خلاف ما عليه العامة.
قوله: (فراجع ذلك) أراد بذلك أن يبين أن المسألة التي أفتى بها قارئ الهداية غير مسألة قاضيخان، فإن ما في قاضيخان هو الذي ذكره المصنف كما وقفت عليه.
والذي أفتى به قارئ الهداية هو ما في شرح الوهبانية والملتقط كما علمت.
أقول: والحاصل أنه اضطرب كلامهم في مسألة العمل بالخط، ولعله مبني على اختلاف الرواية أو أن فيه قولين كما يشعر به التعبير بلفظ قالوا كما قدمناه، والذي قدمناه عن البحر يفيد أن عامة علمائنا على عدم العلم بالخط، وأشار العلامة البيري إلى أن قولهم لا يعتمد على الخط ولا يعمل بمكتوب الوقف الذي عليه خطوط القضاة الماضين الخ يستثنى منه ما وجده القاضي في أيدي القضاة الماضين وله رسوم في دواوينهم، ويشير إليه ما قاله في الاسعاف من أن ذلك استحسان، واستثنى أيضا في الاشباه تبعا لما في قاضيخان والبزازية وغيرهما خط السمسار والبياع والصراف، وجزم به في
البحر وكذا في الوهبانية، وحققه ابن الشحنة وكذا الشرنبلالي في شرحها، وأفتى به المصنف ونسبه العلامة البيري إلى غالب الكتب، قال: حتى المجتبى حيث قال: وأما خط البياع والصراف والسمسار فهو حجة وإن لم يكن معنونا ظاهرا بين الناس وكذلك ما يكتب الناس فيما بينهم يجب أن يكون حجة للعرف اه.
وفي خزانة الاكمل: صراف كتب على نفسه بمال معلوم وخطه معلوم بين التجار وأهل البلد ثم مات فجاء غريم يطلب المال من الورثة وعرض خط الميت بحيث عرف الناس خطه حكم بذلك في تركته إن ثبت أنه خطه وقد جرت العادة بين الناس بمثله حجة اه ما قاله البيري.
ثم قال بعده، قال العلامة العيني: والبناء على العادة الظاهرة واجب، فعلى هذا إذا قال البياع: وجدت في يار كاري (1) أي دفتر بخطي أو كتبت يار كاري بيدي أن لفلان علي ألف درهم كان هذا إقرارا ملزما إياه.
قلت: ويزاد أن العمل في الحقيقة إنما هو بموجب العرف لا بمجرد الخط، والله تعالى أعلم، وأقره الشارح في باب كتاب القاضي إلى القاضي حيث قال: وفي الاشباه لا يعمل بالخط إلا في مسألة كتاب الامان، ويلحق به البراءات ودفتر بياع وصراف وسمسارا الخ.
مطلب في العمل بالدفاتر السلطانية وكتب سيدي نقلا عن المحقق هبة الله البعلي في شرحه على الاشباه ما نصه: تنبيه: مثل البراءات السلطانية الدفتر الخاقاني المعنون بالطرة السلطانية فإنه يعمل به، وللشارح رسالة في ذلك *
__________
(1) قوله: (ياركاري) بالياء المثناة التحتية والراء المهملة آخره راء مركب: معناه المذكر، وهو هنا الدفتر.
وفي بعض الاياركار.
وفي بعض في تذاكر الباعة اه.
منه.(1/503)
حاصلها بعد أن نقل ماهنا من أنه يعمل بكتاب الامان.
ونقل جزم ابن الشحنة وابن وهبان بالعمل بدفتر الصراف والبياع والسمسار لعلة أمن التزوير كما جزم به البزازي والسرخسي وقاضيخان، وأن هذه العلة في الدفاتر السلطانية أولى كما يعرفه من شاهد أحوال أهاليها حين نقلها، إذ لا تحرر أولا إلا بإذن السلطان، ثم بعد اتفاق الجم الغفير على نقل ما فيها من غير تساهل بزيادة أو نقصان تعرض على
المعين لذلك فيضع خطه عليها ثم تعرض على المتولي لحفظها المسمى بدفتر أميني فيكتب عليها ثم تعاد أصولها إلى أمكنتها المحفوظة بالختم، فالامن من التزوير مقطوع به، وبذلك كله يعلم جميع أهل الدولة والكتبة، فلو وجد في الدفاتر أن المكان الفلاني وقف على المدرسة الفلانية مثلا يعمل به من غير بينة، وبذلك يفتي مشايخ الاسلام كما هو مصرح به في بهجة عبد الله أفندي وغيرها، فليحفظ اه.
فالحاصل أن للدار على انتفاء الشبهة ظاهرا، وعليه فما يوجد في دفاتر التجار في زماننا إذا مات أحدهم وقد حرر بخطه ما عليه في دفتره الذي يقرب من اليقين أنه لا يكتب فيه على سبيل التجربة والهزل يعمل به والعرف جار بينهم بذلك، فلو لم يعمل به لزم ضياع أموال الناس إذ غالب بياعاتهم بلا شهود، فلهذه الضرورة جزم به الجماعة المذكورون وأئمة بلخ كما نقله في البزازية، وكفى بالامام السرخسي وقاضيخان قدوة، وقد علمت أن هذه المسألة مستثناة من قاعدة أنه لا يعمل بالخط، فلا يرد ما مر من أنه تحل الشهادة بالخط على ما عليه العامة، ويدل عليه تعليلهم بأن الكتابة قد تكون للجربة، فإن هذه العلة في مسألتنا منتفية، واحتمال أن التاجر يمكن أن يكون قد دفع المال وأبقى الكتابة في دفتره بعيد جدا، على أن ذلك: الاحتمال موجود، ولو كان بالمال شهود فإنه يحتمل أنه قد أوفى المال ولم يعد به الشهود.
ثم لا يخفى أنا حيث قلنا بالعمل بما في الدفتر فذاك فيما عليه كما يدل عليه ما قدمناه عن خزانة الاكمل وغيرها.
أما فيما له على الناس فلا ينبغي القول به، فلو ادعى بمال على آخر مستندا لدفتر نفسه لا يقبل لقوة التهمة الكل من التنقيح لسيدي الوالد ملخصا.
وتمامه فيه.
وانظر ما قدمه في كتاب القاضي.
قوله: (ولا يشهد على شهادة غيره) ولو سمعه يشهد غيره فإنه لا يسعه أن يشهد لانه حمل غيره ط.
قوله: (ما لم يشهد عليه) أي ما لم يقل له الشاهد أشهد على شهادتي.
قال في البحر: ولو قال المؤلف كما في الهداية ما لم يشهد عليها لكان أولى من قوله عليه لما في الخزانة: لو قال اشهد علي بكذا أو أشهد على ما شهدت به كان باطلا ولا بد أن يقول اشهد على شهادتي إلى آخره اه.
قوله: (فلو فيه جاز) لانها حينئذ ملزمة والتعليل يفيد أن القاضي قضى بها.
حموي، لكن قال سيدي: والظاهر أن المراد من كونها ملزمة: أي للقاضي الحكم بها، إذ لا يجوز له تأخير الحكم إلا في مواضع تقدمت في القضاء كما صرح به في النهاية وفتح القدير وتبعهم الشارح.
أقول: وحينئذ لا يلزم ما أفاده التعليل من قضاء القاضي بها بالفعل.
قوله: (ويخالفه تصوير صدر الشريعة) حيث قال: سمع رجل أداء الشهادة عند القاضي لم يسع له أن يشهد على شهادته اه ح.
فإن حمل ذلك على أنه قبل القضاء به ارتفعت المنافاة ط.
أقول: وهو مؤيد لما قلناه آنفا في القولة التي قبل هذه.
قوله: (وقولهم) عطف على تصويره:(1/504)
أي ويخالفه قولهم ووجه المخالفة الاطلاق وعدم تقييد الاشتراط بما إذا كانت عند غير القاضي.
قوله: (لا بد من التحميل) مصدر فعل المضعف في المواضع الثلاثة ح.
قوله: (وقبول التحميل) فلو أشهده عليها فقال لا أقبل فإنه لا يصير شاهدا، حتى لو شهد بعد ذلك لا تقبل كما في القنية، وينبغي أن يكون هذا على قول محمد من أنه توكيل، وللوكيل أن لا يقبل.
وأما على قولهما من أنه تحميل فلا يبطل بالرد لان من حمل غير شهادة لم تبطل بالرد.
بحر.
قوله: (على الاظهر) وهو قول العامة، لما في الخلاصة معزيا إلى الجامع الكبير: لو حضر الاصيلان ونهيا الفروع عن الشهادة، صح النهي عند عامة المشايخ.
وقال بعضهم: لا يصح، والاول أظهر اه.
بحر.
قال ط: وجه المخالفة أن الاولين لم يوجدا، لان الشاهد عند القاضي لم يحمل السامع والسامع لم يقبل.
وقد يقال: إن هذا بمنزلة الشهادة بالحكم نفسه لكونها بعد القضاء بها.
ويقال في الثاني أيضا: إن اشتراطه قول محمد لا قولهما، فليتأمل اه.
قوله: (وإن لم يشهدهما القاضي عليه) أي فتحمل عبارة النهاية السابقة على أنه سمعه في مجلس القاضي وحكم القاضي بشهادته فيشهد بحكم القاضي إلا بشهادة الشاهد، لان الشهادة على الحكم لا تحتاج إلى الاشهاد والشهادة على الشهادة تحتاج إليه بلا قيد، كما هو صريح عبارة صدر الشريعة حيث قال: سمع رجل أداء الشهادة عند القاضي لا يسعه أن يشهد على شهادته.
أفاده د.
قوله: (وقيده أبو يوسف الخ) فيه تأمل، فإن القاضي لا يجوز له قضاء في غير مجلس قضائه إذا كان معينا له، فلو كان هذا الخلاف فيما إذا سمعا القاضي يشهد على قضائه لكان أظهر.
وفي حاشية الشلبي عن الكاكي: لو سمع قاضيا يشهد قوما على قضائه كان للسامع أن يشهد
على قضائه بغير أمره، لان قضاء القاضي حجة ملزمة، ومن عاين حجة حل له الشهادة بها، كما لو عاين الاقرار والبيع اه.
لكن قد سبق أن القاضي إذا حكم في غير نوبة القضاء وأجازه فيها صح فتدبر ط.
قوله: (كفى عدل واحد) قيد بالعدل لان خبر المستور لا يقبل في هذه الاشياء وإن كان اثنين، وكذا الديانات كطهارة الماء ونجاسته وحل الطعام وحرمته.
ويقبل خبر العدل أو المستورين في عز الوكيل وحجر المأذون وإخبار البكر بإنكاح وليها وإخبار الشفيع بالبيع والمسلم الذي لم يهاجر.
قوله: (في اثني عشر مسألة) (1) منها الاحد عشر الآتية في النظم قال فيها: وزدت أخرى: يقبل قول أمين القاضي إذا أخبره شهادة شهود على عين تعذر حضورها كما في دعوى القنية.
أشباه.
قوله: (منها إخبار القاضي) من إضافة المصدر لمفعوله: أي إخبار العدل القاضي، والاولى حذفه للاستغناء عنه بما نقله من النظم، ومعناه أن القاضي إذا حبس شخصا في مال عوض عن مال وقد ادعى أنه معسر فإنه لا يصدقه ويحبسه مدة يراها، فإذا أخبره عدل بعد هذه المدة بإفلاسه فإنه يقبل خبره ويطلقه ط.
قوله: (بعد المدة) أي بعد أن حبسه القاضي مدة يعلم من حاله أنه لو كان له مال لقضى دينه ولم يصبر على
__________
(1) قوله: (في إثني عشر مسألة) كذا في الشرح وتبعه الطحطاوي، والصواب اثنتي عشرة مسألة اه.
مصححه.(1/505)
ذل الحبس كما تقدم.
مدني.
قوله: (أي تزكية السر) عندهما: ورتب محمد تزكيته على مراتب الشهادة الاربعة المتقدمة، فالمزكي في كل مرتبة مثل الشاهد.
شرنبلالية: أي يشترط في تزكية الزنا أربعة ذكور، وفي غيره من الحدود والقصاص رجلان، وفي غيرهما من الحقوق رجلان أو رجل وامرأتان، وفيما لا يطلع عليه الرجال امرأة واحدة ترتيبها على ترتيب الشهادة لانها كالشهادة، وبه قالت الثلاثة.
ومحل الاختلاف ما إذا لم يرض الخصم بتزكية واحد، فإن رضي الخصم بتزكية واحد فزكى جاز إجماعا.
بحر عن الولوالجية.
قوله: (وأما تزكية العلانية فشهادة إجماعا) الاحسن ما في البحر حيث قال: وقيدنا بتزكية السر للاحتراز عن تزكية العلانية فإنه يشترط لها جمع ما يشترط في الشهادة من الحرية والبصر وغير ذلك، إلا لفظ الشهادة إجماعا، لان معنى الشهادة فيها أظهر فإنها تختص بمجلس القضاء، وكذا يشترط العدد فيها على ما قاله الخصاف اه.
ويشترط في المزكي علانية عدم العداوة
للمدعى عليه، فلو زكى أعداء المدعى عليه الشهود لا تصح التزكية لانها شهادة كما صرح به في التنقيح.
وفي البحر أيضا: وخرج من كلامه تزكية الشاهد بحد الزنا، فلا بد في المزكي فيها من أهلية الشهادة والعدد والاربعة إجماعا، ولم أر الآن حكم تزكية الشاهد ببقية الحدود، ومقتضى ما قالوه اشتراط رجلين لها اه.
قال الدمياطي: أما قوله إجماعا ففيه تأمل، لانه لم يسبقه خلاف يقابل به الاجماع.
قال في البحر: وينبغي للقاضي أن يختار في مزكي الشهود من هو أخبر بأحوال الناس وأكثرهم اختلاطا بالناس مع عدالته عارفا بما يكون جرحا وما لا يكون غير طماع ولا فقير كي لا يخدع بالمال، فإن لم يكن في جيرانه ولا أهل سوقه من يثق به اعتبر تواتر الاخبار، وخص في البزازية السؤال من الاصدقاء اه.
قوله: (وترجمة الشاهد) فيشترط أن لا يكون المترجم أعمى عند الامام، وهذا إذا لم يعرف القاضي لغته، فإن كان عارفا بلسان الشاهد والخصم لم يجز ترجمة الواحد.
والاولى أن يقال: لا يحتاج القاضي إلى ترجمة.
وذكر بعضهم أن الاولى كون القاضي عارفا باللغة التركية، واتخاذ المترجم وقع في الجاهلية والاسلام.
ولما جاء سلمان للنبي صلى الله عليه.
وآله ترجم يهودي كلامه فخان فيه، فنزل جبريل عليه السلام بحديث طويل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله زيد بن ثابت أن يتعلم العبرانية فكان يترجم بها وفي المصباح: ترجم فلان كلامه: إذا بينه وأوضحه، وترجم كلام غيره: إذا عبر عنه بلغة غير لغة المتكلم، واسم الفاعل ترجمان بفتح التاء وضم الجيم في الفصيح، وقد تضم التاء تبعا للجيم وقد تفتح الجيم تبعا للتاء، والجمع تراجم بكسر الجيم.
والتزكية: المدح.
قال في الصحاح: زكى نفسه تزكية: مدحها اه.
قوله: (والخصم) هو أعم من المدعي والمدعى عليه.
قوله: (من القاضي) وكذا من المزكي إلى القاضي كما في الفتح: أي فيكفي العدل الواحد للتزكية والترجمة والرسالة لانها خبر وليست بشهادة حقيقة، ولذا جوزوا تزكية العبد والمرأة والاعمى والمحدود في القذف إذا تاب، وكذا تزكية من لا تقبل شهادته له كتزكية أحد الزوجين للآخر وتزكية الوالد لولده وبالعكس كما في العيني وصدر الشريعة.
قوله: (وجاز تزكية عبد) أي لمولاه.
قوله: (ووالد) لولده وعكسه وأحد الزوجي للآخر.
قوله: (في تقوم) أي تقوم الصيد الذي أتلفه المحرم، وكذا في متلف، بأن كسر شخص لشخص شيئا(1/506)
فادعى أن قيمته مبلغ كذا فأنكر المدعى عليه أن يكون ذلك القدر فيكفي في إثبات قيمته قول االعدل الواحد.
وذكر في البزازية من خيار العيب أنه يحتاج إلى تقويم عدلين لمعرفة النقصان فيحتاج إلى الفرق بين التقويمين، ويستثنى من كلامه تقويم نصاب السرقة فلا بد فيه من اثنين كما في العناية ط.
قوله: (وأرش يقدر أي في نحو الشجاج.
قوله: (والسلم) بسكون اللام للضرورة بمعنى المسلم فيه ح: أي إذا اختلفا فيه بعد إحضاره.
بحر.
قوله: (وإفلاسه) أي إذا أخبر القاضي عدل بإفلاس المحبوس بعد مضي المدة أطلقه مكتفيا به.
حموي.
قوله: (الارسال) أي رسول القاضي للمزكي.
قوله: (والعيب يظهر) أي إذا اختلف البائع والمشتري في إثبات العيب يكتفي في إثباته بقول عدل، ويظهر من الاظهار (1) ضميره إلى العدل، والعيب مفعول مقدم.
قوله: (وصوم على ما مر) أي من رواية الحسن أنه يقبل العدل الواحد في الصوم بلا علة.
قوله: (أو عند علة) من غيم أو غبار ونحوه على ظاهر المذهب.
قوله: (وموت) أي موت الغائب.
قوله: (إذ للشاهدين يخبر) أي إذا شهد عدل عند رجلين على موت رجل وسعهما أن يشهدا على موته.
قوله: (والتزكية للذمي الخ) وهل يكفي فيه تزكية الكافر الواحد، يحرر.
حموي.
أقول: مقتضى ما مر في تزكية السير أنها تقبل لان المزكي في كل مرتبة مثل الشاهد، وحيث قبل الاصل فالمزكي مثله من باب أولى على ما ظهر لي، فتأمله.
قوله: (بالامانة في دينه) بأن يكون محافظ على ما يعتقده شريعة على ما هو الظاهر ط.
قوله: (ولسانه) بأن لم يعهد عليه كذب.
قوله: (ويده) لعل المراد بها المعاملة، أو أن لا يكون سارقا ط.
قوله: (وأنه صاحب يقظة) أي ليس بمغفل ولا معتوه.
قوله: (سألوا عنه عدول المشركين) قال أبو السعود: من هنا يعلم أن العدالة لا تستلزم الاسلام اه: أي في حق الكافر، والاولى أن يقول: سأل: أي القاضي.
وفي البحر: يسأل: أي القاضي عن شهود الذمة عدول المسلمين وإلا سأل عنهم عدول الكفار، كذا في المحيط والاختيار.
قوله: (عدل) بالبناء للمفعول.
قوله: (قبلت شهادته) ولا يحتاج إلى تعديل جديد بع الاسلام، بخلاف الصبي الذي احتلم فإنه لا يقبل القاضي شهادته ما لم يسأل عنه أهل محلته، ويتأنى بقدر ما يقع في قلوب أهل مسجد، كما في الغريب أنه صالح أو غيره كما قدمناه عن
البحر والظهيرية.
قوله: (ولو سكر الذمي لا تقبل) لان السكر من المحرمات التي ذكرت في الانجيل فيكون بذلك فاسقا في دينه.
قوله: (ولا يشهد من رأى خطه
__________
(1) أي من باب اافعال مزيد الثلاثي بهمزة اه.
منه.(1/507)
إلخ) أي لا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد حتى يتذكر، وكذا القاضي إذا وجد في ديوانه مكتوبا شهادة شهود ولا يتذكر ولا للراوي أن يروي اعتمادا على ما في كتابه ما لم يتذكر، وهو قول الامام، فلا بد عنده للشاهد من تذكر الحادثة والتاريخ ومبلغ المال وصفته، حتى إذا لم يتذكر شيئا منه وتيقن أنه خطه وخاتمه لا ينبغي له أن يشهد، وإن شهد فهو شاهد زور.
كذا في الخلاصة.
ولا يكفي تذكر مجلس الشهادة.
وفي الملتقط وعلى الشاهد أن يشهد وإن لم يعرف مكان الشهادة ووقتها اه.
وجوز محمد للكل الاعتماد على الكتاب إذا تيقن أنه خطه وإن لم يتذكر توسعة على الناس.
وجوزه أبو يوسف للراوي والقاضي دون الشاهد.
وفي الخلاصة: أن أبا حنيفة ضيق في الكل حتى قلت روايته الاخبار مع كثرة سماعه، فإنه روى أنه سمع من ألف ومائتي رجل غير أنه يشترط الحفظ وقت السماع وفي وقت الرواية اه.
ومحل الخلاف في القاضي إذا وجد قضاءه مكتوبا عنده: وأجمعوا أن القاضي لا يعمل بما يجده في ديوان قاض آخر وإن كان مختوما.
كذا في الخلاصة.
وقال شمس الائمة الحلواني: ينبغي أن يفتي بقول محمد، وهكذا في الاجناس، وجزم في البزازية.
وفي المبتغى: من وجد خطه وعرفه ونسي الشهادة وسعه أن يشهد إذا كان في حوزه وبه نأخذ اه.
وعزاه في البزازية إلى النوازل.
بحر.
قال سيدي الوالد ناقلا عن الجوهرة من أن عدم حل الشهادة إذا رأى خطه ولم يتذكر الحادثة هو قولهما.
وقال أبو يوسف: يحل له أن يشهد.
وفي الهداية محمد مع أبي يوسف.
وقيل لا خلاف بينهم في هذه المسألة أنهم متفقون على أنه لا يحل له أن يشهد في قول أصحابنا جميعا إلا أن يتذكر الشهادة، وإنما الخلاف بينهم فيما إذا وجد القاضي شهادة في ديوانه، لان ما في قمطره تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له
العلم، ولا كذلك الشهادة في الصك لانها في يد غيره، وعلى هذا إذا ذكر المجلس الذي كانت فيه الشهادة أو أخبره قوم ممن يثق بهم أنا شهدنا نحن وأنت.
كذا في الهداية.
وفي البزدوي: الصغير إذا استيقن أنه خطه وعلم أنه لم يرد فيه شئ بأن كان مخبوءا عنده أو علم بدليل آخر أنه لم يزد فيه لكن لا يحفظ ما سمع، فعندهما: لا يسعه أن يشهد وعن أبي يوسف: يسعه.
وما قاله أبو يوسف هو المعمول به.
وقال في التقويم: قولهما هو الصحيح ا ه ما نقله سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
ثم إن الشاهد إذا اعتمد على خطه على القول المفتى به وشهد وقلنا بقبوله فللقاضي أن يسأله هل شهد عن علم أو عن خط إن قال عن علم قبله، وإن قال عن الخط لا كما في البحر، وظاهر كلام المؤلف كمسكين أن الصاحبين متفقان، وقد علمت ما قدمناه، ونحوه في العيني والزيلعي.
قال أبو السعود: ويمكن دفع التنافي بأن عن الثاني روايتين.
قوله: (وجوازه لو في حوزه وبه نأخذ) تقدم في كتاب القاضي عن الخزانة أنه يشهد وإن لم يكن الصك في يد الشاهد، لان التغير نادر وأثره يظهر، فراجعه.
ورجح في الفتح ما ذكره الشيخ وذكر له حكاية تؤيده.
قوله: (بما لم يعاينه) أي بما لم يقطع به جهة المعاينة بالعين أو بالسماع.
ط عن الكمال.
ومثال الثاني العقود.
قوله: (إلا في عشرة) كلها مذكورة هنا متنا وشرحا آخرها قول المتن ومن في يده شئ الخ ح.(1/508)
قلت: بل العاشر قوله وشرائطه وفي الطبقات السنية للتميمي في ترجمة إبراهيم بن إسحاق من نظمه: افهم مسائل ستة واشهد بهامن غير رؤياها وغير وقوف نسب وموت والولاد وناكح وولاية القاضي وأصل وقوف قوله: (منها العتق) ذكر السرخسي أن الشهادة بالسماع في العتق لا تقبل بالاجماع.
وذكر شيخه الحلواني أن الخلاف ثابت فيه.
فعن أبي يوسف الجواز، فالمعتمد عدم القبول فيه كالذي بعده.
وفي البحر: شرط الخصاف للقبول في العتق عند أبي يوسف أن يكون مشهورا وللعتق أبوان أو ثلاثة في الاسلام ولم يشترطه محمد في المبسوط.
وفي شرح العلامة عبد البر: التاسعة: الشهادة في
العتق.
قالوا: لا يحل عندنا خلافا للشافعي، ثم نقل عن الحلواني ما تقدم.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى في تنقيحه: والعبد إذا ادعى حرية الاصل ثم العتق العارض تسمع، والتناقض لا يمنع الصحة.
وفي حرية الاصل لا تشترط الدعوى.
وفي الاعتاق المبتدأ تشترط الدعوى عند أبي حنيفة: وعندهما ليس بشرط.
وأجمعوا على أن دعوى الامة ليس بشرط خلاصة: أي لانها شهادة بحرية أمة فهي شهادة بحرمة الفرج.
وتمامه فيه.
قوله: (والولاء عند الثاني) أي في القول الاخير له، والقول الاول له كالامام أنها لا تحل ما لم يعاين إعتاق المولى، وقول محمد مضطرب، والظاهر أن المعتمد قول الامام لعدم تصحيح قول الثاني.
على أن بعضهم جعل ذلك رواية عنه لا مذهبا، والدليل للامام كما في الزيلعي أن العتق ينبني على زوال الملك ولا بد فيه من المعاينة، فكذا ما ينبني عليه ط.
قوله: (والمهر على الاصح) أي من روايتين عن محمد لانه من توابع النكاح فكان كأصله.
قال في البحر: ومن ذلك المهر، فظاهر التقييد أنه لا تقبل فيه به، ولكن في البزازية والظهيرية والخزانة أن فيه روايتين، والاصح الجواز اه.
ومثله في الخلاصة والشرنبلالية، فإن حمل ما في هذه الكتب على أن الروايتين عن محمد فلا منافاة.
قال في جامع الفصولين: الشهادة بالسماع من الخارجين من بين جماعة حاضرين في بيت عقد النكاح بأن المهر كذا تقبل لا ممن سمع من غيرهم اه.
قوله: (والنسب) سواء جاز بينهما النكاح أو لا.
بحر.
فجاز أن يشهد أنه فلان بن فلان الفلاني من سمع من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب عند الامام وإن لم يعاين الولادة.
وعندهما: إذا أخبره بذلك عدلان يكفي، والفتوى على قولهما كما في شرح الوهبانية عن العمادية.
وفي التاترخانية: عن المحيط: وإذا قدم عليه رجل من بلد آخر وانتسب إليه وأقام معه دهرا لم يسعه أن يشهد على نسبه حتى يشهد له رجلان من أهل بلده عدلان أو يكون النسب مشهورا.
وذكر الخصاف هذه المسألة وشرط لجواز الشهادة شرطين: أن يشتهر الخبر.
والثاني أن يمكث فيهم سنة، فإنه قال: لا يسعهم أن يشهدوا على نسبه حتى يقع معرفة ذلك في قلوبهم، وذلك بأن يقيم معهم سنة، وإن وقع في قلبه معرفة ذلك قبل مضي السنة لا يجوز أن يشهد.
روى عن أبي يوسف أنه قدر ذلك بستة أشهر.
والصحيح أنه إذا سمع من أهل بلده من رجلين عدلين حل له أداء
الشهادة، وإلا فلا، أما إذا سمع ذلك ممن سمع من المدعي لا يحل له أن يشهد وإن اشتهر ذلك فيما بين الناس، لكنه إن شهد عنده جماعة حتى تقع الشهرة حقيقة وعرف ووقع عنده أنه ثابت النسب من(1/509)
فلان أو شهد عنده عدلان حتى ثبت الاشتهار شرعا حل له أن يشهد اه.
وفي البحر عن البزازية: وفي دعوى العمومة لا بد أن يفسر أن عمه لامه أو لابيه أو لهما، ويشترط أن يقول هو وارثه لا وارث له غيره، فإن برهن على ذلك أو على أنه أخو الميت لابويه لا يعلمون أن له وارثا غيره يحكم له بالمال، ولا يشترط ذكر الاسماء في الاقضية، (1) إلى أن قال: ادعى على آخر أنه أخوه لابيه: إن ادعى إرثا أو نفقة وبرهن يقبل ويكون قضاء على الغائب أيضا، حتى لو حضر الاب وأنكر لا تقبل ولا يحتاج إلى إعادة البينة، لانه لا يتوصل إليه إلا بإثبات الحق على الغائب، وإن لم يدع مالا بل ادعى الاخوة المجردة لا يقبل، لان هذا في الحقيقة إثبات البنوة على الاب المدعى عليه والخصم فيه هو الاب لا الاخ، وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه أو أبو أبيه والابن والاب غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالا، فإن ادعى مالا فالحكم على الحاضر والغائب جميعا، بخلاف ما إذا ادعى على رجل أنه أبوه أو ابنه أو على امرأة أنها زوجته أو ادعت عليه أنه زوجها أو ادعى العبد على عربي أنه مولاه عتاقة أو ادعى عربي على آخر أنه معتقه أو ادعت على رجل أنها أمته أو كان الدعوى في ولاء الموالاة وأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي على ما قال يقبل ادعى به حقا أو لا، بخلاف دعوى الاخوة لانه دعوى الغير، ألا ترى أنه لو أقر أنه أبوه أو ابنه أو زوجه أو زوجته صح أو بأنه أخوه لا لكونه حمل النسب على الغير.
وتمامه فيها.
وحاصل ما ينفعنا هنا: أن الشهود إذا شهدوا بنسب فإن القاضي لا يقبلهم ولا يحكم به إلا بعد دعوى مال إلا في الاب والابن اه.
وأراد بدعوى المال النفقة أو الارث أو دعوى الاستحقاق في الوقف والوصية ونحوها.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
وقال في البحر: ثم اعلم أن القضاء بالنسب مما لا يقبل النقض لكونه على الكافة كالنكاح والحرية والولاء كما في الصغرى، وقد كتبنا في الفوائد أن القضاء عى الكافة في هذه الاربعة، لكن
يستثنى من النسب ما في المحيط من باب الشهادة بالتسامع: شهدا أن فلان بن فلان مات وهذا ابن أخيه ووارثه قضى بالنسب والارث ثم أقام آخر البينة أنه ابن الميت ووارثه ينقض الاول ويقضي للثاني، لان الابن مقدم على ابن الاخ.
ولا تنافي بين الاول والثاني لجواز أن يكون له ابن وابن أخ فينقض القضاء في حق الميراث لا في حق النسب (2) حتى يبقى الاول وابن عم له حتى يرث منه إذا مات ولم يترك وارثا آخر أقرب منه، فإن أقام آخر البينة أن الميت فلان بن فلان ونسبه إلى أب آخر غير الاب الذي نسبه إلى الاول فإنه ينظر، إن ادعى ابن أخيه لا ينقض القضاء الاول لانه لما أثبت نفسه من الاول خرج عن أن يكون محلا لاثباته في إنسان آخر، وليس في البينة الثانية زيادة إثبات إلى آخر ما ذكره.
والمراد بقوله من يثق به غير الخصم، إذ لو أخبره رجل أنه فلان بن فلان لا يسعه أن يعتمد على
__________
(1) قوله: (ولا يشترط ذكر الاسماء في الاقضية) قال الرملي: وفي آخر الفصل الثاني من جامع القصولين في دعوى الحكم بلا تسمية القاضى بعد كلام قدمه: فالحلصل أنه في دعوى للفعل والشهادة على الفعل هل تشرط تسمية الفاعل فيه اختلاف المشايخ رحمهم الله تعالى وأدلة الكتب فيها متعرضة ثم ذكر مسائل وقال: وهذه المسائل كلها تدل على أن تسمية الفاعل ليست بشرط لصحة الدعوى والشهادة فتأمل عند الفتوى اه.
منه.
(2) قوله: (فينقض القضاء في حق الميراث لا في حق النسب) هذا مناف لقوله لكن يستثنى من النسب إلخ اه.
منه و(1/510)
خبره ويشهد بنفسه، لانه لو جاز له ذلك جاز للقاضي القضاء بقوله.
كذا في خزانة المفتين.
وشرط فيها للقبول في النسب أن يخبره عدلان من غير استشهاد الرجل، فإن أقام الرجل شاهدين عنده على نسبه لا يسعه أن يشهد اه.
قوله: (والموت) فإذا سمع من الناس أن فلانا مات وسعه أن يشهد على ذلك وإن لم يعاين الموت، وللزوجة أن تعمل بالسماع.
قال في البزازية: قال رجل لامرأة: سمعت أن زوجك مات لها أن تتزوج إن كان المخبر عدلا اه.
ولو شهد رجل بالموت وآخر بالحياة فالمرأة تأخذ بقول من كان عدلا منهما، سواء كان العدل أخبر بالحياة أو الموت، ولو كان كلاهما عدلين تأخذ بقول من يخبر بالموت إن لم يؤرخا، فإن أرخا وتأخر تاريخ شهادة الحياة فهي أولى كما في الظهيرية وغيرها.
وفي المحيط: لو جاء خبر موت إنسان فصنعوا له ما يصنع على الميت لم يسعه أن يخبر بموته حتى يخبره ثقة أنه عاين موته، لان المصائب قد تتقدم على الموت إما خطأ أو غلطا أو حيلة لقسمة المال اه.
ولو قال المخبر إنا دفناه وشهدنا جنازته تقبل لانها تكون شهادة على الموت، لكن قال في جامع الفصولين من الفصل الثاني عشر: لو أخبرها عدل أن زوجها مات أو طلقها ثلاثا فلها التزوج، ولو أخبرها فاسق تحرت.
وفي إخبار العبد بموته إنما يعتمد على خبره لو قال عاينته ميتا أو شهدت جنازته لا لو قال أخبرني مخبر به اه.
قال في البزازية: ولو أخبر واحد بموت الغائب واثنان بحياته، وإن كان المخبر عاين الموت أو شهد جنازته وعدل لها أن تتزوج، هذا إذا لم يؤرخا أو أرخا وكان تاريخ الموت آخرا، وإن كان تاريخ الحياة آخرا فشاهد الحياة أولى.
وفي وصايا عصام: شهدا بأن زوجها فلانا مات أو قتل وآخر على الحياة فالموت أولى اه.
قال في البحر.
وظاهر إطلاقه في الموت أنه لا فرق في الموت بين أن يكون مشهورا أو لا، وقيده في المعراج معزيا إلى رشيد الدين في فتاواه بأن يكون عالما أو من العمال.
أما إذا كان تاجرا أو مثله فإنها لا تجوز إلا بالمعاينة اه.
قال العلامة عبد البر: ولا نظفر بهذه الرواية في شئ من الكتب في غير فتاواه اه.
ومثله في جامع الفصولين.
قال ط: فكأنه لم يسلم له هذا القيد لانه لم يستند إلى نص اه.
فتأمل.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى في التنقيح عازيا لصور المسائل: والنسب والنكاح يخالف الموت، فإنه لو أخبره بالموت رجل أو امرأة حل له أن يشهد، وفي غيره لا بد من إخبار عدلين.
وأما في الموت فإنه يكفي فيه العدل ولو أنثى، هو المختار، إلا أن يكون المخبر منهما كوارث وموصى له، كما في شرح الوهبانية شرح الملتقى للعلائي من الشهادة: شهد أنه شهد: أي حضر دفن زيد أو صلى عليه فهو معاينة، حتى لو فسر للقاضي يقبله إذ لا يدفن إلا الميت ولا يصلي إلا عليه درر آخر الشهادات اه.
والقتل كالموت فيترتب عليه أحكامه من جواز اعتداد المرأة إذا أخبرت بقتله كموته للتزوج كما نبه عليه العلامتان صاحب البحر والمقدسي لا من جهة ترتب القصاص.
قوله: (والنكاح) فلمن سمع به من جمع عند الامام وعدلين عندهما أن يشهد به.
قهستاني.
وفي القنية: نكاح حضره رجلان ثم أخبر أحدهما جماعة أن فلانا تزوج فلانة بإذن وليها والآن
يجحد هذا الشاهد يجوز للسامعين أن يشهدوا على ذلك: وفي العمادية: وكذا تجوز الشهادة بالشهرة والتسامع في النكاح، حتى لو رأى رجلا يدخل على امرأة وسمع من الناس أن فلانة زوجة فلان(1/511)
وسعه أن يشهد أنها زوجته وإن لم يعاين عقد النكاح اه.
ويشهد من رأى رجلا وامرأة بينهما انبساط الازواج أنها عرسه اه.
درر.
وفي الخلاصة: إذا شهد تعريسه وزفافه أو أخبره بذلك عدلان حل له أن يشهد أنها امرأته.
قال في جامع الفصولين: الشهرة الشرعية أن يشهد عنده عدلان أو رجل وامرأتان بلفظ الشهادة من غير استشهاد ويقع في قلبه أن الامر كذلك، ومثله في الظهيرية.
قوله: (والدخول بزوجته) فإنها تقبل بالسماع.
ذكر في الخلاصة خلافا في الدخول، ففي فوائد أستاذنا ظهير الدين: لا يجوز لهم أن يشهدوا على الدخول بالمنكوحة بالتسامع، ولو أراد أن يثبق الدخول يثبت الخلوة الصحيحة اه.
لكن أفاد العلامة عبد البر أنها تقبل بالسماع، ويترتب على قبولها أحكام كالعدة والمهر والنسب اه.
قوله: (وولاية القاضي) أي كونه قاضيا في ناحية كذا، فإنه لم سمعه من الناس جاز أن يشهد به، قهستاني.
وإن لم يعاين تقليد الامام اه.
عبد البر.
وفي البحر وظاهر ما في المعراج أن الامير كالقاضي فيزاد الامرة اه.
وصرح به في البزازية حيث قال: وكذا يجوز الشهادة على أنه قاضي بلد كذا أو والي بلد كذا وإن لم يعاين التقليد والمنشور اه.
وصرح به في الخلاصة أيضا: قال في البحر: وكذا إذا رأى شخصا جالسا مجلس الحكم يفصل الخصومات جاز له أن يشهد على أنه قاض.
مطلب: إذا لم يكن الوقف قديما لا بد من ذكر واقفه في الشهادة عليه قوله: (وأصل الوقف) بأن يشهد أن هذا وقف على موضع أو جماعة كذا، وهل ذكر المصرف شرط؟ في الكافي عن المرغياني نعم.
وفي الخزانة: لا يشترط على المختار إن كان وقفا قائما ينصرف إلى الفقراء.
وذكر الشيخ ظهير الدين المرغيناني: إذا لم يكن الوقف قديما لا بد من ذكر واقفه ط.
وفي فتاوى قارئ الهداية: صورة الشهادة بالتسامع على أصل الوقف أن يشهدوا أن فلانا وقفه على الفقراء أو على القراء أو على أولاده من غير أن يتعرضوا إنه شرط في وقفه كذا وكذا، فإن شهدوا على شرط
الواقف وأنه قال للجهة الفلانية كذا وللجهة الفلانية كذا فلا تسمع بالتسامع على شروط الواقف، لان الذي يشتهر إنما هو أصل الوقف وأنه على الجهة الفلانية، أما الشروط فلا تشتهر فلا تجوز الشهادة على الشروط بالتسامع اه.
وتقدم في الوقف أنه تقبل الشهادة فيه من غير بيان الواقف لو قديما عند أبي يوسف وأن الفتوى عليه، فراجعه.
وهذا بالنسبة لنفس الوقف.
أما الدعوى به بأن ادعى أن هذه الارض وقف وقفها فلان علي وذو اليد يجحد ويقول هي ملكي فيشترط بيان الواقف وأنه وقفه وهو يملكه.
قوله: (قيل وشرائطه على المختار) قال الطحطاوي: ولا وجه لذكر قيل فإنهما قولان مصصحان.
قال في البحر: وفي الفصول العمادية من العاشر: المختار أن لا تقبل الشهادة بالشهرة على شرائط الوقف اه.
وفي المجتبى: المختار أن تقبل على شرائط الوقف اه.
واعتمده في المعراج، وأقره الشرنبلالي وعزاه إلى العلامة قاسم، وقواه في الفتح بقوله: وأنت إذا عرفت قولهم في الاوقاف الذي انقطع ثبوتها ولم يعرف لها مصارف وشرائط أنه يسلك بها ما كانت في دواوين القضاة لم تتوقف عن تحسين ما في المجتبى، لان ذلك هو معنى الثبوت بالتسامع اه.
أي لان الشهادة بالتسامع هي أن يشهد بما لم يعاينه والعمل بما في دواوين القضاة عمل بما لم يعاين.
وأيضا قولهم المجهولة شرائطه ومصارفه(1/512)
يفهم منه أن ما لم يجهل منها يعمل بما علم منها، وذلك العلم قد لا يكون بمشاهدة الواقف بل بالتصرف القديم، وبه صرح في الذخيرة حيث قال: سئل شيخ الاسلام عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف إلى مستحقيه قال: ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان من أن قوامه كيف يعملون فيه وإلى من يصرفونه، فيبني على ذلك لان الظاهر أنهم كانوا يفعلون ذلك على موافقة شرط الواقف وهو المظنون بحال المسلمين فيعمل على ذلك اه.
فهذا عين الثبوت بالتسامع.
وفي الخيرية: إذا كان للوقف كتاب في ديوان القضاة المسمى في عرفنا بالسجل وهو في أيديهم اتبع ما فيه استحسانا إذا تنازع أهله فيه، وإلا ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان من أن قوامه كيف كانوا يعملون، وإن لم يعلم الحال فيما سبق رجعنا إلى القياس الشرعي، وهو أن من أثبت بالبرهان
حقا حكم له به اه.
لكن قولهم المجهولة شرائطه الخ يقتضي أنها لو علمت ولو بالنظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من تصرف القوام لا يرجع إلى ما في سجل القضاة، وهذا عكس ما في الخيرية، فتنبه لذلك.
أقول: ثم إن المراد من الشرائط والجهات كما وقع في عبارة الاسعاف وأوضحه الرملي أن يقول: إن قدرا من الغلة لكذا ثم يصرف الفاضل إلى كذا بعد بيان الجهة، وليس معنى الشروط أن يبين الموقوف عليه لانه لا بد منه في إثبات أصل الوقوف كما تقدم آنفا.
قال الرملي: والمراد بأصل الوقف أن هذه الضيعة وقف على كذا، فبيان المصرف داخل في أصل الوقف.
أما الشرائط فلا يحل فيها الشهادة بالتسامع، وهو معنى قوله في فتح القدير: وليس في معنى الشروط أن يبين الموقوف عليه اه.
ويأتي تمام الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى.
تنبيه: قال في البحر: ومسأل الشهادة بالوقف أصلا وشروطا لم تذكر في ظاهر الرواية، وأنها قاسها المشايخ على الموت.
وقد اختلف فيها المشايخ: بعضهم قال يحل وبعضهم قال لا يحل، وبعضهم فصل كما سبق، ولكن نقل الشلبي عن شرح المجمع للمصنف في كتاب الوقف أن قبول الشهادة بالتسامع في أصل الوقف قول محمد، وبه أخذ الفقيه أبو الليث وهو المختار اه.
قوله: (في بابه) أي باب الوقف في فصل يراعى شرط الواقف، وتقدم هناك تحقيقه في الحاشية، فراجعه.
قوله: (هو كل ما تعلق به صحته) كأن يكون منجزا مسلما مجعولا آخره لجهة لا تنقطع ونحو ذلك مما ذكر في شروط صحته.
قال المصنف في الوقف: وبيان المصرف من أصله: أي لتوقف صحة الوقف عليه: أي فتقبل شهادة على المصرف بالتسامع كأصله، وكونه وقفا على الفقراء أو على مسجد كذا تتوقف عليه صحته، بخلاف اشتراط صرف غلته لزيد أو للذرية فهو من الشرائط لا من الاصل.
قال سيدي الوالد: ولعله هذا مبني على قول محمد باشتراط التصريح في الوقف بذكر جهة لا تنقطع، وتقدم ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط التصريح به، فإذا كان ذلك غير لازم في كلام الواقف فينبغي أن لا يلزم في الشهادة بالاولى لعدم توقف الصحة عليه عنده، ويؤيد هذا ما في الاسعاف
والخانية: لا تجوز الشهادة على الشرائط والجهات بالتسامع اه.
ولا يخفى أن الجهات هي بيان المصارف، فقد ساوى بينهما وبين الشرائط، إلا أن يراد بها الجهات التي لا يتوقف صحة الوقف عليها.(1/513)
وفي التاترخانية: وعن أبي الليث تجوز الشهادة في الوقف بالاستفاضة من غير الدعوى، وتقبل الشهادة الوقف وإن لم يبينوا وجها ويكون للفقراء اه.
وفي جامع الفصولين: ولو ذكر الواقف لا المصرف تقبل لو قديما ويصرف إلى الفقراء اه.
وهذا صريح فيما قلنا من عدم لزومه في الشهادة، والظاهر أنه مبني على قول أبي يوسف، وعليه فلا يكون بيان المصرف من أصله، فلا تقبل فيه الشهادة بالتسامع كما سمعت نقله عن الخانية والاسعاف، والظاهر أن هذا إذا كان المصرف جهة مسجد أو مقبرة أو نحوهما، أما لو كان للفقراء فلا يحتاج إلى إثباته بالتسامع، لما علمت من أنه يثبت بالشهادة على مجرد الوقف، فإن ثبت الوقف بالتسامع يصرف إلى الفقراء بدون ذكرهم كما علم من عبارة التاترخانية والفصولين.
وقد ذكر الخير الرملي توفيقا آخر بين ما ذكره المصنف وبين ما نقلناه عن الاسعاف والخانية، بحمل جواز الشهادة على ما إذا لم يكن الوقف ثابتا على جهة، بأن ادعى على ذي يد يتصرف بالملك بأنه وقف على جهة كذا فشهدوا بالسماع للضرورة في الاول دون الثاني، لان أصل جواز الشهادة فيه بالسماع للضرورة والحكم يدور مع علته وجازت إذا قدم.
قال: وقد رأيت شيخنا الحانوتي أجاب بذلك اه ملخصا.
قوله: (وإلا) أي وإلا تتوقف عليه صحته كذكر الجهات من إمام ومؤذن أو تأبيد، فإنه لا يشترط فيه في رواية عن الثاني، وعليها الافتاء كما تقدم آنفا.
قوله: (بذلك) أي بالتسامع، وإنما جازت الشهادة في هذه المواضع مع عدم المعاينة إذا أخبره بها من يثق به استحسانا دفعا للحرج وتعطيل الاحكام إذ لا يحضرها إلا الخواص، فالنكاح لا يحضره كل أحد، والدخول لا يقف عليه أحد، وكذا الموت لا يعاينه كل أحد وسبب النسب الولادة ولا يحضرها إلا القابلة.
وسبب القضاء التقليد ولا يعاين ذلك إلا الوزير ونحوه من الخواص، وكذا الوقف تتعلق به، وكذا بما مر أحكام تبقى على مر الدهور، فلو لم يقبل فيها التسامع أدى إلى الحرج وتعطيل الاحكام.
وتمامه في الحموي
ط.
قوله: (من يثق الشاهد به من خبر جماعة) قال في الفتاوى الصغرى: الشهادة بالشهرة في النسب وغيره بطريق الشهرة الحقيقية أو الحكمية.
فالحقيقية أن يشتهر ويسمع من قوم كثيرين لا يتصور تواطؤهم على الكذب، ولا يشترط في هذا العدالة بل يشترط التواتر.
والحكمية أن يشهد عنده عدلان من الرجال أو رجل وامرأتان بلفظ الشهادة، لكن الشهرة في الثلاثة الاول: يعني النسب والنكاح والقضاء لا تثبت إلا بخبر جماعة لا يتوهم تواطؤهم على الكذب أو خبر عدلين بلفظ الشهادة وفي باب الموت بخبر العدل الواحد وإن لم يكن بلفظ الشهادة.
كذا في باب النسب من شهادات خواهر زاده وكذا ذكر عدالة المخبر في الموت صاحب المختصر.
شرنبلالية.
وفي الزيلعي: ولا يشترط في الموت لفظ الشهادة لانه لا يشترط فيه العدد فكذا لفظ الشهادة.
وفي شهادة الواحد بخبر الموت قولان مصححان.
ووجه القبول أن الموت قد يتفق في موضع لا يكون فيه إلا واحد، فلو قلنا إنه لا تسمع الشهادة إلا بعدد لضاعت الحقوق ط.
قوله: (لا يتصور تواطؤهم على الكذب) هذا هو المتواتر عند الاصوليين، فإنه كما في المنار: الذي رواه قوم لا يحصى عددهم ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب.
قال شارحه: ولا يشترط في التواتر عدد معين خلافا للبعض.
قوله: (بلا شرط عدالة) أي لا يشترط العدالة والاسلام في المخبرين حتى لو أخبر جمع غير محصورين من(1/514)
كفار بلدة بموت ملكهم حصل لنا اليقين كما في شرح المنار.
قوله: (أو شهادة عدلين) بالجر عطف على خبر جاعة: يعني ومن في حكمهما وهو عدل وعدلتان كما في الملتقى: يعني أن الشهرة لها طريقان: حقيقي وهو بالمتواتر، وحكمي وهو ما كان بشهادة عدلين، فقد ذكر ظهير الدين أن الاشتهار بشهادة عدلين أو رجل وامرأتين بلفظ الشهادة بدون اشتهار ويقع في قلبه أن الامر كذلك، وقد تقدم عن الصغرى.
قوله: (إلا في الموت) قال في جامع الفصولين: شهد أن أباه مات وتركه ميراثا له إلا أنهما لم يدركا الموت لا تقبل، لانهما شهدا بملك للميت بسماع فلم تجز اه.
قوله: (فيكفي العدل) أي بالنسبة للشهادة.
وأما القضاء فلا بد فيه من شهادة اثنين، لقولهم: وفي الموت مسألة عجيبة، هي إذا لم يعاين الموت إلا واحد، ولو شهد عند القاضي لا يقضي بشهادته وحده ماذا يصنع؟ قالوا: يخبر
بذلك عدلا مثله، وإذا سمع منه حل له أن يشهد على موته فيشهد هو مع ذلك الشاهد فيقضي بشهادتهما اه.
ولا بد أن يذكر ذلك المخبر أنه شهد موته أو جنازته ودفنه حتى يشهد الآخر معه كما قدمناه.
قال في الخلاصة: ولا يشترط أن يتلفظ المخبر بالموت بلفظ الشهادة عند من يشهد.
أما الذي يشهد عند القاضي يتلفظ الشهادة.
وأما الفصول الثلاثة التي يشترط فيها شهادة العدلين ينبغي أن يشهد عنده بلفظ الشهادة.
قال أستاذنا ظهير الدين في الاقضية: وهذا اختيار الصدر الامام الشهيد برهان الائمة.
وفي مختصر القدوري: إنما تجوز الشهادة بالتسامع إذا أخبره من يثق به، فهذا يدل على أن لفظ الشهادة ليس بشرط اه.
وفي شرح ابن الشحنة: والجواب في القضاء والنكاح نظير الجواب في النسب، فقد فرقوا جميعا بين الموت والاشياء الثلاثة فاكتفوا بخبر الواحد في الموت دونها.
والفرق أن الموت قد يتفق في موضع لا يكون فيه إلا واحد، بخلاف الثلاثة لان الغالب كونها بين جماعة.
ومن المشايخ من لم يفرق.
وتمامه فيه.
وفي جامع الفصولين: والصحيح أن الموت كنكاح وغيره لا يكتفي فيه بشهادة الواحد، ومن المشايخ من قال لا فرق بين الموت والثلاثة، وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع، موضوع مسألة الموت إذا أخبره واحد عدل ولم يذكر العدل في الثلاثة، فلو كان المخبر في الثلاثة عدلا أيضا حل لهم أن يشهدوا، ثم في الثلاثة إذا ثبت الشهرة عندها بخبر عدلين يجب الاخبار بلفظ الشهادة، وفي الموت لما ثبت بخبر الواحد بالاجماع لا يجب بل يكتفي بمجرد الاخبار.
قوله: (ولو أنثى) قال العلامة عبد البر: إنها تجوز إذا سمع من محدود في قذف أو النسوان أو العبيد إذا كان الصدق ظاهرا، ولا يجوز من الصبيان إلا إذا كان مميزا كلامه معتبر اه.
قوله: (وهو المختار) لانه قد يتحقق في موضع ليس فيه إلا واحدة.
بخلاف غيره.
عيني.
قوله: (وقيده شارح الوهبانية) عبد البر نقلا عن السير الكبير.
قوله: (كوارث وموصى له) كما قدمناه.
قوله: (ومن في يده شئ) نقدا كان أو عرضا أو عقارا، وقد تقدم أن هذه تمام العشرة، لكن في عدها من العشرة نظر.
ذكره في البحر والفتح، ويأتي الكلام عليه قريبا
إن شاء الله تعالى.
قوله: (سوى رقيق) يعم العبد والامة.
قوله: (علم رقه) صوابه لم يعلم رقه كما(1/515)
هو ظاهر لمن تأمل.
مدني.
قال ط: إلا وجه لهذه الجملة، والذي أوقعه: أي الشارح في ذكرها عبارة الشرنبلالية، ونصها: قوله سوى الرقيق المعبر: يعني إذا لم يعرف أنه رقيق لا يشهد به بمعاينة اليد، وفي غير المعبر شهد برقه اه: أي بمعاينة اليد، ومراده أن الذي يعبر عن نفسه لا يشهد برقه بمعاينة اليد إلا إذا علم رقه له، وهذا المعنى لم يفده المؤلف، فلو قال سوى رقيق يعبر عن نفسه ولم يعلم رقه ثم يأتي بمفومه لاصاب.
فالحاصل: أن المعنى فيه أنه لا يجوز له أن يشهد في رقيق لم يعلم رقه ويعبر عن نفسه إذا رآه في يد غيره أنه ملكه، لان للرقيق يدا على نفسه تدفع يد الغير عنه فانعدم دليل الملك، حتى إذا ادعى أنه حر الاصل كان القول قوله، ولا يمكن أن يعتبر فيه التصرف وهو الاستخدام، لان الحر يستخدم طائعا كالعبد، إلا إذا علم رقه أو كان صغيرا لا يعبر عن نفسه فإنه كالمتاع لا يد له، فله أن يشهد فيه لذي اليد أنه ملكه، وهذا هو المراد كما يظهر من عبارة البحر وغيرها، لكن الذي أوقع الشارح ما نقلناه.
قوله: (ويعبر عن نفسه) أي سواء كان بالغا أو غير بالغ وهذا تفسير للكبير الواقع في عبارتهم سواء كان ذكرا أو أنثى كما في النهاية.
والوجه فيه أن لهما: أي العبد والامة الكبيرين يدا على أنفسهما تدفع يد الغير عنهما فانعدم دليل الملك، حتى لو ادعيا الحرية الاصلية يكون القول قولهما.
وعن أبي حنيفة أنه يحل له أن يشهد فيهما أيضا اعتبارا بالثياب، والفرق ما بيناه، وإن كانا صغيرين لا يعبران عن أنفسهما كالمتاع لا يد لهما فله أن يشهد بالملك لذي اليد بشرط أن لا يخبره عدلان بأنه لغيره كما في البحر.
قوله: (فلك أن تشهد به) أخرج المصنف عن مراده وإن كان الحكم ظاهرا، وإنما جازت الشهادة بالشئ لواضع اليد لان اليد أقصى ما يستدل به على الملك إذ هي مرجع الدلالة في الاسباب كلها فكيتفي بها.
صورته رجل رأى عينا في يد إنسان ثم رأى تلك العين في يد آخر والاول يدعي الملك يسعه أن يشهد أنها للمدعي ط.
قوله: (أنه له) أي لمن في يده بلا منازع.
قوله: (إن وقع في قلبك ذلك) أي
إذا شهد بذلك قبلك وصدقه، وأسند هذا القيد في الظهيرية إلى الصاحبين.
قال في البحر: وعن أبي يوسف أنه يشترط مع ذلك أن يقع في قلبه أنه قالوا له: يعني المشايخ، ويحتمل أن يكون هذا تفسيرا لاطلاق محمد في الرواية.
قال في فتح القدير: قال الصدر الشهيد: وبه نأخذ، فهو قولهم جميعا اه.
قال الرازي: هذا قولهم جميعا إذ الاصل في حل الشهادة اليقين، فعند تعذره يصار إلى ما يشهد له القلب، لان كون اليد مسوغا بسبب إفادتها ظن الملك، فإذا لم يقع في القلب ذلك الظن لم يفد مجرد اليد، ولهذا قالوا: إذا رأى إنسان درة ثمينة في يد كناس أو كتابا في يد جاهل ليس في آبائه من هو أهل له لا يسعه أن يشهد بالملك له، فعرف أن مجرد اليد لا يكفي.
شرنبلالية.
ويشترط أن لا يخبره عدلان بأنها لغيره، فلو أخبره لم تجز الشهادة بالملك خلاصة، بخلاف ما إذا شهد به عدل واحد، لان شهادة الواحد لا تزيل ما كان في قلبك أنه للاول، فلا يحل لك أن تمتنع عن الشهادة إلا أن يقع في قلبك أن هذا الواحد صادق، فحينئذ لا يحل لك أن تشهد أنه للاول اه.
شلبي.
في الحاشية عن الخانية: وكما جاز له أن يشهد أنه ملك بوضع اليد جاز له شراؤه إن لم يكن رآه قبله في يد غيره، فإن كان وأخبره بانتقال الملك إليه أو بالوكالة منه حل الشراء، وإلا لا، كما إذا رأى جارية في يد إنسان ثم رآها في بلدة أخرى وقالت أنا حرة الاصل لا يحل له أن ينكحها اه.
وأفاد المصنف بعبارته أنه(1/516)
عاين اليد وواضعا ليد، فلو لم يعاينهما وإنما سمع أن لفلان كذا فلا يجوز له الشهادة لانه مجازفة، كما لو عاين المالك لا الملك لانه لم يحصل له العلم بالمحدود.
تنبيه: نقل الصدر حسام الدين في شرح أدب القاضي أنه إن عاين الملك دون المالك، بأن عاين محدودا ينسب إلى فلان بن فلان الفلاني وهو لم يعاينه بوجهه ولا يعرفه بنفسه القياس أن لا تحل.
وفي الاستحسان: تحل لان النسب مما يثبت بالتسامع والشهرة فيصير المالك معروفا بالتسامع والملك معروف فترتفع الجهالة، وكذا إذا أدرك الملك ولم يعاين الملك، والمالك امرأة لا يراها الرجال ولا تخرج، فإن كان ذلك مشهورا عند العوام والناس فالشهادة على ذلك جائزة، يريد به إذا عاين الملك ووقع في قلبه أن الامر كما اشتهر، وهذا قاصر على هذه الصورة.
ذكره عبد البر.
ولم يسمع مثل هذا لضاعت
حقوق الناس لان فيهم المحجوب ولا يبرز أصلا ولا يتصور أن يراه متصرفا فيه، وليس هذا إثبات الملك بالتسامع وإنما هو إثبات النسب بالتسامع وفي ضمنه إثبات الملك به وهو لا يمتنع إثباته قصدا.
عيني تبعا للزيلعي.
وعزاه في البحر إلى النهاية، وهذا هو النص، وقد بحث فيه الكمال بأن مجرد ثبوت نسبه بالشهادة عند القاضي لم يوجب ثبوب ملكه لتلك الضيعة لولا الشهادة به، وكذا المقصود ليس إثبات النسب بل الملك في الضيعة اه.
وفي البزازية: شهد أن فلان بن فلان مات وترك هذه الدار ميراثا ولم يدركا الميت فشهادتهما باطلة، لانهما شهدا بملك لم يعاينا سببه ولا رآياه في يد المدعي، ولو شهد دابة تتبع دابة وترضع منها له أن يشهد بالملك والنتاج اه ط.
وفي البحر: ولو رآه على حمار يوما لم يشهد أنه له لاحتمال أنه ركبه بالعارية، ولو رآه على حمار خمسين يوما أو أكثر ووقع في قلبه أنه لو وسعه أن يشهد أنه له، لان الظاهر أن الانسان لا يركب دابة مدة كثرة إلا الملك اه.
قوله: (أي إذا ادعاه المالك) أشار به إلى التوفيق بينه وبين ما في الزيلعي متابعا لصاحب البحر.
وقد ذكره مجيبا به عن التنافي الواقع بين قول من قال إنه يقضي بمعاينة وضع اليد كما في الخلاصة والبزازية، وبين قول الشارح أن القاضي لا يجوز له أن يحكم بسماع نفسه ولو تواتر عنده ولا برؤية نفسه في يد إنسان، فحمل صاحب البحر كلام الاولين على ما إذا حصلت دعوى وكلام الشارح على ما إذا لم تحصل دعوى.
ورده المقدسي وحمل كلام الشارح على أن القاضي لا يقضي قضاء محكما مبرما، بحيث لو ادعى الخصم لا يقبل منه، فلا ينافي أنه يقضي قضاء ترك، بمعنى أنه يترك في يد ذي اليد ما دام خصمه لا حجة له، وقد صرح بذلك الشارح أول كلامه.
وأما حمله على ما إذا لم تحصل دعوى فغير صحيح، لان القضاء بغير دعوى لا يقع أصلا فلا يتوهم إرادته.
قال السيد أبو السعود: ولا حاجة إلى هذا التكلف لان المسألة مختلف فيها، فما في الزيلعي يبتنى على قول المتأخرين من أن القاضي ليس له أن يقضي بعلمه، وهو المفتى به.
وما في الخلاصة والبزازية يبتنى على مقابله.
قال في الحواشي السعدية: ولا يتوهم المخالفة بين ما ذكر الزيلعي وما في النهاية، فإن ما في شرح الكنز هو ما إذا رأى القاضي قبل حال القضاء ثم رأى حال قضائه في يد
غيره كما لا يخفى اه.
قوله: (وإن فسر الشاهد الخ) أي فيما يشهد فيه بالتسامع.
وقالوا: ينبغي(1/517)
للشاهد به أن يطلق الشهادة ولا يفسرها.
حموي.
قوله: (بالتسامع أو بمعاينة اليد) أي بأن يقول أشهد لاني رأيته في يده يتصرف فيه تصرف الملاك والشهادة بالتسامع كما يذكرها الشارح أن يقول الشاهد أشهد بالتسامع.
قوله: (إلا في الوقف) لما تقدم من أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه، كما أشار إلى وجهه في الدرر بقوله: حفظا للاوقاف القديمة عن الاستهلاك.
وذكر المصنف عن فتاوى رشيد الدين أنه تقبل وإن صرحا بالتسامع، لان الشاهد ربما يكون سنة عشرين سنة وتاريخ الوقف مائة سنة فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع لا بالعيان، فإذن لا فرق بين السكوت والافصاح أشار إليه ظهير الدين المرغياني، وهذا بخلاف ما تجوز فيه الشهادة بالتسامع فإنهما إذا صرحا به لا تقبل اه: أي بخلاف غير الوقف من الخمسة المارة فإنه لا يتيقن فيها بأن الشهادة بالتسامع فيفرق بين السكوت والافصاح.
والحاصل: أن المشايخ رجحوا استثناء الوقف منها للضرورة وهي حفظ الاوقاف القديمة عن الضياع، ولان التصريح بالتسامع فيه لا يزد على الافصاح به، والله سبحانه أعلم.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (على الاصح) هذا مخالف لما في المتون من الشهادات.
ففي الكنز وغيره: ولا يشهد بما لم يعاين إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي وأصل الوقف، فله أن يشهد بها إذ أخبره بها من يثق به، ومن في يده شئ سوء الرقيق لك أن تشهد أنه له، وإن فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع أو بمعاينة اليد لا تقبل.
قال العيني: وإن فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع في موضع يجوز بالتسمع أو فسر أنه يشهد له بالملك بمعاينة اليد، يعني برؤية في يده لا تقبل، لان القاضي لا يزيد علما بذلك فلا يجوز له أن يحكم الخ، ومثله في الزيلعي.
مبسوط.
وفي شهادات الخيرية: الشهادة على الوقف بالسماع فيها خلاف، والمتون طاطبة قد أطلقت القول بأنه إذا فسر أنه يشهد بالسماع لا تقبل، وبه صرح قاضيخان وكثير من أصحابنا اه.
ومثله في فتاوى
شيخ الاسلام علي أفندي مفتي الروم اه ملخصا من مجموعة ملا علي التركماني.
أقول: ولا تنس ما قدمناه آنفا من التصحيح في الوقف حفظا له عن الاستهلاك.
قوله: (بل في العزمية) أي حاشية عزمي زاده على الدرر، ونقله المصنف عن الخلاصة والبزازية.
قوله: (معنى التفسير) أي الذي ترد به الشهادة في غير الوقف والموت.
قوله: (ولكنه اشتهر عندنا) أفاد العلامة نوح في كتاب الوقف أن الشهرة للشئ بكونه مشهورا معروفا اه.
وهذا يقتضي شهرته عند كل الناس أو جلهم.
وأما السماع من الناس الذي وقع في العبارة الاولى لا يفيد ذلك، لان كقول الشاهد أنا أشهد بالسماع، وفسره في الدرر بأن يقولوا عند القاضي نشهد بالتسامع.
وفي شهادات الخيرية: الشهادة على الوقف بالسماع أن يقول الشاهد أشهد به لاني سمعته من الناس أو بسبب أني سمعته من الناس ونحوه اه.
وفسر الشارح الشهرة بالسماع فأفاد أنهما شئ واحد كما نبه عليه سيدي الوالد رحمه الله(1/518)
تعالى.
وفي حاشية نوح أفندي: الشهادة بالشهرة أن يدعي المتولي أن هذه الضيعة وف على كذا مشهور ويشهد الشهود بذلك.
والشهادة بالتسامع أن يقول الشاهد أشهد بالتسامع ا ه.
ولا يخفى أن المآل واحد وإن اختلفت المادة، فافهم.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (جازت في الكل) أي فيما يجوز فيه الشهادة بالتسامع كما في الخانية.
قال سيدي الوالد: أقول: بقي لو قال أخبرني من أثق به، وظاهر كلام الشارح أنه ليس من التسامع، لكن في البحر عن الينابيع أنه منه اه.
وعبارة البحر: وفي الينابيع: تفسيره أن يقول في النكاح لم أحضر العقد، وفي غيره أخبرني من أثق به أو سمعت ونحوه.
وحاصل ما يقال أنه إن أطلقا بأن يقولا نشهد على موت رجل فإنه يقبل، وإن قالا لم نعاين موته وإنما سمعنا من الناس: فإن لم يكن موته مشهورا فلا تقبل بلا خلاف، وإن كان مشهور اذكر في الاصل أنه تقبل.
وقال بعضهم: لا تقبل، وبه أخذ الصدر الشهيد.
وفي الغياثية: هو الصحيح، وإن قالا نشهد أنه مات لانه أخبرنا من شهد موته ممن نثق به جازت.
وقال بعضهم: لا يجوز كما في
الحامدية.
قوله: (وصححه شارح الوهبانية) أي العلامة عبد البر في شرحه عليها، وقد نظم جميع ما تجوز به الشهادة بالشهرة والتسامع بقوله: وقد جوزوها في النكاح بسمعه وإن بينا ردت وتقبل أظهر كذا نسب ثم الطريق سماعه من الجمع ما كذب لهم يتصور وأفتوا بما قالا بعدلين يكتفى قضاء وفي موت كفى العدل يخبر وقيل لكل والمصحح أن ذاكما مر والاخبار فيه مؤثر وفي غيره فالشرط لفظ شهادة به أخذ الصدر الشهيد المصدر وإن أطلقا سمعا ونفى عيانه ترد إذا ما الموت لم يك يشهر وأطلق بعض (1) ردها ثم صححو اقبولا إذا قال الموثق يخبر وبعض يقلبها بالسماع بموت من غدا غير مشهور ولا بد ينظر وقد جوزوها في الدخول ورجحوا جواز المهر ثم في الوقف يذكر خلاف شيوخ والصحيح جوازها على الاصل دون الشرط فيما يحرر وجوزها الثاني أخيرا على الولا وفي العتق بعض قال والبعض ينكر وفي الملك محدودا ويعزى لمالك ولم يدر عينا إذ الامر أشهر ويعزى إلى الخصاف في ذا جوازها ومن دائن والخصم حي وموسر فضمير بينا لشاهدي التسامع أي بينا أن شهادتهما بالتسامع ردت: أي الشهادة وضمير تقبل أيضا لها، وقولي أظهر إشارة إلى تصحيح القبول، وضمير سماعه لمن يشهد، وضمير أفتوا للمشايخ، وضمير قالا للصاحبين، والمراد بكل كل المسائل المتقدمة، والاشارة بذا إلى الموت كما مر في أنه لا بد * (عامش) * (1) قوله: (وأطلق بعض إلخ) هكذا بالاصل ولعله وأطلق بعض ردها ثم صححوا، وقوله وبعض يقبلها هكذا بالاصل أيضا وهو غير مستقيم الوزن فاليحرر(1/519)
من إخبار عدلين، وضمير فيه للموت وترد للشهادة، وضمير قال للشاهد، والله تعالى أعلم.
قال في القنية بعد أن رقم لنجم الائمة البخاري والقاضي البديع: تقبل شهادة المديون لرب الدين.
وفي المحيط: ولا تقبل شهادة رب الدين لمديونه إذا كان مفلسا.
وشمس الائمة الحلواني ووالد صاحب المحيط قال: تقبل وإن كان مفلسا.
وفي شرح الجامع للعتابي: لا تقبل بعد الموت لتعلق حقه بالتركة، وكذا الموصى له بألف مرسلة أو شئ بعينه لانه يزداد به محل الوصية أو سلامة عينه، ثم رمز لقاضيخان وقال: إنه يجوز شهادته للحي دون الميت، هذا خلاصة ما في القنية، وقد ذكر فيها في موضع بعد أن رقم لبرهان الدين صاحب المحيط: ادعى الكفيل عليها الكفالة فأنكرت تقبل شهادة البائع بكفالتها كرب الدين إذا شهد لمديونه.
وحاصله القبول إذا كان موسرا حيا.
والقولان في المفلس وعدم القبول بعد الموت قولا واحدا لتعلق حقه بالتركة كالموصى له، لكن رأيت في جامع الفتاوى لحافظ الدين البزازي تقييد الجواز بما إذا شهد بما سوى جنس حقه، وهذا لا إشعار للنظم به كما لا إشعار بالاختلاف في صورة المفلس، بل مفهوم عدم القبول في انعدام الحياة واليسار.
والله تعالى أعلم اه.
نقل الطحطاوي عن الحموي أن من صار خصما في حادثة لا تقبل شهادته فيها، ومن كان بعرضية أن ينتصب خصما ولم ينتصب تقبل، وشهادة أجير الوحد لاستاذه لا تجوز في تجارته وغيرها وإن كان عدلا وإن كان أجير مياومة أو مشاهرة أو مسانهة استحسانا، ولو مضت الاجارة وأعاد شهادته تقبل، بخلاف الاجير المشترك حيث تقبل شهادته لانه غير مملوك لا رقبة ولا منفعة، وتجوز شهادة الدائن لمديونه ولو مفلسا بما هو من جنس دينه، ولو شهد لمديونه بعد موته لم تقبل.
لان الدين لا يتعلق بمال المديون حال حياته ويتعلق به بعد وفاته، وتقبل شهادة المديون لدائنه اه.
والله تعالى أعلم.
باب القبول وعدمه لما فرغ (1) من بيان ما تسمع فيه الشهادة وما لا تسمع، وقدم ذلك على هذا لانه محل والمحل مشروط والشرط مقدم على المشروط.
ثم معنى القبول لغة يقال: قبلت القول حملته: على الصدق.
كذا في المصباح.
قوله: (لصحة الفاسق) أي لصحة القضاء بشهادته: أي وقد ذكره مما لا يقبل، وكما
يصح القضاء بشهادته الفاسق يصح بشهادة الاعمى والمحدود في القذف إذا تاب وبشهادة أحد الزوجين مع آخر لصاحبه وبشهادة الوالد لولده وعكسه، حتى لا يجوز للثاني إبطاله وإن رأى بطلانه اه.
بحر عن خزانة المفتين.
أقول: لعله محمول على ما إذا كان القاضي يرى ذلك، بخلاف الحنفي بقرينة قوله حتى لا يجوز للثاني الخ.
تأمل.
واستظهر الطحطاوي.
__________
(1) قوله: (ولما فرغ إلخ) هكذا بالاصل وليحرر.(1/520)
وذكر في منية المفتي في بحث القضاء في المجتهد فيه: قضى بشهادة محدودين في قذف وهو لا يعلم بذلك ثم ظهر لا ينفذ قضاؤه، وعليه أن يأخذ المال من المقضى له، وكذا لو علم أنهما عبدان أو كافران أو أعيمان، وقيل ينفذ فإنه ذكر: إذا قضى بشهادة محدودين قد تابا ثم عزل أو مات ورفع ذلك إلى قاض آخر لا يراه أمضى القضاء الاول اه.
قال سيدي الوالد: أقول: وسيذكر الشارح: أي صاحب البحر نفاذ القضاء بشهادة العدو على عدوه وهل يقال مثل ذلك في شهادة الاجير الخاص؟ صارت واقعة الفتوى ولم أرها، لان العلة التهمة لا الفسق على ما يحرره المؤلف فيما سيأتي في شهادة العدو، وهذه مثلها.
قوله: (مثلا) أشار به إلى أحد القولين من نفاذ القضاء بشهادة الاعمى أو أحد الزوجين أو الوالد لولده أو عكسه، فالمراد من عدم القبول عدم حله كما في البحر.
وفيه أنه لا يجوز للثاني إبطاله وإن رأى بطلانه في كل ذلك اه، وهذا إذا لم يؤيد قضاءه بأرجح الاقوال كما مر.
قوله: (كما حققه المصنف تبعا ليعقوب باشا) أفاد عنه أن كل شهادة يكون سبب ردها الفسق إذا قبلها يصح كالمخنث والنائحة والمغني، ومن يلعب بالطيور أو الطنبور أو يغني للناس، ومن يظهر سب السلف ومن ارتكب ما يحد له.
ويصح قبول شهادة الاعمى لقول مالك بقبولها مطلقا كالبصير، أما المملوك لا يصح قبول شهادته، وكذا العدو بسبب الدنيا لانه ليس بمجتهد فيه، وكذا السيد لعبده ومكاتبه والاجير لما ذكر، وكذا من يبول في الطريق أو يأكل فيه لانه لم ينقل فيه خلاف حتى يكون مجتهدا فيه، ولم يصرحوا
بكونه فسقا حتى يدخل في حكمه اه.
وسيأتي تحقيقه.
قوله: (تقبل من أهل الاهواء) أي قبولا عاما على المسلمين وغيرهم، بل المراد أصل القبول، فلا ينافي أن بعضهم كفار كما يأتي قريبا إن شاء الله تعالى لان فسقهم من حيث الاعتقاد، وما أوقعهم فيه إلا التعمق والغلو في الدين، والفاسق إنما ترد شهادته لتهمة الكذب، فصاروا كمن يشرب المثلث أو يأكل متروك التسمية عمدا مستبيحا لذلك من حيث التعاطي.
قال في المغرب: أهل الاهواء من زاغ عن طريقة أهل السنة والجماعة وكان من أهل القبلة.
والاهواء جمع هوى مصدر هويته من باب تعب، إذا أحبه واشتهاه، ثم يسمى به المهوى والمشتهى محمودا كان أو مذموما ثم غلب في المذموم.
والهواء ممدود: هو المسخر بين السماء والارض، والجمع أهوية.
وأهل الاهواء ليسوا بطائفة بعينها، بل يطلق على كل من خالف السنة بتأويل فاسد.
قوله: (لا تكفر) فمن وجب إكفاره منهم فالاكثر على عدم قبوله كما في التقرير.
وفي المحيط البرهاني: وهو الصحيح، وما ذكره في الاصل محمول عليه.
بحر.
وفيه عن السراج: وأن لا يكون ماجنا، ويكون عدلا في تعاطيه، واعترضه بأنه ليس مذكورا في ظاهر الرواية، وفيه نظر، فإن العدالة شرطت في أهل السنة والجماعة فما ظنك في غيرهم.
تأمل.
وفي فتح القدير: قال محمد بقبول شهادة الخوارج إذا اعتقدوا ولم يقاتلوا، فإذا قاتلوا ردت شهادتهم لاظهار الفسق بالفعل.
قوله: (كجبر) أهله طائفة نافون لقدرة العبد، والاولى حذف الكاف(1/521)
ويقول والهوى الجبر الخ.
ويكون بيانا لاهل الاهواء في ذاتهم لا من تقبل شهادته منهم.
قوله: (وقدر) هم النافون للقضاء والقدر عنه تعالى، والقائلون إن العبد يخلف أفعال نفسه.
قوله: (ورفض) هم الملعونون اللاعنون الصهرين وغيرهما من الاخبار.
كذا في القهستاني.
فهم من أهل الاهواء وإن لم تقبل شهادتهم، بخلاف من يفضلهما وعليا (1) على الشيخين.
قوله: (وخروج) هم المكفرون للختنين وطلحة والزبير ومعاوية.
قوله: (وتشبيه) ذكر بدله القهستاني المرجئة وهم النافون ضرر الذنب مع
الايمان.
ثم قال بعد كل: من كفر منهم كالمجسمة والخوارج وغلاة الروافض والقائلين بخلق القرآن لا تقبل شهادتهم على المسلمين.
كذا في المشارع اه.
فعد هؤلاء الفرق لبيان أهل الاهواء في ذاتهم لا لمن تقبل شهادته منهم، ويدل عليه ما في البحر عن النهاية أن أصول الهوى ستة وذكر ما ذكره المؤلف.
قوله: (وتعطيل) هم القائلون بخلو الذات عن الصفات.
قوله: (فصاروا اثنتين وسبعين) فرقة كلهم في النار، والفرقة الزائدة على هذا العدد هي الناجية، وهي ما كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ففي الحديث الشريف: وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قلنا: من هي يا رسول الله، قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي وإضافة الفرقة الناجية من النار وهم أهل السنة والجماعة في الحديث الشريف إلى ما ذكر تكملة إلى الثلاث والسبعين فرقة.
ولنذكرها على طريق الاجمال فنقول: أصناف الخوارج اثنا عشر: الازرقية والاباحية والخازمية والتغلية والخلقية والكوزية والمكتوية والمعتزلة (2) والميمونية والمجلية والاخنسية والمشراقية.
وأصناف الروافضة اثنا عشر أيضا: العلوية والاموية والشعيبية والاسحاقية والزيدية والعباسية والاسماعيلية والامامية والمتناسخة والاعينية والراجعية والمرشية.
وأصناف القدرية اثنا عشرة أيضا الخمرية والشعرية والكيسانية والشيطانية والشركية والوهمية والعروندسية والمناسية والمتبرية والباسطية والنظامية والمعتزلة.
وأصناف الجبرية اثنا عشر أيضا: المطرية والافعالية والمتربية والباسطية والنظامية والمعتزلة.
وأصناف الجبرية اثنا عشر أيضا: المطرية والافعالية والمركوعية والصنجارية والمباينة والصبية والسابقية والحرفية والكرفية والخشية والحشرية والمعينية.
وأصناف الجهمية: أي التعطيل اثنا عشر أيضا: المعطلة واللازقية والمواردية والخرقية والمملوقية والقهرية والغائية والزنادقة والراهفية والقطية والمرسية والعبرية.
وأصناف المرجئة اثنا عشر أيضا: التاركية والسبيئة والراجية والشاكية والبهشية والعملية والمشبهة والاقربة والبدعية والمنبسية والحشوية والبعوضية كما في فتاوى الشيخ أمين الدين بن عبد العال.
قوله: (إلا الخطابية) نسبة إلى أبي الخطاب.
واختلف في اسمه.
قيل محمد بن وهب الاجدع، وقيل محمد بن
__________
(1) بخلاف من يفضلها وعليا) كذا بالاصل ولعل الصواب من يفضل عليا إلخ فليحرر اه.
مصححه (2) قئله: (والمعتزلة) سيأتي بعدهم في أصناف القدرية فلعل أحدهما محرر عن لفظ آخر، وبالجملة فلتنظر هذه الاسماء جميعها في محل آخر اه.
مصححه.(1/522)
أبي زينب الاسدي الاجدع، وكان يقول بإمامة إسماعيل بن جعفر، فلما مات إسماعيل رجع إلى القول بإمامة جعفر وغلوا في ذلك غلوا كبيرا.
وقال في شرح الاقطع: هم قوم ينسبون إلى أبي الخطاب: رجل كان بالكوفة حارب عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن عباس وأظهر الدعوة إلى جعفر فتبرأ منه ودعا عليه فقتل هو وأصحابه، قتله وصلبه عيسى بالكناسة بالضم: محل بالكوفة لانه كان يزعم أن عليا هو الاله الاكبر وجعفر الصادق هو الاله الاصغر، وكانوا يعتقدون أن من ادعى منهم شيئا على غيره يجب أن يشهد له بقية شيعته، وذكر شمس الائمة السرخسي أنهم ضرب من الروافض يجوزون أداء الشهادة إذا حلف المدعي بين أيديهم أنه محق في دعواه ويقولون المسلم لا يحلف كاذبا.
قوله: (يرون الشهادة لشيعتهم) أي واجبة.
قهستاني.
قوله: (ولكل من حلف أنه محق) الاولى التعبير بأو كما في الفتح بدل الواو لانهما قولان كما في البحر والفتح وغيرهما واختلطا في عبارة الشارح.
نعم في شرح المجمع كما هنا.
وفي تعريفات السيد الشريف ما يفيد أنهم كفار، فإنه قال ما نصه: قالوا الائمة الانبياء وأبو الخطاب نبي اه، وهؤلاء يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم وقالوا: الجنة نعيم الدنيا والنار آلامها اه.
قوله: (فردهم) أي عن أداء الشهادة.
قوله: (لا لبدعتهم لانها غير مكفرة) إذا لم يعتقدوا اعتقاد رئيسهم.
قوله: (بل لتهمة الكذب) ومن التهمة المانعة أن يجر الشاهد بشهادته إلى نفسه نفعا أو يدفع عن نفسه مغرما.
خانية.
قوله: (ولم يبق لمذهبهم ذكر) لفنائهم وانقراضهم.
قوله: (ومن الذمي الخ) لانه عليه الصلاة والسلام أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض، ولانه من أهل الولاية على نفسه وأولاده الصغار فيكون من أهل الشهادة على جنسه، والفسق من حيث الاعتقاد غير مانع لانه يجتنب عما يعتقده محرم دينه، والكذب محرم في الاديان كلها، قيد بالذمي لان المرتد لا شهادة له لانه
لا ولاية له.
مطلب: شهادة المرتد واختلفوا في شهادة مرتد على مثله، والاصح عدم قبولها بحال.
كذا في المحيط البرهاني.
مطلب: في شهادة الدرزي ويلحق به الدرزي كما أفتى به الخير الرملي والعلامة علي أفندي المرادي في رسالته (أقوال الائمة العالنة في أحكام الدروز والتيامنة) قال العلامة السيد محمود أفندي حمزة مفتي دمشق الشام في فتواه في جواب سؤال رفع إليه ي شهادة أهل الاهواء الكفرة: هل تقبل على بعضهم سواء كانوا متفقين في الاعتقاد أم مختلفين، وسواء كانوا أهل كتاب أم لا؟ فكتب حفظه الله تعالى جوابا حاصله بعد ذكر النقول والتفصيل: وأما شهادة الكفارة الذين لا يقرون على ما هم عليه من العقيدة كأهل الاهواء المكفرة والمنافقين والباطنية والزنادقة والمجوس والدروز والتيامنة والنصيرية والمرتدين فلا تقبل شهادتهم على أحد، سواء كان مثلهم في الاعتقاد أو مخالفا لهم لعم ولايتهم.
قال في الداماد شرح الملتقى: أي لا تقبل شهادة المستأمن على الذمي لقصور ولايته عليه اه.
فمجوز الشهادة التي تدور عليه إنما هو الولاية، ولكمالها في المسلم صحت شهادته على الجميع، ولنقصانها في أهل الذمة صحته على بعضهم(1/523)
وعلى من دونهم سوى المرتد للشبهة، ولقصورها في المستأمن صحت على من هو مثله، ولعدم الولاية في غيرهم من الكفار المار ذكرهم وهم الذين لا يقرون على ما هم عليه من الاعتقاد لم تصح شهادتهم على أحد أصلا.
قال في شرح الداماد: وتقبل شهادة أهل الاهواء مطلقا، سواء كانت على أهل السنة أو بعضهم على بعض أو على الكفرة إذا لم يكن اعتقادهم مؤديا إلى الكفر كما في الذخيرة، ومن المعلوم أن الشرط إذا تعقب المتعاطفات فإنه يرجع للجميع.
فمفهوم هذه الجملة أن اعتقاد أهل الاهواء إذا كان مؤديا إلى الكفر فلا تقبل شهادتهم على أهل السنة ولا على بعضهم ولا على الكفرة.
ومن المقرر أن مفاهيم الكتب حجة عندنا، وإذا لم يكن من مر ذكرهم من أهل الاهواء المكفرة من الكفار فهم شر منهم فلا تقبل
شهادتهم على أحد أصلا.
مطلب: الدروز والتيامنة والنصيرية والبادنية كلهم كفار على أن المولى عبد الرحمن أفندي العمادي نص في فتاويه في كتاب السير على أن الدروز والتيامنة والنصيرية والباطنية كلهم كفار ملا حدة زنادقة في حكم المرتدين.
وعلى تقدير قبول توبتهم يعرض عليهم الاسلام وإن يسلموا أو يقتلوا، ولا يجوز لولاة الامور تركهم على ما هم عليه أبدا اه بتصرف اه ملخصا.
قال سيد الوالد: شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة إذا كانوا عدولا في دينهم، اتفقت مللهم أو اختلفت.
أقول: والظاهر أن عداوتهم دينية وإلا لم تقبل.
فتأمل.
مطلب: إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته قوله: (لو عدلا في دينهم) قدمنا في البحر أن تزكية الذمي أن يزكي بالامانة في دينه ولسانه ويده، وأنه صاحب يقظة ويزيكه المسلمون إن وجدوا، وإلا فيسأل من عدول الكفار، وأنه إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته.
قوله: (على مثله) فلا تقبل على مسلم لقوله تعالى: * (ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141) ولانه لا ولاية له على المسلم، ولانه يتقول عليه لانه يغيظه قهره إياه (1).
قال في الهندية: مات وعليه دين المسلم بشهادة نصراني ودين لنصراني بشهادة نصراني.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومحمد وزفر: بدئ بدين المسلم، هكذا في محيط السرخسي، فإن فضل شئ كان ذلك للنصراني، هكذا في المحيط.
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن التركة تقسم بينهما على مقدار دينهما، فتاوى الانقروي عن التاترخانية والمحيط اه.
وتمام المسألة فيها وفي حاشية الخير الرملي على البحر.
__________
(1) قوله: (لانه يغيضه قهره إياه) قال الرملي: الضمير في أنه ويغيضه راجع الذمي، وفي قهره راجع للمسلم: أي لانه بسبب قهر المسلم إياه وإذلاله له يتقول عليه، بخلاف ملل الكفر لانه ملة السلام قاهرة للكل، فلم يبقى له غيرة
يستظهرون بها انتهى منه.(1/524)
أقول: في الذخيرة نصراني مات وترك ألف درهم وأقام مسلم شهودا من النصارى على ألف على الميت وأقام نصراني آخرين كذلك تدفع الالف المتروكة للمسلم ولا يتحاصان عنده.
وعند أبي يوسف: يتحاصان.
والخلاف راجع إلى أن بينة النصراني مقبولة عنده في حق إثبات الدين على الميت لا في حق إثبات الشركة بينه وبين المسلم.
وعلى قول أبي يوسف مقبولة فيهما اه.
والحاصل: أنه على قول الامام يلزم من إثبات الشركة والمحاصة الحكم بشهادة الكافر على المسلم.
قوله: (إلا في خمس مسائل) الاولى فيما إذا شهد نصرانيان على نصراني أنه قد أسلم وهو يجحد لم تجز شهادتهما، وكذا لو شهد عليه رجل وامرأتان من المسلمين وترك على دينه، ولو شهد نصرانيان على نصرانية أنها أسلمت جاز وأجبرت على الاسلام ولا تقتل، وهذا قول الامام اه.
قال العلامة المقدسي: ينبغي أن يكون الكافر الذكر كذلك يجبر ولا يقتل، كما لو أسلم مكرها أو سكران، وهو كذلك في الولوالجية والمحيط.
ونصه: لو شهد على إسلام النصراني رجل وامرأتان من المسلمين وهو يجحد أجبر على الاسلام ولا يقتل، ولو شهد رجلان من أهل دينه وهو يجحد فشهادتهما باطلة، لان في زعمهما أنه مرتد ولا شهادة لاهل الذمة على المرتد ا ه.
الثانية: فيما إذا شهدا على نصراني ميت وهو مديون مسلم: أي والتركة لا تفي.
الثالثة: فيما إذا شهدا عليه بعين اشتراها من مسلم والمسلم ينكر البيع.
الرابعة: فيما إذا شهد أربعة على نصراني أنه زنى بمسلمة إلا إذا قال استكرهها فإنه يحد الرجل وحده.
الخامسة: فيما إذا ادعى مسلم عبدا في يد كافر فشهد كافران أنه عبده وقضى به فلان القاضي المسلم اه.
قوله: (وتبطل بإسلامه) أي شهادة الذمي على مثله بإسلامه: أي المشهود عليه قبل القضاء، لانه لو قضى عليه لقضى على مسلم بشهادة الكافر.
قوله: (وكذا بعده لو بعقوبة) كقود.
بحر.
لان المعتبر إسلامه حال القضاء لا حال أداء الشهادة ولا حال الشهادة، لما في البحر عن الولوالجية: نصرانيان شهدا على نصراني بقطع يد أو قصاص ثم أسلم المشهود عليه بعد القضاء بطلت الشهادة لان الامضاء من القضاء في العقوبات اه.
وهل تجب الدية؟ ذكر الخصاف أنها تجب الدية، فقيل إنه قول الكل، وقيل عنده ينفذ القضاء فيما دون النفس ويقضي
بالدية في النفس.
وعندهما: يقضي بالدية فيهما اه.
شرنبلالية.
قوله: (وإن اختلفا ملة) لان الكفر كله ملة واحدة.
قوله: (والذمي على المستأمن) لان الذمي أعلى حالا منه لكونه من أهل دارنا ولذا يقتل المسلم بالذمي ولا يقتل بالمستأمن.
منح.
قوله: (لا عكسه) لقصور ولايته عليه لكونه أدنى حالا منه.
منح.
قوله: (ولا مرتد على مثله) والوجه فيه أنه لا ولاية له على أحد كما قدمناه.
قوله: (في الاصح) أي أنها لا تقبل بحال غيره كما قدمناه عن المحيط.
قوله: (وتقبل منه) أي من المستأمن قيد به لانه لا يتصور غيره، فإن الحربي لو دخل بلا أمان قهرا استرق ولا شهادة للعبد على أحد.
فتح.
قوله: (مع اتحاد الدار) أي بأن يكونا من أهل دار واحدة، فإن كانوا من دارين كالروم والترك لم تقبل.
هداية.
لا يخفى أن الضمير في كانوا للمستأمنين في دارنا، وبه ظهر عدم صحة ما نقل عن الحموي من تمثيله لاتحاد الدار بكونهما في دار الاسلام وإلا لزم توارثهما حينئذ وإن كانا من دارين مختلفين.(1/525)
وفي الفتح: وإنما تقبل شهادة الذمي على المستأمن وإن كانا من أهل دارين مختلفين، لان الذمي بعقد الذمة صار كالمسلم وشهادة المسلم تقبل على المستأمن فكذا الذمي.
قاله سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
ويأتي تأييده في المقولة الآتية إن شاء الله تعالى.
قوله: (لان اختلاف داريهما) قال في البحر: ويستثنى من الحربي على مثله ما إذا كانا في دارين مختلفين كالافرنج والحبش لانقطاع الولاية بينهما، ولهذا لا يتوارثان، والدار تختلف باختلاف المنعة والملك اه.
والذي في المنح ونحوه في القهستاني التعبير بما إذا كانا من دارين، فيفيد أنهما لو كانا في دارنا وهما من دارين لا تقبل شهادتهما على الآخر، لان الارث يمتنع في هذه الصورة لوجود، الاختلاف الحكمي، وهذا هو الظاهر: خلافا لما أفاده الحموي كما تقدم في المقولة السابقة، فإنهما إذا كانا في داريهما لا وجه للقضاء بشهادته لان دار الحرب ليست دار أحكام.
فليتأمل ط.
قوله: (عدو) العدو: من يفرح لحزنك ويحزن لفرحك، وقيل يعرف بالعرف.
بحر.
ومثله في فتاوى علي أفندي عن خزانة المفتين.
قال العلامة التحرير السيد الشريف محمود أفندي حمزة مفتي دمشق الشام في فتاواه بعد كلام:
فتحصل من هذا أن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه فهو عدوه، وكل عدو ترد شهادته إذا كانت دنيوية، فمن يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شهادته، فالصغرى مسلمة لما في البحر وعلي أفندي من تعريف العدو والكبرى مسلمة للحديث الشريف (1) الذي هو دليل المجتهد، فأنتج لذاته أن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شهادته، ثم إذا حكم بها حاكم لا ينفذ حكمه لما في البحر أيضا: وكيف لا ترد شهادة من اتصف بهذه الصفة وهي مما تتناهى به العداوة، وقد وصف الله تعالى بها المنافقين في كتابه العزيز: * (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) * (آل عمران: 120).
قال القاضي: بيان تناهي عداوتهم إلى حد حسد وأمانا لهم من خير ومنفعة وتمنوا ما أصابهم من ضرر وشدة، فخذ الجواب مع الدليل والبرهان والله تعالى أعلم اه.
قوله: (لانها من التدين) فيدل على كمال دينه وعدالته، وهذا لان المعاداة قد تكون واجبة، بأن رأى فيه منكرا شرعا ولم ينته بنهيه وقد قبلوا شهادة المسلم على الكافر مع ما بينهما من العداوة الدينية.
حموي.
قوله: (بخلاف الدنيوية) كشهادة المقذوف على القاذف، والمقطوع عليه الطريق على القاطع، والمقتول وليه على القاتل، والمجروح على الجارح، والزوج على امرأته بالزنا إذا كان قذفها أو لا، فالعداوة ليس كما يتوهمه بعض المتفقهة، أو الشهود أن كل من خاصم شخصا في حق وادعى علهي أن يصير عدوه فيشهد بينهما بالعداوة، بل العداة إنما تثبت بنحو ما ذكرنا.
وفي القنية: أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع به ما لم يفسق بسببها أو يجلب منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة، وهو الصحيح وعليه الاعتماد اه.
وفي فتاوى المصنف: سئل عن رجل شتم آخر وقذفه فهل تثبت العداوة الدنيوية بينهما بهذا القدر، حتى لو شهد لا تقبل؟ أجاب: ظاهر كلامهم أن العداوة الدنيوية تثبت بهذا القدر، فقد صرح
__________
(1) هو قوله عليه الصلاة والسلام (لا تجوز شهادة ذي الظنه ولا ذي الحنة) رواه الحاكم والبيهقي، وهو حديث صحيح.
وذو الحنة: قال في النهاية: الحنة العداوة.(1/526)
في شرح الوهبانية أنها: أي العداوة تثبت بنحو القدف وقتل الولي اه.
مطلب الفسق لا يتجزأ ولا تقبل شهادة من فيه عداوة دنيوية على عدوه، ولا على غيره بل تكون قادحة في حق جميع الناس، فإن الفسق لا يتجزأ حتى كون فاسقا في حق شخص لا في حق غيره، ويقاس على عدم تجزئ الفسق ما لو كان ناظرا على أوقاف عديدة وثبت فسقه بسبب خيانة في واحد منها، فإن يسرى في كلها فيعزل منها جميعا كما أفتى به المفتي أبو السعود العمادي المفسر في فتاويه، ولو ادعى شخص عداوة آخر يكون اعترافا منه بفسق نفسه، ولو شهد الشاهد على آخر فخاصم المشهود عليه الشاهد قبل القضاء لا يمتنع القضاء بشهادته إلا إذا ادعى أنه دفع إليه كذا لئلا يشهد عليه وطلب الرد وأثبت دعواه ببينة أو إقرار أو نكول فتبطل شهادته، وهو جرح مقبول كما صرحوا به، لكن قال سيدي الوالد في جواب سؤال عمن شهد عليه شهود بحق وزكوا فتعلل المدعى عليه أن الشهود من زكاهم أعداء له بسبب تشاجر معهم على قمار ولعب.
فأجاب بعد كلام حاصله: ففي الحادثة المسؤول عنها ربما أنه فسق بها، إذ العداوة جرت بينهما على ما قاله المدعى عليه بسبب قمار ولعب محرمين شرعا، ولكن المتأخرون على الاول من الاطلاق سواء فسق بها أو لا، والحديث الشريف شاهد لما عليه المتأخرون كما رواه أبو داود مرفوعا لا تجوز شهادة خائن ولا ذي غمر على أخيه والغمر: الحقد.
ويمكن حمله على ما إذا كان غير عدل بدليل أن الحقد فسق للنهي عنه كما أفاده في البحر.
مطلب: العداوة إذا فسق بها لا تقبل شهادته على أحد، وإن لم يقسق بها تقبل على غير عدوه وقال العلامة الخير الرملي في فتواه: فتحصل من ذلك أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل وإن كان عدلا، وصرح يعقوب باشا في حاشتيه بعدم نفاذ قضاء القاضي بشهادة العدو على عدوه، والمسألة دوارة في الكتب فإذا أثبت المدعى عليه العداوة ثبوتا شرعيا فتجري الاحكام المذكورة من عدم صحة أداء الشهادة والتزكية المذكورة لثبوت عداوتهم بالسببين المرقومين المحرمين شرعا، وسبب الحقد وأنهم ممن يفرحون لحزنه ويحزنون لفرحه اه.
وتمامه فيه.
فإن قلت: العدالة الدنيوية فسق لانه لا يحل معاداة المسلم لاجل الدنيا، فهلا استغنى عنه بقوله
لا تقبل شهادة الفاسق.
قلت: للفرق بينهما، فإنه لو قضى بشهادة الفاسق صح وأثم كما مر، ولو قضى بشهادة العدو بسبب النديا لا ينفذ، لانه ليس بمجتهد فيه كما نقله المصنف عن يعقوب باشا، لكن قال المنلا عبد الحليم في حاشيته على الدرر: وقد جاءت الرواية بعدم قبول شهادة عدو بسبب الدنيا مطلقا.
والتحقيق فيه أن من العدادوة المؤثرة في العدالة كعداوة المجروح على الجارح وعداوة ولي المقتول على القاتل.
ومنها غير مؤثرة كعداوة شخصين بينهما وقعت مضاربة أو مشاتمة أو دعوى مال أو حق في الجملة، فشهادة صاحب النوع - الاول لا تقبل كما هو المصرح في غالب كتب أصحابنا والمشهور على ألسنة فقهائنا، وشهادة صاحب النوع الثاني تقبل لانه عدل، وبهذا التحقيق يحصل التوافق بين الروايتين وبين المتن والشرح وإن لم يهتد المصنف إليه، الحمد لله الذي هدانا لهذا اه.(1/527)
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى بعد كلام: والحاصل أن في المسألة قولين معتمدين.
أحدهما: عدم قبولها على العدو، وهذا اختيار المتأخرين وعليه صاحب الكنز والملتقى، ومقتضاه أن العلة العداوة لا لفسق وإلا لم تقبل على غير العدو أيضا ثانيهما: أنها تقبل إلا فسق بها، واختاره ابن وهبان وابن الشحنة اه.
وهل حكم القاضي في العداوة حكم الشاهد؟ قال شاحر الوهبانية: لم أقف عليه في كتب أصحابنا.
وينبغي أن يكون الجواب فيه على التفصيل إن كان قضاؤه عليه بعلمه لا ينفذ، وإن كان بشهادة من العدول وبمحضر من الناس في مجلس الحكم بطلب خصم شرعي ينفذ.
ذكره الحموي.
وسياق كلام البرجندي يفيد أن شهادة العدو لعدوه مقبولة لعدم التهمة، وهذا بناء على أن العلة التهمة، أما إذا كانت العلة الفسق فلا فرق.
وقد اختلف تعليل المشايخ في ذلك.
قال أبو السعود: ولعل في المسألة قولين: منهم من علل بالاول، ومنهم من علل بالثاني اه.
أقول: قد علمت ما قدمناه عن سيدي الوالد أنهما قولان معتمدان، وأن المتون على عدم قبولها وإن لم يفسق بها للتهمة.
قوله: (إلا إذا كانت الصداقة متناهية) أي فإنها لا لا تقبل للتهمة.
قوله: (بلا
إصرار) أي تقبل من مرتكب صغيرة بلا إصرار، لان الالمام من غير إصرار لا يقدح في العدالة، إذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الانبياء عليهم الصلاة والسلام، فيؤدي اشتراط العصمة إلى سد باب الشهادة وهو مفتوح.
أما إذا أصر عليها وفرح بها أو استخف، إن كان عالما يقتدى به فهي كبيرة كما ذكره بعضهم.
قوله: (إن اجتنب الكبائر كلها وغلب صوابه على صغائره) الاولى أن يقول على خطئه، وأشار إلى أنه كان ينبغي أن يزيد وبلا غلبة.
قال ابن الكمال: لان الصغيرة تأخذ حكم الكبيرة بالاصرار، وكذا بالغلبة على ما أفصح عنه في الفتاوى الصغرى حيث قال: العدل من يجتنب الكبائر كلها، حتى لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته، وفي الصغائر العبرة للغلبة والدوام على الصغيرة لتصير كبيرة ولذا قال: وغلب صوابه.
قوله: (وهو معنى العدالة) قال الكمال: أحسن ما نقل فيها عن أبي يوسف أن لا يأتبي بكبيرة ولا يصر على صغيرة ويكون ستره أكثر من هتكه، وصوابه أكثر من خطئه، ومروءته ظاهرة، ويستعمل الصدق ويجتنب الكذب ديانة ومروءة اه.
قال القهستاني: من اجتنبي الكبائر وفعل مائة حسنة وتسعا وتسعين صغيرة فهو عدل، وإن فعل حسنة وصغيرتين ليس بعدل اه.
قال في البحر: هي الاستقامة، وهي بالاسلام واعتدال العقل، ويعارضه (1) هوى يضله ويصده، وليس لكمالها حد يدرك مداه، ويكتفي لقبولها بأدناه كي لا تضيع الحقوق، وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة اه.
وتمامه فيه.
قوله: (كل فعل يرفض المروءة والكرم فهو كبيرة) أي كل فعل من الذنوب والمعاصي فهو كبيرة، إذ يبعد أن يقال: إن
__________
(1) قوله: (ويعارضه إلخ) لعله ومعارضه فليحرر.(1/528)
الاكل في السوق مثلا لغير السوقي كبيرة، بل قالوا: إنما يحرم عليه ذلك إذا كان متحملا شهادة لئلا يضيع حق المشهود له.
وعبارة الخلاصة بعد أن نقل القول بأن الكبيرة ما فيه حد بنص الكتاب.
قال: وأصحابنا لم يأخذوا بذلك وإنما بنوا على ثلاثة معان: أحدها ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة.
والثاني أن يكون فيه منابذة المروءة والكرم، فكل فعل يرفض المروءة والكرم فهو كبيرة.
والثالث أن يكون مصرا على المعاصي أو الفجور اه وتعقبه في فتح القدير بأنه غير منضبط وغير
صحيح اه.
ولذا قال المحشي فيما ذكره الشارح عنها، قال: إلا أن يراد الكبيرة من حيث منع الشهادة.
قال القهستاني: هذا التعريف غير الاصح.
قال في الذخيرة: الاصح أن ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الدين فهو من الكبائر، وكذا ما فيه نبذ المروءة والكرم، وكذا الاعانة على المعاصي والحث عليها.
وفي معين المفتي: رفض المروءة ارتكاب ما يعتذر منه ويضعه على رتبته عند أهل الفضل.
قال العيني: اختلفوا في الكبيرة، فقال أهل الحجاز وأهل الحديث: هي السبع المذكورة في الحديث المشهور، وهي: الاشراك بالله، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وبهت المؤمن، والزنا، وشرب الخمر.
وزاد بعضهم عليها: أكل الربا، وأكل أموال اليتامى بغير حق.
وقيل ما ثبت حرمته بدليل مقطوع به فهو كبيرة، وقيل ما فيه حد أو قتل فهو كبيرة، وقيل كل ما أصر عليه المرء فهو كبيرة.
وما استغفر عنه فهو صغيرة.
والاوجه ما ذكره المتكلمون أن كل ذنب فوقه ذنب وتحته ذنب، فبالنسبة إلى ما قومه فهو صغيرة، وإلى ما تحته فهو كبيرة.
والاصح ما نقل عن شمس الائمة الحلواني أنه قال: كل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين فهو من جملة الكبائر اه.
قوله: (ومتى ارتكب كبيرة سقطت عدالته) غير أن الحكم بزوال العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور، فلذا شرط في شرب المحرم الادمان اه.
حموي.
وفي القهستاني عن قضاء الخلاصة: المختار اجتناب الاصرار على الكبائر، فلو ارتكب كبيرة مرة قبلت شهادته.
قال في الفتح: وما في الفتاوى الصغرى: العدل من يجتنب الكبائر كلها، حتى لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته.
وفي الصغائر العبرة للغلبة لتصير كبيرة حسن.
ونقله عن أدب القضاء لعصام وعليه المعول، غير أن الحكم بزوال العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور، فلذا شرط في شرب المحرم والسكر والادمان، والله سبحانه أعلم اه.
وإذا سقطت عدالته تعود إذا تاب، لما صرحوا بأن المحدود في القذف إذا تاب فهو عدل: أي وإن لم تقبل شهادته، لكن في البحر: وفي الخانية: الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمان يظهر التوبة، ثم بعضهم قدره بستة أشهر،
وبعضهم قدره بسنة.
والصحيح أن ذلك مفوض إلى رأي القاضي والمعدل.
وفي الخلاصة: ولو كان عدلا فشهد بزور ثم تاب فشهد تقبل من غير مدة اه.
وسيأتي الكلام عليه في هذا الباب وقبل باب الرجوع عن الشهادة في كلام الشارح، وقدمنا أن الشاهد إذا كان فاسقا سرا لا ينبغي أن يخبر بفسقه كي لا يبطل حق المدعي، وصرح به في العمدة أيضا والخانية، والظاهر أنه لا يحل له ذلك كما استظهر سيدي الوالد رحمه الله تعالى.(1/529)
قال في الخانية قبل التزكية: والتعديل المعروف بالعدالة إذا شهد بزور عن أبي يوسف أنه لا تقبل شهادته أصلا أبدا لانه لا تعرف توبته.
وروى الفقيه أبو جعفر أنه تقبل شهادته وعليه الاعتماد اه.
وفيها: من اتهم بالفسق لا تبطل عدالته، والمعدل إذا قال الشاهد هو متهم بالفسق لا تبطل عدالته اه.
ولا بأس بذكر أفراد سقطت عدالتهم نص عليها: منها إذا ترك الصلاة بجماعة بعد كون الامام لا طعن فيه في دين ولا حال، وإن كان متأولا في تركها بأن يكون معتقدا فضيلة أول الوقت والامام يؤخر الصلاة أو غير ذلك لا تسقط عدالته بالترك، وكذا من ترك الجمعة من غير عذر، فمنهم من أسقطها بمرة واحدة كالحلواني، ومنهم من شرط ثلاث مرات، والاول أوجه.
وذكر الاسبيجابي أن من أكل فوق الشبع سقطت عدالته عند الاكثر، ولا بد من كونه في غير إرادة التقوى على صوم الغد أو مؤانسة الضيف اه.
والاعانة على المعاصي والحث عليها كبيرة، ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف، ولا من يحلف في كلامه كثيرا.
ولا تقبل شهادة البخيل والذي أخر الفرض بعد وجوبه لغير عذر، إن كان له وقت معين كالصلاة بطلت عدالته، وإن لم يكن له وقت معين كالزكاة والحج اختلفت فيه الرواية والمشايخ.
وذكر الخاصي عن قاضيخان أن الفتوى على سقوطها بتأخير الزكاة من غير عذر.
بخلاف تأخير الحج، وبركوب بحر الهند لانه مخاطر بنفسه ودينه من سكنى دار الحرب وتكثير سوادهم وعددهم لاجل المال ومثله لا يبالي بشهادة الزور.
ولا تقبل شهادة من يجلس مجلس الفجور والمجانة والشرب وإن لم يشرب كما في الهندية، وتمام ذلك في المطولات.
وفي البحر عن العتابية: من آجر بيته لمن يبيع الخمر لم تسقط عدالته اه.
قوله: (ومن
أقلف) إذ تقبل شهادة الكبير الذي لم يختتن، لان العدالة لا تخل بترك الختان لكونه سنة عندنا.
كذا أطلقه في الكنز وغيره وتبعهم المصنف.
قوله: (لو لعذر) بأن يتركه خوفا على نفسه، أما إذا تركه بغير عذر لم تقبل ما قيده قاضيخان، وقيده في الهداية بأن لا يتركه استخفافا بالدين، أما إذا تركه استخفافا لم تقبل لانه لم يبق عدلا، وكما تقبل شهادته تصح إمامته كما في فتح القدير.
مطلب: في وقت الختان واختلفوا في وقته، فالامام لم يقدر له وقتا معلوما لعدم ورود النص به، وهذه إحدى المسائل التي توقف الامام في الجواب عنها، وقدره المتأخرون واختلفوا.
والمختار أن أول وقته سبع وآخره اثنتا عشرة.
كذا في الخلاصة من باب اليمين في الطلاق والعتاق.
ولعل أن سبع سنين أول وقت استغناء الصبي عن الغير في الاكل والشرب واللبس والاستنجاء حيث يتحمل بمثله ووقت الاحتياج إلى التأديب وتهذيب الاخلاق، ولذلك كان ذلك نهاية مدة الحضانة بل وقت كونه مأمورا بالصلاة ولو ندب، ومن جملته الختان أيضا، وكونه ابن اثنتي عشرة سنة وقت المراهقة البتة واحتمال البلوغ فيه، فحينئذ يجري عليه قلم التكليف فرضا ووجوبا وسنة وندبا، ومن جملته كشف العورة وهو حرام على البالغين من غير محرم، فظهر أن وقت الختان على الوجه المسنون يتم عنده، فلو قال رجل إن بلغ ولدي الختان فلم أختنه فامرأتي طالق: فإن نوى أول الوقت لا يحنث ما لم يبلغ سبع سنين.
وإن نوى آخره قال الصدر الشهيد: المختار أنه اثنتا عشرة سنة، وهو سنة للرجال مكرمة للنساء، إذ جماع المختونة ألذ.
وكان ابن عباس لا يجيز ذبيحة الاقلف ولا شهادته اه.
وفيه فائدة من كراهية فتاوى العتابي.
وقيل في ختان الكبير: إذا أمكن أن يختن نفسه فعل، وإلا لم يفعل إلا أن يمكنه أن(1/530)
يتزوج أو يشتري ختانة تختنه.
وذكر الكرخي في الكبير: يختنه الحمامي، وكذا عن ابن مقاتل.
مطلب: لا بأس للحمامي أن يطلي عورة غيره بالنورة إذا غصن بصره حالة الضرورة لا بأس للحمامي أن يطلي عورة غيره بالنورة انتهى.
لكن قال في الهندية بعد أن نقل عن التاترخانية أن أبا حنيفة كان لا يرى بأسا بنظر الحمامي إلى عورة الرجل، ونقل أنه ما يباح من النظر
للرجل من الرجل يباح المس، ونقله عن الهداية ونقل ما نقلناه، لكن قيده بما إذا كان يغص بصره.
ونقل عن الفقيه أبي الليث أن هذا في حالة الضرورة لا في غيرها، وقال: وينبغي لكل واحد أن يتولى عانته بيده إذا تنور كما في المحيط، فليحفظ.
أقول: ومعنى ينبغي هنا الوجوب كما يظهر، فتأمل.
قوله: (بحر) ومثله في التاترخانية.
قوله: (والاستهزاء بشئ من الشرائع كفر) أشار إلى فائدة تقييده في الهداية بأن لا يترك الختان استخفافا بالدين.
قوله: (ابن كمال) عبارته: والاقلف لانه لا يخل بالعدالة إذا تركه استخفافا بالدين.
قال الرازي: لم يرد بالاستخفاف الاستهزاء، لان الاستهزاء بشئ من الشرائع كفر، وإنما أراد به التواني والتكاسل اه ح.
وكذا ذكر مثله عزمي زاده مؤولا عبارة الدرر.
مطلب: في شهادة الخصي قوله: (وخصي) بفتح الخاء: منزوع الخصا، لان عمر رضي الله تعالى عنه قبل شهادة علقمة الخصي على قدامة بن مظعون، رواه ابن شيبة (1) ولانه قطع منه عضو ظلما فصار كمن قطعت يده ظلما فهو مظلوم.
نعم لو كان ارتضاه لنفسه وفعله مختارا منع.
فتح.
قوله: (وأقطع) إذا كان عدلا، لما روى أن النبي صلى الله عليه وآله قطع يد رجل في السرقة، ثم كان بعد ذلك يشهد فيقبل شهادته.
منح.
قوله: (وولد الزنا) لان فسق الوالدين لا يوجب فسق الولد ككفرهما.
منح.
قوله: (ولو بالزنا) أي ولو شهد بالزنا على غيره تقبل، أطلقه فشمل ما إذا شهد بالزنا أو بغيره، خلافا لمالك في الاول كما في المنح.
قوله: (كأنثى) فيقبل مع رجل وامرأة في غير حد وقود.
قوه: (لو مشكلا) في كل الاحكام.
شرنبلالية، والاولى أن يقول وهو كأنثى.
قوله: (وعتيق لمعتقه) أي تقبل شهادته، لان شريحا قبل شهادة قنبر لعلي وهو عتيقه.
وأشار باللام إلى أن شهادته على المعتق تقبل بالاولى كما صرح به متنا بقوله.
(وعكسه) وقنبر بفتح القاف، وأما بضم القاف فجد سيبويه.
ذكره الذهبي في مشتبه الانساء والاسماء.
مطلب: في ترجمة شريح القاضي وشريح بن الحارث بن قيس الكوفي النخعي القاضي أبو أمية، تابعي ثقة.
وقيل له صحبة،
مات قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو أكثر، واستقضاه عمر رضي الله تعالى عنه على الكوفة، ولم يزل بعد ذلك قاضيا خمسا وسبعين سنة، إلا ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء في فتنة الحجاج في حق ابن الزبير حيث استعفى الحجاج من القضاء فأعفاه، ولم يقض إلى أن مات الحجاج
__________
(1) قوله: (ابن شيبة) هكذا بأصله ولعل الصواب ابن أبي شيبة فليحرر اه.
مصححه.(1/531)
كما في البحر وشرح جلال الدين التباني على المنار.
قوله: (أن الثمن كذا) ولو شهدا بإيفائه وإبرائه تقبل.
مقدسي.
قوله: (لجر النفع بإثبات العتق) لانه لولا شهادتهما لتحالفا وفسخ البيع المقتضي لابطال العتق.
منح.
لكن تقدم في آخر باب الاقالة أنه لا يخالف بعد خروج المبيع عن ملكه، لانه يشترط قيام المبيع عند الاختلاف في التحالف إلا إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري، فراجعه وتأمل.
قوله: (ومن محرم رضاعا) كابنه منه.
وفي الاقضية: تقبل لابويه من الرضاع، ولمن أرضعته امرأته، ولام وامرأته وابنها.
بزازية من الشهادة.
قوله: (أو مصاهرة) كأم امرأته وبنتها وزوج بنته وامرأة أبيه وابنه، لان الاملاك بينهم متميزة والايدي متحيزة، ولا بسطوة لبعضهم في مال بعض فلا تتحق التهمة، بخلاف شهادته لقرابته ولادا.
درر.
ومثله في البحر.
قوله: (إلا إذا امتدت الخصومة) أي سنين كما في المنح عن القنية، والظاهر أنه اتفاقي.
قال ابن وهبان: وقياس ذلك أن يطرد في كل قرابة، والفقه فيه أنه لما كثر منه التردد مع المخاصم صار بمنزلة الخصم للمدعى عليه.
قال أبو السعود: والتقييد بعدم الخصام على القول به لا يخص الشهادة للاخ ونحوه اه.
قال المنلا عبد الحليم: ولا يذهب عليك أن المعتمد عليه قبول شهادة عدو بسبب الدنيا لو عدلا: أي بمجرد الخصومة على ما تقدم، وذا لا ينافي ذلك لان المتردد المذكور بمنزلة المدعي لا بمنزلة العدو.
تدبر.
قوله: (على ما في القنية) يعني إذا كان مع المدعي أخ أو ابن عم يخاصمان له مع المدعى عليه ثم شهدا لا تقبل شهادتهما في هذه الحادثة بعد هذه الخصومة، وكذا كل قرابة وصاحب تردد في المخاصمة سنين، لانه بطول التردد صار بمنزلة الخصم للمدعى عليه كما في الوهبانية.
قوله: (وفي
الخزانة الخ) أي خاصماه عند أداء الشهادة عليه بأن نسبهما إلى الكذب فدفعا عن أنفسهما، ومسألة القنية فيما إذا خاصماه مع قريبه على الحق الذي يدعيه.
قوله: (تقبل لو عدولا) قال في المنح عن البحر: وينبغي حمله على ما إذا لم يساعد المدعي في الخصومة أو لم يكثر ذلك توفيقا اه.
وفق الرملي بغيره حيث قال: مفهوم قوله لو عدولا أنهم إذا كانوا مستورين لا تقبل وإن لم تمتد الخصومة للتهمة بالمخاصمة، وإذا كانوا عدولا تقبل لارتفاع التهمة مع العدالة.
فحمل ما في القنية على ما إذا لم يكونوا عدولا توفيقا، وما قلناه أشبه لان المعتمد في باب الشهادة العدالة.
قوله: (على عبد كافر مولاه مسلم) لان هذه شهادة قامت على إثبات أمر على الكافر قصدا ولزم منه الحكم على المولى المسلم ضمنا، على أن استحقاق مالية المولى غير مضاف إلى الشهادة، لانه ليس من ضرورة وجوب الدين عليه استحقاق مالية المولى لا محالة بل ينفك عنه في الجملة.
قوله: (لا يجوز عكسه) وهو ما إذا كان العبد مسلما مولاه كافر: يعني لا تجوز شهادة الكافر على عبد مسلم مولاه كافر، وعلى وكيل مسلم موكله كافر: فإن كان مسلما له عبد كافر أذن له بالبيع والشراء فشهد عليه شاهدان كافر ان بشراء وبيع جازت شهادتهما(1/532)
عليه، لان هذه شهادة قامت على إثبات أمر على الكافر قصدا وعلى المسلم ضمنا كما تقدم، ولو أن مسلما وكل كافرا بشراء أو بيع فشهد على الوكيل شاهدان كافران بشراء أو بيع لا تقبل شهادتهما عليه لانها شهادة كافر قامت لاثبات حق على مسلم قصدا كما في الدرر والغرر.
قوله: (إن لم يكن عليه دين لمسلم) هذا ظاهر إن كانت التركة لا يخرج منها الدينان، وأما إذا كانت متسعة لم يكن فيها شبهة أنه تنقيص شهادة على حق مسلم.
وفي المنح: نصراني مات عن مائة فأقام مسلم شاهدين نصرانيين عليه بمائة ومسلم ونصراني بمثله فالثلثان له والباقي بينهما اه: أي لان شهادة أهل الذمة على المسلم لا تقبل وهنا لا تقبل في مشاركة الذمي للمسلم في المائة.
والحاصل: أنها أثبتت الدين على الميت دون المشاركة مع الغريم المسلم، وأن المسلم لما ادعى المائة مع النصراني صار طالبا نصفها والمنفرد بطلب كلها فتقسم عولا عند الامام، فلمدعي الكل الثلثان لانه
له نصفين وللمسلم الثلث لان له نصفا فقط، ولكن لما ادعاه مع النصراني قسم بينهما.
قال سيدي الوالد: نصراني مات وترك ألف درهم وأقام مسلم شهودا من االنصارى على إلف على الميت وأقام نصراني آخرين كذلك، فالالف المتروكة للمسلم عنده.
وعند أبي يوسف: يتحاصان، والاصل أن القبول عنده في حق إثبات الدين على الميت فقط دون إثبات الشركة بينه وبين المسلم.
وعلى قول الثاني في حقهما.
ذخيرة ملخصا.
وبه ظهر أن قبولها على الميت غير مقيد بما إذا لم يكن عليه دين لمسلم.
نعم هو قيد لاثباتها الشركة بينه وبين المدعي الآخر، فإذا كان الآخر نصرانيا أيضا يشاركه، وإلا فالمال للمسلم، إذ لو شاركه لزم قيامها على المسلم، وظهر أيضا أن المصنف ترك قيدا لا بد منه وهو ضيق التركة عن الدينين، وإلا لا يلزم قيامها على المسلم كما لا يخفى، هذا ما ظهر لي بعد التنقير التام.
قوله: (بحر) نص عبارته: وتقبل شهادة الذمي بدين على ذمي ميت وإن كان وصيه مسلما بشرط أن لا يكون عليه دين لمسلم، فإن كان فقد كتبناه عن الجامع اه.
والذي كتبه هو قوله نصراني مات عن مائة فأقام مسلم شاهدين عليه بمائة ومسلم ونصراني بمثله فالثالثان له والباقي بينهما، والشركة لا تمنع لانها بقرار اه.
ووجهه أن الشهادة الثانية لا تثبت للذمي مشاركته مع المسلم كما قدمناه، ولكن المسلم لما ادعى بطلب كلها فتقسم عولا فلمدعي الكل الثلثان لان له نصفين وللمسلم الآخر الثلث لان له نصفا فقط، لكن لما ادعاه مع النصراني قسم الثلث بينهما، وهذا معنى قوله والشركة لا تمنع لانها بإقراره.
قال سيدي الوالد: ويقدم دين الصحة وهو ما كان ثابتا بالبينة أو الاقرار في حال الصحة، وقد يرجح بعضهم على بعض كالدين الثابت على نصراني بشهادة المسلمين فإنه مقدم على الثابت بشهادة أهل الذمة عليه، والدين الثابت بدعوى المسلم عليه يقدم على الدين الثابت عليه بدعوى كافر إذا كان شهودهما كافرين أو شهود الكافر فقط، أما إذا كان شهودهما مسلمين أو شهود الكافر فقط فهما سواء اه.
فافهم.
وتمام الكلام على هذه المسألة وفروعها يطلب من البحر وحاشيته لسيدي الوالد.
قال الرملي في حاشيته على البحر: فتحصيل أن الوصي يخالف الوكيل في البيع والشراء، وقد تقرر أن الوكيل في الحقوق المتعلقة بهما: أي البيع والشراء أصيل والوصي قائم مقام الوصي، وقول(1/533)
صاحب الظهيرية استحسانا صريح في أن العمل به، وقد صرح صاحب المحيط بما في الظهيرية اه.
قوله: (كما مر) أي في العبد الكافر وسيده مسلم والوكيل الكافر وموكله مسلم.
وزاد في الاشباه: عليها إثبات توكيل كافر كافرا بكافرين بكل حق له بالكوفة على خصم كافر فيتعدى إلى خصم مسلم اه.
قوله: (أو ضرورة في مسألتين) حمل القبول فيهما في الشرنبلالية بحثا على ما إذا كان الخصم المسلم مقرا بالدين منكرا منكرا للوصاية والنشب، فتقيل شهادة الذميين لانها شهادة على النصرانز الميت، أما لو كان منكرا للدين كيف تقبل شهادة الذميين عليه.
قوله: (وأحضر) أي الوصي.
قوله: (ابن الميت) أي النصراني: قوله: (فادعى على مسلم بحق) أي ثابت: أي وأقام شاهدين نصرانيين نسبه تقبل استحسانا.
مطلب: حادثة الفتوى قوله: (ووجهه في الدرر) حيث قال فيها: وجه الاستحسان أن المسلمين لا يحضرون موت النصارى، والوصايا تكون عند الموت غالبا وسبب ثبوت النسب النكاح وهم لا يحضرون نكاحهم، فلو لم تقبل شهادة النصارى على المسلم في إثبات الايصاء الذي بناؤه على الموت والنسب الذي بناءه على النكاح أدى إلى ضياع الحقوق المتعلقة بالايصاء فقبلت ضرورة كما قبلت شهادة القابلة اه.
مطلب: أسلم زوجها ومات تقبل شهادة أهل الذمة على مهرها قال عبد الحليم في حاشيته: وفيه إشارة إلى حادثة الفتوى، وهي: ذمية أسلم زوجها ثم مات فادعت مهرها عليه بوجه خصم شرعي قبلت شهادة أهل الذمة لثبوت مهرها عليه لضرورة عدم حضور المسلمين نكاحهم.
قوله: (والعمال) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل، وهم الذين يأخذون الحقوق الواجبة كالخراج ونحوه عند الجمهور، لان نفس العمل ليس بفسق، فبعض الصحابة رضي الله عنهم عمال.
قوله: (للسلطان) هذا هو المراد بهم عند عام المشايخ كما في البحر.
وفيه عن السراجية معزيا إلى الفقيه أبي الليث: إن كان العامل مثل عمر بن عبد العزيز فشهادته جائزة، وإن كان مثل يزيد بن معاوية فلا اه.
وفي إطلاق العامل على
الخليفة نظر، والظاهر منه أنه من قبل عملا من الخليفة اه.
قوله: (إلا إذا كانوا أعوانا على الظلم الخ) أي كعمال زماننا.
قال فخر الاسلام.
لكن نقل في البحر عن الهداية أن العامل إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة لا يجازف في كلامه تقبل شهادته، كما مر عن أبي يوسف في الفاسق لانه لوجاهته لا يقدم على الكذب: يعني ولو كان عونا على الظلم كما في العناية اه.
مطلب: في شهادة مختار القرية وموزع النوائب قوله: (كرئيس القرية) هو المسمى شيخ البلد، وهم من أعون الناس على الظلم لغيرهم غير(1/534)
ظلم الناس لانفسهم خاصة، ويسمى في بلادنا شيخ الضيعة ومختار القرية.
قال في الفتح: وقدمنا عن البزدوي أن القائم بتوزيع هذه النوائب السلطانية والجبايات بالعدل بين المسلمين مأجور وإن كان أصله ظلما فعلى هذا تقبل شهادته اه.
قوله: (والجابي) أي جابي الظلم.
قوله: (والصراف) الذي يجمع عنده المال ويأخذه طوعا.
قوله: (والمعرفون) بالواو، وفي بعض النسخ المعرفين بالياء عطف على المجرور وهو الصواب، وهم الذين يعرفون عن قدر الاشخاص الذين في المركب ليأخذ الحاكم منهم شيئا معلوما مصادرة.
قوله: (والعرفاء في جميع الاصناف) هم مشايخ الحرف.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى بعد كلام: وبه يعلم أن شهادة الفلاحين لشيخ قريتهم وشهادتهم للقسام الذي يقسم عليهم وشهادة الرعية لحاكمهم وعاملهم ومن له نوع ولاية عليهم لا تجوز اه.
أقول: لكنه مقيد بما سيأتي قريبا عن الهندية من أنهم إذا كانوا يحصون وهم ما إذا كانوا مائة فأقل.
تأمل.
قوله: (ومحضر قضاة العهد) أي الذي يحضر الاخصام للقاضي لقبولهم الرشا ولعدم المروءة فيهم، والمراد بالعهد الزمن أي قضاة زمنهم فيكف الحال في زماننا ط.
قوله: (والوكلاء المفتعلة) لعل المراد بهم من يتوكل في الدعاوى والخصومات، وذلك لانه قد ش وهدمنهم قلة المبالاة في الاحكام وأخذ الرشا وغير ذلك، وإنما جعلوا مفتعلة لان الناس لا يقصدون منهم إلا الاعانة على أغراضهم بحيلهم ولم يقصدوا التوكيل حقيقة فقط.
قوله: (والصكاك) بضم الصاد المهملة جمع صكاك
بفتحها.
قال في البزازية: من الشهادات والصكاك تقبل في الصحيح.
وقيل: لا لانهم يكتبون اشترى وباع وضمن الدرك وإن لم يقع فيكون كذبا ولا فرق بين الكذب بالكتابة أو التكلم.
قلنا: الكلام في كاتب غلب عليه الصلاح ومثله يحقق ثم يكتب.
ط.
عن الحموي: أي وما ذكر من الكذب عفو لانهم يحققون ما كتبوا.
قال الرملي في حاشية المنح: وفي إجازات البزازية لا تقبل شهادة الدلال ومحضر قضاة العهد والوكلاء المفتعلة والصكاك اه.
أقول وسيأتي في شرح قوله أو يبول أو يأكل على الطريق أنها لا تقبل شهادة النحاس وهو الدلال إلا إذا كان عدلا لا يحلف ولا يكذب، ونقله عن السراج هنا، وقد رأيناه في كلامهم كثير.
وأقول: قد ظهر من هذا أن شهادة الدلال والصكاك ونحوهما لا ترد لمجرد الصناعة بل لمباشرة ما لا يحل شرعا، وإنما تنصيص العلماء على من ذكر لاشتهار ذلك منه.
تأمل.
قوله: (وضمان الجهات) بضم الضاد المعجمة وتشديد الميم.
وقال الكمال عاطفا على من لا تقبل شهادته ما نصه: وكذا كل من شهد على إقرار باطل، وكذا على فعل باطل مثل من يأخذ سوق النخاسين مقاطعة أو شهد على وثيقتها اه.
وقال المشايخ: إن شهدوا حل عليهم اللعن أنه شهادة على باطل، فكيف هؤلاء الذين يشهدون من مباشري السلطان على ضمان الجهات وعلى المحبوسين عندهم هؤلاء والذين في ترسيمهم اه.
قوله: (كمقاطعة سوق النخاسين) كمن يأخذها بقطعة من المال يجعلها عليه مكسا ويوجد في بعض الكتب بالخاء المعجمة جمع نخاس، وهو بائع الدواب والرقيق، والاسم النخاسة بالكسر والفتح، من نخس من باب نصر: إذا غرز مؤخر الدابة بعود ونحوه كما في القاموس، وقد جعل في الاسواق(1/535)
التي تباع فيها الحمير مكاسون فلا تقبل شهادتهم.
قوله: (حتى حل لعن الشاهد) أي الذي شهد على صك مقاطعة النخاسين كما في المنح، وليس المراد لعن العين لعدم جوازه، بل المراد بأن يقال: لعن الله شاهد ذلك.
مطلب: لا تصح المقاطعة بمال لاحتساب قرية
قال الخير الرملي في فتواه في رجل قاطع على مال معلوم احتساب قرية هل يصح ذلك أم لا؟ أجاب: لا يصح ذلك بإجماع المسلمين، فلا يطالب المحتسب بما التزمه من المال ولا يصح الدعوى في ذلك، ولا تقام البينة عليه، ولا يحل للقاضي سماع مثل هذه الدعوى سواء وقعت بلفظ المقاطعة أو الالتزام كما رأيناه بخط الثقات اه.
ووجهه أن المقاطعة لا يتصور أن تكون بيعا لعدم وجود المبيع ولزومه شرعا ولا إجارة لانها بيع المنافع، وإذا وقعت باطلة كانت كالعدم، ولا فرق بين مقاطعة الاحتساب ومقاطعة القضاء، فعلى المقاطع على القضاء ما على المقاطع على الاحتساب، ولا يسأل عن جوازه بل يسأل عن كفره مستحله ومتعاطيه كما في البزازية.
قال مؤيد زاده: سئل الصفار عن رجل أخذ سوق النخاسين مقاطعة من الديوان وأشهد على كتاب المقاطعة إنسانا هل له أن يشهد؟ قال: إذا شهد حل عليه اللعن، ولو شهد على مجرد الاقرار وقد علم السبب فهو أيضا ملعون، ويجب التحرز عن تحمل مثل هذه الشهادة، وكذا كل إقرار بناءه على حرام.
قوله: (ورعاياهم) أي رعايا العمال والنواب.
قوله: (لا تقبل) لجهلهم وميلهم خوفا منه.
قال في البحر: وفي شرح المنظومة: أمير كبير ادعى فشهد له عماله ودواوينه ونوابه ورعاياهم لا تقبل اه.
قال الرملي: يؤخذ منه أن شهادة خدامه الملازمين له كملازمة العبد لمولاه كذلك لا تقبل، وهو ظاهر ولا سيما في زماننا هذا.
تأمل، وقد أفتيت به مرارا، والله الموفق للصواب، ومثله في شهادات جامع الفتاوى بصيغة أعوان الحكام والوكلاء على باب القضاة لا تسمع شهادتهم، لانهم ساعون في إبطال حق المستحق وهم فساق.
والله تعالى أعلم.
مطلب: الجند إذا كانوا يحصون لا تقبل شهادتهم لامير وإلا تقبل وحد الاحصاء مائة قال في الهندية: شهادة الجند للامير لا تقبل إن كانوا يحصون، وإن كانوا لا يحصون تقبل، نص في الصيرفية في حد الاحصاء مائة وما دونه وما زاد عليه فهؤلاء لا يحصون.
كذا في جواهر الاخلاطي اه ناقلا عن الخلاصة.
قوله: (كشهادة المزارع لرب الارض) فإنها لا تقبل لفساد الزمان اه، ذكره عبد البر، وظاهره: وإن كانت الشهادة تتعلق بالمزارعة ط.
قال الرحمتي: قيده في القنية فيما إذا كان البذر من رب الارض.
ووجهه أن وجوه المزارعة
الجائزة ثلاثة: أن يكون الارض والبذر والبقر لواحد والعمل من الآخر، فيكون الزرع لصاحب البذر ويكون ما يأخذه العامل في مقابلة عمله فهو أجير خاص فلا تقبل شهادته لمستأجره.
وكذا إن كان الارض والبذر لواحد والعلم والبقر لآخر فيكون أجيرا بما يأخذه من المشروط والبقر تبع له آلة للعمل.
الثالث أن تكون الارض لواحد والباقي لآخر فيكون الخارج لرب النذر، وما يأخذه رب(1/536)
الارض آجرة أرضه، والمزارع مستأجر للارض بما يدفعه لصاحبها من المشروط.
ومن استأجر أرضا من آخر تصح شهادته له، ولا تصح المزارعة في غير هذه الوجوه الثلاثة كما حرر في بابها.
قوله: (وقيل أراد بالعمال) هذا ممكن في مثل عبارة الكنز فإنه لم يقل: إلا إذا كانوا أعوانا الخ.
قوله: (المحترفين) أي والذين يؤجرون أنفسهم للعمل، فإن بعض الناس رد شهادة أهل الصناعات الخسيسة فأفردت هذه المسألة على هذا الاظهار مخالفتهم، وكيف لا وكسبهم أطيب المكاسب كما في البحر.
قال الرملي: فتحرر أن العبرة للعدالة لا للحرفة، وهذا الذي يجب أن يعوف عليه ويفتى به.
فإنا نرى بعض أصحاب الحرف الدنيئة عنده من الدين والتقوى ما ليس عند كثير من أرباب الوجاهة وأصحاب المناصب وذوي المراتب.
إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
اه.
فيكون في إيراد الشارح هذا القول رد على من رد شهادة أهل الحرفة الخسيسة.
قال في الفتح: وأما أهل الصناعات الدنيئة كالقنواتي والزبال والحائك والحجام فقيل لا تقبل، والاصح أنها تقبل لانه قد تولاها قوم صالحون، فما لم يعلم القادح لا يبنى على ظاهر لصناعة، وتمامه فيه فراجعه.
قوله: (وهي حرفة آبائه وأجداده) ظاهره أنها إذا كانت حرفتهم لا تكون دنيئة ولو كانت دنيئة في ذاتها وهو خلاف ما يعطيه الكلام الآتي.
قوله: (وإلا فلا مروءة له) أي بأن كان أبوه تاجرا واحترف هو الحياكة أو الحلافة وغير ذلك.
قوله: (فلا شهادة له) أي لارتكابه الدناءة، وفيه نظر لانه مخالف لما دقدمه: يعني صاحب البحر قريبا من أن صاحب الصناعة الدنيئة كالزبال والحائك مقبول الشهادة إذا كان عدلا في الصحيح اه.
قوله: (لما عرف في حد العدالة) قال القهستاني بعد قول النقاية: ومن اجتنب الكبائر ولم يصر على الصغائر وغلب صوابه على خطئه ما نصه: كان عليه أن يزيد
قيدا آخر: أي في تعريف العدالة، وهو أن يجتنب الافعال الدالة على الدناءة وعدم المروءة كالبول في الطريق اه.
وهو يقتضي رد شهادة ذي الصناعة الرديئة لخرم المروءة بها وإن لم تكن معصية، فتأمل ط.
وتحقيقه ما نذكره في المقولة الآتية.
قوله: (فتح) لم أره في الفتح، بل ذكره في البحر بصيغة ينبغي حيث قال: وينبغي تقييد القبول بأن تكون تلك الحرفة لا ثقة به، بأن تكون حرفة آبائه وأجداده، وإلا فلا مروءة له إذا كانت حرفة دنيئة فلا شهادة له له لما عرف في حد العدالة اه.
قال الرملي: وعندي في هذا التقييد نظر يظهر لمن نظر، فتأمل اه: أي في التقييد بقوله: بحرفة لائقة الخ.
قلت: ووجهه أنهم جعلوا العبرة للعدالة لا للحرفة، فكم من دنئ صناعة أتقى من ذي منصب ووجاهة.
على أن الغالب أنه لا يعدل عن حرفة أبيه إلى أدنى منها إلا لقلة ذات يده أو صعوبتها عليه، ولا سيما إذا علمه إياها أبوه أو وصيه في صغره ولم يتقن غيرها، فتأمل.
وفي حاشية أبي السعود: فيه نظر، لانه مخالف لما قدمه هو قريبا من أن صاحب الصناعة الدنيئة كالزبال والحائك مقبول الشهادة إذا كان عدلا في الصحيح اه.
وقدمناه قريبا.
قال سيدي الوالد: ويدفع بأن مراده أن عدوله عن حرفة أبيه إلى أدنى منها دليل على عدم المروءة، وإن كانت حرفة أبيه دنيئة فينبغي أن يقال هو كذلك إن عدل بلا عذر.
تأمل اه.
أقول: فالحاصل أن المعتبر العدالة، ولا نظر إلى الحرفة إلا إذا عدل عن حرفة آبائه الشريفة إلى(1/537)
الحرفة الخسيسة إذا كان بلا داع إليه من عجز أو عدم أسباب أو قلة يد تقصر عن حرفة أبيه، ولا سيما إذا كان أبوه أو وصيه علمه في صغره هذه الحرفة الدنيئة فكبر وهو لا يعرف غيرها.
أما إذا كان بلا داع فيدل على رزالته وعدم مروءته ومبالاته، هذا مما يسقط العدالة.
أما لو كان انتقاله لاحد هذه الاعذار المذكور فتقبل إذا كان عدلا ولا وجه لرد شهادته فتعين ما قلنا.
قوله: (لا تقبل من أعمى) في شئ من الحقوق دينا أو عينا، منقولا أو عقارا.
قهستاني.
والعلة فيه أن الاداء يفتقر إلى التمييز بالاشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الاعمى إلا بالنغمة فيخشى عليه التلقين من الخصم، إذ النغمة تشبه النغمة.
قوله: (ولو قضى صح) أي قاضي ولو حنيفا كما يفيده إطلاقه، أو يحمل على
قاض يرى قبولها كمالكي ط.
قوله: (ما لو عمي بعد الاداء) لان المراد بعدم قبولها عدم القضاء بها، لان قيام أهليتها شرط وقت القضاء لصيرورتها حجة عنده.
قوله: (وما جاز بالسماع) أي كالنسب والموت، وما تجوز الشهادة عليه بالشهرة والتسامع كما في الخلاصة.
قوله: (خلافا للثاني) أي فيما لو عمي بعد الاداء قبل القضاء، وما جاز بالسماع كما في فتح القدير.
ولزفر، وهو مروي عن الامام، واستظهر قول بالاول صدر الشريعة فقال: وقوله أظره، لكن رده في اليعقوبية بأن المفهوم من سائر الكتب عدم أظهريته.
وأما قوله بالثاني فهو مروي عن الامام أيضا، قال في البحر: واختاره في الخلاصة ورده الرملي بأنه ليس في الخلاصة ما يقتضي ترجيحه واختياره.
نعم، قال ط: وجزم به في النصاب من غير ذكر خلاف كما في الحموي اه.
أقول: وهو ترجيح له، لكن عزاه في الخلاصة إلى النصاب.
وفي النصاب: لم يتعرض لحكاية الخلاف.
وفي حاشية الخير الرملي على المنح عند قوله ودخل تحته ما كان طريقه السماع خلافا لابي يوسف كما في فتح القدير.
أقول: عبارة فتح القدير: وقال أبو يوسف: يجوز فيما طريقه السماع، وما لا يكفي فيه السماع إذا كان بصيرا وقت التحمل أعمى عند الاداء إذا كان يعرفه باسمه ونسبه اه.
أقول: فحق العبارة: خلافا لابي يوسف فيما طريقه السماع أولا، ولزفر فيما طريقه السماع، وقد تبع الشارح شيخه في ذلك، فإن هذه عبارة حرفا بحرف، ولا يخفى ما فيها من إيهام اختصاص مذهب أبي يوسف بما طريقه السماع وليس كذلك.
وفى الفتح:.
قيد في الذخيرة قول أبي يوسف بما إذا كانت شهادته في الدين والعقار، أما في المنقول فأجمع علماؤنا أنهاا لاتقبل.
أقول: وفى الحقائق: وقال في العون: الخلاف فيما لا يحتاج فيه إلى الاشارة وفي غير الحدود.
وقال في الذخيرة: الخلاف فيما لا تجوز الشهادة بالشهرة والتسامع، أما في خلافه تقبل شهادة الاعمى فلا خلاف اه وهذا مخالف لما في أكثر الكتب من أنه لاتقبل شهادته عند أبي حنيفة ومحمد فيما طريقه السماع أو لا، فارجع إلى الشروح والفتاوى إنشئت.
قال في صدر الشريعة في مسألة الاعمى: العمى بعد الاداء قبل القضاء خلافا لابي يوسف،
وقوله أظهر.
قال أخى راده في حاشيته: وجه الاظهر إن العمى إذا لم يكن مانعا عن الاداء إذا تحمل بصيرا عند أبي يوسف، فعدم كونه مانعا عن القضاء بعد أدائه بصيرا يكون في غاية الظهور عندهما،(1/538)
لانه لا تأثير في نفس قضاء القاضي للعمى العارض للشاهد بعد أدائه شهادته اه.
قوله: (مطلقا) سواء كان فيما يجري فيه التسامع أم لا.
وفي البحر: ولا تقبل شهادته سواء كانت بالاشارة أو بالكتابة.
قوله: (بالاولى) لان في الاعمى إنما تتحقق التهمة في نسبته.
وهنا تتحقق في نسبته وغيرها من قدر المشهود به وأمور أخر.
كذا في الفتح، ولانه لا عبارة له أصلا، بخلاف الاعمى.
وفي المبسوط أنه بإجماع الفقهاء لان لفظة الشهادة لا تتحقق.
وتمام الكلام على ذلك في الفتح.
تنبيه: نصوا على أن نعمة السمع أفضل من نعمة البصر لعموم منفعتها فإنه يدرك من كل الجهات، بخلاف البصر، ولانه لا أنس في مجالسة أخرس، بخلاف الاعمى، ولانه يدرك التكاليف الشرعية بخلافه ط.
قوله: (ومرتد) لان الشهادة من باب الولاية ولا ولاية له على أحد فلا تقبل شهادته، ولو على كافر أو مرتد مثله في الاصح كما قدمناه موضحا.
قوله: (ومملوك) ولو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد إذ لا ولاية له على نفسه كالصبي، فعلى غيره أولى.
قال في الحواشي السعدية: الوكالة ولاية كما يعلم من أوائل عزل الوكيل، والعبد محجورا كان أو مأذونا تجوز وكالته، فتأمل في جوابه اه.
قال سيدي الوالد: ومثله توكيل صبي يعقل.
وقد يقال: ولايتهما في الوكالة غير أصلية.
تأمل.
قوله: (أو مبعضا) أشار بهذا إلى أن المراد من المملوك من فيه رق، وإلا فالمملوك لا يتناول المكاتب والمبعض.
قال سيدي الوالد: والمعتق في المرض كالكاتب في زمن السعاية عند أبي حنيفة، وعندهما: حر مديون اه.
أقول: والمراد بالمرض مرض الموت، وكان الثلث يضيق عن يقمته ولم تجزه الورثة.
تنبيهات: مات عن عم وأمتين وعبدين فأعتقهما العم فشهدا ببنوة إحداهما بعينها للميت: أي أنه أقر بها في صحته لم تقبل عنده، لان في قبولها ابتداء بطلانها انتهاء، لان معتق البعض كمكاتب لا
تقبل شهادته عنده لا عندهما لانه حر مديون ولو شهد أن الثانية أخت الميت قبل الشهادة الاولى أو بعدها أو معها لا تقبل بالاجماع، لانا لو قبلنا لصارت عصبة مع البنت فيخرج العم عن الوراثة.
بحر عن المحيط.
أقول: هذا ظاهر عند وجود الشهادتين، وأما عند سبق شهادة الاختية فالعلة فيها هي علة البنتية فتفقه.
وفي المحيط: مات عن أخ لا يعلم له وارث غيره فقال عبدان من رقيق الميت إنه أعتقنا في صحته وإن هذا الآخر ابنه فصدقهما الاخ في ذلك لا تقبل في دعوى الاعتاق لانه أقر بأنه لا ملك له فيهما، بل هما عبدان للآخر لاقرار الاخ أنه وارث دونه فتبطل شهادتهما في النسب، ولو كان مكان الآخر أنثى جاز شهادتهما وثبت نسبهما، ويسعيان في نصف قيمتها لانه أقر أن حقه في نصف الميراث فصح بالعتق لانه لا يتجزأ عندهما، إلا أن العتق في عبد مشترك فتجب السعاية للشريك الساكت.
وأقول: عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يعتقان كما قالا، غير أن شهادتهما بالبنتية لم تقبل لان معتق البعض لا تقبل شهادته فتفقه.(1/539)
مطلب: يبطل القضاء بظهور الشهود عبيدا فائدة: قضى بشهادة فظهروا عبيدا تبين بطلانه، فلو قضى بوكالة ببينة وأخذ ما على الناس من الديون ثم وجدوا عبيدا لمن تبرأ الغرماء، ولو كان بمثله في وصاية برئوا لان قبضه بإذن القاضي وإن لم يثبت الايصاء كإذنه لهم في الدفع إلى أمينه، بخلاف الوكالة إذ لا يملك الاذن لغريم في دفع دين الحي لغيرة، قال المقدسي: فعلى هذا ما يقع الآن كثيرا من توليه شخص نظر وقف فيتصرف فيه تصرف مثله من قبض وصرف وشراء وبيع ثم يظهر أنه بغير شرط الواقف أو أن إنهاءه باطل ينبغي أن لا يضمن لانه تصرف بإذن القاضي كالوصي، فليتأمل.
قلت: وتقدم في الوقف ما يؤيده اه.
قوله: (وصبي) مطلقا لعدم الولاية كالمملوك، وقدمنا أن الصبي إذا بلغ فشهد فإنه لا بد من التزكية، وكذا الكافر إذا أسلم، وإن الكافر إذا عدل في كفره
لشهادة ثم أسلم فشهد فإنه يكفي التعديل الاول، وأن الفرق بين الصبي والكافر هو أن الكافر كان له شهادة مقبولة قبل إسلامه بخلاف الصبي.
قوله: (ومغفل) قال محمد في رجل عجمي صوام قوام مغفل يخشى عليه أن يلقن فيأخذ به، قال: هذا شر من الفاسق في الشهادة.
وعن أبي يوسف أنه قال: إنا نرد شهادة أقوام نرجو شفاعتهم يوم القيامة.
معناه: أن شهادة المغفل وأمثاله لا تقبل وإن كان عدلا صالحا.
تاترخانية.
وفي البحر: وعن أبي يوسف: أجيز شهادة المغفل ولا أجيز تعديله، لان التعديل يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير والمغفل لا يستقصي في ذلك اه.
وفي مؤيد زاده: ومن اشتدت غفلته لا تقبل شهادته.
قوله: (ومجنون إلا في حال صحته) أي وقت كونه صاحيا.
قال في المحيط: ومن يجن ساعة ويفيف أخرى فشهد في حال صحته تقبل لان ذلك بمنزلة الاغماء، وقدر بعض مشايخنا جنونه بيوم أو يومين، فإذا شهد بعدهما وكان صاحيا تقبل اه.
وقد علم أن قوله إلا في حال صحته استثناء من مجنون.
قوله: (إلا أن يتحملا) أي المملوك والصبي.
قوله: (والتمييز) إنما عدل عن قول حافظ الدين والصغر، لان التحمل بالضبط وهو إنما يحصل بالتمييز إذ لا ضبط قبله.
قال فخر الاسلام: إن الصبي أو حاله كالمجنون: يعني إذا كان عديم العقل والتمييز، وأما إذا عقل فهو والمعتوه العاقل سواء في كل الاحكام.
أفاده المصنف.
قوله: (وأديا بعد الحرية) أي النافذة، فلو أعتق عبده في مرض موته ولا مال له غيره ثم شهد لا تقبل عند الامام لان عتقه موقوف.
بحر.
قوله: (كما مر) في قوله: وعتيق لمعتقه.
قوله: (وبعد البلوغ) لان الصبي والرقيق والمملوك أهل للتحمل، لان التحمل بالشهادة والسماع ويبقى إلى وقت الاداء بالضبط وهما لا ينافيان ذلك وهما أهل عند الاداء، وأطلقه فشمل ما إذا لم يؤدها إلا بعد الاهلية، وأداها قبلها فردت ثم زالت العلة فأداها ثانيا.
قوله: (وكذا بعد إبصار) أي بشرط أن يتحمل وهو بصير أيضا، بأن كان بصيرا فتحمل ثم عمي ثم أبصر فأدى فافهم.
قاله سيدي الوالد.
وعبارة الشارح توهم أنه إذا تحمل أعمى وأدى بصيرا أنها تقبل، وليس كذلك لما تقدم من أن شرط التحمل البصر، فتعين ما قاله سيدي الوالد.
قوله: (والاسلام) قال في البحر: وأشار إلى أن الكافر إذا تحملها على مسلم ثم أسلم فأداها(1/540)
تقبل كما في فتح القدير.
قوله: (وتوبة فسق) أي بأن تحمل فاسقا فأدى بعد توبة فإنها تقبل.
والصحيح أن تقدير المدة في التوبة مفوض إلى رأى المعدل والقاضي كما قدمناه، احترز بتوبة الفسق عن توبة القذف كما يأتي قريبا.
قوله: (وطلاق زوجة) يعني إذا تحمل وهو زوج وأدى بعد زوال الوزجية حقيقة وحكما: أي إن لم يكن حكم بردها لما يأتي قريبا.
قوله: (وفي البحر) أي عن الخلاصة.
قوله: (برده) أي الشاهد.
قوله: (فشهد بها) أي بتلك الحادثة، أما في غيرها فلا مانع.
قوله: (لم تقبل) أي الشهادة.
قوله: (إلا أربعة الخ) فعلى هذا لا تقبل شهادة الزوج والاجير والمغفل والمتهم والفاسق بعد ردها اه.
بحر.
وفيه أيضا قبل هذا الباب: اعلم أنه يفرق بين المردود لتهمة وبين المردود لشبهة، فالثاني يقبل عند زوال المانع، بخلاف الاول فإنه لا يقبل مطلقا، وإليه أشار في النوازل اه.
وأطلق عدم القبول فشمله ولو من قاض آخر.
قال الوبري: من رد الحاكم شهادته في حادثة لا يجوز لحاكم آخر أن يقبله في تلك الحادثة وإن اعتقده عدلا.
قال سيدي الوالد: أما ما سوى الاعمى فظاهر، لان شهادتهم ليست شهادة، وأما الاعمى فلينظر الفرق بينه وبين أحد الزوجين.
ثم رأيت في الشرنبلالية: استشكل قبول شهادة الاعمى اه.
أقول: ويمكن أن يقال بأن الفرق ظاهر بينهما، وهو أن الاعمى ليس أهلا للشهادة مطلقا كالعبد والصبي، وأما الزوج فأهل لها لكن عدم ققبولها لتهمته.
تأمل.
ويأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (عبد الخ) وجه القبول فيها بعد الرد أن المردود أولا ليس بشهادة، بخلاف الفاسق إذا ردت شهادته، أحد الزوجين إذا ردت شهادته ثم شهد، لا تقبل لان لمردود أولا شهادة فيكون في قبولها بعض نقض قضاء قد أمضى بالاجتهاد.
وقوله: (وأعمى) يحمل على ما إذا تحمل بصيرا وأدى كذلك وقد تخلل العمى بينهما، وعليه يحمل قوله: وكذا بعد إبصار السابق كما نقلناه عن سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (وإدخال الكمال) مع أنه صرح في صدر عبارته بخلافه، ومثله في التاترخانية
والجوهرة والبدائع.
قال في خزانة المفتين: ومن ردت شهادته لعلة ثم زالت العلة لا تقبل إلا في خمسة مواضع، إلى أن قال: الخامسة إذا تحمل المملوك شهادة لمولاه فلم يؤد حتى عتق ثم شهد بها تقبل، وكذا الزوج إذا أبان امرأته ثم شهد لها جاز، فظاهر جعله من المستثنيات يؤيد كلام الكمال، وتصويره لا يساعده لانه قال لم يؤد حتى عتق فليس فيه أنها ردت لذلك ثم شهد بها.
وقال: إذا أبان امرأته ثم شهد لها ولم يذكر أنها ردت قبل الابانة كما نذكر تصويره قريبا عن الجوهرة والبدائع إن شاء الله تعالى، فتأمل.
قوله: (سهو) لان الزوج له شهادة وقد حكم بردها بخلاف العبد ونحوه.
تأمل.
والعجب أنه ذكر أولا أنها لا تقبل، كما لو ردت لفسق ثم تاب ثم قال فصار الحاصل الخ فذكر أحد الزوجين مع من يقبل، فالظاهر أنه سبق قلم لمخالفته صدر كلامه، ولما صرح به في التتارخانية(1/541)
والخلاصة: لا تقبل إلا في أربعة، ولما في الجوهرة: إذا شهد الزوج الحر لزوجته فردت ثم أبانها وتزوجت غيره ثم شهد لها بتلكا الشهادة لم تقبل لجواز أن يكون توصل بطلاقها إلى تصحيح شهادته، وكذا إذا شهدت لزوجها ثم أبانها ثم شهدت له اه.
ولما في البدائع: لو شهد الفاسق فردت أو أحد الزوجين لصاحبه فردت ثم شهدا بعد التوبة والبينونة لا تقبل.
ولو شهد العبد أو الصبي أو الكافر فردت ثم عتق وبلغ وأسلم وشهد في تلك الحادثة بعينها تقبل.
ووجه الفرق أن الفاسق والزوج لهما شهادة في الجملة فإذا ردت لا تقبل بعد، بخلاف الصبي والعبد والكافر إذ لا شهادة لهم أصلا اه.
كذا في الشرنبلالية.
وفيها قال في الفتاوى الصغرى: لو شهد المولى لعبده في النكاح فردت ثم شهد له بذلك بعد العتق لم يجز، لان المردود كان شهادة.
ثم قال: والصبي أو المكاتب إذا شهد فردت ثم شهدها بعد البلوغ والعتق جاز، لان المردود لم يكن شهادة بدليل أن قاضيا لو قضى به لا يجوز.
فإذا عرفت يسهل عليك تخريج المسائل أن المردود لو كان شهادة لا تجوز بعد ذلك أبدا، ولو لم يكن شهادة تقبل عند اجتماع الشرائط اه.
ولكن يشكل عليه شهادة الاعمى، إذ لو قضى بها جاز فهي شهادة وقد حكم
بقبولها بزوال العمى.
قوله: (ومحدود في قذف) أي بسببه، وقيد به لان الرد في غيره للفسق وقد ارتفع بالتوبة.
وأما فيه فلان عدم قبول شهادتهم من تمام الحد والحد لا يزول بالتوبة، وأشار به إلى أن الشهادة لا ترد بالقذف مؤبدا بل بالحد.
قوله: (تمام الحد) أي لا تسقط شهادته ما لم يضرب تمام الحد، لان الحد لا يتجزأ فما دونه لا يكون حدا وهو صريح المبسوط، لان المحدود من ضرب الحد: أي تماما، لان ما دونه يكون تعزيرا غير مسقط لها وهو ظاهر الرواية.
قوله: (وقيل بالاكثر) كما هو رواية، وقد علمت أن ظاهر الرواية تمامه، واختاره في المحيط لان المطلق يحمل على الكمال.
وفي رواية: ولو بسوط كما في المنبع، ولا فرق في عدم إتمامه بين أن يكون ضرب ناقصا أو فر قبل إتمامه، لانه ليس بحد حينئذ.
قوله: (وإن تاب) إن وصلية: أي لا تقبل شهادة المحدود في القذف وإن تاب.
قوله: (بتكذيبه نفسه) الباء للسببية: أي بسبب تكذيبه نفسه لان تكذيبه ناشئ عن كذبه وكذبه ذنب يقتضي التوبة، فليس التكذيب توبة لصحة الشهادة، ويمكن أن تكون الباء للتصوير، ويؤيده ما في الشرنبلالية فراجعها وتأمل.
قوله: (لان الرد) أي رد شهادة المحدود في القذف.
قوله: (من تمام الحد بالنص) وهو قوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * (النور: 4) ووجه الاستدلال أن الله تعالى نص على الابد وهو ما لا نهاية له، والتنصيص عليه ينافي القبول في وقت ما، وأن معنى قوله لهم للمحددين في القذف وبالتوبة لم يخرج عن كونه محدودا في قذف، ولانه يعني رد الشهادة من تمام الحد لكونه مانعا عن القذف كالجلد والحد وهو الاصل فيبقى بعد التوبة لعدم سقوطه بها، فكذا تتمة اعتبارا له بالاصل كما في العناية.
وفي العيني على الهداية: وإنما كان رد الشهادة من تمام الحد: أي لكون تمام الحد مانعا: أي عن القذف لكونه زاجرا لانه يؤلم قلبه كالجلد يؤلم بدنه، ولان المقصود منه رفع العار عن المقذوف وذلك في إهدار قول القاذف أظهر، لانه بالقذف آذى قلبه فجزاؤه أن لا تقبل شهادته.
لانه فعل لسانه وفاقا لجريمته فيكون من تمام الحد فيبقى: أي الرد بعد التوبة كأصله: أي كأصل الحد اعتبارا بالاصل اه.(1/542)
قوله: (والاستثناء منصرف لما يليه) أي قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * (النور: 5) راجع إلى قوله:
* (وأولئك هم الفاسقون) النور: 4) لقوله: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * بخلاف آية المحاربين، فإن قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * (النور: 5) راجع إلى الحد لا لقوله: * (ولهم عذاب عظيم) * لانه لو رجع إليه لما قيد الاستثناء بقبل القدرة، لان التوبة نافعة مطلقا، ففائدة التقييد به سقوط الحد به.
وقال الشافعي ومالك وأحمد: تقبل، لقوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الافاسقون إلا الذين تابوا) * (النور: 4 - 5) فإن الاستثناء إذا تعقب جملا بعضها معطوف على البعض ينصرف إلى الكل كقول القائل: مرأته طالق وعبده حر وعليه حجة إلا أن يدخل الدار، فإن الاستثناء ينصرف إلى جميع ما تقدم، لان هذا افتراء على عبد من عبيد الله تعالى، والافتراء على الله تعالى وهو الكفر لا يوجب رد الشهادة على التأبيد، بل إذا أسلم يقبل فهذا أولى.
ولنا أن قوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * (النور: 4) معطوف على قوله * (فاجلدوهم) * (النور: 4) والعطف للاشتراك فيكون رد الشهادة من حد القذف والحد لا يرتفع بالتوبة.
ولا نسلم أن الاستثناء في الآية تعقب جملا بعضها معطوف على بعض، بل تعقب جملة منقطعة عن جمل بعضها معطوف على بعض، لانه يعقب جملة * (أولئك هم الفاسقون) * (النور: 4) وهي جملة مستأنفة لان ما قبلها أمر ونهي فلم يحسن عطفها عليه، بخلاف المثال فإن الجمل كلها فيه إنشائية معطوفة فيتوقف كلها على آخرها، حتى إذا وجد الغير في الاخير تغير الكل، والقياس على الكفر ممتنع لفقط شرطه، وهو أن لا يكون في الفرع نص يمكن العمل به، وها هنا نص وهو التأبيد.
شمني.
وفي العناية: ولا يمكن صرف الاستثناء إلى الجميع لانه منصرف إلى ما يليه، وهو قوله تعالى: * (وأولئك هم الفاسقون) * (النور: 4) وهو ليس بمعطوف على ما قبله، لان ما قبله طلبي وهو إخباري.
فإن قلت: فجعله بمعنى الطلب ليصح كما في قوله تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * (الاسراء: 23) قلت: يأباه ضمير الفصل، فإنه يفيد حصر أحد المسندين في الآخر وهو يؤكد الاخبارية.
سلمناه لكن يلزم جعل الكلمات المتعددة كالكلمة الواحدة وهو خلاف الاصل.
سلمناه لكنه كان إذا ذاك جزاء فلا يرتفع بالتوبة كأصل الحد وهو تناقض ظاهر.
سلمناه لكنه كان أبدا مجازا عن مدة غير متطاولة وليس بمعهود.
سلمناه لكن جعله ليس بأولى من جعل الاستثناء منقطعا بل جعله منقطعا أولى دفعا
للمحذورات، وتمام الصور على هذا البحث يقتضي مطالعة تقريرنا في تقريرنا في الاستدلالات الفاسدة اه.
قوله: (إلا أن يحد كافرا في القذف فيسلم فتقبل) لان للكافر شهادة فكان ردها من تمام الحد، وبالاسلام حدثت شهادة أخرى فتقبل على المسلمين والذميين.
قوله: (بعد الاسلام) قال في البحر: وضع هذه المسألة يدل على أن الاسلام لا يسقط حد القذف، وهل يسقط شيئا من الحدود؟ قال الشيخ عمر قارئ الهداية: إذا سرق الذمي أو زنى ثم أسلم، فإن ثبت عليه ذلك بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه الحد، وإن ثبت بشهادة أهل الذمة فأسلم سقط عنه الحد اه.
وينبغي أن يقال كذلك في حد القذف.
وفي اليتيمة من كتاب السير أن الذمي إذا وجب التعزير عليه فأسلم لم يسقط عنه، ولم أر حكم(1/543)
الصبي إذا وجب التعزير عليه للتأديب فبلغ.
ونقل الفخر الرازي عن الشافعي سقوطه لزجره بالبلوغ، ومقتضى ما في اليتيمة أنه لا يسقط إلا أن يوجد نقل صريح اه.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية، وظاهر كلام المصنف أنه أسلم بعد ما ضرب تمام الحد، فلو أسلم بعد ما ضرب بعضه فضرب الباقي بعد إسلامه ففيه ثلاث روايات: في ظاهر الرواية لا تبطل شهادته على التأبيد، فإذا تاب قبلت.
وفي رواية: تبطل إن ضرب الاكثر بعد إسلامه.
وفي رواية: تبطل ولو بسوط.
بحر عن السراج: أي لانه لم يوجد في حقه ما ترد به شهادته التي تقبل منه في كفره ولا التي تقبل منه في إسلامه.
لانه في حال كفره لم يقم عليه تمام الحد ولا ترد الشهادة إلا بذلك.
وفي الاسلام لم يقم عليه تمام أيضا فلم تسقط شهادته.
قوله: (بخلاف عبد حد فعتق لم تقبل) لانه لا شهادة للعبد أصلا في حال رقه فتوقف الرد على حدوثها، فإذا حدثت كان رد شهادته بعد العتق من تمام الحد.
والفرق بينه وبين الكافر هو أن الكافر في حال كفره له شهادة، فإذا حد للقذف سقطت تلك الشهادة فإذا أسلم فقد استفاد بالاسلام بعد الحد شهادة فلم يخلفها رد، بخلاف العبد إذا حد ثم أعتق حيث لا تقبل شهادته لانه لم يكن له شهادة على أحد وقت الجلد فلم يتم الرد إلا بعد الاعتاق.
قوله: (على زناه) أي المقذوف: قوله: (أو اثنين) أو رجل وامرأتين.
منح.
قوله: (كما لو برهن قبل
الحد بحر) ونصه: لانه لو أقام أربعة بعد ما حد على أنه زنى قبلت شهادته بعد التوبة في الصحيح، لانه لو أقامها قبل لم يحد فكذا لا ترد شهادته، وإنما قيد بقوله على أنه زنى، لانه لو أقام بينة على إقرار المقذوف بالزنا لا يشترط أن يكونوا أربعة، لما في فتح القدير من باب حد القذف: فإن شهد رجلان أو رجل وامرأتان على إقرار المقذوف بالزنا يدرأ الحد عن القاذف، لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة الخ، فكذا إذا أقام رجلين بعد حده على إقراره بالزنا تعود شهادته كما لا يخفى.
ثم اعلم أن الضمير في قوله لهم عندنا عائد إلى المحدودين.
وعند الشافعي إلى القاذفين العاجزين عن الاثبات كما ذكره الفخر الرازي، فلو لم يحد تقبل شهادته عندنا خلافا له، ولو قذف رجلا ثم شهد مع ثلاثة على أنه زنى: فإن كان حد لم يحد المشهود عليه، وإن لم يحد القاذف حد المشهود عليه.
كذا في البزازية اه.
قوله: (الفاسق إذا تاب تقبل شهادته) قدمنا أن الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمان يظهر أثر التوبة عليه، وأن بعضهم قدر ذك بستة أشهر وبعضهم قدر بسنة، وأن الصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضي والمعدل، فراجعه.
قوله: (والمعروف بالكذب) أي المشهور به، فلا تقبل شهادته فإنه لا يعرف صدقه متوبته، بخلاف الفاسق إذا تاب عن سائر أنواع الفسق فإن شهادته تقبل.
بحر عن البدائع.
قوله: (وشاهد الزور الخ) قال ط: صنيعه يقتضي أنه ذكر ذلك في البحر، وقد اقتصر فيه على الاولين، فلو قال وفي الملتقط وساق العبارة لكان أولى اه.
أقول: نعم ذكره في البحر في هذا الباب عند قول الكنز: ومن ألم بصغيرة إن اجتنب الكبائر، وقدمنا عبارته في هذا الباب عند قوله: ومتى ارتكب كبيرة سقطت عدالته.
قوله: (لو عدلا لا تقبل(1/544)
أبدا) لانه لا تعرف توبته ولا تعتمد عدالته: أي من غير ضرب مدة كما في البحر عن الخلاصة قبيل قوله والاقلف.
