تكملة حاشية رد المحتار - ابن عابدين (علاء الدين) ج 1
تكملة حاشية رد المحتار
ابن عابدين (علاء الدين) ج 1(1/)
حاشية قرة عيون الاخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار في فقه مذهب الامام أبي حنيفة النعمان لسيدي محمد علاء الدين أفندى نجل المؤلف طبعة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء السابع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(1/1)
جميع حقوق اعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(1/2)
كتاب الاشربة
ذكره بعد الشرب لانهما شعبتا عرق واحد لفظا ومعنى، وقدم الشرب لمناسبته لاحياء الموات.
وتمامه في العناية والمنح.
قال القهستاني: وأصول الاشربة الثمار كالعنب والتمر والزبيب، والحبوبات كالبر والذرة والدخن، والحلاوات كالسكر والفانيذ والعسل، والالبان كلبن الابل والرماك.
والمتخذ من العنب خمسة أنواع أو ستة، ومن التمر ثلاثة، ومن الزبيب اثنان، ومن كل البواقي واحد، وكل منها على نوعين: نئ، ومطبوخ ا ه.
قوله: (كل مائع يشرب) أي هو اسم من الشرب، أي ما يشرب ماء كان أو غيره حلالا أو غيره.
قهستاني.
قوله: (وهي) أنث الضمير لان الخمر مؤنثة سماعا.
قال في القاموس: وقد تذكر: أي نظرا للفظ.
قوله: (بكسر فتشديد) هذا خلاف الاصل فقد ذكره في القاموس في باب الهمزة.
وفي القهستاني: النئ بكسر النون وسكون الياء والهمزة، وفي المغرب: يجوز التشديد على القلب والادغام: أي غير النضيج، ومثله في نهاية ابن الاثير، وفي العزمية: الابدال والادغام غير مشهور.
وقال المقدسي: إنه عامي.
قوله: (إذا غلى) أي ارتفع أسفله إذ أصله الارتفاع كما في المقاييس.
وقوله: (اشتد) أي قوي بحيث يصير مسكرا.
قهستاني.
قوله: (أي رمى بالزبد) بفتحتين: أي بحيث لا يبقى فيه شئ من الزبد فيصفو ويروق، قهستاني.
قوله: (وهو الاظهر) واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
تصحيح قاسم.
وقال في غاية البيان: وأنا آخذ بقولهما دفعا لتجاسر العوام، لانهما إذا علموا أن ذلك يحل قبل قذف الزبد يقعون في الفساد اه.
وفي النهاية وغيرها: وقيل: يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد وفي الحد بقذف الزبد احتياطا.
قوله: (ويأتي ما يفيده) أي في قوله: الكل حرام إذا غلى واشتد ا ه.
قوله: (وقد تطلق الخ) قال في المنح: هذا الايم خص بالشراب بإجماع أهل اللغة، ولا نقول إن كل مسكر خمر لاشتقاقه من مخامرة العقل، فإن اللغة لا يجري فيها القياس، فلا يسمى الدن قارورة لقرار الماء فيه.
وأما قوله صلى الله عليه وآله: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) وقوله: (إن من الحنطة خمرا، وإن من الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن العسل خمرا فجوابه: أن(1/3)
الخمر حقيقة تطلق على من ذكرنا وغيره كل واحد له اسم مثل المثلث، والباذق والمنصف ونحوها،
وإطلاق الخمر عليها مجاز وعليه يحمل الحديث ا ه ملخصا.
أو هو لبيان الحكم لانه عليه الصلاة والسلام بعث له لا لبيان الحقائق.
قوله: (وحرم قليلها) أي شرب قليلها لئلا يتكرر الاتي من حرمة الانتفاع والتداوي ا ه ح.
واحترز به عما قاله بعض المعتزلة إن الحرام هو الكثير المسكر لا القليل قهستاني.
قال في الهداية: وهذا كفر لانه جحود الكتاب فإنه سماه رجسا، والرجس ما هو محرم العين، وقد جاءت السنة متواترة: أن النبي عليه الصلاة والسلام حرم الخمر وعليه انعقد إجماع الامة، ولان قليله يدعو إلى كثيره وهذا من خواص الخمر.
قوله: (لعينها الخ) أي لا لعلة الاسكار فتحرم القطرة منها، وهذا علم مما قبله وإنما أعيد لتأكيد الرد على ذلك القول الباطل.
قوله: (عشر دلائل) هي نظمها في سلك الميسر، وما عطف عليه وتسميتها رجسا وعدها من عمل الشيطان، والامر بالاجتناب، وتعليق الفلاح باجتنابها وإرادة الشيطان إيقاع العداوة بها، وإيقاع البغضاء، والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، والنهي البليغ بصيغة الاستفهام المؤذن بالتهديد ا ه ح.
قوله: (وهي نجسة نجاسة مغلظة) لان الله سماها رجسا فكانت كالبول والدم المسفوح.
إتقاني.
قوله: (ويكفر مستحلها) لانكاره الدليل القطعي.
هداية.
قوله: (وسقط تقومها في حق المسلم) حتى لا يضمنها متلفها وغاصبها، ولا يجوز بيعها لان الله تعالى لما نجسها فقد أهانها، والتقوم يشعر بعزتها.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها هداية، وعدم ضمانها لا يدل على إباحة إتلافها.
وقد اختلفوا فيها فقيل: يباح، وقيل: لا يباح إلا لغرض صحيح بأن كانت عند شريب خيف عليه الشرب، وأما إذا كانت عند صالح فلا يباح لانه يخللها.
عناية، وفي النهاية وغيرها عن مجد الائمة أن الصحيح الثاني، قال أبو السعود: والظاهر أن هذا الخلاف مفرع على الخلاف في سقوط ماليتها، فمن قال إنها مال وهو الاصح قال: لا يباح إتلافها إلا لغرض صحيح ا ه.
وهو حسن.
قوله: (في حق المسلم) أما الذمي فهي متقومة في حقه كالخنزير حتى صح بيعه لهما، ولو أتلفهما له غير الامام أو مأمورة ضمن قيمتها له كما مر في آخر الغصب.
قوله: (لا ماليتها في الاصح) لان المال ما يميل إليه الطبع ويجري فيه البذل والمنع، فتكون مالا لكنها غير متقومة لما قلنا.
إتقاني.
قوله: (ولو لسقي دواب)
قال بعض المشايخ: لو قاد الدابة إلى الخمر لا بأس به، ولو نقل إلى الدابة يكره.
وكذا قالوا فيمن أراد تخليل الخمر: ينبغي أن يحمل الخل إلى الخمر، ولو عكس يكره وهو الصحيح.
تتارخانية.
قوله: (أو لطين) أي لبل طين.
قوله: (أو غير ذلك) كامتشاط المرأة بها ليزيد بريق شعرها أو الاكتحال بها أو جعلها في سعوط.
تتارخانية.
ومنه ما يأتي من الاحتقان بها أو إقطارها في إحليل.
قال الاتقاني: لان ذلك انتفاع بالخمر وأنه حرام، وإلا أنه لا يحد في هذه المواضع لعدم الشرب.
قوله: (أو لخوف عطش) الاضافة على معنى من: أي خوفه على نفسه من عطش بأن خلاف هلاكه منه ولا يجد ما يزيله به إلا(1/4)
الخمر.
قوله: (فلو زاد فسكر حد) وكذا لو روي ثم شرب حد.
مجتبى.
فأفاد أن السكر غير قيد في الزيادة على الضرورة.
وفي الخانية: فإن شرب مقدار ما يرويه وزيادة ولم يسكره قالوا: ينبغي أن يلزمه الحد، كما لو شرب هذا القدر حالة الاختيار ولم يسكر.
قوله: (ويحد شاربها الخ) في غاية البيان عن (شرح الطحاوي): لو خلطها بالماء: إن الماء أقل أو مساويا حد، وإن أغلب فلا إلا إذا سكر ا ه.
وفي الذخيرة عن القدوري: إذا غلب الماء عليها حتى زال طعمها وريحها فلا حد.
ثم قال: وإذا ثرد فيها خبزا وأكله وإن وجد الطعم واللون حد، وما لا لون لها يحد إن وجد الطعم.
قوله: (ولا يؤثر فيها الطبخ) أي في زوال الحرمة بقرينة الاستثناء.
قوله: (إلا أنه لا يحد) نقله ف ي العناية عن شيخ الاسلام، لكن في الكفاية والمعراج قال شمس الائمة السرخسي: يحد من شرب منه قليلا كان أو كثيرا بالنص.
وفي القهستاني عن التتمة: وعليه الفتوى.
ومن هنا يعلم حكم العرق المستقطر من فضلات الخمر، فينبغي جريان الخلاف في الحد من شرب قليله كما بحثه القهستاني أما نجاسته فغليظة كأصله، لكن ليس كحرمة الخمر لعدم إكفار مستحله للخلاف فيه، وقول الشرنبلالي بحثا: لا حد به بلا سكر مبني على خلاف المفتى به كما أفاده كلام القهستاني.
تأمل.
قوله: (واستظهره المصنف) حيث قال: والطبخ لا يؤثر فيها لانه للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها، إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر منه على ما قالوا، لان الحد في النئ خاصة لما ذكرنا فلا يتعدى إلى المطبوخ.
ذكره في تبيين الكنز من غير ذكر خلاف.
وهذا هو الظاهر الذي يجب أن يعول عليه، وبه يظهر لك ضعف ما في القنية من قوله: خمر
طبخت وزالت مرارتها حلت، وضعف ما في المجتبى عن (شرح السرخسي): لو صب فيها سكرا أو فانيدا حتى صار حلوا حل، وتحل بزوال المرارة، وعندهما بقليل الحموضة ا ه ملخصا.
أقول: لا يخفى عليك أن قول المصنف وهذا هو الظاهر إشارة إلى أن الطبخ لا يرفع الحرمة بعد ثبوتها لانه هو الذي ذكره الزيلعي في التبيين من غير ذكر خلاف لا إشارة إلى عدم الحد، لان لفظة قالوا تذكر فيما فيه خلاف كما صرحوا به، على أن قوله على ما قالوا يفيد بظاهره التبري والتضعيف، لان المفتى به خلافه كما قدمناه، وأيضا فإن الذي يظهر به ضعف ما في القنية والمجتبى هو الاول المذكور بلا خلاف، لا الثاني المشار إلى ضعفه، فتدبر.
قوله: (وفيه كلام لابن الشحنة) أي في التضعيف المفهوم من ضعف وذلك حيث قال: مراد صاحب القنية أنها تحل إذا زالت عنها أوصاف الخمرية، وهي المرارة والاسكار لتحقق انقلاب العين، كما لو انقلبت خلا، ومراد المبسوط أنها لا تحل بالطبخ حيث كانت على أوصاف الخمرية لانه لم يوجد ما يقتضي الاباحة من الانقلاب والاستحالة، وكون النار لا تأثير لها في إثبات الحل لا ينافي أن المؤثر هو الانقلاب ولا خصوصية للنارية ا ه.
أقول: ولو يعول الشرنبلالي في شرحه على هذا الجواب، وكأنه والله تعالى أعلم، لان الخمر حرمت لعينها، ولا نسلم انقلاب العين بهذا الطبخ، ولذا لو وقعت قطرة منها في الماء الغير الجاري أو ما في حكمه نجسته، وإن استهلكت فيه وصار ماء، وكذا لو وقعت في قدر الطعام نجسته، وإن(1/5)
صارت طعاما كما لو وقعت فيه قطرة بول، وأما طهارتها بانقلابها خلا فهي ثابتة بنص المجتهد أخذا في إطلاق حديث: نعم الادام الخل فليتأمل.
ولعل هذا الفرع مفرع على ما قدمناه عن بعض المعتزلة من أن الحرام من الخمر هو المسكر، يدل عليه أنه في القنية نقله عن القاضي عبد الجبار أحد مشايخ المعتزلة، ثم رأيت ابن الشحنة نقله عن ابن وهبان كما خطر لي، لكن بحث فيه بأنه لا مدخل للاعتزال فهذه المسألة.
وأقول: كأنه لم يطلع على ما قدمناه من تخصيصهم الحرمة بالاسكار، ولعل هذا وجه عدم الاعتماد على ما يقوله صاحب القنية، حيث يذكر ما يخرجه مشايخ عقيدته كهذه المسألة والتي تقدمت في الذبائح وأمثالهما، والله أعلم.
قوله: (على المعتمد) لما قدمناه في الحظر والاباحة، أن المذهب أنه لا
يجوز التداوي بالمحرم.
قوله: (ويجوز تخليلها) وهو أولى.
هداية.
أقول: وإنما لم يجب وإن كان في إراقتها ضياعها، لانها غير متقومة ولذا لا تضمن كما مر، وذكر الشرنبلالي بحثا أنه يجب لانها مال، فتأمل.
قوله: (ولو بطرح شئ فيها) كالملح والماء والسمك، وكذا بإيقاد النار عندها ونقلها إلى الشمس، والصحيح أنه لو وقع الشمس عليها بلا نقل كرفع سقف لا يحل نقلها، ولو خلط الخل بالخمر وصار حامضا يحل وإن غلب الخمر، وإذا دخل فيه بعض الحموضة لا يصير خلا عنده حتى يذهب تمام المرارة، وعندهما يصير خلا كما في المضمرات، ولو وقعت في العصير فأرة فأخرجت قبل التفسخ وترك حتى صار خمرا ثم تخللت أو خللها يحل، وبه أفتى بعضهم كما في السراجية.
ولو وقعت قطرة خمر في جرة ماء ثم صب في حب خل لم يفسد، وعليه الفتوى، وتمامه في القهستاني.
وإذا صار الخمر خلا يطهر ما يوازيها من الاناء، وأما أعلاه فقيل: يطهر تبعا، وقيل لا يطهر لانه خمر يابس، إلا إذا غسل بالخل فتخلل من ساعته فيطهر.
هداية.
والفتوى على الاول.
خانية.
قوله: (بالكسر) أي والمد ككساء.
قاموس.
قوله: (يطبخ) أي بالنار أو الشمس.
قهستاني.
قوله: (أقل من ثلثيه) قيد به لانه إذا ذهب ثلثاه فما دام حلوا يحل شربه عند الكل، وإذا غلى واشتد يحل شربه عندهما ما لم يسكر خلافا لمحمد ا ه شرح مسكين وسيأتي.
قوله: (ويصير مسكرا) بأن غلى واشتد وقذف بالزبد فإنه يحرم قليله وكثيره، أما ما دام حلوا فيحل شربه، إتقاني.
وهذا القيد ذكره هنا غير ضرروي لانه سيأتي في كلام المصنف في قوله: والكل حرام إذا غلى واشتد.
قوله: (يسمى الباذق) بكسر الذال وفتحها كما في القاموس، ويسمى المنصف أيضا، والمنصف: الذاهب النصف، والباذق: الذاهب ما دونه، والحكم فيهما واحد كما في الغاية وغيرها.
قوله: (وصار مسكرا) أي بأن اشتد وزالت حلاوته وإذا أكثر منه أسكر.
قوله: (يعني في التسمية لا في الحكم الخ) لما كان كلام المصنف، موهما أشد الايهام أتى بالعناية(1/6)
لان كلامه في الاشربة المحرمة وذكر منها الطلاء، وفسره أولا بتفسير ثم بآخر وحكم بأنه الصواب، فيتوهم أن المحرم هو المعنى الثاني دون الاول مع أن الامر بالعكس، فالباذق والمنصف حرام اتفاقا.
والطلاء: وهو ما ذهب ثلثاه ويسمى المثلث حلالا إلا عند محمد كما سيأتي، فلا يحرم منه عندهما إلا
القدح الاخير الذي يحصل به الاسكار كما يأتي بيانه، فنبه على أن مراد المصنف أن الذي يسمى الطلاء هو الذي ذهب ثلثاه، وأن الاول حرام والثاني حلال.
وبحث الشرنبلالي في هذا لتصويب بأن الطلاء يطلق بالاشتراك على أشياء كثيرة منها: الباذق والمصنف والمثلث وكل ما طبخ من عصير العنب ا ه.
أقول: وفي المغرب: الطلاء كل ما يطلى به من قطران أو نحوه، ويقال لكل ما خثر من الاشربة: طلاء على التشبيه حتى يسمى به المثلث.
قوله: (على التفسير الاول) أما على الثاني فطاهر لحل شربه، وعند محمد نجس كما يأتي.
قوله: (به يفتى) عزاه القهستاني إلى الكرماني وغيره.
قوله: (وهو النئ من ماء الرطب) هذا أحد الاشربة الثلاثة التي تتخذ من التمر، والثاني النبيذ منه، وهو ما طبخ أدنى طبخة، وهو حلال، والثالث الفضيخ: وهو النئ من ماء البسر المذنب، مشتق من الضخ: بالضاد والخاء المعجمتين وهو الكسر، سمي به لانه يكسر ويجعل في حب ويصب عليه الماء الحار لتخرج حلاوته، وحكمه كالسكر، أفاده في النهاية.
ولو قال المصنف: والثالث النئ من ماء التمر لشمل السكر والفضيخ، فإن التمر اسم جنس يشمل البسر وغيره كما في القهستاني.
تأمل.
قوله: (إذا اشتد الخ) ذكره غيره لازم نظير ما مر لانه سيأتي في كلام المصنف.
قوله: (نقيع الزبيب) النقيع: اسم مفعول من المزيد أو الثلاثي.
قال في المغرب: أنقع الزبيب في الخابية ونقعه: إذا ألقاه فيها ليبتل وتخرج منه الحلاوة.
وقال ابن الاثير: إنه شراب متخذ من زبيب أو غيره من غير طبخ، وإليه أشار في الصحاح والاساس، فالاولى أن يقال: نقيع البسر والرطب والتمر والزبيب.
قهستاني ملخصا.
لكن أفاد الاتقاني: أن الرطب لا يحتاج إلى النقع في الماء: أي لان النقيع ما يكون يابسا ليبتل بالماء، فلذا أفرد المصنف الرطب بالذكر.
تأمل.
قوله: (بشرط الخ) يغني عنه ما بعده نظير ما مر.
قوله: (إذا غلى واشتد) أي ذهبت حلاوته وصار مسكرا وإن لم يقذف بالزبد خلافا للامام قوله: (وإلا) بأن بقي حلوا.
قوله: (وإن قذف حرم اتفاقا) أي قليله وكثيره، لكن لا يجب الحد إلا إذا سكر كما في الملتقى.
قوله: (وظاهر كلامه) حيث لم يقل وقذف بالزبد.
قوله: (قولهما) أي بعدم اشتراط القذف.
قوله: (وترك القيد) وهو القذف.
قوله: (لانه اعتمد على السابق) أي لم يصرح به هنا اعتمادا على ما قدمه في تعريف الخمر.
تأمل.
قوله: (ومفاد كلامه) حيث صرح بأن نجاسة الباذق كالخمر، وسكت عن هذين، ويبعد أن(1/7)
يقال: تركه هنا اعتمادا على ما مر.
فتأمل.
قوله: (واختار في الهداية أنها غليظة) فيه نظر.
ونص ما في الهداية: ونجاستها خفيفة في رواية وغليظة في أخرى ا ه.
وعبارته في الدر المنتقى أحسن مما هنا، حيث قال: ومختار السرخسي الخفة في الاخيرين، وإن قال في الهداية بالغلظة في رواية ا ه.
وعبارته في باب الانجاس هكذا: وفي باقي الاشربة روايات التغليظ والتخفيف والطهارة، رجح في البحر الاول، وفي النهر الاوسط ا ه.
قوله: (وحرمتها) أي الاشربة الثلاثة السابقة.
قوله: (لان حرمتها بالاجتهاد) حتى قال الاوزاعي بإباحة الاول والثالث منها.
وقال شريك بإباحة الثاني لامتنان الله تعالى علينا بقوله: * (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * (النحل: 76) وأجيب بأن ذاك لما كانت الاشربة كلها مباحة.
وتمامه في الهداية، وهذا بخلاف الخمر فإن أدلتها قطعية، فلذا كفر مستحلها.
قوله: (نبيذ التمر والزبيب) أي ونبيذ الزبيب.
قال القهستاني: والتمر اسم جنس كما مر، فيتناول اليابس والرطب والبسر، ويتحد حكم الكل كما في الزاهدي، والنبيذ يتخذ من التمر والزبيب أو العسل أو البر أو غيره، بأن يلقى في الماء ويترك حتى يستخرج منه مشتق من النبذ وهو الالقاء، كما أشير إليه في الطلبة وغيره ا ه.
ثم قال: فالفرق بينه وبين النبيذ بالطبخ وعدمه كما في النظم.
أقول: الظاهر أن قوله: وبين النبيذ سبق قلم، والصواب وبين النقيع لان الضمير في بينه للنبيذ.
تأمل.
قوله: (إن طبخ أدنى طبخة) وهو أن يطبخ إلى أن ينضج.
شرنبلالية عن الزيلعي.
وقيد به لان غير المطبوخ من الانبذة حرام بإجماع الصحاية إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، وقد ورد في حرمة المتخذ من التمر أحاديث وفي حله أحاديث، فإذا حمل المحرم على النئ والمحلل على المطبوخ فقد حصل التوفيق واندفع التعارض.
عيني، والاحاديث الواردة كلها صحاح ساقها الزيلعي، ووفق بما ذكر فراجعه.
قال الاتقاني: وقد أطنب الكرخي في رواية الآثار عن الصحابة والتابعين بالاسانيد الصحاح في تحليل النبيذ الشديد.
والحاصل: أن الاكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بدر كعمر وعلي وعبد الله بن مسعود
وأبي مسعود رضي الله عنهم كانوا يحلونه، وكذا الشعبي وإبراهيم النخعي.
وروي أن الامام قال لبعض تلامذته: إن من إحدى شرائط السنة والجماعة أن لا يحرم نبيذ الجر ا ه.
وفي المعراج قال أبو حنيفة: لو أعطيت الدنيا بحذافيرها لا أفتي بحرمتها، لان فيه تفسيق بعض الصحابة، ولو أعطيت الدنيا لشربها لا أشربها لانه لا ضرورة فيه، وهذا غاية تقواه ا ه.
ومن أراد الزيادة على ذلك والتوفيق بين الادلة فعليه بغاية البيان ومعراج الدراية.
قوله: (وإن اشتد) أي وقذف بالزبد.
قال في الرمز: ولم يذكر القذف اكتفاء بما سبق ا ه.
قوله: (بلا لهو وطرب) قال في المختار: الطرب خفة تصيب الانسان لشدة حزن أو سرور ا ه.
قال في الدرر: وهذا التقييد غير مختص بهذه الاشربة، بل إذا شرب الماء وغيره من المباحات بلهو وطرب على هيئة الفسقة حرم ا ه ط.(1/8)
قلت: وكان ينبغي للمصنف أن يذكر التقييد بعدم اللهو والطرب وعدم السكر بعد الرابع ليكون قيدا للكل.
قوله: (فلو شرب ما يغلب على ظنه الخ) أي يحرم القدر المسكر منه، وهو الذي يعلم يقينا أو يغالب الرأي أنه يسكره كالمتخم من الطعام، وهو الذي يغلب على ظنه أنه يعقبه التخمة.
تتارخانية.
فالحرام: هو القدح الاخير الذي يحصل السكر بشربه كما بسطه في النهاية وغيرها، ويحد إذا سكر به طائعا.
قال: في منية المفتي: شرب تسعة أقداح من نبيذ التمر فأوجر العاشر لم يحد ا ه.
وقال في الخانية: وفيما سوى الخمر من الاشربة المتخذة من التمر والعنب والزبيب لا يحد ما لم يسكر، ثم قال في تعريف السكران: والفتوى على أنه من يختلط كلامه ويصير غالبه الهذيان، وتمام في حدود شرح الوهبانية.
قوله: (والثاني الخليطان) لما روي أن ابن عمر سقاه لابن زياد، وما ورد من النهي محمول على الابتداء أو على غير المطبوخ جمعا بين الادلة.
حموي.
وبالاخير يحصل التوفيق بين ما فعله ابن عمر وبين ما روي عنه من حرمة نقيع الزبيب ب النئ كما أفاده في الهداية.
قوله: (من الزبيب والتمر) أو البسر أو الرط ب المجتمعين.
قهستاني.
قوله: (إذا طبخ أدنى طبخة) كذا قيده في المعراج والعناية وغيرهما، والمفهوم من عبارة الملتقى عدم اشتراط الطبخ فيه، فليتأمل.
ثم هذا إذا لم يكن مع أحد المذكورات ماء العنب، وإلا فلا بد من ذهاب الثلثين كما يأتي.
قوله: (وهو ما طبخ من ماء العنب) أي
طبخا موصولا، فلو مفصولا: فإن قيل تغيره بحدوث المرارة وغيرها حل، وإلا حرم وهو المختار للفتوى.
وتمامه في خزانة المفتين.
در منتقى.
وقيد بالعنب لان الزبيب والتمر يحلان بأدنى طبخة كما مر، لكن الماء غير قيد، لانه لو طبخ العنب كما هو ثم عصر فلا بد من ذهاب ثلثيه بالطبخ في الاصح.
وفي رواية: يكتفي بأدنى طبخة كما في الهداية.
وفيها: لو جمع في الطبخ بين العنب والتمر أو بين التمر والعنب والزبيب لا يحل ما لم يذهب ثلثاه، لان التمر وإن اكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه فيعتبر جانب العنب احتياطا، وكذا إذا جمع بين عصير العنب ونقيع التمر.
وفيها: ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة ثم أنقع فيه تمر أو زبيب، إن كان ما أنقع فيه شيئا يسير الا يتخذ النبيذ من مثله خل وإلا لا.
وفيها: والذي يصب عليه الماء بعدما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق ثم يطبخ حكمه كالمثلث، بخلاف ما إذا صب على العصير ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا الكل، لان الماء يذهب أولا للطافته أو يذهب الماء منها فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب: أي فلا يحل.
قوله: (إذ قصد) متعلق بيحل مقدرا، وفي القهستاني: فإن قصد به استمراء الطعام والتقوى في الليالي على القيام، أو في الايام على الصيام، أو(1/9)
القتال لاعداء الاسلام، أو التدوي لدفع الآلام، فهو المحل للخلاف بين علماء الانام.
قوله: (وصح بيع غير الخمر) أي عنده خلافا لهما في البيع والضمان، لكن الفتوى على قوله في البيع، وعلى قولهما في الضمان إن قصد المتلف الحسبة وذلك يعرف بالقرائن، وإلا فعلى قوله كما في التاترخانية وغيرها.
ثم إن البيع، وإن صح لكنه يكره كما في الغاية، وكان ينبغي للمصنف ذكر ذلك قبيل الاشربة المباحة فيقول بعد قوله: ولا يكفر مستحلها: وصح بيعها وتضمن الخ كما فعله في الهداية وغيرها، لان الخلاف فيها لا في المباحة أيضا، إلا عند محمد فيما يظهر مما يأتي من قوله بحرمة كل الاشربة ونجاستها، تأمل.
قوله: (مما مر) أي من الاشربة السبعة.
قوله: (ومفاده الخ) أي مفاد التقييد بغير
الخمر، ولا شك في ذلك لانهما دون الخمر وليسا فوق الاشربة المحرمة فصحة بيعها يفيد صحة بيعها فافهم قوله: (عدم الحل) أي القيام المعصية بعينها.
وذكر ابن الشحنة أنه يؤدب بائعها وسيأتي قوله: (وتضمن هذه الاشربة) يعني المحرمة منها.
قوله: (عن تملك عينه) أي المثل.
وفي بعض النسخ (تمليك).
قوله: (وإن جاز فعله) قال الاتقاني في كتاب الغصب: يعني أنا قلنا بضمان السكر والمصنف بالقيمة لا بالمثل، لان المسلم يمنع عن ذلك، ولكن لو أخذ المثل جاز لعدم سقوط التقوم والمالية قوله: (بخلاف الصليب الخ) ذكر الزيلعي هذه العبارة في كتاب الغصب وهي مرتبطة بما قبلها من ضمان آلات اللهو صالحة لغير اللهو.
قال الاتقاني في الغصب: أي هذا الذي ذكرناه في ضمان الطبل ونحوه من أن قيمتها تجب غير صالحة لهذه الاشياء، بخلاف صليب النصراني حيث تجب قيمته صليبا لانا قررناهم على هذا الصنيع فصار كالخمر.
قوله: (ونحوهما) كالتمر والزبيب والعنب، فالمراد الاشربة الاربعة التي هي حلال عند الشيخين إذا غلت واشتدت، وإلا فلا تحرم كغيرها اتفاقا.
قوله: (وبه يفتى) أي بقول محمد، وهو قول الائمة الثلاثة لقوله عليه الصلاة والسلام: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام رواه مسلم، وقوله عليه الصلاة والسلام: ما أسكر كثيره فقليله حرام رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني وصححه قوله: (غيره) كصاحب الملتقى المواهب والكفاية والنهاية والمعراج وشرح المجمع وشرح درر البحار والقهستاني والعيني، حيث قالوا: الفتوى في زماننا بقول محمد لغلبة الفساد.
وعلل بعضهم بقوله لان الفساق يجتمعون على هذه الاشربة ويقصدون اللهو والسكر بشربها.(1/10)
أقول: الظاهر أن مرادهم التحريم مطلقا وسد الباب بالكلية، وإلا فالحرمة عند قصد اللهو ليست محل الخلاف بل متفق عليها كما مر ويأتي: يعني لما كان الغالب في هذه الازمنة قصد اللهو لا التقوى على الطاعة منعوا من ذلك أصلا.
تأمل.
قوله: (وذكر) أي في كتاب الحدود ونصه: وفي العمادية حكي عن صدر الاسلام أبي سائر اليسر البزدوي أنه وجد رواية عن أصحابنا جميعا أنه يجب الحد، فإن الحد إنما يجب في سار الانبذة عندهما، وإن كان حلالا شربه في الابتداء، لان ما يقع به السكر
حرام، والسكر سبب الفساد فوجب الحد لينزجروا عن شربه فيرتفع الفساد، وهذا المعنى موجود في هذه الاشربة ا ه: أي الاشربة المتخذة من الحبوب المذكورة قبل هذه العبارة.
وحاصله: أنهما حيث حللا الانبذة وأوجبا الحد بالقدح المسكر منها لزم منه وجوب الحد بالسكر من باقي الاشربة كما هو قول محمد.
قوله: (إنه مروي) يوهم أن الضمير راجع لتحريم الاشربة قليلها وكثيرها، وليس كذلك بل هو راجع للحد بالسكر منها كما علمت، ولا يلزم من وجوب الحد بما يقع به السكر أن يحرم القليل والكثير كما لا يخفى.
قوله: (لمن من مسكر الحب يسكر) من موصولة والثانية بيانية (1) والحب: جنس: أي يسكر من مسكر الحبوب، وحكم ما كان من غير أصل الخمر وهو الزبيب والعنب والتمر كذلك ش.
قوله: (وفي طلاق البزازية) الاولى حذف طلاق، لان قوله: (ما أسكر كثيره فقليله حرام وهو نجس لم يذكره في كتاب الطلاق بل في كتاب الاشربة.
قوله: (وقال محمد الخ) أقول: الظاهر أن هذا خاص بالاشربة المائعة دون الجامد كالبنج والافيون، فلا يحرم قليلها بل كثيرها المسكر، وبه صرح ابن حجر في التحفة وغيره، وهو مفهوم من كلام أئمتنا لانهم عدوها من الادوية المباحة وإن حرم السكر منها بالاتفاق كما نذكره، ولم نر أحدا قال بنجاستها ولا بنجاسة نحو الزعفران مع أن كثيره مسكر، ولم يحرموا أكل قليله أيضا، ويدل عليه أنه لا يحد بالسكر منها كما يأتي، بخلاف المائعة فإنه يحد، ويدل عليه أيضا قوله في غرر الافكار: وهذه الاشربة عند محمد وموافقيه كخمر بلا تفاوت في الاحكام، وبهذا يفتى في زماننا ا ه.
فخص الخلاف بالاشربة، وظاهر قوله بلا تفاوت أن نجاستها غليظة فتنبه، لكن يستثنى منه الحد فإنه لا يجب إلا بالسكر، بخلاف الخمر.
والحاصل: أنه لا يلزم من حرمة الكثير المسكر حرمة قليلة ولا نجاسته مطلقا إلا في المائعات لمعنى خاص بها.
أما الجامدات فلا يحرم منها إلا الكثير المسكر، ولا يلزم من حرمته نجاسته كالسم القاتل فإنه حرام مع أنه ظاهر، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، وسنذكر ما يؤيده ويقويه ويشيده.
قوله: (ولو سكر منها الخ) ظاهره أنه لا يحد بالقليل منها الذي لا يحصل به الاسكار، وهو ظاهر قوله
__________
(1) قوله: (والثانية بيانية) لعل الصواب إبتدائية، لان ضابط من البيانية وهو كون ما بعدها أخص ما قبلها مبين له لا يأتي
هنا كما لا يخفى ا ه.(1/11)
الهداية وغيرها، وعن محمد أنه حرام، ويحد شاربه إذا سكر منه، ويقع طلاقه كما في سائر الاشربة المحرمة ا ه.
وهو مقتضى قول المصنف أيضا فيما مر ويحد شارب غيرها أي غير الخمر إن سكر قوله: (وبه يفتى) أي بتحريم كل الاشربة، وكذا بوقوع الطلاق.
قال في النهر: وفي الفتح: وبه يفتى لان السكر من كل شراب حرام، وعندهما لا يقع بناء على أنها حلال، وصححه في الخانية قوله: (والخلاف) أي في إباحة الشرب من الاشربة الاربعة.
قال في المعراج سئل أبو حفص الكبير عنه فقال: لا يحل، فقيل له: خالفت أبا حنيفة وأبا يوسف، فقال: إنهما يحلانه للاستمراء والناس في زماننا يشربون للفجور والتلهي، وعن أبي يوسف: لو أراد السكر فقليله وكثيره حرام، وقعوده لذلك حرام، ومشيه إليه حرام ا ه.
زاد في الدر المنتقى عن القهستاني: ويحد به وإن لم يسكر كما في المضمرات وغيرها ا ه.
أقول: هو مخالف لما ذكرناه آنفا من تقييد الحد بالسكر، ولعل صوابه إن سكر، فليتأمل.
قوله: (وتمامه الخ) حيث قال: وصحح غير واحد قولهما، وعلله في المضمرات، فإن الخمر موعودة في العقبى فينبغي أن يحل من جنسها في الدنيا أنموذج ترغيبا ا ه.
قوله: (على الخلاف) أي يثبتان عند محمد لا عندهما.
قوله: (أي الفرسة) صرح في جامع اللغة بأنه لا يقال: فرسة، فالاولى أن يقال: أي الاناث من الخيل ا ه ح.
قوله: (لم يحل) أي عند الامام (1) قهستاني.
قوله: (على قوله) أي قول الامام.
وفي الخانية وغيرها: لبن المأكول حلال، وكذا لبن الرماك عندهما، وعنده يكره.
قال بعضهم: تنزيها.
وقال السرخسي: إنه مباح كالبنج، وعامتهم قالوا: يكره تحريما، لكن لا يحد وإن زوال عقله، كما لو زال بالبنج يحرم، ولا حد فيه ا ه.
زاد في البزازية: وأكثر العلماء على أنه تنزيه ا ه، وهو الموافق لما قدمناه في الذبائح فراجعه.
ثم قال في الخانية وإن زال عقله بالبنج ولبن الرماك لا تنفذ تصرفاته.
وعن أبي حنيفة: إن علم حين تناوله أنه بنج يقع طلاقه، وإلا فلا.
وعندهما: لا يقع مطلقا وهو الصحيح، وكذا لو شرب
شرابا حلوا فلم يوافقه فزال عقله فطلق، قال محمد: لا يقع وعليه الفتوى ا ه.
وهذا إذا لم يقصد به المعصية وإلا فيقع طلاقه كما يأتي عن البحر.
وفي شرح الوهبانية: والصحيح من مذهب الصاحبين جواز شربه: أي لبن الرماك ولا يحد شاربه إذا سكر منه على الصحيح، اللهم إلا أن يجتمع عليه كما علل فيما قدمناه ا ه: أي إلا أن يشربه
__________
(1) قوله: (أي عند الامام إلخ) قال شيخنا: ليس في عبارة القهستانى ذكر الامام بل عبارته لم يحل عنده، وظاهر هذه العبارة أن الضمير عائد على محمد فإنه المذكور قبل وهو الموافق للمسألة قبلها، إذ هو مقتضى التشبيه بكذا ا ه.(1/12)
للهو والمعصية، ثم هذا كله مخالف لما ذكره القهستاني، إلا أن يقال: إن هذا في غير المشتد، وكلام القهستاني في المشتد، وبه يشعر كلام الهداية حيث قال في تعليل حل لبن الرماك: لان كراهية لحمه لاحترامه أو لئلا يؤدي إلى قطع مادة الجهاد فلا يتعدى إلى لبنه ا ه.
أو يقال: هذا فيما إذا لم يقصد به المعصية، وكلام القهستاني إذا قصدها كما قدمناه عن ابن الشحنة ويأتي مثله عن البحر، فليتأمل.
قوله: (في الدباء) بالضم والمد.
قهستاني أي مع التشديد.
قوله: (جمع باءة) بالمد ا ه ح.
قوله: (والحنتم) بفتح الحاء والتاء وسكون النون بينهما.
قهستاني.
قوله: (جرة خضراء) كذا فسره في القاموس.
وفي المغرب: الختم: الخزف الاخضر أو كل خذف.
وعن أبي عبيدة: هي جرار حمر يحمل فيها الخمر إلى المدينة، الواحدة حنتمة.
قوله: (وما ورد من النهي نسخ) أي بقوله عليه الصلاة والسلام: كنت نهيتكم عن الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير فانتبذوا فيها واشربوا في كل ظرف فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر وهذا حجة على مالك وأحمد في رواية غرر الافكار.
قال شيخ الاسلام في مبسوطه: إنما نهى عن هذه الاوعية على الخصوص لان الانبذة تشتد بهذه الظروف أكثر ما تشتد في غيره: يعني فصاحبها على خطر من الوقوع في شرب المحارم عناية.
قوله: (وكره) عبر في النقاية كالزاهدي بقوله: وحرم.
قال القهستاني: وإنما الحرمة على الكراهة الواقعة في عبارة كثير من المتون، لانه أراد التنبيه على المراد الدال عليه كلام الهداية.
قوله: (أي عكره) بفتحتين ويسكن.
قاموس ودردي الشئ: ما يبقى أسفله.
قهستاني.
قوله: (والامتشاط) إنما خصه لان له تأثيرا
في تحسين الشعر.
نهاية.
قوله: (عندنا) وقال الشافعي: يحد لانه شرب جزءا من الخمر.
ولنا أن قليله لا يدعوا إلى كثيره لما في الطباع من النبوة عنه فكان ناقصا فأشبه غير الخمر من الاشربة ولا حد فيها إلا بالسكر، ولان الغالب عليه الثقل فصار كما إذا غلب عليه الماء بالامتزاج.
هداية.
قوله: (ويحرم أكل البنج) هو بالفتح: نبات يسمى في العربية شيكران، يصدع ويسبت ويخلط العقل كما في التذكرة للشيخ داود.
زاد في القاموس: وأخبثه الاحمر ثم الاسود وأسلمه الابيض، وفيه: السبت يوم الاسبوع، والرجل الكثير النوم، والمسبت: الذي لا يتحرك.
وفي القهستاني: هو أحد نوعي شجر القنب، حرام لانه يزيل العقل، وعليه الفتوى، بخلاف نوع آخر منه فإنه مباح كالافيون لانه وإن اختل العقل به لا يزول، وعليه يحمل ما في الهداية وغيرها من إباحة البنج كما في شرح اللباب ا ه.
أقول: هذا غير ظاهر، لان ما يخل العقل لا يجوز أيضا بلا شبهة فكيف يقال إنه مباح؟ بل الصواب أن مراد صاحب الهداية وغيره إباحة قليلة للتداوي ونحوه، ومن صرح بحرمته أراد به القدر المسكر منه، يدل عليه ما في غاية البيان عن شرح شيخ الاسلام: أكل قليل السقمونيا والبنج مباح للتداوي، وما زاد على ذلك إذا كان يقتل أو يذهب العقل حرام ا ه.
فهذا صريح فيما قلناه مؤيد لما(1/13)
سبق بحثناه من تخصيص ما مر من أن ما أسكر كثيره حرم قليله بالمائعات، وهكذا يقول في غيره من الاشياء الجامدة المضرة في العقل أو غيره: يحرم تناول القدر المضر منها دون القليل النافع، لان حرمتها ليست لعينها بل لضررها وفي أول طلاق البحر: من غاب عقله بالبنج والافيون يقع طلاقه إذا استعمله للهو وإدخال الآفات قصدا لكونه معصية، وإن كان للتداوي فلا لعدمها.
كذا في فتح القدير.
وهو صريح في حرمة البنج والافيون لا للدواء.
وفي البزازية: والتعليل ينادي بحرمته لا للدواء ا ه كلام البحر.
وجعل في النهر هذا التفصيل هو الحق.
والحاصل: أن استعمال الكثير المسكر منه حرام مطلقا كما يدل عليه كلام الغاية، وأما القليل: فإن كان للهو حرم، وإن سكر منه يقع طلاقه لان مبدأ استعماله كان محظورا، وإن كان للتداوي وحصل منه إسكار فلا، فاغتنم هذا التحرير المفرد.
بقي هنا شئ لم أر من نبه عليه عندنا، وهو أنه إذا اعتاد أكل شئ من الجامدات التي لا يحرم قليلها ويسكر كثيرها حتى صار يأكل منها القدر المسكر ولا يسكره سواء أسكره في ابتداءى الامر أو لا، فهل يحرم عليه استعماله نظرا إلى أنه يسكر غيره أو إلى أنه قد أسكره قبل اعتياد، أم لا يحرم نظرا إلى أنه طاهر مباح؟ والعلة في تحريمه الاسكار ولم يوجد بعد الاعتياد وإن كان فعله الذي أسكره قبله حراما، كمن اعتاد أكل شئ مسموم حتى صار يأكل ما هو قاتل عادة ولا يضره كما بلغنا عن بعضهم، فليتأمل.
نعم صرح الشافعية بأن العبرة لما يغيب العقل بالنظر لغالب الناس بلا عادة.
قوله: (وهي ورق القنب) قال ابن البيطار: ومن القنب الهندي نوع يسمى بالحشيشة يسكر جدا إذا تناول منه يسيرا قدر درهم، حتى أن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم، وربما قتلت، بل نقل ابن حجر عن بعض العلماء أن في أكل الحشيشة مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، ونقل عن ابن تيمية أن من قال بحلها كفر.
قال: وأقره أهل مذهبه ا ه.
وسيأتي مثله عندنا.
قوله: (والافيون) هو عصارة الخشخاش، يكرب ويسقط الشهوتين إذا تمودي عليه، ويقتل إلى درهمين، ومتى زاد أكله على أربعة أيام ولاءا اعتده بحيث يفضي تركه إلى موته لانه يخرق الاغشية خروقا لا يسدها غيره، كذا في تذكرة داود.
قوله: (لانه مفسد للعقل) حتى يصير للرجل فيه خلاعة وفساد، جوهرة.
قوله: (وإن سكر) لان الشرع أوجب الحد بالسكر من المشروب لا المأكول.
إتقاني.
قوله: (كذا في الجوهرة) الاشارة إلى قوله: ويحرم أكل البنج الخ.
قوله: (وكذا تحرم جوزة الطيب) وكذا العنبر والزعفران كما في الزواجر لابن حجر المكي، وقال: فهذه كلها مسكرة، ومرادهم بالاسكار هنا تغطية العقل لا مع الشدة المطربة لانها من خصوصيات المسكر المائع، فلا ينافي أنها تسمى مخدرة، فما جاء في الوعيد على الخمر يأتي فيها لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه ا ه.
أقول: ومثله زهر القطن فإنه قوي التفريح يبلغ الاسكار كما في التذكرة، فهذا كله ونظائره يحرم استعمال القدر المسكر منه دون القليل كما قدمناه، فافهم.
ومثله بل أولى البرش وهو شئ مركب من البنج والافيون وغيرهما، ذكر في التذكرة أن إدمانه يفسد البدن والعقل، ويسقط الشهوتين، ويفسد اللون، وينقص القوى وينهك، وقد وقع به الآن ضرر كثير ا ه.
قوله: (قاله المصنف) وعبارته:(1/14)
ومثل الحشيشة في الحرمة جوزة الطيب، فقد أفتى كثير من علماء الشافعية بحرمتها، وممن صرح بذلك منهم ابن حجر نزيل مكة في فتاواه والشيخ كمال الدين بن أبي شريف في رسالة وضعها في ذلك، وأفتى بحرمتها الاقصراوي من أصحابنا، وقفت على ذلك بخطه الشريف لكن قال: حرمتها دون حرمة الحشيش، والله أعلم ا ه.
أقول: بل سيذكر الشارح حرمتها عن المذاهب الاربعة.
قوله: (عن الجامع) أي جامع الفتاوى قوله: (والحشيشة) عبارة المصنف: وهو الحشيشة.
قوله: فهو زنديق مبتدع قال في البحر: وقد اتفق على وقوع طلاقه: أي آكل الحشيش فتوى مشايخ المذهبين الشافعية والحنفية لفتواهم بحرمته وتأديب باعته، حتى قالوا: من قال بحله فهو زنديق، كذا في المبتغى بالمعجمة وتبعه المحقق في فتح القدير ا ه.
قوله: (بل قال نجم الدين الزاهدي الخ) هذا ذكره المصنف نقلا عن خط بعض الافاضل.
ورده الرملي بأنه لا التفات إليه ولا تعويل عليه، إذ الكفر بإنكار القطعيات وهو ليس كذلك ا ه ملخصا.
أقول: ويؤيده ما مر متنا من أن الاشربة الاربعة المحرمة حرمتها دون حرمة الخمر فلا يكفر مستحلها فعلى هذا يشكل أيضا الحكم عليه بأنه زنديق مع أنه أقره في الفتح والبحر وغيرها، والزنديق يقتل ولا تقبل توبته.
لكن رأيت في الزواجر لابن حجر ما نصه: وحكى القرافي وابن تيمية الاجماع على تحريم الحشيشة.
قال: ومن استحلها فقد كفر.
قال: وإنما لم يتكلم فيها الائمة الاربعة لانها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهر في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار ا ه بحروفه.
فليتأمل.
قوله: (والتتن الخ) أقول قد اضطرت آراء العلماء فيه، فبعضهم قال بكراهته، وبعضهم قال بحرمته، وبعضهم بإباحته، أفردوه بالتأليف، وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي: ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر وفي شرح العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي والد سيدنا عبد الغني على شرح الدرر بعد نقله أن للزوج منع الزوجة من أكل الثوم والبصل وكل ما ينتن الفم.
قال: ومقتضاه المنع من شربها التتن لانه ينتن الفم خصوصا إذا كان الزوج لا يشربه أعاذنا الله تعالى منه، وقد أفتى بالمنع من شربه شيخ مشايخنا
المسيري وغيره ا ه.
وللعلامة الشيخ علي الاجهوري المالكي رسالة في حله نقل فيها أنه أفتى بحله من يعتمد عليه من أئمة المذاهب الاربعة.
قلت: وألف في حله أيضا سيدنا العارف عبد الغني النابلسي رسالة سماها الصلح بين الاخوان في إباحة شرب الدخان وتعرض له في كثير من تآليفه الحسان، وأقام الطامة الكبرى على القائل بالحرمة أو بالكراهة، فإنهما حكمان شرعيان لا بد لهما من دليل ولا دليل على ذلك، فإنه لم يثبت إسكاره ولا تفتيره ولا إضراره، بل ثبت له منافع، فهو داخل تحت قاعدة الاصل في الاشياء الاباحة، وأن فرض إضراره للبعض لا يلزم منه تحريمه على كل أحد، فإن العسل يضر بأصحاب الصفراء الغالبة، وربما أمرضهم مع أنه شفاء بالنص القطعي، وليس الاحتياط في الافتراء على الله(1/15)
تعالى بإثبا ت الحرمة أو الكراهة اللذين لا بد لهما من دليل، بل في القول بالاباحة التي هي الاصل.
وقد توقف النبي صلى الله عليه وآله مع أنه هو المشرع في تحريم الخمر أم الخبائث حتى نزل عليه النص القطعي، فالذي ينبغي للانسان إذا سئل عنه سواء كان ممن يتعاطاه أو لا كهذا العبد الضعيف وجميع من في بيته أن يقول هو مباح، لكن رائحته تستكرها الطباع، فهو مكروه طبعا لا شرعا إلى آخر ما أطال به رحمه الله تعالى، وهذا الذي يعطيه كلام الشارح هنا حيث أعقب كلام شيخه النجم بكلام الاشباه وبكلام شيخه العمادي وإن كان في الدر المنتقى جزم بالحرمة، لكن لا لذاته بل لورود النهي السلطاني عن استعماله ويأتي الكلام فيه.
قوله: (فإنه مفتر) قال في القاموس: فتر جسمه فتورا: لانت مفاصله وضعف، والفتار كغراب: ابتداء النشوة، وأفتر الشراب: فتر شاربه.
قوله: (وهو حرام) مخالف لما نقل عن الشافعية، فإنهم أوجبوا على الزوج كفايتها منه ا ه.
أبو السعود.
فذكروا أن ما ذهب إليه ابن حجر ضعيف، والمذهب كراهة التنزيه إلا لعارض.
وذكروا أنه إنما يجب للزوجة على الزوج إذا كان لها اعتياد، ولا يضرها تركه فيكون من قبيل التفكه، أما إذا كانت تتضرر بتركه فيكون من قبيل التداوي وهو لا يلزمه ط.
قوله: (ومع نهي ولي الامر عنه الخ) قال سيدي العارف عبد الغني: ليت شعري أي أمر من أمريه يتمسك به أمره الناس بتركه أم أمره بإعطاء المكس عليه، وهو في الحقيقة أمر باستعماله،
على أن المراد من أولي الامر في الآية العلماء في أصح الاقوال، كما ذكره العيني في آخر مسائل شتى من شرح الكنز، وأيضا هل منع السلاطين الظلمة المصرين على المصادرات وتضييع بيوت المال وإقرارهم القضاة وغيرهم على الرشوة والظلم يثبت حكما شرعيا وقد قالوا: من قال لسلطان زماننا عادل كفر ا ه ملخصا.
أقول: مقتضاه أن أمراء زماننا لا يفيد أمرهم الوجوب، وقد صرحوا في متفرقات القضاة عند قول المتون: أمرك قاض برجم أو قطع أو ضرب قضي فيه وسعك فعله بقولهم لوجول طاعة ولي الامر، قال الشارح هناك: ومنعه محمد حتى يعاين الحجة، واستحسنوه في زماننا.
وبه يفتى الخ.
وذكر العلامة البيري في أواخر شرحه على الاشباه أن من شروط الامامة: أن يكون عدلا بالغا أمينا ورعا ذكرا موثوقا به في الدماء والفروج والاموال، زاهدا متواضعا مسايسا في موضع السياسة.
ثم إذا وقعت البيعة من أهل الحل والعقد من مع صفته ما ذكر صار إماما يفترض إطاعته كما في حزانة الاكمل.
وفي شرح الجواهر: تجب إطاعته فيما أباحه الشرع، وهو ما يعود نفعه على العامة وقد نصوا في الجهاد على امتثال أمره في غير معصية.
وفي التاترخانية، إذا أمر الامير العسكر بشئ فعصاه واحد لا يؤدبه في أول وهلة بل ينصحه، فإن عاد بلا عذر أدبه ا ه ملخصا، وأخذ البيري من هذا: أنه لو أمر بصوم أيام الطاعون ونحوه يجب امتثاله.
أقول: وظاهر عبارة خزانة الفتاوى لزوم إطاعة من استوفى شروط الامامة، وهذا يؤيد كلام العارف قدس سره، لكن في حاشية الحموي ما يدل على أن هذه الشروط لرفع الاثم لا لصحة التولية فراجعه.
قوله: (ربما أضر بالبدن) الواقع أنه يختلف بالاختلاف المستعملين ط.
قوله: (الاصل(1/16)
الاباحة أو التوقف) المختار الاول عند الجمهور من الحنفية والشافعية كما صرح به المحقق ابن الهمام في تحرير الاصول.
قوله: (فيفهم منه حكم النبات) وهو الاباحة على المختار أو التوقف، وفيه إشارة إلى عدم تسليم إسكاره وتفتيره وإضراره، وإلا لم يصح إدخاله تحت القاعدة المذكورة ولذا أمر بالتنبه.
قوله: (وقد كرهه شيخنا العمادي في هديته) أقول: ظاهر كلام العمادي أنه مكروه تحريما ويفسق متعاطيه، فإنه
قال في فصل الجماعة: ويكره الاقتداء بالمعروف بأكل الربا أو شئ من المحرمات، أو يداوم الاسرار على شئ من البدع المكروهات كالدخان المبتدع في هذا الزمان ولا سيما بعد صدور منع السلطان ا ه.
ورد عليه سيدنا عبد الغني في شرح الهدية بما حاصله ما قدمناه، فقول الشارح إلحاقا له بالثوم والبصل فيه نظر، إذ لا يناسب كلام العمادي.
نعم إلحاقه بما ذكر هو الانصاف.
قال أبو السعود: فتكون الكراهة تنزيهية، والمكروه تنزيها بجامع الاباحة ا ه.
وقال ط: ويؤخذ منه كراهة التحريم في المسجد للنهي الوارد في الثوم والبصل وهو ملحق بهما، والظاهر كراهة تعاطيه حال القراءة لما فيه من الاخلال بتعظيم كتاب الله تعالى ا ه.
قوله: (وممن جزم الخ) قد علمت إجماع العلماء على ذلك.
تتمة: لم يتكلم على حكم قهوة البن، وقد حرمها بعضهم ولا وجه له كما في تبيين المحارم وفتاوى المصنف وحاشية الاشباه للرملي.
قال شيخ الشارح النجم الغزي في تاريخه في ترجمة أبي بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعيدروس: إنه أول من اتخذ القهوة لما مر في سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره، فوجد فيه تجفيفا للدماغ واجتلابا للسهر وتنشيطا للعبادة، فاتخذه قوتا وطعاما وأرشد أتباعه إليه، ثم انتشرت في البلاد، واختلف العلماء في أول القرن العاشر: فحرمها جماعة ترجح عندهم أنها مضرة آخرهم بالشام والد شيخنا العيتاوي والقطب بن سلطان الحنفي وبمصر أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي تبعا لابيه، والاكثرون إلى أنها مباحة، وانعقد الاجماع بعدهم على ذلك، وأما ما ينضم إليها من المحرمات فلا شبهة في تحريمه ا ه ملخصا.
خاتمة: سئل ابن حجر المكي عمن ابتلى بأكل نحو الافيون وصار إن لم يأكل منه هلك.
فأجاب: إن علم ذلك قطعا حل له، بل وجب لاضطراره إلى إبقاء روحه كالميتة لمضطر، ويجب عليه التدريج في تنقيصه شيئا فشيئا حتى يزول تولع المعدة به من غير أن تشعر، فإن ترك ذلك فهو آثم فاسق ا ه ملخصا.
قال الرملي: وقواعدنا لا تخالفه.
فرع: قدمنا في الحظر والاباحة عن التاترخانية أنه لا بأس بشرب ما يذهب بالعقل لقطع نحو أكله.
أقول: ينبغي تقييده بغير الخمر، وظاهره أنه لا يتقيد بنحو بنج من غير المائع، وقيده به
الشافعية، والله تعالى أعلم.(1/17)
كتاب الصيد مصدر صاده: إذا أخذه فهو صائد وذاك مصيد، ويسمى المصيد صيدا فيجمع صيودا، وهو كل ممتنع متوحش طبعا لا يمكن أخذه إلا بحيلة.
مغرب، فخرج بالممتنع مثل الدجاج والبط، إذ المراد منه أن يكون له قوائم أو جناحان يملك عليهما ويقدر على الفرار من جهتهما، وبالمتوحش مثل الحمام، إذا معناه أن لا يألف الناس ليلا ونهارا، وبطبعا ما يتوحش من الاهليات فإنها لا تحل بالاصطياد وتحل بذكاة الضرورة ودخل به متوحش بألف كالظبي لا يمكن أخذه إلا بحيلة، وتمامه في القهستاني: أي فالظبي وإن كان مما يألف بعد الاخذ إلا أنه صيد قبله يحل بالاصطياد، ودخل فيه ما لا يؤكل كما يأتي.
قوله: (مما يورث السرور) وقيل: الغفلة واللهو، لحديث: من اتبع الصيد فقد غفل وفي السعدية: ولان الصيد من الاطعمة ومناسبتها للاشربة غير خفية، وكل منها فيه ما هو حلال وحرام.
قوله: (بخمسة عشر شوطا) خمسة في الصائد: وهو أن يكون من أهل الذكاة، وأن يوجد منه الارسال، وأن لا يشاركه في الارسال من لا يحل صيده، وأن لا يترك التسمية عامدا، وأن لا يشتغل بين الارسال والاخذ بعمل آخر، وخمسة في الكلب: أن يكون معلما، وأن يذهب على سنن الارسال، وأن لا يشاركه في الاخذ ما لا يحل صيده، وأن يقتله جرحا، وأن لا يأكل منه، وخمسة في الصيد: أن لا يكون من الحشرات، وأن لا يكون من بنات الماء إلا السمك، وأن يمنع نفسه بجناحيه أو قوائمه، وأن لا يكون متقويا بنابه أو بمخلبه، وأن يموت بهذا قبل أن يصل إلى ذبحه ا ه.
وفيه بحث مذكور مع جوابه في المنح، ومجموع هذه الشروط لما يحل الله ولم يدركه حيا.
قوله: (في غير الحرام) الاولى أن يقول: أو في الحرم ليشمل الصور الثلاث وهي: صيد المحرم في الحل أو الحرم أو الحلال في الحرم.
قوله: (كما هو ظاهر) لان مطلق اللهو منهي عنه إلا في ثلاث كما مر في الحظر.
قوله: (على ما في الاشباه) أي أخذا مما في البزازية من أنه مباح إلا للتلهي أو حرفه.
وفي مجمع الفتاوى: ويكره للتلهي، وأن يتخذ خمرا، وأقره في الشرنبلالية.
قوله: (لانه نوع من الاكتساب) وبذلك استدل في
الهداية على إباحة الاصطياد بعد استدلاله عليه بالكتاب والسنة والاجماع، وأقره الشراح.
قوله: (وكل أنواع الكسب الخ) أي أنواعه المباحة، بخلاف الكسب بالربا والعقود الفاسدة ونحو ذلك.
قوله: (على المذهب الصحيح) قال بعده في التاترخانية، وبعض الفقهاء قالوا: الزراعة مذمومة، والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ثم اختلفوا في التجارة والزراعة أيهما أفضل.
وأكثر مشايخنا على أن الزراعة أفضل ا ه.
وفي الملتقى والمواهب: أفضله الجهاد، ثم التجارة، ثم الحراثة، ثم الصناعة ا ه.
أقول: فالمراد من قولهم كل أنواع الكسب في الاباحة سواء أنها بعد إن لم تكن بطريق محظور لا يذم بعضها وإن كان بعضها أفضل من بعض.
تأمل.
ثم إن كل نوع منها تارة يتخذه الانسان حرفة ومعاشا، وتارة يفعله وقت الحاجة في بعض(1/18)
الاحيان، وحيث كان الاصطياد نوعا منها دل على إباحة اتخذاه حرفة ولا سيما مع إطلاق الادلة، وعبارات المتون: والكراهة لا بد لها من دليل خاص، وما قيل إن فيه إزهاق الروح وهو يورث قسوة القلب لا يدل على الكراهة، بل غايته أن غيره كالتجارة والحراثة أفضل منه.
وفي التاترخانية قال أبو يوسف: إذ طلب الصيد لهوا ولعبا فلا خير فيه وأكرهه، وإن طلب منه ما يحتاج إليه من بيع أو إدام حاجة أخرى فلا بأس به ا ه.
قوله: (تعقل) بتقديم العين المهملة على القاف أي علق ونشب.
قال في المغرب: وهو مصنوع غير مسموع.
قوله: (وإن وجد المقلش) بالقاف: وهو الذي يفتش المزابل بيده أو بالغربال ليستخرج ما فيها من النقود وغيرها، والظاهر أنه لفظ عامي غير عربي، فلتراجع كتب اللغة، ولا مناسبة لهذه المسألة بباب الصيد، ومحلها كتاب اللقطة.
حموي ملخصا.
ووجد في بعض نسخ المنح المفتش.
قوله: (بضرب أهل الاسلام) أما المضروب بضرب الجاهلية فهو ركاز يخمس، وتقدم أنه إذا اشتبه الضرب بجعل جاهليا ط.
قوله: (ويجب تعريفه) إلى أن يعلم أنه لا يطلبه ثم يتصدق به أو ينفقه على نفسه إن كان مصرفا ط.
قوله: (ناقل) أي من مالك إلى مالك، وقوله: وخلافة أي ذو خلافة، وكذا يقال فيما بعده ط.
قوله: (وهو الاستيلاء حقيقة) شمل إحياء الموات فلا حاجة إلى عده قسما رابعا كما فعل الحموي.
قوله: (كنصب شبكة لصيد لا لجفاف)
تبع فيه صاحب الاشباه، والاولى حذف.
قوله: لصيد ليشمل ما إذا لم يقصد شيئا، لما في التاترخانية والظهيرية: الاستيلاء الحكمي باستعمال ما هو موضع للاصطياد، حتى أن من نصب شبكة فتعقل بها صيد ملكه قصد بها الاصطياد أو لا، فلو نصبها للتجفيف لا يملكه، وإن نصب فسطاطا إن قصد الصيد يملكه، وإلا فلا لانه غير موضوع للصيد، ا ه ملخصا.
فتأمل.
قوله: (على المباح) متعلق بالاستيلاء.
قوله: (عن مالك) أي ملك مالك.
قوله: (على حطب غيره) أي بأن جمعه غيره.
قوله: (ولم يحل الخ) لانه لم يخل عن ملك مالك.
قوله: (وتمام التفريع) أي على السبب الثالث في المطولات، منها ما في التاترخانية وغيرها عن المنتقى بالنون: دخل صيد داره فلما رآه أغلق عليه الباب وصار بحال يقدر على أخذه بلا اصطياده بشبكة أو سهم ملكه، وإن أغلق ولم يعلم به لا يملكه.
ولو نصب حبالة فوقع فيها صيد فقطعها وانفلت فأخذه آخر ملكه، ولو جاء صاحب الحبالة ليأخذه ودنا منه بحيث يقدر على أخذه فانفلت لا يملكه الآخذ.
وكذا لو انفلت من الشبكة في الماء قبل الاخراج فأخذه غيره ملكه، لا لو رمى به خارج الماء في موضع يقدر على أخذه فوقع في الماء ا ه ملخصا.
وفي بعض النسخ وتمام التعريف، وهو غير مناسب كما لا يخفى، قوله: (تقدما في الذبائح) يشير إلى أن المراد به ما تقدم، وهو سبع له ناب أو مخلب يصيد به احترازا عن نحو البعير والحمامة.
قال القهستاني: وفيه(1/19)
إشعار بأن ما لا ناب له ولا مخلب لم يحل صيده بلا ذبح لانه لم يجرح كما في الكرماني.
قوله: (وباز) في الصحاح: الباز لغة في البازي الذي يصيد والجمع أبواز وبيزان وجمع البازي بزاة، فالاول أجوف، والثاني ناقص، فظهر منه لحن قول بعض الفقهاء: البازي بتشديد الياء وتخفيها.
كذا في غرر الافكار: أي حيث جوزوا فيه التشديد مع أنه لم يسمع.
قوله: (بدب وأسد) ذكر في النهاية الذئب بدل الدب، وكذا في المحيط.
شرنبلالية، وذكر في الاختيار الثلاثة.
قوله: (لعدم قابليتهما التعليم) حتى لو تصور التعليم منهما وعرف ذلك جاز.
شرنبلالية عن النهاية.
قوله: (وعليه الخ) هو بحث للمصنف: أي على أن العلة هي نجاسة عينه كما في الهداية.
قوله: (فلا يجوز) الفاء فصيحة: أي وإذا بنينا عدم الجواز في الخنزير على نجاسة عينه فلا يجوز بالكلب بناء على القول بنجاسة عينه أيضا.
وذكر في المعراج عن
النخعي والحسن البصري وغيرهما أنه لا يجوز بالكلب الاسود البهيم.
لانه عليه الصلاة والسلام قال: (هو شيطان) وأمر بقتله، وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فلم يبح صيده كغير المعلم.
ولنا عموم الآية والاخبار ا ه.
قوله: (وإن النص ورد فيه) وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم: إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله تعالى، فإن أمسك عليك فأدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة رواه البخاري ومسلم وأحمد.
قوله: (وبه يندفع قول القهستاني) حيث قال: يحل صيد كل ذي ناب، كالكلب والفهد والنمر والاسد وابن عرس والدب والخنزير وغيرها بشرط العلم.
وعن أبي يوسف أنه يستثنى منه الخنزير لكنه نجس العين، والاسد والدب لانهما لا يعملان للغير.
وقد يلحق الحدأة بالدب.
مضمرات.
وفي ظاهر الرواية الشرط قبول التعليم.
وما قال السغناقي: إن الاسد والدب لا يتصور فيهما التعليم، فقد صرح بخلافه في البيع والخنزير عند الامام ليس بنجس العين على ما في التجريد وغيره، على أن الكلب نجس العين عند بعضهم، وقد حل بالاتفاق ا ه ملخصا.
وحاصله: البحث في استثناء الخنزير والاسد والدب.
وفي التعليل: لان الشرط في ظاهر الرواية قبول التعليم فيحل بكل معلم ولو خنزيرا، وكونه نجس العين لا يمنع بدليل أن الكلب كذلك عند بعضهم مع أنه لم يقل أحد بعدم حل صيده، ووجه الدفع الذي أفاده الشارح الفاصل أن النص ورد في الكلب، وإن قيل بنجاسة عينه فلا يلحق به الخنزير.
والحاصل: أن هذا الجواب دفع به الشارح شيئين: الاول: ما بحثه المصنف من إلحاق الكلب بالخنزير في عدم الصيد بناء على القول بنجاسة عين الكلب.
والثاني: ما بحثه القهستاني من إلحاق الخنزير بالكلب في حل الصيد.
ووجه الاول أن الكلب وإن قيل بنجاسة عينه، لكن لما ورد النص فيه بخصوصه وجب اتباعه.
ووجه الثاني أن الخنزير وإن دخل ظاهرا في عموم قوله تعالى: * (وما علمتم من الجوارح) * (المائدة: 4)(1/20)
لكنه مستثنى لحرمة الانتفاع بنجس العين، وما ورد به نص بخصوصه حتى يتبع بل أمرنا باجتنابه فلا يصح قياسه على الكلب المنصوص عليه، ولذا جزم باستثنائه المصنف كالهداية والتبيين والبدائع
والاختيار، هذا تقرير كلام الشارح الفاضل، وقد خفي على غير واحد ونسبه بعضهم للغفلة وهو برئ عنها ولله تعالى دره.
نعم فاته الجواب عن قول القهستاني: والخنزير ليس بنجس العين، لكن تركه لظهور أن المذهب خلافه، والتعليل بنجاسة عينه مبني على ما هو المذهب.
تأمل.
قوله: (بشرط علمهما) بدليل الحديث المار، وقوله تعالى: * (مكلبين) * أي معلمين الاصطياد * (تعلمونهن) * (المائدة: 4) تؤدبوهن.
وتمامه في الزيلعي.
والمناسب الاتيان بالواو عطفا على قوله بشرط التعليم، ثم إن هذا الشرط مغن عن ذاك.
قوله: (وذا) أي العلم، والباء في بترك للتصوير ط.
قوله: (بترك الاكل ثلاثا) أي متواليات.
قهستاني.
وهذا عندهما، وهو رواية عنه لان فيما دونه مزيد الاحتمال، فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا، فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة.
وتمامه في الهداية.
ونقل ط عن الحموي: أنه لا بد من ترك الاكل مع الجوع لا الشبع فتأمل.
وعم أكله من الجلد والعظم والجناح والظفر وغيرها كما في قاضيخان وغيره.
قهستاني، وعند أبي حنيفة: لا بد أن يغلب على ظن الصائد وأنه معلم ولا يقدر بالثلاث.
ومشى في الكنز والنقاية والاصطلاح ومختصر القدوري على اعتبار التقدير بالثلاث، وظاهر الملتقى ترجيح عدمه.
ثم على رواية التقدير عن الامام يحل ما اصطاده ثالثا، وعندهما في حل الثالث روايتان.
قال في الخلاصة والبزازية: والاصح الحل.
قوله: (في الكلب ونحوه) أي من كل ذي ناب فشمل نحو الفهد والتمر، وقوله: بالرجوع إذا دعوته في البازي ونحوه أي من كل ذي مخلب.
قال في الهداية لان بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمل فيضرب ليتركه، ولان آية التعليم ترك ما هو مألوفه عادة والبازي متوحش متنفر فكانت الاجابة آية تعليمه.
أما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب، فكان آية تعليمه ترك مألوفه وهو الاكل والاستلاب ا ه.
والتعليل الثاني لا يتأتى في الفهد والنمر فإنه متوحش كالبازي مع أن الحكم فيه وفي الكلب سواء، فالمعتمد هو الاول كفاية عن المبسوط، ونحوه في العناية والمعراج.
وفي التاترخانية عن الكافي: والحكم في الفهد والكلب سواء ا ه.
أي: لا يشترط فيه إلا ترك الاكل.
وفي الاختيار ما يخالفه حيث قال: والفهد ونحوه يحتمل الضرب، وعادته الافتراس والنفار فيشترط فيه ترك الاكل والاجابة جميعا،
ومثله في الدر وغاية البيان وغيرهما، وهو مبني على اعتبار التعليل الثاني.
أقول: ومقتضى اعتماد التعليل الاول ترجيح ما مر، فتدبر.
تنبيه: لم يذكر البازي بكم إجابة يصير معلما، فينبغي أن يكون على الاختلاف الذي ذكر في الكلب ولو قيل: يصير معلما بإجابة واحدة كان له وجه لان الخوف ينفره، بخلاف الكلب.
زيلعي.
قلت: وفي التاترخانية والذخيرة وغيرهما: إذا فر البازي من صاحبه فدعاه فلم يجبه حتى حكم بكونه جاهلا إذا أجاب ثلاث مرات بعد ذلك على الولاء يحكم بتعلمه عندهما.
وقال قبله عن المحيط: وأما البازي وما بمعناه فترك الاكل في حقه ليس علامة تعلمه بل أن يجيب صاحبه إذا دعاه،(1/21)
حتى إذا أكل من الصيد يؤكل صيده.
قال بعض مشايخنا: هذا إذا أجاب عند الدعوة لالفه به من غير أن يطمع في اللحم أما إذا كان لا يجيب إلا لطمع في اللحم لا يكون معلما ا ه.
ومثله في الظهيرية.
قوله: (إذا دعوته) أي دعوت الجارح المعلوم من المقام.
قوله: (وبشرط جرحهما) أي ذي ناب والمخلب.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية في البدائع الاصطياد بذي ناب أو مخلب كالبازي والشاهين لا يحل ما لم يجرح في ظاهر الرواية.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يحل.
زاد في العناية والمعراج وغيرهما: والفتوى على ظاهر الرواية.
أقول: وهو ظاهر إطلاق ما في المتون.
فما في القهستاني عن النظم من أن البازي والصقر: لو قتلاه خنقا حل بالاتفاق مشكل، وما في الخانية من قوله: ولو أرسل الكلب فأصاب الصيد وكسر عنقه ولم يجرحه أو جثم عليه: أي جلس على صدره وخنقه لا يؤكل، وعن أبي يوسف: لا يشترط الجرح، والبازي إذا قتل الصيد حل وإن لم يجرح ا ه.
قال بعضهم: وهو على خلاف ظاهر الرواية.
أقول: يؤيده أنه ذكر بعد قوله عن أبي يوسف، فما في القهستاني من حمله كلام الخانية على ما في النظم ورده قوله ذلك البعض فيه نظر، لما علمت من مخالفة ما في النظم لظاهر الرواية المفتى به.
تأمل.
وذكر القهستاني أن الادماء ليس بشرط، ومنهم من شرطه إن كانت الجراحة صغيرة، وفيه كلام سيأتي.
قوله: (وبشرط إرسال مسلم أو كتابي) سيأتي محترزه وهو المجوسي والوثني والمرتد، فلو انفلت
من صاحبه فأخذ صيدا فقتله لم يؤكل كما لو لم يعلم بأنه أرسله أحد لانه لم يقطع بوجود الشرط.
قهستاني وسيأتي.
قوله: (وبشرط التسمية) أي ممن يعقل، بخلاف غيره من صبي أو مجنون أو سكران كما في البدائع.
قوله: (عند الارسال) فالشرط اقتران التسمية به، فلو تركها عمدا عند الارسال ثم زجره معها فانزجر لم يؤكل صيده.
قهستاني.
فلا تعتبر التسمية وقت الاصابة في الذكاة الاضطراية، بخلاف الاختيارية، لان التسمية تقع فيها على المذبوح لا على الآلة، فلو أضجع شاة وسمى ثم أرسلها وذبح أخرى بالتسمية الاولى لم تجزه، ولو رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فأصاب آخر فقتله أكل، ولو أضجع شاة وسمى ثم ألقى السكين وأخذ سكينا أخرى فذبح بها تؤكل، يخلاف مالو سمى على سهم ثم رمى بغيره.
وتمامه في البدائع.
قوله: (ولو حكما) راجع إلى التسمية وقصد به إدخال الناسي في حكم المسمى ط.
قوله: (على حيوان ولو غير معين،.
فلو أرسل على صيد وأخذ صيودا أكل لكل ما دام في وجه الارسال.
قهستاني عن الخانية.
وكذا لو أرسله على صيود كثيرة كما يأتي، وقد أشار المصنف إلى ما في البدائع أن من الشروط من أن يكون الارسال أو الرمي على الصيد أو إليه.
قال: حتى لو أرسل على غير صيد أو رمى إلى غير صيد فأصاب صيدا لا يحل لانه لا يكون اصطيادا فلا يضاف إلى المرسل أو الرمي ا ه.
وسيأتي تمام التفريع عليه في قول المصنف (سمع حس إنسان الخ)، وعليه فالظرف تنازعه كل من التسمية والارسال، فتدبر.
قوله: (متوحش) أي طبعا كما قدمناه أول الكتاب.(1/22)
وفي البزازية رمى إلى برج الحمام فأصاب حماما ومات قبل أن يدركه ذكاته لا يحل، وللمشايخ فيه كلام أنه هل يحل بذكاة الاضطرار أم لا؟ قيل: يباح لان صيد، وقيل: لا لانه يأوي إلى البرج في الليل ا ه.
قوله: (فالذي الخ) محترز القيود.
قوله: (لا يتحقق فيه الحكم المذكور) أي الحل بالاصطياد، فإت الاول والثالث ذكاتهما الذبح، وكذا الثاني إن أمكن ذبحه، وإلا ففي البدائع: ما وقع في بئر فلم يقدر على إخراجه ولا ذبحه فذكاة الصيد لكونه في معناه ا ه.
وكذا تقدم في الذبائح أنه يكفي فيه الجرح كنعم توحش.
إلا أن يقال: إن الكلام الآن في الصيد بذي ناب أو مخلب وذا لا
يمكن هنا وإن أمكن ذكاته بسهم ونحوه.
تأمل.
قوله: (ولذا قال الخ) يعني أن ما ذكر لا يحل بالاصطياد بل لا بد فيه من الذبح، لان المراد بالصيد ما يؤكل أو أعم للانتفاع بجلده، ولا يحل شئ مما ذكر بالاصطياد لا للاكل ولا للانتفاع بجلده، لان حل اللحم أو الجلد بالاصطياد إنما هو إذا لم تمكن الذكاة الاختيارية، وما ذكر أمكنت فيه لخروجه عن الامتناع أو التوحش، فافهم.
قوله: (وبشرط ألا يشرك الخ) أي لا يشركه في الجرح.
وحاصل في الهداية والزيلعي وغيرهما: أنه إما أن يشارك المعلم غير المعلم في الاخذ والجرح فلا يحل، أو في الاخذ فقط بأن فر من الاول فرده الثاني ولم يجرحه ومات بجرح الاول كره أكله تحريما في الصحيح، وقيل: تنزيها، بخلاف ما إذا رده عليه مجوسي بنفسه حيث لا يكره، لان فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلم تتحقق المشاركة، بخلاف فعل الكلبين، ولو لم يرده الثاني على الاول، لكن اشتد على الاول فاشتد الاول على الصيد بسببه فقتله الاول فلا بأس به، ولو رده عليه سبع أو ذو مخلب من الطير مما يمكن تعليمه والاصطياد به فهو كما لو رده الكلب عليه للمجانسة، بخلاف ما لو رده عليه ما لا يصطاد به كالجمل والبقر ثم البازي كالكلب في جميع ما ذكرنا.
قوله: (أو لم يرسل الخ) العطف على غير معلم، فكان ينبغي ذكره قبل قوله (وكلب مجوسي) تأمل.
قوله: (وبشرط أن لا تطول وقفته) أي وقفة المعلم للاستراحة، ولو أكل خبزا بعد الارسال أو بال لم يؤكل كما في المحيط، فالاولى أن يقول: أن لا يشتغل بعمل آخر بعد الارسال كما في النظم وغيره، لان عدم الطول أمر غير مضبوط.
قهستاني.
ولو عدل عن الصيد يمنة أو يسرة أو تشاغل في غير طلب الصيد وفتر عن سننه ثم أتبعه فأخذه لم يؤكل إلا بإرسال مستأنف أو أن يزجره صاحبه ويسمى فيما يحتمل الزجر فينزجر.
بدائع.
وإذا رد السهم ريح إلى ورائه أو يمنة أو يسرة فأصاب صيدا لا يحل، وكذا لو رده حائطا أو شجرة.
وتمامه في الخانية.
قوله: (بخلاف ما إذا كمن) على وزن نصر وسمع كما في القاموس، وقوله: واستخفى عطف وتفسير، وهذا كالاستثناء مما قبله.
قوله: (كما بسطه المصنف) ونصه: قال شمس الائمة السرخسي ناقلا عن شيخه شمس الائمة الحلواني رحمه الله تعالى: للفهد خصال ينبغي لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه.(1/23)
منها: أنه يكمن للصيد حتى يتمكن منه، وهذه حيلة منه للصيد فينبغي للعاقل أن لا يجاهر عدوه بالخلاف ولكن بطلب الفرصة حتى يحصل مقصوده من غير إتعاب نفسه، ومنها: أنه لا يتعلم بالضرب ولكن يضرب الكلب بين يديه إذا أكل من الصيد فيتعلم بذلك، وهكذا ينبغي للعاقل أن يتعظ بغيره كما قيل: السعيد من وعظ بغيره، ومنها: أنه لا يتناول الخبيث وإنما يطلب من صاحبه اللحم الطيب، وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يتناول إلا الطيب، ومنها: أنه يثب ثلاثا أو خمسا فإذا لم يتمكن من أخذه ترك ويقول لا أقتل نفسي فيما أعمل لغيري، وهكذا ينبغي لكل عاقل.
قوله: (فإن أكل الخ) تفريع على قوله بشرط علمهما الخ.
قوله: (مطلقا عندنا) أي سواء كان نادرا أو معتادا.
وللشافعي قولان فيما إذا كان نادرا: ففي قول يحرم، وفي قول يحل وبه قال مالك.
وتمامه في المنح.
قوله: (بعد تركه للاكل) اللام للتقوية وهي الداخلة على معمول عامل ضعف بالتأخير أو فرعيته عن غيره نحو * (لربهم يرهبون) * (الاعراف: 451).
* (فعال لما يريد) * (البروج: 61).
قوله: (ثلاث مرات) أي عندهما برأي الصائد عنده ط.
قوله: (ما صاد بعده) أي بعد الاكل المذكور الذي هو بعد تركه له ثلاث مرات وكذا الضمير في قبله.
قوله: (لو بقي في ملكه) قيد لقوله أو قبله، وشمل ما لم يحرز بأن كان في المفازة بعد والحرمة فيه بالاتفاق أو أحرزه في بيته عند أبي حنيفة، وعندهما لا يحرم وتمامه في الزيلعي.
والحاصل: أن الامام حكم بجهل الكلب مستندا وهميا بالاقتصار على ما أكل، والاول أقرب إلى الاحتياط.
عناية.
وهو الصحيح.
قهستاني عن الزاد.
قوله: (فإن ما أتلفه) أي بالاكل ونحوه، وهذا مفهوم قوله (لو بقي في ملكه).
وفي التاترخانية: وإما ما باعه فلا شك أن على قولهما لا ينقض البيع، فأما على قوله: فينبغي أن ينقض إذا تصادق مع المشتري على جهل الكلب.
قوله: (وفيه إشكال ذكره القهستاني) حيث قال: وها هنا إشكال فإن الحكم بالشئ لا يقتضي الوجود، ألا ترى أنا نحكم بحرية الامة الميتة عند دعوى الولد حريتها ا ه.
وصورتها فيما ظهر لي: أن امرأة ولدت بنكاح فادعى رجل بعد موتها أنها أمته زوجها من أب الولد فأثبت الولد حريتها تثبت ويندفع عنه الرق.
تأمل.
وعليه فلا يظهر ما أجاب به بعض الفضلاء من أن الحكم عليها بالحرية إنما سرى إليها بواسطة الولد لانه الاصل في دعوى النسب فيعتق فتتبعه أم الولد، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا ا ه ملخصا.
نعم يظهر ذلك فيما لو ادعى المولى أنه ابنه من أمته الميتة.
تأمل.
وقد يجاب عن الاشكال بأنه لا ثمرة تترتب على ثبوت الحرمة، وما قيل الثمرة بطلان البيع لو باعه والرجوع بالثمن لانه ميتة أو لزوم التوبة، ففيه أن الكلام في الفائت بنحو الاكل، ومسألة البيع خلافية كما مر وهذه وفاقية، ولم يكن(1/24)
الاكل معصية قبل العلم بذلك حتى تلزم التوبة.
تأمل.
قوله: (كصقر فر من صاحبه) بأن صار لا يجيب إذا دعاه كما يفيده التعليل.
قوله: (فيكون كالكلب إذا أكل) فلا يحل صيده حتى يتعلم ثانيا بأن يجيب صاحبه ثلاث مرات على الولاء كما قدمناه عن التاترخانية.
قوله: (أكل ما بقي) لانه بعد الاحراز لم يبق صيدا، بخلاف ما قبله لبقاء جهة الصيدية فيه.
أفاده الزيلعي.
قوله: (لانه من غاية علمه) حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له.
زيلعي.
قوله: (ولو نهش) بالشين المعجمة أو السين المهملة بمعنى واحد: وهو أخذ اللحم بمقدم الاسنان.
قوله: (وإذا أدرك المرسل) أي مرسل الكلب أو البازي، وقوله: أو الزامي أي رامي سهم ونحوه، وكان ينبغي إسقاط هذا كله لانه سيذكره مبسوطا.
قوله: (وشرط الخ) شروع في أحكام الآلة الثانية من التي الاصطياد، لانها إما حيوانية أو جمادية.
قوله: (التسمية) أي عند الرمي كما قدمناه.
قوله: (ولو حكما) كالناسي.
قوله: (وشرط الجرح) فلو دقه السهم لو يؤكل لفقد الذكاة، وفي خروج الدم الخلاف السابق.
أفاده القهستاني ط.
قوله: (ليتحقق معنى الذكاة) أي التطهير بإخراج الدم الذي أقيم الجرح مقامه ط.
قوله: (وشرط أن لا يعقد) أي المرسل أو الرامي الصيد أو من يقوم مقامه.
بدائع: أي كخادمة أو رفيقة.
قوله: (متحاملا) التحامل في المشي: أن يتكلفه على مشقة وإعياء، ومنه تحامل الصيد: أي تكلف الطيران.
مغرب.
وفائدة ذكره أنه لو غاب وتوارى بدونه فوجده ميتا لا يحل ما لم يعلم جرحه يقينا.
معراج.
قوله: (يحل) أي إلا إذا وجد به جراحة سوى جراحة سهمه فلا يحل.
هداية.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (لاحتمال موته بسبب آخر) هذا الاحتمال موجود أيضا فيما إذا لم يقعد عن طلبه لكنه سقط للضرورة كما في الهداية، ومفاده كظاهر المتن أنه لا يشترط أن لا يتوارى عن بصره.
قوله: (وفيه كلام مبسوط في الزيلعي) حيث ذكر أولا عبارة الخانية، وذكر أنها نص على اشتراطه وأن صاحب الهداية أشار إلى ذلك أيضا مع أنه مناقض لاول كلامه، حيث بني الامر على الطلب وعدمه لا على التواري وعدمه، وعليه أكثر كتب أصحابنا لقوله عليه الصلاة والسلام لابي ثعلبة: إذا رميت سهمك(1/25)
فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن رواه مسلم وأحمد وأبو داود.
وروى: أنه عليه الصلاة والسلام كره الصيد إذا غاب عن الرامي وقال: لعل هوام الارض قتلته فيحمل هذا الحديث على ما إذا قعد عن طلبه والاول على ما إذ لم يقعد ا ه ملخصا.
وأقول: نص عبارة الخانية هكذا: والسابع أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه فيكون في طلبه ولا يشتغل بعمل آخر حتى يجده، لانه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل الخ.
فأنت ترى كيف جعل الشرط أحد الامرين: إما عدم التواري، أو عدم القعود لتعبيره بأو، فلعل نسخة الزيلعي بالواو فقال ما قال.
وأما التعليل بقوله لانه إذا غاب الخ: أي مع القعود عن طلبه بدليل قوله في الخانية بعده: وإذا توارى الكلب والصيد عن المرسل أو رمى إلى صيد فوجده بعد ذلك ميتا وفيه سهمه ليس فيه جرح آخر حل أكله إذا لم يترك الطلب، لانه لا يستطاع الامتناع عن التواري عن البصر فيكون عفوا ا ه، ونحوه في الهداية فيتعين حمل ما أوهم خلافه عليه.
وفي البدائع: ومنها أن يلحقه قبل التواري عن بصره أو قبل انقطاع الطلب، فإن توارى عنه وقعد عن طلبه لم يؤكل، أما إذا لم يتوار عنه أو توارى ولم يقعد عن طلبه أكل استحسانا ا ه.
وهذا يعين أن نسخة الخانية بأو لا بالواو، فاغتنم هذا التحرير.
تنبيه: فيما ذكر إشعار بأن مدة الطلب غير مقدرة، وقد قال أبو حنيفة: إنها مقدرة بنصف يوم أو ليلة، فإن طلبه أكثر منه لم يأكل، وفي الزيادات: إن طلبه أقل من يوم أكل كما في المضمرات.
قهستاني.
فروع: في شرح المقدسي: رمى طيرا فوقع في الماء وكان لو دخله بخفه أدركه فاشتغل بنزعه فوجده ميتا حرمه بديع الدين.
وقال غيره: يحل لان دخوله مع الخف أضاعه مال وخلاف العادة فصار كنزع الثياب.
قال السائحاني: هذا إذا كان فيه حياة غير المذبوح وإلا فلا تعتبر.
ولو نصب شبكة أحبولة وسمى ووقع بها صيد ومات مجروحا لا يحل، ولو كان بها آلة جارحة كمنجل وسمى عليه وجرحه حل عندنا، كما لو رماه بها.
وفي البزازية: وضع منجلا في الصحراء لصيد حمار الوحش فجاءه فإذا هو متعلق به وهو ميت وكان سمى عند الوضع لا يحل.
قال المقدسي: وهذا محمول على ما إذا قعد عن طلبه ا ه.
وفيه كلام قدمناه في الذبائح.
قوله: (والحياة المعتبرة هنا) أي في الصيد احترازا عما يأتي من المتردية ونحوها.
قوله: (فوق ذكاة المذبوح) صوابه حياة المذبوح كما عبر في الملتقى.
قوله: (بأن يعيش يوما الخ) أقول: ذكر صاحب المجمع ذلك في المنخنقة ونحوها.
وعبارته مع شرحه: لو ذكى المنخنقة أو الموقوذة وبها حياة حلت في ظاهر الرواية، وكونها بحيث تبقى يوما شرط في رواية عن أبي حنيفة، ويعتبر أبو يوسف أكثر اليوم.
وقال محمد: لو فيها أكثر مما في المذبوح تؤكل وإلا فلا اه.
قال في البدائع: ذكر الطحاوي قول محمد مفسرا فقال: على قول محمد إن لم يبق معها إلا اضطراب الموت فذبحها لا تحل، وإن كانت تعيش مدة كاليوم أو كنصفه حلت ا ه.
وبه يظهر تفسير حياة المذبوح وما فوقها.
أما ما في المجمع فليس تفسيرا لها، تأمل.
على أن ما نقله عن أبي يوسف هو رواية عنه كما في البدائع.
وذكر أن ظاهر الرواية عن أبي يوسف أنه يعتبر من الحياة ما(1/26)
يعلم أنها تعيش به، فإن علم أنها لا تعيش فذبحها لا تؤكل.
قوله: (أما مقدارها) أي مقدار حياة المذبوح.
قوله: (فلا يعتبرها هنا) أي في الصيد.
قال في الهداية أما إذا شق الكلب بطنه وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل، لان ما بقي اضطراب المذبوح فلا يعتبر، كما إذا وقعت شاة في الماء بعد ما ذبحت ا ه.
وفي الخانية: أرسل كلبه المعلم على صيد فجرحه وبقي فيه من الحياة ما يبقى في المذبوح بعد
الذبح فأخذه المالك ولم يذكه حل أكله ا ه.
زاد في الظهيرية: يحل بالاتفاق لان الاول وقع ذكاة فيستغني عن ذكاة أخرى ا ه.
وحاصله: أن ما فيه حياة المذبوح لم يبق قابلا للذكاة استغناء بالذكاة الاضطرارية، حتى لو وقع في الماء فمات لم يحرم، لان موته لم يضف إلى وقوعه لانه في حكم الميت قبله فلم تعتبر هذه الحياة، بخلاف المتردية ونحوها فإنها تعتبر فيها الحياة وإن قلت فتحل بالذكاة، فظهر أن بين الصيد وغيره فرقا: وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون متمكنا من ذكاة الصيد في هذه الصورة أو لا.
ويخالفه ما في العناية من أنه إن تمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يؤكل سواء كانت الحياة فيه بينة أو خفية، وإن لم يتمكن: فإن كانت فوق حياة المذبوح فكذلك في ظاهر الرواية، وإن مقدارها أكل ا ه ملخصا: ومقتضاه أن يحمل ما قدمنا عن الخانية على ما إذا لم يتمكن.
ويخالف جميع ذلك ما في الزيلعي حيث قال ما حاصله: إذا أدركه حيا ولم يذكه حرم إن تمكن من ذبحه، وإلا فلو فيه من الحياة قدر ما في المذبوح، بأن بقى: أي الكلب بطنه ونحو ذلك ولم يبق إلا مضطربا اضطراب المذبوح فحلال، قال الصد الشهيد: بالاجماع، وقيل: هذا قولهما.
وعنده: لا يحل إلا إذا ذكاه لان الحياة الخفية معتبرة عنده لا عندهما كما في المتردية ونحوها، وإن كان فيه من الحياة فوق ما في المذبوح لا يؤكل في ظاهر الرواية ا ه.
ثم قال: فلا يحل إلا بالذكاة سواء كانت خفية أو بينة بجرح المعلم أو غيره من السباع، وعليه الفتوى لقوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * (المائدة: 3) فيتناول كل حي مطلقا وكذا قوله عليه الصلاة والسلام: فإن أدركته حيا فاذبحه مطلق، والحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد ا ه.
وهو ترجيح لمقابل قول الصدر الشهيد وهو قول الامام الرازي كما في غاية البيان، ولم أر من رجحه غيره، وهو مخالف لظاهر الهداية وغيرها.
وعليه فلا فرق بين الحياة المعتبرة في الصيد وغيره.
والحاصل: أنه لو أخذ الصيد وفيه من الحياة كما في المذبوح ولم يذكه، فعلى ما في الخانية والظهيرية: يحل، وعلى ما العناية: يحل إن لم يتمكن من ذبحه، وعلى ما في الزيلعي: لا يحل أصلا إلا بالذكاة، كما إذا لم يتمكن أو كان فيه من الحياة فوق ما في المذبوح أخذا من إطلاق الادلة.
وحكى
في البدائع الاول عن عامة المشايخ، والثالث عن الجصاص، وظاهر كلامه ترجيح الاول، وهو ظاهر ما في الهداية، فتأمل.
ثم اعلم أن هذا كله فيما أدركه وأخذه، فلو أدركه ولم يأخذه: فإن كان وقت لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل، وإن كان لا يمكنه أكل.
كذا في الهداية.
قوله: (في المتردية) أي الواقعة في بئر أو من(1/27)
جبل.
والنطيحة: المقتولة بنطح أخرى.
والموقوذة: المقتولة ضربا.
قوله: (كما أشرنا إليه) أي من تقييده ما مر بقوله هنا.
قوله: (وعليه الفتوى) أي فتحل الذكاة، وكذا الفتوى على اعتبار مطلق الحياة في الصيد على ما مر عن الزيلعي.
قوله: (فإن تركها أي الذكاة) أي ذكاة الصيد، وقوله: حرم جواب الشرط مه أنه سيأتي في المتن لكنه لبعده قدره الشارح هنا.
قوله: (ولو عجز عن التذكية) بأن لم يجد آلة أصلا أو يجد لكن لا يبقى من الوقت ما يمكن تحصيل الآلة والاستعداد للذابح، وهذا إذا كان فيه من الحياة أكثر مما في المذبوح بعد الذبح.
وإما إذا كان مقله فهو ميت حكما فيحل إجماعا كما في الهداية وغيرها.
قهستاني، والتفصيل مخالف لما قدمناه عن الزيلعي.
قوله: (وهو قول الشافعي) كذا في الهداية.
والذي في التبيين أن الشافعي فصل فقال: إن لم يتمكن من الذبح لفقد الآلة لم يؤكل لان التقصير من جهته، وإن كان لضيق الوقت أكل لعدم التقصير ا ه.
وفي التاترخانية: وإن كان عدم التمكن بضيق الوقت، بأن بقي فيه من الحياة مقدار ما لا يتأتى فيه الذبح ذكر شمس الائمة السرخسي في شرحه أنه لا يحل عندنا.
وقال الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل: يحل، وهو قول الشافعي وبه أخذ الصدر الشهيد.
وفي الغياثية وهو المختار.
وفي الينابيع: روى عن أصحابنا الثلاثة أنه يؤكل استحسانا، وقيل: بأن هذا أصح ا ه.
فإن قيل: وضع المسألة فيما حياته فوق المذبوح فكيف يتصور ضيق الوقت عن الذبح؟ أجيب بأن المقدار الذي يكون في المذبوح كالعدم لكون الصيد في حكم الميت، والزائد على ذلك قد لا يسع للذبح فيه فكان عدم التمكن متصورا.
عناية.
قوله: (إشارة إلى حله) حيث قيد بالعمد.
قوله: (أن العجز الخ) عبارة المنح: لان العجز في مثل هذا لا يحل الحرام ا ه.
واحترز عن العجز عن تحصيل
الماء والاكل فإنه يبيح له تناول الخمر والميتة، وهذا لا يفهم من عبارة الشارح بسبب قوله (عن التذكية) أفاده ط.
تنبيه: رمى صيدا فوقع عند مجوسي أو نائم: لو كان مستيقظا يقدر على ذكاته فمات لا يحل، لان المجوسي قادر على ذبحه بتقديم الاسلام، والنائم كالمستيقظ في جملة مسائل عند الامام منها هذه.
خانية ملخصا.
قوله: (وأرسل الخ) هذا وما بعد معطوف على قوله: تركها والاصل أن الفعل يرفع بالاقوى والمساوي دون الادنى، فإذا أرسل المسلم كلبه فزجره المجوسي حل لعدم اعتبار الزجر عند الارسال لكون الزجر دونه لبنائه عليه، وبالعكس حرم، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي، وإن انفلت ولم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر حل لانه مثل الانفلات، والمراد بالزجر الاغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب.
وتمامه في الهداية.
قال القهستاني: وهذا إذا زجره المجوسي في ذهابه، فلو وقف ثم جره لم يؤكل كما في الذخيرة.(1/28)
قوله: (وهو سهم الخ) في القاموس: معراض كمحراب سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده.
قوله: (ولو لرأسه حدة) محترز قول المصنف بعرضه.
قوله: (فأصاب بحده) أي وجرح.
قوله: (أو بندقة) بضم الباء والدال: طينة مدورة يرمى بها.
قوله: (ولو كانت خفيفة) يشير إلى أن الثقيلة لا تحل وإن جرحت.
قال قاضيخان: لا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصا وما أشبه ذلك وإن جرح، لانه لا يخرق إلا أن يكون شئ من ذلك قد حدده وطوله كالسهم وأمكن أن يرمى به، فإن كان كذلك وخرقه بحده حل أكله، فأما الجرح الذي يدق في الباطن ولا يخرق في الظاهر لا يحل لانه لا يحصل به إنهار الدم، ومثقل الحديد وغير الحديد سواء، إن خزق حل وإلا فلا ا ه.
والخزق بالخاء والزاي المعجمتين: النفاذ.
قال في المغرب: والسين لغة والراء خطأ.
وفي المعراج عن المبسوط: بالزاي يستعمل في الحيوان، وبالراء في الثوب.
وفي التبيين: والاصل أن الموت إذا حصل بالجرح بيقين حل، وإن بالثقل أوشك فيه فلا يحل حتما أو احتياطا ا ه.
ولا يخفى أن الجرح بالرصاص إنما هو بالاحراق والثقل بواسطة اندفاعه العنيف إذ ليس له حد فلا
يحل، وبه أفتى ابن نجيم.
قوله: (مطلقا) أي ثقيلة أو خفيفة.
قوله: (وشرط في الجرح الادماء) قال الزيلعي: وإن كان غير مدم اختلفوا فيه.
قيل: لا يحل لانعدام معنى الذكاة، وهو إخراج الدم النجس، وشرطه النبي صلى الله عليه وآله بقوله: أنهر الدم بما شئت رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقيل: يحل لاتيان ما في وسعه وهو الجرح لان الدم قد ينحبس لغلظة أو لضيق المنفذ.
وقيل: لو الجراحة كبيرة حل بدونه ولو صغيرة فلا.
وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه: فإن أدماه حل، وإلا فلا، وهذا يؤيد الاول ا ه ملخصا.
ومثله في الهداية.
قال في الدر المنتقى قلت: وفيه كلام، لما في البرجندي عن الخلاصة أن هذا في غير موضع اللحم، وظاهر ما مر عن القهستاني عن المحيط أن المعتمد إن الادماء ليس بشرط، فليتأمل ا ه ملخصا.
قلت: ظاهر الهداية والزيلعي والملتقط اعتماد اشتراطه مع أن الحديث يؤيده، وقد يرجح عدم الاشتراط بما في متن المواهب، وقدمه المصنف في الذبائح من أنه تحل ذبيحة علمت حياتها وإن لم يتحرك ولم يخرج منها دم، وإن لن تعلم فلا بد من أحدهما.
تأمل.
قوله: (وتمامه الخ) هو ما قدمناه.
قوله: (أو رمى صيدا الخ) هذا فيما إذا كان فيه حياة مستقرة يحرم بالاتفاق، لان موته مضاف إلى غير الرمي، وإن كانت حياته دون ذلك فهو على الاختلاف الذي مر ذكره في إرسال الكلب ا ه.
زيلعي.
ونحوه في ط عن الهندية.
قوله: (فوقع فيه) الظاهر أنه قيد اتفاقي، فمثله إذ رماه فيه حرم لاحتمال موته بالماء.
ط عن الهندية.
قوله: (وإلا حل) لانه لم يحتمل موته بسبب الماء.
قوله: (ملتقى) ومثله في الهداية.
وذكر في الخانية: إن وقع في ماء فمات لا يؤكل لعل أن وقوعه في الماء قتله، ويستوي في ذلك طير الماء لان طير الماء إنما يعيش في المار غير مجروح ا ه.
ونقله في الذخيرة عن السرخسي، ثم(1/29)
قال: فليتأمل عند الفتوى.
وتمامه في الشرنبلالية.
قوله: (فتردى منه) قيد به لانه لو استقر عليه ولم يترد يحل بلا خلاف.
وهذا أيضا إذا تردى يحل يقع الجرح مهلكا في الحال، إذ لو بقي فيه من الحياة بقدر ما في المذبوح ثم تردى يحل أيضا.
معراج.
قوله: (فإن وقع على الارض ابتداء) أي ولم يكن على
الارض ما يقتله كحد الرمح والقصبة المنصوبة.
عناية.
وتمامه في الشرنبلالية.
قوله: (إذ الاحتراز) علة مقدمة على المعلول، وهو قوله الآتي: أكل وهو كثير في كلامهم.
قال تعالى: * (مما خطيئاتهم أغرقوا) * (نوح: 52) وكذا يقال فيما بعد فافهم.
قوله: (فزجره مجوسي) أي في ذهابه، فلو وقف ثم زجره فانزجر لم يؤكل كما قدمناه.
قوله: (كنسخ الحديث) فلا ينسخ الصحيح إلا بصحيح أو أصح لا بضعيف ط.
قوله: (أو أخذ غير ما أرسل إليه) سواء أخذ ما أرسل إليه أيضا أو لا بشرط فور الارسال كما مر.
قال في البدائع: فلو أرسل الكلب أو البازي على صيد وسمى فأخذ صيدا ثم آخر على فوره ذلك ثم وثم أكل الكل، لان التعيين ليس بشرط في الصيد لانه لا يمكن فصار كووع السهم بصيدين ا ه ملخصا، ولو أرسله على صيد فأخطأ ثم عرض له آخر فقتله حل، ولو عرض به بعد ما رجع لا يحل لبطلان الارسال بالرجوع كما في الخانية وغيرها.
وقال القهستاني: وفيه إشعار بأنه لو أصاب غير ما رماه حل كما في قاضيخان، وكذا لو رمى صيدا فأصابه ونفذ ثمص أصاب آخر ثم وثم حل الكل كما في النظم ا ه.
فالارسال بمنزلة الرمي كما في الهداية والزيلعي، ونحوه في الملتقى.
قوله: (لان غرضه الخ) أي غرض المرسل حصول أي صيد تمكن منه الكلب أو الفهد، وهذا معنى قول الهداية: ولنا أنه: أي التعين شرط غير مفيد لان مقصوده حصول الصيد، إذ لا يقدر: أي الكلب على الوفاء به: أي بأخذ العين، إذ لا يمكنه تعليمه، على وجه يأخذ ما عينه فسقط اعتباره.
قوله: (بتسمية واحدة) أي حالة الارسال.
قوله: (لما ذكرنا) أي من العلل الاربعة في الوجوه الاربعة.
قوله: (لا العضو) أي إن أمكن حياته بعد الابانة وإلا أكلا.
عناية.
وهذا يتصور في سائر الاعضاء غير الرأس.
نهاية.
قوله: (خلافا للشافعي) حيث قال أكلا إن مات الصيد منه.
هداية.
قوله: (ما أبين من الحي) هذا وإن تناول السمك إلا أن ميتته حلال بالحديث.
هداية.
قوله: (وإلا) بأن بقي متعلقا بجلده، هداية.
قوله: (أو قطع نصف رأسه) أي طولا أو عرضا.
بدائع.
قوله: (أو قده نصفين) القد: القطع(1/30)
المستأصل أو المستطيل.
قاموس.
والضمير للصيد كما في البدائع.
وذكر في الشرنبلالية أنه لم يبين
كيفية القد في كثير من الكتب، ثم نقل عن الخانية والمبسوط: إن قطعه نصفين طولا أكل.
أقول: الظاهر أن الطول غير قيد هنا، يدل عليه تعليل البدائع بقوله: يؤكل لانه وجد قطع الاوداج لكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح، وكذا لو قطع أقل من النصف مما يلي الرأس ا ه.
تأمل.
قوله: (فلم يتناوله الحديث المذكور) لانه ذكر فيه الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما وهذا حي صورة لا حكما، إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح، ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة أو تردي من جبل أو سطح لا يحرم.
وتماهه في الهداية.
أقول: وبهذا سقط اعتراض ابن المصنف على قوله في البزازية: إن كان الصيد يعيش بدون المبان فالمبان لا يؤكل وإن كان لا يعيش بدونه كالرأس يؤكلان ا ه.
حيث قال: إن الحديث عام فمن أين للبزازي ما قاله؟ ا ه.
قلت: هو مأخوذ من الهداية وصرح به شراحها وغيرهم.
قوله: (بخلاف ما لو كان أكثره مع رأسه) بأن قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ألية أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس، فيحرم المبان ويحل المبان منه.
هداية.
قوله: (ومرتد) ولو غلاما مراهقا عندهما خلافا لمحمد، بناء على صحة ردته عندهما.
بدائع.
قوله: (لان ذكاة الاضطرار الخ) أي وهو من أهل ذكاة الاختيار، فكذا ذكاة الاضطرار.
قوله: (فلم يثخنه) قال في المغرب: أثخنته الجراحات: أوهنته وأضعفته.
وفي التنزيل: * (حتى يثخن في الارض) * (الانفال: 76) أي يكثر فيها القتل.
قوله: (فهو للثاني) لانه هو الآخذ له.
قوله: (وحل) لانه لما لم يخرج بالاول عن حيز الامتناع كان ذكاته ذكاة الاضطرار وهو الجرح: أي موضع كان وقد وجد.
زيلعي.
قوله: (وفيه من الحياة ما يعيش) أي ينجو منه.
أما إذا كان بحال لا يسلم منه، بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح، كما إذا أبان رأسه يحل لان وجوده كعدمه، وإن كان بحال لا يعيش منه إلا أن فيه أكثر مما في المذبوح بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعند أبي يوسف: لا يحرم بالرمية الثانية إذ لا عبرة بهذه الحياة عنده، وعند محمد: يحرم لانها معتبرة عنده.
زيلعي ملخصا.
قوله: (لقدرته على ذكاة الاختيار) أي بسبب خروجه عن حيز الامتناع فصار كالرمي إلى الشاة.
أفاده في البدائع.
قوله: (وضمن الثاني للاول قيمته الخ) لانه أتلف صيدا مملوكا للغير، لانه
ملكه بالاثخان فيلزمه قيمة ما أتلف وقيمته وقت إتلافه كان ناقصا بجراحة الاول فيلزمه ذلك.
بيانه أن الرامي الاول إذا رمى صيدا يساوي عشرة فنقصه درهمين ثم رماه الثاني فنقصه درهمين ثم مات يضمن الثاني ثمانية ويسقط عنه من قيمته درهمان، لان ذلك تلف بجراحة الاول.
زيلعي.
وفرض المصنف المسألة فيما إذا علم أن القتل حصل بالثاني، فإن علم أنه حصل من الجراحتين أو لا يدري فظاهر الهداية أن الحكم في الضمان يختلف وحقق الزيلعي عدم الفرق، فراجعه.(1/31)
تتمة: بقي لو رمياه معا فأصابه أحدهما قبل الآخر فأثخنه ثم أصابه الآخر أو رماه أحدهما أولا ثم رماه الثاني قبل أن يصيبه الاول أو بعد ما أصابه قبل أن يثخنه فأصابه الاول وأثخنه أو أثخنه ثم أصابه الثاني فقتله فهو للاول ويؤكل خلافا لزفر، ولو رمياه معا وأصابا معا فمات منهما فهو بينهما، والكلب في هذا كالسهم حتى يملكه بإثخانه، ولا يعتبر إمساكه بدون الاثخان، حتى لو أرسل بازيه فأمسك الصيد بمخلبه ولم يثخنه فأرسل آخر بازيه فقتله فهو للثاني، ويحل لان يد البازي الاول ليست بيد حافظة لتقام مقام يد المالك، ولو رمى سهما فأثخنه ثم رماه ثانيا فقتله حرم.
وتمامه في الزيلعي.
ولو أرسل كلبين على صيد فضربه أحدهما فوقذه ثم ضربه الآخر فقتله يؤكل.
بدائع.
قوله: (لنفع ما) أي ولو قليلا، والهرة لو مؤذية لا تضرب ولا تفرك أذنها بل تذبح.
قوله: (والاولى الخ) لما فيه من تخفيف الالم عنه.
وقال ط: والتقييد بالكلب ليس له مفهوم.
قوله: (وبه يطهر) أي بالاصطياد، وكذا بالذبح، وهل يشترط في الطهارة كون ذلك من أهله مع التسمية، فيه خلاف قدمناه آخر الذبائح: استظهر في الجوهرة الاشتراط، وفي البحر عدمه.
قوله: (كخنزير) تمثيل لنجس العين.
قوله: (فلا يطهر أصلا) أي لا جلده ولا لحمه ولا شئ منه.
قوله: (وهذا أصح) وكذا صححه العلامة قاسم معزوا للكافي والغاية والنهاية وغيرها، وقال: إن الاول مختار صاحب الهداية.
قوله: (سمع حس إنسان) أي صوته، وظاهره أنه حين الرمي يعلم أنه حس إنسان، والحكم فيه كما ذكره هنا كما في البدائع.
وفرض المسألة في الهداية فيما إذا سمع حسا ظنه حس صيد فرماه ثم تبين أنه حس إنسان أو
صيد فلا مخالفة بينهما كما قد يتوهم.
قوله: (كفرس وشاة) وطير مستأنس وخنزير أهلي، فالمراد كل ما لا يحل بالاصطياد.
قوله: (فأصاب صيدا لم يحل) لان الفعل ليس باصطياد، ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد يحل لانه لا معتبر بظنه مع تعيينه.
هداية.
وذكر في المنتقى بالنون أنه لا يحل أيضا لانه رماه وهو لا يريد الصيد.
ثم قال: ولا يحل الصيد إلا بوجهين: أن يرميه وهو يريد الصيد، وأن يكون الذي أراده وسمع حسه ورمى إليه صيدا، سواء كان مما يؤكل أو لا.
قال الزيلعي: وهذا يناقض ما في الهداية، وهذا أوجه ثم ذكر لابي يوسف فيه قولين: في قول يحل، وفي قول لا يحل.
وقال: فيحمل ما في الهداية على رواية أبي يوسف ا ه.
أقول: ما في الهداية أقره شراحها ومشى عليه في الملتقى، وكذا في البدائع، وقال: نظيره ما إذا قال لامرأته وأشار إليها: هذه الكلب طالق أنها تطلق ويبطل الاسم ا ه.(1/32)
وفي التاترخانية وغيرها: وإن أرسل إلى ما يظن أنه شجرة أو إنسان فإذا هو صيد يؤكل هو المختار ا ه.
فالمختار ما في الهداية.
قوله: (بخلاف ما إذا سمع حس أسد أو خنزير) أي متوحش، والمراد كل ما يحل اصطياده.
واستثنى في النهاية ما لو كان المسموع حسه جرادا أو سمكا فأصاب غيرهما لا يؤكل، لان الذكاة لا تقع عليهما فلا يكون الفعل ذكاة.
واعترضه الزيلعي بما في الخانية: لو رمى إلى جراد أو سمكة وترك التسمية فأصاب طائرا آخر فقتله يحل أكله.
وعن أبي يوسف روايتان، والصحيح أنه يؤكل ا ه.
أقول: لكن قول الخانية وترك التسمية ومثله في البزازية مشكل، وقد ذكر المسألة في التاترخانية وقال: والمختار أنه يؤكل، ولم يذكر قوله وترك التسمية، ورأيت بعض العلماء قيده بقوله: أي ناسيا وهو قيد لازم، فتأمل.
قوله: (فرمى إليه) أي وأصاب صيدا آخر غير ما سمعه.
قوله: (أو أرسل كلبه) أشار إلى أن الارسال كالرمي، وقول الزيلعي: والبازي والفهد في جميع ما ذكرنا كالكلب صوابه كالرمي.
قوله: (حل) أي الصيد المصاب لوقوع الفعل اصطيادا فصار كأنه رمى إلى صيد فأصاب
غيره.
هداية ملخصا.
قوله: (لم يحل) أي المصاب، كما لو رمى إلى بعير لا يدري أهو ناد أو لا فأصاب صيدا لا يحل المصاب لان الاصل الاستئناس، بخلاف ما لو رمى إلى طائر لا يدري أهو وحشي أو لا فأصاب صيدا غيره حل لان الظاهر فيه التوحش، فيحكم على كل بظاهر حاله كما في الهداية.
قوله: (لوجود الجرح) فإنه يستدل بوجود الدم على وجود الجرح وإن كان لا يشترط الادماء في غيرها على ما تقدم ط.
قوله: (والعبرة بحالة الرمي) إلا في مسألة ذكرها محمد.
وهي: حلال رمى صيدا وهما في الحل فدخل الصيد الحرم فأصابه السهم ومات فيه أو في الحل لا يؤكل، وفيما عداها فالعبرة بحالة الرمي.
تاترخانية: أي في حق الاكل.
أما في حق الملك فالعبرة لوقت الاصابة كما في الذخيرة، فلو رمى إلى صيد ورمى بعده آخر فأصابه الثاني وأثخنه قبل الاول فهو للثاني.
قوله: (فحل الصيد بردته) الظاهر أن الباء للمصاحبة نحو * (اهبط بسلام) * (هود: 84) أي مع ردته بعد الرمي وقبل الاصابة أو بعدها، وهذا تفريع على الاصل المذكور فيحل لانه حين الرمي كان مسلما، وكذا يحل لو رمى صيدا فانكسر الصيد بسبب آخر ثم أصابه السهم لانه حين الرمي كان صيدا.
خانية.
قوله: (لا بإسلامه) أي لو رماه مرتدا.
قوله: (ووجب الجزاء بحله) أي بتحلله من إحرامه.
قوله: (لا بإحرامه)(1/33)
أي إذا رماه حلالا.
وفي التاترخانية: حلال رمى صيدا فأصابه في الحل ومات في الحرم أو رماه من الحرم وأصابه في الحل ومات فيه لا يحل، وعليه الجزاء في الثاني دون الاول.
قوله: (قلت الخ) هو من كلام المصنف في المنح.
قوله: (لوقوع الشك الخ) فيه أن الظاهر من حال البازي الذي طبعه الاصطياد أنه غير مرسل وغير مملوك لاحد.
بخلاف الذابح في بلاد الاسلام فإن الظاهر أنه تحل ذبيحته وأنه سمى، واحتمال عدم ذلك موجود في اللحم الذي يباع في السوق، وهو احتمال غير معتبر في التحريم قطعا.
قوله: (لكن في الخلاصة) استدراك على قوله: لا يحل الخ.
قوله: (إن لم يكن قريبا من الماء) قيد به، لانه إذا كان كذلك احتمل أنه وقع في الماء فأخرجه صاحبه فذبحه على ظن حياته فلم يتحرك ولم يخرج منه دم فتركه صاحبه لعلمه بموته بالماء فلا يتأتى احتمال أنه تركه إباحة للناس، هذا ما ظهر لي.
تأمل.
قوله: (ووقع في القلب) الظاهر أن المراد الظن الغالب لا مجرد الخطور
فإنه لا يترتب عليه حكم ط.
قوله: (إباحة للناس) قد شاهدنا في طريق الحج من يفعله لذلك ط.
قوله: (لان الثابت بالدلالة) أي دلالة حال صاحبه التي وقعت في القلب، فهو كصريح قوله أبحته لمن يأخذه وخصوصا الذبائح التي توجد في منى أيام الموسم.
قوله: (وفي الثاني يحتمل) فيه أن احتمال الثاني كون الذبائح هو المالك لا ينفي احتمال أنه مجوسي أو تارك التسمية عمدا، فالاولى أن يقال: إن كان الموضع مما يسكنه أو يسلك فيه مجوسي لا يؤكل وإلا أكل، ولا يعترض بشأن ترك التسمية عمدا، فإن الظاهر من حال المسلم والكتابي التسمية لانه يعتقدها دينا، وخلاف هذا موهوم لا يعارض الراجح اه ح.
أقول: ويؤيد اعتبار الموضع ما قالوا في اللقيط إذا ادعاه ذمي يثبت نسبه منه، ولكن هو مسلم إن لم يوجد في مكان أهل الذمة كقريتهم أو بيعة أو كنيسة.
قوله: (ورأيت الخ) تأييد للتفرقة، وفيه نظر لان المعتمد خلافه بدليل قولهم بصحة التضحية بشاة الغصب واختلافهم في صحتها بشاة الوديعة، ولهذا قال السائحاني: أقول: هذا ينافي ما تقدم في الغصب وفي الاضحية فلا يعول عليه.(1/34)
قوله: (لا تطعمه كلبا) الاطعام حمله إليه.
وأما حمل الكلب إليه فكحمل الهرة الميتة جائز.
شرنبلالي.
قوله: (وتمليك عصفور) بالنصب مفعول أجر مقدم: أي تمليكه بقوله جعلته لمن أخذه، فإن لم يقل ذلك له أخذه ممن أخذه هو المختار، فإن اختلفا في الاباحة فالقول لصاحبه مع يمينه أنه لم يقل، وهل يشترط أن تكون الاباحة لقوم معلومين؟ خلاف.
قوله: (وإعتاقه) بالنصب مفعول ينكر، ومفهوم قوله بعض الائمة ينكر أنه يجوزه أكثرهم ولم ينقل ذلك، بل الظاهر أن المذهب الحرمة ا ه ش.
أقول: الظاهر أن ذلك إذا لم يقل من أخذه فهو له، وإلا فهو عين المسألة المتقدمة.
قوله: (جاز أخذه) أي إن لم يبحه عند الارسال كما مر.
قوله: (كقشر لرمان) تشبيه من حيث حل الاخذ، وأما ملكه ومنع الاول منه ففيه خلاف، والمختار أنه يملكه.
وفي الصيد أنه لا يملكه إذا لم يبحه، وكذا في الدابة إذا سيبها كما بسطه الشرنبلالي في شرحه.
قوله: (وأي حلال) يعني أن رجلا ليس محرما ولا في أرض الحرم ورأى صيدا لم يصده غيره ولا نفر: أي هرب ممن هو مالكه ولا يحل اصطياده.
والجواب: رجل دخل دار رجل فلما رآه غلب بابه بحيث يقدر على أخذه من غير اصطياد ملكه، حتى لو خرج لا يحل للرجل الحلال اصطياده، أو المراد: لا يحل لصاحب الدار الحلال اصطياده بآلة جارحة لقدرته على الذكاة الاختيارية، والله تعالى أعلم.(1/35)
كتاب الرهن هو مشروع، لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (البقرة: 382) وبما روى أنه عليه الصلاة والسلام اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه وانعقد عليه الاجماع.
ومن محاسنة النظر لجانب الدائن بأمن حقه عن التوى، ولجانب المديون بتقليل خصام الدائن له وبقدرته على الوفاء منه إذا عجز.
وركنه: الايجاب فقط أو هو والقبول كما يجئ.
وشروطه تأتي.
وحكمه ثبوت يد الاستيفاء، وسببه تعلق البقاء المقدر، وإنما خص بالسفر في الآية، لان الغالب أنه لا يتمكن في من الكتابة والاستشهاد فيستوثق بالرهن.
قوله: (هو لغة حبس الشئ) أي بأي سبب كان.
قال تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة) * (الكوثر: 83) أي محبوسة، ويطلق على المرهون تسمية للمفعول بالمصدر، يقال رهنت الرجل شيئا ورهنته عنده وأرهنته لغة فيه، والجمع رهان ورهون ورهن.
والرهين والرهينة الرهن أيضا، والتركيب دال على الثبات والدوام.
والراهن: المالك، والمرتهن آخذ الرهن.
قوله: (أي جعله محبوسا) قال في إيضاح الاصلاح: هو جعل الشئ محبوسا بحق، لم يقل حبس الشئ بحق لان الحابس هو المرتهن لا الراهن، بخلاف الجاعل إياه محبوسا ا ه.
ح وهذا تعريف للرهن التام أو اللازم، وإلا ففي انعقاد الرهن لا يلزم الحبس بل ذلك بالقبض ا ه.
سعدي.
قال القهستاني: والمتبادر أن يكون الحبس على وجه التبرع، فلو أكره المالك بالدفع إليه لم يكن رهنا كما في الكبرى فلا عليه ذكر الاذن كما ظن ا ه.
وسيأتي آخر الباب الآتي أنه لو أخذ عمامة المديون تكون رهنا إن رضى بتركها.
قوله: (بحق) أي بسبب حق مالي ولو مجهولا.
واحترز به عن نحو القصاص والحد واليمين.
قهستاني، ودخل فيه بدل الكتابة فإن الرهن به جائز وإن لم تجز به الكفالة كما في المعراج عن الخانية.
قوله: (يمكن استيفاؤه) أي استيفاء هذا الحق منه: أي من الرهن بمعنى المرهون.
واحترز به عما يفسد كالثلج، وعن نحو الامانة والمدبر وأم الولد والمكاتب.
قال في الشرنبلالية: وأما الخمر فهو مال أيضا.
ويمكن الاستيفاء منه بتوكيل ذمي يبيعه أو بنفسه إن كان المرتهن والراهن من أهل الذمة ا ه.
لكنه ليس بمال متقوم في
حق المسلم، فلا يجوز له رهنه ولا ارتهانه من مسلم أو ذمي وإن ضمنه للذمي كما يأتي في الباب الآتي.
قوله: (كلا أو بعضا) تمييزان من هاء استيفاؤه الراجعة إلى الحق الذي هو الدين ا ه.
فهما محولان عن المضاف إليه المفعول في المعنى، إذ الاصل استيفاء كله أو بعضه، وفيما ذكره الشارح جواب عن القهستاني لا يتناول ما كان أقل من الدين، فافهم.
قوله: (كالدين) تمثيل للحق.
قوله: (كاف الاستقصاء) خبر مبتدأ محذوف: يعني أنها ليست للتمثيل ببعض الافراد إذ ليس المراد هنا سوى الدين، والداعي إلى هذا جعل المصنف الدين شاملا للعين، أما لو أطلقه أمكن جعل الكاف للتمثيل، بأن يراد بالدين الدين حقيقة.
قوله: (كما سيجئ) أي قريبا في قوله: أو حكما.
قوله: (وجد حرا(1/36)
أو خمرا) لف ونشر مرتب، وكثمن ذبيحة وبدل صلح عن إنكار وإن وجدت ميتة أو تصادقا على أن لا دين، لان الدين وجب ظاهرا، وهو كاف لانه آكد من دين موعود كما سيأتي.
درر.
أي فالرهن مضمون.
وذكر القدوري: أنه لا شئ بهلاكه: كما لو رهن بالحر والخمر ابتداء.
ونص محمد في المبسوط والجامع أن المقبوض بحكم رهن فاسد مضمون بالاكل من قيمته ومن الدين.
والمختار قول محمد كما في الاختيار.
أبو السعود ملخصا.
قوله: (كالاعيان المضمونة بالمثل أو القيمة) ويقال لها: المضمونة بنفسها لقيام المثل أو القيمة مقامها كالمغصوب ونحوه مما سيجئ.
واحترز به عن المضمونة بغيرها كمبيع في يد البائع فإنه مضمون بغيره وهو الثمن، وعن غير المضمونة أصلا كالامانات، فالرهن بهذين باطل وسماها دينا حكما لان الموجب الاصلي فيها هو القيمة أو المثل، ورد العين مخلص إن أمكن ردها على ما عليه الجمهور وذلك دين.
وأما على ما عليه البعض فإنه وإن كانت القيمة لا تجب إلا بعد الهلاك، ولكنه عند الهلاك بالقبض السابق.
وتمامه في الهداية والزيلعي.
قوله: (كما سيجئ) أي في الباب الآتي.
قوله: (وينعقد بإيجاب) كرهنتك بمالك علي من الدين أو خذ هذا الشئ رهنا به.
قهستاني، ولفظ الرهن غير شرط كما سيذكره في الباب الآتي.
قوله: (وقبول) كارتهنته سواء صدر من مسلم أو كافر أو عبد أو صبي أو أصيل أو وكيل، فالقبول ركن كالايجاب وإليه مال أكثر المشايخ فإنه كالبيع، ولذا لا يحنث من حلف أنه لا
يرهن بدون القبول.
وذهب بعضهم إلى أنه شرط صيرورة الايجاب علة لانه عقد تبرع ولذا لا يلزم إلا بالتسليم.
قهستاني.
واقتصر في الهداية على الثاني، ونقل القهستاني عن الكرماني أنه يجوز بطريق التعاطي.
قوله: (غير لازم) لانه عقد تبرع لان الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذا انعقد غير لازم، ويغني عنه فاء التفريع كما أفاده ط.
قوله: (وقبضه) أي بإذن الراهن صريحا أو ما جرى مجراه في المجلس وبعده بنفسه أو بنائبه كأب ووصي وعدل.
هندية ملخصا.
ولو قبضه المرتهن والراهن ساكت ينبغي أن يصير رهنا.
فتنبه.
قوله: (حال كونه) أي الرهن، وهذه الاحوال مترادفة أو متداخلة.
عيني.
وأفاد بها أن الرهن بهذه الصفات ليس بلازم عند العقد بل عند القبض، فلو اتصل أو اشتغل بغيره كان فاسدا لا باطلا، وكذا لو كان شائعا.
وعند بعضهم يكون باطلا وهو اختيار الكرخي، فلو ارتفع الفساد عند القبض صار صحيحا لازما كما في الكرماني.
قهستاني.
قوله: (محوزا) من الحوز: وهو الجمع وضم الشئ.
قاموس.
وانظر ما في الدرر.
قوله: (كثمر على شجر) مثال للمتفرق وكزرع على أرض: أي بدون الشجر والارض، لان الثمر والزرع لم يحازا في يد المرتهن بمعنى أن يده لم تحوهما وتجمعهما، إذ لا يمكن حيازة ثمر بدون شجر ولا زرع بدون أرض ط.
قوله: (لا مشغولا) أما الشاغل فرهنه جائز كما في كثير من الكتب، وقيد بقوله: بحق الراهن احترازا عما لو كان مشغولا بملك غيره فلا يمنع كما في العمادية.
حموي.
أقول: وينبغي تقييد الشاغل الذي يجوز رهنه بغير المتصل لما علمته من عدم جواز رهن الثمر أو(1/37)
الزرع وكذا البناء وحده كما سيأتي، فافهم.
قوله: (لا مشاعا) كنصف عبد أو دار ولو من الشريك، وسيجئ تمام ذلك وأنه يستثنى منه ما ثبت الشيوع فيه ضرورة.
قوله: (ولو حكما الخ) يستغني عنه بقول المصنف محوزا.
قوله: (خلقة) في التقييد به نظر سنذكره.
قوله: (وسيتضح) أي في وائل الباب الآتي.
قوله: (لزم) جواب إذا.
قوله: (شرط اللزوم) مشى عليه في الهداية والملتقى وغيرهما.
قال في العناية: وهو اختيار شيخ الاسلام، وهو مخالف لرواية العامة.
قال محمد: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا،
ومثله في كافي الحاكم ومختصر الطحاوي والكرخي ا ه ملخصا.
وفي السعدية أقول: سبق في كتاب الهبة أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا تجوز الهبة إلا مقبوضة والقبض ليس بشرط الجواز في الهبة، فليكن هنا كذلك، فليتأمل ا ه.
وحاصله: أنه يمكن أن يفسر هنا أيضا الجواز باللزوم لا باصحة كما فعلوا في الهبة، فإنه لا يمكن الجمع بين كلامهم وبين الحديث إلا بذلك.
قوله: (وصحح في المجتبى) وكذا في القهستاني عن الذخيرة.
قوله: (والتخلية) هي رفع الموانع والتمكين من القبض.
قوله: (قبض حكما) لانها تسليما فمن ضرورته والحكم بالقبض.
فقد ذكر الغاية التي يبنى عليها الحكم لانه هو المقصود.
وبه اندفع قول الزيلعي: الصواب أن التخلية تسليم لانه عبارة عن رفع المانع من القبض.
وهو فعل المسلم دون المتسلم والقبض فعل المتسلم ا ه.
أفاده في المنح.
والمراد أنه يترتب عليه ما يترتب على القبض الحقيقي.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية وهو الاصح.
وعن أبي يوسف أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل.
هداية.
قوله: (وهو مضمون الخ) يعني أن ماليته مضمونة، وأما عينه فأمانة.
قال في الاختيار: ويهلك الراهن حتى يكفنه لانه ملكه حقيقة، وهو أمانة في يد المرتهن، حتى لو اشتراها لا ينوب قبض الرهن عن قبض الشراء لانه أمانة فلا ينوب عن قبض الضمان، وإذا كان ملكه فمات كان كفنه عليه ا ه.
حموي على الاشباه.
واحترز عما إذا استهلكه فإن يضمن جميعه كما يأتي بيانه وأطلقه فشمل ما إذا شرط عدم الضمان لو ضاع، فارهن جائز، والشرط باطل، ويهلك بالدين كما في الخلاصة وغيرها، وشمل ما لو نقص بعيب.
ففي جامع الفصولين: لو رهنا قنا فأبق سقط الرهن، فلو وجده عاد رهنا ويسقط من الدين بحسابه لو كان أول إباقه، وإلا فلا يسقط شئ ا ه.
وسيجئ آخر الرهن، وشمل الرهن الفاسد أيضا فإنه يعامل معاملة الصحيح على ما يأتي بيانه في آخر الرهن.
تنبيه: ذكر في الفصل الثلاثين من العمادية: لو رهن عبدين بألف وهلك أحدهما وقيمة الهالك أكثر من الدين لا يسقط كل الدين بهلاكه بل يقم الدين على قيمة الحي وقيمة الهالك، فما أصاب الهالك يسقط، وما أصاب الباقي يبقى، وكذا إذا رهن دارا بألف وخربت يقسم الدين على قيمة البناء
وقيمة العرصة يوم القبض، فما أصاب البناء يسقط، وما أصاب العرصة يبقى.
كذا في المبسوط ا ه.
وبيانه ما في التاترخانية: رهن فروا قيمته أربعون درهما بعشرة دراهم فأكله السوس قصار قيمته عشرة فإنه يفتكه بدرهمين ونصف ا ه: أي لان الهالك ثلاثة أرباع الرهن فيسقط من الدين بقدره كما في(1/38)
البزازية، فليحفظ ذلك فإنه يخفي على كثير، وسيذكر آخر الباب الآتي: لو ذهبت عين الدابة يسقط ربع الدين ويأتي بيانه، وسيأتي أن نقصان السعر لا يوجب سقوط الدين بخلاف نقصان العين، وإن نماء الرهن الذي صار رهنا تبعا يهلك مجانا إلا إذا هلك بعد هلاك الاصل، ويأتي بيان الجميع إن شاء الله تعالى.
قوله: (بالاقل من قيمته ومن الدين) قال في النهاية: وفي بعض نسخ القدوري بأقل بدون الالف واللام وهو خطأ.
واعتبر هذا بقول الرجل مررت بأعلم من زيد وعمرو يكون الاعلم غيرهما، ولو كان بالاعلم من زيد وعمرو يكون واحدا منهما، فكلمة من للتمييز ا ه.
وقال في الموصل شرح المفصل: إن من هذه ليست من التفضيلية التي لا تجامع الام، وإنما هي من التبيينية في قولك أنت الافضل من قريش كما تقول أنت من قريش ا ه.
شرنبلالية.
فالمراد أنه لو كانت القيمة أقل من الدين أو بالعكس فهو مضمون بلاقل منهما الذي هو أحدهما، ولو قيل بأقل منكرا اقتضى أنه يضمن بشئ ثالث غيرهما هو أقل منهما وليس بمراد، إلا أن يقال كما في القهستاني: أي بدين أو بقيمة أقل من قيمته من الدين مرتبا، فكلمة من تفضيلية والمفضل الدين أولا والقيمة ثانيا والمفضل عليه بالعكس ا ه.
فالمعنى بدين أقل من قيمته أو بقيمة أقل من الدين، ولا يخفى ما فيه.
قوله: (وعند الشافعي هو أمانة) أي كله له أمانة في يد المرتهن لا يسقط شئ من الدين بهلاكه.
وتمام الكلام في المطولات.
قوله: (والمعتبر قيمته يوم القبض).
قال في الخلاصة: وحكم الرهن أنه لو هلك في يد المرتهن أو العدل ينظر إلى قيمته يوم القبض وإلى الدين، فإن كانت قيمته مثل الدين سقط الدين بهلاكه الخ.
وقال الزيلعي: يعتبر قيمته يوم القبض، بخلاف ما لو أتلفه أجنبي فإن المرتهن يضمنه قيمته يوم هلك باستهلاكه وتكون رهنا عنده.
وتمامه في المنح.
زاد في شرح الملتقى: والقول فيها للمرتهن والبينة للراهن.
قوله: (لا يوم الهلاك كما توهمه في الاشباه) أي في بحث ثمن المثل في الفن الثالث.
أقول: يمكن حمل ما في الاشباه على ما إذا استهلكه المرتهن، ولذا قال الرملي بعد كلام: وأنت إذا أمعنت النظر ظهر لك الفرق بين الهلاك والاستهلاك، فقطعت في صورة الهلاك بأن المعتبر قيمته يوم القبض، وفي صورة الاستهلاك يوم الهلاك لوروده على العين المودعة ا ه.
قوله: (إذا لم يبين المقدار) أما لو بين يكون مضمونا.
وصورته: أخذ الرهن بشرط أن يقرضه كذا فهلك في يده قبل أن يقرضه هلك بأقل من قيمته ومما سمي له من القرض لانه قبضه بسوم الرهن، والمقبوض بسوم الرهن كالمقبوض بسوم الشراء إذا هلك في المساومة ضمن قيمته.
كذا في شرح الطحاوي.
حموي.
قوله: (كذا في القنية) ونصها: المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار الذي به رهنه وليس فيه دين لا يكون مضمونا على أصح الروايتين.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: يعطيه المرتهن وما شاء.
وعن محمد: لا أستحسن أقل من درهم.
وعن أبي يوسف: إذا ضاع فعليه قيمته ا ه.
أقول: وهذه مسألة الرهن بدين موعود، وسيذكرها المصنف في الباب الآتي أيضا.
قوله: (فإن هلك الخ) الاولى تقديمه على قوله: المقبوض على سوم الرهن لانه ما تمام ما قبله ط.(1/39)
وبيان ذلك: إذا رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن سقط دينه، ولو قيمته خمسة رجع على الراهن بخمسة أخرى، ولو يخمسة عشر فالفضل أمانة.
كفاية.
وأطلق الهلاك فشمل على الراهن ما لو كان بعد قضاء الدين فيسترد الراهن ما قضاه من الدين لانه تبين بالهلاك أنه صار مستوفيا من وقت القبض السابق بزازية وغيرها.
ويأتي آخر الرهن.
قوله: (ويضمن بالتعدي) فلو رهن ثوبا يساوي عشرين درهما بعشرة فلبسه المرتهن بإذن الراهن فانتقص ستة ثم لبسه بلا إذن فانتقص أربعة ثم هلك وقيمته عشرة يرجع المرتهن على الراهن بدرهم واحد من دينه ويسقط وتسعة لان الثوب يوم الرهن كان نصفه مضمونا بالدين ونصفه أمانة، وما انتقص بلبسه بالاذن وهو ستة لا يضمن، وما انتقص بلا إذن وهو أربعة ويضمن ويصير قصاصا بقدره من الدين، فإذا هلك وقيمته عشرة نصفه مضمون ونصفه أمانة فبقدر المضمون يصير المرتهن مستوفيا دينه ويبقى له درهم يرجع به على الراهن.
ظهيرية وخانية
ملخصا.
قوله: (وضمن بدعوى الهلاك بلا برهان) كذا في الدرر وشرح المجمع الملكي، وظاهره أنه يضمن قيمته بالغة ما بلغت، وأنه لا يصدق بلا برهان، وأنه بإقامته ينتفي الضمان، وهذا مذهب الامام مالك.
أما مذهبنا فلا فرق بين ثبوت الهلاك بقوله مع يمينه أو بالبرهان، وهو في الصورتين مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين كما أوضحه في الشرنبلالية عن الحقائق، وبه أفتى ابن الحلبي، ومثله في فتاوى الكازروني وفي فتاوى المصنف.
وقد زل قدم العلامة الرملي في ذلك تبعا للمصنف هنا، فأفتى بضمان القيمة بالغة ما بلغت كما هو مسطور في فتاواه، وصرح بذلك أيضا في حاشية المنح، وومن رد عليه صاحب الفتاوى الرحيمية تبعا لشيخه الشرنبلالي فقال: هذا مخالف للمذهب رأسا واحدا والرجوع إلى الحق أحق.
قوله: (ظاهرة) كالحيوان والعبيد والعقار أو باطنة كالنقدين والحلي والعروض.
درر.
قوله: (وخصه مالك بالباطنة) أي خص الضمان بالاموال الباطنة للتهمة.
غرر الافكار.
قوله: (وله حبسه به) أي حبس الرهن بالدين.
قوله: (للعقد) أي عقد الرهن.
قوله: (لا يبطل بمجرد الفسخ) بل لا بد معه من رده على الراهن.
قوله: (بل يبقى على الرهن رهنا) أي مضمونا، فلو هلك في يده سقط الدين إذا كان به وفاء هداية.
قوله: (ما بقي القبض والدين معا) أي قبض الرهن في يد المرتهن والدين في ذمة الراهن.
واني.
قوله: (فإذا فات أحدهما) بأن رد الرهن أو أبرأه من الدين لم يبق رهنا فيسقط الضمان، لان العلة إذا كانت ذات صفين يعدم الحكم بعدم أحدهما.
ويرد عليه ما لو هلك قبل التسليم وبعد قضاء الدين ويضمن ويسترد الراهن ما قضاه كما مر ويأتي، وجوابه مع ما فيه في العناية.
قوله: (ولا إجارة) فلو أجره المرتهن بلا إذن فالاجرة له كما سيذكره آخر الرهن مع بقية فروعه.
قوله: (ولا إعارة) سيذكر في باب التصرف في الرهن أحكام إعارته من الراهن أو من أجنبي بإذن أو بدونه.(1/40)
قوله: (سواء كان) أي الانتفاع.
قوله: (من مرتهن أو راهن) الاول مصرح به في عامة المتون، والثاني صرح به في درر البحار وشرح مختصر الكرخي وشرح الزاهدي وفيه خلاف الشافعي، فعنده يجوز له الانتفاع بغير الوطئ، والاول لا خلاف فيه كما في غرر الافكار.
بقي لو سكن في دار الرهن هل تلزمه أجرة؟ أجاب في الخيرية: أنه لا تلزمه مطلقا أذن الراهن أو لا مدة للاستغلال أو لا، ومثله في البزازية.
وأجاب في الخيرية بذلك أيضا لو كانت ليتيم، وقد مر ذلك آخر الغصب فراجعه.
قوله: (إلا بإذن) فإذا انتفع المرتهن بإذن الراهن وهلك الرهن حالة استعماله يهلك أمانة بلا خلاف، أما قبل الاستعمال أو بعده يهلك بالدين، ولو كان أمه لا يحل وطؤها لان الفرج أشد حرمة لكن لا يحد بل يجب العقر عندنا.
معراج.
وقهل: (وقيل لا يحل للمرتهن) قال في المنح: وعن عبد الله بن محمد بن أسلم السمرقندي وكان من كبار علماء سمرقند أنه لا يحل له أن ينتفع بشئ منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن، لانه أذن له في الربا لانه يستوفي دينه كاملا فتبقى له المنفعة فضلا فيكون ربا، وهذا أمر عظيم.
قلت: وهذا مخالف لعامة المعتبرات من أنه يحل بالاذن إلا أن يحمل على الديانة وما في المعتبرات على الحكم، ثم رأيت في جواهر الفتاوى: إذا كان مشروطا صار قرضا فيه منفعة وهو ربا، وإلا فلا بأس ا ه ما في المنح ملخصا.
وأقره ابنه الشيخ صالح.
وتعقبه الحموي بأن ما كان ربا لا يظهر فيه فرق بين الديانة والقضاء.
وعلى أنه لا حاجة إلى التوفيق بعد أن الفتوى على ما تقدم: أي من أنه يباح.
أقول: ما في الجواهر يصلح للتوفيق وهو وجيه، وذكروا نظيره فيما لو أهدى المستقرض للمقرض: إن كانت بشرط كره، وإلا فلا.
وما نقله الشارح عن الجواهر أيضا من قوله: لا يضمن يفيد أنه ليس بربا، لان الربا مضمون فيحمل على غير المشروط، وما في الاشباه من الكراهة على المشروط، ويؤيده قول الشارح الآتي آخر الرهن: إن التعليل بأنه ربيفيد أن الكراهة تحريمية فتأمل.
وإذا كان مشروطا ضمن كما أفتى به في الخيرية فيمن رهن شجر زيتون على أن يأكل المرتهن ثمرته نظير صبره بالدين.
قال ط: قلت: والغالب من أحوال الناس أنهم إنما يريدون عند الدفع الانتفاع، ولولاه لما أعطاه الدارهم، وهذا بمنزلة الشرط، لان المعروف كالمشروط وهو مما يعني المنع، والله تعالى أعلم ا ه.
فائدة: قال في التاترخانية ما نصه: لو استقرض دراهم وسلم حماره إلى المقرض ليستعمله إلى
شهرين حتى يوفيه دينه أو داره ليسكنها فهو بمنزلة الاجارة الفاسدة، وإن استعمله فعليه أجر مثله ولا يكون رهنا ا ه.
وقدمنا في الاجارات، فتنبه.
قوله: (فأكلها) سيأتي آخر الرهن عن فتاوى المصنف أن الظاهر أن الاكل يشمل أكل ثمنها.
قوله: (لم يضمن) أي ولا يسقط شئ من دينه.
قنية: يعني إذا(1/41)
لم يهلك الاصل كما يأتي بيانه.
قوله: (وسيجئ) أي هذا البحث بزيادة بيان.
قوله: (ماتت الشاة الخ) يوجد في بعض النسخ متنا وسقط من بعضها ولم يكتب عليه المصنف.
قوله: (الذي شربه) أي بإذن الراهن كما صرح بفي الولوالجية، فافهم.
قوله: (وحظ اللبن يؤخذه المرتهن) أي يأخذه من الراهن، لما سيأتي أن نماء الرهن رهن مع الاصل، لما أتلفه المرتهن بإذن الراهن صار كأن الراهن أتلفه فيكون مضمونا عليه فكان له حصة من الدين، وهذا معنى قولنا آنفا: يعني إذا لم يهلك الاصل، وسيأتي تمام بيان ذلك آخر الرهن إن شاء الله تعالى.
قوله: (صار متعديا) فيضمنه كالغصب، ولو عاد إلى الوفاق عاد رهنا، ويأتي تمامه.
قوله: (لئلا يصير مستوفيا مرتين) أي على تقدير هلاك الرهن.
قال في غرر الافكار: فإنه لو أمر بقضاء الدين قبل الاحضار فربما يهلك الرهن أو كان هالكا فيصير مستوفيا دينه مرتين ا ه.
قوله: (إلا إذا كان له حمل) لانصه عاجز.
شرح مجمع: أي عاجز حكما بما يلحقه من المؤنة.
ونقل الشلبي أنه إن كان في بلد الرهن يؤمر بإحضاره مطلقا، وإلا فإن لم يكن له حمل ومؤنة فكذا، وإن كان له حمل لا يؤمر، وحمل ط ما في شرح المجمع عليه.
أقول: هذا هو المتبادر من كلامهم، لكن فيه نظر لان الواجب عليه التخلية لا النقل كما يأتي، على أنه يخالف ما في البزازية حيث قال: إن لم يلحقه مؤنة في الاحضار يؤمر به، وإن كان مما يلحقه مؤنة بأن كان في موضع آخر لا يؤمر به ا ه.
وفي الذخيرة: الاصل أنه إن قدر على آحضاره بلا مؤنة فللراهن أن يمتنع عن القضاء، وإن لم يقدر أصلا مع قيام الرهن أو لم يقدر إلا بمؤنة فلا.
ثم قال بعد كلام: وإن لقيه في بلد الرهن والرهن جارية أمر بإحضارها لقدرته بلا مؤنة، وتركنا القياس فيما يلحقه مؤنة فبقي ما عداه على أصل القياس ا ه ملخصا.
فتأمل.
قوله: (أو عند العدل) سيأتي متنا قريبا.
قوله: (ثم سلم المرتهن رهنه) فلو هلك
قبل التسليم استرد الراهن ما قضاه لانه صار مستوفيا عند الهلاك القبض السابق، فكان الثاني استيفاء بعد استيفاء فيجب رده.
هداية.
وسيأتي آخر الرهن.
قوله: (تحقيقا للتسوية) أي في تعيين حق كل.
قال في الذخيرة: لان المرتهن عين حق الراهن فيجب على الرهن تعين حق المرتهن، إلا أن تعيين الدراهم والدنانير لا يقع إلا بالتسليم ليحصل التعيين ا ه.
فهو تعليل لوجوب تسليم الدين أولا.
وأما علة الاحضار فقد مرت في قول الشارح: لئلا يصير مستوفيا مرتين فافهم.
قوله: (للرهن) متعلق بالعقد.
قوله: (مع قيامه) أي قيام الرهن، واحترز به عما إذا لم يقدر لهلاكه.
قوله: (لم يؤمر به) أي(1/42)
كما إذا لم يقدر عليه إلا بمؤنة تلحقه، وهو مذكور في الذخيرة أيضا كما قدمناه.
قوله: (ولكن للراهن الخ) استدراك على قوله: وإن لم يحضره وقوله: لم يؤمر به فهو تقييد لما قبله، وعبارة المتن تفيده، وإنما وأتي بلكن متابعة لعبارة الذخيرة والكفاية وغيرهما، فافهم.
قوله: (إن يحلفه) أي على البتات لانه تحليف على الهلاك في يده: ذخيرة.
قوله: (وكذا الحكم عند كل نجم حل) أي لو كان الدين مقسطا فحل قسط.
قال في النهاية: وكما يكلف المرتهن إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف الاستيفاء نجم قد حل، هذا إذا ادعى الراهن هلاك الرهن وطلب من القاضي أن يأمره بالاحضار ليظهر حاله فيأمره به إن كان في بلد الرهن.
أما إذا لم يدع هلاكه فلا حاجة إلى إحضاره إذ لا فائدة فيه ا ه ملخصا.
ومثله في الزيلعي.
واعترضه العلامة الطرسوسي بأن التقييد بقوله: هذا ادعى الراهن هلاك الرهن الخ من عنده لم يعزه إلى أحد، وهو فاسد لان فيه ترك الاحتياط في القضاء، بل يأمره القاضي بإحضاره وإن لم يدع الراهن الهلاك لئلا يصير قاضيا بالاستيفاء مرتين إلا أن يصدقه الراهن على بقائه، وأقره ابن وهبان فقال: تتبعت ما عندي من الكتب فلم أجد هذا لقيد، وعباراتهم تفيد صحة ما ذكره الطرسوسي، والقياس يقتضي صحة ما في النهاية، لان الاصل عدم الهلاك وطلب إحضار المرهون حق الراهن، فإذا لم يطلبه لا يجب على الحاكم جبر المرتهن عليه والتحليف على عدم الهلاك فيما لو كان للرهن حمل ومؤنة كالامر بالاحضار على هذين القولين ا ه ملخصا من شرح الوهبانية لابن الشحنة.
ثم حرر ابن الشحنة المسألة واختار تفصيلا فيها وهو لزوم الاحضار مطلقا في مسألة قضاء الدين بتمامه للتعليل
المار.
وأما في قضاء نجم منه لا يلزم إلا بدعوى الراهن الهلاك لانه بدفع نجم منه لا يكون مستوفيا لجميع الحق فلا يجبر على إحضار جميع الرهن، لكن بدعوى الهلاك توجه الطلب فيلزم الاحضار، ثم أن التحليف على هذا التفصيل ا ه ملخصا.
وقد أورد هذا التفصيل في نظمه الاتي.
قال الشرنبلالي: وقد فهم الشارح أن التقييد بطلب المدعي فيما إذا أراد وفاء نجم فقط، لكنه غير مسلم لما علمته من كلام الزيلعي الموافق لكلام النهاية ا ه.
وأقول وبالله أستعين: الذي يظهر لي أن الحق مع صاحب النهاية، وأن القيد للمسألتين كما فهمه الشرنبلالي، فلا يلزم القاضي أمر المرتهن بالاحضار إلا إذا طلبه الراهن وادعى الهلاك لانه حقه، يدل عليه أنه في الذخيرة قيد التحليف على عدم الهلاك بطلب الراهن، وتبعه القهستاني ومثله في غرر الافكار.
وفي البزازية: وإن ادعى: أي الراهن هلاكه يحلف المرتهن على قيامه، فإذا حلف أمر: أي الراهن بأداء الدين ا ه.
ولم يقيدوه بصور وفاء الدين بتمامه أو وفاء نجم منه، وقد علمت مما مر استواء الامر بالاحضار والتحليف وجريان النزاع فيهما، فحيث كان المنقول أنه لا يجب على القاضي تحليفه إلا بطلب صاحب الحق، فكذا لا يجب عليه الامر بالاحضار إلا بالطلب مطلقا، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، والله تعالى أعلم.
قوله: (كما حرره ابن الشحنة) الذي حرره هو التفصيل كما علمته.
أفاده ط.
قوله: (ولا دفع الخ) أي لا يدفع الراهن الدين بتمامه ما لم يحضر المرتهن الرهن وإن لم يدع(1/43)
الراهن الهلاك إلا أن يكون في غير بلد الرهن ولحمله مؤنة فيدفع الدين، وله تحليف المرتهن على عدم الهلاك قوله كذا النجم: أي لا يدفع نجما حل ما لم يحضر المتهن الرهن وإن لم يدع الهلاك، وحينئذ فحكم النجم والدين بتمامه سواء، وهذا على غير ما في النهاية، أما على ما فيها فبينهما فرق من حيث إنه في النجم لا يؤمر المرتهن بإحضار الرهن بدون دعوى المديون الهلاك، وإليه إشار بقوله أولا إلى آخره عطفا على قوله: كذا النجم والمنفي بلا محذوف دل عليه مضمون الكلام قبله، فإن قوله: (ما لم يحضر الرهن) يفيد أنه يؤمر بالاحضار: أي ولا يؤمر المرتهن في صورة النجم بالاحضار إلا بدعوى الراهن الهلاك، هذا تقدير النظم على ما فهمه ابن الشحنة من إرجاع التقييد بدعوى الهلاك في كلام
النهاية إلى مسألة النجم فقط، وادعاء الفرق بينهما وقدمنا ما فيه.
قوله: (أو يكن الخ) هذا يؤيد ما تقدم عن الشلبي من التفصيل ط.
قال السائحاني: وأو هنا بمعنى إلا، والفعل بعدها حقه النصب بأن مضمرة، إلا أنه ورد الجزم بها، ويصح عطفه على يحضر: أي لا دفع ما لم يكن الخ ا ه.
فالمعنى: لا دفع مدة لم يكن في غير مكان العقد: أي بأن كان في مكان العقد لان النفي نفي إثبات، لكن يبعد قوله: والحمل يعسر لانه إذا كان في مكان العقد لا يحتاج إلى حمل، إلا أن يقال: يمكن أنه نقله إلى داره فيصير معنى البيت: لا دفع إذا كان الرهن في بلدة العقد إلا إذا أحضره المرتهن ما لم يكن له حمل ومؤنة، وعلى هذا فهو مخالف لما مر عن الشلبي مؤيد لما قدمناه عن البزازية والذخيرة لكنه بعيد، فتأمل.
قوله: (ولا يكلف مرتهن الخ) لانه لم يؤتمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته.
قوله: (عند العدل) هو من يوضع عنده الرهن ويأتي له باب مخصوص.
قوله: (بأمر الراهن) متعلق بوضع.
قوله: (لاذنه بذلك) أي بالبيع فصار كأنهما تفاسخا الرهن وصار الثمن رهنا ولم يسلم إليه بل وضعه على يد عدل.
وتمامه في الهداية وشروحها.
قوله: (تمكين الراهن من بيعه) يعني لا يكلف تسليم الرهن ليباع بالدين لان عقد البيع لا قدرة للمرتهن على المنع منه.
شرنبلالية.
نعم يتوقف نفاذ البيع على إجازة المرتهن أو قضاء دينه، ولا ينفسخ بفسخه في الاصح كما يأتي بيانه.
قوله: (ولا يكلف من قضى الخ) من واقعه على المرتهن وقضى مبني للمجهول وبعض نائب الفاعل: أي بعض دينه الثابت له على الراهن، وقوله: أو أبرأ مبني للمعلوم.
قوله: (اعتبارا بحبس المبيع) أي عند البائع فإنه لا يلزمه تسليم بعضه بقبض بعض الثمن، لكنه لو رهنه عبدين وسمى لكل شيئا من الدين له قبض أحدهما بأداء ما سمى له، بخلاف البيع كما سيذكره في الباب الاتي.
قوله: (وعياله) المعتبر في كون الشخص عيالا له أن يساكنه سواء كان في نفقته أم لا، كالزوجة والولد(1/44)
والخادم الذين في عياله والزوج الاجير الخاص مشاهرة أو مسانهة لا مياومة، ويجري مجرى العيال شريك المفاوضة والعنان، ولا يشترط المفاوضة والعنان، ولا يشترط في الزوجة والولد كونهما في عياله ا ه.
غرر الافكار.
قوله: (وضمن الخ) مفعوله قوله الاتي: كل قيمته فهو ضمان الغصب لا ضمان الرهن، والمراد أنه يضمن
بهذه الاشياء إذا هلك بسببها، وكل فعل يغرم به المودع يغرم به المرتهن، وما لا فلا، إلا أن الوديعة لا تضمن بالتلف كما في جامع الفصولين.
وفيه: لو خالف ثم عاد فهو رهن على حاله، فلو ادعى الوفاق وكذبه راهنه صدق راهنه لانه أقر بسبب الضمان.
تنبيه: لو مات المرتهن مجهلا يضمن كما في الخيرية وغيرها.
قوله: (وتعديه) عطف عام على خاص: أي كالقراءة والبيع واللبس والركوب والسكنى بلا إذن.
قهستاني.
قوله: (كل قيمته) أي بالغة ما بلغت لانه صار غاضبا إتقاني وفي الهداية لان الزيادة على مقدار الدين أمانه واأمانات تضمن بالتعدي.
قوله: (فيسقط الدين بقدره) أي يسقط الدين جميعه حالة كونه بقدر ما ضمن، وإلا رجع كل منهما على صاحبه بما فضل، وكان الاولى ذلك لان فيه تفصيلا يأتي في المتن قريبا.
قوله: (على ما اختاره الرضي) أقول: الذي في البزازية وغيرها أنه اختاره السرخسي، وكان ما هنا من تحريف النساخ إذا لم يشتهر هذا الاسم على أحد من أئمتنا فيما أعلم.
تأمل.
قوله: (لكن قدمنا في الحظر عن البرجندي هنا) أي عن شرح البرجندي في هذا المحل، وهو كتاب الرهن.
ثم إن الذي قدمه في الحظر لم يعزه إلى البرجندي.
نعم عزاه إليه في الدر المنتقى حيث قال: كذا نقله البرجندي في الرهن عن كشف البزودي ا ه.
وفي بعض النسخ بدل لفظ فيها فقال ط: أي في اليمين.
قوله: (إنه) أي إن جعله في اليمين.
قوله: (قلت ولكن الخ) هذا معنى ما قدمه في الحظر أن ذاك الشعار كان وبان، وقدمنا هناك أن الحق التسوية بين اليمين واليسار لثبوت كل منهما عن سيد الاخيار صلى الله عليه وآله.
ثم إن هذا استدراك على الاستدراك، فهو تأييد لما في المتن من التسوية بينهما بناء على أنه يلبس في كل منهما فهو استعمال لا حفظ فلذا يضمن، وعلى هذا فقوله: فينبغي الخ لا حاجة إليه، لانه عين ما في المتن، وهو المصرح به في الهداية وغيرها فلا حاجة إلى إثباته بالبحث والقياس الذي لسنا أهلا له.
قوله: (لا يجعله الخ) عطف على قول المصنف بجعل خاتم الرهن في خنصره أي لا يضمن بجعله في غير الخنصر.
والاصل في هذا اأن المرتهن مأذون بالحفظ دون الاستعمال، فجعل الخاتم في الخنصر استعمال موجب للضمان، وفي غيرها حفظ لا لبس لانه لا يقصد في العادة فلا يضمن، وكذلك الطيلسان إن
لبسه تلبس الطيالسة ضمن لانه استعمال، وإلا كأن وضعه على عاتقه فلا لانه حفظ، ثم المراد بعدم الضمان فيما يعد حفظا لا استعمالا أنه لا يضمن ضمان الغصب، لا أنه لا يضمن أصلا لانه مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين كما صرح به في شرح الطحاوي.
إتقاني ملخصا.
قوله: (فإن(1/45)
الشجعان الخ) كذا في الهداية والتبيين، وظاهره لزوم الضمان وإن لم يكن المرتهن من الشجعان مع أنهم في لبس الخاتم اعتبروا حال المرتهن نفسه، والظاهر أن المراد هنا ما إذا كان منهم بدليل قول قاضيخان وغيره.
وفي السيفين إذا كان المرتهن يتقلد بسيفين لانه استعمال ا ه.
فقد نظر إلى حال المرتهن كما في الخاتم، وبحمل ما هنا عليه تندفع المنافاة، فافهم.
قوله: (لا الثلاثة) فيكون حفظا لا استعمالا فلا يضمن.
قوله: (وفي لبس خاتمه الخ) وكذا لو رهنه خاتمين فلبس خاتما فوق خاتم.
زيلعي.
قوله: (يرجع إلى العادة) أي عادة المرتهن وإن خالفت عادة غيره كما يؤخذ مما بعده.
قوله: (ثم إن قضى بها الخ) تفصيل وبيان لما أجمله سابقا.
قوله: (أي بالقيمة المذكورة) أي في قوله: كل قيمته.
قوله: (من جنس الدين) والدراهم والدنانير جنسان مختلفان كما يستفاد من شرح الحموي.
أبو السعود.
قال ط: وبه صرح في المعدن مكي ا ه.
قوله: (وطالب المرتهن الراهن بالفضل) أي بما زاد من الدين على ما ضمنه، ولو الدين أقل طالب الراهن المرتهن بالفضل، فلو قال كما في الزيلعي: وطالب كل واحد منهما صاحبه بالفضل لكان أشمل.
قوله: (وحافظه) عطف على بيت.
قوله: (ونفقة الرهن) كمأكله ومشربه وكسوة الرقيق وأجره ظئر ولد الرهن وسقي البستان وكري النهر وتلقيح نخيله وجذاذه والقيام بمصالحة.
هداية.
فرع: باع عبدا برغيف بعينه فلم يتقابضا حتى أكل العبد الرغيف صار البائع مستوفيا للثمن، بخلافه ما لو رهن دابة بقفيز شعير فأكلته لا يصير المرتهن مستوفيا للدين، والفرق أن النفقة في الاول على البائع وفي الثاني على الرهن.
جوهرة ملخصا.
قوله: (والخراج والعشر) بالرفع عطفا على أجرة.
وفي البزازية: أخذ السلطان الخراج أو العشر من المرتهن لا يرجع على الراهن، لانه إن تطوع فهو متبرع، وإن أكره فقد ظلمه السلطان والمظلوم لا يرجع إلا على الظالم ا ه.
قوله: (فعلى الراهن)
سواء كان في الرهن فضل أو لا.
هداية.
قوله: (لانه ملكه) فعليه كفايته ومؤنته.
قوله: (شئ منه) أي مما يجب على المرتهن.
وفي الجوهرة: لو شرط الراهن للمرتهن أجرة على حفظ الرهن لا يستحق شيئا لان الحفظ(1/46)
واجب عليه، بخلاف الوديعة، لان الحفظ غير واجب على المودع ا ه.
قوله: (كمداواة جريح) أي مداواة عضو جريح أو عين ابيضت ونحو ذلك مما يذكره.
قوله: (على المضمون) أي ما دخل في ضمان المرتهن والامانة خلافه.
قوله: (وإلا فعلى المرتهن) أي فقط لانه محتاج إلى إعادة يد الاستيفاء التي كانت له.
قوله: (وكذا) أي ينقسم على المضمون وعلى الامانة كما في الهداية وغيرها.
وفي البزازية: ثمن الدواء وأجرة الطبيب على المرتهن.
وذكر القدوري: أن ما كان من حصة الامانة فعلى الراهن، ومن المشايخ من قال: ثمن الدواء على المرتهن إنما يلزم أن لو حدثت الجراحة في يده فلو عند الراهن فعليه.
وقال بعضهم: وعلى المرتهن بكل حال، وإطلاق محمد يدل عليه ا ه.
قوله: (كان متبرعا) لانه غير مضطر فيه لانه يمكنه الرفع إلى القاضي.
قوله: (فحينئذ يرجع عليه) فلو كان الابي هو الراهن يرجع المرتهن عليه، سواء كان المرهون قائما أو لا، ولا يكون رهنا بالنفقة فليس له الحبس بذلك، وهو قول الامام.
بزازية.
قوله: (لا يرجع) وعليه أكثر المشايخ، لان هذا الامر ليس للالزام بل للنظر، وهو متردد بين الامر حسبه أو ليكون دينا، والادنى أولى ما لم ينص على الاعلى كما في الذخيرة.
بقي ما إذا لم يكن في البلدة قاض أو كان من قضاة الجور.
قال العلامة المقدسي: لا يصدق المرتهن على النفقة إلا ببينة ا ه: يعني لا يصدق على أنه أنفق ليرجع إلا ببينة على الرجوع على ما يظهر لي.
سائحاني.
قوله: (وعن الامام الخ) أفاد بحكاية الخلاف في الحاضر أن ما في المتن مفروض في الغائب.
قوله: (مطلقا) أي وإن كان بأمر القاضي لانه يمگنه أن يرفع إلى القاضي فيأمر صاحبه بذلك ا ه ح.
قمله (خلافا للثاني) حيث قال: يرجع حاضرا وغائبا كما في الذخيرة، لكن في الخانية أنه لو كان حاضرا وأبى عن الانفاق فأمر القاضي به رجع عليه، وبه يفتى ا ه.
قهستاني.
فالمفتي به قول
الثاني.
وعليه فلا فرق بين الحاضر والغائب وهو ظاهر إطلاق المتن.
قوله: (وهي فرع مسألة الحجر) لان القاضي لا يلي على الحاضر ولا ينفذ أمره عليه، لانه لو نفذ أمره عليه لصار محجورا عليه وهو لا يملك حجره عنده.
وعند أبي يوسف: يملك فينفذ أمره عليه.
زيلعي.
قوله: (بخلاف ما لو ادعى المرتهن رده الخ) أي وأنه هلك بعد الرد وادعى عليه الراهن أنه هلك عند المرتهن.
قوله: (لانه المنكر) لانهما اتفقا على دخوله في الضمان والمرتهن يدعي البراءة والراهن ينكرها، فكان القول قوله.
بدائع.
قوله: (ويسقط الدين) أي بهلاكه فإن الكلام فيه.
ط.
قوله: (لاثباته الزيادة) علة لقول: فللراهن أيضا ا ه ط.(1/47)
وعبارة البدائع: ولو أقاما البينة فالبينة بينته أيضا لانها تثبت استيفاء الدين وبينة المرتهن تنفي ذلك فالمثبتة أولى ا ه.
وهي تفيد قبول بينة المرتهن إذا انفردت.
شرنبلالي.
قوله: (ولو قبل قبضه) الاولى أن يقول: ولو في هلاكه قبل قبضه: أي لو اختلفا في هلاك الرهن فزعم المرتهن أنه هلك في يد الراهن قبل قبضه وقال الراهن بعد القبض ط.
قوله: بزازية عبارتها: زعم الراهن هلاكه عند المرتهن وسقوط الدين وزعم المرتهن أنه رده إليه بعد القبض وهلك في يد الراهن فالقول للراهن لانه يدعي عليه الرد العارض وهو ينكر فإن برهنا فللراهن أيضا ويسقط الدين لاثباته الزيادة، وإن زعم المرتهن أنه هلك في يد الراهن قبل قبضه فالقول للمرتهن لانكاره دخوله في ضمانه، وإن برهنا فللراهن لاثباته الضمان ا ه.
وهي عبارة واضحة لا غبار عليها ط.
تنبيه: ظهر من هذا أن المسألة مفروضة في دعوى الهلاك والاختلاف في زمنه هل هو قبل الرد أو بعده وهي المذكورة في عامة الكتب.
أما إذا كان الاختلاف في دعوى الرد من غير ذكر الهلاك فقد ألف فيه الشرنبلالي رسالة سماها (الاقناع في الراهن والمرتهن إذا اختلفا في رد الرهن ولم يذكر الضياع وقد تردد في جواب الحكم فيها فقال: قد يجاب بأن القول للراهن بيمينه، نص عليه في معراج الدراية بقوله: ولو اختلفا في رد الرهن فالقول للراهن بلا خلاف لانه منكر ا ه.
قال: لكن قد يحمل على ما إذ اختلفا في الرد والهلاك، لان سياق كلام المعراج في الاختلاف في الهلاك، وقد صرحوا بأن الرهن
بمنزلة الوديعة في يد المرتهن وأنه أمانة في يده، وبأن كل أمين ادعى إيصال الامانة إلى مستحقها قبل قوله في حياة المستحق أو بعد وفاته، فمن ادعى استثناء المرتهن من هذه الكلية فعليه البيان، ويعارض كلام المعراج بما لو ادعى المرتهن هلاك الرهن عنده وأنكره الراهن فإن القول للمرتهن بيمينه لانه أمين كالمودع والمستعير مع أن الراهن منكر، ثم قال: وعلى ما في المعراج هل يسقط قدر الدين ولا يضمن الزائد أو لا ضمان أصلا نظرا للامانة وإقرار الراهن بعدم قضاء الدين أو يضمن كل القيمة، فليتق الله تعالى الحاكم والمفتي، ولينظر نصا يفيد ذلك ا ه ملخصا.
أقول: لكن الفرق ظاهر بين الرهن وغيره من الامانات لانه مضمون بالدين، فكيف يصدق في الرد؟ وأما ما عارض به كلام المعراج فلا يخفى عدم وروده، لان الضمير في عنده إن كان للمرتهن فلا معنى لكون القول له، لان الدين يسقط بهلاك الرهن عند المرتهن فلا معارضة لانه لم ينف الضمان عن نفسه، وفي دعواه الرد ينفي الضمان عن نفسه، وإن كان الضمير للراعن فإنما يكون القول للمرتهن بيمينه إذا ادعى الهلاك قبل القبض لا بعده كما مر عن البزازية.
والفرق بينه وبين دعوى مجرد الرد بعد القبض أظهر من أن يخفى.
ورأيت في فتاوى قارئ الهداية ما نصه: سئل عن المرتهن إذا ادعى رهن العين المرهونة وكذبه الراهن هل القول له؟ أجاب: لا يكون القول قوله في رده مع يمينه، لان هذا شأن الامانات لا المضمونات بل القول للراهن مع يمينه في عدم رده إليه ا ه.
ومثله في فتاوى ابن الشلبي وفتاوى ابن نجيم وهو عين ما في المعراج فلزم اتباع المنقول، كيف وهو المعقول، ومقتضى عدم قبول قوله ضمانة الجميع، لكن ينبغي أن يقال: إن ذلك كله فيما إذا كان الرهن غير زائد على الدين، فإن كان زائدا لا يضمن الزيادة لتمحضها أمانة غير مضمونة فيكون قوله فيها سواء ادعى مجرد الرد أو مع(1/48)
الهلاك، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
وهذا التحرير من خواص كتابنا هذا، ولله تعالى الحمد.
قوله: (إذا كان الطريق آمنا) أي ولم يقيد بالمصر، أما إذا قيد به لا يملكه.
وتمامه في ط.
قوله: (وكذا الانتقال عن البلد) أي الانتقال عن بلد للسكنى في بلد آخر.
تأمل.
قوله: (وكذا العدل) أي كالمرتهن
فيما ذكر.
قوله: (على خلاف ما في فتاوى القاضيين) أي قاضيخان والقاضي ظهير الدين حيث قالا: ليس للمرتهن أن يسافر بالرهن، وزاد الاول وهذا عند الصاحبين.
قوله: (ولعل ما في العدة) سبقه إلى هذا التوفيق صاحب جامع الفصولين.
واعترضه الرملي بأنه لا حاجة إلى التوفيق، فإن ما في قاضيخان صريح في أن قولهما.
قوله: (إذا عمي الرهن) عمي عليه الخبر: أي خفي مجز من عمي البصر.
مغرب.
قال ط: لم أقف على ضبطه، وقد قرئ قوله تعالى: * (فعميت عليكم) * (هود: 82) بالتخفيف والتشديد، والمراد إذا خفى حاله ولم تدر قيمته وقد اتفقا على هلاكه ا ه.
قوله: (فهو بما فيه) الباء للمقابلة والمعاوضة.
سعدي.
قوله: (ضمن بما فيه من الدين) فيسقط الدين عن الراهن، وهذا إذا لم يعلم أنه أقل فإن علم واشتبهت قيمته يراجع حكمه ط.
قوله: (كذا ذكره المصنف) وكذا في الهداية والعناية، وقال في النهاية: كذا في المبسوط حاكيا هذا التأويل عن الفقيه أبي جعفر.
والله تعالى أعلم.
باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز قوله: (لا يصح رهن مشاع) أي إلا إذا كان عبدا بينهما رهناه عند رجل بدين له على كل واحد منهما رهنا واحدا، فلو رهن كل نصيبه من العبد لم يجز كما في القهستاني على الذخيرة، وإلا إذا ثبت الشيوع فيه ضرورة كما يأتي آخر السوادة.
قوله: (مطلقا) يفسره ما بعده، وإنما لم يجز لان موجب الرهن الحبس الدائم، وفي المساع يفوت الدوام لانه لا بد من المهايأة فيصير كأنه قال: رهنتك يوما دون يوم.
وتمامه في الهداية.
قوله: (مقارنا) كنصف دار أو عبد.
قوله: (أو طارئا) كأن يرهن الجميع ثم يتفاسخا في البعض أو يأذن الراهن للعدل أن يبيع الرهن كيف شاء فباع نصفه ا ه.
منح.
وفي رواية عن أبي يوسف أن الطارئ لا يضر، والصحيح الاول كما في النهاية والدرر، وسيذكر الشارح آخر الرهن لو استحق كله، أو بعضه.
قوله: (من شريكه أو غيره) لان الشريك يمسكه يوما رهنا ويوما يستخدمه فيصير كأنه رهن دون يوم.
وأما إجارة المشاع فإنما جازت عنده من الشريك دون غيره، لان المستأجر لا يتمكن من استيفاء ما اقتضاه العقد إلا بالمهاياة، وهذا المعنى لا يوجد في الشريك.
أفاده الاتقاني: أي لان الشريك ينتفع به بلا مهايأة في المدة كلها بحكم العقد وبالملك بخلاف(1/49)
غيره.
قوله: (يقسم أولا) بخلاف الهبة، لان المانع فيها غرامة القسمة: أي أجرة القسام وهي فيما يحتمل القسمة لا فيما لا يحتملها.
معراج.
قوله: (والصحيح أنه فاسد) وقيل: باطل لا يتعلق به الضمان، وليس بصحيح لان الباطل منه ما لم يكن مالا أو لم يكن المقابل به مضمونا، وما نحن فيه ليس كذلك بناء على أن القبض شرط تمام العقد لا شرط جوازه ا ه.
عناية.
وسيأتي آخر الرهن، وسيأتي أيضا هناك أن كل حكم عرف في الرهن الصحيح فهو الحكم في الرهن الفاسد لكنه مقيد بما إذا كان الرهن سابقا على الدين، ويأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله: (ما قبل البيع قبل الرهن) أي كل ما يصح بيعه صح رهنه.
قوله: (والمشغول) أي بحق الراهن كما قيده الشارح أول الرهن احترازا عن المشغول بملك غير الراهن فلا يمنع كما في حاشية الحموي عن العمادية.
أقول: وكذا يمنع المشغول بالراهن نفسه لما في الهداية: ويمنع التسليم كون الراهن أو متاعه في الدار المرهونة ا ه.
قال في المعراج: فإذا خرج منها يحتاج إلى تسليم جديد لانه شاغل لها كشغلها بالمتاع، وكذا متاعه في الوعاء المرهون يمنع التسليم.
والحيلة أن يودع أولا ما فيه عند المرتهن ثم يسلمه ما رهن ا ه.
قوله: (والمتصل بغيره) صفة لموصوف محذوف: أي والشاغل المتصل بغيره كالبناء وحده أو النخل أو الثمر بدون الارض أو الشجر كما سيذكره.
واحترز به عن الشاغل المنفصل كما لو رهن ما في الدار أو الوعاء بدونهما وسلم الكل فإنه يجوز كما في الهداية والخانية، فافهم.
وأراد بالمتصل التابع لما في الهداية: رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها ودفع الدابة مع السرج واللجام لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه لانه من توابع الدابة بمنزلة الثمرة للنخيل حتى قالوا: يدخل فيه من غير ذكر ا ه: يعني لو رهن دابة عليها سرج أو لجام يدخل في الرهن.
معراج.
وبهذا ظهر أن تقييده المتصل فيما مر وفيما يأتي بقوله خلقة غير ظاهر، فتدبر.
قوله: (والمعلق عتقه بشرط قبل وجوده) كما إذا قال لعبده إن دخلت هذه الدار فأنت حر فإنه يصح بيعه لا رهنه، ولعله لان حكم الرهن الحبس الدائم إلى الاستيفاء، وحبس مثل هذا لا يدوم لانه قد يدخل الدار فيعتق فلا يمكن منه الاستيفاء ا ه.
ط أقول: وما ذكره الشارح نقله البيري عن شرح الاقطع.
ثم نقل عن روضة القضاة: لو علق
عتق عبد بصفة ثم رهنه جاز خلافا للشافعي ا ه.
تأمل.
قوله: (غير المدبر) شمل المطلق المقيد.
حموي: أي فكل منهما لا يجوز رهنه، وفيه نظر، فقد ذكر الشارح في بابه أن المقيد يباع ويوهب ويرهن، وصرح به أيضا هناك الباقاني في شرح الملتقى، وهو من علق عتقه بموت سيده لا مطلقا بل على صفة خاصة، كإن مت من مرضي هذا أو في سفري أو نحوه، ولينظر الفرق بين المعلق عتقه بشرط غير الموت على ما ذكره.
حيث لم يجز رهنه وبين المدبر المقيد حيث جاز.
قوله: (فيجوز بيعها لا رهنها) أي الاربعة المذكورة غير المدبر، فإن المطلق لا يجوز بيعه ولا رهنه، والمقيد يجوزان فيه.
قوله: (وفيها) أي في الاشباه من الفن الخامس في الحيل والمسألة مذكورة في حيل الولوالجية آخر الكتاب.
قوله: (أن يبيع منه) أي من المرتهن بثمن قدر الدين الذي يريد الرهن به.
قوله: (ثم يفسخ البيع) أي بحكم الخيار.
قوله: (قال المصنف) أي في المنح آخر هذا الباب.(1/50)
ونصه قلت: وعندي في صحة هذه الحيلة نظر ظاهر، لما تقرر سابقا من أن الصحيح أن الشيوع الطارئ مفسد كالمقارن: ويمكن أن تكون مفرعة على القول المقابل للصحيح، وهو أن الشيوع الطارئ غير مفسد وفيه نظر ا ه.
والظاهر أنه أراد بالنظر الثاني ما ذكره الشارح بعد، فافهم.
قوله: (إما أن يبقى في ملكه) أي ملك البائع فيما إذا كان الخيار له، لان خياره يمنع من خروج المبيع عن ملكه فيكون رهنه النصف في مدة الخيار رهنا لبعض ملكه وهو رهن المشاع ابتداء، فافهم.
قوله: (أو يعود لملكه) أي البائع فيما إذا كان الخيار للمشتري، لان المبيع يخرج به عن ملك البائع، ولا يملكه المشتري عنده ويملكه عندهما، فعلى قولهما يكون رهن المشاع ابتداء من الشريك سواء فسخ البيع أو أجازه، وعلى قوله: إن أجازه دخل في ملكه وإلا عاد إلى ملك البائع، وعلى كل فرهنه النصف في مدة الخيار يكون رهن مشاع ابتداء من الاجنبي، وكان ينبغي للشارح أن يزيد أو يدخل في ملك المشتري بعد قوله: أو يعود لملكه.
قوله: (كما بسطه في تنوير البصائر) أي للشرف الغزي.
محشي الاشباه.
وحاصله مع الايضاح ما قدمناه.
قوله: (فتبقى في يده بمنزلة الرهن بالثمن) فإن أصابها عيب ذهب من الدين بحسابه.
منح عن حيل الخصاف.
وحاصله: أن هذا ليس رهنا حقيقة لا صحيحا ولا فاسدا، إذ لم يزجد عقده وإنما هو بمنزلته، لان حبس الدار حتى يقبض الثمن، كما إذا فسخ الاجارة فإن له حبس المأجور حتى يقبض الاجرة، ولما كان له في ذلك الحبس منفعة كان المحبوس مضمونا عليه بقيمته إذا هلك، بخلاف الامانات فإنها لا تضمن إلا بالاستهلاك، وبخلاف الرهن الحقيقي فإن مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين، فقد ظهر بما قررناه وجه قوله: بمنزلة الرهن أي بمنزلته من حيث ثبوت حق الحبس فقط لا من حيث إنه يضمن كضمان الرهن، والدليل على ذلك وعلى أنه ليس كسائر الامانات ما في خيارات جامع الفصولين: باع أرضا بخيار وتقابضا فنقضه البائع في المدة تبقى الارض مضمونة بالقيمة على المشتري وله حبسها بثمن دفعه إلى البائع ا ه.
وعليه فلو هلكت وقيمتها مثل الثمن الذي قبضه البائع سقط، ولو أقل سقط منه بحسابه، وهذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (وفيها الخ) تأمله مع المسألة الآتية في المتن آخر هذا الباب.
قوله: (ليس بأولى) أي بكونه رهنا.
قوله: (أو بناء) كعمارة قائمة في أرض وقف كما أفتى به في الحامدية أو في أرض سلطانية كما في التاترخانية.
قوله: (بدونها) أي بدون الارض.
قوله: (كرهن الشجر لا الثمر) أي كرهن الشجر بمواضعها أو تبعا للارض مع التنصيص(1/51)
على نفي الثمر ليكون الفساد من هذه الجهة، فلو لم ينص دخل الثمر تبعا تصحيحا للعقد، بخلاف البيع لان بيعه بدون الثمر جائز، ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكر، وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر لانه ليس بتابع بوجه، وكذا بدخل الزرع والرطبة والبناء والغرس في رهن الارض والدار والقرية لما ذكرنا كما في الهداية.
قوله: (خلقة) المناسب حذفه كما فعل في الهداية وغيرها ليشمل البناء والسرج واللجام كما قدمناه.
قوله: (وعن الامام الخ) لان الشجر اسم للنابت فيكون استثناء للاشجار بمواضعها، بخلاف رهن الدار دون البناء لان البناء اسم للمبنى فيصير راهنا جميع الارض وهي مشغولة بملك الراهن.
هداية.
قوله: (لانه اتصال مجاورة) علة لجواز رهن الشجر بمواضعها: أي لان اتصال الشجر ومواضعها القائمة فيها بباقي الارض اتصال مجاورة لا اتصال تبعية كالبناء وسرج الدابة، ولا اتصال خلقة كالثمر فهو كرهن متاع في وعاء فلا يضر.
قوله: (صح
في العرصة) أي والسقف والحيطان الخاصة كما في القنية.
قوله: (لكونه تبعا) مخالف لما قدمناه (1) عن الهداية في رهن السرج على الدابة: من أنه لا يجوز حتى ينزعه لانه من توابعها، فتأمل.
قوله: (ولا رهن الحر الخ) لانه لا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين.
هداية.
قوله: والمدبر أي المطلق كما قدمناه، وهو مستفاد من التعليل المذكور.
قوله: (ولا بالامانات) أي لا يصح أخذ الرهن بها، لان الضمان عبارة عن رد مثيل الهالك إن كان مثليا، أو قيمته إن كان قيميا، فالامانة إن هلكت فلا شئ في مقابلتها، وإن استهلكت لا تبقى أمانة بل تكون مغصوبة.
حموي.
قوله: (كوديعة وأمانة) الاصوب وعارية وكذا مال مضاربة وشركة كما في الهداية، ومر في باب التدبير أن شرط واقف الكتب أن لا تخرج إلا برهن شرط باطل لانه أمانة، فإذا هلك لم يجب شئ.
ذكر في الاشباه في بحث الدين أن وجوب اتباع شرطه وحمل الرهن على المعنى اللغوي غير بعيد.
قوله: (ولا بالدرك) بالتحريك.
قوله: (خوف استحقاق المبيع) تفسير الحاصل المعنى، لان الرهن إنما هو بالثمن وذلك بأن يخاف المشتري استحقاق المبيع فيؤخذ من البائع رهنا بالثمن.
قوله: (فالرهن به باطل) فيكون أمانة كما يأتي.
قوله: (بخلاف الكفالة) أي بالدرك فإنها جائزة.
والفرق أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب، لان ضمان الدرك هو الضمان عند استحقاق المبيع فلا يصح مضافا إلى حال وجوب الدين، لان استيفاء معاوضة وإضافة التمليك إلى المستقبل لا تجوز.
أما الكفالة فهي الالتزام المطالبة لا لالتزام أصل الدين، ولذا لو كفل بما يذوب له على فلان يجوز، ولو
__________
(1) قوله: (مخالف لما قدمناه) فيه نظر ظاهر، فإن وجوب النزع هناك يكون عقد الرهن ورد على السرج وهو متصل فيجب النزع وفي ممسألتنا العقد لم يرد على السقف قصدا بل تبعا للدار فلا يضره الاتصال بالتبعية، وكم من شئ يصح ضمنا ولا يصح قصدا ا ه تأمل.(1/52)
رهن به لا يجوز.
كفاية ملخصا.
قوله: (كم مر) أي في كتاب الكفالة.
قوله: (أي بغير مثل أو قيمة) لانهما بمنزلة العين كما يأتي بيانه.
قوله: (مثل المبيع) بأنت اشترى عينا ولم يقبضها ثم أخذ بها رهنا من البائع فارهن باطل، لانه لا يجب على البائع بهلاك المبيع شئ يستوفي من الرهن وإنما يبطل البيع
ويسقط الثمن وتمامه في الكفاية وغاية البيان والجوهرة والزيلعي.
هذا، وفي القهستاني: وقال شيخ الاسلام: إنه فاسد، لان الرهن مال والبيع متقوم والفاسد يلحق بالصحيح في الاحكام كما في الكرماني.
وذكر في المبسوط أنه جائز فيضمن بالاقل من قيمته ومن قيمة العين.
وبه أخذ الفقيه أبو سعيد البردعي وأبو الليث، وعليه الفتوى كما في الكرماني وغيره ا ه.
قوله: (ولا بالكفالة بالنفس) كأن كفل زيد بنفس عمرو على أنه إن لم يواف به إلى سنة فعليه الالف الذي عليه ثم أعطاه عمرو بالمال رهنا إلى سنة فهو باطل لانه لم يجب المال على عمرو بعد، وكذا لو قال: إن مات عمرو ولم يؤدك فهو علي ثم أعطاه رهنا لم يجز.
وتمامه في المنح عن الخانية.
قوله: (ولا بالقصاص) لتعذر استيفائه من المرهون.
قوله: (بخلاف الجناية خطأ) وبخلاف الدية وجراحة لا يستطاع فيها القصاص قضى بأرشها، فلو أخذ به رهنا جاز ا ه.
در منتقى.
قوله: (ولا بالشفعة) أي لا يجوز أخذ الرهن من المشتري الذي وجب عليه تسليم المبيع من أجل الشفعة لان المبيع غير مضمون عليه ط.
قوله: (وبأجرة النائحة والمغنية) لبطلان الاجازة فلم يكن الرهن مضمونا إذ لا يقابله شئ مضمون.
قوله: (وبالعبد الجاني أو المديون) لان غير مضمون على المولى، لانه لو هلك لا يجب عليه شئ.
منح.
قوله: (قبل الطلب) مفهمومه الضمان بعده وبه صرح في جامع الفصولين حيث قال: الرهن بأمانة كوديعة باطل يهلك أمانة لو هلك قبل حبسه وضمن لو بعده.
قوله: (ولا رهن خمر الخ) لان المسلم لا يملك الايفاء إذا كان هو الرهن، ولا الاستيفاء إذا كان هو المرتهن، وكذا الحكم في الخنزير.
إتقاني.
أقول: والكلام الآن فيما لا يجوز الرهن به، وما ذكره هنا بيان أن الخمر لا يجوز رهنه فهو ليس مما نحن فيه فكان ينبغي تقديمه.
تأمل.
وقد ذكر مسألة الرهن به في جامع الفصولين فقال: الرهن بخمر باطل فهو أمانة، وهذا في مسلمين، وكذا لو كان المرتهن مسلما والراهن كافرا وصح بينهما لو كافرين ا ه.
لكن في الجوهرة أن الرهن بالخمر والخنزير فاسد يتعلق به الضمان ا ه.
وقدمنا عن العناية أن الباطل ما لم يكن مالا أو لم يكن المقابل به مضمونا، فتأمل.
قوله: (ولا يضمن له) كما لا يضمنها بالغصب منه لانها ليست بمال
في حق مسلم.
منح.
قوله: (وفي عكسه الضمان) أي إن كان الراهن ذميا والمرتهن مسلما يضمن(1/53)
الخمر للذمي، كما إذا غصب.
منح.
وظاهره أنها تضمن بلا تعد ضمان الرهن، لان الرهن هنا مال عند الذمي والمقابل به مضمون فهو رهن صحيح لا فاسد ولا باطل.
تأمل.
قوله: (أي بالمثل أو بالقيمة) فسر النفس بهما باعتبار أنهما قائمان مقامهما، والمراد أنها مضمونة بالمثل لو مثلية، وبالقيمة لو قيمية.
قوله: (كالمغصوب الخ) أي كالعين المغصوبة أو المجعولة بدل خلع أو مهرا أو صلح لان الضمان متقرر، فإنها إن كانت قائمة وجب تسليمها، وإن هالكه وجب قيمتها فكان الرهن بها رهنا بما هو مضمون فيصح كما في الهداية.
قوله: (كالامانات) أي ولا يصح الرهن بها، وقد قدمنا وجهه عن الحموي.
قوله: (وعين غير مضمونة) أي حقيقة، لانها إذا هلكت يهلك ملك البائع فلا يجب عليه شئ كما إذا هلكت الوديعة، وقوله: لكنها تشبه المضمونة باعتبار سقوط الثمن إن لم يقبض ورده إذا قبض ولذا سميت فيما مر مضمونة بغيرها، وقدمنا أن الرهن بها باطل أو فاسد أو جائز.
قوله: (فلو دفع له البعض) أي بعض ما وعده به وامتنع عن دفع الباقي لا يجبر عليه، ولا يخفى أن هذا إن كان الرهن باقيا وإلا فحكمه ما في المتن.
قوله: (فإذا هلك) أي قبل الاقراض.
بزازية.
قوله: (للقيمة) أي قيمة الرهن يوم القبض.
قوله: (فإن لم يسمه بأن رهنه الخ) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: فإن لم يسمه لم يكن مضمونا في الاصح كما مر في المقبوض على سوم الرهن بأن رهنه الخ.
وعلى هذه النسخة كان ينبغي إسقاط قوله: هل يضمن الخ لينتفي التكرار.
قوله: (خلاف بين الامامين) أي في الضمان وعدمه، وقدمناه أول كتاب الرهن عن القنية، وإن الامام وصاحبيه قالوا: يعطيه المرتهن ما شاء، وعليه مشى الزيلعي معللا بأنه الهلاك صار مستوفيا شيئا فيكون بيانه إليه.
والحاصل: أن الرواية قد اختلفت، قوله: (والاصح أنه غير مضمون) أي الاصح من الروايتين كما قدمناه عن القنية.
قوله: (وقد تقدم) أي متنا أو الرهن، وهذا قد علم مما قبله، لكن أراد أن ينبه على أن ما تقدم هو المراد هنا: أي أن المقبوض على سوم الرهن هو معنى الرهن بالدين الموعود، وإنما الاختلاف في التعبير، ولذا قال في البزازية: والرهن بالدين الموعود مقبوض على سوم الرهن، فافهم.
تنبيه: الرهن الموعود لا يلزم الوفاء به، وسيأتي قريبا في قول المصنف: باع عبدا الخ.
قوله: (وصح برأس مال الخ) صورة هذه المسائل أن يسلم مائة بطعام مثلا أو يبيع دينارا بدرهم ثم(1/54)
قبل القبض يدفع إلى المسلم إليه رهنا بالمائة أو يؤخذ رهنا بالدرهم أو بالطعام.
وصور الاولى بعضهم بأن يأخذ المسلم من المسلم رهنا برأس المال الذي دفعه إليه.
ويظهر لي أن الصواب ما صورته، لانه إذا هلك الرهن في المجلس يصير المسلم مسترد الرأس المال فكيف يقال: إن العقد يتم بذلك، وإن افترقا قبل الهلاك بطل تأمل.
قوله: (فإن هلك الخ) بيان لفائدة ارهن بالاشياء المذكورة.
عيني.
وأفاد القهستاني أن المراد هلك الرهن برأس المال أو بثمن الصرف دون المسلم فيه لمنافاته لقوله بعده: وإن افترقا الخ لان المسلم فيه يصح مطلقا.
أقول: ولهذا ذكر في الدرر مسألة المسلم فيه مؤخرة وحدها.
قوله: (وصار المرتهن مستوفيا) أي لرأس المال أو ثمن الصرف أو المسلم فيه ا ه.
ط عن الشمني.
ومثله قول أبي السعود عن الحموي.
والمراد بالمرتهن هو المسلم إليه في الاولى وأحد عاقدي الصرف في الثانية ورب المال في الثالثة ا ه ملخصا.
أقول: لا دخل للثالثة هنا كما علمت، ثم إن تفسير المرتهن بالمسلم إليه في الاولى مؤيد لما صورناه به المسألة سابقا.
هذا، وأفاد القهستاني أن ما ذكر من أنه صار مستوفيا إنما هو لو كانت قيمة الرهن مساوية لرأس المال وثم الصرف، فإن كانت أقل لم يصح إلا بقدره.
قوله: (قبل نقد وهلاك) أي قبل نقد المرهون به وقبل هلاك الرهن.
قوله: (بطلا) لعدم القبض حقيقة ولا حكما.
قال في الجوهرة: وعليه رد الرهن، فإن هلك في يده قبل الرد هلك برأس المال لانه صار مستوفيا لرأس المال بهلاك الرهن بعد بطلان عقد السلم ولا ينقلب السلم جائزا.
قوله: (فيصح مطلقا) أي ولو بعد الافتراق لان قبضه لا يجب في المجلس.
زيلعي.
قوله: (وصار عوضا للمسلم فيه) أي صار مستوفيا للمسلم فيه ويكون في الزيادة أمينا، وإن كانت قيمته أقل صار مستوفيا بقدرها.
جوهرة.
قوله: (ولو لم يهلك) معطوف على
قوله في الشرح: فإن هلك.
قوله: (فقام مقامه) فصار كالمغصوب إذا هلك وبه رهن يكون رهنا بقيمته.
هداية.
قوله: (هلك به) لان رهنه به، وإن كان محبوسا بغيره كمن باع عبدا وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا ثم تقابلا البيع له أن يحبسه لاخذ المبيع لانه بدل الثمن، ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لانه مرهون به.
زيلعي.
قوله: (فيلزم الخ) أي إذا هلك الرهن المسلم فيه في مسألتنا يجب على رب السلم أن يدفع مثل المسلم فيه إلى المسلم إليه ويأخذ رأس المال لان الرهن مضمون به، وقد بقي حكم الرهن إلى أن يهلك فصار رب السلم بهلاك الرهن مستوفيا للمسلم فيه، ولو استوفاه حقيقة ثم تقايلا أو استوفاه بعد الاقالة لزمه رد المستوفي وارتداد رأس المال، فكذا هنا.
زيلعي.
قوله: (بدين) أي(1/55)
لاجنبي.
قوله: (عبدا) مفعول يرهن، وقوله: لطفله صفة له.
قوله: (لهلاكه مضمونا) بيان للاولوية، ولان قيام المرتهن بحفظه أبلغ مخافة الغرامة.
هداية.
قوله: (والوديعة أمانة) مبتدأ وخبر: أي وقد علم أن الامانة غير مضمونة.
قوله: (وقال أبو يوسف) أي وزفر، وقولهما قياس، والاول الظاهر وهو الاستحسان.
هداية وزيلعي.
قوله: (ثم إذا هلك) أي بماء على ما في المتن.
قوله: (لا الفضل) أي لا الزائد على قدر الدين من قيمة الرهن لو كانت أكثر منه.
قوله: (يضمن الوصي القيمة) أي جميعها وإن زادت، وعليه اقتصر الشارح فيما يأتي في باب التصرف في الرهن.
قوله: (وغيرها) كالمغني والعناية والملتقى.
قوله: (بالتسوية بينهما) هو القول الاول.
قوله: (ويحبسه) أي يحبس الاب عنده الرهن.
قوله: (وكذا عكسه الخ) أي إذا كان للاب دين على ابنه الصغير فللاب الخ، وكذا لو كان الدين لابن آخر له صغير أو عبد تاجر للاب فله أن يرهن متاع طفله المديون عند ابنه الآخر أو عبده كما في الهداية والملتقى.
قوله: (بخلاف الوصي) أي لو كان له على الصغير دين فليس له رهن متاع الصغير من نفسه.
قوله: (ولا بيع) هذا محمول على وصي القاضي.
قال المصنف في باب الوصي: وإن باع أو اشترى من نفسه.
فإن كان وصي القاضي لا يجوز مطلقا، وإن كان وصي الاب جاز بشرط منفعة ظاهرة للصغير، وبيع الاب مال الصغير من نفسه جائز بمثل القيمة وبما يتغابن فيه ط.
