بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد قوله : وسماه الجامع الصغير ذكر الصدر الشهيد في خطبة شرحه : إن مشايخنا كانوا يعظمون مسائل هذا الكتاب تعظيما ويقدمونه على سائر الكتب تقديما وكانوا يقولون : لا ينبغي لأحد أن يتقلد القضاء والفتوى ما لم يحفظ مسائل هذا الكتاب فإن مسائله من أمهات المسائل فمن حوى معانيها وحفظ مبانيها صار من زمرة الفقهاء وصار أهلا للفتوى والقضاء وذكر فخر الإسلام البزدوي في أول شرحه : كان أبو يوسف يتوقع من محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب وأسنده عن أبي يوسف عن أبي حنيفة فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال : حفظ أبو عبد الله إلا مسائل أخطأ في روايتها فلما بلغ ذلك محمدا قال : حفظتها ونسي هو وذكر قاضيخان في شرحه : إن الجامع الصغير قيل : من تصنيف أبي يوسف وقال بعضهم : من تصنيف محمد فإنه حين فرغ من تصنيف المبسوط أمره أبو يوسف أن يصنف كتابا ويروي عنه فصنف هذا الكتاب وذكر الأتقاني في ( باب الأذان ) من شرح الهداية المسمى بغاية البيان : ذكر محمد في الجامع الصغير في رواية المسائل : محمد عن يعقوب ( وهو اسم أبى يوسف ) عن أبي حنيفة حتى لا يكون وهم التسوية في التعظيم بين الشيخين لأن الكنية للتعظيم وكان محمد مأمورا من أبي يوسف أن يذكره باسمه حيث يذكر أبا حنيفة فعن هذا قال مشايخنا : إن من الأدب أن لا يدعو الطلبة بعضهم لبعض بلفظ مولانا عند أستاذهم احترازا عن التسوية بين الأستاذ والتلميذ
قوله : ولم يبوب الأبواب إلخ أي جمع مسائل متفرقة في كتاب مثلا : مسائل الصلاة في كتاب الصلاة ومسائل الصوم في كتاب الصوم ولم يفصل الأبواب تحت كل كتاب والفرق بين الكتاب والباب أن الكتاب عندهم عبارة عن طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعا أو لم تشتمل فقولهم : طائفة كالجنس وقولهم : اعتبرت مستقلة أي مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية غيرها إياها فيدخل فيه كتاب الطهارة وإن كان هو من توابع الصلاة وكذا كتاب الصلاة وإن كان مستتبعا للطهارة فاعتبار الاستقلال قد يكون لانقطاعه عن غيره ذاتا : كانقطاع كتاب اللقطة عن كتاب المفقود مثلا وقد يكون بمعنى اعتباري يؤثر في ذلك كانقطاع كتاب الطهارة عن الصلاة وقولهم : شملت أنواعا : ككتاب الصلاة والطهارة أو لم تشتمل : ككتاب الآبق والمفقود مثلا فإن كان ما تحته أنواع فكل نوع مشتمل على الجزئيات يسمى بالباب : كباب نواقض الوضوء ونحوه وإن قصد فصل طائفة من الجزئيات يسمى ذلك فصلا فعلم أن الفصل لا يوجد بدون الباب والباب لا يوجد بدون الكتاب والكتاب قد يوجد بدون الباب والباب قد يوجد بدون الفصل هذا هو المعروف عندهم وذكر بعضهم في تفسيرها وجوها أخر قد بسطناها في السعاية في كشف ما في شرح الوقاية وفقنا الله لإتمامه ويسر علينا اختتامه (1/67)
كتاب الصلاة
قوله : كتاب الصلاة قدمها على باقي الأركان لكونها عمدة الأركان فإنها عماد الدين وعمود الشرع المتين وهي الفارقة بين الكفر والإسلام وأول ما يسئل عنه يوم القيام وأدرج فيه مسائل الطهارة لكونها من توابعها وهو أحسن من صنيع المتأخرين حيث يضعون للطهارة كتابا عليحدة مع ذكرهم باقي شروط الصلاة في كتاب الصلاة وقدم مسائل الوضوء من بين مسائل الطهارة لكونه متكررا في كل يوم وليلة مرة بعد مرة بخلاف غيره من الطهارات فكان الاحتياج إلى معرفة ما يتعلق به أكثر والاهتمام به أوفر وقدم منها مسائل نواقض الوضوء لأن وجوب الوضوء لا يكون إلا بالحدث فأراد أن يشير إلى ما ينقض الوضوء ويوجب الحدث أولا وجعل مسائل الاستحاضة بابا على حدة لأنه نوع مستقل من أصناف النواقض فإفراده أولى ثم عقبه يذكر ما يتوضأ به لكونه آلة للوضوء والاحتياج إليها إنما يكون بعد الوجوب وهو بالنواقض ثم عقبه بذكر التيمم لأنه خلف عن الوضوء وليعلم أنه ليس في هذا الكتاب استيعاب جميع المسائل المتعلقة بالكتاب أو بالباب ولا ذكر أكثرها بل غرضه في كل باب إنما هو ذكر ما وصل إليه بواسطة أبي يوسف فلذلك صار جامعا صغيرا (1/71)
{ باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه }
قوله : ما ينقض فيه إشارة إلى أن الناقض نفس الخارج لكن من حيث الخروج وقيل : الناقض خروجه وقيل غير ذلك والكل مبسوط في السعاية
قوله : أقل من ملأ فيه اختلفوا في حد ملأ الفم فقال بعضهم : إن كان بحيث لو ضم شفتيه لم يعلم الناظر أنه في فمه فهو أقل وإلا فهو ملأ الفم وقال بعضهم : إن كان بحيث لا يمكن ضبطه وإمساكه إلا بتكلف فهو ملأ الفم وهذا مذهب أكثر المشايخ وهو الصحيح كذا في التاتار خانية
قوله : لا ينقض وقال زفر : ينقض واحتج بما روى مرفوعا : [ القلس حدث ] ولم يفصل بين القليل والكثير وأصحابنا احتجوا بما روى الطحاوي بإسناده عن عائشة مرفوعا : [ من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ على صلاته ما لم يتكلم ] وما رواه زفر محمول على القي ملأ الفم وقال الشافعي : لا ينقض وإن كان ملأ الفم لما روى : [ أنه عليه السلام قاء فلم يتوضأ ] وهو محمول عندنا على القليل
قوله : وإن كان إلخ إن كان بلغما فإن نزل من الرأس لا ينقض الوضوء وإن صعد من الجوف فكذلك عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : إن كان ملأ الفم نقض لأنه شئ خارج هما يقولان : إن البلغم شئ لزج فلا يحتمل النجاسة إلا قليلا
قوله : فسال منها أي خرج بنفسه وأما إذا أخرجه ففيه خلاف ففي الهداية و شرح الوقاية : أنه لا ينقض ومختار صاحب فتح القدير وغاية البيان والكافي والقنية والبزازية وغيرها النقض كما بسطناه في السعاية
قوله : نقض لما أخرج ابن عدي في الكامل عن زيد بن ثابت مرفوعا : [ الوضوء من كل دم سائل ] وأخرج الدارقطني عن سليمان : [ رآني رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) وقد سال من أنفي دم فقال : أحدث وضوء ] وغير ذلك من الأخبار لكن أسانيدها ضعيفة كما بسطناها في السعاية
قوله : لم ينقض الوضوء لأن النجس ما عليها وذلك قليل في غير أن القليل في السبيلين حدث لوجود السيلان وليس بحدث في غير السبيلين لعدمه (1/71)
{ باب المستحاضة }
قوله : لوقت صلاة وقال الشافعي : تتوضأ لكل مكتوبة لحديث : [ المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ] رواه ابن ماجة ولنا ما رواه أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : [ إن النبي عليه السلام قال لفاطمة بنت حبيش : تؤضيء لوقت كل صلاة ]
قوله : حتى يذهب وقت الظهر هو قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : أجزاها حتى يدخل وقت الظهر وهو قول زفر وأصل هذا أن طهارتها تنتقض عند خروج الوقت عندهما وعند زفر بدخول الوقت وعند أبي يوسف بأيهما كان والصحيح ما قاله أبو حنيفة ومحمد لأن الشرع أسقط اعتبار السيلان في الوقت باعتبار الحاجة وخروج الوقت يدل على زوال الحاجة