وفي الخانية: المعروف بالعدالة إذا شهد بزور عن أبي يوسف أنه لا تقبل شهادته أبدا لانه لا تعرف توبته، وقيد بالعدل لان غير العدل إذا شهد بزور ثم تاب تقبل شهادته كما قدمناه.
قوله: (لكن سيجئ ترجيح قبولها) أي قبيل باب الرجوع عن الشهادة.
قال في الخانية: تقبل وعليه
الاعتماد، وجعل الاول رواية عن الثاني.
وروى الفقيه أبو جعفر أنه تقبل وعليه الاعتماد، وكلام الشارح فيما يأتي: أي قبيل باب الرجوع عن الشهادة صريح في أن الرواية الثانية عن أبي يوسف أيضا.
تأمل.
قوله: (ومسجون) ولو تعدد، ولذا عبر في الدرر: يشهد بعضهم على بعض، والتعليل يفيده.
قال في المنح: يعني إذا حدث بين أهل السجن حادثة في السجن وأراد بعضهم أن يشهد في تلك الحادثة لم تقبل لكونهم متهمين.
كذا في الجامع الكبير ومثله في البزازية اه.
قوله: (وكذا لا تقبل شهادة الصبيان) ظاهر عبارة المصنف: وعبارة الصغرى يفيد أنها لا تقبل شهادة البالغ الذي حضر الملاعب لفسقه بالحضور.
قوله: (لمنع الشرع عما يستحق به السجن) لان العدل لا يحضر السجن.
والبالغ لا يحضر ملاعب الصبيان والرجال لا تحضر حمام النساء، والشرع شرع لذلك طريقا آخر وهو الامتناع عن حضور الملاعب وعما يستحق به الدخول في السجن، ومنع النساء عن الحمامات، فإذا لم يمتثلوا كان التقصير مضافا إليهم لا إلى الشرع اه.
وقد تقدم الكلام على أنه قد يسجن الشخص من غير جرم، والمنع إنما يظهر في حق المسجون، والنساء في الحمام لا في الصبيان لعدم تكليفهم.
ذكر في إجارة المنبع معزيا إلى المبسوط أن عند أكثر العلماء والمجتهدين لا بأس باتخاذ الحمام للرجال والنساء للحاجة إليها خصوصا في الديار الباردة، وما روي من منعهن محمول على دخولهن مكشوفات العورة.
وقال المقدسي: وهو الصحيح.
قوله: (وصغرى وشرنبلالية) ما في الشرنبلالية نقله عن الصغرى، فالاولى شرنبلالية عن الصغرى.
قال في جامع الفتاوى: وقيل في كل ذلك يقبل، والاصح الاول كما في القنية اه.
قوله: (تقبل شهادة النساء وحدهن) قدم في الوقف أن القاضي لا يمضي قضاء قاض آخر بشهادة النساء وحدهن في شجاج الحمام.
سائحاني.
وحمله سيدي الوالد على القصاص بالشجاج.
قوله: (في القتل) فلا تقبل في نحو الاموال والشجاج.
قوله: (بحكم الدية) الاوضح في حكم الدية وهو متعلق بتقبل في نحو الاموال والشجاج.
قوله: (بحكم الدية) الاوضح في حكم الدية وهو متعلق بتقبل: أي لا في ثبوت القصاص، فإنه لا يثبت بالنساء، وظاهر ذلك أنه يحكم بالدية مع شهادتهن بالعمد ط.
قوله: (المعلم) ولو لغير قرآن.
قوله: (والزوجة لزوجها وهو لها) أي ولو كانت الزوجة أمة لقوله عليه الصلاة والسلام لا تجوز شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا السيد لعبده، ولا(1/545)
الشريك لشريكه، ولا الاجير لمن استأجره كما في الفتح مرفوعا من رواية الخصاف ومن قول شريح وساقه بسنده، ولان المنافع بين هؤلاء متصلة، ولهذا لا يجوز أداء بعضهم الزكاة إلى بعض فتكون شهادته لنفسه من وجه فلا تقبل.
قيل ما فائدة قول لسيده: فإن العبد لا شهادة له في حق أحد؟ وأجيب بأن ذكره على سبيل الاستطراد، فإنه عليه الصلاة والسلام لما عد مواضع التهمة ذكر العبد مع السيد، فكأنه قال: لو قبلت شهادة العبد في موضع من المواضع على سبيل الفرض لم تقبل في حق سيده.
قوله: (وجاز عليها) أي وعليه.
قوله: (إلا في مسألتين في الاشباه) وفي البحر أيضا: الاولى: قذفها الزوج ثم شهد عليها بالزنا مع ثلاثة لم تقبل، لانه يدفع اللعان عن نفسه.
الثانية: شهد الزوج وآخر بأنها أقرت بالرق لفلان وهو يدعي ذلك لم تقبل.
ولو قال المدعي أنا أذنت لها في نكاحه إلا إذا كان دفع لها المهر بإذن المولى.
كذا في النوازل.
بحر.
وكأن وجهه أن إقدامه على نكاحها وتسليمها المهر مناف لشهادته إذا لم يعترف المدعي بإذنه بالنكاح وبقبض المهر.
قال في البحر: ثم علم أن من لا تقبل شهادته له لا يجوز قضاؤه، فلا يقضي لاصله وإن علا، ولا لفرعه، وإن سفل، ولو وكيل من ذكرنا كما في قضائه لنفسه كما في البزازية.
ومنها أيضا: اختصم رجلان عند القاضي ووكل أحدهما ابن القاضي أو من لا تجوز شهادته له فقضى القاضي لهذا الوكيل لا يجوز، وإن قضى عليه يجوز.
وفي الخزانة: وكذا لو كان ولده وصيا فضى له ولو كان القاضي وصي اليتيم لم يجز قضاؤه في أمر اليتيم، ولو كان القاضي وكيلا لم يجز قضاؤه لموكله.
وتمامه فيها اه.
قوله: (ولو شهد لها ثم تزوجها) أي قبل القضاء، وكذا لو شهد ولم يكن أجيرا ثم صار أجيرا قبل أن يقضي بها.
تاترخانية.
قال ط: وانظر ما لو طلقها وانقضت عدتها، والمسألة بحالها هل يقضى بها؟ والمناسب للمؤلف زيادة مسألة أخرى يزيد التفريع بها وضوحا، وهي أنه لو شهد لامرأته وهو عدل ولم يرد الحاكم شهادته حتى طلقه بائنا وانقضت عدتها فإنه تنفذ شهادته كما في الخانية اه.
قوله: (فعلم منع الزوجية) ولو الحكمية كما في المعتدة، لكن الذي يعلم مما ذكره منع الزوجية عند القضاء، وأما منعها عند التحمل أو الاداء فلا يعلم مما ذكر فلا بد من ضميمة ما
ذكره.
في المنح عن البزازية: لو تحملها حال نكاحها ثم أبانها وشهد لها: أي بعد انقضاء عدتها تقبل، وما قدمناه في المقولة السابقة قبل هذه عن ط وهي: لو شهد لامرأته وهو عدل الخ.
قوله: (لا تحمل) أي لا تمنع الزوجية عن التحمل، فلو تحمل أحدهما حال الزوجية وأدى بعد انقضاء العدة يجوز.
قوله: (أو أداء) كما في المسألة المنقولة عن الخانية.
قال الرحمتي: وهو معطوف على القضاء: أي يمنع الزوجية عن القضاء أو الاداء لا عند التحمل، فلو تحملت في النكاح أو العدة وأدت بعدها جاز كتحمل الزوج، ولا يصح القضاء بشهادة أحد الزوجين ولا أداؤهما للشهادة في حال قيام الزوجية أو العدة، وهذا هو المتفرع على عبارة الخانية حيث قال: ثم تزوجها بطلت: أي لا يقضى بها بعد أدائها قبل الزوجية، كما لا يصح الاداء حال قيام الزوجية اه.
وهو مخالف لما قدمناه عن الخانية من نفاذ(1/546)
شهادة العدل لزوجته حال الزوجية إذا أبانها وانقضت عدتها قبل رد الحاكم شهادته، وهو الموافق لظاهر عبارة الشارح، لان الظاهر عطف قوله أو أداء على قوله لا تحمل من غير تكلف لما قاله الرحمتي كما سمعت، فتكون الزوجية غير مانعة عند التحمل وعند الاداء، إلا أن يشهد لما قاله الرحمتي نقل.
فتأمل.
قال في البحر: والحاصل أنه لا بد من انتفاء التهمة وقت القضاء، وأما في باب الرجوع إلى الهبة فهي مانعة منه وقت الهبة لا وقت الرجوع، فلو وهب لاجنبيه ثم نكحها فله الرجوع، بخلاف عكسه كما سيأتي.
وفي باب إقرار المريض: الاعتبار لكونها زوجة وقت الاقرار، فلو أقر لاجنبيه ثم نكحها ومات وهي زوجته صح.
وفي باب الوصية: الاعتبار لكونها زوجة وقت الموت لا وقت الوصية اه.
قوله: (والفرع لاصله) ولو كان فرعا من وجه كولد الملاعنة لا تقبل شهادته لاصوله أو هوله أو لفروعه لثبوت نسبه من وجه بدليل صحة دعوته منه وعدمها من غيره.
وتحرم مناكحته ووضع الزكاة فيه، ولا إرث ولا نفقة من الطرفين كولد العاهر، ولو باع أحد التوأمين وقد ولدا في ملكه وأعتقه المشتري فشهد لبائعه تقبل، فإن ادعى الباقي ثبت نسبهما وانتقض البيع والعتق والقضاء، ويرد
ما قبض أو مثله إن هلك للاستناد لتحويل العقد، وإن كان القضاء قصاصا في طرف أو نفس فأرشه عليه دون العاقلة.
وتمامه في تلخيص الجامع من باب شهادة ولد الملاعنة.
ولا تقبل شهادة ولد أم الوالد المنفي من السيد ولا يعطيه الزكاة كولد الحرة المنفي باللعان.
كذا في المحيط البرهاني.
وفي فتح القدير: تجوز شهادته لابنه رضاعا.
وفي خزانة الاكمل: شهد ابناه أن الطالب أبرأ أباهما واحتال بدينه على فلان لم تجز إذا كان الطالب منكرا، وإن كان المال على غير أبيهما فشهدا أن الطالب أحال به أباهما والطالب ينكر والمطلوب يدعي البراءة والحوالة جازت انتهى.
وفي المحيط البرهاني: إذا شهدا على فعل أبيهما فعلا ملزما لا تقبل إذا كان للاب منفعة اتفاقا، وإلا فعلى قولهما لا تقبل.
وعن محمد روايتان، فلو قال إن كلمك فلان فأنت حر فادعى فلان أنه كلمه وشهد ابناه به (1) لم تقبل عندهما، وكذا إن علق عتقه بدخوله الدار، ولو أنكر الاب جازت شهادتهما، وكذا الحكم في كل شئ كان من فعل الاب من نكاح أو طلاق أو بيع.
وإن شهد ابنا الوكيل على عقد الوكيل فهو على ثلاثة أوجه: الاول: أن يقر الموكل والوكيل بالامر والعقد.
وهو على وجهين، فإن ادعاه الخصم قضى القاضي بالتصادق لا بالشهادة، وإن أنكر فعلى قولهما لا تقبل ولا يقضي بشئ، إلا في الخلع فإنه يقضي بالطلاق بغير مال لاقرار الزوج به وهو الموكل.
وعند محمد: يقضي بالعقد إلا بعقد ترجع حقوقه إلى العاقد كالبيع.
الثاني: أن ينكر الوكيل والموكل، فإن جحد الخصم لا تقبل، وإلا تقبل اتفاقا.
الثالث: أن يقر الوكيل بهما ويجحد الموكل العقد فقط، فإن ادعاه الخصم يقضي بالعقود كلها،
__________
(1) قوله: (فاادعى فلان أنه كلمه وشهد لبناه به) أي ابنا فلان وكذت الضضمير في قوله بدخوله لفلان اه.
منه.(1/547)
إلا النكاح على قول أبي حنيفة.
وتمامها فيه.
قوله: (وإن علا) كجده وجد جده إلى ما لا نهاية، سواء كان جده لابيه أو لامه.
قوله: (إلا إذا شهد الجد الخ) محل هذا الاستثناء بعد قوله: وبالعكس إذ الجد
أصل لا فرع، وأنت خبير بأن هذه ليست من جزئيات شهادة الفرع لاصله بل الامر بالعكس، وحينئذ فلا محل له بعد قوله وبالعكس.
وقياسه هنا أن يقال: إلا إذا شهد ابن الابن على أبيه لجده، وهذا تبع فيه صاحب الاشباه ابن الشحنة كما نقله منه في المنح، ويظهر لك بيانه قريبا.
ثم إن صاحب المحيط جعل ذلك في صورة مخصوصة، وهي ما إذا ولدت امرأة ولدا فادعت أنه من زوجها هذا وجحد الزوج ذلك فشهد أبوه وابنه على إقرار الزوج أنه ولده من هذه المرأة تقبل شهادتهما، لانها شهادة على الاب اه.
ومثله في الخانية.
أقول: وتتمة عبارتها: ولو شهد أبو المرأة وجدها على إقرار الزوج بذلك لا تقبل شهادتهما لانهما يشهدان لولدهما، ولو ادعى الزوج ذلك والمرأة تجحد فشهد عليها أبوها أنها ولدت وأقرت بذلك اختلفت فيه الرواية.
قال في الاصل: لا تقبل شهادتهما في رواية هشام، وتقبل في رواية أبي سليمان.
وإذا شهد الرجل لابن ابنه على ابنه جازت شهادته انتهت.
ونقلها في التاترخانية بحروفها.
ووجه الاولى أنها شهادة على الابن للمرأة صريحا بجحوده وادعائها، وفي الثانية بالعكس، والقبول في الاولى يقتضي القبول في الثانية وترجيح رواية أبي سليمان، إذ لا فرق يظهر، ولم يصر الولد المجحود ابن ابن إلا بعد الشهادة في المسألتين، وعلى هذا فلا فرق بين الاموال والنسب في القبول.
وفي المنح عن شرح العلامة عبد البر نقلا عن الخانية: القبول مطلقا من غير تقييد بحق.
قال المصنف: ولعل وجه القبول أن إقدامه على الشهادة على ولده وهو أعز عليه من ابنه دليل على صدقه فتنفي التهمة التي ردت لاجلها الشهادة، وهذا خلاف ما مشى عليه صاحب البحر من أنه مقيد بشهادة الاب على إقرار ابنه ببنوة ولده في الاموال ونقله قبله أنها لا تقبل، وحمله على أنها في غير مسألة المحيط المذكورة، وتعقب المصنف كلامه بكلام ابن الشحنة.
ونص قاضيخان فيمن لا تقبل شهادته للتهمة أو إذا شهد الرجل لابن ابنه على ابنه جازت شهادته كما ذكرنا اه.
قال الشلبي في فتاويه: سئلت عما لو شهدت الام لبنتها على بنت لها أخرى هل تقبل شهادتهما؟
فأجبت بما حاصله: إن شهادة الام على إحدى البنتين وإن كانت مقبولة لكن لما تضمنت الشهادة للاخرى ردت فلا تقبل شهادتهما للتهمة، والله الموفق.
ويشهد لما أجبت به قول الزيلعي رحمه الله تعالى في كتاب النكاح: ولو تزوجها بشهادة ابنيهما ثم تجاحدا لا تقبل مطلقا لانهما يشهدان لغير المنكر منهما اه.
ثم أجاب عن سؤال الآخر بما نصه: شهادة الاب على ولده لابنته غير صحيحة، والله تعالى أعلم اه.
أقول: ويظهر على اعتماد عدم القبول أيضا لانه منطوق المتون، فتأمل.
قوله: (قال) أي صاحب الاشباه.
قوله: (إلا إذا شهد على أبيه لامه) في مال لا طلاق ادعته عليه كما في تنوير الاذهان(1/548)
والضمائر معزيا فيه لفتاوى شمس الائمة الاوزجندي من أن الام وإن ادعت الطلاق تقبل شهادتهما وهو الاصح، لان دعواها لغو، فإن الشهادة تقبل حسبة من غير دعواها فصار وجود دعواها وعدمها سواء ط.
قوله: (ولو بطلاق ضرتها) لانها شهادة لامه.
قوله: (والام في نكاحه) الواو للحال.
ووجهه الشريف الحموي بأن فيه جر نفع للام.
وأخذ السيد أبو السعود من كلام الاوزجندي السابق أن القبول هنا أولى، لان الام لم تدع والشهادة في الطلاق مقبولة حسبة.
قال في البحر: وذكر في القضاء من الفصل الرابع: رجل شهد عليه بنوه أنه طلق أمهم ثلاثا وهو يجحد: فإن كانت الام تدعي فالشهادة باطلة، وإن كانت تجحد فالشهادة جائزة، لانها إذا كانت تدعي فهم يشهدون لامهم لانهم يصدقون الام فيما تدعي ويعيدون البضع إلى ملكها بعد ما خرج عن ملكها.
وأما إذا كانت تجحد فيشهدون على أمهم لانهم يكذبونها فيما تجحد ويبطلون عليها ما استحقت من الحقوق على زوجها من القسم والنفقة وما يحصل لها من منفعة عود بضعها إلى ملكها فتلك منفعة مجحودة يشوبها مضرة فلا تمنع قبول الشهادة اه.
وهذه من مسائل الجامع الكبير.
وأورد عليه أن الشهادة بالطلاق شهادة بحق الله تعالى، فوجود دعوى الام وعدمها سواء لعدم اشتراطها.
وأجيب بأن مع كونه حقا لله تعالى فهو حقها أيضا، فلم تشترط الدعوى للاول واعتبرت إذا وجدت مانعة من القبول للثاني عملا بهما.
وفي المحيط البرهاني معزيا إلى فتاوى شمس الاسلام الاوزجندي: أن الام إذا ادعت الطلاق تقبل شهادنهما، قال: وهو الاصح لان دعواها لغو.
قال مولانا: وعندي أن ما ذكره في الجامع أصح اه.
ويتفرع على هذا مسائل ذكرها ابن وهبان في شرحه.
الاولى: شهدا أن امرأة أبيهما ارتدت وهي تنكر: فإن كانت أمهما حية لم تقبل ادعت أو أنكرت لانتفاعها، وإلا فإن ادعى الاب لم يقبل، وإلا قبلت.
الثانية: طلق امرأته قبل الدخول ثم تزوجها فشهد ابناه أنه طلقها في المدة الاولى ثلاثا ثم تزوجها بلا محلل: فإن كان الاب يدعي لا تقبل، وإلا تقبل.
الثالثة: شهد ابناه على الاب أنه خلع امرأته على صداقها: فإن كان الاب يدعي لم تقبل، دخل بها أولا، وإلا تقبل ادعى أو لا.
الرابعة: شهد ابنا الجارية الحران أن مولاها أعتقها على ألف درهم: فإن كانت تدعي لم تقبل، وإلا فتقبل.
وإن شهد ابنا المولى وهو يدعي لم تقبل وعتقت لاقراره بغير شئ وإلا تقبل.
بخلاف ما إذا شهدا على عتق أبيهما بألف فإنها لا تقبل مطلقا لان دعواه شرط عنده.
ولو شهد ابنا المولى: فإن ادعى المولى لم تقبل، وإن جحد وادعى الغلام تقبل ويقضى بالعتق وبوجوب المال، وإن أنكر لم تقبل.
الخامسة: جارية في يد رجل ادعت أنه باعها من فلان وأن فلانا الذي اشتراها أعتقها والمشتري يجحد فشهد ابنا ذي اليد با ادعت الجارية: فإن ادعى الاب لم تقبل، وإلا تقبل اه.
وهذه كلها مسائل الجامع الكبير ذكرها الصدر الشهيد سليمان في باب من الشهادات.
وزاد: قالت: بعتني منه وأعتقني وشهد ابنا البائع: إن داعى لا تقبل وعتقت بإقراره، وإن كذبه قبلت وثبت الشراء والعتق لانه(1/549)
خصم، كالشفيع في يده جارية قال بعتها من فلان بألف وقبضها وباعها مني بمائة دينار وشهد ابنا الباع يقضى بالبيعين وبالثمنين.
وعند محمد: يشترط تصديقه ولا يحبس به، وإن ادعى الاب لا تقبل ويسلم له إقراره إلى آخر ما فيه.
وفي البزازية: وفي المنتقى: شهدا على أن أباهما القاضي قضى لفلان على فلان بكذا لا تقبل، والمأخوذ أن الاب لو كان قاضيا يوم شهد الابن على حكمه تقبل، ولو شهد الابنان على شهادة أبيهما تجوز بلا خلاف وكذا على كتابه اه.
ثم قال: قضاء القاضي بشهادة ولده وحافده يجوز.
وفي الخانية: ولو ولدت ولدا وادعت أنه من زوجها وجحد الزوج ذلك فشهد على الزوج أبوه وابنه أنه أقر أن هذا ولده من هذه المرأة.
قال في الاصل: جازت شهادتهما، ولو ادعى الزوج ذلك والمرأة تجحد فشهد عليها أبوها أنها ولدت وأنها أقرت بذلك اختلف فيه الرواية اه، وتقدم نقل مسألة الخانية فلا تنسه.
قوله: (لا تقبل شهادة الانسان لنفسه) قال مؤيد زاده: شهادة الانسان فيما باشره مردودة بالاجماع، سواء كان لنفسه أو لغيره وهو خصم في ذلك أولا، فلا تجوز شهادة الوكيل بالنكاح اه.
قوله: (إلا في مسألة القاتل إذا شهد بعفو ولي المقتول) أل في القاتل للجنس الصادق بالتعدد.
وصورتها كما في الحلبي عن الاشباه: ثلاثة قتلوا رجلا عمدا ثم شهدوا بعد التوبة أو الولي قد عفا عنا.
قال الحسن: لا تقبل إلا أن يقول اثنان منهم عفا عنا وعن هذا الواحد، ففي هذا الوجه قال أبو يوسف: تقبل في حق الواحد.
وقال الحسن: تقبل في حق الكل اه.
قال البيري: الذي رأيناه في تلخيص الكبرى وخزانة الاكمل وعن الحسن في ثلاثة قتلوا رجلا عمدا ثم تابوا وأقروا وشهدوا أنه عفا عنا لا يجوز.
وإن قال اثنان عفا عنا وعن هذا، قال أبو يوسف: تقبل في حق الواحد.
وقال الحسن: يجوز في الوجهين.
وفي تلخيص الكبرى: والفتوى على قول أبي يوسف اه.
ثم على قول أبي يوسف: لا شهادة لانسان لنفسه بل شهادتهما للثالث، ولا تهمة فيها لعدم الاشتراك لوجوب القتل على كل واحد منهما كملا فلم تجز منفعة اه.
وأما على قول الحسن بالقبول فقد قبلت شهادة الانسان لنفسه بالنظر لهما.
وقوله: وقال الحسن يجوز في الوجهين فيه نظر، فإنه ذكر عن الحسن فيما إذا قال الثلاثة عفا عنا لا يجوز، فإن عبارتي الاشباه والبيري متفقتان على عد القبول فيما إذا قال عفا عنا فقط عند الحسن.
والظاهر أن أبا يوسف معه إذ لم يذكر خلافه إلا في الثانية، فإن أريد بالوجهين الثالث والشاهدان وافق عجز عبارة الاشباه السابقة، ولا وجه لقول البيري: والذي رأيناه الخ فإنه يفيد المخالفة بين العبارتين ط.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: إن كان المراد بقول الحسن تقبل إذا قال اثنان منه عفا عنا وعن هذا الواحد تقبل إن القاتل اثنان فقط كما هو المتبادر من ظاهر العبارة، فالظاهر أن القبول في حق سقوط القود عن الكل، وعليه فتجب الدية على الشاهدين فقط، وإن كان المراد أن كل اثنين قال ذلك أو كل واحد قال ذلك فتسقط الدية عن الكل، وانظر ما وجه قول أبي يوسف هذا وقد جعل المسألة في الاشباه مستثناة من قاعدة: لا تقبل شهادة الانسان لنفسه، فقال محشيها الحموي تبعا للرملي: لا يصح استثناء هذه المسألة من الضابط المذكور، لانه ليس فيها شهادة الانسان لنفسه، ولا على قول الحسن، بل إنما قبلت على قوله في الوجه المذكور لانها شهادة الاثنين كل منهم على عفو الولي عن الثالث.
وأما شهادة كل لنفسه فلا قائل بها.(1/550)
والوجه في ذلك أن شهادة الاثنين للآخر لا تهمة فيها لعدم الاشتراك لوجوب القتل على كل واحد منهم كملا فلم تجر منفعة فهي كشهادة غريمين لغريمين، فتأمل.
وفي حاشيتها للكفيري: قال أبو حنيفة: تقبل في حق الواحد ويسقط القصاص عن الاثنين ويلزمهما بقية الدية، وذلك لان الشهادة ليست لانفسهما.
وقال الحسن: تقبل في حق الكل، وذلك لما فيه من اعتبار أن كل اثنين تكون شهادتهما لغيرهما، وإذا فرض ذلك فتحصل الشهادة في المعنى لكل من الاثنين للآخر فتقبل شهادة الكل اه.
نقله بعض الفضلاء.
وعلى هذا التقرير يصح الاستثناء لان فيه قبول شهادة الانسان لنفسه، فتأمل اه.
قال في البحر: ونظيره أي نظير مسألة القاتل ما في الخانية أيضا: لو قال إن دخل داري أحد فعبدي حر فشهد ثلاثة أنهم دخلوها، قال أبو يوسف: إن قالوا دخلناها جميعا لا تقبل، وإن قالوا دخلنا ودخل هذا تقبل.
وسأل الحسن بن أبي يوسف عنها فقال: إن شهد ثلاثة بأنا دخلناها جميعا تقبل، وإن شهد اثنان لا تقبل، فقال له الحسن أصبت وخالفت أباك اه.
قوله: (وسيد لعبده) أي وأمته وأم ولده وتقبل عليهم.
قهستاني قوله: (ومكاتبه) لانه شهادة لنفسه من كل وجه إن لم يكن عليه دين ومن وجه إن كان عليه دين لان الحال موقوف مراعى.
وفي منية المفتي: شهد العبد لمولاه فردت ثم شهد بها عبد العتق تقبل، ولو شهد المولى لعبده بالنكاح فردت ثم شهد له بعد العتق لم يجز لان المردود كان شهادة، وكذا الصبي أو المكاتب إذا شهد فردت ثم شهد بها بعد البلوغ والعتق جازت لان المردود لم يكن شهادة اه.
بحر.
وقدمنا الكلام عليه مستوفى في هذا الباب فراجعه.
قوله: (والشريك لشريكه) سواء كانت شركة أملاك أو شركة عقد عنانا أو مفاوضة أو وجوها أو صنائع، وخصصه في النهاية بشريك العنان.
قال: وأما شهادة أحد المفاوضين لصاحبه فلا تقبل إلا في الحدود والقصاص والنكاح لان ما عداها مشترك بينهما، وتبعه في العناية والبناية، وزاد في فتح القدير على الثلاثة: الطلاق والعتاق وطعام أهله وكسوتهم.
وتعقبه الشارح بأنه سهو فإنه لا يدخل في الشركة إلا الدراهم والدنانير ولا يدخل فيه العقار ولا العروض، ولهذا قالوا: لو وهب لاحدهما مال غير الدراهم والدنانير لا تبطل الشركة، لان المساواة فيه ليس بشرط اه.
وكذا قال في الحواشي السعدية: فيه بحث لانه إذا كان ما عداهما مشتركا يدخل في عموم قوله ما ليس من شركتهما، فيشمل كلام المصنف شركة المفاوضة أيضا، فلا وجه للاخراج فتأمل، إلا أن يخص بالاملاك بقرينة السياق.
ثم إن قوله لان ما عداهما مشترك بينهما غير صحيح فإنه لا يدخل في الشركة إلا الدراهم والدنانير الخ، وما ذكره في النهاية هو صريح كلام محمد في الاصل كما ذكره في المحيط البرهاني.
ثم قال: وشهادة أحد شريكي العنان فيما لم يكن من تجارتهما مقبولة لا فيما كان منها، ولم يذكر هذا التفصيل في المفاوضة لان العنان قد تكون خاصا وقد تكون عاما، فأما المفاوضة فلا تكون إلا في جميع الاموال، وقد عرف ذلك في كتاب الشركة.
وعلى قياس ما ذكره شيخ الاسلام في كتاب الشركة أن المفاوضة تكون خاصة يجب أن تكون المفاوضة على التفصيل الذي ذكرنا في العنان اه.
مطلب: شهد الشريكان أن لهما ولفلان على هذا الرجل كذا فهي على ثلاثة أوجه وشمل كلام المؤلف ما إذا شهد أن لهما ولفلان على هذا الرجل ألف درهم وهي على ثلاثة أوجه: الاول: أن ينصا على الشركة بأن شهدا أن لفلان ولهما على هذا الرجل ألف درهم مشترك بينهم فلا تقبل.(1/551)
الثاني: أن ينصا على قطع الشركة بأن قالا نشهد أن لفلان على هذا خمسمائة بسبب على حدة ولنا عليه ضمانه بسبب على حدة فتقبل شهادتهما في حق فلان.
الثالث: أن يطلقا فلا تقبل لاحتمال الاشتراك.
مطلب شهد الشريكان أن لهما ولفلان على هذا الرجل كذا فهي على ثلاثة أوجه وشمل كلام المؤلف ما إذا شهد أن لهما ولفلان على هذا الرجل ألف درهم وهى على ثلاثة أوجه: الاول: أن ينصا على الشركة بأن شهدا أن لفلان واهما على الرجل ألف درهم مشترك بينهم فلا تقبل.
الثاني: أن ينصا على قطع الشركة بأن قالا نشهد أن لفلان على هذا خمسمائة بسبب على حدة ولنا عليه ضمانه بسبب على حدة فتقبل شهادتهما في حق فلان.
الثالث: أن يطلفا فلا تقبل لاحتمال الاشتراك.
مطلب: شهدا أن الدائن أبرأهما وفلانا عن الالف ولو كان لواحد على ثلاثة دين فشهد اثنان منهم أن الدائن أبرأهما وفلانا عن الالف الذي كان له عليه وعليهما فإن كانوا كفلاء لم تقبل، وإلا فإن شهدوا بالابراء بكلمة واحدة فكذلك وإلا تقبل.
كذا في المحيط البرهاني.
بحر بزيادة.
قال في الهندية: وكذلك: أي لا تقبل شهادة أجير أحد الشريكين للشريك الآخر كما في المبسوط اه.
قوله: (فيما هو من شركتهما) أي فيما ليس من شركتهما تقبل لانتفاء التهمة.
قال في البحر: وهنا مسائل متفرعة على عدم شهادة الشريك لشريكه: الاولى: شهدا أن زيدا أوصى بثلث ماله لقبيلة بني فلان وهما من تلك القبيلة صحت ولا شئ لهما منها.
الثانية: لو أوصى لفقراء جيرانه وهما منهم فالحكم كذلك.
الثالثة: لو أوصى لفقراء بيته أو لاهل بيته وهما منهم لم تصح، ولو كانا غنيين صحت.
والفرق بين الاولين والثالثة أنه يجوز فيهما تخصيص البعض منهم بخلافه في الثالثة.
الرابعة: لو أوصى لفقراء جيرانه فشهد من له أولاد محتاجون منهم لم تقبل مطلقا في حق الاولاد
وغيرهم.
والفرق بينهما وبين أولادهما أن المخاطب لم يدخل تحت عموم خطابه فلم يتناولهما الكلام، بخلاف الاولاد فإنهم داخلون تحت الشهادة، وإنما أدخلنا المتكلم في مسألة لفقراء أهل بيته باعتبار أنهم يحصون، بخلاف فقراء جيرانه وبني تميم.
وذكر قاضيخان في فتاواه من الوقف: لو شهدا أنها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه وهما منهم جازت ولو على فقراء قرابته لا.
قال الناطفي في الفرق: إن القرابة لا تزول والجوار يزول فلم تكن شهادة لنفسه لا محالة اه.
وأهل بيت الانسان لا يزول عنهم لانهم أقاربه الذين في عياله فلهذا لم تقبل فيها، ولكن يشكل بمسألة القبيلة فإن الاسم عنهم لا يزول مع قبولها ولكن لا يدخلان.
ويمكن الفرق بين الوصية والوقف بما أشار إليه ابن الشحنة اه.
وعلى هذا شهادة أهل المدرسة بوقفها جائزة كما يأتي قريبا في كلام الشرح.
قوله: (لانها لنفسه من وجه) وهو البعض الذي هو حصة وذلك باطل، وإذا بطل في البعض بطل في الكل لكونها غير متجزئة إذ هي شهادة واحدة.
عناية.
قوله: (برق) فإذا طعن المدعى عليه في الشهود أنهم عبيد فعلى المدعي إقامة البينة على حريتهم.
بحر عند قوله: إلا أن يتحملا في الرق والصغر، لكل نقل بعده عن الخلاصة في الكلام على الجرح المجرد أنه(1/552)
يقال للشاهدين أقيما البينة على الحرية وهو صريح ما قدمه في شرح قوله والمملوك، وما هنا صريح في أن ذلك على المدعي وهو قوله فعلى المدعي إقامة البينة على حريتهم، فتأمل.
قوله: (وحد) فلو قال هم محدودون في قذف فعلى الطاعن إقامة البينة.
حموي.
وله الطعن ولو بعد الحكم ولو عدلهم الخصم قبلها فله الطعن ولو عدلهم بعد الشهادة لا يقبل طعنه ط.
قوله: (وشركة) أي إذا ادعى الخصم أن الشاهد شريك المدعي وأقام بينة تقبل شهادة بينته ولا يكلف المدعي إقامة بينة على أنه ليس شريكا له على الظاهر لانها بينة نفي ط.
قوله: (بزيادة الخراج) أي الذي لم يكن معينا لا تقبل لانه يدفع عن نفسه بها مغرما.
قوله: (ما لم يكن خراج كل أرض معينا) فإن الشاهد بشهادته لا يجر لنفسه مغنما ولا يدفع بها مغرما، وكذا يقال فيما بعد.
قوله: (أو لا خراج للشاهد) أي عليه كما في الهندية عن الخلاصة.
قوله: (شهدوا على ضيعة) أي يعود نفعها لجميعهم أما إذا كانت لجماعة معينين فلا مانع من القبول
فيما يظهر ط.
وعبارة البزازية على قطعة لكن في الفتح كما هنا على ضيعة وفي القاموس: الضيعة: العقار والارض المغلة.
قال في الهندية: أهل القرية أو أهل السكة الغير النافذة شهدوا على قطعة أرض أنها من قريتهم أو سكنهم لا تقبل، وإن كانت نافذة: إن ادعى لنفسه حقا لا تقبل، وإن قال لا آخذ شيئا تقبل.
كذا في الوجيز للكردري.
قوله: (يشهدون بشئ من مصالحه) بأن شهدوا على قطعة أرض أنها من سكتهم كما قدمناه عن الهندية.
قوله: (وفي النافذة الخ) صورته: ادعى أهل السكة قطعة أرض أنها من السكة وشهد بعضهم: إن كان الشاهد لا غرض له إلا إثبات نفع عام لا جر مغنم له تقبل، وإن أراد أن يفتح بابا فيها لا تقبل ط.
قوله: (لا تقبل) وقيل تقبل مطلقا في النافذة.
فتح.
قوله: (وإن قال لا آخذ شيئا تقبل) في قاضيخان: دار بيعت ولها شفعة وأنكر البائع البيع فشهد بذلك بعض الشفعاء: إن كان لا يطلب الشفعة وقال أبطلت شفعتي جازت شهادته، وإلا لا لان حق الشفعة مما يحتمل الابطال.
أما في المسألة الآتية في الوقف على المدرسة من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله، فإنه لو قال أبطلت حقي كان له أن يطلب ويأخذ بعد ذلك، فكان شاهدا لنفسه فيجب أن لا تقبل شهادته.
وعن بعض المشايخ: إذا شهد اثنان من أهل سكة على وقف تلك السكة: إن كان الشاهد يطلب لنفسه حقا لا تقبل شهادته، وإن كان لا يطلب تقبل ونظر فيه اه ملخصا.
ويؤيده ما نذكره من الكلام عليها في المقولة الآتية فاحفظه.
قوله: (وكذا) أي تقبل في وقف المدرسة: أي في وقفية وقف على مدرسة كذا وهم من أهل تلك المدرسة، وكذلك الشهادة على وقف مكتب وللشاهد صبي في المكتب، وشهادة أهل المحلة في وقف عليها، وشهادتهم بوقف المسجد، والشهادة على وقف المسجد الجامع، وكذا أبناء السبيل إذا شهدوا بوقف على أبناء السبيل فالمعتمد القبول في الكل، بزازية.
وقيد بالشهادة بوقف المدرسة، لان شهادة المستحق فيما يرجع إلى الغلة كشهادته بإجارة ونحوها لا تقبل لان له حقا في المشهود به فكان متهما.
بحر.
قال ابن الشحنة: ومن هذا النمط مسألة قضاء القاضي في وقف تحت نظره أو مستحق فيه اه.
وهذا كله في شهادة الفقهاء بأصل الوقف، أما شهادة المستحق فيما يرجع إلى الغلة كشهادته بإجارة
ونحوها لم تقبل لان له حقا فيه فكان متهما.(1/553)
وقد كتبت في حواشي جامع الفصولين أن مثله شهادة شهود الاوقاف المقررين في وظائف الشهادة بما يرجع إلى الغلة لما ذكرنا، وتقريره فيهما لا يوجب قبولها.
وفائدتها إسقاط التهمة عن المتولي فلا يحلف، ويقويه أن البينة تقبل لاسقاط اليمين، كالمودع إذا ادعى الرد أو الهلاك فالقول له مع اليمين، فإن برهن فلا يمين.
بحر ملخصا، فراجعه.
قال الرملي: ويعلم من قوله ومن هذا النمط الخ جواز شهادة الناظر في وقف تحت نظره، لان القضاء والشهادة من باب واحد كما تقدم.
وقد أفتى به شيخ الاسلام الشيخ محمد الغزي في واقعة الحال بقوله الظاهر قبولها، كما شهد بوقف مدرسة وهو صاحب وظيفة بها.
والله تعالى أعلم، فتأمل اه.
ويرد على ما مر من الفرق في البزازية من قوله: أهل القرية إذا شهدوا على قطعة أرض أنها من أراضي قريتهم لا تقبل.
وأجاب عنه التمرتاشي بحمله على قرية مملوكة كما في التنقيح.
قوله: (انتهى) أي ما في فتاوى النسفي، ونقله عنه في الفتح آخر الباب.
قوله: (والاجير الخاص) وذلك لان منافعه مستحقة للمستأجر ولهذا لا يجوز له أن يؤجر نفسه من آخر في تلك المدة، فلو جازت شهادته للمستأجر كانت شهادة بالاجر لان شهادته من جملة منافعه، فلا تقبل شهادته في تجارة أستاذه ولا في شئ آخر اه.
شلبي.
وقيد بالخاص لان شهادة المشترك كالخياط تقبل لانه لا يستوجب أجرا إلا بعلمه، فإذا لم يستوجب بإجارته شيئا انتفت التهمة عن شهادة اه.
وتقبل شهادة من استأجره يوما في ذلك اليوم استحسانا كما في البزازية، ولا تقبل شهادة المستعير لمعيره بالمستعار، ولو رهن دارا فشهد له من استأجره للبناء يقبل، وإن شهد له من استأجره لهدمها لا.
قال في الهندية: رجل ادعى دارا في يد رجل فشهد له شاهدان بها وأن المدعي استأجرهما على بنائها وغير ذلك مما لا يجب عليه الضمان في ذلك جازت شهادتهما، وإن قالا استأجرنا على هدمها فهدمناها لا تقبل شهادتهما بالملك للمدعي ويضمنان قيمة البناء للمدعى عليه، كذا في فتاوى قاضيخان.
وشهادة الاستاذ للتلميذ مقبولة، وكذا المستأجر للاجير.
فتح.
ولا تقبل شهادة المستأجر
للآجر بالمستأجر.
بحر.
لو استأجر دارا شهرا فسكن الشهر كله ثم جاء مدع آخر فشهد بها المستأجر ورجل آخر معه فالقاضي يسأل المدعي عن الاجارة أكانت بأمره أو بغير أمره؟ فإن قال كانت بأمري لم تقبل شهادة المستأجر لانه مستأجر شهد بالمستأجر للآجر، وإن قال كانت بغير أمري تقبل شهادته لانه ليس بمستأجر في حقه، ولو لم يسكن الشهر كله لم تجز شهادته وإن لم يدع المدعي أن الاجارة كانت بأمره.
ولو شهد المستأجران أن المدعي للذي آجرهما لاثبات الاجارة أو لانسان آخر على المؤجر لفسخ الاجارة، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: جازت شهادتهما سواء كانت الاجرة رخيصة أو غالية.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا تجوز شهادتهما في فسخها لانهما يدفعان عن أنفسهما الاجرة، وإن كانا ساكنين في الدار بغير أجر جازت شهادتهما.
هندية عن المحيط.
وفيها إذا شهد الاجير لاستاذه وهو أجير شهر فلم ترد شهادته ولم يعدل حتى مضى الشهر ثم(1/554)
عدل لم تقبل شهادته، فمن شهد لامرأته ثم طلقها قبل التعديل لا تقبل شهادته، وإن شهد ولم يكن أجيرا ثم صار أجيرا قبل القضاء بطلت شهادته ولو أن القاضي لم يرد شهادته وهو غير أجير ثم صار أجيرا ثم مضت مدة الاجارة لا يقضى بتلك الشهادة وإن لم يكن أجيرا عند القضاء ولا عند الشهادة، فلو أن القاضي لم يبطل شهادته ولم يقبل فأعاد الشهادة بعد انقضاء مدة الاجارة جازت شهادته اه.
ولا تجوز شهادة الكيال بخلاف الذراع، وشهادة الدائن لمديونه تقبل وإن كان مفلسا كما في الهداية.
وفي المحيط: لا تقبل بدين له بعد موته.
بحر.
قال العلامة التمرتاشي في فتاويه: تقبل شهادة رب الدين لمديونه حال حياته إذا لم يكن مفلسا قولا واحدا.
واختلف فيما إذا شهد له في حال كونه مفلسا: ففي المحيط: لا تقبل.
وشمس الائمة الحلواني والد صاحب المحيط قال: تقبل.
وأما إذا شهد له بعد الموت فلا تقبل قولا واحدا لتعلق حقه بالتركة كالموصى له.
كذا في شرح الوهبانية اه.
قوله: (أو مشاهرة) أو مياومة هو الصحيح، جامع الفتاوى.
ومثله في الخلاصة، ويلحق به المزارع فإنه لا يلزم أن تكون مسانهة أو مشاهرة، فقد يزارعه على إنهاء
هذا الزرع لكنه في حكمه فلا تصح شهادته لرب البذر كما تقدم.
قوله: (أو الخادم أو التابع) يحرر الفرق بين المذكورين.
وقد يقال: إن المراد بالخادم من يخدم بغير أجر، والتابع من يكون يتعيش في منزل المشهود له من غير خدمة كملازم في البيت، والمراد بالتلميذ الصناع التابعون لكبيرهم ط.
وفي الخلاصة: هو الذي يأكل معه وفي عياله وليس له أجر معلوم.
وقيل المراد الاجير مسانهة أو مشاهرة أو مياومة.
وتمامه في الفتح.
وكان بين الخادم وبين الاجير عموم وخصوص من وجه، فالاجير يستأجر لغير الخدمة الخاصة به، كما لو استأجره لرعي الغنم أو للخياطة أو الخبز مسانهة أو مشاهرة والخادم قد بخدمة بلا أجر طمعا في طعامه أو أمر آخر، فيجتمعان فيمن استأجره مسانهة أو مشاهرة للخدمة، وينفرد الاجير فيما لو استأجره للخياطة مثلا كذلك، وينفرد الخادم فيما إذا كان يخدمه طمعا في طعامه وشرابه بدون استئجار، والتابع هو الذي يكون عالة عليه وإن لم يخدمه، والتلميذ هو الذي يتعلم منه علما أو غيره من الصنائع ويدخله في نفقته، وهو الذي أراد بقوله يعد ضرر أستاذه الخ بدليل قوله: وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام الخ.
قوله: (من القنوع) الضم.
قنع يقنع قنوعا: إذا سأل، فيكون المراد به السؤال كما هو أحد معانيه.
قال تعالى: * (وأطعموا القانع) * (الحج: 63) قال بعضهم: القانع هو السائل الذي لا يلح في السؤال ويرضى بما يأتيه عفوا، ويطلق على التذلل.
ومن دعائهم: نسأل الله القناعة ونعوذ به من القنوع، ويطلق على الرضا بالقسم فهو ضد.
وفي المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع، والفعل كمنع واسم الفاعل قانع وقنيع.
أما القناعة فالرضا فالقسم كالقنع محركا والفعل كفرح واسم الفاعل قنع وقانع وقنيع.
أفاده في القاموس وبهذا علمت أن قوله من القناعة: يعني أن المراد بالقنوع إما السؤال وإما التذلل، وعلمت أن القنوع يأتي بمعنى القناعة.
ط بزيادة.
قوله: (لا من القناعة) الاجتزاء باليسير من الاعراض المحتاج إليها، يقال قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضي، وللحن البابين أشار الشاعر بقوله:(1/555)
العبد حر إن قنع والحر عبد إن طمع فاقنع ولا تطمع فما شئ أضر من الطمع
قوله: (ومفاده) أي الحديث الخ صرح به في الفتح جازما به، ونقله في الشرنبلالية: أي إذا كان العلة في عدم قبوله شهادتهما هو طلب معاشهم من المشهود له، إذ حينئذ يتمتعون بما يحصل له من الخير، وذلك لا يوجد في المستأجر والاستاذ فتصح شهادتهم.
لكن في التاترخانية عن الفتاوى الغيائية: ولا تجوز شهادة المستأجر للاجير.
وفي حاشية الفتال عن المحيط للسرخسي قال أبو حنيفة في المجرد: لا ينبغي للقاضي أن يجيز شهادة الاجير لاستاذه ولا الاستاذ لاجيره اه.
وهو مخالف لما استنبطه من الحديث.
قوله: (من يفعل الردئ) أي من أفعال النساء من التزين بزينتهن والتشبه بهن في الفعل والقول، فالفعل مثل كونه محلا للواطة، والقول مثل تليين كلامه باختياره تشبها بالنساء اه.
مغرب.
وجعل بعضهم الواو في قوله والقول بمعنى أو، فأحدهما كاف لان التشبيه بقولهن حرام للرجال.
وجعل القهستاني المخنث خلقة بمنزلة امرأة واحدة في الشهادة، وهو غريب ط.
قال في الهندية: أما إذا كان في كلامه لين وفي أعضائه تكسر خلقة ولم يشتهر بشئ من الافعال الرديئة فهو عدل مقبول الشهادة، هكذا في التبيين اه.
وإنما كانت معصية لو بقصده لحديث لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء.
قوله: (ومغنية) ولو بشعر في حكمة.
قهستاني.
لانه صلى الله عليه وآله نهى عن الصوتين الاحمقين: المغنية، والنائحة.
وصف الصوت بصفة صاحبه.
اعلم أن التغني للهو أو لجمع المال حرام بلا خلاف والنوح كذلك خصوصا إذا كان من المرأة، لان رفع الصوت منها حرام بلا خلاف ا ه.
شلبي.
قوله: (لحرمة رفع صوتها) ظاهره أنه يحرم رفع صوتها في مكانها الخاص بها بحيث لا يسمعها الاجنبي.
قال في النهاية: فلذا أطلق في قوله مغنية وقيد في غناء الرجال بقوله للناس.
وتمامه في الفتح.
ويأتي إن شاء الله تعالى عند قوله: ومن بغني للناس لكن نظر فيه الطحطاوي واستظهر عليه بما في الهندية عن شرح أبي المكارم، فلا تسمع شهادة مغنية تسمع الناس صوتها وإن لم تتغن لهم اه.
قال في السعدية: وما ذكره: أي صاحب الدرر من قوله ولو لنفسها الخ جار في النوح بعينه، فما باله لم يكن مسقطا للعدالة إذا ناحت في مصيبة نفسها اه.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: يمكن الفرق بأن المراد رفع صوت يخشى منه الفتنة اه.
قوله: (وينبغي تقييده الخ) مثله كل من أتى بابا من أبواب الكبائر.
أفاده الكمال.
وإنما خص الظهور عند القاضي بالمداومة، لان الشهادة على ذلك جرح مجرد، لكن فيه أنه تقبل الشهادة عليه سرا.
تأمل.
قوله: (ونائحة في مصيبة غيرها) في المغرب: ناحت المرأة على الميت: إذا ندبته، وذلك أن تبكي عليه وتعدد محاسنه.
والنياحة الاسم، ومنها الحديث على ما قرأته في الفائق ثلاثة من أمر الجاهلية: الطعن(1/556)
في الانساب والنياحة، والانواء فالطعن معروف، والنياحة ما ذكر.
والانواء جمع نوء: هي منازل القمر والعرب كانت تعتقد أن الامطار والخير كلها تجئ منها، وقيل النوح: بكاء معه صوت اه.
رملي على المنح.
قال في البحر: قولهم إن النائحة لا تسقط عدالتها إلا إذا ناحت في مصيبة غيرها مع أن النياحة كبيرة للتوعد عليها لكن لا تظهر إلا في مصيبة غيرها غالبا اه.
وهذا الذي ينبغي التعليل به، وأما الذي يذكره الشارح عن الواني فلا ينبغي تضييع المراد به، إذ ظاهره أنه يباح لها حينئذ، وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة.
قال في التتارخانية معزيا للمحيط: لا تقبل شهادة النائحة، ولم يرد به التي تنوح في مصيبتها، وإنما أراد التي تنوح في مصيبة غيرها واتخذت ذلك مكسبة اه.
ونقله في الفتح عن الذخيرة.
ثم قال: ولم يتعقب هذا من المشايخ أحد فيما علمت، لكن بعض متأخري الشارحين نظر فيه بأنه معصية فلا فرق بين كونه للناس أو لا.
قال صلى الله عليه وآله: لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة وقال: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وهي في صحيح البخاري.
ولا شك أن النياحة ولو في مصيبة نفسها معصية، لكن الكلام في أن القاضي لا يقبل شهادتها لذلك وذلك يحتاج فيه إلى الشهرة ليصل إلى القاضي، فإنما قيد بكونها للناس لهذا المعنى، وإلا فهو يرد عليه مثله في قولهم: ولا مدمن الشرب على اللهو، يريد شرب الاشربة المحرمة خمرا أو غيره.
ولفظ محمد في الاصل: ولا شهادة مدمن خمر، ولا شهادة مدمن السكر، يريد ولو من الاشربة المحرمة التي ليست خمر فقال هذا
الشارح يشترط الادمان في الخمر وهذه الاشربة: يعني الاشربة المحرمة لسقوط العدالة مع أن شرب الخمر كبيرة بلا قيد الادمان، ولهذا لم يشترط الخصاف في شرب الخمر الادمان، لكن نص عليه في الاصل كما سمعت فما هو جوابه؟ هو الجواب في تقييد المشايخ بكون النياحة للناس، ثم هو نقل كلام الشيخ في توجيه اشتراط الادمان أنه إنما شرط ليظهر عند الناس، فإن من شربها سرا لا تسقط عدالته ولم يتنفس فيه بكلمة واحدة، فكذا التي ناحت في بيتها لمصيبتها لا تسقط عدالتها لعدم اشتهار ذلك عند الناس، وانظر إلى تعليل المصنف بعدم ذكر الادمان بأنه ارتكب محرم دينه مع أن ذلك ثابت بلا إدمان، فإنما أراد أنه إذا أدمن حينئذ يظهر أنه مرتكب محرم دينه فترد شهادته، بخلاف التي استمرت تنوح للناس لظهوره حينئذ، فيكون كالذي يسكر ويخرج سكرانا وتلعب به الصبيان في رد شهادته، وصرح بأن الذي يتهم بشرب الخمر لا تسقط عدالته.
ومنهم من فسر الادمان بنيته، وهو أن يشرب ومن نيته أن يشرب مرة أخرى، وهذا هو معنى الاصرار، وأنت تعلم أنه سيذكر رد من يأتي بابا من أبواب الكبائر التي يتعلق بها الحد، وشرب الخمر منها من غير توقف على نية أن يشرب، ولان النية أمر مبطن لا يظهر للناس، والمدارات (1) التي يتعلق بوجودها حكم القاضي لا بد أن تكون ظاهرة لا خفية لانها معرفة، والخفي لا يعرف والظهور بالادمان الظاهر لا بالنية.
نعم بالادمان الظاهر يعرف إصراره، لكن بطلان العدالة لا يتوقف في الكبائر على الاصرار بل أن يأتيها ويعلم ذلك، وإنما ذلك *
__________
(1) قوله: (والمدارات) المدارات بفتح الميم والراء والدال المهملات أي مدار الامر لعدم قبول الشهادة النية وهي أمر خفي لا بد أن تكون إلخ اه.
منه.(1/557)
في الصغائر، وقد اندرج فيما ذكرنا شرح ذلك اه.
قوله: (بأجر) أطلق في مسكين وأشار إليه في الكافي، وكذا في القهستاني كما يأتي النفل عنه قريبا.
قوله: (زاد العيني فلو في مصيبتها تقبل) اعلم أن هذا التفريع بعض من المفهوم السابق، فالعجب من قوله زاد الخ بل في اقتصار العيني وتعليل الواني إشارة إلى أنهما نقصا من العبارة السابقة اشتراط الاجر، ولهذا قال القهستاني: ولو بلا أجر، وتقدم الكلام على ما في ظاهر التعليل، فافهم.
قوله: (بزيادة اضطرارها) أي وفي النوح تخفيف هذه الضرورة، وإنما قلنا ذلك ليظهر قوله فكان كالشرب للتداوي ط.
قوله: (واختيارها) مقتضاه لو
فعلته عن اختيارها لا تقبل.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (فكان كالشرب) أي شرب محرم للتداوي فإنه يجوز عند الثاني للضرورة.
قوله: (وعدو) أي على عدوه كما في الملتقى.
قوله: (بسبب الدنيا) لان المعاداة لاجلها حرام، فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول عليه.
أما إذا كانت دينية فإنها لا تمنع لانها تدل على كمال دينه وعدالته.
وهذا لان المعاداة قد تكون واجبة بأن رأى فيه منكرا شرعا ولم ينته بنهيه، بدليل قبول شهادة المسلم على الكافر مع ما بينهما من العداوة الدينية، والمقتول وليه على القاتل، والمجروح على الجارح، أو الزوج على امرأته بالزنا.
ذكره ابن وهبان.
وفي خزانة المفتين: والعدو من يفرح لحزنه ويحزن لفرحه.
وقيل يعرف بالعرف اه.
ومثال العداوة الدنيوية أن يشهد المقذوف على القاذف والمقطوع عليه الطريق على القاطع، وفي إدخال الزوج هنا نظر، فقد صرحوا بقبول شهادته عليها بالزنا إلا إذا قذفها أولا، وإنما المنع مطلقا قول الشافعي.
وفي بعض الفتاوى: وتقبل شهادة الصديق لصديقه اه: أي إلا إذا كانت متناهية بحيث يتصرف أحدهما بمال الآخر كما تقدم.
ثم اعلم أن المصرح به في غالب كتب أصحابنا والمشهور على ألسنة فقهائنا ما ذكره المؤلف من التفصيل.
ونقل في القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع، ما لم يفسق بسببها أو يجلب منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة، وهو الصحيح وعليه الاعتماد.
وما في الواقعات وغيرها اختيار المتأخرين.
وأما الرواية المنصوصة فبخلافها.
وفي كنز الرؤوس: شهادة العدو على عدوه لا تقبل لانه متهم.
وقال أبو حنيفة: تقبل إذا كان عدلا.
قال أستاذنا: وهو الصحيح وعليه الاعتماد، لانه إذا كان عدلا تقبل شهادته، وإن كان بينهما عداوة بسبب أمر الدنيا اه.
واختاره ابن وهبان، ولم يتعقبه ابن الشحنة، لكن الحديث شاهد لما عليه المتأخرون كما رواه أبو داود مرفوعا: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غمر على أخيه والغمر: الحقد.
ويمكن حمله على ما إذا كان غير عدل بدليل أن الحقد فسق للنهي عنه.
وقد ذكر ابن وهبان رحمه الله تعالى تنبيهات حسنة لم أرها لغيره.
الاول: الذي يقتضيه كلام صاحبه القنية والمبسوط أنا إذا قلنا إن العداوة قادحة في الشهادة تكون قادحة في حق جميع الناس لا في حق العدو فقط، وهو الذي يقتضيه الفقه، فإن الفسق لا يتجزأ حتى يكون فاسقا في حق شخص عدلا في حق آخر اه.(1/558)
قلت: ولهذا لم يقل المؤلف على عدوه بل أطلقه، ويقاس على قولهم إن الفسق لا يتجزأ الناظر إذا كان عليه أنظار وقف عديدة وثبت فسقه بسبب خيانته في واحد منها، فهل يسري فسقه في كلها فيعزل؟ أجاب سيدي الوالد بالسريان وأنه يعزل منها جميعا، وبه أفتى أبو السعود، وكتب الرملي هنا: الظاهر من كلامهم أن عدم القبول إنما هو للتهمة لا للفسق، ويؤيده ما يأتي عن ابن الكمال، وما صرح به يعقوب باشا وكثير من علمائنا صرحوا بأن شهادة العدو على عدوه لا تقبل، فالتقييد بكونها على عدوه ينفي ما عداه وهو المتبادر للافهام، فتأمله اه.
أقول: أنت خبير بأن فعل الكبيرة والاصرار على الصغيرة قادح في العدالة، وقد شرط في القنية لعدم القبول كونه فسق بتلك العداوة.
وعلى هذا فعدم قبولها مطلقا ظاهر، وينبغي تقييده بما إذا كانت عداوة ظاهرة كما يفيده ما يأتي عن الفتح في شرح قوله أو يرتكب ما يوجبد الحد.
فتحرر أن الوجه عدم القبول مطلقا، والتعليل بالاتهام كما مر عن كنز الرؤوس لا ينافيه، لان الفاسق لا يقبل للاتهام أيضا، وما يأتي عن ابن الكمال يمكن حمله على ما إذا لم يفسق بها فليتأمل اه.
قاله سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
الثاني: لو ادعى شخص عداوة آخر يكون مجرد دعواه اعترافا منه بفسق نفسه، ولا يكون ذلك قادحا في عدالة المدعي أنه عدو ما لم يثبت المدعي أنه عدو له.
الثالث: لو قضى القاضي بشهادة العدو على عدوه أو على غير عدوه هل يصح أو لا؟ قلنا: إن المانع من قبول الشهادة هو الفسق فيكون حينئذ صحيحا نافدا، لان القاضي إذا قضى بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه ويصح، وإن قلنا: إنه لمعنى آخر أقوى من الفسق لا يصح في حق العدو ويصح في حق غيره.
وذكر ابن الكمال في إصلاح الايضاح أن شهادة العدو لعدوه جائزة عكسر شهادة الاصل لفرعه
اه.
وهذا يدل على أنها لم تقبل للتهمة لا للفسق اه.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: قوله لان القاضي إذا قضى بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه ويصح.
قال الرملي: وصرح يعقوب باشا في حاشيته بعدم نفاذ قضاء القاضي بشهادة العدو على عدوه.
وأقول: وقياسه يقتضي أن العصبية كذلك، فلا ينفذ ضاء القاضي بشهادته لانه الذي يبغض الرجل لكونه من بني فلان أو من قبيله كذا كما سيأتي قريبا منقولا عن معين الحكام، فتأمل اه.
الرابع: قد يتوهم بعض المتفقهة والشهود أن كل من خاصم شخصا في حق وادعى عليه حقا أنه يصير عدوه فيشهد بينهما بالعداوة وليس كذلك، بل العداوة إنما تثبت بنحو ما ذكرت.
نعم لو خاصم الشخص آخر في حق لا تقبل شهادته عليه في ذلك الحق، كالوكيل لا تقبل شهادته فيما هو وكيل فيه ونحو ذلك، لانه إذا تخاصم اثنان في حق لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر لما بينهما من المخاصمة اه.
قلت: ويدل له ما في فتاوى قاضيخان من باب ما يبطل دعوى المدعي: رجل خاصم رجلا في دار أو في حق ثم إن هذا الرجل شهد عليه في حق آخر جازت شهادته إذا كان عدلا اه.
واعلم أنه لو شهد على رجل آخر فخاصمه في شئ قبل القضاء لا يمتنع القضاء بشهادته إلا إذا ادعى أنه دفع له كذا لئلا يشهد عليه وطلب الرد وأثبت دعواه ببينة أو إقرار أو نكول فحينئذ بطلت(1/559)
شهادته، وهو جرح مقبول كما صرحوا به، وسيأتي في بيان الجرح.
الخامس: إذا قلنا: لا تجوز شهادة العدو على عدوه إذا كانت دنيوية هل الحكم في القاضي كذلك حتى لا يجوز قضاء القاضي على من بينه وبينه عداوة؟ لم أقف عليه في كتب أصحابنا، وينبغي أن يكون الجواب فيه على التفصيل: إن كان قضاؤه عليه بعلمه ينبغي أن لا ينفذ، وإن كان بشهادة العدول وبمحضر من الناس في مجلس الحكم بطلب خصم شرعي ينبغي أن ينفذ.
وفرق الماوردي من الشافعية بينهما بأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافية.
بحر.
وقدمنا أوائل الباب أن في المسألة قولين معتمدين.
أحدهما: عدم قبولها على العدو، وهو اختيار المتأخرين، وعليه صاحب الكنز والملتقى، ومقتضاه أن العلة العداوة لا الفسق، وإلا لم تقبل على غير العدو أيضا.
ثانيهما: أنها تقبل إلا إذا فسق بها، واختاره ابن وهبان وابن الشحنة فراجعه، وكذا تقدم في أول القضاء الكلام على ذلك فارجع إليه.
وفي فتاوى الحانوتي: سئل في شخص ادعى عليه وأقيمت عليه بينة فقال إنهم ضربوني خمسة أيام فحكم عليه الحاكم ثم أراد أن يقيم البينة على الخصومة بعد الحكم فهل تسمع؟ الجواب: قد وقع الخلاف في قبول شهادة العدو على عدوه عداوة دنيوية، وهذا قبل الحكم، وأما بعده فالذي يظهر عدم نقض الحكم، كما قالوا: إن القاضي ليس له أن يقضي بشهادة الفاسق ولا يجوز له، فإذا قضى لا ينقض اه.
لكن يعارضه ما قدمناه آنفا عن الرملي، وصرح يعقوب باشا في حاشيته بعدم نفاذ قضاء القاضي بشهادة العدو على عدوه.
وأقول: وقياسه يقتضي أن العصبية كذلك، فلا ينفذ قضاء القاضي بشهادته لانه الذي يبغض الرجل لكونه من بني فلان أو من قبيلته كما في معين الحكام اه.
أقول: وقدم الشارح عبارة اليعقوبية أول القضاء وأقرها سيدي الوالد، وكذا الخير الرملي في فتاواه فتنبه.
قوله: (فتقبل له لا عليه) هذا يفيد قبولها لغير عدوه إذا لم يفسق به كما يأتي.
قوله: (واعتمد في الوهبانية والمحبية قبولها الخ) قد علمت ما تحصل مما سبق أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل وإن كان عدلا وعد نفاذ القضاء بها، والمسألة دوراة في الكتب فاحفظه.
قوله: (ما لم يفسق بسببها) وهي الرواية المنصوصة والاطلاق اختيار المتأخرين.
وفي القهستاني ما يفيد أن ما عليه المتأخرون هو الصحيح في زمانهم وزماننا ا ه.
وينبغي أن يقال فيه ما قيل في مدمن الخمر من الاشتهار ط.
قوله: (قالوا والحقد فسق للنهي عنه) فسره في الطريقة المحمدية بأن يلزم نفسه بغضه وإرادة الشر له.
وحكمه: إن لم يكن بظلم أصابه منه بل بحق وعدل كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فحرام، وإن كان بظلم أصابه منه فليس بحرام، وإن لم يقدر على أخذ الحق فله تأخيره إلى يوم القيامة.
قال الله تعالى: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين
يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) * (الشورى: 41 - 42) وساق للنهي أحاديث دالة عليه.
منها قوله صلى الله عليه وآله: لا تظهر الشماتة لاخيك فيعافيه الله ويبتليك.
ومنها قوله(1/560)
صلى الله عليه وآله: لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإذا مرت به ثلاث فليلقه وليسلم عليه، فإن رد عليه فقد اشتركا في الاجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالاثم وهذا محمول على الهجر لاجل الدنيا، وأما لاجل الآخرة والمعصية والتأديب فجائز بل مستحب من غير تقدير اه.
قوله: (سواء شهد على عدوه أو غيره) أو لهما قيل عليه مفاده أن عدو الشخص لا تقبل شهادته على الشخص ولا على غيره ولا معنى له، إذ شهادة عدو زيد على عمرو مقبولة، فلعل في العبارة سقطا اه.
أقول: حيث كان عدم قبول شهادة العدو على عدوه مبنيا على أنه يفسق بالمعاداة والفسق مما لا يتجزأ فله معنى، وليس في العبارة سقط حينئذ لا فرق بين ذلك الشخص وغيره، وإنما يفرق الحال لو كان عدم القبول مبنيا على التهمة.
فتأمل.
ذكره الحموي.
قوله: (لا تقبل شهادة الجاهل) قال في معين الحكام: ولا من لا يحكم فرائض الوضوء والصلاة.
ومن سافر فاحتاج للتيمم فلم يحسنه ولا المنجم وإن اعتقد عدم تأثير النجوم وادعى أنها أدلة ويؤدب حتى يكف عن هذا الاعتقاد ولا يصدق لقوله تعالى: * () * (الجن: 26 - 27).
قوله: (على العالم) ليس بقيد بدليل التفريع والتعليل ح.
قوله: (لفسقه بترك ما يجب تعلمه شرعا) قدم في باب التعزير أن للقاضي أن يسأل عن سبب فسق الشاهد، فلو قال الطاعن هو ترك واجب سأل القاضي المشتوم عما يجب عليه بعلمه من الفرائض، فإن لم يعرفها ثبت فسقه لما في المجتبى: من ترك الاشتغال بالفقه لا تقبل شهادته، والمراد ما يجب تعلمه منه اه.
قوله: (والعالم الخ) أتى به دفعا لتوهم أن العالم المدرس.
قوله: (من يستخرج المعنى) السين والتاء زائدتان، والمراد بإخراجه من التركيب فهمه منه، والظاهر أن المراد به من يعلم العلوم الشرعية وبعض آلاتها ط.
قال في الاشباه: والاهلية للتدريس لا تخفى على من له بصيرة، والذي يظهر أنها بمعرفة منطوق الكلام ومفهومه وبمعرفة المفاهيم، وأن تكون له سابقة الاشتغال على المشايخ بحيث صار يعرف الاصطلاحات ويقدر على أخذ المسائل من
الكتب، وأن يكون له قدرة على أن يسأل ويجيب إذا سئل، ويتوقف ذلك على سابقة اشتغال في النحو والصرف بحيث صار يعرف الفاعل من المفعول إلى غير ذلك، وإذا قرأ لا يلحن، وإذا لحن قارئ بحضرته رد عليه اه.
أقول: لكن يؤيد أن المراد به من يعلم العلوم الشرعية ما قاله قاضيخان: أوصى لاهل العلم ببلخ يدخل أهل الفقه والحديث اه.
قوله: (ومجازف في كلامه) هو المكثر منه الذي لا يتحرى الصدق، فإن من كثر كلامه كثر سقطه.
والمجازفة: هي التكلم بلا معيار شرعي.
روي أن الفضل بن الربيع وزير الخليفة شهد عند أبي يوسف فرد شهادته، فعاتبه الخليفة وقال: لم رددت شهادته؟ قال: لاني سمعته يوما يقول للخليفة أنا عبدك، فإن كان صادقا فلا شهادة للعبد، وإن كان كاذبا فكذلك، لانه إذا لم يبال في مجلسك بالكذب فلا يبالي في مجلسي، فعذره الخليفة اه.
زاد في فتح القدير بعده: والذي عندي أن رد أبي يوسف شهادته ليس للكذبة، لان قول الحر لغيره أنا(1/561)
عبدك إنما هو مجاز باعتبار معنى القيام بخدمتك وكوني تحت أمرك ممتثلا له على إهانة نفسي في ذلك، والتكلم بالمجاز على اعتبار الجامع، فإن وجه التشبه ليس كذبا محظورا شرعا، ولذا وقع المجاز في القرآن، ولكن رده لما يدل عليه خصوص هذا المجاز من إذلال نفسه وطاعته لاجل الدنيا، فربما يضر هذا الكلام إذا قيل للخليفة فعدل إلى الاعتذار بأمر يقرب من خاطره اه.
قوله: (أو يحلف فيه) أي في كلامه كثيرا: أي وإن كان في صدق فإن جرأته على ذلك تقتضي قلة مبالاته بأمور الدين، ولانه ربما أداه ذلك إلى الكذب فيه.
وقد عده في الطريقة المحمدية من جملة آفات اللسان وساق آيات وأحاديث، ثم قال: إن الحلف بالله تعالى صادقا جائزا بلا خلاف، لكن إكثاره مكروه لقوله صلى الله عليه وآله: الحلف حنث أو ندم وتمامه فيها.
قوله: (أو اعتاد شتم أولاده أو غيرهم) كمماليكه وأهله، فإن كان ذلك يصدر منه أحيانا لا يؤثر في إسقاط العدالة، لان الانسان قلما يخلو منه: هندية.
قال في الفتح: وقال نصير بن يحيى: من يشتم أهله ومماليكه كثيرا في كل ساعة لا يقبل، وإن كان أحيانا يقبل، وكذا الشتام للحيوان كدابته اه.
قال في شرح أدب القاضي: إن من سب واحدا من المسلمين لا يكون عدلا كما في الشرنبلالية: وحرر ابن وهبان مسألة الشتم حيث قال: والفقه في ذلك أن الشتم لا يخلو إما أن يكون بما فيه أو بما ليس فيه في وجهه أو غيبته، فإن كان في غيبته فهو غيبة وإنها توجب الفسق، وإن كان في وجهه ففيه إساءة أدب، وإنه من صنيع رعاع الناس وسوقتهم الذين لا مروءة لهم ولا حياء فيهم، وإن ذلك مما يسقط العدالة، وكذا إذا كان السب باللعنة والابعاد كما يفعله من لا خلاق لهم من السوقة وغيرهم اه: أي وإن كان بما ليس فيه كذب وحكمة ظاهر، ومما يؤيد ذلك ما ورد في الحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر قال ابن الاثير في النهاية: السب: الشتم، يقال سبه يسبه سبا وسبابا، قيل هذا محمول على من سب أو قاتل مسلما بغير تأويل، وقيل إنما قال ذلك على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الكفر والفسق.
وأقول: هذا خلاف الظاهر اه.
قوله: (لانه) أي الاعتياد.
قوله: (كبيرة) أي إذا أصر عليه بالعود ولذا قيده بالاعتياد، وإلا فهو صغيرة.
قوله: (كترك زكاة) أي من غير عذر وبه أخذ الفقيه.
قال الامام فخر الدين: والفتوى عليه.
وذكر الخاصي عن قاضيخان أن الفتوى على سقوط العدالة بتأخيرها من غير عذر لحق الفقراء دون الحج خصوصا في زماننا.
كذا في شرح النظم الوهباني.
منح في الفروع آخر الباب.
والصحيح أن تأخير الزكاة لا يبطل العدالة كما في الهندية.
قوله: (أو حج) قال في الهندية: كل فرض له وقت معين كالصلاة والصوم إذا أخر من غير عذر سقطت عدالته.
وما ليس له وقت معين كالزكاة والحج.
روى هشام عن محمد رحمه الله تعالى أن تأخيره لا يسقط العدالة وبه أخذ محمد بن مقاتل.
وقال بعضهم: إذا أخر الزكاة والحج من غير عذر ذهبت عدالته، وبه أخذ الفقيه أبو الليث.
وبتأخير الحج لا تسقط خصوصا في زماننا كما في المضمرات.
قوله: (على رواية فوريته) في العام الاول عند الثاني، وأصح الروايتين عن الامام ومالك وأحمد: أي فيفسق وترد شهادته بتأخير سنين، لان تأخيره صغيرة، وبارتكابه مرة لا يفسق إلا بالاصرار.
بحر.
ووجهه أن الفورية ظنية، لان دليل الاحتياط ظني، ولذا أجمعوا أنه لو تراخى كان أداء وإن أثم(1/562)
بموته قبله كما نقله الشارح في الحج.
قوله: (أو ترك جماعة) قال في الفتح: منها ترك الصلاة بالجماعة بعد كون الامام لا طعن عليه في دين ولا حال، وإن كان متأولا في تركها كأن يكون معتقدا أفضلية أول الوقت والامام يؤخر الصلاة أو غير ذلك لا تسقط عدالته بالترك.
أقول: والجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب، وقيل واجبة، وقيل فرض كفاية، وقيل فرض عين.
والقول بوجوبها هو قول عامة مشايخنا، وبه جزم في التحفة وغيرها.
قال في البحر: وهو الراجح عند أهل المذهب، وهو أعدل الاقوال وأقواها ولذا قال في الاجناس: لا تقبل شهادته إذا تركها استخفافا بأن لا يستعظم أمرها كما يفعله العوام أو مجانة أو فسقا إما سهوا أو بتأويل، ككون الامام من أهل الاهواء أو فاسقا فكره الاقتداء به ولا يمكنه أن يصرفه، أو لا يراعى مذهب المقتدي فتقبل.
والقائل بالفرضية لا يشترطها للصحة فتصح صلاته منفردا، وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة.
وتمام الكلام في شرحنا على (نور الايضاح المسمى بمعراج النجاح) فراجعه، فإن فيه فوائد خلت عنها أكثر الشروح.
قوله: (أو جمعة) من غير عذر، فمنهم من أسقطها بمرة واحدة كالحلواني، ومنهم من شرط ثلاث مرات كالسرخسي، والاول أوجه.
فتح.
لكن قدمنا عنه أن الحكم بسقوط العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور.
تأمل.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قال في تهذيب القلانسي قال: في ترك الجماعة مجانا شهرا.
وفي الذخيرة: هذا إن لم يستخف بالدين وإن استحق فهو كافر اه.
قوله: (أو أكل فوق شبع) عند الاكثرين.
والظاهر أن المراد بالشبع ما لا يضره، وبما زاد عليه ما يضره لانه هو الذي يحرم ط.
قوله: (بلا عذر) راجع إلى الثلاثة قبله.
ومثال العذر في الاكل مؤانسة الضيف وقصد التقوي على صوم الغد كما في الشرنبلالية والفتح.
ومن العذر ما إذا أكل أكثر من حاجته ليتقايأه.
قال الحسن: لا بأس به، قال: رأيت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يأكل ألوانا من الطعام ويكثر ثم يتقايأ وينفعه ذلك.
خانية.
أقول: وهل مثله ما إذا كان مضيفا ولا يرضى صاحب الطعام إلا بذلك؟ بحر.
والذي في حفظي أنه عذر أيضا فليراجع.
أما مسألة الضيف فالظاهر إذا لم يكن بينهما مباسطة تامة، أما إذا كان فلا يكون عذرا وليحرر أيضا.
قوله: (وخروج لفرجة قدوم أمير) في الهندية: إذا قدم الامير بلدة
فخرج الناس وجلسوا في الطريق ينظرون إليه، قال خلف: بطلت عدالتهم إلا أن يذهبوا للاعتبار فحينئذ لا تبطل عدالتهم، والفتوى على أنهم إذا خرجوا لا لتعظيم من يستحق التعظيم ولا للاعتبار تبطل عدالتهم.
كذا في الظهيرية وقاضيخان.
وعلله في الفتاوى الصغرى بشغله الطريق فصار مرتكبا للحرام لانه حق العامة ولم يعمل للجلوس اه.
وهذا التعليل يفيد أنه إذا تجرد عن شغل الطريق لا يكون قادحا مطلقا، ولا ينافيه ما تقدم إذا تأملته، لكن كلام قاضيخان يفيد خلافه.
قال ابن وهبان: وينبغي أن يكون ذلك على ما اعتاده أهل البلد، فإن كان من عادة أهل البلد أنهم يفعلون ذلك ولا ينكرون ولا يستخفون فينبغي أن لا يقدح.
وذكر ابن الشحنة بعده: فقول المصنف وينبغي الخ ليس كما ينبغي اه.
ومثله في البحر.
قال الخير الرملي: أقول فتحرر من مجموع ما ذكر أنه إن كان الامير غير صالح قدح في العدالة مطلقا.
وإن كان صالحا ولم يشغل الطريق لا يقدح، وإن شغله قدح، وأنت على علم بأن الحكم يدور مع العلة والعلة في القدح ارتكاب ما هو محظور وتعظيم الفاسق كذلك، فعلى ذلك يدور الحكم.
تأمل اه.(1/563)
أقول: هذا بمعزل عما قدمناه فيما إذا خرج للاعتبار ولم يجلس في الطريق وكان الامير صالحا أو فاسقا ولم يقصد تعظيمه فحينئذ لا يقدح كما علمت، فافهم.
قوله: (وركوب بحر) أي بحر الهند، وهو البحر الاحمر المعروف الآن ببحر السويس بأنه إذا ركب البحر إلى الهند فقد خاطر بنفسه ودينه، ومنها سكنى دار الحرب وتكثير سوادهم وعددهم وتشبهه بهم لينال بذلك مالا ويرجع إلى أهله غنيا، فإذا كان لا يبالي بما ذكر لا يأمن أن يأخذ من عرض الدنيا فيشهد بالزور.
وقال ظهير الدين: لا يمنع.
قال العلامة عبد البر: والذي يظهر أن المانع ليس الركوب له مطلقا بل مع ما اقترن به، وهذا حين كان الهند كله كفرا كما يرشد إليه التعليل.
كيف والنص القطعي أباح ركوب البحر مطلقا إلا عند ظن الهلاك، وما زال السلف يركبون البحار من غير إنكار، ونص القرآن العظيم أعظم دليل على الجواز اه بتصرف.
وفي القهستاني: وقيل يشهد راكب البحر للتجارة وغيرها، وهو الصواب اه ط.
أقول: لا سيما في زماننا الآن فإنه لا مخاطرة بالنفس، ولا محل لظن الهلاك في السفن المخترعة الآن وهي المعروفة ببابور النار، فإن سيرها بالعجل لا بالريح، فإن سيرها بالعجل يدور ببخار الماء المغلي بالنار فلا يخشى من تلف إلا نادرا من غفلة الملاحين.
قوله: (ولبس حرير) إلى قوله أو قمر محمل ذلك فيما يظهر على من شهر بذلك ط.
أما لبس الحرير فلحرمته إلا ما استثنى.
وأما البول في السوق فلاخلاله بالمروءة.
وأما استقبال الشمس والقمر في البول فلكراهة ذلك لانهما آيتان عظيمتان من آيات الله الباهرة، وقيل لاجل الملائكة الذين معهما، والمراد بالاستقبال استقبال عينهما، فلو كان في مكان مستور ولم تكن عينهما بمرأى منه بأن كان ساتر يمنع عن العين ولو سحابا فلا كراهة، كما إذا لم يكونا في كبد السماء كما حررته في (معراج النجاح على نور الايضاح).
أقول: ومثل لبس الحرير استعمال ما يحرم شرعا كفضة وذهب، وقوله: أو إلى قبلة ظاهره ولو في بناء مع أن الائمة يقولون بعدم الكراهة فيه، فالظاهر أن يقيد هو وما يعده في الصحراء.
قوله: (وطفيلي) يتتبع الدعوات من غير أن يدعي وصار عادة له وإن أثم بمرة: أي بلا خلاف كما في البحر.
قوله: (ومسخرة) لرفضه المروءة إن اعتاد ذلك واشتهر، ولارتكاب المحظورات غالبا بلا خلاف كما في الهندية.
قوله: (ورقاص) ومنه الكوشت والحربية والمعروف بالسماع كل ذلك حرام، فمن اعتاده واشتهر عنه يقدح في عدالته دون ما يقع ممن غلب عليهم الحال ويفعلون ذلك بدون اختيار، نفعنا الله تعالى بهم، كما أوضح ذلك سيدي الوالد في رسالة (شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختومات والتهاليل).
قوله: (وشتام للدابة) محمول على الاعتياد.
أفاده في الهندية.
قوله: (وفي بلادنا يشتمون بائع الدابة) فيجري فيه التفصيل في الاعتياد وعدمه، وكثيرا ما يلعنون الدابة وبائعها فلا يجوز لعن الدابة وغيرها من الجماد، وقد ورد التصريح بالنهي عن اللعن.
قوله: (لا تقبل شهادة البخيل) ذكره في الهندية عن المحيط.
قوله: (يستقصي) بالصاد المهملة: أي يبالغ.
قوله: (فيما يتقرض) وفي نسخة يقبض وهو كذلك في الخلاصة.
والذي في شرح الوهبانية لعبد البر(1/564)
والشرنبلالي يقرض بالياء المثناة تحت والقاف اه ح.
قوله: (ولا شهادة الاشراف من أهل العراق
لتعصبهم) لانهم قوم يتعصبون، فإذا ناب قوم أحد منهم نائبة أتى سيد قومه فيشفع فلا يؤمن أن يشهد له بزور اه.
وعلى هذا كل متعصب لا تقبل شهادته.
بحر.
قال الرملي: قال الغزي قلت: وفي الخلاصة من كتاب القضاء: فإن عدله اثنان وجرح اثنان فالجرح أولى، إلا إذا كان بينهم تعصب فإنه لا يقبل جرحهم لان أصل الشهادة لا تقبل عند العصبية فالجرح أولى اه.
وفي معين الحكام في موانع قبول الشهادة قال: ومن العصبية أن يبغض الرجل الرجل لانه من بني فلان أو من قبيلة كذا اه.
أقول: من التعصب أن يبغضه لانه من حزب فلان أو من أصحابه أو من أقاربه أو منسوبيه اه.
قال عبد الحليم في حاشية الدرر: ولا يذهب عليك أن أكثر طائفة القضاة بل الموالي في عصرنا بينهم تعصب ظاهر لاجل المناصب والرتب، فينبغي أن لا تقبل شهادة بعضهم على بعض ما لم يتبين عدالته كما لا يخفى اه.
قوله: (ولا من انتقل من مذهب أبي حنيفة الخ) أي استخفافا لانه لا يكون أهلا للشهادة فلا يعتمد عليه.
منح، وتقدم في باب التعزير أن من ارتحل إلى مذهب بدون حاجة شرعية يعزر فكان ذلك معصية موجبة لرد شهادته، ولانه ليس للعامي أن يتحول من مذهب إلى مذهب ويستوي فيه الحنفي والشافعي، وقيل لمن انتقل إلى مذهب الشافعي ليزوج له أخاف أن يموت مسلوب الايمان لاهانته بالدين بجيفة قذرة.
قنية من كتاب الكراهية.
وفي آخر هذا الباب من المنح: وإن انتقل إليه لقلة مبالاة في الاعتقاد والجرأة على الانتقال من مذهب إلى مذهب كما يتقوله ويميل طبعه إليه لغرض يحصل له فإنه لا تقبل شهادته اه.
فعلم بمجموع ما ذكرناه أن ذلك غير خاص بانتقال الحنفي، وأنه إذا لم يكن لغرض صحيح، فافهم ولا تكن من المتعصبين فتحرم بركة الائمة المجتهدين نفعنا الله تعالى بهم أجمعين في الدنيا والآخرة آمين.
وتقدم هذا البحث مستوفى في فصل التعزير فارجع إليه.
قوله: (وكذا بائع الاكفان والحنوط) أي إذا ابتكر وترصد لذلك، أما إذا كان يبيع الثياب ويشتري منه الاكفان تجوز شهادته.
جامع الفتاوى وبحر.
وفي الهندية: إذا كان الرجل يبيع الثياب المصورة أو ينسجها لا تقبل شهادته اه: أي صورة ذي روح.
قوله: (لتمنيه الموت) وإن لم يتمنه بأن كان عدلا تقبل.
كذا قيده شمس الائمة.
قال الرحمتي: وينبغي
أن يكون مثله بائع الطعام لتمنيه الغلاء والشدة على الناس اه.
أقول: وهذا أيضا إن لم يتمنه بأن كان عدلا تقبل.
قوله: (وكذا الدلال) أي فيما عقده لعدم صحة الشهادة على فعل نفسه أو مطلقا لكثرة كذبه.
في التنقيح لسيدي الوالد: سئل في شهادة الدلال العدل الذي لا يحلف ولا يكذب هل تقبل؟ الجواب نعم إذا كان كذلك تقبل.
قال في البحر: وكذا لا تقبل شهادة النخاس، وهو الدلال إلا إذا كان عدلا لم يكذب ولم يحلف اه.
وقدمنا عن الفتح أن أهل الصناعات الدنيئة الاصح أنها تقبل كالزبال والحجام لانها تولاها قوم صالحون، فما لم يعلم القادح لا يبني على ظاهر الصناعة، وكذا الدلالون(1/565)
والنخاسون، ويحتمل أن المراد الدلال إذا شهد على البيع، فإنه قال في الهندية: الوكيلان بالبيع والدلالان إذا شهدا قالا نحن بعنا هذا الشئ من فلان لا تقبل شهادتهما اه.
قوله: (والوكيل) أي بالنكاح.
قوله: (ولو بإثبات النكاح) أي لا تقبل بإثبات النكاح لانها شهادة على فعله، وقوله: لو بإثبات النكاح للتمثيل لا للتقييد، ومثله سائر العقود التي باشرها لا يصح شهادته بها إذا صرح بأنه باشرها وكالة، أما إذا شهد أنه ملكه أو في إجارته تقبل.
وفي بعض نسخ الشرح زيادة واو قبل لو: أي ولو بإثبات النكاح ترقيا إذ هو هنا سفير وهي الاولى.
قوله: (أما لو شهد أنها امرأته تقبل) لانه شهد بقيام النكاح لا بعقده.
قوله: (والحيلة الخ) مقتضاه أن من لا تقبل شهادته لعلة يجوز له أن يخفيها ويشهد، كما إذا كان عبدا للمشهود له أو ابنه أو نحو ذلك، فليتأمل.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: وسيأتي قريبا عن البحر عن الملتقط أن لشارب الخمر أن يشهد إذا لم يطلع عليه، وأنه لا يحل له أن يهتك ستره بذكر فسقه وإبطال حق المدعي.
قوله: (بالنكاح) أي بإثباته، ولا يذكر الوكالة: أي أن كان وكيلا فيه.
قوله: (بزازية) عبارتها: وشهادة الوكيلين أو الدلالين إذا قالا نحن بعنا هذا الشئ، أو الوكيلان بالنكاح أو بالخلع إذا قالا نحن فعلنا هذا النكاح أو الخلع لا تقبل، أما لو شهد الوكيلان بالبيع أو النكاح أنها منكوحته أو ملكه تقبل.
وذكر أبو القاسم: أنكر الورثة النكاح فشهد رجل قد تولى العقد والنكاح يذكر النكاح ولا يذكر
أنه تولاه انتهت.
قوله: (وملخصه) أي ملخص ما ذكره المصنف في كتاب الاجارة من كتابه المسمى بالمعين.
قوله: (الدلالين والصكاكين) إذا كان غالب حالهم الفساد لكثرة الكذب منهم غالبا، أما إذا غلب عليهم الصلاح فالصحيح أنها تقبل كما في الهندية، وقدمناه آنفا.
قوله: (والمحضرين والوكلاء المفتعلة على أبوابهم) أي القضاة، وهو متعلق بالثاني وحذف من الاول نظيره.
قال ح: الوكلاء المفتعلة الذين يجتمعون على أبواب القضاة يتوكلون للناس في الخصومة اه.
قال فخر الدين: لما سئل عن شهادة أعوان الحاكم والوكلاء على أبواب القضاة.
قال: لا تسمع شهادتهم لانهم ساعون في إبطال حق المستحقين فهو فسق فلا تسمع.
قوله: (وفيها) مكرر مع ما يأتي متنا.
قوله: (أخرج من الوصاية) نص على المتوهم، لانه إذا لم يخرج فشهادته للميت بدين أو غيره باطلة سواء كانت الورثة كبارا أو صغارا، ولو شهد على الميت بدين قبلت على كل حال.
هندية.
قوله: (بعد قبولها) أما إذا لم يقبل بعد موت الموصي ولم يرد فشهد فالقاضي يقول له أتقبل الوصاية؟ فإن قبل أبطلها، وإن رد أمضاها، وإن لم يخبر بشئ توقف القاضي.
ملتقط.
قوله: (للميت) ولا لليتيم.
هندية.
قوله: (أبدا) أي وإن لم يخاصم.
هندية.
قوله: (وكذا الوكيل) أي شهادة الوكيل(1/566)
للموكل.
قوله: (فكذلك) أي لا تقبل عند أبي يوسف وتقبل عند الامام ومحمد.
كذا في الذخيرة.
وإنما اقتصر المؤلف على قول الثاني لما قيل إن الفتوى والقضاء على قوله في الوقف والقضاء ط.
قوله: (ومدمن الشرب) قال في النهاية معزيا إلى الذخيرة: أراد به الادمان في النية: يعني يشرب ومن نيته أن يشرب بعد ذلك إذا وجده.
قال الرملي في حاشية المنح: بخلاف ما إذا أقلع عنه فإنه فاسق تاب فتقبل شهادته اه.
فإذا تم هذا فلا فرق بين الخمر وغيره، لانه وإن كان بقطرة منها ارتكب الكبيرة وترد شهادته، لكن بالتوبة يزول فسقه ويعود عدلا وتقبل شهادته، لكن لا تتم بالتوبة بمجرد نية عدم الشرب، بل لا بد من الندم والاقلاع في الحال والعزم على أن لا يعود.
وإذا علمت معنى الادمان وأن غير المدمن تائب بأنه قد أقلع عنه ونوى أن لا يعود إليه سقط هذا الكلام كله، لان التائب تقبل شهادته سواء تاب عن الصغيرة أو الكبيرة.
أقول: لكن قدمنا عن الفتح عند الكلام على النائحة أن تفسير الادمان بالنية أمر خفي لا يصلح أن يكون مدارا لعدم قبول الشهادة.
فتأمل.
قوله: (لان بقطرة منها) فيه حذف اسم أن.
قوله: (يرتكب الكبيرة) لانه يحرم قليلها وكثيرها، والقليل يطلق على القطرة بالاجماع، خلافا للمعتزلة فإنهم يقولون بإباحة القليل.
قال في الهداية: وهذا كفر لانه جحود للكتاب فإنه سماه رجسا.
والرجس: ما هو محرم العين، وقد جاءت السنة متواترة أن النبي صلى الله عليه وآله حرم الخمر وعليه انعقد إجماع الامة، ولان قليله يدعو إلى كثيره، وهذا من خواص الخمر، ولانه لو أقر بشرب قطرة واحدة يلزمه الحد كما قرر في محله.
قوله: (فترد شهادته) أي من غير إدمان، هذا مخالف لما في الكافي حيث قال: وإنما شرط الادمان ليكون ذلك ظاهرا منه، فإن من شرب الخمر سرا ولا يظهر منه ذلك لا يخرج من أن يكون عدلا وإن شربها كثيرا وإنما تسقط عدالته إذا كان ذلك يظهر منه أو يخرج سكران فتلعب به الصبيان فإنه لا مروءة لمثله ولا يحترز عن الكذب عادة، وكذا من يجلس مجلس الفجور والمجانة في الشرب لا تقبل شهادته وإن لم يشرب.
وفي فتاوى قاضيخان: لا تقبل شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر لانه كبيرة.
وفي الذخيرة: لا تقبل شهادة مدمن الخمر.
زيلعي وعيني.
وفي النهاية: الادمان شرط في الخمر أيضا في حق سقوط العدالة اه.
فهذه نقول صريحة في عدم الفرق في اشتراط الادمان بين الخمر وغيره، فما ذكره الشرح تبعا لصاحب البحر لا يعول عليه.
أبو السعود.
وقد تقدم أنه يشترط الاشتهار في كل من أتى بابا من أبواب الكبائر.
ط بزيادة.
أقول: وكذلك صحح شرط الادمان في شرب الخمر لسقوط العدالة.
البرجندي وصاحب التتمة، وعليه كلام الدرر حيث عمم الشرب شرب الخمر والعرقي والوزج ونحوها كما في عبد الحليم.
قوله: (وما ذكره ابن الكمال) من أن شرب الخمر ليس بكبيرة فلا يسقط العدالة إلا بالاصرار عليه.
قوله: (كما حرره في البحر) قال فيه: وذكر ابن الكمال: أن شرب الخمر ليس بكبيرة فلا تسقط العدالة إلا بالادمان عليه.(1/567)
قال في الفتاوى الصغرى: ولا تسقط عدالة شارب الخمر بنفس الشرب، لان هذا الحد لم يثبت بنص قاطع إلا إذا داوم على ذلك اه.
وهو غلط من ابن الكمال لما قدمناه عن المشايخ من التصريح بأن شربها كبيرة، ولمخالفتها للحديث المشهور في الكبائر أنها سبع، وذكر منها شرب الخمر اه.
بل إنما شرط الادمان عليها للاشتهار لا لانها صغيرة، لان الشهادة لا ترد إلا بالادمان وظهوره بالاشتهار.
وأما مجرد الشرب مع قطع النظر عن سقوط الشهادة فقد علمت أنه كبيرة ولو بقطرة، فلو تغفل.
قال السائحاني: أقول: نسبة الغلط إلى هذا الهمام في الفرق بين شرط الادمان للخمر وغيره من الاشربة غير مسلمة لما صرح قاضيخان في فتاواه.
وعبارته: ولا تقبل شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر لانها كبيرة، وإنما شرط الادمان ليظهر ذلك عند الناس، فإن من اتهم بشرب الخمر في بيته لا تبطل عدالته وإن كانت كبيرة، وإنما تبطل إذا ظهر ذلك أو يخرج سكران يسخر منه الصبيان، لان مثله لا يحترز عن الكذب.
وذكر الخصاف رحمه الله تعالى أن شرب الخمر يبطل العدالة.
وقال محمد رحمه الله تعالى: ما لم يظهر ذلك يكون مستور الحال اه.
وفي المقدسي: ومحمد شرط الادمان وهو الصحيح.
نعم إذا حمل الغلط على قول ابن الكمال إن شرب الخمر ليس بكبيرة يظهر لما قدمناه قريبا من أن شرب قطرة منه كبيرة.
وفي البدائع: شرب الخمر أحيانا للتقوي لا للتلهي يكون عدلا، وعامة المشايخ لا يكون عدلا لان شرب الخمر كبيرة محضة اه.
قوله: (قال وفي غير الخمر) قد علمت أنها يشترط فيها أيضا.
قوله: (يشترط الادمان) قدمنا أنه اختلف في الادمان هل هو في الفعل أو النية على قولين محكيين فيه؟ وفي الاصرار، قال ابن كمال: إن الادمان بالعزم أمر خفي لا يصلح أن يكون مدارا لعدم قبول الشهادة، ومحصله أن ابن الكمال يميل إلى ترجيح اشتراط الادمان بالفعل لا بالنية، فراجعه.
قوله: (على اللهو) أي لاجل اللهو: أي وهو معروف، وأصله ترويح النفس بما لا تقتضيه الحكمة.
بحر عن المصباح، والمراد به أن لا يكون للتداوي فيدخل في اللهو الشرب للاعتياد.
قال في البحر: فأطلق اللهو على المشروب، وظاهره أنه لا بد من الادمان في حق الخمر أيضا.
قال في المنح: هو خلاف الظاهر من العبارة، لان الظاهر منها أن معنى مدمن الشرب: أي مداوم
شرب الخمر على اللهو.
قال الزيلعي: أي مداوم شرب الخمر لاجل اللهو لان شربها كبيرة.
وقال منلا خسرو: ومدمن الشرب: أي شرب الاشربة المحرمة، فإن إدمان شرب غيرها لا يسقط الشهادة ما لم يكن على اللهو اه.
فأفاد كلامه أن الشرب على اللهو إنما هو شرط في غير الاشربة المحرمة، أما فيها فلا يشترط، وهذا يوافق كلام صاحب البحر.
والظاهر أن هذا هو الذي أحوجه إلى ذكره من حمل اللهو في كلام الكنز على المشروب، وهو مخالف لكلام الزيلعي، فإنه جعله شرطا في الخمر أيضا، وربما يناسبه كلام الشارح هنا، والظاهر خلافه لان شرب الخمر كبيرة ترد الشهادة بها سواء شربت على اللهو أم لا، وظاهر كلامهم أنه لابد من الادمان في حق الخمر أيضا.
وأما إدمان شرب غير المحرم لا يسقط الشهادة ما لم يكن على اللهو، فجعل اللهو قيدا للشرب وحمله على شرب غير المحرمة هو الذي يظهر كما يظهر لي من كلامهم، والله تعالى الموفق.
قوله: (لشبهة الاختلاف) قال في البحر: في قوله على اللهو إشارة إلى أنه لو شربها للتداوي لم تسقط عدالته لان للاجتهاد فيه مساغا اه.
قال ط: والاصح الحرمة.
نعم لو شرب لغصة شئ في حلقه ونحوه مما ينفسه لا محالة كان مباحا.
قهستاني.(1/568)
وفي العتابية: لا تسقط عدالة أصحاب المروءات بالشرب ما لم يشتهر.
وفي الظهيرية: من سكر من النبيذ بطلت عدالته في قول الخصاف لان السكر حرام عند الكل.
وقال محمد: لا تبطل عدالته إلا إذا اعتاد ذلك اه.
قال في البحر: وهو عجيب من محمد لانه قال بحرمة قليله ولم يسقطها بكثيرة، وظاهره أنه يقول بأن السكر منه صغيرة فشرط الاعتياد اه.
قال سيدي الوالد: قوله وهو عجيب من محمد الخ فيه نظر ظاهر يعلم مما قدمه عن الصدر الشهيد من أن الادمان على شرب الخمر شرط لسقوط العدالة عند محمد مع أنه ممن يقول بأن مجرد شرب الخمر ولو بدون إدمان وإسكار، ولهذا قال المقدسي: وإنما فعل ذلك محمد: يعني حيث اشتراط الاعتياد على السكر من النبيذ للاحتياط فمنع القليل: يعني من المسكر، ولم يسقط العدالة إلا إذا اعتاد ولم يكتف بالكثرة اه.
فإن قلت: لم اشترط الادمان في الشرب دون غيره مما يوجب الحد؟ قلت: ذكر البرجندي أن الوقوع في الشرب أكثر من الوقوع في غيره، فلو جعل مجرد الشرب مسقطا للعدالة أدى إلى الحرج(1/569)
تكملة حاشية رد المحتار - ابن عابدين (علاء الدين) ج 2
تكملة حاشية رد المحتار
ابن عابدين (علاء الدين) ج 2(2/)
حاشية قرة عيون الاخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار في فقه مذهب الامام أبي حنيفة النعمان لسيدي محمد علاء الدين أفندى نجل المؤلف طبعة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الثامن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(2/1)
جميع حقوق اعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(2/2)
كتاب الدعوى
لا يخفى مناسبتها للخصومة: أي لما اقتضى كون العزل معقبا للوكالة تقديم باب عزل الوكيل فتأخرت الدعوى عن الوكالة بالخصومة عنه.
ووجه مناسبتها له أن الخصومة شرعا: هي الدعوى والجواب عنها، فكان ذكرها بعد الوكالة بالخصومة من قبيل التفصيل بعد الاجمال.
قوله: (قول الخ) ظاهره يشمل الشهادة إلا أن يكون تعريفا بالاعم، فإن أريد إخراج الشهادة يزاد لنفسه.
قوله: (إيجاب حق على غيره) أي ن غير تقييد بمنازعة ولا مسالمة.
حموي.
ولا تعرض فيه إلى الدفع عن حق نفسه، والمصدر الادعاء وهو افتعال من ادعى والدعوى اسم منه، وتطلق على دعوى الحرب، وهي أن يقال يا لفلان، وكذا الدعوة والدعاوة بالفتح والكسر اسمان منه، والدعوة بالفتح أيضا المرة والحلف والدعاء إلى الطعام وتضم وبالكسر في النسب ط.
وقيل الدعوى في اللغة: قول يقصد به الانسان إيجاب الشئ على غيره، إلا أن اسم المدعي يتناول من لا حجة له في العرف ولا يتناول من له حجة، فإن القاضي يسميه مدعيا قبل إقامة البينة وبعدها يسميه محقا لا مدعيا، ويقال لمسيلمة الكذاب مدعي النبوة لانه قد أثبتها بالمعجزة.
قوله: (وألفها للتأنيث) هي لغة بعض العرب، وبعضهم يؤنثها بالتاء.
مصباح.
قوله: (جزم في المصباح الخ) قال بعضهم: الكسر أولى وهو المفهوم من كلام سيبويه، لانه ثبت أن ما بعد ألف الجمع لا يكون إلا مكسورا، وأما فتحه فإنه مسموع لا يقاس عليه.
وقال بعضهم: الفتح أولى لان العرب آثرت التخفيف ففتحت ح.
قوله: (فيهما) أي في الدعاوى والفتاوى ح.
قوله: (محافظة على ألف التأنيث) أي التي يبنى عليها المفرد، والظاهر أنه ساقط لفظ وفتحها بعد قوله بكسرها كما هو صريح عبارة الشرنبلالية والمصباح، أو يقال: إنما جزم صاحب المصباح بفتحها أيضا محافظة الخ فلا يسقط.
تأمل.
قوله: (وشرعا قول) أي إن قدر عليه، وإلا فتكفي كتابته.
قال في خزانة المفتين: ولو كان المدعي عاجزا عن الدعوى عن ظهر القلب يكتب دعواه في صحيفة ويدعي بها فتسمع دعواه.
ا ه.
قوله: (عند القاضي) أي فلا تسمع هي ولا الشهادة إلا بين يدي الحاكم.
بحر.
وأراد بالقبول الملزم فخرج غيره كما يأتي.
أقول: وينبغي أن يكون المحكم كالقاضي فيما يجوز به التحكيم بشروطه فإنه شرط كما في الاختيار ونبه عليه الشارح في شرحه عن الملتقى.(2/3)
قال في الشرنبلالية بعد أن ذكر القاضي قال: وينبغي أن يكون المحكم كذلك لانه يلزم الخصم بالحق ويخلصه ا ه.
وأقول: قد صدر الامر السلطاني الآن بنفاذ حكم المحكم إذا رفع للحاكم الشرعي وكان موافقا نفذه كما في كتاب القضاء من مجلة الاحكام العدلية.
قوله: (يقصد به طلب حق) أي معلوم قبل غيره.
هذا التعريف خاص بدعوى الاعيان والديون، فخرج عنه دعوى إيفاء الدين والابراء عنه.
بحر.
ورده العلامة المقدسي بأن هذا إنما يكون من جانب المدعى عليه لدفع الدعوى: أي فليس بدعوى.
وأيضا إذا علم أن الديون نفضى بأمثالها فالايفاء دعوى دين والابراء دعوى تلك معنى.
ا ه.
وقوله طلب حق يفيد أنه حال المنازعة، فخرج الاضافة حال المسألة فإنها دعوى لغة لا شرعا.
ونظيره ما في البزازية: عين في يد رجل يقول هو ليس لي وليس هناك منازع لا يصح نفيه، فلو ادعاه بعده لنفسه صح، وإن كان ثمة منازع فهو إقرار بالملك للمنازع، فلو ادعاه بعد ذلك لنفسه لا يصح، وعلى رواية الاصل لا يكون إقرار بالملك له.
ا ه.
بحر.
أقول: كلام البزازية مفروض في كون النفي إقرارا للمنازع أو لا، وليس فيه دعواه الملك لنفسه حالة المسالمة.
قوله: (خرج الشهادة) فإنها وإن كانت قولا مقبولا إلا أنه يقصد به إثبات حق للغير.
قوله: (والاقرار) أي وكذا الاقرار.
وأورد على التعريف يمين الاستحقاق، فإنه قول مقبول يقصد به طلب حق قبل الغير.
وأجيب بأنه خرج بالطلب فإن المراد به طلب خاص وهو ما كان بلفظ الدعوى ونحوه ط.
قوله: (أو دفعه) أي دفع الخصم عن حق نفسه.
زاد الباقاني في الحد بعد دعوى صحيحة لينطبق على المحدود.
ا ه.
وعطفه بأو التويعية إشارة إلى أن الدعوى نوعان، والقصد به الادخال فلا اعتراض بإدخال أو في التعريف قوله: (دخل دعوى دفع التعرض) أي بقوله أو دفعه وهو أن يدعي كل منهما أرضا أنها في يده وبرهن أحدهما على دعواه فكان مدعيا دفع تعرض الآخر حيث أثبت بالبينة أنها في يده والبينة
لا تقبل إلا بعد صحة الدعوى فعلمنا صحة دعوى دفع التعرض.
قال في البزازية: والفتوى على أن دعوى دفع التعرض صحيحة، فإنه ذكر في الجامع الصغير: أرض يدعيها رجلان كل يقول في يدي لا يقضى باليد لواحد منهما، ولو أحدهما باليد لآخر لا يقضى له به، ولو برهن أحدهما باليد بقضى له باليد لانه قام على خصم لنزاعه معه في اليد، دل على أن دعوى دفع التعرض مسموعة لعدم ثبوت اليد للآخر.
ا ه.
أفاده الرحمتي، لكن صورها الطحطاوي بقوله أن يقول إن فلانا يتعرض لي في كذا بغير حق وأطالبه بدفع التعرض فإنها تسمع فينهاه القاضي عن التعرض له بغير حق، فما دام لا حجة له فهو ممنوع عن التعرض، فإذا وجد حجة تعرض بها ا ه.
قال الحموي ناقلا عن بعد الفضلاء: لانه وقع عنده تردد فيما إذا سمع القاضي دعوى دفع التعرض ومنع الخصم من معارضته بعدها هل يكون قضاء منه مانعا للخصومة من المقضي عليه في(2/4)
الحادثة المتنازع فيها أم لا؟ فإن كان مانعا ظهر نتيجة، وإذا لم يكن مانعا فأي فائدة فيه، ولم أر من صرح بذلك ا ه.
أقول: فائدته فيما يظهر عدم سماع ذلك القاضي منه دعوى التعرض قبل وجود الحجة معه.
واعلم أن النزاع والتعرض متقاربان، لكن إن أريد بالتعرض أن يكون بغير حق بل مجرد أذية وأريد بالنزاع أن يكون بمستند يتوهم وجوده فالفرق ظاهر.
قوله: (بخلاف دعوى قطع النزاع) أي بينه وبين غيره، حقيقته أن يأتي بشخص للقاضي ويقول هذا يدعي علي دعوى، فإن كان له شئ فليبينه، وإلا يشهد على نفسه بالابراء، وهذا غير صحيح.
وهذه الدعوى غير مسموعة لان المدعي من إذا ترك ترك.
قال في البحر: سئل قارئ الهداية عن الدعوى بقطع النزاع بينه وبين غيره.
فأجاب: لا يجبر المدعي على الدعوى لان الحق له.
ا ه.
والذي رأيته في عبارة قارئ الهداية: سئل إذا ادعى شخص على آخر أنه يقطع النزاع بينه وبينه: إن كان له عليه حق أو مطالبة يدعي به ويطالبه، وإن كان ليس له عليه حق يشهد عليه أنه لا
يستحق عليه شيئا من الحقوق والدعاوى والطلبات، فهل تسمع هذه الدعوى من المدعي أم لا؟ أجاب لا يجب عليه أن يدعي عليه لان الحق له، إن شاء طلبه وإن شاء تركه ا ه.
وهي التي عناها الشارح بقوله سراجية أي فتوى سراج الدين قارئ الهداية، وهذا بخلاف دعوى دفع التعرض كما علمت، لان ذلك يقول هذه الارض في يدي وهذه البينة تشهد لي بها وهذا يدعي أنها له وفي يده ولا بينة له على دعواه فأريد أن لا يتعرض لي لاني أثبت أني ذو يد دونه.
قوله: (وهذا الخ) يعني لما عرفنا أن الدعوى قول مقبول يقصد به طلب حق، فإن أردنا بالحق الامر الوجودي كأن يقول هذا المال لي أريد أن يسلمه إلي بقي من أنواع الدعوى دعوى دفع التعرض فيزاد أو دفعه عنه حق نفسه، وإن أراد بالحق أعم من الوجودي وهو ما تقدم ومن العدمي وهو أن يقول هذا لا حق له في مالي لاني أثبت أني ذو يد وأطلق أن لا يتعرض لي بغير حق وعدم تعرض حق لكنه عدمي فيستغني عن هذه الزيادة وهو قوله أو دفعه.
قوله: (الامر الوجودي) فلا يشمل العدمي كالدفع فيحتاج إلى زيادته لادخاله في تعريف الدعوى، والمراد بالعدمي ما يشمل الاعتبار، فإن الدفع ليس عدميا لان المراد به كفه عن المنازعة ط.
قوله: (لهذا القيد) أي فيستغني في التعريف عن هذا القيد وهو قوله أو دفعه فإنه فصل قصد به الادخال والفصل بعد الجنس قيد، فافهم.
والاوضح أن يقول لم يحتج إلى زيادة أو دفعه.
قوله: (والمدعي الخ) اسم فاعل من ادعى يدعي أصله متدعي لان ثلاثية دعاء فنقل إلى باب الافتعال فصار اتدعى وقلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال فصار ادعى، وكذلك في باب التصرفات من المضارع والامر والمصدر، وإنما أبدلت التاء دالا ولم يعكس لانها من المهموسة والدال من المهجورة، فالاقوى لا يتحول إلى الضعيف.
تتمة: لما كان قوله والمدعي الخ للاغلب من المتنازعين فعلا احترز عنه في الدرر بقوله من المتنازعين قولا، ولما كان هذا متناولا للمتنازعين في المباحث احترز عنه بقوله في الحق: أي حق العبد.
ا ه.(2/5)
قال شيخنا: يوضحه أنه إذا تضاربا وكان الظاهر أحدهما فإنه يطلق عليه مدع مع أنه إذا ترك لا يترك فاحتاج إلى إخراجه بقوله من المتنازعين قولا.
ا ه.
أبو السعود.
والحاصل: أن طالب الحق يسمى مدعيا والطالب إذا ترك لا يتعرض له، والمطلوب هو المدعى عليه لا يتأتى منه الترك حتى يسلم ما عليه.
قوله: (من إذا ترك ترك أي لا يجبر عليها لان حق الطلب له، فإذا تركه لا سبيل عليه.
عيني.
أقول: وهذا أحسن ما قيل فيه.
وقال محمد في الاصل: قيل المدعى عليه هو المنكر والآخر المدعي.
قال الزيلعي: وهذا صحيح غير أن التمييز بينهما يحتاج إلى فقه وحدة ذكاء، إذ العبرة للمعاني دون الصور والمباني، ولان الكلام قد يوجد من الشخص في صورة الدعوى، وهو إنكار معنى كالمودع إذا ادعى أداء الوديعة أو هلاكها فإنه مدع صورة ومنكر لوجوب الضمان معنى، ولهذا يحلفه القاضي إذا ادعى رد الوديعة أو لهلاكها أنه لا يلزمه رده ولا ضمان، ولا يحلفه أنه رده لان اليمين أبدا تكون على النفي كما في الشرنبلالية.
قوله: (والمدعى عليه بخلافه) أي ملتبس بمخالفته، وهو من إذا ترك لا يترك بل يجبر على الخصومة إذا تركها وهذا فرق صحيح.
حموي.
قال القهستاني: فلا يشكل بوصي اليتيم فإنه مدعى عليه معنى فيما إذا أجبره القاضي على الخصومة لليتيم، وإنما عرفها بذلك وعدل عما يقتضي التعريف إشارة إلى اختلاف المشايخ فيهما.
وقيل المدعي من يخبر بحق له على غيره، والمدعى عليه من يخبر بأن لا حق لغيره عليه.
وقيل المدعي من يلتمس خلاف الظاهر، والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر.
ا ه.
وقيل المدعي من لا يستحق إلا بحجة كالخارج والمدعى عليه من يستحق بقوله بلا حجة كذي اليد.
قلت: وهذا تعريف بالحكم فيه دور.
وأصح ما ذكر فيه الذي مشى عليه المصنف.
قوله: (فلو في البلدة قاضيان كل في محلة) أي بخصوصها وليس قضاؤه عاما، وأشار به إلى أن الجبر في أصل الدعوى لا فيمن يدعي بين يديه والتفريع لا يظهر، وفي بعض النسخ بالواو بدل الفاء.
قوله: (فالخيار للمدعى عليه عند محمد به يفتى.
بزازية) ليس ما ذكره عبارة البزازية.
وعبارتها كما في المنح: قاضيان في مصر طلب كل واحد منهما أن يذهب إلى قاض فالخيار للمدعى عليه عند محمد، وعليه الفتوى.
ا ه.
وفي المنح قبل هذا عن الخانية قال: ولو كان في البلدة قاضيان كل واحد منهما في محلة على حدة فوقعت الخصومة بين رجلين أحدهما من محلة والآخر من محلة أخرى والمدعي يريد أن يخاصمه إلى قاضي محلته والآخر يأبى ذلك، اختلف فيها أبو يوسف ومحمد، والصحيح أن العبرة لمكان المدعى عليه، وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلدة ا ه.
وعلله في المحيط كما في البحر بأن أبا يوسف يقول إن المدعي منشئ للخصومة فيعتبر قاضيه، ومحمد يقول: إن المدعى عليه دافع لها ا ه.
وبيان التعليل كما قال الرملي إن عند أبي يوسف رحمه الله تعالى المدعي إذا ترك فهو منشئ، فيتخير إن شاء أنشأ الخصومة عند قاضي محلته، وإن شاء أنشأها عند قاضي محلة خصمه، وأن محمدا(2/6)
رحمه الله تعالى يقول: المدعى عليه دافع له والدافع يطلب سلامة نفسه والاصل براءة ذمته، فأخذه إلى من يأباه لريبة ثبتت عنده وتهمة وقعت له ربما يوقعه في إثبات ما لم يكن ثابتا في ذمته بالنظر إليه واعتباره أولى، لانه يريد الدفع عن نفسه وخصمه يريد أن يوجب عليه الاخذ بالمطالبة، ومن طلب السلامة أولى بالنظر ممن طلب ضدها.
تأمل.
وإنما حمل الشارح عبارة البزازية على ما في الخانية من التقييد بالمحلة لما قاله المصنف في المنح.
هذا كله وكل عبارات أصحاب الفتاوى يفيد أن فرض المسألة التي وقع فيها الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيما إذا كان في البلدة قاضيان كل قاض في محلة، وأما إذا كانت الولاية لقاضيين أو لقضاة على مصر واحد على السواء فيعتبر المدعي في دعواه فله الدعوى عند أي قاض أراده، إذ لا تظهر فائدة في كون العبرة للمدعي أو المدعى عليه، ويشهد لصحة هذا ما قدمناه من تعليل صاحب المحيط.
ا ه.
ورده الخير الرملي وادعى أن هذا بالهذيان أشبه، وذكر أنه حيث كانت العلة لابي يوسف أن المدعي منشئ للخصومة، ولمحمد أن المدعى عليه دافع لها لا يتجه ذلك فإن الحكم دائر مع العلة.
ا ه.
وهو الذي يظهر كما قال شيخنا، لكنه لم يأت لرده بوجه يقويه، والظاهر أنه لم يظهر له المراد وهو الذي نذكره في الحاصل آخر هذه العبارة.
وأقول: التحرير في هذه المسألة ما نقله الشارح عن خط المصنف، ومشى عليه العلامة المقدسي كما نقله عنه أبو السعود.
وحاصله: أن ما ذكروه من تصحيح قول محمد بأن العبرة لمكان المدعى عليه إنما هو فيما إذا كان قاضيان كل منهما في محلة وقد أمر كل منهما بالحكم على أهل محلته فقط بدليل قول العمادي: وكذا لو كان أحدهما من أهل العكسر والآخر من أهل البلد فأراد العسكري أن يخاصمه إلى قاضي العسكر فهو على هذا، ولا ولاية لقاضي العكسر على غير الجندي، فقوله ولا ولاية دليل واضح على ذلك.
أما إذا كان كل منهما مأذونا بالحكم على أي من حضر عنده من مصري وشامي وحلبي وغيرهم كما في قضاة زماننا فينبغي التعويل على قول أبي يوسف لموافقته لتعريف المدعي والمدعى عليه: أي فإن المدعي هو الذي له الخصومة فيطلبها عند أي قاض أراد، وبه ظهر أنه لا وجه لما في البحر من أنه لو تعدد القضاة في المذاهب الاربعة كما في القاهرة فالخيار للمدعى عليه حيث لم يكن القاضي من محلتهما.
قال: وبه أفتيت مرارا.
أقول: وقد رأيت بخط بعض العلماء نقلا عن المفتي أبو السعود العمادي أن قضاة الممالك المحروسة ممنوعون عن الحكم على خلاف مذهب المدعى عليه.
ا ه.
وأشار إليه الشارح، وذكر شيخ شيوخ مشايخنا السائحاني بعد كلام: قال في قضاء البزازية: فوض قضاء ناحية إلى رجلين لا يملك أحدهما القضاء، ولو قلد رجلين على أن ينفرد كل منهما بالقضاء لا رواية فيه.
وقال الامام ظهير الدين: ينبغي أن يجوز لان القاضي نائب السلطان يملك التفرد.
ا ه.
فتحصل أن الولاية لو لقاضيين فأكثر كل واحد في محلة فتفرد القاضي صحيح والعبرة للمدعى عليه، وإن كانوا في محل واحد على السواء فقد سمعت أنه لا يملك أحدهم التفرد فلا فائدة في اختيار أحدهم، وإن أمر كل واحد بالتفرد جاز، وحينئذ فلا يظهر فرق بين كل واحد في محلة أو مجتمعين، فما فهمه المصنف ليس على إطلاقه بل على هذا التفصيل.
ا ه.
وكان عليه أن يذكر بعد قوله جاز(2/7)
والعبرة للمدعي.
وقد اتضح المرام من هذه المسألة على أتم وجه، ولله تعالى الحمد، لكن صدر الامر
السلطاني الآن بالعمل على ما في المحلة من المادة 3081 من أن العبرة للمدعى عليه فاحفظه والسلام.
قوله: (وبه أفتيت مرارا) رده العلامة المقدسي، وذكر أنه ينبغي التعويل على قول أبي يوسف لموافقته تعريف المدعي والمدعى عليه، وذكر أنه غير صحيح.
أما أولا فإن النسخ المشهورة من البزازية على الاطلاق الذي ادعاه وبنى عليه فتواه، بل على ما قيده من أن كلا من المتداعيين يطلب المحاكمة عند قاضي محلته كما علمت من عبارته المتقدمة.
وعلى تقدير في نسخته إطلاقا فهو محمول على التقييد المصرح به في العمادية والخانية وغيرهما، فإن الذي ولاه خصمه بتلك البلد أو بتلك المحلة.
ولهذا قال في جامع الفصولين: اختصم غريبان عند قاضي بلدة صح قضاؤه على سبيل التحكيم.
أقول: ولا يحتاج إلى هذا لان القضاء يفوض لهم الحكم على العموم في كل من هو في بلدهم أو قريتهم ولو من الغرباء التي تولوا القضاء بها كما ذكرناه، وهو الذي ذكره المؤلف بعد عن المصنف.
قوله: (على السواء) أي في عموم الولاية، لان قضاة المذاهب في زماننا ولايتهم على السواء في التعميم، وهو رد على البحر.
قوله: (بإجابة المدعى عليه) بأن قال له من اختار غيرك من القضاء فلا تحكم عليه.
قوله: (لزم اعتباره) أي أمر السلطان أي العمل به وقد أمر كما مر فلا تنسه.
قوله: (لعزله) أي لعزل من اختاره المدعي عن الحكم بالنسبة إلى هذه الدعوى عملا بأمر السلطان، فكأنه خصص قضاءه بالحكم على من اختاره والقضاء يتخصص.
قوله: (كما مر مرارا) من أن القضاء يتقيد.
قوله: (قلت وهذا الخلاف) أي بين محمد القائل باعتبار المدعى عليه وبين أبي يوسف القائل باعتبار المدعي.
قوله: (على حدة) أي لا يقضي على غير أهلها.
قوله: (أما إذا كان في المصر حنفي وشافعي الخ) أي وقد ولى الحنفي على أن يحكم على جميع أهل المصر وكذا الشافعي ونحوه فليس هو كمن ولى على محلة.
قوله: (في مجلس واحد) قيد اتفاقي والظاهر أنه أراد في بلدة واحدة لان المدار على عموم الولاية كما تقدم، فلو اقتصر على قوله والولاية واحدة لكان أحسن، ويعني باتحادها عمومها.
قوله: (والولاية واحدة) أي لم يخصص كل واحد بمحله.
قوله: (لما أنه صاحب الحق) هذا ما يعطيه كلام المقدسي، وهو يفيد اعتبار المدعي ولو كان أحد القضاة يساعد المدعى عليه، وهذا التعليل منه أولى من تعليله السابق بقوله إذ لا تظهر فائدة في كون العبرة للمدعي أو المدعى عليه ط.
قال الشارح في الدر المنتقى بعد أن ذكر نحو هذا: وأفتى بعض موالي الروم بأنه إن انضم إليه احتمال ظلمه فللمدعى عليه، والله تعالى الموفق.
ا ه.
قوله: (وركنها) أي الدعوى إضافة الحق إلى نفسه.
الركن جزء الماهية، وقد قدم أنها قول مقبول الخ، فهي مركبة من إضافة الحق إلى نفسه ومن(2/8)
القول الدال عليه ومن كونه عند القاضي، فيكون أركانها ثلاثة، ويحتمل أن كونها عند القاضي شرط كما سيصرح به فيكون الركن شيئين فقط القول ومدلوله، وظاهر كلام الشارح أن الركن هو المدلول فقط.
وأما القول فهو وسيلة إليه فيكون أراد بالركن الماهية وكثيرا ما يقع ذلك في كلامه، فليتأمل.
قوله: (كوكيل ووصي) الاولى كموكل ويتيم.
قوله: (عند النزاع الخ) إنما تسمى دعوى عند النزاع لانه حينئذ يسمى مدعيا، أما بعد ثبوت حقه وانقطاع النزاع عنه فلا يسمى مدعيا، وكذا عند المسالمة فإنها ليست دعوى شرعا.
قال في البحر: فخرج الاضافة حالة المسالمة فإنها دعوى لغة لا شرعا.
ا ه.
ونظير ما تقدم عن البزازية عند قوله يقصد به طلب حق.
قوله: (وأهلها) أدخله في البحر في الشروط، ونظم الحموي الشروط بقوله: أيا طالبا مني شرائط دعوة فتلك ثمان من نظامي لها حلا فحضرة خصم وانتفاء تناقض ومجلس حكم بالعدالة سربلا كذلك معلومية المدعي به وإمكانه والعقل دام لك العلا كذاك لسان المدعي من شروطها وإلزامه خصما به النظم كملا قوله: (ولو صبيا) أي ولو المميز صبيا.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن مأذونا لا تصح دعواه كسائر عبارته الدائرة بين الضر والنفع.
تتمة: نقل العلامة أبو السعود عن الزيلعي أن الصبي العاقل المأذون له يستحلف ويقضى عليه بالنكول، ولا يستحلف الاب في مال الصبي والوصي في مال اليتيم ولا المتولي في مال الوقف إلا إذا ادعى عليهم العقد فيستحلفون حينئذ.
ويأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى.
وفي الفصول العمادية: لو ادعى على صبي محجور عليه شيئا وله وصي حاضر لا تشترط حضرة الصبي ذكره في كتاب القسمة، ولم يفصل بين ما إذا كان المدعي عينا أو دينا وجب بمباشرة هذا الوصي أو وجب لا بمباشرته كضمان الاستهلاك ونحوه.
وذكر الخصاف في أدب القاضي: لو ادعى على صبي محجور مالا بالاستهلاك أو بالغصب، إن قال المدعي لي بينة حاضرة تسمع دعواه ويشترط حضور الصغير لان الصبي مؤاخذ بأفعاله والشهود محتاجون إلى الاشارة لكن يحضر معه أبوه أو وصيه، حتى إذا ألزم الصغير بشئ يؤدي عنه أبوه من ماله: يعني من مال الصغير.
وذكر بعض المتأخرين حضرة الصغير الدعاوى شرط، سواء كان الصغير مدعيا أو مدعى عليه.
والصحيح أنه لا يشترط حضرة الاطفال الرضع عند الدعاوى، هكذا ذكر في المحيط، وذكر رشيد الدين في فتاواه أن المختار أنه يشترط حضرة الصبي عند الدعاوى.
ا ه.
وفي جامع أحكام الصغار للاستروشني: ولو ادعى رجل على صبي محجور شيئا وله وصي حاضر لا يشترط حضور الصبي، هكذا ذكر شيخ الاسلام، ولم يفصل بين ما إذا كان المدعي دينا أو عينا وجب الدين بمباشرة هذا الوصي أو لا.(2/9)
وذكر الناطفي في أجناسه: إذا كان الدين واجبا بمباشرة هذا الوصي لا يشترط إحضار الصبي.
وفي أدب القاضي للخصاف: إذا وقع الدعوى على الصبي المحجور عليه إذا لم يكن للمدعي بينة فليس له حق إحضاره إلى باب القاضي: لانه لو حضر لا يتوجه عليه اليمين، لانه لو نكل لا يقضي بنكوله، وإن كانت له بينة وهو يدعي عليه الاستهلاك كان له حق إحضاره، لان الصبي مؤاخذ بأفعاله والشهود يحتاجون إلى الاشارة إليه فكان له حق إحضاره، ولكن يحضر معه أبوه حتى إذا لزم الصبي شئ يؤدي عنه أبوه من ماله.
وفي كتاب الاقضية أن إحضار الصبي في الدعاوى شرط، وبعض المتأخرين من مشايخ زماننا منهم من شرط ذلك سواء كان الصغير مدعيا أو مدعى عليه، ومنهم من أبى ذلك.
وإذا لم يكن
للصبي وصي وطلب المدعي من القاضي أن ينصب عنه وصيا أجابه القاضي إلى ذلك.
وفي فتاوى القاضي ظهير الدين: والصحيح أنه لا يشترط حضرة الاطفال الرضع عند الدعوى، ونشترط حضرة الصبي عند نصب الوصي للاشارة إليه.
هكذا في الفتاوى.
وفي كتاب الاقضية: ومن مشايخ زماننا من أبى ذلك، وقال لو كان الصبي في المهد يشترط إحضار المهد مجلس الحكم، ولا شك أن اشتراطه بعيد، والاول أقرب إلى الصواب وأشبه بالفقه.
ا ه.
وفي جامع أحكام الصغار للاستروشني أيضا: الصبي التاجر والعبد التاجر يستحلف ويقضى عليه بالنكول.
وذكر الفقيه أبو الليث أن الصبي المأذون له يستحلف عند علمائنا، وبه نأخذ.
وفي الفتاوى أنه لا يمين على الصبي المأذون حتى يدرك.
وذكر في النوادر: يحلف الصبي المأذون له ويقضي بنكوله.
وفي المنية: الصبي العاقل المأذون له يستحلف ويقضي بنكوله.
وفي الولوالجية: صبي مأذون باع شيئا فوجد المشتري به عيبا فأراد تحليفه فلا يمين عليه حتى يدرك.
وعن محمد: لو حلف وهو صبي ثم أدرك لا يمين عليه كالنصراني إذا حلف ثم أسلم لا يمين عليه، فهذا دليل على أنه لو حلف يكون معتبرا.
وعن محمد: إذا ادعى على الصبي دين وأنكر الغلام فالقاضي يحلفه، وإن نكل يقضى بالدين عليه ولزمه في ذلك بمنزلة الكبير، وفي الصبي المحجور إذا لم يكن للمدعي بينة لا يكون له إحضاره إلى باب القاضي، لانه لو حلف ونكل لا يقضى عليه بنكوله، ولو كان له بينة وهو يدعي عليه الاستهلاك له إحضاره لانه مأخوذ بأفعاله، وإن لم يكن مأخوذا بأقواله والشهود محتاجون إلى الاشارة إليه فيحضر، لكن يحضر معه أبوه ومن هو في معناه، لان الصبي بنفسه لا يلي شيئا فيحضر الاب، حتى إذا لزمه يؤمر الاب بالاداء عنه في ماله.
كذا في الحواشي الحموية.
والحاصل: أن المفهوم مما ذكر أنه لا يلزم إحضار الصغير ولو مدركا على الصحيح ما لم يكن مستهلكا للاشارة إليه في الشهادة ولكن يحضر معه أبوه أو وصيه.
قوله: (وشرطها) لم أر اشتراط لفظ مخصوص للدعوى وينبغي اشتراط ما يدل على الجزم والتحقيق، فلو قال أشك أو أظن لم تصح
الدعوى.
بحر.
فائدة: لا تسمع الدعوى بالاقرار، لما في البزازية عن الذخيرة: ادعى أن له عليه كذلك وأن العين الذي في يده له لما أنه أقر له به أو ابتدأ بدعوى الاقرار وقال إنه أقر أن هذا لي أو أقر أن لي عليه كذا.(2/10)
قيل يصح، وعامة المشايخ على أنه لا تصح الدعوى لعدم صلاحية الاقرار للاستحقاق الخ.
بحر من فصل الاختلاف في الشهادة.
وسيأتي متنا أول الاقرار.
قوله: (أي شرط جواز الدعوى) أي صحتها.
قوله: (مجلس القضاء) فيه مناقشته، فإن شرط الشئ خارج عن ذلك الشئ وحضور مجلس القاضي مأخوذ في مفهوم الدعوى حيث عرفها في الدرر بأنها مطالبة حق عند من له الخلاص.
وأما على تعريف الكنز بأنها إضافة الشئ إلى نفسه حالة المنازعة فلا ترد هذه المناقشة.
أبو السعود.
والمراد بمجلس القاضي محل جلوسه حيث اتفق ولو في بيت أو دكان، إذ لا تسمع الدعوى ولا الشهادة إلا بين يدي القاضي، أما نوابه الآن في محاكم الكنارات فلا يصح سماعهم الدعوى إلا بها ما لم يطلق لهم الاذن بسماعها أينما أرادوا، فإذا أطلق لهم صاروا مثله.
قوله: (وحضور خصمه) قال في البحر: ولا بد من بيان من يكون خصما في الدعاوى ليعلم المدعى عليه، وقد أغفله الشارحون وهو مما لا ينبغي.
فأقول: في دعوى الخارج ملكا مطلقا في عين في يد مستأجر أو مستعير أو مرتهن فلا بد من حضرة المالك وذي اليد، إلا إذا ادعى الشراء منه قبل الاجارة فالمالك وحده يكون خصما، وتشترط حضرة المزراع إن كان البذر منه أو كان الزرع نابتا وإلا لا.
وفي دعوى الغصب عليه لا تشترط حضرة المالك.
وفي البيع قبل التسليم لا بد في دعوى الاستحقاق والشفعة من حضرة البائع والمشتري فاسدا بعد القبض خصم لمن يدعي الملك فيه وقبل القبض الخصم هو البائع وحده وأحد الورثة ينتصب خصما عن الكل فالقضاء عليه قضاء الكل وعلى الميت.
وقيده في الجامع بكون الكل في يده وأن البعض في يده فبقدره والموصى له ليس بخصم في إثبات الدين إنما هو خصم في إثبات الوكالة أو الوصاية، إلا إذا كان موصى له بما زاد على الثلث ولا وارث فهو كالوارث.
واختلاف المشايخ في إثبات الدين على من في يده مال الميت وليس بوارث ولا وصي، ولا
تسمع دعوى الدين على الميت على غريم الميت مديونا أو دائنا أي لاجل المحاصصة.
والخصم في إثبات النسب خمسة: الوارث والوصي والموصى له والغريم للميت أو على الميت.
وقف على صغير له وصي ولرجل فيه دعوى يدعيه على متولي الوقف لا على الوصي لان الوصي لا يلي القبض.
ولا تشترط حضرة الصبي عند الدعوى عليه وتكفي حضرة وصيه دينا أو عينا باشره الوصي أو لا.
ولا تشترط حضرة العبد والامة عند دعوى المولى أرشه ومهرها.
ولو ادعى على صبي محجور عليه استهلاكا أو غصبا وقال لي بينة حاضرة تسمع دعواه وتشترط حضرة الصبي مع أبيه أو وصيه وإلا نصب له القاضي وصيا، وتشترط حضرته عند الدعوى مدعيا أو مدعى عليه.
والصحيح أنه لا تشترط حضرة الاطفال الرضع عند الدعوى.
والمستأجر خصم لمن يدعي الاجارة في غيبة المالك على الاقرب إلى الصواب، وليس بخصم على الصحيح لمن يدعي الاجارة أو الرهن أو الشراء والمشتري خصم للكل كالموهوب له.
وفي دعوى العين المرهونة تشترط حضرة الراهن والمرتهن وتصح الدعوى على الغاصب وإن لم تكن العين في يده، فلذا كان للمستحق الدعوى على البائع وحده، وإن كان المبيع في يد المشتري(2/11)
لكونه غاصبا والمودع أو الغاصب إذا كان مقرا بالوديعة والغصب لا ينتصب خصما للمشتري وينتصب خصما لوارث المودع أو المغصوب منه.
ومن اشترى شيئا بالخيار فادعاه آخر يشترط حضرة البائع والمشتري باطلا لا يكون خصما للمستحق، وإذا استحق المبيع بالملك المطلق وقضى به فبرهن البائع على النتاج وبرهن على المشتري في غيبة المستحق ليدفع عنه الرجوع بالثمن اختلف المشايخ، والاصح أنه لا يشترط حضرته.
ومنهم من قال: المختار اشتراطها، وأفتى السرخسي بالاول وهو الاظهر.
والاشبه أن الموصى له ينتصب خصما للموصى له فيما في يده، فإن لم يقبض ولكن قضى له بالثلث فخاصمه موصي له آخر: فإن إلى القاضي الذي قضى له كان خصما، وإلا فلا.
وإذا ادعى نكاح امرأة ولها زوج ظاهر يشترط حضرته لسماع الدعوى والبينة ودعوى النكاح عليها بتزويج أبيها صحيحة بدون حضرة أبيها.
ودعوى الواهب الرجوع في الهبة للعبد عليه صحيحة إن كان مأذونا، وإلا فلا بد من حضرة مولاه.
والقول للواهب أنه مأذون ولا تقبل بينة العبد أنه محجور، فإن غاب العبد لم تصح دعوى الرجوع على مولاه إن كانت العين في يد العبد.
وتمامه في خزانة المفتين.
ا ه.
قوله: (فلا يقضى على غائب) أي بالبينة سواء كان غائبا وقت الشهادة أو بعدها وبعد التزكية، وسواء كان غائبا عن المجلس أو عن البلد إلا أن يكون ذلك ضروريا، كما إذا توجه القضاء على الخصم فاستتر بشرطه المذكور في موضعه.
ابن الغرس: وأما إذا أقر عند القاضي فيقضى عليه وهو غائب، لان له أن يطعن في البينة دون الاقرار، ولان القضاء بالاقرار قضاء إعانة، لكن قال في الخامس والعشرين من جامع الفصولين ناقلا عن الخانية: غاب المدعى عليه بعد ما برهن عليه أو غاب الوكيل بعد قبول البينة قبل التعديل أو مات الوكيل ثم عدلت تلك البينة لا يحكم بها.
وقال أبو يوسف: يحكم وهذا أرفق بالناس.
ولو برهن على الموكل فغاب ثم حضر وكيله أو على الوكيل ثم حضر موكله يقضي بتلك البينة، وكذا يقضي على الوارث ببينة قامت على مورثه، وقد مر الكلام على ذلك مستوفى في القضاء، فراجعه.
وكذا لا تسمع الشهادة على غائب إلا إذا التمس المدعي بذلك كتابا حكميا للقضاء به فيجيبه القاضي إليه، فيكتب إلى القاضي الغائب الذي بطرفه الخصم بما سمعه من الدعوى والشهادة ليقضي عليه كما في الهندية عن البدائع.
قوله: (وهل يحضره بمجرد الدعوى) أي يحضر القاضي الخصم.
قوله: (فحتى يبرهن) يعني قال بعضهم: إنما يحضره إذا برهن على دعواه لا للقضاء بها بل ليعلم صدقه.
وقال بعضهم: إنما تقام البينة على الخصم ولا خصم هنا بل يحلفه بالله أنه صادق فيما يدعي عليه ليعلم بذلك صدقه، فإن حلف أحضر له خصمه.
قوله: (أو يحلف) أو لحكاية الخلاف، لانهما قولان لا قول واحد يخير فيه بين البرهان والتحليف.
قال في البحر: إن كان في المصر أو قريبا منه بحيث لو أجاب يبيت في منزله، وإن كان أبعد(2/12)
منه قيل يأمره بإقامته البينة على موافقة دعواه لاحضار خصمه والمستور في هذا يكفي، فإذا أقام يأمر إنسانا ليحضر خصمه.
وقيل يحلفه القاضي، فإن نكل أقامه عن مجلسه، وإن حلف أمر بإحضاره.
ا ه.
قال قاضيخان: فإذا أقام البينة قبلت بينته للاشخاص لا للقضاء ا ه: أي بل لاحضاره، فإذا حضر أعاد البينة ثانيا، فإن عدلت قضى عليه كما في شرح أدب القاضي.
قال الشلبي: وعمل قضاة زماننا على خلاف ما تقدم، فإذا أتى لهم شخص فقال لي دعوى على شخص يأمرون بإحضاره من غير أن يستفسروا المدعي عن دعواه ليعلموا صحتها من فسادها، وهذا منهم غفلة عما ذكروه أو جهل به.
ا ه.
وفي خزانة الاكمل: قال أبو يوسف: لو اختفى المدعى عليه في البيت بعث إليه القاضي نساء وأمرهن بدخول داره، فإن عرفنه، وإلا عزل النساء في بيت ثم يدخل الرجال فيفتشون بقية الدار، قال هشام لمحمد: ما تقول في رجل له حق على ذي سلطان فلم يجئ معه إلى مجلس القاضي؟ فأخبرني أن أبا يوسف كان يعمل بالاعداء وهو قول أهل البصرة وبه نأخذ.
والاعداء أن يبعث القاضي إلى بابه من يأتيه به، بأن يقول له إن القاضي يدعوك إلى مجلس الحكم، فإن أجابه فبها، وإلا جعل القاضي وكيلا عنه.
ولا يأخذ أبو حنيفة بالاعداء ا ه.
قال في البحر: ولم يذكر الشارحون هنا حكم استيفاء ذي الحق حقه من الغير بلا قضاء، وأحببت جمعه من مواضعه تكثرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها، فإن كان الحق حد قذف فلا يستوفيه بنفسه لان فيه حق الله تعالى اتفاقا.
والاصح أن الغالب فيه حقه تعالى، فلا يستوفيه إلا من يقيم الحدود ولكن يطلب المقذوف كما بيناه في بابه، وإن كان قصاصا فقال في جنايات البزازية: قتل الرجل عمدا وله ولي له أن يقتص بالسي فقضى به أولا ويضرب علاوته، ولو رام قتله بغير سيف منع، وإن فعل عزر لكن لا يضمن لاستيفائه حقه ا ه.
وإن كان تعزيرا ففي حدود القنية: ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران، ويبدأ بإقامة التعزير بالبادئ منهما لانه أظلم
والوجوب عليه أسبق ا ه.
وأما إذا شتمه فله أن يقول له مثله، والاولى تركه كما قدمناه في محله، بخلاف ما إذا قذفه فلا يجوز له أن يقول له مثله كما إذا قال له يا كلب لانه كذب محض.
وقالوا: للزوج أن يؤدب زوجته، وله أن يضربها على عدم إجابته إذا دعاها لفراشه ولا مانع، وعلى ترك الزينة وهو يريدها، وعلى ضربها ولده، وعلى خروجها بغير إذنه بغير حق، وعلى صعودها على السلط لتطل على الجيران أو يراها الاجانب، وحينئذ فله أن يقفل عليها الباب.
والصحيح أنه لا يضربها على ترك الصلاة كما مر في موضعه مفصلا.
وفي جامع الفصولين من التحليف: ومن عليه التعزير لو مكن صاحب الحق منه أقامه: يعني لم يختص الامام بإقامته، فإن الزوج يؤدب المرأة ولو رأى أحدا يفعل ذلك فله أن يمنعه ويضربه لو لم ينزجر بالمنع باللسان، ولو كان حقه تعالى لانعكست هذه الاحكام ا ه.
وإن كان عينا.
ففي إجارة القنية: ولو غاب المستأجر بعد السنة ولم يسلم المفتاح إلى الآجر فله أن يتخذ مفتاحا آخر، ولو أجره من غير إذن الحاكم جاز ا ه.(2/13)
مطلب: حادثة الفتوى وقد صارت حادثة الفتوى: مضت المدة وغاب المستأجر وترك متاعه في الدار فأفتيت بأن له أن يفتح الدار ويسكن فيها، وأما المتاع فيجعله في ناحية إلى حضور صاحبه، ولا يتوقف الفتح على إذن القاضي أخذا مما في القنية.
وفي غصب منية المفتي: أخذت أغصان شجرة إنسان هواء دار آخر فقطع رب الدار الاغصان: فإن كانت الاغصان بحال يمكن لصاحبها أن يشدها بحبل ويفرغ هواء داره ضمن القاطع، وإن لم يكن لا يضمن إذا قطع من موضع لو رفع إلى الحاكم أمر بالقطع من ذلك الموضع.
ا ه.
وإن كان دينا، ففي مداينات القنية رب الدين إذا ظفر من جنس حقه من مال المديون على صفته فله أخذه بغير رضاه، ولا يأخذ خلاف جنسه كالدراهم والدنانير.
وعند الشافعي: له أخذه بقدر قيمته.
وعن أبي بكر الرازي: له أخذ الدراهم بالدنانير استحسانا لا قياسا، ولو أخذ من الغريم جنس الحق غير رب الدين ودفعه
لرب الدين.
قال ابن سلمة: هو غاصب والغريم غاصب الغاصب، فإن ضمن الآخذ لم يصر قصاصا بدينه، وإن ضمن الغريم صار قصاصا.
وقال نصير بن يحيى: صار قاصصا بدينه والآخذ معين له، وبه يفتى.
ولو غصب غير الدائن جنس الدين من المديون فغصبه منه الدائن، فالمختار هنا قول ابن سلمة ا ه.
وظاهر قول أصحابنا أن له الاخذ من جنسه مقرا كان أو منكرا له بينة أو لا، ولم أر حكم ما إذا لم يتوصل إليه إلا بكسر الباب ونقب الجدار، وينبغي أن له ذلك حيث لا يمكنه الاخذ بالحاكم وإذا أخذ غير الجنس بغير إذنه فتلف في يده ضمنه ضمان الرهن كما في غصب البزازية: رفع عمامة مديونه عن رأسه حين تقضاه الدين وقال لا أردها عليك حتى تقضي الدين فتلفت العمامة في يده تهلك هلاك الرهن بالدين.
قال: هذا إنما يصح إذا أمكنه استردادها فتركها عنده.
أما إذا عجز فتركها لعجزه ففيه نظر ا ه.
وأنت خبير بأن ما هنا مشكل، إذ يقتضي أن الزائد على الدين أمانة مع كونه غاصبا، إذ ليس له أخذ غير جنس حقه، فتأمل ذلك.
وفي البزازية في الرهن، تقاضى دينه فلم يقضه فرفع العمامة عن رأسه وأعطاه منديلا فلفه على رأسه فالعمامة رهن، لان الغريم بتركها عنده رضي بكونها رهنا، وسيأتي في الرهن متنا أخذ عمامة المديون لتكون رهنا عنده لم تكن رهنا ا ه.
وفي جامع الفصولين: أخذ عمامة مديونه لتكون رهنا لم يجز أخذه وهلكه كرهن، وهذا ظاهر لو رضي المديون بتركه رهنا.
ا ه.
والتوفيق بين النقول ظاهر، فتأمل، والله تعالى أعلم.
قوله: (منية) عبارتها إذا طلب من القاضي إحضار الخصم وهو خارج المصر، إن كان الوضع قريبا بحيث لو ابتكر من أهله أمكنه أن يحضر مجلس القاضي ويجيب خصمه ويبيت في منزله يحضره بمجرد الدعوى، كما إذا كان في المصر، وإن كان أبعد قيل يأمر بإقامة البينة على موافقة دعواه لاحضار خصمه.
وقيل يحلفه القاضي، فإن نكل أقامه عن مجلسه وإن حلف يأمر بإحضاره.
ا ه.
كما قدمناه بأوضح من هذا.
قوله: (ومعلومية المال المدعي) أي ببيان جنسه وقدره بالاجماع، لان الغرض إلزام المدعى عليه عند إقامة البينة، ولا إلزام فيما لا يعلم جنسه وقدره.(2/14)
قال في البحر: وأشار باشتراط معلومية الجنس والقدر إلى أنه لا بد من بيان الوزن في الموزونات.
وفي دعوى وقر رمان أو سفرجل لا بد من ذكر الوزن للتفاوت في الوقر، ويذكر أنه حلو أو حامض أو صغير أو كبير.
وفي دعوى الكعك يذكر أنه من دقيق المغسول أو من غيره، وما عليه من السمسم أنه أبيض أو أسود وقدر السمسم.
وقيل لا حاجة إلى السمسم وقدره وصفته.
وفي دعوى الابريسم بسبب السلم لا حاجة إلى ذكر الشرائط، والمختار أنه لا بد من ذكر الشرائط.
وفي القطن يشترط بيان أنه بخاري أو خوارزمي.
وفي الحناء لا بد من بيان أنه مدقوق أو ورق.
وفي الديباج إن سلما يذكر الاوصاف والوزن، وإن عينا لا حاجة إلى ذكر الوزن ويذكر الاوصاف، ولا بد من ذكر النوع والوصف مع ذكر الجنس والقدر في المكيلات، ويذكر في السلم شرائطه من إعلام جنس رأس المال وغيره ونوعه وصفته وقدره بالوزن إن كان وزنيا، وانتقاده بالمجلس حتى يصح، ولو قال بسبب بيع صحيح جرى بينهما صحت الدعوى بلا خلاف.
وعلى هذا في كل سبب له شرائط قليلة يكتفي بقوله بسبب كذا صحيح.
وإن ادعى ذهبا أو فضة فلا بد من بيان جنسه ونوعه إن كان مضروبا كبخاري الضرب وصنعته جيدا أو وسطا أو رديئا إذا كان في البلد نقود مختلفة.
وفي العمادي: إذا كان في البلد نقود وأحدها أروج لا تصح الدعوى ما لم يبين.
وتمامه في البزازية وخزانة المفتين ا ه.
قال في البزازية: ولو قال بسلم صحيح ولم يذكر الشرائط، كان شمس الاسلام رحمه الله تعالى يفتي بالصحة وغيره لا، لان شرائط مما لا يعرفه إلا الخواص ويختلف فيه بعضها.
وفي المنتقى: لو قال ببيع يكفي، وعلى هذا كل ما له شرائط كثيرة لا يكتفي فيه بقوله بسبب صحيح، وإذا قلت الشرائط يكتفي به.
أجاب شمس الاسلام فيمن قال كفل كفالة صحيحة أنه لا يصح كما في السلم لان المسألة مختلف فيها، فلعله صحيح على اعتقاده لا في الواقع ولا عند الحاكم، والحنفي يعتقد عدم
صحة الكفالة بلا قبول فيقول كفل وقبل المكفول له في المجلس فيصح ويذكر في القرض وأقرضه منه مال نفسه لجواز أن يكون وكيلا في الاقراض من غيره والوكيل سفير فيه فلا يملك الطلب ويذكر أيضا قبض المستقرض وصرفه إلى حوائجه ليكون دينا بالاجماع، فإن كونه دينا عند الثاني موقوف على صرفه واستهلاكه، وتمامه فيها.
قوله: (إذ لا يقضي بمجهول) أي لان فائدة الدعوى القضاء بها ولا يقضي بمجهول فلا تصح دعوى المجهول.
ويستثنى من فساد الدعوى بالمجهول دعوى الرهن والغصب، لما في الخانية: إذا شهدوا أنه رهن عنده ثوبا ولم يسموا الثوب ولم يعرفوا عينه جازت شهادتهم والقول للمرتهن في أي ثوب كان وكذلك في الغصب.
ا ه.
فالدعوى بالاولى.
وفي المعراج: وفساد الدعوى، إما أن لا يكون لزمه شئ على الخصم أو يكون المدعي مجهولا في نفسه ولا يعلم فيه خلاف إلا في الوصية، بأن ادعى حقا من وصية أو إقرار فإنهما يصحان بالمجهول، وتصح دعوى الابراء المجهول بلا خلاف ا ه.
فبلغت المستثنيات خمسة.
ا ه.
وفي الاشباه: ولا يحلف على مجهول إلا في مسائل: الاولى: إذا اتهم القاضي وصي اليتيم.(2/15)
الثانية: إذا اتهم متولي الوقف فإنه يحلفهما نظرا للوقف واليتيم.
الثالثة: إذا ادعى المودع خيانة مطلقة.
الرابعة: الرهن المجهول.
الخامسة: دعوى الغصب.
السادسة: دعوى السرقة.
ا ه.
قوله: (ولا يقال مدعى فيه) قال الحلبي: تعديته بفي لم أرها فليراجع.
ا ه.
قال الشيخ أبو الطيب: لم أجد في كتاب أن المدعى فيه خطأ أو لغو، ولعل الشارح وجده.
ا ه.
وفي طلبة الطلبة: ولا يقال مدعى فيه وبه وإن كان يتكلم به المتفقهة إلا أنه مشهور فهو خير من صواب مهجور.
حموي.
أقول: وحينئذ يستغني عما قاله الشارح من أن الادعاء يضمن معنى الاخبار فيعدي بالباء.
تأمل.
قوله: (إلا أن يتضمن الاخبار) في بعض النسخ إلا بتضمن الاخبار بحذف أن وبالباء الموحدة في تضمن: أي فعل الدعوى يتعدى بنفسه فيقال ادعاه، وقد يضمن معنى الاخبار فيقال ادعى بأرض أي أخبر بأنها له فهو راجع إلى به وبقي الاول على عمومه.
قوله: (وكونها ملزمة) فلا تصح دعوى التوكيل على موكله الحاضر لامكان عزله.
بحر.
قوله: (وظهوره) أي الكذب وهو بالجر عطفا
على تيقن.
قوله: (كدعوى معروف بالفقر) وهو أن يأخذ الزكاة من الاغنياء.
منح: أي إن ادعى لنفسه، أما لو ادعى وكالة عن غني فيصح كما صرح به ابن الغرس لانه غير مستحيل عادة.
قوله: (أنه أقرضه إياها) نقدا منح.
قوله: (دفعة واحدة) ظاهر التقييد بما ذكر أنه إذا ادعاها ثمن عقار كان له أو ادعاها قرضا بدفعات أن تسمع دعواه.
قوله: (وبه جزم ابن الغرس في الفواكه البدرية) في القضايا الحكمية حيث قال: ومن شروط صحة الدعوى أن يكون المدعي به مما يحتمل الثبوت بأن يكون مستحيلا عقلا أو عادة، فإن الدعوى والحال ما ذكر ظاهرة الكذب في المستحيل العادي يقينية الكذب في المستحيل العقلي مثلا، الدعوى بالمستحيل العادي دعوى من هو معروف بالفقر والحاجة، وهو أن يأخذ الزكاة من الاغنياء ويدعي على آخر أنه أقرضه مائة ألف دينار ذهبا نقدا دفعة واحدة وأنه تصرف فيها بنفسه ويطالبه برد بدلها فمثل هذه الدعوى لا يلتفت إليها القاضي لخروجها مخرج الزور والفجور، ولا يسأل المدعى عليه عن جوابها ا ه.
قال في المنح: لكنه لم يستند في منع دعوى المستحيل العادي إلى نقل عن المشايخ ا ه.
قال في البحر في آخر باب التحالف والله أعلم هل منقول أو قاله تفقها كما وقع لي ثم ذكر نحو ما ذكره ابن الغرس، إلى أن قال: قلت: اللهم إلا أن يقال: غصب لي مالا عظيما كنت ورثته من مورثي المعروف بالغنى فحينئذ تسمع.
ا ه.
قلت: لكن في المذهب فروع تشهد له منها ما سيأتي آخر فصل التحالف.
قوله: (حتى لو سكت) لا يظهر التفريع ط.
قال في البحر: وزاد الزيلعي وجوب الحضور على الخصم، وفيه نظر لان حضوره شرطها كما قدمناه فكيف يكون وجوبه حكمها المتأخر عنها ا ه.(2/16)
وأقول: وعبارة الزيلعي: وحكمها وجوب الجواب على الخصم إذا صحت، ويترتب على صحتها وجوب إحضار الخصم، والمطالبة بالجواب بلا أو نعم، وإقامة البينة أو اليمين إذا أنكر.
ا ه.
فليس في كلام الزيلعي ما يفيد أنه جعل وجوب الحضور حكما.
وغاية ما استفيد من كلامه أن القاضي لا يحضره بمجرد طلب المدعي بل بعد سماعه دعواه، فإن رآها صحيحة أحضره لطلب
الجواب وإلا فلا، فتدبر.
أبو السعود.
قوله: (وسنحققه) أي في شرح قول المصنف وقضى بنكوله مرة.
قوله: (تعلق البقاء) أي بقاء عالم المكلفين.
قوله: (المقدر) أي المحكم وهو نعت البقاء: أي الذي قدره الله تعالى.
قوله: (بتعاطي المعاملات) أي بسبب تعاطي المعاملات، وهو متعلق بتعلق: أي والمعاملات من نحو البيع والاجارة والاستئجار وغير ذلك يجري فيها الزيادة والنقصان والاقرار والجحود والتوكيل وغير ذلك، فكانت الدعوى مما يتقضي بقاءه، لانه لو أهملت لضاعت أحواله، لان الانسان مدني بالطبع لا يمكن أن يقوم بجميع ما يحتاج إليه، والدعوى من المعاملات، فما كان سببا للمعاملات وهو تعلق البقاء كان سببا لها.
قوله: (فلو كان ما يدعيه منقولا) أي مجحودا غير وديعة، أما المقر به لا يلزم إحضاره لانه يأخذه من المقر، وكذا لو كان وديعة لا يصح الامر بإحضارها إذ الواجب فيها التخلية لا النقل ط.
ويرد عليه أن الدعوى في العين الوديعة إنما تكون إذا جحدها، وحينئذ فتكون مغصوبة، والعين المغصوبة يكلف إحضارها.
تأمل.
والقهستاني زاد: وذكر في الخزانة أنهم لو شهدوا بشئ مغيب عن المجلس قبلت وإن أمكن إحضاره، بخلاف ما قال بعض الجهال إنه لا تقبل ا ه.
لكنه غريب فليتأمل، ويأتي خلافه.
قوله: (وذكر المدعي أنه في يده) فلو أنكر كونه في يده فبرهن المدعي أنه كان في يد المدعى عليه قبل هذا التاريخ بسنة هل يقبل ويجبر بإحضاره؟ قال صاحب جامع الفصولين: ينبغي أن يقبل إذا لم يثبت خروجه من يده فتبقى ولا تزول بشك، وأقره في البحر، وجزم به القهستاني.
ورده في نور العين بأن هذا استصحاب، وهو حجة في الدفع لا في الاثبات، ولا شك أن ما ذكر من قبيل الاثبات.
قال صاحب التوضيح: ومن الحجج الفاسدة الاستصحاب، وهو حجة عند الشافعي في كل ما يثبت وجوده بدليل ثم وقع الشك في بقائه.
وعندنا حجة للدفع لا للاثبات، إذ الدليل الموجب لا يدل على البقاء وهذا ظاهر ا ه.
قوله: (بغير حق لاحتمال كونه مرهونا الخ) فإن الشئ قد يكون في يد غير المالك بحق كالرهن في يد المرتهن والمبيع في يد البائع لاجل قبض الثمن.
قال صدر الشريعة: هذه علة تشمل العقار أيضا، فما وجه تخصيص المنقول بهذا الحكم؟
أقول: دراية وجهه موقوفة على مقدمتين مسلمتين.
إحداهما: أن دعوى الاعيان لا تصح إلا على ذي اليد كما قال في الهداية: إنما ينتصب خصما إذا كان في يده.
والثانية: أن الشبهة معتبرة يجب دفعها لا شبهة الشبهة، كما قالوا: إن شبهة الربا ملحقة بالحقيقة لا شبهة الشبهة.(2/17)
إذا عرفتهما فاعلم أن في ثبوت اليد على العقار شبهة لكونه غير مشاهد، بخلاف المنقول فإن فيه مشاهدة فوجب دفعها في دعوى العقار بإثباته بالبينة لتصح الدعوى، وبعد ثبوته يكون احتمال كون اليد لغير المالك شبهة الشبهة فلا يعتبر.
وأما في اليد في المنقول فلكونه مشاهدا لا يحتاج إلى إثباته.
لكن فيه شبهة كون اليد لغير المالك فوجب دفعها لتصح الدعوى.
ا ه.
قال المولى عبد الحليم: قد نشأ من كلام صدر الشريعة هذا كلمات للفضلاء المتأخرين، وعد كل منهم ما طولوا تحقيقا وما لخصوا تدقيقا، وقد وقع بينهم تدافع فذيلوا كلامهم بالحمد لله على كونهم مهتدين لما منحوا.
أقول: ومن الله التوفيق وبيده أزمة التحقيق والتدقيق: إنه لا خفاء في أنه لا اختصاص لقوله بغير حق بالمنقول لان مفاده دفع احتمال كون المدعي مرهونا أو محبوسا بالثمن في يده، ففي المنقول: كما احتاج إلى هذا الدفع احتاج في العقار أيضا.
ومن ذلك أن المشايخ صرحوا في هذا الدفع بأنه وجب أن يقول في المنقول بغير حق، وأن يذكر في العقار أنه يطالبه، لان ظاهر حال الطالب أن لا يطالبه إلا إذا كان له الطلب وذا لا يكون إذا كان في يد غيره بحق، فمطالبته بالعقار تتضمن قوله بغير حق، ولذلك دفعت هذا الاحتمال كما صرح به في الهداية.
وقد قال ظهير الدين المرغيناني: إنه لا بد في دعوى العقار من معرفة القاضي كونه في يد المدعى عليه، فيذكر المدعي أنه في يده اليوم بغير حق كما في العمادية.
وأيضا لا اختصاص في المطالبة بالعقار، إلا أن وجوبها لما كان بعد إحضار المنقول وتضمنها
طلب الاحضار في الجملة لم يحتاجوا إلى التصريح بها، ولله درهم في التحقيق والتدقيق.
إذا عرفت هذا ظهر أن إشكال صدر الشريعة ساقط عن أصل، وأنه لا فرق بينهما في الاحتياج إلى هذا الدفع.
نعم وجد الفرق بينهما وهو أن المنقول لما غلب فيه الاعارة والرهن بل البيع وجرى الغصب عليه بالاتفاق دون العقار أوجبوا في المنقول التصريح بأنه في يده بغير حق، واكتفوا في العقار بتضمن كلامه هذا المعنى.
وأيضا ما ذكره المصنف هنا يصلح أن يكون علة أيضا للزوم التصريح في المنقول بغير حق وللاكتفاء بتضمن كلامه ذلك في العقار هذا، خير الكلام ما قل ودل، ولا تعجب من تبديل كلمات جم غفير فإنه ثمرة الانتباه.
ولا مبدل لكلمات الله.
ولا يشاركها فيه كلمات من سواه يورثه من يشاء * ((7) الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * (الاعراف: 34) وهو حسبي ونعم الوكيل.
قوله: (وطلب المدعي إحضاره) هذا إذا لم يكن المدعى عليه مودعا، فإذن ادعى عين وديعة لا يكلف إحضارها بل يكلف التخلية كما تقدم قريبا.
ونقله في البحر عن جامع الفصولين.
قال في غاية البيان: ثم إذا حضر ذلك الشئ إلى مجلس القاضي فشهدوا بأنه له ولم يشهدوا بأنه ملكه يجوز لان اللام للتمليك، وكذلك إن شهدوا بأن هذا مالك له أو شهدوا على إقرار المدعى عليه بأنه للمدعي وذلك لا إشكال فيه، إنما الاشكال فيما لو ادعى أنه أقر بهذا الشئ ولم يدع بأنه ملكي وأقام الشهود على ذلك هل يقبل وهل يقضي بالملك؟ منهم من يقول نعم، فقد ذكرنا أن الشهود لو شهدوا بأن هذا أقر بهذا الشئ له تقبل وإن لم يشهدوا بأنه ملكه وكذلك المدعي، وأكثرهم على أنه لا(2/18)
تصح الدعوى ما لم يقل أقر به وهو ملكي، لان الاقرار خبر والخبر يحتمل الصدق والكذب، فإذا كان كذبا لا يوجب والمدعي يقول أقر به لي يصير مدعيا للملك والاقرار غير موجب له فلم توجد دعوى الملك، فلهذا شرط قوله وهو ملكي، بخلاف الشهادة لان الثابت بها كالثابت بالمعاينة.
ا ه.
ملخصا.
قوله: (إن أمكن) المراد بالممكن ما لا مؤنة في نقله لا ما يمكن مطلقا، لئلا يلزم تكليفه الاحضار مع الامكان ولو فيما له حمل ومؤنة مع أنه لا يلزمه.
أبو السعود.
وقيل في كلام المتون مساهلة، لان في
دعوى عين وديعة لا يكلف إحضارها وإنما يكلف التخلية.
أقول: سوق الكلام على أن المدعي الواجب إحضاره ما يكون في يد الخصم بغير حق، والوديعة ليست كذلك فلا يشملها صدر الكلام حتى يحتاج إلى تدارك إخراجها هنا كما لا يخفى، اللهم إلا أن يقال: بالانكار لها صارت غصبا فيكلف إحضارها كما قدمناه عند قوله فلو كان ما يدعيه منقولا فتدبر.
قوله: (فعلى الغريم إحضاره) قدره ليفيد وجوبه، وهذا إذا لم يكن هالكا ولا غائبا ولا ممتنع الوصول إليه بسبب من الاسباب ولا يحتاج إلى حمل ومؤنة كما يأتي قريبا.
قوله: ليشار إليه في الدعوى بأن يقول هذا ثوبي مثلا، لان الاعلام أقصى ما يمكن شرط وذلك بالاشارة في المنقول لان النقل ممكن والاشارة أبلغ في التعريف.
قوله: (والشهادة) بأن يقول الشاهد أشهد أن هذا الثوب لهذا المدعي مثلا.
قوله: (والاستحلاف) بالله العظيم هذا الثوب لي وهو في يدك بغير حق.
قوله: (بأن كان في نقلها مؤنة) فيه أن هذا من قبيل الرحى والصبرة فذكره ههنا سهو.
قال في إيضاح الاصلاح: إلا إذا تعسر بأن كان في نقله مؤنة وإن قلت ذكره في الخزانة.
والاولى في التركيب أن يقول: إن تعذر إحضار العين بهلاكها أو غيبتها أو تعسر بأن كان في نقلها مؤنة أو يقول وهو مقيد بما لا حمل له ولا مؤنة كما في البحر، وهذا إذا كانت العين قائمة، فلو كانت هالكة فهو كدعوى الدين في الحقيقة كما في جامع الفتاوى.
قال في البحر: وتفسير الحمل والمؤنة كونه بحال لا يحمل إلى مجلس القاضي إلا بأجرة مجانا، وقيل ما لا يمكن حمله بيد واحدة، وقيل ما يحتاج في نقله إلى مؤنة كبر وشعير لا ما لا يحتاج في نقله إلى مؤنة كمسك وزعفران قليل، وقيل ما اختلف سعره في البلدان فهو مما له حمل ومؤنة لا ما اتفق.
ا ه.
وعبارة ابن الكمال متنا وشرحا: وهي إنما تصح في الدين بذكر جنسه وقدره.
وفي العين المنقول: أي الذي يحتمل النقل بالاشارة إليه، فعلى الغريم إحضاره مجلس القاضي إلا إذا تعسر بأن كان في نقله مؤنة وإن قلت: ذكره في الخزانة.
حضر الحاكم عنده أو بعث أمينا.
ا ه.
فتأمله.
وتأمل هذا الشارح فإنه ظاهر في أنه إذا كان في النقل مؤنة يكتفي بذكر القيمة مع أن المصرح به أنه في صورة
التعسر يحضره الحاكم أو يبعث أمينه ليشير إليها كما سيجئ قريبا، وذكر القيمة إنما هو في المتعذر إحضاره حقيقة بأن يكون هالكا أو حكما بأن يكون غائبا، وإن لم يكن بهذه المثابة بأن كان متعسر الاحضار مع بقائه كالرحى وصبرة الطعام وقطيع الغنم أرسل القاضي أمينه أو أحضره بنفسه فكان عليه أن يذكرها بعد قوله فيما سيأتي وإن تعذر إحضارها وكان الاولى للماتن أن يقول: وإن تعسر بدل تعذر، لان الرحمى وصبرة الطعام من قبيل المتعسر كما هو المصرح به في غير كتاب، فتأمل.
لكن(2/19)
الذي عليه المجلة بموجب الامر الشريف السلطاني أن المنقول متى احتاج إحضاره لمصرف ولا يمكن إلا بذلك فيكفي فيه التعريف وذكر القيمة كما في مادة 0261 ومادة 1261.
قوله: (أو غيبتها) أي بحيث لا يمكن إحضارها ولا حضور القاضي بنفسه أو أمينه لبعد مسافة أو مانع آخر فيكون ذلك بمنزلة الهلاك فقد تعذر إحضارها حقيقة في الهلاك وحكما في الغيبة فيكتفي بذكر قيمتها، ولذا قال قاضيخان: بأن لا يدري مكانها.
قوله: (لانه) أي المذكور وهو القيمة، وهذا مما يزيد العبارة غموضا لاحتياجه إلى التويل وكأنه تحريف من الناسخ.
والاولى أن يقال: لانها أي القيمة مثلها: أي مثل العين كما في شرحه الملتقى.
قوله: (مثله) أي مثل ما يدعيه، وهو علة لقوله وذكر قيمته عند تعذر إحضار العين فكأنه قال: لان ذكر القيمة مثل إحضار العين، لان المقصود من المدعي ماليته والقيمة تماثله في المالية فصح تذكير الضميرين، وقد قالوا: قيمة القيمي كعينه.
قوله: (وإن تعذر) المراد بالتعذر هنا التعسر.
قوله: (مع بقائها) أي والحال أن القاضي يمكنه أن يحضرها بنفسه أو أمينه لتفترق عما قدمه من قوله أو غيبتها.
قوله: (بعث القاضي الخ) لان أمينه يقوم مقام نفسه، فلو ذهب بنفسه لكان هو الاصل فلا شبهة في صحته، ومثله ما ذكره ابن الكمال حيث قال: فعلى الغريم إحضاره إلا إذا تعسر، بأن كان في نقله مؤنة وإن قلت.