قوله: (وتمامه في الزيلعي) فقد أطال هنا في التعليل وتفريع المسائل
كالهداية والمنح.
وفي الملتقى: وإن استدان الوصي لليتيم في كسوته وطعامه ورهن به متاعه صح، وليس للطفل إذا بلغ نقض الرهن في شئ من ذلك ما لم يقبض الدين.
قوله: (وصح بثمن عبد الخ) أي فيضمن ضمان الرهن، فإن هلك وقيمته مثل الدين أو أكثر يؤدي قدر الدين إلراهن، وإن كانت أقل منه يؤدي القيمة إليه لانه رهنه بدين واجب ظاهرا.
ابن كمال.
قوله: (إن أقر) أي المرتهن، وقوله (بعد ذلك) أي بعد الرهن.
وصورتها: ادعى على آخر ألفا فأنكر فصالحه على خمسمائة وأعطاه رهنا يساوي خمسمائة فهلك عند المرتهن، ثم تصادقا على أن لا دين فعلى المرتهن قيمة الرهن.
معراج.
قوله: (والاصل ما مر) أي في أول الرهن.
قوله: (يكفي لصحة الرهن والكفيل) كذا في المنح، ولم أره في غيرها.
وعبارة النهاية(1/56)
وغيرها: يكفي لصحة الرهن ولصيرورته مضمونا، ولعله أراد بالكفيل الكفيل بالغرامات، فإن الكفالة بها صحيحة على ما جرى عليه المصنف في كتاب الكفالة، وأما حمله على الكفالة بثمن العبد وما بعده فغير ظاهر، لما في كفالة الذخيرة عن المنتقى: لو أقام الكفيل البينة على إقرار الطالب بأن المال ثمن خمر أو بيع فاسد تقبل ويبطل المال ا ه.
فليتأمل.
قوله: (وصح رهن الحجرين) أي الذهب والفضة.
منح.
قوله: (بخلاف جنسه) كالثياب.
قوله: (هلك بقيمته) أي إذا هلك الرهن المذكور من الحجرين ونحوهما هلك بقيمته لا بالوزن أو الكيل، وعليه فتعتبر فيه الجودة لانه مرهون، بخلاف جنسه وهو الثياب مثلا.
وإنما لا تعتبر الجودة عند المقابلة بالجنس كما يأتي، فافهم، قوله: (وإن بجنسه) كما إذا رهن فضة بفضة أو ذهبا بذهب أو حنطة بحنطة، أو شعيرا بشعير.
قوله: (وزنا أو كيلا) سواء قلت القيمة من خلاف الجنس وتكون رهنا مكانه، ويملك المرتهن الهالك بالضمان، عيني.
وتظهر ثمرة الخلاف إذا كانت القيمة أقل من الدين.
أما لو كانت مثله أو أكثر فالجواب فيهما بالاتفاق، لان الاستيفاء عنده بالوزن، وعندهما بالقيمة، وهي مثل الدين في الاول، وزائدة عليه في
الثاني فيصير بقدر الدين مستوفيا والباقي أمانة كما في الهداية.
قوله: (ولا عبرة بالجودة الخ) لانها لا قيمة لها إذا قابلت الجنس لئلا يؤدي إلى الربا.
قوله: (ثم إن تساويا) أي إن تساوى الرهن والمرهون به كيلا أو وزنا فظاهر: أي إنه يسقط الدين بلا نظر إلى القيمة ولا إلى الجودة عنده، وهذا كله إذا هلك.
وأما إذا انتقص بأن كان إبريق فضة فانكسر ففيه كلام آخر.
وحاصل صورة هذه المسألة في الهلاك والنقصان تبلغ ستا وعشرين صورة مبسوطة في المطولات، وقد أوضحها في التبيين وغاية البيان.
قوله: (أو يعطي كفيلا) أي حاضرا في المجلس فقبل، فلو لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا فسد العقد، ولو حضر الكفيل وقبل أو اتفقا على تعيين الرهن أو نقد المشتري الثمن حالا جاز البيع وبعد المجلس لا يجوز.
زيلعي ملخصا.
قوله: (ولا يجبر المشتري) أي على دفع الرهن.
وأما الكفيل فقد علمت أن الشرط حضوره وقبوله في المجلس فلا يتأتى فيه الامتناع والاجبار.
تأمل.
قوله: (لما مر) أي أول الرهن أنه غير لازم بمجرد الايجاب والقبول قبل القبض، حتى لوعقد الرهن لا يجبر على التسليم فلا يجبر بمجرد الوعد بالاولى.
قوله: (لفواب الوصف المرغوب) لان الثمن الذي به رهن أوثق مما لا رهن به فصار الرهن صفة للثمن وهو صف مرغوب فله الخيار لفواته.
وتمامه في غاية البيان.
قوله: (لحصول المقصود) فإن المقصود من الرهن قيمته لا عينه.
قوله: (وقد أعطاه) الضمير المستتر للمشتري والبارز(1/57)
للبائع.
قوله: (شيئا غير مبيعه) الاولى حذفه ليحسن التعميم في قول المصنف الآتي (ولو كان المبيع) فإن لو فيه وصيلة، ولا يجمع بين ما بعدها وبين نقضيه، فلا يقال: أكرمك إن جئتني ولو لم تجئني.
قوله: (لتلفظه بما يفيد الرهن) وهو الحبس إلى إيفاء الثمن.
قوله: (والعبرة) أي في العقود للمعاني، ولهذا كانت الكفالة بشرط براءة الاصيل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءة الاصيل كفالة.
إتقاني.
قوله: (خلافا للثاني وللثلاثة) لانه يحتمل الرهن والايداع والثاني أقلهما فيقضي بثبوته، بخلاف ما إذ قال: أمسكه بدينك أو بمالك، لان لما قابله بالدين فقد عين جهة الرهن.
قلنا: لما مده إلى وقت الاعطاء علم أن مراده الرهن.
هداية.
قوله: (ولو كان) لو هذه وصيلة كما قدمناه وما بعدها شرطية.
قوله:
(لانه حينئذ يصلح الخ) أي لتعين ملكه فيه، حتى لو هلك يهلك على المشتري ولا ينفسخ العقد ط.
قوله: (لانه محبوس بالثمن) أي وضمانه يخالف ضمان الرهن فلا يكون مضمونا بضمانين مختلفين لاستحالة اجتماعهما، حتى لو قال: أمسك المبيع حتى أعطيك الثمن قبل القبض فهلك انفسخ البيع.
زيلعي.
قوله: (كما مر) أي عند قول المصنف: ولا بالمبيع في يد البائع.
قوله: (بقي لو كان المبيع) أي الذي جعله المشتري رهنا قبضه ط.
وظاهره أنه بعد القبض ليس كذلك.
أقول: وتقدم في أول متفرقات البيوع: لو اشترى شيئا وغاب قبل القبض ونقد لثمن غيبة معروفة فأقام بائعه بينة أنه باعه منه لم يبع في دينه، وإن جهل مكانه بيع: أي باعه القاضي.
وقال في النهر هناك: ينبغي أن يقال: إن خيف تلفه يجوز البيع علم مكانه أو لا ا ه.
ولم يقيد بكونه جعله رهنا.
تأمل.
قوله: (وجمد) بالتحريك: الثلج.
قاموس.
قوله: (جاز بيعه) ظاهر ما قدمناه أن الذي يبيعه القاضي ويأتي التصريح به آخر الباب.
قوله: (وشراؤه) أي وجاز للمشتري شراؤه مع علمه بذلك.
قوله: (تصدق به) أي بما زاد على الثمن الاول.
قوله: لان فيه شبهة أي شبهة مال الغير وهو المشتري الاول.
قوله: (عند رجلين) أي وقبلا، فلو قبل أحدهما دون الآخر لا يصح، كما لو قال: رهنت النصف من ذا والنصف من ذا.
سائحاني عن المقدسي.
قوله: (وكله رهن من كل منهما) أي يصير كله محبوسا بدين كل واحد منهما، لا أن نصفه يكون رهنا من هذا ونصفه من ذاك.
ابن كمال، وهذا بخلاف الهبة لان موجبها ثبوت الملك والشئ الواحد لا يكون كله ملكا لكل واحد من رجلين على الكمال في زمان واحد فدخله الشيوع ضرورة وحكم الرهن الحبس، ويجوز كون العين الواحدة محبوسة بحق كل منهما على الكمال، وتمامه في الكفاية.
قوله: (ولو غير شريكين) أي في الدين، ولو كان من جنسين مختلفين بأن يكون دين أحدهما دراهم ودين الآخر دنانير.
عناية.
قوله:(1/58)
(ضمن عنده) أي ضمن الدافع ضمان الغصب ط.
قوله: (وأصله مسألة الوديعة) أي إذا أودع عند رجلين شيئا يقبل القسمة فدفع أحدهما كله إلى الآخر فإن الدافع يضمن عنده خلافا لهما.
زيلعي.
قوله: (ضمن كل حصته) كل فاعل ضمن وحصته مفعوله.
قال ط عن المكي: صورته كما في البناية أن يكون لاحدهما عشرة على الراهن وللآخر خمسة عليه والرهن ثلاثون درهما فهلك عشرون من الرهن فتبقى العشرة في يدهما أثلاثا ويسقط من صاحب العشرة ثلثاه ومن صاحب الخمسة ثلثاه، فيكون على الراهن لصاحب العشرة ثلث العشرة وهي ثلاثة وثلث ولصاحب الخمسة وهو درهم وثلثا درهم ا ه.
قوله: (لتجزئ الاستيفاء) أي لان الاستيفاء يقبل التجزئ.
قوله: (فإن قضى الخ) الاصوب تقديمه على قوله (ولو هلك الخ) كما فعل ابن الكمال ليفيد أن كلا منهما يضمن حصته ولو قضى الراهن دين أحدهما، لما في النهاية عن المبسوط: لو هلك الرهن في يد الثاني يسترد الراهن ما قضاه إلى الاول من الدين، لان ارتهان كل منهما باق ما لم يصل الرهن إلى الراهن، لما مر أن كلا منهما في نوبته كالعدل في نوبة الآخر.
قوله: (لما مر) أي قريبا في قول المصنف: وكله رهن من كل منهما.
قوله: (بلا تفرق) أي بلا تجزئ فلا يكون له استرداد شئ منه ما دام شئ من الدين باقيا كما لو كان المرتهن واحدا.
قوله: (رهنا واحدا) يعني صفقة واحدة، لقول الكرخي وهو عبد أو عبدان فليس المراد توحد المرهون بل توحد الرهن: أي العقد.
قوله: (بدين عليهما) سواء كان في صفقة واحدة أو كان على كل واحد منهما دين على حدة.
إتقاني عن الكرخي.
قوله: (ويمسكه الخ) أي فلو أدى أحدهما ما عليه لم يكن له أن يقبض من الرهن شيئا لان فيه تفريق الصفقة على المرتهن في الامساك.
إتقاني.
قوله: (إذ لا شيوع) الظاهر أنه علة لقوله: صح قال الاتقاني: وذلك لان رهن الاثنين من الواحد يحصل به القبض من غير إشاعة فصار كرهن الواحد من الواحد.
قوله: (لحبس الكل بكل الدين) فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين.
هداية.
إذ لو أمكن الراهن أخذ ما يحتاج إليه يتكاسل في قضاء الباقي.
قوله: (كالمبيع الخ) فإن المشتري إذا أدى حصة بعض المبيع من الثمن لا يتمكن من أخذه.
قوله: (فإن سمى الخ) بأن قال: رهنتك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة وسلمهما إليه ثم نقد خمسمائة وقال: أديت عن هذا العبد وأراد أخذه في رواية الاصل ليس له ذلك، وفي رواية الزيادات له ذلك.
كفاية.
فلو قال أحدهما: بعشرين والآخر بالباقي ولم يبين هذا من هذا لم يجز الرهن لانها جهالة تفضي إلى المنازعة عند هلاك أحدهما أو استرداده كما أفاده الاتقاني عن كافي الحاكم.
قوله: (لتعدد
العقد لتفصيل الثمن) الاصوب إبدال الثمن بنحو البدل، لان المفصل هو الرهن هو الدين.
قوله: (في(1/59)
الرهن لا البيع) لان قبول العقد في أحد المرهونين لا يكون شرطا لصحة العقد في الآخر، حتى إذا قبل في أحدهما صح فيه بخلاف البيع، لان العقد فيه لا يتعدد بتفصيل الثمن، ولهذا لو قيل: البيع في أحدهما دون الآخر بطل البيع في الكل، لان البائع يتضرر بتفريق الصفقة عليه، لان العادة قد جرت بضم الردئ إلى الجيد في البيع فيلحقه الضرر بالتفريق.
زيلعي.
قوله: (هو الاصح) أي الفرق بين ما إذا سمى لكل من المرهونين شيئا وبين ما إذا لم يسم هو الاصح كما في التبيين والكفاية وهو روايات الزيادات.
قوله: (وبطل بينة كل منهما الخ) هذه مسألة مستقلة لا تعلق لها بما سبق.
درر.
فقوله في العناية: إنها من شعب قوله هنا رجلا فيه نظر، لان الرجلين هنا يدعيان أنهما مرتهنان وأن الرجل راهن، وبه صرح في المعراج بقوله: فالحاصل أن المرتهن اثنان والراهن واحدا ا ه.
فتنبه.
ثم اعلم أن هذه المسألة على وجهين، لان الدعوى إما في حياة الراهن أو لا، والاول على ثلاثة أوجه، لان الرهن إما في يد أحد المدعيين فيفضي به له وإن أرخ الآخر لان اليد لا تنقض بالتاريخ لاحتمال سبقه على التاريخ إلا إذا أثبت الآخر أن عقده قبل قبضه، وإما أن يكون في أيديهما أو في يد الراهن وفيهما إن أرخا وأحدهما أسبق يقضي له، وكذا إن أرخ أحدهما، وإن لم يؤرخا أو أرخا على السواء بطل.
والثاني على ثلاثة أوجه أيضا.
وفيها كلها إن أرخا وأحدهما أسبق قضى له، وإن لم يؤرخا أو أرخا على السواء، فإن كان الرهن في أيديهما أو في يد الراهن نصف بينهما استحسانا، وبه أخذ أبو حنيفة ا ه.
ملخصا من غاية البيان و التاترخانية.
قوله: (أي أن كل واحد تبع فيه المصنف في منحه).
قال ح: صوابه رجوع ضمير أنه والمستتر في رهنه للرجل والبارز لكل واحد منهما ا ه: أي لان الرجلين مرتهنان لا راهنان كما علمت.
وأقول: يوهم أن حل الشارح خطأ، وليس كذلك، نعم أو أرجع المستتر في رهنه لكل واحد كان خطأ، أما ضمير أنه فلا فرق في صحة المعنى بين إرجاعه للرجل أو لكل واحد إلا أن الاول أظهر، فتدبر.
قوله: (رهنه هذا الشئ عنده) أقول: الصواب حذف الضمير أو حذف عنده لان فيه
الجمع بين تعديه رهن إلى مفعوله الآخر بنفسه وبالظرف معا، وقدمنا أنه يقال: رهنت الرجل شيئا ورهنته عنده، فتنبه.
قوله: (لاستحالة كون كله رهنا لهذا وكله رهنا لذاك) أي على الانفراد بعقدين، بأن ينفرد كل منهما بحبسه ولا حق فيه لصاحبه، بخلاف المسألة السابقة في قوله: رهن عينا عند رجلين واللام في قوله: لهذا ولذاك للتعليل.
تأمل.
قوله: (ولا يمكن تنصيفه الخ) وكذا لا يمكن القضاء بكله لاحدهما بعينه لعدم الاولوية ولا يمكن أن يجعل كأنهما ارتهناه معا حين جهالة التاريخ لان كلا منهما أثبت ببينته رهن الكل فيكون القضاء بخلاف الدعوى، أفاده في الهداية.
قوله: (فتهاترتا) أي تساقطت البينتان لتعذر العمل بهما، وهذا قياس، والاستحسان التنصيف بينهما، فهذه من المسائل التي رجح فيها القياس على الاستحسان.
قوله: (هذا إن لم يؤرخا) وكذا إن أرخا تاريخهما سواء.
إتقاني.
قوله: (كان صاحب التاريخ الاقدم أولى) لانه أثبت العقد في وقت لا ينازعه فيه صاحبه، وكذلك إن أرخ أحدهما فقط لظهور العقد في حقه من وقت التاريخ وفي حق الآخر للحال.
إتقاني.(1/60)
قوله: (وكذا إذا كان الرهن في يد أحدهما) أفاد أن ما مر مفروض فيما إذا كان في يد الراهن أو في أيديهما.
قوله: (كان ذو اليد أحق) أي سواء أرخ الآخر أو لم يؤرخ كما قدمناه.
قوله: (لقرينة سبقه) أي لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده فهو أولى.
نهاية.
قوله: (ولو مات راهنه) أفاد أن ما مر مفروض فيما إذا كانت الدعوى في حياة الراهن.
قوله: (أي راهن العبد مثلا) الاولى: أي راهن الشئ لانه المذكور في المتن.
قوله: (زيلعي) حيث قال وقوله: أي قول الكنز والعبد في أيديهم وقع اتفاقا، حتى لو لم يكن العبد في أيديهما وأثبت كل واحد فيه الرهن والقبض كان الحكم كذلك، ولهذا لم يذكر اليد في المسألة الاولى ا ه.
وفيه نظر لانه للاحتراز عما لو كان في يد أحدهما فإنه يقضي به لذي اليد كما في حالة الحياة، كما نقله أبو السعود عن شرح باكير على الكنز وعن الشلبي ونقله ط عن الكشف.
قوله: (فبرهن كل الخ) أي ولم يؤرخا أو أرخا على السواء، أما لو أحدهما أسبق قضى له كما قدمناه،.
وبقي ما لو أرخ أحدهما وقياس ما مر أنه لو كان الآخر ذا يد وحده قضي له وإلا فللمؤرخ، وهذا ما ظهر لي تأمل.
قوله: (كما وصفنا) أي في صدر المسألة بأن برهن كل أن الرجل
رهنه هذا الشئ.
قوله: (نصفه) اسم كان ورهنا خبرنا وفي يد متعلق به أو بمحذوف ورهنا تمييزه تأمل.
قوله: (لانقلابه الخ) بيان للفرق بين المسألتين حيث أخذ في الاولى بالقياس وفي هذه الاستحسان، قال الزيلعي: وفي القياس هذا باطل وهو قول أبو يوسف.
ووجه الاستحسان أن العقد لا يراد لذاته بل لحكمه، وحكمه في حالة الحياة الحبس والشائع لا يقبله، وبعد الموت الاستيفاء بالبيع من ثمنه والشائع يقبله ا ه ملخصا.
قوله: (قال) أي في العمادية.
قوله: (وهذا) أي قوله (تهلك هلاك المرهون).
قوله: (ظاهر إذا رضي) ويؤيد هذا ما في الخلاصة عن فتاوى النسفي: هذا مستقيم إذا أمكنه استردادها فتركها، أما إذا تركها لعجزه ففيه نظر ا ه.
والظاهر أنه محمل ما في البزازية عن العتابي: تقاضى دينه فلم يقضه فرفع العمامة عن رأسه رهنا وأعطاه منديلا يلفه على رأسه فالعمامة رهن لان الغريم بتركها عنده رضي بكونها رهنا ا ه.
قوله: (ومفاده الخ) تطويل من غير فائدة، ولو قال: ومفاده أنه لو لم يرض بذلك يهلك هلاك الغصب لكان أوضح ط.
قوله: (وعليه) أي على ما استفيد من قوله: وإلا لا وهو أن يهلك هلاك الغصب يحمل إطلاق السراجية، ونصها: إذا أخذ عمامة المديون بغير رضاه لتكون رهنا عنده لم تكن رهنا بل غصبا ا ه.
فقوله: بل غصبا دل على أنه تركها بلا رضاه.
قوله: (لرب المال مسك مال المديون) عبارة المجتبى أن يمسك، وهي أولى إلا أن(1/61)
يثبت مجئ الفعل مجردا متعديا بنفسه، وفي القاموس: مسك به وأمسك وتماسك وتمسك واستمسك: احتبس، واعتصم به وأمسكه: حبسه وعن الكلام سكن ا ه.
تأمل.
قوله: (رهنا بلا إذنه) ظاهره أنه يهلك هلاك الرهن، وفيه نظر، إذ شرط الرهن كونه على وجه التبرع كما قدمناه.
وفي البزازية: صاحب الدين ظفر بغير جنس حقه من مال مديونه لا يحبسه رهنا إلا برضا مديونه ا ه.
فتأمل.
فرع: رجل دخل خانا فقال له صاحب الخان: لا أدعك تنزل ما لم تعطني رهنا فدفع إليه ثيابه فهلكت عنده: إن رهنها بأجر البيت فالرهن بما فيه، وإن أخذ منه لاجل أنه سارق أو خفي عليه فإنه يضمن.
قال أبو الليث: وعندي لا ضمان في الوجهين لانه غير مكره على الدفع.
خلاصة.
قوله: (وقيل إذا أيس الخ) كذا عبر في المنح.
وظاهره أنه من غير جنس حقه، وإلا فلو من جنسه فله أخذ قدر حقه منه بلا كلام ولا وجه لحكايته بقيل.
على أنا قدمنا في كتاب الحجر عن المقدسي عن بعضهم
أن الفتوى اليوم على جواز الاخذ مطلقا.
قوله: (وأقره المصنف) فيه أن ما ذكره المصنف من التوفيق يفيد اشتراط الرضا فلم يكن معرجا على ما في المجتبى.
قوله: (لم يكن واحد منهما رهنا) فلا يذهب شئ من الدين بمنزلة رجل عليه عشرون درهما فدفع إلى الطالب مائة وقال: خذ منها عشرين فضاعت قبل الاخذ فإنها من مال الدافع والدين على حاله.
تاترخانية عن المنتقى عن محمد.
زاد في الخانية: لو دفع إليه ثوبي وقال: خذ أحدهما رهنا بدينك فأخذهما وقيمتهما على السواء.
قال محمد: يذهب نصف قيمة كل واحد منهما بالدين إن كان مثل الدين ا ه.
وهذا موافق لما قدمه الشارح أول الباب عن الزواهر، وقال: إن الشيوع الثابت ضرورة لا يضر ولينظر وجه الفرق بين المسألتين، ولعلة هو أن في الاولى إنما جعل الرهن ما تقع عليه مشيئة المرتهن، فإذا اختار أحد الثوبين فقد تعين، وقبل ذلك لم يصر أحدهما رهنا، فيبقى كل منهما عنده أمانة، وأما في الثانية فقد جعل أحدهما رهنا في الحال بلا خيار لكنه أبهمه وليس أحدهما أولى من الآخر فصار نصف كل منهما رهنا، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم، لكن قال في الخانية بعد صفحة: رجل رهن عند رجل ثوبين على عشرة دراهم وقال أحدهما رهن لك بعشرتك أو قال: خذ أيهما شئت رهنا بدينك.
قال أبو يوسف: هو باطل، فإن صاعا جميعا لم يكن عليه شئ ودينه على حاله ا ه.
ومثله في الظهيرية.
فعند أبي يوسف لا فرق بين المسألتين، والتفرقة بينهما قول محمد.
قوله: (قبل أن يختار أحدهما) لانه إنما يصير رهنا إذا اختاره، أما قبله فلا.
الولوالجية.
وهو مؤيد لما قدمناه من الفرق، فإذا اختار أحدهما صار مضمونا عليه دون الآخر.
قوله: (غصب الرهن) أي إذا غصبه أحد من المرتهن كان كهلاكه فيضمن بالاقل، ولا يخفى أنه لو غصبه المرتهن بأن ركب الدابة أو استخدم العبد أو لبس الثوب بلا إذن فهلك كان مستهلكا فيضمن قيمته بالغة ما بلغت.
قوله: (إلا إذا غصب الخ) لانه في حال الانتفاع مستعير فبطل حكم الرهن، فإذا غصب منه أو هلك في تلك الحالة لم يسقط شئ من الدين، فإذا فرغ من الانتفاع عاد رهنا مضمونا كما قدمناه سابقا، ويأتي في باب التصرف في الرهن.
قوله: (أمره) أي أمر الراهن المرتهن.
قوله: (لم يضمن) أي(1/62)
المرتهن لانه هلك في يد الراهن حكما.
قوله: (ضمن ضمان الرهن) لان قبضه مضمون بخلاف
المودع، وقوله لا الزيادة) لانه غير متعد لجريان العادة بأن الحمامي يحفظ في صندوقه ويضع قصعة الماء عليه، بخلاف ما لو تعدى بأن أراقه قصدا فيضمن الزيادة.
قوله: (والمودع لا يضمن شيئا) لما قلنا.
قوله: (الاجل في الرهن يفسده) لان حكمه الحبس الدائم والتأجيل ينافيه، بخلاف تأجيل دين الرهن.
حموي عن القنية: فإذا هلك يضمن ضمان الرهن لان الفاسد منه كالصحيح على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله: (سلطه ببيع الرهن) الالى على بيعه كأنه ضمنه معنى أمر فعداه بالباء.
قوله: (للمرتهن بيعه) فليس للوارث نقض البيع لانه تعلق به حق المرتهن فلا يقال إنه وكالة تبطل بالموت.
ويأتي تمامه في الباب بعده.
قوله: (ينبغي أن يجوز) كذا في العمادية، ثم قال: وهذه المسألة كانت واقعة الفتوى ا ه.
وجزم في الاشباه بعدم الجواز، واستدرك عليه البيري في البزازية عن المنية: للمرتهن بيع الرهن بإجازة الحاكم وأخذ دينه إذا كان الراهن غائبا لا يعرف موته ولا حياته اه.
أقول: يمكن حمل ما في الاشباه على ما إذا لم تكن الغيبة منقطعة وإن كان أطلق الغيبة.
تأمل.
بقي ما إذا كان حاضرا وامتنع عن بيعه.
وفي الولوالجية: يجبر على بيعه، فإذا امتنع باعه القاضي أو أمينه للمرتهن وأوفاه حقه والعهدة على الراهن اه ملخصا.
وبه أفتى في الحامدية.
وحرر في الخيرية أنه يجبره على بيعه وإن كان دارا ليس له غيرها يسكنها لتعلق حق المرتهن بها، بخلاف المفلس.
قوله: (ليس للمرتهن بيع ثمرة الرهن الخ) أي إذا لم يبحها له الراهن.
وفي البيري عن الولوالجية: ويبيع ما خاف عليه الفساد بإذن الحاكم ويكون رهنا في يده لان إمساكه ليس من الهلاك، وإن باعه بغير أمره ضمن لان ولاية البيع نظرا للمالك لا تثبت إلا للحاكم اه.
قال البيري: أقول: يؤخذ من هذا جواز بيع الدار المرهونة إذا تداعت للخراب وكانت واقعة الفتوى.
اه.
والله تعالى أعلم.
باب الرهن يوضع على يد عدل لما أنهى القول في الاحكام الراجعة إلى نفس الراهن والمرتهن ذكر ما يرجع إلى نائبهما وهو العدل(1/63)
والنائب بعد الاصل، والمراد به هنا من رضيا بوضع الرهن في يده سواء رضيا ببيعه أم لا كما أفاده سعدي فافهم، وباب خبر مبتدأ محذوف: أي هذا، وآل في الرهن للجنس، والجملة بعده صفة أو حال لصحة الاستغناء عن المضاف، والعامل فيها المبتدأ لما فيه من معنى أشير.
قوله: (على يد عدل) بأن شرط في عقد الرهن ذلك خانية.
قوله: (صح ويتم بقبضه) أي صح الرهن ويتم ويلزم بقبض العدل، لان يده في حق المالية يد المرتهن، ولذا لو هلك كان في ضمان المرتهن كما يأتي وفي الخانية: لو سلط العدل على بيعه إذا حل الاجل فلم يقبض العدل الرهن حتى حل الدين فالرهن باطل والوكالة بالبيع باقية اه قوله: (ولا يأخذه أحدهما) ولو لم يشترط الوضع فوضع جاز أخذه كما أشير إليه في الاختيار.
قهستاني.
قوله: (وضمن الخ) لم يوجد متنا في شرح المصنف وإنما ذكره شرحا بعد قوله (وإذا هلك الخ) قوله: (لتعلق حقهما به) فحق الراهن بالعين والمرتهن بالمالية، فهو مودع لهما وأحدهما أجنبي عن الآخر فليس له أخذه ولا للعدل دفعه إليه، فإن المودع يضمن بالدفع إلى الاجنبي.
قوله: (وأخذا منه قيمته الخ) فإن تعذر اجتماعهما يرفع أحدهما الامر إلى القاضي ليفعل ذلك.
زيلعي.
قوله: (لئلا يصير قاضيا ومقضيا) الذي في الهداية والمنح ومقتضيا لانه يقال قضاه الدين وأعطاه واقتضى دينه وتقاضاه: قبضه.
وحاصله: أن القيمة وجبت في ذمته، فلو جعلها رهنا في يد نفسه صار قاضيا ما وجب عليه ومقتضيا له وبينهما تناف.
قوله: (مبسوط في المطولات) أي جوابه مبسوط فيها كالزيلعي وشروح الهداية.
بيانه: أنه إذا جعلت القيمة رهنا برأيهما أو برأي القاضي عند العدل الاول أو عند غيره ثم قضى الراهن الدين: فإن كان العدل ضمن القيمة بسبب دفعه المرهون إلى الراهن فالقيمة للعدل يأخذها ممن هي عنده لوصول المرهون إلى الرهن إليه، ولو كانت القيمة للراهن بالتسليم الاول إليه ووصول الدين إلى المرتهن بدفع الراهن إليه، ولو كانت القيمة للراهن لزم اجتماع البدل والمبدل منه في ملك واحد، وإن كان العدل ضمن بسبب الدفع إلى المرتهن فالقيمة للراهن يأخذها ممن هي عنده لقيامها مقام العين المرهونة، ولا جمع فيه بين البدلين في ملك واحد لان العين لن تصل إلى يد الراهن، وقد ملكها العدل بالضمان، ثم إذا ضمن
العدل بالدفع إلى المرتهن هيرجع العدل على المرتهن؟ ينظر إ دفع العين إليه عاريه أو وديعه لا يرجع إلا إذا استهلكها المرتهن لان العدل ملكها بأداء الضمان وتبين أنه أعار أو أودع ملك نفسه، ولا يضمن المودع أو المستعير إلا بالتعدي، وإن دفعها إليه رهنا بحقه بأن قال: خذه بحقك أو احبسه به رجع العدل عليه سواء هلك أو استهلكه لدفعه عن وجه الضمان.
قوله: (وإذا هلك) أي في يد العدل أو يد امرأته أو ولده أو خادمه أو أجيره.
قهستاني.
قوله: (عند حلول الاجل) أو مطلقا كما في القهستاني والدر المنتقى.
وفي الخانية: فلو لم يقل عند حلول الاجل فللعدل بيعه قبله.
قوله: (صح توكيله) أي(1/64)
ولو لم يقبض العدل الرهن حتى حل الاجل وإن بطل الرهن كما مر قوله فإن شرطت الوكالة أفاد أن الرضا ببيعه ليس بلازم في العدل كما قدمناه عن سعدي.
قوله: (لم ينعزل بعزله) أي بعزل الراهن إلا إذا رضي المرتهن بذلك.
إتقاني.
وأطلق في العزل فشمل ما لو وكله بالبيع مطلقا ثم نهاه عن البيع بالنسيئة لم يعمل نهيه لانه لازم بأصله فكذا بوصفه كما في الهداية.
قوله: (ولا بموت الراهن) أي لا ينعزل بالعزل الحكمي كموت الموكل وارتداده ولحوقه بدار الحرب، لان الرهن لا يبطل بموته لتقدم حق المرتهن على حق الورثة.
زيلعي.
قوله: (ولا المرتهن) إلا أن يكون وكيلا ط.
وسيأتي في قوله (وتبطل بموت الوكيل مطلقا).
قوله: (للزومها بلزوم العقد) لانها لما شرطت في ضمن عقد الرهن صارت وصفا من أوصافه وحقا من حقوقه، ألا ترى أن عقد الوكالة لزيادة الوثيقة فليزم بلزوم أصله.
وتمامه في الهداية.
قوله: (فهي تخالف الوكالة المفردة) أي التي لم تذكر في ضمن عقد الرهن.
ويستثنى الوكالة بالخصومة بطلب المدعي إذا غاب الموكل، وكذا لو خاف من له الخيار أن يغيب الآخر فيأخذ وكيلا ليرد عليه فلا ينعزل بعزله.
أفاده الرحمتي.
وكذا الوكيل بالامر باليد كما مر في باب عزل الوكيل.
قوله: (من وجوده) ذكر منها هنا خمسة.
ومنها ما في النهاية أن العدل إذا ارتد والعياذ بالله تعالى وحكم بلحاقه ثم عاد مسلما يعود وكيلا، بخلاف المفرد على قول أبي يوسف حيث لا يعود.
قوله: (يجبر على البيع الخ) أي لو غاب الراهن وحل الاجل وامتنع الوكيل عن البيع يجبر، ويأتي بيانه قريبا.
قوله: (وكذا لو شرطت الخ) عبارة الزيلعي في شرح قوله: إن باعه العدل فتكون الوكالة غير المشروطة في
العقد كالمشروطة فيه في حق جميع ما ذكرنا من الاحكام.
قوله: (زيلعي) أي صرح بالتصحيح الزيلعي في شرح قوله: فإن حل الاجل، وكذا صرح به في الملتقى، وكذا في الهداية وقال فيها: ويؤيده إطلاق الجواب في الجامع الصغير وفي الاصل اه.
وأقره الشراح.
قوله: (وإن صححها قاضيخان) أنث الضمير مع أنه عائد إلى ظاهر الروايات لاكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه، ثم إن نسبة ذلك إلى قاضيخان عجيبة، ولعله سبق قلم من القهستاني ومن تبعه، فإن الذي في الخانية هكذا: ولو لم يكن البيع شرطا في عقد الرهن ثم سلط المرتهن أو العدل على البيع صح التوكيل، وللراهن أن يفسخ هذه الوكالة ويمنعه عن البيع، ولو مات الراهن تبطل الوكالة وليس للمرتهن أن يطالب العدل بالبيع في هذا الوجه، وعن أبي يوسف: أن الوكالة لا تبطل كالمشروطة في العقد وهو الصحيح اه.
وفي الخانية أيضا: رجل رهن شيئا ووضعه على يدي عدل وسلط العدل على البيع ثم غاب الراهن فالعدل يجبر على البيع، قيل: هذا إذا كان البيع مشروطا في عقد الرهن، وقيل: بأنه يجبر على كل حال وهو الصحيح اه بحروفه.
وكذا صحح الجبر على كل حال في شرحه على الجامع الصغير كما في النهاية، ولم أرى من صحح خلاف هذه الرواية.
وفي المعراج: وقال شيخ الاسلام وفخر الاسلام وقاضيخان: هذه الرواية أصح.
قوله: (إنه يملك بيع الولد والارش) أي ولد المرهون وأرشه فيما لو(1/65)
جنى عليه أحد فدفع أرش الجناية عروضا مثلا فللوكيل هنا بيع ذلك لما سيذكره المصنف في فصل المتفرقات: أي نماء الرهن للراهن وأنه رهن مع الاصل، والوكيل المفرد لا يملك ذلك.
قوله: (كان له أن يصرفه إلى جنسه) لانه مأمور بقضاء الدين وجعل الثمن من جنس الدين من ضروراته، بخلاف الوكيل المفرد فإنه كما باع انتهت وكالته.
إتقاني.
قوله: (إذا كان) أي المرهون.
قوله: (فدفع) أي العبد القاتل.
قوله: (كان له بيعه) لانه صار هو الرهن لقيامه.
قوله: (وله بيعه) أي للوكيل المذكور سواء كان المرتهن أو العدل أو غيرهما بيع الرهن بغيبة الورثة لانه لم ينعزل بموت الراهن كما مر.
قال ط: وكذا بغيبة ورثة المرتهن اه: أي لو كان الوكيل غيره.
بقي ما إذا لم يكن وكيل بالبيع ومات الراهن وسيذكره المصنف آخر الباب الآتي.
قوله: (وتبطل الوكالة بموت الوكيل) يعني والرهن باق، لان
الرهن لو كان في يد المرتهن فمات لم يبطل العقد به فلان لا يبطل بموت العبد أولى، عناية.
ولم يذكر ما يفعل به بعد موت العدل وبطلان وكالته.
وفي الولوالجية والظهيرية وغيرهما: ولو مات العدل يوضع على يد عدل آخر عن تراض، فإن اختلفا وضعه القاضي على يد عدل آخر، وليس للعدل الثاني أن يبيع الرهن وإن كان الاول مسلطا على البيع إلا أن يموت الراهن لان القاضي يتولى قضاء ديونه اه.
قوله: (مطلقا) أي سواء أكان مرتهنا أو عدلا أو غيرهما، ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه لان الوكالة لا يجري فيها الارث ولان المموكل رضي برأيه لا أرى غيره.
درر.
قوله: (وعن الثاني الخ) لو أخره بعد قوله: ولو أوصى إلى آخر ببيعه لم يصح لكان أنسب ط.
قوله: (لكنه خلاف جواب الاصل) كذا ذكره القهستاني.
والمراد بالاصل مبسوط الامام محمد، وظاهره أن الامام محمدا ذكر في أصله جواب أبي يوسف كقولهما د.
قوله: (إلا إذا كان مشروطا له) بأن قال له في أصل الوكالة وكلتك ببيعه وأجزت لك ما صنعت به من شئ فحينئذ لوصيه بيعه، ولا يجوز لوصيه أن يوصي به إلى ثالث.
إتقاني.
فرع: وكل العدل وكيلا فباعه، إن بحضرة العدل جاز، وإلا فلا إلا أن يجيزه، ولو باع العدل بعض الرهن بطل في الباقي.
هندية: أي فسد للشيوع الطارئ.
قوله: (ولا يملك الخ) أي بعد موت العدل كما رأيته بخط بعض العلماء وهو مقتضى السياق لكنه ليس للاحتراز.
قوله: (فإن حل الاجل الخ) تقدمت هذه المسألة قريبا.
قوله: (وغاب الراهن) أي أو وارثه بعد موته وأبى الوكيل أن يبيعه أجبر بالاتفاق، وفيه رمز إلى أنه لو حضر الراهن لم يجبر الوكيل بل أجبر الراهن، فإن أبى باعه القاضي عندهما ولم يبع عنده قهستاني: قال الرملي: وهذا فرع الحجر على الحر، وتقدم في الحجر أن قولهما به يفتى اه.(1/66)
قلت: وفي البزازية: وقيل هذا قول الكل لتقدم الرضا منه على البيع وهو الصحيح.
قوله: (أجبر) لتعلق حق المرتهن به.
قوله: (كما هو الحكم في الوكيل بالخصومة) يعني بطلب المدعي.
قال الاتقاني: المدعي إذا طالب عند القاضي بوكيل فنصب له وكيلا لم يجز للموكل عزله، لان حق
الخصم تعلق بهذه الوكالة حين ثبتت بمطالبته، ولو كان وكله ابتداء من غير مطالبة جاز عزله.
قوله: (بأن يحبسه) تصوير لقوله: أجبر الوكيل.
وفي بعض النسخ: وكيفية الاجبار بأن يحبسه.
قوله: (فإن لج) بالجيم.
قال في المصباح: لج في الامر لججا من باب تعب ولجاجا فهو لجاجة ولجوجة مبالغة: إذا لازم الشئ وواظبه ومن باب ضرب اه ط.
قوله: (وإن باعه العدل) أي المسلط على بيعه في عقد الرهن أو بعده.
البزازية بزازية.
قوله: (فالثمن رهن) أي وإن لم يقبضه لقيامه مقام ما كان مقبوضا.
هداية.
فلو هلك في يد العدل سقط الدين، كما إذا هلك عند المرتهن، وكذا إذا هلك الثمن بالتوي على المشتري فالتوي على المرتهن ويسقط الدين، ولا يعتبر فيه قيمة الرهن وإنما يعتبر الثمن.
بزازية.
ولا يقال: كيف يكون مضمونا ولم يقبضه لانه ثبت في ذمة المشتري بحق المرتهن فكأنه في يد المرتهن أو في يد البائع.
إتقاني.
وإذا أقر العدل أنه قبض الثمن وسلمه إلى المرتهن وأنكر المرتهن فالقول للعدل لانه أمين وبطل دين المرتهن.
ولواجية وجوهرة.
قوله: (وضمن) بالبناء للمجهول لا للفاعل كما ظن، ونائب الفاعل ضمير الرهن: أي طلب ضمانة والطالب هو المستحق، وإنما أتى بهذا الفعل ليكون ما بعده تفصيلا لمذكور، فلله دره ما أخفى دقائقه، فافهم.
قوله: (ضمن المستحق الراهن) أي ضمنه قيمة الرهن فالمفعول الثاني محذوف، وكذا يقال فيما بعده.
قوله: (لانه غاصب) حيث أخذ العين وسلمها بغير إذن مالكها ط.
قوله: (والقبض) أي قبض المرتهن الصمن اه ح.
قوله: لتملكه بضمانه أي لان الراهن ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه.
هداية.
قوله: (لتعديه بالبيع) يعني مع التسليم وكان ينبغي ذكره كما في الهداية.
قوله: (يضمن الراهن) أي القيمة لانه وكيل من جهته عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة.
هداية.
قوله: (وصحا أيضا) أي البيع والقبض إن نفذ البيع، لان الراهن لما كان قرار الضمان ملكه كما مر وصح قبض المرتهن الثمن فلا يرجع بشئ من دينه على الراهن كما في العناية وغيرها، وقول المنح كالدرر على العدل سبق قلم.
قوله: (أو ضمن) الاولى يضمن، لانه معطوف على يضمن الذي قبله والفاعل فيهما ضمير العدل.
قوله: (الذى أداه إليه) أي إلى المرتهن لانه تبين بالاستحقاق أنه أخذ الثمن بغير حق، لان العدل ملكه بالضمان.
درر.
قوله: (لانه بدل ملكه) فإنه لما أدى ضمانه استقر ملكه فيه ولم يضمن العدل الراهن حتى ينتقل إلى
الراهن.(1/67)
بقي هنا شئ، وهو أن المستحق إذا ضمن العدل القيمة فقد تكون القيمة أكثر من الثمن الذي أخذه العدل من المرتهن فمن يضمن تلك الزيادة؟ ورأيت الشرنبلالي ذكر بحثا أنه ينبغي أن يرجع بالزيادة على الراهن اه.
وذكر الشرنبلالي بحثا آخر، وهو أن المصنف لم يذكر رجوع المشتري في هذا الشق.
بل سيذكره فيما لو كان الراهن قائما، فينبغي أنه إن سلم الثمن إلى المرتهن أن يرجع به عليه أو إلى العدل يرجع به عليه، ثم العدل يرجع على المرتهن، صم المرتهن يرجع بدينه على الراهن الخ ما ذكره.
وأقول: لم يظهر لي وجه صحته لان المشتري لم يغرم شيئا فكيف يرجع بثمن ما هلك في يده؟ نعم لو ذكروا أن المستحق يرجع بالقيمة على المشتري لانه غاصب أيضا بالقبض وقد هلك المغصوب في يده ينبغي أن يقال: يرجع المشتري بالثمن الذي أداه إلى العدل أو المرتهن ويرجع المرتهن به على العدل والعدل على الراهن، ولينظر ما وجه عدم ذكرهم ذلك بل اقتصروا على رجوع المستحق على الراهن أو العدل مع أنه ينبغي ذكره أيضا.
ثم رأيت في الحواشي السعدية قال ما نضه: والظاهر أن يكون للمستحق خيار تضمين المشتري أيضا لانه متعد بالاخذ والتسليم لكن لم يذكر اه.
قوله: (ورجع هو على العدل بثمنه) يعني فيما إذا سلم المشتري الثمن بنفسه إلى العدل، ولو أنه سلمه إلى المرتهن لم يرجع على العدل به لان العدل في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه إذا قبض ولم يقبض منه شيئا فبقي ضمان الثمن على المرتهن والدين على الراهن.
شرنبلالي عن الزيلعي.
قوله: (لانه العاقد) فتتعلق به حقوق العقد، درر.
قوله: (ثم هو على الراهن) لانه هو الذي أدخله في العهدة فيجب عليه تخليصه.
هداية.
قوله: (به) أي بثمنه.
وقع في الهداية وتبعه الزيلعي التعبير بالقيمة، وذكر الشارحون أن المراد بها الثمن.
قوله: (صح القبض) أي قبض المرتهن الثمن.
قوله: (وسلم الثمن للمرتهن) ذكره في الهداية تعليلا وهو الاحسن.
قوله: (أو رجع العدل على المرتهن بثمنه) لانه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا فيجب نقض قبضه ضرورة.
هداية.
قوله: (ثم رجع الخ) لانه لما انتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان.
قوله:
(أي بدينه) كان على المصنف التصريح به لئلا يعود الضمير على غير مذكور في كلامه مع الايهام.
أفاده ط.
قوله: (وإن شرطت الوكالة الخ) يعني أن التفصيل المار إنما هو فيما إذا شرطت في العقد لانه تعلق بها حق المرتهن، بخلاف المشروطة بعده لانه لم يتعلق بها حقه فلا يرجع العدل عليه.
قال الزيلعي: وهذا يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع، وقال السرخسي: هو ظاهر الرواية.
إلا أن فخر الاسلام وشيخ الاسلام قالا: الاصح جبره لاطلاق محمد في الجامع والاصل فتكون الوكالة عير المشروطة في العقد كالمشروطة فيه في حق جميع ما ذكرنا من الاحكام هناك اه ملخصا.
قوله: (فقط) أي ليس له الرجوع على المرتهن.
قوله: (أولا) بأن ضاع الثمن في يد العدل بلا تعديه.
درر.
قوله: (وضمن الراهن) بالرفع على أن الفعل من الثلاثي المجرد، أو بالنصب على أنه من المزيد، والفاعل ضمير المستحق المعلوم من المقام، وكذا ما بعده.(1/68)
والحاصل: أن له تضمين الراهن لتعديه بالتسليم أو المرتهن لتعديه بالقبض.
قوله: (هلك الرهن بدينه) أي بمقابلته.
قال الزيلعي: وإن ضمن الراهن صار المرتهن مستوفيا لدينه بهلاك الرهن، لان الراهن ملكه بأداء الضمان مستندا إلى ما قبل التسليم، فتبين أنه رهن ملك ثم صار المرتهن مستوفيا بهلاكه.
قوله: (لضرره) الاولى لغرره بالغين المعجمة.
قال في الدرر: أما القيمة فلانه مغرور من جهة الراهن بالتسليم اه.
ونحوه في الزيلعي وغيره ط.
قوله: (لانتقاض قبضه) أي قبض المرتهن الرهن بتضمينه فيعود حقه كما كان، لان الرهن لم يكن ملك الراهن حتى يكون بهلاكه مستوفيا.
عناية.
وهنا إشكال وجواب مذكوران في الهداية والتبيين.
قوله: (ذهبت عين دابة المرتهن) الاضافة إلى المرتهن لادنى ملابسة.
والاصوب إبداله بالرهن.
وعبارة الولوالجية: ولو ذهبت عين دابة الرهن سقط ربع الدين لان العين من الدابة التي يستعمل عليها ربعها فقد فات ربعها فيسقط ربع الدين اه.
وهو مفروض فيما إذا كانت قيمتها مثل الدين كما قيده في المبسوط، واحترز بقوله التي يستعمل عليها كالبقرة والفرس عن نحو الشاة فإنه يضمن النقصان.
قوله: (وسيجئ) أي في باب جناية البهيمة أن إقامة العمل بها إنما تمكن بأربع أعين عيناها
وعينا مستعملها اه.
خاتمة: المولى لا يصلح عدلا في رهن مأذونه لو مديونا حتى لو شرط لم يجز الرهن وصح عكسه، والمكاتب يصلح عدلا في رهن ملاوه كعكسه، والمكفول عنه لا يصلح عدلا في رهن الكفيل كعكسه، وكذا رب المال في رهن المضارب كعكسه، وكذا أحد شريكي المفاوضة أو العنان إلا فيما كان من غير التجارة، لان كلا منهما أجنبي عن صاحبه فيه، وكذا الراهن لا يصلح عدلا في الرهن ويفسد العقد، إلا إن كان قبضه المرتهن ثم وضعه على يده جاز بيعه اه.
ط عن الهندية ملخصا.
باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره لما ذكر لارهن وأحكامه ذكر ما يعترض عليه إذا عارضه بعده وجوده، معراج.
قوله: (توقف بيع الراهن الخ) وكذا توقف على أجازة الراهن بيع المرتهن، فإن أجازه جاز وإلا فلا، وله أن يبطله ويعيده رهنا، ولو هلك في يد المشتري قبل الاجازة لم تجز الاجازة بعده، وللراهن أن يضمن أيهما شاء.
قهستاني عن شرح الطحاوي.
وما ذكره المصنف هو الصحيح وظاهر الرواية، وقيل: ينفذ.
وتمامه في الزيلعي.
فرع: قال المرتهن للراهن بع الرهن من فلان فباعه من غيره لم يجز، ولو قال المستأجر للمؤجر ذلك جاز بيعه من غيره.
جامع الفصولين.
قوله: (على إجازة مرتهنه الخ) أو إبرائه الراهن عن الدين.
حموي.
قوله: (نفذ) لزوال المانع، وهو تعلق حق المرتهن به وعدم القدرة على تسليمه.
زيلعي.
قوله:(1/69)
(وصار ثمنه رهنا) أي سواء قبض الثمن من المشتري أو لا لقيامه مقام العين والثمن، وإن كان دينا لا يصح رهنه ابتداء لكنه يصح رهنه بقاء كالعبد المرهون إذا قتل تكون قيمته رهنا بقاء، حتى لو توى الثمن على المشتري يكون من المرتهن يسقط به دينه كما لو كان في يده.
بزازية.
ولبعض محشي الاشباه هنا كلام منشؤه عدم التأمل والمراجعة، وما ذكر المصنف هو الصحيح وظاهر الرواية، وقيل: إن المرتهن إن شرط أن يكون الثمن رهنا عند الاجازة كان رهنا وإلا فلا.
تمامه في الزيلعي.
قوله: (في الاصح) لان امتناع النفاذ لحقه وهو الحبس والتوقف لا يفوته.
وعن محمد: ينفسخ بفسخه، حتى لو
أفكته الراهن لا سبيل للمشتري عليه بعده.
زيلعي ملخصا.
قوله: (أو رفع الامر إلى القاضي) لان هذا الفسخ لقطع المنازعة وهو إلى القاضي.
عناية.
قوله: (وهذا الخ) أي ثبوت الخيار للمشتري، لكن عدم الفرق هو الاصح.
رملي عن منية المفتي.
وهو المختار للفتوى.
حموي وغيره إلى التجنيس.
وفي جامع الفصولين: يتخير مشتري مرهون ومأجور ولو عالما به عندهما.
وعند أبي يوسف يتخير جاهلا لا عالما، وظاهر الرواية قولهما اه.
قال الرملي في حاشيته عليه: وهو الصحيح، وعليه الفتوى كما في الولوالجية.
قوله: (من رجل آخر) سيأتي تقييده بغير المرتهن.
قوله: (فأيهما أجاز لزم) فلو قضى الراهن الدين هل ينفذ الاول أو الثاني؟ يحرر، والظاهر الاول ط.
قلت: يؤيده ما نذكره قريبا عن الكفاية.
تأمل.
وما ذكره المصنف يخالف الاجارة، فلو تكرر بيع المؤجر فأجاز المستأجر الثاني نفذ الاول ويأتي وجهه.
قوله: (ثم أجره الخ) أي قبل نقض القاضي البيع.
إتقاني، قوله: (أو رهنه أو وهبه) أي مع التسليم، إذ لا عبرة لهذين العقدين بدونه.
إتقاني عن أبي المعين.
قوله: (جاز البيع الاول) سماه أولا وإن لم يكن بيعان بالنسبة إلى هذه العقود، لان هذه العقود متأخرة عن البيع، ويجوز أن يكون باعه من واحد ثم من آخر ثم باشر هذه العقود فأجازها المرتهن نفذ البيع الاول دون الثاني لرجحان الاول بالسبق.
كفاية.
قوله: (لحصول النفع الخ) بيان للفرق بين المسألتين حيث جاز البيع الثاني بالاجازة في الاولى ولم تجز التصرفات المذكورة بعد البيع في الثانية مع وجود الاجازة للكل.
قال في الكفاية: والاصل فيه أن تصرف الراهن إذا كان يبطل حق المرتهن لا ينفذ إلا بإجازة المرتهن، فإذا أجازه: فإن كان تصرفا يصلح حقا للمرتهن ينفذ ما لحقته الاجازة، وإن يصلح فبالاجازة، وإن لم يصلح فبالاجازة يبطل حق المرتهن وينفذ السابق من تصرفات الراهن وإن كان المرتهن أجاز اللاحق.
فإذا ثبت هذا فتقول: المرتهن ذو حظ من البيع الثاني لانه يتحول حقه إلى الثمن ولا حق له في هذه العقود، إذ لا بدل في الهبة والرهن والبدل في الاجازة في مقابلة المنفعة وحقه في مالية العين لا في المنفعة فكانت إجازته إسقاطا لحقه فزال المانع مع النفاذ فينفذ البيع السابق، كما لو باع المؤجر العين(1/70)
من اثنين وأجاز المتسأجر البيع الثاني نفد الاول لانه لا حق له في الثمن فكانت الاجازة إسقاطا اه
ملخصا.
قوله: (وفي الاشباه الخ) هذا كالاستدراك على قول المصنف سابقا (فالثاني موقوف) كأنه يقول محل توقف الثاني كالاول وإذا كان البيع الثاني من غير المرتهن، أما إذا كان منه فلا يتوقف وإنما يبطل البيع الاول، ووجهه أنه طرأ ملك بات على ملك موقوف فأبطله، ط عن أبي السعود.
قوله: (وصح إعتاقه الخ) ما تقدم كان في تصرفات تقبل الفسخ كالبيع والاجارة والكتابة والهبة والصدقة والاقرار، فلم تجز في حق المرتهن ولم يبطل حقه في الحبس إلا بعد قضاء الدين، وما هنا في تصرفات لا تقبل الفسخ فتنفذ ويبطل الرهن.
أفاده القهستاني: أي سواء كان موسرا أو معسرا لصدوره من أهله في محله وهو ملكه فلا يلغو تصرفه بعدم إذن المرتهن وامتناع النفاذ في البيع والهبة لانعدام القدرة على التسليم.
وتمامه في الهداية.
ومثل الاعتاق الوقف.
وفي الاسعاف وغيره: لو وقف المرهون بعد تسليمه أجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا، فإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه اه.
قوله: (أي نفذ) أشار به إلى أن التعبير به أولى، لان التصرفات السابقة صحيحة غير نافذة والتعبير بيصح يوهم أنها غير صحيحة ط.
وقوله: إعتاق الراهن أي وما بعده، وأشار إلى أن المصدر مضاف إلى فاعله قوله: رهنه بالنصب مفعوله.
قوله: (للرهن) أي للارتهان، وقوله: بدله أي بدل الرهن بمعنى المرهون.
تأمل.
والحاصل: أنه يأخذ قيمته وتجعل رهنا مكانه.
قوله: (ورد الفضل) أي إن كان فضل ويرجع بالزيادة إن نقصت عن دينه ط.
قوله: (ففي العتق) أي الذي بغير إذن المرتهن.
جوهرة.
فلو بإذنه فلا سعاية على العبد.
أبو السعود.
قوله: (سعى العبد الخ) لانه لما تعذر للمرتهن استيفاء حقه من الراهن يأخذه ممن ينتفع بالعتق، والعبد إنما ينتفع بمقدار ماليته فلا يسعى فيما زاد على قيمته من الدين.
ابن كمال.
قوله: (في الاقل من قيمته ومن الدين) وكيفيته أن ينظر إلى قيمة العبد يوم العتق ويوم الرهن وإلى الدين، فيسعى في الاقل منهما.
زيلعي.
ويقضي الدين بالكسب إلا إذا كان من خلاف جنس حق المرتهن فيبدل بجنسه ويقضي به دينه.
عناية.
قوله: (ويرجع على سيده غنيا) أي إذا أيسر لانه قضى دينه وهو مضطر بحكم الشرع فيرجع عليه بما تحمل عنه، ابن كمال.
قوله: (سعى كل) أي من المدبر والمستولدة.
قوله: (في كل الدين) أي ولو زائدا على القيمة لما ذكره الشارح.
قوله: (لان كسب
المدبر الخ) تعليل لقوله: في كل الدين ولقوله: بلا رجوع.
قوله: (كما مر) أي من أنه لو كان الدين(1/71)
حالا أخذ منه كله، وإلا أخذ القيمة لتكون رهنا إلى حلول الاجل.
قوله: (فالمرتهن يضمنه) أشار إلى أن المرتهن هو الخصم في تضمينه كما في الهداية.
قوله: (قيمته يوم هلك) فلو كانت قيمته يومه خمسمائة وقد كانت يوم الرهن ألفا كالدين ضمن خمسمائة وصارت رهنا وسقط من الدين خمسمائة كأنها هلكت بآفة كما في الهداية.
قوله: (وأما ضمانه على المرتهن) بيان لوجه ضمان المرتهن الزيادة حيث سقط مثلها من الدين.
قال الاتقاني: لان ضمان الرهن يعتبر فيه القيمة يوم القبض وحينئذ كانت ألفا فيضمن الزيادة على ما غرم الاجنبي اه.
قال في الكفاية: ولا يقال الرهن لو كان باقيا كما كان وقد تراجع السعر وانتقصت قيمته فإنه لا يسقط من الدين شئ.
قلنا: لان صمة العين باق كما كان، وإنما يحصل التغير بسبب التراجع والعين بحال يمكن أن تصير ماليته بالتراجع كما كان يوم القبض فلم يعتبر التغير وها هنا التغير الحاصل بالتراجع استقر بالهلاك ولم يبق على حال تعود مليته كما كان اه.
بقي ما إذا أتلفه المرتهن فيغرم القيمة وتكون رهنا في يده، فإذا حل الاجل والدين من جنس القيمة استوفى منها ولو فيها فضل رده، وإن نقصت القيمة قبل الاتلاف بتراجع السعر إلى خمسمائة وكانت ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة لان ما انتقص كالهالك وسقط من الدين بقدره، وتعتبر قيمة الرهن يوم القبض السابق لا بتراجع السعر ووجب عليه الباقي بالاتلاف وهو قيمته يوم أتلف.
هداية ملخصا.
ويجعله مضمونا بالقبض السابق لا بتراجع السعر اندفع استشكال الزيلعي بأن تراجع السعر غير مضمون.
وبيان الجواب ما في غاية البيان عن القدوري أن نقصان السعر لا يضمن مع بقاء العين، أما إذا تلفت فالضمان بالقبض، وضمان الاتلاف من غير جنس ضمان الرهن فلذا وجبت قيمته يوم الاتلاف ووجب الفضل بالقبض السابق على ضمان الرهن اه ملخصا.
ومثله ما مر عن الكفاية.
قوله: (مجاز) جعله شراح الهداية تسامحا، قالوا: لان الاعارة تمليك المنافع بلا عوض والمرتهن لم يملكها فكيف يملكها غيره، لكن لما عومل ذلك معاملة الاعارة من عدم الضمان ومن التمكن من الاسترداد أطلق
عليه اسم الاعارة اه.
وفسر بعض المحققين التسامح بأنه استعمال اللفظ في غير حقيقته بلا قصد علامة معتبرة ولا نصب قرينة اعتمادا على ظهوره من المقام اه.
فهو له حقيقة ولا مجازا، وجعل المصنف في المنح لفظ الاعارة هنا استعارة تصريحية علاقتها المشابهة والقرينة إسناد الاعارة إلى المرتهن لان إسنادها حقيقة للمالك.
قال: وحيث وجدت القرينة والجامع فالقول بأنه مجاز سائغ اه.
تأمل.
قوله: (هلك مجانا) أي بلا سقوط شئ من الدين لارتفاع القبض المضمون.
قوله: (حتى لو كان) أي الراهن أعطى المرتهن بالرهن المعار كفيلا: أي أعطاه كفيلا بتسليمه لا بعينه لقوله في كتاب الكفالة: ولا تصح بمبيع قبل قبضه ومرهون وأمانة بأعيانها، فلو بتسليمها صح اه.
تأمل.
قوله: (لخروجه من الرهن) أي من(1/72)
حكم الرهن وهو الضمان وإلا فالعقد باق.
قوله: (جاز ضمان الكفيل) أي إلزامه بتسليمه لما قدمناه.
قوله: (عاد ضمانه) لان عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان.
منح.
قوله: (من سائر الغرماء) أي غرماء الراهن فلا يشاركون المرتهن فيه.
قوله: (لبقاء حكم الرهن) الاصوب أي يقال لبقاء عقد الرهن إلا أن يراد بالحكم هنا يد الاستيفاء لا الضمان.
تأمل.
قوله: (ولو أعاره الخ) جملة هذه التصرفات ستة: العارية والوديعة والرهن والاجارة والبيع والهبة.
فالعارية توجب سقوط الضمان سواء كان المستعير هو الراهن أو المرتهن إذا هلك حالة الاستعمال أو أجنبيا ولا ترفع عقد الرهن، وحكم الوديعة كحكم العارية.
والرهن يبطل عقد الرهن.
وأما الاجارة فالمستأجر إن كان هو الراهن فهي باطلة وكانت بمنزلة ما إذا أعار منه أو أودعه، وإن كان هو المرتهن وجدد القبض للاجارة أو أجنبيا بمباشرة أحدهما العقد بإذن الآخر بطل الرهن والاجرة للراهن وولاية القبض للعاقد ولا يعود رهنا إلا بالاستئناف.
وأما البيع والهبة فإن العقد يبطل بهما إذا كانا من المرتهن أو من أجنبي بمباشرة أحدهما بإذن الآخر، وأما من الرهن فلا يتصور اه.
عناية.
وفي حاشيتها لسعدي أفندي: إذا كان الايداع من أجنبي ينبغي أن لا يسقط الضمان لانه العدل اه.
أقول: وهو بحث وجيه ثم رأيته منصوصا في الخانية قال فيها: إذا أجاز الراهن للمرتهن أن
يودعه إنسانا أو يعير، فإن أودع فهو رهن على حاله، إن هلك في يد المودع سقط الدين، وإن أعاره خرج من ضمان الرهن وللمرتهن أن يعيده اه.
فقد فرق بين العارية والوديعة على خلاف ما ذكره في العناية وتبعه فيه الشارح، فتنبه.
قوله: (بخلاف الاجارة الخ) حال من قوله: ولكل واحد منهما أن يعيده رهنا ويشترط في الاجارة تجديد القبض كما علمت آنفا، وفي البزازية: وإن استأجرها المرتهن فاسدا ووصل إليها ومضى زمان بمقدار ما يجب فيه شئ من الاجرة بطل الرهن اه، وفيها: وإن أخذ المرتهن الارض مزارعة بطل الرهن لو البذر منه، ولو من الراهن فلا اه.
أي: لما قدمناه في كتاب المزارعة أن الاصل أن رب البذر هو المستأجر، فإن كان هو العامل كان مستأجرا للارض، وإن كان هو رب الارض كان مستأجرا للعامل، قوله: (والرهن) أي وبخلاف رهن الرهن ويأتي الكلام فيه قريبا.
قوله: (من المرتهن الخ) من هذه صلة لما قبلها لا للابتداء، تقول: أجرت منه الدار وكذا بعتها أو وهبتها منه إذا كان هو القابل للعقد وأنت المباشر فالمرتهن أو الاجنبي هنا هو القابل والمباشر: أي العاقل مع المرتهن هو الراهن ومع الاجنبي أحدهما، لكن في هذا التعميم بالنسبة إلى الرهن نظر لان رهنه من المرتهن لا يفيد فاظاهر أنه خاص فيما إذا رهنه أحدهما من أجنبي.
قال في التاترخانية عن شرح الطحاوي: ليس للمرتهن أن يرهن الرهن، فإن رهن بلا إذن الراهن: فإن هلك في يد الثاني قبل الاعادة إلى يد الاول فللراهن أن يضمن المرتهن الاول ويصير ضمانه رهنا ويملكه المرتهن الثاني بالدين أو يضمن المرتهن الثاني ويكون الضمان رهنا عند المرتهن الاول وبطل رهن الثاني ويرجع الثاني على الاول بما ضمن وبدينه، وإن رهن بإذن الراهن صح الثاني وبطل(1/73)
الاول اه.
قوله: (حيث يخرج عن الرهن) بين لجهة المخالفة بين الوديعة وهذه العقود، لكن في صور البيع يتحول حق المرتهن إلى الثمن سواء قبضه أو لا حتى لو هلك عند المشتري سقط الدين بخلاف بدل الاجارة وتقدم الفرق بينهما، نص على ذلك في المعراج.
قوله: (لانها عقود لازمة) ولذا لا يمكنه فسخها.
قوله: (وبخلاف بيع المرتهن من الراهن) وكذا إجارته وهبته وهذا محترز قول المصنف: من المرتهن.
قوله: (لعدم لزومها) أي لزوم العارية والبيع والاولى لزومهما بالتثنية.
أي لعدم لزومهما
في حق الراهن لان ملكه باق في المرهون فيبطل العقد.
قوله: (بقي لو مات الخ) مرتبط بقول المصنف: بخلاف الاجارة الخ.
قوله: (فالمرتهن أسوة الغرماء) أي مساو لهم في المرهون لبطلان عقد الرهن بهذه العقود.
معراج.
قوله: (ولو أذن الراهن للمرتهن باستعماله الخ) فإن لم يأذن له وخالف ثم عاد فهو رهن على حاله.
جامع الفصولين.
قوله: (ولو هلك في حالة العمل) راجع إلى قوله (أو إعارته) وقوله: والاستعمال راجع إلى قوله: في استعماله فهو لف ونشر مشوش.
قوله: (لثبوت يد العارية) وهي مخالفة ليد الراهن فانتفى الضمان.
منح.
قوله: (لانه منكر) أي منكر لموجب الضمان.
قال ط: ولا حاجة إليه لان التعليل الآتي للمسألتين.
قوله: (وقال الراهن في غيره) كذا في الخانية وغيرها فيشمل ما إذا قال قبل العمل أو بعده.
قوله: (لانهما اتفقا على زوال يد المرتهن) أي زوال القبض الموجب لاعترافهما بوجود العمل المزيل للضمان.
قوله: (في عوده) أي عود الرهن: أي عود يده في بعض النسخ في حقه وفي بعضها في دعواه، وعبارة البزازية: في العود.
قوله: (ما لبسته) بفتح تاء المخاطب.
قوله: (فالقول للراهن) لانه منكر لوجود العمل فلم يتفقا على زوال اليد.
قوله: (فالقول للمرتهن الخ) عبارة البزازية.
فالقول للمرتهن أنه أصابه في اللبس لاتفاقهما على خروجه من الضمان فكان القول للمرتهن في قدر ما عاد الضمان إليه، بخلاف أول المسألة لعدم الاتفاق ثمة على الخروج من الضمان اه.
وحاصله: أنهما لما اتفقا على خروجه من الضمان كان القول للمرتهن في أنه لم يعد مضمونا عليه ضمان الرهن بعد خروجه من الضمان إلا ذلك الثوب المتخرق: أي فإذا هلك بعد ذلك يضمن قيمته(1/74)
متخرقا.
قوله: (بخلاف الوصي) قدم في باب ما يجوز ارتهانه أن ذلك قول الامام التمرتاشي، وأنه جزم في الذخيرة وغيرها بالتسوية بين الاب والوصي، وبه جزم المصنف هناك كالعناية والملتقى وقدمنا وجهه.
قوله: (ليس للابن أخذه الخ) لان تصرف الاب نافذ لازم.
قوله: (ويرجع الابن) أي إذا قضى دين الاب وافتك الرهن.
قوله: (إن كان) أي الاب رهنه لنفسه: أي لاجل دين عليه، وكذا لو رهن بدين على نفسه وبدين على الصغير فحكمه في حصة دين الاب كحكمه فيما لو كان كله رهنا بدين
الاب كما في المنح.
قوله: (لانه) أي الابن مضطر في قضاء الدين لافتكاك الرهن فلم يكن متبرعا نظير معير ارهن الآتي بيانه.
قوله: (ثم أقر بالرهن الخ) أي أقر بأن ذلك المرهون ملك لزيد مثلا لا يصدق في حق المرتهن، حتى أنه لا ينزع من يده بمجرد ذلك الاقرار بدون برهان من المقر له، بل يؤاخذ المقر في حق نفسه، حتى أنه يؤمر بقضاء الدين إلى المرتهن ورد المرهون إلى المقر له، وهل يؤمر بقضائه حالا لو كان مؤجلا أو يؤمر بدفع قيمته للمرتهن ثم تسليم الرهن للمقر له أو ينظر إلى حلول الاجل، فليراجع.
قوله: (جاز) ويكون بمنزلة ما لو أعارها ليرهنها ط.
قوله: (أولى) أي من بينة المرتهن لانها تثبت زيادة ضمان، لو لم يقيما البينة فالقول قول المرتهن.
كذا يفاد من الهندية ط.
قوله: (وزوائد الرهن الخ) ستأتي هذه المسألة مفصلة كالمسألة التي بعدها ولذا لم توجد في بعض النسخ ط.
قوله: (وصح استعارة شئ ليرهنه) لان المالك رضي بتعلق دين المستعير بماله وهو يملك ذلك كما يملك تعلقه بذمته بالكفالة ط.
قوله: (فيرهن بما شاء) أي بأي جنس أو قدر، وكذا عند أي مرتهن وفي أي بلد شاء كما في القهستاني.
قوله: إذا أطلق أي المعير.
لان الاطلاق واجب الاعتبار خصوصا في الاعارة لان الجهالة فيها لا تفضي إلى المنازعة.
هداية لان مبناها على المسامحة.
معراج.
قوله: (تقيد به) فليس له أن يزيد عليه ولا ينقص أما الزيادة فلانه ربما احتاج إلى فكاك الرهن فيؤدي قدر الدين وما رضي بأداء القدر الزائد أو لانه يتعسر عليه ذلك فيتضرر به، وأما النقصان فلان الزائد على الدين يكون أمانة وما رضي إلا أن يكون مضمونا كله فكان التعيين مفيدا، وكذلك التقييد بالحبس وبالمرتهن وبالبلد، لان كل ذلك مفيد لتيسر البعض بالاضافة إلى البعض وتفاوت الاشخاص في الامانة والحفظ اه من الهداية والاختيار.(1/75)
تنبيه: أفتى في الحامدية فيما لو قيد العارية بمدة معلومة ومضت المدة بأن للمعير أخذها من المستعير، قال: وبه أفتى في الخيرية والاسماعيلية، ومثله في فتاوى ابن نجيم قائلا: وليس له مطالبته بالرهن قبل مضي المدة، فإذا مضت وامتنع من خلاصه من المرتهن أجبر عليه اه.
أقول: ولا يخالفه ما في الذخيرة استعارة ليرهنه بدينه فرهنه بمائة إلى سنة فللمعير طلبه منه وإن أعلمه أنه يرهنه إلى سنة اه.
لان الرهن هنا فاسد لتأجيله كما مر وكلامنا في تأجيل العارية.
تأمل.
قوله: (ضمن المعير المستعير أو المرتهن الخ) أي يضمنه قيمة الرهن إن هلك في يد المرتهن لانه تصرف في ملكه على وجه لم يؤذن له فيه فصار غاصبا، وللمعير أن يأخذه من المرتهن ويفسخ الرهن.
جوهرة.
قوله: (فرهنه بأقل من ذلك) أي بأقل مما عين له لكن بشرط أن لا ينقص عن قيمة الرهن، بل إما بمثلها أو بأكثر مما أفاده الزيلعي.
وفي الذخيرة وغيرها: لو سمى له شيئا فرهنه بأقل أو بأكثر فهو على ثلاث أوجه: الاول: أن تكون قيمة الثوب مثل الدين المسمى.
الثاني: أن تكون أكثر منه، وفيها إذا رهن بأكثر من الدين أو بأقل يضمن قيمته.
الثالث: أن تكون أقل منه.
فإن زاد على المسمى ضمن القيمة، وإن نقص فإن كان النقصان إلى تمام قيمة الثوب لا يضمن، وإن إلى أقل ضمن قيمته اه ملخصا.
ونقله في النهاية.
ثم قال: وبه يعلم أن المعير لا يضمن المستعير أكثر من القيمة في صورة من الصور، وكذا لا يضمنه جميع قيمة الثوب إذا كانت أكثر من الدين وإنما يضمنه قدر الدين والزائد يهلك أمانة اه.
قوله: (لتملكه بالضمان) فتبين أنه رهنه ملك نفسه اه.
تبيين.
قال: قارئ الهداية: ولي فيه نظر لان الملك فيه لم يستند إلى وقت القبض، إذ القبض بإذن المالك، وإنما يستند إلى وقت المخالفة وهو التسليم إلى المرتهن وعقد الرهن كان قبله فيقتصر ملكه على وقت التسليم فلم يتبين أنه رهن ملكه، لان ملكه بعد عقد الرهن اه.
أبو السعود وط عن الشلبي.
أقول: قد يجاب بأن الرهن لا يلزم إلا بالتسليم ولذا كان للمرتهن الرجوع عنه قبله كما مر أول الرهن، فإذا توقف العقد على التسليم لم يعتبر سابقا عليه فكأنهما وجدا معا عند التسليم الذي هو وقت المخالفة فلم يكن ملكه بعد عقد الرهن، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه.
قوله: (وإن ضمن المرتهن) لانه متعد بقبض مال غيره بلا إذنه فهو كغاصب الغاصب.
قوله: (كما مر في الاستحقاق) أي قبيل هذا الباب.
قوله: (صار المرتهن مستوفيا لدينه) أي إن كانت قيمة الرهن مثل الدين أو أكثر، وإن كانت أقل صار مستوفيا لقدره ويرجع بالفضل على الراهن اه.
مسكين.
قوله: (أي مثل الدين) كذا في الدرر، والاصوب أن يقال: أي مثل الرهن: أي صورة ومعنى إن كان مثليا، ومعنى فقط وهو قيمته إن كان قيميا لشلا يلزم تشتيت الضمائر بعده، رحمتي ملخصا.
ومثله في شرح الطوري.
قوله: (لقضاء دينه به) أي لان الراهن صار قاضيا دينه بمال المعير وهو الرهن.
قوله: (إن كان كله) أي(1/76)
الرهن مضمونا بأن كان مثل الدين أو أقل.
قوله: (وإلا الخ) أي يأن كان أكثر من الدين.
قوله: (بحسابه) أي بقدر حصة العيب.
إتقاني.
قوله: (ويجب مثله) أي ويجب للمعير على المستعير مثل ما ذهب من الدين بالعيب.
قوله: (لتخليص ملكه) أي لانه يريد بذلك تخليص ملكه فهو مضطر إليه.
قوله: (بخلاف الاجنبي) أي إذا قضى الدين لانه متبرع إذ هو لا يسعى في تخليص ملكه ولا في تفريغ ذمته فكان للطالب أن لا يقبل.
هداية.
قوله: (وإن أقل فلا جبر) أي لا يجبر المرتهن على تسليم الرهن.
درر عن تاج الشريعة، لان الزيادة أمانة من جانب الراهن، كذا قيل، ولم نجد ذلك في كلام الشراح، وعزوه إلى تاج الشريعة فرية بلا مرية كذا.
أفاده عزمي زاده.
قوله: (لكن استشكله الزيلعي وغيره) أي استشكل كون الزائد تبرعا حيث قال: وهذا مشكل، لان تخليص الرهن لا يحصل بإيفاء البعض فكان مضطرا، وهذا لان غرضه تخليصه لينتفع به، ولا يحصل ذلك إلا بأداء الدين كله.
إذ للمرتهن أن يحبسه حتى يستوفي الكل اه.
والاشكال ذكره جميع شراح الهداية مع جوابه بأن الضمان إنما وجب على المستعير باعتبار إيفاء الدين من ملكه، فكان الرجوع عليه بقدر ما تحقق الايفاء.
اه.
ونقلوه عن الايضاح والخانية وغيرهما، وكأن الزيلعي لم يرتض بهذا الجواب فلم يذكره ولذا قال في السعدية: إن للكلام فيه مجالا.
قوله: (فلذا لم يعرج عليه الخ) أقول: يجب اتباع المنقول وإن لم يظهر للعقول، مع أن الجواب لائح وهو تقصير المعير عن التقييد بالرهن بالقيمة من أول الامر، فإذا ترك ما يدفع الاضرار كان في دفع الزائد مختارا بهذا الاعتبار فكن من ذوي الابصار اه.
سائحاني.
قوله: (مع متابعته للدرر) أي إن عادته ذلك غالبا، وقد نص في الدرر على أن الزائد تبرع فدل عدم متابعته له أنه أقر الزيلعي على الاستشكال.
قوله: (لم يضمن) لانه لم يصر قاضيا دينه به.
قوله: (وإن استخدمه أو ركبه الخ) إن هذه وصيلة: أي بأن كان عبدا فاستخدمه أو دابة فركبها قبل أن يرهنهما ثم رهنهما بمال مثل قيمتهما ثم قضى المال فلم يقبضهما حتى هلكا عند المرتهن فلا ضمان على الراهن.
هداية: أي ضمان التعدي لا ضمان قضاء الدين، لان الراهن بعد ما قضى الدين يرجع بما أدى، لان الرهن لما هلك في يد المرتهن صار مستوفيا حقه من مالية
الرهن فيرجع المعير على الراهن بما وقع به الايفاء اه.
كفاية ملخصا.
قوله: (ونحو ذلك) كأن لبس الثوب.
قوله: (من قبل) أي من قبل الرهن، وكذا إن افتكه ثم استعمله فلم يعطب ثم عطب بعده من غير صنعه لا يضمن لانه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير لانتهاء حكم الاستعارة بالفكاك، وقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان.
هداية.
قوله: (لكن في الشرنبلالية) الخ هذا في المستأجر أو(1/77)
المستعير لشئ ينتفع به وكلامنا في مستعير شئ ليرهنه وهو بمنزلة المودع لا المستعير كما مر آنفا والمودع يبرأ بالعود إلى الوفاق.
وفرق بينهما في الهداية وشروحها بأن يد المستعير يد نفسه فلا يصير بالعود رادا على المالك لا حقيقة ولا حكما، بخلاف المودع لان يده كيد المالك فبالعود إلى الوفاق يصير رادا عليه حكما.
قلت: وكذا المستأجر يده يد نفسه لانه يمسك العين لنفسه لا لصاحبها.
قوله: (إذا خالفا) الاولى إفراد الضمير لان العطف بأو، وليوافق ما بعده ط وقد وجد كذلك في كثير من النسخ.
قوله: (بقي لو اختلفا) أي في زمن الهلاك فقال: المعير هلك عند المرتهن وقال: المستعير: قبل الرهن أو بعد الافتكاك.
عناية.
قوله: (فالقول للراهن) أي مع يمينه.
معارج، والبينة للمعير لانه يدعي عليه الضمان.
عناية.
قوله: (لانه ينكر الخ) أي لان الراهن ينكر الايفاء بمال المعير.
قوله: (لو اختلفا في قدر ما أمره بالرهن به) بأن قال المعير أمرتك أن ترهنه بخمسة وقال المستعير بعشرة فالقول للمعير، لانه لو أنكر الامر أصلا كان القول له، فكذا إذا أنكر وصفا فيه، والبينة للمستعير لانه المثبت.
إتقاني.
قوله: (اختلفا في الدين والقيمة الخ) صورة المسألة ما في الخانية وغيرها: لو كان الراهن يدعي الرهن بألف المرتهن بخمسمائة: فإن كان الرهن قائما يساوي ألفا تحالفا وترادا، ولو هالكا فالقول للمرتهن لانه ينكر زيادة سقوط الدين اه.
زاد الاتقاني: ولو اتفقا على أنه بألف وقال المرتهن قيمته خمسمائة وقال الراهن ألف فالقول للمرتهن إلا أن يبرهن الراهن لانه ادعى زيادة الضمان اه ملخصا.
وبه يظهر ما في العبارة من الايجاز الشبيه بالالغاز.
قوله: (مديونا) زاده لانه لا يلزم من الافلاس الدين، لكن إن قرئ قول المصنف مفلسا بتشديد اللام من المضاعف استغنى عنه لان معناه حكم القاضي
بإفلاسه.
تأمل.
قوله: (باق على حاله) أي محبوسا عند المرتهن.
قوله: (وأبى الراهن) كذا ي المنح، وصوابه المرتهن كما نبه عليه الرملي، لان فرض المسألة أن الراهن وهو المستعير قد مات.
قوله: (بيع بغير رضاه الخ) لان حقه في الاستيفاء وقد حصل.
زيلعي.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن فيه وفاء لا يباع إلا برضاه، لان له في الحبس منفعة، فلعل المعير قد يحتاج إلى الرهن فيخلصه بالايفاء، أو تزاد قيمته بتغير السعر فيستوفي منه حقه.
زيلعي.
قوله: (أمر الراهن بقضاء دين نفسه) أي يجبر على ذلك، وانظر لو كان الدين مؤجلا هل يجبر أو ينظر.
قوله: (بعد قضاء دينه) أي دين الراهن.
قوله:(1/78)
(كمورث) أي كمورثهم لقيامهم مقامه.
قوله: (من ورثته) أي ورثة المعير.
قوله: (كما مر لما مر) أي في مسألة موت المستعير، وسقط قوله: لما مر أي في مسألة موت المستعير، وسقط قوله: لما مر من بعض النسخ وهو الاصوب، لانه لم يذكر التعليل سابقا وهو قولنا لان له في الحبس منفعة الخ.
قوله: (كلا أو بعضا) منصوبان على التمييز: أي من جهة الكلية أو البعضية.
تأمل.
قوله: (مضمونة الخ) لان الحق كل منهما محترم فيجب عليه ضمان ما أتلف على صاحبه وجعل المالك كالاجنبي في حق الضمان.
تمامه في المنح.
قوله: (عليه) أي على الرهن: أي المرهون.
قوله: (وإذا لزمع وقد حل الدين الخ) أفاد أنه إذا كان مؤجلا لا يحكم بالسقوط بمجرد اللزوم، بل ما لزمه بالدين إلى حلول الاجل، فإذا حل أخذه بدينه إن كان من جنسه، وإلا فحتى يستوفي دينه.
شرنبلالية.
وقد قدمنا تمام الكلام عند قوله في هذا الباب: وأما ضمانه على المرتهن.
قوله: (سقط يقدره) أي سقط من الضمان بقدر الدين.
قوله: (ولزمه الباقي) أي من الضمان إذا زاد الضمان على الدين.
قوله: (بالاتلاف) الزائد كان أمانة فهو كالويعة إذا أتلفها المودع.
قوله: (لا بالرهن) أي لا بعقده حتى يشكل عليه ضمان ذلك الزائد.
قوله: (من جنس الضمان) بأن كان الدين دراهم أو دنانير.
كفاية.
قوله: (والجناية على المرتهن الخ) معطوف على قوله (لم يسقط).
وحاصله: أن الدين لو مكيلا أو موزونا فالجناية واجبة على المرتهن والدين باق على الراهن فلكل منهما أخذ حقه من صاحبه.
قوله: (لكم لو اعور عينه) أقول: عبارة الخلاصة والبزازية: ولو اعور العبد الرهن الخ.
وفي التاترخانية عن المحيط: رهن من آخر عبدا يساوي مائتين مثلا بمائة فاعور العبد، قال أبو حنيفة وزفر: ذهب نصف المائة، وهو قول أبي يوسف أولا، ثم رجع وقال: يقوم العبد صحيحا واعور، فيذهب من الدين بحساب النقصان اه ملخصا.
وبه ظهر أن اعور هنا مشدد الراء من الاعورار وما بعده فاعله، وإسناده إلى العين لا يوجب تأنيثه لانها ظاهر مجازي التأنيث فيجوز فيه الوجهان كما قرر في محله، وليس من باب الافعال متعديا والفاعل مستتر عائد على المرتهن وعينه مفعوله، لان الواجب حينئذ لزوم دية العين بالغة ما بلغت كما تفهمه عبارة المصنف لا سقوط نصف الدين.
وأيضا لو كان كذلك لما تأتى الخلاف السابق، وحينئذ فلا وجه لذكر هذه المسألة في هذا المحل ولا للاستدراك بها على ما قبلها، إذ ليست من الجناية على الرهن بل من تعيبه وليس الكلام فيه، فافهم واغنم.
قوله: (هدر) أما على الراهن فلكونها جناية الملوك على مالكه وهي فيما يوجب المال هدر لانه المستحق، وأما على المرتهن فلانا لو اعتبرناها لوجب عليه التخلص منه لانها حصلت في ضمانه.
درر ملخصا.
وهذا عنده.
وقالا: جنايته على المرتهن معتبرة.(1/79)
ثم اعلم أن جنايته على مال المرتهن هدر اتفاقا إن كانت قيمته والدين سواء، وإن كانت القيمة أكثر فعن أبي حنيفة أنها معتبرة بقدر الامانة.
وعنه أنها هدر كالمضمون.
هداية.
وفي المعراج عن المبسوط: لو كان قيمته ألفان والدين ألف فجنى على المرتهن أو رقيقه قيل للراهن: ادفعه أو افده، أما على قولهما فغير مشكل، وأما على قوله فجنايته ها هنا معتبرة في ظاهر الرواية، وروى عنه أنها لا تعتبر.
وجه الظاهر أن النصف منه أمانة هنا وجناية الوديعة على المودع معتبرة فيقال للراهن: ادفعه أو افده، فإن دفعه وقبل المرتهن صار عبدا للمرتهن فيسقط الدين لانه يكون كالهالك في يده في حكم سقوط الدين كما لو جنى على أجنبي ودفعاه به، وإن فداه كان على الراهن نصف الفداء حصة الامانة وعلى المرتهن نصف الفداء حصة المضمون فتسقط حصته لانه لا يستوجب على نفسه دينا ويستوفي من الراهن حصته من الفداء ويكون الفداء رهنا على حاله اه.
ملخصا.
قوله: (غير موجبة للقصاص) بأن كانت خطأ في النفس أو فيما دونها.
در.
قوله: (في النفس دون الاطراف
الخ) المناسب ذكره بعد قوله: وإن كانت موجبة للقصاص لان غير الموجبة للقصاص في النفس أو الاطراف هدر، وأما الموجبة له فمعتبرة إن أوجبته في النفس دون الاطراف فيفهم أنها في الاطراف هدر.
تأمل.
قوله: (ويبطل الدين) يعني إن كان العبد مثل الدين أو أكثر وقدمنا وجهه آنفا عن المعراج، فلو أقل سقط من الدين بقدره كما هو الحكم في هلاك الرهن.
أفاده ح.
وقال: فقد ظهر وجه التعبير بالدين، كما أن التعبير بالرهن له وجه أيضا كما لا يخفى اه: أي لانصه يلزم من بطلان الدين بطلان الرهن.
قال ط: وانظر ما إذا عفا عنه ولي الدم، والظاهر أنه يبقى على رهينته.
قوله: (وإن كانت على المال فيباع) أي إن لم يفده الراهن أو المرتهن.
وفي البزازية: أتلف المرهون مال إنسان مستغرقا قيمته، فإن فداه المرتهن فالرهن والدين بحاله، وإن أبى قيل للراهن افده فإن فداه بطل الدين والرهن لانه استحق بأمر عند المرتهن فكان عليه، فإن لم يفده الراهن أيضا يباع فيأخذ دائن العبد دينه وبطل مقداره من دين المرتهن إن دينه أقل وما بقي من ثمن العبد للراهن، وإن كان دين المرتهن أكثر من دين العبد استوفى المرتهن الباقي إن حل دينه، وإلا كان رهنا عنده إلى أن يحل فيأخذه قصاصا اه.
قوله: (إذ هو) أي الابن أجنبي عن أبيه: أي في حق الملك، وهذا تعليل لكون جناية المرهون على ابن الراهن أو ابن المرتهن معتبرة.
تتمة: في جناية الرهن بعضه على بعض كما لو كان عبدين فجنى أحدهما على الآخر، فإن كان الكل منكل منهما مضمونا فالجناية هدر كالآفة السماوية، وإلا تحول إلى الجاني من حصة المجني عليه من الدين نصف ما سقط، لان الجناية أربعة: جناية مشغول على مشغول، أو على فارغ، وجناية فارغ على فارغ، أو على مشغول، وكلها هدر، إلا الرابع، فإذا كانا رهنا بألف وقيمة كل ألف فالمقتول نصفه فارغ فيهدر.
بقي النصف المشغول متلفا بفارغ ومشغول فيهدر نصف هذا النصف لتلفه بمشغول، ويعتبر نصفه(1/80)
الآخر لتلفه بفارغ فالهدر يسقط ما بإزائه من الدين والمعتبر يتحول إلى الجاني وذلك مائتان وخمسون فصار الجاني رهنا بسبعمائة وخمسين.
وتمامه في الولوالجية ومتفرقات التاترخانية.
وسيأتي قريبا ما لو كان الرهن
عبدا ودابة.
قوله: (فرجعت قيمته) أي بنقصان السعر.
قوله: (والاصل الخ) لا يقال: هذا الاصل مناف لقوله: ولا يرجع على الراهن بشئ، فإنه قد اعتبر فيه نقصان السعر، لانا نقول: عدم اعتباره إنما هو إذا كانت العين باقية حتى كان للمرتهن مطالبة الراهن بجميع الدين عند ردها ناقصة بالسعر.
أما إذا تلفت فالضمان بالقبض السابق لان بده يد استيفاء من الابتداء وبالهلاك يتقرر فيصير مستويا للكل من الابتداء، فعلم أن هذا الاصل ليس على إطلاقه، هكذا ظهر لي في هذا المحل أخذا من صريح كلام شرح الهداية المار أو هذا الباب.
ثم رأيت الطوري وغيره صرح هنا بذلك، ولله تعالى الحمد، قوله: (بخلاف نقصان العين) فإنه يذهب قسطه من الدين.
إتقاني.
قوله: (فإذا كان الخ) تفريع بمنزلة التعليل لقوله: بخلاف نقصان العين.
قوله: (بأمر الراهن) المراد أمره بالبيع غير متقيد بمائة فالمائة غير مأمور بها.
شرنبلالية.
قوله: (لانه لما كان الدين باقيا الخ) يوجد في بعض النسخ قبل هذا التعليل تعليل آخر هو بمعناه.
والحاصل: أنه هنا لا يسقط من الدين شئ يتراجع السعر لبقاء العين وانتقاض يد الاستيفاء، لانه لما أمره الراهن ببيعه فكأنه استرده منه وباعه بنفسه.
قوله: (ولو قتله) أي العبد المذكور في المتن.
قوله: (لحما ودما) يعني صورة ومعنى.
أما صورة فظاهر، وأما معنى فلان القاتل كالمقتول في الآدمية والشرع اعتبره جزءا من حيث الآدمية.
عناية.
قوله: (أو تركه على المرتهن) لانه تغير في ضمان المرتهن.
هداية.
قوله: (فداء المرتهن) أي ويبقى الدين على حاله.
هداية.
قوله: (لانه ملكه) غير ظاهر.
وعبارة الشراح: لان الجناية حصلت في ضمانه.
قوله: (بشئ) أي من الفداء.
هداية.
قوله: (فإن أبى الخ) إنما بدئ بالمرتهن لانا لو خاطبنا الراهن فمن الجائز أن يختار الدفع فيمنعه المرتهن لان له أن يقول أنا أفدي حتى أصلح رهني.
معراج.
قوله: (ويسقط الدين بكل منهما) أما بالدفع فلان العبد استحق لمعنى في ضمان المرتهن فصار كالهلاك وأما بالفداء فلانه كالحاصل له بعوض كان على المرتهن.
هداية.
قوله: (فداه المرتهن) أي ودينه على حاله.
زيلعي.
قوله: (فإن أبى الخ) أي إن أبى المرتهن أن(1/81)
يؤدي عنه قيل للراهن: بعه في الدين.
قوله: (باعه الراهن أو فداه) فإن فداه بطل دين المرتهن، وإن
باعه أخذ غريم العبد دينه، فإن فضل شئ من ثمن العبد ودين الغريم مثل دين المرتهن أو أكثر فالفضل للراهن وبطل دين المرتهن، ولو أقل سقط من دين المرتهن بقدر دين العبد والفضل من الثمن عن دين العبد يبقى رهنا كما كان فإن حل دين المرتهن أخذه بدينه لانه من جنسه وإلا أمسكه حتى يحل، وإن لم يف الثمن بدين الغريم أخذ الغريم الثمن ورجع بالباقي على العبد بعد عتقه، ولا يرجع العبد على أحد.
وتمامه في الهداية.
قوله: (دفعه الراهن الخ) أشار إلى أن المرتهن هنا لا يؤمر بشئ لان الولد غير مضمون عليه لانه لا يسقط بهلاكه شئ من دينه كما ذكره الاتقاني، قال ط عن الحموي: ولو قال المرتهن: أنا أفدي قبل لانه محبوس بدينه وله غرض صحيح بزيادة الاستيثاق ولا ضرر للراهن ا ه.
قوله: (وخرج عن الرهن) أي ولم يسقط شئ من الدين كما لو هلك ابتداء.
زيلعي.
قوله: (ويصير كأنه) أي المجني عليه.
قوله: (وتمامه في الخانية) حيث ذكر حاصل ما قدمناه في الصفحة السابقة من جناية أحد عبدي الرهن على الآخر.
ثم قال: ولو رهن عبدا ودابة فجناية الدابة على العبد هدر، وبالعكس معتبرة كجناية العبد على عبد آخر اه ملخصا.
قوله: (لقيامه) أي الوصي مقام الراهن.
قوله: (فلو كبارا الخ) هذا ظاهر إذا كانوا حاضرين، فلو كانوا غائبين، ففي العمادية من الفضل الخامس عن فتاوى رشيد الدين القاضي: نصب الوصي إذا كان الوارث غائبا ويكتب في نسخة الوصايا أنه جعله وصيا ووراث الميت غائب مدة السفر اه.
قوله: (توقف على رضا البقية) أي بقية الغرماء.
قوله: (ولهم رده) لانه إيثار لبعض الغرماء بالابفاء الحكمي فأشبه الحقيقي.
هداية.
قوله: (نفذ) لزوال المانع لوصول حقهم إليهم.
هداية.
قوله: (وإذا ارتهن) أي أخذ الوصي رهنا.
قوله: (جاز) لانه استيفاء حكما وهو يملكه.
درر.
قوله: (عند الورثة) أي أو الوصي المختار أو المنصوب وورثة الراهن يقومون مقامه كما سبق ط.(1/82)
خاتمة: المرتهن بفسخ الرهن والراهن لا ينفرد به، حتى لو قال المرتهن فسخت الرهن ولم يرض الراهن وهلك لا يسقط شئ من الدنيا، وفي العكس يسقط يقدره كما في القنية وغيرها.
فصل في مسائل متفرقة
قوله: (رهن عصيرا الخ) اعلم أن العصير المرهون إذا تخمر، فإما أن يكون الراهن والمرتهن مسلمين أو كافرين أو الراهن وحده مسلما أو بالعكس، فلو كافرين فالرهن بحاله تخلل أولا، وفي الاقسام الباقية إن تخلل فكذلك، وإلا فهل للمرتهن أن يخلله فيه تفصيل، فلو مسلمين أو الراهن فقط جاز تخليله لان المالية وإن تلفت بالتخمر لكن إعادتها ممكنة بالتخليل فصار كتخليص الرهن من الجناية، وإذا جاز ذلك في المسلمين والخمر ليست بمحل بالنسبة إليهم فلان يجوز في المرتهن الكافر بالاولى لانها محل.
وأما لو الراهن كافرا فله أخذ الرهن والدين على حاله لان الخمرية لا تعدم المالية في حقه فليس للمرتهن المسلم تخليلها، فإن خللها ضمن قيمتها يوم خللها، كما لو غصب خمر ذمي فخللها والخل له، وتقع المقاصة لو دينه من جنس القيمة ويرجع بالزيادة إن نقصت قيمتها يوم التخليل من دينه.
عناية ملخصا.
قوله: (فهو رهن بعشرة) أي يبقى رهنا بها، وإنما لم يبطل لانه بصدد أن يعود بالتخلل، ولهذا إذا اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض لا يبطل البيع لاحتمال صيرورته خلا.
درر.
قوله: (ثم المعتبر الخ) يشير إلى ما قاله شراح الهداية وغيرهم من أن ما ذكر المصنف كالهداية وغيرها مقيد بما إذا لم ينتقص شئ من كيله وأن قوله: وهو يساوي العشرة وقع اتفاقا، فإنه إذا بقي كيله على حاله وانتقصت قيمته لا يسقط شئ من الدين، لان الفائت مجرد وصف وبفواته في المكيلات والموزونات لا يسقط شئ من الدين ولكن الراهن يتخير كما إذا انكسر القلب إن شاء افتكه ناقصا بجميع الدين، وإن شاء ضمنه وتكون قيمته رهنا عندهما.
وعند محمد: يفتكه ناقصا أو يجعله بالدين.
كذا في شرح الكافي.
وإن لم تنتقص قيمته لا يخير فيبقى رهنا كما كان.
إتقاني وعناية.
قوله: (وإلا فلا) إذ لا اعتبار بنقصان السعر كما مر.
قوله: (هذا) أي ما يفهم من مساواة القيمة للدين.
قوله: (لانصه لو كان قيمتها أكثر من الدين) كما إذا كان الذين عشرة والشاة بعشرين والجلد بدرهم فالجلد رهن بنصف درهم، لان بإزاء كل درهم من الشاة نصف درهم من الدين فيكون الجلد رهنا بنصف درهم ويسقط بإزاء اللحم تسعة ونصف، وإن كان قيمتها أقل من الدين بأن كانت بخمسة والجلد بدرهم فالجلد رهن بستة، وإذا هلك الجلد بعد ذلك هلك بدرهم واحد فيرجع على الراهن بالخمسة الباقية من الدين.
وتمام بيانه في الكفاية وغيرها.
قوله: (بلا ذبح) أما إذا ذبحت كانت بتمامها
مضمونة ط.
قوله: (بما لا قيمة له) بأن تربه أو شمسه.
معراج.
قوله: (وهل يبطل الرهن قولان)(1/83)
أحدهما يبطل ويصير الجلد رهنا بقيمة ما زاد الدباغ فيه، حتى لو أداها الراهن أخذ الجلد لانه صار مرهونا بالدين الثاني حكما.
ثانيهما لا يبطل لان الشئ يبطل بما هو مثله أو فوقه لا بما دونه.
والرهن الثاني هنا دون الاول لانه إنما استحق حبس الجلد بالمالية التي انصلت بالجلد بحكم الدبغ وهي تبع للجلد، والرهن الاول بما هو أصل بنفسه وهو الدين فيكون أقوى فلم يرتفع بالثاني، ويثبت الثاني أيضا لانه لا يمكن رده.
كفاية ملخصا.
قوله: (وهو يساوي درهما) يعني يوم الرهن.
وأما إذا كانت قيمته درهمين فهو رهن بدرهمين، ويعرف ذلك بأن ينظر إلى قيمة الشاة حية ومسلوخة: فإن كانت قيمتها حية عشرة ومسلوخة تسعة كانت القيمة الجلد يوم الارتهان درهما، وإن كانت قيمتها مسلوخة ثمانية كانت درهمين.
عناية.
قوله) (على المشهور) وهو قول العامة، ومن المشايخ من قال بعود البيع كالرهن.
إتقاني.
قوله: (يتقرر بالهلاك) لان المرتهن صار مستوفيا بالهلاك فيتأكد عقد الرهن، فإذا عادت المالية بالدبغ صادفت عقدا قائما فيثبت فيه حكمه بقسطه.
إتقاني.
قوله: (ويفسخ به) أي ينتقض بلهلاك ولا عود بعد انتقاض.
قوله: (وجعل العبد) بالبناء للمفعول: أي جعل الراهن أو القاضي العبد بمقابلة دين المرتهن ط.
قوله: (يعود الدين) أي إلا بقدر نقصان عيب الاباق كما يأتي له ط.
وفي بعض النسخ: يعود الرهن، وفي بعضها: يعود الدين في الرهن.
قوله: (وهو رهن من الاصل) فيكون للراهن حبسه وينقسم الدين عليهما على قدر قيمتهما بشرط بقاء النماء إلى وقت الفكاك، وإن هلك قبل ذلك لم يسقط بمقابلته شئ ويجعل كأنه لم يكن كما سيوضحه.
قوله: (الاصل أن كل ما يتود من عين الرهن) أي أو يكون بدلا عن جزء من أجزاء عين الرهن كالارش والعقر.
هندية.
قوله: (هلك مجانا) أي إلا الارش، فإنه إذا هلك سقط من الدين ما بإزائه لانه بدل جزئه فقام مقام المبدل.
كذا في القهستاني ح.
قوله: (أي ولو حكما الخ) هذا التعميم هو ما سيصرح به المصنف في قوله الآتي: وإن لم يفتك الرهن الخ.
قوله: (كما إذا هلك الاصل بعد الاكل) الظاهر أنه أراد بقوله أولا: بأن أكل بالاذن عكس هذا، وهو ما إذا أكل بعد هلاك الاصل، بأن هلك وبقي
نماؤه كالثمرة ثم أكله، وإلا لزم تشبيه الشئ بنفسه.
وعبارة القهستاني: وإن هلك الاصل وبقي النماء ولو حكما، كما إذا أكل الرهن أو المرتهن أو أجنبي من النماء بالاذن فإنه لم يسقط حصة ما أكل منه فيرجع به على الراهن، وكما إذا هلك الاصل بعد الاكل فإنه يقسم الدين على قيمتهما ويرجع على(1/84)
الراهن بقيمة ما أكل.
الكل في شرح الطحاوي اه.
قوله: (كما ذكره بقوله) انظر ما مرجع الضمير المنصوب.
قوله: (فك) أي النماء بحصته، فلو هلك أيضا بعد هلاك الاصل ذهب بلا شئ كأنه لم يكن وذهب كل الدين بهلاك الاصل.
وتمامه في غرر الافكار.
قوله: (والتبع يقابله شئ إذا كان مقصودا) كولد المبيع فإنه يصير مبيعا تبعا ولا يصير له حصة من الثمن إلا إذا صار مقصودا بالقبض عندنا.
معراج.
قوله: (يوم الفكاك) لانه إنما صار مضمونا بالفكاك، إذ لو هلك قبله يهلك مجانا.
عناية.
قوله: (يوم القبض) لانه مضمون بالقبض كما تقدم.
عناية.
قوله: (فيسقط) أي بسبب هلاك الاصل.
قوله: (وبه أفتى المصنف) حيث سئل عمن رهن نخلا وأباح للمرتهن ثمارها هل يملك أن يبيعها ويتمولها أو يملك الاكل بنفسه فقط؟ فأجاب ظاهر كلامهم أن له التصرف مطلقا، إذ الظاهر أن المراد من قولهم فأكلها: أكلها أو أكل ثمنها، إلا أن يوجد نقل صريح بتخصيص الاكل دون غيره ا ه.
من حاشية الحموي ملخصا.
وأورد عليه أن المعنى الحقيقي هو الظاهر ومدعي الاعمية محتاج إلى الدليل.
قلت: وسيذكر الشارح عن الجواهر: ولو أباح له نفعه ليس له أن يؤجره.
تأمل.
وقال السائحاني: أقول: ظاهره أن أكل الزوائد المأكولة إنما هو أكل نفسها لا أكل بدلها، وهذا أمر مكشوف لكل أحد بالبديهة اه.
نعم يظهر ذلك إذا كانت مما لا يؤكل كما ذكره الرحمتي.
قوله: (لانه أتلفه بإذن المالك) فيه إشارة إلى أنه لو أتلفه بغير إذنه ضمن وكانت القيمة رهنا مع الشاة، وكذا لو فعل الراهن ذلك بدون إجازة المرتهن عناية.
قوله: (والاطلاق) أي الاباحة اه ح.
قوله: (يجوز تعليقه) لانه ليس بتمليك.
إتقاني.
قوله: (بالشرط) وهو قوله هنا: مهما زاد فكله.
قوله: (والخطر) بالخاء المعجمة والطاء المهملة: الاشراف على الهلاك كما في القاموس والمغرب، والمراد به هنا ما
احتمل الوجود والعدم فهو بمعنى الشرط.
تأمل.
قوله: (وعليه يحمل الح) بأن يراد من نفي الحل(1/85)
الكراهة.
قوله: (ما عن محمد بن أسلم) الذي في المنح أول كتاب الرهن عبد الله بن محمد بن مسلم اه.
ح.
أقول: ما قدمناه عن المنح هناك ومثله في غيرها موافق لما هنا، ولهل النسخ مختلفة.
قوله: (قلت الخ) ظاهره تسليم القول بالكراهة مع الاذن وأنه ربا، ومقتضاه أنه مضمون، لكن قدمنا عن المنح أول الرهن أنه مخالف لعامة المعتبرات، وتقدم بيان ذلك كله مستوفي، فراجعه.
قوله: (وما أصاب الزيادة) كثلث العشرة في مثاله السابق.
قوله: (كإتلاف الراهن بنفسه) فلا يسقط ما يقابله من الدين لكونه غير مضمون على المرتهن، بخلاف الهالك في يده.
قوله: (قال له الخ) في التاترخانية: آجر المرتهن الرهن من أجنبي بلا إذن فالغلة له، ويتصدق بها عند أبي حنيفة ومحمد، وله أن يعيده في الرهن.
قوله: (وبطل الرهن) حتى لا يسقط دين المرتهن بهلاكه عند المستأجر ط.
ولا يعود رهنا إلا بتجديد.
تاترخانية.
وكذا لو آجر الراهن المرتهن على ما مر في الباب السابق.
قوله: (وتسلمه المرتهن) أما إذا لم يتسلمه لا يتم الرهن أو لا يصح على الخلاف السابق ط.
قوله: (ثم باع) أي الراهن.
قوله: (فقبض المرتهن الثمن) لانه إذا جاز البيع يصير الثمن رهنا، لكن القبض غير شرط فإنه يصير رهنا وإن لم يقبض كما قدمناه أول الباب السابق.
قوله: (وإلا يكون رهنا) أي مع ثمن المبيع الذي قبضه ط.
قوله: (كما مر) أي قريبا في قوله: حتى لو أراد منعه كان له ذلك.
قوله: (لو من قناة مملوكة) هذا خلاف المفتى به من أنه لا يضمن إلا ما ملكه بالاحراز كما مر في كتاب الشرب وماء القناة غير محرز.
قوله: (ينبغي أن تبقى رهنا الخ) جزم به في الخانية فقال: زرع أو سكن بإذن المرتهن لا يبطل الرهن(1/86)
وله أن يسترده، وما دام في يد الراهن لا يضمنه المرتهن.
قوله: (بقي فيما بقي) لانه يمكن رهن ذلك الباقي ابتداء لعدم الشيوع.
قوله: (لكن هلكه بحصته) أي وإن كان من قيمته وفاء بجميع الدين كما في الخانية، قوله: (ثم رهنها منه) أي من المستأجر.
قوله: (وبطلت الاجارة) ظاهره أنها تبطل بمجرد
عقد الرهن، وليس كذلك بل لا بد من القبض كما في القنية.
وأما عكسه وهو ما إذا آجر الراهن الرهن من المرتهن ينفسخ بمجرد عقد الاجارة ولا يحتاج إلى تجديد قبض كما يفيد كلام البزازية، لكن في العمادية أنه لا بد منه، حتى لو هلك قبل أن يجدد قبضا للاجارة يهلك هلاك الراهن اه.
وهذا مشكل لانه قرر في العمادية أن قبض المضمون بغيره ينوب عن قبض غير المضمون وتمامه في حاشية الاشباه للشرف الغزي، وقدمنا في الفصل السابق عن العناية اشتراط تجديد القبض.
قوله: (فالاجارة باطلة) وتكون كما لو أعاره أو أودعه منه فلا تبطل عقد الرهن.
تنبيه: قال في النهاية: سئل الامام أبو الحسن الماتريدي عمن باع داره من آخر بثمن معلوم بيع وفاء وتقابضا ثم استأجرها من المشتري مع شرائط صحة الاجارة وقبضها ومضت مدة هل تلزمه الاجرة؟ قال: لا، فإنه عندنا رهن، والراهن إذا استأجر الرهن من المرتهن لا تجب الاجرة اه.
خيرية ثم نقل فيها عن البزازية ما يوافقه، وأفتى به غير مرة، والكل في فتاواه المشهورة.
حامدية.
فليحفظ فإنه كثير الوقوع.
قوله: (سقط بحساب نقصه) أي سقط من دين المرتهن ما نقصته قيمة الآبق بسبب إباقه ط.
وهذا إذا كان أول إباق كما يشعر به التعليل، فإن كان أبق قبل ذلك لا يسقط شئ.
بزازية.
قوله: (ثم لما فرغ من الزيادة الضمنية)، وهي نماء الرهن، ومراده بالضمنية ما لم يقع عليه الرهن قصدا ط.
قوله: (والزيادة في الرهن تصح) مثل أن يرهن ثوبا بعشرة يساوي عشرة ثم يزيد الراهن ثوبا آخر ليكون مع الاصل رهنا بالعشرة.
عناية.
قوله: (يوم القبض أيضا) أي يوم قبض الزيادة كما تعتبر قيمة الاصل يوم قبضه.
قوله: (وفي الدين لا تصح) المراد أن لا يكون بها مضمونا، فأما الزيادة في نفسها فجائزة.
وصورة المسألة: أن يرهن عنده عبدا يساوي ألفين بألف ثم استقرض منه ألفا أخرى على أن يكون العبد رهنا بهما جميعا، فلو هلك يهلك بالالف الاولى لا بالالفين، ولو قضاه ألفا وقال إنما قضيتها عن الاولى له أن يسترد العبد، إتقاني.
قوله: (في معقود به) كالثمن أو عليه كالمبيع ط.
قوله: (والزيادة في الدين ليست منهما) بل أصل الدين ليس منهما.
قال في العناية: أما إنه غير معقود عليه فظاهر، وأما أنه ليس بمعقود به فلوجوبه بسببه قبل عقد الرهن، بخلاف الرهن، فإنه معقود عليه لانه
لم يكن محبوسا قبل عقد الرهن ولا يبقى بعده.(1/87)
تتمة: قال في الذخيرة: وفي العيون عن محمد: رهن غلامين بألف ثم قال المرتهن: احتجت إلى أحدهما فرده علي ففعل، فإن الباقي رهن بنصف الالف فلو هلك يهلك من الدين نصفه ولكن لا يفتكه إلا بجميع الالف اه.
فلحيفظ.
قوله: (مع أنه) أي المصنف.
قوله: (ليفيد أنها مسألة مستقلة) وهي بيان حكم تبديل الرهن الاول برهن آخر.
قوله: (وقيمة كل من العبدين ألف كذا قيد في الهداية، وهو قيد اتفاقي لما في التاترخانية عن التجريد.
وإن كانت قيمة الاول خمسمائة والثاني ألفا والدين كذلك فهلك يهلك بألف، وكذا إذا كانت قيمة الثاني خمسمائة والاول ألفا فهلك الثاني في يده هلك بخمسمائة اه.
ولذا ترك القيد في الخانية.
قوله (حتى يجعل مكان الاول) لان الاول إنما دخل في ضمانه بالقبض والدين وهم باقيان فلا يخرج عن الضمان إلا بنقض القبض ما دام الدين باقيا، وإذا بقي الاول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه لانهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما، فإذا رد الاول دخل الثاني في ضمانه، ثم قيل: يشترط تجديد القبض لان بد المرتهن على الثاني يد أمانة ويد الراهن يد استيفاء وضمان فلا ينوب عنه، وقيل: لا يشترط.
وتمامه في الهداية.
وذكر القهستاني أن الاول هو المختار عند قاضيخان.
وأفاد بعض الفضلاء أن عادة صاحب الهداية اختيار الاخير عكس عادة قاضيخان ومقتضاه ترجيح الاول.
تأمل.
قوله: (إلا إذا منعه من صاحبه) أي عند طلبه منه ثم هلك بعده.
قوله: (أو اشترى المرتهن) أي من الراهن.
قوله: (لانه) أي لان كل واحد من الشراء والصلح على عين استيفاء.
عناية.
أي إذا كان عن قرار فهو استيفاء لانه يجب على الدائن مثله بالشراء والصلح عنه.
كفاية: أي فيسقط بطريق المقاصة.
قوله: (على آخر) أي سواء كان للراهن عليه دين أو لا، وفيه إشعار بأن للراهن أخذ الرهن من المرتهن بعد الحوالة كما في موضع من الزيادات وفي موضع آخر ليس له.
قهستاني.
قوله: (هلك بالدين) والفرق أنص الابراء يسقط به الدين أصلا كما قدمه وبالاستيفاء لا يسقط، لما تقرر أن الديون تقضي بأمثالها لا أنفسها، لان الدين وصف في الذمة لا يمكن أداؤه، لكن إذا أدى المديون وجب له على الدائن مثله فتسقط لعدم الفائدة، فإذا هلك
الرهن بعده تقرر الاستيفاء الاول الحكمي وانتقض الثاني لئلا يصير مستوفيا مرتين.
قوله: (أو متطوع) ويعود إلى ملك المتطوع لا المتطوع عنه.
خانية.
قوله: (أو شراء أو صلح) كذا في المنح والدرر، ولي فيه نظر: فإن الذي قبضه المرتهن في صورتي الشراء واصلح هو العين المبيعة والمصالح عليها، وقد صرح في النهاية والعناية وغاية البيان أنه إذا هلك الرهن في هاتين الصورتين يجب على المرتهن رد(1/88)
قيمته، ولم يقولوا يجب رد العين فاقتضى ذلك أنه لا ينتقض الشراء والصلح، وقد رأيت التصريح بذلك في الحواشي السعدية ووجهه ظاهر لان ذلك عقد معاوضة فما وجه بطلانه بهلاك الرهن، بخلاف الاستيفاء بالاداء والحوالة، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.
قوله: (وهلك الرهن بالدين) أعاده ليبني عليه التعليل.
قوله: (لانه) أي لان عقد الحوالة في معنى الابراء بطريق الاداء دون الاسقاط.
وفي بعض نسخ الهداية في معنى البراءة وهي أظهر.
والحاصل كما في الكافية: أن الحوالة لا تسقط الدين ولكن ذمة المحتال عليه تقوم مقام ذمة المحيل، ولهذا يعود الدين إلى ذمة المحيل إذا مات المحتال عليه مفلسا.
قوله: (ومفاده) أي مفاد تقييد المصنف البطلان بالحوالة.
قوله: (عدم بطلان الصلح) قدمنا التصريح به عن السعدية وأنه مقتضى كلام شراح الهداية وإن اقتضى كلامه السابق خلافه، والشراء مثل الصلح، فافهم.
قوله: (وأن ما الدين الخ) هذا إنما يؤخذ من التعليل الذي ذكره القهستاني.
وعبارته: تبطل الحوالة بالهلاك لحصول الاستيفاء كما في النظم وغيره، وفيه إشعار بأن الدين ليس بأكثر من قيمة الرهن، وإلا فينبغي أن لا تبطل الحوالة فيما زاد عليها، لان الاستيفاء التام لم يتحقق وإلى أن الصلح لم يبطل اه.
ط أقول: قدم الشارح أول كتاب الاجارة أن المصنف اعتمد أنه إذا فسد العقد في البعض فسد في الكل.
تأمل.
قوله: (ثم هلك الرهن بالدين) الاولى إسقاط قوله: بالدين لان قوله (يهلك به) مغن عنه.
قوله: (لتوهم وجوب الدين الخ) لان الرهن مضمون بالدين عند توهم الوجود كما في الدين الموعود، وقد بقيت الجهة لاحتمال أن يتصادقا على قيام الدين بعد تصادقهما على عدمه، بخلاف الابراء لانه سقط به.
درر.
لكن في التبيين وغيره عن مبسوط شمس الائمة: لو تصادفا قبل هلاك
الرهن ثم هلك يهلك أمانة لانه بتصادفهما ينتفي الدين من الاصل وضمان الرهن لا يبقى بدون الدين، وذكر الاسبيجابي أنه الصواب اه.
واختار صاحب الهداية هلاكه مضمونا في الصورتين.
سعدية.
قوله: (فهو الحكم في الرهن الفاسد) أي في حال الحياة والممات، فلو نقض الراهن العقد بحكم الفساد وأراد استرداد المرهون كان للمرتهن حبسه حتى يؤدي إليه الراهن ما قبض، وإذا مات الراهن وعليه ديون كثيرة فالمرتهن أولى من سائر الغرماء.
وهذا كله إذا كان الرهن الفاسد سابقا على الدين، فلو كان بدين على الراهن قبل ذلك لم يكن له حبسه لانه ما استفاد تلك اليد بمقابلة هذا المال، ويكون بعد الموت أسوة للغرماء لانه ليس له على المحل يد مستحقة، بخلاف الرهن الصحيح تقدم أو تأخر.
وتمامه في العمادية والذخيرة والبزازية.
قوله: (يتعلق به الضمان) صوابه: لا يتعلق لان المنقول عن الكرخي في العمادية وغيرها أنه يهلك أمانة.(1/89)
وفي الذخيرة: وروى ابن سماعة عن محمد أنه ليس للمرتهن حبسه لانه إصرار على المعصية، ولكن ما في ظاهر الرواية أصح، لان الراهن لما نقض فقد ارتفعت المعصية وحبس المرتهن المرهون ليصل إلى حقه لا يكون إصرا لان الراهن يجبر على تسليم ما قبض، فإذا امتنع فهو المصر، ألا ترى أن في الشراء الفاسد للمشتري الحبس إلى استيفاء الثمن اه ملخصا.
قوله: (أي لم يكن مالا) كالمدبر وأم الولد، فإن للراهن أخذهما لان رهنهما باطل.
منح.
قوله: (ولم يكن المقابل به مضمونا) كما لو رهن عينا بخمر مسلم فله أخذها منه، والواو بمعنى أو.
قال في جامع الفصولين: فلو فقد أحدهما لم ينعقد أصلا.
قوله: (بخلاف لفاسد) مستغنى عنه بقول المصنف: كل حكم الخ ط.
قوله: (رهن الرهن باطل) أي إذا رهنه الراهن أو لمرتهن بلا إذن، فلو بإذن صح الثاني وبطل الاول، وقدمنا بيانه في باب التصرف في الرهن.
قوله: (كما حررناه في العارية) حيث قال فيها.
وأما الرهن فكالوديعة.
وقال المصنف في العارية: ولا تؤجر ولا ترهن كالوديعة اه ط.
قوله: (ومجنيه الخ) خبر مبتدأ محذوف تقديره: أي جان، وضمير يشطر يعود إلى الواجب بالجناية ط.
قال ح: يعني: أي جان إذا مات من جنى عليه يجب شطر الدية وإن عاش تجب الدية كاملة.
الجواب: ختان قطع الحشفة إن مات
الصبي وجب عليه نصف الدية، وإن عاش وجبت كاملة، وكذلك في العبد يجب نصف القيمة وتمامها لانه حصل التلف بمأذون فيه وهو قطع القلفة، وغير مأذون فيه وهو قطع الحشفة اه.
وتقدمت المسألة في باب ضمان الاجير، وستأتي أيضا قبيل باب القسامة.
قوله: (هذا التفسير) في بعض النسخ تفسير بدون أل وهو الاوضح، والاشارة إلى قوله: وأي رهين الخ أي هذا تفسير وبيان قوله تعالى: * (كل نفس) * (هود: 83) الآية، والله تعالى أعلم.(1/90)
كتاب الجنايات قوله: (وحكم الجناية) هو القصاص أو الدية والكفارة وحرمان الارث ط.
قوله: (والمال وسيلة) جواب عما يقال: كان الاولى تقديم الجنايات لاهميتها بتعلقها بالانفس ط.
قلت: وما مر من مناسبة الرهن لما قبله تغني عن هذا.
قوله: (اسم لما يكتسب) وهي في الاصل مصدر ثم أريد به اسم المفعول.
قوله: (والجناية بما حل بنفس وأطراف) أي في هذا الكتاب، وإلا فجنايات الحج لم تتعلق بنفس الآدمي ولا طرف من إطلاق الفقهاء عليها الجناية.
شرنبلالية.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يرد بالقتل هنا القتل المذكور لم يصح الحصر في الخمسة.
والحاصل: أن المراد هنا قتل محرم، فلا يشمل القتل المأذون به شرعا كقصاص ورجم.
قوله: (أن يتعمد ضربه) أي ضرب المقتول، فيخرج العمد فيما دون النفس، سعدي.
ولم يقل أن يتعمد قتله لما سيذكره الشارح قريبا أنه لو أراد يد رجل فأصاب عنقه فهو عمد، ولو عنق غيره فخطأ، ولذا قال في المجتبى: إن قصد القتل ليس بشرط لكونه عمدا وإليه أشار الشارح بقوله: في أي موضع من جسده واحترز بالتعمد عن الخطإ وبقوله: بآلة الخ عن الباقي.
قوله: (بآلة تفرق الاجزاء) إنما شرط فيها ذلك لان العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، ودليله استعمال القاتل آلته، فأقيم الدليل مقام المدلول لان الدلائل تقوم مقام مدلولاتها في المعارف الظنية الشرعية.
منح، وهو صريح في أنه يجب القصاص وإن لم يذكر الشهود العمد، وبه صرح الاتقاني.
وفي أنه لا يقبل قول القاتل لم أقصد قتله، بخلاف ما لو أقر وقال أردت غيره فيحمل على الادنى وهو الخطأ.
وتمامه في حاشية
الرملي.
وسنذكره إن شاء الله تعالى في باب الشهادة على القتل.
قوله: (جوهرة) عبارتها: العمد ما تعمد قتله بالحديد كالسيف والسكين والرمح والخنجر والنشابة والابرة والاشفي وجميع ما كان من الحديد، سواء كان يقطع أو يبضع كالسيف ومطرقة الحداد والزبرة وغير ذلك، سواء كان الغالب منه الهلاك أم لا.
ولا يشترط الجرح في الحديد في ظاهر الرواية لانه وضع للقتل، قال تعالى: * (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) * (الحديد: 52) وكذا كل مل يشبه الحديد كالصفر والرصاص والذهب والفضة، سوء كان يبضع أو يرض، حتى لو قتله بالمثقل منها يجب عليه القصاص، كما إذا ضربه بعمود من صفر أو رصاص.
اه.
وروى الطحاوي عن الامام اعتبار الجرح في الحديد ونحوه.
قال الصدر الشهيد: وهو الاصح، ورجحه في الهداية وغيرها كما سيأتي في الفصل الآتي في مسألة المر.
قلت: وعلى كل فالقتل بالبندقة الرصاص عند لانها من جنس الحديد وتجرح فيقتص به، لكن(1/91)
إذا لم تجرح لا يقتص به على رواية الطحاوي كما أفاده ط عن الشلبي.
والاشفي بالشين المعجمة: ما يخرز به كما في القاموس.
قوله: (ومحدد من خشب) أي بأن نحت حتى صار له حدة يقطع بها، وليس المراد ما يكون في طرفه حديد كما وهم لانه مسألة المر الآتية، وفيها تفصيل وخلاف.
قوله: (وإبرة في مقتل) قال في الاختيار: روى أبو يوسف عن أبي حنيفة فيمن ضرب رجلا بإبرة وما يشبهها عمدا فمات لا قود فيه، وفي المسلة ونحوها القود، لان الابرة لا يقصد بها القتل عادة ويقصد بالمسلة.
وفي رواية أخرى: إن غرز بالابرة في المقتل قتل، وإلا فلا اه.
وقال في البزازية: غرزه بإبرة حتى مات يقتص به لان العبرة للحديد.
وقال في موضع آخر: لا قصاص إلا إذا غرزه في المقتل، وكذا لو عضه اه.
وفي شرح الوهبانية: في الابرة القود في ظاهر الرواية اه.
وفي القهستاني: وعليه الفتوى اه.
وجزم بعدمه في الخانية.
أقول: يمكن أن يكون التقييد بالمقتل توفيقا.
فتأمل.
قوله: (وليطة) بكسر اللام: قشر القصب اللازق به ط عن الحموي.
قوله: (عطف على محدد) أي لا على خشب لانها ليست من المحدد.
قال سعدي: وينبغي أن يكون من قبيل الرجز:
علفتها تبنا وماء باردا إذ الواقع في صورة النار هو الالقاء فيها لا الضرب بها اه.
قوله: (لانها تشق الجلد الخ) بيان لكونها من العمد.
قوله: (كما في الكفاية) قال ط: ونحوه في الخزانة والنهاية.
حموي عن المقدسي اه.
قوله: (وفي البرهان الخ) ذكر هذه النقول الثلاثة نقضا لعكس الكلية وهو قوله (وإلا فلا)، وهو ظاهر لا المشروط في الذكاة فري الاوداج وإنهار الدم، وذلك لا يحصل بالسنجة والتنور المحمى والابرة ولذا أعاد مسألة الابرة وإن كان ذكرها آنفا، فافهم.
قوله: (غير محدد) أي لا حد له.
قوله: (كالسنجة) في القاموس: سنجة الميزان مفتوحة وبالسين أفصح من الصاد اه.
وذكر في فصل الصاد: الصنج شئ يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر، وآلة بأوتار يضرب بها اه.
زاد في المغرب.
ويقال لما يجعل في إطار الدف من الهنات المدورة صنوج أيضا.
قوله: (أظهرهما أنها عمد) بناء على عدم اشتراط الجرح في الحديد ونحوه.
قوله: (وإن لم يكن فيه نار) أي على الصحيح.
قهستاني.
وفيه: لو قيد بحبل ثم ألقي في قدر ماء مغلي جدا فمات من ساعته أو فيه ماء حار فأنضج جسده، ومكث ساعة ثم مات قتل به كما في الظهيرية.
قوله: (بما لا تطيقه البنية) أي البدن.
في القاموس: البنية بالضم والكسر: ما بنيته.
وبنى الطعام بدله: سمنه، ولحمه: أنبته.
قوله: (فإن حرمته) الاولى(1/92)
وحرمته ط.
قوله: أشد من إجراء كلمة الكفر أي أشد من الكفر الصوري، فإنه إذا أكره عليه بملجئ يرخص مع اطمئنان القلب إحياء لنفسه، ولو أكره بالقتل على قتل غيره لا يرخص أصلا لاستواء النفسين، واحترز به عن الكفر القلبي فإنه أشد ولا يرخص بحال.
وفي الجوهرة: واعلم أن قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله تعالى وتقبل التوبة منه، فإن قتل مسلما ثم مات قبل التوبة منه لا يتحتم دخوله النار، بل هو في مشيئة الله تعالى كسائر أصحاب الكبائر، فإن دخلها لم يخلد فيها اه.
وأما الآية فمؤولة بقتله لايمانه أو بالاستحلال أو بأن يراد بالخلود المكث الطويل، وسيذكر الشارح في آخر الفصل الآتي عن الوهبانية أنه لا تصح توبة القاتل ما لم يسلم نفسه للقود.
قوله: (وموجبه القود) بفتح الواو: أي القصاص، وسمي قودا لانهم
يقودون الجاني بحبل وغيره.
قاله الازهري اه.
سعدي.
ثم إنما يجب القود بشرط في القاتل والمقتول يذكر في الفصل الآتي.
قوله: (فلا يصير مالا الخ) تفريع على قوله: عينا أي ليس لولي الجناية العدول إلى أخذ الدية إلا برضا القاتل.
وهو أحد قولي الشافعي، وفي قوله الآخر: الواجب أحدهما لا بعينه ويتعين باختياره، والادلة في المطولات.
قوله: (فيصح صلحا) أي إذا كان القود عندنا هو الواجب في العمد فلا ينقلب مالا إلا من جهة الصلح.
قوله: (ولو بمثل الدية أو أكثر) أطلقه فشمل ما لو كان من جنسها أو من غيره حالا أو مؤجلا كما في الجوهرة، وأشار إلى خلاف الشافعي، فإنه على قوله الثاني: لو صالح على أكثر من الدية من جنسها لا يصح لانه يصير ربا، ويصح على قوله الاول، وتمامه في الكفاية.
قوله: (لانه كبيرة محضة) وذلك بنص الحديث الصحيح وهو قوله صلى اللع عليه وآله وسلم: (أكبر الكبائر الاشراك بالله تعالى، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: شهادة الزور.
رواه البخاري.
قوله: (وفي الكفارة معنى العبادة) بدليل أن للصوم والاعتاق فيها مدخلا فهي دائرة بين العبادة والعقوبة، فلا بد أن يكون سببها أيضا دائرا بين الحظر والاباحة لتعلق العبادة بالمباح والعقوبة بالمحظور كالخطأ، فإن فيه معنى الاباحة.
أما العمد فهو كبيرة محضة كالزنا، والسرقة والربا، ولا يقاس على الخطأ لان الكفارة من المقدرات فلا تثبت بالقياس ولان الخطأ دونه في الاثم، وتمامه في المطولات.
قوله: (لكن في الخانية الخ) أي في آخر فصل المعاقل.
أقول: لكنه مخالف لما في الشروح كالنهاية والعناية والمعراج من أنه لا كفارة في العمد وجب فيه القصاص أولا، كالاب إذا قتل ابنه عمدا والمسلم إذا قتل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا عمدا اه.
قوله: (والثاني شبهه) بفتحتين أو بكسر فسكون: أي نظير العمد ويقال له: شبه الخطأ، لان فيه معنى العمدية باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب، ومعنى الخطأ باعتبار عدم قصده إلى القتل إذ ليست الآلة آلة قتل اه.
من الدرر والقهستاني.
وزاد الاتقاني أنه يسمى خطأ العمد.
قوله:(1/93)
(كبيرين) فلو صغيرين فهو شبه عمد اتفاقا.
قوله: خلافا لغيره أي للامامين، والائمة الثلاثة فإنه عمد عندهم لما من تعريفه عندهم.
قال القهستاني: واعلم أن ما ذكره من أحكام الاثم والقود والكفارة كما لزم في العمد وشبهه عنده لزم عندهما، إلا في العمد عندهما ضربه قصدا بما يقتل غالبا، وشبه العمد لما لا يقتل غالبا، فلو غرق في الماء القليل ومات ليس بعمد ولا شبه عمد عندهم، ولو ألقي في بئر أو من سطح أو جبل ولا يرجى منه النجاة كان شبه عمد عنده وعمدا عندهما، ويفتى بقوله كما في التتمة اه.
وتمام هذه المسائل يذكر في الفصل الآتي.
وفي المعراج عن المجتبى: يشترط عند أبي حنيفة: أي في شبه العمد أن يقصد التأديب دون الاتلاف.
قوله: (وموجبه الاثم) أي إثم القتل لتعمد الضرب اه.
مكي عن البرهان.
والذي يفيده كلام الزيلعي أي إثم الضرب لا القتل حيث قال: أثم إثم الضرب لانه قصده لا إثم القتل لانه لم يقصده، وهذه الكفارة تجب بالقتل وهو فيه مخطئ ولا تجب بالضرب اه.
ويدل على ذلك تعليل البرهان بقوله لتعمد الضرب، فتعليله ينافي مدعاه، ولو قيل بإناطة الاثم بالقصد: فإن قصد أثم إثمه، وإن قصد الضرب أثم إثمه لكن له وجه اه.
ط.
قوله: (ودية مغلظة) أي من مائة إبل، فلو قضى بالدية في غير الابل لم تتغلظ.
قهستاني، وتأخذ أرباعا من بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة كما يأتي.
قوله: (على العاقلة) أي الناصرة للقاتل.
قهستاني.
والاصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطإ وتجب في ثلاث سنين.
هداية.
واحترز بقوله ابتداء عن دية وجبت بالصلح في القتل العمد أو على الوالد بقتل ولده عمدا.
كفاية.
والحاصل أن شبه العمد كالخطإ إلا في حق الاثم، وصفة التغليظ في الدية.
زيلعي.
واعلم أن المال الواجب بالعمد المحض يجب في مال القاتل فيما دون النفس، وفي النفس وفي الخطإ فيهما على العاقلة وفي شبه العمد لو نفسا على العاقلة، وفيما دونها وإن بلغ الدية على القاتل ا ه.
بزازية.
قوله: (سيجئ تفسير ذلك) أي تفسير الكفارة والدية والمغلظ منها في كتاب الديات وتفسير العاقلة في كتاب المعاقل.
قوله: (إلا أن يتكرر منه) ظاهره ولو مرتين، ويدل عليه ما نذكره بعد في الفصل الآتي.
قوله: (فليس فيما دون النفس شبه عمد) لانه لا يختص بآلة دون آلة، فلا
يتصور فيه شبه العمد، بخلاف النفس.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (والثالث خطأ) قال ابن الكمال: ولو على عبد، إنما قال ذلك لان المتبادر إلى الوهم من كون العبد مالا أن يكون ما ذكر من قبيل ضمان الاموال فلا يكون على العاقلة اه.
قوله: (وهو نوعان) لان الرمي إلى شئ مثلا مشتمل على فعل القلب وهو القصد وعلى الجارحة وهو الرمي، فإن اتصل الخطأ بالاول فهو الاول، وإن اتصل بالثاني فهو الثاني.
عناية.
قوله: (ظنه صيدا) انظر هل يعتبر ادعاء الظن أو لا بد من تحققه أولا بأن(1/94)
يشهد عليه؟.
ثم نقل ما لا يتم منه المراد، وسنوضح ذلك في باب الشهادة على القتل إن شاء الله تعالى.
قوله: (غرضا) بمعجمتين بينهما راء متحركة وهو الهدف الذي يرمى إليه، قوله: (فأصاب رجلا) مرتب على قوله: ثم رجع أو تجاوز.
قوله: (ورجوعه بسبب آخر) وهو إصابة الحائط المسببة عن الرمي.
قوله: (فكلام صدر الشريعة فيه ما فيه) فإنه شرط في الخطإ في الفعل أن لا يصدر عنه الفعل الذي قصده بل يصدر فعل آخر.
ويرد عليه ما مر من أنه إذا رمى غرضا فأصابه ثم رجع عنه أو تجاوز عنه فأصاب رجلا يتحقق الخطأ في الفعل والشرط مفقود في الصورتين، وإذا سقط من يده خشبة أو لبنة فقتل رجلا يتحقق الخطأ في الفعل ولا قصد فيه.
أفاده ابن الكمال.
قال ط: لكن سيأتي قريبا أنه مما جرى مجرى الخطأ.
قوله: (إن أصاب خلافه) أي شخصا غيره.
قوله: (والقتل فيه معذر) أي القصاص فيه ممتنع.
قوله: (حالة النوم) أي نوم الشخص.
قوله: (إن أبقى دما) أي تركه ينهر: أي يسيل منه، والذي في الوهبانية: يقطر، وانظر ما وجه التقييد بحالة النوم، وقد مر أن الابرة إذا أصابت المقتل ففيه القود، ولعل وجهه أن محل القصد غير مقتل وإذا كان غير نائم وترك دم نفسه يسيل يكون موته منسوبا إليه.
فليتأمل.
قوله: (والرابع ما جرى مجراه الخ) فحكمه حكم الخطأ في الشرع، لكنه دون الخطإ حقيقة، فإن النائم ليس من أهل القصد أصلا، وأنما وجبت الكفارة لترك التحرز عن نومه في موضع يتوهم أن يصير قاتلا، والكفارة في قتل الخطأ إنما تجب لترك التحرز أيضا، حرمان الميراث لمباشرة القتل وتوهم أن يكون متناعسا لم يكن نائما قصدا منه إلى استعجال الارث، والذي سقط من سطح
فوقع على إنسان فقتله أو كان في يده لبنة أو خشبة فسقطت من يده على إنسان أو كان على دابة فأوطأت إنسانا فقتله مثل النائم لكونه قتلا للمعصوم من غير قصد.
كفاية.
قوله: (لترك العزيمة) وهي هنا المبالغة في التثبت.
قال في الكفاية: وهذا الاثم إثم القتل، لان نفس ترك المبالغة في التثبت ليس بإثم، وإنما يصير به آثما إذا اتصل به القتل فتصير الكفارة لذنب القتل وإن لم يكن فيه إثم قصد(1/95)
القتل اه.
تأمل.
قوله: (وواضع حجر) أي إذا لم ينحه غيره، فإن نحاه فعطب به رجل ضمن المنحى كما سيذكره المصنف في باب ما يحدثه الرجل في الطريق.
قوله: (في غير ملكه) قيد للحفر والوضع.
درر، فلو في ملكه فلا تعدي فلا دية.
ولا كفارة ط.
قوله: (من السلطان) الظاهر أن المراد ما يعم نائبه ط.
قوله: (ونحو ذلك الخ) أي نحو الخشبة كقشور بطيخ فيضمن ما تلف به كما أفتى به قارئ الهداية، وكذا إذا رش الطريق، قال في الذخيرة: كذا أطلقه في الكتاب، قالوا: إنما يضمن الراش إذا مر على الرش ولم يعلم به بأن كان ليلا أو المار أعمى، وكذا المرور عل الخشبة أو الحجر، ومن المشايخ من فصل بوجه آخر وقال: إن رش بعض الطريق حتى أمكنه المرور في الجاف لا ضمان، وإن رش فناء حانوت بإذن صاحبه فالضمان على الآمر استحسانا، وتمامه في التاترخانية.
فرع: تعقل بحجر فسقط في بئر حفرها رجل فالضمان على واضع الحجر، فلو لم يضعه أحد فعلى الحافر، وكذا لو زلق بماى صبه رجل فوقع في البئر فالضمان على الصاب، ولو بماء مطر فعلى الحافر.
تاترخانية.
وفي الجوهرة: القول قول الحافر أنه أسقط نفسه استحسانا.
قوله: (وكل ذلك) أي ما تقدم من أقسام القتل الغير المأذون فيه ط.
قوله: (لو الجاني مكلفا) فلو صبيا أو مجنونا يرث كما في شرح السراجية للسيد ط.
قوله: (لعدم قتله) أي مباشرة، وإنما ألحق بالمباشر في إيجاب الضمان صيانة للدم عن الهدر على خلاف الاصل فبقي في الكفارة، وحرمان الميراث على الاصل.
كفاية.
والله أعلم.
فصل فيما يوجب القود وما لا يوجبه قوله: (محقون الدم) الحقن هو المنع: قال في المغرب: حقن دمه إذا منعه أن يسفك.
واحترز به
عن مباح الدم كالزاني المحصن والحربي والمرتد، والمراد الحقن الكامل، فكن أسلم في دار الحرب فقد صار محقون الدم على التأبيد، ولا يقتص من قاتله هناك لان كمال الحقن بالعصمة المقومة والمؤثمة، وبالاسلام حصلت المؤتمة دون المقومة لانها تحصل بدار الاسلام.
أفاده في الكفاية.
قوله: (بالنظر لقاتله) أي لا مطلقا، فإنه لو قتل القاتل عمدا أجنبي عن المقتول يقتص من الاجنبي للقاتل إن قتله الاجنبي عمدا.
قال الواني: والظاهر أن هذا أعم من أن يكون قبل الحكم أو بعده لاحتمال عفو الاولياء بعد الحكم اه ط.
قوله: (على التأبيد) احترز به عن المستأمن.
ولا يشكل على هذا الحد قتل المسلم ابنه المسلم عمدا حيث لا يقتص منه، لان القصاص واجب في الاصل، لكن انقلب مالا بشبهة الابوة وذلك عارض، والكلام في الاصل ولهذا كان الابن شهيدا(1/96)
بهذا القتل فلا يغسل، وكذا قتل عبد الوقف عمدا فإنه لا يجب القود كما يأتي، لان القود هو الموجب الاصلي وانقلب مالا لعارض مراعاة نفع الوقف اه.
ط عن المكي ملخصا.
قوله: (لما تقرر الخ) سيأتي تقريره قبيل فصل الجنين.
قوله: (انقلب دية) أي ولا قصاص عليه استحسانا.
ولو جن بعد الدفع له قتله لان شرط وجوب القصاص عليه كونه مخاطبا حالة الوجوب وذلك بالقضاء ويتم بالدفع، فإذا جن قبل الدفع تمكن الخلل في الوجوب فصار كما لو جن قبل القضاء والوالجية.
قوله: (من يجن) بالبناء للمفعول ويفيق من أفاق ط.
ومن مبتدأ، وقتل الاول مبني للفاعل حال أو شرط لاداة شرط محذوفة، وقتل الثاني مبني للمفعول خبر بمعنى يحكم بقتله.
قوله: (فإن جن بعده) أي بعد ما قتل في إفاقته، والظاهر أن يقيد بما إذا كان جنونه قبل القضاء والدفع أخذا مما قبله.
فليتأمل.
قوله: (إن مطبقا) بأن كان شهرا أو سنة على اختلافهم فيه.
ولوالجية.
قوله: (سقط) أي القصاص.
قوله: (وإن غير مطبق قتل) يعني بعد الافاقة كما في الوالجية وغيرها.
قوله: (وقال أبو جعفر يقتل) وهذا تقدم صريحا عند قول المتن: وجنايته على الراهن والمرتهن معتبرة وقال الحموي: لان القصاص من جهة الآدمية وهو فيها أجنبي عن المولى.
سائحاني.
قوله: (لا قود فيه) بل ينقلب مالا لكونه أنفع للوقف كما تقدم عن المكي.
وفي الشرنبلالية: لعل وجهه اشتباه من له حق القصاص، لان الوقف
حبس العين على ملك الواقف عند الامام، وعندهما على حكم ملك الله تعالى، ولم يتعرض لما يلزم القاتل ولعله القيمة فلينظر اه.
أقول: قال في وقف البحر: ولا يخفى أنه تجب قيمته كما لو قتل خطأ، ويشتري بها المتولي عبدا ويصير وقفا، كما لو قتل المدبر خطأ وأخذ المولى قيمته فإنه يشتري بها عبدا ويصير مدبرا، وقد صرح به في الذخيرة اه.
قوله: (قتل ختنه) الختن: هو كل من كان من قبل المرأة مثل الاب والاخ، هكذا عند العرب، وعند العامة: زوج ابنته.
مغرب.
والمراد هنا الثاني.
قوله: (سقط القود) لانها ورثت قصاصا على أبيها اه ح.
أقول: بل قد ثبت لها ابتداء لا إرثا كما أورده الشارح على صدر الشريعة فيما سيأتي عند قول المصنف: يسقط قود ورثه على أبيه.
قوله: (أو أعم كقوله اقتلني) هذا سقط من بعض النسخ، وفي بعضها: أو أمر بدل قوله: أو أعم، وهو أولى، وسيأتي آخر الفصل أنه تجب الدية في ماله في الصحيح.
قوله: (كما سيجئ) أي من المسائل الثلاث في هذا الفصل متنا.
قوله: (خلافا(1/97)
للشافعي) فعنده لا يقتل الحر بالعبد قوله: (أن النفس) بفتح الهمزة لانه معمول لقوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها) * (المائدة: 54).
قوله: (على أنه تخصيص بالذكر الخ) الاقتصار في الآية على الحر وهو بعض ما شمله قوله تعالى: * (أن النفس بالنفس) * (المائدة: 54) لا يقتضي نفي الحكم عن العبد فهو كالمقابلة في قوله تعالى: * (والانثى بالانثى) *.
ولم يمنع قتل الذكر بالانثى.
قال الزيلعي: وفي مقابلة الانثى بالانثى دليل على جريان القصاص بين الحرة والامة.
قوله: (قيل ولا الحر بالعبد) صوابه ولا العبد بالحر كما في المنح اه ح، يعني أنه قيل في الايراد على الشافعي: لو دل قوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * (البقرة: 871) على أن الحر لا يقتل بالعبد للتخصيص بالذكر لوجب أن لا يقتل العبد بالحر قوله: (ورد) أي هذا القيل لانه إذا قتل الحر بالحر بعبارة النص يقتل العبد به بدلالة الاولى لانه دونه كما دلت حرمة التأفيف على حرمة الضرب، وأصل الايراد لصدر الشريعة والراد عليه منلا خسرو وابن الكمال.
قوله: (ولابي الفتح الخ) ساقط من بعض النسخ.
قوله: (خذوا بدمي الخ) لا
يخفى ما فيه من عدم صدق المحبة.
قوله: (ولا تقتلوه الخ) فيه منافاة لما قبله، فإن الاخذ بالدم يقتضي القتل ولا يصح أن يحمل على الدية، لان العبد لا تحب ديته على مولاه ط.
قوله: (ولم أر حرا قط يقتل بالعبد) وفي بعض النسخ وفي مذهبي لا يقتل الحر بالعبد.
قوله: (ليعلم الخ) فيه أن الحر لا يقتل بعبد نفسه، فإن أراد عبد غيره لا يناسبه قوله (وإن كنت عبده) اه ح.
أقول: المراد إظهار الحكم بأسلوب لطيف، فلا يدقق عليه بمثل ذلك، وإلا لزم أن يعترض بأنه قال: من رام ولم يصرح بالقتل، وبأن القتل بمجرد اللحظ لا يقاد به إذ لا يصدق عليه تعريف العمد، وقد نظمت ذلك خاليا عن الطعن مع الادب، ومراعاة ما للحبيب على من أحب فقلت: دعوا من برمح القد قد قد مهجتي وصارم لحظ سله لي على عمد فلا قود في قتل مولى لعبده وإن كان شرعا يقتل الحر بالعبد قوله: (والمسلم بالذمي) لاطلاق الكتاب والسنة وحديث ابن السلماني ومحمد بن المنكدر (أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه وقال: أنا أولى من وفى بذمته.
وقال علي رضي الله عنه: إنما بدلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم(1/98)
كأموالنا، ولهذا يقطع المسلم بسرقة مال الذمي مع أن أمر المال أهون من النفس.
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ولا يقتل مؤمن ولا ذمي بكافر حربي، فقوله: ولا ذو عهد أي ذمي عطف على مؤمن.
ولئن صح أنه روى ذي عهد بالجر فعلى الجوار توفيقا بين الروايتين.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (خلافا له) أي لسيدنا الامام الشافعي.
قوله: (لا هما بمستأمن) أي لا يقتل المسلم والذمي بمستأمن، فإنه غير محقوق الدم على التأبيد، فإنع على عزم العود والمحاربة.
اختيار.
قوله: (للمساواة) أي بين المستأمنين من حيث حقن الدم.
قوله: (لقيام المبيح) وهو عزمه على المحاربة بالعود.
قوله: (وينبغي أن يعول على الاستحسان) يؤيده ما في الهندية عن المحيط أنه ظاهر الرواية ط.
قوله: (ويعضده) أي القياس.
قوله: (عامة المتون) كالوقاية والاصلاح والغرر، ولم يذكر المسألة في الكنز والمجمع والمواهب ودرر البحار.
وأما في الهداية فقال: ويقتل
المستأمن بالمستأمن قياسا، ولا يقتل استحسانا، ومثله في التبيين والجوهرة.
نعم قال في الاختيار: وقيل: لا يقتل، وهو الاستحسان.
قوله: (والبالغ بالصبي) قتل صبيا خرج رأسه واستهل فعليه الدية، ولو خرج نصفه مع الرأس أو الاكثر مع القدمين ففيه القود، وكذا الحكم في قطع عضو من أعضائه.
مجتبى وتاترخانية عن المنتقى.
قوله: (والصحيح) عبر ابن الكمال بالسالم، ثم قال: لم يقل والصحيح لان المفقود في الاعمى هو السلامة دون الصحة، ولذا احتيج إلى ذكر سلامة العينين بعد ذكر الصحة في باب الجمعة.
قوله: (والزمن) هو من طال مرضه زمانا.
مغرب.
قوله: (وناقص الاطراف) لما تقدم من العمومات ولانا لو اعتبرنا التفاوت فيما وراء العصمة من الاطراف والاوصاف، امتنع القصاص وأدى ذلك إلى التقاتل والتغابن.
اختيار.
حتى لو قتل رجلا مقطوع اليدين والرجلين والاذنين والمذاكير ومفقود العينين يجب القصاص إذا كان عمدا.
جوهرة عن الخجندي.
قوله: (لا بعكسه) الاصوب حذف الباء.
قوله: (أي لا يقتص الخ) تفسير لقوله: لا بعكسه.
قوله: (ولو إناثا من قبل الام) تفسير للاطلاق، فلا يقتل الجد لاب أو أم وإن علا وكذا الجدات.
قوله: (بفروعهم) متعلق بقوله: لا يقتص.
قوله: (فلا يكون سببا لافنائهم) أي كلا أو جزءا ليدخل الاطراف،(1/99)
فافهم.
قوله: (وفي الملتقى الخ) قال في الجوهرة: ولو اشترك رجلان في قتل إنسان أحدهما يجب عليه القصاص لو انفرد والآخر لا يجب عليه القصاص كالاجنبي والاب والخاطئ والعامد، أو أحدهما بالسيف والآخر بالعصا فإنه لا يجب عليهما القصاص وتجب الدية، والذي لا يجب عليه القصاص لو انفرد تجب الدية على عاقلته كالخاطئ، والذي يجب عليه القصاص لو انفرد تجب الدية في ماله، وهذا في غير شريك الاب، فأما الاب والاجنبي إذا اشتركا تجب الدية في مالهما، لان الاب لو انفرد تجب الدية في ماله اه.
وسيأتي تمامه آخر الباب الآتي.
قوله: (لا سيد بعبده الخ) لان عبده ماله، فلا يستحق المطالبة على نفسه، والمدبر مملوك، والمكاتب رقيق ما بقي عليه درهم، وعبد ولده في حكم ملكه لحديث: أنت ومالك لابيك لكن عليه الكفارة في الكل كما في الجوهرة.
قوله: (هذا) أي قوله: وعبد ولده وأراد به بيان العلة.
قوله: (كما سيجئ) أي قريبا.
قوله: (ولا بعبد الرهن) أي ولا
يقتل قاتل عبد الرهن حتى يجتمع الراهن والمنرتهن، لان المرتهن لا ملك له فلا يلي القصاص، والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الرهن، فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه اه.
درر.
وفيه أن استيفاء المرتهن قد تم بهلاك الرهن فما الداعي لرضاه بعد سقوط حقه.
وأجيب بأن الاستيفاء غير متقرر لاحتمال عدم القود إما بالصلح أو بدعوى الشبهة بالقتل فيصير خطأ اه ط.
قوله: (وعليه) أي على قول محمد: يحمل ما في الدرر من أنه لا قود وإن اجتمعا.
قوله: (إنه) أي ما في الدرر أقرب إلى الفقه لاشتباه من له الطلب كمكاتب ترك وفاء ووارثا، لكن قال الزيلعي: والفرق بينهما ظاهر، لان المرتهن لا يستحق القصاص لانه لا ملك له ولا ولاء فلم يشبه من له لحق، بخلاف المكاتب كما يأتي.
قوله: (بقي لو اختلفا) أي طلب أحدهما القصاص والآخر الدية، وهذا محترز قوله: حتى يجتمع العاقدان.
قوله: (فالقود للمؤجر) لانه المالك ولم يبق للمستأجر حق فيه ولا في بدله.
قوله: (فإن أجاز المشتري البيع) أي أمضاه على حاله ولم يختر فسخه والرجوع بالثمن على البائع لانه لم يكن موقوفا وإلا لما صحت الاجازة بعد هلاكه.
تأمل.
قوله: (فالقود له) أي للمشتري لانه المالك.
زيلعي.
قوله: (وإن رده) أي فسخ البيع ورجع بالثمن.
قوله: (فللبائع القود) لان البيع ارتفع وظهر أنه المالك.
زيلعي.
قوله: (وقيل القيمة) هو قول [ صحه ] أبي يوسف لانه لم يثبت له القصاص عند الجراحة(1/100)
لان الملك كان للمشتري.
جوهرة.
قوله: (وكذا ابنه وعبده) الضمير للمكاتب.
قوله: (عن وفاء) أي عن مال يفي ببدل كتابته.
قوله: (فاشتبه الولي) فإن قلنا: مات حرا فالولي وارثه أو رقيقا فسيده.
قوله: (لتعينه) أي تعين الولي في الثلاث وهو السيد.
قوله: (وفي أولى الصور الاربع) سبق قلم تبع فيه.
ابن كمال: قال ح: وصوابه ثانية الصور الاربع، وهي ما إذا لم يدع وارثا غير سيد وترك وفاء، لان خلاف محمد فيها كما في الهداية اه.
له أنه اشتبه سبب الاستيفاء، فإن الولاء له مات حرا والملك إن مات عبدا.
ولهما أن الاستيفاء للمولى بيقين على التقديرين.
ثم اعلم أن القود في الرابعة وهي: ما إذا ترك وارثا ولا وفاء له قيده شيخ الاسلام كما في
الكفاية بما إذا لم يكن في قيمته وفاء بالمكاتبة أيضا، فإن كان فيها وفاء لا قصاص وتجب القيمة على القاتل في ماله، لان موجب العمد وإن كان هو القصاص إلا أنه يجوز العدول إلى المال بغير رضا القاتل مراعاة لحق من له القصاص، كما إذا كانت يد القاطع شلاء كان للمقطوع يده العدول إلى المال بلا رضاه مراعاة لحقه لما لم يجب مثل حقه بكماله، فكذا هنا لان القيمة أنفع له لانه يحكم بحريته وحرية أولاده إذا أدى البدل منها وبالقصاص بموت عبد أو لا ينتفع به، فكان القول بوجوب القيمة أولى اه.
وأقره في الدر المنتقى والقهستاني.
قوله: (ورثه على أبيه) أي استحقه.
قهستاني.
فيشمل ثبوته ابتداء، ويوافقه قول الشارح قبله: ومن ملك قصاصا الخ وبه يندفع الايراد الآتي، لكن فيه أن صورة ثبوت القود للفرع على أصله ابتداء تقدمت في قوله: لا بعكسه فلذا عبر هنا بالارث، فتدبر.
قوله: (أي أصله) لما في الخانية: لو كان في ورثة المقتول ولد القاتل أو ولد ولده وإن سفل بطل القصاص وتجب الدية اه.
قوله: (مثلا) أي أو أخاها أو ابنها من غيره.
قوله: (ثم ماتت المرأة) كذا أطلقوه، وينبغي أن يكون موتها بعد ما أبانها زوجها القاتل حتى يظهر كون العلة هي إرث ابنه قصاصا عليه، وإلا كان وارثا منها جزءا من القصاص فيسقط عنه القصاص بذلك أيضا.
قال في التاترخانية: ثلاثة أخوة قتل أحدهم أباهم عمدا فللباقين قتله، فإن مات أحدهما لم يكن للثالث قتله، لان القاتل ورث جزءا من نصيب الميت من القصاص فسقط عنه وانقلب نصيب الآخر مالا فعليه للآخر ثلاثة أرباع الدين في ماله في ثلاث سنين اه.
ملخصا.
وفي القهستاني: قتل أحد الاخوين لاب وأم أباهما عمدا والآخر أمهما، فللاول قتل الثاني بالام ويسقط القود عن الاول لانه ورث من الام الثمن من دم نفسه فسقط عنه ذلك القدر وانقلب الباقي مالا فيغرم لورثة الثاني سبعة أثمان الدية اه.
وتمامه فيه.
قوله: (وأما تصوير صدر الشريعة) حيث(1/101)
قال: أي إذا قتل الاب شخصا وولى القصاص ابن القاتل يسقط اه.
وصورة ذلك، أن يقتل أم ابنه عمدا أو أخا ولده من أمه.
جوهرة.
قوله: (فثبوته فيه للابن ابتداء لا إرثا) بدليل أنه يصح عفو الوارث قبل موت المورث، والمورث يملك القصاص بعد الموت وهو ليس بأهل للتمليك في ذلك
الوقت فيثبت للوارث ابتداء اه.
جوهرة، ثم أجاب بأنه يثبت عند البعض بطريق الارث.
وأجاب في المجتبى بأن المستحق للقصاص أولا هو المقتول، ثم يثبت للوارث بطريق الخلافة والوراثة، بدليل أن المجروح إذا عفا سقط القصاص، ولو لم يثبت له أولا لم سقط بعفوه اه.
تأمل.
قوله: (لو عفا المجروح الخ) أراد به الحر، إذ العبد لا يصح عفوه لان القصاص لمولاه لا له.
شرنبلالية عن البدائع.
ثم إنه لم يبين هل العفو عن الجراحة أو عن الجراحة وما يحدث منها أو عن الجناية؟ وهل ذلك في العمد أو الخطأ؟ وهل تجب الدية في مال الجاني أو على العاقلة أو تسقط؟ وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى في فصل في الفعلين.
قوله: (لانعقاد السبب لهما) أي للمجروح أصالة وللوارث نيابة قبل موت المجروح.
تأمل وارجع إلى ما في المنح عن الجوهرة.
قوله: (لما مر) أي في قوله (كأن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا).
قوله: (ليبين موجبه) فيه أنه بين موجب الخطإ فيم تقدم فهو تكرار اه.
قوله: (قلت الخ) هو من كلام الزاهدي في المجتبى وإن أوهم كلام المصنف في المنح خلافه.
تنبيه: قال في المعراج: علم مسلما بعينه قد جاء به العدو مكرها فعمده بالرمي وهو يعلم حاله يجب القود قياسا ولا يجب استحسانا، لان كونه في موضع إباحة القتل يصير شبهة في إسقاط القصاص، وعليه الدية في ماله ولا كفارة.
ولو قال وليه قصدته برميك بعد علمك أنه مكره وقال الرامي بل قصدت المشركين فالقول للرامي لتمسكه بالاصل وهو إباحة الرمي إلى صفهم اه.
وتمامه فيه.
قوله: (فينبغي الاقدام على قتله) أي ينبغي جواز الاقدام عليه، والاولى حذف الفاء لانه جواب لو.
وفي الاشباه من أحكام الجان: لا يجوز قتل الجني بغير حق كالانسي.
قال الزيلعي: قالوا: ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء التي تمشي مستوية لانها من الجان، لقوله عليه الصلاة والسلام (اقتلوا ذا الطفيتين والابتر، وإياكم والحية والبيضاء فإنها من الجن وقال الطحاوي: لا بأس بقتل الكل (لانه عليه الصلاة والسلام عاهد الجن أن لا يدخلوا بيوت أمته ولا يظهروا أنفسهم، فإذا خالفوا فقد نقضوا العهد فلا حرمة لهم والاولى هو الانذار والاعذار، فيقال لها: ارجعي بإذن الله أو خلي طريق المسلمين، فإن أبت قتلها، والانذار إنما يكون خارج الصلاة اه.
وتمامه هناك.
قوله: (خلافا(1/102)
للشافعي) حيث أبت قتلها، والانذار إنما يكون خارج الصلاة اه.
وتمامه هناك.
قوله: (خلافا للشافعي) حيث قال: يقتل بمثل ما قتل به، إلا إذا قتل باللواطة أو إيجار الخمر فيقتل بالسيف.
قوله: (أو بنوع آخر) أي من غير السلاح كأن ساق عليه دابته أو ألقاه في نار.
هو الناقص العقل من غير جنون.
منح.
قوله: (ولابي المعتوه القود) لانه من الولاية على النفس لانه شرع للتشفي فيليه الاب كالانكاح، ولكن كل من ملك الانكاح لا يملك القود، فإن الاخ يملك الانكاح ولا يملك القود لانه شرع للتشفي الصدر، وللاب سفقة كاملة يعد ضرر الولد نفسه، فلذا جعل التشفي للاب كالحاصل للابن بخلاف الاخ، كذا في شروح الهداية.
واعترضهم الاتقاني بأن الاخ يملكه أيضا إذا لم يكن ثمة أقرب منه، فإن كان ثمة أقرب منه لم يملك الانكاح أيضا، لان من يستحق الدم هو الذي يستحق مال المقتول على فرائض الله تعالى، الذكر والانثى في ذلك سواء حتى الزوج والزوجة، وبه صرح الكرخي اه.
وفيه نظر، لانه إذا قتل ابن المعتوه مثلا كان هو المستحق لدمه لانه المستحق لماله.
وإذا كان للمعتوه أخ أو عم ولا أب له كيف يقال إن الاخ أو العلم يستحق دم ابن المعتوه في حياة المعتوه مع أنه لا ولاية له على المعتوه أصلا؟ على أن وصي المعتوه الذي له الولاية عليه ليس له القود فكيف الاخ الذي لا ولاية له، نعم لو كان المقتول هو المعتوه نفسه صح ما قاله وكأنه اشتبه عليه الحال، ولهذا قال في السعدية: إن الكلام فيما إذا قتل ولي المعتوه كابنه وأبو المعتوه حي لا فيما إذا قتل المعتوه اه.
قوله: (ملك الصلح بالاولى) لانه أنظر في حق المعتوه.
هداية قوله: (بقطع يده وقتل وليه) تنازعه كل من القود والصلح والعفو.
قوله: (وقتل وليه) أي ولي المعتوه كابنه وأمه منح.
وفي بعض النسخ: وقتل قريبه وهو أظهر، وبه فسر الولي في النهاية ثم قال: يعني إذا كان للمعتوه ابن فقتل ابنه فلابي المعتوه وهو جد المقتول ولاية استيفاء القصاص وولاية الصلح اه.
قوله: (لانه إبطال حقه) علة لقوله: لا العفو مجانا.
قوله: (وتقيد صلحه) أي صلح الاب.
قوله: (وإن وقع بأقل منه لم يصح الصلح) اعترضه الاتقاني بأن محمدا لم يقيده بقدر الدية بل أطلق.
وفي مختصر الكرخي: إذا وجب لرجل على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فصالحه على
مال جاز قليلا كان أو كثيرا.
ونقل الشلبي عن قارئ الهداية أن هذا الاعتراض وهم.
قال أبو السعود: كيف يكون وهما مع ما صرح به الكرخي اه.
أقول: عبر في النهاية وغيرها من شروح الهداية بدل قوله: لم يصح الصلح بقوله: لم يجز الحط وإن قل يجب كمال الدية اه.
فأفاد أن الصلح صحيح دون الحط ولذا وجب كمال الدية وإلا(1/103)
كان الواجب القود، وبه يحصل التوفيق بين كلامهم، فما صرح به الكرخي وأفاده كلام الامام محمد من صحة الصلح المراد به صحته بإلزام تمام الدية، وهو مراد من قال: لم يجز الحط، وقول الشارح هنا تبعا للمنح: لم يصح الصلح مراده لم يلزم بذلك القدر الناقص، ولو عبر بما قاله شراح الهداية لكان أنسب، وبه ظهر أن اعتراض الامام الاتقاني في غير محله، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (لانه أنظر للمعتوه) الواقع في كلامهم ذكر هذا التعليل عند قوله: ملك الصلح كما قدمناه، والظاهر التعليل هنا بأن فيه إبطال حقه نظير ما قبله.
قوله: (والصلح) ينبغي على قياس ما تقدم في الاب أن يتقيد صلحه بقدر الدية أو أكثر ط: أي فلا يجوز الحط بالاولى.
قوله: (والوصي كالاخ يصالح) الوصي مبتدأ وجمل يصالح خبر وكالاخ حال والكاف فيه للتنظير، والصواب إسقاطه، لكن قال الرحمتي: أي في كونه لا يملك القود لا في أن الاخ يصالح لانه لا ولاية له على التصرف في مال أخيه اه.
وهو بعيد.
قوله: (يصالح عن القتل فقط) أي ليس له العفو لما مر، ولا القود لانه ليس له ولاية على نفسه، وهذا من قبيله.
ابن كمال.
وكان الاولى إسقاط قوله: عن القتل فإن له الصلح عن الطرف أيضا.
نعم في صلحه عن القتل اختلاف الرواية.
والحاصل كما في غاية البيان عن البرذوي: أن الروايات اتفقت في أن الاب له استيفاء القصاص في النفس وما دونها، وأن له الصلح فيهما جميعا لا العفو، وفي أن الوصي لا يملك استيفاء النفس ويملك ما دونها، ويملك الصلح فيما دونها ولا يملك العفو.
واختلفت الروايات في صلح الوصي في النفس عى مال.
ففي الجامع الصغير هنا يصح، وفي كتاب الصلح لا يصح اه ملخصا.
وذكر الرملي ترجيح الرواية الاولى.
قوله: (استحسانا) وفي
القياس لا يملكه، لان المقصود متحد وهو التشفي.
هداية.
قوله: (لانه يسلك بها مسلك الاموال) ولهذا جوز أبو حنيفة القضاء بالنكول في الطرف.
إتقاني.
قوله: (والصبي كالمعتوه) أي إذا قتل قريب الصبي فلابيه ووصيه ما يكون لابي المعتوه ووصيه، فلابيه القود والصلح لا العفو وللوصي الصلح فقط، وليس للاخ ونحوه شئ من ذلك، إذ لا ولاية له عليه كما قررناه في المعتوه.
وفي الهندية عن المحيط: أجمعوا على أن القصاص إذا كان كله للصغير ليس للاخ الكبير ولاية الاستيفاء، ويأتي تمامه قريبا.
تتمة: أفتى الحانوتي بصحة صلح وصي الصغير على أقل من قدر الدية إذا كان القاتل منكرا ولم يقدر الوصي على إثبات القتل قياسا على المال، لما في العمادية من أن الوصي إذا صالح على حق الميت أو عن حق الصغير على رجل: فإن كان مقرا بالمال أو عليه بينة أو قضى عليه به لا يجوز الصلح على أقل من الحق، وإن لم يكن كذلك يجوز اه.
قوله: (وللكبار القود الخ) أي إذا قتل رجل له ولي كبير وصغير كان للكبير أن يقتل قاتله عنده لانه حق مشترك.
وفي الاصل: إن كان الكبير أبا استوفى القود بالاجماع وإن كان أجنبيا بأن قتل عبد مشترك بين أجنبيين وصغير وكبير ليس له ذلك.
وفي الكلام(1/104)
إشارة إلى أنه لو كان الكل صغارا ليس للاخ والعلم أن يستوفيه كما في جامع الصغار، فقيل ينتظر بلوغ أحدهم، وقيل: يستوفي السلطان كما في الاختيار والقاضي كالسلطان، وإلى أنه لو كان الكل كبارا ليس للبعض أن يقتص دون البعض ولا أن يوكل باستيفائه، لان في غيبة الموكل احتمال العفو، فالقصاص يستحقه من يستحق ماله على فرائض الله تعالى، ويدخل فيه الزوج والزوجة كما في الخلاصة، وإلى أنه لا يشترط القاضي كما في الخزانة، وإلى أنه لو كان القتل خطأ لم يكن للكبير إلا استيفاء حصة نفسه كما في الجامع.
قهستاني.
وقوله: لا يشترط القاضي: أي قضاؤه، فمن له القصاص له أن يقتص سواء قضى به أو لا كما في البزازية.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما: ليس لهم ذلك إلا أن يكون الشريك الكبير أبا للصغير، نهاية.
وقاساه على ما إذا كان مشتركا بين كبيرين وأحدهما غائب.
قوله: (والاصل الخ) استدلال لقول الامام، قال في الهداية: وله أنه حق لا يتجزى
لثبوته بسبب لا يتجزى وهو القرابة واحتمال العفو من الصغير منقطع: أي في الحال، فيثبت لكل واحد كملا كما في ولاية الانكاح، بخلاف الكبيرين لان احتمال العفو من الغائب ثابت اه.
واعترض سعدي كون السبب هو القرابة بأنه يثبت للزوج والزوجة ولا قرابة.
وأجاب الطوري بأنه على التغليب، أو بأن المراد بها الاتصال الموجب للارث.
قوله: (وأمان) أي أمان المسلم الحربي.
قوله: (إلا إذا كان الكبير أجنبيا عن الصغير) قال في النهاية: بأن كان العبد مشتركا بين صغير وأجنبي فقتل عمدا ليس للاجنبي أن يستوفي القصاص قبل بلوغه بالاجماع، إلا أن يكون للصغير أب فيستوفيانه حينئذ اه.
ثم قال ناقلا عن المبسوط: لان السبب الملك وهو غير متكامل لكل واحد منهما، فإن ملك الرقبة يحتمل التجزي، بخلاف ما نحن فيه فإن السبب فيه القرابة وهو مما لا يحتمل التجزي، وتمامه فيه.
مبحث شريف وظاهر هذا التصوير والتعليل، ومثله ما قدمناه آنفا عن القهستاني عن الاصل أن المراد بالاجنبي من كان شريكا في الملك لا في القرابة، فلو قتل رجل وله ابن عمة كبير وابن خالة صغير وهما أجنبيان فللكبير القصاص، لان السبب القرابة للمقتول وهو مما لا يتجزى، وكذا لو قتل عن زوجة وابن صغير من غيرها فللزوجة القصاص لان مرادهم بالقرابة ما يشمل الزوجية كما مر.
وبه أفتى العلامة ابن الشلبي في فتاواه المشهورة فيمن قتل امرأة عمدا ولها زوج وابن صغير من غيره فأجاب للزوج القصاص قبل بلوغ الولد، ولكن يخالفه في فتاوى العلامة الحانوتي حيث أفتى فيمن قتل عمدا وله بنت بالغة وابن صغير وأربع زوجات بأنه ينتظر بلوغ الابن لكون بعض الزوجات أجنبيات عنه أخذا من عبارة الزيلعي اه.
فليتأمل في ذلك.
قوله: (كما مر) أي أول الفصل.
قوله: (ولو قال الخ) أفاد أن ولي القصاص له استيفاؤه بنفسه وأمر غيره به كما صرح به في البزازية، لكن ليس للغير استيفاؤه(1/105)
بغيبة الموكل كما قدمناه عن القهستاني.
قوله: (أي بعد قتل الاجنبي) مصدر مضاف إلى فاعله.
قوله: (كنت أمرته) أي أمرت الاجنبي.
قوله: (لا يصدق) لان فيه إسقاط حق غيره وهو ولي القاتل الاول.
قوله: (يعني الخ) أفاده المصنف في المنح، وبه علل في الظهيرية حيث قال: لانه أجبر عما يملك.
قوله: (كما هو القاعدة) وهي أن من حكى أمرا إن ملك استئنافه للحال صدق وإلا فلا، كما لو أخبر وهي في العدة أنه راجعها صدق، ولو بعدها فلا إن كذبته إلا ببرهان، وهنا يملك استئناف الاذن بالحفر ولا يملك الاذن بالقتل لفوات محله وهو المقتول.
قوله: (وظاهره الخ) أي ظاهر قول المتن: لو قتل القاتل أجنبي وجب القصاص الخ أن ولي المقتول الاول يسقط حقه رأسا أي يسقط من الدية كما سقط من القصاص، مثل لو مات القاتل بلا قتل أحد.
ووجه الظهور أن المصنف لم يتعرض لشئ من ذلك وهو ظاهر، لما تقدم من أن موجب العمد القود عينا فلا يصير مالا بالتراضي ولم يوجد هنا، ثم رأيته في التاترخانية حيث قال في هذه المسألة: وإذا قتل القاتل بحق أو بغير حق سقط عنه القصاص بغير مال، وكذا إذا مات.
قوله: (ولو استوفاه) الخ أي استوفى القصاص الواجب لجماعة، وكان ينبغي ذكر هذه المسألة قبل قوله (ولو قتل القاتل أجنبي) فإنها من متعلقات ما قبلها، وقد ذكرها الشراح تأييدا لاصل الامام أن القصاص يثبت لكل على الكمال فقالوا: والدليل عليه لو استوفى أحدهم لا يضمن للباقين شيئا ولا للقاتل، ولو لم يكن جميع القصاص واجبا له لكان ضامنا باستيفاء الكل.
قوله: (دم بين اثنين) أي وجب لهما على آخر.
وعبارة الدرر من هنا إلى قوله وإلا فلا.
وأما عبارة المجتبى فنصها: ولو كان الدم بين اثنين فعفا أحدهما وقتله الآخر، فإن لم يعلم بعفو شريكه يقتل قياسا لا استحسانا وإن علم بعفوه، فإن لم يعلم بحرمته وقال: ظننت أنه يحل لي قتله لا يقتل والدية في ماله، وإن علم بالحرمة يقتل سواء قضى القاضي بسقوط القصاص في نصيب الساكت أو لم يقض، وهذا كمن أمسك رجلا حتى قتله الآخر عمدا فقتل ولي القتيل الممسك فعليه القصاص قضى القاضي بسقوط القصاص على الممسك أو لم يقض اه.
قوله: (بخلاف) مرتبط بقوله وإلا فلا والممسك والنصب مفعول قتل، وفي تعبيره نوع خفاء ومؤداه ما قدمناه.
قوله: (مما لا يشكل على الناس) أي لا يخفى عليهم أن الممسك لا يحل قتله، بخلاف ما عفا عنه أحد أولياء القتيل فإنه يخفى أنه يسقط حق الباقي أو لا، بل في الدرر على المحيط أنه(1/106)
مجتهد فيه، فعند البعض لا يسقط القصاص بعفو أحدهما فصار ظنه شبهة.
قوله: (فبينة ولي المقتول أولى) هذا موافق لما ذكره صاحب القنية في باب البينتين المتضادتين.
وعلله بعضهم بأنه بينة الاولياء مثبتة وبينة الضارب نافية، لكنه مخالف لما ذكره صاحب الخلاصة في آخر كتاب الدعوى بقوله: رجل ادعى على آخر أنه ضرب بطن أمته وماتت بصربه فقال المدعى عليه في الدفع: إنها خرجت بعد الضرب إلى السوق لا يصح الدفع، ولو أقام البينة أنها صحت بعد الضرب تصح، ولو أقاما البينة هذا على الصحة والآخر على الموت بالضرب فبينة الصحة أولى.
كذا في البزازية ومشتمل الاحكام.
وبه أفتى الفاضل أبو السعود اه.
كذا في تعارض البينة للشيخ غانم البغدادي وما ذكره المصنف هنا مشى عليه أيضا في كتاب الشهادات قبيل باب الاختلاف في الشهادة تبعا للبحر، فتأمل.
قوله: (فبينة زيد أولى) لانها قامت على قول صاحب الحق لا على النفي ط.
قوله: (ليس لورثته الدعوى) لان الوارث يدعي الحق للميت أولا ثم ينتقل إليه بالارث، والمورث لو كان حيا لا تقبل دعواه لانه متناقض، فكذا لا تصح دعوى من يدعي له.
ولوالجية.
وقيد ذلك في كتاب القول لمن بقوله قال صاحب المحيط: هذا إذا كان الجارح أجنبيا، فإن كان وارثا لا يصح اه.
أقول: الظاهر أن ما نقله عن المحيط فيما إذا كانت الجراحة خطأ لانه يكون في المعنى إبراء لوارثه عن المال، وقيد ط كلام المصنف بقوله مقيد بالقتل العمد، وأما إذا كان خطأ والمسألة بحالها فإنها تقبل البينة ويسقط من الدية ثلثها، ويعد قوله: لم يجرحني إسقاطا للمال فلا ينفذ إلا من الثلث اه.
ولم يعزه لاحد.
قوله: (وفي الدرر عن المسعودية الخ) تكرار مع ما تقدم قبيل قوله (لا قود بقتل مسلم مسلما) اه ح.
قوله: (على آخر) أي على رجل آخر أجنبي عن المورث بقرينة ما بعده.
قوله: (وقد أكذبهم) أي أكذب الشهود كما في حاشية الاشباه عن مجموع النوازل.
قوله: (فبرهن ابنه على ابن آخر) عبارة الاشباه: فبرهن ابنه أن فلانا آخر جرحه، والصواب ما هنا ولذا قال البيري: إن ما في الاشباه خلاف المنقول، فتنبه.
قوله: (لقيامها على حرمانه الارث) بيان للفرق بين ما إذا أقيمت البينة على أجنبي فلا تقبل كما تقدم وبين ما إذا أقيمت على ابن المجروح.
قال في الظهيرية: ووجهه أن البينة قامت على حرمان الولد الارث، فلما أجزنا ذلك في الميراث جعلنا الدية على عاقلته اه.
قوله:
(ولم يعلم به) وكذا إذا علم بالاولى ط.
قوله: (لا قصاص ولا دية) ويرث منه هندية ط.
قوله: (حتى(1/107)
أكله) أي باختياره، والاولى حتى شربه.
قوله: (ولو أوجره الخ) أي صبه في حلقه على كره، وكذا لو ناوله وأكرهه على شربه حتى شرب فلا قصاص وعلى عاقلته الدية.
تاترخانية.
ثم قال: وفي الذخيرة ذكر المسألة في الاصل مطلقا بلا خلاف ولم يفصل.
ولا يشكل على قول أبي حنيفة لان القتل حصل بما لا يجرح فكان خطأ العمد على مذهبه.
وأما على قولهما، فمنهم من قال: عندهما على التفصيل إن كان ما أوجر من السم مقدارا يقتل مثله غالبا فهو عمد وإلا فخطأ العمد، ومنهم من قال: إنه على قولهم جميعا خطأ العمد مطلقا اه.
ملخصا.
ذكر السائحاني أن شيخه أبا السعود ذكر في باب قطع الطريق أنه لو قتل بالسم قيل: يجب القصاص لانه يعمل عمل النار والسكين، ورجحه السمرقندي اه.
أي إذا أوجره أو أكرهه على شربه كما لا يخفى.
قوله: (فلا يلزم إلا التعزير والاستغفار) أي لارتكابه معصية بتسببه لقتل النفس.
تنبيه: أقر أنه أهلك فلانا بالدعاء أو بالسهام الباطنة أو بقراءة الانفال لا يلزمه شئ لانه كذب محض، لانه يؤدي إلى ادعاء علم الغيب المنفي بقوله تعالى: * (لا يعلم الغيب إلا الله) * (1) (النمل: 56) ولم يوجد نص بإهلاكه بهذه الاشياء، وبإقرار كاذبا لا يلزمه شئ، كما لو أقر ببنوة رجل هو أكبر من المقر سنا.
ولو أقر أنه أهلك فلانا بقراءة أسماء الله تعالى القهرية اختلف المشايخ فيه لوقوعها، والاصح أنه لا يلزمه شئ لان الشرع لم يجعله من آلة القتل وسببه اه.
بيري عن حاوي القنية.
ولم يذكر ما إذا أقر أنه قتله بالاصابة بالعين، فتأمل.
قوله: (ما يعمل به في الطين) قال العيني: المر بفتح الميم وتشديد الراء: وهو خشبة طويلة في رأسها حديدة عريضة من فوقها خشبة عريضة يضع الرجل عليها ويحفر بها الارض.
قوله: (بل قتله بظهره الخ) وإن أصابه بالعود فهي مسألة القتل بالمثقل، وقد مرت أول الكتاب.
معراج: أي يكون شبه عمد وتقدم الكلام فيه.
قوله: (أن الاصح اعتبار الجرح الخ) صرح بذلك في الهداية أيضا، ولم يتعقبه الشراح فكان النقل عنها أولى لانها أقوى.
قوله: (فلا قود عند أبي حنيفة) لانه لم يقصد ضربه بآلة جارحة: ولوالجية.
أقول: وهذا موافق لما تقدم من تعريف العمد بأن يتعمد ضربه بآلة تفرق الاجزاء.
ويؤخذ منه أنه لو قصد ضربه بالسيف في هذه الصورة يلزمه القود لحصول الجرح بآلة القتل مع قصد الضرب.
وأما ما قدمناه عن المجتبى أول الكتاب من أنه لا يشترط في العمد قصد القتل فمعناه أنه بعد قصد ضربه
__________
(1) قوله: (لا يعلم الغيب إلا الله) كذا بالاصل المقابل على خط المؤلف، والتلاوة (لا يعلم من في السموات والارض للغيب إلا الله) اه مصححه.(1/108)
المحدد لا يشترط قصد القتل، فالشرط هو قصد الضرب دون القتل، ثم لا يلزم من وجود القتل بالمحدد كونه عمدا لانه قد لا يكون خطأ فلذا شرط قصد الضرب به، وهنا إذا لم يقصد ضربه بالسيف لم يكن عمدا وإن حصل القتل به.
قوله: (كالخنق) متصل بقوله: وإلا لا والخنق بكسر النون.
قال الفارابي: ولا يقال بالسكون وهو مصدر خنقه: إذا عصر حلقه، والخناق فاعله، والخناق بالكسر والتخفيف: ما يخنق به من حبل أو وتر.
اه.
مغرب.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما فيه القود.
وفي الولوالجية: هذا إذا دام على الخنق حتى مات أما إذا تركه قبل الموت، ينظر: إن دام على الخنق بمقدار ما يموت منه الانسان غالبا يجب القصاص عندهما ولا فلا إجماعا اه.
وكذا في التغريق يشترط أن يكون الماء عظيما بحيث لا تمكنه النجاة ليكون عندهما عمدا موجبا للقصاص، فلو قليلا لا يقتل غالبا، أو عظيما تمكن النجاة منه بالسباحة بأن كان غير مشدود وهو يحسن السباحة فهو شبه عمد.
أفاده في التاترخانية وغيرها.
قوله: (ولو أدخله بيتا) كذا أطلقه في التاترخانية عن المحيط.
وفيها عن الظهيرية: ولو قيده وحبسه في بيت الخ.
والظاهر أن المعتبر عدم القدرة على الخروج سواء قيده أو لا.
قوله: (وقالا: تجب الدية) في التاترخانية عن المحيط: والكبرى تجب عليه الدية.
وفيها عن الخانية والظهيرية: تجب على عاقلته، فالظاهر أن الاول على حذف مضاف.
تأمل.
وفي الظهيرية: والفتوى على قول أبي حنيفة أنه لا شئ عليه.
وقال ط أول الكتاب: وفي شرح الحموي عن خزانة المفتين: لو طرحه في بئر أو من ظهر جبل أو سطح لم يقتل به، ولو طين على إنسان بيتا حتى مات جوعا أو عطشا لم يضمن، وقالا: عليه الدية لانه سبب يؤدي إلى التلف فيجب الضمان، وهو المختار في زماننا لمنع الظلمة من الظلم اه.
قوله: (عن
محمد يقاد) بناء على أنه يجب عنده في شبه العمد القود كما نقله في المعراج أو على أن هذا عمد.
ففي التاترخانية يقاد فيه لانه قتله عمدا، وهذا قول محمد، والفتوى أنه على عاقلته الدية اه.
والفرق بينه وبين ما إذا حبسه حتى مات جوعا حيث كان الفتوى على أنه لا شئ عليه كما مر، هو أن الجوع والعطش من لوازم الانسان، أما هنا فد مات غما وذلك ليس من لوازمه، فيضاف للفاعل كما أفاده في الظهيرية (بخلاف قتله الخ) فإنه لا قود فيه.
قال الاتقاني: إذا والى الضربات بالسوط الصغير والعصا الصغيرة لا يجب به القصاص.
وقال الشافعي: يجب إذا والى على وجه لا تحتمله النفس عادة اه.
ونقل قبله أنه شبه مد عن أبي حنيفة، وعندهما عمد.
قوله: (كما سيجئ) لم أره.
قوله: (لو اعتد الخنق الخ) في الخانية: ولو خنق رجلا لا يقتل إلا إذا كان خناقا معروفا خنق غير واحد فيقتل سياسة اه.
وعبارة الشارح قبيل كتاب الجهاد: وإلا بأن خنق مرة لا يقتل ذكره بعد قول المصنف هناك، ومن تكرر الخنق منه في المصر قتل به، ومفاده أن التكرار يحصل بمرتين، ثم هذا غير خاص بالخنق لما قدمه في شبه العمد أنه لا قود فيه إلا أن يتكرر منه فللامام قتله سياسة.
قوله: (ولو بعد مسكه) أي بعد ما وقع في يد الامام، وإن تاب قبله قبلت، مجتبى.
قوله: (فلا قود فيه ولا دية) وكذت لو أدخله في بيت وأدخل معه سبعا وأغلق عليه الباب فقتله السبع، وكذا لو(1/109)
نهشته حية أو لسعته عقرب، وإن فعل ذلك بصبي فعليه الدية.
تتاترخانية.
ونقل ط مثله عن الهندية، وقوله فعليه الدية: أي على عاقلته على حذف مضاف بدليل ما يأتي إذ لا يصدق عليه قتل العمد على قول الامام.
تأمل.
وانظر ما الفرق بين الصبي والرجل، وسيذكر المصنف قبيل باب القسامة: لو غصب صبيا حرا فمات بصاعقة أو نهش حية فديته على عاقلة الغاصب، وعلله الشارح هناك بأنه متسبب، وذكر أنه لو نقل الحر الكبير مقيدا ولم يمكنه التحرز ولم يمكنه التحرز عنه ضمن الخ، ومقتضاه عدم الفرق بين الكبير والصغير، وهذا موافق للرواية التي ذكرها هنا عن البزازية.
وسيأتي تمام الكلام على ذلك هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو قمط صبيا الخ) ذكره في التاترخانية، وذكر قبله.
ولو أن رجلا قمظ صبيا أو رجلا ثم وضعه في الشمس فعليه الدية.
اه: أي على عاقلته كما قدمنا.
تأمل.
ولينظر ما
الفرق بين الشمس وبين السبع فإنه لا حكم لفعل كل منهما، وفي كل متسبب بالقتل، والظاهر أنه مفرع على تلك الرواية.
قوله: (فرسب) قال فيف المغرب: رسب في الماء رسوبا: سفل من باب طلب.
قوله: (وغرق الخ) أي وعلم موته منه.
قال في التاترخانية: ولو أنه حين طرح رسب في الماء ولا يدري مات أو خرج ولو ير له أثر لا شئ عليه ما لم يعلم أنه قد مات.
قوله: (فعلى عاقلته الدية) أي مغلظة.
تاترخانية.
قوله: (ولو سبح ساعة الخ) وكذا لو كان جيد بالسباحة.
تاترخانية.
قوله: (لانه في حكم الميت) فلو مات ابنه وهو على تلك الحالة ورثه ابنه ولم يرث هو من ابنه.
ذخيرة ط.
قوله: (إلا إذا كان يعلم الخ) تبع فيه المصنف في المنح، وصوابه أن يقول: وإن كان يعلم القاتل أنه لا يعيش به فإنه الذي رأيته في الخانية والخلاصة والتاترخانية والبزازية.
قوله: (شق بطنه الخ) في التاترخانية: شق بطنه وأخرج أمعاءه ثم ضرب رجل عنقه بالسيف عمدا فالقاتل هو الثاني، وإن كان خطأ تجب الدية، وعلى الشاق ثلث الدية، وإن نفذت إلى جانب آخر فثلثاها، هذا إذا كان مما يعيش بعد الشق يوما أو بعض يوم، وإن كان بحال لا يتوهم معه وجود الحياة ولم يبق معه إلا اضطراب الموت، فالقاتل هو الاول فيقتص بالعمد وتجب الدية بالخطإ اه ملخصا.
ولعل الفرق بينه وبين من هو من النزاع أن النزاع غير متحقق، فإن المريض قد يصل إلى حالة شبه النزاع، بل قد يظن أنه قد مات ويفعل به كالموتى ثم يعيش بعده طويلا، بخلاف من شق بطنه وأخرج أمعاؤه فإنه يتحقق موته، لكن إذا كان فيه من الحياة ما يعيش معها يوما فإنها حياة معتبرة شرعا كما مر في الذبائح فلذا كان القاتل هو الثاني، وأما لو كان(1/110)
يضطرب اضطراب الموت من الشق فالحياة فيه غير معتبرة أصلا فهو ميت حكما فلذا كان القاتل هو الاول، هذا ما ظهر لي، فتأمل.
قوله: (إلا إذا وجد ما يقطعه الخ) قال في المنح: لان الجرح سبب ظاهر لموته فيحال الموت عليه ما لم يوجد ما يقطعه كحز الرقبة والبرء منه اه.
والحز بالمهملة فالمعجمة: القطع، والضمير في منه للجرح.
قوله: (وقدمنا الخ) أي في هذا الفصل، وأشار به إلى قاطع آخر.
قوله: (ضمن زيد ثلث الدية في ماله) لان العاقلة لا تتحمل لعمد وإنما لم يقتص لما مر، ويأتي من أنه لا قصاص على شريك من قصاص بقتله لعدم تجزيه.
قوله: (فصارت ثلاثة أجناس) فكأن
النفس تلفت بثلاثة أفعال، فالتلف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية.
هداية قوله: (ومفاده) أي مفاد التعليل.
قوله: (ليكون فعله الخ) إذ لو كان غير مكلف لهدر في الدارين كفعل الاسد، فيكون على زيد نصف الدية.
قوله: (وأن لا يزيد على الثلث لو تعدد قاتله) بأن كان مع زيد غيره فيشترك هو وغيره في الثلث.
أقول: ذكر في متفرقات التاترخانية: لو جرحه رجل جراحة وجرحه آخر جراحة ثم انضم إليه ما هو هدر فعلى كل واحد منهما ثلث الدية وثلثها هدر اه.
ومثله في الجوهرة قبيل جناية المملوك.
وفي تكملة الطوري: ولو قطع رجل يده وجرحه آخر وجرح هو أيضا نفسه وافترسه سبع ضمن القاطع ربع الدية والجارح ربعها لان النفس تلفت بجنايات أربعة ثنتان منها معتبرتان اه.
ومثله يأتي متنا آخر باب ما يحدثه في الطريق: لو استأجر أربعة لحفر بئر فوقعت فمات أحدهم سقط الربع ووجب على كل واحد الربع فظهر أن المنقول خلاف ما ذكره، فتنبه.
أقول: يؤخد من ذلك جواب حادثة الفتوى في زماننا فيمن جرح صبيا بسكين في بطنه، فظهر بعض أمعائه فجئ له بمن يخيط الجرح ويرد الامعاء فلم يكمنه ذلك إلا بتوسيع الجرح، فأذن له أبو الصبي بذلك ففعل ثم مات تلك الليلة، فينبغي أن يجب نصف الدية على الجارح في ماله لان الفعل الآخر مأذون به فكان هدرا كما سيأتي.
قوله: (ويجب قتل من شهر سيفا) شهر سيفه كمنع وشهره: انتضاه فرفعه على الناس.
قاموس.
قوله: (على المسلمين) تنازعه كل من يجب وشهر.
وعبارة الجامع الصغير: شهر على المسلمين سيفا، قال: حق على المسلمين أن يقتلوه ولا شئ عليهم اه.
وذكر أبو السعود عن الشيخ عبد الحي بحثا أن أهل الذمة كالمسلمين.
قوله: (يعني في الحال) أي حال شهره السيف عليهم قاصدا ضربهم لا بعد انصرافه عنهم فإنه لا يجوز قتله كما يأتي.
قوله: (كما نص عليه ابن الكمال) أي على كونه حالا، والاولى أن يقول كما إشار إليه، لانه لم(1/111)
ينص عليه وإنما أخذ بطريق الاشارة من قوله: دفع فإن الدفع لا بطء فيه ط.
قوله: (وصرح به في الكفاية) ليس هذا في عبارة ابن الكمال.
وعبارة الكفاية: أي إنما يجب القتل لان دفع والضرر
واجب اه.
وفي المعراج: معنى الوجوب وجوب دفع الضرر لا أن يكون عين القتل واجبا.
قوله: (ويأتي ما يؤيده) أي يؤيد أن المراد له قتله إذا لم يمكن دفع ضرره إلا به وذلك في عبارة صدر الشريعة الآتية قريبا وعبارة المتن بعدها.
قوله: (ولا شئ بقتله) أي إذا كان مكلفا كما يعلم من قوله الآتي: وإن شهر المجنون الخ ولما لم يكن عين القتل واجبا كان محتملا أن يكون القتل موجبا للضمان فصرح بعدمه.
أفاده ابن الكمال.
قوله: (ولا يقتل) معطوف على قوله: (لا شئ بقتله).
قوله: (على رجل) أي قاصدا قتله بدلالة الحال لا مزاحا ولعبا أفاده الزيلعي في الطلاق وأفاد بهذه المسألة أن الواحد كالمسلمين.
قوله: (ليلا أو نهارا الخ) لان السلاح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل.
هداية: أي ليس فيه مهلة للدفع بغير القتل.
قوله: (أو شهر عليه عصا الخ) لان العصا الصغيرة وإن كانت تلبث ولكن في الليل لما يلحقه الغوث، فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر في الطريق لا يحلقه الغوث، قالوا: فإن كان عصا لا يلبث يحتمل أن يكون مثل السلاح عندهما.
هداية.
قوله: (فقتله المشهور عليه) أي أو غيره دفعا عنه.
زيلعي.
وفي الكفاية: ولو ترك المشهور عليه قتله يأثم.
قوله: (عمدا) أي بمحدد ونحوه، وكذا شبه العمد بالاولى.
قوله: (تجب الدية) أي لا القصاص لوجود المبيح وهو دفع الشر.
وتمامه في الهداية.
قوله: (ومثله الصبي والدابة) أي مثل المجنون في وجوب الضمان، لكن الواجب في الصبي الدية أيضا.
وفي الدابة القيمة.
وذكر الرملي أنه لو كان المجنون أو الصبي عبدا فالواجب القيمة كالدابة المملوكة.
تأمل.
اه.
أقول: وفي النهاية ما نضه: وأجمعوا على أنه لو كان الصائل عبدا أو صيد الحرم لا يضمن.
كذا ذكره الامام التمرتاشي اه.
ومثله في المعراج.
وذكر الفرق بينهما وبين الدابة العلامة الاتقاني في غاية البيان عن شرح الطحاوي فراجعه.
قوله: (أو غيره الخ) لا حاجة إليه، وليس بمحل وهم حتى يقويه بالنقل، فتدبر ط.
قوله: (عادت عصمته) فإذا قتله بعد ذلك فقد قتل شخصا معصوما مظلوما فيجب عليه القصاص.
زيلعي.
قوله: (ما دام شاهرا السيف) أي مع قصد الضرب.
قوله: (ليلا) مفهومه أنه(1/112)
لو نهارا ليس له قتله لانه يلحقه الغوث بالصراخ.
قوله: (دون مالك) أي لاجل مالك.
عناية وغيرها.
قول: (وكذا لو قتله قبل الاخذ الخ قال في الخانية: رأى رجلا يسرق ماله فصاح به ولم يهرب أو رأى رجلا يثقب حائطه أو حائط غيره وهو معروف بالسرقة فصاح به ولم يهرب حل له قتله ولا قصاص عليه اه.
قوله: (وفي الصغرى الخ) يريد به تقييد ما أطلقه المتون والشروح مع أنها لاتقيد بما في الفتاوى.
قال الماتن في آخر قطع الطريق: ويجوز أن يقاتل دون ماله وإن لم يبلغ نصابا، ويقتل من يقاتله عليه.
وقال في المنح عن البحر: استقبله اللصوص ومعه مال لا يساوي عشرة حل له أن يقاتلهم، لقوله عليه الصلاة والسلام: قاتل دون مالك واسم المال يقع على القليل والكثير اه.