قوله : حتى يذهب إلخ هذا إذا كان حيضها أقل من عشرة أيام أما إذا كانت أيامها عشرة لا يبقى عدتها بمجرد انقطاع دمها من الحيضة عند طلوع الشمس (1/73)
{ باب ما يجوز به الوضوء وما لا يجوز }
قوله : ويتيمم لأنه نجس بدلالة الإجماع وهو وجوب غسل الإناء من ولوغه ثلاثا وعند الشافعي يغسل سبعا
قوله : توضأ وتيمم لأنه مشكل لاختلاف الآثار فيه ولأن اعتباره بلحمه يوجب نجاسته واعتباره بعرقه يوجب طهارته فيجمع بينهما احتياطا وبأيهما بدأ جاز
قوله : توضأ اعتماده على حديث ابن مسعود ليلة الجن : [ أن النبي عليه السلام لما قضى حاجته قال له : هل معك ماء ؟ فقال : لا إلا نبيذ التمر فقال : تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ به ] وأبو يوسف ادعى نسخه بآية التيمم لأنها مدنية والحديث كان بمكة ومحمد لما جهل التاريخ أحب الجمع بينهما احتياطا كذا ذكره الصدر الشهيد وذكر أيضا أن نوح بن أبي مريم حكى رجوع أبي حنيفة إلى قول أبي يوسف والحق أن دعوى النسخ لا يصح فإن ليلة الجن كانت ست مرات بعضها كان بالمدينة كما ذكره صاحب آكام المرجان في أحكام الجان وما ذهب إليه أبو حنيفة هو مذهب ابن عباس وعلي كما في سنن الدارقطني والحديث الذي احتج به وإن خدش فيه المحدثون فيه بخدشات إلا أنها مدفوعة بأسرها كما هو ظاهر على الماهر
قوله : ولا يتوضأ إلخ جريا على قضية القياس وعند الأوزاعي يجوز التوضىء بسائر الأنبذة بالقياس على نبيذ التمر
قوله : غير نبيذ التمر النبيذ الذي اختلف فيه أصحابنا هو الذي صار حلوا ولم يشتد بأن تلقي في الماء تميرات حتى صار حلوا وأما إذا غلا واشتد وقذف بالزيد فقد صار مسكرا فلا يجوز التوضىء به بإجماع أصحابنا
قوله : وإن توضأ إلخ إن توضأ بسؤر سباع الطير : كالصقر والبازي وما يسكن في البيوت مثل : الفارة والحية والوزغة والسنور يكره وقال أبو يوسف في الأمالي : لا يكره في السنور خاصة بالأثر وهو ما روى : أن النبي عليه الصلاة و السلام كان يصغي لها الإناء فيشرب فأخذه فتوضأ ولهما ما روى مرفوعا : الهرة سبع ولم يرد به الحقيقة وإنما أراد بيان الحكم ولا حكم ههنا سوى هذا والحديث محمول على ما قبل التحريم أو على أنها لم تكن تأكل الفارة عادة
للماء فلا يكون معدنا
قوله : لم يجز لغيره إلخ لأنه صار مستعملا والماء المستعمل غير طهور بالاتفاق إلا عند زفر واختلفوا في طهارته فعن أبي حنيفة ثلاث روايات : قال محمد وهو رواية عنه : إنه طاهر غير طهور وقال أبو يوسف وهو رواية عنه : نجس نجاسة خفيفة وقال الحسن بن زياد وهو رواية عنه : نجس نجاسة غليظة (1/74)
{ باب فيمن تيمم ثم ارتد عن الإسلام }
قوله : فهو على تيممه وقال زفر : يبطل لأنه عبادة فيبطل كسائر العبادات وإنا نقول : الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهرا واعتراض الكفر على هذه الصفة لا يبطلها كما لو اعترض على الوضوء والوضوء ليس بعبادة عندنا فكذلك التيمم لأنه شرط العبادة وشرط الشئ لا يكون حكمه حكم ذلك الشئ : كغسل الثوب وستر العورة
قوله : هو متيمم لأن شرط صحته أن ينوي به عبادة وقد وجد فصح وهما يقولان : بلى ولكن عبادة لاصحة لها إلا بالطهارة ولم يوجد ههنا لأن الإسلام يصح بدونها
قوله : فهو متوضىء هذا عندنا لاستغنائه عن النية وقال الشافعي : ليس بمتوضىء لافتقاره إلى النية
قوله : تيمم وبنى أصل هذا أن التيمم لصلاة العيد قبل الشروع فيها جائز عندنا لأن صلاة العيد لا تقضي خلافا للشافعي وكذلك التيمم لصلاة الجنازة جائز عندنا وأما بعد الشروع في صلاة العيد للبناء فكذلك عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : لا يتيمم لأن المبيح كان خشية الفوت وقد أمن بالشروع لأن اللاحق يقضي ما فاته بعد فراغ الإمام وأبو حنيفة يقول : لا بل المبيح قائم لأنه يوم ازدحام فقلما يسلم المرء في ذلك عن أمر ينتقض به صلاته
قوله : قد نسيه قيد بالنسيان لأن في الظن لا يجوز له التيمم بالإجماع ولو كان الماء في إناء في ظهره أو معلقا بعنقه أو موضوعا بين يديه ثم نسيه وتيمم لا يجزيه بالإجماع لأنه نسي ما لا ينسى فلا يعتبر كذا ذكره المحبوبي في شرح الجامع الصغير
قوله : لا يجزيه له أنه فات شرطه وهو طلب الماء في معدنه فلا يجوز كما لو ترك الطلب في العمرانات وهما يقولان : إن السفر موضع الحاجة الأصيلة للماء فلا يكون معدنا (1/76)
{ باب في النجاسة تقع في الماء }
قوله : فإنه لا يفسد الماء لما أخرجه الدارقطني في سننه من حديث بقية عن سلمان مرفوعا : [ يا سلمان كل طعام وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فهو حلال أكله وشربه ووضوءه ]
قوله : فإنه لا يفسده لأن هؤلاء ليس لها دم سائل ولذا يعيشون فى الماء فلو كان لهؤلاء دم سائل لاختنقت في الماء
قوله : بعرة إلخ أشار إلى أن الثلاث كثير فإنه ذكر البعرة والبعرتين وسكت عن ذكر الثلاث والقياس أن يفسد لأن النجاسة إذا وقعت في الماء القليل تفسد الماء والاستحسان أن في القليل ضرورة وبلوى لأن الآبار التي في الفلوات ليست لها رؤس حاجزة والمواشي تبعر حولها فتلقيها الريح فيها
قوله : فإنها تنزح أصل هذا أن بول ما يؤكل لحمه نجس عندهما وطاهر عند محمد
قوله : عشرون دلوا ذكر الصدر الشهيد وصاحب الهداية وغيرهما في دليله حديث أنس أنه قال في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت ساعته : ينزح عشرون دلوا وذكروا في دليل حكم الدجاجة حديث أبي سعيد أنه قال : إذا ماتت الدجاجة في البئر ينزح أربعون دلوا وقال ابن الهمام في فتح القدير : أخفى هذين الحديثين قصور نظرنا وقال الشيخ علاؤ الدين : رواه الطحاوي فليكن روايتهما في غير شرح معاني الآثار انتهى
قوله : فأربعون أو خمسون أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار بسنده عن الشعبي أنه قال في الطير والسنور ونحوهما يقع في البئر : ينزح أربعون دلوا وأخرج عنه أنه قال في الدجاج يموت في البئر : ينزح منها سبعون دلوا وأخرج عن إبراهيم أنه قال في السنور : أربعون دلوا وأخرج عن حماد بن أبي سليمان أن قال فى الدجاجة : ينزح أربعون دلوا أو خمسون دلوا
قوله : شاة وكذلك إذا وقع آدمى فمات لما أخرج الدارقطني والبيهقي وابن أبي شيبة وغيرهم : أن زنجيا وقع في بئر زمزم ومات فأمر ابن عباس بنزح كل مائها وأخرج الطحاوي وابن أبي شيبة وغيرهما : أن حبشيا وقع في زمزم ومات فأمر ابن الزبير بنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير : حسبكم ولبعض المحدثين على هذه الروايات وجوه من الخدشات قد ذكرناها في السعاية في كشف ما في شرح الوقاية وبهذه الآثار وأمثالها استدل أصحابنا ( رحمهم الله ) لتنجس مياه الآبار بوقوع النجاسة وفيه نظر بعد قد تكفلنا بذكره في السعاية وفقنا الله لإتمامه
قوله : حتى يغلب الماء أشار إلى أن ينزح الماء كله وهذا إذا أمكنه وإن لم يمكنه ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر المقدار لأن الآبار متفاوتة فينزح إلى أن يعجز وهو الصحيح وعن محمد روايتان : في رواية مائتان وخمسون دلوا وفي رواية ثلاث مائة دلو وكذا عن أبي يوسف روايتان وعن أبي حنيفة : أنه يفوض إلى رأي المبتلي