ذكره في الخزانة.
حضر القاضي عنده أو بعث أمينا.
ا ه.
وهي التي قدمها الشارح، وقدمنا أنه ذكرها في غير محلها لانه جعلها مثالا لما تعذر نقله وأنه يكتفي فيه بذكر القيمة، والحال أنه مما تعسر لا مما تعذر، وأن الحكم فيه أن الحاكم يحضر عنده أو يبعث أمينا ولا يكتفي فيه بذكر القيمة كما تفيده عبارة ابن الكمال التي نقل الشارح عنه.
تأمل.
قال شمس الائمة الحلواني: من المنقولات ما لا يمكن إحضاره عند القاضي كالصبرة من الطعام والقطيع من الغنم، فالقاضي فيه بالخيار: إن شاء حضر ذلك الموضع لو تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر له الحضور وكان مأذونا بالاستخلاف بعث خليفته إلى ذلك، وهو نظير ما إذا كان القاضي يجلس في داره ووقع الدعوى في جمل لا يسع باب داره فإنه يخرج إلى باب داره أو يأمر نائبه حتى يخرج ليشير إليه الشهود بحضرته.
وتمامه في الدرر.
قال في البحر: وفي الدابة يخير القاضي، إن شاء خرج إليها، وإن شاء بعث إليها من يسمع الدعوى والشهادة بحضرتها كما في جامع الفصولين.
ا ه.
لكن قال في غاية البيان: فإن كانت دابة ولا يقع بصر القاضي عليها ولا تتأتى الاشارة من الشهود والمدعي وهو على باب المسجد يأمر بإدخالها فإنه جائز عند الحاجة.
ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت على ناقته مع أن حرمة المسجد الحرام فوق حرمة سائر المساجد، وإن كان يقع بصر القاضي عليها فلا يدخلها لانه لا يأمن ما يكون منها والحاجة منعدمة ا ه.
قوله: (وإلا تكن باقية الخ) هذا تكرار مع قوله وذكر قيمته إن تعذر.
والحاصل: أن المدعى به إن أمكن إحضار عينه، ولم يكن له حمل ومؤنة كلف المدعى عليه إحضاره، وإن لم يمكن بأن تعذر لهلاك العين أو غيبتها، أو تعسر بأن كان في نقلها مؤنة ذكر المدعي القيمة، وإن لم تكن هالكة ولا غائبة ولا يمكن إحضارها إلى مجلس القاضي لتعذره كبستان ورحى أو(2/20)
تعسره كصبرة وقطيع غنم خير الحاكم: إن شاء حضر بنفسه لانه الاصل، أو بعث أمينه.
ولا تنس ما قدمناه قريبا عن المجلة من أنه إذا لم يكن إحضار المنقول إلا بمصرف يكفي تعريفه وذكر قيمته.
قوله: (بذكر القيمة) لان عين المدعي تعذر مشاهدتها ولا يمكن معرفتها بالوصف، فاشترط بيان القيمة لانها شئ تعرف العين الهالكة به.
غاية البيان.
وفي شرح ابن الكمال: ولا عبرة في ذلك للتوصيف لانه لا يجدي بدون ذكر القيمة وعند ذكرها لا حاجة إليه، أشير إلى ذلك في الهداية.
ا ه.
وفي قوله وذكر قيمته إن تعذر إشارة إلى أنه لا يشترط ذكر اللون في الذكورة والانوثة والسن في الدابة، وفيه
خلاف كما في العمادية.
وقال السيد أبو القاسم: إن هذه التعريفات للمدعي لازمة إذا أراد أخذ عينه أو مثله في المثلي، أما إذا أراد أخذ قيمته في القيمي، فيجب أن يكتفي بذكر القيمة كما في محاضر الخزانة ا ه.
فرع: وصف المدعي المدعى فلما حضر خالف في البعض: إن ترك الدعوى الاولى وادعى الحاضر تسمع لانها دعوى مبتدأة، وإلا فلا.
بحر عن البزازية.
قوله: (وقالوا لو ادعى أنه غصب منه عين كذا الخ) قال في البحر: وأطلق في بيان وجوب القيمة عند التعذر واستثنوا منه دعوى الغصب والرهن.
ففي جامع الفصولين: لو ادعى عينا غائبا لا يعرف مكانه بأن ادعى أنه غصب منه ثوبا أو قنا ولا يدري قيامه وهلاكه، فلو بين الجنس والصفة والقيمة تقبل دعواه، وإن لم يبين قيمته أشار في عامة الكتب إلى أنها تقبل، فإنه ذكر في كتاب الرهن لو ادعى أنه رهن عنده ثوبا، وهو ينكر تسمع دعواه.
وذكر في كتاب الغصب: ادعى أنه غصب منه أمة وبرهن تسمع.
وبعض مشايخنا قالوا: إنما تسمع دعواه إذا ذكر القيمة، وهذا تأويل ما ذكر في الكتاب أن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه بالغصب، فيثبت غصب القن بإقراره في حق الحبس والحكم جميعا، وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى والبينة تقبل، ولكن في حق الحبس وإطلاق محمد في الكتاب يدل عليه.
ومعنى الحبس: أن يحبسه حتى يحضره ليعيد البينة علي عينه، فلو قال لا أقدر عليه حبس قدر ما لو قدر أحضره ثم يقضي عليه بقيمته ا ه.
ولم يبين الحكم فيما إذا لم يدر قيمتها أيضا.
قال في الدرر: قال في الكافي: وإن لم يبين القيمة وقال غصبت مني عين كذا، ولا أدري أهو هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته، ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه، لان الانسان ربما لا يعلم قيمة ماله، فلو كلف بيان القيمة لتضرر به.
أقول: فائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة توجه اليمين على الخصم إذا أنكر، والجبر على البيان إذا أقر أو نكل عن اليمين، فليتأمل.
فإن كلام الكافي لا يكون كافيا إلا بهذا التحقيق ا ه.
وقوله فائدتها توجه اليمين: أي حيث لا بينة، وإلا ففائدتها الحبس كما علمت.
وقوله ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى والبينة تقبل ولكن في حق الحبس لا الحكم، وقدر الحبس بشهرين كما في الخانية.
والحاصل: أنه في دعوى الرهن والغصب لا يشترط بيان الجنس والقيمة في صحة الدعوى والشهادة، ويكون القول في القيمة للغاصب والمرتهن.
بحر: أي مع اليمين كما هو الظاهر.
قلت: وزاد في المعراج: دعوى الوصية والاقرار قال فإن فيهما: يصحان بالمجهول، وتصح دعوى الابراء المجهول بلا خلاف ا ه.
فهي خمسة.
قوله: (ولهذا) أي لسماع الدعوى في الغصب وإن لم يذكر(2/21)
القيمة.
قوله: (مختلفة الجنس والنوع) كثياب ودواب فإن تحتها أنواعا.
قوله: (كفى ذلك الاجمال) أي ولا يشترط التفصيل.
هندية.
قوله: (على الصحيح) كما في حزانة المفتين وقاضيخان.
هندية.
قوله: (وتقبل بينته) أي على القيمة.
قوله: (أو يحلف) أي عند عدم البرهان.
قوله: (على الكل مرة) أي ولا يحتاج أن يحلفه على كل واحد بخصوصه، خلافا لمن اختار ذلك راجع ما هو الصواب في ذلك.
قوله: (لانه) علة للعلة.
قوله: (وقيل في دعوى السرقة) حكاه يقبل، لان ثبوت حق الاسترداد أو تضمين القيمة لا يتوقف على ذلك، بل يتوقف عليه لزوم القطع مع البينة من المدعي أو الاقرار من السارق، وهذا مقابل لقول المصنف فيما تقدم، وذكر قيمته إن تعذر.
قال في البحر: وإنما يشترط ذكر القيمة في الدعوى إذا كانت دعوى سرقة ليعلم أنها نصاب أو لا، فأما فيما سوى ذلك فلا حاجة إلى بيانها ا ه وعليه فكان الاولى ذكره هناك.
قال في النهر: ينبغي أن يكون المعنى أنه إذا كانت العين حاضرة لا يشترط ذكر قيمتها إلا في دعوى السرقة.
حموي.
والتقويم يكون من أهل الخبرة فيما يظهر لا بقول المدعي.
قوله: (فأما في غيرها) أي السرقة فلا يشترط: أي ذكر القيمة.
قوله: (وهذا كله) أي المذكور من الشروط المذكور من الاكتفاء بذكر القيمة.
قوله: (في دعوى العين) أي الشئ المتعين المحسوس المملوك للمدعي على زعمه كالمغصوب والوديعة.
قوله: (لا الدين) أي الحق الثابت في الذمة، وستأتي دعوى الدين في المتن.
قوله: (فلو ادعى الخ) هو تمثيل للدين، لان القيمة لازمة ذمة المدعى عليه في زعم المدعي ا ه.
رحمتي.
لكن قال بعض الافاضل: هو تفريع على كون الشروط المارة إنما هي في دعوى العين، وأما الدين فسيأتي بأقسامه.
تأمل.
قوله: (بيان جنسه) أي جنس القيمة، وكذا كل دين يدعي وجنسه
كالذهب مثلا أو الفضة أو النحاس، وكذا كل مكيل أو موزون يمكن ثبوته في الذمة يبين جنسه ما هو فلا يكفي ذكر الفرش والحرف في المدينة، لانها كالعنقاء معلوم الاسم مجهول الجنس والنوع.
قوله: (ونوعه) ففي الذهب يبين أنه من نوع كذا، وكذا في الفضة، وكذا في البر بأن يقول: حورانية أو بلدية أو جيدورية أو سلمونية.
قال ط: فيه أنه عند دعواه العين لا يكفي ادعاء عين مجهولة، بل لا بد من بيان جنسها ونوعها ثم يذكر القيمة، فالقيمة إنما أغنت عن الحضور فحينئذ لا بد من ذكر الجنس والنوع في كل، فليتأمل.
ولذا قالوا في التعليل لذكر القيمة لان الاعيان تتفاوت والشرط أن يكون في معلوم وقد تعذر مشاهدته لانها خلف عنه.
وفي الذخيرة: إن كان العين غائبا وادعى أنه في يد المدعى عليه فأنكر إن بين المدعي قيمته وصفته تسمع دعواه وتقبل بينته ا ه.
قوله: (ليعلم القاضي بماذا يقضي) قال في الذخيرة مثلا: لو كان المدعي مكيلا لا بد من بيان جنسه بأنه حنطة أو شعير، ونوعه بأنها سقية أو برية، وصفتها بأنها جيدة أو رديئة، وقدره بأن يقول كذا قفيزا، وسبب وجوبها ذكره ابن ملك.(2/22)
أقول: لي شبهة في هذا المحل: وهي أنه لو ادعى أعيانا مختلفة، فقد مر أنه يكتفي بذكر القيمة للكل جملة.
وذكر في الفصولين أنه لو ادعى أن الاعيان قائمة بيده يؤمر بإحضارها فتقبل البينة بحضرتها ولو قال إنها هالكة وبين قيمة الكل جملة تسمع دعواه.
فظهر أن ما قدمه المصنف في دعوى الاعيان إنما هو إذا كانت هالكة، وإلا لم يحتج إلى ذكر القيمة لانه مأمور بإحضارها.
وقدمنا عن ابن الكمال أن العين إذا تعذر إحضارها بهلاك ونحوه، فذكر القيمة مغن عن التوصيف، وهو موافق لما ذكره المصنف في الاعيان من الاكتفاء بذكر القيمة، فقوله هنا اشترط بيان جنسه ونوعه مشكل وإن قلنا إنه لا بد مع ذكر القيمة من بيان التوصيف لم يظهر فرق بين دعوى القيمة ودعوى نفس العين الهالكة، فما معنى قوله تبعا للبحر فيما تقدم، وهذا كله في دعوى العين لا الدين، فليتأمل وفي البحر عن السراجية: ادعى ثمن محدود لم يشترط بيان حدوده.
ا ه.
قال في الهندية: إذا ادعى على آخر ثمن مبيع مقبوض ولم يبين المبيع أو محدود ولم يحدد يجوز،
وهو الاصح وكذا في دعوى مال الاجارة المفسوخة لا يشترط تحديد المستأجر ا ه.
قوله: (واختلف في بيان الذكورة والانوثة في الدابة) أي المستهلكة، أما القائمة فهي حاضرة في المجلس مشار إليها، وإذا كان هذا في الدابة ففي الرقيق أولى.
قوله: (فشرطه أبو الليث أيضا) أي كما شرط بيان القيمة.
قوله: (وشرط الشهيد بيان السن أيضا) أي كما يشترط بيان القيمة والذكورة أو الانوثة.
قال في المنح: وذكر الصدر الشهيد إذا ادعى قيمة دابة مستهلكة لا بد من ذكر الذكورة أو الانوثة، ولا بد من بيان السن، وهذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى مستقيم، لان عنده القضاء بقيمة المستهلك بناء على القضاء بملك المستهلك، لان حق المالك عنده باق في العين المستهلكة، فإنه قال: يصح الصلح عن العين المغصوب المستهلك على أكثر من قيمته، فلو لم يكن العين المستهلك ملكا لا يجوز الصلح على أكثر من قيمته، لانه حينئذ يكون الواجب في ذمة المستهلك قيمة المغصوب، وهو دين في الذمة، وإن صالح من الدين على أكثر من قيمته لا يجوز، وإذا كان القضاء بالقيمة بناء على القضاء بملك المستهلك لا بد من بيان المستهلك في الدعوى والشهادة ليعلم القاضي بماذا يقضي، وهذا القائل يقول: مع ذكر الانوثة والذكورة لا بد من ذكر النوع بأن يقول: فرس أو حمار أو ما أشبه ذلك، ولا يكتفي بذكر اسم الدابة لانها مجهولة.
ا ه.
قال في الفصول العمادية: ولا يشترط ذكر اللون والشية في دعوى الدابة، حتى لو ادعى أنه غصب منه حمارا وذكر شيته، وأقام البينة على وفق دعواه فأحضر المدعى عليه حمارا فقال المدعي هذا الذي ادعيته وزعم الشهود كذلك أيضا فنظروا فإذا بعض شياته على خلاف ما قالوا، بأن ذكر الشهود بأن مشقوق الاذن وهذا الحمار غير مشقوق الاذن، قالوا: لا يمنع هذا القضاء للمدعي ولا يكون هذا خللا في شهادتهم.
ا ه.
قال في الهندية ادعى على آخر ألف دينار بسبب الاستهلاك أعيانا لا بد وأن يبين قيمتها في موضع الاستهلاك، وكذا لا بد وأن يبين الاعيان فإن منها ما يكون مثليا ومنها ما يكون من ذوات القيم.
ا ه.
وفيها وفي دعوى خرق الثوب وجرح الدابة لا يشترط إحضار الثوب والدابة، لان المدعى به في الحقيقة الجزء الفائت من الثوب والدابة.
كذا في الخلاصة.(2/23)
إذا ادعى جوهرا لا بد من ذكر الوزن إذا كان غائبا وكان المدعى عليه منكرا كون ذلك في يده كذا في السراجية.
وفي اللؤلؤ يذكر درره وضوءه ووزنه.
كذا في حزانة المفتين.
ا ه.
قوله: (سواء كان له حمل أو لا) لان المودع عليه أن يخلي بينه وبين الوديعة، وليس عليه أن ينقلها إليه مطلقا لانه محسن وما على المحسنين من سبيل، فلا بد من بيان مكان الايداع حتى يلزمه تسليمها فيه دفعا للضرر عنه لا فرق بين ماله حمل أو لا.
وفي فتاوى رشيد الدين: ينبغي أن تكون لفظة الدعوى في دعوى الوديعة أن لي عنده كذا قيمته كذا فأمره ليحضره لاقيم عليه البينة على أنه ملكي إن كان منكرا وإن كان مقرا فأمره بالتخلية حتى أرفع ولا يقول فأمره بالرد.
كذا في الفصول العمادية.
قوله: (من بيانه) أي بيان موضع الغصب لانه يلزمه تسليم ما غصبه منه، غير أنه إذا كان له حمل ومؤنة لا يلزمه بنقله لانه لا يكلف فوق جنايته فيشترط حينئذ محل بيان الغصب.
قوله: (وإلا حمل له لا) أي وإن لم يكن له حمل ومؤنة لا يلزم بيان المكان، وما فسرنا به هو الموافق للقواعد.
قال المصنف في الغصب: ويجب رد عين المغصوب في مكان غصبه.
قال المؤلف: لتفاوت القيم باختلاف الاماكن.
ا ه.
ومقتضاه أن يجب بيان المكان مطلقا، إلا أن هذا في الهالك وكلام المصنف في القائم.
قال في نور العين: وفي غصب غير المثلي وإهلاكه ينبغي أن يبين قيمته يوم غصبه في ظاهر الرواية.
وفي رواية: يتخير المالك أخذ قيمته يوم غصبه أو يوم هلاكه فلا بد من بيان أنها قيمة: أي اليومين انتهى.
وإن كان المدعى به هالكا لا تصح الدعوى إلا ببيان جنسه وسنه وصفته وحليته وقيمته، لانه لا يصير معلوما إلا بذكر هذه الاشياء.
وشرط الخصاف: بيان القيمة.
وبعض القضاة لا يشترطون بيان القيمة كذا في محيط السرخسي.
ا ه.
والحاصل: أنه يجب بيان مكان الايداع مطلقا، لان الرد غير واجب على المودع وليس مؤنته عليه بل على المالك والواجب عليه تسليمها له بمعنى عدم المنع، فلو لم يبين المكان ربما لحق المودع ضرر، وهو مرفوع بخلاف الغصب، فإن رد العين المغصوبة في مكان غصبه واجب على الغاصب فلا بد من
بيانه إن كان للمغصوب حمل ومؤنة لاختلاف القيمي باختلاف الاماكن، بخلاف ما لا حمل له ولا مؤنة.
قوله: (يوم غصبه على الظاهر) بصيغة الفعل والمصدر، وظاهره جريان خلاف.
وسيأتي في الغصب ما نصه: وتجب القيمة في القيمي يوم غصبه إجماعا.
ا ه.
ط.
وفي رواية: يخير كما مر قريبا عن نور العين.
تتمة: قال في الهندية: ودعوى الجمد حال انقطاعه لا تصح، وإن كانت من ذوات الامثال لعدم وجوب رد مثله لانقطاعه فله أن يطالبه بقيمته يوم الخصومة.
كذا في الوجيز للكردري.
وفي دعوى الرهن وأشباهه: إن كانت الدعوى بسبب البيع يحتاج إلى الاحضار للاشارة إليه، وإن كانت بسبب الاستهلاك أو بسبب القرض أو بسبب الثمنية لا يحتاج إلى الاحضار.
كذا في خزانة المفتين ا ه.
قوله: (ويشترط التحديد في دعوى العقار) لانه تعذر التعريف بالاشارة لتعذر النقل فصير إلى التحديد في الدعوى والشهادة، وجمعه عقارات.
قال في المغرب: العقار الضيعة، وقيل كل ما له أصل كالدار(2/24)
والضيعة.
ا ه.
وقد صرح مشايخنا في كتاب الشفعة: بأن البناء والنخل من المنقولات وأنه لا شفعة فيهما إذا بيعا بلا عرصه فإن بيعا معها وجبت تبعا، وقد غلط بعض العصرين فجعل النخيل من العقار ونبه فلم يرجع كعادته.
بحر.
وذكر بعده على قول الكنز: وقيل لخصمه أعطه كفيلا الخ عن الفتاوى الصغرى: لو طلب المدعي من القاضي وضع المنقول على يد عدل، فإن كان المدعى عليه عدلا لا يجيبه، وإن فاسقا أجابه، وفي العقار: لا يجيبه إلا في الشجر الذي عليه الثمر لان الثمر نقلي.
ا ه.
قال المؤلف هناك: وظاهره أن الشجر من العقار وقدمنا خلافه.
وفي حاشية أبي السعود هناك: أقول: نقل الحموي عن المقدسي التصريح بأن الشجر عقار.
ا ه.
قلت: ويؤيده كلام المصباح، لانه إذا قيل إنه عقار يبتنى عليه وجوب التحديد في الدعوى والشهادة وكيف يمكن ذلك في شجرة بستان بين أشجار كثيرة، وفي حاشية أبي السعود: وقوله لا شفعة فيها الخ يحمل على ما إذا لم تكن الارض محتكرة، وإلا فالبناء بالارض المحتكرة تثبت فيه
الشفعة، لانه لما له من حق القرار التحق بالعقار كما سيأتي في الشفعة.
ا ه.
أقول: لكن الذي اعتمده الشارح في بابها عدم ثبوت الشفعة فيه بقوله: وأما ما جزم به ابن الكمال من أن البناء إذا بيع مع حق القرار يلتحق العقار، فرده شيخنا الرملي، وأفتى بعدمها تبعا للبزازية وغيرها فليحفظ ا ه.
وأقره سيدي الوالد رحمه الله تعالى وبالغ في الرد على استدلال أبي السعود، فراجعه ثمة.
قال في جامع الفصولين: قال جماعة من أهل الشروط: ينبغي أن يذكر في الحدود دار فلان ولا يذكر لزيق دار فلان، وعندهما كلاهما سواء طحم: يكتب في الحد ينتهي إلى كذا ويلاصق كذا أو لزيق كذا، ولا يكتب أحد حدوده كذا.
وقد قال ح: لو كتب أحد حدوده دجلة أو الطريق أو المسجد فالبيع جائز، ولا تدخل الحدود في البيع إذ قصد الناس بها إظهار ما يقع عليه البيع، لكن س قال: البيع فاسد إذ الحدود فيه تدخل في البيع، فاخترنا ينتهي أو لزيق أو يلاصق تحرزا عن الخلاف، ولان الدار على قول من يقول يدخل الحد في البيع في الموضع الذي ينتهي إليه، فأما ذلك الموضع المنتهي إليه.
فقد جعل حدا وهو داخل في البيع.
وعلى قول من يقول: لا يدخل الحد في البيع فالمنتهي إلى الدار لا يدخل تحت البيع، ولكن عند ذكر قولنا بحدوده يدخل في البيع وفاقا.
قالوا: والصحيح من الجواب أن يقال: لو ذكر في الحد لزيق أو ينتهي أو نحوه تصح الشهادة، ولو ذكر دار فلان أو طريق مسجد لا تصح الشهادة ط.
والشهادة كالدعوى فيما مر من الاحكام.
فش: كتب في الحد لزيق الزقيقة أو الزقاق وإليها المدخل أو الباب لا يكفي لكثرة الازقة، فلا بد أن ينسبها إلى ما تعرف به، ولو كانت لا تنسب إلى شئ يقول: زقيقة بها: أي بالمحلة أو القرية أو الناحية ليقع به نوع معرفة.
أقول: دل هذا على أنه لا يكفي ذكر الثلاثة، ويحتمل أن يكون غرضه من قوله لا يكفي فلا بد الخ، أنه في بيان الرابع لا بد منه كذا، وهذا لا يدل على أن بيان الرابع لا بد منه، إذ بين قولنا بيان الرابع لا يبين إلا بكذا فرق بين فلا دلالة حينئذ، والله أعلم بغرضه.
وأقول: أيضا بالحدود الثلاثة تتميز تلك الزقيقة من سائر الازقة فلا تضر الكثرة، وأيضا في قوله(2/25)
بها: أي بالمحلة الخ نظر، إذ المعرفة الحاصلة بذكر المحلة أو القرية تحصل بدون ذكرها، إذ من المعلوم أن الزقيقة لا تكون إلا بالمحلة أو القرية فذكرها وعدمه سواء، لكن يمنع أن الزقيقة لا تكون إلا بالمحلة أو القرية لجواز أن يكون مقابلها أو بقربها أو نحو ذلك فقط.
لو كان الحد الرابع ملك رجلين لكل منهما أرض على حدة فذكر في الحد الرابع لزيق ملك فلان ولم يذكر الآخر يصح، وكذا لو كان الرابع لزيق أرض أو مسجد فذكر الارض لا المسجد يجوز.
وقيل الصحيح: أنه لا يصح الفصلان إذا جعل الحد الرابع كله لزيق ملك فلان، فإذا لم يكن كله ملك فلان فدعواه لم تتناول هذا المحدود فلا يصح، كما لو غلط في أحد الاربعة، بخلاف سكوته عن الرابع.
فش: لو كان المدعي أرضا وذكروا أن الفاصل شجرة لا يكفي، إذ الشجرة لا تحيط بكل المدعى به، والفاصل يجب أن يكون محيطا بكل المدعى به حتى يصير معلوما.
فش: الشجرة والمسناة تصلح فاصلا.
والحاصل: أن الشجرة تصلح فاصلا إذا أحاطت، وإلا لا.
أقول: ومثل الشجرة البئر وعين الماء عدة.
المقبرة لو كانت ربوة تصلح حدا، وإلا فلا: أي بأن كانت تلاط.
لو ذكر في الحد لزيق أرض الوقف لا يكفي، وينبغي أن يذكر أنها وقف على الفقراء أو على مسجد كذا ونحوه، أو في يد من أو ذكر الواقف.
أقول: ينبغي أن يكون هذا وما يتلوه من جنسه على تقدير عدم المعرفة إلا به، وإلا فهو تضييق بلا ضرورة.
جف: ذكر اسم جد المالك للحد شرط، وكذا ذكر جد الواقف لو كان الحد وقفا، إلا إذا كان مشهورا معروفا لا يلتبس به غيره.
طذ: لو ذكر لزيق ملك ورثة فلان لا يكفي، إذ الورثة مجهولون منهم ذو فرض وعصب وذو رحم فجهلت جهالة فاحشة، ألا يرى أن الشهادة بأن هذا وارث فلان لا تقبل لجهالة في الوارث.
فش: لو ذكر لزيق دار ورثة فلان لا يحصل التعريف بذكر الاسم والنسب.
وقيل يصح ذكره حدا لانه من أسباب التعريف عدة.
لو كتب لزيق أرض ورثة فلان قبل القسمة.
قيل يصح، وقيل لا.
ش: كتب لزيق دار من تركة فلان يصح حدا.
كتب لزيق أرض مبان وهي لا تكفي.
كذا ذكره الشارح وقال: لان أرض مبان وهي قد تكون للغائب، وقد تكون أرضا تركه مالكه على أهل القرية بالخراج، وقد تكون أرضا تركت لرعي دواب القرية من وقت الفتح فهي مبان فبهذا القدر ما يحصل التعريف.
أقول: فيه نظر، لان أرض مبان وهو لو كان معروفا في نفسه ينبغي أن يحصل به التعريف والجهالة في مالكه، وفي جهة تركه لا يضر التعريف.
ط: لو جعل الحد طريق العامة لا يشترط فيه ذكر أنه طريق القرية أو البلدة، لان ذكر الحد لاعلام ما ينتهي إليه المحدود، وقد حصل العلم حيث انتهى إلى الطريق.
ط: الطريق يصلح حدا ولا حاجة فيه إلى بيان طوله وعرضه إلا على قول شح فإنه قال: تبين(2/26)
الطريق بالذراع والنهر لا يصلح حدا عند البعض، وكذا السور، وهو رواية عن ح.
وظاهر المذهب أنه يصلح حدية، والخندق كنهر فإنه يصلح حدا عندهما.
واختار من قولهما، ولا عبرة لمن قال: إن النهر يزيد وينقص وإن السور يخرب وإن الطريق يترك السلوك فيه، لان تبدل دار فلان أسرع من تبدل السور ونحوه فينبغي أن يكون ذلك أولى: أي بصلاحيتها حدا.
ذ: ولوحد بأنه لزيق أرض فلان ولفلان في هذه القرية التي فيها المدعاة أراض كثيرة متفرقة مختلفة تصح الدعوى والشهادة.
ا ه.
بزيادة وبعض تغيير.
قوله: (كما يشترط في الشهادة عليه) لانه بها يصير معلوما عند القاضي.
قوله: (ولو كان العقار مشهورا) لانه يعرف به مع تعذر الاشارة إليه، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو الصحيح.
كذا في الهندية عن السراج الوهاج.
لان قدرها لا يصير معلوما إلا بالتحديد.
درر.
قوله: (خلافا لهما) أي فإن عندهما إذا كان العقار مشهورا شهرة الرجل فلا يحتاج إلى تحديده.
قوله: (إلا إذا عرف) بتشديد الراء الشهود الدار بعينها: أي بأن أشاروا
إليها حاضرة وقالوا نشهد أن هذه الدار لفلان، فافهم.
قوله: (فلا يحتاج إلى ذكر حدودها) قال شمس الائمة السرخسي: يشترط في شراء القرية الخالصة أن يذكر حدود المستثنيات من المساجد والمقابر والحياض للعامة ونحوها، وأن يذكر مقاديرها طولا وعرضا، وكان يرد المحاضر والسجلات والصكوك التي فيها استثناء هذه الاشياء مطلقة فلا تحديد ولا تقرير.
وكان أبو شجاج لا يشترط ذلك.
قال في البحر: وما يكتبون في زماننا وقد عرف المتعاقدان جميع ذلك وأحاطا به علما فقد استرذله بعض مشايخنا وهو المختار، إذ البيع لا يصير به معلوما للقاضي عند الشهادة فلا بد من التعيين ا ه.
أي بذكر حدوده أو بالاشارة إليه في محله.
قوله: (كما لو ادعى ثمن العقار الخ) ظاهره ولو غير مقبوض.
وفي جامع الفصولين: لو ادعى ثمن مبيع لم يقبض لا بد من إحضار المبيع مجلس الحكم حتى يثبت البيع عند القاضي، بخلاف لو ادعى ثمن مبيع قبض فإنه لا يجب إحضاره لانه دعوى الدين حقيقة.
ا ه.
ومقتضاه أن يفصل في العقار، وذكر حدوده تقام مقام إحضاره.
قوله: (ولا بد من ذكر بلدة بها الدار) ذكر شيخ الاسلام الفقيه أحمد أبو النصر محمد السمرقندي في شروطه.
وفي دعوى العقر لا بد أن يذكر بلدة فيها الدار، ثم المحلة ثم السكة، فيبدأ أولا بذكر الكورة ثم المحلة اختيارا لقول محمد: فإن مذهبه أن يبدأ بالاعم ثم بالاخص.
وقيل يبدأ بالاخص ثم بالاعم فيقول دار في سكة كذا في محلة كذا، وقاسه على النسب حيث يقال فلان ثم يقال ابن فلان، ثم يذكر الجد بما هو أقرب فيترقى إلى الابعد، وقول محمد أحسن إذ العام يعرف بالخاص لا بالعكس، وفصل النسب حجة عليه إذ الاعم اسمه، فإن أحمد في الدنيا كثير، فإن عرف وإلا ترقى إلى الحد.
كذا في جامع الفصولين برمز ط.
والذي في شرح أدب القاضي: يجب على المدعي وعلى الشهود الاعلام بأقصى ما يمكن، وهو في الدار بالبلدة ثم المحلة التي فيها الدار في تلك البلدة، ثم يبين حدود الدار لان أقصى(2/27)
ما يمكن في التعريف هذا ا ه.
والشارح تبع ما في جامع الفصولين.
قال ط: والذي يظهر الاول.
ا ه.
تأمل.
وذكر بعض الافاضل على هامش الدر قوله: ولا بد من ذكر بلدة بها الدار الخ.
وقال بعضهم: لا يلزم.
وذكر المرغيناني أنه لو سمع قاض تصح هذه الدعوى.
وقال القهستاني: ويشترط
تحديد الدار بما لا يتغير كالدور والاراضي والسور والطريق فخرج النهر لانه يزيد وينقص ويعمر، ولو لم تحد وقضى بحصة ذلك نفذ.
ا ه.
أقول: لكن قد علمت مما قدمناه قريبا عن الفصولين أنه لا عبرة لمن قال: إن النهر يزيد وينقص الخ فلا تنسه.
وأقول: لكن المشاهد في ديارنا دمشق الشام، وبعض أنهارها في بعض المحلات كنهر بردى فإنه كثيرا ما يترك أرضه ويمشي في أرض أخرى مملوكة للغير.
ويمر على ذلك أعوام كثيرة بسبب انحدار الماء إلى تلك الارض ويسفلها ويجعلها له طريقا آخر فتتغير الحدود وتصير نسيا منسيا، وعليه فالنهر لا يصلح أن يكون حدا إلا إذا كان جريانه في أرض لا يمكن للماء نحرها وتغيير محله بأن كانت حافتاه مبنيتين بالآجر والاحجار والمؤنة، أو كان جريانه في أرض مثقوبة من صخر أو نحو ذلك، والله تعالى أعلم.
قوله: (كما في النسب) أي إذا ادعى على رجل اسمه جعفر مثلا، فإن عرف وإلا ترقى إلى الاخص فيقول ابن محمد، فإن عرف وإلا ترقى إلى الجد.
قوله: (ويكتفي بذكر ثلاثة) لان للاكثر حكم الكل.
زيلعي.
فيجعل الرابع بإزاء الثالث حتى ينتهي إلى مبدأ الجد الاول.
فصولين.
وفي الحموي: وقال زفر، لا بد من ذكر الحدود الاربعة لان التعريف لا يتم إلا بها، ولنا أن للاكثر حكم الكل، على أن الطول يعرف بذكر الحدين والعرض بأحدهما، وقد يكون بثلاثة.
روى عن أبي يوسف: يكفي الاثنان، وقيل الواحد، والفتوى على قول زفر.
ولذا لو قال: غلطت في الرابع لا يقبل، وبه قالت الثلاثة.
وهذه إحدى المسائل التي يفتي بها بقول زفر كما أشرت إلى ذلك في منظومتي فيما يفتى به من أقوال زفر بقولي: دعوى العقار بها لا بد أربعة من الحدود وهذا بين وجلي ا ه ط بزيادة.
لكن قال سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه على المحبية بعد كلام طويل: فإذا كانت الحدود الثلاثة كافية عند الائمة الثلاثة كان الفتوى على ذلك، فقول زفر لانه لا بد من الحدود الاربعة غير مفتى به ا ه.
أقول: وكون الفتوى على قول زفر لم أجده في كتب المذهب ولا في نظم سيدي الوالد رحمه الله تعالى المسائل العشرين التي يفتى بها على قول زفر.
قوله: (فلو ترك) أي المدعي أو الشاهد الرابع صح، فحكمها في الترك والغلط واحد.
قوله: (وإن ذكره) أي الحد الرابع وغلط فيه لا: أي لا يصح، وهو المفتوى به ط.
لانه يختلف المدعي ولا كذلك بتركه، ونظيره إذا ادعى شراء بثمن منقود فإن الشهادة تقبل وإن سكتوا عن بيان جنس الثمن، ولو ذكروه واختلفوا فيه لم تقبل.
كذا في الزيلعي.(2/28)
قوله: (بإقرار الشاهد) كذا في البحر، وفي الحموي: والغلط إنما يثبت بإقرار المدعي أنه غلط الشاهد، والظاهر أن الغلط يثبت بهما، أما لو ادعى المدعى عليه الغلط لا تسمع هذه الدعوى، ولو أقام بينة لا تقبل، وبيانه في البحر وغيره.
قوله: (فصولين) وعبارته: وإنما يثبت الغلط بإقرار الشاهد إني غلطت فيه، أما لو ادعاه المدعى عليه لا تسمع ولا تقبل بينته، لان دعوى غلط الشاهد من المدعى عليه إنما تكون بعد دعوى المدعي.
وجواب المدعى عليه حين أجاب المدعي، فقد صدقه أن المدعي بهذه الحدود، فيصير بدعوى الغلط مناقضا بعده.
أو نقول: تفسير دعوى الغلط أن يقول المدعى عليه أحد الحدود ليس ما ذكره الشاهد، أو يقول صاحب الحد ليس بهذا الاسم كل ذلك نفي، والشهادة على النفي لا تقبل.
ا ه.
قال العلامة الرملي في عبارة الفصولين: إسقاط من أصل النسخة ولا بد منه وهو بعد قوله بدعوى الغلط بعده مناقضا فينبغي أن يفصل أيضا، ويمكن أن يغلط لمخالفته لتحديد المدعي فلا تناقض.
ثم قال: أو نقول الخ، وقد كتبت على نسختي جامع الفصولين في هذا المحل كتابة حسنة فراجعها فإنها مفيدة وفي جامع الفصولين أيضا.
أقول: لو قال بعض حدوده كذا لا ما ذكره الشاهد والمدعي ينبغي أن تقبل بينته عليه من حيث إثباته أن بعض حدوده كذا فينفي ما ذكره المدعي ضمنا، فيكون شهادة على الاثبات لا على النفي، ويدل عيه مسألة ذكرت في فصل التناقض أنه ادعى دارا محدودة، فأجاب المدعى عليه أنه ملكي وفي يدي ثم ادعى أن المدعي غلط في بعض حدوده لم يسمع، لان جوابه إقرار بأنه بهذه الحدود، وهذا إذا
أجاب بأنه ملكي.
أما لو أجاب بقوله ليس لهذا ملكك ولم يزد عليه يمكن الدفع بعده بخطأ الحدود.
كذا حكى عن ط أنه لقن المدعى عليه الدفع بخطأ الحدود.
أقول: دل على هذا أن المدعى عليه لو برهن على الغلط يقبل، فدل على ضعف الجوابين المذكورين فالحق ما قلت من أنه ينبغي أن يكون على هذا التفصيل والله تعالى أعلم.
ا ه.
قال في نور العين: جميع ما ذكره المعترض في هذا البحث محل نظر كما لا يخفى على من تأمل وتدبر ا ه.
أقول: والملخص كما ذكره السائحاني أن يقول المدعى عليه هذا المحدود ليس في يدي فيلزم أن يقول الخصم بل في يدك ولكن حصل غلط فيمنع به، ولو تدارك الشاهد الغلط في المجلس يقبل أو في غيره إذا وفق.
قال في البزازية: ولو غلطوا في حد واحد أو حدين ثم تداركوا في المجلس أو في غيره يقبل عند إمكان التوفيق بأن يقول كان اسمه فلانا ثم صار اسمه فلانا أو باع فلان واشتراه المذكور.
ا ه.
وفيه مسائل أحببت ذكرها هنا تتميما للفائدة.
وفي ذ: بين حدوده ولم يبين أنه كرم أو أرض أو دار وشهدا كذلك قيل لا تسمع الدعوى، ولا الشهادة وقيل تسمع لو بين المصر والمحلة والموضع.
ادعى عشر دبرات أرض وحد التسع لا الواحدة لو كانت هذه الواحدة في وسط التسع تقبل ويقضي بالجملة لا لو على طرف.
جف: ادعى سكنى دار ونحوه وبين حدوده لا يصح إذ السكنى نقلي فلا يحد بشئ.(2/29)
فش: وإن كان السكنى نقليا لكن لما اتصل بالارض اتصال تأييد كان تعريفه بما به تعريف الارض، إذ في سائر النقليات إنما لا يعرف بالحدود لامكان إحضاره فيستغني بالاشارة إليه عند الحد، أما السكنى فنقله لا يمكن لانه مركب في البناء تركيب قرار فالتحق بما لا يمكن نقله أصلا.
ا ه.
أقول: والمراد بالسكنى ما ركب في الارض كما ظهر في كلامه: أي لانه منقول تعسر إحضاره فلا يكفي تحديده، ولا بد من الاشارة إليه عند الدعوى والشهادة والحكم عليه.
وقوله: وإن كان السكنى نقليا الخ هذا قول آخر نقله عن فتوى رشيد الدين: أي فيكفي تحديده وإن كان نقليا لانه
التحق بالعقار لاتصاله بالارض اتصال قرار.
أقول: ومنه يظهر حكم حادثة الفتوى، وهي ما لو أراد متولي أرض وقف معلومة انتزاعها من يد مستأجرها بعد مضي مدة الاجارة ورفع يده عنها وكان قد غرس وبنى فيها المستأجر بإذن متوليها بحق القرار فأثبت بناءه وأشجاره الموضوعة في الارض على الوجه المذكور لدى الحاكم الشرعي بذكر حدود الارض فقط من غير إشارة إلى البناء والاشجار وحكم له الحاكم الشرعي بحق القرار فيها فإنه يصح على هذا القول الثاني سيما وقد اتصل بحكم الحاكم.
وأقول: أيضا قد تأيد ذلك بأمر السلطان نصره الرحمن كما سمعته في المنقول الذي يحتاج نقله إلى مصرف، وقد تأيد ذلك عندي بعده بفتوى من مفتي الانام بوأهم الله دار السلام أفتوا فيها بصحة حجج الاحترام طبق هذا المرام، هذا ما ظهر لي في هذا المقام فتأمله منصفا بكمال الالمام.
وفيه برمز طظه: شرى علو بيت ليس له سفل يحد السفل لا العلو، إذ السفل مبيع من وجه من حيث إن قرار العلو عليه، فلا بد من تحديده، وتحديده يغني عن تحديد العلو، إذ العلو عرف بتحديد السفل، ولان السفل أصل والعلو تبع فتحديد الاصل أولى.
قال طى: هذا إذا لم يكن حول العلو حجرة، فلو كانت ينبغي أن يحد العلو لانه هو المبيع فلا بد من إعلامه وهو يحد العلو لانه هو المبيع فلا بد من إعلامه وهو يحده وقد أمكن.
قوله: (وأسماء أنسابهم) جمعنسب بمعنى منسوب إليه.
قال في البحر: المقصود الاعلام.
ا ه.
وفي الملتقط: ربما لا يحد إلا بذكر الجد، وإذا لم يعرف جده لا يتميز عن غيره إلا بذكر مواليه أو ذكر حرفته أو وطنه أو دكانه أو حليته إنما التمييز هو المقصود فيحصل بما قل أو كثر.
ا ه.
ولو ذكر مولى العبد وأبا مولاه يكفي على المفتى به ط.
مطلب: المقصود التمييز لمعرفة الحد قوله: (وإلا اكتفى باسمه لحصول المقصود) قال في الفصولين: أما الدار فلا بد من تحديده ولو مشهورا عند أبي حنيفة، وتمام حده بذكر جد صاحب الحد.
وعندهما: التحديد ليس بشرط في الدار المعروف كدار عمر بن الحرث بكوفة، فعلى هذا لو ذكر لزيق دار فلان، ولم يذكر اسمه ونسبه وهو معروف يكفيه إذ الحاجة إليهما لاعلام ذلك الرجل، وهذا مما يحفظ جدا.
ا ه.
وفيه: ولو جعل أحد الحدود أرض المملكة يصح، وإن لم يذكر أنه في يد من لانها في يد السلطان بواسطة يد نائبه.
ا ه.
وهذا إذا كان الامير واحدا، فلو كان اثنين لا بد أن يبين اسم الامير ونسبه كما في الخلاصة.(2/30)
رجل ادعى دارا في يد رجل فقال له القاضي هل تعرف حدود الدار؟ قال لا، ثم ادعاها وبين الحدود لا تسمع.
أما إذا قال لا أعرف أسامي أصحاب الحدود ثم ذكر في المرة الثانية فتسمع، ولا حاجة إلى التوفيق.
كذا في الهندية عن الخلاصة.
وفيها: ولو أنه قال لا أعرف الحدود ثم ذكر الحدود بعد ذلك ثم قال: عنيت بقولي لا أعرف الحدود ولا أعرف أسماء أصحاب الحدود قبل ذلك منه، وتسمع دعواه.
كذا في الذخيرة.
رجل ادعى محدودة وذكر حدودها وقال في تعريفها: وفيها أشجار، وكانت المحدودة بتلك الحدود ولكنها خالية عن الاشجار لا تبطل الدعوى، وكذا لو ذكر مكان الاشجار الحيطان، ولو كان المدعي قال في تعريفها: ليس فيها شجر ولا حائط فإذا فيها أشجار عظيمة لا يتصور حدوثها بعد الدعوى إلا أن حدودها توافق الحدود التي ذكر تبطل دعواه.
ولو ادعى أرضا ذكر حدودها وقال: هي عشر دبرات أرض أو عشر جرب، فكانت أكثر من ذلك لا تبطل دعواه، وكذا لو قال: هي أرض يبذر فيها عشر مكاييل فإذا هي أكثر من ذلك أو أقل إلا أن الحدود وافقت دعوى المدعي لا تبطل دعوى المدعي، لان هذا خلاف يحتمل التوفيق وهي غير محتاجة إليه.
كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي الهندية: رجل ادعى على رجل أنه وضع على حائطه له خشبا أو أجرى على سطحه ماء أو داره ميزابا أو ادعى أنه فتح في حائط له بابا أو بنى على حائط له بناء أو ادعى أنه رمى التراب أو الزبل في أرضه أو دابة ميتة في أرضه أو غرس شجرا أو ما فيه فساد الارض وصاحب الارض يحتاج إلى رفعه ونقله، وصححه دعواه بأن بين طول الحائط وعرضه وموضعه وبين الارض بذكر الحدود وموضعها، فإذا صحت دعواه وأنكر المدعى عليه يتسحلفه على السبب، ولو كان صاحب الخشب هو
المدعي فقدم صاحب الحائط إلى القاضي وقال: كان لي على حائط هذا الرجل خشب فوقع أو قلعته لاعيده وأن صاحب الحائط يمنعني عن ذلك لا تسمع دعواه ما لم يصح، وتصحيح الدعوى بأن يبين موضع الخشب وأن له حق وضع خشبة أو خشبتين أو ما أشبه ذلك وبين غلظ الخشبة وخفتها، فإذا صحت الدعوى وأنكر المدعى عليه يحلفه القاضي على الحاصل بالله ما لهذا في هذا الحائط وضع الخشب الذي يدعي وهو كذا وكذا في موضع كذا من الحائط في مقدم البيت أو مؤخره حق واجب له، فإذا نكل ألزمه القاضي حقه.
ا ه.
قوله: (وذكر أنه أي العقار في يده الخ) أي لان المدعى عليه لا يكون خصما إلا إذا كان العقار في يده، فلا بد من ذكره، وإنما خصصه في الذكر، لان الكلام فيه وإلا فالمنقول كذلك، ولذا جعل صاحب البحر الضمير راجعا إلى المدعي الشامل للمنقول والعقار.
قال: ولم أخصصه بالعقار كما فعل الشارح لكونه شرطا فيهما.
ا ه.
وفي كلامه إشارة إلى أن ذلك في الدعوى، أما إذا شهدوا بمنقول أنه في ملك المدعي تقبل، وإن لم يشهدوا أنه في يد المدعى عليه بغير حق، لانهم شهدوا بالملك له وملك الانسان لا يكون في يد غيره إلا بعارض والبينة تكون على مدعي العارض ولا تكون على صاحب الاصل.
وقال بعضهم: ما لم يشهدوا أنه في يد المدعى عليه بغير حق لا تقطع يد المدعى عليه، والاول أصح.
وفيما سوى العقار لا يشترط أن يشهدوا أنه في يد المدعى عليه لان القاضي يراه في يده فلا حاجة إلى البيان.
كذا في(2/31)
الخانية.
بحر.
قوله: (إن كان منقولا) هذا تكرار لا حاجة إليه مع قوله فيما تقدم في المنقول ذكر أنه في يده بغير حق، إلا أن يقال: إنما ذكره مع ما تقدم ليشير أن في العقار لا يتأتى ذلك لان اليد لا تستولي عليه ولذا لا يثبت فيه الغصب.
تأمل.
قوله: (لما مر) أي من احتمال كونه مرهونا في يده أو محبوسا بالثمن في يده: أي ليصير خصما: أقول: هذا يشمل العقار، فالتقييد لا يفيد، وهكذا قال صدر الشريعة.
وفي القهستاني: ويزيد أيضا في العقار عند بعض المشايخ كما في قاضيخان، وهو المختار عند كثير من أهل الشروح، ومثله في الخزانة.
قوله: (ولا تثبت يده) أي يد المدعى عليه بتصادقهما لان اليد فيه غير مشاهدة، ولعله في
يد غيرهما تواضعا فيه ليكون لهما ذريعة إلى أخذه بحكم الحاكم.
عيني.
وسيشير إليه الشارح لكن اعترض على تعليل العيني بأنه لا يشمل ما لا يمكن حضوره إلى مجلس الحكم كصبرة بر ورحى كبيرة ونحو ذلك فينبغي أن يلحق بالعقار لمشابهتها له.
أقول: هذا الاعتراض في غاية السقوط لما سبق، وسيجئ أن ما تعذر نقله من المنقول يحضره القاضي أو يبعث أمينا أو نائبه فيسمع، ويقضي ثم يمضي القاضي، ففي صورة الحضور مشاهد أيضا، وفي صورة بعث القاضي كالمشاهد، ولذلك أمضى قضاءه، بخلاف العقار فإن كونه في يد المدعى عليه قد لا يشاهده القاضي وإن حضر عنده، ولذلك صرحوا بأن ثبوت يده عليه بالبينة لا غير.
أقول: وهذا مما يقع كثيرا ويغفل عنه كثير من قضاة زماننا حيث يكتب في الصكوك فأقر بوضع يده على العقار المذكور، فلا بد أن يقول المدعي إنه واضع يده على العقار ويشهد له شاهدان، ولذا نظم سيدي الوالد رحمه الله تعالى ذلك بقوله: واليد لا يثبت في العقار مع التصادق فلا تماري بل يلزم البرهان إن لم يدع عليه غصبا أو شراء مدعي قوله: (بل لا بد من بينة) أي من المدعي تشهد أنهم عاينوه في يده: أي لصحة القضاء بالملك، ولا يشترط ذلك لصحة الدعوى.
قال في الخانية: قال أبو بكر: لا تقبل بينة المدعي على الملك ما لم يقم البينة أنها في يد ذي اليد، ومثله في القهستاني بأوضح بيان.
ثم قال: وإذا شهدوا أنه في يده يسألهم القاضي أنهم شهدوا عن سماع أو معاينة لانهم ربما سمعوا إقراره أنه في يده، وهذا لا يختص به، فإنهم لو شهدوا على البيع مثلا يسألهم عن ذلك لانها شهادة بالملك للبائع والملك لا يثبت بالاقرار.
قوله: (أو علم قاض) هذا بناء على أن القاضي يقضي بعلمه، وكثيرا ما يذكرونه في المسائل، والمفتى به: أنه لا يقضي بعلمه فعليه لا بد من البينة.
قوله: (لاحتمال تزويرهما) هو الصحيح، اعترضه صدر الشريعة بأن تهمة المواضعة ثابتة مع إقامة البينة أيضا، فإن الدار مثلا إذا كانت أمانة في يد المدعى عليه فتواضعا على أن لا يقر بالامانة فيقيم البينة على اليد، ثم إنها ملكه فيقضى عليه.
وأجيب بأن تهمة المواضعة في صورة
الاقرار ظاهرة وقريبة بل أكثر، وفي صورة إقامة البينة خفية وبعيدة بل نادرة وأبعد، لان مبنى ذلك على مواضعة الخصمين وشاهدي زور وارتكاب ضرر، فإن المدعى عليه إذا حكم عليه وأخرجت من(2/32)
يده يتضرر، فتدبر.
وعند البعض يكفي تصديق المدعى عليه أنها في يده، ولا يحتاج إلى إقامة البينة، لانه إن كان في يده وأقر بذلك فالمدعي يأخذ منه إن ثبت ملكيته بالبينة أو بإقرار ذي اليد أو نكوله، وإن لم يكن في يده لا يكون للمدعي ولاية الاخذ من ذي اليد، لان البينة قامت على غير خصم فالضرر لا يلحق إلا بذي اليد، على أن التزوير يوجد لو كانت في يده أمانة، ولم يذكر إلا مجرد أنها في يده كما علمت.
قوله: (لمعاينة يده) قدمنا قريبا الاعتراض على هذا التعليل، وإن الاعتراض الذكور في غاية السقوط فلا تنسه.
قوله: (ثم هذا) أي عدم ثبوت اليد بالتصادق.
قوله: (ملكا مطلقا) أي بلا بيان سبب الملك.
قوله: (فلا يفتقر لبينة) أي أنه في يده بغير حق كما في العمادية وغيرها، وظاهره أنه يصح دعوى العقار بلا بيان سبب.
وقال في البحر: فظهر بما ذكرناه وأطلقه أصحاب المتون أنه يصح دعوى الملك المطلق في العقار، بلا بيان سبب الملك.
ثم نقل عن البزازية أن صحة دعوى الملك المطلق في العقار في بلاد لم يقدم بناؤها، أما في بلد قدم بناؤه فلا تسمع فيه دعوى الملك المطلق لوجوه بينها فيه.
وظاهره اعتماد الاول.
هذا خلاصة كلامه.
وقيد بالدعوى لان الشاهد إذا شهد أنه ملكه ولم يقل في يده بغير حق اختلفوا فيه، والصحيح الذي عليه الفتوى أنه يقبل في حق القضاء بالملك لا في حق المطالبة بالتسليم، حتى لو سأل القاضي الشاهد أهو في يد المدعى عليه بغير حق؟ فقال لا أدري يقبل على الملك، نص عليه في المحيط كما في شهادة البزازية، فظهر أن المدعي لو ادعى أنه في يد المدعى عليه بغير حق وطالبه وشهد شاهداه أنه ملك المدعي وأنه في يده المدعى عليه عن معاينة يقضي القاضي بالملك والتسليم، إذ لا فرق في ذلك بين أن يثبت كلا الحكمين بشهادة فريق واحد أو فريقين كما في غاية البيان مفصلا.
قوله: (لان دعوى الفعل) أشار بهذا إلى الفرق بين دعوى الملك المطلق، ودعوى الفعل.
وحاصله: أن دعوى الفعل كما تصح على ذي اليد تصح على غيره أيضا، فإنه يدعي عليه
التمليك والتملك وهو كما يتحقق من ذي اليد يتحقق من غيره أيضا، فعدم ثبوت اليد لا يمنع صحة الدعوى.
أما دعوى الملك المطلق فدعوى ترك التعرض بإزالة اليد وطلب إزالتها لا يتصور إلا من صاحب اليد، وبإقراره لا يثبت كون ذا يد لاحتمال المواضعة.
أفاده في البحر.
قوله: (وذكر أنه يطالبه به) أي سواء كان عينا أو دينا منقولا أو عقارا، فلو قال: لي عليه عشرة دراهم ولم يزد على ذلك لم يصح ما لم يقل للقاضي مره حتى يعطيه، وقيل: تصح وهو الصحيح.
قهستاني.
قال العلامة أبو السعود: وليس المراد لفظ وأطالبه به بل هو أو ما يفيده من قوله مره ليعطيني حقي، وأما أصحاب الفتاوى كالخلاصة جعلوا اشتراطه قولا ضعيفا، فالصحيح على ما في الفتاوى عدم اشتراط المطالبة أصلا.
كذا بخط شيخنا ا ه.
ومثله في العمدة، وسيأتي في دعوى الدين قريبا.
قوله: (لتوقفه) أي توقف دعوى العقار ذكر الضمير، وإن كان المرجع مؤنثا لاكتسابه التذكير من المضاف إليه.
قوله: (ولاحتمال رهنه أو حبسه بالثمن) أو لدفع التأجيل في نحو الدين وكل ذلك يزول بالمطالبة.
قوله: (وبه) أي بذكر أنه يطالبه، لانه لا مطالبة له إذا كان محبوسا بحق.
قوله: (استغنى عن زيادة بغير حق)(2/33)
فرجع الكلام إلى موافقة صدر الشريعة في التسوية بين المنقول والعقار.
قوله: (فافهم) أشار به إلى أن ذكر كونه بغير حق غير لازم في العقار والمنقول لان المطالبة تغني عنه.
قوله: (ولو كان ما يدعيه دينا) أي في الذمة.
قوله: (مكيلا أو موزونا) إنما قيد به لانه هو الذي يمكن ثبوته في الذمة، ويلحق به المذروع إذا استوفى شروط السلم، وكذا العددي المتقارب كالجوز والبيض واللبن الذي سمي فيه ملبنا معلوما ونحو ذلك مما يمكن ثبوته في الذمة.
قوله: (نقدا أو غيره) تعميم في الموزون.
قوله: (ذكر وصفه) أنه جيد أو ردئ لانه لا يعرف إلا به، وإنما يحتاج إلى ذكر وصفه إذا كان في البلد نقود مختلفة، أما إذا كان في البلد نقد واحد فلا.
حموي.
زاد في الكنز: وأنه يطالبه به.
قال في البحر: هكذا جزم به في المتون والشروح، وأما أصحاب الفتاوى فجعلوا اشتراطه قولا ضعيفا كما في العمدة انتهى.
ولا يخفى أنه كان ينبغي للمصنف ذكره هنا: أي في دعوى الدين كما ذكره في دعوى العقار لما قالوا: إن ما في المتون والشروح مقدم على ما في الفتاوى، لكن هذا عند
التصريح بتصحيح كل من القولين أو عدم التصريح أصلا، أما لو ذكرت مسألة في المتون ولم يصرحوا بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثاني، لانه تصحيح صريح، وما في المتون تصحيح التزامي، والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي: أي التزام المتون ذكر ما هو الصحيح في المذهب كما تقدم في رسم المفتي أول الكتاب.
قال ط: ولو استغنى عن ذكر الدين وأدخله في جملة المثليات التي ذكر حكمها بعد لكان أخضر.
قوله: (من ذكر الجنس) كحنطة والنوع كبلدية أو حورانية والصفة كجيدة والقدر كعشرة أقفزة إن كان كيليا وعشرة أرطال إن كان وزنيا.
قوله: (وسبب الوجوب) بأن يقول بسبب بيع صحيح جرى بينهما.
قوله: (لم تسمع) وكذا لو ادعى مالا بسبب له كحساب جرى بينهما لا يصح، لان الحساب لا يصلح سببا لوجوب المال كما في مشتمل الاحكام والهندية عن الخلاصة.
وفي الاشباه: لا يلزم المدعي بيان السبب وتصح بدونه، إلا في المثليات ودعوى المرأة لدين على تركة زوجها، فلو ادعى مكيلا مثلا فلا بد من بيان سبب الوجود لاختلاف الاحكام باختلاف الاسباب حتى من أسلم يحتاج إلى بيان مكان الايفاء تحرزا عن النزاع.
وكذا لو ادعت المرأة على تركة الزوج لم تسمع ما لم تبين السبب، لجواز أن يكون دين النفقة وهي تسقط بموته جملة.
ا ه.
وفي الظهيرية: وإن وقعت الدعوى في الدين فلا بد من بيان السبب، لانه لا يجب في الذمة إلا بالاستهلاك، بخلاف دعوى الاملاك والاعيان فلا يحتاج.
مطلب: فيما يجب ذكره في دعوى العقد قوله: (في مكان عيناه) هذا عند الامام، وعندهما في مكان العقد، وهذا فيما له حمل ومؤنة، وما لا حمل له كمسك لا يشترط فيه بيان مكان الايفاء اتفاقا، ويوفي حيث شاء كما تقدم في السلم.
وينبغي على قولهما أن يذكر في الدعوى مكان العقد فيما له حمل ومؤنة، لان عندهما يجب تسليمه فيه يراجع.
وقدمنا في هذا الباب أنه يذكر في السلم شرائطه من إعلام جنس رأس المال وغيره ونوعه(2/34)
وصفته وقدره بالوزن إن كان وزنيا وانتقاد بالمجلس حتى يصح الخ، فراجعه..قوله: (وفي نحو قرض
الخ) أي وفي دعوى نحو القرض الخ، ولا بد أن يذكر أنه أقرضه كذا من مال نفسه، لجواز أن يكون وكيلا بالاقراض، والوكيل بالاقراض سفير ومعبر لا يطالب بالاداء، ويذكر أيضا أنه صرف ذلك إلى حاجة نفسه ليصير ذلك دينا عليه إجماعا، لان القرض عند أبي يوسف ف لا يصير دينا في ذمة المستقرض إلا بصرفه في حوائج نفسه ه.
فلو كان باقيا عند المستقرض لا يصير دينا عنده، ونحو القرض ثمن المبيع، فإنه يتعين مكان العقد للايفاء ط.
قال صدر الاسلام: لا يشترط بيان مكان الايفاء في القرض وتعيين مكان العقد.
هندية عن الوجيز الكردي.
قوله: (وغصب واستهلاك في مكان القرض) وهذا فيما له حمل ومؤنة، وإلا فلا كما تقدم قريبا.
قوله: (ونحوه) أي من الغصب والاستهلاك فيتعين مكانهما للتسليم، وقد مثل ذلك في البحر بالحنطة لما أن محل ذلك فيما له حمل ومؤنة.
مطلب: في كلام المتون والشروح في الدعوى قصور إذا لم يبينوا بقية الشروط قال في البحر: ثم اعلم أن في كلام أصحاب المتون والشروح في دعوى قصورا، فإنهم لم يبينوا بقية شرائط دعوى الدين ولم يذكروا دعوى العقد.
أما الاول: ففي دعوى البضاعة والوديعة بسبب موته مجهلا لا بد أن يبين قيمته يوم موته إذ هو يوم الوجوب، وفي المضاربة بموت المضارب مجهلا لا بد من ذكر أن مال المضاربة يوم موته نقد أو عرض، لان العرض يدعي قيمته، وفي مال الشركة لا بد من ذكر أنه مات مجهلا لمال الشركة أو للمشتري بمالها إذ مالها يضمن بمثله والمشتري بمالها يضمن بالقيمة.
ولو ادعى مالا بكفالة لا بد من بيان المال بأي سبب لجواز بطلانها، إذ الكفالة بنفقة المرأة إذا لم تذكر مدة معلومة لا تصح إلا أن يقول: ما عشت أو دمت في نكاحه والكفالة بمال الكتابة لا تصح، وكذا بالدية على العاقلة، ولا بد أن يقول: وأجاز المكفول له الكفالة في مجلس الكفالة، حتى لو قال في مجلسه لم يجز ولا يشترط بيان المكفول عنه كما في الخانية.
ولو ادعت امرأة مالا على ورثة الزوج لم يصح ما لم تبين السبب لجواز أن يكون دين النفقة، وهي تسقط بموته.
وفي دعوى الدين على الميت لو كتب توفي بلا أدائه وخلف من التركة بيد هذا الوارث ما يفي تسمع هذه الدعوى وإن لم يبين أعيان التركة وبه يفتى.
لكن إنما يأمر القاضي الوارث بأداء الدين لو ثبت وصول التركة إليه، ولو أنكر
وصولها إليه لا يمكن إثباته إلا بعد بيان أعيان التركة في يده لما يحصل به الاعلام.
ولو ادعى الدين بسبب الوراثة لا بد من بيان كل ورثته وفي دعوى السعاية به إلى الحاكم لا يجب ذكر قابض المال، ولكن في محضر دعواها لابد أن يبين السعاية لينظر أنه هل يجب الضمان عليه لجواز أنه سعى بحق فلا يضمن.
ولو ادعى الضمان على الآمر أنه أمر فلانا وأخذ منه كذا تصح الدعوى على الامر لو سلطانا، وإلا فلا.
مطلب: في شروط العقد وأما دعوى العقد من بيع وإجارة ووصية وغيرها من أسباب الملك لا بد من بيان الطوع والرغبة بأن يقول: باع فلان منه طائعا أو راغبا في حال نفاذ تصرفه لاحتمال الاكراه.
وفي ذكر التخارج والصلح عن التركة لا بد من بيان أنواع التركة، وتحديد العقار، وبيان قيمة كل نوع، ليعلم أن الصلح(2/35)
لم يقع على أزيد من قيمة نصيبه، لانهم لو استهلكوا التركة ثم صالحوا المدعي على أزيد من نصيبه لم يجز عندهم، كما في الغصب إذا استهلكوا الاعيان وصالحوا، وفي دعوى البيع مكرها لا حاجة إلى تعيين المكره.
هذا ما حررته من كلامهم.
ا ه.
قلت: إنما تركوا ذكر ذلك لذكرهم حكم كل واحد في بابه، وفي كتب الشروط استوفوا هذا.
قال في الهندية: وإن ادعى الحنطة أو الشعير بالامناء فالمختار للفتوى أنه يسأل المدعي عن دعواه، فإن ادعى بسبب القرض والاستهلاك لا يفتى بالصحة، وإن ادعى بسبب بيع عين من أعيان ماله بحنطة في الذمة أو بسبب السلم يفتى بالصحة، هكذا في الذخيرة.
وإن ادعى مكايلة حتى صحت الدعوى بلا خلاف وأقام البينة على إقرار المدعى عليه بالحنطة أو بالشعير ولم يذكر الصفة في إقراره قبلت البينة في حق الجبر على البيان، لا في حق الجبر على الاداء.
كذا في المحيط.
وفي الذرة والمج: يعتبر العرف.
كذا في الفصول العمادية.
إذا ادعى الدقيق بالقفيز لا تصح، ومتى ذكر الوزن حتى صحت دعواه لا بد أن يذكر دقيق
منخول أو غير منخول مخبوز أو غير مخبوز والجودة والوساطة والرداءة.
هكذا في الظهيرية.
وإذا ادعى على آخر مائة عدالية غصبا وهي منقطعة عن أيدي الناس يوم الدعوى ينبغي أن يدعي قيمته، غير أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تعتبر القيمة يوم الدعوى والخصومة.
وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يوم الغصب، وعند محمد رحمه الله تعالى يوم الانقطاع، ولا بد من بيان سبب وجوب الدراهم في هذه الصورة.
كذا في الذخيرة.
وفي الدين: لو ادعى المديون أنه بعث كذا من الدراهم إليه أو قضى فلان دينه بغير أمره صحت الدعوى ويحلف، ولو ادعى عليه قرض ألف درهم وقال: وصل إليك بيد فلان وهو مالي لا تسمع دعواه كما في العين.
كذا في الخلاصة.
وفي دعوى مال الاجارة المفسوخة بموت الآخر: إذا كانت الاجرة دراهم أو عدالية ينبغي أن يذكر كذا دراهم كذا عدالية رائجة من وقت العقد إلى وقت الفسخ.
كذا في الذخيرة.
وفي دعوى مال الاجارة المفسوخة لا يشترط تحديد المستأجر، وكذا ثمن مبيع مقبوض، ولم يبين البيع أو محدود ولم يحدده وهو الاصح.
ولو ادعى على آخر أنه استأجر المدعي لحفظ عين معين سماه، ووصفه كل شهر بكذا وقد حفظه مدة كذا فوجب عليه أداء الاجرة المشروطة، ولم يحضر ذلك العين في مجلس الدعوى ينبغي أن تصح الدعوى ا ه.
واختلفوا في اشتراط حضرة المستعير مع المعير في دعوى المستعار وحضرة المودع مع المودع في دعوى الوديعة، وكذا في اشتراط حضور المزارع مع رب الارض في دعوى الارض.
بزازية.
قال في الهندية: تشترط حضرة الراهن والمرتهن في دعوى عين رهن والعارية والاجارة كالرهن، وأما حضرة المزارع فهل هي شرط في دعوى الضياع إن كان البذر من المزارع فهو كالمستأجر يشترط حضوره، وإن لم يكن البذر منه إن نبت الزرع فكذلك ك، وإن لم ينبت لا يشترط.
هذا في دعوى الملك المطلق.
أما إذا ادعى على آخر غصب ضيعته وأنها في يد المزارع فلا تشترط حضرة المزارع لانه يدعي عليه الفعل، ولو كانت الدار في يد البائع بعد البيع فجاء مستحق واستحقها لا يقضي بالدار له إلا بحضرة البائع والمشتري.
كذا في الخلاصة.
ولو ادعى مسيل ماء في دار الآخر لا بد أن يبين أنه مسيل(2/36)
ماء المطر أو ماء الوضوء، وينبغي أن يبين موضع المسيل أنه في مقدم البيت أو مؤخره.
ولو ادعى طريقا في دار الآخر ينبغي أن يبين طوله وعرضه وموضعه في الدار.
جامع الفصولين.
وفيه وفي دعوى الاكراه على بيع وتسليم ينبغي أن يقول: بعته مكرها وسلمته مكرها ولي حق فسخه فافسخه، ولو قبض ثمنه يذكر وقبضت ثمنه مكرها، ويبرهن على كل ذلك.
أما لو ادعى عليه أنه ملكي وفي يده بغير حق لا تسمع، إذ بيع المكره يفيد الملك بقبضه، فالاسترداد بسبب فساد البيع ينبغي أن يكون كذلك.
وفيها لو ادعى فساد البيع يستفسر عن سبب فساده لجواز أن يظن الصحيح فاسدا، وفي دعوى البيع مكرها لا حاجة إلى تعيين المكره، كما لو ادعى السعاية فلا حاجة إلى تعيين العون.
قوله: (ويسأل القاضي) أي بطلب المدعي وقيل: إن كان المدعي جاهلا يسأل القاضي المدعى عليه بدون طلبه.
ا ه.
سراجية.
وفيها: إذا حضر الخصمان لا بأس أن يقول ما لكما، وإن شاء سكت حتى يبتدئاه بالكلام، وإذا تكلم المدعي يسكت الآخر ويسمع مقالته، فإذا فرغ يقول للمدعي عليه بطلب المدعي ماذا تقول.
وقيل إن المدعي إذا كان جاهلا فإن القاضي يسأل المدعى عليه بدون طلب المدعي.
ا ه.
وفي شهادات الخزانة: يجوز للقاضي أن يأمر رجلا يعلم المدعي الدعوى والخصومة إذا كان لا يقدر عليها ولا يحسنها.
ا ه.
قوله: (بعد صحتها) أي إذا جازت وقامت دعوى المدعي برعاية ما سبق من شروط صحتها.
قوله: (لعدم وجوب جوابه) الاولى أن يعلل بعدم الباعث على السؤال، فتأمل ط.
قوله: (قوله فيها) إنما قدره فرارا من استعمال قضى الآتي في كلام المصنف في حقيقته ومجازه، لان الاقرار حجة ملزمة بنفسه ولا يحتاج فيه إلى القضاء، فإطلاق اسم القضاء فيه مجاز عن الامر بالخروج عما لزمه بالاقرار كما صرح به في التبيين ا ه ح.
بخلاف البينة فإن الشهادة خبر محتمل بالقضاء تصير حجة وسقط احتمال الكذب.
كذا في التبيين.
فقول الشارح فيها أي فبالقضية المطلوبة حصل المقصود ولزمه الحق سواء قضى به القاضي أو لا، وبالقضاء لا يثبت أمر زائد، ألا يرى أنه يلزمه الحق بإقراره عند غير القاضي، أو أنكر الخصم فبرهن المدعي قضى عليه بالبينة، ولزمه الحق بالقضاء ويثبت حكم البينة به، أما بدون
القضاء فلا يثبت بالبينة حكم، وكذا لا تعتبر في غير مجلس القاضي.
قال في الاشباه: لا يجوز للمدعى عليه الانكار إذا كان عالما بالحق، إلا في دعوى العيب فإن للبائع إنكاره ليقيم المشتري البينة عليه ليتمكن من الرد على بائعه، وفي الوصي إذا علم بالدين.
كذا في بيوع النوازل.
قال في البحر: وظاهر ما في الكتاب أن القاضي لا يمهل المدعى عليه إذا استمهله، وليس كذلك، ففي البزازية: ويمهله ثلاثة أيام إن قال المطلوب لي دفع وإنما يمهله هذه المدة لانهم كانوا يجلسون في كل ثلاثة أيام أو جمعة، فإن كان يجلس كل يوم ومع هذا أمهله ثلاثة أيام جاز، فإن مضت لمدة ولم يأت بالدفع حكم ا ه.
قوله: (أو أنكر فبرهن) ظاهره أن البينة لا تقام على مقر.
قال في البحر: وظاهر ما في الكتاب أن البينة لا تقام إلا على منكر فلا تقام على مقر.
وكتبنا في فوائد كتاب(2/37)
القضاء أنها تقام على المقر في وارث مقر بدين على الميت فتقام عليه للتعدي، وفي مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل، ثم زدت الآن رابعا من جامع الفصولين من فصل الاستحقاق قال: المرجوع عليه عند الاستحقاق لو أقر الاستحقاق ومع ذلك برهن الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار، لانه محتاج إلى أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه الرجوع على بائعه.
وفيه لو برهن المدعي ثم أقر المدعى عليه بالملك له يقضي له بالاقرار لا ببينة، إذا البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر.
وفيه من موضع آخر: فهذا يدل على جواز إقامتها مع الاقرار في كل موضع يتوقع الضرر من غير المقر لولاها فيكون هذا أصلا.
ا ه.
قوله: (بلا طلب المدعي) وإعلامه المدعى عليه أنه يريد القضاء عليه أدب غير لازم وتقدم في القضاء أنه متى قامت البينة العادلة وجب على القاضي الحكم بلا تأخير.
مطلب: لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد شرائطه إلا في ثلاث قال في الاشباه: لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد شرائطه إلا في ثلاث مواضع: الاولى: رجاء الصلح بين الاقارب.
الثانية: إذا استمهل المدعي.
الثالثة: إذا كان عنده ريبة ا ه.
قوله: (وإلا حلفه الحاكم) لانه لا بد أولا من سؤال القاضي المدعي بعد إنكار الخصم عن البينة ليتمكن من
الاستحلاف لان النبي (ص) قال للمدعي ألك بينة؟ فقال لا، فقال: لك يمينه سأل ورتب اليمين على عدم البينة، وإنما تعتبر إقامتها بعد الانكار والاستشهاد من المدعي، حتى لو شهدوا بعد الدعوى والانكار بدون طلب المدعي الشهادة لا تسمع عند الطحاوي، وعند غيره تسمع كما في العمادية.
وفيها: ثم بعد صحة الدعوى إنما يستحلف فيها سوى القصاص بالنفس في موضع يجوز القضاء بالنكول.
وفي موضع: لا يجوز القضاء بالنكول لا يجوز الاستحلاف.
وتحليف الاخرس أن يقال له عليك عهد الله وميثاقه أنه كان كذا فيشير بنعم.
بحر.
وإنما يظهر لو كان يسمع.
وانظر حكم الاخرس الذي لا يسمع، ولا يستحلف الاب في مال الصبي ولا الوصي في مال اليتيم ولا المتولي في مال الوقف، وسيأتي في كلام المصنف ويذكر تمامه إن شاء الله تعالى.
قوله: (بعد طلبه) قيد به لان الحلف حقه، ولهذا أضيف إليه بحرف اللام في الحديث وهي للتمليك، وإنما صار حقا له لان المنكر قصد إتواء حقه على زعمه بالانكار فمكنه الشارع من إتواء نفسه باليمين الكاذبة، وهي الغموس إن كان كاذبا كما يزعم وهو أعظم من إتواء المال، وإلا يحصل للحالف الثواب بذكر الله تعالى، وهو صادق على وجه التعظيم، ولا بد أن يكون النكول في مجلس القضاء لان المعتبر يمين قاطع للخصومة، ولا عبرة لليمين عند غيره.
ولو حلفه القاضي بغير طلبه ثم طلب المدعي التحليف فله أن يحلفه ثانيا كما في العمادية.
ولو حلف بطلب المدعي بدون تحليف القاضي لم يعتبر، وإن كان بين يديه، لان التحليف حق القاضي بطلب المدعي كما في القنية.
ويأتي تمامه في كلام المصنف.
وأطلق الحالف فيشمل المسلم والكافر ولو مشركا، إذ لا ينكر أحد منهم الصانع فيعظمون اسم الله تعالى ويعتقدون حرمته، لا الدهرية والزنادقة وأهل الاباحة، وهؤلاء أقوام لم يتجاسروا على إظهار نحلهم في عصر من الاعصار إلى يومنا هذا، ونرجو من فضل الله تعالى على أمة حبيبه أن لا يقدرهم على إظهار ما انتحلوه(2/38)
إلى انقضاء الدنيا كما في البدائع.
ثم إذا حلف لا يبطل حقه بيمينه لكنه ليس له أن يخاصم ما لم يقم البينة على وفق دعواه، فإن وجدها أقامها وقضي له بها.
درر.
قال الزيلعي: وهل يظهر كذب المنكر بإقامة البينة؟ والصواب أنه لا يظهر حتى لا يعاقب عقوبة
شاهد الزور.
ا ه.
وفيه أيضا أنه لا يحنث لو كان حلفه بالطلاق ونحوه.
وقيل عند أبي يوسف، يظهر كذبه.
وعند محمد: لا يظهر.
ا ه.
وفي الخانية: وفي رواية عن محمد: يظهر أيضا، والفتوى على أنه يحنث، وهكذا في الولوالجية وذكر في المنبع.
والفتوى في مسألة الدين أنه لو ادعاه بلا سبب فحلف ف ثم برهن ظهر كذبه، وإن ادعاه بسبب فحلف أنه لا دين عليه ثم برهن على السبب لا يظهر كذبه، لجواز أنه وجد القرض مثلا ثم وجد الابراء أو الايفاء.
ا ه.
وهكذا في جامع الفصولين، فظهر أن ما اختاره الزيلعي وتبعه في الدرر من الصواب خلاف ما يفتى به، سيما وقع في أمر الدين.
تدبر قوله: (إذ لا بد من طلب اليمين في جميع الدعاوى) قال في الاشباه: الاصح أنه لا تحليف في الدين المؤجل قبل حلوله، لانه لا تسوغ له المطالبة حتى يترتب على إنكاره التحليف.
ا ه.
وإذا أراد تحليفه ينبغي للمدعى عليه أن يسأل القاضي إن المدعي يدعي حالة أم نسيئة، فإن قال حالة يحلف بالله ما له علي هذه الدراهم التي يدعيها ويسعه ذلك كما في البحر.
مطلب: يحلف بلا طلب في أربعة مواضع قوله: (إلا عند الثاني في أربع) قال في البحر: ثم اعلم أنه لا تحليف إلا بعد طلب عندهما في جميع الدعاوى وعند أبي يوسف: يستحلف بلا طلب في أربعة مواضع في الرد بالعيب: يستحلف المشتري على عدم الرضا به، والشفيع على عدم إبطاله الشفعة، والمرأة إذا طلبت فرض النفقة على زوجها الغائب تستحلف أنها لم يطلقها زوجها ولم يترك لها شيئا ولا أعطاها النفقة، والرابع المستحق يحلف بالله تعالى ما بعت وهذا بناء على جواز تلقين الشاهد.
ا ه.
والاولى: أن يحلف على أنه لم يستوفه كلا أو بعضا بالذات أو بالواسطة ولم يبرئه منه، ولم يكن عنده به رهن أو بشئ منه، وقوله بالله ما بعت فيه قصور، والاولى أن يحلف بالله ما خرج عن ملكك ليشمل ما لو خرج عن ملكه بالبيع وغيره، وانظر للمدعى عليه، وكذا يحلف القاضي البكر الطالبة للتفريق أنها اختارت الفرقة حين بلغت وإن لم يطلبه الزوج كما في جامع الفصولين.
قال في التتمة: ولو ادعى دعاوى متفرقة لا يحلفه القاضي على كل شئ منها، بل يجمعها ويحلفه يمينا واحدة على كلها إذا برهن فإنه يحلف كما وصفنا، وهي في الخلاصة.
قوله: (قال) أي البزازي.
قوله: (وأجمعوا على التحليف) أي وإن أقر به المريض في مرض موته كما في الاشباه عن التاترخانية، وقدمه الشارح قبيل باب التحكيم من القضاء.
قوله: (في دعوى الدين) قال في البحر: ولا خصوصية لدعوى الدين بل في كل موضع يدعي حقا في التركة وأثبته بالبينة فإنه يحلف من غير خصم، بل وإن أبى الخصم كما صرح به في البزازية لانه حق الميت أنه ما استوفى حقه وهو مثل حقوق الله تعالى يحلف من غير دعوى.
كذا في الولوالجية.
ا ه.
وقيد بإثباته بالبنية لانه لو أقر به الوارث أو نكل عن اليمين(2/39)
المتوجهة عليه لا يحلف كما يعلم من مسألة إقرار الورثة بالدين ومما قدمناه من كون الاقرار حجة بنفسه، بخلاف البينة.
تأمل.
لكن ذكر في خزانة أبي الليث خمسة نفر جائز للقاضي تحليفهم، ثم قال: ورجل ادعى دينا في التركة يحلفه القاضي بالله العظيم جل ذكره ما قبضته.
ا ه.
فهذا مطلق وما هنا مقيد بما إذا أثبته بالبينة، وتعليلهم بأنه حق الميت ربما يعكر على ما تقدم.
وقد يقال: التركة ملكهم خصوصا عند عدم دين على الميت، وقد صادف إقرارهم ملكهم فأنى يرد، بخلاف البينة فإنها حجة قائمة من غيرهم عليهم فيحتاط فيها، وأما الاقرار فهو حجة منهم على أنفسهم فلا يتوقف على شئ آخر.
وأقول: ينبغي أن يحلفه القاضي مع الاقرار فيما إذا كان في التركة دين مستغرق لعدم صحة إقرارهم فيها والحال هذه فيحلفه القاضي بطلب الغرماء إذا أقام بينة وبغير طلبهم، لكن إذا صدقوه شاركهم لانهم أقروا بأن هذا الشئ الذي هو بينهم خاص بهم لهذا فيه شركة معنا بقدر دينه.
تأمل.
قال في البحر: ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن، هل يحلف؟ وينبغي أن يحلف احتياطا.
ا ه.
قال الرملي: ينبغي أن لا يتردد في التحليف أخذا من قولهم الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها، وإذا كان كذلك فهو قد ادعى حقا للميت.
ا ه.
ذكره الغزي.
وأقول: ينبغي أن يقال بدل اللام على كما هو ظاهر.
وأقول: قد يقال: إنما يحلف في مسألة مدعي الدين على الميت احتياطا لاحتمال أنهم شهدوا باستصحاب الحال وقد استوفى في باطن الامر.
وأما في مسألة دفع الدين فقد شهدوا على حقيقة الدفع فانتفى الاحتمال المذكور، فكيف يقال: ينبغي أن لا يتردد في التحليف؟ تأمل.
وسيأتي ذلك في أواخر دعوى النسب.
قوله: (بل يحبس) أي يحبسه القاضي، لانه ظالم فجزاؤه الحبس.
قوله: (ليقرأ وينكر) هذا عند أبي حنيفة، وقالا: يستحلفه كما في المجمع، وجه قولهما: إن كلاميه تعارضا وتساقطا فكأنه لم يتكلم بشئ فكان ساكتا، والسكوت بلا آفة نكول فيستحلفه القاضي ويقضي بالنكول كما في المنبع.
وفي البدائع: هو الاشبه.
قوله: (وكذا لو لزم السكوت بلا آفة عند الثاني) أي فإنه يحبس لانه نكول حكما، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وعند أبي يوسف: السكوت ليس بإنكار، فحبس إلى أن يجيب.
صرح به السرخسي.
وقولهما: هو الاشبه كما في البدائع وهو الصحيح كما في المنبع، وصرح في روضة الفقهاء أن السكوت ليس بإنكار بلا خلاف.
وفي القنية والبزازية: الفتوى على قول أبي يوسف: فلو سكت الخصم بلا آفة وقضى صح، وكذا لو نكل مرة لان اليمين واجبة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر ترك هذا الواجب بالنكول دليل على أنه باذل ومقر، وإلا قدم على اليمين تفصيا عن عهدة الواجب ودفعا للضرر عن نفسه ببذل المدعي أو الاقرار به، والشرع ألزمه التورع عن اليمين الكاذبة دون الترفع عن اليمين الصادقة، فترجح هذا الجانب: أي جانب كون الناكل باذلا أو مقرا على جانب التورع في نكوله.
كذا في الدرر.
وسيأتي تمامه.
قوله: (عند الثاني) وعندهما: إذا لزم السكوت(2/40)
يؤخذ منه كفيل، ثم يسأل جيرانه عسى أن يكون به آفة في لسانه أو سمعه، فإن أخبروا أنه لا آفة به يحضر مجلس الحكم، فإن سكت ولم يجب ينزله منكرا: أي فيحلف من غير حبس ط.
قوله: (لما أن الفتوى على قول الثاني) أقول: ظهر مما هنا ومما تقدم أنه قد اختلف التصحيح والترجيح، ولكن
الارجح قول أبي يوسف لما يقال فيه: وعليه الفتوى، وقد مر غير مرة ويأتي.
قوله: (ثم نقل عن البدائع الخ) راجع إلى قول المتن وإذا قال الخ.
قال في البحر: وفي المجمع: ولو قال لا أقر ولا أنكر فالقاضي لا يستحلفه.
قال الشارح: بل يحبس عند أبي حنيفة حتى يقر أو ينكر، وقالا: يستحلف.
وفي البدائع: الاشبه أنه إنكار.
ا ه.
وهو تصحيح لقولهما: فإن الاشبه من ألفاظ التصحيح كما في البزازية.
فحاصل ما في البحر: اختيار قول الثاني لو لزم السكوت بلا آفة فإنه يحبس حتى يقر أو ينكر، واختيار قولهما فيما إذا قال لا أقر ولا أنكر يقتضي اختيار جعله إنكارا في مسألة السكوت بالاولى، فكان نقل صاحب البحر تصحيح الثاني رجوعا عما أفتى به أولا في مسألة السكوت، فلذا قال الشارح ثم نقل الخ ليفيد أن تصحيح ما في البدائع يقتضي تصحيح قول الامامين في الاولى، ولا يشكل ما قدمناه عن روضة الفقهاء من أن السكوت ليس بإنكار بلا خلاف، لان الكلام هما فيما إذا لزم السكوت، وما هناك لا يعد نكولا بمجرد سكوته فيقضى عليه، وشتان ما بينهما: قوله: (اصطلحا على أن يحلف الخ) سيذكر الشارح لو قال: إذا حلفت فأنت برئ من المال فحلف ثم برهن على الحق قبل، لكن هنا اليمين من المدعي، وسيأتي الكلام عليه ثمة.
قوله: (لان اليمين حق القاضي مع طلب الخصم) الاولى كما في البحر عن القنية: لان التحليف حق القاضي ا ه.
حتى لو أبرأه الخصم عنه لا يصح.
بزازية.
وكما أن التحليف عند غير القاضي، لا يعتبر فكذلك النكول عند غيره لا يوجب الحق، لانص المعتبر يمين قاطعة للخصومة، واليمين عند غير القاضي غير قاطعة.
درر.
وكذلك لا عبرة لها عنده بلا تحليفه كما قيده بقوله مع طلب الخصم، لكن الذي يشير إليه كلام الدرر والعيني أن اليمين حق المدعي.
واستدل له في الدرر بقوله: ولهذا أضيف إليه بحرف اللام في الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: لك يمينه قال: ووجه كونه حقا له أن المنكر قصد إتواء حقه الخ، وكان الاولى له أن يعلل المسألة بقوله: لان المعتبر يمين قاطعة للخصومة الخ، ثم يستدرك بما نقله المصنف عن القنية الآتي ذكره، فلو فعل ذلك لسلم من التكرار.
قوله: (ولا عبرة الخ) أي ولا يعتبر إبراؤه المعلق بهذا الشرط،
لان الابراء من الدين لا يصح تعليقه بالشرط كما تقدم.
قوله: (فلو برهن عليه أي على حقه يقبل) هذا لا يصلح تفريعا على ما قبله، فإنه لو حلف عند قاض ثم برهن المدعي يقبل كما سيأتي ح.
إلا أن يقال: إنما فرعه عليه باعتبار قوله: وإلا يحلف ثانيا عند قاض: أي حيث لم يعتبر حلفه عند غير(2/41)
القاضي له تحليفه عند القاضي عند عدم البينة، بخلاف ما لو حلفه عند قاض فإنه لا يحلف ثانيا لان الحلف الاول معتبر، وهذا معنى قوله: إلا إذا كان حلفه الخ.
قوله: (إلا إذا كان حلفه الاول عنده) أي عند قاض فيكفي: أي لا يحتاج إلى التحليف ثانيا.
هذا، وموقع للاستثناء كما لا يخفى ح: أي لانه استثناء منقطع، لان فرض المسألة في أن الحلف الاول عند غير قاضي، اللهم إلا أن يكون المراد عنده قبل تقلده القضاء.
تأمل وراجع.
قوله: درر عبارتها يحلفه القاضي لو لم يكن حلفه الاول حين الصلح عنده.
قوله: (ونقل المصنف عن القنية هذه المسألة تغاير المتقدمة في المتن.
فإن تلك فيما إذا حلف عند غير قاض، وهذه فيما إذا حلف عند القاضي باستحلاف المدعي لا القاضي ح: أي وكما أنه لا يصح التحليف إلا عند القاضي لا يصح إلا تحليف القاضي، حتى لو أن الخصم حلف خصمه في مجلس القاضي لا يعتبر، لان التحليف حق القاضي لا حق الخصم.
قوله: (وكذا لو اصطلحا الخ) في الواقعات الحسامية قبيل الرهن.
وعن محمد قال لآخر: لي عليك ألف درهم فقال له الآخر إن حلفت أنها لك أديتها إليك فحلف فأداها إليه المدعى عليه، إن كان أداها إليه على الشرط الذي شرط فهو باطل، وللمؤدي أن يرجع بما أدى، لان ذلك الشرط باطل لانه على خلاف حكم الشرع لان حكم الشرع أن اليمين على من أنكر دون المدعي، إ ه بحر.
قوله: (لم يضمن) ولو أدى له على هذا الشرط رجع بما أدى لان هذا الشرط باطل كما علمت.
قوله: (لحديث البينة على المدعي) تتمته واليمين على ما أنكر والدليل منه من وجهين الاول أنه عليه الصلاة والسلام قسم بينهما والقسمة تنافي الشركة، وجعل جنس الايمان على المنكرين وليس وراء الجنس شئ.
الثاني: أن أل في اليمين للاستغراق، لان لام التعريف تحمل على الاستغراق، وتقدم على تعريف الحقيقة إذا لم يكن هناك معهود، فيكون المعنى: أن جميع الايمان على المنكرين، فلو رد اليمين على
المدعي لزم المخالفة لهذا النص.
الثالث: إن قوله: البينة على المدعي يفيد الحصر، فيقتضي أن لا شئ عليه سواه.
قال القسطلاني: والحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إن جانب المدعي ضعيف، لان دعواه خلاف الظاهر، فكانت الحجة القوية عليه وهي البينة، لانها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيتقوى بها ضعف المدعي، وجانب المدعى عليه قوي لان الاصل فراغ ذمته فاكتفى فيه بحجة ضعيفة وهي اليمين، لان الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع عنها الضرر، فكان ذلك في غاية الحكمة ا ه.
وهذا من حيث ما ذكره ظاهر: أي من ضعف اليمين، وإلا فاليمين إذا كانت غموسا مهلكة لصاحبها، فتأمل.
قوله: (وحديث الشاهد واليمين) هو ما روي: أنه عليه الصلاة والسلام قضعى بشاهد ويمين " حلبي عن التبيين.
قوله: (عيني) عبارته: ولانه يرويه ربيعة عن سهل بن أبي(2/42)
صالح وأنكره سهل، فلا يبقى حجة بعد ما أنكره الراوي فضلا عن أن يكون معارضا لصحاح المشاهير.
ا ه.
قوله: (وطلب من القاضي) يعني المدعى عليه.
قوله: (أن يحلف المدعي) المناسب أو الشهود، ويأتي بضميرهم بعد بدل الاسم الظاهر ط.
قوله: (أو على أن الشهود) أي أو طلب المدعى عليه من القاضي أن يحلف الشهود على أنهم صادقون، كما يدل عليه اللحاق ح.
قوله: (لا يجيبه القاضي) كما لا يجيب ذا اليد إذا طلب منه استحلاف المدعي ما تعلم أني بنيت بناء هذه الدار.
قنية: أي لانه خلاف الشرع.
قوله: (إلى طلبته) بكسر اللام ما طلبه والطلبة بالضم السفرة البعيدة والطلاب اسم مصدر طالب كالطلبة بالكسر قاموس.
قوله: (لان الخصم) فيه أنه لم يتقدم منه حلف، فالاولى أن يعلل بقوله لانه خلاف الشرع، ويجعل هذا التعليل للثانية، وهو تحليف الشهود على الصدق أو أنهم محقون لا يجيبه لان الخصم لا يحلف مرتين فكيف الشاهد.
قوله: (لان لفظ أشهد عندنا يمين) وإن لم يقل بالله، فإذا طلب منه الشهادة في مجلس القضاء وقال أشهد فقد حلف.
قوله: (لانا أمرنا بإكرام الشهود) أي وفي التحليف تعطيل هذا الحق.
قوله: (لان لا يلزمه) أي الاداء حينئذ.
قوله: (وبينة الخارج) أي الذي ليس ذا يد.
قوله: (وفي الملك المطلق) قيد به لما سيأتي، وأطلقه وهو مقيد بما إذا لم يؤرخا أو أرخا،
وتاريخ الخارج مساو أو أسبق، أما إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق، فإنه يقضي للخارج كما في الظهيرية، وهذا بخلاف المقيد، لان البينة قامت على ما لا يدل عليه فاستويا وترجحت بينة ذي اليد باليد فيقضى له.
هذا هو الصحيح.
بحر.
قوله: (وهو الذي لم يذكر له سبب) السبب كشراء وارث فالمطق ما يتعرض للذات دون الصفات لا بنفي ولا إثبات ط.
قوله: (أحق من بينة ذي اليد) أي أولى بالقبول منها، لان الخارج أكثر إثباتا وإظهارا، لان ملك ذي اليد ظاهر فلا حاجة إلى البينة: يعني لو ادعى خارج دارا أو منقولا ملكا مطلقا وذو اليد ادعى ذلك وبرهنا ولم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا لا تقبل بينة ذي اليد، ويقضي للخارج، أما إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق يقضى لذي اليد، ثم يستوي الجواب بين أن يكون الخارج مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو عبدا أو حرا أو امرأة أو رجلا، وبقولنا في هذه المسألة قال الامام أحمد، وقال الامام مالك والشافعي وزفر: بينة ذي اليد أولى.
ط باختصار.
قوله: (لانه المدعي) أي وذو اليد مدعى عليه لانطباق تعريف المدعي والمدعى عليه عليهما.
قوله: (بخلاف المقيد بسبب) أي لا يتكرر.
قوله: (كنتاج) صورته: أقام كل منهما بينة على أنها ولدت عنده فذو اليد أولى، لان بينته قد دلت على ما دلت عليه بينة الخارج: أي نظيره ومعه ترجيح اليد فكان أولى.
عيني.
قوله: (ونكاح) صورته: أقام كل منهما بينة أنه نكحها فذو اليد أولى فالمراد بالملك ما يعم الحكمي.
قوله: (فالبينة لذي اليد) أي في الصورتين.
قوله: (إجماعا) أي لان بينته قامت على أولوية ملكه فلا يثبت للخارج إلا بالتلقي منه كما سيأتي بيانه مفصلا.
قوله: (كما(2/43)
سيجئ) أي فيما يدعيه الرجلان، والاولى ذكر هذه المسألة في مقامها.
قوله: (وقضى القاضي الخ) أي قضى عليه بما ادعاه المدعي، وأفاد أن النكول لا يوجب شيئا إلا إذا اتصل به القضاء وبدونه لا يوجب شيئا وهو بذل على مذهب الامام، وإقرار على مذهب صاحبيه وحيث لم يقدم على اليمين دل على أنه بذل الحق أو أقر، وإذا بذل أو أقر وجب على القاضي الحكم به، فكذا إذا نكل.
قوله: (حقيقة) الاولى ذكره بعد قوله مرة لان المتصف بكونه حقيقة وحكما أو صريحا ودلالة إنما هو النكول كما في العيني.
قوله: (أو حكما كأن سكت).
أقول: تقدم أنه منكرا على قولهما، وعلى قول أبي يوسف يحبس إلى أن يجيب، ولكن الاول فيما إذا لزم السكوت ابتداء ولم يجب على الدعوى بجواب، وهذا فيما إذا أجاب بالانكار ثم لزم السكوت تأمل.
كذا أفاده الخير الرملي.
ومفاد ذكر المصنف للحكمي بالسكوت تصحيح لقولهما أيضا منقول عن السراج، كما تقدم اقتضاء تصحيحه عن البحر بعد أن أفتى بخلافه.
قوله: (من غير آفة) أما إذا كان بها فهو عذر كما في الاختيار، ويأتي قريبا بيانه.
قوله: (كخرس) وآفة باللسان تمنع الكلام أصلا.
قوله: (وطرش) يقال طرش يطرش طرشا من باب علم: أي صار أطروشا، وهو الاصم.
قوله: (في الصحيح) أي على قول الثاني الذي عليه الفتوى كما تقدم.
وقيل إذا سكت يحبسه حتى يجيب، وأما إذا كان به آفة الخرس فإنه إما أن يحسن الكتابة، أو يسمع أو لا يحسن شيئا، فإذا لم يسمع وله إشارة معروفة فإشارته كالبيان، وإن كان مع ذلك أعمى نصب القاضي له وصيا، ويأمر المدعي بالخصومة معه إن لم يكن له أب أو جد أو وصيهما، وإذا كان يسمع يقول له القاضي عليك عهد الله وميثاقه إن كان كذا، فإن أومأ برأسه أن نعم فإنه يصير حالفا في هذا الوجه، ولا يقول له بالله إن كان كذا لانه إن أشار برأسه أن نعم لا يصير حالفا بهذا الوجه بل مقرا كما في شرح الوهبانية.
قوله: (وعرض) مبتدأ خبره قوله ثم القضاء.
قوله: (أحوط) أي على وجه الندب، وإنما لم يعرج عليه المصنف لانه غير ظاهر الرواية.
قال في الكافي: ينبغي للقاضي أن يقول إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعى، وهذا الانذار لاعلامه بالحكم إذ هو مجتهد فيه فكأنه مظنة الخفاء ا ه.
وعن أبي يوسف ومحمد: أن التكرار حتم حتى لو قضى القاضي بالنكول مرة لا ينفذ، والصحيح أنه ينفذ وهو نظير إمهال المرتد كما في التبيين.
قال القهستاني: لو كان مع الخصم بينة ولم يذكرها، وطلب يمين المنكر يحل له إن ظن أنه ينكل.
وأما إذا ظن أنه يحلف كاذبا لم يعذر في التحليف ثم على الاحوط، ذكر في الخانية ولو أن القاضي عرض عليه اليمين فأبى، ثم قال قبل القاضي أنا أحلف بحلفه ولا يقضي عليه بشئ، وهذا الاحوط جعله صدر الشريعة متنا.
فتنبه.
لكن جعله ابن ملك مستحبا في موضع الخفاء ويترجح ما في الخانية بكون المتن منع الحلف بعد القضاء فافهم أنه قبله لا يمنع منه.
قوله: (وهل يشترط) الاولى وهل
يفترض.
قوله: (على فور النكول خلاف) أي فيه خلاف، ولم يبين الفور بماذا يكون.
حموي.
قال ط: قلت: هو ظاهر، وهو أن يقضي عقبه من غير تراخ قبل تكراره أو بعده على القولين.(2/44)
قوله: (قلت قدمنا) أي في كتاب القضاء: أي وجزمهم هناك به مطلقا حيث شمل كلامهم هناك ما بعد البينة والاقرار، والنكول ترجيح لزوم الفور الذي هو أحد القولين، وكأن المصنف غفل عنه حيث قال فيه: لم أر فيه ترجيحا، إلا أن الحموي في حاشية الاشباه قال: اعلم أنه يجب على القاضي الحكم بمقتضى الدعوى عند قيام البينة على سبيل الفور، وعزاه لجامع الفصولين وقد خصه بالبينة كما ترى، فلا يفيد ترجيح أحد القولين في لزوم القضاء فورا بعد النكول، وحينئذ فما ذكر من الاستدراك فمحله بعد البينة أو اليمين، فتدبر.
قوله: (إلا في ثلاث) قدمنا أنها أن يرتاب القاضي في طريق القضاء كالبينة وأن يستمهل الخصم: أي المدعي، وأن يكون لرجاء الصلح بين الاقارب، وظاهره أنه لا خلاف.
قوله: (لا يلتفت إليه) لانه أبطل حقه بالنكول فلا ينقض به القضاء قيد بالقضاء، لانه قبله إذا أراد أن يحلف يجوز، ولو بعد العرض كما في الدرر، أما لو أقام البينة بعد النكول فإنها تقبل كما يأتي قريبا.
قوله: (فبلغت طرق القضاء ثلاثا) بينة وإقرار ونكول، وهو تفريع على قوله فإن أقر أو أنكر الخ.
قوله: (سبعا) فيه أن القضاء بالاقرار مجاز كما تقدم، والقسامة داخلة في اليمين، وعلم القاضي مرجوح والقرينة مما انفرد بذكرها ابن الغرس فرجعت إلى ثلاث، فتأمل ط.
قوله: (بينة) لا شك أن البينة طريق للقضاء وأن الحكم لا يثبت بالبينة حتى يقضي بها كما تقدم.
قوله: (وإقرار) تقدم أن الحق يثبت به بدون حكم، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء كما لو ثبت بالبينة، فجعل الاقرار طريقا للقضاء إنما هو ظاهرا، وإلا فالحق ثبت به لا بالقضاء.
قوله: (ويمين) ليس اليمين طريقا للقضاء، لان المنكر إذا حلف وعجز المدعي عن البينة يترك المدعي في يده لعدم قدرة المدعي على إثباته لا قضاء له بيمينه كما صرحوا به، ولذا لو جاء المدعي بعد ذلك بالبينة يقضي له بها، ولو ترك المال في يده قضاء له لم ينقض فجعله طريقا للقضاء إنما هو ظاهر باعتبار أن القضاء يقطع النزاع، وهذا يقطعه لان الاتيان بالبينة بعد العجز عنها نادر.
قوله: (ونكول عنه) الفرق بين
النكول والاقرار أن الاقرار موجب للحق بنفسه لا يتوقف على قضاء القاضي، فحين الاقرار يثبت الحق كما ذكرنا، وأما النكول فليس بإقرار صريحا ولا دلالة لكن يصير إقرارا بقضاء القاضي بإنزالة مقرا، وعليه يظهر كونه رابعا.
أما لو أرجعناه إلى الاقرار فلا يظهر كونه رابعا كما في المحيط.
قوله: (وقسامة) قال المصنف: وسيأتي أن القسامة من طرق القضاء بالدية.
قوله: (وعلم قاض على المرجوح) وظاهر ما في جامع الفصولين أن الفتوى أنه لا يقضي بعلمه لفساد قضاة الزمان.
بحر.
قوله: (والسابع قرينة) ذكر ذلك ابن الغرس.
قال في البحر: ولم أره إلى الآن لغيره.
ا ه.
قال بعض الافاضل: صريح قول ابن الغرس فقد قالوا: إنه منقول عنهم، لا أنه قاله من عند نفسه، وعدم رؤية صاحب البحر له لا يقتضي عدم وجوده في كلامهم، والمثبت مقدم.
لكن قال الخير الرملي: ولا شك أن ما زاده ابن الغرس غريب خارج عن الجادة، فلا ينبغي التعويل عليه ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد فلا تغتر به، والله تعالى أعلم.
ا ه.
والحق أن هذا محل تأمل، ولا يظن أن في مثل ذلك يجب عليه القصاص مع أن الانسان قد يقتل(2/45)
نفسه وقد يقتله آخر ويفر.
وقد يكون أراد قتل الخارج فأخذ السكين وأصاب نفسه فأخذها الخارج وفر منه وخرج مذعورا، وقد يكون اتفق دخوله فوجده منقولا فخاف من ذلك وفر، وقد يكون السكين بيد الداخل فأراد قتل الخارج ولم يتخلص منه إلا بالقتل، فصار دفع الصائل، فلينظر التحقيق في هذه المسألة.
والحاصل: أن القضاء في الاقرار مجاز والقسامة داخلة في اليمين وعلم القاضي مرجوح والقرينة مما انفرد بها ابن الغرس فرجعت إلى ثلاث، فتأمل.
لكن في المجلة مادة 1471 قد اعتبر القرينة القاطعة البالغة حد اليقين وصدر الامر السلطاني بالعمل بموجبها.
قوله: (ينبغي) أي تورعا ندبا بدليل قوله تحرزا لان اتقاء الشبهات مندوب لا واجب، وهو عند من يضن بدينه منزلة الواجب خوفا من اليمين الفاجرة التي تدع الديار بلاقع: أي خالية عن أهلها وخوفا من أكل مال الغير، لكن قد يقال: أن التحرز عن الحرام واجب لا مندوب.
تأمل.
قوله: (وإن أبى خصمه) هذه غير مسألة الشك،
وقوله بأن غلب على ظنه أنه محق تقدم أن الشك نظيره.
قوله: (حلف) لجواز بناء الاحكام والحلف على غالب الظن، وإلا سلم أن لا يفعل بذلا للدنيا لحفظ الدين، بل لو تحقق إبطال المدعي الاولى في حقه أن يبذل له ما يدعيه ولا يحلف كما فعله السلف الصالح منهم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
قوله: (بأن غلب على ظنه) ظاهر هذه العبارة مشكل، لانه يقتضي أنه إذا استوى عنده الطرفان أنه يحلف، وليس كذلك، بل لا يجوز له الحلف إلا إذا غلب على ظنه أنه محق، والشارح هنا تبع المصنف في هذه العبارة.
والذي نقله في البحر عن البزازية أن أكبر رأيه أن المدعي محق لا يحلف، وإن مبطل ساغ له الحلف، وهو في غاية الحسن.
قوله: (وتقبل البينة الخ) لامكان التوفيق بالنسيان ثم بالتذكر، بخلاف ما لو قال ليس لي حق ثم ادعى حقا لم تسمع للتناقض.
قوله: (خلافا لما في شرح المجمع) عبارة ابن ملك فيه.
وفي المحيط: إذا قال ليس لي بينة على هذا ثم أقام البينة عليه لا تقبل عند أبي حنيفة لانه كذب بينته، وتقبل عند محمد، لانه يحتمل أنه كان له بينة ونسيها انتهى.
فقد ذكر خلافا في المسألة لكنه لم يتعرض لليمين، ورجح في السراجية قول محمد.
وفي الدرر قال لا بينة لي ثم برهن أولا شهادة ثم شهد، فيه روايتان: في رواية لا تقبل لظاهر التناقض، وفي رواية تقبل، والاصح القبول.
وحينئذ فلا منافاة بين ما ذكره وبين ما في المجمع بل حكى قولين.
تأمل.
لكن الآن قد صدر أمر السلطان نصره الرحمن بالعمل بموجب المجلة من أنه إذا قال المدعي لا بينة لي أبدا ثم أحضر بينة لا تقبل أو قال ليس لي بينة سوى فلان وفلان وأتى بغيرهما لا تقبل كما هو مصرح به في المجلة في مادة 3571.
قوله: (بعد يمين المدعى عليه) لان حكم اليمين انقطاع الخصومة للحال مؤقتا إلى غاية إحضار البينة عند العامة وهو الصحيح.
وقيل انقطاعها مطلقا ط.
وقوله بعد اليمين متعلق بتقبل: أي لو حلف المدعى عليه عند عدم حضور البينة من المدعي سواء قال لا بينة لي أو لا ثم أتى بها تقبل.
قوله:(2/46)
(كما تقبل البينة بعد القضاء بالنكول) أي لو نكل المدعى عليه عن اليمين وقضى عليه بالنكول ثم جاء المدعي بالبينة يقضي بها: أي كما يقضي بها مع الاقرار في مسائل وقد مرت، فإن قيل ما فائدة قبولها بعده، وقد لزم حق المدعي بالقضاء.
قلت: فائدتها التعدي إلى غيره في الرد بالعيب، لان النكول إقرار وهو حجة قاصرة، بخلاف البينة.
قوله: (خانية) قال في البحر: ثم اعلم أن القضاء بالنكول لا يمنع المقضى عليه من إقامة البينة بما يبطله لما في الخانية من باب ما يبطل دعوى المدعي: رجل اشترى من رجل عبدا فوجد به عيبا فخاصم البائع فأنكر البائع أن يكون العيب عنده فاستحلف فنكل فقضى عليه وألزمه العبد ثم قال البائع بعد ذلك قد كنت تبرأت إليه من هذا العيب وأقام البينة قبلت بينته.
ا ه.
أقول: إن كان مبني ما ذكره من القاعدة هو ما نقله عن الخانية ففيه نظر، فإن نكوله عن الحلف بذل أو إقرار بأن العيب عنده، فإقامته البينة بعده على أنه تبرأ إليه من هذا العيب مؤكد لما أقر به في ضمن نكوله، أما لو ادعى عليه مالا ونكل عن اليمين فقضى عليه به يكون إقرارا به وحكما به، فإذا برهن على أنه كان قضاه إياه يكون تناقضا ونقضا للحكم، فبين المسألتين فرق، فكيف تصبح قاعدة كلية، ثم لا يخفى أن كلام البحر في إقامة المقضى عليه البينة، وظاهر كلام الشارح أن المدعي هو الذي أقام البينة كما يدل عليه السياق، فلا يدل عليه ما في الخاني من هذا الوجه أيضا.
وعبارة صاحب البحر في الاشياء: وتسمع الدعوى بعد القضاء بالنكول كما في الخانية.
قال محشيها الحموي في الخانية في باب ما يبطل دعوى المدعي ما يخالف ما ذكره، وعبارته: ادعى عبدا في يد رجل أنه له فجحد المدعى عليه فاستحلفه فنكل وقضى عليه بالنكول ثم إن المقضى عليه أقام البينة أنه كان فاشترى هذا العبد من المدعي قبل دعواه لا تقبل هذه البينة، إلا أن يشهد أن كان اشتراه منه بعد القضاء.
وذكر في موضع آخر أن المدعى عليه لو قال كنت اشتريته منه قبل الخصومة وأقام البينة قبلت بينته ويقضي له انتهى.
قلت: وذكر في البحر في فصل رفع الدعوى عن البزازية: وكان يصح الدفع قبل البرهان يصح بعد إقامته أيضا، وكذا يصح قبل الحكم كما يصح بعده، ودفع الدفع ودفعه وإن كثر صحيح في المختار، وسنذكر تمامه هناك إن شاء الله تعالى.
لكن ذكر في البحر في أول فصل دعوى الخارجين عن النهاية ما نصه: ولو لم يبرهنا حلف صاحب اليد، فإن حلف لهما تترك في يده قضاء ترك لا قضاء استحقاق، حتى لو أقاما البينة بعد ذلك يقضي بها، وإن نكل لهما جميعا يقضي به بينهما نصفين، ثم
بعده إذا أقام صاحب اليد البينة أنه ملكه لا يقبل، وكذا لو ادعى أحد المستحقين على صاحبه وأقام بينة أنها ملكه لا تقبل لكونه صار مقضيا عليه.
ا ه.
ولعله مبني على القول الآخر المقابل للقول المختار.
تأمل.
قوله: (عند العامة وهو الصحيح) راجع إلى القضاء بالبينة بعد اليمين بدليل تعليله بقول سيدنا شريح: إذ لا يمين فاجرة مع النكول وبدليل قوله: ولان اليمين الخ والمراد بالعامة الكافة لا ما قابل الخاصة.
قوله: (ويظهر كذبه) فيعاقب معاقبة شاهد الزور، ولو ألحق بيمينه يمين طلاق أو عتاق يقع(2/47)
عليه.
قوله: (بلا سبب) تقدم أنه لا يصح دعوى إلا بعد ذكر سببه، والحلف لا بد أن يكون بعد صحة الدعوى.
تأمل.
فكيف يقال: لو ادعاه بلا سبب، اللهم إلا أن يقال: إن هذا في دعوى عين لا دين.
قوله: (حتى يحنث في يمينه) أي لو كان بطلاق أو عتاق لانه هو الذي يدخل تحت القضاء.
قوله: (وعليه الفتوى) وهو قول أبي يوسف.
قوله: (طلاق الخانية) وعبارتها: ادعى عليه ألفا فقال المدعى عليه إن كان لك علي ألف فامرأتي طالق، وقال المدعي إن لم يكن لي عليك ألف فامرأتي طالق، فأقام المدعي بينة على حقه وقضى القاضي به وفرق بين المدعى عليه وبين امرأته.
وهذا قول أبي يوسف وإحدى الروايتين عن محمد، وعليه الفتوى.
فإن أقام المدعى عليه البينة بعد ذلك أنه كان أوفاه ألف درهم تقبل دعواه، ويبطل تفريق القاضي بين المدعى عليه، وبين امرأته، وتطلق امرأة المدعي إن زعم أنه لم يكن له على المدعى عليه إلا ألف درهم، وإن أقام المدعي البينة على إقرار المدعى عليه بألف قالوا لم يفرق القاضي بين المدعى عليه وبين امرأته.
أقول: ظهر لك مما نقلناه ومن عبارة الشارح أن عبارة الشارح غير محررة، لان الذي نقله في البحر عن طلاق الخانية والولجية من الحنث مطلق عن التقييد بالسبب وعدمه.
وما في الدرر من عدم الحنث مطلقا جعلوه إحدى الروايتين عن محمد، والذي جعلوا الفتوى عليه هو الرواية الثانية عنه، وهو قول أبي يوسف، والتفصيل المذكور في المتن ذكره في جامع الفصولين، وسنذكر قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (خلافا لاطلاق الدرر) تبعا للتبيين، وعبارتها: وهل يظهر كذب المنكر بإقامة البينة؟ والصواب أنه لا يظهر كذبه حتى لا يعاقب عقاب شاهد الزور ا ه.
ومثله في العيني تبعا
للزيلعي.
وقيل عند أبي يوسف: يظهر كذبه، وعند محمد لا يظهر لجواز أن يكون له بينة أو شهادة فنسيها ثم ذكرها، أو كان لا يعلمها ثم علمها.
وقيل: تقبل إن وفق وفاقا.
ذكره في الملتقط.
وكذا إذا قال لا دفع لي ثم أتى بدفع ففيه روايتان.
وقيل: تقبل إن وفق وفاقا.
ذكره في الملتقط.
وكذا إذا قال لا دفع لي ثم أتى بدفع ففيه روايتان.
وقيل: لا يصح دفعه اتفاقا لان معناه ليس لي دعوى الدفع، ومن قال لا دعوى لي قبل فلان ثم ادعى عليه لا تسمع، كذا ها هنا.
وبعضهم قال: يصح وهو الاصح، لان الدفع يحصل بالبينة على دعوى الدفع لا بدعوى الدفع فيكون قوله لا دفع لي بمنزلة قوله لا بينة لي.
كذا في العمادية.
قوله: (وإن ادعاه بسبب) كقرض.
قوله: (أنه لا دين عليه) ظاهره أنه لو حلف أنه لم يقرضه يحنث وهو ظاهر ط.
قوله: (ثم أقامها المدعي) سيعيد الشارح المسألة في أثناء هذا الباب.
قوله: (ثم وجد الابراء أو الايفاء) بحث فيه العلامة المقدسي بأن الاصل في الثابت أن يبقى على ثبوته، وقد حكمتهم لمن شهد له بشئ أنه كان له أن الاصل بقاؤه، وإذا وجد السبب ثبت والاصل بقاؤه انتهى.
وأجاب عنه سيدي الوالد رحمه الله تعالى بأن إثبات كون الشئ له يفيد ملكيته له في الزمن السابق، واستصحاب هذا الثابت يصلح لدفع من يعارضه في الملكية بعد ثبوتها له، وقد قالوا: الاستصحاب يصلح للدفع لا للاثبات، وإذا أثبتنا الحنث بكون الاصل بقاء القرض يكون من الاثبات بالاستصحاب وهو لا يجوز، فالفرق ظاهر.
فتأمل.
قوله: (وعليه الفتوى) أي على التفصيل الذي في المصنف، ومقابله إطلاق الدرر تبعا للزيلعي، بل هو الذي عن إطلاق الخانية كما يفيده سياق المنح،(2/48)
ويستغني بعبارته هنا عن قوله أولا وعليه الفتوى.
طلاق الخانية ط.
قوله: (فصولين) قال في البحر وفي الجامع: والفتوى في مسألة الدين أنه لو ادعاه بلا سبب فحلف ثم برهن ظهر كذبه، ولو ادعاه بسبب وحلف أنه لا دين عليه ثم برهن على السبب لا يظهر كذبه، لجواز أنه وجد القرض ثم وجد الابراء أو الايفاء ا ه.
فإن قلت: هل يقضي بالنكول عن اليمين لنفي التهمة كالامين إذا ادعى الرد أو الهلاك فحلف
ونكل عن اليمين التي للاحتياط في مال الميت كما قدمناه؟.
قلت: أما الاول فنعم كما في القنية، وأما الثاني فلم أره إ ه.
وعبارة البحر: قال الرملي: والوجه يقتضي القضاء بالنكول فيها أيضا، إذ فائدة الاستحلاف القضاء بالنكول كما هو ظاهر.
تأمل.
قال في نور العين: حلف أن لادين عليه ثم برهن عليه المدعي، فعند محمد لا يظهر كذبة في يمنه إذ البينة حجة من حيث الظاهر، وعند أبي يوسف يظهر كذبه فيحنث.
والفتوى في مسألة الدين: أنه لو ادعاه بلا سبب فحلف ثم برهن عليه يظهر كذبه، ولو ادعاه بسبب وحلف أن لا دين عليه ثم برهن على السبب لا يظهر كذبه، لجواز أن وجد القرض ثم وجد الايفاء أو الابراء.
قلت: حلف بطرق أو عتق ماله عليه شئ فشهدا عليه بدين له وألزمه القاضي وهو ينكر.
قال أبو يوسف: يحنث، وقال محمد: لا يحنث لانه لا يدري لعله صادق، والبينة حجة من حيث الظاهر فلا يظهر كذبه في يمينه.
ذكر محمد في ح قال: امرأته طالق إن كان لفلان عليه شئ فشهدا أن فلانا أقرضه كذا قبل يمينه وحكم بالمال لم يحنث، ولو شهدا أن لفلان عليه شيئا وحكم به حنث لانه جعل شرط حنثه وجوب شئ من المال عليه، وقت اليمين وحين شهدا بالقرض لم يظهر كون المال عليه وقت الحلف، بخلاف ما لو شهدا أن المال عليه.
يقول الحقير: قوله بخلاف ما لو شهدا محل نظر، إذ كيف يظهر كون المال عليه إذا شهدا بأن المال عليه بعد أن مر آنفا أن البينة حجة ظاهرا، فلا يظهر كذبه في يمينه، وأيضا يرد عليه أن يقال فعلى ما ذكر، ثم ينبغي أن يحنث في مسألة الحلف بطلاق أو عتق أيضا، إذ لا شك أن الحلف عليهما لا يكون إلا بطريق الشرط أيضا.
والحاصل: أنه ينبغي أن يتحد حكم المسألتين نفيا أو إثباتا، والفرق تحكم فالعجب كل العجب من التناقض بين كلامي محمد رحمه الله تعالى مع أنه إمام ذوي الادب والارب إلا أن تكون إحدى الروايتين عنه غير صحيحة إ ه.
ما قاله في أواخر الخامس عشر.
قوله: (ولا تحليف في نكاح) أي مجرد عن المال عند الامام رحمه الله تعالى بأن ادعى رجل على امرأة أو هي عليه نكاحا والاخر ينكر، ما إذا
ادعت المرأة تزوجها على كذا وادعت النفقة وأنكر الزوج يستحلف اتفاقا.
وهذه المسائل خلافية بين الامام وصاحبيه، والخرف بينهم مبني على تفسير الانكار فقالا: إن النكول إقرار لانه يدل على كونه كاذبا في الانكار فكان إقرار أو بدلا عنه، والاقرار يجري في هذه الاشياء.
وقال الامام: إنه بذل والبدل لا يجري في هذه الاشياء لانه إنما يجري في الاعيان.
وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول، فلا يستحلف.
وأنما قلنا: إن البدل لا يجري في هذه المسائل، لانها لو قالت المرأة: لا نكاح بيني وبينك(2/49)
ولكن بذلت نفسي لك لم يصح، ولو قال في دعوى الولاء عليه: لست أنا مولاه بل أنا حر أو معتق فلان آخر ولكن أبحت له ولائي لا يكون له عليه ولاء، وكذا سائر الامثلة.
وسيأتي بيانه قريبا بأوضح من هذا.
وصورة الاستحلاف في النكاح على قولهما أن يقول في يمينه: ما هي بزوجة لي، وإن كانت زوجة لي فهي طالق بائن، لانها إن كانت صادقة لا يبطل النكاح بجحوده، فإذا حلف تبقى معطلة إن لم يقل ما ذكر، ولا يلزمه مهر، فإن أبى الحلف على هذه الصورة أجبره القاضي.
بحر عن البدائع.
وسيأتي أنه بالنكول عن الحلف يثبت ما ادعته من الصداق أو النفقة دون النكاح.
فإن كان مدعي النكاح وهو الزوج لم يجز له تزوج أختها أو أربع سواها ما لم يطلقها وإن كانت الزوجة وأنكره الزوج فليس لها التزوج بسواه، والمخلص لهاما ذكرناه إن كانت زوجة لي الخ.
وفي القنية: يستحلف في دعوى الاقرار بالنكاح.
قال في البحر: وظاهره أنه باتفاق إ ه.
أقول: وهذا إذا لم يجعل الاقرار سببا لدعوى النكاح بأن ادعى أنها زوجته لانها أقرت بالزوجية لي، أما لو ادعى نكاحها وأنها أقرت له به فإنها تسمع.
قال في الهندية وكما لا تصح دعوى المال بسبب الاقرار لا تصح دعوى النكاح أيضا.
قوله: (أنكره هو أو هي) قال في البحر: ثم الدعوى في هذه الاشياء تتصور من أحد الخصمين أيهما كان، إلا في الحد واللعان والاستيلاد، وقد فرعوا فروعا على قول الامام في هذه المسائل محل بيانها المطولات.
قوله: (بعدة عدة) قيد للثاني كما في الدرر، أما قبل مضي العدة يثبت بقوله وإن كذبته، لانه أمر يملك استئنافه للحال، ولو ادعتها هي فيها فهي من مواضع الخلاف، ولو ادعاها بعد مضيها وصدقته ثبت بتصادقهما.
بحر.
ولو كذبته ولا بينة فعلى
قوليهما يحلف لا على قوله، وهي مسألة المتن، وكذا لو ادعت أنه راجعها وكذبها.
قوله: (وفي إيلاء) زاد الشارح لفظة إيلاء لتوضيح المسألة، وإلا فالفئ لا يستعمل في عرف الفقهاء إلا في الايلاء، فهو بمنزلة الحقيقة العرفية.
قوله: (بعد المدة) لو فيها ثبت بقوله لانه يملك الاستئناف لو كان المدعي الزوج ولو كانت هي فهي من مواضع الخلاف.
وصورة المسألة: لو حلف لا يقر بها أربعة أشهر ثم قال: فئت وأنكرت، فلو ادعاه في مدة الايلاء ثبت بقوله، لان من ملك الانشاء مالك الاقرار، ولو بعد مضيها فإن صدقته ثبت، وإلا لا، أما لو ادعت أنه فاء إليها وأنكر الزوج فلا يثبت سواء كانت في المدة أو بعدها.
والحاصل: أن التقييد به لا يظهر إلا فيما إذا ادعى عليها رجعة فأنكرت، لانه إذا ادعى في العدة الرجعة كان رجعة، وأما إذا ادعت هي الرجعة فأنكر فلا لان دعواها في العدة وبعدها سواء.
قوله: (تدعيه الامة) بأنها ولدت منه ولدا وقد مات أو أسقطت سقطا مستبين الخلق وصارت أم ولد وأنكره المولى فهو على هذا الخلاف.
ابن كمال.
قوله: (لثبوته بإقرار) ولا يعتبر إنكارها وكذا الحد واللعان، بخلاف سائر الاشياء المذكورة إذ يتأتى فيها الدعوى من الجانبين.
شيخنا عن الدرر وعزمي زاده.
وقوله وكذا الحد واللعان: أي لا يتصور أن يكون المدعي إلا المقذوف والامة: أي المقذوف بالنسبة للحد واللعان والامة بالنسبة للاستيلاد، فما في الزيلعي من قوله والمولى سبق قلم، والصواب والامة.
بقي أن يقال: ظاهر كلام الشارح كغيره أنها ادعت الاستيلاد مجردا عن دعوى اعترافه، والذي(2/50)
في صدر الشريعة ادعت أنها ولدت منه هذا الولد وادعاه: أي ادعت أنه ادعاه فهو من تتمة كلامها كما ذكره أخي جلبي.
والذي يظهر أن التقييد به ليس احترازيا، بل يبتني على ما هو المشهور من أنه يشترط لثبوت نسب ولد الامة وجود الدعوى من السيد، وعلى غير المشهور لا يشترط ذلك، بل يكفي عدم نفيه.
وكذا ظاهر كلامهم ادعت أمة يفيد الاحتراز عن دعوى الزوجه، ويخالفه قول القهستاني بعد قول المتن واستيلاد بأن ادعى أحد من الامة والمولى والزوجة والزوج أنها ولدت منه ولدا حيا أو ميتا
كما في قاضيخان.
ولكن في المشاهير أن دعوى الزوج والمولى لا تتصور، لان النسب يثبت بإقراره، ولا عبرة لانكارها بعده، ويمكن أن يقال: إنه بحسب الظاهر لم يدع النسب كما يدل عليه تصويرهم.
ا ه.
أبو السعود.
قال البرجندي: ويمكن تصوير العكس فيه أيضا بأن حبلت من المولى فأعتقها قبل وضع الحمل وبعد قرب الولادة قتلت الولد، وادعى المولى دية الولد عليها، ولا بد من ثبوت الولد فأنكرت الامة ذلك ا ه.
وفيه تأمل.
قوله: (ونسب) قال في المنظومة وولاد قال في الحقائق: لم يقل ونسب لانه إنما يستحلف في النسب المجرد عندهما إذا كان يثبت بإقراره كالاب والابن في حق الرجل والاب في حق المرأة.
ابن كمال.
قوله: (وبالعكس) بأن ادعى مجهول الحال على رجل أنه مولاه وأنكر المولى أو ادعى مجهول الحال عليه أنه أبوه، وهذا في دعوى نسب مجرد عن المال، أما إذا ادعى مالا بدعوى النسب بأن ادعى رجل على رجل أنه أخوه وقد مات الاب وترك مالا في يد هذا، وطلب الميراث أو ادعى على رجل أنه أخوه لابيه وطلب من القاضي أن يفرض له النفقة، وأنكر المدعى عليه ذلك فالقاضي يحلفه اتفاقا، فإن نكل ثبت الحق، ولا يثبت النسب إن كان مما لا يثبت بالاقرار، وإن كان منه فعلى الخلاف المذكور، وحينئذ فيلغز: أي شخص أخذ الارث ولم يثبت نسبه.
ط عن الحموي بزيادة: وفيه عن الاتقاني: يثبت الاستحلاف عند أبي يوسف ومحمد في النسب المجرد بدون دعوى حق آخر، ولكن يشترط أن يثبت النسب بإقرار المقر: أي يكون النسب بحيث يثبت بالاقرار.
أما إذا كان بحيث لا يثبت النسب بإقرار المقر فلا يجري الاستحلاف في النسب المجرد عندهما أيضا، بيانه أن إقرار الرجل يصح بخمسة بالوالدين والولد والزوجة والمولى، لانه إقرار بما يلزمه وليس فيه تحميل النسب على الغير، ولا يصح إقراره بما سواهم، ويصح إقرار المرأة بأربعة بالوالدين والزوج والمولى ولا يصح بالولد ومن سوى هؤلاء، لان فيه تحميل النسب على الغير، إلا إذا صدقها الزوج في إقرارها بالولد أو تشهد بولادة الولد قابلة.
قوله: (وولاء عتاقة) أي بأن ادعى على معروف الرق أنه معتقه أو مولاه.
قوله: (أو موالاة) أي ادعى عليه أنه مولاه.
قوله: (ادعاه الاعلى أو الاسفل) بأن ادعى على رجل معروف أنه مولاه أو ادعى المعروف ذلك وأنكر الآخر.
قال أبو السعود: وأشار إلى عدم الفرق في دعوى الولاء بين المعروف والمجهول، بخلاف دعوى الرق والنسب فإن مجهولية نسب المدعي على
رقه، ونسبه شرط صحة الدعوى شيخنا.
قلت: ولهذا قال الشمني في جانب دعوى الولاء بأن ادعى رجل على آخر بأن له عليه ولاء عتاقة أو موالاة أو العكس.
ا ه.
ولم يقيد بالمجهول.
قوله: (وحد ولعان) هذان مما لا يحلف فيهما اتفاقا، أما على قول الامام فظاهر، وأما على قولهما فإن النكول وإن كان إقرارا عندهما لكنه إقرار فيه شبهة، والحدود تندرئ بالشبهات واللعان في معنى الحد ط.
قوله: (والفتوى الخ) هو قول(2/51)
الصاحبين.
قال الزيلعي: وهو قولهما، والاول قول الامام.
قال الرملي: ويقضي عليه بالنكول عندهما.
قوله: (في الاشياء السبعة) أي السبعة الاولى من التسعة، وعبر عنها في جامع الفصولين بالاشياء السبعة.
وفيه ادعى نكاحها، فحيلة دفع اليمين عنها على قولهما أن تتزوج فلا تحلف، لانها لو نكلت فلا يحكم عليها، لانها لو أقرت بعد ما تزوجت لم يجز إقرارها.
وكذا لو أقرت بنكاح لغائب: قيل يصح إقرارها لكن يبطل بالتكذيب، ويندفع عنها اليمين، وقيل لا يصح إقرارها فلا يندفع عنها اليمين.
ا ه.
وفي الولوالجية: رجل تزوج امرأة بشهادة شاهدين ثم أنكرت وتزوجت بآخر وما شهود الاول ليس للزوج الاول أن يخاصمها لانها للتحليف، والمقصود منه النكول، ولو أقرت صريحا لم يجز إقرارها، لكن يخاصم الزوج الثاني ويحلفه، فإن حلف برئ وإن نكل فله أن يخاصمها ويحلفها، فإن نكلت يقضي بها للمدعي، وهذا الجواب على قولهما المفتى به.
ا ه.
قوله: (بالنسب) نظرا إلى دعوى الامة.
قوله: (أو الرق) نظرا إلى إنكار المولى.
قوله: (حد قذف ولعان) بأن ادعت المرأة على زوجها أنه قذفها بالزنا وعليك اللعان وهو منكر، وفي الحد بأن ادعى على آخر بأنك قد قذفتني بالزنا عليك الحد وهو ينكر، وهاتان الصورتان مما لا يمكن تصويرهما إلا من جانب واحد كما تقدم.
قوله: (في الكل) لان هذه حقوق تثبت بالشبهات فيجري فيها الاستحلاف كالاموال، واختار المتأخرون أنه إن كان المنكر متعنتا يستحلف أخذا بقولهما، وإن كان مظلوما لا يستحلف أخذا بقول الامام زيلعي.
صورة الاستحلاف على قولهما كما تقدم: ما هي بزوجة لي، وإن كانت زوجة لي فهي طالق بائن إلى آخر ما قدمناه.
وقال بعضهم: يستحلف على النكاح، فإن حلف يقول القاضي فرقت بينكما كما في
البدائع قوله: (فلا يمين إجماعا) يرد عليه ما في البدائع من قوله: وأما في دعوى القذف إذا حلف على ظاهر الرواية فنكل يقضي بالحد في ظاهر الاقاويل، لانه بمنزلة القصاص في الطرف عند أبي حنيفة، وعندهما بمنزلة النفس.
وقال بعضهم: بمنزلة سائر الحدود لا يقضي فيه بشئ ولا يحلف.
وقيل يحلف ويقضي فيه بالتعزير دون الحد كما في السرقة يحلف ويقضي بالمال دون القطع.
شرنبلالية.
قوله: (إلا إذا تضمن) أي دعوى الحد حقا: أي حق عبد.
قوله: (بأن علق) كأن قال: إن زنيت فعبدي حر فادعى العبد زناه وأنكر حقا: أي حق عبد.
قوله: (فللعبد تحليفه) أي على السبب بالله ما زنيت بعدما حلفت بعتق عبدك هذا.
بحر.
قال العلامة سعدي: وينبغي أن يقول العبد أنه قد أتى بما علق عيه عتقي ولا يقول زنى كيلا يكون قاذفا إ ه.
قال الرحمتي ولا حد على العبد لانه غير قاصد القذف وإنما يريد إثبات عتقه.
قوله: (وكذا يستخلف السارف لاجل المال) يعني كما أن مولى العبد يستحلف على الزنا لاجل عتق العبد لا لاقامة الحد.
كذا يستحلف السارق لاجل المال لا للقطع.
قال ط: هو من جملة المستثني، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يستخلف في شئ من الحدود، لا في الزنا ولا في السرقة ولا القذف ولا شرب الخمر ولا السكر، إلا إن طالب المسروق منه بضمان المال استحلفه، فإن نكل على اليمين ضمنه المال ولم يقطعه، وذلك لان الدعوى تتضمن أمرين: الضمان، والقطع، والضمان لا يستوفي النكول فوجب إثبات أحدهما وإسقاط الآخر إ ه.
وكذا يحلف في النكاح إن ادعت المال: أي(2/52)
إن ادعت المرأة النكاح وغرضها المال كالمهر والنفقة فأنكر الزوج يحلف، فإن نكل يلزم المال ولا يثبت الحل عنده، لان المال يثبت بالبذل لا الحل.
وفي النسب: إذا ادعى حقا مالا كان كالارث والنفقة أو غير مال كحق الحضانة في اللقيط والعتق بسبب الملك وامتناع الرجوع في الهبة: فإن نكل ثبت الحق، ولا يثبت النسب إن كان مما لا يثبت بالاقرار، وإن كان منه فعلى الخلاف المذكور، وكذا منكر القود الخ.
ابن كمال.
وإنكار القود سيذكره المصنف.
وفي صدر الشريعة فيلغز: أما امرأة تأخذ نفقة غير معتدة ولا حائضة ولا نفساء ولا يحل وطؤها، وفيه يلغز اللغز المتقدم.
والحاصل: أن هذه الاشياء لا تحليف فيها عند الامام ما لم يدع معها مالا فإنه يحلف وفاقا.
قوله: (لاجل المال) أي بطلب المسروق منه، فلو لن يطلب المال لا يحلف لان اليمين لا تلزم إلا بطلب الخصم.
قوله: (فإن نكل ضمن ولم يقطع) اعترض بأنه ينبغي أن يصح قطعه عند أبي حنيفة، لانه بدل كما في قود الطرف.
والحاصل: أن النكول في قطع الطرف النكول في السرقة ينبغي أن يتحدا في إيجاب القطع، وعدمه، ويمكن الجواب بأن قود الطرف حق العبد فيثبت بالشبهة كالاموال، بخلاف القطع في السرقة فإنه خالص حق الله تعالى، وهو لا يثبت بالشبهة فظهر الفرق، فليتأمل.
يعقوبية.
قوله: (وقالوا يستحلف في التعزير).
لانه محض حق العبد، ولهذا يملك العبد بإسقاطه بالعفو وحقوق العباد مبنية على المشاحة لا تسقط بالشبهة، فلو كان التعزير لمحض حق الله تعالى كما لو ادعى عليه أنه قبل امرأة برضاها: فإنه إذا أثبت عليه ذلك بالبينة يعزران، وإذا أنكر ينبغي أن لا يستحلفا.
قوله: (كما بسطه في الدرر) ونصه: ويحلف في التعزير: يعني إذا ادعى على آخر ما يوجب التعزير، وأراد تحليفه إذا أنكر فالقاضي يحلفه، لان التعزير محض حق العبد ولهذا يملك العبد إسقاطه بالعفو ولا يمنع الصغر وجوبه، ومن عليه التعزير إذا أمكن صاحب الحق منه أقامه، لو كان حق الله تعالى لكانت هذه الاحكام على عكس هذا، والاستحلاف يجري في حقوق العباد سواء كانت عقوبة أو مالا إ ه.
وتعليله هنا: بأن التعزير محض حق العبد مخالف لما سبق له في فصل التعزير أن حق العبد غالب فيه، ولهذا قال عزمي زاده: بين كلامه تدفع إ ه.
قلت: لا يخلو حق العبد من حق الله فلا يستقل عبد بحق، لان الذي جعله حقه هو الحق تعالى الآمر الناهي، فكلامه الثاني مؤول بالاول.
قوله: (وفي الفصول) قدمنا هذه المسألة قريبا بأوضح مما هنا مع فروع أخر.
قوله: (فحيلة دفع يمينها) أي على قولهما.
قوله: (أن تتزوج) أي بآخر.
قوله: (فلا تحلف) لانها لو نكلت لا يحكم عليها ولو أقرت بعدما تزوجت لم يجز إقرارها، وكذا لو أقرت بنكاح غائب فإنه يصح إقرارها على أحد قولين، ولكن يبطل بالتكذيب وتندفع عنها اليمين.
قال بعض الافاضل: هذه الحيلة ظاهرة لو تزوجته، أما لو تزوجت غيره فالظاهر عدم صحة العقد إلا إذا حلفت نعم لو تزوجت قبل الرفع إلى القاضي ربما يظهر.
ا ه.
تأمل.
قوله: (في إحدى وثلاثين مسألة)(2/53)
تقدمت في الوقف وذكرها في البحر هنا.
قوله: (في الاستحلاف) يعني يجوز أن يكون شخص نائبا عن آخر له حق على غيره في طلب اليمين على المدعى عليه إذا عجز عن إقامة البينة، فالسين والتاء في قوله الاستحلاف للطلب كما يفيده كلامه بعد، وهذا الذي ذكره المصنف ضابط كلي، أفاده عماد الدين في فصوله في مواضع إجمالا تارة وتفصيلا أخرى في الفصل السادس عشر، والمصنف لخصه كما نرى.
وابن قاضي سماوة لخصه في جامع الفصولين أخصر منه كما هو دأبه، وهذا من المسائل التي أوردها المصنف في كتابه، ولم يؤت بها في المتون المشهور سوى الغرر، وليس في كلامه ما يخالف الاصل إلا في تعميم الشارح ضمير إقرار ففيه نوع حزازة، لان كلا من الوصي ومن بعده ليسوا كالوكيل في صحة إقرارهم تارة وعدمها أخرى، وأيضا ليس الوكيل مطلقا كذلك كما أفاده التقييد.
فلو قال: إلا إذا كان الوكيل وكيلا بالبيع أو الخصومة في الرد بالعيب لصحة إقراره بدل قوله: أو صح إقراره الخ لكان سالما، ثم إنه لا يلزم من عدم التحليف عدم سماع الدعوى، بل يجعل كل منهم خصما في حق سماع الدعوى وإقامة البينة عليه من غير استحلاف كما في العمادية.
قوله: (لا الحلف) يعني لا يجوز أن يكون شخص نائبا عن شخص توجه عليه اليمين ليحلف من قبله، ويخالفه ما يأتي عن شرح الوهبانية من أن الاخرس الاصم الاعمى يحلف وليه عنه، وهو المستثنى من الضابط المذكور كما صرح به العلامة أبو السعود.
قوله: (وفرع على الاول) الاولى إسقاطه وأن يقول: وفرع عليهما باعتبار المعطوف والمعطوف عليه، فعلى الاول قوله فالوكيل الخ وعلى الثاني قوله فلا يحلف أحد منهم.
قوله: (فله طلب) أي ظاهرا، وإلا ففي الحقيقة خصمه الاصيل.
قوله: (ولا يحلف) لو قال: وفرع على الثاني بقوله ولا يحلف الخ لكان أسبك.
قوله: (أحد منهم) أشار بذلك إلى جواب ما يرد على قوله يملك الاستحلاف حيث وقع خبرا عن قوله فالوكيل الخ حيث وقع خبرا عن المبتدأ وما عطف عليه، وهو جملة فيجب اشتماله على ضمير مطابق، فيقال: يملكون ولا يحلفون، فأجاب بأنه مؤول: أي يملك كل واحد منهم الاستحلاف ولا يحلف، وكما يصح التأويل في الخبر يصح في المبتدأ، والسر في أنه يملك الاستحلاف، ولا يحلف أحد منهم، وذلك أن الوكيل
وما عطف عليه لما كان له الطلب وقد عجز عن البينة فيحلف خصمه، إذ لا مانع من ذلك.
وأما إذا ادعى عليهم فإن الحلف يقصد به النكول ليقضي به، والنكول إقرار أو بذل كما علم، ولا يملك واحد منهم الاقرار على الاصيل ولا بذل ماله وهو نائب في الدعوى قد يعلم حقيقتها وقد لا يعلم، فكيف يحلف على ما لا علم له به؟ تأمل.
قوله: (إلا إذا ادعى عليه العقد) أي عقد بيع أو شراء أو إجارة، لانه يكون حينئذ أصلا في الحقوق فتكون اليمين متجهة عليه لا على الاصيل، فلا نيابة في الحلف فالاستثناء منقطع، وهو شامل للاربعة.
والمراد بالعقد ما ذكر، أما عقد النكاح فغير مراد هنا لان الشارح قدم أنه لا تحليف في تزويج البنت صغيرة أو كبيرة، وعندهما: يستحلف الاب الصغير.
تأمل.
أفاده الخير الرملي.
قوله: (أو صح إقراره) مختص بالوكيل فقط كما أشار إليه بقوله كالوكيل الخ.
قوله: (فيستحلف) الاولى في المقابلة فيحلف.
قوله: (حينئذ) لا حاجة إليه.
قوله: (كالوكيل بالبيع) هو داخل تحت قوله إذا ادعى عليه العقد فكان الاول مغنيا عنه.
تأمل.
نعم كان الاولى بهذا(2/54)
الوكيل بالخصومة، فإنه يصح إقراره على الموكل، فكان ينبغي أن يستحلف على مقتضى قوله أو صح إقراره وليس كذلك.
بقي هل يستحلف على العلم أو على البتات؟ ذكر في الفصل السادس والعشرين من نور العين: أنه الوصي إذا باع شيئا من التركة فادعى المشتري أنه معيب فإنه يحلف على البتات، بخلاف الوكيل فإنه يحلف على عدم العلم.
ا ه.
فتأمله.
والحاصل: أن كل من يصح إقراره كالوكيل يصح استحلافه، بخلاف من لا يصح إقراره كالوصي.
قوله: (فإن إقراره صحيح) لم يبين إقراره بأي شئ.
وليحرر.
ط.
أقول: الظاهر أن إقراره فيما هو من حقوق العقد كالاقرار بعيب أو أجل أو خيار للمشتري.
قوله: (إلا في ثلاث ذكرها) هي الوكيل بالشراء إذا وجد بالمشتري عيبا فأراد أن يرده بالعيب وأراد البائع أن يحلفه بالله ما يعلم أن الموكل رضي بالعيب لا يحلف، فإن أقر الوكيل لزمه ذلك ويبطل حق الرد.
الثانية: لو ادعى على الآمر رضاه لا يحلف، وإن أقر لزمه.
الثالثة: الوكيل بقبض الدين إذا ادعى المديون أن الموكل أبرأه عن الدين وطلب يمين الوكيل على العلم لا يحلف وإن أقر به لزمه.
ا ه.
منح قوله: (والصواب في أربع وثلاثين) أي بضم الثلاثة إلى ما في الخانية، لكن الاوى منها مذكورة في الخانية.
قوله: (لابن المصنف) وهو الشيخ شرف الدين عبد القادر وهو صاحب تنوير البصائر وأخوه الشيخ صالح صاحب الزواهر.
قوله: (ولولا خشية التطويل لاوردتها كلها) هذه ونظائرها تقتضي أنه لم يقدمها وأخواتها قبيل البيوع، مع أن ذكرها هناك لا مناسبة له، وهو مفقود في بعض النسخ الصحيحة، ولعل الشارح جمعها في ذلك المحل بعد تتميم الكتاب وبلغت هناك إحدى وستين مسألة.
مسائل الخانية إحدى وثلاثون، ومسائل الخلاصة ثلاث، ومسائل البحر ستة، وزيادة تنوير البصائر أربعة عشر، وزيادة زواهر الجواهر سبعة، وزاد عليها سيدي الوالد رحمه الله تعالى ثمان مسائل من جامع الفصولين فصارت تسعة وستين، فراجعها ثمة إن شئت في آخر كتاب الوقف قبيل البيوع.
قوله: (أي القطع) في بعض كتب الفقه البت بدل البتات وهو أولى.
وقد ذكر في القاموس أن البت: القطع، وأن البتات: الزاد والجهاز ومتاع البيت، والجميع أبتة ط.
قوله: (بأنه ليس كذلك) هذا في النفي أو أنه كذلك في الاثبات.
قوله: (على العلم) أي على نفيه.
قوله: (لعدم علمه بما فعل غير ظاهرا) فلو حلف على البتات لامتنع عن اليمين مع كونه صادقا فيتضرر به، فطولب بالعلم فإذا لم يقبل مع الامكان صار باذلا أو مقرا، وهذا أصل مقرر عند أئمتنا.
درر.
قوله: (يتصل به) أي يتعلق حكمه به بحيث يعود إلى فعله.
قوله: (أو إباقه) ليس المراد بالاباق الذي يدعيه المشتري الاباق الكائن(2/55)
عنده، إذ لو أقر به البائع لا يلزمه شئ، لان الاباق من العيوب التي لا بد فيها من المعاودة، بأن يثبت وجوده عند البائع ثم عند المشتري كلاهما في صغره أو كبره على ما سبق في محله.
أبو السعود.
وفي الحواشي السعدية قوله: يحلف على البتات بالله ما أبق.
أقول: الظاهر أنه يحلف على الحاصل بالله ما عليك حق الرد، فإن في الحلف على السبب يتضرر البائع أو قد يبرأ المشتري عن العيب.
قوله: (وأثبت ذلك) أي على ما سبق في محله من وجوده عند البائع ثم عند المشتري الخ.
قوله: (يحلف البائع على البتات) يعني أن مشتري العبد إذا ادعى أنه سارق أو آبق وأثبت إباقه أو سرقته في يد نفسه وادعى أنه أبق أو سرق في يد البائع وأراد التحليف
يحلف البائع بالله ما أبق بالله ما سرق في يدك، وهذا تحليف على فعل الغير.
درر.
قوله: (فرجع إلى فعل نفسه) وهو تسليمه سليما.
قوله: (لانها آكد) أي لان يمين البتات آكد من يمين العلم حيث جزم في الاولى، ولم يجزم في الثانية، مع أن في الاولى إنما حلف على علمه أيضا، إذ غلبة الظن تبيح له الحلف، لكنه إذا جزم بها كانت آكد صورة.
قوله: (ولذا تعتبر مطلقا) أي في فعل نفسه وفعل غيره، فلو حلف على البتات في فعل غيره أجزأه بالاولى لانه قد أتى بالآكد.
قوله: (بخلاف العكس) يعني أن يمين العلم لا تكفي في فعل نفسه ح.
قال في البحر: ثم في كل موضع وجبت فيه اليمين على العلم فحلف على البتات كفى وسقطت عنه، وعلى عكسه لا، ولا يقضي بنكوله عما ليس واجبا عليه.
ا ه.
قال في الدرر: واعلم أن في كل موضع اليمين فيه على البتات فحلف على العلم لا يكون معتبرا حتى لا يقضى عليه بالنكول ولا يسقط اليمين عنه، وفي كل موضع وجب اليمين فيه على العلم فحلف على البتات يعتبر اليمين حتى يسقط اليمين عنه، ويقضي عليه إذا نكل لان الحلف على البتات آكد فيعتبر مطلقا، بخلاف العكس.
ذكره الزيلعي.
ا ه.
واستشكل الثاني العمادي.
قال الرملي: وجه الاشكال أنه كيف يقضي عليه مع أنه غير مكلف إلى البت ويزول الاشكال بأنه مسقط لليمين الواجبة عليه، فاعتبر فيكون قضاء بعد نكول عن يمين مسقطة للحلف عنه، بخلاف عكسه، ولهذا يحلف فيه ثانيا لعدم سقوط الحلف عنه بها، فنكوله عنه لعدم اعتباره والاجتزاء به فلا يقضي عليه بسبب.
تأمل.
أقول: يشكل قول الرملي بأنه يزول الاشكال الخ، مع أنه لا يزول بذلك بعد قول البحر: ولا يقضي بنكوله عما ليس واجبا عليه.
تأمل.
واستشكل في السعدية الفرع الاول بأنه ليس كما ينبغي، بل اللائق أن يقضي بالنكول، فإنه إذا نكل عن الحلف على العلم ففي البتات أولى.
وأجاب عنه: بالمنع لانه يجوز أن يكون نكوله لعلمه بعدم فائدة اليمين على العلم، فلا يحلف حذرا عن التكرار، وهو بمعنى ما ذكره الرملي، واستشكل الثاني أيضا بأنه محل تأمل، فإنه إذا لم يجب عليه كيف يقضي عليه إذا نكل، ولم يجب عنه بجواب، واستشكله الخادمي أيضا بأن البتات أعم تحققا من العلم، ويعتبر في اليمين انتفاؤهما وانتفاء الاعم أخص من انتفاء الاخص، فكيف يقضي بالنكول
عن البتات في موضع يجب عليه الحلف على العلم، فإنه بعد هذا النكول يحتمل أن يحلف على العلم.
ا(2/56)
ه.
قال الفاضل يعقوب باشا بعد نقله عن النهاية: وفيه كلام، وهو أن الظاهر عدم الحكم بالنكول لعدم وجوب اليمين على البتات كما لا يخفى، فتأمل.
ا ه.
قال عزمي زاده: وفي هذا المقام كلام.
ا ه.
فليراجع.
فرع: مما يحلف فيه على العلم ما إذا قال في حال مرضه ليس لي شئ في الدنيا ثم مات عن زوجة وبنت ورثة فللورثة أن يحلفوا زوجته وابنته على أنهما لا يعلمان بشئ من تركة المتوفي بطريقه ا ه.
بحر عن القنية.
قوله: (عنه) أي عن الزيلعي.
قوله: (هذا إذا قال المنكر أيضا) حكى هذا القهستاني بقيل.
قوله: (كمودع إلخ) صورته: قال رب الوديعة أودعتك كذا فرده علي فقال المودع سلمته إليك فالقول للمودع، لانه ينفي الضمان عن نفسه ويمينه على البتات بأن يقول: والله سلمته إليك، إذ معناه النفي وهو أنك لا تستحق عندي شيئا، ومثله وكيل البيع إذا ادعى قبض الموكل الثمن، وكما لو قال إن لم يدخل فلان اليوم الدار فامرأته طالق ثم قال إنه دخل يحلف على البتات بالله أنه دخل اليوم مع أنه فعل الغير لكونه ادعى علما بذلك.
أفاده في البحر.
قوله: (سبق الشراء) أي من عمرو ومثلا.
قوله: (وهو بكر) صوابه: وهو زيد لان بكرا هو المدعي، والذي يحلف زيد المدعى عليه وكأنه جعله تفسيرا للهاء في خصمه، فيكون المعنى وهو خصم بكر وخصم بكر هو زيد، والاولى أن يقول: أي خصم بكر هو زيد.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: تبع الشارح في هذا المصنف وصاحب الدرر.
قال بعض مشايخنا: صوابه زيد، لانه هو المنكر واليمين عليه، ويمكن أن يقال: إن يحلف بالبناء للفاعل لا للمفعول، ومعناه: أن يطلب من القاضي تحليفه لان ولاية التحليف له، فيكون قوله وهو بكر تفسيرا للضمير في خصمه، لكن فيه ركاكة ا ه.
قوله: (لما مر) أي من أنه يحلف في فعل الغير على العلم ولا حاجة إليه لعلمه من التفريع.
قوله: (كذا إدا ادعى دينا) بأن يقول رجل لآخر إن لي على مورثك ألف درهم فمات وعليه الدين ولا بينة له، فيحلف الوارث على العلم.
درر: أي لا على
البتات، وهذا لو قبض الدين على ما اختاره الفقيه وقاضيخان، خلافا للخصاف.
قهستاني.
وفي البحر: وحاصل ما ذكره الصدر في دعوى الدين على الوارث: أن القاضي يسأله أولا عن موت أبيه ليكون خصما فإن أقر بموته سأله عن الدين، فإن أقر به يستوفيه المدعي من نصيبه فقط لانه لا يصح إقرارا على الميت فيبقى إقرارا في حق نفسه، وإن أنكر فبرهن المدعي استوفاه من التركة، لان أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يدعي على الميت، وإلا يبرهن المدعي وطلب يمين المدعى عليه استحلفه على العلم: أي بالله ما تعلم أن لفلان بن فلان هذا على أبيك هذا المال الذي ادعاه وهو ألف درهم ولا شئ منه قضى عليه، فيستوفي من نصيبه إن أقر بوصول نصيبه من الميراث إليه، وإلا يقر بوصوله إليه، فإن صدقه المدعي فلا شئ عليه، وإلا استحلف على البتات ما وصل إليه قدر مال المدعي ولا بعضه، فإن نكل لزمه القضاء وإلا لا، هذا إذا حلفه على الدين أولا، فإن حلفه(2/57)
على الوصول أولا فحلف فله تحليفه على الدين ثانيا: أي على العلم لاحتمال ظهور ماله فكان فيه فائدة منتظرة.
وإن لم يصل المال إليه، فإنه متى استحلفه وأقر أو نكل وثبت الدين فإذا ظهر للاب مال من الوديعة أو البضاعة عند إنسان لا يحتاج إلى الاثبات، فهذه الفائدة المنتظرة، ولو أراد المدعي استحلافه على الدين والوصول معا فقيل له ذلك وعامتهم إنه يحلف مرتين ولا يجمع وإن أنكر موته حلفه على العلم، فإن نكل حلف على الدين: أي على العلم أيضا.
مطلب: دعوى الوصية على الوارث كدعوى الدين إذا أنكرها يحلف على العلم ودعوى الوصية على الوارث كدعوى الدين، فيحلف على العلم لو أنكرها ومدعي الدين على الميت إذا ادعى على واحد من الورثة وحلفه فله أن يحلف الباقي، لان الناس يتفاوتون في اليمين، وربما لا يعلم الاول به ويعلم الثاني.
ولو ادعى أحد الورثة دينا على رجل للميت وحلفه ليس للباقي تحليفه، لان الوارث قائم مقام المورث وهو لا يحلفه إلا مرة.
انتهى ملخصا بزيادة.
قوله: (أو عينا على وارث) صورته: أن يقول إن هذا العبد الذي ورثته عن فلان ملكي وبيدك بغير حق ولا بينة له فإن الوارث يحلفه على العلم يخصص التقييد بذلك بصورة العين كما يظهر من العمادية، فإن جريان ذلك في
الدين مشكل.
عزمي.
وهذا بناء على أن القاضي يقضي بعلمه والمفتى به لا فيكون علمه كعدمه.
قال العلامة أبو الطيب: أقول في قوله فإن جريان ذلك في الدين مشكل نظر، لما قال في نور العين نقلا عن المحيط البرهاني: إنما يحلف على العلم في الارث لو علم القاضي بالارث أو أقر به المدعي أو برهن عليه، وإلا يحلف بتا، وكذا لو ادعى دينا على الوارث يحلف على العلم.
اه.
قوله: (أو أقر به المدعي) هو كما سبق في التصوير.
قوله: (أو برهن الخصم) وهو المدعى عليه.
قوله: (فيحلف) أي الوارث على العلم فإن لم يعلم القاضي حقيقة الحال ولا أقر المدعي بذلك ولا أقام المدعى عليه بينة يحلف على البتات بالله ما عليك تسليم هذا العين إلى المدعي.
عمادية.
قال ط: يمكن تصوير بأن ادعى مدع على شخص إن هذه العين له وعجز عن إقامة البينة فطلب يمينه على البت فقال إنها إرث وأراد اليمين على العلم فأنكر المدعي ذلك فأقام الوارث بينة على مدعاه فإنه يحلف على العلم: أي فالشرط في تحليفه الوارث على العلم في دعوى العين أحد هذه الثلاثة.
قوله: (والعين) الواو بمعنى أو.
قوله: (الوارث) أي إنهما حق موروث وأنكر الخصم.
قوله: (يحلف المدعى عليه على البتات) أي إنهما ليسا بحق مورثه.
قوله: (كموهوب وشراء.
درر) يعني لو وهب رجل لرجل عبدا فقبضه أو اشترى رجل من رجل عبدا فجاء رجل وزعم أن العبد عبده ولا بينة له فأراد استحلاف المدعى عليه يحلف على البتات.
حلبي عن الدرر: أي أنه ليس بعبده، والاولى كموهوب ومشتري أو كهبة وشراء للموافقة لفظا، وعلله الزيلعي بأن الهبة والشراء سبب موضوع للملك باختيار المالك ومباشرته ولو لم يعلم أنه ملك للملك له لما باشر السبب ظاهرا، فيحلف على(2/58)
البتات، فإذا امتنع عما أطلق له يكون باذلا، أما الوارث فلانه لا اختيار له في الملك، ولا يدعي ما فعل المورث فلم يوجد ما يطلق له اليمين على البتات، ولان الوارث حلف على المورث واليمين لا تجري فيها النيابة فلا يحلف على البتات، والمشتري والموهوب له أصل بنفسه فيحلف عليه.
ا ه.
قوله: (ويحلف جاحد القود) أي منكر القصاص بأن ادعى رجل عليه قصاصا.
عيني: أي سواء كان في النفس أو الاطراف بالاتفاق.
دامادا.
قوله: (حبس) أي ولا يقتص، أما عنده فلان النكول بذل ولا
يجري في النفس، ألا ترى أنه لو قتله بأمره يجب عليه القصاص في رواية، وفي أخرى الدية، ولو قطع يده بأمره لا يجب عليه شئ، إلا أنه لا يباح لعدم الفائدة، أما ما فيه فائدة كالقطع للاكلة وقلع السن للوجع لا يأثم بفعله، وأما عندهما فإنه وإن كان إقرارا إلا أن فيه شبهة فلا يثبت فيه القود لانه كالحدود من وجه.
قوله: (حتى يقر) أي فيقتص منه.
قوله: (أو يحلف) أي عند الامام فيبرأ من الدعوى.
وفي الشلبي عن الاتقاني، أو يموت جوعا لان الانفس لا يسلك بها مسالك الاموال فلا يجري فيها البذل الذي هو مؤدي الانكار، وإذا امتنع القصاص واليمين حق مستحق يحبس به كما في القسامة، فإنهم إذا نكلوا عن اليمين يحبسون، حتى يقروا أو يحلفوا.
وفي الخانية في كيفية التحليف بالقتل روايتان: في رواية يستحلف على الحاصل بالله ما له عليك دم ابنه فلان مثلا ولا قبلك حق بسبب هذا الدم الذي يدعي.
وفي رواية يحلف على السبب بالله ما قتلت فلان بن فلان ولي هذا عمدا.
وفيما سوى القتل من القطع والشجة ونحو ذلك يحلف على الحاصل بالله ما له عليك قطع هذا العبد ولا له عليك ك حق بسببها، وكذلك في الشجاج والجراحات التي يجب فيها القصاص.
ا ه.
قوله: (وفيما دونه) أي دون القود من الاطراف.
قوله: (يقتص) منه: أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما علم ما مر.
قوله: (فيجري فيها الابتذال) أي فتثبت بالنكول كما أن المال يثبت به، والاولى البذل كما في بعض النسخ.
قوله: (خلافا لهما) فإنهما قالا: يجب عليه الارش فيهما، ولا يقضي بالقصاص لان القصاص فيما دون النفس عقوبة تدرأ بالشبهات ولا تثبت بالنكول كالقصاص في النفس، ولان النكول وإن كان إقرارا عندهما ففيه شبهة العدم فلا يثبت به القصاص، ويجب به المال خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه خاصة، كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد، وإذا امتنع القود تجب الدية، وعند الثلاثة يقتص فيهما بعد حلف المدعي كما في العيني، وأما إذا كان الامتناع من جانب من له كما إذا أقام على ما ادعى وهو القصاص رجلا وامرأتين أو الشهادة على الشهادة فإنه لا يقضي بشئ لان الحجة قامت بالقصاص لكن تعذر استيفاؤه ولم يشبه الخطأ فلا يجب شئ، ولا تفاوت في هذا المعنى بين النفس وما دونها كما في العناية.
قوله: (قال المدعي لي بينة الخ) أطلق حضورها فشمل حضورها في المصر بصفة المرض،
وظاهر ما في خزانة المفتين خلافه، فإنه قال: الاستحلاف يجري في الدعاوى الصحيحة إذا أنكر المدعى عليه ويقول المدعي لا شهود لي أو شهودي غيب أو في المصر.
ا ه.
بحر.
قوله: (في المصر) أراد به حضورهما فيه أو محل بينه وبين محل المدعي دون مسافة القصر، كما يفيده الكلام الآتي.
وقيد في المصر، وإن كان إطلاق كلام المصنف متناولا لما لو كانت حاضرة في المجلس لانه المختلف فيه.(2/59)
قال في البحر: أطلق في حضورها فشمل حضورها في مجلس الحكم، ولا خلاف لا يحلف وحضورها في المصر وهو محل الاختلاف.
قوله: (لم يحلف) أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لان ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة، فلا تكون حقه دونه.
عيني: أي فلا تكون اليمين حقه دون العجز.
قوله: (خلافا لهما) لان اليمين حقه بالحديث الشريف، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لك يمينه حين سأل المدعي فقال: ألك بينة؟ فقال لا، فقال عليه الصلاة والسلام: لك يمينه، فقال يحلف ولا يبالي، فقال (ص): ليس لك إلا هذا، شاهداك أو يمينه فصار اليمين حقا له لاضافته إليه بلام التمليك، فإذا طالبه به يجيبه.
قال ط: وفي الاستدلال به نظر لانه (ص) إنما جعل له اليمين عند فقده البينة.
قال في البحر: اختلف النقل عن محمد، فمنهم من ذكره مع أبي يوسف كالزيلعي والخصاف، ومنهم من ذكره مع الامام كالطحاوي.
قوله: (وقدر في المجتبى الغيبة بمدة السفر) قال فيه بينتي غائبة عن المصر حلف عند أبي حنيفة، وقيل قدر الغيبة بمسيرة سفر.
ا ه.
فقد خالف ما نقله المصنف عن ابن ملك من أن في الغائبة عن المصر يحلف اتفاقا.
قوله: (ويأخذ القاضي) أي بطلب المدعي كما في الخانية، وفي الصغرى: هذا إذا كان المدعي عالما بذلك، أما إذا كان جاهلا فالقاضي يطلب.
رواه ابن سماعة عن محمد.
بحر.
والمراد بأخذ القاضي كفيلا: أي ممن عليه الحق لا بالحق نفسه، وقد تقدم في كتاب الكفالة في كفالة النفس أنه لو أعطى كفيلا بنفسه برضاه جاز اتفاقا، ولا يجبر عليه عند الامام خلافا لهما، فعندهما يجبر بالملازمة فحينئذ لا حاجة للتقييد بهذا، وليس مذكورا في الدرر ولا في شرح الكنز.
تأمل.
قوله: (في مسألة المتن) وهي قال المدعي لي بينة حاضرة الخ وقيد بها لانه لو قال
لا بينة لي أو شهودي غيب لا يكفل لعدم الفائدة.
كذا في الهداية.
قوله: (فيما لا يسقط بشبهة) أما فيما يسقط بها كالحدود والقصاص، فلا يجبر على دفع الكفيل كما تقدم.
قال في البحر: ادعى القاتل أن له بينة حاضرة على العفو أجل ثلاثة أيام، فإن مضت ولم يأت بالبينة وقال لي بينة غائبة يقضي بالقصاص قياسا كالاموال.
وفي الاستحسان: يؤجل استعظاما لامر الدم.
ا ه.
قال الرملي: ومقتضى الاطلاق أن دعوى الطلاق كدعوى الاموال وأن احتاطوا في الفروج لا تبلغ استعظام أمر الدماء، ولذلك يثبت برجل وامرأتين.
ا ه.
قوله: (كفيلا ثقة يؤمن هروبه) وله أن يطلب وكيلا بخصومته.
قال في الكافي: وله أن يطلب وكيلا بخصومته حتى لو غاب الاصل يقيم البينة على الوكيل، فيقضى عليه، وإن أعطاه وكيلا أن يطالبه بالكفيل بنفس الوكيل، وإذا أعطاه كفيلا بنفس الوكيل له أن يطالبه بالكفيل بنفس الاصيل لو كان المدعي دينا، لان الدين يستوفي من ذمة الاصيل دون الوكيل، فلو أخذ كفيلا بالمال له أن يطلب كفيلا بنفس الاصيل، لان الاستيفاء من الاصيل قد يكون أيسر، وإن كان المدعي منقولا له أن يطلب منه مع ذلك كفيلا بالعين ليحضرها، ولا يغيبه المدعى عليه وإن كان عقارا لا يحتاج إلى ذلك لانه لا يقبل التغييب، وصح أن يكون الواحد كفيلا بالنفس ووكيلا بالخصومة لان الواحد يقوم بهما، فلو أقر وغاب قضى، لانه قضاء إعانة ا ه.(2/60)
وفيه: ولو أقيمت البينة فلم تزك فغاب المشهود عليه فزكيت لا يقضى عليه حال غيبته في ظاهر الرواية، لان له حق الجرح في الشهود، وعن أبي يوسف أنه يقضى.
ا ه.
واعلم أنه ينبغي أن يشترط في الوكيل ما سبق في الكفيل من كونه ثقة معروف الدار، وفي البحر عن الصغرى: لو أبى إعطاء الوكيل بالخصومة لم يجبر.
ا ه.
قوله: (يؤمن هروبه) تفسير للثقة.
قال في البحر: وفسره في الصغرى بأن لا يخفي نفسه ولا يهرب من البلد بأن يكون له دار معروفة وحانوت معروف لا يسكن في بيت بكراء ويتركه ويهرب منه، وهذا شئ يحفظ جدا، وينبغي أن يكون الفقيه ثقة بوظائفه بالاوقاف، وإن لم يكن له ملك في دار أو حانوت لانه لا يتركها ويهرب ا ه.
وفسره في شرح المنظومة بأن يكون معروف الدار والتجارة، ولا يكون لحوحا معروفا بالخصومة، وأن يكون من أهل المصر لا غريبا.
ا ه.
قال الحموي: وكذا العسكري فإنه لا يهرب ويترك علوفته من الديوان.
والحاصل: أن المدار على الامن من الهروب ا ه.
وفي البحر أيضا عن كفالة الصغرى: القاضي أو رسوله إذا أخذ كفيلا من المدعى عليه بنفسه بأمر المدعي أولا بأمره، فإن لم يضف الكفالة إلى المدعي بأن قال أعط كفيلا بنفسك، ولم يقل للطالب ترجع الحقوق إلى القاضي ورسوله، حتى لو سلم إليه الكفيل يبرأ، ولو سلم إلى المدعي فلا، وإن أضاف إلى المدعي كان الجواب على العكس ا ه.
وفيه عنها: طلب المدعي من القاضي وضع المنقول على يد عدل ولم يكتف بكفيل النفس: فإن كان المدعى عليه عدلا لا يجيبه القاضي، ولو فاسقا يجيبه.
وفي العقار لا يجيبه إلا في الشجر الذي عليه الثمر لان الثمر نقلي.
ا ه.
قال في البحر: وظاهر أن الشجر من العقار، وقدمنا خلافه.
وفي أبي السعود عن الحموي عن المقدسي التصريح بأنه من العقار.
ا ه.
أقول: وقدمنا الصحيح من ذلك فلا تنسه.
وفي الخزانة: إذا أقام بينة ولم تزك في جارية يضعها القاضي على يد امرأة ثقة حتى يسأل عن الشهود، ولا يتركها في يد المدعى عليه عدلا كان أو لا.
هذا إن سأل المدعي من القاضي وضعها.