سائحاني.
قوله: (بزازية) ونصها قبيل كتاب الوصايا قتله صاحب الدار وبرهن على أنه كابره فدمه هدر، وإن لم تكن له بينة إن لم تكن له بينة إن لم يكن المقتول معروفا بالشر والسرقة قتل صاحب الدار قصاصا، وإن متهما به في القياس يقتص.
وفي الاستحسان: تجب الدية في ماله لورثة المقتول لان دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا المال اه.
قوله: (مع ذلك) لا حاجة إليه ط.
قوله: (لقدرته على دفعه الخ) أنظر ما إذا لم يقدر المسلمون والقاضي كما هو مشاهد، في زماننا، والظاهر أنه يجوز له قتله لعموم الحديث ط.
قوله: (مباح الدم) بأن قتل أو زنى، ومثله ما لو شرب الخمر أو فعل غيره مما يوجب الحد كما ذكره العلامة السندي في المنسك المتوسط، وصرح بأن المرتد كذلك، لكن قدمنا آخر كتاب الحج عن المنتقى بالنون أنه يعرض عليه الاسلام، فإن أسلم سلم وإلا قتل.
ونقله القاري في شرح المنسك عن النتف، وذكر أنه مخالف لاطلاقهم، إلا ن يقال: إباء المرتد عن الاسلام جناية في الحرم وهو الظاهر.
ثم ذكر عن البدائع أن الحربي لو التجأ إلى الحرم لا يقتل فيه ولا يخرج عندهما.
وقال أبو يوسف: يباح إخراجه منه.
قوله: (فيخرج من الحرم) أي يخرج هو بنفسه.
قوله: (فيقتص منه) وكذا يحد.
ففي الخانية عن أبي حنيفة: لا تقطع يد السارق في الحرم خلافا لهما.
وإن فعل شيئا من ذلك في الحرم يقام عليه الحد فيه.
قوله: (ولو قتل في البيت الخ) ومثله سائر المساجد لان المسجد يصان عن مثل(1/113)
ذلك اه.
رحمتي.
قوله: (بسيف) قيد به لقوله: وتجب الدية في ماله فلو قتله بمثقل فالدية على
العاقلة ط.
قوله: (وفي الصحيح) وبه جزم في عمدة المفتي، بل في مختصر المحيط أنه بالاتفاق كما في شرح الوهبانية.
قوله: (وسقوط القود) كالاستدراك على قوله (لان الاباحة لا تجري في النفس) فإن المتبادر منه القصاص ط.
قوله: (وكذا لو قال) أي وكان هو الوارث.
قوله: (لو ابنه صغيرا يقتص) أي قياسا، والظاهر أن الصغير غير قيد ومثله الاخ.
وعبارة البزازية: وفى الوااقعات أقتل إبنى وهو صغير فقتله يقتص.
ولو قال: أقطع يده فقطعها عليه القصاص.
ولو قال: أقتل أخي فقتله وهو وارثه ففي رواية عن الثاني وهو القياس يجب القصاص.
وعن محمد عن الامام: الدية، وسوى في الكفاية بين الابن والاخ.
وقال في القياس: يجب القصاص في الكل.
وفى الاستحسان: تجب الدية.
وفى الايضاح ذكر قريبا منه اه.
قوله: (فقتله يقتص) لانه بيع باطل وهو ليس بأذن بالقتل فليس كقوله: اقتلني ط.
قوله: (وفى إقطع يده يقتص) لان ولاية الاستيفاء ليست له بل للاب فلم يكن أمره مسقطا للقصاص.
رحمتي.
تأمل.
قوله: (وفي شج إبني الخ) هذه المسألة لم أرها في الخانية بل هي مذكورة في المجتبى.
ونصه: ولو أمره أن يشجه فشجه فلا شئ عليه، فإن مات منها كان عليه الدية اه.
والضمير في شجه يحتمل عوده على الامر أو على الابن المذكور في المجتبى قبله.
والثانى هو ما فهمه الشارح، لكن فيه أنه لا يظهر الفرق بين القطع والشجة، فليتأمل.
قوله: (وقيل لا الخ) مقابل قوله: (وتجب الدية في ماله) في الصحيح.
قوله: (وإن سرى لنفسه ومات) عزا في التتارخانية إلى شيخ الاسلام.
وفيها عن شرح الطحاوي: قال لاخر: إقطع يدي، فإن كان بعلاج كما إذا وقعت في يده أكلة فلا بأس به، وإن من غير علاج لا يحل، ولو قطع في الحالين فسرى إلى النفس لا يضمن اه.
قوله: (ولو قال إقطعه) أي الطرف المفهوم من الاطراف.
قوله: (وبطل الصلح) أي ما رضي به بدلا عن الارش.
تنبيه: قال في الفصل 33 من جامع الفصولين: وقد وقعت في بخارى واقعة، وهى رجل قال لاخر: إرم السهم إلي حتى آخذه فرمى إليه فأصاب عينه فذهب.
قال ح: لم يضمن كما لو قال له: إجن علي فجنى، وهكذا أفتى بعض المشايخ به، وقاسوه على مالو قال: إقطع يدي.
وقال صاحب المحيط: الكلام في وجوب القود، ولا شك أنه تجب الدية في ماله لانه ذكر في الكتاب: لو تضاربا(1/114)
بالوكز فذهبت عين أحدهما يقاد لو أمكن لانه عمد، وإن قال كل منهما للاخر: ده ده، وكذا لو بارزا على وجه الملاعبة أو التعليم فأصابت الخشبة عينه فذهبت يقاد إن أمكن اه.
وقال العلامة الرملي في حاشيته عليه: أقول: في المسألة قولان: قال في مجمع الفتاوى: ولو قال كل واحد لصاحبه: ده ووكز كل منهما صاحبه وكسر سنه فلا شئ عليه بمنزلة ما لو قال: اقطع يدي فقطعها.
كذا في الخانية اه.
والذي ظهر في وجه ما في الكتاب أنه ليس لازم قوله: ده ده إباحة عينه لاحتمال السلامة مع المضاربة بالوكزة كاحتمالها مع رمي السهم فلم يكن قوله: ارم السهم إلى قوله: ده ده صريحا في إتلاف عضوه، بخلاف قوله: اقطع يدي أو اجن علي فلم يصح قياس الواقعة عليه، والمصرح به أن الاطراف كالاموال يصح الامر فيها.
تأمل.
اه.
قوله: (لغير القاتل) وكذا للقاتل لوجود العلة فيه.
أفاده الحموي.
وانظر هل يسقط القصاص في الصورتين؟ ط.
والظاهر أنه لا يتوقف في عدم السقوط، إذ لا معنى لعدم جوازه إلا ذلك.
قوله: (عفو الولي عن القاتل أفضل) ويبرأ القاتل في الدنيا عن الدية والقود لانهما حق الوارث.
بيري.
قوله: (لا تصح توبة القاتل حتى يسلم نفسه للقود) أي لا تكفيه التوبة وحدها.
قال في تبيين المحارم: واعلم أن توبة القاتل لا تكون بالاستغفار والندامة فقد بل يتوقف على إرضاء أولياء المقتول، فإن كات القتل عمدا لا بد أن يمكنهم من القصاص منه، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا عفوا عنه مجانا، فإن عفوا عنه كفته التوبة اه ملخصا.
وقدمنا آنفا أنه بالعفو عنه يبرأ في الدنيا، وهل يبرأ فيما بينه وبين الله تعالى؟ هو بمنزلة الدين على رجل فمات الطالب وأبرأته الورثة يبرأ فيما بقي، أما في ظلمة المتقدم لا يبرأ، فكذا القاتل لا يبرأ عن ظلمة ويبرأ عن القصاص والدية.
تاترخانية.
أقول: والظاهر أن الظلم المتقدم لا يسقط بالتوبة لتعلق حق المقتول به، وأما ظلمه على نفسه بإقدامه على المعصية فيسقط بها.
تأمل.
وفي الحامدية عن فتاوى الامام النووي مسألة فيمن قتل مظلوما فاقتص وارثه أو عفا عن الدية
أو مجانا هل على القاتل بعد ذلك مطالبة في الآخرة؟ الجواب: ظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة في الآخرة اه.
وكذا قال في تبيين المحارم: ظاهر بعض الاحاديث يدل على أنه لا يطالب.
وقال في مختار الفتاوى: القصاص مخلص من حق الاولياء، وأما المقتول فيخاصمه يوم القيامة، فإن بالقصاص ما حصل فائدة للمقتول وحقه باق عليه اه.
وهو مؤيد لما استظهرته.
قوله: (وفرق الفقهاء) أي بين القصاص والحدود فيشترط الامام لاستيفاء الحدود دون القصاص.
حموي.
قال في الهندية: وإذا قتل الرجل عمدا وله ولي واحد فله أن يقتله قصاصا، قضى القاضي به أو لم يقض اه.
قوله: (يجوز(1/115)
القضاء بعلمه في القصاص) مبني على أن القاضي يقضي بعلمه في غير الحدود.
والفتوى اليوم على عدم جواز القضاء بعلمه مطلقا.
حموي اه ط.
وسيذكر الشارح في أول جنايات المملوك.
قوله: (القصاص يورث) سيأتي بيانه في أول باب الشهادة في القتل.
قوله: (لا الحد) شمل حد القذف، وهو محمول على ما بعد المرافعة.
أما قبلها فهو جائز.
وفي الحاوي: إذا ثبت الحد لم يجز الاسقاط، وإذا عفا المقذوف عن القاذف فعفوه باطل، وله أن يطالب بالحد اه.
إلا إذا قال لم يقذفني أو كذب شهودي فإنه يصح كما في البحر عن الشامل، والمراد من بطلان العفو أنه إذا عاد وطلبه حد لان العفو كان لغوا فكأنه لم يخاصم إلى الآن، وليس المراد أن الامام له أن يقيمه بعد ذهاب المقذوف وعفوه، أفاده أبو السعود في حاشبة الاشباه ط.
قوله: (بخلاف الحد) فإن التقادم يمنعه والتقادم في الشرب بذهاب الريح، وفي حد غيره بمضي شهر وقد مضى في الحدود ط.
قوله: (لا الحد) فلا تجوز الشفاعة فيه بعد الوصول للحاكم، أما قبل الوصول إليه والثبوت عنده فتجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه، لان الحد لم يثبت كما في البحر.
وفي البيري قال الاكمال في حديث: (اشفعوا تؤجروا) ولا يتناول الحديث الحدود فتبقى الشفاعة لارباب الحوائج المباحة كدفع الظلم أو تخليص خطأ وأمثالهما، وكذا العفو عن ذنب ليس فيه حد إذا لم يكن المذنب مصرا، فإن كان مصرا لا يجوز حتى يرتدع عن الذنب والاصرار اه.
ومثله في حاشية الحموي عن شرح مسلم للامام النووي.
قوله: (السابعة الخ) قال في الاشباه: تسمع الشهادة بدون الدعوى في الحد الخالص والوقف وعتق الامة وحريتها الاصلية، وفيما تمحض لله تعالى كرمضان، وفي الطلاق والايلاء والظهار اه.
قوله:
(سوى حد القذف) وكذا حد السرقة لما تقدم في محله أن طلب المسروق منه المال شرط القطع، فلو أقر أنه سرق مال الغائب توقف على حضوره ومخاصمته.
تنبيه: زاد الحموي ثامنة، وهي اشتراط الامام لاستيفاء الحدود دون القصاص.
قال أبو السعود: ويزاد تاسعة، وهي جواز الاعتياض في القصاص بخلاف حد القذف، حتى لو دفع القاذف مالا للمقذوف ليسقط حقه فإنه يرجع به اه.
أقول: ويزاد عاشرة، وهي صحة رجوعه عن الاقرار في الحد.
قوله: (لا يضمن إجماعا) لانه شغل ملكه، كما لو قصد أخذ ثيابه فدفعه حتى قتله لم يضمن.
منح عن القنية.(1/116)
وفي معراج الدراية: ومن نظر في بيت إنسان من ثقب أو شق باب أو نحوه فطعنه صاحب الدار بخشبة أو رماه بحصاة ففقأ عينه يضمن عندنا.
وعند الشافعي: لا يضمن، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة وفقأت عينه لم يكن عليك جناح).
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: في العين نصف الدية وهو عام، ولان مجرد النظر إليه لا يبيح الجناية عليه، كما لو نظر من الباب المفتوح وكما لو دخل بيته ونظر فيه أو نال من امرأته ما دون الفرج لم يجز قلع عينه، لان قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم) الحديث يقتضي عدم سقوط عصمته، والمراد بما روى أبو هريرة المبالغة في الرجز عن ذلك اه.
ومثله في ط عن الشمني.
وقوله: وكما لو دخل بيته الخ مخالف لما ذكره الشارح، ألا أن يحمل ما ذكره على ما إذا لم يمكن تنحيته بغير ذلك، وما هنا على ما إذا أمكن، فليتأمل.
والله تعالى أعلم.
باب القود فيما دون النفس لما فرغ من بيان القصاص في النفس أتبعه بما هو بمنزلة التبع وهو القصاص في الاطراف.
عناية.
ثم اعلم أنه لا يقاد جرح إلا بعد برئه خلافا للشافعي كما سيأتي آخر الشجاج.
قوله: (رعاية حفظ المماثلة) الاولى الاقتصار على المتن، فإن الرعاية الحفظ ط.
قوله: (فيقاد الخ) أي سواء حصل
الضرب بسلاح أو غيره، لما قدمه أنه ليس فيما دون النفس شبه عمد.
قوله: (من المفصل) وزان مسجد: أحد مفاصل الاعضاء.
مصباح.
قوله: (من نصف ساعد الخ) المراد به ما لا يكون من المفصل.
قوله: (أو من قصبة أنف) أتى بمن عطفا على من الاولى لا على ساعد، لانه لا قصاص بقطع القصبة كلها أو نصفها لانها عظم كما في الجوهرة.
قوله: (لامتناع حفظ المماثلة) لانه قد يكسر زيادة من عضو الجاني أو يقع خلل فيه زائد ط.
قوله: (وإن كانت يده أكبر منها) أي من المقطوعة، وهذا بخلاف ما إذا شجه موضحة فأخذت الشجة ما بين قرني المشجوج ولا تأخذ ما بين قرني الشاج لكبر رأسه حيث اعتبر الكبر، وخير المشجوج بين الاقتصاص بمقدار شجته وبين أخذ أرض الموضحة، لان المعتبر في ذلك الشين، وبالاقتصاص بمقدارها يكون الشين في الثانية أقل، وبأخذه ما بين قرني الشاج زيادة على حقه فانتفت المماثلة صور ومعنى، فإن شاء استوفاها معنى وهو مبقدار شجته ويترك الصورة، وإن شاء أخذ أرشها.
أما اليد الكبيرة والصغيرة فمنفعتها لا تختلف.
عناية وغيرها.
وقيد بالكبر لانه لا تقطع الصحيحة بالشلاء ولا اليمنى باليسرى وعكسه كما في الجوهرة.
ويأتي تمامه.
قوله: (والمارن) هو ما لان من الانف، واحترز به عن القصبة كما مر.
قال ط: وإذا قطع بعضه لا يجب.
ذخيرة.
وفي الارنبة حكومة عدل على الصحيح.
خزانة المفتين.
وإن كان أنف القاطع أصغر خير المقطوع أنفه الكبير إن شاء قطع وإن شاء أخذ الارش.
محيط.
وكذا إذا كان قاطع الانف أخشم لا يجد الريح، أو أصرم الانف أو بأنفه نقصان من شئ أصابه، فإن المقطوع مخير بين القطع وبين أخذ(1/117)
دية أنفه.
ظهيرية اه.
قوله: (والاذن) أي كلها، وكذا بعضها إن كان للقع حد يعرف تمكن فيه المماثلة وإلا سقط القصاص.
إتقاني.
ولو كانت أذن القاطع صغيرة، أو خرقاء أو مشقوقة والمقطوعة كبيرة أو سالمة خير المجني عليه: إن شاء قطع، وإن شاء ضمن نصف الدية، وإن كانت المقطوعة ناقصة كان له حكومة عدل.
تاترخانية.
قوله: (وكذا عين الخ) ولو كبيرة بصغيرة وعكسه، وكذا يقتص من اليمنى باليسرى لا بالعكس، بل فيه الدية خلافا للخانية.
ولو ذهب بياضها ثم أبصر فلا
شئ عليه: أي إن عاد كما كان، فلو دونه فحكومة كما لو ابيضت مثلا كما في القهستاني عن الذخيرة.
در منتقى.
أقول: قوله وكذا يقتص الخ في القهستاني خلافه.
والذي في الخانية هو ما يذكره عن المجتبى قريبا.
وفي الجوهرة: أجمع المسلمون على أنه لا تؤخذ العين اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى ا ه.
ويأتي تمامه قريبا فتنبه.
قوله: (فزال ضوءها) قال بعضهم: يعرف ذلك إذا أخبر رجلان من أهل العلم به.
وقال ابن مقاتل بأن لا تدمع إذا قوبلت مفتوحة للشمس.
قوله: (فيجعل الخ) هذه الحادثة وقعت في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه، فشاور الصحابة فلم يجيبوه حتى جاء علي وقضى بالقصاص وبين هكذا ولم ينكر عليه فاتفقوا عليه.
معراج.
قوزله: (بمرآة) بكسر الميم ومد الهمزة: آلة الرؤية.
ورأيت بخط بعض العلماء أن المراد بها هنا: فولاذ صقيل يرى به الوجه لا المرآة المعروفة من الزجاج.
قوله: (وعن الثاني الخ) عبارة المجتبى: ولو فقأ عينا حولاء والحول لا يضر ببصره يقتص منه، وإلا ففيه حكومة عدل.
عن أبي يوسف: لا قصاص في فق ء العين الحولاء مطلقا اه.
وظاهره ترجيح الاول، وعليه اقتصر في الخانية نقلا عن أبي الحسن، لكن قال قبله بورقة: ولا قصاص في عين الاحول، وظاهره الاطلاق، وعادته تقديم ما هو الاشهر فلذا اقتصر عليه الشارح، وكذا ظاهر كلام الشرنبلالية الميل إليه، فافهم.
تنبيه: ضرب عين إنسان فابيضت بحيث لا يبصر بها لا قصاص فيه عند عامة العلماء لتعذر المماثلة فقأ عين رجل وفي عين الفاقئ بياض ينقصها فللرجل أن يفقأ البيضاء أو أن يأخذ أرش عينه.
على جنى على عين فيها بياض يبصر بها وعين الجاني كذلك فلا قصاص بينهما.
وفي العين القائمة الذاهب نورها حكومة عدل، وكذا لو ضربها فابيض بعد الناظر أو أصابها قرحة أو ريح أو سبل أو شئ مما يهيج بالعين فنقص من ذلك.
تاترخانية.
قوله: (كموضحة) هي التي توضح العظم: أي تظهره، وكذا يجب القصاص فيما دونها في ظاهر الرواية كما سيأتي في الشجاج.
قوله: (إلا السن استثناء متصل أو منقطع، فإن الاطباء اختلفوا فقيل: إنه عصب يابس، لانه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة؟ وقيل: عظم، وكأنه وقع عند صاحب الهداية أنه عظم حتى قال، والمراد منه غير السن، وعليه فالاستثناء متصل.(1/118)
والفرق بينه وبين غيره إمكان المساواة بأن يبرد بالمبرد.
معراج وعناية.
قوله: (لما مر) أي من اتحاد المنفعة وفيه إشارة إلى أنها أصلية سليمة.
ففي القهستاني: أل للعهد: أي سن أصلية فلا قصاص في السن الزائدة اه: أي بل فيها حكومة عدل كما في التاترخانية.
وفيها أيضا: وسن الجاني سوداء أو صفراء أو حمراء أو خضراء، إن شاء المجني عليه اقتص أو ضمنه أرش سنه خمسمائة، ولو المعيب سن المجني عليه فله الارض حكومة عدل ولا قصاص.
قوله: (موضع أصل السن) بدل مما قبله ط.
قوله: (ويسقط ما سواه) أي ما كان داخلا في اللحم.
قوله: (إذ لا بما تفسد لهاته) أي لو قلع، والتعبير باللهاة وقع في النهاية، وتبعه الزيلعي والمصنف والشارح، والصواب لثاته كما وقع في الكفاية.
قال في المغرب: اللهاة: لحمة مشرفة على الحلق، وقوله: من تسحر بسويق لا بد أن يبقى بين أسنانه ولهاته شئ كأنه تصحيف لثاته وهي لحمات أصول الاسنان اه.
قوله: (وبه أخذ صاحب الكافي) أي بالقول بالبرد، وعليه مشى شراح الهداية، وعزوه إلى الذخيرة والمبسوط، وتبعهم في الجوهرة والتبيين، ولم يتعرضوا للقول بالقلع أصلا، بل قالوا: لا تقلع وإنما تبرد، مع أنه في الهداية قال: ولو قلع من أصله يقلع الثاني فيتماثلان، وكأن الشراح لم يرتضوا به لكن مشى عليه في مختصر الوقاية والملتقى والاختيار والدرر وغيرها.
ونقل الطوري عن المحيط أن في المسألة روايتين.
ونقل بعضهم عن المقدسي أنه قال: ينبغي اختيار البرد خصوصا عند تعذر القلع، كما لو كانت أسنانه غير مفلجة بحيث يخاف من قلع واحد أن يتبعه غيره أو أن تفسد اللثة اه.
قلت: يؤيده ما في شرح مسكين عن الخلاصة: النزع مشروع، والاخذ بالمبرد احتياط اه.
قوله: (قال المصنف الخ) لم أره في المنح ولا في المجتبى.
قوله: (كما تبرد إلى أن يتساويا إن كسرت) هذا إذا لم يسود الباقي، وإن اسود لا يجب القصاص، فإن طلب المجني عليه استيفاء قد المكسورة وترك ما اسود لا يكون له ذلك.
وفي ظاهر الرواية: إذا كسر السن لا قصاص فيه.
خانية.
وسيأتي في كتاب الديات.
وفي البزازية قال القاضي الامام: وفي كسر بعض السن إنما يبرد بالمبرد إذا كسر عن عرض، أما لو عن طول ففيه الحكومة اه.
شرنبلالية.
وفي التاترخانية: إن كسر مستويا يمكن
استيفاء القصاص منه اقتص، وألا فعليه أرض ذلك، في كل سن خمس من الابل أو البقر اه.
فعلم تقييده أيضا بما إذا أمكن فيه المساواة.
وفي الخانية: ضرب سم رجل فاسود فنزعها آخر فعلى الاول أرش تام خمسمائة، وعلى الثاني حكومة عدل اه.
وفيها: كسر ربع سم رجل وربع سن الكاسر (1) مثل سن المكسور: ذكر ابن رستم أن يكسر من الكاسر، ولا يعتبر فيه الصغر والكبر بل يكون على قدر ما كسر، وكذا لو قطع أذن إنسان أو يده وأذن القاطع أو يده أطول اه.
تنبيه: قال في الخلاصة: ولو كسر بعض السن فسقط الباقي لا يجب القصاص في المشهور من
__________
(1) قوه: (وربع سن الكاسر) أقول: الظاهر أن لفظة ربع زائدة اه مؤلفه.(1/119)
الرواية، ولو ضربها فتحركت ولم تتغير فقلعها آخر فعلى كل حكومة عدل اه.
قوله: (فإن لم تثبت يقتص) أي فيما إذا قلعت.
وذكر في المجتبى أيضا أنه إذا كسر بعضها ينتظر حولا، فإذا لم تتغير تبرد، وكذا ذكر فيما إذا تحركت ينتظر حولا، فإن احمرت أو اخضرت أو اسودت تجب ديتها في ماله.
قال: وفي الاصفرار اختلاف المشايخ.
قوله: (وقيل: يؤجل الصبي) عبارة المجتبى: والاصل عندنا أنه يستأني في الجنايات كلها عمدا كان أو خطأ، ومحمد ذكر الاستيناء في التحريك دون القلع.
واختلف في القلع.
قال القدوري: يستأني الصبي دون البالغ، وقيل: يستأني فيهما اه.
ونقل ط عن الظهيرية: إن ضرب سن رجل فسقطت ينتظر حتى يبرأ موضع السن، ولا ينتظر حولا إلا في رواية المجرد، والصحيح هو الاول، لان نبات سن البالغ نادر اه.
وسينقله الشارح في الشجاج عن الخلاصة والنهاية، ويأتي تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فلو مات الصبي في الحول برئ) أي لو مات الصبي قبل تمام السنة فلا شئ على الجاني عند أبي حنيفة.
مجتبى.
قوله: (وكذا الهلاف الخ) قال في المجتبى: إذا استأنى في التحريك فلم يسقط فلا شئ عليه.
وقال أبو يوسف: تجب حكومة عدل الالم: أي أجر القلاع والطبيب، وإن سقط يجب القصاص في العمد، والدية في الخطأ، فإن قال
الضارب سقط لا بضربتي فالقول للمضروب استحسانا اه.
زاد في التاترخانية: وليس هذا في شئ من الجنايات إلا في السن للاثر، فإن جاء بعد السنة والسن ساقط فقال الضارب سقط في السنة فالقول للمضروب أنها سقطت من ضربه، وإن قال بعد السنة فللضارب.
قوله: (حكومة عدل الالم) حكومة العدل بمعنى الارش فكأنه قال: أرش الالم اه ح، أو يقال: الاضافة بيانية: أي حكومة هي عدل الالم: أي ما يعادله من الدراهم.
تأمل.
قوله: (أي أجر القلاع) الذي رأيته في التاترخانية (أجر العلاج.
قوله: (وسنحققه) أي في أثناء فصل الشجاج وفي آخره.
قوله: (والحاصل الخ) أفاد أن ذلك ليس خاصا في السن بل غيرها كذلك.
قال في الجوهرة: أجمع المسلمون على أنه لا تؤخذ العين اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى، وكذا اليدان والرجلان وكذا أصبعهما، ويؤخذ إبهام اليمنى باليمنى والسبابة بالسبابة والوسطى بالوسطى، ولا يؤخذ شئ من أعضاء اليمنى إلا باليمنى ولا اليسرى إلا باليسرى اه.
قوله: (ولا قود عندنا الخ) فيجب الارش في ماله حالا.
جوهرة.
قوله: (في طرفي رجل وامرأة) عبارة القدوري: ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس الخ.
ومفاده أن المراد بالطرف ما دون النفس فيشمل السن والعين والانف، ونحوها، وهو مفاد الدليل الآتي.
وفي الكفاية: فإن قيل قوله تعالى: * (والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن) * (المائدة: 54)(1/120)
مطلق يتناول مواضع النزاع.
قلنا: قد خص منه الحربي المستأمن والعام إذا خص يجوز تخصيصه بخبر الواحد اه.
وفي الشرنبلالية عن المحيط: قيل: لا يجري القصاص في الشجاج بين الرجل والمرأة، لان مبناه على المساواة في المنفعة والقيمة ولم توجد.
وقيل: يجري، ونص عليه محمد في المبسوط، لان في قطع الاطراف تفويت المنعة وإلحاق الشين وقد تفاوتا، وليس في هذه الشجاج تفويت منفعة، وإنما هو إلحاق الشين وقد تساويا فيه اه.
واقتصر في الاختيار على الثاني، فتأمل.
قوله: (بدليل الخ) قال الزيلعي: ولنا أن الاطراف يسلك بها مسلك الاموال لانها وقاية الانفس كالاموال، ولا مماثلة بين
طرفي الذكر والانثى للتفاوت بينهما في القيمة بتقويم الشارع، ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين للتفاوت في القيمة، وإن تساويا فيها فذلك بالحرز والظن وليس بيقين فصار شبهة فامتنع القصاص، بخلاف طرفي الحرين لان استواءهما متيقن بتقويم الشرع، وبخلاف الانفس لان القصاص فيها يتعلق بإزهاق الروح ولا تفاوت فيه اه.
وبه يحصل الجواب عن قول الامام الشافعي الآتي حيث ألحق الاطراف بالانفس.
قوله: (قلت: هذا هو المشهور) وهو المذكور في الشروح والمستفاد من إطلاق المتون فكان هو المعتمد.
وقد ذكر في الكفاية الفرق بين عدم جواز استيفاء الناقص بالكامل هنا وبين جوازه فيما يأتي إذا كان القاطع أشل أو ناقص الاصابع بما حاصله لان النقصان هنا أصلي فيمنع القصاص لفوات محله، وفيما يأتي كان التساوي ثابتا في الاصل والتفاوت بأمر عارض.
قوله: (ولا بين عبدين) فلصاحب العبد الاعلى اختيار الاستيفاء من الادنى ط.
قوله: (وطرف المسلم والكافر) أي وطرف الكافر: أي الذمي سيان: أي متساويان فيجري فيهما القصاص، وكذا بين المرأتين المسلمة والكتابية، وكذا بين الكتابيتين.
جوهرة.
قوله: (ولا في قطع يد الخ) أي بل فيه حكومة عدل.
إتقاني.
قوله: (لما مر) أي من امتناع رعاية المماثلة ط.
قوله: (ولا في جائفة برئت) لان البر نادر فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا.
هداية.
والجائفة: هي التي تصل إلى البطن من الصدر أو الظهر أو الببطن فلا قصاص لانتفاء شرطه، بل يجب ثلث الدية، ولا تكون الجائفة في الرقبة والحلق واليدين والرجلين، ولو في الانثيين والدبر فهي جائفة.
إتقاني.
قوله: (فإن سارية) بأن مات منها.
والاخصر أن يقال: فلو لم تبر ينتظر البرء أو السراية فيقتص.
قوله: (به يفتى) وهو الصحيح.
قهستاني عن المضمرات.
وهو مفاد إطلاق المتون ولا سيما والاستثناء من أدوات العموم وهو قولهم إلا أن يقطع الحشفة، فيفيد أن لا(1/121)
قصاص في قطع غيرها أصلا.
قوله: (لكن جزم قاضيخان بلزوم القصاص) يعني في الذكر وحده إذا قطع من أصله لا في اللسان، فإن قال في الخانية: رجل قطع لسان إنسان: ذكر في الاصل أنه لا قصاص فيه.
قال أبو يوسف: لا قصاص في بعض اللسان اه.
ثم قال في الخانية: وفي قطع الذكر من الاصل عمدا قصاص، وإن قطع من وسطه فلا قصاص فيه، وهذا في ذكر الفحل، فأما في ذكر الخصي والعنين حكومة عدل.
وفي ذكر المولود: إن تحرك يجب القصاص إن كان عمدا، والدية إن كان خطأ، وإن لم يتحرك كام فيه حكومة عدل.
ولا قصاص في قطع السان اه.
فقد فرق بين اللسان والذكر كما ترى، ولعله لعسر استقصاء اللسان من أصله، بخلاف الذكر، لكن قاضيخان نفسه حكى في شرحه على الجامع الصغير رواية أبي يوسف في الذكر واللسان، وصحح قول الامام، فإنه قال فيما إذا قطع ذكر مولود بدا صلاحه بالتحريك، وإن قطع الذكر من أصله عمدا اختلفت الروايات فيه: روى بشر عن أبي يوسف أنه يجب في القصاص.
وروى محمد عن أبي حنيفة عدمه اه ملخصا.
ثم قال: وإن قطع لسان صبي قد استهل ففيه حكومة عدل لانه لم يعرف صلاحه بالدليل، وإن تكلم ففيه دية كاملة، ولم يذكر فيه القود فدل على أنه لا يجب القصاص في اللسان قطع كله أو بعضه، وهكذا روي عن أبي حنيفة، وعن أبي يوسف: إذا قطع الكل يجب القصاص.
والصحيح قول أبي حنيفة اه.
وقد علمت أن قول الامام هو ظاهر إطلاق المتون.
وفي القهستاني أنه ظاهر الرواية.
وفي تصحيح العلامة قاسم: والصحيح ظاهر الرواية.
قوله: (إن قطع الذكر ذكره من أصله) كذا في عامة النسخ، ولفظ الذكر ساقط من عبارة الشرنبلالية، والمراد به الرجل وهو فاعل قطع في ذكره مفعوله: أي ذكر رجل آخر، واحترز بذلك عما لو كان القاطع أو المقطوع امرأة فإنه لا قصاص كما لا يخفى.
قوله: (وأقره في الشرنبلالية) لكن قال الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية: والفتوى على أنه لا قصاص في اللسان والذكر، وهو قول الجمهور كما في الهداية وغيرها اه.
قوله: (وسيجئ) أي أول كتاب الديات.
قوله: (فإن كان القاطع أشل) أي في حال القطع، أما إذا كانت يد القاطع صحيحة ثم شلت بعد القطع فلا حق للمقطوع في الارش، لان حق المقطوع متقررا في اليد فيسقط بقدر هلاك المحل اه ط عن الولوالجية.
قوله: (أو كان رأس الشاج أكبر) بأن كانت الشجة تستوعب ما بين قرني المشجوج دون الشاج، وفي عكسه يخير أيضا لانه يتعذر الاستيفاء كملا للتعدي إلى غير حقه، وكذا إذا كانت الشجة في طول الرأس وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه ولا تبلغ إلى قفا الشاج فهو بالخيار.
هداية.
قوله: (خير المجني عليه الخ) لان استيفاء
الحق كملا متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه، وله أن يعدل إلى العوض.(1/122)
ولو سقطت: أي يد الجاني الآفة قبل اختيار المجني عليه أو قطعت ظلما فلا شئ عندنا لان حقه متعين في القصاص، وإنما ينتقل إلى المال باختياره فيسقط بفواته، بخلاف ما إذا قطعت بحق عليه من قصاص أو سرقة حيث يجب عليه الارش، لانه: أي الجاني أوفى به حقا مستحقا فصارت سالمة له، هداية.
قال الزيلعي: بخلاف النفس إذا وجب على القاتل القصاص لغيره فقتل به حيث لا يضمن لانها ليست بمعنى المال فلم تسلم له.
قوله: (مجتبى) نقله عنه في المعراج وأقره، وذكره في التاترخانية أيضا: قوله: (لا تقطع الصحيحة بالشلاء) هذا نظير ما قدمه من أنه لا تقاد العين الصحيحة بالحولاء.
وفي التاترخانية: إذا كان باليد المقطوعة جراحة لا توجب نقصان دية اليد بأن كان نقصانا، لا يوهن في البطش فإنه لا يمنع وجوب القصاص، وإن كان يوهن حتى يجب بقطعه حكومة عدل لا نصف الدية كان بمنزلة اليد الشلاء، ولا تقطع الصحيحة بالشلاء اه.
ملخصا.
قوله: (ويسقط القود بموت القاتل) ولا يجب للولي شئ من التركة.
قهستاني.
وكذا يسقط فيما دون النفس كما هو ظاهر.
أفاده الرملي.
وقدمنا آنفا أنه يسقط أيا لو تلفت يد القاطع لآفة أو ظلما لا لو بحق.
قوله: (ولو قليلا) بخلاف الخطإ فإن الدية مقدرة شرعا والصلح على أكثر منها ربا.
وأما القصاص فليس بمال فكان التقويم بالعقد فيقوم بقدر ما أوجبه الصلح قل أو كثر.
معراج.
وبه ظهر أن الظاهر أن يقول ولو كثيرا، ليكون إشارة إلى الفرق بين الخطإ والعمد.
تدبر.
قوله: (ويجب حالا عند الاطلاق) لانه ثبت بعقد، والاصل في مثله الحلول كثمن ومهر.
حموي.
وأشار بقوله عند الاطلاق إلى أنه لا يتأجل إلا بالشرط.
أفاده البدر العيني آخر فصل الشجاج ط.
قوله: (وقيل على العاقلة) جرى عليه في الاختيار وشرح المجمع، ورده محشيه العلامة قاسم بما في الاصل والجامع الصغير والمبسوط والمحيط والهداية والكافي وسائر الكتب أنه على القاتل في ماله.
قال: وهو الثابت في رواية ودراية.
وتمامه في ط.
وكذا رده في تصحيحه بأنه ليس قولا لاحد مطلقا.
قوله: (بالصلح) متعلق بأمر.
قوله: (إن جرح كل واحد جرحا مهلكا) أي معا لا متعاقبا كما يعلم من قوله قبل هذا الباب: قطع عنقه وبقي
من الحلقوم قليل الخ.
وفي الجوهرة: إذا جرحه جراحة لا يعيش معها وجرحه آخر أخرى فالقاتل هو الاول وهذا إذا(1/123)
كانت الجراحتان على التعاقب، فلو معا فهما قاتلان اه.
زاد في الخلاصة: وكذا لو جرحه رجل عشر جراحات والآخر واحدة فكلاهما قاتلان، لان لمرى قد يموت بواحدة ويسلم من الكثير.
وفي القهستاني عن الخانية: لو قتلا رجلا أحدهما بعصا والآخر بحديد عمدا لا قصاص، وعليهما الدية مناصفة.
وفي حاشية أبو السعود: ولو جرح جراحات متعاقبة ومات ولم يعلم المثخن منها وغير المثخن ويقتص من الجميع لتعذر الوقوف على المثخن وغيره كما في فتاوى أبي السعود: أي مفتي الروم، وأما إذا وقف على المثخن وغيره لا يكون إلا قبل موته فالقصاص على الذي جرح جرحا مهلكا كما في الخلاصة والبزازية اه.
قوله: (لانه غير متجزئ) واشترك الجماعة فيما لا يتجزأ يوجب التكامل في حق كل واحد منهم، فيضاف إلى كل واحد منهم كملا كأنه ليس معه غيره كولاية الانكاح.
زيلعي.
وذكر أنه ثبت بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
قوله: (بخلاف الاطراف) فإن القطع فيها يتجزأ فلا تقطع الجماعة بقطع الواحد كما سيجئ قريبا.
قوله: (وإلا لا) شامل لما إذا جرح البعض جرحا مهلكا والبعض جرحا غير مهلك ومات، فالقود على ذي الجرح المهلك وعلى الباقين التعزير، وهل يجب عليهم شئ غير التعزير؟ يحرر.
وشامل لما إذا جرح كل جرحا غير مهلك.
أفاده ط.
وأقول: الظاهر في الثانية وجوب الدية عليهم لو عمدا، أو على عاقلتهم لو غير عمد.
تأمل.
قوله: (نظارة) بفتح النون وتشديد الظاء المعجمة.
قال في القاموس: القوم ينظرون إلى الشئ.
قوله: (أو مغرين) من الاغراء: أي حاملين له على قتله.
قوله: (فلا قود عليهم) أي ولا دية ط.
بخلاف ما إذا قطع الطريق واحد واستعد الباقون لمعاونته حيث يجري حد قطاع الطريق على جميعهم.
أبو السعود عن الشيخ حميد الدين.
قوله: (بلام العهد) أي الجمع المعهود في ذهن الفقيه، وهو الجمع الذي لم يكن معه من لا يجب عليه القود كما مر بيانه ويأتي قريبا.
تتمة: عفا الولي عن أحد القاتلين أو صالحه لم يكن له أن يقتص غيره كما في جواهر الفقه وغيره، لكن في قاضيخان وغيره أن له اقتصاصه.
قهستاني.
قلت: وبالثاني أفتى الرملي كما أو الجنايات من فتاواه.
قوله: (خلافا للشافعي) حيث قال: يقتل بالاول منهم إن قتلهم على التعاقب، ويقضي بالدية لمن بعده في تركته، وإن قتلهم جميعا معا أو لم يعرف الاول منهم يقرع بينهم ويقضي بالقود لمن خرجت له القرعة وبالدية للباقين، وقيل لهم جميعا معا وتقسم الديات بينهم.
منح.
قوله: (كما مر) أي قريبا.
قوله: (بأن أخذ الخ) قيد به، لانه(1/124)
لو أمر أحدهما السكين من جانب والآخر من جانب آخر حتى التقى السكينان في الوسط وبانت اليد لا يجب القود على واحد منهما اتفاقا، إذ لم يوجد من كل منهما إمرار السلاح إلا على بعض العضو.
زيلعي.
قوله: عندنا وعند الشافعي: تقطع يداهما اعتبارا بالانفس.
قوله: (لانعدام المماثلة الخ) بيانه أن كل واحد منهما قاطع للبعض، لان ما قطع بقوة أحدهما لم ينقطع بقوة الآخر فلا يجوز أن يقطع الكل بالبعض ولا الثنتان بالواحدة لانعدام المساواة، فصار كما إذا أمر كل واحد من جانب.
زيلعي.
وانظر ما في المنح.
قوله: (والقيمة) أي الدية.
قوله: (بخلاف النفس الخ) ولهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء، ولا يد الحر بعبد أو امرأة، وتقتل النفس السالمة عن العيوب بقتل المعيبة، وكذا الاثنان بالواحد فلا يصح القياس على النفس.
قوله: (يميني رجلين) قيد به، لانه إذا قطع يمين رجل ويسار آخر تقطع يداه لهما جميعا، وكذلك لو قطعهما من رجل واحد لعدم التضايق ووجود المماثلة.
إتقاني.
قوله: (فلهما قطع يمينه الخ) سواء قطعهما معا أو على التعاقب.
وقال الشافعي: في التعاقب يقطع بالاول، وفي القران يقرع.
هداية.
قوله: (أي على القاطع) أي قاطع الرجلين.
قوله: (نصف الدية) خمسة آلاف درهم وهي دية اليد الواحدة.
إتقاني.
فالمراد نصف دية النفس.
قوله: (لما مر الخ) أي قريبا، وأراد بيان الفرق بين الاطراف وبين النفس، فإنه لو قتل لمن حضر سقط حق من غاب، وذلك أن الاطراف في حكم الاموال والقود ثابت لكل على الكمال، فإذا استوفى أحدهما تمام حقه بقي حق الآخر في تمام دية اليد الواحدة، وإنما كان للحاضر الاستيفاء لثبوت حقه بيقين وحق الآخر متردد
لاحتمال أن لا يطلب أو يعفو مجانا أو صلحا كما في الدرر.
قوله: (ولو قضى بالقصاص بينهما) أي وبدية اليد.
قوله: (وعند محمد له الارش) أي دية يد كلها وللعافي نصفها.
مجمع.
قال شارحه: لان القصاص والارش كان مشتركا بينهما بالقضاء، فلما أسقط أحدهما حقه في نصف القصاص بالعفو انقلب نصيب الآخر مالا، فيستوفي العافي نصف الارش الذي كان مشتركا بينهما وغير العافي تمام الارش، نصفه من المشترك ونصفه من المنقلب مالا اه قال: وذكر في البرهان أنه الاستحسان وجعل قولهما قياسا، وظاهره أن المعتمد قول محمد اه.
قلت: وظاهر الشروح ترجيح قولهما، وعليه اقتصر الاتقاني نقلا عن شرح الكافي ومختصر الكرخي معللا بأن حق كا ثبت في جميع اليد، وإنما ينتقص بالمزاحمة، فإذا زالت بالعفو بقي حق الآخر بحاله كالغريمين والشفيعين.
قوله: (ويقاد عبد أقر بقتل عمد) لانه غير متهم فيه لانه مضر به فيقبل، لانه مبقي على أصل الحرية في حق الدم عملا بالآدمية، حتى لا يصح إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص وبطلان حق المولى بطريق الضمن فلا يبالي به.
هداية.
قوله: (وظاهر كلام(1/125)
الزيلعي) حيث قال: بخلاف الاقرار بالمال لانه إقرار على المولى بإبطال حقه قصدا، لان موجبه بيع العبد أو الاستسعاء، وكذا إقراره بالقتل خطأ لان موجبه دفع العبد أو الفداء على المولى، ولا يجب على العبد شئ ولا يصح سواء كان محجورا عليه أو مأذونا له في التجارة لانه ليس من باب التجارة فيكون باطلا اه.
قوله: (يعني لا في حقه الخ) الاولى حذف لا في الموضعين ط.
قوله: (معللا) أي الزيلعي لا صاحب الاشباه فإنه لم يذكر تعليلا.
لانه قال: وكذا إقراره بجناية موجبة للدفع أو الفداء غير صحيح بخلافه بحد أو قود اه.
اللهم إلا أن يقال: وصفه الجناية بقوله: (موجبه الخ) في معنى التعليل.
قوله: (فتأمله) يشير إلى أن ما فهمه المصنف من كلام الزيلعي غير ظاهر، لان مفاد التعليل بطلان الاقرار بطلان الاقرار في حالة الرقية، إذ لا يتأتى إلزام المولى بالدفع أو الفداء بعد العتق، فيطالب به العبد إذا عتق لعدم وجود العلة، فافهم.
ويدل على ذلك تعليل الزيلعي أيضا لبطلان الاقرار بالمال بأنه إقرار على المولى ولا يكون ذلك بعد العتق.
ولا شبهة أن إقرار العبد المحجور بالمال مؤخر إلى ما بعد
العتق، إذ لا ضرر بالمولى بعده، ولذا قال العلامة الرملي: إن ما في الجوهرة هو محمل كلام الزيلعي والاشباه بلا اشتباه اه.
قلت: لكن سيذكر الشارح في باب جناية الملوك نقلا عن البدائع أن الخطأ إنما يثبت بالبينة وإقرار المولى لا بإقراره أصلا، وقدمنا في كتاب الحجر عن الجوهرة قولين في المسألة، ويأتي تمام بيانه إن شاء الله تعالى فتنبه.
قوله: (لكن علله القهستاني الخ) أي علل عدم جواز إقراره العبد بالخطأ، والمراد بالعاقلة المولى لانهم يطلقون عليه أنه عاقلة عبده، وحيث أطلق عليه عاقلة فلا يصح إقرار العبد عليه، ثم إن كلام القهستاني لا يفيد أن العبد لا يؤخذ بذلك بعد عتقه، خلافا لما أفاده كلام الزيلعي بناء على ما فهمه المصنف من أن إقراره باطل أصلا، وبه ظهر وجه الاستدراك، فافهم.
قوله: (فتدبره) أي فإنه تعليل صحيح موافق للحديث المجمع على العمل بمقتضاه، فإن العواقل إذا كانت لا تعقل عبدا ولا اعترافا لم يجز إقرار العبد هنا ما لم يصدقه المولى، إذ لو جاز إقراره لزم عقل العبد والاعتراف، وهذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، فتأمل.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب المعاقل بيان معنى الحديث.
قوله: (لانه خطأ) لانه لم يقصده بالرمي حيث قصد غيره ولكنه أصابه بالنفاذ من الاول، وهو أحد نوعي الخطأ وهو الخطأ في القصد، فصار كمن قصد صيدا فأصاب آدميا فوجبت الدية على عاقلته، إتقاني.
ومفاده أنه لو قصدهما معا كان الثاني عمدا أيضا، وهو ظاهر.
قوله: (بحضرة(1/126)
جماعة) منهم الثوري وابن أبي ليلى وشريك بن عبد الله.
منح.
قوله: (لو كثروا) أي الدافعون.
قوله: (فعلى الدافع الدية) أي على الدافع الاخير الدية.
قال الرملي: وتتحملها العاقلة كما هو ظاهر.
تأمل ا ه.
قوله: (وهذه من مناقبه) فإن فقهاء زمانه أخطأوا فيها.
منح.
قوله: (فلدغت رجلا) بالمهملة فالمعجمة، يقال لدغته العقرب والحبة كمنح لدغا وتلداغا، ويقال لذعته النار بالذال المعجمة والعين المهملة كما في القاموس، وأما بالمعجمتين كما في بعض النسخ فلم أره.
قوله: (ضمن) مقتضى جواب أبي حنيفة في المسألة السابقة أن تقيد هذه باللدغ فورا، أما إذا مكثت ساعة بعد الالقاء ثم لسعت لا يضمن، فتدبره ط.
قلت: وهو المستفاد من قولهم: فلدغت حيث عبروا بالفاء، ولكن هذا ظاهر فيما لو ألقاها على رجل، فلو في الطريق فقد قال في الخانية: أي ألقى حية في الطريق فهو ضامن لما أصابت حتى تزول عن ذلك المكان اه.
قوله: (فديته على رب السيف) أي على عاقلته كحافر البئر.
تأمل.
قوله: (وقيمته على العائر) زاد في التاترخانية بعده فقال: وإن عثر بالسيف ثم وقع عليه فانكسر ومات الرجل ضمن صاحب السيف دية العائر، ولا يضمن العائر شيئا اه.
وفيها: عثر ماش بنائم في الطريق فانكسر أصابعهما فماتا فعلى عاقلة كل ما أصاب الآخر.
قوله: (إن أشهد عليه ضمن) والواجب في الدماء على العاقلة، وفي الاموال على المالك خاصة كما سيأتي في الحائط المائل.
رملي.
قوله: (وقال في البدائع الخ) قال في المنح بعده: قلت: وبه جزم في البزازية، ولم يحك خلافا ولا أشعر به اه.
أقول: الذي في البزازية: له كلب عقور كلما مر عليه مار عضه لاهل القرية أن يقتلوه، وإن عض إنسانا فقتله: فإن قبل التقدم إليه فلا ضمان، وإن بعده عليه الضمان كالحائط قبل الاشهاد وبعده، وفي المنية في مسألة نطح الثور: يضمن بعد الاشهاد النفس والمال اه.
فأين الجزم به.
وقال في البزازية قبل هذا أدخل بقرا نطوحا في سرح إنسان فنطح جحشا لا يضمن اه.
فإن كان توهم من هذا الجزم فهو توهم ساقط، لان وضعه فيما لم يشهد عليه كما هو ظاهر.
رملي.
وسيأتي تمام ذلك في آخر جناية البهيمة إن شاء الله تعالى، ومحل ذكره هذه المسألة هناك.
قوله: (وله منها ولد) أي فإن(1/127)
القصاص يسقط عن الوالد كما قدمه المصنف في قوله ويسقط قود ورثه على أبيه فلذا سقط عن الشريك.
قوله: (وكعامد مع مخطئ) أو مع من كان فعله شبه عمد كضرب بعصا كما سبق.
قوله: (فرأى رجلا مع امرأته) أو امرأة رجل أخر يزني بها.
خانية.
قوله: (حل له) قيده في الخانية بما إذا كان محصنا وبما إذا صاح فلم يمتنع عن الزنا، وفي القيد الاول كلام، فقد رده ابن وهبان بأن ذلك ليس من الحد بل من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال في النهر: وهو حسن، فإن هذا المنكر حيث تعين القتل طريقا في إزالته فلا معنى لاشتراط الاحصان فيه، ولذا أطلقه البزازي اه.
قوله: (وقد حققناه في باب التعزير) أي في أوله.
وذكر فيه أيضا أن المرأة لو كانت مطاوعة قتلهما، وأنه لو
أكرهها فلها قتله ودمه هدر، وكذا الغلام اه.
أي إن لم يمكن التخلص منه بدون قتله.
قوله: (وكذا لو أعطى صبيا عصا أو سلاحا) أي ليمسكه له ولم يأمره بشئ فعطب الصبي بذلك منح، قال في التاترخانية: لم يرد بقوله عطب أنه قتل نفسه فإنه لا ضمان على المعطي، وإنما أراد أنه سقط من يده على بعض بدنه فعطب به اه.
وفي الخلاصة: دفع السلاح إلى الصبي فقتل نفسه أو غيره لا يضمن الدافع بالاجماع.
قوله: (فمات) أي في هذا العمل.
وفي الخلاصة: ولو أمر عبد الغير بكسر الحطب أو بعمل آخر ضمن ما تولد منه ط.
قوله: (فقولان) والمختار الضمان أيضا.
تاترخانية.
قوله: (صبي على حائط الخ) قيد بالصبي لان الكبير إذا صاح به شخص لا يضمن كما يفيده كلامهم هنا وفي مواضع أخر، لكن في التاترخانية صاح على آخر فجأة فمات من صيحته تجب فيه الدية اه.
فيحمل الاول على ما إذا لم يكن فجأة أو اختلاف الرواية.
وفي مجمع الفتاوى: لو غير صورته وخوف صبيا فجن يضمن اه.
رملي ملخصا.
قوله: (ضمن) كما لو قال: الق نفسك في الماء أو في النار وفعل فهناك يضمن، وكذا هنا.
تاترخانية، والله تعالى أعلم.
فصل في الفعلين أخره لانه بمنزلة المركب من المفرد.
قوله: (ولو كانا عمدين) الصواب إسقاط الواو لتكون (لو)(1/128)
شرطية لانها مع الواو تكون وصيلة فتفيد أنه يؤخذ بالامرين في جميع الصور فيناقض قوله: إلا في الخطأين تأمل.
قوله: (فيؤخذ بالامرين في الكل) قال في الكفاية: اعلم أنه لا يخلو القطع والقتل من أن يتخلل بينهما برء أو لا، فإن تخلل يعتبر كل فعلا، ويؤخذ بموجبهما، لان الموجب الاول تقرر بالبرء فلا يدخل أحدهما في الآخر حتى لو كانا عمدين فللولي القطع والقتل، ولو خطأين يجب دية ونصف دية، ولو القطع عمدا والقتل خطأ ففي اليد القود وفي النفس الدية، ولو بالعكس ففي اليد نصف الدية وفي النفس القود، وإن لم يتخلل برء فلو أحدهما عمدا والآخر خطأ اعتبر كل على حدة، ففي الخطأ الدية، وفي العمد القود، ولو خطأين فالكل جناية واحدة اتفاقا فتجب دية واحدة، ولو عمدين، فعندهما: يقتل ولا يقطع.
وعنده: إن شاء الولي قطع وقتل، وإن شاء قتل، ولا يعتبر اتحاد
المجلس وهو الظاهر.
وروي عن نصر بن سلام أنه كان يقول: الخلاف فيما إذا قطع يده في مجلس وقتله في آخر، فلو في مجلس واحد يقتل ولا يقطع عندهم اه ملخصا.
قوله: (إلا في الخطأين) استثناء من قوله أخذ بالامرين.
طوري.
قوله: (فتجب فيهما دية واحدة) أي دية القتل، لان دية القطع إنما تجب عند استحكام أثر الفعل وهو أن يعلم عدم السراية.
وتمامه في ابن كمال.
قوله: (صار ثمانية) وكل منها إما من شخص واحد أو من شخصين صار ستة عشر، فإن كانا من شخصين يفعل بكل واحد منهما موجب فعله من القصاص وأخذ الارش مطلقا، لان التداخل إنما يكون عند اتحاد المحلل لا غير.
عناية.
قوله: (فبرئ من تسعين الخ) هذا إذا شرب عشرة في موضع وتسعين في موضع آخر فبرئ التسعين وسرى موضع العشرة، وإلا لا يمكن الفرق بين سراية العشرة وبرء التسعين.
معراج.
قوله: (وعن أبي يوسف في مثله حكومة عدل) أي مع الدية.
رملي.
قوله: (وتجب حكومة عدل) تفسيرها أنه لو كان عبدا مجروحا بهذا كما قيمته وبدون الجراحة كم قيمته، فيضمن التفاوت الذي بينهما في الحر من الدية وفي العبد من القيمة.
كفاية.
قوله: (مع دية النفس) فيه أن المسألة معروضة فيما إذا بقي أثر الجراحة ولا يكون ذلك إلا بعد البرء، ولذا قيد المسألة في الملتقى بقوله: ولم يمت.
قوله: (فعجز المجروح عن الكسب) أي مدة الجرح.
وانظر ما لو عجز عن الكسب(1/129)
أصلا.
والظاهر أنه بعد الحكم بموجبه من الارش أو حكومة العدل لا يجب شئ ط.
قوله: (جاء بعوان) المراد به الواحد من أتباع الظلمة، والاولى التعبير بالعون فإنه كما في القاموس الظهير للواحد والجمع والمؤنث ويكسر أعوانا اه.
لانه يظاهر الظالم ويعينه.
وفي البزازية: افتوا بأن قتل الاعونة والسعاة جائز في أيام الفتنة.
ط ملخصا.
قوله: (والظاهر أنه) أي أن ما في جواهر الفتاوى مفرع على قول محمد: أي على ما روي عن محمد، كما تقدم من أن الجراحة التي لم يبق لها أثر تجب فيها أجرة الطبيب وثمن الادوية، أفاده الرملي، فافهم.
هذا، وفي الفتاوى النعمية لشيخ مشايخنا السائحاني: إذا ضرب يد غيره فكسرها وعجز عن الكسب فعلى الضارب المداواة والنفقة إلى أن يبرأ، وإذا برئ وتعطلت يده وشلت وجبت ديتها،
والظاهر أنه يحسب المصروف من الدية اه.
وفيها: المجروح إذا صح وزال الاثر فعلى الجارح ما لحقه من أجرة الطبيب وثمن الادوية، وهو قولهما والاستحسان.
ذكره الصدر اه ملخصا.
تأمل.
ويأتي تمامه في الشجاج إن شاء الله تعالى.
قوله: (وقدمنا) أي في الباب السابق.
قوله: (نحوه) أي نحو ما عن محمد.
قوله: (وسنحققه في الشجاج) أي في آخر بابها، وحاصله أن قول أبي يوسف: عليه أرش الالم، هو المراد من قول محمد المتقدم.
قوله: (ومن قطع الخ) بالبناء للمجهول.
وحاصله: أن العفو إما عن عمد أو خطإ، وعلى كل فإما عن القطع وحده أو عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه: فإن كانت الجناية عمدا وعفا عن القطع لا يكون عفوا عن السراية خلافا لهما، وإن عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه يبرأ عن القطع والسراية، وإذا كانت خطأ فعفا عن القطع ثم سرى فعلى الخلاف، ول عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية صح عن الكل، والعمد من جميع المال، والخطأ من الثلث.
قوله: (بدليل ما يأتي) حيث فصل في المسألة الآتية بين العمد والخطإ وأطلق هنا.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على الاطلاق، فإنه يفيد اشتراك العمد والخطأ في جميع أحكام القطع مع أنه سيأتي أن الدية تجب في مال القاطع فيتعين كون المراد العمد فقط، لان الصواب أن الدية في الخطإ على العاقلة.
وأجاب في الكفاية بأن قوله: في ماله، بيان لاحد النوعين: أي عليه الدية في ماله إن كان عمدا اه.
ولكن المصنف لم يقيد بقوله في ماله، فلا يرد عليه ذلك.
قوله: (وكذا لو شج) سمتغنى عنه بقول المصنف الآتي والشجة مثله ط.
قوله: (فعفا عن قطعه الخ) أي ولم يقل وما يحدث منه ولم يقل عن الجناية.
قوله: (ضمن قاطعه) وكذا شاجه أو جارحه.
قوله: (في ماله) لان العاقلة لا تتحمل العمد.
قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: هو عفو(1/130)
عن النفس أيضا لانه يراد به العفو عن موجبه.
قوله: (وهو غير القتل) وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لانه هو الموجب للعمد، إلا أن في الاستحسان: تجب الدية لان صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود.
هداية.
قوله: (ولو عفا عن الجناية) أي الواقعة عمدا أو خطأ، سواء ذكر معها ما
يحدث منها أو لم يذكر.
قهستاني.
قوله: (فهو عفو عن النفس) لان الجناية تشمل الساري منها وغيره، وعفوه عن القطع وما يحدث منه صريح في ذلك، بخلاف القطع وحده فإنه غير القتل كما قدمه فلا يشمل الساري.
قوله: (فلا يضمن شيئا) أي من الدية.
وهذا ظاهر في العمد، وكذا في الخطإ لو خرج من الثلث، وإلا فعلى عاقلته بقدره كما أفاده في الشرنبلالية، قوله: (فالخطأ الخ) أي العفو في الخطأ يعتبر من الثلث، قال في المحيط: ويكون هذا وصية للعاقلة سواء كان القاتل واحدا منهم أو لا، لان الوصية للقاتل إذا لم تصح للقاتل تصح للعاقلة كمن أوصى لحي وميت فالوصية كلها للحي اه.
وبه ظهر فساد ما اعترض من أن الوصية للقاتل لا تصح وبأنه كواحد من العاقلة فكيف جازت بجميع الثلث، فتأمل.
طوري.
قوله: (من ثلث ماله) لان الخطأ موجبه المال ويتعلق به حق الورثة فيعتبر من الثلث.
هداية.
قوله: (وإلا فعلى العاقلة ثلثا الدية) أي إن لم يكن للعافي مال غيرها، فإن كان فبحسابه، فلو قال: وإلا فعلى العاقلة بقدره لكان أخصر وأظهر.
قوله: (ومفاده) أي مفاد اعتبار العفو من الثلث أن العافي لو كان صحيحا: أي في حكم الصحيح بأن لم يصر صاحب فراش، وفسره في التاترخانية بأن كان يخرج ويجئ ويذهب بعد الجناية لا يعتبر من الثلث بل يعتبر من جميع المال، وهذا قول بعض المشايخ.
قال في التاترخانية: وذكر في المنتقى أنه من الثلث.
قوله: (والعمد من كله) اعترض بأن الموجب هنا هو القود وهو ليس بمال، فلا وجه للقول بأنه من كل المال اه.
وقد يجاب بأن القود هنا سقط بالعفو، لكن لما كان للعافي أن يصالح على الدية كان مظنة أن يتوهم أن في عفوه إبطالا لحق الورثة فيها فقال: إنه من جميع المال، لان الموجب الاصلي هو القود، وحقهم إنما يتعلق بالمال، تأمل.
قوله: (والشجة مثله) وكذا الجراحة كما قدمه، فالعفو عن الشجة أو الجراحة كالعفو عن القطع في ضمان الدية بالسراية خلافا لهما، والعفو عنهما مع ما يحدث منهما كالعفو عن القطع وما يحدث منه.
قوله: (قطعت امرأة الخ) هذه المسألة مفرعة على المسألة السابقة كما في التاترخانية.
قوله: (لما يأتي) أي من بيان حكم العمد والخطإ.
قوله: (فلو أطلق) أي لم يقيد بالعمد كما فعل في المسألة السابقة.
قوله: (على يده) أي موجب يده.
معراج.
قوله: (من السراية) أي سراية القطع إلى الهلاك، وقيد به ليشمل ما إذا لم يمت أصلا أو مات من غيره.
قوله: (فمهرها الارش)(1/131)
وهو خمسة آلاف درهم.
كفاية.
قوله: (ولو عمدا) وسواء تزوجها على القطع أو على القطع وما يحدث منه أو على الجناية لانه لما برئ تبين أن موجبها الارش دون القصاص، لان القصاص لا يجري في الاطراف بين الرجل والمرأة والارش يصلح صداقا.
كفاية.
قوله: (عند أبي حنيفة) أصله ما مر في المسألة المتقدمة أن العفو عن القتل أو الشجة أو اليد إذا سرى إلى النفس ليس بعفو عن النفس عنده، وعندهما عفو عنها.
إتقاني.
فعندهما الحكم هنا كالحكم الآتي فيما إذا نكحها على اليد وما يحدث منها.
قوله: (إن تعمدت) قيد لقوله: والدية في مالها أما وجوب مهر المثل فهو مطلق، لان القطع إن كان عمدا يكون تزوجا على القصاص في الطرف وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا فيجب لها مهر المثل.
لا يقال: القصاص لا يجري بين الرجل والمرأة في الطرف فكيف يكون تزوجا عليه؟ لانا نقول (1): الموجب الاصلي للعمد القصاص، وإنما سقط للتعذر، ثم عليها الدية في مالها لان التزوج وإن كان يتضمن العفو لكن عن القصاص في الطرف، وإذا سرى يتبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو فتجب الدية في مالها لانه عمد، وإن كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد، وإذا سرى إلى النفس تبين أن لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل.
ابن كمال.
قوله: (وإلا ترادا الفضل) أي إن كان في الدية فضل تدره على الورثة، وإن كان في المهر فضل يرده الورثة عليها.
ابن كمال.
قوله: (والدية على العاقلة في الخطأ) أي والمهر للمرأة، وإنما تكون المقاصة إذا اتحدت الذمة في الوجوب لها وعليها كما في العمد.
إتقاني.
قوله: (لكنه الخ) هو للشرنبلالي في حاشية الدرر.
وحاصله: أن وجوب الدية على القاتل في الخطأ إنما هو في العجم: أي من لا عاقلة له، فلا تجب على القاتل مطلقا، وهذا مراد صاحب الدرر، وإنما لم يقيد بالعجم إحالة إلى محله: أي اعتمادا على ذكره في محله.
وأقول: فيه نظر، بل مراد صاحب الدرر أنها على القاتل مطلقا، يوضحه ما في الكفاية حيث قال: مطلب الصحيح أن الوجوب على القاتل ثم تتحمله العاقلة
لا يقال: إن الصحيح أنه يجب على القاتل ثم تتحمل العاقلة فيكون أصل الوجوب على
__________
(1) قوه: (لانا نقول الخ) مقتضى هذا التعليل وجوب مهر المثل إذا لم يمت، وقد ذكر الشارح أن مهرها الارش.
فالصواب أن يقال، لانه بالسراية تين أن موجب هذا القطع القصاص في النفس وهو يجري بينهما فقد سمي ما ليس بمال فيصار إلى مهر المثل اه.(1/132)
القاتل، واعتبار هذا يوجب جواز المقاصة.
لانا نقول: عند البعض يجب على العاقلة ابتداء وعند بعضهم تتحمله العاقلة عن القاتل بطريق الحوالة والحوالة توجب البراءة فلا تقع المقاصة ا ه.
تأمل.
قوله: (ثم مات منه) أي من القطع.
قوله: (مهر المثل) لانه نكاح على القصاص لما قدمناه أنه الموجب الاصلي في العمد، والقصاص ليس بمال فيجب مهر المثل كا إذ نكحها على خمر أو خنزير.
قوله: (لرضاه بالسقوط) لانه لما جعل القصاص مهرا فقد رضي بسقوطه لجهة المهر فيسقط أصلا.
ابن كمال.
قوله: (ولو خطأ رفع عن العاقلة مهر مثلها الخ) لان التزوج على اليد وما يحدث منها أو على الجناية تزوج على موجبها، وموجبها الدية هنا وهي تصلح مهرا فصحت التسمية، إلا أن قدر مهر مثلها يعتبر من جميع المال لانه ليس فيه محاباة، والمريض لا يحجر عليه في التزوج لانه من الحوائج الاصلية فيسقط قدر مهر المثل من جميع المال، وما زاد على ذلك من الثلث لانه تبرع، والدية تجب على عاقلتها وقد صارت مهرا فسقط كلها عنهم إن كان مهر مثلها مثل الدية أو أكثر، ولا ترجع عليهم بشئ لانهم كانوا يتحملون عنها بسبب جنايتها، فإذا صار ذلك ملكا لها سقط عنهم قدر مهر مثلها لما ذكرناه، وما زاد على ذلك ينظر، فإن خرج من الثلث سقط عنهم قدر الثلث وأدوا الزيادة إلى الولي، لان الوصية لا نفاذ لها إلا من الثلث اه.
زيلعي.
قلت: ووجه كونه وصية للعاقلة أنه قد أسقط الدية بمقابلة المهر والدية في الخطأ على العاقلة فيكون قد أسقط لهم ما زاد على المهر تبرعا، فافهم.
قوله: (لسرايته) أي لسراية القطع الاول إلى القتل، واستيفاء القطع لا يسقط القود كمن له القود في النفس إذا قطع يد القاتل.
قوله: (لانه لما أقدم الخ) جوابه: إنه إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه، وبعد السراية تبين أن حقه في القود فلم
يكن مبرئا عنه بدون العلم به كما في الهداية.
واستشكله ابن الكمال بما حاصله أنهم في المسألة المارة وهي ما إذا قطع فعفا عن القطع فمات عللوا سقوط القصاص بأن صورة العفو تكفي في سقوطه لانها تورث شبهة، ولم يلتفتوا إلى أنه لا يكون مبرئا عنه بدون العلم به فأوجبوا الدية.
قال الرحمتي: ويجاب بالفرق بأن العافي عن القطع ظهر منه الميل إلى العفو، بخلاف هذا فإنه استوفى ما ظهر له أنه واجب له فلم توجد منه صورة العفو.
قوله: (يفيد تقوية قول أبي يوسف) فيه أنه لا يعارض ما عليه المتون والشروح ط.
على أنك سمعت الجواب عنه.
قوله: (ولو مات المقتص منه) مقابل قوله: فمات المقطوع الاول.
قوله: (فديته على عاقلة المقتص له) لان حقه في القطع وقد قتل.
قال الاتقاني: ولكن الدية على العاقلة لانه في معنى الخطأ، لانه أراد استيفاء حقه من القطع ولم يرد القتل.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما: لا يضمن شيئا(1/133)
لانه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه.
ابن كمال.
قوله: (بلا حكم الحاكم) ظاهره أنه لو استوفاه بنفسه بعد حكم الحاكم لا يضمن.
فتأمل.
قوله: (وأما الحاكم الخ) أي إذا قطع يد السارق فمات: وهذه المسائل استشهد بها الامامان لقولهما: فإنه لا ضمان فيها، فنبه الشارح على الفرق بأن إقامة الحدود واجبة على الامام، وكذا فعل الحجام ونحوه واجب بالعقد، فلا يتقيد بالسلامة، وفي مسألتنا الولي مخير بل العفو مندوب إليه فيتقيد بها للاصل المذكور.
قوله: (والبزاغ) أي البيطار.
قوله: (والمباح يتقيد به) استثنى منه ما إذا وطئ زوجته فأفضاها أو ماتت، فلا ضمان عليه مع كونه مباحا لكون الوطئ أخذ موجبه وهو المهر، فلا يجب به آخر: أي ضمان آخر.
أشباه ط.
ويأتي تمامه.
قوله: (ومنه) أي من المباح، وهذا على قول الامام.
ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ومن الاول) أي الواجب قال الشارح في باب التعزير: وفي القنية له إكراه طفله على تعلم قرآن وأدب وعلم لفرضيته على الوالدين، وله ضرب اليتيم فيما يضرب ولده اه.
وأفاد أن الام كالاب في التعليم بخلاف التأديب كما يأتي.
قوله: (بإذن الاب) أي أو بإذن الوصي ولو ضرب بغير إذتهما يضمن كما يأتي ط: (تعليما) علة لقوله: ضرب.
قوله: (مقيد) أي بوصف السلامة.
قوله: (ومحله في الضرب المعتاد) أي كما وكيفا ومحلا،
فلو ضربه على الوجه أو على المذاكير، يجب الضمان بلا خوف ولو سوطا واحدا لانه إتلاف.
أبو السعود عن تلخيص الكبرى ط.
قوله: (من ضرب أبيه أو وصيه) قيد بهما، لان الام إذا ضربت للتأديب تضمن اتفاقا، وبقوله: تأديبا إذ لو ضربه كل منهما للتعليم لا يضمن اتفاقا اه.
غرر الافكار.
قوله: (وإن الضرب بإذنهما) أي إذن الاب والمولى، وكذا الوصي، ومفاده أنهما لو ضرباه بنفسهما لا ضمان أيضا اتفاقا، وقدمناه آنفا.
لكن في الخانية: ضرب ولده الصغير في تعليم القرآن ومات، قال أبو حنيفة: يضمن الدية، ولا يرثه، وقال أبو يوسف: يرثه ولا يضمن، وإن ضربه المعلم بإذن الوالد لا يضمن المعلم اه.
وفي الولوالجية: ضرب ابنه في أدب أو الوصي ضرب اليتيم فمات يضمن عنده، وكذا إن ضربه المعلم بلا إذنهم ضمن، وإن بإذن فلا، لان الاب والوصي مأذونان في التأديب بشرط السلامة لانهما يملكان التصرف في نفسه وماله لو خبرا له أما المعلم إنما أدبه بإذنهم(1/134)
والاذن منهم، وجد مطلقا لا مقيدا اه، وظاهره أنه لا فرق عند أبي حنيفة في ضمان الاب في التأديب والتعليم، والظاهر أنه رواية أخرى.
تأمل.
قوله: (قيل هذا) أي قول الامام بعدم ضمان المعلم بالاذن من الاب، وفيه أن الخلاف في ضرب التأديب، والكلام هنا في شرب التعليم، وهو واجب لا يتقيد بالسلامة، ولا خلاف فيه.
أفاده ط.
أقول: وفي حاشية الشرف الغزي عن الصغرى: قال أبو سليمان: إذا ضرب ابنه على تعليم القرآن أو الادب فمات ضمن عنده لا عند أبي يوسف اه.
وقدمنا آنفا عن الخانية مثله، وعليه يظهر الرجوع ولا يحتاج إلى الفرق الذي ذكرناه عن الولوالجية، وتقدم في كتاب الاجارات عند قوله (وضمن بضربها وكبحها) عن غاية البيان أن الاصح رجوعه إلى قولهما، وكذا نقله البيري عن كفاية المجيب، فتدبر.
قوله: (لان تأديبها للولي) هذا التعليل غير ظاهر، لان مفاده أن الولي لا يضمن مع أن الاب يضمن يضرب ابنه تأديبا على ما مر، والاظهر قول البيري: لانه لنفع نفسه، بخلاف تعزير القاضي فإنه لنفع المضروب اه.
وتقدم في باب التعزير ما للزوج ضربها عليه.
قوله: (وهو) أي ما في المتن مذكور في الاشباه وغيرها مطلقا، وقوله: كما قدمناه أي ضمن قوله.
وتمامه في الاشباه.
وإلا لم يقدمه
صريحا، والمراد أنه مذكور في الاشباه وغيرها مطلقا عن ذكر الخلاف كما قدمناه في المتن، فإن عبارة المتن تفيد أن الزوج يضمن اتفاقا، وبه صرح ابن ملك وغيره، وعليه فقوله: (وفي ديات المجتبى الخ) كالاستدراك عليه، تأمل.
قوله: (وتمامه ثمة) قال فيه: ولو ضرب ابنه الصغير تأديبا إن ضربه حيث لا يضرب للتأديب، أو فوق ما يضرب للتأديب فعطب فعليه الدية والكفارة، وإذا ضربه حيث يضرب للتأديب، ومثل ما يضرب فكذلك عند أبي حنيفة، وقالا: لا شئ عليه، وقيل: رجع إلى قولهما، وعلى هذا التفصيل، والخلاف الوصي والزوج إذا ضرب اليتيم أو زوجته تأديبا، وكذا المعلم إذا ضرب الصبي بإذن الاب أو الوصي لتعليم القرآن أو عمل آخر مثل ما يضرب فيه لا يضمن هو ولا الاب ولا الوصي بالاجماع.
فأبو حنيفة أوجب الدية والكفارة على الاب، ولم يوجبها على المعلم إذا كان بإذنه، وقيل: هذا رجوع من أبي حنيفة إلى قولهما في حق الاب، ولو ضرب المعلم بدون إذنه فمات يضمن، والوالدة إذا ضربت ولدها تأديبا لا شك أنها تضمن على قوله وعلى قولهما اختلاف المشايخ ا ه.
منح.
قوله: (ضرب امرأة فأفضاها) أي جعل مسلك بولها وحيضها أو حيضها وغائطها واحدا والوطئ كالضرب كما يأتي، المراد بها الاجنبية، أما الزوجة إذا وطئها فأفضاها فلا شئ عليه، وإن لم يستمسك بولها عندهما، وعند أبي يوسف كالاجنبية.
واعتمده ابن وهبان بتصريحهم بأن عشرة أشياء تجب بها الدية كاملة منها سلس البول، ورده الشرنبلالي بأنه في غير هذه المسألة لنص الامام محمد، على أن لا شئ هنا: أي لانه بفعل مأذون فيه، وقد قولهما بما إذا كانت بالغة مختارة مطيقة لوطئه ولم تمت منه، فلو صغيرة أو مكرهة أو لا تطيق تلزم ديتها اتفاقا بالموت والافضاء وأطال في ذلك جدا فراجعه.
قوله: (ففيه ثلث الدية) لانها جائفة ط.
قوله: (وإلا فكل الدية) أي دية المرأة لانه فوت جنس(1/135)
المنفعة على الكمال.
قوله: حدا أي حد كل منهما ولا غرم: أي لا شئ عليه في الافضاء لرضاها به ولا مهر لها لوجوب الحد، ولو ادعى شبهة فلا حد ولا شئ في الافضاء ويجب العقر.
قوله: (فعليه الحد) أي دونها لاكراهها.
قوله: (وأرش الافضاء) أي ثلث الدية إن استمسكت، وإلا فكلها، وقوله: لا العقر لانه لا يجتمع مع الحد، وتمامه في ط.
تتمة: لو زنى بأمه فقتلها به عليه الحد بالزنا والقيمة بالقتل، ولو أذهب عينها لزمه قيمتها وسقط الحد لتملكه الجثة العمياء فأورث شبهة، وتفصيل ما لو أفضاها في الشرج، كذا ذكره الشارح في كتاب الحدود قبيل باب الشهادة على الزنا.
قوله: (فعليه نصف الدية) أي نصف دية العين.
أبو السعود لانه وقع بفعل مأذون ط.
أقول: يظهر لي أن المراد نصف دية النفس التي هي دية العين، ثم رأيت الرحمتي فسرها كذلك، ويدل عليه مسألة الختان الآتية قبيل القسامة، فإنه إذا أمر ليختن صبيا فقطع الحشفة، ولم يمت الصبي فعلية دية الحشفة كاملة، وهي دية النفس.
تأمل.
قوله: (سئل محمد) لفظة محمد زائدة على ما في القنية.
قوله: (فانفتح) الذي في القنية فانتفخ بالتاء قبل الفاء والخاء المعجمة.
قوله: (مليا) أي ساعة طويلة.
قوله: (ثم قال لا الخ) لا ينافي مسألة العين المارة آنفا لانه هنا لم يجاوز ما أمر به.
قوله: (إذا كان الشق بإذن) فلو بدونه فالظاهر القصاص ويحرر ط.
قوله: (ولم يكن فاحشا) تفسير لما قبله ط.
قوله: (خارج الرسم) أي العادة ط.
قوله: (قلت الخ) قائله المصنف في المنح، واعترضه الرملي بأنه بعيد عن اصطلاح الفقهاء لعدم ما يطلق عليه اسم الامانة، إذ هي المال القابل لاثبات اليد عليه، واستظهر أن العلة كونه غير مقدور عليه كما هو شرط المكفول به، والله تعالى أعلم.
باب الشهادة في القتل واعتبار حالته أي باب الشهادة الواقعة في شأن القتل وباب اعتبار حالة القتل: أي حالة إيقاع سببه، لان المعتبر حالة الرمي لا الوصول كما يأتي، ولما كان القتل بعد تحققه ربما يجحد، فيحتاج من له القصاص إلى إثباته بالبينة وحالة الشئ صفة له تابعة، ذكر ذلك بعد بيان حكمه.
قال ط: واعلم أنه تقبل شهادة النساء مع الرجال في القتل الخطأ والقتل الذي لا يوجب القود،(1/136)
وكذا الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي، لان موجبها المال، ولو شهد عليه عدل بقتل يحبس، فإن جاء بشاهد آخر وإلا خلي سبيله، وكذا لو شهد مستوران بقتل عمد يحبس حتى تظهر عدالة الشهود لانه صار متهما، وكذا في الخطأ على الاظهر اه.
قوله: (القود يثبت للورثة) قال في الخانية: يستحق القصاص من يستحق ميراثه على فرائض الله تعالى يدخل فيه الزوج والزوجة اه.
قوله: (من غير سبق ملك المورث) أشار إلى أن المراد بالخلافة هنا ما قابل الوراثة، وإلا فالوراثة خلافة أيضا كما صرحوا به، لكنها تستدعي سبق ملك المورث، ولا يرد صحة عفو المورث لان السبب انقعد له، ولهذا قال الاتقاني: إنه حق الورثة ابتداء عند الامام من حيث إنه شرع للتشفي ودرك الثأر، لان الميت لا ينتفع به، وحق الميت من حيث إنه بدل النفس، ولذا إذا انقلب مالا تقضى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه.
وتمامه فيه.
فعلم أن الفروع الآتية وتفسير الخلافة بما ذكر باعتبار الحيثية الاولى، وصحة عفو المورث باعتبار الثانية فقد راعي الامام الحيثيتين احتيالا للدرء كما حققه الطوري.
قوله: (نص فيه) فإن اللام للتمليك، فقد ملك تعالى التسلط للولي بعد القتل، وفيه أن التسلط قد يكون لثبوت الحق له ابتداء، وقد يكون الحق انتقل له من مورثه فلا تكون الآية نصا اه.
قوله: (كما لو انقلب مالا) أي بنحو صلح أو عفو بعد الورثة.
قوله: (فأحدهم خصم عن الباقين) لانه يثبت جميع الحق لغيره، وهو الميت فيثبت للبقية، بخلاف ما ذكر بعده، فإنه إنما يثبت حقا لنفسه لا حق غيره ط.
قوله: (لا يقيد) بضم الياء من أقاد، الامير القاتل قتله به قودا، وفيه إشارة إلى أن البينة تقبل إلا أنه لا يقضي بالقصاص إجماعا ما لم يحضر الغائب، لان المقصود من القضاء الاستيفاء، والحاضر لا يتمكن منه بالاجماع كما في الكفاية.
قوله: (وفي الخطأ) أي في قتل أبيه خطأ وفي الدين لابيه على آخر، لو أقام الحاضر حجة على ذلك لا يعيدها الغائب إذا حضر، لان المال يثبت للورثة إرثا عند الكل وفيه إيماء إلى أنه اتحد القاضي للحاضر والغائب، فلو أثبت قدر تصيبه منه أو كان القاضي متعددا أعاد الحجة وإنما خص الدين، لان في إعادة الحجة للعقار اختلافا وإن كان الاصح أنه لا يعيدها كما في العمادية.
قهستاني.
قوله: (لما مر) أي من الاصل.
قوله: (فالحاضر خصم) لانه ادعى حقا على الحاضر، وهو سقوط حقه في القصاص وانقلابه مالا ولا يتمكن من إثباته لا بإثبات عفو الغائب فانتصب خصما عنه، فإذا قضى عليه صار الغائب مقضيا عليه تبعا.
زيلعي.
قوله: (وسقط القود) أي(1/137)
وإن جاء الغائب وأنكر العفو ويصير حقه نصف الدية.
قوله: (فهو على التفصيل السابق) فلا تقبل بينة أقامها الحاضر من غير إعادة بعد عود الغائب، ولو أقام القاتل بينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم
ويسقط القصاص.
فحاصله: أن هذه المسألة مثل الاولى في جميع ما ذكرنا، إلا أنه إذا كان القتل عمدا أو خطأ لا يكون الحاضر خصما عن الغائب بالاجماع، والفرق لهما في الكل، ولابي حنيفة في الخطأ أن أحد الورثة خصم عن الباقين ولا كذلك أحد الموليين.
زيلعي.
قوله: (ولو أخبر الخ) عبر بالاخبار لانه ينتظم الاوجه الاربعة، بخلاف الشهادة فإنها لم توجد حقيقة إلا في الوجه الثالث كما أفاده ابن كمال.
قوله: (عفو للقصاص منهما) قيد بالقصاص لانه لا يكون عفوا منهما للمال إلا في بعض الاوجه كما تعرفه.
قوله: (عملا بزعمهما) لانهما زعما عفو الثالث وبعفو البعض يسقط القصاص.
قوله: (وهي رباعية) أي أوجهها أربعة.
قوله: (ولهما ثلثا الدية) لان نصيبهما صار مالا.
درر.
قوله: (والثاني إن كذبهما) قال الرملي: كذا بخط المصنف متنا وشرحا، والصواب كذباهما.
قوله: (فلا شئ للمخبرين) لانهما بإخبارهما أسقطا حقهما في القصاص فانقلب مالا، ولا مال لهما لتكذيب القاتل والشرك.
درر.
قوله: (ولاخيهما ثلث الدية) لان دعواهما العفو، وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حقه فينقلب نصيبه مالا.
ابن كمال.
قوله: (وحده): أي دون الاخ الشريك.
قوله: (فلكل منهم ثلثها) لان القاتل لما صدقهما أقر لهما بثلثي الدية، فلزم وادعى بطلان حق الثالث بالعفو، ولم يصدقه فتحول مالا فيدفعه إليه.
درر.
قوله: (إن صدقهما الاخ فقط) أي وكذبهما القاتل.
قوله: (لان إقراره الخ) أي فلا يقال: إنه قد أقر أنه لا يستحق على القاتل شيئا إقراره له بالعفو فكيف يجب له الثلث.
قوله: (فوجب له ثلث الدية) وسقط الثلثان لتكذيب القاتل إياهما، ولا يتأتى القصاص مع إقرار الثالث بعفوه ط.
قوله: (ولكنه يصرف ذلك إلى المخبرين) لان الاخ زعم العفو بتصديقه المخبرين، وأنه لا شئ له على القاتل، وإنما على القاتل ثلثا الدية لهما، وما في يده مال القاتل وهو من جنس حقهما، فيصرف إليهما، والقياس أن لا يلزمه شئ، لانهما ادعيا المال على القاتل والقاتل منكر فلم يثبت، وما أقر به القاتل للاخ قد بطل بإقرار الاخ بالعفو لكونه تكذيبا للقاتل.
وجه الاستحسان أن القاتل بتكديبه المخبرين أقر للاخ بثلث الدية لزعمه أن القصاص سقط بإخبارهما بالعفو كابتداء العفو منهما، والمقر له ما كذب القاتل حقيقة بل أضاف الوجوب إلى غيره،
وفي مثله لا يرتد الاقرار كمن قال لفلان علي مائة فقال المقر له ليس لي ولكنها لفلان، فالمال للمقر له الثاني، وكذا هنا.
درر موضحا.
قوله: (وهو الاصح زيلعي) عبارته: وفي الجامع الصغير كان هذا الثلث للشاهدين، لا للمشهود عليه، وهو الاصح الخ، وظاهره أن مقابل الاصح كونه(1/138)
للاخ المشهود عليه.
قوله: (يقتص) لا يقال: الضرب بسلاح قد يكون خطأ فكيف يجب القود؟ لانا نقول: لما شهدوا بالضرب بالسلاح ثبت العمد لا محالة، لانه لو كان خطأ لقالوا إنه قصد غيره فأصابه.
وقال في شرح الكافي: ولا ينبغي أن يسأل الشهود أنه مات بذلك أم لا، وكذلك إذا شهدوا أنه ضرب بالسيف حتى مات وإن لم يذكروا العمد لان العمد هو القصد بالقلب، وهو أمر باطن لا يوقف عليه، ولكن يعرف بدليله وهو الضرب بآلة قاتلة عادة، ولو شهدوا أنه قتله عمدا وأنه مات فهو أحوط اه.
إتقاني.
قال الرملي: أول الجنايات هذا صريح في أنه بعد ثبوت القتل بالآلة الجارحة بالبينة لا يقبل قول القاتل لم أقصده، بخلاف ما لو أقر وقال: أردت غيره، لانه ثبت من جهته مطلقا عن قيد العمدية والخطيئة فيقبل منه ما أقر به، ويحمل على الادنى.
قال في التاترخانية: وفي المجرد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: لو أقر أنه قتل فلانا بحديدة أو سيف ثم قال: أردت غيره فقتلته لم يقبل منه ذلك ويقتل، وعن أبي يوسف: إذا قال: ضربت فلانا بالسيف فقتلته، قال هذا خطأ حتى يقول عمدا اه ملخصا.
أقول: التفرقة بين الشهادة والاقرار إنما تظهر على الرواية الثانية دون الاولى.
تأمل.
قوله: (ولا يحتاج الشاهد الخ) لان الموت متى وجد عقيب سبب صالح يضاف إليه لا إلى شئ آخر إذا لم يكن في الظاهر سبب آخر، وإن احتمل لان احتمال حلاف الظاهر لا يعتبر في الاحكام.
إتقاني.
قوله: (أو في المكان) أي المتباعد، فإن كان متقاربا كبيت شهد أحدهما أني رأيته قتله في هذا الجانب، وشهد الآخر أني رأيته قتله في هذا الجانب فتقبل.
ولوالجية.
قوله: (أو في آلته) بأن قال أحدهما قتله بعصا
والآخر قتله بالسيف.
قال في الخزانة: ولو شهد أحدهما بالقتل بالسيف والآخر بالسكين لم يجز، ولو كانت الشهادتان بإقراره جاز اه.
ومنه يظهر أن وجه بطلان الشهادة مجرد الاختلاف، لاكون موجب شهادة أحدهما العمد والآخر الخطأ، عزمية.
قوله: (لان القتل لا يتكرر) هذا إنما يظهر في الاختلاف في الزمان أو المكان أو الآلة، فإن في كل من الثلاثة أحد الشاهدين شهد فيه يقتل، والآخر بآخر ويلزم منه اختلافهما في المشهود به.
وأما في الصورة الرابعة فالعلة أن أحدهما شهد بشبه العمد، والآخر بقتل مطلق يحتمل العمد، وشبه العمد والخطأ فلم يثبت اتفاقهما في المشهود به، وكذا في الخامسة لشهادة أحدهما على الفعل والآخر على القول فلو قال لاختلاف المشهود به لشمل الكل.
قوله: (وكذا تبطل الشهادة الخ) ظاهره بطلانها في الصور الخمس، مع أن الزيلعي إنما ذكر ذلك بعد الثلاثة الاول فقط، وبه تظهر العلة التي ذكرها، لان كل فريق شهد بقتل آخر، والقتل لا يتكرر فيتيقن بكذب أحد الفريقين، أما في الرابعة والخامسة فلا يظهر، فتدبر.
قوله: (ولا أولوية) أي ليس إحدى(1/139)
الشهادتين أولى بالقبول من الاخرى، وظاهر أن هذا إذا تعارضتا قبل الحكم بإحداهما وإلا فلا تسمع الثانية.
تأمل، لان كل بينتين متعارضتين إذا سبق الحكم بإحداهما لغت الاخرى.
قوله: (ولو كمل أحد الفريقين) أي تم نصاب الشهادة في جانب دون آخر.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا تقبل، لان الفعل يخلف باختلاف الآلة فجهل المشهود به.
هداية.
قوله: (حملا على الادنى) لانهم شهدوا بقتل مطلق والمطلق ليس بمجمل، فيجب أقل موجبيه وهو الدية، ولا يحمل قولهما لا ندري على الغفلة، بل يحمل على أنهما سعيا للدرء المندوب إليه في العقوبات إحسانا للظن بهما.
عيني.
قوله: (لغت) إلا إذا صدق الولي إحدى البينتين كما يأتي ط: أي في قول المصنف: كما لو قال ذلك لاحد المشهود عليهما أي قال له: أنت قتلته.
قوله: (لان التكذيب تفسيق) لان قوله: (قتلتماه) تكذيب للشهود في بعض المشهود به، حيث ادعى اشتراكهما في القتل، فكأنه قال: لم ينفرد بقتله، بل شاركه آخر، وهذا القدر من التكذيب يمنع قبول الشهادة لادعائه فسقهم به دون الاقرار.
زيلعي.
قوله: (ليس له أن يقتل واحدا منهما) وليس له دية أيضا لما ذكره اه ط.
قوله: (إقرار بأن الآخر لم يقتله)
فكان مكذبا لهما في إخبارهما بالقتل ط.
قوله: (بلا تصديق) أي في الانفراد، فإن كلا منهما أقر بانفراده بكل القتل وبالقصاص عليه والمقر له صدقه في وجوب القتل عليه أيضا لكنه كذبه في انفراده بالقتل وتكذيب المقر في بعض ما أقر به لا يضر كما مر.
قوله: (ولو أقر رجل الخ) صورته: ادعى الولي على رجلين بالقتل وجاء ببينة فشهدت البينة على أحدهما أقر الآخر.
تأمل.
قوله: (لان فيه) أي في قوله: قتله كلاهما.
قوله: (لبعض موجبه) أي موجب ما شهدا به، لانهما أثبتا انفراد المشهود عليه بالقتل.
والمدعي يقول: لا بل قتله هو والآخر.
قوله: (كما مر) أي من أن التكذيب تفسيق.
قوله: (كما لو قال ذلك) أي أنت قتلته وحدك.
قوله: (شهدا على رجلين بقتله خطأ) أي بأنه قتل آخر خطأ.
واعلم أن هذه المسائل من هنا إلى قوله: والمعتبر حالة الرمي ذكرها صاحب الدرر، وأصلها(1/140)
مذكور في الفصل الرابع والعشرين من التاترخانية عن محمد في الجامع الكبير.
قوله: (ضمن العاقلة الولي) ولا يرجع الولي على أحد.
تاترخانية.
قوله: (أو الشهود) لان المال تلف بشهادتهم.
درر.
قوله: (لتملكهم المضمون الخ) عبارة الدرر: لانهم ملكوا المضمون، وهو ما في يد الولي كالغاصب مع غاصب الغاصب.
قوله: (والشهادة على القتل العمد الخ) أي إذا شهدوا بالقتل عمدا واقتص من القاتل ثم جاء المشهود بقتله حيا لا قصاص على واحد منهم، ولمن ورثة القاتل بالخيار: فإن ضمنوا الولي لا يرجع على أخد، وإن ضمنوا الشهود لا يرجعون بذلك على الولي عنده، وعندهما: يرجعون.
تاترخانية.
قوله: (أي إقرار القاتل بالخطأ أو العمد) أي وقضى عليه بالدية في ماله في صورة الخطأ، لان العاقلة لا تعقل الاقرار، والقصاص في صورة العمد.
تأمل.
قوله: (في الخطأ) قيد به لان الشهادة لا تقبل في القود كالحد كما صرحوا به، فافهم.
قوله: (ثم جاء) أي المشهود على الاقرار بقتله.
قوله: (إذا لم يظهر كذبهما) لانهما لم يشهدا بقتله بل شهدا على إقرار القاتل به، فالظاهر أنه أقر كاذبا وفي الثانية شهدا على شهادة الاصول لا على نفس القتل.
قوله: (وضمن الولي الدية في الصورتين) أي في الشهادة على إقراره وفي الشهادة على الشهادة فيرد الولي ما قبضه، لكن في
الشهادة على الاقرار بالقتل عمدا لم يقبض شيئا لان موجبها القود، ولعل المراد أن الولي إذا اقتص من المقر يضمن ديته لاوليائه لظهور أن لا حق له في القصاص بعد مجئ المقتص لاجله حيا.
تأمل.
قوله: (للعاقلة) كذا في الدرر، وفيه نظر لان العاقلة لا تعقل إقرارا ولا عمدا، بل ضمانة للعاقلة مقصور على الصورة الثانية، لان الدية قضى بها عليهم كما مر.
وعبارة التاترخانية عن الجامع لا غبار عليها، حيث قال: ولو كانت الشهادة في الخطإ أو في العمد على إقرار القاتل والمسألة بحالها، فلا ضمان على الشهود، وأنما الضمان على الولي في الفصلين جميعا، وكذا لو شهدا على شهادة شاهدين على قتل الخطإ وقضى القاضي بالدية على العاقلة وباقي المسألة بحالها لا ضمان على الفروع، ولكن يرد الولي الدية على العاقلة اه.
وأراد بباقي المسألة أن المشهود بقتله جاء حيا.
قوله: (والمعتبر حالة الرمي) لان الضمان بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده فتعتبر حالة الرمي والمرمى إليه فيها متقوم.
هداية.
قوله: (في حق الحل والضمان) أراد بالحل الخروج عن إحرام الحج كما تجئ مسألته.
عزمية.
قوله: (للشبهة) أي شبهة سقوط العصمة حال الوصول.
قوله: (بردة المرمى إليه) أي فيما إذا رمى مسلما فارتد المرمى إليه والعياذ بالله تعالى، ثم وقع به السهم.
قوله: (وقالا: لا شئ عليه) لان التلف حصل في محل لا عصمة له.
منح.
قوله: (وتجب القيمة بعتقه الخ) والقياس القصاص لكن سقط(1/141)
للشبهة، فإنه يجب للمولى لو اعتبر الرمي، وللعبد، ثم ينتقل إلى وارثه لو اعتبر الوصول، فأورث شبهة دارئه للقصاص.
شرح المجمع لمصنفه.
فتقييد القهستاني القتل هنا بالخطإ محل نظر.
أفاده أبو السعود.
قوله: (فوصل) أي السهم المرمي.
قوله: (ولا يضمن الخ) لانه حال الرمي مباح الدم، وإنما الضمان على الراجع، فيضمن الربع لو واحدا، ولو كلهم فكل الدية.
أبو السعود.
قوله: (فرجع شاهده) الاضافة للجنس، لانها تأتي لما تأتي له الالف واللام فيشمل رجوع واحد من الاربعة أو الكل.
قوله: (أي جان الخ) يأتي بيانه قبيل القسامة.
قوله: (بإذن أبيه) متعلق بختان لا بقطع إذ لا يعتبر إذنه في قطع الحشفة لانه لا يملكه.
رحمتي.
قوله: (جنين خرج رأسه) أي فقطعه كما هو موجود في بعض النسخ ففيه الغرة أي خمسمائة درهم نصف عشر الدية، وعبارة الاشباه: خرج رأسه فقطع أذنه
ولم يمت ففيه نصف الدية، وإن قطع رأسه ففيه الغرة اه.
واعلم أن هذا كله إذا استهل ولم يخرج نصفه مع الرأس أو الاكثر مع القدمين، فإن استهل وخرج منه ذلك ففيه القود في القتل والقطع كما قدمناه أول الجنايات عن المجتبى والتاترخانية.
قوله: (فقل دية الاسنان) سيأتي بيانه قريبا، وهذا من لطافاته حيث يدخل على كل كتاب بمسألة تناسبه غالبا، والله تعالى أعلم.(1/142)
كتاب الديات قدم القصاص لانه الاصل وصيانة الحياة والانفس فيه أقوى، والدية كالخلف له ولهذا تجب بالعوارض كالخطأ وما في معناه.
معارج.
قوله: (الدية في الشرع الخ) وفي اللغة مصدر ودي القاتل المقتول: إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، والتاء في آخرها عوض عن الواو في أولها كالعدة.
قوله: (الذي هو بدل النفس) زاد الاتقاني: أو الطرف.
قوله: (لا تسمية للمفعول الخ) كذا قال ابن الكمال رادا على الزيلعي وغيره.
والحاصل: أنه مجاز في اللغة حقيقة في العرف كما قال النحويون في إطلاق اللفظ على الملفوظ، والمقصود بيان المعنى العرفي الحقيقي، والحقائق لا يطلب لها أصل، وبيان أنه تسمية للمفعول بالمصدر يؤذن ببيان المعنى اللغوي المجازي.
فتأمل.
قوله: (والارش اسم للواجب فيما دون النفس) وقد يطلق على بدل النفس وحكومة العدل.
قهستاني.
قوله: (أرباعا) حال من مائة أو من الابل: أي مقسمة من كل نوع من الانواع الآتية ربع المائة.
قوله: (من بنت مخاض) هي التي طعنت في السنة الثانية وبنت لبون في الثالثة والحقة في الرابعة والجذعة في الخامسة.
قوله: (وهي الدية المغلظة لا غير) اعلم أن عبارات المتون هنا مختلفة المفهوم، فظاهر الهداية والاختيار والكنز والملتقى أن الدية في شبه العمد لا تكون من غير الابل، وهو ظاهر عبارة المصنف هنا أيضا، وعليه فالتغليظ ظاهر لعدم التخيير، وظاهر الوقاية والاصلاح والغرر وغيرها أنها تكون من غير الابل، وبه صرح في متن القدوري حيث قال: ولا يثبت التغليظ إلا في الابل خاصة، فإن قضى من غير الابل لم تتغلظ اه.
وعليه فمعنى التغليظ
فيها: أنها إذا دفعت من الابل تدفع أرباعا، بخلاف دية الخطأ فإنها أخماس.
وفي المجمع: تتغلظ دية شبه العمد في الابل.
قال شارحه: حتى لو قضى بالدية من غير الابل لم تغلظ، وكذا في درر البحار وشرحه وغرر الافكار وفي جنايات غاية البيان، وتغلظ الدية في شبه العمد في الابل إذا فرضت الدية فيها، فأما غير الابل فلا يغلظ فيها.
وفي الجوهرة: حتى أنه لا يزاد في الفضة على عشرة آلاف ولا في الذهب على ألف دينار.
وفي درر البحار: اتفق الائمة على أن الدية من الذهب في الخطأ وشبه العمد ألف دينار، فهذه العبارات صريحة في أن دية شبه العمد لا تختص بالابل.
قال ط: والذي قدمه الزيلعي أول الكتاب أن الدية في شبه العمد لا تكون إلا من الابل مغلظة على العاقلة في ثلاث سنين يؤخذ في كل سنة ثلث المائة من الابل، ورجحه في الشرنبلالية بأنه لو كان الواجب ما هو أعم من الابل لم يكن للتغليظ فائدة، لانه يختار الاخف فتفوت حكمة التغليظ اه.
أقول: ما نقله عن الزيلعي لم أره في نسختي فليراجع، وعلى ثبوته فالظاهر أن في المسألة روايتين.
والله تعالى أعلم.
قوله: (أخماسا منها ومن ابن مخاض) أي تؤخذ المائة من الاربعة المارة ومن(1/143)
ابن مخاض أخمسا من كل نوع عشرون.
قوله: (وقالا منها) أي من الثلاثة الماضية: وهي الابل، والدنانير والدراهم، ومن البقر الخ، فتجوز عندهما من ستة أنواع، وعند الامام من الثلاثة الاول فقط.
قال في الدر المنتقى: ويؤخذ البقر من أهل البقر والحلل من أهلها، وكذا الغنم، وقيمة كل بقرة أو حلة خمسون درهما، وقيمة كل شاة خمسة دراهم كما في الشرنبلالية عن البرهان.
زاد القهستاني: والشياه ثنايا، وقيل: كالضحايا، وعن الامام كقولهما.
وثمرة الخلاف أنه لو صالح على أكثر من مائتي بقرة لم يجز عندهما، وجاز عنده لانه صالح على ما ليس من جنس الدية، وقد مر، والصحيح ما ذهب إليه الامام كما في المضمرات، وأفاد أن كل الانواع أصول وعليه أصحابنا، وأن التعيين بالرضا أو القضاء وعليه عمل القضاة، وقيل للقاتل.
ذكره القهستاني اه.
وتمامه في المنح.
قوله: (هو المختار) أي تفسير الحلة بذلك، وقيل: في ديارنا قميص وسروايل.
نهاية.
قوله: (عتق قن) أي كامل فيكفي
الاعور لا الاعمى.
در منتقى.
قوله: (مؤمن) بخلاف سائر الكفارات لورود النص به، والنص وإن ورد في الخطإ لكن لما كان شبه العمد فيه معنى الخطأ ثبت فيه حكم الخطاء إتقاني.
قوله: (فإن عجز عنه) أي وقت الاداء لا الوجوب.
قهستاني.
قوله: (ولاء) أي متتابعين.
قوله: (ولا إطعام فيهما) بخلاف غيرهما من الكفارات.
قوله: (وصح إعتاق رضيع) أي إن عاش بعده حتى ظهرت سلامة أعضائه وأطرافه، فلو مات قبل ذلك لم تتأذ به الكفارة.
إتقاني.
قوله: (لا الجنين) لانه لم تعرف حياته، ولا سلامته، ولانه عضو من وجه فلا يدخل تحت مطلق النص.
زيلعي.
قوله: (ودية المرأة الخ) ففي قتل المرأة خطأ خمسة آلاف، وفي قطع يدها ألفان وخمسمائة، وهذا فيما فيه دية مقدرة، وأما فيما فيه الحكومة فقيل: كالمقدرة، وقيل: يسوي بينهما كما في الظهيرية، ولا يرد جنين فيه غرة لانه مستثنى كما يأتي.
در منتقى.
وفي التاترخانية عن شرح الطواويسي: ما ليس له بذر مقدر يستوي فيه الرجل والمرأة عند أصحابنا.
تنبيه: في أحكام الخنثى من الاشباه لا قصاص على قاطع يده ولو عمدا ولو كان القاطع امرأة، ولا تقطع يده إذا قطع يد غيره عمدا، وعلى عاقلته أرشها، وإذا قتل خطأ وجبت دية المرأة ويوقف الباقي إلى التبين، وكذا فيما دون النفس، ويصح إعتاقه عن الكفارة.
قوله: (خلافا للشافعي) حيث قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم.
هداية.
قوله: (وصحح في الجوهرة الخ) حيث قال نقلا عن النهاية: ولا دية للمستأمن هو الصحيح اه.
واعترض بأن الذي في النهاية هو التصريح بالتسوية في الدية والتفرقة في القصاص اه.(1/144)
قلت: وهكذا رأيت في النهاية وغاية البيان.
قوله: (وأقره في الشرنبلالية) غير مسلم، لانه نقل تصحيح الجوهرة المذكور، ونقل بعده ما نصه: وقال الزيلعي: والمستأمن ديته مثل دية الذمي في الصحيح لما روينا، فقد اختلف التصحيح اه ط.
أقول: واستظهر الرملي ما صححه الزيلعي وغيره، واختلاف التصحيح إنما هو بعد ثبوت ما نقله في الجوهرة عن النهاية.
والله تعالى أعلم.
قوله: (وفي النفس) في للسببية، ولا حاجة لذكر
النفس لعلم حكمها مما تقدم ط.
قوله: (والانف الخ) الاصل في قطع طرف من أطراف الآدمي أنه إن فوت جنس منفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا على الكمال ففيه كل الدية، لانه إتلاف للنفس من وجه لقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالدية في اللسان والانف فقسنا ما في معناه عليه.
إتقاني.
واعلم أن ما لا ثاني بدله في بدن الانسان من الاعضاء أو المعاني المقصودة فيه كمال الدية، والاعضاء أربعة أنواع أفراد وهي ثلاثة: الانف واللسان والذكر والمعاني التي هي أفراد في البدن: العقل والنفس والشم والذوق، وأما الاعضاء التي هي أزواج: فالعينان والاذنان الشاخصتان والحاجبان والشفتان واليدان وثديا المرأة والانثيان والرجلان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصفها، والتي هي أرباع أشفار العين وفي كل شفر ربع الدية والتي هي أعشار أصابع اليدين وأصابع الرجلين ففي العشرة الدية وفي الواحدة عشرها، والتي تزيد على ذلك الاسنان وفي كل منها عشر الدية، ويأتي بيان ذلك.
قوله: (ومارنه) هو ما لان من الانف وأرنبته طرف الانف، لانه فوت الجمال على الكمال، وكذا المنفعة لان المارن لاشتمام الروائح في الانف لتعلو منه إلى الدماغ، وذلك يفوت بقطع المارن، لو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لانه عضو واحد، ولو قطع أنفه فذهب شمه فعليه ديتان لان الشم في غير الانف، فلا تدخل دية أحدهما في الآخر كالسمع مع الاذن.
معراج.
قوله: (وقيل الخ) حكاه القهستاني وجزم في الهداية وغيرها بالاول قوله: (والذكر والحشفة) لانه يفوت بالذكر منفعة الوطئ والايلاد واستمساك البول والرمي به ودفع الماء والايلاج الذي هو طريق الاعلاق عادة، والحشفة أصل في منفعة الايلاج والدفق والقصبة كالتابع له.
هداية.
وقدم المصنف وجوب القصاص في قطع الحشفة عمدا، وفي الذكر خلاف قدمناه.
قوله: (والعقل) لان به نفع المعاش والمعاد.
وفي الخيرية: سئل في رجل طرح آخر على الارض وضربه فصار يصرع فماذا عليه؟ أجاب: إن ثبت زوال عقله بما ذكر ففيه دية كاملة، وإن زال بعضه فبقدره إن انضبط بزمان أو غيره، وإلا فحكومة عدل، وللقاضي أن يقدرها باجتهاده، وهذا قلته تفقها أخذا من كلامهم، وقد صرح بعض العلماء بأن الاصراع ضرب من الجنون اه.
قوله: (والشم والذوق والسمع والبصر) لان لكل واحد منها منفعة مقصودة، وقد روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب
بها العقل والكلام والسمع والبصر.
هداية.
ويعرف تلفها بتصديق الجاني أو نكوله أو الخطاب مع الغفلة وتقريب الكريه وإطعام الشئ المر.
قهستاني.
قوله: (أفاد أن في لسان الاخرس حكومة عدل) أي إذا لم يذهب به ذوقه، لان المقصود منه الكلام، ولا كلام فيه فصار كاليد الشلاء وآلة الخصي(1/145)
والعنين والرجل العرجاء والعين القائمة العوراء والسن السوداء اه.
معراج: أي فإن في الكل حكومة عدل، لانه لم يفوت منفعة، ولا فوت جمالا على الكمال.
عناية بخلاف ما إذا ذهب به ذوقه.
قوله: (وهذا) أي قوله: إن منع النطق.
قوله: (وإلا قسمت الدية الخ) أي إن لم يمنع أداء أكثر الحروف بأن قدر عليه قسمت الدية الخ، لكن قال القهستاني: فإن تكلم بالاكثر فالحكومة، وقيل: يقسم على عدد الحروف، فما تكلم به منها حط من الدية بحصته، سواء كان نصفا أو ربعا أو غيره وهو الاصح، وقيل: على حروف اللسان، وهو الصحيح كما في الكرماني اه ملخصا.
وبه علم أن الاقوال ثلاثة، وبها صرح في الهداية وغيرها، وعلى الاول مشى في الملتقى والدرر وشرح المجمع والاختيار وغرر الافكار والاصلاح وغيرها، وصرح في الجوهرة بتصحيح الاخيرين كالقهستاني، والاول مصحح أيضا لما علمته، وظاهر كلام الشارح (1) إن الاخيرين تفسير للحكومة التي أوجبها القول الاول، فلا منافاة بينه وبينهما، وهو حسن لكنه خلاف المفهوم من كلامهم، فتأمل.
قوله: (الستة عشر) وهي التاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون والياء.
زيلعي.
وعدها في الجوهرة ثمانية عشر بزيادة القاف والكاف.
قال ابن الشحنة: وأفاد المصنف أنه قول النحاة والقراء، وعدها الخاصي أربعة عشر، لكن بلا حصر لانه أتى بكاف التشبيه اه.
قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) حيث أفاد أنه على كونها ستة عشر يكون في كل حرف ستمائة وخمسة وعشرون درهما، ومن الذهب اثنان وستون ونصف، وعلى كونها ثمانية عشر ففي الحرف من الذهب خمسة وخمسون وخمسة أتساع، ومن الدراهم خمسمائة وخمسة وخمسون وخمسة أتساع اه.
تنبيه: قال في المعراج: ولو ذهب بجنايته على الحلق أو الشفة بعض الحروف الحلقية أو
الشفوية، ينبغي أن يجب بقدره من الثمانية والعشرين، ولو بدل حرفا مكان حرف فقال في الدرهم دلهم فعليه ضمان الحرف لتلفه، وما يبدله لا يقوم مقامه اه.
قوله: (ولحية حلقت) وكذا لو نتفت.
قهستاني.
لانه أزال الجمال على الجمال ولحية المرأة لا شئ فيها لانها نقص كما في الجوهرة.
قوله: (فإن مات فيها برئ) أي لا شئ عليه، وقالا: حكومة عدل.
كفاية.
قوله: (وفي نصفها نصف الدية) وقال بعض أصحابنا: كمال الدية لفوات الجمال بحلق البعض.
معراج.
وفي غاية البيان: ولو حلق بعض اللحية ولم تنبت، قال بعضهم: تجب فيه حكومة عدل.
قال في شرح الكافي: والصحيح
__________
(1) قوله: (وظاهر كلام الشارح الخ) أنت خبير بأن القهستاني إنما حكى القول بالحكومة في فوات الاقل والقولين بعده في فوات البعض مطلقا فكيف يصح التفسير وتنعدم المنافاة.
وحاصل ماستفيد من تقرير مولانا أنه إذا فات بعض الحروف قيل إن كان الفائت الاكثر ففيه الدية وهذا ما في المصنف، وأن الاقل فالحكومة وهذا ما في القهستانى وقيل بفوات البعض أيا كان تقسم الدية على عدد الحروف اللسانية أو حروف الهجاء قولان اه وبهذا تعلم ما في المحشي تأمل.(1/146)
كل الدية لانه في الشين فوق من لا لحية له أصلا.
قوله: (في الصحيح) لان الشارب تابع للحية فصار كبعض أطرافها، والمقصود في العبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال، بخلاف الحر.
هداية.
قلت: ومفاده أنه لو حلق الشارب مع اللحية يدخل في ضمانها لانه تابع، ونقل السائحاني عن المقدسي أنه لا يدخل، وفي خزانة المفتين: يدخل.
قوله: (ولا شئ في لحية كوسج) بالفتح وبضم.
قاموس.
لانها تشينه ولا تزينه.
قوله: (فحكومة عدل) لان فيه بعض الجمال.
هداية.
قوله: (فكل الدية) لانه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال.
هداية.
قوله: (وشعر الرأس كذلك) سواء كان شعر رجل أو أمرأة أو كبيرا أو صغير.
معراج.
قوله: (أي إذا حلق ولم ينبت) أي على وجه يظهر فيه القرع، فإنه يعد عيبا عظيما، ولهذا يتكلف الاقرع في ستر رأسه كما يتكلف ستر سائر عيوبه.
إتقاني.
وهذا كله إذا فسد المنبت، فإن نبت حتى استوى كما كان لا يجب شئ لانه لم يبق أثر الجناية ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل.
هداية وإن نبت أبيض فإن في أوانه لا يجب شئ، وإلا فالصحيح أن فيه حكومة
عدل.
إتقاني.
وإن كان عبدا ففيه أرش النقصان.
جوهرة.
قوله: (فيهما) أي في اللحية وشعر الرأس.
قوله: (مطلقا) أي ولو عمدا في اللحية وشعر الرأس، وكذا شعر الحاجب.
معراج.
لان القصاص عقوبة، فلا يثبت قياسا وإنما يثبت نصا أو دلالة، والنص إنما ورد في النفس والجراحات، وهذا ليس في معناهما لانه لم يتألم به، ولا يتوهم فيه السراية.
زيلعي والعمد في ماله والخطأ على عاقلته كما في القتل.
أفاده الاتقاني.
وفي المعراج: ثم قيل: صورة الخطأ في حلق الشعر أن يظنه مباح الدم ثم يتبين أنه غير مباح الدم.
قوله: (فلا شئ عليه) أي عنده، وقالا: تجب حكومة عدل.
معراج.
ومر نظيره في اللحية.
قوله: (والعينين الخ) لان في تفويت ا لاثنين من هذه الاشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كمال الدية، وفي تفويت أحدها تفويت النصف فيجب نصف الدية.
هداية.
قوله: (والانثيين) لتفويت منفعة الامناء والنسل.
زيلعي.
تنبيه: في التاترخانية عن التحفة: إذا قطعهما مع الذكر معا فعليه ديتان، وكذا لو قطع الذكر أولا فإن بقطعه منفعة الانثيين وهي إمساك المني قائمة، وأما عكسه ففيه دية للانثيين وحكومة للذكر اه ملخصا: أي لفوات منفعة الذكر قبل قطعه، وفيها قطع إحدى أنثييه فانقطع ماؤه فدية ونصف.
قوله: (وثديي المرأة وحلمتيهما) لتفويت منفعة الارضاع.
زيلعي.
والصغيرة والكبيرة سواء.
إتقاني.
وهل في الثديين القصاص حالة العمد؟ لا ذكر له في الكتب الظاهرة، وكذا الانثيان.
تاترخانية.
قوله: (وكذا فرج المرأة) قال في الخلاصة: ولو قطع فرج المرأة وصارت بحال لا تستمسك البول ففيه الدية اه.
وفي التاترخانية: ولو صارت بحال لا يمكن جماعها ففيه الدية.
قوله: (وفي ثدي الرجل حكومة عدل) لانه ليس فيه تفويت المنفعة، ولا الجمال على الكمال.
زيلعي.
وفي حلمة ثديه حكومة عدل(1/147)
دون ذلك.
خلاصة.
قوله: (جمع شفرة) كذا في المنح بالتاء، ولم أره لغيره، المذكور في كلامهم شفر بلا تاء.
قوله: (الجفن) أي طرفه.
قال القهستاني: جمع شفر بالضم وهو حرف ما غطى العين من الجفن لا ما عليه من الشعر وهو الهدب، ويجوز أن يراد مجازا اه.
وفي المغرب: شفر كل شئ حرفه، وشفر العين: منبت الاهداب.
قال الزيلعي: وأيهما أريد كان مستقيما، لان في كل واحد من
الشفر ومنابته دية كاملة كقطعهما معا لانهما كشئ واحد كالمارن مع القصبة اه.
قوله: (ولم تنبت) بضم حرف المضارعة من الانبات إن أريد بها المعنى الحقيقي وهو الاجفان، وبالفتح إن أريد بها الاهداب.
قال في الشرنبلالية: ولم يذكر التأجيل ولعله كاللحية.
قوله: (وفي أحدها ربعها) لانه يتعلق بها الجمال على الكمال، ويتعلق بها دفع الاذى والقذى عن العين، وتفويت ذلك ينقص البصر، ويورث العمى، فإذا وجب في الكل الدية وهي أربعة، ففي الواحد ربع الدية، وفي الاثنين نصفها، وفي الثلاثة ثلاثة أرباعها.
زيلعي.
ويجب في المرأة مثل نصف ما يجب في الرجل.
إتقاني.
قوله: (ولو قطع جفون أشفارها) كذا في المنح، والاوضح الجفون بأشفارها.
قال في التبيين: ولو قطع الجفون بأهدابها تجب دية واحدة، لان الاشفار مع الجفون كشئ واحد كالمارن مع القصبة والموضحة مع الشعر اه.
ولو قلع العين بأجفانها تحب ديتان: دية العين، ودية أجفانها، لانهما جنسان كاليدين والرجلين.
جوهرة ط.
قوله: (وفي جفن لا شعر عليه حكومة عدل) كذا في غاية البيان عن التحفة، نقله ط عن الهندية عن المحيط.
قوله: (لكن المعتمد الخ) لم أر من ذكر هذا ط.
والظاهر أنه استدراك على المسألة الثانية فقط.
أما قوله: (ولو قطع جفون أشفارها) فقد اقتصر عليه في الهداية والتبيين وغيرهما من الشراح.
وحاصل كلامه: أن في كل من الجفن الذي لا شعر عليه أو الشعر وحده إذا قطعه بانفراده دية كاملة، ويوافقه ما في الاختيار حيث قال: فإن قطع الاشفار وحدها وليس فيها أهداب ففيها الدية، وكذلك الاهداب، وإن قطعهما معا فدية واحدة اه.
قوله: (جفنا أو شعرا) أي سواء كان جفنا أو شعر الجفن فهو خبر لكان المحذوفة، وفي نسخة شفره بالفاء ط.
قوله: (كالابهام) الكاف استقصائية ط.
قوله: (وفي كل سن) السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون: أربع منها ثنايا وهي الاسنان المتقدمة اثنان فوق واثنان أسفل، ومثلها رباعيات وهي ما يلي الثنايا، ومثلها أنياب تلي الرباعيات، ومثلها ضواحك تلي الانباب، واثنا عشر سنا تسمى بالطواحن من كل جانب ثلاث فوق وثلاث أسفل، وبعدها سن وهي آخر الاسنان يسمى ضرس الحلم، لانه ينبت بعد البلوغ وقت كمال العقل.
عناية.
قوله: (نصف دية الرجل) أي نصف دية سنة.
قوله: (خمس من الابل) قيمة كل بعير مائة
درهم.
إتقاني.
قوله: (يعني الخ) أي المراد فيما ذكر الحر أما العبد فإن ديته قيمته فيجب نصف(1/148)
عشرها.
قوله: (بثلاثة أخماسها) أي بناء على الغالب من أن الاسنان اثنان وثلاثون، فيجب فيها ستة عشر ألف درهم، وذلك دية النفس وثلاثة أخماسها.
قوله: (ولا بأس فيه) أي وإن خالف القياس، إذ لا قياس مع النص.
قوله: (كما في الغاية) أي غاية البيان للامام قوام الدين الاتقاني.
قوله: (وقد توجد نواجذ أربعة) النواجذ: أضراس الحلم.
مغرب.
قوله: (فللكوسج الخ) أي إذا نزعت أسنانه كلها فله دية وخمسا دية، وذلك أربعة عشر ألف درهم لان أسنانه ثمانية وعشرون.
حكي أن امرأة قالت لزوجها: يا كوسج، فقال: إن كنت فأنت طالق، فسئل أبو حنيفة فقال: تعد أسنانه إن كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج.
معراج.
قوله: (ولغيره الخ) أي غير الكوسج، لان غيره إما له ثلاثون سنا فله دية ونصف وذلك خمسة عشر ألفا، أو له اثنان وثلاثون فله دية وثلاثة أخماسها وذلك ستة عشر ألفا، أو له ستة وثلاثون فله دية وأربعة أخماسها وذلك ثمانية عشر ألفا.
تنبيه: قال في الخلاصة: ضرب سن رجل حتى تحركت وسقطت: إن كان خطأ يجب خمسمائة على العاقلة، وإن كان عمدا يقتص اه.
واعلم أن الدية وثلاثة أخماسها وهي ستة عشر ألفا تجب في ثلاث سنين، لكن قال في الجوهرة وغيرها: إنه يجب في السنة الاولى ثلثا دية: ثلث من الدية الكاملة، وثلث من ثلاثة أخماسها، وفي السنة الثانية ثلث الدية، وما بقي من الثلاثة الاخماس، وفي السنة الثالثة ثلث الدية، وهو ما بقي من الدية الكاملة اه.
وذلك لان الدية في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها، ويجب ثلاثة أخماسها وهي ستة آلاف في سنتين: في الاولى منها ثلث الدية، والباقي في السنة الثانية.
إتقاني عن شرح الطحاوي.
قلت: وعليه ففي السنة الاولى ستة آلاف وستمائة (1) وستة وستون وثلثا، وفي الثانية ستة آلاف، وفي الثالثة ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، لكن في المجتبى والتاترخانية وغيرهما عن المحيط أنه في السنة الثانية ستة آلاف وستمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وفي السنة الثالثة ثلاثة آلاف اه.
ومثله في المنح والظاهر أنهما روايتان.
تأمل.
قوله: (وتجب دية كاملة) أي دية ذلك العضو.
رملي.
فإن في اليد أو العين لا تجب دية النفس، لان دية النفس تجب في عشرة أشياء، وهي كما في المنح عن المجتبى: العقل وشعر الرأس والانف واللسان واللحية والصلب إذا كسره وإذا انقطع ماؤه إذا سلس بوله والدبر إذا طعنه فلا يمسك الطعام والذكر اه.
وتمامه فيها.
قوله: (أو أحدبه) لان فيه تفويت منفعة الجمال على الكمال، لان جمال الآدمي في كونه منتصب القامة، وقيل هو المراد بقوله
__________
(1) قوله: (ستة آلاف وستمائة الخ) لعل صوابه ثلاثمائة تأمل اه.(1/149)
تعالى: * (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) * (التين: 4) زيلعي.
قوله: (فلا شئ عليه) وقالا: عليه أجرة الطبيب.
ط عن الهندية.
قوله: (أو أرشه) عطف على حكومة، والارش في المثال الآتي نصف الدية.
قوله: (كالاذن الشاخصة) هي المرتفعة من شخص بالفتح ارتفع.
معراج وعزمية.
والتقييد به لدفع توهم أن يراد بها السمع.
عناية.
لان الكلام فيما فيه تفويت الجمال وذهاب السمع فيه تفويت جنس المنفعة وفيه الدية كاملة.
قوله: (هو الطرش) لم أره لغيره، ولم أدر من أين أخذه.
قوله: (وسيجئ ما لو ألصقه) أي الاذن، وذكر ضميرها باعتبار العضو، والذي يجئ هو وجوب الارش لو ألصقها فالتحمت إذ لا تعود كما كانت.
قوله: (في أواخر هذا الفصل) أي الذي أراد الشروع فيه، والله تعالى أعلم.
فصل في الشجاج هي جمع شجة.
ولما كانت نوعا من أنواع ما دون النفس وتكاثرت مسائله، ذكره في فصل على حدة منح.
قوله: (وتختص الشجة الخ) قال في الهداية: والحكم مرتب على الحقيقة: أي حكم الشجاج يثبت في الوجه والرأس على ما هو حقيقة اللغة لان الشجة لغة: ما كان فيهما لا غير، وفي غيرهما: لا يجب المقدر فيهما بل يجب حكومة عدل.
إتقاني فلو تحققت الموضحة مثلا في نحو الساق واليد لا يجب الارش المقدر لها، لانها جراحة لا موضحة، ولا شئ من الجراح له أرش معلوم إلا الجائفة كما في الظهيرية واللحيان عندنا من الوجه، حتى لو وجدت فيهما الموضحة والهاشمة والمنقلة كان لها أرش مقدر كما في الهداية، وليس في الشجاج أرش مقدر إلا في الموضحة والهاشمة والمنقلة
والآمة كما سيتضح.
قوله: (وفيها حكومة عدل) لان التقدير بالتوقيف، وهذا إنما ورد فيما يختص بالوجه والرأس.
هداية.
ولا تلحق الجراحة بالشجة دلالة أو قياسا.
إذ ليست في معناها، إذ الوجه والرأس يظهران غالبا فالشين فيهما أعظم.
أفاده الزيلعي وغيره.
قوله: (أي تخدشه) من باب ضرب.
مختار.
قال ابن الشحنة عن قاضيخان: هي التي تخدش البشرة ولا يخرج منها دم تسمى خادشة.
قوله: (التي تبضع الجلد) كذا فسرها الزيلعي وغيره، ورده الطوري بأن الزيلعي نفسه صرح بتحقق قطع الجلد في الانواع العشرة، فالظاهر في تفسيرها ما في المحيط والبدائع أنها التي تبضع اللحم، ومثله في كتب اللغة، وعلى هذا فيزاد في المتلاحمة قيد آخر فيقال كما في البدائع وغيرها: هي التي تذهب في اللحم أكثر مما تذهب الباضعة.
قوله: (التي تأخذ في اللحم) قال في المغرب: هي التي(1/150)
تشق اللحم دون العظم، ثم تتلاحم بعد شقها وتتلاصق.
قال الازهري: والوجه أن يقال اللاحمة: أي القاطعة اللحم، وإنما سميت بذلك على ما تؤول إليه أو على التفاؤل اه.
قوله: (والسمحاق) كقرطاس.
قاموس.
قوله: (والموضحة) بفتح الضاد المعجمة.
قهستاني.
وظاهر كلام الشارح وغيره أنها بالكسر.
قوله: (التي تهشم) من باب ضرب.
مغرب.
قوله: (والمنقلة) بتشديد القاف مفتوحة أو مكسورة.
شرح وهبانية.
قوله: (والآمة) بالمد والتشديد وتسمى مأمونة أيضا، والدماغ ككتاب: مخ الرأس.
قاموس.
قوله: (تخرج الدماغ) أي تقطع الجلد وتظهر الدماغ.
قوله: (ولم يذكرها محمد) وكذا لم يذكر الحارصة لانها لا يبقى لها أثر في الغالب، وما لا أثر لها لا حكم لها.
إتقاني.
ولذا قال في غرر الافكار: كان على المصنف أن لا يذكرها، لكنه تأسى بما في غالب الكتب.
قوله: (للموت بعدها عادة) فإن عاش ففيها ثلث الدية.
غرر الافكار.
قوله: (نصف عشر الدية) إن كانت خطأ، فلو عمدا فالقصاص كما يأتي.
وفي الكافي من المتفرقات: شجه عشرين موضحة إن لم يتخلل البرى تجب دية كاملة في ثلاث سنين، وإن تخلل البرء يجب كمال الدية في سنة واحدة ط.
قوله: (أي لو غير أصلع) قال في الهندية: رجل أصلع ذهب شعره من كبر فشجه موضحة إنسان متعمدا، قال محمد: لا يقتص وعليه الارش، وإن قال الشاج رضيت أن يقتص مني لي له ذلك، وإن كان الشاج أيضا
أصلع فعليه القصاص.
كذا في محيط السرخسي.
وفي واقعات الناطفي: موضحة الاصلع أنقص من موضحة غيره، فكان الارش أنقص أيضا.
وفي الهاشمة: يستويان.
وفي المنتقى: شج رجلا أصلع موضحة خطأ فعليه أرش دون الموضحة في ماله، وإن شجه هاشمة ففيها أرش دون أرش الهاشمة على عاقلته.
كذا في المحيط اه ط.
قوله: (والجائفة) قالوا: الجائفة تختص بالجوف، جوف الرأس أو جوف البطن.
هداية.
وعليه فذكرها مع الشجاج له وجه من حيث إنها قد تكون في الرأس، لكن نظر فيه الاتقاني بما في مختصر الكرخي من أنها لا تكون في الرقبة ولا في الحق، ولا تكون إلا فيما يصل إلى الجوف من الصدر والظهر والبطن والجنبين، وبما ذكره في الاصل من أنها لا تكون فوق الذقن ولا تحت العانة اه.
قال العيني: ولا تدخل الجائفة في العشرة إذ لا يطلق عليها الشجة، وإنما ذكرت مع الآمة لاستوائهما في الحكم.
قوله: (فيجب في كل ثلثها) أي ثلث الدية.
تنبيه: قال الاتقاني: ينبغي لك أن تعرف أن ما كان أرشه نصف عشر الدية إلى ثلثها في الرجل والمرأة في الخطأ فهو على العاقلة في سنة، لان عمر رضي الله تعالى عنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين، فكل ما وجب به ثلثها فهو في سنة، وإن زاد فالزيادة في سنة أخرى، لان الزيادة على(1/151)
الثلث من جملة ما يلزم العاقلة في السنة الثانية، وكذلك إن انفردت، ما زاد على الثلثين فالثلثان إلى سنتين والزائد في الثالثة، وما كان دون نصف عشر الدية أو كان عمدا فهو في مال الجاني اه ملخصا: أي لما سيأتي في كتاب المعاقل أن العاقلة لا تعقل العمد، ولا ما دون أرش الموضحة.
قوله: (حكومة عدل) أي في الخطأ، كذا في العمد إن لم نقل القصاص على ما يأتي قريبا.
قوله: (من جهة السمع) أي الدليل السمعي لما مر أن التقدير بالتوقيف.
قوله: (من الموضحة) خصها لانها أقل الشجاج الاربعة التي لها أرش مقدر، وهي المرادة من قول المحيط: من أقل شجة لها أرش مقدر، فافهم.
قوله: (فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية) أي الذي هو أرش الموضحة.
بيانه: أن الشجة لو كانت باضعة مثلا فإنه ينظر كم مقدار الباضعة من الموضحة، فإن كان ثلث الموضحة وجب ثلث أرش الموضحة، وإن كان ربع الموضحة يجب ربع أرش الموضحة.
عناية.
قوله:
(وصححه شيخ الاسلام) لحديث علي رضي الله عنه.
فإنه اعتبر حكومة العدل في الذي قطع طرف لسانه بهذا الاعتبار، ولم يعتبر بالعبد، ولان موضحة الحر الصغيرة والكبيرة سواء، وفي العبد يجب في الصغيرة أقل مما يجب في الكبيرة.
معراج.
قوله: (في الحر) أي هو في شجة الحر، وهو متعلق بمحذوف حال، وقوله: من الدية أي يؤخذ منها، وهو خبر المبتدأ، فافهم.
قوله: (وفي العبد من القيمة) أي وقدر التفاوت في شجة العبد يؤخذ من قيمته لان قيمته ديته.
قوله: (فإن نقص الخ) مثاله: إذا كانت قيمته من غير جراحة تبلغ ألفا ومع الجراحة تبلغ تسعمائة علم أن الجراحة أوجبت نقصان عشر الدية لان قيمة الحر ديته.
عناية.
قوله: (به يفتى) وبه أخذ الحلواني، وبه قال الائمة الثلاثة.
قال ابن المنذر: وهو قول كل من يحفظ عنه العلم.
معراج.
وقوله: (لو الجناية في وجه ورأس) لانهما موضع الموضحة.
جوهرة.
قوله: (أو تعسر على المفتي) أي ما اعتبره الكرخي.
قوله: (مطلقا) أي في الوجه والرأس أو غيرهما، وهذا الاطلاق بالنطر إلى قوله: (أو تعسر).
قوله: (وقيل الخ) في موضع جر بإضافة زيادة إليه.
قال القهستاني بعده: وهذا كله إذا بقي للجراحة أثر، وإلا فعندهما لا شئ عليه، وعند محمد: يلزمه قدر ما أنفق إلى أن يبرأ، وعن أبي يوسف: حكومة العدل في الالم اه.
ويأتي تمامه آخر الفصل.
قوله: (ولا قصاص في جميع الشجاج) أي ما فوق(1/152)
الموضحة إجماعا وما دونها على الخلاف ط.
قوله: (إلا في الموضحة عمدا) أي إذا لم يختل به عضو آخر، فلو شج موضحة عمدا فذهبت عيناه فلا قصاص عنده فتجب الدية فيهما، وقالا: في الموضحة قصاص وفي البصر دية، شرح المجمع عن الكافي.
قوله: (وجوب القصاص) أي في العمد.
قوله: (وهو الاصح) وفي الكافي: هو الصحيح لظاهر قوله تعالى: * (والجروح قصاص) * (المائدة: 54) ويمكن اعتبار المساواة.
معراج.
وبه أخذ عامة المشايخ.
تاترخانية.
قوله: (بأن يسبر غورها) السبر: امتحان غور الجرح وغيره كالاستبار والغور القعر من كل شئ، والسبار ككتاب، والمسبار ما يسبر به الجرح.
قاموس.
قوله: (واستثنى في الشرنبلالية السمحاق) حيث قال: إلا السمحاق فإنه لا قصاص فيه إجماعا علدم المماثلة لانه لا يقدر أن يشق حتى ينتهي إلى جلدة رقيقة فوق العظم اه.
أقول: لكنه مخالف لما ذكره عامة شراح الهداية وغيرهم، فإنهم صرحوا بأن ظاهر الرواية وجوب القصاص فيما قبل الموضحة وهو ستة من الحارصة إلى السمحاق اه.
قوله: (كالهاشمة والمنقلة) لان فيهما كسر عظم فلا تمكن المساواة، وكذا الآمة لغلبة الهلاك فيها، ولا يخفى أن هذا عند عدم السراية.
قوله: (وعزاه للجوهرة) وعزاه ط للبحر الزاخر.
قوله: (ولا قود في جلد رأس) لعله على غير ظاهر الرواية، وكذا يقال في لحم الخد ويحمل في الرأس على السمحاق، وأما جلد البدن ولحم البطن والظهر فقال في الهندية: والجراحات التي هي في غير الوجه والرأس فيها حكومة عدل إذا أوضحت العظم وكسرته إذ بقي لها أثر، وإلا فعندهما لا شئ عليه.
وعند محمد: يلزمه قيمة ما أنفق إلى أن يبرأ.
كذا في محيط السرخسي اه ط.
قوله: (ولا في لطمة) اللطم: ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة، والوكز؟ الدفع والضرب بجمع الكف.
قاموس.
والوج ء: الضرب باليد وبالسكين.
قاموس.
قال ط: والمراد ضربه باليد لان الوج ء بالسكين داخل في الجراحات، فالثلاثة راجعة إلى الضرب باليد، وما ذكره لا ينافي ثبوت التعزير.
قوله: (وفي سلخ جلد الوجه كمال الدية) لان فيه تفويت الجمال على الكمال.
قوله: (نصف دية للكف) أي مع الاصابع.
قوله: (وفيها أصبع) غير مقيد، لانه إذا لم يبق مع الاصبع إلا مفصل واحد ففي ظاهر الرواية عند أبي حنيفة: يجب فيه أرش ذلك المفصل ويجعل الكف تبعا له، لان أرش ذلك المفصل مقدر، وما بقي شئ من الاصل، وإن قل فلا حكم للتبع.
ثم اعلم أنه إذا قطع الكف ولا أصابع فيها، قال أبو يوسف: فيها حكومة العدل، ولا يبلغ بها(1/153)
أرش أصبع، لان الاصبع الواحدة تتبعها الكف على قول أبي حنيفة فلا تبلغ قيمة التبع قيمة المتبوع.
كفاية.
قوله: (عند أبي حنيفة) وعندهما ينظر إلى أرش الكف والاصبع فيكون عليه الاكثر، ويدخل القليل في الكثير.
هداية.
قوله: (فإن لا شئ في الكف) بل عليه للاصابع ثلاثة أعشار الدية.
قوله: (إذ للاكثر حكم الكل) أي في تبعية الكف للاصابع، فكما يتبع الخمسة وهي الكل يتبع الثلاثة، فلا يجب إلا دية الاصابع الثلاثة، ولا شئ في الكف لتبعيته لها، وهذا التعليل في الحقيقة إنما هو
لقولهما أما عنده فالكف يتبع الاقل أيضا كما مر.
قوله: (فبقدر النقصان) أي من قيمته لو فرض عبدا مع هذا العيب وبدونه على قياس ما مر.
تأمل.
قوله: (فشل الباقي) أي من تلك الاصبع.
قوله: (لزم دية المقطوع فقط) يعني دية الاصبع بتمامها في المسألة الاولى، ودية الاصابع كلها في الثانية، ولا شئ في الكف لانه تبع كما مر، وهذا معنى قوله: فقط وليس المراد بالمقطوع في الاولى المفصل فقط كما قد يتوهم لما ذكره العلامة الواني عن الطحاوي والجامع الصغير البرهاني والقاضيخان أن يجب دية الاصبع إذا شل الباقي من الاصبع ودية اليد إذا شلت اليد اه.
وفي النهاية: إذا قطع من أصبع مفصل واحد فشل الباقي من الاصبع أو الكف لا يجب القصاص، ولكن تجب الدية فيما شل منه، إن كان أصبعا فدية الاصبع، وإن كان كفا فدية الكف، وهذا بالاجماع اه ونحوه في غاية البيان.
وهذا إذا لم ينتفع بما بقي، وإلا ففيه حكومة عدل.
قال الزيلعي: قطع الاصبع من المفصل الاعلى فشل ما بقي منها يكتفي بأرش واحد إن لم ينتفع بما بقي، وإن كان ينتفع به تجب دية المقطوع وتجب حكومة عدل في الباقي بالاجماع، وكذا إذا كسر نصف السن واسود ما بقي أو اصفر أو احمر تجب دية السن اه.
وذكر الشرنبلالي: أن المراد بقول الزيلعي يكتفي بأرش واحد: أرش أصبع بدليل قوله: وكذا إذا كسر السن الخ.
قوله: (وإن خالف الدرر) حيث قال: تجب دية المفصل فقط إن لم ينتفع بما بقي، والحكومة فيما بقي إن انتفع به اه.
والصواب أن يقول: دية الاصبع، وكأنه أوهمته عبارة الزيلعي المارة وقد علمت المراد بها.
فافهم.
قوله: (وسيجئ) أي بعد أسطر.
قوله: (وفي الاصبع الزائدة الخ) خبر المبتدأ الآتي وهو قوله (حكومة عدل) وإنما لم تجب الدية في الاولى لعدم تعلق الجمال بها وفي البواقي، لان المقصود منها منافعها، فإذا جهل وجود المنفعة لا تجب الدية الكاملة بالشك.
قال الزيلعي: ولا يجب القصاص وإن كان للقاطع أصبع زائدة، وتمامه فيه.
قوله: (وحركة) أي للبول.
قهستاني.
قوله: (وكلام في اللسان) والاستهلال ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت، ومعرفة الصحة فيه بالكلام.
هداية وغيرها.
وفي القهستاني: لو استهل ففيه الدية.
وقال محمد: إن فيه الحكومة كما في الذخيرة.
قوله: (فكبالغ) وكذا في غير ما ذكر من الانف(1/154)
واليد والرجل وغيرها كالبالغ في القود بالعمد والدية بالخطأ.
قهستاني.
قوله: (أو شعر رأسه) يعني جميعه، أما إذا تناثر بعضه أو شئ يسير منه فعليه أرش الموضحة ودخل فيه الشعر، وذلك أن ينظر إلى أرض الموضحة وإلى الحكومة في الشعر، فإن كانا سواء يجب أرش الموضحة، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر دخل الاقل في الاكثر، وهذا إذا لم ينبت شعره، أما إذا نبت ورجع كما كان لم يلزمه شئ.
جوهرة.
قوله: (لدخول الجزء في الكل) لان بفوات العقل تبطل منفعة جميع الاعضاء، فصار كما إذا أوضحه ومات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت سقط.
هداية.
ولم يدخل أرش الموضحة في غير هذين.
جوهرة.
قوله: (كمن قطع أصبعا الخ) فإن دية الاصبع تدخل في دية اليد.
قوله: (لا تدخل) فعليه أرش الموضحة مع الدية، وهذا إذا لم يحصل من الجناية موت، أما إذا حصل سقط الارش ووجبت الدية في ثلاث سنين في ماله لو عمدا، وعلى العاقلة لو خطأ كما في الجوهرة.
قوله: (لانه كأعضاء مختلفة) أفرد الضمير للعطف بأو، وفي بعض النسخ (لانها).
قوله: (ولا قود) أي في الشجة بأن شجه فذهبت عيناه بل الدية فيهما مع أرش الشجة.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما: في الموضحة القصاص وفي العينين الدية.
منح.
قوله: (ولا يقطع أصبع شل جاره) بل يجب أرش كل واحد منهما كاملا.
منح.
والاصبع قد يذكر.
قاموس.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما عليه القصاص في الاولى وفي الاخرى.
جوهرة.
ولو قال المصنف: ولا قود إن ذهب عيناه أو قطع أصبعا فشل جاره بل الدية فيهما خلافا لهما لكان أظهر.
قوله: (من الاصابع) الاظهر قول الهداية من الااصبع.
قوله: (ببل دية المفصل والحكومة فيما بقي) كذا في الهداية والكافي والملتقى، وهو محمول على ما إذا كان ينتفع بما بقي كما قدمناه عن الزيلعي، فلا ينافي ما قدمناه عن شروح الهداية وغيرها من وجوب دية الاصبع، لكن حمله في العزمية على أنه قول آخر، واستبعد التوفيق بالانتفاع وعدمه بأن الشلل لا يفارقه عدم الانتفاع به لا محالة.
تأمل.
وأما عبارة الدرر فهي سهو كما تقدم التنبيه عليه، فافهم.
ولم يتعرض لذكر الخلاف هنا إشارة إلى أنهما لا يقولان بالقصاص هنا، بخلاف ما مر لما في التاترخانية أن أصحابنا اتفقوا في العضو الواحد إذا طع بعضه فشل باقيه أو شل ما هو تبع للمقطوع: أي كالكف أنه لا قصاص.
واختلفوا في عضوين ليس أحدهما تبعا للآخر اه: أي كالاصبع وجاره
فإنه لا قصاص في او صبع عنده خلافا لهما كما مر، والمراد عضوان غير متباينين، وإلا فأرش أحدهما لا يمنع قود الآخر عنده أيضا كما يأتي قريبا.
قول: (أو أصفر أو أحمر) أي أو دخله عيب بوجه ما.
مكي عن الكافي ط.
وما ذكره في الاصفرار هو المختار كما في الدرر.
وبه جزم في التبيين أولا، لكن ذكر بعده بنحو ورقة فيما لو اصفرت بالضرب وجوب الحكومة، لان الصفرة لا توجب تفويت الجمال ولا المنفعة، إلا أن كمال الجمال في البياض اه.
ولعلهم فرقوا بين الاصفرار بالكسر والاصفرار بالضرب.
تأمل.
قوله: (وإلا فلو مما يرى الخ) عبارة الامام محمد مطلقة قال في الكفاية(1/155)
وغيرها: ويجب أن يكون الجواب فيها على التفصيل الخ.
قوله: (فالدية أيضا) لانه فوت جمالا ظاهرا على الكمال.
كفاية.
قوله: (فيه ما فيه) أجيب عنه بأن المعنى فلا شئ فيه مقدر فلا ينافي وجوب حكومة العدل ط.
قوله: (متباينين حقيقة) كيد ورجل ط.
قوله: (على محل) كموضحة أزالت عقله أو سمعه أو بصره أو نطقه، وسواء كان المحل عضوا واحدا أو عضوين غير متباينين كأصبع شل جاره خلافا لهما في العضوين كما مر.
قوله: (ويجب الارش) أي خمسمائة درهم.
هداية.
قوله: (أقاد سنه) يقال أقال القاتل بالقتيل إذا قتله به كما في المغرب والقاموس، فيتعدى إلى الاول بالهمزة وإلى الثاني بالباء، وعليه فحقه أقاد بسنه.
تأمل.
قوله: (ثم نبت) أي كله غير معوج كما سيأتي.
قوله: (بعد مضي حول) أفاد أنه ليس له القود قبله كما يصرح به قوله بعد ذلك: أي بعد الاقادة.
قوله: (لتبين الخطأ) أي في القصاص، لان الموجب له فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى، فانعدمت الجناية.
هداية.
قوله: (للشبهة) أي شبهة وجوب القصاص قبل النبات ط.
قوله: (ويستأني) بسكون الهمزة وتخفيف النون: أي ينتظر، وينبغي للقاضي أن يأخذ من القالع ضمنيا كما في الكفاية.
قوله: وكذا أي يستأني حولا.
قوله: (لكن في الخلاصة) حيث قال: قلع سن بالغ لا يؤجل سنة إنما ذلك الصبي، ولكن ينتظر حتى يبرأ موضع السن، أما إذا ضربه فتحرك ينتظر حولا، وفي نسخة السرخسي: يستأني حولا في الكبير الذي لا يرجى نباته في الكسر والقلع، وبالاول يفتى اه ملخصا.
قوله: (وقد يوفق الخ) أي بحمل ما في الملتقى على الصغير وما في الخلاصة على الكبير كما
هو صريح عبارتها.
قوله: (أو قلعها فردت) أي قبل القود ط.
قوله: (لعدم عود العروق) علة لوجوب الارش ط.
ووجوبه هنا على الجاني.
قوله: (إن عادت) أي إن تصور عودها.
قوله: (لانها لا تعود) الظاهر جريان ما قاله شيخ الاسلام هنا أيضا.
تأمل.
قوله: (فإنه يسقط الارش) أي عن الجاني لانعدام الجناية معنى.
قوله: (كسن صغير) فإنه لا يجب الارش بالاجماع إذا نبتت، لانه لم تفت عليه منفعة ولا زينة.
هداية.
قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: عليه الارش كاملا لتحقق الجناية والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى.
هداية.
قوله: (فحكومة عدل) أي عند أبي حنيفة.
زيلعي.
ولو نبتت سوداء(1/156)
جعل كأنها لم تنبت.
تاترخانية.
قوله: (ولا شئ في ظفر الخ) فهو كالسن.
بقي ما إذا لم ينبت، قال في الاختيار: وفي قلع الاظفار فلم تنبت حكومة عدل لانه لم يرد فيها أرش مقدر ا ه.
وإن نبت الظفر على عيب فحكومة دون الاولى.
ظهيرية.
قوله: (ولم يبق له أثر) فإن بقي له أثر: فإن شجه لها أرش مقدر لزم، وإلا فحكومة.
قوله: فإنه لا شئ فيه أي عند الامام كنبات السن.
وفي البرجندي عن الخزانة والمختار قول أبي حنيفة.
در منتقى.
وعليه اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما، لكن قال في العيون: لا يجب عليه شئ قياسا، وقالا: يستحسن أن تجب حكومة عدل مثل أجرة الطبيب، وهكذا كل جراحة برئت اه ملخصا من تصحيح العلامة قاسم.
قال السائحاني: ويظهر لي رجحان الاستحسان، لان حق الآدمي مبني على المشاححة اه، وفي البزازية: لا شئ عليه عند محمد، وهذا قياس قول الامام أيضا، وفي الاستحسان الحكومة وهو قول الثاني.
قال الفقيه: الفتوى على قول محمد إنه لا شئ عليه إلا ثمن الادوية.
قال القاضي: أنا لا أترك قولهما: وإن بقي أثر يجب أرش ذلك الاثر إن منقلة مثلا فإرش المنقلة اه.
قال الرملي: وتأمل ما بينه وبين ماهنا من سوق الخلاف، وما هنا هو المذكور في الزيلعي والعيني وغالب الشروح.
قوله: (وهي حكومة عدل) أنث الضمير مراعاة للخبر.
قوله: (قاله المصنف) وغيره كالزيلعي.
قوله: (وقد قدمنا) أي في باب القود فيما دون النفس نحوه: أي نحو ما ذكره الطحاوي.
قوله: (وذكر هنا) أي صاحب المجتبى في شرح هذه المسألة عنه: أي عن أبي يوسف روايتين حيث قال: وقال أبو
يوسف: عليه أرش الالم.
وقال محمد: عليه أجرة الطبيب وثمن الادوية وهو رواية عن أبي يوسف زجرا للسفيه وجبرا للضرر.
وإنما أوجب أبو يوسف أرش الالم وأراد به حكومة عدل، وهو أن يقوم عبدا صحيحا ويقوم بهذا الالم.
ثم قال: قلت: فسر حكومة العدل عند أبي يوسف بأجرة الطبيب، وهكذا رأيته في غير موضع أنه أراد أجرة الطبيب وثمن الاودية.
وقال القدوري: إن أجرة الطبيب قول محمد.
قوله: (فتنبه) أشار به إلى أن تفسير الطحاوي إنما يتأتى على إحدى روايتين عن أبي يوسف ط.
قوله: (ولا يقاد جرح إلا بعد برئه) لما روي: أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه رواه أحمد والدارقطني، ولان الجراحات يعتبر فيها مآلها لاحتمال أن تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل فلا يعلم أنه جرح إلا بالبرء فيستقر به.
زيلعي.
قوله: (خطأ) أي في حكم الخطأ في وجوب المال.
قوله: (بخلاف السكران والمغمى عليه) كذا في القهستاني، والظاهر أن المراد السكران بغير مباح زجرا له، وإلا فالعمد لا بد فيه من القصد، والسكران بمباح لا قصد له ولا زجر عليه، تأمل.
وكذا يقال في المغمى، فإنه لا قصد له كالنائم بل هو أشد، وأيضا فالصبي له قصد بالجملة، وقد جعل عمده خطأ(1/157)
فهذا أولى، فتأمل وراجع.
وفي الاشباه: السكران من محرم مكلف، وإن من مباح فلا فهو كالمغمى عليه.
قوله: (وعلى عاقلته) الاولى عاقلتهما.
قوله: (إن بلغ) الاولى بلغت.
قوله: (نصف العشر) هو خمسمائة في الرجل ومائتان وخمسون في المرأة.
قهستاني.
قوله: (وإلا ففي ماله) أي بأن لم تبلغ نصف العشر، فإنه يسلك فيه مسلك الاموال، زيلعي.
أو كان من العجم فإن المختار فيهم أنه لا عاقلة لهم كما سيأتي.
قوله: (ولا كفارة) لانهما لا ذنب لهما تستره، وحرمان الارث عقوبة وليسا من أهلها، وأما حرمان الصبي المرتد من ميراث أبيه فلا ختلاف الدين لا جزاء للردة.
قوله: (وتمامه فيما علقته على الملتقى) حيث قال: وفيه إشعار بأنه لو جن بعد ما قتل قتل، وهذا لو الجنون غير مطبق، وإلا فيسقط القود.
كذا ذكره شيخ الاسلام.
وعنهما: لا يقتل مطلقا إلا إذا قضى عليه بالقود.
وفي المنتقى: لو جن قبل الدفع إلى ولي القتيل لم يقتل، كما لو عته بعد القتل وفي الدية في ماله.
قهستاني
عن الظهيرية اه.
وتقدمت المسألة في فصل ما يوجب القود.
قوله: (ينتظر بلوغ المضروب) الذي تحرر مما قدمناه في هذا الفصل أن المضروب لو كان بالغا يؤجل حتى يبرأ، ولو كان صبيا يؤجل حولا، وأما تأجيله إلى البلوغ فالظاهر أنه قول آخر، أو أنه خاص بما إذا كان الضارب صبيا كالمضروب، ولكنه يحتاج إلى الفرق بينه وبين ما إذا كان الضارب بالغا، فليتأمل.
قوله: (ولم ينبت) أما إذا نبت فلا شئ عليه كما تقدم ط.
قوله: (وسنحققه في المعاقل) أي نحقق أن الدية في العجم من مال الجاني ط.
قوله: (مطلقا) أي وإن كانت أكثر من أرش الموضحة ط.
قوله: (كما في تنوير البصائر) عبارته مهمة: حكومة العدل إن كانت دون أرش الموضحة أو مثل أرش الموضحة لا تتحمله العاقلة، وإن كانت أكثر من ذلك بيقين فلا، رواية عن أصحابنا رحمهم الله تعالى، وقد اختلف فيه المتأخرون، قال شيخ الاسلام: الصحيح أنه لا تتحمله العاقلة.
كذا في التاترخانية اه ط.
والله تعالى أعلم.
فصل في الجنين لما أنهى الكلام على أحكام الاجزاء الحقيقية عقبه بأحكام الجزء الحكمي وهو الجنين لكونه في حكم الجزء من الام، وهو فعيل بمعنى مفعول من جنة: إذا ستره من باب طلب، وهو الولد مادام في الرحم ط ملخصا.
ويكفي استنابة بعض خلقه كظفر وشعر كما سيأتي متنا.
قوله: (ضرب بطن امرأة) وكذا لو ضرب ظهرها أو جنبها أو رأسها أو عضوا من أعضائها، فتأمل.
رملي.
ونحوه في أبي(1/158)
السعود عن التحريري.
وقال السائحاني: يؤخد مما يأتي من قوله: أسقطته بدواء أو فعل أن البطن والضرب ليسا بقيد، حتى لو ضرب رأسها أو عالجت فرجها ففيه الضمان كما صرحوا به اه.
وقال في الخيرية: وقد أفتى والد شيخنا أمين الدين بن عبد العال: إذا صاح على امرأة فألقت جنينا لا يضمن، وإذا خوفها بالضرب يضمن.
وأقول: وجه الفرق أن في موتها بالتخويف وهو فعل صادر منه نسب إليه، وبالصياح موتها بالخوف الصادر منها، وصرحوا أنه لو صاح على كبير فمات لا يضمن، وأنه لو صاح عليه فجأة فمات
منها تجب الدية.
وأقول: لا مخالفة لانه في الاول مات بالخوف المنسوب إليه، وفي الثاني بالصيحة فجأة المنسوبة إلى الصائح، والقول للفاعل أنه مات من الخوف، وعلى الاولياء البينة أنه من التخويف.
وعلى هذا فلو صاح على المرأة فجأة فألقت من صيحته يضمن، ولو ألقت امرأة غيرها لا يضمن لعدم تعديه عليها، فتأمله فإنه تحرير جيد اه ملخصا.
قوله: (خرج الامة والبهيمة) فيه نشر مشوش.
قوله: (وسيجئ حكمهما) أي في هذا الفصل.
قوله: (أو من المغرور) كما لو تزوجها على أنها حرة أو شراها فاستحقت وقد علقت منه.
قوله: (فالعجب من المصنف كيف لم يذكره) أي مع شدة متابعته للدرر، فكان عليه أن يسقط التقييد بالحرية أولا ويذكره بعد قوله: فألقت جنينا ميتا كما فعل الشارح، أو يقول: ضرب بطن امرأة حامل.
بحر لئلا يوهم أن حرية الام شرط.
قوله: (غرة الشهر أوله الخ) بيان لوجه التسمية.
قوله: (وهذه أول مقادير الدية) فإن أقل أرش مقدر نصف العشر كما مر في الشجاج.
قوله: (أي دية الرجل الخ) يعني أن المراد من الدية في كلام المصنف دية الرجل، ونصف عشرها هو خمسمائة درهم هو غرة الجنين ذكرا أو أنثى، لان غرة الجنين الانثى عشر دية المرأة وذلك خمسمائة أيضا، لان دية المرأة نصف دية الرجل.
وحاصله: أنه لا فرق بين غرة الذكر والانثى، ولهذا لم يبين المصنف أنه ذكر أو أنثى.
قوله: (في سنة) أي على العاقلة كما سيصرح به وهذا في جنين الحرة، أما الامة ففي مال الضارب حالا كما سيأتي قوله: (ولنا فعله عليه الصلاة والسلام) وهو ما روي عن محمد بن الحسن أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بالغرة على العاقلة في سنة) زيلعي.
واعلم أن وجوب الغرة مخالف للقياس.
روي أن سائلا قال لزفر: لا يخلو من أنه مات بالضرب ففيه دية كاملة، أو لم ينفخ فيه الروح فلا شئ فيه، فسكت زفر، فقال له السائل: أعتقتك سائبة، فجاء زفر إلى أبي يوسف فقال: التعبد التعبد: أي ثابت بالسنة من غير أن يدرك بالعقل.
عناية(1/159)
ملخصا.
قوله: (فإن ألقته حيا) تثبت حياته بكل ما يدل على الحياة من الاستهلال، والرضاع،
والنفس، والعطاس وغير ذلك، أما لو تحرك عضو منه فلا، لانه قد يكون من اختلاج أو من خروج من ضيق اه ط عن المكي.
قوله: (فدية كاملة) أي وكفارة كما في الاختيار وسيأتي لانه شبه عمد أو خطأ، والدية على العاقلة هنا أيضا، وبه صرح في الجوهرة والاختيار، فقول المصنف في المنح على الضارب على حذف مضاف، أو مبني على الصحيح من أن الوجوب على الضارب أولا، ثم تتحمله عنه العاقلة كما قدمناه في فصل الفعلين، ولذا لم يقل في ماله.
تأمل.
قوله: وإن ألقته ميتا فماتت الام الخ بيان لموت كل منهما وهو أربع صور، لان خروجه إما في حال حياة الام أو حال موتهما أو موتها فقط أو حياتهما.
قوله: (لما تقرر الخ) كما إذا رمى فأصاب شخصا ونفذ منه إلى آخر فقتله فإنه يجب عليه ديتان إن كانا خطأ، وإ كان الاول عمدا يجب القصاص والدية.
زيلعي.
قوله: (وظاهره تعدد الدية) أي لو ألقتهما حيين فماتا.
قوله: (ولم أره فليراجع) أقول: صرح به في الجوهرة والدرر.
وقال الرملي: وفي شرح الطحاوي: لو ألقت جنينين تجب غرتان وإن أحدهما حيا فمات والآخر ميتا فغرة ودية، وإن ماتت الام ثم خرجا ميتين تجب دية الام وحدها إلا إذا خرجا حيين فماتا فثلاث ديات، وعلى هذا يقاس، وإن خرج أحدهما قبل موت الام والآخر بعد موتها وهما ميتان ففي الذي خرج قبل الغرة ولا شئ في الذي خرج بعد، والذي خرج قبل موت أمه لا يرث من دية أمه شيئا وترث الام منه، والآخر لا يرث من أحد، ولا يورث عنه إلا إذا خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة، ويرثها ورثته.
كذا في التاترخانية مختصرا اه.
قوله: (فدية فقط) لان موت الام سبب لموته ظاهرا، إذا حياته بحياتها وتنفسه بتنفسها فيتحقق موته بموتها، فلا يكون في معنى ما ورد به النص، إذ الاحتمال فيه أقل فلا يضمن بالشك.
زيلعي.
قوله: (ولا يرث ضاربه منها) أي ولا من غيرها لانه قاتل مباشرة.
قوله: (وفي جنين الامة) أي الذي ألقته ميتا كما هو موضوع المسألة.
قوله (لو حيا) راجع إلى قيمته: أي قيمته لو فرض حيا: أما لو ألقته حيا ثم مات من ضربه ففيه القيمة بتمامها كما سيشير إليه الشارح.
قوله: الرقيق احترز عما إذا كان من مولاها أو من المغرور، فإنصه حر، وفيه الغرة على العاقلة كما قدمه، وقوله: لو أنثى مقابل قوله: الذكر لا قوله: لو حيا.
قوله: (ولا يلزم زيادة الانثى) أي فيما إذا كانت قيمتها أكثر من قيمة الغلام لانه نادر، والغالب زيادة قيمة الذكر.
أقول: وفيه نظر.
وقد يقال: لا محذور في اللزوم المذكور، لان اعتبار زيادة الذكر على الانثى إنما هو في الاحرار لشرف الحرية، لا في الارقاء لانهم كالمتاع ولذا لم تقدر لهم دية.
قوله: (فلا شئ(1/160)
عليه) تبع في القهستاني.
والذي في الكفاية والعناية وغيرهما أنه يؤخذ بالمتيقن كقتل عبد خنثى خطأ، ولو ضاع الجنين ووقع النزاع في قيمته باعتبار لونه وهيئته على تقدير حياته فالقول للضارب لانكاره الزيادة.
قوله، (كما إذا ألقى بلا رأس) تنظير لا تمثيل.
أقول: وسيأتي أن ما استبان بعض خلقه كتام الخلقة، ولعل المراد بعد استبانة الرأس إذ لا حياة بدونه، بخلاف غيره من الاعضاء.
تأمل.
قوله: (في مال الضارب) لان العاقلة لا تعقل الرقيق.
اختيار.
تأمل.
وقوله: للامة كذا في بعض النسخ وهو متعلق بالضرب.
قال ط: وهذا حكم الجنين، وأما إذا ماتت الام: قال في الهندية عن الذخيرة: قال أبو حنيفة: على الضارب قيمة الام في ثلاث سنين اه فليتأمل اه.
أقول: والحاصل أن الجنين كعضو منها، وسيأتي آخر المعاقل أن الحر إذا جنى على نفس عبد خطأ فهي على عاقلته إذا قتله، لان العاقلة لا تتحمل أطراف العبد.
قوله: (به) أي بنقصان الولادة.
قوله: (وإلا) بأن انتقصت عشرة مثلا وقيمة الجنين خمسة فعليه عشرة.
قوله: (وقال أبو يوسف الخ) هذا غير ظاهر الرواية عن أبي يوسف.
قال في المبسوط: ثم وجوب البدل في جنين الامة قول أبي حنيفة ومحمد، وهو الظاهر من قول أبي يوسف.
وعنه في رواية أنه لا يجب إلا نقصان الام إن تمكن فيها نقص، وإن لم يتمكن لا يجب شئ.
عناية.
قوله: (بعد ضربه) فلو حرره قبله وله أب حر ففيه الغرة للاب دون المولى.
تاترخانية.
قوله: (ضرب بطن الامة) بدل من قوله: ضربه وأشار إلى أن المصدر مضاف لمفعوله، ويجوز عود الضمير إلى الجنين، فيتحد مرجع الضمائر.
تأمل.
قوله: (للمولى) قال أبو الليث: لم يذكر محمد أنها للمولى أو لورثة الجنين،، فيجوز أن يقال أنها للمولى لاستناد الضمائر إلى الضرب ووقت الضرب كان مملوكا.
إتقاني ملخصا.
وذكر في التاترخانية اختلاف المشايخ فيه: فقيل: لورثته، وقيل: للجنين.
قوله: (لان المعتبر حالة الضرب) لانه قتله بالضرب السابق وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية، وتجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا لانه صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى
حالتي السبب والتلف.
هداية يعني أوجبنا القيمة دون الدية اعتبارا بحالة الضرب، وأوجبنا قيمته حيا لا مشكوكا في حياته باعتبار حالة التلف، إذ لو اعتبر حالة الضرب فقد جاز أن لا يكون حيا فلا تجب قيمته بل تجب الغرة.
كفاية ملخصا.
قوله: (ففيه الكفارة) لانه أتلف آدميا خطأ أو شبه عمد.
قوله: (كذا صرح به في الحاوي القدسي) أقول: وكذا صرح به في الاختيار كما قدمناه عنه، وسيذكره(1/161)
الشارح عن الواقعات.
قوله: (وهو مفهوم الخ) فيه اعتذر عن عدم التصريح بالتفصيل في كثير من الكتب حيث أطلقوا قولهم: ولا كفارة في الجنين.
قوله: (وما استبان بعض خلقه الخ) تقدم في باب الحيض أنه لا يستبين خلقه إلا بعد مائة وعشرين يوما، وظاهر ما قدمه عن الزخيرة أنه لا بد من وجود الرأس.
وفي الشمني: ولو ألقت مضغة ولم يتبين شئ من خلقه فشهدت ثقات من القوابل أنه مبدى خلق آدمي ولو بقي لتصور فلا غرة فيه، وتجب فيه عندنا حكومة اه.
قوله: (وعدة ونفاس) أي تنقضي به العدة وتصير به أمة نفساء: قوله: (ففي مالها) أي في رواية، وعلى عاقلتها في رواية وهو المختار.
جامع الفصولين: أي لما سيأتي آخر المعاقل أن من لا عاقلة له فالدية في بيت المال في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى، وإن رواية وجوبها في ماله شاذة، ويأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا تأثم) الانسب في التعبير وأثمت لان الكلام عند وجوب الغرة وهي لا تجب إلا باستبانة بعض الخلق، ثم يقول: ولو لم يستبن بعض خلقه فلا إثم ط.
1 وفي الخانية قالوا: إن لم يستبن شئ من خلقه لا تأثم.
قال رضي الله عنه: ولا أقول به إذ المحرم إذا كسر بيض الصيد يضمن لانه أصل الصيد، فلما كان مؤخذا بالجزاء ثمة فلا أقل من أن يلحقها إثم هنا إذا أسقطت بلا عذر إلا أنها لا تأثم إثم القتل اه.
ولا يخفى أنها تأثم إثم القتل لو استبان خلقه ومات بفعلها.
قوله: (أسقطته عمدا) كذا قيد به في الكفاية وغيرها.
قال في الشرنبلالية: وإلا فلا شئ عليها، وفي حق غيرها: لا يشترط قصد إسقاط الولد كما في الخانية اه.
قوله: (كضربها بطنها) وكما إذا عالجت فرجها حتى اسقطت.
كفاية أو حملت حملا ثقيلا.
تاترخانية: أي على قصد إسقاطه كما علم مما مر.
قوله: (فإن أذن لا) ذكره الزيلعي وصاحب الكافي وغيرهما.
وقال في الشرنبلالية: أقول: وهذا يتمشى على الرواية الضعيفة لا على الصحيح لما قال في الكافي: قال لغيره: اقتلني فقتله تجب الدية في ماله في الصحيح، لان الاباحة لا تجري في النفوس، سقط القصاص للشبهة.
وفي رواية لا يجب شئ لانه نفسه حقه، وقد أذن بإتلاف حقه انتهى.
فكذا الغرة أو دية الجنين، حقه غير إن الاباحة منتفية، فلا تسقط الغرة عن عاقلة المرأة بمجرد أمر زوجها بإتلاف الجنين، لان أمرها لا ينزل عن فعله، فإنه إذا ضرب امرأته فألقت جنينا لزم عاقلته الغرة ولا يرث منها، فلو نظرنا لكون الغرة حقه لك يجب بضرب شئ، لكن لما كان الآدمي لا يملك أحد إهدار آدميته لزم ما قدره الشارغ بإتلاف، واستحقه غير الجاني اه ملخصا.
أقول: وفيه نظر، لما صرحوا به من أن الجنين لم يعتبر نفسا عندنا لعدم تحقق آدميته، وأنه اعتبر جزءا من أمه من وجه ولذا لا تجب فيه القيمة أو الدية كاملة ولا الكفارة ما لم تتحقق حياته، وقدمنا أن وجوب الغرة تعبدي، فلا يصح إلحاقه بالنفس المحققة حتى يقال: إن الاباحة لا تجري في النفوس، فلا يلزم من تصحيح الضمان في الفرع المار تصحيحه في هذا، وتقدم أول الجنايات أنه لو قال: اقطع(1/162)
يدي أو رجلي لا شئ فيه وإن سرى لنفسه، لان الاطراف كالاموال فصح الامر، فإلحاقه بهذا الفرع أولى، لانه إذا لم يكن هو الضارب فالحق له وقد رضي بإتلاف حقه، بخلاف ما إذا كان هو الضارب فإنها حق غيره ولذا لا يرث منها، وهذا ما ظهر لفهمي القاصر فتأمله.
قوله: (ولو أمرت امرأة) أي أمرت الزوجة غيرها، والظاهر أن عدم الضمان بعد أن أذن لها زوجها في الاسقاط على ما يدل عليه سوق كلام صاحب الخلاصة، وإلا فمجرد أمر الام لا يكون سببا لسقوط حق الاب، وهو ظاهر ا ه.
واني.
لكن ذكر عزمي أن نفي الضمان عن المأمورة لا يلزم منه نفيه عن الآمرة إذا لم يأذن لها زوجها، وقد اعترض الشرنبلالي هنا بنظير ما مر وعلمت ما فيه، فتدبر.
قوله: (لاستحالة الدين) أي لاستحالة وجوب دين وهو الغرة للمولى على مملوكه ط.
قوله: (مكا لم تستحق الخ) قال في الزيادات: اشترى أمه وقبضها وحبلت منه ثم ضربت بطنها عمدا فأسقطته ميتا، ثم استحقها رجل بالبينة وقضى له بها أو بعقرها على المشتري يقال للمستحق إنها قتلت ولدها الحر، لان ولد المغرور حر بالقيمة
والجنين الحر مضمون بالغرة فادفع أمتك أو افدها بغرته.
تاترخانية.
ثم قال في جامع الفصولين: أقول: إذا أخذ الغرة ينبغي أن يجوز للمستحق أن يطالبه بقيمة الجنين، إذ قيام البدل كقيام المبدل اه.
لكن سلم له الغرة فيغرم بحسابها.
وتمامه في ط عن الهندية.
قوله: (للمولى) أي المستولد.
قوله: (فعليها الدية والكفارة) أي ولو بإذن الزوج لتحقق الجناية على نفس حية فلا تجري فيها الاباحة، بخلاف ما إذا ألقته ميتا فتسقط الغرة عنها لو بإذنه كما مر.
تأمل.
قوله: (ويجب في جنين البهيمة الخ) هذا إذا ألقته ميتا، أما إذا ألقته حيا فمات من الضرب تجب قيمته في ماله حالة، ولا يجبر بها نقصان الام كما يجبر نقصان الامة بقيمة جنينها، لانه مال أتلفه فيضمنه مع نقصان الام.
تأمل.
رملي.
قوله: (ووقع أحد الولدين حيا الخ) أي ثم مات.
قوله: (وماتت أيضا) أي ثم ماتت الام أيضا كما عبر في التاترخانية فأفاد أن موتها بعد موت الذي وقع حيا إذ لو ماتت قبله لورث القصاص على أبيه فيسقط كما قاله المحشي الحلبي.
قوله: (وتجب غرة الولد الميت) لو أسقط تجب وعطف الغرة على الدية لكان أولى، ليفيد أنها على العاقلة أيضا، وإنما لم تجب فيه الدية أيضا لعدم التحقق بحياته كما مر.
قوله: (لانه لما ضرب الخ) تعليل لوجوب الدية على عاقلته لا في ماله، إذ لو كان الضرب بالنسبة للولد عمدا لم تجب على العاقلة، ومقتضاه لو علم بالولدين وقصد ضربهما أيضا(1/163)
أنه تجب دية الحي في ماله في ثلاث سنين لسقوط القصاص بشبهة الابوة، أما لو علم بهما ولم يقصد ضربهما بل قصد ضرب الام فقط لا تجب دية الحي في ماله، كمن قصد رمي شخص فنفذ منه السهم إلى آخر، تأمل.
والله تعالى أعلم.
باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره قوله: (إلى طريق العامة) أي النافذة الواقعة في الامصار، والقرى دون الطريق في المفاوز والصحارى لانه يمكن العدول عنها غالبا كما في الزاهدي، وطريق العامة ما لا يحصى قومه، أو ما تركه للمرور قوم بنوا دورا في أرض غير مملوكة فهي باقية على ملك العامة، وهذا مختار شيخ الاسلام والاول مختار الامام الحلواني كما في العمادي.
قهستاني.
قوله: (أو جرصنا) بضم الجيم وسكون الراء
وضم الصاد المهملة، وهو دخيل: أي ليس بعربي أصلي، فقد اختلف فيه: فقيل: البرج، وقيل: مجرى ماء يركب في الحائط.
وعن الامام الزدوي: جذع يخرجه لانسان من الحائط ليبني عليه.
مغرب.
قال العيني: وقيل: هو الممر على العلو وهو مثل الرف، وقيل هو الخشبة الموضوعة على جدار السطحين ليتمكن من المرور، وقيل: هو الذي يعمل قدام الطافة لتوضع عليه كيزان ونحوها اه.
قوله: (كبرج الخ) حكاية الاقوال المارة في تفسير الجرصن.
قوله: (ونحوها) هو في عبارة العيني بمعنى نحو الكيزان.
قوله: (أو دكانا) هو المرضع المرتفع مثل المصطبة.
عيني.
قوله: (فإن ضر لم يحل) كان عليه أن يقول: فإن ضر أو منع لم يحل اه.
وفي القهستاني: ويحل له الانتفاع بها وإن منع عنه كما في الكرماني.
وقال الطحاوي: إنه لو منع عنه لا يباح له الاحداث ويأثم بالانتفاع والترك كما في الذخيرة.
قوله: (من أهل الخصومة) هو الحر البالغ العاقل، بخلاف العبيد والصبيان المحجورين.
وأفاد في الدر المنتقى أن لهم ذلك بالاذن.
قوله: (ولو ذميا) لان له حقا في الطريق.
كفاية.
وعبارة التاترخانية: ويدخل فيه الكافر خصوصا إذا كان ذميا اه.
فتنبه.
قوله: (سواء كان فيه ضررا أو لا) هذا هو الصحيح من مذهب الامام.
وقال محمد: له المنع لا الرفع.
وقال أبو يوسف: لا ولا، وهذا إذا علم بإحداثه، فلو لم يعلم جعل حديثا فللامام نقضه.
وعن أبي يوسف: إنما ينقضه إن ضر بهم.
در منتقى.
قوله: (وقيل الخ) قائله إسماعيل الصفار كما في الزيلعي.
قوله: (وإلا كان تعنتا) لانه لو أراد إزالة الضرر عن الناس لبدأ بنفسه.
كفاية.
قوله: (بغير إذن الامام) فإن أذن فليس لاحد أن يلزمه وأن ينازعه، لكن لا ينبغي للامام أن يأذن به إذا ضر بالناس بأن كان الطريق ضيقا، ولو رأى المصلحة مع ذلك وأذن جاز اه.
حموي عن مسكين.
وفي الشمني أنه مع الضرر لا يجوز بلا خلاف، أذن الامام أو لم يأذن اه ط.
ولعل المراد بأثم به.
وإن لم يكن لاحد منازعته، لان منازعة ما يوضع بإذن الامام افتيات على الامام، فلا يخالف ما قبله.
تأمل.
قوله: (زاد الصفار الخ) هو القيل المتقدم المفصل(1/164)
فلا وجه لاعادته، وظاهر كلامهم اعتماد الاطلاق لحكايتهم، هذا القول منسوبا إلى الصفار بعد حكاية الحكم أولا مطلقا، فكأنه قول الجميع، والوجه: أن النهي عن المنكر لا يتقيد بكون الناهي متباعدا عن هذا المنكر كما سبق في الحظر ط.
أقول: هذا الوجه إنما يظهر لو كان فيه ضرر لانه حينئذ منكر، فتدبر.
قوله: (وإن بنى للمسلمين) أي ولم يضر بهم كما في الكفاية والقهستاني.
قوله: (أو بنى بإذن الامام) ظاهره أنه لو بنى بإذنه فليس لاحد منازعته وإن ضر وقدمناه صريحا عن مسكين، ويدل عليه ما سيأني من عدم الضمان لو بإذن الامام، وفي الكفاية وغيرها: قال أبو حنيفة: لكل أحد من عرض الناس أن يمنعه من الوضع، وأن يكلفه الرفع بعد الوضع، سواء كان فيه ضرر أو لا إذا وضع بغير إذن الامام، لان التدبير فيما يكون للعامة إلى الامام لتسكين الفتنة، فالذي وضع ببغير إذنه يفتات على رأي الامام فيه فلكل أحد أن ينكره عليه اه.
والافتيات السبق.
صحاح.
فافهم.
قوله: (وإن كان يضر) مقابل قوله جاز إن لم يضر.
قوله: (لا ضرر ولا ضرار) أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء، لان الضرر بمعنى الضر ويكون من واحد، والضرار من اثنين بمعنى المضارة، وهو أن تضر من ضرك.
مغرب.
والضرر في الجزاء هو أن يتعدى المجازي عن قدر حقه في القصاص وغيره.
كفاية.
قوله: (والقعود) وكذا الغرس.
قهستاني.
قوله: (يجوز إن لم يضر بأحد) الانسب في التعبير أن يضع هذه الجملة بعد قوله: على هذا التفصيل ط.
قوله: (وفي غير النافذ الخ) المراد بغير النافذة المملوكة، وليس ذلك بعلة الملك فقد تنفذ، وهي مملوكة وقد يسد منفذها، وهي للعامة لكن ذلك دليل على الملك غالبا فأقيم مقامه ووجب العمل به حتى يدل الدليل على خلافه.
كفاية عن الجامع الصغير لفخر الاسلام.
قوله: (لا يجوز أن يتصرف بإحداث) أقول في الخانية: قال أبو حنيفة: الطريق لو كان غير نافذ فلاصحابه أن يضعوا فيه الخشبة، ويربطوا فيه الدواب، ويتوضؤوا فيه، فلو عطب أحد لا يضمن، وإن بنى أو حفر بئرا ضمن اه.
وفي جامع الفصولين: أراد أن يتخذ طينا فيه، فلو ترك من الطريق قدر المرور، ويتخذ في الاحايين مرة ويرفعه سريعا فله ذلك، ولكل إمساك الدواب على باب داره، لان السكة التي لا تنفذ كدار مشتركة، ولكل من الشركاء أن يسكن في بعض الدار لا أن يبني فيها، وإمساك الدواب في بلادنا من السكنى اه.
وفي التاترخانية: إن فعل في غير النافذة ما ليس من جملة السكنى لا يضمن حصة نفسه ويضمن
حصة شركائه، وإن من جملة السكنى فالقياس كذلك، والاستحسان لا يضمن شيئا اه.
ومثله في الكفاية.
أقول: وبه ظهر أن المراد لا يجوز إحداث شئ مما مر كالميزاب والدكان ونحو ذلك مما يبقى كما أفاده السائحاني.
قوله: (إلا بإذنهم) أي كلهم حتى المشتري من أحدهم بعد الاذن لما في الخانية رجل أحدث بناء أو غرفة على سكة غير نافذة ورضي بها أهل السكة فجاء رجل من غير أهلها واشترى دارا(1/165)
منها كان للمشتري أن يأمر صاحب الغرفة برفعها اه.
سائحاني.
قوله: (لانه كالملك) الاولى لانه ملك بر تشبيه كما فعل في الهداية، ودل عليه ما قدمناه عن الجامع.
قوله: (ثم الاصل الخ) فائدته أن الحديث للامام نقضه والقديم لا ينقضه أحد كما في القهستاني.
قال السائحاني: فإن برهنا فبينة القدم في البناء تقدم، وفي الكافي بينة الحدوث فعلها في غير البناء كمسيل واستطراق، وقال الشيخ خير الدين عن الصغرى: يجعل أقصى الوقت الذي تحفظه الناس حد القديم، وهذا في غاية الحسن ا ه.
قوله: (فديته على عاقلته) وكذا لو جرحه إن بلغ أرشه أرش الموضحة، وإن كان دونه ففي ماله كفاية، وأشعر بأنه لا تجب الكفارة، ولا يحرم من الميراث كما في الذخيرة.
قهستاني.
قوله: (ملتقى) زاد في الشرح: وكذا كل ما فعل في طريق العامة اه.
وفي الملتقى أيضا: ويضمن من صب الماء في الطريق ما عطب به، وكذا إن رشه بحيث يزلق أو توضأ به، وإن فعل شيئا من ذلك في سكة غير نافذة وهو من أهلها أو قعد فيها أو وضع متاعه لا يضمن، وكذا إن رش ما لا يزلق عادة أو رش بعض الطريق فتعمد المار المرور عليه لا يضمن الراش، ووضع الخشبة كالمرور في استيعاب الطريق وعدمه، وإن رش فناء حانوت بإذن صاحبه فالضمان على الامر استحسانا اه.
قوله: (في ماله) لان العاقلة تتحمل النفس دون المال.
هداية.
قوله: (إن لم يأذن به) أي بما ذكر من إحداث الكنيف والجرصن والدكان، ووضع الحجر وحفر البئر في الطريق.
أفاده القهستاني.
قوله: (الامام) أي السلطان.
قهستاني.
قوله: (فإن أذن الخ) لانه غير متعد حينئذ، فإن الامام ولاية عامة على الطريق إذ ناب عن العامة، فكان كمن فعله في ملكه.
قهستاني.
قال في
الدر المنتقى: لكن إنما يجوز الاذن إذا لم يضر بالعامة وتمامه فيه.
فتنبه.
قوله: (جوعا أو عطشا) لانه مات بمعنى في نفسه، والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع.
زيلعي.
قوله: (أو غما) أي انخناقا بالعفونة.
قال في الصحاح: يوم غم إذا كان يأخذ النفس من شدة الحر عناية، وضبطه في الشرنبلالية بالضم، ثم نقل عن شرح المجمع الفتح.
قوله: (خلافا لمحمد) فأوجب الضمان في الكل، ووافق أبو يوسف الامام في الجوع لا الغم ط.
قوله: (أو وسطه) المراد وسطه الذي هو خارج عن ملك الوضع، لان العلة في الضمان هي التعدي بشغل هواء الطريق كما ذكره الزيلعي، وهو بهذا المعنى يشمله لفظ الخارج فلا حاجة إليه، ولعله أراد بالخارج الطرف الاخير، فصح له ذكر الوسط، ومحل الضمان فيه وفيما قبله إذا لم يأذن الامام أو أرباب المحلة كما تقدم، ويدل عليه التعليل بالتعدي اه.
قوله: (فالضمان على واضعه) أي على عاقلته، وكذا يقال فيما بعد لانه تسبب(1/166)
ط.
قوله: (كما بسطه الزيلعي) حيث قال: ولو أشرع جناحا إلى الطريق أو وضع فيه خشبة ثم باع الكل وتركه المشتري حتى عطب به إنسان فالضمان على البائع لان فعله لم ينتسخ بزوال ملكه، بخلاف الحائط المائل إذا باعه بعد الاشهاد عليه، حيث لا يضمن المشتري لانه لم يشهد عليه، ولا البائع ون الملك شرط لصحة الاشهاد، فيبطل بالبيع لانه لا يتمكن من نقض ملك الغير، وهنا الضمان بإشغال هواء الطريق لا باعتبار الملك، والاشغار باق فيضمن، كما لو حصل من مستأجر أو مستعير أو غاصب، وفي الحائط لا يضمن غير المالك اه ملخصا.
قوله: (استحسانا) لانه في حال يضمن الكل وفي حال لا يضمن شيئا فيضمن النصف، والقياس أن لا يضمن شيئا للشك، وتمامه في الزيلعي.
قوله: (ومن نحى حجرا) أي حوله عن موضعه إلى موضع آخر.
قوله: (فسقط منه على آخر) وكذا إذا سقط فتعثر به إنسان.
هداية.
لان حمل المتاع في الطريق على رأسه أو على ظهره مباح له، لكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة الرمي إلى الهدف أو الصيد.
زيلعي.
قوله: (أو دخل بحصير أو قنديل أو حصاة الخ) أي فسقط الحصير أو القنديل على أحد أو سقط الظرف الذي فيه الحصاة على أحد.
منح.
أقول: عبارة الهداية: وإذا كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا أو جعل فيه بواري أو حصاة الخ، والظاهر منها أن حصاة فعل ماض مشدد الصاد معطوف على جعل، ويدل على ذلك تفسير ابن كمال، وأما جعله مفردا بتاء الوحدة فهو بعيد، وكذا إرادة الظرف أبعد.
وفي منهوات ابن كمال: ومن وهم أن المراد الظرف الذي فيه الحصاة فقد وهم اه.
وقيد الشرنبلالي الخلاف في الضمان بما إذا فعل ذلك بلا إذن أهل المسجد، فلو بإذنهم فلا ضمان اتفاقا، كما لو كان من أهل المحلة وعلق القنديل للاضاءة، فلو للحفظ ضمن اتفاقا كما في شرح المجمع اه.
وجعل في البزازية إذن القاضي كإذن أهل المحلة.
قوله: (في مسجد غيره) أي مسجد غير حية ويأتي مفهومه، والظاهر أن مسجد الجماعة حكمه في ذلك حكم مسجد حيه فلا يضمن بما ذكر ط.
قوله: (ولو لقرآن أو تعليم) لان المسجد بني للصلاة وغيرها تبع لها، بدليل أنه إذا ضاق فللمصلي إزعاج القاعد للذكر أو القرءة أو التدريس ليصلي موضعه دون العكس.
قوله: (لا يضمن من سقط منه رداء ألبسه) أي سقط على إنسان فعطب به وأو سقط فتعثر به، أشار إليه في الهداية ثم قال: والفرق: أي بين المحمول والملبوس، أن حامل الشئ قاصد حفظه فلا حرج في التقييد بوصف السلامة.
واللابس لا يقصد حفظا ما يلبسه فيتحرج بالسلامة، فجعل مباحا مطلقا.(1/167)
وعن محمد أنه إذا لبس ما لا يلبسه فهو كالحامل، لان الحاجة لا تدعو إلى لبسه اه.
وكالرداء السيف والطيلسان ونحوهما كما في الغاية.
قوله: (عليه) متعلق بقوله: لبسه ولا يصح تعلقه بسقط لفساد المعنى، فالفهم.
قوله: (ففعل الغير مباح) يفيد أن فعل الاهل واجب مثلا، وليس كذلك بل كلاهما مباح، غير أن فعل لاهل مباح مطلق غير مقيد بالسلامة، وفعل غير مباح مقيد بها ط.
قوله: (الحاصل أن الجالس للصلاة الخ) ذكر شمس الائمة أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة: أن الجالس لانتظار الصلاة لا يضمن، وإنما الخلاف في عمل لا يكون له اختصاص بالمسجد كقراءة القرآن ودرس الفقه والحديث، وذكر في الذخيرة أنه إذا قعد فيه لحديث أو نام فيه لغير صلاة أو مر فيه مار ضمن عنده، وقالا: لا يضمن، وإن قعد للعباد كانتظار الصلاة أو الاعتكاف أو قراءة القرآن أو للتدريس أو
للذكر، اختلف المتأخرون فيه على قولين بالضمان وعدمه.
زيلعي ملخصا.
قوله: (مطلقا) أي في مسجد حية أو غيره، قوله: (معزيا للزيلعي) فإنه نقل عن الحلواني أن أكثر المشايخ أخذوا بقولهما، وعليه الفتوى اه.
ونقل عن صدر الاسلام أن الاظهر ما قالاه، لان الجلوس من ضرورات الصلاة، فيكون ملحقا بها، وفي العيني بقولهما قالت الثلاثة، وبه يفتى اه ط.
قوله: (وقد حققته في شرح الملتقى) حاصله ما قدمناه.
وذكر أيضا أن الجلوس للكلام المحظور فيه الضمان اتفاقا، وعليه يحمل ما أطلقه فخر الاسلام.
قوله: (وفيه لو استأجره الخ) ذكر الزيلعي وغيره ما حاصله أنه لو استأجره ليشرع له جناحا في فناء داره وقال له إنه ملكي أو لي فيه حق الاشراع من القديم ولم يعلم الاجير فظهر بخلافه فسقط على إنسان قبل الفراغ أو بعده، فالضمان على الاجير، ويرجع على الآمر قياسا واستحسانا، وإن أخبره بأن لا حق له في الاشراع أو لم يخبره حتى بنى فسقط فأتلف: إن قبل الفراغ ضمن ولا يرجع، وإن بعده فكذلك قياسا بفساد الامر، كما لو أمره بالبناء في الطريق.
وفي الاستحسان: يضمن الآمر لصحة الآمر، لان فناءه مملوك له من حيث إن له الانتفاع بشرط السلامة، وغير مملوك له من حيث إنه لا يجوز له بيعه، فمن حيث الصحة يكون قرار الضمان على الآمر بعد الفراغ، ومن حيث الفساد يكون على العامل قبل الفراغ، وإن استأجره ليحفر له في غير فنائه ضمن الآمر دون العامل، إذا لم يعلم أنه غير فنائه لصحة الامر حينئذ، فنقل فعله إلى الآمر لانه غره فإن علم بذلك ضمن إذ لا غرور، فبقي الفعل مضافا إليه.
ولو قال إنه فنائي وليس لي فيه حق الحفر يضمن العامل قياسا إذ لا غرور، وفي الاستحسان: يضمن الآمر اه زاد في البزازية: إن كان بعد الفراغ اه.
فقد أفاد أن التفصيل قبل الفراغ أو بعده جار في الحفر أيضا كما ذكره الشارح، فافهم، ووجه الفرق بين الحفر والاشراع، فإن الاجير في الاشراع إذا لم يعلم ضمن ورجع على الآمر، وفي الحفر لم(1/168)
يضمن أصلا هو أن الآمر متسبب ومشرع الجناح مباشر، بخلاف الحافر فإنه متسبب أيضا، والمتسبب يضمن إذا كان متعديا، والمتعدي هنا هو الآمر فقط.
إتقاني ملخصا.
وفي المغرب: الفناء سعة أمام
البيوت، وقيل: ما امتد من جوانبها.
قوله: (فما أغره) كذا وقع له في شرح الملتقى، والفعل متعد بنفسه من غير همز، قال في القاموس: غره: خدعه اه ط.
قوله: (وظاهره) أي التقديم المأخوذ من قدم ترجيحه على الاستحسان أو هذا وإن ظهر في عبارة الملتقى لا يظهر في عبارة غيره خصوصا صاحب الهداية فإنهما يؤخران دليل المعتمد، وقد أخر الاستسحان مع دليله.
أفاده ط.
قوله: (أو في ملكه) وكذا إذا حفر في فناء له في حق التصرف بأن لم يكن للعامة ولا مشتركا لاهل سكة غير نافذة.
ملتقى.
قوله: (وكذا كل ما فعل في طريق العامة) أي من إخراج الكنيف والميزاب والجرصن وبناء الدكان وإشراع الروشن وحفر البئر وبناء الظلة وغرس الشجر ورمي الثلج والجلوس للبيع: إن فعله بأمر من له ولاية الامر لم يضمن، وإلا ضمن.
أفاده في العناية.
قوله: (فتعمد الخ) تفريع على قوله: أو وضع خشبة الخ قال الرملي: ويتعين حدفه لان الضمان منتف بالتعمد المذكور، وإن كان الوضع بإذن الامام اه.
لكنه يعلم بالاولى، على أن هذا إنما يتأتى في قوله بلا إذن الامام، أما قوله (فتعمد) فإنه يفسد المعنى بحذفه.
تأمل.
قوله: (لان الاضافة الخ) تعليل للمسألتين الاخيرتين، وعلة الاوليين عدم التعدي كما في التبيين.
قوله: (من الفيافي) قال في القاموس: الفيف: المكان المستوي، أو المفاز لاماء فيها كالفيافة والفنفاء ويقصر، جمعه أفياف وفيوف وفياف اه.
قوله: (لم يضمن) لانه غير متعد فيه لانه يملك الارتفاق بهذا الموضع نزولا وربطا للدابة وضربا للفسطاط من غير شرط السلامة لانه ليس فيه إبطال حق المرور على الناس، فكان له حق الارتفاق من حيث الحفر للطبخ أو الاستقاء فلا يكون متعديا.
بزازية.
قوله: (قلت الخ) من كلام المجتبي، وقد نقل في المجتبى عن بعض الكتب تقييد الحفر في الفيافي بما إذا كان في غير ممر الناس، ثم نقل عن كتاب آخر بدون هذا القيد، ثم قال: قلت: وبهذا عرف الخ، فالاشارة إلى ما نقله ثانيا، وهو ما اقتصر عليه الشارح.
وحاصله: أنه على الاول يضمن لو حفر في محجة الطريق بحيث يمر الناس والدواب عليها، لا إن حفر يمنة أو يسرة بحيث لا يمر عليها، وهو ما في البزازية عن المحيط.
وعلى الثاني: لا يضمن مطلقا لامكان العدول من المار عن مكان الحفر.
قال ط: ولكنه لا يظهر في نحو الظلمة والبهائم المارة(1/169)
فيحمل المطلق على المقيد، والله تعالى أعلم بالصواب.
قوله: (من حفرهم) ومثله: ما لو كانوا أعوانا له، وأما لو كان الحافر واحدا فانهارت عليه من حفره فدمه هدر، ط عن الهندية عن المبسوط.
قوله: (خانية) عبارتها: لان البئر وقع بفعلهم، وكانوا مباشرين والميت مباشر أيضا الخ.
قوله: (فينبغي أن لا يجب شئ الخ) قد علمت التصريح بأن ذلك قتل مباشرة، فيستوي فيه الملك وعدمه، فهو بحث مخالف للمنقول.
قوله: (قلت الخ) هو للمصنف في المنح.
قوله: (له كرم) الكرم: العنب.
قاموس.
قوله: (وأرضه تارة تكون مملوكة الخ) المراد أن أرضه لا تخلو عن أحد هذه الاشياء، وليس المعنى أن هذه الاشياء تداولت على أرض واحدة ط.
قوله: (كأراضي بيت المال) الكاف للتمثيل إن أريد بقوله: مملوكة أي لعامة المسلمين، أو للتنظير إن أريد به ملكها لمن هي في يده: أي عليها الخراج نظير أراضي بيت المال فإن أغلبها خراجية.
تأمل.
قوله: (وتارة تكون في يده الخ) الذي رأيته في المنح.
وتارة تكون للوقف وتكون في يده مدة طويلة الخ، وهذه أولى، لان ما تكون في يده كذلك هي أراضي بيت المال أو الوقف.
قوله: (يؤدي خراجها) المناسب أجرتها، ولو قلنا: إنها لبيت المال لما في فتح القدير: إن المأخوذ الآن من أراضي مصر أجرة لا خراج، ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع كأنه لموت المالكين شيئا فشيئا بلا وارث فصارت لبيت المال اه.
قوله: (على الاجراء) بمد آخره جمع أجير، وفي بعض النسخ الآجر بمد أوله، وهو الاجير لانه أجر نفسه، والاولى أولى.
قوله: (كما يفيده كلام الجوهرة) أي السابق وهو قوله: لان الفعل مباح فما يحدث غير مضمون.