قوله : وكذلك أي ينزح الماء كله لأن النجاسة خلطت إلى كل الماء (1/77)
{ باب في النجاسة تصيب الثوب أو الخف أو النعل }
قوله : لم ينجسه لأن ذلك ليس بدم حقيقة ولهذا إذا شمس أبيض والدم إذا شمس أسود
قوله : حتى يفحش هذا لعموم البلوى وحده عند محمد الربع من الشئ الذي أصابه نحو : الدخريص والكم والذيل وعند أبي يوسف شبر في شبر وعنه ذراع في ذراع
قوله : وهو قول أبي يوسف لأن نجاسته مختلف فيها فأورث الشبهة وقال محمد : لا يمنع وإن فحش لأنه طاهر عنده
قوله : أفسده بالإجماع فأبو حنيفة سوى بين روثه وبوله وهما فرقا بين البول والروث في وصف النجاسة للضرورة تثبت في روثه دون البول فإن الروث يبقى على وجه الأرض دون البول
قوله : أجزاه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : لا يجوز حتى يغسل إلا في المني خاصة وفي الرطب لا يجزىء إلا الغسل عندهم جميعا في ظاهر الرواية وعن أبى يوسف أنه إذا مسحه بالتراب على سبيل المبالغة يطهر ومشايخنا اعتمدوا على هذه الرواية باعتبار الضرورة والفتوى عليه والثوب لا يجزىء فيه إلا الغسل إلا في المني فمحمد قاس الخف بالثوب فى اليابس حتى أنه لا يجوز عنده إلا بالغسل وهما فرقا وقالا إن الجلد شئ صلب فالظاهر أنه لا يتشرب فيه النجاسة إلا القليل ولا كذلك الثوب لأنه شئ رخو يتشرب فيه النجاسة ولا كذلك الرطب وهذا كله إذا كانت النجاسة متجسدة فأما إذا لم يكن : كالبول والخمر وغير ذلك إذا أصاب الثوب أو الخف فإنه لا يطهر إلا بالغسل وإن يبس لأنه لا جاذب له فلا يكون معفوا
قوله : جازت الصلاة فيه اختلفوا على قولهما أن جواز الصلاة كان بطهارته أو لكونه مقدرا بالكثير الفاحش والصحيح أنه نجس عندهم ولكنهم قدروه بالكثير الفاحش لا لطهارته حتى لو وقع في الماء القليل أفسده وقد قيل : إنه لا يفسده لتعذر صون الأواني عنه لأنها تطير في الهواء وتذرق من الهوا
قوله : وقال محمد : لا يجزى لأن عين هؤلاء نجس فيكون خرؤهن نجسا
قوله : أجزأت الصلاة فيه لأنه مشكل فإن كان الإشكال في طهوريته كان طاهرا وإن كان الإشكال في طهارته كما قال البعض فلا ينجس به الطاهر بالشك
قوله : فذلك ليس بشئ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه فيسقط اعتباره لمكان الضرورة وما لا يمكن الاحتراز عنه يكون عفوا (1/79)
{ باب في صلاة المرأة وربع ساقها مكشوف }
قوله : تعيد أصل هذا أن قليل الانكشاف ليس بمانع لجواز الصلاة والكثير مانع فهما قدر الكثير بالربع لأن الربع قام مقام الكل في بعض المواضع وأريد بالربع ربع العضو الذي انكشف لا ربع جميع البدن حتى قالا : في الثوب ربع الذيل وربع الدخريص وأبو يوسف قدره بالزيادة على النصف اعتبارا بالحقيقة لأنه إذا زاد على النصف فهو كثير
قوله : والشعر أراد به ما على الرأس وأما المسترسل هل هو عورة ؟ فيه روايتان
قوله : ولا يأخذها لأن الجنابة والحدث حلتا اليدين ولهذا فرض غسلهما في الحالين والجنب لا يقرأ القرآن والمحدث يقرأ لأن الجنابة حلت في الفم دون الحدث
قوله : ويكره لأن فيه ترك تعظيم الكعبة وفي الاستدبار روايتان ويكره مد الرجلين إلى الكعبة في النوم وغيره عمدا من غير عذر
قوله : في الخلاء سواء كان في الصحراء أو البنيان لأحاديث وردت في ذلك أخرجت في الصحاح : كحديث : [ لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولا تستدبروها ] وغير ذلك وهو مذهب جمع من الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري كما روى في سنن أبي داؤد وغيره وذهب الشافعي وغيره إلى أنه يكره في الصحراء دون البنيان وهو مذهب ابن عمر وغيره أخذا مما روى : إنه عليه الصلاة و السلام جلس لقضاء الحاجة مستدبر الكعبة والأحوط هو المذهب الأول لتقدم الأحاديث القولية (1/82)
{ باب الأذان }
قوله : وإن لم يفعل فحسن أي الأذان حسن لا ترك الفعل لأن ذلك الفعل وإن لم يكن من السنن الأصلية لكنه فعل أمر به النبي صلى الله عليه و سلم بلالا فلا يليق أن يوصف تركه بالحسن كذا قال صاحب النهاية ولغيره من شراح الهداية توجيهات أخر ذكرتها في رسالتي سماحة الفكر في الجهر بالذكر وأحسنها ما قال العيني : إن معناه إن لم يفعل وضع إصبعيه بل وضع أصابعه الأربعة على الأذنين فحسن لأنه قد روى أحمد عن أبي محذورة : أنه جعل أصابعه الأربعة مضمومة ووضعها على أذنيه
قوله : بالشهادتين قيل : المراد به الأذان والإقامة والأوضح أن المراد به كلمتا الشهادة في الأذان والغرض أنه يستقبل من بدء الأذان إلى الشهادتين ويحول رأسه في الحيعلتين لأنه خطاب للقوم
قوله : في الصومعة يريد إذا لم يستطع إقامة سنة الصلاة والفلاح وهو تحويل الرأس يمينا وشمالا مع ثبات قدميه لاتساع صومعته أما بغير حاجة فلا
قوله : والتثويب إلخ هذا هو التثويب المحدث وإنما اختص بالفجر لاختصاصه بوقت يستحب فيه النوم فاستحب زيادة الإعلام ولم ير عامة مشايخنا اليوم بأسا في الصلوات كلها لتغير أحوال الناس
قوله : والجنب أحب إلى إلخ جملته أن الإقامة يكره مع الحدثين لما فيه من الفصل بين الإقامة والشروع في الصلاة والأذان مع الجنابة يكره رواية واحدة ومع الحدث فيه رويتان ولا يجب إعادة الأذان والإقامة للحدث وبسبب الجنابة روايتان والأشبه أن يعاد الأذان دون الإقامة لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة
قوله : أجزاه يعني الصلاة لأنه لو تركها أصلا لجازت الصلاة فهذا أولى
قوله : وكذلك المرأة لأنها إن لم ترفع صوتها فكأنها لم تؤذن وإن رفعت صوتها فقد ارتكبت المحظور
قوله : إلا في المغرب هذا عند أبي حنيفة وقالا : يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة هما يقولان : إنه لا بد من الفصل والجلسة هي التي تحقق الفصل كالجلسة بين الخطبتين وأبو حنيفة يقول : بقيام ساعة يحصل الفصل فلا حاجة إلى الجلسة وعند الشافعي يفصل بركعتين
قوله : رأيت إلخ هذا يفيد ما روى عنه من عدم جلوسه في أذان المغرب وأن المستحب أن يكون المؤذن عالما بأحكام الشرع لما رواه ابن ماجة مرفوعا : [ ليؤذن لكم خياركم ]
قوله : في بيته أراد بالبيت الذي ليس له مسجد لأنه كالمفازة أما إن كان له مسجد حي فالأفضل أن يكون بأذان وإقامة وإن تركهما لا يكره لأن أذان الحي والإقامة يكفيهم
قوله : فبغير أذان وإقامة ظاهرة أنه أعم ما إذا صلى وحده أو صلى بجماعة وأصله ما رواه أبو داؤد وغيره عن أبي سعيد الخدري : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أبصر رجلا يصلي وحده فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ] وفي رواية : فقام الرجل فصلى معه وقال الشراح : الذي كان يصلي وحده كان علي بن أبي طالب والذي صلى معه أبو بكر رضي الله عنه ولم يرو أنه أذن أو أقام ووجهه ظاهر إذ لما اكتفى للمصلي في بيته بأذان مسجد الحي يكتفي به في المسجد بالطريق الأولى وبه قال بعض مشايخنا إنه لا يؤذن لكن يقيم وقال بعضهم : يؤذن ويقيم لما روى عن أنس : أنه دخل مسجد بني رفاعة قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة ذكره البخاري في صحيحه تعليقا وأخرجه البيهقي وأبو يعلى وغيرهما (1/83)