اه.
وإنما أخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسانا لان فيه نظرا للمدعي، وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه، وهذا لان الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى فصح التكفيل بإحضاره: أي من غير جبر كما قدمنا.
قوله: (ولو وجيها) ضد الخامل، والوجيه من له حظ ورتبة، والخامل من خمل الرجل خمولا من باب قعد: ساقط لنباهة لا حظ له.
مصباح.
قوله: (في ظاهر المذهب) أي المعتمد.
وعن محمد أن الخصم إذا كان معروفا أو المال حقيرا والظاهر من حاله أنه لا يخفي نفسه بذلك القدر من المال لا يجبر على إعطائه الكفيل.
قوله: (في الصحيح) قال في البحر: ثم تأقيت الكفالة بثلاثة أيام ونحوها ليس لاجل أن يبرأ الكفيل عنها بعد الوقت، فإن الكفيل إلى شهر لا يبرأ بعده، لكن التكفيل إلى شهر للتوسعة على الكفيل، فلا يطالب إلا بعد مضيه، لكن لو عجل يصح، وهنا
للتوسعة على المدعي فلا يبرأ الكفيل بالتسليم للحال إذ قد يعجز المدعي عن إقامتها، وإنما يسلم إلى المدعي فلا يبرأ الكفيل بالتسليم للحال إذ قد يعجز المدعي عن إقامتها، وإنما يسلم إلى المدعي بعد وجود ذلك الوقت، حتى لو أحضر البينة قبل الوقت يطالب الكفيل.
قوله: (إلى مجلسه) أي(2/61)
القاضي.
قوله: (لازمه بنفسه) أي دار معه حيث دار فلا يلازمه في مكان معين، ولا يلازمه في المسجد لانه بنى للذكر، به يفتى.
بحر.
وفيه: ويبعث معه أمينا يدور معه.
ورأيت في الزيادات أن الطالب لو أمر غيره بملازمة مديونه فللمديون أن لا يرضى بالامين عند أبي حنيفة خلافا لهما بناء على التوكيل بلا رضا الخصم، لكنه لا يحبسه في موضع لان ذلك حبس، وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى، ولا يشغله عن التصرف بل هو يتصرف والمدعي يدور معه.
مطلب: هل للطالب أن يمنعه من دخول داره إن لم يأذن له بالدخول معه؟ وإذا انتهى المطلوب إلى داره فإن الطالب لا يمنعه من الدخول إلى أهله بل يدخل والملازم يجلس على باب داره.
ا ه.
وفي الذخيرة: ومن القضاة المتأخرين من أوجب حبس الخصم، لان المدعي يحتاج إلى طلب الشهود وغيره.
ا ه.
وفي البحر: عن الزيادات: أن المطلوب إذا أراد أن يدخل بيته، فإما أن يأذن للمدعي في الدخول معه أو يجلس معه على باب الدار، لانه لو تركه حتى يدخل الدار وحده فربما يهرب من جانب آخر فيفوت ما هو المقصود منها.
مطلب: فيما لو كان المطلوب امرأة وفي تعليق أستاذنا: لو كان المدعى عليه امرأة فإن الطالب لا يلازمها بنفسه، بل يستأجر امرأة فتلازمها.
وفي أول كراهية الواقعات: رجل له على امرأة حق فله أن يلازمها ويجلس معها ويقبض على ثيابها لان هذا ليس بحرام، فإن هربت ودخلت خربة لا بأس بذلك إذا كان الرجل يأمن على نفسه ويكون بعيدا منها يحفظها بعينه، لان في هذه الخلوة ضرورة، وأشار بملازمته إلى ملازمة المدعي لما في خزانة المفتين إذا كان المدعى عليه متلافا وأبى عطاء الكفيل بالمدعي.
مطلب: له ملازمة المدعي
فللمدعي أن يلازم ذلك الشئ أن يعطيه كفيلا، وإن كان المدعي ضعيفا عن ملازمته يضع ذلك الشئ على يد عدل.
ا ه.
وظاهر ما في السراج الوهاج أنه لا يلازمه إلا بإذن القاضي، وذكر فيه أن منها أن يسكن حيث سكن.
وفي المصباح: دار حول البيت يدور دورا ودورانا طاف به، ودوران الفلك تواتر حركاته بعضها أثر بعض من غير ثبوت ولا استقرار.
ومنه قولهم: دارت المسألة: أي كلما تعلقت بمحل توقف ثبوت الحكم على غيره فتنتقل إليه ثم يتوقف على الاول وهكذا.
ا ه.
قوله: (مقدار مدة التكفيل) فإن لم يأت ببينة أمره أن يخلي سبيله ولا يقبل دعوته إلا بإحضار البينة كما لا يخفى.
قوله: (إلا أن يكون الخصم غريبا أي مسافرا) وأي تفسير مراد، وأشار به إلى أن حكم المقيم مريد السفر كالغريب.
قال في المنح: المراد من الغريب المسافر.
قوله: (إلى انتهاء مجلس القاضي) أطلق في مقدار القاضي فشمل ما إذا كان يجلس في كل خمسة عشرة يوما مرة.
كذا في البزازية.
قوله: (دفعا للضرر) بأخذ الكفيل وبالملازمة أزيد من ذلك، كذا علله في الهداية لان في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به يمنعه عن السفر، ولا ضرر هذا المقدار ظاهرا.
قوله: (حتى لو علم وقت سفره) بأن قال أخرج غدا مثلا، فلو علم أن السفر قبل انتهاء مجلس القاضي يكون التكفيل إلى(2/62)
وقت السفر دفعا للضرر.
قوله: (إليه) أي إلى وقت سفره.
قوله: (أو يستخبر رفقاءه) بأن يبعث إليهم أمينا، فإن قالوا أعد للخروج معنا يكفله إلى وقت الخروج.
بحر.
قوله: (لا بينة لي الخ) هذه المسألة من تتمة قوله وتقبل البينة لو أقامها بعد اليمين، كما أشار إليه الشارح هناك بقوله: وإن قال قبل اليمين لا بينة لي، فكان المناسب أن يذكرها هناك ح.
قوله: (قبل ذلك البرهان) لان اليمين الفاجرة أحق بالرد من البينة العادلة كما مر.
قوله: (فهي شهود زور) لان الشهادة تتعلق بالشهود، ويجب عليهم أداؤها ويأثم كاتمها، وهذا القول منه لا يثبت زور العدل لانه قبل الشهادة ولانه في غير معلوم ولانه جرح مجرد ط.
قوله: (أو قال) أي المدعي.
قوله: (حلفت) بتاء الخطاب.
قوله: (كما مر) عند قول المصنف اصطلحا على أن يحلف عند غير قاض الخ لكن هناك اليمين من المدعي، وقدمنا الكلام
عليه هناك.
قوله: (فأنكر المدعي) أي مدعي الدين.
قوله: (ولا بينة له) أي لمدعي الايصال.
قوله (فطلب يمينه) أي يمين الدائن.
قوله: (فقال المدعي) أي مدعي الدين.
قوله: (اجعل حقي في الختم) المراد به، والله تعالى أعلم: المنقد فإنه قال في القاموس إن المختم كمنبر آلة ينقد بها، فراجعه ط.
أقول: ولعله المعد الذي يعد عليه الصيارفة والتجار وفي بيت المال الدراهم، والمقصود إحضار الحق.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: المراد، بالختم الصك، ومعناه اكتب الصك بالبينة ثم استحلفني، أو المراد بإحضار نفس الحق في شئ مختوم وهو الاظهر، وفي حاشية الفتال عن الفتاوى الانقروية: يعني احضر حقي ثم استحلفني، ومثله في الحامدية.
قوله: (لحديث من كان حالفا) صدره كما في الحموي: لا تحلفوا بإبائكم ولا بالطواغيت، فمن كان حالفا الخ.
ولما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام سمع عمر يحلف بأبيه فقال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (ص) لا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون رواه النسائي.
عيني.
قوله: (وظاهره) أي ظاهر قول الخزانة من قوله: وهو قوله والله إنه لو حلفه بغيره من أسماء الله أو صفة تعورف الحلف بها لم يكن يمينا: يعني في باب الدعوى، ويمكن أن يكون وجهه أن لفظ الجلالة جامع لجميع الاسماء والصفات حتى صحح بعضهم(2/63)
أنه الاسم الاعظم، وقد ورد تحليف الشارع به فيقتصر عليه، ويحتمل أنه ذكره على سبيل التمثيل لما علم في كتاب الايمان أنه ينعقد الحلف بكل اسم من أسماء الله تعالى، وكل صفة تعورف الحلف بها، وقد صرحوا هنا بما يدل على ذلك.
قال في خزانة المفتين: متى حلفه بالله الرحمن الرحيم كان يمينا واحدا، وإذا حلفه بالله والرحمن والرحيم يكون ثلاثة أيمان ا ه.
فهذا صريح بأن الرحمن والرحيم يمين.
تأمل.
ومثله في التبيين فإنه قال: ويحترز عن عطف بعض الاسماء على بعض كيلا يتكرر عليه اليمين، ولو أمره بالعطف فأتى بواحدة ونكل عن الباقي لا يقضي عليه بالنكول، لان المستحق عليه
يمين واحدة وقد أتى بها.
ا ه.
وسيصرح الشارح به في قوله ويجتنب العطف كي لا يتكرر اليمين وفي كتاب الايمان والقسم بالله تعالى أو باسم من أسمائه كالرحمن والرحيم والحق، أو بصفة يحلف بها من صفاته تعالى كعزة الله وجلاله وكبريائه وعظمته الخ، فهذا كله يدل على كونه يمينا، وكذا ما ثبت في الحديث ورب الكعبة ونحوه يقتضي أن الحلف بالرحمن والرحيم وغيره من أسمائه تعالى يكون يمينا، على أنه صرح في روضة القضاة بأن اليمين يكون بالرحمن والرحيم وسائر أسمائه تعالى.
وأما الحصر في الحديث الشريف بالنسبة إلى الجبت والطاغوت ونحوهما.
قوله: (بغيره) كالرحمن والرحيم.
بحر.
قوله: (لم يكن يمينا) قد علمت أن الحق أنه يمين، ولا يشكل عليه ما يفهم من ظاهر عبارة الدرر من قوله: والحلف بالله تعالى دون غيره، وإن كان ظاهره أن هذا التركيب للحصر كما في الحمد لله لان المراد أن لا يكون الحلف إلا بذاته تعالى: أي باسم من أسمائه الذاتية أو الصفاتية فقد انتفى الاشكال، على أنه هو المصرح به في عمدة الكتب بل عامتهم، ولا يمكن أن يقال إن ما ذكروه في كتاب الايمان فرق عن هنا: أي الدعوى لانه لم يصرح أحد يفرق أصلا.
قوله: (ولم أره صريحا بحر) حيث قال بعد نقله عبارة الخزانة: وظاهره أنه لا تحليف بغير هذا الاسم، فلو حلفه بالرحمن أو الرحيم لا يكون يمينا، ولم أره صريحا ا ه.
قال العلامة المقدسي: فيه قصور لوجود النص على خلافه، فقد ذكر في كتاب الايمان أنه لو قال: والرحمن أو الرحيم أو القادر فكل ذلك يمين، ويدل عليه قولهم فيما إذا غلظ بذكر الصفة يحترز عن الاتيان بالواو لئلا تتكرر اليمين ونصه هنا في تحليف الاخرس أن يقال له عهد الله عليك، ولا فرق بينه وبين الصحيح بل صرح بهذا الصحيح، وصرح في روضة القضاة بأن الرحمن الرحيم وسائر أسماء الله تعالى تكون يمينا ا ه.
أقول: والعجب من المصنف حيث نقله وأقره عليه، وكذا الشارح.
قوله: (لا بطلاق وعتاق وإن ألح الخصم) أي داوم على طلب اليمين بهما، ومثل الطلاق والعتاق الحج كما في العناية، وقد قصد بهذا مخالفة الكنز والدرر حيث قال: إلا إذا ألح الخصم، وحكاه في الكافي بقيل، وكذا في
الهداية، فإن ما مشى عليه الشارح هو ظاهر الرواية.
قوله: (لان التحليف بهما حرام) بل في القهستاني عن المضمرات اختلفوا في كفره إذا قال حلفه بالطلاق، وقدمنا الكلام قريبا على ما لو حلف بالطلاق أنه لا مال عليه ثم برهن المدعي على المال، وسيأتي في كلام الشارح.
قوله: (وقيل إن مست الضرورة فوض إلى القاضي) قال في المنية: وإن مست الضرورة يفتي أن الرأي فيه للقاضي.
قوله:(2/64)
(وظاهره أنه مفرع على قول الاكثر) تبع فيه المصنف وصاحب البحر وهو عجيب، فإن صاحب الخزانة صرح بأن ذلك على قول الاكثر فهو صريح لا ظاهر.
قوله: (وإلا فلا فائدة) قال العلامة المقدسي: قد تكون فائدته اطمئنان خاطر المدعي إذا حلف فربما كان مشتبها عليه الامر لنسيان ونحوه، فإذا حلف له بهما صدقه ا ه.
وفي شرح الملتقى عن الباقلاني: الاقرار بالمدعي إذا احترز عنه.
ا ه: أي تظهر فائدته فيما إذا كان جاهلا بعدم اعتبار نكوله، فإذا طلب حلفه به ربما يمتنع ويقر بالمدعي.
قوله: (واعتمده المصنف) حيث قال: وهذا كلام ظاهر يجب قبوله والتعويل عليه، لان التحليف إنما يقصد لنتيجته، وإذا لم يقض بالنكول عنه فلا ينبغي الاشتغال به، وكلام العقلاء فضلا عن العلماء العظام يصان عن اللغو، والله تعالى أعلم بالصواب ا ه.
لكن عبارة ابن الكمال: فإن ألح الخصم: قيل يصح بهما في زماننا لكن لا يقضي عليه بالنكول لانه امتنع عما هو منهي عنه شرعا، ولو قضى عليه بالنكول لا ينفذ انتهت.
واستشكل في السعدية بأنه إذا امتنع عما هو منهي عنه شرعا فكيف يجوز للقاضي تكليف الاتيان بما هو منهي عنه شرعا؟ ولعل ذلك البعض يقول النهي تنزيهي، ومثل ما في ابن الكمال في الزيلعي وشرح درر البحار، وظاهره أن القائل بالتحليف بهما يقول إنه غير مشروع، ولكن يعرض عليه لعله يمتنع، فإن من له أدنى ديانة لا يحلف بهما كاذبا فإنه يؤدي إلى طلاق الزوجة وعتق الامة أو إمساكهما بالحرام، بخلاف اليمين بالله تعالى فإنه يتساهل به في زماننا كثيرا.
تأمل.
قوله: (لا يفرق) أي بين الزوج والزوجة.
قوله: (لان السبب لا يستلزم قيام الدين) لاحتمال وفائه أو إبرائه أو هبته منه، وهذا التفصيل هو
المفتى به كما في شرح عبد البر ط.
قوله: (وقال محمد في الشهادة على قيام المال: لا يحنث لاحتمال صدقه).
أقول: تقدم قريبا قوله ويظهر كذبه بإقامتها لو ادعاه: أي المال بلا سبب فحلف، وإن ادعاه بسبب فحلف أن لا دين عليه ثم أقامها لا يظهر كذبه لجواز أنه وجد القرض، ثم وجد الابراء أو الايفاء وعليه الفتوى ا ه.
وقد ذكرنا هناك الكلام وبحث المقدسي فيه والجواب عنه فراجعه إن شئت.
قوله: (وقد تقدم) أي في كلام المصنف حيث قال: ويظهر كذبه بإقامتها لو ادعاه بلا سبب فحلف الخ، وإنما أعاد هنا لان هذه العبارة أوضح وأدل على المطلوب، وفيها زيادة فائدة كذكر الخلاف بين محمد وأبي يوسف، وهو كالشرح للعبارة المتقدمة، فقد بين به أن إطلاق الدرر على قول أحد الشيخين، ولا اعتراض على من أتى بالعبارة التامة بعد العبارة القاصرة، كما قالوا في عطف العام على الخاص لا يحتاج إلى نكتة لما فيه من زيادة الفائدة.
تأمل.(2/65)
مطلب: مسائل ذكرها الخصاف في آخر كتاب الحيل قال العلامة الشلبي في حاشية الزيلعي: ونذكر نبذا من مسائل ذكرها الخصاف في آخر كتاب الحيل: إن قال كل امرأة لي طالق مثلا، ونوى كل امرأة أتزوجها باليمين أو الهند أو بالسند أو في بلد من البلدان له نيته، وإن ابتدأ اليمين يحتال ويقول: هو الله، ويدغم ذلك حتى لا يفهم المستحلف.
فإن قال المستحلف: إنما أحلفك بما أريد وقل أنت نعم، ويريد أن يستحلفه بالله والطلاق والعتاق والمشي وصدقة ما يملك، يقول نعم وينوي نعما من الانعام، وكذا لو قيل له نساؤك طوالق ونوى نساءه العور أو العميان أو العرجان أو المماليك أو اليهوديات فيكون له نيته.
وإن أراد أن يحلف أنه لم يفعل كذا وأحصر المملوك ليحلف بعتقه قال: يضع يده على رأس المملوك أو ظهره ويقول هذا حر: يعني ظهره إن كان فعل فلا يعتق المملوك.
وإن حلف بعتق المملوك أنه لم يفعل كذا، ونوى بمكة أو في المسجد الحرام، أو في بلد من
البلدان لا يحنث إن كان فعله في غير ذلك الموضع.
وإن حلف بطلاق امرأته ويقول امرأتي طالق ثلاثا، وينوي عملا من الاعمال كالخبز والغسل أو أطالق من وثاق، وينوي بقوله ثلاثا ثلاثة أيام أو أشهر أو جمع فلا حنث.
ولو بلغ سلطانا عن رجل كلام فأراد السلطان أن يحلفه عليه فالوجه أن يقول: ما الذي بلغك عني؟ فإذا قال بلغني عنك كذا وكذا، فإن شاء حلف له بالعتاق والطلاق أنه ما قال هذا الكلام الذي حكاه هذا ولا سمع به إلا هذه الساعة فلا إثم عليه، وإن شاء نوى في الطلاق والعتاق ما شرحناه، وإن شاء نوى أنه لم يتكلم بهذا الكلام بالكوفة مثلا غير البلد الذي تكلم فيه به أو الموضع، أو ينوي عدم التكلم ليلا، وإن تكلمه نهارا أو عكسه أو ينوي زمنا غير الذي تكلم فيه.
ا ه ملخصا.
أقول: الظاهر في ذلك أن الحالف مظلوما، أما لو كان ظالما فلا ينوي، بل العبرة بظاهر اللفظ العرفي الذي حلف به، لان الايمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض كما علم ذلك من كتاب الايمان، فراجعه.
قوله: (ويغلظ بذكر أوصافه تعاى) أي يؤكد اليمين بذكر أوصاف الله تعالى، وذلك مثل قوله: * ((59) هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم) * (الحشر: 22) الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه ولا شئ منه، لان أحوال الناس شتى، فمنهم من يمتنع عن اليمين بالتغليظ، ويتجاسر عند عدمه فيغلظ عليه لعله يمتنع بذلك، ولو لم يغلظ جاز، وقيل: لا تغليظ على المعروف بالصلاح، ويغلظ على غيره، وقيل يغلظ على الخطير من المال دون الحقير.
عيني.
قوله: (وقيده) أي قيد بعضهم التغليظ.
قوله: (بفاسق) أي إذا كان المدعى عليه فاسقا.
قوله: (ومال خطير) أي كما ذكرنا كما بينه في خزانة المفتين وتبيين الحقائق.
قوله: (والاختيار فيه) أي في التغليظ لما علمت من أنه جائز ويجوز إرجاع الضمير إلى أصل اليمين: أي الاختيار في اليمين بأن يقول له قل والله أو بالله أو الرحمن والقادر على ما سلف، وقد صرحوا أن التحليف حق القاضي: أي الاختيار في صفة التغليظ إلى القضاة يزيدون فيه ما شاؤوا أو ينقصون ما شاؤوا ولا يغلظون لو شاؤوا كما في البحر عن الخلاصة.
قوله: (وفي صفته) أي التغليظ(2/66)
التي ينطلق بها.
قوله: (إلى القاضي) أي تفويضه إلى القاضي.
قوله: (ويجتنب العطف) أي في اليمين فلا يذكره بحرف العطف ويحترز عن عطف بعض الاسماء على بعض وإلا لتعدد اليمين، ولو أمره بالعطف فأتى بواحدة ونكل عن الباقي لا يقضي عليه بالنكول، لان المستحق يمين واحدة وقد أتى بها كما أفاده الزيلعي وقدمناه قريبا فلا تنسه.
قوله: (لا يستحب) وقيل لا يجب، وقيل لا يشرع.
وظاهر ما في الهداية أن المنفي وجوب التغليظ بهما فيكون مشروعا، وظاهر ما في المحيط في موضع أن المنفي كونه سنة وفي موضع بعده عدم مشروعيته حيث قال: لا يجوز التغليظ بالزمان والمكان، وصرح في غاية البيان أن للحاكم فعله عندنا إن رأى ذلك، وإنما الخلاف في كونه واجبا أو سنة.
وفي البحر: لا يجوز التغليظ بالمكان.
قال في الكافي: قيل لا يجب، وقيل لا يشرع، لان في التغليظ بالزمان تأخير حق المدعي إلى ذلك الزمان.
قال العلامة المقدسي: وكذا في المكان لان فيه التأخير إلى الوصول إلى ذلك المكان المغلظ به، فلا يشرع.
كذا في التبيين والكافي.
ا ه.
قلت: وهذا لا يظهر إذا كان على وفق مطلوبه، ولو علل بمخالفته المشروع لكان أولى، وعند الشافعي: يستحب هذا التغليظ في قول، ويجب في قول به قال مالك كما في البناية وغيره.
أقول: الظاهر أن المذهب عندنا عدم جواز هذا التغليظ، وعليه دلائل مشايخنا المذكورة في الشروح وأما سلب حسن هذا لتغليظ تارة وسلب الوجوب أخرى في عبارتهم فمبني على نفي مذهب الخصم.
تدبر.
قوله: (بزمان) مثل يوم الجمعة.
قوله: (ولا بمكان) مثل الجامع عند المنبر أو ما بين الركن والمقام وعند قبره عليه الصلاة والسلام وعند صخرة بيت المقدس.
قوله: (وظاهره أنه مباح) فيه أن المباح ما استوى طرفاه فكان يقول فهو خلاف الاولى.
وأقول كيف يكون مباحا وفيه زيادة على النص، وهو قوله (ص) اليمين على من أنكر وهو مطلق عن التقييد بزمان أو مكان، والتخصيص بهما زيادة على النص، وهو نسخ كما أفاده العيني.
وفي شرح الملتقى للداماد وعند الائمة الثلاثة: يجوز أن تغلظ بهما أيضا إن كانت اليمين في قسامة ولعان ومال عظيم.
قال القهستاني: وعن أبي يوسف أنه يوضع المصحف في حجره، ويقرأ الآية المذكورة وهي * ((3) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * (آل عمران: 77) الآية ثم يحلف في مكان منها
كما في المضمرات.
قوله: (ويستحلف اليهودي) قال في المصباح: اليهودي نسبة إلى هود، وهو اسم نبي عربي، وسمي بالجمع والمضارع من هدى إذا رجع، ويقال هم يهود وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، وجاز تنوينه، وقيل نسبة إلى يهود بن يعقوب.
قوله: (بالله الذي أنزل التوراة على موسى) لقوله عليه الصلاة والسلام لابن صوريا الاعور: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا في كتابكم هذا كما في البحر.(2/67)
قال في البدائع: ولا يحلف على الاشارة إلى مصحف معين: أي من التوراة بأن يقول: بالله الذي أنزل هذه التوراة أو هذا الانجيل، لانه ثبت تحريف بعضها فلا يؤمن أن تقع الاشارة إلى الحرف المحرف فيكون التحليف تعظيما لما ليس كلام الله تعالى شرنبلالية.
أو من حيث إن المجموع ليس كلام الله تعالى ط.
قوله: (والنصراني) قال في المصباح: رجل نصراني بفتح النون وامرأة نصرانية، وربما قيل نصران ونصرانة، ويقال هو نسبة إلى قرية يقال لها نصرة، ولهذا قيل في الواحد نصري على القياس، والنصارى جمعه مثل مهري ومهارى، ثم أطلق النصراني على كل من تعبد بهذا الدين ا ه.
قوله: (والمجوسي) قال في المصباح: هي كلمة فارسية يقال تمجس: إذا دخل في دين المجوس، كما يقال تهود أو تنصر إدا دخل في دين اليهود والنصاري.
قوله: (فيغلظ على كل بمعتقده) لتكون ردعا له عن اليمين الكاذبة.
قال في البحر: وما ذكره من صورة تحليف المجوسي مذكور في الاصل.
وروى عن أبي حنيفة أنه لا يحلف أحد: أي من أهل الكفر إلا بالله خالصا تحاشيا عن تشريك الغير معه في التعظيم.
وذكر الخصاف أنه لار يحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله، واختاره بعض مشايخنا لما في ذكر النار من تعظيمها، ولا ينبغي ذلك، بخلاف الكتابين لانهما من كتبه تعالى، وظاهر ما في المحيط أن ما في الكتاب قول محمد، وما ذكره الخصاف قولهما.
فإن قلت: إذا حلف الكافر بالله فقط ونكل عما ذكر هل يكفيه أم لا؟ قلت: لم أره صريحا، وظاهر قولهم إن يغلظ به أنه ليس بشرط وأنه من باب التغليظ، فيكفي بالله ولا يقضي عليه بالنكول عن الوصف المذكور.
ا ه.
قوله: (اختيار) قال فيه بعد قول المتن ويستحلف اليهودي الخ ولو اقتصر
في الكل على قوله بالله فهو كاف، لان الزيادة للتأكيد كما قلنا في المسلم، وإنما يغلظ ليكون أعظم في قلوبهم فلا يتجاسرون على اليمين الكاذبة.
ا ه.
قوله: (والوثني) الوثن: الصنم سواء كان من خشب أو حجر أو غيره، والجمع وثن مثل أسد وأسد وأوثان، وينسب إليه من يتدين بعبادته على لفظه فيقال رجل وثني، وأراد بالوثني المشرك سواء عبد صنما أو وثنا أو غيرهما.
قوله: (لانه يقر به وإن عبد غيره) أي يعتقد أن الله تعالى خالقه لكنه يشرك معه غيره.
قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله) * (لقمان: 52).
قوله: (وجزم ابن الكمال بأن الدهرية) بفتح الدال.
أي الطائفة الذين يقولون بقدم الدهر وينكرون الصانع ويقولون: إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر.
قال في القاموس: الدهر قد يعد في الاسماء الحسنى والزمن الطويل والامد الممدود وألف سنة، والدهري ويضم القائل ببقاء الدهر.
قوله: (لا يعتقدونه تعالى) وإن قالوا يقدمه لان قدمه عندهم بأنه قديم بالزمان، وذلك لان منهم من يقول القدماء خمسة: الرب، والدهر، والفلك، والعناصر، والفراغ: أي الخلاء وراء العام، فالزهرا الخالق لها وهي قديمة بالزمان لا بالذات كما في حاشية الكبرى.
قوله: (قلت وعليه فبماذا يحلفون) قلت يحلفون بالله تعالى(2/68)
لما في معراج الدراية عن المبسوط الحر والمملوك والرجل والمرأة والفاسق والصالح والكافر والمسلم في اليمين سواء، لان المقصود هو القضاء بالنكول، وهؤلاء في اعتقاد الحرمة في اليمين الكاذبة سواء.
ا ه.
أقول: والزنديق والمباحي داخلون تحت المشركين، إذ قد سبق في صدر الكتاب من البدائع أنهم لم يتجاسروا في عصر من الاعصار على إظهار نحلهم سوء كفرهم، فلما لم يقروا بالواجب الوجود لله تعالى تقدس عما يقول الظالمون، ولا نبي من الانبياء، ولم يقدروا على إظهار مللهم ألحقوا بالمشركين، فيعدون منهم حكما، على أنه قد صرح في بعض الكتب أنهم يقرون به تعالى.
ولكن ينفون القدر عنه تعالى فظهر أن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى وتعمهم الآية الكريمة المتقدمة، فيستحلفون بالله تعالى، سواء كان المستحلف ممن يعتقد الله تعالى أو لا، فإنه وإن لم يعلم الله تعالى يعلمه،
فإذا حلف به كاذبا فالله تعالى يقطع دابره ويجعل دياره بلاقع: أي خالية، وحينئذ فلا معنى لقول الشارح: قلت الخ تأمل.
أقول: وهذا كله بخلاف الكتابيين كما مر من أنهم يحلفون بالله الذي أنزل التوراة أو الانجيل، وفي المقدسي: لانهما من كتبه تعالى.
قال في شرح الاقطع: أما الصابئة إن كانوا يؤمنون بإدريس عليه السلام استحلفوا بالذي أنزل الصحف على إدريس عليه السلام، وإن كانوا يعبدون الكواكب استحلفوا بالذي خلق الكواكب.
اه.
إتقاني.
ولا تنس ما قررته.
قوله: (أن يقول له القاضي عليك عهد الله) ولا يقول له: تحلف بالله ما لهذا عليك حق فإنه لا يكون يمينا، ولو أشر بنعم لانه يصير كأنه قال احلف وذلك لا يكون يمينا أفاده الاتقاني.
قال في الشرنبلالية: ولا يقول له بالله إن كان كذا، لانه إذا قال نعم إقرارا لا يمينا.
ا ه.
قوله: (فإذا أومأ برأسه أي نعم صار حالفا) وإن أشار بالانكار صار نكولا ويقضي عليه: قنية.
قوله: (أن عرفه) أي الخط.
قوله: (وإلا فبإشارته) ويعامل معاملة الاخرس.
عبد البر.
قوله: (ولو أعمى أيضا) أي وهو أصم أخرى.
قوله: (فأبوه الخ) مراده به ما يعم الجد، كما أن المراد بوصيه ما يشمل وصي الجد.
أفاده عبد البر.
وظاهره أنه يستحلف عنه، فإن كان كذلك فإنه يكون مخصصا لما تقدم من قوله إن النيابة لا تجري في الحلف.
كذا أفاده بعض الفضلاء.
لكن صرح العلامة أبو السعود بأنه مستثنى من قولهم الحلف لا تجري فيه النيابة، وهو ظاهر في أنه يحلف وهو ظاهر في أنه يحلف أبوه أو وصيه.
تأمل.
قوله: (أو من نصبه القاضي) الصواب ثم من نصبه القاضي لانه إنما ينصب عنه إذا فقد من سبق ذكره عبد البر، وهل يحلفون على العلم لكونه مما يتعلق به حق الغير أو على البت؟ يحرر ط.
قوله: (بحر) قال فيه: والقاضي لا يحضرها بل هو ممنوع عن ذلك.
كذا في الهداية ولو قال المسلم لا يحضرها لكان أولى، لما في التاترخانية: يكره للمسلم الدخول في البيعة والكنيسة من حيث إنه مجمع الشياطين، والظاهر أنها تحريمية لانها المرادة عند الاطلاق، وقد أفتيت بتعزير مسلم لازم الكنيسة مع اليهود.
ا ه.
قوله: (في دعوى سبب يرتفع) أي سبب ملك ولو حكميا أو سبب ضمان، وقيد به لان الدعوى إذا وقعت مطلقة عن سبب بأن ادعى عبدا أنه ملكه فاليمين على(2/69)
الحكم بلا خلاف، فيقال قل بالله ما هذا العبد لفلان هذا ولا شئ منه كما في العمادية.
قوله: (يرتفع) أي برافع كالاقالة والطلاق والرد.
قوله: (أي على صورة إنكار المنكر) وهو صورة دعوى المدعي.
بحر: هذا معناه الاصطلاحي، أما معناه اللغوي: فالحاصل من كل شئ ما بقي وثبت وذهب ما سواه كما في القاموس، ويمكن اعتباره هنا فإنه يحلف على الثابت والمستقر الآن، ويكون قوله أي على صورة الخ تفسير مراد، وإنما كان على صورته، لان المنكر يقول لم يكن بيننا بيع ولا طلاق ولا غصب.
والحاصل: أن التحليف على الحاصل نوع آخر من كيفية اليمين، وهو الحلف على الحاصل والسبب، والضابط في ذلك أن السبب إما أن يكون مما يرتفع برافع أو لا، فإن كان الثاني فالتحليف على السبب بالاجماع، وإن كان الاول فإن تضرر المدعي بالتحليف على الحاصل عند الطرفين، وعلى السبب عند أبي يوسف كما سيأتي مفصلا.
قال في نور العين: النوع الثالث في مواضع التحليف على الحاصل والتحليف على السبب جغ.
ثم المسألة على وجوه: إما أن يدعي المدعى دينا أو ملكا في عين أو حقا في عين، وكل منها على وجهين إما أن يدعيه مطلقا أو بناء على سبب، فلو ادعى دينا ولم يذكر سببه يحلف على الحاصل ما له قبلك ما ادعاه ولا شئ منه وكذا لو ادعى ملكا في عين حاضر أو حقا في عين حاضر ادعاه مطلقا ولم يذكر له سببا يحلف على الحاصل ما هذا لفلان ولا شئ منه، ولو ادعاه بناء على سبب بأن ادعى دينا بسب قرض أو شراء أو ادعى ملكا بسبب بيع أو هبة أو ادعى غصبا أو وديعة أو عارية يحلف على الحاصل في ظاهر الرواية، لا على السبب بالله ما غصبت ما استقرضت ما أودعك ما شريت منه.
كافي.
وعن أبي يوسف: يحلف على السبب في هذه الصور المذكورة، إلا عند تعريض المدعى عليه نحو أن يقول أيها القاضي قد يبيع الانسان شيئا ثم يقيل، فحينئذ يحلف القاضي على الحاصل صح.
وذكر شمس الائمة الحلواني رواية أخرى عن أبي يوسف: إن المدعى عليه لو أنكر السبب يحلف على السبب، ولو قال ما علي ما يدعيه يحلف على الحاصل.
قاضيخان.
وهذا أحسن الاقاويل عندي وعليه أكثر القضاة.
يقول الحقير: وكذا في مختارات النوازل لصاحب الهداية ا ه.
وقال فخر الاسلام البزدوي: اللائق أن يفوض الامر إلى القاضي فيحلف على الحاصل أو السبب أيهما رآه مصلحة كما في الكافي، وما في المتن ظاهر الرواية كما في الشروح، واعترض على رواية عن أبي يوسف بأني اللائق التحليف على السبب دائما، ولا اعتبار للتعريض، لانه لو وقع فعلى المدعي البينة، وإن عجز فعلى المدعى عليه اليمين.
وأجيب بأنه قد لا يقدر عليها والخصم ممن يقدم على اليمين الفاجرة، فاللائق التحليف على الحاصل كي لا يبطل الحق.
قال البرجندي: ما ذكره المعترض اعتراض على قول أبي يوسف بأنه لا فرق في ذلك بين التعريض وعدمه، وذا لا يندفع بهذا الجواب.
قوله: (أي بالله ما بينكما نكاح قائم) إدخال النكاح في المسائل التي يحلف فيها على الحاصل عندهما غفلة من صاحب الهداية والشارحين، لان أبا حنيفة لا يقول بالتحليف بالنكاح، إلا أن يقال: إن الامام فرع على قولهما كتفريعه في المزارعة على قولهما.
بحر.
أو يقال: إنه محمول على ما إذا كان مع النكاح دعوى المال كما نقل عن المقدسي، ولكن ذكره في اليعقوبية أيضا ثم قال: وهذا بعيد، لان الظاهر أنه يحلف عنده في تلك الصورة على(2/70)
عدم وجوب المال لا على عدم النكاح، فليتأمل.
ا ه.
قوله: (وما بينكما بيع قائم الآن) هذا قاصر، والحق ما في الخزانة من التفصيل.
قال المشتري: إذا ادعى الشراء فإن ذكر نقد الثمن فالمدعى عليه يحلف بالله ما هذا العبد ملك المدعي، ولا شئ منه بالسبب الذى ادعى، ولا يحلف بالله ما بعته، وإن لم يذكر المشتري نقد الثمن يقال له أحضر الثمن، فإذا أحضره استحلفه بالله ما يملك قبض هذا الثمن ولا تسليم هذا العبد من الوجه الذي ادعى، وإن شاء حلفه بالله ما بينك وبين هذا شراء قائم الساعة.
والحاصل: أن دعوى الشراء مع نقد الثمن دعوى المبيع ملكا مطلقا وليست بدعوى العقد، ولهذا تصح مع جهالة الثمن فيحلف على ملك المبيع، ودعوى البيع مع تسليم المبيع، ودعوى الثمن معنى وليست بدعوى العقد ولهذا تصح مع جهالة المبيع فيحلف على ملك الثمن.
قوله: (وما يجب عليك رده الآن) الصواب ما في الخلاصة: ما يجب عليك رده ولا مثله ولا بدله ولا شئ من ذلك انتهى.
وإلى بعض ذلك أشار الشارح بقوله أو بدله لان المغصوب لو كان هالكا لا يجب على
الغاصب رد عينه لتعذر ذلك، بل يجب عليه رد مثله لو مثليا أو قيمته لو قيميا، فلو حلفه بالله ما يجب عليك رده وكان ذلك بعد هلاكه وحلف على ذلك لم يحنث لعدم وجوب رده ح.
بل يحلفه بالله ما يجب عليك رده، ولا رد بدله ليعم حاله قيام المغصوب وهلاكه فلو ادعى عليه قيام المغصوب حلفه بالله ما يجب عليك رده، وإن ادعى عليه أن المغصوب قد هلك في يده ويريد تضمينه حلف بالله ما يجب عليك بدله، وإنما عبر بالبدل ليعم المثل لو مثليا والقيمة لو قيميا.
قوله: (وما هي بائن منك الآن) هذا في البائن الواحد، وأما إذا كان بالثلاث يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح الذي بينكما وفي الرجعي يحلف بالله تعالى ما هي طالق في النكاح الذي بينكما، وهو معنى قوله الآن قال الاسبيجابي: يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح الذي بينكما.
قوله: (وما بعت) أي أو ما غصبت أو ما طلقت لاحتمال أنه رده أو جدد النكاح بعد الابانة.
قال في البحر ولم يستوف المؤلف رحمه الله تعالى المسائل المفرعة على هذا الاصل، فمنها الامانة والدين وقد ذكرناهما.
وفي منية المفتي: المدعى عليه الالف يحلف بالله ما له قبلك ما يدعي ولا شئ منه، لانه قد يكون عليه الالف إلا درهما فيكون صادقا.
ا ه.
وفيما ذكره الاسبيجابي في التحليف على الوديعة إذا أنكرها المدعى عليه يحلف على صورة إنكاره بالله ليس له عندك شئ، ولا عليك دين وعند أبي يوسف بالله ما أودعه ولا باعه ولا أقرضه قصور، والصواب ما في الخزانة.
وفي دعوى الوديعة: إذا لم تكن حاضرة يحلف بالله ما له هذا المال الذي ادعاه في يديك وديعة ولا شئ منه، ولا له قبلك حق منه لانه متى استهلكها أو دل إنسانا عليها لا تكون في يديه ويكون عليه قيمتها فلا يكتفي بقوله في يديك بل يضم إليه ولا له قبلك حق منه احتياطا.
ا ه.
ومنها دعوى الملك المطلق: فإن كان في ملك منقول حاضر في المجلس يحلف بالله ما هذا العين(2/71)
ملك المدعي من الوجه الذي يدعيه ولا شئ منه، وإن كان غائبا من المجلس إن أقر المدعى عليه أنه في يده وأنكر كونه ملك المدعي كلف إحضاره ليشير إليه، وإن أنكر كونه في يده فإنه يستحلف بعد
صحة الدعوى ما لهذا في يديك كذا ولا شئ منه ولا شئ عليك ولا قبلك ولا قيمة وهي كذا ولا شئ منها.
كذا في الخزانة.
ومنها دعوى إجارة الضيعة أو الدار أو الحانوت أو العبد أو دعوى مزارعة في أرض أو معاملة في نخل بالله ما بينك وبين هذا المدعي إجارة قائمة تامة لازمة اليوم في هذا العين المدعي ولا له قبلك حق بالاجارة التي وصفت.
كذا في الخزانة.
ومنها: ما لو ادعت امرأة على زوجها أنه جعل أمرها بيدها وإنها اختارت نفسها وأنكر الزوج، فالمسألة على ثلاثة أوجه، إما أن ينكر الزوج الامر والاختيار جميعا وفيه لا يحلف على الحاصل بلا خلاف، لانه لو حلف ما هي بائن منك الساعة ربما تأول قول بعض العلماء: إن الواقع بالامر باليد رجعي، فيحلف على السبب، ولكنه يحتاط فيه للزوج بالله ما قلت لها منذ آخر تزوج تزوجتها أمرك بيدك، وما تعلم أنها اختارت نفسها بحكم ذلك الامر، وإن أقر بالامر وأنكر اختيارها يحلف بالله ما تعلم أنها اختارت نفسها، وإن أقر بالاختيار وأنكر الامر يحلف بالله ما جعلت أمر امرأتك هذه بيدها قبل أن تختار نفسها في ذلك المجلس، وكذا إن ادعت أن الزوج حلف بطلاقها ثلاثا أن لا يفعل كذا وقد فعل فهو على التفصيل.
كذا في الخزانة.
ومنها: أن ما ذكره في حلف البيع قاصر، والحق ما في الخزانة وقد قدمناه قريبا.
ومنها: في دعوى الكفالة إذا كانت صحيحة بأن ذكر أنها منجزة أو معلقة بشرط متعارف وأنها كانت بإذنه أو أجازها في المجلس، وإذا حلفه يحلفه بالله ما له قبلك هذه الالف بسبب هذه الكفالة التي يدعيها حتى لا يتناوله كفالة أخرى، وكذا إذا كانت كفالة بعرض بالله ما له قبلك هذا الثوب بسبب هذه الكفالة، وفي النفس بالله ما له قبلك تسليم نفس فلان بسبب هذه الكفالة التي يدعيها.
كذا في الخزانة.
ومنها: تحليف المستحق.
قال في الخزانة: رجل أعار دابة أو أجرها أو أودعها فجاء مدع وأقام بينة أنها له لا يقضي له بشئ حتى يحلف بالله ما بعت ولا وهبت ولا أذنت فيهما ولا هي خارجة عن ملكك للحال.
ومنها: إذا ادعى غريم الميت إيفاء الدين له وأنكر الوارث يحلف ما تعلم أنه قبضه، ولا شئ منه ولا برئ إليه منه.
كذا في الخزانة وقدمنا كيفية تحليف مدعيه على الميت.
وفي جامع الفصولين أقول: قوله: ولا برئ الخ لا حاجة إليه لانه يدعي الايفاء لا البراءة فلا وجه لذكره في التحليف إ ه.
وأوجبت عنه فيما كتبناه عليه بجواز أن الميت أبرأه ولم يعلم المديون أنه لا يتوقف على قبوله إ ه.
أقول: وأجاب عنه أيضا في نور العين حيث قال قوله: لا حاجة إليه محل نظر، لان المدعي هو إيفاء مجموع الدين، فلو أريد تسويته بالمحلوف عليه لاكتفى في الحلف بلفظ ما تعلمون أن أباكم قبضه فزيادة لفظ ولا شئ منه تدل قطعا على أن المراد إنما هو دفع جميع الوجوه المحتملة في جانب المورث نظرا للغريم وشفقة عليه، ويجوز أن يكون وجه زيادة، ولا برئ إليه احتمال أن الغريم تجوز، فأراد بالايفاء الابراء نظرا إلى اتحاد مآلها وهو خلاص الذمة إ ه.(2/72)
وفي البحر أيضا: ومنها في دعوى الاتلاف، قال في الخزانة: ادعى على آخر أنه خرق ثوبه، واحضر معه إلى القاضي لا يحلفه ما خرقت لاحتمال أنه خرقه وأداه ضمانه ثم ينظر في الخرق إن كان يسيرا وضمن النقصان يحلف ما له عليك هذا القدر من الدراهم التي تدعي، ولا أقل منه وإن لم يكن الثوب حاضرا كلفه القاضي بيان قيمته، ومقدار النقصان ثم تترتب عليه اليمن وكذلك هذا في هدم الحائط أو فساد متاع أو ذبح شاة أو نحوه اه.
ثم اعلم أنه تكرر منهم في بعض صور التحليف تكرار، لا في لفظ اليمين خصوصا في تحليف مدعي دين على الميت فإنها تصل إلى خمسة، وفي الاستحقاق إلى أربعة مع قولهم في كتاب الايمان: اليمين تتكرر بتكرار حرف العطف، مع قوله: لا، كقوله: لا آكل طعاما ولا شرابا، ومع قولهم هنا في تغليظ اليمين: يجب الاحتراز عن العطف، لان الواجب يمين واحدة فإذا عطف صارت إيمانا، ولم أر عنه جوابا بل ولا من تعرض له ا ه.
قال الرملي: إذا تأمل المتأمل وجد التكرار لتكرار المدعي فليتأمل.
إ ه: يعني أن المدعي وإن ادعى
شيئا واحدا في اللفظ لكنه مدع لاشياء متعددة ضمنا فيحلف الخصم عليها احتياطا.
قوله: (خلافا للثاني) فقال: اليمين تستوفى لحق المدعي فيجب مطابقتها لدعواه والمدعي هو السبب، إلا إذا عرض المدعى عليه بما ذكرنا بأن يقول المطلوب عند طلب يمينه قد يبيع الشخص شيئا ثم يقايل فيحلف حينئذ على الحاصل ط.
وقدمنا الكلام عليه مستوفى.
قوله: (نظرا للمدعى عليه) أي كما هو نظر للمدعي.
وهذا تعليل لقول الامام والثالث، وهو ما مشى عليه في المتن من التحليف على الحاصل: يعني إنما يحلفه على الحاصل، لا على السبب لاحتمال طلاقه بعد النكاح وإقالته بعد البيع: أي وأدائه أو إبرائه بعد الغصب، وتزوجه بعد الابانة ولو بعد زوج آخر في الحرمة الغليظة، فلو حلف على السبب لكان حانثا، ولو ادعى الواقع بعد السبب لكلف إثباته فيتضرر بذلك، فكان في التحليف على الحاصل نظر للمدعى عليه.
قوله: (لاحتمال طلاقه) أي في دعوى النكاح.
قوله: (وإقالته) أي في البيع وإدانته أو إبرائه بعد الغصب وتزوجه بعد الابانة.
والحاصل: أن اليمين كما تقدم شرعت لرجاء النكول، فإذا حلف على السبب الذي يرتفع برافع فنكل وأقر بالسبب ثم ادعى الرافع لا يقبل منه قيتضرر، بخلاف ما إذا حلف على الحاصل فإن فيه نظرا إليها.
قوله: (على السبب) بأن يحلفه بالله ما اشتريت هذه الدار وما هي مطلقة منك بائنا في العدة، وتقدم تفصيله موضحا فارجع إليه.
قوله: (كدعوى شفعة بالجوار ونفقة مبتوتة) قيد بهما لان في الشفعة بالشركة ونفقة الرجعي يستحلف على الحاصل عندهما، وعند أبي يوسف على السبب إلا إذا عرض كما سبق.
أبو السعود.
قوله: (لكونه شافعيا) ظاهر كلام الخصاف والصدر الشهيد أن معرفة كون المدعى عليه شافعيا إنما هو بقول المدعي، ولو تنازعا فالظاهر من كلامهم أنه لا اعتبار بقول المدعى عليه.
بحر: أي سواء كان في جميع المسائل أو في هذه المسألة فقط، حتى لو كان حنفيا لحلف على السبب لاحتمال أن يقصد تقليد الشافعي في هذه المسألة عند الحلف، لان الشافعي يحلف على(2/73)
الحاصل معتقدا مذهبه أنها لا تستحق نفقة ولا شفعة مثلا فيضيع النفع، فإذا حلف أنه ما أبانها وما اشترى ظهر النفع، ورعاية جانب المدعي أولى، لان السبب إذا ثبت ثبت الحق واحتمال سقوطه
بعارض موهوم، والاصل عدمه حتى يقوم الدليل على العارض.
قال تاج الشريعة: حكى عن القاضي أبي علي النسفي أنه قال: خرجت حاجا فدخلت على القاضي أبي عاصم فإنه كان يدرس وخليفته يحكم، فوافق جلوسي أن امرأة ادعت على زوجها نفقة العدة وأنكر الزوج، فحلفه بالله ما عليك تسليم النفقة من الوجه الذي تدعي، فلما تهيأ الرجل ليحلف نظرت إلى القاضي، فعلم أني لماذا نظرت، فنادى خليفته فقال: سل الرجل من أي محلة هو؟ حتى إن كان من أصاب الحديث حلفه بالله ما هي معتدة منك، لان الشافعي لا يرى النفقة للمبتوتة، وإن كان من أصحابنا حلفه بالله ما لها عليك تسليم النفقة إليها من الوجه الذي تدعى نظرا لها أ ه.
قوله: (فيتضرر المدعي) فإن قلت: التحليف على السبب روعي فيه جانب المدعي، ولا نظر فيه للمدعى عليه لانه قد يثبت البيع والشراء، ولا شفعة بأن يسلمها المدعي أو يسكت عن الطلب.
والجواب: أن القاضي لا يجد بدا من إلحاق الضرر بأحدهما، ورعاية جانب المدعي أولى، لان سبب وجوب الحق له وهو الشراء إذا ثبت ثبت الحق له، وثبوته إنما يكون بأسباب عارضة فصح التمسك بالاصل حتى يقوم دليل على العارض كما قدمناه قريبا.
قوله: (وأما مذهب المدعي ففيه خلاف) فقيل لا اعتبار به أيضا، وإنما الاعتبار لمذهب القاضي، فلو ادعى شافعي شفعة الجوار عند حنفي سمعها وقيل لا.
قوله: (والاوجه أن يسأله) أي المدعي.
قوله: (هل تعتقد وجوب شفعة الجوار أو لا) فإن قال اعتقدها يحلف على الحاصل، وإن كان لا يعتقدها يحلف على السبب.
قوله: (واعتمده المصنف) أي تبعا للبحر: والذي يظهر القول بأنه لا اعتبار بمذهب المدعى عليه بل لمذهب القاضي كما هو أحد الاقوال الثلاثة، حتى لو ادعى شافعي شفعة الجوار عند حنفي سمعها ألا يرى أن أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا نحكم عليهم بمعتقدنا فهذا أولى فليتأمل.
على أن قضاة زماننا مأمورون بالحكم بمذهب سيدنا أبي حنيفة رحمه الله تعالى من السلطان عز نصره.
قوله: (لعدم تكرر رقه) لان المرتد لا يسترق وإن لحق بدار الحرب، لانه لو ظفر به فموجبه القتل فقط إن لم يسلم كما مر في بابه، والظاهر أنه يكتفي بإسلامه حال ادعوى عملا باستصحاب الحال كما في مسألة الطاحون.
قوله: (على الحاصل) فيحلف السيد على أنه بينكما عتق قائم الآن لا ما أعتقته لجواز أنه أعتقه فلحق ثم عاد إلى
رقه فيتضرر بصورة هذا اليمين، وكذا يقال في الامة ط.
قوله: (وصح فداء اليمين) أي بمثل المدعي، أو أقل.
حموي.
مثاله إذا توجه حلف على المدعى عليه أعطى المدعي مثل المدعي أو أقل صح.
قوله:(2/74)
(والصلح منه) أي على شئ أقل من المدعي، لان مبنى الصلح على الحطيطة.
حموي.
فيكون الفداء أعم من الصلح وحينئذ فيحتاج إلى نكتة، وظاهر ما قرره الشارح أن أخذ المال في الفداء والصلح عن اليمين إنما يحل إذا كان المدعي محقا ليكون المأخوذ في حقه بدلا كما في الصلح عن إنكار، فإن كان مبطلا لم يجز.
ا ه.
بحر.
قوله: (لحديث ذبوا عن أعراضكم بأموالكم) قال الحموي: لما روي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه افتدى يمينه بمال، وكذا عثمان رضي الله تعالى عنه افتدى يمينه حين ادعى عليه أربعون درهما، فقيل ألا تحلف وأنت صادق؟ فقال أخاف أن يوافق قدر يميني فيقال هذا بيمينه الكاذبة.
ولان فيه صون عرضه وهو مستحسن عقلا وشرعا، ولانه لو حلف يقع في القيل والقال، فإن الناس بين مصدق ومكذب، فإذا افتدى بيمينه فقد صان عرضه وهو حسن.
قال عليه الصلاة والسلام ذبوا عن أعراضكم بأموالكم.
قوله: (أي ثابت) الاولى أن يقال: أي لازم من جهة الحزم والمروءة وصيانة العرض: أي متأكد الفعل بمنزلة الواجب العرفي لا الشرعي كما هو المتبادر من العبارة.
نعم هو غير واجب شرعا لما علل به.
قوله: (بدليل جواز الحلف صادقا) وقد وقع من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تعليما وتشريعا.
قوله: (ولا يحلف) بالتشديد من التحليف: أي ليس للمدعي أن يحلفه بعده.
قوله: (لانه) أي لان المدعي أسقط حقه في اليمين بأخذ الفداء أو الصلح عنه.
قوله: (أسقط) الذي في البحر: لانه أسقط خصومته بأخذ المال منه.
قوله: (حقه) أي حق خصومته بأخذ المال منه.
قوله: (لو أسقطه أي اليمين) ذكر باعتبار كون اليمين قسما وإلا فهي مؤنثة.
قوله: (أو تركته عليه) الاوضح أو تركته لك ليناسب الخطاب قبله ولا يظهر التعبير بعلى.
قوله: (بخلاف البراءة عن المال) أي فإنها له فيستقل بالبراءة منه، وكذا عن الدعوى: أي فيصح لانه حقه.
قوله: (لان التحليف للحاكم) أي هو حق الحاكم، حتى لو حلفه المدعي، ولو عند الحاكم لا يعتبر كما تقدم فلا يصح الابراء عن حق غيره، وإنما صح في الفداء والصلح استحسانا على خلاف
القياس بالحديث الذي ذكره، ولان بالفداء والصلح يأخذه المدعي على أنه هو ما يدعيه على زعمه أو صلحا عنه فتسقط دعواه، فيسقط اليمين ضمنا لا قصدا.
قوله: (لعدم ركن البيع) وهو مبادلة المال بالمال فلم يجز، لكن لا يظهر تعليل الشارح فيما ذكر، لان الذي سبق له في أول البيع بأن المال محل البيع على أن عبارة الدرر خلية عن ذلك حيث قال: لان الشراء عقد تمليك المال بالمال، واليمين ليست بمال وحينئذ فعبارة الدرر أظهر.
فتأمل.
ولانه إسقاط لليمين قصدا والمدعي لا يملكه، لانه ليس حقا له بل للقاضي كما مر بخلاف الاول، فإن الفداء والصلح وقع عن المدعي وهو حق المدعي على زعمه.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن عند حاكم أو محكم لانه حينئذ غير معتبر، وكذا إذا كان عند أحدهما، لكن بتحليف المدعي لا الحاكم أو لم يبرهن لعدم ثبوت التحليف قوله: (فله تحليفه)(2/75)
أي تحليف المدعي لما سبق من أن التحليف للحاكم، فإذا وقع عند غيره لا يبنى عليه حكم دينوي.
قال في نور العين: أراد تحليفه فبرهن أن المدعي حلفني على هذه الدعوى عند قاضي كذا يقبل، ولو لا بينة له فله تحليف المدعي لانه يدعي بقاء حقه في اليمين، ولو ادعى أن المدعي أبرأني عن هذه الدعوى ليس له تحليفه إن لم يبرهن إذ المدعي بدعواه استحق الجواب على المدعى عليه، والجواب إما إقرار أو إنكار.
وقوله أبرأني الخ ليس بإقرار ولا إنكار فلا يسمع، ويقال له أجب خصمك ثم ادع ما شئت، وهذا بخلاف ما لو قال أبرأني عن هذا الالف فإنه يحلف، إذ دعوى البراءة عن المال إقرار بوجوبه والاقرار جواب، ودعوى الابراء مسقط فيترتب عليه اليمين.
ومنهم من قال: الصواب أن يحلف على دعوى البراءة كما يحلف على دعوى التحليف، وإليه مال مح، وعليه أكثر قضاة زماننا ا ه.
وعبارة الدرر: ولو لم يكن له بينة واستحلفه: أي أراد تحليف المدعي جاز انتهت.
وبه علم ما في عبارة الشارح من الايهام فتنبه.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
ونقل أيضا عن البحر عن البزازية: ولو قال المدعى عليه حين أراد القاضي تحليفه أنه حلفني على هذا المال عنه قاض آخر أو أبرأني عنه إن برهن قبل واندفع عنه الدعوى، وإلا قال الامام البزدوي: انقلب المدعي مدعى عليه، فإن نكل اندفع الدعوى، وإن حلف لزمه المال، لان دعوى
الابراء عن المال إقرار بوجوب المال عليه، بخلاف دعوى الابراء عن دعوى المال.
ا ه.
وظاهر هذا أن قول الشارح: وإلا فله تحليفه: أي وإلا يبرهن فله تحليفه: أي تحليف المدعي الاول تأمل.
قوله: (قلت ولم أر الخ) قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وجدت في هامش نسخة شيخنا بخط بعض العلماء ما نصه: قد رأيتها في أواخر القضاء قبيل كتاب الشهادة من فتاوى الكرنبشي معزيا الاول قضاء جواهر الفتاوى.
وعبارته: رجل ادعى على آخر دعوى وتوجهت عليه اليمين، فلما عرض القاضي اليمين عليه فقال: إني حلفت بالطلاق أن لا أحلف أبدا، والآن لا أحلف حتى لا يقع علي الطلاق، فإن القاضي يعرض عليه اليمين ثلاثا ثم يحكم عليه بالنكول ولا يسقط عنه اليمين بهذا اليمين ا ه.
قوله: (فليحرر) هو محرر لانه ناكل عن اليمين فيقضي عليه به، لان الذي تقدم أن الآفة إنما هي قيد في السكوت لا في قوله لا أحلف لو فرض إن هذا من الآفة.
وسبق عن العناية أن القاضي لا يجد بدا من إلحاق الضرر بأحدهما في الاستحلاف على الحاصل، أو على السبب، فمراعاة جانب المدعي أولى، فعلى هذا لا يعزر بدعواه بالحلف بالطلاق ويقضي عليه بالنكول، على أن ذلك يكون بالاولى، لانه هو الذي ألحق الضرر بنفسه بإقدامه على الحلف بالطلاق كما أفاده أبو السعود.
وأقول: لو كان ذلك حجة صحيحة لتحيل به كل من توجهت عليه يمين فيلزم ضياع حق المدعي ومخالفة نص الحديث واليمين على من أنكر فتدبر، والله تعالى أعلم واستغفر الله العظيم.
باب التحالف التحالف من الحلف بفتح الحاء: وهو القسم واليمين، فيكون معناه التقاسم، وأما الحلف بالكسر فهو العهد.
وفي البحر عن القاموس: تحالفوا تعاهدوا.
وفي المصباح: الحليف المعاهد، يقال(2/76)
منه: تحالفا: تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية، وليس بمراد هنا وإنما المراد حلف المتعاقدين عند الاختلاف، يريد به أن كلا منهما لم يذكر التحالف بمعنى التقاسم، وهذا اصطلاح جديد من الفقهاء، ولا يذهب عليك أن هذا غفلة عن دأب أهل اللغة، فإنهم يذكرون أصل المادة في كل كلمة ثم يفرعون عليها المزيدات تارة ولا يفرعون أخرى، وهنا كذلك حيث فرعوا بالمزيد
على الحلف بالكسر، ولم يفرعوا به على الحلف بالفتح تدرب كما لا يخفى.
قوله: (ذكر يمين الاثنين) ليناسب الوضع الطبع.
قوله: (في قدر ثمن) دخل فيه رأس المال في السلم كما دخل المسلم فيه في المبيع.
بحر.
قوله: (أو وصفه) بأن ادعى البائع أنه بدراهم رائجة وادعى المشتري أنه بدراهم فاسدة.
قوله: (أو جنسه) بأن ادعى البائع أنه بالدنانير والمشتري بالدراهم، وكذا لو اختلفا في جنس العقد كالهبة والبيع على المختار فيهما.
قوله: (أو في قدر مبيع) ولم يتعرض للاختلاف في وصفه أو جنسه لانه لا يوجب التحالف، بل القول فيه للبائع مع يمينه، صرح بالاول في الظهيرية على ما سنذكره إن شاء الله تعالى عند ذكر الشارح له، ولم أر من صرح بالثاني، ولكن يدخل تحت الاختلاف في أصل البيع.
تدبر.
قوله: (لانه نور دعواه بالحجة) وبقي في الآخر مجرد الدعوى والبينة أقوى لانها تلزم الحكم على القاضي، بخلاف الدعوى.
وفي البحر عن المصباح، البرهان: الحجة وإيضاحها.
قيل النون زائدة، وقيل أصلية.
وحكى الازهري القولين فقال في باب الثلاثي: النون زائدة، وقوله برهن فلان مولد، والصواب أن يقال أبرأه إذا جاء بالبرهان كما قال ابن الاعرابي.
وقال في باب الرباعي: برهن: إذا أتى بحجة ا ه.
قوله: (وإن برهنا فلمثبت الزيادة) بائعا كان أو مشتريا.
حموي.
إذ لا معارضة أي في الزيادة: أي إن برهن كل منهما في الصورتين حكم لمن أثبت الزيادة، وهو البائع إن اختلفا في قدر الثمن، والمشتري إن اختلفا في قدر المبيع، هذا مقتضى ظاهر كلامه.
وكذا إذا اختلفا في وصف الثمن أو جنسه، وبرهن كل على ما ادعاه حكم لمثبت وصف أو جنس اقتضى زيادة، وهذا مقتضى سياق كلامه وسياقه أيضا حيث صرح في بيان اختلاف الاجل بأن التحالف يجري في الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه.
تدبر.
قوله: (إذ البينات للاثبات) ومثبت الاقل لا يعارض مثبت الاكثر، ولان النافي منكر ويكفيه اليمين فلا حاجة لبينته، بخلاف مدعي الزيادة لانه مدع حقيقة، ولا يعطى بدعواه بلا برهان.
وفي الزيلعي، قال البائع بعتك هذه الجارية بعبدك هذا وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار وأقاما البينة، فبينة البائع أولى لانها تثبت الحق له فيه والاخرى تنفيه، والبينة للاثبات دون النفي.
قوله: (وإن اختلفا فيهما) أي الثمن والمبيع جميعا بأن ادعى البائع أكثر مما يدعيه المشتري من الثمن،
وادعى المشتري أكثر مما يقر البائع من المبيع في حالة واحدة، فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع، لان حجة البائع في الثمن أكثر إثباتا وحجة المشتري في المبيع أكثر إثباتا.
درر.
وصورة في العناية بما إذا قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشتري بعتنيها وأخرى معها بخمسين دينارا وأقاما البينة، فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع نظرا إلى إثبات الزيادة فهما جميعا للمشتري بمائة دينار.
قيل هذا قول أبي حنيفة آخرا، وكان يقول أولا وهو(2/77)
قول زفر: يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين دينارا.
قوله: (لو في الثمن) يجب إسقاط لو هنا، وفي قوله لو في المبيع ح.
لان في زيادة لو هنا في الموضعين خللا، وعبارة الهداية: ولو كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعا، فبينة البائع في الثمن أولى، وبينة المشتري في المبيع أولى نظرا إلى زيادة الاثبات.
مدني.
قوله: (في الصور الثلاث) فيهما أو في أحدهما.
قوله: (فإن رضي كل بمقالة الآخر فيها) بأن رضي البائع بالثمن الذي ذكره المشتري عند الاختلاف فيه أو رضي المشتري بالمبيع الذي ذكره البائع إن كان الاختلاف فيه، أو رضي كل بقول الآخر إن كان الاختلاف فيهما.
والاولى في التعبير أن يقول: فإن تراضيا على شئ بأن رضي البائع بالثمن الذي ادعاه المشتري، أو رضي المشتري بالمبيع الذي ادعاه البائع عند الاختلاف في أحدهما، أو رضي كل بقول الآخر عند الاختلاف فيهما، لان ما ذكره الشارح لا يشمل إلا صورة الاختلاف فيهما، فتأمل.
قول: (وإن لم يرض واحد منهما بدعوى الآخر تحالفا) قيد به للاشارة إلى أن القاضي يقول لكل منهما: إما أن ترضى بدعوى صاحبك وإلا فسخنا البيع، لان القصد قطع المنازعة، وقد أمكن ذلك برضا أحدهما بما يدعيه الآخر، فيجب أن لا يعجل القاضي بالفسخ حتى يسأل كلا منهما بما يختاره كما في الدرر، وهذا قياسي إن كان قبل القبض لان كلا منهما منكر، واستحساني بعده لان المشتري لا يدعي شيئا لان المبيع سلم له.
بقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكره، فكان يكفي حلفه لكن عرفناه بحديث إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا.
قال في الاشباه: ويستثنى من ذلك ما إذا كان المبيع عبدا فحلف كل بعتقه على صدق دعواه،
فلا تحالف ولا فسخ ويلزم البيع ولا يعتق، واليمين على المشتري كما في الواقعات.
ا ه.
ويلزم من الثمن ما أقر به المشتري لانه منكر الزيادة، لان البائع قد أقر أن العبد قد عتق.
قوله: (تحالفا) أي اشتركا في الحلف.
قهستاني.
وظاهر كلامهم وما سيأتي أنه يقع أيضا على الحلف منهما.
قوله: (ما لم يكن فيه خيار) أي لاحدهما.
قال الحموي: وأشار بعجزهما إلى أن البيع ليس فيه خيار لاحدهما ولهذا.
قال في الخلاصة: إذا كان للمشتري خيار رؤية أو خيار عيب أو خيار شرط لا يتحالفان.
ا ه.
والبائع كالمشتري وظاهره أنه يتعين عليه الفسخ، فلو أبى يجبر ويحرر.
والمقصود أن من له الخيار متمكن من الفسخ فلا حاجة إلى التحالف، ولكن ينبغي أن البائع إذا كان يدعي زيادة الثمن وأنكرها المشتري فإن خيار المشتري يمنع التحالف، وأما خيار البائع فلا.
ولو كان المشتري يدعي زيادة المبيع والبائع ينكرها فإن خيار البائع يمنعه لتمكنه من الفسخ، وأما خيار المشتري فلا، هذا ما ظهر لي تخريجا لا نقلا.
بحر.
وحاصله: أن من له الخيار لا يتمكن من الفسخ دائما فينبغي تخصيص الاطلاق.
قوله: (فيفسخ) لانه يستغني عن التحالف حينئذ.
قوله: (وبدأ) أي القاضي بيمين المشتري: أي في الصور الثلاث كما في شرح ابن الكمال، وكذا في صورتي الاختلاف في الوصف والجنس.
قوله: (لانه(2/78)
البادئ بالانكار) لانه يطالب أولا بالثمن وهو ينكره، ولاحتمال أن ينكل فتتعجل فائدة نكوله بإلزامه الثمن، ولو بدأ بيمين البائع فنكل تأخرت مطالبته بتسليم المبيع حتى يستوفي الثمن، وهذا ظاهر في التحالف في الثمن، أما في المبيع مع الاتفاق على الثمن فلا يظهر، لان البائع هو المنكر فالظاهر البداءة به، ويشهد له ما سيأتي أنه إذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر المدة بدئ بيمين المؤجر، وإلى ذلك أومأ القهستاني وبحث مثل هذا العلامة الرملي.
قوله: (هذا) أي البدء بيمين المشتري.
قوله: (مقايضة) وهي بيع سلعة بسلعة.
قوله: (أو صرفا) هو بيع ثمن بثمن.
قوله: (فهو مخير) لان كلا منهما فيهما مشتر من وجه فاستويا فيخير القاضي، ولانهما يسلمان معا فلم يكن أحدهما سابقا.
قوله: (وقيل يقرع ابن ملك) هذا راجع إلى ما قبل فقط لا إلى المقايضة والصرف لانه لم يحك فيهما خلافا.
قال العيني: وبدأ بيمين المشتري عند محمد وأبي يوسف وزفر وهو رواية عن أبي حنيفة، وعليه الفتوى، وعن أبي يوسف أنه يبدأ بيمين البائع وهو رواية عن أبي حنيفة، وقيل يقرع بينهما في البداءة ا ه.
قوله: (ويقتصر على النفي) بأن يقول البائع والله ما باعه بألف ويقول المشتري والله ما اشتراه بألفين ولا يزيد الاول ولقد بعته بألفين ولا يزيد الثاني ولقد باعني بألف، لان الايمان على ذلك وضعت، ألا ترى أنه اقتصر عليه في القسامة بقولهم ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا.
والمعنى: أن اليمين تجب على المنكر وهو النافي فيحلف على هيئة النفي إشعارا بأن الحلف وجب عليه لانكاره، وإنما وجب على البائع والمشتري، لان كلا منهما منكر.
قوله: (في الاصح) إشارة إلى تضعيف ما في الزيادات بضم الاثبات إلى النفي تأكيدا، وعبارته: يحلف البائع بالله ما باعه بألف ولقد باعه بألفين، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف.
قال في المنح: والاصح الاقتصار على النفي لان الايمان على ذلك وضعت.
قوله: (بطلب أحدهما) وهو الصحيح، لانهما لما حلفا لم يثبت مدعي كل منهما فبقي بيعا بثمن مجهول، فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة.
وفرع عليه في المبسوط بقوله: فلو وطئ المشتري الجارية المبيعة بعد التحالف، وقبل الفسخ يحل لانها لم تخرج عن ملكه ما لم يفسخ القاضي.
درر.
وفسخ القاضي ليس بشرط، حتى لو فسخاه انفسخ، لان الحق لهما، وظاهره أن فسخ أحدهما لا يكفي وإن اكتفى بطلبه.
بحر وحموي.
وقوله في الدرر: لو وطئ المشتري الجارية الخ يفيد أن وطأه لا يمنع من ردها بعد الفسخ للتحالف، بخلاف ما لو ظهر بها عيب قديم بعد الوطئ حيث لا يملك ردها، وإنما يرجع بالنقصان إلا إذا وطئ لاختبار بكارتها فوجدها ثيبا ونزع من ساعته ولم يلبث ا ه.
فيفرق بين هذا واللعان، وهو أن الزوجين إذا تلاعنا فالقاضي يفرق بينهما طلبا التفريق أو لم يطلباه، لان حرمة المحل قد ثبتت شرعا للعان على ما قاله عليه الصلاة والسلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وهذه الحرمة حق الشرع، وأما العقد وفسخه فحقهما بدليل قوله عليه الصلاة والسلام تحالفا وترادا.
قوله: (أو طلبهما) لا
حاجة إليه لعلمه بالاولى.
قوله: (ولا ينفسخ بالتحالف) في الصحيح: أي بدون فسخ القاضي لانهما لما حلفا لم يثبت مدعاهما فيبقى بيعا مجهولا فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة، أو أنه لما لم يثبت بدل(2/79)
يبقى بيعا بلا بدل، وهو فاسد في رواية، ولا بد من الفسخ في الفاسد ا ه.
حموي.
قوله: (ولا بفسخ أحدهما) لبقاء حق الآخر ولا ولاية لصاحبه عليه، بخلاف القاضي فإن له الولاية العامة.
قوله: (بل بفسخهما) أي بلا توقف على القاضي لان لهما الفسخ بدون اختلاف فكذا معه، فكما ينعقد البيع بتراضيهما ينفسخ به ولا يحتاج إلى قضاء.
قال في البحر: وظاهر ما ذكره الشارحون أنهما لو فسخاه انفسخ بلا توقف على القاضي، وإن فسخ أحدهما لا يكفي وإن اكتفى بطلب أحدهما.
قوله: (لزمه دعوى الآخر) لانه جعل باذلا فلم تبق دعواه معارضة لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته.
منح: أي بثبوت مدعي الآخر.
قوله: (بالقضاء) متعلق بقوله لزم: أي لا بمجرد النكول، بل إذا اتصل به القضاء.
قال في التبيين: لانه بدون اتصال القضاء به لا يوجب شيئا، أما على اعتبار البذل فظاهر، وأما على اعتبار أنه إقرار فلانه إقرار فيه شبهة البذل فلا يكون موجبا بانفراده.
ا ه.
قوله: (والسلعة قائمة) احتراز عما إذا هلكت وسيأتي متناف.
قوله: (وهذا كله) أي من التحالف والفسخ.
قوله: (كاختلافهما في الزق) أي الظرف بأن باعه التمر في زق ووزنه مائة رطل ثم جاءز بالزق فارغا ليرده على صاحبه وزنه عشرون فقال البائع ليس هذا زقي وقال المشتري هو زقك، فالقول قول المشتري سواء سمى لكل رطل ثمنا أو لم يسم، فجعل هذا اختلافا في المقبوض.
وفيه القول قول القابض، وإن كان في ضمنه اختلاف في الثمن لم يعتبر في إيجاب التحالف لان الاختلاف فيه وقع مقتضى اختلافهما في الزق.
قوله: (فالقول للمشتري) لان القول قول القابض أمينا كان أو ضمينا.
قوله: (ولا تحالف) وإن لزم في ضمنهما الاختلاف في الثمن فالبائع يجعله تسعين والمشتري ثمانين، لكنه ليس مقصودا، بل وقع في ضمن اختلافهما في الزق.
وفي البحر من البيع الفاسد: ولو رد المشتري الزق وهو عشرة أرطال فقال البائع الزق غيره وهو خمسة أرطال فالقول قول المشتري مع يمينه، لانه إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض فالقول قول
القابض ضمينا كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في الثمن فيكون القول للمشتري لانه ينكر الزيادة ا ه.
قوله: (كما لو اختلفا في وصف المبيع) محترز قوله سابقا أو وصفه أي الثمن.
والحاصل: أنهما إذا اختلفا في الوصف فإن كان وصف الثمن تحالفا وإن كان وصف المبيع فالقول للبائع ولا تحالف.
قوله: (فالقول للبائع ولا تحالف) لان اختلافهما ليس في البدل، لكن المشتري يدعي اشتراط أمر زائد والبائع ينكره والقول للمنكر بيمينه.
قوله: (لكونه لا يختل به قوام العقد) لانه اختلاف في غير المعقود عليه وبه فأشبه الاختلاف في الحط والابراء.
قوله: (نحو أجل) أطلقه فشمل الاختلاف في أصله وقدره، فالقول لمنكر الزائد، بخلاف ما لو اختلفا في الاجل في(2/80)
السلم فإنهما يتحالفان كما قدمناه في بابه وخرج الاختلاف في مضيه فإن القول فيه للمشتري، لانه حقه وهو منكر استيفاء حقه.
كذا في النهاية.
بحر.
قال في البدائع: وقوله والاجل: أي في أصله أو في قدره أو في مضيه أو في قدره ومضيه، ففي الاولين: القول قول البائع مع يمينه.
وفي الثالث: القول قول المشتري.
وفي الرابع: القول قول المشتري في المضي وقول البائع في القدر.
وباقي التفصيل فيها وفي غاية البيان.
ومنه: ما لو ادعى عليه أنه اشترى بشرط كونه كاتبا أو خبازا فلا حاجة إلى تقديمه.
وفي البحر أيضا: ويستثنى من الاختلاف في الاجل ما لو اختلفا في الاجل في السلم بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر، فإن القول فيه لمدعيه عند الامام لانه فيه شرط وتركه فيه مفسد للعقد وإقدامهما عليه يدل على الصحة، بخلاف ما نحن فيه لانه لا تعلق له بالصحة والفساد فيه، فكان القول لنا فيه.
ا ه.
وفيه عن الظهيرية: قال محمد بن الحسن في رجلين تبايعا شيئا واختلفا في الثمن فقال المشتري اشتريت هذا الشئ بخمسين درهما إلى عشرين شهرا على أن أؤدي إليك كل شهر درهمين ونصفا وقال البائع بعتكه بمائة درهم إلى عشرة أشهر على أن تؤدي إلي كل عشرة دراهم وأقاما البينة.
قال محمد: تقبل شهادتهما ويأخذ البائع من المشتري ستة أشهر كل شهر عشرة وفي الشهر السابع سبعة ونصفا ثم يأخذ بعد ذلك كل شهر درهمين ونصفا إلى أن تتم له مائة، لان المشتري أقر له بخمسين
درهما على أن يؤدي إليه كل شهر درهمين ونصفا، وبرهن دعواه بالبينة وأقام البائع البينة بزيادة خمسين على أن يأخذ من هذه الخمسين مع ما أقر له به المشتري في كل شهر عشرة، فالزيادة التي يدعيها البائع في كل شهر سبعة ونصف، وما أقر به المشتري له في كل شهر درهمان ونصف فإذا أخذ في كل شهر عشرة فقد أخذ في كل ستة أشهر مما ادعاه خمسة وأربعين ومما أقر به المشتري خمسة عشر.
بقي إلى تمام ما يدعيه من الخمسين خمسة، فيأخذها البائع مع ما يقر به المشتري في كل شهر، وذلك سبعة ونصف ثم يأخذ بعد ذلك في كل شهر درهمين ونصفا إلى عشرين شهرا حتى تتم المائة.
وهذه مسألة عجيبة يقف عليها من أمعن النظر فيما ذكرناه ا ه.
قوله: (وشرط رهن) أي بالثمن من المشتري.
قوله: (أو خيار) فالقول لمنكره على المذهب، وقد ذكر القولين في باب خيار الشرط، والمذهب ما ذكروه هنا لانهما يثبتان بعارض الشرط، والقول لمنكر العوارض.
بحر.
ولا فرق بين أصل شرط الخيار، وقدره عند علمائنا الثلاثة ويتحالفان عند زفر والشافعي ومالك كما في البناية.
قوله: (أو ضمان) أي ضمان الثمن بأن قال بعتكه بشرط أن يتكفل لي بالثمن فلان وأنكر المشتري، ومثله ضمان العهدة.
حموي.
فالقول قول المنكر.
قوله: (وقبض بعض ثمن) أو حط البعض أو إبراء الكل وقيد بالبعض مع أن كل الثمن كذلك لدفع وهم، وهو أن الاخلاف في أصل بعض الثمن لما أوجب التحالف كما سبق ذهب الوهم إلى أن الاختلاف في قبض بعضه يوجب ب التحالف أيضا فصرح بذكره دفعا له كما في البرجندي، فظهر أن القيد ليس للاحتراز بل لدفع الوهم وأراد بالقبض الاستيفاء، فيشمل الاخذ والحط والابراء ولو كلا، كما في معراج الدراية.
قوله: (والقول للمنكر بيمينه) لانه اختلاف في غير المعقود عليه وبه فأشبه الاختلاف في الحط والابراء، وهذا لان بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد، بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنس فإنه بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف، لان ذلك يرجع إلى نفس الثمن، فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف، ولا كذلك الاجل فإنه ليس بوصف، ألا(2/81)
ترى أن الثمن موجود بعد مضيه فالقول لمنكر الخيار والاجل مع يمينه، لانهما يثبتان بعارض الشرط والقول لمنكر العوارض.
بحر.
قال العلامة المقدسي: ولان أصل الثمن حق البائع والاجل حق المشتري، ولو كان وصفا له لتبع الاصل وكان حقا للبائع، ولقائل أن يقول: هذا خلاف المعقول، لانه استدلال ببقاء الموصوف على بقاء الصفة، والصفة قد تزول مع بقاء الموصوف بأن تنزل صفاته، فعندكم البيع يقع بثمن ثم يزاد أو ينقص مع بقائه.
ا ه.
تأمل.
قوله: (وقال زفر والشافعي: يتحالفان) أي في المسائل الثلاثة وهي الاجل والشرط وقبض بعض الثمن، وعليه صاحب المواهب بقوله: وإن اختلفا في الاجل أو شرط أو قبض الثمن لم يتحالفا عندنا واكتفيا بيمين المنكر، حيث أشار بعندنا إلى خلاف مالك والشافعي، وباكتفيا إلى خلاف زفر، فكان على الشارح أن يزيد مالكا، وجعل العيني الخلاف قاصرا على الاجل حيث قال: وعند زفر والشافعي ومالك يتحالفان في الاجل إذا اختلفا في أصله وقدره.
قوله: (بعد هلاك البيع) أي عند المشتري، إما إذا هلك عند البائع قبل قبضه انفسخ البيع ط ومعراج، وأفاد أنه في الاجل وما بعده لا فرق بين كون الاختلاف بعد الهلاك أو قبله.
قوله: (أو تعيبه بما لا يرد به) هذا داخل في الهلاك لانه منه.
تأمل.
ثم إن عباراتهم هكذا، أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب قال في الكفاية: بأن زاد زيادة متصلة أو منفصلة إ ه: أي زيادة من الذات كسمن وولد وعقر.
قال في غرر الافكار: أو تغير إلى زيادة منشؤها الذات بعد القبض متصلة كانت أو منفصلة كولد وأرش وعقر، وإذا تحالفا عند محمد يفسخ على القيمة، إلا إذا اختار المشتري رد العين مع الزيادة، ولو لم تنشأ من الذات سواء كانت من حيث السعر أو غيره كانت قبل القبض أو بعده يتحالفات اتفاقا، ويكون الكسب للمشتري اتفاقا: إ ه.
قال الرملي: وقد صرحوا بأن الزيادة المتصلة بالمبيع التي تتولد من الاصل مانعة من الرد كالغرس والبناء وطحن الحنطة وشي اللحم وخبر الدقيق، فإذا ژجد شئ من ذلك لا تحالف عندهما، خلافا لمحمد، والله تعالى أعلم.
لم يذكر غالب الشارحين وأصحاب الفتاوى اختلافهما بعد الزيادة ولا بعد موت المتعاقدين أو أحدهما، مع شدة الحاجة إلى ذلك، وقد ذكر ذلك مفصلا في التاترخانية فارجع إليبه إن شئت، ثم بحثت في الكتب فرأيت ابن ملك قال في شرح المجمع: اعلم أن مسألة التغير مذكورة في المنظومة
وقد أهملها المصنف، ثم تغيره إلى زيادة إن كان من حيث الذات بعد القبض متصلة كانت أو منفصلة، متولدة من عينها كالولد أو بدل العين كالارض والعقر يتحالفان عند محمد خلافا لهما، وإذا تحالفا يترادان القيمة عنده، إلا إن شاء المشتري أن يرد العين مع الزيادة، وقيل: يترادان إن رضي المشتري أو لا.
قيدنا الزيادة بقولنا من حيث الذات، لانها لو كانت من حيث السعر يتحالفان، سواء كان قبل القبض أو بعده، وقيدنا بقولنا متولدة من عينها، لانها لو لم تكن كذلك يتحالفان اتفاقا، ويكون الكسب للمشتري عندهم جميعا.(2/82)
وفي التاترخانية: وفي التجريد: وإن وقع الاختلاف بين ورثتهما أو بين ورثة أحدهما وبين الحي: فإن كان قبل قبض السلعة يتحالفان بالاجماع، وفي شرح الطحاوي: إلا أن اليمن على الورثة على العلم.
وإن كان القبض فكذلك عند محمد، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف يتحالفان، وفي شرح الطحاوي: والقول قول المشتري أو قول ورثته بعد وفاته.
وفيها وفي الخلاصة: رجل اشترى شيئا فمات البائع أو المشتري ووقع الاختلاف في الثمن بين الحي وورثة الميت إن مات البائع، فإن كانت السلعة في يد الورثة يتحالفان، وإن كانت السلعة في يد الحي لا يتحالفان عندهما.
وقال محمد: يتحالفان، هذا إذا مات البائع، فإن مات المشتري والسلعة في بد البائع يتحالفان عند الكل، وإن كانت السلعة في يد ورثة المشتري عندهما لا يتحالفان، وعلى قول محمد يتحالفان وهلاك العاقد بمنزلة المعقود عليه، وممن ذكر مسألة بالزيادة والنقص الاختيار والمنهاج والتغير بالعيب الدرر والغرر، والله تعالى أعلم.
واقعة الحال: اختلف المشتري مع الوكيل بقبض الثمن، هل يجري التحالف بينهما؟ وقد كتبت الجواب: لا يجري إذ الوكيل بالقبض لا يحلف وإن ملك الخصومة عند الامام فيدفع الثمن الذي أقر به له، وإذا حضر الموكل المباشر للعقد وطلبه بالزيادة يتحالفان حينئذ إ ه.
ثم إن الشارح تبع الدرر.
ولا يخفى أن ما قالوه أولى لما علمت من شموله العيب، وغيره.
تأمل.
قوله: (وحلف المشتري) لانه ينكر زيادة الثمن، فلو ادعى البائع أن ما دفعه إليه بعض منه هو المبيع والباقي وديعة ينبغي أن يكون
القول فوله لانه منكر لتمليك الباقي، وليراجع.
قوله: (إلا إذا استهلكه البائع الخ) أي فإنهما يتحالفان لقيان القيمة مقام العين، بخلاف ما إذا كان المستهلك المشتري فإنه يجعل قابضا باستهلاكه ويلزمه المبيع، وصار كما لو هلك في يده فلا تحالف، والقول له في أنكار الزيادة بيمينه، ولو استهلكه البائع كان فسخا للبيع كما لو هلك بنفسه، فلا حاجة إلى التحالف، ولذا قاضي زاده في قوله بعد هلاك المبيع: لو عند المشتري، وأراد بغير المشتري الاجنبي فإنهما يتحالفان على قيمة المبيع كما في التبيين والبحر.
قوله: (وقال محمد والشافعي يتحالفان ويفسخ على قيمة الهالك) وهل تعتبر قيمته يوم التلف أو القبض أو أقلهما يراجع.
قوله: (وهذا) أي الاقتصار على يمين المشتري.
قوله: (لو الثمن دينا) بأن كان دراهم أو دنانير أو مكيلا أو موزونا، وإن كان عينا بأن كان العقد مقايضة فاختلفا بعد هلاك أحد البدلين يتحالفان بالاتفاق كما صرح به الشارح.
قوله: (فلو مقايضة تحالفا) وإن اختلفا في كون البدل دينا أو عينا إن ادعى المشتري إنه كان عينا يتحالفان عندهما، وإن ادعى البائع أنه كان عينا وادعى المشتري أنه كان دينا لا يتحالفان، والقول قول المشتري كفاية.
قوله: (لان المبيع كل منهما) أي فكان العقد قائما ببقاء الباقي منهما.
قوله: (ويرد مثل الهالك) إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا.
قوله: (كما لو اختلفا في جنس الثمن الخ) كألف درهم وألف دينار، وهذا تشبيه بالمقايضة فإنهما يتحالفان بلا خلاف، وإنما كان كذلك لانهما لم يتفقا على ثمن، فلا بد من التحالف ف للفسخ كما في البحر، وبهذا تعلم أن الاختلاف في جنس الثمن كالاختلاف في قدره، إلا في مسألة وهي ما إذا كان المبيع هالكا.(2/83)
والحاصل: أنه إذا هلك المبيع لا تحالف عندهما خلافا لمحمد إذا كان الثمن دينا، واختلفا في قدره أو وصفه، أما إذا اختلفا في جنسه أو لم يكن دينا فلا خلاف في التحالف.
قوله: (ولا تحالف بعد هلاك بعضه) أي هلاكه بعد القبض كما سيذكره قريبا، لان التحالف بعد القبض ثبت بالنص على خلاف القياس، وورلاد الشرع به في حال قيام السلعة، والسلعة اسم لجميعها فلا تبقى بعد فوات جزء منها، ولا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن، ولا بد من القسمة على قيمتهما،
والقيمة تعرف بالظن والحزر فيؤدي إلى التحليف مع الجهل وذلك لا يجوز.
قوله: (عند المشتري) أي قبل نقد الثمن.
قوله: (بعد قبضهما) فلو قبله يتحالفان في موتهما وموت أحدهما، وفي الزيادة لوجود الانكار من الجانبين.
كفاية.
ولو عند البائع قبل القبض تحالفا على القائم عندهم.
قوله: (لم يتحالفا عند أبي حنيفة) أي والقول قول المشتري بيمينه، لان التحالف مشروط بعد القبض بقيام السلعة وهي اسم لجميع المبيع كما تقدم، فإذا هلك بعضه انعدم الشرط.
وقال أبو يوسف: يتحالفان في الحي ويفسخ العقد فيه، ولا يتحالفان في الهالك، ويكون القول في ثمنه قول المشتري، وقال محمد: يتحالفان عليهما ويفسخ العقد فيهما، ويرد الحي وقيمة الهالك كما في العيني.
قوله: (إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك أصلا) أي لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا، ويجعل الهالك كأن لم يكن وكأن العقد لن يكن، إلا على الحي فحينئذ يتحالفان في ثمنه ويكون الثمن كله في مقابلة الحي، وبنكول أيهما لزم دعوى الآخر كما في غرر الافكار.
قوله: (يتحالفان) أي على ثمن الحي فإن حلفا فسخ العقد فيه وأخذه، ولا يؤخذ من ثمن الهالك ولا في قيمته شئ، وأيهما نكل لزمه دعوى الآخر كما في التبيين.
قوله: (هذا على تخريج الجمهور) أي صرف الاستثناء إلى التحالف، ولفظ المبسوط يدل على هذا، لان المستثنى منه عدم التحالف حيث قال: لم يتحالفا إلا أن يرضى الخ.
قوله: (وصرف مشايخ بلخ الاستثناء) أي المقدر في الكلام، لان المعنى ولا تحالف بعد هلاكه بعضه بل اليمين على المشتري.
قال في غرر الافكار بعد ذكره ما قدمناه، وقيل: الاستثناء ينصرف إلى حلف المشتري المفهوم من السياق يعني يأخذ من ثمن الهالك قدر ما أقر به المشتري وحلف، لا الزائد إلا أن يرضى البائع أن يأخذ القائم، ولا يخاصمه في الهالك، فحينئذ لا يحلف المشتري إذا البائع أخذ القائم صلحا عن جميع ما ادعاه على المشتري، فلم يبق حاجة إلى تحليف المشتري.
وعن أبي حنيفة أنه يأخذ من ثمن الهالك ما أقر به المشتري لا الزيادة، فيتحالفان ويترادان في القائم إ ه.
قوله: (إلى يمين المشتري) اعلم أن المشايخ اختلفوا في هذا الاستثناء، فالعامة على أنه منصرف إلى التحالف، لانه المذكور في كلام القدوري، فتقدير الكلام: لم يتحالفا إلا إذا ترك البائع حصة الهالك فيتحالفان.
وقال بعضهم: إنه منصرف إلى يمين المشتري المقدر في الكلام، لان المعنى: ولا تحالف بعد هلاك
بعضه بل اليمين على المشتري إلا أن يرضى الخ: أي فحينئذ لا يمين على المشتري، لانه لما أخذ البائع بقول المشتري وصدقه لا يحلف المشتري، ويكون القول قوله بلا يمين، وهذا إنما يظهر أن لو كان الثمن مفصلا أو كانت قيمة العبدين سواء أو متفاوتة معلومة، أما إذا كانت قيمة الهالك مجهولة(2/84)
وتنازعا في القدر المتروك لها فلم أره، والظاهر أن القول قول المشتري في تعيين القدر ويحرر.
ط.
والحاصل: أنه إذا هلك بعض المبيع أو أخرجه المشتري عن ملكه لا تحالف، والقول للمشتري بيمينه إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك فيتحالفان، فيحلف البائع أنه ما باعه بما يقول للمشتري، ويحلف المشتري بأنه ما اشتراه بما يقوله البائع ويفسخ العقد بينهما، ويأخذ البائع القائم فقط ولا شئ له سواه، لانه رضي بإسقاط حصة الهالك هذا ما تفيده عبارة المبسوط، وجعله الشارح تبعا للزيلعي تخريج الجمهور، والذي تفهمه عبارة الجامع الصغير، اختاره مشايخ بلخ عدم التحالف مطلقا، وأن القول للمشتري بيمينه إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك، وأخذ القائم صلحا عما يدعيه من جملة الثمن ولا شئ له سواه لرضاه به، والله تعالى أعلم.
قوله: (ولا في قدر بدل كتابة) أي إذا اختلف المولى والمكاتب، فلا تحالف عند الامام لان التحالف في المعاوضات اللازمة، وبدل الكتابة غير لازم على المكاتب مطلقا فلم يكن في معنى البيع، ولان فائدة النكول ليقضى عليه، والمكاتب لا يقضى عليه، ولان البدل في الكتابة مقابل بفك الحجر، وهو ملك التصرف واليد فيه للحالف وقد سلم ذلك له ولا يدعي على مولاه شيئا، وقد بينا أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس فلا يتحالفان، فيكون القول قول العبد لكونه منكرا، وإنما يصير مقابلا بالعتق عند الاداء وقبله لا يقابله أصلا.
فتعليل الشارح تبع فيه المصنف حيث علل للامام القائل بعدم التحالف في الكتابة بأن التحالف في المعاوضات اللازمة وبدل الكتابة غير لازم على المكاتب مطلقا، فلم يكن في معنى البيع.
وقالا: يتحالفان وتفسخ الكتابة كالبيع، وإن أقام أحدهما بينة قبلت، وإن أقاماها فبينة المولى أولى لاثباتها الزيادة، لكن يعتق بأداء قدر ما برهن عليه، ولا يمتنع وجوب بدل الكتابة بعد عتقه، كما لو كاتبه على ألف على أنه إذا أدى خمسمائة عتق، وكما لو استحق البدل بعد الاداء كما في التبيين.
قوله:
(وقدر رأس مال بعد إقالة عقد السلم) أي بأن اختلف رب السلم والمسلم إليه في قدر رأس المال بعد إقالة السلم، فقال رب السلم رأس المال عشرة وقال المسلم إليه خمسة لم يتحالفا، لان التحالف موجبه رفع الاقالة وعود السلم: أي مع أنه دين وقد سقط والساقط لا يعود، ولانها ليست ببيع بل هي إبطال من وجه، فإن رب السلم لا يملك المسلم فيه بالاقالة بل يسقط فلم يكن فيها معنى البيع حتى يتحالفا، واعتبر حقيقة الدعوى والانكار والمسلم إليه هو المنكر فكان القول قوله، وقيد بالاختلاف بعدها، لانهما لو اختلفا قبلها في قدره تحالفا كالاختلاف في نوعه وجنسه وصفته، كالاختلاف في المسلم فيه في الوجوه الاربعة على ما قدمناه.
قوله: (بل القول للعبد والمسلم إليه) مع يمينهما.
بحر.
قوله: (ولا يعود السلم) لان الاقالة في باب السلم لا تحتمل النقض لانه إسقاط فلا يعود، بخلاف البيع كما سيأتي.
وينبغي أخذا من تعليلهم أنهما لو اختلفا في جنسه أو نوعه أو صفته بعدها فالحكم كذلك، ولم أره صريحا.
بحر.
وفيه: وقد علم من تقريرهم هنا أن الاقالة تقبل الاقالة، إلا في إقالة السلم، وأن الابراء لا يقبلها، وقد كتبناه في الفوائد.
قوله: (وإن اختلفا في مقدار الثمن الخ) بأن اشترى أمة بألف درهم وقبضها ثم تقايلا البيع حال قيام الامة، ثم اختلفا في مقدار الثمن بعد الاقالة قبل أن يقبض البائع الامة بحكم الاقالة تحالفا ويعود البيع الاول.
قوله: (ولا بينة) أما إذا(2/85)
وجدت لاحدهما عمل بها له وإن برهنا، فبينة مثبت الزيادة مقدمة، وهذا قياس ما تقدم ط.
قوله: (وعاد البيع) حتى يكون البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع كما كان قبل الاقالة، لان التحالف قبل القبض موافق للقياس لما أن كل واحد منهما مدع ومنكر فيتعدى إلى الاقالة، ولا بد من الفسخ منهما أو من القاضي.
أبي السعود.
قوله: (لو كان كل من المبيع والثمن مقبوضا) فلو لم يكونا مقبوضين أو أحدهما فلا يعود البيع والقول قول منكر الزيادة مع يمينه.
هذا ما ظهر لي ط.
وفي مسكين: والقول للمنكر.
قوله: (خلافا لمحمد) لانه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا، وهما قالا: كان ينبغي أن لا تحالف مطلقا، لانه إنما ثبت في البيع المطلق بالنسبة، والاقالة فسخ في حقهما إلا أنه قبل القبض على وفق القياس، فوجب القياس عليه كما قسنا الاجارة على البيع قبل القبض والوارث
على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري.
بحر.
قوله: (وإن اختلفا في قدر المهر) كألف وألفين.
هذه المسألة وقعت مكررة، لانها ذكرت في باب المهر وتبع فيه صاحب الهداية والكنز، ولذلك لم يذكرها هنا صاحب الوقاية، لان محلها الانسب ثمة، إلا أن المصنف ذكر هذه المسألة على تخريج الكرخي هنا وعلى تخريج الرازي ثمة، وهكذا في الكنز، وقصد منه نكتة تخرجها عن حد التكرار على ما تقف عليه الآن إن شاء الله تعالى.
وقيد بقدر المهر، لان الاختلاف لو كان في أصله يجب مهر المثل لما سبق في بابه، والاختلاف في جنسه كالاختلاف في قدره، إلا في فصل واحد، وهو أنه إذا كان مهر مثلها كقيمة ما عينته المرأة مهرا أو أكثر فلها قيمته لا عينه كما يأتي ذكره في الهداية وغيرها.
قوله: (أو جنسه) كما إذا ادعى أن مهرها هذا العبد وادعت أنه هذه الجارية فحكم القدر والجنس واحد، إلا في صورة وهو أنه إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية لا عينها.
بحر.
وفيه: لم يذكر حكمه بعد الطلاق قبل الدخول، وحكمه كما في الظهيرية أن لها نصف ما ادعاه الزوج، وفي مسألة العبد والجارية لها المتعة إلا أن يتراضيا على أن تأخذ نصف الجارية ا ه.
قوله: (قضى لمن أقام البرهان) لانه نور دعواه بها، أما قبول بينة المرأة فظاهر لانها تدعي الالفين ولا إشكال، وإنما يرد على قبول بينة الزوج لانه منكر للزيادة فكان عليه اليمين لا البينة، فكيف تقبل بينته.
قلنا: هو مدع صورة لانه يدعي على المرأة تسليم نفسها بأداء ما أقر به المهر، وهي تنكر والدعوى كافية لقبول البينة كما في دعوى المودع رد الوديعة.
معراج.
قوله: (بأن كان كمقالته أو أقل) لانها تثبت الزيادة، وبينة الزوج تنفي ذلك والمثبت أولى، ولان الظاهر يشهد له وبينة المرأة تثبت خلاف الظاهر، وهذا هو المعتبر في البينات.
قوله: (فبينته أولى) هذا ما قاله بعض المشايخ وجزم به في الملتقى، وكذا الزيلعي هنا وفي باب المهر.
وقال بعضهم: تقدم بينتها أيضا لانها أظهرت شيئا لم يكن ظاهرا بتصادقهما كما في البحر.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قلت: بقي ما إذا لم يعلم مهر المثل كيف يفعل، والظاهر أنه يكون القول للزوج لانه منكر للزيادة كما تقدم فيما إذا لم يوجد من يماثلها.
تأمل.
قوله: (لاثباتها(2/86)
خلاف الظاهر) علة للمسألتين أي والظاهر مع من شهد له مهر المثل.
قوله: (وإن كان غير شاهد لكل منهما بأن كان بينهما) ليس المراد أنه متوسط بينهما، بل المراد أنه أقل مما ادعته وأكثر مما ادعاه، وبه عبر في الدرر.
قوله: (فالتهاتر) أي التساقط: أي فالحكم حينئذ التهاتر مع الهتر بكسر الهاء وهو السقط من الكلام أو الخطأ فيه.
عناية.
قوله: (للاستواء) أي في الاثبات، لان بينتها تثبت الزيادة وبينته تثبت الحط، وليس أحدهما بأولى من الآخر.
درر.
قوله: (ويجب مهر المثل على الصحيح) قيد للتهاتر.
قال في البحر: والصحيح التهاتر ويجب مهر المثل.
قوله: (تحالفا) أي عند أبي حنيفة وأيهما نكل لزمه دعوى الآخر، لانه صار مقرا بما يدعيه خصمه، أو باذلا.
درر.
وعند أبي يوسف لا يتحالفان والقول قول الزوج مع يمينه، إلا أن يأتي بشئ مستنكر لا يتعارف مهرا لها.
وقيل هو أن يدعي ما دون عشرة دراهم كما في الجوهرة.
وقال الامام جواهر زاده: هو أن يدعي مهرا لا يتزوج مثلها عليه عادة، كما لو ادعى النكاح على مائة درهم ومهر مثلها ألف.
وقال بعضهم: المستنكر ما دون نصف المهر، فإذا جاوز نصف المهر لم يكن مستنكرا.
عيني.
قوله: (ولم يفسخ النكاح لتبعية المهر) لان أثر التحالف في انعدام التسمية وذا لا يخل بصحة النكاح: أي لان يمين كل منهما يبطل ما يدعيه صاحبه من التسمية، وهو لا يفسد النكاح إذ المهر تابع فيه.
بخلاف البيع فإن عدم تسميته الثمن يفسده كما مر ويفسخه القاضي قطعا للمنازعة بينهما.
قوله: (ويبدأ بيمينه) نقل الرملي عن مهر البحر عن غاية البيان أنه يقرع بينهما استحبابا لانه لا رجحان لاحدهما على الآخر.
واختار في الظهيرية وكثيرون أنه يبدأ بيمينه، لان أول التسليمين عليه، فيكون أول اليمينين عليه كتقديم المشتري على البائع، والخلاف في الاولوية.
قوله: (لان أول التسليمين) التسليمان: هما تسليم الزوج المهر، وتسليم المرأة نفسها، والسابق فيهما تسليم معجل المهر، وما ذكر تخريج الكرخي فيقدم التحالف عند العجز عن البرهان في الوجوه كلها: يعني فيما إذا كان مهر المثل مثل ما اعترف به الزوج أو أقل منه أو مثل ما ادعته المرأة أو أكثر منه، أو كان بينهما خمسة أوجه.
وأما على تخريج الرازي فلا تحالف إلا في وجه واحد، وهو ما إذا لم يكن مهر المثل شاهدا لاحدهما، وفيما عداه فالقول قوله بيمينه إذا كان مهر المثل مثل ما يقول أو
أقل، وقولها مع يمينها إذا كان مثل ما ادعته أو أكثر.
أبو السعود عن العناية.
وحاصله: أن التحالف فيما إذا خالف قولهما، أما إذا وافق قول أحدهما فالقول له وهو المذكور في الجامع الصغير، وعلى تخريج الكرخي يتحالفان في الصور الثلاث، ثم يحكم مهر المثل.
وصححه في المبسوط والمحيط به جزم في الكنز.
قال في البحر: ولم أر من رجح الاول وتعقبه في النهر بأن تقديم الزيلعي وغيره له تبعا للهداية يؤذن بترجيحه وصححه في النهاية.
وقال قاضيخان أنه الاولى ولم يذكر في شرح الجامع الصغير غيره، والاولى البداءة بتحليف الزوج، وقيل يقرع بينهما.
قوله: (وحيكم بالتشديد) وهذا: أعني التحالف أولا ثم التحكيم قول الكرخي، لان مهر المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها بالتحالف، فلهذا يقدم في الوجوه كلها، وأما على تخريج الرازي فالتحكيم قبل التحالف، وقد قدمناه في المهر مع بيان اختلاف التصحيح وخلاف أبي يوسف.
بحر.(2/87)
قال العلامة أبو السعود: ولقائل أن يقول: ما بالهم لا يحكمون قيمة المبيع إذا اختلف المتبايعان في الثمن لمعرفة من يشهد له الظاهر كما في النكاح فإنه لا محظور فيه، ويمكن أن يجاب عنه بأن مهر المثل أمر معلوم ثابت بيقين فجاز أن يكون حكما، بخلاف القيمة فإنها تعلم بالحزر والظن فلا تفيد المعرفة فلا جعل حكما.
عناية.
قوله: (ولو اختلفا الخ) وجه التحالف أن الاجارة قبل قبض المنفعة كالبيع قبل قبض المبيع في كون كل من المتعاقدين يدعي على الآخر وهو ينكر، وكون كل من العقدين معاوضة يجري فيها الفسخ فالتحقت به.
واعترض بأن قيام المعقود عليه شرط لصحة التحالف، والمنفعة معدومة، وأجيب بأن الدار مثلا أقيمت مقام المنفعة في حق إيراد العقد عليها فكأنها قائمة تقديرا.
درر.
قوله: (في بدل الاجارة) أي في قدرها بأن ادعى المؤجر أنه آجر شهرا بعشرة وادعى المستأجر أنه آجره بخمسة.
قوله: (أو في قدر المدة) بأن ادعى المؤجر أنه آجر شهرا والمستأجر شهرين.
قوله: (قبل الاستيفاء للمنفعة) لان التحالف في البيع قبل القبض على وفق القياس والاجارة قبل الاستيفاء نظيره.
بحر.
وفيه: المراد بالاستيفاء التمكن منه في المدة وبعدمه عدمه لما عرف أنه قائم مقامه في وجوب الاجر ا ه.
فلو أبدل المصنف قوله قبل الاستيفاء بقوله قبل التمكن من الاستيفاء لكان أولى، وأشار في البحر بقوله في وجوب الاجر إلى الاحتراز عن الاجارة الفاسدة، فإن أجر المثل إنما يجب بحقيقة الاستيفاء لا بمجرد التمكن على ما سيأتي.
قوله: (تحالفا) وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه، وأيهما برهن قبل.
قوله: (وبدئ بيمين المستأجر) لانه هو المنكر للزيادة.
فإن قيل كان الواجب أن يبدأ بيمين الآجر لتعجيل فائدة النكول، فإن تسليم المعقود عليه واجب.
وأجيب بأن الاجرة إن كانت مشروطة التعجيل فهو الاسبق إنكارا فيبدأ به، وإن لم يشترط لا يمنع الآجر من تسليم العين المستأجرة، لان تسليمه لا يتوقف على قبض الاجرة.
أبو السعود قوله: (والمؤجر لو في المدة) وإن كان الاختلاف فيهما قبلت بينة كل منهما فيما يدعيه من الفضل نحو: أن يدعي هذا شهرا بعشرة ولمستأجر شهرين بخمسة فيقضي بشهرين بعشرة.
بحر.
قوله: (وإن برهنا فالبينة للمؤجر في البدل) نظرا إلى إثبات الزيادة، ولو اختلفا فيهما فتقدم حجة كل في زائد يدعيه.
قوله: (وللمستأجر في المدة) نظرا إلى إثبات الزيادة.
قوله: (وبعده) أي بعد الاستيفاء لا تحالف، والمراد من الاستيفاء التمكن كما تقدم.
قوله: (والقول للمستأجر) أي إذا كان الاختلاف في الاجرة، فلو كان الاختلاف في المدة كأن ادعى المستأجر بعد الاستيفاء مدة أكثر مما ادعاه المؤجر لا يكون القول للمستأجر بل للمؤجر، وكأنهم تركوا التنبيه على ذلك لظهوره.
أبو السعود.
قوله: (وفسخ العقد في الباقي) لانه من الاختلاف في(2/88)
العقد.
قوله: (والقول في الماضي للمستأجر) لانه من الاختلاف في الدين وهذا بالاجماع فأبو يوسف مر على أصله في هلاك بعض المبيع، فإن التحالف فيه يتقدر بقدر الباقي عنده، فكذا هنا، وهما خالفا أصلهما في المبيع، والفرق لمحمد ما بيناه في استيفاء الكل من أن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد، فلو تحالفا لا يبقى العقد، فلم يمكن إيجاب شئ، والفرق لابي حنيفة أن العقد في الاجارة ينعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنافع، فيصير كل جزء من المنافع كالمعقود عليه عقدا مبتدأ على حدة، فلا يلزم من تعذر التحالف في الماضي التعذر فيما بقي إذ هما في حكم عقدين مختلفين فيتحالفان، بخلاف ما إذا
هلك بعض المبيع حيث يمنع التحالف فيه عنده لانه عقد واحد، فإذا امتنع في البعض امتنع في الكل ضرورة كي لا يؤدي إلى تفريق الصفقة على البائع.
زيلعي.
قوله: (لانعقادها ساعة فساعة) أي على حسب حدوث المنفعة المعقود عليها في الاجارة.
قوله: (فكل جزء كعقد) أي فيصير كل جزء من المنفعة كالمعقود عليه ابتداء.
قوله: (بخلاف البيع) أي بخلاف ما إذا هلك بعض المبيع، لان كل جزء ليس بمعقود عليه عقدا مبتدأ، بل الجملة معقودة بعقد واحد، فإذا تعذر العقد في بعضه بالهلاك تعذر في كله ضرورة.
قوله: (وإن اختلف الزوجان الخ) قيد باختلافهما للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج دونه، فإن متاع النساء بينهن على السواء إن كن في بيت واحد، وإن كانت كل واحدة منهن في بيت على حدة فما في بيت كل امرأة بينها وبين زوجها على ما ذكر بعد، ولا يشترك بعضهن مع بعض.
كذا في خزانة الاكمل والخانية.
وللاحتراز عن اختلاف الاب والابن فيما في البيت.
قال في خزانة الاكمل: قال أبو يوسف: إذا كان الاب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله للابن، كما لو كان الابن في بيت الاب وعياله فمتاع البيت للاب.
ا ه.
وانظر هل يأتي التفصيل هنا كما ذكروه في الزوجين بأن يكون أحدهما عالما مثلا والآخر جاهلا، وفي البيت كتب ونحوها مما يصلح لاحدهما فقط؟ وكذا لو كانت البنت في عيال أبيها فهل لها ثياب النساء؟ ويقع كثيرا إن البنت يكون لها جهاز فيطلقها زوجها فتسكن في بيت أبيها فهل تكون كمسألة الزوجين أو كمسألة الاسكاف والعطار الآتية؟ لم أره فليراجع.
قال في البحر: قال محمد: رجل زوج ابنته وهي وختنه في داره وعياله ثم اختلفوا في متاع البيت فهو للاب، لانه في بيته وفي يده، ولهم ما عليهم من الثياب انتهى.
لكن قال العلامة المقدسي: وهو مخالف لما مر عن خزانة الاكمل من عدم اعتبار البيت، بل اليد هي المعتبرة كما سيذكره الشارح عنها.
أقول: ويظهر من هذا جواب المسألة المذكورة هي: لو طلقت البنت ولها جهاز وسكنت عند أبيها فتأمل.
وللاحتراز عن إسكاف وعطار، اختلفا في آلة الاساكفة أو آلة العطارين وهي في أيديهما، فإنه يقضي بها بينهما ولا ينظر إلى ما يصلح لاحدهما، لانه قد يتخذه لنفسه أو للبيع فلا يصلح مرجحا،
وللاحتراز عما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فإن القول فيه للمستأجر، لكون البيت مضافا إليه بالسكنى، وللاحتراز عن اختلاف الزوجين في غير متاع البيت، وكان أيديهما فإنهما كالاجنبيين يقسم بينهما، وقد ذكر المؤلف بعد بعض ما ذكر.
قوله: (ولو مملوكين) أي أو حرين أو مسلمين أو كافرين أو كبيرين، وأما إذا كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فسيأتي، وأشار باختلافهما أنهما حيان،(2/89)
ولذلك فرع عليه بعد حكم موت أحدهما.
قوله: (والصغير يجامع) قيد بالجماع ليكون القول قوله في الصالح لهما، لان المرأة لا تكون مع ما في يدها في يد الزوج إلا بذلك، بخلاف الصغير الذي لم يبلغ حد الجماع، فإنه لا يد له على زوجته، أما في الصالح له فالقول لوليه فيه، سواء كان يجامع أو لا.
ثم معنى كون القول للصغير أن القول لوليه لان عبارته غير معتبرة.
قوله: (أو ذمية) لان لهم ما لنا وعليهم ما علينا في المعاملات.
قوله: (قام النكاح أو لا) بأن طلقها مثلا، ويستثني ما إذا مات بعد عدتها كما سيأتي.
قال الرملي: أي سواء وقع الاختلاف بينهما حال قيام النكاح أو بعده، وما هنا هو الذي مشى عليه الشراح، وإن كان في لسان الحكام ما يخالف ذلك.
قوله: (في متاع) متعلق باختلف.
قوله: (هو هنا ما كان في البيت) الاولى أن يقول البيت وما كان فيه بدليل ما ذكره في البحر عن خزانة الاكمل معزيا للامام الاعظم، من أن المنزل والعقار والمواشي والنقود مما يصلح لهما.
تأمل.
وسيذكر الشارح أن البيت للزوج إلا أن يكون لها بينة: أي لكونه ذا يد وهو تبع له في السكنى، وهي خارجة معنى كما علل به في الخانية، والمتاع لغة: كل ما ينتفع به كالطعام والبز وأثاث البيت، وأصله ما ينتفع به من الزاد، وهو اسم من متعته بالتثقيل: إذا أعطيته ذلك، والجمع أمتعة.
كذا في المصباح.
بحر.
قال الرملي: أقول: الذي يظهر أن المراد بقوله في متاع هو هنا ما كان في البيت: أي ما ثبت وضع أيديهما عليه أو تصرفهما فيه بأن كانت أيديهما تتعاقب عليه وتختلف بالتصرف، يدل عليه التعليل في مسائل هذا الباب باليد وعدمها في الاخذ بقول المدعي وعدمه.
تأمل.
ا ه.
قوله: (ولو ذهبا أو فضة) أقول: جعل الشارح في الدر المنتقى النقود مما يصلح لهما، ومثله في القهستاني.
قوله: (فيما صلح له) أي لكل منهما مع يمينه، فالصالح له العمامة والقباء والقلنسوة والطيلسان والسلاح
والمنطقة والكتب والفرس والدرع الحديد، والصالح لها الخمار والدرع والاساور وخواتيم النساء والحلي والخلخال ونحوها، وهذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه، فإن أقرت بذلك سقط قولها لانها أقرت بأن الملك للزوج ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة، ولا شك أنه لو برهن على شرائه كان كإقرارها به فلا بد من بينة على انتقاله لها.
ا ه.
بدائع.
وكذا إذا ادعت أنها اشترته منه مثلا فلا بد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة أو نحو ذلك، لا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك دليلا على أنه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام، وقد أفتيت بذلك مرارا بحر.
أقول: وظاهر قوله وهذا كله إذا لم تقر المرأة الخ شامل لما يختص بالنساء.
تأمل.
وينبغي تقييده بما لم يكن من ثياب الكسوة الواجبة على الزوج.
تأمل.
وفي البحر عن القنية من باب ما يتعلق بتجهيز البنات: افترقا وفي بيتها جارية نقلها معها واستخدمتها سنة والزوج عالم به ساكت ثم ادعاها فالقول له، لان يده كانت ثابتة ولم يوجد المزيل.
ا ه.
وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح لهما لا يبطل دعواه ا ه.
أقول: قوله لا يبطل دعواه: أي ولا دعواها لان الجارية صالحة لهما.
قوله: (فيما صلح له)(2/90)
أي لكل منهما مع يمينه، وتقدم الفرق بين الصالح له والصالح لها.
قوله: (فالقول له) أي للذي يفعل أو يبيع من الزوجين.
قال الشرنبلالي: ليس هذا على ظاهره، لان المرأة وما في يدها في يد الزوج، والقول في الدعاوى لصاحب اليد، بخلاف ما يختص بها لانه عارض يد الزوج ما هو أقوى منها، وهو الاختصاص بالاستعمال كما في العناية، لكنه خلاف ما عليه الشروح فقد صرح العيني بخلافه.
قوله: (لتعارض الظاهرين) أي ظاهر صالحيته لهما، وظاهر اصطناعه أو بيعه له فتساقطا ورجعنا إلى اعتبار اليد، وهي وما في يدها في يده.
وبهذا الحل ظهر أنه لا وجه لتوقف سيدي أبي السعود فإنه قال: واعلم أن في التعليل بتعارض الظاهرين تأملا، لانه حيث استويا في القوة لا يصلح أن يكون تعارضهما مرجحا لاحدهما، هكذا توقفت برهة ثم راجعت عبارة الدرر فلم أجد فيها التعليل المذكور.
ا ه.
فإنه يجعل التعارض مرجحا:
أي بل هو مسقط والمرجح اليد فليتأمل.
والحاصل: أن ما علل به الشارح لا يصلح علة لوجهين.
الاول إذا كان الزوج يبيع ما يصلح له يشهد له ظاهران اليد والبيع لا ظاهر واحد فلا تعارض، وكذلك إذا كانت هي تبيع ذلك لا يترجح ملكها إلا إذا كان مما يصلح لها على أن التعارض لا يقتضي الترجيح بل التهاتر.
الثاني أنه إذا كان الزوج يبيع فلا تعارض، وإن كانت هي تبيع فكذلك، وحينئذ الاوجه في التعليل أن يقال: لان ظاهر الذي يفعل ويبيع أظهر وأقوى، كما أن ظاهرها فيما يختص بها أظهر وأقوى من ظاهره مع أن له يد عليه.
تأمل.
قوله: (درر وغيرها) عبارة الدرر: إلا إذا كان كل منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر ا ه.
أي إلا أن يكون الرجل صائغا وله أساور وخواتيم النساء والحلي والخلخال ونحوها، فلا يكون لها، وكذا إذا كانت المرأة دلالة تبيع ثياب الرجال أو تاجرة تتجر في ثياب الرجال أو النساء أو ثياب الرجال وحدها.
كذا في شروح الهداية.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: قول الدرر: وكذا إذا كانت المرأة دلالة الخ معناه أن القول فيه للزوج أيضا إلا أنه خرج منه ما لو كانت تبيع ثياب النساء بقوله قبله، فالقول لكل منهما فيما يصلح له، ويمكن حمل كلام الشارح على هذا المعنى أيضا بجعل الضمير في قوله فالقول له راجعا إلى الزوج، ثم قوله لتعارض الظاهرين لا يصلح علة سواء حمل الكلام على ظاهره أو على هذا المعنى.
أما الاول فلانه إذا كان الزوج يبيع يشهد له ظاهران اليد والبيع لا ظاهر واحد فلا تعارض، إلا إذا كانت هي تبيع فلا يرجح ملكها لما ذكره الشرنبلالي إلا إذا كان مما يصلح لها، على أن التعارض لا يقتضي ا لترجيح بل التهاتر.
وأما الثاني فلانه إذا كان الزوج يبيع فلا تعارض كما مر، وأما إذا كانت تبيع هي فكذلك لما مر أيضا، فتنبه.
أقول: وما ذكره في الشرنبلالية عن العناية صرح به في النهاية، لكن في الكفاية ما يقتضي أن القول للمرأة حيث قال: إلا إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال وما يصلح للنساء كالخمار والدرع والملحفة والحملى فهو للمرأة: أي القول قولها فيها لشهادة الظاهر.
ا ه.
ومثله في الزيلعي قال: وكذا إذا كانت المرأة تبيع ما يصلح للرجال لا يكون القول قوله في ذلك.
ا ه.
فالظاهر أن في المسألة قولين
فليحرر.
ا ه.
أقول: والحاصل أن القول للرجل فيما يختص به، وفي المتشابه سواء كانت المرأة دلالة أو لا،(2/91)
وإذا كان يصنع أو يبيع ثياب النساء وحليهن فالقول له في الاجناس كلها في المشهور.
قوله: (والقول له في الصالح لهما) أي القول له في متاع يصلح للرجل وللمرأة.
قوله: (لانها وما في يدها في يد الزوج) أي والقول في الدعاوي لصاحب اليد، وشمل كلامه ما إذا كان في ليلة الزفاف فيكون القول له، لكن قال الاكمل في الخزانة: لو ماتت المرأة في ليلة زفافها في بيته لا يستحسن أن يجعل متاع البيت من الفرش وحلي النساء وما يليق بهن للزوج والطنافس والقماقم والاباريق والفرش والخدم واللحف للنساء، وكذا ما يجهز مثلها، إلا أن يكون الرجل معروفا بتجارة جنس منها فهو له.
واستثنى أبو يوسف من كون ما يصلح لهما له ما إذا كان موتها ليلة الزفاف، فكذا إذا اختلفا حال حياتهما فيما يصلح لهما فالقول له، وإذا كان الاختلاف في ليلة الزفاف فالقول لها في الفرش ونحوها لجريان العرف غالبا من الفرش والصناديق والخدم تأتي به المرأة، وينبغي اعتماده للفتوى، إلا أن يوجد نص في حكمه ليلة الزفاف عن الامام بخلافه فيتبع، بحر.
لكن قال العلامة المقدسي بعد نقله عبارة الاكمل: فينبغي أن يتأمل فيه.
ا ه.
قوله: (بخلاف ما يختص بها الخ) جواب سؤال ورد على الكلام السابق تقريره إذا كان القول في الدعاوى لذي اليد والمرأة وما في يدها في يد الزوج يكون القول للزوج أيضا في المختص بها لانه في يده ط.
قوله: (وهو) أي ظاهرها.
قوله: (لانها خارجة) أي عن اعتبار الظاهر، إذ الظاهر أنه له لانه في يده وبينة الخارج مقدمة على بينة ذي اليد، لكن تقدم أن هذا مقيد بما إذا كانت البينة على الملك المطلق، فإن كانت على النتاج وسبب ملك لا يتكرر كانت البينة لذي اليد فينبغي أن يجري هذا هنا.
قوله: (والبيت للزوج) أي لو اختلفا في البيت فهو له لانه من الصالح لهما وفي يده حتى لو برهنا قضى ببرهانها خارجة.
خانية.
وفيها: إن كان غير الزوجة في عيال أحد كابن في عيلة أب أو القلب كان المتاع عند الاشتباه للذي يعول.
قوله: (إلا أن يكون لها بينة) أي فيكون البيت لها، وكذا لو برهنت على كل ما صلح لهما أو له والبيت المسكن، وبيت الشعر
معروف.
مصباح.
والبيت اسم لمسقف واحد.
مغرب.
ولم يذكر الدار، وإن كان داخلا في العقار فالظاهر أن حكمه مثل البيت بدليل ما نقله سيدي الوالد رحمه الله تعالى في باب الدخول والخروج، وكذا صاحب البحر عن الكافي أن العرف الآن أن الدار والبيت واحد، فيحنث إن دخل صحن الدار، وعليه الفتوى.
ا ه.
إلا أن يفرق بين هذا وبين اليمين.
أقول: والذي نقله الشارح هنا عن البحر أنها للزوج على قولهما، ويؤيده ما قدمناه ولله الحمد.
قال في البحر: إذا اختلف الزوجان في غير متاع البيت، وكان في أيديهما فإنهما كالاجنبيين يقسم بينهما.
ا ه.
وبه علم أن العقار إذا لم يكونا ساكنين فيه لم يدخل في مسمى متاع البيت، لان الكلام في متاع البيت فقط، وقد علمت تفسير متاع البيت مما قدمناه من أن الاولى في تفسيره بالبيت، وبما كان فيه، لما ذكرناه من الاختلاف في نفس البيت كذلك، فعلم أن قول البحر: وإذا اختلف الزوجان في غير متاع البيت: المراد به ما كان خارجا عن سكناهما فيقسم بينهما، فيتعين تقييد العقار بما كانا ساكنين فيه، فليتأمل.
قوله: (وهذا) أي ما تقدم لو حيين.
قوله:: (في المشكل) والجواب في غير المشكل على(2/92)
ما مر.
حموي: أي أن القول لكل منهما فيما يختص به ط.
قوله: (الصالح لهما) بيان للمراد بالمشكل على حذف أي التفسيرية.
قوله: (فالقول فيه للحي) أي بيمينه إذ لا يد للميت.
در منتقى.
وأما ما يصلح لاحدهما ولا يصلح للآخر فهو على ما كان قبل الموت ويقوم ورثته مقامه فيه.
عيني.
وأفاد قوله يقوم وارثه مقامه أنه يعمل ببينة وارث الزوجة في الصالح لهما.
قوله: (ولو رقيقا) لان الرقيق له يد، وهذا لا يناسب المقام لان الكلام فيما إذا كانا حرين، وأما إذا كان أحدهما مملوكا فهي المسألة الآتية، وعليه فلو حذفه واستغنى بما يأتي في المتن لكان أولى.
قوله: (وهي المسبعة) أي التي فيها سبعة أقوال لارباب الاجتهاد.
قوله: (تسعة أقوال) الاول: ما في الكتاب وهو قول الامام.
الثاني: قول أبي يوسف للمرأة جهاز مثلها والباقي للرجل: يعني في المشكل في الحياة والموت.
الثالث: قول ابن أبي ليلى: المتاع كله له ولها ما عليها فقط.
الرابع: قول ابن معن وشريك هو بينهما.
الخامس قول
الحسن البصري: كله لها وله ما عليه.
السادس: قول شريح: البيت للمرأة.
السابع: قول محمد: إن المشكل للزوج في الطلاق والموت، ووافق الامام فيما لا يشكل.
الثامن: قول زفر المشكل بينهما.
التاسع: قول مالك رضي الله تعالى عنه لكل بينهما.
هكذا حكى الاقوال في خزانة الاكمل، ولا يخفى أن التاسع هو الرابع.
حلبي عن البحر.
قال في الكفاية: وعلى قول الحسن البصري إن كان البيت بيت المرأة فالمتاع كله لها إلا ما على الزوج من ثياب بدنه، وإن كان البيت للزوج فالمتاع كله له ا ه.
قوله: (ولو أحدهما مملوكا فالقول للحر في الحياة وللحي في الموت) كما في عامة شروح الجامع.
وذكر السرخسي أنه سهو، والصواب أنه للحر مطلقا.
وفي المصفى: ذكر فخر الاسلام أن القول هنا في الكل لا في خصوص المشكل، لكن اختار في الهداية قول العامة فاققتفى أصحاب المتون أثره، وهو قول الامام وعندهما: المأذون والمكاتب كالحر كما في الداماد شرح الملتقى.
قوله: (هما كالحر) لان لهما يدا معتبرة، وله أن يد الحر أقوى وأكثر تصرفا فتقدمت.
قوله: (فالقول للحر) قال القهستاني: وقوله الكل مشير إلى وقوع الاختلاف في مطلق المتاع على ما ذكر فخر الاسلام كما في المصفى، لكن في الحقائق قيده بما إذا كان الاختلاف في الامتعة المشكلة ا ه بتصرف.
ذكره أبو السعود.
وللحي في الموت حرا كان أو رقيقا، إذ لا يد للميت فبقيت يد الحي بلا معارض، هكذا ذكره في الهداية والجامع الصغير للصدر الشهيد وصدر الاسلام وشمس الائمة الحلواني وقاضيخان.
وفي رواية محمد والزعفراني: للحر منهما بالراء ا ه.
درر.
قوله: (لان يد الحر أقوى) علة للمسألة الاولى، وقوله ولا يد للميت علة للمسألة الثانية، وهي كون القول للحي فيما إذا مات أحدهما سواء كان الحي الحر أو العبد، لانها إنما تظهر قوية يد الحر إذا كان حيين، أما الميت فلا يد له حرا كان أو عبدا فلذا كان القول للحي منهما، وفيه لف ونشر مرتب،(2/93)
وبحث فيه صاحب اليعقوبية فليراجع.
قوله: (واختارت نفسها) أي لم ترض ببقائها في نكاحه فاختارت نفسها.
قوله: (فهو للرجل) لتحققه عنده وهي رقيقة والرقيق لا ملك له.
قوله: (قبل أن
تختار نفسها) الظاهر أنه قيد اتفاقي، بل الحكم كذلك ولو بعد الاختيار، لانه لا يشترط قيام النكاح كما تقدم، وعليه فلا فرق وإن وقع الاختلاف بعد الفرقة أو بعد انقضاء المدة.
تأمل ط بزيادة.
قوله: (فهو على ما وصفناه في الطلاق) يعني المشكل للزوج ولها ما صلح لها لانها وقته حرة كما هو معلوم من السياق واللحاق.
ويؤيده قول السراج: ولو كان الزوج حرا والمرأة مكاتبة أو أمة أو مدبرة أو أم ولد وقد أعتقت قبل ذلك ثم اختلفا في متاع البيت، فما أحدثا قبل العتق فهو للرجل، وما أحدثاه بعده فهما فيه كلاحرين ا ه.
وقال في البحر: ثم اعلم أن هذا: أي جميع ما مر إذا لم يقع التنازل بينهما في الرق والحرية والنكاح وعدمه، فإن وقع قال في الخانية: ولو كانت الدار في يد رجل وامرأة فأقامت المرأة البينة أن الدار لها وأن الرجل عبدها وأقام الرجل البينة أن الدار له والمرأة امرأته تزوجها بألف درهم، ودفع إليها ولم يقم البينة أنه حر يقضي بالدار والرجل للمرأة ولا نكاح بينهما، لان المرأة أقامت البينة على رق الرجل والرجل لم يقم البينة على الحرية فيقضي بالرق، وإذا قضى بالرق بطلت بينة الرجل في الدار والنكاح ضرورة، وإن كان الرجل أقام بينة أنه حر الاصل والمسألة بحالها يقضي بحرية الرجل ونكاح المرأة، ويقضي بالدار للمرأة لانا لما قضينا النكاح صار الرجل في الدار صاحب يد والمرأة خارجة فيقضي بالدار لها، كما لو اختلف الزوجان في دار في أيديهما كانت الدار للزوج في قولهما، ولو اختلفا في المتاع والنكاح فأقامت البينة أن المتاع لها وأنه عبدها وأقام أن المتاع له وأنه تزوجها بألف ونقدها فإنه يقضي به عبدا لها وبالمتاع أيضا لها، وإن برهن على أنه حر الاصل قضى له بالحرية وبالمرأة والمتاع إن كان متاع النساء، وإن كان مشكلا قضى بحريته وبالمرأة وبالمتاع لها ا ه.
قوله: (طلقها ومضت العدة فالمشكل للزوج) قد استفيد هذا من التعميم السابق في قوله قام النكاح أو لا وصاحب البحر إنما فرض المسألة فيما إذا مات الزوج بعد انقضاء العدة، وجعل المشكل لوارث الزوج، ولا اعتبار للزوجة وإن كانت حية لانها صارت أجنبية إلى آخر ما يأتي عن المنح قريبا.
ولما شرطية، والجواب: فكذا يكون القول لوارثه ط.
قوله: (لانها صارت أجنبية) تعليل لقوله ولورثته بعده يعني إنما قلنا أن القول للحي لو مات وهي في نكاحه، أما بعد انقضاء العدة فقد صارت أجنبية
فلم يبق لها يد على الصالح لهما فكان القول فيه لورثة الزوج، لان المتاع في يدهم بعد مورثهم، وفيه تأمل.
أو هو محمول على ما إذا انتقلت وتركت المتاع بالبيت، أما لو بقيت ساكنة بعد انقضاء العدة فالظاهر أن المتاع باق في يدها فيكون القول قولها في الصالح لهما فليحرر، قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: ويستفاد من التعليل أنهما لو ماتا فكذلك.
قوله: (ولما ذكرنا الخ) الاولى إسقاطه لعلمه من قوله ولورثته بعده ولذا لم يذكره في البحر.
قوله: (أما لو مات الخ) لعله محمول على ما إذا كان الطلاق في مرض الموت بدليل تعليله بقوله بدليل إرثها قال في المنح: قيد بكونهما زوجين للاحتراز عما إذا طلقها في المرض ومات الزوج بعد انقضاء العدة، فإن المشكل(2/94)
لوارث الزوج لانها صارت أجنبية لم يبق لها يد، وإن مات قبل انقضاء العدة كان المشكل للمرأة في قول أبي حنيفة، لانها ترث فلم تكن أجنبية، فكان هذا بمنزلة ما لو مات الزوج قبل الطلاق، كذا في الخانية.
مطلب: تورك على عبارة الشارح وهذه العبارة هي التي نقلها الشارح هنا، إلا أنه أخل بقوله طلقها في المرض، ثم نقل المصنف بعدها عن البحر: وإن علم أنه طلقها ثلاثا في صحته أو في مرضه وقد مات بعد انقضاء عدتها فما كان من متاع الرجال والنساء فهو لورثة الزوج، وإن مات في عدة المرأة فهو للمرأة كأنه لم يطلق.
ا ه.
فيمكن أن يرجع قوله: وإن مات في عدة المرأة الخ إلى قوله أو مرضه، ليوافق ما نقله عن الخانية ولظهور وجهه حينئذ.
تأمل.
قوله: (فالقول للمستأجر بيمينه) لان البيت مضاف إليه بالسكنى، وقد سبق ذلك في المحترزات.
مطلب: تورك على كلام الشارح قوله: (في آلات الاساكفة وآلات العطارين) لعل الواو بمعنى أو: أي اختلفا في آلات الاساكفة منفردة أو آلات العطارين منفردة، لان ما اختلفا فيه في أيديهما فيقسم بينهما، كما لو اختلفا في سفينة في أيديهما، أو في دقيق في أيديهما وكان أحدهما ملاحا والآخر بائع الدقيق، فإن كلا من السفينة
والدقيق يقسم بينهما لما ذكرنا، بخلاف ما إذا اختلفا فيهما مجتمعين، فإنه يعطي لكل منهما ما يناسبه، كما لو اختلفا في سفينة ودقيق وهي التي تأتي في المتن.
أما لو لم نحمل الواو على معنى أو وتركنا العبارة على ظاهرها وأعطينا الاسكاف نصف آلات العطار والعطار نصف آلات الاسكاف فنكون تركنا الاستصحاب والعمل بالظاهر من الحال، ويكون خالف هذا الفرع ما قبله وما بعده، ويعكر علينا ذلك، لان تلك الفروع تقتضي أن لكل ما عرف به، فتأمل وراجع.
قوله: (فهي بينهما الخ) لانه قد يتخذه لنفسه أو البيع، فلا يصلح مرجحا.
تأمل وتفطن.
قوله: (وعلى عنقه بدرة) هي كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار.
ا ه.
قاموس.
والظاهر أن المراد بها المال الكثير.
قوله: (وذلك بداره) يفهم مفهومه بالاولى.
قوله: (فهو للمعروف باليسار) وهذا كالذي بعده مما عمل فيه الاصحاب بظاهر الحال.
مطلب: استنبط صاحب البحر أن من شرط صحة الدعوى أن يكذب المدعي ظاهر حاله وقد تقدم تحقيقه أول الدعوى قال في البحر: وقد استنبطت من فرع الغلام أن من شرط سماع الدعوى أن لا يكذب المدعي ظاهر حاله كما هو مصرح به في كتب الشافعية، فلو ادعى فقير ظاهر الفقر على رجل أموالا عظيمة(2/95)
قرضا أو ثمن مبيع لا تسمع فلا جواب لها، وقدمنا تحقيق ذلك أوائل الدعوى.
قوله: (وعلى عنقه قطيفة) القطيفة دثار مخمل والجمع قطائف وقطف مثل صحيفة وصحف كأنها جمع قطيف وصحيف، ومنه القطائف التي تؤكل صحاح.
قوله: (الذي هي) هكذا في نسختي التي بيدي وهي الصحيحة، وفي بعض النسخ كنسخة الطحطاوي الذي هو بضمير المذكر، وكتب عليها الاولى: وهي بضمير المؤنثة، وكذا يقال في ادعاه.
قوله: (وآخر ممسك) الظاهر أنه ماسك الدفة التي هي للسفينة بمنزلة اللجام للدابة.
قوله: (وآخر يجذب) بحبلها على البر.
قوله: (وآخر يمدها) أي يجريها بمقدافها.
قوله: (ولا شئ للماد) لانه لا يد له فيها أو أجبرهم على العمل، بخلاف الباقين لانهم المتصرفون فيها التصرف المعتاد.
قوله: (وآخر راكب) أي بعيرا منها.
قوله: (إن على الكل متاع الراكب) أي إن كان
على جميع الابل متاع الراكب فجميع الابل للراكب، وإن لم يكن على الابل شئ من الحمل فللراكب البعير الذي هو راكب عليه مع ما عليه وباقي الابل للقائد.
قاله أبو الطيب.
والظاهر أن الحكم كذلك لو كان على الكل متاع القائد، فإن اختلفا في المتاع كيف يكون ويراجع.
مطلب: تورك على كلام الشارح قوله: (بخلاف البقر والغنم) أي إذا كان عليها رجلان أحدهما قائد والآخر سائق، فهي للسائق إلا أن يقود شاة معه فتكون له تلك الشاة وحدها.
بحر عن نوادر المعلى: أي إلا أن يكون السائق للبقر أو الغنم معه شاة يقودها: أي أو بقرة فيكون له تلك الشاة أو البقرة وحدها، وانقطع حكم السوق ويكون الباقي لقائدها، وعليه فكلام الشارح غير تام.
قوله: (وتمامه في خزانة الاكمل) ويأتي تمام تفاريع هذه المسائل في الفصل الآتي.
وذكر في المنح مسائل من هذا القبيل قال: دخل رجل في منزل يعرف الداخل أنه ينادي ببيع الذهب والفضة أو المتاع، ومعه شئ من ذلك فادعياه، فهو لمن يعرف ببيعه، ولا يصدق رب المنزل، وإن لم يكن كذلك القول قول رب المنزل.
رجل خرج من دار إنسان وعلى عنقه متاع رآه قوم وهو معروف ببيع مثله من المتاع فقال صاحب الدار ذلك المتاع متاعي والحامل يدعيه فهو للذي يعرف به وإن لم يعرف به فهو لصاحب الدار.
ا ه.
مطلب: لا تسمع الدعوى بعد مضي المدة قال في البحر عن ابن الغرس: رجل ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة ولم يكن له مانع من الدعوى ثم ادعى لم تسمع دعواه، لان ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا، وقدمنا(2/96)
عنهم أن من القضاء الباطل القضاء بسقوط الحق بمضي سنين، لكن ما في المبسوط لا يخالفه، فإنه ليس فيه قضاء بالسقوط، وإنما فيه عدم سماعها.
مطلب: نهى السلطان عن سماع حادثة لها خمس عشرة سنة وقد كثر السؤال بالقاهرة عن ذلك مع ورود النهي من السلطان أيده الله تعالى بعدم سماع حادثة لها خمس عشرة سنة، وقد أفتيت بعدم سماعها عملا بنهيه على ما في خزانة المفتين، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
ا ه.
مطلب: لا تسمع الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة إذا كان الترك بلا عذر شرعي من كون المدعي غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولي أو المدعى عليه ذا شوكة أو أرض وقف ليس لها ناظر وفي الحامدية عن الولوالجية: رجل تصرف زمانا في أرض ورجل آخر رأى الارض والتصرف ولم يدع ومات على ذلك لم تسمع بعد ذلك دعوى ولده فتترك على يد المتصرف، لان الحال شاهد.
ا ه.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى في عقود الدرية بعد كلام أقول: والحاصل من هذه النقول أن الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة أو بعد ثلاثة وثلاثين لا تسمع إذا كان الترك بلا عذر من كون المدعي غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولي، أو المدعى عليه أميرا جائرا يخاف منه، أو أرض وقف ليس لها ناظر، لان تركها هذه المدة مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا كما مر عن المبسوط، وإذا كان المدعي ناظرا ومطلعا على تصرف المدعى عليه إلى أن مات المدعى عليه لا تسمع الدعوى على ورثته كما مر عن الخلاصة.
وكذا لو مات المدعي لا تسمع دعوى ورثته كما مر عن الولوالجية.
والظاهر أن الموت ليس بقيد وأنه لا تقدير بمدة مع الاطلاع على التصرف لما ذكره المصنف والشارح في مسائل شتى آخر الكتاب.
مطلب: باع عقارا أو غيره وزوجته أو قريبه حاضر ساكت يعلم البيع لا تسمع دعواه باع عقارا أو حيوانا أو ثوبا وابنه وامرأته أو غيرهما من أقاربه حاضر يعلم به ثم ادعى الابن مثلا أنه ملكه لا تسمع دعواه.
كذا أطلقه في الكنز والملتقى، وجعل سكوته كالافصاح قطعا للتزوير والحيل.
مطلب: لا يعد سكوت الجار رضا بالبيع إلا إذا سكت عند التسليم والتصرف بخلاف الاجنبي فإن سكوته ولو جارا لا يكون رضا، إلا إذا سكت الجار وقت البيع والتسليم وتصرف المشتري فيه زرعا وبناء فحينئذ لا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للاطماع الفاسدة.
ا ه.
وقوله لا تسمع دعواه: أي دعوى الاجنبي ولو جارا كما في حاشية الخير الرملي على المنح،
وأطال في تحقيقه في فتاويه الخيرية من كتاب الدعوى، فقد جعلوا في هذه المسألة مجرد السكوت عند البيع مانعا من دعوى القريب ونحوه كالزوجة بلا تقييد باطلاع على تصرف المشتري، كما أطلقه في الكنز والملتقى.
وأما دعوى الاجنبي ولو جارا فلا يمنعها مجرد السكوت عند البيع، بل لا بد من الاطلاع على تصرف المشتري، ولم يقيدوه بمدة ولا بموت كما ترى.(2/97)
مطلب: ما يمنع صحة دعوى المورث يمنع صحة دعوى وارثه لان ما يمنع صحة دعوى المورث يمنع صحة دعوى الوارث لقيامه مقامه كما في الحاوي الزاهدي وغيره، فتأمل.
ثم إن ما في الخلاصة والولجية يدل على أن البيع غير قيد بالنسبة إلى الاجنبي ولو جارا، بل مجرد الاطلاع على التصرف مانع من الدعوى، وإنما فائدة التقييد هي الفرق بين القريب والاجنبي، فإن القريب للبائع لا تسمع دعواه إذا سكت عند البيع، بخلاف الاجنبي، فإنه لا تسمع إذا اطلع على تصرف المشتري وسكت فالمانع لدعواه هو السكوت عند الاطلاع على التصرف لا السكوت عند البيع، فلاجل الفرق بينهما صوروا المسألة بالبيع، ووجه الفرق بينهما مع تمام بيان هذه المسألة محرر في حواشينا رد المحتار على الدر المختار.
ثم رأيت في فتاوى المرحوم العلامة الغزي صاحب التنوير ما يؤيد ذلك، ونصه: سئل عن رجل له بيت في دار يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنوات وله جار بجانبه، والرجل المذكور يتصرف في البيت المزبور هدما وعمارة مع اطلاع جاره على تصرفه في المدة المذكورة، فهل إذا ادعى البيت أو بعضه بعدما ذكر من تصرف الرجل المذكور في البيت هدما وبناء في المدة المذكورة تسمع دعواه أم لا؟ أجاب: لا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى إ ه.
فانظر كيف أفتى بمنع سماعها من غير القريب بمجرد التصرف مع عدم سبق البيع، وبدون مضي خمس عشرة سنة أو أكثر.
ثم اعلم أن عدم سماع الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة أو بعد الاطلاع على التصرف ليس مبنيا على بطلان الحق في ذلك، وإنما هو مجرد منع للقضاة عن سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه، حتى
لو أقر به الخصم يلزمه، ولو كان ذلك حكما ببطلانه لم يلزمه ويدل على ما قلناه تعليلهم للمنع بقطع التزوير والحيل كما مر فلا يرد ما في قضاء الاشباه من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان، ثم رأيت التصريح بما نقلناه في البحر قبيل قضاته دفع الدعوى، وليس أيضا مبنيا على المنع السلطاني حيث منع السلطان عز نصره قضاته من سماع الدعوى بعض خمس عشرة سنة في الاملاك وثلاثين سنة في الاوقاف، بل هو حكم اجتهادي نص عليه الفقهاء كما رأيت، فاغتنم تحرير هذه المسألة فإنه من مفردات هذا الكتاب، والحمد لله المنعم الوهاب إ ه.
أقول: وعلى هذا لو ادعى على آخر دارا مثلا وكان المدعى عليه متصرفا فيها هدما وبناء أو مدة ثلاثين سنة، وسواء فيه الوقف والملك ولو بلا نهي سلطاني، أو خمس عشرة سنة ولو بلا هدم وبناء فيهما، والمدعى مطلع على التصرف في الصور الثلاث مشاهد له في بلدة واحدة، ولم يدع ولم يمنعه من الدعوى مانع شرعي لا تسمع دعواه عليه.
أما الاول: فاطلاعه على تصرفه هدما وبناء وسكوته، وهو مانع من الدعوى كما عرفت.
وأما الثاني: فلتركه الدعوى للمدة المزبورة وسكوته، وهو دليل على عدم الحق له، ولان صحة الدعوى شرط لصحة القضاء والمنع منه حكم اجتهادي كما علمت.
وأما الثالث: فللمنع من السلطان نصره الرحمن قضاته في سائر ممالكه عن سماعها بعد خمس عشرة سنة إذا كان تركها لغير عذر شرعي في الملك لا لكون التقادم يبطل الحق بدليل أن الحق باق، ويلزمه لو أقر به في مجلس القاضي، فلو قال: لا أسلمها لمضي هذه المدة مع عدم دعواه علي وهو مانع منها لا يلتفت إلى تعلله وتنزع من يده، فلو ادعى أن المدعى عليه أقر لي بها في أثناء هذه المدة وهو ينكره(2/98)
ينبغي أن تسمع أيضا، لان لما كان المنع من سماع أصل الدعوى ففرعها وهو الاقرار أولى بالمنع لما أن النهي مطلق فيشملهما، إلا إذا كان الاقرار عند القاضي كما عرفت، فتنزع من يده لابطاله ملكه ولالزامه الحجة على نفسه، وهي الاقرار بعدم صحة تصرفه.
مطلب: لو ترك دعواه المدة ثم أقام بينة على أن المدعى عليه أقر له بها تسمع لكن يعارض ذلك إطلاق عبارة الاسماعيلية حيث قال فيما إذا كانت دار بين زيد وهند فوضع
زيد يده على الدار المزبورة مدة تزيد على خمس عشرة سنة، وطلبت هند منه في أثناء المدة أن يقسم لها حصتها وأجابها إلى ذلك ومات ولم يقسم لها فطالبت أولاده بحصتها في الدار فذكروا بأن والدهم تصرف أكثر من خمس عشرة سنة ولم تدع عليه هند ولم يمنعها من الدعوى مانع شرعي، فلا تسمع دعواها بذلك، فهل تسمع دعواها حيث كان معترفا بأن لها في الدار حصة؟ أجاب: تسمع دعواها حيث كان معترفا بأن لها حصة إ ه.
إلى غير ذلك من الاجوبة، إلا أنه لم يعز ذلك لاحد كما هو عادته في فتاواه، لكن يؤيد إطلاق التنقيح أيضا، فتأمل وراجع يظهر لك الحق.
أما عدم ترك الدعوى في مدة الخمس عشرة سنة فيشترط كون الدعوى عند القاضي، فإن ادعى عند القاضي مرارا في أثناء المدة التي هي خمس عشرة سنة إلا أن الدعوى لم تفصل، فإن دعواه تسمع ولا يمنع مرور الزمان، أما لو كان المدعي أو المدعى عليه غائبا مسافة لسفر ثم حضر مرارا في أثناء المدة التي هي خمس عشرة سنة وسكت ثم أراد أن يدعي بعد ذلك فلا تسمع دعواه.
كذا في فتاوى علي أفندي، وإذا كان المانع شوكة المدعى عليه وزالت فلا يمنع الدعوى إلا إذا استدام زوال شوكته خمس عشرة سنة، فلو زالت شوكته أقل من خمس عشرة سنة ثم صار ذا شوكة لا يمنع بعد ذلك من الدعوى لانه لم يصدق أنه ترك الدعوى في مسألة زوال الشوكة خمس عشرة سنة، وإنما قيدت بقولي عند القاضي، فلو ترك المدة المزبورة إلا أنه في أثناء ذلك ادعى مرارا عند غير القاضي لا تعتبر دعواه كما في تنقيح سيدي الوالد رحمه الله تعالى، هذا ما ظهر لي تفقها أخذا من مفهوم عبارات السادة الاعلام بوأهم الله تعالى دار السلام.
وأقول: لكن المعتبر الآن ما تقرر في المجلة الشرعية في الاحكام العدلية، وصدر الامر الشريف السلطاني بالعمل بمواجبه أن دعوى الاقرار بعد مضي مدة المنع من سماع الدعوى لا تسمع إذا ادعى أنه أقر له بها من جمعة أو سنة مثلا، إلا إذا كان الاقرار عند القاضي أو تحرر به سند شرعي بإمضاء المقر أو سنة مثلا، إلا إذا كان الاقرار عند القاضي أو تحرر به سند شرعي بإمضاء المقر أو ختمه المعروفين، وكان بمحضر من الشهود وشهدوا بذلك فإنها تسمع حينئذ إذا لم يمض على الاقرار خمس عشرة سنة، أو كان دعوى الاقرار على عقار وكان يستأجره المدعى عليه مدة تزيد على
خمس عشرة سنة والمستأجر يدعي التصرف وينكر الاستئجار وأثبت المدعي الاستئجار ومواصلة الاجرة في كل سنة وكان ذلك معروفا بين الناس، فإنها تسمع الدعوى حينئذ، وليس للمدعى عليه حق في دعوى التصرف المدة الممنوع من سماع الدعوى بها، وأيضا فإن أول ابتداء مدة المنع من حين زوال العذر كما تقدم.
ودعوى المرأة مهرها المؤجل إذا تركت دعواه والوقف المرتب بثم إذا كان المدعى محجوبا بالطبقة إذا استحق بزوالها وترك دعواه، فإنه يعتبر مدة الترك من حين الوفاة أو الطلاق وزوال الدرجة لو كان خمس عشرة سنة لا تسمع.(2/99)
ودعوى الدين على معسر أيسر إذا تركها المدة المذكورة من حين اليسار.
ومدة عدم سماع الدعوى في الوقف ست وثلاثون سنة إذا كان بدون عذر شرعي وكان للوقف متول.
وأما دعوى الاراضي الاميرية فمن بعد مرور عشر سنين لا تسمع الدعوى بها ولا بشئ من حقوقها.
وأما الدعوى في المنافع العامة كالطريق العام والنهر العام والمرعى وأمثال ذلك إذا تصرف بها أحد: أي مدة كانت فإنها تسمع الدعوى عليه بها.
وأن القاصر إذا ادعى عقارا إرثا عن والده مثلا بعد بلوغه وأثبته بالبينة الشرعية فلا يسري سماع الدعوى لبقية الورثة الباقين البالغين التاريكين للدعوى مدة المنع، ومثله من كان مسافرا.
وأنه إذا ترك شخص الدعوى عشر سنين مثلا بلا عذر شرعي ومات وترك دعواها وارثه أيضا البالغ عشر سنين أو خمس سنين فلا تسمع دعوى الوارث حينئذ لان مجموع المدتين مدة المنع، وأيضا المالك والمشتري منه إذا تركا الدعوى كذلك لا تسمع دعوى المشتري فيما يتعلق بحقوق المبيع إذا كان مجموع المدتين خمس عشرة سنة كما في الباب الثاني من كتاب الدعوى من المجلة، وفيها من المادة (0381): لو أقر المدعى عليه ثم غاب قبل الحكم عليه وكان الاقرار لدى القاضي فله أن يحكم عليه في غيابه، وكذلك لو ثبت الحق عليه بالبينة الشرعية وغاب قبل التزكية والحكم، فللحاكم أن يزكي
الشهود ويحكم عليه في غيبته وفيها من المادة (4381) لو أقيمت البينة على وكيل المدعى عليه ثم حضر المدعى عليه بالذات فللحاكم أن يحكم عليه، وكذا بالعكس يحكم على الوكيل، وكذلك لو أقيمت البينة على أحد الورثة بحق ثم غاب فللحاكم أن يحضر وارثا آخر ليحكم عليه، وفيها في المادة المذكورة: إذا طلب الحاكم الشرعي الخصم بطلب المدعي وامتنع عن الحضور بلا عذر فللحاكم إحضاره جبرا، وإذا لم يمكن إحضاره فبعد طلبه بورثة الاحضار ثلاث مرات في ثلاثة أيام ولم يمكن إحضاره فللحاكم أن ينصب عنه وكيلا لتقام عليه الدعوى والبينة ويحكم عليه.
مطلب في أمرد كره خدمة سيده لفسقه فادعى السيد عليه مبلفا سماه وقامت الامارات على السيد بأن غرضه استبقاؤه لا تسمع دعواه فرع: سئل في شاب أمرد كره خدمة من هو في خدمته لمعنى هو أعلم بشأنه وحقيقته فخرج من عنده فاتهمه أنه عمد إلى سبته وكسره في حال غيبته وأخذ منه كذا المبلغ سماه وقامت أمارة عليه بأن غرضه منه بذلك استبقاؤه واستقراره في يده على ما يتوخاه، هل يسمع القاضي والحالة هذه عليه دعواه ويقبل شهادة من هو متقيد بخدمته وأكله وشربه من طعامه ومرقته، والحال أنه معروف بحب الغلمان، الجواب ولكم فسيح الجنان.
الجواب: قد سبق لشيخ الاسلام أبي السعود العمادي رحمه الله تعالى في مثل ذلك فتوى بأنه يحرم على القاضي سماع مثل هذه الدعوى معللا بأن مثل هذه الحيلة معهود فيما بين الفجرة واختلاقاتهم فيما بين الناس مشتهرة، وفيها من لفظه رحمه الله تعالى: لا بد للحاكم أن لا يصغوا لمثل هذه الدعاوي، بل يعزروا المدعي ويحجزوه عن التعرض لمثل ذلك الغمر المنخدع، وبمثله أفتى صاحب تنوير الابصار، لانتشار ذلك في غالب القرى والامصار، ويؤيد ذلك فروع ذكرت في باب الدعوى،(2/100)
تتعلق باختلاف حال المدعي وحال المدعى عليه، ويزيد ذلك بعد إشهاده من بعشاه يتعشى وبغداه يتغدى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والله تعالى أعلم.
فتاوي الخيرية.
وعبارة المصنف في فتاويه بعد ذكره فتوى أبي السعود: وأنا أقول: إن كان الرجل معروفا بالفسق وحب الغلمان والتحيل لا تسمع دعواه ولا يلتفت القاضي لها، وإن كان معروفا بالصلاح والفلاح فله سماعها، والله تعالى أعلم واستغفر الله العظيم.
مطلب: دفع الدعوى صحيح وكذا دفع الدفع وما زاد عليه الحكم وبعده على الصحيح إلا في المخمسة فصل في دفع الدعاوى قال في الاشباه: دفع الدعوى صحيح، وكذا دفع الدفع وما زاد عليه يصح هو المختار، وكما يصح الدفع قبل إقامة البينة يصح بعدها، وكما قبل الحكم يصح بعده، إلا في المسألة المخمسة كما كتبناه في الشرح، وكما يصح عند الحاكم الاول يصح عند غيره، وكما يصح قبل الاستمهال يصح بعده هو المختار، إلا في ثلاث: الاولى: إذا قال لي دفع ولم يبين وجهه لا يلتفت إليه.
الثانية: لو بينه لكن قال بينتي غائبة عن البلد لم تقبل.
الثالثة: لو بين دفعا فاسدا ولو كان الدفع صحيحا وقال بينتي حاضرة في المصر يمهله إلى المجلس الثاني.
كذا في جامعي الفصولين.
والامهال هو المفتى به كما في البزازية.
وعلى هذا: لو أقر بالدين فادعى إيفاءه أو الابراء فإن قال بينتي في المصر لا يقضى عليه بالدفع، وإلا قضي عليه الدفع بعد الحكم صحيح، إلا في المسألة المخمسة كما ذكرته في الشرح.
مطلب: لا يصح الدفع من غير المدعى عليه إلا إذا كان أحد الورثة الدفع من غير المدعى عليه لا يصح إلا إذا كان أحد الورثة ا ه: أي فإنه يسمع دفعه وإن ادعى على غيره لقيام بعضهم مقام الكل، حتى لو ادعى مدع على أحد الورثة فبرهن الوارث الآخر أن المدعي أقر بكونه مبطلا في الدعوى تسمع كما في البحر، لان أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما لهم وعليهم.
قوله: (ذكر من لا يكون خصما) لان معرفة الملكات قبل معرفة الاعدم، فإن قيل الفصل مشتمل على ذكر من يكون خصما أيضا قلت: نعم من حيث الفرق لا من حيث القصد الاصلي.
عناية.
قوله: (هذا الشئ أو دعنيه الخ) أطلق قوله هذا فشمل أنه قال ذلك وبرهن عليه قبل تصديقه المدعي في أن الملك له أو بعد تصديقه كما في تلخيص الجامع، أو أنكر كونه ملكا له، فطلب
من المدعي البرهان فأقامه ولم يقض القاضي حتى دفعه المدعي بأحد هذه الاشياء كما في الشروح، فظهر أن قوله في التصوير زيد لغائب بناء لما في الشروح فيحمل على التمثيل، لكن في نور العين برمز قش: ادعى ذو اليد وديعة ولم يمكنه إثباتها حتى حكم للمدعي ونفذ حكمه ثم لو برهن على الايداع لا يقبل، فلو قدم الغائب فهو على حجته.(2/101)
مطلب: لا تندفع الدعوى لو كان المدعي هالكا يقول الحقير: فيه إشكال لما سيأتي في أواخر هذا الفصل نقلا عن الذخيرة أنه كما يصح الدفع قبل الحكم يصح بعده أيضا، ولعله بناء على أن الدفع بعد الحكم لا يسمع، وهو خلاف القول المختار كما سيأتي أيضا هناك، والله تعالى أعلم.
ا ه.
وأشار بقوله هذا الشئ إلى أن المدعي به قائم كما صرح به الشارح، إذ لو كان هالكا لا تندفع الخصومة، فيقضي بالقيمة على ذي اليد للمدعي، ثم إن حضر الغائب فصدقه فيما قال ففي الوديعة والرهن والاجارة والمضاربة والشركة يرجع المدعى عليه على الغائب بما ضمن، ولا يرجع المستعير والغاصب والسارق كما في العمادية، وإلى أنه أعم من أن يكون منقولا أو عقارا كما صرح به الشارح أيضا كما في المبسوط، وظاهر هذا القول على أن ذا اليد ادعى إيداع الكل أو عاريته أو رهنه الخ.
مطلب: قال النصف لي والنصف وديعة لفلان هل تبطل الدعوى في الكل وفي النصف؟ ولو ادعى أن نصفه ونحوه ملكه ونصفه الآخر وديعة في يد لفلان الغائب قيل لا تبطل دعوى المدعي إلا في النصف، وإليه الاشارة في بيوع الجامع الكبير كما في الذخيرة.
وقيل تبطل في الكل لتعذر التمييز، وعليه كلام المحيط والخانية والبحر، واختار في الاختيار.
ولكن قال صاحب العمادية: في هذا القول نظر، فيظهر منه أن المختار عنده عدم البطلان في النصف.
ونقل في جامع الفصولين هذا النظر من غير تعرض، وكذا صاحب نور العين، واقتصر المصنف على الدفع بما ذكر للاحتراز عما إذا زاد وقال كانت داري بعتها من فلان وقبضها ثم أودعنيها أو ذكر هبة وقبضا لم تندفع إلا أن يقر المدعي بذلك، ولو أجاب المدعى عليه بأنها ليست لي أو هي لفلان ولم يزد لا يكون دفعا.
حموي
ملخصا.
قال في البحر: وأشار بقوله: وبرهن عليه أي على ما قال إلى أنه لو برهن على إقرار المدعي أنه لفلان ولم يزيدوا فالخصومة بينهما قائمة كما في خزانة الاكمل.
ا ه.
لكن يخالفه ما ذكره بعد عن البزازية أنها تندفع في هذه الصورة، وكذا مخالف لما قدمه قبل أسطر عن خزانة الاكمل، لكن ما قدمه فيه الشهادة على إقرار المدعي أن رجلا دفعه إليه وما هنا على إقرار بأنه لفلان بدون التصريح بالدفع، فتأمل.
مطلب: حيلة إثبات الرهن على الغائب قوله: (أو رهننيه) هذه مما تصلح حيلة لاثبات الرهن في غيبة الراهن كما في حيل الولوالجية.
مطلب: لا بد من تعيين الغائب في الدفع والشهادة قوله: (زيد الغائب) أتى باسم العلم لانه لو قال أودعينه رحل لا أعرفه لن تندفع فلا بد من تعيين الغائب في الدفع، وكذا في الشهادة كما يذكره الشارح، فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين أو عكسه لم تندفع.
بحر.
وفيه عن حزانة الاكمل والخانية: لو أقر المدعي أن رجلا دفعه إليه أو شهدوا على إقراره بذلك فلا خصومة بينهما.
مطلب: أطلق في الغائب فشمل البعيد والقريب وأطلق في الغائب فشمل ما إذا كان بعيدا معروفا يتعذر الوصول إليه أو قريبا، قوله: (أو(2/102)
غصبته منه) المراد أم المدعي ادعى ملكا مطلقا في العين ولم يدع فعلا.
وحاصل جواب المدعي عليه أنه ادعى أن يده يد أمانة أو مضمونة والملك لغيره.
قوله: (وبرهن عليه) مراده بالبرهان: أي بعد إقامة المدعي البرهان على مدعاه، لانه لما ادعى الملك أنكره المدعي عليه فطلب منه البرهان، ولم يقض للقاضي به حتى دفعه المدعي عليه بما ذكرنا وبرهن على الدفع، ولا بد من ذلك، حتى لو قضي للمدعى لم يسمع برهان ذي اليد كما في البحر.
لكن قدمنا عن نور العين معزيا للذخيرة أن المختار خلافه، وهو أنه كما يصح الدفع قبل الحكم يصح بعده أيضا فلا تنسه، وقد يجاب بأنه إذا لم يدع
الايداع أو ادعاه ولم يبرهن عليه لم يظهر أن يده ليست يد خصومة فتوجهت عليه دعوى الخارج، وصح الحكم بها بعد إقامة البينة على الملك لانها قامت على خصم، ثم إذا أراد المدعي عليه أن يثبت الايداع لا يمكنه، لانه صار أجنبيا يريد إثبات الملك الغائب وإيداعه، فلم تتضمن دعواه إبطال القضاء السابق، والدفع إنما يصح إذا كان فيه برهان على إبطال القضاء، ولما لم يقبل برهانه ولا دعواه لما قلنا لم يظهر بطلان القضاء، وعلى هذا لا نرد المسألة وعلى القول المختار، فليتأمل.
قال في نور العين: ادعى ملكا مطلقا فقال المدعي عليه اشتريته منك فقال المدعي قد أقلت البيع فلو قال الآخر إنك أقررت أني ما أشتريته يسمع إذا ثبتت العدالة، إذ ويصح الدفع قبل إقامة البينة وبعدها وقبل الحكم وبعده، ودفع الدفع وإن كثر صحيح في المختار، حتى لو برهن عل مال وحكم له فبرهن خصمه أن المدعي أقر قبل الحكم أنه ليس عليه بطل الحكم.
قال صاحب جامع الفصولين: أقول: ينبغي أن لا يبطل الحكم لو أمكن التوفيق بحدوثه بعد إقراره على ما سيأتي قريبا في فش أنه لم يبطل الحكم الجائز بشك.
يقول الحقير: قوله: ينبغي محل نظر، لان ما في ذلك بناء على اختيار اشتراط التوفيق، وعدم الاكتفاء بمجرد إمكان التوفيق كما مر مرارا، فغقط متقدمو مشايخنا جوزوا دفع الدفع، وبعض متأخريهم على أنه لا يصح، وقيل يصح ما لم يظهر احتيال وتلبيس.
فش: حكم له بمال ثم رفعه إلى قاض آخر جاء المدعي عليه بالدفع يسمع ويبطل حكم الاول، وفيه: لو أتى بالدفع بعد الحكم في بعض المواضع لا يقبل نحو أن يبرهن بعد الحكم أن المدعي أقر قبل الدعوى أنه لا حق له في الدار لا يبطل الحكم لجواز التوفيق بأنه شراه بخيار فلم يملكه في ذلك الزمان، ثم مضى وقتا الحكم فملكه، فلما احتمل هذا لم يبطل الحكم الجائز بشك، ولو برهن قبل الحكم يقبل ولا يحكم، إذ الشك يدفع الحكم ولا يرفعه.
يقول الحقير: الظاهر أنه لو برهن قبل الحكم فيما لم يكن التوفيق خفيا ينبغي أن لا يقبل، ويحكم على مذب من جعل إمكان التوفيق كافيا إذ لا شك حينئذ لان إمكانه كتصريحه عندهم، والله تعالى أعلم.
ا.
ه.
ثم نقل عن البزازية المقتضي عليه: لا تسمع دعواه بعده فيه إلا أن يبرهن على إبطال القضاء بأن ادعى دارا بالارث وبرهن وقضى ثمن ادعى المقضي عليه الشراء من مورث أو ادعى الخارج الشراء من فلان وبرهن المدعى عليه من شرائه من فلان أو من المدعي قبله أو يقضي عليه بالدابة فبرهن على نتاحها عنده.
اه.(2/103)
مطلب: أرد بالبرهان الحجة سواء كانت بينة أو إقرار المدعي ومراده بالبرها وجود حجة على ما قال، واء كانت بينة أو إقرار الندعي كما في البحر، وقدمنا ما يدل عليه قريبا، لكن لا تشترط المطابقة لعين ما ادعاه لما في البحر أيضا عن خزانة الاكمل قال: شهدوا أن فلانا دفعه إليه ولا ندري لمن هو، فلا خصومة بينهما، ولو لك يبرهن المدعي عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي، فإن حلف على العلم كان خصما، وإن نكل فلا خصوة.
ا.
ه.
وفي الخزانة: ولو لم يبرهن المدعي عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي، فإن حلف على العلم كان خصما، وإن نكل فلا خصومة ا.
ه.
وإن ادعى أن الغائب أودعه عنده يحلفه الحاكم بالله لقد أودعها إليه على البتات لا على العلم، لانه وإن كان فعل الغير لكن تمامه به وهو القبول.
بزازية.
قال البدر العيني: والشرط إثبات هذه الاشياء دون الملك، حتى لو شهدوا بالملك للغائب دون هذه الاشياء لم تندفع الخصومة وبالعكس تندفع قوله: (والعين قائمة) مفهومة أنها لا تندفع لو كان المدعي هالكا وسيأتي، وبه صرح في العناية أخدا من خزانة الاكمل فقال: عبد هلك في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده وأقام الذي مات في يده أنه أودعه فلان أو غصبه أو آجره ولم يقبل وهو خصم، فإنه يدعي القيمة عليه وإيداع الدين لا يمكن، ثم إذا حضر الغائب وصدقه في الايداع والاجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي، أما لو كان غصبا لم يرجع.
وكذا في العارية والاباق مثل الهلاك هاهنا، فإن عاد العبد يوما يكون عبدا لمن استقر عليه الضمان.
ا ه.
وكأن الشارح أخذ التقييد من الاشارة بقوله المار هذا الشئ لان الاشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج كما أفاده في البحر وأشرنا إليه فيما سبق.
قوله: (وقال الشهود نعرفه) أي الغائب المودع باسمه ونسبه.
قال في البحر: لا بد من تعيين الغائب في الدفع والشهادة، فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين أو عكسه لم تندفع.
قوله: (أو بوجهه) فمعرفتهم وجهه فقط كافية عند الامام كما في البزازية.