قوله: ويحمل إطلاق الفتاوى أي إطلاق الخانية وغيرها الضمان على ما وقع مقيدا في عبارة الجوهرة بقوله: وهذا لو البئر في الطريق، لوجود الشرط الذي ذكره الاصوليون في حمل المطلق على المقيد، وهو اتحاد الحكم والحادثة، والحكم هنا هو الضمان والحادثة هي الحفر في الطريق، ونظيره صوم كفارة اليمين فإنه في الآية مطلق، وقيد بالتتابع في قراءة ابن مسعود فيحمل المطلق على المقيد لاتحاد الحكم وهو الصوم، والحادثة وهي كفارة اليمين ضرورة تعذر الجمع، وفي هذا الكلام نظر، فإنه لا نص هنا، وتقييد الجوهرة الضمان بما إذا كان في الطريق ينافيه تصريحهم له بضمان المباشر ولو في الملك، ولذا قال(1/170)
الرملي: الظاهر أنه قاله بحثا لا نقلا، ولا يخفى فساده لتصريحهم بأنه مباشرة لا تسبب، وفي المباشرة لا ينظر إلى كون الفعل في ملكه أولى، كمن رمى سهما في ملكه فأصاب شخصا، فإنه يضمن، وإذا فقد عرفت أن الحكم في الحادثة التي تكرر وقوعها وجوب الضمان على الكيفية المذكورة على الاجراء ا ه ملخصا.
قوله: (فروع الخ) ساقط من بعض النسخ، وقدمنا الكلام عليه، والله تعالى أعلم.
فصل في الحائط المائل قوله: (مال حائط) أي عما هو أصله من الاستقامة وغيرها فيشمل المتصدع والواهي.
قهستاني.
وكذا العلو إذا انصدع فأشهد أهل السفل على أهل العلو، وكذا الحائط أعلاه لرجل وأسفله لآخر نص عليه في التاترخانية نقلا عن النوازل.
رملي.
قوله: (إلى طريق العامة) أي والخاصة فهو من قبيل الاكتفاء.
قهستاني.
لكن بينهما فرق في بعض الاحكام كما يأتي.
قوله: (أو مال) أي غير الحيوان لدخوله تحت النفس، ولو أراد بالنفس الكاملة: وهي نفس الانسان، وبالمال ما يعم الحيوان لوافق قوله الآتي: ثم ما تلف به من النفوس فعلى العاقلة فإن الحيوان غير مضمون عليهم بل هو في ماله.
رحمتي.
قوله: (إن طالب ربه) بنصب ربه مفعول طالب، وفاعله قول المصنف الآتي (مكلف) والمطالبة أن يقول له: إن حائطك هذا مخوف، أو يقول مائل فانقضه أو أهدمه حتى لا يسقط ولا يتلف شيئا، ولو قال: ينبغي أن تهدمه فذلك مشورة.
عناية.
قوله: (أو حكما) من حيث قدرته على رفع هذا الضرر.
قوله: (فتضمن عاقلة الواقف) أي في الصورتين، لان القيم نائب عنه فيكون الاشهاد على القيم إشهادا على الواقف، كما أن الاشهاد على الولي إشهاد على من تحت ولايته من صغير ومجنون.
قال الرملي: ويؤخذ من عاقلة الواقف إن كان له عاقلة فيما تتحمله وإن لم تكن له عاقلة، أو كان مما لا تتحمله، فلا يؤخذ من القيم ولا يرجع في الوقف لان الوقف لا ذمة له.
قوله: (وكالقيم الولي) أي من له ولاية من أب أو جد أو وصي، وزاد في الهداية الام، ثم قال: لان فعل هؤلاء كفعله اه: أي فعل الوصي والاب والام كفعل الصبي والتقدم إليهم كالتقدم إلى الصبي بعد بلوغه.
عناية.
تأمل.
وفي الدر المنتقى: فلو سقط حائط الصغير بعد الطلب من وليه كان الضمان في مال الصبي، فلو بلغ أو مات الولي بعد الطلب فلا يضمن بالتلف بعده كما في العمادية وغيرها اه.
قوله:
(والرهن) فإنه مالك لا المرتهن والراهن قادر على الهدم: يعني بفك العين وإعادتها إلى يده وكذا التقدم إلى المؤجر لان الاجارة تفسخ بالاعذار وهذا عذر اه ط.
عن الجوهرة قوله: (والمكاتب) لملكه نقضه، فإن تلف به آدمي سعى في أقل من قيمته ودية المقتول، أو مال سعى في قيمته بالغة ما بلغت(1/171)
اعتبارا بالجناية الحقيقة كما في القهستاني عن الكرماني، وهذا لو التلف حال بقاء الكتاية، فلو بعد عتقه فعلى عاقلة المولى، ولو بعد العجز لا يجب شئ على أحد، ويهدر الدم لعدم قدرة المكاتب، وعدم ااشهاد على المولى كما في المنح وغيرها، وفي البرجندي عن قاضيخان: فإن أشهد على المولى صح الاشهاد أيضا.
در منتقى.
قوله: (والعبد التاجر) فإن له ولاية نقضه مديونا أو لا، فإن تلف به آدمي فعلى عاقلة أو مال ففى رقبته حتى يباع فيه.
در منتقى.
قوله: (وكذا أحد الشركاء) أي بالنسبة إليه فبيضمن بقدر حصته فقط كما سيأتي متنا.
قوله: (استحسانا) لتمكنه منه بمابشرة طريقه وهو المرافعة إلى القاضي بمطالبة شركائه، فصار مفرطا فيضمن آبقسطه وفي القياس: لا يضمن لعدم تمكنه من النقض وحده.
إتقاني.
قوله: (نعم في الظهيرية الخ) قيل هو استدراك على قوله (طالب به) واعترض بأنه داخل تحت قوله: أو حكما لان الدار للميت ولذا تقضي بها ديونه والوارث خليفته ولذا له أخذها وقضاء الدين من ماله، وقد يقال: هو استدراك على قوله: أحد الشركاء فإن التقييد بقوله: عن ابن فقط يفهم أنه لو تعددت الورثة لا يصح الاشهاد.
تأمل.
ولعل القيد اتفاقي.
قوله: (صح الاشهاد) أي والدية على عاقلة الاب لا الابن كما في المنح.
قوله: (بنقضه) متعلق بطالب ومكلف فاعله.
قوله: (يعني من أهل الطلب) أشار إلى أن المراد بالمكلف من له حق الطلب ولو صبيا لا من كان بالغا، لكن في الزيلعي أن العبيد والصبيان بالاذن التحقوا بالحر البالغ.
تأمل.
قوله: (وإن لم يشهد) أي على طلب النقض.
قال الزيلعي: وإنما ذكر الاشهاد ليتمكن من إثباته عند جحوده أو عاقلته فكان من باب الاحتياط لا على سبيل الشرط اه.
قوله: (ولا يصح الخ) سيأتي متنا.
قوله: (والحال الخ) صاحب الحال فاعل ضمن أو مفعول طالب.
قوله: (وهو يملك نقضه) مستغتى عنه بما بعد وبقوله: ولو تقدم الخ.
قوله: (في مدة يقدر على نقضه فيها) فلو ذهب بعد الطلب
لطلب من يهدمه، وكان في ذلك حتى سقط الحائط، لن يضمن، لان مدة التمكن من إحضار الاجراء مستثنى في الشرع.
قهستاني.
قوله: (لان دفع الضرر العام واجب) علة لقول المصنف سابقا ضمن ربه أي فإنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع من التفريغ، وكم من ضرر خاص يجب تحمله لدفع الضرر العام.
قوله: (من النفوس) أي الاحرار بقرينة قوله: لان العاقلة لا تعقل الاموال ط.
وأراد بالنفوس ما قابل الاموال فخرج الحيوان ودخل ما دون النفس.
قوله: (فعلى العاقلة) أي عاقلة رب الحائط.
قوله: (ولا ضمان الخ) أي على العاقلة، فلو أنكرت العاقلة واحدا من الثلاثة وأقر بها رب الدار، لزمه في ماله، طوري ملخصا.
قوله: (على التقدم إليه) أي على طلب النقض ممن يملكه.
قوله: (عليه) أي على لهالك.
قوله: (وعلى كون الجدار ملكا له) لان كون الدار في يده ظاهر،(1/172)
والظاهر لا يستحق به حق على الغير.
غاية.
قوله: (ولذا) أي لاشتراط كون الدار ملكا له الخ ط.
قوله: (ولا مالك) لعدم الاشهاد عليه ط.
قوله: (عن ملكه) أي عن ولايته ليشمل قوله: وكذا لو جن تأمل.
قوله: (كهبة) الظاهر أنه لا بد فيها من التسليم، حتى يبطل الاشهاد، إذ لا حكم لها قبل التسليم ط.
قوله: (وكذا لو جن) أي بعد الاشهاد.
قوله: (مطبقا) قيد به لاخراج المقطع، وظاهره أنه لا يبطل الاشهاد، فإذا أتلف بعده وبعد الاشهاد شيئا يكون مضمونا ط.
قوله: (ثم عاد) أي مسلما وردت عليه الدار.
خانية.
أو أفاق: أي من جنونه، ففيه لف ونشر مشوش: أي فلا يضمن إلا بإشهاد مستقبل.
قوله: (ولو قبل القبض) أي قبض المشتري المبيع، فلا يشترط القبض كما في عامة الكتب، وما في الهداية من التقييد به اتفاقي.
أفاده القهستاني.
قوله: (لزوال ولايته) أي عن ملك النقض، وهو علة لعدم الضمان المفهوم من قوله: كما خرج عن ملكه وما بعده.
قوله: (ونحوه) أي من الهبة والجنون والارتداد، فافهم.
قوله: (وإن عاد ملكه) أي ولايته بعوده مسلما أو إفاقته، وكذا في البيع.
قال القهستاني: وإطلاق البيع يدل على أنه لو رد على البائع أو غيره أو بخيار شرط أو رؤية للمشتري لم يضمن إلا إذا طولب بعد الرد اه.
وإذا كان الخيار للبائع فإن نقض البيع ثم سقط
الحائط وأتلف شيئا كان ضامنا، لان خيار البائع لا يبطل ولاية الاصلاح فلا يبطل الاشهاد، ولو أسقط البائع خياره بطل الاشهاد، لانه أزال الحائط عن ملكه.
منح.
قوله: (بخلاف الجناح) فلا يزول الضمان بزوال ملكه عنه، لان الجناية فيه بنفس الوضع وهو باق، وفي الحائط بترك النقض ولا قدرة له عليه بعد زوال الملك فزالت الجناية.
قوله: (فالاضافة لادنى ملابسة) أي أدنى تعلق وارتباط، ككوكب الخرقاء في قول الشاعر: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة سعيل أذاعت غزلها في الاقارب قوله: (فالطلب إليه) الاولى له: أي للمالك أو الساكن، ولو مال إلى سكة غير نافذة فالخصومة لواحد من أهلها.
إتقاني.
قوله: (وإن مال إلى الطريق الخ) ظاهر التعليل الآتي أن المراد بها العامة، والظاهر أن الخاصة كذلك فلا بد من تأجيل كل أهلها أو إبرائهم.
تأمل.
قوله: (ولو مال الخ) قال(1/173)
في الخانية: حائط لرجل بعضه مائل إلى الطريق وبعضه مائل إلى دار قوم، وأشهد عليه أهل الدار، فسقط ما مال إليها ضمن، لان الحائط واحد فصح الاشهاد من أهل الدار فيما مال إليهم، وفيما مال إلى الطريق، فإن أهل الدار من جملة العاملة، وإن كان المشهد من غيرهم صح فيما مال إلى الطريق، وإذا صح الاشهاد في البعض صح في الكل اه ملخصا.
قوله: (أي خمس ما تلف به) تعميم للمتن، لكن كان على الشارح إسقاط قوله: عاقلته اه ح: أي لان ضمان الاموال في ماله كما سلف ط.
قوله: (بمرافعته للحكام) مصدر مضاف إلى فاعله: أي بمرافعة المشهد عليه بقية شركائه بمطالبة نقضه، والذكور وجه الاستحسان، وفي القياس: لا يضمن أحد كما قدمناه.
قوله: (حفر أحدهم) أي بلا إذن البقية.
قوله: (ضمن ثلثي الدية) أي على عاقلته، ويضمن ثلثي المال في ماله كما مر.
قوله: (بعلة واحدة) وهي الثقل المقدر في الحائط والعمق المقدر في البئر، لان القليل من الثقل والعمق ليس بمهلك حتى يعتبر كل جزء علة فيجتمع العلل، إذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة، ثم يقسم على أربابها بقدر الملك.
وتمامه في العناية.
قوله: (وقالا أنصافا) أي في هذه المسألة والتي قبلها، لان التلف بنصيب المشهد عليه معتبر، وبنصيب غير هدر، وفي الحفر والبناء باعتبار ملكه غير متعد،
وباعتبار ملك شريكه متعد، فكانا قسمين فانقسم عليهما نصفين.
ابن كمال.
قوله: (إشهاد على النقض) لان المقصود إزالة الشغل.
منح.
قوله: (مات بسقوطها) صفة قتيل، وتأنيث الضمير يحتاج إلى نقل في أن الحائط قد يؤنث ولم أره، فليراجع.
قوله: (لبقاء جنايته) لان إشراع الجناح في نفسه جناية، وهو فعله فصار كأنه ألقاه بيده عليه، فكان حصول القتيل في الطريق كحصول نقض الجناح في الطريق، ومن ألقى شيئا في الطريق كان ضامنا لما عطب به وإن لم يملك تفريغ الطريق عنه، بخلاف مسألة الحائط فإن البناء ليس بجناية وبعد ذلك لم يوجد منه فعل يصير به جانيا لكن جعل كالفاعل بترك النقض في الطريق مع القدرة على التفريغ، والترك مع القدرة وجد في حق النقض لا في حق القتيل، فلذلك جعل فاعلا في حق القتيل الاول لا في حق القتيل الثاني.
عناية.
قوله: (يؤيده) أي يؤيد أن الجناية باقية في الجناح دون الحائط.
قوله: (قبل أن يهي) يقال: وهي الحائط يهي(1/174)
وهيا: إذا ضعف وهم بالسقوط صحاح.
قوله: (لا في الصحيح) أي لا يصح الاشهاد في البعض الصحيح فلا يضمن ما أصابه كما لو كانا حائطين حقيقة.
قوله: (على من بناه) أي إن كان حيا، وتقدم أن القيم كالواقف فالاشهاد عليه عند عدمه.
تأمل.
قوله: (والدية على عاقلة من بناه) وأما جنايات الاموال، فليست على العاقلة، فالظاهر أنها في مال الباني والواقف فيحرر ط.
وقدمنا عن الرملي: أنه لا يؤخذ من مال الوقف لانه لا ذمة له.
قوله: (على عاقلة الواقف) أي تجب الدية فيه عليهم.
قوله: (على عاقلة مولاه) وأما المال ففي رقبته كما قدمناه، وقدمنا أيضا حكم المكاتب.
قوله: (قال ولي القتيل الخ) المسألة بتمامها في المنح.
قوله: (لانه تمليك) أي وهو لا تصح إضافته، وهو مخالف لما قدمه في الفروع قبيل باب القود فيما دون النفس من أن القصاص لا يجري فيه التمليك.
تأمل.
قوله: (دل عليه الخ) أي على أن العفو تمليك للقصاص، ولم يظهر لي وجه الدلالة، لان غاية ما أفاد أن الامة صارت ملكه فلا يدل على أنه تمليك لا تصح إضافته، على أن كونها صارت ملكه له مشكل.
وقال بعض المحشين: عبارة الولوالجية: ولو قتلت أمة رجلا عمدا فزنى بها الولي عمدا، لم يحد، وإن لم يدع الشبهة لان من العلماء من قال: للولي، ورية تملكها من غير رضا مولاها إن شاء، وإن شاء
قتلها فصار ذلك شبهة في درء الحد اه.
فقد جعل علة الدرء أن له ولاية تملكها على قول البعض، لا أنها صارت مملوكة له، وفرق بين العبارتين اه ملخصا.
قوله: (جارية) بدل من مسألة الاصل، وقوله: قبل أن يقتص تصريح بمعلوم ط.
والله تعالى أعلم.
باب جناية البهيمة والجناية عليها ذكره عقيب جناية الانسان، والجناية عليه مما لا يحتاج إلى بيان ذلك، ولكن لما كانت البهيمة ملحقة بالجمادات من حيث عدم العقل، ذكره بعد ما يحدثه الرجل في الطريق قبل جناية الرقيق، ونسبة الجناية إليها المشاكلة الجناية عليها.
قوله: (الاصل) أي في مسائل هذا الباب، وكذا الاصل أيضا(1/175)
أن المتسبب ضامن إذا كان متعديا، وإلا لا يضمن، والمباشر يضمن مطلقا كما يظهر من الفروع.
رحمتي.
قوله: (بشرط السلامة الخ) لانه يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه، لكونه مشتركا بين كل الناس، فقلنا بالاباحة مقيدا بالسلامة ليعتدل النظر من الجانبين فيما يمكن الاحتراز عنه لا فيما لا يمكن، لان يؤدي إلى المنع من التصرف.
زيلعي ملخصا.
قوله: (ما وطئت دابته) أي من نفس أو مال، در منتقى فتجب الدية عليه وعلى عاقلته، وإن كان العاطب عبدا وجبت قيمته على العاقلة أيضا لان ديته قيمته، وإن مالا وجبت قيمته في ماله، وإن ما دون النفس: فما أرشه أقل من نصف عشر الدية ففي ماله، وأن نصف العشر فصاعدا فهو على العاقلة.
جوهرة ملخصا.
قوله: (وما أصابت بيدها أو رجلها) أي في غير حالة الوطئ كأن أتلفت في حال رفعها أو قتل وضعها ط.
قوله: (أو كدمت الخ) الكدم: العض بمقدم الاسنان كما يكدم الحمار، والخبط: الضرب باليد، والصدم: الدفع وأن تضرب الشئ بجسدك مغرب.
قوله: (في ملكه) أي الخاص أو المشترك، لان لكل واحد من الشركاء السير والايقاف فيه.
زيلعي، قوله: (لم يضمن) لانه متسبب لا مباشر، وليس بمتعد بتسيير الدابة في ملكه.
قوله: (لانه مباشرة) فيضمن وإن لم يتعد.
قوله: (فيحرم من الميراث) لانه قاتل حقيقة وعليه الكفارة كما سيصرح به.
قوله: (ولو حدثت) أي المذكورات.
قوله: (فلا يضمن) أي إلا في الوطئ وهو راكبها.
قوله: (كما إذا لم يكن صاحبها معها) سواء دخلت بنفسها أو أدخلها
بالاذن.
قوله: (ضمن) أي الراكب ما تلف مطلقا: أي سواء وطئت أو خبطت أو صدمت واقفة أو سائرة، وكالراكب السائق والقائد كما يأتي متنا، وقد ظهر أن الكلام فيما إذا لم تدخل بنفسها.
قال في العناية: وإن كانت الجناية في ملك غير صاحبها: فإما أن أدخلها صاحبها فيه أو لا، فإن كان الثاني فلا ضمان عليه على كل حال لانه ليس بمباشر ولا متسبب، وإن كان الاول فعليه الضمان على كل حال، سواء كان معها سائقها أو قائدها أو راكبها أو لا، واقفة أو سائرة، لانه إما مباشر أو متسبب متعد، إذ ليس له إيقاف الدابة وتسييرها في ملك الغير اه.
قوله: (لا يضمن الراكب) أي في طريق العامة أو غيرها.
قوله: (لا ما نفحت الخ) بالحاء المهملة، يقال نفحت الدابة: أي ضربت بحد حافرها.
مغرب.
فقوله: برجلها من استعمال المقيد في المطلق كما ذكره القهستاني وغيره، لكن في الصحاح: أي ضربت برجلها، فلم يقيد بالحافر فتبقى دعوى المجاز بالنسبة إلى قوله: أو ذنبها.
تأمل، قوله: (سائرة) قيد لعدم الضمان بالنفحة، فإن الاحتراز عن النفحة مع السير غير ممكن، لانها من ضروراته، فلو أوقفها في الطريق ضمن النفحة أيضا، لان صيانة الدواب عن الوقوف ممكنة، وإن كانت غير ممكنة عن النفحة فصار الايقاف تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة.
إتقاني.
قوله: (أو عطب) عطف على نفخت، وفيه ركاكة، وعبارة الملتقى: ولا ما عطب بروثها أو بولها.(1/176)
قوله: (أو واقفة) أي بإيقافه أو لا.
بزازية.
قوله: (لاجل ذلك) أي لاجل الروث أو البول، وهو علة لقوله أو واقفة.
قوله: (لان بعض الدواب الخ) علة لعدم الضمان.
قال فخر الاسلام: لان الاحتراز عن البول والروث غير ممكن فجعل عفوا أيضا.
والوقوف من ضروراته لان الدابة لاتروث، ولا تبول غالبا إلا بعد الوقوف فجعل ذلك عفوا أيضا.
إتقاني.
قوله: (فلو أوقفها) في المغرب، ولا يقال: أوقفه في لغة رديئة اه.
كفاية.
قوله: (لتعديه بإيقافه) أي إيقافه الدابة فالمصدر مضاف إلى فاعله: أي فهو متسبب متعد، إذ ليس له شغل طريق المسلمين بإيقافها فيه كما في العناية.
قال الرحمتي: فلو أوقفها للازدحام أو لضرورة أخرى: ينبغي أنه إن أمكنه العود أو التخلص يضمن، وإلا فلا.
قوله: (إلا في موضع إذن الامام بإيقافها) وكذا إذا أوقفها في المفاوز في غير المحجة فإنه لا يضمن ولو بغير
إذنه لانه لا يضر الناس، بخلاف المحجة كما في الاختيار.
قهستاني.
والمحجة: الطريق.
مغرب.
قوله: (إلا إذا أعد الامام لها) أي للدواب أو لوقوفها موضعا عند باب المسجد، فلا ضمان فيما حدث من الوقوف فيه ط.
وقيد بالوقوف لانه لو كان سائرا في هذه المواضع التي أذن فيها الامام بالوقوف، أو قائدا أو سائقا فهو ضامن، ولا يزيل ذلك عنه إذن الامام وإنما يسقط ما حدث من وقوف دابته في هذا الموضع راكبا، ولا دون السير والسوق والقود.
إتقاني.
قوله: (لم يضمن) محل إذا لم ينخسها ولم ينفرها، أما لو نخسها أو نفرها فأثارت غبارا أو حصاة فأتلفت شيئا ضمنه.
أفاده المكي ط.
وعبارة القهستاني: وقيل لو عنف الدابة في هذه الصور ضمن كما في الذخيرة.
قوله: (لامكانه) أي لامكان الاحتراز عنه، فالظاهر أنه من عنفه في السوق، فيوصف بالتعدي فيؤخذ به، إتقاني.
قوله: (ما ضمنه الراكب) أي أنهم في الضمان سواء، وكذا المرتدف.
إتقاني.
فيضمنون ما حدث في الطريق العام إلا النفح، ولا يضمنون ما حدث في ملكهم، أو في ملك غيرهم بأذنه إلا في الوطئ إلى آخر ما تقدم.
قوله: (إنخ مطرد ومنعكس) الاطراد: التلازم في الثبوت، والانعكاس: التلازم في النفي: أي كل ما يضمن فيه الراكب يضمن فيه السائق والقائد، وما لا فلا، وخالف القدوري في السائق، فذكر أنه يضمن النفحة بالرجل، لانه بمرأى عينه فيمكنه الاحتراز، وعليه بعض المشايخ، وأكثرهم على أنه لا يضمن إذ ليس فيها ما يمنعها عن النفحة فلا يمكنه الاحتراز، بخلاف الكدم لانه يمكنه كبحها بلجامها كما في شرح المجمع، وما صححه في الدرر هو قول الاكثر، وصححه في الهداية والملتقى وغيرهما.
قوله: (والراكب عليه الكفارة على الوطئ) أي لو وطئت إنسانا وهو راكبها، وكذا الرديف فإنهما مباشران للقتل حقيقة بثقلهما فيلزمها الكفارة، ويحرمان من الميراث كالنائم إذا انقلب على إنسان.
إتقاني.
قوله: (كما مر) لم يمر ذلك في كلامه، والاظهر لما مر باللام إشارة إلى قوله المار لانه مباشر الخ.
قوله: (لا عليهما) لانهما متسببان، بنعنى أنه لولا السوق أو القود لم يوجد الوطئ، والكفارة جزاء المباشرة إتقاني.
قوله: (أي لا سائق وقائد) زاد القهستاني: المرتدف، وهو غير(1/177)
ظاهر ومخالف لما سمعته آنفا.
قوله: (لم يضمن السائق على الصحيح) اعلم أن الزيلعي قال: قيل: لا
يضمن السائق ما وطئت الدابة، لان الراكب مباشر والسائق متسبب، والاضافة إلى المباشر أولى، وقيل: الضمان عليهما لان كل ذلك سبب الضمان، ألا ترى أن محمدا ذكر في الاصل أن الراكب إذا أمر إنسانا فنخس المأمور الدابة فوطئت إنسانا كان الضمان عليهما فاشتركا في الضمان، فالناخس ساق، والآمر راكب، فتبين بهذا إنما يستويان، والصحيح الاول لما ذكرنا.
والجواب عما ذكر في الاصل أن المتسبب إنما لا يضمن مع المباشر إذا كان السبب شيئا لا يعمل بانفراده في الاتلاف كما في الحفر مع الالقاء، فإن الحفر لا يعمل بانفراده شيئا بدون الالقاء، وأما إذا كان السبب يعمل بانفراده فيشتركان وهذا منه، فإن السوق متلف وإن لم يكن على الدابة راكب، بخلاف الحفر فإنه ليس بمتلف بلا إلقاء، وعند الالقاء وجد التلف بهما فأضيف إلى آخرهما اه.
ونقله المصنف في المنح، وكتب بخطه في الهامش: هذا الكلام يحتاج إلى مزيد تحرير اه.
وذكر في السعدية: أن ما ذكره الزيلعي في معرض الجواب بمعزل عن هذا التقرير، ولا يصلح جوابا عما في الاصل، بل هو تحقيق وتفصيل له، واللازم منه وجوب الضمان على السائق، وهو قد صحح عدم الوجوب، وهذا من مثله غريب اه.
وذكر الرملي عن الحلبي عن قارئ الهداية ما صورته: ينبغي أن يقال: وهو الصحيح، والجواب عن الاول اه.
فيكون التصحيح للقول الثاني والجواب عن القول الاول، ويؤيده قول النهاية: أما الجواب عن الاول الخ، وكذا قول الولوالجية: الراكب والسائق والقائد والرديف في الضمان سواء حالة الانفراد والاجتماع هو الصحيح، وإن كان الراكب مباشرا، لان السبب هنا يعمل في الاتلاف فلا يلغى، فكان التلف مضافا إليهما، بخلاف الحفر اه ملخصا.
وبه علم أن الصحيح ما جزم به القهستاني، وقد أخره في الهداية فأشعر بترجيحه كعادته، وقدمه في المواهب والملتقى وعبرا عن مقابله بقيل.
فتنبه.
قوله: (كما مر) أي في باب ما يحدثه الرجل في الطريق.
قوله: (كما هنا) أي في السائق وقد علمت أنه كالناخس يعمل بانفراده إتلافا، وأن الذي لا يعمل كحفر البئر.
قوله: (بإذن راكبها) فلو بدونه ضمن الناخس فقط كما سيأتي.
قوله: (أو راجل) أشار إلى أن التقييد بالفارس اتفاقي، وإنما لم يذكر المصنف الراجل لانه ليس من هذا الباب
لعدم تعلقه بالبهيمة.
أفاده سعدي.
قوله: (وإن اصطدما) أي تضاربا بالجسد اه.
در منتقى.
وهذا ليس على إطلاقه، بل محمول على ما إذا تقابلا، لما في الاختيار: سار رجل على دابة فجاء راكب من خلفه فصدمه فعطب المؤخر لا ضمان على المقدم، وإن عطب المقدم فالضمان على المؤخر، كذا في سفينتين اه ط، عن أبي السعود.
قوله: (يهدر دمهما) لان جنابة كل من العبدين تعلقت برقبته دفعا(1/178)
وفداء، وقد فاتت لاإلى خلف من غير فعل يصير به المولى مختارا للفداء.
منح.
وأما إذا وقع الحران على وجوههما فلان موت كل بقوة نفسه.
قوله: (وإن كانا عامدين) أي الحرام أو العبدان كما يعلم من الهداية، وفيه مخالفة لما قدمه عن الشرنبلالية.
فتأمل.
قوله: (فعلى كل نصف الدية) الذي في الزيلعي يجب على عاقلة كل نصف الدية.
قال الشلبي في حاشيته: لان العمد هنا بمنزلة الخطأ لانه شبه عمد، إذ هو تعمد الاصطدام ولم يقصد القتل، ولذا وجب على العاقلة اه ط ح: وإنما نصفت الدية في العمد لا في الخطأ لان في الخطأ فعل كل منهما مباح وهو المشي في الطريق، فلا يعتبر في حق الضمان بالنسبة إلى نفسه، كالواقع في بئر في الطريق فإنه لولا مشيه ما وقع، ويعتبر بالنسبة إلى غيره لتقيده بشرط السلامة، أما العمد فليس بمباح، فيضاف إليه ما وقع في حق نفسه فصار هالكا بفعله وفعل غيره، فيهدر ما كان بفعله، ويجب ما كان بفعل غيره.
وتمامه في الولوالجية.
قوله: (فعلى عاقلة الحقيمة العبد في الخطأ ونصفها ثم العمد) أي ويأخذها ورثة الحر المقتول لان كلا منهما صار قاتلا لصاحبه، فعلى عاقلة الحر قيمة العبد أو نصفها، ثم العبد الجاني قد تلف وأخلف هذا البدل، فيأخذه ورثة الحر المجني عليه بجهة كونه مقتولا لا قاتلا، ويبطل حقهم فيما زاد عليه لعدم الخلف، ولا يرد ما إذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على اليد فإن عاقلتها يسقط عنهم الضمان، لانهم كانوا يتحملون عنها، فإذا تزوجها المقطوع لو لم يسقط الضمان عن العاقلة لكان الضمان عليهم واجبا لها، فلا يصح أن يتحملوا عنها ضامنين لها، أما هنا قالعاقلة تجملوا عن الحر باعتبار كونه قاتلا ثم تأخذه الورثة بجهة كونه مقتولا اه.
من الكفاية مع غيرها.
واعترض الواني هذه المسألة بأن العاقلة لا تعقل عمدا ولا عبدا كما في الحديث.
وأقول: قد علمت أن العمد هنا بمنزلة الخطأ لانه شبه عمد، وسيأتي أن الحديث محمول على ما
جناه العبد لا ما جنى، فتدبر.
قوله: (كما لو تجاذب رجلان الخ) تشبيه في الهدر المفهوم من قول المصنف: يهدر دمهما وهذه المسألة في الحكم على عكس مسألة المصادمة ط.
قوله: (فإن وقعا على الوجه الخ) قيل لمحمد: إن وقعا على وجههما إذا قطع الحبل، قال محمد: لا يكون هذا من قطع الحبل.
إتقاني.
أقول: يحتمل أن يراد بذلك نفي التصور أو نفي الضمان.
تأمل.
قوله: (فديتهما على عاقلة القاطع) كذا في الملتقى والاختيار والخانية، وفيها أيضا في موضع آخر: لا قصاص عليه ولا دية اه.
ولعله رواية أخرى، أو المراد: لا دية في ماله.
قوله: (وعلى سائق دابة) خبر مبتدؤه قوله الآتي: الدية وإنما وجبت عليه لانه متعد في التسبب، لان الوقوع بتقصير منه، وهو ترك الشد والاحكام(1/179)
فيه فصار كأنه ألقاه بيده كما في الدرر ط.
فهو كوقوع ما حمله على عاتقه، بخلاف الرداء الملبوس إذا سقط وكان مما يلبسه الانسان عادة لانه لا يمكن الاحتراز عنه إذ لا بد منه، كما مر في باب ما يحدثه الرجل في الطريق.
إتقاني.
قوله: (وقائد قطار) إنما ضمن لانه بيده يسير بسوقه، ويقف بإيقافه فيضاف إليه ما حدث منه لتسببه، فيصير في الحكم كأنه قتله خطأ فتجب على عاقلته ديته.
قال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع لو قاد أعمى فوطئ الاعمى إنسانا فقتله ينبغي أن لا يضمن القائد لان الاعمى من أهل الضمان، ففعله ينسب إليه، وفعل العجماء جبار لا عبرة له في حكم نفسه فينسب إلى القائد، إتقاني ملخصا.
قوله: (قطار الابل) قال في المغرب: القطار الابل تقطر على نسق واحد، والجمع قطر اه: أي ككتب.
قوله: (الدية) أي إذا كان المتلف غير مال وكان الموجب كأرش الموضحة فما فوقها كما مر مرارا.
مكي اه ط.
قوله: (هذا لو السائق من جانب من الابل) أي في الوسط يمشي في جانب من القطار لا يتقدم ولا يتأخر ولا يأخذ بزمام بعير.
معراج.
وقال الاتقاني: وهذا: أي وجوب الضمان على السائق والقائد جميعا فيما إذا كان السائق يسوق الابل غير آخذ بزمام بعير، أما إذا أخذ الزمام فالضمان عليه فيما هلك خلفه، لا على القائد المتقدم، لانه لما انقطع الزمام عن القطار لم يكن القائد المقدم قائدا لما خلف السائق، وأما فيما هلك قدام السائق فيضمنه السائق والقائد جميعا لاشتراكهما في سبب وجوب الضمان، لان كل واحد منهما مقرب إلى الجناية، هذا بسوقه وذاك بقوده.
قوله: (وراكب وسطها يضمنه) أي لو كان رجل راكبا على بعير
وسط القطار، ولا يسوق شيئا منها يضمن ما ركبه: أي ما أصابه بعيره بالايطاء لانه جعل فيه مباشرا، أما ما أصابه بعير الايطاء فهو عليه وعلى قائد.
أفاده الزيلعي.
قلت: وهو مبني على ما صححه سابقا، وقد علمت ما فيه.
وجعل في النهاية والكفاية الضمان عليهما بلا تفصيل، وهو مؤيد لما قدمناه من الكلام على التصحيح.
قوله: (فقط) أي لا يضمن ما قدامه لانه غير سائق له، ولا ما خلفه لانه غير قائد إلا إذا أخذ بزام ما خلفه، زيلعي.
وهذا قول بعض المتأخرين، وأما غيرع فاكتفى بكون زمام ما خلفه مربوطا ببعيره كما بسطه في النهاية وغيرها.
قوله: (بلا علم قائده) متعلق بربط، وقيد به ليبني عليه قوله: ورجعوا بها الخ لانه إذا علم لا رجوع لهم.
كفاية.
قوله: (ضمن عاقلة القائد الدية) لانه متسبب متعد بترك صون قطاره عن الربط، ورجعوا على عاقلة الرابط لانه أوقعهم فيه.
قوله: (كما توهمه صدر الشريعة) حيث قال: ينبغي أن يكون في مال الرابط، لان الرابط أوقعهم في خسران المال، وهذا مما لا تتحمله العاقلة اه ح.
قوله: (والقطار واقف) محترز قوله (سائر).
قوله: (لقوده بلا إذن) أي بلا إذن الرابط، أما في الاولى فإنه لما(1/180)
ربطه والقطار سائر وجد من الرابط الاذن دلالة بقود المربوط، فلذا رجعوا على عاقلته لانه صار سببا.
كفاية.
قوله: (ومن أرسل بهيمة الخ) اعلم أولا أن بين إرسال الكلب وغيره فرقا، وهو أنه إذا أرسل الكلب ولم يكن سائقا له لا يضمن وإن أصاب في فوره لانه ليس بمتعد إذ لا يمكنه اتباعه، والمتسبب لا يضمن إلا إذا تعدى، ولو أرسل دابة يضمن ما أصابت في فورها، سواء ساقها أو لا، لانه متعد بإرسالها في الطريق مع إمكان اتباعها.
أفاده القهستاني: وعن أبي يوسف أنه يضمن بكل حال، وبه أخذ عامة المشايخ، وعليه الفتوي اه.
فعلى قول أبي يوسف: لا فرق بين الدابة والكلب، وعلى الاول لا يضمن ما أصابه الكلب في فوره، إلا إذا ساقه، وما أصابته الدابة في فورها يضمنه مطلقا، وبه ظهر أن كلام المصنف جار على القول الاول لانه اشترط في الضمان السوق، ولا يشترط ذلك إلا في الكلب.
ولذا فسر الزيلعي وغيره البهيمة بالكلب، وتبعه الشارح أخيرا، لكن قوله: أو كلبا لا يناسبه خصوصا مع قوله الآتي
: المارد بالدابة الكلب.
قوله: (فسائق حكما) لان سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سننها، ولو انعطفت يمنة أو يسرة انقطع حكم الارسال إلا إذا لم يكن طريق آخر سواه، وكذا إذا وقفت ثم سارت.
وتمامه في الهداية.
وإن ردها راد ضمن ما أصابت في فعلها ذلك لانه سائق لها، ولا يرجع على سائقها إلا إذا كان بأمره.
إتقاني.
قوله: (فالمراد بالسوق الخ) تفريع على قوله: وكان خلفها سائقا لها والمتبادر من عبارتهم أنه المشي خلفها، وإن لم يطردها، ونقل المكي عن ملا علي تقييده بطرده إياها ط.
ملخصا.
قلت: وفي غاية البيان عن الاسبيجابي: يريد به إذا أرسله وضربه أو زجره عند ذلك حتى صار له سائقا.
قوله: (والمراد بالدابة) الاولى البهيمة لانه المذكور في المتن والزيلعي، وقد علمت وجه هذا التفسير وما فيه.
قوله: (ساقه أو لا) لان بدنه لا يحتمل السوق فلو يعتبر، بخلاف البهيمة.
قوله: (أو دابة أو كلبا ولم يكن سائقا له) أطلقه فشمل ما إذا أصاب الكلب شيئا في فوره فلا يضمنه المرسل، بخلاف الدابة.
نهاية.
وقدمنا وجه الفرق وأن المفتى به الضمان مطلقا، وعليه فالصواب إسقاط الشارح قوله: أو دابة.
قوله: (أو انفلتت دابة) ولو في الطريق أو ملك غيره.
إتقاني.
قوله: (أو ليلا) وقال الشافعي: إن ذهبت ليلا ضمن، لان العادة حفظها فيه فهو مفرط.
وتمامه في المعراج.
قوله: (العجماء جبار) أي فعلها إذا كانت منفلتة، وفي رواية الصحيحين والامام مالك وأحمد وأصحاب السنن العجماء جرحها جبار ط.
والعجماء غلب على البهيمة.
مغرب.
قوله: (أي المنفلتة) تقييد للعجماء لا تفسير لها كما لا يخفى اه ح.
قال الزيلعي بعد نقله ذلك عن محمد: وهذا صحيح ظاهر لان المسوقة والمركوبة والمقودة في(1/181)
الطريق أو في ملك الغير أو المرسلة في الطريق فعلها معتبر على ما بينا.
قوله: (عمادية) لم يذكر فيها قوله: حتى لو اتلفت إنسانا الخ وإنما ذكر المصنف أنه أفتى به المولى أبو السعود العمادي مفتي الروم، لكنه لما كان مفهوما من كلام الفصول العمادية عزاه إليها هذا، وذكر الرملي أنهما لو اختلفا في عدم القدرة على ردها فالقول للخصم والبينة على مدعي العجز، لان إنكاره لاصل الضمان في ضمن
الدعوى لا يفيد بعد تحقق سببه.
تأمل اه ملخصا.
قوله: (أو ضربت بيدها) أكيفما أصابت اه.
خلاصة.
فدخل ما إذا وطئت.
قال في الهداية: ولو وثبت بنخسته على رجل أو أوطأته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب والواقف في ملكه والذي يسير فيه سواء اه: أي بخلاف الواقف في الطريق لتعديه.
كفاية.
وسيأتي.
قوله: (فصدمته) أي الاخر وقتلته وفي التاترخانية: هذا إذا كانت النفخة والضربة والوثب في فور النخس، وإلا فلا ضمان عليه.
قوله: (لا الراكب) لانه غير متعد فترجح جانب الناخس في التغريم للتعدي، وتمامه في الهداية.
قوله: (وقال أبو يوسف) هو رواية عنه كما في القهستاني وغيره.
قوله: (كما لو كان موقفا دابته على الطريق) أي فنخسها رجل فقتلت آخر يضمنان تصفين لانه متعد بالايقاف.
منح وغيرها.
قال الرملي: أقول: ظاهره ولو كان بغير إذنه، إذ هو موضوع مسألة المتن التي الكلام عليها، والمصرح به في الخلاصة والبزازية خلافه.
قال في الخلاصة: وإن كان بإذنه فالضمان عليهما إلا في النفخة بالرجل والذنب فإنها جبار، إلا إذا كان الراكب واقفا في غير ملكه فأمر رجلا فنخسها فنفحت رجلا فالضمان عليهما، وإن كان بغير إذن فالضمان كله على الناخس اه.
ونقل ط عن المنتقى بالنون: رجل واقف على دابته في الطريق، فأمر رجلا فنخسها فقتلت رجلا والآمر فدية الاجنبي عليهما ودم الآمر هدر، ولو سارت عن موضعها ثم نفحت من فور النخسة فالضمان على الناخس فقط، وإن لم تسر فنفحت الناخس وآخر فدية الاجنبي عليهما، ونصف دية الناخس على الراكب اه ملخصا.
وبه علم أن ضمانهما مقيد أيضا بما إذا لم تسر من موضعها، وإلا ضمن الناخس فقط كما لو نخس بلا إذن الراكب.
قوله: (لتعديه في الايقاف) فلو حرنت ووقفت فنخسها هو أو غيره لتسير فلا شئ عليهما.
نقله ط.
قوله: (أيضا) أي كتعدي الناخس بالنخس ط.
قوله: (ووطئت) أي في سيرها.
هداية.
والتقييد بالوطئ لاخراج نحو النفحة فلا يضمنها الناخس بالاذن كما مر، وفي الخانية: ولا يضمن الناخس ها هنا ما لا يضمنه الراكب من نفحة الرجل والذنب وغير ذلك اه.
قوله: (فدمه عليهما) لان سيرها حينئذ مضاف إليهما، ثم هل يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الايطاء لانه فعله بأمره؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وصححه في الهداية.
قوله: (فديته على عاقلة(1/182)
الناخس) أي لو بغير إذنه، فلو به لا يضمن، خلاصة.
قوله: (لو الوطئ فور النخس) وكذا النفحة والضربة والوثبة كما قدمناه.
تتمة: اقتصر على ذكر الناخس مع الراكب.
قال في متن الملتقى: وكذا الحكم في نخسها ومعها سائق أو قائد، وإن نخسها شئ منصوب في الطريق فالضمان على من نصبه، ولا فرق بين كون الناخس صبيا أو بالغا، وإن كان عبدا فالضمان في رقبته، وجميع هذا الفصل والذي قبله إن كان الهالك آدميا فالدية على العاقلة، وإن غيره كدواب فالضمان في مال الجاني اه.
وأما قول الهداية: ولو الناخس صبيا ففي ماله، قال العلامة النسفي في الكافي: يحتمل أن يراد به إذا كانت الجناية على المال، أو فيما دون أرش الموضحة.
قلت: ويحتمل أن يراد به الصبي إذا كان من العجم، لانه لا عاقلة لهم.
كفاية.
وفي الدر المنتقى: وإنما خص النخس لانه لو وضع يده على ظهر فرس عادته النفحة فنفح فأتلف لم يضمن، بخلاف النخس، لان الاضطراب لاوم له دون وضع اليد كما في البرجندي عن القنية اه.
وفي التاترخانية: وضع شيئا في الطريق فنفرت منه دابة فقتلت رجلا لا شئ على الواضع إذا لم يصب ذلك الشئ اه.
لكن في ط عن المحيط السرخسي: لو نفرت من حجر وضعه رجل على الطريق فالواضع بمنزلة النخاس اه.
قوله: (وفي فق ء عين دجاجة) مثلها الحمامة وغيرها من الطيور، وكذا الكلب والنسور كما في الذخيرة.
قهستاني.
قوله: (أو غيره) ولذا ترك ابن الكمال الاضافة إلى القصاب وقال: لما فيها من مظنة الاختصاص خصوصا عند ملاحظة التعليل الآتي ذكره اه.
قوله: (ما نقصها) فتقوم صحيحة العين ومفقوء، فيضمن الفضل.
قهستاني.
والنقصان شامل للحاصل بالهزال من فق ء العين.
ط عن الواني.
قوله: (لانها اللحم) فلا يعتبر فيها إلا النقصان ابن كمال.
أقول: لا يشمل نحو الكلب والسنور، لكن ضمان النقصان في ذلك جار على الاصل في
ضمان المتلفات، أما ضمان ربع القيمة فيما يأتي فخلاف القياس عملا بالنص.
قوله: (وفي عينيها الخ) هذا ذكره الزيلعي في البقرة ونحوها.
وعلله بأن المعمول به النص، وهو ورد في عين واحدة فيقتصر عليه اه.
تأمل.
قوله: (أي إبله) قال في القاموس: الابل واحد يقع على الجمع ليس بجمع ولا اسم جمع، وجمعة الابل اه.
فافهم.
قوله: (فائدة الاضافة الخ) أي لئلا يتوهم أنهما لكونهما معدين للحم يكون حكمهما الشاة، بل سواء كانا معدين له أو للحرث أو الركوب ففيه ربع القيمة، كما في الذي لا يؤكل لحمه.
منح.
قوله: (وحمار) في الخلاصة عن المنتقى: ما لا يحمل عليه لصغره كالفصيل والجحش ففي عينه ربع قيمته اه.
قلت: والذي نقله القهستاني عن المنتقى: إن في نحو الفصيل النقصان.
تأمل.
ثم رأيت في(1/183)
جامع الفصولين عن المنتقى كما في الخلاصة.
قوله: (والفرق ما قدمناه) أي في قوله: لان إقامة العمل.
قال في الهداية: ولما ما روي: أن النبي صلى الله عليه وآله قضى في عين الدابة بربع القيمة وهكذا قضى عمر رضي الله تعالى عنه، لان فيها مقاصد سوى اللحم كالركوب والزينة والحمل والعمل، فمن هذا الوجه تشبه الادمي، وقد تمسك للاكل ومن هذا الوجه تشبه المأكولات، فعملنا بالشبهين بشبه الادمي في إيجاب الربع وبالشبه الاخر في نفي النصف، ولانه إنما يمكن إقامة العمل لها بأربعة أعين الخ.
قوله: (لكن يرد عليه) أي على الفرق المذكور.
قال فخر الاسلام: والمعتمد هو التعليل الاول: أي الذي قدمناه عن الهداية، لان العينين لا يضمنان القيمة.
إتقاني: أي وأما التعليل بأنها صارت كذات أربعة أعين فإنه يلزم منه ضمان العينين بنصف القيمة.
قوله: (إنه يضمن) بدل من قوله: أنه لو فقأ والمصدر فاعل لفعل محذوف، هو جواب لو تقديره: يلزم أنه يضمن.
تأمل.
قوله: (وليس كذلك) أي لا يضمن النصف كما صرح به شراح الهداية، لكن نقل القهستاني القول بضمان النصف عن فخر القضاة.
قوله: (كما مر) أي عن الزيلعي، وقدمنا أنه علله بأن المعمول به النص وهو ورد في عين واحدة، فيقتصر عليه.
وحاصله: أن ضمان العين بالربع مخالف للقياس فلا يقاس عليه، بل يقتصر على النص، ولذا
قال: فالاولى التمسك بما روي الخ.
قوله: (والتقييد بالعين) أي تقييد المصنف بقوله: وفي عين بقرة.
قوله: (وقيل: جميع القيمة) أي لفوات الاعتلاف، وفي تحفة الاقران والقنية جزم بهذا، وحكى الاخر بقيل اه.
سائحان.
قوله: (أي لو غير مأكول) لان ذلك استهلاك له من كل وجه.
هداية.
قوله: (وإن مأكولا خير) أي بين تركها على القاطع وتضمينه قيمتها، وبين إمساكها وتضمينه النقصان.
قال في غصب الهداية: وظاهر ارواية عن أبي حنيفة.
وعنه: لو شاء إخذها ولا شئ له، والاول أصح اه.
وعليه المتون والشروح، وقدمنا الكلام نعليه في الغصب.
قوله: (لكن في العيون إن إمسكه لا يضمنه شيئا الخ) أي ليس له أن يمسك المأكول ويضمن النقصان، وعليه فلا فرق بين المأكول وغيره، وقد علمت أن هذا رواية عن أبي حنيفة، وظاهر الرواية التخيير في المأكول، وهو الاصح كما مر، وبه يفتى كما في جامع الفصولين حين قال: وعن أبي جعفر لو أخذ الشاة فلا شئ له، ويفتى بظاهر الرواية، لكن نقل بعده أن ما يؤكل وغيره سواء في ظاهر الرواية، فلو أمسكه فلا شئ له.
قال: وهذا يؤيد ما حكي عن أبي جعفر اه.
أقول: وحيث اختلف النقل عن ظاهر الرواية والافتاء فالعمل على ما عليه المتون والشروح، وصححه في الهداية.
والله تعالى أعلم.
قوله: (وعرجها كقطعها) قال في جامع الفصولين: ولو(1/184)
ضرب دابة فصارت عرجاء فهو كالقطع اه.
قوله: (فيحصل التوفيق) كأنه فهم من كلام الدرر أنه لا يضمن في الكلب غير الآدمي، وهذا غير مراد، وإنما معنى كلامه أن ما يخاف منه تلف الآدمي فالاشهاد فيه موجب للضمان إذا أعقبه تلف، سواء كان المتلف مالا أو آدميا، وما لا يخاف منه تلف الآدمي بل يخاف منه تلف المال فقظ كعنب الكروم، فلا يفيد فيه الاشهاد، ويدل على تشبيهه بالحائط المائل، فإن الاشهاد فيه موجب لضمان المال والنفس ا ه.
رملي.
وهو كلام حسن دافع للمخالفة من أصلها، فيحمل كلام الزيلعي على الاتلاف مطلقا، لان المراد بالكلب الواقع في كلامه الكلب العقور كما صرح به، فهو مما يخاف منه تلف الآدمي كالحائط المائل والثور النطوح، بخلاف كلب العنب.
قلت: وهذا كله مخالف لما قدمه الشارح في أواخر باب القود فيما دون النفس عن القاضي بديع
أن الاشهاد لا يكون إلا في الحائط لا في الحيوان اه.
وقد أفتى في الخيرية بالضمان بعد الاشهاد في حصان اعتاد الكلام وكذا في ثور نطوح.
قال: وفي البزازية عن المنية في نطح الثور: يضمن بعد الاشهاد النفس والمال اه.
وفي المسألة خلاف، والاكثر على الضمان كالحائط المائل.
اه.
وأفتى به في الحامدية أيضا.
قوله: (قلت الخ) من مقول المصنف أيضا في المنح.
قوله: (أخذا من مسألة الكلب) أي كلب العنب، فإنه ليس مما يخاف منه تلف الآدمي.
قوله: (بل أولى) لانه طير، وقد تقدم أنه لا يضمن إذا أرسل طيرا ساقه أو لا، بخلاف الدابة والكلب، وهنا لم يرسله ولم يسقه أصلا فعدم الضمان فيه أولى، ولان النحل مأذونة من الله تعالى بقوله تعالى: * (ثم كلي من كل الثمرات) * (النحل: 96).
قوله: (في معينه) أي في كتابه المسمى معين المفتي.
قوله: (فراجعه عند التقوى) قد علمت الموافق للمنقول صريحا ودلالة هو الاول فعليه المعول.
قوله: (على ما هو ظاهر المذهب) وهو ما قدمه آخر كتاب القسمة من أن له التصرف في ملكه وإن تضرر جاره.
قوله: (وأما جواب المشايخ) من أنه يمنع إذا كان الضرر بينا.
قوله: (على ما عليه(1/185)
الفتوى) الاوضح وهو ما عليه الفتوى ط.
قوله: (حمار يأكل حنطة إنسان الخ) ظاهره: ولو كان الحمار لغير الرائي، وهو المستفاد من كلامه في كتاب اللقطة، والذي في القنية وغيرها: رأى حماره الخ بالاضافة إلى ضمير الرائي ح.
تأمل.
ثم رأيت في حاشية الرملي على جامع الفصولين في أحكام السكوت ما نصه.
أقول: فلو رأى حمار غيره يأكل حنطة الغير فلم يمنعه صارت واقعة الفتوى فأجبت بأنه لا يضمن، والفرق ظاهر وهو أن فعل حماره ينسب إليه مع رجوع المنفعة له، وإمكان دفعة فقويت علة الضمان، بخلاف حمار الغير، تأمل.
قوله: (وقيل: يضمن) أي وإن لم يسقها قياسا على ما إذا كان في داره بعير فأدخل عليه آخر بعيرا مغتلما أو لا فقتل بعيره، إن بلا إذن صاحبها يضمن كما في البزازية.
والمغتلم: الهائج.
أقول: ويظهر أرجحية هذا القول لموافقته لما مر أول الباب من أنه يضمن ما أحدثته الدابة مطلقا إذا أدخلها في ملك غيره بلا إذنه لتعديه، وإما إذا لم يدخلها ففي الهداية: ولو أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فورها ضمن المرسل وإن مالت يمينا أو شمالا وله طريق آخر لا يصمن لما مر اه.
قوله:
(وتمامه في البزازية) من ذلك ما قدمناه آنفا، ومنه قوله: سائق حمار الحطب إذا لم يقل إليك، إنما يضمن إذا مشى الحمار إلى جانب صاحب الثوب، لا في عكسه وهو يراه ولم يتباعد عنه ووجد فرصة الفرار.
وجد في زرعه دابة فأخرجها فهلكت: فالمختار إن ساقها بعد الاخراج يضمن، وإلا لا، والدار كالزرع، لانها تضره، بخلاف المربط لانه محلها.
ربط حماره في سارية فربط آخر حماره فعض حمار الاول: إن في موضع لهما ولاية الربط لا يضمن، وإلا ضمن اه.
ملخصا.
والله تعالى أعلم.
باب جناية المملوك والجناية عليه لما فرغ من جناية المالك وهو الحر، شرع في جناية المملوك، ولما كانت جناية البهيمة باعتبار الراكب وأخويه وهم ملاك قدمها.
قوله: (لا توجب إلا دفعا واحدا) أي وإن كانت كثيرة في أشخاص متعددة.
قوله: (لو محلا) أي للدفع بأن كان قنا لم ينعقد له شئ من أسباب الحرية كالتدبير والاستيلاد والكناية.
زيلعي.
قوله: (وإلا فقيمة واحدة) أي إن لم يكن محلا لدفع بأن انعقد له شئ مما ذركنا توجب جنايته قيمة واحدة، ولا يزيد عليها وإن تكررت الجناية.
زيلعي.
قوله: (فكالاول) أي يخير بين الدفع والفداء.
قوله: (وأختيه) أي أم الولد والمكاتب.
قوله (إنما يفيد) أي يفيد التخيير الآتي.(1/186)
قوله: (في النفس) أي نفس الآدمي وفي 9 من التاترخانية فرق بين الجناية على الآدمي أو على المال، ففي الاول خير المولى بين الدفع والفداء، وفي الثانية بين الدفع والبيع اه.
وفي القنية عن خواهر زاده: محجور جنى على مال فباعه المولى بعد علمه بالجناية فهو في رقبته يباع فيها من اشتراه، بخلاف الجناية على النفس اه.
وقدمنا تمام الكلام عليه في أول كتاب الحجر.
قوله: (لان بعمده) حذف اسم أن والاولى ذكره ويكون الضمير للشأن ط.
قوله: (فيما دونها) أي دون النفس فإنه يجب المال في الحالين، إذ القصاص يجري بين العبيد والعبيد، ولا بين العبيد والاحرار فيما دون النفس.
عناية.
قوله: (لا بأقراره أصلا) أي ولو بعد العتق.
قال في الشرنبلالية عن البدائع: وإذا لم يصح إقراره لا يؤاخذ به لا في الحال ولا بعد العتق، وكذا لو أقر بعد العتاق أنه كان جنى في حال الرق لا شئ عليه اه.
وشمل المحجور والمأذون، وهو ما جرى عليه في الولوالجية، والذي قدمه الشارح في باب القود فيما دون النفس عن الجوهرة أنه يؤاخذ به بعد العتق.
أقول: وفي الحجر الجوهرة: لو أقر العبد بقتل الخطأ لم يلزم المولى شئ، وكان في ذمة العبد يؤخذ به بعد الحرية.
كذا في الخجندي.
وفي الكرخي أنه باطل، ولو أعتق بعده لا يتبع بشئ من الجناية، أما المحجور فلانه إقرار بمال، فلا ينقلب حكمه كإقراره بالدين، وأما المأذون فإقراره جائز بالديون التي لزمته بسبب التجارة، لانها هي المأذون فيها، بخلاف الجناية فهو كالمحجور فيها اه.
قوله: (وتقدم) أي قبيل متفرقات القضاء.
قوله: (دفعه مولاه إن شاء الخ) أي إنه يخير تخفيفا له، إذ لا عاقلة لمملوكه إلا هو غرر الافكار.
قوله: (حالا) أي كائنا كل من الدفع والفداء على الحلول، لان التأجيل في الاعيان باطل والفداء بدله فله حكمه، ومفاده أن الخيار للمولى، ولو مفلسا فإذا اختار المفلس الفداء يؤديه متى وجد، ولا يجبر على دفع العبد عنده، خلافا لهما كما في المجمع.
در منتقى.
قوله: (لكن الواجب الاصلي الخ) جواب عما يقال لو وجبت الجناية في ذمة المولى، حتى وجب التخيير لما سقط بموت العبد كما في الحر الجاني إذا مات فإن العقل لا يسقط عن عاقلته.
ووجهه: أن الواجب الاصلي هو الدفع، وإن كان له حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة، فإن الموجب الاصلي فيه جزء من النصاب، وللمالك أن ينتقل إلى القيمة.
عناية.
قوله: (على الصحيح) كذا في الهداية والزيلعي، وأقره غيره من الشراح.
قوله: (ولذا سقط الواجب بموته) أي قبل اختيار الفداء، وأما بعده فلا لانتقاله إلى ذمة المولى.
غرر الافكار.
وأطلق المولى فشمل ما إذا كان بآفة سماوية أو بعثه المولى في حاجته أو استخدامه، لان له حق الاستخدام في العبد الجاني، ما لم يدفعه فلا يكون تعديا، معراج عن المبسوط.
أما لو قتله صار مختارا للارش، ولو قتله أجنبي فإن عمدا(1/187)
بطلت الجناية وللمولى أن يقتص، وإن خطأ أخد المولى القيمة ودفعها إلى ولي الجناية، ولا يخير حتى لو
تصرف في تلك القيمة لا يصير للارش.
جوهرة.
قوله: (لكن في الشرنبلالية الخ) هذا غير المشهور.
ففي العناية وغيرها عن الاسرار: أن الرواية بخلافه في غير موضع، وقد نص محمد بن الحسن أن الواجب هو العبد.
قوله: (والجوهرة) عطف على السراج وقوله: عن البزدوي متعلق بكل من السراج والجوهرة كما يعلم من الشرنبلالية اه ح.
قوله: (وعلله الزيلعي الخ) أي علل الحكم وهو صحة الاختيار وإن لم يكن قادرا كما يفهم من عبارته.
قوله: (أصل حقهم) أي حق أولياء الجناية.
قوله: (ومفاده) أي مفاد تعليل الزيلعي بما ذكر، فهو مبني على التصحيح الثاني، لكن الزيلعي صرح أولا بتصحيح الاول كالهداية وغيرها وهو المنصوص عن محمد كما علمت.
قوله: (وأفاد الخ) هذا قول ثالث: وفي الشرنبلالية عن البدائع: ولو كان الواجب الاصلي التخيير لتعيين الفداء عند هلاك العبد، ولم يبطل حق المجني عليه على ما هو الاصل في المخير بين شيئين إذا هلك أحدهما أنه يتعين عليه الآخر، فليس هذا القول بسديد اه.
قوله: (وأنه الخ) معطوف على أن الدفع والمراد بالكتاب متن المجمع.
ورد شارحه بهذا على مصنفه في ادعائه أن في لفظ متنه ما يفيده ط ملخصا.
قوله: (فإن فداه) قيد به، لانه إذا لم يفده فجنى أخرى كان عين المسألة الثانية وهي قوله: فإن جني جنايتين الخ كفاية.
قوله: (فهي كالاولى) لانه لما ظهر عن الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن وهذا ابتداء جناية.
هداية.
قوله: (دفعه بهما الخ) فيقتسمانه على قدر أرش جنايتهما، وإن كانوا جماعة يقتسمونه على قدر حصصهم، وإن فداه فداه بجميع أروشهم، ولو قتل واحدا وفقأ عين آخر يقتسمانه أثلاثا، لان أرش العين على النصف من أرش النفس، وعلى هذا حكم الشجات، وللمولى أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد، وتمامه في الهداية.
قوله: (وإن وهبه الخ) الاصل أنه متى أحدث فيه تصرفا يعجزه عن الدفع عالما بالجناية يصير مختارا للفداء، وإلا فلا، فمثال الاول ما ذكره ومثال الثاني وطئ الثيب من غير إعلاق لانه لا ينقص، وكذا التزويج والاستخدام، وكذا الاجارة والرهن على الاظهر لان الاجارة تنقض بالاعذار، وقيام حق ولي الجناية فيه عذر، ولتمكن الراهن من قضاء الدين فلم يعجز، وكذا الاذن بالتجارة، وإن ركبه دين لان الاذن لا يفوت الدفع ولا ينقص الرقبة، إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله لان الدين من حقه من جهة المولى فيلزم المولى قيمته اه.
من الهداية والعناية.
قوله: (أو باعه) أي بيعا صحيحا، ولو بخيار للمشتري لا لو فاسدا إلا إذا سلمه، لان الملك لا يزول إلا به، ولا لو الخيار للبائع ثم نقضه.
أفاده الزيلعي وغيره.
قوله: (ضمن الاقل الخ) لانه فوت حقه، فيضمنه وحقه في أقلهما، ولا يصير مختارا للفداء، لانه لا اختيار بدون(1/188)
العلم.
هداية.
والدليل على أن حقه أقلهما أنه ليس له المطالبة بالاكثر.
كفاية.
قوله: (كبيعه) يجب إسقاطه لانه تشبيه الشئ بنفس اه ح.
قلت: ويمكن أن يراد بيعه للمجني عليه، فيكون فيه نوع مغايرة لما قبله.
قال في الاختيار: وكذا لو باعه من المجني عليه كان اختيارا، لا لو وهبه لان للمستحق أخذه بغير عوض وقد وجد في الهبة دون البيع اه.
قوله: (وكتعليق عتقه) لان تعليق عتقه مع علمه بأنه يعتق عند القتل دليل اختياره فلزمه الدية.
منح.
قوله: (بقتل زيد الخ) أي بجناية توجب الدية، فلو علقه بعير جناية كأن دخلت الدار ثم دخل، أو بجناية توجب القصاص كأن ضربته بالسيف فأنت حر فلا شئ على المولى اتفاقا لعدم علمه بالجناية عند التعليق بغيرها، ولان ما يوجب القصاص فهو على العبد، وذلك لا يختلف بالرق والحرية، فلم يفوت المولى على ولي الجناية بتعليقه شيئا.
عناية ملخصا.
قوله: (كما يصير فارا) أي من إرث زوجته لانه يصير مطلقا بعد وجود المرض.
قوله: (لان عتقه دليل وتصحيح الصلح) لان العاقل يقصد تصحيح تصرفه، ولا صحة له إلا بالصلح عن الجناية وما يحدث منها.
زيلعي.
قوله: (فيقتل أو يعفى) بالبناء للمجهول والضميران للعبد وصلة يعفى مقدرة.
قوله: (لبطلان الصلح) لانه وقع على المال وهو العبد عن دية اليد، إذ القصاص لا يجري بين الحر والعبد في الاطراف، وبالسراية ظهر أن دية اليد غير واجبة، وأن الواجب هو القود، فصار الصلح باطلا لان الصلح لا بد له من مصالح عنه والمصالح عنه المال ولم يوجد.
زيلعي.
قال ط: وظاهر هذا التعليل أن رد العبد واجب على ولي الدم رفعا للعقد الباطل اه.
وفي العناية صلحا بناء على ما اختاره بعض المشايخ أن الموجب الاصلي هو الفداء.
قوله: (فأعتقه سيده) أما إذا لم يعتقه فهو مخير.
قال في العناية: والاصحل أن العبد إذا جنى عليه دين يخير المولى بين
الدفع والفداء، فإن دفع بيع في دين الغرماء، فإن فضل شئ كان لاصحاب الجناية لانه بيع على ملكهم، وإن لم يف بالدين تأخر إلى حال الحرية كما لو بيع على ملك المولى الاول اه ملخصا.
قوله: (بلا علم) قيد به لانه لو علم كان مختارا للفداء دية الجناية لوليها وقيمة العبد لرب الدين.
قوله: (الاقل من قيمته الخ) وأما قول الهداية وغيرها: عليه قيمتان: قيمة لرب الدين وقيمة ولولي الجناية، فالمراد إذا كانت القيمة أقل من الارش كما صرح به في العناية.
قوله: (أي العبد الجاني) أي المأذون الذي تقدم ذكره ا ه.
قوله: (فقيمة واحد لمولاه) أي ويدفعهما للغرماء لانها مالية العبد، والغريم مقدم في المالية على ولي الجناية.
وتمامه في الزيلعي.
وإنما لزم الاجنبي قيمة واحدة دون المولى(1/189)
لانه لم يكن مأخوذا بالدفع ولا بقضاء الدين، فلا يجب عليه أكثر مما أتلفه، أما المولى فهو مطالب بذلك.
إتقاني.
قوله: (بخلاف أكسابها) فإنها يتعلق بحق الغرماء قبل الدين وبعده، لان لها يدا معتبرة في الكسب.
منح.
قوله: (لم يدفع الولد له الخ) قال في العناية: إن الفرق بين ولادة الامة بعد استدانتها وبين ولادتها بعد جنايتها في أن الولد يباع معها في الاولى دون الثانية أن الدين وصف حكمي فيها واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء، حتى صار المولى ممنوعا من التصرف في رقبتها ببيع ألا هبة أو غيرهما، فكانت: أي الاستدانة من الاوصاف الشرعية، فتسري إلى الولد كالكتابة والتدبير والرهن، وأما موجب الجناية فالدافع أو الفداء وذلك في ذمة المولى لا في ذمتها، حتى لم يصر المولى ممنوعا من التصرف في رقبتها ببيع أو هبة أو استخدام، وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي الحسي وهو الدفع، فلا يسري لكونه وصفا غير قار حصل عند الدفع، والسراية في الاوصاف الشرعية دون الاوصاف الحقيقية اه.
قوله: (زعم رجل) أي أقر.
قوله: (فقتل) ذكر الاقرار بالحرية قبل الجناية، وفي المبسوط بعدها: ولا تفاوت بينهما.
عناية.
قوله: (المعتق) أي في زعمه.
قوله: (فلا شئ للحر) أي الزاعم.
قوله: (عليه) الاولى حذفه لانه لا شئ على العاقلة ط.
قوله: (لانه بزعمه الخ) عبارة الهداية: لانه لما زعم أن مولاه أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى، إلا أنه لا يصدق على العاقلة من غير حجة ا ه.
وإنما كان إبراء للمولى، لانه لم يدع على المولى بعد الجناية إعتاقا، حتى
يصير المولى به مختارا للفداء مستهلكا حق المجني عليه بالاعتاق.
كفاية.
قوله: (لا يستحق العبد) أي دفعه أو فداءه.
قوله: (بل الدية) لانه موجب جناية الاحرار.
قوله: (على العاقلة) وهم قبيلة السيد المعتق كما سيأتي.
فافهم.
قوله: (يخاطب به مولاه الخ) تبع فيه المصنف وهو غير لازم.
عبارة الملتقى والدرر: قال معتق قتلت أخا زيد، ونحوه في الهداية وغيرها، والهطب سهل، إذ لا فرق يظهر بين المولى والاجنبي، لان قول المولى: بل قتلته بعد العتق يريد به إلزام الدية على عاقلة القاتل، وهم قبيلة المولى لانها عاقلة المعتق لا على نفسه فقط.
فافهم.
قوله: (لانه منكر للضمان) لانه أسنده إلى حالة معهودة منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، فصار كما إذا قال البالغ العاقل طلقت امرأتي وأنا صبي أو مجنون وكان جنونه معروفا كان القول له.
هداية.
قوله: (فلا يكون القول له) وهذا لانه ما أسنده إلى حالة منافية للضمان، لانه يضمن يدها لو قطعها وهي مديونة.
هداية.
قوله: (من المال) أي مال لم يكن غلة كمال وهب لها أو أوصى لها به ط.
قوله: (إلا الجماع والغلة)(1/190)
أي إذا قال جامعتها قبل الاعتاق أو أخذت الغلة قبله لا يكون القول قولها، لان وطئ المولى أمته المديونة لا يوجب العقر، وكذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه، فحصل الاسناد إلى حالة معهودة منافية بالضمان.
ابن كمال.
واستثنى في الشرنبلالية عن المواهب والزيلعي ما كان قائما بعينه في يد المقرد لانه متى أقر أنه أخذه منها فقد أقر بيدها، ثم ادعى التملك عليها وهي تنكر، فكان القول للمنكر فلذا أمر بالرد اه.
قوله: (عبد محجور) قيد بالعبد، لانه لو كان الآمر حرا بالغا ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الآمر بالمحجور، لانه لو كان الآمر مكاتبا بالغا ترجع عاقلة الصبي عليه بأقل من قيمته ومن الدية، بخلاف ما إذا كان الآمر عبدا مأذونا حيث لا يرجعون عليه إلا بعد العتق.
كفاية.
قوله: (ورجعوا على العبد بعد عنقه) لان عدم اعتبار قوله كان الحق المولى لا لنقصان الاهلية، وقد زال حق المولى بالاعتاق.
زيلعي.
وهذا ما ذكره الصدر الشهيد وقاضيخان في شرحيهما، وفيه نظر لانه خلاف الرواية في الزيادات.
إتقاني.
قوله: (وقيل: لا) هذه هي رواية الزيادات.
قال الزيلعي: لان هذا ضمان جناية وهو على المولى لا على العبد، وقد تعذر إيجابه على
المولى لمكان الحجر، وهذا أوفق للقواعد اه.
وتمامه فيه.
قوله: (أبدا) أي وإن بلغ.
قوله: (عبدا مثله) لم يقيد بكونه محجورا أيضا لانه يكتفي بكون الآمر محجورا، فإذا أمر العبد المحجور العبد المأذون، فالحكم كذلك، أما لو كان الآمر عبدا مأذونا والمأمور عبدا محجورا، أو مأذونا يرجع مولى العبد القاتل بعد الدفع، أو الفداء على رقبة العبد الآمر في الحال بقيمة عبده، لان الآمر بأمره صار غاصب للمأمور.
وتمامه في الكفاية.
لو كان المأمور حرا بالغا عاقلا فالدية على عاقلته ولا ترجع العاقلة على الآمر لان أمره لم يصح.
زيلعي.
قوله: (ويرجع بعد العنق الخ) على قياس القيل المار لا يجب شئ.
أفاده االزيلعي.
قوله: (وقيمة العبد) أي القاتل.
قوله: (لانه مختار الخ) أي إذا دفع الفداء وكان أزيد من قيمة العبد مثلا لا يرجع إلا بالقيمة لانه غير مضطر، فإنه لو دفع العبد أجبر ولي الجناية على قبوله.
قوله: (فأعتقه) قيد به لان محل الوهم، فإنه إذا لم يعتقه يكون الحكم كذلك.
وفي الهندية: وأجمعوا أن حافر البئر إذا كان عبدا قنا فدفع المولى العبد إلى ولي القتيل ثم وقع فيها آخر ومات فإن الثاني لا يتبع المولى بشئ سواء دفع المولى إلى الاول بقضاء أو بغير قضاء.
وتمامه فيها ط.
قوله: (ثم وقع فيها إنسان) فلو الوقوع قبل العتق وجبت الدية، فإن وقع آخر يشارك ولي الاولى، لكن يضرب الاول بقدر الدية، والثاني بقدر القيمة.
مقدسي: أي لان اختيار الفداء بالعتق وقع في الاولى فوجبت الدية، ولم يقع في الثانية فلم تجب إلا بالقيمة، وهذا لو العتق بعد العلم، وإلا لم تلزمه إلا القيمة، ويشارك ولي الثانية فيها ولي الاولى كما أفاده بعد اه.
سائحاني.
قوله: (ويجب(1/191)
على المولى قيمة واحدة) اعتبارا لابتداء حال الجناية فإنه كان رقيقه ط.
قوله: (إلى الحرين) عبارة المتن في المنح: إلى الآخرين، وكذا في الكنز والملتقى.
قوله: (أو يدفع نصفه لهما) أو بمعنى (إلا) والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة لئلا يتكرر مع المتن.
تأمل.
قوله: (عولا عنده) تفسير العول: هو أن تضرب كل واحد منهما بجميع حصته أحدهما بنصف المال والآخر بكله.
كفاية.
فثلثاه لولي الخطأ لانهما يدعيان الكل، وثلثه للساكت من ولي العمد لانه يدعي النصف، فيضرب هذان بالكل وذلك بالنصف، قوله: (وأرباعا منازعة عندهما) أي ثلاثة أرباعه لولي الخطأ وربعه لولي العمد بطريق
المنازعة، فيسلم النصف لولي الخطأ بلا منازعة ومنازعة الفريقين في النصف الآخر فينصف، فلهذا يقسم أرباعا.
منح.
وبيانه: أن الاصل المتفق عليه أن قسمة العين إذا وجبت بسبب دين في الذمة كالغريمين في التركة ونحوها فالقسمة بالعول، والمضاربة لعدم التضايق في الذمة فيثبت حق كل منهما كملا فيضرب بجميع حقه، وإن وجبت لا بسبب دين في الذمة كبيع الفضولي بأن باع عبد إنسان كله وآخر باع نصفه وأجازهما المالك، فالعبد بين المشتريين أرباعا بطريق المنازعة، لان العين الواحدة تضيق عن الحقين على وجه الكمال، وإذا ثبت هذا فقالا في هذه المسألة ثلاثة أرباع العبد المدفوع لولي الخطأ وربعه للساكت من ولي العمد، لان حق ولي العمد كان في جميع الرقبة، فإذا عفا أحدهما بطل حقه، وفرغ النصف فيتعلق حق ولي الخطأ بهذا النصف، بلا منازعة، بقي النصف الآخر واستوت فيه منازعة ولي الخطأ والساكت فنصف بينهم، ولابي حنيفة أن أصل حقهما ح ليس في عين العبد بل في الارش الذي هو بدل المتلف، والقسمة في غي العين بطريق العول، وهذا لان حق ولي الخطأ في عشرة آلاف وحق العافي في خمسة، فيضرب كل منهما بحصة، كمن عليه ألفان لرجل وألف لآخر ومات عن ألف فهو بين الرجلين أثلاثا، بخلاف بيع الفضولي، لان الملك يثبت للمشتري ابتداء.
عناية ملخصا.
قوله: (فإن قتل عبدهما قريبهما) أي قتل عبد لرجلين قريبا لهما.
قوله: (وقالا يدفع الخ) لان نصيب من لم يعف لما انقلب مالا بعفو صاحبه صار نصفه في ملكه ونصفه في ملك صاحبه، فما أصاب ملك صاحبه لم يسقط وهو الربع، وما أصا ب ملك نفسه سقط.
كفاية.
قوله: (ووجهه) أي وجه الامام: أي وجه قوله قال في الكفاية: له أن القصاص وجاب لكل منهما في النصف من غير تعيين، فإذا انقلب مالا احتمل الوجوب من كل وجه بأن يعتبر متعلقا بنصيب صاحبه، واحتمل السقوط من كل وجه بأن يعتبر متعلقا بنصيب نفسه، واحتمل التنصيف بأن يعتبر متعلقا بهما شائعا فلا يجب المال بالشك.
قوله: (فلا(1/192)
تخلفه الورثة فيه) الواجب إسقاطه لان المنقول ليس مولى للقاتل.
نعم يظهر هذا في مسألة أخرى ذكرت هنا في بعض نسخ الهداية والزيلعي حكمهما حكم هذه المسألة، وهي: ما لو قتل عبد مولاه وله ابنان
فعفا أحدهما بطل كله، خلافا لابي يوسف لان الدية حق المقتول ثم الورثة تخلفه، والمولى لا يجب له على عبده دين فلا تخلفه الوراثة فيه اه.
والذي أوقع الشارح صاحب الدرر.
والله سبحانه أعلم.
فصل في الجناية على العبد قوله: (فإن بلغت هي) أي قيمته.
قوله: (بأثر ابن مسعود) وهو لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم، هذا كالمروي عن النبي صلى الله عليه وآله، لان المقادير لا تعرف بالقياس وإنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحي.
كفاية.
قوله: (وعنه) أي عن أبي حنيفة وهي رواية الحسن عنه وهو القياس، والاول ظاهر الرواية.
إتقاني.
قوله: (من الامة) أي ينقص من ديتها لا مطلقا كما ظن فإنه سهو.
در منتقى.
قوله: (ويكون حينئذ على العاقلة الخ) أي يكون ما ذكر من دية العبد والامة: أي دية النفس، لان العاقلة لا تتحمل أطراف العبد كما سيأتي آخر المعاقل.
قوله: (خلافا لابي يوسف) حيث قال: تجب قيمته بالغة ما بلغت في ماله في رواية، وعلى عاقلته في أخرى وفي الجوهرة.
وقال أبو يوسف: في مال القاتل لقول عمر: لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا.
قلنا: هو محمول على ما جناه العبد لا على ما جنى عليه، لان ما جناه العبد لا تتحمله العاقلة، لان المولى أقرب إليه منهم ا ه.
قوله: (وما قدر) أي ما جعل مقدرا من دية الحر: أي من أرشه في الجناية على أطرافه جعل مقدرا من قيمة العبد كذلك، وقوله: ففي يده نصف قيمته تفريع عليه، لان الواجب في يد الحر مقدر من الدية بالنصف، فيقدر في يد العبد بنصف قيمته، وكذلك يجب في موضحته نصف عشر قيمته، لان في موضحة الحر نصف عشر الدية كما ذكره في العناية.
قلت: ويستثنى من ذلك حلق اللحية ونحوه ففيه حكومة كما يأتي، وكذا فق ء العينين، فإن مولاه مخير كما يأتي أيضا.
تأمل.
وكذا ما في الخانية: لو قطع رجل عبد مقطوع اليد: فإن من جانب اليد فعليه ما انتقص من قيمته مقطوع اليد، لانه إتلاف ولا يجب الارش المقدر للرجل، وإن قطع لا من جانبها فنصف قيمته مقطوع اليد.
وتمامه فيها.
هذا، وفي الجوهرة: الجناية على العبد فيما دون النفس لا تتحملها العاقلة لانه أجري مجرى ضمان الاموال اه: أي فهو في مال الجاني حالا كضمان الغصب والاستهلاك كما في منية المفتي.
قوله: (في الصحيح) وهو ظاهر الرواية، إلا أن محمدا قال
في بعض الروايات: القول بهذا يؤدي إلى أن يجب بقطع طرفه فوق ما يجب بقتله كما لو قطع يد عبد(1/193)
يساوي ثلاثين ألفا يضمن خمسة عشر ألفا.
كذا في النهاية وغيرها من الشروح.
قوله: (وجزم به في الملتقى) وهو الذي في عامة الكتب كالهداية والخلاصة ومجمع البحرين وشرحيه والاختيار وفتاوى الولوالجي والملتقى.
وفي المجتبى عن المحيط: نقصان الخمسة هنا باتفاق الروايات، بخلاف فصل الامة.
سلبي اه ط.
ويوافقه ما في الظهيرية وجامع المحبوبي: موضحة لعبد مثل موضحة الحر تقضي بخمسمائة درهم إلا نصف درهم، ولو قطع أصبع عبد عمدا أو خطأ وقيمته عشرة آلاف أو أكثر فعليه عشر الدية إلا درهم.
معراج.
قوله: (وتجب حكومة عدل في لحيته) أي إذا لم تنبت.
قال في البزازية: وفي العيون عن الامام رحمه الله في قطع أذنه أو أنفه أو حلق لحيته إذا لم تنبت قيمته تامة إن دفع العبد إليه.
وحكى القدوري في شعره ولحيته الحكومة.
قال القاضي: الفتوى في قطع أذنه وأنفه وحلق لحيته إذا لم تنبت على لزوم نقصان قيمته كما قالا.
والحاصل: أن الجناية على العبد إن مستهلكه بأن كانت توجب في الحر كمال الدية ففيه كمال القيمة، وإن غير مستهلكة بأن أوجبت فيه نصف الدية ففيه نصف قيمته.
الاول: كقطع اليدين وأمثاله، وقطع يد ورجل من جانب واحد.
والثاني: كقطع يد أو رجل أو قطع يد ورجل من خلاف وقطع الاذنين وحلق الحاجبين إذا لم ينبت في رواية من قبيل الاول، وفي أخرى من قبيل الثاني اه.
فتأمل.
قوله: (في الصحيح) لان المقصود من العبد الخدمة لا الجمال.
منح.
قوله: (لاشتباه من له الحق) لان القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون للورثة فتحقق الاشتباه.
منح.
قوله: (خلافا لمحمد) فعنده لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن أعتقه، لان سبب الولاية قد اختلف، لانه الملك على اعتبار حالة الجرح والوراثة بالولاء على اعتبار الاخرى، فنزل منزلة اختلاف المستحق، ولهما أنا تيقنا بثبوت الولاية للمولى، ولا معتبر باختلاف السبب: وتمامه في الهداية.
قوله: (لان
البيان كالانشاء) أي إنه إنشاء من وجه حتى يشترط صلاحية المحل للانشاء، فلو مات أحدهما فبين العتق فيه لا يصح، وإظهار من وجه حتى يجبر عليه، ولو كان ظهارا من كل وجه لما أجبر، لان المرء لا يجبر على إنشاء العتق والعبد بعد الشجة محل للبيان فاعتبر إنشاء.
عناية.
قوله: (فدية حر وقيمة عبد) لان ال عبد لم يبق محلا بعد الموت، فاعتبرناه إظهارا محضا وأحدهما حر بيقين فوجب ما ذكر، وينصف بين المولى والورثة لعدم الاولوية.
زيلعي.
قوله: (لو القاتل واحدا معا) أي لو قتلهما معا:(1/194)
فلو القاتل اثنين فيجئ، ولو واحدا وقتلهما على التعاقب فعليه قيمة الاول للمولى ودية الاخر لورثته، لانه بقتل أحدهما تعين الآخر للعتق، فتبين أنه قتله وهو حر.
كفاية.
قوله: (وقيمتهما سواء) فلو اختلفت فعليه نصف قيمة كل واحد منهما ودية حر، فيقسم مثل الاول.
زيلعي.
قوله: (ولم يدر الاول) فلو علم فعلى قاتله القيمة لمولاه، وعلى قاتل الثاني ديته لورثته لتعينه للعتق بعد موت الاول.
زيلعي.
قوله: (فقيمة العبدين) لانا لم نتيقن إن كلا من القاتلين قتل حرا وكل منهما منكر ذلك، ولان القياس يأبى ثبوت العتق في المجهول، فتجب القيمة فيما فتكون نصفين.
بين المولى والورثة، لان موجب العتق ثابت في أحدهما في حق المولى فلا يستحق بدله.
أفاده الزيلعي.
قوله: (فقأ رجل عيني عبد) وكذا إذا قطع يديه أو رجليه.
يقال: فقأ عينه إذا قلعها واستخرجها.
إتقاني.
قوله: (وقال الشافعي الخ) هو يجعل الضمان في مقابلة الفائت، فبقي الباقي على ملكه كما إذا فقأ إحدى عينيه، ولهما أن المالية معتبرة في حق الاطراف، وإنما تسقط في حق الذات فقط، وحكم الاموال ما ذكر كما في الخرق الفاحش، وله أن المالية وإن كانت معتبرة فالادمية غير مهدرة، والعمل بالشبهين أوجب ما ذكر.
ابن كمال.
قوله: (ولو جنى مدبر أو أم ولد) أي على النفس خطأ أو على ما دونها.
جوهرة.
فلو جنى على مال لزمه أن يسعى في قيمة ذلك المال لمالكه بالغة ما بلغت، ولا شئ على المولى.
ط عن المكي.
وأما جناية المكاتب فهي في نفسه دون سيده ودون العاقلة لان أكسابه لنفسه فيحكم عليه بالاقل من قيمته ومن أرش جنايته.
وتمام تفاريعه في غاية البيان.
قوله: (ضمن السيد) أي فيما له دون عاقلته حالة.
جوهرة.
وإنما ضمن لانه صار مانعا تسليمه
في الجناية من غير أن يصير مختارا للفداء لعدم علمه بما يحدث، فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم.
زيلعي.
قوله: (الاقل من القيمة) أي قيمة كل منهما بوصف التدبير والاستيلاد يوم الجناية.
وتمامه في الكفاية در منتقى: أي لا يوم المطالبة ولا يوم التدبير، وقيمة أم الولد ثلث قيمتها والمدبر ثلثاها.
جوهرة.
قوله: (لقيام قيمتها) عبارة الزيلعي: لانه لا حق لولي الجناية في أكثر من الارش، ولا منع من المولى في أكثر من العين، وقيمتها تقوم مقامها.
قوله: (يشارك الثاني الاول الخ) أي في القيمة ويعتبر فيها تفاوت الاحوال فلو قتل حرا خطأ وقيمته ألف ثم آخر وقيمته ألفان ثم آخر وقيمته خمسمائة ضمن سيده ألفين باعتبار الاوسط، يأخذ وليه ألفا واحدة إذ لا تعلق فيها للاول، لان(1/195)
حال جنايته قيمة العبد ألف وقد أبقيناها، ولا تعلق للاخير في أكثر من خمسمائة، فنصف الالف الباقية بين الاول، والاوسط يضرب فيها الاول بديته عشرة آلاف، والاوسط بالباقي له وهو تسعة آلاف، صم الخمسمائة الباقية بين الثلاثة، فيضرب الثالث بكل الدية وكل من الباقين بغير ما أخذ اه.
ملخصا من الزيلعي وغيره.
قوله: (إلا قيمة واحدة) لانه لا منع من السيد إلا في رقبة واحدة.
زيلعي.
قوله: (لانه مجبور على الدفع) أي بسبب القضاء به عليه.
قوله: (أتبع السيد) لدفه حقه بلا إذنه.
قوله: (ورجع) أي السيد بها على ولي الجناية الاولى لانه ظهر أنه استوفى منه زيادة على قدر حقه.
عناية.
قوله: (أو اتبع ولي الجناية الاولى) لقبض حقه ظلما، وإنما خير في التضمين لان الثانية مقارنة من وجه حتى يشاركه ومتأخرة من وجه حتى تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها فتعتبر مقارنة في حق التضمين أيضا.
أفاده في الكفاية.
قوله: (وقالا لا شئ على المولى) لانه فعل عين ما يفعله القاضي.
قوله: (لان حق الولي) أل للجنس: أي حق أولياء الجنايات ط.
قوله: (لم يتعلق بالعبد) أي بل بقيمته، إذ لا يمكن دفعه والقيمة تقوم مقام العين كما مر.
قوله: (فلم يكن مفوتا) يحتمل أن يكون الضمير في يكن للعبد ومفوتا بصيغة اسم المفعول، وأن يكون ضميره إلى المولى ومفوتا بصيغة اسم الفاعل ط.
قوله: (فيما مر) وهو قوله: وإن أعتق المدبر أما الذي قبله فقد صرح المصنف بهما ط.
قوله: (بجناية توجب المال) المراد به جناية الخطأ.
إتقاني عن الكرخي.
قوله: (لم يجز إقراره) ولا يلزمه
شئ في الحال ولا بعد عتقه.
ملتقى.
قوله: (لانه إقرار على المولى) لان موجب جنايته على المولى لا على نفسه.
زيلعي.
قوله: (ولو جنى المدبر) مثله أم الولد ط.
قوله: (لم تسقط قيمته عن مولاه) لانها ثبتت عليه بسبب تدبيره، وبالموت لا يسقط ذلك.
درر.
قوله: (سعى في قيمته) لان التدبير وصية برقبته وقد سلمت له لانه عتق بموت سيده، ولا وصية للقاتل فوجب عليه رد رقبته، وقد عجز عنه فعليه رد بدلها وهو القيمة.
درر.
وذكر السائحاني أنه في الخطأ يسعى في قيمتين لما في شرح المقدسي.
أعتق في مرض موته عبده، فقتله العبد خطأ سعى في قيمتين عند الامام إحداهما النقض الوصية، لان الاعتاق في مرض الموت وصية، وهي للقاتل باطلة إلا أن العتق لا ينقض بعد وقوعه، فتجب قيمته، ثم عليه قيمة أخرى بقتل مولاه، لان المستسعى كالمكاتب عنده، والمكاتب إذا قتل مولاه فعليه أقل من قيمته، ومن الدية والقيمة هنا أقل.
وقالا: يسعى في قيمة واحدة لرد الوصية، وعلى عاقلته الدية لانه حر مديون اه.
قوله: (قتله الوارث أو استسعاه الخ) أما الاول فظاهر، وأما الثاني فلما ذكر من أن التدبير وصية الخ.
درر.
والله تعالى أعلم.(1/196)
فصل في غصب القن وغيره المراد بالغير: المدبر والصبي، والمراد حكم جنايتهم حالة الغصب.
قال الاتقاني: لما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر جنايتهما مع غصبهما، لان المفرد قبل المركب، ثم جر كلامه إلى بيان غصب الصبي ا ه.
قوله: (قطع يد عبده الخ) فلو القاطع أجنبيا: فإن شاء اقتص منه، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته مقطوعا، ولو خطأ، فإن شاء أخذ قيمته صحيحا من عاقلة القاطع ورجعت العاقلة على الغاصب بقيمته مقطوعا، أو ضمن الغاصب قيمته مقطوعا، واتبع غيره في الباقي.
كذا يستفاد من فروع في المقدسي.
سائحاني.
قوله: (ضمن الغاصب قيمته أقطع) لانه لما قطعه المولى في يده نقصت قيمته بالقطع.
زيلعي.
قوله: (فيصير مستردا) لاستيلاء يده عليه، وبرئ الغاصب من ضمانه لوصول ملكه إلى يده.
زيلعي.
قوله: (مؤاخذ بأفعاله) أي في حال رقه.
عناية.
حتى لو ثبت الغصب بالبينة يباع فيه.
درر.
قوله: (لا بأقواله الخ) أي فيما يجب به المال فلا يؤاخذ به في رقه وإنما يؤاخذ به بعد
الحرية، وأما فيما يوجب الحدود والقصاص فيؤاخذ به في الحال كالافعال.
أفاد في العناية.
أما المأذون فإنه يؤاخذ بالاقوال أيضا عندنا.
معراج.
قوله: (ضمن السيد قيمته لهما) لان موجب جناية المدبر وإن كثرت قيمته واحدة، فيجب ذلك على المولى لانه هو الذي أعجز نفسه عن الدفع بالتدبير السابق من غير أن يصير مختارا للفداء.
زيلعي.
وينبغي أن يكون وجوب القيمة فيما إذا كانت أقل من الارش، لان حكم جناية المدبر أن يلزم الاقل منهما على المولى.
إتقاني.
قوله: (ورجع المولى بنصف قيمته على الغاصب) لانه ضمن القيمة بالجنايتين: نصفها بسبب كان عند الغاصب، والنصف الاخر بسبب وجده عنده، فيرجع عليه بسبب لحقه من جهة الغاصب، فصار كأنه لم يرد نصف العبد.
زيلعي.
قوله: (أي دفع المولى نصف قيمته) أي النصف المأخوذ من الغاصب، وهذا الدفع الثاني عندهما خلافا لمحمد.
قوله: (لان حقه لم يجب الخ) حق التعبير أن يقول دون الثاني، لان حقه الخ كما عبر ابن كمال: أي ولي الجناية الثاني.
قال في العناية: ولهما أن حق الاول في جميع القيمة، لانه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص حقه بمزاحمة الثاني، فإذا وجد شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا أخذه إتماما لحقه ا ه.
وأورد أن هذا يناقض ما تقدم: إن جنابة المدبر لا توجب إلا قيمة واحدة، وهنا أوجبت قيمة ونصفا وأجيب أن ذاك فيما إذا تعددت الجناية في يد شخص واحد، بخلافه هنا.
تأمل.
قوله: (ثم(1/197)
رجع المولى به) أي بنصف القيمة ولا يدفعه إلى أحد، لانه وصل إلى الوليين تمام حقهما.
إتقاني.
قوله: (لان الجناية الاولى كانت في يده مالكه) أي وما دفعه المالك ثانيا إنما كان بسببها فلا يرجع به على أحد، بخلاف المسألة الاولى لانه كان بسبب عند الغاصب فيرجع عليه، أفاده الزيلعي.
قوله: (والقن في الفصلين) أي في المسألتين كالمدبر: أي أن التصوير السابق بالمدبر ليس احترازيا عن القن، ويأتي أن أم الولد كذلك.
قوله: (يدفع العبد نفسه) لامكان نقله من ملك إلى ملك، بخلاف المدبر.
والظاهر أن المراد أنه يخير بين الفداء والدفع إلى الوليين.
تأمل.
ثم إذا دفعه يرجع بنصف قيمته على الغاصب إلى
آخر ما مر.
قوله: (فغصب ثانيا) أي فغصبه الغاصب الاول غصبا ثانيا.
وفي بعض النسخ (فغصبه) بالضمير وهي أظهر.
قوله: (كان على سيده قيمته لهما) أي للوليين لانه متعه بالتدبير كما مر.
قوله: (لكونهما) أي الجنايتين عنده: أي الغاصب، بخلاف ما مر، لان إحداهما عنده فلذا رجع بالنصف.
قوله: (ورجع المولى بذلك النصف) أي الذي دفعه ثانيا إلى ولي الجناية الاولى.
قوله: (وأم الولد في كلها) أي كل الاحكام المذكورة كمدبر لاشتراكهما في كون المانع من الدفع للجناية من قبل المولى.
درر.
قوله: (لا يعبر عن نفسه) لانه لو كان يعبر يعارضه بلسانه فلا تثبت يده حكما.
كذا في الشرنبلالية عن البرهان، ومثله في الكفاية والقهستاني وغيرهما.
قال في المعراج: لكن الفرق الاتي بين المكاتب والصبي يشير إلى أن المراد مطلق الصبي، فإن الصبي الذي يزوجه وليه عير مقيد بذلك.
ذكره في الكافي اه ملخصا.
قوله: (والمراد بغصبه الخ) فيكون ذكر الغصب بطريق المشاكلة، وهو أن يذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه في صحبته.
عناية.
قوله: (فجأة) بالضم والمد أو بالفتح، وسكون الجيم بلا مد.
قهستاني.
قوله: (بصاعقة) أي نار تسقط من السماء أو كل عذاب مهلك كما في القاموس، فيشمل الحر الشديد والبرد الشديد والغرق في الماء والتردي من مكان عال كما في الخانية وغيرها.
قهستاني.
قوله: لم يضمن لان ذلك لا يختلف باختلاف الاماكن، هداية.
قوله: (استحسانا) والقياس عدم الضمان مطلقا، لان غصب الحر لا يتحقق، ألا ترى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر يدا، فهذا أولى.
والجواب ما أشار إليه: هو أن الضمان لا بالغصب بل بالاتلاف تسببا، وقد أزال حفظ المولى(1/198)
فيضاف الاتلاف إليه.
أما المكاتب فهو في يد نفسه ولو صغيرا ولذا لا يزوجه أحد، فهو كالحر الكبير.
أما الصبي فإنه في يد وليه ولذا يزوجه اه.
من الهداية والكفاية.
قوله: (لموضع يغلب فيه الحمى والامراض) أي بأن كان المكان مخصوصا بذلك فيضمن، لا بسبب العدوى لان القول به باطل، بل لان الهواء بخلق الله تعالى مؤثر في بني آدم وغيره كالغذاء.
بزازية.
قوله: (لهذه الاماكن) أي الغالب فيها الهلاك، واللام بمعنى إلى.
قوله: (ضمن) لان المغصوب عجز عن حفظ نفسه بما صنع
فيه.
عناية.
وكذا يضمن لو صنع بالمكاتب كذلك كما ذكره الزيلعي.
قوله: (فحكم صغير ككبير مقيد) الاولى في التعبير أن يقال: فحكم كبير مقيد كصغير.
لان مسألة الصغير منصوصة في المتون، ومسألة الكبير ذكرها الشارح عن الامام المحبوبي.
وفي حاشية أبي السعود: استشكل هذا العلامة المقدسي بقولهم: لو كتف شخصا وقيده وألقاه فأكله السبع لا قصاص ولا دية، ولكن يعزز ويحبس حتى يموت.
وعن الامام: إن عليه الدية.
ولو قمط صبيا وألقه في الشمس أو البرد حتى مات فعلى عاقلته الدية.
كذا في الحافظية، فليتأمل.
ولعل القول بالضمان في الحر الكبير المقيد محمول على تلك الرواية اه.
ومثله في حاشية الرملي.
وأصل الاستشكال لصاحب المعراج حيث قال: ويشكل على هذا ما لو حبس إنسانا فمات منه من الجوع، لا يضمن مع أنه عجز عن حفظ نفسه بما صنع حابسه اه.
أقول: قد علمت أن مسألة الصبي على استحسان، وألحقوا به الكبير فهو استحسان أيضا، وما أورد عليه مفرع على القياس، والاستحسان راجع عليه، وتلك الرواية موافقة للاستحسان، فقد يدعي ترجيحه بذلك، وأما لو حبسه فمات جوعا فعدم ضمانة قول الامام، وقدمنا أول الجنايات أن عليه الفتوى، وأن الفرق هو أن الجوع والعطش من لوازم الانسان فلا يضاف للجاني، بخلاف هذه الافعال فلا تشكل على مسألتنا، وأنت على علم بأن العمل على ما في المتون والشروح، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (حتى وقعت الفرقة بينهما) أي بالابدان.
رحمتي: أي بحيث لا يعلم الزوج مكانها، ومثله أقاربها فيما يظهر ط.
قوله: (أو تموت) أي أو يعلم موتها كما في المسألة السابقة، وفي نسخة (أو يموت) أي إلى أن يموت ط.
قوله: (فعلى عاقلة الختان نصف ديته الخ) أي لو حرا ولو عبدا يجب نصف القيمة أو تمامها، لان الموت حصل يفعلين أحدهما مأذون فيه وهو قطع القلفة، والآخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة، فيجب نصف الضمان.
أما إذا برئ جعل قطع الجلدة وهو مأذون فيه كأن لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه، فوجب ضمان الحشفة كاملا وهو الدية.
منح وعزا المسألة(1/199)
إلى الخانية والسراجية، وذكر نظمها للعلامة الطرسوسي سؤالا وجوابا.
قوله: (فما عليه الخ) ما الاولى موصولة، والثانية نافية، خلاف ما هو الشائع من زيادتها بعد إذا، والمعنى: إن الذي يجب عليه
وقت عدم الموت يشطر: أي ينصف بالموت.
قوله: (ولم يكن منه تسيير) أما لو سيرها وهو بحيث يصرفها انقطع التسبب بهذه المباشرة الحادثة.
جامع الفصولين.
قوله: (وتمامه في الخانية) ذكر عبارتها في المنح.
قوله: (كصبي أودع عبدا) بالبناء للمجهول.
قوله: (فقتله) أما لو جنى عليه فيما دون النفس كان أرشه في مال الصبي بالاجماع.
إتقاني.
قوله: (ضمن عاقلة الصبي قيمته) تصريح بما أفادته كاف التشبيه، لكن المضمون في المشبه الدية وهنا القيمة، وعبر الهداية هنا بالدية أيضا اعتمادا على ما مر أن دية العبد قيمته.
قوله: (فإن أودع طعاما) أي مثلا.
در منتقى.
قوله: (بلا إذن وليه الخ) سيذكر محترزه.
قوله: (لانه سلطه عليه) أي وله تمكين غيره من استهلاكه لان عصمته حق مالكه، بخلاف الآدمي المملوك فعصمته لحق نفسه لا لحق مولاه، ولهذا بقي على أصل الحرية في حق الدم، وليس لمولاه ولاية استهلاكه، فلا ينلك تمكين غيره منه.
أفاده في الشرنبلالية.
قوله: (يضمن) أي في الحال.
قوله: (وكذا لو أودع عبد محجور مالا) أي وقبل الوديعة بلا إذن مولاه.
أما لو كان مأذونا أو محجورا ولكن قبلها بإذنه فاستهلكها لا يضمن في الحال، بل بعد العتق لو بالغا عاقلا عندهما.
وعند أبي يوسف: يضمن في الحال.
ولو كانت الوديعة عبدا فجنى عليه في النفس، أو فيما دونها أمر مولاه بالدفع أو الفداء إجماعا.
إتقاني.
قوله: (وكذا الخلاف الخ) قال فخر الاسلام: والاختلاف في الايداع والاعارة والقرض والبيع، وكل وجه من وجوه التسليم إليه واحد.
إتقاني.
قوله: (لو كان بإذن) أي لو كان أودع الطعام بإذن وليه أو كان مأذونا له في التجارة ضمن: أي في الحال، وهذا محترز قوله المار: بلا إذن وليه الخ.
قوله: (بلا وديعة) أي ونحوها مما فيه تسليم.
قوله: (ضمنه للحال) لانه مؤاخذ بأفعاله.
درر.
قوله: (على خلاف ما في المنتقى الخ) أي من أن الصبي الذي لا يعقل يضمن بالاجماع، وذكر في العناية وغيرها أنه مذهب فخر الاسلام، ذكره في شرح الجامع وأن غيره من شراح الجامع ذكروا أنه لا يضمن بالاجماع.
قال ط: فتحصل أنهما طريقتان لاهل المذهب اه.
تتمة: صبي سقط من سطح أو في ماء فمات: فلو كان ممن يحفظ نفسه لا شئ على الابوين،(1/200)
وإلا فعليهما الكفارة لو في حجرهما وعلى أحدهما لو في حجره.
كذا عن نصير.
وعن أبي القاسم: لا
شئ عليهما إلا التوبة والاستغفار، واختيار أبي الليث أنه لا كفارة على أحدهما إلا أن يسقط من يده، وعليه الفتوى.
ظهيرية.
والله تعالى أعلم.
باب القسامة لما كان أمر القتيل في بعض الاحوال يؤول إلى القسامة، ذكرها في آخر الديات في باب على حدة: عناية.
قوله: (وهي لغة بمعنى القسم) قال العلامة نوح: اختلف أهل اللغة في القسامة.
قال بعضهم: إنها مصدر، واختاره ابن الاثير في نهايته حيث قال: القسامة بالفتح اليمين كالقسم، ثم قال: وقد أقسم قسما وقسامة: إذا حلف.
وقال بعضهم: إنها اسم مصدر، واختاره المطرزي في المغرب حيث قال: القسم اليمين، يقال أقسم بالله إقساما، وقولهم حكم القاضي بالقسامة اسم منه وضع موضع الاقسام، واختار العيني في شرح الكنز الاول، واختار منلا مسكين الثاني اه ط.
قوله: (بسبب مخصوص) وهو وجود القتيل في المحلة أو ما في معناها مما هو ملك لاحد أو في يد أحد.
قوله: (وعدد مخصوص) وهو خمسون يمينا.
قوله: (على شخص مخصوص) أي مخصوص النوع، وهو الرجل البالغ العاقل أو المالك المكلف، ولو امرأة الحر، ولو يدا كمكاتب إذا وجد القتيل في محل مملوك له، وهذه إشارة إلى بعض الشروط.
قوله: (على وجه مخصوص) إشارة إلى باقي الشروط، منها كون العدد خمسين، وتكرار اليمين إن لم يتم العدد، وقولهم فيها: بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، وكونها بعد الدعوى والانكار، وبعد طلبها، إذ لا تجب اليمين بدون ذلك، وكون الميت من بني آدم ووجود أثر القتل فيه، وأن لا يعلم قاتله، فقد تضمن ما ذكره بيان معنى القسامة وسببها وشرطها.
قال في المنح: وركنها: إجراء اليمين المذكورة على لسانه.
وحكمها: القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس إلى الحلف إن أبوا إن ادعى الولي العمد، بالدية عند النكول إن ادعى خطأ، ومحاسنها حظر الدماء وصيانتها عن الاهدار، وخلا ص المتهم بالقتل عن القصاص، ودليل شرعيتها الاحاديث الواردة في الباب المذكورة في الهداية وشروحها.
قوله: (ميت) أي ولو حكما بأن وجد جريح في محله، فنقل منها وبقي ذا فراش حتى مات من الجراحة، فإن القسامة والدية على أهلها كما سيأتي متنا.
قوله: (حر) أما العبد ففيه القسامة والقيمة إذا وجد في غير ملك سيده، وكذا المدبر وأم الولد والمكاتب والمأذون والمديون، ولو في ملكه فهدر، إلا في المكاتب والمأذون المديون ففيهما القيمة على المولى لا على عاقلته حالة للغرماء في المأذون، وفي ثلاث سنين في المكاتب كما في الشرنبلالية عن البدائع، وسيأتي في الفروع آخر الباب.
قوله: (ولو ذميا أو مجنونا) دخل فيه الذكر والانثى والكبير والصغير، وخرج البهائم، فلا شئ فيها كما سيأتي.
قوله: (به جرح الخ) سيأتي محترزاته متنا.
قوله: (في محلة) بالفتح: المكان الذي ينزله القوم.
ط عن المصباح.
قوله: (أو نصفه مع رأسه) ولو مشقوقا(1/201)
بالطول.
منح: أي ومعه الرأس، وأما إذا شق طولا بدونه أو شق الرأس معه فلا قسامة، وهو الذي ذكره المصنف بعد في متنه ط.
قوله: (حتى لو وجد الخ) والاصل أن الموجود إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب في الموجود، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجب فيه القسامة تجب، وصلاة ا لجنازة في هذا الباب تنسحب على الاصل.
هداية.
قوله: (لئلا يؤدي لتكرار القسامة الخ) أي والدية بأن وجد الاقل من بدنه مع رأسه في محل والباقي في محل آخر، فإنه إذا وجبت القسامة والدية في الاقل لزم وجوبهما في الاكثر أيضا.
قوله: (إذ لو علم) أي بالبينة أو الاقرار.
قهستاني: أي أقرار القاتل، ولا بد أن تكون البينة من غير أهل المحلة كما سيأتي متنا، ويأتي تمام الكلام عليه.
قوله: (وادعى وليه الخ) أشار إلى من شروطها الدعوى من أولياء القتيل، إذ اليمين لا تجب بدونها كما في الطوري وقدمناه، وانظر ما الحكم إذا لم يكن له ولي وهل يدعيها الامام أم لا؟ ثم رأيت منقولا عن شرح الحموي أنصه توقف في التخير الاتي، حيث لا ولي، هل يتخير الامام الخمسين أم لا؟ وقال: فليراجع (1).
قوله: (أو ادعى على بعضهم) ولو معينا بخلاف ما لو ادعى على واحد من غيرهم، فأنها تسقط عنهم كما يأتي متنا.
قوله: (حلف خمسون رجلا منهم الخ) خرج الصبي والمرأة والعبد كما مر ويأتي، وهذا إن طلب الولي التحليف كما قدمناه فله تركه، وبه صرح الرملي، وإذا تركه فهل يقضي له بالدية أم لا؟ لانه لو حلفهم أمكن ظهور القاتل، لم أره فليراجع.
وقال الزيلعي: (وقوله يختارهم الولي) نص على أن الخيار للولي لان اليمين حقه، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل أو أهل الخبرة بذلك أو
صالحي أهل المحلة لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ فيظهر القاتل، ولو اختار أعمى أو محدودا في قذف جاز لانهما يمين وليست بشهادة اه.
قوله: (بأن يحلف الخ) فهو من قبيل تقابل الجمع بالجمع.
قهستاني فيحلف كل واحد على نفي قتله، نفي علمه لاحتمال أنه قتله وحده، فيتجرأ على يمينه بالله ما قتلناه: يعني جميعا، ولا يعكس لانه إذا قتله مع غيره كان قاتلا.
وفائدته قوله: (ولا علمنا له قاتلا) مع أن شهادة أهل المحلة بالقتل على واحد منهم أو على غيرهم مردودة أن يقر الحالف على عبده فيقبل إقراره أو يقر على غيره من غير أهل المحلة فيصدقه ولي المقتول فيسقط الحكم على أهل المحلة.
منح ملخصا.
وسيأتي أنه لو كان أحدهم قال قتله زيد يقول في حلفه لا علمت له قاتلا غير زيد.
قوله: (وقال الشافعي الخ) اللوث: أن يكون علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة، أو يشهد عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه.
وحاصل مذهبه: أنه إن وجد ظاهر يشهد للمدعي: فإن حلف أنهم قتلوه خطى فله الدية عليهم،
__________
(1) قوله: (وقال فليراجع) نقل مولانا على الحانوتي ما يفيد أن للامام الدعوى والتخيير مستدلا عليه بملكه القصاص في قتل من لاولي له عمدا قال فإن من ملك القصاص ملك القسامة بالاولى، لكونه أنزل منه وأيضا من لاولى له يكون ميراثه لبيت المال فالامام يكون مدعيا ملا لبيت المال وله لك جزما اه.(1/202)
أو عمدا فالقصاص في قول والدية في قول، فإن نكل عن اليمين حلفوا، فإن حلفوا لا شئ عليهم، وإلا فعليهم القصاص في قول والدية في قول وإن لم يكن الظاهر شاهد للمدعي حلف أهل المحلة على ما قلنا، فحيث لا لوث فقوله كقولنا.
والاختلاف في موضعين: أحدهما: أن المدعي لا يحلف عندنا، وعنده يحلف.
والثاني: براءة أهل المحلة من اليمين اه من الكفاية وغيرها، وبيان الادلة في المطولات، واللوث بفتح اللام وسكون الواو والثاء المثلثة كما ضبطه ابن الملقن في لغات المنهاج.
قوله: (وقضى مالك بالقود) أي على واحد يختاره المدعي للقتل من بين المدعى عليهم.
غرر الافكار.
قوله: (كما في شرح المجمع) وكذا في غرر الافكار والشرنبلالية عن البرهان معزيا للذخيرة والخانية أيضا.
قوله: (ونقل ابن الكمال الخ) استدراك على ما تقدم، فإن ابن الكمال لم يفصل بين العمد
والخطأ، بل قال: ثم قضى على أهلها بديته وتتحملها العاقلة، لانه ذكر في المبسوط الخ.
ثم فرق ابن الكمال بين العمد والخطأ في المسألة الآتية كما سيذكره الشارح عنه، فدل على أنه أراد الاطلاق هنا، وكذا أطلق شراح الهداية وجوبها على العاقلة.
وقال في النهاية وغيرها: وفي المبسوط: ثم يقضي بالدية على عاقلة أهل المحلة في ثلاث سنين، لان حالهم هنا دون حال من باشر القتل خطأ، وإذا كانت الدية هناك على عاقلته في ثلاث سنين فهاهنا أولى.
وفي ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة والدية على عواقلهم، وعلى قول زفر كلاهما على العاقلة اه ملخصا.
قلت: ووجه الاولوية أن الموجود هنا مجرد دعوى إذ لم يثبت أن أهل المحلة قتلوه، فهو أدنى حالا من حال من باشر القتل الخطأ عيانا فتتمله العاقلة بالاولى، وإن كان الدعوى بقتل العمد لما قلنا من عدم الثبوت، فلا ينافي أن العواقل لا تعقل العمد، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، هذا، وعبارات المتون مطلقة في أن القسامة والدية على أهل المحلة، فلا بد من تخصيصها بدعوى العمد كما فعل المصنف، أو تقدير مضاف: أي على عاقلتهم كما فعل شراح الهداية، ولا يخفى أن القاتل كواحد من العاقلة، فيحتمل معهم كما سيأتي في محله، فكذا هنا، ولذا قال في البزازية عن شيخ الاسلام: إن القسامة عليهم والدية على عاقلتهم وعليهم، لان أهل المحلة قتلوا حكما فيكون كما لو قتلوا حقيقة.
قوله: (أي في ثلاث سنين) أتى بلفظ أي لان ابن الكمال لنم يذكره، لكنه مذكور في المبسوط.
قوله: (وكذا قيمة القن) أي إذا وجد في غير ملك سيده كما قدمناه ويأتي.
قوله: (وإن أراد الولي تكراره) أي على بعضهم كأن اختار الصلحاء منهم مثلا ولا يتمون خمسين لا يكرر عليهم، بل يختار تمام الخمسين من الباقين.
أفاده الاتقاني.
قوله: (حتى يحلف) أي أو يقر فيلزمه ما أقر به، وإنما لم(1/203)
يحكم بمجرد النكول، لان اليمين هنا نفس الحق تعظيما لامر الدم لا بدل عن الدية ولذا يجمع بينهما، بخلاف اليمين في دعوى المال لانها بدل عنه ولذا تسقط بالاداء.
إتقاني ملخصا.
وهذا إذا لم يدع على معين من غير أهل المحلة وإلا فسيأتي حكمه.
قوله: (على الوجه المذكور هنا) وهو بالله ما قتله الخ.
قوله: (هذا) أي الحبس بالنكول.
قوله: (أما في الخطأ الخ) أي لان موجبه المال، فيقضي به عند النكول وهذا مخالف لمقتضى التعليل الذي ذكرناه قريبا، تأمل.
قوله: (معزيا للخانية) أقول: هذا مذكور في الذخيرة وذكر عبارتها في المنح وعزاه القهستاني إلى المجتبى والكرماني وغيرهما.
وأما الذي رأيته في الخانية فهو قوله: فإن امتنعوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا اه.
ولم يفرق بين العمد والخطأ وهو ظاهر المتون.
قوله: (أو عبده) أي في الخطأ.
أما العمد الموجب للقصاص قد تقدم عدم قبوله على عبده.
سائحاني.
قوله: (ولو على غيره) أي وليس في محلته كما قدمناه عن المنح ويعلم مما يأتي.
قوله: (سقط التحليف الخ) وكذا في إقراره على نفسه أو عبده، فلو قال: ولو أقر على نفسه أو عبده أو غيره من غير محلته وصدقه وليه سقط التحليف عن أهل محلته لكان أحسن.
قوله: (ولا قسامة على صبي الخ) لانهم ليسوا من أهل النصرة وإنما هم أتباع، والنصرة لا تكون بالاتباع واليمين على أهل النصرة، لان الصبي والمجنون ليسا من أهل القول الصحيح واليمين قول اه.
زيلعي.
أقول: والمراد أنهم لا يدخلون مع أهل المحلة في قسامة قتيلها، فلا ينافي ما سيأني متنا من وجوب القسامة على المرأة لو وجد القتيل في قرية لها، ولا ما ذكره الطوري عن البدائع من وجوبها على مكاتب وجد القتيل في داره، وإن حلف يجب الاقل من قيمته ومن الدية اه.
وإما لو وجد في دار المأذون ففي الولوالجية: أن الاستحسان أن تجب القسامة على المولى، ويخير بين الدفع والفداء لان العبد لو أقر بالجناية الخطأ لا يصح إقراره فلا يحلف اه.
قوله: (وأنه مات حتف أنفه) الواو للحال فالهمزة مكسورة والضمير للميت الذي لا أثر به اه ح.
قوله: (والغرامة) أي الدية تتبع فعل العبد: أي ولم يوجد فعله، وكذا القسامة إنما تجب على أهل المحلة لاحتمال القتل منهم ولم يحتمل لعدم أثره فلا تجب.
إتقاني.
قوله: (أو يسيل دم) عطف على لا أثر به اه ح.
قوله: (من فمه) كذا في الهداية وغيرها، وذكر في الذخيرة: إن هذا إذا نزل من الرأس، فإن علا من الجوف فقتيل.
قهستاني وإتقاني عن فخر الاسلام.
قوله: (بلا فعل أحد) فإنه قد يخرج من الفم أو الانف لرعاف، ومن الدبر لعلة في الباطن أو أكل ما لا يوافق، ومن الاحليل لعرق انفجر في الباطن، أو ضعف الكلى أو الكبد، أو شدة
الخوف.
أفاده الاتقاني.
وعلم منه أنه بالاولى: لو علم موته بحرق أو سقوط من سطح أو في ماء بلا فعل أحد فلا قسامة ولا دية، لان الشرط أن لا يحال القتل على سبب ظاهر قوي يمنع وجوبهما كما في الخيرية.
قوله: (بخلاف الاذن والعين) فإنه دلالة القتل ظاهرا، لانه لا يخرج منهما عادة إلا بفعل(1/204)
حادث.
إتقاني.
قوله: (أو نصف منه) بالجر عطفا على ميت كما إشار إليه الشارح.
أفاده ح.
قوله: (ولو معه) أي مع الاقل.
قوله: (لما مر) من قوله: لئلا يؤدي لتكرار القسامة في قتيل واحد.
قوله: (وجبت القسامة والدية) أي على أهل المحلة، لان الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا، وإن كان ناقص الخلق فلا شئ عليهم لانه ينفصل ميتا.
هداية.
قوله، (وفي الظهيرية) ما يخالفه ونصها: والجنين إذا وجد قتيلا في المحلة فلا قسامة ولا دية اه.
أقول: والاول هو المذكور في الشروح والهداية والملتقى والوقاية والدرر وغيرها.
قوله: (كان إبراء منه لاهل المحلة) لانهم لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل فيهم، بل بدعوى الولي، فإذا ادعى على غيرهم امتنع دعواه عليهم لفقد شرطه اه.
ط عن الشمني.
وكالمحلة الملك كما سنذكره عن التاترخانية.
قوله: (وسقطت القسامة عنهم) وكذا لو ادعى أحد الاولياء ذلك وباقيهم حاضر ساكت، ولو غائبا لا ما لم يكن المدعي وكيلا عنه فيها، ولو قال أحدهم قتله زيد وآخر عمرو وآخر قال لا أعرفه، فلا تكاذب وسقطت سائحاني عن الزاهدي.
ولم يذكر حكم المدعى عليه وبيانه ما ذكره الاتقاني أنه إن برهن الولي فيها وإلا استحلف المدعى عليه يمينا واحدة، فإن حلف برئ، وإلا فإن كانت الدعوى في المال: أي القتل خطأ ثبت، وإن في القصاص حبس حتى يقر أو يحلف أو يموت جوعا عنده وقالا: يلزمه الارش اه، ملخصا.
وتمامه فيه.
قوله: (لا تسقط) أي في ظاهر الرواية، مواهب، لان الشارع أوجبها ابتداء على أهل المحلة، فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ما شرعه الشارع، فتثبت القسامة والدية على أهل المحلة.
كفاية.
قوله: (وقيل: تسقط) وهو رواية عن أبي يوسف في غير رواية الاصول: أن القسامة والدية تسقط عن الباقين من أهل المحلة، ويقال: للولي ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة.
وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة مثله.
زيلعي.
قوله: (فديته على عاقلته) أي تجب القسامة، فإذا حلف فالدية على عاقلته.
ثم من المشايخ من قال: إن هذا أعم من أن
يكون للدابة مالك معروف أو لم يكن منه إطلاق الكتاب.
ومنهم من قال: إن كان لها مالك فعليه القسامة والدية.
قهستاني.
وعلى الاول مشى المصنف حيث قال: وإن لم تكن ملكا لهم، وحينئذ فالفرق بين الدابة والدار حيث تجب الدية على مالكها دون ساكنها، كما سيأتي أن الدار لا تنقطع يد ملكها عنها في الرأي والتدبير وإن أجرها، بخلاف الدابة فإن التصرف فيها لذي اليد.
قوله: (لانه في يده) الضمير الاول للقتيل والثاني للسائق، وكذا قوله: قصار كأنه في داره.
قوله: (فالدية عليهم جميعا) أي على عواقلهم والقسامة عليهم.
عناية.
قوله: (وإن لم تكن ملكا لهم) إن وصيلة: أي سواء كانت ملكا لهم أو لا، ولينظر فيما لو كان المالك أحدهم بأن كان هو السائق مثلا والقائد أو الراكب(1/205)
أجنبي أو بالعكس، والاطلاق يشمل هذه الصورة، ويدل عليه ما ذكره الاتقاني: لو وجد القتيل في سفينة فالدية على من فيها من مالك وراكب لانها تنقل وتحول فالضمان فيها بثبوت اليد لا بالنصرة كالدابة اه أفاده سعدي.
قوله: (عملا بيدهم) إشارة إلى الفرق المار بين الدابة والدار.
قوله: (وقيل: لا يجب على السائق الخ) هذا لا يخص السائق، فينبغي أن يكون القائد والراكب مثله، ويشير إليه ما في الحموي عن الرمز: حملوا جنازة ظاهرة فإذا هو قتيل لا شئ فيه، أبو السعود.
قوله: (وبه جزم في الجوهرة) لكن في الكفاية أنه رواية عن أبي يوسف في غير رواية الاصول.
قوله: (وإن مرت دابة) أي ولم يكن معها أحد مسكين، إذ لو معها سائق أو نحوه فقد مر آنفا.
قوله: (أو قبيلتين) أو سكتين أو محلتين.
قهستاني.
قوله: (فعلى أقربهما) أي من القتيل، وهذا إذا كان في موضع لا يكون مملوكا لاحد، وإلا فعلى مالكه.
قهستاني ويأتي قريبا.
وقال: وفيه إشعار بأنه لو وجد بين أرض قرية وبيوت قرية فعلى الاقرب.
قوله: (ولو استويا فعليهما) فلو كان في إحدى القريتين ألف رجل وفي الاخرى أقل، فالدية على القريتين نصفان بلا خلاف.
ط عن الهندية.
أقول: وقد علمت أن من الشروط الدعوى من الولي، فإذا ادعى على إحداهما دون الاخرى كيف الحكم؟ والذي يظهر لي بحثا أنه لو ادعى على إحدى المستويتين لا تسقط القسامة عن الاخرى لان الوجوب عليها، فهو كما لو ادعى على معين من أهل محله، وأما لو ادعى على البعدي فهو إبراء
منه للقربى، لان أصل الوجوب عليها وحدها، كما لو ادعى على واحد من غير أهل المحلة، ليراجع.
قوله: (وقيد الدابة اتفاقي) فالحكم كذلك لو وجد طريحا بينهما ط.
قوله: (بشرط سماع الصوت منهم) عبر عنه الزيلعي وصاحب الهداية بقيل، لكن جزم به في الخانية والولجية وتبعهما ابن كمال وصاحب الدرر، وجعله متنا كالمصنف، وكذا في المواهب ووجهه ظاهر، ومفاد أنه إن لم يسمع منه الصوت فدمه هدر، لكن هذا إذا لم يكن المكان مملوكا أو عليه يد خاصة أو عامة كما يأتي تقريره.
قوله: (هكذا عبارة الزيلعي) أي على ما في بعض النسخ، وفي بعضها مثل ما في الدرر، ويمكن إرجاع الكل إلى معنى واحد، فقوله: منهم صلة سماع، وقوله: منه حال من الصوت، وهو معنى ما في الكافي، على أن الغالب أنه إذا كان بحيث يسمعون صوته فهو يسمع صوتهم، لكن لما كان مدار الضمان على نسبة التقصير إليهم بعدم إغاثته كان الملحوظ سماعهم صوته لا بالعكس، فأورد الشارح عبارة الدرر وغيرها لبيان المراد في كلام المصنف، فتدبر.
قوله: (لا يسمعون) كذا فيما رأيت(1/206)
من النسخ، والصواب إسقاط لا ليناسب التعليل.
قوله: (وكذا لو موقوفا على أرباب معلومين) أي تجب القسامة والدية عليهم كما سيأتي.
قوله: (على أرباب معلومين) خرج به غير المعلومين كالموقوف على الفقراء والمساكين، فالدية في بيت المال كما سيأتي عن المصنف بحثا.
قوله: (لان العبرة للملك والولاية) فيه أن الولاية في الوقت لواقفه أو لمن جعلها له لا للموقوف عليهم.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذا كانت الدية في المملوك والموقوف الخاص على أربابه، فلا عبرة للقرب المشروط بسماع الصوت إلا في مباح لا ملك عليه لاحد ولا يد: أي يد خصوص، ودخل تحت ذلك المباح شيئان.
المفازة التي لا ينتفع بها أحد، والفلاة المنتفع بها التي في أدي المسلمين، ففيهما يعتبر للقرب بأن ينظر إلى أقرب موضع يسمع منه الصوت فتجب القسامة على أهله، فإن لم يسمع منه الصوت: فإن كان في أيدي المسلمين فالدية في بيت المال كما يذكره المصنف قريبا، وإلا فهدر كما فهم من قول المصنف بشرط سماع الصوت كما قررناه، وهذا ما نقله ط عن الهندية عن المحيط من أن القتيل إذا وجد في فلاة:
فإن مملوكة فالقسامة والدية على المالك وقبيلته، وإلا فإن كان يسمع من الصوت من مصر: أي مثلا فعليهم القسامة، وإلا فإن للمسلمين فيه منفعة الاحتطاب والاحتشاش والكلا فالدية في بيت المال، وإلا فدمه هدر ا ه ملخصا.
وعلى هذا فقول الخانية: ولو في موضع مباح إلا في أيدي المسلمين فالدية في بيت المال محمول على ما إذا لم يكن بقربه مصر أو قرية يستمع منه الصوت، بدليل أنه في الخانية جزم باشتراط السماع أولا كما قدمناه عنه.
والحاصل: أن المعتبر أولا هو الملك واليد الخاصة، ثم القرب، ثم اليد العامة.
تنبيه: قال في التاترخانية: وإن لم تكن الارض ملكا وكان يسمع منه الصوت فعلى أقرب القبائل من المصر إلى ذلك الموضع اه.
فأفاد أن القسامة ليست على جميع أهل المصر بل على أقرب قبيلة منها إلى ذلك الموضع، فليحفظ.
قوله: (ولو الجماعة يحصون) أي لو كان لواحد أو لجماعة يحصون كالموقوف على معلومين.
قوله: (لكن سيجئ) أي في المتن قريبا.
قوله: (فتأمل) أشار به إلى إمكان الجمع بأن يحمل قول البدائع: ولا دية على أحد: أي من الناس اه ح: أي فلا ينافي في وجوبها في بيت المال.
ولكن هذا حيث لا قرب، وإلا فالوجوب على من يسمع الصوت كما علمت.
قوله: (فليحرر) أقول: تحريره أن فيه خلافا، فإن ما عزاه القهستاني إلى الكرماني من أنه ليس على الغاصب دية هو المذكور في شروح الهداية عند قوله الاتي: وإن بيعت ولم نقبض وقال الزيلعي هناك: بخلاف(1/207)
ما إذا كانت الدار وديعة: أي حيث يضمن المالك، لان هذا الضمان ضمان ترك الحفظ، وهو إنما يجب على من كان قادرا على الحفظ، وهو من له أصالة لا يد نيابة، ويد المودع يد نيابة، وكذا المستعير والمرتهن، وكذا الغاصب لان يده يد أمانة لان العقار لا يضمن بالغصب عندنا.
ذكره في النهاية.
وذكر في الهداية ما يدل على أن الضمان على الغاصب اه: أي بناء على القول بأن الغصب يتحقق في العقار، ورجحه غير واحد من أئمتنا.
منح.
قوله: (وإن مباحا الخ) أي ولا يسمع منه الصوت كما قدمناه.
قوله: (لما ذكرنا الخ) هذا ذكره الولوالجي تعليلا لقوله قبله: وإنما تجب الدية
والقسامة على أقرب القريتين إذا كان يحال يسمع منه الصوت لكنه فصل بين التعليل والمعلل بما ذكره المصنف متنا من قوله: ويراعي حال المكان الخ فظن الشارح أنه تعليل لذلك، وليس كذلك لما علمت من أن محل الوجوب هنا على بيت المال إذا كان بعيدا عن العمران لا يسمع منه الصوت.
قوله: (ليس بصاحب الارض منها) مفهومه أنه لو كان منها دخلوا معه إذا كانوا عاقلته.
تأمل.
قوله: (فهذا صريح الخ) لا حاجة إليه مع ما قدمه من قوله: وحينئذ فلا عبرة للقرب ط.
قوله: (لان تدبيره الخ) علة لمحذوف تقديره: وإلا فعلى المالك وذي الولاية لان الخ ط.
قوله: (فعليه القسامة) فتكرر عليه الايمان.
ولوالجية.
ولو الدار مغلقة لا أحد فيها.
طوري.
وهذا إذا ادعى ولي القتيل القتل على صاحب الدار فلو ادعى على آخر فلا قسامة ولا دية على رب الدار.
تاترخانية.
قوله: (ولو عاقلته حضورا) أيس في بلده كما في الشرنبلالية عن البرهان.
قوله: (خلافا لابي يوسف) حيث قال: لا يدخلون معه لانه لا ولاية لغيره على داره، ولهما: أنه لما اجتمعوا للحفظ والتناصر ثبت لهم ولاية حفظ الدار بحفظ صاحبها، بخلاف ما إذا كانوا غيبا.
ولوالجية.
قوله: (أي الدية والقسامة) الاولى الاقتصار على القسامة مراعاة لافراد الضمير، لان الدية على عاقلة أهل الخطة كما في العناية وغيرها.
وفي الشرنبلالية: ينبغي التفصيل كما تقدم في المحلة فتجب الدية في دعوى العمد عليهم وفي الخطى على هاقلتهم اه.
واعترضه أبو السعود بأنص التفصيل خلاف ظاهر الرواية كما مر.
قوله: (على أهل الخطة) بالكسر هي ما أخطه الامام: أي أفرزه وميزه من أراض وأعطاه لاحد كما في الطلبة.
قهستاني.
قوله: (دون السكان) كالمستأجرين والمستعيرين فالقسامة على أربابها وإن كانوا غيبا.
تاترخانية.
وكالمشترين الذي يملكون بالهبة أو المهر أو الوصية، أو غيره من أسباب الملك وإن كانوا يقبضونها.
قهستاني.
قوله: (فإن باع كلهم فعلى المشترين) أي دون السكان.(1/208)
والحاصل: أنه إذا كان في محله أملاك قديمة وحديثة وسكان القسامة على القديمة دون أخويها، لانه إنما يكون ولاية تدبير المحلة إليهم، وإذا كان فيها أملاك حديثة وسكان فعلى الحديثة، وإذا كان سكان فلا شئ عليهم، وهذا كله عندهما.
وأما عند أبي يوسف: فالثلاثة سواء في وجوب القسامة.
وتمامه في شرح الطحاوي.
قيل: هذا في عرفهم، وأما في عرفنا فعلى المشترين لان التدبير إليهم كما أشير إليه في الكرماني.
قهستاني.
وقيد بالمحلة لانه لو وجد قتيل في دار بين مشتر وذي خطة فإنهما متساويان في القسامة والدية والاجماع.
وتمامه في العناية.
قوله: (فهي في عدد الرؤوس) فإن كان نصفها لزيد وعشرها لعمرو والباقي لبكر، فالقسامة عليهم والدية على عاقلتهم أثلاثا متساوية، لان صاحب القليل والكثير سواء في الحفظ والتدبير، وكذا لو وجد في نهر مشترك.
قهستاني.
قوله: (فعلى عاقلة البائع) أي فالدية على عاقلة البائع، هكذا قاله الشراح.
وفي المنح: أي الدية والقسامة اه.
أقول: الظاهر أنه يجري فيه التفصيل المار، وهو أن العاقلة إن كانوا حضورا دخلوا معه في القسامة، وإلا فلا.
تأمل.
قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: إن لم يكن فيه خيار فعلى عاقلة المشتري، وإن كان فعلى عاقلة من يصير له سواء كان الخيار للبائع أو المشتري.
ابن كمال.
فالحاصل: أنه اعتبر اليد وهما اعتبرا الملك إن وجد وإلا توقف على قرار الملك.
كفاية.
قوله: (ولا تعقل عاقلة الخ) أي إذا أنكرت العاقلة كون الدار لذي اليد وقالوا أنها وديعة أو مستعارة أو مستأجرة.
عناية.
قوله: (ولا يكفي مجرد اليد) لان الظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق ويصلح للدفع.
قوله: (حتى لو كان به) أي بمجرد اليد اه ح.
قوله: (ولا نفسه) بالرفع عطفا على عاقلته فافهم.
قوله: (درر الخ) عبارة الدرر: وتدي عاقلته إذا ثبت أنها له بالحجة، وهذا إذا كان له عاقلة، وإلا فعليه كما مر مرارا لا بمجرد اليد، حتى لو كان به لا تدي عاقلته ولا نفسه اه.
فقوله: ولا نفسه معناه: ولا يدي هو حيث لا عاقلة له.
والحاصل: أنه إذا كانت دار في يد رجل ووجد فيها قتيل، سواء كان القتيل ذا اليد أو غيره فلا تجب بمجرد اليد دية القتيل في الصورتين: لا على عاقلة ذي اليد إن كان له عاقلة، ولا على نفسه إن لم يكن له عاقلة، وإنما تجب الدية إذا ثبت أنها لذي اليد، فإذا ثبت أنها له فإن كان القتيل غيره، فالدية على عاقلة رب الدار أو على نفسه إن لم تكن له عاقلة، وإن كان القتيل هو رب الدار، فهي مسألة خلافية سيذكرها المصنف بعد فعند الامام ديته على عاقلة ورثته، وعندهما: لا شئ فيه لانه لا يمكن
الايجاب على الورثة للورثة.
وللامام: أن الدية للمقتول والورثة يخلفونه، فالايجاب عليهم له لا لهم، لكن يرد عليه أنه إذا لتكن له عاقلة ولا لورثته لا يدي هو لنفسه، فلا يدي له غيره فالاولى.
هذا تقرير مراد الشارح في هذا المحل، ولكن تعبيره عنه غير محرر، فتدبر.
ويأتي تمام الكلام على المسألة(1/209)
الخلافية في محله.
قوله: (فالقسامة والدية الخ) الظاهر أن الدية (1) إنما وجبت أيضا عليهم لا على عاقلتهم لعدم حضور العاقلة فلا يتأتى التفصيل المار في الدار.
تأمل.
قوله: (على من فيها الخ) يشمل أربابها حتى تجب على الارباب الذين فيها وعلى السكان، وكذا على من يمدها، والمالك في ذلك وغير المالم سواء، هداية.
قوله: (اتفاقا الخ) هذا على ما روي عن أبي يوسف ظاهر، لانه يجعل السكان والملاك في القتيل الموجود في المحلة سواء، فكذا هنا، وأما عندهما: ففي المحلة السكان لا يشاركون الملاك، لان تدبير المحلة إلى الملاك دون السكان، وفي السفينة هم في تدبيرها سواء، لانها تنقل فالمعتبر فيها اليد دون الملك كدالدبة وهم في اليد عليها سواء، بخلاف المحلة والدار لانها لا تنقل.
كفاية.
قوله: (وفي مسجد محلة) ومثله مسجد القبيلة.
قال في التاترخانية عن المنتقى: إن كان في مسجد لقبيلة فهو على عاقلة القبيلة، وإن كان لا يعلم لمن المسجد وإنما يصلي فيه غرباء: فإن كان يعلم الذي اشتراه وبناه كان على عاقلته القسامة والدية، وإن كان لا يعرف الذي بناه على أقرب الدور منه، وإن كان في درب غير نافذ ومصلاه واحد كان على عاقلة أصحاب الدور الذين في الدرب، وإذا وجد القتيل في قبيلة فيها عدة مساجد فهو على القبيلة، وإن لم تكن قبيلة فهو على أصحاب المحلة وأهل كل مسجد محلته اه.
قوله: (الخاص بأهلها) وهو غير نافذ كما يعلم من قوله في (الشارع أن الاعظم هو النافذ).
قوله: (وقد حققه ابن كمال الخ) اعلم أن منلا خسرو رحمه الله تعالى قسم في الدور الطريق إلى قسمين: خاص: وهو غير النافذ، وعام: وهو النافذ.
وهو قسمان أيضا: شارع المحلة، وهو ما يكون المرور فيه أكثريا لاهلها وقد يكون لغيرهم أيضا، وللشارع الاعظم: وهو ما يكون مرور جميع الطوائف فيه على السوية، وأقره المصنف في المنح ونازعه ابن كمال وكذا الشرنبلالي بأنه غير مسلم بل الحمل الصحيح أن يراد بشارع المحلة الخاص بأهلها، وهو ما ليس نافذ الآن لزوم
القسامة والدية باعتبار ترك التدبير والحفظ، ولا يكون إلا مع الخصوص بالتصرف في المحل، ولذا قال في البدائع: ولا قسامة في قتيل يوجد في مسجد الجامع ولا في شوارع العامة وجسورها، لانه لم يوجد الملك ولا يد الخصوص اه.
وبه تعلم ما في قول الشارح وقد حققه منلاخسرو.
قوله: (والجامع) هذا إذا لم يعرف بانيه وإلا فالقسامة عليه، والدية على عاقلته.
قهستاني.
وفي التاترخانية عن المنتقى: وجد في المسجد الجامع ولا يدري قاتله، أو زحمة الناس يوم الجمعة فقتلوه ولا يدري من هو، فعلى بيت المال، كما يكون على أهل المحلة لو وجد فيها، وكذلك لو قتله
__________
(1) قوله: (الظاهر أن الدية) لعل صوابه القسامة بدليل التعليل فإن أحدا لم يشترط للايجاب على العاقلة حضورهم بل الذي اشترط فيه الحضور إنما هو القسامة كما مر في مسألة الدار اه تأمل.(1/210)
رجل بالسيف ولا يدري من هو فعلى بيت المال.
قوله: (لا قسامة) لان هذا أمر يقع في الليل عادة ولا يكون هناك أحد يحفظه، والقسامة تجري في موضع يتوهم وجود من يعرف قاتله.
أفاده الاتقاني.
قوله: (وإنما الدية على بيت المال) وتؤخذ في ثلاث سنين، لان حكم الدية التأجبل كما في العاقلة، فكذلك غيرهم، ألا ترى أنها تؤخذ من مال المقر الخطأ في ثلاث سنين اه.
اختيار.
قوله: (لان الغرم بالغنم) أي لما كان عامة المسلمين هم المنتفعون بالمسجد الجامع والسجن والشارع الاعظم كان الغرم عليهم فيدفع من مالهم الموضوع لهم في بيته ط.
قوله: (فيما ذكر) يشمل الشارع الاعظم والسجن والجامع، والذي رأيته في شروح الهداية ذكر هذا القيد: أعني قوله: إذا كان نائيا في السوق الغير المملوك، والظاهر الاطلاق لما تقدم من أنه لو وجد في فلاة غير مملوكة فالمعتبر القرب، لكن في الطوري عن الملتقى ولو وجد القتيل في المسجد الحرام من غير زحام الناس، فالدية في بيت المال من غير قسامة اه.
فإن المسجد الحرام غير ناء عن المحلات، وكذا السجن عادة.
فليتأمل.
قوله: (بل قريبا منها) الظاهر أن المعتبر في سماع الصوت.
قوله: (وكذا في السوق النائي الخ) استثناء في المعنى من قوله: إذا كان نائيا أي أن الدية على بيت المال في السوق النائي إلا إذا كان فيها من يسكنها ليلا الخ، وأفاد أنه لا عبرة بسكنى النهار.
تأمل.
والسوق مؤنثة وتذكر كما في القاموس.
قوله: (موجب
التقصير) بفتح الجيم هو القسامة والدية ط.
قوله: (معزيا للنهاية) وعزاه فيها إلى مبسوط فخر الاسلام، ومثله في الكفاية والمعراج، وعزاه الاتقاني إلى شرح الكافي.
قوله: (قلت: وبه) أي بما في المتن من الوجوب على أقرب المحلات.
أقول: وهو الموافق لما تقدم تقريره من أن المعتبر أولا الملك واليد الخاصة ثم القرب ثم اليد العامة.
قوله: (في برية) أي غير مملوكة ولا قريبة من قرية أو نحوها كما يعلم مما بعده وغير منتفع بها لعامة المسملين، وإلا فعلى بيت المال كما مر.
قوله: (أو وسط الفرات) ليس بقيد، بل المراد مروره في نهر كبير احترازا عن الصغير، وعما لو كان محتبسا في الشط أو مربوطا أو ملقى على الشط.
أفاده ابن كمال وغيره.
ويعلم مما بعد.
قوله: (ابن كمال) (1) وتمام عبارته بخلاف ما إذا كان موضع انبعاثه في دار
__________
(1) قوله: (امحشي قوله وقد حققه ابن كمال) لعل صوابه كما أفاده ابن كمال إلخ إي كما يدل عليه كلامه آخر القولة فليفهم.(1/211)
الحرب، لانه يحتمل أن يكون قتيل أهل الحرب اه.
وعزاه إلى الكرخي جازما به، ولم يعبر عنه بقيل كما فعل الشارح، وكذا جزم به القهستاني، وعزاه شرح الهداية إلى مبسوط شيخ الاسلام وغيره.
لكن قال العلامة الاتقاني: إنه ليس بشئ لانه خلاف ما نص عليه محمد في الاصل والجامع الصغير والطحاوي وغيره، حيث لم يعتبروا ذلك، ولان الفرات ونحوه ليس في ولاية أحد، فلم يلزم حفظه على أحد، وإلا لزم اعتبار ذلك في المفازة البعيدة أيضا، لانه قتيل المسملين لا محالة اه ملخصا.
قلت: والمراد بموضع انبعاثه موضع انفجاره ونبعه.
قوله: (على أهله) أي تجب القسامة والدية عليهم.
هداية: أي عاقلتهم.
إتقاني.
تأمل.
قوله: (أو وقفا لاحد) أي لارباب معلومين.
قوله: (فعلى أقرب المواضع الخ) عبارة الامام محمد كما نقله الاتقاني: فعلى أقرب القبائل إلى ذلك الموضع من المصر القسامة والدية اه.
والظاهر أن القرية كذلك لو فيها قبائل، وإلا فأقرب البيوت.
وفي البزازية: سئل محمد فيما وجد بين قريتين، هل القرب معتبر بالحيطان أو الاراضي؟ قال: الاراضي ليست في ملكهم، وإنما تنسب إليهم كما تنسب الصحارى فعلى أقربهما بيوتا اه.
قوله:
(والاراضي) أي المملوكة، لان حكمها حكم البينان يجب على أهلها حفظها وحفظ ما قرب إليها.
رحمتي.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يصل الصوت لا يجب على أهل الارض والقرى، بل ينظر: إن وجد القتيل في موضع ينتفع به العامة ففي بيت المال، وإلا فهدر كما مر.
قوله: (وإن التقى قوم بالسيوف الخ) هذا إذا اقتتلوا عصبية، وإلا فلا شئ فيه كما يأتي آخر الباب مع الفرق بينهما.
قوله: (على أولئك) أي القوم، وكان التعبير به كما في الملتقى أظهر.
قوله: (منهم) أي القوم.
قوله: (حتى يبرهن) أي بإقامة شاهدين من غير أهل المحلة لا منهم كما يأتي قريبا.
قوله: (لان بمجرد الخ) علة لقوله: ولا على أولئك.
قوله: (لان قوله حجة عليهم) لان دعواه تضمنت براءة أهل المحلة.
قوله: (حلف بالله الخ) يعني لا يسقط اليمين عنه بقوله قتله فلان، غاية ما في الباب أنه استثنى عن يمينه، وهذا لا ينافي أن يكون المقر شريكه في القتل، أو أن يكون غيره شريكا معه، فإذا كان كذلك يحلف على أنه ما قتله ولا عرف به قاتلا غير فلان.
عناية.
قوله: (ولا يقبل الخ) أشار إلى أنه ليست قائدة الاستثناء قبول قوله على زيد.
قوله: (بطل الخ) أي إذا ادعى الولي على رجل من غير أهل المحلة(1/212)
وشهد اثنان منهم عليه لم تقبل عنده، وقالا: تقبل لانهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطل ذلك بدعواه على غيرهم كالوكيل بالخصومة إذا عزل قبلها، وله أنهم جعلوا خصماء تقديرا لانزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم، فلا تقبل كالوصي إذا خرج من الوصاية ببلوغ الغلام أو بالعزل.
وتامه في العناية وغيرها.
وما لو ادعى الولي على واحد منهم بعينه، لم تقبل شهادتهما عليه إجماعا كما في الملتقى، لانص الخصومة قائمة مع الكل، لان القسامة لن تسقط عنهم.
قال في الخيرية: إلا في رواية ضعيفة عن أبي يوسف لا يعمل بها.
تنبيه: نقل الحموي عن المقدسي أنه قال: توقفت عن الفتوى بقول الامام، ومنعت من إشاعته لما يترتب عليه من الضرر العام، فإن من عرفه من المتمردين يتجاسر على قتل الانفس في المحلات الخالية من غير أهلها معتمدا على عدم قبول شهادتهم عليه حتى قلت: ينبغي الفتوى على قولهما، لا سيما والاحكام باختلاف الايام، وقد خبر المفتي إذا كان الصاحبان متفقين.
وتمامه في حاشية
الرحمتي، ونقله السائحاني.
أقول: لكن في تصحيح العلامة قاسم أن الصحيح قول الامام، على أن الضرر المذكور موجود في المسألة الثانية أيضا، وقد علمت الاتفاق فيها إلا في رواية ضعيفة.
نعم القلب يميل إلى ما ذكر، ولكن اتباه النقل أسلم.
قوله: (ومن جرح في حي) يعني: ولم يعلم الجارح، وإلا فلا قسامة بل فيه القصاص على الجارح أو الدية على عاقلته.
عناية.
قوله: (فبقي ذا فراش) أشار إلى أنه صار ذا فراش حين جرح، فلو كان صحيحا بحيث يجئ ويذهب فلا ضمان فيه بالاتفاق كما في العناية.
قوله: (فالدية والقسامة على ذلك الحي) لان الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص.
وتمامه في العناية.
قوله: (خلافا لابي يوسف) أي قال: لا ضمان ولا قسامة، لانص ما حصل في ذلك الحي ما دون النفس ولا قسامة فيه فصار كما إذا لم يكن ذا فراش.
شرنبلالية.
قوله: (فلو معه) أي مع رجل.
قوله: (به رمق) هو بقية الروح.
إتقاني.
فلو كان يذهب ويجئ فلا شئ فيه.
كفاية.
قوله: (فحمله آخر) صوابه إسقاط لفظة (آخر) (1).
وعبارة الملتقى: ولو مع الجريح رجل فحمل ومات في أهله فلا ضمان على الرجل عند أبي يوسف، وفي قياس قول الامام يضمن اه.
وقد صرح في الولوالجية بأن هذا بناء على ما إذا كان جريحا فيب قبيلة ثم مات في أهله اه.
وبه علم أن الكلام في الرجل الذي وجد في يده الجرح، فتدبر.
قوله: (يضمن) لان يده يمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها.
هداية.
فتجب القسامة عليه والدية على عاقلته، فكأنه حمله مقتولا.
إتقاني.
وقدم في
__________
(1) قوله: (صوابه إسقاط لفظة آخره) لان المعنى عليه وقد وجد جريح في يد رجل به رمق فحمله رجل آخر ثم مات وإذا كان كذلك لا يصح قوله وعلى قياس أبى حنيفة إلخ لان هذا الحلمل الثاني بمنزلة الحامل من المحملة وهو لا يضمن.
نعم قال شيخنا: قد ذكرت العبارة في كثير من المعتبرات ويبعد خطؤهم فينبغي أن يراد بالحامل هو من وجد الجريح فيي يده بدليل تعليل منلا خسرو بقوله لان بمنزلة المحلة والذي يقال فيه كذلك ليس إلا من وجد الجريح في يده وهو يسمى حاملا أيضا ومثله تعليل الهداية فحيث أمكن حملها على وجه صحيح لا يكون التصويب محل اه.(1/213)
الملتقى قول أبي يوسف كالشارح فظاهره اختياره.
قوله: (وفي رجلين) أي كانا في بيت كما في
الهداية.
قال الرملي: وفي امرأتين وامرأة ورجل كذلك، وإذا لم يكن معه أحد فالقسامة والدية على عاقلة المالك اه.
قوله: (بلا ثالث) إذ لو كان معهما ثالث يقع الشك في القاتل فلا يتعين واحد منهما.
كفاية.
وقال الرملي: قيد به لانه لو وجد ثالث كان كالدار اه، فتجب على المالك.
أقول: ومفاد (2) هذه المسألة تقييد ما مر من قوله: (وإذا وجد في دار إنسان فعليه القسامة الخ) بما إذا لم يكن مع القتيل رجل آخر، وكذا قوله قبله: وإن وجد في مكان مملوك فعلى الملاك وإلا فكان الظاهر هنا وجوب الضمان على صاحب البيت الذي في الرجلان، ولم أر من نبه على ذلك، فليتأمل.
ثم رأيت في الدر المنتقى بعد ذكره قول أبي يوسف وقول محمد قال: وفي قياس قول الامام تكون القسامة والدية على صاحب البيت اه.
ومثله في القهستاني، وبه زال الاشكال، لكن بقي أنه يقال: إنهم مشوا على قول الامام في المسائل المارة حيث اعتبروا الملاك، فلم مشى هنا في الهداية والملتقى وغيرهما على قول أبي يوسف، ولعله لعدم رواية عنه في هذه المسألة بدليل قوله: وفي قياس قول الامام، فتأمل.
قوله: (خلافا لمحمد) حيث قال: لا يضمن لانه يحتمل أنه قتل نفسه، ويحتمل أنه قتله الآخر، فلا يضمن بالشك.
هداية.
قال الرملي: يعني فالقسامة والدية على مالك البيت: أعني عاقلته تنبه اه.
وقدمنا أن هذا في قيام قول الامام، فتأمل.
وقال الرملي أيضا: وعندي أن قول محمد أقوى مدركا، إذ قد يقتله غير الثاني كثيرا ما وقع.
قوله: (وفي قتيل قرية) الاضافة على معنى في.
قوله: (وتدي عاقلتها) أي أقرب القبائل إليها نسبا لا جوارا.
إتقاني.
قوله: (في هذه المسألة) قيد به لان المرأة لا تدخل في العواقل في تحمل الدية في صورة من الصور على ما يجئ في المعاقل، وتدخل في هذه المسألة لانا جعلناها قاتلة، والقاتلة تشارك العاقلة، لانها لما وجبت على غير المباشر فعلى المباشر أولى، وموضنع المسألة فيما إذا وجد قتيل في دار المرأة في مصر ليس فيه من عشيرتها أحد، أما إذا كانت عشيرتها حضورا تدخل معها في القسامة اه.
كفاية.
قوله: (وإن وجد قتيل الخ) هذا في الحر، أما المكاتب إذا وجد قتيلا في دار نفسه فهدر اتفاقا، لان حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه، لان الكتابة لا تنفسخ إذا مات عن وفاء لجعل كأنه قتل نفسه فيها فهذر دمه.
عناية وغرر الافكار.
ثم
__________
(2) قوله: (ومفاده الخ) لا يظهر التقييد إلا لو كان أبو حنيفة يوجب الدية في هذه المسألة على من مع القتيل، وسيصرح
في آخر عبارته بأنه لا رواية عن الامام فيها، وقياس قوله وجوب الدية على صاحب البيت فهذا صريح في أن وجوب الدية على من مع القتيل ليس قول الامام، فلا يصح أن يكون تقييدا لمذهبه، ولا يصح أيضا أن تكون المسألة مفرعة على قول الثاني لما أنه يعتبر السكان قلوا أو كثروا فيضيع قوله بلا ثالث.
وأصل الخلاف في اعتبار الساكن وقال أبو حنيفة: لا يعتبر إلا المالك وقال الثاني: المعتبر الساكن نعم قال شيخنا هل الامام يعتبر المالك عند عدم التهمة الظاهرة فإذا وجدت التهمة الظاهرة يعتبر الساكن وهي لا توجد إذا كان مع القتيل واحد فقط ولا يدل في هذا قول المحشي وقياس قول أبي حنيفة إلخ تأمل اه.(1/214)
هذا حيث لم يعلم أن اللصوص قتلته، لما في البدائع من باب الشهيد في الجنائز: لو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غير فهو شهيد، لان القتيل لم يخلف بدلا هو مال اه.
قال في البحر هناك: وبهذا يعلم أن من قتله اللصوص في بيته ولم يعلم له قاتل معين منهم لعدم وجودهم فإنه لا قسامة ولا دية على أحد، لانهما لا يجبان إلا إذا لم يعلم القاتل، وهنا قد علم أن قاتله اللصوص، وإن لم يثبت عليهم لفرارهم، فليحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون اه.
أقول: ويشمل أيضا من قتله اللصوص في غير بيته، فتأمل.
قوله: (فالدية على عاقلة ورثته) وقيل: على عاقلته إذا اختلفت عاقلته وعاقلة ورثته، والاول أصح كما في الكفاية عن المبسوط.
قال في العناية: ولم يذكر القسامة في الاصل، فمنهم من قال: لا تجب، ومنهم من قال: تجب، واختاره المصنف اه: أي صاحب الهداية.
قوله: (وعندهما الخ) هو رواية عن الامام أيضا.
إتقاني.
قوله: (تبعا لما رجحه صدر الشريعة) حيث قال: والحق هذا لان الدار في يده حال ظهور القتل، فيجعل كأنه قتل نفسه فكان هدرا، وإن كانت الدار للورثة فالعاقلة إنما يتحملون الخ.
قال الرملي: وفي الحاوي القدسي: وبه: أي بقولهما نأخذ اه.
قوله: (وخالفهم ابن الكمال) حيث جزم في متنه بقول الامام، ولم يعرج على ما ذكره صدر الشريعة بل رد ما استند إليه بقوله لا يقال المشعر بالسقوط رأسا وكذا تبع الهداية وشروحها في تأخير دليل الامام المتضمن لنقض دليلهما مع دفع ما يرد عليه، وكيف لا والمتون على قوله؟ فافهم.
قوله: (ولا يمكن الايجاب على الورثة) أي نظرا إلى الاصل فإن ما لزم العاقلة ليس بطريق الايجاب عليهم ابتداء بل
بطريق التحمل وإنما أصل الايجاب على الورثة كما أفاده بقوله: إنما يتحملون الخ، وقيل: إنه على العاقلة ابتداء وهو خلاف الصحيح كما قدمناه في الجنايات في فصل في الفعلين.
قوله: (لان الايجاب ليس للورثة الخ) جواب قوله: لا يقال وفي هذا جواب عما ذكره الشارح قبل ورقة بقوله: وقد يقال لما كان هو لنفسه لا يدي فغيره بالاولى لقوة الشبهة اه.
فيقال: إذا كان الايجاب لنفسه أصالة فكيف يدي عنها؟ فلا شبهة أصلا.
قوله: (حتى تقضي منه الخ) أي من الواجب المفهوم من الايجاب، وأجاب الاتقاني أيضا بأن العاقلة أعم من أن تكون ورثة أو غير ورثة، فما وجب على غير الورثة من العاقلة يجب للورثة منهم، وهذا لان عاقلة الرجل أهل ديوانه عندنا اه.
قوله: (فتنبه) أي لوجه المخالفة.
الصدر الشريعة وغيره وهي ظاهرة.
قوله: (على أربابها) الظاهر أن الدية تتحملها عنهم العاقلة.
تأمل.
قوله: (فهو كما لو وجد فيه) فالموجود في وقف مسجد محله أو مسجد الجامع كالموجود فيهما، وحكمهما قد(1/215)
تقدم.
رملي.
قوله: (قاله المصنف بحثا) وأقره الرملي وقال: وقد تقرر أن مفهوم التصانيف حجة.
قوله: (ولو وجد في معسكر في فلاة) أحسن من قول الهداية في معسكر: أقاموا في فلاة، لان المعسكر بفتح الكاف منزل العسكر وهو الجند فكان حقه أن يقال: في عسكر كما قاله الاتقاني، أما هنا فيصح إرادة المكان.
قوله: (ففي الخيمة والفسطاط) أي فلو وجد القتيل في الخيمة والفسطاط وهو الخيمة العظيمة.
مغرب.
قوله: (على من يسكنهما) أي القسامة والدية لانهما في يده كما في الدار.
زيلعي.
قوله: (وفي خارجهما الخ) عبارة الزيلعي: وإن كان خارجا منها ينظر، فإن كانوا نزلوا قبائل متفرقين فعلى القبيلة التي وجد فيها القتيل الخ، فالمراد كون القتيل خارج الخيمة والفسطاط لا العسكر فابنه غير منظور إلى كونهم في الخارج أو الداخل، فقول الشارح تبعا للمنح والدر أي ساكنو خارجها فيه نظر، فتدبر.
قوله: (فعلى قبيلة الخ) لانهم لما نزلوا وقبائل قبائل في أماكن مختلفة صارت الامكنة بمنزلة المحال المختلفة في المصر.
زيلعي.
قوله: (كما مر بين القريتين) أي على أقربهما وإن استووا فعليهما.
زيلعي.
قوله: (مختلفين) أي مختلطين.
قوله: (فعلى كل العسكر) أي تجب غرامة ما وجد خارج الخيام عليهم كلهم.
زيلعي.
قوله: (فلا قسامة ولا دية) لان الظاهر أن العدو قتله حملا للمسلمين على الصلاح، بخلاف
المسألة المارة، وهي ما إذا اقتتل المسلمون عصبية فأجلوا عن قتيل، فليس فيها جهة الحمل على الصلاح، فبقي حال القتل مشكلا، فأوجبنا القسامة والدية على أهل ذلك المكان لورود النص بإضافة القتل إليهم عند الاشكال، وكان العمل بما ورد فيه النص أولى عند الاحتمال.
أفاده في العناية.
قوله: (لكن في الملتقى) استدراك على قوله: بالاجماع وفي الهداية كما في الملتقى، وهو المرافق لما مر عن أبي يوسف في المحلة والدار من أن السكان يشاركون الملاك، وعلى ما في الدرر يحتاج أبو يوسف إلى الفرق، وقد ذكره الزيلعي بأن نزول العسكر هنا، للارتحال، فلا يعتبر والنزول في الدار للقرار فيتعبر.
قوله: (وفيها) انظر ما مرجع الضمير فإني لم أر المسألة في الدرر ولا في الملتقى.
قوله: (وهي على عاقلتهم) وكذا الدية وهو ظاهر ط.
قوله: (فعليه) أي القسامة والدية.
ط عن الهندية.
والظاهر أن الدية تتحملها عنه عاقلته، وهل عليه الكل أو تقسم على الرؤوس كما مر في الدار المشتركة؟ يحرر.(1/216)
ثم رأيت في غاية البيان عن شرح الكافي أن القسامة على المدرك، وتكرر اليمين عليه لانه من أهل ذلك، وعلى أقرب القبائل منهم الدية في الوجهين، وتمامه فيها..قوله: (ولو تعاقلوا) أي أهل الذمة.
قوله: (فلا شئ فيها) أي لا غرامة ولا قسامة لورود النص في الآدمي على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره.
قوله: (في دار مولاه) أما في غير ملك مولاه فتجب القسامة والدية.
شرنبلالية.
وتؤخذ القيمة في ثلاث سنين كما قدمه الشارح.
قوله: (فقيمته على مولاه الخ) أي في ماله، لان حق الغرماء كان متعلقا بماليته وجعلناه كأنه أهلكه.
ولوالجية.
قوله: (على مولاه) أي دون العاقلة.
خانية.
قوله: (مؤجلة) أي في ثرث سنين تقضي منها كتابته ويحكم وما بقي يكون ميراثا عنه لورثته.
خانية.
قوله: (فعلى عاقلة المولى) أي الدية والقسامة.
ط عن الهندية.
قوله: (فالقسامة والدية على العاقلة) أي عاقلة رب الدار، وعبارة الخانية: ففي القسامة والدية على العاقلة، والظاهر أن قوله: والدية على العاقلة جملة مستأنفة، وأن القسامة على رب الدار إلا أن يحمل على أن عاقلته حاضرون، فتكون عليه وعليهم.
وفي الولوالجية: وإذا وجد الرجل قتيلا في دار الاب أو الاخ فالدية على عاقلته
وإن كان هو الوارث اه والله أعلم.(1/217)
كتاب المعاقل كذا ترجم في عامة المعتبرات، وفيه أنه إذا كانت جمع معلقة وهي الدية لزم التكرار، لان أقسام الديات مر مستوفى، والمقصود هنا بيان من تجب عليهم الدية بأنواعهم وأحكامهم وهم العاقلة، فالمناسب أن يترجم بالعواقل لانه جمع عاقلة.
طوري وشرنبلالية.
قوله: (جمع معقلة) كمكارم جمع مكرمة.
قوله: (لانها تعقل الدماء من أن تسفك) أو لان الابل كانت تعقل بفناء ولي المقتول، ثم عم هذا الاسم فسميت الدية معقلة، وإن كانت دراهم أو دنانير.
إتقاني.
قوله: (أي تمسكه) الاولى تمسكها، وفي بعض النسخ بدون ضمير.
قوله: (والعاقلة أهل الديوان) قال في المغرب: الديوان: الجريدة من دون الكتب إذا جمعها، لانها قطع من القراطيس مجموعة.
ويروى أن عمر أول من دون الدواوين: أي رتب الجرائد للولاة والقضاة، ويقال فلان من أهل الديوان: أي ممن أثبت اسمه في الجريدة اه.
وفي غاية البيان عن كافي الحاكم: بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه فرض المعاقل على أهل الديوان، وذلك لانه أول من فرض الديوان وجعل العقل فيه، وكان قبل ذلك على عشيرة الرجل في أموالهم ولم يكن ذلك منه تغييرا لحكم الشرع بل تقريرا له، لانه عرف أن عشيرته كانوا يتحملون بطريق النصرة، فلما كان التناصر بالرايات جعل العقل عليهم، حتى لا يجب على النسوان والصبيان لانه لا يحصل بهم التناصر اه.
وفي المعراج طعن بعض الملحدين وقال: لا جناية من العاقلة، فتكون في مال القاتل لقوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الاسراء: 15) قلنا: إيجابها عليهم مشهور ثبت بالاحاديث المشهورة، وعليه عمل الصحابة والتابعين، فيزاد به على الكتاب، على أن العاقلة يتحملون باعتبار تقصيرهم وتركهم حفظه ومراقبته، وخصوا بالضم لانه إنما قصر لقوته بأنصاره فكانوا هم المقصرين، وكانوا قبل الشرع يتحملون عنه تكرما واصطناعا بالمعروف، فالشرع قرر ذلك، وتوجد هذه العادة بين الناس،
فإن من لحقه خسران من سرقه أو حرق يجمعون له مالا لهذا المعنى اه ملخصا.
قوله: (وهم العسكر) أي المراد بهم هنا العسكر، قال في الدر المنتقى: فالنساء والذرية ممن لخ حظ في الديوان، كذا المجنون لا شئ عليهم من الدية.
واختلف في دخولهم لو باشروا القتل مع العاقلة في الغرامة، والصحيح أنهم يشاركون العاقلة كما في الشرنبلالية عن التبيين ا ه.
قوله: (لمن هو منهم) أي يعقلون لقاتل هو منهم.
قال في غرر الافكار: فإن كان غازيا فعاقلته من يرزق من ديوان الغزاة، وإن كان كاتبا فعاقلته من يرزق من ديوان الكتاب اه.
وقيده في الدر المنتقى كالقهستاني بكونه من أهل مصرهم لا من مصر آخر، وقيل: مطلقا.
قلت: وفي الهداية: ولا يعقل أهل مصر لاهل مصر آخر إذا كان لاهل مصر ديوان على وحدة وقال الاتقاني: وهذا إذا كان ديوان كل واحد من المصرين مختلفا لانه لم يوجد التناصر بينهما(1/218)
حينئذ، وأما إذا كان ديوانهما واحدا وكان الجاني من أهل ديوان ذلك المصر الآخر يعقل عنه أهل ذلك المصر.
قوله، (خرج ما انقلب مالا الخ) أي خرج القتل الذي انقلب موجبه إلى المال بعارض صلح أو شبهة فإنه لم يجب بنفس القتل فلا تتحمله العاقلة كما يأتي.
قوله: (فتؤخذ عن عطاياهم أو من أرزاقهم) أي لا من أصول أموالهم.
قال في الهداية: ولو كانت عاقلة رجل أصحاب الرزق يقضي بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين، لان الرزق في حقهم بمنزلة العطاء، ثم إن كانت تخرج أرزاقهم في كل سنة، فكلما خرج رزق يؤخذ منه اثلث بمنزلة العطاء، أو في كل ستة أشهر يؤخذ منه سدس الدية، أو في كل شهر يؤخذ بحصته من الشهر حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث، وإن كان لهم أرزاق في كل شهر وأعطية في كل سنة فرضت في الاعطية لانه أيسر، لان الاعطية أكثر والرزق لكفاية الوقت فتعسر الاداء منه اه.
قوله: (والفرق الخ) وقيل العطية: ما يفرض للمقاتل، والرزق: ما يجعل لفقراء المسلمين إذا لم يكونوا مقاتلين، ونظر فيه الاتقاني.
قوله: (في ثلاث سنين) اعلم أن الواجب إذا كان ثلث الدية أو أقل يجب في سنة واحدة، وما زاد
على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة.
هداية.
وفيها: ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبار للجزء بالكل.
قوله: (من وقت القضاء) أي بالدية لا من يوم القتل والجناية كما قال الشافعي.
غرر الافكار.
قوله: (فإن خرجت العطايا الخ) ذكر في المجمع ودرر البحار أنها تؤخذ في ثلاث سنين، سواء خرجت في أقل أو أكثر.
قال في غرر الافكار: لكن في الهداية وغيرها أنه إن أعطيت العطايا في ثلاث سنين مستقبلة بعد القضاء بالدية في سنة واحدة، أو في أربع سنين تؤخذ الدية كلها منها في سنة واحدة أو أربع سنين، لان وجوبها في العطاء للتخفيف، وذا حاصل في أي وقت أخذ، فعلى هذا كان المراد من ثلاث سنين أعطية، ولو اجتمعت عطايا سنين ماضية قبل القضاء بالدية ثم خرجت بعد القضاء لا تؤخذ منها، لان الوجوب بالقضاء اه.
أقول: فعلى هذا يفرق بين العطاء والرزق، فإن الرزق إذا خرج في أقل من ثلاث سنين يؤخذ بقدره كما قدمناه، فالسنين فيه على حقيقتها، بخلاف العطاء.
تأمل.
ثم رأيت التصريح بالفرق في المجتبى معلالا بأن الرزق لما كان مقدرا بالكفاية لزم الخرج بالاخذ منه في أقل من ثلاث سنين.
قوله: (وكل من يتناصر هو به) قال في الهداية والتبيين: ويعقل أهل كل مصر عن أهل سوادهم لانهم أتباع لاهل المصر، فإنهم إذا حزبهم أمر استنصروا بهم فيعقلونهم أهل المصر باعتبار معنى القرب والنصرة، ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة، لانه يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه.(1/219)
والحاصل: أن الاستنصار بالديوان أظهر، فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى، وبعد الديوان النصرة بالنسب، وعلى هذا يخرج كثير من مسائل المعاقل.
منها: أخوان ديوان أحدهما بالبصرة وديوان الآخر بالكوفة، لا يعقل أحدهما عن صاحبه، وإنما يعقل عنه أهل ديوانه، ومن جنى جناية من أهل البصرة وليس له في أهل الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه نسبا ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر، ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، لان أهل الديوان هم الذين يذبون عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم.
وقيل: إذا لم يكونوا قريبا له لا يعقلونه، وإنما يعقلونه إذا كانوا قريبا له وله في البادية أقرب منهم نسبا، لان الوجوب بحكم
القرابة، وأهل المصر أقرب منهم مكانا فكانت القدرة على النصرة لهم، وصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة اه: أي أن للولي الابعد أن يزوج إذا كان الاقرب غائبا.
عناية.
وذكر الاتقاني أن القول الثاني أصح.
قوله: (على الاصح) وقيل: يؤخذ من كل واحد في كل سنة ثلاثة دراهم أو أربعة كما في الملتقى.
قوله: (ثم السنين الخ) كان المناسب أن يذكره بالفاء عقب قوله: فإن خرجت العطايا الخ.
قوله: (فإن لم تسع القبيلة لذلك) أي بأن تكون قلائل فتصير الحصة أكثر من ثلاثة أو أربعة.
در منتقى.
ثم عبارة الهداية وغيرها تتسع بتاءين في أوله، فكان على المصنف التعبير به أو حذف اللام من قوله: لذلك والقبيلة غير قيد.
قال في الهداية: وعلى هذا حكم الرايات إذا لم تتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات: يعني أقربهم نصرة إذا حز بهم أمر الاقرب فالاقرب، ويفوض ذلك إلى الامام لانه هو العالم به اه.
قوله: (على ترتيب العصبات) فيقدم الاخوة ثم بنوهم ثم الاعمام ثم بنوهم.
مثلا: إذا كان الجاني من أولاد الحسين رضي الله عنه، ولم تسع حيه لذلك ضم إليه قبيلة الحسن رضي الله عنه ثم بنوهم، فإن لم تتسع هاتان القبيلتان له ضم عقيل ثم بنوهم كما في الكرماني، وآباء القاتل وأبناء لا يدخلون في العاقلة، وقيل: يدخلون، وليس أحد الزوجين عاقلا للآخر.
وتمامه في القهستاني.
قوله: (والقاتل عندنا كأحدهم) يعني إذا كان من أهل العطاء، أما إذا لم يكن فلا شئ عليه من الدية عندنا أيضا.
ذكره في المبسوط.
وعند الشافعي: لا شئ عليه مطلقا.
معراج.
قوله: (فيشاركهم على الصحيح) تقدم في القسامة أنه اختيار المتأخرين، ومشى في الهداية هنا على عدم المشاركة.
قال في الكفاية: وهو اختيار الطحاوي وهو الاصح، وهو أصل رواية محمد اه.
لكن ذكر في العناية أن ما تقدم إنما هو فيما إذا وجد القتيل في دار امرأة فأدخلها المتأخرون مع العاقلة لتقديرها قاتلة بسبب وجوب القسامة، أما ما هنا فهو فيما إذا كانت قاتلة حقيقة، الفرق أن القسامة تستلزم وجوب الدية على المقسم، إما بالاستقلال أو بالدخول أو العاقلة عندنا بالاستقراء، وقد تحقق الملزوم لتحقق اللازم، بخلاف القتل مباشرة فإنه قد لا يستلزم الدية اه ملخصا.
وعليه فليس في المسألة اختلاف تصحيح لاختلاف الموضوع.
فتأمل.
قوله: (قبيلة سيده) أي مع سيده كما في الشرنبلالية عن البرهان.
وعبارة الملتقى:(1/220)
وعاقلة المعتق، ومولى الموالاة مولاه وعاقلته، وهي أخصر وأظهر.
قوله: (جناية عبد) من إضافة المصدر إلى فاعله، وأما إذا جنى حر على نفس عبد فسيأتي ط.
قوله: (ولا عمد) أي في النفس أو الطرف، فإن العمد لا يوجب التخفيف بتحمل العاقلة فوجب القود به.
قهستاني.
تنبيه: قال في الاشباه: لا يعقل العاقلة العمد إلا في مسألة ما إذا عفا بعض الاولياء وصالح، فإن نصيب الباقين ينقلب مالا وتتحمله العاقلة اه.
أقول: وقد قدمنا في باب القود فيما دون النفس عن العلامة قاسم أنه خلاف الرواية ولم يقل به أحد، والذي في سائر الكتب أنه في مال القاتل، فتنبه.
قوله: (أو قتله ابنه عمدا) الاولى كقتله كما عبر به فيما مر آنفا ليكون تمثيلا للشبهة.
ومنها: ما إذا قتلا رجلا وأحدهما صبي أو معتوه والآخر عاقل بالغ أو أحدهما بحديد والآخر بعصا.
قوله: (ولا ما لزم بصلح) أي عن دك عمد وخطأ اه ط.
فإنه على القاتل حالا إلا إذا أجل.
قهستاني.
قوله: (أو اعتراف) أي بقتل خطأ فإنه على المقر في ثلاث سنين قهستاني.
قوله: (ولا ما دون نصف عشر الدية) أي ما دون أرش الموضحة وهو خمسمائة، وهذا خاص فيما دون النفس.
أما بدل النفس فتحمله العاقلة وإن قل، كما لو قتل مائة رجلا حرا فعلى عاقلة كل مائة درهم، أو قتل رجل عبدا قيمته مائة مثلا لزمت العاقلة، لان بدل النفس ثبت بالنص وجوبه على العاقلة اه.
ملخصا من العناية والكفاية.
تنبيه: قدم الشارح قبيل فصل الحنين أن الصحيح أن حكومة العدل لا تتحملها العاقلة مطلقا: أي وإن بلغت أرش الموضحة، وذكر الاتقاني عن الكرخي: أن العاقلة لا تعقل جناية وقعت في دار الحرب فالدية في مال الجاني.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام الخ) ذكره فقهاؤنا في كتبهم عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا، لكن قيل إنه من كلام الشعبي.
قال في القاموس: وقول الشعبي: لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا، وليس بحديث كما توهم الجوهري معناه، أن يجني الحر على عبد لا العبد على حر كما توهم أبو حنيفة، لانه لو كان المعنى على ما توهم لكان الكلام: لا تعقل العاقلة عن عبد، ولم يكن ولا تعقل عبدا.
قال الاصمعي: كلمت في ذلك أبا يوسف بحضرة الرشيد فلم يفرق بين عقلته
وعقلت عنه حتى فهمته اه.
أي لانه يقال عقلت القتيل: إذا أعطيت ديته وعقلت عن فلان: إذا لزمته دية فأعطيتها عنه.
وأجيب بأن عقلته يستعمل بمعنى عقلت عنه، ويدل عليه السياق، وهو قوله: عمدا وكذا السياق، وهو: ولا صلحا ولا اعترافا لان معناه عن عمد، وعن صلح وعن اعتراف.
تأمل.
والاحسن أن يجاب بأنه من الحذف والايصال، والاصل عن عبد.
وأقوى دليل على ذلك ما رواه الامام محمد في موطئه بقوله: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك اه.
فقد جعل الجاني مملوكا.
قوله: (بل الجاني) ليس من لفظ الحديث، وإنما هو عطف على جملة قوله: (واعلم أنه لا تعقل عاقلة جناية عبد الخ) أي(1/221)
بل يتحمل ذلك الجاني وحده: أي ولو حكما كمولى العبد كما أفاده القهستاني، أو هو عطف على قوله: ولا ما لزم بصلح أو اعتراف وأتى به ليربط قول المصنف إلا أن يصدقوه بما قبله من المتن.
قوله: (أو تقوم حجة) هذا إذا أقامها قبل أن يقضي بها القاضي: أي بالدية على المقر، أما لو قضي بها في ماله ثم أقامها ليحولها إلى العاقلة لم يكن له ذلك، لان المال قد وجب عليه بقضاء القاضي فلا يكون له أن يبطل قضاءه ببينته.
صرح به في المبسوط اه.
رملي.
قوله: (بإقرار المدعى عليه) متعلق بثابت وضمير وهو عائد على ما.
قوله: (ولا عليه في ماله) معطوف على قوله: فلا شئ عليها، والضمير للقاتل.
قوله: (لان تصادقهما) علة للزوم القاتل حصة فقط، وأنما لم يلزم جميع الدية كما في المسألة الاولى، لانه لم يوجد التصديق من الولي بالقضاء بالدية على العاقلة في الاولى وقد وجد هنا فافترقا.
أفاده الزيلعي.
قوله: (في ذلك) أي في دعوى القتل ط.
قوله: (لان الحق عليه) أي وإنما يثبت على العاقلة بطريق التحمل.
خانية.
قوله: (لا العاقلة) هذا ليس في عبارة الخانية، لكنه أخذه من مفهوم الحصر في قوله: هو الجاني.
قوله: (وهي غير متوجهة على العاقلة) بل على أبيه إن كان له أب، وظاهره أنه لا يلزم شئ بتلك الدعوى ط.
قوله: (وبقي هنا شئ الخ) تخريج للجواب من وجه آخر محصله: أنا إذا قلنا بصحة إقرارهم يلزم جريان الحلف، لان القاعدة أن كل موضع لو أقر به لزمه، فإذا أنكر يستحلف إلا في اثنتين وخمسين صورة تقدمت آخر الوقف ليست هذه منها، لكن أورد عليه
أن الخصم هو الجاني كما مر، ولا يستحلف من ليس بخصم، ومقتضاه أن لا يصح إقرارهم، ووجهه أن الدية إنما تلزمهم بطريق التحمل عن القاتل، فإقرارهم في الحقيقة إقرار عليه، فإذا لم يصلح إقرارهم عليه لم يلزمهم موجبه، إذ لا يمكن تحمل ما ليس بثابت، بخلاف ما إذا أقر بالقتل وصدقوه فإنه يلزمهم كما مر، لان تصديقهم ألزمهم تحمل ما هو ثابت بإقراره هذا.
والذي حرره العلامة الرملي: لزوم التحليف على نفي العلم لما صرحوا به من أنه لو قال كفلت بما لك على زيد وأقر الكفيل بأن له على زيد كذا وأنكره زيد ولا بينة لزم الكفيل دون الاصيل، فبه علم أن الاقرار إذا وجد نفاذا على المقر لا يتوقف على الاصل، إذ هو حجة وإن كانت قاصرة، ومسألتنا نظير هذه.
قال: وقد ظفرت بالنقل، ففي الثالث من جامع الفصولين: دعوى القتل الخطأ على القاتل تسمع، والبينة عليه تقبل بغيبة العاقلة، ودعوى الدية على العاقلة بغيبة القاتل هل يصح؟ فعلى قياس ما كتبناه عن بغ في آخر الفصل السادس ينبغي أن لا تصح دعواه كل الدية عليهم اه(1/222)
ملخصا: أي فإن مفهومه أن تصح بقدر ما يخصهم من الدية.
تأمل.
قوله: (قاله المصنف) أي قال: قلت يؤخذ إلى هنا.
قوله: (يعني إذا قتله الخ) لا حاجة إليه مع قول المتن نفس عبد اه ح.
نعم ذكر الزيلعي ذلك على عبارة الكنز، لانه ليس فيها ذكر النفس، فكان المناسب للشارح أن يقول: قيد بالنفس لان العاقلة الخ.
قوله: (لا تتحمل أطراف العبد) لانه يسلك بها مسلك الاموال، ولذا لا يجري فيها القصاص بين الحر والعبد.
إتقاني.
قوله: (إذا لم يتناصروا) كذا فيما رأيت من النسخ، وصوابه: إذا لم يباشروا لانهم عللوا عدم دخولهم في العاقلة بأنهم ليسوا من أهل النصرة، ولهذا كان أصل الرواية عدم دخولهم وإن باشروا كما قدمنا تقريره.
قوله: (وإن اختلفت مللهم) قيده في الملتقى بقوله: إن لم تكن العداوة بين الملتين ظاهرة كاليهود مع النصارى اه.
وهو مستفاد من قول الشارح: يعني إن تناصروا.
قوله: (كالمسلم) عبارة الاتقاني وغيره: وإلا ففي ماله في ثلاث سنين من يوم يقضي به كما في المسلم، وهذا في الذمي، أما المسلم ففي بيت المال.
قوله: (كما بسطه في المجتبى) حيث قال: لان الوجوب في الاصل على القاتل، وإنما يتحول على العاقلة بالقضاء، فإذا لم يوجد له
عاقلة بقيت الدية عليه، كتاجرين مسلمين في دار الحرب قتل أحدهما صاحبه فعقله في ماله اه.
قوله: (وحربي أسلم) أي ولم يوال أحدا.
قوله: (فالدية في بيت المال) لان حماعة المسلمين هم أهل نصرته، ولهذا إذا مات كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال.
زيلعي وهداية.
ومفاده أنه لو له وارث معروف لا يلزم بيت المال ويأتي التصريح به.
قوله: (وجعل الزيلعي) وكذا صاحب الهداية وغيره.
قوله: (عن خوارزم) أي حاكيا عن حال أهل خوارزم اه ح.
وعبارة المجتبى: قلت: وفي زماننا بخوارزم لا يكون إلا في مال الجاني، إلا إذا كان من أهل قرية أو محلة يتناصرون، لان العشائر فيها قد وهت ورحمة التناصر من بينهم قد رفعت وبيت المال قد انهدم.
نعم أسامي أهلها مكتوبة في الديوان ألوفا ومئات لكن لا يتناصرون به فتعين أن يجب في ماله ا ه.
قوله: (يرجح وجوبها في ماله) خبر قوله: وظاهر قلت: ولا حاجة إلى جعله ترجيحا للرواية والشاذة، بل يمكن ترجيح ما ذكر على ظاهر الرواية، فإن أصل الوجوب على القاتل، وحيث لا عاقلة تتحمل عنه ولا بيت مال يدفع منه يؤخذ ذلك من ماله كما مر في الذمي، فظاهر الرواية مبني على انتظام بيت المال، وإلا لزم إهدار دماء المسلمين، فتدبر، ثم رأيته كذلك في مختصر النقاية وشروحها للقهستاني حيث قال: ومن لا عاقلة له: أي من العرب والعحم يعطي الدية من بيت المال إن كان(1/223)
موجودا أو مضبوطا، وإلا: أي وإلا يكن كذلك فعلى الجاني.
قوله: (فيؤدي في كل سنة الخ) فظاهره عدم التقيد بثلاث سنين وإلا فعلى من يكون الباقي، على أنه مع هذا هو مشكل أيضا، لانه إذا أدى في كل سنة من عمره ثلاثة دراهم أو أربعة فمتى تنقضي الدية، وإذا مات فهل يسقط الباقي أو يؤخذ من تركته أو من غيرها؟ لم تر من أوضح هذا المقام.
قوله: (قال) أي صاحب المجتبى ونصه.
قلت: وهذا حسن لا بد من حفظه، فقد رأيت في كثير من المواضع أنه يجب الدية في ماله في ثلاث سنين اه.
أقول: وجوبها في ماله في ثلاث سنين هو الموافق لما ذكروه في الذمي، ولا إشكال فيه، فليتأمل.
فما ذكره في كثير من المواضع هو الاعدل فعنه لا يعدل.
قوله: (وهذا) أي وجوبها في بيت المال أو الخلاف في وجوبها في بيت المال أو في ماله.
قوله: (فلو ذميا) أي لا عاقلة له.
قوله: (ومن
له وارث معروف) هذا قيد آخر لقوله: وإن لم يكن للقاتل عاقلة فالدية في بيت المال كما نبه عليه قاضيخان، حيث ذكر أن ما سبق محمول على ما إذا لم يكن للقاتل وارث معروف بأن كان لقيطا أو من يشبهه اه.
وقدمنا أنه مفاد كلام الزيلعي والهداية، وبحث الرملي بأنه مخالف لاطلاق عامة الكتب وأطال في ذلك، ولكن قاضيخان من أجل من يعتمد على تصحيحه لانه فقيه النفس كما قال العلامة قاسم، قوله: (أو محروما برق أو كفر) كمستأمن اشترى عبدا مسلما فأعتقه ثم رجع المستأمن إلى داره فاسترق ثم جنى العتيق فهو في ماله، لان له وارثا معروفا وهو المعتق، مع أن ميراثه لو مات لبيت المال لان معتقه رقيق في الحال أفاده في الخانية عن الاصل.
وكذا لو كان المعتق ذميا يكون العقل في مال الجاني أيضا لما مر أن الكافر لا يعقل السلم، فلار يرد ما مر من أن عاقلة العتيق قبيلة سيده.
كذا ظهر لي.
قوله: (لا يعقله بيت المال) بل يكون في ماله، وإن كان له وارث مستحق كما يستفاد مما قررناه: فإنه إذا ورثه بيت المال ولم يعقله، فإذا لم يرثه فعقله في ماله بالاولى، ولا شئ على الوارث لان فرض المسألة فيمن لا عاقلة له.
قوله: (ولا عاقلة للعجم) جمع عجمي وهو خلاف العربي وإن كان فصيحا.
مغرب.
قوله: (وبه جزم في الدرر) وهو قول أبي بكر البلخي وأبي جعفر الهندواني، لان العجم لم يحفظوا أنسابهم، ولا يتناصرون فيما بينهم، وليس لهم ديوان، وتحمل الجناية على الغير عرف، بخلاف(1/224)
القياس في حق العرب، وبه أخذ الاستاذ ظهير الدين.
خانية.
قوله: (عاقلته) أي إذا كانوا يتناصرون فيما بينهم ط.
ولا تنس ما مر من أنه لا يؤخذ في كل سنة من كل واحد من العاقلة أكثر من درهم أو درهم وثلث.
قوله: (إذا حز به أمر) المغرب حز بهم أمر: أصابهم من باب طلب.
قوله: (وتمامه فيه) حيث قال: وإن كان له متناصرون من أهل الديوان والعشيرة والمحلة والسوق، والعاقلة أهل الديوان ثم العشيرة ثم أهل المحلة، وبه قال الناطفي ط.
قوله: (والحق الخ) قلت: المدار على التناصر كما ذكروه، فمتى وجد بطائفة فهم عاقلته، وإلا فلا ط.
قوله: (لكن حرر الخ) هو تأييد لما جزم به في الدرر.
قوله: (فالدية في ماله) أي عند عدم وجود بيت المال أو عدم انتظامه كما قدمناه، والله
تعالى أعلم.(1/225)
كتاب الوصايا يراده آخر الكتاب ظاهر المناسبة، لان آخر أحوال الآدمي في الدنيا الموت، والوصية معاملة وقت الموت، وله زياد اختصاص بالجنايات والديات، لما أن الجناية قد تفضي إلى الموت الذي وقته وقت الوصية.
عناية.
والمراد هنا أنه آخر نسبي.
نعم على ما في الهداية هو حقيقي لانه لم يذكر فيها الفرائض، لكن فيه أنه ذكر في الهداية بعده كتاب الخنثى فهو نسبي أيضا كما أفاده الطوري.
قوله: (يعم الوصية والايصاء الخ) في المغرب: أوصى إلى زيد بكذا إيصاء ووصى به توصية، والوصية والوصاة اسمان في معنى الصدر، ثم سمى الموصى به وصية، والوصاية بالكسر مصدر لوصي، وقيل الايصاء: طلب الشئ من غيره ليفعله على غيب منه حال حياته وبعد وفاته.
وفي حديث الظهار: استوصى بابن عمك خيرا: أي اقبلي وصيتي فيه، وانتصاب خيرا على المصدر: أي استيصاء خير اه.
وفي المصباح: وصيت إلى فلان توصية وأوصيت إليه إيصاء، والاسم الوصاية بالكسر والفتح لغة، وأوصيت إليه بمال: جعلته له اه.
وفي القاموس: أوصاه ووصاه توصية: عهد إليه، والاسم الوصاة والوصاية والوصية اه.
ونقل الامام النووي عن أهل اللغة: أنه يقال: أوصيته ووصيته بكذا وأوصيت ووصيت له وأوصيت إليه: جعلته كوصيا.
قلت: وبه ظهر أنه لا فرق في اللغة بين المتعدي بنفسه أو باللام أو بإلى في كلا منها يستعمل بمعنى جعلته وصيا، وإن التعدي بإلى يستعمل بمعنى تمليك المال، وإن كلا من الوصية والايصاء يأتي لهما، وأن التفرقة بين المتعدي بالام والمتعدي بإلى اصطلاحية شرعية كما يفهم من الدرر، وبه صرح الطوري عن بعض المتأخرين، وكأنهم نظروا في ذلك إلى أصل المعنى، فإن معنى أوصيت إليه: عهدت إليه بأمر أولادي مثلا، ومعنى أوصيت له: ملكت له كذا، فعدوا كلا منهما بما يتعدى به ما تضمنا معناه.
ثم اعلم: أن جمع وصية وصايا، وأصله وصايي، فقلبت الياء الاولى همزة لوقوعها بعد ألف مفاعل.
ثم أبدلت كسرتها فتهة فانقلبت الياء الاخيرة ألفا ثم أبدلت الهمزة ياء لكراهة وقوعها بين ألفين.
بقي أن عمومه للوصية والايصاء ليس على معنى أنه جمع لهما كما لا يخفى، بل على معنى أن الوصية تأتي اسما من المتعدي بإلى والمتعدي باللام فجمعت على وصايا مرادا بها كما من المعنيين، فلا يرد أن ذكر باب الوصي في هذا الكتاب على سبيل التطفل.
فليتأمل.
قوله: (فحينئذ) تفريع على قوله: بمعنى ملكه بطريق الوصية والاوضح أن يقول: وهي تمليك بزيادة واو، ويرجع الضمير إلى الوصية في كلامه ط.
قوله: (عينا كان أو دينا) عبارة المنح وغيره: عينا أو منفعة ا ه ح.
قوله: (بطريق التبرع) متعلق بتمليك اه ح.
وهذا القيد ذكره الزيلعي تبعا للنهاية.
قوله: (ليخرج نحو الاقرار(1/226)
بالدين) أي الاقرار به لاجنبي، وفيه أن القائلين من علمائنا بأن الاقرار إخبار لا تمليك استدلوا بهذه المسألة، فإنه لو كان تمليكا لزم أن لا ينفذ من كل المال كما أوضحناه في كتاب الاقرار، فحينئذ لا حاجة لاخراجه لانه لم يدخل، والتحقيق أن قيد التبرع لاخراج التملك بعوض كالبيع والاجارة، وأنه احترز بقوله: مضاف إلى ما بعد الموت عن نحو الهبة، فإنها تمليك تبرع للحال.
قوله: (كما سيجئ) أي في أول باب العتق في المرض.
قوله: (ولا ينافيه الخ) جواب سؤال يرد على قوله: يعني بطريق التبرع تقريره ظاهر، وأشار بقوله: فتأمله إلى دقة الجواب، وذلك لان الواجب لحقه تعالى لما سقط بالموت أشبه التبرع ولم يكن كديون العباد اه ح.
أقول: هذا مبني على أن التبرع: ما إن شاء فعله وإن شاء تركه، وعلى ما قدمناه يراد به ما كان مجانا لا بمقابلة عوض، وبه يندفع السؤال.
قوله: (وهي على ما في المجتبى) عبارته: والوصية أربعة أقسام واجبة كالوصية برد الودائع والدين المجهولة.
ومستحبة كالوصية بالكفارات وفدية الصلاة والصيام ونحوها.
ومباحة كالوصية للاغنياء من الاجانب والاقارب.
ومكروهة كالوصية لاهل الفسوق والمعاصي اه.
وفيه تأمل لما قاله في البدائع: الوصية بما عليه من الفرائض والواجبات كالحج والزكاة والكفارات واجبة اه.
شرنبلالية.
ومشى الزيلعي على ما في البدائع.
وفي المواهي: تجب
على مديون بما عليه لله تعالى ألا للعباد، وهذا ما مشى عليه المصنف خلافا لما في المجتبى من التفرقة بين حقوقه تعالى وحقوق العباد، وما مر من سقوط ما وجبت لحقه تعالى بالموت لا يدل على عدم الوجوب، لان المراد سقوط أدائها، وإلا فهي في ذمته، فقول الشارح على ما في المجتبى: أي من حيث التقسيم إلى الاربعة.
تأمل.
قوله: (ومباحة لغني) لعل المراد إذا لم يقصد القربة، أما لو أوصى له لكونه من أهل العلم أو الصلاح إعانة له أو لكونه رحما كاشحا أو ذا عيال فينبغي ندبها.
تأمل.
قوله: (ومكروهة لاهل فسوق) يرد عليه ما في صحيح البخاري: لعل الغني يعتبر فيتصدق، والسارق يستغني بها عن السرقة، والزانية عن الزنا.
وكان مراده ما إذا غلب على ظنه إنه يصرفها للفسوق والفجور اه.
رحمتي.
أقول: وظاهر ما مرص أنها صحيحة، لكن سيأتي آخر باب الوصية للاقارب تعليل القول ببطلان الوصية ما مرص أنها صحيحة، لكن سيأتي تمامه هناك.
قوله: (وإلا فمستحبة) أي إذا لم يعرض لها ما يبطلها.
قوله: (ولا تجب الخ) رد على من قال بوجوبها للوالدين والاقربين إذا كانوا ممن لا يرثون لآية البقرة، وهي قوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * (البقرة: 180) الآية، والمراد بآية النساء آية المواريث.
وأخرج البخاري في صحيحه عن عطاء وابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: كان المال للولد، فكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله ذلك بأحب، فجعل للذكر مثل حظ الانثيين، وجعل للابوين لكل واحد منهما السدس، وروى في السنن مسندا إلى أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث.
وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: حسن.
وهذا الحديث مشهور تلقته الامة بالقبول، ونسخ الكتاب جائز عندنا بمثله.(1/227)
إتقاني.
قوله: (سببها ما هو سبب التبرعات) وهو تحصيل ذكر الخير في الدنيا ووصل الدرجات العالية في العقبي.
نهاية.
وهذا في المستحبة، أما الواجبة فالظاهر أن سببها سبب الاداء، وهو خطاب الله تعالى بأداء تلك الواجبات وقد قالوا: إن القضاء يجب بما يجب به الاداء، فتدبر.
قوله: (أهلا
للتمليك) الاولى قول النهاية: أهلا للتبرع.
قوله: (كما سيجئ) أي بعد نحو ورقة.
قوله: (وعدم استغراقه) أي الموصى به بالدين: أي إلا بإبراء الغرماء.
قهستاني.
قوله: (كما سيجئ) أي في المتن قريبا.
قوله: (وقتها) أقول في التاترخانية: الموصى له إذا كان معينا من أهل الاستحقاق يعتبر صحة الايجاب يوم أوصى، ومتى كان غير معين يعتبر صحة الايجاب يوم موت الموصي، فلو أوصى بالثلث لبني فلان ولم يسمهم ولم يشر إليهم فهي للموجودين عند موت الموصي، وإن سماهم أو أشار إليهم فالوصية لهم، حتى لو ماتوا بطلت الوصية لان الموصى له معين، فتعتبر صحة الايجاب يوم الوصية ا ه ملخصا.
قوله: (ليشمل الحمل) أي قبل أن تنفخ فيه الروح، إذ بعد النفخ يكون حيا حقيقة اه ح.
قوله: (إيراد الشرنبلالية) حيث قال: يرد عليه الوصية للحمل إذ يشترط وجوده لا حياته، لان نفخ الروح يكون بعد وجدانه وقتا غير حي اه ح.