{ باب في الإمام أين يستحب له أن يقوم وما يكره له أن يصلي إليه }
قوله : ويكره لأنه يشبه اختلاف المكانين ألا ترى أن الإمام إذا كان في الدكان منفردا يكره
قوله : ولا بأس إلخ ومن الناس من كره ذلك لما روى : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يصلي الرجل وعندهم قوم يتحدثون أو نائمون ] وتأويله عندنا أنهم إذا رفعوا صوتهم على وجه يخاف منه وقوع الغلط
قوله : ويكره أن يكون فوق رأسه إلخ هذا إذا كانت الصورة كبيرة يبدو للناظر وأما إذا كانت لا تبدو من بعيد لا يكره
قوله : في الثوب لأنه إعزاز بها وفي البساط امتهانة بها
قوله : مقطوعا لأنه لا يعبد بدون الرأس وقطع الرأس أن يمحي رأسه بخيط يخاط عليه حتى لا يبقى للرأس أثر أصلا أما إذا خيط ما بين الرأس والجسد فلا يعتبر ذلك لأن من الطيور ما هو مطوق كالصلصل ونحوه
قوله : لم يقطع الصلاة لحديث أبي سعيد مرفوعا : [ لا يقطع الصلاة شئ ]
قوله : ويدرؤها في بعض النسخ بعد هذا : وينبغي أن يستتر بحائط أو سارية أو شجرة أو عود أو عنزة ويقرب من السترة ويجعل السترة ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر ويدرء المار إذا مر بين يديه ولم يكن له سترة أو مر بينه وبين السترة وعليه شرح الصدر الشهيد (1/86)
{ باب في تكبير الركوع والسجود }
قوله : ويكبر لأنه ( عليه الصلاة و السلام ) كان يكبر مع كل خفض ورفع
قوله : ويحذف التكبير لأن المد في أوله خطاء لكونه استفهاما وهو يقتضي أن لا يثبت عنده كبرياء الله وفي آخره لحن من حيث اللغة لأن أفعل التفضيل لا يحتمل المد في اللغة
قوله : ولا يقولها هو لقوله ( عليه السلام ) : [ إذا قال الإمام : ولا الضالين فقولوا : آمين وإذا قال : سمع الله لمن حمده قولوا : ربنا لك الحمد ] قسم بينهما والقسمة تنافي الشركة وأما المنفرد ذكر في صلاة المبسوط أنه يجمع بين التسميع والتحميد عند أبي يوسف ومحمد وسكت عن ذكر أبي حنيفة
قوله : يقولها هو هذا هو المعتمد وبه وردت الأحاديث واختلفوا في لفظ التحميد فمنهم من ذكر : ربنا لك الحمد ومنهم من قال : ربنا ولك الحمد ومنهم من قال : اللهم ربنا لك الحمد ومنهم من قال : اللهم ربنا ولك الحمد وبكل ذلك وردت الأخبار النبوية وأولاها الأخير كما بسطناها في السعاية واختلفوا في الدعاء والذكر في القومة وبين السجدتين والأحاديث متظاهرة على جواز ذلك كما بسطناها فيها
قوله : وكذلك بين السجدتين إلخ هذا مخالف لما جاء في الأخبار الصحاح من زيادة الأدعية في القومة وبين السجدتين من ذلك ما روى أبو داؤد وغيره عن ابن عباس : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني ] وروى البخاري وغيره عن رفاعة : [ كنا نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رفع رأسه من الركعة قال الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال : من المتكلم بهذا ؟ قال رجل : أنا قال : رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها ] والأخبار في أمثال ذلك كثيرة وحمل أصحابنا الزيادات المروية على النوافل وهو وإن كان مستقيما في بعض الأخبار أشكل في بعضها : كحديث رفاعة وحمل كثير منهم كعلي القاري وغيره على أنها كانت في بعض الأحيان وعلى هذا لا بأس بالزيادة أحيانا اتباعا للأحاديث وذكر كثير منهم في وجه المنع أنه يؤدي إلى تنفير المؤمنين فيفهم منه أنه لو لم يكن ذلك فلا بأس به وقد صرح به ابن أمير حاج في شرح منية المصلي وقد حققنا المقام بما لا مزيد عليه في السعاية فعليك به
قوله : أجزاه وقال زفر : لا يصح لأن ما أتى به وقع فاسدا وهذا بناء عليه فلا يصح لأنه بناء على الفاسد ولنا أن المشاركة في جزء كاف كذا قال الصدر الشهيد وأصله ما روى في الصحاح : أن بعض أصحابه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) كانوا يركعون ويسجدون قبل ركوعه وسجوده فزجرهم النبي ( عليه السلام ) ومنعهم ولم يروا أنه أمرهم بإعادة صلاتهم فعلم أن التقديم ليس بمفسد نعم هو مكروه أشد الكراهة
قوله : لم يعتد بها أي لا يصير مدركا لتلك الركعة عندنا خلافا لزفر لأنه أدركه في ماله حكم القيام ولنا أن الاقتداء شركة وبناء والقيام ليس من جنس الركوع حقيقة فلا يتحقق الشركة
قوله : ولا يعتد إلخ أي يعيد ما أحدث فيه ولو لم يعد لم يجزه لأن الانتقال من الركن إلى الركن مع الطهارة شرط ولم يوجد
قوله : فإنه يعيد إلخ ليقع أفعال الصلاة مرتبة وإن لم يعد أجزاه لأن الترتيب في أفعال الصلاة ليس بفرض عندنا في ما شرع مكررا خلافا لزفر (1/87)
{ باب الرجل يدرك الفريضة في جماعة وقد صلى بعض صلاة }
قوله : ركعة وإن لم يقيد الأولى بالسجدة ويقطع يشرع مع الإمام وهو الصحيح وإليه مال فخر الإسلام
قوله : ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة لأن الصلاة بالجماعة أفضل بخمس وعشرين درجة وصلاة المنفرد واحدة فإن كان قائما أو راكعا يقطعها ما لم يقيدها بالسجدة لأنه ليس له حكم فعل الصلاة ولذلك لو حلف أن لا يصلي لا يحنث بهذا القدر بخلاف النفل فإنه إذا شرع فيه وهو قائم في الركعة الأولى فإنه لا يقطعها لأن ذلك القطيع ليس للتكميل
قوله : أتمها أربعا لأنه ثبت شبهة الفراغ وبعد حقيقة الفراغ لا يحتمل النقض فكذلك بعد الشبهة وهو الجواب في العصر والعشاء إلا في الشروع مع صلاة الإمام في صلاة العصر لأن التنفل بعد العصر مكروه
قوله : قطع الصلاة لأنه إن أضاف ركعة أخرى يثبت حقيقة الفراغ فتعذر إحراز فضل الجماعة
قوله : خرج ولم يصل لكراهية التطوع فيهما وكذا المغرب أما في الفجر والعصر فظاهر وأما المغرب فالتنفل بعدها مشروع لكن شفعا لا وترا فإن دخل فيها ينبغي أن يضيف ركعة أخرى لأنه يوافق السنة وإن كان مخالفا للجماعة
قوله : عند باب المسجد أما أنه يصلي في المسجد وإن قامت الجماعة فلأن سنة الفجر آكدها قال النبي ( عليه الصلاة و السلام ) : [ صلوهما وإن طردتكم الحيل ] وأما عند باب المسجد فإن الاشتغال بالنفل عند اشتغال الإمام مكروه
قوله : ولم يقضهما لا قبل طلوع الشمس لأن حقيقة السنة قد فاتت بذهاب وقتها فأشبه مطلق التنفل وذلك مكروه بعد الصبح وكذلك لا يقضيهما بعد ارتفاع الشمس وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : أحب إلى أن يقضيهما بعد الطلوع لحديث ليلة التعريس وهما يقولان : إن السنة جاءت بالقضاء تبعا لا غير
قوله : فإنه لم يصل في جماعة أصل المسئلة في الجامع الكبير وهو أن الرجل إذا قال : عبده حر إن صلى الظهر بجماعة مع الإمام فسبق ببعضها لم يحنث لأنه لم يصل الظهر مع الإمام فإنه منفرد ببعضها فلو قال : عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام فسبق ببعضها حنث وإن أدرك في القعود لأن إدراك الشئ بإدراك آخره ومن المتأخرين من قال : لا يصير مدركا لفضل أداء الصلاة بجماعة لكن يصير مدركا فضيلة إدراك الجماعة وهذا باطل بصلاة الخوف فإنه لم تقسم إلا لينال كل واحد من الطائفتين ثواب الجماعة