قوله: (وشرط محمد معرفته بوجهه أيضا) صواب العبارة: وشرط محمد معرفته بوجهه واسمه ونسبه أيضا، أو يقول: ولم يكتف محمد بمعرفة الوجه فقط.
قال في المنح: فعنده لا بد من معرفته بالوجه والاسم والنسب.
ا ه.
ومحل الاختلاف فيما إذا ادعاه الخصم من معين بالاسم والنسب فشهدا بمجهول لكن قالا نعرفه بوجهه، أما لو ادعاه من مجهول لم تقبل الشهادة إجماعا.
كذا في شرح أدب القاضي للخصاف.
قوله: (فلو حلف لا يعرف فلانا) لا يخفى أن التفريع غير ظاهر فكان الاولى أن يقول: ولم يكتف ف محمد بمعرفة الوجه فقط، يدل عليه قول الزيلعي.
والمعرفة بوجهه فقط لا تكون معرفة، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لرجل أتعرف فلانا؟ فقال نعم، فقال: هل تعرف اسمه ونسبه؟ فقال لا، فقال: إذا لا تعرفه وكذا لو حلف لا يعرف فلانا وهو لا يعرفه إلا بوجهه لا يحنث.
قوله: (ذكره الزيلعي) عبارته: وهذا كله فيما إذا قال الشهود نعرف صاحب المال وهو المودع أو المعير باسمه ونسبه ووجهه، لان المدعي يمكنه أن يتبعه، وإن قالوا لا نعرفه بشئ من ذلك لا يقبل القاضي شهادتهم ولا تندفع الخصومة عن ذي اليد بالاجماع، لانهم ما أحالوا المدعي على رجل معروف تمكن مخاصمته، ولعل المدعي هو ذلك الرجل،(2/104)
ولو اندفعت لبطل حقه، ولانه لو كان المدعي هو المودع لا يبطل، وإن كان غيره يبطل، فلا يبطل بالشك والاحتمال دفعا للضرر عنه، إلا إذا أحاله على معروف يمكن الوصول إليه كي لا يتضرر المدعي، والمعرفة بوجهه فقط لا تكون معرفة الخ.
والحاصل على ما يؤخذ من كلامهم: إذا قالوا نعرفه باسمه ونسبه ووجهه تندفع اتفاقا، وإن قالوا نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه تندفع عند أبي حنيفة، ولا تندفع عند محمد وأبي يوسف، فإنهما يشترطان معرفته باسمه ووجهه، وأما معرفته باسمه دون وجهه فلا تكفي كما في الشرنبلالية.
قوله: (وفي الشرنبلالية) وفي المنح تبعا للبحر: وتعويل الائمة على قول محمد.
قوله: (دفعت خصومة
المدعي) أي حكم القاضي بدفعها لانه أثبت ببينته أن يده ليست يد خصومة، بخلاف ما إذا ادعى الفعل عليه كالغصب وغيره، لان ذا اليد صار خصما للمدعي باعتبار دعوى الفعل عليه، فلا تندفع الخصومة بإقامة البينة أن العين ليس للمدعي.
زيلعي.
وأفاد أنه لو أعاد المدعي الدعوى عند قاض آخر لا يحتاج المدعى عليه إلى إعادة الدفع بل يثبت حكم القاضي الاول كما صرحوا به، وظاهر قوله دفعت أنه لا يحلف للمدعي أنه لا يلزمه تسليمه إليه ولم أره الآن.
بحر.
وفيه نظر، فإنه بعد البرهان كيف يتوهم وجوب الحلف، أما قبله فقد نقل عن البزازية أنه يحلف على البتات لقد أودعها إليه لا على العلم، ثم نقل عن الذخيرة أنه لا يحلف لانه مدع الايداع، ولو حلف لا تندفع بل يحلف المدعي على عدم العلم، اللهم إلا أن يقال إن صاحب البحر لاحظ أنه يمكن قياسه على مديون الميت.
تأمل.
قال ط: وأطلق في اندفاعها فشمل ما إذا صدقه ذو اليد على دعوى الملك ثم دفعه بما ذكر فإنها تندفع كما في البزازية، ولم يشترط أحد من أئمتنا لقبول الدفع إقامة المدعي البينة، فقول صاحب البحر: ولا بد من البرهان من المدعي غير مسلم، لانه لم يستند فيه إلى نقل أبو السعود ا ه.
قال في جامع الفصولين: شح قال ذو اليد أنه للمدعي إلا أنه أودعني فلان تندفع الخصومة لو برهن، وإلا فلا.
فش لا تندفع الخصومة إذا صدقه.
أقول: فعلى إطلاقه يقتضي أن لا تندفع ولو برهن على الايداع، وفيه نظر.
ا ه.
قوله: (للملك المطلق) أي من غير زيادة عليه، واحترز به عما إذا ادعى عبدا أنه ملكه وأعتقه فدفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن فإنه لا تندفع الخصومة، ويقضي بالعتق على ذي اليد، فإن جاء الغائب وادعى وبرهن أنه عبده أو أنه أعتقه يقضى به، فلو ادعى على آخر أنه عبده لم يسمع.
وكذا في الاستيلاد والتدبير.
ولو أقام العبد بينة أن فلانا أعتقه وهو يملكه فبرهن ذو اليد على إيداع فلان الغائب بعينه يقبل، وبطلت البينة العبد، فإذا حضر الغائب قيل للعبد أعد البينة عليه، فإن أقامها قضينا بعتقه وإلا رد عليه، ولو قال العبد أنا حر الاصل قبل قوله، ولو برهن ذو اليد على الايداع، ولا ينافيه دعوى حرية الاصل، فإن الحر قد يودع، وكذا الاجارة والاعارة.
وأما في الرهن قال بعضهم: الحر قد برهن.
وقال بعضهم: لا يرهن، فتعتبر العادة.
كذا في خزانة الاكمل.
ا ه.
لكن قال الرملي: قالوا الحر لا يجوز
رهنه لانه غير مملوك.
وأقول: فلو رهن رجل قرابته كابنه أو أخيه على ما جرت به عادة السلاطين فلا حكم له لقوله(2/105)
تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (البقرة: 382).
والحر لا تثبت عليه اليد.
قال بعضهم: ورأيت في مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم وهو النخعي قال: إذا رهن الرجل الحر فأقر بذلك كان رهنا حتى يفكه الذي رهنه أو يفك نفسه.
وجه كلام النخعي المؤاخذة بإقراره ا ه.
ومن الملك المطلق دعوى الوقف ودعوى غلبته.
قال في البحر: لو ادعى وقفية ما في يد آخر وبرهن فدفعه ذو اليد بأنه مودع فلان ونحوه فبرهن فإنها تندفع خصومة المدعي كما في الاسعاف.
قوله: (وقال أبو يوسف أن عرف ذو اليد بالحيل) بأن يأخذ مال إنسان غصبا ثم يدفعه سرا إلى مريد سفر ويودعه بشهادة الشهود حتى إذا جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه فيه أقام ذو اليد بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه.
أفاده الحلبي.
قوله: (وبه يؤخذ ملتقى) واختاره في المختار.
قال في التبيين: فيجب على القاضي أن ينظر في أحوال الناس ويعمل بمقتضى حالهم، فقد رجع أبو يوسف إلى هذا القول بعد ما ولي القضاء وابتلي بأمور الناس وليس الخبر كالعيان ا ه.
ومثله في معراج الدراية.
قوله: (لان فيها أقوال خمسة علماء) الاول: ما في الكتاب.
الثاني: قول أبي يوسف: إن كان المدعى عليه صالحا فكما قال الامام، وإن كان معروفا بالحيل لم تندفع عنه.
الثالث: قول محمد: إنه لا بد من معرفة الاسم والنسب.
والوجه الرابع، قول ابن شبرمة: إنها لا تندفع عنه مطلقا لانه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة بناء عليه.
الخامس: قول ابن أبي ليلى: تندفع بدون بينة لاقرار بالملك للغائب، وقد علم مما ذكر من قول محمد: إن الخلاف لم يتوارد على مورد واحد.
وشبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الراء، واسمه عبد الله بن صبية بفتح الصاد وتشديد الباء الموحدة ابن الطفيل أحد فقهاء الكوفة، ونظمها بعضهم فقال: إذا قال: إني مودع كان دافعا لمن يدعي ملكا لدى ابن أبي ليلى كذا عندنا إن جاء فيه بحجة ولم تندفع عند ابن شبرمة الدعوى
ويكفي لدى النعمان قول شهوده بأنا عرفنا ذلك المرء بالمرأى كذاك لدى الثاني إذا كان مصلحا وآخرهم يأبى إذا لم يكن سمى قوله: أو لان صورها خمس هي المذكورة في المتن.
قوله: (عيني) لم يقتصر العيني على هذا الوجه وإنما ذكر الاحتمالين.
قوله: (وفيه نظر الخ) فيه نظر، لان وكلني يرجع إلى أودعنيه، وأسكنني إلى أعارنيه وسرقته منه إلى غصبته منه، وضل منه فوجدته إلى أودعنيه، وهي في يد مزارعة إلى الاجارة أو الوديعة، فلا يزاد على الخمس بحسب أصولها، وإلا فبحسب الفروع أحد عشر كما ذكره الشارح، وبه يندفع التنظير ويندفع ما أورده صاحب البحر على البزازية، ونسبة الذهول إليه كما في المقدسي.
قوله: (أو أسكنني فيها زيد الغائب الخ) هي وما قبلها ألحقهما في البحر بالامانة: أي الوديعة والعارية.
وفي الكافي: ادعى دارا أنها داره فبرهن ذو اليد أن فلانا أسكنه بها، فهذا على أربعة أوجه: إن شهدا بإسكان فلان وتسليمه أو بإسكانه وكانت في يد ساكن يومئذ أولا في يد الساكن(2/106)
تندفع، وإن قالوا: كانت يومئذ في يد ثالث لا تقبل.
أما الاول: فلانهما شهدا على إسكان صحيح لان الصحيح يكون فيه تسليم وتسلم.
وكذا الثاني: لان القبض الموجود عقب العقد يضاف إليه.
وكذا الثالث: لان تحكيم الحال لمعرفة المقدار أصل مقرر والرابع فاسد.
قوله: (أو سرقته منه) هي والتي بعدها ألحقهما في البحر بالغصب.
قوله: (أو انتزعته منه) عبر في البحر بدل بدله بقوله أو أخذته منه والحكم واحد ط.
قوله: (بحر) ذكر فيه بعد هذا نا نصه: وإلا ولان راجعان إلى الامانة، والثلاثة الاخيرة إلى الضمان لم يشهد في الاخيرة وإلا فإلى الامانة، فالصور عشر، وبه علم أن الصور لم تنحصر في الخمس.
ا ه.
وقد علمت أن عدم انحصارها بحسب فروعها، وإلا فعلى ما قرره من رجوع الخمسة المزيدة إلى الخمسة الاصول فهي منحصرة، فالمراد انحصار أصولها في الخمسة، ولا يخفى أنه بعد رجوع ما زاده لي ما ذكر لا محل للاعتراض بعدم الانحصار.
تأمل.
قوله: (أو هي في يدي مزارعة) مقتضى كلامها أن هذه ليست في البحر مع أنها والتي بعدها فيه ح.
قوله: (ألحق) بصيغة الماضي المعلوم.
قوله:
(المزارعة بالاجارة) من حيث إن العامل إذا دفع البذر منه كان مستأجرا لها، وذلك فيما إذا كانت الارض لواحد والبذر والعمل للآخر، فإنه يجعل كأنه أجره أرضه بما شرطه من الخارج.
قوله: (أو الوديعة) من حيث عدم الضمان لنصيب صاحبه إذا ضاع منه من غير تعد كما إذا كان العمل لواحد والباقي لآخر، أو العمل والبقر فإنه يجعل كأنه استأجره، أو استأجره مع بقره ليعمل له في أرضه ببذر صاحب الارض وصارت الارض والبذر في يد العامل بمنزلة الوديعة.
قوله: (قل) أي في البزازية.
قوله: (فلا يزاد على الخمس) أي لا تزاد مسألة المزارعة التي زادها البزازي، وقد علمت مما في البحر أنه لا يزاد لباقية أيضا، لكن في البزازية لم يبين إلا إلحاق المزارعة، وما في البحر من رجوع الاولين إلى الامانة والثلاثة الباقية إلى الضمان ليس فيه بيان إلحاق، لان الامانة والضمان ليستا من المسائل الخمس، غايته أنه بين أن بعضها، راجع إلى الامانة والامانة أنواع، وكذا الضمان.
نعم قوله أسكنني فيها راجع إلى العارية، وهي من الصور الخمس وانتزعته منه راجع إلى الغصب، وهو كذلك فألحق أنها ثمان صور أو تسع، لان المزارعة وإن رجعت إلى غيرها لكنها تميزت باسم على حدة وكذا بأحكام، فإن الاجارة بالمجهول وإعطاء الاجير من عمله مشروطة له ذلك لا يصح، وفيها يصح.
قوله: (وقد حررته في شرح الملتقى) حيث عمم قوله: غبته منه بقوله ولو حكما، فأدخل فيه بقوله أو سرقته منه أو انتزعته منه، وكذا عمم قوله أودعنيه بقوله ولو حكما، فأدخل فيه الاربعة الباقية، ولا يخفى أنه محرر أحسن مما هنا، فإنه هنا أرسل الاعتراض، ولم يجب عنه إلا في مسألة المزارعة فأوهم خروج ما عداها عما ذكروه مع أنه داخل فيه كما علمت، فافهم.
مطلب: إذا حضر الغائب وصدق المدعى عليه في الايداع والاجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي وحاصل ما يقال: أنه إذا حضر الغائب وصدقه في الايداع والاجارة والرهن رجع عليه بما(2/107)
ضمن للمدعي، لانه هو الذي أوقعه في هذه المسائل لانه عامل له، أما في الايداع فظاهر.
وأما في الاجارة: فلانه لما أخذ البدل صار كأنه هو المستوفي للمنفعة باستيفائه بدلها فصار المستأجر عاملا له،
وكذا الراهن فإنه موف لدينه بالرهن، والمرتهن مستوف به دينه فأشبه عقد المعارضة، فإن منفعة الرهن له ليحصل به غرضه عن وصوله إلى الدين، أما لو كان غصبا فلان ضمان المغصوب عليه وقد أداه فلا يرجع به على غيره، لكن ظاهر كلام المنح أنه ليس للمقر له رجوع عليه بالقيمة بعد استيفاء المدعي، لانه صار مكذبا شرعا في إقراره للغائب، وكذا العارية، لا يرجع فيها على المعير، لان المستعير عامل لنفسه، والمعير محسن وما على المحسنين من سبيل فلا رجوع له على معيره.
وينبغي أن يرجع عليه لانه عامل له، والمسروق منه كالمغصوب منه.
وينظر في اللقطة هل يرجع عليه لانه عامل له؟ يتأمل في ذلك.
والمزارعة كالاجارة.
قوله: (وإن كان هالكا) محترز قوله والعين قائما، وقد سبق أنه يدعي الدين عليه وهو قيمة الهالك، وإيداع الدين لا يمكن وكذا أخوات الايداع.
قوله: (أو قال الشهود أودعه من لا نعرفه) لانهم ما أحالوا المدعي على رجل تمكن مخاصمته، ولعل المدعي هو ذلك الرجل، ولو اندفعت لبطل حقه كما مر.
لكن قد يقال: إن مقتضى البينة لشيئين ثبوت الملك للغائب ولا خصم فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي وهو خصم فيثبت.
وكذا ينبغي أن يقال في المجهول أن لا يثبت للمجهول وتندفع خصومة المدعي.
تأمل.
قوله: (أو أقر ذو اليد بيد الخصومة) كيد الملك فإن القاضي يقضي ببرهان المدعي، لان ذا اليد لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما.
قال في البزازية: ولو برهن بعده على الوديعة لم تسمع.
قوله: (قال ذو اليد اشتريته) ولو فاسدا مع القبض كما في البحر، وأطلق في الشراء فعم الفاسد كما في أدب القاضي، وأشار إلى أن المراد من الشراء الملك المطلق، ولو هبة كما يذكر.
وحاصل هذه: إن المدعي ادعى في العين ملكا مطلقا فأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي على الملك فدفعه ذو اليد بأنه اشتراها من فلان الغائب وبرهن عليه لم تندفع عنه الخصومة: يعني فيقضي القاضي ببرهان المدعي، لانه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما.
بحر.
وفيه عن الزيلعي: وإذا لم تندفع في هذه المسألة وأقام الخارج البينة فقضى له ثم جاء المقر له الغائب وبرهن تقبل بينته، لان الغائب لم يصر مقضيا عليه، وإنما قضى على ذي اليد خاصة.
ا ه.
لكن فيه أن القضاء على ذي اليد قضاء على من تلقى ذو اليد الملك منه أيضا، فلا تسمع دعواه
أيضا إلا إذا ادعى النتاج ونحوه كما تقدم في باب الاستحقاق.
تأمل.
وحينئذ فيجب تصويرها فيما إذا قال المدعى عليه: هذا الشئ ملك فلان الغائب ولم يزد على ذلك، فإنه لا تندفع الدعوى عنه بذلك، فإذا جاء المقر له الخ فبناؤها على ما قبلها غير صحيح، وهو خلط مسألة بمسألة.
تأمل.
قوله: (أو اتهبته من الغائب) أي وقبضته، ومثلها الصدقة كما في البحر، وهذا كما ترى ليس فيه إلا دعوى ما ذكر من غير أن يدعي ذو اليد أن المدعي باعها من الغائب، فلو ادعى ذلك: أي وبرهن تقبل وتندفع الخصومة، وكذا إذا ادعى ذو اليد ذلك وإن لم يدع تلقى الملك من الغالب ط.
قوله: (أو لم يدع الملك المطلق) الضمير في يدعي يرجع إلى المدعي لا إلى ذي اليد، والاوضح إظهاره لدفع التشتيت(2/108)
وقد سبق بيانه.
قوله: (بل ادعى عليه) أي على ذي اليد الفعل، وقيد به للاحتراز عن دعواه على غيره فدفعه ذو اليد لواحد مما ذكر وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية.
بحر.
وأشار الشارح إلى هذا أيضا بقوله بخلاف قوله غصب مني الخ لكن قوله وبرهن ينافيه ما سننقله عن نور العين من أنه لا يحتاج إلى البينة، وكذا مسألة الشراء التي ذكرها المصنف، وهي مسألة المتون بأن قال المدعي غصبته مني أو سرق مني، ذكر الغصب والسرقة تمثيل، والمراد دعوى فعل عليه، فلو قال المدعي أودعتك إياه أو اشتريته منك وبرهن ذو اليد كما ذكرنا على وجه لا يفيد ملك الرقبة له لا يدفع.
كذا في البزازية.
بحر.
فكان الاولى أن يقول: كأن قال سرق مني.
قوله: (وبناه للمفعول للستر عليه) والاولى لدرء الحد عنه، لان الستر يحتاج إليه كل من السارق والغاصب، لان فعلهما معصية، لكن الغصب لا حد فيه والسرقة فيها الحد، ويعلم بالاولى حكم ما إذا بناه للفاعل فقد نص على الموهوم وموضع الخلاف، فإن محمدا يجعلها كالغصب، فلو بناه للفاعل فهو محل اتفاق على عدم صحة الدفع.
قوله: (فكأنه قال سرقته مني) فإنه لا تندفع الخصومة اتفاقا لانه يدعي عليه الفعل، وأما سرق مني فهو عند الامام الاول والثاني.
ومحمد يقول: تندفع الخصومة، لانه لم يدع عليه الفعل فهو كقوله غصب مني، وقولهما استحسان، لانه في معنى سرقته مني، وإنما بناه للمفعول لما قدمناه لدرء الحد الخ.
قوله: (بخلاف غصب مني) أي بالبناء للمفعول، فإن الخصومة تندفع فيه
لاحتمال أن الغاصب غير ذي اليد.
قال في الهندية: وكذا أخذ مني.
ا ه.
ومفاده أن الاخذ كالغصب كما تقدم.
قوله: (أو غصبه مني فلان الخ) قال في البحر: وقيد بدعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره فدفعه ذو اليد بواحد مما ذكرناه وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية.
قوله: (وهل تندفع) أي خصومة المدعي بالمصدر بأن قال المدعي هذا ملكي وهو في يد المدعى عليه غصب فبرهن ذو اليد عن الايداع ونحوه، قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه، والصحيح أنها لا تندفع.
أما في السرقة فيجب أن لا تندفع كما في بنائه للمفعول.
خير الدين على المنح.
ومثال السرقة أن يقول: هذا ملكي في يده سرقة.
قوله: (الصحيح لا) أي لا تندفع بل تتوجه الخصومة عليه لما قلنا.
وقيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه.
قوله: (بزازية) قال ادعى أنه ملكه وفي يده غصب فبرهن ذو اليد على الايداع، قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه، والصحيح أنها لا تندفع.
بحر.
قوله: (أودعنيه) ظاهر البزازية أو الوديعة مثال.
وعبارتها: لو برهن المدعي أنها له سرقت منه لا يندفع وإن برهن المدعى عليه على الوصول إليه بهذه الاسباب.
قوله: (وبرهن عليه) أراد بالبرهان إقامة البينة، فخرج الاقرار لما في البزازية معزيا إلى الذخيرة: من صار خصما لدعوى الفعل عليه إن برهن على إقرار المدعي بإيداع الغائب منه تندفع، وإن لم تندفع بإقامة الايداع بثبوت إقرار المدعي أن يده ليست يد خصومة.
بحر.
قوله: (لا تندفع في الكل) أي فيقضي ببرهان المدعي.
قوله: (لما قلنا) أي من أنه أقر ذو اليد بيد الخصومة، أما في مسألتي المتن فأشار إلى علة الاولى بقوله أو أقر ذو اليد بيد الخصومة، وإلى علة الثانية(2/109)
بقوله ادعى عليه الفعل: أي فإنه صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى الملك المطلق، لانه خصم فيه باعتبار يده كما في البحر.
وأما علة ما إذا كان هالكا فلم يشر إليها، وهي أنه يدعي الدين ومحله الذمة، فالمدعى عليه ينتصب خصما بذمته وبالبينة أنه كان في يده وديعة لا يتبين أن ما في ذمته لغيره، فلا تندفع كما في المعراج، وكذا علة ما إذا قال الشهود أودعه من لا نعرفه، وهي أنهم ما أحالوا المدعي على رجل تمكن
مخاصمته.
كذا قيل.
قوله: (قال) أي ذو اليد.
قوله: (ثم قال في مجلسه) أي مجلس الحكم.
قوله: (ولو برهن المدعي) قال الطحطاوي: تطويل من غير فائدة، والاخضر الاوضح أن يقول: إلا إذا برهن المدعي على ذلك الاقرار، ومحصله: إن ادعاه المدعي إقراره في غير مجلس الحكم لا يقبل إلا إذا برهن عليه.
قوله: (يجعله الخ) أي يجعل الحاكم ذا اليد خصما فيحكم عليه بإثباته للمدعي.
قوله: (لسبق إقرار) بإضافة سبق إلى إقرار ويمنع فعل مضارع والدفع مفعوله ولا يخفى ما فيه من التعقد.
قوله: (يمنع الدفع) أي دفع ذي اليد بأنه عارية مثلا من فلان.
قوله: (ذلك) أي المذكور في كلام المدعي الذي يدعي الشراء منه، وقيد به للاحتراز عما لو ادعى الشراء من فلان الغائب المالك وبرهن ذو اليد على إيداع غائب آخر منه لا تندفع.
ذكره في البحر.
قوله: (أي بنفسه) تقييد لقوله أودعنيه لا تفسير لقوله ذلك ح.
قوله: (لم تندفع) أي الخصومة بلا بينة، لانه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه لانكار ذي اليد ولا من جهة وكيله لانكار المشتري.
بحر.
ولان الوكالة لا تثبت بقوله.
معراج.
قوله: (دفعت الخصومة) جواب إن.
قوله: (وإن لم يبرهن) لم يذكر يمين ذي اليد وفي البناية، ولو طلب المدعي يمينه على الايداع يحلف على البتات انتهى.
بحر.
قوله: (لتوافقهما أن أصل الملك للغائب) فيكون وصولها إلى يده من جهته فلم تكن يده يد خصومة.
قوله: (إلا إذا قال) أي المدعي.
قوله: (اشتريته) أي من الغائب.
قوله: (ووكلني بقبضه) أي منك: أعني واضع اليد فيأخذه لكونه أحق بالحفظ.
عيني.
قوله: (وبرهن) أي فحينئذ يصح دعواه.
والحاصل: أنه بدعوى الوديعة يندفع المدعي إلا إذا ادعى أنه اشتراه من الغائب، وأن البائع أمره بالقبض.
قوله: (بإقراره) أي بإقرار ذي اليد والاقرار حجة قاصرة لا تسري على المالك.
وحاصل هذه المسألة: أن المدعي ادعى الملك بسبب من جهة الغائب فدفعه ذو اليد بأن يده من الغائب، فقد اتفقا على أن الملك فيه للغائب فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته، فلم تكن يده يد خصومة، إلا أن يقيم المدعي بينة أن فلانا وكله بقبضه لانه أن يقيم المدعي بينة أن فلانا وكله بقبضه لانه أثبت ببينته كونه كونه أحق بإمساكها، ولو صدقه ذو اليد في شرائه منه لا يأمره القاضي بالتسليم إليه حتى لا يكون قضاء على الغائب.
قوله: (وهي عجيبة) سبقه على التعجب الزيلعي، ولا عجب أصلا لان إقراره على الغير غير مقبول، لان الاقرار(2/110)
حجة قاصرة لا تتعدى إلى غير المقر، وقد اتفقا على أن المدعى به ملك الغائب فلا ينفذ إقرار مودعه عليه، ولها نظائر كثيرة كمتولي الوقف وناظر اليتيم فإنه يلزمه بالبرهان لا بالاقرار، وتقدمت هذه بعينها في كتاب الوكالة أن المودع لو أقر له أن المودع وكله بقبض الوديعة لا يؤمر بالدفع إليه لعدم نفوذ إقرار المودع على المودع في إبطال يده، ولو برهن على الوكالة أمر بالدفع إليه، بخلاف ما لو كان مديون الغائب وادعى عليه شخص الوكالة بالقبض وصدقه فإنه يدفع إليه لان الديون تقضي بأمثالها، فكان إقرارا على نفسه لا على الغائب، ويمكن أن يقال في وجه العجب: أن في كل من المسألتين قضاء على الغائب، وقد أمر بالتسليم في الاولى دون الثانية، ولانا نلزمه بالتسليم بالبرهان لا بالاقرار.
تأمل.
قوله: (ولو ادعى أنه له) قلت: وكذا لو ادعى أنه أعاره لفلان كما يظهر من العلة.
قوله: (اندفعت) أي بلا بينة.
نور العين.
قوله: (ولو كان مكان الغصب سرقة لا تندفع) أي دعوى سرقة الغائب، وفيه أنهما توافقا أن اليد لذلك الرجل.
قال صاحب البحر: وقد سألت بعد تأليف هذا المحل بيوم عن رجل أخذ متاع أخته من بيتها ورهنه وغاب فادعت الاخت به على ذي اليد.
فأجاب بالرهن، فأجبت إن ادعت الاخت غصب أخيها وبرهن ذو اليد على الرهن اندفعت وإن ادعت السرقة لا، والله تعالى أعلم: أي لا تندفع.
وظاهره أنها ادعت سرقة أخيها مع أنا قدمنا عنه أن تقييد دعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره، فإنه لو دفعه ذو اليد بواحد مما ذكر وبرهن تندفع كدعوى الملك المطلق، فيجب أن يحمل كلامه هنا على أنها ادعت أنه سرق منها مبنيا للمجهول لتكون الدعوى على ذي اليد، وإن أبقى على ظاهره يكون جريا على مقابل الاستحسان الآتي قريبا، لكن ينافي الحمل المذكور قولها إن أخاها أخذه من بيتها.
تأمل، وقيد بقوله غصبه منه أو سرقه للاحتراز عن قوله إنه ثوبي سرقه مني زيد وقال ذو اليد أودعنيه زيد ذلك لا تندفع الخصومة استحسانا.
يقول الحقير: لعل وجه الاستحسان هو أن الغصب إزالة اليد المحققة بإثبات اليد المبطلة كما ذكر
في كتب الفقه، فاليد للغاصب في مسألة الغصب، بخلاف مسألة السرقة إذ اليد فيها لذي اليد، إذ لا يد للسارق شرعا، ثم إن في عبارة لا يد للسارق نكتة لا يخفى حسنها على ذوي النهي.
نور العين.
وهذا أولى مما قاله السائحاني: يجب حمله على ما إذا قال سرق مني، أما لو قال سرقه الغائب مني فإنها تندفع لتوافقهما أن اليد للغائب، وصار من قبيل دعوى الفعل على غير ذي اليد، وهي تندفع كما في البحر، لكن ذكر بعده هذه المسألة وأفاد أنها مبنية للفاعل، وصرح بذلك في الفصولين، فلعل في المسألة قولين قياسا واستحسانا انتهى.
قوله: (استحسانا) قدمنا وجهه قريبا عن نور العين، ولعل وجهه أيضا دفع إفساد السراق، لان الضرورة في السرقة أعظم من غيرها لانها تكون خفية، ولذا شرع فيها الحد.
قوله: (لم يكن الثاني خصما للاول) أي ما لم يدع عليه فعلا أو حتى يحضر المالك بمنزلة(2/111)
المستعير، لانه لا يدعي ملك العين فلا يكون خصما للاول.
ا ه.
عبد البر.
ولا يحتاج في دفع هذه إلى البينة لاتفاقهما على ملك زيد وأنه صاحب اليد.
قوله: (ولا لمدعي رهن أو شراء) لما ذكرنا من العلة.
قوله: (أما المشتري فخصم للكل) وكذلك الموهوب له: أي من يدعي الشراء أو الهبة مع القبض إذا برهن يكون خصما للمستأجر، ولمدعي الرهن ولمدعي الشراء.
قال في البزازية: بيده دار زعم شراءها من فلان الغائب أو صدقة مقبوضة وهبة منذ شهر أو أمس وبرهن أولا وبرهن آخرا أن ذلك الغائب رهنها منذ شهر وأجرها أو أعارها وقبضها يحكم بها للمستعير، والمستأجر والمرتهن، ثم ذو اليد بالخيار إن شاء سلم المدعي وتربص إلى انقضاء المدة أو فك الرهن، وإن شاء نقض البيع، وإن كان المدعي برهن أن الدار له أعارها أو أجرها أو رهنها من الغائب أو اشتراها الغائب منه ولم ينقد الثمن قبل أن يشتريها ذو اليد يقضي بها للمدعي في الوجوه كلها، أما في الاعارة فلعدم اللزوم، وأما في الاجارة فلانه عذر في الفسخ لانه يريد إزالتها عن ملكه، وأما في الشراء فلان له حق الاسترداد لاستيفاء الثمن، فإذا دفع الحاكم الدار إلى المدعي: فإن كان أجرها ولم يقبض الاجرة أخد منه كفيلا بالنفس إلى انقضاء المدة، وإن كان قبض الاجرة أو كان ادعى رهنا لا تدفع للمدعي توضع على يد عدل.
وفي القنية: فلو ادعى ذو اليد أن المدعي باع العين للغائب وبرهن ذكر في أجناس الناطفي أنها تقبل وتندفع الخصومة.
قوله: (يمهل إلى المجلس الثاني) أي مجلس القاضي، وظاهر الاطلاق يعم ما طال فصله وقصر، وهذا بعد السؤال عنه وعلمه بأنه دفع صحيح كما تقدم قبيل التحكيم.
قوله: (للمدعي تحليف مدعي الايداع على البتات) يعني إذا ادعى شراء شئ من زيد وادعى ذو اليد إيداعه منه فإنها تندفع الخصومة من غير برهان لاتفاقهما على أن أصل الملك الغائب، لكن لمدعي الشراء تحليف دي اليد على الايداع على البت لا على العلم، لانه وإن كان فعل الغير لكن تمامه به وهو القبول.
وفي الذخيرة: لا يحلف ذو اليد على الايداع لانه مدعي الايداع ولا حلف على المدعي، ولو حلف أيضا لا تندفع، ولكن له أن يحلف المدعي على عدم العلم.
ا ه.
فأفاد بذكر عبارة الذخيرة أن ما نقله أولا معناه أن حقه لو حلف يحلف على البتات، ولكنه بحلفه لا تندفع الدعوى كما هو ظاهر، ولذا قال في الدرر: الظاهر أن التحليف يقع على التوكيل لا على الايداع فإن طلب مدعي الايداع يمين مدعي التوكيل بناء على ما ادعى من الايداع وعجز عن إقامة البرهان عليه حلف على البتات: يعني على عدم توكيله إياه لا على عدم علمه بتوكيله إياه.
وعبارة الدرر غير صحيحة لانه جعل اليمين على مدعي التوكيل، وإنما هي على المدعى عليه: أي مدعي الايداع كما هو ظاهر من قول الكافي، فإن طلب المدعي: أي مدعي الشراء يمينه: أي يمين مدعي الايداع.
كذا في الشرنبلالية.
وحاصله: أنه لو ادعى الشراء من المالك وأنه وكله بقبضه فأنكر ذو اليد الوكالة، وعجز المدعي(2/112)
عن إثباتها للمدعي أن يحلف ذا اليد على أنه لم يوكله بقبض ما باعه إياه مما هو تحت يد المدعى عليه على البتات ولكن في تحليفه حينئذ على البتات.
تأمل.
لانه تحليف على فعل الغير فلذا اضطربت عباراتهم في هذه المسألة، وحاصل كلام الشارح للمدعي: أي مدعي الشراء من الغائب وتوكيله إياه بالقبض إذا جحد مدعي الايداع توكيله إياه وعجز عن البرهان أن يحلف مدعي الايداع بالله ما وكله الغائب بقبض
ما باعه إياه على البتات لا على العلم، لكن ينظر هل هذا موافق لعبارة الدرر فيصح عزوه إليها ويمكن حمل كلام الدرر على ما إذا ادعى الشراء والتوكيل بالقبض، فإن برهن قبل برهانه وله أخذه، فإن عجز عن البرهان وطلب يمين مدعي الايداع على ما ادعى من الايداع حلف على البتات.
قال عزمي: وهو صريح عبارة التسهيل حيث قال: وحلف ذو اليد على الايداع بطلب مدعي البيع إذا لم يكن له بينة على التوكيل.
ا ه.
وعليه فكان على الشارح أن يذكر هذا الفرع في محله كما نقله صاحب الدرر.
فتأمل.
وحاصله: أنه لو ادعى الشراء من المالك وأنه وكله بقبضه فأنكر ذو اليد الوكالة وعجز المدعي عن إثباتها للمدعي أن يحلف ذا اليد على أنه لم يوكله بقبض ما باعه إياه مما هو تحت يد المدعى عليه على البتات.
قوله: (وتمامه في البزازية) وعبارتها كما في البحر: وإن ادعى ذو اليد الوديعة ولم يبرهن عليها وأراد أن يحلف أن الغائب أودعه عنده يحلف الحاكم المدعي عليه بالله تعالى لقد أودعها إليه على البتات لا على العلم، لانه وإن كان فعل الغير لكنه تمامه به وهو القبول، وإن طلب المدعى عليه يمين المدعي فعلى العلم بالله تعالى ما يعلم إيداع فلان عنده لانه فعل الغير ولا تعلق له به.
ا ه.
قوله: (ابن ملك) ذكر ذلك في جواب سؤال ورد على دفع الدعوى بأحد الامور المتقدمة، ونصه: فإن قيل ذو اليد خصم ظاهرا ودفع الخصومة عن نفسه تابع لثبوت الملك للغائب، وهذه البينة لم تثبته، فكيف يثبت التابع بلا ثبوت الاصل؟ قلنا: هذه البينة تقتضي أمرين: أحدهما: الملك للغائب، وهو ليس يخصم فيه، إذ لا ولاية له في إدخال شئ في ملك غيره بلا رضاه.
وثانيهما: دفع الخصومة عنه وهو خصم فيه فكانت مقبولة، كمن وكل وكيلا ينقل أمته فأقامت بينة أنه أعتقها تقبل في قصر يد الوكيل عنها، ولا تقبل في وقوع العتاق ما لم يحضر الغائب، والله تعالى أعلم.
ا ه.
أقول: وكذا إذا وكله بنقل امرأته فأقامت البينة أنه طلقها ثلاثا تقبل في قصر يد الوكيل عنها، ولا تقبل في وقوع الطلاق ما لم يحضر الغائب كما في الكافي.
فروع: في يديه وديعة لرجل: جاء رجل وادعى أنه وكيل المودع بقبضها وأقام على ذلك بينة، وأقام الذي في يديه الوديعة بينة أن المودع قد أخرج هذا من الوكالة قبلت بينته، وكذا إذا أقام بينة أن شهود الوكيل عبيد.
كذا في المحيط.
ادعى على آخر دارا فقال ذو اليد إنها وديعة من فلان في يدي وأقام البينة عليه حتى اندفعت عنه الخصومة، ثم حضر الغائب وسلمها ذو اليد إليه، وأعاد المدعي والدعوى في الدار، فأجاب: أنها وديعة في يدي من فلان، وأقام البينة عليه، قال: تندفع الخصومة عنه أيضا كما في الابتداء.
كذا في محيط السرخسي إذا ادعى على ذي اليد فعلا لم تنته أحكامه بأن ادعى الشراء منه بألف ولم يذكر أنه نقد الثمن ولا قبض منه، فأقام الذي في يديه البينة أنه لفلان الغائب أودعنيه أو غصبته منه لا تندفع عنه(2/113)
الخصومة في قولهم، وإن ادعى عليه عقدا انتهت أحكامه بأن ادعى أنه اشترى منه هذه الدار أو هذا العبد ونقده الثمن وقبض منه المبيع، ثم أقام المدعى عليه البينة أنه لفلان الغائب أودعنيه، اختلفوا فيه.
قال بعضهم: تندفع عنه الخصومة وهو الصحيح.
كذا في فتاوى قاضيخان في دعوى الدور والاراضي.
عبد أقام البينة أن فلانا أعتقه وأقام صاحب اليد البينة أن فلانا ذلك أودعه تقبل، وتبطل بينة العبد ولا يحال بينه وبين العبد قياسا ويحال استحسانا، ويؤخذ من العبد كفيل بنفسه استيثاقا حتى لا يهرب، فإذا حضر الغائب: فإن أعاد البينة عتق، وإلا فهو عبد.
كذا في محيط السرخسي.
وكذا لو أقام ذو اليد البينة أن فلانا آخر أودعه إياه كذا في الخلاصة.
لو ادعى العبد أنه حر الاصل فإن أقام ذو اليد البينة على الملك وإيداعه تقبل، وإن أقام على إيداعه فحسب لا تقبل، بخلاف الدار، وإن برهن على الملك والايداع وبرهن العبد على حرية الاصل حيل بينهما بكفيل.
كذا في الكافي.
عبد في يد رجل ادعى رجل أنه قتل وليا له خطأ وأقام ذو اليد البينة أن العبد لفلان أودعه اندفعت عنه الخصومة.
كذا في الخلاصة.
رجل ادعى على آخر أنه باعه جارية فقال لم أبعها منك قط، فأقام المشتري البينة على الشراء فوجد بها أصبعا زائدة وأراد ردها وأقام البائع البينة أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل بينة البائع.
وذكر الخصاف رحمه الله تعالى هذه المسألة في آخر أدب القاضي وقال على قول أبي يوسف رحمه الله
تعالى: تقبل بينته.
كذا في شرح الجامع للصدر الشهيد.
ادعى على آخر محدودا في يده وقال هذا ملكي باعه أبي منك حال ما بلغت وقال ذو اليد: باعه مني حال صغرك فالقول قول المدعي.
كذا في الفصول العمادية.
اشترى دارا لابنه الصغير من نفسه وأشهد على ذلك شهودا وكبر الابن ولم يعلم بما صنع الاب ثم إن الاب باع تلك الدار من رجل وسلمها إليه ثم إن الابن استأجر الدار من المشتري ثم علم بما صنع الاب فادعى الدار على المشتري وقال إن أبي كان اشترى هذه الدار من نفسه في صغري وإنها ملكي وأقام على ذلك بينة، فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي إنك متناقض في هذه الدعوى لان استئجارك الدار مني إقرار بأن الدار ليست لك فدعواك بعد ذلك الدار لنفسك يكون تناقضا، فهذه المسألة صارت واقعة الفتوى.
مطلب: واقعة الفتوى وقد اختلفت أجوبة المفتين في هذا، والصحيح أن هذا لا يصلح دفعا لدعوى المدعي ودعوى المدعي صحيحة وإن ثبت التناقض، إلا أن هذا تناقض فيما طريقه طريق الخفاء.
كذا في الذخيرة.
ادعى دارا بسبب الشراء من فلان فقال المدعى عليه إني اشتريت من فلان ذلك أيضا وأقام بينة وتاريخ الخارج أسبق فقال المدعى عليه إن دعواك باطلة لان في التاريخ الذي اشتريت هذه الدار من فلان كانت رهنا عند فلان ولم يرض بشرائك وأجاز شرائي، لانه كان بعد ما فك الرهن وأقام البينة لا يصح هذا الدفع.
كذا في الفصول العمادية.
ولو كان المدعي ادعى إن هذا العين كان لفلان رهنه(2/114)
بكذا عندي وقبضته وأقام البينة وأقام المدعى عليه في دفع دعواه أنه اشتريته منه ونقدته الثمن كان ذلك دفعا لدعوى الرهن.
كذا في فتاوى قاضيخان في باب اليمين.
ادعى عليه دارا في يده إرثا أو هبة فبرهن المدعى عليه على أنه اشتراها منه وبرهن المدعي على إقالته صح دفع الدفع.
كذا في الوجيز للكردري.
دار في يد رجل وادعى أن أباه مات وترك هذه الدار ميراثا له وأقام بينة شهدوا أن
أباه مات وهذه الدار في يديه وأخذ هذا الرجل هذه الدار من تركته بعد وفاته أو أخذها من أبي هذا المدعي في حال حياته وأقام ذو اليد البينة أن الوارث أو أباه أقر أن الدار ليست له، فالقاضي يقضي بدفع الدار إلى الوارث.
هكذا في المحيط.
رجل ادعى على آخر ضيعة فقال: الضيعة كانت لفلان مات وتركها ميراثا لاخته فلانة ثم ماتت فلانة وأنا وارثها وأقام البينة تسمع، فلو قال المدعى عليه في الدفع إن فلانة ماتت قبل فلان مورثها صح الدفع.
كذا في الخلاصة.
رجل ادعى على آخر مائة درهم فقال المدعى عليه دفعت إليك منها خمسين درهما وأنكر المدعي قبض ذلك منه فأقام المدعى عليه البينة أنه دفع إلى المدعي خمسين درهما، فإنه لا يكون دفعا ما لم يشهدوا أنه دفع إليه أو قضى هذه الخمسين التي يدعي.
كذا في جواهر الفقه.
ادعى على غيره كذا كذا دينارا أو دراهم فادعى المدعى عليه الايفاء وجاء بشهود شهدوا أن المدعى عليه دفع هذا المال كذا كذا درهما من الدراهم ولكن لا يدري بأي جهة دفع، هل يقبل القاضي هذه الشهادة وهل تندفع بها دعوى المدعي؟ عن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى: أنه يقبل وتندفع بها دعوى المدعي، وهو الاشبه والاقرب إلى الصواب.
هكذا في المحيط، الكل من الهندية من الباب السادس فيما تدفع به دعوى المدعي.
وفي نور العين: ادعى إرثا له ولاخيه فقال المدعى عليه إنك أقررت إن أخي باعه منك وسلم وهذا إقرار بأنه ملك الاخ فلا يصح منك دعوى الارث، قيل لا يندفع لانه لم يقر أن أخي باع جائزا لكن أقر بالبيع فقط، ومن أقر أن فلانا باعه ثم ادعى أنه ملكه يسمع، إلا إذا أقر أنه باع بيعا صحيحا جائزا فحينئذ لا يسمع دعواه بعده.
وقيل: لو باع والدار بيده وقت البيع أو قال: باع وسلم فهذا يكفي لانه مما يدل على الملك.
وفيه لو برهن ذو اليد على إقرار الوصي بأنه بوصاية قالوا: لا يقبل، لا أن يشهدوا أنه وصى من جهة المورث أو القاضي إذ الوصاية لا تثبت بإقراره إ ه.
الابراء العام في ضمن عقد فاسد لا يمنع الدعوى.
أبرأه عن الدعاوى ثم ادعى مالا بالوكالة أو الوصاية يقبل.
لا تسمع دعواه في شئ من الاشجار بعد ما ساقى عليها.
التناقض يمنع الدعوى لغيره كما يمنعه لنفسه.
من أقر بعين لغيره فكما لا يملك أن يدعيه لنفسه لا يملك أن يدعيه لغيره بوكالة أو وصاية لا ينفذ القضاء بالدفع قبل يمين الاستظهار.
الدعوى على بعض الورثة صحيحة.
لا تسمع دعوى الموقوف عليهم إلا بإذن القاضي أو كون المدعي ناظرا.(2/115)
الخصم في إثبات النسب خمسة الوارث والوصي والموصى له والغريم للميت أو على الميت كما تقدم.
دعوى الملك لا تصح على غير ذي اليد.
ادعى أنه عم الميت، لا بد أن يفسر أنه لابيه أو لامه وأن يقول هو وارثه ولا وارث له غيره بعد أن ينسب الشهود الميت والمدعي لبنوة العمومة حتى يلتقيا إلى أب واحد بعد دعوى المال.
العبد إذا انقاد للبيع لا تسمع دعواه حرية الاصل بدون بينة.
الابن إذا كان في عيال الاب يكون معينا له فيما يصنع.
ما اكتسبه الابن يكون لابيه إذا اتحدت صنعتهما ولم يكن مال سابق لهما وكان الابن في عيال أبيه، لان مدار الحكم كونه معينا لابيه.
القول للدافع لانه أعلم بجهة الدفع.
دفع إلى ابنه مالا فأراد أخذه صدق في أنه دفعه قرضا.
يصح إثبات الشراء في وجه مدعي دين في التركة المستغرقة.
التناقض لا يمنع دعوى الحرية سواء كانت أصلية أو عارضة.
لا تسمع الدعوى بالعين أنها له بعد ما ساومه عليها.
لا تسمع الدعوى بعد الابراء العام إلا ضمان الدرك، وإلا إذا ظهر شئ للقاصر بعد إبرائه
وصيه بعد بلوغه ولم يكن يعلمه.
يدخل في قوله لا حق لي قبله كل عين ودين وكفالة وجناية وإجارة وحبس.
لا تسمع دعوى الكفالة بعد الابراء العام.
ادعى نكاح امرأة لها زوج يشترط حضرة الزوج الظاهر.
السباهي لا ينتصب خصما لمدعي الارض ملكا أو وقفا.
الاستيداع يمنع دعوى الملك.
لاحد الورثة حق الاستخلاص من التركة المستغرقة بأداء قيمته إلى الغرماء إذا امتنع الباقون.
ليس له الدعوى على وكيله بقبض الرسومات بما أخذه من الرسومات له بل الدعوى لهم عليه.
إذا برهن على مديون مديونه لا يقبل، وليس له أخذه منه بدون وكالة أو حوالة.
لا يجوز الابراء عن الاعيان، ويجوز عن دعواها.
الارث جبري لا يسقط بالاسقاط.
هل يشترط حضرة الراهن والمرتهن في دعوى الرهن؟ قولان.
هل يشترط حضرة المودع في إثبات الوديعة؟ فيه اختلاف المشايخ.
ادعى الشراء ثم ادعى الارث تقبل، وبعكسه لا.
كل ما كان مبنيا على الخفاء يعفى فيه التناقض، فالمديون بعد قضاء الدين لو برهن على إبراء الدائن، والمختلعة بعد أداء بدل الخلع لو برهنت على طلاق الزوج قبل الخلع يقبل، وكذلك الورثة إذا قاسموا مع الموصى له بالمال ثم ادعوا رجوع الموصي يصح لانفراد الموصي بالرجوع.(2/116)
التناقض إذا كان ظاهرا والتوفيق خفيا لا يكفي إمكان التوفيق، بل لا بد من بيانه وإلا يكفي الامكان.
جحد الامين الامانة ثم اعترف وادعى الرد لا يقبل إلا ببينة.
التصديق إقرار إلا في الحدود.
إذا ثبت استحقاقه فطلبه على من تناول الغلة لا على الناظر.
لا تصح دعوى التمليك ما لم يبين أنه بعوض أو بلا عوض.
إذا ادعى المأذون بالانفاق أو الدفع يصدق إن كان المال أمانة، وإن كان دينا في ذمته فلا.
الدعوى متى فصلت مرة بالوجه الشرعي لا تنقض ولا تعاد ما لم يكن في إعادتها فائدة بأن أتى بها مع دفع أقام عليه البينة فإنها تسمع.
غلط الاسم لا يضر لجواز أن يكون له اسمان.
لا يلزم الابن وفاء دين أبيه من استحقاقه المنتقل إليه عنه في وقت أهلي.
ادعى بعد ما أقر بالمال: إن بعضه قرض وبعضه ربا يسمع.
مات لا عن وارث وعليه دين لزيد أثبته زيد في وجه وصيي نصبه القاضي له أخذه من التركة.
لا يكلف الاب إحضار ابنه البالغ لاجل دعوى عليه.
لا تصح الدعوى على جميع الضاربين بالبندق إذا أصابت واحدا بندقة فقتلته إذا لم يعلم الضارب.
العبد إذا ادعى حرية الاصل ثم العتق العارض تسمع، والتناقض لا يمنع الصحة.
وفي حرية الاصل لا تشترط الدعوى.
وفي الاعتاق المبتدأ تشترط الدعوى عند أبي حنيفة.
وعندهما ليست بشرط.
وأجمعوا على أن دعوى الامة ليست بشرط لانها شهادة بحرمة الفرج فهي حسبة، الكل من التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى.
كفل بثمن أو مهر ثم برهن الكفيل على فساد البيع أو النكاح لا يقبل، لان إقدامه على التزام المال إقرار منه بصحة سبب وجود المال فلا يسمع منه بعده دعوى الفساد، ولو برهن على إيفاء الاصيل أو على إبرائه لا يقبل لانه تقرير للوجوب السابق.
ادعى دارا فأنكر ذو اليد فصالحه على ألف على أن يسلم الدار لذي اليد ثم برهن ذو اليد على صلح قبل هذا الصلح صح الصلح الاول وبطل الثاني.
في وقال كل صلح بعد صلح فالثاني باطل، ولو شراه ثم بطل الاول ونفذ الثاني.
ولو صالح ثم شرى جاز الشراء وبطل: أي في الصلح الذي هو بمعنى أما إذا كان الصلج على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر فالثاني هو الجائز وانفسخ الاول كالمبيع.
يقبل عذر الوارث والوصي والمتولي بالتناقض للجهل.
الاقرار المتأخر يرفع الانكار المتقدم، والاقرار المتقدم يمنع الانكار المتأخر.
ادعى مالا فصالح ثم ظهر أنه لا شئ عليه بطل الصلح.(2/117)
من دفع شيئا على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه له الرجوع بما دفع.
دعوى الدفع من المدعى عليه ليس بتعديل للشهود، حتى لو طعن في الشاهد أو في الدعوى يصح من نور العين، ومن أراد استيفاء المقصود من مسائل الدفوع فليرجع إليه الفصل الثامن عشر.
وذكر في المجلة في مادة 881 البيع بشرط متعارف بين الناس في البلد صحيح، والشرط معتبر، وإن كان فيه نفع لاحد المتعاقدين أو لهما، وإن كان لا يلائم العقد.
وفي 291: الاقالة بالتعاطي القائم مقام الايجاب والقبول صحيحة.
وفي 022: بيع الصبرة كل مد بقرش يصح في جميع الصبرة.
وفي 983: كل شئ تعومل بيعه بالاستصناع يصح فيه على الاطلاق إذا وصف المصنوع وعرفه على الوجه الموافق المطلوب ويلزم، وليس لاحدهما الرجوع إذا كان على الاوصاف المطلوبة، وإذا خالف يكون المشتري مخيرا.
وأما ما لا يتعامل استصناعه إذا بين فيه المدة صار سلما فتعتبر فيه حينئذ شرائط السلم، وإذا لم يبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضا.
وفي 893: إذا شرط في بيع الوفاء أن يكون قدر من منافع المبيع للمشتري صح ويلزم الوفاء بالشرط.
وفي 044: الاجارة المضافة صحيحة لازمة قبل حلول وقتها، وقد صدر الامر الشريف السلطاني بالعمل بمقتضى ذلك كله، فاحفظه والسلام، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب دعوى الرجلين لا يخفى عليك أن عقد الباب لدعوى الرجلين على ثالث، وإلا فجميع الدعاوى لا تكون إلا
بين اثنين، وحينئذ لا تكون هذه المسألة من مسائل هذا الكتاب، فلذلك ذكره صاحب الهداية والكنز في أوائل كتاب الدعوى.
وقلت: ولعل صاحب الدرر إنما أخرها إلى هذا المقام مقتفيا في ذلك أثر صاحب الوقاية، لتحقق مناسبة بينها وبين مسائل هذا الباب بحيث تكون فاتحة لمسائله وإن لم تكن منه: عزمي.
قوله: (تقدم حجة خارج) هو الذي لم يكن ذا يد والخارج المدعي، لانه خارج عن يده فأسند إلى المدعي تجوزا، وإنما قدمت بينة الخارج، لان الخارج هو المدعي والبينة بينة المدعي بالحديث، وفيه خلاف الشافعي وإنما كان الخارج مدعيا لصدق تعريفه عليه.
قوله: (في ملك مطلق) أي ملك المال، بخلاف ملك النكاح فإن ذا اليد مقدم ولو بلا برهان ما لم يسبق تاريخ الخارج كما سيأتي، وقيد الملك بالمطلق احترازا عن المقيد بدعوى النتاج، وعن المقيد بما إذا ادعيا تلقي الملك من واحد وأحدهما قابض، وبما إذا ادعيا الشراء من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق، فإن في هذه الصور تقبل بينة ذي اليد بالاجماع كما سيأتي درر: أي ولم يلزم انتقاض مقتضى القسمة لان قبول بينة ذي اليد إنما هو من حيث ما ادعى من زيادة النتاج وغيره، فهو مدع من تلك الجهة، والمراد بالقبض التلقي من شخص مخصوص مع قبضه، فلا يرد ما قيل كون المدعي في يد القابض أمر معاين لا يدعيه ذو اليد فضلا من إقامة البينة عليه وقبولها بالاجماع.
فإن قلت: هل يجب على الخارج اليمين لكونه إذ ذاك مدعى عليه؟ قلت: لا، لان اليمين إنما يجب عند عجز المدعي عن البينة، وهنا لم يعجز كما في العناية.(2/118)
أو رد عليه بأن مراد السائل هل يجب على الخارج اليمين عند عجز ذي اليد عن البينة؟ وإلا فلا تمشية لسؤاله أصلا ا ه.
يريد به أن الجواب لم يدفع السؤال بل هو باق، ولم يتصد للجواب عنه.
أقول: الظاهر أن يجب اليمين على الخارج عند عجز ذي اليد عن بينة فيما إذا ادعى الزيادة، لانه مدع بالنسبة إليها، ولهذا لزم عليه البرهان، فيكون المدعي مدعى عليه بالنسبة إليها فيلزم عليه اليمين عند العجز عن البرهان، وبينة المدعي لم تعمل ما لم تسلم من دفع ذي اليد إذ هو معارض لها، ودعوى ذي اليد لم تسقط بعجزه عن البرهان عليها، بل تتوجه اليمين على من كان في مقابله كما هو
شأن الدعوى، فيحلف على عدم العلم بتلك الزيادة، فإن حلف يحكم للمدعي ببينته لكونها سالمة عن المعارض، وإن نكل يكون مقرا أو باذلا فيمنع ويبقى المدعى في يد ذي اليد نعم لا يجبر الخارج على الجواب عن دعوى ذي اليد لو ترك دعواه لعدم كونه ذا يد، لا لقصور في كون ذي اليد مدعيا فيما ادعاه كما توهمه صاحب التكملة، هذا هو التحقيق تدبر.
عبد الحليم قوله: (أي لم يذكر له سبب) أي معين، أو مقيد بتاريخ كما سيأتي، وكذا لو ذكر له سبب يتكرر، فإن ذكر له سبب لا يتكرر قدم ببينة ذي اليد كما يأتي أيضا، ومن هذا القبيل ما في منية المفتي: أقاما بينة على عبد في يد رجل أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما: أي لان المودع بالجحود يصير غاصبا.
قال في جامع الفصولين: الخارج وذو اليد لو ادعيا إرثا من واحد فذو اليد أولى كما في الشراء، هذا إذا ادعى الخارج وذو اليد تلقي الملك من جهة واحدة، فلو ادعيا من جهة اثنين يحكم للخارج، إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد، بخلاف ما لو ادعياه من واحد فإنه هنا يقضي لذي اليد، إلا إذا سبق تاريخ الخارج.
والفرق في الهداية: ولو كان تاريخ أحدهما أسبق فهو أولى: كما لو حضر البائعان وبرهنا وأرخا وأحدهما أسبق تاريخا والمبيع في يد أحدهما يحكم للاسبق ا ه من الثامن، وتمامه فيه.
وفي الاشباه قبيل الوكالة: إذا برهن الخارج وذو اليد على نسب صغير قدم ذو اليد إلا في مسألتين في الخزانة.
الاولى: لو برهن الخارج على أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد بينة أنه ابنه ولم ينسبه إلى أمه فهو للخارج.
الثانية: لو كان ذو اليد ذميا والخارج مسلما فبرهن الذمي بشهود من الكفار وبرهن الخارج قدم الخارج سواء برهن بمسلمين أو بكفار، ولو برهن الكافر بمسلمين قدم على المسلم مطلقا ا ه.
قوله: (وإن وقت أحدهما فقط)، إن وصلية ومقتضاها العموم: أي إن لم يوقتا أو وقتا متساويا أو مختلفا أو وقت أحدهما وعليه مؤاخذة، وهو أنه إذا وقتا واختلف تاريخهما فالعبرة للسابق منهما على ما تقدم، لان للتاريخ عبرة في دعوى الملك المطلق إذا كان من الطرفين عند أبي حنيفة، ووافقاه في رواية، وخالفاه في أخرى، فكان عليه أن يقول إن لم يوقتا أو وقتا وأحدهما مساو للآخر أو وقت أحدهما
فقط.
قال في الغرر: حجة الخارج في الملك المطلق أولى، إلا إذا أرخا وذو اليد أسبق قوله: (وقال أبو يوسف: ذو الوقت أحق) أي فيما لو وقت أحدهما فقط، لان التاريخ من أحد الطرفين معتبر عنده.
والحاصل: أن الخارج في الملك المطلق أولى، إلا إذا أرخا وذو اليد أسبق.
قوله: (وثمرته) أي ثمرة الخلاف المعلوم من المقام.
قوله: (هذا العبد لي) تقدمت المسألة متنا قبيل السلم.
قوله: (تاريخ(2/119)
غيبة) أي غيبة العبد عن يده، لان قوله: (منذ شهر) متعلق بغاب فهو قيد للغيبة.
قوله: (منذ سنة) متعلق بما تعلق به.
قوله: (لي) أي ملك لي منذ سنة فهو قيد للملك وتاريخ، والمعتبر تاريخ الملك ولم يوجد من الطرفين.
قوله: (فلم يوجد التاريخ) أي تاريخ الملك.
قوله: (من الطرفين) بل وجد من طرف ذي اليد والتاريخ حالة الانفراد لا يعتبر عند الامام، فكان دعوى صاحب اليد مطلق الملك كدعوى الخارج فيقضي ببينة الخارج.
قوله: (وقال أبو يوسف) أي فيما لو وقت أحدهما فقط قوله: (ولو حالة الانفراد) أي قال أبو يوسف: يقضى للمؤرخ سواء أرخا معا وكذا لو أرخا حالة الانفراد، لان التاريخ حالة الانفراد معتبر عنده، والحكم فيما لو أرخا معا أولى بالحكم حالة الانفراد، لانه متفق عليه، والثاني مذهبه فقط كما هي القاعدة في لو الوصلية: أي الحكم في المقدر قبلها أولى بالحكم مما بعدها، والمراد بما إذا أرخا معا سبق تاريخ أحدهما أما لو استوى تاريخهما فهو كما لو لم يؤرخا لتساقطهما، والفقهاء يطلقون العبارة عند ظهور المعنى، وحينئذ فقول بعض المحشين: الاولى إسقاط لو لان الكلام في حالة الانفراد، وكلامه ينحل أنه يقضى للمؤرخ حال صدور التاريخ منهما.
وفي حالة الانفراد ولا معنى للقضاء للمؤرخ فيما إذا أرخا لتحققه منهما بل القضاء للسابق ا ه غير لازم، لان إعمال الكلام أولى من إهماله.
قوله: (كذا في جامع الفصولين) حيث قال استحق حمارا فطلب ثمنه من بائعه فقال البائع للمستحق من كم مدة غاب عنك هذا الحمار؟ فقال: منذ سنة، فبرهن البائع أنه ملكه منذ عشر سنين قضى به للمستحق لانه أرخ غيبته لا الملك والبائع أرخ الملك ودعواه دعوى المشتري لتلقيه من جهته، فصار كأن المشتري ادعى ملك بائعه بتاريخ عشر سنين، غير أن التاريخ لا يعتبر حالة الانفراد عند أبي حنيفة، فبقي دعوى الملك المطلق فحكم للمستحق.
أقول: يقضى بها للمؤرخ عند أبي يوسف، لانه يرجع المؤرخ حالة الانفراد ا ه ملخصا.
قوله: (وأقره المصنف) وناقشه الخير الرملي بأن صاحب الفصولين ذكره في الفصل الثامن عشر، وقدم في الثامن الصحيح المشهور عن الامام أنه لا عبرة للتاريخ في الملك المطلق حالة الانفراد، وحاصله أن صاحب الفصولين في الثامن في دعوى الخارجين نقل أن الصحيح المشهور عن الامام عدم اعتباره حالة الانفراد وفي الثامن عشر في الاستحقاق قال: ينبغي أن يفتى بقول أبي يوسف من اعتباره لانه أوفق وأظهر، وما ذكره الفقيه في بابه أولى بالاعتبار، وهو ما ذكره في الثامن، ولا سيما أنه نقله جازما به وأقره، والثاني في غير بابه وعبر عنه بينبغي مع ما قالوا أنه يفتى بقول الامام قطعا، ولا سيما إذا كان معه غيره كما هنا فإنه وافقه محمد.
تأمل.
قوله: (ولو برهن خارجان على شئ) يعني: إذا ادعى اثنان عينا في يد غيرهما وزعم كل واحد منهما أنها ملكه ولم يذكرا سبب الملك ولا تاريخه قضى بالعين بينهما لعدم الاولوية، وأطلقه فشمل ما إذا ادعيا الوقف في يد ثالث فيقضى بالعقار نصفين لكل وقف النصف، وهو من قبيل دعوى الملك المطلق باعتبار ملك الواقف، ولهذا قال في القنية: دار في يد رجل أقام عليه رجل بينة أنها وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف المسجد:(2/120)
فإن أرخا فهي للسابق منهما، وإن لم يؤرخا فهي بينهما نصفين ا ه ولا فرق في ذلك بين أن يدعي ذو اليد الملك فيها أو الواقف على جهة أخرى.
مطلب: دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق والحاصل: أن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق، ولهذا لو ادعى وقفية ما في يد آخر وبرهن فدفعه ذو اليد بأنه مودع فلان ونحوه وبرهن فإنها تندفع خصومة المدعي كما في الاسعاف، فدعوى الوقف داخل في المسألة المخمسة، وكما تقسم الدار بين الوقفين كذلك لو برهن كل على أن الواقف جعل له الغلة ولا مرجح، فإنها تكون بينهما نصفين، لما في الاسعاف من باب إقرار الصحيح بأرض في يده أنها وقف: لو شهد اثنان على إقرار رجل بأن أرضه وقف على زيد ونسله، وشهد آخران على إقراره بأنها وقف على عمرو ونسله تكون وقفا على الاسبق وقتا إن علم، وإن لم يعلم أو
ذكروا وقتا واحدا تكون الغلة بين الفريقين أنصافا، ومن مات من ولد زيد فنصيبه لمن بقي منهم، وكذلك حكم أولاد عمرو.
وإذا انقرض أحد الفريقين رجعت إلى الفريق الباقي لزوال المزاحم ا ه.
وقيد بالبرهان منهما، إذ لو برهن أحدهما فقط فإنه يقضى له بالكل، فلو برهن الخارج الآخر يقضى له بالكل، لان المقضي له صار ذا يد بالقضاء له، وإن لم تكن العين في يده حقيقة فتقدم بينة الخارج الآخر عليه، ولو لم يبرهنا حلف صاحب اليد، فإن حلف لهما تترك في يده قضاء ترك لا قضاء استحقاق، حتى لو أقاما البينة بعد ذلك يقضى بها، وإن نكل لهما جميعا يقضى به بينهما نصفين، ثم بعده إذا أقام صاحب اليد البينة أنه ملكه لا تقبل، وكذا إذا ادعى أحد المستحقين على صاحبه وأقام بينة أنها ملكه لا تقبل لكونه صار مقضيا عليه.
بحر لكن قدمنا عن الاشباه أنها تسمع الدعوى بعد القضاء بالنكول كما في الخانية، ونقلنا عن محشيها الحموي ما يخالف ما ذكر من أن المدعى عليه لو نكل عن اليمين للمدعي وقضي عليه بالنكول ثم إن المقضي عليه أقام البينة أنه كان اشترى هذا المدعي من المدعى قبل دعواه لا تقبل هذه البينة، إلا أن يشهد أنه كان اشتراه منه بعد القضاء، وقدمنا أنه كما يصح الدفع قبل البرهان يصح بعد إقامته أيضا، وكذا يصح قبل الحكم كما يصح بعده، ودفع الدفع ودفعه وإن كثر صحيح في المختار، ولعل ما مشي عليه صاحب البحر هنا مبني على القول الآخر المقابل للقول المختار.
تأمل.
قوله: (قضى به لهما) لما روي عن أبي موسى أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله (ص)، فبعث كل واحد منهما بشاهدين، فقسمه رسول الله (ص) بينهما نصفين رواه أبو داود، ولان البينات من حجج الشرع فيجب العمل بها ما أمكن، وقد أمكن هنا، لان الايدي قد تتوالى في عين واحدة في أوقات مختلفة، فيعتمد كل فريق ما شاهد من السبب المطلق للشهادة وهو اليد فيحكم بالتنصيف بينهما.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (فإن برهنا في دعوى نكاح) أي معا لانه لو برهن مدعي نكاحها وقضي له به ثم برهن الآخر على نكاحها لا يقبل، كما في الشراء إذا ادعاه من فلان وبرهن عليه وحكم له به ثم ادعى آخر شراءه من فلان أيضا لا تقبل، ويجعل الشراء المحكوم به سابقا، ولا وجه للتفريع، فالاولى الاتيان بإلا الاستثنائية.
قوله: (سقطا) الضمير للخارجين، فلو أحدهما خارجا والآخر ذا يد فالخارج أحق قياسا
على الملك، وقيل ذو اليد أولى على كل حال، ويأتي تمامه قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (لتعذر الجمع) أي اجتماع الزوجين على زوجة واحدة فإنه متعذر شرعا، لان النكاح لا يقبل الاشتراك فتتهاتر البينتان(2/121)
ويفرق القاضي بينهما حيث لا مرجح، وإن كان ذلك قبل الدخول فلا شئ على كل واحد منهما كما في البحر.
قوله: (لو حية) أي هذا الحكم كما ذكر لو حية، ولو ميتة قضى به: أي بالنكاح بينهما سواء أرخا واستوى تاريخهما أو أرخ أحدهما فقط أو لم يؤرخا، وفائدة القضاء تظهر فيما يترتب عليه، ولا يلزم جمع على وطئ، لانه حينئذ دعوى مال وهو الميراث، أو دعوى نسب، ويمكن ثبوته منهما كما هو المعروف في المذهب، وسيأتي في باب دعوى النسب أنهما لو ادعيا نسب مجهول كان ابنهما بتصديقه، وهنا ثبوت الفراش يقوم مقام التصديق.
قوله: (وعلى كل نصف المهر) ولو مات قبل الدخول، لان الموت متمم للمهر.
فإن قلت: كل منهما مدعي الزوجية معترف بأن عليه المهر كاملا فينبغي أن يلزمه ذلك المسمى إن أثبت تسميته، وإلا فمهر المثل.
فالجواب أنه لما قضى بدعوى رفيقه في النصف صار مكذبا شرعا بالنسبة إلى نصف المهر فوجب عليه النصف فقط.
قوله: (ويرثان ميراث زوج واحد) لانه داخل تحت أول المسألة، فإن كلا منهما يدعي الميراث كاملا فينصف بينهما.
قوله: (ولو ولدت) أي الميتة قبل الموت، وظاهر العبارة أنها ولدت بعده، ولكن لينظر هل يقال له ولادة؟ استظهر بعض الفضلاء عدم اتصاف الميتة بالولادة الحقيقية، وأن المراد بالولادة انفصال الولد منها بنفسه أو غيره من الاحياء.
قوله: (يثبت النسب منهما) أي لو ادعيا بعد الموت أنها كانت زوجة لهما قبل الولادة أو ولدت بعد الموت وقد ادعى كل منهما أنها زوجته.
قوله: (وتمامه في الخلاصة) وهو أنهما يرثان منه ميراث أب واحد ويرث من كل منهما ميراث ابن كامل.
منح وما لو كان البرهانان بلا تاريخ أو بتاريخ مستو أو من أحدهما كما في الخلاصة.
وفي المنية: ولا يعتبر فيه الاقرار واليد، فإن سبق تاريخ أحدهما يقضى له، ولو ادعيا نكاحها وبرهنا ولا مرجح ثم ماتا فلها نصف المهر ونصف الميراث من كل منهما، ولو ماتت قبل الدخول فعلى
كل واحد منهما نصف المسمى، ولو مات أحدهما فقالت هو الاول لها المهر والميراث.
مقدسي عن الظهيرية.
قوله: (وهي لمن صدقته) أي إن لم يسبق تاريخ الآخر، لان النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين فيرجع إلى تصديقها، إلا إذا كانت في بيت أحدهما أو دخل بها أحدهما فيكون هو أولى، ولا يعتبر قولها لان تمكنه من نقلها أو من الدخول بها دليل على سبق عقده، إلا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوجها قبله فيكون هو أولى، لان الصريح يفوق الدلالة.
زيلعي.
وفي البحر عن الظهيرية: لو دخل بها أحدهما وهي في بيت الآخر فصاحب البيت أولى، وأطلق في التصديق فشمل ما إذا سمعه القاضي أو برهن عليه مدعيه بعد إنكارها له.
قال في التبيين: حاصله أنهما إذا تنازعا في امرأة وأقاما البينة.
فإن أرخا وكان تاريخ أحدهما أقدم كان أولى، وإن لم يؤرخا أو استوى تاريخهما، فإن كان مع أحدهما قبض كالدخول بها أو نقلها إلى منزله كان أولى، وإن لم يوجد شئ من ذلك يرجع إلى تصديق المرأة.(2/122)
وفي البحر: والحاصل أن سبق التاريخ أرجح من الكل، ثم اليد، ثم الدخول، ثم الاقرار، ثم ذو التاريخ ا ه.
ثم اعلم أن بعضهم عبر بإقرارها وبعضهم بتصديقها، فالظاهر أنهما سواء هنا، ولكن فرقوا بينهما فقال الزيلعي في باب اللعان: فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه.
وفي بعض نسخ القدوري: أو تصدقه فتحد، وهو غلط لان الحد لا يجب بالاقرار مرة، وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات، لان التصديق ليس بإقرار قصدا لكنه إقرار ضمنا، فلا يعتبر في حق وجوب الحد، ويعتبر في درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ا ه.
وتقدم في حد القذف أنه لو قال لرجل يا زاني فقال له غيره صدقت حد المبتدئ دون المصدق، ولو قال صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا ا ه.
وإنما وجب في الثانية للعموم في كاف التشبيه لا للتصديق، فعلم بهذا أن الحد لا يجب بالتصديق.
قال في البزازية: قال لي عليك كذا فقال صدقت يلزمه إذا لم يقل على وجه الاستهزاء ويعرف ذلك بالنغمة ا ه فهو صريح فيما ذكرنا.
وأقول: لو اختلفا في كونه صدر على وجه الاستهزاء أم لا فالقول لمنكر الاستهزاء بيمينه،
والظاهر أنه على نفي العلم لا على فعل الغير.
تأمل.
وفي شرح أدب القضاء: وإن شهدا عليه فقال بعدما شهدا عليه: الذي شهد به فلان علي هو الحق ألزمه القاضي ولم يسأل عن الآخر لان هذا إقرار منه، وإن قال قبل أن يشهدا عليه: الذي يشهد به فلان علي حق أو هو الحق فلما شهدا قال للقاضي سل عنهما فإنهما شهدا علي بباطل وما كنت أظنهما يشهدان لم يلزمه وسأل عنهما لانه إقرار معلق بالخطر فلا يصح ا ه.
قوله: (إذا لم تكن في يد من كذبته) فلو وجد أحدهما لا يعتبر قولها كما علمت.
قوله: (ولم يكن دخل من كذبته بها) لان الدخول صار ذا يد، وذلك دليل سبق عقده ظنا بالمسلم خيرا وحملا لامره على الصلاح، ولاهل الذمة ما لنا في المعاملات.
قوله: (هذا إذا لم يؤرخا) مثل عدم التأريخ منهما إذا أرخا تأريخا مستويا أو أرخ أحدهما.
بحر قوله: (فالسابق أحق بها) أي وإن صدقت الآخر أو كان ذا يد أو دخل بها لانه لا يعتبر مع السبق وضع يد ولا دخول لكونه صريحا وهو يفوق الدلالة كما علمت.
قوله: (فهي لمن صدقته) إن لم يكن لاحدهما يد: أي أو دخول.
قوله: (أو لذي اليد) أي إن كانت يد، ولا يعتبر تصديق معه: أي إن أرخ أحدهما وللآخر يد فإنها لذي اليد.
قوله: (وعلى ما مر عن الثاني) أي من أنه يقضي للمؤرخ حالة الانفراد على ذي اليد فيقضي هنا للمؤرخ، وإن كان الآخر ذا يد لترجح جانب المؤرخ حالة الانفراد عند أبي يوسف، وقدمنا عن الزيلعي أنه لو برهن أنه تزوجها قبله فهو أولى، وسيأتي متنا.
قوله: (ولم أر من نبه على هذا) ذكره في البحر بحثا حيث قال: فالحاصل كما في البزازية إنه لا يترجح أحدهما إلا بسبق التاريخ أو باليد أو بإقرارها بدخول أحدهما ا ه.
وكان يبتغي أن يزيد أو بتاريخ من أحدهما فقط كما علمته ا ه.
ولعل وجه عدم التنبيه أنهما إذا أرخ أحدهما وللآخر يد فاليد دليل على العقد والتأريخ ليس بدليل عليه.
قوله: (فتأمل) أي هل يجري قوله هنا ويعتبر التأريخ من(2/123)
جانب واحد أو لا يعتبر احتياطا في أمر الفروج، والذي يظهر الثاني فراجعه.
قوله: (وإن أقرت) أي المرأة لمن لا حجة له فهي له لما عرفت من أن النكاح يثبت بتصادق الزوجين.
قوله: (وإن برهن الآخر) أي بعد الحكم للاول بموجب الاقرار، والاولى أن يقول: فإن لم تقم حجة فهي لمن أقرت له، ثم إن
برهن الآخر قضي له.
قوله: (قضى له) لانه أقوى من التصادق، لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ويثبت في حق الكل، بخلاف الاقرار فإنه حجة قاصرة يثبت في حق المقر فقط، فإقرارها إنما نفذ عليها لا على من أقام البرهان على أنها زوجته، وإنما قلنا في حق الكل لان القضاء لا يكون على الكافة إلا في القضاء بالحرية والنسب والولاء والنكاح، ولكن في النكاح شرط هو أن لا يؤرخا، فإن أرخ المحكوم له ثم ادعاها آخر بتاريخ أسبق فإنه يقضي له ويبطل القضاء الاول، ويشترك ذلك أيضا في الحرية الاصلية كما في البحر.
وقوله: (ولكن في النكاح الخ) أي القضاء في النكاح إنما يكون على الكافة إذا لم يؤرخا، ويحمل على ما إذا ترجحت بينته بمرجح آخر غير التاريخ كالقبض والتصديق، وإلا فلا يتصور القضاء له لاستوائهما في عدم التاريخ.
قوله: (لم يقض له) لتأكد الاول بالقضاء.
قوله: (إلا إذا ثبت سبقه) أي سبق الخارج بالتاريخ بأن أرخ الاول تاريخا مع البرهان وأرخ الثاني تاريخا سابقا وأقام البرهان فإنه يقدم.
قال المقدسي: ونظيره الشراء من زيد لو حكم به ثم ادعاه آخر من زيد وبرهن، وكذا النسب والحرية بخلاف الملك المطلق.
ا ه: يعني الحكم فيه لمن برهن بعد الحكم لآخر وإن لم يثبت السبق.
قوله: (لان البرهان مع التاريخ) أي السابق بدليل ما قال في المتن إلا إذا ثبت سبقه ولان من المعلوم أنه إنما يكون أقوى بالسبق.
قوله: (أقوى منه بدونه) أي بدون التاريخ السابق.
وصورة المسألة: ادعى أنه تزوجها العام وأقام بينة على ذلك فقضى له ثم ادعى آخر نكاحها قبل العام تسمع ويقضي له لسبقه، لان السبق لا يتحقق إلا عند التاريخ منهما، لكن لما كان الثاني سابقا فكأن الاول لم يؤرخ أصلا.
قوله: (ظهر نكاحه) أي ثبت نكاحه وظهوره إنما يكون بالبينة.
وفيه إشارة إلى أن ذا اليد لو برهن بعدما قضى للخارج يقبل.
وقال بعضهم: إن لم يقض له.
قوله: (إلا إذا ثبت سبقه) أي سبق نكاحه: أي سبق الخارج بالتاريخ فإنه يقدم على ما علم مما ذكرناه من الحاصل عن التبيين والبحر، وقد تبع المصنف صاحب الدرر في ذكر هذه العبارة.
وقال الشرنبلالي: وهي موجودة في النسخ بصورة المتن، ولعله شرح إذ ليس فيه زيادة على المتقدم ا ه.
واعلم أنه إذا ادعى نكاح صغيرة بتزويج الحاكم لا تسمع إلا بشروط: أن يذكر اسم الحاكم
ونسبه وأن السلطان فوض إليه التزويج وأنه لم يكن لها ولي كما في البزازية.
ثم اعلم: أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل، هكذا في الظهيرية والعمادية والولجية والبزازية وغيرها.
وفرعوا على الاول ما لو برهن الوارث على موت مورثه في يوم ثم برهنت امرأة على أن مورثه كان نكحها بعد ذلك اليوم يقضي لها بالنكاح، وعلى الثاني لو برهن الوارث على أنه قتل يوم كذا فبرهنت امرأة على أن هذا المقتول نكحها بعد ذلك اليوم لا تقبل.
وعلى هذا جميع العقود والمداينات.
وكذا لو برهن الوارث على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه(2/124)
كان مات قبل هذا بزمان لا يسمع، ولو برهن على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه قتله فلان قبل هذا بزمان يكون دفعا لدخوله تحت القضاء، هذه عبارة البزازية.
وزاد الولوالجي موضحا لدعوى المرأة النكاح بعد ثبوت القتل في يوم كذا.
بقوله: ألا ترى أن امرأة لو أقامت البينة أنه تزوجها يوم النحر بمكة فقضى بشهودها ثم أقامت أخرى بينة أنه تزوجها يوم النحر بخراسان لا تقبل بينة المرأة الاخرى لان النكاح يدخل تحت القضاء فاعتبر ذلك التاريخ، فإذا ادعت امرأة أخرى بعد ذلك التاريخ بتاريخ لم يقبل ا ه.
أقول: وجه الشبه بين المسألتين أن تاريخ برهان المرأة على نكاح المقتول مخالف لتاريخ القتل، إذ لا يتصور بعد قتله أن ينكح، كما أن نكاح الثانية له يوم النحر بخراسان لا يتصور مع نكاح الاولى له يومه بمكة فهو مخالف من هذه الحيثية، فأشبهت هذه المسألة الاولى في المخالفة، وكل من النكاح والقتل يدخل تحت الحكم فتأمل.
وفي الظهيرين: ادعى ضيعة في يد رجل أنها كانت لفلان مات وتركها ميراثا لفلانة لا وارث له غيرها، ثم إن فلانة ماتت وتركتها ميراثا لي لا وارث لها غيري وقضى القاضي له بالضيعة فقال المقضي عليه دفعا للدعوى إن فلانة التي تدعي أنت الارث عنها لنفسك ماتت قبل فلان الذي تدعي الارث عنه لفلانة اختلفوا.
بعضهم قالوا: إنه صحيح، وبعضهم قالوا: إنه غير صحيح بناء على أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ا ه.
وإذا كان الموت مستفيضا علم به كل صغير وكبير وكل عالم
وجاهل لا يقضى له ولا يكون بطريق أن القاضي قبل البينة على ذلك الموت بل يكون بطريق التيقن بكذب المدعي.
قال في التاترخانية: في الفصل الثامن في التهاتر نقلا عن الذخيرة: فيما لو ادعى المشهود عليه أن الشهود محدودون في قذف من قاضي بلد كذا فأقام الشهود أنه: أي القاضي مات في سنة كذا الخ أنه لا يقضي به إلا إذا كان موت القاضي قبل تاريخ شهود المدعى عليه مستفيضا ا ه مع غاية الاختصار، فراجعه إن شئت، والله تعالى الموفق.
وتمام التفاريع على هذه المسألة في جامع الفصولين ونور العين والبحر وغيرها، وقد مر تحقيقه في فصل الحبس فراجعه إن شئت.
قوله: (وإن ذكرا) هو مقابل لقوله وإن برهن الخارجان معطوف عليه: أي إن برهنا على مطلق الملك فقد تقدم حكمه: وإن ذكرا سبب الملك فحكما هذا.
قوله: (بأن برهنا على شراء شئ من ذي يد) مثله ما إذا برهن الخارجان على ذي يد أن كلا أودعه الذي في يده فإنه يقضي به بينهما نصفين، وكذا الارث، فلو ادعى كل من خارجين الميراث عن أبيه وبرهن قضى به بينهما، وأفاد المصنف باقتصار كل على دعوى الشراء مجردة أنه لو ادعى أحدهما شراء وعتقا والآخر شراء فقط يكون مدعي العتق أولى، فإن العتق بمنزلة القبض.
ذكره في خزانة الاكمل.
وفيه إشارة إلى أنه لو أرخ أحدهما فهو له، وفي قوله: (من ذي يد) إشارة إلى أنه لو في يد أحدهما فهو أولى، وإن أرخ الخارج.
نعم لو تلقياه من جهتين كان الخارج أحق وهذا أوضح مما في المتن.
قوله: (فلكل نصفه) لاستوائهما في السبب، لكنه يخير كما ذكره بعد فصار كفضوليين باع كل(2/125)
منهما من رجل وأجاز المالك البيعين فإن كلا منهما يخير أنه تغير عليه شرط عدم عقده، فلعل رغبته في تملك الكل ا ه.
قوله: (بنصف الثمن) أي الذي عينه أحدهما، وإن كان ما عينه الآخر، كأن ادعى أحدهما أنه اشتراه بمائة والآخر بمائتين أخذ الاول نصفه بخمسين والآخر نصفه بمائة، وقيد بالشراء من ذي اليد لانه لو ادعيا الشراء من ذي اليد فإنه يأتي حكمه.
قوله: (لتفريق الصفقة عليه) فلعل رغبته في تملك الكل.
قوله: (وإن ترك أحدهما بعدما قضى لهما) أفاد أنه بالقضاء له بالنصف
لا يجبر على أخذه لما فيه من الضرر.
قوله: (لانفساخه) أي انفساخ البيع في النصف بالقضاء: أي لانه صار مقضيا عليه بالنصف لصاحبه فانفسخ البيع فيه فلا يكون له أن يأخذه بعد الانفساخ، لان العقد متى انفسخ بقضاء القاضي لا يعود إلا بتجديده ولم يوجد.
قوله: (فلو قبله) أي فلو ترك أحدهما قبل القضاء به بينهما فللآخر أن يأخذه كله، لانه أثبت ببينته أنه اشترى الكل، وإنما يرجع إلى النصف بالمزاحمة ضرورة القضاء به ولم يوجد، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء، ونظير الاول تسليمه بعد القضاء كما في البحر قوله: (للسابق تأريخا إن أرخا) أي لانه أثبت الشراء في زمن لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به، وهذا كما علمت فيما إذا ادعيا الشراء من واحد، فلو اختلف بائعهما لم يترجح أسبقهما تاريخا ولا المؤرخ فقط لان ملك بائعهما لا تاريخ له.
قوله: (فيرد البائع ما قبضه) أي الثمن.
قوله: (وهو لذي يد) أي المدعي بالفتح إن لم يؤرخا الخ.
لما ذكر ما إذا ادعى الخارجان الشراء من ذي اليد، وفيه لا يترجح واحد إلا بسبق التاريخ، أخذ يتكلم على ما إذا ادعى خارج وذو يد الشراء من واحد ويترجح ذو اليد لانها دليل سبقه ولانهما استويا في الاثبات وترجيح ذي اليد بها وليس للثاني ما يعارضها فلا يساويه، ولان يد الثابت لا تنقص بالشك.
ويكون الترجيح أيضا في هذه المسألة بسبق التاريخ، فيترجح ذو اليد في أربع: ما إذا سبق تاريخه وهو ظاهر، وما إذا لم يؤرخا لما ذكر، وما إذا كان التاريخ من جانب لانه غير معتبر كما لو لم يؤرخا، وما إذا استوى التاريخان لتعارضهما فصار كما لو لم يؤرخا، ويترجح الخارج في واحدة وهو ما إذا سبق تاريخه.
ويمكن أن تجعل هذه المسألة من تفاريع ما إذا ادعى الخارجان الشراء من ذي اليد وأثبت أحدهما بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان على ما نقله في البحر عن المعراج.
ويشكل عليه ما ذكره بعد عن الذخيرة من أن ثبوت اليد بأحدهما بالمعاينة.
ويمكن أن يقال: ما ثبت بالبينة معاينة لان المعاينة لا تكفي من القاضي لانه لا يقضي بعلمه فلم يبق إلا معاينة الشهود.
قال في البحر: ولي إشكال في عبارة الكتاب، وهو أن أصل المسألة مفروض في خارجين تنازعا فيما في يد ثالث، فإذا كان مع أحدهما قبض كان ذا يد تنازع مع خارج فلم تكن المسألة.
ثم رأيت في المعراج ما يزيله من جواز أنه أثبت بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان وهو الآن في
يد البائع انتهى.
إلا أنه يشكل ما ذكره بعد عن الذخيرة بأن ثبوت اليد لاحدهما بالمعاينة انتهى والحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها.
وحاصلها: أن خارجا وذا يد ادعى كل الشراء من ثالث وبرهنا قدم ذو اليد في الوجوه الثلاثة والخارج في وجه واحد انتهى كلام البحر.
وفيه الاشكال الذي ذكره عن الذخيرة.(2/126)
وأجاب المقدسي بأن قوله: (وهو لذي يد إن لم يؤرخا) يرجع إلى مطلق مدعيين لا بقيد كونهما خارجين، وقد أشار المصنف إلى ما قدمنا من أن الحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها، حيث ذكر قوله ولذي وقت، ولكن كان عليه أن يقدمه على قوله ولذي يد لانه من تتمة المسألة الاولى ويكون قوله: ولذي استئناف مسألة أخرى.
فرع: لو برهنا على ذي يد بالوديعة يقضي بها لهما نصفين ثم ذا أقام أحدهما البينة على صاحبه أنه له لم يسمع، ولو برهن أحدهما وأقام الآخر شاهدين ولم يزكيا قضى به لصاحب البينة، ثم أقام الآخر بينة عادلة أنه ملكه أودعه عند الذي في يده أو لم يذكروا ذلك فقضى به له على المقضي له أولا، وهذا يخالف الشراء فإن فيه لا يحكم للثاني، ولعله لان الايداع من قبيل المطلق.
قوله: (وهو لذي وقت الخ) الاولى تقديمها على قوله: (وهو لذي يد) لانها من تتمة الاولى، وإنما كان القول له لثبوت ملكه في ذلك الوقت مع احتمال الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي له بالشك، وإنهما اتفقا على أن الملك للبائع ولم يثبت الملك لهما إلا بالتلقي منه وأن شراءهما حادث والحادث يضاف إلى أقرب الاوقات، إلا إذا ثبت التاريخ فيثبت تقدمه، فلهذا كان المؤرخ أولى، بخلاف ما إذا اختلف بائعهما على ما بينا، وبخلاف ما إذا ادعى الملك ولم يدع الشراء من ذي اليد حيث لم يكن التاريخ أولى عند أبي حنيفة ومحمد.
تبيين: قال المدني: أقول التاريخ في الملك المطلق لا عبرة به من طرف واحد بخلافه في الملك بسبب كما هو معروف ا ه.
وفيه عن القهستاني عن الخزانة أنه لو وقت أحدهما شهرا والآخر ساعة فالساعة أولى والتاريخ هو
قلب التأخير.
واصطلاحا: هو تعريف وقت الشئ بأن يسند إلى وقت حدوث أمر شائع كظهور دولة أو غيره كطوفان وزلزلة لينسب إلى ذلك الوقت الزماني الآتي، وقيل هو يوم معلوم نسب إليه ذلك الزمان، وقيل هو مدة معلومة بين حدوث أمر ظاهر وبين أوقات حوادث أخر كما في نهاية الادراك.
قوله: (والحال أنه لا يد لهما) بأن كان المبيع في يد ثالث.
قوله: (وإن لم يوقتا الخ) لا حاجة إليه.
قوله: (والشراء أحق من هبة) أي لو برهن خارجان على ذي يد أحدهما على الشراء منه والآخر على الهبة منه كان الشراء أولى، لانه أقوى لكونه معاوضة من الجانبين، ولانه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض، فلو أحدهما ذا يد والمسألة بحالها يقضى للخارج أو للاسبق تاريخا، وإن أرخت إحداهما فلا ترجيح، ولو كل منهما ذا يد فهو لهما، أو للاسبق تاريخا كدعوى ملك مطلق، ولو اختلف المملك استويا لان كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما سواء، بخلاف ما لو اتحد لاحتياجهما إلى إثبات السبب، وفيه يقدم الاقوى، وأطلق في الهبة وهي مقيدة بالتسليم وبأن لا تكون بعوض وإلا كانت بيعا، وأشار إلى استواء الصدقة والهبة المقبوضتين للاستواء في التبرع، ولا ترجيح للصدقة باللزوم لانه يظهر في ثاني الحال وهو عدم التمكن من الرجوع في المستقبل والهبة قد تكون لازمة كهبة محرم والصدقة قد لا تلزم بأن كانت لغني كذا في البحر ملخصا.
وفيه: ولم أر حكم الشراء الفاسد مع القبض والهبة مع القبض، فإن الملك في كل متوقف على(2/127)
القبض، وينبغي تقديم الشراء للمعاوضة.
ورده المقدسي بأن الاولى تقديم الهبة لكونها مشروعة والبيع الفاسد منهي عنه، ولم يذكر ما لو اختلفا في الشراء مع الوقف، فحكمه ما في مشتمل الاحكام عن القنية قال: ادعى على رجل أن هذه الدار التي في يده وقف مطلق وذو اليد ادعى أن بائعي اشتراها من الوقف وأرخا وأقاما البينة فبينة الوقف أولى، ثم إذا أثبت ذو اليد تاريخا سابقا على الوقف فبينته أولى، وإلا فبينه الوقف أولى ا ه.
وفي فتاوى مؤيد زاده: ادعى عليه دارا أنه باعها مني منذ خمس عشرة سنة وادعى الآخر أنها وقف عليه مسجل وأقاما بينة فبينة مدعي البيع أولى، وإن ذكر الواقف بعينه فبينة الوقف أولى لانه
يصير مقضيا عليه.
قوله: (وصدقة) قال في البحر: الصدقة المقبوضة والهبة كذلك سواء للتبرع فيهما، ولا ترجيح للصدقة باللزوم لان أثر اللزوم يظهر في ثاني الحال وهو عدم التمكن من الرجوع في المستقبل، والترجيح يكون بمعنى قائم في الحال، والهبة قد تكون لازمة بأن كانت لمحرم، والصدقة قد تلزم بأن كانت لغني.
قوله: (ورهن ولو مع قبض) إنما قدم الشراء عليه لانه يفيد الملك بعوض للحال والرهن لا يفيد الملك للحال فكان الشراء أقوى، وقد علمت أن الهبة بعوض كالشراء فتقدم عليه وقوله ولو مع قبض راجع إلى الرهن فقط لان دعوى الهبة أو الصدقة غير المقبوضة لا تسمع.
قوله: (واتحد المملك) أما إذا كان المملك مختلفا فلا يعتبر فيه سبق التاريخ.
أبو السعود.
بل يستويان كما يأتي قال في البحر: أطلقه وهو مقيد بأن لا تاريخ لهما، إذ لو أرخا مع اتحاد المملك كان للاسبق، فأخذه منه وذكر ما ذكر من خلل صاحب الكنز بهذا القيد مع جواز الاعتذار بحمل المطلق على الخالي من التاريخ إذ الاصل عدمه، فتأمل.
أفاده الرملي.
قوله: (ولو أرخت إحداهما) أي إحدى البينتين لما تقدم فيما إذا أرخت إحدى بينتي مدعي الشراء من واحد.
قوله: (فالمؤرخة أولى) لانهما اتفقا على الملك والملك لا يتلقى إلا من جهة المملك وهو واحد، فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم له به درر.
قوله: (استويا) لان كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما فيه سواء بخلاف ما إذا اتحد لاحتياجهما إلى إثبات السبب، وفيه يقدم الاقوى كما في البحر: أي فينصف المدعي بين مدعي الشراء ومدعي الهبة والصدقة، وهذا ظاهر في غير الرهن، أما فيه فينبغي أن لا يصح فيه مطلقا لعدم صحة رهن المشاع شيوعا مقارنا أو طارئا على حصة شائعة يقسم أو لا كما سيأتي في بابه.
وأما طروه على حصة مفروزة فلا يبطله كما نبه عليه المقدسي، فتنبه.
وفي البحر: لو ادعى الشراء من رجل وآخر الهبة والقبض من غيره والثالث الميراث من أبيه والرابع الصدقة من آخر قضى بينهم أرباعا، لانهم يلتقون الملك من مملكهم فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق.
قوله: (وهذا) أي الاستواء.
اعلم أن صاحب البحر والهندية جعلا ذلك فيما إذا كانت العين في أيديهما.
وعبارة البحر بعد أن صرح بأن مدعي الشراء والهبة مع القبض خارجان، ادعيا على ثالث نصها: وقيد بكونهما خارجين
للاحتراز عما إذا كانت في يد أحدهما والمسألة بحالها فإنه يقضى للخارج، إلا في أسبق التاريخ فهو للاسبق، وإن أرخت إحداهما فلا ترجيح لها كما في المحيط، وإن كانت في أيديهما فيقضي بينهما، إلا في أسبق التاريخ فهي له كدعوى ملك مطلق، وهذا إذا كان المدعى مما لا يقسم كالعبد والدابة.(2/128)
وأما فيما يقسم كالدار فإنه يقضى لمدعي الشراء، لان مدعي الهبة أثبت بالبينة الهبة في الكل ثم استحق الآخر نصفه بالشراء، واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة يبطل الهبة بالاجماع.
فلا تقبل بينة مدعي الهبة، فكان مدعي الشراء منفردا بإقامة البينة.
ا ه.
ونقلاها عن المحيط.
وكلام المؤلف يفيد أن ذلك فيما إذا اختلف المملك واستويا، والحكم واحد لان الاشاعة تتحقق في حال اختلافه أيضا.
قوله: (لان الاستحقاق) أي استحقاق مدعي الشراء النصف، وهو جواب عما قاله في العمادية من أن الصحيح أنهما سواء، لان الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة ويفسد الرهن ا ه.
وأقره في البحر وصدر الشريعة.
قال المصنف نقلا عن الدرر: عده صورة الاستحقاق من أمثلة الشيوع الطارئ غير صحيح.
والصحيح ما في الكافي والفصولين، فإن الاستحقاق إذا ظهر بالبينة كان مستندا إلى ما قبل الهبة فيكون مقارنا لها لا طارئا عليها انتهت: أي وحيث كانت من قبيل المقارن وهو يبطل الهبة إجماعا ينفرد مدعي الشراء بالبرهان فيكون أولى.
قوله: (من قبيل الشيوع المقارن) أي وهو يبطل الهبة بالاجماع كما علمت، فينفرد مدعي الشراء بإقامة البينة فيكون أولى.
قوله: (لا الطارئ) لانه لا يفسد الهبة والصدقة، بخلاف المقارن كما علمت، وهذا جواب عما قاله العمادي كما تقدم، والرجوع ببعض الهبة كالشيوع الطارئ.
قوله: (هبة الدرر) ومثله في التبيين والمنح.
قوله: (والشراء والمهر سواء) يعني إذا ادعى أحدهما الشراء من ذي يد وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء لاستوائهما في القوة، فإن كل واحد منهما معاوضة يثبت الملك بنفسه، وهذا عندهما.
وقال محمد: الشراء أولى.
قوله: (وترجع هي) أي على الزوج بنصف القيمة لاستحقاق نصف المسمى.
قوله: (وهو بنصف الثمن) أي إن كان نقده.
قوله: (أو يفسخ) بالبناء للمجهول ليشمل المهر والمشتري، لان كلا منهما
دخل عليه عيب تفريق الصفقة، فللمرأة أن ترده وترجع بجمع القيمة والمشتري بجميع الثمن قوله: (لما مر) أي من تفرق الصفقة عليه.
قوله: (أو أرخا واستوى تاريخهما الخ) قال في ترجيح البينات للبغدادي: قامت بينة على المال وبينة على البراءة وأرخا: فإن كان تاريخ البراءة سابقا يقضي بالمال، وإن كان لاحقا يقضي بالبراءة، وإن لم يؤرخا أو أرخت إحداهما، دون الاخرى أو أرخا وتاريخهما سواء فالبراءة أولى، لان البراءة إنما تكتب لتكون حجة صحيحة ولا صحة لها إلا بعد وجوب المال، والظاهر أنه كان بعد وجوب المال ا ه.
قوله: (قيد بالشراء) أي في جعله مع المهر سواء، لان الهبة وأخواتها لا تساوي المهر ولذا قال الشارح: لان النكاح أحق.
قوله: (لان النكاح أحق من هبة أو رهن أو صدقة) انظر ما معنى هذه العبارة مع قوله المار والشراء والمهر سواء فلم يظهر لي فائدتها سوى أنه تكرار محض.
تأمل.
قوله: (والمراد من النكاح) أي في قول العمادي لان النكاح الخ المهر.
قال في البحر ناقلا عن جامع الفصولين: لو اجتمع نكاح وهبة يمكن أن يعمل بالبينتين لو استويتا بأن تكون منكوحة لذا وهبة للآخر بأن يهب أمته المنكوحة فينبغي أن لا تبطل بينة الهبة حذرا من تكذيب(2/129)
المؤمن، وكذا الصدقة مع النكاح، وكذا الرهن مع النكاح ا ه.
وهو وهم لانه فهم أن المراد لو تنازعا في أمة أحدهما ادعى أنها ملكه بالهبة والآخر أنه تزوجها وليس مرادهم، وإنما المراد من النكاح المهر كما عبر به في المحيط في الكتاب، ولذا قال في المحيط: والشراء أولى من النكاح عند محمد.
وعند أبي يوسف: هما سواء.
لمحمد أن المهر صلة من وجه قد أطلق النكاح وأراد المهر، ومما يدل على ما ذكرناه أن العمادي بعدما ذكر أن النكاح أولى قال: ثم إن كانت العين في يد أحدهما فهو أولى، إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فيقضي للخارج، ولو كانت في أيديهما يقضى بها بينهما نصفين إلا أن يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضي له ا ه.
وكيف يتوهم أن الكلام في المنكوحة بعد قوله تكون بينهما نصفين؟.
وينبغي لو تنازعا في الامة ادعى أحدهما أنها ملكه والآخر أنها منكوحته وهما من رجل واحد وبرهنا ولا مرجح أن يثبتا لعدم المنافاة فتكون ملكا لمدعي الملك هبة أو شراء منكوحة للآخر كما
بحثه في الجامع، ولم أره صريحا.
ا ه.
فالحاصل: أن صاحب البحر استحسن بحث صاحب الفصولين ولكنه لم يره منقولا، ووهمه في حمله قولهم النكاح أولى من الهبة أن المراد ادعاء أحدهما نكاح الامة والآخر هبتها، بدليل ما ذكره في العمادية أنها لو كانت في أيديهما ولا مرجح يقضي بينهما، ولا يصح ذلك في المدعي نكاحها، وأن صاحب المحيط أطلق النكاح وأراد المهر كما بينه.
قوله: (المهر) فيكون من إطلاق الشئ وإرادة أثره المترتب عليه.
قوله: (كما حرره في البحر مغلطا للجامع) أي جامع الفصولين في قوله لو اجتمع نكاح وهبة إلى آخر ما قدمناه.
قوله: (نعم الخ) هذا الذي جعله صاحب البحر بحثا لصاحب الفصولين وذكر أنه لم يره منقولا كما تقدم، وهو استدراك على قوله والمراد من النكاح المهر.
قوله: (لو تنازعا في الامة) أي وبرهنا.
قوله: (ولا مرجح) كسبق التاريخ.
قوله: (فتكون مملكا له الخ) لعدم المنافاة.
قوله: (ورهن مع قبض الخ) أي إن لم يكن مع واحد منهما تاريخ.
قوله: (معه) أي مع القبض.
قال المصنف في منحه: قولي بلا عوض هو قيد لازم أخل به صاحب الكنز والوقاية قال الرملي: هو لصاحب البحر مع أنه لا يضر تركه، إذا الهبة إذا أطلقت يراد بها الخالية عن العوض كما هو ظاهر.
بل لقائل أن يقول: ذكرها ربما يشبه التكرار لانها بيع انتهاء حتى جرت أحكام البيع عليها فيعلم حكمها منه.
تأمل.
قوله: (استحسانا) وجه الاستحسان أن الرهن مضمون، فكذا المقبوض بحكم الرهن والهبة أمانة، والمضمون أقوى فكان أولى.
والقياس أن الهبة أولى لانها تثبت الملك والرهن لا يثبته.
قوله: (ولو العين معهما استويا) يعني أن ما تقدم فيما إذا كان خارجين: فإن كانت في يديهما فهما سواء، وإن كانت في يد أحدهما فهو أولى إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فيقضي له.
وبحث فيه العمادي بأن الشيوع الطارئ يفسد الرهن فينبغي أن يقضي بالكل لمدعي الشراء،(2/130)
لان مدعي الرهن أثبت رهنا فاسدا فلا تقبل بينته فصار كأن مدعي الشراء انفرد بإقامة البينة، ولهذا قال شيخ الاسلام خواهر زاده: إنه إنما يقضي به بينهما فيما إذا اجتمع الشراء والهبة إذا كان المدعي
مما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة، أما إذا كان شيئا يحتملها يقضي بالكل لمدعي الشراء، قال: لان مدعي الشراء قد استحق النصف على مدعي الهبة، واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة يوجب فساد الهبة فلا تقبل بينة مدعي الهبة، غير أن الصحيح ما أعلمتك من أن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة ويفسد الرهن، والله تعالى أعلم.
بحر.
قلت: وعلى ما مر من أن الاستحقاق من الشيوع المقارن ينبغي أن يقضي لمدعي الشراء بالاولى، فالحكم بالاستواء على كل من القولين مشكل، فليتأمل.
قال المصنف في المنح: هذا الكلام من العمادي يشير إلى أن الاستحقاق من قبيل الشيوع الطارئ، وليس كذلك بل هو من الشيوع المقارن المفسد كما صرح به في جامع الفصولين، وصححه في شرح الدرر والغرر ونقله في الكنز في كتاب الهبة وأقره.
قوله: (وإن برهن خارجان على ملك مؤرخ الخ) قيد بالملك لانه لو أقامها على أنها في يده منذ سنين ولم يشهد أنها له قضى بها للمدعي، لانها شهدت باليد لا بالملك كما في البحر.
وفيه: ومن أهم مسائل هذا الباب معرفة الخارج من ذي اليد: وفي جامع الفصولين: ادعى كل أنه في يده، فلو برهن أحدهما يقبل ويكون الآخر خارجا، ولولا بينة لهما لا يحلف واحد منهما.
ولو برهن أحدهما على اليد وحكم بيده ثم برهن على الملك لا تقبل، إذ بينة ذي اليد على الملك لا تقبل.
مطلب: من أهم مسائله دعوى الرجلين معرفة الخارج من ذي اليد أخذ عينا من يد آخر وقال إني أخذته من يده لانه كان ملكي وبرهن على ذلك تقبل، لانه وإن كان ذا يد بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن ذا اليد في الحقيقة هو الخارج.
ولو غصب أرضا وزرعها فادعى رجل أنها له وغصبها منه: فلو برهن على غصبه وإحداث يده يكون هو ذا يد والزراع خارجا، ولو لم يثبت إحداث يده فالزارع ذو يد والمدعي هو الخارج.
بيده عقار أحدث الآخر عليه يده لا يصير به ذا يد، فلو ادعى عليه أنك أحدثت اليد وكان
بيدي فأنكر يحلف ا ه.
وبه علم أن اليد الظاهر لا اعتبار بها.
ثم اعلم: أن الرجلين إذا ادعيا عينا، فإما أن يدعيا ملكا مطلقا أو ملكا بسبب متحد قابل للتكرار أو غير قابل أو مختلف أحدهما أقوى من الآخر أو مستويان من واحد أو من متعدد أو يدعي أحدهما الملك المطلق والآخر الملك بسبب أو أحدهما ما يتكرر والآخر ما لا يتكرر فهي تسعة، وكل منهما إما أن يبرهن أو يبرهن أحدهما فقط، أو لا برهان لواحد منهما ولا مرجح أو لاحدهما مرجح، فهي أربعة صارت ستا وثلاثين، وكل منها إما أن يكون المدعي في يد ثالث أو في يدهما أو في يد(2/131)
أحدهما فهي أربعة صارت مائة وثمانية وعشرين وكل منها على أربعة: إما أن لا يؤرخا أو أرخا واستويا أو سبق أحدهما أو أرخ أحدهما صارت خمسمائة واثني عشر ا ه.
وقد أوصلها في التسهيل لجامع الفصولين إلى سبعة آلاف وستمائة وسبعين مسألة، وأفردها برسالة خاصة، وقد تخرج مع هذا العاجز الحقير زيادة على ذلك بكثير حررته في ورقة حين اطلاعي على تلك الرسالة، وسأجمع في ذلك رسالة حافلة إن شاء الله تعالى، ولكن ذكر ذلك هنا يطول ولا حاجة إلى ذكره، بل اقتصر على ما ذكره العلامة عبد الباقي أفندي أسيري زاده حيث جعل لها ميزانا، إلا أنه أوصل الصور إلى ستة وتسعين فقال: اعلم أن الرجلين إذا ادعيا عينا وبرهنا فلا يخلو: إما أن ادعى كلاهما ملكا مطلقا، أو ادعى كلاهما بسبب واحد بأن ادعيا إرثا أو شراء من اثنين أو من واحد، أو ادعى أحدهما ملكا مطلقا والآخر نتاجا، أو ادعى كلاهما نتاجا، أو ادعى كلاهما ملكا، وأنه إما أن يكون المدعى به في يد ثالث أو في يد أحدهما.
وكل وجه على أربعة أقسام: إما إن لم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا، أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق، أو أرخ أحدهما لا الآخر، وجملة ذلك ستة وتسعون فصلا كما سيجئ إن شاء الله تعالى، وهي هذه كما ترى أحببت ذكرها تسهيلا للمراجعة وتقريبا، وإن كان في المصنف والشارح شئ كثير منها، لكن بهذه الصورة يقرب المأخذ، وإن تكرر فإن المكرر للحاجة يحلو.
ادعيا عينا ملكا مطلقا والعين في يد ثالث
(1): إن لم يؤرخا يقضي بينهما.
(2): أو أرخا تاريخا واحدا يقضي بينهما.
(3): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عندهما: يقضي للاسبق.
وعند محمد في رواية: يقضي بينهما.
(4): أو أرخ أحدهما لا الآخر عند أبي حنيفة: يقضي بينهما: وعند أبي يوسف: للمؤرخ.
وعند محمد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا بقول أبي حنيفة.
ولو ادعيا ملكا مطلقا والعين في يد ثالث ولم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا وبرهنا: يقضي بينهما لاستوائهما في الحجة.
وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للاسبق لانه أثبت الملك لنفسه في زمان لا ينازعه فيه غيره فيقضي بالملك له ثم لا يقضي بعده لغيره إلا إذا تلقى الملك منه، ومن ينازعه لم يتلق الملك منه فلا يقضي له به.
مطلب: تستحق الزوائد المتصلة والمنفصلة ولو أرخ أحدهما لا الآخر: فعند أبي حنيفة: لا عبرة للتاريخ ويقضي بينهما نصفين، لان توقيت أحدهما لا يدل على تقدم ملكه، لانه يجوز أن يكون الآخر أقدم منه ويحتمل أن يكون متأخرا عنه فيجعل مقارنا رعاية للاحتمالين.
وعند أبي يوسف: للمؤرخ لانه أثبت لنفسه الملك في ذلك الوقت يقينا، ومن لم يؤرخ ثبت للحال يقينا، وفي ثبوته في وقت تاريخ صاحبه شك ولا يعارضه.
وعند محمد: يقضي لمن أطلق لان دعوى الملك المطلق من الاصل، ودعوى الملك المؤرخ يقتصر على وقت(2/132)
التاريخ، ولهذا يرجع الباعة بعضهم على بعض، أو تستحق الزوائد المتصلة والمنفصلة فكان المطلق أسبق تاريخا فكان أولى، هذا إذا كان المدعي في يد ثالث.
وفي الخلاصة من الثالث عشر من الدعوى: يقضي للاسبق لانه أثبت الملك لنفسه في زمان لا ينازعه فيه غيره فيقضي بالملك له ثم لا يقضي بعده لغيره، إلا إذا تلقى الملك منه، ومن ينازعه لم يتلق الملك منه فلا يقضي له به.
من المحل المزبور: فعند أبي حنيفة: لا عبرة للتاريخ ويقضي بينهما نصفين، لان توقيت أحدهما
لا يدل على تقدم ملكه لانه يجوز أن يكون الآخر أقدم منه، ويحتمل أن يكون متأخرا عنه فجعل مغايرا رعاية للاحتمالين.
من المحل المزبور: وعند أبي يوسف: للمؤرخ، لانه أثبت لنفسه الملك في ذلك الوقت يقينا، ومن لم يؤرخ ثبت للحال يقينا، وفي ثبوته في وقت تاريخ صاحبه شك فلا يعارضه.
من المحل المزبور: وعند محمد يقضي لمن أطلق، لان دعوى الملك المطلق دعوى الملك من الاصل ودعوى الملك المؤرخ تقتصر على وقت التاريخ.
ادعيا ملكا مطلقا والعين في أيديهما (5): لم يؤرخا: يقضي بينهما.
(6): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما.
(7): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عندهما: يقضي للاسبق.
وعند محمد في رواية: يقضي بينهما، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قول الامامين.
(8): أو أرخ أحدهما لا الآخر: عند أبي حنيفة: يقضي بينهما.
وعند أبي يوسف: للمؤرخ وعند محمد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا على قول أبي حنيفة.
ولو ادعيا ملكا مطلقا، فإن كانت العين في أيديهما فكذلك الجواب: أي كما كانت العين في يد ثالث، لانه لم يترجح أحدهما على الآخر باليد ولم ينحط حاله عن حال الآخر باليد.
جامع الفصولين من الفصل الثامن.
ادعيا ملكا مطلقا والعين في يد أحدهما (9): لم يؤرخا: يقضي للخارج.
(01): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج.
(11): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق، عندهما: يقضي لاسبقهما، وعند محمد: يقضي للخارج، أفتى مشايخنا بأولوية الاسبق على قول الامامين.
(21): أو أرخ أحدهما لا الآخر عند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ، وعند محمد: يقضي للخارج، أفتى مشايخنا على قول محمد.
ولو ادعيا ملكا مطلقا: فإن كانت العين في يد أحدهما: فإن كانا أرخا سواء أو لم يؤرخا فهو للخارج لان بينته أكثر إثباتا، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو لاسبقهما.
وعن محمد: أنه رجع عن هذا القول وقال: لا تقبل بينة ذي اليد على الوقت ولا على غيره، لان البينتين قامتا على الملك المطلق ولم
يتعرضا لجهة الملك فاستوى التقدم والتأخر فيقضي للخارج.
مطلب: البينة مع التاريخ تتضمن معنى بينة دفع الخارج ولهما أن البينة مع التاريخ تتضمن الدفع، فإن الملك إذا ثبت للشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي منه، فصارت بينة ذي اليد بذكر التاريخ متضمنة دفع بينة الخارج على معنى(2/133)
أنها لا تصح إلا بعد إثبات التلقي من قبله وبينته على الدفع مقبولة، وعلى هذا إذا كانت الدار في أيديهما فصاحب الوقت الاول أولى عندهما، وعنده يكون بينهما.
وإن أرخ أحدهما لا الآخر فعند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ لان بينته أقدم من المطلق، كما لو ادعى رجلان شراء من آخر وأرخ أحدهما لا الآخر كان المؤرخ أولى.
وعند أبي حنيفة ومحمد يقضي للخارج ولا عبرة للوقت لان بينة ذي اليد إنما تقبل إذا كانت متضمنة معنى الدفع، وهنا وقع الاحتمال في معنى الدفع لوقوع الشك في وجوب التلقي من جهته لجواز أن شهود الخارج لو وقتوا لكان أقدم، فإذا وقع الشك في تضمنه معنى الدفع فلا يقبل مع الشك والاحتمال، جامع الفصولين من الفصل الثامن.
قال الرملي أقول: هذه المسألة المنقولة عن الخلاصة ليست من باب دعوى الملك المطلق.
وفي الخلاصة: إذا ادعيا تلقي الملك من رجلين والدار في يد أحدهما فإنه يقضي للخارج سواء أرخا أو لم يؤرخا، أو أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر إلا إذا كان تاريخ صاحب اليد أسبق ا ه.
قال: رجل ادعى دارا أو عقارا أو منقولا في يد رجل ملكا مطلقا وأقام البينة على الملك المطلق وأقام ذو اليد بينة أيضا أنه ملكه: فبينة الخارج أولى عند علمائنا الثلاثة، وهذا إذا لم يذكرا تاريخا.
وأما إذا ذكراه وتاريخهما سواء فكذلك يقضي ببينة الخارج، وإن كان تاريخ أحدهما أسبق فلاسبقهما تاريخا سواء كان خارجا أو صاحب يد، وهو قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف قول محمد أولا، وعلى قول أبي يوسف أولا، وهو قول محمد آخرا، لا عبرة فيه للتاريخ بل يقضي للخارج، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فكذلك يقضي للخارج.
من صرة الفتاوي نقلا من الذخيرة حجة الخارج في الملك
المطلق أولى من حجة ذي اليد، لان الخارج هو المدعي والبينة بينة المدعي بالحديث، إلا إذا كانا أرخا وذو اليد أسبق، لان للتاريخ عبرة عند أبي حنيفة في دعوى الملك المطلق إذا كان من الطرفين، وهو قول أبي يوسف آخرا، وقول محمد أولا.
وعلى قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد آخرا: لا عبرة له بل يقضي للخارج درر.
ادعيا ملكا إرثا من أبيه والعين في يد ثالث (31): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين.
(41): أو أرخا تاريخا واحدا.
يقضي بينهما نصفين.
(51): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: عند علمائنا الثلاثة: يقضي للاسبق إن كان تاريخهما لملك مورثهما، وإن كان تاريخهما لموت مورثهما: عند محمد: يقضي بينهما نصفين.
(61): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما إجماعا.
ولو ادعى كل واحد منهما إرثا من أبيه: فلو كان العين في يد ثالث ولم يؤرخا أو أرخا سواء فهو بينهما نصفين لاستوائهما في الحجة، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو لاسبقهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وكان أبو يوسف يقول أولا: يقضي به بينهما نصفين في الارث والملك المطلق ثم رجع إلى ما قلنا.
وقال محمد في رواية أبي حفص كما قاله أبو حنيفة.
وقال في رواية أبي سليمان: لا عبرة للتاريخ(2/134)
في الارث فيقضي بينهما نصفين، وإن سبق تاريخ أحدهما لانهما لا يدعيان الملك لانفسهما ابتداء بل لمورثهما ثم يجرانه إلى أنفسهما ولا تاريخ لملك المورثين، فصار كما لو حضر المورثان وبرهنا على الملك المطلق، حتى لو كان لملك المورثين تاريخ: يقضي لاسبقهما.
أقول: ينبغي أن يكون حكم هذا كحكم دعوى الشراء من اثنين، لان المورثين كبائعين في تلقي الملك منهما، فمن لم يعتبر التاريخ في الشراء من البائعين ينبغي أن لا يعتبر التاريخ في الارث أيضا، فرد الاشكال على من خالف فيشكل التفصي: أي التخلص إلا بالحمل على الروايتين.
والحاصل: أن في اعتبار تاريخ تلقي الملك من البائعين اختلاف الروايات على ما سيجئ، فكذا الارث، فلا فرق بينهما في الحكم فلا إشكال حينئذ، وإن أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما
نصفين إجماعا لانهما ادعيا تلقي الملك من رجلين فلا عبرة للتاريخ.
وقيل يقضي للمؤرخ عند أبي يوسف جامع الفصولين من الفصل الثامن.
وفي كتاب الدعوى من الخلاصة وإن أرخا لملك مورثهما يعتبر سبق التاريخ في قولهم جميعا ا ه: أي بأن أقام أحدهما بينة أن أباه مات منذ سنة وتركها ميراثا له وأقام الآخر بينة أن أباه مات منذ سنتين وتركها ميراثا له، ففي هذا الوجه خالف محمد أنقروي في دعوى الارث.
ادعيا ملكا إرثا من أبيهما والعين في أيديهما أي ادعى كل منهما الارث من أبيه (71): لم يؤرخا يقضي بينهما نصفين.
(81): أو أرخا تاريخا يقضي بينهما نصفين.
(91): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عند علمائنا الثلاثة: يقضي للاسبق إن كان تاريخهما لموت مورثهما، وإن كان تاريخهما لملك مورثهما عند محمد: يقضي بينهما نصفين، ورجح صاحب جامع الفصولين قول محمد هنا.
(02): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما إجماعا.
أي كما لو كانت العين في يد ثالث، ولو ادعيا ملكا إرثا.
فإن كانت العين في أيديهما فكذلك الجواب.
في أول الثامن الفصولين ملخصا.
ادعيا ملكا إرثا لابيه والعين في يد أحدهما (12): لم يؤرخا: يقضي للخارج.
(22): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج.
(32: أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: عندهما يقضي للخارج، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قول الامامين.
(42) أو أرخ أحدهما الآخر: يقضي للخارج إجماعا.
ولو ادعيا ملكا إرثا لابيه: إن كانت العين في يد أحدهما ولم يؤرخا أو أرخا سواء يقضي للخارج، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو لاسبقهما.
وعند محمد: للخارج لانه لا عبرة للتاريخ هنا، وإن أرخ أحدهما لا الآخر فهو للخارج إجماعا، وقيل يقضى للمؤرخ عند أبي يوسف من جامع الفصولين في الثامن.
أقول: أو أرخا وتاريخ الخارج أسبق، وإن أرخا وتاريخ ذي اليد أسبق فهو له.(2/135)
والحاصل: أنه للخارج إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد كما سيأتي، ووضع المسألة في تلقي الملك عن
اثنين، خير الدين.
وفي الخلاصة من الثالث عشر من الدعوى: ولو ادعيا الميراث كل واحد منهما يقول هذا لي ورثته من أبي لو كان في يد أحدهما فهو للخارج، إلا إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق فهو أولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فهو للخارج بالاجماع.
قال في الرابع من الاستروشنية والثامن من العمادية نقلا عن التجريد: لو ادعى صاحب اليد الارث عن أبيه وادعى خارج مثل ذلك وأقام البينة: يقضي للخارج في قولهم جميعا، ولو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق قضى للاسبق عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: يقضي للخارج ا ه.
قال في غاية البيان نقلا عن المبسوط لخواهر زاده: إن ادعيا ملكا بسبب بأن ادعى كل تلقي الملك من اثنين بالميراث أو بالشراء فالجواب عنه كالجواب في الملك المطلق على التفصيل الذي ذكرناه ا ه.
وقد ذكر أن العين في الملك المطلق إن كانت في يد أحدهما وأرخا وتاريخ أحدهما أسبق: فعلى قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد الاول: يقضي لاسبقهما تاريخا، وعلى قول أبي يوسف الاول وهو قول محمد الآخر: يقضي للخارج من هامش الانقروي في نوع دعوى الارث من كتاب الدعوى.
ادعيا الشراء من اثنين والعين في يد ثالث (52): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين.
(62): أو أرخا تاريخا واحدا يقضي بينهما نصفين.
(72): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: عند علمائنا الثلاثة للاسبق إن كان تاريخهما لملك بائعهما، وإن كان تاريخهما لوقت اشترائهما: عند محمد يقضي بينهما نصفين، ورجح صاحب الفصولين قول محمد.
(82): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما اتفاقا.
وإن ادعيا الشراء من اثنين والدار في يد الثالث، فإن لم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء: قضى بالدار بينهما، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فهو على الاختلاف الذي ذكرنا في الميراث: يعني
أن فيه ثلاثة أقوال، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فهو على ما ذكرنا في الميراث أيضا.
وأما إذا ادعيا الشراء من اثنين وأرخا الشراء وتاريخ أحدهما أسبق: فقد روى عن محمد أنهما إذا لم يؤرخا ملك البائعين: يقضي بينهما نصفين كما في فصل الميراث، فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى الفرق بين الشراء والميراث، وفي ظاهر الرواية: يقضي في فصل الشراء لاسبقهما تاريخا عند محمد، وعلى ظاهر رواية محمد يحتاج إلى الفرق.
أنقروي من نوع في دعوى الشراء والبيع.
وفي جامع الفصولين: وإن ادعيا الشراء من واحد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فهو بينهما نصفين لاستوائهما في الحجة، وإن أرخا وأحدهما أسبق: يقضي لاسبقهما اتفاقا، بخلاف ما لو ادعيا الشراء من رجلين لانهما يثبتان الملك لبائعهما ولا تاريخ بينهما لملك البائعين فتاريخه لملكه لا يعتد به، وصارا كأنهما حضرا وبرهنا على الملك بلا تاريخ فيكون بينهما.
أما هنا فقد اتفقا على أن الملك كان لهذا الرجل، وإنما اختلفا في الملتقي منه وهذا الرجل أثبت التلقي لنفسه في وقت لا ينازعه فيه صاحبه(2/136)
فيقضي له به، ثم لا يقضي به لغيره بعد إلا إذا تلقى منه وهو لا يتلقى منه انتهى.
وفيه أيضا أقول: يتراءى لي أن الاصوب هو أن لا يعتبر سبق التاريخ في صورة التلقي من اثنين، إذ لا تاريخ لابتداء ملك البائعين، فتاريخ المشتري لملكه لا يعتد به مع تعدد البائع فصارا كأنهما حضرا وبرهنا على الملك المطلق بلا تاريخ ا ه.
ادعيا شراء من اثنين والعين في أيديهما (92) لم يؤرخا.
يقضي بينهما نصفين.
(03) أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما نصفين.
(13) أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لاسبقهما.
(23) أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما نصفين.
وفي الرابع من دعوى المحيط في نوع في دعوى صاحب اليد تلقي الملك من جهة غيرهما: ادعيا تلقي الملك من جهة واحدة ولم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء: يقضي بالعين بينهما، وكذلك إذا أرخ أحدهما دون الآخر: يقضي بينهما بالدار، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لاسبقهما
تاريخا، وإن ادعيا تلقي الملك من جهة اثنين فكذلك الجواب على التفصيل الذي قلنا فيما إذا ادعيا التلقي من جهة واحدة.
أنقروي في آخر دعوى الشراء والبيع.
ادعيا عينا شراء من اثنين والعين في يد أحدهما (33): لم يؤرخا يقضي للخارج.
(43): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج (53): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لاسبقهما.
(63): أو أرخ أحدهما لا الآخر يقضي للخارج إذا ادعيا تلقي الملك من رجلين والدار في يد أحدهما فإنه يقضي للخارج سواء أرخا أو لم يؤرخا أو أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر، إلا إذا كان تاريخ صاحب اليد أسبق.
خلاصة من الثالث عشر من كتاب الدعوى.
وفي البزازية: عبد في يد رجل برهن رجل على أنه كان لفلان اشتراه منه عشرة أيام وبرهن ذو اليد على أنه كان لآخر اشتراه منه منذ شهر بكذا وسماه، فعلى قول الثاني في قوله الثاني هو لاسبقهما تاريخا وهو ذو اليد.
وقال محمد في قوله الآخر: هو للمدعي، وعلى قياس قول الثاني أولا هو للمدعي ا ه.
أقول: فعلى هذا ينبغي أن يفتى لاسبقهما تاريخا، كما لو ادعيا الشراء من واحد، لان العمل بظاهر الرواية أولى.
ادعيا عينا شراء من واحد والعين في يد ثالث (73): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين.
(83): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج.
(93):(2/137)
أو أرخا وتاريخ أحداهما أسبق: يقضي لاسبقهما (04): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي للخارج، وإن ادعيا الشراء من واحد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فهو بينهما نصفين لاستوائهما في الحجة، وإن أرخا وأحدهما أسبق يقضي لاسبقهما اتفاقا، وإن أرخ أحدهما: أي وهما خارجان لا الآخر فهو للمؤرخ اتفاقا.
من الفصولين من الثامن.
ولو ادعيا الشراء والدار في يد ثالث، إن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد ولم
يؤرخا وأقاما البينة يقضي بينهما نصفين لكل واحد منهما النصف بنصف الثمن، ولهما الخيار: إن شاء قبض كل واحد منهما النصف بنصف الثمن، وإن شاء ترك، فإن ترك أحدهما: إن ترك قبل القضاء فالآخر يأخذه بجميع الثمن بلا خيار، وإن ترك بعد القضاء لا يقبض إلا النصف بنصف الثمن.
ولو ادعيا الشراء من غير صاحب اليد فهي بينهما نصفين، هذا إذا لم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا، ولو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فأسبقهما تاريخا أولى بالاجماع، فإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر يقضي لصاحب التاريخ.
خلاصة من الثالث عشر من الدعوى.
ولو كان المبيع في يد بائعه فبرهن أحدهما على الشراء وأنه قبضه منذ شهر وبرهن آخر على الشراء وأنه قبضه منذ عشرة أيام فذو الوقت الاول أولى.
جامع الفصولين.
ادعيا شراء من واحد والعين في أيديهما (14): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين.
(24): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما نصفين.
(34): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لاسبقهما.
(44): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما نصفين.
وإن ادعيا الشراء من واحد والعين في أيديهما فهو بينهما، إلا إذا أرخا وأحدهما أسبق فحينئذ يقضي لاسبقهما.
من جامع الفصولين من الثامن ملخصا.
إذا ادعيا تلقي الملك من جهة واحدة ولم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء: يقضي بالعين بينهما، وكذلك إذا أرخ أحدهما دون الآخر: يقضي بينهما، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لاسبقهما تاريخا.
في الرابع من دعوى المحيط.
وفي باب بيان اختلاف البينات في البيع والشراء من دعوى المحيط: إن كانت العين في أيديهما يقضي بينهما في الفصول، إلا إذا أرخا وتاريخ أحدهما أسبق.
وفي غاية البيان عن مبسوط خواهر زاده: إن كانت العين في أيديهما إن لم يؤرخا أو أرخ سواء أو أرخ أحدهما دون الآخر: يقضي بينهما نصفين، أما في الاولين فلا إشكال فيه.
وأما إذا أرخ أحدهما دون الآخر فكذلك يقضي بينهما نصفين، لانه لا عبرة للتاريخ حالة الانفراد إذا كانت العين المؤرخ بيدهما معا، ألا ترى أنه لو كان في يد أحدهما فأرخ الخارج لا يكون تاريخ أحدهما عبرة لا تنقض يد ذي اليد بالاحتمال؟ فكذا لا يكون
التاريخ عبرة إذا كان في أيديهما حتى لا ينقض ما يثبت من يد الآخر في النصف، وإن لم يكن للتاريخ حالة الانفراد عبرة بمقابلة اليد صار وجود التاريخ وعدمه بمنزلة، ولو عدم: يقضي بالدار بينهما نصفين.
من هامش الانقروي في أول دعوى الشراء والبيع.
ادعيا عينا شراء من واحد والعين في يد أحدهما (54): لم يؤرخا: يقضي لذي اليد.
(64): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لذي اليد.
(74): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لاسبقهما.
(84): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لذي اليد.
وإن(2/138)
ادعيا الشراء من واحد والعين في يد أحدهما فهو لذي اليد سواء أرخ أو لم يؤرخ، إلا إذا أرخا وتاريخ الخارج أسبق فيقضي به للخارج ف أول الفصل الثامن من الفصولين.
وفيه في أواسط الفصل المذكور: ولو ادعى الخارج وذو اليد بسبب بهذا السبب نحو شراء وإرث وشبهه، فلا يخلو إما أن يدعيا تلقي الملك من جهة واحد أو من جهة اثنين: فلو ادعياه من جهة واحد وبرهنا حكم به لذي اليد لو لم يؤرخا أو أرخا سواء، فلو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فهو أولى، ولو أرخ أحدهما فذو اليد أولى، إذ وقت الساكت محتمل فلا ينقض قبضه بشك ا ه.
وفيه أيضا في المحل المزبور بإشارة المبسوط: وأجمعوا أن الخارج وذا اليد لو أثبتا الشراء من واحد وأرخ أحدهما لا الآخر فذو التاريخ أولى (فش) ذو اليد أولى (فث) إذ تاريخ الخارج في حقه مخبر به والقبض في حق ذي اليد معاين، وهو دليل على سبق عقده، والمعاينة أقوى من الخبر إلا إذا أرخا وتاريخ الخارج أسبق يحكم للخارج ا ه.
وفي بعده مسألة: ولو برهن من ليس بيده على أنه قبضه منذ شهر وبرهن ذو اليد على قبضه بلا توقيت أو برهن على الشراء ولم يذكر شهوده القبض فالمبيع له، إذ يده في الحال تدل على ما سبق قبضه وقد ثبت له التاريخ ضمنا ولا يدري أنه قبل قبض الخارج أو بعده فلغت البينتان، وترجح ذو اليد بيده القائمة في الحال ا ه.
ادعيا عينا أحدهما ملكا مطلقا والآخر نتاجا والعين في يد ثالث
(94): لم يؤرخا: يقضي لصاحب النتاج.
(05): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لصاحب النتاج.
(15): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لصاحب النتاج.
(25): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لصاحب النتاج.
ادعيا عينا ملكا مطلقا والآخر نتاجا والعين في أيديهما (35): لم يؤرخا: يقضي لصاحب النتاج.
(45): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لصاحب النتاج.
(55): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لصاحب النتاج.
(65): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لصاحب النتاج.
ادعيا عينا أحدهما ملكا مطلقا والآخر نتاجا والعين في أيديهما (75): لم يؤرخا: يقضي لصاحب النتاج.
(85): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لصالح النتاج.
(95): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لصاحب النتاج.
(06): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لصاحب النتاج.
في باب دعوى الرجلين من الدرر والغرر: ولو برهن أحدهما من الخارج وذي اليد على الملك المطلق والآخر على النتاج فذو النتاج أولى.
وفي الباب المزبور من الملتقي: ولو برهنا على الملك والآخر على النتاج فهو أولى، وكذا لو كانا خارجين ا ه.
وفي باب ما يدعيه الرجلان من شرح المجمع: لو أقام أحد المدعيين بينة على الملك والآخر على النتاج قدم صاحب النتاج سواء كان خارجا أو ذا يد، لان صاحب النتاج يثبت أولية الملك فلا يملكه الغير إلا بالتلقي منه ا ه.(2/139)
وقال أبو السعود العمادي في تحريراته: قد علم من هذه النقول أنه لا فرق في أولوية صاحب النتاج بين أن تكون العين في يد أحدهما أو في يد ثالث، فإن كانت العين في يدهما فكذلك صاحب النتاج أولى، لان كل واحد من صاحب اليد ذو يد في نصفه وخارج في النصف الآخر كذي اليد مع
الخارج.
والحاصل: إذا برهن المدعيان أحدهما على الملك المطلق والآخر على النتاج تقدم بينة النتاج، سواء كان العين في يد أحدهما أو في يدهما أو في يد ثالث كما بين في الاصول ا ه.
وقال في البحر الرائق في القضاء: أطلقوا هذه العبارة وهي قولهم: تقدم بينة النتاج على بينة الملك المطلق، فشمل ما إذا أرخا واستويا أو سبق أحدهما أو أرخ أحدهما أو لم يؤرخا أصلا، فلا اعتبار للتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق سن المدعي لوقت ذي اليد ووافق وقت الخارج فحينئذ يحكم للخارج، ولو خالف سنه للوقتين لغت البينتان عند عامة المشايخ ويترك في يد ذي اليد على ما كان.
والنتاج بكسر النون: ولادة الحيوان ووضعه عند من نتجت عنده بالبناء للمفعول ولدت ووضعت كما في المغرب، والمراد: ولادته في ملكه أو ملك بائعه أو مورثها ا ه.
والمراد لكون التاريخ مستحيلا في دعوى النتاج عدم موافقة التاريخ لسن المولود.
ودعوى النتاج دعوى سبب الملك بالولادة في ملكه، لان سبب ذلك نوعان: أحدهما: لا يمكن تكرره والثاني: يمكن تكرره، فما لا يمكن تكرره هو النتاج، فوقوع النتاج في الخارج مرتين محال: يعني لا يتصور عود الولد إلى بطن أمه ثم خروجه مرة بعد أخرى، فإذا كان الامر كذلك الولد لا يعاد ولادته بعد الولادة مرة أخرى، وما كان من المتاع كذلك ولا يصنع مرة أخرى بعد نقضه فلا يكون نحو النتاج كما صرح به في المفصلات ا ه.
فدعوى النتاج دعوى ما لا يتكرر كما صرح به قاضيخان في آخر دعوى المنقول، ودعوى النتاج دعوى أولية الملك كما ذكروا في آخر الفصل الثامن من الفصولين، فيكون كل دعوى أولية الملك كالنتاج، وعلى هذا اتفاق الائمة الفحول في الفروع والاصول كما حققه جوى زاده.
فكل سبب للملك من المتاع ما لا يتكرر: يعني لا يعاد ولا يصنع مرة بعد أخرى بعد نقضه فهو في معنى النتاج، ودعوى الملك بهذا السبب كدعواه بالنتاج فإن مثله في عدم التكرر فحكمه كحكمه في جميع أحكامه، وأما كل سبب للملك من المتاع ما يتكرر: يعني يعاد ويصنع مرة بعد أخرى بعد نقضه: فهو لا يكون بمعنى النتاج بل يكون في منزلة الملك المطلق كما صرح به في المحيط والمبسوط والزيلعي والظهيرية وغيرها ا ه.
مثال ما لا يتكرر كنسخ ثياب قطنية أو كتانية لا تنسج إلا مرة، فنسج ثوب قطن أو كتان سبب للملك لا يتكرر فهو كالنتاج، فلو أقام خارج وذو يد على أن هذا الثوب ملكه وأنه نسخ عنده في ملكه كان ذو اليد أولى كما في الخانية والبزازية وغيرهما ا ه.
وكحلب لبن فحلب لبن سبب للملك لا يتكرر فهو كالنتاج، فلو برهن كل من خارج وذي يد على أن هذا اللبن حلب في ملكه كان ذو اليد أولى كما نقله شارح الملتقي وحدتي عثمان أفندي الاسكوبي.(2/140)
ومثال ما يتكرر كالمنطقة المصنوعة من الذهب والفضة وغيرهما كالبناء والشجر والمغروس والبر المزروع وسائر الحبوب ونحوها مثلا فهو مما يتكرر ويعاد له بعد النقض مرة أخرى، فلو برهن كل من الخارج وذي اليد أن المنطقة صنعت في ملكه وأن الشجر المغروس له في ملكه وأن البر له زرعه والحبوب المملوكة له كان الخارج أولى، لاحتمال أن الخارج فعله أولا ثم غصبه ذو اليد منه ونقضه وفعل ثانيا فيكون ملكا له بهذا الطريق، فلم يكن في معنى النتاج بل يكون بمنزلة الملك المطلق كما ذكره ابن ملك على المجمع، فإن الذهب المصنوع والفضة المصنوعة والبناء ينقض ويعاد ثانيا، والشجر يغرس ثم يقطع من الارض ويغرس ثانيا، والحبوب تزرع ثم تغربل مع التراب فتميز ثم تزرع ثانيا، وكذلك المصحف الشريف مما يتكرر، فلو أقام كل من الخارج وذي اليد البينة أنه مصحفه كتبه في ملكه فإنه يقضي به للمدعي، لان الكتابة مما يتكرر يكتب ثم يمحى ثم يكتب كما في دعوى المنقول من قاضيخان.
وفي الخلاصة في الثالث عشر من الدعوى: أما لسيف فمنه ما يضرب مرتين ومنه ما يضرب مرة واحدة فيسأل علماء الصياقلة، إن قالوا يضرب مرتين يقضي للمدعي، وإن قالوا مرة يقضي لذي اليد، فإن أشكل عليهم أو اختلفوا، ففي رواية أبي سليمان: يقضي به لذي اليد، وفي رواية حفص: يقضي للخارج.
وفي الوجيز للسرخسي: وإن كان مشكلا فالاصح أنه ملحق بالنتاج ا ه.
وفي الدرر: فإن أشكل يرجع إلى أهل الخبرة لانهم أعرف به، فإن أشكل عليهم قضى به للخارج، لان القضاء ببينة هو
الاصل والعدول عنه بحديث النتاج، فإذا لم يعلم يرجع إلى الاصل ا ه.
ادعيا عينا نتاجا والعين في يد ثالث (16): لم يؤرخا: إن ا دعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر: قضى به بينهما نصفين، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: يقضي به بينهما نصفين.
(26): أو أرخا تاريخا واحدا: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين، ولا يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق إن وافق سن المولود للوقت الذي ذكر قضى به بينهما، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما قضى به بينهما كذلك نصفين، وإن خالف منه الوقت الذي ذكرا بطلت البينتان عند البعض ويقضى به بينهما عند البعض، وهو الاصح على ما قاله الزيلعي وحققه صاحب الدرر.
(36): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود لتاريخ أحدهما قضى به إن وافق سنه وقته، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: يقضي بينهما نصفين، وإن أشكل على أحدهما.
قضى به لمن أشكل عليه، وإن خالف للوقتين يطلب البيان عند البعض، وهو الاصح على ما قاله الزيلعي وحققه صاحب الدرر.
وإن خالف سن المولود لاحد الوقتين: قضى به للآخر.
(46): أو أرخ أحدهما لا الآخر: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضى به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان أو الرقيق: إن وافق سن المولود التاريخ المؤرخ قضى به للمؤرخ، وإن لم يوافق بأن(2/141)
أشكل عليهما يقضي به بينهما نصفين، وإن خالف سنه لوقت المؤرخ: يقضي به لمن لم يؤرخ، لانه إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر: قضي بها لمن أشكل عليه وهو من لم يؤرخ.
ادعيا نتاجا والعين في أيديهما (56): لم يؤرخا: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما
نصفين، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: يقضي به بينهما نصفين.
(66): أو أرخا تاريخا واحدا: وإن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود للوقت الذي ذكر: قضى به بينهما، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: قضى به بينهما كذلك نصفين، وإن خالف سنه للوقت الذي ذكرا بطلت البينتان عند البعض ويقضي به بينهما عند البعض، وهو الاصح على ما قاله الزيلعي وحقه صاحب الدرر.
(76): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: إن ادعيا بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود لتاريخ أحدهما: قضى به لمن وافق سنه وقته، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: يقضي بينهما نصفين، وإن أشكل على واحد منهما: قضى به لمن أشكل عليه، وإن خالف سنه للوقتين بطلت البينتان عند البعض، وهو الاصح على ما قاله الزيلعي وحققه صاحب الدرر.
وإن خالف سن المولود لاحد الوقتين: قضى به للآخر.
(86): أو أرخ أحدهما لا الآخر، إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضى به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: وإن وافق سن المولود لتاريخ المؤرخ قضى به للمؤرخ، وإن لم يوافق بأن أشكل: يقضي بينهما نصفين، وإن خالف الوقت المؤرخ: يقضى به لمن لم يؤرخ انتهى.
لانه إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو أشكل الوقت الآخر: قضى به لمن أشكل عليه وهو من لم يؤرخ.
في أواخر الفصل الثامن من الفصولين: التاريخ في دعوى النتاج لغو على كل حال أرخا سواء أو مختلفين أو لم يؤرخا أو أرخ أحدهما فقط انتهى.
وفيه: برهن الخارجان على النتاج: فلو لم يؤرخا أو أرخا سواء أو أرخ أحدهما لا الآخر فهو بينهما لفقد المرجح، ولو أرخا وأحدهما أسبق: فلو وافق سنه لاحدهما فهو له لظهور كذب الآخر، ولو خالفهما أو أشكل فهو بينهما لانه لم يثبت الوقت فكأنهما لم يؤرخا.
وقيل فيما خالفهما بطلت البينتان لظهور كذبهما فلا يقضي لهما ا ه.
واعلم أنه إذا تنازعا في دابة وبرهنا على النتاج عنده أو عند بائعه ولم يؤرخا يحكم بها لذي اليد إن كانت في يد أحدهما، أو يحكم لهما إن كانت في أيديهما أو في يد ثالث كما ذكره الزيلعي.
وفي الثامن عشر من دعوى التاترخانية: وإن أرخا سواء ينظر إلى سن الدابة: إن كان موافقا للوقت الذي ذكرا يقضي بها بينهما، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لصاحب الوقت الذي سن(2/142)
الدابة عليه ا ه.
يعني قضى لمن وافق سنها وقته، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر ووافق سن الدابة الوقت المؤرخ: قضى به للمؤرخ أيضا، لانه إذا كان أحدهما أسبق قضى به لمن وافق سنها وقته، فإذا كان الامر كذلك: إن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر كان وقت غير المؤرخ مبهما لعدم ذكر التاريخ، فإن فرض المؤرخ سابقا أو غير سابق يستقيم على صورة مسألة سبق أحد التاريخين، وفي ذلك قضى لمن وافق سنها، فهنا كذلك قضى للمؤرخ لموافقة تاريخه سنها، وإن فرض المؤرخ مساويا لغير المؤرخ قضى للمؤرخ أيضا لان في موافقة غير المؤرخ شكا فلا يعارضه لموافقته المؤرخ.
كذا حققه جوي زاده في تحريراته ا ه.
فلا فرق للقضاء لمن وافق سنها بين أن تكون الدابة في يد أحدهما أو في يديهما أو في يد ثالث لان المعنى لا يختلف، وإن خالف سنها للوقتين أو أشكل يقضي بها بينهما إن كانت في أيديهما أو في يد ثالث.
وإن كانت في يد أحدهما: قضى بها لذي اليد كما حققه صاحب الدرر نقلا عن الزيلعي وأيده بقوله وهو الاصح ا ه.
ثم اعلم أن هذا إذا كان سن الدابة مخالفا للوقتين، أما إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر: قضى بالدابة لصاحب الوقت الذي أشكل سن الدابة عليه، كذا في الثاني عشر من دعوى التاترخانية ا ه.
هذا إن أرخا كلاهما، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان سن الدابة مخالفا لتاريخ المؤرخ: يقضي لمن لم يؤرخ لانه بالطريق الاولى في أن يكون مشكلا على من لم يؤرخ، لان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بينه وبين سن الدابة بالطريق الاولى، فيقضى بالدابة لمن أشكل عليه سن الدابة وهو من لم يؤرخ.
كذا حققه جوي زاده في تحريراته انتهى.
وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان سن الدابة مشكلا عليهما قضى بينهما كما في الثاني عشر والثالث عشر
من دعوى التاترخانية انتهى.
هذا إذا كانت الدابة في أيديهما أو في يد ثالث.
وأما إذا كانت في يد أحدهما قضى بها لذي اليد إن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان سن الدابة مشكلا عليهما كما حققه جوى زاده في تحريراته.
والمراد من المخالفة بين السن والوقتين كون الدابة أكبر من الوقتين أو أصغر منهما كما في الثامن عشر من دعوى المحيط.
وفي عبارة دعوى التتمة في فصل ما يترجح به إحدى البينتين: إذا كان سن الدابة دون الوقتين أو فوقهما يكون مخالفا للوقتين، والمراد بالاشكال عدم ظهور سن الدابة كما قال ابن مالك على المجمع في باب ما يدعيه الرجلان، فإن أشكل: أي إن لم يظهر سن الدابة ا ه.
واختلفت عبارات بعض النسخ فيما إذا خالف سن الدابة للوقتين.
قال في الهداية في باب ما يدعيه الرجلان: وإن خالف سن الدابة للوقتين بطلت البينتان.
كذا ذكره الحاكم وتبعه في الكافي والنهاية وغاية البيان والبدائع.
وقال محمد: والاصح أن تكون الدابة بينهما، لانه إذا خالف سن الدابة للوقتين أو أشكل يسقط اعتبار ذكر الوقت فينظر إلى مقصودهما وهو إثبات الملك في الدابة وقد استويا في الدعوى والحجة فوجب القضاء بها بينهما نصفين.
كذا في الكافي كما حققه جوي زاده في تحريراته.
وفي آخر الفصل الثامن من الفصولين: التاريخ في دعوى النتاج لغو على كل حال أرخا سواء أو مختلفين أو لم يؤرخا أو أرخ أحدهما فقط.
قال المولى قاضي زاده أخذا من كلام صاحب الدرر والبدائع: بأن مخالفة السن للوقتين مكذب الوقتين لا مكذب البينتين، فاللازم منه سقوط اعتبار ذلك(2/143)
الوقت لا سقوط اعتبار أصل البينتين، لانا لم نتيقن بكذب إحدى البينتين لجواز أن يكون سن الدابة موافقا للوقتين ولا يعرف الناظر كما أشار إليه السرخسي في محيطه، وقد يشاهد أن بعض أهل النظر نظر في سن فرس وقال إن سنه اثنان ونصف وكان سنه ثلاثا ونصفا.
فإذا تقرر هذا فاعلم أنه إذا لم يثبت الوقت صار كما لو لم يوقت على ذكر شيخ الاسلام الاسبيجابي في شرح الكافي، لان الاصل عدم اعتبار التاريخ في النتاج كما مر آنفا من الفصولين كذا
حققه جوي زاده في تحريراته.
وقال: قال قاضيخان في أواخر دعوى المنقول: وإن خالف سن الدابة الوقتين: في رواية يقضى لهما، وفي رواية يبطل البينتان ا ه.
وكذا في خزانة الاكمل.
وفي الثامن من العمادية.
وفي الرابع عشر من الاستروشنية كما في الخانية: والظاهر من كلام قاضيخان أنه رجح القضاء بينهما لانه قال في أول كتابه: وفيما كثرت فيه الاقاويل من المتأخرين اختصرت على قول أو قولين وقدمت ما هو الاظهر وافتتحت بما هو الاشهر.
وقال الزيلعي في شرح الكنز نقلا من المبسوط: والاصح أنهما لا تبطلان، بل يقضي بينهما إذا كانا خارجين أو كانت في أيديهما، وإن كانت في يد أحدهما يقضي بها لذي اليد، وهكذا ذكر محمد.
وأما ما ذكره الحاكم بقوله بطلت البينتان، وهو قول بعض المشايخ وهو ليس بشئ ا ه.
واعتمد صاحب الدرر ما في الزيلعي.
وقال كما في الزيلعي: وقول الزيلعي ظاهر الرواية وهو اختيار الائمة الثلاثة كما في معراج الدراية.
وفي رضاع البحر: الفتوى إذا اختلفت كان الترجيح بظاهر الرواية تمت النقول من تحريرات المرحوم أنقروي أفندي رحمه الله تعالى.
ادعيا عينا نتاجا والعين في يد أحدهما (96): لم يؤرخا إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لذي اليد، وإن أقام كل منهما بينة على النتاج فصاحب اليد أولى.
كذا أفتى المولى علي أفندي.
وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: قضى به لذي اليد من باب دعوى الرجلين في دعوى الهندية.
(07): أو أرخا تاريخا واحدا، إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لصاحب اليد، ولا يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق، إن وافق سن المولود للوقت الذي ذكرا: قضى به لذي اليد، وإن لم يوافق بأن أشكل أو خالفهما: قضى به لذي اليد كذلك.
(17): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لصاحب اليد، ولا يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق، إن وافق سن الدابة
لتاريخ أحدهما: قضى به لمن وافق سنه، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: قضى به لذي اليد، وإن أشكل على أحدهما: قضى به لمن أشكل عليه، وإن خالف سنه للوقتين: قضى به لذي اليد، وإن خالف لاحد الوقتين قضى به للآخر.
(27): أو أرخ أحدهما لا الآخر: إن ادعيا أن الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لصاحب اليد، ولا يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود لتاريخ المؤرخ: قضى به للمؤرخ، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: قضى به لذي اليد، وإن خالف سنه لوقت المؤرخ: يقضي به لمن لم يؤرخ، لانه إذا(2/144)
كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر: قضى به لمن أشكل عليه وهو من لم يؤرخ.
قال محمد في الاصل: إذا ادعى الرجل دابة في يد إنسان أنها ملكه نتجت عنده وأقام بينة عليه وأقام صاحب اليد بينة بمثل ذلك القياس يقضى بها للخارج.
وفي الاستحسان: يقضي به لصاحب اليد سواء أقام صاحب اليد البينة على دعواه قبل القضاء بها للخارج أو بعده وفي الهداية: وهذا هو الصحيح في أوائل الثاني عشر من دعوى التاترخانية.
هذا إذا لم يؤرخا، وإن أرخا قضى بها لصاحب اليد، إلا إذا كان سن الدابة مخالفا لوقت صاحب اليد موافقا لوقت الخارج فحينئذ يقضي للخارج في الثاني عشر من دعوى المحيط.
ولا عبرة للتاريخ مع النتاج إلا إذا أرخا وقتين مختلفين ووافق سن الدابة تاريخ الخارج فإنه يقضى بها للخارج، وإن وافق تاريخ ذي اليد أو كان مشكلا أو خالفهما: قضى بها لذي اليد كما في دعوى الوجيز.
فاعلم هذا إذا كان سن الدابة مخالفا للوقتين.
أما إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين فلا يخلو من أن يكون موافقا أو مخالفا أو مشكلا للآخر: فإن كان موافقا فكما مر حكمه آنفا قضى لمن وافق، وإن كان مخالفا للوقتين قضى بها لذي اليد كما مر، وإن كان مشكلا قضى بها لمن أشكل عليه لما ذكر في التاترخانية والمحيط مطلقا إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر قضى بالدابة لصاحب الوقت الذي أشكل سن الدابة عليه ا ه.
هذا إذا كانا أرخا كلاهما، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ
الآخر وكان سن الدابة مخالفا لتاريخ المؤرخ يقضي لمن لم يؤرخ، لانه بالطريق الاولى من أن يكون مشكلا على من لم يؤرخ، لان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بينه وبين سنة الدابة بالطريق الاولى فيقضي بالدابة لمن أشكل عليه سن الدابة وهو من لم يؤرخ، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان سن الدابة مشكلا عليهما: قضى بها لذي اليد كما حققه جوي زاده ا ه.
وفي باب دعوى الرجلين في ملتقى الابحر: وإن برهن خارج وذو اليد على النتاج فذو اليد أولى، وكذا لو برهن كل من تلقى الملك من آخر على النتاج عنده ا ه.
يعني لو كان النتاج ونحوه عند بائعه فذو اليد أولى، كما لو كان النتاج ونحوه عند نفسه فإن كلا منهما إذا تلقى الملك من رجل وأقام البينة على سبب ملك عنده لا يتكرر فهو بمنزلة من أقامها على ذلك السبب عند نفسه، لان بينة ذي اليد قامت على أوليه الملك فلا يثبت للخارج إلا بالتلقي منه كما صرح به في الدرر والغرر في باب دعوى الرجلين ا ه.
وفي الهداية في باب ما يدعيه الرجلان: ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل على حدة وأقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة إقامتها على النتاج عند نفسه اه.
وسواء تلقى كل واحد منهما بشراء أو إرث أو هبة أو صدقة مقبوضتين كما أشار إليه في الثامن من شهادات البزازية.
وفي آخر دعوى المنقول من قاضيخان: عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده اشتراه من فلان آخر وأنه ولد في ملك بائعه فلان فإنه يقضي بالعبد لذي اليد لان كل واحد منهما ادعى نتاج بائعه ودعوى نتاج بائعه كدعوى نتاج نفسه فيقضي ببينة ذي اليد انتهى.
لان كل واحد من الخارج وذي اليد خصم في إثبات نتاج بائعه كما أنه خصم في إثبات الملك له، ولو حضر البائعان وأقاما البينة على النتاج كان صاحب النتاج أولى، فكذا من قام مقامهما كما صرح به الزيلعي انتهى.(2/145)
وفي الدرر في باب دعوى الرجلين: قال في الذخيرة: والحاصل أن بينة ذي اليد على النتاج إنما تترجح على بينة الخارج على النتاج أو على مطلق الملك، بأن ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج النتاج، أو ادعى الخارج الملك المطلق إذا لم يدع الخارج على ذي اليد فعلا نحو الغصب أو الوديعة أو الاجارة
أو الرهن أو العارية ونحوها، فأما إذا ادعى الخارج فعلا مع ذلك فبينة الخارج أولى.
وقال في العمادية بعد نقل كلام الذخيرة: ذكر الفقيه أبو الليث في باب دعوى النتاج من المبسوط ما يخالف المذكور في الذخيرة فقال: دابة في يد رجل أقام آخر بينة أنها دابته آجرها من ذي اليد أو أعارها منه أو رهنها إياه وذو اليد أقام بينة أنها دابته نتجت عنده فإنه يقضي بها لذي اليد لانه يدعي النتاج والآخر يدعي الاجارة أو الاعارة والنتاج أسبق منهما فيقضي لذي اليد، وهذا خلاف ما نقل عنه ا ه.
وفي البرهاني في الفصل الثاني عشر من كتاب الدعوى: إذا ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج أنه ملكه غصبه منه ذو اليد كانت بينة الخارج أولى، وكذا إذا ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج أنه ملكه أجره أو أودعه أو أعاره كانت بينة الخارج أولى.
قال شيخ الاسلام: الحاصل أن بينة ذي اليد على النتاج إنما تترجح على بينة الخارج على النتاج أو على الملك المطلق، بأن ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج الملك المطلق أو النتاج إذا لم يدع الخارج على ذي اليد فعلا نحو الغصب أو الوديعة أو الاجارة أو الرهن أو العارية أو ما أشبه ذلك.
أما إذا ادعى الملك المطلق ومع ذلك فعلا فبينة الخارج أولى، وأشار محمد ثمة إلى هذا المعنى، لان بينة الخارج في هذه الصورة أكثر إثباتا انتهى.
هكذا في الظهيرية في النوع الثاني من كتاب الدعوى.
تمت النقول.
وأفتى مشايخنا بمسألة المحيط يعني يفتي بترجيح بينة الخارج في الصورة المذكورة.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من واحد والعين في يد ثالث (37): لم يؤرخا: يقضى لمدعي الشراء.
(47): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لمدعي الشراء.
(57): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للاسبق.
(67): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي للمؤرخ.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من واحد والعين في يدهما (77): لم يؤرخا: يقضي بينهما.
(87): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما.
(97): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للاسبق.
(08): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما.
ادعيا ملكا بسببين من واحد والعين في يد أحدهما (18): لم يؤرخا: يقضي لذي اليد.
(28): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لذي اليد.
(38): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للاسبق.
(48) أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لذي اليد.(2/146)
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من اثنين والعين في يد ثالث (58): لم يؤرخا: يقضي بينهما كما في الملك المطلق.
(68): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما كما في الملك المطلق.
(78): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عند الامامين: يقضي للاسبق.
وعند محمد: يقضي بينهما كما في الملك المطلق.
ومشايخنا أفتوا على قول الامامين.
(88): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ.
وعند محمد: لمن أطلق كما في الملك المطلق.
ومشايخنا أفتوا على قبول أبي حنيفة.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من اثنين والعين في يدهما (98): لم يؤرخا: يقضي بينهما كما في الملك المطلق.
(09): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما كما في الملك المطلق.
(19): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق.
عند الامامين: يقضي للاسبق.
وعند محمد: يقضي بينهما كما في الملك المطلق.
ومشايخنا أفتوا على قول الامامين.
(29): أو أرخ أحدهما لا الآخر عند أبي حنيفة: يقضي بينهما.
وعند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ وعند محمد: لمن أطلق كما في الملك المطلق.
ومشايخنا أفتوا على قول أبي حنيفة.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من اثنين والعين في يد أحدهما (39): لم يؤرخا: يقضي للخارج كما في الملك المطلق.
(49): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج كما في الملك المطلق.
(59): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عند الامامين: يقضي للاسبق.
وعند محمد: يقضي للخارج كما في الملك المطلق.
ومشايخنا أفتوا على قول الامامين.
(69): أو أرخ أحدهما لا الآخر: عند محمد: يقضي للخارج.
وعند أبي يوسف: يقضى للمؤرخ كما في الملك المطلق.
ومشايخنا أفتوا على قول محمد.
ادعيا عينا في يد آخر فبرهن أحدهما أنه اشتراه من زيد وبرهن الآخر أنه ارتهنه من زيد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فالشراء أولى، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فالمؤرخ أولى.
ولو أرخا وأحدهما أقدم فهو أولى، ولو كانت العين في يد أحدهما فهو أولى، إلا إذا سبق تاريخ الخارج فهو للخارج، ولو ادعى أحدهما هبة وقبضا من زيد وادعى الآخر شراء من زيد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فالشراء أولى، وكذا جميع ما مر في الرهن.
ولو كانت العين بيدهما فهو بينهما، إلا أن يؤرخ وأحدهما أقدم فهو أولى، والصدقة مع الشراء كالهبة مع الشراء، ولو اجتمعت الهبتان فحكمه حكم ما اجتمع الشراءان.
في أواخر الفصل الثامن من الفصولين: وإذا اجتمعت الهبة مع القبض والصدقة مع القبض فالجواب فيه كالجواب فيما إذا اجتمع الشراءان.
من أنقروي.
في دعوى الرجلين بسببين مختلفين من كتاب الدعوى نقلا في الرابع من دعوى التاترخانية.
هذا لو ادعيا تلقي الملك من جهة واحد بسببين مختلفين، فلو ادعياه من جهة اثنين بسببين(2/147)
مختلفين، بأن ادعى أحدهما هبة والآخر شراء، لو كانت العين بيد ثالث أو بيدهما أو بيد أحدهما فحكمه كحكم ما إذا ادعيا ملكا مطلقا، إذ كل منهما يثبت الملك المطلق لمملكه ثم يثبت الانتقال إلى نفسه، فكأن المملكين ادعيا ملكا مطلقا وبرهنا، ففي كل موضع ذكرنا في دعوى الملك المطلق أن يقضي بينهما فكذا هنا، كذا ذا.
وفي يس: عين بيده وبرهن آخر أنه شراه من زيد وبرهن آخر أن بكرا وهبه فهو بينهما، ولو برهنا على التلقي من واحد فالشراء أولى إذا تصادقا، على أنه لواحد فبقي النزاع في السبق فالشراء أسبق، لانه لما لم يبين سبق أحدهما جعلا كأنهما وافقا معا، ولو تقارنا كان الشراء أسرع نفاذا من الهبة لانها لا تصح إلا بقبض والبيع يصح بدونه.
هذا، وإن ادعى أحدهما الشراء من زيد والآخر هبة وقبضا من الآخر والعين في يد ثالث: قضى بينهما، وكذا لو ادعى ثالث ميراثا عن أبيه وادعى رابع صدقة وقبضا من آخر: قضى بينهم أرباعا عند استواء الحجة إذ تلقوا الملك من مملكهم فكأنهم حضروا وبرهنوا على الملك المطلق.
فصولين من أواخر الثامن.
وإن ادعى أحدهما شراء من زيد والآخر الهبة من الآخر والعين في يد ثالث: قضى بينهما، وكذا إن ادعى ثالث ميراثا عن أبيه وادعى رابع صدقة من آخر: قضى بينهم أرباعا، وإن كانت العين في يد أحدهما: يقضى للخارج إلا في أسبق التاريخ، وإن كان في أيديهما: يقضى بينهما إلا في أسبق التاريخ فهو له، وهذا إذا كان المدعي مما لا يقسم كالعبد والدابة.
وأما ما يقسم كالدار والعقار فإنه يقضي لمدعي الشراء.
أنقروي.
وإنما يصح أن يقضى بينهما لو كان المدعي مما لا يحتمل القسمة، أما المحتمل فيقضي بكله لمدعي الشراء.
والصحيح في الهبة أن يقضي بينهما احتمل القسمة أو لا، إذ الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة في الصحيح ويفسد الرهن.
كذا في أواخر الفصل الثامن من الفصولين.
وهذا آخر ما وجدته ونقلته من نسخة محرفة تحريفا كليا بعد أن صححت ما ظهر لي من الغلط بالرجوع إلى أصوله التي هي في يدي ومتى ظفرت ببقية الاصول المنقول عنها تمم تصحيحهما إن شاء الله تعالى.
قوله: (أو شراء مؤرخ) أشار بذكره بعد ذكر الملك إلى أنه لا فرق بين دعوى الملك المطلق والذي بسبب.
قال العيني: وأما الصورة الثانية: أي صورة الشراء فلانهما لما ادعيا الشراء من شخص واحد فقد اتفقا أن الملك له، فمن أثبت منهما التلقي من جهته في زمان لا يزاحمه فيه أحد كان أولى ا ه.
فقوله وإن برهن خارجان الخ يشتمل على ثمان مسائل من الصور المتقدمة.
قوله: (من واحد غير ذي يد) إنما قيد به تبعا للهداية، لان دعوى الخارجين الشراء من ذي يد قد تقدمت في قوله ولو برهن خارجان على شئ قضى به لهما فلا فائدة في التعميم.
بحر.
وفيه: وقيد بالبرهان على التاريخ أي منهما في الاولى، لانه لو أرخت إحداهما دون الاخرى فهو سواء كما لم يؤرخا عنده.
وقال أبو يوسف: المؤرخ أولى.
وقال محمد: المبهم أولى، بخلاف ما إذا أرخت إحداهما فقط في الثانية فإن المؤرخ أولى.
والحاصل: أنهما إذا لم يؤرخا أو أرخا واستويا فهي بينهما في المسألتين، وإن أرخا وسبق أحدهما فالسابق أولى فيهما، وإن أرخت إحداهما فقط فهي الاحق في الثانية لا في الاولى، وقدمنا أن دعوى الوقف كدعوى الملك المطلق فيقدم الخارج والاسبق تاريخا.
قوله: (وذو يد على ملك) قيد بالملك،(2/148)
لانها لو أقامها على أنها في يده منذ سنتين ولم يشهدا أنها له قضى بها للمدعي، لانها شهدت باليد لا بالملك.
قوله: (فالسابق أحق) لانه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق الآخر منه، وقيد بالتاريخ منهما لانه إذا لم يؤرخا أو استويا فهي بينهما في المسألتين الاوليين، وإن سبقت إحداهما فالسابقة أولى فيهما، وإن أرخت إحداهما فقط فهي الاحق في الثانية لا الاولى، وأما في الثانية فالخارج أولى في الصور الثلاث.
وتمامه في البحر.
قوله: (متفق) يجوز أن يقرأ بالرفع خبر لمبتدأ محذوف: أي هو: أي الشأن متفق، ويجوز النصب على الحال من فاعل برهنا.
قوله: (أو مختلف عيني) ومثله في الزيلعي تبعا للكافي.
وادعى في البحر أنه سهو، وأنه يقدم الاسبق في دعوى الشراء من شخص واحد فإنه يقدم الاسبق تاريخا، ورده الرملي بأنه هو الساهي، فإن في المسألة اختلاف الرواية.
ففي جامع الفصولين: ولو برهنا على الشراء من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق اختلف الروايات في الكتب فما ذكر في الهداية يشير إلى أنه لا عبرة لسبق التاريخ.
وفي المبسوط ما يدل على أن الاسبق أولى، ثم رجح صاحب جامع الفصولين الاول ا ه ملخصا.
وفي نور العين عن قاضيخان: ادعيا شراء من اثنين يقضي بينهما نصفين، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو أحق من ظاهر الرواية.
وعن محمد: لا يعتبر التاريخ: يعني يقضي بينهما، وإن أرخ أحدهما فقط يقضي بينهما نصفين وفاقا، فلو لاحدهما يد فالخارج أولى خلاصة، إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد هداية.
برهن خارجان على شراء شئ من اثنين وأرخا فهما سواء، لانهما يثبتان الملك لبائعهما فيصير كأنهما حضرا وادعيا ثم يخير كل منهما كما في مسألة دعوى الخارجين شراء من ذي اليد كفاية.
لو برهنا على شراء من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق اختلفت روايات الكتب، فما في الهداية يشير إلى أنه لا عبرة لسبق التاريخ بل يقضي بينهما، وفي المبسوط ما يدل صريحا أن الاسبق أولى.
يقول الحقير: ويؤيده ما مر عن قاضيخان أنه ظاهر الرواية، فما في الهداية اختيار قول محمد
ا ه.
ثم قال: ودليل ما في المبسوط وقاضيخان وهو أن الاسبق تاريخا يضيف الملك إلى نفسه في زمان لا ينازعه غيره أقوى من دليل ما في الهداية وهو أنهما يثبتان الملك لبائعهما فكأنهما حضرا أو ادعيا الملك بلا تاريخ، ووجه قوة الاول غير خاف على من تأمل، ويرجحه أنه ظاهر الرواية ا ه.