قوله: (وكونه غير وارث) أي إن كان ثمة وارث آخر وإلا تصح، كما لو أوصى أحد الزوجين للآخر ولا وارث غيره كما سيجئ قوله: (وقت الموت) أي لا وقت الوصية، حتى لو أوصى لاخيه وهو وارث ثم ولد له ابن صحت الوصية للاخ، ولو أوصى لاخيه وله ابن ثم مات الابن قبل موت الموصي بطلت الوصية: زيلعي.
قوله: (ولا قاتل) أي مباشرة كالخاطئ والعامد، بخلاف المتسبب لانه غير قاتل حقيقة، وهذا إذا كان ثمة وارث، وإلا صحت وكان القاتل مكلفا، وإلا فتصح للقاتل لو صبيا أو مجنونا كما سيأتي.
قوله: (وهل يشترط كونه) أي كون الموصى له معلوما: أي معينا شخصا كزيد أو نوعا كالمساكين، فلو قال: أوصيت بثلثي لفلان أو فلان بطلت عنده للجهالة كما سيذكره قبيل وصايا الذمي.
وفي الولوالجية: أوصت أن يعتق عنها أمه بكذا ويعطي لها من الثلث كذا: فإن كانت الامة معينة جازت الوصيتان، وإلا جازت الوصية بالعتق دون المال إلا أن تفوض ذلك إلى الوصي وتقول أعطها إن أحببت، فإن محمدا ذكر فيمن أوصى أن تباع أمته ممن أحببت تجبر الورثة على بيعها ممن أحبت، فإن أبى الرجل أن يأخذها بقيمتها يحط عنه مقدار ثلث مال الموصي اه ملخصا.
قلت: يؤخذ منه أن الوصية لمجهول تصح عند التخيير، ووجهه ظاهر، فإن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لا تفارعها بتعيين من له التخيير، بخلاف ما لو قال لرجل أو قال لزيد أو عمرو:
تأمل.
قوله: (بعقد) متعلق بالتمليك.
قوله: (مالا أو نفعا الخ) تعميم للموصى به.
قوله: (أم معدوما) أي وهو قابل للتمليك بعقد من العقود.
قال في النهاية: ولهذا قلنا بأن الوصية بما تثمر(1/228)
نخيلة العام أو أبدا تجوز، وإن كان الموصى به معدوما لانه يقبل التمليك حال حياة الموصي بعقد المعاملة، وقلنا بأن وصيته بما تلد أغنامه لا تجوز استحسانا، لانه لا يقبل التمليك حال حياة الموصي بعقد من العقود اه.
وفي القهستاني: الموصى به إذا كان معينا أو غير معين وهو شائع في بعض المال يشترط وجوده عند الوصية، وإن كان شائعا في كله يشترط عند الموت، كما إذا أوصى بمعز من غنمي أو من مالي، فإنه يشترط وجود المعز في الاول عند الوصية، وفي الثاني عند الموت اه.
ومثله في التاترخانية.
ويأتي تمامه في الباب الآتي.
قوله: (وأن يكون بمقدار الثلث) أي إن كان ثمة وارث ولم يجزها بالاكثر، وبما قررناه ظهر أن هذه الشروط بعضها شروط لزوم وهي ما توقفت لحق الغير ونفذت بإجازته وبعضها شروط لزوم وهي ما توقفت لحق الغير ونفذت بإجازته وبعضها شروط صحة.
قوله: (وما يجري مجراه الخ) في الخانية قال: أوصيت لفلان بكذا ولفلان بكذا وجعلت ربع داري صدقة لفلان، قال محمد: أجيز هذا على الوصية: وقال أبو يوسف في سؤال عرض عليه، وأما قوله: جعلت هو وصية لا يشترط فيها القبض والافراز اه ملخصا.
وفي النهاية: وأما بيان الالفاظ المستعملة فيها، ففي النوادر عن محمد: إذا قال اشهدوا أني أوصيت لفلان بألف درهم وأوصيت أن لفلان في مالي ألف درهم، فالاولى وصية والاخرى إقرار، وفي الاصل قوله: سدس داري لفلان وصية، وقوله لفلان سدس في داري إقرار، وعلى هذا قوله: لفلان ألف درهم من مالي وصية استحسانا إذا كان في ذكر وصيته، وفي مالي إقرار، وإذا كتب وصيته بيده ثم قال: اشهدوا علي في هذا الكتاب جاز استحسانا، وإن كتبها غيره لم يجز إه ملخصا.
قوله: (وفي البدائع الخ) عبارتها على ما في الشرنبلالية.
وأما ركن الوصية فقد اختلف فيه.
قال أصحابنا الثلاثة: أي الامام وصاحباه: هو الايجاب والقبول، والايجاب من الموصي والقبول من الموصى له، فما لم يوجد جميعا لا يتم الركن.
وإن شئت قلت: ركن لوصية الايجاب من الموصي، وعدم الرد من الموصى له، وهو أن يقع اليأس عن رده، هذا أشمل لتخريج المسائل.
وقال زفر: الركن هو الايجاب
من الموصي فقط اه.
وكلام المصنف تبعا لشراح الهداية يشير إلى أن القبول شرط لا ركن، وما في البدائع هو الموافق لما يذكرونه في سائر العقود كالبيع ونحوه من أن الركن كل منهما.
قوله: (قلت الخ) عزاه في الشرنبلالية إلى الخلاصة، والظاهر أن المراد بالقبول دلالة عدم الرد فهو بمعنى ما قدمناه عن البدائع من قوله: وإن شئت قلت الخ، ثم المعتبر في القبول والرد ما بعد المون لا ما قبله كما سيأتي.
قوله: (بأن يكوت الخ) تصوير للدلالة، ومثله الوصية للحمل، وبقي لو الموصى له غير معين كالفقراء، والظاهر أن القبول غير شرط أو هو موجود دلالة.
تأمل.
قوله: (كما سيجئ) أي في الورقة الثانية.
قوله: (وحكمها الخ) هذا في جانب الموصى له، أما في جانب الموصي فقد مر أنها أربعة أقسام: أفاده في الشرنبلالية.
قال ط: وفيه أن المراد بالحكم هنا الاثر المترتب على الشئ وفيما مر ما يعبر عنه بالصفة.
قوله: (عند عدم المانع) أي من قتل أو حرابة أو استغراق بالدين أو نحو(1/229)
ذلك.
قوله: (لا الزيادة عليه الخ) فإذا أوصى بما زاد على الثلث ولم يكن إلا وارث يرد عليه وأجازها فالبقية له، وإن أجاز من لا يرد عليه ففرضه في البقية وباقيها لبيت المال، فلو أوصى بثلثي ماله وأجازت الزوجة فلها ربع الثلث واحد من اثني عشر مخرج الثلثين وربع الباقي، ولبيت المال ثلاثة ولزيد ثمانية.
وتمامه في شرح السائحاني على منظومة ابن الشحنة في الفرائض.
وإن لم تجز وأوصى لها أيضا أو لا فقد أوضحه في الجوهرة، فراجعها.
قوله: (إلا أن يجيز ورثته الخ) أي بعد العلم بما أوصى به، أما إذا علموا أنه أوصى ولا يعلمون ما أوصى به فقالوا أجزنا ذلك لا تصح إجازتهم.
خانية عن المنتقى.
ونقل السائحاني عن المقدسي: إذا جاز بعض الورثة جاز عليه بقدر حصته لو أجازت كل الورثة، حتى لو أوصى لرجل بالنصف وأجاز أحد وارثين مستويين كان للمجيز الربع ولرفيقه الثلث وللوصي له الثلث الاصلي ونصف السدس من قبل المجيز اه.
ومثله في غاية البيان.
تنبيه: إذا صحت الاجازة بعد الموت يتملكه المجاز له من قبل الموصي عندنا، وعند الشافعي من قبل المجيز كما في الزيلعي، وسيجئ بيان ذلك آخر الباب الآتي.
قوله: (ولا تعتبر الخ) أي لانها قبل
ثبوت الحق لهم، لان ثبوته عند الموت فكان لهم أن يردوه بعد وفاته، بخلاف الاجازة بعد الموت لانه بعد ثبوت الحق، وتمامه في المنح.
وفي البزازية: تعتبر الاجازة بعد الموت لا قبله، هذا في الوصية، أما في التصرفات المفيدة لاحكامها كالاعتاق وغيره إذا صدر في مرض الموت وأجازه الوارث قبل الموت لا رواية فيه عن أصحابنا.
قال الامام علاء الدين السمرقندي: أعتق المريض عبده ورضي به الورثة قبل الموت لا يسعى العبد في شئ.
وقد نصوا على أن وارث المجروح إذا عفى عن الجارح يصح ولا يملك المطالبة بعد موت المجروح اه.
قوله: (وهم كبار) المراد أن يكونوا من أهل النصرف.
ويأتي تمامه.
قوله: (يعني يعتبر الخ) الانسب جعل هذه مسألة مستقلة فيعبر بالواو ط.
قلت: لعل الشارح يشير إلى أخذ ذلك من عبارة المصنف بجعل الظرف، وهو بعد موته مما تنازع فيه قوله: تجيز وقوله: ورثته ولما كان فيه خفاء أتى بلفظة يعني تأمل.
قوله: (وقت الموت لا وقت الوصية) لانها تمليك مضاف إلى من بعد الموت فيعتبر التمليك وقته.
زيلعي.
وقدمنا عنه التفريع على ذلك.
قوله: (على عكس إقرار المريض) فيعتبر كونه وارثا أو غير وارث عند الاقرار، حتى لبو أقر لغير وارث جاز وإن صار وارثا بعد ذلك، لكن بشرط أن يكون إرثه بسبب حادث بعد الاقرار، كما لو أقر لاجنبية ثم تزوجها، بخلاف ما إذا كان السبب قائما لكن منه منه مانع ثم زال بعده، كما لو أقر لابنه الكافر أو العبد ثم أسلم أو عتق فإنه يبطل الاقرار كالوصية والهبة كما سيأتي متنا، فما ذكره الزيلعي وغيره تبعا للنهاية من أنه لو أقر لابنه العبد لا يبطل بالعتق، لان إرثه بسبب حادث بعد الاقرار لانه في المعنى إقرار لمولاه الاجنبي، فقد رده العلامة الاتقاني بأنه سهو لا يصح نقله، فقد نص على خلافه في الجامع الصغير اه.(1/230)
قلت: بل هو مخالف للمتون أيضا كما يأتي على أن كون الارث فيه بسبب حادث محل نظر.
نعم ذكر في الهداية أنه لو غير مديون يصح وإلا فلا وسيأتي، فتدبر.
قوله: (ولو عند غني ورثته الخ) أشار بزيادة لو الوصيلة إلى أن الوصية بما دون الثلث عند عدم الغني أو الاستغناء مستحبة أيضا، وهو كذلك لما قال في الهداية: ويستحب أن يوصي بدون الثلث سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء،
لان في التنقيص صلة القريب بترك ما له عليهم، بخلاف استكماله الثلث لانه استيفاء تمام حقه فلا صلة، ثم هل الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا: إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى لما في من الصدقة على القريب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ولان فيه رعاية حق الفقر والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم فالوصية أولى، لانه يكون صدقة على الاجنبي، والترك هبة من اقريب، والاول أولى لانه يبتغي بها وجه الله تعالى، وقد قيل في هذا الوجه: يخير لاشتمال كل على فضيلة وهو الصدقة أو الصلة اه كلام الهداية.
وحاصله: أنه لا تنبغي الوصية بتمام الثلث، بل المستحب التنقيص عنه مطلقا لانه عليه الصلاة والسلام قد استكثر الثلث بقوله: والثلث كثير لكن التنقيص عند فقر الورثة وإن كان مستحبا إلا أن ثمة ما هو أولى منه، وهو الترك أصلا، فإن المستحب تتفاوت درجاته، وكذا المسنون والمكروه وغيرهما، وبهذا ظهر لك أن إتيان الشارح المحقق بلو الوصيلة موافق للهداية، فافهم.
هذا، وفي القهستاني: إذا كان المال قليلا لا ينبغي أن يوصي على ما قال أبو حنيفة: وهذا إذا كان الاولاد كبارا، فلو صغارا فالترك أفضل مطلقا على ما روى عن الشيخين كما في قاضيخان إ ه.
فالتفصيل إنما هو في الكبار، أما الصغار فترك المال لهم أفضل ولو كانوا أغنياء.
تنبيه: قال في الحاوي القدسي: من لا وارث له ولا دين عليه فالاولى أن يوصي بجميع ماله بعد التصدق بيده.
قوله: (أو استغنائهم بحصتهم) أي صيرورتهم أغنياء بأن يرث كل منهم أربعة آلاف درهم على ما روى عن الامام، أو يرث عشرة آلاف درهم على ما روى عن الفضلي.
قهستاني عن الظهيرية.
واقتصر الاتقاني عن الاول، قوله: (أي غني واستغناء) عبر بالواو إشارة إلى أن المراد بقوله: بلا إحداهما عدمهما معا، إذ لو وجد أحدهما دون الآخر كان المندوب الفعل لا الترك فيناقض ما قبله، فتدبر، قوله: (لانه) أي ترك الوصية.
قوله: (كمستأمن) فإنه إذا أوصى بكل ماله لمسلم أو ذمي جاز، لان المنع عن الوصية بالكل لحق الورثة، ولا حق للورثة في دار الحرب.
ولوالجية.
وسيأتي تمامه في باب وصايا الذمي.
قوله: (لعدم المزاحم) علة لقوله: وصحت وما بعده.
قوله: (وتكون وصية بالعتق) أي تكون هذه الوصية وصية للعبد بنفسه تصحيحا لها وبما زاد على قيمته إلى تمام الثلث.
قوله: (فإن خرج من الثلث الخ) فيه إجمال، وبيانه ما نقله ط عن الهندية عن البدائع: إن كان المال دراهم ألا دنانير وقيمة ثلثي العبد مثل ما وجب له صار قصاصا، ولو في المال زيادة دفعت إليه أو في ثلثي العبد زيادة دفعت إلى الورثة، وإن كان عروضا لا يصير قصاصا إلا(1/231)
بالتراضي، لاختلاف الجنس، ويسعى في ثلثي قيمته وله ثلث سائر أمواله، وهذا عنده، وأما عندهما فكله مدبر، فيعتق كله مقدما على سائر الوصايا، فإن زاد الثلث على قيمته دفع الورثة إليه، وإن قيمته أكثر سعى في الفضل اه ملخصا.
قلت: والخلاف مبني على تجزي الاعتاق وعدمه كما في شرح المجمع، وأشار بتقدم العتق على سائر الوصايا إلى ثمرة الخلاف، وأوضحها في العزمية بما إذا أوصى بثلث ماله لقنه الذي قيمته ألف درهم وأوصى بثلثي ألق درهم للفقراء ومات وترك العبد وألفى درهم عنق عنده ثلث العبد مجانا والثلثان من قيمته بين العبد والفقراء سوية ويدفع العبد للفقراء ثلث قيمته، وعندهما: يعتق أولا كل العبد مجانا ولا شئ للفقراء إ ه فتأمل.
ثم إن ظاهره أن كون هذه وصية بالعتق مبني على قولهما.
تأمل.
قوله: (أو بدنانير الخ) لو صدر بلا فقال لا بدنانير لكان أوضح، والمراد بالمرسلة كما سيذكره الشارح في الباب الآتي المطلقة غير المقيدة بثلث أو نصف أو نحوهما اه: أي كما إذا قال بمائة مثلا، فافهم.
قوله: (وصحت لمكاتب نفسه) إذا لم يعجز نفسه ولو بعد موت السيد، أما إذا عجز نفسه فهل يكون في حكم الوصية للملوك؟ حرره نقلا اه.
قوله: (أو لمدبره أو لام ولده) لان نفاذها بعد موت السيد وهما حينئذ حران اه ط.
قوله: (لا لمكاتب وارثه) لانه عند موت الموصي باق على ملك الوارث، فتكون وصية للوارث.
تأمل.
وفي القهستاني: لا تصح لعبد وارثه ومدبره وأم ولده، لانه وصية للوارث حقيقة، بخلاف الوصية لابن وارثه كما في النظم اه.
قوله: (وصحت للحمل) لانها استخلاف من وجه، لانصه يجعله خليفة في بعض ماله والجنين يصلح في خليفة في الارث، فكذا في الوصية ولا يقال: شرطها القبول والجنين ليس من أهله لانها تشبه الهبة والميراث، فلشبهها بالهبة
يشترط القبول إذا أمكن، ولشبهها بالميراث يسقط إذا لم يمكن عملا بالشبهين، ولهذا يسقط بموت الموصى له قبل القبول.
زيلعي.
قوله: (وبه) أي بالحمل لانه يجري فيه الارث، فتجري فيه الوصية أيضا لانها أخته.
زيلعي.
وهذا إذا لم يكن الحمل من المولى.
إتقاني.
وأشار إليه الشارح.
تنبيه: قدمنا في باب اللعان عن فتح القدير أن توريث الحمل والوصية به وله لا يثبتان إلا بعد الانفصار، فيثبتان للولد لا للحمل اه.
أقول: والمراد ثبوت حكمهما، وإلا فهما ثابتان قبل ذلك فلا ينافي كلامهم هنا.
فرع: في الظهيرية: لو أعتق الورثة الحمل الموصى به حاز إعتاقهم ويضمنون قيمته يوم الولادة ا ه.
أقول: ووجهه ما علمت أن الوصية به لا يثبت حكمها إلا بعد الولادة فهو قبلها على ملك الورثة تبعا لامه، وبالولادة ثبت حق الموصى له وقد أتلفوه عليه فضمنوا قيمته وقتها.
تأمل.
قوله: (لاقل من ستة أشهر) إذ لو ولد لستة أشهر أو لاكثر احتمل وجوده وعدمه فلا تصح.
أفاده الاتقاني.
قوله: (ولو ميتا) مثل الموت الطلاق البائن ط.(1/232)
أقول: ومثله لو أقر الموصي بأنها حامل فتثبت الوصية له إن وضعته ما بين سنتين من يوم أوصى، لان وحوده في البطن عند الوصية ثبت بإقرار الموصي، فإنه غير متهم فيه لانه موجب له ما هو خالص حقه بناء على هذا الاقرار وهو الثلث، فيلحق بما لو صار معلوما يقينا بأن وضعته لاقل من ستة أشهر اه.
كذا نقله شيخ مشايخنا العلامة محمد التافلاتي الحنفي مفتي القدس الشريف عن مبسوط السرخسي.
قوله: (فلاقل من سنتين) أي من وقت الموت أو الطلاق ولو كان لاكثر من ستة أشهر من وقت الوصية ط.
قوله: (ولا فرق) أي في صحة الوصية للحمل أو به.
قوله: (لينفق عليه) قيد به لما سيأتي من قوله: أوصى بهذا التبن لدواب فلان فإن الوصية باطلة، ولو قال: يعلف بها دواب فلان جاز.
قوله: (صح) أي إذا قبل فلان.
إتقاني.
لانها وصية له كما سيأتي.
قوله: (ومدة الحمل) أي أقل مدته وهو صريح ما في القهستاني ط.
قوله: (وللفيل إحدى عشرة سنة) الذي رأيته في نسختي القهستاني
أحد عشر شهرا، فلتراجع نسخة أخرى.
قوله: (وعليه المتون) أفاد بذلك اعتماده ط.
قوله: (وفي الكافي الخ) أقول: هذا الذي ينبغي اعتماده، فإن أصحاب المتون كما صرحوا بما مرص فقد صرحوا أيضا في آخر باب الوصية بالخدمة بأنه لو أوصى بصوف غنمه وولدها: أي الحمل له الموجود عند موته، وأقره الشارح فهو مخصص لاطلاقهم هنا، فافهم.
قوله: (إن كان له) أي إن كان الايصاء للحمل لما مر أن من الشرائط كون الموصى له موجود وقت الوصية، ولا يتيقن بوجوده إلا إذا ولد لاقل من ستة أشهر من وقتها.
قوله: إن كان به لما قدمناه عن النهاية من أن الموصى به إن كان معدوما لا بد من أن يكون قابلا للتمليك بعقد من العقود، ولذا لم تجز الوصية بما تلد أغنامه.
قوله: (لعدم قبضه) بيان للفرق بين الوصية والهبة، فإن الهبة تمليك محض، والملك بالهبة إنما يثبت بالقبض والجنين غير صالح لذلك.
أفاده في العناية.
أما الوصية فهي تمليك من وجه واستخلاف من وجه كما قدمنا.
قوله: (لانه لا ولاية للاب على الجنين) لان ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه إلى النظر ولا حاجة للجنين إلى ذلك، ولان الجنين في حكم جزء من أجزاء الام، وكما لا يثبت للاب الولاية على الام فكذلك على ما هو من أجزائها، وكذلك الام لو كانت هي التي صالحت لان الابوة في الولاية أقوى، فإذا كانت لا تثبت للاب فالام أولى، والجنين وإن كان بمنزلة جزء منها من وجه فهو في الحقيقة نفس مودعة فيها، فلاعتبار معنى النفسية صحت الوصية، والوصية للاجزاء لا تصح، ولا يمكن تصحيح هذا الصلح من الام باعتبار الجزئية لهذا المعنى اه.
تافلاتي عن المبسوط.
قوله: (قلت وبه علم الخ)(1/233)
هو للمصنف في المنح ط.
وفي حاشية الاشباه للحموي في قاعدة التابع تابع: ينبغي أن يقال إن كان شيئا يخشى عليه التلف فللمولى بيعه، وإلا فإن كان حيوانا فكذلك لان مؤنته تستغرقه بالنفقة، ولو عقارا فلا، هذا ما ظهر لي تفقها والقواعد تقتضيه اه.
قوله: (بل قالوا الخ) إضراب انتقالي، فإنه أفاد أنه لا تثبت الولاية عليه أصلا فضلا عن صحة التصرف وعدمها، فافهم.
قال الرملي: والنقل في عدم ولاية الاب والوصي على الجنين متظاهر كثير اه.
تنبيه: أفتى في الحامدية أخذا مما هنا بأنه لا يصح نصب الاب وصيا على حمله، لكن في الاشباه أول كتاب البيوع: ينبغي أن يصح الوقف عليه كالوصية.
قال الحموي عليه.
فأفاد أنه يصح
نصب وصي عليه وهو موافق لبحثه المار، وبه أفتى العلامة ابن الشلبي مستندا إلى قولهم: إن الوقف على الحادثين من أولاده صحيح، وقولهم: إن الوقف أخو الوصية، فحيث دخلوا في الوقف دخلوا فيها أيضا.
أقول: فيه نظر، فإن الظاهر أن مرادهم الوصية التي هي التمليك، فإن الوقف أخوها لانه تصدق بالمنفعة، والكلام في نصب الوصي على الحمل وذلك لا يشبه الوقف عليه كما لا يخفى، وبه ظهر ما في كلام الحموي السابق، هذا ولمولانا الشيخ محمد التافلاتي رسالة في هذه المسألة وفق فيها بأنه صحيح، ولكنه موقوف إلى الولادة أخذا مما قدمناه عن فتح القدير من أن توريثه والوصية به له موقوفان إليها أيضا.
والله تعالى أعلم.
قوله: (وصحت بالامة إلا حملها) يعني إذا قال: أوصيت بهذه الامة إلا حملها صحت الوصية والاستثناء أيضا، وهو منقطع بمعنى لكن لان الحمل لا يتناوله اسم الامة لفظا وإنما يستحق بالاطلاق تبعا.
وتمامه في العناية.
قوله: (صح استثناؤه منه) أي والحمل يصح إفراده بالوصية، فكذا استنثاؤه منها.
زيلعي.
قوله: (لا حربي في داره) أي وإن أجازت الورثة لنهينا عن برهم بقوله تعالى: * (إنما ينهاكم الله) * (الممتحنة: 9) الآية فعدم الجواز لحق الشرع لا لحق الورثة، بخلاف الوصية للوارث أو للاجنبي بما زاد على الثلث فإنه لحق الورثة، لان الحربي في داره كالميت في حقنا والصية للميت باطلة.
ونص محمد في الاصل على عدم جواز الوصية للحربي صريحا، وكذا في الجامع الصغير، وذكر شراحه أن في السير الكبير ما يدل على الجواز، ورده العلامة قاضي زاده بأن لفظ السير الكبير: لو أوصى مسلم لحربي والحربي في دار الحرب لا يجوز، واعترضه في العزمية بأن ناقلي الجواز مؤتمنون في الاخذ والنقل.
وذكر العلامة جوى زاده أن مرادهم بما يدل على الجواز ما ذكره في شرح السير الكبير للسرخسي بقوله: لا بأس أن يصل الرجل المسلم المشرك قريبا كان أو بعيدا محاربا كان أو ذميا، واستدل عليه بأحاديث منها: أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وآله خمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا وأمر بدفع ذلك إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان ابن أمية ليفرقا على فقراء أهل مكة، فقبل ذلك أبو سفيان وأبي صفوان.
قال: وبه تأخذ، لان صلة الرحم محمودة عند كل عاقل وفي كل دين والاهداء إلى الغير من مكارم الاخلاق، قال صلى الله عليه وآله: بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)
فعرفنا أن ذلك حسن في حق المسلمين والمشركين جميعا اه.
فالخلاف في جواز صلة الحربي وعدمه لا في جواز الوصية وعدمه اه ملخصا.
وتمامه في الشرنبلالية.(1/234)
والحاصل: أن التعليل بأن الحربي كالميت اقتضى عدم جواز الوصية له، والتعليل بالنهي اقتضى عدم جواز كل من الوصية والصلة، وما في السير دل على جواز الصلة دون الوصية خلافا لما فهمه شراح الجامع، فصار الخلاف في جواز الصلة فقط.
أقول: وقد رأيت نص الامام محمد على جواز الهدية حيث قال في موطئه في باب ما يكره من لبس الحرير والديباج: ولا بأس أيضا بالهدية إلى المشرك المحارب ما لم يهد إليه سلاح أو درع، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا اه.
قوله: (لان المستأمن كالذمي) فإذا أوصى لمسلم أو ذمي بجميع ماله جاز كما مر، ويأتي تمامه.
قوله: (كما أفاده المنلا) في بعض النسخ المنلا خسرو.
قوله: (ولا لوارثه) أي الوارث وقت الموت كما مر بيانه.
قال القهستاني: واعلم أن الناطفي طكر عن بعض أشياخه أن المريض إذا عين لواحد من الورثة شيئا كالدار على أن لا يكون له في سائر التركة حق يجوز.
وقيل هذا إذا رضي ذلك الوارث به بعد موته، فحينئذ يكون تعيين الميت كتعيين باقي الورثة معه كما في الجواهر اه.
قلت: وحكى القولين في جامع الفصولين فقال: قيل جاز، وبه أفتى بعضهم وقيل: لا اه.
فرع: قال في البزازية وفي العتابي اجتمع قرابة المريض عنده يأكلون من ماله: إن كانوا ورثة لم يجز إلا أن يحتاج المريض إليهم لتعاهده فيأكلون مع عياله بلا إسراف، وإن لم يكونوا ورثة جاز من ثلث ماله لو بأمر المريض اه.
قوله: (وقاتله مباشرة) لقوله عليه الصلاة والسلام: لا وصية لقاتل ولانه استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية كالميراث، سواء أوصى له قبل القتل ثم قتله، أو أوصى له بعد الجرح لاطلاق الحديث.
زيلعي.
أقول: والمراد بالاستعجال ما يظهر من حال القاتل، وإلا فمذهب أهل الحق أن المقتول ميت بأجله.
تأمل.
فرع: جرحه رجل وقتله آخر جازت للجارح، لانه ليس بقاتل.
ولولوالجية.
قوله: (لا تسببا) كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه لانه غير قاتل حقيقة.
قوله: (كما مر) أي في كتاب الجنايات.
قوله: (إلا بإجازة ورثته) الاستثناء متعلق بالمسألتين.
قال في البرهان: الوصية للقاتل تجوز بإجازة الورثة عندهما، وقال أبو يوسف: لا تجوز، والخلاف في غير قتله عمدا بعد الوصية، فإنها تكون ملغاة بالاتفاق.
شرنبلالية.
قوله: (وسنحققه) أي قريبا.
قوله: (وإجازة المريض كابتداء وصية) فإذا كان وارث الموصي مريضا فأجاز الوصية هو بالغ عاقل: إن برئ صحت إجازته وإن مات من ذلك المرض، فإن كان الموصى له وارثه لا تجوز إجازته إلا أن تجيزه ورثة المريض بعد موته، وإن كان أجنبيا تجوز إجازته ويعتبر ذلك من الثلث.
منح.
قوله: (جاز على المجيز الخ) بأن يقدر في حق المجيز كأن كلهم أجازوا وفي حق غيره كأن كلهم لم يجيزوا، وقدمنا بيانه عن المقدسي.
قوله: (أو يكون)(1/235)
بالنصب عطفا على قوله بإجازة ورثته، لانه في تأويل أن يجيز.
قوله: (لانهما ليسا أهلا للعقوبة) ولذا لم يحرما الميراث، وهذا التعليل ذكره الشرنبلالي بحثا منه ولي فيه نظر، إذ لو كانت العلة في الكبير العقوبة لم تجز الوصية بالاجازة كالميراث.
نعم هو ظاهر على قول أبي يوسف بأنها لا تجوز للقاتل، وأن أجازها الورثة، وعللوا له بأن جنايته باقي والامتناع لاجلها عقوبة له، وأما عندهما فهو لحق الورثة دفعا للغيظ عنهم حتى لا يشاركهم في مال من سعى في قتله، وهذا ينعدم بإجازتهم والصبي بمعزل من الغيظ، فلم يثبت في حقه ما ثبت في حق البالغ.
كذا في الكفاية وغيرها.
قوله: (أي سوى الموصى له) تفسير للضمير في سواه وقوله: القاتل أو الوارث بدل من الموصى له.
قوله: (حتى لو أوصى الخ) تفريع على قوله: أو الوارث.
وفي القهستاني: ولو أوصى لقتله ولا وارث له صحت الوصية له، وهذا عند الطرفين.
قوله: (فلها ربعهما) لان الارث بعد الوصية ففرضها ربع الثلثين الباقيين.
قوله: (فله الثلث) وهو نصف الباقي.
فرع: ترك امرأة وأوصى لها بالنصف ولاجنبي بالنصف: يعطي للاجنبي أولا الثلث وللمرأة ربع الباقي إرثا والباقي يقسم بينهما على قدر حقوقهما.
تاترخانية.
وفيها: تركت زوجها فقط وقد
كانت أوصت لاجنبي بالنصف فللموصى له نصف المال وللزوج الثلث والسدس لبيت المال اه.
ولو أوصى لكل منهما بالكل فقد أوضحه في الجوهرة.
قوله: (إلا في تجهيزه وأمر دفنه) لكنه تراعى فيه المصلحة لما قال في الخلاصة عن الروضة: لو أوصى بأن يكفن بألف دينار يكفن بكفن وسط، ولو أوصى بأن يكفن في ثوبين لا يراعى شرائط الوصية، لو أوصى بأن يكفن في خمسة أثواب أو ستة أثواب يراعي شرائطه، ولو أوصى بأن يدفن في مقبرة كذا بقرب فلان الزاهد تراعى شرائطه إن لم يلزم في التركة مؤنة الحمل، ولو أوصى بأن يدفن مع فلان في قبر واحد لا يراعى شرطه اه.
شرنبلالية.
أقول: وظاهر كلامه يوهم أن صاحب الخلاصة ذكر المسألة في وصية الصبي، وليس كذلك، بل عبارة الخلاصة مطلقة ومثلها في البزازية.
قوله: (وعليه تحمل إجازة عمر الخ) قال في العناية: والاثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم: يعني كان بالغا لم يمض على بلوغه زمان كثير ومثله يسمى يافعا مجازا، أو كانت وصيته في تجهيزه وأمر دفنه، ورد بأنه صح في رواية الحديث أنه كان غلاما لم يحتلم، وأنه أوصى لابنة عم له بمال فكيف يصح التأويل؟ قال الطحاوي: والاحتجاج بهذا(1/236)
الاثر لا يصح من الشافعي لانه مرسل، عندنا المرسل وإن كان حجة لكن هذا مخالف قوله عليه الصلاة والسلام: رفع القلم عن ثلاث وفيه نظر، لان المراد بالقلم التكليف وما نحن فيه ليس منه.
وقال ابن حزم: وهو مخالف لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * (النساء: 6) الآية، فإنها تدل على أن الصبي ممنوع من ماله اه ملخصا.
أقول: قد يقال رفع التكليف دليل الحجر عن الاقوال والتصرفات فإن ذلك لازم له شرعا.
تأمل.
قوله: (يعني المراهق) تفسير ليافع، والمراهق قارب البلوغ، وهذا التفسير موافق لما في المغرب.
قوله: (وقيل عندهما الخ) هذا الخلاف فيما إذا أوصى بثلث ماله مثلا، أما لو أوصى بعين من ماله فلا تصح إجماعا، كما أنه يصح إجماعا إذا أضاف الوصية إلى ما يملكه بعد العتق، والدليل مذكور في المطولات ط.
قوله: (إلا إذا أضافها) بأن قال: إذا عتقت فثلث مالي وصية لفلان أو أوصيت بثلث
مالي له، حتى لو عتق قبل الموت بأداء بدل الكتابة أو غيره ثم مات، كان للموصى له ثلث ماله، وإن لم يعتق حتى مات عن وفاء بطلت الوصية لان الملك له حقيقة لم يوجد.
زيلعي.
قوله: (وعبارة الدرر أضافاها) كأن نسخته كذلك، وإلا فالذي رأيته فيها كعبارة المصنف.
قوله: (لزوال المانع الخ) بيان لوجه المخالفة بينهما وبين الصبي، فإن أهليتهما كاملة، وإنما منه لحق المولى فتصح إضافتهما إلى حال سقوط حق المولى، أما الصبي فأهليته قاصرة، فليس بأهل لقول ملزم، فلا يملكه تنجيزا ولا تعليقا.
قوله: (بالاشارة) متعلق بتصح المقدر بعد أداة النفي.
قوله: (وقيل: إن امتدت لموته جاز) قال في الكفاية: وذكر الحاكم رواية عن أبي حنيفة: إن دامت العقلة إلى الموت يجوز إقراره بالاشارة والاشهاد عليه، لانه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله فكان كالاخرس قالوا: وعليه الفتوى.
اه.
قال السائحاني: سواء طالت المدة أو قصرت، والقول الاول مشروط بالامتداد سنة وإن لم يتصل بها الموت، وهذا ما يظهر من كلامهم.
قوله: (درر) وبه جزم في متن المواهب.
قوله: (وإنما تملك بالقبول) دخول على المتن، فإن لم يقبل بعد الموت فهي موقوفة على قبوله، وليست في ملك الوارث ولا في ملك الموصى له حتى يقبل أو يموت.
إتقاني عن مختصر الكرخي.
قوله: (ثم هو بل قبول) أي ولا رد.
قوله: (استحسانا) والقياس بطلانها لان تمامها موقوف على القبول، وقد فات وجه الاستحسان أنها تمت من جهة الموصي تماما لا يلحقه الفسخ، ووقفت على خيار الموصى له فصار كالبيع(1/237)
بالخيار للمشتري لو مات في الثلاث قبل الاجازة يتم والسلعة لورثته، فكذا هنا، فيكون موته بلا رد كقبوله دلالة.
إتقاني.
تنبيه: قال المقدسي: وإذا قبل الموصى له ملك الموصى به، وإلا فلا عند الجمهور إن كان معينا يمكن قبوله.
بخلاف نحو الفقراء وبني هاشم ومصلحة مسجد وحج وغزوة، وفي الظهيرية قال: أعطوا بعد موتي ثلث مالي مساكين مكة كذا، فلم مات أتى الوصي بالمال إليهم فقالوا: لا نريده وليس بنا حاجة إليه.
قال أبو القاسم: يرد المال إلى الورثة، وإن رجعوا قبل رده للورثة لبطلان حقهم بالرد.
وفي الاشباه: وإذا قبلها ثم ردها على الورثة إن قبلوها انفسخ ملكه وإلا لم يجبروا اه، سائحاني.
قوله: (وله الرجوع عنها) لان تمامها بموت الموصي، ولان القبول يتوقف على الموت، والايجاب المفرد يجوز إبطاله في المعاوضات كالبيع، ففي التبرع أولى.
عناية.
واعلم أن الرجوع في الوصية على أنواع: ما لا يحتمل الفسخ بالقول والفعل كالوصية بعين، وما يحتمله إلا بالقول كالوصية بالثلث أو الربع، فإنه لو باع أو وهب لن تبطل وتنفذ الوصية من ثلث الباقي وما لا يحتمله إلا بالفعل كالتدبير المقيد، فلو باعه صح، لكن لو اشتراه عاح د لحاله الاول، وما لا يحتمله بهما كالتدبير المطلق اه ملخصا من الاتقاني والقهستاني.
قوله: (أو فعل الخ) هذا رجوع دلالة والاول صريح، وقد يثبت ضرورة بأن يتغير الموصى به ويتغير اسمه، كما إذا أوصى بعنب في كرمه فصار زبيبا، أو ببيضة فحضنتها دجاجة حتى أفرخت قبل موت الموصي.
وتمامه في الكفاية.
قوله: (بأن يزيل اسمه الخ) كما إذا اتخذ الحديد سيفا أو الصفر آنية، لانه لما أثر في قطع ملك المالك فلان يؤثر في المانع أولى.
زيلعي.
أي في المنع عن حصول الملك للموصى له، وإذا ذبح الشاة الموصى بها كان مجرد الذبح رجوعا وكان ينبغي عدمه، لانه نقصان كقطعة الثوب ولم يخطه، وهدم بناء الدار، ولكن نقول الذبح دليل على استبقائه على ملكه فكان دليل الرجوع، لان اللحم قلما يبقى عادة إلى وقت الموت.
إتقاني.
قوله: (كلت السويق الخ) وكالقطن يحشو به والبطانة يبطن بها والظهارة يظهر بها، لانه لا يمكن تسليمه بدون الزيادة، ولا يمكن نقضها لانه حصل في ملك الموصي من جهته.
هداية.
وكذا لو زرع فيها شجرا أو كرما لا لو زرع رطبة.
خانية.
قوله: (لانه تصرف في التابع) وهو البناء والتجصيص زينة.
إتقاني.
وانظر هل تطيين الدار وتكليسها كالبناء أو كالتجصيص؟ ثم رأيت في الخانية ما نصه: وإن طينها يكون رجوعا إذا كان كثيرا اه.
وتمام ذلك في شرح الوهبانية فراجعه.
قوله: (عطف على بقول) فيه مسامحة لان العطف على المجرور بدون الجار.
أفاده.
قوله: (فهو أصل ثالث الخ) يعني أنه قسم ثالث للفعل المفيد للرجوع، خلافا لم يفيده تعبير المصنف من أنه مقابل للفعل، لكن قال ح: هذا إنما يظهر في عبارة الدرر حيث قال: أو يزيد، ولم(1/238)
يذكر لفظة الصرف، وأما على ذكرها فلا، سواء كان بأو أو بالواو اه.
قوله: (عاد لملكه ثانيا) أي
بالشراء أو بالرجوع عن الهبة، زيلعي.
وهذا في غير المدبر المقيد كقوله: إن مت من مرضي هذا فأنت حر، فإنه لو باعه ثم اشتراه عاد إلى الحال الاول، كما نقله الاتقاني وقدمناه.
قوله: (وكذا إذا خلطه بغيره بحيث لا يمكن تمييزه) أقول: وكذا إن أمكنه ولكن بعسر كشعير ببر، وكان عليه أن يذكر هذا عند قول المتن: أو فعل لحق المالك سائحاني.
قوله: (لانه تصرف في التبع) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: في النفع بالنون والفاء، وعلى كل فالمراد به إزالة الوسخ.
وعبارة الهداية: لان من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة فكان تقريرا اه: أي إبقاء للوصية لا رجوعا عنها.
قوله: (لا يضر أصلا) أي سواء كان قبل القبول أو بعده.
زيلعي، لانه حصل بعد تمامها، لان تمامها بالموت، كفاية.
قوله: (ولا بجحودها) لان الرجوع عن الشئ يقتضي سبق وجوده وجحود الشئ يقتضي سيق عدمه، إذ الجحود نفي لاصل العقد، فلو كان الجحود رجوعا اقتضى وجود لوصية وعدمها فيما سبق وهو محال، كفاية.
قوله: (وأقره المصنف) قال في شرح الملتقى: ولكن المتون على الاول ولذا قدمه المصنف على عادته اه.
أقول: وأخر في الهداية دليله فكان مختارا له.
قال في النهاية: وجزم به في المواهب والاصلاح.
قال في قضاء الفوائت من البحر: وإذا اختلف التصحيح والافتاء فالعمل بما وافق المتون أولى.
قوله: (فحرام أو رياء الخ) لان الوصف يستدعي بقاء الاصل والتأخير ليس للسقوط كتأخير الدين.
زيلعي.
قوله: (فكل ذلك رجوع) لان الترك إسقاط والباطل الذاهب المتلاشي، ولان قوله (الذي أوصيت به الخ) يدل على قطع الشوكة، بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر، لان المحل يحتمل الشركة واللفظ صالح لها.
زيلعي.
قوله: (لبطلان الثانية) أي لان الاولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني ولم تكن، فبقي لاول على حاله.
زيلعي.
قوله: (وتبطل هبة المريض ووصيته الخ) لان الوصية إيجاب عند الموت وهي وارثة عند ذلك، ولا وصية للوارث، والهبة وإن كانت منجزة صورة فهي كالمضاف إلى ما بعد المون حكما، لان حكمها يتقرر عند الموت، إلا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق وعند عدم الدين تعتبر من الثلث.
هداية.
قوله: (بعدها) كذا في النسخ، والذي رأيته في المنح بعدهما بضمير التثنية وهي الانسب.
قوله: (لجواز الوصية) أي إثباتا ونفيا.
قوله: (وقت الموت(1/239)
الخ) فتصح لو أوصى لزوجته ثم طلقها ثلاثا أو واحدة ومضت عدتها ثم مات الموصي.
قهستاني.
قوله: (لانه يعتبر الخ) لان الاقرار ملزم بنفسه فلا يتوقف إلى شرط زائد، كتوقف الوصية إلى الموت فيصح إقراره بالدين لانه حصل لاجنبية.
إتقاني.
قوله: (فلو أقر لها) أي للمرأة الاجنبية المفهومة من الكلام، وهو تفريع على قوله: أو غير وارث يوم الاقرار أي جاز الاقرار لها لانها غير وارثة وقته، وإن صارت وارثة وقت الموت، وقدمنا أنه يشترط كون الارث بسبب حادث بعد الاقرار كالتزويج هنا، بخلاف ما لو كان بسبب قائم وقت الاقرار لكن منع منه مانع ثم زال عند الموت، كما أفاده بقوله: ويبطل الخ ومثله ما لو أقر لزوجته الكتابية أو الامة ثم أسلمت قبل موته أو أعتقت لا يصح الاقرار لقيام السبب حال صدوره كما أفاده الزيلعي.
قوله: (أو عبدا) قيد الزيلعي بما إذا كان عليه دين، لان الاقرار وقع له، وهو وارث عند الموت فيبطل كالوصية، وإن لم يكن عليه دين صح الاقرار لانه وقع للمولى، إذ العبد لا يملك اه.
وعزاه في الهداية إلى كتاب الاقرار، وظاهر ما قدمناه قبل أوراق عن الزيلعي والنهاية عدم بطلان الاقرار بعتق الابن المقر به مطلقا وقدمنا ما فيه.
فتنبه.
قوله: (لقيام النبوة وقت الاقرار) علة لبطلان الاقرار، وأما الوصية والهبة فلان المعتبر فيهما وقت الموت كما قدمه، وقد صار الابن وارثا وقته فبطلا.
قوله: (وهبة مقعد الخ) النقعد بضم ففتح: من لا يقدر على القيام، والمفلوج: من ذهب نصفه وبطل عن الحس والحركة، والاشل: من شلت يده.
عناية.
قوله: (به علة السل) هو أولى مما في النهاية عن االمغرب من أن المسلول من سلت خصيتاه لما قال الاتقاني إنه لا يناسب هنا، لانه بعد تطاول الزمان لا يسمى مريضا أصلا.
قوله: (إن طالت مدته سنة) هذا على ما قاله أصحابنا، وبعضهم قالوا: إن عد في العرف تطاولا فتطاول، وإلا فلا.
قهستاني.
قوله: (ولم يخف موته منه) هذه الجملة وقعت موضحة للجملة الشرطية.
حموي عن المفتاح اه ط.
ثم المراد من الخوف الغالب منه لا نفس الخوف.
كفاية وفسر القهستاني عدم الخوف بأن لا يزداد ما به وقتا فوقتا ا ه.
لانه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه كالعمى والعرج، وهذا لان المانع من التصرف مرض الموت، وهو ما يكون سببا للموت غالبا، وإنما يكون كذلك إذا كان بحيث يزداد حالا فحالا إلى أن
* ويمون آخره الموت، وأما إذا استحكم وصار بحيث لا يزداد ولا يخاف منه الموت لا يكون سببا ل لموت، كالعمى ونحوه إذ لا يخاف منه، ولهذا لا يشتغل بالتداوي اه.
زيلعي وغيره.
قوله: (وإلا تطل وخيف موته) عبارة القهستاني: وإلا يكن واحد منهما بأن لم تطل مدته بأن مات قبل سنة أو خيف موته بأن يزداد ما به يوما فيوما اه.
ومفهومه أنه إذا لم تطل ولم يخف موته فهو من الثلث، ويخالفه عبارة الزيلعي ونصها: أي إن لم يتطاول يعتبر تصرفه من الثلث إذا كان صاحب فراش، ومات منه في أيامه لانه في ابتدائه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت، وإن صار صاحب فراش بعد التطاول فهو كمرض حادث، حتى تعتبر تصارفاته من الثلث اه.
وهو الموافق لكلام الشارح.
وبقي ما إذا طال وخيف موته، ومقتضى عبارة القهستاني أنه من الثلث أيضا، وهو المفهوم(1/240)
من تقييد المصنف ما يكون من كل المال بقوله: ولم يخف موته.
قوله: (لانها أمراض مزمنة) أي طويلة الزمان وهو تعليل لقوله: من كل ماله فكان ينبغي ذكره قبل قوله: وإلا الخ قال في المنح: وفي جامع الفصولين: وأما المقعد والمفلوج، قال في الكتاب: إن لم يكن قديما فهو بمنزلة المريض، وإن كان قديما فهو بمنزلة الصحيح لان هذه علة مزمنة وليست بقاتلة اه.
قوله: (وعليه اعتمد في التجريد) وفي المعراج: وسئل صاحب المنظومة عن حد مرض الموت، فقال: كثرت فيه أقوال المشايخ، واعتمادنا في ذلك على قول الفضل، وهو أن لا يقدر أن يذهب في حوائج نفسه خارج الدار والمرأة لحاجتها داخل الدار لصعود السطح ونحوه.
اه.
وهذا الذي جرى عليه في باب طلاق المريض، وصححه الزيلعي.
أقول: والظاهر أنه مقيد بغير الامراض المزمنة التي طالت، ولم يخف منها الموت كالفالج ونحوه، وإن صيرته ذا فراش ومنعته عن الذهاب في حوائجه، فلا يخالف ما جرى عليه أصحاب المتون والشروح هنا.
تأمل.
قوله: (والمختار الخ) كذا اختياره صاحب الهداية في كتابه التجنيس.
تنبيه: تبرع الحامل حالة الطلق من الثلث، ولو اختلطت الطائفتان للقتال وكل منهما مكافئة
للاخرى أو مقهور فهو في حكم مرض الموت، وإن لم يختلطوا فلا.
وراكب البحر إن كان ساكنا فليس بمخوف، وإن هبت الريح أو اضطرب فهو مخوف.
والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف، وإلا فلا.
معراج ملخصا.
وتأمله مع ما مر في باب طلاق المريض.
قوله: (وإذا اجتمع الوصايا الخ) اعلم أن الوصايا إما أن كون كلها لله تعالى، أو للعباد، أو يجمع بينهما، وإن اعتبار التقديم مختص بحقوقه تعالى لكون صاحب الحق واحدا، وأما إذا تعدد فلا يعتبر، فما للعباد خاصة لا يعتبر فيها التقديم، كما لو أوصى بثلثه لانسان ثم به لآخر، إلا أن ينص على التقديم، أو يكون البعض عتقا أو محاباة على ما سيأتي، وما لله تعالى: فإن كان كله فرائض كالزكاة والحج، أو واجبات كالكفارات والنذور وصدقة الفطر، أو تطوعات كالحج والتطوع والصدقة للفقراء يبد بما بدأ به الميت، وإن اختلطت يبدأ بالفرائض قدمها الموصي أو أخرها، ثم بالواجبات، وما جمع فيه بين حقه تعالى وحق العباد فإنه يقسم الثلث على جميعها، ويجعل كل جهة من جهات القرب مفردة بالضرب ولا تجعل فإنه يقسم الثلث على جميعها، ويجعل المقصود بجميعها وجه الله تعالى، فكل واحدة منها في نفسها مقصودة فتنفرد كوصايا الآدميين، ثم تجمع فيقدم فيها الاهم فالاهم، فلو قال ثلث مالي في الحج والزكاة ولزيد والكفارات: قسم على أربعة أسهم، ولا يقدم الفرض على حق الآدمي لحاجته، وإن كان الآدمي غير معين بأن أوصى بالصدقة على الفقراء فلا يقسم، بل يقدم الاقوى فالاقوى، لان الكل يبقى حقا لله تعالى إذا لم يكن ثم مستحق معين، هذا إذا لم يكن في الوصية عتق منفذ في المرض أو معلق بالموت كالتدبير ولا محاباة منجزة في المرض، فإن كان بدئ بهما على ما سيأتي تفصيله في باب العتق في المرض، ثم يصرف الباقي إلى سائر الوصايا اه.
ملخصا من العناية والنهاية والتبيين.
قوله: (قدم الفرض) كالحج والزكاة والكفارات، لان الفرض أهم من النفل، والظاهر منه البداءة بالاهم.
زيلعي.
وأراد بالفرض ما يشمل الواجب بقرينة قوله: والكفارات، لكن الفرض(1/241)
الحقيقي مقدم على الواجب كما مر.
وفي القهستاني: فيبدأ بالفرض حق العبد ثم حق الله تعالى ثم الواجب ثم النفل كما روي عنهم.
قوله: (وإن تساوت قوة الخ) قال في الملتقى: وإن تساوت في
الفرضية وغيرها قدم ما قدمه.
وقيل: تقدم الزكاة على الحج.
وقيل: بالعكس الخ، ومثله في الاختيار والقهستاني.
فأشار إلى أنه لا يقدم بعض الفرائض على البعض بلا تقديم من الموصي إذا تساوت قوة: أي بأن كانت كلها فرائض حقيقة احترازا عما لو كان فيها واجبات، وإن القول بتقديم بعض الفرائض على بعض غير معتمد، والقائل بذلك الامام الطحاوي، وبالاول الامام الكرخي، وذكر أنه قول الكل حيث قال في مختصره: قال هشام عن محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف وهو قول محمد: كل شئ كان جميعه لله تعالى من الحج والصدقة والعتق وغيره فأوصى به رجل والثلث لا يبلغ ذلك: فإن كان كله تطوعا بدا بالاول مما نطق به حتى يأتي على آخره أو ينتقص الثلث فيبطل ما بقي، وكذلك لو كان كله فريضة بدئ بالاول فالاول حتى يكون النقصان على الآخر، وإن كان بعضه تطوعا وبعضه فريضة أو أوجبه على نفسه بدئ بالفرض أو ما أوجبه على نفسه وإن أخره في نطقه.
قال هشام: إلى هنا قولهم جميعا.
وتمامه في غاية البيان.
قوله: (قال الزيلعي الخ) أقول: قال الزيلعي بعد قول الكنز وإن تساوت في القوة الخ: لان الظاهر من حال المرء أن - يبدأ بما هو الاهم عنده، والثابت بالظاهر كالثابت نصا، فكأنه نص على تقديمه فتقدم الزكاة على الحج لتعلق حق العبد بها، وهما على الكفارة لرجحانهما عليها، لانه جاء من الوعيد فيهما ما لم يأت في غيرهما، وكفارة القتل والظهار واليمين مقدمة على الفطرة الخ.
ومثله في النهاية.
أقول: صدر تقريره موافق لقول الكرخي وآخره لقول الطحاوي، فقد جمع بين القولين مفرعا أحدهما على الآخر، وقد علمت من عبارة الملتقى تخالفهما، وأن الثاني منهما ضعيف.
فتدبر.
ولم أر من أوضح هذا المحل، فتأمل، ثم رأيت الاتقاني قال في غاية البيان: وقال بعضهم: إن كفارة القتل تقدم على كفارة اليمين لقوتها بشرط الاسلام فيها، ثم كفارة اليمين على كفارة الظهار لوجوبها بهتك حرمة اسم الله تعالى، والثانية بإيجاب حرمة على نفسه، ولنا فيه نظ ر لانه خلاف المنصوص من الرواية، لانه لا تقدم الفرائض بعضها على بعض، وكذلك التطوع بل يبدأ بما بدأ به الموصي، وقد مر نص الكرخي على ذلك، والمعنى في تقديم الزكاة والحج على الكفارات ذكرناه وهو الوعيد، ومثل
هذا لم يوجد في شئ من الكفارات اه.
وأراد بالبعض صاحب النهاية.
أقول: وتقديم الحج والزكاة على الكفارات ظاهر، لان الكفارات واجبة كما مر لكن الاتقاني نفسه ذكر أنه تقدم الكفارات على الفطرة والفطرة على الاضحية كما فعل الزيلعي والشارح، ولعله بناه على قول الطحاوي، وعليه لا مانع من تقديم بعض الكفارات على بعض إذا وجد المرجح، كما فعله صاحب النهاية وتبعه الزيلعي وبه يسقط النظر، فتدبر.
قوله: (يبدأ بكفارة قتل ثم يمين ثم ظهار) تقدم وجه ترتيبها.
قوله: (ثم إفطار الخ) مخالف لما في النهاية من تقديم الفطرة لوجوبها بالاجماع وبأخبار مستفيضة على كفارة الافطار لثبوتها بخبر الواحد وعلى النذر، لانها بإيجاب الله تعالى، فتقدم(1/242)
على ما يجب بإيجاب العبد والنذر على الاضحية للاختلاف في وجوبها دون وجوبه.
قوله: (وقدم العشر) لعله لاشتماله على حق الله تعالى والعباد، بخلاف الخراج فإنه قصر على الثاني ط.
قوله: (إن حج النفل أفضل من الصدقة) يشير إلى تقديمه عليها وإن أخره الموصي، لكن في العناية والنهاية أن ما ليس بواجب قدم فيه ما قدمه كحج تطوع وعتق نسمة غير معينة وصدقة على الفقراء، وهو ظاهر الرواية.
وروى الحسن عن أصحابنا أنه يبدأ بالافضل فالافضل، يبدأ بالصدقة ثم الحج ثم العتق اه.
وقوله: يبدأ بالصدقة ثم الحج مبني على ما كان يقوله الامام أولا، ولما شاهد مشقة الحج رجع، فإن حج بمقدار ما يريد إنفاقه كان أفضل.
قوله: (أحج عنه) بالبناء للمفعول.
قوله: (راكبا) لانه لا يلزم أن يحج ماشيئا فوجب عليه الاحجاج على الوجه الذي لزمه.
زيلعي.
قوله: (فلو لم تبلغ النفقة الخ) ومثله بالاولى ما في القهستاني أيضا: لو كان في المال المدفوع وفاء بالركوب فمشى واستبقى النفقة لنفسه فهو مخالف ضامن للنفقة لانه لم يحصل ثوابها له اه.
قوله: (أنا أحج عنه) أي من بلده.
قوله: (وإن مات حاج في طريقه الخ) قدم الشارح في باب الحج عن عن الغير أنه إنما تجب الوصية به إذا أخره بعد وجوبه، أما إذا حج من عامة فلا.
قوله: (من بلده) لان الواجب عليه أن يحج من بلده والوصية لاداء ما هو الواجب عليه.
زيلعي.
فإن أحج الوصي من غير بلده يضمن، إلا أن يكون ذلك المكان بحيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل اه.
مناسك السندي.
وفيها: لو وصى أن يحج من غير بلده
يحج عنه كما أوصى قرب من مكة أو بعد اه.
قلت: والظاهر أن الموصي يأثم بذلك لتركه الواجب عليه، ومثله لو أوصى بما لا يكفي للاحجاج من بلده.
تأمل.
قوله: (عليه المتون) وهو الصحيح، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم اه قاسم.
قوله: (فافهم) يشير إلى أنه مما خرج من قاعدة تقديم الاستحسان على القياس.
قوله: (ومن لا وطن له الخ) ولو له أوطان فمن أقربها إلى مكة، وإ مكيا فمات بخراسان فمن مكة، إلا أن يوصي بالقران فمن خراسان.
جوهرة.
فرع: قال أحجوا عني بثلث مالي أو بألف وهو يبلغ حججا: فإن صرح بواحدة اتبع ورد الفضل إلى الورثة، وإلا حج عنه حججا في سنة واحدة وهو الافضل، أو في كل سنة اه سندي.
قوله:(1/243)
(بطلت الوصية) لان العبد المشتري بالكل مغاير لما اشترى بالثلث.
درر.
ونظيره يقال فيما بعد ط.
قوله: (فصار معتوها الخ) عبارة لخانية: فصار معتوها فمكس كذلك زمانا ثم مات بعد ذلك، قال محمد: وصيته باطلة اه.
وانظر هل تعتبفيه المدة المعتبرة في الجون والظاهر نعم إذ لا فرق بينهما، ولان الزمان منكرا ستة أشهر.
تأمل.
قوله: (في قول أبي حنيفة) الاقتصار عليه يدل على اعتماده ط.
وفي الظهيرية: قال أوصيت بثلث مالي لله تعالى فالوصية باطلة في قول أبي حنيفة، وقال محمد: جائزة، ويصرف إلى وجوده البر، وبه يفتى اه.
قوله: (فإن الوصية باطلة) لانها ليست من أهل الملك نظرا إلى لفظ الموصي لا إلى قصده ونظيره ما في المعراج: أوصى بشئ لمسجد الحرام لم يجز، ألا أن يقول ينفق على المسجد، لانه ليس من أهل الملك، وذكر النفقة بمنزلة النص على مصالحة، وعند محمد: يصح ويصرف إلى مصالحه تصحيحا لكلامه اه.
قوله: (جاز) أي وتكون وصية لصاحب الفرس.
خانية.
أقول: ويؤخذ منه مما ذكره الاتقاني من أنه أوصى بالثلث لما في بطن دابة فلان لينفق عليها جاز إذا قبل صاحبها اه.
أن له أن يصرفها في مصالحه، وأنه يشترط أن يكون ممن تصح وصيته له، وأنها تبطل برده وبموته قبل الموصي.
تأمل.
قوله: (وتبطل ببيعها) وكذا بموتها خانية والظاهر أنه
راجع للمسألتين، ولعل وجهه أنها وإن كانت وصية لصاحبها إلا أنها معلقة في المعنى على وجودها في ملكه.
تأمل.
ثم رأيت في الولوالجية قال بعد قوله: فإذا بيع الفرس بطل ما نصه: لان هذه وصية لصاحب الفرس ونظيره ما لو قال: والله لا أكلم عبد فلان أو لا أركب دابة فلان اه.
أي فإن اليمين تبطل بزوال الاضافة بأن باع العبد أو الدابة مثلا، لان العبد أو الدابة لا يهجر لذاته بل لاجل صاحبه كما قرره في محله، فهنا تبقى الوصية ما دامت الاضافة موجودة، وتبطل بزوالها.
لكن في الولوالجية أيضا قبيل هذا الفرع: لو أوصى لمملوك فلان بأن ينفح ق عليه كل شهر عشرة دراهم، فالوصية جائزة وتدور مع العبد حيثما دار ببيع أو عتق.
وعبارة الظهيرية: قال أبو يوسف ومحمد: كانت الوصية للعبد، وتدور معه حيثما دار بيع أو عتق، وإن صالح مولاه عن ذلك وأجاز العبد جاز، وإن عتق ثم أجاز فإجازته باطلة اه.
وتأمله مع ما قدمناه من أن الوصية لعبد الوارث لا تجوز، لانها وصية للوارث حقيقة.
قوله: (وله سكناها) أي بالمهايأة مع الوارث زمانا.
قوله: (وليس للوارث بيع ثلثيها) لثبوت حق الموصى له في سكنى كلها بظهور مال آخر أو بخراب ما في يده، فحينئذ يزاحمهم في باقيها.
قوله: (له ذلك) أي للوارث بيع ثلثيها.
قوله: (وله أن يقاسم الورثة) معطوف على قوله: وله سكناها والضمير للرجل: أي للموصى له المقاسمة في عين الدار بالاجزاء إن(1/244)
احتملت القسمة، وهذا أعدل من المهايأة لما فيه من التسوية بينهما زمانا وذاتا كما في الهداية، والمسألة ستأتي في باب الوصية بالخدمة والسكنى.
قوله: (وعلى الموصى لهما أن يدوس ويسلخ الشاة) كان عليه أن يقول: أن يدوسا ويسلخا الشاة بألف التثنية إه ح.
قلت: وأن يزيد ويحلجا القطن كما في الظهيرية، وهذا لان المقصود إخراج كل منهما عن صاحبه، بخلاف ما إذا أوصى بدهن هذا السمسم لرجل وبكسبه لآخر، وبما في اللبن من الزبد لرجل وبالمخيض لآخر، فالنفقة على صاحب الدهن والزبد، لان المقصود إخراجهما فقط، وبه يعتبر ما لشريكه عن حاله فعليه تخليصه.
ولو كانت الشاة حية فأجر الذبح عن صاحب اللحم خاصة، لان التذكية لاجل اللحم لا الجلد كما في الولوالجية.
قوله: (في رمضان) لعله إنما خصه لزيادة ذلك فيه،
وإلا فغير رمضان مثله، وانظر هل ذلك مقيد بقدر الحاجة؟ ثم رأيت في البزازية: لو قال ثلث مالي في سبيل الله فهو للغزو، فإن أعطوا حاجا منقطعا جاز.
وفي النوازل: لو صرف إلى سراج المسجد يجوز، لكن إلى سراج واحد في رمضان وغيره اه.
وهذا يستأنس به في تعيين قدر الحاجة ا ه ط.
قوله: (وتصرف لفقراء الكعبة) الذي في الولوالجية وغيرها لمساكين مكة.
قوله: (وكذا للمسجد وللقدس) أقول: الذي في المنح عن المجتبى: وبيت المقدس.
والحاصل أن في الايصاء للمسجد قولين: قول بعدم الصحة، وقول بالصحة كما سيأتي قبيل فصل وصايا الذمي، ثم على الصحة هل تصرف على منافعه، أو على فقرائه؟ قال محمد بالاول على ما هو كالصريح في كلامهم، وأما الثاني فصرح به في المجتبى على ما ترى، والقائل بعدم الصحة هو الشيخان إلا أن يقول: ينفق على المسجد فيجوز اتفاقا، وأجازه محمد مطلقا حملا على إرادة مصالحة تصحيحا للكلام لا على إرادة عينه، لانه لا يملك سواء عين المسجد أو لا، وبه أفتى صاحب البحر كما سيأتي.
وأما بيت المقدس فلا يتوهم أنه يفترق عن المسجد، حتى أن البزازية عزا ما في المتن لمحمد فافهم ولا تتعسف.
وينبغي الافتاء بأن الوصية للمسجد وصبة لفقرائه في مثل الازهر، وكذا حرر هذا المحل السائحاني رحمه الله تعالى، وانظر ما في شرح الوهبانية.
قوله: (جاز لغيرهم) قال في الخرصة: الافضل أن يصرف إليهم، وإن أعطى غيرهم جاز، وهذا قول أبي يوسف وبه يفتى.
وقال محمد: لا يجوز اه.
قلت: والاول موافق لقولهم في النذر بإلغاء تعيين الزمان والمكان والدرهم والفقير.
قوله: (لوارث الموصي) لان الرقبة على ملكه.
ولولوالجية.
وهل نفقته في وقف المسجد، كما لو أوصى(1/245)
لزيد فإن نفقته عليه كما سيأتي؟ لم أره.
قوله: (لاعمال البر) قال في الظهيرية: وكل ما ليس فيه تمليك فهو من أعمال البر حتى يجوز صرفه إلى عمارة الوقف وسراج المسجد دون تزيينه لانه إسراف اه.
قوله: (فالوصية باطلة) هو الاصح كما في جامع الفتاوى.
قوله: (ويطعم) أي بأن يطعم.
تأمل.
قوله: (ويحل لمن طال مقامه ومسافته) ويستوي فيه الغني والفقير.
خانية.
وتفسير طول المسافة أن لا يبيتوا في منازلهم.
ظهيرية.
والمراد أن لا يمكنهم المبيت فيها لو أرادوا الرجوع إليها في
ذلك اليوم.
قوله: (يضمن) الظاهر أن هذا لم مقدارا معلوما.
قوله: (وحمل المصنف الاول) أي ما في المتن من البطلان.
قوله: (بقيد ثلاثة أيام) الباء للسببية، وعبارة المصنف وما ذكر عن أبي بكر البلخي مقيد بثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث تجتمع النائحات فتكون وصية لهن فبطلت اه.
والظاهر أنه في عرفهم كذلك، وكأنه أخذه مما في الخانية عن أبي القاسم أن حمل الطعام إلى أهل المصيبة في الابتداء غير مكروه لاشتغالهم بتجهيز الميت ونحوه، وإما في اليوم الثالث فلا يستحب، لان فيه تجتمع النائحات فيكون إعانة على المعصية.
أقول: وعلل السائحاني للبطلان بأنها وصية للناس، وهم لا يحصون كما لو قال أوصيت للمسلمين، وليس في اللفظ ما يدل على الحجة فوقعت تمليكا من مجهول فلم تصح اه.
قوله: (والثاني) وهو القول بالجواز.
أقول: قدمنا أن القول الاول هو الاصح، وظاهره الاطلاق، ويؤيده ما في آخر الجنائز من فتح القدير حيث قال: ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت، لانه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة.
روى الامام أحمد عن جرير بن عبد الله قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة، ويستحب لجيران أهل الميت والاقرباء الاباعد، تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم، لقوله صلاى الله عليه وآله: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاء ما يشغلهم حسنه الترمذي وصححه الحاكم.
قوله: (أوصى بأن يصلي عليه فلام) لعل وجه البطلان أن فيها إبطال حق الولي في الصلاة عليه.
قوله: (أو يكفن في ثوب كذا) انظر ما قدمناه عند قول المصنف ولا من صبي مميز إلا في تجهيزه.
قوله: (وسنحققه) أي قبيل فصل الوصية بالخدمة بأن المختار أنه لا يكره تطيين القبول ولا القراءة عندها، وينبغي أن القول ببطلان الوصية مبني على الظهيرية بكراهة ذلك، وسيأتي ما فيه.(1/246)
قوله: (وقال محمد تصرف لوجوه البر) قدمنا عن الظهيرية أنه المفتى به: أي لانه وإن كان كل شئ لله تعالى لكن المراد التصدق لوجهه تعالى تصحيحا لكلامه بقرينة الحال.
قوله: (قال أوصيت الخ) وكذا أوصيت بثلث مالي وهو ألف، فله الثلث بالغا ما بلغ، لان قوله وهو ألف غير محتاج إليه،
ولولوالجية.
وكذا أوصيت بنصيبي من هذه الدار وهو الثلث فإذا تصيبه النصف فهو له، أو بجميع ما في هذا البيت وهو كر طعام فإذا فيه أكثر أو كر حنطة أو شعير.
والحاصل أنه إذا أوصى بمشار إليه ثم قدره صح وافق المقدار أو لا، وعلله في المحيط بأنه أضاف الايجاب والتمليك إلى الثلث مطلقا، وإلى جميع ما في الكيس فصحت الاضافة، إلا أنه غلط في الحساب، فلا يقدح في الايجاب، بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا إذا كان المبيع مقدارا معلوما فانصرف إلى المقدار المذكور.
وتمامه في شرح الوهبانية.
فارجعه.
قوله: (إذا مت) بضم التاء.
قوله: (صحت وصيته) أي لان تعليق الوصية بالشرط جائز كما في القنية هذا، والذي رأيته في القنية صح وصية فوصية بالتنوين منصوب عل التمييز: أي أنه ليس بإبراء بل هو وصية لتعليقه على موت نفسه.
قوله: (ولو قال إن مت الخ) عزاه في مختصر القنية لبعض الكتب، ثم ذكر أنه ينبغي أن يكون عدم البراءة إذا فتح التاء أخذا مما في الفصول وغيره، لو قال لمديونه: إن مت بفتح التاء فأنت برئ لا تصح لانه تعليق بخطر اه: أي والابراء لا يصح تعليقه، بخلاف الوصية كما مر، وبه ظهر الفرق بين الضم والفتح والمراد بالخطر هنا التعليق على معدوم مترقب الوقوع، وإن كان لا بد من وقوعه كالموت ومجئ الغد، واحترز به عما لو علق الابراء بشرط كائن كقول لمديونه إن كان لي عليك دين فقد أبرأتك عنه فإنه يصح كما مر في آخر كتاب الهبة.
ومر تمامه هناك فراجعه.
قوله: (في بلاد خوارزم) وكذا الاقليم الشامي والمصري.
سائحاني.
ولعله لان أهل الكلام في خوارزم لا يتبعون الشبه بل يتعلمون، ويعلمون ما يجب اعتقاده، وفي البلاد الاخرى يذكرون شبه الفلاسفة الملبسة على المسلمين عقائدهم بلا تعرض لردها وحث عن تجنبها، ولا شك أنهم إذا كانوا بهذه الصفة فهم ضالون مضلون ليس لهم من العلم الالهي نصيب ط.
قوله: (فتنبه) كذا في النسخ، وصوابه قنية فإن العبارة لها كما في المنح، وإلا أوهمت أنها عبارة السراج ط.
قوله: (بمنزلة الوديعة) فلا ضمان على الموصي أو ورثته إذا هلكت في أيديهم من غير تعد، أما إذا استهلكت: فإن وقع من الموصي فهو رجوع، وإن من الورثة قبل القبول أو بعده يكون ضمانة عليه ط.
وعبارة السارج ذكرها في المنح عند قول المتن: وإنما يصح قبولها بعد موته فراجعها، والله تعالى أعلم.(1/247)
باب الوصية بثلث المال في بعض النسخ بثلث ماله.
قوله: (ولم تجز) أي لم تجز الورثة الوصيتين، فإن أجازت فظاهر.
قوله: (فالثلث بينهما أثلاثا) أي يقتسمانه على قدر حقهما لصاحب السدس سهم، ولصاحب الثلث سهمان، لان كلا منهما يستحق بسبب صحيح.
والحاصل: أن كل واحدة من الوصايا إذا لم تزد على الثلث كثلث لواحد وسدس لآخر وربع لآخر ولم تجز الورثة يضرب في الثلث، ولا يقسم الثلث سوية بينهم اتفاقا ما لم يستويا في سبب الاستحقاق كما في مسألة المتن الاولى.
وتمام ذلك في التاترخانية.
قوله: (ولم تجز الورثة ذلك) فإن أجازوا فعندها يقسم الكل أرباعا ولا نص فيه عنه، فقال أبو يوسف: قياس قوله: أن يسدس بطريق المنازعة لان الثلثين لصاحب الكل، فكان نزاعهما في الثلث فنصف، فالنصف الذي هو السدس لصاحب الثلث، والباقي للآخر.
وقال الحسن: إن هذا تخريج قبيح لاستواء منهم صاحب الثلث في حال الاجازة وعدمها وهو السدس، والصحيح أن يربع بطريق المنازعة بأن يقسم الثلث أولا وهو أربعة من اثني عشر بينهما نصفين، لان إجازتهم غير مؤثرة في قدر الثلث وبقي الثلثان ثمانية أسهم يدعيهما صاحب الكل، سهمين منها صاحب الثلث ليتم له الثلث، فتسلم الستة لصاحب الكل ويتنازعان في السهمين بنصفين، فتحصل ثلاثة أسهم لصاحب الثلث، والباقي للآخر كما في الحقائق وغيره.
قهستاني.
قلت: وعلى قولهما يلزم استواء حالتي الاجازة وعدمها.
قوله: (لان الوصية بأكثر من الثلث الخ) أشار إلى أن قوله: بجميع ماله غير قيد، وأن المراد ما زاد على الثلث ولذا عبر في الملتقى بقوله: ولو لاحدهما بثلثه وللآخر بثلثيه أو بنصفه أو بكله ينصف الثلث بينهما عنده، وعندهما يثلث في الاول ويخمس خمسين وثلاثة أخماس في الثاني ويربع في الثلث اه.
فالحكم عنده وهو التصنيف متحد في جميع صور الزائد على الثلث كلا أو غيره، والاصل الذي بنيت عليه هذه المسائل هو قول المصنف: ولا يضرب الخ.
قوله: (إذا لم تجز) بالبناء للمجهول.
قوله: (تقع باطلة) ليس المراد بطلانها
من أصلها وإلا لما استحق شيئا، وإنما المراد بطلان الزائد.
بيان ذلك أن الموصي قصد شيئين الاستحقاق على الورثة فيما زاد على الثلث، وتفضيل بعض أهل الوصايا على بعض.
والثاني يثبت في ضمن الاول، ولما بطل الاول لحق الورثة وعدم إجازتهم بطل ما في ضمنه وهو التفضيل، فصار كأنه أوصى لكل منهما بالثلث، فينصف الثلث بينهما، كما لو أوصى لكل منهما به حقيقة اه من العناية موضحا.
قوله: (وقالا أرباعا) أي يقسم الثلث بينهما أرباعا.
قوله: (لان الباطل ما زاد على الثلث) يعني أن الباطل هو أحد الشيئين اللذين قصدهما الموصي، وهو استحقاق الزائد على الثلث فإنه بطل لحق الورثة، وأما الشئ الآخر وهو قصد الموصي تفضيل أحدهما على الآخر فلا مانع منه، فقد جعل(1/248)
لصاحب الكل ثلاثة أمثال ما جعله لصاحب الثلث، فيأخذ من ثلث المال بحصة ذلك الزائد بأن يقسم أرباعا ثلاثة منها لصاحب الكل وواحد للآخر.
قوله: (فاضرب الكل في الثلثين) صوابه: في الثلث كما في بعض النسخ: أي اضرب كل حظ في ثلث المال بأن تضرب ثلاثة أسهم حظ صاحب الكل في الثلث وسهما واحدا لآخر الثلث يحصل أربعة أسهم تجعل ثلث المال يعطي للاول ثلاثة أرباع الثلث وللثاني ربعه، وسيتضح.
ثم الصحيح قول الامام كما في تصحيح العلامة قاسم والدر المنتقى عن المضمرات وغيره.
قوله: (المراد بالضرب المصطلح بين الحساب) وهو تحصيل عدد نسبته إلى أحد المضروبين كنسبة الآخر إلى الواحد، وقوله: لا يضرب بالبناء للمعلوم مسندا مجازا إلى الموصى له والباء صلة الموصى له، وصلة يضرب مع مفعوله محذوف تقديره لا يضرب الموصى له بأكثر من الثلث عددا في عدد، فلا يضرب ثلاثة أرباع في الثلث في هذه الصورة.
وتمامه في القهستاني.
وأقول: ضرب الكسور في مصطلح الحساب على معنى خذ، فإذا قيل: اضرب ربعا في ثلث فمعناه خذ ربع الثلث وهو واحد من اثني عشر، فالمعنى هنا: لا يضرب الموصى له بأكثر من الثلث: أي لا يؤخذ له من الثلث بحكم الوصية له بأكثر من الثلث لما مر من بطلان التفضيل، فلا تجعل سهام الوصية أربعة كما جعلها الامامان، وأنما يؤخذ له من الثلث بحكم الوصية للثلث فقط بأن يجعل كأنه أوصى لكل الثلث، فيقسم الثلث بينهما نصفين، وعلى هذا فالباء صلة يضرب ولا حذف، فتدبر، ثم
رأيت في غرر الافكار التصريح بما ذكرته في معنى الضرب ويوافقه ما يأتي.
قوله: (فعنده سهام الوصية اثنان) فلكل واحد النصف وهو سهم واحد.
قوله: (فاضرب نصف كل) أي اضرب نصيب كل منهما وهو النصف في الثلث يكن سدسا، لانه الحاصل من ضرب نصف في ثلث على معنى الاخذ كما قدمناه.
قوله: (وعندهما أربعة) بناء على أنه يضرب له عندهما بحكم الزائد، فتجعل سهام الوصية أربعة كما قررناه سابقا، لاحدهما الربع وللآخر ثلاثة أرباع.
قال صدر الشريعة وابن الكمال: فيضرب الربع في ثلث المال والربع في الثلث يكون ربع الثلث، ثم لصاحب الكل ثلاثة من الاربعة وهي ثلاثة أرباع، فيضرب ثلاثة الارباع في الثلث يمعنى ثلاث أرباع الثلث.
وهذا معنى الضرب وقد تحير فيه كثير من العلماء اه.
تنبيه: على هذا الخلاف: لو أوصى لرجل بعبد قيمته مثل ثلث ماله ولآخر بعبد قيمته مثل نصف ماله مثلا.
وتمامه في التاترخانية من الخامس.
ولو أوصى لرجل بسيف قيمته مثل سدس ماله ولآخر بسدس ماله وماله سوى السيف خمسمائة، فللثاني سدسها وللاول خمسة أسداس السيف وسدس السيف بينهما، لان منازعتهما في سدس السيف فقد فينتصف بينهما، وهذا عند الامام، وتمام الكلام في المجمع وشروحه.
قوله: (إلا في ثلاث مسائل) استثناء من قوله: ولا يضرب الخ.
قوله: (المحاباة) من الحباء: أي العطاء.
مغرب.
وفسرها القهستاني بالنقصان عن قيمة المثل في الوصية بالبيع والزيادة على قيمته في الشراء.(1/249)
وصورتها: أن يكون لرجل عبدان قيمة أحدهما ثلاثون والآخر ستون فأوصى بأن يباع الاول من زيد بعشرة والآخر من عمرو بعشرين ولا مال له سواهما، فالوصية في حق زيد بعشرين وفي حق عمرو بأربعين، فيقسم الثلث بينهما أثلاثا، فيباع الاول من زيد بعشرين والعشرة وصية له، ويباع الثاني من عمرو بأربعين والعشرون وصية له وإن كانت زائدة على الثلث ابن كمال.
قوله: (والسعاية) صورتها: أعتق عبدين قيمتهما ما ذكر ولا مال له سواهما، فالوصية للاول بثلث المال وللثاني بثلث المال، فسهام الوصية بينهما أثلاث واحد للاول واثنان للثاني، فيقسم الثلث بينهما، وكذلك فيعتق من
الاول ثلثه وهو عشرة ويسعى في عشرين، ويعتق من الثاني: ثلث وهو عشرون ويسعى في أربعين، فيضرب كل بقدر وصيته وإن كان زائدا على الثلث.
ابن كمال.
قوله: (والدراهم المرسلة)، صورتها: أوصى لزيد بثلاثين درهما ولآخر بستين درهما وماله تسعون، ويضرب كل بقدر وصيته، فيضرب الاول والثلث في ثلث المال والثاني الثلثين في ثلث المال.
وإنما فرق أبو حنيفة بين هذه الصور وبين غيرها، لان الوصية إذا كانت مقدرة بما زاد على الثلث صريحا كالنصف والثلثين وغيرهما، والشرع أبطل الوصية في الزائد يكون ذكره لغوا فلا تعتبر في حق الضرب، بخلاف ما إذا لم تكن مقدرة بأنه: أي شئ من المال كما في الصور المذكورة فإنه ليس في العبارة ما يكون مبطلا للوصية، كما إذا أوصى بخمسين درهما واتفق أن ماله مائة درهم فإن الوصية لا تكون باطلة بالكلية، لامكان أن يظهر له مال فوق المائة، وإذا لم تكن باطلة بالكلية تكون معتبرة في حق الضرب، وهذا فرق دقيق أنيق.
ابن كمال.
قوله: (ومن صور ذلك الخ) أفاد به أنه لا يشترط أن تكون محاباة أو سعاية أو عتقا من جهتي الموصى لهما، بل كفي وجود ذلك من طرف، ويكون بقدر ثلثي المال والموصي للطرف الآخر بثلث المال.
فليتأمل ط.
أقول: لكن هذا التصوير مشكل لما صرحوا به من أن العتق المنفذ في المرض والمحاباة المنجزة فيه مقدمان على سائر الوصايا كما مر، ويأتي في الباب الآتي.
قوله: (أو يجابيه) أي في مرض الموت ح.
وقوله (بألف درهم) متعلق بيحابيه.
قوله: (وهي ثلثا ماله) أي الالف درهم في المسائل الثلاث ح.
وذلك بأن يكون ماله إلفا وخمسمائة فأوصى بألف منها لفلان، أو يكون له ثوب مثلا قيمته ذلك فأوصى بأن يحابي بألف وذلك بأن يباع بخمسائة.
ومسألة العتق ظاهرة.
قوله: (ولآخر بثلث ماله) متعلق بالمسائل الثلاث ح.
قوله: (فالثلث بينهما أثلاثا إجماعا) تقريره ظاهر مما قدمناه.
قوله: (وبنصيب ابنه لا) أي لان نصيبه ثبت بنص القرآن، فإذا أوصى به لرجل آخر فقد أراد تغيير ما فرض الله تعالى فلا يصح.
منح.
ولا يلتفت إلى إجازة الورثة لان الوصية لم تقع في ملكه، وإنما أضافها إلى ملك غيره، فصار كمن أوصى لرجل بملك زيد ثم مات فأجازه زيد فإن ذلك لا يجوز.
كذا هنا اه.
مكي عن السراج ط.
قوله: (وصار) أي قوله: بمثل نصيب ابنه ح أو قوله: بنصيب ابنه حيث لم(1/250)
يكن له ابن.
قوله: (ونقل المصنف الخ) حيث قال: ولو أوصى بمثل نصيب ابن لو كان أعطى ثلث المال، لانه أوصى له بمثل نصيب ابن معدوم فلا بد من أن يقدر نصيب ذلك الابن بسهم ومثله سهم أيضا، فقد أوصى له بسهم من ثلاثة في الحاصل، بخلاف الاولى فإنه هناك أوصى بنصيب ابن لو كان، ولم يقل بمثل نصيب ابن لو كان، كذا في السراج الوهاج اه.
ومثله في الجوهرة، وكذا في غاية البيان عن شرح الطحاوي.
وأما ما في المجتبى فلم يعزه إلى أحد، وهو وإن كان وجهه ظاهرا إذ لا يظهر فرق بينه وبين ما إذا أوصى بمثل نصيب ابن موجود لكنه لا يعارض ما هنا ما لم يؤيد بنقل، لان المجتبى للزاهدي، وقد قالوا: لا يلتفت إلى ما قاله الزاهدي مخالفا للقواعد ما لم يؤيد بنقل تأمل.
قوله: (وله في الصورة الاولى) أي من صورتي المتن ثلث إن أوصى مع ابنين، والقياس أن يكون له النصف عند إجازة الورثة لانه أوصى بمثل نصيب ابنه، ونصيب كل واحد منهمح ا النصف، وجه الاول أنه قصد أن يجعله مثل ابنه لا أن يزيد نصيبه على نصيب ابنه، وذلك بأن يجعل الموصى له كأحدهم.
زيلعي.
قوله: (إن أجاز) أي أجاز الزيادة وإلا فالثلث فقط.
قوله: (ومثلهم البنات) أي إن أوصى بمثل نصيب بنته وله بنت واحدة فله النصف إن أجازت وإلا فالثلث، ومع البنتين له الثلث كما في المنح.
ولو كان مع ثلاث بنات هل له الثلث أيضا باعتبار أن فرض البنتين الثلثان أو الربع؟ والظاهر الثاني، وإلا لم يكن له مثل نصيب بنت اه ح.
ويؤيده ما ذكره الشارح عن المجتبى من الاصل ط.
قوله: (يزاد مثله الخ) حتى لو كان له ابن وبنت وأوصى بمثل نصيب البنت فله الربع، ولو كان لها زوج وثلاث أخوات متفرقات، وأوصت بمثل نصيب الاخت لام فله العشر.
مجتبى.
(1) قال في الهندية: والوجه في ذلك أن تبين الفريضة أولا، ثم يزاد مثل نصيب من ذكره على نخرج الفريضة فلو ترك أما وابنا وأوصى بمثل نصيب بنت فالوصية من سبعة عشر سهما: للموصى له خمسة، وللابن عشرة، وللام سهمان، لان أصلها من ستة للابن خمسة فللبنت اثنان ونصف، فيزاد على أصل الفريضة ويضعف للكسر، فبلغت سبعة عشر للموصى له خمسة، بقي اثنا عشر يعطي للام سدسها اثنان والباقي للابن اه: أي
لان الارث بعد الوصية.
وفيها أيضا: لو له بنت وأخت عصبية وأوصى لرجل بمثل نصيب البنت فله ثلث المال أجازتا أو لا اه.
وهذه فائدة معتبرة بنى عليها السائحاني في فتاواه النعمية عدة صور سئل عن بعضها، فلتحفظ.
قوله: (ويجزء الخ) مثله الحظ والشقص والنصيب والبعض.
جوهرة.
قوله: (فالبيان إلى الورثة الخ) لانه مجهول يتناول القليل والكثير، والوصية لا تمنع بالجهالة والورثة قائمون
__________
(1) قوله: (فله العشر مجتبى) صواله التسع وذلك لان أصل المسألة من ستة وتعول إلى ثمانية للزوج نصف الستة ثلاثة وللشقيقة النصف ثلاثة أيضا ويعال بسدس لذات الاب تكملة الثلثين وبسدس أيضا لذات الام فتكون ثمانية وإذا فرض الموصى له ذات أم يعال له بتسع تأمل اه.(1/251)
مقام الموصي فكان إليهم بيانه.
زيلعي.
قوله: (عرفنا) أي عرف العجم.
در منتقى.
قوله: (وأما أصل الرواية فبخلافه) وهي أن السهم السدس في رواية الجامع الصغير فإنه قال فيه: له أخس سهام الورثة، إلا أن ينقص من السدس فيتمم له السدس، ولا يزاد له، فكان حاصله أن له السدس.
وعلى رواية كتاب الوصايا أخس سهام الورثة ما لم يزد على السدس.
وقالا: له الاخس إلا أن يزيد على الثلث فيكون له الثلث اه.
اختيار.
فالسدس على الرواية الاولى لمنع النقصان ولا يمنع الزيادة، وعلى الثانية بالعكس.
وذكر في الهداية ما يمنع الزيادة والنقصان.
زيلعي.
فأما أن صاحب الهداية اطلع على رواية غيرهما أو جمع بينهما عناية.
وتمام ذلك في المطولات.
تنبيه: هذا كله إذا كان له ورثة.
ففي الاختيار والجوهرة: لو أوصى لرجل بسهم من ماله ولا وارث له فله النصف، لان بيت المال بمنزلة ابن فصار كأن له ابنان ولا مانع من الزيادة على الثلث فصح اه.
وانظر على القول بالتسوية بين الجزء والسهم، هل يعطى النصف أيضا، أم يقال لوكيل بيت المال: أعطه ما شئت؟ وحرره نقلا.
قوله: (وبهذا اندفع سؤال صدر الشريعة) حاصل سؤاله أن قول الموصي ثلث مالي له لا يصلح إخبارا لانه كذب فتعين الانشاء، فينبغي أن يكون له النصف، وتقرير الدفع سلمنا أن قوله ذلك إنشاء، إلا بعد قوله سدس مالي له محتمل لان يكون أراد به زيادة سدس أو أراد ثلثا آخر غير السدس، فيحمل على المتيقن.
قوله: (وإشكال ابن الكمال) حيث قال في
هامش شرحه بعد تقريره جواب السؤال المار بما ذكرناه.
بقي ها هنا شئ وهو أنه لا يخلو من أن يكون الثلث الذي أجازه الورثة ثلثا زائدا على السدس الذي أجازوه أولا يكون ثلثا زائدا عليه، إذ لا وجه لاجازتهم بلا تعيين المراد، إذ مرجعه إلى إجازة اللفظ ولا معنى له.
والثاني يأباه قوله: وأجازوا لانه مستغنى عن إجازتهم، وعلى الاول لا يصح الجواب المذكور، ولعله لذلك أسقط صاحب الكنز القيد المذكور اه.
وحاصله: أنه يتعين المعنى الثاني وهو أن تكون الاجازة لثلث غير زاد على السدس أي لثلث داخل فيه السدس لانه المتيقن، وبه يتم الجواب عن سؤال صدر الشريعة، لكن يبقى قوله: وأجازوا زائدا لا فائدة فيه إذ الثلث لازم مطلقا، ولهذا أسقطه في الكنز.
والجواب ما أشار إليه الشارح بقوله: وإن أجازت الورثة أي أنه غير قيد احترازي، بل ذكروه لئلا يتوهم أن له النصف عند الاجازة، وليفهم أن له الثلث عند عدمها بالاولى، فافهم.
والله در هذا الشارح على هذه الرموز التي عي جواهر الكنوز، لكن بقي هنا إشكال ذكره في الشرنبلالية ونقل نحوه عن قاضي زاده، وهو أن صاحب الحق وهو الوارث رضي بما يحتمله كلام الموصي من اجتماع الثلث مع السدس وامتناع ما كان غير متيقن لحق الوارث، فبعد أن رضي كيف يتكلف للمنع؟ اه.
وحاصله: أنه يتعين المعنى الاول وهو إن إجازتهم للزائد لانه المحتاج إليها.
وأقول: جوابه أنه لما احتمل كلام الموصي حملناه على المتيقن الذي يملكه وهو الوصية بالثلث كما مر، والوصية إيجاب تمليك، فكان إيجاب الثلث متيقنا، وإيجاب الزائد مشكوكا فيه، وإجازة الوارث لا(1/252)
تعمل إلا فيما أوجبه الموصي، ولم تتيقن بإيجاب الموصي فيما زاد على الثلث حتى تعمل الاجازة عملها فلغت، لان الاجازة ليست ابتداء تمليك، وإنما هي تنفيد لعقد الموصي المتوقف عليها ولهذا يثبت الملك للمجاز له من قبل الموصي، لا من قبل المجيز ما سيجئ آخر الباب هذا ما ظهر لفهمي السقيم من فيض الفتاح العليم.
قوله: (مكررا) بأن قال له سدس مالي له سدس مالي في مجلس أو مجلسين كما في الهداية.
قوله: (لان المعرفة) وهي سدس، فإنه ذكر معرفا بالاضافة إلى المال قد أعيدت معرفة: أي
فكانت عين الاولى، وهذا على ما هو الاصل، فلا يرد أنها قد تكون غيرا كقوله تعالى: * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب) * (المائدة: 84) أي التوراة لانه خلاف الاصل لقرينة، والمسألة أوضحناها في حواشينا على شرح المنار.
قوله: (أو عبيده) ولا تكون إلا متفاوتة، فلذا فصل في الثياب فقط.
أفاده في الشرنبلالية.
قوله: (إن هلك ثلثاه الخ) أي ثلثا مدراهم أو الغنم، بأن كانت ثلاثة مثلا فهلك منها اثنان وبقي واحد فله ذلك الباقي بتمامه.
وقال زفر: له ثلث ما بقي هنا أيضا، لان المال مشترك والهالك منه يهلك على الشركة، ويبقى الباقي كذلك.
وجه قول الامام وصاحبيه أنه في الجنس الواحد يجمع حق الموصى له في الباقي تقديما للوصية على الميراث، ولانه لو لم يهلك شئ فللقاضي أن يجعل هذا الباقي له، بخلاف الثياب المختلفة ونحوها فإنها لا تقسم جبرا.
وتمام ذلك في المطولات قال في غاية البيان: وبقول زفر نأخذ وهو القياس اه.
وأقره في السعدية.
تأمل.
قوله: (إن خرج الخ) هذا الشرظ مصرح به في عامة الشروح حتى في الهداية.
قوله: (وبألف الخ) لا يقال: ينبغي أن لا يستحق من الدين شيئا لان الالف مال والدين ليس بمال، فإن من حلف لا مال له وله دين لا يحنث.
لانا نقول: الدين يسمى مالا بعد خروجه، وثبوت حث الموصى له بعد الخروج ممكن، كالموصى له بالثلث لا حق له في القصاص، وإذا انقلب ما لا يثبت فيه حقه لانه مال الميت، ومسألة اليمين على العرف، معراج ملخصا.
وبه ظهر أنه لو أوصى بثلث ماله يدخل الدين أيضا، وهو أحد قولين.
ورجحه في الوهبانية، وتوقف فيه صاحب البحر في متفرقات القضاء، فراجعه.
قوله: (من جنس الالف) كذا في الدرر.
والظاهر أن فائدته مناسبة قوله: وكلما خرج شئ من الدين دفع إليه إذ لو كان دنانير لا تدفع إليه.
تأمل.
وقدم في المنح عن السراج: إذا أوصى بدراهم مرسلة ثم مات تعطى للموصى له لو حاضرة، وإلا تباع الشركة ويعطى منها تلك الدراهم اه.
قوله: (وعين) قال أبو يوسف: العين: الدراهم والدنانير دون التبر والحلي والعروض والثياب.
الدين: كل شئ يكون واجبا في الذمة من ذهب أو فضة أو حنطة ونحو ذلك.
وتمامه في الطوري.
قوله: (فإن خرج الالف الخ) قال في العناية: بأن كان له ثلاثة آلاف درهم نقدا فيدفع إليه الالف، وإن لم يخرج بأن كان النقد أيضا ألفا دفع منه إليه ثلثه.
قوله: (وإلا يخرج فثلث العين الخ) أي ولا يدفع له الالف من العين، لان(1/253)
التركة مشتركة بينه وبين الورثة والعين خير من الدين، فلو اختص به أحدهما تضرر الآخر.
اختيار: أي لاحتمال هلاك الدين عند المديون.
قوله: (لزيد كله) وعن أبي يوسف، إذا لم يعلم الموصي بموته له نصف الثلث لانه لم يرض له إلا به.
زيلعي.
قوله: (أو المعدوم) فلو أوصى لزيد ولمن كان في هذا البيت ولا أحد فيه كان الثلث لزيد، لان المعدوم لا يستحق مالا، وكذا لو أوصى له ولعقبه، لان العقب من يعقبه بعد موته فيكون معدوما في الحال.
درر.
وللشرنبلالي في مسألة الوصية للعقب كلام يأتي ما فيه في باب الوصية للاقارب.
قوله: (وكذا لو مات أحدهما) أي أحد الموصى لهما.
قوله: (قبل الموصي) أما بعده فالورثة تقوم مقامه، فالمزاحمة موجودة.
قوله: (وفروعه كثيرة) منها لو قال ثلث مالي لفلان وعبد الله: إن كان عبد الله في هذا البيت ولم يكن فيه كان لفلان نصف الثلث، لان بطلان استحقاقه لفقد شرطه لا يوجب لزيادة في حق الآخر.
منح.
قوله: (ثم خرج لفقد شرط) أي أو لزوال أهلية كما لو مات أحدهما قبل الموصي.
قوله: (ذكره الزيلعي) أي جميع ما تقدم متنا وشرحا.
قوله: (وقيل العبرة) أي في صحة الايجاب.
قوله: (أوله) أي لزيد.
قوله: (إلى آخره) تمامه: أو له ولفقراء ولده أو لمن افتقر من ولده، وفات شرطه عند موت الموصي فالثلث كله لزيد في هذه الصورة، لان المعدوم أو الميت لا يستحق شيئا فلا تثبت المزاحمة لزيد فصار كما إذا أوصى لزيد ولجدار اه.
قوله: (لكن قول الزيلعي فيما مر) أي في عبارة المتن، ولا محل للاستدراك بعد قول المصنف: وقيل: الخ فإنه مسوق لبيان المخالف بينه وبين ما مر، فتدبر.
ثم اعلم أن تعبير المصنف بقوله: وقيل أخذا من إشارة الدرر والكافي مبني على ما فهمه من مخالفته لما قدمه مه أنه لا مخالفة.
بيان ذلك ما ذكره في التاترخانية من الفصل السادس: أن الاصل أن الموصى له إذا كان معينا من أهل الاستحقاق تعتبر صحة الايجاب يوم الوصية، ومتى كان غير معين تعتبر صحة الايجاب يوم موت الموصي، فلو قال: ثلث مالي لفلان ولولد بكر فمات ولده قبل الموصي فلفلان كل الثلث، وإن ولد لبكر عشرة أولاد ثم مات الموصي فالثلث بين فلان وبين الاولاد على عددهم أحد عشر سهما اعتبار اليوم موت الموصي، لان الولد غير معين، وهو يتناول الواحد
والاكثر، وكذا إذا أوصى لبني فلان وليس له ابن يوم الوصية ثم حدث له بنون ومات الموصي فالثلث لهم، وإن كان له بنون يوم الوصية ولم يسمهم ولم يشر إليهم فالثلث للموجودين عند موته، ولو كانوا(1/254)
غير الموجودين وقت الوصية، وإن سماهم أو أشار إليهم فالوصية لهم، حتى لو ماتوا بطلت لان الموصى له معين فتعتبر صحة الايجاب يوم الوصية اه.
ملخصا.
وبه ظهر أن ما في الدرر مناعتبار يوم الموت لصحة الايجاب إنما هو لكون الموصى له غير معين، لان قوله ولد بكر أو فقراء ولده أو من افتقر غير معين إذ لا تسمية ولا إشارة، وإذا كان المعتبر يوم الموت في ذلك وفات الشرط عنده بأن كان الولد ميتا أو غنيا فقد خرج المزاحم من الاصل، فلذا كان جميع الثلث لزيد، وظهر أيضا أن كلام الزيلعي ليس صريحا في اعتبار حالة الايجال مطلقا لان كلامه في المعين، فتدبر.
قوله: (لان كلمة بين توجب التنصيف) الظاهر أن هذا إذا دخلت على مفردين كما هنا، أما لو دخلت على ثلاث كقوله بين زيد وعمرو وبكر فإنها توجب القسمة على عددهم.
تأمل.
وعلى هذا فإذا قال بين زيد وسكت فإنها تنصف، لان أقل الشركة بين اثنين ولا نهاية لما فوقهما.
وإما إذا دخلت على جمعين ففي المعراج: لو قال بين بني زيد وبين بني بكر وليس لاحدهما بنون فكل الثلث لبني الآخر، لانه جعل كل الثلث مشتركا بين بني زيد، حتى لو اقتصر عليه كان الثلث بينهم، فإذا لم تثبت المزاحمة كان كل الثلث بينهم، وقوله: بين بني فلان وفلان كما مر اه.
أي لا فرق بين تكرار بين وعدمه.
قوله: (وهو فقير) الاولى حذفه ليتأتى الاطلاق الآتي ط.
قوله: (لما تقرر أن الوصية إيجاب الخ) أي عقد تمليك بعد الموت، ولهذا يعتبر القبول والرد بعد الموت، ويثبت حكمه بعده.
قوله: (إذا أوصى الخ).
حاصله: أن ما مر من عدم التفصيل إنما هو شائع في كل المال ليس عنيا ولا نوعا، وأما غيره ففيه تفصيل، فإن كان عينا كثلث غنمي وله غنم يعتبر فيه الموجود وقت الوصية، لانه معين بالاضافة العهدية أنها تأتي لما تأتي له الالف واللام، وإن كان نوعا كثلث غنمي ولا غنم له فهو كالشائع في كل المال يعتبر فيه الموجود عند الموت، لانه ليس عينا حتى تتقيد به الوصية لعدم العهدية.
هذا ما ظهر لي،
فتأمل.
قوله: (وليس له غنم) أو كان وهلك.
معراج.
وإن كان في ماله شاة يخير الورثة بين دفعها أو دفع قيمتها.
نهاية.
قوله: (يعطي قيمة الشاة) أي شاة وسط.
معراج.
قوله: (بخلاف قوله الخ) الفرق أنه في الاولى: لما أضاف الشاة إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالي الشاة وماليتها توجد في مطلق المال.
وفي الثانية: لما أضافها إلى الغنم علمنا أن المراد به عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم.
زيلعي.
قوله: (يعني لا شاة له) تبع ابن الكمال حيث عبر به مخالفا لما في الهداية وغيرها، وقال: إنما قال: ولا شاة له.
ولم يقل: ولا غنم له كما قال صاحب الهداية، لان الشاة فرد من الغنم، فإذا لم يكن(1/255)
له شاة لا يكون له غنم بدون العكس، والشرط عدم الجنس لا عدم الجمع، حتى لو وجد الفرد تصح الوصية اه.
وفيه رد على صدر الشريعة حيث قال: تبطل الوصية أيضا بوجود شاة اه.
أقول: وفيه نظر، فإن الموصي قال: شاة من غنمي بلفظ الجمع، ومن لا شاة له أصلا أو له شاة واحدة يكون لا غنم له فبطلت الوصية في الصورتين إذا لم يوجد الغنم الجمع فيهما، فظهر أن شرط البطلان عدم الجمع لا عدم الجنس، وعن هذا قال صدر الشريعة: عبارة الهداية أشمل لدلالتها على بطلان الوصية في الصورتين.
قوله: (وكذا لو لم يضفها لماله) جزم به مه أنه في الهداية والتبيين والمنح، قالوا: قيل: لا تصح لان المصحح إضافتها إلى المال، وبدونها تعتبر صورة للشاة ومعناها.
وقيل: تصم، لانه لما ذكر الشاة وليس في ملكه علم أن مراده المالية اه.
تأمل.
قوله: (وأقله اثنان) أي في الميراث والوصية أخته، ابن كمال.
قوله: (تبطل الجمعية) حتى لو أتى به منكرا قلنا كما قال محمد، زيلعي.
تنبيه: هذه الوصية تكون لامهات أولاده اللاتي يعتقن بموته أو اللاتي عتقن في حياته إن لم يكن له غيرهم، فإن كان له منهما فالوصية للاتي يعتقن بموته، لان الاسم لهن في العرف، واللاتي عتقن في حياته موال لا أمهات أولاد، وإنما تصرف إليهن الوصية عند عدم أولئك لعدم من يكون أولى منهن بهذا الاسم.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (وأنصافا عند أبي يوسف) لان الفقراء والمساكين صنف واحد من حيث المعنى، إذ كل واحد منهما ينبئ عن الحاجة.
اختيار.
لكن قول أبي يوسف في المسألة
السابق كقول الامام فيحتاج إلى الفرق هنا.
تاما.
قوله: (على ما مر) أي من اعتبار أقل الجمع.
قوله: (جاز) لكن الافصل الصرف إليهم.
خلاصة.
قوله: (لتساوي نصيبهما) لان الشركة للمساواة لغة، ولهذا حمل قوله تعالى: * (فهم شركاء في الثلث) * (النساء: 21) على المساواة: زيلعي.
قوله: (لتفاوت نصيبهما) فلا تمكن المساواة بين الكل، فحملناه بين الكل، فحملناه على مساواة الثالث مع كل واحد منهما بما سماه له فيؤخذ النصف من كل واحد من المالين.
ولو أوصى لزيد بأمة ولبكر بأخرى ثم قال لآخر أشركتك(1/256)
معهما، فإن تفاوتا قيمة فله نصف كل إجماعا، وكذا إن تساويا عنده وثلث كل عندهما بناء على قسمة الرقيق وعدمها.
زيلعي.
ملخصا.
قوله: (لما ذكرنا) أي من إمكان المساواة ط.
قوله: (فصدقوه) فعل أمر.
قوله: (استحسانا) وفي القياس: لا يصدق، لان الاقرار بالمجهول وإن كان صحيحا ولكنه لا يحكم به إلا بالبيان.
وقوله: فصدقوه صدر مخالفا للشرع، لان المدعي لا يصدق إلا بحجة.
وجه الاستحسان أن أصل الحق دين ومقداره يثبت بطريق الوصية اه.
ح.
قوله: (لانه خلاف الشرع) تعليل لما استفيد من قوله: بخلاف من أنه باطل ط.
ولا يأتي وجه الاستحسان هنا لجهالة الموصى له.
قوله: (ويصير وصية) لانه فوضه إلى رأي الموصي.
أفاده المصنف.
وفيه إشارة إلى أن الوصية المفوضة تصح وإن جهل صاحبها، وقدمناه أول الكتاب.
قوله: (فإن سبق منه دعوى) أي في حياة المقر ط.
قوله: (فهو له) ويكون إقرارا منه بما ادعاه ط: أي فيكون من جميع المال.
وأما قول ح: إنه من الثلث، فمبني على أن الدعوى بعد موت المقر، وفيه نظر ولذا قال ط: وتأويل ادعى بيدعي خلاف المتبادر من اللفظ، بخلاف الاولى فإنه قد أثبت عليه دينا وفوض تقديره إلى الورثة.
قوله: (وإلا لا) أي لا شئ له، وهذا التفصيل لابي الليث، وذكر أنه لا رواية في المسألة.
أفاده في الكفاية.
قوله: (عزل الثلث الخ) لان الوصايا حقوق معلومة في الثلث والميراث معلوم في الثلثين.
وهذا ليس بدين معلوم ولا وصية معلومة، فلا يزاحم المعلوم فقدمنا عزل المعلوم.
زيلعي.
قوله: (وما بقي من الثلث فللوصايا) اقتصاره في المتن على ذلك غير موف بالمراد، فكان عليه ذكر التفصيل الذي ذكره الشارح بقوله: فيؤخذ الخ كما فعل في الملتقى والدرر والاصلاح.
قوله:
(والدين الخ) جواب سؤال: هو أن هذا إقرار بدين والدين مقدم على حق الورثة، وحق أصحاب الوصايا فلم قدم العزل لهما عليه؟.
قوله: (ما ذكر) أي من تصديق الفريقين.
قوله: (فيؤخذ الورثة بثلثي ما أقروا به الخ) لانه إذا أقر كل فريق بسهم ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ الدين منهم بحساب ما في أيديهم من التركة.
عيني وغيره.
قوله: (وما بقي فلهم) أي ما بقي من الثلث فلاصحاب الوصايا، وما بقي من الثلثين فللورثة، حتى لو قال الموصى لهم الدين مائة يعطي المقر له ثلثها مما في أيديهم، فإن فضل شئ فلهم، وإن قال الورثة: الدين ثلاثمائة يعطي المقر له مائتين مما في أيديهم فإن فضل شئ فلهم، وإلا فلا.
إتقاني.
قوله: (على العلم) أي بأنهم لا يعلمون أن له أكثر من ذلك.
قال الزيلعي: لانه تحليف على فعل الغير اه: أي على ما جرى بين المدعي والميت لا(1/257)
على فعل نفسه فلا يحلف على البتات.
قوله: (قلت بقي الخ) منشأ ذلك أن قول المصنف كغيره عزل الثلث لاصحاب الوصايا ظاهر في أن الوصايا استغرقت الثلث، وبه صرح الزيلعي وابن الكمال كما يأتي في الاشكال، فلم يعلم منه حكم ما إذا كانت دونه.
نعم يفهم منه أنه يعزل بقدرها.
بقي إذا عزل منه بقدر الوصايا فقط.
وقيل: لكل من أصحابها والورثة صدقوه فيما شئتم، فكم يؤخذ من كل فريق منهم؟ وذكر ط أن قياس ما ذكروه في المسألة السابقة أن ينظر إلى ما في يد كل، فيكون ما صدقوه فيه لازما على قدر الحصص اه.
قلت: وبقي أيضا أن ما يؤخذ من أصحاب الوصايا هل يرجعون به في ثلث التركة تكميلا لوصاياهم بناء على أن ما أخذه المقر له دين ثبت شائعا في التركة بعد إقرار الفريقين كما مر عن العيني، وقد بقي من الثلث ما يكمل وصاياهم، بخلاف المسألة السابقة، لان الوصايا قد استغرقت الثلث فيها أم لا لا يرجعون به لان ما يأخذه المقر له وصية في حقهم كما صرح به الاتقاني في المسألة السابقة؟ لم أر، فتأمل.
قوله: (وبقي أيضا هل يلزمهم) الاولى أن يقول: كيف يلزمهم، وهو استشكال الالزام الورثة بتصديقه بعد عزلهم الثلث للوصايا.
وقوله: يراجع ابن كمال به إنما قال به: أي بسبب ما توقف فيه الشارح، لان ما ذكره ابن الكمال على المسألة السابقة، لكن يفهم منه جواب ما
توقف فيه الشارح كما قررناه، فافهم.
وعبارة ابن الكمال: قيل: هذا مشكل من حيث إن الورثة كانوا يصدقونه إلى الثلث، ولا يلزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث، وهنا ألزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث لان أصحاب الوصايا أخذوا الثلث على تقدير أن تكون الوصايا تستغرق في الثلث كله ولم يبق في أيديهم من * الثلث شئ، فوجب أن لا يلزمهم تصديقه اه.
وقوله: من حيث إن الورثة كانوا الخ: أي في مسألة ما إذا لم يوص بوصايا مع الاقرار، قوله وهنا: أي فيما إذا أوصى بوصايا مع ذلك، وأصل الاشكال للامام الزيلعي.
وأجاب عنه العلامة المقدسي: بأنه لما كان المقر به له شبهان: شبه الوصية لخروجها مخرجها، وشبه الدين لتسميته أياه دينا، فهو دين في الصورة ووصية في المعنى، فروعي شبه الوصية حين لا وصية، وروعي شبه الدين حين وجود الوصية، لان التنصيص عليه معها دليل المغايرة، فصدق فيما زاد على الثلث مع مراعاة جانب الورثة والموصى له، حيث علق بمشيئتهم تعويلا على علمهم في ذلك، واجتهادهم في تخليص ذمة مورثهم اه.
وأجاب العلامة قاضي زادة بجواب رده الشرنبلالي، وأجاب عن الاشكال بجواب آخر قريب من جواب المقدسي، فراجعهما من حاشية ح.
قوله: (على ما مر) أي من الاصل السابق.
قوله: (لانه إقرار بعقد سابق بينهما الخ) لم أر من علل بذلك، وفيه نظر لان الاقرار لا يقتضي سبق عقد بين المقر والمقر له، وإنما يقتضي سبق الملك للمقر به، وإنما العلة ما في شرح الجامع الصغير لقاضيخان حيث قال: والفرق: أي بين الاقرار والوصية أن الاقرار إخبار،(1/258)
فلو صح إقراره للاجنبي ثبت المخبر به وهو الدين المشترك، لانه أقر بدين مشترك فثبت كذلك، فما من شئ يأخذه الاجنبي إلا للوارث حق المشاركة فيه، فيصير إقرارا للوارث، أما الوصية فتمليك مبتدأ لهما، فبطلان التمليك لاحدهما لا يبطل للآخر اه.
ونحوه في الهداية والزيلعي.
قوله: (لثلاثة أنفس الخ) بأن قال لزيد الجيد، ولعمرو الوسط، ولبكر الردئ.
إتقاني.
قوله: (فضاع منها ثوب) أي بعد موت الموصي، ط عن الشلبي.
قوله: (والوارث يقول لكل منهم هلك حقك) أي يحتمل أن الهالك هو حقك، ففي التعبير مسامحة، وإلا فهلاك حق كل إنما يتصور فيما لو
ضاعت الثلاثة، وإلا فهو كذب، والاولى في التعبير ما في شروح الجامع الصغير من أن المراد بجحود ا لوارث أن يقول: حق واحد منكم بطل، ولا أدري من بطل حقه ومن بقي فلا نسلم إليكم شيئا.
أفاده الطوري.
قوله: (كوصية الخ) البطلان فيها قول الامام كما يأتي قبيل وصايا الذمي.
قوله: (ويسلموا) أي الورثة، وهو من عطف المسبب على السبب ط.
قوله: (لزوال المانع) أي المانع من التسليم لا الصحة، لان المانع منها الجهالة وهي باقية.
تأمل.
قوله: (وهو الجحود) أي جحود الورثة بقاء حق كل.
قوله: (فتقسم لذي الجيد الخ) أي الجيد في نفس الامر، وقوله: ثلثاه أي ثلثا الجيد من الثوبين الباقيين، ففيه شبه استخدام، وكذا فيما بعده.
أفاده ط.
ووجه هذه القسمة أن ذا الوسط حقه في الجيد من الباقين إن كان الهالك أرفع منهما، وإن كان أردأ منهما فحقه في الردئ منهما، فتعلق حقه مرة بهذا ومرة بالآخر، وإن كان الهالك هو الوسط فلا حق له فيهما، فقد تعلق حقه بكل واحد من الباقين في حال، ولم يتعلق في حالين فيأخذ ثلث كل منهما، وذو الردئ يدعي الردئ لا الجيد فيسلم ثلثا الجيد لذي الجيد وثلثا الردئ لذي الردئ اه.
من شرح الجامع الخاني.
قوله: (وقسم) أي بين الحي وورثة الميت.
قاضخان.
والاصوب أن يوقل: قسمت كما عبر ابن الكمال وغيره، لان الضمير للدار.
قوله: (ووقع) أي البيت في حظه: أي حظ الميت.
قوله: (فهو للموصى له) أي عندهما، وعند محمد: نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فله مثل ذرع نصف البيت(1/259)
ودليل كل مع بيان كيفية القسمة.
بسطه الزيلعي وحققه الاتقاني وسعدي.
قوله: (لكان أولى) لان الاخبار في كلام الفقهاء للوجوب.
قوله: (والاقرار) لو قال كالاقرار وحذف قوله: مثلها كما عبر في الدرر والاصلاح لكان أولى، لان الاصح كما في الشرنبلالية عن الكافي أن هذه المسألة وفاقية، فناسب أن تشبه بها الخلافية كما هو العادة لا بالعكس.
قوله: (وبألف عين) بأن قال أوصيت بهذا الالف لفلان، والتقييد بكونه وديعة لم أره لغيره، وقوله: من مال آخر أي رجل آخر صفة ألف، ومفهومه أنه إذا لم يعين الالف بأن قال: أوصيت بألف من مال زيد لم تصح أصلا وإن أجاز زيد ودفع،
وليحرر نقلا.
قوله: (ودفعه إليه) أي دفع الالف إلى الموصى له، لان إجازته تبرع: أي بمنزلة الهبة، والهبة لا تتم بدون تسليم، فإن دفع تمت الهبة، وإلا فلا.
شرح الجامع وغيره.
قوله: (فلا رجوع له) لعله لكونه ليس هبة من كل وجه كما أفاده ما نقلناه آنفا.
لان عقد الوصيبة صحيح موقوف على الاجازة، إذ لو كان باطلا لم ينفذ بها، ويدل عليه ما في الولوالجية: أوصى له بعبد فلان ثم ملكه تبقى الوصية اه.
لكن ذكر الزيلعي أنها لا تبقى.
تأمل.
قوله: (بل يجبروا) صوابه: يجبرون.
قوله: (لما تقرر الخ) بيان للفرق.
وحاصله: أن الوصية هنا في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه، والتوقف كان لحق الورثة، فإذا أجازوا سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي.
درر.
قوله: (يتملكه من قبل الموصي عندنا) فيجبر الوارث على التسليم، ولو أعتق عبدا في مرضه ولا مال له غيره وأجازت الورثة العتق فالولاء كله للميت، ولو كان الوارث متزوجا بجارية المورث ولا مال له غيرها فأوصى بها لغيره فأجاز الوارث وهو الزوج الوصية لا يبطل نكاحه.
وتمامه في الزيلعي أول الوصايا.
قوله: (ولو أقر أحد الابنين) وكذا الحكم لو أقر أحد البنين الثلاثة أو الاربعة يصح في ثلث نصيبه كما في المجمع.
قوله: (بعد القسمة) مفهومه أن الاقرار قبلها (1) لا يصح.
تأمل.
قوله: صح إقراره الخ هذا إذا لم تقم بينة على الوصية بثلث لرجل آخر، فلو قامت فلا شئ لهذا على المقر وبطل الاقرار كما نقله الطوري عن المبسوط.
قوله: (استحسانا) والقياس: أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر.
وتمامه في
__________
(1) قوه: (أن الاقرار قبلها إلخ) استظهر العلامة ط صحة الاقرار قبل القسمة ايضا وهو وجيه اه.(1/260)
الزيلعي.
قوله: (حيث يلزمه كله) يعني أن وفي ما ورثه به، ولو شهد في هذا المقر مع آخر أن الدين كان على الميت قبلت كما تقدم في كتاب الاقرار قبيل باب الاستثناء.
قوله: (لتقدم الدين على الميراث) فيكون مقرا بتقدمه عليه، ولا كذلك الوصية، لان الموصى له شريك الورثة فلا يأخذ شيئا إلا إذا سلم للوارث ضعفه.
زيلعي.
قوله: (وبأمة) أي ولو أوصى بأمة.
قوله: (فهما للموصى له) لان الام دخلت أصالة والولد تبعا حين كان متصلا بها.
زيلعي.
قوله: (وقالا يأخذ منهما على السواء) فإذا كان
له ستمائة درهم وأمة تساوي ثلاثمائة فولدت له ولدا يساوي ثلاثمائة قبل القسمة فللموصى له الام وثلث الولد عنده، وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما.
ابن كمال.
قوله: (هذا) أي دخول الحمل في الوصية تبعا.
معراج.
قوله: (على ما ذكره القدوري) ومشايخنا قالوا: يصير موصى به حتى يعتبر خروجه من الثلث كما إذا ولدته قبل القبول.
زيلعي.
قوله: (والكسب كالولد فيما ذكر) قال في الهندية: والزيادة الحادثة من الموصى به كالغلة والكسب والارش بعد موت الموصي قبل قبول الموصى له الوصية، هل يصير موصى به؟ لم يذكره محمد، وذكر القدوري أنه لا يصير موصى بها حتى كانت للموصى له من جميع المال كما لو حدثت بعد القسمة.
وقال مشايخنا: يصير موسى به حتى يعتبر خروجه من الثلث.
وكذا في محيط السرخسي اه.
والله تعالى أعلم.
باب العتق في المرض هو من أنواع الوصية، لكن لما كان له أحكام مخصوصة أفرده في باب على حدة، وأخره عن صريح الوصية لان الصريح هو الاصل.
عناية.
قوله: (منجز) احتراز عن المضاف الآتي بيانه، فالعبرة فيه لحال الاضافة.
قوله: (في الحال) أي حال صدوره ط.
قوله: (وإلا فمن ثلثه) استثنى في الاشباه التبرع بالمنافع كسكنى الدار.
قال: فإنه نافذ من كل المال.
وتمامه فيها وفي حواشيها.
قوله: (والمراد) أي من التصرف المذكور.
قوله: (حتى أن الاقرار الخ) أي لغير الوارث وهو محترز قوله: إنشاء فإن الاقرار إخبار.
قوله: (والنكاح الخ) محترز قوله: فيه معنى التبرع فإن النكاح بقدر مهر المثل لا تبرع فيه لان البضع متقوم حال الدخول وقيمته مهر المثل، فإن قوبل به كان معاوضة لا تبرعا والزائد عليه محاباة وهي من قبيل الوصية لانها إنشاء فيه معنى التبرع، وكذا بدل الخلع لان البضع حال الخروج غير(1/261)
متقوم، فما جعل في مقابلته تبرع قليلا كان أو كثيرا.
رحمتي.
قوله: (وإن كان في الصحة) أن وصيلة لان التصرف المضاف إلى الموت المعتبر فيه حالة الموت كما في الدرر.
قوله: (ومرض صح منه كالصحة) كذا ذكرت هذه المسألة في هذا المحل في عامة المعتبرات كالملتقى والاصلاح وغيرهما، والاولى ذكرها قبل قوله والمضاف لانه لا فرق فيه بين الصحة والمرض.
تأمل.
قال القهستاني: فلو
أوصى بشئ صارت باطلة لانه ظهر بالصحة أنه لا يتعلق بماله حق أحد، وهذا إذا قيد بالمرض بأن قال: إن مت من مرضي هذا.
وإما إذا أطلق ثم صح فباقية، وإن عاش بعد ذلك سنين كما في التتمة ا ه.
قوله: (وفي المرض المعتبر) بجر المعتبر صفة للمرض: أي المعتبر لنفوذ التصرف الانشائي من الثلث، وهو متعلق بمحذوف تقديره: والحد في المرض المعتبر هو المبيح لصلاته قاعدا، وقد قدم الكلام على هذا أول كتاب الوصايا بأبسط مما هنا ط.
قوله: (ومحاباته) أي في الاجارة والاستئجار والمهر والشراء والبيع، بأن باع مريض مثلا من أجنبي ما يساوي مائة بخمسين كما في النتف.
قهستاني: أي أو يشتري ما يساوي خمسين بمائة، فالزائد على قيمة المثل في الشراء والناقص في البيع محاباة: أي مسامحة، من حبوته حباء ككتاب: أعطيته الشئ من غير عوض اه.
ط عن المصباح، وقيد المحاباة في البزازية وغيرها بما لا يتغابن فيه.
قلت: وفي آخر آجارات الوهبانية: وإيجار ذي ضعف من الكل جائز ولو أن أجر المثل من ذاك أكثر قال الشرنبلالي في شرحه: صورتها مريض آجر داره بأقل من أجرة المثل، قالوا: جازت الاجارة من حميع ماله ولا تعتبر من الثلث، لانه لو أعارها وهو مريض جازت، فالاجارة بأقل من أجر المثل أولى.
قال الطرسوسي: وهذه المسألة خالفت القاعدة، فإن الاصل أن المنافع تجري مجرى الاعيان، وفي البيع يعتبر من الثلث اعتبارا للفرع بالاصل.
والفرق أن البيع عقد لازم يتعلق بعين المال وقد تعلق به حق الورثة والغرماء، والاجارة تتعلق بالنفقة وتنفسخ بالموت فلا يتصور التعلق بعده اه.
فتنبه.
ولعلهما روايتان كما سيذكره الشارح في الفروع آخر الوصايا.
قوله: (وهبته) أي إذا اتصل بها القبض قبل موته، أما إذا مات ولم يقبض فتبطل الوصية، لان هبة المريض هبة حقيقية وإن كانت وصية حكما كما صرح به قاضيخان وغيره اه.
ط عن المكي.
قوله: (وضمانه) هو أعم من الكفالة، فإن منه ما لا يكون كفالة بأن قال أجنبي خالع امرأتك على ألف على أني ضامن أو قال: بع عبدك هذا على أني ضامن لكن بخمسمائة من الثمن سوى الالف، فإن بدل الخلع يكون على الاجنبي لا على المرأة والخمسمائة على الضامن دون المشتري (1).
عناية.
تنبيه: قال في البزازية: وكفالته على ثلاثة أوجه: في وجه كدين الصحة بأن كفل في الصحة
معلقا بسبب ووجد السبب في المرض بأن قال: ما ذاب لك على فلان فعلي.
وفي وجه كدين المرض
__________
(1) قوله: (دون المشتري) وجهه أن هذا من باب الزيادة في الثمن، وهي من الاجنبي جائزة، بخلاف ما إذا يقل من الثمن حيث لا يلزمه شئ كما في متفرقات بيوع الكنز.(1/262)
بأن أخبر في المرض بأني كفلت فلانا في الصحة لا يصدق في حق غرماء الصحة والمكفول له مع غرماء المرض، وفي الاول مع غرماء الصحة وفي وجه كسائر الوصايا بأن أنشأ الكفالة في مرض الموت اه..قوله: (حكمه كحكم وصية) أي من حيث الاعتبار من الثلث لا حقيقة الوصية، لان الوصية إيجاب بعد الموت، وهذه التصرفات منجزة في الحال.
زيلعي.
قوله: (وليحرر) تحريره أنه لا ينافي ما هنا، لان المستغرق بالدين لا ثلث به.
رحمتي.
قوله: (ويزاحم أصحاب الوصايا في الضرب) أي العبد المعتق والمحابي.
والموهوب له والمضمون له يضرب في الثلث مع أصحاب الوصايا، فإن وفى الثلث بالجميع وإلا تحاصصوا فيه، ويعتبر في القسمة قدر ما لكل من الثلث، هذا ما ظهر لي اه ط.
أقول: وقال العلامة الاتقاني: والمراد من ضربهم بالثلث مع أصحاب الوصايا أنهم يستحقون الثلث لا غير، وليس المراد أنهم يساوون أصحاب الوصايا في الثلث ويحاصصوهم، لان العتق المنفذ في المرض مقدم على الوصية بالمال في الثلث، بخلاف ما إذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو قال: هو حر بعد موتي بيوم أو شهر فإنه كسائر الوصايا اه.
ملخصا.
قلت: وكالعتق المنفذ المحاباة المنجزة كما مر عند قول المصنف: إذا اجتمع الوصايا ويأتي قريبا.
قوله: (إن أجيز عتقه) أي إذا ضاق الثلث، ولو كان الاجارة قبل موت الموصي كما قدمناه أول الوصايا عن البزازية.
قوله: (لان المنع) أي من تنفيذه من كل المال، والاولى: لان السعي تأمل.
قوله: (فإن حابى فحرر الخ) صورة الاولى: باع عبدا قيمته مائتان بمائة ثم أعتق عبدا قيمته مائة ولا مال له سواهما يصرف الثلث إلى المحباة ويسعى المعتق في كل قيمته.
وصورة العكس: أعتق الذي قيمته مائة ثم باع الذي قيمته مائتان بمائة، يقسم الثلث وهو المائة بينها نصفين، فالمعتق يعتق نصفه مجانا ويسعى في نصف قيمته، وصاحب المحاباة يأخذ العبد الآخر بمائة وخمسين.
ابن كمال.
والاصل في هذا: أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل واحد من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض، إلا العتق الموقع في المرض والعتق المعلق بالموت كالتدبير الصحيح سواء كان مطلقا أو مقيدا، والمحاباة في المرض.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (وقالا عتقه أولى فيهما) أي في المسئلتين لانه لا يلحقه الفسخ.
وله أن المحاباة أقوى لانها في ضمن عقد المعاوضة، لكن إن وجد العتق أولا وهو لا يحتمل الدفع يزاحم المحاباة.
ابن كمال.
وقول الزيلعي والمصنف في المنح وقالا: هما سواء في المسئلتين سبق قلم، والصواب ما هنا كما نبه عليه الشلبي.
قوله: (بهذه المائة) أي المعينة، وإنما قيد بذلك حتى يتصور هلاك بعضها.
فلو قال بمائة وزادت على الثلث تبطل أيضا كما مر متنا.
قوله: (لان القربة تتفاوت الخ) لا يظهر بهذا التعليل الفرق بين العتق والحج، فالمناسب قول الزيلعي: وله أنه وصية بالعتق بعبد يشتري بمائة من ماله، وتنفيذها فيمن يشتري بأقل منه تنفيذ في غير الموصى به وذلك لا يجوز، بخلاف الوصية بالحج لانها قربة محضة هي حق الله تعال والمستحق لم يستبدل، وصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع إليه الباقي ا(1/263)
ه.
قوله: (وإن فدى لا) فإن لم يوجد الدفع والفداء وأعتقه الوصي: فإن عالما بالجناية لزمه تمام الارش، وإلا فالقيمة، ولا يرجع لان الوصية بعتق عبد غير جان فقد خالف.
سائحاني.
قوله: (ولو أوصى بثلثه الخ) معناه ترك عبدا ومالا وارثا والعبد مقدار ثلث ماله، وله صرح قاضيخان.
معراج قوله: (لينفذ من كل المال) فكأنه يقول: لم يقع العتق وصية ووصيتي بثلث ماله صحيحة فيما وراء العبد.
قوله: (ويقدم على بكر) لانه إذا وقع في المرض وقع وصية وقيمة العبد ثلث المال فلم يكن للموصى له بالثلث شئ، لان الوصية بالعتق مقدمة بالاتفاق.
معراج.
قوله: (ولا شئ لزيد) لما علمته من تقديم العتق.
وأما قول المصنف فيما مر ويزاحم أصحاب الوصايا فقد علمت المراد منه، فافهم.
قوله: (إلا أن يفضل الخ) أي إلا أن يكون ثلث المال زائدا على قيمة العبد فتنفذ الوصية لزيد فيما زاد على القيمة.
منح قوله: (من قيمة العبد) كذا عبر الزيلعي.
وعبارة الدرر: على قيمة العبد وهي أولى وإن أمكن جعل من بمعنى على كما قال الاخفش والكوفيون في قوله تعالى: * (ونصرناه من
القوم) * (الانبياء: 77) أفاده ط عن المكي.
قوله: (فإن الموصى له خصم الخ) جواب عن إشكال، وهو أن الدعوى في العتق شرط لاقامة البينة عنده، وكيف تصح أقامتها من غير خصم؟ فقال: وهو خصم في إثبات حقه لانه مضطر إلى إقامتها على حرية العبد ليفرغ الثلث عن الاشتغال بحق الغير.
معراج.
قوله: (وكذا العبد) أي خصم أيضا لان أقول: والمراد أنه خصم في غير هذه الصورة، لان الوارث مقر بعتقه العتق حقه.
هنا أو فيما إذا زادت قيمته على الثلث فهو خصم في إثبات عتقه في الصحة.
تأمل.
قوله: (وقالا يعتق ولا يسعى الخ) لان الدين والعتق في الصحة ظهرا معا بتصديق الوارث في كلام واحد فكأنهما وقعا معا والعتق في الصحة لا يوجب السعاية، وإكان على المعتق دين.
وله أن الاقرار بالدين أولى من الاقرار بالعتق، ولهذا يعتبر إقراره في المرض بالدين من جميع المال وبالعتق من الثلث، والاقوى يدفع الادنى، إلا أنه بعد وقوعه لا يحتمل البطلان فيدفع من حيث المعنى بإيجاب السعاية عليه.
ابن كمال.
قوله: (وعلى هذا الخلاف) كذا عبر في الهداية، والتعبير به ظاهر على ما قرره صاحب الهداية من ذكر الخلاف(1/264)
الآتي، والشارح لم يتابعه بل مشى على عكسه، فالخلاف هنا حينئذ عكس الخلافة في المسألة الاولى، فكان عليه ذكر المسألة مبتدأة بدون ذلك، فافهم.
قوله: (نصفان) لان الوديعة لم تظهر إلا مع الدين فيستويان.
زيلعي.
قوله: (وقالا الوديعة أقوى) لانها تثبت في عين الالف والدين يثبت في الذمة أولا ثم ينتقل إلى العين، فكانت الوديعة أسبق وصاحبها أحق.
زيلعي.
قوله: (والاصح ما ذكرنا) وهو المذكور في عامة الكتب.
عناية.
باب الوصية للاقارب وغيرهم أي من الاهل والاصهار والاختان ونحو ذلك، وإنما أخر هذا الباب لانه في أحكام الوصية المخصوصين وفيما نقدمه ذكر أحكامها على وجه العموم والخصوص يتلو العموم أبدا.
منح.
قوله: (جاره من لصق به) لما كان لكل من الاقارب والجيران خصوصية تستدعي الاهتمام نبه على أهمية كل منهما من وجه حيث قدم الاقارب في الترجمة والجيران هنا.
سعدية.
قوله: (وهو استحسان)
والصحيح قول الامام كما أفاده في الدر المنتقى وصرح به العلامة قاسم، وهو القياس كما في الهداية، فهو مما رجح فيه القياس على الاستحسان.
تنبيه: يستوي في الجار ساكن ومالك وذكر وأنثى ومسلم وذمي وصغير وكبير، ويدخل فيه العبد عنده.
وقالا: تلك وصية لمولاه وهو غير جار، بخلاف المكاتب، ولا تدخل من لها بعل لتبعيتها فلم تكن جارا حقيقة.
مقدسي.
وقوله ومالك: يعني إذا كان ساكنا.
أبو السعود.
قوله: (وصهره كل ذي رحم محرم من عرسه) لما روى: أنه عليه الصلاة والسلام لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها وكانو يسمون أصهار النبي صلى الله عليه وآله، وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيد، وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه، لان الكل أصهار.
هداية.
وقول محمد حجة في اللغة استشهد بقوله أبو عبيد في غريب الحديث مع أنه مؤيد بقول الخليل: لا يقال لاهل بيت المرأة إلا الاصهار.
وفي شرح الزيادات للبزدوي: قد يطلق الصهر على الختن، لكن الغالب ما ذكره محمد.
إتقاني ملخصا، وتمامه في الشرنبلالية.
قوله: (وأخواتها) كذا فيما رأيت من النسخ، وصوابه: وإخوتها لان أخوات جمع أخت.
قوله: (وإن ورثت منه) بأن أبانها في المرض لان الرجعي لا يقطع النكاح والبائن يقطعه.
زيلعي.
قوله: (عناية) لم أجد(1/265)
ذلك فيها.
نعم ذكره الزيلعي كما سيأتي.
قوله: (قلت لكن الخ).
أقول: الظاهر اعتبار العرف في ذلك، لما في جامع الفصولين من أن مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف اه.
حتى لو تعورف خلاف ذلك كله يعتبر كأهل دمشق يطلقون الصهر على الختن ولا يفهمون منه غيره، وهي لغة كما مر.
وأما ما في البرهان وغيره فهو نقل لما دونه صاحب المذهب، فلا دلالة فيه على أن العرف هنا لا يعتبر، هذا ما ظهر لي فتدبر.
قوله: (ثم نقل) أي في الشرنبلالية عن العيني: أي في شرحه على الهداية عند عبارتها التي نقلناها آنفا.
قوله: (صوابه جويرية) أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فكاتبت عن نفسها.
وفي مسند أحمد والبزاز وابن
راهويه: أنه كاتبها على تسع أواق من الذهب، فدخلت تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله في كتابتها، فقالت: يا رسول الله أنا امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، أصابني من الامر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على ما لا طاقة لي به وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك صلى الله عليك، فأعني في فكاكي، فقال: أو خير من ذلك؟ فقالت: ما هو؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك.
قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت، فأدى رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان عليها من كتابتها وتزوجها، فخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله يسترقون، فأعتقوا ما كان بأيديهم من سبي بني مصطلق مائة أهل بيت، قالت عائشة: فلا علم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها.
قال في الشرنبلالية: وقد علمت أن السبي كان قد قسم، وأن المعتقين للسبي هم الصحابة لا النبي صلى الله عليه وآله.
وفي الاستدلال به على أن الصهر كل ذي رحم محرم من امرأته تأمل، لما علمت من القصة.
قوله: (وكذا كل ذي رحم) أي محرم كما في المنح وغيرها.
قال محمد في الاملاء: إذا قال: أوصيت لاختاني بثلث مالي، فأختانه زوج كل ذات رحم منه وكل ذي رحم محرم من الزوج، فهؤلاء أختانه، فإن كان له أخت وبنت أخت وخالة لكل واحدة منهن زوج لزوج كل واحدة منهن أرحام فكلهم جميعا أختانه، والثلث بينهم بالسوية الانثى والذكر فيه سواء وأم الزوج وجدته وغير ذلك سواء اه.
إتقاني، والشرط هنا أيضا قيام النكاح بين محارمه أزواجهن عند موت الموصي كما نقله الطوري.
قوله: (وفي عرفنا الصهر أبو المرأة وأمها) مكرر مع ما سبق ط.
قوله: (قلت: غير مماليكه) أي(1/266)
وغير وارثه شر نبلالية واتقاني قوله (جوابه في المطولات) وهو أن الاسم حقيقة للزوجة يشهد بذلك النص والعرف.
قال تعالى: * (وسار بأهله) * (القصص: 29) * (وقال لاهله امكثوا) * (القصص: 29) ومنه قولهم تأهل ببلدة كذا، والمطلق ينصرف إلى الحقيقة المستلة.
زيلعي، يشير إلى أن ما استدلا به غير مطلق بقرينة الاستثناء، وميل الشارح إلى ترجيح قول الامام وإن كان هو القياس، ولذا قال في الدر المنتقى: ولكن المتون على قوله وقدمه المصنف فليحفظ أيضا اه.
وهذا إذا كانت
الزوجة كتابية مثلا أو أجازت الورثة.
وفي أبي السعود عن الحموي: ينظر حكم ما لو أوصت لاهلها هل يكون الزوج لا غير؟ اه.
أقول: الظاهر لا، إذ لا حقيقة ولا عرف.
قوله: (وقبيلته) عطف تفسير لقوله: أهل بيته بدليل قول الهداية لان الآل القبيلة التي ينسب إليها.
قوله: (من ينسب إليه) على حذف مضاف: أي إلى نسبة، بأن يشاركه فيه ويجتمع معه في أحد آبائه ولو الاب الاعلى، هذا ما ظهر لي ويأتي ما يوضحه، وإلا فقبيلة الموصي لا تنسب إليه نفسه إلا إذا كان أبا القبيلة.
ثم رأيت في الاسعاف ما نصه: أهل بيت الرجل وآله وجنسه واحد، وهو كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له في الاسلام، وهو الذي أدرك الاسلام أسلم أو لم يسلم فكل من يناسبه إلى هذا الاب من الرجال والنساء والصبيان فهو من أهل بيته اه.
فقوله: يناسبه: أي يشاركه في نسبة أولى من قول المصنف: ينسب إليه كما لا يخفى.
قوله: (لانه مضاف إليه) أي والوصية للمضاف لا المضاف إليه.
زيلعي عن الكافي.
قال ط: وفيه أنه لا يظهر إلا لو قال: أوصيت لآل عباس مثلا، أما لو قال: أوصيت لآلي أو لآل زيد وهو غير أب الاقصى لا يظهر، ولو علل بأن الاب الاقصى لا يقال له أهل بيته لكان أولى اه.
قلت: وعبارة الهداية: أوصي لآل فلان.
قوله: (إن كانوا لا يحصون) عبارة الاختيار: وإن كان لا يحصون قوله وزوجتة أي إذا كان من قوم أبيه سائحاني.
قوله: (ولا يدخل فيه أولاد البنات الخ) أي إذا لم يكن آباؤهم من قومه.
سائحاني.
قوله: (يتجنس بأبيه) أي يقول أنا من جنس فلان.
قال في غاية البيان: لان الجنس عبارة عن النسب والنسب إلى الآباء اه.
قوله: (كآله وجنسه) بيان(1/267)
المرجع اسم الاشارة في قوله: وكذا يعني أن أهل بيته وأهل نسبه مثل آله وجنسه في أن المراد بالكل قوم أبيه دون أمه وهم قبيلته التي ينسب إليها.
قال في الهندية: ولو أوصى لاهل بيته يدخل فيه من جمعه وإياهم أقصى أب في الاسلام، حتى أن الموصي لو كان علويا أو عباسيا يدخل فيه كل من ينسب إلى علي أو العباس من قبل الاب لا من
ينسب من قبل الام.
وكذا أوصى لحسبه أو نسبه لانه عبارة عمن ينتسب إلى الاب دون الام، وكذلك إذا أوصى لجنس فلان فهم بنو الاب وكذلك اللحمة عبارة عن الجنس وكذلك الوصية لآل فلان بمنزلة الوصية لاهل بيت فلان ا ه ملخصا.
قوله: (ومفاده الخ) يؤيده قول الهندية عن البدائع: فثبت أن الحسب والنسب يختص بالاب دون الام اه.
فلا تحرم عليه الزكاة، ولا يكون كفؤا للهاشمية، ولا يدخل في الوقف على الاشراف ط.
قوله: (وبه أفتى شيخنا الرملي) حيث قال في فتاواة في باب ثبوت النسب ما حاصله: لا شبهة في أن له شرفا ما، وكذا لاولاده وأولادهم إلى آخر الدهر.
أما أصل النسب فمخصوص بالآباء.
وسئل أيضا عن أولاد زينب بنت فاطمة الزهراء زوجة عبد الله بن جعفر الطيار.
فأجاب أنهم أشراف بلا شبهة، إذ الشريف كل من كان من أهل البيت علويا أو جعفريا أو عباسيا، لكن لهم شرف الآل الذين تحرم الصدقة عليهم، لا شرف النسبة إليه صلى الله عليه وآله.
فإن العلماء ذكروا أن خصائصه صلى الله عليه وآله أنه ينسب إليه أولاد بناته، فالخصوصية للطبقة العليا، فأولاد فاطمة الاربعة الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ينسبون إليه صلى الله عليه وآله، وأولاد الحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه صلى الله عليه وآله، وأولاد زينب وأم كلثوم ينسبون إلى أبيهم لا إلى أمهم، فلا ينسبون إلى فاطمة ولا إلى أبيهم صلى الله عليه وآله لانهم أولاد بنت بنته لا أولاد بنته، فيجري فيهم الامر على قاعدة الشرع الشريف في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد بها الحديث وهي مقصورة على ذرية الحسن والحسين، لكن مطلق الشرف الذي للآل يشملهم.
وأما الشرف الاخص وهو شرف النسبة إليه صلى الله عليه وآله فلا اه.
ملخصا.
وأصله العلامة ابن حجر المكي الشافعي.
أقول: وإنما يكون لهم شرف الآل المحرم للصدقة إذا كان أبوهم من الآل كما مر، والمراد بالحديث ما أخرجه أبو نعيم وغيره: كل ولد آدم فإن عصبتهم لابيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم.
قوله: (وإن أوصى لاقاربه الخ) زاد في الملتقى: وأقرباءه وذوي أرحامه.
قوله: (كذا النسخ) وكذا في الكنز والغرر والاصلاح.
قوله: (قلت: صوابه لذوي) أي بالجمع كما عبر في الملتقى، لانه إذا أوصى لذي قرابته وله عم واحد وخالان فالكل للعم، لانه لفظ مفرد فيحرز الواحد جميع الوصية إذ هو الاقرب.
زيلعي.
وفي غرر الافكار: إذا قال لقرابته أو لذي قرابته أو لذي نسبه
فالمنفرد يستحق كل الوصية عند الكل اه.
قوله: (أو لانسابه) استشكله الزيلعي بأنه جمع نسب.(1/268)
وفيه: لا يدخل قرابته من جهة الام فكيف دخلوا فيه هنا اه.
وأجاب الشلبي بأن المراد بأنسابه حقيقة النسبة وهي ثابتة من الام كالاب.
أقول: وفيهم أنهم اعتبروا في أهل نسبه النسب من جهة الآباء كما مر، فما الفرق بينهما؟.
قوله: (فهي للاقرب فالاقرب الخ) حاصله أن الامام اعتبر خمس شرائط: وهي كونه ذا رحم محرم، واثنين فصاعدا، ومما سوى الوالد والولد، وممن لا يرث والاقرب فالاقرب.
وقالا: كل من يجمعه وأياه أقصى أب في الاسلام.
وخالفاه في شرطين: المحرمية ولاقرب، فيكفي عندهما الرحم بلا محرمية، ويستوي الاقرب والابعد.
واتفقوا على اعتبار الاثنين فصاعدا لانه اسم جمع والمثنى كالجمع، وأن لا يكون وارثا ولا والدا أو ولدا.
إتقاني عن المختلف ملخصا.
لكن قال الزيلعي: ويستوي الحر والعبد والمسلم والكافر والصغير والكبير والذكر والانثى على المذهبين، وإنما يكون للاثنين فصاعدا عنده اه.
ونقل نحوه في السعدية عن الكافي.
ثم قال: وهذا مخالف لقول محمد في الوصية لامهات أولاده الثلاث وللفقراء والمساكين، حيث اعتبر فيه الجمعية ولم يعتبر ها هنا اه.
قلت: وعلى الاول لا مخالفة وكأنهما روايتان.
تأمل.
ثم رأيت القولين في الحقائق والقهستاني.
هذا، وقول الامام هو الصحيح كما في تصحيح القدوري والدر المنتقى.
تنبيه: قال في غرر الافكار وشرح المجمع عن الحقائق: إذا ذكر مع هذه الالفاظ الاقرب فالاقرب لا يعتبر الجمع اتفاقا، لان الاقرب اسم فرد خرج تفسيرا للاول ويدخل فيه المحرم وغيره، ولكن يقدم الاقرب لصريح شرطه اه.
ونقله في الشرنبلالية والاختيار أيضا.
قلت: وهي حادثة الفتوى سنة ثلاثين ومائتين وألف فيمن أوصى لارحامه الاقرب فالاقرب منهم فأفتيت بشموله لغير المحارم كما هو صريح هذا النقل.
قوله: (قيل الخ قال في المعراج: وفي الخبر من سمى والده قريبا عقه وقد عطف الله تعالى الاقربين على الوالدين في قوله تعالى: * (الوصية للوالدين والاقربين) * (البقرة: 180) ويعطف الشئ على غيره حقيقة، فعرف أن القريب في لسان الناس
من يتقرب إلى غيره بواسطة.
كذا في المبسوط اه: أي والوالدان والولد يتقربان بأنفسهم لا بواسطة.
قوله: (ولو ممنوعين) بصيغة الجمع ط.
قوله: (كما يفيده عموم قوله والوارث) أي يفيد عدم دخولهم، ولو ممنوعين لانه لو كانت العلة فية كونهم وارثين لم احتيج التنصيص على عدم دخولهم، إذ هم يخرجون بقوله والوارث لانه يشملهم بعمومه، فلما لم يكتف بذلك ونص على إخراجهم علمنا أنه أراد أنهم لا يدخلون سواء كانوا وارثين أو ممنوعين، فافهم.
قوله: (والوارث) عللوه بقوله عليه الصلاة والسلام: لا وصية لوارث وبهذا يتجه ما بحثه بعضهم من أن هذا فيما لو أوصى لاقارب نفسه، أما لو أوصى ولاقارب فلان ينبغي أن لا يخرج الوارث.
قوله: (فيدخل) الاولى فيدخلان ط.
قوله: (واختاره في الاختيار) حيث اقتصر عليه، وعلله بأن القريب لغة: من يتقرب إلى غيره بواسطة غيره وتكون الجزئية بينهما منعدمة.
ونقل أبو السعود عن العلامة قاسم عن البدائع أنه هو الصحيح، ثم قال: لكن في شرح الحموي بخطه أن الدخول هو الاصح اه.(1/269)
قلت: وعبارة متن المواهب: وأدخل: أي محمد الجد والحفدة وهو الظاهر عنهما اه.
الحفدة: جمع حافد: ولد الولد، ومثل الجد الجدة كما في المجمع.
قوله: (ويكون للاثنين) أي في التعبير بالجمع، بخلاف ما إذا قال لذي قرابته كما قدمناه.
أفاده ط.
قوله: (يعني أقل الجمع) الاوضح أن يقول: لان أقل الجمع ط.
قوله: (فهي لعميه) لانهما أقرب من الخالين لان قرابتهما من جهة الاب والانسان ينسب إلى أبيه، ألا ترى أن الولاية للعم دون الخال في النكاح فثبت أنهما أقرب من طريق الحكم.
إتقاني.
وهذا حيث كان الوارث غيرهما، وكذا يقال فيما بعده وهو ظاهر.
قوله: (وقالا أرباعا) لعدم اعتبارهما الاقربية كما مر.
قوله: (ولهما النصف) لان العم الواحد لا يقع عليه اسم الجماعة فلا يستوجب الجميع، فإذا دفع إليه النصف وبقي النصف صرف إلى الخالين لانهما أقرب إليه بعد العم فيجعل في النصف الباقي كأنه لم يترك إلا الخالين.
إتقاني.
قوله: (لعدم من يستحقه) إذ لا بد من اعتبار الجمع.
إتقاني.
وعندهما: له جمع الثلث.
غرر الافكار.
وهو مبني على ما مر عن الزيلعي والكافي.
تأمل.
قوله: (يعم الكل) لانه اسم لجنس المولود ذكرا أو أنثى واحدا أو أكثر.
اختيار
.
قوله: (حتى الحمل) الظاهر تقييده بما إذ ولدته لاقل من ستة أشهر من وقت الوصية لتحقق وجوده عندهما كما ذكروا ذلك في الوصية للحمل ط.
قوله: (ولا يدخل ولد ابن مع ولد صلب) هذا إذا كان فلان أبا خاصا، فلو كان فخذا فأولاد الاولاد يدخلون تحت الوصية حال قيام ولد الصلب.
عناية.
وتمامه في المنح.
قوله: (لانه اعتبر الوراثة) أي والوراثة بين الاولاد والاخوات كذلك، ولان التنصيص على الاسم المشتق يدل على أن الحكم يترتب على مأخذ الاشتقاق فكانت الوراثة هي العلة.
زيلعي.
وظاهره أن قوله.
* (للذكر مثل حظ الانثيين) * ليس عاما في جميع الورثة بل خاص بالاولاد والاخوة والاخوات، وفي غيرهم: يقسم على قدر فروضهم، وهو المذكور في الاسعاف والخصاف في مسائل الاوقاف، والوصية أخت الوقف.
قوله: (إنما يكون بعد الموت) لان كونهم ورثة لا يتحقق إلا بعد موت المورث، وكذا العقب فإنه عبارة عمن وجد من الولد بعد موت الانسان، فأما في حال حياته فليسوا بعقب له.
منح عن السراج.
قوله: (ثم) أي بعد وجود شرط الصحة المذكور إن كان الخ.
قوله:(1/270)
(على عدد الرؤوس) أي رؤوسهم ورأس الموصى له الآخر.
قوله: (ثم ما أصاب الورثة) قيد بالورثة لان القسمة للذكر كالانثيين خاصة بهم، أما العقب فالاسم تناول جماعتهم فيكونون بالسوية كما قاله في المنح.
قوله: (كما مر) أي في المتن قريبا من أن القسمة للورثة كذلك.
قوله: (ثم) أي بعد الحكم ببطلان الوصية للورثة أو العقب لفقد الشرط المذكور إن كان معهم موصى له آخر وهو في المثال الآتي الموصي لورثته أو عقبه، ومثله لو كان أجنبيا كما مثل به في المنح، فافهم.
قوله: (لان الاسم لا يتناولهم) فكانت وصية لمعدوم فلم يشاركوا فلانا، كما لو أوصى له والميت، إتقاني.
تنبيه: قد علمت مما تقرر سقوط ما في الشرنبلالية في باب الوصية بالثلث حيث قال فيما لو أوصى لفلان وعقبه: لعله: أي استحقاق فلان الكل فيما إذا لم يولد العقب لاقل من ستة أشهر، وإلا فلا مانع من المشاركة اه.
وهو من مثل الشرنبلالي عجيب، فإنه لو كان مولودا قبل ذلك لا يدخل، فتنبه.
قوله: (كذلك) أي من الذكور والاناث.
قوله: (ولا يدخل أولاد الاناث) بخلاف النسل فإنهم يدخلون فيه ويستوون في قسمة الوقف والوصية.
أبو السعود عن الخصاف وغيره.
قوله: (لا يتم بعد
البلوغ) رواه أبو داود بلفظ: لايتم بعد احتلام وحسنه النووي.
قوله: (الارمل الخ) في المغرب: أرمل افتقر من الرمل.
ثم قال: وفي التهذيب يقال للفقير الذي لا يقدر على شئ من رجل وامرأة أرمل، ولا يقال للتي لها زوج وهي موسرة أرملة.
وقال الشعبي: الانوثة ليست بشرط، بل يدخل فيه الذكر والانثى، إلا أن الصحيح ما فسره محمد أن الارملة المرأة البالغة التي كان لها زوج فارقها أو مات عنها دخل بها أو لم يدخل، وقوله حجة في اللغة.
كفاية.
وزاد في النهاية قيد الحاجة، قال: لان حقيقة المعنى فيه نفاذ زادها لسقوطها نفقتها عن زوجها اه.
وفي السعدية عن المحيط: ولا يقال رجل أرمل إلا في الشذوذ، ومطلق الكلام يحمل على الشائع المستفيض بين الناس.
قوله: (ويؤيده الخ) حيث قال: ذكرهم وأنثاهم وقد تبع الشارح صاحب العناية في ذلك، وفيه نظر، فإن قوله: فقيرهم وغنيهم ينافيه، ولذا في السعدية: الظاهر أن كلام المصنف على التوزيع بناء على عدم الالتباس.
قوله: (بغير كتاب أو حساب) هذا قول أبي يوسف.
وقال محمد: لو أكثر من مائة فهم لا يحصون.
وقال بعضهم: مفوض إلى رأي القاضي،(1/271)
وعليه الفتوى.
والايسر ما قاله محمد.
كفاية عن الخانية، وما عليه الفتوى.
قال في الاختيار: هو المختار والاحوط إه.
قوله: (وإلا لفقرائهم) أي إن لم يحصوا فالوصية لفقرائهم، لان المقصود منها القرابة.
وهي في سد الخلة ورد الجوعة، وهذه الاسامي تشعر بتحقق الحاجة فجاز حمله على الفقراء.
درر.
قوله: (يختص بذكورهم) وعندهما: وهو رواية عن الامام يدخل الاناث أيضا.
ملتقى.
وكذا الخلاف لو لم يكن إلا أولاد البنين.
وفي دخول بني البنات عنه روايتان، ولو كان ابن واحد وبنو بنين فله النصف ولا شئ لهم.
وعندهما لهم الباقي ويدخل جنين ولد لاقل الاقل.
إتقاني ملخصا.
قوله: (إلا إذا كان الخ) الطبقات التي عليها العرب ست: وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة.
فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمارة، وهكذا، وخزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة.
أفاده صاحب الكشاف.
قوله:
(مولى العتاقة) أي العبد المعتق، وقوله: ومولى الموالاة أي المولى الاسفل، وهو من والي واحد منهم لان مولى القوم.
تأمل.
قوله: (وحلفاؤهم) بالحاء المهملة.
والحليف: من يأتي قبيلة فيحلف لهم ويحلفون له للتناصر.
إتقاني.
قوله: (وإن كان لا ينبئ عن الحاجة) كشبان بني فلان، وكذا العلوية الفقهاء كما في الهندية.
قوله: (لمواليه) متعلق بأوصى.
قوله: (بطلت) اعلم أن المسألة تحتمل ثماني صور، لان الموصي إما أن يكون له موال أعلون وموال أسفلون، أو مولى واحد فيها، أو موال في أحدهما ومولى واحد في الآخر، وفيهما صورتان، وفي كل إما أن يعبر الموصي بصيغة الجمع أو الافراد وصريح المصنف فيما إذا تعددت الموالي في الجهتين، ووقع التعبير بالموالي، وليحرر باقي الصور اه ط.
أقول: صرحوا هنا بأن الجمع للاثنين فصاعدا، فلو وجد اثنان فلهما الكل أو واحد فله النصف.
وأقول: الظاهر أن المولى اسم جنس كالولد فيعم الواحد والاكثر، وعند اجتماع الفريقين تبطل فقد ظهر المراد.
تأمل.
قوله: (ولا فرق في ذلك) أي في عدم عموم المشترك.
قوله: (واختار شمس الائمة الخ) كذا اختاره المحقق ابن الهمام في التحرير.
قوله: في حيز النفي كمسألة اليمين الآتية.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذ علمت أنه لا فرق عند أصحابنا بين النفي والاثبات في عدم العموم ط.(1/272)
قوله: (لان الحامل على اليمين بغضه) أي بغض فلان وهو: أي فلان أو بغضه غير مختلف: أي لا اشتراك فيه إذا هو شئ واحد.
أقول: سلمنا الحامل واحد، لكن الكلام في لفظ المولى، وقد أريد كلا معنييه لاتحاد الحامل فلزم عمومه، اللهم إلا أن يقال: اتحاد الحامل قرينة على أنه من عموم المجاز بأن يراد به لفظ يعم المعنيين وهو من تعلق به العتق بوقوعه منه أو عليه، فليتأمل.
قوله: (لزوال المانع) وهو عدم فهم المراد.
قوله: (ويدخل فيه من أعتقه) أي الموصي في صحته ومرضه، سواء أعتقه قبل الوصية أو بعدها، لان الوصية تتعلق بالموت، وكل منهم ثبت له الولاء عند الموت فاستحق الوصية لوجود الصفة
فيه، ويدخل أولادهم من الرجال والنساء أيضا لانهم ينسبون إليه بالولاء بالمتعلق بالعتق فيدخلون معهم، ولا يدخل مولى الموالاة ولا مولى المولى إلا عند عدمهم مجازا لتعذر الحقيقة كما في الاختيار والملتقى.
قوله: (ولا يدخل فيه مدبروه) الخ لانهم مواليه بعد الموت لا عنده.
قوله: (وعن أبي يوسف يدخلون) لوجود سبب استحقاق الولاء.
إتقاني.
قوله: (من يدقق النظر) أي الفكر والتأمل بالدليل ط.
قوله: (وإن علم ثلاث مسائل مع أدلتها) حكي عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله أنه قال: الفقيه عندنا من بلغ من الفقه الغاية القصوى، وليس المتفقة بفقيه وليس له من الوصية نصيب، ولم يكن في بلدنا أحد يسمى فقيها غير شيخنا أبي بكر الاعمش.
طوري.
وفيه: إذا أوصى للعلوية فقد حكى عن الفقيه أبي جعفر لا يجوز لانهم لا يحصون، وليس في هذا الاسم ما ينبئ عن الفقر والحاجة، ولو أوصى لفقراء العلوية يجوز، وعلى هذا الوصية للفقهاء ا ه.
أقول: لكن ذكر في الاسعاف أنه يصح الوقف على الزمني والعميان وقراء القرآن والفقهاء وأهل الحديث، ويصرف للفقراء منهم لاشعار الاسماء بالحاجة استعمالا، فإن العمى والاشتغال بالعلم يقطع عن الكسب فيغلب فيهم الفقر وهو أصح ا ه.
قوله: (حتى قيل من حفظ ألوفا من المسائل) أي من غير أدلة.
وفيه: أنهم قد اعتبروا العرف في كثير من مسائل الوصية فلماذا لم يعتبروا عرف الموصي؟ ط.
أقول: الظاهر أن ذلك عرفهم في زمانهم، ومقدمنا عن جامع الفصولين أن مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف.
وفي الاشباه من قاعدة: العادة محكمة ألفاظ الواقفين تبني على عرفهم كما في وقف فتح القدير.
وكذا لفظ الناذر والموصي والحالف ه..على أنه قدم الشارح في صدر(1/273)
الكتاب في تعريف الفقه أنه عند الفقهاء حفظ الفروع وأقله ثلاث اه.
وعزاه في البحر إلى الملتقى.
ثم قال: وذكر في التحرير أن الشائع إطلاقه على من يحفظ الفروع مطلقا: يعني سواء كانت بدلائلها أولا اه.
قوله: (لكن قدمنا الخ) استدراك على التطيين فقط، ولم يتعرض لبناء القبة فهو مكروه اتفاقا
ط.
قوله: (لانها حينئذ وصية بالمكروه) مقتضاه أنه يشترط لصحة الوصية عدم الكراهة، وقدم أول الوصايا أنها أربعة أقسام وأنها مكروهة لاهل فوسق، ومقتضى ما هنا بطلانها، اللهم إلا أن يفرق بأن الوصية إما صلة أو قربة وليست هذه واحدة منهما فبطلت، بخلاف الوصية لفاسق فإنها صلة لها مطالب من العباد فصحت، وإن لم تكن قربة كالوصية لغنى لانها مباحة وليست قربة كما مر، هذا ما ظهر لي، وسيأتي في أول فصل وصايا الذمي ما يوضحه.
قوله: (بناء على القول بكراهة القراءة على القبور).
أقول: ليس كذلك لما في الولوالجية: لو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيئا من القرآن فهو حسن، أما بذلك فلا معنى لها، ولا معنى أيضا لصلة القارئ لان ذلك يشبه استئجاره على قراءة القرآن وذلك باطل، ولم يفعله أحد من الخلفاء اه بحروفه.
فقد صرح بحسن القراءة على القبر وببطلان الوصية فلم يكن مبنيا على القول بالكراهة.
قوله: (أو بعدم الخ) أي أو يكون مبنيا على القول بعدم جواز الاجارة على الطاعات، وفي كونه مما أجيز الاستئجار عليه.
تأمل.
لان ما أجازوه إنما أجازوه في محل الضرورة كالاستئجار لتعليم القرآن أو الفقه أو الاذان أو الامامة خشية التعطيل لقلة رغبة الناس في الخير، ولا ضرورة في استئجار شخص يقرأ على القبر أو غيره ا ه.
رحمتي.
أقول: هذا هو الصواب، وقد أخطأ في هذه المسألة جماعة ظنا منهم أن المفتى به عند المتأخرين جواز الاستئجار على جميع الطاعات، مع أن الذي أفتى به المتأخرون إنما هو التعليم والاذان والامامة، وصرح المصنف في المنح في كتاب الاجارات وصاحب الهداية وعامة الشراح وأصحاب الفتاوى بتعليل ذلك بالضرورة وخشية الضياع كما مر،، ولو جاز على كل طاعة لجاز على الصوم والصلاة والحج مع أنه باطل بالاجماع، وقد أوضحت ذلك في رسالة حافلة ذكرت نبذة في باب الاجارة الفاسدة، والاستئجار على التلاوة وإن صار متعارفا فالعرف لا يجيزه لانه مخالف للنص، وهو ما استدل به أئمتنا كصاحب الهداية وغيره من قوله عليه الصلاة والسلام: اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به.
والعرف إذا خالف النص يرد بالاتفاق، فاحفظ ذلك ولا تمكن ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا وجعلها دكانا يتعيش منها.
(أما على المفتى به فينبغي جوازها مطلقا) أي سواء كان القول بالبطلان مبنيا
على كراهة القراءة على القبر أو على عدم جواز الاستئجار على الطاعات.(1/274)
أقول: وقد علمت مخالفة هذا البحث للمنقول فهو غير مقبول، بل البطلان مبني على ما قدمناه عن الولوالجية وصرح به في الاختيار وكثير من الكتب وهو أنه يشبه الاستئجار على قراءة القرآن.
والذي أفتى به المتأخرون جواز الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته خلافا لمن وهم.
قوله: (فلو لم يباشر فيه الخ) أي مع إمكان المباشرة فيه، لما في فتاوى الحانوتي إذا شرط الواقف المعلوم لاحد يستحقه عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجابي اه.
وكذا المدرس إذا درس في مدرسة أخرى لتعذر التدريس في مدرسته، كما نقله الشارح عن النهر بحثا قبيل الفروع في آخر كتاب الوقف، ونحوه في حاشية الحموي.
والله تعالى أعلم.
باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة لما فرغ من أحكام الوصايا المتعلقة بالاعيان شرع في أحكام الوصايا المتعلقة بالمنافع، لانها بعد الاعيان وجودا فأخرها عنها وضعا.
عناية.
قوله: (صحت الوصية بخدمة عبده وسكنى داره) أي لمعني، قال المقدسي: ولو أوصى بغلة داره أو عبده في المساكين جاز، وبالسكنى والخدمة لا يجوز إلا لمعلوم، لان الغلة عين مال يتصدق به والخدمة والسكنى لا يتصدق بها بل تعار العين لاجلها، والاعارة لا تكون إلا لمعلوم.
وقيل: ينبغي أن يجوز على قياس من يجيز الوقف وتمام الفرق في البدائع ا ه.
سائحاني.
قوله: (مدة معلومة وأبدأ) وإن أطلق فعلى الابد، وإن أوصى بسنين فعلى ثلاث، وكذا الوصية بغلة العبد والدار.
اه.
مسكين.
قوله: (كما في الوقف) فإن الموقوف عليه يستوفي منافع الوقف على حكم ملك الواقف.
قوله: (وبغلتهما) أي العبد والدار، وسيذكر الشارح معنى الغلة.
قوله: (فإن خرجت الرقبة من الثلث) أي رقبة العبد والدار في الوصية بالخدمة والسكنى والغلة، وقيد بالرقبة لما في الكفاية أنه ينظر إلى الاعيان التي أوصى فيها، فإن كان رقبها مقدار الثلث جاز، ولا تعتبر قيمة الخدمة والثمرة والغلة والسكنى لان المقصود من الاعيان منافعها، فإذا صارت المنافع مستحقة وبقيت العين على ملك الوارث صارت بمنزلة العين التي لا منفعة لها، فلذا تعتبر قيمة الرقبة
كأن الوصية وقعت بها اه.
أقول: ولعل هذا هو المراد من قول الاشباه: إن التبرع بالمنافع نافذ من جميع المال.
تأمل.
قوله: (تقسم الدار أثلاثا) زاد في الغرر: أو مهايأة: أي من حيث الزمان، والاول أعدل لامكان القسمة بالاجزاء للتسوية بينهما زمانا وذاتا، وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا اه.
قال القهستاني: وهذا إذا كانت الدار تحتمل القسمة، وإلا بالمهايأة لا غير كما في الظهيرية.(1/275)
قوله: (فلا تقسم) أي الدار نفسها، أما الغلة فتقسم.
قال الاتقاني: إذا أوصى بغلة عبده أو داره سنة ولا مال له غيره فله ثلث غلة تلك السنة لانها عين مال يحتمل القسمة اه.
فلو قاسمهم البستان فعل أحد النصيبين فقط اشتركوا فيها لبطلان القسمة.
سائحاني عن المبسوط.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية، إذ حقه في الغلة لا في عين الدار، وفي رواية عن الثاني: تقسم ليستغل ثلثها.
شرنبلالية عن الكافي.
قوله: (وتهايا العبد) لانه لا يمكن قسمته بالاجزاء.
قوله: (فيخدمهم أثلاثا) أي يخدم الورثة يومين والموصى له يوما أبدا، إلا إن كانت مؤقتة بسنة مثلا، فلو السنة غير معينة فإلى مضي ثلاث سنين، ولو معينة فإلى مضيها إن مات الموصي قبلها أو فيها ثم تسلم إلى الورثة لان الموصى له استوفى حقه، وإن مات الموصي بعدها بطلت الوصية.
منح ملخصا.
قوله: (هذا) أي قسمة الدار ومهايأة العبد أثلاثا.
قوله: (بقدر ثلث جميع المال) مثاله: إذا كان العبد نصف التركة يخدم الموصى له يومين والورثة يوما، لان ثلثي العبد ثلث التركة فصار الموصي به ثلثي العبد وثلثه للورثة فيقسم كما ذكرنا، وعلى هذا الاعتبار تخرج بقية مسائله.
اختيار.
قوله: (لان المنفعة ليست بمال الخ) أي وإنما صح للمالك أن يؤجر ببدل لانه ملكها تبعا لملك العين، والمستأجر إنما ملك أن يؤجر مع أنه لا يملك إلا المنفعة لانه لما ملكها بعقد معاوضة كانت مالا، بخلاف ملكها بعقد تبرع كما نحن فيه.
سائحاني.
قوله: (في الاصح) كذا في الملتقى والهداية وغيرهما، معللا بأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها، وهذا استيفاء المنافع وهما متغايران ويتفاوتان في حق الورثة، لانه لو ظهر دين يمكنهم إداؤه من الغلة بالاسترداد منه بعد
استغلالها ولا يمكنهم من المنافع بعد استيفائها بعينها اه.
قوله: (وعليه الفتوى) ذكره في الظهيرية حيث قال في الوصية: بغلة داره لرجل تؤجر ويدفع إليه غلاتها.
فإن أراد السكنى بنفسه: قال الاسكاف: له ذلك، وقال أبو القاسم وأبو بكر بن سعيد: ليس له ذلك، وعليه الفتوى.
والوصية أخت الوقف، فعلى هذا يكون الفتوى في الوقف على هذا، بل أولى لانه لم ينقل فيه اختلاف المشايخ إ ه.
قال العلامة عبد البر بن الشحنة بعد نقله.
وهذا من حيث الرواية مسلم، أما من جهة الفقه فيظهر الفرق بما ذكره المصنف: يعني ابن وهبان بأن الوصية إنما هي بالغلة والسكنى معدمة لها فيفوت مقصود الموصي، بخلاف الوقف عليه فإنه أعم من كون الانتفاع بالسكنى أو بالغلة فينبغي أن يجري الخلاف في الوقف من باب أولى اه.
وحاصله النزاع مع صاحب الظهيرية في دعواه الاولوية.
قلت: فلو صرح الواقف باأنها للاستغلال فالاولوية ظاهرة.
هذا، ولكن للعلامة الشرنبلالي(1/276)
رسالة حاصلها أنه لا خلاف في أنه لا يملك الاستغلال متسحق السكنى.
واختلف في عكسه والراجح الجواز، فتأمل.
ونبه على ذلك في شرحه على الوهبانية هنا وفي كتاب الوقف.
قوله: (لان حقهم في المنفعة لا العين) أي حق الموصى لهم والموقوف عليهم، والموقوف عليهم، والمراد بالعين الغلة فإنها عين مال كما مر، لكن هذا التعليل يثبت خلاف المطلوب ويصلح تعليلا لعكس هذه المسألة: أعني قوله: وليس للموصى له الخ فالصواب أن يقول في بدل المنفعة لا فيها، لان بينهما فرقا في حق الورثة: أعني ما قدمناه عن الهداية، لكنه لم يعلم من كلامه هذا الفرق، اللهم إلا أن يراد بالمنفعة الاستغلال لا الخدمة والسكنى، وبالعين ذات العبد والدار والاشارة بقول: وقد علمت الفرق بينهما إلى ما قدمه من أن الموصى له بالغلة ليس له قسمة الدار: أي لانه لا حق له في عينها، فليتأمل.
قوله: (ولا يخرج الخ).
قال في الهداية: وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة، إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله ليخدمه هناك إذا كان يخرج من الثلث، لان الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا في مصره فمقصوده ان يمكنه من خدمته فيه بدون ان يلزمه مشقه السفر إذا كانوا في غير مقصودة أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم اه.
وفي أبي السعود عن المقدسي: فلو خرج بأهله من بلد الموصي ولم يعلم الموصي ليس له إخراج العبد.
قوله: (إلا إذا كان ذلك مكانه الخ) الاشارة إلى ظاهر عبارة المتن إلى المكان الذي يريد إخراجه إليه، وبه صرح في المنح.
وأما على حل الشارح فالاشارة إلى المخرج الذي هو الموصى له لا إلى الكوفة كما قال ح، لعدم ملاءمته لقوله بعده: وأهله في موضع آخر وعلى ما قلنا قاسم الاشارة اسم كان ومكانه مبتدأ وأهله معطوف عليه، وفي موضع آخر: خبر المبتدأ والجملة خبر كان، وفيه تغيير إعراب المتن ويقع له ذلك كثيرا.
ويجوز إرجاع الاشارة إلى الكوفة والضمير في مكانه للعبد وفي أهله للموصي.
وعبارة المواهب: ولا يسافر به إلا لبلده.
قوله: (وبعد موته) أي الموصي وهو عطف على قوله: حياة الموصي أي وبموت اموصى له بعد موت الموصي يعود الخ.
قوله: (يعود العبد والدار) أي خدمة العبد وسكنى الدار وغلتهما كما عبر الاتقاني لان ذلك هو الموصى به.
تأمل.
قوله: (بحكم الملك) أي ملك الموصي أو ورثته فلا يعود إلى ورثة الموصى له.
وعبارة الهداية: فإن مات الموصى له عاد إلى الورثة، لان الموصي أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، ولو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء من ملك الموصي من غير رضاه وذلك لا يجوز اه.
قوله: (ولو أتلفه الورثة) أي أتلفوا العبد الموصي بخدمته.
قوله: (ولهذا الخ) أي لاجل الغرامة عند الجناية منع مورثهم عن التبرع بأكثر من الثلث لئلا تلزمهم غرامة(1/277)
كل المال لو لزمت فيه الوصية وجنوا عليها، وهذا تعليل عليل.
سائحاني ورحمتي.
قوله: (صح) فإذا مات الموصى له بالخدمة يعود على الموصى له بالرقبة.
قوله: (ونفقته إذا لم يطلق الخدمة الخ) أي لصغر وكذا المرض.
وتمامه في الكفاية، ولكن في الولو الجية: إذا مرض مرضا يرجى برؤه فنفقته على صاحب الخدمة، وإن كان لا يرجى فعلى صاحب الرقبة.
قوله: (ونفقة الكبير على من له الخدمة) لانه إنما يتمكن من الاستخدام بالانفاق عليه.
عناية.
قوله: (فإن جنى فالفداء على من له الخدمة) وبعد موته ترجع به ورثته على من له الرقبة، لانه ظهر أنه المنتفع بها وذاك كان مضطرا إليه، فإن أبى يباع فيه.
إذ
لولا الفداء لكان مستحقا بالجناية.
ولولوالجية.
وتمامه في الاشباه من القول في الملك.
قوله: (وبطلت الوصية) أي في صورتي الفداء والدفع، وبيانه في السابع من الولوالجية.
تتمة: لم يبين ما إذا أوصى بالغلة ولا غلة فيها، وبينه صاحب المبسوط فقال: لو أوصى بغلة نخلة أبدا لرجل ولآخر برقبتها لم تدرك ولم تحمل فالنفقة في سقيها والقيام عليها على صاحب الرقبة، لان هذه النفقة نمو ملكه ولا ينتفع صاحب الغلة بذلك فليس عليه شئ من هذه النفقة، فإذا أثمرت فالنفقة على صاحب الغلة لان منفعة ذلك ترجع إليه فإن الثمرة بها تحصل، فإن حملت عاما ثم أحالت فلم تحمل شيئا فالنفقة على صاحب الغلة لان منفعة ذلك ترجع لصاحب الغلة، فإن الاشجار التي من عادتها أن تحمل في سنة ولا تحمل في سنة يكون ثمرها في السنة التي تحمل فيها أجود منه وأكبر إذا كانت تحمل كل عام، وهو نظير نفقة الموصي بخدمته فإنها على الموصى له بالخدمة بالليل والنهار جميعا وإن كان ينام بالليل ولا يخدك، لانه إذا استراح بالنوم ليلا كان أقوى على الخدمة بالنهار، فإن لم يفعل فأنفق صاحب الرقبة عليخ حتى يحمل فإنه يستوفي نفقته من ذلك لانه كان محتاجا إلى الانفاق كي لا يلتف ملكه فلا يكون متبرعا ولكنه يستوفي النفقة من الثمار وما يبقى من ذلك فهو لصاحب الغلة إ ه.
ط عن سري الدين.
قوله: (فمات والحال الخ) أي مات الموصي في حال وجود ثمرة في البستان.
قوله: (له هذه الثمرة) أي للوصي له إن خرج البستان من الثلث على ما قدمناه عن الكفاية.
قوله: (ضم أبدا أولا) والفرق أن الثمرة اسم للموجود عرفا فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الابد، أما الغلة فتنتظم الموجود وما بعرض الوجود مرة بعد أخرى عرفا.
درر.
قوله: (وإن لم يكن فيه ثمرة) محترز قوله فمات وفيه ثمرة.
قوله: (والمسألة بحالها) يعني أوصى بثمرة بستانه بلا زيادة لفظ أبدا فمات ولكن لم يكن فيه ثمرة.
قوله: (حين الوصية) صوابه حين الموت كما يعلم من السائق واللاحق، وبه صرح الطوري.
قوله: (زيلعي) قال: وإنما كان كذلك لان الثمرة اسم للموجود حقيقة ولا يتناول المعدوم إلا مجازا، فإذا كان فيه ثمرة عند الموت صار مستعملا في حقيقته(1/278)
فلا يتناول المجاز، وإذا لم يكن فيه ثمر يتناول المجاز، ولا يجوز الجمع بينهما إلا أنه ذكر لفظ الابد
تناولهما بعموم المجاز لا جمعح ا بين الحقيقة والمجاز اه.
تنبيه: أوصى بغلة أرضه ولا شجر فيها ولا مال له غيرهل تؤجر ويعطي صاحب الغلة ثلث الاجر، ولو فيها شجر يعطي ثلث ما يخرج منه.
ولو اشترى الموصى له البستان من الورثة جاز وبطلت الوصية، ولو تراضوا على شئ دفعوه إليه على أن يسلم الغلة جاز، وكذا الصلح عن سكنى الدار وخدمة العبد جائز وإن لم يجز بيع هذه الحقوق.
طوري.
قوله: (وكرائها) الكراء الاجرة، وهو في الاصل مصدر كاري ومنه المكاري بتخفيف الياء.
مغرب.
قوله: (كذا في جامع اللغة) وكذا في المغرب أيضا.
قوله: (وظاهره دخول ثمن الحور ونحوه) أي مما لا ثمر له كالصفصاف والسرو، ثم الحور بمهملتين وهو نوع من الشجر، وأهل الشام يسمون الدلب حورا وهو بفتحتين بدليل قول الراعي أنشده صاحب التكملة: كالجوز ينطق بالصفصاف والحور.
مغرب.
قوله: (فيحرر).
أقول: التحرير فيه أنه يدخل نفس الحور لا ثمنه لان الحور نفس الغلة الموصى بها إذ لا يقصد به إلا الخشب.
وفي الخانية: أوصى بغلة كرمة لانسان، قال الفقيه أبو بكر: يدخل القوائم والاوراق والثمار والحطب فإنه لو دفع الكرم معاملة يكون كل هذه الاشياء كالثمر اه.
قوله: (وولدها) أي حملها.
ولولوالجية.
وعبارة الزيلعي وغيره: أو الولد في البطن.
قوله: (له ما بقي) الاوضح: له ما وجد قال في المنح: لانه إيجاب عند الموت فيعتبر قيام هذه الاشياء يومئذ اه ط.
قو له: (لان المعدوم الخ) قال في الهداية: والفرق أن القياس يأبى تمليك المعدوم، إلا أن في الثمرة والغلة المعدومة جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والاجارة، فاقتضى ذلك جوازه في الوصية بطريق الاولى لان بابها أوسع، أما الولد المعدوم وأختاه لا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما أصلا فكذا لا يدخل تحت الوصية، بخلاف الموجود منها لانه يجوز استحقاقه بعقد البيع تبعا وبعقد الخلع مقصودا، فكذا الوصية اه.
قوله: (ولم تخرج من الثلث) الاولى أن يقول: وليس له مال غيرها، لقوله بعد وإن لم يجيزوا يجعل ثلثها مسجدا ط.
قوله: (في سبيل الله) أي بلا تعيين إنسان، أما لو أوصى بظهر دابته في سبيل الله، لانسان بعينه فالوصية جائزة اتفاقا اه.
غرر الافكار.
قوله: (وعندهما يجوزان) أي وقف المنقول(1/279)
والوصية به، وظاهره أن هذه الوصية ليست وقفا وليس كذلك.
قال في غرر الافكار: جعل أبو يوسف ومحمد مركبة وقفا يكون في يد الامام فينفق عليه من بيت المال، إذ وقف الكراع والسلاح في سبيل الله جائز عندهما للآثار، وللابل حكم الكراع اه.
قوله: (وفيه نظر) أي فيما ذكر من تعليل البطلان.
أقول: وجوابه أنها ليست وصية حقيقية، إذ هي في معنى الوقف عنده، وبه صرح في غرر الافكار، كالوصية بجعل داره مسجدا فإنها وقف في المعنى ووقف المنقول عنده لا يجوز، فكذا هذه، بخلاف الوصية بالغلة والصوف ونحوهما فإنها تمليك من كل وجه وليست في معنى الوقف أصلا، فتدبر.
قوله: (لم تجز) كذا في الغرر، وعزاه في الشرنبلالية إلى الكافي، وقدمنا الكلام عليه عند قوله: أوصى بثلث ماله لبيت المقدس جاز والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في وصايا الذمي وغيره أي المستأمن وصاحب الهوى والمرتدة، وهذه الترجمة ساقطة في المنح.
واعلم أن وصايا الذمي ثلاثة أقسام: الاول جائز بالاتفاق، وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندنا وعندهم، كما إذا أوصى بأن يسرج في بيت المقدس أو بأن تغزي الترك وهو من الروم سواء كان لقوم معينين أو لا.
والثاني: باطل الاتفاق، وهو ما إذا أوصى بما ليس قربة عندنا وعندهم، كما إذا أوصى للمغنيات (1) والنائحات، أو لما هو قربة عندنا فقط كالحج وبناء المساجد للمسلمين، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا.
والثالث مختلف فيه، وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندهم فقط كبناء الكنيسة لغير معينين، فيجوز عنده لا عندهما، وإن لمعينين جاز إجماعا.
وحاصله: أن وصيته لمعينين تجوز في الكل على أنه تمليك لهم، وما ذكره من الجهة من إسراج المساجد ونحوه خرج على طريق المشورة لا الالزام فيفعلون به ما شاؤوا لانه ملكهم، والوصية إنما صحت باعتبار التمليك لهم.
زيلعي ملخصا.
قوله: (فهي ميراث) أي اتفاقا، وإنما الاختلاف في
__________
(1) قوه: (أوصى المغنيات إلخ) الذى تقدم الوصية للفساق صحيحة مع الكراهة ولعل الصواب أوصى بالغناء والنياحة فإنه وصية بنفس المعصية اه.(1/280)
التخريج.
شرنبلالية.
قوله: (لانه كوقف لم يسجل) أي لم يحكم بلزومه، والمراد أنه يورث كالوقف المذكور، وليس المراد بأنه إذا سجل لزم كالوقف.
أفاده في الشرنبلالية.
قوله: (وليس هو كالمسجد) ليس من تتمة قولهما بل من تتمة قوله: جواب عن سؤال تقديره: إن هذا في حقهم كالمسجد في حقنا، والمسجد لا يباع ولا يورث فينبغي أن يكون هذا كذلك، اه ح.
قوله: (حتى لو كان المسجد كذلك) كما إذا جعل داره مسجدا وتحته سرداب وفوقه بيت كما مر في كتاب الوقف.
إتقاني.
قوله: (لمعينين) أي معلومين يحصى عددهم.
معراج.
قوله: (فهو جائز) أي اتفاقا ولا يلزمهم جعلها كنيسة كما مر.
قوله: (في القرى) المراد بالقرى ما ليس فيه شئ من شعائر الاسلام وإلا فكالامصار.
ذكره القهستاني والبرجندي.
در منتقى.
قوله: (غير مسمين) بياء واحدة كمصطفين، وفي كثير من النسخ بياءين وهو تحريف، فإن الياء الاولى حذفت بعد قلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
قوله: (لما مر أنه معصية) أي ولا يمكن جعله تمليكا لعدم تعيينهم، وهذا تعليل لنفي الصحة عندهما.
قوله: (وله أنهم يتركون وما يدينون) فإن هذا قربة في اعتقادهم، ولذا لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا يجوز اعتبارا لاعتقادهم.
والفرق له بين البناء والصية أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني، والوصية وضعت لازالة الملك.
هداية ملخصا.
قوله: (كوصية حربي مستأمن) قيد به لان وصية الذمي تعتبر من الثلث ولا تصح لوارثه، وتجوز لذمي من غير ملته لا لحربي في دار الحرب إ ه.
ملتقى.
قوله: (لا وارث له هنا) أي في دارنا، ومفهومه لو كان وارثه هنا لا تجوز بأكثر من الثلث.
وعبر الزيلعي وغيره عن هذا المفهوم بقيل فأفاد ضعفه، لكن جزم بما ذكره الشارح في الوقاية والاصلاح والملتقى، وأشار إليه في الهداية والجامع الصغير، فيفيد ذلك أنه المعتمد لان المتون مقدمة على الشروح، وبه جزم الاتقاني مستندا إلى ما في شرح السرخسي، لان حق وارثه هنا معتبر بسبب
الامان، ولو كان له وارث آخر ثمة شارك الحاضر ولم يكن لموصى له إلا الثلث اه.
قوله: (كذا في الوقاية) كان ينبغي ذكره عقب قوله: لا وارث له هنا ليشير به إلى مخالفة الزيلعي كما ذكرنا.
قوله: (ولا عبرة بمن ثمة) أي بورثته الذين هناك: أي في دار الحرب، أي لا يراعي حقهم في إبطال الزائد على الثلث.
قوله: (ورد باقيه لورثته) مراعاة لحقه: أي لا لحقهم، فمن حقه تسليم ماله إلى ورثته إذا فرغ من حاجته وتصرفه.
إتقاني.
قوله: (لا إرثا الخ) كذا في المنح أول الوصايا، وهي نفي لما يتوهم(1/281)
من قوله: لورثته وبيان للفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، فإنه هناك لم يرد ما زاد على الثلث إلى ورثته لان له مستحقا وهو الموصى له بالكل.
قوله: (وكذا) أي تصح.
قوله: (لما قلنا) من أنه لا عبرة بورثته ثمة الخ.
قوله: (على الاظهر) مقابله ما عن الشيخين من عدم الجواز لانهم في دارهم حكما حتى يمكن من الرجوع إليها فصارت كالارث.
ووجه الاول أنها تمليك مبتدأ ولهذا تجوز للذمي والعبد بخلاف الارث.
زيلعي.
قوله: (وصاحب الهوى) قال السيد الجرجاني في تعريفاته: أهل الهوى أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة، وهم الجبرية والقدرية والروافض والخوارج والمعطلة والمشبهة، وكل منهم اثنتا عشرة فرقة فصاروا اثنتين وسبعين.
قوله: (إذا كان لا يكفر) أي به فحذف الجار لظهوره ط.
قوله: (فتكون موقوفة) أي إن أسلم نفذت، وإن مات على ردته بطلت كسائر تصرفاته.
قوله: (كذمية في الاصح) فتصح وصاياها.
هداية.
وقيل: لا.
قال صاحب الهداية في الزيادات: وهو الصحيح لان الذمية تقر على اعتقادها بخلاف المرتدة.
قال في العناية: والظاهر أنه لا منافاة بين كلاميه: أي صاحب الهداية، لان الصحيح والاصح يصدقان اه: أي كون أحدهما أصح لا ينافي كون الآخر صحيحا، ورجح الزيلعي الاول.
قوله: (الوصية المطلقة) أي التي لم يذكر غني ولا فقير فيها، والعامة ما ذكرا فيها ط.
قوله: (وهي على الغني حرام) ولا يمكن جعلها هبة له بعد موت الموصي، بخلاف الصدقة عليه حالا فإنها تجعل هبة، لما قالوا: إن الصدقة على الغني هبة، والهبة للفقير صدقة ط.
قوله: (وإن عممت) إن وصيلة، وظاهره
أن الوصية هنا صحيحة، بخلاف ما لو خصها بالاغنياء فقط، إذ لا يمكن جعلها تمليكا لانهم لا يحصون، ولا صدقة لان اللفظ لا ينبئ عن معنى الحاجة على ما قدمه عن الاختيار في باب الوصية للاقارب.
قوله: (والغني لا معين) عبارة الدرر: لا يعين.
قوله: (وكذا الحكم في الوقف) يعني أن الوقف المطلق يختص بالفقراء لا يحل للغني وإن عمم الواقف، وإذا حصصه يغني معين أو بقوم محصورين أغنياء حل لهم ويملكون منافعه لا عينه درر.
ويشكل عليه ما صرحوا به من أن السقاية والمقبرة والرباط ونحو ذلك يجوز أن ينتفع بها الفقير والغني، لان الواقف يقصد بها العموم، فإذا اكتفى بقصده العموم كيف يمتنع مع التنصيص عليه،(1/282)
فليحرر اه رحمتي.
قوله: (المتولي على الوقف كالوصي) أي في كثير من الاحكام، ولهذا قالوا: إن المتولي أخو الوصي، ومناسبة ذلك هنا ما ذكره من اتحاد حكم الوقف والوصية فيما مر، فقد قالوا أيضا: إنهما أخوان وقالوا: الوقف يستقى من الوصية، وقالوا: إنهما يستقيان من واد واحد.
قوله: (يعني لغير قرابة الولاد) أي بغير الاصول والفروع، وهذا التقييد ذكره في القنية أخذا مما قاله أبو القاسم: لو أوصى أن يعطى عن كفارة صلواته لولد ولده، وهو غير وارث فإنه يعطي كما أمر ولا يجزيه عن الكفارة.
قوله: (ممن يجوز صرف الكفارة إليهم) بأن يكونوا مسلمين محتاجين ط.
قوله: (ولاحدهم) أي ولا يشترط الجمع، لان أل الجنسية أبطلت معنى الجمعية ط.
قوله: فلو منهم صغير الاولى زيادة أو غير محتاج لتتم المحترزات ط.
قوله: (لم يجز) أي لانه من قبيل الوصية للوارث فتحتاج إلى إجازة جميع الورثة، ولم توجد من الغائب وغير الراضي ولم تصح من الصغير، وهل هذه الشروط للقسم الثاني أو للقسمين: أي كفارة الصلاة والتبرع يحرر.
رحمتي.
قوله: (أوصى بكفارة صلاته) نص على الكفارة، لانه لو أوصى لمعين بوصية تعين دفعها إليه بلا خلاف ط.
قوله: (لم تجز لغيره) أي لم يجز للقاضي والوصي الصرف إلى غيره.
منح.
قوله: (الفساد الزمان) وطمع القاضي وغيره.
منح فإنه ربما لا يصرفها إلى أحد إذا جوزنا له منعها عمن عينه الميت لعدم من يطالبه بها.
قوله: (أوصى لصلواته) أو صياماته.
منح.
قوله: (لم تجزه) وقيل: تجزيا.
قال في القنية: قال أستاذنا: والاول أحب إلي حتى توجد الرواية.
قوله: (ثم التصدق عليهم) أي بنية الفدية وإلا لم يفعل المأمور به.
تأمل.
قوله: (ثلثها) أي ثلث التركة.
قوله: (بخلاف الدين) أي في المسألة السابقة فإنه مقبوض قبل الموت.
بقي لو أوصى بكفارة صلواته والمسألة بحالها، هل يجزيه لحصول قبضه بعد الموت أو لا؟ يراجع.
قوله: (فباعها) أي الموصى له بعد موته: أي الموصي.
قوله: (لجواز التصرف الخ)، لانه دليل(1/283)
القبول.
قوله: (فالمتولي أولى من الاب) إن ليس من قبيل وصي الام حتى يتأخر عن الاب، لان ولاية المتولي على الوقف لا على الولد.
قوله: (يؤخذ الثمن) أي من تركة المشتري للموصى له ويرجع ورثة المشتري به على الشفيع كما في المنح.
فرع: أوصى بوصايا ثم قال والباقي للفقراء، فمات بعض من أوصى لهم يصرف ذلك إلى الفقراء، لانهم لما ماتوا لم يجد الوصي نفاذا فيهم فيبقى الباقي وذلك للفقراء.
ولولوالجية، والله أعلم.
باب الوصي لما فرغ من بيان الموصى له شرع في بيان أحكام الموصى إليه وهو الوصي (لما أن كتاب الوصايا يشمله) لكن قدم أحكام الموصى له لكثرتها وكثرة وقوعها فكانت الحاجة إلى معرفتها أمس.
عناية.
واعلم أنه لا ينبغي للوصي أن يقبلها لانها على خطر.
وعن أبي يوسف: الدخول فيها أول مرة غلط، والثانية خيانة، والثالثة سرقة، وعن الحسن: لا يقدر الوصي أن يعدل ولو كان عمر بن الخطاب.
وقال أبو مطيع: ما رأيت في مدة قضائي عشرين سنة من يعدل في مال ابن أخيه.
قهستاني.
ولبعضهم: احذر من الواوات أربعة فهن من الحتوف ولو الوكالة والولاية والوصاية والوقوف قوله: (أوصى إلى زيد) ضمنه معنى فوض فعداه بإلى، وقدمنا الكلام عليه أول الكتاب، ويصح هذا التفويض بكل لفظ يدل عليه.
في الخانية: أنت وكيلي بعد موتي يكون وصيا.
أنت وصيي في حياتي يكون وكيلا، لان كلا منهما إقامة للغير مقام نفسه فينعقد كل منهما بعبارة الآخر اه.
وفي الخانية والخلاصة وغيرهما: أنت وصيي أو أنت وصيي في مالي أو سلمت إليك الاولاد بعد موتي أو تعهد أولادي بعد موتي أو قم بلوازمهم بعد موتي أو ما جرى مجرى هذه الالفاظ يكون وصيا.
وفي الولوالجية: افعلوا كذا بعد موتي فالكل أوصياء، ولو سكتوا حتى مات فقبل منهم اثنان أو أكثر فهم أوصياء، ولو قبل واحد لم يتصرف حتى يقيم القاضي معه غيره أو يطلق له التصرف، لانه صار كأنه أوصى إلى رجلين فلا ينفرد أحدهما.
وفي الدر المنتقى عن الذخيرة: ولو جعل رجلا وصيا في نوع صار وصيا في الانواع كلها اه.
وسيأتي تمامه ط.
قوله: (أي بعلمه) تفسير للعبد في الموضعين: أي فلا يشترط الحضور ط.
قوله: (بغيبته) المناسب لما تقدم أن يقول: بغير علمه بل إسقاطه لدلالة السياق عليه اه ح.
لان معنى قول(1/284)
المصنف: وإلا أي وإن لم يرد بعلمه: أي بأن رد بعد موته أو قبله بلا علمه.
قوله: (لئلا يصير) أي الميت مرورا من جهته لانه اعتمد عليه ففيه إضرار بالميت، وأشار إلى الفرق بين الموصى له والموصى إليه، فإن قبول الاول في الحال غير معتبر، حتى لو قبل في حياة الموصي ثم رد بعدها صح لان نفعه بالوصية لنفسه بخلاف الثاني كما أفاده في العناية.
تنبيه: وصى القاضي إذا عزل نفسه ينبغي أن يشترط علم القاضي بعزله، كما يشترط علم الموكل في عزل الوكيل نفسه وعلم السلطان في عزل القاضي نفسه.
بزازية.
قوله: (ويصح إخراجه) أي بعد قبوله كما في البزازية.
قوله: (ولو في غيبته) ظاهره أنه ينعزل وإن يبلغه العزل، بخلاف الوكيل.
تأمل.
قوله: (فله الرد والقبول) إذ لا تغرير هنا، لان الموصي هو الذي اغتر حيث لم يتعرف عن حاله أنه قبل الوصاية أم لا.
درر.
أقول: لكن رده لا يخرجه عنها بالكلية، بدليل أنه لو قبل بعد الرد صح كما يأتي قريبا.
قوله: (ولزم الخ) أشار إلى أن القبول كما يكون بالقول يكون بالفعل لانه دلالة عليه.
قوله: (ببيع شئ) أي
بعد موت الموصي وينفذ البيع لصدوره من الاهل عن ولاية، وكذا إذا اشترى شيئا يصلح للورثة أو قضى مالا أو اقتضاه.
اختيار.
قوله: (بخلاف الوكيل الخ) لان التوكيل إنابة لثبوته في حال قيام ولاية الموكل، أما الايصاء فخلافه لانه مختص بحال انقطاع ولاية الميت فلا يتوقف على العلم كالورثة.
زيلعي.
قوله: (صح) لان هذا الرد لم يصح من غير علم كالموصي.
كفاية.
ولا يلزم من عدم صحة الرد كونه صار وصيا لتوقفه على القبول كما أفاده قوله السابق: فله الرد والقبول.