قوله : فلا بأس قال بعض مشايخنا : أراد به أن يتطوع قبل العصر والعشاء دون الفجر والظهر لأن سنة الفجر واجبة وفي ترك سنة الظهر جاء وعيد من الشرع وبعضهم قالوا أرادوا بهل الكل والإنسان متى صلى المكتوبة وحده من غير جماعة لا بأس بأن يتركهما لأن النبى ( عليه الصلاة و السلام ) لم يأتهما إلا عند أداء المكتوبة بالجماعة والأول أصح والأخذ به أحوط (1/89)
{ باب ما يفسد الصلاة وما لا يفسده }
قوله : أن صوت الأنين صوت المتوجع والمتحزن وهو ماض مشدد النون من الأنين وتأوه فعل ماض من التأوه وهو أن يقول : أوه والأنين أن يقول آه
قوله : لم يقطعها لأنه يدل على زيادة الخشوع لأن في البكاء من ذكر الجنة والنار زيادة الرغبة والرهبة وفيه تعريض سؤال الجنة والتعوذ من النار ولو صرح به فقال : اللهم إني أسئلك الجنة وأعوذ بك من النار لم يضره فكذا ههنا
قوله : فقال له رجل إلخ لحديث معاوية بن الحكم السلمي قال : إنه شمت العاطس خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فرماني القوم بأبصارهم فقلت : ثكلت أماه ! ما لهم ينظرون إلى شرزا فجعلوا أيديهم على أفواههم فعلمت أنهم يسكتوني
فلما فرغ من صلاته قال : والله ما رأيت معلما أحسن تعليما منه والله ما ضربني ولا كرهني ولا شتمني ولكن دعاني وأمر بالإعادة [ وقال : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس وإنما هي التسبيح والتحميد وقرأة القرآن ]
قوله : أو استفتح يريد أن المستفتح ليس في الصلاة والفاتح في الصلاة فسدت صلاته لأنه جواب له فكان كلاما وذكر في كتاب الصلاة : وشرط لفساد الصلاة الفتح مكررا ولم يشترط ههنا
قوله : أو أجاب إلخ هو قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : لا تفسد صلاته وهذا إذا أراد جوابه فإن أراد إعلامه أنه في الصلاة لم تفسد صلاته بلا خلاف أبو يوسف يقول : إن هذا ثناء فلا يتغير بالعزيمة وهما يقولان : إن هذا خرج مخرج الجواب في محله وهو يحتمل أن يكون جوابا فصار كلاما
قوله : لم يكن كلاما أي مفسدا للصلاة لقوله ( عليه الصلاة و السلام ) : [ إذا استطعمك الإمام فأطعموه ] ولكن هذا إذا كان فيه إصلاح صلاة
قوله : ولم يشبه الحديث فسره بالأصل بأنه إذا دعاه ما يستحيل سؤاله من العباد كالمغفرة ونحوها فإنه لا يفسد ولو سأل شيئا مما لا يستحيل سؤاله من العباد مثل قوله اللهم زوجني فلانة فسدت
قوله : وكذلك إن صلى أي الخطيب إلا إذا قرأ آية : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } فيصلي السامع في نفسه وهذا إذا كان قريبا من الإمام وإن كان بعيدا اختلف المشايخ فيه والأحوط السكوت
قوله : يتبعه لأنه مجتهد فيه وطاعة الإمام واجب في المجتهد فله أن يتابعه لأنه تبعه وهما قالا : إنه منسوخ فلا يجب على المقتدي اتباعه وإذا لم يتابعه قيل : إنه يقف قائما فيتابعه من هذا الوجه لأن المتابعة في الأصل واجبة عليه وقيل : يقعد تحقيقا للمخالفة ودلت المسئلة على أن المقتدي في الوتر من رمضان يدعو كما يدعو الإمام ولا يسكت كما هو قول بعضهم لأن الاختلاف في المتابعة ههنا وهو منسوخ يكون إجماعا ثمة بالطريق الأولى (1/92)
{ باب في تكبيرة الافتتاح }
قوله : لا يجزيه هذا تنصيص على أن من قرء القرآن بالفارسية لا تفسد صلاته إتفاقا وإنما الشأن في جواز الصلاة معها هما يقولان : إنه مأمور بالنظم والمعنى جميعا فإذا ترك النظم يجب أن لا يجزيه وأبو حنيفة يقول : بأنه مأمور بهما لكن النظم غير لازم في حق جواز الصلاة وذكر أبو بكر الرازي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما وعليه الاعتماد
قوله : إن كان يحسن التكبير زاد في كتاب الصلاة : وهو يعلم أن الصلاة يفتتح بالتكبير والصحيح ما ذكره ههنا لأن الجهل ليس بعذر في دار الإسلام
قوله : فقد نقض الظهر لأنه نوى تحصيل ما ليس بحاصل فصحت النية ودخل فيه فبطل الأول ضرورة فصار كمن باع شيئا بألف ثم بألفين ينتفض الأول وينعقد الثاني
قوله : ويجتزأ لأن النية الثانية قد لغت فبقي فيها كما لم ينو أصلا ولم يبق إلا مجرد التكبير وذلك لا يوجب قطع الصلاة (1/94)
{ باب في القراءة في الصلاة }
قوله : وأي سورة شئت استدل على سنية التخيير بالمنقول والمعقول أما المنقول فما روى سويد قال : خرجنا حجاجا مع عمر فصلى بنا الفجر بألم تر كيف ولإيلاف وعن ابن ميمون قال : صلى بنا عمر في السفر الفجر فقرأ : قل ياأيها الكافرون وقل هو الله أحد وعن الأعمش عن إبراهيم قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرؤن في السفر بالسور القصار وعن أبي وائل قال : صلى بنا ابن مسعود في السفر في الفجر بآخر بني إسرائيل روى ذلك كله ابن أبي شيبة كذا
في البناية والمشهور في الاستدلال ما روى أبو داؤد في سننه عن عقبة بن عامر قال : [ كنت أقود برسول الله ناقته في السفر فقال لي : يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئنا فعلمني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح فلما فرغ من الصلاة التفت إلي وقال : يا عقبة كيف رأيت ] وأما المعقول فهو أن للسفر أثرا في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى
واعلم أن محمدا في الجامع الصغير لم يقيد الحكم بالعجلة فإذا إطلاقه جريان هذا الحكم سواء كان في حالة العجلة أوغيرها واختار الإطلاق صاحب الكنز أيضا لكن قيد شراح الجامع الصغير ومنهم الصدر الشهيد حيث قال : وهذا في حالة الضرورة وأما في حالة الاختيار وهو أن يكونوا آمنين في السفر فيقرء في الفجر نحو سورة البروج وانشقت وفي الظهر مثل ذلك وفي العصر والعشاء دون ذلك وفي المغرب بالقصار جدا انتهى وتبعهم صاحب الهداية وقد رده صاحب البحر تبعا لصاحب الحلية
قوله : وفي المغرب دون ذلك لما روى عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن اقرأ في صلاة الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل والمقادير لا تعرف إلا سماعا
قوله : أحب إلي لحديث قتاده : أنه ( صلى الله عليه و سلم ) كان يطول الركعة الأولى على الثانية
قوله : لم يعد لأنه محل للأداء فلا يكون محلا للقضاء وإن قرأ في الأوليين الفاتحة دون السورة قرأها في الأخريين وجهر وذكر في الأصل : أحب إلى أن يقرأهما في الأخريين وذكر ههنا ما يدل على الوجوب وزاد عليه أيضا قوله : وجهر وقال أبو يوسف : لا يقضي السورة أيضا وقوله جهر منصرف إلى السورة وحدها ليكون القضاء موافقا للأداء ومن مشايخنا من قال : إنه منصرف إليهما جميعا حتى لا يؤدي إلى أمر غير مشروع وهو الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة وهو الصحيح