وكذا بحث في دليل ما في الهداية في الحواشي السعدية فراجعها، وبه علم أن تقييد المصنف باتفاق التاريخ مبني على ظاهر الرواية، فهو أولى مما فعله الشارح متابعا للدرر وإن وافق الكافي والهداية وأما الحكم عليه بالسهو كما تقدم عن البحر فمما لا ينبغي.
قوله: (من رجل آخر) أي غير الذي يدعي الشراء منه صاحبه زيلعي.
قوله: (استويا) لانهما في الاول يثبتان الملك لبائعهما فكأنهما حضرا، ولو وقت أحدهما فتوقيته لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لانهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره.
بحر ثم قال: وإذا استويا في مسألة الكتاب يقضي به بينهما نصفين ثم يخير كل واحد منهما، إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك ا ه.
قوله: (وإن اتحد الخ) ذكرنا الكلام(2/149)
عليه آنفا، وتقدمت في هذا الباب في محلها عن السراج قوله: (ما يفيد ملك بائعه) بأن يشهدوا أنه اشتراها من فلان وهو يملكها.
قال في البحر: ثم اعلم أن البينة على الشراء لا تقبل حتى يشهدوا أنه اشتراها من فلان وهو يملكها كما في خزانة الاكمل.
وفي السراج الوهاج: لا تقبل الشهادة على الشراء من فلان حتى يشهدوا أنه باعها منه وهو يومئذ يملكها، أو يشهدوا أنها لهذا المدعي اشتراها من فلان بكذا ونقده الثمن وسلمها إليه، لان الانسان قد يبيع ما لا يملك لجواز أن يكون وكيلا أو متعديا فلا يستحق المشتري الملك بذلك فلا بد من ذكر ملك البائع أو ما يدل عليه ا ه.
قلت: إذا كان البائع وكيلا فكيف يشهدون بأنه باعها وهو يملكها، فليتأمل ا ه.
أقول: إذا عرف الشهود أن البائع وكيل فالظاهر أنهم يقولون باعها بالوكالة عمن يملكها لان
خصوص وهو يملكها غير لازم.
قال في نور العين في آخر الفصل السادس رامزا للمبسوط: لا تقبل بينة الشراء من الغائب إلا بالشهادة بأحد الثلاثة، إما بملك بائعه بأن يقولوا باع وهو يملكه، وإما بملك مشتريه بأن يقولوا هو للمشتري اشتراه من فلان، وإما بقبضه بأن يقولوا هو للمشتري اشتراه منه وقبضه ا ه.
وفيه رامز الفتاوى القاضي ظهير: ادعى إرثا ورثه من أبيه وادعى آخر شراءه من الميت وشهوده شهدوا بأن الميت باعه منه ولم يقولوا باعه منه وهو يملكه، قالوا: لو كانت الدار في يد مدعي الشراء أم مدعي الارث فالشهادة جائزة لانها على مجرد البيع، إنما لا تقبل إذا لم تكن الدار في يد المشتري أو الوارث، أما لو كانت فالشهادة بالبيع كالشهادة ببيع وملك ا ه.
وفي البحر عن البزازية: إذا كان المبيع في يد البائع تقبل من غير ذكر ملك البائع، وإن كان في يد غيره والمدعي يدعيه لنفسه، أن ذكر المدعي وشهوده أن البائع يملكها أو قالوا سلمها إليه وقال سلمها إلي أو قال قبضت وقالوا قبض أو قال ملكي اشتريتها منه وهي لي تقبل، فإن شهدوا على الشراء والنقد ولم يذكروا القبض ولا التسليم ولا ملك البائع ولا ملك المشتري لا تقبل الدعوى ولا الشهادة، ولو شهدوا باليد للبائع دون الملك اختلفوا ا ه.
قوله: (إن لم يكن المبيع في يد البائع) أي وهو يدعي الشراء منه وبرهن فإنه لا يحتاج إلى شهادة الشهود بملك البائع لمعاينة وضع يده.
قوله: (ولو شهدوا بيده) أي بيد البائع دون الملك: أي والمبيع ليس في يده.
قوله: (فقولان) ينبغي أن يعتمد عدم صحة ذلك، لان اليد تتنوع إلى يد ملك ويد غصب ويد أمانة، وبيان العام لا يحقق الخاص وهو المطلوب الذي هو الملك.
تأمل.
قوله: (وذو اليد على الشراء منه) صورته: عبد في يد زيد ادعاه بكر أنه ملكه وبرهن عليه وبرهن زيد على الشراء منه فذو اليد أولى، لان الخارج إن كان يثبت أولية الملك فذو اليد يتلقى الملك منه فلا تنافي فيه، فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه، وكذا لو برهن الخارج على الارث، فصولين.
ولو برهن على الشراء من أجنبي فالخارج أحق.(2/150)
مطلب: لا اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا
قوله: (أو برهنا) أي الخارج وذو اليد.
وفي البحر أطلقه فشمل ما إذا أرخا واستوى تاريخهما أو سبق أو لم يؤرخا أصلا أو أرخت إحداهما فلا اعتبار للتاريخ مع النتاج، إلا أن من أرخ تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق من المدعي لوقت ذي اليد ووافق وقت الخارج فحينئذ يحكم للخارج، ولو خالف سنه للوقتين لغت البينتان عند عامة المشايخ يترك في يد ذي اليد على ما كان وهو بينهما نصفين كذا في رواية.
كذا في جامع الفصولين.
وفيه: برهن الخارج أن هذه أمته ولدت هذا القن في ملكي وبرهن ذو اليد على مثله يحكم بها للمدعي لانهما ادعيا في الامة ملكا مطلقا فيقضي بها للمدعي ثم يستحق القن تبعا اه.
مطلب: يقدم ذو اليد في دعوى النتاج إن لم يكن النزاع في الام وبهذا ظهر أن ذا اليد إنما يقدم في دعوى النتاج على الخارج إن لم يتنازعا في الام، أما لو تنازعا فيها في الملك المطلق وشهدوا به وبنتاج ولدها فإنه لا يقدم وهذه يجب حفظها ا ه.
تعريف النتاج قوله: (كالنتاج) هو ولادة الحيوان، من نتجت عنده بالبناء للمفعول ولدت ووضعت كما في المغرب.
مطلب: المراد بالنتاج ولادته في ملكه أو ملك بائعه أو مورثه والمراد ولادته في ملكه أو ملك بائعه أو مورثه.
مطلب: هذا الولد ولدته أمته ولم يشهدوا بالملك له لا يقضى له ولذا قال في خزانة الاكمل: لو أقام ذو اليد أن هذه الدابة نتجت عنده أو نسج هذا الثوب عنده أو أن هذا الولد ولدته أمته ولم يشهدوا بالملك له فإنه لا يقضي له ا ه.
وكذا لو شهدوا أنها بنت أمته لانهم إنما شهدوا بالنسب.
كذا في الخزانة.
وفي جامع الفصولين: برهن كل من الخارج وذي اليد على نتاج في ملك بائعه حكم لذي اليد إذ كل منهما خصم عن بائعه، فكأن بائعيهما حضرا وادعيا ملكا بنتاج لذي اليد ا ه.
وإنما حكم لذي اليد لان البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد وترجحت بينة ذي اليد باليد فقضى له، وهذا هو
الصحيح.
والقضاء ببينة الخارج هو الاصل، وإنما عدلنا عنه بخبر النتاج، وهو ما روى جابر بن عبد الله أن رجلا ادعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنها ناقته نتجت عنده وأقام الذي هي في يده بينة أنها ناقته نتجها، فقضى بها رسول الله (ص) للذي هي في يده وهذا حيث مشهور صحيح، فصارت مسألة النتاج مخصوصة كما في المحيط.
وفي القنية كما تقدم: بينة ذي اليد إذا أثبتت أولية الملك بالنتاج عنده، فكذا إذا ادعاه عند مورثه ا ه.
ولو برهن أنه له ولد في ملكه وبرهن ذو اليد أنه له ولد في ملك بائعه حكم به لذي اليد لانه خصم عمن تلقى الملك منه ويده يد الملتقي منه فكأنه حضر وبرهن على النتاج والمدعي في يده يحكم له به.
كذا هذا ا ه.
مطلب: لا يترجح نتاج في ملكه على نتاج في ملك بائعه وبه ظهر أنه لا يترجح نتاج في ملكه على نتاج في ملك بائعه.(2/151)
مطلب: لا يشترط أن يشهدوا أن أمه في ملكه ولا يشترط أن يشهدوا بأن أمه في ملكه، لكن لو شهدت بينة بذلك دون أخرى قدمت عليها، لما في الخزانة: عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه قضى للذي أمه في يده، فإن أقام صاحب اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمة أخرى فصاحب اليد أولى.
مطلب: برهن كل من خارجين أنه عبده ولد من أمته وعبده هذين ينصف وهو ابن عبدين وأمتين عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد من أمته هذه من عبده هذا وأقام رجل آخر البينة بمثل ذلك فيكون بينهما نصفين فيكون ابن عبدين وأمتين.
وقال صاحباه: لا يثبت نسبه منهما ا ه.
ومحل تقديم بينة ذي اليد في النتاج إذا لم يدع الخارج نتاجا وعتقا، وإلا كان الخارج أولى، لان بينة النتاج معا لعتق أكثر إثباتا، لانها أثبتت أولية الملك على وجه لا يستحق عليه أصلا، وبينة ذي اليد
أثبتت الملك على وجه يتصور استحقاق ذلك عليه، بخلاف ما إذا ادعى الخارج العتق مع مطلق الملك وذو اليد ادعى النتاج فبينة ذي اليد أولى.
مطلب: رأى دابة تتبع دابة وترتضع يشهد بالملك والنتاج وفي شهادات البزازية الشاهد عاين دابة تتبع دابة وترتضع له أن يشهد بالملك والنتاج ا ه.
قال في الخلاصة: وعلى هذا لو شهد شاهدان على النتاج لزيد وآخران على النتاج لعمرو، ويتصور هذا بأن رأى الشاهدان أنه ارتضع من لبن أنثى كانت في ملكه وآخران رأيا أنه ارتضع من لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة للفريقين ا ه.
قوله: (وما في معناه) مما لا يتكرر.
قوله: (كنسج لا يعاد) كالثياب القطني.
قوله: (وحلب لبن) واتخاذ الجبن واللبد والمرعزاء وجز الصوف، فإذا ادعى خارج وذو يد أن هذه ثيابي نسجت عندي أو لبني حلب عندي أو جبني أو لبدي اتخذ عندي أو صوفي جز عندي فإنه يقدم ذو اليد كما في النتاج، والعلة ما في النتاج والجبن بضمة وبضمتين كقبل قاموس.
والمرعزاء إذا شددت الزاي قصرت وإذا خففت مدت والميم والعين مكسورتان، وقد يقال: مرعزاء بفتح الميم مخففا ممدودا وهي كالصوف تحت شعر العنز.
مغرب.
قال أبو السعود: هو الشعر الخفيف الذي ينتف من ظهر المعز ويعمل منه الاقمشة الرفيعة ا ه.
أقول: ويوجد جنس مخصوص يسمى المرعز يعمل من صوفه الشال اللاهور والفرماش، وهو يشبه المعز في الخلقة والغنم في الصوف إلا أنه ألين من صوف الغنم، ولعله هو هو.
قال في البحر: ولا بد من الشهادة بالملك مع السبب الذي لا يتكرر كالنتاج ا ه ط.
قوله: (ولو عند بائعه) أو عند مورثه كما تقدم: أي لا فرق بين أن يدعي كل منهما النتاج ونحوه عنده أو عند بائعه، فحكم النتاج يجري على ما في معناه من كل غير متكرر.
قوله: (فذو اليد أحق) أطلقه فشمل ما إذا أرخا واستوى تاريخهما أو سبق أحدهما إلى آخر ما قدمناه قريبا عن البحر قوله: (إلا إذا ادعى الخارج الخ) أي حيث تكون بينة الخارج أولى وإن ادعى ذو اليد النتاج، لان بينة الخارج في هذه(2/152)
الصور أكثر إثباتا لانها تثبت الفعل على ذي اليد وهو الغصب وأشباهه إذ هو غير ثابت أصلا، وأولية
الملك إن لم يكن ثابتا باليد فأصل الملك ثابت بها ظاهرا فكان ثابتا باليد من وجه دون وجه، فكان إثبات غير الثابت من كل وجه أولى إذ البينة للاثبات كما في التبيين.
بقي ما إذا ادعى الخارج فعلا ونتاجا يقدم بالاولى.
ويمكن إدخالها في عبارته بأن يقال: دابة في يد رجل أقام آخر بينة أنها دابته ملكا أو نتاجا أخذها من ذي اليد.
تأمل.
قوله: (فعلا) أي وإن لم يدع الخارج النتاج.
تأمل.
مطلب: ادعى الخارج الفعل على ذي اليد المدعي النتاج فالخارج أولى قوله: (كغصب أو وديعة) قال في البحر وقد يكون كل منهما مدعيا للملك والنتاج فقط، إذ لو ادعى الخارج الفعل على ذي اليد كالغصب والاجارة والعارية فبينة الخارج أولى، وإن ادعى ذو اليد النتاج، لان بينة الخارج في هذه الصور أكثر إثباتا لاثباتها الفعل على ذي اليد إذ هو غير ثابت أصلا كما ذكره الشارح ا ه.
قوله: (في رواية) الاولى أن يقول في قول كما في الشرنبلالية، وإنما قال ذلك لما قال في العماية بعد نقل كلام الذخيرة: ذكر الفقيه أبو الليث في باب دعوى النتاج عن المبسوط ما يخالف المذكور في الذخيرة، فقال: دابة في يد رجل أقام آخر بينة أنها دابته آجرها من ذي اليد أو أعارها منه أو رهنها إياه وذو اليد أنها دابته نتجت عنده فإنه يقضي بها لذي اليد، لانه يدعي ملك النتاج والآخر يدعي الاجارة أو الاعارة والنتاج أسبق منهما فيقضي لذي اليد.
وهذا خلاف ما نقل عنه درر.
واستظهر في نور العين أن ما في الذخيرة هو الاصح والارجح، وبه ظهر عدم الاختلاف بين العبارتين، بأن يحمل الاول على أن كلا منهما ادعى النتاج ونحوه وزاد دعوى الفعل، وما نقله عن أبي الليث أن الخارج إنما ادعى الفعل فقط بدون النتاج، لكن تعليل الزيلعي يقتضي أن المثبت للفعل أكثر إثباتا سواء كان معه دعوى نتاج أو لا، فلذلك حكم صاحب الدرر أنها رواية ثانية، وعليها اقتصر في البحر وشراح الهداية.
وعبارة الزيلعي بعد تعليل: تقديم ذي اليد في دعوى النتاج بأن اليد لا تدل على أولية الملك فكان مساويا للخارج فيها، فبإثباتها يندفع الخارج، وبينة ذي اليد مقبولة للدفع، ولا يلزم ما إذا ادعى الخارج الفعل على ذي اليد حيث تكون بينته أرجح وإن ادعى ذو اليد النتاج، لانه في هذه أكثر إثباتا لاثباتها ما هو غير ثابت أصلا.
ا ه ملخصا ويؤيدها ما نذكره قريبا إن
شاء الله تعالى عند قول المصنف قضى بها لذي اليد ويستثنى أيضا ما إذا تنازعا في الام كما مر، وما إذا ادعى الخارج إعتاقا على النتاج كما مر ويأتي.
فروع في البحر: شاتان في يد رجل إحداهما بيضاء والاخرى سوداء فادعاهما رجل وأقام البينة أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنهما له وأن هذه السوداء ولدت هذه البيضاء في ملكه فإنه يقضي لكل واحد منهما بالشاة التي ذكرت شهوده أنها ولدت في ملكه: أي فيقضي للاول بالسوداء وللثاني بالبيضاء.
قال في التاترخانية: هكذا ذكر محمد، وهذا إذا كان سن الشاتين مشكلا، فإن كانت واحدة منهما تصلح أما للاخرى والاخرى لا تصلح أما لهذه كانت علامة الصدق ظاهرة في شهادة شهود أحدهما فيقضي بشهادة شهوده.(2/153)
وعن أبي يوسف فيما إذا كان سن الشاتين مشكلا: إني لا أقبل بينتهما وأقضي بالشاة لكل واحد منهما بالشاة في يده، وهذا قضاء ترك لا قضاء استحقاق.
ولو أقام الذي في يده البيضاء أن البيضاء شاتي ولدت في ملكي والسوداء التي في يد صاحبي شاتي ولدت من هذه البيضاء وأقام الذي السوداء في يده أن السوداء ولدت في ملكي والبيضاء التي في يد صاحبي ملكي ولدت من هذه السوداء فإنه يقضي لكل واحد منهما بما في يده ا ه.
وإن كان في يد رجل حمام أو دجاج أو طير مما يفرخ أقام رجل البينة أنه له فرخ في ملكه وأقام صاحب اليد البينة على مثل ذلك: قضى به لصاحب اليد.
ولو ادعى لبنا في يد رجل أنه له ضربه في ملكه وبرهن ذو اليد: يقضي به للخارج، ولو كان مكان اللبن آجر أو جص أو نورة: يقضي به لصاحب اليد، وغزل القطن لا يتكرر فيقضي به لذي اليد، بخلاف غزل الصوف وورق الشجر وثمرته بمنزلة النتاج، بخلاف غصن الشجرة والحنطة لابد من الشهادة بالملك مع السبب الذي لا يتكرر كالنتاج.
لو برهن الخارج على أن البيضة التي تفلقت عن هذه الدجاجة كانت له لم يقض له بالدجاجة
ويقضي على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها، لان ملك البيضة ليس لملك الدجاجة، فإن من غصب بيضة وحضنها تحت دجاجة له كان الفرخ للغاصب وعليه مثلها، بخلاف الامة فإن ولدها لصاحب الام، وجلد الشاة يقضي به لصاحب اليد والجبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب والبسط والانماط والثوب المصبوغ بعصفر أو زعفران يقضي بها للخارج ا ه.
قوله: (أو كان سببا يتكرر) عطف على ادعى: يعني أن ذا اليد أحق في كل حال إلا في حال ما إذا ادعى غصبا أو كان سببا يتكرر فإنه يقضي للخارج بمنزلة الملك المطلق قوله: (كبناء) أي كما إذا ادعى ذو اليد أن هذا الآجر ملكي بنيت به حائطي وادعى الخارج كذلك يقدم الخارج لانه يمكن تكرره.
قوله: (وغرس) قال الحموي: والحنطة مما يتكرر، فإن الانسان قد يزرع في الارض ثم يغربل التراب فيميز الحنطة منها ثم يزرع ثانية، فإذا ادعى كل أنها حنطته زرعها وأقاما برهانا فإنه يقدم الخارج، والنخل يغرس غير مرة فإذا تنازعا في أرض ونخيل: أي كل يدعي غرسه وبرهنا فإنه يقضي للخارج بهما، وكذا الارض المزروعة: يعني أنها أرضه زرعها كل يدعي ذلك، أما إذا كان الزرع مما يتكرر فظاهر وإلا كان تبعا للارض كما في الخلاصة.
والحاصل: أن المنظور إليه في كونه يتكرر أولا يتكرر هو الاصل لا التبع كما في البحر قوله: (ونسج خز) الخز اسم دابة، ثم سمى الثوب المتخذ من وبره خزا.
قيل هو نسج إذا بلى يغزل مرة ثانية ثم ينسج.
عزمي.
قوله: (أو أشكل على أهل الخبرة) قال في البحر ونصل السيف يسأل عنه، فإن أخبروا أنه لا يضرب إلا مرة كان لذي اليد وإلا للخارج: أي فإذا ادعى خارج وذو يد أن هذا النصل له ضربه بيده وأقاما برهانا فهو على هذا ا ه.
قال أبو السعود: فإن أشكل على أهل الخبرة قضى به للخارج والواحد منهم يكفي والاثنان أحوط.
عزمي وزيلعي.
وذكر في غاية البيان أنه إذا أشكل على أهل الخبرة اختلفت الرواية، ففي رواية أبي سليمان: يقضي لذي اليد.
وفي رواية أبي حفص: يقضي للخارج ا ه.
قوله: (لانه الاصل) أي كون المدعي(2/154)
للخارج المبرهن لان القضاء ببينة هو الاصل، فإذا لم يعلم يرجع إلى الاصل.
قوله: (وإنما عدلنا عنه
بحديث النتاج) سبق ما فيه قال الخير الرملي: النتاج بالكسر مصدر، يقال نتجت الناقة بالبناء للمفعول نتاجا: ولدت قال شيخ الاسلام زكريا: النتاج بكسر النون من تسمية المفعول بالمصدر، يقال نتجت الناقة بالبناء للمفعول نتاجا: ولدت ا ه.
وقال ابن الملقن في ضبط كلام المنهاج النتاج بفتح النون، ورأيت بخط المصنف في الاصل بكسرها في ثلاثة مواضع ا ه.
قال الهيتمي: ضبطه المصنف: يعني النووي بكسر النون، وضبطه الاستاذ بالفتح ا ه.
تتمة: المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه بعده إلا إذا برهن على إبطال القضاء أو على تلقي الملك من المقضي له أو على النتاج كما في العمادية والبزازية.
قال الرملي: والظاهر أن ما في خزانة الاكمل هو الراجح كما يشهد له الاقتصار عليه في العمادية والبزازية وغيرهما، فازدد نقلا في المسألة إن شئت، وقدمنا الكلام عليه في دفع الدعوى.
قوله: (من الآخر) أي من خصمه الآخر.
قوله: (بلا وقت) قيد به لانهما لو أرخا يقضي به لصاحب الوقت الاخير، كذا في خزانة الاكمل.
قوله: (وترك المال المدعى به في يد من معه) أي لا على وجه القضاء بل عملا بالاصل، لانه لما تهاترت البينتان رجع إلى الاصل، وهو أن وضع اليد من أسباب الملك.
قوله: (وقال محمد: يقضي للخارج) أي لامكان العمل بالبينتين وبأن يجعل ذو اليد كأنه اشترى من الآخر وقبض ض ثم باع، لان القبض دليل الشراء فيؤمر بالدفع إليه لان تمكنه من القبض دليل السبق.
ولا يعكس الامر لان البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده، وهذا فيما إذا كانت في يد أحدهما كما يظهر من تقرير كلامه.
وجه قولهما كما في البحر أن الاقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع فصار كأنهما قامتا على الاقرارين.
وفيه التهاتر بالاجماع.
كذا هنا.
ولان السبب يراد لحكمه وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق فبقي القضاء بمجرد السبب وأنه لا يفيده، ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالالف بالالف قصاص عندهما إذا استويا لوجود قبض المضمون من كل جانب، وإن لم يشهدوا على نقده الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده.
قوله: (قلنا الاقدام) أي من الخارج على الشراء الذي ادعاه والاقدام من ذي اليد على الشراء الذي ادعاه.
قوله: (إقرار منه) أي من القادم بالملك له للآخر فصارت بينة كل واحد منهما كأنها قامت على إقرار الآخر، وفيه التهاتر بالاجماع لتعذر الجمع.
قوله:
(ولو أثبتا قبضا تهاترتا اتفاقا) لان الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من البيعين، بخلاف الاول، وهذا في غير العقار، أما في العقار: فإن وقتت البينتان ولم يثبتا قبضا، فإن كان وقت الخارج أسبق: يقضي لصاحب اليد عندهما فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد وهو جائز في العقار عندهما.
وعند محمد: يقضي للخارج لانه لا يصح بيعه قبل القبض فبقي على ملكه، وإن أثبتا قبضا: يقضي بها لصاحب اليد بالاجماع، وإن كان وقت صاحب اليد أسبق: يقضي بها للخارج سواء شهدوا بالقبض أو لم يشهدوا كما في البحر عن الهداية.
وفيه وفي المبسوط ما يخالفه كما علم من الكافي اه.(2/155)
أقول: ثم رأيت في الشرنبلالية ما يكون تأييدا لكلام الهداية، حيث قال: وعند محمد: يقضي بالبينتين: يعني إن ذكروا القبض الخ.
تأمل.
وفي البحر أيضا عن الكافي: دار في يد زيد برهن عمرو على أنه باعها من بكر بألف وبرهن بكر على أنه باعها من عمرو بمائة دينار وجحد زيد ذلك كله قضى بالدار بين المدعيين ولا يقضي بشئ من الثمنين لانه تعذر القضاء بالبيع لجهالة التاريخ ولم يتعذر القضاء بالملك.
وعند محمد: يقضي بها بينهما.
ولكل واحد نصف الثمن على صاحبه، لانه لم يسلم لكل واحد إلا نصف المبيع.
ولو ادعت امرأة شراء الدار من عمرو بألف وعمرو ادعى أنه اشتراها منها بألف وزيد وهو ذو اليد يدعي أنها له اشتراها من عمرو بألف وأقاموا البينة: قضى لذي اليد لتعارض بينتي غيره فبقيت بينته بلا معارض.
وعند محمد: يقضي بالدار لذي اليد بألف عليه للخارج ويقضي لها على الخارج بألف، لان ذا اليد والمرأة ادعيا التلقي من الخارج فيجعل كأنها في يده ا ه.
مطلب: برهن كل على إقرار الآخر أنها له تهاترا وأشار المؤلف إلى أنه لو برهن كل على إقرار الآخر أن هذا الشئ له فإنهما يتهاتران ويبقى في يد ذي اليد.
كذا في الخزانة.
قوله: (ولا ترجح) يحتمل أن يقرأ الفعل بالتذكير أو التأنيث، فعلى الاولى يعود الضمير المستتر على الحكم، وعلى الثاني يعود على الدعوى.
إلى هذا أشار العيني.
قوله:
(فإن الترجيح عندنا) أي وعند الشافعي في القديم وبعض المالكية يرجحون بكثرة العدد.
قوله: (بقوة الدليل) بأن يكون أحدهما متواترا والآخر من الآحاد أو كان أحدهما مفسرا والآخر مجملا، فيرجح المفسر على المجمل والتواتر على الآحاد لقوة فيه، وكذا لا يرجح أحد القياسين ولا الحديث بحديث آخر، وشهادة كل شاهدين علة تامة فلا تصليح للترجيح كما في البحر.
وسيأتي قريبا تمامه.
قوله: (لا بكثرته) ولذا لا ترجح الآية بآية أخرى ولا الخبر بالخبر ولا أحد القياسين بقياس آخر.
قال في غاية البيان: لان الترجيح يكون بقوة العلة لا بكثرة في العلل، ولذلك قلنا: إن الخبرين إذا تعارضا لا يترجح أحدهما على الآخر بخبر آخر بل بما به يتأكد معنى الحجة فيه، وهو الاتصال برسول الله (ص) حتى يترجح المشهور بكثرة رواته على الشاذ لظهور زيادة القوة فيه من حيث الاتصال برسول الله (ص)، ويترجح بفقه الراوي وحسن ضبطه وإتقانه لانه يتقوى به معنى الاتصال برسول الله (ص) على الوجه الذي وصل إلينا بالنقل، وكذلك الآيتان إذا وقعت المعارضة بينهما لا تترجح إحداهما بآية أخرى، بل بقوة في معنى الحجة وهو أنه نص مفسر والآخر مؤول، وكذلك لا يترجح أحد الخبرين بالقياس، فعرفنا أن ما يقع به الترجيح هو ما لا يصلح علة للحكم ابتداء بل ما يكون مقويا لما به صارت العلة موجبة للحكم ا ه.
قال المولى عبد الحليم: قوله فلان الترجيح لا يقع بكثرة العلل بل الترجيح يقع بقوة العلة ولذلك ترجح شهادة العدل على شهادة المستور، كما يرجح كون أحد الخبرين أو الآيتين مفسرا أو محكما على الآخر ا ه.
قوله: (فهما سواء في ذلك) أي في الاقامة المأخوذة من أقام: أي في حكمها.(2/156)
قال شيخ مشايخنا: ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يصل إلى حد التواتر فإنه يفيد حينئذ العلم فلا ينبغي أن يجعل كالجانب الآخر ا ه.
أقول: ظاهر ما في الشمني والزيلعي يفيد ذلك حيث قال: ولنا أن شهادة كل شاهدين علة تامة كما في حالة الانفراد، والترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوتها، بأن يكون أحدهما متواترا والآخر آحادا أو يكون أحدهما مفسرا والآخر مجملا فيرجح المفسر على المجمل والمتواتر على الآحاد ا ه.
بيري.
وفي شرح المفتي أن عدد الشهود إذا بلغ حد التواتر ينبغي أن يرجح على من لم يبلغه قياسا على الخبر من أنه يرجح كون أحد الخبرين إلى آخر ما قدمناه قريبا ولم أظفر على الرواية ا ه، أقول: قد ذكر في التحرير وشرحه ما حاصله: فرق بين الشهادة والخبر، لان السمع ورد في الشهادة على خلاف القياس بأن يكون نصابها اثنين فلا يكون لكثرتهم قوة زائدة تمنع ما اعتبره السمع في الطرف الآخر، بخلاف الرواية في الخبر فإن الحكم فيه نيط برواية كل من الراوي، فلا شك أن كثرتهم تزيد الظن والقوة وفيه فافترقا على أن ما ورد فيه النص لا يؤثره القياس.
تدبر.
قوله: (لان المعتبر أصل العدالة) بل المعتبر فيه الولاية بالحرية والناس فيه سواء والعدالة شرطت لظهور أثر الصدق حتى وجب على القاضي القضاء ولذلك لم يلتفت إلى زيادة قوة في العدالة، وباقي التفصيل في شرح المفتي الشارح الهندي.
قوله: (ولا حد للاعدلية) أي فلا يقع الترجيح بها لاحتمال أن يجد الآخر ما هو أعدل فلا يستقر الحكم على حالة.
قوله: (بطريق المنازعة) اعلم أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى اعتبر في هذه المسألة طريق المنازعة، وهو أن النصف سالم لمدعي الكل بلا منازعة، بقي النصف الآخر وفيه منازعتهما على السواء فينصف، فلصاحب الكل ثلاثة أرباع ولصاحب النصف الربع، وهما اعتبرا طريق العول والمضاربة، وإنما سمي بهذا لان في المسألة كلا ونصفا، فالمسألة من اثنين وتعول إلى ثلاثة، فلصاحب الكل سهمان ولصاحب النصف سهم هذا هو العول.
وأما المضاربة فإن كل واحد يضرب بقدر حقه، فصاحب الكل له ثلثان من الثلاثة فيضرب الثلثان في الدار وصاحب النصف له ثلث من الثلاثة فيضرب الثلث في الدار فحصل ثلث الدار لان ضرب الكسور بطريق الاضافة فإنه إذا ضرب الثلث في الستة معناه ثلث الستة وهو اثنان.
منح.
قال في الهداية: إن لهذه المسألة نظائر وأضدادا لا يحتملها هذا المختصر، وقد ذكرناها في الزيادات ا ه.
وسيأتي الكلام عليها قريبا إن شاء الله تعالى عن شرح الزيادات لقاضيخان.
قوله: (بطريق العول) هو في اللغة الزيادة والارتفاع.
وعند أهل الحساب أن يزاد على المخرج من أخواته إذا ضاق عن فرض ذي السهم.
قوله: (فالمسألة من اثنين) لوجود كسر مخرجه ذلك وهو النصف.
قوله: (وتعول إلى ثلاثة) فلصاحب الكل سهمان ولصاحب النصف سهم فيقسم أثلاثا بينهما.
والاصل أنه إذا(2/157)
وقعت الدعوى في شئ معين كانت القسمة بطريق المنازعة، ومتى كانت الدعوى في جزء غير معين وكان باسم السهم والنصيب كانت القسمة بطريق العول، فالوجه لهما أن الدعوى وقعت في جزء غير معين وهو النصف فيقسم على طريق العول كما في المواريث.
وله أن الدعوى وقعت في العين وإن كانت باسم النصف شائعا، لكن الدعوى لا تصح إلا بالاضافة والاشارة إلى محل معين كأن يقول نصف هذه الدار، فإذا صحت الدعوى على تعيين المحل الذي وقعت الدعوى فيه أخذ حكم دعوى شئ معين، والعين قط لا تعول فيقسم على طريق المنازعة، بخلاف المواريث والديون لان المنازع فيه ابتداء هو الديون في ذمة الميت دون العين، وكذا المواريث أنصباء غير معينة بل هي شائعة في ا لتركة.
كذا في الكافي شرح المنظومة.
قوله: (ميراث) يعني إذا اجتمعت سهام الفرائض في التركة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم على طريق العول، فإن ماتت وتركت زوجا وأختا شقيقة وأختا لام فالمسألة من ستة وتعول إلى سبعة.
قوله: (وديون) بأن كان عليه مائتان وترك مائة فيعطي لكل ذي مائة خمسون، فلو كان لاحدهما مائة وللآخر خمسون قسمت المائة ثلاثة أسهم اثنان لصاحب المائة وواحد لصاحب الخمسين.
قوله: (ووصية) أي بما دون الثلث كما قيده الزيلعي إذا اجتمعت وزادت على الثلث، كما لو أوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بثلثه ولم تجز الورثة يقسم الثلث بطريق العول فيجعل الثلث ثلاثة أسهم سهم لصاحب السدس وسهمان لصاحب الثلث.
قوله: (ومحاباة) أي الوصية بالمحاباة، بأن أوصى بأن يباع عبد يساوي مائة بخمسين وعبد يساوي مائتين بمائة ولم يترك غيرهما ولم تجز الورثة كان ثلث المال مائة والمحاباة مائة وخمسين فتجعل المائة ثلاثة أسهم سهمان للمحابي بمائة وسهم للمحابي بخمسين.
قوله: (ودراهم مرسلة) أي مطلقة غير مقيدة بثلث أو نصف أو نحوهما: كما إذا أوصى لرجل بمائة ولآخر بمائتين ولم يترك إلا ثلثمائة فكان ثلث المال مائة ولم تجز الورثة تقسم المائة ثلاثة أسهم سهم لصاحب المائة وسهمان لصاحب المائتين.
قوله: (وسعاية) بأن أوصى بعتق عبدين أو أعتقهما في مرض موته ولم يترك غيرهما ولم تجز الورثة يسعى كل بثلثي قيمته، فلو أعتق واحدا ونصف الآخر أو أوصى بعتقهما كذلك وقيمتهما سواء وكان ذلك جميع التركة
ولم تجز الورثة وقيمة العبد مائة وقيمة نصف العبد خمسون وثلث والمال خمسون يجعل الخمسون ثلاثة أسهم سهمان للعبد ويسعى في باقي قيمته وسهم لنصف العبد ويسعى في الباقي.
قوله: (وجناية رقيق) أدخل في هذه صورتين، جناية العبد الرقيق غير المدبر والمدبر.
وصورة الاولى: عبد فقأ عين رجل وقتل آخر خطأ فإنه يدفع لهما بطريق العول، فأولياء المقتول يريدونه كله وصاحب العين يريد نصفه والكل نصفان مع نصف صاحب العين فيجعل ثلاثة أسهم سهمان لولي المقتول وسهم للمقلوع عينه.
وصورة الثانية: جناية المدبر إذا جنى على هذا الوجه فإنه يدفع السيد قيمته ثلثاها لولي المقتول وثلثها لصاحب العين، وكأنها سقطت من الكاتب فإنها لم توجد في نسخ الدر.
وبقي من الصور الوصية بالعتق وبها تتم الثمان.
قوله: (وهي مسألة الفضوليين) بأن باع فضولي عبد إنسان بمائة وفضولي آخر نصف ذلك العبد بخمسين وأجاز المالك البيعين كان لصاحب الكل ثلاثة أرباع العبد أو(2/158)
ترك وصاحب النصف ربعه أو ترك بطريق المنازعة عندهم جميعا.
قوله: (وإذا أوصى لرجل بكل ماله) أي ولآخر بنصفه وأجازت الورثة ذلك، فعند أبي حنيفة: صاحب النصف لا ينازع صاحب الكل في أحد النصفين فيسلم له ويتنازعان في النصف الثاني فيقتسمانه.
وعندهما: للموصى له بالكل نصفان وللموصى له بالنصف واحد، فيجعل المال ثلاثة أسهم: سهمان للموصى له بالكل، وسهم للموصى له بالنصف، وكذا الموصى له بالعبد: ثلاثة أرباعه عنده، وللموصى له بالنصف ربعه.
وعندهما: يجعل ثلاثة أسهم.
قوله: (وهو خمس) الاولى: عبد مأذون بين رجلين أدانه أحد الموليين مائة: يعني باعه شيئا نسيئة بمائة وأدانه أجنبي مائة فبيع العبد بمائة: عند أبي حنيفة: يقسم ثمن العبد بين المولى الدائن وبين الاجنبي أثلاثا ثلثاه للاجنبي وثلثه للمولى، لان إدانته تصح في نصيب شريكه لا في نصيبه.
الثانية: إذا أدانه أجنبي مائة وأجنبي آخر خمسين وبيع العبد: عند أبي حنيفة: يقسم الثمن بينهما أثلاثا وعندهما: أرباعا.
الثالثة: عبد قتل رجلا خطأ وآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما: يخير مولى العبد بين
الدفع والفداء، فإن فدى المولى يفدي بخمسة عشر ألفا خمسة آلاف لشريك العافي وعشرة آلاف لولي الخطأ، فإن دفعه يقسم العبد بينهما أثلاثا عند أبي حنيفة، وعندهما: أرباعا.
الرابعة: لو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها ودفع المولى القيمة.
الخامسة: أم ولد قتلت مولاها وأجنبيا عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد ولي كل واحد منهما على التعاقب سعت في ثلاثة أرباع قيمتها وكان للساكت من ولي الاجنبي ربع القيمة، ويقسم نصف القيمة بينهما بطريق العول أثلاثا عند أبي حنيفة.
وعندهما: أرباعا بطريق المنازعة.
كذا في البحر.
والذي في التبيين: فيعطى الربع لشريك العافي آخرا والنصف الآخر بينه وبين شريك العافي أولا أثلاثا: ثلثاه لشريك العافي أولا، والثلث لشريك العافي آخرا عنده، وعندهما: أرباعا.
مطلب: جنس مسائل القسمة أربعة قوله: (وتمامه في البحر) نقله عن شرح الزيادات لقاضيخان حيث قال: وجنس مسائل القسمة أربعة: منها ما يقسم بطريق العول والمضاربة عند الكل.
ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عندهم.
ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة، وعندهما: بطريق العول والمضاربة.
ومنهما ما يقسم على عكس ذلك.
مطلب: ما يقسم بطريق العول عندهم ثمانية أما ما يقسم بطريق العول عندهم فثمانية.
إحداها: الميراث إذا اجتمعت سهام الفرائض في التركة وضاقت التركت عن الوفاء بها تقسم التركة بين أرباب الديون بطريق العول.
والثانية: إذا اجتمعت الديون المتفاوتة وضاقت التركة عن الوفاء بها: تقسم التركة بين أرباب الديون بطريق العول.(2/159)
والثالثة: إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه ولآخر بسدس ماله ولم يجز الورثة حتى عادت الوصايا إلى الثلث: يقسم الثلث بينهم على طريق العول.
والرابعة: الوصية بالمحاباة إذا أوصى بأن يباع العبد الذي قيمته ثلاثة آلاف درهم من هذا الرجل بألفي درهم وأوصى لآخر بأن يباع العبد الذي يساوي ألفي درهم بألف حتى حصلت المحاباة لهما بألفي درهم كان الثلث بينهما بطريق العول.
والخامسة: الوصية بالعتق إذا أوصى بأن يعتق من هذا العبد نصفه وأوصى بأن يعتق من هذا الآخر ثلثه وذاك لا يخرج من الثلث: يقسم ثلث المال بينهما بطريق العول، ويسقط من كل واحد منهما حصته من السعاية.
والسادسة: الوصية بألف مرسلة: إذا أوصى لرجل بألف ولآخر بألفين كان الثلث بينهما بطريق العول.
والسابعة: عبد فقأ عين رجل وقتل آخر خطأ فدفع بها: يقسم الجاني بينهما بطريق العول، ثلثاه لولي القتيل، وثلثه للآخر.
والثامنة: مدبر جنى على هذا الوجه ودفعت القيمة إلى أولياء الجناية كانت القيمة بينهما بطريق العول.
مطلب: ما يقسم بطريق المنازعة مسألة واحدة وأما ما يقسم بطريق المنازعة فمسألة واحدة ذكرها في الجامع: فضولي باع عبدا من رجل بألف درهم وفضولي آخر باع نصفه من آخر بخمسمائة فأجاز المولى البيعين جميعا: خير المشتريان، فإن اختارا الاخذ أخذا بطريق المنازعة ثلاثة أرباعه لمشتري الكل وربعه لمشتري النصف عندهم جميعا.
مطلب: ما يقسم بطريق المنازعة عنده وبطريق العول عندهما ثلاث مسائل وأما ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة وعندهما بطريق العول فثلاث مسائل.
إحداها: دار تنازع فيها رجلان أحدهما يدعي كلها والآخر يدعي نصفها وأقاما البينة: عند أبي حنيفة: تقسم الدار بينهما بطريق المنازعة، ثلاثة أرباعها لمدعي الكل والربع لمدعي النصف.
وعندهما: أثلاثا، ثلثاها لمدعي الكل وثلثها لمدعي النصف.
والثانية: إذا أوصى بجميع ماله لرجل ونصفه لآخر وأجازت الورثة: عند أبي حنيفة المال بينهما
أرباعا، وعندهما أثلاثا.
والثالثة: إذا أوصى بعبد بعينه لرجل وبنصفه لآخر وهو يخرج من ثلثه أو لا يخرج وأجازت الورثة كان العبد بينهما أرباعا عند أبي حنيفة، وعندهما: أثلاثا.
مطلب: ما يقسم بطريق العول عنده وبطريق المنازعة عندهما خمس مسائل وأما ما يقسم بطريق العول عند أبي حنيفة وعندهما بطريق المنازعة فخمس مسائل.
منها: ما ذكره في المأذون: عبد مأذون بين رجلين أدانه أحد الموليين مائة: يعني باعه شيئا بنسيئة وأدانه أجنبي مائة فبيع العبد بمائة: عند أبي حنيفة: يقسم ثمن العبد بين المولى المدين وبين الاجنبي أثلاثا ثلثاه للاجنبي وثلثه للمولي، لان إدانته تصح في نصيب شريكه لا في نصيبه.(2/160)
والثانية: إذا أدانه أجنبي مائة وأجنبي آخر خمسين وبيع العبد: عند أبي حنيفة يقسم الثمن بينهما أثلاثا، وعندهما أرباعا.
والثالثة: عبد قتل رجلا خطأ وآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما: يخير مولى العبد بين الدفع والفداء، فإن هذا المولى يفدي بخمسة عشر ألفا خمسة آلاف لشريكه العافي وعشرة آلاف لولي الخطأ، فإن دفع يقسم العبد بينهما أثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما: أرباعا.
والرابعة: لو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها ودفع المولى القيمة.
والخامسة: مسألة الكتاب أم ولد قتلت مولاها وأجنبيا عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما على التعاقب سعت في ثلاثة أرباع قيمتها: كان للساكت من ولي الاجنبي ربع القيمة، ويقسم نصف القيمة بينهما بطريق العول أثلاثا عند أبي حنيفة.
وعندهما: أرباعا بطريق المنازعة.
والاصل لابي يوسف ومحمد أن الحقين متى ثبتا على الشيوع في وقت واحد كانت القسمة عولية، وإن ثبتا على وجه التمييز أو في وقتين مختلفين كانت القسمة نزاعية، والمعنى فيه أن القياس يأبى القسمة بطريق العول، لان تفسير العول أن يضرب كل واحد منهما بجميع حقه أحدهما بنصف
المال والآخر بالكل، والمال الواحد لا يكون له كل ونصف آخر، ولهذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من شاء باهلته، إن الله تعالى لم يجعل في المال الواحد ثلثين ونصفا ولا نصفين وثلثا، وإنما تركنا القياس في الميراث بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيلحق به ما كان في معناه، وفي الميراث حقوق الكل ثبتت على وجه الشيوع في وقت واحد وهو حالة الموت، وفي التركة إذا اجتمعت حقوق متفاوتة حق أرباب الديون وثبت في وقت واحد وهو حالة الموت أو المرض فكانت في معنى الميراث، وكذلك في الوصايا وفي العبد والمدبر إذا فقأ عين إنسان وقتل آخر خطأ حق أصحاب الجناية ثبت في وقت واحد وهو وقت دفع العبد الجاني أو قيمة المدبر لان موجب جناية الخطأ لا يملك قبل الدفع، ولهذا لا يجب فيه الزكاة قبل القبض ولا تصح به الكفالة.
وإنما يملك التسليم ووقت الدفع واحد.
وفي مسألة دعوى الدار الحق إنما يثبت بالقضاء ووقت القضاء واحد فكانت في معنى الميراث، وفي مسألة بيع الفضولي وقت ثبوت الحقين مختلف، لان الملك ثبت عند الاجارة مستندا إلى قوت العقد ووقت العقد مختلف.
وفي القسم الرابع وقت ثبوت الحقين مختلف، أما في مسألة الادانة فلان الحق ثبت بالادانة ووقت الادانة مختلف.
وفي العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما واختار المولى دفع العبد أو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها فدفع المولى القيمة عندهما يقسم بطريق المنازعة، لان وقت ثبوت الحقين مختلف، لان حق الساكت من ولي الدم كان في القصاص لان مثل والمال بدل عن القصاص ووجوب البدل مضاف إلى سبب الاصل وهو القتل، فكان وقت ثبوت حقه القتل وحق ولي الخطأ في القيمة، إذ العبد المدفوع يثبت عند الدفع لا قبله، لانه صلة معنى والصلات لا تملك قبل القبض، فكان وقت الحقين مختلفا فلم يكن في معنى الميراث وكانت القسمتين نزاعية.
وفي جناية أم الولد وجوب الدية للذي لم يعف مضاف إلى القتل لما قلنا والقتلان وجدا في وقتين مختلفين فكانت القسمة نزاعية عندهما.(2/161)
والاصل لابي حنيفة أن قسمة العين متى كانت بحق ثابت في الذمة أو بحق ثبت في العين
على وجه الشيوع في البعض دون الكل كانت القسمة عولية، ومتى وجب قسمة العين بحق ثبت على وجه التمييز أو كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل كانت القسمة نزاعية.
والمعنى فيه أن الحقوق متى وجبت في الذمة فقد استوت في القوة، لان الذمة متسعة فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه في العين وكذا إذا كان حق كل واحد في العين، لكن في الجزء الشائع فقد استوت في القوة، لان ما من جزء ثبت فيه حق أحدهما إلا وللآخر أن يزاحمه فكانت الحقوق مستوية في القوة.
والاصل في قسمة العول الميراث كما قالا، وثمة حق كل واحد منهما ثبت في البعض الشائع.
وإذا ثبت الحقان على وجه التمييز لم يكن في معنى الميراث، وكذا إذا كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل لم يكن في معنى الميراث، لان صاحب الكل يزاحم صاحب البعض في كل شئ، أما صاحب البعض فلا يزاحم صاحب الكل فلم يكن في معنى الميراث، ولان حق كل واحد منهما إذا كان في البعض الشائع وما يأخذ كل واحد منهما بحكم القسمة غير مقرر وأنه غير الشائع كان المأخوذ بدل حقه لا أصل حقه، فيكون في معنى الميراث والتركة التي اجتمعت فيها الديون.
وفي مسائل القسمة إنما وجبت بحق ثابت في الذمة، لان حق كل واحد منهما في موجب الجباية، وموجب الجناية يكون في الذمة فكانت القسمة فيها عولية، فعلى هذا تخرج المسائل.
هذا إذا لم يكن لها ولد من المولى، فإن كان لها ولد من المولى يرثه فلا قصاص عليها بدم المولى، لان الولد لا يستوجب القصاص على والديه، ولهذا لو قتلت المرأة ولدها لا يجب عليها القصاص لان الوالدة سبب لوجوده فلا يستحق قتلها، ولهذا لا يباح له قتل واحد من أبويه وإن كان حربيا أو مرتدا أو زانيا محصنا.
فإذا سقط حق ولدها سقط حق الباقي وانقلب الكل مالا، لان القصاص تعذر استيفاؤه لا لمعنى من جهة القاتل بل حكما من جهة الشرع فانقلب الكل مالا، بخلاف ما تقدم، لان ثمة العافي أسقط حق نفسه فلا ينقلب نصيبه مالا.
فإن قيل: إذا لم تكن هذه الجناية موجبة للقصاص عليها بدم المولى ينبغي أن تكون هدرا كما لو قتلته خطأ.
قلنا: الجناية وقعت موجبة للقصاص، لانه يجب للمقتول والمولى يستوجب القصاص على مملوكه، وإنما سقط القصاص ضرورة الانتقال إلى الوارث وهي حرة وقت الانتقال فتنقلب مالا
وتلزمها القيمة دون الدية اعتبارا بحالة القتل.
هذا كمن قتل رجلا عمدا وابن القاتل وارث المقتول كان لابن المقتول الدية على والده القاتل كذلك هنا، ولورثة الاجنبي القصاص كما كان، لان حقهما يمتاز عن حق ورثة المولى فكان لهما القصاص: وإن شاءا أخرا حتى يؤدي القيمة إلى ورثة المولى، وإن شاءا عجلا القتل، لانهما لو أخرا إلى أن يؤدي السعاية ربما لا يؤدي مخافة القتل فيبطل حقهما فكان لهما التعجيل، فإن عفا أحد وليي الاجنبي وجب للساكت منهما نصف القيمة أيضا، وجنايات أم الولد وإن كثرت لا توجب إلا قيمة واحدة فصارت القيمة مشتركة بين ورثة المولى ووارث الاجنبي.
ثم عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه تقسم قيمتها بينهما أثلاثا، وعندهما أرباعا لما ذكرنا، فإن كانت سعت في قيمتها لورثة المولى ثم عفا أحد وليي الاجنبي: إن دفعت القيمة إلى ورثة المولى بقضاء القاضي لا سبيل لوارث الاجنبي عليها لان الواجب عليها قيمة واحدة وقد أدت بقضاء القاضي(2/162)
فتفرغ ذمتها ويتبع وارث الاجنبي ورثة المولى ويشاركهم في تلك القيمة لانهم أخذوا قيمة مشتركة، وإن دفعت بغير قضاء عندهما كذلك.
وعند أبي حنيفة.
وارث الاجنبي بالخيار: إن شاء يرجع على ورثة المولى، وإن شاء يرجع على أم الولد.
لهما: أنهما فعلت عين ما يفعله القاضي لو رفع الامر إليه فيستوي فيه القضاء وعدمه كالرجوع في الهبة لما كان فسخا بقضاء لو حصل بتراضيهما يكون فسخا.
ولابي حنيفة أن موجب الجناية في الذمة، فإذا أدت فقد نقلت من الذمة إلى العين فيظهر أثر الانتقال في حق الكل إن كان بقضاء، ولا يظهر إذا كان بغير قضاء فكان له الخيار: إن شاء رضي بدفعها ويتبع ورثة المولى، وإن شاء لم يرض ويرجع عليها بحقه، وهو ثلث القيمة عند أبي حنيفة، وترجع هي على ورثة المولى.
هذا إذا دفعت القيمة إلى ورثة المولى ثم عفا ولي الاجنبي، فإن عفا أحد وليي الاجنبي ثم دفعت القيمة قال بعضهم: إن كان الدفع بغير قضاءء يتخير ان وإرث الاجنبي عندهم، وإن كان بقضاء عند أبي حنيفة يتخير.
وعندهما لا يتخير.
والصحيح أن هنا يتخير عند الكل سواء كان
الدفع بقضاء أو بغير قضاء، لان قضاء القاضي بدفع الكل إلى ورثة الموى بعد تعلق حق الاجنبي وثبوته لا يصح، بخلاف الوصي إذا قضى دين أحد الغريمين بأمر القاضي حيث لا يضمن لان للقاضي أن يضع مال الميت حيث شاء، أما هنا فبخلافه، وإذا لم يصح قضاء القاضي فلان لا يصح فعلها بغير قضاء أولى.
قوله: (والاصل عنده) أي عند أبي حنيفة أن القسمة: أي قسمة العين.
قوله: (في عين أو ذمة) أي بحق ثابت في ذمة الاولى زيادة في البعض، بأن يقول أو لاحدهما في البعض شائعا: أي أو وجبت القسمة لاحدهما الخ، أو أن يقول في ذمة أو عين شائعا لانه لا يعقل التبعيض في الذمة.
والاولى أن يقول شائعا في البعض دون الكل.
وعبارة البحر: والاصل لابي حنيفة أن قسمة العين متى كانت بحق ثابت الخ كما قدمناها قريبا.
قوله: (شائعا) أي على وجه الشيوع في بعض دون الكل.
قوله: (فعولية) أي كانت القسمة عولية.
قوله: (أو مميزا) أي ومتى وجب قسمة العين بحق ثابت على وجه التمييز دون الشيوع.
قوله: (أو لاحدهما) أي كان حق لاحدهما في البعض شائعا.
قوله: (وللآخر في الكل) أي وحق الآخر في الكل.
قوله: (فمنازعة) أي كانت القسمة نزاعية، وقدمنا الحاصل على قول الامام فلا تنسه.
قوله: (وإلا) أي بأن ثبتا في وقتين مختلفين أو على وجه التمييز فمنازعة، فحقوق الكل في الميراث ثبتت على وجه الشيوع في وقت واحد وهو وقت الموت فتقسم بطريق العول، وكذا التركة إذا اجتمعت فيها ديون متفاوتة فإن حقهم يثبت في وقت واحد، وهو حالة الموت أو المرض فكانت في معنى الميراث، وكذلك الوصايا، وفي العبد والمدبر إلى آخر ما قدمناه عن البحر فلا تنسه.
قوله: (فهي للثاني) وهو مدعي الكل.
قوله: (نصف لا بالقضاء) لان دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما بيده لتكون يده محقة فسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة، فيبقى ما في يده لا على وجه القضاء إذ لا قضاء بدون الدعوى، واجتمع بينة الخارج وذي اليد فيما في يد صاحب النصف فتقدم بينة الخارج، وسيأتي بيانه في المقولة الثانية موضحا.
قوله: (ونصف به) لانه خارج: يعني دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما بيده، لتكون يده محقة لا يدعي(2/163)
شيئا مما في يد صاحبه فسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة، فيبقى ما في يده لا على وجه القضاء إذ
لا قضاء بدون الدعوى.
وأما مدعي الكل فإنه يدعي ما في يد نفسه وما في يد الآخر ولا ينازعه أحد فيما في يده فيترك ما في يده لا على وجه القضاء، وقد اجتمعت بينة الخارج وذي اليد فيما في يد صاحب النصف فكانت بينته أولى فتقدم لانه خارج فيه فيقضي له في ذلك النصف، فسلم له كل الدار نصفها بالترك لاعلى وجه القضاء والنصف الآخر بالقضاء كما في العيني.
قوله: (وآخر ثلثها) الاولى ثلثيها كما سيتضح في المقولة الآتية.
قوله: (وبيانه في الكافي) هذه المسألة في المجمع وشرحه لابن ملك حيث قال: ولو ادعى أحد ثلاثة في يدهم دار كلها والآخر ثلثيها والآخر نصفها وبرهن كل على ما ادعاه، فلنفرض اسم مدعي الكل كاملا ومدعي الثلثين ليثا ومدعي النصف نصرا، فهي مقسومة بينهم.
عند أبي حنيفة بالمنازعة من أربعة وعشرين لكامل خمسة عشر وهي خمسة أثمان الدار وربعها لليث وثمنها لنصر.
بيانه أنا نجعل الدار ستة لاحتياجنا إلى النصف والثلثين، وأقل مخرجهما ستة في يد كل منهم سهمان، ومعلوم أن بينة كل منهم على ما في يده غير مقبولة لكونه ذا يد وإن بينة الخارج أولى في الملك المطلق، فاجتمع كامل وليث على ما في يد نصر فكامل يدعي كله وليث نصفه وذلك لانه يقول حقي في الثلثين ثلث في يدي وبقي لي ثلث آخر نصفه في يد كامل ونصفه في يد نصر فسلم لكامل نصف ما في يده وهو سهم بلا نزاع والنصف الآخر وهو سهم بينهما نصفان فيضرب مخرج النصف وهو اثنان في ستة فصارت اثني عشر، ثم كامل ونصر اجتمعا على ما في يد ليث وهو أربعة فكامل يدعي كله ونصر ربعه، لانه يقول حقي في النصف ستة وقد أخذ الثلث أربعة وبقي لي سدس من الدار وهو سهمان سهم في يد الليث وسهم في يد كامل وثلاثة من الاربعة سلمت لكامل وتنازعا في سهم، فيضرب مخرج النصف في اثني عشر فصارت الدار أربعة وعشرين في يد كل منهم ثمانية.
اجتمع كامل وليث على الثمانية التي في يد نصر فأربعة سلمت لكامل بلا نزاع لان ليثا يدعي الثلثين وهو ستة عشر ثمانية منها في يده وأربعة في يد نصر وأربعة في يد كامل والاربعة بين كامل وليث نصفين لاستوائهما في المنازعة فحصل لكامل ستة ولليث سهمان، ثم اجتمع كامل ونصر على ما في يد ليث فنصر يدعي ربع ما في يده وهو سهمان فسلمت ستة لكامل واستوت منازعتهما في سهمين
فصار لكل واحد منهم سهم فحصل لكامل سبعة ولنصر سهم، ثم اجتمع ليث ونصر على ما في يد كامل فليث يدعي نصف ما في يده أربعة ونصر يدعي ربع ما في يده سهمين وفي المال سعة فيأخذ ليث أربعة ونصر سهمين فيبقى ما في يد كامل سهمان فحصل لكامل مما في يد نصر ستة ومما في يد ليث سبعة ومما في يده سهمان فجميعه خمسة عشر، وللثاني ستة وهي ربع الدار، لانه حصل له مما في يد نصر سهمان ومما في يد كامل أربعة فذاك ستة، وللثالث وهو نصر ثلاثة وهي ثمن الدار، لانه حصل له مما في يد ليث سهم ومما في يد كامل سهمان وذا ثلاثة.
وبالاختصار، تكون المسألة من ثمانية: خمسة أثمانها لكامل وربعها سهمان لليث وثمنها واحد لنصر، وهذا قول الامام وقالا: بالعول تقسم.
وبيانه أن الدار بينهم أثلاثا الكامل والليث اجتمعا على ما في يد نصر فكامل يدعي كله وليث(2/164)
نصفه فنأخذ أقل عدد له نصف وهو اثنان فيضرب الكامل بكله سهمين وليث بنصفه سهما فعالت إلى ثلاثة، ثم الكامل والنصر اجتمعا على ما في يد ليث والكامل يدعي كله ونصر ربعه ومخرج الربع أربعة فيضرب بربعه سهم وكامل بكله أربعة فعالت إلى خمسة، ثم ليث ونصر اجتمعا على ما في يد كامل فليث يدعي نصف ما في يده ونصر يدعي ربعه والنصف والربع يخرجان من أربعة فنجعل ما في يده أربعة لان في المال سعة فنصفه سهمان لليث وربعه سهم لنصر وبقي ربع لكامل فحصل هنا ثلاثة وخمسة وأربعة وانكسر حساب الدار على هذا وهي متباينة فضربنا الثلاثة في الاربعة فصارت اثني عشر ضربناها في خمسة صارت ستين ضربناها في أصل المسألة ثلاثة بلغت مائة وثمانين في يد كل واحد ستون فلكامل مائة وثلاثة، لان ربع ما في يده وهو الخمسة عشر سلم له وأخذ من نصر ثلثي ما في يده وهو أربعون ومن ليث أربعة أخماسه وهي ثمانية وأربعون فصار المجموع مائة وثلاثة ولليث خمسون لان ليثا أخذ نصف ما في يد كامل وهو ثلاثون وثلث في يد نضر وهو عشرون وللثالث وهو نصر سبعة وعشرون لانه أخذ خمس ما في يد ليث، وهو اثنا عشر وربع ما في يد كامل وهو خمسة ا ه.
حلبي بتصرف.
وهذا كله اعتبار وتقدير ط وذكره في غرر الافكار، فراجعه.
قوله: (ولو برهنا
الخ) يتصور هذا بأن رأي الشاهدان أنه ارتضع من لبن أنثى كانت في ملكه وآخران رأيا أنه ارتضع من لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة للفريقين.
بحر عن الخلاصة.
وقدمناه وقدمنا عنه أيضا أنه لا اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا الخ، فتأمل.
قوله: (تاريخه) أي تاريخ البينة، وإنما ذكر الضمير بتأويل البرهان.
حموي.
قوله: (بشهادة الظاهر) لان علامة الصدق ظهرت فيمن وافق تاريخه سنها فترجحت ببينته بذلك، وفي الاخرى ظهرت علامة الكذب فيجب ردها منح.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون الدابة في أيديهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث، لان المعنى لا يختلف.
بخلاف ما إذا كانت الدعوى في النتاج من غير تاريخ حيث يحكم بها لذي اليد كما صرح به المصنف إن كانت بيد أحدهما أو لهما إن كانت في أيديهما أو في يد ثالث.
زيلعي.
قوله: (قضى بها لذي اليد) لان ذا اليد مقدم على الخارج في دعوى النتاج.
قال في الاشباه هكذا أطلق أصحاب المتون.
قلت: إلا مسألتين: الاولى لو كان النزاع في عبد فقال الخارج إنه ولد في ملكي وأعتقه وبرهن وقال ذو اليد ولد في ملكي فقط قدم على ذي اليد أي لان بينته أكثر إثباتا، بخلاف ما لو قال الخارج كاتبته أو دبرته فإنه لا يقدم، لكن في الاشباه أيضا الشهادة بحرية العبد بدون دعواه لا تقبل عند الامام إلا في مسألتين، إلى أن قال: والصحيح عنده اشتراط دعواه في العارضة والاصلية، ولا تسمع دعو الاعتاق من غير العبد إلا في مسألة الخ.
وفي فتاوي الحانوتي جوابا عن سؤال: حيث اعترف العبد بالعبودية لسيده بانقياده للبيع يكون عبدا له وسواء كان هناك بينة أم لا، ولا عبرة بقول المنازع إنه حر الاصل مع عدم دعوى العبد لذلك، لان حرية العبد لا تثبت إلا بعد دعواه، ولا تجوز فيها دعوى الحسبة، بخلاف الامة لانها شهادة بحرمة الفرج إلى آخر ما قال.
الثانية: لو قال الخارج ولد في ملكي من أمتي هذه وهو ابني قدم على ذي اليد ا ه.
وقدمنا أنه إنما يقضي بالنتاج لذي اليد فيما إذا ادعى كل منهما النتاج فقط، أما لو ادعى الفعل على ذي(2/165)
اليد كالغصب والاجارة والعارية فبينة الخارج أولى لانها أكثر إثباتا لاثباتها الفعل على ذي اليد كما في
البحر عن الزيلعي، ونقله في نور العين عن الذخيرة على خلاف ما في المبسوط وقال: الظاهر أن ما في الذخيرة هو الاصح والارجح، لما في الخلاصة من كتاب الولاء لخواهر زاده أن ذا اليد إذا ادعى النتاج وادعى الخارج أنه ملكه غصبه منه ذو اليد أو أودعه له أو أعاره منه كانت بينة الخارج أولى، وإنما تترجح بينة ذي اليد على النتاج إذا لم يدع الخارج فعلا على ذي اليد، أما لو ادعى فعلا كالشراء وغير ذلك فبينه الخارج أولى، لانها أكثر إثباتا لانها تثبت الفعل عليه ا ه.
ولا تنس ما قدمناه عند قول الشارح في رواية.
قال ط: والظاهر أن حكم موافقتهما لسنها أنه يحكم بها لذي اليد.
قوله: (ولهما أن في أيديهما) لان أحدهما ليس أولى من الآخر.
قوله: (وإن لم يوافقهما بأن خالف أو أشكل) أي فلو خالف السن تاريخهما كان كما لو لم يؤرخا، وكذا إذا أشكل وقد تقدم أنه يحكم لذي اليد.
قوله: (فلهما إن الخ) لعدم ترجيح أحدهما.
قوله: (قضى بها له) لانه لما أشكل أي أو خالف سقط التاريخان فصار كأنهما لم يؤرخا.
قوله: (هو الاصح) مقابله ما في الهداية، إذا خالف سنها الوقتين بطلت البينتان لظهور كذب الفريقين فتترك في يد من كانت في يده.
بقوله: (وهذا أولى مما وقع في الكنز) أي ما ذكر المصنف.
بقوله: (وإن لم يوافقهما) لعمومه أولى مما في الكنز وما عطف عليه من تعبيره بقوله: (وإن أشكل).
أقول: قد ذكره المصنف في شرح المنح تبعا للبحر حيث قال: وإن لم يوافقهما يشمل ما إذا أشكل سنها بأن لم يعلم وما إذا خالف سنها تاريخهما فإنها تكون لهما على الاصح.
قال الرملي: الاولى من هذا التعبير وإن خالفها أو أشكل فلهما.
على أن لنا أن لا نسلم عدم شمول ما في الكنز وشمول ما عبر به، إذ الاشكال الالتباس.
وفي الصورتين التباس الامر على الحاكم وعدم موافقتهما غير عدم العلم أصلا لانه للعلم بالمخالفة كما قرره الشراح فكيف يدخل فيه عدم العلم بشئ لانه مع عدم العلم يحتمل الموافقة والمخالفة.
والصور ثلاثة: إما عدم العلم الموافقة لهما وهو المخالفة، بأن تحقق مخالفته للتاريخين، وإما الموافقة لاحدهما فقط والمخالفة للآخر، وأما عدم معرفة شئ وهي لا تدخل في صور المخالفة التي هي عدم الموافقة فلم يشملها.
قوله: (وإن لم يوافقهما) على أن الظاهر أن اختبار صاحب الكنز في صورة
المخالفة بطلان البينتين والترك في يد ذي اليد كما أفصح عنه في الكافي، فخص صورة الاشكال ليحترز به عن صورة المخالفة، فتنبه لكلام هذا العالم النحرير يظهر لك منه حسن التعبير ا ه.
ثم الظاهر أن مراد صاحب البحر والمنح من.
قوله: (وإن لم يوافقهما) أي لم تظهر موافقة السن للتاريخين فشمل الصورتين لكنه تأويل، فلذا قال العلامة الرملي: الاولى من هذا التعبير ولم يقل الصواب.
تأمل.
قوله: (في الكنز والدرر والملتقي) حيث ث قال: وإن أشكل فلهما لان قوله: وإن لم يوافقهما أعم من قول الكنز، كذا قول الكنز فلهما مقيد بما إذا لم يكن في يد أحدهما.
وعبارة الملتقي والغرر: وإن أشكل فلهما، وإن خالفهما بطل.
قال الشارح في شرح الملتقي: فيقضي لذي اليد قضاء ترك كذا اختاره في الهداية والكافي.(2/166)
قلت: لكن الاصح أنه كالمشكل كما جزم به في التنوير والدرر والبحر وغيرها.
فليحفظ ا ه.
قلت: نقل الشرنبلالي عن كافي الحاكم أن الاول هو الصحيح للتيقن بكذب البينتين فيترك في يد ذي اليد.
وقال: ومحصله اختلاف التصحيح ا ه.
قال المولى عبد الحليم، بل اللائق على المصنف أن يقول هكذا: وإن أشكل أو خالف الوقتين فلهما إن لم يكن في يد أحدهما فقط، وإلا فلا.
واعلم أن سن الدابة لو خالف الوقتين ففيه روايتان: في رواية يقضي لهما، وفي رواية تبطل البينتان، صرح به الامام قاضيخان في فتاواه من غير ترجيح إحداهما على الاخرى، وبطلانهما رواية أبي الليث الخوارزمي.
واختاره الحاكم الشهيد حيث قال: وهو الصحيح، وتبعه صاحب الهداية ومن تابعه، والقضاء بينهما ظاهر الرواية.
اختاره في المبسوط حيث قال وهو الاصح، وتبعه الزيلعي ومن تابعه.
وقد اختلف التصحيح والرجحان لظاهر الرواية وقد سبق غير مرة.
هذا زبدة ما في الشروح والفتاوي، فظهر أن المصنف اختار ما هو الارجح ا ه.
قوله: (برهن أحد الخارجين) على المدعي عليه وهو زيد.
قوله: (من زيد) هكذا وقع في النسخ، وصوابه على الغصب من يده أي من يد أحد الخارجين.
قال الزيلعي والمنح: معناه إذا كان عين في يد رجل فأقام رجلان عليه البينة أحدهما بالغصب منه والآخر بالوديعة استوت دعواهما حتى يقضي بها بينهما نصفين، لان الوديعة تصير
غصبا بالجحود حتى يجب عليه الضمان مدني، والظاهر أنه أراد على الغصب الناشئ من زيد فزيد هو الغاصب، فمن ليست صلة الغصب بل ابتدائية.
تأمل.
قوله: (والآخر) أي برهن الآخر.
قوله: (على الوديعة منه) أي قال الآخر هو مالي أودعته من زيد وزيد ينكر ذلك.
قوله: (استويا) أي الخارجان في الدعوى، لانه لو كان كما يدعي الثاني وديعة من زيد صارت غصبا حيث جحدها المودع، ولهذا قال الشارح لانها أي الوديعة بالجحد تصير غصبا حتى يجب عليه الضمان، ولا يسقط بالرجوع إلى الوفاق بالاقرار حتى يرد إلى صاحبه، بخلاف ما إذا خالف بالفعل بلا جحود ثم عاد إلى الوفاق كما في الحموي، فمن في.
قوله: (من زيد) للابتداء وفي قوله: (منه) صلة الوديعة لانها تتعدى بمن، وإنما احتاج إليها في الاول لان الغصب محلى بأل في عبارة المصنف فلم يمكنه إضافته إلى زيد، وحينئذ فما نقله بعض الافاضل عن عزمي زاده من أن هذا التصوير سهو، والاولى إسقاطه فيه ما فيه فراجعه.
قوله: (الناس أحرار) لان الدار دار الحرية أو لانهم أولاد آدم وحواء عليهما السلام وقد كانا حرين.
قوله: (الشهادة) أي فلا يكتفي فيها بظاهر الحرية بل يسأل عنه إذا طعن الخصم بالرق، أما إذا لم يطعن فلا يسأل كما في التبيين، لان الحرية تثبت بطريق الظهور والظاهر يصلح للدفع لا للاستحقاق، فلا يستحق المدعي إلزام المدعي عليه إلا بإثبات حرية شهوده، وكذا لا يستحق الشاهد استحقاق الولاية على المشهود عليه ونفاذ شهادته عليه إلا بذلك، فإن قال الشهود نحن أحرار لم نملك قط لم يقبل قولهما بالنسبة إلى قبول شهادتهما حتى يأتيا بالبينة على ذلك وإلا فهما مصدقان في قولهما إنا أحرار لم نملك قط بحسب الظاهر.
وفي أبي السعود على الاشباه تفسيره في الشهادة: إذا شهد شاهدان لرجل بحق من الحقوق فقال المشهود عليه هما عبدان وإني لا أقبل شهادتهما حتى أعلم أنهما حران.(2/167)
وتفسيره في الحد: إذا قذف إنسانا ثم زعم القاذف أن المقذوف عبد فإنه لا يحد القاذف حتى يثبت المقذوف حريته بالحجة.
وفي القصاص: إذا قطع يد إنسان وزعم القاطع أن المقطوع يده عبد فإنه لا يقضي بالقصاص حتى يثبت حريته.
وفي الدية: إذا قتل إنسانا خطأ وزعمت العاقلة أنه عبد
فإنه لا يقضي عليه بالدية حتى تقوم البينة على حريته.
وفي البيري: لو كان المدعي به حدا أو قصاصا سأل القاضي عنهم طعن الخصم أولا بالاجماع ا ه.
لان في القذف: أي مثلا إلزام الحد على القاذف، وفي القصاص إيجاب العقوبة على القاطع، وفي القتل خطأ إيجاب الدية على العاقلة، وذلك لا يجوز إلا باعتبار حرية الشاهد، فما لم تثبت الحرية بالحجة لا يجوز القضاء بشئ من ذلك ط.
مطلب: الاصل في الناس الفقر والرشد والامانة والعدالة وإنما على القاضي أن يسأل عن الشهود سرا وعلنا قال الحموي: وقد سئل شيخ مشايخنا الشيخ عبد الغني العبادي: هل الاصل في الناس الرشد أو السفه، وهل الاصل في الناس الفقر أو الغنى، وهل الاصل في الناس الامانة أو الخيانة، وهل الاصل في الناس الجرح أو التعديل؟ فأجاب: الاصل الرشد والفقر والامانة والعدالة، وإنما على القاضي أن يسأل عن الشهود سرا وعلنا لان القضاء مبني على الحجة وهي شهادة العدل فيتعرف عن العدالة، وفيه صون قضائه عن لبطلان، والله تعالى أعلم.
وفي قوله صون قضائه عن البطلان نظر، فتدبره ا ه.
ووجهه أنه إذا قضى بشهادة الفاسق يصح قضاؤه.
مطلب: منع السلطان عن نصرة قضاته عن الحكم بشهادة الشهود إلا بعد التزكية سرا وعلانية لكن في زماننا قد تكرر أمر السلطان نصره الله تعالى في منع قضاته في سائر مملكته أن يحكموا بعد الشهادة بدون تزكية السر والعلانية، فافهم.
قوله: (والحدود) فلو أنكر القاذف حرية المقذوف لا يحد حتى يثبت حريته لانه لا يستحق عليه الحد إلا بالحرية، والظاهر لا يكفي للاستحقاق، ولان الحدود تدرأ بالشبهات فيحتاط في إثباتها، ولا تنس ما قدمناه عن البيري.
قوله: (والقصاص) أي في الاطراف، فلو أنكر القاطع حرية المقطوع لا يقطع حتى يثبت حريته، لانه لا يستحق عليه القطع إلا بالحرية إذ لا قصاص بين طرفي حر وعبد، لان الاطراف يسلك بها مسلك الاموال.
قوله: (والقتل) أي خطأ فلا تثبت الدية
على العاقلة حتى تثبت حرية القاتل لانه يريد استحقاق العقل عليه فلا يثبت بظاهر الحرية، ولذا وقع في نسخة العقل: يعني لا يثبت العقل إلا بعد ثبوت الحرية، وهو معنى عبارة الاشباه من قوله: (والدية).
قوله: (وفي نسخة العقل) هو في معنى الاول: يعني لا يثبت العقل إلا بعد ثبوت الحرية، ولو قال في الحرية وعدمها لكان أوضح.
قوله: (وعبارة الاشباه والدية) الثلاث بمعنى واحد في المآل.
قوله: (أحر أم لا).
بيان لوجه جهالة حاله.
ولو قال في الحرية وعدمها لكان أوضح.
قوله: (لتمسكه بالاصل) أي وهو دافع، وظاهر الحال يكفي للدفع عيني.
قوله: (واللابس للثوب الخ) شروع في مسائل يصدق فيها(2/168)
واضع اليد بلا برهان، وهل يصدق بيمينه، ينظر، ويأتي حكمه في التنبيه الآتي ط.
وإنما كان اللابس أحق لان تصرفه أظهر لاقتضائه الملك فكان صاحب يد والآخذ خارجا وذو اليد أولى، بخلاف ما إذا أقام آخذ الكم البينة حيث يكون أولى والعلة المذكورة تجري فيما بعد.
قال العلامة قاسم: فيقضي له قضاء ترك لا استحقاق، حتى لو أقام الآخر البينة بعد ذلك يقضي له.
شرنبلالية.
قوله: (ومن في السرج) أي أولى من رديفه، لان تمكنه في ذلك الموضع دليل على تقدم يده.
قال الشرنبلالي: نقل الناطفي هذه الرواية عن النوادر، وفي ظاهر الرواية هي بينهما نصفين، بخلاف ما إذا كانا راكبين في السرج فإنها بينهما قولا واحدا كما في العناية.
ويؤخذ منه اشتراكهما إذا لم تكن مسرجة ا ه.
أقول: لكن في الهداية والملتقي مثل ما في المتن فتنبه، وما في الهداية وهو على رواية النوادر، ولو كان أحدهما متعلقا بذنبها والآخر ماسك بلجامها قالوا: ينبغي أن يكون الماسك أولى.
قوله: (ممن علق كوزه بها) احترز بذكر الكوز عما لو كان له بعض حملها، فلو كان لاحدهما من وللآخر مائة من كانت بينهما شرنبلالية عن التبيين والحمل: بكسر الحاء ما يحمل على ظهر أو رأس حموي.
قوله: (لانه أكثر تصرفا) علة لجميع المسائل.
أقول: لكن فيه أنه لا يعتبر الاكثر تصرفا كمسألة المن والمائة من، والاولى أن يعلق بأنه لا يعد متصرفا عرفا كمسألة الهرادي الآتية.
تأمل.
قول: (والجالس على البساط والمتعلق به سواء) لان الجلوس ليس بيده عليه، لان اليد تثبت بكونه في بيته أو بنقله من موضعه، بخلاف الركوب واللبس
حيث يكون بهما غاصبا لثبوت يده ولا يصير غاصبا بالجلوس على البساط كما في الدرر، لكن ينبغي أن يكون القاعد أحق من المتعلق.
تأمل.
وعبارة الدرر: وينصف البساط بين جالسه والمتعلق به بحكم الاستواء بينهما لا بطريق القضاء الخ.
وفي النهاية يقضي بينهما.
واعترض عليه بأن بين الكلامين تدافعا وأجيب بأن المنفي قضاء الاستحقاق لا قضاء الترك.
واعترض على هذا الجواب بأن قضاء الترك يقتضي ثبوت اليد على ما صرحوا به في مسألة التنازع في الحائط.
وأجيب بأن قضاء الترك يتحقق في المنقول من غير ثبوت اليد المعتبرة شرعا بثبوت اليد ظاهرا فإن القاضي علم حسا وعيانا أن هذا البساط ليس في يد غيرهما فقضى بينهما لانعدام مدع غيرهما عيانا باليد أو بالملك هذا.
قوله: (وراكبي سرج) أي فينصف بينهما أي في الصورتين.
قوله: (وطرفه مع آخر) فينتصف بينهما لان يد كل منهما ثابتة فيه وإن كان يد أحدهما في الاكثر فلا يرجح به، لما مر أنه لا ترجيح بالاكثرية درر: أي كما في مسألة كثرة شهود أحد المدعيين، هذا كله إذا لم يقم البينة فإذا أقاما البينة فبينة الخارج أولى من بينة ذي اليد كما مر.
قوله: (لا هدبته) ويقال له بالتركي سجق ويستعمل هذا اللفظ الآن في بلادنا.
قوله: (الغير منسوجة) الاولى أن يقول المنسوجة بالالف واللام لان غير بمنزلة اسم الفاعل لا يضاف إلا لما فيه أل أو ما أضيف إلى ما فيه أل كالضارب رأس الجاني ط.
قوله: (لانها ليست بثوب) فلم يكن في يده شئ من الثوب فلا يزاحم الآخر.
قوله: (بخلاف جالسي دار) كذا قال في العناية.(2/169)
ويخالفه ما في البدائع: لو ادعيا دارا وأحدهما ساكن فيها فهي للساكن، وكذلك لو كان أحدهما أحدث فيها شيئا من بناء أو حفر فهي له، ولو لم يكن شئ من ذلك ولكن أحدهما داخل فيها والآخر خارج عنها فهي بينهما، وكذا لو كانا جميعا فيها، لان اليد على العقار لا تثبت بالكون فيها وإنما تثبت بالتصرف ا ه.
أقول: لكن الذي يفهم من التعليل ومما تقدم قريبا أنه لا يقضي لهما في مسألة كون أحدهما
داخلا فيها والآخر خارجا عنها تأمل.
تنبيه: قال في البدائع كل موضع قضى بالملك لاحدهما لكون المدعي في يده يجب عليه اليمين لصاحبه إذا طلب، فإن حلف برئ، وإن نكل قضى عليه به ا ه.
شرنبلالية.
قوله: (حيث لا يقضي لهما) لا بطريق الترك ولا بغيره لان الجلوس لا يدل على الملك.
ا ه درر.
قوله: (وهنا) أي في الجلوس على البساط إذا كانا جالسين عليه.
قال في الزيلعي: وكذا إذا كانا جالسين عليه فهو بينهما، بخلاف ما إذا كانا جالسين في دار وتنازعا فيها حيث لا يحكم لهما بها لاحتمال أنها في يد غيرهما، وهنا علم أنه ليس في يد غيرهما ا ه.
مطلب: مسائل الحيطان قوله: (الحائط لمن جذوعه عليه) جمع جذع بالجيم والذال المعجمة للنخلة وغيرها، والمراد الاخشاب التي ترص على الجدران لاجل تركيب السقف عليها، وذلك لانه في يد صاحب الجذوع، لان يده يد استعمال والحائط ما بني إلا له فوضعه علامة ملكه: ولو كان لكل منهما عليه ثلاثة جذوع فهو بينهما لاستوائهما في أصل العلة ولا يعتبر بالكثرة والقلة بعد أن تبلغ ثلاثا، وإنما شرطت الثلاثة لان الحائط يبني للتسقيف وذلك لا يحصل بما دون الثلاث غالبا فصار الثلاث كالنصاب له، ولو كان عليه جذوع لاحدهما ثلاثة وللآخر أقل فهو لصاحب الثلاثة عند أبي حنيفة استحسانا.
والقياس أن يكون بينهما نصفين، وهو مروي عنه، ولو كان لاحدهما جذع واحد ولا شئ للآخر قيل هما سواء، وقيل صاحب الجذع أولى.
عيني.
وفي الفتاوي الخيرية من فصل الحيطان: فلو كان لكل جذع مشترك، فلو اختلفا وأقيمت البينة عمل بها وينظر في وضع الآخر، فإن كان قديما يترك على قدميه إذ الاصل بقاء ما كان على ما كان للظن بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي.
مطلب: حد القديم ما لا يحفظ الاقران وراءه وحد القديم أن لا يحفظ أقرانه وراء هذا الوقت كيف كان فيجعل أقصى الوقت الذي يحفظه الاقران حد القديم، وإن كان حادثا يؤمر برفعه، وإن سقط ليس له إعادته بغير رضا مالكه، لانه إن
كان بإذنه فهو معير وللمعير أن يرجع متى شاء، وإن كان بغير إذنه فهو غاصب.
وإذا اختلفا في الحدوث: فإن ثبت بالبينة أمر برفعه وإزالته عن ملك الغير شرعا، وإن لم يثبت بالبينة لا يهدم، وتمامه فيه.
والحاصل: أن الحائط تارة يثبت بالبينة والبرهان وتارة بغيرها، فإن أقام أحد الخصمين البينة قضى له ولو أقاما البينة قضى لهما قضاء الترك، حتى لو أقام الآخر البينة قضى له كما في الفيض.(2/170)
وأما ما يثبت بغيرها فقال في المنتقى: الايدي في الحائط على ثلاث مراتب: اتصال تربيع، واتصال ملازقة ومجاورة، ووضع جذوع ومحاذاة، فأولاهم صاحب التربيع، فإن لم يوجد فصاحب الجذوع، فإن لم يوجد فصاحب اتصال الملازقة.
بيانه: حائط بين دارين يدعيانه: فإن كان متصلا ببناء أحدهما دون الآخر فصاحب الاتصال أولى، وإن كان متصلا ببنائهما اتصال تربيع أو ملازقة فهو بينهما، وإن كان لاحدهما اتصال تربيع وللآخر اتصال ملازقة لصاحب التربيع أو للآخر عليه جذوع، فالحائط لصاحب الاتصال، ولصاحب الجذوع موضع جذوعه.
وروى الطحاوي أن الكل لصاحب التربيع، وإن لاحدهما اتصال ملازقة وللآخر جذوع فصاحب الجذوع أولى، وسيأتي قريبا بأوضح من هذا.
أقول: ذكر الحنابلة في كتبهم أن المعتبر في التربيع أساس الحائط دون اللبن وهو حسن وكأنه لما يحصل له من التغير، وظاهر نصوص أئمتنا الاطلاق كما ترى، وكأنهم لم يعتبروا هذا لانه عارض ويدرك عروضه.
نعم لو كان التربيع في الاساس دون اللبن فالظاهر أن العبرة للاساس لانه أقوى لما يعرض للبن من الاصلاح، وهذا ولو كان لاحدهما التربيع في الاساس وللآخر في اللبن فالظاهر أنه لصاحب تربيع الاساس ولم أره.
ثم قال صاحب المنتقى: وإذا كان الحائط المتنازع فيه متصلا من جانب واحد يقع فيه الترجيح وهو الصحيح.
ذكره الطحاوي.
وذكر الكرخي أنه لا يقع به الترجيح ما لم يكن موصولا طرفاه بالحائطين.
قلت: وظاهر الرواية يشترط من جوانبه الاربع كما في الفيض وغيره، لكن قالوا: الاظهر ما قاله الطحاوي وعليه مشى في الخلاصة والبزازية وغيرهما من المعتمدات كالهندية والمحيط والخانية وغيرها.
ثم ذكر أيضا: حائط بين دارين يدعيه صاحب أحدهما ولم يكن متصلا ببناء أحدهما: فإن كان لاحدهما عليه جذوع فهو أولى، وإن كان لاحدهما عليه جذع واحد ولا شئ للآخر قيل هو بينهما، وقيل لصاحب الجذع، وإن كان لكل واحد منهما ثلاثة جذوع فهو بينهما ولا عبرة لكثرة الجذوع لاحدهما: أي بعد الثلاثة.
أقول: بعدما كان لاحد الشريكين ثلاثة جذوع وللآخر أكثر لا يترجح بها، ولكن في العمادية ما نصه: وءن كان جذوع أحدهما أسفل وجذوع الآخر أعلى وتنازعا في الحائط فإن لصاحب الاسفل لسبق يده ولا ترفع جذوع الاعلى ا ه.
فالذي يظهر من كلام العمادية أن محل وجود الخشب على الحائط لكل موجب للاشتراك إذا لم يكن خشب أحدهما أعلى وخشب الآخر أسفل، أما إذا كان كذلك وتنازعا في الحائط فهو لصاحب الاسفل ولا ترفع جذوع الآخر، وأنت خبير بأن هذا مقيد لكلامهم، ولكن لا تظهر ثمرة ذلك إلا في التصرف في الحائط وعمارته، فافهم.(2/171)
ثم قال صاحب المنتقى: وإن كان لاحدهما ثلاثة وللآخر واحد فهو لصاحب الثلاثة، إلا موضع الجذع الواحد وهو الاصح، وما بين الجذوع قيل يكون بينهما نصفين، وقيل يكون على أحد عشر جزءا.
وإن كان الحائط طويلا وكل واحد منهما منفرد ببعض الحائط في الاتصال ووضع الجذوع قضى لكل واحد بما يوازي ساحته من الحائط وما بينهما من القضاء يقضي بكونه بينهما نصفين.
لكل واحد منهما بوار وهو القصب فهو بينهما.
لاحدهما عليه جذوع وللآخر عليه بوار يقضي به لصاحب الجذوع ولكن لا يؤمر برفع البواري.
لاحدهما عليه خشب وللآخر عليه حائط سترة فالحائط الاسفل لصاحب الخشب ولصاحب
السترة سترته، ولو تنازعا في الحائط والسترة جميعا فهما لصاحب الخشب ا ه ما في المنتقى.
وقال برهان الدين الكركي في الفيض: حائط ادعاه رجلان وغلق الباب إلى أحدهما يقضي بالحائط والباب بينهما نصفين عند أبي حنيفة، وعندهما الحائط بينهما والباب للذي الغلق إليه، وأجمعوا أنه إذا كان للباب غلقان في كل جانب واحد فهو بينهما.
وذكر فيه أيضا: رجلان ادعيا حائطا وليس الحائط متصلا ببناء أحدهما وليس لاحدهما جذوع أو غيرها يقضي به بينهما، وإن كانت لاحدهما هرادي أو بوار فكذلك، وإن كان لاحدهما عليه جذع واحد ولا شئ للآخر أو له عليه هرادي لم يذكر في الكتاب.
قال بعضهم: لا يترجح بجذع واحد.
وقد روي عن محمد: يقضي له، ولو كان لاحدهما عليه خشبة وللآخر عليه عشر خشبات يقضي به لصاحب العشرة وللآخر موضع جذعه.
والصحيح أن الحائط لصاحب الجذوع ولا ينزع جذع الآخر.
أقول: أي لان الملك الثابت بكثرة الجذوع هاهنا ثابت بنوع الاستظهار فهو صالح للدفع لا لابطال حق صاحب الجذع، بخلاف ما لو أقام صاحب الجذوع البينة كان الحائط له البتة فإنه يرفع جذع الآخر كما بينه صاحب الذخيرة، وسيأتيك بأوضح من هذا.
وعن أبي يوسف أن الحائط بينهما على أحد عشر سهما.
ولو كان لاحدهما عليه جذعان وللآخر عشرة اختلف المشايخ فيه.
قال بعضهم: جذعان بمنزلة جذع واحد.
وقال بعضهم: بمنزلة الثلاثة، ولو كان لاحدهما ثلاثة وللآخر عشرة فهو بينهما، وكذا لو كان لاحدهما خمسة وللآخر عشرة فهو بينهما نصفين وقيل أثلاثا.
تنازعا في خص أو حائط بين داريهما ولا بينة والقمط: أي الحبل الذي يشد به الخص والوجه: أي وجه الحائط أو الطاقات أو أنصاف اللبن إلى أحدهما.
قال أبو حنيفة: هو بينهما إذ الانسان كما يجعل المذكور إلى جانبه في ملكه الخاص يجعله إلى جانبه في المشترك أيضا إذا تولى العمل فلا يصلح حجة.
وقالا: هو لمن المذكور إلى جانبه إذ الظاهر يشهد له، لان الانسان يزين وجه داره إلى نفسه لا إلى جاره، وكذا القمط لانه وقت العقد يقول على سطحه فيجعل القمط إليه.
زاد في الهندية: هذا إذا جعل وجه البناء حين بنى.
وأما إذا جعل الوجه بعد البناء بالنقش
والتطيين فلا يستحق به الحائط في قولهم جميعا.
كذا في غاية البيان شرح الهداية قوله: (أو متصل به) الاوضح أن يقول: أو هو متصل ببنائه اتصال تربيع.
قوله: (بأن تتداخل أنصاف لبناته) أي مثلا فدخل الآجر والحجر.
واختلف في صفة اتصال التربيع، فقال الكرخي: صفته أن يكون الحائط المتنازع فيه متصلا(2/172)
بحائطين لاحدهما من الجانبين جميعا والحائطان متصلان بحائط له بمقابلة الحائط المتنازع فيه حتى يصير مربعا يشبه القبة، فحينئذ يكون الكل في حكم شئ واحد.
والمروي عن أبي يوسف أن اتصال جانبي الحائط المتنازع فيه بحائطين لاحدهما يكفي، ولا يشترط اتصال الحائطين بحائط له بمقابلة الحائط المتنازع فيه.
وعبارة الكافي: هو أن يكون أحد طرفي الآخر في هذا الحائط والطرف الآخر في الحائط الآخر حتى يصير في معنى حائط واحد وبناء واحد فيكون ثبوت اليد على البعض ثبوتا على الكل، وهو عين ما روي عن أبي يوسف، ومعنى التربيع فيما قال الكرخي أظهر.
وفي الهندية: وذكر الطحاوي: إن كان متصلا بحائط واحد يقع به الترجيح.
قالوا: والصحيح رواية الطحاوي ا ه.
وعزاه إلى محيط السرخسي.
قوله: (ولو من خشب) عطف على محذوف تقديره: إذا كان الحائط من لبن ولو من خشب الخ.
قوله: (لدلالة) هذه علة لكون صاحب اتصال التربيع أولى.
قوله: (على أنهما) أي الحائط المتنازع فيه والحائطين المتصلين به.
قوله: (ولذا سمي بذلك) أي لكونهما بنيا معا سمى باتصال التربيع قد علمت تفسير اتصال التربيع على قول الكرخي وهو ظاهر وتسميته به على قول أبي يوسف باعتبار التربيع في حائطيه باللبنات.
قوله: (يبنى مربعا) هذا إنما يظهر على قول الكرخي.
قوله: (لا لمن له اتصال ملازقة) بأن يكون الحائط المتنازع فيه ملازقا لحائط أحدهما من غير إدخال فيه.
قوله: (أو نقب وإدخال) وهذا فيما لو كان من خشب: أي بأن نقب وأدخلت الخشبة فيه، وهذا محترز.
قوله: (في حائط الخشب)، بأن تكون الخشبة مركبة في الاخرى.
قال البدر العيني: وإذا كان الجدار من خشب فالتربيع أن يكون ساج أحدهما مركبا على
الآخر.
وأما إذا نقب وأدخل فلا يكون مربعا فلا عبرة به ولا باتصال الملازقة من غير تربيع لعدم المداخلة فلا يدل على أنهما بنيا معا ا ه.
ومثله فيما يظهر النقب في جدار نحو اللبن.
قوله: (أو هرادي) جمع هردية: قصبات تضم ملوية بطاقات من الكرم فترسل عليها قصبات الكرم، كذا في ديوان الادب، وصحح فيها الحاء والهاء جميعا، وأنكر الهاء صاحب الصحاح، والرواية في الاصل والكافي للشهيد بالحاء.
وفي الجامع الصغير وشرح الكافي بالهاء لا غير.
شلبي في الحاشية ملخصا.
وفي المنح: هي خشبات توضع على الجذوع ويلقى عليها التراب.
وفي الواني: هي جمع هردي بكسر الهاء وسكون الراء وفتح الدال المهملتين وقصر الالف.
وفي منهوات العزمية: الهردية بضم الهاء وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة والياء المشددة.
والهرادي بفتح الهاء وكسر الدال: نوع من النبت، وقيل قصب يوضع فوق الحائط فهي كالزرب أو المكعب.
ومثل الهرادي البواري، وهي والبوري والبورية والبورياء والباري والبارياء والبارية: الحصير المنسوج، وإلى بيعه ينسب الحسن بن الربيع البواري شيخ البخاري ومسلم كما في القاموس.
قوله: (بل صاحب الجذع الواحد الخ) قال في غاية البيان: والثلاث هي المعتبرة، حتى لو كان لاحدهما ذلك وللآخر أكثر لا اعتبار له، فالحائط(2/173)
بينهما، ولو كان لاحدهما جذع أو اثنان وللآخر ثلاثة أو أكثر فهو له، وأما لصاحب ما دون الثلاثة فموضع جذوعه: يعني ما تحته في رواية، وله حق الوضع في رواية ا ه.
وفي نور العين: ولو لاحدهما جذع واحد وللآخر هرادي أو لا شئ له لم يذكره محمد في ظاهر الرواية، وقد قيل لا يقضي به له إذ الحائط لا يبنى لوضع جذع واحد.
وعن محمد: إنه لرب الجذع، إذا له مع اليد نوع استعمال، إذا وضعه استعمال حتى قض ء لرب الجذع فيكون واحدها استعمالا للحائط بقدره وليس للآخر ذلك، وقد يبنى الحائط لوضع جذع واحد لو كان البيت صغيرا، وهذا كله لو لم يتصل الحائط ببنائهما، فلو اتصل اتصال تربيع أو ملازقة قيقضى به نصفين بينهما إذا ستويا ا ه.
وفي الزيلعي: وإذا كان لاحدهما جذع واحد ولا شئ للآخر اختلف المشايخ فيه: فقيل: هما سواء لان الواحد لا يعتد به، وقيل: صاحب الجذع أولى لان الحائط قد يبنى لجذع واحد، وإن كان
غير غالب.
قال في شرح الملتقى للداماد: والهرادي غير معتبرة، وكذا البواري لانه لم يكن استعمالا وضعا، إذ الحائط لا يبنى لها بل للتسقيف، وهو لا يمكن على الهرادي والبواري كما في الدرر انتهى.
وفيه: ولا معتبر بكثرة الجذوع وقتها بعد أن تبلغ ثلاثا، لان الترجيح بالقوة لا بالكثرة على ما بينا، واشترط أن يبلغ الثلاث لان الحائط يبنى للتسقيف وذلك لا يحصل بما دون الثلاث غلبا فصار الثلاث كالنصاب له ا ه.
فتأمل.
قوله: (وقيل لذي الجذوع) وصححه السرخسي، وصحح الاول الجرجاني.
وقال في المحيط: الايدي على ثلاث مراتب: اتصال تربيع واتصال ملازقة ومجاورة، ووضع جذوع محاذاة بناء.
ولا علامة في الحائط سوى هذا، فأولاهم صاحب التربيع، فإن لم يوجد فصاحب الجذوع، فإن لم يوجد فصاحب المحاذاة ا ه.
قال في الخلاصة: وإن كان كلا الاتصالين اتصال تربيع أو اتصال مجاورة يقضى بينهما، وإن كان لاحدهما تربيع وللآخر ملازقة يقضى لصاحب التربيع، وإن كان لاحدهما تربيع وللآخر عليه جذوع فصاحب الاتصال أولى، وصاحب الجذوع أولى من اتصال الملازقة، ثم في اتصال التربيع هل يكفي من جانب واحد؟ فعلى رواية الطحاوي يكفي، وهذا أظهر، وإن كان في ظاهر الرواية يشترط من جوانبه الاربع، ولو أقاما البينة قضى لهما، ولو أقام أحدهما البينة قضي له ا ه.
وقدمنا نحوه.
قوله: (وتمامه في العيني وغيره) قال العلامة العيني: ولو كان لكل واحد منهما ثلاثة جذوع فهو بينهما لاستوائهما في أصل العلة، ولا يعتبر بالكثرة والقلة بعد أن تبلغ ثلاثة، وإنما شرطت الثلاثة، لان الحائط يبنى للتسقيف وذلك لا يحصل بدون الثلاثة غالبا فصارت الثلاثة كالنصاب له، ولو لاحدهما ثلاثة وللآخر أقل فهو لصاحب الثلاثة.
استحسنه الامام.
والقياس المناصفة وقد روي عنه أيضا.
ثم لصاحب الجذع الواحد أو الاثنين حق الوضع، لانا حكمنا بالحائط لصاحب الجذوع: أي الثلاثة فأكثر بالظاهر، وهو يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق، فلا يؤمر بالقلع إلا إذا ثبت بالبينة أن الحائط لصاحب الجذوع فحينئذ يؤمر بالقلع ا ه.
وهل الحكم كذلك إذا أقر له به؟ الظاهر نعم.
قال في جامع الفصولين برمز (جع): جذوع أحدهما في أحد النصفين وجذوع الآخر في
النصف فلكل منهما ما عليه جذوعه، وما بين النصفين والجذوع أولى من السترة، فالحائط لرب الجدوع، وكذا السترة لو تنازعا فيها، ولو توافقا أن السترة للآخر لا ترفع كمن له سفل وتنازعا في(2/174)
سقفه وما عليه فالكل لذي السفل، ولو توافقا أن العلو للآخر لا يرفع إلا إذا برهن.
ا ه: أي لانه هو المتنازع فيه، فإذا برهن ذو السفل أن السقف له رفع ما هو موضوع عليه بغير حق، فتأمل.
وإنما لم يرفع أولا قبل إقامة البينة، لان الظاهر أن وضعه بحق، ولم يحكم له بالسفل لان الظاهر يصلح للدفع لا للاستحقاق وهو لصاحب السفل كما هو صريح الخانية.
فإن قلت: ما الفرق بين ثبوته بالبينة حيث يرفع بها وبين ثبوته بظاهر اليد ولم يرفع؟ قلت: البينة كاسمها بينة، وهي حجة متعدية فيلزم بها الرفع، واليد حجة لصاحب الحال فصلحت للدفع لا للرفع، فتأمل.
ومما يتصل بمسائل الحيطان ما نقله في الهندية: ولو كان لاحد المدعيين على الحائط المتنازع فيه أزج من لبن أو آجر: أي ضرب من الابنية فهو بمنزلة السترة.
كذا في فتاوى قاضيخان.
جذوع شاخصة إلى دار رجل ليس له أن يجعل عليها كنيفا إلا برضا صاحب الدار وليس لصاحب الدار قطعها إذا أمكنه البناء عليها، وإن لم يمكن البناء عليها بأن كانت جذوعا صغارا أو جذعا واحدا ينظر: إن كان قطعها يضر ببقية الجذوع ويضعفها لا يملك القطع، وإن لم يضر بها يطالبه بالقطع، ولو أراد صاحب الدار أن يعلق على أطراف هذه الجذوع شيئا ليس له ذلك.
كذا في محيط السرخسي.
جدار بين اثنين لهما عليه حمولة غير أن حمولة أحدهما أثقل فالعمارة بينهما نصفين.
ولو كان لاحدهما عليه حمولة وليس للآخر عليه حمولة والجدار مشترك بينهما: قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى: للآخر أن يضع عليه بمثل حمولة صاحبه إن كان الحائط يحتمل ذلك، ألا ترى أن أصحابنا رحمهم الله تعالى قالوا في كتاب الصلح: لو كان جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه إن كان يحتمل ذلك، ولم يذكروا أنه قديم أو حديث.
كذا في الخلاصة في كتاب الحيطان.
وإن لم يكن
لهما عليه خشب فأراد أحدهما أن يضع عليه خشبا له ذلك وليس للآخر أن يمنعه ويقال له: ضع أنت مثل ذلك إن شئت.
كذا في الفصول العمادية.
لو كان لاحدهما عليه جذوع وليس للآخر عليه جذوع فأراد أن يضع والجدار لا يحتمل جذوع اثنين وهما مقران بأن الحائط مشترك بينهما، يقال لصاحب الجذوع إن شئت فارفع ذلك عن الحائط لتستوي بصاحبك، وإن شئت فحط عنه بقدر ما يمكن لشريكك من الحمل، كذا في الخلاصة.
جدار بين رجلين لاحدهما عليه بناء فأراد أن يحول جذوعه إلى موضع آخر: قال: إن كان يحول من الايمن إلى الايسر أو من الايسر إلى الايمن ليس له ذلك، وإن أراد أنى يسفل الجذوع فلا بأس به، وإن أراد أن يجعله أرفع عما كان لا يكون له ذلك.
كذا في فتاوى قاضيخان.
حائط بينهما وكان لكل واحد جذوع فللذي هو صاحب السفل أن يرفعها بحذاء صاحب الاعلى إن لم يضر بالحائط، ولو أراد أحدهما أن ينزع جذوعه من الحائط له ذلك إن لم يكن في نزعه ضرر بالحائط، هكذا في الفصول العمادية.
إذا كانت جذوع أحدهما مرتفعة وجذوع الآخر متسفلة فأراد أن ينقب الحائط لينزل فيه الخشب هل له ذلك؟ قيل ليس له ذلك.
وكان أبو عبد الله الجرجاني يفتي بأن له ذلك.
وقيل: ينظر: إن كان(2/175)
ذلك مما يوجب فيه وهنا لم يكن له ذلك، وإن كان مما لا يدخل فيه وهنا فله ذلك.
كذا في محيط السرخسي.
جدار بين رجلين أراد أحدهما أن يزيد في البناء لا يكون له ذلك إلا بإذن الشريك، أضر الشريك ذلك أو لم يضر.
كذا في فتاوى قاضيخان.
قال أبو القاسم: حائط بين رجلين انهدم جانب منه فظهر أنه ذو طاقين متلازقين فيريد أحدهما أن يرفع جداره ويزعم أن الجدار الباقي يكفيه للستر فيما بينهما قبل أن يتبين أنهما حائطان فكلا الحائطين بينهما، وليس لاحدهما أن يحدث في ذلك شيئا بغير إذن شريكه، وإن أقرا أن كل حائط لصاحبه فلكل واحد منهما أن يحدث فيه ما أحب.
كذا في الفتاوى الصغرى في كتاب الحيطان.
جدار بين اثنين وهى وأراد أحدهما أن يصلحه وأبى الآخر ينبغي أن يقول له: ارفع حمولتك بعمد لاني أرفعه في وقت كذا ويشهد على ذلك، فإن فعل فبها، وإن لم يفعل فله أن يرفع الجدار، فإن سقطت حمولته لا يضمن، كذا في الخلاصة.
وعن الشيخ الامام أبي القاسم: جدار بين رجلين لاحدهما عليه حمولة ليس للآخر شئ فمال الجدار إلى الذي لا حمولة فأشهد على صاحب الحمولة فلم يرفعه مع إمكان الرفع بعد الاشهاد حتى انهدم وأفسد شيئا قال: إذا ثبت الاشهاد وكان مخوفا وقت الاشهاد يضمن المشهود عليه نصف قيمة ما أفسد من سقوطه.
هكذا في فتاوى قاضيخان.
قال أبو القاسم: حائط بين رجلين لاحدهما عليه غرفة والآخر عليه سقف بيته فهدما الحائط من أسفله ورفعا أعلاه بالاساطين ثم اتفقا جميعا حتى بنيا فلما بلغ البناء موضع سقف هذا أبى صاحب السقف أن يبنى بعد ذلك لا يجبر أن ينفق فيما جاوز ذلك.
كذا في الصغرى رجل له ساباط أحد طرفي جذوع هذا الساباط على حائط دار رجل فتنازعا في حق وضع الجذوع فقال صاحب الدار: جذوعك على حائطي بغير حق فارفع جذوعك عنه وقال صاحب الساباط: هذه الجذوع على حائطك بحق واجب، ذكر صاحب كتاب الحيطان الشيخ الثقفي أن القاضي يأمره برفع جذوعه.
وقال الصدر الشهيد رحمه الله تعالى: وبه يفتى.
وإن تنازعا في الحائط يقضى بالحائط لصاحب الدار في ظاهر مذهب أصحابنا لان الحائط متصل بملك صاحب الدار وبالاتصال تثبت اليد، ولكن هذا إذا كان اتصال اتصال تربيع، إما إذا كان اتصال ملازقة فصاحب الساباط أولى.
وهكذا في المحيط في كتاب الحيطان.
الكل الهندية.
أقول: ثم التصرف في الحائط المشترك بعد ثبوته شرعا قسمان: ممتنع إلا بإذن شريكه وهو مقتضى شركة الملك والقياس.
وجائز لضرورة منفعة الاشتراك لغير إذن شريكه.
أما الممتنع فهو زيادة خشب على خشب شريكه أو اتخاذ ستر عليه أو فتح كوة أو باب، وهو محل إطلاقهم الواقع في بعض عباراتهم من أنه ليس له: أي الشريك أن يحدث في الحائط المشترك حدثا بغير إذن شريكه أو يزيد عليه.
وأما الجائز بغير إذنه فله صور: منها: ما هو جائز باتفاق، وهو ما إذا لم يكن عليه لواحد منهما خشب فأراد أحدهما أن يضع عليه خشبا له ذلك، ولا يكون لصاحبه منعه ولكن يقال له: ضع أنت مثل ذلك إن شئت.(2/176)
ومنها: ما هو جائز بالاتفاق أيضا، وهو ما إذا كان له جذوع ولشريكه أكثر منها فله المساواة باتفاق كلماتهم، كما ستطلع عليه قريبا إن شاء الله تعالى، كذا قالوا.
وأقول: هذه المسألة، وهي ما إذا كانت حمولته محدثة ينبغي أن تكون عين المسألة الاولى الجائزة بالانفاق، فتأمل.
ومنها: ما هو مقيد على قول والراجح الاطلاق، وهي ما إذا كان لاحدهما عليه حمولة وليس للآخر ذلك فأراد أن يحدث حمولة فالمرجح له أن يحدث إذا كان الحائط يحتمل ذلك.
وقال بعضهم في هذه الصورة: إن كانت حمولة صاحبه محدثة فله ذلك، وإن كانت قديمة فليس له ذلك.
ثم في هذه الصورة على الراجح قد صرحوا بأنه إن كان الحائط لا يحتمل حمولتين يؤمر الآخر برفع حمولته لتحصل التسوية مع صاحبه أو برفع البعض لتمكن شريكه من الحمل فهو كالمهايأة.
ومنها: ما هو مقيد بعدم المضرة، وهو ما إذا كان لهما عليه حمولة وحمولة أحدهما أسفل من حمولة الآخر فأراد هو أن يرفع حمولته ويضعها بإزاء حمولة صاحبه فله ذلك وليس لصاحبه منعه، وكذا لو كانت حمولة أحدهما في وسط الجدار وحمولة الآخر في أعلاه فأراد أن يضع حمولته في أعلى الجدار له ذلك إذا لم يدخل على الاعلى مضرة، وكذا إذا أراد أن يسفل الجذوع، وقيده بعضهم بما إذا انهدم أو هدماه، لانه إذا يحصل ذلك يحصل مضرة ولا بد، والمدار في أجناس هذا على عدم الضرر.
ومنها: ما هو مختلف فيه وهو التعلي، وهو أن يزيد في أعلى الجدار في هواء المشترك كان للآخر منعه لانه تصرف في شئ مشترك، وهو المروي عن محمد، وقيل لا يمنع.
أقول والحاصل: أن في مسألة التعلي ثلاثة أقوال أحدها: له التعلي مطلقا.
ثانيها: له بما إذا لم يكن خارجا عن الرسم المعتاد، واعتمده ابن الشحنة والشرنبلالي.
ثالثها: المنع مطلقا، واعتمده
قاضيخان واقتصر عليه في الخيرية فكان عليه الاعتماد، وبالعمل به صدر الامر السلطاني وجرى عليه في المجلة في مادة ألف ومائتين وعشرة.
قال في الذخيرة: إذا كان الحائط بين رجلين وليس لواحد منهما فأراد أحدهما أن يضع عليه خشبا له ذلك، ولا يكون لصاحبه أن يمنعه عن ذلك ولكن يقال أنت ضع مثل ذلك إن شئت، هكذا حكى الامام النيسابوري.
وكان بين هذا وبين ما إذا كان لهما عليه خشب فأراد أحدهما أن يزيد عليه خشبا على خشب صاحبه وأراد أن يتخذ سترا أو يفتح كوة أو بابا حيث لا يكون له ذلك إلا بإذن صاحبه وكان لصاحبه ولاية المنع.
والفرق أن القياس أن لا يكون له ولاية وضع الخشب من غير إذن شريكه لانه تصرف في شئ مشترك، إلا إذا تركنا القياس لضرورة أنا لو منعناه عن وضع الخشب من غير إذن شريكه ربما لا يأذن له شريكه في ذلك، فتتعطل عليه منفعة الحائط.
وهذه الصورة معدومة في زيادة الخشب وفتح(2/177)
الكوة فيرد لي القياس ا ه.
ومثله في البزازية وغيرها من الكتب المعتبرة، لكنه مقيد في البزازية بما إذا كان الحائط يحتمل ذلك، وهذا القيد لا بد منه في أمثال هذا.
وعبارة الذخيرة أغفلته وقيدناه فيما أسلفناه لك، فتنبه.
قال السرخسي في الوجيز عن النوادر حائط بين رجلين ولاحدهما عليه عشر خشبات وللآخر أربع فلصاحب الاربع أن يتم عشر خشبات مثل صاحبه وليس له الزيادة، وإن كان لاحدهما عليه خشب ولا شئ للآخر عليه فأراد أن يحمل مثل خشب صاحبه، قيل له ذلك، وقيل ليس له ذلك ا ه.
فانظر كيف نقل الخلاف في الصورة الثانية ولم يحكه في الاولى، والفرق بينهما واضح كما ستقف عليه.
قال برهان الدين الكركي في الفيض من كتاب الحيطان: حائط بين رجلين وكان لاحدهما عليه جذوع أكثر من جذوع الآخر فلصاحب القليل أن يزيد في جذوعه حتى تكون مثل جذوعه صاحبه ا ه.
وفي العمادية: ولو كان جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه إذا كان الحائط يحتمل ذلك ولم يفصلوا بين القديم والحديث ا ه.
قال في الخانية: ولو كان الحائط بين داري رجلين كل واحد منهما يدعيه ولكل واحد منهما عليه جذوع يقضي بينهما نصفين هو المختار، فإن كانت جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه حتى تكون مثل جذوع الآخر، وهذا إذا كان الحائط يحتمل الزيادة، فإن كان لا يحتمل ليس له أن يزيد ا ه.
قلت: وانظر إلى قوله وكل واحد يدعيه إلى قوله يقضي نجده صريحا في أنه لا يلزم في هذه الصورة أن يكون الحائط ثابتا بالبينة بينهما، خلافا لمن وهم من أنها لا تثبت المساواة في وضع الجذوع إلا إذا ثبت الحائط لهما بالبينة، ومنشؤه أخذا من عبارة الذخيرة وذلك من عدم التأمل بها.
وحاصل عبارة الذخيرة: أن الملك الثابت بنوع ظاهر كالاتصال والتربيع لا يصلح لابطال حق الآخر، لانا هاهنا لم نبطل حق الآخر بل قصدنا المساواة، نعم هذا يظهر من يثبت له الحائط بالتربيع وكان لصاحبه جذوع فليس له أن يرفع جذوع الآخر إلا إذا ثبت الحائط بالبينة فله رفع جذوع لآخر كما ستراه في عبارة الذخيرة، هذا وقد اتفقت كلمتهم في كتاب الصلح على أنه لو كان جذوع أحدهما أكثر، فللآخر أن يزيد في جذوعه إن كان يحتمل.
ولما كانت هذه المسألة اتفاقية قاس عليها الفقيه أبو الليث المسألة الثالثة، وهي ما إذا كان لاحدهما عليه جذوع وأراد الآخر أن يحدث جذوعا فرجع هو والحسام الشهيد وهما من أهل الترجيح جواز إحداث الجذوع أيضا مطلقا قديمة كانت الاولى أو لا، وإن كان بعضهم قد أبدى فرقا بين الحديثة والقديمة كما ستطلع عليه.
قال الحسام الشهيد في الفتاوى الصغرى: ولو كان لاحدهما عليه حمولة وليس للآخر عليه حمولة ويريد الذي لا حمولة له أن يضع على هذا الجدار حمولة مثل حمولة شريكه، إن كانت حمولته عليها محدثة فللآخر أن يضع عليه حمولة مثلها، وإن كانت الحمولة التي له قديمة فليس للآخر أن يضع حمولة.
قال الفقيه أبو الليث: للآخر أن يضع عليه حمولة مثل حمولة صاحبه إن كان الحائط يحتمل مثل ذلك مطلقا:(2/178)
أي سواء كانت حمولة صاحبه محدثة أو قديمة، ألا ترى أن أصحابنا قالوا في كتاب الصلح: لو كان جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه إن كان يحتمل ذلك، ولم يشترطوا لا قديما ولا حديثا.
وقال أبو القاسم: في حائط بين رجلين لاحدهما عليه جذوع فأراد الآخر أن ينصب عليه جذوعا فمنعه من ذلك صاحبه والجدار لا يحتمل ذلك: أي الحملين يقال لصاحب الجذوع إن شئت فحط حملك لتستوي مع صاحبك ك، وإن شئت فحط عنه ما يمكن شريكك من الحمل، لان البناء الذي عليه إن كان بغير رضا صاحبه فهو معتد ظالم، وإن كان بإذن صاحبه فهو عارية، ألا يرى أن دارا بين رجلين وأحدهما ساكنها، فأراد الآخر أن يسكن معه والدار لا تسع لسكنهما فإنهما يتهايان بها، كذا هنا قال الفقيه أبو الليث: وروينا عن أبي بكر خلاف هذا، وبقول أبي القاسم نأخذ.
ووجه القائل بالمنع الفرق، لجواز أن يكون هذا مستحقا لاحدهما من أصل الملك وذلك حال القسمة بأن يقع الحائط بنصيب أحدهما ويكون للآخر عليه حق الخشب، أما تلك المسألة وهي ما لو كان لكل واحد منهما عليه خشبات ففيها دل على أن التصرف في الابتداء ثبت لهما فيثبت بعد ذلك لهما.
كذا في شرح الوهبانية لابن الشحنة.
أقول: ومقتضى كلامه أن المسألة الثانية اتفاقية، فافهم.
والحاصل: أن كلا الشريكين إذا لم يكن لهما عليه حمولة صاحبه كان لكل واحد منها وضع حمولة بلا إذن شريكه اتفاقا، وأن أحد الشريكين إذا كان له حمولة أنقص من حمولة صاحبه كان له المساواة اتفاقا أيضا، وأن أحد الشريكين إذا كان له حمولة والثاني لا حمولة له كان له أن يساوي مع صاحبه، على ما رجحه أبو الليث والحسام الشهيد قياسا على المسألة الاتفاقية كما تقدم، وأن أحد الشريكين إذا أراد أن يسفل الجذوع أو يعليها أو يتوسط بها للمساواة عند عدم الضرر له ذلك، وأن أحد الشريكين إذا أراد أن يعلي بأن يزيد في الجدار في هواء مشترك لم يكن للآخر منعه، والمروي عن محمد له المنع، ولذا قدمه ابن وهبان في المنظومة بقوله:
وما لشريك أن يعلي حيطه وقيل التعلي جائز فيعمر وعلى المنع مطلقا مشى في الخانية فليكن هو المعول.
وفي الفصولين: ولو أراد أحدهما نزع جذوعه من الحائط فله ذلك لو لم يصر بالحائط.
وفيه: انهدم حائط بينهما فبنى أحدهما فإنه وجهين: إما عليه حمولة أو لا.
والاحكام ثلاثة: أحدها طلب أحدهما قسمة عرصة الحائط وأبى الآخر.
والثاني أراد أحدهما أن يبنى ابتداء بلا طلب القسمة وأبى الآخر.
وثالثها لو بناه بلا إذن شريكة هل يرجع عليه بشئ.
أما الوجه الاول وهو عدم الحمولة عليه، فأما الحكم الاول وهو طلب القسمة وإباء الآخر فقد ذكر في بعض المواضع مطلقا أنه لا يجبر، وبه نأخذ ص.
أما لو لم تكن عرصة الحائط عريضة بحيث لو قسمت لا يصيب كلا منهما شئ يمكنه أن يبني فيه فظاهر لتعنته في طلب القسمة، وأما لو عريضة بحيث يصيب كلا منهما ما يمكن البناء فيه فلان القاضي لو قسم يقرع بينهما، وربما يخرج في قرعة كل منهما ما يلي دار شريكه فلا ينتفع به فلا تقع القسمة مفيدة، وإليه أشار م فيما روى عنه هشام: انهدم حائط بينهما فقال أحدهما أقسم والآخر أبى قال لا أقسم بينهما إذ ربما يصيب كلا(2/179)
منهما ما يلي دار شريكه.
وبعض المشايخ قالوا: لو كان القاضي لا يرى القسمة إلا بإقراع لا يستقيم لما مر.
وأما لو يراها بلا إقراع فيقسمه لو كانت العرصة عريضة على وجه مر ويجعل نصيب كل منهما مما يلي داره تتميما للمنفعة عليهما.
مطلب: لو كانت عرصة الحائط عريضة تقسم بينهما ويعطى كلا من جهة داره بلا قرعة ويجبر الآبي به يفتى وقال ص: لو عريضة فالقاضي يجبر الآبي على كل حال وبه يفتى، إذ العرصة لو عريضة على وجه مر فطالب القسمة طلب بها تتميم المنفعة عليه فيجبر شريكه عليه كدار وأرض.
س: يجبر الآبي على قسمة حائط بينهما وذكر الجبر بلا فصل بين العريضة وغيرها ا ه.
أقول: يؤخذ من هذا جواب حادثة الفتوى، وهي دار لزيد ودار أخرى مشتركة بينه وبين عمرو
أراد زيد قسمتها وأخذ حصته منها من جهة داره حيث لا يمكن الاتصال إليها إلا من داره والدار قابلة للقسمة والمعادلة ممكنة فللقاضي قسمتها على هذا الوجه وإن لم يرض عمرو بذلك، ولا تلزم القرعة في هذا، على أن القرعة ليست بواجبة على القاضي، غاية ما في الباب أنهم قالوا: وينبغي أن يقرع بينهما تطييبا لقلوبهما، ولا نقول إن ينبغي هنا بمعنى يجب لما أنهم صرحوا في غير ما كتاب أنها مستحبة، لا سيما وفيه رفع الضرر عن أحدهما وعدم الضرر بالآخر، فتأمل وراجع.
وفي الفصولين: الحكم الثاني أراد أحدهما أن يبنى ابتداء بلا طلب القسمة وأبى الآخر، فلو عرصة الحائط عريضة بحيث لو قسمت أصاب كل واحد منهما ما يمكنه أن يبني فيه حائطا لنفسه لا يجبر على البناء في ملك شريكه إلا إذا تضرر شريكه بتركه ولا ضرر هنا، ولو غير عريضة فاختلف المشايخ، قيل لا يجبر، وقيل يجبر وهو الاشبه، إذا بتركه يتضرر شريكه بتعطيل منافع الحائط والباني لا يتضرر إذ يحصل له بدل ما أنفق، ومال إلى الثاني الشيخ الامام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل والشيخ الامام الاجل شمس الائمة.
الحكم الثالث: لو بنى أحدهما بلا إذن شريكه هل يرجع على شريكه بشئ؟ اختلف المشايخ فيه: قيل لا يرجع مطلقا، وهكذا ذكر في كتاب الاقضية، وهكذا ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى في النوازل عن أصحابنا.
وقيل لو عريضة على ما بينا لا يرجع لانه غير مضطر فيه، وإن كانت غير عريضة يرجع.
قلت: لاحدهما أن يمتنع من البناء إذ له أن يقاسم أرض الحائط نصفين، ولو بنى أحدهما لا يرجع على شريكه إذ ليس له أخذه بالبناء.
الوجه الثاني: لو كان على الحائط حمولة بأن كان عليه جذوع فهو على وجهين: أحدهما وهو ما لو كان لهما عليه جذوع وطلب أحدهما قسمة عرصة الحائط لا يجبر شريكه عليها إلا عن تراض منهما ولو عريضة على ما بينا إذ تعلق حق كل منهما بكل العرصة وهو وضع الجذوع على جميع الحائط، فلو قسمت بلا رضا أحدهما يسقط عما حصل لشريكه بلا رضاه وأنه لم يجز، فإذا أراد أحدهما البناء وأبى الآخر قال ض: لا يجبر لو عريضة.
وذكر شيخ الاسلام أنه لا يجبر بلا تفصيل.
ذكر شح أنه يجبر من غير تفصيل، وبه يفتى.
إذا في عدم الجبر تعطيل حق شريكه إذ له حق وضع الجذوع على جميع الحائط.
ولو بنى أحدهما بدون إذن شريكه، قيل لو عريضة على ما فسرنا لا يرجع الباني ويكون
متطوعا، وكذا عن محمد وهو الصحيح، إذ للثاني حق وضع الجذوع على جميع الحائط ولا يتوصل إليه إلا ببناء جميع الحائط فكان مضطرا في البناء فلا تبرع، كما لو غير عريضة فبناه أحدهما ا ه.
وفي(2/180)
الهندية: هكذا ذكر الخصاف في نفقاته.
وبعض مشايخنا قالوا: لا يكون متطوعا، وإليه إشار في كتاب الاقضية، وهكذا روي عن ابن سماعة في نوادره رحمه الله تعالى وهو الاصح.
هكذا في المحيط.
قال صاحب جامع الفصولين أقول: مر أن الفتوى على أن شريكه يجبر على البناء ولا اضطرار فيما يجبر، وسيجئ تحقيقه فينبغي أن تكون الفتوى على أنه متبرع، والله تعالى أعلم.
وإن كان بناه بإذنه ليس له أن يمنعه، لكن يرجع عليه بنصف ما أنفق.
كذا في فتاوي قاضيخان.
صل: انهدم حائطهما وعليه جذوع لاحدهما وطلب رب الجذوع البناء من شريكه لا يجبر عليه ويقال لهما إن شئتما اقتسما أرض الحائط، ولو شاء رب الجذوع البناء وأراد الآخر القسمة يقسم بينهما نصفين.
الوجه الثاني من هذا الوجه: لو لاحدهما عليه حمولة وطلب هو القسمة وأبي الاخير يجبر الآبي لو عريضة كما مر وهو الصحيح، وبه يفتي ولو أراد ذو الحمولة البناء وأبى الآخر فالصحيح أنه يجبر لما مر فيما لهما عليه حمولة.
ولو بنى ذو الحمولة فحكمه حكم مالهما عليه حمولة فالصحيح أنه يرجع لما مر ثمة أنه مضطر.
ولو بناه الآخر وعرصة الحائط عريضة كما مر فهو متبرع إذا لم يضر في البناء إذ لا يجبر به حقا لنفسه، ثم في كل محل لم يكن الباني متبرعا كما له أو لهما عليه حمولة كان للباني منع صاحبه من الانتفاع إلى أن يرد عليه ما أنفق أو قيمة البناء على ما اختلفوا فيه على ما يأتي إن شاء الله تعالى، فلو قال صاحبه أنا لا أتمتع بالبناء هل يرجع الباني؟ قيل لا يرجع، وقيل يرجع.
شجي: رب العلو يرجع على رب السفل بقيمة السفل مبنيا لا بما أنفق.
فض يرجع بما أنفق في السفل، وأما في الحائط المشترك فيرجع بنصف ما أنفق.
واستحسن بعض المتأخرين فقالوا: لو بنى بأمر القاضي يرجع بما أنفق، ولو بنى بلا أمر
القاضي رجع بقيمة البناء.
لاحدهما بناء وأبى جاره أن يبني لا يجبر قال ت: هو القياس وهو قول علمائنا وقال بعضهم: لا بد من بناء يكون سترا بينهما وبه نأخذ، وإنما قال أصحابنا إنه لا يجبر لانهم كانوا في زمن الصلاح، أما في زماننا فلا بد من حاجز بينهما.
جص: جدار بين كرمين لرجلين انهدم فاستعدى أحدهما على السلطان لما أبى شريكه أن يبني فأمر السلطان بناء برضا المستعدي أن يبنيه على أن يأخذ الاجر منهما فله أخذه منهما.
وقال أبو بكر: انهدم جدار بينهما وأحدهما غائب فبناه الحاضر في ملكه من خشب وبقي موضع الحائط على حاله ثم قدم الغائب فأراد أن يبني على طرف الحائط مما يلي جاره ويجعل ساحة الحائط إلى ملكه ليس له ذلك، ولو أراد أن يبني حائطا غلظه كالاول أو يبني أدق منه في وسط الاس ويدع الفضل من أسه مما يلي ملكه له ذلك.
كذا في جامع الفصولين ومثله في نور العين.
لكن قال في الهندية: جدار بين رجلين انهدم وأحد الجارين غائب فبنى الحاضر في ملكه جدارا من خشب وترك موضع الحائط على حاله فقدم الغائب فأراد أن يبني الحائط في الموضع القديم ومنعه الآخر.
قال الفقيه أبو بكر: إن أراد الذي قدم أن يبني على موضع طرف الحائط مما يليه جاز، وإن جعل ساحة أس الحائط إلى جانب نفسه ليس له ذلك، وإن أراد أن يبني الحائط كما كان(2/181)
أو أدق منه ويترك الفضل من الجانبين سواء له ذلك.
كذا في فتاوي قاضيخان في الحيطان.
ا ه أقول: وهذا أشبه بالقواعد، ولم يظهر لي ما نقله في جامع الفصولين، وتبعه في نور العين.
وفي جامع الفصولين: وقال في جدار بينهما ولكل منهما عليه حمولة فوهى الحائط فأراد أحدهما رفعه ليصلحه وأبى الآخر ينبغي أن يقول مريد الاصلاح للآخر ارفع حمولتك باسطوانات وعمد ويعلمه أنه يريد رفعه في وقت كذا ويشهد على ذلك فلو فعله وإلا فله رفع الجدار، فلو سقط حمولته لم يضمن.
فض: حائط بينهما وهى وخيف سقوطه فأراد أحدهما نقضه وأبى الآخر يجبر على نقضه، ولو
هدما حائطا بينهما فأبى أحدهما عن بنائه يجبر، ولو انهدم لا يجبر ولكنه يبنى الآخر فيمنعه حتى يأخذ نصف ما أنفق لو أنفق بأمر القاضي ونصف قيمة البناء لو أنفق بلا أمر القاضي انتهى.
أقول: قوله لا يجبر صريح في أنه ليس للآخر منعه من البناء لان له غرضا في وصوله إلى حقه، فلا يقال هو تصرف في المشترك فكان ينبغي أن لا يكون يجوز بدون رضا الشريك.
وأقول: قيد بقوله وهى لانه لو لم يكن كذلك لا يملك هدمه وبناءه لانه تصرف في المشترك، ولا بد وأن يكون معنى قوله ولكنه يبنى: أي بغير النقض المشترك، أما به لا لانه تصرف في المشترك.
تأمل رملي.
وفي جامع الفصولين برمز ت: قال أبو بكر في جدار بينهما وبيت أحدهما أسفل وبيت الآخر أعلى قدر ذراع أو ذراعين فانهدم فقال ذو الاعلى لذي الاسفل ابن لي حذاء أسي ثم نبني جميعا ليس له ذلك، بل يبنيانه جميعا من أسفله إلى أعلاه.
قالت: ولو بيت أحدهما أسفل بأربعة أذرع أو نحوها قدر ما يمكن أن يتخذ بيتا فإصلاحه على ذي الاسفل حتى ينتهي إلى محل البيت الآخر لانه كحائطين سفل وعلو، وقيل: يبنيان الكل.
قال أبو القاسم: في حائط بينهما عليه لاحدهما غرفة وللآخر سقف بيت فهدما الحائط من أسفله ورفعا أعلاه بأساطين ثم اتفقا حتى يبنيا فلما بلغ البناء موضع سقف هذا أبى رب السقف أن يبني بعمده لا يجبر أن ينفق فيما جاوزه.
وقال: حائط بينهما انهدم جانب منه فظهر أنه ذو طاقين متلاصقين فأراد أحدهما رفع جداره وزعم أن الجدار الباقي يكفي للآخر سترة بينهما وزعم الآخر أن جداره لو بقي ذا طاق يهي وينهدم، فلو سبق منهما إقرار أن الحائط بينهما قبل أن يتبين أنه حائطان فكلاهما بينهما، وليس لاحدهما أن يحدث في ذلك شيئا إلا بإذن الآخر، ولو أقر أن كل حائط لصاحبه فلكل منهما أن يحدث فيه ما أحب.
قاضيخان.
حائط بين رجلين انهدم فبناه أحدهما عند غيبة شريكه.
قال أبو القاسم: إن بناه ينقض الحائط الاول فهو متبرع ولا يكون له أن يمنع شريكه من الحمل عليه، وإن بناه بلبن أو خشب من قبل نفسه فليس للشريك أن يحمل على الحائط حتى يؤدي نصف قيمة الحائط.
أراد أحدهما نقض جدار مشترك وأبى الآخر فقال له صاحبه أنا أضمن لك كل شئ ينهدم لك من بيتك وضمن ثم نقض الجدار بإذن شريكه فانهدم من منزل المضمون له شئ لا يلزمه ضمان ذلك، وهو بمنزلة ما لو قال رجل لآخر ضمنت لك ما يهلك من مالك لا يلزمه شئ.
خلاصة.(2/182)
حائط بين اثنين لهما عليه خشب فبنى أحدهما للباني أن يمنع الآخر من وضع الخشب على الحائط حتى يعطيه نصف البناء مبنيا.
وفي الاقضية: حائط بين اثنين أراد أحدهما نقضه وأبى الآخر: لو بحال لا يخاف سقوطه لا يجبر، ولو يخاف فعن الفضلي أنه يجبر، فإن هدما وأراد أحدهما أن يبني وأبى الآخر لو أس الحائط عريضا يمكنه بناء حائطه في نصيبه بعد القسمة لا يجبر الشريك، ولو لم يمكن يجبر، وعليه الفتوى.
وتفسير الجبر أنه إن لم يوافقه الشريك فهو ينفق على العمارة، ويرجع على الشريك بنصف ما أنفق لو أس الحائط لا يقبل القسمة.
وفي فتاوى الفضلي: ولو هدماه وأبى أحدهما عن البناء يجبر، ولو انهدم لا يجبر، ولكن يمنع من الانتفاع به ما لم يستوف نصف ما أنفق فيه منه إن فعل ذلك بقضاء القاضي، ولو بغير قضاء فنصف قيمة البناء، وإن انهدم أو خيف وقوعه فهدم أحدهما لا يجبر الآخر على البناء.
ولو كان الحائط صحيحا فهدمه أحدهما بإذن الآخر لا شك أنه يجبر الهادم على البناء إن أراد الآخر البناء كما لو هدماه.
وعن ابن أبي سلمة: لو لهما عليه حمولة وانهدم وأبى الآخر العمارة فبنى أحدهما يمنع الآخر من وضع الحمولة حتى يؤدي نصف ما أنفق، وإن لم يكن عليه حمولة لا يجبر على العمارة ولا يرجع بشئ لانه بمنزلة الستارة، وهذا كله إذا أنفق في العمارة بغير إذن صاحبه، فلو بإذنه أو بأمر الحاكم يرجع عليه بنصف ما أنفق.
وفي البناء المشترك: لو أحدهما غائبا فهدم الآخر بإذن القاضي أو بلا إذنه لكن بنى بإذن القاضي فهو كإذن شريكه لو حاضرا فيرجع عليه بما أنفق لو حضر.
كذا في نور العين.
أقول: أما قوله وإن لم يكن عليه حمولة لا يجبر الخ هذا على جواب المتقدمين.
وأما على ما
اختاره المتأخرون من أنه إذا كان له حرم فهو بمنزلة ما لو كان له عليه حمولة، فتأمل وراجع.
قوله: (فلا يسقط بإبراء) أي عن رفع الجذوع، لان الابراء لا يكون في الاعيان بل عما في الذمة.
قوله: (ولا صلح) بشئ عن الوضع لجهالة مدة الوضع.
قوله: (وبيع) أي إذا باع الواضع أو الموضوع على حائط داره فللمشتري حق المطالبة بالرفع.
وذكر الحموي أن المراد بالبيع بيع الحائط الموضوع عليه الجذوع وإجارتها.
قوله: (وإجارة) أي إذا آجر داره منه لا تسقط المطالبة بالرفع بالاجارة.
قوله: (أشباه من أحكام الساقط لا يعود) صوابه: لا يقبل الاسقاط من الحقوق وما لا يقبله وهو قبله، ولذا قال ط: ولم أقف عليه.
وسيأتي للشارح في العارية عن الاشباه تلزم العارية فيما إذا استعار جدار غيره لوضع جذوعه فوضعها ثم باع المعير الجدار ليس للمشتري رفعها، وقيل نعم إلا إذا شرطه وقت البيع.
قلت: وبالقيل جزم في الخلاصة والبزازية وغيرهما، وكذا قاضيخان من باب ما يدخل في البيع تبعا من الفصل الاول، ومثله في الاشباه من العارية، لكن فيه أن الشرط إذا كان لا يقتضيه العقل لا يلائمه وفيه نفع لاحد المتعاقدين أو لآخر من أهل الاستحقاق ولم يتعارف بين الناس يفسد البيع،(2/183)
فلو كان متعارفا كبيع نعل على أنه يحذوه البائع فالبيع صحيح للعرف.
تأمل.
قوله: (وذو بيت) يعني إذا كان بيت من دار فيها بيوت كثيرة في يد رجل والبيوت الباقية في يد آخر.
قوله: (في حق ساحتها) بالحاء المهملة هي عرصة في الدار أو بين يديها.
قال في شرح الطحاوي: ولو كان العلو في يد أحدهما والسفل في يد آخر والساحة في أيديهما ولم يكن لهما بينة وحلفا وكل منهما يدعي الجميع يترك السفل في يد صاحبه والعلو كذلك والساحة لصاحب السفل، ولصاحب العلو حق المرور في رواية، وفي رواية أخرى الساحة بينهما نصفان.
ا ه.
قوله: (فهي بينهما نصفين) لانهما استويا في استعمال الساحة في المرور ووضع الامتعة وكسر الحطب ونحو ذلك ولم تكن في يد أحدهما دون الآخر وهما في ذلك سواء فتنصف بينهما كالطريق، لان الترجيح بالقوة لا بالكثرة.
قال العلامة أبو السعود: واعلم أن القسمة على الرؤوس: في الساحة والشفعة وأجرة القسام والنوائب: أي الهوائية المأخوذة ظلما والعاقلة وما يرمى من المركب خوف الغرق والحريق ا ه.
قوله: (كالطريق) فإنه يستوي فيها صاحب البيت وصاحب المنزل وصاحب الدار.
اتقاني.
وصاحب بيت وصاحب بيوت.
قال في القنية: الطريق يقسم على عدد الرؤوس، لا بقدر ساحة الاملاك إذا لم يعلم قدر الانصباء، وفي الشرب متى جهل قدر الانصباء يقسم على قدر الاملاك لا الرؤوس ا ه.
واعترض بأن البيوت الكثيرة تجمع عادة جمعا كثيرا بالنسبة إلى البيت الواحد فيكون احتياجهم إلى نحو التوضي أكثر وقوعا فينبغي أن يرجح صاحبها ولا أقل أن يساوي.
أقول: المسألة من مسائل الجامع الصغير، والمجتهد ليس بغافل عن مثل هذه الملاحظة، فاللازم علينا أن نلاحظ وجه الاستنباط وذا هنا أنه ثبت في أصولهم أن الترجيح لا يقع بكثرة العلل فتفرع عليه مسائل جمة: منها هذه المسألة، ومنها مسألة أنه لا يرجح صاحب الجراحات على صاحب جراحة واحدة، فإنه إذا مات المجروح يجب القصاص عليهما في العمد والدية نصفين في الخطأ حيث لم يعتبروا عدد الجراحات مع إمكان اعتبار تقسيم الدية عليها، فكذا لم يعتبروا تعدد البيوت في تقسيم الساحة عليها فضلا أن يرجح صاحبها ويحكم بكل الساحة له سوى حق المرور لصاحب البيت.
تدبر.
قوله: (بخلاف الشرب) لان الشرب يحتاج إليه لاجل سقي الارض، فعند كثرة الاراضي تكثر الحاجة إليه فيقدر بقدر الاراضي منح.
وفي الثالث عشر من البزازية: دار فيها عشرة أبيات لرجل وبيت واحد لرجل تنازعا في الساحة أو ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر تنازعا فيه فذلك بينهما نصفان ولا يعتبر بفضل اليد، كما لا اعتبار لفضل الشهود لبطلان الترجيح بكثرة الادلة.
ا ه.
وبه علم أن ذلك حيث جهل أصل الملك، أما لو علم كما لو كانت الدار المذكورة كلها لرجل ثم مات عن أولاد تقاسموا البيوت منها فالساحة بينهم على قدر البيوت.
قوله: (يقدر بالارض بقدر سقيها) فعند كثرة الاراضي تكثر الحاجة إليه فيتقدر بقدر الاراضي.
بخلاف الانتفاع بالساحة فإنه لا يختلف باختلاف الاملاك كالمرور(2/184)
في الطريق.
زيلعي.
قوله: (برهنا أي الخارجان الخ) أي إن لكل يد فيها، ولعل معناه أنها كانت في أيديهما لانهما في حالة الدعوى خارجان، وعبارة الشارح هنا تبع فيها الدرر والمنح.
وعبارة الزيلعي كغيرها تفيد أنهما ذو أيد.
وفي الفصولين خ: ادعى كل منهما أنه له وفي يده: ذكر محمد في الاصل أن على كل منهما البينة وإلا فاليمين، أذ كل منهما مقر بتوجه الخصومة عليه لما ادعى اليد لنفسه، فلو برهن أحدهما حكم له باليد ويصير مدعى عليه والآخر مدعيا، ولو برهنا يجعل المدعي في يدهما لتساويهما في إثبات اليد.
وفي دعوى الملك في العقار لا تسمع إلا على ذي اليد، ودعوى اليد تقبل على غير ذي اليد لو نازعه ذلك الغير في اليد فيجعل مدعيا لليد مقصودا ومدعيا للملك تبعا ا ه.
وفي الكفاية: وذكر التمرتاشي: فإن طلب كل واحد يمين صاحبه ما هي في يده حلف كل واحد منهما ما هي في يد صاحبه على البتات فإن حلفا لم يقض باليد لهما وبرئ كل عن دعوى صاحبه وتوقف الدار إلى أن يظهر الحال، فإن نكلا قضى لكل بالنصف الذي في يد صاحبه، وإن نكل أحدهما قضى عليه بكلها للحالف نصفها الذي كان في يده ونصفها الذي كان في يد صاحبه بنكوله، وإن كانت الدار في يد ثالث لم تنزع من يده لان نكوله ليس بحجة في حق الثالث ا ه.
فعلم أن الخارجين قيد اتفاقي فالاولى حذفه.
قوله: (قضى بيدهما فتنصف) لان اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها والبينة تثبت ما غاب عن علم القاضي.
درر.
وفيه إشارة إلى أن اليد لا تثبت في العقار بالتصادق وكذا بالنكول عن اليمين لاحتمال أنها في يد غيرهما.
وإن ادعيا أنها في يد أحدهما فكذلك لانهما يمكن أنهما تواضعا على ذلك ط.
وأشار إلى أنه لو طلبا القسم لم يقسم بينهما ما لم يبرهنا على الملك.
قيل هذا بالاتفاق، وقيل هذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وعندهما: يقسم بينهما كما في الشروح.
قوله: (بأن لبن أو بنى) ولبن بتشديد الباء: أي ضرب فيها البنا وهو الطوب النئ، بخلاف المشوي فإنه آجر.
قوله: (قضى بيده لوجود تصرفه) لان التمكن من هذه الاشياء دليل على أنها في يده، ومحل ذلك إذا لم يقم الآخر برهانا كما لا يخفى زيلعي.
قوله: (لان ما ثبت في زمان يحكم
ببقائه) فشهادتهم تثبت الملك في الحال والماضي.
قوله: (فالقول له) فلا تقبل دعوى أحد عليه أنه عبده عند إنكاره إلا ببينة.
ا ه.
درر وهذا لان الاصل أن يكون لكل إنسان يد في نفسه إبانة لمعنى الكرامة، إذ كونه في يد غيره دليل الاهانة ومع قيام يده على نفسه لا تثبت يد الغير عليه للتنافي بين اليدين.
حموي.
قوله: (قضى به لذي اليد) لا يقال: الاقرار بالرق من المضار فلا يعتبر من الصبي.
لانا نقول: لم يثبت بقوله بل بدعوى ذي اليد لعدم المعارض، ولا نسلم أنه من المضار لامكان التدارك بعده بدعوى الحرية.
ولا يقال: الاصل في الآدمي الحرية فلا تقبل الدعوى بلا بينة، وكونه في يده لا يوجب قبول قوله عليه كاللقيط لا يقبل قوله الملتقط إنه عبده وإن كان في يده.
لانا نقول: إذا(2/185)
اعترض على الاصل دليل خلافه بطل وثبوت اليد دليل الملك، ولا نسلم أن اللقيط إذا عبر عن نفسه وأقر بالرق يخالفه في الحكم وإن لم يعبر فليس في يد الملتقط من كل وجه لانه أمين.
زيلعي ملخصا.
حموي.
قوله: (كمن لا يعبر عن نفسه) مفهوم من يعبر.
قوله: (لاقراره بعدم يده) حيث أقر على نفسه بالملك وثبتت رقيته بدعوى ذي اليد الخالية عن المعارض لا بإقراره فكان ملكا لمن في يده كالقماش ومن لا يعبر بمنزلة المتاع فلا يقبل قوله أنا حر، لكن هنا بعد أن صرح بأنه عبد فلان فيكون مقرا بما للغير فلا يسري إقراره عليه: أي على الغير، بخلاف ما إذا لم يكن بيد أحد حيث يصح إقراره لانه حينئذ في يد نفسه.
تأمل.
قوله: (لا يمنع صحة الدعوى) لا سيما وقد صدر الاقرار الاول حال عدم التكليف.
فروع رحى ماء بينهما في بيت لهما فخربت كلها حتى صارت صحراء لم يجبرا على العمارة وتقسم الارض بينهما: أي بطلبهما أو بطلب أحدهما، ولو قائمة ببنائها وأدواتها إلا أنه ذهب شئ منها يجبر الشريك على أن يعمر مع الآخر ولو معسرا قيل لشريكه أنفق أنت لو شئت فيكون نصفه دينا على شريكك وكذا الحمام لو صار صحراء تقسم الارض بينهما، ولو تلف شئ منه يجبر الآبي على عمارته.
ن عن م: في حمام بينهما انهدم بيت منه أو احتاج إلى قدر ومرمة وأبى أحدهما لا يجبر ويقال
للآخر إن شئت فابنه أنت وخذ من غلته نفقتك ثم تستويان.
ط عن بعض المتأخرين: لو أبى أحدهما فالقاضي يخرج الحمام من أيديهما ويؤجره ثم يعمره فيأخذ نفقته من أجرته.
كذا في جامع الفصولين.
وفي الخانية من باب الحيطان: دار بين رجلين انهدمت أو بيت بين رجلين انهدم فبناه أحدهما لا يرجع هو على شريكه بشئ لان الدار تحتمل القسمة، فإذا أمكنه أن يقسم يكون متبرعا في البناء والبيت، كذلك إذا كان كبيرا يحتمل القسمة، وكذلك الحمام إذا خرب وصار ساحة، وكذلك البئر أراد به إذا امتلات من الحمأة فله أن يطالب شريكه بالبناء، فإذا لم يطالبه وأصلحها وفرغها كان متبرعا ا ه.
ومفاد هذا أن الدار لو كانت صغيرة لا تمكن قسمتها أنه لا يكون متبرعا لانه حينئذ يكون مضطرا إلى البناء ليتوصل إلى الانتفاع بملكه، بخلاف ما إذا كانت كبيرة لانه يمكنه أن يقسم حصته منها ثم يبني في حصته، فإذا بنى قبل القسمة لم يكن مضطرا فيكون متبرعا، ولذا قيد الحمام بما إذا خرب وصار ساحة لانه حينئذ تمكن قسمته فإذا لم يقسم يكون متبرعا، لكن في البئر ينبغي أن لا يكون متبرعا لكونه مما لا يقسم، لكن أشار صاحب الخانية إلى الفرق بأن له أن يطالب شريكه بالبناء: أي فيجبر شريكه عليه كما صرح به غيره.
مطلب: الاصل أن ما اضطر إلى بنائه مما لا يقسم لا يكون متبرعا وإذا أجبر لم يكن الآخر مضطرا فصار الاصل أن ما اضطر إلى بنائه بأن كان مما لا يقسم أو مما لا يجبر الشريك على بنائه فبناه أحدهما لم يكن متبرعا، وإلا فهو متبرع، لكن استشكل هذا في جامع الفصولين بأن من له حمولة على حائط لو بنى الحائط يرجع لانه مضطر إذ لا يتوصل إلى حقه إلا به مع أن الشريك يجبر أيضا كالبئر فينبغي أن يتحد حكمهما.(2/186)
مطلب: التبرع والرجوع دائر على الجبر وعدمه ثم قال: والتحقيق أن الاضطرار يثبت فيما لا يجبر صاحبه كما سيجئ، فينبغي أن يدور التبرع والرجوع على الجبر وعدمه، إلى أن قال: وهذا يخلصك من التحير بما وقع في هذا الباب من
الاضطراب، ويرشدك إلى الصواب ا ه.
لكن عبارة الخلاصة التي ذكرها المؤلف تدل على أن للقاضي أن يأمره ببناء الدار، فإن كان كذلك لم يكن مضطرا إلى البناء أبى شريكه لانه يمكنه استئذان القاضي.
وقد يجاب بأن للقاضي ذلك إذا كان الشريك غائبا مثلا لانه حينئذ لا يمكن طلب البناء منه ولا القسمة معه.
فالحاصل: أنه إذا كانت الدار تحتمل القسمة، فإن أذن له شريكه بنى، وإلا قسمها جبرا عليه ثم بنى في حصته، فإن لم يكن استئذانه يبنى بإذن القاضي، وفيما عدا ذلك فهو متطوع.
وذكر سيدي الوالد رحمه الله تعالى في كتاب القسمة من تنقيحه أن في غير محتمل القسمة للطالب أن يبني ثم يؤجر ثم يأخذ نصف ما أنفق في البناء من الغلة.
وذكر هناك عن الاشباه أنه يرجع بما أنفق لو بنى بأمر قاض إلا فبقيمة البناء وقت البناء ا ه.
وهذا هو المحرر كما قال في الوهبانية، لكن هذا التفصيل إنما ذكروه في السفل إذا انهدم، وعبارة الاشباه مطلقة.
والذي يظهر الاطلاق إذ لا فرق يظهر، فيجري ذلك في كل ما يضطر فيه أحدهما إلى البناء كالسفل والجدار والرحى والحمام والبيت والدار الصغيرة والله تعالى أعلم.
وفي الهندية: لو ادعى على آخر حق المرور ورقبة الطريق في داره فالقول قول صاحب الدار، ولو أقام المدعي البينة أنه كان يمر في هذه الدار لم يستحق بهذا شيئا.
كذا في الخلاصة.
ولو شهد الشهود أن له طريقا في هذه الدار جازت شهادتهم وإن لم يجدوا الطريق وهو الصحيح كما في الخانية والمحيط، لكن في المحيط عبر بالاصح إذا كان له باب مفتوح من داره على حائط في زقاق أنكر أهل الزقاق أن يكون له حق المرور في زقاقهم فلهم منعه، إلا أن تقوم بينة على أن له طريقا ثابتا فيها.
كذا في المحيط.
إذا كان الميزاب منصوبا إلى دار رجل واختلفا في حق إجراء الماء وإسالته، فإن كان في حال عدم جريان الماء لا يستحق إجراء الماء وإسالته إلا ببينة.
هكذا في محيط السرخسي.
وليس لصاحب الدار أيضا أن يقطع الميزاب.
كذا في المحيط.
وحكى الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أنهم استحسنوا أن الميزاب إذا كان قديما وكان تصويب
السطح إلى داره وعلم أن التصويب قديم وليس بمحدث أن يجعل له حق التسييل، وإن اختلفا في حال جريان الماء، قيل القول لصاحب الميزاب ويستحق إجراء الماء، وقيل لا يستحق، فإن أقام البينة على أن له حق المسيل وبينوا أنه لماء المطر من هذا الميزاب فهو لماء المطر، وليس له أن يسيل ماء الاغتسال والوضوء فيه، وإن بينوا أنه لماء الاغتسال والوضوء فهو كذلك، وليس له أن يسيل ماء المطر فيه، وإن قالوا له فيها حق مسيل ماء ولم يبنوا أنه لماء المطر أو غيره صح، والقول لرب الدار مع يمينه أنه لما المطر أو لماء الوضوء والغسالة.
وقال بعض مشايخنا: لا تقبل هذه الشهادة في المسيل، وفي الطريق تقبل.
كذا في المحيط.
ولو لم تكن للمدعي بينة أصلا استحلف صاحب الدار ويقضي فيه بالنكول.
كذا في الحاوي.(2/187)
رجل له قناة خالصة عليها أشجار لقوم أراد صاحب القناة أن يصرف قناته من هذا النهر ويحفر له موضعا آخر ليس له ذلك، ولو باع صاحب القناة القناة كان لصاحب الشجرة شفعة جوار، كذا في الفصول العمادية في الفصل الرابع والثلاثين ا ه.
والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب دعوى النسب حقه التقديم بالنظر إلى أنه دعوى الانفس، إلا أن دعوى المال لما كانت كثيرة الوقوع والانواع قدمها اهتماما.
والدعوة إلى الطعام بالفتح، وفي النسب بالكسر، وقد يعكس، وأما بالحرب فبالضم: نهاية.
قوله: (الدعوة نوعان) زاد أبو السعود ثالثة، وهي دعوى شبهة، وهي دعوة الاب ولد أمة ابنه فيثبت منه النسب وإن لم يصدقه ابنه بشرط أن تكون الامة في ملك ابنه من حين العلوق إلى حين الدعوة.
قوله: (وهو أن يكون أصل العلوق في ملك المدعي) أي حقيقة أو حكما، كما إذا وطئ جارية ابنه فولدت فادعاه فإنه يثبت ملكه فيها ويثبت عتق الولد ويضمن قيمتها لولده كما تقدم، وحينئذ فيكون النوع الثاني على قسمين: دعوة الملك، ودعوة شبهة الملك، فتبقى الدعوة نوعين لا ثلاثة، لكن الاتقاني جعلها ثلاثة كما قدمناه عن أبي السعود.
قوله: (وهو بخلافه) بأن لا يكون العلوق في ملك المدعي.
قوله: (واستنادها لوقت العلوق) عطف علة على معلول.
قال في الدرر:
والاولى أولى لانها أسبق لاستنادها.
حلبي وأنت باعتبار المعنى.
قوله: (مبيعة) ولو بيعا بخيار للبائع أو المشتري أو لهما إلى وقت الولادة.
حموي.
والظاهر أنه على قولهما، وإلا فمدة الخيار عنده ثلاثة أيام ط.
قوله: (ولدت لاقل من ستة أشهر) أفاد أنهما اتفقا على المدة، وإلا ففي التاترخانية عن الكافي: قال البائع بعتها منك منذ شهر والولد مني وقال المشتري بعتها مني لاكثر من ستة أشهر والولد ليس منك فالقول للمشتري بالاتفاق، فإن أقاما البينة فالبينة للمشتري أيضا عند أبي يوسف.
وعند محمد للبائع، وسيذكره الشارح بقوله.
قوله: (ولو تنازعا الخ) وقيد بدعوى البائع، إذ لو ادعاه ابنه وكذبه المشتري صدقه البائع أو لا فدعوته باطلة وتمامه فيها.
قوله: (فادعاه البائع) أي ولو أكثر من واحد.
قهستاني.
والاداء بالفاء يفيد أن دعوته قبل الولادة موقوفة، فإن ولدت حيا ثبت، وإلا فلا كما في الاختيار، ويلزم البائع أن الامة لو كانت بين جماعة فشراها أحدهم فولدت فادعوه جميعا ثبت منهم عنده وخصاه باثنين، وإلا فلا كما في النظم، وبالاطلاق أنه لو لم يصدق المشتري البائع وقال لم يكن العلوق عندك كان القول للبائع بشهادة الظاهر، فإن برهن أحدهما فبينته، وإن برهنا فبينة المشتري عند الثاني وبينة البائع عند الثالث كما في المنية شرح الملتقي.
قوله: (ثبت نسبه) صدقه المشتري أو لا كما في غرر الافكار، وأطلق في البائع فشمل المسلم والذمي والحر والمكاتب، كذا رأيته معزوا للاختيار، وشرط أبو السعود أن لا يسبقه المشتري في الدعوى.
قوله: (استحسانا) أي لا قياسا، لان بيعه إقرار منه بأنها أمة فيصير مناقضا.
والقياس أن لا يثبت، وبه قال زفر والشافعي لان بيعه إقرار كما علمت.(2/188)
وجه الاستحسان أنه تناقض في محل الخفاء فيغتفر لان النسب يبتني على العلوق، وفيه من الخفاء ما لا يخفى.
ونظيره المختلعة تدعي الطلاق وتريد الرجوع بالبدل مدعية أنه طلقها قبل الخلع تسمع دعواها وإن كانت متناقضة كما قدمناه، لان إقدامها على الخلع كالاقرار بقيام العصمة، لكن لما كان التناقض في محل الخفاء جعل عفوا لان الزوج يستقل بالطلاق فلعله طلق ولم تعلم، فإذا أقامت البينة على
الطلاق قبلت.
قوله: (لعلوقها الخ) قال في المنح ولنا أن مبني النسب فيه على الخفاء فيعفى فيه التناقض فتقبل دعوته إذا تيقن بالعلوق في ملكه بالولادة للاول فإنه كالبينة العادلة في إثبات النسب منه، إذ الظاهر عدم الزنا منها وأمر النسب على الخفاء، فقد يظن المرء أن العلوق ليس منه ثم يظهر أنه منه فكان عذرا في أسقاط اعتبار التناقض ا ه.
قوله: (وإذا صحت) أي الدعوى.
قوله: (فيفسخ البيع) لعدم جواز بيع أم الولد.
قوله: (ويرد الثمن) لان سلامة الثمن مبنية على سلامة المبيع.
قوله: (ولكن إذا ادعاه المشتري الخ) قال العلامة أبو السعود في حاشيته على مسكين: والحاصل أن البائع إذا ادعى ولد المبيعة فلا يخلو، إما أن تجئ به لاقل من ستة أشهر أم لا.
والثاني لا يخلو إما أن تجئ به لاقل من سنتين أم لا، ثم ذلك لا يخلو إما أن يصدقه المشتري في الدعوى أم لا، وكل ذلك لا يخلو إما أن يسبقه المشتري في الدعوى أم لا، بأن ادعاه مع البائع أو بعده أو لم يدع أصلا، وكل ذلك لا يخلو إما أن يكون الولد المدعي نسبه حيا أو ميتا، والاول لا يخلو إما أن يوقع المشتري به ما لا يمكن نقضه كالعتق والتدبير، أو ما يمكن كالبيع والكتابة والرهن والاجارة والهبة أم لا، وكذلك الام على هذا التقسيم إما أن تكون وقت الدعوة حية أو ميتة، فإن كانت حية فإما أن يكون المشتري أوقع بها ما لا يمكن نقضه وهو العتق والتدبير، أو يمكن وهو البيع والكتابة والرهن والاجارة والهبة والتزويج.
إذا عرف هذا فنقول: إذا ادعى البائع ولد المبيعة ينظر إذا جاءت لاقل من ستة أشهر وهو حي لم يتصف بالعتق أو التدبير ولم يسبقه المشتري في الدعوة ثبت النسب من البائع مطلقا صدقه المشتري أم لا، فالتقييد بالحياة للاحتراز عن الوفاة حيث لا يثبت نسبه، لان الحقوق لا تثبت للميت ابتداء ولا عليه، والتقييد بعدم اتصافه بالعتق أو التدبير للاحتراز عما إذا كان الولد عند الدعوة عتيقا أو مدبرا، بأن أعتقه المشتري أو دبره حيث لا يثبت نسبه أيضا، لان ثبوت نسبه يستلزم نقص عتقه أو تدبيره، وكل منهما بعد وقوعه لا ينتقض، بخلاف ما إذا ادعى نسبه بعد أن باعه المشتري أو كاتبه أو رهنه أو وهبه أو آجره حيث يثبت نسبه وتنقض هذه التصرفات، والتقييد بعدم سبق المشتري البائع في الدعوة للاحتراز عما إذا ادعاه قبله فإن النسب منه يثبت ولا يتصور بعده ثبوت النسب من البائع، بخلاف ما إذا ادعاه معه أو قبله حيث لا تعتبر دعوة المشتري مع دعوة البائع لان دعوة البائع أقوى لاستنادها
إلى وقت العلوق، بخلاف دعوة المشتري فإنها تقتصر ولا تستند لعدم كون العلوق في ملكه، فيفرق بين ما إذا ادعاه بعد موته أو عتقه أو تدبيره، وبين ما إذا ادعاه بعد كتابته أو رهنه أو نحو ذلك، ففي الثاني يثبت النسب لا في الاول، بخلاف ما إذا ادعاه بعد موت أمه أو عتقها أو تدبيرها حيث لا يفترق الحال في ثبوت النسب بين موتها وعتقها وتدبيرها وبين كتابتها وإجارتها وتزويجها ونحو ذلك مما سبق الكلام عليه، بل يثبت نسب ولدها بالدعوة مطلقا ولا يمنع منه ثبوت هذه الاوصاف لامه،(2/189)
غير أنه في الوجه الاول: أعني الموت وأخويه لا يثبت لها أمومية الولد، أما في الموت فلما سبق من أن الميت لا يثبت له الحقوق ابتداء ولا عليه، وأما في العتق ونحوه فلان ثبوت أمومية ولد لها يستلزم نقض العتق وهو بعد وقوعه لا ينتقض في الوجه الثاني: أعني الكتابة وأخواتها يثبت لها أمومية الولد بالتبعية لثبوت نسب الولد لعدم المانع، لان الكتابة ونحوها تنتقض ضمن ثبوت الاستيلاد لها.
هذا كله إذا ادعى نسبه والحال أنها قد جاءت به لاقل من ستة أشهر، فإن جاءت به لاكثر ردت دعوته إلا أن يصدقه المشتري، فإن صدقه ثبت منه النسب سواء جاءت به لاقل من سنتين أو لاكثر منهما، وهل يثبت لامه الاستيلاد فينتقض البيع ويرد الثمن أم لا؟ إن جاءت به لاقل من سنتين انتقض البيع وثبت لها الاستيلاد فتصير أم ولد البائع ويرد الثمن، وإلا فلا.
قوله: (قبله) أي قبل ادعاء البائع.
قوله: (لوجود ملكه) وهو المجوز للدعوى، ألا ترى أنه يجوز إعتاقه وإعتاق أمه.
قوله: (وأميتها) بالرفع عطف على فاعل ثبت.
ح: وهذا لو جهل الحال لما سبق في الاستيلاد أنه لو زنى بأمة فولدت فملكها لم تصر أم ولد، وإن ملك الولد عتق عليه، ومر فيه متنا استولد جارية أحد أبويه وقال ظننت حلها لي فلا نسب، وإن ملكه عتق عليه.
قال الشارح ثمة: وإن ملك أمه لا تصير أم ولده لعدم ثبوت نسبه.
قوله: (بإقراره) ثم لا تصح دعوى البائع بعده لاستغناء الولد بثبوت نسبه من المشتري ولانه لا يحتمل الابطال زيلعي.
قوله: (وقيل يحمل الخ) أي حملا لحاله على الصلاح فإنه حيث لم يكن تحته حرة فنكاحه صحيح، وإلا ففاسد، وكلاهما يثبت به النسب، ومع كل فدعوة البائع مقدمة، لان ملكه وقت العلوق محقق وملك
المشتري مفروض فلا يعارضه.
تأمل.
ولم يذكر في المنح ولا في غيرها لفظه قيل.
قوله: (لان دعوته تحرير) على أنه لما ثبت نسبه من البائع بطل البيع فلم يدخل في ملك المشتري فهو كأجنبي كما في المقدسي.
قال ط: فيه أنها دعوة استيلاد أيضا، إلا أن يقال إنها دعوة تحرير بعد دعوة البائع قوله: (وكذا يثبت من البائع لو ادعاه بعد موت الام) أي وقد ولدت لاقل من ستة أشهر وذلك لان الولد هو الاصل في النسب ولذلك تضاف إليه ويقال أم الولد، والاضافة إلى الشئ أمارة أصالة المضاف إليه ولانها تستنفيد منه الحرية، ألا ترى إلى قوله (ص): أعتقها ولدها قاله حين قيل به وقد ولدت مارية القبطية إبراهيم من رسول الله (ص) ألا تعتقها؟ فالثابت لها حق الحرية وله حقيقة الحرية، والحقيقة أولى من الحق فيستتبع الادنى ولا يضره فوات التبع.
قوله: (بخلاف موت الولد) أي دون الام لفوات الاصل وهو الولد: أي وقد ولدت لدون الاقل فلا يثبت الاستيلاد في الام لفوات الاصل لانه استغنى بالموت عن النسب، وكان الاولى للشارح التعليل بالاستغناء كما لا يخفى، فتدبر.
وعللوا لموت الولد بتعذر ثبوت النسب فيه لان الحقوق لا تثبت للميت ولا عليه كما سبق، وإذا(2/190)
لم يثبت النسب لم يثبت الاستيلاد لانه فرع النسب وكانت الام بحالها.
إتقاني.
قوله: (ويسترد المشتري كل الثمن) لانه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها المشتري، وعندهما متقومة فيضمنها هداية.
قوله: (وقالا حصته) أي الولد فقط، ولا يرد حصة الام لانها متقومة عندهما فتضمن بالغصب والعقد فيضمنها المشتري، فإذا رد الولد دونها يجب على البائع رد حصة ما سلم له وهو الولد كي لا يجتمع البدل والمبدل في ملكه، ولا يجب رد حصة الام.
قال الزيلعي: هكذا ذكروا الحكم على قولهما، وكان ينبغي أن يرد البائع جمع الثمن عندهما أيضا ثم يرجع بقيمة الام، لانه لما ثبت نسب الولد منه تبين أنه باع أم ولده وبيع أم الولد غير صحيح بالاجماع فلا يجب فيه الثمن، ولا يكون لاجراء المبيع منه حصة، بل يجب على كل واحد من المتعاقدين رد ما قبضه إن كان باقيا وإلا فبدله ا ه.
قال المقدسي: لعل مرادهم ما ذكره بناء على أن الغالب تساوي الثمن والقيمة ا ه.
قوله: (وإعتاقهما أي إعتاق المشتري الام والولد) الواو بمعنى أو المجوزة للجمع.
قوله: (كموتهما) حتى لو أعتق الام لا الولد فادعى البائع أنه ابنه صحت دعوته وثبت نسبه منه، ولو أعتق الولد لا الام لم تصح دعوته لا في حق الولد ولا في حق الام كما في الموت، أما الاول فلانها إن صحت بطل إعتاقه وللعتق بعد وقوعه لا يحتمل البطلان.
وأما الثاني فلانها تبع له، فإذا لم تصح في حق الاصل لم تصح في حق التبع ضرورة ا ه.
منح.
فقوله أما الاول أي عدم صحته في حق الولد، وقوله وأما الثاني: أي عدم صحته في حق الام.
ويشكل على قوله والعتق بعد وقوعه إلى آخره ما سيأتي متنا في قوله باع أحد التوأمين إلى أن قال وبطل عتق المشتري.
قال في المنح: لان الذي عنده ظهر أنه حر الاصل، وقال الشارح بأمر فوقه وهو حرية الاصل فكذا يقال هنا فينبغي أن تصح دعوته بعد الاعتاق لانه ظهر أنه أعتق حر الاصل فلم يصح أعتاقه.
تأمل.
وأجاب عنه العيني تبعا للزيلعي بأنه لو بطل فيه بطل مقصود الاجل دعوة البائع وأنه لا يجوز.
وفي مسألة التوأمين تثبت الحرية في الذي لم يبع ثم يتعدى إلى آخر ضمنا وتبعا، إذ يستحيل أن يلحقا من ماء واحد وأحدهما حر والآخر رقيق، وكم من شئ يثبت ضمنا وإن لم يثبت مقصودا ا ه.
فإن قلت: تحرير المشتري تبين أنه وقع في غير ملكه لانه أعتق حر الاصل فلم يصح عتقه يجاب بأنه أعتق ملكه في وقت لا ينازعه فيه أحد فنفذ عتقه وثبت ولاؤه، وكل من الولاء والاعتاق لا يحتمل النقض، وبثبوت ذلك صار البائع مكذبا شرعا في ادعائه فلم تصح دعوته وتبين صحة عتق المشتري.
قوله: (لانه أيضا لا يحتمل الابطال) لثبوت بعض آثار الحرية كامتناع التمليك للغير.
منح ويرد عليه ما ورد على ما قبله، وعلم جوابه مما مر عن العيني.
والاولى أن يقول وإعتاقهما وتدبيرهما كموتهما، إذا لا يظهر فائدة في تشبيه الاعتاق بالموت ثم تشبيه التدبير بالاعتاق.
تأمل.
قوله: (ويرد حصته اتفاقا) أي فيما إذا أعتق المشتري الام أو دبرها فقط دون الولد فيقسم الثمن على قيمة الام(2/191)
وقيمة الولد، فما أصاب الولد يرده وما أصاب الام لا يرده، وتعتبر قيمة الام يوم القبض وقيمة الولد يوم الولادة لانها دخلت في ضمانه بالقبض وصار له قيمة وبالولادة فتعتبر القيمة بذلك كما في صدر الشريعة والشرنبلالية.