والحاصل: أنه إذا سكت لم يصر وصيا فيخير بين الرد: أي عدم القبول وبين القبول، فإذا رد: أي لم يقبل يجبر على القبول، وإذا قبل ولو بعد الرد صح لان رده لم يصح: أي لم يخرجه عن أهلية القبول، فإذا قيل صار وصيا، وإلا فلا.
وبه ظهر الجواب عن حادثة الفتوى في زماننا: في رجل أوصى إلى رجلين فقبل أحدهما وسكت الآخر ولم يصدر منه ما يدل على الرضا وعدمه وتصرف القابل في التركة فهل يصح تصرفه وحده قبل رضا الاول ورده؟ والجواب: أن الساكت لم يصر وصيا لما قلنا، لكن القابل ليس له الانفراد بالتصرف عندهما وعند أبي يوسف: ينفرد كما سنذكره عن الولوالجية فينصب القاضي معه وصيا آخر فيتصرفان معا.
والله أعلم.
قوله: (إلا إذا نفذ قاض رده) لان الموضع موضع اجتهاد، إذ الرد صحيح عند زفر.
كفاية.
أقول: وهذا في غير قضاة زماننا.
قوله: (وعبد غيره) أي ولو بإذن سيده قهستاني، والواو فيه وفيما بعد بمعنى أو.
قوله: (وكافر) أي ذمي أو حربي أو مستأمن.
عناية.
أو مرتد كما يعلم مما يأتي.
قوله: (وفاسق) أي مخوف منه على المال.
قهستاني.
قوله: (بدل) أي وجوبا.
بحر مسلم صالح(1/285)
لان العبد يحجر، والكافر عدو، والفاسق متهم بالخيانة.
قهستاني.
قوله: (ولفظ بدل يفيد صحة الوصية) وعبارة القدوري: أخرجهم القاضي.
قال في الهداية: هذا يشير إلى صحة الوصية، لان الاخراج بكون بعد الصحة اه.
وقال محمد في الاصل: إن الايصاء باطل.
واختلفوا في معناه، فقيل إنه سيبطل بإبطال القاضي في جميع هذه الصور، وقيل: سيبطل في غير العبد لعدم وريته فيكون باطلا، وقيل: سيبطل في الفاسق لان الكافر كالعبد كما في الكافي.
قهستاني.
والاول قول عامة المشايخ كما في العناية.
ثم اعلم أن المصنف زاد على المتون والهداية ذكر الصبي، ونقل في شرحه على المجتبى: والوصية إلى الصبي جائزة، ولكن لا تلزمه العهدة كالوكالة اه.
وذكره أيضا في الاختيار كما فعل المصنف، لكن نقل في شرح الوهبانية: إذا أوصى إلى عبد أو صبي أخرجهما القاضي، لان الصبي لا يهتدي إلى التصرف، وهل ينفذ تصرفه قبل الاخراج؟ قيل: نعم، وقيل: لا وهو الصحيح لانه لا يمكن إلزام العهدة فيه، فلو بلغ قبل الاخراج: قال أبو حنيفة: لا يكون وصيا، وقالا: يكون اه.
ملخصا.
وتمامه فيه فراجعه.
قوله: (وأسلم الكافر) أي الاصلي ط.
قوله: (أي عن الوصايا) في بعض النسخ الوصاية.
قوله: (ثم إن رد في الرق) بإن عجز عن أداء البدل.
قوله: (فكالعبد) أي فإن كان مكاتب غيره صحت واستبدله القاضي بغيره، وإن كان مكاتبه فهي مسألة المصنف الخلافية ط.
قوله: (وإلا) أي بأن كان فيهم كبير لم يصح، لان للكبير بيعه أو بيع نصيبه فعجز عن الوصية لان المشتري يمنعه فلا يحصل فائدة الوصية.
اختيار.
قوله: (وقالا لا يصح مطلقا) لان فيه إثبات الولاية للمملوك على المالك وهو قلب المشروع.
وله أنه أوصى إلى من هو أهل فيصح كما لو أوصى إلى مكاتب، وهذا لانه مكلف مستبد بالتصرف وليس لاحد عليه ولاية، فإن الصغار وإن كانوا ملاكا لكن لما أقامه أبوهم مقام نفسه صار مستبدا بالتصرف مثله بلا ولاية ح لهم اه.
درر.
لكن ليس له أن يبيع رقبته ط.
فإن قيل: إن لم يكن لهم ولاية البيع فللقاضي أن يبيعه فيتحقق المنه.
وأجيب بأنه إذا ثبت الايصاء لم يبق للقاضي ولاية البيع.
عناية.
قوله: (ومن عجز عن القيام بها) أي وحده بأن احتاج إلى معين بقرينة المسألة الآتية.
قوله: (حقيقة) بأن ثبت ذلك بالبينة، لان الثابت بها كالعاين لا بعلم القاضي، لان المفتى به أنه لا يقضي بعلمه.
رحمتي.
قوله: (لا بمجرد إخباره) لانه قد يكذب تخفيفا على نفسه، وكذا لو اشتكى الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي لا ينبغي أن يعزله حتى يظهر له منه خيانة.
هداية.
تنبيه: يؤخذ مما ذكره أنصه ليس للوصي إخراج نفسه بعد القبول وتقدم التصريح به.
والحيلة فيه شيئان كما في الاشباه: أحدهما أن يجعله الميت وصيا على أن يعزل نفسه متى شاء.
الثاني أن يدعي دينا(1/286)
على الميت فيتهمه القاضي فيخرجه اه.
والظاهر أن هذا في وصي الميت.
أما وصي القاضي فقدمنا عن البزازية أنه يعزل نفسه بعلم القاضي.
تأمل.
وقوله: فيخرجه فيه خلاف.
وفي الهندية عن الخصاف أنه لا يخرجه بل يجعل للميت وصيا في مقدار الدين خاصة، وبه أخذ المشايخ، وعليه الفتوى.
قوله: (رعاية لحق الموصي) في إبقائه حيث اختاره وصيا ولحق الورثة في ضم غيره إليه.
قوله: (استبدل غيره) في الظهيرية: عجز فأقام غيره ثم قال الاول بعد أيام صرت قادرا على القيام بها، قالوا: هو وصي على حاله لان الحاكم ما أقام الثاني مقامه ليكون نصبه عزلا له، وإنما ذلك ضم لا عزل، ومثله في الخانية وغيرها.
وفي الخلاصة: أقام آخر مقام العاجز ينعزل، قال الخاصي: لانه لا يقوم مقام الاول إلا بعد العزل، وللقاضي العزل بالعجز اه ملخصا من أدب الاوصياء.
أقول: يمكن التوفيق بأن القاضي إذا قال: جعلتك وصيا أو ضممتك إلى الاول لا ينعزل الاول، ولو قال أقمتك مقامه انعزل.
فتأمل.
تنبيه: في الادب عن الخانية: لو جن الوصي مطبقا ينبغي للقاضي أن يبدله، ولو لم يفعل حتى أفاق فهو على وصايته اه.
قوله: (مع أهليته لها) بأن كان عدلا كافيا.
قوله: (نفذ عزله) قال في القنية: واستبعده ظهير الدين بأن مقدم على القاضي لانه مختار الميت، قال أستاذنا: فإذا كان ينعزل وصي الميت وإن كان عدلا كافيا فكيف وصى القاضي اه.
قوله: (وأما عزل الخائن فواجب) بل في عامة الكتب: إذا كان الاب مبذرا متلفا مال ابنه الصغير فالقاضي ينصب وصيا وينزع المال من يده.
قوله: (من الفصل السابع والعشرين) وفيه عن المنتقى بالنون: ولو كافيا لا عدلا يعزله، ولو عدلا غير كاف يضم إليه كافيا اه.
زاد في الزيلعي: ولو عزله صح.
قوله: (وينبغي أن يفتى به) قال في نور العين: لقد أجاد فيما أفاد، لكنه أوهم بقوله قبله عندي إنه تفرد به مع أنه مختار كثير من السلف والخلف.
قوله: (لفساد قضاة الزمان) فيكون عزله منهم لغرض دنيوي، إذ لا مصلحة لليتيم في عزل الاهل ط.
تنبيه: هذا كله في وصي الميت، أما وصي القاضي فله عزله ولو عدلا كما سيذكره الشارح في
الفروع لكن يأتي قريبا تقييده بما إذا رأى المصلحة، وإلا فلا.
قوله: (قال المصنف قال شيخنا) يعني ابن نجيم صاحب البحر.
قوله: (فكيف بالوظائف في الاوقاف) من الوظائف التولية على الوقف.
قال(1/287)
في فتاوى خير الدين عن البحر: وأما عزل القاضي الناظر فشرطه أن يكو بجنحة، واستدل عليه بما نقله عن الاسعاف وجامع الفصولين، ثم قال: فقد أفاد حرمة تولية غيره بلا خيانة وعدم صحتها لو فعل، ثم قال: واستفيد من عدم صحة عزل الناظر بغير جنحة عدمها لصاحب وظيفة في وقف، واستدل عليه بما نقله عن البزازي وغيره اه ط.
وأفاد بقوله: فكيف الخ أنه لا يصح بالاولى.
ووجهه أن فيه إبطال حق محترم وهو ما عين له الواقف.
قوله: (وبطل فعل أحد الوصيين) إلا إذا أجازه صاحبه فإنه يجوز ولا يحتاج إلى تجديد العقد كما في المنح ط.
أقول: وكذا الوصي مع الناظر عليه، وفي الحامدية عن الاسماعيلية: لو تصرف الوصي بدون علم الناظر في أموال اليتيم فهلكت يضمنها.
قوله: (ومفاده الخ) نص عليه في الاسعاف حيث قال: لا ينفرد أحد الناظرين بالاجازة، ولو وكل أحدهما صاحبه جازت.
نقله أبو السعود ط.
وما ذكره الشارح مأخوذ من المنح.
قوله: (لكل منهما) الاولى إلى كل منهما كما عبر في الغرر.
قوله: (وقيل: ينفرد) قائله أبو يوسف كما سيصرح به الشارح، والاول قولهما، ثم قيل: الخلاف فيما لو أوصى إليهما متعاقبا، فلو معا بعقد واحد لا ينفرد أحدهما بالتصرف بالاجماع، وقيل: الخلاف في العقد الواحد، أما في العقدين فينفرد أحدهما بالاجماع.
قال أبو الليث: وهو الاصح.
وبه نأخذ.
وقيل: الخلاف في الفصلين جميعا.
قال في المبسوط: وهو الاصح، وبه جزم منلاخسرو.
منح ملخصا.
وذكر مثله الزيلعي وغيره.
قوله: (لكن الاول صححه في المبسوط الخ) أقول: يوهم أنه صحح القول بالانفراد مع أنك علمت أن الكلام في محل الخلاف، وأن الذي صححه في المبسوط أن الخلاف في الموضعين، وليس فيه تصحيح للقول بالانفراد ولا لعدم.
نعم ما صححه أبو الليث يتضمن تصحيح الانفراد لو بعقدين لانه ادعى فيه الاجماع، فتنبه.
ويمكن أن يقال: إن ما في المبسوط متضمن أيضا التصحيح عدم الانفراد، فإنه لما صحح أن
الخلاف في الفصلين أثبت أو قول أبي حنيفة ومحمد عدم الانفراد فيهما، والعمل في الغالب على قول الامام، وهو ظاهر أطلاق المتون وصريح عبارة المصنف.
تأمل.
قوله: (إنه أقرب إلى الصواب) لان وجوب الوصية عند الموت فثبت لهما معا، بخلاف الوكالة المتعاقبة، فإذن ثبت أن الخلاف فيهما.
زيلعي: أي في صورتي الايصاء لهما معا أو متعاقبا.
قوله: (وهذا) أي عدم انفراد أحدهما.
قوله: (من بلدتين) الظاهر أنه اتفاقي نظرا إلى الغالب، حتى لو ولى السلطان قاضيين في بلد واحد وجعل(1/288)
لهما نصب الاوصياء فالحكم كذلك، ويؤيده ما ذكره من التعليل.
أفاده ط.
قوله: (وتمامه الخ) الذي ذكره في تنزير البصائر معزيا للملتقطات هو ما تقدم.
ثم قال بعده: وفي قوله: فكذا نائبه نظر ظاهر، لما تقرر أن وصى القاضي نائب عن الميت لا عن القاضي حتى تلحقه العهدة، بخلاف أمين القاضي لانه نائب عنه فلا تلحقه العهدة، ومقتضى ما ذكره من أن وصى القاضي نائب عنه أن لا يكون القاضي محجورا عن التصرف في مال اليتيم، والمنقول أنه محجور عن التصرف مع وجود وصيه ولو منصوبه بخلافه مع أمينه، ومقتضاه أيضا أن لا يملك القاضي شراء مال اليتيم من وصى نصبه، كما لو كان أمينه، والحكم بخلافه كما في غالب المذهب اه.
قوله: (ونصب القاضي لآخر لا يخرج الاول) والوصي هو الاول دون وصي القاضي لانه اتصل به اختيار الميت كما إذا كان القاضي عالما اه.
كذا في حاشية أبي السعود على الاشباه عن المحيط.
أقول: بقي أن تصرف الثاني بغيبة الاول هل هو نافذ؟ والظاهر نفاذه لو الغيبة منقطعة.
وفي الاشباه: ولا ينصب القاضي وصيا مع وجوده: أي وصي الميت إلا إذا غاب غيبة منقطعة أو أقر لمدعي العين اه.
والغيبة المنقطعة: أن يكون في موضع لا تصل إليه القوافل كما في حاشية أبي السعود.
وفي الولوالجية: ادعى رجل دينا على الميت والوصي غائب ينصب القاضي خصما عن الميت، ألا ترى أنه لو كان حاضرا وأقر بالدين ينصب القاضي خصما عن الميت ليصل المدعي إلى حقه، لان إقرار الوصي على الميت لا يجوز ولا يملك المدعي أن يخاصم الوصي فيما أقر به اه.
قوله: (إلا بشراء كفنه الخ) هذه المسائل مستثناة من بطلان انفراد أحد الوصيين للضرورة.
قوله: (وتجهيزه) لو
اقتصر عليه لكفاه عما قبله.
قال في التبيين: لان في التأخير فساد الميت ولهذا يملكه الجيران أيضا في الحضر والرفقة في السفر ه ط.
قوله: (والخصومة) وجه الانفراد فيها أنهما لا يجتمعان عليها عادة، ولو اجتمعا لم يتكلم إلا أحدهما غالبا.
درر.
قوله: (وشراء حاجة الطفل) أي ما لابد له منه كالطعام والمسوة.
إتقاني لان في تأخير لحوق ضرر به.
منح.
قوله: (والاتهاب له) أي قبول الهبة للطفل لان في تأخيره خشية الفوات.
قهستاني، ولانه ليس من باب الولاية ولهذا تملكه الام ومن هو في عياله.
هداية.
قوله: (وإعتاق عبد معين) لعدم الاحتياج فيه إلى الرأي، وبخلاف إعتاق ما ليس بمعين فإنه محتاج إليه.
قهستاني.
وقد أطلق قاضيخان العبد ولا مانع من حمله على المقيد.
أفاده ط.
أقول: والظاهر أن هذا كله فيما إذا أوصى بعتق عبد مجانا، فلو بمال احتاج إلى الرأي فلا بد من الاجتماع.
تأمل.
قوله: (ورد وديعة) قيد به، لانه لا ينفرد بقبض وديعة الميت.
سائحاني عن الهندية، قوله: (وتنفيذ وضية) أي بعين أو بألف مرسلة.
ابن الشحنة.
فلو احتاج إلى بيع شئ ليؤدي من ثمنه الوصية فلا إلا بإذن صاحبه.
إتقاني.
وقهل: معنيتين نعت لوديعة ووصية.
قال القهستاني: لان لصاحب الحق أخذه بلا دفع الوصي اه.(1/289)
وفي الظهيرية: أوصى بأن يتصدق بحنطة على الفقراء بل أن ترفع الجنازة ففعل أحد الوصيين: إن كانت الحنطة في ملك الموصي جاز دفعه، وإلا فإن اشتراها فالحنطة للمشتري والصدقة عن نفسه.
وفي الولوالجية: وعلى الخلاف إذا أوصى بأن يتصدق بكذا من ماله ولم يعين الفقراء فليس له الانفراد، وإن عين ينفرد أحدهما بالاجماع اه.
وبه علم تقييد ما في المتن بكون الفقير الموصى له معينا.
تأمل.
قوله: (زاد في شرح الوهبانية الخ) الاولى ذكره بعد العشرة التي ذكرها المصنف، على أن مجموع ما ذكره في شرح الوهبانية سبعة عشر، فالزائد على ما في المتن سبعة ذكر الشارح منها أربعة كما ستعرفه، والثلاثة الباقية: حفظ مال اليتيم، إذا كل من وقع في يده وجب عليه حفظة ورد ثمن المبيع ببيع من الوصي وإجارة نفس اليتيم.
وقد أسقط شارح الوهبانية التكفين وأدخله تحت التجهيز، وذكر بدله صورة أخرى وهي تنفيذ الوصية بالتصدق عنه بكذا من ماله لفقير معين.
أقول: وهذه الصورة مكررة لما علمت أن ما في المتن مقيد بالفقير المعين.
تأمل.
قال ط: وزاد المكي عن الخانية أن لاحدهما قبض تركة الميت إذا لم يكن عليه دين، وما هو مودع عنده في منزله حتى لا يضمن بالهلاك، وأن لاحدهما التصدق بحنطة في الوصية بالتصدق بها قبل رفع الجنازة، وأن يودع ما صار في يده من تركة الميت وإجارة مال اليتيم ورد العواري والامانات اه.
وبعض هذه يدخل في المآل فيما قبلها اه.
قوله: (ومشتري) بالبناء للمجهول معطوف على مغصوب: أي رد ما اشتراه الميت شراء فاسدا لانه لا يبطل الرد بالموت كما مر في بابه فينفرد أحد الوصيين به.
قال ابن الشحنة: لانه ليس من الولاية المستفادة بالوصية بل ملحق بقضاء الدين.
قوله: (وقسمة كيلي أو وزني) أي مع شريك الموصي مثلا ط.
قوله: (وطلب دين) قيد به لانه لا ينفرد بقبض دين الميت.
سائحاني عن الهندية، لان قبض الدين في معنى المبادلة لا سيما عند اختلاف الجنس.
هداية.
وما في شرح الوهبانية من أنه ليس له الاقتضاء لا يخالف ما هنا لان معناه الاخذ كما في المغرب.
وأما الذي بمعنى الطلب فهو التقاضي كما في المغرب أيضا، فافهم.
وظاهر كلام الشارح أن قوله: وطلب الدين مما زاده في شرح الوهبانية مع أنه ليس موجودا فيه، وإنما ذكره في النقاية.
قال شارحها القهستاني: وهو مستدرك بالخصومة وعليه يدل كلام الذخيرة اه.
قوله: (في جميع الامور) أي في هذه المستثنيات وغيرها، وأشار إلى أن الاستثناء مبني على قول أبي حنيفة ومحمد، وقيل: إن محمدا مع أبي يوسف.
قوله: (فله التصرف في التركة وحده) هذا إنما يستقيم فيما إذا أوصى إلى الحي، وأما إذا أوصى إلى آخر فإنه يجب اجتماعهما اه ح.
ونحوه في العزمية.
قال في الهداية: ولو أن الميت منهما أوصى إلى الحي فللحي أن يصرف وحده في ظاهر الرواية بمنزلة ما إذا أوصى إلى شخص آخر، ولا يحتاج القاضي إلى نصب وصي آخر لان رأي الميت باق حكما برأي من يخلفه.
وعن أبي حنيفة: لا ينفرد بالتصرف لان الوصي ما رضي بتصرفه وحده،(1/290)
بخلاف ما إذا أوصى إلى غيره لانه ينفذ تصرفه برأي المثنى كما رضيه المتوفي اه.
قوله: (وإلا يوص ضم القاضي إليه غيره) أما عندهما فظاهر، لان الباقي منهم عاجز عن الانفراد بالتصرف فيضم
القاضي إليه وصيا نظرا للميت عند عجز الميت، وأما عند أبي يوسف: فلان الحي منهما وإن كان يقدر على التصرف فالموصي قصد أن يخلفه وصبيان متصرفان في حقوقه، وذلك ممكن التحقيق بنصب وصي آخر مكان الاول.
زيلعي وهداية.
وهو صريح في أن أبا يوسف لم يخالف هنا.
وجزم في الولوالجية بالخلاف، وهما قولان كما يذكره الشارح.
تنبيه: مثل الموت ما لو جن أحدهما أو وجد ما يوجب عزله أقام الحاكم مقامه أمينا، فلو أراد الحاكم رد النظر إلى الثاني منهما لم يكن له ذلك بلا خلاف.
معراج.
لمن في الولوالجية: وعلى هذا الخلاف لو فسق أحدهما أطلق القاضي للثاني أن يتصرف وحده أو ضم إليه اه.
تأمل.
وفيها: وكذا إذا أوصى إليهما ومات فقبل أحدهما فقط أو مات أحدهما قبل موت الموصي ثم قبل الآخر فعندهما لا ينفرد القابل بالتصرف، وعند أبي يوسف: ينفرد.
قوله: (أقام القاضي الآخر مقامه) هذا خلاف ما يقتضيه التعليل المذكور آنفا.
تأمل.
قوله: (إلا إذا أوصى لهما الخ) الاولى إليهما ثم هذا إذا لم يعين المصرف، فإن عين لا تبطل.
قال في الولوالجية: أوصى إلى رجلين وقال لهما: اصرفا ثلث مالي حيث شئتما ثم مات أحدهما بطلت الوصية ورجع الثلث إلى الورثة، لانه علق ذلك بمشيئتهما ولا يتصور ذلك بعد الموت، ولو قال: جعلت ثلث مالي للمساكين يضعفه الوصيان حيث شاءا من المساكين فمات أحدهما يجعل القاضي وصيا آخر اه.
زاد في الظهيرية: وإن شاء القاضي قال لهذا الثاني: ضع وحدك.
قوله: (وهل فيه الخ) أي فيما إذا مات أحدهما ولو يوص إلى غيره.
قال القهستاني: فلو مات أحد هذين الوصيين وجب أن ينصب وصيا آخر لعجز الحي عن التصرف، وهذا على الخلاف عند مشايخنا.
ومنهم من قال: إنه على الوفاق.
قال أبو يوسف: لانه تحصيل لما قصد الموصي من إشراف كل منهما على الآخر اه.
أقول: وما قدمناه عن الزيلعي والهداية صريح بأن أبا يوسف وافقهما، وصرح في الولوالجية بالخلاف كما علمت.
قوله: (كما حررته الخ) حيث قال: لكن فيه: أي في القول بالوفاق إشعار بأنه لو أشرف على وصي لم ينفرد أحدهما بلا خلاف مع أنه على الخلاف.
وعن أبي يوسف أن المشرف ينفرد دون الوصي كما في القهستاني عن الذخيرة.
قلت: وفي المجتبى: جعل للوصي مشرفا له بتصرف بدونه، وقيل للمشرف أن يتصرف اه.
قوله: (ويأتي) أي في الفروع، والذي يأتي هناك عبارة المجتبى.
تنبيه: المشرف بمعنى الناظر.
وفي الهندية: الوصي أولى بإمساك المال، ولا يكون المشرف وصيا، وأثر كونه مشرفا أنه لا يجوز تصرف الوصي إلا بعلمه اه.
وبه يفتى كما في أدب الاوصياء عن الخاصي.
حامدية.
وقيل: يكون وصيا فلا ينفرد أحدهما بما لا ينفرد به أحد الوصيين، وصدر به(1/291)
قاضيخان فكان معتمدا له على عادته كما أفاده في زواهر الجواهر.
فرع: أوصى إلى رجل وأمره أن يعمل برأي فلان فهو الوصي وله العمل بلا رأيه، ولو قال: لا تعمل إلا برأيه فهما وصيان، لان الاول مشورة والثاني نهي.
والولولجية.
وفي الخانية: وهو الاشبه.
تتمة: لو اختلف الوصيان في حفظ المال: فإن احتمل القسمة يكون عند كل منهما نصفه، وإلا يتهايآن زمانا أو يستودعانه لان لهما ولاية الايداع.
بيري عن البدائع.
قوله: (ووصي الوصي) أي وإن بعد كما في جامع الفصولين: أي بأن أوصى هذا الثاني إلى آخر وهكذا.
قوله: (سواء أوصى إليه في ماله أو مال موصيه) يوافقه ما في الملتقى حيث قال: ووصي الوصي وصي في التركتين، وكذا إن أوصى إليه في إحداهما خلافا لهما ه.
لكن قال الرملي: المسألة على أقسام أربعة، لانه إما أن يبهم فيقول: جعلت وصي من بعدي أو وصيا أو نحوه، أو يبين فيقول: في تركتي، أو يقول: في تركة موصي، أو يقول في التركتين، فإذا أبهم أو بين فقال: في التركتين فهو وصي فيهما عندهم خلافا للشافعي وزفر، وإن قال: في تركتي فعن أبي حنيفة روايتان، ظاهر الرواية عنه أنه يكون وصيا فيهما لان تركة موصيه تركته كما صرح به في الاختيار، وعنهما أيضا روايتان أظهرهما أنه يقتصر على تركته، وإن قال: في تركة الاول فهو كما قال عندهم كما في التاترخانية عن شرح الطحاوي وكما يرشد إليه تعليل الاختيار، إذ ليست تركته تركة الاول، بخلاف قوله: تركتي لان تركة موصيه تركته فتناولها اللفظ، فاغتنم هذا التحرير، فإنه مفرد اه.
ويمكن أن يخصص ما ذكره الشارح بغير هذه الصورة الاخيرة.
تأمل.
قوله: (وتصح قسمته الخ) صورته: رجل أوصى إلى رجل وأوصى لآخر يثلث ماله
وله ورثة صغار أو كبار غيب فقاسم الوصي مع الموصى له نائبا عن الورث وأعطاه الثلث وأمسك الثلثين للورثة فالقسمة نافذة على الورثة، بخلاف العكس وهو مقاسمته مع الوارث نائبا عن الموصى له، لان الورثة والوصي كلاهما خلف عن الميت فيجوز أن يكون الوصي خصما عنهم وقائما مقامهم، وأما الموصى له فليس بخليفة عن الميت من كل وجه فلا يكون بينه وبين الوصي مناسبة حتى يكون خصما عنه وقائما مقامه في نفوذ القسمة عليه، وتمامه في العناية.
وذكر الامام المحبوبي عن مبسوط شيخ الاسلام أنه في الاولى تجوز في العروض والعقار لو الورثة صغارا، وإلا ففي العروض فقط، وفي الثانية تبطل فيهما كما في الكفاية والمعراج وغيرهما، وبه جزم الزيلعي.
قال في العناية: والفرق بين المنقول والعقار أن الورثة لو صغارا فللوصي بيعهما، ولو كبارا فليس له بيع العقار عليهم وله بيع المنقول، فكذا القسمة لانه نوع بيع اه.
أقول: وهذا إذا لم يكن في التركة دين، وإلا فله بيع العقار أيضا كما سيأتي.
ثم اعلم أن المراد إفراز حصة الصغار عن غيرهم، أما لو أراد إفراز حصة كل من الصغار عن الآخر لا يجوز.
وسيأتي تمامه آخر الوصايا في الفروع.
قوله: (غيب) أي مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا.
قهستاني.
قوله: (فيرجع(1/292)
الموصى له بثلث ما بقي) أي في أيدي الورثة إن كان قائما، وإن هلك في أيديهم فله أن يضمنهم قدر ثلث ما قبضوا، وإن شاء ضمن الوصي ذلك القدر لانه متعد فيه بالدفع إليهم والورثة بالقبض فيضمن أيهما شاء.
زيلعي.
وهذا إذا كانت القسمة بغير أمر القاضي، أح ما لو قسم بأمره جاز فلا يرجع.
مسكين.
قوله: (لانه كالشريك) أي للورثة فيتوى ما توى من المال المشترك على الشركة ويبقى ما يبقى عليها.
زيلعي.
قوله: (معه) متعلق بضاع.
قوله: (لانه أمين) أي وله ولاية الحفظ.
زيلعي.
قوله: وصح قسمة القاضي لانه ناظر في حق العاجز وإفراز نصيب الغائب وقبضه من النظر فنفذ ذلك عليه وصح.
زيلعي.
قوله: (حج عن الميت بثلث ما بقي) أي من منزل الآمر أو من حيث يبلغ، هكذا إن هلك ثانيا وثالثا، إلا أن لا يبقى من ثلثه ما يبلغ الحج فتبطل الوصية كما مر في باب الحج عن الغير.
قوله: (خلافا لهما) فقال أبو يوسف: إن كان المفرز مستغرقا للثلث بطلت الوصية ولم يحج عنه، وإن
لم يكن مستغرقا للثلث يحج عنه بما بقي من الثلث إلى تمام ثلث الجميع، وقال محمد: لا يحج عنه بشئ وقد قررناه في المناسك.
زيلعي.
قوله: (لتعلق حقهم بالمالية) أي لا بالصورة، والبيع لا يبطل المالية لفواتها إلى حلف وهو الثمن، بخلاف العبد المأذون له في التجارة حيث لا يجوز للمولى بيعه لان لغرمائه حق الاستسعاء، بخلاف ما نحن فيه.
زيلعي.
قوله: (باع ما أوصى ببيعه) أي باع عبدا، ولو صرح به كغيره لكان أظهر لقوله: در فاستحق العبد.
قوله: (أي ضياعه) الظاهر أن المراد بالهلاك ما يعم التصدق لما سيأتي.
قوله: (لانه العاقد) تعليل لقوله: وضمن وصي.
قوله: (قلنا إنه مغرور) أي لان الميت لما أمره ببيعه والتصدق بثمنه كأنه قال: هذا العبد ملكي.
عناية.
قوله: (فلا رجوع) أي لا على الورثة ولا على المساكين إن كان تصدق عليهم، لان البيع لم يقع إلا للميت فصار كما إذا كان على الميت دين آخر.
عناية.
قوله: (وفي المنتقى الخ) قال في العناية: وهذه الرواية تخالف رواية الجامع الصغير.
ووجه رواية الجامع الصغير أن الميت أصل في غنم هذا التصرف وهو الثوب الفقير تبع إ(1/293)
ه.
قوله: (ولو مثله لم يجز) هو أحد قولين.
قال في الكفاية: وأشار في الكتاب إلى أنه لا يجوز اه: أي حيث قيد بالجواز بالاملاء، وهذا إذا ثبت الدين بمداينة الميت، فلو بمداينة الوصي يجوز سواء كان خيرا لليتيم أو شرا له، إلا أنه إذا كان خيرا له جاز بالاتفاق، حتى إذا أدرك ليس له نقض ذلك، وإن كان شرا له جاز.
ويضمن الوصي لليتيم عندهما، وعند أبي يوسف: لا يجوز.
إتقاني عن شرح الطحاوي.
قوله: (وصح بيعه وشراؤه) أطلقهما فشمل النقد والنسيئة إلى أجل متعارف لكن من ملئ، فلو مفلس فسيأتي في الفروع آخر الوصايا.
قال في الخانية: وإذا باع شيئا من تركة الميت بنسيئة، فإن كان يتضرر به اليتيم بأن كان الاجل فاحشا لا يجوز اه.
رملي.
قوله: (من أجنبي) أي عن الميت وعن الوصي، فلو باع من نفسه فسيأتي، أو باع ممن لا تقبل شهادته له أو وارث الميت لا يجوز.
قال في جامع الفصولين: بيع المضارب مما لا تحوز شهادته له بمحاباة قليل لم يجز، وكذا الوصي لو باع من هؤلاء، فلو بمثل قيمته جاز، ولو باع وارث صحيح من مورثه المريض أو شرى منه بقيمته لم يجز عند أبي حنيفة، ولو بيسير الغبن لم يجز إجماعا لانه كوصية له ووصي الميت لو عقد مع
الوارث بمثل القيمة فعلى الخلاف اه.
تنبيه: قال في الخانية: يتيمان لكل منهما وصي لم يجز لاحد الوصيين الشراء ليتيمه من الوصي الآخر، لان تصرفات الاوصياء مقيدة بالخيرية والنظر لليتيم، فلو وجدت الخيرية هنا من أحدهما لا توجد من الآخر البتة فلا يجوز تصرفه اه.
أقول: هو مشكل لان كلا منهما أجنبي عن الآخر ولم يشتر لنفسه بل ليتيمه فلا تشترط الخيرية، فليتأمل.
اللهم إلا أن يقيد ذلك بالعقار وكان بيعه لغير النفقة ونحوها فإنه لا بد حينئذ أن يباع بضعف القيمة كما يأتي، وبه يظهر التعليل، ويظهر لي أن هذا هو المراد، والله أعلم.
قوله: (لا بما لا يتغابن) الصحيح في تفسيره أنه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين كما في البحر والمنح وغيرهما.
قوله: (لان ولايته نظرية) ولا نظر في الغبن الفاحش، بخلاف اليسير لانه يمكن التحرز عنه.
زيلعي.
قوله: (كان فاسدا) هو ثاني قولين، حكاهما في القنية، والاول أنه باطل لا يملكه المشتري بالقبض.
قوله: (حتى يملكه المشتري بالقبض) وهل يضمن الوصي الغبن الفاحش؟ الظاهر (1) نعم ط.
تنبيه: المريض المديون لو باع بمحاباة لا يجوز، بخلاف وصيه بعد موته، وهذا من عجيب المسائل حيث ملك المحاباة لا المالك.
أفاده في الفصولين.
قوله: (وهذا إذا تبايع الوصي الخ) لا حاجة إليه لتصريح المصنف به ط.
قوله: (وإن باع الوصي) أي ماله من اليتيم.
قوله: (من نفسه)
__________
(1) قوله: (الظاهر نعم) قال شيخنا قد ذكروا فيما لو أجر متولي الوقف بأقل من أجر المثل أنه يتمم أجر المثل على المستأجر شئ على الناظر، فمقتضى هذا أن يكون تمام القيمة على المشتزي ولا شئ على الوصي بل هذا أولى لان الاجارة بيع المنافع وهي ليست بمال حقيقة وإنما جوزنا بيعها للضرورة فليتأمل اه.(1/294)
متعلق باشترى والضمير للوصي.
قوله: (لانه وكيله) أي القاضي، وفعل الوكيل كفعل الموكل وفعل الموكل قضاء وهو لا يقضي لنفسه ط.
قوله: (وهي قدر النصف زيادة أو نقصا) الزيادة راجعة إلى الشراء والنقص إلى البيع.
قال الزيلعي: تفسير المنفعة الظاهرة أن يبيع ما يساوي خمسة عشر بعشرة من الصغير أو يشتري
ما يساوي عشرة بخمسة عشر لنفسه من مال الصغير اه.
قال في أدب الاوصياء: وفي المنتقى: وبه يفتى.
وفي الخانية: وبهذا فسر الخيرية الامام السرخسي في غير العقار، وهي في العقار عند البعض أن يشتري بضعف القيمة ويبيع بنصفها.
وفي الحافظية: يجوز بيع الوصي من نفسه وشراؤه إن كان فيهما نفع ظاهر، كبيع ما يساوي تسعة بعشرة وشراء عشرة بتسعة.
قلت: وأما في العقار فلا شك أن الخيرية في الشراء التضعيف وفي البيع التنصيف (1)، لانه لا يقدر على بيعها من الغير إلا بالضعف كما مر، فكيف يسوغ له الشراء لنفسه بالاقل؟ وأرى زيادة الاثنين في العشرة ونقصه منها فيما عدا العقار كافيا في الخيرية لانه الغبن الفاحش الذي لا يتحمله الناس اه ما في أدب الاوصياء ملخصا.
وله علم أن صحة شرائه غير خاصة في المنقول، فافهم.
قوله: (وبيع الاب الخ) مثله: ما إذا باعه من أجنبي فثلاث صور في حكم واحد، وهي بيع الاب من نفسه أو من أجنبي، وبيع الوصي من أجنبي ط.
قلت: وهذا لو الاب عدلا أو مستورا، فلو فاسدا ففي بيعه المنقول روايتان كما سيأتي والشراء كالبيع.
وقال في جامع الفصولين: للاب شراء مال طفله لنفسه بيسير الغبن لا بفاحشة اه.
وفيه: لو باع ماله من ولده لا يصير قابضا لولده بمجرد البيع، حتى لو هلك قبل التمكن من قبضه حقيقة هلك على الولد، ول شرى مال ولده لنفسه لا يبرأ عن الثمن حتى ينصب القاضي وكيلا لولده يأخذ الثمن ثم يرده على الاب ويتم البيع بقوله: بعت من ولدي ولا يحتاج إلى قوله: قبلت، وكذا الشراء، ولو وصيا لم يجز في الوجهين ما لم يقل: قبلت، وجاز للاب لا لوكيله ولا للوصي بيع مال أحد الصغيرين من الآخر.
ولو وكل الاب وكيلين بذلك جاز، وفي بيع القاضي ذلك خلاف، ولو وكل الاب رجلا ببيع ماله من طفله أو الشراء منه لم يجز إلا إذا كان الاب حاضرا، ولم يجز للقاضي بيع مال اليتيم من نفسه وعكسه، إذ الجواز من القاضي على وجه الحكم ولا يجوز حكمه لنفسه، بخلاف ما شراه من وصيه أو باعه من اليتيم وقبل وصيه فإنه يجوز لو وصيا من جهة هذا القاضي اه.
مخلصا.
قوله: (ضمن الزيادة) أي إذا إلا أوصى بها وكانت تخرج من الثلث ط.
قوله: (وقع الشراء
__________
(1) قوله: (وفى البيع التنصيف الخ) هذا غير مسلم بدليل التعليل تأمل اه.(1/295)
له) لانه متعد في الزيادة وهي غير متميزة فيكون متبرعا بتكفين الميت به رحمتي.
قوله: (قبل ظهور رشده) الرشد هو كونه مصلحا في ماله كما مر في الحجر.
وقدمنا هناك أن ظهوره بالبينة، ولو ظهر رشده ولو قبل الادراك فدفع إليه لا يضمن كما في الخانية.
قوله: (ضمن) هذا قول الصاحبين بدليل التعليل.
وقال الامام بعدم الضمان إذا دفعه بعد خمس وعشرين سنة، لان له حينئذ ولاية الدفع إليه ط.
قوله: (وجاز بيعه الخ) بيان المسألة أنه إذا لم يكن على الميت دين ولا وصية فإن الورثة كبارا حضورا لا يبيع شيئا، ولو غيبا له بيع العروض فقط، وإن كلهم صغارا يبيع العروض والعقار، وأن البعض صغارا والبعض كبارا فكذلك عنده، وعندهما، يبيع نصيب الصغار ولو من العقار دون الكبار، إلا إذا كانوا غيبا فيبيع العروض، وقولهما القياس وبه نأخذ.
وإن كان على الميت دين أو أوصى بدراهم ولا دراهم في التركة والورثة كبار حضور، فعنده: يبيع جميع التركة، وعندهما: لا يجوز إلا بيع حصة الدين اه ملخصا.
من غاية البيان عن نكت الوصايا لابي الليث.
قوله: (إلا الدين) أي فله بيع العقار، لكنه يوهم أنه مقيد بكون الكبير غائبا وليس كذلك كما مر.
وفي العناية: قيد بالغيبة لانهم إذا كانوا حضورا ليس للوصي التصرف في التركة أصلا، إلا إذا كان على الميت دين أو أوصى بوصية ولم تقض الورثة الديون ولم ينفذوا الوصية من مالهم فإنه يبيع التركة كلها إن كان الدين محيطا، وبمقدار الدين إن لم يحط، وله بيع ما زاد على الدين أيضا عند أبي حنيفة خلافا لهما، وينفذ الوصية بمقدار الثلث، ولو باع لتنفيذها شيئا من التركة جاز بمقدارها بالاجماع.
وفي الزيادات الخلاف المذكور في الدين اه.
قال في أدب الاوصياء: وبقولهما يفتى.
كذا في الحافظية والغنية وسائر الكتب اه.
ومثله في البزازية.
تنبيه: قال في القنية: لا يملك الوصي بيع جزء شائع من دار اليتيم للنفقة إذا وجد من يشتري جزءا معينا لانه تعييب للباقي اه.
قوله: (الاصح لا) راجع إلى قوله: أو خوف هلاكه.
قوله: (لانه) أي الهلاك نادر.
قال في المعراج: وقال بعضهم: لا يملك وهو الاصح، لان الدار لا تهلك غالبا فيبنى الحكم لا
على النادر اه.
قوله: (وجاز بيعه عقار صغير الخ) أطلق السلف جواز بيعه العقار، وقيده المتأخرون بالشروط المذكورة كما في الخانية وغيرها.
قال الزيلعي: قال الصدر الشهيد: وبه يفتى: أي بقول المتأخرين، وما في الاشباه من أنه لا يجوز عند المتقدمين سبق قلم، فتنبه.
قوله: (لا من نفسه) قال ابن الكمال: وقولهم: أجنبي يؤذن أن بيعه من نفسه لا يجوز، لان العقار من أنفس الاموال، فإذا باع من نفسه فالتهمة ظاهرة اه.
وفيه: أنه إذا كان بضعف القيمة لا يتأتى معه التهمة فلعل القيد اتفاقي، ويؤيده ما في الهندية: لو اشترى الوصي عقار اليتيم لنفسه جاز لو خيرا بأن يأخذه بضعف القيمة عند البعض اه.
أفاده السائحاني.
وقدمنا منله عن أدب الاوصياء، وقوله عند البعض قيد لقوله بأن يأخذه الخ لا للجواز(1/296)
كما يعلم مما قدمناه.
قوله: (أو لنفقة) أي وإن كان بمثل القيمة أو بغبن يسير ط.
أقول: وكذا يقال فيما بعد فيما يظهر بدليل جعله مقابلا للاول.
قوله: (أو دين الميت) أي دين على الميت لا وفاء له إلا ببيعه.
خانية.
لكن يبيع بقدر الدين فقط على المفتى به كما قدمناه، وكذا في الوصية.
قوله: (مرسلة) تقدم نفسيرها بالتي لم تقيد بكسر كثلث أو ربع مثلا، وذلك كما إذا أوصى بمائة مثلا.
قوله: (أو خوف خرابه) تقدم في عقار الكبير الغائب أن الاصح أنه لا يبيعه لذلك، والظاهر أنه لا يجري التصحيح هنا لان المنظور إليه هنا منفعة الصغير، ولذا جاز هنا في بعض هذه الصور ما لا يجوز في عقار الكبير.
تأمل.
قوله: (أو كونه في يد متغلب) كأن استرده منه الوصي ولا بينة له وخاف أن يأخذه المتغلب منه بعد ذلك تمسكا بما كان له من اليد فللوصي بيعه وإن لم يكن لليتيم حاجة إلى ثمنه كما في بيوع الخانية.
قوله: (لا من قبل أم أو أخ) أي أو نحوهما من الاقارب غير الاب والجد والقاضي، ويأتي آخر الباب تمام الكلام في ذلك.
قوله: (مطلقا) أي ولو في هذه المستثنيات، وإذا احتاج الحال إلى بيعه يرفع الامر إلى القاضي ط.
قوله: (ويجوز) فليس للصغير نقضه بعد بلوغه إذ للاب شفقة كاملة، ولم يعارض هذا المعنى آخر فكان هذا البيع نظرا للصغير، وإن كان الاب فاسدا لم يجز بيعه العقار فله نقضه بعد بلوغه هو المختار، إلا إذا باعه بضعف القيمة إذ
عارض ذلك المعنى معنى آخر، ويجوز بيع منقوله في رواية ويوضع ثمنه في يد عدل، وفي رواية لا إلا بضعف قيمته.
وبه يفتى جامع الفصولين، وسيأتي في الفروع.
تنبيه: ظاهر كلامهم هنا أنه لا يفتقر بيع الاب عقار ولده إلى المسوغات المذكورة في الوصي.
ونقل الحموي في حواشي الاشباه من الوصايا أن الاب كالوصي لا يجوز له بيع العقار إلا في المسائل المذكورة كما أفتى به الحانوتي اه.
ثم رأيت في مجموعة شيخ مشايخنا منلا علي التركماني: قد نقل عبارة الحموي المذكورة.
ثم قال ما نصه: وهو مخالف لاطلاق ما في الفصول وغيره، ولم يستند الحانوتي في ذلك إلى نقل صحيح، ولكن إذا صارت المسوغات في بيع الاب أيضا كما في الوصي صار حسنا مفيدا أيضا، لان الاخذ بالاتفاق أوفق، هكذا أفادنيه شيخنا الشيخ محمد مراد السقاميني رحمه الله تعالى اه.
قوله: (فإن فعل تصدق بالربح) أي عندهما، ويضمن رأس المال.
وعند أبي يوسف: يسلم له الربح ولا يتصدق بشئ.
خانية.
وفيها: ولا يملك إقراض مال اليتيم، فإن أقرض ضمن والقاضي يملكه.
والصحيح أن الاب كالوصي لا كالقاضي، ولو أخذه الوصي قرضا لنفسه لا يجوز ويكون دينا عليه.
وقال محمد: وأما أنا أرجو أنه لو فعل ذلك وهو قادر على القضاء لا بأس به ه.
وفي جامع الفصولين: القاضي إنما يملك الاقراض إذا لم يجد ما يشتريه يكون غلة لليتيم لا لو وجده أو وجد من يضارب.
وفي الحاوي الزاهدي: القاضي يأمر الوصي بالاتجار والشركة في مال اليتيم دون المعاملة لاجل الربح اه.
وأفاد الرملي أن ما يفعله بعض جهلة القضاة أنهم يقضون بالربح من غير معاملة في ماله إذا عومل فيه أول مرة ويستندون في ذلك لمن لا يعبأ بكلامه في المذهب، فهو(1/297)
قضاء بالربا المحرم في سائر الاديان بمجرد خيالات فاسدة وهي النظر إلى اليتيم، وهل فيما حرم الله تعالى نظر؟ ما هذا إلا ضلال بعيد.
وجاز الخ أفاد أنه لا يجبر الوصي على التجارة والتصرف بمال اليتيم، وبه صرح في نور العين عن مجمع الفتاوى.
وقال البيري: الوصي إذا امتنع من التصرف لا يجبر كما لا يجبر كما في الخلاصة.
وفي الحاوي الحصيري: قال محمد بن مقاتل: لو كان للميت على الناس ديون فليس للورثة أن يأخذوا الوصي باستخراج ذلك وقضائه اه.
تتمة: أجره الاب أو الجد أو الوصي صح، إذ لهم استعماله بلا عوض للتهذيب والرياضة فبالعوض أولى، والوصي لو استأجره لنفسه صح لا لو أجر نفسه لليتيم، ولو أجر الاب نفسه له صح وله القضاء دينه من مال ولد بخلاف الوصي ولهما بيع ما له بدين نفسهما كرهنه به ولا بأس للاب أن يأكل من ماله بقدر حاجته لو محتاجا ولا يضمن، بخلاف الوصي إلا إذا كان له أجرة فيأكل بقدرها، وليس للوصي في في هذا الزمان أخذ مال اليتيم مضاربة ولا إقراض ماله، ولو أقرض لا يعد خيانة فلا يعزل بها، وله أن يوكل بكل ما يجوز له أن يعلمه بنفسه، وتمام الفروع في 27 من جامع الفصولين.
قوله: (بأقل من ثمت المثل) لعله محمول على الغبن الفاحش، وإلا فقدم المصنف صحة بيعه وشرائه بما يتغابن الناس فيه ط.
قوله: (إلا في مسألة الوصية ببيع عبده من فلان) وتمام عبارة الاشباه: فلم يرض الموصى له بثمن المثل فله الحط اه: أي إلى قدر ثلث المال.
قال البيري: وفي تلخيص الكبرى: أوصى بأن تابع أمته ممن أحبت جاز وتجبر ورثته على بيعها ممن أحبت، ولو أبى ذلك الرجل أخذها بقيمتها حط من قيمتها قدر ثلث مال الموصي.
زاد في الحاوي أنه يكون كالوصية اه.
قال السعود: وانظر إذا كان جميع قيمتها يخرج من ثلث ماله هل تعطى له بدون ثمن؟ وقول الحاوي ويكون كالوصية يقتضيه اه.
أقول: فيه بحث، فإنه أوصى ببيعها لا بدفعها مجانا، والبيع لا بد فيه من ثمن وإن قل، فهو وصية من حيث المحاباة إلى الثلث لا من كل وجه.
وقول الحاوي كالوصية يقتضيه حيث أتى بكاف التشبيه، فتدبر.
قوله: (للمتولي أجر مثل عمله) حتى لو كان الوقف طاحونة يستغلها الموقوف عليهم فلا أجر له فيها كما في الخانية، وهذا في ناظر لم يشترط له الواقف شيئا كما في الاشباه ط.
أقول: وفي تعبيره بأجر المثل إشارة أن القاضي ليس له أن يجعل له أكثر منه، حتى لو جعل له العشر كما هو المتعارف، فإن كان أكثر من أجر المثل يرد الزائد كما حققه العلامة البيري في كتاب القضاء من شرحه على الاشباه، فراجعه فإنه مهم.
وأما لو شرط له الواقف شيئا فله أخذه وإن زاد على أجر المثل لانه من الموقوف عليهم كما في البحر.
قوله: (وأما وصي الميت فلا أجر له على الصحيح) تعقبه الرملي في فتاواه بما مر عن جامع الفصولين من أن الوصي لا يأكل من مال اليتيم ولو محتاجا،
إلا إذا كان له أجرة فيأكل بقدرها.
قال: وفي الخانية والبزازية: له ذلك لو محتاجا استحسانا.
وقد تقرر أن المأخوذ به الاستسحان إلا في مسائل ليست هذه منها.
ونقل القنية لا يعارض نقل قاضيخان فإنه من أهل الترجيح اه ملخصا.
وقال فيف حاشيته على الاشباه أواخر كتاب الامانات بعد(1/298)
كلام طويل: ولا يخفى أن وصي الميت إذا امتنع عن القيام بالوصية إلا بأجر لا يجبر على العم لانه متبرع، ولا جبر على المتبرع، فإذا رأى القاضي أن يعمل له أجر المثل فما المانع منه؟ وهي واقعة الفتوى، وقد أفتيت به مرارا اه.
وبه أفتى في الحامدية أيضا.
أقول: وعبارة الخانية عن نصير: للوصي أن يأكل من مال اليتيم ويركب دوابه إذا ذهب في حوائج اليتيم.
وقال بعضهم: لا يجوز، وهو القياس، وفي الاستحسان: يجوز أن يأكل بالمعروف إذا كان محتاجا بقدر ما سعى اه.
أقول: تقييده بالاحتياج موافقا لقوله تعالى: * (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * (النساء: 6) لا يدل على جواز الاجرة لغير المحتاج، ويأتي تمام الكلام على الاكل في الفروع ولم يذكر ما إذا استأجره الميت.
وفي الخانية: أوصى إلى رجل واستأجره بمائة درهم لانفاذ وصيته، قالوا: لا يكون إجارة لانه إنما يصير وصيا بعد الموت والاجارة تبطل به، بل يكون صلة فيعطى له من الثلث.
قال: لك أجر مائة على أن تكون وصيي.
اختلفوا فيه: قال نصير: الاجارة باطلة ولا شئ له.
وقال أبو سلمة: الشرط باطل والمائة وثية له ويكون وصيا، وبه أخذ أبو جعفر وأبو الليث اه.
قوله: (وهذا) أي ثبوت أجر المثل للمتولي إذا عين الخ، فلو كان أكثر فليس له إلا أجر مثله عمله، لو أجر المثل أكثير ليس له إلا عين له لرضاه به، وهذا ما ظهر ط.
قوله: (وسعى فيه سنة) أي مثلا ط.
قوله: (فلا شئ له) لسعيه متبرعا.
قوله: (ثم ذكر) أي في الاشباه عن القنية ما يخالفه حيث قال: إنه يستحق وإن لم يشرط له القاضي.
قوله: (فافهم) تنبيه على ما بين كلاميه من المخالفة أو على اختيار الثاني لتأخره، وبه أفتى في الخيرية ناقلا عن البحر أن القيم يستحق أجر سعيه سواء شرط لح ه أو
لا، لانه لا يقبل القوامة ظاهرا إلا بأجر، والمعهود كالمشروط إ ه.
قوله: (وقد مر في الوقف) الذي في موضعين منه أن له أجر مثله عمله، وكأنه استفاد من إطلاقه أن له ذلك وإن لم يشترط له.
تأمل.
قوله: (جاز) فلو أراد أجرة لعمله قبل فرض القاضي ليس له ذلك لشروعه متبرعا كما في الخيرية.
قوله: (كما مر) أي من أنه يبيع المنقول بما يتغابن فيه دون العقار إلا في المستثنيات.
قوله: (على ما مر من التفصيل) أي من أنه يبيع على الكبير الغائب في غير العقار إلا لدين.
قوله: (وفاء) بالنصب مفعول مطلق: أي بيع وفاء وهو المسمى بيعا جائزا وبيع طاعة، وتقدم الكلام عليه قبيل الكفالة.
قال في جامع الفصولين: للوصي بيع العقار بيعا بالوفاء، وقيل: لا، اه.
قوله: (لان فيه استبقاء ملكه) بناء على الصحيح من أنه منزل منزلة الرهن.
قوله: (وتمامه فيما علقته في الملتقى) حيث قال: إنما لم يحصر التصرف في الوصي إشارة إلى جواز تصرف غيره، كما إذا خاف من القاضي على ماله: أي مال(1/299)
الصغير فإنه يجوز لواحد من أهل السكة أن يتصرف فيه ضرورة استحسانا، وعليه الفتوى.
ذكره القهستاني.
قوله: (ولا يجوز إقراره بدين على الميت) لانه إقرار على الغير منح.
فلا يجوز للمقر له أخذه حتى يقيم برهانا ويحلف يمينا ويضمن الوصي له دفع إلى المقر له ط.
فلولا بينة له والوصي يعلم بالدين (1) فالحيلة ما في الخانية والخلاصة عن نصير: إنه إذا كان في التركة صامت يودعه قدر الدين، وإلا يبيعه من التركة بقدره ثم يجحد الغريم ذلك فيصير قصاصا.
قال في أدب الاوصياء عن الخاصي: والفتوى عليه.
وفي الخانية أيضا: شهد عنده عدل أن لهذا الرجل على الميت ألف درهم.
حكى عن أبي سليمان أنه قال: وسع الوصي أن يعطيه إلا أن يخاف على نفسه الضمان، قيل له فإن كان جارية بعينها يعلم أن الميت غصبها منه قال: يدفعها إليه (2) وإلا صار غاصبا ضامنا.
قوله: (فيصح في حصته) أي يصح إقراره فيها فيؤخذ حميع ما أقر به من حصته، فافهم.
وهذا بخلاف ما إذا أقر بالوصية بالثلث حيث يلزمه في ثلث حصته كما تقدم قبيل باب العتق في المرض، وقيل: الدين كذلك فيلزمه قدر ما يخص
حصته منه، واختاره أبو الليث كما ذكره المصنف في كتاب الاقرار قبيل باب الاستثناء.
فرع: تركة دين لم يستغرق قسمت فجاء الغريم فإنه يأخذ من كل منهم حصته من الدين، وهذا إذا أخذهم جملة عند القاضي، أما لو ظفر بأحدهم أخذ منه جميع ما في يده.
جامع الفصولين.
قوله: (ولو أقر بعين) أي في يده كما في ادب الاوصياء، وهذا إذا لم تكن في التركة، وإلا لا يجوز إقراره لقوله قبله ولا بشئ من تركته.
قوله: لا تسمع لتناقضه، لان إقراره وإن كان لا يمضي على غيره فهو يمضي عليه، حتى لو ملكها يوما أمر بدفعها إلى المقر له ط.
قوله: (ووصي أبي الطفل أحق الخ) الولاية في مال الصغير للاب ثم وصية ثم وصي وصيه ولو بعد، فلو مات الاب ولم يوص فالولاية لابي الاب ثم وصيه ثم وصي وصيه، فإن لم يكن فللقاضي ومنصوبه.
ولو أوصى إلى رجل والاولاد صغار وكبار فمات بعضهم وترك ابنا صغيرا فوصى الجد وصي لهم يصح بيعه عليه كما صح على أبيه في غير العقار، فليحفظ.
وأما وصي الاخ والام والعم وسائر ذوي الارحام ففي شرح الاسبيجابي أن لهم بيع تركة الميت لدينه أو وصيته وإن لم يكن أحد ممن تقدم، لا بيع عقار الصغار إذ ليس لهم إلا حفظ المال، ولا الشراء للتجارة ولا التصرف فيما يملكه الصغير، ومن جهة موصيهم (3) مطلقا لانهم بالنظر إليه أجانب.
نعم لهم شراء ما لا بد منه الطعام والكسوة وبيع منقول ورثة اليتيم من جهة
__________
(1) قوه: (فالحيلة إلخ) أن المودع والمشتري يحلفان حال الجحود فلا تتم الحيلة إلا أن يحلفه القاضي على الحلصل اه.
(2) قوله: (يدفعها إليه) أي ويضمن للورثة ارتكابا لاخف الضررين، فإنه إن لم يدفعها يضمن أيضا ويكون آثما بخلاف حالة الدفع إذ لا شئ فيها إلا الضمان للورثة تأمل اه.
(3) قوله: (من جهة موصيهم) لعل الصواب زيادة لفظ غير بدليل التعليل وبدليل قوله نعم لهم شراء ما لا بد منه من الطعام والكسرة وبيع منقول ورثة اليتيم من حهة الموصي اه.(1/300)
لا لموصي لكونه مم الحفظ، لان حفظ الثمن أيسر من حفظ العين اه.
من أدب الاوصياء وغيره.
وفي جامع الفصولين: والاصل فيه أن ضعف الوصيين (1) في أقوى الحالين كأقوى الوصيين في
أضعف الحالين، وأضعف الوصيين وصي الام والاخ والعلم، وأقوى الحالين حال صغر الورثة، وأقوى الوصيين وصي الاب والجد والقاضي، وأضعف الحالين حال كبر الورثة، ثم وصي الام في حال صغر الورثة كوصي الاب في حال كبر الورثة عند غيبة الوارث، فللوصي بيع منقوله لا عقاره كوصي الاب حال كبرهم إه.
قوله: (وإن لم يكن) أي يوجد.
قوله: (كما تقرر في الحجر) الاولى في المأذون ط.
قوله: (ليس للجد الخ) قال في الخانية: فرق أبو حنيفة بين الوصي وأبي الميت، فلوصي الميت بيع التركة لقضاء الدين وتنفيذ الوصية، وأبو الميت له بيعها لقضاء الدين على الاولاد لا لقضاء الدين على الميت قال شمس الائمة الحلواني: هذه فائدة تحفظ من الخصاف.
وأما محمد فأقام الجد مقام الاب، ونقول الخصاف يفتي إه.
وفي جامع الفصولين: للجد بيع العروض والشراء، إلا أنه لو باع التركة لدين أو وصية لم يجز بخلاف وصي الاب إه.
قوله: (بخلاف الوصي) أي وصي الاب كما في أدب الاوصياء، وظاهره أن وصي الجد كالجد فلا يملك ذلك الاولى.
تأمل.
قال ط: فيرفع الغرماء أمرهم إلى القاضي ليبيع لهم بقدر ديونهم، وكذا الموصى لهم.
والله تعالى أعلم.
فصل في شهادة الاوصياء الاولى أن يزيد وغير ذلك لان أكثر الفصل في غيره ط.
قوله: (مطلقا) أي سواء انتقل إليه من الميت أو لا، لان التصرف في مال الصغير للوصي سواء كان من التركة أو لا.
منح.
ففي شهادتهما إثبات التصرف في المشهود به.
قوله: (أو كبير بمال الميت) لانهما يثبتان ولاية الحفظ، وولاية بيع المنقول عند غيبة الوارث وعود ولايته إليهما بجنونه.
غرر الافكار، وهذا عنده.
وقالا: يجوز في الوجهين: أي فيما تركه الميت وغيره.
زيلعي.
قوله: (وقال أبو يوسف لا تقبل في الدين أيضا) لان الدين بالموت يتعلق بالتركة إذ الذمة خربت بالموت، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة يشاركه الآخر فكانت الشهادة فيه مثبتة للشركة فتحققت التهمة.
ولهما: أن الدين يجب في الذمة والاستيفاء من التركة ثمرته، والذمة قابلة لحقوق شتى فلا شركة، ولهذا لو تبرع أحد بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة، بخلاف الوصية لان الحق فيها لا يثبت في الذمة بل في العين فصار
__________
(1) قوه: (والاصل فيه أن أضعف الوصيين إلخ) انظر ما حكم أضعف الوصيين في أضعف الحالين تأمل اه.(1/301)
المال مشتركا بينهما فأورث شبهة إه.
درر.
قال الشيخ قاسم في حاشية المجمع: وعلى قول أبي يوسف اعتمد النسفي والمحبوبي.
قال المقدسي: إن أراد النسفي صاحب الكنز فإن ما فيه قول محمد وهو قبولها في الدين فقط.
ثم قال: وينبغي عند الفتوى في مثل هذا إن كان الشهود معروفين بالخبر أن يعمل بقول محمد وإلا فبقول أبي يوسف إه ط.
عن شرح الحموي.
قوله: (بعبد) أي بوصية عبد ط.
قوله: (لاثباتها للشركة) أي في المشهود به، إذ الثلث محل الوصية فيكون مشتركا بينهم.
معراج.
قوله: (معينا) اسم فاعل من أعان.
قوله: (كما تقرر) أي من امتناع تصرف أحد الاوصياء وحده.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا تقبل كالاول.
قوله: (لانهما أسقطا مؤنة التعيين عنه) أي عن القاضي إذ لا بد له أن يضم ثالثا إليهما كما مر فيكون وصيا معهما بنصب القاضي إياه، كما إذا مات ولم يترك وصيا فإنه ينصب وصيا ابتداء، فهذا أولى.
زيلعي.
أقول: ظاهره أن لهذا الثالث حكم وصي القاضي لا حكم وصي المست، وأن الشهادة لم تؤثر سوى التعيين.
تأمل، وسيأتي الفرق بين الوصيين.
قوله: (تقبل استحسانا) أي على أنه نصب وصي ابتداء على ما ذكرناه في شهادة الوصيين.
زيلعي.
قوله: (بخلاف شهادتهما الخ) أو لو شهدا حال حياة الاب أن اباهما وكل هذا بقبض حقوقه والاب غائب وغرماء الاب يجحدون لا تقبل، والفرق أنهما لو لم يشهدا بذلك لكنهما سألا من القاضي أن يجعل هذا وصيا والوصي يريد الايصاء كان للقاضي أن يجعله وصيا فهنا أولى، لو سألاه أن ينصب وكيلا بقبض قوقه حال غيبة الاب والوكيل يريد ذلك فالقالضي لا ينصب وكيلا، ولو نصب هنا إنما ينصب بشادتهما، ولا يجوز ذلك لانهما يشهدان لابيهما، والولولجية.
قوله: (لا له ولو بعد العزل) وكذا لا تقبل لليتيم، وهذا بخلاف الوكيل حيث تقبل شهادته لموكله بعد العزل قبل الخصومة لان الوصاية خلافه ولهذا لا تتوقف على العلم.
خلاصة.
قوله: (رجع مطلقا) قال في المنح.
وقيل: إن كان هذا الوصي وارث الميت، وإلا
فلا.
وقيل: إن كانت الوصية للعباد يرجع لان لها مطالبا من جهة العباد فكان كقضاء الدين، وإن كانت الوصية لله تعالى لا يرجع.
وقيل له أن يرجع على كل حال، وعليه الفتوى كما في الدرر.
وفي(1/302)
البزازية: هو المختار إه.
قوله: (فإنه يرجع إذا شهد على ذلك) يعني على أنه أنفق ليرجع، وهذا ما مشى عليها المصنف قبيل باب عزل الوكيل.
قوله: (لا في حق الرجوع) ومثله قيم الوقف لانهما يدعيان لانفسمهما دينا على اليتيم والوقف فلا يستحقاته بمجرد الدعوى.
كذا في أدب الاوصياء.
قوله: (قلت الخ) نقل في الشرنبلالية عن العمادية ما يوافق وما يخالفه.
ثم قال: فقد اضطرب كلام أئمتنا في الرجوع مطلقا أو بالاشهاد عليه، فليحرر إه.
أقول: والتحرير ما في أدب الاوصياء عن المحيط أن في رجوع الوصي بلا إشهاد للرجوع، اختلاف المشايخ إه.
ونقل في أدب الاوصياء كلا من القولين عن عدة كتب وعن الخانية، فقد اضطرب كلام الخانية أيضا، ونقل عن الخلاصة اشتراط الاشهاد خلاف ما نقله الشارح عنها.
ثم قال: وفي المنتقى بالنون: أنفق الوصي من مال نفسه عن الصبي وللصبي مال غائب فهو متطوع في الانفاق استحسانا، إلا أن يشهد أنه قرض أو أنه يرجع به عليه، لان قول الوصي لا يقبل في الرجوع فيشهد لذلك.
وفي العتابية: ويكفيه النية فيما بينه وبين الله تعالى.
وفي المحيط عن محمد: إذا نوى الاب الرجوع ونقد الثمن على هذه النية، وسعة الرجوع فيما بينه وبين لله تعالى، أما في القضاء فلا يرجع ما لم يشهد، ومثله في المنتقى.
وفيه أيضا: ولو شرى اوب لطفله شيئا يجبر هو عليه كالطعام والكسوة لصغيره الفقير لم يرجع، أشهد أو لم يشهد لانه واجب عليه، وإن شرى له ما لا يجب عليه كالطعام لابنه الذي له مال والدار والخادم رجع، إن أشهد عليه وإلا فلا.
وعن أبي حنيفة في نحو الدار: إن كان للابن مال رجع إن أشهد، وإلا لا، وإن لم يكن له مال لم يرجع أشهد أو لا.
وفي الخانية: ولو شرى لطفله شيئا وضمن عنه ثم نقده من ماله يرجع قياسا لا استحسانا إه.
قلت: فقد تحرر أن في المسألة قولين: أحدهما عدم الرجوع بلا إشهاد في كل من الاب والوصي.
والثاني اشتراط الاشهاد في الاب فقط، ومثله الام الوصي على أولادها، وعللوه بأن الغالب
من شفقة الوالدين الانفاق على الاولاد للبر والصلة لا للرجوع، بخلاف الوصي الاجنبي فلا يحتاج في الرجوع إلى الاشهاد، وقد علمت أن القول الاول استحسان، والثاني قياس، ومقتضاه ترجيح الاول، وعليه مشى المصنف قبيل باب عزل الوكيل، وهذا كله في القضاء، والله تعالى أعلم.
قوله: (وسيجئ) أي في آخر الفروع ما يفيده: أي يفيد اشتراط الرجوع في الابوين بل هو صريح في ذلك، فإن الذي سيجئ هو ما نقلناه ثانيا عن المنتقى.
قوله: (أو قضى دين الميت) قال في أدب الاوصياء: وفي الخانية اشترط الاشهاد إذا قضاه بلا أمر الوارث، ولم يشترطه في النوازل وقال: وهو المختار، فإنه ذكر أن الوصي إذا نفذ الوصية من مال نفسه يرجع في مال الميت وهو المختار، فتكون الرواية في الوصية رواية في الدين لانه مقدم عليها، ووجوب قضائه آكد من لزوم إنفاذها اه.
وهو(1/303)
الموافق لما مر عن المنح والدرر من قوله فكان كقضاء الدين.
قوله: (أو كفنه) أي كفن المثل، وقد ذكر المصنف قبل الفصل أنه لو زاد الوصي على كفن المثل في العدد ضمن الزيادة وفي القمية وقع الشراء له.
قوله: (أو أدى خراج اليتيم الخ) أي خراج أرضه، وظاهره أنه يتصدق بيمينه بلا إشهاد، وفيه خلاف حكاه في أدب الاوصياء.
قوله: (أو اشترى الوارث الكبير الخ) كذا في الخانية ونصها: أو اشترى الوارث الكبير طعاما أو كسوة للصغير من مال نفسه لا يكون متطوعا وكان له الرجوع في مال الميت والتركة إه.
أقول: ولم يشترط الاشهاد مع أن في إنفاق الوصي خلافا كما مر، وينبغي جريانه هنا بالاولى، على أنه قد وقع الاختلاف في أنفاقه على الصغير نصيبه من التركة نفقة مثله في أنه يصدق أم لا قولان، حكاهما الزاهدي في الحاوي، ثم قال: والمختار للفتوى ما في وصايا المحيط برواية ابن سماعة عن محمد: مات عن ابنين صغير وكبير وألف درهم فأنفق على الصغير خمسمائة نفقة مثله فهو متطوع إذا لم يكن وصيا، لو كان المشترك طعاما أو ثوبا وأطعمه الكبير الصغير أو ألبسه فاستحسن أن لا يكون على الكبير ضمان إه.
وفي جامع الفتاوى: ولو أنفق الاخ الكبير على أخيه الصغير من نصيبه من التركة: إن كان
طعاما لم يضمن، وإن كان دراهم فكذلك إن كان في حجره، وفي غير ذلك يضمن إن لم يكن وصيا إ ه.
ومثله في التاترخانية.
وقدم المصنف في فصل البيع من كتاب الكراهية والاستحسان أنه يجوز شراء ما لا بد للصغير منه وبيعه لاخ وعم وأم وملتقط هو في حجرهم وإجارته لامه فقط إه.
ومثله في الهداية، وعليه فيمكن حمل ما مر عن محمد على ما إذا لم يكن في حجره.
تأمل.
وعلى كا فما في الخانية مشكل إن لم يكن الكبير وصيا، فليتأمل.
قوله: (أو كفن الوارث الميت) كذا في الخانية أيضا، وصرح فيها بأنه يرجع على التركة.
قلت: وهذا لو كفن المثل كما مر.
تنبيه: لو مات ولا شئ له ووجب كفنه على ورثته فكفنه الحاضر من مال نفسه ليرجع على الغائب منهم بحصته ليس له الرجوع لو أنفق بلا إذن القاضي.
حاوي الزاهدي.
قال الرملي في حاشية الفصولين: ليستفاد منه أنه لو لم يجب كتكفين الزوجة إذا صرفه من ماله عير الزوج بلا إذنه أو إذن القاضي فهو متبرع كالاجنبي فيستثني تكفينها، بلا إذن مطلقا (1)، بناء على المفتى به من أنه على زوجها ولو غنية.
قوله: (أو قضى دينه) أي الثابت شرعا، وإلا فلا يرجع على الغائب، وإن دفع من التركة فللغائب أن يسترد قدر حصته لانه لم يثبت شرعا، وكذا الوصي في الدين أو الوديعة، وأما المهر، فإن دخل بها منع عنها ما جرت العادة بتعجيله والقول في قدره للورثة، وفيما زاد عليه القول للمرأة.
شرنبلالية عن العمادية ملخصا: أي لو ادعى الورثة قدر ما جرت العادة بتعجيله فالقول لهم، ولو ادعا أزيد عليه فالقول للمرأة في نفي الزيادة.
قوله: (قيل هو
__________
(1) قوله: (بلا إذن مطلقا إلخ) أي سواء كفن كفن المثل أو زاد عليه بخلاف مسألة غيرها فإنه يرجع الوارث بكفن المثل لا لزيادة كما في الشارح اه.(1/304)
مستدرك) عبر بقيل لامكان الفرق بأن ما مر في أصل الرجوع وهذا في قدر الثمن لو كذبوه فيه.
أفاده ط.
وفي أدب الاوصياء عن الخلاصة: لو نقد الثمن من ماله يصدق إن كان كفن المثل.
وفي الوجيز: لا يصدق إلا ببينة ولو نقده (1) من التركة.
قوله: (إلى أهل البصيرة) أي العقل، والذي في الخانية وغيرها: إلى أهل البصر، وهو المناسب هنا: أي أهل النظر والمعرفة في قيمة ذلك الشئ.
قوله: (وإن
قيمته ذلك) توضيح لما قبله، وأما إذا أخبر بأن قيمته أكثر مما أخذه المشتري فهو باط.
قال في أدب الاوصياء عن الجواهر: باع الواصي ضيعة للدين فتبين أن قيمتها أكثر فالبيع باطل ولا يحتاج إلى فسخ الحاكم، فهو باعها ثانيا بثمن المثل صح البيع الثاني إه.
وقدم الشارح أن البيع فاسد وهو أحد القولين، وهذا حيث كان بغبن فاحش كما مر.
قوله: (لا يلتفت القاضي إلى من يزيد) لان الزيادة، قد تكون للحاجة، لا لان القيمة أزيد مما باع به الوصي، حتى لا يجوز البيع إن كان النقص فاحشا.
أدب الاوصياء.
قوله: (لا ينتقض بيع الوصي لذلك) أي لا يحكم بانتقاضه بمجرد تلك الزيادة لاحتمال أن ما باعه به هو قيمته فلذا قال (بل يرجع إلخ) فافهم.
قال ط: ولو قال بعد قوله ثم طلب منه بأكثر مما أو كان في المزايدة يشتري بأكثر، وفي السوق بأقل لكان أخصر إه.
تتمة: قال في أدب الاوصياء: باع الاب مال طفله ثم ادعى فيه فاحش الغبن لم تسمع دعواه فينصب الحاكم قيما عن الصبي فيدعيه على المشتري، وهذا إذا أقر الاب بقبض ثمن المثل أو أشهد عليه في الصك، أما إذا لم يقر به ولم يشهد عليه أو قال بعته ولم أعف الغبن أو قال كنت عرفته ولكن لم أعرف أن البيع لا يجوز معه فحينئذ له أن يدعي بعده الغبن، ولو بلغ اليتي فادعى كون بيع الاب أو الوصي بفاحش الغبن وأنكر المشتري ذلك يحكم الحال إن لم تكن المدة قدر ما يتبدل فيه السعر وإلا صدق المشتري، ولو برهن كل منهما فبينة مثبت الزيادة أولى اه قوله: (يقبل قول الوصي الخ) قال في الاشباه: يقبل قول الوصي فيما يدعي من الانفاق بلا بينة إلا في ثلاث: الانفاق على رحمه، وخراج أرضه، وجعل عبده الآبق إه ملخصا.
ثم قال: والحاصل أنه يقبل قوله: فيما يدعيه إلا في مسائل الخ، فالمناسب للشارح حذف قوله: (من الانفاق).
تنبيه في الذخيرة: ينبغي للوصي أن لا يضيق على الصغير في النفقة بل يوسع عليه بلا إسراف، وذلم يتفاوت بقلة ماله وكثرته فينظر إلى ماله وينفق بحسب حاله.
__________
(1) قوله: (ولو نقله إلخ) لعل في العبارة سقطا وهو جواب وأصل الكلام ولو نقده من التركة يصدق هذا هو الموقف للمعروف المنقول عن الائم ء، وأما كون لو وصلية ويكون المعنى والنقد من التركة كالمغنى من ماله غليس بمعلوم فلا يناسب حمل كلام الوجيز عليه، هذا ما ظهر لي فاليحرر اه.(1/305)
وفي شرح الاصل لشيخ الاسلام: كبر الصغار واتهموا الوصي، وقالوا: إنك انفقت علينا من الربح أو تبرع بها فلان يجب على الوصي اليمين على دعواه، إلا إذا ادعوا ما يكذبهم الظاهر فيه، كأن يدعوا ما لا كيفي مثله لمثلهم في مثل المدة في الغالب، وهذا إذا ادعى نفقة المثل أو أزيد يسير، وإلا فلا يصدق ويضمن ما لم يفسر دعواه بتفسير محتمل، كقوله: اشتريت لهم طعاما فسرق، ثم اشتريت ثانيا وثالثها فهلك فيصدق بيمينه لانه أمين اه ملخصا من أدب الاوصياء.
قوله: (ادعى قضاء دين الميت) شروع في الاثنتي عشرة مسألة، والظاهر أن المراد بهذه المسألة ما ذكره في الاشباه قبل سرده المسائل حيث قال: وفي جامع الفصولين: قضى وصيه دينا بغير أمر القاضي فلما كبر اليتيم أنكر دينا على أبيه ضمن وصيه ما دفعه لو لم يجد بينة إذا أقر بسبب الضمان وهو الدفع إلى الاجنبي، فلو ظهر غريم آخر بغرم له حصته الخ، وإلا فلو أقر به الوارث وادعى الوصي أداءه من التركة صدق.
قوله: (أو ادعى الخ) قدمنا عن أدب الأوصياء أنه في الخانية اشتراط الاشهاد ولم يشترط في النوازل، وانظر ما فائدة قوله: بعد بيع التركة ولعله اتفاقي لانه قبله كذلك بالاولى.
قوله: (أو أن اليتيم استهلك مالا آخر الخ) الذي في الاشباه مال آخر بالاضافة.
وصورتها: قال له إنك استهلكت مال فلام في صغرك فأديته من مالك، فكذبه وقال: لم أستهلك شيئا، فالقول لليتيم والوصي ضامن إلا أن يبرهن كما في أدب الاوصياء.
قوله: (أو أدى خراج أرضه الخ) وكذا إذا ادعى الوصي أن أبا اليتيم مات منذ عشر سنين وأنه دفع خراج أرضه تلك المدة وقال اليتيم لم يمت أبي إلا من منذ سنتين.
وأجمعوا على أن الارض لو كانت صالحة للزراعة يوم الخصومة يكون القول للوصي مع يمينه: يعني واتفقا على الوقت الذي مات فيه أبو اليتيم كما يفهمن عبارة شرح تنزير الاذهان عن التاترخانية إ ه.
أبو السعود.
وظاهر قوله: لو كانت صالحة للزراعة يوم الخصومة أنها لو لم تكن صاحلة للزراعة يوم الخصومة فلا بد له من البينة، لان الحال في الاول شاهد له، بخلاف الثاني، وعليه فقول الشارح: في وقت لا يصلح للزراعة ليس متعلقا بأدى بل هو متعلف بادعى مقدارا: أي ادعى خراج أرضه الخ، وإلا نافى ما مر متنا من أنه يقبل قوله في أداء خراجه لكنه محمول على هذا التفصيل، فتنبه.
قوله: (أو
جعل عبده الآبق) هذا على قول محمد، أما على قول أبي يوسف فيقبل قوله بلا بيان، وجزم بالاولى في الولوالجية، ولم يحك الصدر الشهيد فيه خلافا.
قال في الخلاصة: وقيل: إنه على خلاف إه.
وأجمعوا على أن الوصي لو استأجر رجلا ليرده أنه يكون مصدقا كما في الخانية.
وفي الاصل وغيره: لو قال أديت في مال نفسي لارجع عليك لم يصدق إلا بالبينة.
أفاده في أدب الاوصياء.
أقول: وظاهر هذا ترجيح قول محمد.
تأمل.
قوله: (أو فداء عبده الجاني) في الكافي: لو قال أديت ضمان غصبك أو جنايتك أو جناية عبدك فلا يصدق بلا بينة.
أبو السعود.
أقول: ظاهره ولو أقر اليتيم بالجناية.
تأمل.
قوله: (أو الانفاق على محرمه) في الخانية: قال الوصي فرض القاضي لاخيك(1/306)
الاعمى هذا نفقة في مالك في كل شهر كذا درهما فأديت إليه ذلك منذ عشرة سنين وكذبه الابن، لا يقبل قول الوصي إجماعا ويكون ضامنا للمال ما لم يقم البينة على فرض القاضي وإعطاء المفروض للاخ إه.
وعلله في شرح المجمع بأنه ليس من حوائج اليتيم، وإنما يقبل قوله فيما كان من حوائجه إه.
فينبغي أن لا تكون نفقة زوجته كذلك لانها من حوائجه.
وتمامه في الاشباه.
قوله: (أو على رقيقه الذين ماتوا) هذا قول محمد.
وقال أبو يوسف: القول للوصي.
وأجمعوا أن العبيد لو كانوا أحياء فالقول للوصي، وهل يحلف؟ خلاف، منهم من قال: لا يحلف إذا لم تظهر منه الخيانة.
ونقل البيري عن البزازية تفصيلا فقال: إن كان مثل هذا الميت يكون له مثل هذا الرقيق فالقول للوصي، وإلا فلا.
أبو السعود.
قوله: (أو الانفاق عليه) قدمنا الكلام في ذلك، وقوله: مما في ذمته ليس في الاشباه، واحترز به وبما بعده عما لو أنفق من مال اليتيم فإنه يصدق في نفقة مثله كما قدمناه عن شرح الاصل، وقوله: حال غيبة ماله أي مال اليتيم، ويعلم منه حال حضوره في الاولى.
وفي أدب الاوصياء: ويقبل قول الوصي فيما يدعيه من الانفاق على اليتيم وعلى أمواله من العبيد والضياع والدواب ونحو ذلك إذا ادعى ما ينفق على مثلهم في تلك المدة لانه قائم مقام الموصي أو القاضي إه.
قوله: (أو هي ميتة) يفهم منه أنها لو كانت حية أو ميتة لكن أقر اليتيم بالتزويج أنه
يرجع.
تأمل.
قوله: (الثانية عشرة الخ) في شرح الطحاوي: تصرف الوصي أو الاب في مال اليتيم فربح فقال: كنت مضاربا لا يكون له من الربح شئ، إلا أن يشهد عند التصرف أنه يتصرف فيه بالمضاربة، وهذا في القضاء.
أما في الديانة يحل له أخذ ما شرط من الربح وإن لم يشهد عليه.
أدب الاوصياء.
وقدمنا أنه ليس للوصي في هذا الزمان أخذ مال اليتيم مضاربة.
قوله: (فإنه يصدق فيه) أي بيمينه إذا لم يكذبه الظاهر.
حموي وبيري عن صلح الولوالجية ط.
قوله: (مبسوطة في الاشباه) أي في كتاب القضاء، وقد ذكر الشارح منها ثلاثة.
قال في الاشباه: فيما إذا كان للميت ولد صغير، وفيما إذا اشترى من مورثه شيئا وأراد رده بعيب بعد موته، وفيما إذا كان أبو الصغير مسرفا مبذرا فينصبه للحفظ.
وذكر في قسمة الولوالجية موضعا آخر ينصبه فيه فليراجع إه.
والذي في الولوالجية: هو ما لو ترك ضيعة بين صغير وغائبين وحاضرين باع أحدهما نصيبه لرجل فطلب القسمة فيجعل القاضي وكيلا عن الغائبين والصغير.
قوله: (منها إذا كان له دين أو عليه) أي ليكون خصما في الاثبات والدفع والقبض قوله (اليرده عليه) أفاد أن المرد أن ينصبه وصيا في خصوص الرد لا مطلقا(1/307)
لان الولاية في غيره للاب.
وسيأتي أن وصي القاضي يقبل التخصيص.
قوله: (غيبة منقطعة) بأن كان في بلد لا تصل إليه القوافل كما قدمناه.
تتمة: زاد الحموي وغيره مسائل أيضا: منها: لو ادعى شخص دينا والورثة كبار غيب في بلد منقطع عن بلد المتوفى لا تأتي ولا تذهب القافلة إليه.
ومنها: لو قال الوارث لا أقضي الدين ولا أبيع التركة بل أسلم التركة إلى الدائن نصب القاضي من ببيع التركة.
ومنها: لو استحق المبيع فأراد المشتري أن يرجع بثمنه وقد مات بائعه ولا وارث له ينصب عنه وصي ليرجع المشتري عليه.
ومنها: لو ظهر المبيع حرا وقد مات بائعه ولم يترك شيئا ولا وارثا ولا وصيا فينصب القاضي
وصيا ليرجع عليه المشتري ويرجع هو على بائع الميت.
ومنها: لو كان المدعى عليه مع مونه أخرس أصم وأعمى ولا ولي له.
ومنها: ولو شرى الوكيل فمات فلموكله الرد بعيب، وقيل: لوراثة أو وصية، فلو لم يكن فلموكله على رواية أبي الليث، وفي رواية: ينصب القاضي وصيا للرد.
ومنها: لو مات الوصي فولاية المطالبة فيما باع من مال الصغير لورثة الوصي أو وصية، فلو لم يكن نصب القاضي وصيا.
ومنها: لو أتى المستقرض بالمال ليدفعه فاختفى المقرض فالقاضي ينصب قيما بطلب المستقرض ليقبض المال.
ومنها: كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فدينه على الكفيل، فتغيب الطالب في الغد ينصب القاضي وكيلا عنه ويسلم إليه المديون.
ومنها: لو غاب الوصي فادعى رجل على الميت دينا ينصب القاضي خصما عن الميت إه ملخصا.
المراد بالغيبة: المنقطعة.
أقول: ويزاد ما مر أول باب الوصي من أنه لو أوصى إلى صبي أو عبد غيره أو كافر أو فاسق بدلهم القاضي بغيرهم ومالوا أوصى اثنين فمات أحدهما ولو يوص إلى غيره فيضم القاضي إليه غيره، وما لو عجز الوصي عن الوصاية.
ومنها: ما قدمناه لو شرى مال ولده لنفسه لا يبرأ عن الثمن حتى ينصب القاضي وكيلا لولده يأخذ الثمن ثم يرده على الاب.
ومنها: ما لو تصدق الوصي مدعي الدين لا يصح بل ينصب غيره ليصل المدعي إلى حقه كما قدمناه عن الولوالجية.
ومنها: إذا أسلمت زوجة المجنون الكافر ولا أب له ولا أم ينصب عنه القاضي وصيا يقضي عليه بالفرقة كما تقدم في نكاح الكافر.
ومنها: نصب الوصي عن المفقود.(1/308)
ومنها إذا ادعى الوصي دينا على الميت ينصب القاضي وصيا للميت في مقدار الدين الذي يدعيه ولا يخرج الاول عن الوصاية، وعليه الفتوى كما في الهندية فقد بلغت سبعة وعشرين، والتتعتع ينفي الحصر.
قوله: (إلا في ثمان) يزاد عليها تاسعة نذكرها قريبا، وعاشرة: هي أن وصي القاضي لو عين له أجر المثل جاز، بخلاف وصي الميت فلا أجر له على الصحيح كما قدمه عن القنية، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (ليس لوصي القاضي الشراء لنفسه) أي من مال اليتيم ولا بيع مال نفسه منه مطلقا، بخلاف وصي الاب فيجوز بشرط منفعة ظاهرة لليتيم كما مر في المتن، فلو اشترى هذا الوصي من القاضي أو باع جاز.
حموي عن البزازية.
قوله: (ولا أن يبيع الخ) للتهمة، واقتصر على البيع، والظاهر أن الشراء مثله ط.
قوله: (ولا أن يقبض الخ) أي لو نصبه القاضي وصيا ليخاصم عن الصغير من كان في يده عقار للصغير بغير حق ليس له القبض إلا بإذن مبتدإ من القاضي بعد الايصاء إن لم يكن أذن له به وقت إذنه بالخصمژ لانصه كالوكيل، والفتوى على قول زفر أن الوكيل بالخصومة لا يملك القبض، بخلاف وصي الميت فإنه يملكه بلا إذن لان الاب جعله خلفا عن نفسه فكان رأيه باقيا ببقاء خلفه، ولو كان باقيا حقيقة لم يكن للقاضي التصرف في ماله فكذا إذا كان باقيا حكما كما قاله الخصاف، وهذا يفيد القطع بأن وصي الميت لا ينعزل بعزل القاضي.
قال البيري: وأفاد أن القاضي ليس له سؤال وصي الميت عن مقدار التركة ولا التكلم معه في أمرها، بخلاف وصي القاضي.
وتمامه فيه اه.
ملخصا من حاشية أبي السعود.
وما ذكره البيري يزاد على الثمان مسائل المذكورة.
قوله: (ولا أن يؤجر الضمير لعمل ما) أي لاي عمل كان، وهذا عزاه في الاشباه إلى القنية.
أقول: يشكل عليه ما قدمناه أنه يملك إيجاره من لا وصاية له أصلا وهو رحمه المحرم الذي هو في حجره.
تأمل.
وينبغي أن يستثني تسليمه في حرفه.
وفي أدب الاوصياء للوصي: أن يؤجر نفس اليتيم وعقاراته وسائر أمواله ولو بيسير الغبن، وإذا لم يكن أبوه حائكا أو حجاما لم يكن لمن يعوله أن يسلمه إلى الحائك أو الحجام لانه يعير بذلك.
وتمامه فيه.
قوله: (ولا أن يجعل وصيا عند عدمه) أي موته.
قال في الاشباه: وصي القاضي إذا جعل وصيا عند موته لا يصير الثاني وصيا، بخلاف وصي الميت، كذا في التتمة إه.
ثم نقل عن الخانية ما نصه: الوصي يملك الايصاء سواء كان وصي الميت أو وصي القاضي إه.
ومثله في القنية عن صاحب المحيط.
ويأتي التوفيق.
قوله: (ولو حصصه القاضي تخصص) لانه نصب القاضي إياه قضاء والقضاء قابل للتخصيص، ووصي الاب لا يقبله بل يكون وصيا في جميع الاشياء لقيامه مقامه.
بيري عن البزازية.
قلت: أو لان وصي القاضي كالوكيل كما مر فيتخصص، بخلاف وصي الاب.
وفي حيل التاترخانية: جعل رجلا وصيا فيما له بالكوفة وآخر فيما له بالشام وآخر فيما له بالبصرة فعنده كلهم أوصياء في الجميع، ولا تقبل الوصاية التخصيص بنوع أو مكان أو زمان بل تعم.
وعلى قول أبي يوسف: كل وصي فيما أوصى إليه، وقول محمد مضطرب.
والحيلة أن يقول: فيما لي بالكوفة خاصة دون ما سواها.
ونظر فيها الامام الحلواني بأن تصحيح كالحجر إذا ورد على الاذن العام، فإنه لو أذن لعبده في التجارة إذنا عاما ثم حجر عليه في البعض لا يصح، وبأنهم ترددوا فيما(1/309)
إذا جعله وصيا فيما له على الناس ولم يجعله فيما للناس عليه، وأكثرهم على أنه لا يصح، ففي هذه الحيلة نوع شبهة اه.
ملخصا.
ويؤيده نظر الحلواني ما في الخانية قال: أوصيت إلى فلان بتقاضي ديني ولم أوص إليه غير ذلك، وأوصيت بجميع مالي فلانا آخر فكل منهما وصى في الانواع كأنه أوصى إليهما إه.
ويؤيده أيضا إطلاق قولهم وصي الميت لا يقبل التخصيص، ومفاده أنه لا يتخصص وإن تعدد، لكن في الخانية أيضا عن ابن الفضل: إذا جعل وصيا على ابنه وآخر على ابنته أو أحدهما في ماله الحاضر والآخر في ماله الغائب، فإن شرط أن لا يكون كل وصيا فيما أوصى به إلى الآخر فكما شرط عند الكل، وإلا فعلى الاختلاف، والفتوى على قول أبي حنيفة إه.
ولعل ما في الخانية أولا مبني على قول الحلواني، فتأمل.
أقول: ومما يجب التنبه له أنه إذا أوصى إلى رجل بتفريق ثلث ماله في وجوه الخير مثلا صار
وصيا عاما على أولاده وتركته، وإن أوصى في ذلك إلى غيره على قول أبي حنيفة المفتى به فلا ينفذ تصرف أحدهما بانفراده والناس عنها في زماننا غافلون، وهي واقعة الفتوى.
وقد نص عليها في الخانية فقال: ولو أوصى إلى رجل بدين وإلى آخر أن يعتق عبده أو بنفذ وصيته فهما وصيان في كل شئ عنده.
وقالا: كل واحد وصى على ما سمى لا يدخل الآخر معه إه، قوله: (ولو نهاه الخ) هذه راجعة إلى قبول التخصيص وعدمه.
أشباه.
قوله: (وله عزله الخ) هذه المسألة الثامنة، وقدم الشارح أول باب الوصي تقييده بما إذا رأى القاضي المصلحة، فراجعه.
قوله: (وصى وصي القاضي الخ) أي إذا أوصى وصي القاضي عند موته إلى آخر صح وصار الثاني كالاول لو وصاية الاول عامة.
قوله: (وبه يحصل التوفيق) بأن يحمل قوله المار ولا أن يجعل وصيا عند عدمه على ما إذا كانت الوصاية خاصة، وكذا يحمل ما قدمناه عن الخانية والقنية على ما إذا كانت عامة فلا تتنافى عباراتهم، فافهم.
قوله: (بأن أجر الخ) ليس هذا من كلام الفتاوى الصغرى، وصورة الزيلعي في كتاب الغصب بأن أعار من أجنبي.
وقال في الاشباه: والمنصوص عليه أنه إذا أجر بأمل من أجر المثل فإنه ينفذ من الجميع إه.
وأيضا إذا جازت الاعارة فالاجارة أولى، ومثلها ما إذا أوصى بسكنى داره وخدمة عبده، فإن الذي يعتبر من الثلث هو رقبة الدار والعبد دون السكنى والخدمة كما مر في محله فليس المراد الحصر.
قوله: (لانها تبطل بموته الخ) كذا ذكره في شرح الوهبانية والاشباه جوابا عن قول الطرسوسي: إن هذه المسألة خالفت القاعدة، فإن الاصل أن المنافع تجري مجرى الاعيان، وفي البيع يعتبر من الثلث اه.
أقول (1): والذي يظهر لي أن الاولى الاقتصار على الجواب الثاني، وهو أن في المسألة روايتين، لان
__________
(1) قوه: (أقول إلخ) بحث فيه شيخنا بأن الغرض للطرطوسي طلب وجه الرواية القائلة بخروج المنافع من الكل وحينئذ لا ينفعه الجواب الثاني، وقوله لان المنفعة إلخ رد هذا مولانا أيضا بأن محط الجواب إنما قولهم فلا إضرار وللوصية بالسكن لا ضرر فيها على الورثة وإن اعتبرنا المنفعة من جميع المال لانه يشترط جروج الرقية عنه -(1/310)
لا لمنفعة في الوصية بالسكنى، والخدمة لا تعتبر من الثلث مع أنها باقية بعد الموت، ففيه إيهام أن بطلان الاجارة سبب لاعتبار الوصية من الكل وليس كذلك كما علمت.
تأمل.
قوله: (فلا إضرار على الورثة) أي فيما بعد الموت لان الاجارة لما بطلت صارت المنافع ملكهم.
قوله: (وفي حياته لا ملك لهم) أي فما استوفاه المستأجر قبل الموت لا إضرار عليهم فيه أيضا، وبه سقط ما أورد عليه أنه لو آجر ما أجرته مائة مثلا بأربعين وطال مرضه حتى استوفى المستأجر المنفعة في مدة الاجارة، فإنه إن زاد على الثلث كان إضرارا بالورثة إه.
فافهم.
وفي شرح البيري عن مزارعة المحيط: حق الغرماء والورثة يتعلق بما يجري فيه الارث وهو الاعيان، ولا يتعلق بما لا يجري فيه ازرث كالمنافع وما ليس بمال، لان الارث يجري فيما يبقى زمانين لينتقل بالموت إليهم من جهة الميت والمنافع لا تبقى زمانين اه.
واعتر ض البيري هذا الحصر بأنه في حيز المنافع، لان العفو عن القصاص بالنفس ليس بمال، ولهذا صح عفو المريض عنه من جميع المال إه.
وأقره أبو السعود.
أقول: وهذا عجيب، فإن ذلك مؤيد للحصر لا مانع له، فتدبر.
قوله: (لكن في العمادية أنها من الثلث) ومثله في النتف كما قدمناه في باب العتق في المرض عن القهستاني، وقدمنا هناك عن الوهبانية الجزم بالاول.
قوله: (أو ضيعته) عطف خاص على عام.
قوله: (يؤجل) أي يؤجله الحاكم كما في أدب الاوصياء، وانظر عل يطالب بكفيل إذا خشي الهرب أو يفسخ حالا إذا لم ينقد الثمن؟ حرره نقلا.
قوله: (وقد قبض) الظاهر أنه إذا لم يقبض كذلك لان المراد فسخ العقد ط.
قوله: (فيقول) أي الحاكم بعد أن حلفه فحلف.
قال نجم الدين الخاصي: ويجوز مثل هذا الفسخ وإن كان تعليقا بالمخاطرة، وإنما يحتاج إلى فسخ الحاكم لان الوصي لو عزم على ترك الخصومة بعد إنكار المشتري البيع يكون فسخا في حكم الاقالة فيلزم الوصي كما لو تقايلا حقيقة، أما إذا فسخه الحاكم لا يلزم المبيع عليه بل يرجع إلى ملك الميت لكمال ولاية القاضي وشمولها، ومثله في الخانية.
أدب الاوصياء.
تنبيه: لو استباع اليتيم الاملا بالالف والافلس بالالف والخمسمائة يبيعه الوصي من الاملا
__________
- وتوضيحه أن من القواعد تبعية المنافع للاعياد فما بال السكنى لم تتبع الدار؟ فإنه لو أوصى بعين الدار إعتبروا
خزوجها من الثلث، ولو أوصى بسكنى لم يعتبروا ذلك، وكذا لو حابى في بيع الدار حال المرض اعتبروا خروج المحاباة من الثلث، ولو حابى في الاجارة لا.
والجواب أن المالك إذا تصرف في ما هو ملكه كان حقه، أن ينفذ تصرفه لما أنه لاحجر على المالك في أملاكهم إلا أنهم وجدوا في بعض التصرفات اضرارا بالواو فحجروا عليه فثبت الحجر عليه للضرورة والثابت بها لاعموم له ولا يستتبع خصوصا ووصف هذا الاصل معلل بعلة وهى الضرر فيدار الحكم مع هذه العلة فإذا وجدت تلك في الفرع لزمت تبعيته لاصله وإلا فلا وفى مسألة الوصية بالسكنى لا إضرار بعد اعتبار خروج الرقبة من الثلث وفى مسألة الاجارة لا ضرار حيث تبطل بالموت اه.(1/311)
ولا يلتفت إلى زيادة الافلس حذرا من التلف كما في الخانية وغيرها، أدب الاوصياء.
قوله: (لم يجز إلا عند الحاكم) ذكر ذكل في البزازية في منصوب القاضي كما قدمناه عنها في أول باب الوصي.
وأما وصي الميت فقد مر في المتن أنه لا يصح رده بعد قبوله بغيبة الميت لشلا يصير مغرورا من جهته.
وفي البزازية عن الايضاح: أراد عزل نفسه لم يجز إلا عند الحاكم، لانه التزم القيام فلا يملك إخراجه إلا بحضرة الموصي أو من يقوم وهو من له ولاية التصرف في مال اليتيم، وإذا حضر عند الحاكم فينظر في حاله: إن مأمونا قادرا على التصرف لا يخرجه لانه التزم القيام ولا ضرر للوصي في إبقائه، وإن عرف عجزه وكثرة أشغاله أخرجه للضرر في إبقائه ولعدم حصول الغرض منه لقلة اهتمامه بأموره بعد طلب العزل إه.
وفي الاشباه: والعدل الكافي لا يملك عزل نفسه، والحيلة فيه شيئان الخ، وقدمنا ذلك فراجعه.
قوله: (تسمع) قال في الخانية بعده: وكذا لو أقر الوارث أنه قبض جميع ما على الناس من تركة والده ثم ادعى على رجل دينا لوالده تسمع دعواه إه.
قال في الشرنبلالية: لعدم ما يمنع منها، إذ ليس فيه إبراء لمعلوم عن معلوم ولا عن مجهول، فهو إقرار مجرد لم يستلزم إبراء فليس مانعا من دعواه، وقد اشتبه على صاحب الاشباه فظن أنه من قبيل البراءة العامة أنه مستثنى من منعها الدعوى إ ه ملخصا.
أقول: هذا لا يظهر على ما في أدب الاوصياء عن المنتقى وغيره من زيادة قوله لم يبق عند
الوصي لا قليل ولا كثير إلا استوفاه الخ، فهو إقرار لمعين والاقرار حجة على المقر.
تأمل.
وقد تقدمت هذه المسألة قبيل الصلح.
وقال الشارح هناك: ولا تناقض لحمل قوله: لم يبق لي حق: أي مما قبضته، على أن الابراء عن الاعيان باطل اه.
وتمام الكلام هناك.
قوله: (للوصي الاكل الخ) قدمنا في الخانية أنه استحسان إذا كان محتاجا بقدر ما سعى.
قال في أدب الاوصياء: والقياس أن لا يأكل لعموم قوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * قال الفقيه: ولعل قوله تعالى: * (ومن كان فقيرا) * نسخ بهذه الآية.
قلت: فكأنه يميل إلى اختيار الثاني، وهو قول الامام.
قال في القنية: قال أبو ذر: وهو الصحيح لانه شرع في الوصايا متبرعا فلا يوجب ضمانا إ ه.
قال الاسبيجابي في شرحه: إلا إذا كان له أجر معلوم فيأكل بقدره.
قوله: (له أن ينفق الخ) كذا في مختارات النوازل، وفي الخلاصة وغيرها: إن كان صالحا لذلك جاز وصار الوصي مأجورا، وإلا فعليه أن يتكلف في تعليم قدر ما يقرأ في صلاته إه.
فلم يقيده بالقراءة الواجبة.
تأمل.
وفي القنية: ولا يضمن ما أنفق في المصاهرات بين اليتيم وغيرهما في خلع الخاطب أو الخطيبة، وفي الضيافات المعتادة، والهدايا المعهودة، وفي الاعياد وإن كان له منه بد، وفي اتخاذ ضايفة لختنه للاقارب والجيران ما لم يسرف فيه، وكذا لمؤدبه ومن عنده من الصبيان، وكذا العيدين.(1/312)
وقال بعضهم: يضمن في ضيافة المؤدب والعيدين إه ملخصا.
وفي المغرب: وعن أبي زيد: الادب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الانسان في فضيلة من الفضائل إ ه.
قوله: (جعل للوصي مشرفا الخ) قدمنا الكلام عليه.
قوله: (للاب إعارة طفله الخ) في شرح الطحاوي للاسبيجابي: للوصي والاب إعارة مال اليتيم.
قال عماد الدين في فصوله: وهذا مما يحفظ جدا.
وفي التجنيس عن النوازل: ليس للاب ذلك لانه ليس من توابع التجارة في ماله وفي الذخيرة: له إعارة طفله، أما إعارة ماله فكذلك عند البعض استحسانا لا عند العامة، وهو القياس.
وفي فوائد صاحب المحيط: له إعارة الولد إذا كان لخدمة الاستاذ لتعلم الحرفة ولغير ذلك لا يجوز اه.
أدب
الاوصياء.
قوله: (يملك الاب لا الجد الخ) أقول: عبارة المجتبى: مات عن أولاد صغار وأب ولا وصي له يملك الاب ما يملك وصيه فينفذ وصاياه ويبيع العروض والعقار لقضاء دينه وليس للجد ذلك الخ، هكذا رأيت في نسختي، فتأمل.
وأشار بقوله وليس للجد ذلك، إلى ما قدمناه قبيل الفصل عن الخانية من أن وصي الميت يملك بيع التركة لقضاء دين الميت، بخلاف الجد، ولو قال الشارح يملك الاب ما لا يملكه الوصي لكان كلاما ظهر المعنى ويكون ما بعده من المسائل تفريعا عليه، فإنها مما خالف الاب فيها الوصي، وقد ذكر من ذلك في آخر فرائض الاشباه إحدى عشرة مسألة وزاد عليها في حاشية الحموي وغيرها سبع عشرة أخرى فراجع ذلك، والمراد بالاب في هذه المسائل أبو الصغير لا أبو الميت.
قوله: (بخلاف الوصي) فإنه لا يجوز قسمته مالا مشتركا بينه وبين الصغير فيه نفع ظاهر عند الامام.
وقال محمد: لا يجوز مطلقا.
ذخيرة.
والاصل في ذلك البيع لما في القسمة من معنى المبادلة والافراز، فكل من يملك من الاوصياء بيع شئ من التركة يملك قسمته، ومن لا فلا، والوصي لا يملك بيع مال أحد الصغيرين من الآخر فلا يملك قسمة ذلك لانه يكون قاضيا ومتقاضيا فلا يجوز، وكذا أحد الوصيين لا يملك البيع من الآخر فلا يملكان القسمة، بخلاف الاب فله أن يقاسم مال أولاده.
والحيلة للوصي أن يبيع حصة أحد الصغيرين فيقاسم مع المشتري ثم يشتري منه ما باعه بالثمن، ولو في الورثة كبار فدفع لهم حصتهم وأفرز ما للصغار جملة بلا تمييز جاز، لان القسمة هاجرت بين الصغار بل بين الكبار والصغار، وكذا لو قاسم الوصي مع الموصى له بالثلث وأمسك الثلثين للصغار، وتمام ذلك في فصل القسمة من أدب الاوصياء، ولكن قوله وكذا أحد الوصيين إلخ، قال ط: فيه أن تصرف الوصي بالبيع ولاشراء للاجنبي يجوز بالقيمة وبالغبن اليسير وكل من اليتيمين أجنبي من الآخر ا ه.
وقدمنا نحوه.
قوله: (ولو باع الاب أو الجد إلخ) تقدمت هذه المسألة عن ابن الكمال قبيل قوله ولا يتجر في ماله ثم إن بيع الجد إنما يجوز لنحو النفقة والدين على الصغار لا للدين الذي على الميت أو لتنفيذ وصاياه كما تقدم فلا تغفل.
قوله: (إذا لم يكن فاسد الرأي) الظاهر أنهم لم يفصلوا هذا(1/313)
التفصيل في الوصي لان الميت أو القاضي لا يختار للوصاية إلا من كان مصلحا يحسن تدبير أمر اليتيم ط.
أقول: وقد صرحوا بأن الوصي حكمه حكم الاب المفسد وحينئذ فلا حاجة إلى التفصيل فيه، فافهم.
قوله: (لم يجز) أي إلا إذا باعه بضعف القيمة كما قدمناه.
قوله: (وفي المنقول روايتان) قدمنا أن الفتوى على عدم الجواز.
قوله: (ولو اشترى لطفله إلخ) قدمنا أول الفصل الكلام على ذلك مستوفى.
قوله: (بوجوبهما) أي الثوب والطعام، والمراد النفقة والكسوة، والاولى إفراد الضمير للعطف بأو.
قوله: (وبمثله) أي في أنه يرجع بقيمة الدار أو العبد إن أشهد، والاولى حذف الباء.
قوله: (لا يرجع) لعدم وجوبه.
قوله: (وهو حسن الخ) قائله صاحب المجتبى.
والله تعالى أعلم.(1/314)
كتاب الخنثى هو فعلي من الخنث: أي بالفتح والسكون: وهو اللين والتكسر، ويقال خنثت الشئ فتخنث: أي عطفته فانعطف، ومنه سمى المخنث، وجمع الخنثى الخناثي بالفتح كحبلى وحبالى اه.
شرح السراجية للسيد.
واعلم أن الله تعالى خلق بني آدم ذكورا وإناثا كما قال: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) * (النساء: 1) وقال: * (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * (الشورى: 49) وقد بين حكم واحد منهما ولم يبين حكم من هو ذكر وأنثى، فدل على أنه لا يجتمع الوصفان في شخص واحد، وكيف وبينهما مضادة إه.
كفاية.
قوله: (وهو ذو فرج)، أراد به هنا قبل المرأة، وإلا فالفرج يطلق على قبل المرأة والرجل باتفاق أهل اللغة.
مغرب.
قوله: (أو من عري الخ) بكسر الراء بمعنى خلا.
قال الاتقاني: وهذا أبلغ وجهي الاشتباه.
ولهذا بدأ محمد به إه.
أقول: وقوله: ذو فرج وذكر تفسير الخنثى لغة، ويدل عليه قول محمد: هو عندنا والخنثى المشكل في أمره سواء، فقد سوى بينهما في الحكم لا في الدلالة، كونه أبلغ في الاشتباه لا يدل على تسميته خنثى لغة، ولذا قال القهستاني: وإن لم يكن له شئ وخرج بوله من سرته ليس بخنثى، ولذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا ندري اسمه كما في الاختيار.
وقال محمد: إنه في حكم الخنثى إه.
فافهم.
قوله: (فإن بال الخ) أي إذا وقع الاشتباه فالحكم للمبال، لان منفعة الآلة عند انفصار الولد من الام خروج البول فهو المنفعة الاصلية للآلة وما سواه من المنافع يحدث بعدها، وهذا حكم جاهلي وقد قرره النبي صلى الله عليه وآله.
وتمامه في
المطولات.
قوله: (فالحكم للاسبق) لانه دليل على أنه هو العضو الاصلي، ولانه كما خرج البول حكم بموجبه لانه علامة تامة فلا يتغير بعد ذلك بخروج البول من الآلة الاخرى.
زيلعي.
قوله: (وإن استويا) بأن خرج منهما معا.
قوله: (فمشكل) لم يقل مشكلة لانه لم يتعين أحد الامرين فجاء على الاصل وهو التذكير، أو لانه لما احتمل الذكورة والانوثة غلب التذكير.
أفاده الاتقاني.
قوله: (ولا تعتبر الكثرة) لانها ليست بدليل على القوة، لان ذلك لاتساع المخرج وضيقه لا لانه هو العضو الاصلي، ولان نفس الخروج دليل بنفسه، فالكثير من جنسه لا يقع به الترجيح عند المعارضة كالشاهدين والاربعة، وقد استقبح أبو حنيفة ذلك فقال: وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالاواقي.
زيلعي.
قوله: (كما يحتلم الرجل) بأن خرج منيه من الذكر ط.
قوله: (أو لبن) أي في ثديه كلبن النساء، وإلا فالرجل قد يخرج من ثديه لبن.
وفي الجوهرة: فإن قيل ظهور الثديين علامة مستقلة فلا حاجة إلى ذكر اللبن، قيل لان اللبن قد ينزل ولا ثدي، أو يظهر له ثدي لا يتميز من ثدي الرجل، فإذا نزل اللبن وقع التمييز إه.
ط عن(1/315)
الحموي.
قوله: (أو حبل) بأن أخذ المني بقطنة وأدخله فرجه فحبل.
ط سري الدين.
قوله: (أو أمكن وطؤه) بأن اطلع عليه النساء فذكرن ذلك.
أفاده ط، وعبارة غيره: أو جومع كما يجامع النساء.
قوله: (أو تعارضت العلامات) كما إذا نهد ثديه ونبتت لحيته معا، أو أمنى بفرج الرجل وحاض بفرج المرأة، أو بال بفرجها وأمنى بفرجه.
قهستاني.
قوله: (وعن الحسن) أي البصري.
قال في المعراج وحكي عن علي والحسن، أنهما قالا: تعد أضلاعه فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل.
وقال جابر بن زيد: يوقف إلى جانب حائط، فإن بال عليه فهو رجل، وإن تسلسل على فخذيه فهو امرأة، وليس كلا القولين بصحيح إه.
قوله: (يزيد) صوابه ينقص كما علمت، وارجع إلى حاشية الحموي على الاشباه.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذ أشكل.
قوله: (قلت الخ) أقول: وبالله التوفيق، إن الاخذ في أمره بالاحوط ليس على سبيل الوجوب دائما، بل قد يكون مستحبا في كثير من المسائل.
منها ما ذكره الشارح لان إشكاله أورث شبهة وهي لا ترفع الثابت
بيقين، لان عدم الجناية وعدم التحريم كانا ثابتين يقينا فلا يرتفعان بشبهة أنوثته فيستحب الاحتياط، بخلاف توريثه ونحوه مما سيأتي، إذ ليس فيه رفع الثابت يقينا فلذا وجب الاحتياط فيه.
ويدل على ما قلنا ما في غاية البيان عن شرح الكافي للسرخسي: إذا وقف في صف النساء فأحب إلى أن يعيد الصلاة، كذا قال محمد في الاصل، وذلك لان المسقط وهو الاداء معلوم، والمفسد وهو المحاذاة موهوم، وللتوهم أحب إعادة الصلاة، وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة ويعيد من عن يمينه وعن يساره والذي خلفه بحذائه على طريق الاستحباب لتوهم المحاذاة إه ملخصا.
ثم لا يخفى عليك أن الكلام في الخنثى الذي تعارضت فيه العلامات، فلا يرد إمكان الايلاج فيه أو ظهور لبن له علامة أنوثته فيجب الغسل ويثبت التحريم، لان ذلك علامة الانوثة عند الانفراد وعدم التعارض وليس للكلام فيه، فافهم.
قوله: فيقف بين صف الرجال والنساء إذ لو وقف مع الرجال أنه أنثى أو مع النساء احتمل أنه رجل، وقدمنا حكمه.
قوله: (وإذا بلغ حد الشهوة) أي إذا كان مراهقا، وإلا فللرجل أن يختنه.
قهستاني عن الكرماني.
أقول: تقدم في شروط الصلاة عن السراج أنه لا عورة للصغير جدا، ثم ما دام لم يشته فقبل ودبر ثم تتغلظ إلى عشر سنين ثم كبالغ اه.
تأمل.
قوله: (لتكون أمته) فيجوز نظرها إليه إن كان ذكرا، وقوله (أو مثله): أي إن كان أنثى فيكون نظر الجنس إلى الجنس، وهو جائز حال العذر كنظر القابلة وقت الولادة أو القرحة في الفرج ونحو ذلك.
قوله: (احتياطا) إذا في كل احتمال نظر الجنس إلى خلاف الجنس وهو أغلظ فلا يجوز إلا لضرورة.
قوله: (فمن بيت المال) هذا إذا كان أبوه معسرا(1/316)
وإلا فمن ماله.
قهستاني عن الذخيرة.
قوله: (ثم تباع) أي ويرد ثمنها إلى بيت المال.
قوله: (أو يزوج الخ) هذا قول الحلواني.
قال في الكفاية: وذكر شيح الاسلام أنه لا يفيد، لان النكاح موقوف والنكاح الموقوف لا يفيد إباحة النظر إلى الفرج.
أقول: وقد يجاب بأن كونه موقوفا إنما هو من حيث الظاهر، وإلا فالنكاح في نفس الامر: إما صحيح إن كان ذكرا فيحل النظر، وإما باطل إن كان أنثى فيكون فيه نظر الجنس إلى الجنس فهو مفيد
على كل حال بناء على ما في نفس الامر.
تدبر.
قوله: (ثم يطلقها) أي إذا كان بالغا.
قوله: (ويكره له لبس الحرير والحلي) لانه حرام على الرجال دون النساء وحاله لن يتبين بعد فيؤخذ بالاحتياط، فإن الاجتناب عن الحرام فرض والاقدام على المباح مباح، فيكره حذرا عن الوقوع في الحرام.
عناية.
قوله: (ثبتت حرمة المصاهرة) أي فلا يحل للمقبل بشهوة أن يتزوج أمه.
قال السائحاني: وكذا لو قبلته امرأة لا تتزوج أباه حتى يتضح الحال بظهورة مثل المقبل إه.
قلت: وكأن وجهه أن الاصل في الخروج التحريم، واحتمال أنه مثل المقبل لا يرفع هذا الاصل الثابت فلا ينافي ما حررناه سابقا.
تأمل.
قوله: (ولا يسافر بغير محرم) أي من الرجال.
ويكره مع امرأة ولو محرما لجواز كونه أنثى فيكون سفر امرأتين بلا محرم لهما وذلك حرام.
إتقاني.
قوله: (بعد تقرر إشكاله) أي تقرره عندنا بعلمنا به كما لو رأينا له ثديين ولحية.
قلت: وبه يحصل التوفيق: أي فلا خلاف في المسألة، والظاهر أن الذي أوهم المصنف أنهما قولان: كلام الزيلعي حيث قال: وإن قال الخنثى: أنا رجل أو امرأة لم يقبل قوله إن كان مشكلا لانه دعوى بلا دليل.
وفي النهاية عن الذخيرة: إن قال الخنثى المشكل: أنل ذكر أو أنثى فالقول له، لانه أمين في حق نفسه للامين ما لم يعرف خلاف ما قال، والاول ذكره في الهداية اه.
كلام الزيلعي ملخصا.
أقول: ولا منافاة بينهما لان مراد الذخيرة بالخنثى المشكل الذي لم يظهر لنا إشكاله بدليل قوله ما لم يعرف خلاف ما قال، ويدل عليه أيضا آخر عبارة الذخيرة المذكورة في النهاية ونصه: ولما لم يعرف كونه مشكلا لم يعرف خلاف ما قال فصدق فيما قال، ومتى عرف كونه مشكلا فقد عرف خلاف ما قال، وعرف أنه مجازف في مقالته لانه لا يعرف من نفسه إذا كان مشكلا إلا ما نعرفه نحن اه.
وهذا أسقطه الزيلعي فأوهم أن ما في الذخيرة خلاف ما في الهداية، وتبعه المصنف فجعلهما قولين مع أنه في الكفاية شرح كلام الهداية بكلام الذخيرة.
قوله: (إلا أن يحمل على هذا) أي على أنه أراد قبل تقرر إشكاله، ويؤيده أن السيد قدس سره لم يذكر المشكل وقيد بالامور الباطلة التي لا تقرر لنا إشكاله،(1/317)
فإن قال قوله مقبول فيما كان من هذه الامور باطنا لا يعلمه غيره، ثم قال: وإذا أخبر الخنثى بحيض أو مني أو ميل إلى الرجال أو النساء يقبل قوله، ولا يقبل رجوعه بعد ذلك إلا أن يظهر كذبه يقينا، مثل أن يخبر بأنه رجل ثم يلد فإن يترك العمل بقوله السابق إه.
قوله: (ويمم) أي بخرقة إن يممه أجنبي، وبغيرها إن يممه ذون رحم محرم منه، ويعرض الاجنبي وجهه عن ذراعيه لجواز كونه امرأة ولا يشتري جارية للغسل كما كان يفعل للختان، لانه بعد الموت لا يقبل المالكية فالشراء غير مفيد.
عناية.
وكذا لو كانت له أمة فإن ملكه وإن بقي بعد موته إلا أن الامة لا تغسل سيدها، بخلاف الزوجة، وبه اندفع ما أورده ابن الكمال من بقاء ملكه كما حرره في الدر المنتقى.
قوله: (ولا يحضر) أي لا يغسل رجلا ولا امرأة.
نهاية ومعراج.
والتقييد بالمراهق لكونه بعد البلوغ لا يبقى مشكلا غالبا.
قوله: (ذكرا أو أنثى) أي ذكرا كان الميت أو أنثى، وفي بعض النسخ ذكر بالجر.
قوله: (وندب تسجية قبره) أي تغطيته، لانه إن كان أنثى أقيم واجب، وإن كان ذكرا لا تضره التسجية.
زيلعي.
ولعله أراد بالواجب ستر عورة الانثى، وإلا فالتسجية مستحبة لا واجبة.
منح.
قوله: (ثم هو) أي الخنثى، فيؤخر عن الرجل لاحتمال أنه امرأة، ولو دفن مع رجل في قبر واحد لعذر جعل خلف الرجل ويجعل بينهما حاجز من صعيد، ولو مع امرأة قدم عليها لاحتمال أنه رجل، ويكفن في خمس أثواب كالمرأة.
وتمامه في المنح.
قوله: (في أحكامه) أي في بحث أحكام الخنثى، وذكرها في المنح أيضا.
قوله: (يعني أسوأ الحالين) إنما حول العبارة ليشمل كونه محروما على تقدير اه.
ح.
قال في المنج: اعلم أن عند أبي حنيفة أقل النصيبين أن ينظر إلى نصيبه إن كان ذكرا وإلى نصيبه إن كان أنثى، فأيهما أقل يعطاه، وإن كان محروما على أحد التقديرين فلا شئ له.
قوله: (وقالا نصف النصيبين) أي نصف مجموع حظ الذكر والانثى.
ثم اعلم أن هذا قول الشعبي، ولما كان من أشياخ أبي حنيفة وله في هذا الباب قول منهم، اختلف أبو يوسف ومحمد في تخريجه، فليس هو قولا لهما، لان الذي في السراجية أن قول أبي حنيفة هو قول أصحابه، وهو قول عامة الصحابة، وعليه الفتوى.
وذكر في النهاية والكفاية أن الذي في عامة الروايات أن محمدا مع الامام، وكذا أبو يوسف في قوله الاول، ثم رجع إلى ما فسر به كلام
الشعبي.
قوله: (وعند أبي يوسف الخ) قال الزيلعي واختلف أبو يوسف ومحمد في تخريج قول الشعبي، فقال أبو يوسف: الميراث بينهما على سبعة أسهم: للابن أربعة وللخنثى ثلاثة، اعتبر نصيب كل واحد منهما حالة انفراده فإن الذكر لو كان وحده كان له كل المال، والخنثى لو كان وحده: إن كان ذكرا فكذلك، وإلا فنصف المال، فيأخذ نصف النصيبين نصف الكل ونصف النصف وذلك ثلاثة أرباع المال، وللابن: أي الواضح كل المال فيجعل كل ربع منهما فبلغ سبعة أسهم: للابن أربعة(1/318)
وللخنثى ثلاثة لان الابن يستحق الكل عند الانفراد والمخنثى ثلاث الارباع، فيضرب كل منهما بجميع حقه بطريق العول والمضاربة.
وقال محمد: بينهما على أثني عشر سهما: سبعة للابن وخمسة للخنثى، اعتبر نصيب كل واحد منهما حالة اجتماع، فلو كان الخنثى ذكرا فالمال بينهما نصفين، ولو أنثى كان أثلاثا، فالقسمة على الذكورة من اثنين وعلى الانوثة من ثلاثة فيضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة للخنثى، على أنه أنثى سهمان، وعلى أنه ذكر ثلاثة فله نصفهما ونصف الثلاث كسر فتضرب الستة في اثنين تبلع اثني عشر، فللخنثى ستة على أنه ذكر، وأربعة على أنه أنثى فله نصفهما خمسة اه ملخصا.
وتمامه فيه.
وأشار في الهداية إلى اختيار قول محمد للاتفاق على تقليل نصيب الخنثى، وما ذهب إليه محمد أقل مما ذهب إليه أبو يوسف سهم من أربعة وثمانين سهما، وطريق (1) معرفته أن تضرب السبعة في اثني عشر تبلغ أربعة وثمانين، وحصة الخنثى من السبعة ثلاثة فاضربها في اثني عشر تكون ستة وثلاثين وحصته من الاثني عشر خمسة فاضربها في السبعة تكون خمسة وثلاثين، فظهر أن التفاوت بسهم من أربعة وثمانين كما في العناية وغيرها.
قوله: (وولديها) أي أخوين لام.
قوله: (ولو مات عن عمه الخ) أي لو مات رجل عن عمه وعن ابن أخيه حال كون ابن الاخ خنثى، فالضمير في عمه للرجل الميت، هذا مثال لحرمانه على تقدير الانوثة وما قبله على تقدير الذكورة.
قوله: (وكان المال للعلم) لان بنت الاخ لا ترث، ولو قدر ذكرا كان المال كله له دون العم لان ابن الاخ مقدم على العم ط.
والله تعالى أعلم.
مسائل شتى قوله: (جمع شتيت الخ) فهو فعيل بمعنى فاعل، حمل على فعيل بمعنى مفعول كمريض ومرضي
__________
(1) قوله: (وطريق معرفته الخ) وتسمى هذه طريقة التجنيس وهكذا كل عددين نسب إليهما أقل منهما وأدت معرفة أي المنسوبين أقل فاضرب أحد العددين المنسوب إليهما في الاخر ثم يضرب كل واحد من الافلين فيما ينسب إليه الاقل الاخر وانظر فيما تحصل من ضرب كل من الافلين في منسوب الاخر ففى مسألتنا لم يدر هل الثلاثة من سبعة كما هو قول أبى يوسف أكثر أو خمسة من إثنا عشر أكثر كما هو قول محمد.
فإذا أردت معرفة أكثرهما فاضرب السبعة التى نسيت إليها الثلاثة في الاثنا عشر التى نسبت إليها الخمسة تبلغ أربعة وثمانين ثم اضرب المنسوب إلى السبعة وذلك ثلاثة في المنسوب إليه الخمسة وذلك اثنا عشر يكون الخارج ستة وثلاثين واضرب الخمسة في السبعة تبلغ خمسة وثلاثين اه.(1/319)
ولذا جمع على فعلي.
قهستاني.
قوله: (ما لا يذكر) الاولى ما لم كما عبر غيره.
قوله: (فينتج) أي من الشكل الاول بعد تسليم الصغرى.
قوله: (بل أولى) لان تأثير المائع في التصرف فوق تأثير غيره.
منح.
فإذا كان عرق الجلالة التي غذيت بالنجاسة الجامدة نجسا فعرق مدمن الخمر المائع أولى.
قوله: (وما أسمج) من السماجة وهي القبح كما في القاموس.
قوله: (قال ابن العز) بمهملة فمعجمة، وهو من شراح الهداية.
قوله: (فحينئذ) أي فحين إذ كان عرقه نجسا ينقض لقاعدة: كل خارج نجس ينقض الوضوء ط.
قوله: (وهو مع غرابته) أي تفرد ابن العز باستنباطه.
قوله: (لا يشهد له رواية) أي دليل منقول ولا دراية: أي دليل معقول.
قوله: (ويشهد لبطلانها الخ) حاصله استدلال بالقياس على مسألة الجدي بجامع الاستهلاك، ولذا فرع عليه بقوله: فكذلك نقول الخ ولا يخفى أن القياس دليل معقول، فافهم.
قوله: (بصيرورته مستهلكا) يعني بخلاف الجلالة، فإن ما تتناوله لكونه جامدا لا يصير مستهلكا بل يحيل لحمها إلى نتن وفساد.
وتأمل اه ح.
قوله: (ويكفينا في ضعفه غرابته الخ) قال الرملي أيضا في حاشية المنح: وتقدم في كتاب الاشربة عن المحقق ابن وهبان أنه لا تعويل ولا التفات إلى كل ماقاله صاحب القنية مخالف للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره، ولم ينقل عن أحد من علمائنا
المتقدمين والمتأخرين أن عرف مدمن الخمر ناقض للوضوء سوى ما بحثه ابن العز.
وقد يفرق بأن مدمن الخمر يخلط والجلالة لا تخلط، حتى لو كانت تخلط لا يحكم بنجاسة عرقها كما قالوا في تفسيرها، وغاية ما فيه أنه يقع الشك في تولد العرق منه أو من غيره، ولا نقض بالشك، على أنا ما أثبتنا النقض بالخارج المحقق النجاسة من غير السبيلين إلا بعد علاج قوي ومنازعة كلية بيننا وبين الشافعية، فكيف يثبت النقض بشئ موهوم؟ وأيضا نفس عرق الجلالة في نجاسته منازعة، إذ صرحوا قاطبة بكراهة لحمها إذا تغير وأنتن، وإنما يستعملون الكراهة لريب في الحرمة، والحرمة فرع النجاسة، والنقض بها إنما يكون بما لا ريب فيه، ويلزم مما بحثه ابن العز نقض الوضوء بعرق من أكل أو شرب نجاسة ما في زمن مداومته، ولم يقل به أحد إه ملخصا.
أقول: ويلزم عليه أيضا النقض بدموعه وريقه لانهما كالعرق، وأن يكون حكمه حكم المعذور(1/320)
لخروج ريقه دائما، وهذا لم يقل به أحد أيضا، وقدم الشارح في كتاب الطهارة أن سؤر الابل والبقر والجلالة مكروه تنزيها.
وفي الخانية أن عرق الجلالة طاهر.
قوله: (وخروجه عن الجادة) هي معظم الطريق كما في القاموس، والمراد طريق الفقه.
قوله: (عن السرح) بمهملات.
قال في جامع اللغة: السرح: المال وشجر عظام طوال، والمراد بها مسائل الفقه اه ح.
فهو استعارة مصرحة.
قوله: (فإن كان الخرء صلبا) بضم الصاد المهملة: أي يابسا زاد في مختارات النوازل: وإن كان متفتتا ما لم يتغير طعمه يؤكل أيضا إه.
قوله: (ولا يفسد الخ) قال في البحر: وفي المحيط: وخرء الفأرة وبولها نجس لانه يستحيل إلى نتن وفساد والاحتراز عنه ممكن في الماح ء لا في الطعام والثيب فصار معفوا فيهما.
وفي الخانية: بول الهرة والفأر وخرؤهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب، وبول الخفافيش وخرؤه لا يفسد لتعذر الاحتراز عنه إه.
وفي القهستاني عن المحيط: خرء الفأرة لا يفسد الدهم والحنطة المطحونة ما لم يتغير طعمها.
قال أبو الليث: وبه نأخذ.
قوله: (في السنن الرواتب) وهي ثلاثة: رباعية الظهر، ورباعية الجمعة القبلية والبعدية، وهذا هو الاصح لانها تشبه الفرائض.
واحترز به عن الرباعيات المستحبات والنوافل، فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وآله في القعدة الاولى ثم يقرأ دعاء
الاستفتاح.
أفاده ط.
قوله: في الجمعة أي في يومها، فإنها ورد فيه ساعة إجابة: أي للدعاء بعينه ط.
قوله: (وقت العصر) وقيل من حي بخطب إلى أن يفرغ من الصلاة كما ثبت في مسلم عنه صلى الله عليه وآله.
قال النووي: وهو الصحيح بل هو الصواب إه.
قال ط: ويكفي الدعاء بقلبه كما ذكر الشرنبلالي، وقيل: آخر ساعة فيه، وهو مذهب الزهراء رضي الله عنها إه.
وعلى الاول فالظاهر أنها دائرة في جميع وقت العصر، وهو من حين بلوغ ظل الشئ مثله أو مثليه على الاختلاف في القولين إلى الغروب.
حموي.
قوله: (على قوله عليكم) أي في التسليمة الاولى.
قوله: (بعده) أي بعد السلام قبل قوله عليكم.
منح.
والاولى أن يقول قبله ليرجع الضمير إلى مذكور صريحا وهو عليكم.
قوله: (لف ثوب نجس رطب) أي مبتل بماء ولم يظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة، بخلاف المبلول بنحو البول لان النداوة حينئذ عين النجاسة، وبخلاف ما إذ ظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة من لون أو طعم أو ريح فإنه يتنجس كما حققه شارح المنية وجرى عليه الشارح أول الكتاب.
قوله: (لا يتنجس) لانه إذا لم يتقاطر منه بالعصر لا ينفصل منه شئ، وإنما يبتل ما يجاوره بالنداوة وبذلك لا يتنجس به.(1/321)
وذكر المرغيناني: إن كان اليابس هو الطاهر يتنجس لانه يؤخذ بللا من النجس الرطب، وإن كان اليابس هو النجس والطاهر والرطب لا يتنجس لان اليابس النجس يؤخذ بللا من الطاهر ولا يأخذ الرطب من اليابس شيئا.
زيلعي.
وظاهر التعليل أن الضمير في يسيل وعصر للنجس، وبه صرح صاحب مواهب الرحمن، ومشى عليه الشرنبلالي، والمتبادر من عبارة المصنف كالكنز وغيره أنه للطاهر، وهو صريح عبارة الخلاصة والخانية ومنية المصلي وكثير من الكتب كالقهستاني وابن كمال والبزازية والبحر والاول أحوط ووجهه أظهر، والثاني أوسع وأسهل، فتبصر.
ثم أن المسألة مذكورة في عامة كتب المذهب في بعضها بلا ذكر خلاف، وفي بعضها بلفظ الاصح.
قوله: (كما لو نشر الخ) هذا موافق لما ذكره المرغيناني، وقد جعله الزيلعي مفرعا عليه حيث قال عقب عبارته السابقة: وعلى هذا إذا نشر الثوب المبلول على حبل نجس هو يابس لا يتنجس الثوب لما ذكرنا من المعنى.
وقال قاضيخان في فتاواه: إذا نام الرجل على فراش فأصابه (1) مني ويبس وعرق الرجل وابتل الفراش من عرقه: إن لم يظهر أثر البلل في بدنه لا يتنجس جسده، وإن كان العرق كثيرا حتى ابتل الفراش ثم أصاب بلل الفراش جسده وظهر أثره في جسده يتنجس بدنه، وكذا إذا غسل رجله فمشى على أرض نجسة بغير مكعب فابتل الارض من بلل رجله واسود وجه الارض لكن لم يظهر أثر بلل لارض في رجله فصلى جازت صلاته، وإن كان بلل الماء في رجله كثيرا حتى ابتل وجه الارض وصار طينا ثم أصاب الطين رجله لا تحوز صلاته.
ولو مشى على أرض نجسة رطبة ورجله يابس تتنجس ا ه.
قوله: (على أرض نجسة) بأن كانت مطينة بنحو الزبل، أما لو أصابتها نجاسة وجفت لم تبق نجسة ولم تعد النجاسة بإصابة الماء عل المعتمد.
قوله: (كالعلماء) أي والقضاة والعمال والمقاتلة وذراريهم والقدر الذي يجوز لهم أخذ كفايتهم.
ابن الشحنة.
قوله: (ظفر بما هو وجه لبيت المال) كذا في بعض النسخ، وفي أغلبها بدون هو، وعليه فوجه بالبناء للمفعول.
قال في البزازية: قال الامام الحلواني: إذا كان عنده وديعة فمات المودع بلا وارث له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زمننا هذا، لانه لو أعطاها لبيت المال لضاع لانهم لا يصرفون مصارفه، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه، وإلا صرفه إلى المصرف إه.
منح.
قوله: (فعيه كفارة واحدة) لان الكفارة تسقط بالبشبهة فتتداخل كالحد.
مجتبى.
ثم قال: واختلف في التداخل: فقيل لا تجب الثانية لتداخل السبب، وقيل: تجب ثم تسقط، فأما
__________
(1) قوله: (فأصابه مني الخ) الاحسن إسقاط الفاء وجملة أصابه صفة ثوب تأمل اه.(1/322)
إذا كفر الاول فلا اجتماع فلا تداخل.
قوله: (ولو في رمضانين الخ) لو وصيلة، وأشار إلى أن التقييد برمضان واد، خلاف الصحيح وهو رواية عن محمد.
قال في المجتبى: وأكثر مشايخنا قالوا: الاعتماد على تلك الرواية، والصحيح أنه كيفيه كفارة واحدة لاعتبار معنى التداخل.
قوله: (ولم يعين) أي إنه عن يوم كذا.
قوله: (ولو عن رمضانين الخ) قال الزيلعي: وكذا لو صام ونوى عن يومين أو أكثر جاز عن يوم واحد، ولو نوى عن رمضانين أيضا يجوز إه.
وعليه فالمعنى أنه لو كان عليه يومان
من رمضانين فقضى يوما ونواه عنهما يجوز صزمه عن أحدهما ويبقى عليه الآخر، لكن ذكره مسكين أن المراد أنه نواه عن يوم واحد منهما بلا تعيين شهره حيث قال: واعلم أن المراد من قوله: ولو عن رمضانين قضاء أحد رمضانين وإن لم ينو الصائم أول أو آخر رمضان ولم يرد جمعهما في النية، لان ناوي القربتين في الصوم متنفل، فليتأمل إه.
أقول: ويؤيده قول المتن: كقضاء الصلاة الخ فإن معناه أنه لو فاته الظهر من يومين مثلا فقضى ظهرا ولم يعين أحد اليومين صح، وليس المراد أنه نوى ظهرا واحدا من اليومين بقرينة ما بعده.
وفي قول مسكين: لان ناوي القربتين الخ منافاة لصدر كلام الزيلعي.
وقد ذكر الشارح قبيل باب صفة الصلاة أنه لو نوى فائتتين فللاولى لو أمن أهل الترتيب وإلا لغا إه.
ومقتضى ذلك أنه في الصوم يلغو، إذ لا ترتيب فيه لانه خاص بالصلاة، وبه تأيد كلام مسكين، وتأمل ذلك مع الاصل الآتي قريبا.
قوله: (صح أيضا وإن لم ينو الخ) قدم الشارح في باب شروط الصلاة عن القهستاني عن المنية أنه الاصح اه.
ونقل ط تصحيحه عن الولوالجية أيضا وأن التعيين أحوط.
وقهل: (والاصح اشتراط التعيين الخ) صححه أيضا في متن الملتقى، فقد اختلف التصحيح والتعيين أن يعين أنه صائم عن رمضان سنة كذا، وفي الصلاة أن يعين الصلاة ويومها بأن يعين ظهر يوم كذا، ولو نوى أول ظهر عليه أو آخره جاز، وهذا مخلص من لم يعرف الاوقات التي فاتته أو اشتبهت عليه أو أراد التسهيل على نفسه.
والاصل فيه أن الفروض متزاحمة، فلا بد من تعيين ما يريد أداءه، والشرط تعيين الجنس الواحد بالنية لانها شرعت لتمييز الاجناس المختلفة.
أما التعيين في الجنس الواحد: أي في إفراده بعضها عن بعض فهو لغو لعدم الفائدة، حتى لو كان عليه قضاء يوم بعينه فصامه بنية يوم آخر أو كان عليه قضاء صوم يومين أو أكثر فصام ناويا عن قضاء يومين أو أكثر جاز، بخلاف ما إذا نوى عن رمضانين أو عن رمضان أخر لاختلاف الجنس، فصار كما لو نوى ظهرين أو ظهرا عن عصر، أو نوى ظهر السبت وعليه ظهر الخميس، ويعرف اختلاف الجنس لاختلاف السبب كالصلوات حتى الظهرين من يومين، فإن الدلوك في يوم غيره في آخر، بخلاف صوم رمضان لتعلقه بشهود الشهر وهو واحد، لانه عبارة
عن ثلاثين يوما بلياليها فلا يحتاج فيه إلى تعيين يوم كذا، خلاف رمضانين.
زيلعي ملخصا.
قوله:(1/323)
(ثم رأيته) أي هذا التفصيل مقله عنه: أي عن المحيط في الاشباه.
فافهم.
قوله: (وهذا مشكل) لما مر أن كل صلا جنس لاختلاف أسبابها فيشترط التعيين لتمييز الاجناس المختلفة، ولانه لو كان الامر كما قاله في المحيط لجاز مع وجوب الترتيب أيضا لامكان صرفه إلى الاول، إذ لا يجب التعيين عند الترتيب ولا يفيد إ ه.
كذا أفاده الزيلعي.
قوله: (خلافه) أي من التعيين ولو بأول ظهر أو آخره مثلا ط.
قوله: (وهو المعتمد) قد علمت أن الثاني مصحح وإن كان الاحوط التعيين ط.
قوله: (والحرق كالغسل) لان النار تأكل ما فيه من النجاسة حتى لا يبقى فيه شئ أو تحليه فيصير الدم رمادا فيطهر بالاستحالة، ولهذا لو أحرقن العذرة وصارت رمادا طهرت للاستحالة، كالخمر إذا تخللت، وكالخنزير إذا وقع في المملحة وصار ملحا.
وعلى هذا قالوا: إذا تنجس التنور يطهر بالنار حتى لا يتنجس الخبز، وكذلك إذا تنجس ممسحة الخباز تطهر بالنار زيلعي قال السائحاني: وبهذا لا يظهر ما عزي لابي يوسف أن السكين المموه بالماء النجس يموه بالطاهر ثلاثا لانه لما دخل النار ومكث أدنى مدة لم يبق أثر النجاسة فيه لا ظاهرا ولا باطنا إه.
قوله: (وقد قدمه في الجهاد) حيث قال: ترك السلطان أو نائبه الخراج لرب الارض أو وهبه له ولو بشفاعة جاز عند الثاني وحل له لو مصرفا، وإلا تصدق به، وبه يفتى.
وما في الحاوي من ترجيح حله لغير المصرف خلاف المشهور، ولو ترك العشر لا يجوز إجماعا بنفسه للفقراء خلافا لما في قاعدة تصرف الامام منوط بالمصلحة من الاشباه معزيا للبزازية فتنبه إ ه: أي من أنه لو ترك السلطان العشر لمن هو عليه جاز غنيا كان أو فقيرا، لكن لو غنيا ضمنه السلطان للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة، ولو فقيرا لا يضمن.
قوله: (عن زراعة الارض) أي المملوكة لهم.
قوله: (لمستحقه (1)) أي لمستحق الخراج.
قوله: (رعاية للحقين) لانه لا وجه إلى إزالة ملكهم بلا رضاهم من غير صيرورة ولا إلى تعطيل حق المقاتلة ما قلنا.
زيلعي.
قوله: (باعها لقادر) أي على الزراعة، لانه لو لم يبعها يفوت حق المقاتلة في الخراج أصلا، ولو باع
__________
(1) قوله: (المحشي لمستحقه) نسخ الشرع التى بأيدينا المستحقة وعليها كتب الطحاوي اه.(1/324)
يفوت حق المالك في العين، والفوات إلى خلف كلا فوات فيبيع تحقيقا للنظر من الجانبين زيلعي.
وهذا وقد ذكر في البحر أنه قبل البيع إن شاء دفعها إلى غيره مزارعة، وإن شاء زرعها بنفقة من بيت المال، فإن لم يتمكن من ذلك ولم يجد من يقبلها مزارعة باعها الخ.
قوله: (قلت الخ) أصله للمصنف حيث استشكل قوله: وأخذ الخراج الماضي بما في الخانية من قوله: فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنتين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة، ولا يؤخذ بخراج السنة الاولى ويسقط ذلك عنه كما قال في الجزية: ومنهم من يقول: لا يسقط الخراج بالاجماع بخلاف الجزية، هذا إذا عجز عن الزراعة، فإن لم يعجز فرص مسألتنا في العجز، فافهم.
قوله: (فيحمل إلى الخ) لم يحمله على حالة عدم العجز لان فرص مسألتنا في العجز، فافهم.
قوله: (الماضية فقط) أي التي عجزوا فيها، وهي التي قبل السنة التي دفع فيها الامام الارض إلى غيرهم دون ما قبلها، ولا يحصل التداخل بمجرد دخول سنة الدفع حتى يرد عليه أنه يسقط خراج هذه الماضية، لان وجوب الخراج بآخر الحول لا بأوله، بخلاف الجزية كما صرح في البحر، فافهم.
قوله: (تحرى وأكل) لان للغالب حكم الكل، وكذا الزيت لو اختلط مع ودك الميتة أو الخنزير لا ينتفع به على كل حال إلا إذا غلب الزيت، لكن لا يحل أكله بل يستصبح به أو يبيعه مع بيان عيبه أو يدبغ به الجلود ويغسلها، لان المغلوب تبع للغالب، ولا حكم للتبع لو كان معه ثياب مختلطة، ففي حالة الاضطرار بأن لا يجد طاهرا بيقين ولا ماء يغسلها به تحري مطلقا، لان الصلاة بثوب نجس بيقين جائزة حالة الاضطرار بالاجماع ففي ثوب مشكوك أولى.
وأما في الاختيار فإن الغلبة للطاهر تحري، وإلا لا كالجواب في المساليخ، وكذا أواني الماء إلا أنه في حالة الاضطرار لو غلب النجس يتحرى للشرب إجماعا، لان شرب النجس بيقين يجوز للضرورة فالمشكوك أولى، ولا يتحرى للوضوء عندنا بل يتيمم، والاولى أن يريق الماء قبله أو يخلطه بالنجس.
وتمامه في غاية البيان.
أقول: والمراد من اختلاط الزيت مع الودك اختلاط أجزائهما لا اختلاط أوانيهما ولذا لم يحل
الاكل، فتنبه.
قوله: (لا يتحرى) أي إن لم يكن هناك علامة تعلم بها الذكية، فإن كانت فعليه الاخذ بها كما في الدر المنتقى.
قال في غاية البيان قالوا: من علامة الميتة أنها تطفو فوق الماء والذكية لا، والاصح أن علامة المذكاة خلو الاوداج من الدم وعلامة الميتة امتلاؤها منه.
قوله: (بأن يجد ذكية) أقول: المراد أن لم يجد ما يسد به رمقه من لحم مذكى أو خبز أو غير ذلك.
قوله: (وإلا تحرى الخ) قال في الهداية: أما في حال الضرورة يحل له لتنازل في جميع ذلك، لان الميتة المتيقنة تحل في حالة الضرورة، فالذي يحتمل أن يكون ذكية أولا، غير أنه يتحرى لانه طريق يوصله إلى الذكية في الجملة فلا يتركه من غير ضرورة اه.
قال في العناية: وطولب بالفرق بين الغنم والثياب، فإن المسافر لو معه ثوبان طاهر ونجس لا غير ولا مميز بينهما يتحرى ويصلي فقد جوز التحري فيهما إذا كانا نصفين وفي المساليخ لم يجز.
وأجيب(1/325)
بأن حكم الثياب أخف، لانها لو كانت كلها نجسة له أن يصلي في بعضها لانه مضطر، بخلاف الغنم الخ، ومثله في النهاية والكفاية والمنح وغيرها.
أقول: هذا عجيب منهم، فإن ما ذكروا من مسألة الثوبين حالة ضرورة، ولا فرق فيها بين الثياب والغنم كما سمعت التصريح به فيما قدمناه.
وفي قول الهداية: يحل له التناول في جميع ذلك: أي فيما إذا كانت الذكية غالبة أو مغلوبة أو مساوية فكيف يطلب الفرق فيما لا فرق فيه؟ وإن أرادوا الفرق بين الثياب في حالة الضرورة وبين الغنم في حالة الاختيار فهو ساقط أصلا، إذ لا يطلب الفرق إلا عند اتحاد الحالتين، ثم رأيت العلامة الطوري نبه على ذلك، ولله الحمد والمنة.
قوله: (ومر في الحظر) أي في أوله قبيل قوله: ومن دعي إلى وليمة ولفظ الحظر ساقط من أغلب النسخ.
قوله: (إيماء الاخرس) أي إشارته بحاجب أو يد أو غير ذلك إذا عرف القاضي إشارته.
وإلا ينبغي أن يستخبر ممن يغرفها من إخوانه وأصدقائه وجيرانه حتى يقول بين يدي القاضي أراد بهذه الاشارة كذا، ويفسر ذلك ويترجم حتى يحيط علم القاضي بذلك، وينبغي أن يكون عدلا مقبول القول، لان الفاسق لا قول له، بيري عن الولوالجية.
وإطلاقه يفيد اعتبار الايماء مع قدرته على الكتابة وهو المعتمد، لان
كلا منهما حجة ضرورية كما في القهستاني وغيره.
در منتقى.
قوله: (وكتابته) اعترض المقدسي بأن الاخرس الخلقي لا يعرف الكتاية ولا يمكن تعريفه إياها، لاها بإزاء الالفاظ المركبة من الحروف وهو لا ينطق ولا يسمع النطق إه.
أقول: يمكن ذلك بتعريفه أن المعنى الفلاني يدل عليه بهذه الحروف المنقوشة على هذه الصورة.
تأمل.
قوله: (بخلاف معتقل اللسان) بفتح القاف، يقال اعتقل لسانه بضم التار: إذا احتبس عن الكلام ولم يقدر عليه مغرب: أي فلا يعتبر إيماؤه ولا كتابته إلا إذا امتدت عقلته كما يأتي، وذلك لان العارض على شرف الزوال فلا يقاس على الخرس الاصلي.
ثم اعلم أن هذا في كتابة غير مرسومة: أي غير معتادة، لما في التبيين وغيره أن الكتاب على ثلاث مراتب: مستبين مرسوم وهو أن يكون معنونا: أي مصدرا بالعنوان، وهو أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان على ما جرب به العادة فهذا كالنطق فلزم حجة.
ومستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدران وأوراق الاشجار أو على الكاغد لا على الوجه المعتاد، فلا يكون حجة إلا بانضمام شئ آخر إليه كالنية والاشهاد عليه والاملاء على الغير حتى يكتبه، لان الكتابة قد تكون للتجربة ونحوها، وبهذه الاشياء تتعين الجهة، وقبل الاملاء بلا إشهاد لا يكون حجة، والاول أظهر.
وغير مستبين كالكتابة على الهواء أو الماء وهو بمنزلة كلام غير مسموع ولا يثبت به شئ من الاحكام وإن نوى إه.
والحاصل: أن الاول صريح، والثاني كناية، والثالث لغو، وبقي صورة رابعة عقلية لا وجود لها، وهي مرسوم غير مستبين، وهذا كله في الناطق ففي غيره بالاولى، لكن في الدر المنتقى عن الاشباه أنه في حق الاخرس يشترط أن يكون معنونا وإن لم يكن لغائب اه.
وظاهره أن المعنون من الناطق الحاضر غير معتبر.(1/326)
وفي الاشباه: رجل كتب صك وصية وأشهد بما فيه ولم يقرأ وصيته عليهم، قالوا: لا يجوز للشهود أن يشهدوا بما فيه وهو الصحيح إه.
أي لان الشهادة لا تكون إلا عن علم.
قوله: (ومثله معتقل الخ) الاولى في التعبير: لا معتقل اللسان إن علمت إشارته الخ تأمل.
قوله: (به يفتى) هو
رواية عن الامام ومقابله ما في الكفاية عن الامام التمرتاشي تقديره بسنة.
قال في الدر المنتقى واستثنى العمادي المريض إذا طال عليه الاعتقال فإنه كالاخرس كما أفاده في البرجندي معزيا للعمادية، خلافا لما نقله القهستاني عنها، فإنه إنما ذكره فيمن يرجى منه الكلام، فافهم المرام إ ه.
وعبارة القهستاني: فلو أصابه فالج فذهب لسانه أو مرض فلم يقدر على الكلام بضعفه إلا أنه عاقل فأشار برأسه إلى وصية فقد صح وصيته، وقال أصحابنا: إنها لم تصح كما في العمادي إه.
قوله: (أو طلق مثلا) أي كما إذا أعتق ط.
قوله: (نفذ مستندا) فلها أن تتزوج إن مضت عدتها من وقت الاشارة أو الكتابة وينفذ تصرف المتعوق من ذلك الوقت ط.
قوله: (لعدم نفاذه) لان نفاذه موقوف على موته على عقلته، لا على إجازته، حتى يقل: ينبغي أن يكون طلبه الوطئ دليلا على إرادة النكاح، فافهم.
قوله: (لكل ذكر ابنه الخ) استدراك على قوله: نفذ مستندا حتى في الطلاق والعتاق.
قوله: (الاحكام الاربعة) التي هي الاقتصار كما في إنشاء الطلاق والعتاق والانقلاب، كما إذا علق الطلاق والعتاق بالشرط، فعند وجود الشرط ينقلب ما ليس بعلة علة، والاستناد كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندة إلى وقت وجود السبب والتبيين، مثل إن كان زيد اليوم في الدار فأنت طالق، وتبين في الغد وجوده فيها يقع الطلاق في اليوم وتعتد منه، والفرق بين التبيين والاستناد أنه في التبيين يمكن أن يطلع عليه العباد، وفي الاستناد لا يمكن إه من الاشباه ملخصا.
وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب الطلاق الصريح.
قوله: (أن قولهم) مفعول ذكر، وقوله: والضابط الخ مقول القول، وجملة يخالف خبر إن.
قوله: (يخالف ذلك) أي يخالف القول بالاستناد في نحو: طلاق معتقل اللسان وعتاقه ط.
أقول: وعبارة البحر عند قول الكنز والتعليق إنما يصح في الملك أو مضافا إليه.
ثم اعلم أن المراد بالصحة اللزوم، فإن التعليق في غير الملك، والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة الزوج، حتى لو قال أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت الدار فأنت طالق توقف على الاجازة، فإن أجازه لزم التعليق، فتطلق بالدخول بعد الاجازة لا قبلها، وكذا الطلاق المنجز من الاجنبي موقوف على إجازة الزوج فإذا أجازه وقع مقتصرا على وقت الاجازة، ولا يستند بخلاف البيع الموقوف فإنه بالاجازة يستند إلى وقت البيع، حتى ملك المشتري الزوائد المتصلة والمنفصلة، والضابط فيه أن ماصح(1/327)
تعليقه بالشرط فإنه يقتصر، وما لا يصح تعليق فإنه يستند إ ه.
فأنت تراه لم يجعل الضابط لكل مقتصر ومستند، بل لنوع خاص منه، وهو عقد الفضولي المتوقف على الاجازة، وإلا لزم أن لا يقع نحو الطلاق والعتاق إلا مقتصرا في جميع الصور، وليس كذلك قطعا لما مر عن الاشباه، وحينئذ فلا مخالفة إذ ليست معسألتنا من هذا القبيل، فتدبر.
قوله: (في حد) تناول جميع أنواع الحد: أي لا يحد الاخرس إذا كان قاذفا بالاشارة أو الكتابة، وكذا إذا أقر بالزنا أو السرقة أو الشرب، لان المقر على نفسه ببعض الاسباب الموجبة للعقوبة ما لم يذكر اللفظ الصريح لا يستوجب العقوبة.
كفاية.
زاد في الهداية: ولا يحد له: أي حد القذف خاصة إذا كان مقذوفا اه.
قوله: (لانها تدرأ بالشبهة الخ) والفرق بينها وبين القصاص: أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة، ألا ترى أنه لو شهدوا بالوطئ الحرام أو أقر بالوطئ الحرام لا يجب الحد، ولو شهدوا بالقتل المطلق أو أقر بمطلق القتل يجب القصاص، وإن لم يوجد التعمد لان القصص فيه معنى العوضية، لانه شرع جابرا، فجاز أن يثبت مع الشبهة كسائر المعاوضات التي هي حق العبد، أما الحدود الخالصة لله تعالى شرعت زاجرة وليس فيها معنى العوضية، فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة.
هداية.
وقد اعترض العلامة الطوري كلامهم هنا بأنهم سووا بين الحدود والقصاص في أن كلا منهما يدرأ بالشبهة كما صرحوا به في مواضع كثيرة منها الكفالة فلا تجوز بالنفس فيهما، ومنها الوكالة فلا تجوز باستيفائهما، ومنها الشهادة على الشهادة لا تجوز فيهما، وعللوا جميع ذلك بأنهما مما يدرأ بالشبهة، وكذا في كتاب الدعوى والجنايات وفرعوا على ذلك مسائل كثيرة إه.
ملخصا.
قوله: (ولا في شهادة ما) نقل من فتح القدير عن المبسوط أنه إجماع الفقهاء، لان لفظ الشهادة لا يتحقق منه.
وتمامه فيه.
قوله: (ظاهر كلامهم) نعم تقدم في كتاب الاقرار صريحا حيث قال: والايماء بالرأس من الناطق ليس بإقرار بمال وعتق وطلاق وبيع ونكاح وإجارة وهبة، بخلاف إفتاء ونسب وإسلام وكفر الخ.
قوله: (يقضي ويكفر) لوجود معنى صلاح البدن كما قدمه في الصوم عن الدراية وغيرها.
قوله: (لا يكفر) أي بل يقضي فقط.
قوله: (عذر في ترك الحج) لان أمن الطريق شرط الوجوب أو الاداء، لكن الشارح هناك قيد أمن الطريق بغلبة السلامة ولو بالرشوة وعزاه إلى الكمال، وبقتل بعض الافراد لا
تنتفي الغلبة، ولذا قيده ط بالقتل في كل مرحلة.
تأمل.
قوله: (منعها زوجها) مصدر مضاف إلى فاعله.
قوله: (نشوز حكما) لان الناشزة هي الخارجة من بيت زوجها بغير حق، ومنعها له عن الدخول إلى بيتها مع إرادتها السكنى فيه خروج حكما.
قوله: (بخلاف ما لو كان فيه شبهة) كبيت(1/328)
السلطان فهي نائزة لعدم اعتبار الشبهة في زماننا.
كذا في التجنيس.
قوله: (ليس لها ذلك) لانه لا بد له ممن يخدمه، وقد تمتنع هي عن خدمته، فلا يمكن منعه من ذلك ط.
قوله: (وكذا مع أم ولده) وكذا مع طفله الذي لا يفهم الجماع، بخلاف بقية أهله وأهلها.
قوله: (لانه ليس بصريح ولا كناية) ظاهره أنه لا عتق ولو بالنية.
وفي الحموي عن البزازية: قال لعبده أو أمته: أنا عبدك يعتق إن نوى، ومثله فيما يظهر يا مالكي، لان مؤدى العبارتين واحد ط.
وفي الخانية عن الصغار: فيمن قال لجاريته: يا من أنا عبدك، قال: هذه كلمة لطف لا تعتق بها، فإن نوى العتق فعن محمد فيه روايتان.
قوله: (على ما مر في محله) أي في كتاب العتق.
أقول: وقد وعده المصنف هناك من الصريح، وهو ظاهر قول الزيلعي وغيره هنا، لان حقيقته تنبئ عن ثبوت الولاء على العبد، وذلك بالعتق لانه يمكن إثباته من جهته وقوله يا مالكي أو أنا عبدك حقيقة ينبئ عن ثبوت ملك العبد على المولى وذلك لا يمكن إثباته من جهة المولى إه.
أقول: ويظهر من هذا الوجه تخصيصهم المولى هنا بالمعتوق، وإن كان يطلق على المعتق بالاشتراك، لانه لا يمكن إثباته من جهة السيد: أي لا يمكنه أن يجعل لعبده ولاء عليه فكان لغوا، فتعين إرادة المعنى الممكن، فافهم.
قوله: (ما لم يبرهن المدعي على وفق دعواه) كذا في شرح مسكين، والمناسب قول الزيلعي وغيره: ما لم يبرهن على أن العقار في يد المدعى عليه، لان دعوى المدعي الملك كما سيصرح به.
قوله: (ولا يكفي الخ) تصريح بما فهم من إطلاق قوله: ما لم يبرهن.
قوله: (لاحتمال المواضعة) أي الموافقة إذا كان مالك العقار غائبا فيتواضع اثنان، ويقر أحدهما باليد ويبرهن الآخر عليه بالملك، ويتسامح في الشهود ثم يدفع المالك متعللا بحكم الحاكم، وهذه التهمة في المنقول منتفية، لان يد المالك لا تنقطع عن المنقول عادة بل يكون في يده.
بحر عن البزازية.
قوله: (وهذا) أي لزوم
إثبات اليد بالبرهان.
قوله: (أما إذا ادعى الشراء) ومثله الغصب.
قوله: (وإقراره) بالنصب عطفا على الشراء.
قوله: (لان دعوى الفعل) كالشراء مثلا.
قوله: (تصح على غيره) لانه يدعي عليه التمليك وهو يتحقق في غير دي اليد، فعدم ثبوت اليد بالاقرار لا يمنع صحة الدعوى، أما دعوى الملك المطلقة فدعوى ترك التعرض بالاالة اليد، وطلب إزالتها لا يتصور إلى من ذي اليد وبإقراره لا يثبت(1/329)
كونه ذا يد لاحتمال المواضعة كما قررناه.
منح عن البزازية.
قوله: (هو الصحيح) قال في البحر: أول كتاب القضاء: ولا يشترط أن يكون المتداعيان من بلد القاضي إذا كانت الدعوى في المنقول والدين، وأما إذا كانت في عقار لا في لاريته فالصحيح الجواز كما في الخلاصة والبزازية، وإياك أن تفهم خلاف ذلك فإنه غلط اه.
قوله: (ليس بشرط فيه) فالقضاء في السواد صحيح، وبه يفتى.
بحر.
قوله: (ويكتب الخ) راجع لمسألة المتن.
قوله: (قضى القاضي ببينة) إنما ذكره لقوله بعد أو وقعت في تلبيس الشهود وإلا كالاقرار كالبينة فيما يظهر ط.
قوله: (ونحو ذلك) كنقضته أو فسخته أو رفعته.
ط عن الحموي.
قوله: (إن كان بعد دعوى صحيحة) تقدمت شروط صحتها في القضاء ويأتي شئ منها.
قوله: (إلا في ثلاث الخ) الاستثناء بالنسة للاولى غير ظاهر، إذ لا شهادة فيها: تأمل.
قوله: (أو ظهر خطؤه) أي بيقين كما لو قضى بالقصاص مثلا فجاء المقتول حيا أو كان مجتهدا فرأى النص بخلافه، كما لو تحول اجتهاده.
وأفاد الزيلعي عن المحيط: أن النبي صلى الله عليه وآله إنما لم ينقض ما قضى فيه باجتهاده ونزل القرآن بخلافه، لانه كان فيما لا نص فيه فصح وصار شريعة له، فإذا نزل القرآن بخلافه صار ناسخا تلك الشريعة، بخلاف ما إذا قضى القاضي باجتهاده ثم تبين نص بخلافه، لان النص كان موجودا منزلا إلا أنه خفى عليه، فكان الاجتهاد في محل النص فلا يصح.
وتمامه فيه.
وفي أشباه السيوطي عن السبكي: أن قضاء القاضي ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه، وما خالف شرط الواقف مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه، وأيده في البحر بقول شارح المجمع وغيره أن شرط الواقف كنص الشارع.
قوله: (وأنكر القاضي) أما لو اعترف فيثبت حيث كان مولى لا لو معزولا وفي البزازية: وإن أرادوا أن يثبتوا حكم الخليفة عند الاصل فلا بد من تقديم
دعوى صحيحة على خصم حاضر وإقامة البينة، كما لو أرادوا إثبات قضاء قاض آخر إه.
بحر.
قوله: (خلافا لمحمد) قال في البحر: ورجح في جامع الفصولين محمد، قال: وينبغي أن يفتى به لما علم من أحوال قضاة زماننا إه.
قوله: (لوجود قضاء الثاني به) فإنه لا ينفذه إلا بعد ثبوته عنده، ولا بد فيه من الدعوى أيضا.
قال في البحر: ولا بد في إمضاء الثاني لحكم الاول من الدعوى أيضا، ولا يشترط إحضار شهود الاصل إه.
فلو قبل قول الاول لزم إبطال القضاء الثاني بمجرد قوله بعد الثبوت والامضاء،(1/330)
فإنه مبني على الاول ولا سيما إذا كان مخالفا لمذهب القاضي الثاني، فافهم.
قوله: (من حقوق العباد) قيد به لان الحادثة لا تشترط في حقوق الله تعالى كالحدود وعتق الامة وطلاق الزوجة ط.
قوله: (منازع شرعي) كأصيل أو وكيل أو وصي أو متول أو أحد الورثة، بخلاف الفضولي والمودع والمستعير فإن نزاعهما لا يعتبر.
قوله: (فقضي به ببرهانه) الباء الاولى للتعدية والثانية للسببية ط.
قوله: (بدون منازعة) متعلق بمحذوف حال، والمراد بدون حضور منازع ممن تقدم.
قوله: (فيحكم بمذهبه) يعني لو رفع هذا الحكم إلى قاض آخر يحكم بمذهبه ولا يجب عليه تنفيذ الاول لانه ليس ملزما لفقد شرطه، وإنما هو إفتاء: أي بيان الحكم الشرعي.
قوله: (أي إلى الحنفي) أي مثلا، فإن غيره إن كان يشترط ما ذكر فحكمه كذلك.
قوله: (إذا ارتاب الخ) نقله في النهر عن صاحب البحر، وقال: لم أجده لغيره.
قوله: (يعني الخ) أقول على هذا لا فرق بين قضاء العدل العالم وغيره.
فلو قيل: يعني لا يتعرض لنقضه لكان أحسن: أي لا يسأل عن الاحوال الموجبة للنقض، فلا يقال: هل قضى بالرشوة ونحو ذلك؟ بقرينة قولهم: ويحمل على السداد وأما غير العدل العالم فيسأل عن حاله.
قوله: (مر في أول البيوع الخ) ومر أنه محمول على ما إذا كان قبل متاركة الاول، وأنه ليس خاصا بالبيع بالتعاطي، بل البيع بالايجاب والقبول كذلك.
وفي الخانية شرى ثوبا شراء فاسدا ثم لقيه غدا فقال: قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم، فقال: بلى فقال: قد أخذته فهو باطل، وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد، فإن كانا تتاركا البيع الفاسد
فهو جائز اليوم إه.
أقول: ويرد عليه ما ذكره الشارح هناك في مسألة بيع قطيع غنم كل شاة بكذا إنه فاسد، وإن علم بعدد الغنم في المجلس لم ينقلب صحيحا على الاصح، ولو رضيا انعقد بالتعاطي ونظيره البيع(1/331)
بالرقم.
سراج إه.
ومثله في النهاية وغيرهما، فليتأمل.
قوله: (ثم دخل رجل) أي وحده كما أفاده قوله: إلا إذا علموا أنه ليس فيه عبرة وعليه فلو دخل معه المقر له لا تجوز شهادتهم لحصول الشبهة باحتمال أن المقر هو مدعي الحق، وأنه جعل نغمته كنغمة الآخر.
تأمل.
قوله: (باع عقارا الخ) وكذا لو وهب أو تصدق وسلم وقيد بالبيع إذ لو أجر أو رهن، أو أعاد ثم ادعى الحاضر تسمع، إذ ليس من لوازم ذلك الخروج عن الملك، وقد يرضى الشخص بالانتفاع بملكه، ولا يرضى بالخروج عن ملكه، ولانه في البيع ونحوه على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، ولم أر من نبه عليه، فليتأمل.
رملي.
أقول: ومثل البيع الوقف كما أفتى به الشهاب الشلبي، ووافقه على ذلك ثلاثة عشر عالما من أعيان الحنفية في عصره كتب أسماءهم وخطوطهم بموافقته في آخر كتاب الدعوى من فتاويه المشهورة، فراجعها.
ثم اعلم أن التقييد بالبيع إنما يظهر بالنسبة إلى القريب، أما بالنسبة إلى الاجنبي فلا، لما في جامع الفتاوى أول كتاب الدعوى عن الخلاصة: رجل تصرف في أرض زمانا ورجل آخر يرى تصرفه فيها ثم مات المتصرف ولم يدع الرجل حال حياته لا تسمع دعواه بعد وفاته إه.
وفي الحامدية عن الولوالجية: رجل تصرف زمانا في أرض رجل آخر يرى الارض والتصرف ولم يدع ومات على ذلك لم تسمع بعد ذلك دعوى ولده فتترك على يد المتصرف إه.
والظاهر أن الموت غير قيد بدليل أنهم لم يقيدوا به هنا، وبه علم أن مجرد السكوت عند الاطلاع على التصرف مانع وإن لم يسبقه بيع، وأما السكوت عند البيع فلا يمنع إلا دعوى القريب.
ثم اعلم أنه نقل العلامة ابن الغرس في الفواكه البدرية عن المبسوط: إذا ترك الدعوى ثلاثا
وثلاثين سنة ولم يكن مانع من الدعوى ثم ادعى لا تسمع دعواه، لان ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا إه.
ومثله في البحر وفي جامع الفتاوى.
وقال المتأخرون من أهل الفتوى: لا تسمه الدعوى بعد ست وثلاثين سنة، إلا أن يكون المدعي غائبا أو صبيا أو مجنونا ليس لهما ولي، أو المدعى عليه أميرا جائرا يخاف منه، وكذا في الفتاوى العتابية إه.
والظاهر أن عدم سماعها بعد هذه المدة أعم منن كونه مع الاطلاع على التصرف أو بدونه، لان عدم سماعها مع الاطلاع على التصرف أو بدونه، لان عدم سماعها مع الاطلاع على التصرف لم يقيدوه هنا بمدة، فلا منافاة بين كلامهم.
تأمل.
ثم اعلم أن عدم سماعها ليس مبنيا على بطلان الحق، حتى يرد أن هذا قول مهجور، لانه ليس ذلك حكما ببطلان الحق، وإنما هو امتناع من القضاة عن سماعها خوفا من التزوير ولدلالة الحال كما دل عليه التعليل، وإلا فقد قالوا: إن الحق لا يسقط بالتقادم كما في قضاء الاشباه، فلا تسمع الدعوى في هذه المسائل مع بقاء الحق للآخرة، ولذا لو أقر به يلزمه، كما في مسألة عدم سماع الدعوى بعد مضي خمس عشرة سمة إذا نهى السلطان عن سماعها كما تقدم قبيل باب التحكيم، فاغتنم هذا التحرير المفرد.
قوله: (حاضر) المراد من الحضور الاطلاع.
رملي.
قوله: (مثلا) أي أو الزوجة أو غيرها من(1/332)
الاقارب.
قوله: (إنه ملكه) أي كله أو بعضه مشاعا أو معينا، والذي يظهر عدم سماع الدعوى في الثمن أيضا، ويؤيده ما في التبيين وغيره من أن حضوره وتركه فيما يصنع إقراره منه بأنه ملك البائع وأن لا حق له في المبيع الخ.
رملي.
قوله: (كذا أطلقع في الكنز الخ) أي أطلقه عما قيده به الزيلعي نقلا عن فتاوى أبي الليث بأن يتصرف المشتري فين زمانا.
قال في المنح: ولم يقيده بذلك في الكنز والبزازية وكثير من المعتبرات، ومن ثم لم نقيده به، ولان التقييد به يوجب التسوية بين القريب والجار مع أن الجار يخالفه إه.
وحكى في المسألة أقوالا أخر فراجعها.
قوله: (وجعل سكونه كالافصاح) أي بأن ملك البائع، وفي فتاوى المصنف إذا ادعى عدم العلم بأنه ملكه وقت البيع يصدق.
وقال في نهج النجاة: أقول: وهذا إذا لم يكن المدعي معذورا وإلا فتسمع دعواه، فقد قالوا: يعذر الوارث والوصي والمتولي بالتناقض للجهل في موضع الخفاء إ ه.
وقال الاستروشتي: اشترى
دارا لطفله من نفسه فكبر الابن ولم يعلم ثم باعها الاب وسلمها للمشتري ثم اشتأجرها الابن منه ثم علم بما صنع الاب فادعى الدار تقبل، ولا يصير متناقضا بالاستئجار لان فيه خفاء، لان الاب يستبد بالشراء للصغير وعسى لا يعلم بعد البلوغ إه.
سائحاني.
قوله: (وكذا لو ضمن الدرك الخ) الاولى ذكره بعد الاجنبي لئلا يوهم اختصاصه بالقريب، وأوضح المسألة الزيلعي فراجعه.
قوله: (فلا يملك الخ) أي على القول بأن له الطلب وهو خلاف الصحيح.
قوله: (بخلاف الاجنبي) قال الرملي: أقول: الذي ظهر لي في الفرق أن الاطماع الفاسدة في القريب أغلب، فمظنة التلبيس فيه أرجح، ولذلك غلب في الاقرباء خصوصا في دعوى الارث لسهولة إثباته، بخلاف الاجنبي فإن طمعه في مال من هو عنه أجنبي نادر، فلا بد من مرجح يرجح جهة التزوير، وهي أن يتصرف فيه المشتري زمانا.
قوله: (إلا إذا سكت الجار) وغيره من الاجانب بالاولى فتخصيص الجار بالذكر لانه مظنة أنه في حكم القريب والزوجة.
قوله: (وقت البيع والتسليم) أي وقت علمه بهما، كما أفاده كلام الرملي السابق، وقد علمت أن البيع غير قيد، بل مجرد السكوت عند الاطلاع على التصرف مانع من الدعوى.
قوله: (زرعا وبناء) المراد به كل تصرف لا يطلق إلا للمالك فهما من قبيل التمثيل.
قوله: (لا تسمع دعواه) أي دعوى الاجنبي ولو جارا.
رملي.
قوله: (وبخلاف ما إذا باع الفضولي الخ) ذكرها لادنى مناسبة، وإلا فالكلام فيما إذا ادعى الساكت الملك وأنكر البائع والمشتري، وهنا لا إنكار.
قوله: (لا يكون سكوته رضا عندنا) في فتاوى أمين الدين عن المحيط إذا اشترى سلعة من فضولي وقبض المشتري المبيع بحضرة صاحب السلعة فسكت يكون رضا إ ه.
ومثله في البزازية عن المحيط أيضا.
فعلم بخ أن محل ما هنا ما إذا لم يقبض المشتري السلعة بحضرة صاحبها، وهو ساكت.
تأمل.(1/333)
رملي.
قوله: (آخر الفصل الخامس عشر) أي من كتاب الدعوى.
قوله: (وغيره) أي في الفصل التاسع من النكاح، وقد نقلها الزيلعي هنا عن الجامع الصغير.
قوله: (تقبل على الاصح) وبه أخذ الصدر الشهيد.
وقال الفقيه: قال بعض الناس: لا تقبل البينة ولكنا لا نأخذ به.
تاترخانية، وبه: أي بالقبول
نأخذ وهو الاصح.
عمادية.
تقبل البينة وإن لم تصح الدعوى.
خلاصة وبزازية، وصححه في كثير من الفتاوى.
وقيده في البحر بما إذا برهن أنه وقف محكوم بلزومه، وإلا فلا لان مجرد الوقف لا يزيل الملك، ومثله في فتح القدير وهو تفصيل حسن ينبغي أن يعول عليه.
أفاده المصنف.
قلت: المفتى به أن الملك يزول بمجرد قوله: وقفت.
قوله: (خلافا لما صوبه الزيلعي) حيث قال: وقيل: لا تقبل وهو أصوب وأحوط، لانه بإقامة البينة أن الضيعة وقف عليه يدعي فساد البيع وحقا لنفسه فلا تسمع للتناقض إ ه.
وظاهره أنه لو على مسجد أو نحوه تسمع إذ لا يدعي حقا لنفسه.
قوله: (فالقول للورثة) هذا عند عدم البرهان، فإن أقاموا البرهان فالبينة بينة من يدعي الهبة في الصحة.
منح.
قلت: وعلى القول الثاني فالظاهر أن البينة للورثة.
قوله: (هذا ما اعتمده في الخانية) وتصحيح قاضيخان من أجل التصاحيح، وهذا من المسائل التي رجحوا القياس فيها على الاستحسان.
سائحاني.
قوله: (بعد نقله) ضميره كضمير قال: يرجع إلى قاضيخان ط.
قوله: (إلى آخره) هو قوله: ولان الهبة حادقة والاصل في الحوادث أن تضاف إلى أقرب الاوقات إه.
قوله: (بأنه الاستحسان) الباء للسببية وهو مرتبط بقوله: جزم ط.
قوله: (واستظهره) أي كون القول للزوج.
قوله: (وجه الظاهر) مفاده أنه ظاهر الرواية.
قوله: (لم يكن لهم حق) أي وقت الهبة.
قوله: (لانه يمين من جهته) لما فيه من(1/334)
معنى اليمين وهو تعليق الطلاق بفعلها، فلا يصح الرجوع في اليمين، وهو تمليك من جهتها لان الوكيل هو الذي يعمل لغيره وهي عاملة لنفسها، فلا تكون وكيلة، بخلاف الاجنبي.
زيلعي.
ولمعنى التمليك اقتصر على المجلس كما مر في باب تفويض الطلاق.
قوله: (لان متى لعموم الاوقات) أي فلا تفيد إلا عزلا ونصبا واحدا.
قال الزيلعي: فإذا عزله انعزل عن الوكالة المنجزة وتنجزت المعلقة، فصار وكيلا جديدا، ثم بالعزل الثاني انعزل عن الوكالة الثانية.
قوله: (يقول في عزله رجعن الخ) لانه لو عزله عن المنجزة من غير رجوع لصار وكيلا مثل ما كان ولو عزله ألف مرة، لان كلمة تقتضي تكرار الافعال لا إلى نهاية،
فلا يفيد العزلا إلا بعد الرجوع حتى لو عزله، ثم رجع عن المعلقة يحتاج إلى عزل آخر، لانه كلما عزله صار وكيلا، فلا يفيد الرجوع بعد ذلك عن المعلقة في حقها لانه يحتاج إلى عزل آخر بعد الرجوع.
زيلعي.
وتمامه فيه.
قوله: (الحاصلة من لفظ كلما) هكذا في المنح أيضا، وهو سهو لان المنجزة حصلت من قوله: أنت وكيلي والمعلقة حصلت من قوله: كلما عزلتك الخ سائحاني.
قوله: (أو عن شئ آخر) أي من غير الدراهم لقول مسكين: هذا إذا كان على خلاف جنسه، لانه لو صالح على جنسه مؤجلا جاز.
قوله: (في الذمة) صفة لدراهم ودنانير وشئ آخر.
تأمل.
قوله: وإلا أي بأن كان عقارا بعقار أو عقارا بدين.
مسكين.
قوله: (لم تتعين) صفة لعين: أي تتعين بالاشارة إليها، قوله: (فجاز الافتراق عنه) أي وإن كان مال الربا، كما إذا وقع الصلح على شعير بعينه عن حنطة في الذمة.
زيلعي.
قوله: (قبل الخ) لانه لا يصح تعليق الابراء بالخطر.
قوله: (أو قال لا حجة لي) لما كانت الحجة تصدق بشهادة الواحد فيما يكتفي به ذكرها عقب البينة.
سائحاني.
أي فلا تكرار فافهم.
قوله: (بخلاف ما إذا قال ليس لي حق) أي على فلان، وإنما حذفه للعلم به من المتن، وعبارة المنح: بخلاف ما إذ قال ليس لي عليه حق الخ.
وفيها: ولو قال: هذه الدار ليست لي أو قال: ذلك العبد ثم أقام بينة أن الدار أو العبد له تقبل بينته، لانه لم يثبت بإقراره حقا لاحد فكان لغوا، ولهذا تصح دعوى الملاعن نسبو ولد نفي بلعانه نسبه، لانه حين نفاه لم يثبت فيه حقا.(1/335)
وفيها: لو قال لا أعلم لان لي حقا على فلان ثم أقام البينة أن له عليه حقا تقبل لامكان الخفاء عليه فأمكن التوفيق.
قوله: (لم تسمع للتناقض) قد يقال: إن التوفيق المذكور ممكن هنا أيضا فلماذا لم يعتبر، ويمكن التوفيق بأنه في هذه المسألة ثبتت براءة ذمة المدعى عليه بالقول الاول ثم يريد شغلها بالثاني ولا يقبل ط.
قوله: (إن يقطع) أي يعين له قطعة.
ط عن الحموي قوله: (من طريق الجادة) هو وسط الطريق ومعظمه ط.
قوله: (إن لم يضر بالمارة) بأن كان واسعا لا يضيق بذلك.
قال في المعدن: قيد به لانه لو أضر بالمارة لا يقطع إذ فيه قطع الطريق، وليس له أن يقطع الطريق وإن كان لهم
طريق أخرى، حتى لو فعل ذلك فهو آثم، وإن رفع إلى القاضي رده.
كذا في نصاب الفقهاء.
وذكر في الخانية قال: للسلطان أن يجعل ملك الرجل طريقا عند الحاجة إه ط.
قوله: (لان للامام ولاية ذلك) إذ له التصرف في حق الكافة فيما فيه نظر للمسلمين، فإذا رأى ذلك مصلحة لهم كان له أن يفعله من غير أن يحلق ضررا بأحد، ألا تر أنه إذا رأى أن يدخل بعض الطريق في المسجد أو عكسه وكان في ذلك مصلحة بالمسلمين كان له أن يفعل ذلك.
منح.
والمراد هنا بالامام الخليفة ليناسب قوله: فكذا نائبه.
قوله: (صادره السلطان) أي أراد أن يأخذ منه مالا ط.
قوله: (لانه غير مكره) فإنه إنما باعه باختياره.
غاية الامر أنه صار محتاجا إلى بيعه لايفاء ما طلب منه، وذلك لا يوجب الكره.
منح.
قوله: (كالدئن إذا حبس) بالبناء للفاعل والمفعول محذوف وهو المديون ط.
قوله: (بالضرب) الظاهر (على الخلع) أي على المخالعة معه بمال.
قوله: (لان طلاق المكره واقع) كذا علل الزيلعي وغيره، وتعقبه الشلبي بأنه إذا كان الزوج وهو الذي أكرهها لا يصح هذا التعليل إلا إذا قرئ: وإن أكرها: أي الزوج والمرأة: أي أكرههما إنسان ا ه.
أبو السعود.
أقول: أو يقرأ المكره بالكسر اسم فاعل.
قوله: (ولا يلزم المال) أي بدل الخلع، ولما كان ذلك البدل تارة يكون ما في ذمة الزوج من المهر وتارة يكون غيره، وقد عبر المصنف بما يناسب الاول وهو السقوط عبر الشارح بما يناسب الثاني جميعا بينهما.
قوله: (لما قلنا) أي من أنها مكرهة، وسقوط المال أو لزومه يشترط له الرضا.
قوله: (قالوا: وهو الحيلة) قال في المنح: ذكر هذا الفرع في الكنز وغيره، وظاهر كلامهم أن هذا هو المخلص لامرأة تريد أن ترضي زوجها بهبة المهر ظاهرا وهي لا تريد صحة ذلك ا ه.
قوله: (قلت الخ) هو للمصنف، وأقول: إنما تنفعها هذه الحيلة في الخلع لو علم الزوج أن لا مهر عليه لما في الخلاصة: خلع امرأته بمالها عليه من المهر ظنا منه أن لها عليه بقية(1/336)
المهر ثم تذكر عدمه وقع الطلاق عليها بمهرها، فيجب عليها أن ترد المهر إن قبضت: أما إذا علم أن لا مهر لها عليه بأن وهبت صح الخلع ولا تزد عليه شيئا ا ه.
وأقول أيضا: ليس في كلام الكنز وغيره ما يقتضي أن هذا الفرع حيلة لما تقدم، حتى يرد عليه
ما ذكر، وإنما هو حيلة لغيره.
ففي حيل الاشباه: قال لها إن لم تهبيني صداقك اليوم فأنت طالق، فالحيلة أن تشتري منه ثوبا ملفوفا بمهرها ثم ترده بعد اليوم فيبقى المهر ولا حنث ا ه.
وفي مداينات الاشباه عن القنية وله: أي لعدم صحة الهبة ثلاث حيل: أحدها: شراء شئ ملفوف من زوجها بالمهر قبل الهبة.
والثانية: صلح إنسان معها عن المهر بشئ ملفوف قبل الهبة.
والثالثة: هبة المرأة المهر لابن الصغير لها قبل الهبة، وفي الاخير نظر ا ه.
فليكن ما هنا حيلة أخرى لذلك.
تأمل.
وإنما لم يحنث فيما ذكر لعدم إمكان البر في اليوم، وإنما قيد بالملفوف ليثبت الرد بخيار الرؤية بعد مضي اليوم.
قوله: (برفعه إلى من لا يشترط قبوله) أي إلى قاض لا يرى أن قبول المحال عليه شرط لتمام الحوالة كقاضي مالكي.
قوله: (لم يجبر) قال في جامع الفصولين: والحاصل أن القياس في جنس هذه المسائل من تصرف في خالص ملكه لا يمنع منه وإن أضر بغيره، لكن ترك القياس في محل يضر بغيره ضررا بينا فقيل بالمنع، وبه أخذ كثير من مشايخنا، وعليه الفتوى ا ه.
قوله: (ومفاده الخ) فيه تأمل.
قوله: (لعدم تعديه الخ) أقول: الانسب في التعبير أن يقال: لانه متسبب غير متعد إذ حفره في ملكه: أي لان المتسبب لا يضمن إلا إذا تعدى كوضع الحجر في الطريق.
قوله: (ضمن) لانه جعل مباشرا.
وفي جامع الفصولين تفصيل حيث قال: فلو أجرى الماء في أرضه إجراء لا يستقر فيها ضمن، ولو يستقر فيها ثم يتعدى إلى أرض جاره: فلو تقدم إليه جاره بالسكر والاحكام ولم يفعل ضمن كالاشهاد على الحائط المائل، وإلا لم يضمن ا ه.
قال الرملي في حشيته عليه: أقول: يعلم منه جواب حادث الفتوى: اتخذ في داره بالوعة أوهنت بناء جاره لسريان الماء إلى رأسه فتقدم إليه بأحكام البناء حتى لا يسري الماء.
تأمل.
ا ه.
وبه يقيد إطلاق قول المصنف: لم يضمن ولا سيما على ما قدمناه من القول المفتى به.
قوله: (عمر دار زوجته الخ) على هذا التفصيل عمارة كرمها وسائر أملاكها.
جامع الفصولين.
وفيه عن العدة: كل من بنى في دار غيره بأمره فالبناء لآمره، ولو لنفسه بلا أمره فهو له، وله رفعه إلا أن يضر بالبناء، فيمنع ولو بنى لرب الارض بلا أمره ينبغي أن يكون مبترعا كما مر ا ه.
وفيه بنى المتولي في عرصة الوقف أن من مال الوقف فللوقف، وكذا لو من مال نفسه لكن للوقف، ولو لنفسه من ماله: فإن إشهد فله،
وإلا فللوقف، بخلاف أجنبي بنى في ملك غيره.
قوله: (والنفقة دين عليها) لانه غير متطوع في الانفاق فيرجع عليها لصحة أمرها، فصار كالمأمور بقضاء الدين.
زيلعي.
وظاهره: وإن لم يشترط(1/337)
الرجوع.
وفي المسألة اختلاف، وتمامه في حاشية الرملي على جامع الفصولين.
قوله: (فالعمارة له) هذا لو الآلة كلها له، فلو بعضها له وبعضها لها فهي بينهما.
ط عن المقدسي.
قوله: (بلا إذنها) فلو بإذنها تكون عارية ط.
قوله: (فيؤمر بالتفريغ) ظاهره: ولو كانت قيمة البناء أكثر من قيمة الارض.
وبه أفتى المولى أبو السعود مفتي الروم، وهو خلاف ما مشى عليه الشارح في كتاب الغصب من أنه يضمن صاحب الاكثر قيمة الاقل: وقأمنا الكلام عليه هناك فراجعه.
قوله: (بطلبها) الاوضح قول الزيلعي: إن طلبت.
قوله: (ولها) معطوف على نفسه: أي ولو عمر لها الخ.
قوله: (كما أفاده شيخنا) أي الرملي في حاشية المنح.
وقال بعده: لكن ذكر في الفوائد الزينية من كتاب الغصب: إذا تصرف في ملك غيره ثم ادعى أنه كان بإذنه فالقول للمالك، إلا إذا تصرف في مال امرأته فماتت وادعى أنه كان بإذنها وأنكر الوارث فالقول للزوج.
كذا في القنية ا ه.
فمقتضاه أنه إذا عمر دار زوجته لها فماتت وادعى أنه كان بإذنها ليرجع في تركتها بما أنفق وأنكر بقية الورثة إذنها أن القول قوله، ووجهه شهادة العرف الظاهر له.
تأمل ا ه.
قوله: (وتقدم في الغصب) لم أره فيه، وإنما قدم فيه ما ذكرناه عن الفوائد الزينية آنفا.
قوله: (فله أن يتزوجها) والعذر له في رجوعه عن ذلك أنه مما يخفى عليه فقد يظهر له بعد إقراره خطأ الناقل، وهذه من المسائل التي اغتفروا فيها التناقض.
أفاده في المنح.
قوله: (وهل يكون الخ) هذه المسألة وقعت في زمن شيخ الاسلام ابن الشحنة، فأفتى.
بأنه لا يكون ثباتا، وخالفه بعض معاصريه، ووقع نزاع طويل وعقد لها مجالس بأمر السلطان قايتباي، وآل الامر إلى أن عرضت النقول على شيخ الاسلام القاضي زكريا من نحو أربعين كتابا.
فأجاب: بأن صريح هذه النقول ومنطوقها أن الثبات لا يحصل إلا بقوله هو أحق أو نحوه، وليس في صريحها أن التكرار كذلك.
نعم يؤخذ من قول المبسوط، ولكن الثابت على الاقرار كالمحدد
له بعد العقد أنه إذا أقر بذلك قبل العقد ثم أقر به بعده يقوم مقام قوله هو حق ونحوه، وقدمت الكلام على ذلك مبسوطا في كتاب الرضاع فراجعه.
قوله: (خلاف مبسوط في المبسوط) الخ قد علمت أنه ليس في المبسوط بيان الخلاف، وأن المفهوم منه أن التكرار يثبت به الاصرار، فقول الشارح (لا يثبت) صوابه حذف لا ولو قال: صريح النقول أن التكرار لا يثبت به الاصرار لكان أحسن.
قوله: (لانه تسبب) أي النزع، وقد دخل بينه وبين ضياع حقه فعل فاعل مختار، وهو هروبه فلا(1/338)
يضاف إليه التلف، كما إذ حل قيد العبد فأبق.
زيلعي.
قوله: (أو أضربك خمسين) أي فأكثر، فلو قال له: أحبسك شهرا أو أضربك ضربا فهو ضامن، لان دفع المال للغير لا يجوز إلا لخوف التلف، لكن تقدم في الاكراه أن أمر السلطان إكراه.
تأمل.
قوله: (فدفعه) أما إذا دفع من مال نفسه فلا رجوع له كما تقدم ما يفيده ط.
قوله: (لانه مكره) قال العلامة المقدسي: فلو ادعى ذلك: أي الاخذ منه كرها، هل يكتفي منه باليمين أم لا بد من برهان يحتاج إلى بيان؟ حموي.
أقول: مقتضى كونه أمينا أنه يصدق باليمين كما لو ادعى الهلاك.
تأمل.
قوله: (الاجازة تحلق الافعال) هذا هو الصحيح، وتقدم الكلام عليه أوائل كتاب الغصب.
قوله: (فأجاز المالك غصبه) الذي في العمادية وغيرها، غصب شيئا وقبضه فأجاز المالك قبضه الخ، وهو أنسب من قوله (غصبه) قوله: (لا يبرأ عن الضمان ما لم يحفظ) مفهومه أنه لو لم ينتفع به يبرأ بمجرد الامر، ولعل المراد أنه إذا انتفع به ودام على الانتفاع كما لو غصب ثوبا فلبسه، فإذا أمره بالحفظ لا يبرأ حتى ينزعه ويحفظه، أما لو نزعه قبل الامر وحفظه فأمره بالحفظ فالظاهر أنه يبرأ، لانصه بدوامه على الانتفاع بعد الامر متعد، بخلاف ما لو نزعه قبله، هذا ما ظهر لي، وأفاد ط نحوه.
قوله: (وضع منجلا) بكسر الميم ما يحصد به الزرع.
مغرب.
قوله: (قيد اتفاقي الخ) مشى عليه المصنف في المنح أيضا والعيني تبعا للزيلعي.
ومقتضى ما قدمه الشارح في الذبائح أنه للاحتراز حيث قال: وتشترط التسمية حال الذبح أو الرمي لصيد أو الارسال أو حال وضع الحديد لحمار الوحش إذا لم يقعد عن طلبه ا ه.
وانظر ما كتبناه هناك وفي كتاب الصيد.
قوله: (كره تحريما) لما روى الاوزاعي عن واصل بن أبي
جميلة عن مجاهد قال: كره رسول الله صلى الله عليه وآله من الشاة الذكر والانثيين والقبل والغدة والمرارة والمثانة والدم قال أبو حنيفة: الدم حرام وأكره الستة، وذلك لقوله عزوجل: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * الآية، فلما تناوله النص قطع بتحريمه وكره ما سواه، لانه مما تستخبثه الانفس وتكرهه، وهذا المعنى سبب الكراهية لقوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * زيلعي.
وقال في البدائع آخر كتاب الذبائح: وما روعن مجاهد فالمراد منه كراهة التحريم بدليل أنه جمع بين الستة وبين الدم في الكراهة والدم المسفوح محرم، والمروي عن أبي حنيفة أنه قال: الدم حرام وأكره الستة، فأطلق الحرام على الدم، وسمي ما سواه مكروها لان الحرام المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به وهو المفسر من الكتاب، قال الله تعالى: * (أو دما مسفوحا) * (الانعام: 541) وانعقد الاجماع على حرمته، وأما حرمة ما سواه من الستة فما ثبت بدليل مقطوع به، بل بالاجتهاد أو بظاهر الكتاب(1/339)
المحتمل للتأويل أو الحديث، فلذا فصل فسمى الدم حراما وذا مكروها ا ه.
أقول: وظاهر إطلا المتون هو الكراهة.
قوله: (وقيل تنزيها) قائله صاحب القنية، فإنه ذكر أن الذكر أو الغدة لو طبخ في المرقة لا تكره المرقة، وكراهة هذه الاشياء كراهة تنزيه لا تحريم ا ه.
واختار في الوهبانية ما في القنية وقال: إن فيه فائدتين إحداهما أن الكراهة تنزيهية، والاخرى أنه لا يكره أكل المرقة واللحم ا ه.
نقله عنه ابن الشحنة في شرحه وأقره، قوله: (والاول أوجه) لما قدمناه من استدلال الامام بالآية، وأيضا فكلام صاحب القنية لا يعارض ظاهر المتون وكلام البدائع.
قوله: (من الشاة) ذكر الشاة اتفاقي، لان الحكم لا يختلف في غيرها من المأكولات ط.
قوله: (الحياء) هو الفرج من ذوات الخف والظلف والسباع، وقد يقصر.
قاموس.
قوله: (والغدة) بضم الغين المعجمة: كل عقدة في الجسد أطاف بها شحم، وكل قطعة صلبة بين العصب ولا تكون في البطن كما في القاموس.
قوله: (والدم المسفوح) أما الباقي في العروق بعد الذبح فإنه لا يكره.
قوله: (في بيت) وقبله آخر ذكره في المنح وهو: ويكره أجزاء من الشاة سبعة فخذها فق أوضحتها لك بالعدد
قوله: (فقل ذكر الخ) كذا في النسخ، وعليه فالمعدود ستة، والظاهر أن أصل البيت حيا ذكر الخ.
قوله: (وقال غيره) أي بطريق الرمز، ومثله قولي: إن الذي من المذكاة رمي بجمعه حروف فخذ مدغم قوله: (إذ ما ذكيت) بالبناء للمجهول والتاء علامة التأنيث.
قوله: (واللقطعة) قيده بعضهم بغير لقطعة الذمي فليس للقاضي إقراضها لقولهم لا يجوز التصدق بها بل يضعها في بيت المال، لان الاقراض قربة والذمي ليس من أهل القرب ا ه.
وأطلق في إقراضه اللقطة فشمل إقراضها من الملتقط وغيره، وقول البحر من الملتقط: الظاهر أنه غير قيد.
تأمل.
قوله: (بشروط تقدمت في القضاء) حيث قال من ملئ مؤتمن حيث لا وصي، ولا من يقبله مضاربة ولا مستغلا يشتريه ا ه.
وقوله: حيث لا وصي، ذكره صاحب البحر بحثا، وفيه كلام يعلم من محله.
قوله: (بخلاف الاب الخ) فإن أقرضوا ضمنوا لعجزهم عن التحصيل، بخلاف القاضي، ويستثنى إقراضهم للضرورة كحرق ونهب، فيجوز اتفاقا.
بحر كذا ذكره الشارح في القضاء.
وما ذكره المصنف من أن الاب كالوصي لا كالقاضي هو أحد قولين مصححين، وعليه المتون، فكان المعتمد كما أفاده في البحر.
قوله: (إلا إذا أنشدها الخ) ذكره الزيلعي بصيغة ينبغي، فالظاهر أنه بحث منه، لكنه يوهم أنه لا يضمن إذا لم يجز صاحبها كالقاضي،(1/340)
مع أنه لا يمكن إلحاق الاقراض بالتصدق إلا إذا قلنا بالضمان.
قوله: (فإقراضه أولى) أي إقرضه من فقير.
زيلعي.