قوله : خافت أي حتما وقال بعض المشايخ : يتخير بين الجهر والمخافتة والجهر أفضل كما في الوقت والأول أصح لأن سبب الجهر أحد الشيئين : إما الجماعة وإما الوقت لكن في حق الجماعة حتم وفي حق المنفرد في الوقت مخير وكلاهما فائتة ههنا فلا يجهر واختلفوا في حد الجهر والمخافتة فقال الكرخي : أدنى الجهر أن يسمع نفسه وأقصاه أن يسمع غيره وأدنى المخافتة أن يحصل الحروف وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري : أدنى الجهر أن يسمع غيره وأدنى المخافتة أن يسمع نفسه إلا لمانع وما دون ذلك مجمجمة وليس بقرأة وهو المختار
قوله : إمام إلخ لأبي حنيفة في حكم الفساد وجهان : أحدهما أنه عمل كثير وهو حمل المصحف وتقليب الأوراق حتى لو كان موضوعا بين يديه وهو لا يقلب ولا يحمل يصح صلاته والثاني : أنه تعلم من المصحف وهذا المعنى يوجب التسوية في الفصول كلها
قوله : هي تامة ويكره لأنها عبادة انضافت إلى عبادة فكان أحق بالصحة وإنما يكره لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب
قوله : تامة لأنه معذور صلى بمعذورين وبمن لا عذر له فيجوز صلاته وصلاة من هو بمثل حاله كما في العاري إذا صلى بقوم كاسين وقوم عارين ووجه قول أبي حنيفة أن الإمام ترك القراءة مع القدرة عليها فلا يجوز صلاته أصلا ولا يجوز صلاتهم أيضا لأنه بناء عليه
قوله : فسدت صلاتهم لأنه استخلف من لا يصلح إماما له ولهم فتفسد صلاته وإن قدمه بعدما قعد قدر التشهد فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما لا تفسد وهي مسئلة من المسائل الإثني عشرية
قوله : لا يجزيهم لأنه نادر فأشبه الجنابة في الصلاة وله أن جواز الاستخلاف في باب الحدث للعجز عن المضي والعجز ههنا ألزم بخلاف الجنابة لأنها نادرة والعجز عن القرأة في الصلاة غير نادر
قوله : وقال أبو يوسف إلخ فأبو يوسف جعل القرأة ركنا زائدا ففواته في الشفع الأول لا يمنع صحة الشروع في الشفع الثاني ومحمد جعلها ركنا أصليا فإذا فات في الشفع الأول أو في أحدهما لم يصح الشروع في الثاني وأبو حنيفة توسط بينهما فجعلها أصلا من وجه من حيث إنه لا يصح الصلاة بدونه وزائدا من وجه من حيث إنه يحتمل الإمام عن المقتدي فمن حيث أنه أصلي ففواته في الشفع الأول يمنع الشروع في الشفع الثاني ومن حيث أنه زائد ففواته في أحدهما لا يمنع الشروع في الشفع الثاني
قوله : وتفسير قوله إلخ رفع هذا الخبر إلى النبي صلى الله عليه و سلم لم يثبت وإنما هو موقوف على عمر وابن مسعود رواه ابن أبي شيبة وفي جامع الإسبيجابي : هذا التفسير يروى عن أبي يوسف ولما ورد هذا الخبر عاما وقد خص منه البعض لأنه يصلي سنة الفجر ثم فرض الفجر وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم فرض الظهر أربعا هما مثلان وكذا يصلي الظهر ركعتين في السفر ثم السنة ركعتين فلما لم يكن العمل بعمومه قال محمد : المراد به أنه لا يصلي بعد الصلاة نافلة ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة يعني لا يصلي النافلة كذلك حتى لا يكون مثلا للفرض بل يقرأ في جميع ركعات النفل فيكون الحديث بيانا لفرضية القرأة في جميع ركعات النفل وحمل بعضهم هذا الخبر على النهي عن إعادة الصلاة بسبب الوسوسة ذكره في الذخيرة : وقيل : كانوا يصلون الفريضة ثم يصلون بعدها أخرى فنهوا عن ذلك وحمله الشافعي على المماثلة في العدد وليس بشئ للإجماع في ركعتي الفجر مع الفجر (1/95)
{ باب ما يكره من العمل في الصلاة }
قوله : لا بأس لحديث : اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة والمراد الحية والعقرب فدل الحديث على إباحة قتل الحيات كلها
قوله : ويكره لأنه ليس من أعمال الصلاة وعن أبي يوسف ومحمد أنهما لم يريا به بأسا في الفرائض والنوافل
قوله : فإنه يستقبل لأن اختلاف المكانين مبطل للتحريمة إلا بعذر وفي المفازة يعتبر مكان الصفوف في حق جواز البناء لأن الصفوف بمنزلة المسجد ولو لم يخرج من المسجد لكن استخلف غيره على ظن أنه أحدث ثم تبين أنه لم يحدث فسدت صلاتهم جميعا لأن الاستخلاف عمل كثير لم يتحمل في الصلاة إلا بعذر ولا عذر ههنا
قوله : فإنه يبني إلخ فرق بعضهم بأن النزول عمل قليل والركوب عمل كثير وهذا الفرق يشكل بما لو رفع أو وضع على السرج وضعا لم يبن وإن لم يوجد منه العمل الكثير والفرق الصحيح هو أن إحرام الراكب انعقد مجوزا للركوع والسجود ولا موجبا لأنه يؤمي مع القدرة على النزول فإن أومى صح وإن نزل وركع وسجد صح أيضا فأما إحرام النازل انعقد بوجوب الركوع والسجود لا مجوزا فحسب فلا يقدر على ترك ما وجب بغير عذر
قوله : ثم قهقه إلخ يعني ضحك بالقهقهة وهي أن يسمع صوته من بحذائه وهو مفسد للصلاة وكذلك الضحك وهو أن يسمع صوته نفسه وأما التبسم فلا يفسد واختلفوا في انتقاض الوضوء بالقهقهة مع اتفاقهم بأنه لا ينتقض بالأخيرين فقالت الأئمة الثلاثة ومن تبعهم : إنها ليست بناقضة للوضوء وأصحابنا حكموا بانتقاض الوضوء بها إذا وقعت في الصلاة زجرا وتشديدا لأحاديث مسندة ومرسلة وردت بذلك وقد طال كلامهم في الأحاديث قدحا وجرحا والحق أنه ليس يضر شيئا فإن بعض أسانيدها صحيحة وبعضها وإن كانت ضعيفة لكنها تتقوى بالاعتضاد والشواهد كما حققنا كل ذلك في رسالتنا : الهسهسة بنقض الوضوء بالقهقهة وزدنا على ما ذكرنا فيها في شرحنا شرح الوقاية فيطالع فإنه لتحقيق المسائل مبسوط كاف ولتفصيل الدلائل منتخب واف
قوله : فسدت صلاته لأن ما يقطعها في حقه تحللها لا في حقهم لأنه وجد بعد الفراغ من الأركان والفرائض
قوله : لا تفسد لهما أن هذا العارض لم يؤثر في حق فساد صلاة الإمام فلا يؤثر في حق فساد صلاة المسبوق لأنه بناء عليه وأبو حنيفة يقول : إنه يؤثر في حق الإمام إلا أنه لا تفسد صلاته للغنية عن البناء ويؤثر في حق المسبوق لحاجته إلى البناء (1/100)
{ باب في سجدة التلاوة }
قوله : ولا إذا فرغوا لأن سبب الوجوب حصل ممن هو محجور فلا يعتبر حكمه كطلاق الصبي والمجنون وتصرفاتهما بخلاف الحائض والجنب لأنهما منهيان غير محجورين والمنهي له إذا أتى بما هو المنهي عنه يعتبر ويصح : كالصلاة في الأرض المغصوبة
قوله : سجدوها إذا فرغوا إلخ لأن السبب قد صح والمانع قد زال ولو سجدوها في الصلاة لم تجزهم ولم تفسد صلاتهم أما عدم الجواز فلأنها ليست السجدة صلاتية فلا تؤدى في الصلوات وأما عدم الفساد فلأن السجدة من أفعال الصلاة كالسجدة الثالثة وأما وجوب الإعادة فلأنها ليست بصلاتية وذكر المصنف في الكتاب أنه ذكر في النوادر أنه تفسد صلاتهم ومن مشايخنا من قال : ذلك قياس وهو قول محمد وهذا استحسان وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف والصحيح ما ذكرنا
قوله : لم يقض لأنها صلاتية فلا تؤدى خارج الصلاة
قوله : واجبة لأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب
قوله : فعليه سجدة واحد لأن الشرع جعل التلاوة المكررة المتعددة حقيقة متحدة حكما عرف ذلك بحديث أبي عبد الرحمن السلمي معلم الحسن والحسين : أنه كان لا يسجد المكررة في المجلس لا مرة واحدة وكان ذلك لا يخفى على علي رضي الله عنه ولم ينكر عليه لكن إنما جعل متحدا عند إمكان الاتحاد وإمكان الاتحاد باتحاد المجلس فإن تبدل المجلس فلا إمكان فلا يتحد وكذلك إن تبدل مجلس التالي دون السامع يتكرر الوجوب على السامع أيضا لأن الحكم يضاف إلى السبب والسبب هو التلاوة هكذا ذكره بعض مشايخنا من المتأخرين في شرح هذا الكتاب وذكر الإمام المنتسب إلى اسبيجاب في شرح مختصر الطحاوي أن عليه سجدة واحدة لأن مجلس السامع متحد وسبب الوجوب في حقه هو السماع وعليه الفتوى ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب بالاتفاق أما على قول ذلك البعض فلأن الضرورة أبطلت العدد وأثبتت الاتحاد في حق التالي فلا يتبين ذلك في حق غيره وأما على قول القاضي الإمام فلأن سبب الوجوب في حق السامع هو السماع وقد تبدل مجلس السامع فيتكرر الوجوب لأنه ليس مجلس التلاوة وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب لأن المجلس ليس بمتحد ولو قرأها في غصن شجرة ثم انتقل إلى غصن آخر اختلف المشايخ فيه والصحيح هو الإيجاب (1/102)
{ باب السهو في الصلاة والتسليم فيها }
قوله : يضيف إلخ لأنه لما قعد على رأس الرابعة تمت صلاته ولم يبق عليه إلا إصابة لفظ السلام وأنها ليست بفريضة بل هي واجبة حتى وجبت سجود السهو بتأخيرها ساهيا بأن شك فشغله تفكره حتى أخرها وإنما يضيف الركعة الأخرى لأن التنفل بركعة عندنا ليس بمشروع
قوله : ثم يسلم اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : يسلم تسليمة من تلقاء وجهه وقال بعضهم : يسلم تسليمتين وهذا أصح
قوله : لم يبن لوقوع سجدة السهو في وسط الصلاة ولو بنى جاز لأن التحريمة باقية
قوله : وقال محمد إلخ أصله أن سلام من عليه السهو يخرجه عن حرمة الصلاة خروجا موقوفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه سلام عمد وأنه محلل في نفسه لكن توقف ههنا لمكان الحاجة وقال محمد : لا يخرجه لأنه لو أخرجه لا يمكنه إقامة الواجب
قوله : فعليه أن يسجد للسهو لأن نية القطع باطلة عندهم لأنها حصلت مبدلة للمشروع
قوله : من الرجال قد قدم محمد في المبسوط ذكر الحفظة على ذكر البشر وأخره في الجامع الصغير فظن منه بعض أصحابنا أن ما ذكره في المبسوط مبني على قول أبي حنيفة الأول في تفضيل الملائكة على البشر وما ذكره في الجامع بناء على قوله الآخر في تفضيل البشر على الملائكة وليس كما ظنوا فإن الواو لا يوجب الترتيب كذا في النهاية وفي البحر : قال فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير : إن للبداية أثرا في الاهتمام فدل ما ذكره في الجامع ( وهو آخر التصنيفين ) أن مؤمني البشر أفضل من الملائكة وهو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة
قوله : والنساء قال الصدر الشهيد في شرحه : هذا في الزمن الأول فأما في زماننا فلا ينوي إلا الرجال والحفظة لأن جماعة النساء صارت منسوخة انتهى وذكر صاحب الهداية مثله وصححه والحق أن الاختلاف ههنا فإن ما ذكره في الجامع الصغير مبني على حضورهن وما ذكره المشايخ من أنه لا ينوي مبني على عدم حضورهن فصار المدار في النية وعدمها على حضورهن وعدمه حتى لو كان من المقتدين النساء والخناثى والصبيان ينويهم اتفاقا كذا في البحر والحلية وفي النهر الفائق : لا ينوي النساء في زماننا لكراهة حضورهن حضرن أم لا وما في البحر من أن المدار على عدم حضورهن وحضورهن لا يتم إلا على قول من علل العدم بالعدم انتهى قلت : لا يخفى عليك ما فيه فإن كراهة حضورهن لا يقتضي عدم النية مع أن الكراهة إنما تختص بالشواب وأما العجائز فيرخص لهن في زماننا أيضا في الحضور في المغرب والعشاء والفجر نعم لو علل عدم النية بما ذكره بعض محشي الهداية من أن المصلي لو نواهن يتوجه خاطره إليهن بفساد الزمان لكان الحكم بعدم النية ولو حضرن في موضعه لكن فيه ما فيه (1/104)
{ باب فيمن تفوته الصلاة }
قوله : وإن فاته أكثر إلخ هذا مذهبنا بناء على أن الترتيب في الصلوات المكتوبة فرض عندنا وعند الشافعي سنة لأن كل واحد من الفرضين أصل بنفسه فلا يكون شرطا لغيره ولنا الحديث المعروف أنه ( عليه الصلاة و السلام ) قال : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها ] جعل وقت التذكر وقتا للفائنة فلا يكون وقتا للوقتية ثم هذا الترتيب يسقط بعذر النسيان وضيق الوقت وكثرة الفوائت تحرزا عن فوات الوقتية عن الوقت وحد الكثرة أن تزيد على صلاة يوم وليلة فصاعدا تحرزا عن فوات الوقتية عن الوقت وحد الكثرة أن تزيد على صلاة يوم وليلة فصاعدا فيصير ستا لأن كثرة الشئ ما يدخل في حد التكرار
قوله : فهي فاسدة لكن إذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : يبطل أصلا ثم عند أبي حنيفة فرضية العصر فسدت فسادا موقوفا حتى لو صلى ستة صلوات أو أكثر ولم يعد الظهر انقلبت كلها جائزة وقالا : فسدت فسادا باتا
قوله : ترك الوتر لا يفسد الفجر هذا بناء على أن الوتر واجب عند أبي حنيفة وعندهما سنة وعن أبي حنيفة ثلاث روايات : في رواية قال : سنة وفي رواية : فرض وفي رواية : واجب والصحيح أنه واجب (1/106)
{ باب في المريض يصلي قاعدا }
قوله : ولا قوما إلخ وقال زفر : يصح ذلك كله لأن الصلاة واحدة ولنا أن الاقتداء حركة وبناء والبناء لا يتحقق بالمعدوم
قوله : قال : لا بأس لأنه عذر وبدون العذر إساءة أدب وقالا : لا يجوز اعتبارا للشروع بالنذر وأبو حنيفة يقول : الشارع إنما يلزمه بالشروع ما شرع فيه وما لا ينفصل عما شرع فيه عنه والقيام في الأولى ينفصل عن القيام في الثانية فلا يلزمه
قوله : إلا من عذر وكذلك إذا صلى جالسا للعذر وهو قادر على الخروج إلى الأرض جاز والأفضل هو الخروج وقالا : لا يجزيه لأن القيام فرض فلا يترك إلا بعذر وله أن العذر في السفينة غالب وهو دوران الرأس والغالب كالمتحقق
قوله : ويوجه إلخ إرادية المريض الذي قرب موته لأنه في معنى الميت واختيار أهل بلادنا هو الاستلقاء لكونه أيسر لخروج الروح والأول هو السنة
قوله : كما يوضع في اللحد في البرهان شرح مواهب الرحمن : يوجه في القبر إلى القبلة على جنبه الأيمن لما روى أبو داؤد والنسائي : [ أن رجلا قال : يارسول الله ما الكبائر ؟ قال تسع فذكر منها : استحلال الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ] ورواه الحاكم في المستدرك وقال : قد احتج الشيخان برواة هذا الحديث غير عبد الحميد بن سنان انتهى قلت : أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه أيضا
عن عمير الليثي وأخرج علي بن الجعد في الجعديات عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : [ الكبائر تسع : الإشراك بالله وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين والسحر والإلحاد في الحرم قبلتكم أحياء وأمواتا ] وفي شرح الهداية للعيني : قال السغناقي في النهاية : الاضطجاع على ستة أنواع : في حالة المرض على شقه الأيمن عرضا للقبلة وفي حالة الصلاة وهو الاستلقاء وفي حالة النزع فإنه يوضع كما يوضع حالة المرض وفي حالة الغسل بعدما مضى بجنبه فلا رواية فيه عن أصحابنا إلا أن العرف فيه أنه يضجع مستلقيا على قفاه طويلا نحو القبلة وفى حالة الصلاة عليه معترضا للقبلة على قفاه وفي حالة الوضع في اللحد فإنه يوضع على شقه الأيمن قلت : هذا كله بالعرف والقياس ولم يذكر فيه أثرا ولا حديثا انتهى كلام العيني وفي غنية المستملي شرح منية المصلي : يوجه الميت إلى القبلة في القبر على جنبه الأيمن ولا يلقى على ظهره