قوله: (وكذا حصتها أيضا) أي في التدبير والاعتاق.
وأما في الموت فيرد حصتها أيضا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى قولا واحدا كما يدل عليه كلام الدرر.
قال: وفيما إذا أعتق المشتري الام أو دبرها يرد البائع على المشتري حصته من الثمن عندهما.
وعنده: يرد كل الثمن في الصحيح كما في الموت.
كذا في الهداية ح.
فصار الحاصل من هذا أن البائع يرد كل الثمن وهو حصة الام وحصة الولد في الموت والعتق عند الامام، ويرد حصة الولد فقط فيهما عندهما.
وعلى ما في الكافي يرد حصته فقط في الاعتاق عند الامام كقولهما.
قوله: (على الصحيح من مذهب الامام) لان أم الولد لا قيمة لها عنده ولا تضمن بالعقد فيؤاخذ بزعمه.
قوله: (ونقله في الدرر والمنح عن الهداية) قال في الدرر: وذكر في المبسوط: يرد حصته من الثمن لا حصتها بالاتفاق، وفرق على هذا بين الموت والعتق بأن القاضي كذب البائع فيما زعم حيث جعلها معتقة من المشتري فبطل زعمه ولم يوجد التكذيب في فصل الموت فيؤاخذ بزعمه فيسترد حصتها.
كذا في الكافي.
ا ه.
لكن رجح في الزيلعي كلام المبسوط وجعله هو الرواية فقال بعد نقل التصحيح عن الهداية.
وهو يخالف الرواية، وكيف يقال يسترد جميع الثمن والبيع لم يبطل في الجارية حيث لم يبطل إعتاقه، بل برد حصة الولد فقط بأن يقسم الثمن على قيمتهما يعتبر قيمة الام يوم القبض لانها دخلت في ضمانه بالقبض وقيمة الولد يوم الولادة لانه صار له القيمة بالولادة فتعتبر قيمته عند ذلك ا ه.
وقدمناه قريبا فلا تغفل عنه.
قوله: (على خلاف ما في الكافي عن المبسوط) من أنه لا يرد حصتها عنده أيضا وقد تقدم ذلك.
قوله: (وقيل لا يرد حصتها في الاعتاق بالاتفاق) هو المعتمد كما تقدم، وهذا من تتمة عبارة المواهب فلا يعترض بأنه مكرر لانه عين ما في المبسوط قوله: (لاكثر من حولين) مثله تمام الحولين إذ لم يوجد اتصال العلوق بملكه يقينا وهو الشاهد والحجة.
شرنبلالية.
قوله: (ثبت النسب بتصديقه) إذ عدم ثبوته لرعاية حقه.
وإن صدقه زال ذلك المانع ولم يبطل بيعه بالجزم بأن العلوق ليس في ملكه فلا تثبت حقيقة العتق ولا حقه لانها دعوة تحرير، وغير المالك ليس من أهله.
قال في التاترخانية: وإن ادعاه المشتري وحده صح وكانت دعوة استيلاد، وإن ادعياه معا أو سبق أحدهما صحت دعوة المشتري لا البائع.
قوله: (على المعنى اللغوي) أي إنها كانت زوجته وأتت منه بولد وليست أم ولد له بالمعنى الاصطلاحي، وهي من استولدها في ملكه لما تقدم من تيقن أنها في غير ملكه.
والحاصل: أن الاستيلاد لا يصح في غير الملك، بل لو ملكها بعد ذلك لصارت بعد ذلك أم ولده شرعا أيضا.
قوله: (نكاحا) أي يحمل على أنه زوجه إياها المشتري وإلا كان زنا، ويعطى الولد(2/192)
حكم ولد أمة الغير المنكوحة فيكون للمشتري والنسب ثابت من البائع.
وفي الشرنبلالية: ويبقى الولد عبدا، فهو كالاجنبي إذا ادعاه لانه بتصادقهما أن الولد من البائع لا يثبت كون العلوق في ملكه لان البائع لا يدعي ذلك، وكيف يدعي والولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فكان حادثا بعد زوال ملك البائع، وإذا لم يثبت العلوق في ملك البائع لا يثبت حقيقة العتق للولد ولا حق العتق للامة ولا يظهر بطلان البيع، ودعوى البائع هنا دعوة تحرير، وغير المالك ليس بأهل لها ا ه.
قوله: (حملا لامره على الصلاح) علة.
لقوله: (نكاحا) أي فهو ولد نكاح لا زنا حملا الخ.
والحاصل: أنه لو ولدت لاكثر من سنتين من وقت البيع ردت دعوة البائع إلا إذا صدقه المشتري فيثبت النسب منه، ويحمل أن البائع استولدها بحكم النكاح حملا لامره على الصلاح ويبقى الولد عبدا للمشتري ولا تصير الامة أم ولد للبائع، كما لو ادعاه أجنبي آخر لان بتصادقهما أن الولد من البائع لا يثبت كون العلوق في ملكه لان البائع لا يدعي ذلك، وكيف يدعي والولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين فكان حادثا بعد زوال ملك البائع، وإذا لم يثبت العلوق في ملك البائع لا يثبت حقيقة العتق للولد ولا حق العتق للامة، ولا يظهر بطلان البيع، ودعوة البائع هنا دعوة تحرير غير المالك ليس بأهلها، فلذا حول الشارح رحمه الله تعالى العبارة وحملها على المعنى اللغوي، لكن إنما يتم هذا الحمل إذا لم يكن تحته حرة أما لو كان فإن نكاحه لا يصح ومع ذلك يثبت به النسب كما مر.
قوله: (فيما بين الاقل والاكثر) المراد بالاقل آخر الاقل من ستة أشهر ليشمل ما إذا ادعاه في ستة أشهر، كما أفاده
القهستاني.
قوله: (فحكمه كالاول) يعني نسبه وأميتها فيكون الولد حرا ويفسخ البيع ويرد الثمن لاحتمال أن يكون العلوق في ملك البائع.
درر.
قال أبو السعود: والحاصل أن رد الدعوى فيما إذا جاءت به لاكثر من ستة أشهر لولا التصديق، لا فرق فيه بين ما إذا جاءت به لاقل من سنتين أو لاكثر إلا من جهة ثبوت الاستيلاد للام بعد التصديق ونقض البيع فيها ورد الثمن: أي في الاقل منهما دون الاكثر ا ه بتصرف ط.
قوله: (لاحتمال العلوق قبل بيعه) قال في التاترخانية: هذا الذي ذكرنا إذا علمت المدة، فإن لم تعلم أنها ولدت لاقل من ستة أشهر أو لاكثر إلى سنتين أو أكثر من وقت البيع، فإن ادعاه البائع لا يصح إلا بتصديق المشتري، وإن ادعاه المشتري يصح، وإن ادعاه معا لا تصح دعوة واحد منهما، وإن سبق أحدهما: فلو المشتري صحت دعوته ولو البائع لم تصح دعوة واحد منهما.
قوله: (وإلا لا) أي لا يصدقه بأن كذبه ولم يدعه أو ادعاه أو سكت فإنه لا يجزي حكم الاول فيه فهو أعم من قوله ولو تنازعا.
والحاصل: أنه يثبت نسبه وتصير أم ولده شرعا لا على المعنى اللغوي كما في الصورة التي قبلها، ويرد الثمن ويجري فيه ما تقدم من التفاريع كلها.
قوله: (ولو تنازعا) أي في كونه لاقل من ستة أشهر أو لاكثر بأن قال البائع بعتها لك منذ شهر والولد مني وقال المشتري لاكثر من ستة أشهر والولد ليس منك فالقول للمشتري لانه مدعي الصحة فالظاهر شاهد له، وكذا لو ادعى الولد صحت دعوته لوقوع العلوق في ملكه دون البائع تحكما للحال، وأما إذا سكت فقد تقدم حكم سكوت المدعي عليه(2/193)
بعد الدعوى فإنه يجعل إنكارا، فقوله ولو تنازعا يشمل الصور الثلاث.
قوله: (فالقول للمشتري اتفاقا) لانه ينكر دعوى البائع نقض البيع ولانه واضع اليد فهو منكر والآخر خارج فهو مدع والبينة للمشتري.
قوله: (وكذا البينة له عند الثاني) لانه أثبت زيادة مدة للشراء، وهذا أمر حادث وهو صحة ملكه.
قوله: (خلافا للثالث) فقال البينة بينة البائع لانه يثبت نسب الولد واستيلاد الامة ونقض البيع.
حموي عن الكافي: أي وهو إثبات خلاف الظاهر كما هو شأن البينات، لان الظاهر وقوع العقد
صحيحا، وبينة البائع أثبتت فساده فكانت أولى بالقبول، ولان البائع يدعي فساد العقد والمشتري ينكره والبينة بينة المدعي، والذي يظهر أوجهية قول محمد، فليتأمل.
قوله: (والآخر لاكثر) أي وليس بينهما ستة أشهر.
قوله: (ثبت نسبهما) أي التوأمين من البائع لانهما خلقا من ماء واحد.
وإذا صحت الدعوى فيهما كانت في حكم أول مسألة من الفصل فيفسخ البيع ويرد الثمن فتأمل.
وفي الاتقاني عن المغرب: يقال هما توأمان كما يقال هما زوجان، وقولهم هما توأم وهما زوج خطأ ا ه.
قوله: (لكون العلوق في ملكه) أي فهو كالبينة الشاهدة له على مدعاه، وهذا يفيد تقييد المصنف، فقوله باع من ولد عنده أي وعلق عنده، أما إذا كان العلوق عند غيره والوضع عنده فهي دعوة تحرير ط.
قوله: (ورد بيعه) لانه تبين أنه باع حر الاصل، وكذا يقال فيما بعده من كتابة الولد ورهنه، أما في إجارته فالذي يرد نفاذها، أما لو رأى الاب إجازتها فينبغي أن يجوز لان للاب إجارته فكذا يملك إجازة له.
قوله: (لان البيع يحتمل النقض) أي وماله من حق الدعوى لا يحتمله فينتقض البيع لاجله.
قوله: (وكذا الحكم لو كاتب) أي المشتري الولد أو رهنه منه، كذا في نسخة، ولا وجود للفظ منه فيما شرح عليه المصنف ولا في أصله الذي نقل عنه وهو الدرر، والضمير في الافعال راجع إلى المشتري.
واعلم أن عبارة الهداية هكذا: ومن باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الاول فهو ابنه وبطل البيع، لان البيع يحتمل النقض وماله من حق الدعوة لا يحتمله فينتقض البيع لاجله، وكذلك إذا كاتب الولد أو رهنه أو آجره أو كاتب الام أو رهنها أو زوجها ثم كانت الدعوة، لان هذه العوارض تحتمل النقض فينقض ذلك كله وتصح الدعوة، بخلاف الاعتاق والتدبير على ما مر.
قال صدر الشريعة: ضمير كاتب إن كان راجعا إلى المشتري وكذا في قوله أو كاتب الام يصير تقدير الكلام: ومن باع عبدا ولد عنده وكاتب المشتري الام، وهذا غير صحيح لان المعطوف عليه بيع الولد لا بيع الام، فكيف يصح قوله وكاتب المشتري الام؟ وإن كان راجعا إلى من في قوله ومن باع عبدا، فالمسألة أن رجلا كاتب من ولد عنده أو رهنه أو آجره ثم كانت الدعوة فحينئذ لا يحسن قوله، بخلاف الاعتاق لان مسألة الاعتاق التي مرت ما إذا أعتق المشتري الولد، لان الفرق الصحيح أن
يكون بين إعتاق المشتري وكتابته لا بين إعتاق المشتري وكتابة البائع، إذا عرفت هذا فمرجع الضمير في كاتب الولد هو المشتري، وفي كاتب الام من في قوله: من باع ا ه.(2/194)
أقول: الاظهر أن المرجع فيهما المشتري، وقوله لان المعطوف عليه بيع الولد لا بيع الام مدفوع بأن المتبادر بيعه مع أمه بقرينة الوقاية سوق الكلام، ودليل كراهة التفريق بحديث سيد الانام عليه الصلاة والسلام نعم كان مقتضى ظاهر عبارة الوقاية أن يقال بالنظر إلى قوله بعد بيع مشتريه، وكذا بعد كتابة الولد ورهنه الخ، لكنه سهو.
إني على الدرر قوله: (أو كاتب الام) أي لو كانت بيعت مع الولد فالضمير في الكل للمشتري وبه سقط ما في صدر الشريعة.
قوله: (وترد هذه التصرفات) لانه باع حر الاصل فتصرف المشتري في غير محله فينقض، وهذا ظاهر في غير الاجارة، أما فيها فالذي يرد نفاذها إلى آخر ما قدمناه قريبا.
قوله: (بخلاف الاعتاق) أي إعتاق المشتري، ومثل الاعتاق التدبير كما في عزمي زاده.
قال: وكذلك إذا ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا يثبت النسب من البائع كما مر.
قوله: (باع أحد التوأمين المولودين يعني علقا وولدا) لما كان لفظ المصنف وهو قوله المولودين عنده محتملا لشيئين، كون العلوق عنده أو عند غيره، بأن اشتراها بعد الولادة أو اشترى أمهما وهي حبلى بهما وكان الحكم مختلفا فسره بقوله: يعني التي يؤتى بها إذا كان التفسير بغير الظاهر من اللفظ.
قال في الرمز تبعا للتبيين: هذا إذا كان العلوق في ملكه بأن اشتراهما بعد الولادة أو اشترى أمهما وهي حبلى بهما أو باعها فجاءت بهما لاكثر من سنتين يثبت نسبهما أيضا لانهما لا يفترقان فيه، لكن لا يعتق الذي ليس في ملكه، وإن كان المشتري قد أعتقه لا يبطل عتقه، لان هذه الدعوى دعوة تحرير لعدم العلوق في الملك، بخلا ف المسألة الاولى، وهو ما إذا كان العلوق في ملكه حيث يعتقان جميعا لانها دعوة استيلاد فتستند ومن ضرورته عتقهما بدليل أنهما حرا الاصل فتبين أنه باع حرا.
ا ه.
فقوله أو باعها فجاءت بهما الخ: أي ثم ملك واحد منهما فادعاه، وقوله: علقا محترزه قوله حتى لو اشتراها حبلى الخ.
قوله: (ثبت نسبهما) أي التوأمين من البائع، لان دعوة البائع صحت في الذي لم يبعه لمصادفة العلوق والدعوى ملكه فيثبت نسبه، ومن ضرورته ثبوت الآخر
لانهما من ماء واحد فيلزم بطلان عتق المشتري، بخلاف ما إذا كان الولد واحدا.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (وهو حرية الاصل) أي الثابتة بأصل الخلقة، وأما حرية الاعتاق فعارضة وحرية الاصل هنا في الذي أعتقه، لان الذي عند البائع ظهر أنه حر الاصل فاقتضى كون الآخر أيضا كذلك إلى آخر ما قدمناه.
قوله: (لانهما علقا في ملكه) أي وقد خلقا من ماء واحد، وهذا كله يصلح جوابا لما يرد من أن نقض الاعتاق مخالفا، لما سبق من أن العتق بعد وقوعه لا يحتمل الانتقاض والبطلان.
وحاصله: أن الممنوع هو انتقاض العتق إلى الرقية وهي دونه لا إلى شئ فوقه وهي الحرية: أي لانها ثابتة بأصل الخلقة كما أفاده عزمي، وهذا لا يتم ولا يطرد، فإن في السابقة وهي دعوة من ولد عند المشتري لاقل من ستة أشهر فأعتقه لا يقبل مع أنه انتقض العتق بأمر فوقه، وهذا الامر لا يتم في هذا المقام، فإن حرية أحد التوأمين يظهر حرية الآخر وينعدم تأثير الاعتاق.
وعبارة العيني: فإذا ثبت نسبهما بطل عتق المشتري إياه، لان دعوة البائع بعده صحت في الذي لم يبع، ومن ضرورة ذلك ثبوت نسب الآخر لانهما من واحد فيلزم منه بطلان عتق المشتري لكونهما حري الاصل، إذا يستحيل(2/195)
أن يكون أحدهما حر الاصل والآخر رقيقا وهما من ماء واحد، بخلاف ما إذا كان الولد واحدا حيث لا يبطل فيه إعتاق المشتري، لانه لو بطل فيه بطل مقصودا لاجل حق الدعوى للبائع وأنه لا يجوز، وهنا تثبت الحرية في الذي لم يبع ثم تتعدى إلى الآخر ضمنا وتبعا، وكم من شئ يثبت ضمنا وإن لم يثبت مقصودا ا ه.
فالشارح رحمه الله تعالى ذكر آخر عبارة الدرر وترك صدرها، فكان الاولى في التعليل لانهما علقا في ملكه من ماء واحد، فإذا ثبتت حرية أحدهما ثبتت حرية الآخر تبعا والشئ قد يثبت تبعا وإن لم يثبت قصدا.
قوله: (حتى لو اشتراها) أي البائع حبلى وجاءت بهما لاكثر من سنتين.
عيني.
قوله: (لم يبطل عتقه) قال الاكمل: ونوقض بما إذا اشترى رجل أحد توأمين واشترى أبوه الآخر فادعى أحدهما الذي في يده بأنه ابنه يثبت نسبهما منه ويعتقان جميعا ولم تقتصر الدعوى.
وأجيب بأن ذلك لموجب آخر، وهو أن المدعي إن كان هو الاب فالابن قد ملك أخاه، وإن كان هو الابن فالاب قد ملك حافده فيعتق، ولو ولدت توأمين فباع أحدهما ثم ادعى أبو البائع الولدين
وكذباه: أي ابنه البائع والمشتري صارت أم ولده بالقيمة وثبت نسبهما وعتق الذي في يد البائع، ولا يعتق المبيع لما فيه من إبطال ملكه الظاهر، بخلاف النسب لانه لا ضرر فيه.
والفرق بينه وبين البائع إذا كان هو المدعي أن النسب ثبت في دعوى البائع بعلوق في ملكه، وهنا حجة الاب شبهة أنت ومالك لابيك تظهر في مال ابنه البائع فقط.
وفي التاترخانية: فإن باع الامة مع أحد الوالدين ثم ادعى أبو البائع نسب الولدين جميعا وكذبه المشتري والبائع: ففي قول محمد: دعوى الاب باطلة، وعند أبي يوسف: ودعوى الاب لا تصح في حق الامة ولا تصير أم ولد له، وتصح دعوته في حق الولدين نسبا، ولا يحكم بحرية المبيع، والولد الثاني حر بالقيمة.
وإن صدق المشتري وكذب البائع فالامة تصير أم ولده اتفاقا وعليه قيمتها للابن، ويثبت نسب الولدين منه، والمبيع حر بالقيمة على الاب عند أبي يوسف، وعند محمد: حر بغير القيمة، وإن صدقه البائع وكذبه المشتري ثبت نسب الولدين من أبي البائع، فمن المشايخ من ظن أن ثبوت نسبهما من أبي البائع قول أبي يوسف، وقول محمد: ينبغي أن لا يثبت نسبهما منه والصحيح أن ما ذكره محمد قول الكل، ولم يذكر محمد حكم الام.
وقال أبو حازم والقاضي أبو الهشيم على قياس أبي يوسف ومحمد: يضمن البائع قيمتها للاب لا على قول أبي حنيفة.
وقال أكثر مشايخنا: لا يضمن شيئا لصاحبه بالاتفاق، كذا في المقدسي.
وفيه: رجل حملت أمته عنده وولدت فكبر عنده فزوجه أمة له فولدت له ابنا فباع المولى هذا الابن وأعتقه المشتري فادعى البائع نسب الاكبر ثبت وبطل العتق، وإن ادعى نسب الثاني لا تسمع، ولو باع الام مع أحدهما ثم ادعى الاب صحت عند أبي يوسف وثبت نسبهما، والولد المبيع مع أمه بقيا على ملك المشتري، وعند محمد: لا تصح.
قوله: (لانها دعوة تحرير) لعدم العلوق في ملكه.
قوله: (فتقتصر) بخلاف المسألة الاولى، وهو ما إذا كان العلوق في ملكه حيث يعتقان جميعا لما ذكر أنها دعوة استيلاد فتستند، ومن ضرورته عتقهما بطريق أنهما حرا الاصل فتبين أنه باع حرا.
عيني.
قوله: (فلا تصح دعواه أبدا) أي وإن جحد العبد، وهذا عند الامام، وعندهما: تصح دعواه إن جحد العبد.(2/196)
ووجه قول الامام أن الاقرار ابالنسب من الغير إقرار بما لا يحتمل النقض فلا تصح دعوة المقر بعد ذلك، وإنما قلنا: إنه لا يحتمل النقض لان في زعم المقر أنه ثابت النسب من الغير والنسب إذا ثبت لا ينتقض بالجحود والتكذيب، ولهذا لو عاد المقر له إلى تصديقه جاز وثبت النسب منه وصار كالذي لم يصدقه ولم يكذبه ط.
قوله: (وقد أفاده) أي أفاد نظيره لا عينه.
قوله: (معه أو مع غيره) أشار إلى أن ما وقع من التقييد بكونه معه ليس احترازيا.
قال الزيلعي: لا يشترط لهذا الحكم أن يكون الصبي في يده، واشتراطه في الكتاب وقع اتفاقيا ا ه شرنبلالية.
قوله: (الغائب) إتقاني أيضا.
قوله: (خلافا لهما) فقالا تصح دعوة المقر بعد جحود المقر له أن يكون ابنه، لان إقراره له بطل بجحود المقر له فصار كأنه لم يقر وقد تقدم توجيه قول الامام، وذكره المؤلف.
وعبارة الدرر: هما قالا: إذا جحد زيد بنوته فهو ابن للمقر، إذا صدقه زيد أو لم يدر تصديقه ولا تكذيبه لم تصح دعوة المقر عندهم.
لهما أن الاقرار ارتد برد زيد فصار كأن لم يكن، والاقرار بالنسب يرتد بالرد، ولهذا إذا أكره على الاقرار بالنسب فأقر به لا يثبت، وكذا لو هزل به وإن لم يحتمل النسب نفسه، النقض، وله أن النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته، والاقرار بمثله لا يرتد بالرد: أي بمثل ما لا يحتمل النقض إذ تعلق به حق المقر له، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه.
وأيضا تعلق به حق الولد فلا يرتد برد المقر له ا ه.
قال قاضيخان: ومن جملة النسب لا يرتد بالرد في حق المقر لان في زعمه أنه ثابت النسب من الغير فيصلح حجة في حق نفسه وإن لم يصلح على الغير، كمن أقر بحرية عبد إنسان وكذبه المولي لا يبطل إقراره في حق نفسه، حتى لو ملكه بعد ذلك يعتق عليه ا ه.
ولا يرتد بالرد في حق المقر، ومن ذلك لو صدقه الخ، ولا في حق الولد لاحتياجه إلى النسب.
قوله: (بعد ثبوته) وهنا أثبت من جهة المقر للمقر له.
قوله: (حتى لو صدقه) أي صدق المقر له المقر، وفي التفريع خفاء لانه ليس هذا متفرعا على ما زعمه، بل على أن الاقرار بما لا يحتمل النقض لا يرتد بالرد إذا تعلق به حق الغير، كمن أقر بحرية عبد غيره فكذبه مولاه فيبقى في حق المقر حرا ولا يرتد بالرد، حتى لو ملكه عتق
عليه، وكمن شهد على رجل بنس ب صغير فردت شهادته لتهمة فادعاه الشاهد لا تقبل.
ولا يرد ما لو أقر المشتري على البائع بإعتاق المبيع قبل البيع وكذبه البائع ثم قال المشتري أنا أعتقه يتحول الولاء إليه لانها من محل الخلاف، ولو سلم فالنسب ألزم من الولاء لقبوله التحول من موالي الام إلى موالي الاب أو إلى مولى آخر فيما لو ارتدت المعتقة ثم سبيت بعدما لحقت فاشتراها آخر وأعتقها.
ولا يرد أيضا ما لو أقر أن عبده ابن الغير ثم ادعاه حيث يعتق، لان العتق ليس لثبوت نسبه منه، بل لان إقراره يسري على نفسه كقوله لعبد الثابت نسبه من غيره هو ابني.
وعبارة الدرر كما سمعتها في المقولة السابقة.
فظهر أنه مفرع على تعلق حق المقر له به.
تأمل.
قوله: (فلا حاجة إلى(2/197)
الاقرار به ثانيا) بأن يقول هو ابني.
قوله: (ولا سهو في عبارة العمادي) عبارته هكذا: هذا الولد ليس مني ثم قال هو مني صح، إذ بإقراره بأنه منه ثبت نسبه فلا يصح نفيه.
قال في الدرر: هذا سهو لان التعليل يقتضي أن هناك ثلاث عبارات: إثبات ونفي وعود إلى الاثبات.
قال الشرنبلالي: والذي يظهر لي أن عوده إلى التصديق ليس له فائدة في ثبوت النسب لانه بعد الاقرار لا ينتفي بالنفي.
وأقول: هذا يقرر مدعي الدرر، وليس بجواب عن العمادي.
وفي الزيلعي: نفي النسب عن نفسه لا يمنع الاقرار به بعده، بأن قال ليس هذا بابني ثم قال هو ابني ا ه.
وأقول: ليس في عبارة العمادي سبق الاقرار على النفي، وانظر تحقيقه فيما يأتيك في المقولة الآتية.
قوله: (كما زعمه منلا خسرو) راجع إلى المنفي الذي هو السهو، ونصه قال: هذا الولد مني ثم قال هذا الولد ليس مني ثم قال هو مني صح، إذ بإقراره بأنه منه تعلق حق المقر له إذا ثبت نسبه من رجل معين حتى ينتفي كونه مخلوقا من ماء الزنا، فإذا قال ليس مني هذا الولد لا يملك إبطال حق الولد، فإذا عاد إلى التصديق صح.
أقول: قد وقعت العبارة في الاستروشنية كالعمادية: هذا الولد ليس مني ثم قال هو مني صح، إذ بإقراره أنه منه الخ الظاهر أنه سهو من الناسخ الاول، يدل عليه التعليل الذي ذكره لانه يقتضي أن يكون هنا ثلاث عبارات: تفيد الاولى: إثبات البنوة، والثانية: نفيها، والثالثة: العود إلى الاثبات، والمذكور فيهما العبارتان فقط.
قال الشرنبلالي: والذي يظهر لي أن اللفظ الثالث وهو قوله ثم قال هو مني ليس له فائدة لثبوت النسب لانه بعد الاقرار به لا ينتفي بالنفي ولا يحتاج إلى الاقرار به بعده، فليتأمل ا ه.
ولذلك قال في الخلاصة.
ولو قال هذا الولد ليس مني ثم قال مني صح، ولو قال مني ثم قال ليس مني لا يصح النفي ا ه.
فاقتصر هنا على العبارتين كالعمادية والاستروشنية، لكن كلام الشرنبلالي لا يدفع كلام صاحب الدرر، لان مناقشته إنما هي في إسقاط الاولى، أما الثالثة فهي موجودة في عبارة العمادية والاستروشنية، فصاحب الدرر ناقش: في إسقاط الاولى والشرنبلالي في إسقاط الثالثة.
تأمل.
والحاصل: أن الاعتبار إنما هو إلى وجدان الاقرار سواء تقدم عليه النفي أو تأخر عنه كما علم من صريح الخلاصة، ومما ذكرنا، فهر أنه الخلل في سبك تعليل الاستروشني وتبعه العمادي، وأن منلا خسرو لم يتفطنه وظن أنه محتاج إلى عبارة أخرى، وليس كذلك، إذ الاقرار الواحد يكفي سواء وجد مقدما على النفي أو متأخرا عنه كما لا يخفى، فتدبر.
قوله: (كما أفاده الشرنبلالي) راجع إلى النفي الذي هو عدم السهو.
ط عن الحلبي.
وتقدم نص عبارة الشرنبلالية، ومقتضى ما يظهر لي أنه راجع إلى قوله فلا حاجة إلى الاقرار به ثانيا.
قوله: (وهذا) أي ثبوت النسب إذا صدقه الابن، أما بدونه فلا لانه إقرار على الغير بأنه جزؤه فلا يتم إلا بتصديق ذلك الغير، وهذا التفصيل إنما يأتي في الاقرار بصبي يعبر عن نفسه، أما لو كان صغيرا لا يعبر عن نفسه يصدق المقر استحسانا كما في الخلاصة.(2/198)
قوله: (أما بدونه فلا) أي فلا يتم إلا بتصديق ذلك الغير.
قوله: (لبقاء إقرار الاب) لان إقرار الاب لم يبطل لعدم تصديق الابن فيثبت النسب كما في الدرر.
قوله: (قبل) لانه إقرار على نفسه بأنه جزؤه.
درر.
قوله: (فلا يقبل) أي على الغير.
قوله: (وبين جهة الارث صح) قال في جامع الفصولين: إذا
إثبات الوراثة لا يصح ما لم يعين جهة الارث.
قوله: (ولو ادعى بنوة العم) عبارة الدرر: ادعى الاخوة ولم يذكر راسم الجد صح، بخلاف دعوى كونه ابن عمه حيث يشترط فيها ذكر اسم الجد كما في العمادية ح.
وفي الخيرية: ومما صرحوا به أن دعوى بنوة العم تحتاج إلى ذكر نسبة العم والام إلى الجد ليصير معلوما لانه لا يحصل العلم للقاضي بدون ذكر الجد، وتحقق العمومة بأنواع منها العم لام ذكره في كتاب الوقف.
وفي التنقيح أن الشهود إذا شهدوا بنسب فإن القاضي لا يقبلهم ولا يحكم به إلا بعد دعوى مال، إلا في الاب والابن، وأن ينسب الشهود الميت والمدعي لبنوة العمومة حتى يلتقيا إلى أب واحد، وأن يقول هو وارثه لا وارث له غيره كما صرح قاضيخان، ولا بد أن يكون الاب الواحد الملتقي إليه معروفا للقاضي بالاسم والنسب بالاب والجد إذ الخصام فيه، والتعريف بذلك عند الامام الاعظم رحمه الله تعالى، وعليه الفتوى.
فإذا لم يوجد شرط من هذه الشروط لا تقبل ولا يصح القضاء بها، وينبغي الاحتياط بالشهادة بالنسب سيما في هذا الزمن.
قال الحامدي: قلت: هذا مناقض لما ذكره في الظهيرية والعمادية وغيرهما من أنه يشترط ذكر الجد الذي التقيا إليه، وقد مثل له في الظهيرية مثالا ولم يذكر اسم أب الجد ولا اسم جده، لكن أفتى الامام أبو السعود باشتراط ذكر الاب كما ذكره اليشمقجي في فتاويه، وأظن أن الرحيمية اشترط ذلك بناء على قولهم كصاحب التنوير وغيره: إذا كانت الدعوى على غائب يشترط ذكر أبيه وجده، وإن حكم بدون ذكر الجد نفذ وأنه ظن أن الدعوى على الجد الذي التقيا إليه، والحال أن الدعوى على الميت الذي يطلبون إرثه، فتنبه ا ه.
قال في الدرر: قال أحد الورثة لا دعوى لي في التركة لا تبطل دعواه، لان ما ثبت شرعا من حق لازم لا يسقط بالاسقاط، كما لو قال لست ابنا لابي قال ذو اليد ليس هذا لي ونحوه.
أي ليس ملكي ولا حق لي فيه ونحو ذلك ولا منازع ثمة ثم ادعاه فقال: أي ذو اليد هو لي صح والقول قوله، لان هذا الكلام لم يثبت حقا لاحد، لان الاقرار للمجهول باطل، والتناقض إنما يبطل إذا تضمن إبطال حق
على أحد، ولو كان ثمة منازع كان إقرارا له في رواية وهي رواية الجامع الصغير، وفي أخرى لا، وهي(2/199)
رواية دعوى الاصل، لكن قالوا: القاضي يسأل ذا اليد أهو ملك المدعي؟ فإن أقر به أمره بالتسليم إليه، وإن أنكر أمر المدعي بإقامة البينة عليه، ولو قاله: أي قال ليس هذا لي ونحوه الخارج لا يدعي ذلك الشئ بعده للتناقض وإنما لم يمنع ذو اليد على ما مر لقيام اليد.
كما في العمادية.
أقول: لكن قيده في جامع الفصولين بما إذا قال ذلك مع وجود النزاع، أما لو قاله قبل النزاع فعلى الخلاف على عكس ذي اليد، وقوله لقيام اليد وهو دليل الملك فنفي الملك عن نفسه من غير إثبات للغير لغو.
وفي الدرر أيضا: ادعى العصوبة وبين النسب وبرهن الخصم أن النسب بخلافه، إن قضى بالاول لم يقض به، وإلا تساقطا للتعارض وعدم الاولولية.
قوله: (ما لم يذكر اسم الجد) بخلاف الاخوة فإنها تصح بلا ذكر الجد كما في الدرر.
واعلم أن دعوى الاخوة ونحوها مما لو أقر به المدعي عليه لا يصح ما لم يدع قبله مالا.
قال في الولوالجية: ولو ادعى أنه أخوه لابويه فجحد فإن القاضي يسأله ألك قبله ميراث تدعيه أو نفقة أو حق من الحقوق التي لا يقدر على أخذها إلا بإثبات النسب؟ فإن كان كذلك يقبل القاضي ببينته على إثبات النسب، وإلا فلا خصومة بينهما، لانه إذا لم يدع مالا لم يدع حقا، لان الاخوة المجاورة بين الاخوين في الصلب أو الرحم، ولو ادعى أنه أبوه وأنكر فأثبته يقبل، وكذا عكسه وإن لم يدع قبله حقا، لانه لو أقر به صح فينتصب خصما، هذا لانه يدعي حقا، فإن الابن يدعي حق الانتساب إليه والاب يدعي وجوب الانتساب إلى نفسه شرعا.
وقال عليه الصلاة والسلام من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ا ه ملخصا.
قال في البزازية: ادعى على آخر أنه أخوه لابويه: إن ادعى إرثا أو نفقة وبرهن تقبل ويكون قضاء على الغائب أيضا، حتى ولو حضر الاب وأنكر لا يقبل ولا يحتاج إلى إعادة البينة لانه لا يتوصل إليه إلا بإثبات الحق على الغائب.
وإن لم يدع مالا بل ادعى الاخوة المجردة لا يقبل، لان هذا في
الحقيقة إثبات البنوة على أب المدعى عليه والخصم فيه هو الاب لا الاخ.
وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه أو أبو أبيه والابن والاب غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالا، فإن ادعى مالا فالحكم على الغائب والحاضر جميعا كما مر، بخلاف ما إذا ادعى رجل أنه أبوه أو ابنه، وتمامه فيها.
قوله: (ولو برهن الخ) مكرر مع ما قدمه قريبا.
قوله: (تقبل لثبوت النسب بإقراره) أي ويزاحم الوارث المعروف، ويظهر أن الابوة مثل ذلك كما علمت مما مر.
بقي: فيما لم يثبت بإقراره فيشترط أن يدعي حقا آخر كإرث أو نفقة، فلو برهنت أنه عمها مريدة النفقة منه فبرهن على زيد أنه أخوها برئ العم، بخلاف دعوى الابوة كما في الهندية.
وقال في جامع الفصولين: أقر ذو ابن بأن فلانا وارثه ثم مات الابن ثم المقر يأخذ المقر له المال: يعني بحكم الوصية لان هذا وصية.
حتى لو قال هو قريبي ومات المقر عن زوجة أخذت الربع والباقي للمقر له ا ه.
وأشار بهذا إلى أنه لا يلزم معرفة جهة القرابة، وإلا فإنه لو ادعى الارث بالاخوة يلزم، والله تعالى أعلم.
قوله: (ولا تسمع) أي بينة الارث كما في الفصولين، لكن في الاشباه تقبل الشهادة حسبة في النسب.(2/200)
ويمكن أن يوفق بينها وبين ما هنا فيما إذا لم يكن خصم، كما لو ترك صغيرا وارثا فإن الشهادة حسبة تقبل ولا تكون التركة في بيت المال، بخلاف ما إذا حصل خصام من الورقة مع المدعي فلا بد مما ذكر هنا.
قوله: (وهو وارث) وكذا على الوصي.
نور العين قوله: (أو دائن) أي على ما ذكره الخصاف وخالفه بعض المشايخ، وانظر ما صورته، ولعل صورته أنه يدعي دينا على الميت وينصب له القاضي من يثبت في وجهه دينه فحينئذ يصير خصما لمدعي الارث، ومثل ذلك يقال في الموصى له تأمل.
ويمكن التصوير لهما: أي الوارث والدائن بأن يكون دفع القاضي التركة للدائن بدينه ثم حضر مدعي الارث ونازع الدائن بأنه يريد استلام التركة ودفع جميع الدين إليه فأنكر الدائن أن يكون المدعي وارث الميت يكون خصما في إثبات النسب.
قوله: (فلو أقر) أي المدعى عليه.
قوله: (به) أي
بالبنوة بالموروث.
قوله: (والدافع على الابن) علي بمعنى من أو متعلق بمحذوف: أي ويرجع الدافع على الابن.
قوله: (ولو أنكر) أي المدعي عليه دعوة النبوة.
قوله: (والصحيح تحليفه) أي تحليف المنكر على العلم: أي على أنه لا يعلم أنك ابن فلان، فإذا أراد الولد أخذ المال كلف إقامة البينة على مدعاه.
قوله: (على العلم) أي على نفي العلم.
قوله: (بأنه ابن فلان) الظاهر أن تحليفه على أنه ليس بابن فلان إنما هو إذا أثبت المدعي الموت وإلا فلا فائدة في تحليفه إلا على عدم العلم بالموت.
تأمل.
قوله: (ثم يكلف الابن الخ) أي إن حلف، وإن نكل يكون مقرا، فإن كان منكرا للمال يحلف عليه.
قوله: (وتمامه في جامع الفصولين) حيث قال: ولو نكل يصير مقرا بنسب وموت، وصار كما لو أقر بهما صريحا وأنكر المال، ولو كان كذلك لا يجعل القاضي الابن خصما في إقامة البينة على إثبات المال، ولكن يجعله خصما في حق التحليف على المال وأخذه منه فيحلفه بتا.
قوله: (من الفصل السابع والعشرين) صوابه: الثامن والعشرين.
قوله: (هو عبدي) قيد به لانه لو قال هو ابني يقدم المسلم.
قوله: (والاسلام مالا) لظهور دلائل التوحيد لكل عاقل، وفي العكس يثبت الاسلام تبعا، ولا يحصل له الحرية مع العجز عن تحصيلها درر.
واستشكله الاكمل بمخالفته لقوله تعالى: * ((2) ولعبد مؤمن خير من مشرك) * (البقرة: 112) ودلائل التوحيد وإن كانت ظاهرة لكن الالفة مع الكفار مانع قوي، ألا ترى أن آباءه كفروا مع ظهور أدلة التوحيد، ويؤيده أن الذمية المطلقة أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الاديان أو يخف أن يألف الكفر للنظر قبل ذلك واحتمال الضرر بعده.
وأجاب بأن قوله تعالى: * ((33) ادعوهم لآبائهم) * (الاحزاب: 5) يوجب دعوة الاولاد(2/201)
لآبائهم، ومدعي النسب أب لان دعوته لا تحتمل النقض فتعارضت الآيتان، وكفر الآباء جحود والاصل عدمه، ألا ترى إلى انتشار الاسلام بعد الكفر في الآفاق.
وأما الحضانة فتركها لا يلزم منه رق ا ه.
بخلاف ترك النسب هنا فإن المصير بعده إلى الرق وهو ضرر عظيم لا محالة ا ه.
أقول: لكن بعد استدراك الشارح الآتي عن ابن كمال بأنه يكون مسلما فلا إشكال، وإن اعترض عليه فإنك ستسمع الاعتراض والجواب.
قال في شرح الملتقى: وهذا إذا ادعياه معا، فلو سبق
دعوى المسلم كان عبدا له، ولو ادعيا البنوة كان ابنا للمسلم إذ القضاء بنسبه من المسلم قضاء بإسلامه.
قوله: (لكن جزم ابن الكمال بأنه يكون مسلما) أي تبعا للدار وابنا للكافر بالدعوة كما صرح به فيه، لان حكمه حكم دار الاسلام، وفيه أنه لا عبرة للدار مع وجود أحد الابوين ح.
قلت: يخالفه ما ذكروا في اللقيط لو ادعاه ذمي يثبت نسبه منه وهو مسلم تبعا للدار، وتقدم في كتابه عن الولوالجية: ولا يقال إن تبعية الدار إنما تكون عند فقد الابوين لان تبعيته قبل ثبوت أن الذمي أب له حيث كان في يد المسلم والكافر يتنازعان فيه، وهو قول في غاية الحسن وإن كان مخالفا الظاهر.
تعليل الهداية وغيرها فليتبصر.
قوله: (قال زوج امرأة لصبي معهما) أي في يدهما احترز به عما لو كان في يد أحدهما.
قال في التاترخانية: وإن كان الولد في يد الزوج أو يد المرأة فالقول للزوج فيهما، وقيد بإسناد كل منهما الولد إلى غير صاحبه، لما فيها أيضا عن المنتقى: صبي في يد رجل وامرأة قالت المرأة هذا ابني من هذا الرجل وقال ابني من غيرها يكون ابن الرجل ولا يكون للمرأة، فإن جاءت بامرأة شهدت على ولادتها إياه كان ابنها منه وكانت زوجته بهذه الشهادة، وإن كان في يده وادعاه وادعت امرأته أنه ابنها منه وشهدت امرأة على الولادة لا يكون ابنها منه بل ابنه لانه في يده، واحترز عما فيها أيضا: صبي في يد رجل لا يدعيه أقامت امرأة أنه ابنها ولدته ولم تسم أباه وأقام رجل أنه ولد في فراشه ولم يسم أمه يجعل ابنه من هذه المرأة ولا يعتبر الترجيح باليد، كما لو ادعها رجلان وهو في يد أحدهما فإنه يقضي لذي اليد.
قوله: (فهو ابنهما) لان كل واحد منهما أقر للولد بالنسب وادعى ما يبطل حق صاحبه ولا رجحان لاحدهما على الآخر لاستواء أيديهما فيه فيكون ابنهما، هذا إذا كان لا يعبر عن نفسه وإلا فهو لمن صدقه.
عيني.
قوله: (إن ادعيا) هذا إذا كان النكاح بينهما ظاهرا، وإن لم يكن ظاهرا بينهما يقضي بالنكاح بينهما.
هندية عن شرح الطحاوي.
قوله: (وإلا ففيه تفصيل ابن كمال) حيث قال: وإلا فعلى التفصيل الذي في شرح الطحاوي ولم يبين ذلك التفصيل، وظاهر إطلاق المتون والشروح أنه لا فرق بين أن يدعيا معا أو متعاقبا وهي الموضوعة لنقل المذهب فليكن العمل عليها، ولان ما يدعيه أحدهما غير ما يدعيه الآخر إذ هو يدعي أبوته وهي تدعي الامومة، ولا ينافي
إحدى الدعوتين الاخرى، غير أن كلا يكذب صاحبه في حق لا يدعيه لنفسه فيلغو قوله ولا يعتبر السبق فيه، والله تعالى أعلم.
قال في الهندية: ولو ادعى الزوج أولا أنه ابنه من غيرها وهو في يديه يثبت النسب من غيرها،(2/202)
فبعد ذلك إذا ادعت المرأة لا يثبت النسب منها، وإن ادعت المرأة أولا أنه من غيره وهو في يدها فادعى الرجل أنه ابنه من غيرها بعد ذلك: فإن كان بينهما نكاح ظاهر لا يقبل فهو ابنهما، وإن لم يكن بينهما نكاح ظاهر فالقول قولها، ويثبت نسبه منها إذا صدقها ذلك الرجل، هذا إذا كان الغلام لا يعبر عن نفسه.
أما إذا كان يعبر عن نفسه وليس هناك رق ظاهر فالقول قول الغلام أيهما صدقه يثبت نسبه منه بتصديقه.
كذا في السراج الوهاج.
وأوضحه في العناية أيضاحا حسنا حيث قال: إذا ادعت امرأة صبيا أنه ابنها، فإما أن تكون ذات زوج أو معتدة، أو لا منكوحة ولا معتدة، فإن كانت ذات زوج وصدقها فيما زعمت أنه ابنها منه ثبت النسب منهما بالتزامه فلا حاجة إلى حجة، وإن كذبها لم تجز دعوتها حتى تشهد بالولادة امرأة لانها تدعي تحميل النسب على الغير فلا تصدق إلا بالحجة وشهادة القابلة كافية لان التعيين يحصل بها وهو المحتاج إليه، إذ النسب يثبت بالفراش القائم، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قبل شهادة القابلة على الولادة وإن كانت معتدة احتاجت إلى حجة كاملة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أي وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، إلا إذا كان هناك حبل ظاهر أو اعترف من قبل الزوج.
وقالا: يكفي في الجميع شهادة امرأة واحدة، وقد مر في الطلاق: وإن لم تكن ذات زوج ولا معتدة قالوا يثبت النسب بقولها لان فيه إلزاما على نفسها دون غيرها.
وفي هذا لا فرق بين الرجل والمرأة، ومنهم من قال: لا يقبل قولها سواء كانت ذات زوج أو لا.
والفرق هو أن أصل أن كل من ادعى أمرا لا يمكنه إثباته بالبينة كان القول فيه قوله من غير بينة، وكل من ادعى أمرا يمكن إثباته بالبينة لا يقبل قوله فيه إلا بالبينة، والمرأة يمكنها إثبات النسب بالبينة لان انفصال الولد منها مما يشاهد فلا بد لها من بينة، والرجل لا يمكنه إقامة البينة على الاعلاق لخفاء فيه فلا يحتاج إليها، والاول هو المختار لعدم التحميل على أحد فيهما ا ه.
قوله: (وهذا لو غير
معبر) أي إذا كان الغلام لا يعبر عن نفسه.
قوله: (فهو لمن صدقه) أي فالقول قول الغلام أيهما صدقه يثبت نسبه منه بتصديقه، فلو لم يصدقهما جميعا فالظاهر أن العبرة لقوله ط.
قوله: (لان الخ) علة لقوله فهو ابنهما، فكان الاولى تقديمه على قوله وإلا، وأما كونه لمن كان صدقه إذا كان معبرا فعلته أنه في يد نفسه.
قوله: (ولو ولدت أمة) أي من المشتري وادعى الولد.
حموي.
قوله: (غرم الاب قيمة الولد) ولا يغرم الولد حتى لو كان الاب ميتا تؤخذ من تركته، وولاؤه للمستحق عليه لانه علق حر الاصل، وإنما قدر الرق ضرورة القضاء بالقيمة فلا تعدو محلها.
قوله: (يوم الخصومة) لا يوم القضاء ولا يوم الولادة.
وقال الطحاوي: يغرم قيمة الولد يوم القضاء، وإليه يشير.
قوله: (لانه يوم المنع) أي منع الولد من المستحق، لكن في حاشية الشيخ حسن الشرنبلالي ما يخالفه، حيث فسر يوم التخاصم بيوم القضاء، واستدل عليه بعبارة الزيلعي وشرح الطحاوي، ولا شك أن المغايرة بينهما أظهر لاحتمال تأخر القضاء عن التخاصم بأن لم يقم المستحق البينة في يوم دعوى الاستحقاق بل في يوم آخر وكان بين اليومين تفاوت بالقيمة، يؤيده أن قول الطحاوي صريح في المغايرة بين يومي التخاصم والقضاء، إلا أن يقال: الجمع بينهما ممكن.
تأمل.
قوله: (وهو حر) أطلقه، ولكن هذا إذا(2/203)
كان حرا، أما إذا كان مكاتبا أو عبدا مأذونا له في التزوج يكون ولده عبدا: أي قنا للمستحق عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد، وهو حر بالقيمة عنده، وباقي التفصيل مذكور في بابه.
قوله: (لانه مغرور) أي والامة ملك للمستحق والولد جزؤها فاستوجب المستحق النظر إليه والمغرور معذور، وقد بنى الامر على سبب صحيح فوجب الجمع بين النظرين مهما أمكن، وذلك بجعل الولد حر الاصل في حق الاب ورقيقا في حق المستحق، لان استحقاق الاصل سبب استحقاق الجزء فيضمن الاب قيمته يوم الخصومة.
واعلم أن ولد المغرور حر الاصل من غير خلاف، ولا خلاف أنه مضمون على الاب إلا أن السلف اختلفوا في كيفية الضمان، فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يفك الغلام بالغلام والجارية بالجارية: يعني إذا كان الولد غلاما فعلى الاب غلام مثله، وإن كان جارية فعليه جارية
مثلها.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: قيمته، وإليه ذهب أصحابنا، فإنه قد ثبت بالنص أن الحيوان لا يضمن بالمثل، وتأويل الحديث الغلام بقيمة الغلام والجارية بقيمة الجارية، ولان النظر من الجانبين واجب دفعا للضرر عنهما فيجعل الولد حر الاصل في حق أبيه رقيقا في حق مدعيه نظرا لهما.
عناية.
قوله: (فلذا قال) أي لكون المغرور من اعتمد في وطئه على ملك يمين الخ: أي ولم يقيد بالشراء، فعلم أن قول المصنف أولا اشتراها اتفاقي.
قوله: (وكذا الحكم لو ملكها بسبب آخر) كما لو ملكها أجرة عين له آجرها أو اتهبها أو تصدق بها عليه أو أوصى له بها، إلا أن رجوع المغرور بما ضمن لا يعم هذه الصور، بل يقتصر على المشتراة والمجعولة أجرة والمنكوحة بشرط الحرية لا الموهوبة.
والمتصدق بها والموصى بها.
أفاده أبو السعود.
قوله: (عيني) حيث قال: النظر من الجانبين واجب فيجعل الولد حر الاصل في حق الاب رقيقا في حق المستحق فيضمن قيمته يوم الخصومة لانه يوم المنع، ويجب على الاب دون الولد، حتى لو كان الاب ميتا تؤخذ من تركته، ولا ولاء للمستحق عليه لانه علق حر الاصل، وكذا إذا ملكها بسبب آخر غير الشراء، وكذا إذا تزوجها على أنها حرة فولدت ثم استحقت، روى ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه في النكاح.
وعن علي رضي الله تعالى عنه في الشراء بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من غير نكير فكان إجماعا ا ه.
قوله: (كما لو تزوجها على أنها حرة) أي بأن كان المزوج وليا أو وكيلا عنها، وهذا بخلاف ما إذا أخبره رجل أنها حرة فتزوجها ثم ظهر أنها مملوكة فلا رجوع بقيمة الولد على المخبر إلا في ثلاث مسائل: منها إذا كان الغرور بالشرط كما لو زوجه امرأة على أنها حرة ثم استحقت فإنه يرجع على المخبر بما غرمه للمستحق من قيمة الولد.
وتمامه في باب المرابحة التولية وفي باب الاستحقاق.
قوله: (غرم قيمة ولده) أي ويرجع ذلك على المخبر كما مر في آخر باب المرابحة.
قوله: (وإرثه له) أي لو مات الولد وترك مالا فهو لابيه، ولا يغرم شيئا لان الارث ليس بعوض عن الولد فلا يقوم مقامه فلم يجعل سلامة الارث كسلامته.
قوله: (لانه حر الاصل) فإن قلت: إنه ظهر منه أنه رقيق في حق المستحق فوجب أن تكون التركة بينهما، قلت: بل هو حر في حق المستحق أيضا، حتى لو لم(2/204)
يكن له ولاء فيه، وإنما جعل رقيقا ضرورة القضاء بالقيمة، وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها كما في الشروح، فظهر أن معنى قوله لانه حر الاصل في حقه أنه حر في جميع الاحكام من كل وجه في حق غير المستحق، وفي حق المستحق إنما هو رقيق في حق الضمان.
قوله: (فإن قتله أبوه) إنما غرم لان المنع تحقق بقتله.
قوله: (غرم الاب قيمته للمستحق) لوجود المنع منه فيما إذا كان هو القاتل ولقبضه بدله فيما إذا كان القاتل غيره، فلذا لا يؤخذ منه فوق ما قبض كما سيأتي، بخلاف ميراث الولد فإنه ليس بدلا عنه، بل آل إليه خلافة عنه كما هو طريقة الارث وهو حر الاصل في حقه، والغرامة في ماله لو كان الولد حيا لا في مال الولد وهو لم يمنعه ولا بدله فلا شئ عليه.
قوله: (لا شئ عليه) لان المنع لا يتحقق فيما لم يصل إليه.
قوله: (لزمه بقدره) اعتبارا للبعض بالكل.
قوله: (في الصورتين) أي صورتي الملك والتزوج، أما في صورة الملك فلان البائع صار كفيلا بما شرطه من البدل لوجوب سلامة البدلين في البيع ولما سلم الثمن للبائع وجب سلامة المبيع للمشتري، وذلك بجعل البائع كفيلا لتملكه البدل، لانه ضمن سلامتها من عيب والاستحقاق عيب.
وأما في صورة النكاح فلان الاستيلاد مبني على التزوج وشرط الحرية كوصف لازم للتزوج فنزل: أي المزوج قائلا: أنا كفيل بما لزم في هذا العقد، بخلاف ما إذا أخبره رجل أنها حرة أو أخبر به هي وتزوجها من غير شرط الحرية حيث يكون الولد رقيقا، ولا يرجع على المخبر بشئ لان الاخبار سبب محض، لان العقد حصل باختيار الرجل والمرأة، وإنما يؤخذ حكم العلة بالغرور وذلك بأحد أمرين: بالشرط أو بالمعاوضة كما في المقدسي، وهذا ظاهر فيما إذا أرجعنا الصورتين إلى ما ذكرنا، أما إذا أرجعنا الصورتين إلى قوله فإن قتله أبوه أو غيره كما في الشرنبلالي فلا يظهر فيما إذا قتله الاب لانه ضمان إتلاف فكيف يرجع بما غرم؟ وقد صرح الزيلعي بذلك: أي بالرجوع فيما إذا قتله غيره وبعدمه بقتله، والاولى إرجاع الصورتين إلى ما إذا استولدها وما إذا قتله غير الاب، فتأمل.
قوله: (ولو هالكة) يعني إذا هلكت عند المشتري فضمنه: أي المستحق قيمتها وقيمة الولد فإنه يرجع على البائع بثمنها وبقيمة الولد لا بما ضمن من قيمتها، لانه لما أخذ المستحق قيمتها صار كأنه أخذ عينها، وفي أخذ العين لا يرجع إلا بالثمن فكذا في أخذ القيمة.
والحاصل: أن المستحق يأخذها لو قائمة وقيمتها لو كانت هالكة، ويرجع بذلك على بائعه لانه بعقد البيع ضمن له السلامة، بخلاف الواهب أو المعير لو هلكت في يده فضمنه المستحق قيمتها لانهما محسنان وما على المحسنين من سبيل فلا يرجع عليهما كما ذكرنا.
قوله: (وكذا لو استولدها المشتري الثاني) فإن المشتري الثاني يرجع على المشتري الاول بالثمن وبقيمة الولد.
قوله: (لكن إنما يرجع المشتري الاول على البائع الاول بالثمن فقط) ولا يرجع بقيمة الولد عند الامام.
وقالا: يرجع عليه(2/205)
بقيمة الولد أيضا، لان البائع الاول ضمن للثاني سلامة الولد في ضمن البيع ولم يسلم له حيث أخذ منه قيمة الولد فيرجع به عليه كما في الثمن والرد بالعيب.
ولابي حنيفة أن البائع الاول ضمن للمشتري سلامة أولاده دون أولاد المشتري منه، لان ضمان السلامة إنما بثبت بالبيع، والبيع الثاني لا يضاف إليه وإنما يضاف إلى البائع الثاني لمباشرته باختياره فينقطع به سبب الاول، بخلاف الثمن لان البائع الاول ضمن للبائع الثاني سلامة المبيع ولم يسلم له فلا يسلم للبائع الثمن، وبخلاف الرد بالعيب لان المشتري الاول استحقه سليما ولم يوجد ا ه.
منح.
قوله: (كما في المواهب) وعبارتها: ولو استحقت أمة بعدما استولدها المشتري الثاني غرم العقر وقيمة الولد وقت الخصومة، ويرجع بالثمن وقيمته على البائع وهو يرجع بالثمن فقط انتهى.
قوله: (لا بعقرها) أي لا يرجع بالعقر الذي أخذه منه المستحق لانه لزمه باستيفاء منافعها: أي منافع بضعها وهو الوطئ وهي ليست من أجزاء المبيع فلم يكن البائع ضامنا لسلامته.
صدر الشريعة.
قوله باستيفاء منافعها على حذف مضاف: أي منافع بضعها، دل على ذلك قول الزيلعي: العقر عوض عما استوفى من منافع البضع، فلو رجع به سلم له المستوفي مجانا.
وقال الشافعي: يرجع بالعقر أيضا على البائع.
قوله: (التناقض في موضع الخفاء عفو) في الاشباه: يعذر الوارث والوصي والمتولي للجهل ا ه.
لعله لجهله بما فعله المورث والموصي والمولى.
وفي دعوى الانقروي في التناقض المديون بعد قضاء الدين أو المختلعة بعد أداء بدل الخلع: لو برهنت على طلاق الزوج قبل الخلع وبرهن على إبراء الدين يقبل، ثم نقل أنه إذا استمهل في قضاء
الدين ثم ادعى الابراء لا يسمع.
سائحاني.
وقدمنا نظيره ومنه الاقرار بالرضاع، فلو قال هذه رضيعتي ثم اعترف بالخطأ يصدق في دعواه الخطأ، وله أن يتزوجها بعد ذلك، وهذا مشروط بما إذا لم يثبت على إقراره بأن قال هو حق أو صدق أو كما قلت أو أشهد عليه بذلك شهودا أو ما في معنى ذلك من الثبات اللفظي الدال على الثبات النفسي، واتفقت في ذلك مباحث طويلة الذيول لا يحتمل هذه الاوراق إيرادها، والعذر للمقر في رجوعه عن ذلك لانه مما يخفى عليه، فقد يظهر بعد إقراره خطأ الناقل.
ومنها: تصديق الورثة الزوجة على الزوجية ودفع الميراث لها ثم دعواهم استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه حيث تسمع دعواهم لقيام العذر في ذلك لهم حيث استصحبوا الحال في الزوجية وخفيت عليهم البينونة.
ومنها: ما إذا أدى المكاتب بدل الكتابة ثم ادعى العتق قبل الكتابة قيل لانه يخفى عليه العتق.
ومنها: ما إذا استأجر دارا ثم ادعى ملكها على المؤجر وأنها صارت إلى المستأجر ميراثا عن أبيه إذ هو مما يخفى.
ومنها: ما إذا استأجر ثوبا مطويا في جراب أو منديل أو غير ذلك، فلما نشره قال هذا متاعي(2/206)
تسمع دعواه وتقبل بينته، فالدعوى مسموعة مع التناقض في جميع هذه الصور مطلقا لمطلق العذر على الراجح المفتى به.
ومن المشايخ من اعتبر الناقض في جميع هذه الصور فمنع سماع الدعوى إذا تقدم ما ينافيها إلا في مسألة الرضاع ومسألة إكذاب القاضي المدعي في التناقض السابق، وهي ما إذا أمر إنسانا بقضاء دينه فزعم المأمور أنه قضاء عن أمره وصدقه الآمر وكان الاذن بالقضاء مشروطا بالرجوع فرجع المأمور على الآمر بالمال الذي صدقه على أدائه للدائن فجاء رب الدين بعد ذلك وادعى على الآمر المديون بدينه وأن المأمور لم يعطه شيئا وحلف على ذلك يقضي له القاضي على الآمر بأداء الدين، فإذا أداه ثم ادعى الآمر على المأمور بما كان رجع به عليه بحكم تصديقه، فهل الدعوى مسموعة مع التناقض لان القاضي أكذب المدعي الذي هو الآمر فيما سبق منه من تصديق المأمور حيث قضى عليه
بدفع الدين إلى الدائن والحال ما ذكر مانعا من الرجوع عليه بالمال؟ ثم قال: وهل يشترط في صحة سماع الدعوى إبداء المدعي عذره عند القاضي والتوفيق بين الدعوى وبين ما سبق، أو لا يشترط ذلك ويكتفي القاضي بإمكان العذر والتوفيق، وقدمنا الكلام عليه مستوفي، فراجعه.
ومما يتصل بهذا الفرع: أعني قوله التناقض في موضع الخفاء عفو ما ذكره في جامع الفصولين: قدم بلدة واستأجر دارا فقيل له هذه دار أبيك مات وتركها ميراثا فادعاها المستأجر وقال ما كنت أعلم بها لا تسمع للتناقض.
أقول: ينبغي أن تسمع فيه وفي أمثاله، إذ التناقض إنما يمنع ما لم يوفق أو لم يمكن توفيقه.
وأما إذا وفق فينبغي أن تسمع إذ لا تناقض حينئذ حقيقة، أما لو أمكن توفيقه ولكن لم يوفق ففيه اختلاف، ونص في هذا وغيره على أن الامكان يكفي ا ه.
وقدمنا أنه في محل الخفاء لا يكفي الامكان، وإلا فلا بد منه.
قال الخير الرملي: والظاهر أن صاحب الفصولين لم يطلع على نص صريح يفيد سماعها، وقد ظفرت به في البحر الرائق في باب الاستحقاق، وفي شرح قوله لا الحرية والنسب والطلاق، حيث قال: وفي العيون: قدم بلدة واشترى أو استأجر دارا ثم ادعاها قائلا بأنها دار أبيه مات وتركها ميراثا وكان لم يعرفه وقت الاستيام لا يقبل والقبول أصح.
ا ه.
ذكره الغزي.
أقول: قول أقول الخ لا يدل على عدم اطلاعه، بل هو اختيار منه لما هو الاصح وتعليل له.
وأقول: قوله واشترى يدل على أنه لو قاسم فهو كذلك، وهي واقعة الفتوى.
قاسم عمرو كرما ثم اطلع على أن الجميع لوالده غرسه بيده ثم مات وتركه له ميراثا ولم يعلم بذلك وقت القسمة، وسيأتي ما هو أدل، فليتأمل.
والظاهر أن قوله قدم بلدة ليس بقيد بل لانه غالبا محل الخفاء، وإذا كان مقيما لا يخفى غالبا، يؤيده ما قدمه من قوله شراه أبي في صغري، فتأمل ا ه.
وفي الفصولين في الفصل الثامن والعشرين: دفع الوصي جميع تركة الميت إلى وارثه وأشهد على نفسه أنه قبض منه جميع تركة والده ولم يبق من تركة والده قليل ولا كثير إلا استوفاه ثم ادعى دارا في يد الوصي أنها من تركة والدي ولم أقبضها، قال: أقبل ببينته وأقضي بها له، أرأيت إن قال
قد استوفيت جميع ما تركه والدي من دين على الناس وقبضت كله ثم ادعى دينا على رجل لابيه ألا أقبل ببينته وأقضي له بالدين ا ه.(2/207)
وفي البزازية: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه.
وفيها: ولو قال تركت حقي من الميراث أو برئت منها ومن حصتي لا يصح وهو على حقه، لان الارث جبري لا يصح تركه ا ه.
وفي الخانية: وفي الوصايا من تصرفات الوصي: أشهد اليتيم على نفسه بعد البلوغ أنه قبض من الوصي جميع تركة والده ولم يبق له من تركة والده عنده من قليل ولا كثير إلا قد استوفاه ثم ادعى في يد الوصي شيئا وقال هو من تركة والدي وأقام البينة قبلت بينته، وكذا لو أقر الوارث أنه قد استوفى جميع ما ترك والده من الدين على الناس ثم ادعى لابيه دينا على رجل تسمع دعواه ا ه.
وقول قاضيخان أشهد اليتيم على نفسه أنه قبض تركة والده.
أقول: ذكر الطرسوسي في شرح فوائده المنظومة قلت: انتقض قولهم إن النكرة في سياق النفي تعم، لان قوله لم يبق حق نكرة في سياق النفي، فعلى مقتضى القاعدة لا تصح دعواه بعد ذلك لتناقضه والمتناقض لا تسمع دعواه ولا بينته ا ه.
أقول: إنما اغتفر مثله لانه محل الخفاء بكونه لا يحيط علمه بما ترك والده بل قد يخفى عليه ذلك فيعفى التناقض تأمل.
وأقول: قد حرر سيدي الوالد رحمه الله تعالى المسألة برسالة سماها (إعلام الاعلام بأحكام الابراء العام) وفق فيها بين عبارات متعارضة ورفع ما فيها من المناقضة.
وحاصل ما فيها الفرق بين إقرار الابن للوصي وبين إقرار الورثة للبعض، لما في البزازية عن المحيط لو أبرأ أحد الورثة الباقي إلى آخر عبارتها المتقدمة.
ووجه الفرق بينهما أن الوصي هو الذي يتصرف في مال اليتيم بلا اطلاعه، فيعذر إذا بلغ وأقر
بالاستيفاء منه لجهله، بخلاف بقية الورثة فإنهم لا تصرف لهم في ماله، ولا في شئ من التركة إلا باطلاع وصية القائم مقامه فلا يعذر بالتناقض، ومن أراد مزيد البيان ورفع الجهالة فعليه بتلك الرسالة ففيها الكفاية لذوي الدراية.
قوله: (لا تسمع الدعوى) أي من أي مدع كان كغريم دائن ومودع هذا.
وقد تقدم أن دعوى أنه وارث تسمع على الدائن والمديون.
قوله: (على غريم ميت) بالاضافة، والمراد به دائن الميت كما هو المتبادر من البيري واستظهر الحموي أنه مديون الميت.
والحاصل: أنه إذا ادعى قوم على الميت ديونا وأرادوا أن يثبتوا ذلك فليس لهم أن يثبتوا على غريم للميت عليه دين ولا على موصي له بل لا بد من حضور وارث أو وصي.
قال في البزازية: وإثبات الدين على من في يده مال الميت هل يصح؟ اختلف المشايخ.
وصورته: المريض مرض الموت وهب كل ماله في مرضه أو أوصى بجميع ماله ثم ادعى رجل دينا على الميت؟ قال السعدي: نصب القاضي وصيا وسمع الخصومة عليه.
وقال شمس الائمة: يسمع على من في يده المال.
ا ه.
ومن هنا تعلم أن قوله الآتي زائدا صوابه ذا يد كما هو في أصل عبارة الاشباه.
وفي البحر: واختلف المشايخ في إثبات الدين على من في يده مال الميت وليس بوارث ولا وصي، ولا تسمع دعوى دين على ميت على غريم الميت مديونا أو دائنا.
اه.(2/208)
وفي حاشية الاشباه للحموي: واستثناء الموهوب له من غريم الميت منقطع، إذ ليس هو من الغرماء حتى يكون متصلا.
وفي البزازية: تقبل بينة إثبات الدين على الميت على الموصى له أو مديون الميت أو الوارث أو الذي له على الميت دين ومثله في العطائية.
وفي قاضيخان من الوصايا: رجل مات وعليه دين محيط بماله.
قال أبو بكر: الوارث لا يصير خصما للغرماء لانه لا يرث.
وقال علي بن محمد: الوارث يصير خصما ويقوم مقام الميت في الخصومة وبه نأخذ.
ثم قال: والصحيح أن يكون الوارث خصما لمن يدعي الدين على الميت وإن لم يملك شيئا.
وفي البزازية أيضا: والخصم في إثبات كونه وصي الوارث أو الموصى له أو مديون الميت أو دائنه، وقيل الدائن ليس بخصم.
قال في نور العين من الخامس: لا تقبل دعوى من يدعي على ميت بحضرة رجل يدعي أنه وصي الميت وأقر المدعي عليه بالوصاية.
ا ه.
فتبين من هذا أن الدعوى إنما تسمع على وصي محقق.
وفيه من السادس في دعوى دين على الميت: يكفي حضور وصيه أو وراثه، ولا حاجة إلى ذكر كل الورثة.
ا ه.
وعبارة الاشباه: لا تسمع الدعوى بدين على ميت لا على وارث أو وصي موصى له، ولا تسمع على غريم له كما في جامع الفصولين، إلا إذا وهب جميع ماله لاجنبي وسلمه له فإنها تسمع عليه لكونه ذا يد كما في خزانة المفتين انتهى، فعلى هذا.
قوله: غريم ميت تركيب إضافي بمعنى اللام.
فرع: قال في خزانة الاكمل: لو مات رجل في بلد بعيد وترك مالا وادعى رجل عليه دينا وورثته في بلد منقطع عنه فإن القاضي ينصب له وصيا ويسمع ببينته ويقضي له بالدين، ولو لم يكن منقطعا لا تسمع بينته على غير الوارث انتهى قوله: (إلا إذا وهب الخ) صورته: رجل وهب جميع ماله لانسان وسلمه إياه ثم مات فادعى عليه آخر أن هذه العين له أو أنه له على الميت كذا من الدين فإنها تسمع دعواه عليه، لان في الاولى العين التي يدعيها في يد الموهوب له، وفي الثانية الدين متعلق بالتركة وهي في يده، لكن في الثانية يشترط أن تكون الهبة في مرض الموت لان الدين إنما يتعلق بها فيه، فعلم أن الاستثناء هنا منقطع لان الموهوب له ليس بغريم.
وفي البزازية أن الموصى له بجميع المال أو بما زاد على الثلث خصم لعدم الوارث لان استحقاق الزائد على الثلث من خصائص الوارث فيلحق بالوارث.
حموي.
قوله: (لكونه زائدا) أي علي الثلث كما تقدم، وفي نسخة ذا يد أي صاحب يد، وقد علمت توجيهه وإن كان الاول صوابا أيضا كما ذكر في البزازية.
قوله: (لا يجوز للمدعي عليه الانكار الخ) قال بعض الفضلاء: يلحق بهذا مدعي الاستحقاق للمبيع فإنه ينكر الحق حتى يثبت ليتمكن من الرجوع على بائعه، ولو أقر لا يقدر.
وأيضا ادعاء الوكالة أو الوصاية وثبوته لا يكون إلا على وجه الخصم الجاحد كما ذكره
قاضيخان، فإن أنكر المدعى عليه ليكون ثبوت الوكالة والوصاية شرعا صحيحا يجوز فيلحق هذا أيضا بهما، ويلحق بالوصي أحد الورثة إذا ادعى عليه الدين فإنه لو أقر بالحق يلزمه الكل من حصته، وإذا(2/209)
أنكر فأقيمت البينة عليه يلزم من حصته وحصتهم.
حموي.
قوله: (ليبرهن فيتمكن من الرد) لانه إن قبله بغير قضاء لم يكن له الرد، والظاهر أن هذا فيما إذا كان بائعه تملكه بالشراء من آخر، أما إذا كان موروثا أو موهوبا أو موصى به أو نتاجا فلا ينكر البتة.
وصورته: أن لا يكون عالما بالعيب قبل البيع، وإلا كان راضيا به فلا يتمكن من الرد.
قوله: (إذا علم بالدين) فإنه لو أقر يلزمه ولا يرجع، بخلاف ما إذا أنكر وأقيمت البينة.
زاد أبو السعود: أو إذا علم الوصي بالنسب كما فهمه من عبارة الحانوتي في فتاواه.
قوله: (لا تحليف مع البرهان) قيل عليه: لو قال مع البينة لكان صوابا، إذ لا تحليف مع الاقرار بعين وهو برهان ا ه.
والجواب أن المطلق محمول على الفرد الكامل وهو البينة.
ا ه.
قوله: (دعوى دين على ميت) في أوائل دعوى التنقيح: أجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلف بلا طلب وصي ووارث: بالله ما استوفيت دينك منه ولا من أحد أداه عنه وما قبضه قابض ولا أبرأته ولا شيئا منه، ولا أحلت به ولا بشئ منه على أحد ولا عندك ولا بشئ منه رهن، فإذا حلف أمر بالدفع إليه وإن نكل لم يؤمر بالدفع إليه.
خلاصة.
فلو حكم القاضي بالدفع قبل الاستحلاف لم ينفذ حكمه، وتمامه فيها.
وفيها عن البحر: ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن هل يحلف وينبغي أن يحلف احتياطا، لكن رده الرملي بأنه في مسألة دفع الدين شهدوا على حقيقة الدفع فانتقى احتمال أنهم شهدوا باستصحاب الحال، وقد استوفى في باطن الامر كما في مدعي الدين، وارتضاه الوالد رحمه الله تعالى بقوله: وكلام الرملي هو الاوجه كما لا يخفى على من تنبه، وقدمناه بما لا مزيد عليه.
قوله: (واستحقاق مبيع) يعني إذا استحق المبيع بالبينة من المشتري فللمستحق عليه تحليف المستحق بالله ما بعته ولا وهبته ولا تصدقت به ولا خرجت العين عن ملكك بوجه من الوجوه.
قوله: (ودعوى آبق) أي دعوى تملك آبق.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: لعل صورتها فيما إذا ادعى على رجل أن هذا العبد عبدي أبق مني وأقام بينة على أنه عبده فليحلف أيضا لاحتمال أنه باعه.
تأمل.
ثم رأيت في شرح هذا الشرح نقل عن الفتح هكذا.
وعبارته قال في الفتح: يحلف مدعي الآبق مع البين بالله أنه باق على ملكك إلى الآن لم يخرج ببيع ولا هبة ولا نحوها.
ا ه.
وصورة ط: بما إذا حبس القاضي الآبق فجاء رجل وادعاه وأقام بينة أنه عبده يستحلف بالله أنه باق في ملكه ولم يخرج ببيع ولا هبة فإذا حلف دفعه إليه، وذلك صيانة لقضائه عن البطلان ونظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر وموهوب له، ويلحق بهذه المسائل ما إذا قامت البينة للغريم المجهول حاله بأنه معدم فلا بد من يمينه أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن وإن وجد مالا يؤدي حقه عاجلا، لان البينة إنما قامت على الظاهر ولعله غيب ماله، وما لو شهد الشهود أن له عليه دراهم سواء قالوا لا نعرف عددها، أم لا تجعل ثلاثة ويحلف على نفي ما زاد عنها إذا كان المدعي يدعي الزيادة.
ا ه.
قوله: (الاقرار لا يجامع البينة) لانها لا تقام إلا على منكر، وذكر هذا الاصل في الاشباه في كتاب الاقرار عن الخانية، واستثنى منه أربع مسائل: وهي ما سوى دعوى الآبق، وكذا ذكرها قبله(2/210)
في كتاب القضاء والشهادات ولم يذكر الخامسة بل زاد غيرها وأوصلها إلى سبع وتأتي هنا مفصلة مع زيادة ثلاثة أخر، وعليه فتكون عشرة.
قال في جامع الفصولين: وهذا يدل على جواز إقامتها مع الاقرار في كل موضع يتوقع الضرر من المقر لولاها فيكون هذا أصلا.
قوله: (إلا في أربع) الذي ذكره هنا خمسة ولكنها سبعة كما في الحموي.
ملخصها: أنه لا تسمع البينة على مقر إلا على وارث مقر بدين على الميت فتقام البينة للتعدي، وفي مدعي عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل دفعا للضرر وفي الاستحقاق تقبل البينة به مع إقرار المستحق عليه ليتمكن من الرجوع على بائعه، وفيما لو خوصم الاب بحق عن الصبي فأقر لا يخرج عن الخصومة، ولكن تقام البينة عليه مع إقراره، بخلاف الوصي
وأمين القاضي إذا أقر خرج عن الخصومة، وفيما لو أقر الوارث للموصى له فإنها تسمع البينة عليه مع إقراره.
وفيما لو أجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فأقام الاول البينة، فإن كان الآجر حاضرا تقبل عليه البينة، وإن كان يقر بما يدعي.
قوله: (وكالة) يعني لو أقر بوكالة رجل بقبض دين عليه لموكله فإن الوكيل يقيم بينته، إذ لو دفعه بلا بينة يتضرر إذ لا تبرأ ذمته إذا أنكر الموكل وكالته ا ه.
ط.
زاد الفاضل الحموي ثامنة وتاسعة نقلهما عن البدائع من كتاب القسمة.
الثامن: الورثة إذا كانوا مقرين بالعقار لا بد من إقامة البينة على بعضهم على قول أبي حنيفة.
التاسع: الاب أو الوصي إذا أقر على الصغير لا بد من بينة مقام عليه مع كونه مقرا ا ه.
وزاد بعض الفضلاء عاشرا: وهو ادعى على آخر عقارا أنه في يده وهو مستحق فأقر باليد تسمع بينته أنه ذو اليد مع إقراره ا ه.
قوله: (ووصاية) يعني إذا أقر المدعى عليه بالوصاية.
وصورته: رجل قال للقاضي إن فلان بن فلان الفلاني أقامني وصيا ومات وله على هذا كذا أو في يد هذا كذا فصدقه المدعى عليه فالقاضي لا يثبت وصايته بإقراره حتى يقيم البينة عليها، لانه إذا دفع إليه المال اعتمادا على الاقرار فقط لا تبرأ ذمته من الدين إذا أنكر الوارث، أما لو دفع بعد البرهان تبرأ ذمته.
أفاده صاحب تنوير الاذهان.
قوله: (وإثبات دين على ميت) صورته: ادعى على بعض الورثة دين على الميت فأقر الوارث بالدين فإنه يستوفي من نصيبه قدر ما يخصه من الدين، وللطالب أن يقيم بينة على حقه ليكون حقه في كل التركة، وكذا إذا أقر جميع الورثة تقبل بينته لان المدعي يحتاج إلى إثبات الدين في حقهم وحق دائن آخر.
وفي البيري: اختلفوا فيما إذا أقر المدعى عليه بعد إقامة البينة هل يقضي عليه بالاقرار أو بالبينة.
قيل يقضي بالبينة لانه بالانكار وإقامة البينة استحق عليه الحكم فلا يبطل الحق السابق بالاقرار اللاحق، ولان زيادة التعدي الثابتة بالبرهان حقه فلا يؤثر الاقرار اللاحق في بطلانه.
ا ه.
موضحا ط.
وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (واستحقاق عين من مشتر) فإن المشتري إذا أقر بالاستحقاق للمستحق لا يتمكن من الرجوع بالثمن على بائعه، فإذا أقيمت عليه البينة أمكنه ذلك، وقد تقدم أنه يسوغ له الانكار مع العلم لاجل هذا التمكن ط.
لكن قد يقال مع الاقرار كيف يكون له الرجوع.
تأمل.
قوله: (ودعوى الآبق) يعني إذا ادعى على شخص أن العبد الذي عنده أبق منه، وأقر واضع اليد بذلك(2/211)
فله أن يطلب البينة على ذلك لاحتمال أن الغير تملكه منه.
قوله: (لا تحليف على حق مجهول) أي ادعى به مدع، كما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة لم يحلف كما في الخانية.
لكن أفتى قارئ الهداية بخلافه.
وعبارته: سئل إذا ادعى أحد الشريكين على آخر خيانة وطلب من الحاكم يمينه هل يلزم أو لا؟ أجاب: إذا ادعى عليه خيانة في قدر معلوم وأنكر فحلف عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل ثبت ما ادعاه، وإن لم يعين مقدارا فكذا الحكم، لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يبين مقدار ما كان فيه، والقول في مقداره إلى المقر مع يمينه لان نكوله كالاقرار بشئ مجهول، والبيان في مقداره إلى المقر مع يمينه إلا أن يقيم خصمه بينة على الاكثر، ومثله المضارب مع رب المال.
قوله: (إذا اتهم القاضي وصي يتيم ومتولي وقف) ولم يدع عليه شيئا معلوما فإنه يحلف نظرا لليتم.
والوقف.
حموي.
قوله: (وفي رهن مجهول) أي لو ادعى الراهن رهنا مجهولا: أي كثوب مثلا فأنكر المرتهن فإنه يحلف، وقيده بعض الفضلاء عازيا إلى القنية بما إذا ذكر المدعي قدر الدين الذي وقع به الرهن ط.
قوله: (ودعوى سرقة) أقول: فيه نظر لما نقل قاضيخان من أنه يشترط ذكر القيمة في الدعوى إذا كانت سرقة ليعلم أنها نصاب أو لا، فأما فيما سوى ذلك فلا حاجة إلى بيانها.
أبو السعود.
ولعل ذلك في حق القطع لا الضمان كما يفيده كلامه ط.
قال في جامع الفصولين: ادعى أعيانا مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل جملة ولم يذكر كلا على حدة، اختلف فيه المشايخ: قيل لا بد من التفصيل، وقيل يكتفي بالاجمال وهو الصحيح، إذ المدعي لو ادعى غصب هذه الاعيان لا يشترط لصحة دعواه بيان القيمة، فلو ادعى أن الاعيان قائمة فيؤمر بإحضارها فتقبل البينة بحضرتها، ولو قال إنها هالكة وبين قيمة الكل تسمع دعواه.
وفي ج: ولو ادعى أنه غصب أمته ولم يذكر قيمتها تسمع دعواه ويؤمر برد الامة، ولو هالكة
فالقول في قدر القيمة للغاصب فلما صح دعوى الغصب بلا بيان القيمة فلان يصح إذا بين قيمة الكل جملة أولى، وقيل إنما يشترط ذكر القيمة لو كانت الدعوى سرقة ليعلم أن السرقة كانت نصابا وفي غيرها لا يشترط ذكره الحموي، فظهر أن إيرادها في هذا المحل في حق الضمان لا القطع كما قدمناه عن ط.
قوله: (وغصب) قال في الدرر والغرر: ولو قال غصب مني عين كذا ولا أدري أنه هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته، وذكر في عامة الكتب أنها تسمع الدعوى لان الانسان ربما لا يعرف قيمة ماله، فلو كلف بيان القيمة لتضرر.
وفائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة توجه اليمين على الخصم إذا أنكر والجبر على البيان إذا أقر ونكل عن اليمين.
ا ه.
وقدمناه في الدعوى مع ما عليه من الكلام، فراجعه.
قوله: (وخيانة مودع) فإنه يحلف ما خان فيما ائتمن، فإن حلف برئ، وإن نكل يجبر على بيان قدر ما نكل عنه، وقيل لا يستحلف حتى يقدر شيئا يستحلف عليه.
وذكر بعض الفضلاء: أن سماع الدعوى في مثل هذه المسائل مع الجهالة متفق عليه إلا في دعوى الوديعة ودعوى الغصب حيث يشترط لسماعها فيهما بيان القيمة عند بعض المشايخ ا ه.
وينبغي زيادة دعوى السرقة كما يعلم من الحموي.(2/212)
قال شمس الائمة الحلواني: الجهالة كما تمنع قول البينة تمنع الاستحلاف.
إلا إذا اتهم القاضي وصي اليتيم الخ.
وحينئذ فدعوى المجهول لا يستحلف عليها، فلو ادعى على رجل أنه استهلك ماله وطلب التحليف من القاضي لا يحلفه، وكذا لو قال بلغني أن فلان بن فلان أوصى لي ولا أدري قدره وأراد أن يحلف الوارث لا يجيبه القاضي، وكذا المديون إذا قال قضيت بعض ديني ولا أدري كم قضيت أو قال نسيت قدره وأراد تحليف الطالب لا يلتفت إليه كما في الخانية.
قوله: (إلا في مسألة في دعوى البحر الخ) أي قبل قوله ولا ترد يمين على مدع.
قوله: (وهي غريبة يجب حفظها) ستأتي هذه المسألة في كتاب الغصب، وكتب المحشي هناك على قوله فلو لم يبين فقال: الظاهر أن في النسخة خللا، لانه إذا لم يبين فما تلك الزيادة التي يحلف عليها: أي على نفيها، وفي ظني أن أصل النسخة فإن بين: يعني أنه لو بين حلف على نفي الزيادة التي هي أكثر مما بينه وأقل مما يدعيه المالك هذا.
وينبغي أن يقارب في البيان، حتى لو بين قيمة فرس بدرهم لا يقبل منه كما تقدم نظيره.
ا ه.
وكتب على قوله هناك ولو حلف المالك أيضا على الزيادة أخذها لم يظهر وجهه، فليراجع ا ه.
قوله: (وألزم ببيانه) لانه أقر بقيمة مجهولة، فإن أخبر بشئ يحلف على ما يدعيه المغصوب منه من الزيادة، فإن حلف لا يثبت ما ادعاه المغصوب منه، وإن نكل لا يثبت أيضا ما لم يحلف المدعي أن قيمته مائة فإن حلف أخذ من الغصب مائة، وقوله يحلف على ما يدعيه المغصوب منه فيه أنه حلف أولا على ذلك، فلو كانت هذه اليمين على ما ذكره من القيمة بأن يحلف أن قيمته ما ذكره.
وحاصله: أن يمين المدعى عليه أنها لم تكن قيمته مائة ويمين المدعي أن قيمته المائة.
قوله: (يحلف على الزيادة) أي التي يدعيها المالك، فإن حلف ف لا يثبت ما ادعاه المغصوب منه، وإن نكل لا يثبت أيضا ما لم يحلف المدعي أن قيمته مائة، وإلى هذا أشار بقوله: ثم يحلف المغصوب منه الخ والظاهر أن ثمرة هذا اليمين ثبوت الخيار له إذا ظهر.
قوله: (ثم يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمته مائة) فإن حلف أخذ من الغاصب مائة، لكن قد يقال: إذا لم يبين فما تلك الزيادة التي يحلف عليها، وعليه فالاولى أن يقول فإن بين حلف على نفي الزيادة التي هي أكثر مما بينه وأقل مما يدعيه المالك.
تأمل.
قوله: (ولو ظهر) أي الثوب.
قوله: (بين أخذه) أي الثوب بما دفعه من الدراهم لا بقيمة الثوب في ذاته وإن كانت أنقص أو أزيد لان المالك لم يرض إلا بدفعه بالمائة.
قوله: (أو قيمته) عطف على الضمير المجرور: أي أو أخذ قيمته بأن يرده ويأخذ القيمة التي دفعها.
وفي متفرقات إقرار التاترخانية: ويجبر الغاصب على البيان لانه أقر بقيمة مجهولة وإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المالك من الزيادة، فإن حلف ولم يثبت ما ادعاه المالك يحلف أن قيمته مائة، ويأخذ من الغاصب مائة فإذا أخذ ثم ظهر الثوب خير الغاصب بين أخذه أو رده وأخذ القيمة.
وحكى عن الحاكم أبي محمد العيني أنه كان يقول: ما ذكر من تحليف المغصوب منه وأخذ المائة بثمنه من الغاصب هذا بالانكار يصح، وكان يقول: الصحيح في الجواب أن يجبر الغاصب على البيان، فإن أبى(2/213)
يقول له القاضي أكان قيمته مائة؟ فإن قال لا، يقول أكان خمسين؟ فإن قال لا، يقول خمسة
وعشرين إلى أن ينتهي إلى ما لا تنقص عنه قيمته عرفا وعادة فيلزمه ذلك.
ا ه.
لكن قال بعض الفضلاء: الحصر ممنوع لانهما إذا اختلفا في قدر الثمن أو المبيع ولا بينة تحالفا، ولو اشترى أمة بألف وقبضها ثم تقايلا وقيل قبضها اختلفا في قدر الثمن تحالفا، ولو اختلفا في الاجرة أو المنفعة أو فيهما قبل التمكن في الدمرة تحالفا.
حموي.
وفيه أن كلا منهما في هذه المسائل مدع ومدعى عليه.
ط عن الطوري.
ومثله في حاشية الحموي.
تذنيب برهن أنه ابن عمه لابيه وأمه وبرهن الدافع أنه ابن عمه لامه فقط أو على إقرار الميت به: أي بأنه ابن عمه لامه فقط كان دفعا قبل القضاء بالاول لا بعده لتأكده بالقضاء.
ادعى ميراثا بالعصوبة فدفعه أن يدعي خصمه قبل الحكم بإقراره بأنه من ذوي الارحام إذ يكون حينئذ متناقضا.
ادعى قيمة جارية مستهلكة فبرهن الخصم أنها حية رأيناها في بلد كذا لا يقبل إلا أن يجئ بها حية.
الكفيل ينصب خصما عن الاصل بلا عكس، لان القضاء على الكفيل قضاء على الاصيل ولا عكس.
إذا اشترك الدين بين شريكين لا بجهة الارث فأحدهما لا ينتصب خصما عن الآخر الكل من الدرر.
رجل غاب عن امرأته وهي بكر أو ثيب فتزوجت بزوج آخر وولدت كل سنة ولدا: قال أبو حنيفة: الاولاد للاول.
وعنه أنه رجع عن هذا وقال: لا يكون الاولاد للاول وإنما هم للثاني.
وعليه الفتوى كما في الخانية.
ولو ادعى عليه مهر امرأة فقال ما تزوجها ثم ادعى الابراء عن المهر فهو دفع مسموع إن وفق كما في القنية.
وفيها: ادعى عليه شيئا فأمره القاضي بالمصالحة فقال لا أرضى بهذه المصالحة وتركته أصلا فهو إسقاط لما يدعيه عنك.
إذا قال تركته أصلا فهو إبراء وعنه: لو قال تركت دعواي على فلان وفوضت أمري إلى الآخرة لا تسمع دعواه بعده.
أقول: قيد القاضي اتفاقي كما لا يخفى.
وفي الفتاوي النجدية: رجل مات فقالت امرأة لابن الميت كنت امرأة أبيك محمد إلى يوم موته وطلبت المهر والميراث فأنكر الابن وقال اسم أبي لم يكن محمدا وإنما كان عمر، ثم جاءت فادعت أنها امرأة أبيه عمر إلى يوم موته وطلبتهما تسمع دعواها وليس بتناقض لجواز أن يكون له اسمان شذ تسمع إذا وفق المدعي.
أقول: وجه التوفيق بأن تقول كنت أعلم أن لابيه اسمين فادعيت بأحدهما فلما أنكر ادعيت بالآخر، وفهم من هذه المسألة أن تسمع الدعوى على الميت بدون اسم أبيه ونسبه.
تدبر.(2/214)
قال في التاترخانية في الخامس عشر من الدعوى: غلط الاسم لا يضر لجواز أن يكون له اسمان، ومثله في صور المسائل عن الفتاوى الرشيدية.
وفي البزازية في السادس عشر من الاستحقاق، وكذا في الخيرية من العشر والخراج وقدمناه عن التنقيح.
ولنختم هذا الباب بمسألة ختم بها كتاب الدعوى في الجامع الصغير، نسأل الله حسن الخاتمة.
وهي أنه إذا قالت المرأة أنها أم ولد هذا الرجل وأرادت استحلافه ليس لها ذلك في قول أبي حنيفة، خاصة لان أمومية الولد تابع للنسب وهو لا يرى اليمين في النسب ا ه.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.(2/215)
كتاب الاقرار ثبت بالكتاب وهو قوله تعالى: * (وليملل الذي عليه الحق) * (البقرة: 282) أمره بالاملال، فلو لم يقبل إقراره لما كان للاملال معنى، وقوله: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (النساء: 531) والمراد به إقرار.
زيلعي.
والسنة، فقد قبل (ص) إقرار ماعز والغامدية والاجماع.
فقد أجمعت الامة على أن الاقرار حجة في حق نفسه حتى أوجبوا الحد والقصاص بإقراره وإن لم يكن حجة في حق غيره
لعدم ولايته عليه فأولى المال والمعقول، فإن العاقل لا يقر على نفسه كاذبا فيما فيه ضرر على نفسه أو ماله فترجحت جهة الصدق في حق نفسه لعدم التهمة وكمال الولاية ا ه.
بخلاف إقراره في حق غيره.
حتى لو أقر مجهول النسب بالرق جاز ذلك على نفسه وماله ولا يصدق على أولاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة لان البينة إنما تصير حجة بالقضاء والقضاء ولاية عامة فينفذ في حق الكل.
أما الاقرار فحجة بنفسه ولا يحتاج فيه إلى القضاء فينفذ عليه وحده الخ، وقوله ولا يصدق على أولاده الخ لانه ثبت لهم حق الحرية أو استحقاقها فلا يصدق عليهم كما في الدرر.
قوله: (مناسبته) أي للدعوى.
ووجه تأخيره عنها أن الدعوى تنقطع به فلا يحتاج بعده إلى شئ آخر، حتى إذا لم يوجد يحتاج إلى الشهادة، وركنه لفظ أو ما في حكمه دال عليه كقوله لفلان علي كذا أو ما يشبهه، لانه يقوم به ظهور الحق وانكشافه حتى لا يصح شرط الخيار فيه بأن أقر بدين أو بعين على أنه بالخيار إلى ثلاثة أيام فالخيار باطل، وءن صدقه المقر له والمال لازم كما في محيط السرخسي: وله شروط ستذكر في أثناء الكلام، وهي: العقل والبلوغ بلا خلاف والحرية في بعض الاحكام دون البعض، حتى لو أقر العبد المحجور بالمال لا ينفذ في حق المولى، ولو أقر بالقصاص يصح.
كذا في المحيط ويتأخر إقراره بالمال إلى ما بعد العتق، وكذا المأذون له يتأخر إقراره بما ليس من باب التجارة كإقراره بالمهر بوطئ امرأة تزوجها بغير إذن مولاه، وكذا إذا أقر بجناية موجبة للمال لا يلزمه، بخلاف ما إذا أقر بالحدود والقصاص كما في التبيين، وكون المقربة مما يجب تسليمه إلى المقر له، حتى لو أقر أنه غصب كفا من تراب أو حبة حنطة لا يصح، لان المقر به لا يلزمه تسليمه إلى المقر له، ومنها الطواعية والاختيار، حتى لا يصح إقرار المكره في النهاية، وإقرار السكران بطريق محظور صحيح إلا في حد الزنا وشرب الخمر مما يقبل الرجوع وإن كان بطريق مباح لا كما في البحر، وحكمه ظهور المقر به: أي لزومه على المقر بلا تصديق وقبول من المقر له فإنه يلزم على المقر ما أقر به لوقوعه دالا على المخبر به لا ثبوته ابتداء كما في الكافي، لانه ليس بناقل لملك المقر إلى المقر له فلذا فرع عليه ما سيأتي من صحة الاقرار بالخمر للمسلم حتى يؤمر بالتسليم إليه، ولو كان تمليكا مبتدأ لما صح، وكذلك لا يصح الاقرار
بالطلاق والعتاق مع الاكراه والانشاء يصح مع الاكراه كما في المحيط.
وحاصله: أن قول المقر إن هذا الشئ لفلان معناه أن الملك فيه ثابت لفلان وليس معناه أنه ملك للمقر وجعله للمقر له فهو إخبار دال على المخبر به فيلزمه الصدق، ويحتمل الكذب فيجوز تخلف مدلوله عنه كما في الاقرار بالطلاق مكرها كما قلنا، وسيأتي لقيام دليل الكذب وهو الاكراه، ولو كان معناه الثبوت ابتداء لصح لكونه إنشاء والانشاء لا يتخلف مدلوله عنه كما سيأتي تمامه قريبا.
ولو أقر(2/216)
لغيره بمال والمقر له يعلم أنه كاذب في إقراره لا يحل له ديانة إلا أن يسلمه بطيب من نفسه فيكون هبة منه ابتداء كما في القنية، وإنما يعتبر الاقرار إظهارا في حق ملكية المقر به حتى يحكم بملكيته للمقر له بنفس الاقرار ولا يتوقف على تصديق المقر له، أما في حق الرد فيعتبر تمليكا مبتدأ كالهبة حتى يبطل برد المقر له وبعدما وجد التصديق من المقر له لا يعمل رده لو رد الاقرار بعد ذلك، ثم الاقرار إنما يبطل برد المقر له إذا كان المقر له يبطل بالرد حق نفسه خاصة، أما إذا كان يبطل حق غيره فلا يعمل رده، كما إذا أقر لرجل أني بعت هذا العبد من فلان بكذا فرد المقر له إقراره وقال: ما اشتريت منك شيئا ثم قال بعد ذلك: اشتريت فقال البائع ما بعتكه لزم البائع البيع بما سمي لانه جحد البيع بعد تمامه، وجحود أحد المتعاقدين لا يضر، حتى أن المشتري متى قال ما اشتريت وصدقه البائع وقال نعم ما اشتريت ثم قال لا بل اشتريت لا يثبت الشراء وإن أقام البينة على ذلك، لان الفسخ تم بجحودهما، ثم في كل موضع بطل الاقرار برد المقر له، لو أعاد المقر ذلك الاقرار فصدقه المقر له كان للمقر له أن يأخذه بإقراره، وهذا استحسان.
هكذا في المحيط.
ثم اعلم أن السكوت نزلوه منزلة الاقرار في مسائل سيذكرها الشارح، ونذكر تمامها إن شاء الله تعالى كذلك الايماء بالرأس وسيذكره المصنف.
قوله: (إما منكر أو مقر) واللائق بحال المسلم الاقرار بالحق كي لا يحتاج المدعي إلى تدارك الشهود والملازمة في باب القاضي للاحضار، ولا سيما وما يلزم عليه في هذا الزمان للتسبب بالوصول إلى سحت المحصول، كما أن اللائق بالمدعي أن تكون دعواه حقا لئلا يلزم المدعى عليه الدفع لسحت المنع وقدمه: أي الاقرار على ما بعده وهو الصلح لترتبه على
الانكار غالبا، ثم إذا حصل بالصلح شئ: إما إن يستربح فيه بنفسه وتقدم طريقه في البيع أو بغيره وهو المضاربة وإن لم يستربح فإما أن يحفظه بنفسه ولا يحتاج إلى بيان حكمه أو بغيره وهو الوديعة.
قوله: (وهو) أي الاقرار أقرب، أي لحال المسلم.
قوله: (لغلبة الصدق) أي من المدعي في دعواه ومن المقر فيما أقر له، لان العاقل لا يقر على نفسه كاذبا فيما ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه لعدم التهمة وكمال الولاية، بخلاف إقرار في حق غيره.
قوله: (هو لغة) فإذا كان حسيا يقال أقره، وإذا كان قوليا يقال أقر به، فالاقرار إثبات لما كان متزلزلا بين الجحود والثبوت.
أبو السعود.
وهو مشتق من القرار.
درر.
قال في المنح: وهو في اللغة إفعال من قر الشئ إذا ثبت، وأقره غيره إذا أثبته، قوله: (وشرعا إخبار) أي في الاصح وليس بإنشاء لصحته في ملك غيره، ولو أقر مريض بماله لاجنبي صح من غير توقف على إجازة وارث.
قال في الحواشي السعدية: ولعله ينتقض بالاقرار بأن لا حق له على فلان، وبالابراء وإسقاط الدين ونحوه كإسقاط حق الشفعة ا ه.
وقد يقال: فيه إخبار بحق عليه وهو عدم وجوب المطالبة.
تأمل.
وللقول بأنه إنشاء فروع تشهد له: منها لو رد إقراره ثم قبل لا يصح، وكذا الملك الثابت بالاقرار لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له حموي.
أقول: قوله: (لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة يفيد بظاهره أنه يظهر في حق الزوائد الغير(2/217)
المستهلكة).
وهو مخالف لما في الخانية: رجل في يده جارية وولدها أقر أن الجارية لفلان لا يدخل فيه الولد، ولو أقام بينة على جارية أنها له يستحق أولادها ا ه.
والفرق أنه بالبينة يستحقها من الاصل، ولذا قلنا: إن الباعة يتراجعون فيما بينهم، بخلاف الاقرار حيث لا يتراجعون.
بقي أن يقال في قول السيد الحموي هو إخبار في الاصح وليس بإنشاء مخالفة لما صرح به في البحر وجرى عليه المصنف من أنه إخبار من وجه إنشاء من وجه فللاول يصح إقراره بمملوك الغير ويلزمه تسليمه إذا ملكه، ولو أقر بالطلاق والعتاق مكرها لا يصح، وللثاني لو رد إقراره ثم قبل لا
يصح، وكذا الملك الثابت بالاقرار لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له.
ا ه.
من غير ذكر خلاف، ومنه تعلم أن ما ذكره السيد الحموي مما يدل على ثبوت الخلاف فيه حيث صحح كونه إخبار الانشاء لا يصح عزوه لصاحب البحر كما وقع في كلام بعضهم، فتنبه.
قوله: (بحق عليه للغير) قيده بأن يكون عليه، لانه لو كان على غيره لغيره يكون شهادة ولنفسه يكون دعوى زيلعي، وأطلق الحق في قوله هو إخبار بحق عليه ليشمل ما لو كان الحق المقر به من قبيل الاسقاطات كالطلاق والعتاق، إذا الطلاق رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح، فإذا أقر بالطلاق يثبت للمرأة من الحق ما لم يكن لها من قبل، وكذا العبد يثبت له على سيده حق الحرية إذا أقر سيده بعتقه، فما قيل من أنه يرد على التعريف الاقرار بالاسقاطات كالطلاق والعتاق لعدم الاخبار فيها عن ثبوت حق للغير غير سديد.
قوله: (إنشاء من وجه) هو الصحيح، وقيل: إنشاء وينبني عليه ما سيأتي لكن المذكور في غاية البيان عن الاستروشنية.
قال الحلواني: أختلف المشايخ في أن الاقرار سبب للملك أو لا؟ قال ابن الفضل: لا، واستدل بمسألتين.
إحداهما المريض الذي عليه دين إذا أقر بجميع ماله لاجنبي يصح بلا إجازة الوارث، ولو كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الاجازة.
والثانية أن العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في يده يصح، ولو كان تمليكا يكون تبرعا منه فلا يصح.
وذكر الجرجاني أنه تمليك واستدل بمسائل: منها إن أقر لوارثه بدين في المرض لا يصح، ولو كان إخبارا لصح ا ه.
ملخصا فظهر أن ما ذكره المصنف وصاحب البحر جمع بين الطريقتين وكأن وجهه ثبوت ما استدل به الفريقان.
تأمل أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
لكن لو كان إخبارا من وجه وإنشاء من وجه كما ذكره المصنف لعرف بحد يشملها ولا قائل به، ولانهم قالوا: لو أقر بمال للغير لزمه تسليمه للمقر له إذا ملكه، ولو أقر بالطلاق والعتاق الخ فأمثال هذه المسائل دلت على أن الاقرار إخبار لا إنشاء.
إذ لو كان إنشاء لم تكن كذلك، وما استدل به على كونه إنشاء مطلقا أو من وجه أنه لو أقر لرجل فرد إقراره ثم قبل لم يصح ولو كان إخبارا لصح، وأنه لو ثبت الملك بسبب الاقرار لم يظهر في حق الزوائد المتقدم ذكرها، ولو كان إخبارا لصارت مضمونة عليه.
أقول: أما الجواب عن الاول فهو أن ارتداده بالرد ناشئ من أن حكمه الظهور لا الثبوت ابتداء وذلك ناشئ من كونه حجة قاصرة، فلما صار مرتدا بالرد جعل كأنه لم يكن فلذلك لم يصح قبوله بعده.
على أن هذا الدليل مشترك الالزام حيث إنه دليل على أنه ليس بإنشاء، إذ الانشاء مما لا يرتد بالرد فيما يكون من قبيل الاسقاطات، كما لو قال هذا الولد مني يرتد برد الولد فهذا دليل على أن الاقرار إخبار ثم عاد الولد إلى التصديق يثبت النسب نظرا إلى احتياج المحل، وقد سبق.(2/218)
وأما الجواب عن الثاني: أن الاقرار لما كان حجة قاصرة اقتصر ثبوت الملك وظهوره على المقر به فلم يتعد إلى الزوائد المستهلكة كما مر ويأتي، فتبين أنه ليس بإنشاء أصلا.
تدبر.
قوله: (لانه لو كان لنفسه) أي على الغير، ولو للغير على الغير يكون شهادة كما قدمناه.
قوله: (لا إقرارا) ولا ينتقض إقرار الوكيل والولي ونحوهما لنيابتهم مناب المنوبات شرعا.
شرح الملتقى.
قوله: (ثم فرع على كل من الشبهين) صوابه من الوجهين لانه لم يقل الاقرار يشبه الاخبار ويشبهه الانشاء، بل قال من وجه ومن وجه: أي إخبار من وجه بالنظر لترتب بعض أحكام الاخبارات عليه، وإنشاء من وجه من حيث ترتب بعض أحكام الانشاءات عليه، وقد تبع الشارح المصنف فالمعنى أنه يعطى حكم الاخبار في بعض الجزئيات وحكم الانشاء في بعض آخر، وأما بالنظر للفظه فهو إخبار عن ثبوت حق عليه لغيره لا غير.
قوله: (فللوجه الخ) علة مقدمة على المعلول.
قوله: (صح إقراره) لان الاخبار في ملك الغير صحيح لكم بالنظر للمقر، وأفاد أنه لا يحتاج إلى القبول كما قدمناه.
وفي المنح عن تتمة الفتاوي: الاقرار يصح من غير قبول، لكن البطلان يقف على الابطال والملك للمقر له يثبت من غير تصديق وقبول لكن يبطل برده، والمقر له إذا صدق المقر في الاقرار ثم رده لا يصح الرد، وأفاد أيضا صحة الاقرار للغائب.
وأيضا يستفاد هذا مما سيأتي من قوله هي: أي الالف المعينة لفلان لا بل لفلان لا يجب عليه للثاني شئ: أي لانه أقر بها للاول ثم رجع وشهد بها للثاني فرجوعه لا يصح وشهادته لا تقبل، وبهذا تبين ضعف ما في الخانية من قوله لو أقر لغائب ثم أقر لآخر قبل حضور الغائب صح إقراره للثاني، لان الاقرار للغائب لا يلزم بل يتوقف على التصديق
انتهى.
ويمكن أن يقال: معنى صحته للثاني ليست لاحتياجه للتصديق وإنما لاجل أن يرتد بالرد، فأفاد في الخانية أنه يأخذه الثاني، فإذا جاء الاول وصادق قبل رده الاقرار يأخذه، وإن قال ليس لي يكون ملكا للثاني، ولكن أفاد في البدائع أنه إن دفع للاول بلا قضاء يضمن للثاني لان إقراره بها صحيح في حق الثاني إذا لم يصح للاول ا ه.
وأنت خبير بأن هذا التعليل ربما يرد عليه، وحينئذ فتعليل المنح ظاهر وهو الموافق لظواهر الكتب المعتمدة.
وفي المنح في مسائل شتى فسر الرد بأن يقول ما كان لي عليك شئ أو يقول بل هو لك أو لفلان.
قال العلامة الخير الرملي: قولهم الاقرار صحيح بدون التصديق لا يعارض قول العمادي: إن إقراره للغائب توقف عمله على تصديق الغائب، إذ لا مانع من توقف العمل مع الصحة كبيع الفضولي يصح ويتوقف، وكذا لا يعارض ما في الخانية من قوله: وأما الاقرار للغائب لا يلزم بل يتوقف على التصديق، إذ معناه يتوقف لزومه لا صحته، وقوله: فإن كان صحيحا يمتنع الاقرار به للغير غير مسلم لعدم الملازمة، ألا ترى أن للفضولي قبل إجازة المالك أن يبيع المبيع الذي باعه الآخر ويتوقف فلم يلزم من صحته عدم صحة بيعه للآخر، بل الاقرار بمال الغير يصح ويلزم تسليمه إذا ملكه، وهذا يدل على أن الاقرار ليس بسبب للملك كما سيأتي فكيف يلزم من صحة إقراره لغائب لا يلزمه ذلك حتى كان له الرد عدم صحة الاقرار به للغير.(2/219)
والحاصل: أن الاقرار يصح مطلقا بلا قبول ولا يلزم لو كان المقر له غائبا ولعدم لزومه جاز أن يقر به لغيره قبل حضوره فاجتمعت كلمتهم على أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار، وأما لزومه فشئ آخر، والمصنف لم يفرق بين الصحة واللزوم فاستشكل في منحه على الصحة المجتمعة عليها كلمتهم باللزوم.
وأما ما أجاب به المجيب المذكور ففيه نظر، إذ لو كان كما فهمه لما افترق الاقرار للحاضر والغائب مع أن بينهما فرقا في الحكم، ألا ترى إلى قوله في الخانية: ولو أقر لولده الكبير
الغائب أو أجنبي بعد قوله وأما الاقرار للغائب لا يلزم، فالذي يظهر أن الاقرار للغائب لا يلزم من جانب المقر حتى صح إقراره لغيره كما لا يلزم من جانب المقر له حتى رده.
وأما الاقرار للحاضر فيلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره به لغيره قبل رده ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده، وأما الصحة فلا شبهة فيها في الجانبين بدون القبول كما يفهم من كلامهم انتهى.
وفيه: ويشكل على ما في الفصول العمادية من قوله: وإن ادعى الرجل عينا في يد رجل وأراد استحلافه فقال صاحب اليد هذه العين لفلان الغائب لا يندفع اليمين عنه ما لم يقم البينة على ذلك، بخلاف ما إذا قال هذا لابني الصغير.
والفرق أن إقراره للغائب توقف عمله على تصديق الغائب فلا يكون العين مملوكا له بمجرد إقرار ذي اليد فلا يندفع اليمين.
وأما إقراره للصبي فلا يتوقف على تصديق الصبي فيصير العين ملكا للصبي بمجرد إقراره فلا يصح إقراره بعد ذلك لغيره فلا يفيد التحليف لان فائدته النكول الذي هو كالاقرار.
أقول: لا يشكل ذلك، فإن قوله توقف عمله صريح في صحته ولكن لما توقف عمل وهو اللزوم على تصديقه لم تندفع اليمين بمجرده ما لم يقم البينة عليه.
تأمل.
قوله: (إذا ملكه برهة من الزمان) أي قليلا من الزمان، حتى لو تصرف فيه لغير المقر له بعد ملكه لا ينفذ تصرفه وينقض لتصرفه في ملك غيره كما يؤخذ من القواعد.
ويؤخذ من هذا الفرع كما قال أبو السعود: أنه لو ادعى شخص عينا في يد غيره فشهد له بها شخص فردت شهادته لتهمة ونحوها كتفرد الشاهد ثم ملكها الشاهد يؤمر بتسليمها إلى المدعي انتهى.
قوله: (لما صح) أي إقراره للغير: أي ولو ملكه بعد.
قوله: (لما صح) (ولا يرجع بالثمن) على البائع: أي لاقتصار إقراره عليه فلا يتعدى لغيره.
قوله: (صارت وقفا) بخلاف ما إذا غصب دارا من رجل فوقفها ثم اشتراها حيث لا يجوز وقفه.
والفرق أن فعل الغاصب إنشاء في غير ملكه فلا يصح، لان شرط صحته ملكه له، بخلاف الاقرار لكونه إخبارا لا إنشاء.
قوله: (مكرها) حال من الضمير المضاف إليه الاقرار، وإنما لم يصح إقراره بها مكرها لقيام دليل الكذب وهو الاكراه والاقرار إخبار يحتمل الصدق والكذب فيجوز تخلف مدلوله الوضعي عنه.
منح.
قوله: (ولو كان إنشاء لصح لعدم
التخلف) أي تخلف مدلول الانشاء عنه: أي لانه يمتنع في الانشاء تخلف مدلول لفظه الوضعي عنه:(2/220)
أي متى وجد اللفظ الدال على إنشاء الطلاق أو العتاق سواء وجد مدلوله في حال الطواعية أو الاكراه وهذا مخصوص فيما يصح مع الاكراه، بخلاف ما لا يصح معه كالبيع فإنه يتخلف مدلوله عنه مع الاكراه: أي وهو إثبات الملك غير مستحق الفسخ.
قوله: (وصح إقرار العبد المأذون بعين في يده) ولو كان إنشاء لا يصح، لانه يصير تبرعا منه وهو ليس أهلا له.
قوله: (والمسلم بخمر) حتى يؤمر بالتسليم إليه، ولو كان تمليكا مبتدأ لما صح كما في الدرر.
وفيه إشارة إلى أن الخمر قائمة لا مستهلكة إذ لا يجب بدلها للمسلم، نص عليه في المحيط كما في الشرنبلالية.
قوله: (وبنصف داره مشاعا) أي الدار القابلة للقسمة فإنه يصح الاقرار بها لكونه إخبارا، ولو كان إنشاء لكان هبة، وهبة المشاع القابل للقسمة لا تتم، ولو قبض بخلاف مالا يقسم كبيت وحمام صغيرين فإنها تصح فيه وتتم بالقبض.
قوله: (والمرأة بالزوجية من غير شهود) لانه إخبار عن عقد سابق، ولو كان إنشاء لما صح إقرارها بالزوجية من غير شهود، لان إنشاء عقد النكاح يشترط لصحته حضورهم كما مر في بابه.
قوله: (ولا تسمع دعواه عليه بأنه أقر له بشئ معين بناء على الاقرار له بذلك) يعني إذا ادعى عليه شيئا لما أنه أقر له به لا تسمع دعواه، لان الاقرار إخبار لا سبب للزوم المقر به على المقر، وقد علل وجوب المدعي به على المقر بالاقرار، وكأنه قال أطالبه بما لا سبب لوجوبه عليه أو لزومه بإقراره وهذا كلام باطل.
منح.
وبه ظهر أن الدعوى بالشئ المعين بناء على الاقرار كما هو صريح المتن لا بالاقرار بناء على الاقرار، قوله بأنه أقر له لا محل له، وفي إقحامه ركاكة.
تأمل.
قوله: (به يفتي) مقابله أنها تسمع كما في جامع الفصولين.
وحاصله: أن الاقرار هل هو باق في الشرع أو هو إنشاء في المعنى فيكون سببا لذلك، فمن جعله إنشاء سوغ هذه الدعوى، ومن جعله باقيا على معناه الاصلي لم يجوز سماعها، وعليه الجمهور وجميع المتأخرين، وهو الصحيح المعول عليه كما في الخلاصة.
قوله: (لانه إخبار) أي لا سبب للزوم المقر به على المقر، وهو قد جعل سبب وجوب المدعى به على المقر الاقرار فكأنه قال أطالبه بلا سبب
لوجوبه عليه أو لزومه بإقراره، وهذا باطل لما علم من كلام مشايخنا.
قوله: (لم يحل له) أي للمقر له: أي لا يجوز له أخذه جبرا ديانة كإقراره لامرأته بجميع ما في منزله وليس لها عليه ا ه.
بحر: أي ولو كان إنشاء يحل أخذه كما في الدرر، وما نقله في القنية عن بعض المشايخ من أن الاقرار كاذبا يكون ناقلا للملك فخلاف المعتمد الصحيح من المذهب الذي إليه يذهب.
قوله: (نعم لو سلمه برضاه كان ابتداء هبة وهو الاوجه) هذا ظاهر إذا تعمد الكذب، أما إذا كان يظن أنه واجب عليه يتعين الافتاء بعدم الحل.
فرع: الابراء والاقرار لا يحتاجان إلى القبول.
أفاده السائحاني.
قوله: (أو يقول لي عليه كذا وهكذا أقر به) أي إنه لي عليه.
وفي شرح تحفة الاقران وأجمعوا أنه لو قال هذا العين ملكي وهكذا أقر به المدعى عليه يقبل.(2/221)
قوله: (ثم لو أنكر الاقرار) أي وقد ادعى ما أقر به لكونه ملكه ولم يبن على مجرد إقراره لما تقدم.
قوله: (الفتوى أنه لا يحلف على الاقرار بل على المال) قال ابن الغرس: ثم لا يجوز أن يحلف أنه ما أقر به قولا واحدا، لان الصحيح أن الاقرار ليس بسبب للملك، وقد علمت الحكم في الاسباب الشرعية المتفق على سببيتها وأن الصحيح أنه لا يحلف عليها فكيف الحال فيما سببيته قول مرجوح ا ه.
وقيل يحلف بناء على أنه إنشاء ملك.
قوله: (وأما دعوى الاقرار في الدفع) بأن أقام المدعى عليه بينة أن المدعي أقر أنه لا حق له قبل المدعى عليه، أو أقام المدعى عليه بينة أن المدعي أقر أن هذه العين ملك المدعى عليه فتسمع، وأما دعوى الاقرار بالاستيفاء فقيل لا تسمع لانه دعوى الاقرار في طرف الاستحقاق، إذ الدين يقضى بمثله.
ففي الحاصل: هذا دعوى الدين لنفسه فكان دعوى الاقرار في طرف الاستحقاق، فلا تسمع، جامع الفصولين معزيا للمحيط والذخيرة.
ومثله في البزازية لكن زاد فيها: وقيل: يسمع لانه في الحاصل يدفع أداء الدين عن نفسه، فكان في طرف الدفع.
ذكره في المحيط.
وذكر شيخ الاسلام برهن المطلوب على إقرار المدعي بأنه لا حق له في المدعي، أو بأنه ليس بملك له أو ما كانت ملكا له
يندفع الدعوى إن لم يقر به لانسان معروف، وكذا لو ادعاه بالارث، فبرهن المطلوب على إقرار المورث بما ذكرنا، وتمامه فيها.
قوله: (فتسمع عند العامة) كما في الدرر وشرح أدب القاضي والخانية، وهذا مقابل قول المصنف ولا تسمع دعواه عليه.
قوله: (لا يصح) هذا في الاقرار بما يرتد، أما فيما لا يرتد بالرد كالرق والنسب، فإنه لو أقر به ثم ادعاه المقر له بعد رده يقبل مبسوط والعقود اللازمة مثل النكاح مما لا يرتد بالرد، فلو قال لها تزوجتك أمس فقالت لا ثم قالت بلى وقال هو لا لزمه النكاح، لان إقراره لم يبطل، إذ النكاح عقد لازم لا يبطل بمجرد جحود أحد الزوجين، فيصح بتصديقها بعد التكذيب فيثبت، ولا يعتبر إنكاره بعد اه.
سري الدين ملخصا ط.
قال السيد الحموي قوله لا يصح محله فيما إذا كان الحق فيه لواحد مثل الهبة والصدقة، أما إذا كان لهما مثل الشراء والنكاح فلا، وهو إطلاق في محل التقييد، ويجب أن يقيد أيضا بما إذا لم يكن المقر مقصرا على إقراره لما سيأتي من أنه لا شئ له إلا أن يعود إلى تصديقه وهو مصر ا ه.
وفي الخلاصة: لو قال لآخر كنت بعتك العبد بألف فقال الآخر لم أشتره منك فسكت البائع حتى قال المشتري في المجلس أو بعده بلى اشتريته منك بألف فهو جائز، وكذا النكاح، وكل شئ يكون لهما جميعا فيه حق، وكل شئ يكون الحق فيه لواحد مثل الهبة والصدقة لا ينفعه إقراره بعد ذلك.
قوله: (وأما بعد القبول فلا يرتد بالرد) يعني لانه صار ملكه ونفى المالك ملكه عن نفسه عند عدم المنازع لا يصح.
نعم لو تصادقا على عدم الحق صح لما تقدم في البيع الفاسد أنه طلب ربح مال ادعاه على آخر فصدقه على ذلك فأوفاه إياه ثم ظهر عدمه بتصادقهما إنه لم يكن عليه شئ، فانظر(2/222)
كيف التصادق اللاحق نقض السابق مع أن ربحه طيب حلال.
قوله: (لانه إقرار آخر) أي وقد صدقه فيه فيلزمه.
قاله العلامة عبد البر.
وفي التاترخانية: وفي كل موضع بطل الاقرار برد المقر له لو عاد المقر إلى ذلك الاقرار وصدقه المقر له أن يأخذه بإقراره، وهذا استحسان والقياس أن لا يكون له ذلك ا ه.
ووجه القياس: أن الاقرار الثاني عين المقر به، فالتكذيب في الاول تكذيب في الثاني.
ووجه الاستحسان: أنه يحتمل أنه كذبه بغير حق لغرض من الاغراض الفاسدة فانقطع عنه ذلك الغرض فرجع إلى تصديقه، فقد جاء الحق وزهق الباطل.
حموي قوله: (ثم لو أنكر إقراره الثاني) أي وادعاه المقر له لكونه ملكه وأقام بينة عليه لا تسمع، ولو أراد تحليفه لا يلتفت إليه للتناقض بين هذه الدعوى وبين تكذيبه الاقرار الاول.
قوله: (قال البديع) هو أستاذ صاحب القنية، فإنه عبر فيها بقال أستاذنا.
قال عبد البر: يعني للقاضي البديع.
وفي بعض النسخ قال في البدائع: وليس بصواب ط.
قوله: (والاشبه) أي بالصواب والقواعد.
قوله: (واعتمده ابن الشحنة وأقره الشرنبلالي) وعبارته: ولو أنكر المقر الاقرار الثاني لا يحلف، ولا تقبل عليه بينة للتناقض من الكذب للاقرار الاول.
وقال القاضي البديع: ينبغي أن تقبل بينة المقر له على إقراره ثانيا وهو الاشبه بالصواب.
وقال الشارح.
أي عبد البر ناظما له: الطويل وقد صوب القاضي البديع قبولها وعندي له الوجه الصحيح المنور ومن أراد المزيد فعليه بشرحه.
قوله: (لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة) يفيد بظاهره أنه يظهر في حق الزوائد بغير المستهلكة، وهو مخالف لما في الخانية كما قدمناه عنها وقيد بها في الاستروشنية ونقله عنها في غاية البيان، وتقدم في الاستحقاق نظير ما قدمناه عن الخانية، وأنه فرق في الاستحقاق لولد المستحقة بين الاقرار، فلا يتبعها ولدها وبين الاثبات فيتبعها ولدها وكذا سائر الزوائد، وهو عام يشمل المستهلكة وغيرها، وهنا قد قيدها بالمستهلكة فافهم أن القائمة يظهر بها لاقرار، فليحرر.
ولعله أراد الاحتراز بالمستهلكة عن الهالكة بنفسها لانها غير مضمونة مطلقا لانها كزوائد المغصوب.
تأمل قوله: (فلا يملكها المقر له ولو إخبارا لملكها) قال في نور العين: شرى أمة فولدت عنده لا باستيلاده، ثم استحقت ببينة يتبعها ولدها، ولو أقر بها لرجل لا، والفرق أنه بالبينة يستحقها من الاصل، ولذا قلنا: إن الباعة يتراجعون فيما بينهم، بخلاف الاقرار حيث لا يتراجعون ف.
ثم الحكم بأمة حكم بولدها وكذا الحيوان، إذ الحكم حجة كاملة، بخلاف الاقرار فإنه لم يتناول الولد لانه حجة ناقصة، وهذا الولد بيد المدعى عليه فلو في ملك آخر هل يدخل في الحكم اختلف المشايخ.
ا ه.
ففيه مخالفة لمفهوم كلام المصنف، ويشبه أن تكون هذه التفريعات كلها جامعا بين قول من قال إن الاقرار إخبار بحق لآخر لا إثبات، وهو قول محمد بن الفضل والقاضي أبي حازم وقول من قال: إنه تمليك في الحال وهو أبو عبد الله الجرجاني.
قاله في الشرنبلالية.
وذكر استشهاد كل على ما قال بمسائل ذكرت في الفصل التاسع من الاستروشنية.(2/223)
والحاصل أن الاقرار هل هو إخبار بحق لآخر أم تمليك في الحال على ما قدمناه من الخلاف؟ وقد علمت أن الاكثر على الاول الذي عليه المعول، وقد ذكروا لكل مسائل تدل على ما قال، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
قوله: (أقر حر مكلف) أي بالغ عاقل.
درر.
قيد بالحر، لان العبد المحجور عليه يتأخر إقراره بالمال إلى ما بعد العتق، وكذا المأذون له يتأخر إقراره بما ليس من باب التجارة كما قدمناه.
وكذا إذا أقر بجناية موجبة للمال لا يلزمه لان الاذن لم يتناول إلا التجارة، بخلاف ما إذا أقر بالحدود والقصاص، لان العبد مبقى على أصل الحرية في حقهما.
زيلعي قوله: (مكلف) شرط التكليف لان إقرار الصبي والمعتوه والمجنون لا يصح لانعدام أهلية الالتزام، إلا إذا كان الصبي مأذونا له فيصح إقراره بالمال لكونه من ضرورات التجارة، لانه لو لم يصح إقراره لا يعامله أحد، فدخل في الاذن كل ما كان طريقه التجارة كالديون والودائع والعواري والمضاربات والغصوب فيصح إقراره بها لالتحاقه في حقها بالبالغ العاقل، لان الاذن يدل على عقله، بخلاف ما ليس من باب التجارة كالمهر والجناية والكفالة حيث لا يصح إقراره بها، لان التجارة مبادلة المال بالمال والمهر مبادلة مال بغير مال، والجناية ليست بمبادلة، والكفالة تبرع ابتداء فلا تدخل تحت الاذن والنائم والمغمى عليه كالجنون لعدم التمييز، وإقرار السكران جائز إذا سكر بمحظور، لانه لا ينافي الخطاب إلا إذا أقر بما يقبل الرجوع كالحدود الخالصة، وإن سكر بمباح كالشرب مكرها لا يلزمه شئ.
زيلعي.
والردة كالحدود الخالصة.
حموي.
قوله: (يقظان) أخرج به النائم فلا يؤاخذ بما أقر به في النوم لارتفاع الاحكام عنه.
قوله: (طائعا) أخرج به المكره فلا يصح إقراره، ولو بطلاق وعتاق كما تقدم، أما طلاقه وعتاقه فيقعان.
قوله: (إن أقروا بتجارة) أي بمال فيصح، وجوابه قول المصنف الآتي صح أي صح للحال.
قوله:
(كإقرار محجور) أي عبد لانه مبقى على أصل الحرية في الحدود والقصاص ولانه غير متهم بهذا الاقرار لان ما يدخل عليه بهذا الاقرار من المضرة أعظم مما يدخل على مولاه، وليس هو عائدا إلى الصبي والمعتوه فإنه لا حد عليهما، ولا قود لان عمد الصبي خطأ والمعتوه كالصبي، ويدل على تخصيصه بالعبد قول الشارح وإلا فبعد عتقه أي إلا يكن إقرار العبد المحجور بحد أو قود بل بمال، فإنه لا ينفذ عليه في الحال لانه وما في يده لمولاه والاقرار حجة قاصرة لا تتعدى لغير المقر، فلا ينفذ على مولاه فإن عتق سقط حق المولى عنه فنفذ إقراره على نفسه والاولى أن يعبر بدل المحجور بالعبد وأن يؤخره بعد قوله الآتي صح.
قوله: (بحد وقود) أي مما لا تهمة فيه كما ذكرنا فيصح للحال.
قوله: (وإلا) أي بأن كان مما فيه تهمة.
قوله: (فبعد عتقه) أي فتتأخر المؤاخذة به إلى عتقه، وكذا المأذون رعاية لحق المولى.
عيني قوله: (ونائم) قصد بهذا كالذي قبله وبعده بيان المحترزات.
قوله: (أو مجهول) إنما صح الاقرار به لان الحق قد يلزمه مجهولا بأن أتلف مالا لا يدري قيمته أو جرح جراحة لا يعلم أرشها، والضمير في صح يرجع للاقرار المعلوم من أقر.
قوله: (لان جهالة المقر به لا تضر) كما إذا أقر أنه غصب من رجل مالا مجهولا في كيس أو أودعه مالا في كيس صح الغصب والوديعة، وثبت حكمهما لان الحق قد يلزمه مجهولا الخ.
قوله: (إلا إذا بين سببا تضره الجهالة كبيع) أي لو قال له(2/224)
سهم من داري غير معين ولا معلوم مقداره، لاني قد كنت بعته ذلك لا يصح لان البيع المجهول فاسد، وكذا لو كان الاقرار بإجارة كذلك.
واعلم أن المقر بالمجهول تارة يطلق، وتارة يبين سببا لا تضره الجهالة كالغصب والجناية، وتارة يبين سببا تضره الجهالة، فالاول يصح ويحمل على أن المقر به لزمه بسبب لا تضره الجهالة، والثاني ظاهر، والثالث لا يصح الاقرار به كالبيع والاجارة، فإن من أقر أنه باع من فلان شيئا أو آجر من فلان شيئا أو اشترى من فلان كذا بشئ لا يصح إقراره، ولا يجبر المقر على تسليم شئ.
أفاده في الدرر والشرنبلالية.
قوله: (كقوله لك على أحدنا ألف) ظاهره أن القائل واحد من جماعة ولو يحصون، وصدوره من أحدهم لا يعين أنه هو المطالب، وأنه لا يجبر المتكلم على البيان قوله: (إلا إذا جمع بين
نفسه وعبده فيصح) هذا في حكم المعلوم، لان ما على عبده يرجع إليه في المعنى لكن إنما يظهر هذا فيما يلزمه في الحال، أما ما يلزمه بعد الحرية فهو كالاجنبي فيه، فإذا جمعه مع نفسه كان كقوله لك علي أو على زيد وهو مجهول لا يصح.
حموي.
قال في الاشباه: إلا في مسألتين، فلا يصح: الاولى أن يكون العبد مديونا، الثانية أن يكون مكاتبا، فافهم.
قوله: (وكذا تضر جهالة المقر له) أي فتبطل فائدة الاقرار لعدم اعتباره.
قوله: (وإلا لا) أي لا تضر الجهالة إن لم تتفاحش على ما ذكر شيخ الاسلام في مبسوطه والناطفي في واقعاته، وسوى شمس الائمة بين المتفاحشة وغيرها في عدم الاعتبار، لان المجهول لا يصلح مستحقا إذ لا يمكنه جبره على البيان من غير تعيين المدعي فلا يفيد فائدته كما في المنح.
قال الحموي: أقول مثل شراح الهداية وغيرها للفاحشة بأن قال لواحد من الناس ولغير الفاحشة بأن قال لاحدكما ووقع تردد بدرس شيخ مشايخنا بين أهل الدرس: لو قال لاحدكم وهم ثلاثة أو أكثر محصورون هل هو من الثاني أو الاول؟ فمال بعضهم إلى أنه من قبيل غير الفاحشة، وانتصر له بما في الخانية لو قال من بايعك من هؤلاء وأشار إلى قوم معينين معدودين فأنا قبيل بثمنه جاز ا ه.
قال السائحاني: ويظهر لي أن المتفاحش مائة.
أقول: لكن الذي يظهر لي أن الفاحش ما زاد على المائة أخذا من قولهم في كتاب الشهادات من الباب الرابع فيمن تقبل شهادته من الهندية عن الخلاصة: شهادة الجند للامير لا تقبل إن كانوا يحصون، وإن كانوا لا يحصون تقبل.
نص في الصيرفية في حد الاحصاء مائة وما دونه، وما زاد عليه فهؤلاء لا يحصون.
كذا في جواهر الاخلاطي، وقدمناه في الشهادات.
قوله: (فيصح) لان صاحب الحق لا يعدو من ذكره وفي مثله يؤمر بالتذكر، لان المقر قد ينسى صاحب الحق.
منح.
وهذا قول الناطفي.
وقال السرخسي إنها تضر أيضا قوله: (ولا يجبر على البيان) أي إن فحشت أو لا زاد الزيلعي: ويؤمر بالتذكر لان المقر قد ينسى صاحب الحق، وزاد في غاية البيان أنه يحلف لكل واحد منهما إذا ادعى.
وفي التاترخانية: ولم يذكر أنه يستحلف لكل واحد منهما يمينا على حدة، بعضهم قالوا نعم، ويبدأ القاضي بيمين أيهما شاء أو يقرع، وإذا حلف لكل لا يخلو من ثلاثة أوجه: إن حلف
لاحدهما فقط يقضي بالعبد للآخر فقط، وإن نكل لهما يقضي به وبقيمة الولد بينهما نصفين سواء(2/225)
نكل لهما جملة بأن حلفه القاضي لهما يمينا واحدة أو على التعاقب بأن حلفه لكل على حدة، وإن حلف فقد برئ عن دعوة كل، فإن أراد أن يصطلحا وأخذا العبد منه لهما ذلك في قول أبي يوسف الاول، وهو قول محمد كما قبل الحلف، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يجوز اصطلاحهما بعد الحلف، قالوا: ولا رواية عن أبي حنيفة ا ه.
أقول: والحاصل: أن قول الشارح ولا يجبر على البيان موافق لما في البحر والزيلعي والعيني وشرح السيد حموي، ويخالفه ما في الدرر عن الكافي حيث قال: وإن لم يفحش بأن أقر أنه غصب هذا العبد من هذا أو من هذا فإنه لا يصح عند شمس الائمة السرخسي، لانه إقرار للمجهول.
وقيل يصح وهو الاصح لانه يفيد وصول الحق إلى المستحق، لانهما إذا اتفقا على أخذه فلهما حق الاخذ ويقال له: بين المجهول، لان الاجمال من جهته كما لو أعتق أحد عبديه وإن لم يبين أجبره القاضي على البيان إيصالا للحق إلى المستحق ا ه.
وكلام الشرنبلالية يفيد موافقة ما في الدرر من أنه يجبر على البيان حيث قال: قوله كما لو أعتق أحد عبديه: يعني من غير تعيين، أما لو أعتق أحدهما بعينه، ثم نسيه لا يجبر على البيان كما في المحيط ا ه.
وأقول: قوله لان الاجمال الخ هكذا في الهداية وعامة الشراح قاطبة ربطوا هذا الكلام على صحة الاقرار للمجهول، وصاحب الدرر ظن أنه مرتبط بالاقرار بالمجهول، وليس كذلك كما يظهر لمن نظر نظر التدبر في كلام صاحب الكافي أيضا، وقد سبق أنه لا جبر على المقر لبيان المقر له عند كونه مجهولا غير متفاحش، فاللائق عليه أن يأتي بهذا الكلام في شرح قوله ولزمه بيان ما جهل.
أقول: وإنما يجبره القاضي على البيان فيما إذا أعتق أحد عبديه من غير تعيين، لان الظاهر من حال المقر هو العلم بالحق الذي أقر به، فيجب عليه البيان.
لا يقال: إنه تقدم عند.
قوله: (أو مجهول) أن المقر قد يتلف مالا لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها.
لانا نقول: إن ذلك احتمال اعتبر هناك بتصحيح الاقرار بالمجهول، ولا يلزم من ذلك أن يسمع قوله لا أدري في جميع ما
أقر به، بل على القاضي أن يعتمد على ظاهر الحال ولا يصدقه فيما هو محتمل.
قوله: (لجهالة المدعي) أي فيهما، ولانه قد يؤدي إلى إبطال الحق على المستحق، والقاضي إنما نصب لايصال الحق إلى مستحقه لا لابطاله ا ه.
منح.
قوله: (بحر) تتمة عبارته: ولكل منهما أن يحلفه.
قوله: (ونقله في الدرر لكن باختصار مخل كما بينه عزمي زاده) ليس في كلامه اختصار مخل بل زيادة مضرة ذكرها في غير موضعها، وقد سمعت عبارته وصدرها، ولم يصح الاقرار للمجهول إذا فحشت جهالته بأن يقول هذا العبد لواحد من الناس، لان المجهول لا يكون مستحقا، وإن لم تفحش إلى آخر ما قدمنا عنها، واعترضه عزمي زاده بأن قوله: ويقال له بين المجهول مرتبط بصحة الاقرار مع جهالة المقر به لا بعدم الصحة في جهالة المقر له، ولا مساغ لحمله على ذلك لانه علل المسألة بأنه إقرار للمجهول، ولا يفيد لان فائدته الجبر على البيان، وصاحب الحق مجهول، وكان الواجب ذكر هذه المسألة في أثناء شرح قوله أقر بمجهول صح ليوافق كلامه كلامهم ومرامه مرامهم ا ه.
وحاصله: أن ما ذكره صاحب الدرر من الجبر إنما هو فيما إذا جهل المقر به لا المقر له لقول الكافي لانه إقرار للمجهول، وأنه لا يفيد لان فائدته الجبر على البيان، ولا يجبر على البيان لانه إنما يكون ذلك لصاحب الحق وهو مجهول.(2/226)
فرع: لم يذكر الاقرار العام وذكره في البحر، وفي المنح، وصح الاقرار بالعام كما في يدي من قليل أو كثير أو عبد أو متاع أو جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب إلي لفلان وإن اختلفا في عين أنها كانت موجودة وقت الاقرار أو لا، فالقول قول المقر إلا أن يقيم المقر له البينة أنها كانت موجودة في يده وقته.
واعلم أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار، لكنه يرتد برد المقر له.
صرح في الخلاصة، وكثير من الكتب المعتمدة واستشكل المصنف بناء على هذا قول العمادي وقاضيخان: الاقرار للغائب يتوقف على التصديق.
ثم أجاب عنه وبحث في الجواب الرملي ثم أجاب عن الاشكال بما حاصله: أن اللزوم غير الصحة، ولا مانع من توقف العمل مع صحته كبيع الفضولي، فالمتوقف لزومه لا
صحته، فالاقرار للغائب لا يلزم حتى صح إقراره لغيره كما لا يلزم من جانب المقر له حتى صح رده، وأما الاقرار للحاضر فيلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره لغيره به قبل رده، ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده، وأما الصحة فلا شبهة فيها من الجانبين بدون القبول وقدمنا شيئا من ذلك فارجع إليه.
قوله: (ولزمه بيان ما جهل) أي يجبر عليه إذا امتنع كما في الشمني، لانه لزمه الخروج عما وجب عليه بالاقرار، لان كثيرا من الاسباب تتحقق مع الجهالة كالغصب والوديعة، لان الانسان يغصب ما يصادف ويودع ما عنده من غير تحرير في قدره وجنسه ووصفه فيحمل عليه حتى لو فسره بالبيع أو الاجارة لا يصح إقراره، لان هذه العقود لا تصح مع الجهالة فلا يجبر على البيان.
زيلعي.
قال العلامة الخير الرملي: أقول به استخرجت جواب حادثة الفتوى: كرم وقف استهلك العامل عليه حصة الوقف مدة سنين أو مات العامل وأقر ورثته باستهلاك ثمرته في السنين المعينة إقرارا مجهولا في الغلة.
فأجبت: بأنهم يجبرون على البيان والقول لهم مع الحلف إلا أن يقيم المتولي بينة بأكثر، فتأمل ا ه.
وقال أيضا: ذكر صاحب البحر في البيع في شرح قوله: وإن اختلفت النقود فسد البيع، لو أقر بعشرة دنانير حمر وفي البلد نقود مختلفة حمر لا يصح بلا بيان، بخلاف البيع فإنه يتصرف إلى الاروج.
ا ه.
ولا ريب أن معنى قوله: لا يصح بلا بيان: أي لا يثبت به شئ بلا بيان، بخلاف البيع فإنه يثبت الاروج بدون بيان، إذ صحة الاقرار بالمجهول مقررة وعليه البيان.
تأمل.
وفي المقدسي: ولو بين الغصب في عقار أو خمر مسلم صح لانه مال، فإن قيل الغصب أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده، وهو لا يصدق على العقار وخمر المسلم.
وأجيب: بأن ذلك حقيقة وقد تترك بدلالة العادة وفي خير مطلوب سواء عين في هذه البلدة أو غيرها، ولو قال: الدار التي في يد فلان صح بيانه، ولا تؤخذ من يده ولا يضمن المقر شيئا لانه أقر بغصبها وهي لا تضمن بالغصب ا ه.
أقول: وإنما يلزمه بيان ما جهل، هذا إذا لم يكن الحكم عليه من لخارج، أما إذا أمكن فلا ويحكم عليه بالمتيقن، ألا يرى أنه لو قال: لا أدري له علي سدس أو ريع فإنه يلزم الاقل.
وسيأتي ما
يوضح ما ظهر لي.
وفي المقدسي: له علي عبد أو قال له شرك فيه: أوجب أبو يوسف قيمة وسط في الاول والشطر في الثاني، ومحمد البيان فيهما، ولو قال له عشرة دراهم ودانق أو قيراط فهما من(2/227)
الدراهم وفي الخانية: له علي ثوب أو عبد صح ويقضي بقيمة وسط عند أبي يوسف.
وقال محمد: القول له في القيمة.
وفي الاشباه: الاقرار بالمجهول صحيح، واعترضه الحموي بما في الملتقط: إذا قال علي دار أو شاة: قال أبو يوسف: يلزمه الضمان بقيمة المقر به والقول قوله.
وقال بشر: تجب الشاة.
ا ه.
ويمكن الجواب بمشي الاشباه على قول الامام والخانية والملتقط على قول غيره، ولعل المراد بالوسط أو القيمة من أقل المقر به لانه مقر بأحدهما المبهم إلا بالاثنين، وحينئذ فحلف بشر لفظي.
كذا بخط العلامة السائحاني.
قوله: (كشئ وحق) بأن قال علي لفلان شئ أو حق، لان الحق قد يلزم مجهولا بأن يتلف مالا أو يجرح جراحة أو تبقى عليه باقية حساب لا يعرف قيمتها ولا أرشها ولا قدرها كما في العيني، ولو قال في قوله: علي حق أردت به حق الاسلام لم يصدق مطلقا، سواء قاله موصولا أو مفصولا، وهو ظاهر كلام الزيلعي والعيني والكفاية لانه خلاف العرف، فإذا بين بغير ذلك كان رجوعا فلا يصح وعليه المعول كما في التبيين.
وفي تكملة قاضي زاده: أنه إذا وصله صدق وإن فصله لا يصدق، وعليه مشى في التاترخانية، ونقله الحموي، وكذا نقله صاحب الكفاية عن المحيط والمستزاد كما في الشلبي.
قال السيد الحموي: بقي لو مات قبل البيان توقف فيه الشيخ الحانوتي، قال العلامة الشرنبلالي: وينبغي أن يرجع فيه للورثة.
ا ه.
وفيه أن الوارث إذا كان لا يعلم كيف يرجع إليه فليحرر بالنقل.
وفيه أن الوارث قد يعلم فالرجوع إليه لاستكشاف ما عنده، فإنه علمه وافق علم به.
قال العلامة المقدسي: ينبغي أن يصدق في حق الشفعة أو التطرق ونحوه.
ا ه.
قوله: (والقول للمقر مع حلفه لانه المنكر) ولانه لما كذبه فيما بين وادعى شيئا آخر بطل إقراره بتكذيبه وكان القول للمقر فيما ادعى عليه ا ه.
قوله: (ولا يصدق في أقل من درهم في علي مال) لان ما دونه من الكسور لا يطلق عليه اسم المال عادة وهو المعتبر زيلعي، ومثله في الهندية.
وهذا استحسان، وفي القياس يصدق في القليل
والكثير كما قال القدوري.
قال ط: وظاهر البحر أنه يلزمه درهم، ولا يجبر على البيان، وعبارته: ولو قال لفلان علي دار أو عبد لا يلزمه شئ، أو مال قليل أو درهم عظيم أو دريهم لزمه درهم.
قوله: (ومن النصاب) معطوف على قوله: من درهم وكذا المعطوفات بعده.
قوله: (أي نصاب الزكاة) لانه عظيم في الشرع حتى اعتبر صاحبه غنيا وأوجب عليه مواساة الفقراء، وفي العرف حتى يعد من الاغنياء عادة.
منح.
قوله: (وقيل إن المقر فقيرا الخ) قال في المنح: والاصح أنه على قوله مبني على حال المقر في الفقر والغنى، فإن القليل عند الفقير عظيم، وأضعاف ذلك عند الغني ليس بعظيم وهو في الشرع متعارض، فإن المائتين في الزكاة عظيم وفي السرقة والمهر العشرة عظيم، فيرجع إلى حاله.
كذا في النهاية.
قوله: (في مال عظيم) معطوف على قوله في علي مال المعمول ليصدق ففيه العطف على معمولين لعاملين مختلفين، وهو لا يجوز، والاولى أن يقول: ولزم في علي مال درهم، وفي علي مال عظيم نصاب، وحينئذ ففيه العطف على معمولين لعامل واحد.
تأمل.(2/228)
واعلم أن المال القليل درهم، فإذا قال في له علي مال عظيم وسئل البيان فقال لا قليل ولا كثير لزمه مائتان، لانه لما قال لا قليل لزمه الكثير.
كذا عن محمد.
ويظهر لي أن يلزمه عند الامام عشرة إذ هي الكثير عنده، ولو قال علي شئ من الدراهم أو من دراهم فعليه ثلاثة.
قلت: وعلى تقدير من تبعيضية لا يظهر مقدسي قوله: (قوله لو بينه الخ) بأن قال مال عظيم من الذهب أو قال من الفضة لزمه النصاب من المقر به ومن الابل أخذ نصابها أيضا، فإن قال من ثياب أو كتب اعتبر النصاب بالقيمة.
قوله: (ومن خمس وعشرين من الابل) أي ولا يصدق في أقل من خمس وعشرين لو قال: مال عظيم من الابل.
قوله: (لانها أدنى نصاب يؤخذ من جنسه) جواب سؤال حاصله: أن أدنى نصاب الابل خمس فإنه يؤخذ فيها شاة.
وحاصل الجواب: أن ما دون الخمس والعشرين من الابل لا يجب فيه الزكاة من جنسه، وإن وجبت فيه الزكاة، وتقرير ذلك أن الخمس س من الابل وإن كانت مالا عظيما فعظمه لمالكه نسبي، فصار
له جهتان: جهة الغني بتملكها فأوجبنا الشاة فيها، وجهة عدم العظم الحقيقي، فقلنا بعدم جواز صدقة فيها منها.
أفاده الحموي.
والظاهر أنه يعتبر في البقر والغنم نصابهما إذا بين بهما كما يستفاد من المنح ط.
قوله: (ومن ثلاثة نصب في أموال عظام) لان أقل الجميع ثلاثة فلا يصدق في أقل منه للتيقن به، وينبغي على قياس قول الامام أن يعتبر فيه حال المقر.
منح.
وفي الذخيرة: ولو قال مال نفيس أو كريم أو خطير أو جليل: قال الناطفي: لم أجده منصوصا، وكان الجرجاني يقول: يلزمه مائتان.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه إذا قال علي دراهم مضاعفة فعليه ستة دراهم، لان أدنى الجمع ثلاثة وضعفها ستة، ولو قال دراهم أضعاف مضاعفة يلزمه ثمانية عشر درهما، لان أضعافا لفظ الجمع وأقله ثلاثة فتصير تسعة ومضاعفة التسعة ثمانية عشر.
ذكره الشمني.
قوله: (ثلاثة) لانها أدنى الجمع.
قوله: (عشرة) عند الامام وقالا نصاب، والاصل أن رعاية الكثرة واجبة، لكنه اعتبر العرف لغة وهما اعتبراه شرعا.
قوله: (لانها نهاية اسم الجمع) الاضافة للبيان: أي نهاية اسم هو الجمع وهو دراهم إذ هو جمع درهم وليس المراد اسم الجمع المصطلح عليه كما لا يخفى: يعني أن العشرة أقصى ما يذكر بلفظ الجمع فكان هو الاكثر من حيث اللفظ فينصرف إليه، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقالا: لا يصدق في أقل من نصاب: والاصل فيه ما قدمنا من أن رعاية الكثرة واجبة الخ، وهو أول ما يصدق عليه جمع الكثرة.
أما تعليل الشارح فيوهم أن العبرة لاقل ما يصدق اللفظ لا لنهايته، إذ هي مشكوكة والمال لا يثبت بالشك فتعين ما قلنا.
تأمل قوله: (وكذا درهما درهم) أي لا يصدق في أقل من درهم في قوله له علي كذا درهما لانه تفسير للمبهم.
كذا في الهداية وفيه ما سبق من مخالفة العطف.
قال الاتقاني: وينبغي أن يلزمه في هذا أحد عشرة لانه أول العدد الذي يقع مميزه منصوبا، هكذا نقل عن أهل اللغة فلا يصدق في بيانه(2/229)
بدرهم، والقياس فيه ما قاله في مختصر الاسرار إذا قال له كذا درهم أنه يلزمه عشرون، لانه ذكر جملة وفسرها بدرهم منصوب.
وذلك يكون من عشرين إلى تسعين فيجب الاقل وهو عشرون لانه متيقن ا ه.
ومثله في الشرنبلالية.
وفي السراج: وإن قال كذا درهما لزمه عشرون، وإن قال كذا درهم بالخفض لزمه مائة، وإن قال كذا درهم بالرفع أو بالسكون لزمه درهم واحد لانه تفسير للمبهم.
قوله: (على المعتمد) لان ما في المتون مقدم على ما في الفتاوى.
شرنبلالية وفي التتمة والذخيرة درهمان، لان كذا كناية عن العدد وأقله اثنان، إذ الواحد لا يعد حتى يكون معه شئ.
وفي شرح المختار قيل: يلزمه عشرون، وهو القياس لان أقل عدد غير مركب يذكر بعده الدرهم بالنصب عشرون.
منح.
قوله: (ولو خفضه لزمه درهم) كذا روي عن محمد، وإن قال كذا كذا درهم بالخفض لزمه ثلاثمائة، والتوجيه في غاية البيان.
قوله: (وفي دريهم الخ) أي بالتصغير، وكذا لو صغر الدينار يلزمه تاما، لان التصغير يكون لصغر الحجم وللاستحقار ولخفة الوزن فلا ينقص الوزن بالشك ط.
قوله: (أو درهم عظيم) إنما لزمه درهم لان الدرهم معلوم القدر فلا يزداد قدره بقوله عظيم لانه وصف ا ه.
تبيين.
قال المقدسي: ينبغي إذا كانت الدراهم مختلفة أن يجب من أعظمها عملا بالوصف المذكور حموي.
قوله: (والمعتبر الوزن المعتاد إلا بحجة) قال صاحب الهداية: وينصرف إلى الوزن المعتاد: أي بين الناس، وذلك لان المطلق من الالفاظ ينصرف إلى المتعارف وهو غالب نقد البلد.
ولا يصدق في أقل من ذلك لانه يريد الرجوع عما اقتضاه كلامه.
قال في تحفة الفقهاء: ولو قال علي ألف درهم فهو على ما يتعارفه أهل البلد من الاوزان أو العدد، وإن لم يكن شيئا متعارفا يحمل على وزن سبعة فإنه الوزن المعتبر في الشرع، وكذلك في الدينار يعتبر المثاقيل إلا في موضع متعارف فيه بخلافه ا ه.
شلبي.
وفي الكافي: وإن كان نقد البلد مختلفا فهو على الاقل من ذلك ا ه.
ولا يصدق إن ادعى وزنا دون ذلك ا ه.
بتصرف فقوله إلا بحجة إن أريد بها البيان فالامر ظاهر، وإن لم يكن بيانا فالحجة عرف البلد، فتدبر.
ط.
قوله: (وكذا كذا درهما) بالنصب.
قوله: (أحد عشر) لانه ذكر عددين مبهمين بدون حرف العطف أقل ذلك من العدد المفسر أحد عشر وأكثره تسعة عشر، والاقل يلزمه من غير بيان والزيادة تقف على بيانه.
منح.
وبالخفض ثلاثمائة وفي كذا وكذا درهما، وكذا وكذا دينارا عليه من كل أحد عشر، وفي كذا كذا دينارا ودرهما أحد عشر منهما جميعا ويقسم ستة من الدراهم
وخمسة من الدنانير احتياطا، ولا يعكس لان الدراهم أقل مالية والقياس خمسة ونصف من كل، لكن ليس في لفظه ما يدل على الكسر.
غاية البيان ملخصا.
أقول: لكن مقتضى الاحتياط أن يلزمه دينار واحد وعشرة دراهم لانه أقل ما يصدق عليه القول المذكور.
تأمل.
قوله: (لان نظيره الخ) لو قال: لان أقل نظير له واحد وعشرون لكان أولى.
قال في المنح: لان فصل بينهما بحرف العطف، وأقل ذلك من العدد المفسر أحد وعشرون،(2/230)
وأكثره تسعة وتسعون، والاقل يلزمه من غير بيان والزيادة تقف على بيانه ا ه.
قوله: (ولو ثلث) بأن قال كذا كذا كذا درهما.
قوله: (إذ لا نظير له) وما قيل نظيره مائة ألف ألف فسهو ظاهر، لان الكلام في نصب الدرهم وتمييز هذا العدد مجرور، ولينظر هل إذا جره يلزمه ذلك؟ وظاهر كلامهم لا.
قوله: (فحمل على التكرار) أي تكرار لفظ كذا الاخير.
قوله: (زيد ألف) فيجب ألف ومائة وأحد وعشرون لانه أقل ما يعبر عنه بأربعة أعداد مع الواو.
ط عن أبي السعود.
قوله: (ولو خمس زيد عشرة آلاف) هذا حكاه العيني بلفظ ينبغي لكنه غلط ظاهر، لان العشرة آلاف تتركب مع الالف بلا واو فيقال أحد عشر ألفا، فتهدر الواو التي تعتبر مهما أمكن وهنا ممكن فيقال أحد وعشرون ألفا ومائة وأحد وعشرون درهما.
نعم قوله: (ولو سدس الخ) مستقيم.
سائحاني.
أي بأن قال مائة ألف وأحد وعشرون ألفا وأحد وعشرون درهما، وكذا لو سبع زيد قبله ألف ألف، وما ذكره أحسن من قول بعضهم قوله زيد عشرة آلاف فيه أنه يضم الالف إل العشرة آلاف فيقال أحد عشر، والقياس لزوم مائة ألف وعشرة آلاف الخ.
ا ه.
لان أحد وعشرون ألفا أقل من مائة ألف، وقد أمكن اعتبار الاقل فلا يجب الاكثر، ويلزم أيضا اختلال المسائل التي بعده كلها فيقال لو خمس زيد مائة ألف، ولو سدس زيد ألف ألف، وهكذا بخلافه على ما مر، فتدبر.
قوله: (وهكذا يعتبر نظيره أبدا) أي كلما زاد معطوفا بالواو زيد عليه ما جرت به العادة إلى ما لا يتناهى كما في البحر، وفيه: والمعتبر الوزن المعتاد في كل زمان أو مكان، والنيف مجهول يرجع إليه فيه والبضعة للثلاثة.
ا ه.
فلو قال عشرة ونيف فالبيان في النيف إليه، فإن فسره بأقل من درهم جاز، لان النيف مطلق الزيادة، ولو قال بضع
وعشرون ففي البدائع: البضع في عرف اللغة من الثلاثة إلى التسعة فيحمل على الاقل للتيقن.
وفي البزازية: اليضعة النصف.
قوله: (لان على للايجاب) قال الاتقاني: أما قوله علي فإنما كان إقرارا بالدين بسبيل الاقتضاء، وإن لم يذكر الدين صريحا لان كلمة علي تستعمل في الايجاب، ومحل الايجاب الذمة، والثابت في الذمة الدين لا العين فصار إقراره بالدين مقتضى قوله علي، والثابت اقتضاء كالثابت نصا ولو نص فقال لفلان علي ألف درهم دين كان مقرا بالدين لا بالعين، فكذلك هنا ا ه.
قوله: (وقبلي للضمان غالبا) قال الاتقاني: لان.
قوله: (قبلي) وإن كان يستعمل في الايجابات والامانات يقال لفلان قبلي وديعة وقبلي أمانة غلب استعماله في الايجابات، والمطلق من الكلام ينصرف إلى ما هو الغالب في الاستعمال.
ا ه.
قال الزمخشري: كل من تقبل بشئ مقاطعة وكتب عليه بذلك كتابا فالكتاب الذي يكتب هو القبالة بالفتح، والعمل قبالة بالكسر لانه صناعة ا ه.
وفي بعض النسخ: وقبل عوض وقبلي.
قوله: (وصدق إن وصل به هو وديعة) أي بأن يقول له علي ألف درهم وديعة فلا تكون على للالزام، وكذا لو قال أردت به الوديعة متصلا عيني.
قوله:(2/231)
(لانه يحتمله مجازا) وذلك لان لفظ علي وقبلي ينشأن عن الوجوب، وهو متحقق في الوديعة إذ حفظها واجب، فقوله له علي كذا: أي يجب له علي حفظ كذا، فأطلق محل وجوب الحفظ وهو المال وأراد الحال فيه وهو وجوب حفظه، وأما قبلي فقد تقدم أنها تستعمل في الامانة ط.
قوله: (لتقرره بالسكوت) فلا يجوز تغييره بعد ذلك كسائر المغيرات من الاستثناء والشرط.
ط قوله: (عندي) أي له عندي، وكذا يقال في الجميع.
قوله: (عملا بالعرف) لان الكل إقرار بكون الشئ في يده وذا يكون أمانة، لانه قد يكون مضمونا وقد يكون أمانة وهذه أقلهما.
وفي كفالة الخيرية عن التاترخانية لفظة عندي للوديعة، لكنه بقرينة الدين تكون كفالة.
وفي الزيلعي: مطلقة يحتمل العرف، وفي العرف إذا قرن بالدين يكون ضمانا، وقد صرح بضمان بأن عند إذا استعملت في الدين يراد به الوجوب ا ه.
أقول: وكأنه في عرفهم إقرار بالامانة، أما العرف اليوم في عندي ومعي الدين، لكن ذكروا
علة أخرى تفيد عدم اعتبار عرفنا ا ه.
قال المقدسي: لان هذه المواضع محل العين لا الدين، إذ محله الذمة، والعين يحتمل أن تكون مضمونة وأمانة والامانة أدنى فحمل عليها، والعرف يشهد له أيضا.
فإن قيل: له علي مائة وديعة دين أو دين وديعة لا تثبت الامانة مع أنها أقلهما.
أجيب: بأن أحد اللفظين إذا كان للامانة والآخر للدين فإذا اجتمعا في الاقرار يترجح الدين ا ه.
أي بخلاف اللفظ الواحد المحتمل لمعنيين كما هنا.
تأمل.
قال الخير الرملي: والظاهر في كلمة عندي أنها عند الاطلاق للامانة، ولذا قال في التاترخانية: إنها بقرينة الدين للكفالة، ويستفاد من هذا أنها بقرينة الغصب تكون له كما لو قال غصبت مني كذا فقال عندي، فتأمل.
ويستفاد منه أيضا أنه لو سأل القاضي المدعي عليه عن جواب الدعوى فقال عندي يكون إقرارا بالمدعي، وقد نص عليه السبكي من أئمة الشافعية ولا تأباه قواعدنا، فتأمل ا ه.
قوله: (فهو هبة لا إقرار) أي لان ماله أو ما ملكه يمتنع أن يكون لآخر في ذلك الحال فلا يصح الاقرار، واللفظ يحتمل الانشاء فيحمل عليه ويكون هبة.
قوله: (كان إقرار بالشركة) قال الحموي: لو قال له في مالي ألف درهم أو في دراهمي هذه فهو إقرار، ثم إن كان مميزا فوديعة وإلا فشركة.
ا ه.
فكان عليه أن يقول: أو بالوديعة.
قوله: (بخلاف الاقرار) فإنه لو كان إقرارا لا يحتاج إلى التسليم، والاوضح أن يقول: بخلاف ما لو كان إقرارا كما أن الاوضح فلا بد فيها من التسليم.
قوله: (والاصل أنه متى أضاف المقربة الخ) ينبغي تقييده بما إذا لم يأت بلفظ في كما يعلم مما قبله.
قوله: (كان هبة) لان إضافته إلى نفسه تنافي حمله على الاقرار الذي هو إخبار لا إنشاء فيجعل إنشاء، فيكون هبة فيشترط فيه ما يشترط في الهبة منح.
إذا قال: اشهدوا أني قد أوصيت لفلان بألف وأوصيت أن لفلان في مالي ألفا، فالاولى وصية والاخرى إقرار، وفي الاصل: إذا قال في وصيته سدس داري لفلان فهو وصية، ولو قال لفلان سدس في داري فإقرار، لانه في الاول جعل له سدس دار جميعها(2/232)
مضاف إلى نفسه وإنما يكون ذلك بقصد التمليك، وفي الثاني جعل دار نفسه ظرفا للسدس الذي سماه كان لفلان، وإنما يكون داره ظرفا لذلك السدس إذا كان السدس مملوكا لفلان قبل ذلك فيكون
إقرارا، أما لو كان إنشاء لا يكون ظرفا، لان الدار كلها له فلا يكون البعض ظرفا للبعض.
وعلى هذا إذا قال له ألف درهم من مالي فهو وصية استحسانا إذا كان في ذكر الوصية، وإن قال في مالي فهو إقرار ا ه.
من النهاية.
فقول المصنف فهو هبة أي إن لم يكن في ذكر الوصية، وفي هذا الاصل خلاف كما ذكره في المنح، وسيأتي في متفرقات الهبة عن البزازية وغيرها: الدين الذي لي على فلان لفلان أنه إقرار، واستشكله الشارح هناك وأوضحه سيدي الوالد ثمة، فراجعه.
قوله: (ولا يرد) أي على منطوق الاصل المذكور، فإن الاضافة موجودة ومع ذلك جعل إقرارا، لكن الاضافة في الظرف لا المظروف وهو المقر به.
قوله: (ما في بيتي) أي فإنه إقرار، وكذا ما في منزلي، ويدخل فيه الدواب التي يبعثها في النهار وتأوي إليه بالليل، وكذا العبيد كذلك كما في التاترخانية.
قوله: (لانها إضافة نسبة) أي فإنه أضاف الظرف لا المظروف المقر به كما علمت: يعني أن الاضافة هنا كلا إضافة، لاحتمال أن البيت أو الصندوق أو الكيس ملك غيره، ومر في الايمان أن المراد بالبيت ما ينسب إليه بالسكنى سواء كان بملك أو إجارة أو إعارة أو غير ذلك، والمقر به هنا ما في البيت وهو غير مضاف أصلا، فيكون قوله ما في بيتي إقرارا لا تمليكا لعدم وجود إضافة المقر به إلى ملكه، بل جعله مظروفا فيما أضيف إليه نسبة.
قوله: (ولا الارض) عطف على ما قبله.
أي ولا يرد على عكس القاعدة قوله.
قوله: (الارض) وهو أنه إذا لم يضفه كان إقرارا، وإنما لا ورود لها على الاصل المتقدم إذ إضافة فيها إلى ملكه.
نعم نقلها في المنح عن الخانية على أنها تمليك، ثم نقل عن المنتقى نظيرتها على أنها إقرار، وكذا نقل عن القنية ما يفيد ذلك حيث قال: إقرار الاب لولده الصغير بعين من ماله تمليك إن أضافه إلى نفسه في الاقرار وإن أطلق فإقرار، كما في سدس داري وسدس هذه الدار، ثم نقل عنها ما يخالفه ثم قال: قلت بعض هذه الفروع يقتضي التسوية بين الاضافة وعدمها، فيفيد أن في المسألة خلافا، ومسألة الابن الصغير يصح فيها الهبة بدون القبض، لان كونه في يده قبض فلا فرق بين الاقرار والتمليك، بخلاف الاجنبي.
ولو كان في مسألة الصغير شئ مما يحتمل القسمة ظهر الفرق بين الاقرار والتمليك في حقه أيضا لافتقاره إلى القبض مفرزا ا ه.
ثم قال: وهنا مسألة كثيرة الوقوع: وهي ما إذا أقر لآخر إلى آخر ما ذكر الشارح مختصرا.
وحاصله: أنه اختلف النقل في قوله الارض التي حددوها كذا لطفلي هل هو إقرار أو هبة، وأفاد أنه لا فرق بينهما إلا إذا كان فيها شئ مما يحتمل القسمة، فتظهر حينئذ ثمرة الاختلاف في وجوب القبض وعدمه، وكأن مراد الشارح الاشارة إلى أن ما ذكره المصنف آخرا يفيد التوفيق بأن يحمل قول من قال إنها تمليك على ما إذا كانت معلومة بين الناس أنها ملكه فيكون فيها الاضافة تقديرا، وقول من قال إنها إقرار على ما إذا لم تكن كذلك.
قوله ولا الارض أي ولا ترد مسألة الارض(2/233)
التي الخ على الاصل السابق فإنها هبة: أي لو كانت معلومة أنها ملكه للاضافة تقديرا، لكن لا يحتاج إلى التسليم كما اقتضاه الاصل لانها في يده وحينئذ يظهر دفع الورود.
تأمل قوله: (وإن لم يقبضه) قال في المنح ومسألة الابن الصغير يصح فيها الهبة بدون القبض، لان كونه في يده قبض له فلا فرق بين الاظهار: أي الاقرار والتمليك، بخلاف الاجنبي، فإنه يشترط في التمليك القبض دون الاقرار.
ا ه.
وإنما يتم في حق الصغير بدون قبض، لان هبة الاب لطفله تتم بقوله: وهبت لطفلي فلان كذا، ويقوم مقام الايجاب والقبول ويكفي في قبضها بقاؤها في يده، لان الاب هو ولي طفله فيقوم إيجابه مقام إيجابه عن نفسه، وقبوله لطفله لانه هو الذي يقبل له وبقاؤها في يده قبض لطفله، إلا إذا كان ما وهبه مشاعا يحتمل القسمة فلا بد من إفرازه وقبضه بعد القسمة لعدم صحة هبة المشاع.
قوله: (إلا أن يكون مما يحتمل القسمة) أي وقد ملكه بعضه.
قوله: (مفرزا) في بعض النسخ بعد هذا اللفظ لفظ ا ه.
وفي بعضها بياض.
قوله: (للاضافة تقديرا) علة.
قوله: (ولا الارض) أي إنما كانت تمليكا في هذه المسألة وإن لم يوجد فيها إضافة صريحا لان فيها إضافة تقديرية كأنه قال: أرضي الخ والدليل عليها أن ملكه إياها معلوم للناس.
فالحاصل: أن الاضافة إلى نفسه التي تقتضي التمليك، إما أن تكون صريحة أو تقديرية تعلم بالقرائن، كأن كان مشهورا بين الناس أنها ملكه، وبهذا يظهر الجواب عن مسائل جعلوها تمليكا ولا إضافة فيها، فلا حاجة إلى ما ادعاه المصنف من ثبوت الخلاف في المسألة حيث قال بعض هذه الفروع
تقتضي التسوية: أي في التمليك بين الاضافة وعدمها، فيفيد أن في المسألة خلافا ا ه.
فليتأمل ط.
ولا تنس ما قدمناه من إفادة التوفيق.
قوله: (فهل يكون إقرارا أو تمليكا) أقول: المفهوم من كلامهم أنه إذا أضاف المقر به أو الموهوب إلى نفسه كان هبة، وإلا يحتمل الاقرار والهبة فيعمل بالقرائن، لكن يشكل على الاول ما عن نجم الائمة البخاري أنه إقرار في الحالتين، وربما يوفق بين كلامهم بأن الملك إذا كان ظاهرا للملك فهو تمليك، وإلا فهو إقرار إن وجدت قرينة، وتمليك أو وجدت قرينة تدل عليه، فتأمل فإنا نجد في الحوادث ما يقتضيه رملي.
وقال السائحاني: أنت خبير بأن أقوال المذهب كثيرة، والمشهور هو ما مر من قول الشارح والاصل الخ وفي المنح عن السعدي: أن إقرار الاب لولده الصغير بعين ماله تمليك إن أضاف ذلك إلى نفسه فانظر لقوله بعين ماله، ولقوله لولده الصغير، فهو يشير إلى عدم اعتبار ما يعهد بل العبرة للفظ ا ه.
قلت: ويؤيده ما مر من قوله ما في بيتي وما في الخانية جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب إلي لفلان، قال الاسكاف إقرار.
ا ه.
فإن ما في بيته وما يعرف به وينسب إليه يكون معلوما لكثير من الناس أنه ملكه، فإن اليد والتصرف دليل الملك، وقد صرحوا بأنه إقرار، وأفتى به في الحامدية، وبه تأيد بحث السائحاني.
ولعله إنما عبر في مسألة الارض بالهبة لعدم الفرق فيها بين الهبة والاقرار إذا كان ذلك لطفله، ولذا ذكرها في المنتقى في جانب غير الطفل مضافة للمقر حيث قال: إذا قال(2/234)
أرضي هذه وذكر حدودها لفلان أو قال الارض التي حدودها كذا لولدي فلان وهو صغير كان جائزا ويكون تمليكا، فتأمل والله تعالى أعلم.