قوله: (وظاهر توجيهه الخ) عبارة المنح: وظاهر التوجيه المفهوم من كلام الامام قاضيخان أن المراد بالمشركين في الشرط المذكور الجميع، فلذا قال في تعليله: لان من المشركين من لا يعذب، فيمكن أن يراد بهذا البعض من يصدق عليه المشرك في الجملة الخ، فتنبه.
قوله: (بهذا البعض) أي الذي دلت عليه من التبعيضة.
قوله: (فإنهم مشركون شرعا) أي بطريق التبعية.
منح.
فالمعنى أنهم يعاملون شرعا معاملة آبائهم، أما حكمهم في الآخرة ففيه أقوال عشرة: أحدها أنهم خدم أهل الجنة، والمشهور عن الامام التوقف.
قوله: (لم تصدق الموجبة الكلية) أي فلا يحنث، لانه علق الطلاق على كون المشركين جميعا معذبين، ولم يتحقق.
منح.
أي حملا لال على الاستغراق.
قوله:
(وهل قائل) أي هل يوجد قائل، والجملة بعد مقول القول، وكافر فاعل يدخل.
قوله: (ففي البيت سؤالان) وهما عدم دخول النار كافر ودخول المؤمنين النار.
قوله: (ولا يقبل تأويل قائله) مقتضاه أنه يحكم عليه بالكفر، وفيه نظر لما تقرر أنه لو كان وجوه توجب الكفر ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي الميل لما يمنع، وسيما عند وجود القرينة، فإرادة الالغاز والتعمية كقوله عليه الصلاة والسلام لامرأة مازحا: إن الجنة لا يدخلها عجوز.
قوله: (قلت هذا) أي ما في الشطر الثاني.
قوله: (فكيف الاول) أي ما في المتن المساوي لما في الشطر الاول.
قوله: (ثم رأيت شيخنا قال) أي معترضا على المصنف في حاشية المنح حيث نقل كلام ابن الشحنة، فالضمير في نقله لكلام ابن الشحنة، وفي قضى ونفسه للمصنف فافهم، لكن كان ينبغي للشارح أن يصرح بأن المصنف نقل كلام ابن الشحنة حتى يتعين مرجع الضمائر.
قوله: (آلمه) بمد الهمزة فعل ماض من الايلام، والجملة صفة لتشديد.
قوله: (وقال أهل النظر) أي المعرفة.
منح.
قوله: (وحكما) الحكمي بقطع لاكثر ولم يوجد ط.
قوله:(1/341)
(حاربهم الامام) كما لو تركوا الاذان.
منح.
قوله: (ووقته) أي ابتداء وقته، مسكين.
أو وقته المستحب كما نقل عن شرح باكير على الكنز.
قوله: (غير معلوم) أي غير مقدر بمدة، وقد عدل الشارح عما جزم به المصنف كالكنز، ليكون المتن جاريا على قول الامام كعادة المتون.
قوله: (وقيل: سبع) لانه يؤمر بالصلاة إذا بلغها فيؤمر بالختان، حتى يكون أبلغ من التنظيف.
قاله في الكافي.
زاد في خزانة الاكمل: وإن كان أصغر منه فحسن، وإن كان فوق ذلك قليلا فلا بأس به.
وقيل: لا يختن حتى يبلغ، لانه للطهارة ولا تجب عليه قبله ط.
قوله: (وقيل: عشر) لزيادة أمره بالصلاة إذا بلغها.
قوله: (وهو الاشبه) أي بالفقه.
زيلعي.
وهذه من صيغ التصحيح.
قوله: (وقال أبو حنيفة الخ) الظاهر أنه لا يخالف ما قبله بناء على قاعدة الامام من عدم التقدير فيما لم يرد به نص من المقدرات وتفويضها إلى الرأي.
تأمل.
ونقله عن الامام تأييدا لما اختاره أولا فلا تكرار، فافهم.
قوله: (عنهما) أي عن الصاحبين.
قوله: (وختان المرأة) الصواب خفاض لانه لا يقال في حق المرأة ختان وإنما يقال: خفاض.
حموي.
قوله: (بل مكرمة للرجال) لانه ألذ في الجماع.
زيلعي.
قوله: (وقيل: سنة)
جزم به البزازي معللا بأنه نص على أن الخنثى تختن، ولو كان ختانعا مكرمة لم تختن الخنثى، لاحتمال أن تكون امرأة، ولكن لا كالسنة في حق الرجال ا ه.
أقول: ختان الخنثى لاحتمال كونه رجلا، وختان الرجل لا يترك فلذا كان سنة احتياطا، ولا يفيد ذلك سنيته للمرأة.
تأمل.
وفي كتاب الطهارة من السراج الوهاج: اعلم أن الختان سنة عندنا للرجال والنساء.
وقال الشافعي: واجب.
وقال بعضهم: سنة للرجال مستحب للنساء لقوله عليه الصلاة والسلام: ختان الرجال سنة، وختان النساء مكرمة.
لو كان للصبي ذكران: ح فإن كانا عاملين ختنا، ولو أحدهما فقط ختن خاصة.
ويعرف العامل بالبول والانتشار.
والخنثى المشكل يختن من الفرجين ليقع اليقين.
وأجرة ختان الصبي على أبيه إن لم يكن له مال والعبد على سيده، ومن بلغ غير مختون أجبره الحاكم عليه، فإن مات فهو هدر لموته من فعل مأذون فيه شرعا ا ه.
ملخصا.
قوله: (وفي الرسل الخ) صريح في أن ساما وحنظلة مرسلان ط.
قوله: (شيث إدريس) بلا تنوين كسام وهود.
تتمة: قيل: السبب في الختان أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ابتلي بالترويع بذبح ولده أحب(1/342)
أن يجعل لكل واحد ترويعا بقطع عضو وإراقة دم، وابتلي بالصبر على إسلام الآباء أبناءهم تأسيا به عليه الصلاة والسلام، وقد اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة أو مائة وعشرين، والاول أصح.
وجمع باين الاول من حين النبوة، والثاني من حين الولادة، واختتن بالقدوم.
اسم موضع، وقيل: آلة النجار.
وقد اختلف الرواة والحفاظ في ولادة نبينا صلى الله عليه وآله مختونا، ولم يصح فيه شئ، وأطال الذهبي في رد قول الحاكم أنه تواترت به الرواية، وقد ثبت عندهم ضعف الحديث به.
وقال بعض المحققين من الحفاظ: الاشبه بالصواب أنه لم يولد مختونا.
قوله: (وبط قرحته) أي شقها من باب قتل.
قوله: (وغيره) أي غير المذكور من الكي والبط.
قوله: (وهرة تضر) كما إذا كانت تأكل الحمام والدجاج.
زيلعي.
قوله: (ويذبحها) الظاهر أن الكلب مثلها.
تأمل.
قوله: (يكره إحراق جراد) أي تحريما، ومثل القمل البرغوث، ومثل العقرب الحية ط.
قوله: (وإلقاء القملة ليس بأدب) لانها تؤذي
غيره ويورث النسيان، وفيه تعذيب لها بجوعها ط.
أما الرغوث فيعيش في التراب.
قوله: (وجازت المسابقة) أي بشرط أن تكون الغاية مما يحتملها الفرس، وأن يكون في كل واحد من الفرسين احتمال السبق، أما إذا علم أن أحدهما يسبق لا محالة فلا يجوز، لانه إنما جاز للحاجة إلى الرياضة على خلاف القياس، وليس في هذا إلا إيجاب المال للعير على نفسه بشرط لا منفعة فيه فلا يجوز ا ه.
زيلعي.
قوله: (والرمي) أي بالسهام.
قوله: (ليرتاض للجهاد) أفاد أنه مندوب كما صرح به في الحظر، وأنه للتهلي مكروه، وأما حديث: لا تحضر الملائكة شيئا من الملاهي سوى النضال أي الرمي والمسابقة، فالظاهر أن تسميته لهوا للمشابهة الصورية.
تأمل.
قوله: (وحرم شرط الجعل من الجانبين) بأن يقول إن سبق فرسك فلك علي كذا وإن سبق فرسي فلي عليك كذا.
زيلعي.
قوله: (إلا إذا أدخل محللا) المناسب أدخلا وصورته أن يقولا لثالث: إن سبقتنا فالمالان لك، وإن سبقناك فلا شئ لنا عليك، ولكن الشرط الذي شرطاه بينهما وهو أيهما سبق كان له الجعل على صاحبه باق على حاله، فإن غلبهما أخذ المالين، وإن غلباه فلا شئ لهما عليه، ويأخذ أيهما غلب المال المشروط له من صاحبه زيلعي.
قوله: (بشرطه) وهو أن يكون فرس المحلل كفؤا لفرسيهما يجوز أن يسبق أو يسبق.
قوله: (ولا يجوز الخ) قاله الزيلعي، ومثله في الخانية والذخيرة وغيرهما، لكن جزم الشارح في كتاب الحظر والاباحة بأن البغل والحمار كالفرس، وعزاه إلى الملتقى والمجمع.
قلت: ومثله في المختار والمواهب وغيرهما أقره المصنف هناك خلافا لما ذكره هنا وتقدم تمام الكلام عليه في كتاب الحظر فراجعه.
قوله: (وتمامه في الزيلعي).
حيث ذكر أنه لو قال واحد من الناس لجماعة من الفرسان أو لاثنين من سبق فله كذا(1/343)
من مال نفسه، أو قال للرماه من أصاب الهدف فله كذا جاز، لانه من باب التنفيل، فإذا كان التنفيل من بيت المال كالسلب ونحوه يجوز، فما ظنك بخالص ماله؟ وعلى هذا الفقهاء إذا تنازعوا في المسائل، وشرط للمصيب منهم جعل جاز إذا لم يكن من الجانبين على ما ذكرنا في الخيل، إذ التعلم في البابين يرجع إلى تقوية الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، والمراد بالجواز المذكور في باب المسابقة الحل دون الاستحقاق، حتى لو امتنع المغلوب من الدفع لا يجبره القاضي ولا يقضي عليه به ا ه.
قوله: (ولا
يصلى على غير الانبياء الخ) لان في الصلاة من التعظيم ما ليس في غيرها من الدعوات، وهي زيادة الرحمة والقرب من الله تعالى، ولا يليق ذلك بمن يتصور منه خطابا والذنوب إلا تبعا بأن يقول: اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم، لان فيه تعظيم النبي صلى اله عليه وآله.
زيلعي.
واختلف هل تكره تحريما أو تنزيها أو خلاف الاولى؟ وصحح النووي في الاذكار الثاني، لكن خطبة شرح الاشباه للبيري: من صلى على غيرهم أثم وكره، وهو الصحيح.
وفي المستصفى: وحديث: صلى الله على آل أبي أوفى الصلاة حقه، فلع أن يصلي على غيره ابتداء، أما الغير فلا ا ه.
وأما السلام فنقل اللقاني في شرح جوهرة التوحيد عن الامام الجويني أنه في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الانبياء، فلا يقال: علي عليه السلام، وسواء في هذا الاحياء والاموات، إلا في الحاضر فيقال: السلام أو سلام عليك أو عليكم، وهذا مجمع عليه ا ه.
أقول: ومن الحاضر السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والظاهر أن العلة في منع السلام ما قال النووي في علة منع الصلاة أن ذلك شعار أهل البدع، ولان ذلك مخصوص على لسان السلف بالانبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أن قولنا عزوجل مخصوص بالله تعالى، فلا يقال: محمد عزوجل وإن كان عزيزا جليلا، ثم قال اللقاني: وقال القاضي عياض: الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبي صلى الله عليه وآله وسائر الانبياء بالصلاة والتسليم، كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه، ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال الله تعالى: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * (المائدة: 9) * (يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان) * (الحشر: 10) وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الاول، وإنما حدثه الرافضة في بعض الائمة، والتشبه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم ا ه.
أقول: وكراهة التشبه بأهل البدع مقرر عندنا أيضا، لكن لا مطلقا، بل في المذموم وفيما قصد به التشبه بهم كما قدمه الشارح في مفسدات الصلاة.
قوله: (قولان) قال بعضهم: لا يجوز لانه ليس فيه ما يدل على التعظيم مثل الصلاة، ولهذا يجوز أن يدعي به لغير الانبياء والملائكة عليهم السلام، وهو مرحوم قطعا، فيكون تحصيل الحاصل وقد استغنينا عن هذه بالصلاة فلا حاجة إليها.
وقال
بعضهم: يجوز لان النبي صلى الله عليه وآله كان من أشوق العباد إلى مزيد رحمة الله تعالى، ومعناها معنى الصلاة فلم يوجد ما يمنع من ذلك.
زيلعي.
والصحيح الجواز كما ذكره الزيلعي في كتاب الصلاة، وقال في البحر: وروي عن بعض المشايخ أنه قال: ولا يقول: ارحم محمدا، وأكثر المشايخ على أنه يقوله للتوارث، وقال السرخسي: لا بأس به لان الاثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عباس، ولان أحدا(1/344)
وإن جل قدره لا يستغني عن رحمة الله تعالى ا ه.
قوله: (وجوزه السيوطي تبعا لا استقلالا) أي مضموما إلى الصلاة والسلام لا وحده، فيجوز اللهم صل على محمد وارحم محمدا، ولا يجوز ارحم محمدا بدون الصلاة.
قوله: (فليكن التوفيق) أي يحمل القول بالجواز على التبعية والقول بعدمه على الابتداء، ويخالفه ما في البحر حيث قال: ومحل الخلاف في الجواز وعدمه إنما هو فيما يقال مضموما إلى الصلاة والسلام، كما أفاده شيخ الاسلام ابن حجر، فلذا اتفقوا على أنه لا يقال ابتداء رحمة الله ا ه ط: وينبغي أن لا يجوز غفر الله له وسمحه لما فيه من إيهام نقص ا ه.
أقول: وكذا عفا عنه وإن وقع في القرآن، لان الله تعالى له أن يخاطب عبده بما أراد، كما لا يليق أن تخاطب الرعية الامراء بما تخاطبهم به الملوك، ولم أرى من تعرض للترحم على الملائكة، فليراجع.
قوله: (ويستحب الترضي للصحابة) لانهم كانوا يبالغون في طلب الرضا من الله تعالى ويجتهدون في فعل ما يرضيه، ويرضون بما يلحقهم من الابتلاء من جهته أشد الرضا، فهؤلاء أحق بالرضا وغيرهم لا يلحق أدناهم ولو أنفق مل ء الارض ذهبا.
زيلعي.
قوله: (وكذا من اختلف في نبوته) قال الننوي: والذي أراه أن هذا: أي الدعاء بالصلاة لا بأس به، وإن الارجح أن يقال: رضي الله عنه لانه مرتبة غير الانبياء، ولم يثبت كونهما نبيين ا ه.
وظاهر قول المتن: ولا يصلى على غير الانبياء والملائكة.
وكذا كلام القاضي عياض السابق أنه لا يدعي له بالصلاة، لكن ينبغي عدم الاثم به لشبهة الاختلاف.
قوله: (وقيل يقال الخ) أي لتكون الصلاة عليه تبعا فيكون مما لا خلاف فيه، وهو وجيه كما لا يخفى على النبيه.
قوله: (والعباد) بالضم جمع عابد.
قوله: (وقال الزيلعي الخ) لا يخالف ما قبله إلا في قوله: ولمن بعدهم بالمغفرة والتجاوز.
تتمة: يكره الجدل في أن لقمان وذا القرنين وذا الكفل أنبياء أم لا، وينبغي أن لا يسأل الانسان ع ما لا حاجة إليه كأن يقول: كيف هبط جبريل وعلى أي صورة رآه النبي صلى الله علايه وآله، حين رآه على صورة البشر هل بقي ملكا أم لا؟ وأين الجنة والنار ومتى الساعة ونزول عيسى؟ وإسماعيل أفضل أم إسحاق وأيهما الذبيح؟ وفاطمة أفضل من عائشة أم لا؟ وأبوا النبي كانا على أي دين؟ وما دين أبي طالب؟ ومن المهدي؟ إلى غير ذلك مما لا تجب معرفته، ولم يرد التكليف به، ويجب ذكره صلى الله عليه وآله بأسماء معظمه، فلا يجوز أن يقال إنه فقير غريب مسكين فريد طوبل، ويجب تعظيم العرب خصوصا أهل الحرمين خصوصا أولاد المهاجرين والانصار خصوصا أولاد الخلفاء الاربعة، مقدسي عن خزانة الاكمل.
قوله: (والاعطاء باسم النيروز والمهرجان) بأن يقال هدية هذا اليوم، ومثل القول النية فيما يظهر ط.(1/345)
والنيروز: أول الربيع، والمهرجان: أول الخريف، وهما يومان يعظمهما بعض الكفرة ويتهادون فيهما.
قوله: (ثم أهدى لمشرك الخ) قال في جامع الفصولين: وهذا بخلاف ما لو اتخذ مجوسي دعوة لحلق رأس ولده فحضر مسلم دعوته فأهدى إليه شيئا لا يكفر، وحكى أن واحدا من مجوسي سربل كان كثير المال حسن التعهد بالمسلمين، فاتخذ دعوة لحلق رأس ولده، فشهد دعوته كثير من المسلمين، وأهدى بعضهم إليه، فشق ذلك على مفتيهم، فكتب إلى أستاذه علي السعدي أن أدرك أهل بلدك فقد ارتدوا وشهدوا شعار المجوسي، وقص عليه القصة: فكتب إليه: إن إجابة دعوة أهل الذمة مطلقة في الشرع، ومجازاة الاحسان من المروءة، وحلق الرأس ليس من شعار أهل الضلالة، والحكم بردة المسلم بهذا القدر لا يمكن، والاولى للمسلمين أن لا يوافقوهم على مثل هذه الاحوال لاظهار الفرح والسرور ا ه.
قوله: (والتنعيم) عبارة الزيلعي: والتنعم بتشديد العين.
قوله: (ولا بأس) من البؤس: أي لا شدة عليه من جهة الشرع، أو من البأس وهو الجراءة: أي لا جراءة في مباشرته لانه أمر مشروع، وفي هذا دلالة على أن فاعله لا يؤجر ولا يأثم به.
حموي عن المفتاح ا ه ط.
أقول: والغالب استعماله فيما تركه أولى.
قوله: (القلانس) جمع قلنسوة بفتح القاف: ذات الآذان تحت العمامة.
ط.
قوله: (غير حرير الخ) رد على مسكين حيث قال: لفظ الجمع يشمل قلنسوة
الحرير والذهب والفضة والكرباس والسوداء والحمراء.
قوله: (وصح أنه عليه الصلاة والسلام لبسها) كذا في بعض النسخ، ومثله في الدر المنتقى: أي لبس القلانس، وقد عزاه المصنف والزيلعي إلى الذخيرة، وفي بعض النسخ: وصح أنه حرم لبسها: أي قرنس الحرير والذهب.
تأمل.
قوله: (وندب لبس السواد) لان محمدا ذكر في السير الكبير في باب الغنائم حديثا يدل على أن لبس السواد مستحب، وأن من أراد أن يجدد اللف لعمامته ينبغي له أن ينقضها كورا كورا، فإن ذلك أحسن من رفعها عن الرأس وإلقائها في الارض دفعة واحدة، وأن المستحب إرسال ذنب العمامة بين الكتفين.
وتمامه في الزيلعي.
قوله: (وقال: إياكم والاحمر) الذي في الزيلعي: إياكم والحمرة فإنها زي الشيطان.
قوله: (ويستحب التجمل الخ) قال عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى إذا أنعم على عبده أحب أن يرى أثر نعمته عليه وأبو حنيفة كان يتردى برداء قيمته أربعمائة دينار، وكان يأمر أصحابه بذلك ويقول: فإن الناس ينظرون إليكم بعين الرحمة.
ومحمد كان يلبس الثياب النفيسة ويقول: إن لي نساء وجواري(1/346)
فأزين نفسي كيلا ينظرن إلى غيري، قيل للشيخ: أليس عمر رضي الله عنه كان يلبس قميصا عليه كذا رقعة؟ فقال: فعل ذلك لحكمة هي أنه كان أمير المؤمنين، وعماله يقتدون، وربما لا يكون لهم مال فيأخذون من المسلمين: ذخيرة ملخصا.
قوله: (قيمته ألف دينار) تبع المصنف، والذي في الزيلعي: ألف درهم.
قوله: (وللشاب العالم أن يتقدم الخ) لانه أفضل منه ولهذا يقدم في الصلاة، وهي أحد أركان الاسلام، وهي تالية الايمان.
زيلعي.
وصرح الرملي في فتاواة بحرمة تقدم الجاهل على العالم، حيثخ أشعر بنزل درجته عند العامة لمخالفته لقوله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * إلى أن قال: وهذا مجمع عليه، فالمتقدم ارتكب معصية فيعزر.
قوله: (فمن يضعه) أي يضع العالم.
قوله: (وهم أولوا الامر على الاصح) أي من الاقوال في تفسير قوله: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * كما ذكره الزيلعي.
وفي المنح عن البزازية: وقال الزندويستي: حق العالم على الجاهل وحق الاستاذ على التلميذ واحد على السواء وهو أن لا يفتح الكلام قبله، ولا يجلس مكانه وإن غاب، ولا يرد عليه كلامه،
ولا يتقدم عليه في مشيه، وحق الزوج على الزوجة أكثر من هذا، وهو أن تطيعه في كل مباح، وعن خلف أنه وقعت زلزلة فأمر الطلبة بالدعاء، فقيل له فيه، فقال: خيرهم خير من خير غيرهم، وشرهم خير من شر غيرهم.
قوله: (جاز في الاصح) وهو مروي عن أبي يوسف، فقد قال: يعجبني أن تتزين لي امرأتي كما يعجبها أن أتزين لها.
والاصح أنه لا بأس به في الحرب وغيره.
واختلفت الرواية في أن النبي صلى الله عليه وآله فعله في عمره، والاصح لا.
وفصل في المحيط بين الخضاب بالسواد، قال عامة المشايخ: أنه مكروه، وبعضهم جوزه مروي عن أبي يوسف، أما بالجمرة فهو سنة الرجال وسيما المسلمين ا ه.
منح ملخصا.
وفي شرح المشارق للاكمل: والمختار أنه صلى الله عليه وآله خضب في وقت، وتركه في معظم الاوقات.
ومذهبنا أن الصبغ بالحناء والوسمة حسن كما في الخانية.
قال النووي: ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة، وتحريم خضابه بالسواد على الاصح لقول عليه الصلاة والسلام: غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد.
ا ه.
قال الحموي: وهذا في حق غير الغزاة، ولا يحرم في حقهم للارهاب، ولعله محمل من فعل ذلك من الصحابة ط.
قوله: (كما يجوز أن يأكل متكئا في الصحيح) قدمنا في الحظر أنه لا بأس به في المختار: أي فتركه أولى، وهذا إذا لم يكن عن تكبر وإلا فيحرم.
قوله: (لما روى الخ) الذي في صحيح البخاري وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا آكل متكئا قال ابن حجر في شرح الشمائل عن النسائي قال: ما رئي النبي صلى الله عليه وآله يأكل متكئا قط.
لكن أخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد، أنه أكل متكئا مرة، فإن صح فهو زيادة(1/347)
مقبولة، ويؤيدها ما أخرجه عن ابن شاهين عن عشاء بن يسار: أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وآله يأكل متكئا فنهاه.
وفسر الاكثرون الاتكاء بالميل على أحد الجانبين لانه يضر بالآكل، وورد بسند ضعيف: زجر النبي صلى الله عليه وآله أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل، قال مالك رحمه الله: وهو نوع من الاتكاء، وفيه إشارة إلى أنه لا يختص بصفة بعينها ا ه.
ملخصا.
وبه علم أنه ثبت أنه صلى الله عليه وآله أكل متكئا فقد تركه لما نهي عنه، فليس فيه دليل على الجواز.
نعم ذكر بعض الشافعية أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، والاصح عندهم أنه عام.
قال العلقمي في شرح الجامع الصغير اختلف في صفة الاتكار، فقيل أن
يتمكن في الجلوس للاكل على أي صفة كان، وقيل أن يميل على أحد شقيه، وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الارض، والاول المعتمد وهو شامل للقولين.
والحكمة في تركه أنه من فعل ملوك العجم والمتعظمين، وأنه ادعى إلى كثرة الاكل، وأحسن الجلسات للاكل الاقعاء على الوركين ونصب الركبتين، ثم الجثي على الركبتين وظهور القدمين، ثم نصب الرجل اليمنى والجلوس على اليسرى.
وتمامه فيه.
قوله: (وإذا خرج من بلدة بها الطاعون) المناسب زيادة أو دخل ليناسب ما بعده ط.
قوله: (ليس له ذلك) هذا في غير الجهاد المتعين، لان نفعه للمسلمين أكثر ثوابا من الجهاد حيث كان بهذه الصفة.
قوله: (قضى المديون الخ) أفاد أن الدين إذا كان مؤجلا فقضاه المديون قبل حلول الا جبل يجبر الدائن على القبول كما في الخانية.
قوله: (لا يأخذ من المرابحة الخ) صورته: اشترى شيئا بعشرة نقدا وباعه لآخر بعشرين إلى أجل هو عشرة أشهر، فإذا قضاه بعد تمام أو مات بعدها يأخذ خمسة، ويترك خمسة ط.
أقول: والظاهر أم مثله ما لو أقرضه وباعه سلعة بثمن معلوم وأجل ذلك، فيحسب له من ثمن السلعة بقدر ما مضى فقط.
تأمل.
قوله: (وعلله الخ) علله الحانوتي بالتباعد عن شبهة الربا، لانها في باب الربا ملحقة بالحقيقة، ووجه أن الربح في مقابلة الاجل، لانه الاجل وإن لم يكن مالا ولا يقابله شئ من الثمن لكن اعتبروه مالا في المرابحة إذا ذكر الاجل بمقابلة زيادة الثمن، فلو أخذ كل الثمن قبل الحلول كان أخذه بلا عوض.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(1/348)
كتاب الفرائض مناسبته للوصية أنها أخت الميراث، ولوقوعها في مرض الموت، وقسمة الميراث بعده ولذا أخر عنها، ثم الفرائض جمع فريضة، وهي ما يفترض على المكلف، وفرائض الابل ما يفرض كنت مخاض في خمسژ وعشرين، وقد سمي بها كل مقدر فقيل لانصباء المواريث فرائض، لانها مقدرة لاصحابها، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض، للعالم به فرضي وفارض وفراض.
مغرب.
قوله: (هي علم بأصول الخ) أي قواعد وضوابط تعرف: أي تلك الاصول حق كل: أي كل واحد من الورثة:
أي قدر ما يستحقه من التركة، ولا يخفى أن من تلك الاصول الموصوفة بما ذكر الاصول المتعلقة بالمنع من الميراث والحجب، بل هي العمدة في ذلك، إذ بدونها لا تعرف الحقوق، ولذا قالوا: من لا مهارة له بها لا يحل له أن يقسم فريضة، ودخل فيها معرفة كون الوارث ذا فرض أو عصبة أو ذا رحم، ومعرفة أسباب الميراث والضرب والتصحيح والعول والرد وغير ذلك، فافهم.
والمراد بالفرائض السهام المقدرة كما مر فيدخل فيه العصبات وذو الرحم لان سهامهم مقدرة وإن كانت بتقدير غير صريح، وموضوعة: التركات، وغايته: إيصال الحقوق لاربابها، وأركانه ثلاثة: وارث، ومورث، وموروث.
وشروطه ثلاثة: موت مورث حقيقة، أو حكما كمفقود، أو تقديرا كجنين فيه غرة ووجود وارثه عند موته حيا حقيقة، أو تقديرا كالحمل والعلم بجهل إرثه.
وأسبابه وموانعه ستأتي، وأصوله ثلاث: الكتاب، والسنة في إرث (1) أم الام بشهادة المغيرة وابن سلمة، وإجماع الامة في إرث أم الاب باجتهاد عمر رضي الله تعالى عنه في عموم الاجماع، وعليه الاجماع، ولا مدخل للقياس هنا خلافا لمن زعمه في أم الاب، وقد علمت جوابه واستمداده من هذه الاصول.
أفاده في الدر المنتقى.
قوله: (لان الله تعالى قسمه) الاولى قدره كما قال الريلعي لانه معنى الفرض تأمل.
قوله: (بنفسه) أي ولم يفوض تقديره إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل، بخلاف سائر الاحكام كالصلاة والزكاة والحج وغيرها، فإن النصوص فيها مجملة كقوله تعالى: * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (الحج: 78)، * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 97)، وإنما السنة بينتها.
زيلعي.
قوله: (لثبوته بالنص لا غير) أراد بالنص ما يشمل الاجماع، واحترز به على القياس، فإنه لا يجري في المواريث لانه لا مال له في المقدرات لخفاء وجه الحكمة في التخصيص بمقدار دون آخر، ثم إن هذا علة للعلة، والاولى أن يقول: أو لثبوته فيكون علة ثانية لتسميته نصف العلم، وقيل: وجه التسمية غير ما ذكره، وقيل: إنه مما لا يدرك معناه فتصدق بأنه نصف العلم، ولا نبحث عن وجهه.
__________
(1) قوله: (في إرث الام بشهادة إلخ) أي بشهادتهما لدى عمر على توريث النبي صلى الله عليه وآله لام الام ولم يرد توريثهما في كتاب الله تعالى ا ه.(1/349)
ثم اعلم أن ما ذكره من الاوجه مبني على أن النصف يراد به أحد قسمي الشئ، فإن كل شئ تحته نوعان، أحدهما نصف له وإن لم يتحد عددهما، ومنه حديث أحمد الطهور نصف الايمان وقول العرب: نصف السنة حضر ونصفها سفر: أي تنقسم زمانين وإن تفاوتت عدتهما، وقول شريح وقد قيل له كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت ونصف الناس علي غضبان، يريد أنهم بين محكوم له راض ومحكوم عليه غضبان.
وقول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر راض بالذي كنت أصنع وقول مجاهد: المضمضة والاستنشاق نصف الوضوء: أي أنه نوعان مطهر لبعض الباطن، ومطهر لبعض الظاهر.
أفاده ابن حجر في شرح الاربعين.
قوله: (بالنص) أرد به ما يعم الاجماع.
قوله: (أو بالضروري) أي الارث، والاختياري كالبيع والشراء وقبول الهبة والوصية.
قوله: (وهل إرث الحي من الحي الخ) أي قبيل الموت في آخر جزء من أجزاء حياته، والاول قول زفر ومشايخ العراق، والثاني قول الصاحبين، وثمرة الخلاف فيما لو تزوج بأمه مورثه ولا وارث غيره فقال لها إذا مات مولاك فأنت حرة، فعلى الاول تعتق لانه أضاف العتق إلى الموت والملك ثابت له قبله، وعلى الثاني لا تعتق لثبوت الملك بعده أفاده في شرح الوهبانية.
وتظهر الثمرة أيضا فيما لو علق الوارث طلاقها بموت مولاها كما نص عليه البيري عن السراجية.
أقول: وبه تظهر فائدة تصويرها بالزوج، وإلا فتعليف العتق لا يتوقف على الزوجية.
تأمل.
قوله: (المعتمد الثاني) وكذا ذكر الطرابلسي في سكب الانهر أن عليه المعول، لكن ذكر في الدر المنتقى عن التاترخانية أن الاعتماد على الاول.
قوله: (الخالية الخ) صفة كاشفة، لان التركة في الاصطلاح ما تركه الميت من الاموال صافيا عن تعلق حق الغير بعين من الاموال كما في شروح السراجية.
واعلم أنه يدخل التركة الدية الواجبة بالقتل الخطأ أو بالصلح عن العمد أو بانقلاب القصاص مالا بعفو بعض الاولياء، فتقضى منه ديون الميت وتنفذ وصاياه كما في الذخيرة.
قوله: (بعينها) متعلق بقوله: تعلق.
قوله: (كالرهن الخ) مثال للعين التي تعلق بها حق الغير، فإذا رهن شيئا وسلمه ولم يترك غيره فدين المرتهن مقدم على التجهيز، فإن فضل بعده شئ صرف إليه.
قوله:
(والعبد الجاني) أي في حياة مولاه ولا مال له سواه فإن المجني عليه أحق به من المولى، إلا أن يفضل بعد أرش الجناية شئ.
تنبيه: لو كان العبد الجاني هو المرهون قد حق المجني عليه، لانه أقوى لثبوته على ذمة العبد، وحق المرتهن في ذمة الراهن ومتعلق برقبة العبد لا في ذمته، ذكره يعقوب باشا في حاشية شرح السراجية للسيد الشريف.
قوله: (والمأذون المديون) أي فإذا مات المولى ولا مال له سواه قدم الغرماء على التجهيز.
قوله: (والمبيع المحبوس بالثمن) كما لو اشترى عبدا ولم يقبضه فمات قبل نقد الثمن، فالبائع أحق بالعبد من تجهيز المشتري.(1/350)
قال يعقوب باشا: أما إذا كان المبيع في يد المشتري ومات عاجزا عن أداء الثمن فإنه يبدأ برجوعه لا مطلقا، بل إذا لم يتعلق به شئ من الحقوق اللازمة كما إذا كاتبه المشتري أو رهنه أو استولده أو جنى ذلك المبيع على غيره، فإنه حينئذ لم يثبت له حق الرجوع لمانع قوي، حتى لو عجز المكاتب وعاد إلى الرق أو فك الرهن أو فدى من الجناية، فله الرجوع لزوال ذلك المانع ا ه.
ونقل مثله ط عن حاشية عجم زاده على شرح السيد.
ثم قال: وانظر هذا مع قولهم أن البائع أسوة الغرماء فيه عندنا: ا ه: أي فيما إذا قبض المشتري المبيع ولم يذكروا فيه إلا خلاف الشافعي كما تقدم قبيل خيار الشرط، والظاهر أن ما ذكر هنا مأخوذ من كتب الشافعية فلينتبه له.
قوله: (والدار المستأجرة) فإنه إذا أعطى الاجرة أولا ثم مات الآجر صارت الدار هنا بالاجرة سيد.
قال ط: وزاد في روح الشروح على ما ذكر العبد الذي جعل مهرا: يعني إذا مات الزوج وهو في يده ولا مال له سواه أي فإن الزوجة تقدم على تجهيز الزوج، والمقبوض بالبيع الفاسد إذا مات البائع قبل الفسخ: أي فإن المشتري مقدم على تجهيز البائع.
قوله: (وإنما قدمت الخ) أي هذه الحقوق المتعلقة بهذه الاعيان، وأصل أن كا حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة.
در منتقى.
وتقديمها على التجهيز هو الذي جزم به في المعراج وكذا شراح الكنز والسراجية، بل حكى بعض شراح السراجية الاتفاق عليه، فما ذكره مسكين من أن ذلك رواية وأن الصحيح تقديم التجهيز قال في الدر المنتقى: منظور فيه، بل تعليلهم يفيد أنه ليس بتركة أصلا إ ه: أي فلا يرد على إطلاق المتون من أنه يبدأ من التركة بالتجهيز.
قوله: (بتجهيزه) وكذا تجهيز من
تلزمه نفقته، كولد مات قبله ولو بلحظة وكزوجته ولو غنية على المعتمد.
در منتقى.
قوله: (يعم التكفين) كأنه يشير إلى أن قول السراجية: يبدأ بتكفينه وتجهيزه من عطف العام على الخاص.
قوله: (من غير تقتير ولا تبذير) التقتير هو التقصير، والتبذير يستعمل في المشهور بمعنى الاسراف، والتحقيق أن بينهما فرقا، وهو أن الاسراف صرف الشئ فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي، والتبذير صرفه فيما لا ينبغي.
صرح به الكرماني في شرح البخاري يعقوب.
وعليه فالمناسب التعبير بالاسراف بدل التبذير وموافقا لقوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * (الفرقان: 67) لكنه راعى المشهور.
قوله: (ككفن السنة) أي من حيث العدد، وقوله: أو قدر ما كان يلبسه في حياته أي من حيث القيمة، وأو بمعنى الواو، قال في سكب الانهر: ثم الاسراف نوعان من حيث العدد بأن يزاد في الرجل على ثلاثة أبواب، وفي المرأة على خمسة ومن حيث القيمة، بأن يكفن فيما قيمته تسعون وقيمة ما يلبسه في حياته ستون مثلا، والتقتير أيضا نوعان عكس الاسراف عددا وقيمة إ ه.
وهذا إذا لم يوص بذلك، فلو أوصى تعتبر الزيادة على كفن المثل من الثلث، وكذا لو تبرع الورثة به أو أجنبي، فلا بأس بالزيادة من حيث القيمة لا العدد، وهل للغرماء المنع من كفن المثل؟ قولان: والصحيح نعم.
در منتقى: أي فيكفن بكفن الكفاية وهو ثوبان للرجل وثلاثة للمرأة.
ابن كمال.
قوله: (أو قدر ما كان يلبسه في حياته) أي من أوسط ثيابه، أو من الذي يتزين به في الاعياد والجمع والزيارات على ما اختلفوا فيه.
زيلعي.
قوله: (ولو هلك كفنه الخ) قال في سكب الانهر: وإذ نبش قبر الميت وأخذ كفنه يكفن في ثلاثة أثواب ولو ثالثا أو رابعا ما دام طريا، ولا يعاد غسله ولا الصلاة عليه وإن تفسخ يلف في ثوب واحد كل ذلك من أصل ماله عندنا، وإن كان عليه دين إلا أن يكون الغرماء قد(1/351)
قبضوا التركة، فلا يسترد منهم، وإن كان قد قسم ماله فعلى كل وارث بقدر نصيبه دون الغرماء، وأصحاب الوصايا لانهم أجانب ولا تجبر الورثة على قبول كفن متبرع لان فيه لحوق العار بهم، إلا إذا كان الورثة صغارا، فحينئذ لو رأى الامام مصلحة يقبل إلا أن يختاروت القيام بأنفسهم، فحينئذ هم أولى
به ا ه: أي إلا أن يختار الكبار منهم.
تأمل.
قوله: (ويقدم دين الصحة) هو ما كان ثابتا بالبينة مطلقا أو بالاقرار في حال الصحة ط.
وقد يرجح بعضه على بعض كدين الاجنبي على مكاتب مات عن وفاء يقدم على دين المولى، وكالدين الثابت على نصراني بشهادة المسلمين فإنه مقدم على الثابت بشهادة أهل الذمة عليه، والدين الثابت بدعوى المسلم عليه يقدم على الدين الثابت عليه بدعوى كافر إذا كان شهودهما كافرين أو شهود الكافر فقط، أما إذا كان شهودهما مسلمين أو شهود الكافر فقط فهما سواء، كما في حاشية البحر للرملي من كتاب الشهادات، فافهم.
قوله: (على دين المرض) هو ما كان ثابتا بإقراره في مرضه أو فيما هو في حكم المرض، كإقرار من خرج للمبارزة أو أخرج للقتل قصاصا أو ليرجم.
ط عن عجم زاده.
قوله: (إن جهل سببه) أما إذا علم بأن أقر في مرضه بدين علم ثبوته بطريق المعانية، كما يجب بدلا عن مال ملكه أو استهلكه كان ذلك بالحقيقة من دين الصحة إذ قد علم وجوبه بغير إقراره، فلذلك ساواة في الحكم ا ه.
سيد.
قوله: (وأما دين الله تعالى الخ) محترز قوله: من جهة العباد وذلك كالزكاة والكفارات ونحوها.
قال الزيلعي: فإنها تسقط بالموت فلا يلزم الورثة أداؤها إلا إذا أوصى بها أو تبرعوا بها هم من عندهم لان الركن في العبادات نية المكلف وفعله، وقد فات بموته فلا يتصور بقاء الواجب ا ه.
وتمامه فيه.
أقول: وظاهر التعليل أن الورثة لو تبرعوا بها لا يسقط الواجب عنه لعدم النية منه، ولان فعلهم لا يقوم مقام فعله بدون إذنه.
تأمل.
قوله: (من ثلث الباقي) أي الفاضل عن الحقوق المتقدمة، وعن دين العبادة فإنه يقدم لو اجتمع مع دين الله تعالى، لانه تعالى هو الغني ونحن الفقراء كما في الدر المنتقى.
قوله: (ثم تقدمت وصيته) أي على القسمة بين الورثة.
قال الزيلعي: ثم هذا ليس بتقديم على الورثة في المعنى بل هو شريك لهم، حتى إذا سلم له شئ سلم للورثة ضعفه أو أكثر، ولا بد من ذلك، وهذا ليس بتقديم في الحقيقة، بخلاف التجهيز والدين فإن الورثة والموصى له لا يأخذون إلا ما فضل عنهما ا ه.
قوله: (ولو مطبقة على الصحيح) كذا قاله السيد غيره.
ثم قال: وقال شيخ الاسلام خواهر زاده: إن كانت معينة كانت مقدمة عليه، وإن كانت مطلقة كأن يوصي بثلث ماله أو ربعه كانت في معنى الميراث لشيوعها في التركة فيكون الموصى له شريكا للورثة لا مقدما عليهم،
ويدل على شيوع حقه كحق الوارث أنه إذا زاد المال بعد الوصية زاد في على الحقين، وإذا نقض نقض عنهما، حتى إذا كان ماله حال الوصية مثلا ألفا ثم صار ألفين فله ثلث الالفين، وإن انعكس فله ثلث الالف ا ه.
قال الاكمل: ولعل الصواب معه، فإن التقديم إنما يتصور فيه بجعل حق الموصى له متعلقا بالصورة والمعنى إذا خرج من الثلث فيمنع تعلق حق الوارث بصورته، فكان ذلك تقديما على الورثة،(1/352)
وأما إذا كانت مطلقة فلا يتصور هناك تقديم ا ه.
قوله: (خلافا لما اختاره في الاختيار) أي من قول شيخ الاسلام المتقدم ونصه: فإن كانت الوصية بعين تعتبر من الثلث وتنفذ، وإن كانت بجزء شائع كالثلث والربع فالموصى له شريك للورثة يزداد نصيبه بزيادة التركة وينقص بنقصها بحسب المال، ويخرج نصيب الموصى له كما يخرج نصيب الوارث ويقدم على قسمة التركة بين الورثة لما تلونا ا ه.
والحاصل: أنه لا خلاف في تقديم الوصي بعين كالدار والثوب مثلا، بمعنى أنها إذا خرجت من الثلث فلا حق للورثة فيها، فتفرز وحدها ويقسم بين الورثة ما سواها.
وأما الوصية المطلقة: فمن نظر إلى أنها شائعة في التركة بزيادتها، وبالعكس قال: لا تقديم فيها بل الموصى له شريك للورثة دائما، بمعنى أنه لا يمكن أن ينفرد بالاخذ وإن استغرق التركة، بخلاف الدين ونحوه، ومن نظر إلى أن قسمة الميراث لا تكون إلا بعد إخراج نصيب الموصى له قال: إنها مقدمة، لانه لو لم يفرز نصيبه أولا بل اعتبر شريكا مع الورثة لزم أن يقسم له معهم كأنه واحد منهم له ثلث التركة مثلا ويلزم منه الخلل، ومثلا لو تركت زوجا وأختين شقيقتين وأوصت بالثلث لزيد فيخرج الثلث الموصى به أولا، فيأخذ زيد واحدا من ثلاثة ثم يقسم الباقي من سبعة: للزوج ثلاثة، وللشقيقتين أربعة، وإلا لزم أن تقسم التركة من تسعة، فيأخذ الموصى له اثنين، والزوج ثلاثة، والشقيقتان أربعة، فينقص نصيب الموصى له، وأنت إذا حققت النظر يظهر لك أن الخلاف لفظي، لان كل واحد من أصحاب القولين يسلم ما قاله الآخر، وإنما النزاع في أن إخراج نصيب الموصى له أولا هل يسمى تقديما أم لا؟ ويدل عليه كلام الزيلعي السابق، وكذا كلام صاحب الاختيار فإنه شيخ الاسلام في القول بالمشاركة،
ثم ذكر أن نصيب الموصى له يقدم على قسمة التركة، فقد جمع بين المشاركة والتقديم، فاغتنم هذا التحقيق الذي هو بالقبول حقيق، والله تعالى ولي التوفيق.
قوله: (في الآية) أي قوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أن دين) * (النساء: 11).
قوله: (لكونها مظنة التفريط) لانها مأخوذة بلا عوض فتشق على الورثة، ولا تطيب نفوسهم بها، بخلاف الدين أو لكونها برا وطاعة، والدين مذموم غالبا ولذا استعاذ منه عليه الصلاة والسلام، أو لان حكمها كان مجهولا عند المخاطبين، بخلاف الدين وتمامه في سكب الانهر عن الزمخشري.
قوله: (بل خامسا) باعتبار البداءة قبل التجهيز بعين تعلق بها حق الغير، لكن تقدم أنها ليست من التركة، والمراد بيان الحقوق المتعلقة بالتركة فهي حينئذ أربعة.
قوله: (يقسم الباقي) لم يقل يقدم كما قال في سابقه لانه آخر الحقوق فلم يبق ما يقدم عليه.
قوله: (أي الدين ثبت إرثهم بالكتاب) أي القرآن، وهم الابوان والزوجان والبنون والبنات والاخوة والاخوات.
قوله: (أو السنة) أو هنا وفيما بعده مانعة الخلو فتصدق باجتماع الثلاثة، والمراد بالسنة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله، سواء كان فعلا كبنت الابن والاخوات لابوين، أو لاب مع البنت الصلبية والجدة أم الام، أو وقلا كما مثل الشارح، أفاده في سكب الانهر.
قوله: (أو الاجماع) أي اتفاق رأي المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وآله في عصر ما على حكم شرعي.
وقيل: المراد به هنا: قول مجتهد واحد، من إطلاق اسم الكل على الجزء كإطلاق القرآن على كل آية منه، ليشمل من اختلف في رواثته كذوي الارحام، وفيه نظر لانه يخرج عنه ما اتفق عليه رأي المجتهدين، ولان من اختلف في وراثته دليله عند القائل به الكتاب أو(1/353)
السنة فلا حاجة إلى التأويل.
قوله: (فجعل الجد كالاب الخ) وكجعل الجدة كالام وبنت الابن كالبنت الصلبية والاخ لاب كالشقيق والاخت لاب كالشقيقة.
سكب الانهر.
قوله: (ويستحق) بالبناء للمجهول أو للمعلوم، وضميره للوارث المفهوم من المقام.
قوله: (بأحد ثلاثة) يعني أن كل واحد منها علة للاستحقاق بمعنى أنه لا يلزم اجتماع الثلاثة أو بعضها فلا ينافي حصول الاستحقاق باثنين منها كزوجة هي بنت عم أو معتقة فيرث منها الزوج النصف بالزوجية والباقي بالتعصيب أو الولاء، فافهم.
قوله: (ونكاح صحيح) ولو بلا وطئ ولا خلوة إجماعا.
در منتقى.
قوله: (فلا توارث بفاسد)
هو ما فقد شرطا من شروط الصحة كشهود، ولا باطل كنكاح المتعة والمؤقت وإن جهلت المدة أو طالت في الاصح كما مر في محله.
قوله: (وولاء) أي بنوعية: عتاق، وموالاة.
قوله: (والمستحقون للتركة عشرة أصناف) جمعها العلامة محمد بن الشحنة على هذا الترتيب في منظومته الفرضية التي شرحها شيخ مشايخنا الفقيه إبراهيم السائحاني، فقال: يعطى ذوو الفروض ثم العصبة ثم الذي جاد بعتق الرقبه ثم الذى يعصبه كالجد ثم ذوو الارحام بعد الرد ثم محمل ورا موال ثم مزاد ثم بيت المال وأراد بالمحمل من أقر له بنسب محمل على الغير، وبالمزاد الموصى له بما زاد على الثلث.
أقول: وحيث ذكر عصبة المعتق فالمناسب ذكر عصبة الموالي: أي مولى الموالاة أيضا، فإنهم يرثون بعده أيضا كما يأتي، فالاصناف أحد عشر.
تنبيه: قيد بالتركة لان الارث يجري في الاعيان المالية، أما الحقوق فمنها ما يورث كحق حبس المبيع وحبس الرهن، ومنها ما لا يورث كحق الشفعة وخيار الشرط وحد القذف والنكاح: أي حق التزويج، كما لو مات الشقيق عن ابن وثم أخ لاب فالحق للاخ لا للابن والولايات والعواري والودائع، كما لو مات المستعير لا يكون وارثه مستعيرا، وكذا المودع، وكذا الرجوع عن الهبة، وكذا الولاء كأن يكون للمعتق ابنان فمات أحدهما بعده عن ابن فالولاء للابن الباقي، فلو مات هذا عن ابنين فالولاء بينهما وبين ابن الابن الاول أثلاثا كأنهم ورثوا من جدهم لا من آبائهم وأجمعوا على أن خيار القبول لا يورث، وكذا الاجارة في بيع الفضولي، وكذا الاجل.
واختلفوا في خيار العيب: فقيل يورث واقتصر عليه في الدرر، وادعى شارح الطحاوي الاجماع عليه، وقيل: يثبت للوارث ابتداء، وكذا الخلاف في القصاص.
وأما خيار الرؤية فالصحيح أنه يورث، وأما خيار التعيين كما لو اشترى عبدين على أنه بالخيار في أحدهما فاتفقوا على أنه يثبت للوارث ابتداء، وكذا خيار الوصف ينتقل إلى الوارث إجماعا كما في الفتح، ويؤخذ منه أن خيار التغرير يورث لانه يشبه فوات الوصف، وإليه مال العلامة المقدسي، ومال صاحب التنوير إلى خلافه، لكنه مال في
منظومته الفقهية إلى الاول ا ه ملخصا من الاشباه وشرحها لشيخنا العلامة البعلي.
قوله: (أي السهام(1/354)
المقدرة) هي النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
(سراج).
قوله: (ثلاثة من الرجال) هم الاب والجد والاخ لام ح.
قوله: (وسبعة من النساء) هن البنت وبنت الابن والاخت الشقيقة والاخت لاب والاخت لام والام والجدة ح.
قوله: (فيستوي فيه الواحد والجمع) لما تقرر أن أل تبطل معنى الجمعية بحيث يتناول كل واحد كالفرد حتى لو قال والله لا أتزوج النساء يحنث بتزوج واحدة، وإذا قال نساء لا يحنث إلا بثلاث.
يعقوب: قوله: (وجمعه للازدواج) جواب سؤال تقديره: أنه كان الاخضر التعبير بالعصبة مفردا كما عبر في قسيمه وهو العصبة السببية والجنسية فيه أظهر.
والجواب: أنه جمعه لفظا وإن لم يكن معنى الجمع مراد التزاوج بينه وبين قوله بذوي الفروض حيث ذكره بلفظ الجمع، أو يقال جمح عه لتعدد أنواعه من عصبة بنفسه وبغيره ومع غيره كما يأتي بيانه، وقد يقال: إن الداعي إلى إبطال معنى الجمعية أنه لا يشترط في تقديمه على المعتق تعدد، بل يقدم ولو واحدا، بخلاف أصحاب الفروض فإنه ليس فيهم من يتقدم وحده على العصبة، بمعنى أنه لا يرث معه العصبة، إذ ليس في أصحاب الفروض من يحرز كل المال وحده بالفرضية، وإن كان يتقدم عليه بمعنى آخر وهو أنه لا يعطي للعصبة إلا ما أبقاه له صاحب الفرض.
فتأمل.
قوله: (أنها أقوى) علة للتقديم المستفاد من ثم ومن متعلق الجار.
قال السيد: فإن العصوبة النسبية أقوى من السببية، يرشدك ذلك أن أصحاب الفروض النسبية يرد عليهم دون أصحاب الفروض السببية: أعني الزوجين.
قوله: (ثم بالمعتق) الاولى قول السراجية: مولى العتاقة ليشمل الاختيارية بأن عتق عليه بلفظ إعتاق أو فرعه من تدبير أو غيره، أو بشراء ذي رحم محرم منه، والاضطرارية بأن ورث ذا رحم محرم منه فعتق عليه، والمراد جنس مولى العتاقة، فيشمل المتعدد والمنفرد كما يشمل الذكر والانثى المعتق بواسطة كمعتق المعتق على ما يأتي قريبا وكمعتق الاب، ويشمل أيضا كما قال ابن كمال: المعروف والمقر له، ويقدم المعروف على المقر له، ويشترط في صحته أن لا يكون للمقر مولى عتاقة معروفة، وأن لا يكون مكذبا شرعا ا ه.
تنبيه: مهم شرط ثبوت الولاء أن لا تكون الام حرة الاصل بمعنى عدم الرق فيها ولا في أصلها، كانت فلا ولاء على ولدها وإن كان الاب معتقا كما في البدائع.
فإذا تزوج العتيق حرة الاصل فلا ولاء على أولاده تغليبا للحرية كما في سكب الانهر عن الدرر وغيرها.
وتمامه فيه، وفيما قدمناه في كتاب الولاء فاحفظه فإنه مزلة الاقدام.
قوله: (وهو العصبة السببية) خاص بالمعتق دون عصبته، وليس كذلك بل العصبة السببية مجموعهما كما في شرح السراجية للعلامة ابن الحنبلي، وعليه كلام الشارح الآتي في فصل العصبات، وما أوهمه كلام السيد من خلاف ذلك أجاب عنه يعقوب، فكان على الشارح أن يقول بعد قوله: ثم عصبته الذكور وهما العصب السببية بضمير التثنية.
قوله: (ثم عصبته الذكور) أي العصبة بنفسه، فيكون من الذكور قطعا، وكونه عصبة بنفسه لمولى العتاقة لا ينافي كونه عصبة سببية للميت كما قال ابن الحنبلي، فلو ترك العتيق ابن سيده وبنته فالارث للابن فقط، ولو ترك بنت سيده وأخته فلا حق لهما فيه.
قوله: (لانه الخ) علة للتقييد بالذكور الذي قال السيد أنه لا بد منه، ولكن هذا مبني على أن المراد بالمعتق ما يشمل القريب والبعيد كالمعتق ومعتق(1/355)
المعتق، وهكذا ذكرا أو اثنى.
أما إذا أريد به ما هو المتبادر منه وهو المعتق القريب فلا حاجة إلى التقييد به، ويكون المراد بعصبته العصبة السببية من الذكور والاناث كمعتق ومعتقة المعتق والعصبة النسبية أيضا.
لكن لا بد في الثاني من كونه عصبة بالنفس، فيكون من الذكور قطعا كما مر دون العصبة بالغير أو مع الغير للحديث المذكور.
تنبيه: اقتصاره على المعتق وعصبته يفيد أنه لو كان لعصبة المعتق عصبة فلا ميراث له، بيانه: امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت عن زوج وابن منه، ثم مات العتيق فالميراث لابنها لانه عصبتها، فلو مات الابن قبل العتيق فلا ميراث لزوجها لانه عصبة عصبتها، وأما إذا أعتق رجل عبدا ثم العبد أعتق آخر ثم الآخر أعتق آخر ومات العتيق الثالث وترك اعصبة المعتق الاول فإنه يرثه وإن كات في صورة عصبة عصبة المعتق، لكن لا لذلك، بل لان العتيق الاول جر ولاء هذا الميت فيرثه عصبة العتيق الاول لقيامه مقام المعتق الاول للحديث إ ه.
ملخصا من الذخيرة في باب الولاء.
وقدمناه هناك، وسيأتي تمام كلام
على الحديث.
قوله: (ثم الرد) أي عند عدم تقدم ذكره من العصبات يرد الباقي من أصحاب الفروض على ذوي الفروض النسبية، واحترز به عن ذوي الفروض السببية كالزوجين، لان سبب الرد هو القرابة الباقية بعد أخذ الفرض، وقرابة الزوجية حكمية لا تبقى بعد أخذ الفرض فلا رد لانتفاء سببه.
أفاده يعقوب.
لكن سيأتي عن الاشباه، وتقدم في الولاء أنه يرد عليهما في زماننا.
ويأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
قوله: (بقدر حقوقهم) أي قدرا نسبيا لا عدديا، لان ما يعطى من الرد قد يكون أقل مما يعطى من الفرض، كما في أختين وبوين وأخت لام، ومساويا كما في أختين لام وأم وأكثر، كما في أخت لام وجدة، وطريق النسبة أن من له النصف فرضا له بقدر سهام النصف من الرد، ومن له الثلث كذلك، فكذلك مثلا إذا ترك أختا شقيقة، وأما فالمسألة من ستة نصفها وهو ثلاثة للشقيقة، وثلثها وهو اثنان للام، وجملة السهام خمسة بقي واحد يرد عليهما بنسب سهامهما، وقد كان للشقيق ثلاثة أخماس الوحد وللام اثنان فلها خمسا الواحد، وترجع مسألة الرد إلى خمسة كما يأتي بيانه في محله.
قوله: (ثم ذوي الارحام) أي يبدأ بهم عند عدم ذوي الفروض النسبية والعصبات فيأخذون كل المال، وما بقي عن أحد الزوجين لعدم الرد عليهما.
قوله: (ثم بعدهم) أي إذ فقد ذووا الارحام يقدم مولى الموالاة: أي القابل موالاة الميت حين قال له: أنت مولاي ترثني إذا مت وتعقل عني إذا جنيت ولم يكن من العرب ولا في معاتيقهم ولا له وارث نسبي ولا عقل عنه بيت المال أو مولى موالاة آخر فيرثه القابل، بل عكس إلا أن شرط ذلك من الجانبين وتحققت الشرائط فيهما، وله أن يرجع ما لم يعقل عنه مولاه، وهذا مذهب عمر وعلي وكثيرين، ثم عصبته ترث أيضا على ترتيب عصبة مولى العتاقة، وإن لم يذكره المصنف.
سائحاني في شرح المنظومة.
وقدمناه مع استيفاء الشروط وبيانها في الولاء.
قوله: (وله الباقي الخ) أي إن لم يوجد أحد ممن تقدم فله كل المال، إلا إن وجد أحد الزوجين فله الباقي عن فرضه.
قوله: (ثم المقر له بنسب الخ) أي ثم بعد مولى الموالاة بأن لم يكن يقدم المقر له بنسب الخ فيعطى كل المال، إلا إذا كان أحد الزوجين فيعطى ما فضل بعد فرضه.
قوله: (على غيره) ضمنه معنى التحميل فعداه بعلى: أي المحمول نسبه على غيره في ضمن الاقرار بالنسب من نفسه، كما لو أقر له(1/356)
بأنه أخوه أو ابن ابنه، فإن إقراره هذا تضمن حمل النسب على الاب أو الابن، واحترز به عما إذا لم يتضمن تحميل النسب على غيره، كما ابذا أقر لمجهول النسب بأنه ابنه فإنه يوجب ثبوت النسب منه، ويندرج في الورثة النسبية إذا اشتمل الاقرار على شرائط صحته كالحرية والبلوع والعقل في المقر، وتصديق المقر له بالنسب، وكونه بحيث يولد مثله لمثله، وتقدم في باب إقرار المريض تمام الكلام علي ما يصح من ذلك وما لا يصح مع بيان الشروط، وحررناه أيضا في شرحنا على نظم فرائض الملتقى المسمى بالرحيق المختوم شرح قلائد الدر المنظوم وفي آخر التاسع والعشرين من جامع الفصولين فروع مهمة يلزم مراجعتها.
قوله: (لم يثبت) قيد ثان، وبين الشارح محترزه، وزاد في السراجية ثالثا، وهو موت المقر على إقراره، لانه إذا رجع لم يعتد به فلا يرث، وإذا اجتمعت هذه الصفات في المقر له صار عندنا وارثا في المرتبة المذكورة، لان المقر كان مقرا بشيئين: النسب، واستحقاق المال بالارث، لكن إقراره بالنسب باطل لانه يحمل نسبه على غيره، والاقرار على الغير دعوى فلا تسمع، ويبقى إقراره بالمال صحيحا لانه لا يعدوه إلى غيره إذا لم يكن لو وارث معروف.
سيد: أي ويكون هذا الاقرار وصية معنى، ولذا صح رجوعه عنه ولا ينتقل إلى فرع المقر له ولا أصله.
قوله: (بأن صدقه المقر عليه) بأن قال الاب: نعم هو ابني وهو أخوك، وكذا لو صدقة الورثة وهم من أهل الاقرار ا ه.
من روح الشروح.
والمراد ورثة المقر بأن قال أولاد المقر هو عمنا ط.
قوله: (أو أقر بمثل إقراره) أي بأن قال من غير علم بإقرار المقر هو ابني، إذ لو علم به كان تصديقا.
تأمل.
والظاهر أنه إذا حمل نسبة على نفسه ورث منه قصدا ومن غيره وإن لم يقر ذلك الغير.
أفاده ط.
قوله: (أو شهد رجل) أي من المقر.
قال الشارح في باب إقرار المريض: لا يصح في حق غيره إلا ببرهان ومنه إقرار اثنين ا ه.
وظاهره أنه لا يلزم في هذا الاقرار لفظ الشهادة، وأفاد أنه يصح بإقرار الوارث وإن لم يقر به الموروث، وهو ظاهر.
قوله: (وإن رجع المقر) قال في روح الشروح: واعلم أنه إن شهد مع المقر رجل آخر أو صدقه المقر عليه أو الورثة وهم أهل الاقرار، فلا يشترط الاصرار على الاقرار إلى الموت ولا ينفع الرجوع لثبوت النسب حينئذ ا ه.
وفي سكب الانهر: وصح رجوعه لانه وصية معنى، ولا شئ للمقر له من تركته.
قال في شرح السراجية المسمى المنهاج: وهذا إذا لم يصدق المقر عليه إقراره قبل رجوعه، أو لم يقر بمثل إقراره الخ، فقول المنح عن بعض شروح السراجية، وهذا إذا لم يصدق المقر له صوابه المقر عليه كما رأيته في نسختي مصلحا بخط بعض الفضلاء، قوله: (وكذا لو صدقه المقر له الخ) الصواب إسقاطه بالكلية والذي أوقعه فيه عبارة المنح السابقة.
وقد علمت ما هو الصواب فيها لان تصديق المقر له لا يثبت النسب قطعا، لانه المنتفع بذلك فهو متهم، إذا لم يثبت بإقرار المقر، فكيف يثبت بتصديق المقر له المتهم؟ على أنك قد علمت أن الذي في روح وغيره هو ثبوته بتصديق المقر عليه لا المقر له فتنبه وتمام الكلام على ذلك يعلم من باب إقرار المريض فارجع إليه.
قوله: (ثم بعدهم الخ) أي إذا عدم من تقدم ذكره يبدأ بمن أوصى له بجميع المال فيكمل له وصيته، لان منعه عما زاد على الثلث كان لاجل الورثة، فإن لم يوجد أحد منهم فإنه عندنا ما عين له كملا.
سيد.
ولا يخفى أن المراد أنه(1/357)
يأخذ الزائد بطريق الاستحقاق بلا توقف على إجارة، فلا يرد أن أخذ الزائد لا يشترط فيه عدم الورثة، إذ لن أجازوا جاز.
قوله: (لانه نوع قرابة) الاول قول السيد: أن له نوع قرابة.
قوله: (ثم يوضع) أي إن لم يوجد موصى له بالزائد يوضع كل التركة في بيت المال أو الباقي عن الزائد إن وجد موصى له بما دون الكل ولم يقل ثم يقدم إذ لا شئ ع بعده، وأشار إلى أن كلام المصنف من قبيل قوله: علفتها تبنا وماء باردا قوله: (لا إرثا) نفي لما يقوله الشافعية، لما يرد عليه من أنه لو كان إرثا لم تصح وصيته بالثلث للفقراء إذا لم يكن له وارث خاص لانها وصية لوارث، فتتوقف على إجازة بقية الورثة، ومن أنه يعطي من ذلك المال من ولد بعد موت صاحبه وللولد مع والده، ولو كان إرثا لما صح ذلك، لكن أفتى متأخروا الشافعية بالرد إن لم ينتظم بيت المال.
قوله: (وموانعه) المانع لغة: الحائل، واصطلاحا: ما ينتفي لاجله الحكم عن شخص لمعنى فيه بعد قيام سببه، ويسمى محروما، فخرج ما انتفى لمعنى في غيره فإنه محجوب، أو لعدم قيام السبب كالاجنبي، والمراد بالمانع ها هنا المانع عن الوراثية لا المورثية، وإن كان بعضها كاختلاف الدين مانعا عنهما كما حررته في الرحيق المختوم.
قوله: (على ما هنا) لان
بعضهم زاد على هذه الاربعة غيرها كما سيذكره الشارح.
قوله: (كمكاتب) المصرح به أن رقه كامل وملكه ناقص، فالصواب أن يقول: كمدبر وأم ولد ا ه ح.
وقد يقال: كمال رقه إنما هو بالنسبة إلى المدبر وأم الولد، ولذا أجاز عتقه عن الكفارة وملك أكسابه دونهما أما بالنسبة إلى القن فهو ناقص من حيث انعقاد سبب الحرية فيه مثل المدبر وأم الولد.
قوله: (وكذا مبعض الخ) وهو من أعتق بعضه فيسعى في فكاك باقيه، وهو عند الامام بمنزلة المملوك ما بقي عليهم درهم، وقالا: هو حر مديون فيرث ويحجب بناء على تجزي الاعتاق عنده لا عندهما.
قوله: (وقال الشافعي لا يرث بل يورث) قيل المنقول عنه أنه لا يرث ولا يورث، فليراجع.
قوله: (يورث فيها الرقيق) أي بطريق الاستناد إلى أول الاصابة ط.
قوله: (جنى عليه) أي بجراحة مثلا.
قوله: (بسراية تلك الجناية) أي التي أصابته قبل الرق ط.
قوله: (فديته لورثته الخ) أي نظرا إلى وقت الاصابة، فإنه لو مات بها قبل الاسترقاق كان إرثه لهم، فكذا بعده لانعقاد السبب قبله ط.
قوله: (ولم أره لائمتنا) هم قد اعتبروا وقت الاصابة في مسائل، فيمكن أن يكون هذا منها، ويمكن أن يقال إن موته صدر وهو في ملك السيد فالدية له ط.
أقول: ويظهر لي أنه لا يجب على الجاني شئ عندنا، لما تقدم في فصل المستأمن أنه إذا رجع إلى دار الحرب وقد ترك وديعة أو دينا فأسر أو ظهر عليهم فأخذ أو قتل سقط دينه وما غصب منه، وصار(1/358)
ماله كوديعته، وما عند شريكه أو في بيته في دارنا فيئا، وإن قتل أو مات بلا غلبة عليهم فدينه وقرضه ووديعته لورثته لان نفسه لم تصر مغنومة إ ه.
ومعلوم أن الدية دين على الجاني فتسقط برجوعه إلى دار الحرب واسترقاقه، فلا تكون لورثته ولا لسيده أيضا، لان الجناية حدثت على ملك المجني عليه لا على ملك السيد، لانه إنما استرقه مجنيا عليه، فليس له مطالبة الجاني بشئ، فتدبره.
قوله: (الموجب للقود أو الكفارة) الاول هو العمد، وهو أن يقصد ضربه بمحدد أو ما يجري مجراه في تفريق الاجزاء، والثاني ثلاثة أقسان: شبه عمد، وهو أن يعتمد قتله بما لا يقتل غالبا كالسوط، وخطى كأن رمى صيدا فأصاب إنسانا وما جرى مجراه كانقلاب نائم عل ء شخص أو سقوطه عليه من سطح فخرج القتل بسبب فإنه لا يوجبهما، كما لو أخرج روشنا أو حفر بئرا أو وضع حجرا في الطريق فقتل
مورثه، أو أقاد دابة أو ساقها فوطئته، أو قتله قصاصا أو رجما أو دفعا عن نفسه، أو وجد مورثه قتيلا في داره، أو قتل العادل الباغي، وكذا عكسه إن قال: قتلته وأنا على حق، وأنا الآن على الحق، وخرج القتل مباشرة من الصبي والمجنون لعدم وجوب القصاص والكفارة.
وتمامه في سكب الانهر وغيره.
وفي الحاوي الزاهدي رمزا: إذا قتل الزوج امرأته أو ذات رحم من محارمه المؤنث لاجل الزنا يرث منها عندنا، خلافا للشافعي ا ه: يعني مع تحقق الزنا، أما بمجرد التهمة فلا، كما يقع من فلاحي القرى ببلادنا فادر ذلك.
رملي.
والتقييد بالموجب جرى على الغالب، إذا الحكم فيما استحب فيه الكفارة كذلك، كمن ضرب امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه الغرة وتستحب الكفارة مع أنه يحرم الارث منه.
قوله: (على ما مر) أي في كتاب الجنايات.
قوله: (مطلقا) أي بحق أو لا مباشرة أو لا، ولو بشهادة أو تزكية لشاهد بقتل.
قوله: (ولو مات القاتل قبل المقتول) بأن جرحه جرحا صار به ذا فراش فمات الجارح قبله.
قوله: (إسلاما وكفرا) قيد به لان الكفار يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم عندنا، لان الكفر كله ملة واحدة.
قوله: (وأما المرتد فيورث عندنا) أي من كسب إسلامه وكسب ردته فئ للمسلمين، وقالا: للوارث المسلم ككسب المرتدة.
قوله: (خلافا للشافعي) فقال: كسباه لبيت المال.
قوله: (فأسلمت) أي بعد موته، فلو قبله فالظاهر أن الحمل لا يرث قولا واحدا لانه جزء منها، فهو مسلم عند موت المورث وعند الولادة تبعا، وهي واقعة الفتوى.
قوله: (ولم أره لائمتنا صريحا) أقول: قيد بقوله صريحا لان كلامهم يدل عليه دلالة ظاهرة، فمنه قولهم إرث الحمل فأضافوا الارث إليه وهو حمل، وأما اشتراطهم خروجه حيا فليتحقق وجوده عند موت مورثه، ومن ثم قيل لنا: جماد يملك وهو النطفة.
وفي حاشية الحموي عن الظهيرية: متى انفصل الحمل ميتا إنما لا يرث إذا انفصل بنفسه، وأما إذا فصل فهو من جملة الورثة.
بيانه: إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا ورث، لان الشارع(1/359)
أوجب على الضارب الغرة وجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت، فإذا حكمنا بالجناية كان له الميراث ويورث عنه نصيبه، كما يورث عنه بدل نفسه وهو الغرة ا ه.
أقول: فقد جعلوه وارثا وموروثا، وهو جنين قبل انفصاله، ومعلوم أنه حين موت مورثه لم يكن مسلما فلم يوجد المانع حين استحقاقه الارث وإنما وجد بعده، فكان كمن أسلم بعد موت مورثه الكافر، فلم يكن في الحقيقة إرث مسلم من كافر بل هو إرث كافر من كافر، نعم يتصور عندنا إرث المسلم من الكافر في مسألة المرتد.
قوله: (والرابع اختلاف الدارين) اختلافهما باختلاف المنعة: أي العسكري، واختلاف الملك كأن يكون أحد الملكين في الهند وله دار ومنعة، والآخر في الترك وله دار ومنعة أخرى، وانقطعت للعصمة فيما بينهم، حتى يستحل كل منهم قتال الآخر، فهاتان لداران مختلفتان فتنقطع باختلافهما الوراثة لانهما تبتنى على العصمة والولاية، وأما إذا كان بينهما تناصر وتعاون على أعدائهما كانت الدار واحدة والوراثة ثابتة.
ثم اعلم أن الاختلاف إما حقيقة أو حكما، كالحربي والذمي وكالحربيين في دارين مختلفتين (1) بالمعنى السابق، وإما حكما فقط كالمستأمن والذمي في دارنا، فإنها وإن كانت واحدة حقيقة إلا أنها مختلفة حكما، لان المستأمن من أهل دار الحرب حكما لتمكنه من الرجوع إليها، وأما حقيقة فقط كمستأمن في دارنا حربي وفي دارهم، فإن الدار وإن اختلفت حقيقة لكن المستأمن من أهل الحرب حكما كما علمت، فهما متحدان حكما، وفي هذا الاخير يدفع مال المستأمن لوارثه الحربي لبقاء حكم الامان في ماله لحقه، وإيصال ماله لورثته من حقه كما في عامة الكتب فيمنع ذلك صرفه لبيت المال، خلافا لما في شرح السراجية لمصنفها كما نبه عليه في الدر المنتقى وسكب الانهر.
أقول: وبه علم أن المانع هو الاختلاف حكما، سواء كان حقيقة أيضا أو لا، دون الاختلاف حقيقة فقط، وهذا ما قال الزيلعي: المؤثر هو الاختلاف حكما حتى لا تعتبر الحقيقة بدونه ا ه.
قوله: (حقيقة) يعني وحكما لما علمت.
قوله: (كحربي وذمي) أي إذا مات الحربي في دار الحرب وله وارث ذمي في دارنا، أو مات الذمي في دارنا وله وارث في دارهم لم يرث أحدهما من الآخر لتباين الدارين حقيقة وحكما وإن اتحدا ملة.
قوله: (أو حكما) أي فقط.
قوله: (وكحربيين الخ) كذا في السراجية، وفيه أنه من اختلاف الدار حقيقة وحكما كما قدمناه، إلا أن يحمل على أنهما من دارين مختلفين حقيقة، لكنهما مستأمنان في دارنا فهما في دار واحدة حقيقة وفي دارين مختلفتين حكما، ويؤيده أنه قال: من
دارين لا في دارين، وإن كان الاولى أن يقول المستأمنين بدل الحربيين، وكأنه ترك هذا الاولى إشارة إلى أنه يمكن جعله مثالا للاختلافين.
أفاده السيد وتماه فيه.
قوله: (بخلاف المسلمين) محترز قوله فيما بين الكفار: أي اختلاف الدار لا يؤثر في حق المسلمين كما في عامة الشروح، حتى أن المسلم التاجر
__________
(1) قوله: (مختلفين) لاحظ أولا إن الدار مؤنث فأنث نعتها في قوله دارين مختلفتين وأما تذكر النعت في العمارة الاتية فهو من كلام السيد ومثله عبارة الشارح لكن ليس نظرا لمجازية التأنيث بل نظرا للمراد أو هو المنزل كما نبه على مثله في خاتمة المصباح فليفهم بالدقة قاله نصر الهورينى.(1/360)
أو الاسير لو مات في دار الحرب ورث منه ورثته الذين في دار الاسلام، كما في سكب الانهر.
قال في شرح السراجية لابن الحنبلي: وأما قول العتابي أن من أسلم ولم يهاجر إلينا لا يرث من المسلم الاصلي في دارنا ولا المسلم الاصلي في دارنا ولا المسلم الاصلي ممن أسلم ولم يهاجر إلينا، سواء كان في دار الحرب مستأمنا أو لم يكن، فمدفوع بقول بعض علمائنا: يخايل لي أن هذا كان في ابتداء الاسلام حين كانت الهجرة فريضة، ألا ترى أن الله تعالى نفى الولاية بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال: * (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) * فلما كانت الولاية بينهما منتفية كان الميراث منتفيا، لان الميراث على الولاية، فأما اليوم فينبغي أن يرث أحدهما من الاخر لان حكم الهجرة لان الميراث على الولاية، فأمما اليوم فينبغي أن يرث أحدهما من الآخر لان حكم الهجرة قد نسخ بقوله صلى الله عليه وآله: لا هجرة بعد الفتح ا ه.
قوله: (كما سيجئ) أي في فصل الحرقى والغرقى.
قوله: (في خمس مسائل أو أكثر) زاد قوله: أو أكثر تبعا للمجتبى إشارة إلى أن عدها خمسا لم يرد به الحصر لامكان زيادة غيرها تأمل.
وقد ذكر الشارح منها ثنتين.
والثالثة: رجع وضع ولده في فناء المسجد ليلا ثم ندم صباحا فرجع لرفعه فإذا فيه ولدان ولا يعرف ولده من غيره، ومات قبل الظهور لا يرث واحد منهما، ويوضع ماله في بيت المال ونفقتهما على بيت المال، ولا يرث أحدهما من صاحبه، والرابعة: حرة وأمة ولدت كل واحدة ولدا في بيت مظلم ولا يعلم ولد الحرة من غيره لا يرث واحد منهما، ويسعى كل واحد منهما لمولى الامة.
والخامسة: رجل له ابن من حرة وابن من أمة لانسان أرضعتهما ظئر واحدة حتى كبرا ولا يعرف ولد الحرة من غيره فهما حران، ويسعى كل واحد
منهما في نصف قيمته لمولى الامة ولا يرثان منه.
قوله: (فلا توارث) أي لا يرثها واحد منهما.
قوله: (من ولد) الاولى بولد.
قوله: (إلا أن يصطلحا) أي الوالدان فإن الميراث لا يعدوهما، فمن أخذ حصة وهو الوارث حقيقة فذلك من حظه، ويعد ما أخذه الآخر هبة من المستحق، والظاهر أنه راجع إلى المسألة السابقة أيضا إ ه ط.
أقول: بل إلى كل المسائل المارة وإن ما مر من وضعه في بيت المال محمول على ما إذا لم يصطلحا.
تأمل.
تتمة: جملة الموانع حينئذ ستة، وقد زاد بعضهم من الموانع النبوة لحديث الصحيحين: نحن معاشر الانبياء لا نورث، ما تركنا صدقة وفي الاشباه عن التتمة: كل إنسان يرث ويورث إلا الانبياء لا يرثون ولا يورثون: وما قيل من أنه عليه الصلاة والسلام ورث خدية لم يصح، وإنما وهبت مالها له في صحتها ا ه.
قلت: لكن كلام ابن الكمال وسكب الانهر يشعر بأنهم يرثون.
وتمامه في الرحيق المختوم.
وزاد بعضهم الردة، فالمرتد لا يرث أحدا إجماعا، وليس ذلك لاختلاف الدين لانه لا ملة له على ما عرف في محله، فالموانع حينئذ ثمانية.
وزاد بعضهم تاسعا وهو اللعان.
قال في الدر المنتقى.
وفي الحقيقة الموانع خمسة: أربعة المتن، والردة كما علم ذلك بالاستقراء الشرعي، وما زاد عليها فتسميته مانعا(1/361)
مجاز، لان انتفاء الارث معه ليس بوجود مانع بل لانتفاء الشرط أو السبب ا ه.
بيانه: إن شرط الارث وجود الوارث عند موت المورث، وذلك منتف في جهالة تاريخ الموتى لعدم العلم بوجود الشرط ولا توارث مع الشك، وكذا في جهالة الوارث فإنها كموته حكما كما في المفقود.
وأما ولد اللعان فإنه لا يرث من أبيه وبالعكس لقطع نسبه، فعدم الارث في الحقيقة لعدم السبب، وهو نسبته إلى أبيه، وأما النبوة ففي كونها من انتفاء الشرط أو السبب كلام يعلم من شرحنا الرحيق المختوم، والذي يظهر أن العلة في عدم كونها من الموانع هي كون النبوة معنى قائما في المورث، والمانع هو ما يمنع الارث لمعنى قائم في الوارث على ما قدمناه في تعريفه.
تكميل: عد الشافعية من الموانع الدور الحكمي، وهو أن يلزم من التوريث عدمه، كما لو مات عن أخ فأقر الاخ بابن للميت فيثبت نسبه ولا يرث عندهم، لانه لو ورث لحجب الاخ فلا يقبل إقراره، فلا يثبت نسب الابن فلا يرث، لان إثبات إرثه يؤدي إلى نفيه فينتفي من أصله، وهذا لم يذكره علمائنا لصحة إقرار المقر في حق نفسه فقط فيرث الابن دونه كما حققته في الرحيق المختوم مؤيدا بالنقل، ومر تمامه في باب إقرار المريض.
قوله: (لانها أصل الولاد) بكسر الواو مصدر ولد: أي أصل ودة الاصل والفروع، فالكل أولادها غالبا لانه قد تكون الولادة بالتسري ثم هي بهذا الاعتبار، وإن كان أما لكن صفة الزوجية سابقة على صفة الامومة فلذا لم تقدم الام.
تأمل.
قوله: (مع ولد) أي للزوج الميت ذكرا أو أنثى ولو من غيرها.
قوله: (وإن سفل) بفتح الفاء من السفول ضد العلو من باب نصر، وبضمها من السفال بمعنى الدناءة من باب شرف.
ابن كمال.
والمراد الاول.
قوله: (نكاح ميتة) أما لو كانت حية تهاتر البرهان: وهي لمن صدقته إذا لم تكن في يد من كذبته ولم يكن دخل المكذب بها وإن أرخا فالسابق أحق ط.
قوله: (وبرهنا) قال في البحر في باب دعوى الرجلين: لو برهنا على النكاح بعد موتها، ولم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما يقضى به بينهما، وعلى كل منهما نصف المهر ويرثان ميراث زوج واحد، فإن جاءت بولد يثبت النسب منهما، ويرث من كل منهما ميراث ابن كامل، وهما يرثان من الابن ميراث أب واحد.
كذا في الخلاصة وفي منية المفتي، ولا يعتبر فيه الاقرار واليد ا ه.
ومثله في جامع الفصولين.
قوله: (ولم تكن في بيت واحد منهما) هو معنى ما في روح الشروح: ولم تكن في يد واحد منهما، ومفهومه اعتبار اليد، وهو خلاف ما قدمناه آنفا، فتدبر.
قوله: (والنصف له) أي للزوج، وبقي ممن يستحق النصف أربعة كان ينبغي ذكرهم هنا كما فعل في بقية الفروض، وهم النبت وبنت الابن عند عدمها والاخت لابوين والاخت لاب عند عدمها إذا انفردن عمن يعصبهن.
قوله: (والجد) أي فهو كالاب عند عندمه إن لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى وهو الجد الصحيح، فإن تخلل في نسبته إلى الميت أم كان فاسدا فلا يرث إلا على أنه من ذوي الارحام، لانص تخلل الام في النسبة يقطع النسب إذ النسب إلى الآباء.
زيلعي.
قوله: (الفرض(1/362)
المطلق) أي عن ضميمة التعصيب إليه.
قوله: (مع ولد أو ولد ابن) حيث قيد الفرض بالمطلق فكان ينبغي أن يقيد الولد بالذكر لان الولد يشمل الانثى، لكن تركه لانفهامه مما بعده.
قوله: (مع البنت أو بنت الابن) فإن له السدس فرضا وللبنت أو بنت الابن النصف والباقي له تعصيبا.
قوله: (إلا في ثلاثة عشر مسألة) الاصوب في ما بعض النسخ ثلاث عشر بتذكير الثلاث وتأنيث العشرة لتأنيث مسألة وإن كان لفظيا.
قوله: (وله خمس في الفرائض) الاولى أن أمه لا ترث معه، وترث مع الجد.
الثانية: أن الميت إذا ترك الابوين وأحد الزوجين فلامه ثلث ما يبقى بعد نصيب أحد الزوحين، ولو كان مكان الاب جد فللام ثلث حميع المال، إلا عند أبي يوسف فإن لها ثلث الباقي أيضا.
الثالثة: أن بني الاعيان والعلات كلهم يسقطون مع الاب إجماعا، ويسقطون مع الجد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا عندهما.
الرابعة: أن أبا المعتق مع ابنه يأخذ سدس الولاء عند أبي يوسف، وليس للجد ذلك، بل الولاء كله للابن، ولا يأخذ الجد شيئا من الولاء عند سائر الائمة.
الخامسة: لو ترك جد معتقه وأخاه، قال أبو حنيفة: يختص الجد بالولاء، وقالا: الولاء بينهما، ولو كان مكان الجد أب فالميراث كله له اتفاقا، قال في المنح: وهذه مستفاد حكمها من حكم المسألة الثالثة ا ه ح.
قوله: (وباقيها في غيرها).
الاولى: لو أوصى لاقرباء فلان لا يدخل الاب ويدخل الجد في ظاهر الرواية.
الثانية: تجب صدقة فطر الولد على أبيه الغني دون جده.
الثالثة: لو أعتق الاب جر ولاء ولده إلى مواليه دون الجد.
الرابعة: يصير الصغير مسلما بإسلام أبيه دون جده.
الخامسة: لو ترك أولادا صغارا ومالا فالولاية للاب فهو كوصي الميت، بخلاف الجد.
السادسة: في ولاية النكاح: لو كان للصغير أخ وجد فعلى قول أبي يوسف يشتركان، وعلى قول الامام يختص الجد، ولو كان مكانه أب اختص اتفاقا.
السابعة: إذا مات أبوه صار يتيما، ولا يقوم الجد مقام الاب لازالة اليتيم عنه.
الثامنة: لو مات وترك أولادا صغار ولا مال له وله أم وجد أبو الأب، فالنفقة عليهما أثلاثا، الثلث على الام، والثلثان على الجد، ولو كان كالاب كان كلها عليه ا ه ح.
أقول: وفي الخامسة نظر لما تقدم قبيل شهادة الاوصياء أن الولاية في مال الصغير لابيه، ثم لوصي الاب، ثم للجد، ثم لوصيه، ثم للقاضي، فالجد يقوم مقام الاب عند عدم الاب ووصيه فلم يخالف الجد فيها الاب.
تأمل.
والسادس: يجري فيها ما تقدم عن المنح.
وقوله: في الثامنة:(1/363)
وله أم وجد موافق لما في بعض نسخ الاشباه، وفي بعضها ولهم بضمير الجمع العائد إلى الصغار، وهو الصواب لان نفقة الصغير تجب على قريبه المحرم بقدر الارث كما في المتون: أي بقدر إرث المحرم من الصغير لو مات، فإذا كانت الام هنا أم الصغار صح كون الثلث عليها والباقي على الجد، لانه قدر أرثها منهم، أما لو كانت أم أبيهم الميت يكون عليها السدس، لانها جدة لهم وفرض الجدة السدس لا الثلث، فلا يصح إرجاع الضمير إلى الميت بل يتعين إرجاعه إلى الصغار، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.
قوله: (وزاد ابن المصنف الخ) أقول: يزاد أيضا أنه لا تحب نفقته على الجد المعسر، وأنه لا يصير مسلما بإسلام جده، وإن الجد إلى أن أقر بنافلة وابنه حي لا يثبت النسب بمجرد إقراره، ذكر ذلك السيد في شرح السراجية، وزدت أخرى أيضا تقدمت قبيل فصل شهادة الاوصياء وهي في الخانية حيث قال: فرق أبو حنيفة بين الوصي وأبي الميت، فللوصي بيع التركة لقضاء الدين، وأبو الميت له بيعها لقضاء الدين على الاولاد لا لقضاء الدين على الميت، وهذه فائدة تحفظ من الخصاف.
وأما محمد فأقام الجد مقام الاب، ويقول الخصاف يفتى ا ه.
وحاصله: أن جد الصغير خالف الاب ووصي الاب في هذه، ثم رأيت صاحب الوهبانية ذكرها هنا ولله الحمد.
قوله: (ضمن الاب صهر صبيه) على تقدير مضاف: أي مهر زوجة صبيه: أي ابنه الصغير، وما في عامة النسخ من التعبير بصبيته بالتاء فتحريف.
قوله: (رجع لو شرط) أي يرجع عليه في ماله، ولو لم يكن له مال حين العقد لو شرط الرجوع وأشهد أخذا مما في جامع الفصولين
أيضا نقد من ماله ثمن شئ شراه لولده ونوى الرجوع يرجع ديانة لا قضاء ما لم يشهد، ولو ثوبا أو طعاما وأشهد أنه يرجع فله أن يرجع لو له مال، وإلا فلا لوجوبها عليه، ولو قنا أو شيئا لا يلزمه رجع، وإن لم يكن له مال لو أشهد، وإلا لا ا ه.
قلت: والتزويج مما لا يلزم الاب فيرجع إن أشهد وإن لم يكن للصغير مال.
قوله: (وإلا لا) أي استحسانا للعرف.
جامع الفصولين.
قوله: (رجع مطلقا) أي وإن لم يشرط، لان العادة لم تجر بتحمله المهر عن الصغير.
قوله: (مع أحدهما) أي الولد وولد الابن ذكرا أو أنثى.
قوله: (من أي جهة كانا) أي سواء كان الاثنان فأكثر لابوين أو لاب أو لام.
قوله: (ولو مختلطين) أي ذكورا وإناثا من جهة واحدة أو أكثر.
قوله: (والثلث عند عدمهم) أي عدم الولد وولد الابن والعدد من الاخوة(1/364)
والاخوات، وعند عدم الاب مع أحد الزوجين، فافهم.
قوله: (وثلث الباقي الخ) تحته صورتان كما سيأتي.
قال ط: وإنما ذكر الشارح هاتين الحالتين: يعني الثلث وثلث الباقي مع ذكر المصنف لهما فيما سيأتي للاشارة إلى أن الاول جمع حالات الام متوالية.
قوله: (مطلقا: أي لام) أو لاب كما مثل.
قوله: (أي صحيحات) الجدة الصحيحة من ليس في نسبتها إلى الميت جد فاسد، وهي ثلاثة أقسام: المدلية بمحض الاناث كأم أم الام، أو بمحض الذكور كأم أبي الاب، أو بمحض الاناث إلى محض الذكور كأم أم الاب، بخلاف العكس كأم أبي الام فإنها فاسدة.
قوله: (مطلقا) أي سواء كانت القربى أو البعدي من جهة الام أو الاب، وسواء كانت القرب ء وارثة كأم الاب عند عدمه مع أم أم الام، أو محجوبة بالاب عند وجوده.
قوله: (كما سيجئ) أي عند ذكر الحجب.
قوله: (والسدس لبنت الابن الخ) للبنات ستة أحوال: ثلاثة تتحقق في بنات الصلب وبنات الابن، وهي النصف للواحدة والثلثان للاكثر، وإذا كان معهن ذكر عصبهن، وثلاثة تنفرد بها بنات الابن.
الاولى: ما ذكره المصنف.
الثانية: يسقطن بالصلبيتين فأكثر، إلا أن يكون معهن غلام ليس أعلى منهن فيعصبهن.
الثالثة: يسقطن بالابن الصلبي، وسيأتي بيانها.
قوله: (والسدس للاخت لاب الخ) اعلم أن
للاخوات لغير أم سبعة أحوال: خمسة تتحقق في الاخوات لابوين، والاخوات لاب، وهي الثلاثة المارة في بنات الصلب.
والرابعة: أنهن يصرن عصبات مع البنات أو بنات الابن.
والخامسة: أنهن يسقطن بابن وابنه، وبالاب اتفاقا، وبالجد عند الامام.
وثنتان تنفرد بهما الاخوات لاب: الاولى ما ذكره المصنف.
الثانية أنهن يسقطن مع الشقيقتين فأكثر، إلا أن يكون معهن من يعصبهن.
وفي بعض نسخ السراجية: ويسقطن بالاخت لاب وأم إذا صارت عصبة: أي إذا كانت مع البنات أو بنات الابن.
قال السيد لانها حينئذ كالاخ في كونها عصبة أقرب إلى الميت كما سيأتي.
قوله: (والسدس للواحد من ولد الام) أي للاخ أو الاخت لام، ولهم ثلاثة أحوال ذكر منها اثنتين، والثالث أنهم يسقطون بالفرع الوارث وبالاب والجد كما سيأتي.
قوله: (عند عدم من لها معه السدس) أي أو ثلث الباقي.
قوله: (بعد فرض أحد الزوجين) متعلق بالباقي: أي ثلث ما يبقى بعض فرض الزوجة أو الزوج.
قوله: (وأم) لفظ أم في الموضعين زائد.
أفاده ح: أي لانها أحد الابوين.
قوله: (فلها حينئذ الربع) لان الزوجة الربع ومخرجه من أربعة يبقى ثلاثة للام ثلثها واحد وهو ربع الاربعة وللاب الباقي.
قوله: (فلها حينئذ السدس) لانها نصح من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللام ثلث ما يبقى، وهو واحد وللاب الباقي.
قوله: (تأدبا الخ) لان المراد من قوله تعالى: * (فلامه الثلث) * (النساء: 11) ثلث ما ورثه الابوان سواء كان جميع المال أو بعضه للادلة المذكورة في المطولات، فالثلث هنا وإن صار في الحقيقة ربع جميع المال أو سدسه إلا أن الادب التعبير به تبركا(1/365)
بلفظ القرآن وتباعدا عن إيهام المخالفة.
قوله: (لانه لا يتعدد) الاولى إسقاطه لما قدمه من إمكان تعدده، وقد يقال: ليس ذاك تعددا لا حقيقة ولا صورة، وإنما شرك بينهما دفعا للترجيح بلا مرجح، ولذا لم يعطيا إلا نصيب زوج واحد، وعيه فقول المصنف: إلا الزوج تبعا للمجمع مستدرك.
تأمل.
والله تعالى أعلم.
فصل في العصبات
قال في المغرب: العصبة قرابة الرجل لابيه، وكأنها جمع عاصب وإن لم يسمع به، من عصبوا به: إذا أحاطوا حوله، ثم سمي بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث للغلبة، وقالوا في مصدرها: العصوبة.
الذكر يعصب المرأة: أي يجعلها عصبة ا ه.
فالعصبات جمع الجمع كالجمالات، أو جمع المفرد على جعل العصبة اسما: تأمل.
قوله: (وعصبة بغيره وعصبة مع غيره) سيأتي بيان الفرق بينهما.
قوله: (فالانثى لا تكون عصبة بنفسها الخ) أشار إلى أنه خرج بقوله: وهو كل ذكر العصبة بالغير والعصبة مع الغير فإنهما إناث فقط، وأما المعتقة فهي وإن كانت عصبة بنفسها فهي ليست نسيبة، والمقصود العصبات النسبية كما أشار إليه أولا، ولذلك خرج المعتق أيضا.
قوله: (لم يدخل الخ) المراد عدم توسط الانثى، سواء توسط بينه وبين الميت ذكر كالجد وابن الابن أو لا كالاب والابن الصلبي.
قوله: (كولد الام) أي الاخ لام، وأما الاخ وب وأم فإنه عصبة بنفسه، مع أن الام داخلة في نسبته.
وأجيب بأن المراد من لا ينتسب بالانثى فقط، وأجاب السيد بأن قرابة الاب أصل في استحقاق العصوبة، فإنها إذا انفردت كفت في إثبات العصوبة، بخلاف قرابة الام فإنها لا تصلح بانفرادها علة لاثباتها، فعي ملغات في استحقاق العصوبة سكنا، جعلناها بمنزلة وصف زائد فرجحنا بها الاخ لاب وأم على الاخ لاب ا ه.
أقول: وهذا أولى من قول بعضهم أنه خرج بقوله في نسبته حيث لم يقل في قرابته، فإن الانثى داخلة في قرابته لاخيه لا في نسبته إليه، لان النسب للاب فلا يثبت بواسطة غيره ا ه.
فإنه يرد عليه أن المعتبر هنا النسبة إلى الميت لا إلى الاب، فالمراد بها القرابة لا النسب الشرعي، وإلا لزم أن لا تكون العصبة إلا إذا كان الميت أبا أو جدا فيخرج الاخ والعم ونحوهما فافهم.
ثم رأيت العلامة يعقوب قد زيف هذا الجواب وأخرجه عن دائرة الصواب، بنحو ما قلناه والحمد لله.
وبالجملة فتعريف العصبة لا يخلو عن كلام ولو بعد تحرير المراد فإنه لا يدفع الايراد، ولذا قال ابن الهائم في منظومته: وليس يخلو حده عن نقد فينبغي تعريفه بالعد وأيضا فتخصيصه بالعصبة النسبية لا داعي له، وقد عرفه العلامة قاسم في شرح فرائض المجمع
بقوله هو ذكر نسيب أدلى إلى الميت بنفسه أو بمحض الذكورة أو معتق فقوله أو معتق بالرفع عطفا على(1/366)
ذكر، ولو حذف محض لكان أولى ليدخل الاخ الشقيق وبعد هذا ففيه نظر فتدبر.
قوله: (فإنه ذو فرض) أي فقط وإلا فلا يلزم من كون وارث ذا فرض أن لا يكون عصبة فإن كلا من الاب والجد ذو فرض ويصير عصبة.
قوله: (أي جنسها) أي قال للجنس فتبطل معنى الجمعية، فيشمل ما إذا كان هناك فرض واحد وحاز الباقي بعد إعطائه لمستحقه ط.
قوله: (بجهة واحدة) قال في المنح: قيدنا به حتى لا يرد أن صاحب الفرض إذا خلا عن العصوبة قد يحرز جميع المال لان استحقاقه لبعضه بالفرضية والباقي بالرد.
قوله: (جزء الميت الخ) المراد في الجميع الذكور كما هو الموضوع.
قوله: (ثم جزء جده) أراد بالجد ما يشمل أبا الاب، ومن فوقه بدليل قوله الآتي، وإن علا فلا يرد أن عم الاب وعم الجد في كلامه الآتي خارجان عن الاصناف الاربعة.
قوله: (ويقدم الاقرب فالاقرب الخ) أي الاقرب جهة ثم الاقرب درجة ثم الاقوى كقرابة فاعتبار الترجيح أولا بالجهة عند الاجتماع، فيقدم جزؤه كالابن وابنه على أصله كالاب وأبيه ويقدم أصله على جزء أبيه كالاخوة لغير أو وأبنائهم، ويقدم جزء أبيه على جزء جده كالاعمام لغير أو وأبنائهم وبعد الترجيح بالجهة إذا تعدد أهل تلك الجهة اعتبر الترجيح بالقرابة، فيقدم الابن على ابنه والاب على أبيه والاخ على ابنه لقرب الدرجة، وبعد اتحاد الجهة والقرابة يعتبر الترجيح بالقوة، فيقدم الاخ الشقيق على الاخ لاب وكذا أبناؤهم، وكل ذلك مستفاد من كلام المصنف، وصرح به العلامة الجعبري حيث قال: فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا قوله: (ويكون الخ) الاولى ذكر عند ذكر الاب فينا تقدم كما فعله الشارح ط.
قوله: (ثم الجد الصحيح) هو من لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى.
قوله: (وهو أب الاب) الاولى رسم أبو بالواو بناء على اللغة المشهورة من إعرابه بالحروف.
قوله: (ثم لاب) أي أثم الاخ لاب أما الام لام فذو فرض فقط كما مر.
قوله: (لابوين) متعلق بمحذوف حال من الضمير.
قوله: (قيل: وعليه الفتوى) قاله صاحب السراجية في شرحه عليها كما سيأتي، وقد أشار إلى أن المعتمد الاول، وهو
مذهب الصديق رضي الله عنه.
قوله: (كذلك) أي لابوين ثم لاب، وهو في موضع الحال من عم الاب وعم الجد.
قوله: (وإن سفلا) أي ابن عم الاب وابن عم الجد.
قوله: (فأسبابها) أي العصوبة.
قوله: (وبعد ترجيحهم الخ) أي ترجيح أهل كل صنف من الاصناف الاربعة بقرب الدرجة، كترجيح(1/367)
الاخوة مثلا على أبنائهم يرجح بقوة القاربة إذا تفاوتوا فيها كالاخ الشقيق مع الاخ لاب كما مر.
قوله: (بأبوين وأب) متعلق بالتفاوت، قوله: كما مر حال منه، وقوله: بقوة القاربة متعلق بيرجحون.
قوله: (كالشقيقة الخ) فيه أن الكلام في العصبة بالنفس وهذه عصبة مع الغير، لكن قال السيد: إنما ذكرها هنا وإن لم تكن عصبة بنفسها لمشاركتها في الحكم لمن هو عصب بنفسه.
قوله: (إن أعيان بني الام الخ) تمام الحديث: يرث الرجل أخاه لابيه وأمه دون أخيه لابيه رواه الترمذي وابن ماجه ا ه.
قاسم.
وسيذكر الشارح أن بني الاعيان الاخوة لاب وأم، سموا بذلك لانهم من عين واحدة.
أي أب وأم واحدة، وإن بني العلات الاخوة لاب سموا بذلك لان الزوج قد عل من زوجته الثانية، والعلل: الشرب الثاني، يقال عله: إذا سقاه السقية الثانية.
وأما الاخوة لام فهو بنو الاخياف كما سيأتي.
والظاهر أن المراد ببني الام في الحديث ما يشمل الاخوة لاب وأم والاخوة لام فقط، وأن المراد بأعيانهم القسم الاول يدل عليه قوله في المغرب: أعيان القوم أشرافهم، ومنه قولهم للاخوة لاب وأم بنو الاعيان، ومنه حديث: أعيان بني أم يتوارثون ا ه.
وقال السيد: والمقصود بذكر الام ها هنا إظهار ما يترجح به بنو الاعيان على بني العلات ا ه: أي لانهم زادوا عليهم بقرابة الام ولذا كانوا أعيانا.
قوله: (البنات) اسم يصير مؤخر وخبره قوله: عصبة بغيره وقوله: وبالابن قيد به لانهن عند عدمه صاحبات فرض دائما، وابن الابن لا يعصب ذات فرض.
قوله: (وإن سفلوا) أي بنات الابن وابن الابن.
قوله: (بأخيهن) أي المساوي لهن قرابة.
درر البحار.
قال الطوري: وفي كشف الغوامض: ولا يعصب الشقيقة الاخ لاب إجماعا لانها أقوى منه في النسب بل تأخذ فرضها، ولا يعصب الاخت لاب أخ شقيق بل يحجبها لانه أقوى منها إجماعا ا ه.
وفي منظومة المصنف المسماة
تحفة القرآن: ولا ترث أخت له من الاب مع صنوه الشقيق فاحفظ تصب ذكر في شرحها عن الجواهر أن بعضهم ظن أن للاخت النصف، وهذا ليس بشئ ا ه.
قوله: (ذوات النصف والثلثين) خبر بعد خبر أو بدل من أربع: أي من لهن النصف إذا انفردن والثلثان إذا تعددن، وهن البنت وبنت الابن والاخت لابوين أو لاب.
قيل: كان الواجب أن تذكر الام مع الاب، فإنه يعصبها إذا كانا مع أحد الزوجين كما مر.
وأجيب: بأن أخذها الثلث الباقي بطريق الفرض لا التعصيب، وأشار إلى ما في السراجية وشرحها من أن لا فرض لها من الاناث وأخوها عصبة لا تصير عصبة بأخيها كالعم والعمة إذا كانا لاب وأم أو لاب وكان المال كله للعم دون العمة، وكذا في ابن العم مع بنت العم وفي ابن الاخ مع بنت الاخ ونظمت ذلك بقولي:(1/368)
ولم يعصب غير ذات سهم أخ كمثل عمة وعم قوله: (ولو حكما) تعميم للاخ بالنظر إلى بنت الابن، فإن عصوبتها لم تختص بأخيها فقط فإنها تصير عصبة به وبابن عمها، وبمن هو أسفل منها إذا لم تكن ذات فرض كما سيأتي بيانه.
قوله: (الاخوات مع البنات) أي الاخوات لابوين أو لاب، أما الاخت لام فلا يعصبها أخوها، وهو ذكر فعدم كونها عصبة مع الغير أولى.
قوله: (لقول الفرضين الخ) جعله في السراجية وغيرها حديثا.
قال في سكب الانهر.
ولم أقف على من خرجه، لكن أصله ثابت لخبر ابن مسعود رضي الله عنه، وهو ما رواه البخاري وغيره في بنت وبنت ابن وأخت للبنت النصف، ولبنت الابن السدس وما بقي فللاخت، وجعله ابن الهائم في فصوله من قول الفرضين وتبعه شراحها كالقاضي زكريا وسبط المارديني وغيرهما ا ه.
تنبيه: الفرق بين هاتين العصبتين أن الغير في العصبة بغيره، يكون عصبة بنفسه فتتعدى بسببه العصوبة إلى الانثى وفي العصبة مع غيره، لا تكون عصبة أصلا، بل تكون عصوبة تلك العصبة مجامعة لذلك الغير.
سيد.
وفيه إشارة إلى وجه اختصاص الاول بالباء والثاني بمع.
قال في سكب
الانهر: الباء للالصاق، والالصاق بين الملصق والملصق به لا يتحقق إلا عند مشاركهما في حكم الملصق به، فيكونان مشاركين في حكم العصوبة، بخلاف كلمة مع فإنها للقران، والقران يتحقق بين الشخصين بغير المشاركة في الحكم كقوله تعالى: * (وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) * أي وزيره حيث كان مقارنا به في النبوة، وكلفظ القدوري: ومن فاتته صلاة العيد مع الامام: أي فاتته الصلاة المقارنة بصلاة الامام لا أن تفوتهما معا فتكون هي عصبة دون ذلك الغير.
وقال بديع الدين في شرح السراجية: الفرق أن مع قد تستعار للشرط والباء للسبب ا ه.
قوله: (كما بسطه العلامة قاسم) أي في تصحيح القدوري نقلا عن الجواهر حيث قال: إن كانت الملاعنة حرة الاصل فالميراث لمواليهما وهم إخوتهما وسائر عصبة أمهما، وإن كانت معتقة فالميراث لمعتقها ونحوه ابن المعتق وأخوه وأبوه، فقوله لمواليهما يتنازل المعتق وغيره وهو عصبة أمهما.
ا ه.
ونحوه في الجوهرة.
أقول: وهذا مخالف لما ذكره شراح الكنز وغيرهم.
قال الزيلعي: ولا يتصور أن يرث هو أو يورث بالعصوبة إلا بالولاء أو الولاد، فيرثه من أعتقه أو أعتق أمه أو من ولده العصوبة، وكذا هو يرث معتقه أو معتق معتقه أو ولده بذلك ا ه.
فهو صريح في أنه إذا كان هو أو أمه حر الاصل فلا يرث أو يورث بالعصوب إلا إذا كان له ولد: أي ابن أو ابن ابن.
وقال في معراج الدراية: ثم لا قرابة له من قبل أبيه ولو قرابة من جهة أمه فلا تكون عصبة أمه عصبته، ولا أمه عصبة له عند الجمهور.
وعن ابن مسعود أن عصبة أمه عصبته.
وعنه في رواية أخرى: أن أمه عصبته، لما روى واثلة بن الاسقع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تحرز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت(1/369)
عليه وقلنا: الميراث إنما يثبت بالنص، ولا نص في توريث الام أكثر من الثلث، ولا في توريث أخ من أم أكثر من السدس، ولا في توريث أبي الام ونحوه من عصبة الام، ولان العصوبة أقوى أسباب الارث والادلاء بالام أضعف، فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الارث، وفي الحديث بيان أنها تحرز الاحراز لا يدل على العصوبة، فإنه يجوز أن تحرز فرضا وردا لا تعصيبا.
وأما حديث: عصبته قوم أمه فمعناه في الاستحقاق بمعنى العصوبة، وهي الرحم، لا في إثبات حقيق العصوبة ا ه
ملخصا.
وقال في المجتبى شرح القدوري: قوله وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما، معناه والله أعلم: أن الام ليست بعصبة له ولا عصبة الام كما ذهب إليه ابن مسعود رضي الله عنه، إنما عصبته مولى الام إذا كان لها مولى، وما ذهب إليه أصحابنا مذهب علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، ووجهه أن الام لما لم تكن عصبة في حق غير ولد الزانية والملاعنة فكذا في حقه كذوي الارحام ا ه.
قوله: (لانه لا أبا لهما) تعليل للمتن، وزاد في الاختيار ما نصه: والنبي صلى الله عليه وآله ألحق ولد الملاعتة بأمه فصار كشخص لا قرابة له من جهة الاب، فوجب أن يرثه قرابة أمه ويرثهم، فلو ترك بنتا وأما والملاعن فللبنت النصف وللام السدس والباقي يرد عليهما كأن لم يكن له أب، وهكذا لو كان معهما زوج أو زوجة فإنه يؤخذ فرضه الباقي بينهما فرضا وردا، ولو ترك أمه وأخاه لامه وابن الملاعن فلامه الثلث ولاخيه لامه السدس والباقي مردود عليهما، ولا شئ لابن الملاعن لانه لا أخا له من جهة الاب، وإذا مات ولد ابن الملاعنة ورثه قوم أبيه وهم الاخوة، ولا يرثه قوم جده: أعني الاعمام وأولادهم، وبهذا يعرف بقية مسائله ا ه.
ومثله في المنح.
أقول: وهذا مؤيد لما قدمناه حيث جعل لامه ولاخيه لامه السدس، مع أن أخاه عصبة الام، فلو كان عصبة أمه الحرة عصبة له لاخذ الباقي بعد فرض الام.
قوله: (ويفترقان الخ) كذا قاله في الاختيار، وتبعه في المنح وسكب الانهر وغيرهما.
أقول: وهو خلاف ما جزم به الشارح في آخر باب اللعان، حيث ذكر أن ولد الملاعنة يرث من توأمه ميراث أخ لام أيضا، ومثله في البحر عن شهادات الجامع.
وقال في معراج الدراية: ولد الملاعنة إذا كان توأما فعندنا وعند الشافعي وأحمد والجمهور هما كالاخوين لام، وقال مالك: كالاخوين لابوين ثم ذكر الدليل والتفاريع فراجعه، وهذا صريح في أن ما ذكره الشارح هنا مذهب مالك.
تأمل قوله: (وتختم العصبات الخ) أي ختما إضافيا، وإلا فالختم في الحقيقة بعصبة المعتق، ثم إن هذا بيان للقسم الثاني وهو العصبة السببية، ولا يخفى أن المعتق عصبة بنفسه لا بغيره ولا مع غيره، لكن ربما يتوهم بناء على أنه عصبة بنفسه تقدمه على لعصبة بغيره أو مع غيره من النسب، فأشار بهذه العبارة إلى تأخر
عن أقسام العصابات النسبية بأسرها، لان النسبي أقوى من السببي، فلذا غير الاسلوب، وإلا بالظاهر المناسب لما سبق أن يقول: والعصبة السببية مولى العتاقة.
أفاده يعقوب.
قوله: (أي المعتق) الاولى مولى لعتاقة كما أوضحناه فيما مر.
قوله: (ثم عصبته بنفسه الخ) أفاد أن عصبة عصبة المعتق لا ترث كما(1/370)
بيناه سابقا، واحترز بالعصبة عن أصحاب فروض المعتق كبنته وأمه وأخته فلا يرثون لانه لا مدخل للفرض في الولاء، وقيد العصبة بنفسه احترازا عن العصبة بغيره ومع غيره كما سيأتي، وقدمنا أن من شرائط ثبوت الولاء أن لا تكون الام حرة الاصل، فإن كانت فلا ولاء لاحد على ولدها وإن كان الاب معتقا.
قوله: (على الترتيب المتقدم) فتقدم عصبة المعتق النسبية بنفسها على عصبته السببية: أعني معتق المعتق ومعتقه وهكذا، فيقدم ابن المعتق ثم ابنه وإن سفل، ثم أبوه ثم جده وإن علا الخ، ثم معتق المعتق، ثم عصبته على الترتيب المذكور، ثم معتق معتق المعتق، ثم عصبته وهكذا، ابن كمال.
تنبيه: ابن وبنت اشتريا أباهما فاشترى الاب عبدا وأعتقه فمات بعد موت الاب عن الابن والبنت فالكل للابن، لان عصبة المعتق النسبية مقدمة على البنت لانها عصبة سببية.
سائحاني.
وكذا لو اشتريت أباها فعتق عليها ومات عناه وعن بنت أخرى وترك مالا فثلثاه لهما فرضا والباقي للاولى تعصيبا.
قوله: (الولاء لحمة) أي وصلة كلحمة النسب أخرجه ابن جرير في التهذيب من حديث عبد الله بن أبي أوفى بسند صحيح، وصححه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر.
قال السيد: ومعنى ذلك أن الحرية حياة للانسان، إذ بها تثبت صفة المالكية التي امتاز بها عن سائر ما عداه من الحيوانات والجمادات، والرقية تلف وهلاك، فالمعتق سبب لاحياء المعتق، كما أن الاب سبب لايجاد الولد، وكما أن الولد منسوب إلى أبيه بالنسب وإلى أقربائه بتبعيته، كذلك المعتق ينسب بالولاء: يعني إلى المعتق وإلى أقربائه بتبعيته، فكما يثبت الارث بالنسب كذلك يثبت بالولاء ا ه.
وفيه تنبيه على أن هذا الحديث إنما يدل على مجرد أن من له الولاء من مولى العتاقة أو عصبته فهو وارث دون أمر زائد عليه من كون الارث من الجانبين كما في النسب نحو إرث الاب ابنه وبالعكس أو من أحدهما، ويشعر بأن من له الولاء عصبته لتضمنه تشبيهه بالاب من حيث هو أب، ولا يدل على أنه
آخر العصبات.
وتمامه في شرح ابن الحنبلي.
فالاولى زيادة ما ذكره العلامة قاسم من قوله صلى الله عليه وآله: الميراث للعصبة، فإن لم تكن عصبة فللمولى رواه سعيد بن منصور من حديث الحسن.
قوله: (وإذا ترك المعتق) بفتح تاء المعتق اسم مفعول.
قوله: (وقال أبو يوسف للاب السدس) هو قوله الاخير، وقوله الاول كقولهما وجه قوله الاخير أن الولاء كله أثر الملك فيلحق بحقيقة الملك، ولو ترك المعتق بالكسر مالا وترك أبا وابنا كان لابيه سدس ماله والباقي لابنه، فكذا إذا ترك ولاء.
والجواب أنه وإن كان أثرا للملك لكنه ليس بمال ولا له حكم المال، كالقصاص الذي يجوز الاعتياض عنه بالمال، بخلاف الولاء فلا تجري به سهام الورثة بالفرضية كما في المال، بل هو سبب يورث به بطريق العصوبة، فيعتبر الاقرب فالاقرب والابن أقرب العصبات.
وتمامه في شرح السيد.
قوله: (على الترتيب المتقدم) أي بناء على الترتيب المتقدم في العصبات النسبية.
قوله: (وليس هنا الخ) محترز قوله: بنفسه.
مطلب في الكلام على حديث ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن قوله: (الحديث) لفظه كما في السراجية: ليس للنساء من الولاء إلا ما اعتقن أو أعتق من(1/371)
أعتقن، أو كاتبن أو كاتب من كاتبن، أو دبرن أدبر من دبرن، أو جر ولاء معتقهن أو معتق معتقهن ومعناه: ليس للنساء من الولاء إلا ولاء ما: أي العبد الذي أعتقنه، أو ولاء ما: أي العبد الذي أعتقه من أعتقنه، أو ولاء ما: أي العبد الذي كاتبنه، أو ولاء ما كاتب من كاتبنه، أو ولاء ما دبرنه، أو لاوء ما دبره من دبرنه، أو جر ولاء معتقهن، أو الولاء الذي هو مجرور معتق معتقهن، وحذف من كل نظير ما أثبته من الآخر: أي ليس لهن من الولاء إلا ولاء ما أعتقن، أو ولاء من أعتقن أو كاتب، أو دبر من أعتقن، أو ولاء ما كاتبن، أو ولاء ما كاتب أو أعتق، أو دبر من كاتبن، أو ولاء ما دبرنه، أو ولاء ما دبر أو أعتق، أو كاتب من دبرنه فكلمة ما المذكورة والمقدرة عبارة عن مرقوق يتعلق به الاعتاق فإنه بمنزلة سائر ما يتملك مما لا عقل له كما في قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهم) * (المؤمنون: 6) وكلمة من عبارة عمن صار حرا مالكا فاستحق أن يعبر عنه بلفظ العقلاء، فعبر عن الاول بما، وعن الثاني بمن وإن كانا حرين، لان الاول متصرف فيه كسائر
الاموال، والثاني متصرف كسائر الملاك.
قوله: أو جر عطف على المستثنى المحذوف وهو ولاء، وولاء المذكور مفعوله م (ومعتقهن فاعله، وهو على تقدير أن، والمصدر المنسبك بمعنى اسم المفعول كما في قوله تعالى: * (وما كان هذا القرآن أن يفترى) * (يونس: 73) أي مفترى، أو على تقدير موصوف حذف وأقيمت صفته مقامه، ووضع المظهر موضع المضمر، والتقدير: ليس للنساء من الولاء إلا كذا وإلا أن جر: أي مجرور معتقهن، أو الولاء جره معتقهن، وثم أوجه أخر لا تظهر.
وصورة ولاء مدبرهن: إن امرأة دبرت عبدا ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب وحكم بلحاقها وبحرية عبدها المدبر ثم أسلمت ورجعت إلى دار الاسلام ثم مات المدبر ولم يخلف عصبة نسبية، فهذه المرأة عصبته، وحكم مدبر هذا المدبر كذلك، فإذا حكم القاضي بحرية مدبرها بسبب لحاقها، فاشترى عبدا ودبره ثم مات ورجعت المرأة تائبة إلى دار الاسلام إما قبل موت مدبرها أو بعده ثم مات المدبر الثاني ولم يخلف عصلة نسبية فولاؤه لهذه المرأة، وقدمنا في كتاب الولاء في تصويره وجها آخر.
وصورة جره معتقهن الولاء: أن عبد امرأة تزوج بإذنها جارية قد أعتقها مولاها فولد بينهما ولد فهو حر، تبعا لامه وولاؤه لمولى أمه، فإذا أعتقت تلك المرأة عبدها جر ذلك العبد بإعتاقها إياه ولاء ولده إلى مولاته، حتى إذا مات المعتق ثم مات ولده وخلف معتقه أبيه فولاؤه لها.
وصورة جر معتق معتقهن الولاء: أن امرأة أعتقت عبدا، فاشترى العبد المعتق عبدا وزوجه بمعتقه غيره فولد بينهما ولد فهو حر، وولاؤه لمولى أمه، فإذا أعتق ذلك العبد المعتق عبده جر بإعتاقه ولاء ولد معتقه إلى نفسه ثم إلى مولاته.
هذا حاصل ما ذكروه في هذا المحل، وتمام الكلام على ذلك وشروط الجر يطلب من كتاب الولاء، فراجعه.
قوله: (وهو وإن كان فيه شذوذ الخ) الشاذ هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، فإذا انفرد الراوي بشئ نظر فيه: فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم يكن له مخالف، فإن كان ممن يوثق بحفظه وإتقانه فمقبول لا يقدح فيه انفراده، وإن لميكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه ذلك الذي انفرد به، فإن لم يبعد من درجة الحافظ الضابط المقبول نفرده فحديثه حسن، وإلا فشاد مردود.
هذا ما اختاره ابن الصلاح في تعريفه.
قوله: (لكنه تأيد الخ) فقد روى عن عمر وعلي وزيد بن ثابت رضي
الله عنهم أنهم كانوا لا يرثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو كاتبن.
رواه ابن(1/372)
أبي شيبة وعبد الرزاق والدارمي والبيهقي، وذكره رزين بن العبدي في مسنده بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ميراث الولاء للاكبر من الذكور، ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن أو أعتق من أعتقن ا ه.
قاسم.
قوله: (فصار بمنزلة المشهور) الحديث المشهور هو الذي يكون في القرن الاول آحادا ثم انتشر فصار في القرن الثاني ومن بعدهم متواترا، ولما كان القرن الاول وهم الصحابة ثقات لا يهتمون صارت شهادتهم بمنزلة المتواتر حجة، حتى قال الجصاص أنه أحد قسمي المتواتر.
يعقوب: قوله: (ثمص شرع في الحجب الخ) أي بعد بيان الوارثين من ذي فرض وعصبة، لان منهم من يحجب بالكلية أو عن سهم مقدر إلى أقل منه، وهو لغة: المنع مطلقا، واصطلاحا: منع من يتأهل للارث بآخر عما كان له الولاء فخرج القاتل والكافر وشمل نوعي الحجب، لان أئمتنا اصطلحوا على تسمية ما كان المنع لمعنى في نفسه ككونه رقيقا أو قاتلا محروما، وما كان لمعنى في غيره محجوبا، وقسموا الحجب إلى حجب حرمان: وهو منع شخص معين عن الارث بالكلية لوجود شخص آخر، وحجب نقصان: وهو حجبه من فرض مقدر إلى فرض أقل منه لوجود آخر، فخرج انتقاض السهام بالعول، وكذا انتقاص حصص أصحاب الفرائض بالاجتماع مع من يجانسهم عن حالة الانفراد كالزوجات مثلا، ثم حجب الحرمان يدخل فيمن عد الستة المذكورين متنا، وحجب النقصان يدخل في خمسة فقط كما سيذكره الشارح.
قوله: (أي الابوان) أي الاب والام دون من فوقهما، لان كلا من الجد والجدة قد يحجب حرمانا فهما من الفريق الآخر، فافهم.
قوله: (والولدان) أي الابن والبنت، وثناه للمناسبة، وإلا فالولد يشمل الذكر والانثى.
تأمل.
قوله: (سواء كانوا عصبات) كذا من بمعنى العصبات كذوي الارحام.
قوله: (وهو) أي حجب الحرمان في الفريق الثاني مبني على أصلين: أي مترتب وجوده على وجود مجموعهما، فإذا وجدا أو أحدهما وجد وإلا فلا، وفيه بحث يأتي قريبا.
قوله: (يحجب الاقرب) أي بحسب الدرجة أو القرابة، والضمير في سواهم للستة المذكورين في المتن.
قوله: (اتحد في السبب) كالجدات مع الام وبنات الابن مع الصلبيتين أو كالاخوة مع الاب.
قوله:
(من أدلى) الادلاء لغة: إرسال الدلو في البئر، ثم استعمل في كل شئ يمكن فيه ولو بطريق المجاز، فمعنى يدلي إلى الميت: يرسل قرابته إليه بشخص، والباء فيه للالصاق، فالقرابة مشتركة بين المدلي والواسطة ط.
قوله: (كابن الابن الخ) مثال من العصبات، ومثله من أصحاب الفروض أم الام لا ترث مع الام.
تنبيه: يرد على ما ذكره المصنف: لزوم حجب أم الام بالاب لانه أقرب منها وإن لم تدل به، وكذا حجب بنت الابن بالبنت الواحدة الصلبية والاخت لاب بالاخت لابوين وابن أخ لابوين بالاخ لام، فإن أجيب بأن المراد الاقرب من العصبات، ورد عليه أن هذين الاصلين للفريق الثاني الذين يرثون تارة ويحرمون أخرى، وفيهم العصبات وغيرهم.
وإن أجيب بأن المراد أن الاقرب يحجب الابعد(1/373)
إذا كان الابعد مدليا بالاقرب فلا معنى لكونهما أصلين ولزم عليه أن يرث ولد الابن مع الابن الذي ليس بأبيه فإنه لا يدلي به.
أفاده السيد.
قوله: (بجهة واحدة) احتراز عما لو انفردت فإنها تستغرق التركة لكن بجهتي الفرض والرد.
قوله: (والمحروم) أي من قام به مانع عن الارث المعنى في نفسه.
قوله: (عامة الصحابة).
وعن ابن مسعود أنه يحجب نقصانا لا حرمانا، كالابن الكافر مثلا مع أحد الزوجين، وعنه أيضا أنه يحجب الاخ لام بابن كافر حجب حرمان.
قوله: (أصلا) أي لا نقصانا ولا حرمانا.
قوله: (ويحجب المحجوب) أي المحجوب حرمانا يحجب غيره حرمانا ونقصانا، ومثل لكل بمثال.
قوله: (وتحجب أم أم الام) كذا في بعض النسخ لتكرار الام ثلاث مرات، وفي بعضها مرتين، والصواب الاول.
قوله: (بالام) فإنها تحجب من الثلث إلى السدس بالولد وولد الابن، وبالعدد من الاخوه أو الاخوات.
قوله: (وبنت الابن) تحجب من الصلبية من النصف إلى السدس.
قوله: (والاخت لاب) تحجب مع الشقيقة من النصف إلى السدس.
قوله: (والزوجين) فالزوج يحجب من النصف إلى الربع، والزوجة مع الربع إلى الثمن بالولد وولد الابن.
قوله: (ويسقط بنو الاعيان) قدمنا وجه تسميتهم بذلك.
قوله: (على أصول زيد) أي ابن ثابت الصحابي الخليل رضي الله عنه.
وحاصل أصوله: أن الجد مع الاخوة حين المقاسمة كواحد منهم إن لم تنقصه المقاسمة معهم عن
مقدار الثلث عند عدم ذي الفرض، وعن مقدار السدس عند وجوده، وله في الاولى أفضل الامرين من المقاسمة ومن ثلث جميع المال، وضابطه أنه إن كان معه دون مثليه فالمقاسمة خير له، أو مثلاه فسيان، أو أكثر فالثلث خير له.
وصور الاول خمس فقط: جد وأخ أو أخت أو أختان أو ثلاث أخوات أو أخ وأخت، والثاني ثلاثة: جد وأخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان، والثالث لا ينحصر.
وله في الثانية بعد إعطاء ذي الفرض فرضه من أقل مخارجه خير أمور ثلاثة، أما المقاسمة كزوج وجد وأخ للزوج النصف والباقي بين الجد والاخ، وأما ثلث الباقي كجدة وجد وأخوين وأخت للجدة السدس وللجد ثلث الباقي، وأما سدس كل المال كجدة وبنت وجد وأخوين للجدة السدس وللبنت النصف وللجد السدس لانه خير له من المقاسمة ومن ثلث الباقي.
وتمامه في شرحنا الرحيق المختوم وغيره.
قوله: (كما هو مذهب أبي حنيفة) وهو مذهب الخليفة الاعظم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو أعلم الصحاية وأفضلهم، ولم تتعارض عنه الروايات فيه فلذلك اختاره الامام الاعظم، بخلاف غيره فإنه روى عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الجد بمائة قضية يخالف بعضها بعضا، والاخذ بالمتفق عليه أولى، وهو أيضا قول أربعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
وروي عن ابن(1/374)
عباس رضي الله عنهما أنه قال: ألا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الاب أبا؟ وتمامه في سكب الانهر.
قوله: (وعليه الفتوى الخ) قال في سكب الانهر: وقال شمس الائمة السرخسي في المبسوط: والفتوى على قولهما.
وقال حيدر في شرح السراجية: إلا أن بعض المتأخرين من مشايخنا استحسنوا في مسائل الجد الفتوى بالصلح في مواضع الخلاف، وقالوا: إذا كنا نفتي بالصلح في تضمين الاجير المشترك لاختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم فالاختلاف هنا أظهر، فالفتوى فيه بالصلح أولى ا ه، ومثله في المبسوط.
وسبب اختلافهم في ذلك عدم النص في إرث الجد مع الاخوة من كتاب أو سنة، وإنما ثبت باجتهاد الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعد اختلاف كثير، وهو من أشكل أبواب الفرائض ا ه.
لكن المتون على قول الامام، ولذا أشار الشارح إلى اختياره هنا وفيما سبق.
قوله: (أي ببني الاعيان) أي
الذكور منهم كما هو صريح العبارة، حيث عبر ببني ولم يعبر بأولاد، بخلاف ما تقدم حيث فسر بني الاعيان بالاناث أيضا تغليبا لقبول المقام له، أما هنا فلا يقبله، فإن أولاد العلات لا يسقطون بالاخوات لابوين، ويدل عليه قوله: وكذا بالاخت الخ ا ه ح.
قلت: نعم، لكن قد يسقط بعد أولاد العلات بالاناث من بني الاعيان كالاخوات لاب يسقطن بالاختين لابوين ما لن يعصبهن أخ لاب كما سيأتي.
وعبارة السراجية أوضح ونصها: وبنو الاعيان وبنو العلات كلهم يسقطون بالابن وابن الابن وإن سفل وبالاب بالاتفاق، وبالجد عند أبي حنيفة، ويسقط بنو العلات بالاخ لاب وأم ا ه.
ويؤخذ منه أن الاخت لاب تسقط بالاخ لاب وأم كما قدمنا التصريح به عن كشف الغوامض وتحفة الاقران.
قوله: (أيضا) كان المناسب ذكره بعد قوله: وبهؤلاء.
قوله: (والجد) أي على الخلاف المار.
قوله: (إذا صارت عصبة) أي مع البنات أو مع بنات الابن، وإنما سقطوا بها لانها حينئذ كالاخ في كونها عصبة أقرب إلى الميت ا ه.
سيد.
قوله: (ويسقط بنو الاخياف) الخيف: اختلاف في العينين، وهو أن تكون إحداهما زرقاء والاخرى كحلاء، وفرس أخيف.
ومنه الاخياف: وهم الاخوة لآباء شتى، يقال أخوة أخياف.
وأما بنو الاخياف فإن قاله متقن فعلى إضافة البيان ا ه.
مغرب.
قوله: (بالولد الخ) أي ولو أنثى فيسقطون بستة بالابن والبنت وابن الابن وبنت الابن والاب والجد، ويجمعهم قولك الفرع الوارث والاصول الذكور، وقد نظمت ذلك بقولي: ويحجب ابن الام أصل ذكركذاك فرع وارث قد ذكروا قوله: (بالاجماع) مرتبط بقوله: والجد أي بخلاف بني الاعيان والعلات ففي سقوطهم به الخلاف المار.
قوله: (لانهم من قبيل الكلالة) علة لسقوطهم بما ذكر بيانه أنه قول تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت) * الآية، المراد به أولاد الام إجماعا، ويدل عليه قراءة أبي:(1/375)
وله أخ أو أخت من الام وقد اشترط في إرث الكلاله عدم الولد والوالد إجماعا فلا إرث لاولاد مع هؤلاء، ثم لفظ الكلالة في الاصل بمعنى الاعياد وذهاب القوة، ثم استعير لقرابة من عد
الولد والوالد كأنها كالة ضعيفة بالقياس إلى قرابة الولاد، ويطلق أيضا على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين، هذا حاصل ما ذكره السيد.
قوله: (وتسقط الجدات الخ) الاصل أن لكل من اتحاد السبب، والادلاء تأثيرا في الحجب، فأم الاب تحجب به للادلاء فقط، وبالام لاتحاد السبب وهو الامومة، وأم الام ترث مع الاب لانعدام المعنيين، وتحجب بالام لوجودهما.
واعلم أن الاب لا يرث معه إلا جدة واحدة من قبل الام، لان الابويات يحجبن به، والاميات الصحيحات لا يزددن على واحدة أبدا، وأما الجد فترث معه واحدة أبوية وهي أم الاب، أو من فوقها كأم أم الاب، وإذ بعد بدرجتين كأبي أبي الاب ترث معه أبويتان: إحداها أم أبي الاب.
أو من فوقها كأم أم أبي الاب والثانية أم أم الاب أو من فوقها كأم أم أم الاب وتمامه في شرحنا الرحيق المختوم.
قوله: (لانها ليست من قبله) أي لم تدل به، وأيضا لم يوجد اتحاد السبب لان جهته الابوة وجهتها الامومة.
قوله: (بل هي زوجته) هذا ظاهر إذا كانت في درجته، فلو أعلى منه فهي أم زوجته أو جدتها أو أجنبية عنها.
قوله: (من أي جهة كانت) أي من جهة ألام أو الاب.
قوله: (كذلك) أي من أي جهة كانت، فالصور أربع: قربى من جهة الام تحجب البعدي من الجهتين، قربى من جهة الاب تحجب البعدي من الجهتين.
قوله: (كما قدمناه) عند قوله: ويحجب المحجوب.
قوله (وقد قدم الخ) أراد الاستدلال على أن المتن لو كان أم الاب لحجبت غيرها، ولم يتأت الخلاف بين محمد وصاحبيه ا ه ح.
قوله: (فهذه المرأة جدته لابويه) أي جدة لهذا الولد الذي مات من قبل أبيه لانها أم أب أبيه، ومن قبل أمه لانها أم أم أمه، ثم نقول: هناك امرأة أخرى وقد كان تزوج بنتها ابن المرأة الاولى فولدت من بنت(1/376)
الاخرى ابن ابن الاولى الذي هو أبو الميت فهذه الاخرى أم أم أبي الميت فهي ذات قرابة واحدة.
منح.
قوله: (وبه جزم في الكنز) قال في الدر المنتقى: فكان هو المرجح وإن اقتضى صنيع المصنف خلافه، فلينتبه له.
وأصل هذا: أن الترجيح بكثرة العلة لا يجوز على ما عرف في الاصول، ثم الوضع في ذات قرابتين اتفاقي لامكان الزيادة إلى غير نهاية.
وعند أبي يوسف: يقسم أنصافا مطلقا، وعند محمد:
باعتبار الجهات وإن كثرت، فليحفظ ا ه.
قوله: (والاخوات) الواو بمعنى أو لان المستكمل أحد الصنفين لا مجموعهما.
أفاده ط.
قوله: (سقط الخ) لف ونشر مرتب.
قوله: (أو أخ) أي لاب.
قوله: (وفي إطلاقه) أي المصنف تبعا للمجمع، ويجاب كما في غرر الافكار بأن قوله: مواز أو سافل صفة لابن ابن دون الاخ، لانه لا يصح وصف الاخ بالنزول: أي فإن ابن الاخ لا يسمى أخا بخلاف ابن الابن، فإنه يطلق على من في الدرجة الثانية ومن دونها.
نعم كان حقه كما قال العلامة قاسم أن يقدم الاخ على ابن الابن.
قوله: (لتصريحهم الخ) حاصله كما في السراجية والملتقى أن من لا فرض لها من الاناث وأخوها عصبة لا تصير عصبة بأخيها، وقدمناه منظوما.
قوله: (لانها من ذوي الارحام) أي الاخت في هذه الصور، لكن بنت المعتق ليست من ذوي أرحام الميت، فالمراد من عداها وإنما لا يعصبها أخوها، لانه ليس للنساء من الولاية إلا ما أعتقن، وعبر بذوي ولم يقل ذوات تغليبا للذكور على الاناث كما في قوله تعالى: * (وكانت من القانتين) *.
قوله: (من مثله) أي في الدرجة كأخته أو بنت عمه.
قوله: (أو فوقه) كعمته.
قوله: (فإنه يعصب من مثله أو فوقه الخ) هذا ظاهر الرواية، وعند بعض المتأخرين لا يعصب من فوقه، وإلا صار محروما لان الاصل في إرث العصبة أن يقدم الاقرب ولو أنثى على الابعد، ولذا تقدم الاخت على بن الاخ إذا صارت عصبة مع البنت.
والجواب أن من فوقه إنما صارت عصبة به، ولولاه لم ترث شيئا فكيف تحجبه؟ وانظر ما أجاب السيد قدس سره.
قوله: (ذات سهم) أي فرض.
قوله: (لا يوازيها أحد) لانتمائها إلى الميت بواسطة واحدة،(1/377)
وليس في هؤلاء البنات من هو كذلك.
قوله: (فلها النصف) لانها قامت مقام بنت الصلب عند عدمها.
قوله: (توازيها العليا من الفريق الثاني) لان كلا منهما يدلي إلى الميت بواسطتين، وأما السفلى من الفريق الاول فتوازيها الوسطى من الفريق الثاني والعليا من الفريق الثالث، لان كل واحدة منهن تدلى إلى الميت بثلاث وسائط، وأما السفلى من الفريق الثاني فتوازيها الوسطى من الفريق الثالث لانتماء كل منهما إليه بأربع وسائط، وأما السفلى من الفريق الثالث فلا يوازيها أحد، لانها تدلي بخمس وسائط وليس في هذه البنات من هو كذلك.
قوله: (فيكون لهما السدس الخ) وذلك لان العليا من الاول لما
قامت مقام الصلبية قام من دونها بدرجة واحدة مقام بنات الابن.
قوله: (ولا شئ للسفليات) وهي الست الباقية من البنات التسع، لانه قد كمل الثلثان لتلك الثلاث، فلم يبق للباقيات فرض وليس لهن عصوبة قطعا فلا يرثن من التركة أصلا.
قوله: (إلا أن يكون الخ) فإن كان الغلام مع السفلى من الفريق الاول أخذت العليا منهم النصف، وأخذت الوسطى منهم مع العليا من الفريق الثاني السدس ويكون الثلث الباقي بين الغلام وبين السفلى من الاول والوسطى من الثاني والعليا من الثالث للذكر مثل حظ الانثيين أخماسا، وسقط سفلى الثاني ووسطى الثالث وسفلاه.
وإن كان الغلام مع السفلى من الفريق الثاني كان ثلث الباقي بينه وبين سفلى الاول، ووسطى الثاني سفلاه، وعليا الثالث ووسطاه أسباعا للذكر مثل حظ الانثيين، وسقطت سفلى الثالث.
وإن كان مع السفلى من الفريق الثالث كان الثلث الباقي بين الغلام وبين السفليات الست أثمانا، وإن فرض الغلام مع العليا من الفريق الاول كان جميع المال بينه وبين أخته للذكر مثل حظ الانثيين، ولا شئ للسفليات وهن ثمان، وإن فرض مع وسطى الاول، فتأخذ عليا الاول النصف والباقي للغلام مع من يحاذيه وهي وسطى الاول وعليا الثاني للذكر مثل حظ الانثيين، وكذا الحال إذا فرض مع عليا الثاني.
وأما تصحيح المسائل في جميع هذه الصور فعلى ما ستحيط به فيما بعد فلا حاجة إلى إيراده هنا.
واعلم أن ذكر البنات على اختلاف الدرجات كما ذكر في الكتاب يسمى مسألة التشبيب لانها بدقتها وحسنها تشحذ الخواطر وتميل الآذان إلى استماعها فشبهت بتشبيب الشاعر القصيدة لتحسينها واستدعاء الاصغاء لسماعها ا ه.
من شرح السيد.
قوله: (ممن لا تكون صاحبة فرض) أما من كانت صاحبة فرض فإنها تأخذ سهمها ولا تصير به عصبة، وهي العليا من الفريق الاول التي أخذت النصف والوسطى منه مع العليا من الفريق الثاني حيث أخذتا السدس، وهذا قيد معتبر فيمن كانت فوقه دون من كانت بحذائه فإنه يعصبها مطلقا.
سيد.
قوله: (وسط السفليات) أي اللاتي تحته في الدرجة.
قوله: (وعبارة السيد الخ) أي فكان على المصنف أن يقول كذلك، ولا سيما مع قوله بعد: ويقتسمان الباقي.
قوله: (هو أخ لام) كأن تزوجت بأخوين فجاءت من كل بولد وللاخوين ولد أخ آخر من غيرها فمات أحد ولديها عن أخيه الذي هو ابن عمه وعن ابن عمه الآخر.
قوله: (وكذا لو كان(1/378)
الآخر زوجا) الاوضح أن يقول: وكذا لو كان أحدهما أي أحد ابن عمها زوجها ط.
قوله: (ويقتسمان الباقي) وهو خمسة أسداس في الاولى والنصف في الثانية ط.
قوله: (حيث لا مانع من إرثه بهما) احتراز عما لو كان للميت بنت في الاولى فإن لها النصف، وتحجب ابن العم عن السدس من حيث كونه أخا لام، ويشترك هو وابن العم الآخر في الباقي، وعما لو كان للزوجة في الثانية أخت شقيقة فإن لها النصف والنصف الاخر للزوج فرضا ولا شئ له كابن العم الآخر من حيث بنوة العم.
قوله: (بجهتي فرض وتعصيب) فهة الفرض الزوجية واخوة لام وجهة التعصيب كونه ابن عم ط.
قوله: (وأما بفرض) أي وأما الارث بفرض وتعصيب ط.
قوله: (بجهة واحدة) وهي الابوة ط.
قوله: (فليس إلا الاب وأبوه) أي مع البنت أو بنت الابن كما تقدم، واسم ليس ضمير عائد على الارث بالفرض والتعصيب، وقوله: إلا الاب أي إلا إرث الاب على تقدير مضاف حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهذا على حد قولهم: ليس الطيب إلا المسك في جواز الرفع والنصب في المسك على الخلاف المشهور، فتنبه.
قوله: (وقد يجتمع جهتا تعصيب) أي من غير نظر للارث بهما لانه هنا بإحداهما لتقديم جهة النبوة على جهة العمومية وجهة الولاء.
قوله: (وقد يجتمع جهتا فرض) صورته: نكح مجوسي بنته واستولدها فالولد ابن لهذه المرأة وأخ لها، فإذا مات عنها مات عن أمه وأخته فترث بالجهتين ط.
قوله: (وإنما يتصور في المجوس) أقول: تقدم في كتاب الحدود أن من شبهة المحل وطئ محرم نكحها، وأنه يثبت فيها النسب على ما حرره في النهر، فراجعه.
ثم رأيت في سكب الانهر قال: وإنما يتصور ذلك في نكاح المجوس وفي وط الشبهة في المسلمين وغيرهم، ولا يتصور في نكاح المسملين الصحيح ا ه.
وسيأتي تمامه.
قوله: (وعند الشافعي بأقوى الجهتين) وهي التي يرث بها على كل حال، فإن مات ابن وترك أما هي أخته ترث عندنا بالجهتين: الثلث بجهة الامية والنصف بجهة الاختية، وأما عنده: فترث بجهة الامية لا غير كما في غرر الافكار.
قوله: (يشرك بين الصنفين الاخيرين) أي أولاد الام والاخوة لابوين، ولذا سميت مشركة بفتح الراء أو بكسرها على نسبة التشريك إليها مجازا.
قوله: (وكذلك يفرض مالك والشافعي) وكذا أحمد على ما ذكره الشنشوري
خلافا لما ذكره الشارح، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وتسمى هذه المسألة الاكدرية لانها كدرت على زيد مذهبه.
قوله: (فتعول إلى تسعة) للزوج ثلاثة وللام اثنان وللجد واحد وللاخت ثلاثة، لكن لما(1/379)
كانت الاخت لو استقلت بما فرض لها لزادت على الجد ردت بعد الفرض إلى التعصيب بالجد، فيضم إلى حصتها حصته، ويقتسمان اوربعة بينهما أثلاثا: * (للذكر مثل حظ الانثيين) * لان المقاسمة خير له من سدس جميع المال ومن ثلث الباقي، وتصح من سبعة وعشرين.
وتمامه في سكب الانهر.
قوله: (تسقط الاخت) فللزوج النصف وللام الثلث والباقي للجد وأصلها من ستة ومنها تصح.
قوله: (على المفتى به) أي من قول الامام بسقوط بني الاعيان والعلات بالجد خلافا لهما.
قوله: (كما مر) أي في الحجب.
والله تعالى أعلم.
باب العول مسائل الفرائض ثلاثة أقسام: عادلة، وعاذلة، وعائلة: أي منقسم بلا كسر أو بالرد أو بالعول، وهو في اللغة: الميل والجور، ويستعمل بمعنى الغلبة، يقال: عيل صبره: أي غلب، وبمعنى الرفع، يقال: عال الميزان: إذا رفعه، فقيل: إن المعنى الاصطلاحي مأخوذ من الاول، لان المسألة مالت على أهلها بالجور حيث نقصت من فروضهم والتقسيم المار كالصريح فيه، لان العادلة من العدل مقابل الجور.
وقيل من الثاني لانها غلبت أهلها بإدخال الضرر عليهم.
وقيل من الثالث لانها إذ ضاف مخرجها بالفروض المجتمعة ترفع التركة إلى عدد أكثر من ذلك المخرج، ثم يقسم حتى يدخل النقصان في فرائض جميع الورثة، واختاره السيد.
قوله: (وضده الرد) إذ بالعود تنتقص سهام ذوي الفروض وزيداد أصل المسألة وبالرد يزداد السهام وينتقص أصل المسألة، وبعبارة أخرى في العول تفضل السهام على المخرج، وفي الرد يفضل المخرج على السهام.
سيد.
قوله: (هو زيادة السهام) أي سهام الورثة، فأل عوض عن المضاف إليه وبذا سهل الاضمار في قوله الآتي: على كل منهم ط.
قوله: (على مخرج الفريضة) أي مخرج السهام المفروضة الذي يقال له: أصل المسألة، وهو عبارة عن أقل عدد صحيح يتأتى منه حظ كل فريق من الورثة بلا كسر ا ه.
سكب الانهر.
قوله: (كنقص أرباب الديون بالمحاصة) أي الديون التي
ضاقت عنها التركة، وليس بعضها أولى من بعض، فالنقص على الجميع بقدر حقوقهم.
قوله: (وأول من حكم بالعول عمر رضي الله تعالى عنه) فإنه وقع في صورة ضاق مخرجها عن فروضها، فشاور الصحابة، فأشار العباس إلى العول فقال: أعيلوا الفرائض، فتابعوه على ذلك ولم ينكره أحد إلا ابنه بعد موته.
وتمامه في شرح السيد وغيره.
قوله: (ثم المخارج سبعة) وجهه أن الفروض ستة، وهي نوعان: الاول: النصف والربع والثمن.
والثاني: الثلثان والثلث والسدس.
ولها حالتان: انفراد، واجتماع.(1/380)
ومخارجها في الانفراد خمسة: الاثنان للنصف، واوربعة للربع، والثمانية للثمن، والثلاثة للثلث والثلثين، والستة للسدس.
وإذا اجتمع فروض: فإن كانت من نوع واحد لا تخرج عن الخمسة المذكورة لانه يعتبر مخرج أدناها، ففي نصف ربع من أربعة، أو نصف وثمن من ثمانية، أو ثلث وسدس من ستة، ولو من نوعين: فإذا اختلط النصف من النوع الاول بكل النوع الثاني أو بعضه فمن ستة، وهي لا تخرج عنها أيضا، وإذا اختلط الربع بكل النوع الثاني أو ببعضه فمن اثني عشر، وإذا اختلط الثمن بكل النوع الثاني أو ببعضه فمن أربعة وعشرين، فيضم هذان إلى الخمسة فتصير المخارج سبعة، وسيأتي بيان ذلك كله في باب المخارج.
قوله: (أربعة لا تعول) لان الفروض المتعلقة بها: إما أن يفي المال بها، أو يبقى منه شئ زائد عليها، وبيانه في المنح.
قوله: (وثلاثة قد تعول) وهي الستة وضعفها وضعف ضعفها، وأشار بقد إلى أن العول ليس لازما لها.
قوله: (بالاختلاط) أي باختلاط أحد النوعين بكل الآخر أو ببعضه كما بيناه، قوله: (إلى عشرة وترا وشفعا) أي تعول إلى أهد إدخال كونها منتهية إلى عشرة فليست إلى صلة لتعول، بل صلتها مقدرة لان العشرة ليست وترا شفعا، قوله: وترا وشفعا منصوبان على الحال من العدد الذي عالت إليه: أي حال كون تلك الاعداد منقسمة إلى وتر وشفع.
تأمل.
قوله: (وتسمى منبرية) لان عليا رضي الله تعالى عنه سئل عنها وهو على منبر الكوفة يقول في خطبته: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا، ويجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعى، فسئل عنها حينئذ فقال: من رويها والمرأة صار ثمنها تسعا، ومضى في خطبته فتعجبوا من فطنته.
در منتقى.
قوله: (ثمة) أي هناك: أي في الورثة ط.
قوله: (عليهم) أي على ذوي الفروض، والاوضح التصريح به ط.
قوله: (لفساد بيت المال) علة لقوله: إجماعا ولا يظهر،
لان المشهور من مذهب مالك أنه لبيت المال وإن لم يكن منتظما، وهو مذهب الشافعي، وروى عن مالك كقولنا، وبه أفتى متأخرو الشافعية إذا لم ينتظم أمر بيت المال.
أفاده في غرر الافكار.
قوله: (وغيره) كسراح السراجية والكنز.
وقال في روح الشروح: وحجة عثمان رضي الله عنه أن الفريضة لو عالت لدخل النقص على الكل، فإذا فضل شئ يجب أن تكون الزيادة للكل، لان الغنم بالغرم.
والجواب أن ميراث الزوحين على خلاف القياس، لان وصلتهما بالنكاح وقد انقطعت بالموت، وما ثبت على خلاف القياس نصا يقتصر على مورد النص، ولا نص في الزيادة على فرضهما، ولما كان إدخال النقص في نصيبهما ميلا للقياس النافي لارثهما قيل به، ولم يقل بالرد لعدم الدليل، فظهر(1/381)
الفرق وحصحص الحق ا ه ط ملخصا.
قوله: (وفي الاشباه الخ) قال في القنية: ويفتي بالرد على الزوجين في زماننا لفساد بيت المال، وفي الزيلعي عن النهاية: ما فضل عن فرض أحد الزوجين يرد عليه، وكذا البنت والابن من الرضاع يصرف إليهما.
وقال في المستصفى: والفتوى اليوم بالرد على الزوجين وهو قول المتأخرين من علمائنا.
وقال الحدادي: الفتوى اليوم بالرد على الزوجين.
وقال المحقق أحمد بن يحيى بن سعد التفتازاني: أفتى كثير من المشايخ بالرد عليهما إذا لم يكن من الاقارب سواهما لفساد الامام وظلم الحكام في هذه الايام، بل يفتي بتوريث بنات المعتق وذوي أرحامه، وكذا قال الهروي: أفتى كثير من المشايخ بتوريث بنات المعتق وذوي أرحامه ا ه.
أبو السعود عن شرح السراجية للكازروني.
قلت: وفي معراج الدراية شرح الهداية: وقيل إن لم يترك إلا بنت المعتق يدفع المال إليها لا إرثا بل أقرب، وكذا الفاضل عن فرض أحد الزوجين يدفع إليه بالرد، وكذا يدفع إلى البنت والابن من الرضاع، وبه يفتى لعدم بيت المال.
وفي المستصفى: والفتوى اليوم على الرد على الزوجين عند عدم المستحق لعدم بيت المال، إذ الظلمة لا يصرفونه إلى مصرفه، وهذا كما نقل عن بعض أصحاب الشافعي أنهم يفتون بتوريث ذوي الارحام لهذا المعنى ا ه.
وقال الشارح في الدر المنتقى من كتاب الولاء: قلت: ولكن بلغني أنهم لا
يفتون بذلك.
فتنبه ا ه.
أقول: ولم نسمع أيضا زماننا من أفتى بشئ من ذلك ولعله لمخالفته للمتون، فليتأمل.
لكن لا يخفى أن المتون موضوعة لنقل ما هو المذهب، وهذه المسألة مما أفتى به المتأخرون على خلاف أصل المذهب للعلة المذكورة، كما أفتوا بنظير ذلك في مسألة الاستئجار على تعليم القرآن مخالفين لاصل المذهب لخشية ضياع القرآن، ولذلك نظائر أيضا، وحيث ذكر الشراح الافتاء في مسألتنا فليعمل به، ولا سيما في مثل زماننا فإنه إنما يأخذه من يسمى وكيل بيت المال، ويصرفه على نفسه وخدمه ولا يصل منه إلى بيت المال شئ.
والحاصل: أن كلام المتون إنما هو عند انتظام بيت المال، وكلام الشروح عند عدم انتظامه، فلا معاوضة بينهما، فمن أمكنه الافتاء بذلك في زماننا فيلفت به ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قوله: (أو أكثر) أي صنفان أو ثلاثة لا أكثر كما سيذكره.
قوله: (إما أن يكون) أي يوجد.
قوله: (إن اتحد جنس المردود عليهم) يشمل ما لو كان ذلك الجنس شخصا واحدا أو أكثر، ولذا مثل العلامة قاسم بقول كأم أو جدة أو جدات أو بنت أو بنات أو بنت ابن أو بنات ابن أو أخوات لابوين أو أخوات لاب أو واحد من ولد الام أو أكثر ا ه.
قوله: (من عدد رؤوسهم) أي رؤوس ذلك الجنس الواحد فيما إذا كان في المسألة أكثر من شخص واحد ورأس ذلك الشخص الواحد إن كان هو فيها وحينئذ(1/382)
تكون المسألة واحدا ا ه.
شرح ابن الحنبلي.
قوله: (قطعا للتطويل) أي بجعل القسمة قسمة واحدة، ألا ترى أنك إذا أعطيت كل واحد من الورثة ما استحقه من السهام، ثم قسمت الباقي من سهامهم بينهم بقدر تلك السهام صارت القسمة مرتين ا ه.
سيد.
قوله: (جنسين أو ثلاثة) أي بحسب سبب الارث كالجدودة والاخوة والبنتية والامومة، وإن كان فرض الجنسين جنسا واحدا كالجدة والاخت لام اللتين فرض كل منهما السدس أو كان فرض الاثنين من ثلاثة الاجناس جنسا واحدا كالبنت وبنت الابن والام، إذ البنتية سبب وبنتية الابن سبب آخر، وإن شملهما مطلق البنتية، ففي هذه المسألة ثلاثة
أجتاس لا جنسان فقط ا ه ابن الحنبلي.
قوله: (بالاستقراء) أي تتبع جزئيات من يرد عليه، وهو متعلق بالفعل المحذوف المقدر بعد النافي: أي لا يكون أكثر بالاستقراء ط.
قوله: (فمن عدد سهامهم) وهي أربع لا غير: الاثنان والثلاثة والاربعة والخمسة، وقد ذكرها الشارح وكلها مقتطعة من ستة كما سنذكره.
قوله: (لو سدسان) كجدة وأخت لام، فالمسألة من ستة ولهما منها اثنان بالفريضة، فاجعل الاثنين أصل المسألة واقسم التركة عليهما نصفين فلكل واحدة منهما نصف المال.
سيد.
قوله: (لو ثلث وسدس) كولدي الام مع الام فهي أيضا من ستة ولولدي الام الثلث وللام السدس، فاجعلها من ثلاثة عدد سهامهم، وطريقة أن تنظر إلى ما في الاكثر من أمثال الاقل وتضمه إليه ففي الثلث سدسان فتضمهما إلى سدس الام ا ه.
قاسم.
قوله: (لو نصف وسدس) كبنت وبنت ابن أو بنت وأم لان المسألة أيضا من ستة، ومجموع السهام المأخوذة منها أربعة ثلاثة للبنت وواحد لبنت الابن أو الام، فاجعل المسألة من أربعة واقسم التركة أرباعا ثلاثة أرباعها للبنت وربع منها للام أو بنت الابن ا ه.
سيد.
قوله: (كثلثين وسدس) كبنتين وأم، وإنما أتى بالكاف ولم يأت بلو كما في سوابقه لان للخمسة ثلاث صور: ثانيها نصف وسدسان كبنت وبنت ابن وأم، ثالثها نصف وثلث كأخت وبوين مع أم أو أختين لام، فالمسألة في هذه الصور الثلاث أيضا من ستة والسهام التي أخذت منها خمسة فتجعل أصل المسألة وتقسم التركة أخماسا.
تنبيه: القسمة على الوجوه المذكورة إن استقامت على الورثة فذاك، وإلا كما إذا خلف بنتا وثلاث بنات ابن فللبنت ثلاثة أسهم تستقيم عليها ولبنات الابن سهم واحد فلا يستقيم عليهن فاضرب الثلاثة: أعني عدد رؤوس من انكسر عليه من أصل المسألة وهي الاربعة فيصير اثني عشر، للبنت منها تسعة ولبنات الابن ثلاثة منقسمة عليهن.
سيد.
قوله: (ولثالث) أي من الاقسام الاربعة.
قوله: (وقسم الباقي على رؤوس من يرد عليه) أي تقسم الباقي من ذلك المخرج على عدد رؤوس ذلك الجنس الواحد كما كنت تقسم جميع المال على عدد رؤوسهم إذا انفردوا عمن لا يرد عليه.
قوله: (فهي من(1/383)
أربعة) وأصلها من اثني عشر لاجتماع الربع والثلثين فيها، ومثلها المسألتان الآتيتان.
قوله: (وإن لم
يستقم) أي الباقي من ذلك المخرج.
قوله: (ضرب وفقها) أي وفق رؤوسهم.
قوله: (وهو هنا اثنان) لان عدد الرؤوس ستة والباقي من المخرج ثلاثة والموافقة بينهما بالثلث ولا عبرة بالمداخلة هنا كما عرف في موضعه.
قوله: (وإلا يوافق) أي الباقي عدد رؤوسهم.
قوله: (فاضرب الاربعة في الخمسة) الموافق لسابقه ولاحقه فاضرب الخمسة في الاربعة ط.
لان المضروب هو عدد الرؤوس الخمسة والمضروب فيه هو المخرج وهو الاربعة.
قوله: (والرابع) أي من الاقسام الاربعة.
قوله: (هنا) أي في مسائل اجتماع لا يرد عليه مع من يرد عليه، أما عند انفراد من يرد عليه فقد يكون من ثلاثة كما صرح به الشارح فيما مر، وذلك في صورة اجتماع النصف والسدسين.
قوله: (إذ لا يرد مع أربع طوائف أصلا) أي سواء كان أحدها من لا يرد عليه والثلاثة الباقية ممن يرد عليه، أو كانت الاربعة ممن يرد عليه.
قوله: (ولعل هذا) أي عدم وجود الرد على أكثر من جنسين.
وحاصله: أن المصنف إنما اقتصر في الثاني على الجنسين حيث قال فيما مر: وإن كان جنسين مع أنه يكون ثلاثة أيضا لاجل أن يصح قوله هنا: ولو كان مع الثاني الخ إذ لا يصح أن يراد به الثلاثة، حتى أنه لو لم يقتصر فيما مر على الجنسين بأن ذكر الثلاثة كما فعل في المنتقى وجب أن يراد هنا بالثاني بعضه، وهو الجنسان لا كله وهو الثلاثة، فاقتصاره فيما مر على الجنسين لا لعدم تأتي الثلاثة هناك، بل لعدم تأتيها هنا بحكم الاستقراء الذي ذكره الشارح تبعا للسيد وغيره.
أقول: وهذا صحيح لو سلم الاستقراء، وهو ممنوع لانه وجد مسألة ردية اجتمع فيها أربع طوائف كزوجة وبنت وبنت ابن وأم أو جدة أصلها من أربعة وعشرين للزوجة الثمن ثلاث وللبنت النصف اثنا عشر ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين أربعة، وللام أو الجدة السدس أربعة أيضا بقي واحد يرد على من الزوجة وهم ثلاثة أجناس.
وتصح من أربعين كما ذكرته في الرحيق المختوم، ثم رأيته هنا في حاشية يعقوب وشرح ابن الحنبلي.
وقال يعقوب: إنه من الشبه القديمة التي تورد في هذا المقام ا ه.
وعليه فكان على المصنف أن يذكر في الثاني الثلاثة، ويراد به في كلامه هنا كله لا بعضه، وهو ما مشى عليه العلامة قاسم والباقاني وغيرهما، وإن اعترضهم الشارح في الدر المنتقى وحكم عليهم بالسهو، فإنه لا سهو في كلامهم بل هو الصواب لما علمت، فتنبه لهذا المقام الذي هو(1/384)
مزلة الاقدام.
قوله: (إن استقام) أي على مسألة من يرد عليه: أي على سهامهم، سواء استقام على عدد رؤوسهم أيضا أو لا، فالثاني ما مثل به المصنف والاول كزوجة وجدة وأختين لام، فإن الثلاثة الباقية من مخرج فرض الزوجة تستقيم على سهم الجدة وسهمي الاختين وعلى رؤوسهم أيضا.
قوله: (لكنه منكسر على أحاد كل فريق) أي على عدد رؤوسهم، لان نصيب الجدات الاربع واحد لا يستقيم عليهم بل بينهما مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن بأسره، وكذا نصيب الاخوات الست اثنان فلا يستقيمان عليهن، لكن بين عدد رؤوسهن وسهامهن موافقة بالنصف فردنا عدد رؤوس الاخوات إلى نصفها وهو ثلاثة، ثم طلبنا التوافق بين أعداد الرؤوس والرؤوس فلم نجدها فضربنا وفق رؤوس الاخوات وهو الثلاثة في عدد رؤوس الجدات وهو الاربعة فحصل اثنا عشر ثم ضربناها في الاربعة التي هي مخرج فرض من لا يرد عليه فصار ثمانية وأربعين، فمنها تصح المسألة كان للزوجة واحد ضربناه في المضروب الذي هو اثنا عشر فلم يتغير فأعطيناه الزوجة، وكان للجدات أيضا واحد ضربناه في ذلك المضروب فكان اثني عشر، فلكل واحدة منهن ثلاثة وكان للاخوات لام اثنان فضربناهما فيه بلع أربعة وعشرين فلكل واحدة منهن أربعة.
سيد.
قوله: (الفريقين) أي فريق من يرد عليه وفريق من لا يرد عليه ط.
قوله: (كأربع زوجات الخ) أصل هذه المسألة من أربعة وعشرين لاختلاط الثمن بالثلثين والسدس، لكنها ردية فرددناها إلى أقل مخارج فرض من لا يرد عليه وهو الثمانية.
سيد.
قوله: (ثلثان وسدس) فالثلثان فرض البنات بأربعة أسداس والسدس فرض الجدات والمجموع خمسة أسداس هي مسألة الرد.
قوله: (ثم ضربت الخ) هذا شروع في معرفة حصة كل فريق من الورثة من هذا المبلغ ط.
قوله: (واضرب) الاولى وضربت بالماضي ليناسب المعطوف عليه.
قوله: (فاستقام فرض كل فريق) أي ممن يرد عليه ومن لا يرد عليه.
قوله: (لكنه منكسر الخ) أي وإن استقام على سهامهم لكنه منكسر على رؤوسهم، ولو كانت المسألة زوجة وسبع بنات وسبع جدات لتم العمل ولم يحتج إلى التصحيح الآتي.
قوله: (فصححه بالاصول السبعة الخ) ثلاثة بين سهام كل فريق ورؤوسهم وهي الانقسام والتوافق والتباين أربعة بين الرؤوس وبعضها مع بعض وهى التماثل والتداخل والتوافق
والتباين ا ه ح.
ففي مسألتنا للزوجات خمسة وعددهن أربعة لا تصح عليهن ولا توافق، وللجدات(1/385)
سبعة وهن ستة لا تصح عليهن ولا توافق، وللبنات ثمانية وعشرون وعددهن تسعة لا تصح عليهن ولا توافق، فاجتمع معنا من الرؤوس أربعة وستة وتسعة، وبين الاربعة والستة موافقة بالنصف نصف أحدهما في كامل الآخر تبلغ اثني عشر، وبين اثني عشر والتسعة موافقة بالثلث فتضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر يبلغ ستة وثلاثين وهي جز السهم فتضربه في الاربعين يبلغ ألفا وأربعمائة وأربعين منها تصح كل من له شئ من الاربعين أخذه مضروبا في جزء السهم يخرج نصيبه للزوجات خمسة في ستة وثلاثين بمائة وثمانين لكل واحدة خمسة وأربعون وللجدات سبعة في ستة وثلاثين بمائتين واثنين وخمسين لكل واحدة اثنان وأربعون وللبنات ثمانية وعشرون في ستة وثلاثين تبلغ ألفا وثمانية لكل واحدة مائة واثنا عشر ا ه.
سكب الانهر.
قوله: (وتصح الاولى من ثمانية وأربعين) قدمنا تصحيحها منها موضحا، والله تعالى أعلم.
باب توريث ذوي الارحام قوله: (هو كل قريب الخ) أي اصطلاحا، أما لغة فهو بمعنى ذي القرابة مطلقا.
سيد: أي سواء كان ذا سهم أو عصبة أو غيرهما، أو سواء انتمى الميت أو انتمى إلى الميت أو إلى أصوله.
قوله: (فيأخذ المنفرد) أي الواحد منهم من أي صنف كان جميع المال: أي أو ما بقي بعد فرض أحد الزوجين.
قوله: (بالقرابة) أشار به إلى أن توريث ذوي الارحام عندنا باعتبار القرابة كالتعصيب فيقدم الاقوى قرابة: إما بقرب الدرجة أو بقوة السبب، ويأخذ المنفرد الكل، ولذا سمى علماؤنا أهل القرابة، وذهب قوم إلى تنزيل المدلي منزلة المدلي به في الاستحقاق ويسمون أهل التنزيل، وقوم إلى التسوية بين القريب والبعيد بلا تنزيل، ويسمون أهل الرحم.
وبيانه مع ثمرة الخلاف في شرح السيد.
قوله: (ويحجب أقربهم الابعد) أي سواء كان صنفا عند اجتماع أصنافهم، أو كان واحدا من صنف عند اجتماع عدد منه.
أفاده قاسم.
فالاول: إشارة إلى الترجيح بالجهة والثاني إلى الترجيح بقرب الدرجة والقوة.
ولو أخر المصنف ذلك بعد قوله: ويقدم أولاد البنات الخ لكان ذلك على ترتيب
الترجيح بالجهات الثلاث كما مر في العصبات، وهو اعتبار الترجيح بالجهة ثم بالقرب ثم بالقوة، وهذا الثالث أشار إليه بقوله الآتي: قدم ولد الوارث.
قوله: (كترتيب العصبات) فلا يرث أحد من الصنف الثاني وإن قرب، وهناك أخد من الصنف الاول وإن بعد، وكذا الثالث مع الثاني والرابع مع الثالث، وعليه الفتوى.
در منتقى.
قوله: (ثم أصله) هذا ظاهر الرواية، وعليه الفتوى.
وعن الامام تقديمه على الصنف الاول، لكن صح رجوعه عنه.
قاسم.
ومشى في الاختيار على الرواية المرجوع عنها، ولذا قال في الدر المنتقى: فما قدمه في الاختيار ليس بالمختار ا ه.
قلت: على أنه قد مشى بعده على خلافه.
قوله: (يقدم جزء الميت الخ) هذا هو الصنف الاول،(1/386)
وجملة القول في هذا الصنف أنه إما أن يتفاوتوا في الدرجة أو لا، فإن تفاوتوا قدم أقربهم، ولو أنثى كبنت بنت وابن بنت بنت، وإلا فإما بعضهم ولد وارث دون البعض، أو كلهم ولد وارث، أو كلهم ولد غيره، ففي الاول قدم ولد الوارث اتفاقا كبنت بنت ابن تقدم على ابن بنت بنت، وفي الاخيرين: إما أن تتفق صفة الاصول في الذكورة أو الانوثة، أو تختلف.
فإن اتفقت فالقسمة على أبدان الفروع اتفاقا بالسوية إن كانوا ذكورا فقط أو إناثا فقط كابن بنت ابن مع مثله: أي مع ابن بنت ابن آخر وكبنت بنت بنت مع مثلها، وللذكر كالانثيين إن كانوا مختلطين كابن بنت وبنت بنت.
وإن اختلفت صفة الاصول في بطن أو أكثر: فإما أن تتوحد الفروع بأن يكون لكل أصل فرع واحد، وإما أن تتعدد، وعلى كل فإما أن يكون في الفروع ذو جهتين أو لا، فإن توحدت وليس فيهم ذون جهتين كبنت ابن بنت وابن بنت بنت فأبو يوسف قسم المال على أبدان الفروع هنا أيضا، فثلثه للانث وثلثاه للذكر.
ومحمد يقسم على أعلى بطن اختلف وهو البطن الثاني هنا، ويجعل ما أصاب كل أصل لفرعه إن لم يقع بعده اختلاف كما في المثال المذكور، وحينئذ فثلثاه للانثى نصيب أبيها وثلثه للذكر نصيب أمه عكس ما قسمه أبو يوسف.
أما إذا وقع بعده اختلاف الذكورة والانوثة في بطن آخر أو أكثر فإن محمدا بعد ما قسم على أعلى بطن اختلف جعل الذكور طائفة والاناث طائفة، وقسم نصيب كل طائفة على أعلى بطن اختلف منهم، وهكذا كما سيظهر.
وإن تعددت فروع الاصول المختلفين كلهم أو بعضهم وليس
فيهم ذو جهتين أيضا وذلك كابني بنت بنت وبنت ابن بنت بنت بنتي بنت ابن بنت، فأبو يوسف جرى على أصله من القسمة على أبدان الفروع، وفيقسم المال عليهم أسباعا.
ومحمد يجعل الاصل موصوفا يصفته متعددا بعدد فروعه، فيقسم عى أعلى الخلاف: أعني في البطن الثاني أسباعا.
لان البنت الاولى في البطن الثاني كبنتين لتعدد فرعها، لان فرعها الاخير ابنان، والبنت الثانية فيه على حالها لعدم تعدد فرعها، وابن فيه كابنين لتعدد فرعه الاخير، فهو كأربع بنات فله أربعة أسباع الابن لبنتي بنته وثلاثة أسباع البنتين لولديهما، وهما البنت والابن في البطن الثالث سوية بينهما، لان البنت كبنتين لتعدد فرعها، فقد ساوت الابن وصارت معه كأربعة رؤوس، وقسمة لثلاث على أربعة لا تصح وتباين، فتضرب الاربعة عدد الرؤوس في السبعة أصل المسألة يحصل ثمانية وعشرون، وقد كان لبنتي بنت ابن البنت أربعة، فتضرب في الاربعة المذكورة يحصل ستة عشر، فهي لهما، وتضرب الثلاثة التي للبنتين في البطن الثاني في الاربعة المذكورة أيضا يحصل اثنا عشر تقسمها بين البنت والابن في البطن الثالث سوية بينهما لما تقدم، فيكون للبنت ستة تدفع لابنيها وللابن ستة تدفع لبنته، وإن كان في الفروع ذو جهتين كبنتي بنت بنت هما أيضا بنتا ابن بنت معهما ابن بنت بنت أخرى فأبو يوسف(1/387)
اعتبر الجهات في أبدان الفروع، فجعل البنتين كأربع بنات: بنتين من جهة الام وبنتين من جهة الاب، فيكون لهما الثلثان وللابن الثلث.
ومحمد اعتبر الجهات في أعلى الخلاف مع أخذه العدد من الفروع كما مر، فيقسم على البطن الثاني، وفيه ابن مثل وبنتان أحدهما كبنتين، فصار المجموع كسبع بنات.
فالمسألة من عدد رؤوسهن فللابن أربعة أسهم لانه كابنبن لتعدد فرعه فيصير كأربع بنات وللبنت التي في فرعها تعدد سهمان وللاخرى سهم واحد، فإذا جعلنا الذكور في هذا البطن طائفة والاناث طائفة ودفعنا نصيب الابن إلى البنتين اللتين في البطن الثالث أصاب كل واحدة منهما سهمان، وإذا دفعنا نصيب طائفة الاناث إلى من بإزائهن في البطن الثالث لم ينقسم عليهن لان نصيبهن ثلاثة أسباع، ومن بإزائهن ابن وبنتان فالمجموع كأربع بنات، وبين الثلاثة والاربعة مباينة فضربنا الاربعة التي هي
عدد الرؤوس في أصل المسألة وهو سبعة صار ثمانية وعشرين، ومنها تصح لانه كان لابن البنت في البطن الثاني أربعة، فإذا ضربناها في المضروب الذي هو أربعة أيضا ستة عشر، فأعطينا كل واحدة من بنتيه ثمانية، وكان للبنتين في البطن الثاني ثلاثة، فإذا ضربناها في ذلك المضروب حصل اثنا عشر، فدفعنا إلى ابن بنت الب نت منهما ثلاثة، فصار نصيب كل بنت في البطن الاخير أحد عشر ثمانية من جهة أبيها وثلاثة من جهة أمها، وقد تحصل من مذهب محمد المفتى به كما سيأتي أنه يعتبر الاصول بصفاتهم ويأخذ فيهم عدد الفروع وحهاتهم.
هذا خلاصة ما في شروح السراجية وغيرها.
قوله: (ثم أصله وهم الجد الفاسد الخ) المراد بالجد الجنس فيعم المتعدد، وهذا شروع في النصف الثاني، وجملة القول فيه أنه إما أن تتفاوت درجاتهم أو لا، فإن تتفاوت درجاتهم أو لا، فإن تفاوتت كأم أبي أم وأبي أبي أم أم قدم الاقرب سواء كان من جهة الاب أو الام، ولو أنثى مدلية بغير وارث والابعد ذكرا مدليا بوارث وإن استوت درجاتهم، فإما أن يكون بعضهم مدليا بوارث أو كلهم أو لا ولا، ففي الاول قيل يقدم المدلي بوارث كما في الصنف الاول فأبو أم الام أولى من أبي أبي الام لادلاء الاول بالجدة الصحيحة، والثاني بالجد الفاسد.
وقيل: هما سواء، وهو الاصح كما في الاختيار وسكب الانهر وغيرهما.
وفي روح الشروح: أن الروايات شاهدة عليه، وفي الاخيرين كأبي أم أب وأبي أم أم وكأبي أبي أم وأم أبي أم: فإما أن تختلف قرابتهم: أي بعضهم من جانب الام كالمثال الاول، وإما أن تتحد كالمثال الثاني، فإن اختلفت قرابتهم فالثلثان لقرابة الاب والثلث لقرابة الام، كأنه مات عن أب وأم ثم ما أصاب قرابة الاب يقسم بينهم على أول بطن وقع فيه الخلاف، وكذا ما أصاب قرابة الام، وإن يختلف فيهم بطن فالقسمة على أبدان كل صنف وإن اتحدت قرابتهم: أي كلهم من جانب الام أو الاب، فإما أن تتفق صفة من أدلوا به في الذكورة والانوثة أو تختلف، فإن اتفقت الصفة اعتبر أبدانهم، وتساووا في القسمة لو كانوا كلهم ذكورا أو إناثا، وإلا فللذكر كالانثيين، وإن اختلفت الصفة فالقسمة على أول بطن اختلف للذكر ضعف الانثى،(1/388)
صم تجعل الذكور طائفة والاناث طائفة على قياس ما تقرر في الصنف الاول اتفاقا، وقد اعتبر أبو
يوسف هنا اختلاف البطون وإن لم يعتبره في الصنف الاول، والفرق له في المطولات.
قوله: (ثم جزء أبويه وهم أولاد الاخوات الخ) الاولاد يشمل الذكور والاناث، وهذا شروع في الصنف الثالث.
وجملة القول كما في الصنف الاول، وهو أنهم إما أن يتفاوتوا في الدرجة أو لا، فإن تفاوتوا قدم الاقرب ولو أنثى كبنت أخت وابن بنت أخ، وإلا فإما أن يكون بعضهم ولد وارث أو كلهم أو لا ولا، والمراد بالوارث هنا ما يشمل العصبة، ففي الاول قدم ولد الوارث كبنت ابن أخ وابن بنت أخت كلاهما لابوين أو لاب مختلفين، وفي الاخيرين: أي ما إذا كان كلهم أولاد وارث وهو عصبة كبنتي ابني الاخ لابوين أو لاب أو ذو فرض كبنات أخوات متفرقات أو أولاد وارثين، أحدهما عصبة، والآخر: ذو فرض كبنت أخ لابوين أو لاب، وبنت أخ لام، وما إذا لم يكن فيهم ولد وارث كبنت ابن أخ وابن أخت كلاهما لام عند أبي يوسف يعتبر الاقوى في هذه الصور ثم يقسم على الابدان للذكر ضعف ما للانثى، فمن كان أصله أخا لابوين أولى ممن كان أصله أخا لاب فقط أو لام فقط، ومن لاب أولى ممن لام.
وعند محمد، وهو الظاهر من قول أبي حنيفة: يقسم المال على الاصول: أي الاخوة والاخوات مع اعتبار عدد الفروع والجهات في الاصول، فما أصاب كل فريق يقسم بين فروعهم كما في النصف الاول، فلو ترك ابن بنت أخ لاب وبنتي ابن أخت لاب هما أيضا بنتا بنت أخت لابوين، وترك أيض بنت ابن أخت لام، فعند أبي يوسف: المال كله لبنتي بنت الاخت لابوبن لقوة القرابة، وعند محمد: يقسم على الاصول كما قلنا، فأصلها من ستة سدسها واحد للاخت لام وثلثاها أربعة للاخت لابوين لانها كأختين لتعدد فرعها والباقي هو واحد للاخ والاخت لاب للذكر ضعف الانثى بطريق العصوبة، ثم هذه الاخت لاب كأختين لتعدد فرعها فهي مع الاخ لاب كأربعة رؤوس وقسمة الواحد على الاربعة لا تصح وتباين، فتضرب الاربعة الستة أصل المسألة تبلغ أربعة وعشرين، ومنها تصح، فكل من له شئ من أصل المسألة أخذه مضروبا في الاربعة، وقد كان للاخت لام واحد يضرب في أربعة يخرج أربعة تدفع لنت أبنها وللاخت لابوين أربعة تضرب في أربعة يخرج ستة عشر تدفع لبنتي بنتها وللاخ والاخت لاب واحد يضرب في أربعة يخرج أربعة تقسم مناصفة بين ابن بنت الاخ وبنتي ابن الاخت، فصار نصيب البنتين من الجهتين ثمانية عشر.
هذا، واعلم أن السيد الشريف قدس سره قد ذكر هذا المثال عن بعض الشارحين وأقره، ومقتضاه على هذا التقسيم أنه لا يتعبر اختلاف البطون في هذا الصنف عند محمد وظاهر، قول السراجية: إن الحكم فيهم كالحكم في الصنف الاول، وكذا قوله ما أصاب كل فريق يقسم بين فروعهم كما في الصنف الاول أنه عند محمد يقسم على أول بطن اختلف كما في الصنف الاول، وكما(1/389)
في الصنف الثاني أيضا وكما في أولاد الصنف الرابع، ولم أر من تعرض لذلك فليراجع.
قوله: (ثم جزء جديه أو جدتيه الخ) المراد بالجدين أبو الأب وأبوالام وبالجدتين أم الاب وأم الام، وهذا شروع في الصنف الرابع.
وجملة القول فيه أنه لا يتأتى هنا تفاوت الدرجة إلا في أولادهم ومن بعدهم، وسيأتي الكلام عليهم، وحينئذ فإما أن يتحد حيز قرابتهم أو لا، فإن اتحد بأن كانوا من جهة أبي الميت أو أمه قدم الاقوى ولو أنثى إجماعا: أي قدم من لابوين على من لاب ومن لاب على من لام ويقسم على الابدان اتفاقا الاصول حينئذ، ويعطى للذكر ضعف الانثى كعم وعمة كلاهما لام أو خال وخالة كلاهما لابوين أو لاب أو لام، وإن اختلف حيز قرابتهم لان كان قرابة بعضهم من جهة الاب وبعضهم من جهة الام فلقرابة الاب الثلثان ولقرابة الام الثلث، ولا يقدم الاقوى في جهة على غيره في جهة أخرى، وإنما يقدم أقوى كل جهة على غييره فيها فلا تقدم العمة الشقيقة على الخالة لام بل تقدم على العمة لاب أو لام، ولا يقدم الخال الشقيق على العمة لام بل يقدم على الخال لاب أو لام، ويقسم حظ كل جهة على أبدانهم ويعطى للذكر ضعف الانثى، فلو مات عن عشر عمات وخال وخالة فالثلثان للعمات على عشرة بالسوية والثلث للخال والخالة أثلاثا.
قوله: (وبنات الاعمام) أطلقه فشمل الاعمام لابوين أو لاب أو لام.
قوله: (وأولاد هؤلاء) أي أولاد هذا الصنف الرابع عند عدم أوصلها، وخصهم بالذكر لعدم تناول الاعمام والعمات والاخوال والخالات لاولادهم، بخلاف أولاد البنات والاخوات، وكذا الجدات والاجداد لتناولهم من يكون بواسطة وغيرها، ثم حكم هؤلاء كالحكم في الصنف الاول، وهو أنه إما أن يتفاوتوا في الدرجة أو لا، فإن تفاوتوا درجة قدم أقربهم على غيره ولو من غير جهته، فأولاد العمة أولى من أولاد أولاد العمة
أو الخالة وأولاد الخالة أولى من أولاد أولاد الخالة أو العمة، وإن استووا فإما أن يتحد حيز قرابتهم أو لا، فإن اتحد حيز قرابتهم بأن تكون قرابة الكل من جانب أبي الميت أو جانب أمه فإما أن يكون كلهم ولد عصبة أو ولد رحم أو بعضهم ولد عصبة ففي الاولين كأولاد أعمام لغير أم وكأولاد عمات قدم الاقوى قرابة بالاجماع، فمن أصله من الابوين أولى ممن لاب، ومن لاب أولى ممن لام لانه عند اتحاد السبب يجعل سببا في معنى الاقرب درجة فيكون أولى، وفي الاخير وهو ما إذا كان بعضهم ولد عصبة وبعضهم ولد رحم قدم ولد العصبة ما لم يكن ولد رحم أقوى قرابة فبنت عم شقيق أولى من ابن عمة شقيقة، بخلاف ما إذا كان العم لاب فإن ابن العمة الشقيقة أولى، لان ترجيح شخص بمعنى فيه وهو قوة القرابة هنا أولى من الترجيح بمعنى في غيره وهو كون الاصل عصبة، وهذا ظاهر الرواية.
وقال بعضهم: بنت العم لاب أولى، ورجح على ظاهر الرواية.
سيد.
واختاره عماد الدين تبعا لشمس الائمة ابن كمال، لكن في سكب الانهر أن الاول به يفتى.
قلت: وهو المتبادر من إطلاق قول الملتقى: ويرجحون بقرب الدرجة ثم بقوة القرابة ثم بكون الاصل وارثا عند اتحاد اجهة.
وإن اختلف حيز قرابتهم فالثلثان لمن يدلي بقرابة الاب والثلث لمن يدلي بقرابة الام.
ثم عند أبي يوسف: ما أصاب كل فريق يقسم على أبدان فروعهم مع اعتبار عدد الجهات(1/390)
في الفروع، وعند محمد: يقسم المال على أول بطن اختلف مع اعتبار عدد الفروع والجهات في الاصول كما في الصنف الاول.
وتمامه في شرح السيد.
ثم اعلم أنه لا يعتبر بين الفريقين قوة القرابة، فلا يرجح ولد العمة لابوين على ولد الخال أو الخالة، وكذا لا يعتبر ولد العصبة فلا ترجح بنت العم لابوين على بنت الخال أو الخالة وإنما يعتبر ذلك في كل فريق بخصوصه، فالمدلون بقرابة الاب يعتبر فيما بينهم قوة القرابة ثم ولد العصبة، والمدلون بقرابة الام يعتبر فيما بينهم قوة القرابة ولا تتصور عصوبة في قرابة الام، وهذا ظاهر الرواية كما في السراجية والفرائض العثمانية لصاحب الهداية، وهو ظاهر إطلاق المتون والشروح حيث قالوا:
وعند اختلاف جهة القرابة فلقرابة الاب ضعف قرابة الام، فلم يفرقوا بين ولد العصبة وغيره، لكن ذكر بعده في معراج الدراية عن شمس الائمة أن ظاهر الرواية أن ولد العصبة أولى اتحد الحيز أو اختلف، فبنت العم وبوين أولى من بنت الخال، وأنه وافقه التمرتاشي، ثم قال: وفي ضوء السراج الاخذ برواية شمس الائمة أولى ا ه.
قلت: وفي الخلاصة: ولد العصبة أولى اتحدت الجهة أو اختلفت في ظاهر الرواية، وكذا في مجمع الفتاوى وصححه في المضمرات، وبه أفتى العلامة خير الدين الرملي، لكن خالفه في الحامدية قائلا بأن المعتبر ما في المتون لوضعها لنقل المذهب ا ه، فتأمل.
وراجع الفتاوى الخيرية.
(1) قوله: (ثم عمات الآباء الخ) أدرج بعضهم هؤلاء تحت الصنف الرابع وهو من ينتمي إلى جد الميت، لان جد الاب جد، وجعله بعضهم صنفا خامسا وهو المتبادر من عبارة المصنف.
وحاصله: أنه إذا لم يوجد عمومة الميت وخؤولته وأولادهم انتقل حكمهم المذكور إلى هؤلاء ثم أولادهم، فإن لم يوجدوا أيضا انتقل الحكم إلى عمومه أبوي الميت وخؤولتهم ثم إلى أولادهم وهكذا إلى ما لا يتناهى فلا تغفل.
وفي الحاوي القدسي وغيره: وإذا اجتمع قرابتان لاب وقرابتان لام كعمة الاب وخالته وعمة الام وخالتها فالثلثان لقرابتي الاب والثلث لقرابتي الام، ثم ما أصاب قرابتي الاب يقسم أثلاثا ثلثاه لقرابته من قبل أبيه وثلثه لقرابة أمه، وما أصاب قرابتي الام كذلك ا ه.
قوله: (كلهم) بالرفع توكيد لاعمام الامهات: أي أعمامهن لابوين أو لاب أو لام.
قوله: (وإن بعدوا)
__________
(1) عبارة الفتاوى الخيرية سئل في هالك هلك عن بنت عم لاب وأم وابن خال لاب وأم فما الحكم أجاب هذه المسألة اختلف فيها جعل بعضهم ظاهر الرواية إن الثلثين لبنت العم والثلث لابن الخال وهو المذكور في فرائض السراج وعليه صاحب الهداية والكنز والملتقى وغالب شروح الكنز والهداية وجعل بعضهم ظاهر للرواية أن لا شئ لابن الخال وإن الكل لبنت العم لكونها ولد العصبة وجعل في الضوء عليه الفتوى وأنه رواية شمس الائمة السرخسي وأنه وافق رواية التمرتاشي روايته وصححه في المضمرات وعليه صاحب الخلاصة قال في الضوء شرح السراجية الاخذ للفتوى بروايته يعنى شمس الائمة أولى من الاخذ بروايتهما يعنى صاحب الهداية وصاحب السراجية إنتهى والاصل فيه أن جهة القرابة إذا اختلفت كما في واقعة الحال هل يقدم ولد العصبة أم لا قيل وقيل والذي ينبغي ترجيحه ما رواه
السرخسي فإن لفظ الفتوى آكد من غيره من ألفاظ التصحيح كالمختار والصحيح كما أني لم أرض من اقتصر على مقابل ما رواه السرخسي مصرحا بكونه الصحيح أو الاشهر أو المختار أو غير ذلك من ألفاظ التصحيح وإنما يرسله أو يقول في ظاهر الرواية وأما هواي ما رواه السرخسي فقد صرحوا بأنه الصحيح وإن الاخذ بالفتوى به أولى وأنه ظاهر الرواية فليكن المعول عليه والله أعلم انتهى منه.(1/391)
راجع إلى قوله: ثم مات الآباء والامهات الخ لكن في التوزيع، لان قوله: بالعلو راجع إلى الاصول منهم، وقوله: أو السفول راجع إلى أولادهم، ففيه لف ونشر مرتب فافهم.
قوله: (ويقدم الاقرب في كل صنف) إذا اعتبرنا الاصناف خمسة كما قاله بعضهم لا يظهر ذلك في الرابع إذ لا أقرب فيهم، أما على ما مشى عليه الشارح من اعتبارهم أربعة فهو ظاهر، فافهم.
قوله: (واتحدت الجهة) أي جهة القرابة بأن يكونوا من جهة الاب أو من جهة الام، وهذا انما يتحقق في غير الصنف الاول، فافهم.
قوله: (قدم ولد الوارث) قد علمت أن اتحاد الجهة لا يتحقق في الصنف الاول فيقدم فيه ولد الوارث بلا شرط الاتحاد فعلم أنه شرط فيما يمكن فيه ذلك، وكذا تقديم ولد الوارث فيما يتحقق فيه ذلك وهو الصنف الاول والصنف الثالث، وكذا أولاد الصنف الرابع على التفصيل المار.
أما الصنف الثاني فلا يتحقق فيهم ولد وارث، لان الوارث فرعهم، وإنما يتحقق فيهم الادلاء بوارث، وقدمنا أن الاصح عدم اعتباره، وأما نفس الصنف الرابع فهم عند الاستواء في الدرجة والاتحاد في الجهة، إما كلهم أولاد وارث أو أولاد غيره، فلا يتحقق فيهم تقديم ولد الوارث وإنما يتحقق فيهم تقديم الاقوى كما مر، ثم المراد بولد الوارث من يدلي بوارث بنفسه فلا يعتبر الادلاء به بواسطة فلا تقدم بنت بنت بنت الابن على بنت بنت بنت البنت كما صرح به في سكب الانهر وغيره فعلم أن عدوله عن المدلي بوارث إلى قوله: ولد الوارث للاحتراز عن الصنف الثاني وعن الادلاء بوارث بواسطة.
قوله: (فلو اختلفت) أي جهة القرابة وهذا مقابل قوله: واتخذت الجهة قال الزيلعي: وهذا لا يتصور في الفروع وإنما يتصور في الاصول والعمات والاخوال ا ه أي في الصنف الثاني والرابع، وكذا في أولاد الرابع.
قوله: (وعند الاستواء) أي في القرب والقوة والجهة وفي كونهم كلهم ولد وارث أو ولد غيره
كما أفاده في الملتقى وشرحه.
قوله: (فإن اتفقت صفة الاصول) أي صفة من يدلون به فالمراد بالاصول المدلى بهم، سواء كانوا أصولا لهم أولا زيلعي أي ليشمل الصنف الثاني.
قوله: (وأما إذا اختلفت الفروع والاصول) مقابل قوله فإن اتفقت الخ لكن ذكر اختلاف الفروع غير لازم، لان الخلاف في اختلاف الاصول فقط.
قوله: (وهما) أي أبو حنيفة في رواية شاذة وأبو يوسف في قوله الاخير ا ه.
قاسم قوله: (وفى الملتقى وبقول محمد يفتى) أي وإن صحح في المختلف والمبسوط قول أبي يوسف لكونه أيسر على المفتى كما أخذوا بقوله في بعض مسائل الحيض ا ه.
در منتقى قوله: (بنت شقيقة)(1/392)
أي بنت أخيه الشقيق قوله: (فأجبت الخ) أي على قول محمد وأصل المسألة من اثنين وتصح من ستة بضرب ثلاثة في اثنين لانكسار مخرج النصف على ثلاثة أما على قول أبى يوسف فهى من أربعة للابن سهمان ولكل بنت سهم واحد قوله: (قد شرطوا) الاولى قد أخذوا عدد الفروع في الاصول: أي ويؤخذ الوصف من الاصول ط.
قوله: (فيقسم الخ) أي فكأنه مات عن شقيق وشقيقتين ط.
قوله: (بين أولادها) أي بين الابن والبنت إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد، وحسنه كون الابن يعتبر كبنتين فهو من البنت كثلاثة رؤوس فافهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الغرقى والحرقى وغيرهم جمع غريق وحريق فعيل بمعنى المفعول، والمراد ومن بمعناهم كالهدمى والقتلى في معركة، وأراد بغيرهم الكافر وولد الزنا واللعان والحمل.
قوله: (إلا إذا علم الخ) اعلم أن أحوالهم خمسة على ما في سكب الانهر وغيره.
أحدهما: هذا وهو ما إذا علم سبق موت أحدهما ولم يلتبس فيرث الثاني من الاول.
ثانيها: أن يعرف التلاحق ولا يعرف عين السابق.
ثالثها: أن يعرف وقوع الموتين معا.
رابعا: أن لا يعرف شئ، ففي هذه الثلاثة لا يرث أحدهما من الآخر شيئا.
خامسها: أن يعرف موت أحدهما أولا بعينه، ثم أشكل أمره بعد ذلك وسيأتي الكلام عليه ا ه.
ومثله في الدر المنتقى.
قوله: (فلو جهل عينه) أي بعد معرفة الترتيب، وهذا يحتمل الحالة الثانية
والخامسة، لكن عبارة شرح المجمع تفيد الحالة الثانية فقط ونصها فإن علم أن أحدهما مات أولا وجهل عينه أعطي كل واحد اليقين ووقف المشكوك حتى يتبين أو يصطلحوا ا ه.
قوله: (أعطى كل الخ) أي من ورثتهم بقرينة قوله أو يصطلحوا فلو غرق أخوان لكل منهما بنت أخذت بنت كل نصف تركة أبيها حتى يتبين المتأخر فتأخذ بنته نصف تركة أبيها الباقي ونصف تركة عمها أو يصطلحا على شئ تأمل.
قوله: (شرح مجمع) أي لمصنفه ومثله في الاختيار حيث قال: وإن علم موت أحدهما أولا ولا يدري أيهما هو أعطى كل واحد اليقين ووقف المشكوك حتى يتبين أو يصطلحوا ا ه ومثله في شرح السراجية لمصنفها وتبعه بعض شراحها وعلله في حاشية عجم زاده بقوله لان التذكير غير ميئوس منه.
قوله: (لكن نقل شيخنا الخ) أي في حاشيته على المنح وقد استدرك أيضا في معراج الدراية على شرح المجمع بعبارة ضوء السراج الذي هو شرح السراجية وقال العلامة قاسم في شرح فرائض المجمع إن ما ذكره صاحب المجمع أخذه من الاختيار وهو قول الشافعية ولا يساعده عندنا رواية ولا دراية قال في المبسوط: وكذا إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدري أيهما هو لتحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا وقال في المحيط: فيجعل كأنهما ماتا معا، وكذلك لو تقدم موت أحدهما إلا أنه لا يدري(1/393)
المتقدم من المتأخر، لان سبب الارث ثابت للمتأخر منهما لكن المستحق مجهول فتعذر الاثبات لاحدهما، وصار كما لو أعتق إحدى أمتيه بعينها ثم نسيها لا يحل له وطؤهما لجهالة المملوكة.
وقال في الارفاد: أو مات أحدهما قبل الآخر وأشكل السابق جعلوا كأنهم ماتوا معا فمال كل واحد لورثته الاحياء ولا يرث بعض الاموات من بعض.
هذا مذهب أبي حنيفة إ ه.
وذكر ذلك أيضا في سكب الانهر وشرح الكنز للمقدسي، وقد لخصت ذلك في الرحيق المختوم، وذكرت فيه أن المتبادر من هذه العبارات كلها أن محل النزاع هو الحالة الثانية، وهي ما إذا علم التلاحق وجهل عين السابق، وقد خصه في سكب الانهر بالخامسة، وهي ما إذا علم السابق بعينه ثم أشكل، ولعله أخذه من قول العلامة قاسم إنه قول الشافعية، فإن الشافعية ذكروا ذلك في الخامسة فقط كما في شرح الترتيب للشنشوري، لكن إذا جرى النزاع في الثانية يجري في الخامسة بالاولى.
تأمل.
قوله: (أنه لو مات أحدهما) أي أولا كما في حاشية
شيخه.
قوله: (إذ لا توارث بالشك) علة لمقدر وهو: ولا يرث بعضهم من بعض، أو لما صرح به المصنف أولا، وهذا قول أبي حنيفة آخرا، وكان أولا يقول: يرث بعضهم من بعض إلا ما ورث من صاحبه، والمعتمد الاول لاحتمال موتهما معا أو متعاقبا، فوقع الشك في الاستحقاق واستحقاق الاحياء متيقن والشك لا يعارض اليقين، فلو غرق أخوان ولكل منهما تسعون درهما وخلف بنتا وأما وعما فعلى المعتمد تقسم تركة على ورثته الاحياء من ستة للبنت النصف وللام السدس وللعم ما بقي، وعلى القول الثاني ما بقي وهو ثلاثون للاخ لا للعم، ثم تقسم الثلاثون بين البنت والام والعم على ستة كما تقوم فيصير للبنت ستون وللام عشرون وللعم عشرة ا ه.
قاسم ملخصا.
تنبيه: برهن كل من الورثة أن أباه مات آخرا تهاترتا عند أبي حنيفة، وكذا لو ادعى ورثة كل إن أبا الآخر مات أولا وحلف لم يصدق، أمل لو برهن واحد منهم في الاولى أو ادعى وحلف في الثانية صدق لعدم المعارض، ولو مان أخوان عند الزوال أو الطلوع أو الغروب في يوم واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ورث ميت المغرب من ميت المشرق لموته قبله، لان الشمس وغيرها من الكواكب تزول وتطلع وتغرب في المشرق قبل المغرب ا ه.