أقول: لعله إنما كما كذلك: أي تمليكا من حيث إن الارض مشهورة إنها ملك والده، واستفادة الملك إنما تكون من جهته وذلك بالتمليك منه، بخلاف الاقرار للاجنبي ولولده الكبير حيث يمكن أن تكون ملكهما من غير جهة المقر.
تأمل.
قوله: (فقال اتزنه) أصله أو تزنه قلبت الواو تاء وأدغمت في التاء، وهو أمر معناه: خذ بالوزن الواجب لك علي.
قوله: (ونحو ذلك) كأحل بها غرماءك أو
من شئت منهم أو أضمنها له أو يحتال بها علي أو قضي فلان عني.
حموي.
أو خذها أو تناولها أو استوفها.
منح أو سأعطيكها أو غدا أعطيكها أو سوف أعطيكها، أو قال: ليست اليوم عندي أو أجلني فيها كذا أو أخرها عني أو نفسني فيها أو تبرأتني بها أو أبرأتني فيها، أو قال: والله لا أقضيكها أو لا أزنها لك اليوم أو لا تأخذها مني اليوم، أو قال: حتى يدخل علي مالي أو حتى يقدم علي غلامي أو لم يحل بعد، أو قال: غدا أو ليست بمهيأة أو ميسرة اليوم، أو قال: ما أكثر مما تتقاضى بها.
هندية عن محيط السرخسي.
قوله: (فهو إقرار له بها) وكذا لا أقضيكها أو والله لا أعطيكها فإقرار.
مقدسي.
وكذا غممتني بها، ولزمتني بها وأذيتني فيها.
ذكره العيني.
وفي المقدسي أيضا قال: أعطني الالف التي لي عليك فقال: اصبر أو سوف تأخذها لا يكون إقرارا، وقوله اتزن إن شاء الله إقرار.
وفي البزازية: قوله عند دعوى المال ما قبضت منك بغير حق لا يكون إقرارا، ولو قال: بأي سبب دفعه إلي قالوا يكون إقرارا، وفيه نظر ا ه.
قدمه إلى الحاكم قبل حلول الاجل وطالبه به فله أن يحلف ما له علي اليوم شئ وهذا الحلف لا يكون إقرارا.
وقال الفقيه: لا يلتفت إلى قول من جعله إقرارا سائحاني.
وفي الهندية: رجل قال اقضني الالف التي لي عليك فقال نعم فقد أقر بها وكذلك إذا قال فاقعد فاتزنها فانتقدها فاقبضها.
وفي نوار هشام قال: سمعت محمدا رحمه الله تعالى يقول في رجل قال لآخر أعطني ألف درهم فقال اتزنها قال لا يلزمه شئ، لانه لم يقل أعطني ألفي كذا في المحيط ا ه.
قوله: (لرجوع الضمير إليها في كل ذلك) فكان إعادة فكأنه قال اتزن الالف التي لك علي ونحوه.
قوله: (فكان جوابا) لا ردا ولا ابتداء فيكون إثباتا للاول.
قوله: (وهذا إذا لم يكن على سبيل الاستهزاء) ويستدل عليه بالقرائن.
قوله: (أما لو ادعى الاستهزاء لم يصدق) أفاد كلامه أن مجرد دعواه الاستهزاء لا تعتبر، بل لا بد من الشهادة عليه، ولا تعتبر القرينة كهز الرأس مثلا، ويدل له ما سيأتي من أنه إذا ادعى الكذب بعد الاقرار لا يقبل، ويحلف المقر له عند أبي يوسف.
وفي الفتاوي الخيرية: سئل عن دعوى النسيان بعد الاقرار، لا تسمع دعواه النسيان كما هو ظاهر الرواية، وعلى الرواية التي اختارها المتأخرون: أن دعوى الهزل في الاقرار تصح ويحلف المقر له على أن المقر ما كان كاذبا في إقراره ا ه.
فلعل قول الشارح أما لو ادعى الاستهزاء لم يصدق جرى
على ظاهر الرواية.
نعم يرد عليه مسألة الصلح الآتية حيث قالوا: تسمع دعواه بعين بعد الابراء العام، وقوله لا حق لي عنده: أي مما قبضته فقد اكتفوا بالقرينة، وسيأتي في عبارة الاشباه ما يفيد اعتبار(2/235)
القرينة، لكن فيها عن القنية في قاعدة السؤال معاد في الجواب، قال لآخر لي عليك ألف فادفعه إلي فقال استهزاء نعم أحسنت، فهو إقرار عليه ويؤخذ به ا ه.
وقال في الهندية: ولو قال أعطني الالف التي عليك فقال اصبر أو قال سوف تأخذها لم يكن إقرارا، لان هذا قد يكون استهزاء واستخفافا به ا ه.
معزيا للمحيط.
وفيها عن النوازل: إذا قال المدعي عليه كيسه بدون قبضي كن: أي خيط الكيس واقبض لا يكون إقرارا، وكذا قوله بكير: أي أمسك لا يكون إقرارا، لان هذه الالفاظ تصلح للابتداء، وكذا إذا قال كنش كيسه بدون شئ لا يكون إقرارا، لان هذه الالفاظ تذكر للاستهزاء.
ثم ذكر مسائل بالفارسية أيضا وقال: قد اختلف المشايخ والاصح أنه إقرار، لان هذه الالفاظ لا تذكر على سبيل الاستهزاء ولا تصح للابتداء فتجعل للبناء مربوطا.
كذا في المحيط.
ا ه.
فليتأمل.
قال الخير الرملي: ولو اختلفنا في كونه صدر على وجه الاستهزاء أم لا فالقول لمنكر الاستهزاء بيمينه، والظاهر أنه على نفي العلم لا على فعل الغير كما سيأتي ذلك مفصلا في مسائل شتى قبيل الصلح إن شاء الله تعالى.
قوله: (لعدم انصرافه) الاولى في التعليل أن يقال: لانه يحتمل أنه أراد ما استقرضت من أحد سواك فضلا عن استقراضي منك، وكذلك فيما بعدها وهو الظاهر في مثل هذا الكلام، ويحتمل ما استقرضت من أحد سواك بل منك فلا يكن إقرارا مع الشك.
قوله: (إلى المذكور) أي انصرافا متعينا، وإلا فهو محتمل.
قوله: (والاصل أن الخ) كالالفاظ المارة، وعبارة الكافي بعد هذا كما في المنح: فإن ذكر ضمير صلح جوابا لابتداء وإن لم يذكره لا يصلح جوابا أو يصلح جوابا وابتداء فلا يكون إقرارا بالشك.
قوله: (كل ما يصلح جوابا) كما لو تقاضاه بمائة درهم فقال أبرأتني فإنه يصلح جوابا، لان الضمير يعود إلى كلام المدعي، ولو كان ابتداء بقي بلا مرجع.
قوله: (وما يصلح للابتداء) كتصدقت علي ووهبت لي وما استقرضت من أحد سواك ونحوه.
قوله: (لا للبناء)
أي على كلام سابق بأن يكون جوابا عنه.
قوله: (أو يصلح لهما) كاتزن.
قوله: (لئلا يلزمه المال بالشك) تعليل لما يصلح لهما وذلك كقوله ما استقرضت من أحد الخ كما تقدم.
والحاصل: أنه إن ذكر الضمير صلح جوابا للابتداء، وإن لم يذكره لا يصلح جوابا أو يصلح جوابا وابتداء فلا يكون إقرارا بالشك لعدم التيقن بكون جوابا، وبالشك لا يجب المال.
قوله: (وهذا) أي التفصيل بين ذكر الضمير وعدمه كما يستفاد مما نقلناه قبل.
قوله: (إذا كان الجواب مستقلا) أي بالمفهومية بأن يفهم معنى يحسن السكوت عليه فيتأتى فيه التفصيل المتقدم.
قوله: (فلو غير مستقل) بأن لا يتأتى فهمه إلا بالنظر إلى ما بني عليه.
قوله: (كان إقرار مطلقا) ذكره بضمير بأن يقول نعم هو علي بعد قوله لي عليك ألف أو لا كما مثل، وحينئذ فلا يظهر ما قاله، لان نعم لا تستقل بالفهومية فإنها حرف جواب يقدر معها جملة السؤال فتكون إقرارا، ولذلك لا يتأتى الاطلاق لان فيه التفصيل،(2/236)
إذ لا يمكن أن تكون ابتداء لا بناء ولا يصلح لهما لانها وضعت للجواب.
ففي لفظ الاطلاق هنا تسامح، وفي الحموي عن المقدسي: لقائل أن يقول: نعم جواب في الخبر لا في الانشاء، وهذه الامور إنشاء مع أنه قد يقوله ليستعيد الكلام، فكأنه يقول ماذا تقول، ويمكن أن يقال الكلام المذكور وإن كان إنشاء لكنه متضمن للخبر، فنعم جواب له ا ه.
قوله: (بالعبد) أي والثوب.
حموي.
قوله: (والدابة) أي والسرج كما يفيده الحموي.
قوله: (فهو إقرار له بها) لان بلى تقع جوابا لاستفهام داخل على نفي فتفيد إبطاله.
قول: (وإن قال نعم) لان نعم تصديق للمستخبر بنفي أو إيجاب، فقوله بلى بعد أليس لي عليك ألف إبطال للنفي، فصار كأنه قال لك علي ألف فكان إقرارا، بخلاف نعم بعد النفي كأنه قال: نعم ليس لك علي ألف فيكون جحودا قوله: (وقيل نعم) أي نعم يكون مقرا بقوله نعم بعد.
قوله: (أليس الخ).
قوله: (لان الاقرار يحمل على العرف) لان المتكلم يتكلم بما هو المتعارف عنده، والعوام لا يدركون الفرق بين بلى ونعم، والعلماء لا يلاحظون ذلك في محاوراتهم فيما يتكلمون به بين الناس، وإنما يلاحظونه في مسائل العلم، ولذلك كان مسائل الاقرار والوكالة والايمان مبنية على العرف.
قوله: (والفرق) الاوضح تقديمه على قوله وقيل: نعم وهذا على القول
بالفرق بين بلى ونعم، وهو ما مشى عليه المصنف، وأما ما نقله الشارح عن الجوهرة فلا فرق.
قوله: (أن بلى الخ) ذكر في التحقيق أن موجب نعم تصديق ما قبلها من كلام منفي أو مثبت استفهاما كان أو خبرا، كما إذا قيل لك: قام زيد أو أقام زيد أو لم يقم زيد فقلت نعم كان تصديقا لما قبله وتحقيقا لما بعد الهمزة، وموجب بلى إيجاب ما بعد النفي استفهاما كان أو خبرا، فإذا قيل لم يقم زيد فقلت بلى كان معناه قد قام، إلا أن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر.
ذكره في شرح المنار لابن نجيم.
قوله: (من الناطق) احترز به عن الاخرس، فإن إشارته قائمة مقام عبارته في كل شئ من بيع وإجارة وهبة ورهن ونكاح وطلاق وعتاق وإبراء وإقرار وقصاص على المعتمد فيه إلا الحدود، ولو حد قذف والشهادة، وتعمل إشارته ولو قادرا على الكتابة على المعتمد، ولا تعمل إشارته إلا إذا كانت معهودة، وأما معتقل اللسان فالفتوى على أنه إن دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز إقراره بالاشارة والاشهاد عليه، وقد اقتصر في الاشباه وغيرها على استثناء الحدود.
وزاد في التهذيب: ولا تقبل شهادته أيضا، وأما يمينه في الدعاوى فقدمناه، وظاهر اقتصار المشايخ على استثناء الحدود فقط صحة إسلامه بالاشارة، ولم أره الآن نقلا صريحا وكتابة الاخرس كإشارته.
واختلفوا في أن عدم القدرة على الكتابة شرط للعمل بالاشارة أو لا، والمعتمد لا.
قال ابن الهمام: لا يخفى أن المراد بالاشارة التي يقع بها طلاقه الاشارة المقرونة بتصويت منه، إذ العادة منه ذلك فكانت بيانا لما أجمله الاخرس ا ه.
ولو أشار الاخرس بالقراءة وهو جنب ينبغي أن يحرم أخذا من قولهم يجب على الاخرس تحريك لسانه، فجعلوا التحريك قراءة، ولو علق رجل الطلاق بمشيئة أخرس فأشار بالمشيئة ينبغي الوقوع لوجود الشرط، ولو علق بمشيئة رجل ناطق فخرس فأشار بالمشيئة(2/237)
ينبغي الوقوع أيضا.
نور العين عن الاشباه.
وفيه عن الهداية: أخرس قرئ عليه كتاب وصية فقيل له نشهد عليك بما في هذا الكتاب، فأومأ برأسه.
أي نعم أو كتب، فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار فهو جائز، ولا يجوز ذلك في معتقل اللسان، والفرق أن الاشارة إنما تعتبر إذا صارت معلومة، وذلك في الاخرس لا في معتقل للسان، حتى لو امتد الاعتقال وصارت له إشارة معلومة قالوا هذا
بمنزلة الاخرس، ولو كان الاخرس يكتب كتابا أو يومي إيماء يعرف به جاز نكاحه وطلاقه وبيعه وشراؤه ويقتص منه ولا يحد، ولا يحد له، والفرق أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة.
وأما القصاص ففيه معنى العوضية لانه شرع جابرا فجاز أن يثبت مع الشبهة كالمعاوضات ا ه.
قوله: (بخلاف إفتاء) أي لو سأل مفتيا عن حكم فقال: أهكذا الحكم؟ فأشار برأسه: أي نعم كما نقله في القنية عن علاء الدين الزاهدي، ونقل عن ظهير الدين المرغيناني: أنه لا يعتبر، قال: لان الاشارة من الناطق لا تعتبر.
وفي مجمع الفتاوي: تعتبر، ومثله في تنقيح المحبوبي ونور العين وغيرهما، لان جواب المفتى به ليس بحكم متعلق باللفظ، إنما اللفظ طريق معرفة الجواب عند المستفتي، وإذا حصل هنا المقصود استفتى المستفتي عن اللفظ كما لو حصل الجواب بالكتابة، بخلاف الشهادة والوصية فإنهما يتعلقان باللفظ، والاشارة إنما تقوم مقام اللفظ عند العجز.
وفي شرح الشافية: أن جارية أريد إعتاقها في كفارة فجئ بها إلى رسول الله (ص) فسألها: أين الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مسلمة كما في الحواشي الحموية وغيرها.
قوله: (ونسب) بأن قيل له أهذا ابنك؟ فأشار بنعم ط.
قال أبو السعود قوله: (ونسب) أي الاشارة من سيد الامة تنزل منزلة صريح الدعوى.
قوله: (وكفر) بأن قال له قائل: أتعتقد هذا المكفر؟ فأشار بنعم.
قوله: (وإشارة محرم لصيد) فإذا أشار لشخص يدله على طير فقتله يجب جزاء على المشير.
قوله: (والشيخ برأسه في رواية الحديث) أي لو قيل له: أجزني برواية كذا عنك فأشار برأسه كفى، أما لو قرأ عليه وهو ساكت فإنه يرويه عنه، ولا يحتاج إلى إشارة، ومسألة الشيخ ملحقة بمسألة الافتاء.
قوله: (والطلاق) أي وإشارة عدد الطلاق المتلفظ به.
قوله: (هكذا وأشار بثلاث) فالاشارة مبينة لهذا المبهم، فلو قال أنت طالق وأشار بثلاث لم يقع إلا واحدة.
أشباه.
قال فيها: ولم أر الآن حكم أنت هكذا مشيرا بأصبعه ولم يقل طالق ا ه.
والظاهر عدم الوقوع لانه ليس من صريح الطلاق ولا كنايته لانه ليس لفظ يحتمله وغيره ط.
أقول: المفهوم من عبارة الشارح المنقولة عن الاشباه في قوله: والطلاق في أنت طالق أي وبخلاف الطلاق الكائن في أنت طالق هكذا وأشار بثلاث، فإن الاشارة بالرأس فيه كالنطق.
لكن
تقدم في كتاب الطلاق أنه لو قال هكذا وأشار بثلاث يقع ثلاث ولو لم يشر بالرأس، فالظاهر أنه في هذه الصورة لا فائدة في إشارة الرأس.
وقال في الاشباه: ويزاد أخذا من مسألة الافتاء بالرأس وإشارة الشيخ في رواية الحديث.
وأمان الكافر أخذا من النسب لانه محتاط فيه لحقن الدم، ولذا يثبت بكتاب الامام كما تقدم، أو أخذا من الكتاب والطلاق إذا كان تفسيرا لمبهم كما لو قال: أنت طالق هكذا وأشار بثلاث وقعت، بخلاف ما إذا قال: أنت وأشار بثلاث لم يقع ألا واحدة كما علم في(2/238)
الطلاق ا ه.
من أحكام الاشارة.
نعم لو قيل: مخالفة هذه المسألة لما قبلها في كونها تعتبر فيها الاشارة مطلقا كان الكلام منتظما كما قال أبو الطيب.
أقول: وعبارة المنح في كتاب الطلاق هكذا: ولو قال أنت طالق وأشار بأصابعه ولم يقل هكذا فهي واحدة لفقد التشبيه، لان الهاء للتنبيه والكاف للتشبيه ا ه.
وفي البحر عن المحيط: لو قالت لزوجها: طلقني فأشار إليها بثلاث أصابع وأراد به ثلاث تطليقات لا يقع ما لم يقل هكذا، لانه لو وقع وقع بالضمير والطلاق لا يقع بالضمير ا ه.
وأنت خبير بأن اعتراض المحشي ليس في محله، لانه إذا أتى بقوله هكذا اعتبرت الاشارة، فإذا قيل له: أطلقت أمرأتك هكذا؟ وأشار إليه بثلاث أصابع فأومأ برأسه: أي نعم فإنه يقع الثلاث كما هو ظاهر.
تأمل.
قوله: (إشارة الاشباه) أي كذا في أحكام الاشارة من الاشباه في الفن الثالث.
قوله: (ويزاد اليمين الخ) ظاهره أن جميع الايمان يحنث فيها بالاشارة لان المذكور أمثلة، وليس كذلك، فإنه إذا حلف ليضربن فأشار بالضرب لا يبرأ، أو حلف لا يضرب فأشار بالضرب لا يحنث إذا كان مثله ممن يباشره.
والذي في المنح عن إيمان البزازية: إذا حلف لا يظهر سر فلان أو لا يفشى أو لا يعلم فلانا بسر فلان أو حلف ليكتمن سره أو ليخفينه أو ليسترنه أو حلف لا يدل على فلان فأخبر به بالكتابة أو برسالة أو كلام أو سأله أحد أكان سر فلان كذا أو أكان فلان بمكان كذا فأشار برأسه: أي نعم حنث في جميع هذه الوجوه، وكذا إذا حلف لا يستخدم فلانا فأشار إليه بشئ من الخدمة حنث في يمينه
خدمه فلان أو لا يخدمه ا ه ط.
أقول: وإنما حنث للعرف إذ الايمان مبناها عليه، وهو في العرف يكون بذلك مظهرا سره ومفشيه ومعلما به كما هو مقرر في محله، وهذا هو السبب في خروجها عن الضابط المذكور، فافهم.
قوله: (وأشار حنث) قال في الاشباه: حلفه السراق أن لا يخبر بأسمائهم، فالحيلة أن يعد عليه الاسماء فمن ليس بسارق يقول لا والسارق يسكت عن اسمه فيعلم الوالي السارق ولا يحنث الحالف ا ه.
وفي مسألتنا: الحيلة أن يقال له: أنا تذكر أمكنة وأشياء من السر فما ليس بمكان فلان ولا سره فقل: لا، فإذا تكلمنا بسره أو مكانه فاسكت أنت، ففعله واستدلوا به على سره ومكانه لا يحنث.
قوله: (إلا في تسع) ويدخل تحت اليمين منها ثلاث صور.
ينبغي أن يزاد على التسع تعديل الشاهد من العالم بالاشارة فإنها تكفي كما قدمناه في الشهادات.
فقال: اعلم أن من القواعد الفقهية أنه لا ينسب إلى ساكت قول كما في مسائل: منها: رأى أجنبيا يبيع ماله ولم ينهه لا يكون وكيلا لسكون المالك.
ومنها: لو رأى القاضي الصبي أو المعتوه أو عبدهما يبيع ويشتري فسكت لا يكون إذنا في التجارة.
ومنها: لو رأى المرتهن راهنه يبيع الرهن فسكت لا يبطل الرهن ولا يكون مأذونا بالبيع وزاد في الاشباه.
قوله: (في رواية).(2/239)
ومنها: لو رأى غيره يتلف ماله فسكت لا يكون إذنا بإتلافه.
ومنها: لو رأى عبده يبيع عينا من أعيان المالك فسكت لا يكون إذنا.
ومنها: لو سكت على وطئ أمته لم يسقط المهر، وكذا عن قطع عضوه آخذا من سكوته عند إتلاف ماله.
ومنها: لو رأى قنه أو أمته يتزوج فسكت ولم ينهه لا يصير له آذنا في النكاح.
ومنها: لو زوجت غير كف ء فسكت الولي عن مطالبة التفريق ليس برضا وإن طال ذلك، لان
في الموانع كثرة: إي ما لم تلد منه.
ومنها: سكوت امرأة العنين ليس برضا وإن أقامت معه سنين.
ومنها: الاعارة لا تثبت بسكوت.
ومنها: حلف لا يسلم شفعة فلم يسلمها ولكن سكت عن خصومة فيها حتى بطلت شفعته لا يحنث.
ومنها: حلف لا يؤخر عن فلان حقا له عليه شهرا فلم يؤخره شهرا وسكت عن تقاضيه حتى مضى الشهر لا يحنث.
ومنها: لو وهبت شيئا والموهوب له ساكت لا يصح ما لم يقل قبلت، بخلاف الصدقة كما يأتي.
ومنها: لو أجر قنه أو عرضه للبيع أو ساومه أو زوجه فسكت القن لا يكون إقرارا برقه، بخلاف ما لو باعه أو رهنه أو دفعه بجناية فسكت كما سيأتي أيضا.
ومنها: أحد شريكي عنان قال لصاحبه: إني اشتريت هذه الامة لنفسي خاصة فسكت صاحبه فشراها لا تكون له ما لم يقل صاحبه نعم.
كذا في جامع الفصولين موافقا للخلاصة وغيرها.
وزيد في مختارات النوازل: فإذا قال نعم فهي له بغير شئ عند أبي حنيفة، إذ الاذن يتضمن هبة نصيبه منه، إذ الوطئ لا يحل إلا بالملك بخلاف طعام وكسوة.
يقول الحقير: وفي الاشباه: فسكت صاحبه لا تكون لهما، وذكر هذه المسألة فيما يكون السكوت فيه كالنطق، كل ذلك سهو واضح لمخالفته لما مر آنفا من المعتبرات، واحتمال كون المسألة خلافية فيها روايتان بعيد، إذ لو كانت كذلك لتعرض له أحد من أصحاب المعتبرات المنقول عنها.
ثم اعلم أنه خرج عن القاعدة السابقة مسائل كثيرة صار السكوت فيها كالنطق: أي يكون رضا.
فمنها: سكوت البكر عند استئمار وليها عنها قبل التزويج وبعده هذا لو زوجها الولي، فلو زوج الجد مع قيام الاب لا يكون سكوتها رضا.
ومنها سكوتها عند قبض مهرها المهر أبوها أو من زوجها فسكتت يكون إذنا بقبضه، إلا أن تقول لا تقبضه فحينئذ لم يجز القبض عليها ولا يبرأ الزوج.
ومنها: سكوت الصبية إذا بلغت بكرا يكون رضا ويبطل خيار بلوغها لا لو بلغت ثيبا.
ومنها: بكر حلفت أن لا تزوج نفسها فزوجها أبوها فسكتت حنثت في يمينها كرضاها بكلام، ولو حلفت بكر أن لا تأذن في تزويجها فزوجها أبوها فسكتت لا تحنث إذ لم تأذن ولزم النكاح بالسكوت.(2/240)
ومنها: تصدق على إنسان فسكت المتصدق عليه يثبت ولا يحتاج إلى قبوله قولا، بخلاف الهبة ومنها: قبض هبة وصدقة بحضرة المالك وهو ساكت كان إذنا بقبضه.
ومنها: لو أبرأ مديونه فسكت المديون يبرأ ولو رد يرتد برده.
ومنها: الاقرار يصح ولو سكت المقر له ويرتد برده.
ومنها: لو وكله بشئ فسكت الوكيل وباشره صح ويرتد برده فلو وكله ببيع قنه فلم يقبل ولم يرد فباعه جاز ويكون قبولا.
ومنها: لو أوصى إلى رجل فسكت في حياته فلما مات باع الوصي بعض التركة أو تقاضى دينه فهو قبول للوصاية.
ومنها: الامر باليد إذا سكت المفوض إليه صح يرتد برده.
ومنها: الوقف على رجل معين صح ولو سكت الموقوف عليه ولو رده، قيل يبطل، وقيل لا.
ومنها: تواضعا على تلجئة ثم قال أحدهما لصاحبه: قد بدا لي أن أجعله بيعا صحيحا، فسكت الآخر ثم تبايعا صح البيع وليس للساكت إبطاله بعد ما سمع قول صاحبه.
ومنها: سكوت المالك القديم حين قسم ماله بين الغانمين رضا، كما لو أسر قن لمسلم فوقع في الغنيمة وقسم ومولاه الاول حاضر فسكت بطل حقه في دعوى قنه.
ومنها: لو كان المشتري مخيرا في قن شراه فرأى القن يبيع ويشتري فسكت بطل خياره، ولو كان الخيار للبائع لا يبطل خياره.
ومنها: للبائع حبس المبيع لثمنه، فلو قبضه المشتري ورآه البائع وسكت كان إذنا في قبضه، الصحيح والفاسد فيه سواء في رواية، وهو رضا بقبض في الفاسد لا في الصحيح في رواية.
ومنها: علم الشفيع بالبيع وسكت يبطل شفعته.
ومنها: رأى غير القاضي قنه يبيع ويشتري وسكت كان مأذونا في التجارة لا في بيع ذلك العين.
ومنها: لو حلف المولى لا يأذن لقنه فرآه يبيع ويشتري فسكت يحنث في ظاهر الرواية، لا في رواية عن أبي يوسف.
ومنها: باع قن شيئا بحضرة مولاه ثم ادعاه المولى أنه له فلو كان مأذونا يصح دعوى المولي ولو محجورا صح.
قال الاستروشني: فإن قيل ألم يصر مأذونا بسكوت مولاه؟ قلنا نعم، ولكن أثر الاذن يظهر في المستقبل.
ومنها: باع قنا والق حاضر علم به وسكت، وفي بعض الروايات فانقاد للبيع والتسليم ثم قال أنا حر لا يقبل قوله.
كذا في جامع الفصولين موافقا لما في فتاوي قاضيخان.
وفي فوائد العتابي: ولو سكت القن وهو يعقل فهو إقرار برقه، وكذا لو رهنه أو دفعه بجناية والقن ساكت، بخلاف ما لو آجره أو عرضه للبيع أو ساومه أو زوجه فسكوته هنا ليس بإقرار برقه.
يقول الحقير: قوله وفي بعض الروايات الخ ظاهره يشعر بضعف اشتراط الانقياد أو تساوي(2/241)
الاحتمالين، لكن الاظهر أن الانقياد شرط لما ذكر في محل آخر من فتاوي قاضيخان: رجل شرى أمة وقبضها فباعها من آخر والثاني من ثالث فادعت حريتها فردها الثالث على الثاني فقبلها ثم أراد ردها على الاول فلم يقبل له ذلك لو ادعت عتقا، إذ العتق لا يثبت بقولها، ولو ادعت حرية الاصل: فلو كانت حين بيعت وسلمت انقادت لبيع وتسليم فكذلك إذ الانقياد إقرار بالرق، وإن لم تنقد فليس للاول أن لا يقبل ا ه.
ومنها: حلف لا ينزل فلانا داره وفلان نازل فيها فسكت الحالف حنث، لا لو قال له: اخرج
فأبى أن يخرج فسكت.
ومنها: ولدت ولدا فهنأ الناس زوجها فسكت الزوج لزمه الولد وليس له نفيه كإقراره.
ومنها: أم ولد ولدت فسكت مولاها حتى مضى يومان لهذا الولد لا يملك نفيه بعده.
ومنها: السكون قبل البيع عند الاخبار بالعيب رضا به، حتى لو قال رجل: هذا الشئ معيب فسمعه وأقدم مع ذلك على شرائه فهو رضا لو المخبر عدلا لا لو فاسقا عند أبي حنيفة، وعندهما هو رضا ولو فاسقا.
ومنها: سكوت بكر عند إخبارها بتزويج الولي على خلاف ما مر آنفا.
ومنها: باع عقارا وامرأته أو ولده أو بعض أقاربه حاضر فسكت ثم ادعاه على المشتري من كان حاضرا عند البيع أفتى مشايخ سمرقند أنه لا يسمع، وجعل سكوته في هذه الحالة كإقرار دلالة قطعا للاطماع الفاسدة، وأفتى مشايخ بخارى أنه ينبغي أن يسمع فينظر المفتي في ذلك، فلو رأى أنه لا يسمع لاشتهار المدعي بحيلة وتلبيس وأفتى به كان حسنا سدا لباب التزوير.
ومنها: الحاضر عند البيع لو بعث البائع إلى المشتري وتقاضاه الثمن لا يسمع دعواه الملك لنفسه بعده لانه يصير مجيزا للبيع بتقاضيه.
ومنها: رآه يبيع عرضا أو دارا فتصرف فيه المشتري زمانا وهو ساكت سقط دعواه.
يقول الحقير: وفي الفتاوى الولوالجية: رجل تصرف أيضا زمانا ورجل آخر رأى الارض والتصرف، ولم يدع ومات على ذلك لا يسمع بعد ذلك دعوى ولده فيترك على يد المتصرف، لان الحال شاهد.
ومنها: لو قال الوكيل بشراء شئ بعينه لموكله إني أريد شراءه لنفسي فسكت موكله ثم شراه يكون للوكيل.
يقول الحقير: وجه الفرق بين هذه المسألة وبين ما مر نحو ورقة من مسألة شريكي العنان، وهو ما ذكره صاحب الخلاصة بعد ذكر هاتين المسألتين بقوله: والفرق أن الوكيل يملك عزل نفسه إذا علم الموكل رضي أو سخط، بخلاف أحد الشريكين إذ لا يملك فسخ الشركة إلا برضا صاحبه.
ومنها: لي صبي عاقل رأى الصبي يبيع ويشتري فسكت يكون إذنا.
ومنها: سكوت رجل رأى غيره شق زقه حتى سال ما فيه يكون رضا.
ومنها: سكوت الحالف بأن لا يستخدم فلانا: أي مملوكه ثم خدمه فلان بلا أمره ولم ينهه حنث.(2/242)
ومنها: امرأة دفعت في تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الاب والاب ساكت فليس له الاسترداد.
ومنها: أنفقت الام في تجهيز بنتها ما هو معتاد فسكت الاب لا تضمن الام.
ومنها: باع أمه وعليها حلي وقرطان ولم يشترط ذلك لكن تسلم المشتري الامة وذهب بها وبالبائع ساكت كان سكوته بمنزلة التسليم فكان الحلي لها.
ومنها: القراءة على الشيخ وهو ساكت تنزل منزلة نطقه في الاصح.
ومنها: ما ذكر في قضاء الخلاصة: ادعى على الآخر مالا فسكت ولم يجب أصلا: يؤخذ منه كفيل ثم يسأل جيرانه عسى به آفة في لسانه أو سمعه، فلو أخبروا أنه لا آفة به يحضر مجلس الحكم، فإن سكت ولم يجب ينزل منزلة المنكر عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف: يحبس حتى يجيب، فإن فهم أنه أخرس يجيب بالاشارة انتهى.
ومنها: سكوت المزكي عند سؤاله عن حال الشاهد تعديل.
ومنها: سكوت الراهن عند قبض المرتهن العين المرهونة.
يقول الحقير: فصارت المسائل التي يكون السكوت فيها رضا أربعين مسألة: ثلاثون منها ذكرت في جامع الفصولين، وعشرة منها زيادة صاحب الاشباه والنظائر نقلها عن الكتب المعتبرة انتهى.
الكل من نور العين.
وقد ذكرنا بعض هذه فيما قدمنا محررا فراجعه إن شئت، وتقدمت في كلام الشارح قبيل الدعوى آخر الوقف وزاد على ما هنا مسائل كثيرة، وكتب عليها سيدي الوالد رحمه الله تعالى وزاد عليها، فراجعها ثمة.
قوله: (لزمه الدين حالا) قال في الدرر: لانه أقر بحق على نفسه وادعى لنفسه حقا فيه فيصدق في الاقرار بلا حجة دون الدعوى ا ه.
قال في الواقعات: هذا إذا لم يصل الاجل
بكلامه، أما إذا وصل صدق ا ه.
قوله: (لانه دعوى بلا حجة) قال الحموي: لانه أقر بحق على نفسه وادعى حقا على المقر له فإقراره حجة عليه ولا تقبل دعواه بلا حجة ا ه.
قوله: (لثبوته بالشرط) الاوضح أن يقول: يثبت بالشرط ويكون بيانا.
لقوله: (عارض) وعبارة الحموي: والاجل عارض ولا يثبت بنفس العقد بل بالشرط والقول للمنكر في العارض.
ا ه.
قوله: (والقول للمقر في النوع وللمنكر في العوارض) أي فكانت من قبيل الاقرار بالنوع لا بالعارض، لان حقيقة النوع أن يكون الشئ من أصله موصوفا بتلك الصفة، وكذلك الدين المؤجل المكفول به فإنه مؤجل بلا شرط، بل من حين كفله كان مؤجلا فإذا أقر به لم يكن مقرا بالحال، كما أن الدراهم السود من أصلها سود، وليس السواد عارضا بالشرط فكان إقرارا بالنوع، بخلاف الدين فإن الاصل فيه الحلول، ولا يصير مؤجلا إلا بالشرط، فكان الاقرار بالدين المؤجل إقرارا بالدين، وادعاء لحصول العارض والمقر له ينكر العارض والقول للمنكر، ومثله إجارة العبد كما أفاده بعض الافاضل.(2/243)
والحاصل: أن الاجل عارض لا يثبت بنفس العقد بل بالشرط والقول للمنكر في العارض.
قوله: (لثبوته في كفالة المؤجل بلا شرط) فالاجل فيها نوع فكانت الكفالة المؤجلة أحد نوعي الكفالة فيصدق، لان إقراره بأحد النوعين لا يجعل إقرارا بالنوع الآخر، لان حقيقة النوع أن يكون للشئ من أصله موصوفا بتلك الصفة، وكذلك الدين المؤجل المكفول به فإنه مؤجل بلا شرط، بل من حين كفله كان مؤجلا، فإذا أقر به لم يكن مقرا بالحال كما أن الدراهم السود من أصلها سود كما قدمناه قريبا وقد مرت المسألة في كتاب الكفالة عند قوله لك مائة درهم إلى شهر فراجع.
قوله: (وشراؤه أمة متنقبة) فإذا لم تكن متنقبة فأولى بالحكم المذكور.
قوله: (كثوب في جراب) أي كشراء ثوب في جراب.
وفي البزازية: علل لذلك بقوله: والضابط أن الشئ إن كان مما يعرف وقت المساومة كالجارية القائمة المتنقبة بين يديه لا يقبل إلا إذا صدقه المدعى عليه في عدم معرفته إياها فيقبل، وإن كان مما لا يعرف كثوب في منديل، أو جارية قاعدة على رأسها غطاء لا يرى منها شئ يقبل، ولهذا اختلفت أقاويل العلماء في ذلك ا ه.
وبه ظهر أن الثوب في الجراب كهو في المنديل، ويدل عليه ما في
الفواكه البدرية لابن الغرس حيث عد مسألة الثوب في الجراب، مما يغتفر فيه التناقد فقال: وإذا اشترى ثوبا مطويا في جراب أو منديل فلما نشره قال هذا متاعي نسمع دعواه، فالدعوى مسموعة مع التناقد في جميع هذه المسائل: أي التي منها هذه على الراجح المفتى به، ومن المشايخ من اعتبره التناقض مطلقا فمنع سماع الدعوى إذا تقدم ما يناقضها، وقدمنا ذلك في الدعوى، فراجعه.
قوله: (وكذا الاستيام والاستيداع) أي طلب إيداعه عنده، ومثله يقال في الاستيهاب والاستئجار.
قال في تنوير البصائر: ومما يجب حفظه هنا أن المساومة بالملك للبائع أو بعدم كونه ملكا له ضمنا لا قصدا، وليس كالاقرار صريحا بأنه ملك البائع، والتفاوت إنما يظهر فيما إذا وصل العين إلى يده، ويؤمر بالرد إلى البائع في فصل الاقرار الصريح، ولا يؤمر في فصل المساومة.
وبيانه: اشترى متاعا من إنسان وقبضه ثم إن أبا المشتري استحقه بالبرهان من المشتري وأخذه ثم مات الاب وورثه الابن المشتري لا يؤمر برده إلى البائع، ويرجع بالثمن على البائع ويكون المتاع في يد المشتري، هذا بالارث.
ولو أقر عند البيع بأنه ملك البائع ثم استحقه أبوه من يده ثم مات الاب وورثه الابن المشتري هذا لا يرجع إلى البائع، لانه في يده بناء على زعمه بحكم الشراء الاول لما تقرر أن القضاء للمستحق لا يوجب فسخ البيع قبل الرجوع بالثمن.
ا ه.
كذا في جامع البزازي.
قوله: (والاعارة) الاولى أن يقال: الاستعارة كما في جامع الفصولين من الفصل العاشر: أي لو قبل إعارة الثوب والجارية المذكورين كان قبوله إقرارا بالملك، فإن القبول هو الذي يتأتى منه والاعارة فعل ذي اليد فكيف تكون إقرارا بالملك؟ والذي سهل ذلك وقوعها بين الاستيداع والاستيهاب.
والحاصل: أن الاستعارة هي التي تكون إقرارا بالملك للغير، أما الاعارة فهي فعل المعير.
تأمل قوله: (والاستيهاب والاستئجار) قال في الاشباه الاستئجار إقرار بعدم الملك له على أحد القولين.
وفي الحموي: إن مما يغتفر التناقض استئجار دار ثم ادعاء ملكها لانه موضع خفاء.
وقيل يجب تقييده بما إذا لم يكن ملكه فيه ظاهرا، فإنهم صرحوا بأن الراهن أو البائع وفاء إذا استأجر الرهن أو المبيع لا(2/244)
يصح، وهو كالصريح في عدم كون الاستئجار إقرارا بعدم الملك له ا ه.
ومثله في الحواشي الرملية.
قال العلامة الحموي: قيل عليه الاستئجار إقرار بعدم الملك له اتفاقا، وإنما الخلاف في كونه إقرارا لذي اليد بالملك فقد اشتبه على صاحب الاشباه الاول بالثاني فأجرى الخلاف بالاول كما في الثاني، وهو سهو عظيم، ورد بأن الضمير في له راجع للمؤخر، والقرينة عليه قوله: على أحد القولين ا ه.
وهو بيعد جدا.
وقد صحح العمادي كلا القولين في فصوله في الفصل السادس.
وفي الاشباه: إلا إذا استأجر المولى عبده من نفسه لم يكن إقرارا بحريته كما في القنية.
قوله: (ولو من وكيل) أي وكيل واضع اليد والاستنكاح في الامة يمنع دعوى الملك فيها ودعواه في الحرة يمنع دعوى نكاحها.
كذا في الدرر.
قوله: (فيمنع دعواه لنفسه ولغيره الخ) قال في الشرنبلالية: كون هذه الاشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر متفق عليه، وأما كونها إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان على رواية الجامع يفيد الملك لذي اليد، وعلى رواية الزيادات لا وهو الصحيح كذا في الصغرى.
قال في عدة الفتاوي: الاستعارة والاستيداع والاستيهاب من المدعى عليه أو من غيره، وكذا الشراء والمساومة وما أشبهه من الاجارة وغيرها تمنع صاحبها من دعوى الملك لنفسه ولغيره.
قال صاحب جامع الفصولين أقول: كون هذه الاشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر ظاهر، وأما كونها إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان كما سيأتي قريبا.
قال: والظاهر عندي أن مجرد ذلك ليس بإقرار لذي اليد، إذ قد بفعل مع وكيل المالك فلا يكون إقرارا بالملك لذي اليد، فلا بد أن يميز بالقرائن فيجعل إقرارا في موضع دون موضع بحسب القرائن، فعلى هذا ينبغي أن تصح دعواه لغيره في بعض المواضع لا في بعضها، فإن برهن المدعي عليه على وكيل الخصومة أنه سبقت منه مساومة أو استعارة أو نحوهما عزل من الوكالة، لانه لو فعله عند القاضي عزله والموكل على حقه لو شرط أن إقراره عليه لا يجوز.
قال صاحب نور العين: قوله لو شرط الخ مستدرك، إذ لو صدر ذلك من الوكيل في غير مجلس القاضي لا يعتبر، فلا حاجة إلى الشرط المذكور، هذا إذا كان قوله والموكل على حقه معطوفا على قوله عزل من الوكالة، أما إذا كان معطوفا على قوله فعله عند القاضي عزله فلا استدراك حينئذ، لكن مسألة الاولى ناقصة، حيث لم يتعرض فيها إلى كون الموكل على حقه أو لا في صورة مساومة
وكيله في غير مجلس القاضي، وهذا قصور وإبهام في مقام بيان وإعلام كما لا يخفى على ذوي الاعلام.
ا ه.
وفيه الاستيام هل هو إقرار؟ وفيه روايتان، على رواية الزيادات: يكون إقرارا بكونه ملك البائع.
وفي رواية: لا يكون إقرارا والاول أصح.
وعلى الروايتين لا تسمع دعواه بعد الاستيام، والاستيام من غير البائع كالاستيام من البائع والاستيداع والاستعارة والاستيهاب والاستئجار وإقرار بأنه لذي اليد سواء ادعاه لنفسه أو لغيره.
ولو أقيمت البينة على أن الوكيل ساومه في مجلس القضاء خرج من الخصومة هو وموكله أيضا، ولو كانت المساومة في غير مجلس القضاء خرج هو من الخصومة دون موكله.
ا ه.
وفي جامع الفصولين صحح رواية إفادته الملك، فاختلف التصحيح للروايتين، ويبتنى على عدم إفادته المدعى عليه جواز دعوى المقر بها لغيره ا ه.
ونقل السائحاني عن الانقروي أن الاكثر على تصحيح ما في الزيادات وأنه ظاهر الرواية ا ه.(2/245)
قلت: فيفتى به لترجحه بكون ظاهر الرواية وإن اختلف التصحيح كما تقدم.
أقول: ومثل ما تقدم من الاستعارة والاستيداع وأخواتها الاقتسام.
قال في جامع الفصولين رامزا لفتاوى رشيد الدين: قسم تركة بين ورثة أو قبل تولية لوقف أو وصاية في تركة بعد العلم، واليقين بأن هذا تركة أو وقف ثم ادعاه لنفسه لا تسمع ا ه.
وتمامه فيه.
قوله: (فيمنع دعواه لنفسه) هذا متفق عليه، وأما كونه إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان مصححتان كما علمت.
قوله: (ولغيره) قال في جامع الفصولين: الحاصل من جملة ما مر: أن المدعي لو صدر عنه ما يدل على أن المدعي ملك المدعى عليه تبطل دعواه لنفسه، ولغيره للتناقض، ولو صدر عنه ما يدل على عدم ملكه ولا يدل على عدم ملك المدعى عليه بطل دعواه لنفسه لا لغيره لانه إقرار بعدم ملكه لا بملك المدعى عليه.
ولو صدر عنه ما يحتمل الاقرار وعدمه فالترجيح بالقرائن.
وإلا فلا يكون إقرارا للشك.
ا ه.
قوله: (بوكالة أو وصاية) يعني إذا أقر الرجل بمال أنه لفلان، ثم ادعاه لنفسه لم يصح، وكذا إذا ادعاه بوكالة أو وصاية لورثة موصيه لان فيه تناقضا، لان المال الواحد لا يكون لشخصين في حالة واحدة كما في الدرر.
قوله: (للتناقض) محله ما إذا كان لا يخفى سببه كما تقدم.
قوله: (بخلاف إبرائه) أي لو أبرأه
من جميع الدعاوى ثم ادعى عليه وكالة للغير أو ليتيم هو وصيه صح لعدم التناقض، لانه إنما أبرأه عن حق نفسه لا عن حق غيره.
قوله: (بهما) أي بالوكالة والوصاية.
قوله: (لعدم التناقض) لان إبراء الرجل عن جميع الدعاوى المتعلقة بماله لا يقتضي عدم صحة دعوى مال لغيره على ذلك الرجل.
درر.
قوله: (ذكره في الدرر) الضمير راجع إلى المذكور متنا من قوله: وكذا الخ سوى الاعادة وإلى المذكور شرحا، فجميع ذلك مذكور فيها، والضمير في قوله وصححه في الجامع الخ راجع إلى ما في المتن فقط، يدل عليه قول المصنف في المنح، وممن صرح بكونه إقرارا منلا خسرو.
وفي النظم الوهباني لعبد البر ذكر خلافا.
ثم قال والحاصل: أن رواية الجامع أن الاستيام والاستئجار والاستعارة ونحوها إقرار بالملك للمساوم منه والمستأجر منه، ورواية الزيادات أنه لا يكون ذلك إقرارا بالملكية وهو الصحيح.
كذا في العمادية.
وحكى فيها اتفاق الروايات على أنه لا ملك للمساوم ونحوه فيه، وعلى هذا الخلاف يبتنى صحة دعواه ملكا لما ساوم فيه لنفسه أو لغيره ا ه.
وإنما جزمنا هنا بكونه إقرارا أخذا برواية الجامع الصغير، والله تعالى أعلم ا ه.
قال السائحاني: ويظهر لي أنه إن أبدى عذرا يفتى بما في الزيادات من أن الاستيام ونحوه لا يكون إقرارا، وفي العمادية وهو الصحيح.
وفي السراجية أنه الاصح.
وقدمنا عن الانقروي أنه قال: والاكثر على تصحيح ما في الزيادات وأنه ظاهر الرواية ا ه.
أقول: لكن في الاستيام لنفسه على كل من الروايتين يكون إقرارا بأنه لا ملك له فيه فكيف يدعيه لنفسه؟ نعم له أن يدعيه لغيره لعدم التناقض بناء على رواية الزيادات، ومما يؤيد ذلك ما نذكره قريبا في المقولة الآتية في التتمة حتى لو برهن يكون دفعا.
تأمل.
قوله: (وصححه في الجامع) أي صحح ما مر من أن الاستيام والاستعارة والاستئجار ونحوها إقرار بالملك للمساوم منه والمستعار منه، والمستأجر منه، والمراد بالجامع جامع الفصولين، وهذه رواية الجامع للامام محمد.(2/246)
تتمة: الاستشراء من غير المدعي عليه في كونه إقرارا بأنه لا ملك للمدعي كالاستشراء من المدعي
عليه حتى لو برهن يكون دفعا قال في جامع الفصولين بعد نقله عن الصغرى: أقول ينبغي أن يكون الاستيداع وكذا الاستيهاب ونحوه كالاستشراء.
قوله: (خلافا لتصحيح الوهبانية) أي في مسألة الاستيام، لان المبيع يحتمل أن يكون في يد البائع عارية أو غصبا أو يكون وكيلا أو فضوليا، فلم يقتض ثبوت الملك للبائع، كذا ذكره ابن وهبان، وهذا ما في الزيادات.
قوله: (ووفق شارحها الشرنبلالي) أي بين ما في الجامع والزيادات.
قوله: (بأنه إن قال بعني هذا) أي مثلا أو هبني أو أجرني ونحوه.
قوله: (كان إقرارا) أي اعترافا له بالملك لانه جازم بأنه ملكه، وقد طلب شراءه منه أو هبته أو إجارته.
قوله: (وإن قال أتبيع هذا) أو هل أنت بائع هذا لا يكون إقرارا بل استفهاما، لانه يحتمل أن يقصد بذلك استظهار حاله، هل يدعي الملكية وجواز البيع له أو لا؟ أو يكون مراده طلب إشهاد على إقراره بإرادة بيع ملك القائل؟ فيلزمه به بعد ذلك: أي بإقراره الضمني بناء على رواية الجامع، ونفتي بهذه المسألة برواية الزيادات، لكن قد يقال: إن ما ذكره لا يصلح أن يكون توفيقا بين القولين بل هو تفصيل في كون المذكورات قد يكون بعضها إقرارا بعدم ملك المقر، وقد يكون ملك المقر، فتأمل.
والحاصل: أنه إذا قال بعني إياه إنما يصح ذلك فيما إذا كان مملوكا للمخاطب، فإن الانسان لا يطلب من غيره أن يبيعه مال نفسه، فيكون ذلك اعترافا منه له بالملك فلا يدعيه بعد ذلك لنفسه، ولا لغيره.
وإن قال أتبيع فلعله يريد أن يبيعه لو وكالة عنه أو فضولا فلا يكون إقرارا له بالملك.
قوله: (صك البيع) أي وثيقة المبايعة.
قوله: (فإنه) أي ما ذكر من كتابة الاسم والختم.
قوله: (ليس بإقرار بعدم ملكه) أي فما هنا أولى أو مساو: أي فله أن يدعيه بعد ذلك لنفسه ولغيره: أي فقوله أتبيع هذا أولى بأن لا يكون إقرارا بعدم ملكه، وصورة مسألة كتابته وختمه على صك البيع: هي أنه لو كتب شهادته وختم عليها على صك فيه باع فلان لا يكون اعترافا منه بالبيع، فإن الانسان قد يبيع مال غيره فضولا، بخلاف ما لو كان الصك مكتوبا فيه بيعا صحيحا أو نافذا، فإن كتابة الشهادة عليه حينئذ تكون اعترفا له بالملك، فلا يصح بعد ذلك أن يدعيه لنفسه، وكذلك هنا إذا قال بعنيه إنما يصح ذلك فيما إذا كان مملوكا للمخاطب، فإن الانسان لا يطلب من غيره أن يبيعه مال نفسه إلى آخر ما قدمناه، ويجب تقييده أيضا بغير أحد الزوجين والرحم المحرم وبما إذا لم يصرح في صك البيع.
مهمة: في البزازية عن الزيادات: ساوم ثوبا ثم ادعى أنه كان له قبل المساومة أو كان لابيه يوم مات قبل ذلك وتركه ميراثا لا يسمع.
أما لو قال كان لابي وكذلك بالبيع فساومته ولم يتفق البيع يسمع، ولو ادعاه أبوه يسمع أيضا، وكذا لو قال قضى لابي ومات قبل القبض وتركه ميراثا لي يسمع أيضا وإن لم يقض للاب حتى مات وتركه ميراثا لا يقضى، لان دوام الخصومة شرط ولا يمكن، لانه لا يصلح خصما بعد المساومة.
وعلى هذا لو الادعى رجل شراء ثوب وشهدا له بالشراء من المدعى عليه وقضى أولا ثم زعم أحد الشاهدين أن الثوب له أو لابيه وورثه هو عنه لا يسمع دعواه لما قلنا.
ولو قال عند الشهادة هذا الثوب باعه منه هذا لكنه لي أو لابي ورثته عنه يقضى بالبيع ويسمع دعوى الشاهد، فإذا برهن على مدعاه قضى له لانعدام التناقض، ولو قال قولا ولم يؤديا الشهادة ثم ادعاه(2/247)
لنفسه أو أنه لابيه وكله بالطلب يقبل، وكذا إذا شهد به الاستئجار أو الاستيداع أو الاستيهاب أو الاستعارة من المدعي بطل دعواه لنفسه أو لغيره وسواء طلب تحقيق هذه العقود المدعي من المدعى عليه أو غيره، لو ساوم ثم ادعاه مع الآخر يقبل في نصيب الآخر، ولا يقبل في نصيب المساوم، ومساومة الابن لا تمنع دعوى الاب، لكن بعد موت الاب لا يملك الدعوى، وإن كان الاب ادعاه وقضى له به أخذه الابن، وقبل القضاء لا لما مر آنفا ولو برهن.
وفي الاقضية: ساوم ولد جارية أو زرع أرض أو ثمرة نخل ثم برهن على أن الاصل ملكه تقبل، وإن ادعى الفرع مع الاصل يقبل في حق الاصل لا الفرع، فعلى هذا لو ادعى شجرا فقال المدعى عليه ساومني ثمره أو اشترى مني لا يكون دفعا لجواز أن يكون الشجر له والثمر لغيره.
وفي الخزانة: ادعى عليه شيئا فقال اشتريته من فلان وأجزت البيع لا يكون دفعا، لان الانسان قد يجيز بيع الغير ملك الغير.
وفي المحيط: برهن على أن هذا الكرم له فبرهن المدعى عليه أنه كان آجر منه نفسه في عمل هذا الكرم يندفع.
وفي المنتقى: استأجر ثوبا ثم برهن أنه لابنه الصغير تقبل.
قال القاضي هذه على الرواية التي
جعل الاستئجار ونحوه إقرارا بعدم الملك له، فعدم كونه ملكا يمنع كونه ملكا لغيره، فجاز أن ينوب عن الغير.
فأما على الرواية التي تكون إقرارا بأنه ملك للمطلوب لا تسمع الدعوى لغيره كما لا تسمع لنفسه ا ه.
قوله: (مائة ودرهم) وكذا لو قال مائة ودرهمان أو مائة وثلاثة دراهم كما في الخانية: وعليه التعليل الآتي، وأراد بدرهم مال مقدر فشمل الدينار وسائر الموزونات والمكيل.
والحاصل: أنه إذا ذكر بعد عقد من الاعداد شئ من المقدرات أو عدد مضاف نحو مائة وثلاثة أثواب أو أفراس يكون بيانا، وإلا فلا يكون بيانا كما في المنبع.
قوله: (كلها دراهم) أي فيلزمه مائة درهم ودرهم في قوله له علي مائة ودرهم.
قال في المختار: ولو قال له علي مائة ودرهم فالكل دراهم وكذا كل ما يكال ويوزن.
واعلم أن صاحب الدرر ذكر مميز المائة بصيغة الجمع، ولفظه إذا قال له علي مائة ودرهم لزمه مائة دراهم ودرهم، وتعقبه عزمي بأن الصواب مائة درهم بالافراد، واستدل بما في المقدمة الحاجبية حيث قال: ومميز مائة وألف مخفوض مفرد ا ه.
واعترضه أيضا عبد الحليم بأن الالف في دراهم من طغيان القلم، لان مميز مائة مفرد لا غير، وأجاب شيخ المولى أبو السعود بأن دعوى التصويب ساقطة، وما ذكره ابن الحاجب في المقدمة هو الكثير، وما وقع لصاحب الدرر حيث أضاف المائة إلى الجمع قليل، وليس بخطأ، ومنه قراءة حمزة والكسائي: * ((18) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين) * (الكهف: 52) بإضافة مائة إلى سنين.
والحاصل أن العدد المضاف على قسمين: أحدهم ما لا يضاف إلا إلى جمع وهو ثلاثة إلى عشرة.
والثاني: ما لا يضاف كثيرا إلا إلى مفرد وهو مائة وألف وتثنيتهما نحو مائتا درهم وألف درهم الخ.
قوله: (وكذا المكيل والموزون) كمائة وقفيز حنطة أو رطل كذا، ولو قال له نصف درهم ودينار وثوب فعليه نصف كل منها، وكذا نصف هذا العبد وهذه الجارية، لان الكلام كله وقع على شئ(2/248)
بغير عينه أو بعينه فينصرف النصف إلى الكل، بخلاف ما لو كان بعضه غير معين كنصف هذا الدينار ودرهم يجب عليه نصف الدينار والدرهم كله.
قال الزيلعي.
وأصله: أن الكلام إذا كان كله على شئ بعينه أو كان كله على شئ بغير عينه فهو كله على الانصاف، وإن كان أحدهما بعينه والآخر بغير عينه فالنصف على الاول منهما.
شرنبلالية.
لكن قال العلامة المقدسي بعد أن عزا وجوب كل الدرهم للتبيين: فيه أن هذا على تقدير خفض الدرهم مشكل، وأما في الرفع والسكون فمسلم ا ه.
وأقول: لا إشكال على لغة الجواز، على أن الغالب على الطلبة عدم اعتبار الاعراب: أي فضلا عن العوام، ولكن الاحوط الاستفسار فإن الاصل براءة الذمة فلعله قصد الجر.
تأمل.
قوله: (استحسانا) والقياس أن يلزمه المعطوف ويرجع في بيان المعطوف عليه إليه، وبالقياس أخذ الامام الشافعي رحمه الله تعالى.
قوله: (وفي مائة ثوب) نحو مائة وشاة ومائة وعبد.
قوله: (لانها مبهمة) قال في التبيين: وجه الاستحسان أن عطف الموزون والمكيل على عدد مبهم يكون بيانا للمبهم عادة، لان الناس استثقلوا تكرار التفسير وهو الدرهم عند كثرة الاستعمال، وذلك فيما يجري فيه التعامل وهو ما يثبت في الذمة وهو المكيل والموزون، لانها تثبت دينا في الذمة سلما وقرضا وثمنا، واكتفوا بذكره مرة لكثرة أسبابه ودورانه في الكلام، بخلاف الثياب وغيرها مما ليس من المقدرات: أي مما لا يكال ولا يوزن، لانها لا يكثر التعامل بها لعدم ثبوتها في الذمة جميع المعاملات والثياب، وإن ثبتت في الذمة في السلم والنكاح إلا أنهما لا يكثرن كثرة القرض والثمن، فلم يستثقلوا ذكرها لعدم دورانها في الكلام والاكتفاء بالثاني للكثرة ولم توجد فبقي على القياس، بخلاف قوله مائة وثلاثة أثواب حيث يكون الاثواب تفسيرا للمائة أيضا، ويستوي فيه المقدرات وغيرها، لانه ذكر عددين مبهمين وأعقبهما تفسيرا فينصرف إليهما فيكون بيانا لهما، وهذا بالاجماع لان عادتهم جرت بذلك، ألا ترى أنهم يقولون أحد وعشرون وثلاثة وخمسون درهما فينصرف التفسير إليهما لاستوائهما في الحاجة إليه ا ه.
قال أبو السعود: والمتقارب الذي لا تختلف آحاده بالكبر والصغر كالمكيل والموزون.
قوله: (وفي مائة وثلاثة أثواب) أو دراهم أو شياه.
قوله: (كلها ثياب) لانه ذكر عددين مبهمين وأردفها بالتفسير فصرف إليهما لعدم العاطف، وهذا بالاجماع.
قوله: (خلافا للشافعي) ظاهر كلامه أن مخالفته في هذه المسألة فقط، وليس كذلك قال العيني: وعند الشافعي ومالك تفسير المائة إليه في الكل، وعند أحمد:
المبهم من جنس المفسر في الفصلين ا ه.
ونحوه في الدرر.
قوله: (لم تذكر بحرف العطف) بأن يقول مائة وأثواب ثلاثة كما في مائة وثوب.
قوله: (فانصرف التفسير) أي بالاثواب.
قوله: (إليهما) يعني أنها تكون تفسيرا لهما لاستواء المعطوف والمعطوف عليه في الحاجة إلى التفسير.
قوله: (تلزمه الدابة فقط) لان غصب العقار لا يتحقق عندهما، وعلى قياس قول محمد يضمنهما.
قوله: (والاصل أن ما يصلح ظرفا إن أمكن نقله) كتمر في قوصرة لزماه، ومثله طعام في جوالق أو في سفينة.
قوله:(2/249)
(لزماه) لان الاقرار بالغصب إخبار عن نقله، ونقل المظروف حال كونه مظروفا لا يتصور إلا بنقل الظرف فصار إقرارا بغصبهما ضرورة، ويرجع في البيان إليه لانه لم يعين.
هكذا قرر في غاية البيان وغيرها هنا وفيما بعده، وظاهره قصره على الاقرار بالغصب، ويؤيده ما في الخانية: له علي ثوب أو عبد صح، ويقضي بقيمة وسط عند أبي يوسف، وقال محمد: القول له في القيمة ا ه.
وفي البحر والاشباه: لا يلزمه شئ ا ه.
ولعله قول الامام، فهذا يدل على أن ما هنا قاصر على الغصب، وإلا لزمه القيمة أو لم يلزمه شئ، ثم رأيته في الشرنبلالية عن الجوهرة حيث قال: إن أضاف ما أقربه إلى فعل بأن قال غصبت منه تمرا في قوصرة لزمه التمر والقوصرة وإلا يضفه إلى فعل، بل ذكره ابتداء وقال له علي تمر في قوصرة فعليه التمر دون القوصرة، لان الاقرار قول والقول يميز البعض دون البعض، كما لو قال بعت له زعفرانا في سلة.
ا ه.
ولله تعالى الحمد، ومثله في حاشية أبي السعود على منلا مسكين، ولعل المراد بقوله فعليه التمر: قيمته.
تأمل ا ه.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: ولعل عليه التمر لا قيمته لانه مثلي.
تأمل.
قوله (وإلا لزم المظروف فقط) وهذا عندهما، لان الغصب الموجب للضمان لا يتحقق في غير المنقول، ولو ادعى أنه لم ينقل لم يصدق لانه أقر بغصب تام لانه مطلق فيحمل على الكمال.
قوله: (خلافا لمحمد) بناء على غصب الغائب العقار فعندهما غير متصور، فيكون الاقرار بالمظروف فقط، وعنده متصور فيكون إقرارا بالظرف والمظروف.
قوله: (وإن لم يصلح) أي ما جعل ظرفا صورة وهو قوله في درهم، والدرهم لا يصلح أن يكون
ظرفا للدرهم فيكون قوله في درهم لغوا ويلزمه درهم فقط.
قوله: (في خيمة) فيه أن الخيمة لا تسمى ظرفا حقيقة، والمعتبر كونه ظرفا حقيقة كما في المنح.
قوله: (فليحرر) هو ظاهر الحكم أخذا من الاصل، ويدل عليه ما يأتي متنا وهو قوله ثوب في منديل أو ثوب، بل هنا أولى.
وفي غاية البيان: ولو قال غصبتك كذا في كذا والثاني مما يكون وعاء للاول لزماه، وفيها: ولو قال علي درهم في قفيز حنطة لزمه الدرهم فقط وإن صلح القفيز ظرفا، بيانه ما قال خواهر زاده: إنه أقر بدرهم في الذمة وما فيها لا يتصور أن يكون مظروفا في شئ آخر ا ه.
ونحوه في الاسبيجابي.
واستظهر سيدي الوالد رحمه الله تعالى أن هذا في الاقرار ابتداء، أما في الغصب فيلزمه الظرف أيضا كما في غصبته درهما في كيس بناء على ما قدمناه ويفيده التعليل، وعلى هذا التفصيل درهم في ثوب.
تأمل.
قوله: (وبخاتم) بأن يقول هذا الخاتم لك.
قوله: (تلزمه حلقته) الحلقة بسكون اللام في حلقة الباب وغيره، والجمع حلق بفتحتين على غير قياس.
وقال الاصمعي بكسر الاولى كقصعة وقصع وبدرة وبدر، وحكى يونس عن ابن العلاء أن الفتح لغة في السكون ط.
قوله: (وفصه) هو ما يركب في الخاتم من غيره.
وفي القاموس: الفص للخاتم مثلثة، والكسر غير لحن.
قوله: (جميعا) لان اسم الخاتم يشملهما، ولهذا يدخل الفص في بيع الخاتم من غير تسمية.
ط عن الشلبي.
قوله: (جفنه)(2/250)
بفتح الجيم غمده وقرابه.
قوله: (وحمائله) جمع حمالة بكسر الحاء علاقته ط.
وهي ما يشد به السيف على الخاصرة قطعة جلد، ونحوها قال الاصمعي: لا واحد لها من لفظها، وإنما واحدها محمل.
عيني.
قوله: (ونصله) حديده لان اسم السيف يطلق على الكل.
قوله: (بيت مزين بستور وسرر) ومقتضى هذا التفسير أن يلزم البيت أيضا وفي الحموي: وقيل يتخذ من خشب وثياب وهو ظاهر، وفي العيني: هو بيت يزين بالثياب والاسرة والستور، ويجمع على حجال.
قال منلا مسكين: واسمه بشخانه، وقيل خرشمانه ا ه.
ويقال لها الآن: الناموسية، والظاهر لزومها لانها من مفهومها، وصدق الاسم على الكل كما لزمته العلاقة لصدق السيف عليها، ويمكن الفرق بالاتصال وعدمه.
تأمل.
قوله: (العيدان) بضم النون جمع عود كدود جمعه ديدان والدود جمع دودة.
صحاح.
قوله: (في
قوصرة) بالتشديد وقد تخفف.
مختار الصحاح.
قال صاحب الجمهرة: أما القوصرة فأحسبها دخيلا، وقد روى: أفلح من كانت له قوصره يأكل منها كل يوم مره ثم قال: ولا أدري ما صحة هذا البيت ا ه.
وهي وعاء التمر منسوج من قصب، ويسمى بها ما دام التمر فيها، وإلا فهي تسمى بالزنبيل كما في المغرب.
أقول: والزنبيل معروف، ويسمى في عرف الشام قفة، فإذا كسرته شددت فقلت زنبيل، لانه ليس في الكلام فعليل بالفتح.
كذا في الصحاح.
بقي أن يقال: مقتضى قوله فإذا كسرته الخ يفيد جواز الفتح، وقوله لانه ليس في كلام العرب الخ يقضى عدم جوازه، وعبارة القاموس تفيد جوازه مع القلة.
قوله: (جوالق) كصحائف جمع جولق بكسر الجيم واللام وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها وعاء معروف.
قاموس: أي وهو العدل.
قوله: (أو ثوب في منديل) لانه ظرف له، وهو ممكن حقيقة فيدخل فيه على ما بينا.
زيلعي والمنديل بكسر الميم.
قال في المغرب: تمندل بمنديل خيش أي شده برأسه، ويقال تمندلت بالمنديل وتمندلت: أي تمسحت به حموي.
قوله: (يلزمه الظرف كالمظروف لما قدمناه) أي من أن الصالح للظرفية حقيقة إن أمكن نقله لزماه، وإلا لزم المظروف فقط عندهما، وكذا لو أقر بأرض أو دار يدخل البناء والاشجار إذا كانا فيهما حتى لو أقام المقر بينة بعد ذلك أن البناء والاشجار والفص والجفن والعيدان لي لم يصدق ولم تقبل بينته كما في المنبع وغيره، بخلاف ما لو قال هذه الدار لفلان إلا بناؤها فإنه لي، وكذا في سائرها، وإن لم يصح الاستثناء، ويكون الكل للمقر له، إلا أنه لو أقام البينة تقبل كما في الخانية.
قوله: (لا تلزمه القوصرة) لان من للانتزاع فكان إقرارا بالمنتزع.
قوله: (كثوب في عشرة وطعام في بيت) هو على قولهما، وقياس محمد لزومهما.
قوله:(2/251)
(فليلزمه المظروف فقط) عندهما وألزمه محمد الكل لان النفيس قد يلفت في عشرة، ونوقض بما لو قال كرباس في عشرة حريرا.
قوله: (لا تكون ظرفا لواحد عادة) والممتنع عادة كالممتنع حقيقة.
وفي قد تأتي بمعنى بين أي على معنى البين والوسط مجازا كقوله تعالى: * ((89) فادخلي في عبادي) * (الفجر: 92)
فوقع الشك والاصل براءة الذمة والمال لا يجب مع الاحتمال، وفي كلام الشرح أن في الآية بمعنى مع.
قوله: (وعنى معنى على) لان غصب الشئ من محل لا يكون مقتضيا غصب المحل كما في النهاية عن المبسوط.
زيلعي في تعليل قوله بخلاف ما إذا قال غصبت إكافا على حمار حيث يلزمه الاكاف دون الحمار، لان الحمار مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه فيقال هنا إذا قال خمسة في خمسة، وعنى على فقد أقر باغتصاب خمسة مستقرة على خمسة، فالمغصوب هو الخمسة المستقرة والخمسة المستقر عليها مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه، وغصب الشئ من محل لا يكون مقتضيا بالغصب المحل.
تأمل.
قوله: (أو الضرب خمسة) لان أثر الضرب في تكثير الاجزاء لا في تكثير المال درر.
قال في الولوالجية: إن عني بعشرة في عشرة الضرب فقط أو الضرب وتكثير الاجزاء فعشرة، وإن نوى بالضرب تكثير العين لزمه مائة.
قوله: (لما مر) أي في الطلاق من أن الضرب يكثر الاجزاء لا المال، فإذا قلت: خمسة في خمسة تريد به أن كل درهم من الخمسة مثلا خمسة أجزاء.
وفي الولوالجية: أي فيما إذا قال له على عشرة في عشرة إن نوى الضرب إن قال نويت تكثير الاجزاء لا يلزمه إلا عشرة، وإن نوى تكثير العين لزمه مائة، وإن نوى الضرب ولم ينو شيئا آخر لزمه عشرة حملا على نية الاجزاء، وهذا يقتضي ثبوت خلاف في هذه الصورة ونحوها، ومعلوم أن ذلك عند التجاحد، أما عند الاتفاق فالامر ظاهر.
قوله: (وألزمه زفر بخمسة وعشرين) وهو قول الحسن بن زياد، وفي الشارح.
وقال زفر: عليه عشرة، فلعل عن زفر روايتين: وفي التقريب ذكر أن مذهب زفر مثل قول الحسن كما ذكره العيني مخالفا للزيلعي.
قال في التبيين: وقال زفر عليه عشرة وقال الحسن بن زياد خمسة وعشرون لعرف الحساب، لانهم يريدون به ارتفاع أحد العددين بقدر العدد الآخر، ولزفر أن حرف في يستعمل بمعنى مع، وإن ما يراد به ارتفع أحد العددين بقدر الآخر عند الخواص من الناس فتعين المجاز المتعارف بين الناس، وقلنا: لما تعذرت الحقيقة وهي الظرفية لغا، ولا يصار إلى المجاز لان المجاز متعارض لانها تستعمل بمعنى الواو وبمعنى مع وبمعنى على، وليس حملها على البعض أولى من البعض فلغت ا ه ملخصا.
قوله: (وعشرة إن عنى مع) لان اللفظ يحتمل المعية فقد نوى محتمل كلامه فيصدق، وفي البيانية على
درهم مع درهم أو معه درهم لزماه، وكذا قبله أو بعده، وكذا درهم فدرهم أو ودرهم، بخلاف درهم على درهم، أو قال درهم درهم، لان الثاني تأكيد، وله علي درهم في قفيز بر لزمه درهم، وبطل القفيز كعكسه، وكذا له فرق زيت في عشرة مخاتيم حنطة ودرهم ثم درهمان لزمه ثلاثة ودرهم بدرهم واحد لانه للبدلية ا ه ملخصا.
وفي الحاوي القدسي: له علي مائة ونيف لزمه مائة والقول له في النيف، وفي قريب من ألف عليه أكثر من خمسمائة والقول له في الزيادة.
قوله: (كما مر في الطلاق) من أنه لو قال أنت طالق(2/252)
واحدة في ثنتين طلق واحدة إن لم ينو أو نوى الضرب، وإن نوى واحدة وثنتين فثلاث، وإن نوى مع الثنتين فثلاث، وبثنتين في ثنتين بنية الضرب ثنتان، وإن نوى الواو أو مع كما مر وكذا يقال مثله في مسألتنا، فلو قال له علي عشرة في عشرة إن نوى الضرب بأن قال نويت تكثير الاجزاء لا تلزمه إلا عشرة، وإن نوى تكثير العين لزمه مائة، وإن نوى الضرب ولم ينو شيئا آخر لزمه عشرة حملا على نية الاجزاء كما في الولوالجية، وهذا يقتضي ثبوت خلاف في هذه الصورة ونحوها، لان ذلك عند التجاحد، أما عند الاتفاق فالامر ظاهر كما مر قريبا تأمل.
قوله: (تسعة) أي عند الامام وعندهما عشرة وعند زفر ثمانية، وهو القياس لانه جعل الدرهم الاول والآخر حدا والحد لا يدخل في المحدود، ولهما أن الغاية يجب أن تكون موجودة إذ المعدوم لا يجوز أن يكون حدا للموجود ووجوده بوجوبه فتدخل الغايتان، وله أن الغاية لا تدخل في المغيا لان الحد يغاير المحدود، لكن هنا لا بد من إدخال الاولى لان الدرهم الثاني والثالث لا يتحقق بدون الاول، فدخلت الاولى ضرورة ولا ضرورة في الثانية.
درر.
وفي المنح: ولان العدد يقتضي ابتداء، فإذا أخرجنا الاول من أن يكون ابتداء صار الثاني هو الاول فيخرج هو أيضا من أن يكون ابتداء كالاول، وكذا الثالث والرابع الخ فيؤدي إلى خروج الكل من أن يكون واجبا وهو باطل ا ه.
والمراد بالغاية الثانية المتمم للمذكور، فالغاية في العشرة العاشر وفي الالف الآخر الاخير
وهكذا، فما قاله أبو حنيفة في الغاية الاولى: استحسان، وفي الثانية: قياس، وما قالاه في الغايتين استحسان، وما قاله زفر فيهما قياس كما في قاضي زاده.
قوله: (بخلاف الثانية) أي ما بعد إلى فإن للتسعة وجودا بدون العاشر فلا دليل على دخوله فلا يدخل بالشك.
قوله: (وما بين الحائطين) أي بخلاف ما بين الحائطين: أي لو قال: له في داري من هذا الحائط إلى هذا الحائط فإنهما لا يدخلان في الاقرار، لان الغاية لا تدخل في المغيا في المحسوس ولا المبدأ، بخلاف ما تقدم، وبخلاف المعدوم فإنه لا يصلح حدا إلا بوجوده ووجوده بوجوبه، ومن ذلك لو وضع بين يديه عشرة دراهم مرتبة فقال ما بين هذا الدرهم إلى هذا الدرهم وأشار إليهما لفلان لم يدخل الدرهمان تحت الاقرار بالاتفاق كما في المنيع.
قوله: (فلذا قال) أي لما كان في المعدود تدخل الغاية الاولى دون الثانية.
قال: وفي له كر حنطة الخ لان الكر معدود بالقفيز عادة، فكأنه قال من قفيز إلى تمام القفزان من قفيزي حنطة وشعير، فتدخل الغاية الاولى ولا يدخل القفيز الاخير من كر الشعير، لانه ذكر الشعير بعد إلى فيلزمه كر حنطة وكر شعير إلا قفيزا.
قال في المنح: لان القفيز الاخير من الشعير هو الغاية الثانية، وعندهما: يلزمه الكران.
قوله: (إلا قفيزا) من شعير.
قال القدوري في التقريب: قال أبو حنيفة: فمن قال لفلان علي ما بين كر شعير إلى كر حنطة لزمه كر شعير وكر حنطة إلا قفيزا، ولم يجعل الغاية جميع الكر لان العادة أن الغاية لا تكون أكثر الشئ ولا نصفه، والكر عبارة عن جملة من القفزان فوجب أن يصير الانتهاء(2/253)
إلى واحد منها ا ه.
شلبي عن الاتقاني.
ومثل هذا يقال في مسألة المصنف.
ونقل الشلبي أيضا عن قاضيخان: لو قال له علي بين مائة إلى مائتين في قول أبي حنيفة: يلزمه مائة وتسعة وتسعون فتدخل فيه الغاية الاولى دون الثانية.
ولو قال من عشرة دراهم إلى عشرة دنانير فعنده تلزمه الدراهم وتسعة دنانير، وعندهما الكل.
ذكره الزيلعي عن النهاية وانظر ما وجه لزوم الكر من الشعير إلا قفيزا مع أنه جعل الغاية نفس الكر.
قوله: (لما مر) أي من أن الغاية الثانية لا تدخل لعدم الضرورة، والغاية الاولى داخلة لضرورة بناء العدد عليها.
واعلم أن المراد بالغاية الثانية المتمم للمذكور، فالغاية في إلى عشرة العاشر، وفي إلى ألف الفرد
الاخير، وهكذا على ما يظهر لي.
قال المقدسي: ذكر الاتقاني عن الحسن أنه لو قال من درهم إلى دينار لم يلزمه الدينار، وفي الاشباه علي من شاة إلى بقرة لم يلزمه شئ سواء كان بعينه أو لا، ورأيت معزيا لشرحها قال أبو يوسف: إذا كان بغير عينه فهما عليه ولو قال ما بين درهم إلى دراهم فعليه درهم عند أبي حنيفة ودرهمان عند أبي يوسف، سائحاني.
قوله: (له ما بينهما فقط) أي دون الحائطين لقيامهما بأنفسهما شرنبلالية عن البرهان، وعلل المسألة في الدرر تبعا للزيلعي بقوله: لما ذكرنا أن الغاية لا تدخل في المغيا ا ه.
ولا يخفى ما فيه بالنسبة للمبدأ لدخوله فيما سبق، بخلاف ما هنا، ولهذا زاد العيني على ما اقتصر عليه الزيلعي حيث قال: لان الغاية لا تدخل في المحسوس ولا المبدأ، بخلاف ما تقدم ا ه.
وقدمناه قريبا قوله: (لما مر) هو لم يقدم له تعليلا، وإنما ذكر مخالفته لقوله من درهم إلى عشرة أو بين درهم إلى عشرة، وقد ذكره في المنح بقوله: بخلاف ما ذكر من المحسوس لانه موجود فيصلح حدا فلا يدخلان ا ه.
والمحسوس هو هذه المسألة ط.
قوله: (وصح الاقرار بالحمل) سواء كان حمل أمة أو غيرها بأن يقول حمل أمتي أو حمل شاتي لفلان، وإن لم يبين له سببا، لان لتصحيحه وجها وهو الوصية من غيره، كان أوصى رجل بحمل شاة مثلا لآخر ومات فأقر ابنه بذلك فحمل عليه.
حموي.
قوله (المحتمل) اسم فاعل من احتمل: أي يصح أن يحمل عليه لفظ الوجود فيقال: هذا الحمل موجود وهو أعم من كونه لانه ماله أولا، فإنها إذا ولدت بعده لدون نصف حول كان موجودا.
محققا ولدون حولين لو معتدة غير محقق، لكنه ممكن، ويمكن أن يقال: إنه محقق شرعا لثبوت نسبه.
كذا غير الآدمي إذا قدر بأدنى مدة الحمل المتصورة فيه كان محققا وجوده، فلو قال المعلوم وجوده أو المحتمل كما في التبيين لكان أظهر، واستغنى عن التكلف، واقتصر على المعلوم وجوده لما علم في مسألة المعتدة أنه معلوم شرعا، ولعل أصل العبارة كالتبيين فسقط لفظ المعلوم من قلم الناسخ مع أنه يرد على قوله المحتمل ما لو جاءت به المزوجة لدون سنتين، فإنه محتمل وجوده بمعنى الامكان، مع أنه لا يصح الاقرار به حينئذ فتعين الاقتصار على قولنا لمعلوم وجوده، ويدخل فيه ولد المعتدة لدون السنتين(2/254)
كما علمت.
قوله: (بأن تلد) أي الامة.
قوله: (لدون نصف حول لو مزوجة) وإنما كان كذلك لما تقرر أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأكثرها سنتان، فإذا كانت مزوجة وجاءت بالولد لاقل من ستة أشهر علم أنه موجود وقت الاقرار وكونه ابن الزوج لا يمنع الاقرار به لغيره، لان ولد الامة رقيق كما في الدرر.
قوله: (أو لدون حولين لو معتدة) أي لو كانت معتدة فجاءت به لاقل من حولين يصح الاقرار به للعلم بوجوده وقت الاقرار.
قوله: (لثبوت نسبه) أي أنه لما حكم الشارع بثبوت نسبه من المطلق كان حكما بوجوده وقت الاقرار به.
قوله: (ولو الحمل غير آدمي) كحمل الشاة مثلا بأن قال حمل شاتي لفلان كما مر بشرط أن يتيقن بوجوده وقت الاقرار.
قوله: (ذلك) أي الحمل ولا حاجة إليه، لان الموضع للاضمار.
قوله: (لكن في الجوهرة) الاستدراك على ما تضمنه الكلام السابق من الرجوع إلى أهل الخبرة إذ لا يلزم فيما ذكر.
مطلب: أقل مدة الحمل للآدمي وغيره قوله: (أقل مدة حمل الشاة الخ) سيأتي في كتاب الوصايا نقلا عن القهستاني أن أقل مدة الحمل للآدمي ستة أشهر، وللفيل أحد عشر، وللابل وللخيل والحمير سنة، وللبقر تسعة أشهر، وللشاة خمسة أشهر، ومثله المعز، وللسنور شهران، وللكلب أربعون يوما وللطير إحدى وعشرون يوما.
قوله: (وصح له) أي للحمل المحتمل وجوده وقت الاقرار بأن جاءت به لدون نصف حول أو لسنتين: أي وهي زوجة حلال وأبوه ميت، أما لو جاءت به لسنتين وأبو حي ووطئ الام له حلال فالاقرار باطل، لانه يحال بالعلوق إلى أقرب الاوقات، فلا يثبت الوجود وقت الاقرار لا حقيقة ولا حكما.
بيانية وكفاية.
قوله: (إن بين سببا صالحا يتصور للحمل) أي يتصور ثبوته للحمل: أي بأن بين سببا صالحا لثبوت الحكم له.
قوله: (كالارث والوصية) الكاف استقصائية لانحصار السبب الصالح فيهما.
قوله: (فورثه) الحمل واستهلكت من مال المورث ألفا مثلا.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يبين سببا صالحا بأن لم يبين سببا أصلا، أو بين سببا غير صالح لا يصح الاقرار بل بلغو كما يأتي قريبا.
قوله: (كما يأتي) أي في قوله وإن فسره الخ.
قوله: (لاقل من نصف حول) أي بأن كانت ذات زوج أو لاقل من سنتين إن كانت معتدة، فإن ولدته لاكثر من ستة أشهر لم يستحق شيئا حموي.
ومثله في ابن الكمال.
قوله: (وإن ولدت حيين) أي ذكرين أو انثيين.
قوله: (فلهما) لان مجموعهما هو الحمل وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره فالموروث أو الموصى به، وقوله نصفين نصب على الحال من الضمير في الخبر: أي فهو لهما نصفين.
قوله: (فكذلك) أن نصفان في الوصية، لان المال للحمل وهو مجموعهما،، ولا أرجحية لاحدهما على الآخر فيه.
قوله: (بخلاف الميراث) فإن فيه للذكر مثل(2/255)
مثل حظ الانثيين.
قوله: (لورثة ذلك) لا حاجة إلى اسم الاشارة.
قوله: (الموصي والمورث) عبارة البحر: وإن ولدت ميتا يرد إلى ورثة الموصي أو ورثة أبيه ا ه.
قال العلامة الرملي: أقول يعني إذا قال المقر أوصى له به فلان ثم ولد ميتا فإنه يرد إلى ورثة الموصي الذي قال المقر: إنه أوصى للحمل، وقوله أو ورثة أبيه: يعني إن قال المقر مات أبوه فورثه فإنه يرد إلى ورثة أبيه إن ولد ميتا عملا بقول المقر في المسألتين.
قوله: (لعدم أهلية الجنين) أي لان هذا الاقرار في الحقيقة لهما: أي للموصي والمورث، وإنما ينتقل للجنين بعد ولادته حيا، ولم ينفصل حيا فيكون لورثتهما كما في الدرر.
والحاصل: أن الحمل لا يكون أهلا لان يرث ويورث، ويستحق الوصية إلا إذا خرج أكثره حيا.
قوله: (كهبة) أي للحمل فإنها لا تصح له لان حكمها ثبوت الملك للموهوب له والحمل لا يملك قوله: (أو بيع أو إقراض) بأن قال الحمل: باع مني أو أقرضني درر.
إذ لا يتصور شئ منه من الجنين لا حقيقة وهو ظاهر، ولا حكما لانه لا يولى عليه.
قوله: (أو أبهم الاقرار ولم يبين سببا) بأن قال لحمل فلانة كذا.
قوله: (لغا) أي بطل فلا يلزمه شئ أيضا عند أبي يوسف، لان مطلق الاقرار ينصرف إلى الاقرار بسبب التجارة، ولهذا حمل إقرار المأذون وأحد المتفاوضين عليه فيصير كما إذا صرح به ولا يصح، فكذا هذا.
درر قوله: (وحمل محمد المبهم على السبب الصالح) لانه يحتمل الجواز والفساد، ولان الاقرار إذا صدر من أهله مضافا إلى محله كان حجة يجب العمل بها، ولا نزاع في صدوره من أهله لانه هو المفروض وأمكن إضافته إلى محله بحمله على السبب الصالح حملا لكلام العاقل على الصحة، كالعبد المأذون إذا أقر بدين فإن إقراره وإن احتمل الفساد بكونه صداقا أو دين
كفالة والصحة بكونه من التجارة كان صحيحا تصحيحا لكلام العاقل.
عناية وأبو يوسف يبطله، لان لجوازه وجهين: الوصية، والارث، ولبطلانه وجوها وليس أحدهما بأولى من الآخر، فحكم بالفساد، نظيره: لو شرى عبدا بألف ثم قبل النقد باعه وعبدا آخر من البائع بألف وخمسمائة وقيمتهما سواء فإنه يبطل، وإن أمكن جوازه بأن يجعل الالف أو أكثر حصة المشتري، والباقي حصة الآخر زيلعي.
وفيه نظر، إذ لا نسلم أن تعدد جهة الجواز توجب الفساد لم لا يكفي في صحة الحمل على الجواز صلاحية فرد من الوجهين، وإن لم يتعين خصوصية، ألا ترى أن جهالة نفس المقر به لا تمنع صحة الاقرار اتفاقا فكيف تمنعها جهالة سبب المقر به.
حموي عن قاضي زاده، وهذا ترجيح منه لقول محمد، ويقوي بحث قاضي زاده ما ذكره في الشرنبلالية حيث قال: ولقائل أن يقول قد تقدم من الزيلعي في الاقرار بالمجهول أنه إذا لم يبين السبب يصح، ويحمل على أنه وجب عليه بسبب تصح معه الجهالة، فما الفرق بينه وبين ما ذكر هنا من عدم حمله على السبب الموجب للصحة، على قول القائل به، وفي كل احتمال الفساد والصحة ا ه.
وفي التبيين: ولا يقال إن ظاهر إقرار يقتضي الوجوب، فكيف يقدر على إبطاله ببيان سبب غير صالح، والابطال رجوع عن الاقرار، وهو يملك الرجوع لانا نقول ليس برجوع وإنما هو بيان(2/256)
سبب يحتمل، لانه يحتمل أن أحدا من أوليائه باعه منه فحسب أن ذلك صحيح فيقر به ويضيفه إلى الجنين مجازا ا ه ملخصا.
ثم على قول محمد: إذا صح الاقرار مع إيهام السبب ثم ولد الحمل ميتا أو لم يوجد حمل لمن يرد المقر به يراجع.
وأفاد في الزيلعي والعناية أنه تحصل أن للمسألة ثلاث صور: إما أن يبهم الاقرار فهو على الخلاف، وإما أن يبين سببا صالحا فيجوز بالاجماع، وإما أن يبين سببا غير صالح فلا يجوز بالاجماع، فإن قيل: ظاهر إقراره يقتضي الوجوب، فكيف يقدر على إبطاله ببيان سبب غير صالح، والابطال رجوع وهو في الاقرار لا يصح؟ أجيب: بأنه ليس برجوع بل ظهور كذبه يبقين كما لو قال: قطعت يد فلان عمدا أو خطأ ويد فلان صحيحة ا ه.
ثم قال المنلا عبد الحليم: وقيل أبو حنيفة مع أبي يوسف، واختار صاحب الهداية
قول أبي يوسف على ما هو دأبه في ترتيب المسائل، وتبعه صاحب الوقاية حيث ترك قول محمد رأسا إشارة إلى رجحان قول أبي يوسف، وعليه أكثر الشراح حيث قووا دليله ا ه.
ثم قال: فظهر أن قول أبي يوسف هو المختار وأقوى، وإن من قال ولم نظفر فيما عندي من المعتبرات ما يرجح قول أحدهما على قول الآخر أظهر عدم تتبعه كما لا يخفى ا ه.
قوله: (فإنه صحيح) لان الاقرار لا يتوقف على القبول ويثبت الملك للمقر له من غير تصديق، لكن بطلانه يتوقف على الابطال كما في الانقروي، وأما الاقرار للصغير فلا يتوقف على تصديقه، فيصير الشئ المقر به له ملكا له بمجرد الاقرار، ولا يصح إقرار المقر بعد ذلك للغير كما قدمناه عن الخير الرملي موضحا فراجعه إن شئت.
قوله: (لان هذا المقر الخ) قال العلامة الاتقاني: بخلاف ما لو أقر لرضيع أن عليه ألف درهم بالبيع أو الاجارة، لان الرضيع من أهل أن يستحق الدين بهذا السبب بتجارة وليه، لانه يتجر له إن كان لا يتجر هو بنفسه، بخلاف الجنين ا ه.
أي فإنه لا يلي أحد عليه.
قال بعض الفضلاء، الفرق بين الرضيع والحمل حيث جاز الاقرار للاول، وإن بين أنه قرض أو ثمن مبيع، ولم يجز للثاني لانه لا يتصور البيع مع الجنين ولا يلي عليه أحد، بخلاف الصغير لثبوت الولاية عليه فيضاف إليه عقد الولي مجازا، هكذا فهمت من كلامهم ا ه.
أقول: وجه في المحيط صحة الاقرار للصغير وإن بين سببا غير صالح بأنه أقر بوجوب الدين بسبب، وإن لم يثبت لانه لا يتصور من الصبي نفي الاقرار بالدين كما لو كذبه المقر له في السبب بأن قال لك علي ألف غصبا فقال المقر له بل دينا يلزمه المال وإن لم يثبت السبب.
كذا هذا ومثله في الحواشي الحموية.
قوله: (في الجملة أشباه) قال محشيه الحموي: يعني لان البيع أو القرض صدر من بعض أوليائه، فإضافته إلى الصغير مجاز انتهى.
قوله: (أقر بشئ على أنه بالخيار الخ) يعني بأن قال له علي ألف درهم قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أني بالخيار ثلاثة أيام منح.
قوله: (لزمه بلا خيار) لوجود الصيغة الملزمة.
قوله: (فلا يقبل الخيار) لان المقصود من الخيار هو الفسخ، ولما لم يحتمل الاقرار والفسخ لم يجز شرط الخيار له، ولزمه المال، لانه إن كان صادقا فهو واجب العمل به، وإن لم يختر وإن كان كاذبا فهو واجب الرد فلا يتغير باختياره وعدم اختياره، وإنما
تأثير اشتراط الخيار في العقود ليتخير من له الخيار بين فسخه وإمضائه.
درر وعناية.(2/257)
فإن قيل: الاقرار يرتد بالرد وهو فسخ.
قلنا: ليس بفسخ للاقرار لانه رفع للشئ بعد ثبوته ورد الاقرار ليس رفعا له بعد ثبوته في حقه، بل بيان أنه غير ثابت أصلا لانه يحتمل الصدق والكذب، فإذا كذبه المقر له ثبت الكذب في حقه لانه إقرار على نفسه، وإذا صح التكذيب في حقه ظهر أن الاقرار لم يثبت من الاصل، بخلاف البيع لانه تصرف يحتمل الفسخ بعد وقوعه، لان ما هو المقصود منه وهو الملك مما ينفسخ بانفساخ البيع لانه ثابت به، والمقصود من فسخ السبب فسخ حكمه، فإذا كان حكم السبب محتملا للفسخ كان السبب كذلك وعكسه.
قوله: (لم يعتبر تصديقه) الاولى حذفه، بل ينبغي أن يقول: فإنه لم يعتبر لان إن وصلية فلا جواب لها ح: أي بل جوابها مفهوم من الكلام السابق، إلا أن يقال: هذا بيان لذلك المفهوم فلا اعترا ض حينئذ.
قوله: (إلا إذا أقر بعقد) أي بدين لزمه بسبب عقد الخ بأن يقول له علي ألف ثمن مبيع بخيار.
قوله: (وقع بالخيار له) فحينئذ يثبت الخيار له إذا صدقه المقر له أو أقام عليه بينة إلا أن يكذبه المقر له فلا يثبت الخيار، وكان القول قول المقر له كما يأتي قريبا.
فإن قيل: إن لم يقبل الاقرار الفسخ فالسبب الذي به وجب المال وهو التجارة تقبل.
فيجب أن يكون الخيار مشروطا في سبب الوجود.
قلنا: السبب غير مذكور، وإنما يعتبر مذكورا ضرورة صحة الاقرار، وإذا ثبت مقتضى صحته اعتبر مذكورا في حقه فقط دون صحة الخيار، وأما إذا قال علي ألف ثمن مبيع بخيار فيصح إن صدقه المقر له أو برهن، لان المقر به عقد يقبل الخيار، وهو من العوارض فلا بد من التصديق أو البيان، وإن أقر بدين بسبب كفالة على أنه بالخيار مدة معلومة، ولو طويلة جاز إن صدقه، لان الكفالة تحتمل من الجهالة والخطر ما لا يحتمله البيع، فإذا جاز شرطه فيه ففيها أولى، ثم لم يقدر فيها لان إطلاق الخيار في البيع ينافي حكمة الملك المطلق، وحكم الخيار منع السبب من العمل وحكم الكفالة لزوم الدين وأنه يصح مطلقا ومقيدا.
مقدسي.
قوله: (لانه منكر) للخيار في العقد الذي هو من العوارض والقول فيها للمنكر.
قوله: (أو قصيرة) الاولى حذفها كما لا يخفى.
حلبي.
وإنما جازت الكفالة مطلقة ومقيدة لان حكمها هاهنا
لزوم الدين، وهو يصح مطلقا ومقيدا فلا يكون اشتراط الخيار كذلك منافيا لها، بخلاف البيع فلا بد من التوقيت فيه بثلاثة، لان إطلاق الخيار ينافي حكم البيع، لان حكمه الملك المطلق وحكم الخيار منع السبب من العمل، وبينهما منافاة.
والحاصل: أنه كما أن البيع عقد يصح فيه شرط الخيار، ولا يزاد فيه على ثلاثة أيام عند الامام، والكفالة عقد أيضا يصح فيه شرط الخيار، ويصح اشتراطه مدة طويلة أو قصيرة، لانها عقد تبرع يتوسع فيها بعد أن تكون المدة معلومة، لكن قد صدر في سنة خمس وثمانين بعد المائتين والالف أمر حضرة السلطان نصره الرحمن لسائر قضاته ونوابه في الممالك المحروسة بالحكم على قول الصاحبين في امتداد خيار الشرط أكثر من ثلاثة أيام موافقا لما في المادة الثلاثمائة من الجزء الاول من كتاب البيع من الاحكام العدلية حين كنت في الآستانة العلية، ومتشرفا بتوظيفي بتلك الجمعية العلمية بأمر من حضرته نصره الله تعالى بجمعها.
قوله: (إذا صدقه) فإذا كذبه يلزمه المال من غير شرط والقول له لانه(2/258)
يدعي عليه التأخير وهو ينكر.
إتقاني.
قوله: (لان الكفالة عقد أيضا) علة للتشبيه المستفاد من الكاف.
قوله: (بخلاف ما مر) أي من قوله أقر بشئ كما بيناه.
قوله: (لانها أفعال) لان الشئ المقر به قرض أو غصب أو وديعة عارية أو قائمة أو مستهلكة، فالقرض وما عطف عليه أفعال قد أخبر بوقوعها فلا يصح فيها شرط الخيار.
قوله: (الامر بكتابة الاقرار) بخلاف أمره بكتابة الاجارة وأشهد ولم يجر عقد لا تنعقد أشباه.
قوله: (إقرار حكما) لان الامر إنشاء والاقرار اختبار فلا يكونان متحدين حقيقة، بل المراد أن الامر بكتابة الاقرار إذا حصل حصل الاقرار.
حلبي عن الدرر.
قوله: (يكون بالبنان) بالباء الموحدة والنون ومقتضى كلامه: أن مسألة المتن من قبيل الاقرار بالبنان، والظاهر أنها من قبيل الاقرار باللسان بدليل قوله كتب أم لم يكتب، وبدليل ما في المنح عن الخانية حيث قال: وقد يكون الاقرار بالبنان كما يكون باللسان رجل كتب على نفسه ذكر حق بحضرة قوم أو أملى على إنسان ليكتب ثم قال اشهدوا علي بهذا لفلان كان إقرارا ا ه.
فإن ظاهر التركيب أن المسألة الاولى مثال للاقرار بالبنان والثانية للاقرار باللسان، فتأمل ح.
قوله: خط إقراري أي الخط الدال على إقراراي فالاضافة من
إضافة الدال إلى المدلول والدلالة التزامية، وفي أحكام الكتابة من الاشباه إذا كتب ولم يقل شيئا لا تحل الشهادة.
قال القاضي النسفي: إن كتب مصدرا: يعني كتب في صدره إن فلان بن فلان له علي كذا أو أما بعد فلفلان علي كذا يحل للشاهد أن يشهد، وإن لم يقل أشهد علي به، والعامة على خلافه، لان الكتابة قد تكون للتجربة، ولو كتب وقرأه عند الشهود حلت، وإن لم يشهدهم، ولو كتب عندهم وقال اشهدوا علي بما فيه، إن علموا بما فيه كان إقرارا، وإلا فلا.
وذكر القاضي ادعى على آخر مالا وأخرج خطا وقال إنه خط المدعي عليه بهذا المال فأنكر كونه خطه فاستكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة تدل على أنهم خط كاتب واحد لا يحكم عليه بالمال في الصحيح، لانه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكن ليس علي هذا المال، وثمة لا يجب كذا هنا إلا في دفتر السمسار والبياع والصراف انتهى.
ومثله في البزازية.
قال السائحاني: وفي المقدسي عن الظهيرية لو قال: وجدت في كتابي أن له علي ألفا أو وجدت في ذكري أو في حسابي أو بخطي أو قال: كتبت بيدي أنه له علي كذا كله باطل، وجماعة من أئمة بلخ قالوا في دفتر البياع: إن ما وجد فيه بخط البياع فهو لازم عليه لانه لا يكتب إلا ما على الناس له وما للناس عليه صيانة عن النسيان، والبناء على العادة الظاهرة واجب انتهى.
فقد استفدنا من هذا أن قول أئمتنا لا يعلم بالخط يجري على عمومه، واستثناء دفتر السمسار والبياع لا يظهر، بل الاولى أن يعزى إلى جماعة من أئمة بلخ وأن يفيد بكونه فيما عليه - ومن هنا يعلم أن رد الطرطوسي العمل به مؤيد بالمذهب، فليس إلى غيره نذهب، وانظر ما تقدم في كتاب القاضي إلى القاضي وما قدمناه في الشهادات.
وحاصل ما تحرر في مسألة الخط: أن عامة علمائنا على عدم العمل به، إلا ما وجده القاضي في أيدي القضاة الماضين وله رسوم في دواوينهم: أي السجلات، وخط السمسار والبياع والصراف وإن لم(2/259)
يكن معنونا ظاهرا بين الناس، وكذلك ما يكتب الناس فيما بينهم على أنفسهم في دفاترهم المحفوظة عندهم بخطهم المعلوم بين التجار وأهل البلد فهو حجة عليه ولو بعد موتهم، وكذلك كتاب الامان
والبراءات السلطانية والدفتر الخاقاني كما قدمنا ذلك في الشهادات موضحا بأدلته فراجعه.
ومشى في الفتاوى النعيمية في رجل كان يستدين من زيد ويدفع له ثم تحاسبا على مبلغ دين تبقى لزيد بذمة الرجل وأقر الرجل بأن ذلك آخر كل قبض وحساب ثم بعد أيام يريد نقض ذلك وإعادة الحساب فهل ليس له ذلك؟ الجواب: نعم لقول الدرر: لا عذر لمن أقر ا ه.
وفيها في شريكي تجارة حسب لهما جماعة الدفاتر فتراضيا وانفصل المجلس وقد ظنا صواب الجماعة في الحساب ثم تبين الخطأ في الحساب لدى جماعة أخر، فهل يرجع الصواب؟ الجواب: نعم لقول الاشباه: لا عبرة بالظن البين خطؤه في شريكي عنان تحاسبا ثم افترقا بلا إبراء أو بقيا على الشركة ثم تذكر أحدهما أنه كان أوصل لشريكه أشياء من الشركة غير ما تحسبا عليه فأنكر الآخر ولا بينة فطلب المدعي يمينه على ذلك فهل له ذلك لان اليمين على من أنكر؟ الجواب نعم ا ه.
قوله: (عدم اعتبار مشابهة الخطين) هو الصحيح، فإذا ادعى عليه حقا وأظهر خط يده فاستكتب فكتب فإذا الخط يشبه الخط لا يقضى عليه.
وقال بعضهم: يقضى عليه، ومشى عليه في المجلة في مادة 7061 وفي 9061 وفي 0161 وفي 6381 وفي 7371 وفي 8371 وفي 9371، وصدر الامر الشريف السلطاني بالعمل بموجبه إذا كان خاليا من الشبهة والتصنع والتزوير فيعمل بها، ككتاب القضاة والوقفية إذا كانت مسجلة وسجلات القضاة والبراءات السلطانية والدفاتر الخاقانية ودفاتر التجار فيما عليهم والصكوك والقامبيالي والوصول، وعلم الخبر إذا كانت بخط من عليه الدين أو إمضائه وختمه المعروفين، فلو لم تكن معروفة يستكتب عند أهل الخبرة، فإذا وافق الخط الخط وكانا كخط واحد يلزم بالمال، وعليه قارئ الهداية وبموجبه صدر الامر السلطاني كما علمت.
قوله: (وجحده الباقون) وإن صدقوا جميعا لكن على التفاوت كرجل مات عن ثلاثة بنين آلاف فاقتسموها وأخذ كل واحد ألفا، فادعى رجل على أبيهم ثلاثة آلاف فصدقه الاكبر في الكل والاوسط في الالفين والاصغر في الالف أخذ من الاكبر ألفا ومن الاوسط خمسة أسداس الالف ومن الاصغر ثلث الالف عند أبي يوسف.
وقال محمد: في الاصغر والاكبر كذلك، وفي الاوسط يأخذ الالف، ووجه كل في الكافي.
تنبيه: لو قال المدعى عليه عند القاضي كل ما يوجد في تذكرة المدعي بخطه فقد التزمته ليس بإقراره، لانه قيده بشرط لا يلائمه، فإنه ثبت من أصحابنا رحمهم الله تعالى أن من قال كل ما أقر به علي فلان فأنا مقر به فلا يكون إقرارا لانه يشبه وعدا.
كذا في المحيط شرنبلالية.
فرع: ادعى المديون أن الدائن كتب على قرطاس بخطه أن الدين الذي لي على فلان ابن فلان أبرأته عنه صح وسقط الدين، لان الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق به، وإن لم يكن كذلك لا يصح الابراء، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلب الدائن أو لا بطلبه.
بزازية من آخر الرابع عشر من(2/260)
الدعوى.
قوله: (يلزمه كل الدين) أي في قول أصحابنا.
منح.
قوله: (وقيل حصته) عبر عنه بقيل، لان الاول ظاهر الرواية كما في فتاوى المصنف، وسيجئ أيضا، وهذا بخلاف الوصية لما في جامع الفصولين: أحد الورثة لو أقر بالوصية يؤخذ منه ما يخصه وفاقا.
وفي مجموعة منلا علي عن العمادية في الفصل التاسع والثلاثين: أحد الورثة إذا أقر بالوصية يؤخذ منه ما يخصه بالاتفاق، وإذا مات وترك ثلاث بنين وثلاثة آلاف درهم فأخذ كل ابن ألفا فادعى رجل أن الميت أوصى له بثلث ماله وصدقه أحد النين فالقياس أن يؤخذ منه ثلاثة أخماس ما في يده، وهو قول زفر، وفي الاستحسان: يؤخذ منه ثلث ما في يده، وهو قول علمائنا رحمهم الله تعالى لنا أن المقر أقر بألف شائع في الكل ثلث ذلك في يده وثلثاه في يد شريكيه، فما كان إقرارا فيما يده قبل وما كان إقرارا في يد غيره لا يقبل، فوجب أن يسلم إلى الموصى له ثلث ما في يده ا ه.
قوله: (دفعا للضرر) أي من المقر: أي لانه إنما أقر بما تعلق بكل التركة.
قوله: (ولو شهد هذا المقر مع آخر الخ) وكذا لو برهن الطالب على هذا المقر تسمع البينة عليه، كما في وكيل قبض العين: لو أقر من عنده العين أنه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره.
ويكلف الوكيل إقامة البينة على إثبات الوكالة حتى يكون له قبض ذلك، فكذا هنا جامع الفصولين وفيه خ: ينبغي للقاضي أن يسأل المدعى عليه هل مات مورثك؟ فإن قال نعم، فحينئذ يسأله عن دعوى المال: فلو أقر وكذبه بقية الورثة ولم يقض بإقراره حتى شهد هذا المقر وأجنبي معه يقبل، ويقضي على الجميع وشهادته بعد الحكم عليه بإقراره لا تقبل، ولو لم يقم البينة أقر الوارث أو نكل، ففي ظاهر الرواية
يؤخذ كل الدين من حصة المقر، لانه مقر بأن الدين مقدم على إرثه.
وقال ث: وهو القياس، ولكن المختار عندي أن يلزمه ما يخصه وهو قول الشعبي والحسن البصري ومالك وسفيان وابن أبي ليلى وغيرهم ممن تابعهم، وهذا القول أعدل وأبعد من الضرر، ولو برهن لا يؤخذ منه إلا ما يخصه وفاقا انتهى.
بقي ما لو برهن على أحد الورثة بدينه بعد قسمة التركة، فهل للدائن أخذ كله من حصة الحاضر؟ قال المصنف في فتاويه: اختلفوا فيه فقال بعضهم نعم.
فإذا حضر الغائب يرجع عليه.
وقال بعضهم: لا يأخذ منه إلا ما يخصه انتهى ملخصا.
قوله: (وبهذا) أي بقبول شهادة المقر مع آخر أنه على الميت.
قوله: (بمجرد إقراره) إذا لو أقر ولزمه جميع المال ثم شهد مع آخر، وقبلت شهادته لزمه بقدر حصته، فيكون في شهادته دفع مغرم عن نفسه، والشهادة كذلك لا تقبل فقبولها دليل أن إقراره الاول لا يعتبر ولا يلزمه به دين وهو مشكل، فإن إقرار الانسان حجة في حق نفسه، والقضاء فيه مظهر لا مثبت، ولو جعل هذا الفرع مخرجا على قول الفقيه لكان ظاهرا لانه لم يدفع بهذه الشهادة مغرما عن نفسه ط.
قال الباقاني: ولو كان الدين يحل في نصيبه بمجرد الاقرار ما قبلت شهادته لما فيه من دفع المغرم عنه.
قوله: (فلتحفظ هذه الزيادة) وهي كون الاقرار غير ملزم إلا بالقضاء لما ذكرنا، وحاصل ما يقال: إنه إذا ادعى رجل دينا على ميت وأقر بعض الورثة به ففي قول أصحابنا يؤخذ من حصة المقر جميع الدين.
قال الفقيه أبو الليث: هو القياس، لكن الاختيار عندي أن يؤخذ منه ما يخصه من الدين، وهذا القول أبعد من الضرر.
وذكره شمس الائمة الحلواني أيضا.
وقال مشايخنا هنا: زيادة شئ لم(2/261)
تشترط في الكتب، وهو أن يقضي القاضي عليه بإقراره إذ بمجرد الاقرار لا يحل الدين في نصيبه، بل يحل بقضاء القاضي، ويظهر ذلك بمسألة ذكرها في الزيادات، وهي أن أحد الورثة إذا أقر بالدين ثم شهد هو ورجل أن الدين كان على الميت فإنها تقبل وتسمع شهادة هذا المقر إذا لم يقض عليه القاضي بإقراره، فلو كان الدين يحل في نصيبه بمجرد إقراره لزم أن لا تقبل فيها لما فيه من الغرم.
قال صاحب الزيادات: وينبغي أن تحفظ هذه الزيادة فإن فيها فائدة عظيمة.
كذا في العمادية.
لكن يشكل على هذا أن إقرار الانسان حجة في حق نفسه والقضاء فيه مظهر لا مثبت كما ذكروا، وأيضا فإن المال يلزمه بمجرد الاقرار، والقضاء إنما يحتاج في البينة، إذ لا يتهم المرء فيما أقر به على نفسه، ولهذا لو أقر بمعين لانسان ثم أقر به لآخر كان للاول ولا شئ للثاني، على أنه يكون حينئذ في عرضية أن يقضي عليه فلزم رد شهادته، كما ترد شهادة أهل قرية وجد فيها قتيل وقد ادعى وليه القتل على بعضهم، فلو جعلوا هذا الفرع مخرجا على قول الفقيه لكان ظاهرا لانه لم يدفع بهذه الشهادة مغرما عن نفسه، تأمل.
قوله: (أشهد على ألف الخ) نقل المصنف في المنح عن الخانية روايتين عن الامام ليس ما في المتن واحدة منهما.
إحداهما: أن يلزمه المالان إن أشهد في المجلس.
الثاني: عين الشاهدين الاولين، وإن أشهد غيرهما كان المال واحدا، وأخراهما أنه إن أشهد على كل إقرار شاهدين يلزمه المالان جميعا، سواء أشهد على إقراره الثاني الاولين أو غيرهما ا ه.
فلزوم المالين إن أشهد في مجلس آخرين ليس واحدا مما ذكر، ونقل في الدرر عن الامام الاولى، وأبدل الثانية بما ذكره المصنف متابعة له، واعترضه في العزمية بما ذكرنا، وإنه ابتداع قول ثالث غير مسند إلى أحد ولا مسطور في الكتب.
تأمل.
قوله: (في مجلس آخر) بخلاف ما لو أشهد أولا واحدا وثانيا آخر في موطن أو موطنين فالمال واحد اتفاقا، وكذا لو أشهد على الاول واحدا وعلى الثاني أكثر في مجلس آخر فالمال واحد عندهما، وكذا عنده على الظاهر.
منح.
قوله: (لزم المالان) اعلم أن تكرار الاقرار لا يخلو إما أن يكون مقيدا بسبب، أو مطلقا، والاول على وجهين: إما بسبب متحد فيلزم مال واحد وإن اختلف المجلس، أو بسبب مختلف فمالان مطلقا، وإن كان مطلقا إما بصك أو لا، والاول على وجهين: إما بصك واحد فالمال واحد مطلقا، أو بصكين فمالان مطلقا وأما الثاني: فإن كان الاقرار في موطن واحد يلزم مالان عنده وواحد عندهما.
وإن كان في موطنين فإن أشهد على الثاني شهود الاول فمثال واحد عنده، إلا أن يقول المطلوب هما مالان، وإن أشهد غيرهما فمالان.
وفي موضع آخر عنه على عكس ذلك، وهو إن اتحد الشهود فمالان عنده، وإلا فواجد عندهما.
وأما عنده فاختلف المشايخ منهم من قال: القياس على قوله مالان.
وفي الاستحسان مال واحد، وإليه ذهب السرخسي.
ومنهم من قال على قول الكرخي: مالان، وعلى قول الطحاوي: واحد، وإليه ذهب شيخ الاسلام ا ه.
ملخصا من التاترخانية.
وكل ذلك مفهوم من الشرح، وبه ظهر أنا ما في المتن رواية منقولة، وأن اعتراض الغرمية على الدرر مردود حيث جعله قولا مبتدعا غير مسطور في الكتب مستندا إلى أنه في الخانية حكى في المسألة روايتين.(2/262)
الاولى: لزوم مالين إن اتحد الشهود، وإلا فمال واحد.
والثانية: لزوم مالين إن أشهد على كل إقرار شاهدين اتحد أو لا، وقد أوضح المسألة في الولوالجية فراجعها، وسنذكر توضيحها قريبا إن شاء الله تعالى، فقد تحقق أن كلام المصنف هنا هو ما في الخانية، وليس فيه ما يخالف ما فيها كما لا يخفى على من نظر فيها.
قوله: (ألفان) بدل كل من قوله المالان.
قال في الاشباه: وإذا تعدد الاقرار بموضعين لزمه الشيئان، إلا بالاقرار بالقتل بأن قال قتلت ابن فلان ثم قال قتلت ابن فلان، وكذا في العبد فهو إقرار بواحد، إلا أن يكون سمى اسمين مختلفين، وكذا التزويج والاقرار بالجراحة فهو ثلاث، ولا يشبه الاقرار بالمال في موضعين ا ه.
قال في الدرر: هذا عند أبي حنيفة، لكن بشرط مغايرة الشاهدين الآخرين للاولين في رواية وشرط عدم مغايرتهما لهما في أخرى، وهذا بناء على أن الثاني غير الاول، وعندهما: لا يلزمه إلا ألف واحدة لدلالة العرف على أن تكرار الاقرار لتأكيد الحق بالزيادة في الشهود ا ه.
قوله: (كما لو اختلف السبب) ولو في مجلس واحد.
قال في البزازية: جعل الصفة كالسبب حيث قال: إن أقر بألف بيض ثم بألف سود فمالان، ولو ادعى المقر له اختلاف السبب وزعم المقر اتحاده أو الصك أو الوصف فالقول للمقر، ولو اتحد السبب والمال الثاني أكثر يجب المالان، وعندهما يلزم الاكثر.
سائحاني.
قوله: (بخلاف ما لو اتحد السبب) بأن قال له علي ألف ثمن هذا العبد، ثم أقر بعده كذلك في ذلك المجلس أو في غيره.
منح.
قوله: (أو الشهود) هذا على ما ذهب إليه السرخسي كما علمته مما مر ويأتي، لكن قال الطحاوي: هذا لم يوافق أحد القولين السابقين، فإن القول الاول حاصله أن اتحاد الشهود يوجب
التعدد واختلافهم لا يوجبه، والثاني اعتبر اختلاف المواطن، فتأمل ا ه.
أقول: لا يخفى عليك أن ما مر من التفصيل يؤيد كلام الشارح وأنه الاستحسان بأنه مال واحد، فتأمل.
ويؤيده ما يأتي قريبا.
قوله: ثم عند القاضي) إنما كان واحدا لانه أراد بإقراره عنده تثبيته على نفسه خوف موته أو جحوده، وكذا لو كان كل عند القاضي في مجلسين ط أقول: ولا تنس ما قدمناه عن المجلة صدور الامر الشريف السلطاني بالعمل بموجبه، وفيها أيضا في مادة 1161، لو كتب على نفسه سندا وأمضاه أو ختمه على المرسوم المتعارف كما مر وسلمه للدائن ثم مات من عليه الدين وأنكر الورثة الخط والدين: فإذا كان خطه وختمه مشهورين ومعروفين بين الناس يعمل بموجب السند، وفي مادة 2161: لو وجد عند الميت صرة نقود مكتوب عليها بخط الميت هذه أمانة فلان الفلاني ودراهمه من يده تؤخذ من التركة ولا يحتاج لاثباتها إذا كان الخط معروفا بأنه خطه.
قوله: (أو بعكسه) لانه يخبر عما لزمه في مجلسه.
قوله: (أن المعرف) كما إذا عين سببا واحدا للمال في الاقرارين.
قوله: (أو المنكر) كما إذا أقر بألف مطلق عن السبب ثم أقر بألف ثمن هذا العبد.
قوله: (أو منكرا فغيره) كما إذا أقر بألف ثم بألف أو أقر بألف ثمن عبد ثم بألف ثمن عبد، وصورة إعادة المعرف منكرا، ما إذا أقر بألف ثمن هذا العبد ثم أقر بألف، والمسألة الاولى هي(2/263)
الخلافية، هل يعتبر اتحاد الشهود أو اتحاد الموطن على القولين السابقين، فكونه غيرا عند التنكير على هذا التفصيل ط.
قوله: (ولو نسي الشهود) أي في صورة تعدد الاشهاد قوله: (وقيل واحد) لان المال لا يجب بالشك.
قوله: (وتمامه في الخانية) وحاصله: أن الصور أربع: في اثنين يكون الثاني عين الاول، وفي اثنين يكون غيرا، وهذا كله فيما اتحد المالان أما إذا اختلفا قلة وكثرة فقد ذكره في المجمع والمنظومة.
وعبارة المجمع: وتعدد المشهد: أي موضع الاشهاد والشاهدين العدلين ملزم للمالين والزيادة بالاكثر إن تفاوتا.
قال شارحه: رجل أقر بألف في مجلس وأشهد عليه شاهدين عدلين، ثم أقر في مجلس آخر
بألف أو أقل أو أكثر وأشهد عدلين آخرين.
قال أبو حنيفة: يلزمه المالان، وقالا: يلزمه مال واحد إن تساويا، وإن تفاوتا لزمه أكثرهما، لان الاقرار إخبار بالحق الثابت والاخبار قد يكرر فيكون الثاني عين الاول، فصار كما لو أقر بهما في مجلس واحد أو أشهد عدلا واحدا في الاول أو فاسقين، وله أنهما إقراران مختلفان، والمال قد يجب وقتا بعد وقت، والظاهر أن الثاني غير الاول، على أن النكرة إذا كررت لم يكن الثاني عين الاول، إلا إذا أعيدت معرفة كقوله تعالى: * (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) * (المزمل: 51 - 61) وفي الكافي شرح المنظومة: من أقر على نفسه لرجل بمائة درهم مثلا في موضع وأشهد شاهدين ثم أقر وأشهد في موضع آخر شاهدين على مائة درهم أو أقل أو أكثر فعليه المالان إذا ادعى الطالب المالين، وقالا: عليه مال واحد، فإن تفاوتا فعليه أكثرهما، وهذا إذا لم يبين سببا، فإن بين السبب متحدا بأن قال في المرتين عن هذا العبد يلزمه مال واحد، وإن بين سببا مختلفا بأن قال أو لا ثمن هذا العبد وثانيا ثمن هذه الجارية يلزمه المالان، قيد: أي صاحب المجمع بتعدد الاشهاد والمشهد، لانه إذا اتحد أحدهما أو كلاهما يلزمه مال واحد اتفاقا، ولو قال له علي ألف بل ألفان لزمه ألفان.
وقال زفر: يلزمه ثلاثة ا ه.
والحاصل: أن هذه المسألة على وجوه: لانه إما أن يضيف إقراره إلى سبب أو لا.
والاول إما أن يكون السبب متحدا أو مختلفا، فإن أضاف إلى سبب واحد بأن قال له علي ألف درهم ثمن هذا العبد ثم أقر بعد ذلك في ذلك المجلس أو مجلس آخر أن لفلان علي ألف درهم ثمن هذا العبد والعبد واحد لا يلزمه إلا ألف واحد على كل حال في قولهم جميعا، وإن كان السبب مختلفا بأن قال لفلان علي ألف درهم ثمن هذه الجارية ثم قال لفلان علي ألف درهم ثمن هذا العبد يلزمه المالان في قولهم أقر بذلك في موطن أو موطنين.
والثاني إما أن يكتب به صكا على نفسه، فإن كان الصك واحدا لزمه مال واحد، وإن كان كتب صكين وأقر بهذا ثم بهذا لزمه المالان، ونزل اختلافهما بمنزلة اختلاف السبب، وإن لم يكتب صكا لكنه أقر مطلقا فإن تعدد الاقرار والاول عند غير القاضي والثاني عنده لزمه مال واحد، وكذا لو كان كل عند القاضي لكن في مجلسين فادعى الطالب مالين والمطلوب يقول إنه واحد فالقول قول المطلوب، وإن تعدد الاقرار عند غير القاضي: فإن أشهد على كل إقرار فردا فالمال واحد
عند الكل تعدد المجلس أو اختلف، وإن أشهد على الاول واحدا وعلي الثاني جماعة فالمعتمد لزوم مال(2/264)
واحد عند الجميع، وإن أشهد على كل إقرار شاهدين فقال الامام: يلزمه مالان إن لم يتغير الشهود، فإن تغيروا كان المال واحدا، فبعض المشايخ قالوا: إن كان ذلك في موطنين وأشهد على إقراره شاهدين فإنه يلزمه المالان جميعا، سواء أشهد على قال شمس الائمة الحلواني: كذا ذكره إقراره الثاني الاولين أو غيرهما الخصاف، والظاهر أن الخلاف بينهم فيما إذا كان الاقراران في موطنين، أما إذا كان في موطن واحد فيكون المال واحدا وحاصله: أن الصور الوفاقية والخلاقية ثمانية: واحدة خلافية والباقي وفاقية، وذلك لانه إذا لم يبين السبب واختلف المجلس والشهود لزم مالان عنده خلافا لهما، وإن اتحد المجلس وبه صك فاللازم ألف واحدة اتفاقا، وإن كان لا صك ففي تخريج الكرخي ألفان، وفي تخريج الطحاوي ألف، وإن بين السبب: فإن كان مختلفا فألفان، وإن متحدا فألف، وكذا إن اتحد الشهود أو اتحد الصك، وإن كان صكان فأشهد عليهما لزم مالان.
وحاصل الصور العقلية اثنتان وسبعون صورة، لانه لا يخلو: إما أن لا يبين السبب، أو يبين سببا مختلفا أو متحدا، فهي ثلاث، وفي كل: إما أن يكون في مجلس أو في مجلسين فهي ستة، وفي كل: إما أن تتحد الشهود أو تختلف فهي اثنا عشر، وفي كل: إما أن لا يكون به صك أو به صك واحد أو صكان فهي ستة وثلاثون، وفي كل: إما أن يتحدا المالان أو يختلفا فهي اثنان وسبعون.
هذه خلاصة ما حققه المحشون في هذا المحل فاغتنمه فإنه من فيض المنعم الاجل.
قوله: (أقر) أي بدين أو غيره كما في شتى الفرائض من الكنز قوله: (عند الثاني) وعندهما لا يلتفت إلى قوله.
قوله: (وبه يفتى) وهو المختار.
بزازية ظاهره أن المقر إذا ادعى الاقرار كاذبا يحلف المقر له أو وارثه على المفتى به من قول أبي يوسف مطلقا، سواء كان مضطرا إلى الكذب في الاقرار أو لا.
قال شيخنا: وليس كذلك لما سيأتي من مسائل شتى قبيل كتاب الصلح عند قول المصنف أقر بمال في صك، وأشهد عليه به ثم ادعى أن بعض المال المقر به قرض وبعضه ربا الخ حيث نقل الشارح عن شرح الوهبانية للشرنبلالي ما
يدل على أنه إنما يفتي بقول أبي يوسف، من أنه يحلف المقر له أن المقر ما أقر كاذبا في كل صورة يوجد فيها اضطرار المقر إلى الكذب في الاقرار، أبو السعود.
وفيه: أنه لا يتعين الحمل على هذا، لان العبارة هناك في هذا ونحوه، فقوله ونحوه يحتمل أن يكون المراد به، كل ما كان من قبيل الرجوع بعد الاقرار مطلقا، ويدل عليه ما بعده من قوله وبه جزم المصنف، فراجعه ا ه.
أقول: وقدمنا شيئا منه في شتى القضاء وسيأتي في شتى الاقرار.
قوله: (درر) نصها: وهو استحسان، ووجهه أن العادة جرت بين الناس أنهم إذا أرادوا الاستدانة يكتبون الصك قبل الاخذ ثم يأخذون المال، فلا يكون الاقرار دليلا على اعتبار هذه الحالة فيحلف، وعليه الفتوى لتغير أحوال الناس، وكثرة الخداع والخيانات، وهو يتضرر والمدعي لا يضره اليمين إن كان صادقا فيصار إليه، وعندهما يؤمر بتسليم المقر به إلى المقر له، وهو القياس، لان الاقرار حجة ملزمة شرعا كالبينة بل أولى لان احتمال الكذب فيه أبعد ا ه.
وقيده في الفتاوى الخيرية بأنه لم يصر محكوما عليه بالاقرار.
فإن صار محكوما عليه بالاقرار لا يحلف كما هو صريح كلام البزازية.(2/265)
قال في المنح: كما في كثير من المعتبرات، وعند أبي حنيفة ومحمد: لا يلتفت إلى قوله.
قال في الخانية بعد ذكر الخلاف في كتاب الاقرار: فإذا كان في المسألة خلاف أبي يوسف والشافعي يفوض ذلك إلى رأى القاضي والمفتى.
ذكره في كتاب الدعوى في باب اليمين.
قوله: (فيحلف) أي المقر له أنه لم يكن المورث كاذبا فيما أقر وبعضهم على أنه لا يحلف.
بزازية.
والاصح التحليف.
حامدية عن صدر الشريعة.
قوله: (وإن كانت الدعوى) أي من المقر أو من وارثه.
قوله: (أنا لا نعلم) بدل مما قبله.
قوله: (إنه كان كاذبا) إذا لم يكن إبراء عام، فلو كان لا تسمع، لكن للعلامة ابن نجيم رسالة أفتى فيها بسماعها حاصلها: لو أقرت امرأة في صحتها لبنتها بمبلغ معين ثم وقع بينهما إبراء عام ثم ماتت فادعى الوصي أنها كاذبة تسمع دعواه، وله تحليف البنت، ولا يصح الحكم قبل التحليف لانه حكم بخلاف المفتى به، لان الابراء هنا لا يمنع، لان الوصي يدعي عدم لزوم شئ، بخلاف ما إذا
دفع المقر المال المقر به إلى المقر له، فإنه ليس له تحليف المقر له لانه يدعي استرجاع المال والبراءة مانعة من ذلك.
أما الاولى: فإنه لم يدع استرجاع شئ وإنما يدفع عن نفسه فافترقا، والله تعالى أعلم.
وفي جامع الفصولين أقر فمات فقال ورثته إنه أقر كاذبا فلم يجز إقراره والمقر له عالم به ليس لهم تحليفه، إذ وقت الاقرار لم يتعلق حقهم بمال المقر فصح الاقرار، وحيث تعلق حقهم صار حقا للمقر له ص.
أقر ومات فقال ورثته إنه أقر تلجئة يحلف له بالله لقد أقر لك إقرارا صحيحا ط.
وارث ادعى أن مورثه أقر تلجئة: قال بعضهم له تحليف المقر له ولو ادعى أنه أقر كاذبا لا يقبل.
قال في نور العين: يقول الحقير: كان ينبغي أن يتحد حكم المسألتين ظاهرا إذ الاقرار كاذبا موجود في التلجئة أيضا، ولعل وجه الفرق هو أن التلجئة أن يظهر أحد شخصين أو كلاهما في العلن خلاف ما تواضعا عليه في السر، ففي دعوى التلجئة يدعي الوارث على المقر له فعلا له، وهو تواضعه مع المقر في السر فلذا يحلف، بخلاف دعوى الاقرار كاذبا كما لا يخفى على من أوتي فهما صافيا ا ه.
من أواخر الفصل الخامس عشر، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب الاستثناء لما ذكر الاقرار بلا تغيير شرع في بيان موجبه مع التغيير بالاستثناء والشرط ونحوه، وهو استفعال من الثني، وهو لغة: الصرف والرد، فالاستثناء صرف القائل: أي رده عن المستثنى فيكون حقيقة في المتصل والمنفصل، لان إلا هي التي عدت الفعل إلى الاسم حتى نصبته فكانت بمنزلة الهمزة في التعدية، والهمزة تعدي الفعل إلى الجنس وغير الجنس حقيقة وفاقا، فكذا ما هو بمنزلتها.
حموي.
واصطلاحا: ما ذكره الشارح وهو متصل وهو الاخراج، والتكلم بالباقي ومنفصل وهو ما لا يصح إخراجه كما في العناية.
قوله: (وما في معناه) أي مثل التعليق بمشيئة الله، وكقوله لفلان علي ألف درهم وديعة كما هو مقرر في كلامهم.
فتال.
قوله: (كالشرط نحوه) أي في كونه مغيرا كالشرط وهو(2/266)
الصفة والحال، واعترض قاضي زاده على من قال: وهو الشرط بأنه يقتضي حصر ما في معناه في
الشرط فلا يدخل أكثر ما في هذا الباب، فالاولى ما في شرح تاج الشريعة والكفاية من قوله: كالشرط وغيره كما عبر الشارح، فلا غبار على عبارة الشارح حيث قال ونحوه، لانها بيان لما في قول المصنف وما في معناه، فإنه قد صرح بها بما علم التزاما من كاف التمثيل المشعر عن الكثرة كما هو المشهور بين الجمهور، وهذا الجمع بينهما قد وقع من صاحب المفتاح في مواضع والمراد بنحو الشرط ما ذكرنا، وما سيجئ من إقراره بدين ثمن عبد غير عين وإنكاره قبضه وإقراره بثمن متاع وبيانه بأنه زيوف ونحوهما فظهر أن من فسر قوله وما بمعناه بقوله وهو الشرط لم يصب لانه يوهم الحصر كما لا يخفى.
قوله: (هو عندنا تكلم بالباقي) أي معنى لا صورة.
قوله: (بعد الثنيا) بضم فسكون وفي آخره ألف مقصورة اسم من الاستثناء، وكذلك الثنوي بالفتح مع الواو وفي الحديث من استثنى فله ثنياه.
أي ما استثناه والمراد بعد الثنيا: أي بعد المستثنى، فيكون الاستثناء عندنا لبيان أن الصدر لم يتناول المستثنى، وعند الشافعي إخراج بطريق المعارضة.
قال في شرح المنار لابن ملك: فصار تقدير قول الرجل لفلان علي ألف إلا مائة عندنا لفلان علي تسعمائة، وإنه لم يتكلم بالالف في حق لزوم المائة، وعند الشافعي إلا مائة فإنها ليست علي فإن صدر الكلام يوجبه والاستثناء ينفيه فتعارضا فتساقطا بقدر المستثنى ا ه.
واستشكل الزيلعي مذهب الشافعي بوقوعه في الطلاق والعتاق، فلو كان إخراجا بطريق المعارضة لما صح، لان الطلاق والعتاق لا يحتملان، والرفع بعد الوقوع.
قال: وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا قال لفلان علي ألف درهم إلا مائة أو خمسين فعندنا يلزمه تسعمائة، لانه لما كان تكلما بالباقي وكان مانعا من الدخول شككنا في المتكلم به، والاصل براءة الذمم فلا يلزمه الزائد بالشك، فصار نظير ما لو قال علي تسعمائة أو تسعمائة وخمسون فإنه يلزمه الاقل، وعنده: لما دخل الالف كله صار في المخرج شك، فيخرج الاقل وهو خمسون والباقي على حاله انتهى.
لكن قول الزيلعي: فعندما يلزمه تسعمائة خلاف الاصح.
قال في البحر: وإذا استثنى عددين بينهما حرف الشك كان الاقل مخرجا بحوله على ألف درهم إلا مائة أو خمسين لزمه تسعمائة وخمسون على الاصح انتهى.
كذا في حاشية أبي السعود على مسكين.
أقول: لكن نقل المقدسي عن متفرقات وصايا الكافي: أن القائل بأن المستثنى خمسون العامة، وقال محمد: إنه مائة.
وذكر في الظهيرية والولوالجية أن قول محمد رواية أبي حفص، وتلك رواية سليمان، وفي الدراية صححها، وصحح قاضيخان في شرح الزيادات رواية أبي حفص وقال: وهو الموافق لقواعد المذهب، وسيأتي للفرع تتمة.
قوله: (باعتبار الحاصل من مجموع التركيب) هذا كالتأكيد لما قبله، فإن التكلم بالباقي بعد الثنيا لا يتأتى إلا بالنظر لما بعد إلا وما قبلها، فالمتحصل من مجموع له عشرة إلا ثلاثة له علي سبعة.
قال في البحر: لا حكم فيما بعد إلا بل مسكوت عنه عند عدم القصد كمسألة الاقرار في قول له علي عشرة إلا ثلاثة لفهم أن الغرض الاثبات فقط، فنفي الثلاثة إشارة لا عبارة، وإثبات السبعة عكسه، وعند القصد يثبت لما بعدها نقيض ما قبلها ككلمة التوحيد نفي وإثبات قصدا فالاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا باعتبار الحاصل من مجموع التركيب، ونفي وإثبات باعتبار الاجزاء ا ه.
فالباقي(2/267)
والثنيا هما عين النفي والاثبات، فلو صدر بالنفي لم يكن مقرا بشئ كما لو قال ليس له علي سبعة كما في التنقيح.
قال: فأصل هذا يفيد أن لا إله إلا الله لا يفيد التوحيد مع أنهم أجمعوا على الافادة.
الجواب، أن إلهنا متفق على وجوبه ثم قلنا بنفي غيره، وقد أفاده هذا التركيب وبهذا الاعتبار أفاد التوحيد.
قوله: (باعبتار الاجزاء) أي اللفظية فصدر الجملة الاستثنائية نفي وعجزها إثبات أو بالعكس ط.
قوله: (فالقائل له علي عشرة إلا ثلاثة) أي فالمقر بسبعة.
قوله: (له عبارتان) قوله: (وهذا) الظاهر أنه راجع إلى قول المصنف هو تكلم بالباقي الخ ولا حاجة إليه حينئذ: أي إلى.
قوله باعتبار الحاصل من مجموع التركيب ط.
أقول: هذا إشارة إلى ما ذكره الاصوليون في الاستثناء.
قال في التنقيح وشرحه: واختلفوا في كيفية عمل بيان التغيير، ففي قوله: له علي عشرة إلا ثلاثة لا يخلو، أما إن أطلق العشرة على السبعة فحينئذ قوله إلا ثلاثة يكون بيانا لهذا، فهو كأن قال ليس علي ثلاثة منها، فيكون كالتخصيص بالمستقل، أو أطلق العشرة على عشرة أفراد ثم أخرج له ثلاثة بحكم، وهذا تناقض وإن كان بعد الاقرار ولا أظنه مذهب أحد أو قبله، ثم حكم على الباقي أو أطلق
عشرة إلا ثلاثة على السبعة فكأنه قال علي سبعة، فحصل ثلاثة مذاهب، فعلى هذين: أي المذهبين الآخرين يكون الاستثناء تكلما بالباقي في صدر الكلام بعد الثنيا: أي المستثنى، ففي قوله له علي عشرة إلا ثلاثة صدر الكلام عشرة والثنيا ثلاثة، والباقي في صدر الكلام بعد المستثنى سبعة فكأنه تكلم بالسبعة وقال له علي سبعة، وإنما قلنا على الآخرين تكلم بالباقي بعد الثنيا، أما على المذهب الآخير فلان عشرة إلا ثلاثة موضوعة للسبعة فيكون تكلما بالسبعة، وأما على المذهب الثاني فلانه أخرج الثلاثة قبل الحكم من إفراد العشرة ثم حكم على السبعة، فالتكلم في حق الحكم يكون بالسبعة: أي يكون الحكم على السبعة فقط لا على الثلاثة لا بالنفي ولا بالاثبات ا ه.
فرع: له علي عشرة إلا سبعة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهما، فطريقه أن يخرج الاخير وهو الدرهم مما يليه يبقى درهمان، ثم تخرجهما مما بينهما وهو الخمسة يبقى ثلاثة فأخرجها من السبعة يبقى أربعة فأخرجها من العشرة يبقى ستة.
سائحاني.
قوله: (وشرط فيه) أي في اعتباره شرعا.
قوله: (الاتصال بالمستثنى منه) لان تمام الكلام بآخره، وإذا انقطع فقد تم.
عيني.
ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما جواز التأخير.
درر.
قال أبو السعود في حاشيته علي مسكين عند قوله وكذا إن كان مفصولا: بطل الاستثناء خلافا لابن عباس رضي الله تعالى عنهما استدل بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: والله لاغزون قريشا، ثم قال بعد سنة: إن شاء الله قلنا: هو مغير والمغير لا يصح إلا متصلا كالشرط، واستثناء النبي عليه الصلاة والسلام كان لامتثال أمره تعالى بقدر الامكان فلا يمنع الانعقاد.
زيلعي.
وقوله لامتثال أمره تعالى يعني قوله تعالى: * () * (الكهف: 32 - 42).
قوله: (لانه للتنبيه) أي تنبيه المنادي لما يلقى إليه من الكلام.
قوله: (والتأكيد) بتعيين المقر له فصار من الاقرار، لان المنادى هو المخاطب، ومفاده لو كان(2/268)
المنادي غير المقر له يضر.
نقله الحموي عن الجوهرة.
ولم أره فيها.
لكن قال في غاية البيان: ولو قال لفلان علي ألف درهم يا فلان إلا عشرة كان جائزا، لانه أخرجه مخرج الاخبار لشخص خاص، وهذا صيغته فلا يعد فاصلا ا ه.
تأمل.
قال في الولوالجية: لان النداء لتنبيه المخاطب وهو محتاج إليه لتأكيد الخطاب والاقرار، فصار من
الاقرار ا ه.
ثم اعلم أن الملائم للاقرار لا يمنع الاتصاف وغير الملائم يمنعه، فمن قبيل الاول التنفس والسعال وأخذ الفم ونحوها فإنها لا تفصل الاستثناء، وكذا النداء سواء كان مفردا نحو يا فلان أو مضافا نحو يا ابن فلان، سواء كان المنادى مقرا له أو غيره نحو لك علي مائة درهم يا فلان أو يا ابن فلان إلا عشرة، ونحو قولك لزيد علي مائة درهم يا عمرو إلا عشرة من قبيل الثاني ما لو هلل أو سبح أو كبر أو قال فاشهدوا، فإن كلا منها جعل فاصلا كما في الغاية والظهيرية، وباقي التفصيل في تنوير تلخيص الجامع الكبير في باب الاستثناء يكون على الجمع.
قوله: (ولو الاكثر عند الاكثر) أي ولو أكثر من النصف عند أكثر النحاة.
قال الفراء: استثناء الاكثر لا يجوز لان العرب لم تتكلم به، والدليل على جوازه قوله تعالى: * () * (المزمل: 2 - 3 - 4) وقوله تعالى: * ((15) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * (الحجر: 24) فاستثنى المخلصين تارة والغاوين أخرى، فأيهما كان أكثر لزمه ولا تمنع صحته وإن لم تتكلم به العرب إذا كان موافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تتكلم به العرب، وهو صحيح لكن يدل على تكلم العرب به وردوه في القرآن كما سمعت النص الكريم.
وقال الشاعر: أدوا التي نقصت تسعين من مائة ثم ابعثوا حكما بالعدل حكام استثنى تسعين من مائة وإن لم يكن بأداته لانه في معناه.
وقال صاحب النهاية: ولا فرق بين استثناء الاقل والاكثر وإن لم تتكلم به العرب، ولا يمنع صحته إذا كان موافقا لطريقهم.
وعن أبي يوسف وهو قول مالك والفراء: لا يصح الاستثناء إلا إذا كان الباقي أكثر كما في مسكين.
قوله: (والاستثناء المستغرق باطل ولو فيما يقبل الرجوع) قال في المنح: لما تقرر من أنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، ولا حاصل بعد الكل فيكون رجوعا.
والرجوع عن الاقرار باطل موصولا كان أو مفصولا.
كذا في العناية وغيرها، لكن مقتضى هذا الكلام صحة استثناء الكل من الكل فيما يقبل الرجوع، وليس كذلك ومن ثم قلت: ولو فيما يقبل الرجوع كوصية.
قال في الجوهرة: واختلفوا في استثناء الكل، فقال بعضهم: هو رجوع لانه يبطل كل الكلام، وقال بعضهم: هو استثناء فاسد وليس برجوع(2/269)
وهو الصحيح، لانهم قالوا في الموصي: إذا استثنى جميع الموصى به بطل الاستثناء والوصية صحيحة، ولو كان رجوعا لبطلت الوصية لان الرجوع فيها جائز ا ه.
قوله: (هو الصحيح) على خلاف ما في الدرر حيث قال: لانك قد عرفت أنه تكلم بالباقي بعد الثنيا، ولا باقي بعد الكل فيكون رجوعا والرجوع بعد الاقرار باطل موصولا كان أو مفصولا.
قوله: (بعين لفظ الصدر) كنسائي طوالق إلا نسائي وكعبيدي أحرار إلا عبيدي.
قوله: (أو مساويه) نحو نسائي طوالق إلا زوجاتي أو عبيدي أحرار إلا مماليكي.
قال في المنح نقلا عن العناية معزيا إلى الزيادات: استثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا كان الاستثناء بعين ذلك اللفظ، أما إذا كان بغير ذلك فيصح كما إذا قال نسائي طوالق إلا نسائي لا يصح الاستثناء، ولو قال إلا عمرة وزينب وسعاد حتى أتى على الكل صح.
قيل وتحقيق ذلك إن الاستثناء إذا وقع بغير اللفظ الاول أمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، لانه إنما صار كلا ضرورة عدم ملكه فيما سواه لا لامر يرجع إلى اللفظ الاول، فبالنظر إلى ذات اللفظ أمكن أن يجعل المستثنى بعض ما تناوله الصدر والامتناع من خارج، بخلاف ما إذا كان بعين ذلك اللفظ، فإنه لم يمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، فإن قيل: هذا مرجع جانب اللفظ على المعنى وإهمال المعنى رأسا فما وجه ذلك؟ أجيب بأن الاستثناء تصرف لفظي: ألا ترى أنه إذا قال أنت طالق ست تطليقات إلا أربعا صح الاستثناء ووقع تطليقتان، وإن كانت الست لا صحة لها من حيث الحكم لان الطلاق لا يزيد على الثلاث ومع هذا يجعل كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا فكان اعتباره أولى انتهى.
قوله: (وإن بغيرهما) بأن يكون أخص منه في المفهوم، لكن في الوجود يساويه.
قوله: (إذ الشرط إيهام البقاء) أي بحسب صورة اللفظ، لان الاستثناء تصرف لفظي فلا يضر إهمال المعنى، أفاده المصنف.
قوله: (ووقع ثنتان) وإن كان الستة لا صحة لها من حيث الحكم، لان الطلاق لا يزيد على الثلاث، ومع هذا لا يجعل كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا، فكان اعتبار اللفظ أولى كما في العناية وهذا مبني على أن الاستثناء من جملة الكلام السابق، لا من جملة الكلام الذي يحكم بصحته، فإن الكلام السابق ست
والاربع بعضه فلم يكن مستغرقا، ولو جعلناه استثناء من الكلام الذي يحكم بصحته لكان مستغرقا فيبطل الكلام الذي يحكم بصحته لو طلقها ستا فثلاث لانه غاية الطلاق والاربع تزيد عليها.
والشارح جعله غاية لكونه شرط الاستثناء أن يكون بلفظ الصدر أو مساويه، والاربعة ليست بلفظ الست ولا مساوية لها بل بعضها فصح استثناؤه، لان الثنتين لها عبارتان كما ذكره الشارح، والست إلا أربع هي العبارة المطولة، فاشتراط كون الاستثناء من جملة الكلام السابق مبني على هذا.
قوله: (كما صح استثناء الكيلي) فصله عما قبله الان بيان للاستثناء من خلاف الجنس، فإن مقدرا من مقدر صح عندهما استحسانا وتطرح قيمة المستثنى مما أقر به، وفي القياس لا يصح، وهو قول محمد وزفر، وإن غير مقدر من مقدر لا يصح عندنا قياسا واستحسانا، خلافا للشافعي نحو مائة درهم إلا ثوبا، لكن حيث(2/270)
لم يصح هنا الاستثناء يجبر على البيان، ولا يمتنع به صحة الاقرار لما تقرر أن جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار، ولكن جهالة المستثنى تمنع صحة الاستثناء.
ذكره في الشرنبلالية عن قاضي زاده.
قال العيني: وخرج بما ذكر القيمي كما إذا قال له علي مائة درهم إلا ثوبا.
وقال الشافعي: يصح من حيث إنهما متحدا المالية، وبه قال ملك.
قوله: (ويكون المستثنى القيمة) مثاله أن يقول: له علي عشرة قروش إلا أردب قمح يصح ذلك، ويكون بالقيمة وإن استغرقت القيمة المستثنى منه يصح كما في البحر.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يصح هذا الاستثناء كما تقدم، لان الاستثناء إخراج بعض ما يتناوله صدر الكلام على معنى أنه لولا الاستثناء لكان داخلا تحت الصدر، وهذا لا يتصور في خلاف الجنس، لكن أبا حنيفة وأبا يوسف صححاه استحسانا كما في الدرر.
قوله: (لثبوتها) أي هذه المذكورات في الذمة، لانها مقدرات وهي جنس واحد معنى وإن كانت أجناسا صورة، لانها تثبت في الذمة ثمنا، أما الدينار والدرهم إذا استثنيا فظاهر، وكذا غيرهما من المكيلات والموزونات، لان الكيلي والوزني مبيع بأعيانهما ثمن بأوصافهما، حتى لو عينا تعلق العقد بأعيانهما، ولو وصفا ولم يعينا صار حكمهما كحكم التمييز، فكانت في حكم الثبوت في الذمة كجنس واحد معنى، فالاستثناء فيها تكلم بالباقي معنى لا صورة، كأنه قال ثبت لك في ذمتي كذا إلا كذا: إي إلا قيمة كذا، ولو استثنى
غير المقدرات من المقدرات لا يصح قياسا واستحسانا كما قدمناه، لان ماليته غير معلومة لكونه متفاوتا في نفسه، فيكون استثناء للمجهول من المعلوم فيفسد فلا ينافي ما يأتي، ولان الثوب لا يجانس الدراهم لا صورة ولا وجوبا في الذمة.
وتمامه في الاتقاني.
قوله: (وكانت كالثمنين) لانها بأوصافها أثمان حتى لو عينها تعلق العقد بعينها، ولو وصفت ولم تعين صار حكمها كحكم الدينار.
كفاية.
قوله: (لاستغراقه بغير المساوي) أي وهو يوهم البقاء وإبهام البقاء كاف.
قوله: (لكن في الجوهرة) ومثله في الينابيع، ونقله قاضي زاده عن الذخيرة كما في الشرنبلالية وفيها قال الشيخ علي المقدسي رحمه الله تعالى: لو استثنى دنانير من دراهم أو مكيلا أو موزونا على وجه يستوعب المستثنى كقوله له علي عشرة دراهم إلا دينارا وقيمته أكثر وإلا كر بر كذلك إن مشينا على أن استثناء الكل بغير لفظه صحيح، ينبغي أن يبطل الاقرار.
لكن في ذكر في البزازية ما يدل على خلافه.
قال علي دينار إلا مائة درهم بطل الاستثناء، لانه أكثر.
من الصدر: ما في هذا الكيس من الدراهم لفلان إلا ألفا: ينظر إن فيه أكثر من ألف فالزيادة للمقر له والالف للمقر، وإن ألف أو أقل فكلها للمقر له لعدم صحة الاستثناء.
قلت: ووجهه ظاهر بالتأمل ا ه.
قلت: فكان ينبغي للمصنف أن يمشي على ما في الجوهرة حيث قال فيما قبله، وإن استغرقت.
تأمل.
قال العلامة أبو السعود قلت: ولا شك أن ما في الجوهرة أوجه لما سبق من أن بطلان الاستثناء المستغرق مقيد بما إذا كان بلفظه أو بمرادفه.(2/271)
واعلم أن المصنف تبع قاصيخان في تفريعه على هذه المسألة: أعني صحة استثناء الكيلي والوزني ونحوهما من المقدرات، التي تثبت في الذمة من الدراهم والدنانير فقال: لو قال له دينار إلا درهما أو إلا قفيزا أو إلا مائة جوزة صح، ويطرح من المقدم قدر قيمة المستثنى، فإن كانت قيمته تأتي على جميع ما أقر به لا يلزمه شئ، وإن لم يكن المستثنى من جنس ما أقر به وليس له جنس من مثله كقوله دينار
إلا ثوبا أو شاة لم يصح الاستثناء، وإن كان من جنسه صح الاستثناء في قولهم إلا أن يستثنى جميع ما تكلم به فلا يصح الاستثناء ا ه.
وآخره يخالف أوله.
كذا بخط السيد الحموي عن الرمز.
وأقول: يمكن الجواب بحمل ما ذكره قاضيخان آخرا على ما إذا كان الاستثناء بمرادفه كقوله له علي ألف دينار إلا خمسمائة وخمسائة فلا يخالف ما ذكره أولا، لان الاستغراق فيه من حيث القيمة، فتدبر.
قوله: (فيحرر) الظاهر أن في المسألة روايتين مبنيتين على أن الدراهم والدنانير جنس واحد أو جنسان ح.
وتوضيحه: أنهم جعلوا الدراهم والدنانير نوعا واحدا في بعض المسائل نظرا لان المقصود منها الثمنية، وفي بعض المسائل جعلوها نوعين باعتبار الصورة كما بينه الشارح في غير هذا المحل، فصاحب البحر جعلها في مسألة الاستثناء مما هي معتبرة فيه نوعا واحدا، فكان استثناء المائة درهم من الدينار استثناء بالمساوي لانها تبلغ قيمة الدينار أو تزيد عليه، وصاحب الجوهرة نظر إلى أنهما نوعان في نفس الامر كما اعتبروها كذلك في بعض المسائل، فلذلك كان استثناء العشرة الدنانير من المائة الدرهم وهي تبلغها قيمة أو تزيد استثناء صحيحا، فإنه ليس بلفظ الاول ولا مساوية لانهما نوعان، إذ الشرط إيهام البقاء لا حقيقة كما ذكره الشارح، والايهام موجود هنا، ويؤيده مسألة استثناء المكيل والموزون والمعدود.
والحاصل: أن الاستثناء المستغرق إن كان بلفظ الصدر فباطل، وإن لم يكن بلفظ الصدر ولا مساويا له كاستثناء كر بر من الدراهم صحيح لما تقدم أن الشرط إيهام البقاء لا حقيقته، وإن كان بغير لفظ الصدر لكن بمساويه كاستثناء الدراهم من الدنانير أو العكس فوقع فيه اختلاف إذا كان مستغرقا في البحر عن البزازية يقتضي بطلانه، وما في الجوهرة والينابيع والذخيرة يخالفه.
قوله: (على الاصح) لان الالف متيقنة الثبوت والخمسون متحققة الخروج وتمام المائة مشكوك في خروجها والمتيقن ثبوته لا يبطل في المشكوك بخروجه وهو تمام المائة، بل بالمتيقن خروجه وهو خمسون، لكن فيه مخالفة لما مهده أولا من أن الاستثناء تكلم بالباقي عندنا، وإنما يناسب ما نلقناه عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه إخراج بعد الدخول بطريق المعارضة، وقدمنا أن ثمرة الخلاف إنما تظهر في مثل هذا التركيب، فعندنا يلزمه
تسعمائة وخمسون على هذه الرواية، وهي رواية أبي سليمان، وفي رواية تسعمائة، وهي رواية أبي حفص، وهي الموافقة لقواعد المذهب، لانه لما كان تكلما بالباقي وكان مانعا من الدخول شككنا في المتكلم به، والاصل فراغ الذمة فلا يلزمه الزائد بالشك، وعليه فكان الاولى التفريع على قاعدة المذهب، ثم يذكر هذا على أنه قول آخر.
تأمل.
قوله: (ثبت الاكثر) أي أكثر المقر به.
قوله: (إلا شيئا) لان(2/272)
استثناء الشئ استثناء الاقل عرفا فأوجبنا النصف وزياة درهم بنقد استثنى الاقل اه.
شلبي قوله: (فيحكم بخروج الاقل) وهو ما دون النصف لان استثناء الشئ استثناء الاقل عرفا فأوجبنا النصف وزيادة درهم، لان أدنى ما تتحقق به القلة النقص عن النصف بدرهم.
قوله: (ولو وصل إقراره بإن شاء الله) ولو من غير قصد كما في غاية البيان نقلا عن الواقعات الحسامية، وقيد بالوصل لانه لو كان مفصولا لا يؤثر، خلافا لابن عباس كما سبق، إلا إذا كان عدم الوصل لعذر من الاعذار التي تقدمت.
قال العيني: ولو قال لامرأته أنت طالق فجرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد، وكان قصده إيقاع الطلاق لا يقع، لان الاستثناء موجود حقيقة، والكلام مع الاستثناء لا يكون إيقاعا، ومثل تعليقه بمشيئة الله تعليق إقراره بمشيئة من لا تعلم مشيئته كالجن والملائكة.
حموي عن المختار.
وإنما بطل الاقرار في هذه لان التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عند محمد فبطل قبل انعقاده للحكم وتعليق بشرط لا يوقف عليه عند أبي يوسف.
درر وثمرة الخلاف فيما إذا قدم المشيئة فقال إن شاء الله أنت طالق، فعند من قال إنه إبطال لا يقع الطلاق، وعند من قال إنه تعليق يقع لانه إذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق، وبقي الطلاق من غير شرط فيقع.
كفاية.
واختار قول محمد صاحب الكفاية وغاية البيان وصاحب العناية، وكذا تظهر أيضا ثمرة الخلاف فيما إذا قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن شاء الله تعالى يحنث عند أبي يوسف لانه يمين عنده، وعند محمد لا يكون يمينا فلا يحنث عيني.
تنبيه: ما سبق من أن التعليق بمشيئة الله إبطال عند محمد وتعليق بشرط لا يوقف عليه عند أبي يوسف يشكل بما نقلناه مما يقتضي كون الخلاف بين الصاحبين على عكس ما ذكر في الدرر.
وجوابه
أن النقل عنهما قد اختلف: ففي الشرنبلالية بعد أن ذكر ما نقلناه من الخلاف قال: وقيل الخلاف على العكس، واختاره بعض شراح الهداية، وأيضا فإن ما ذكرنا من أنه عند أبي يوسف تعليق بشرط لا يوقف عليه أحد وجهين، والوجه الثاني هو أن الاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط كما في الشرنبلالية عن قاضي زاده.
قوله: (أو فلان) فيبطل ولو قال فلان شئت لانه علق وما نجز واللزوم حكم التنجيز لا التعليق، ولان مشيئة فلان لا توجب الملك شلبي.
أقول: وينظر مع ما قدمنا في تعليق الطلاق بمشيئة العبد فشاء في مجلسه صح ووقع الطلاق شرنبلالية.
وجوابه أن الاقرار إخبار فلا يصح تعليقه.
والطلاق إنشاء لا إسقاط فصح تعليقه، واقتصرت مشيئته على المجلس نظرا لمعنى التمليك.
أبو السعود.
قوله: (أو علقه بشرط على خطر) كقوله لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان، وكذا كل إقرار علق بالشرط نحو قوله إن دخلت الدار وإن أمطرت السماء أو هبت الريح أو إن قضى الله تعالى أو أراده أو رضيه أو أحبه أو قدره أو دبره كما في العيني.
ومنه: إن حلفت فلك ما ادعيت، فلو حلف لا يلزمه، ولو دفع بناء على أنه يلزمه فله أن يسترد المدفوع كما في البحر في فصل صلح الورثة بقوله: ولو قال المدعى عليه إن حلفت أنها لك دفعتها فحلف المدعي ودفع المدعى عليه الدراهم، إن كان دفع له بحكم الشرط فهو باطل وللدافع أن يسترد ا ه.
وقيد في البحر التعليق على خطر بأن لم يتضمن دعوى الاجل.
قال: وإن تضمن مثل إذا جاء رأس الشهر فلك علي كذا لزمه للحال ويستحلف المقر له في الاجل ا ه.
تأمل.
وفي البحر(2/273)
أيضا: ومن التعليق المبطل له ألف إلا أن يبدو لي غير ذلك أو أرى غيره أو فيما أعلم، وكذا اشهدوا أن له علي كذا فيما أعلم انتهى.
أو قال علي ألف في شهادة فلان أو علمه، لانه في معنى الشرط، بخلاف ما لو قال ذلك بالباء لانها للالصاق، ولو قال وجد ت في كتابي: أي دفتري أنه علي كذا فهو باطل.
وقال جماعة من أئمة بلخ: أنه يلزمه لانه لا يكتب في دفتره إلا ما عليه الناس صيانة عن النسيان وللبناء على العادة الظاهرة، فعلى هذا لو قال البياع وجدت في يادكاري بخطي أو كتبت في يادكاري بيدي أن لفلان علي ألف درهم كان إقرارا ملزما.
وفي الولوالجية: ولو قال في ذكرى أو
بكتابي لزمه ا ه.
حموي.
وقد تقدم ذلك مبسوطا، وأن موضع الكلام فيما عليه لا فيما له، وتصوير الاقرار بما عليه في كتابه هو ما ذكرها قال الحموي: ولا يفرق بين قوله في كتابي أو في كتاب فلان.
نقله عن الولوالجية.
قال العلامة المقسي في الرمز: وأنت خبير بأن كتاب فلان غير مأمون عليه من التغيير، بخلاف كتاب المقر.
ا ه.
قال ط: وهذا يفيد أنه لا يعمل بإقراره بما عليه إلا إذا كان بكتابته، وأنه لا يعمل بكتابته ماله على الناس لانه إثبات حق على غيره بمجرد كتاب المدعي، ولا نظير له في الشريعة، فالافتاء بلزومه بمجرد ذلك ضلال مبين.
قوله: (كإن مت فإنه ينجز) المعلق بكائن لانه ليس تعليقا حقيقة بل مراده به أن يشهدهم لتبرأ ذمته بعد موته إن جحد الورثة فهو عليه مات أو عاش، فمرجعه إلى تأكيد الاقرار كما في الحموي والزيلعي وغيرهما، والشارح تبع فيه المصنف وهو تبع صاحب البحر.
قال ط: ومنه يعلم أن قوله في البحر: وإن بشرط كائن فتنجيز كعلي ألف درهم إن مت لزمه قبل الموت منظور فيه، ولقائل أن يقول: إن قوله إن مت في عبارة الشرح يحتمل رجوعه إلى الاقرار لا إلى الشهادة.
وأجيب بأن تصرف العاقل يصان عن الالغاء ما أمكن، وذلك بجعله شرطا للشهادة، فلو قال المقر أردت تعليق الاقرار ورضي بالغاء كلامه.
قلنا: تعلق حق المقر له يمنع ذلك كما في الرمز.
ا ه.
مختصرا.
قال ط: بقي لو كان الكلام من أول الامر بصورة صاحب البحر والظاهر اللزوم حالا كما قال لتعلق حق المقر، ولا يجعل وصية، وقد استفيد هذا من قوله فلو قال المقر أردت الخ.
ا ه.
لكن قدم في متفرقات البيع أنه يكون وصية.
والحاصل أن التعليق على ثلاثة أقسام: إما أن يصل إقراره بإن شاء الله، فإنه باطل عند محمد، وتعليق عند أبي يوسف.
وإما أن يصله بإن شاء فلان ونحوه مما هو تعليق على خطر فهو تعليق اتفاقا والاقرار لا يصح تعليقه بالشرط وإما أن يعلقه بكائن لا محالة فهو تنجيز فلا يبطل الاقرار وكذا إذا قال إذا جاء رأس الشهر أو أفطر النا س أو إلى الفطر أو إلى الضحى، لان هذا ليس بتعليق وإنما هو دعوى الاجل إلى الوقت المذكور فيقبل إقراره، ودعواه الاجل لا تقبل إلا بينة أو إقرار الطالب.
قوله: (بقي لو ادعى المشيئة) أي ادعى أنه قال إن شاء الله تعالى.
قوله (قال
المصنف) وعبارته: ويقبل قوله إن ادعاه، وأنكره في ظاهر المروي عن صاحب المذهب.
وقيل لا يقبل إلا ببينة على الاعتماد لغلبة الفساد خاينة.
وقيل إن عرف بالصلاح فالقول له.
قال الرملي في حواشيه: أقول: الفقه يقتضي أنه إذا ثبت إقراره بالبينة لا يصدق إلا ببينة، أما إذا قال ابتداء أقررت له بكذا مستثنيا في إقراري يقبل قوله بلا بينة، كأنه قال له عندي كذا إن شاء الله تعالى، بخلاف الاول(2/274)
لانه يريد إبطاله بعد تقرره.
تأمل ا ه.
قوله: (وصح استثناء البيت من الدار) لانه جزء من أجزائها فيصح استثناء الجزء من الكل كالثلث أو الربع.
بدائع.
ولو قال هذه النخل بأصولها لفلان والثمر لي كان الكل للمقر له، ولا يصدق المقر إلا بحجة كما في الخانية.
قوله: (منهما) أي من الدار والبيت.
قوله: (لدخوله تبعا) أي لدخول البناء معنى وتبعا لا لفظا، والاستثناء تصرف في الملفوظ، وذلك لان الدار اسم لما أدير عليه البناء من البقعة، وبحث منلا خسروا بأنه لا ينكر أن البناء جزء من الدار لا يرد المنصوص، ولهذا لو استحق البناء في البيع قبل القبض لا يسقط شئ من الثمن بمقابلته، بل يتخير المشتري.
بخلاف البيت تسقط حصته من الثمن أو حاصله.
قوله: (واستثناء الوصف لا يجوز) كقوله له هذا العبد إلا سواده.
قوله: (وإن قال بناؤها لي وعرصتها لك فكما قال) وكذا لو قال بياض هذه الارض لفلان وبناؤها لي.
قوله: (هي البقعة) فقصر الحكم عليها يمنع دخول الوصف تبعا.
قوله: (حتى لو قال وأرضها لك كان له البناء أيضا).
أقول: هذا مخالف للعرف الآن، فإن العرف أن الارض بمعنى العرصة، وعليه فينبغي أن لا يكون البناء تابعا للارض تأمل.
قوله: (إلا إذا قال بناؤها لزيد والارض لعمرو فكما قال) لانه لما أقر بالبناء لزيد صار ملكه، فلا يخرج عن ملكه بإقراره لعمرو بالارض، إذ لا يصدق قوله في حق غيره، بخلاف المسألة الاولى، لان البناء مملوك له، فإذا أقر بالارض لغيره يتبعها البناء، لان إقراره مقبول في حق نفسه.
وحاصله في الدار والارض اسم لما وضع عليه البناء لا اسم للارض والبناء، لكن البناء يدخل تبعا في بيعه والاقرار به، والعرصة اسم للارض خالية عن البناء، فلا يدخل فيها البناء لا أصلا ولا تبعا.
والاصل: أن الدعوى لنفسه لا تمنع الاقرار لغيره، والاقرار لغيره يمنع الاقرار لشخص آخر،
إذا علم هذا فإذا أقر بالدار لشخص فقد أقر بالارض التي أدير عليها البناء، ولفظ الدار لا يشمل البناء، لكنه يدخل تبعا فكان بمنزلة الوصف.
والاستثناء أمر لفظي لا يعمل إلا فيما يتناوله اللفظ، فلا يصح استثناؤه للبناء لانه لم يتناوله لفظ الدار، بل إنما دخل تبعا، وهذا معنى.
قوله واستثناء الوصف لا يجوز بخلاف البيت فإنه اسم لجزء من الدار مشتمل على أرض وبناء فصح استثناؤه باعتبار ما فيه من الاصل، وهو الارض، فكان متناوله لفظ الدار والاستثناء: إخراج لما تناوله لفظ المستثنى منه، ولا يضر كون البناء جزءا من مسمى البيت مع أنه وصف من الدار، لانه لم يستثن الوصف منفردا بل قائما بالاصل الذي هو الارض.
وتخريج جنس هذه المسائل على أصلين أحدهما: أن الدعوى قبل الاقرار لا تمنع صحة الاقرار، والدعوى بعد الاقرار لبعض ما دخل تحت الاقرار لا تصح.
والثاني: أن إقرار الانسان على نفسه جائز وعلى غيره لا يجوز.
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا قال بناء هذه الدار لي وأرضها لفلان كان البناء(2/275)
والارض للمقر له، لانه لما قال بناء هذه الدار لي فقد ادعى لنفسه، فلما قال وأرضها لفلان فقد جعل مقرا بالبناء للمقر له تبعا للاقرار بالارض لان البناء تبع للارض، إلا أن الدعوى قبل الاقرار لا تمنع صحة الاقرار: وإن قال أرضها لي وبناؤها لفلان كانت الارض له وبناؤها لفلان، لانه لما قال أولا أرضها لي فقد ادعى الارض لنفسه، وادعى البناء أيضا لنفسه تبعا للارض، فإذا قال بعد ذلك وبناؤها لفلان فقد أقر لفلان بالبناء بعدما ادعاه لنفسه، والاقرار بعد الدعوى صحيح فيكون لفلان البناء دون الارض، لان الارض ليس بتابع للبناء، وإن قال أرضها لفلان وبناؤها لي كانت الارض والبناء للمقر له بالارض، لانه لما قال أولا أرضها لفلان فقد جعل مقرا لفلان وبناؤها لي كان الارض للمقر له بالارض، لانه لما قال أولا أرضها لفلان فقد جعل مقرا بالبناء، فلما قال بناؤها لي فقد ادعى لنفسه بعدما أقر لغيره، والدعوى بعد الاقرار لبعض ما تناوله الاقرار لا يصح.
وإن قال أرضها لفلان وبناؤها لفلان آخر كان الارض والبناء للمقر له الاول لانه جعل مقرا للمقر له الاول بالبناء، فإذا قال بناؤها لفلان جعل مقرا على الاول لا على نفسه، وقد ذكرنا أن
إقرار المقر على نفسه جائز وعلى غيره لا يجوز.
وإن قال بناؤها لفلان وأرضها لفلان آخر كان كما قال، لانه لما أقر بالبناء أولا صح إقراره للمقر له لانه إقرار على نفسه، فإذا أقر بعد ذلك بالارض لغيره فقد أقر بالبناء لذلك الغير تبعا للاقرار بالارض، فيكون مقرا على غيره وهو المقر له الاول، وإذا أقر الانسان على غيره لا يصح لما علمت من الاصل الثاني من أن إقرار الانسان على غيره لا يجوز.
أقول: لكن نقض بما لو أقر مستأجر بدين فيسري على المستأجر، ويفسخ به عند الامام، ولو أقرت زوجته بدين تحبس به ويمنع منها كما في المقدسي.
قوله: (واستثناء فص الخاتم) بأن قال هذا الخاتم لفلان إلا فصه.
وفي الذخيرة عن المنتقى: إذا قال هذا الخاتم لي إلا فصه فإنه لك، أو قال هذه المنطقة لي إلا حليتها فإنها لك، أو قال هذا السيف لي إلا حليته أو قال إلا حمائله فإنها لك، أو قال هذه الجبة لي إلا بطانتها فإنها لك، والمقر له يقول هذه الجبة لي فالقول قول المقر، فبعد ذلك ينظر إن لم يكن في نزع المقر به ضرر للمقر يؤمر المقر بالنزع والدفع للمقر له، وإن كان في النزع ضرر وأحب المقر أن يعطيه قيمة ما أقر به فله ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ا ه.
ولو قال الحلقة له والفص لي، يصح ذكره، صدر الشريعة.
قوله: (ونخلة البستان) ومثله نخلة الارض إلا أن يستثنيها بأصولها، لان أصولها دخلت في الاقرار قصدا لا تبعا.
وفي الخانية بعد ذكر الفص والنخلة وحلية السيف قال: لا يصح الاستثناء وإن كان موصولا إلا أن يقيم المدعي البينة على ما ادعاه.
لكن في الذخيرة: لو أقر بأرض أو دار لرجل دخل البناء والاشجار، حتى لو أقام المقر بينة بعد(2/276)