سكب الانهر.
قال في الدر المنتقى: ومفاده أنه لو اتحدت البلدة أو تقاربت مل يكن الحكم كذلك، فليراجع ذلك ا ه.
قلت: لا شك في انتفاء الارث بالشك وثبوته بعدمه.
قوله: (فإنه يرث بالحاجب) كما لو تزوج مجوسي أمة.
زاد في سكب الانهر: أو وطئ مسلم أو غيره لشبهة فولدت بنتا فماتت البنت عن أمها وهي جدتها ترث بالامومة فقط، لان الامص تحجب الجدة.
قوله: (يرث بالقرابتين) كما لو ماتت الام المذكورة عن بنتها وهي بنت ابنها ترث النصف بكونها بنتا والسدس تكملة الثلثين بكونها بنت ابن.
قوله: (عندنا) أما عند الشافعية فيرث بأقواهما كما قدمناه قبيل باب العول.
قوله: (ولا يرثون إلا بأنكحة مستحلة عندهم) محترز قوله: بالقرابتين والفرق أن هذه الانكحة غير ثابتة في حكم الاسلام على الاطلاق، بخلاف القرابة لان النسب يستحق به الميراث ولو كان سببه محظورا كما في النكاح الفاسد والوطئ بشبهة.
مقدسي.
وفيه: ولو ثبت حرمة مصاهرة بين زوجين فحدث بينهما ولد فمات(1/394)
الاب منع إرثه القاضي سليمان.
وقال شيخ الاسلام السعدي: يرث ا ه.
سائحاني.
قلت: وقد نظم هذه المسألة في الوهبانية هنا فراجع شروحها.
قوله: (كتزوج مجوسي أمه) أي فلو مات أحدهما عن الآخر ورث بالنسب لا بالزوجية.
قوله: (وكل نكاح الخ) وذلك كالنكاح بلا شهود أو في عدة كافر معتقدين حله، بخلاف المحارم، أو في عدة مسلم فإنهما لا يقران عليه، وقد جعل في الجوهرة هذا ضابطا للنكاح الجائز والنكاح الفاسد: أي لما يثبت به الارث وما لا يثبت.
قوله: (بجهة الام فقط) كما لو كان له ولد من امرأة ثم زنى بها فأتت بولد أو لاعنها في ولد آخر ثم مات أحد الاخوين فإن الآخر يرثه بكونه أخا لام لا شقيقا ا ه ح.
قوله: (لما قدمناه في العصبات الخ) قدم هناك فرقا بينهما وقدمنا ما فيه، فتنبه.
قوله: (ووقف للحمل حظ ابن واحد الخ) هذا لو الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم نقصانا، فلو يحجبهم حرمانا وقف الكل، وقيل: وكذا لو الولادة قريبة دون شهر، وبه جزم نزيل حلب في شرحه على السراجية، ولكن الاطلاق أظهر كما ذكره الاكمل في شرحها، ولو لم يعلم أن ما في البطن حمل أو لا لم يوقف، فإن ولدت تستأنف القسمة، ولو ادعت الحمل عرضت على ثقة، ولو ولدت ميتا لم يرث: أي إذا خرج بنفسه، أما لو أخرج بجناية فيرث ويورث، وإذا خرج أكثره حيا بما تعلم حياته ولو بتحريك عين وشفة ومات ورث وصلى عليه، وإن كان خرج أقله حيا ثم مات فلا يرث.
وتمامه في الدر المنتقى.
قوله: (وعليه الفتوى) وهذا قول أبي يوسف، وعند الامام: يوقف حط أربعة، وعند محمد: اثنين.
قوله: (لانه الغالب) أي الغالب المعتاد أن لا تلد المرأة في بطن واحد إلا ولدا واحدا فيبنى الحكم عليه ما لم يعلم خلافه.
سيد.
قوله: (ويكفلون) أي يأخذ القاضي على قول أبي يوسف من الورثة كفيلا على أمر معلوم وهو الزيادة على نصيب ابن واحد فقد نظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه: أعني الحمل.
سيد.
قوله: (كما لو ترك الخ) اعلم أن الاصل في تصحيح مسائل الحمل أن تصحيح مسألة ذكورته ومسألة أنوثته كما ذكر، ثم تضرب إحداهما في الاخرى إن تباينا أو في وفقها إن توافقا، ثم من له شئ من مسألة الانوثة أخذه مضروبا في كل الثانية أو في وقفها ويعطى أقل الحاصلين ويوقف الفضل.
ففي هذه الصورة مسألة الذكورة من 42 للزوجة الثمن 3 ولكل واحد من الابوين السدس 4 وللبنت مع الحمل الذكر الباقي
وهو 13.
ومسألة الانوثة من 72 لاختلاط الثمن بالسدس فللابوين 7 وللزوجة 3 وللبنت مع الحمل الانثى 61 وبين المسألتين توافق بالثلث، فإذا ضرب وقف إحداهما في الاخرى حصل 612 ومنها تصح، فعلى تقدير الذكورة للزوجة 72 من ضرب 3 في وفق المسألة الثانية وهو 9 ولكل واحد من الابوين 63 من ضرب 4 في 9 وللبنت مع الحمل الذكر 711 من ضرب 31 في 9 للبنت ثلثها 39 ويبقى له ثلثاها 87.
وعلى تقدير الانوثة للزوجة 42 من ضرب 3 في وفق الاولى وهو 8 ولكل واحد من الابوين 23 من ضرب 4 في 8 وللبنت مع الحمل الانثى 821 من ضرب 61 في 8 للبنت نصفها 46 ويبقى له نصفها 46 أيضا فيعطى الزوجة والابوان ما خرج لهم على تقدير الانوثة ويوقف الفضل(1/395)
وهو 11 من نصيب الزوجة 3 ومن نصيب الابوين 8 وتعطى البنت ما خرج لها على تقدير الذكورة ويوقف الباقي للحمل وهو 87 فجملة الموقوف 98، فإن وضعته أمه أنثى يدفع للبنت من ذلك الموقوف 52 ليكمل لها مثل حصته والباقي له، وإن وضعته ذكرا يدفع للزوجة 3 وللابوين 8 والباقي له، وإن وضعته ميتا تعطى البنت من الموقوف 96 تكملة النصف والزوجة 3 تكملة الثمن والام 4 تكملة السدس والاب 31 منها 4 تكملة السدس والباقي وهو 9 تعصيبا.
وقد خالفت في هذا التقسيم ما في السراجية وشروحها لما علمت من أن الفتوى على أن الموقوف نصيب ولد واحد والآخر في حق البنت هنا كون الحمل ذكرا وفي حق الزوجة والابوين كونه أنثى كما رأيت، والعجب مما في السراجية حيث ذكر أن المفتى به ذلك ثم أوقف نصيب أربعة ذكور وقسم بناء على ذلك، فليتأمل.
تنبيه: هذا التوقف إنما يكون في حق وارث يتغير فرضه من الاكثر إلى الاقل، أما من لا يتغير فرضه كالجدة والزوجة الحبلى فلا يوقف له شئ، وأما من يسقط في إحدى حالتي الحمل كأخ أو عم مع زوجة حامل فلا يعطى شيئا.
وتمام الكلام في سكب الانهر.
قوله: (هذا) أي ما مر من المثال.
واعلم أنه إذا كان الحمل منه فإنما يرث إذا ولد لاقل من سنتين ولم تكن المرأة أقرت بانقضاء عدتها، فلو لتمام السنتين أو أكثر أو أقرت بانقضاء العدة فلا.
وما في السراجية من إلحاق التمام بالاقل فخلاف ظاهر الرواية.
وإن كان غيره فإنما يرث لو ولد لستة أشهر أو أقل، وإلا فلا، إلا
إذا كانت معتدة ولم تقر بانقضائها، أو أقر الورثة بوجوده كما يعلم من سكب الانهر مع شرح ابن كمال وحاشية يعقوب.
قوله: (وإلا فمثله كثيرة) بضمتين جمع مثال، وهذا يوهم أنه لو منه يختص بالمثال السابق وليس كذلك.
أفاده ط قوله: (وأما حبلى) أي من أبي الميتة، فلو كان من غير أبيها ففرضه السدس ذكرا أو أنثى.
قوله: (فيقدر أنثى) لان نصيبه أكثر.
قوله: (فيقدر أنثى) لان نصيبه أكثر.
قوله: (ولم أر الخ) هذا عجيب مع نقل الفرع بعينه عن الوهبانية ا ه ح.
أقول: مراده أنه هل يوقف له شئ أم لا، وليس في كلام الوهبانية ما يفيد ذلك كما سيظهر.
قوله: (ما لو كان) أي الحمل.
قوله: (كهم) أي كزوج وأم حبلى بشقيق أو شقيقة وأعاد الضمير جمعا باعتبار عد الحمل وارثا ط.
قوله: (لم يبق له شئ) أي للحمل لانه عصبة، وقد استغرقت الفروض التركة لان المسألة من ستة فللزوج النصف ثلاثة وللام السدس واحد وللاخوين، لام الثلث اثنان، وهي المسألة المشركة عند الشافعية.
قوله: (فينبغي أن يقدر أنثى الخ) يدل عليه قول الزيلعي: وإن كان: أي الوارث نصيبه على أحد التقديرين أكثر يعطى الاقل للتيقن ويوقف الباقي ا ه: إذ لا شك أن نصيب الورثة في مسألتنا على تقدير ذكورته أكثر منه على تقدير أنوثته فيقدر أنثى ويوقف لها النصف عائلا وهو ثلث التركة ويعطى الورثة الاقل المتيقن به.
قوله: (وحاملة الخ) يقال: امرأة حامل أو حاملة كما صرح به في القاموس، فافهم.
والفاء في قوله: فلم يرث زائدة، ويقدر بسكون القاف وفتح الدال بالبناء للمجهول، والبيت من معاياة الوهبانية، فهو لغز في امرأة حامل إن(1/396)
ولدت ذكرا لا يرث وإن ولدت أنثى قدر لها الثلث وهو النصف عائلا، وجوابه ما صوره الشارح آنفا فيقال: إن ذلك فيما لو ماتت امرأة عن زوج وأم حامل وأخوين لام، ولا يخفى أنه ليس في كلام الوهبانية ما يفيد أنه هل يوقف لذلك الحمل شئ أم لا، وإنما هو مجرد سؤال عن تصوير المسألة فافهم.
والله تعالى أعلم.
فصل في المناسخة هي مفاعلة من النسخ بمعنى النقل والتحويل، والمراد به هنا أن ينتقل نصيب بعض الورثة بموته
قبل القسمة إلى من يرث منه.
سيد.
قوله: (ثم الثانية) أي ثم نصحح المسألة الثانية: أي مسألة الميت الثاني وتنظر بين ما في يده من التصحيح وبين النصحيح الثاني ثلاثة أحوال: المماثلة، والموافقة، والمباينة.
سيد.
وستأتي أمثلتها.
قوله: (إلا إذا اتحدوا) أي ورثة الميتين: أي فيكتفي بتصحيح واحد، فحينئذ تنقسم التركة في المثال المذكور على تسعة ابتداء كأن الميت الثاني لم يكن.
قوله): (فإن استقام الخ) كما إذا مات عن ابن وبنت ثم مات الابن عن ابنين، فالاولى من ثلاثة للابن منها سهمان ومسألته من اثنين فيستقيم ما في يده على مسألته.
قوله: (على تركته) أي مسألة تركته، والاصوب على مسألته.
قوله: (فبها ونعمت) أي فبالاستقامة يكتفي ونعمت هي، لانه قد صحت المسألتان مما صحت منه الاولى فلا تحتاج إلى زيادة عمل.
قوله: (وإن لم يستقم) أي نصيب الميت الثاني وهو ما في يده من الاولى على مسألته.
قوله: (فإن كان بين سهامه) أي التي في يده من الاولى وبين مسألته موافقة، كما إذا مات عن ابنين وبنتين ثم مات أحد الابنين عن زوجة وبنت عصبة، فالاولى من ستة والثانية من ثمانية وسهامه من الاولى اثنان لا يستقيم على مسألته لكن توافق بالنصف فاضرب وفق مسألته وهو 4 في التصحيح الاول وهو 6 تبلغ 42 ومنها تصح المسألتان للابن الاول ثمانية ولكل بنت ثلاث أربعة وللابن الميت ثمانية للزوجة منها سهم وللبنت 4 وللعصبة 3.
قوله: (وإلا الخ) كما لو مات عن زوجة أخوات متفرقات ثم ماتت الاخت الشقيقة عن أختيها وعن زوج فالاولى من 12 وعالت إلى 31 للزوجة 3 وللاخت الشقيقة 6 وللاخت لاب 2 وللاخت لام 2 والثانية من 6 وعالت إلى 7 للزوج 3 وللاخت لاب 3 وللاخت لام سهم وسهام الشقيقة من الاولى 6 لا تستقيم على 7 ولا توافق فتضرب 7 في 31 تبلغ 19 وهو تصحيح المسألتين.
قوله: (يحصل مخرج المسألتين) أي ما خرج بالضرب في صورتي الموافقة والمباينة هو مخرج المسألتين فيهما كما علمت، وذلك الحاصل يسمى الجامعة، والمضروب في الاولى وهو الثانية أو وفقها يسمى جزء السهم خلافا لما في الدر المنتقى، فتنبه.
قوله: (فتضرب الخ) شروع في معرفة نصيب كل وارث في المسألتين من التصحيح، وبيانه فيما(1/397)
صورناه للموافقة أنه كان للابن من الاولى 2 فاضربهما في المضروب: أي وفق الثانية وهو أربعة بثمانية
ولكل بنت واحد في أربعة بأربعة وللزوجة من الثانية واحد في وفق ما في يد ميتها وهو واحد بواحد وللبنت أربعة في واحد بأربعة وللعصبة ثلاثة في واحد بثلاثة وفيما صورناه للمباينة أنه كان للزوجة من الاولى فقط 3 في 7 تكن 12 والاخت لاب من الاولى 2 في 7 تكن 41 ومن الثانية 3 في كل ما في يد ميتها وهو 6 تكن 81 وللاخت لام من الاولى 2 في 7 تكن 41 ومن الثانية 1 في 6 تكن 6 للزوج من الثانية فقط في 3 في 6 تكن 81.
قوله: (وإن كان فيهم الخ) وذلك كالاخت لاب والاخت لام فيما صورناه للمباينة، لكنه مثال لضرب النصيب من التصحيح الاول في كل الثاني وضرب النصيب من التصحيح الثاني في كل ما يد الميت الثاني، ومثاله للضرب في الوقف لو مات عن زوجة وبنت منها وعن أب ثم ماتت البنت عن أمها وجدها فالاولى من 42 للبنت النصف 12 وللزوجة الثمن 3 وللاب السدس 4 فرضا والباقي 51 تعصيبا والثانية من ثلاثة للام الثلث والجد الباقي وهو 2 وبينها وبين ما في يد البنت وهو 21 موافقة بالثلث فتضرب وفق التصحيح وهو في كل التصحيح الاول يكن 42 كما هو فللزوجة من الاولى ثلاثة في واحد وفق التصحيح الاول بثلاثة ولها من الثانية بكونها أما واحد في 4 وفق ما يد البنت بأربعة وللاب من الاولى 9 في واحد بتسعة ومن الثانية بكونه جدا لها 2 في 4 تبلغ 8.
قوله: (ولو مات ثالث الخ) بيانه بمثال واحد جامع لما مر من الاستقامة والموافقة والمباينة: لو ماتت امرأة عن زوج وبنت من غيره وأم فمات الزوج قبل القسمة عن امرأة وأبوين ثم البنت عن ابنين وبنت وجدة ثم الجدة عن زوج وأخوين فالاولى وهي مسألة المرأة ردية تصح من ستة عشر فالزوج 4 وللبنت 9 وللام 3.
والثانية وهي مسألة الزوج تصح من 4 فيستقيم ما في يده عليها فلا حاجة إلى الضرب.
والثالثة مسألة البنت من 6 ونصيبها من الاولى 9 لا تنقسم على مسألتها وتوافق بالمثلث فاضرب ثلث مسألتها وهو 2 في 61 تبلغ 23 فمنها تصح الفريضتان، فمن كان له من 61 شئ فمضروب في 2 ومن كان له من 6 شئ فمضروب في وفق ما في يدها وهو 3.
والرابعة مسألة الجدة من 4 وسهامها 9 من 23 لانه اجتمع لها من بنتها 6 ومن بنت بنتها 3 والتسعة لا تستقيم على 4 ولا توافق فاضرب 4 في 23 تبلغ 821 فمنها تصح المسائل كلها، فمن كان له شئ من 23 فمضروب في 4 ومن كان له شئ من 4 فمضروب فيما في يدها وهو 9.
وبسط
ذلك في شرح السراجية.
قوله: (جعل المبلغ الثاني) وهو ما صحت منه الاولى والثانية.
قوله: (في العمل) أي المتقدم باين تأخذ سهام النيت الثالث من تصحيح مسألتي الاول والثاني وتقسمها على مسألته، فإن انقسمت فبها ونعمت، وإلا فاضرب وفق الثالثة التي اعتبرتها ثانية أو كلها في جميع تصحيح الاولين الذي اعتبرته أولا واعتبر الحاصل منهما كمسألة واحدة واقسم ذلك على الورثة في المسألتين يحصل المطلوب كما علمته في المثال الجامع.
قوله: (وهذا علم العمل فلا تغفل) يشير إلى صعوبة مسائل هذا الباب، وأنه لا يتقنها إلا أولو الالباب وكل ماهر في علمي الفرائض والحساب(1/398)
والذي يسهله المباشرة وكثرة العمل بتوفيق الوهاب.
وإتقان عمل الشباك المشهور بين الحساب، والله أعلم.
باب المخارج الاولى أن يقول وغيرها كما قال فيما مر، لان المصنف أدرج باب التصحيح وباب النسب بين الاعداد في هذا الباب، والانسب تقديمه على المناسخة كما فعل في السراجية لتوقفها عليه، والمخارج جمع مخرج وهو أقل عدد يمكن أن يؤخذ منه كل فرض بانفراد صحيحا، فالواحد ليس بعدد عند الحساب لا النحاة.
قوله: (الفروض الخ) أي الستة الآتية المأخوذة من خمس آيات في سورة النساء.
قوله: (نوعان) السبب في أنهم جعلوا الفرض الستة نوعين أن أقلها مقدارا وهو الثمن الذي مخرجه الثمانية والربع والنصف يخرجان من الثمانية بلا كسر فجعلوا الثلاثة نوعا واحدا، وأقل فرض بعده السدس الذي مخرجه الستة والثلث والثلثان يخرجان منها بلا كسر فجعلوا الثلاثة الاخرى نوعا آخر.
أفاد السيد.
قوله: (ومخرج كل كسر سميه) أي ما شاركه من الاعداد الصحيحة في مادة اسمه حتى السدس فإنه شارك مخرجه وهو الستة في ذلك.
لان أصل ستة سدسة قلب كل من الدال والسين الثانية تاء وأدغمت التاء في التاء فقيل ستة، وعبر بالكسر ليشمل ما عدا الفروض المذكورة كالخمس والسبع والتسع والعشر من الكسور المنطفة فأنها كذلك، وشكل كلامه الكسر المفرد كالنصف والمركب كالثلثين.
واعلم أن المخرج كلما كان أقل كان الفرض أكثر، وكلما كان أكثر كان الفرض أقل، فإن
النصف أكثر من الربع مثلا ومخرجه أقل من مخرجه.
قوله: (على التضعيف) أراد بذلك أن الثمن إذا ضعف حصل الربع وإن الربع إذا ضعف حصل النصف، وكذا السدس إذا ضعف صار ثلثا وإذا ضعف الثلث صار ثلثين.
سيد قوله: (والتنصيف) أراد أن النصف إذا نصف صار ربعا وإن الربع إذا نصف صار ثمنا، وكذا الحال في تنصيف الثلث والثلثين.
سيد.
قوله: (فتقول مثلا الخ) أي وتقول كذلك في النوع الثاني.
والحاصل أنه إذا بدئ بالاصغر من النوعين فهو على التضعيف، أو بالاكبر فعلى التنصيف.
قوله: (وأخصر الكل) أي أخصر العبارات التي عبر لها عن النوعين.
قوله: (أحاد) أي واحد واحد فمعناه مكرر وإن ذكر مرة واحدة، وكرره في السراجية نظرا إلى جانب اللفظ كحديث صلاة الليل مثنى مثنى أفاده السيد.
وما في شرح ديوان المتنبي للامام الواحدي من أنه لا يقال هو أحاد: أي واحد، إنما يقولون جاؤوا أحاد أحاد: أي واحدا واحدا، وأحاد في موضع الواحد خطأ إ ه.
لا يدل على عدم جوازه مرة واحدة في المتعدد كما فيما نحن فيه، وإنما يدل على عدم جوازه في واحد فلا يقال: زيد أحاد.
فافهم.
قوله: (وهما) أي المثنى أو الثلاث من نوع واحد: أي من النوع(1/399)
الاول فقط أو الثاني فقط بلا اختلاط شئ من أحد النوعين في الآخر.
قوله: (لجزء) أي أقل جزى منها.
قوله: (يكون مخرجا لضعفه الخ) لان مخرج الضعف موجود في مخرج الجزء فيستغني به عن مخرج الضعف، فمخرج الثلث والثلثين من ثلاثة وهي داخلة في الستة مخرج السدس، وكذا كل واحد من مخرج الربع والنصف داخل في مخرج الثمن، فإذا اجتمع في المسألة السدس والثلث كأم وأختين لام أو السدس والثلثان كأم وأختين لابوين فمن ستة، أو الثلث والثلثين كأختين لابوين وأختين لام فمن ثلاثة، أو اجتمع الثلاثة كأم وأختين لام وأختين لابوين فمن ستة، وإذا اجتمع فيها الثمن مع النصف كزوجة وبنت فمن ثمانية أو الربع والنصف كزوج وبنت فمن أربعة، ولا يتصور اجتماع الربع مع الثمن ولا اجتماع الثلاثة.
قوله: (فإذا اختلط النصف الخ) محترز قوله: وهما نوع واحد فما مر كان في اختلاط أفراد كل نوع بعضها مع بعض، وهذا شروع في اختلاطها مع أفراد النوع الآخر كلا أو بعضا، واعلم أن صور الاختلاط مطلقا سبعة وخمسون، منها سبعة وعشرون شرعية وثلاثون
عقلية، وقد لخصت الجميع في الرحيق المختوم فراجعه.
قوله: (كزوج الخ) مثال لاختلاط النصف مع الثلاثة، وفيه لف ونشر مرتب، ويعلم منه أمثلة اختلاط النصف مع بعضها بأن كان الزوج مع واحد من هؤلاء فقط أو مع اثنين منهم.
قوله: (لتركبها من شرب اثنين في ثلاثة) هذا إنما يظهر إذا لم يكن في المسألة سدس، أما إذ كان فيها ذلك فيكتفي بمخرجه، لان مخرج النصف اثنان ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة وكلاهما داخلان في الستة فيكتفي بها ط.
قوله: (فإن كان في المسألة زوجة ومن ذكر) أي في المثال السابق من الشقيقتين والاختين لام والام، وهذا مثال لاختلاط الربع بكل الثاني، ويعلم منه اختلاطه ببعضه بأن كانت الزوجة مع واحد من هؤلاء فقط أو مع اثنين منهم نظير ما مر.
قوله: (لموافقة الستة بالنصف) تعليل لما أفهمه كلامه من شرب الاربعة في ثلاثة دائما: أي سواء كان فيها سدس أو لا.
أما الثاني فظاهر، وأما الاول فلان مخرج السدس من ستة وهي موافقة للاربعة مخرج الربع بالنصف، ونصفها ثلاثة فلذا تضرب الاربعة في ثلاثة دائما، فافهم.
قوله: (ببعض الثاني) ليس على إطلاقه، فإنه يختلط مع الثلثين كزوجة وبنتين ومع السدس كزوجة وأم وابن ومع الثلثين والسدس كزوجة وبنتين وأم، وأما اختلاط الثمن مع غير ذلك فلا يتصور إلا على رأي ابن مسعود الآتي مع أن المحروم عنده يحجب غيره حجب نقصان فيختلط عنده مع الثلث كزوجة وأختين لام وابن محروم ومع الثلث والسدس كهم وأم ومع الثلثين والثلث كزوجة وشقيقتين وأختين لام وابن محروم.
قوله: (إلا على رأي ابن مسعود) كما لو ترك ابنا كافرا وزوجة وأما وأختين لاب وأم وأختين لام فإنهما من 24 وتعول إلى 13 عنده ا ه ح أما عند غيره فهي من 21 وتعول إلى 71.
قوله: (أو في الوصايا) كما لو أوصى لرجل بثمن ماله ولآخر بثلثيه ولآخر بثلثه ولآخر بسدسه ولا وارث له ألا كان وأجاز الكل(1/400)
فهي من 24 وتعول إلى 31 نظير ما قال ابن مسعود، وكذا ما قدمنا من الصور التي لا تأتي إلا على رأيه تأتي على رأي غيره في الوصايا أيضا كما لا يخفى.
قوله: (في ثلاثة) أي دائما سواء كان سدس أو لا، وبه يتضح التعليل كما نبهنا على نظيره قبله.
قوله: (من موافقة الستة بالنصف) لكن فيما تقدم كانت موافقتها بالنصف للاربعة وهنا للثمانية.
قوله: (ولا يجتمع أكثر من أربع فروض) أي غير مكررة
فلا يرد زوج وأم وأخت لابوين وأخت لاب وأختان لام ا ه ح.
قوله: (ولا يجتمع من أصحابها أكثر من خمس طوائف) بيانه: لو مات ميت عن زوج أو زوجة وعن أب وأم وجد وجدة وبنت وبنت ابن وأخت لاب وأخ وأخت لام فهؤلاء أصحاب الفروض المقدرة، لكن الجد والاخوات يحجبون بالاب والجدة بالام فالباقي من له الثمن أو الربع وهو أحد الزوجين، ومن له النصف، وهو البنت، ومن له السدس وهو ثلاث طوائف الاب والام وبنت الابن فغايتهم خمس طوائف، فإن لم يكن الاب والجد والبنت وبنت الابن فالباقي من له الربع أو النصف وهو أحد الزوجين، ومن له النصف وهو الشقيقة، ومن له السدس وهو طائفتان الام والاخت لاب ومن له الثلث وهو أولاد الام، والطوائف هنا خمسة أيضا.
قوله: (ولا ينكسر على أكثر من أربع فرق) لان لا بد أن يكون أحد الطوائف الخمس من هو منفرد كاوب أو الام أو الزوج ولا تنكسر سهامه عليه أصلا.
قوله: (وإذا انكسر سهام فريق الخ) شروع في تصحيح المسائل، والمراد به بيان أقل عدد يتأتي فيه نصيب كل وارث بلا كسر.
واعلم أنه يحتاج هنا إلى سبعة أصول: ثلاثة منها بين السهام والرؤوس، وأربعة منها بين الرؤوس والرؤوس.
أما الثلاثة التي بين السهام والرؤوس: فأحدها الاستقامة، بأن تكون سهام كل فريق منقسمة عليهم بلا كسر كأبوين وأربع بنات فلا حاجة فيها إلى الضرب، وثانيها الانكسار مع المباينة، بأن تكون السهام منكسرة على طائفة واحدة ولا يكون بين سهامهم ورؤوسهم وموافقة فاضرب عدد الرؤوس في أصل المسألة فقط أو مع عولها إن عالت، وثالثها الانكسار مع الموافقة بأن تنكسر السهام على طائفة واحدة لكن سهامهم ورؤوسهم موافقة فاضرب وفق رؤوسهم في أصل المسألة أو فيه مع عولها.
وأما الاربعة التي بين الرؤوس والرؤوس فهي التماثل والتداخل والتوافق والتباين، وسيذكر المصنف بيان معرفة هذه الاربعة، ولا تأتي هذه الاربعة إلا إذا كان الكسر على طائفتين فأكثر، وإنما لم يعتبروا التداخل بين السهام والرؤوس كما اعتبروه بين الرؤوس والرؤوس، بل ردوه إلى الموافقة إن كانت الرؤوس أكثر، وإلى المماثلة إن كانت السهام أكثر كستة على ثلاثة للاختصار كما سيتضح قريبا، وقد ذكر المصنف هذه الاصول السبعة بأمثلتها على هذا الترتيب المذكور، إلا
الاستقامة فإنه حذفها لظهورها.
قوله: (عليهم) أي على الفريق وجمع باعتبار المعنى، قوله: (إن كانت عائلة) أي يضرب فيهما إن كان عول، وإلا ففي أصل المسألة فقط، وإنما ترك المصنف هذا التفصيل هنا وفيما بعده إشارة إلى أن المسألة وعولها صار بمنزلة أصل المسألة في أن عدد الرؤوس يضرب فيهما كما يضرب في أصلها كما أفاده السيد.
قوله: (كامرأة وأخوين) مثال لغير العائلة وأصلها أربعة،(1/401)
والعائلة كزوج وخمس أخوات لغير أم أصلها ستة للزوج النصف ثلاثة وللاخوان الثلثان أربعة فعالت إلى سبعة وبين سهام الاخوات ورؤوسهن مباينة فاضرب عدد رؤوسهن خمسة في أصل المسألة مع عولها وهو 7 تبلغ 53 ومنها تصح.
قوله: (وعولها) أي إن كانت عائلة، وإلا ففي أصل المسألة فقط كما ذكره المصنف.
قوله: (كامرأة وست إخوة) مثال لغير العائلة وأصلها أربعة أيضا، والعائلة كزوج وأبوين وست بنات أصلها 21 فللزوج الربع 3 ولوبوين السدسان 4 وللست بنات الثلثان 8 فعالت إلى خمسة عشر وانكسر 8 سهام البنات على 6 عدد رؤوسهن لكن بينهما موافقة بالنصف فرددنا عدد رؤوسهن إلى نصفه وهو 3 ثم ضربناه في الاصل مع العول وهو 51 فحصل 54 ومنها تصح.
قوله: (فلهم ثلاثة توافقهم بالثلث) اعتبر المرافقة مع أن بين الثلاثة والستة مداخلة إشارة إلى عدم اعتبار التداخل بين السهام والرؤوس كما قدمنا، لانه وإن أمكن اعتباره بأن تضرب الاكبر وهو 6 جميع عدد الرؤوس في 4 لكنه يؤدي إلى التطويل وترك تطويل الحساب ربح فلذا أرجعناه إلى الموافقة، وكذا لو كانت البنات 4 في المثال الذي ذكرناه للعائلة فلا تضرب الاكبر وهو 8 جميع عدد سهامهن لما قلنا، بل يرجع إلى التماثل لصحة القسمة بلا ضرب.
قوله: (فإن انكسر الخ) شروع في الاصول الاربعة التي بين الرؤوس والرؤوس.
واعلم أنك أولا تنظر بين كل فريق مع سهامه، فإن تباينا فأثبت الفريق كاملا، وإن توافقا فأثبت وفق الفريق، ثم تنظر بين الاعداد المثبتة بهذه الاصول الاربعة: فإن تماثل العددان فاضرب أحدهما في أصل المسألة، تدخلا فاضربه اكبرهما فيه وإن توافقا ضربت الوفق في كل الاخر ثم الحاصل في أصل المسألة وإن تباينا ضربت أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة.
وقد ذكر المصنف
هذه الاربعة على هذا الترتيب، والمضروب في أصل المسألة يسمى جزء السهم كما سيأتي.
قوله: (أو أكثر) أي ثلاثة أو أربعة لا أكثر كما مر.
قوله: (وعدد رؤوسهم متماثلة) الاولى أن يقول: وأعداد جمع عدد، قال السيد: والمراد بأعداد الرؤوس ما يتناول عين تلك الاعداد ووفقها أيضا، فإنه إذا كان بين رؤوس طائفة وسهامهم مثلا موافقة يرد عدد رؤوسهم إلى وفقه أولا ثم تعتبر المماثلة بينه وبين سائر الاعداد كما ستطلع عليه.
قوله: (وعولها) كست أخوات شقيقات وثلاثة أخوات لام وثلاث جدات أصلها 6 وتعول إلى 7 للشقيقات الثلثان 4 لا تنقسم وتوافق بالنصف وهو ثلاثة وللاخوات لام الثلث 2 لا تنقسم ولا توافق وللجدات السدس 1 كذلك فاجتمع معك ثلاثة أعداد متماثلة فاضرب واحدا منها في الفريضة تبلغ 12 ومنها تصح.
زيلعي.
قوله: (وإن انكسر على ثلاث فرق الخ) يشير إلى ما ذكرناه من النظر أولا إلى كل فريق مع سهامه ثم إلى الاعداد المثبتة فلا فرق بين الفريقين والاكثر فيما ذكره، وإنما الفرق من حيث إن الفرق إذا كانوا ثلاثة مثلا تزيد صورها ويتكرر الضرب لتعدد المثبتات، لانك إذا نظرت أولا بين الفرق الثلاث وسهامها، فإما أن يباين كل فريق منها سهامه أو يوافقها أو توافق فريقين وتباين الآخر أو تباين فريقين وتوافق الآخر.
فهذه أربعة أحوال، ثم تنظ في(1/402)
كل حال منها بين المثبتات بالاصول الاربعة فتبلغ 25 صورة محل بيانها المطولات كشرح الترتيب وغيره.
قوله: (فاطلب المشاركة) الاولى التعبير بالمناسبة ط.
قوله: (ثم افعل كما فعلت في الفريقين) الاولى أن يقول: كما تفعل لانه لم يتقدم من أحوال الفريقين إلا المماثلة، وأما المداخلة والموافقة والمباينة فستأتي، فافهم.
قوله: (أشار إليه) أي ضرب جزء السهم وإلى ما قدمه من قوله: وإن انكسر على ثلاث فرق الخ تأمل.
قوله: (كأربع زوجات الخ) أصلها من 21 للجدات السدس 2 وللزوجات الربع 3 وللاعمام الباقي 7 وبين سهام كل فريق منهم وعدد رؤوسهم مباينة فأخذنا أعداد الرؤوس بتمامه وهي 4 و 3 و 21 فوجدنا الاولين متداخلين في الثلث وهو 21 فضربناه في أصل المسألة وهو أيضا 21 ومنها تصح.
قوله: (كأربع زوجات وخمسة عشر جد الخ) الاولى خمس عشرة والمسألة أصلها من 42 للزوجات الثمن 3 لا تستقيم ولا توافق فحفظنا عددهن 4 وللجدات السدس 4 تباين عددهن
وهو 51 فحفظناه أيضا وللبنات الثلثان 61 توافق عددهن وهو 81 بالنصف وهو 9 فحفظناه وللاعمام الباقي وهو 1 يباين عددهم وهو 6 فحفظناه أيضا فصار المحفوظ 4 و 6 و 9 و 51 ثم طلبنا المناسبة بين ذلك فوجدنا الاربعة موافق للستة بالنصف فضربنا نصف أحدهما في كامل الآخر بلغ 21 وهي موافقة للتسع بالثلث فضربنا ثلث أحدهما في كامل الآخر بلغ 63 وبينهما وبين 51 موافقة بالثلث أيضا فضربناها في ثلث 51 وهو 5 بلغ 810 هي جزء السهم.
قوله: (كامرأتين الخ) أصلها 24 للزوجتين الثمن 3 وبينهما مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن وهو 2 وللبنات الثلثان 61 توافق عددهن وهو 10 بالنصف وهو 5 فحفظناه وللجدات السدس 4 توافق عددهن وهو 6 بالنصف وهو 3 فحفظناه وللاعمام الباقي وهو 1 يباين عددهم وهو 7 فحفظناه فصار المحفوظ 2 و 3 و 5 و 7 وكلها متباينة فضربنا 2 في 3 بلغ 6 ثم ضربنا 6 في 5 بلغ 03 ثم ضربنا 30 في 7 بلغ 120 هي جزء السهم.
وتمام العمل ما ذكره الشارح.
وأما معرفة نصيب كل منهم في جميع هذه الامثلة وغيرها فسيأتي بيانها.
قوله: (وإذا أردت معرفة التماثل الخ) شروع في بيان النسب بين الاعداد وهي أربعة كالنسب بين الكليات(1/403)
المنطقية، فكل عددين لا بد أن يكون بينهما نسبة منها، لان العددين إما أن يتساويا أو لا، فإن تساويا فهما متماثلان، وإلا فإما إن يفني الاقل الاكثر أو لا، فإن أفناه فهما متداخلان، وإلا فإما أن يفنيهما عدد ثالث أو لا، فإن كان فمتوافقان وإلا فمتباينان.
قوله: (هذه مقدمة الخ) أي هذه النسب يحتاج إلى معرفتها في تقسيم التركة على أعداد المستحقين بلا كسر بأن تصحح المسألة من أقل عدد يمكن فهي توطئة لتصحيح المسائل فكان ينبغي تقديمها عليه، واعلم أن العدد ما تألف من الآحاد كالاثنين فصاعدا، ومن خواصه أن يساوي نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين، كالاربعة مثلا فإن حاشيتاها القريبتين ثلاثة وخمسة ومجموعهما ثمانية والاربعة نصف الحاشيتين، وحاشيتاها البعيدتان اثنان وست أو واحد وسبعة والاربعة نصف مجموعهما، وكالاثنين يساوي نصف مجموع الواحد والثلاثة، وبه علم أن الواحد لا يسمى عددا عند الحساب.
قوله: (المختلفين) أي في القلة والكثرة، والاختلاف لا يتصور في التماثل بل في التداخل وما بعده، إلا أنه صرح به في التداخل وحده وأشعر به فيما
بعده.
سيد.
قوله: (على ما هنا) لانه زاد في السراجية أمرين آخرين: الاول أن تزيد على الاقل مثله أو أمثاله فيساوي الاكثر.
الثاني أن يكون الاقل جزء الاكثر وهو من قبيل الاختلاف في العبارة.
قوله: (أي يفنيه) بمعنى أنه إذا ألقى الاقل من الاكثر لم يبق شئ، كالثلاثة والستة، فإذا ألقيت الثلاثة من الست مرتين فنيت الستة بالكلية، وكذا إذا ألقيتها من التسعة ثلاث مرات، بخلاف الثمانية فإنك إذا ألقيت منها الثلاثة مرتين بقي اثنان فلا يمكن إفناؤها بالثلاثة، لكن إذا ألقى منها اثنان أربع مرات فنيت الثمانية فهما أيضا متداخلان.
سيد.
قوله: (يعدهما أربعة) وكذا يعدهما اثنان فيتوافقان بالنصف، لكن إذا تعدد العاد اعتبر الاكبر ليكون جزء الوفق أقل كالاثني عشر والثمانية عشرة يتوافقان بالنصف والثلث والسدس، إلا أن العبرة في سهولة الحساب بتوافقهما في السدس.
قوله: (فيتوافقان بالربع) لان العدد لما مخرج لجزء الوفق بينهما، فلما عدهما الاربعة وهي مخرج للربع متوافقين به.
سيد.
قوله: (كالتسعة مع العشرة) فإنه لا يعدهما شئ سوى الواحد الذي ليس بعدد.
تنبيه: زاد ابن الكمال في التعريف قيد آخر، وهو أن لا يفني أحدهما الآخر لان الاثنين مع الاربعة لا يعدهما عدد ثالث مع أنهما من المتداخلين لا من المتباينين، وبالقيد المذكور يحترز عنهما لان الاثنين يعد الاربعة، قوله: (وإذ أردت معرفة التوافق الخ) لما كانت معرفته التماثل والتداخل بين العددين ظاهرة وفي معرفة التوافق والتباين بينهما خفاء ذكر لهما طريقة أخرى.
قوله: (من الجانبين) أي تسقط الاقل من الاكثر إلى أن يصير الاكثر أقل ثم تنقصه عن الاقل ا ه.
قاسم.
قوله: (تباينا) أي(1/404)
حصل التباين بينهما كالخمسة مع السبعة، فإنك إذا أسقطت الخمسة من السبعة بقي اثنان، فإذا أسقطتهما من الخمسة مرتين بقي واحد.
قوله: (فبالنصف) أي فهما متوافقان بالنصف كالستة مع العشرة، فإنك إذا أسقطت الستة من العشرة بقي أربعة، فإذا أسقطتها من الستة بقي العشرة، فإنك إذا أسقطت الستة من العشرة بقي أربعة، فإذا أسقطتها من الستة بقي اثنان.
قوله: (فبالثلث) أي فهما متوافقان بالثلث كالتسعة مع الاثني عشر.
قوله: (هكذا إلى العشرة) أي وإن توافقا في أربعة فهما متوافقان بالربع كثمانية من العشرين، أو في خمسة فبالخمس كخمسة عشر مع خمسة وعشرين، أو ستة فبالسدس كاثني عشرة ثمانية عشر أو سبعة فبالسبع كأربعة عشر مع
إحدى وعشرين أو في ثمانية فبالثمن كستة عشر مع أربعة وعشرين، أو في تسعة فبالتسع كثمانية عشر مع سبعة وعشرين، أو في عشرة فبالعشر كالعشرين مع الثلاثين.
قوله: (وتسمى الكسور المنطقة) الكسر المنطق هو ما يعبر عنه حقيقة بلفظ الجزئية وغيره، كالخمس فإنه كما يقال فيه خمس يقال فيه جزء من خمسة، والاصم ما لا يعبر عنه إلا بلفظ الجزئية كالواحد من أحد عشر فلا يقال فيه سوى جزء من أحد عشر جزءا من الواحد.
قوله: (أو أحد عشر) أي وإن توافقا في أحد عشر فهما متوافقان بجزء من أحد عشر كائنين وعشرين مع ثلاثة وثلاثين.
قوله: (وهكذا) كما إذا توفقان في جزء من ثلاثة عشر كستة وعشرين مع تسعة وثلاثين أو في جزء من سبعة عشر كأربعة وثلاثين مع واحد وخمسين أو في جزء من تسعة عشر كثمانية وثلاثين مع سبعة وخمسين.
تنبيه: إذا توافقا في عدد مركب وهو ما يتألف من ضرب عدد في عدد كخمسة عشر مع خمسة وأربعين فإن شئت قلت هما متوافقان بجزء من خمسة عشر، وإن شئت نسبت الواحد إليه بكسرين يضاف أحدهما إلى الآخر فتقول بينهما موافقة بثلث خمس أو خمس ثلث فيعبر عنه بالجزء وبالكسور المنطقة المضافة، بخلاف غير المركب فإنه لا يعبر عنه إلا بالجزء.
قوله: (وإذا أردت الخ) شروع في معرفة نصيب كل فريق وفي معرفة نصيب كل واحد من آحاد ذلك الفريق، والثاني يسمى قسمة النصيب، بيان ذلك في المسألة الاخيرة أنه كان للزوجين من أصل المسألة 3 فاضربها في جزء السهم الذي ضربته في أصل المسألة وهو 120 تبلغ 360 فهي نصيب الزوجات من التصحيح وكان للبنات 16 فاضربها في جزء السهم المذكور تبلغ 6330 فهي لهن وكان للجدات 4 فاضربها فيه أيضا تبلغ 840 فهي لهن وكان للاعمام سهم فاضربه في 120 فهي لهم.
قوله: (ضربت سهام كل وارث الخ) أي بعد أن تقسم ما كان لكل فريق من أصل المسألة على عدد رؤوسهم وكان عليه أن يذكر ذلك حتى يعرف ما يضرب في جزء السهم، بيانه كان للزوجتين من أصل المسألة 3 فاقسمها عليهما يخرج واحد ونصف فاضربه في المضروب وهو 120 تبلغ 513 فهي لكل زوجته وكان للبنات 16 فاقسمها على 10 عدد رؤوسهن يخرج سهم وثلاث أخماس سهم فاضربه في المضروب تبلغ 336 فهي لكل بنت وكان للجدات 4 فاقسمها على 6 عدد رؤوسهن يخرج ثلثان فاضربه في المضروب يبلغ 140 فهي لكل(1/405)
جدة وكان للاعمام سهم فاقسمه على عددهم 7 يخرج سبع سهم فاضربه في المضروب يبلغ 30 فهي لكل عم.
قوله: (والاوضح طريق النسبة الخ) ففي المسألة المذكورة كان للزوجتين 3 ونسبتها إليهما مثل ونصف فأعط كل واحدة من المضروب مثل ذلك النسبة: أي مثله ونصف مثله يكن ما مر وسهام البنات 61 نسبتها إلى رؤوسهن وهو 10 مثل وثلاث أخماس مثل فاعط كا واحد من المضروب مثله وثلاثة أخماس مثله يكن ما مر وسهام الجدات 4 نسبتها إلى رؤوسهن وهو 6 ثلثان فأعط كل واحد ثلثي المضروب يكن ما مر، وللاعمام سهم نسبته إلى رؤوسهم وهو 7 سبع سهم فأعط كل واحد منهم سبه المضروب يكن ما مر، وإنما كان هذا أوضح لانه لا يحتاج فيه إلى قسمة وضرب، وقد قيل: من ملك النسبة ملك الحساب، ولكن ربما كانت النسبة أعسر فالعمل بالضرب أيسر وثمة طرق أخر.
قوله: (وإذا أردت قسمة التركة الخ) لما فرع من تعيين نصيب كل فريق من التصحيح ثم تعيين نصيب كل وارث منه شرع في بيان المقصود وهو تعيين نصيب كل وارث من كل التركة بطريقين يتوافقان على معرفة نصيب كل وارث من التصحيح.
قوله: (يعني أن كلا وحده) جواب عما أورد من أن قوله كالسراجية والغرماء بالواو، وغير صحيح لان التركة إن كانت وافية بجميع الديون وبقي للورثة شئ لا يحتاح إلى القسمة بين الغرماء وتكون القسمة بين الورثة وإلا لم يبق للورثة شئ، وحاصل الجواب أن المراد وبين الغرماء، فلفظ بين مقدر: أي بين أفراد هذه الطائفة، فالقسمة متعددة بتعدد أحوالها لا واحدة على الطائفتين معا، أو يجاب بأن الواو بمعنى أو فيكون المعنى أيضا ما قلنا.
قوله: (ضربت سهام كل وارث الخ) أي ثم قسمت المبلغ على التصحيح إن ضربت في كل التركة أو على وفقه إن ضربت في وفقها، وهذا لا بد منه وإن تركه المصنف والشارح.
قوله: (والموافق للسراجية الخ) لم يقل والصواب، لانه عند الموافقة يصح الضرب في كل التركة كما في المباينة، وكذا في المداخلة إلا أن فيه تطويل الحساب، فكان الاولى الضرب في الوفق عند الموافقة وفي الكل عند المباينة.
مثال الموافقة: زوج وأخوان لام وشقيقتان أصلها من 6 وتعول إلى 9 والتركة 60 دينارا بينها وبين التصحيح موافقة بالثلث فللزوج من التسعة 3 فاضربها في 20 وفق التركة يكن 60 فاقسمها على
وفق التصحيح وهو 3 يخرج 20 هي له من التركة ولاحد الاخوين سهم فاضربه في الوفق يكن 20 فاقسمها على الثلاثة يخرج 6 وثلثان هي له ولاخيه مثله ولاحدى الشقيقتين 2 فاضربهما في الوفق يكن 40 فاقسمها على الثلاثة يخرج 31 وثلث وهي لها ولاختها مثلها ومثال المباينة زوج وأم وشقيقة أصلها من 6 وتعول إلى 8 والترك 52 دينارا فبينهما مباينة للزوج من الثمانية 3 فاضربها في 25 كل التركة تبلغ 75 فاقسمها على 8 يخرج 9 وثلاثة أثمان هي له وللشقيقة مثله وللام من الثمانية 2 فاضربهما في 25 تبلغ 50 فاقسمها على 8 يخرج 6 وربع هي لها، ولو ضربت في المثال الاول سهام كل وارث من التصحيح في كل التركة ثم قسمت الحاصل على كل التصحيح كما فعلت هنا لصح ذلك ولكن فيه تطويل كما قبنا، ولو كانت التركة في المثال الثاني 24 كان بينها وبين التصحيح مداخلة لدخول الثمانية(1/406)
في 24 ويجوز العمل فيها كالمباينة أيضا، لكن الاخصر عمل الموافقة لاشتراكهما في كسر وهو الثمن مخرج أقلهما وهو الثمانية فهما في حكم المتوافقين.
قوله: (وتعمل كذلك في معرفة نصيب كل فريق منهم) بأن تضرب يفي المثال الاول نصيب الاخوين ونصيب الاختين فيما ضربت فيه نصيب أحدهما وتقسم الحاصل على وفق التصحيح فالخارج نصيب كل فريق، وما ذكره من القسمة بطريق الضرب هو أشهر أوجه خمسة، وبيانها مع بيان ما لو كان في التركة كسر في المطولات.
قوله: (وأما قضاء الديون) أي طريق قسمتها وتسمى المحاصة (فبها) أي بالتوفية يحصل المقصود ونعمت هي.
قوله: (وتعدد الغرماء) فلو كان الغريم واحدا فلا قسمة.
قوله: (ينزل مجموع الديون كالتصيح الخ) بأن تنظر بين مجموع الديون وبقية التركة بعد التجهيز، فإن توافقا كما إذا ترك 12 دينارا وعليه 18 لزيد 4 ولعمرو 2 ولبكر 12 فالموافقة بالسدس فاضرب دين كل واحد منهم في وفق التركة وهو 2 ثم اقسم الحاصل على وفق مجموع الديون وهو 3 يخرج لزيد 2 وثلثان ولعمرو 1 وثلث ولبكر 8، وإن تباينا كما إذا فرضنا التركة في مسألتنا 11 فاضرب دين كل في كل التركة واقسم الحاصل على مجموع الديون يخرج لزيد 2 وأربعة أتساع ولعمرو 1 وتسعان ولبكر 7 وثلث، ولو كان عليه في الصورة الاولى 24 دينارا كان بينهما مداخلة فتعمل فيها كالموافقة، ويصح أن تعمل فيها وفي الموافقة كالمباينة كما علمت.
قوله:
(ثم شرع في مسألة التخارج) تفاعل من الخروج وهو في الاصطلاح تصالح الورثة على إخراج بعضهم عن الميراث على شئ من التركة عين أو دين.
قال في سكب الانهر: وأصله ما روى أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه طلق في مرض موته إحدى نسائه الاربع ثم مات وهي في العدة، فورثها عثمان رضي الله تعالى عنه ربع الثمن فصالحوها عنه على ثلاثة وثمانين ألفا من الدراهم.
وفي رواية: من الدنانير، وفي رواية: ثمانين ألفا، وكان ذلك بمحضر من الصحابة من عير نكير ا ه.
قلت: وله أحكام وشروط تقدمت آخر كتاب الصلح، وتقدم هناك أنهم لو أخرجوا واحدا وأعطوه من مالهم فحصته تقسم بين الباقي على السواء، وإن كان المعطى مما ورثوه فعلى قدر ميراثهم.
1 قال الشارح هناك: وقيده الخصاف بكونه عن إنكار، فلو عن إقرار فعلى السواء فتأمله.
قوله: (والغرماء) أي أرباب الديون، ولم يذكرهم في السراجية وإنما ذكرهم في الملتقى والمجمع وغيرهما، فحكمهم في القسمة والتخارج حكم الورثة، ومثلهم الموصى له كما تقدم آخر كتاب الصلح.
قوله: (أي اطرح سهمه من التصحيح) أي صحح المسألة مع وجود المصالح بين الورثة ثم اطرح سهامه من التصحيح سيد، قوله: (كزوج الخ) أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة أسهم وللام الثلث سهمان(1/407)
وللعم الباقي سهم واحد.
قوله: (وحينئذ يكون الخ) فلو فرض أنه صالح العم على شئ من التركة وخرج من البين فالمسألة أيضا من ستة، فإذا خرج نصيب العم بقي خمسة ثلاثة للزوج واثنان للام فيجعل الباقي أخماسا بين الزوج والام فللزوج ثلاثة أخماس وللام خمسان، وإن صالحت الام على شئ وخرجت كانت المسألة أيضا من ستة، فإذا طرح منها سهمان للام بقي أربعة فيجعل الباقي من التركة أرباعا ثلاثة منها للزوج وواحد للعم.
سيد.
قوله: (لئلا ينقلب فرض الام الخ) أي في بعض الصور كهذه الصورة بخلاف ما إذا كان مكان العم أب فإنه لا يلزم اعتبار دخول الزوج في التصحيح لان للام سهما وللاب سهمان على كل حال.
قوله: (فيه نظر) أصله للزيلعي وبينه بقوله لانه قبض بدل نصيبه فكيف يمكن جعله كأن لم يكن، بل يجعل كأنه استوفى نصيب ولم يستوف الباقون أنصباءهم، ألا ترى أنه لو ماتت امرأة وخلفت ثلاث أخوات متفرقات وزوجا فصالحت الاخت لاب وأم وخرجت
من البين كان الباقي بينهم أخماسا ثلاثة للزوج وسهم للاخت لاب وسهم للاخت لام على ما كان لهم من ثمانية، لان أصلها من ستة تعول إلى ثمانية، فإذا استوفت الاخت نصيبها وهو ثلاث بقي خمسة ولو جعلت كأنها لم تكن لكانت من 6 وبقي سهم للعصبة ا ه.
وصوابه أن يقول: لكانت من ستة وتعول بسهم إلى سبعة كما وجد في بعض نسخ الزيلعي، لكن ما مر وجد بخطه كذلك فهو سبق قلم إذ لا عصبة هنا.
قوله: (ثم ذكر نحو ما تحرر) أي من قوله السابق: فاطرح سهامه من التصحيح.
قوله: (قال مؤلفه) من التأليف وهو إيقاع الالفة بين شيئين أو أشياء أخص من التركيب، ويطلق عرفا على كتاب جمعت فيه مسائل مؤتلفه من أي علم كان بمعنى المؤلف بالفتح وجامعه مؤلف بالكسر.
قوله: (الحقير) من الحقر وهو الذلة.
قاموس.
قوله: (الحصنى) نسبة إلى موضع يسمى حصن كيفا، واشتهر في نسبة الشيخ رحمه الله تعالى لفظ الحصكفي فهو من باب النحت.
قوله: (العباسي) الظاهر أنه نسبة إلى سيدنا العباس رضي الله تعالى عنه عم نبينا صلى الله عليه وآله.
قوله: (الامام) بالرفع صفة محمد، ويحتمل أنه صفة لعلي، لكن الذي كان إمام الحنفية بجامع بني أمية والمفتي بدمشق المحمية هو الشارح رحمه الله تعالى، وكذا كان مدرس الحديث تحت القبة بجامع بني أمية ومدرس التكية السليمة ولم يشتهر والده بشير من ذلك، قوله: (هجرية) نسبة إلى الهجرة: أي هجرة النبي صلى الله عليه وآله ونسب التاريخ إليها، لان ابتداءه منها وأول من ابتدأ به عمر رضي الله عنه، والعرب كانت تؤرخ بعام التفرق وهو تفرق ولد إسماعيل عليه السلام وخروجهم من مكة، ثم أرخوا بعام الفيل كما بسطه في الظهيرية قبل المحاضر.(1/408)
قوله: (في تلخيصه) التلخيص: التبيين والشرح والتلخيص.
قاموس.
قوله: (وتحريره وتنقيحه) تحرير الكتاب وغيره: تقويمه، والتنقيح: التهذيب.
قاموس.
قوله: (لمواضع) اللام زائد للتقوية.
قوله: (وتصحيحه) عطف على تغييره.
قوله: (وعلى مواضع سهو وأخر) أي مما فات المصنف تغييرها.
قوله: (وبالجملة) أي وأقول قولا ملتبسا بالجملة، أي مجتمعا.
قال في القاموس: جمل جمع، وأجمل الشئ: جمعه عن تفرقة، والمراد أنه وإن وقع من المصنف سهو أو من غيره، أو وإن نبهت على ما وقع له من السهو فإني قد أسهو، لان السلامة من هذا الخطر بالتحريك وهو الاشراف على الهلاك، والمراد به هنا
الامر الشاق عبر به عن السهو.
أمر يعز بالكسر كيقل وزنا ومعنى: أي يندر أو يعسر أو يضيق أو يعظم على البشر فلا يحصلونه، لان السهو والنسيان من لوازم الانسان.
وأول ناس أول الناس، وفي هذا هضم لنفسه واعتذار عنه وعن المصنف.
قوله: (فستر الله على من ستر) الفاء فصيحة: أي إذا كان ما ذكر فالمطلوب الستر إلا في مقام البيان.
قوله: (وغفر لمن غفر) الغفر: الستر فهو عطف مرادف.
قوله: (وإن تجد عيبا الخ) هذا البيت بمعنى الكلام الذي قبله.
قوله: (فسد الخللا) الخل: منفرج ما بين الشيئين والوهن في الامر، وأمر مختل واه، وأخل بالشئ: أحجف.
قاموس.
وألفه للاطلاق، والمراد به العيب، وكان حقه أن يأتي بدله الضمير، ولكن أتى بالظاهر معبرا عنه بلفظ آخر للتنصيص على أن العيب من سهو ونحوه خلل نظير قوله تعالى: * (فإن الله عدو للكافرين) * بعد قوله: * (من كان عدوا لله) * الآية للتسجيل عليهم بالكفر، والمراد بسده: ستره أو تأويله حيث أمكن.
قوله: (جل) أي عظم وتعالى، فعطف علا عليه تفسير، وهذا الكلام مرتبط بكلام محذوف دل عليه السياق: أي فسد الخلل ولا تعير به ولا تفضح، فإن كان بني آدم ما عدا من عصم منهم فيه عيب، والذي تنزه عن العيوب بتمامها هو الحق جل وعلا ط.
والشطر الاول من هذا البيت من بحر الرجز، والشطر الثاني من بحر الرما.
ولو قال إن نجد بدون واو كما في بعض النسخ صار الاول من بحر الثاني، أو قال فجل بالفاء صار الثاني من بحر الاول.
قوله: (كيف لا) منفي لا محذوف: أي كيف لا يوجد مني سهو والحال كذا، فهو اعتذر آخر عن وجود ذلك.
قوله: (بيضته) أي نقلته من المسودة إلى المبيضة، والمسودة في اصطلاح المؤلفين: الاوراق التي يقع فيها إنشاء التأليف، سميت بذلك لكثرة سوادها بكثرة المحو والاثبات، والمبيضة: التي ينقل إليها المؤلف ما أنشأه وأثبته في المسودة.
قوله: (من نار البعاد) بكسر الباء مصدر باعد ومن بيان لما في قوله: ما يفتت أو تعليلية كقوله تعالى: * (مما خطاياهم أغرقوا) * وقد شبه ما بقلبه من مشق البعاد وألم الفراق استعارة تصريحية أصلية، والقرينة إضافة النار إلى البعاد أو شبه البعاد بحطب له نار واستعارة مكنية وإثبات النار له تخييل، أو أضاف المشبه إلى المشبه: أي من بعاد كالنار مثل لجين الماء.
تأمل.
قوله: (والاحفاد) البنات أو أولاد الاولاد أو الاصهار.
قاموس.
قوله: (ما يفتت الاكباد) أي يقطعها ويشقها، والاكباد جمع كبد بالفتح والكسر(1/409)
وككتف وقد يذكر.
قاموس.
والمراد كبد واحدة وهي كبده، لان ما في قلبه لا يفتت كبد غيره، وإنما جمع للسجعة، أو على معنى أن في قلبي من جنس ما يفتت الاكباد، أو إن في قلبي ما لو كان لي أكباد متعددة لفتتها، أو أن كل أمر مما في قلبي يستقل بتفتيت الكبد فصارت كأنها أكباد متعددة.
قوله: (فرحم الله) تفريع على ما قبله، وذلك أنه حيث ذاق ألم الفراق وكابد ما يكابده المشتاق من تشتيت البال وتواتر البلبال علم أن اعتذار هذا الامام الذي سبقه بنحو هذا الكلام اعتذار مقبول لا محالة فتحركت نفسه إلى الدعاء، فإنه كما قال الشاعر: لا يعرف الوجد إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها قوله: (التفتازاني) اسمه مسعود ولقبه سعد الملة والدين، نسبة إلى تفتازان بالفتح بلد بخراسان، ولد بها سنة 722، وتوفي بسمرقند سنة 792 ونقل إلى سرخس فدفن بها.
قوله: (حيث اعتذر) أي في خطبة المختصر شرح تلخيص المعاني.
وقال قبل هذا البيت أيضا: مع وجود القريحة بصر البليات وخمود الفطنة بصرصر النكبات وترامي البلدان بي والاقطار ونوب الاوطان عني والاوطار حتى طفقت أجوب كل أغبر قاتم الارجاء وأحرر كل سطر منه في شطر من البيداء قوله: (حيث قال) بدل من قوله: حيث اعتذر.
قوله: (يوما بحزوى الخ) أسماء مواضع، والمراد باليوم مطلق الوقت، ومتعلقه محذوف تقديره أكون، قوله: (لكن لله الحمد الخ) استدراك: أي أنه وإن حصل لي ما حصل من البعاد عن البلاد فقد أثمر لي ثمرة عظيمة المفاد، التي هي علامة القبول ودليل الوصول إلى المأمول.
قوله: (أولا وآخرا) أي أول كل أمر وآخره.
قوله: (ظاهرا وباطنا) أي حمدا في الظاهر بالثناء باللسان موافقا لما في الباطن بالجنان.
قوله: (فلقد) الفاء للتعليل واللام للقسم، فهو حمد على نعمة معينة.
قوله: (من) أي أنعم هو: أي المولى تعالى.
قوله: (بابتداء تبيضه) أي المؤلف المفهوم من قوله: قال مؤلفه وقوله: قد فرغت من تأليفه.
قوله: (تجاه) أصله وجاه أبدلت الواو تاء من المواجهة بمعنى المقابلة.
قوله: (صاحب الرسالة) أل للعهد: أي الرسالة العامة الدائمة.
قوله: (والقدر) أي الرتبة العلية: قوله: (المنيف) أي الزائد على غيره أو العالي من قولهم لما زاد على العقد نيف وناف
وأناف على الشئ: أشرف عليه، قوله: (تجاه قبر صاحب هذا المتن الشريف) وذلك ببلده وهي غزة وهاشم.
قوله: (فلعله) أي ما ذكر من الابتداء والختم.
قوله: (علامة القبول منهم) أي من الله تعالى ومن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله ومن صاحب المتن رحمه الله تعالى، والقبول: الرضا بالشئ مع ترك الاعتراض على فاعله، وقيل: الاثابة على العمل الصحيح.
قوله: (والتشريف) يقال شرف ككرم شرفا: علا في دين أو دنيا، وشرف الله الكعبة من الشرف.
قاموس.
قوله: (قال مؤلفه) كذا في بعض النسخ.
قوله: (فيا شرفي) أي أحضر فهذا وقتل لحصول مقتضيك، والابيات من الطويل، والضمير في قلبته للتأليف ط.
قوله: (وإن كان كل الناس) أي من أهل عصره أو منهم وممن بعدهم.
قوله:(1/410)
(ردوه عن حسد) بإسكان الدال وعن بمعنى اللام: أي لاجل حسدهم له كقوله تعالى: * (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) * أو بمعنى من: أي ردا ناشئا من حسد كقوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) *.
قوله: (فتقبلني) بالتخفيف: أي تثنيني وهو خبر بمعنى الدعاء.
قوله: (وأساتذ) جمع أستاذ بضم الهمزة ومعناه: الماهر بالشئ، والمراد بهم هنا أشياخه، والظاهر أنه أعجمي معرب لما في القاموس: لا تجتمع السين والذال المعجمة في كلمة عربية.
قوله: (وتحشرنا جمعا) أي حال كوننا مجتمعين مع النبي صلى الله عليه وآله، فالمصدر حال وهو مقصور على السماع، ويحتمل أن جمعا كوننا جميعا تأكيد لضمير الجماعة، أو مفعول مطلق، لا الحشر بمعنى الجمع، وقد ورد: أن النبي صلى الله عليه وآله يحشر وأمته في محشر منفرد عن محشر كل الخلائق فالمعية لا تقتصر على من ذكر، لا أن يراد بها حالة مخصوصة كالقرب منه صلى الله عليه وآله.
قوله: (مع المصطفى أحمد) قدمنا أن الابيات من بحر الطويل، والطويل له عروض واحدة مقبوضة وزنها مفاعلن، ولعروضه ثلاثة أضرب: الاول صحيح وزنه مفاعيلن.
الثاني مقبوض مثلها.
الثالث محذوف وزنه فعولن.
وهذا البيت من الضرب الاول، والبيت الذي قبله والبيت الذي بعده من الضرب الثاني، وهذا معدود من عيوب القوافي ويسمى التحريد بالحاء المهملة كما في الخزرجية، وتقدم في أول الكتاب أبيات لنظم شروط الوضوء وقع فيها نظير ذلك كما نبهنا عليه هناك، ولو قال الناظم: مع المصطفى السند لكان أسد.
قوله: (وإخواننا) بالجر عطفا على ماتن أو
على قوله المصطفى أو بالنصب عطفا على نا في تحشرنا، والاول أولى.
قوله: (المسدى) من الاسداء بمعنى الاعطاء أو لفظه مفرد معطوف بإسقاط العاطف أو جمع نعت لاخواننا، وأصله المسدين حذفت نونه لاضافته إلى الخبر المجرور به، وقد فصل بينهما بالظرف لكون المضاف شبه الفعل وهو جائز في السعة.
قال في الالفية: فصل مضاف شبه فعل ما نصب مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: هل أنتم تاركو لي صاحبي وقول الشاعر: كناحت يوما صخرة بعسيل قوله: (دائما) صفة لمصدر محذوف: أي قبولا أو حشرا أو إسداء.
قوله: (داع) أي وداع على حذف العاطف أو بدل من والدنا.
قوله: (طالب الرشد) أي لنا حذفه لدلالة ما قبله عليه.
يقال: رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا: اهتدى واستقام على الحق، والرشيد في صفاته تعالى: الهادي إلى سواء الصراط.
نساله تعالى أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، ويديمنا على الحق القويم، ويمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم في جواز نبيه الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (آمين).(1/411)
حاشية قرة عيون الاخبار تكملة رد المختار على الدرر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الامام أبي حنيفة النعمان لسيدي محمد علاء الدين أفندي نجل المؤلف وقد وضع الشرح والمتن بأعلا الصحائف ويأسفل الصحائف تقارير لبعض العلماء(1/413)
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين حديث شريف الحمد الله المتوحد بابداع المصنوعات المتفرد باختراع المخلوقات، المنزه عن عن التحيز والسكون والحركات المخصوص بقدم الاسماء واصفات اقريب ممن دعاه لا بقرب المسافات المجيب لمن ناجاه بالخلاص الدعوات الذي يغفر الذنوب ويستر العيوب ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات العالم بمكنون الاسرار ومصون الخفيات الخبير فلا يخفى عليه فقال ذرة في الارض ولا في السماوات السميع فلا يعزب عن سمعه اختلاف الاصوات ابصير يرى دبيب النمل وذرات الرمل في الظلمات الواحد الاحد فلا ثاني له في الكائنات، الفرد الصمد المنزه عن البنى والبنات الباقي على الابد ويفنى كل احد ويقضى عليه بالممات فسبحانه من اله لا يحمد على المكروه سواه مميت الاحياء ومحيي الاموات ابكى الاباء والامهات وأيتم البنين والبنات يثيب على الطاعات والصدقات ويضاعف الاجور على نشر العلوم النافعات فتح بصائر اوليائه للاعتبار والتفكر في الايات ونور قلوبهم بنور الاخلاص وقدسهم من شواغل الاسباب وشوائب المكدرات تقلبهم يد الالطاف في مهد الكرامات والعنايات فترضعهم ثدي العطف وتفطمهم عن الشهوات المانعة من القرب والمشاهدات وأهل أذهانهم لفهم معاني العبارات والرموز والاشارات وتنقيح الاحكام والمباني وحل المشكلات حتى صيروها من اوضح الواضحات مهد لهم فرش الاعمال بلين الصفاء فاستعذبوا طيب الخلوة مع الخطيب لتحرير العلوم وخدمة شريعة سيد السادات (تتجا في جنوبهم عن المضاجع) * السجدة 16 يتلذذون بالسهر وترك المستلذات، نزهوا نفوسهمم عن عبادة الهوى فأضحت أطيار أواحهم تسرح في رياض الملكوت بين جنات، له الشكر على ما أنعم عليها بمعرفتهم وخدمتهم وأنعم عليهم بأن هداهم بعنايته الازلية لاكمل الحالات، بفتح القدير والنعم المختارات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المكمل لامته كل نقص وثلم بأوضح شريعة ومعجرات، صاحب المعراج غاية البيان، منحة الخالق السراج الوهاج، حاوي المقامات الشامخات، وعلى آله زواهر الجواهر ودرر البحار، دوي المناقب والخصوصيات، وأصحابه البحور الزواخر، وتنوير الابصار الناصرين له
في الاعصر الخاليات، بصفاء النيات، وحسن الطويات، والتابعين النجوم الزواهر وخزائن الاسرار الحائزين أعلى الفضل والكمالات، والائمة المجتهدين الاكابر، ذوي الفيض المدرار، المبرئين من الشبهات والتبعات والترهات الفاسدات، لا سيما إمامنا الاعظم ذو الفصل الاقدام، الكوكب الزاهر، والامام الباهر، الدر المختار، والعلم الراسخ ذو الثبات، القائم بالاوامر والزواجر، راد لهفة المختار صاحب الكرامات الفاضلات، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما تعاقب الليل والنهار ومرت الاوقات، وعن للسماء نبي مصباح، وما هبت نسمات الاسحار في كل الساعات، لا تنقطع لحظة من اللحظات، من إله كريم عظيم رب رحيم مقبل العثرات، وغافر الزلات.(1/415)
أما بعد فيقول فقير رحمة ربه، وأسير وصمة ذنبه: (محمد علاء الدين ابن السيد محمد أمين ابن السيد عمر عابدين) غفر الله تعالى ذنوبهم، وملا من زلال العفو ذنوبهم، آمين: إنه لما سبقت الارادة الالهية، والمشيئة الرحمانية، بوفاة سيدي الوالد قبل إتمامه تبيييض حاشية رد المختار، على الدر المختار، شرح تنوير الابصار فإنه رحمه الله تعالى ونوز ضريحه، وجعل أعلا الجنان ضجيعه لما وصل إلى أثناء شتى القضاء من هذا الكتاب، اشتاق إلى مشاهدة رب الارباب، فنقل من دار الغرور إلى جوار مولاه الغور، وكان رحمه الله تعالى بدأ أولا في التسويد من الاول إلى الآخر، ثم شرع في التبييض فبدأ أولا من الاجارة إلى الآخر، ثم من أول الكتاب إلى انتهاء هذا التحرير الفاخر، وترك على نسخته الدر بعض تعليقات، وتحريرات واعتراضات، قد كاد تداول الايدي أن يذهبها، لعدم من يذهبها مذهبها، وكان قد جرى الامر بطبعها في بولاق المصرية، فجمعتها برمتها بدون زيادة، حرف بالكلية، وأرسلتها فطبعت ثمة، حرصا على فوائدها الجمة، وكان كثيرا ما يخطر في زيادها مع ضم تحريرات، وبعض فروع وتقزيرات لكن لم تساعد الاقدار، لا سيما مع شغل الافكار، وقلة البضاعة في هذه الصناعة، حتى سافرت للاستانة العلية، دار الخلافة السنية، عام خمس وثمانين بعد المائتين، والالف، من هجرة من تم به الالف، وزال به الشقاق والخلف، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحته ألفا بعد ألف، ووظفت عضوا في الجمعية العلمية، التابعة لديوان، أحكام العدلية، لجمع المجلة الشرعية، تحت رياسة
حضرة الوزير المعظم، والمشير المفخم، مدبر أمور جمهور الامم، الجامع بين مرتبتي العلم والعمل، والحائز لفضيلتي السيف والقلم، صاحب الدولة، أحمد جودت باشا، بلغة الله تعالى من الخيرات ما شاء، وأسعد أيامه وحرسها، ألقى محبته في القلوب وغرسها، ولا زالت أعلام دولته مبتسمة الثغور، وأرقام رفعته منتظمة السطور، على مدى الدهور، آمين.
وبعد إقامتي مدة تقرب من ثلاث سنين قدمت الاستعفاء، لما في قلبي من الرمضاء، من فراق الاوطان والاهل واخلان، فأمرني قبل سفري من أمره مطاع، واجب الاستعاع أن أتمم نقصها، وأتلافى ثلمها حنى وصولي إلى لوطن، وقراري بالسكن.
فلما رجعت بعد ثلاث سنين من سفري إلى وطني دمشق الشام، ذات الثغر البسام، الستخرت الله تعالى المرة بعد المرة، بعد الكرة، في تكملة الحزم، معتمدا على الله تعالى الحزم ومتوكلا عليه في سائر الامور في أن يحفظني من الخطأ والخلل، والهفوات والزلل، ومتوسلا، إليه بنبيه النبيه المكرم، صلى الله تعالى عليه وسلم، وبأهل طاعته من كل مقام على معظم، وبقدوتنا الامام الاعظم، أن يسهل على ذلك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، أن يعفو عن زللي، ويتقبل مني عملي، ويجعل ذلك خلصا لوجهه الكريم * (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله تقلب سليم) * الشعراء وينفع به العباد، في عامة البلاد، من ساكن وباد وأن يسلك بي سبيل الرشاد، ويلهمنى الصواب والسداد، ويستر عوراتي، ويغفر خطيناتي، ويسمح عن هفواتي وزلاتي، فإني متطفل على ذلك، لست من فرسان تلك المسالك، وهيهات المثلى أن يكون له اسم في طرس، أو أن يكو له في صحيفة غرس، بل أن يكون له في الناس ذكر، أو أن يخطر في بال أو يمر على فكر، فقد أو ثقتني الذنوب والخطيئات وأقعدتني عن إدراك أدنى الدرجات، مع قصور باعي واندراس، رباعي وجمود مرمى سهام الالس وموقع النظر الشزر من الاعين، حيث تجرأت على أمر غير سهل، مع كوني لست له بأهل، وتشبهت بالسادات الاعلام، الذين هم مصابيح الظلام.
وهيهات أن يدرك السياق مقعد، أو(1/416)
أن يسلك الطريق مصفد، أو أن يقرب من عرين الاسد ابن آوى، يشبه الحبارى البازي ولو لم
يكن له في الجسم ساوي، وما أشبه قوله القائل بحالتي التى كان منها على مثل هذا جراءتي: أيها المدعي ولاء سليم * لست منهم ولا قلامة ظهر إنما أنت في سليم كواو * ألحقت بالهجاء ظلما بعمرو ولكن أخفض على نفسي، وأسلبها بالتأسي، وأتمثل بقول الشهاب السهروردي: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم * إن التشبه بالكرام فلاح وإني أسأل الله تعالى من طوله، وأستعد بقوته وحوله، في أن يحفظني من الخطأ والخلل، ويحسن ختامي عند منتهى الاجل وما توفيقي إلا الله القريب المجيب، عليه توكلت وإليه أنيب وألتمس من الناظر لهذه التكملة أن يلحظها، بعين القبول والصفاء، لا بعين الحسد والجفاء، فإن الجسد لا يخلو عن الحسد، ولكن الكريم يخفيه، واللثيم يبديه، وأن لا ينسى جامعها، وأولاده، ومظهرها وكاتبها وقارئها من دعاته المستجاب، وثنائه تحارير سيدي الوالد فإني واثق بنفسي أتم الوثوق، فإن اليراع قد، إليه وإن لم يكن ثمة فإني غير واثق بنفسى أتم الوثوق، فإن اليراع قد يطوش، ويغير عن مجاله النقوش، ولا يبادر علي بالاعتراض والملام، فليست أول قاروه كسرت في الاسلام، ويصلح ما كبا به القلم، أو زلت به القدم، فقد قدمت بين يديهم عذري، وكشفت لهم عن حقيقة أمري، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وهو يقبل عثرات المقيلين، وقد سميت ما عنيت جمعه من هذه التكملة بقرة قرة عيون الاخبار، على الدر المختار، شرح تنوير الابصار).
وحيث قلت سيدي فالمراد به سيدي الوالد أو بعض الافاضل، فالمراد، الرحمتي أو الفتال، والكمال محال لغير ذي الجلال، وعلى الله تعالى الاتكال، في المبدأ والمال.
وكان إتمامها في عصر حضرة مولانا السلطان الاعظم، الخاقان الاعدل الاكرم، ملك ملوك العرب والعجم، ظل الله الممدود على الامم، قوانين العدل والانصاف، وموطد دعائم بنيان المراحم والالطاف، سلطان البرين، وخاقان البحرين، وخادم الحرمين الشريفين، فاروقي السيرة، الشيم، علوي الشهامة والهمم، خلقة الله تعالى في الارض، ناشر، لواء المراحم في طولها والعرض ملك أنام الانام في ظل أمانه، وشمل العباد بسجال لطفه وإحسانه، حافظ بيضة الدين، وحامي
شريعة سيد لمرسلين، أمير المؤمنين، ملجا عامة المسلمين، بل كافة الناس أجعين معمر الامصار والبلاد، مدمر أهل الشر والفساد قامع البدع والظلم، ومؤيد السنة، بالعدل والحلم، المؤيد المظفر المعان، والمحفوف بعناية الملك بالديان، صاحب العساكر، القاهرة، المبيدة كل فئة باغية فاجرة بصوارم سيوف تقطف حروفها أعناق المعتدين، أهلة قسي ترسل نجوم سهامها على شياطين البغاة والمتردين، ورايات تخفق قلوب الاعداء، لخفقانها، وتخفض رتبهم، لرفع شأنها، لا يرتاب متأمله في أنه البحر العساكر، أمواجه، ومراحمه الدر الذي يظفر بها طلاب العرف وأفواجه، السلطان ابن السلطان ابن السلطان، السلطان عبد العزيز خان، ابن السلطان الغازي محمود خان، ابن السلطان الغازي عبد الحميد خان، خلد الله تعالى ملكه، وجعل الدنيا بأسرها سعادة أيامه، وجعل البسيطة قبضة يديه وطوع أحكامه ولا زال لواء عدله المنشور إلى يوم النشور، ولا برحت الايام عى يديه دائرة، ووجوه السعادة إلى سافرة وأجنحة النعم بأبوابه مقصورة وبأنبائه طائرة وعزائم(1/417)
التوفيق لآرائه مسخرة وبأعدائة ساخرة، وبأعدائة ساخرة، مرفوعة أعلام دولته إلى محيط القبة الخضراء وأوجد له في كل مكان وزمان عزا ونصرا، ومسرة وبشرى، ولا زالت سلسلة سلطنته مسلسة إلى انتهاء سلسلة الزمان، رافلا في حلل السعادة السيادة والرضا والرضا الرضوان، ولا زال الوجود بدوام خلافته سنيا عامرا، ولا برح الايمان في أيام سلطنته قويا ظاهرا، ووفق وكلاء الفخام، ووزراءه العظام، وعماله إلى السعي في صلاح الملك والملة في كافة بلاده وولاياته، وجمع القلوب كافة على طاعته وتحصيل مرضاته آمين.
آمين آمين لا أرضي بواحدة * حتى أضم إليها ألف آمينا وفي يمن أيام حضرة صاحب الفخامة والدولة الصدر الاعظم، والمشير، مدبر أمور جمهور الامم، الجامع بين مرتبتي العلم والعمل، مع قوة اليقين والحائز فضيلتي السيف والقلم بالتمكين، ورياستي الدنيا والدين، قرة عين المملكة، والوزارة، سيف الدولة السلطانية، ولسان الصولة، الخاقانية، مؤيد دولة الملوك والسلاطين، ملجا الفقراء والضعفاء المنقطعين، ألا وهو حضرة ولي
النعم، المتخلق باخلاق سمية، فخر العالم (ص) الوزير الافخم، والصدر الاعظم، السيد، أحمد أسعد باشا المعظم، لا زالت عتبة بابه سدر الواردين، وما برح سلاح جنابه في رقاب الحاسدين، وأطال الله تعالى عمره، وأدام عزة ومجده ودولته آمين.
وفي مدة يمن أيام مشيخة سماحة دولة حضرة المولى الاعظم، والسيد الكبير الافخم، الجامع بين الرتبتين، الشريفتين العلم والعمل بقوة اليقين، والمحفوظ بعناية الله تعالى من الزلل بالتمكين، الحائز لرياستي الدنيا، والدين، شيخ الاسلام والمسلمين، ملك العلماء المحققين، عين الائمة المدققين نعمة، الله تعالى في هذا العصر على الانام، ملاذ الافاضل الكرام، مرجع الخاص والعام، حضرد مولانا صاحب الدولة والاقبال، والسماحة، والافضال، خواجة شهرياري حسن فهمي أفندي، لا زالت الفتيا مشرفة بمحابه وأحكام الشريعة مشيدة وموضحة ببينانه، وأبقاه عقدا في جيد الدهر، يتلالا بالدرر، وأقر عينه بمحابه ونخله الامام الوذعي الابر، سيدنا السماحة الهمام السميدعي حيدر، ووقاهما كل حاسد ترمي عينه بالشرر، آمين.
وقد جاءت هذه التكملة من فيض فضله تعالى، وجود كرمه الذي به نتغالى، قرة لعين قاريها، ودرة لتاج داريها، لمعانيها، وخاص في بحار معانيها، وكفاية للطالبين، وحجة للمفتين، ومحجة للسمتفتين، حاوية لدرر الفوائد خارية عن مستنكرات الزوائد، جمعتها من معتمدات المذهب، التي إليها يذهب وضعممت إلى ذلك بعض تحريرات وتأييد، أو بعض استدراكات أو تقوية أو تقييد، فلا غرو حينئذ أن تكون العمدة في المذهب، والحري بأن تكتب بماء الذهب، مستعينا بكريم غفار حكيم ستار، مقيل العثرات، ومجيب الدعوات، وقاضي الحاجات، ومستشفعا بمشرع هذه المشروعات، من لا ترد له شفاعات، عليه أفضل الصلوات وأزكى التحيات، وعلينا وعلى أعزائنا، معه يا رب البريات.
هذا، وإني أروي الدر المختار ومتنه تنوير الابصار، وحاشية رد المختار) وكذا بقية كتب الفقه وغيرها من سائر العلوم والفنون عن أئمة أخبار، من شاميين ومكيين ومصريين وعراقيين وروميين وغيرهم من أهل الفضل والاستبصار، ومن أجلهم وأكثر هم إفادة لي ومداومة لديه وقراءة عليه سيدي العالم العلامة والعمدة الفهامة، علامة المعقول والمنقول، والمستخرج بغواص فكره ما يعجز عنه الفحول، الشيخ محمد هاشم أفندي التاجي البعلي رحم الله تعالى روحه ونور مرقده الشريف وضريحه، وجعل أعلى(1/418)
الجنان بلوغه ومقيله ومن أجلهم علامة زمانه على الاطلاق، من انتهت إليه الرياسة باستحقاق، الامام المتقن، والعلامة المتفنن العلامة الثاني، من لا يوجد له ثاني الحسيب النسيب، الفاضل الاديب، الجامع بين شرقي العلم والنسب، والمستمسك بمولاه بأقوى سبب، والجامع بين الشريعة والحقيقة، وعلوم المعقول والمنفول والتصرف والطريقة أعلم العلماء العاملين، أفضل الفضلاء الفاضلين، سيدي وعمدتي علامة الانام، مرجع الخاص والعام، والدي المرحوم الشيخ السيد الشريف محمد أمين عابدين ابن السيد الشريف عمر عابدين ابن السيد الشريف عبد العزيز عابدين ابن اسيد الشريف أحمد عابدين ابن السيد الشريف عبد الرحيم عابدين ابن السيد الشريف نجم الدين ابن السيد الشريف العالم الفاضل الولي الصالح الجامع بين الشريعة والحقيقة، إمام الفضل والطريقة، محمد صالح الدين الشهير بعابدين ابن السيد الشريف نجم الدين السيد الشريف حسين ابن السيد الشريف حمة الله ابن السيد الشريف أحمد الثاني مصطفى الشهابي ابن السيد الشريف أحمد الثالث ابن السيد الشريف محمود ابن السيد الشريف أحمد الرابع ابن السيد الشريف عبد الله ابن السيد الشريف عز الدين عبد الله الثاني ابن السيد الشريف قاسم ابن السيد الشريف حسن ابن السيد الشريف إسماعيل ابن السيد الشريف حسين النتيف الثالث ابن السيد الشريف أحمد الخامس ابن السيد الشريف إسماعيل الثاني ابن السيد الشريف محمد ابن السيد الشريف إسماعيل الاعرج ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين ابن الامام حسين ابن البتول، هي الزهراء فامطة بنت الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وعليها وعلى جميع آله وصحة آمين.
فإنه رحمه الله تعالى ولد في سنة ثمان وتسعين بعد المائة والالف في دمشق الشام، ونشأ في حجر والدة، وحفظ القرآن العظيم عن ظهرت قلب وهو صغير جدا، وجلس في محل تجارة والده اليألف التجارة ويتعلم البيع والشرأء، فجلس مرة يقرأ القرآن العظيم فمر رجل لا يعرفه فسمعه وهو يقرأ، فزجره وأنكر قراءته وقال عنه: لا يجوز لك أن تقرأ.
أولا: لان هذا المحل محل التجارة والناس لا يسمعون قراءتك فيرتكبون الاثم بسببك، وأنت أيضا آثم، وثانيا، قراءتك ملحونة.
فقام من ساعته وسأل عن أقر أهل العصر في زمنه فدله واحد على شيخ القراء في عصره وهو الشيخ سيعد
المحوي، الميدانية والجزرية وطلب منه أن يعلمه أحكام القراءة بالتجويد، وكان وقتئذ لم يبلغ الحلم، فحفظ الميدانية والجزرية والشاطبية، وقرأها عليه قراءة إمعان حتى أتقن فن القراءات بطرقها وأوجهها، ثم اشتغل عليه بقراءة النحو والصرف وفقه الامام الشافعي، وحفظ متن الزبد وبعض المتون من النحو والصرف والفقه وغير ذلك، ثم حضر على شيخة علامة زمانه وفقيه عصره وأوانه السيد محمد شاكر السالمي العمري ابن المقدم سعد الشهير والدة بالعقاد الحنفي، وقرأ عليه علم المعقول والحديث والتفسير، ثم ألزمه بالتحول لمذهب سيدنا أبي حنيفة النعمان الامام الاعظم عليه الرحمة الرضوان، وقرأ عليه كتب الفقه وأصوله حتى برع وصار علامة زمنه في حياة شيخة المذكور، وألف حاشيتين على شرح المنار للعلائي كبرى وصغرى، سمى إحداهما نسمات الاسحار على إفاضة الانوار شرح المنار والثانية لم يخطر لي اسمها لانها فقدت عند مفتي مصر الشيخ التميمي رحمه الله تعالى، وألف ثبتا لاسانيد شيخه سماه (العقود اللآلي في الاسانيد العوالي) و (شرح الكافي في العروض والقوافي) وكتب في آخر هذا الشرح: ثم في سنة خمس عشرة ومائتين وألف، وكان سنة سبع عشرة سنة، ورسالة سماها (رفع الاشتباه عن عبارة الاشباه) وحاشية على شرح النبذة سماها (فتح رب الارباب على لب الا باب شرح نبذة الاعراب)(1/419)
وغير ذلك، في حياة شيخة الموقوم، ثم توفي شيخة الموقوم في اليوم الرابع من محرم الحرام سنة الثنتين وعشرين ومائتين وألف، وكان يقرأ عليه البحر والهداية وشرحها، والهداية وشروحها، وكانت وفاته في أثناء قراءته الكتب المذكورة، وكان جملة من حضر مع سيدي الوالد على شيخه المذكور أكبر التلامذه، وهو علامة زمانه، وفقيه عصره وأوانه، فقيه النفس الشيخ محمد سعيد الحلبي الشامي، قاتم سيدي الوالد قراءته الكتب المذكورة عليه، وحضر معه الاتمام الكتب المذكورة بقية التلامذة والطلبة الذين كانوا يداومون على الشيخ محمد شاكر المذكور، ثم شرع في تأليف رد المختار على الدر المختار) وفي أثنائها ألف العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية) وله من المؤلفات حاشية على حاشية الحللي المداري سماها (رفع الانظار عما أورده الحلبي على الدر المختار) وحاشية على البيضاوي، وحاشية على المطول، وحاشية على شرح الملتقى، وحاشية على النهر إلا أنهما لم يجردا من الهوامش، وحاشية على البحر سماها (منحة الخالف على
البحر الرائق) وله مجموع جمع فيه من نفائس الفوائد النثرية والشعريد، وعرائس النكات والملح الادبية والالغاز والمعميات، وما يروق الناظر، ويسر الخاطر، ومجموع آخر ذكر فيه تاريخ علماء العصر وأفاضلهم، جعله ذيلا لتارخ المرادي الذي هو ذيل لتاريخ جده لامه العلامة المحبي الذي هو ذيل لريحانة الخفاجي، وله (العقود اللآلي في الاسانيد العوالي) المتقدم ذكره، وشرح رسالة لبركوي في المحيض والنفاس، سماه (منهل الواردين من بحار الفيض على ذخر المتأهلين المسائل الحيض) وشرح منظومته (رسم المفتي والرحيق المختوم شرح فلائد المنظوم في الفرائض) وكتاب (تنبيه الولاة والحكام) وله رسائل عديدة ناهزت الثلاثين في جملة فنون.
منها: نشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف، ورسالة في النفقات لم يسبق لها نظير اخترع لها ضابطا مانعا، والفوائد العجبية في إعراب الكلمات الغربية، وإجابة الغوب في أحكام النقباء والنجباء والابدال والغوث، والعلم الظاهر في نفع النسب الطاهر وذيلها، وتنبيه الغافل والوسنان في أحكام هلال رمضان، والابانة في الحضانة، وشفاء العليل وبل الغليل في الوصية بالختمار والتهاليل، ورفع الانتقاض ودفع الاعتراض في قولهم الايمان مبنية على الالفاظ لا الوصية بالختمات والتهاليل، ورفع الانتقاض ودفع الاعتراض في قولهم الايمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض، وتحرير العبارة فيمن هو أولى بالاجارة، وإعلام الاعلام في الاقرار العام، وجملة رسائل في الاوقات، وتنبيه الرقود وسل الحسام الهندي، وغاية المطلب والفوائد الخصصة، تحبير التحرير، وتنبيه ذوي الافهام، ورفع الاشتباه، وتحرير النقول، العقود الدرية، وغاية البيان، والدرر المضيئة، ورفع التردد وذيلها، والاقوال الواضحة الجلية، وإتحاف الذكي النبيه، ومناهل السرور، وتحفه المناسك في أدعية المناسك وغير ذلك.
وله مجموع أسئلة عويصة، وله في مدح شيخة مقامات كمقامات الحريري، وله نظم الكنز، وله قصة المولد الشريف النبوي.
وأما تعاليقه على هوامش الكتب وحواشيها، وكتابته على أسئلة المستفتين والاوراق التي سودها بالمباحث الرائقة والرقائق الفائقة، فلا يكاد أن تحصى ولا يمكن أن تستقصى.
وبالجملة فكان شغله من الدنيا التعلم والتعليم، التفهم والتفهيم، والاقبار على مولاه، والسعي في اكتساب رضاه مقسما زمنه على أنواع الطاعات، والعبادات والافادات، من صيام وقيام،
وتدريس وإفتاء وتأليف على الدوام.
وكان له ذوق في حل مشكلات القوم، ولهبهم الاعتقاد العظيم، ويعاملهم بالاحترام والتكريم.
وأخذ طريق السادة القادرية، عن شيخة المذكور ذي الفضل والمزية، حتى أخبر عنه من يوثق بصلاحه ودينه ممن صحبه في سفره من تلامذته.
إني ما وجدت عليه شيئا يشينه في دنياه ولا في دينه.
وكان حسن الاخلاف والسمات، ما سمعته في سفري معه في طريق الحاج تكلم بكلمة أغاظ بها أحدا(1/420)
من رفقائه وخدمه، أو أخدا من الناس أجمعين، اللهم إلا رأى منكرا فيغيره من ساعته على مقتضى الشريعة المطهرة العادلة، وكانت ترد إليه الاسئلة من غالب البلاد، وانتفع به خلق كثير من حاضر وباد.
وكان رحمه الله تعالى جعل وقت التأليف والتحرير في الليل فلا ينام منه إلا ماقل، وجعل النهار للدروس وإفادة التلامذة وإفادة المستفتين، ويلاحظ أمر ديناه شريكه من غير أن يتعاطى بنقسه، وكان في رمضان يتخم كل ليلة ختما كاملا مع تدبر معانية، وكثيرا ما يتسغرق ليله بالبكاء والقراءة، ولا يدع وفتا من الاوقات إلا وهو على طهارة، ويثابر الوضوء.
وكان رحمه الله تعالى حريصا على إفادة الناس وجبر خراطرهم، مكرما للعلماء والاشراف وطلبة العلم، ويواسيهم، بماله.
وكان كثير التصدق على ذوي الهيئات من الفقراء الذين لا يسألون الناس الاحافا، وكان غيورا على أهل العلم ولاشرف ناصرا لهم دافعا عنهم ما استطاع.
وكان مهابا مطاعا نافذ الكلمة عند الحكام وأعيان الناس، يأكل من مال تجارته بمباشرة شريكة مدة حياته.
وكان رحمه الله تعالى ورعا دينا عفيفا حتى أن عرض عليه خمسون كيسا من الدرا هم لاحل فتوى على قول مرجوح فردها ولم يقبل، وقد امتنع عن شراء العقارات الموقوفة التي عليها كدك أو محاكرة أو قيمة أو بالاجارتين، وكان وقف جده لام أبيه مشروطا ننظره للارشد من ذرية الواقف، فامتنع من توليته وسلمه لاخية، ولم يتفق له قبول هدية، من ذي حاجة أو مصلحة.
وكان رحمه الله تعالى طويل القامة شئن الاعضاء والانامل، أبيض اللون أسود الشعر، فيه قليل الشيب لو عد شيبه لعد مقرون الحاجبين، ذا ووقار، وهيئة مستحسنة ونضار، جميل الصورة حسن السريرة، يتلالا وجهه نورا، حسن البشر، والصحبة من اجتمع به لا يكاد ينساد لطلاوة كلامه
ولين جانبه وتمام تواضعه على الوجه المشروع، كثر الفوائد لمن صاحبه والمفاكهة، ومجلسه مشتمل على الآداب وحسن المنطق والاكرام للواردين عليه من أهله ومحبيه وتلامذته ومصاحبية، كل من جالسه يقول في نفسه أنا أعز عنده من ولده مجلسه محفوظ من الفحش والغيية والتكلم بما لا يعنيگي، لا تخلو أوقاته من اكتابه والافادة والمراجعة للمسائل، صادق اللهجة ذا فراسة إيمانية وحكمة، لقمانية متين الدين لا تأخذه في الله لومة لائم، صداعا بالحق ولو عند الحاكم الجائر، تهابه الحكام والقضاة وأهل السياسة.
كانت دمشق في زمنه أعدل البلاد وللشرع بها ناموس عظيم، لا يتجاسر أحد على ظلم أحد ولا على إثبات حق بغير وجه شرعي ولا في غالب البلاد القريبة منها، فإنه كان إذا حكم على أحد بغير وجه شرعي جاءه المحكوم عليه بصورة حجة القاضي فيفتية ببطلانه ويراجع القاضي فينفذ فتواه، وقل أن تقع واقعة مهمة أو مشكلة مدلهمة في سائر البلاد أو بقية المدن الاسلامية وقراها إلا ويستفتى فيها مع كثرة العلماء الاكابر والمفتين في كل مدينة، وكانت أعراب البوادي إذا وصلت إليهم فتواه لا يختلفون فيها مع جهلهم بالشريعة المطهرة، وكانت كلمته نافذة وشفعته مقبولة وكتابة ميمونة، ما كتب لاحد شيئا إلا وانتفع به لصدق نيته وحسن سريرته، وقوة يقينه، وشدة دينه، وصلابتة فيه.
وكان رحمه الله تعالى مغرما بتصحيح الكتب والكتابة عليها، فلا يدع شيئا من قيد أو اعتراض أو تنبيه أو جواب أو تتمة فائدة إلا ويكتبه على الهامش ويكتب المطالب أيضا.
وكانت عنده كتب من سائر العلوم لم يجمع على منوالها، وكان كثير منها بخط يده ولم يدع كتابا منها إلا وعليه كتابه، وكان(1/421)
والسبب في جمعة لهذه الكتب العديمة النظير والدة، فإنه كان يشتري له كل كتاب أرادة ويقول له اشتر ما بدا لك من الكتب وأنا أدفع أنا أدفع لك الثمن فإنك أحييت ما أمته أنا من سيرة سلفي، فجزاك الله تعالى خيرا يا ولدى، أعطاه كتب أسلافه الموجودة عنده من أثرهم الموقوفة على ذراريهم، وعندي بعض منها والله تعالى الحمد.
وكان رحمه الله تعالى حريصا على إصلاح الكتب، لا يمر على موضع منها فيه غلط إلا أصلحه
وكتب عليه ما يناسبه، وكان حسن الخط حسن القشط، قل أن يرى من يكتب مثله على الفتاوى وعلى هوامش الكتب في الجودة وحسن الخط وتناسق الاسطر وتناسق الاسطر وتناسبها، ولا يكتب على سؤال على سؤال رفع إليه إلا أن يغيره غالبا.
وكان رحمه الله تعالى فقيه النفس انفرد به في زمنه بخاثا ما باحثه أحد إلا وظهر عليه، وقد حكى تلميده صاحب الفضلية العلامة محمد أفندي جابي زاده قاضي المدينة المنورة أن شيخ االاسلام عارف عصمت بك مفتي السلطنه بدار الخلافة العلية قال له: إني كنت أؤمل أن تطلب لي الاجارة من شيخك للتبرك، وكان تلمية ه العلامة الشيخ محمد أفنيي الحلواني مفتي بيروت يقول لي: ما سمعت مثل تقرير سيدي والذك في درسه، حتى إني كثيرا ما أجتهد في مطالعة الدرس، وأطالع عليه سائر الحواشي والشروح والكتابات على الدرس، وأظن من نفسي أني فهمت سائر الاشكالات وأجوبتها، وحين أحضر الدرس يقرر شيخنا الدرس ويتكلم على جميع ما طالعته مع التوضيح والتفهيم، ويزيدنا فوائد ما سمعنا بها ولا رأيناها، ولم يخطر على فكر أحد ذكرها.
وكان رحمه الله تعالى بارا بوالديه، ومات الده في حياته سنة سبع وثلاثين بعد المائتين والالف، وصار يقرأ كل ليلة عند النوم ما تيسر من القرآن العظيم ويهدية ثوابه مع ما تقبل له من الاعمال حتى رأى والده في النوم بعد شهر من وفاته وقال له: جزاك الله تعالى خيرا يا والدي على هذه الخيرات التي تهديها إلى قي كل ليلة، وكانت جدة سيدي أم ولدد من بنات الشيخ المحبى صاحب التاريخ المشهور وأما والدة سيدي فقد توفي في حياتها، وكانت صالحة صابرة تقرأ من الجمعة إلى الجمعة مائة ألف مرة سورة الاخلاص وتهب ثوابها لولدها سيدي الوالد، وتصلي كل ليلة، خمس أقات قضاء احتياطا، وكانت كثيرة الصلاة والصيام، عاشت بعد سنتين، صابرة محتسبة لم تفعل ما تفعله جهلة النساء عند فقد أولادهن، بل كان حالها الرضا بالقضاء، والقدر، وتقول،: الحمد الله على جميع الاحوال: وكانت من سلالة طاهرة من ذرية الحافظ الداودي المحدث الشهير، وكان عمها الشيخ محمد بن عبد الحي الداودي صاحب التأليفات الشهيرة: منها المنهج، وحاشية ابن عقيل، ومجموع الفوائد وغيرها.
وعلى ما سمعت واشتهر أن نسبتهم إلى حضرة سيدنا العباس إلا أنه ليس بدرجة الثبوت، وليس عندهم نسب عليه شهادة بنته للزواج، فمنعه والده من زواجها وقال له: أخاف عليك من
غصب شيخك وعقوقه إن أعضبت ابنته يوما ما، وهذا مما لا تخلو منه الجبلة الانسانية غالبا.
وكان والده رحمه الله تعالى شفوقا عليه ويجبه تامة، حتى أنه لما حج سيدي سنة خمس وثلاثين امتنع والده من دخول داره الجوانية مدة غياب سيدي ولم ينم على فراش تلك المدة وهي أربعة أشهر بل بقي نائما في داره البرانية.(1/422)
وكان سيدي رحمه الله تعالى ورعا في سائر أحواله، وعلى الخصوص في حال إحرامه في حجته المذكورة، فإنه تحرى للطام غاية التحري مع قلة تناول الطعام إلا بقدر الضرورة.
وكان رحمه الله تعالى كثير البر والصلة لارحامه يواسيهم بأفعاله وماله، بالخصوص شقيقه العلامة الفاضل الفقيه الصوفي التقي الصالح السيد عبد الغني، وكان يعتنى ويتفرس الخير بأكبر أولاده، وهو العالم العلامة العمدة الفهامة الشيخ السيد أحمد أفندي أمين الفتوى بدمشق حالا، ويهتم بتربيته ويقول الدالدة: دع لي من ولدك السيد أحمد وأنا أربيه وأعمله، فعلمه القرآن العظيم وأقرأه مسلسلات العلامة ابن عقلية، أجازه إجازه عامة حتى صار من أفاضل عصره، وله تأليفات عديدة: منها شرح مولد اين حجر شرحه شرحا لم سيبق لعى منوالد، وشرح علم الحال الذي ألف صاحب السماحة والفضيلة، والفضيلة جندي زاده أمين أفندي العباسي محمد أبو الخير، مسود الفتوى بدمشق، وخطيب جامع برسبايي الشهير بجامع الورد ومدرسه.
وثانيهما السيد راغب إمام الجامع المذكور.
وكان سيدي رحمه الله تعالى ذهب مرة مع شيخه لاسيد محمد شاكر المذكور لزيارة بعض علماء الهند وصلحائها الشيخ محمد عبد النبي لما ورد دمشق، فلما دخلا عليه جلس شيخ سيدي وبقي سيدي واقفا في العتبة بين يدي شيخه حاملا نعله بيده كما هو عادته مع شيخه، فقال الشيخ محمد عبد النبي لشيخ سيدي مر هذا الغلام السيد فليجلس فإني لا أجلس حتى يجلس فإنه ستقبل يده وينتفع بفضله في سائر البلاد وعليه نور آل بيت النبوة، فقا له الشيخ محمد شاكر اجلس يالدى وكذلك، وفع له مع شيخه المذكور إشارة نظير هذه من الامام الصوفي الشهير والولي الكبير الشيخ طه الكردي قدس سره، ومن ذاك الوقت زاد اعتناء الشيخ به والتفاته إليه بالتعليم.
وكان شيخ المذكور كثيرا ما يأخذه معه
ويحضره دروس أشياحه، حتى أنه أخذه وأحضره درس شيخه العلامة العامل الولي الصالح شيخ الحدى الشيخ محمد الكزبري، واستجازه له فأجازه وكتب له إجازة عامة ظهر ثبته، مؤرخة في افتتاح ليلة غرة سنة عشر ومائيتين وألف، وترجمه سيدي المرحوم في ثبته ترجمة حسنة فراجعها، ورثاه أيضا سيدي عند وفاته ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من ربيع الاول سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف بقصيدة مؤرخا وفاته فيها، ومطلعها: خطب عظيم بأهل الدين قد نزلا فحسبنا الله في كل الامور ولا وبيت التاريخ: إمامنا الكزبري نجم أفلا * قليل جلقه ما زال منسدلا وكذلك أحضره درس العالم العلامة الشيخ الكبير المحدث الشيخ أحمد العطار، واستجاره له فأجازه، وكتب له إجازة عامة على ظهر ثبته بخطه مؤرخة في منتصف محرم الحرام سنة ست عشرة ومائتين وألف.
وقد ترجمه سيدي المرحوم الوالد، في ثبته عقود الآلي ترجمة حسنة فراجعها، ورثاه عند وفاته مع غروب الشمس بهار الخميس التاسع من ربيع الثاني سنة ثمان عشرة ومائتين وألف بقصدة مؤرخان وفاته بها، ومطلعها: ليقدح الجهل في البلدان بالشرر * وليكن العلم في كتب وفي سطر(1/423)
وقد أخذ سيدي عن مشايخ كثيرين منهم الشيخ الامير الكبير المصري، وأجازه إجارة عامة كبتها له بخطه الشريف وخمتها بختمه المنيف، وأرسلها له مؤرخة في غزة رمضان المعظم قدره من شهور عام ثمانية وعشرين بعد الالف والمائتين من الهجرة النبوية، وكذا أخذ عن مشايخ كثيرين يطول ذكر هم هنا من شاميين ومصريين وحجازيين وعراقيين وروميين.
وكان له عم من أهل الصلاح ومظنة الولاية ومن أهل الكشف، اسمه اشيخ صالح اسم على مسمى، حتى أنه بشر أمه به قبل ولادته، وهو الذي سماه محمد أمين حين كان في بطن أمه، يضعه في حال صغره في حجره ويقول له أعطيتك عطية الاسياد في رأسك.
وكان رحمه الله تعالى له خيرات عامة: منها تعمير المساجد، وافتقاد الارامل والفقراء.
وكانت تسعى إليه الوزراء والامراء والموالي والعلماء والمشايخ والكبراء والفقراء وذا الحاجات، وعظمت بركته وعم نفعه، وكثر أخذ الناس عنه.
وغالب من أخذ عنه وقرأ عليه أكابر الناس وأشرافهم وأجلاؤ هم من الموالي والعلماء الكبار والمفتين والمدرسين وأصحاب، التاليف والمشاهير، وقصده الناس من الاقطار الشاسعة للقراءة لعيه والاخذ عنه.
فممن قرأ عليه أخذ عن شفيقه العلامة الفاضل الفقيه الصوفي السيد عبد الغني المذكور ومنهم ولد أخيه المذكور الشيخ أحمد أفندي أمين الفتوى بدمشق حلا صاحب التأليف الشهيرة.
ومنهم ابن ابن عمه الشيخ صالح ابن السيد، عابدين، ومنهم صاحب الفضيلد والسماحة العالم العلامة عمدة الموالى العظام جابي زاده السيد محمد أفندي قاضي المدينة المنورة سابقا، ومن أصحاب بايه إسلامبول الحائز للنشيان العالي المجيدي من الرتبة الثانية من تشريف في حضرته باية إسلامبول، وافتخرت فيه على من نالها بفضائله وعلمه الذي أقرت به الفحول.
وبكمال علومه وقدره مع فضله زاد فيه.
رفعة وعز النشيان العالي المجيدي من الرتبة الثانية التي افتخرت فيها أعاظم الرجال وهي فيه فاقت وتخترت على أكابر أهل الكمال فإنه أخذ عنه سائر العلوم وبه انتفع.
ومنهم العالم العلامة الزاهد العابد الورع التقي النقى فقيه النفس الشيخ يحيى السردست أحد أفاضل الصوفية في زمنه فإنه عنه أخذ وبه انتفع وعليه تخرج.
ومنهم العالم العلامة العمدة الفهامة الفهامة فقيه العصر الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني شارح القدروي وعقيدة الطحاوي، فإنه عنه أخذ وبه انتفع وعليه تخرج.
ومنهم العالم العلامة والعمدة الفهامة ة الشيخ حسن البيطار فإنه قرأ عليه العقود الدرية، وعليه تخرج في مذاهب السادة الحنفية.
ومنهم ولد المرقوم العالم العلامة الشيخ محمد أفندي البيطار فإنه عنه أخذ وبه انتفع وعليه تخرج، وهو أمين فتوى دمشق الشام حالا.
ومنهم العالم العلامة أحمد أفندي الاسلامبولي محشي الدرر، فإنه عنه أخذ وبه انتفع وعليه تخرج.
ومنهم الشيخ الفاضل والعالم الكامل فرضي دمشق ورئيس حسابها السيد حسين الرسالة، فإنه عن أخذ وبه انتفع وعليه تخرج.
ومنهم العالم العلامة القدوة الفهامة صاحب التأليف المفيدة والتصانيف النفيسة في المعقول والمنقول: الشيخ يوسف بدر الدين المغربي، فإنه عنه أخذ وبه انتفع وعليه تخرج.
ومنهم العلامة الفاضل الشيخ عبد القادر الجابي،
ومنهم الشيخ محمد الجقلي.
ومنهم الشيخ محمد أفندي المنير أحد أصحاب باية أزمير المجردة.
ومنهم العلامة الفاضل الشيخ عبد القادر الخلاصي شارح الدر المختار والالفية لابن مالك وغير هما.
ومنهم عمدة الموالي الكرام علي أفندي المرادي مقتي دمشق الشام.
ومنهم العالم العلامة، العمدة الفهامة، نخبة الموالي الفخام عبد الحليم ملا قاضي الشام وقاضي عسكر أنا طولي.
ومنهم الشيخ حسن بن خالد بك.
ومنهم الشيخ محمد تلو.
ومنهم الشيخ محيي الدين اليافي.
ومنهم الشيخ أحمد المحلاوي المصري شيخ(1/424)
القراء في زمنه.
ومنهم الشيخ عبد الرحمن الجمل المصري.
ومنهم الشيخ أيوب المصري.
ومنهم الشيخ الملا عبد الرزاق البغدادي أحد مشاهير علماء بغداد وأفاضلها.
ومنهم الشيخ مصلح قاضي جنين.
ومنهم الشيخ أحمد البزري قاضي صيدا.
ومهم أخوه الشيخ محمد أفندي مفتيها.
ومنهم الشيخ محمد أفندي الآتاسي مفتي حمص وأخوه أمين فتواه.
ومنهم الشيخ أحمد سليمان الاروادي وغيره ممن يطول ذكرهم ولا يحصى عددهم من أفاضل وأعيان، فإينهم انتفعوا به وأخذوا عنه وعليه تخرجوا.
مات رحمه الله تعالى ضحورة يوم الاربعاء الحادي والعشرين من ربيع الثاني سنة 1252، وكانت مدة حياته قربيا من أربع وخمسين سنة، ودفن بمقبرة في باب الصغير في التربة الفوقانية، لا زالت سحائب الرحمة تبل ثراه في الكبرة والعشية، وكان قبل موته بعشرين يوما قد اتخذ لنفسه القبر الذي دفن فيه، وكان فيه بوصية منه لمجاورته لقبر العلامتين: الشيخ العلائي شارح التنوير والشيخ صالح الجينيني إمام الحديث ومدرسه تحت قبه النسر، وهذا مما يدل على حيه للشارح العلائي، لا سيما، وقد حشى له شرحيه على الدر والملقتى وشرحه على المنار، وسماني ياسمه وأرخ ولادتي على ظهر كتابه الدر المختار في اليلة الثلاثاء لثلاثة مضين من شهر ربيع الثاني، 1244 رحمه الله تعالى العزيز االغفار، وقد مدحه بقصيدة وهي قوله: علاء الدين يام مفتي الانام * جزاك الله خى على الدوام لقد أبرزت للفتيا كتابا * مبينا للحلال وللحرام
لقد أعطيت فضلا لا يضاهي * وعلما وافرا كالصب طام فكنت به فريد العصر حتما * كمثل البدر في وفن التمام وكان بك الزمان خصيب عيش * رطيباذا حبور وابتسام وفاق بدرك المختار عقد * لفقه أبي حنفة ذو انتظام بألفاظ ترين الصعب سهلا * ومطروحا على طرف الثمام إذا ما قلت قولا قيل فيه * على قول إذا قالت حذام صغير الحجم حاوي الجل مما * تنقح في ربى الكتب العظام فكل الصيد في جوف الفرا إن * تقل ذا لست تخشى من ملام حوى اسما قد أتي طبق المسمى * وما تأتي كذا كل الاسامي وكانت له جنازة حافلة ما عهد نظيرها، حتى أن جنازته رفعت على رؤوس الاصابع من تزاحم الخلق، وخوفا من قوعها وإضرار الناس بعضهم بعضا حتى صار حاكم البلدة وعساكره يفرقون الناس عنها، وصار الناس عموما يبكون نساء ورجلا كبار وصغارا وصلى عيه في جامع سنان باشا، وعض بهم المسجد حتى صلوا في الطريق، وصلى عليه إماما باالناس الشيخ سعيد الحلبي، وصلى عليه غائبة في أكثر البلاد، ولم يترك أولادا ذكورا غير هذا الحقير العاجز الفقير الملتجي إلى عناية مولاه القدير جامع هذه التكملة، حعلها الله تعالى خالصة لوجهه الكريم، ورحم الله تعالى روحه، ونور مرقده وضريحه، وجزاء الله تعالى عني وعن المسلمين خيرا، نفعني به وبعباده الصالحين في الدنيا والآخرة.(1/425)
وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون ذي الفضل والجود، فنقول بعون الله تعالى: قول العلائي.
قوله: (قال المحشي) هو الشيخ صالح على ما يتبادر من سابقه ومن نقله عنه كثيرا، ولا حاجة إلى هذه العبارة للاستغناء عنها بما قبلها ط.
مطلب: دعوى الهبة من غير قبض غير صحيحة
قوله: (مع قبض) قيد به، لان دعوى الهبة من غير قبض غير صحيحة، فلا بد في دعواها من ذكر القبض ولهذا صور المسألة شراح الهداية بأنه ادعى أنه وهبها له وسلمها ثم غصبها منه.
مطلب: الاقرار بالهبة هل يكون إقرارا بالقبض؟ وذكر العمادي اختلافا في الاقرار بالهبة أيكون إقرارا بالقبض، قيل نعم لانه كقبول فيها، والاصح لا، وقيد بذكر التاريخ لهما لانه لو لم يذكر لهما تاريخ أو ذكر لاحدهما فقط تقبل لامكان التوفيق بأن يجعل الشراء متأخرا ا ه بحر.
وفيه أيضا وأشار المؤلف إلى أنه لو ادعى الشراء أولا ثم برهن على الهبة أو الصدقة، فإن وفق فقال جحدني الشراء ثم وهبها مني أو تصدق قبل وإلا فلا كما في خزانة الاكمل وفي منية المفتي: ادعاها إرثا ثم قال جحدني فاشتريتها وبرهن تقبل ا ه.
ذكر مسائل من التناقض: منها لو ادعى الشراء من أبيه في حياته وصحته فأنكر ولا بينة فحلف ذو اليد فبرهن المدعي أنه ورثها من أبيه تقبل لامكان التوفيق.
مطلب: برهن على أنه لهن بالارث ثم قال لم يكن لي قط ولو داعى الارث أولا ثم الشراء لا تقبل لعدمه.
ومنها برهن على أنه له بالارث ثم قال: لم يكن لي قط أو لم يزد قط لم يقبل برهانه وبطل القضاء.
مطلب: دعوى الشراء بعد الهبة مسموعة مطلقا والشراء قبل هبة من غير قبض مسموعة أيضا وتقييده بالقبض ليس للاحتراز عن دعوى الشراء بعدما ادعى الهبة بدون التسليم أبو السعود.
قوله: (في وقت) ظرف لهبة لا لادعى ا ه ح، وذلك كما إذا ادعى أنه وهبها له في رمضان.
قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: (أو لم يقل ذلك) ا ه ح.
مطلب: التوفيق بالفعل شرط في الاستحسان وهو الاصح قوله: (بإمكان التوفيق) أي مطلقا من المدعي أو المدعى عليه تعدد وجهه أو اتحد بحر.
وفيه أن هذا هو القياس والاستحسان أن التوفيق بالفعل شرط.
قال الرملي: وجواب الاستحسان هو الاصح كما في منية المفتي.(1/426)
أقول: لكن نقل في نور العين عن فتاوى رشيد الدين: لو أتى بالدفع بعد الحكم في بعض المواضع لا يقبل، نحو أن يبرهن بعد الحكم أن المدعي أقر قبل الدعوى أنه لا حق له في الدار لا يبطل الحكم، لجواز التوفيق بأنه شراء بخيار فلم يملكه في ذلك الزمان ثم مضت مدة الخيار وقت الحكم فملكه، فلما احتمل هذا لم يبطل الحكم الجائز بشك، ولو برهن قبل الحكم يقبل ولا يحكم، إذ الشك يدفع الحكم ولا يرفعه.
يقول الحقير: الظاهر أنه لو برهن قبل الحكم فيما لم يكن التوفيق خفيا ينبغي أن لا يقبل ويحكم على مذهب من جعل إمكان التوفيق كافيا، إذ لا شك حينئذ لان إمكانه كتصريحه عندهم، والله تعالى أعلم ا ه.
كذا في نسختي نور العين.
والذي يظهر زيادة لا في قوله ينبغي أن لا يقبل كما هو ظاهر لمن تأمل، وسيأتي تمام الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى عند قوله: ومن ادعى على آخر مالا الخ.
مطلب: من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه إلا في موضعين قوله: (وهو مختار شيخ الاسلام) قيده في البحر في فصل الفضولي، بأن لا يكون ساعيا في نقض ما تم من جهته، لان كل من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه، فقولهم: إن إمكان التوفيق يدفع التناقض على أحد القولين مقيد بما إذا لم يكن ساعيا في نقض ما تم من جهته، لان من سعى في نقض ما تم من جهته لا يقبل إلا في موضعين.
الاول: فيما إذا اشترى عبدا وقبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان الغائب بكذا وبرهن يقبل.
الثاني: وهب جاريته واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان دبرها أو استولدها وبرهن يقبل ويستردها والعقر ا ه.
وتمامه فيه فراجعه إن شئت.
مطلب في ارتفاع التناقض أقوال أربعة قوله: (من أقوال أربعة) الاول: لا بد من التوفيق بالفعل ولا يكفي الامكان.
الثاني: كفاية الامكان مطلقا: أي من المدعي أو المدعى عليه تعدد وجه التوفيق أو اتحد.
الثالث: ما ذكره الخجندي.
الرابع: كفاية الامكان إن اتحد وجه التوفيق لا إن تعددت وجوهه.
وهذا الخلاف يجري في كل موضع حصل فيه التناقض من المدعي أو منه ومن شهوده أو من المدعى عليه كما في البحر، ومثله في حاشية سيد الوالد عليه.
مطلب: هل يكفي إمكان التوفيق لدفع التناقض أو لا بد منه بالفعل قوله: (أنه يكفى من المدعى عليه) هذا اختصار.
وأصل عبارة الخجندي كما في البحر: إن التناقض إن كان من المدعي فلا بد من التوفيق بالفعل ولا يكفي الامكان، وإن كان المدعى عليه يكفي الامكان، لان الظاهر عند الامكان وجوده ووقوعه، والظاهر حجة في الدفع لا في الاستحقاق والمدعي مستحق والمدعى عليه دافع، والظاهر يكفي في الدفع لا في الاستحقاق.
ويقال أيضا: إن(1/427)
تعدد الوجوه لا يكفي الامكان وإن اتحد يكفي الامكان والتناقض كما يمنع الدعوى لنفسه يمنع الدعوى غيره.
قوله: (بعد وقتها) كشوال وهو ظرف للشراء كقبله ا ه ح.
قوله: (في الصورتين) يعني ما إذا قال جحدنيها أولا ح.
قوله: (وقبله) أي قبل وقت الهبة كشعبان.
قوله: (لوضوح التوفيق في الوجه الاول) وهو ما إذا كان الشراء بعد وقت الهبة.
وهذا التعليل إنما يظهر فيما إذا قال جحدنيها، وأما إذا لم يقله فالذي فيه إمكان التوفيق.
قوله: (وظهور التناقض في الثاني) لانه يدعي الشراء بعد الهبة وشهوده تشهد له به قبلها، وهو تناقض ظاهر لا يمكن التوفيق بينهما، ومرادهم بالتناقض ما يكون بين الدعوى والبينة، وإلا فالمدعي لا تناقض منه لانه لم يدع الشراء سابقا على الهبة، والتناقض يبطل الدعوى.
مطلب: يكون التناقض من متكلم واحد ومن اثنين وكما يكون من متكلم واحد يكون من متكلمين كمتكلم واحد حكما كوارث ومورث ووكيل وموكل.
والاولى (1) في البزازية: ولم أر الآن الثانية صريحا وهي ظاهرة من الاولى.
بحر.
مطلب: لا تسمع دعوى الوارث فيما لا تسمع دعوى مورثه فيه قال أبو السعود: وفي هذا دلالة ظاهرة على ما نقله الشيخ حسن الشرنبلالية في رسالة الابراء عن فتاوى الشيخ الشلبي حيث حكى الاجماع على أن دعوى الوارث لا تسمع في شئ لا تسمع فيه دعوى مورثه أن لو كان حيا، كما إذا أقر مورثه بقبض ما يخصه من التركة وأبرأ إبراء عاما لا تسمع دعوى الوارث بعده الخ.
وإذا عرف هذا في الابراء فكذا في غيره من بقية الموانع، كما لو ترك الدعوى في حق لا من جهة الارث حتى مضى خمس عشرة سنة، وقولهم لا تسمع الدعوى بعد خمس سنة إلا في الارث يحمل على ما إذا لم تمض الخمس عشرة سنة قبل موت مورثه ا ه ط.
مطلب: هل يشترط كون الكلامين المتناقضين في مجلس القاضي أو الثاني فقط؟ قوله: (وهل يشترط كون الكلامين) أي المتناقضين.
قوله: (أو الثاني فقط) أي ويحتاج إلى إثبات الاول عند القاضي ليدفع به دعوى المدعي.
قوله: (وينبغي ترجيح الثاني) ولعل وجهه أنه الذي يتحقق به التناقض منح.
وفي النهر من باب الاستحقاق: والاوجه عندي اشتراطهما عند الحاكم، إذ من شرائط الدعوى كونها لديه ا ه.
وفي شرح المقدسي: ينبغي أن يكفي أحدهما عند القاضي، بل يكاد أن يكون الخلاف لفظيا لان الذي حصل سابقا على مجلس القاضي لا بد أن يثبت عنده ليترتب على ما عنده حصول التناقض، والثابت بالبيان كالثابت بالعيان فكأنهما في مجلس القاضي، فالذي شرط كونهما في مجلس يعم الحقيقي والحكمي في السابق واللاحق ا ه.
وهو حسن.
__________
(1) قوله: (والاول) أي مسألة للوارث والمورث ا ه.(1/428)
لكن ذكر سيدي الوالد رحمه الله تعالى في حاشيته على البحر بعد ذكر نحو ما تقدم: قلت: وسيأتي في الوكالة أن الوكيل بالخصومة يصح إقراره لو أقر عند القاضي لا عند غيره، ولكنه يخرج به عن الوكالة.
وعند أبي يوسف: يصح إقراره مطلقا، لان الشئ إنما يختص بمجلس القضاء إذا لم يكن موجبا إلا بانضمام القضاء إليه كالبينة والنكول.
ولهما: أن المراد بالخصومة الجواب مجازا، والجواب يستحق في مجلس الحكم فيختص به، فإذا أقر في غيره لا يعتبر لكونه أجنبيا فلا ينفذ على الموكل لكنه
يخرج به عن الوكالة لان إقراره يتضمن أنه ليس له ولاية الخصومة اه.
والحاصل: أن اختصاصه بمجلس القاضي لكون لفظ الخصومة يتقيد به، وهنا ليس كذلك، فالذي يظهر ترجيح عدم اشتراط كون الكلامين في مجلس القاضي ا ه.
قوله: (يرتفع بتصديق الخصم) أي بكلاميه المتناقضين.
مطلب: يرتفع المتناقض بقول المتناقض تركت قوله: (وبقول المتناقض تركت الاول الخ) أقول: فيه أنه حينئذ لا يبقى تناقض أصلا، لان كل متناقض يمكنه أن يقول ذلك، والظاهر أن هذا مخصوص بمسألة ما إذا ادعاه مطلقا ثم ادعاه بسبب الخ، فإذا قال ذلك قبل قوله: أما لو قال هذا ملك المدعى عليه ثم قال بل ملكي تركت الاول وادعى بالثاني فلا قائل به، ويرشدك لذلك.
قوله: (تركت الاول الخ).
ثم رأيت في البحر عن البزازية وصف المدعي المدعى، فلما حضر خالف في البعض أن ترك الدعوى الاولى وادعى الحاضر تسمع لانها دعوى مبتدأة، وإلا فلا ا ه.
وفيه أيضا وبرجوع المتناقض عن الاول بأن يقول تركته وادعى بكذا.
قال سيدي الوالد في حاشيته عليه بعد كلام: وظاهر ما ذكره المؤلف في الاستحقاق: أي صاحب البحر، أن مسألة رجوع المتناقض بحث منه.
ثم رأيت البزازي ذكر بعد ذلك في نوع في الدفع، وذكر القاضي ادعى بسبب وشهدا بالمطلق لا يسمع ولا تقبل لكن لا تبطل دعواه الاولى، حتى لو قال أردت بالمطلق المقيد يسمع كما مر إن برهن على أنه له.
وفي الذخيرة أيضا: ادعاه مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن بذلك السبب وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع ا ه ما في البزازية.
قال الرملي: ربما يشكل عليه ما في البزازية وغيرها: ادعى على زيد أنه دفع له مالا ليدفعه إلى غريمه وحلفه ثم ادعاه على خالد وزعم أن دعواه على زيد كان ظنا لا يقبل، لان الحق الواحد كما لا يستوفى من اثنين لا يخاصم مع اثنين بوجه واحد ا ه.
ووجه إشكاله أنه لما قال إن دعواه على زيد كان ظنا فقد ارتفع التناقض، والله تعالى أعلم.
ذكره الغزي.
وأقول: قد كتب فرقا في حاشيتي على جامع الفصولين بين فرع البزازي وفرع ذكره فراجعه، ويفرق ها هنا بأن فيما ذكره البزازي امتنع ارتفاع
التناقض لتعلقه باثنين فلا تصح الدعوى لما ذكره من امتناع مخاصمة الاثنين في حق واحد، وهذا منتف في الواحد وهو محل ما في هذا الشرح فتدبر ا ه.
مطلب: يرتفع التناقض بقول المتناقض تركت قوله: (أو بتكذيب الحاكم) كما لو ادعى أنه كفل له عن مديونه بألف فأنكر الكفالة وبرهن الدائن أنه كفل عن مديونه وحكم به الحاكم وأخذ المكفول له منه المال، ثم إن الكفيل ادعى على(1/429)
المديون أنه كفل عنه بأمره وبرهن على ذلك يقبل عندنا ويرجع على المديون بما كفل لانه صار مكذبا شرعا بالقضاء.
كذا في المنح ح.
وكذا إذا استحق المشتري من المشتري بالحكم يرجع على البائع بالثمن وإن كان كل مشتر مقرا بالملك لبائعه، لكنه لم حكم ببرهان المستحق صار مكذبا شرعا باتصال القضاء به ا ه ط.
ومثله في الانقروي، وإنما احتاج للدعوى لاثبات كون الكفالة بالامر لا لاثبات أصل الكفالة، إذ هي من المسائل التي يكون القضاء بها على الحاضر قضاء على الغائب.
قوله: (وتمامه في البحر) وعبارة البحر في الاستحقاق أولى، وهي: إذا قال تركت أحد الكلامين يقبل منه، لانه استدل له بما في البزازية عن الذخيرة: ادعاه مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن بذلك السبب وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع ا ه.
فإن المتروك الثانية لا الاولى، ومع هذا نظر فيه صاحب النهر هناك.
وقد يقال: ذلك القول توفيق بين الدعوتين.
تأمل.
وذكر سيدي الوالد في باب الاستحقاق تأييد ما في النهر.
مطلب: ادعى بسبب ثم ادعاه مطلقا وقال في الخانية: رجل ادعى الملك بسبب ثم ادعاه بعد ذلك ملكا مطلقا فشهد شهوده بذلك ذكر في عامة الروايات أنه لا تسمع دعواه لا تقبل بينته.
قال مولانا رضي الله تعالى عنه: قال جدي شمس الائمة رحمه الله تعالى: لا تقبل بينته ولا تبطل دعواه، حتى لو قال أردت بهذا الملك المطلق الملك بذلك السبب تسمع دعواه وتقبل بينته اه.
مطلب: ادعى وقفا ثم ادعاه ملكا لنفسه لا تقبل
قوله: (ثم ادعاها لنفسه) لوجود التناقض مع عدم إمكان التوفيق، إذ الوقف لا يصير ملكا ط.
قوله: (لم تقبل للتناقض) لان الانسان لا يضيف مال نفسه إلى غيره.
قال في جامع الفصولين بعد ذكر المسألة في الفصل 39 أقول: يمكن أيضا في هذا أنه أضاف مال الغير إلى نفسه فلا تناقض حينئذ فينبغي أن يكون مقبولا ا ه.
قوله: (وقيل تقبل إن وفق) هذا راجع إلى المسألة الثانية دون مسألة الوقف، ومقتضى ما سبق أن إمكان التوفيق بما ذكر كاف ط.
وأما ما ذكر الشارح فليس بكاف بل لا بد منه بالفعل، وقد تقدم أن الاستحسان أن التوفيق بالفعل شرط.
مطلب: ادعى الملك ثم ادعاه وقفا تقبل قوله: (ثم ادعى الوقف عليه) كذا في المنح ولم يذكره في البحر.
والذي في الحموي عدم التقييد بقوله عليه وكأنه أخذه من قاعدة إعادة النكرة معرفة فيكون المراد به الوقف المار.
قيل: وعليه فلا يظهر التوفيق لانه تناقض ظاهر، ويمكن جريانه على مذهب الثاني القائل بصحة وقفه على نفسه ا ه.
ولا يخفى عليك ما فيه، لما في البحر من فصل الاستحقاق: ولو ادعى أنها له ثم ادعى أنها وقف عليه تسمع لصحة الاضافة بالاخصية انتفاعا كما لو ادعاها لنفسه ثم لغيره ا ه.
تأمل.
قوله: (تقبل)(1/430)
لاحتمال أنها انتقلت لغيره منه.
قوله: (اشتريت مني هذه الجارية) أي والواقع كذلك.
قوله: (فله أن يطأها) أي بعد الاستبراء إن كانت في يده المشتري.
أبو السعود عن الحلبي بحثا.
قوله: (واقترن تركه بفعل يدل على الرضا الخ) هذا ما ذكره صاحب الهداية جازما به، وبعضهم اكتفى بعزم القلب على الترك، وبعضهم اشتراط الاشهاد عليه: أي على ما في قلبه بلسانه، وقيل مجرد العزم لا يفسخ به كمن له خيار شرط.
أجيب بأن المراد عزم مؤكل بفعل كإمساكها ونقلها لمحله، إذ لا يحل ذلك بدون فسخ فكان فسخا دلالة كما في المقدسي.
قوله: (لما تقرر) علة للمصنف.
مطلب: جحود ما عدا النكاح فسخ له قوله: (ما عدا النكاح) فإنه لا يحتمل الفسخ بسبب من الاسباب، فلو ادعى تزوجها على ألف فأنكرت ثم أقامت البينة على ألفين قبلت ولا يكون إنكارها تكذيبا للشهود، وفي البيع لا يقبل ويكون
تكذيبا للشهود.
ولو ادعت عليه نكاحا وحلف عندهما أو لم يحلف عنده لا يحل لها التزوج بغيره، لان إنكاره لا يكون فسخا فيحتاج القاضي بعده أن يقول فرقت بينكما أو يقول الخصم إن كانت زوجتي فهي طالق بائن.
ولو ادعى على امرأة أنه تزوجها فأنكرت المرأة ثم مات الزوج فجاءت المرأة تدعي ميراثه فلها الميراث كعكسه عندهما، وعند الامام لا ميراث له لانه لا عدة عليه، ولذا كان له أن يتزوج بأختها وأربع سواها.
ولو ادعت الطلاق فأنكر ثم مات لا تملك مطالبة الميراث، وكما لا يكون إنكار النكاح فسخا لا يكون طلاقا وإن نوى بخلاف لست لي بامرأة فإنه يقع به إن نوى عنده خلافا لهما ا ه ط.
ومثله في البحر.
وقد ذكر في البحر في خيار البلوغ صورا من النكاح تحتمل الفسخ.
قال في التبيين: ولا يقال: النكاح لا يحتمل الفسخ فلا يستقيم جعله فسخا.
لانا نقول: المعني بقولنا لا يحتمل الفسخ بعد التمام وهو النكاح الصحيح النافذ اللازم، وأما قبل التمام فيحتمل الفسخ، وتزويج الاخ والعم صحيح نافذ لكنه غير لازم فيقبل الفسخ ا ه.
ويرد ارتداد أحدهما فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام، وكذا إباؤها عن الاسلام بعد إسلامه فإنه فسخ اتفاقا وهو بعده، وكذا ملك أحد الزوجين صاحبه.
مطلب: الحق أن النكاح يقبل الفسخ فالحق أنه يقبل الفسخ مطلقا إذا وجد ما يقتضيه شرعا ا ه.
قال سيدي الوالد: قد يقال مراده بالفسخ ما كان مقصودا مستقلا بنفسه، وهو فيما ذكره من الصور ليس كذلك فإنه تابع لازم لغيره: أعين الارتداد والاباء والملك، ومثله الفسخ بتقبيل ابن الزوج وسبي أحدهما ومهاجرته إلينا.
تأمل.
ثم رأيت بعد ذلك: أجاب بعض الفضلاء بأن ذلك انفساخ لا فسخ ا ه.
وهو مؤدى ما قلنا ا ه.
قوله: (فللبائع ردها بعيب الخ) أي وقد علمه بعد هذه الدعوى وإلا كانت الدعوى رضا به، وقيده في النهاية بأن يكون بعد تحليف المشتري، إذ لو كان قبله فليس له الرد على البائع لاحتمال نكول المدعى عليه فتلزمه فاعتبر بيعا جديدا في حق ثالث، والاشبه أن يكون هذا التفصيل بعد(1/431)
القبض.
وأما قبله فينبغي أن يرد مطلقا: أي ولو قبل تحليفه لانه فسخ من كل وجه في غير العقار فلا
يمكن حمله على البيع.
مطلب: ما يقبل الفسخ من النكاح ليس زيلعي وغيره ط.
ونحوه في الشلانبلالية.
مطلب ما يقبل الفسخ من النكاح ليس بفسخ بل انفساخ قوله: (أما النكاح فلا يقبل أصلا) عبارة الفتح: والنكاح لا يحتمل الفسخ بسبب من الاسباب أي التي يتعاطاها الزوجان.
وأما انفساخه بخروجهما عن أهلية النكاح كارتداد أحدهما وإباء المجوسية عن الاسلام وملك أحد الزوجين الآخر وكذا ما قدمه من الفرقة بأنها تارة تكون طلاقا وتارة تكون فسخا فلا ينافي ما هنا.
رحمتي.
أقول: وهو معنى ما قدمناه قريبا عن سيدي الوالد.
وأقول: حق ذكر هذه المسائل في كتاب الدعوى، وإنما ذكرت هنا لبيان حكم القضاء فيها.
قوله: (يقبل برهانه) لعل وجهه مع أنه تناقض ظاهر ما يأتي قريبا من أن النكاح لا يرتد بالرد فيكون جحوده ردا لاقرارها.
قوله: (أقر بقبض عشرة دراهم) أطلق فيها، فشمل ما إذا كانت دينا من قرض أو ثمن مبيع أو غصبا أو وديعة كما في الفتح، وقيد بالدراهم لان المشتري لو أقر أنه قبض المبيع ثم ادعى عيبا به فإن القول لبائعه لان المبيع متعين، فإذا قبضه وأقر بأنه استوفى حقه دلالة فبدعواه العيب صار متناقضا ا ه.
ط عن الحموي.
قال في البحر: وقيد الاقرار بالقبض، لانه لو أقر بالالف ولم يبين الجهة ثم ادعى موصولا أنها زيف لم يقض عليه، واختلف المشايخ: قيل أيضا على الخلاف، وقيل يصدق إجماعا لان الجودة تجب في بعض الوجوه لا على البعض فلا تجب بالاحتمال.
ولو قال غصبت ألفا أو أودعني ألفا إلا أنها زيوف صدق وإن فصل.
وعن الامام أن القرض كالغصب، ولو قال في الغصب والوديعة إلا أنها رصاص أو ستوقة صدق إذا وصل، ولو قال في كر حنطة من ثمن مبيع أو قرض إلا أنه ردئ فالقول له، وليس هذا كدعوى الرداءة لانها في الحنطة ليست بعيب، لان العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة، والحنطة قد تكون رديئة بأصل الخلقة فلا يحمل مطلقها على الجيد ولذا لم يجز شراء البر بدون ذكر الصفة.
أقر بقبض عشرة أفلس أو ثمن مبيع ثم ادعى أنها كاسدة لم يصدق وإن وصل.
وقالا: يصدق في القرض إذا وصل، أما في البيع فلا يصدق عند الثاني في قول الاول.
وقال محمد: يصدق في
المبيع وعليه قيمة المبيع، وكذا الخلاف في قوله علي عشرة ستوقة من قرض أو ثمن مبيع، ولو قال غصبته عشرة أفلس أو أودعني عشرة أفلس ثم قال هي كاسدة صدق ا ه.
وقيد باقتصاره على قبض الدراهم، لانه لو قال قبضت دراهم جيادا لم يصدق في دعواه الزيوف موصولا ومفصولا.
ونقل في أنفع الوسائل أنه إذا قبض البائع الثمن أو المؤجر الاجرة أو رب الدين دينه من المديون ولم ينقد الثمن ولا الاجرة ولا الدين ثم جاء بعد ذلك وذكر أن فيما قبضه رداءة وهو الذي تقوله العامة نحاس ورفعه إلى الحاكم فطلب منه الحكم والخصم ينكر ويقول دراهمي جياد وما أعلم هل هذا منها أم لا، فهل(1/432)
يكون القول قول القابض أو الدافع؟ وتحرير الكلام في ذلك ذكر في القنية.
ص: تكارى دابة إلى بغداد بعشرة ودفعها إليه فلما بلغ بغداد رد بعضها وقال هي زيوف أو ستوقة، فالقول لرب الدابة لانه ينكر استيفاء حقه والجياد فالقول له هذه عبارة القنية.
وذكر في المبسوط قال: وإذا كان أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة موصوفة وأشهد المؤجر أنه قبض من المستأجر عشرة دراهم أو قفيز حنطة ثم ادعى أن الدراهم نبهرجة أو أن الطعام معيب فالقول قوله لانه ينكر استيفاء حقه، فإن ما في الذمة يعرف بصفة ويختلف باختلاف الصفة فلا مناقضة في كلامه، فاسم الدراهم يتناول النبهرج، واسم الحنطة يتناول المعيب، وإن كان حين أشهد قال قد قبضت من أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة لم يصدق بعد ذلك على ادعاء العيب والزيف، كذلك لو قال استوفيت أجر الدار ثم قال وجدته زيوفا لم يصدق ببينة ولا غيرها لانه قد سبق منه الاقرار بقبض الجياد، فإن أجر الدار من الجياد فيكون هو مناقضا في قوله وجدته زيوفا، والمناقض لا قول له ولا تقبل بينته، ولو كان ثوبا بعينه فقبضه ثم جاء يرده بعيبه فقال المستأجر ليس هذا ثوب فالقول قول المستأجر، لانهما تصادفا على أنه قبض المعقود عليه فإنه كان شيئا بعينه ثم ادعى الآخر لنفسه حق الرد والمستأجر منكر لذلك فالقول قوله فإن أقام رب الدار البينة على المعيب رده سواء كان العيب يسيرا أو فاحشا على قياس البيع.
قلت: فتحرر لنا من كلام شمس الائمة السرخسي أن المؤجر متى قال استوفيت أجر الدارهم
ثم قال وجدت فيه زيوفا لم يقبل قوله ولا بينته، ولو قال قبضت من المستأجر كذا من الدراهم ولم يقل الاجرة ثم جاء وقال هذه الدراهم نبهرجة فالقول قوله، فصار جواب المسألة أن القابض متى أقر بقبض الحق ثم ادعى أنه زيوف لم يصدق لانه ناقض كلامه، لان إقراره بقبض الحق إقرار بقبض الجياد، فإذا قال بعد ذلك هو زيوف أو بعضه فقد ناقض كلامه والمناقض لم يقبل قوله ولا بينته، بخلاف ما إذا قال قبضت عشرة دراهم مثلا ولم يقل من أجرة داري ثم ادعى أنها زيوف فإنه يقبل قوله، لانه في القول الثاني منكر استيفاء الحق، وما سبق منه ما يناقض هذا القول فيكون القول قوله.
هذا خلاصة ما قاله في المبسوط.
وأما ما ذكره في القنية ورمز له بالصاد وهي علامة كتاب الاصل فهو موافق لما قررناه، لانه قال ودفعها إليه ولم يقل وأقر باستيفاء الاجرة، وفي هذه الصورة ليس القابض بمناقض في قوله فيقبل، وبقية ما ذكره في القنية هو من المبسوط فإنه رمز بسين وهو علامة المبسوط، ومعنى ما ذكره أنه إذا أقر بقبض الدراهم بأن قال مثلا قبضت منه عشرة دراهم ثم ادعى أنها زيوف صدق، ولو قال هي ستوقة لا يصدق، وذلك لانه في الزيوف ما ناقض كلامه لان الزيوف من جنس حقه، وفي الستوقة ناقض كلامه لانه أقر أولا بالدراهم وثانيا ادعى أنها ستوقة، والستوق ليس من الجنس فكان مناقضا على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى من تفسير الزيوف والستوق والنبهرج، وقوله وإن أقر باستيفاء الاجرة الخ، هذا مشكل مخالف لما قاله في المبسوط مما نقلناه وسنبينه، فإنه قال: وإن أقر باستيفاء الاجرة إلى آخره هذا مشكل مخالف لما قاله إلى تقديره والمسألة بحالها حتى يتم(1/433)
الكلام.
وإذا كان كذلك فيبقى تقدير الكلام تكارى دابة إلى بغداد بعشرة دراهم وأقر الآجر بقبض الاجرة ثم ادعى أنها زيوف أو ستوقة يقبل قوله في ذلك، وهذا خلاف ما ذكره شمس الائمة في المبسوط، فإنه قال: إذا أقر باستيفاء الاجرة ثم قال وهي زيوف لم يقبل قوله، والحرف قد بيناه، وهو الموافق للفقه لانه تناقض كلامه بعد ذلك والمناقض لا قول له، فكيف يقول في القنية القول له فهذا والله أعلم سهو، فإنه زيف كلام المبسوط وما يقوله محمد إلى آخره، فالذي يجب أن يعمل به هو ما ذكره في المبسوط: أعني في هذه الصورة الخاصة.
وأما بقية الصور فكلها موافقة لما ذكره في المبسوط.
فإذا تقرر لنا هذا في الاجارة والاجرة عديناه إلى استيفاء الاثمان في البياعات والديون في المعاملات، فإن العلة تجمع الكل فنقول: إذا دفع إليه دراهم وهي عن متاع ثم جاء البائع وأراد أن يرد عليه شيئا يزعم أنه مردود في المعاملات بين الناس وأنكر المشتري أن ذلك من دراهمه التي دفعها، فلا يخلو إما أن يكون البائع أقر بقبض الثمن أولا، فإن أقر بقبض الثمن لم يقبل قوله في ذلك، ولا يلزم المشتري بأن يدفع عوض ذلك الرد، ولو اختار البائع يمين المشتري أنه ما يعلم أن هذا الرد من دراهمه التي أعطاها له ينبغي أن يجاب إلى ذلك ويحلفه القاضي على العلم، فإن حلف انقطعت الخصومة ولم يبق له معه منازعة، وإن نكل ينبغي أن يردها عليه لانه أقر بما ادعاه بطريق النكول.
وإن كان البائع لم يقر بقبض الثمن ولا الحق الذي على المشتري من جهة هذا البيع وإنما أقر بقبض دراهم مثلا ولم يقل هي الثمن ولا الحق، فإن في هذه الصورة يكون القول قول البائع لانه منكر استيفاء حقه ولم يتقدم منه ما يناقض هذه الدعوى فيقبل قوله مع يمينه، هذا إذا أنكر المشتري أنها من دراهمه أيضا، وكذلك الديون أيضا ينبغي أن يكون الجواب فيها كالجواب في الاجر والثمن في باب البيع، وهذا كله إذا كان الذي يرده زيوفا أو نبهرجا، فإن كان ستوقا فلا يقبل قوله فلا يرده لانه ناقض كلامه.
أما في صورة إقراره بقبض الدراهم فظاهر لان الستوق ليس من جنس الدراهم وقد أقر بقبض الدراهم أولا ثم قال هي ستوقة فكان مناقضا، وكذلك في إقراره بقبض الاجرة أو الحق بل بالطريق الاولى.
وعبارة المبسوط خالية عن ذكر الستوق وليس فيها ما يمنع ما قاله في القنية بل يوافقه من حيث المعنى.
قوله: (ثم ادعى أنها زيوف) عبر بثم ليفيد أن البيان إذا وقع مفصولا يعتبر فالموصول أولى بالاعتبار ا ه.
بحر.
ومثله في الطحاوي عن المنح.
وقيد بالزيوف للاحتراز عما إذا بين أنها ستوقة فإنه لا يصدق لان اسم الدراهم لا يقع عليها، ولذا لو تجوز بالزيوف والنبهرج في الصرف والسلم جاز، وفي الستوق لا إن كان مفصولا، وإن كان موصولا صدق كما في النهاية، وهي مسألة المتن.
والحاصل: أن ادعاءه إن موصولا صحيح في الكل سوى صورة الاقرار بقبض الجياد، وأن ادعاءه مفصولا في البواقي غير صحيح سوى صورة الاقرار بقبض عشرة دراهم، والزيف ما زيفه بيت المال: أي يرده.
قوله: (أو نبهرجة) قال ط: صوابه بنهرجة بتقديم الباء على النون كما يستفاد من
المغرب.
أبو السعود عن الحموي.
والزيف: ما زيفه بيت المال.
والبنهرجة: ما يرده التجار.
وقيل الزيوف هي المغشوشة، والبنهرجة هي التي تضرب في غير دار السلطان.
وفي الايضاح: الزيف: ما زيفه بيت المال لنوع قصور في جودته إلا أنه تجري فيه المعاملة بين التجار.
والبنهرجة: ما يرده التجار لرداءة فضته.
والستوقة: التي وسطها نحاس أو رصاص ووجهها فضة، وهي معرب منه توبه ا ه.(1/434)
وفي الفتح منه ثلاث: يعني ثلاث طبقات الاعلى والاسفل فضة والاوسط نحاس ا ه.
لكن نقل سيدي الوالد عن القاموس في فصل النون: النبهرج: الزيف الردئ ا ه.
وفي المغرب: النبهرج: الدرهم الذي فضته رديئة، وقيل الذي الغلبة فيه للفضة، وقد استعير لكل ردئ باطل، ومنه بهرج دمه: إذا أهدر وأبطل.
وعن اللحياني: درهم نبهرج ولم أجده بالنون إلا له ا ه.
وهي مخالف لما في القاموس مع أنه المشهور ا ه ما قاله سيدي الوالد، قال في أنفع الوسائل عن الكرخي: الستوق عندهم ما كان النحاس فيه هو الغالب الاكثر.
وفي الرسالة التوسيعة: النبهرجة: إذا غلبها النحاس لم تأخذ.
وأما الستوقة فحرام أخذها لانها فلوس.
وحاصل ما قالوه في تفسير الزيوف والنبهرجة والستوقة: أن الزيوف أجود من الكل، وبعد الزيوف البنهرجة، وبعدها الستوقة، فتكون الزيوف بمنزلة الدراهم التي يقبلها بعض الصيارف دون بعض، والبنهرجة ما يردها الصيارف، وهي التي تسمى مغيرة لكن الفضة فيها أكثر.
والستوقة بمنزلة الزغل، وهي التي نحاسها أكثر من فضتها، فإذا عرفنا (1) هذا فالزيوف والبنهرجة ما يردها الصيارف، وهي التي نحاسها أكثر من فضتها.
مطلب: إذا أقر باستيفاء الحق أو الاجرة أو الجياد ثم ادعى أنها بنهرجة أو زيوف لم يصدق، وإذا أقر بقبض دراهم مطلقة يصدق.
فإذا عرفنا هذا فالزيوف والبنهرجة يكون القول قول القابض فيها إذا لم يقر باستيفاء الحق أو الاجرة والجياد، بل يكون أقر بقبض كذا من الدراهم ثم يدعي أن بعضها زيوف أو بنهرجة كما قدمناه
فيقبل قوله ويردا، وأما إذا قال إنها ستوقة بعد ما أقر بقبض الدراهم لا يقبل قوله ولا يردها.
قوله: (بخلاف الستوقة) بفتح السين كما في الفتح.
ونقل الشيخ شاهين عن شرح المجمع جواز الضم أيضا.
أبو السعود.
قال ط: والاولى حذف هذه العبارة والاقتصار على المصنف.
قوله: (فالتفصيل) أي بين الزيوف والبنهرجة وبين الستوقة.
قوله: (في المفصول) أي من كونه يصدق فيه بادعاء الزيافة لا الستوقة.
قوله: (ولو موصولا للتناقض) الفرق بينه وبين ما بعده حيث يصدق فيه إذا كان موصولا أنه في الثاني مقر بقبض القدر والجودة بلفظ واحد، فإذا استثنى الجودة فقد استثنى البعض من الجملة فصح، كما لو قال لفلان على ألف لا مائة، فأما إذا قال قبضت عشرة جيادا فقد أقر بالوزن بلفظ على حدة وبالجودة بلفظ على حدة، فإذا قال إلا أنها زيوف فقد استثنى الكل من الكل في حق الجودة وذلك باطل كأنه قال جياد إلا أنها غير جياد، فهو كمن قال لفلان على ألف درهم ودينار إلا دينارا فإن الاستثناء يكون باطلا وإن ذكره موصولا ا ه.
حلبي مزيدا عن العناية ط.
قوله: (ولو أقر الخ) يشير إلى أنه لم يقر وقبض وهو ساكت ولو بعد نقد الصيرفي يرد.
وفي جامع الفتاوى: لو وجد البائع الثمن رصاصا أو ستوقة أو مستحقا لا يسترد المبيع.
وفي
__________
(1) قوه: (فإذا عرفنا هذا الخ) كذا بالاصل وليحرر.(1/435)
الخانية: وإن قبض ولم يقر بشئ ثم ادعى أنها ستوقة قبل قوله: (أو استوفى) الاستيفاء عبارة عن قبض الحق بالتمام.
سعدية وابن كمال.
قوله: (في دعواه الزيافة) ومثله البنهرجة لاتحاد الحكم فيهما وكذا الستوقة.
قال في النهاية: لو أقر بقبض حقه ثم قال إنها ستوقة أو رصاص يصدق موصولا لا مفصولا ا ه.
ط عن الشرنبلالية.
وكذا إقراره بقبض رأس مال كما في البزازية، ولم يذكر المؤلف حكم وزنها عند الاطلاق والدعوى.
وفي كافي الحاكم: لو أقر بألف درهم عددا ثم قال هي وزن خمسة أو ستة وكان الاقرار منه بالكوفة فعليه مائة درهم وزن سبعة فلا يصدق على النقصان إذ لم يبين موصولا، وكذا الدنانير، وإن كانوا في بلاد يتعارفون على دراهم معروفة الوزن بينهم صدق ا ه.
وأطلق في الدراهم المقر بها فشمل ما إذا كانت دينا من قرض أو ثمن مبيع أو غصبا أو وديعة كما في
فتح القدير، ورأس المال كما البزازية، وقيد بدعوى المقر لانه لو أقر بقبض دراهم معينة ثم مات فادعى وارثه أنها زيوف لم يقبل، وكذا إذا أقر بالوديعة أو المضاربة أو الغصب ثم زعم الوارث أنها زيوف لم يصدق لانه صار دينا في مال الميت كذا في البزازية.
وفيها من الرهن: قضى دينه وبعضه زيوف وستوقة فرهن شيئا بالستوقة والزيوف وقال خذه رهنا بما فيه من زيوف وستوق صح في حق الستوق لانها ليست من الجنس، ولا يصح في الزيوف لانها من الجنس فلا دين ا ه.
بحر.
قوله: (لان قوله جياد) علة لقوله ولو أقر بقبض الجياد، فالاولى ذكره موصولا به ا ه ط.
قوله: (مفسر) بفتح السين المشددة من التفسير مبالغة الفسر وهو الكشف، وهو ما ازداد وضوحا على النص على وجه لا يبقى معه احتمال التأويل.
وحكمه وجوب العمل به، وهذا غير ما قدمناه من التعليل.
قوله: (بخلاف غيره) أي من المسائل التي بعدها.
قوله: (لانه ظاهر) راجع للاولى وهي قبض الحق أو الثمن، والظاهر ما احتمل غير المراد احتمالا بعيدا، والنص يحتمله احتمالا أبعد دون المفسر، لانه لا يحتمل غير المراد أصلا ا ه.
سيدي الوالد.
قوله: (أو نص) راجع للثانية وهو قوله.
قوله: (أو استوفى).
قوله: (قبل برهانه) لانه مضطر وإن تناقض.
سيدي عن القنية.
قوله: (قنية عن علاء الدين) الذي في البحر: وذكر في القنية مسألة ما إذا أقر بدين ثم ادعى أن بعضه قرض وبعضه ربا أنه يقبل إذا برهن، وذكره عبد القادر في الطبقات من الالقاب عن علاء الدين ا ه.
أقول: وسيأتي نظيره في شتى الاقرار لكنه يخالفه ما يذكر الشارح عن الشرنبلالية، ولكن المعتمد، ما مشى عليه المصنف ثمة والوهبانية، وأفتى به الخير الرملي والحامدي في الحامدية من أنه إذا أقام البينة على أن بعضه ربا تقبل، وأقره سيدي الوالد رحمه الله تعالى فاغتنمه.
قوله: (قال لآخر لك على ألف درهم الخ) قيد بالاقرار بالمال احترازا عن الاقرار بالرق والطرق والعتاق والنسب والولاء فإنها لا ترتد بالرد.
أما الثلاثة الاول ففي البزازية: قال لآخر أنا عبدك فرد المقر له ثم عاد إلى تصديقه فهو عبده، ولا يبطل الاقرار بالرق بالرد، كما لا يبطل بجحود المولى، بخلاف الاقرار بالدين والعين حيث يبطل بالرد، والطلاق والعتاق لا يبطلان بالرد لانهما إسقاط يتم بالمسقط وحده.
وأما الاقرار بالنسب وولاء العتاقة ففي شرح المجمع من الولاء أنه لا يرتد فيهما بالرد.
وأما الاقرار بالنكاح فلم أره الآن.(1/436)
وحاصل مسائل رد الاقرار بالمال أنه لا يخلو: إما أن يرده مطلقا، أو يرد الجهة التي عينها المقر ويحولها إلى أخرى، أو يرده لنفسه ويحوله إلى غيره.
فإن كان الاول بطل، وإن كان الثاني: فإن لم يكن بينهما منافاة وجب المال كقول له ألف بدل قرض فقال بدل غصب، وإلا بأن كان بينهما منافاة بطل كقوله ثمن عبد لم أقبضه وقال قرض أو غصب ولم يكن العبد في يده فيلزمه الالف صدقه في الجهة أو كذبه عند الامام، وإن كان في يده فالقول للمقر في يده، وإن كان الثالث نحو ما كانت لي قط لكنها لفلان، فإن صدقه فلان تحول إليه، وإلا فلا، وإن كان بطلاق أو عتاق أو ولاء أو نكاح أو وقف أو نسب أو رق لم يرتد بالرد فيقال الاقرار يرتد برد المقر له إلا في هذه.
قال في المنية: وإن كان بينهما منافاة، بأن قال المدعى عليه ثمن عبد باعنيه إلا أني لم أقبضه وقال المدعي بدل قرض أو غصب، فإن لم يكن العبد في يد المدعي بأن أقر المدعى عليه ببيع عبد لا بعينه، فعند الامام يلزمه الالف صدقه المدعي في الجهة أو كذبه ولا يصدق في قوله لم أقبضه وإن وصل، وإن كان في يد المدعي بأن كان المقر عين عبدا، فإن صدقه المدعي يؤمر بأخذه وتسليم العبد إلى المقر، كذا إذا قال العبد له ولكن هذه الالف عليه من غير ثمن هذا العبد، وإن كذبه وقال العبد لي وما بعته وإنما لي عليه بسبب آخر من بدل قرض أو غصب فالقول للمقر مع يمينه بالله ما لهذا عليه ألف من غير ثمن هذا العبد ا ه.
وإنما نقلت عبارة المنية لان في عبارة البحر اختصارا كما نبه عليه سيدي الوالد.
قوله: (فرده المقر له) كما إذا قال ليس لي عليك شئ أو قال هي لك أو هي لفلان ا ه.
فتح: أي ولم يصدقه فلان وإلا فهو تحويل.
بحر.
وقيد برد المقر له لان المقر لو رد إقرار نفسه كان أقر بقبض المبيع أو الثمن ثم قال لم أقبض وأرد تحليف الآخر أنه أقبضه أو قال هذه لفلان ثم قال هو لي وأراد تحليف فلان أو أقر بدين ثم قال كنت كاذبا لا يحلف المقر له في المسائل كلها عند أبي حنيفة لانه متناقض، كقوله ليس لي على فلان شئ ثم ادعى عليه مالا وأراد تحليفه لم يحلف.
وعند أبي يوسف: يحلف للعادة.
وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب أن الفتوى على قول أبي يوسف، واختاره أئمة خوارزم، لكن اختلفوا فيما إذا دعاه وارث المقر على قولين، ولم يرجح في البزازية منهما شيئا.
قال
الصدر الشهيد: الرأي في التحليف للقاضي، وفسره في فتح القدير بأن يجتهد في خصوص الوقائع، فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف له الخصم، وإن لم يغلب على ظنه ذلك لا يحلفه، وهذا إنما هو في المتفرس في الاخصام ا ه بحر.
قوله: (ثم صدقه) قيد بكون التصديق بعد الرد لانه لو قبل الاقرار أولا ثم رده لم يرتد، وكذا الابراء عن الدين وهبته لانه بالقبول قد تم، وكذا إذا وقف على رجل فقبله ثم رده لم يرتد، وإن رده قبل القبول ارتد، وقالوا: إن الابراء يرتد بالرد، إلا فيما إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فإنه لا يرتد، وكذا إبراء الكفيل لا يرتد بالرد.
بحر.
لكن قال سيدي: وفي البزازية: الاقرار والابراء لا يحتاجان إلى القبول ويرتدان بالرد.
قال في الخلاصة: لان لكل أحد ولاية على نفسه وليس لغيره أن يمنعه، ولكن للمقر له أن لا يقبل صيانة لنفسه عن المنة.
وفي التاترخانية نقلا عن الكافي: والملك يثبت للمقر له بلا تصديق وقبول ولكن يبطل برده ا ه.
قلت: ويستثنى (1) الابراء عن بدل الصرف والسلم فإنه يتوقف على القبول ليبطلا.
قوله: (في
__________
(1) قوله: (ويستثنى) أي من قولهم الابراء لا يتوقف على القبول ا ه.
منه.(1/437)
مجلسه) قيد به ليفهم ما إذا لم يكن في مجلسه بالاولى ا ه ح.
قال في المنح: بأن قال كان لي عليك في مكانه أو بعده.
قوله: (فلا شئ عليه للمقر له الخ) لان الاقرار هو الاول وقد ارتد بالرد، والثاني دعوى فلا بد من الحجة أو تصديق الخصم: أي المقر، حتى لو صدقه المقر ثانيا لزمه الالف استحسانا كما في الهداية وعامة شروحها.
قال: والمراد بالحجة البينة ط.
قال سيدي الوالد: كيف تقبل حجته وهو متناقض في دعواه؟ تأمل في جوابه.
سعدية.
واستشكله في البحر أيضا.
ونقل خلافه عن البزازية حيث قال: في يده عبد فقال رجل هو عبدك فرده المقر له ثم قال هو عبدي وقال المقر هو عبدي فهو لذي اليد المقر، ولو قال ذو اليد لآخر هو وعبدك ثم قال الآخر بل هو عبدي وبرهن لا يقبل للتناقض ا ه.
وهذا يخالف في الهداية من أنه لا بد من الحجة فإنه يقتضي سماع الدعوى ا ه.
أقول: وهذا وجهه ظاهر دون ما في الشارح.
ويمكن أن يحمل على ما إذا كان الرد بالنفي فقط من غير أن يقول بل هو لك أو لفلان فتزول مخالفته للزازية.
قال في البحر: وهذا بخلاف ما إذا قال
اشتريت وأنكر له أن يصدقه لان أحد العاقدين ينفرد بالفسخ كما لا ينفرد بالعقد.
والمعنى أنه حقهما، فبقى العقد فعمل التصديق، أما المقر له فينفرد برد الاقرار فافترقا.
كذا في الهداية.
وناقضه في الكافي بأنه ذكر هنا أن أحد المتعاقدين لا ينفر بالفسخ.
وفي مسألة التجاحد قال: ولانه لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري فات رضا البائع فيستبد بالفسخ والتوفيق بين كلاميه صعب ا ه.
وأقره عليه في فتح القدير بقوله بعده وهو صحيح، ويقتضي أنه لو تعذر الاستيفاء مع الاقرار بأن مات ولا بينة أن له أن يفسخ ويستمتع بالجارية، والوجه ما قدمه أولا ا ه.
وأجاب عنه في العناية بأنه لا مناقضة، لانه إنما حكم أولا بكونه فسخا من جهته لا مطلقا، أو لان كلامه الاول فيما إذا ترك البائع الخصومة والثانية فيما إذا لم يتركها، لكن قال سيدي الوالد في منحة الخالق عن الحواشي اليعقوبية: قال صاحب الكفاية: لا تناقض بين كلاميه فيحتاج إلى التوفيق لان مراده بقوله لان أحد المتعاقدين لا ينفرد بالفسخ فيما إذا كان لآخر على العقد معترفا به، كما إذا قال أحدهما اشتريت وأنكر الآخر لا يكون إنكاره فسخا للعقد إذ لا يتم به الفسخ، وفيما إذا قال أحدهما اشتريت مني هذه الجارية وأنكر فالمدعي للعقد هو البائع والمشتري ينكر العقد والبائع بانفراده على العقد فيستبد بفسخه، وفيه كلام، وهو أن الظاهر أن قوله فيما سبق ولانه لما تعذر إلى آخر كون مجرد استقلال البائع في الفسخ لتعذر استيفاء الثمن دليلا مستقلا لحل الوطئ بدون اعتبار كون إنكار المشتري فسخ من جانبه، حتى لو تعذر الاستيفاء مع عدم الانكار لا يستبد بالفسخ أيضا، ويدل على هذا قول صدر الشريعة في تقرير حل الوطئ: لا سيما إذا جحد المشتري الخ كما لا يخفى، بل غاية ما يمكن في التوفيق أن يقال: إن مراده فيما سبق استبداد البائع بالفسخ لضرورة تعذر استيفاء الثمن ووجوب دفع الضرر، وهنا لا ضرورة للمقر له بالشراء إلى الفسخ فلا يستبد به، فمراده من قوله ها هنا لان أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ الخ عدم الانفراد عند عدم الضرورة فلا تناقض لكنه بعيد لا يخفى، فليتأمل ا ه.
قوله: (أو إقرار ثانيا) الاولى ثان ويكون صفة للاقرار فإنه نكرة.
قوله: (وكذا الحكم في كل ما فيه الحق لواحد) كما هنا فإن المقر له ينفرد برد الاقرار، بخلاف ما إذا قال اشتريت وأنكر فإن له أن يصدقه لان أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ كما لا ينفرد بالعقد ا ه ح.
وفي البحر: الحاصل أن كل شئ يكون لهما جميعا إذا رجع المنكر إلى التصديق قبل أن يصدقه(1/438)
الآخر على إنكاره فهو جائز كالبيع والنكاح، وكل شئ يكون الحق فيه لواحد كالهبة والصدقة والاقرار لا ينفعه إقراره بعده ا ه: أي لا ينفعه رجوعه إلى التصديق.
وحاصل مسائل الاقرار تقدم الكلام عليها موضحا، قوله: (ما كان لك) انظر لو لم يذكر لفظ كان، وانظر ما سنذكره قريبا عند واقعة سمرقند فإنه يفيد الفرق بين الماضي والحال.
أقول: ويمكن أن يقال إنه نص على المتوهم، إذ لو لم يذكره لا تناقض لان نفي الحال لا يفيد نفي الماضي.
تأمل.
قوله: (قط) قال في البحر: ولا فرق بين أن يؤكد النفي بكلمة قط أو لا ا ه.
فيكون القيد بها اتفاقيا ا ه.
حموي.
قوله: (على أن له عليه الخ) الاصوب أن يقول على ألف له عليه فافهم، وفي بعض النسخ: على أن له عليه ألف.
قوله: (على القضاء) أي الايفاء، قيد بدعوى الايفاء بعد الانكار، إذ لو ادعاه بعد الاقرار بالدين: فإن كان كلا القولين في مجلس واحد لم يقبل للتناقض، وإن تفرقا عن المجلس ثم ادعاه وأقام البينة على الايفاء بعد الاقرار تقبل لعدم التناقض، وإن ادعى الايفاء قبل الاقرار لا تقبل.
كذا في خزانة المفتين.
بحر.
أقول: ينبغي تقييد قوله إذ لو ادعاه بعد الاقرار بما إذا كان الاقرار بلفظ له علي بدون كان، وإلا فلا تناقض كما هو ظاهر.
تأمل.
وقوله وإن ادعى الايفاء قبل الاقرار: أي حصول الايفاء قبل فقبل ظرف للايفاء لا لادعى.
مطلب: حادثة الفتوى بقي ما إذا ادعى إيفاء البعض وهي حادثة الفتوى.
قال في مجموع النوازل: ادعى عليه شيئا فأجاب قائلا: إني آتي بالدفع فقيل أعلي الايفاء أو الابراء؟ فقال على كليهما يسمع قوله إن وفق، بأن قال أوفيت البعض وأبرأني عن البعض، أو قال أبرأني عن الكل لكن لما أنكر أوفيته ا ه.
قال في البحر: ولا يخفى أن على القول بأن الامكان كاف يسمع مطلقا ا ه.
قوله: (ولو بعد القضاء) أي قضاء القاضي بلزوم المال على المنكر.
مطلب: بيان وجه تسمية المخمسة وبيان أقوالها قوله: (إلا في المسألة المخمسة) سميت بذلك لان فيها خمسة، أقوال للعلماء: الاول ما في الكتاب، وهو أنه تندفع خصومة المدعي وهو قول أبي حنيفة.
الثاني قول أبي يوسف، واختاره في المختار أن المدعى عليه إن كان صالحا فكما قال الامام، وإن معروفا بالحيل لم تندفع عنه.
الثالث قول محمد: إن الشهود إذا قالوا نعرفه بوجهه فقط لا تندفع، فعنده لا بد من معرفته بالوجه والاسم والنسب.
وفي البزازية: تعويل الائمة على قول محمد.
وفي العمادية: لو قالوا نعرفه باسمه ونسبه لا بوجهه لم يذكر في شئ من الكتب، وفيه قولان.
وعند الامام: لا بد أن يقولوا نعرفه باسمه ونسبه وتكفي معرفة الوجه.
واتفقوا على أنهم لو قالوا أودعه رجل لا نعرفه لم تندفع، الرابع قل ابن أبي شبرمة: إنها لا تندفع عنه مطلقا.
الخامس قول ابن أبي ليلى: تندفع بدون بينة.
وتمامه في البحر، ويأتي إن شاء الله تعالى في الدعوى.
أو لان صورها خمسة: وديعة، وإجارة، وإعارة، ورهن، وغصب،(1/439)
كأودعنيه فلان أو أعارنيه أو آجرنيه آو ارتهنته أو غصبته منه، أو قال أخذت هذه الارض مزارعة من فلان، وهذا الكرم معاملة منه.
قال في البحر: واعلم أن قولهم إن الدفع بعد الحكم صحيح مخالف لما قدمناه من أن القاضي لو قضي للمدعي قبل الدفع ثم دفع بالايداع ونحوه فإنه لا يقبل إلا أن يخص من الكلي، فافهم.
قال السيد الحموي: أقول يرد عليه ما في الدرر من باب دعوى النسب، برهن أنه ابن عمه لابيه وأمه وبرهن الدافع أنه ابن عمه لامه فقط أو على إقرار الميت به كان دفعا قبل القضاء لا بعده لتأكده بالقضاء بخلاف الثاني ا ه.
فينبغي أن تخص هذه المسألة عن الكلية، وحينئذ لا وجه لقوله إلا في المسألة المخمسة ا ه.
تأمل قوله: (كما سيجئ) أي في فصل دفع الدعاوى من كتاب الدعوى.
حلبي.
قوله: (قبل برهانه لامكان التوفيق الخ) مشى على القول بأن إمكان التوفيق كاف كما تقدم.
مطلب: الدعوى إذا فصلت بوجه شرعي لا تنقض إلا لفائدة قال سيدي الوالد في تنقيحه في جواب سؤال الدعوى: إذا فصلت مرة بالوجه الشرعي مستوفية
لشرائطها الشرعية لا تنقض ولا تعاد.
أقول: ليس هذا على إطلاقه، بل هذا حيث لم يزد المدعي على ما صدر منه أولا، أما لو جاء بدفع صحيح أو جاء ببينة بعد عجزه عنها فإنها تسمع دعواه.
مطلب: يصح الدفع ودفع الدفع ودفعه قال مشايخنا في كتبهم كالذخيرة وغيرها: كما يصح الدفع يصح دفع الدفع، وكذا يصح دفع دفع الدفع، وما زاد عليه يصح وهو المختار، وكما يصح قبل إقامة البينة يصح بعدها، وكما يصح الدفع قبل الحكم يصح بعد الحكم.
وفي الذخيرة: برهن الخارج عن نتاج فحكم له ثم برهن ذو اليد على النتاج يحكم له به ا ه.
فإذا كان هذا في بينة مثبتة ولها اعتبار وحكم بها وسمع بعدها دعوى المحكوم عليه وبطل القضاء على المحكوم عليه فكيف لا تبطل بينة ذي اليد فيما ألحق بالملك المطلق؟ وإن حكم القاضي له بظاهر اليد المغنية له عن البينة فكيف بينة غير مثبتة؟ لان عنها غنى باليد ولا حاجة للحكم بها، إذ القضاء للمدعى عليه عند عدم بينة الخارج قضاء ترك لا قضاء استحقاق، فنقول: إن أعاد الخصم الدعوى ولا بينة معه بما يدعي لا تسمع دعواه لانها عين الاولى حيث لم يقم بينة ولم يأت بدفع شرعي، وقد منع أولا لعدم إقامتها فما أتى به تكرار محض منه، وقد منع بما سبق فلا يلتفت إليه ولا يسمع منه إجماعا.
وفي البزازية: لا تسمع دعواه بعده فيه إلا أن يبرهن على إبطال القضاء بأن ادعى دارا بإرث وبرهن وقضى له ثم ادعى المقضي عليه الشراء من مورث المدعي أو ادعى الخارج الشراء من فلان وبرهن المدعى عليه على شرائه من فلان أو من المدعي قبله (1) أو يقضي عليه بالدابة فبرهن على نتاجها عنده ا ه.
وهذا يفيد أن قولهم يصح الدفع بعد الحكم مقيد بما إذا كان فيه إبطال القضاء، وينبغي تقييده أيضا بما إذا لم يمكن التوفيق.
__________
(1) قوله: (قبله) متعلق بشرائه ا ه.
منه.(1/440)
مطلب: لو أتى بالدفع بعد الحكم في بعض المواضع لا يقبل
لما في جامع الفصولين عن فتاوى رشيد الدين: لو أتى بالدفع بعد الحكم في بعض المواضع لا يقبل، نحو أن يبرهن بعد الحكم أن المدعي أقر قبل الدعوى أنه لا حق له في الدار لا يبطل الحكم لجواز التوفيق بأن شراه بخيار فلم يملكه في ذلك الزمان ثم مضت مدة الخيار وقت الحكم فملكه فلما احتمل هذا لم يبطل الحكم الجائز بشك، ولو برهن قبل الحكم يقبل، ولا يحكم إذ الشك يدفع الحكم ولا يرفعه ا ه.
لكن ينبغي أن يكون هذا مبنيا على القول بأن إمكان التوفيق كاف، أما على القول بأنه لا بد من التوفيق بالفعل فلا تقييد بما ذكره، وقد ذكروا القولين في مسائل التناقض.
والذي اختاره في جامع الفصولين وقال: إنه الاصوب عندي وأقره في نور العين: أنه إن كان التناقض ظاهرا والتوفيق خفيا لا يكفي إمكان التوفيق وإلا يكف الامكان، ثم أيده بمسألة في الجامع، وهي لو أقر أن لم فمكث قدر ما يمكنه الشراء منه ثم برهن على الشراء منه بلا تاريخ قبل لامكان التوفيق بأن يشتريه بعد قراره، ولان البينة على العقد المبهم (1) تفيد الملك للحال ا ه.
قوله: (صح الدفع) بخلاف لم يكن لي، لان ليس لنفي الحال ولم يكن لي لنفيه في المضي كما في التاترخانية.
قال في الدرر: برهن على قول المدعي أنا مبطل في الدعوى أو شهودي كذبة أو ليس لي عليه شئ صح الدفع ا ه.
ومثله في العمادية.
وفيها: ادعى رجل مالا أو عينا فقال المدعى عليه إنك أقررت في حال جواز إقرارك لا دعوى لي ولا خصومة لي عليك وأثبت ذلك بالبينة تسمع وتندفع دعواه وإن كان يحتمل أنه يدعي عليه بسبب الاقرار، لكن الاصل أن الموجب والمسقط إذا تعارضا يجعل المسقط آخرا، لان السقوط يكون بعد الوجوب سواء اتصل القضاء بالاول أو لم يتصل ا ه.
والحاصل: أنه لو ادعى رجل على رجل مالا وقضى به للمدعي بالبينة ثم قال المدعي كنت كاذبا فيما ادعيت يبطل القضاء، وإذا قال المدعي بعد القضاء المقضي به ليس ملكي لا يبطل القضاء، بخلاف ما إذا قال لم يكن ملكي، وهذا لان قوله ليس ملكي يتناول الحال وليس من ضرورة نفي الحال انتفاء من الاصل، بخلاف قوله لم يكن ملكي، فلو ادعى زيد على عمرو مالا فأنكر عمرو دعواه ثم إن زيدا أثبت مدعاه وحكم الحاكم به وأخذ زيد المال منه ثم ادعى عمرو إنك كاذب ومبطل في دعواك هذه حتى إنك أقررت بذلك لدى بينة شرعية وأثبت عمرو مدعاه فله استرداد المال المذكور كما
يستفاد مما ذكرناه.
قوله: (في فصل الاستشراء) أي طلب شراء شئ، وفيه فوائد جمة تأتي.
قوله: (إن لم يصالحه) راجع إلى قوله قبل برهانه وكان محل هذه المسألة عند قوله ومن ادعى على آخر مالا قال في المنح: وهذا إذا لم يصالح، أما إذا أنكر فصالحه على شئ ثم برهن على الايفاء أو الابراء لم يسمع
__________
(1) قوله: (على العقد المبهم) أي الذي لم يؤرخ ا ه.
منه.(1/441)
برهانه على الايفاء ا ه.
قال في البحر: وقيد بكون المدعى عليه لم يصالح لسكوته عنه والاصل العدم.
أما إذا أنكر فصالحه على شئ ثم برهن على الايفاء أو الابراء لم تسمع دعواه، كذا في الخلاصة بخلاف ما إذا ادعى الايفاء ثم صالحه فإنه يقبل منه برهانه على الايفاء كما في الخزانة، لانه متى أمكن التوفيق فلا تناقض.
فمن ذلك ادعى مالا بالشركة ثم ادعاه دينا عليه تسمع، وعلى القلب لا، لان مال الشركة ينقلب دينا بالجحود والدين لا ينقلب أمانة ولا شركة.
كذا في البزازية.
ومن مسائل دعوى الايفاء ما في المحيط من المسألة المخمسة: ادعى على آخر مائتي درهم وأنه استوفى مائة وخمسين وبقي عليه خمسون وأثبتها بالبينة ثم برهن المدعى عليه أنه أوفاه الخمسين لا تسمع حتى يقولا هذه الخمسين التي تدعي لان في مائة وخمسين خمسين.
قوله: (قبل برهانه على الايفاء) ولا يكون صلحه مبطلا لدعوى الايفاء، لان غير الحق قد يقضي دفعا للخصومة، أو كأنه لم يجد برهانا فصالح ثم وجد فأقامه فلا يكون إقدامه على الصلح إقرارا، بخلاف الاولى.
تأمل.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وانظر لو برهن على إيفاء البعض فقد صارت حادثة الفتوى ا ه.
أقول: لا فرق يظهر بينهما.
تأمل.
قوله: (وقيل لا وعليه الفتوى) قال في البحر: وليتأمل في وجه عدم السقوط.
وأجاب المصنف عنه بما ذكره الشارح.
قال في المنح: والظاهر أن وجهه أن المدعى عليه لما كان جاحدا فذمته غير مشغولة بشئ في زعمه فأنى تقع المقاصة، والله تعالى أعلم ا ه.
ونقل عنه الرملي مع زيادة وهي قوله: أو نقول يجعل تصميمه على الانكار رد لما أقر به المدعي وهو مما يرتد بالرد ا ه.
قوله: (وكأنه الخ) من كلام صاحب المنح، وهو جواب لتوقف البحر في عدم السقوط وحينئذ فيحتاج للمقاصصة صريحا لا
ضمنا، أو أن يصدقه في الكل، لكن وجه القول الاول يظهر لي لان السقوط يكفي في زعم المدعي.
قوله: (فأين) الواقع في المنح: فأنى تقع المقاصة فله أن يطالبه بثلاثمائة.
قوله: (وإن زاد لا أعرفك) على قوله فيما تقدم ما كان لك علي شئ قط.
قوله: (كما رأيتك) أو ما جرى بيني وبينك معاملة أو مخالطة أو خلطة أو لا أخذ ولا عطاء أو ما اجتمعت معك في مكان كما في فتح القدير.
بحر.
قوله: (لا يقبل) أي برهانه على القضاء أو الابراء.
قوله: (لتعذر التوفيق) أي بين كلاميه لانه لا يكون بين اثنين معاملة من غير معرفة ذكره أصحابنا.
قوله: (لان المحتجب) من الرجال هو من لا يتولى الاعمال بنفسه بقرينة قوله: حتى لو كان الخ وقيل من لا يراه كل أحد لعظمته.
قوله: (بالشغب على بابه) الشغب بالسكون، وقيل يحرك تهييج الشر.
قاموس.
قوله: (حتى لو كان) أي المدعى عليه، فرع هذا على ذلك القول: أي التقييد بالمحتجب في النهاية تبعا لقاضيخان.
وفي إصلاح الايضاح: وفيه نظر لان مبنى إمكان التوفيق على أن يكون أحدهما ممن لا يتولى الاعمال بنفسه لا على أن يكون المدعى عليه بخصوصه ا ه.
ودفعه ظاهر لان الكلام كله في تناقض المدعى عليه لا المدعي.
بحر.(1/442)
مطلب: جواب حادثة الفتوى أقول: ويؤخذ من كلام الشارح ومما تقدم جواب حادثة الفتوى كما في الحواشي الخيرية، وهي ادعى أن مورثه اشترى منك ثورا بكذا اقبضه منه كذا وبقى كذا، فأجاب بأن مورثي لم يشتر منك ثورا قط ولا كان يعرفك فبرهن على دعواه فبرهن الآخر على دفع جميع الثمن أنه يقبل بلا شك لانه لا يصح جوابه إلا على نفي العلم ا ه.
قوله: (نعم لو ادعى الخ) هذا مرتبط بكلام محذوف مفهوم من المقام تقديره: وإذا لم يمكن التوفيق لم يندفع التناقض، كما لو قال لم أدفع إليه شيئا ثم ادعى الدفع لم يسمع لانه يستحيل أن يكون دافعا وغير دافع في شئ واحد، نعم لو ادعى الخ.
قال في الدرر عن القنية: المدعى عليه قال للمدعي لا أعرفك فلما ثبت الحق بالبينة ادعى الايصال لا تسمع، ولو ادعى إقرار المدعي بالوصول أو الايصال تسمع ا ه.
قال في البحر: لان المتناقض هو الذي يجمع بين كلامين وهنا لم يجمع، ولهذا لو صدقه المدعي عيانا لم يكن متناقضا ذكره التمرتاشي ا ه.
وتمامه فيه.
وهو
أحسن مما علل به الشارح، وبه ظهر أن قول الشارح إقرار المدعى عليه صوابه المدعي بإسقاط عليه إلا أن يقرأ المدعى عليه بصيغة المبني للفاعل فيكون معناه الذي ادعى عليه الدفع.
تأمل.
ثم رأيت ما يؤيد هذا في المقدسي حيث قال: وقالوا فيمن قال لم أدفع ثم قال دفعت لم يقبل للتناقض إلا إذا ادعى إقرار المدعي بذلك فيقبل لان التناقض لا يمنع صحة الاقرار، وعلله بما علل به البحر.
مطلب: حادثة أذن لمديونه في دفعه لاخيه الخ وأجاب صاحب البحر في حادثة هي أذن لمن عليه الدين في دفعه إلى أخيه ثم ادعى عليه به، وأنه لم يدفع فقال دفعت ثم قال لم أدفع فحكم به فجاء الاخ فأقر بالدفع له فإنه يبرأ، لان تصديق الاخ المأذون في الدفع إليه كتصديق المدعي ا ه.
وقد علمت ما إذا صدق المدعي.
وحكى صاحب الكافي قبول البينة على الابراء في فصل المحتجب والمخدرة باتفاق الروايات، لان الابراء يتحقق بلا معرفة، لكن عبر عنه صاحب البحر، والعيني بقيل.
قوله: (بالوصول أو الايصال) بأن ادعى إقراره بأنه وصله منه كذا أو أوصله وبرهن.
قوله: (لان التناقض) أي من الغريم.
قوله: (لا يمنع صحة الاقرار) أي إقرار الدائن بالدفع إليه إذا قامت قرينة قوية كما يفهم من سياقهم.
قوله: (ثم جحده صح) أي جحوده، ومعنى صحة جحوده أنه لا يكون متناقضا ولا تسمع البينة بإقراره السابق.
وفيه أن البيع عقد متحقق من إيجاب وقبول صادرين منها فكيف صح جحوده ط.
قوله: (بلا ثمن باطل) هذا إنما يظهر إذا أقر ببيع عبده بلا ثمن والفرض الاطلاق، والواقع الذي يكاد أن يتخلف أن البيع لا يكون إلا بثمن، لان الاقرار بالبيع إقرار بركنيه لانه مبادلة مال بمال، فلو قيل بصحة الاقرار ثم بالبحث عن تعيين الثمن لكان له وجه ط.
قوله: (لان الاقرار بالبيع الخ) فيه ما تقدم آنفا من أن الاقرار بالبيع إقرار بركنيه لانه مبادلة مال بمال، إلا أن يحمل على أنه أقر بالبيع بلا مال.
تأمل.
قال في المبسوط: شهد على إقرار البائع بالبيع ولم يسميا الثمن ولم يشهدا بقبض الثمن لا تقبل، لان حاجة القاضي إلى القضاء بالعقد ولا يتمكن من ذلك إذا لم يكن الثمن مسمى.
وإن قالا: أقر(1/443)
عندنا أنه باعه منه واستوفى الثمن ولم يسميا الثمن جاز، لان الحاجة إلى القضاء بالملك للمدعي دون
القضاء بالعقد فقد انتهى حكم العقد باستيفاء الثمن.
وفي مجمع الفتاوى: شهد أنه باع وقبض الثمن جاز وإن لم يبينوا الثمن، وكذا لو شهد بإقرار البائع أنه باعه وقبض الثمن ا ه.
مطلب: لو شهد على البيع وقبض الثمن وإن لمن يبينوه وقال في الخلاصة: شهدوا على البيع بلا بيان الثمن، إن شهدوا على قبض الثمن تقبل، وكذا لو بين أحدهما وسكت الآخر ا ه.
نور العين في أوائل الفصل السادس.
وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في كتاب الشهادة وفي باب الاختلاف فيها إن شاء الله تعالى.
قوله: (أمته منه) لا حاجة إلى قوله منه لان ضمير باعه يغني عنه ا ه ح.
أي لان باع قد استوفى معموله لانه يتعدى بنفسه وبمن، وقد عداه المصنف بنفسه حيث قال باعه، إلا أن يقال: إنما ذكره لدفع توهم عود الضمير إلى المدعي من أول الامر.
تأمل.
قوله: (عيبا) أي قديما يوجب الرد.
قوله: (فبرهن الخ) أما لو برهن على الفسخ يقبل، لان الانكار فسخ.
منح.
قوله: (أي المشتري) لو رجع الضمير إلى البائع لكان أولى، لان البراءة من العيوب تكون من البائع غالبا بأن يقول بعتكه وأنا برئ من الرد مما فيه من العيوب.
نعم الابراء يكون من المشتري ط.
قوله: (لم تقبل بينة البائع) أي للتناقض، إذا شرط البراءة من العيب تصرف في العقد بتغييره عن اقتضاء صفة السلامة إلى غيرها، وتغيير العقد من وصف إلى وصف بلا عقد محال، وإذا بطل التوفيق ظهر التناقض.
مطلب: أنكر البيع فأثبته المشتري وأراد الرد بالعيب فادعى البائع البراءة عن عيب لا يقبل للتناقض قوله: (للتناقض) لان اشتراط البراءة تغيير للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره فيقتضي وجود العقد، إذ الصفة بدون الموصوف لا تتصور وقد أنكره فيكون مناقضا.
واستشكل بأنه ينبغي أن تقبل البينة فيها وفاقا خلافا لزفر، لانه صار مكذبا شرعا ببينة المدعي فلحق إنكاره بالعدم كما تقدمت نظائره، فصار كما في الكفالة من أن رجلا لو برهن أن له على الغائب ألفا وهذا كفيله بأمره يرجع الكفيل على الغائب ولو أنكر الكفالة أصلا، لانه صار كذبا شرعا
في إنكاره فلحق بالعدم.
قال: ويمكن الفرق بأن الحكم بأدائه ثمة حكم بالرجوع أيضا فلا حاجة إلى إقامة البينة ثانيا على كفالته لثبوتها أولا، وهنا الحكم بالشراء ليس بحكم البراءة والايفاء فلا بد من الدعوى فيبطله التناقض فافترقا.
ويمكن بأن يرد بأن إنكاره لما لحق بالعدم لما مر لا يتحقق التناقض لعدم إنكار البيع والشراء فينبغي أن يصح الدعوى على أصل.(1/444)
مطلب: أنكر البيع فأثبته المشتري فادعى البائع الاقالة تسمع قال في العدة (1) أنكر البيع فبرهن عليه المشتري فادعى البائع إقالة يسمع هذا الدفع، ولو لم يدع الاقالة ولكن ادعى إيفاء الثمن أو الابراء اختلف المتأخرون ا ه.
وقد يجاب بأن المقر إنما يصير مكذبا شرعا إذا حكم القاضي بما يخالف إقراره، وفي مسألتنا لم يقض بالبيع حتى تناقض الخصم فلم يكن مكذبا شرعا.
بحر.
قال ط: وفيه نظر ا ه.
وكذا نظر فيه الرملي.
قال سيد الوالد رحمه الله تعالى: أي تفسير للتنظير، فإن القضاء بالشراء قضاء بالبيع، فما معنى قوله لم يقض القاضي بالبيع.
مطلب: الجواب النافع عن إشكال جامع الفصولين وأقول: الجواب النافع إن شاء الله تعالى ما يستفاد من كتاب نور العين في غير هذا المحل وفي غير هذه المسألة، وهو أن الكفيل لما التحق زعمه بالعدم وثبت خلافه وهو كونه كفيلا لم يسع في إعادة زعمه ولم يرد نقض البينة بل رضي بموجبها حتى جعله مبني لدعواه الرجوع على الاصيل، وأما البائع في مسألتنا فقد سعى في إعادة مآل زعمه وهو براءة ذمته بعد التحاقة بالعدم بثبوت خلافه وأراد نقض ما أثبتته البينة وهو عدم براءة ذمته، فهذا فرق واضح حق، وكذا يقال في دعوى الاقالة لانها فسخ للعقد الذي أثبته الخصم بالبينة، ففيه تقرير لموجبها وهي المتقدمة عن البحر عن العدة فيما إذا ادعى على آخر أنه اشترى منه هذا الدار فأنكر الشراء فلما أقام المدعي البينة على الشراء ادعى المدعى عليه أنه ردها عليه: يعني أقالها يسمع هذا الدفع، ولو لم يدع الاقالة ولكن يدعي إيفاء الثمن أو الابراء اختلف
المتأخرون.
مطلب: ادعى شراء عبده فأنكر فأثبته فادعى البائع أنه رده عليه بالعيب يقبل ومثله يقال في جواب مسألة: ما إذا ادعى عليه شراء عبده فأنكر فبرهن عليه فادعى عليه أنه رده عليه بالعيب تسمع، لانه صار مكذبا في إنكاره البيع فارتفع التناقض بتكذيب الشرع كما ارتفع بتصديق الخصم ا ه.
فاحفظه فإنه ينفعك في كثير من أمثال هذه المسائل.
قوله: (لامكان التوفيق ببيع وكيله) أي وكيل البائع، فقوله أولا لم أبعها منك قط: أي مباشرة، وقوله إنه برئ إليه من كل عيب: أي إلى وكيله وفعل الوكيل كفعل الموكل.
قوله: (وإبرائه عن العيب) من إضافة المصدر إلى مفعوله وهو ضمير الوكيل والفاعل المشتري الخ، وعلى ما قلنا مضاف إلى فاعله، والضمير لوكيله وهو المفوم من عبارة البحر.
مطلب: واقعة سمرقند قوله: (ومنه واقعة سمرقند) أي من جنس مسألة المصنف، وهو ما وقع فيه التناقض، ولو صرح به لكان أوضح، لكن لا يظهر أن هذه الواقعة منه، لان عقد النكاح الاب فيه سفير لا تلحقه عهدة، بخلاف ببيع الوكيل.
وأيضا الخلع هنا ظاهر في أنه قائم به، بخلاف المبرأ فإنه غير ظاهر في أنه حاضر وقت البراءة، فافهم أسرار المقال ولا تكن ممن يعرف الحق بالرجال.
نعم التوفيق ظاهر فيما نذكره في القولة الآتية عن البحر، ولو قال لا نكاح بيني وبينك إلى آخر ما نذكره عن
__________
(1) اسم كتاب وهو عدة الفتاوى ا ه.
منه.(1/445)
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (ادعت الخ) بدل من واقعة.
مطلب: قال لا نكاح بيننا فبرهنت فبرهن على الخلع بمال يقبل قوله: (فأنكر) أي بأن قال لا نكاح بيننا كما في البحر عن جامع الفصولين.
وعبارة الخلاصة: فأنكر الزوج النكاح أصلا ا ه.
قال في البحر: ولو قال لا نكاح بيني وبينك فلما برهنت على النكاح برهن هو على الخلع تقبل بينته ا ه: أي لان نفي الحال لا يلزم منه نفي الماضي فلم يوجد تناقض أصلا،
لكن يعكر عليه قول الشارح لاحتمال أنه زوجه أبوه الخ والظاهر أنه تعليل لخلاف ظاهر الرواية.
مطلب: لو قال لم أتزوجها قط أو لا نكاح قط فبرهنت فبرهن على الخلع بمال لا يقبل وفي البحر: ولو قال لم يكن بيننا نكاح قط أو قال لم أتزوجها قط والباقي بحاله، فمقتضى ما مر في مسألة العيب على ظاهر الرواية ينبغي أن يكون هذا وسيلة للعيب فلا تقبل بينته، وفي ظاهر الرواية لا تقبل بينة البراءة عن العيب لانها إقرار بالبيع، فكذا الخلع يقتضي سابقة النكاح فيتحقق التناقض ا ه.
سيدي الوالد بزيادة.
قوله: (فبرهنت) أي على النكاح.
قوله: (تقبل) أي دعواه: أي وطالب بالبرهان عليها.
قوله: (لاحتمال أنه زوجه أبوه وهو صغير) أي فإنكاره النكاح يحمل على نفي مباشرته إياه، وهو لا ينافي وقوعه له بطريق الاجبار مثلا، وإذا كان كذلك فلا يناقض دعوى الخلع على المهر بعد.
قوله: (جميع صك) فارسي معرب.
والجمع أصك وصكاك وصكوك ا ه.
وأشار بقوله جميع إلى أنه يبطل سواء اشتمل على شئ واحد أو أشياء، والخلاف في الثاني.
قوله: (وقالا آخره) بالرفع: أي يبطل آخر الصك المشتمل على أشياء، إذ الاصل في الجمع الاستقلال والصك يكتب للاستيثاق، فلو انصرف إلى الكل كان مبطلا له فيكون ضد ما قصد له فينصرف إلى ما يليه ضرورة، كذا في التبيين.
وله أن الكل يكون كشئ واحد بحكم العطف فيصرف إلى الكل كما في الكلمات المعطوفة.
قال الامام: إذا كتب بيع وإقرار وإجارة وغير ذلك ثم كتب في آخره إن شاء الله تعالى بطل الكل قياسا، لما تقدم من أن الكل لشئ واحد بحكم العطف.
وعند أبي يوسف ومحمد: بطل الاخير فقط استحسانا.
قوله: (أن الفرجة) أي على أن الفرجة في الخط كالسكوت في النطق، فيكون الانشاء راجعا إلى ما بعد الفرجة اتفاقا كما يرجع في السكوت إلى ما بعده.
قوله: (وعلى انصرافه) أي الانشاء، ولو قال: وعلى الانصراف للكل لكان أوضح.
مطلب: فائدة نحوية قوله: (في جمل) أي قولية وإلا نافى ما قبله (1) وهو مسألة كتب الصك كقوله امرأته طالق وعبده حر، وعليه المشي إلى بيت الله تعالى إن شاء الله تعالى.
__________
(1) قوله: (وإلا نافى ما قبله) أي إن لم تفسره الجمل بالقولية بل بقيت على ما يراد بها أولا وهي الجمل في الصك فوقعت المنافاة بين ذكره الاتفاق على الرجوع الكل وبين ذكره الخلاف فيما تقدم بين الامام وصاحبيه لانه أولا -(1/446)