قوله : جعل وجهه قبل القبلة يعني مستلقيا على قفاه ورجلاه نحو القبلة وقال الشافعي : السنة أن ينام على جانبه الأيمن (1/107)
{ باب في صلاة السفر }
قوله : ثلاثة أيام إلخ لقوله ( عليه الصلاة و السلام ) : [ يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ] قدر به أدنى مدة سفر وروى عن أبي حنيفة أنه اعتبر بثلاث مراحل وعن محمد أنه اعتبر خمسة عشر فرسخا ويعتبر في الجبل بقدر ما يليق بحال الجبل وإن كان في السهل يقطع بمدة يسيرة وفي البحر يعتبر
أن يكون الرياح مستوية غير غالبة ولا ساكنة فينظر كم تسير السفن فيجعل ذلك أصلا
قوله : قوم حاصروا إلخ وجه المسئلة أن حالهم مبطل لعزيمتهم لأنهم إنما يقيمون لغرض فإذا حصل الغرض انزعجوا فلم تلاق النية محلها فلغت (1/108)
{ مسائل لم تدخل في الأبواب }
قوله : في ليلة مظلمة إلخ أما لو صلوا منفردين صحت صلاة الكل ولا يتأتى فيه التفصيل واعترض عليه بأن وضع هذه المسئلة مشكلة لأن صلاة الليل جهرية فيعلم كل من المقتدين حال الإمام بصوته وأجيب عنه بوجوه : الأول : أنه يحتمل أن يكون الجماعة في قضاء صلاة جهرية الثاني : أنه يجوز أن يترك الإمام سهوا الثالث : أنه لا يلزم من سماع صوته معرفة جهته فلعلهم عرفوا أنه ليس خلفهم ولكن لم يحصل لهم التمييز أنه إلى أي جهة توجه كذا في البناية وغيرها
قوله : أجزاهم لأن القبلة هي الكعبة وعند العجز ينتقل عنها إلى جهتها ولكن من شرط الصحة أن لا يعلموا ما صنع الإمام فإن علموا فسدت صلاتهم لأنهم علموا بخطأ الإمام ومن شرطه أن لا يتقدموا إمامهم فمن تقدم فسدت صلاته
قوله : لم تفسد عليه صلاته إنما تفسد صلاة الرجل بالمحاذاة لأنه تارك مكان نفسه وهو المكان المتقدم على مكان المرأة ومقتضى الأمر تأخير المرأة وهو قوله ( عليه السلام ) : [ أخروهن من حيث أخرهن الله ] لأنه عبارة في إيجاب التأخير ومن ضرورة تأخيرها كونه مقدما والمورد الجماعة المطلقة وهي بالشركة والكمال فاندفعت غير المنوي إمامتها بقيد الشركة لأن الشركة لا يكون بدون الاقتداء بالإمام ولا يصح اقتداؤها اذا لم ينو الإمام إمامتها خلافا لزفر : والفرق لنا أنها بالاقتداء تلزم الإمام فرض المقام فيتوقف على التزامه
قوله : نوى أو لم ينو لتعينه للخلافة كالخلافة الكبرى إذا لم يصلح للخلافة إلا واحد يتعين للخلافة من غير اتفاق وإن كان خلفه من لا يصلح للخلافة فالأصح أنه تفسد صلاة المقتدي لأنه بقي في المسجد بلا إمام
قوله : والأذنان من الرأس إلخ كيفيته على ما نقل عن الحلواني أنه يدخل الخنصر في صماخ الأذنين ويحركهما وفي الأصل يمسح داخلهما مع الوجه وفوقهما مع الرأس والمختار أن يمسح داخلهما بالسبابتين وخارجهما بالإبهامين كذا في المجتبى و البناية وفي فتح القدير عن الحلواني وشيخ الإسلام أنه يدخل الخنصر في أذنيه ويحركهما كذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي في سنن ابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عباس : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح أذنيه فأدخل السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما ] انتهى واستدل أصحابنا على أن المسنون هو مسحهما بماء الرأس بأحاديث قولية وفعلية من ذلك حديث : الأذنان من الرأس روي بطرق مختلفة وبعضها وإن كان فيه ضعفا إلا أنه ينجبر بالكثرة (1/109)
{ باب في صلاة الجمعة }
قوله : باب في صلاة الجمعة لها شرائط وهي ستة ذكر محمد في النوادر منها ثلاثة بلا خلاف : وهي الجماعة والخطبة والوقت واثنان فيها خلاف : وهو الوالي والمصر شرط عندنا وعند الشافعي ليس بشرط والسادسة الأداء على سبيل الاشتهار شرط حتى لو أغلق الأمير أبواب الحصن وصلى بالناس وعسكره لا يجوز
قوله : وقال أبو يوسف إلخ هما يقولان : إنه شرط الانعقاد فلا يشترط دوامها كالخطبة وتكبيرة الافتتاح وأبو حنيفة يقول : بلى إنها شرط الانعقاد والانغقاد يتحقق بالشروع في الصلاة والشرع لا يتم إلا بالسجدة هذا إذا نفر الناس كلهم أو بقي من لا يصلح إماما : كالنسوان والصبيان وإن بقي ثلاثة ممن يصلح للإمامة بني على الجمعة عندنا وعند الشافعي لا بد من أربعين رجلا وهم
أحرار وكذلك إن بقي ثلاثة من العبيد والمسافرين بني على الجمعة عندنا وقال الشافعي : يفتتخ الظهر لأنه لا تلزمهم الجمعة فلا ينعقد بهم الجمعة : كالنسوان والصبيان ولنا أن من صلح إماما صلح مقتديا وهما يصلحان إماما فيصلحان مقتديا
قوله : أجزاهم لقوله ( عليه السلام ) : [ اسمعوا وأطيعوا أمراءكم ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع ]
قوله : حتى يدخل الجمعة لأنه أمر بنقض الظهر حكما بواسطة أداء الجمعة ولم يوجد وأبو حنيفة يقول : بلى إلا أن السعي من خصائص الجمعة فقام مقام الأداء في موضع الاحتياط
قوله : ويكره إلخ لأن في عقد الجماعة للظهر معارضة بالجمعة على سبيل المخالفة والمعارضة على سبيل الموافقة بدعة فهذا أولى
قوله : في قولهم جميعا لأنها مفازة وأما منى فمحمد يقول : إنها قرية وليس بمصر والمصر شرطه وهما يقولان : بلى في عامة السنة كذلك لكنها تمصرت أيام الموسم لوجود شرائط المصر وفي المصر الذي تقام فيه الجمعة أقوال ذكر الكرخي أنه كل موضع فيه وال ومفت فهو مصر جامع وعن أبي يوسف : كل موضع فيه أمير وقاض تنفذ الأحكام ويقيم الحدود فهو مصر جامع وهو قريب من الأول وعن عبد الله الثلجي : أحسن ما سمعت أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم فيه فهو مصر جامع
قوله : وقالا : لا تجزيه إلخ لأن الواجب خطبة وليس كل كلام خطبة فينصرف إلى المعتاد وأبو حنيفة يقول : قال الله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } وهو أمر مطلق من غير فصل بين ذكر وذكر فوجب العمل بالسنة في حق التكميل دون النسخ لأن في النسخ إلغاء وصف الإطلاق وأنه خلاف الأصل ولأن العمل بالكتاب أولى من العمل بالسنة (1/111)
{ باب في العيدين والصلاة بعرفات والتكبير في أيام التشريق }
قوله : فالأول سنة إلخ فلا يترك واحدا منها أما فرضية الثانية فلأنها واجبة والأولى واجبة وإنما سماه سنة لأنه ثبت وجوبها بالسنة
قوله : ويجهر كذلك رواه زيد بن أرقم ونعمان بن بشير ولا يجهر في الظهر والعصر وهو عندنا خلافا لمالك لأنهما شرعتا في وقتهما فلا يتغيران عما شرعا عليه
قوله : أجزاه لأن الخطبة لم تشرع خلفا عن شئ من الأركان وإنما الخطبة إعلام ما يفعله الحاج بخلاف الخطبة يوم الجمعة لأنها شرعت خلفا عن الركعتين
قوله : تجزيه لأن تقديم العصر كان لحق الوقوف وكان نسكا في حق من له الوقوف والمنفرد والجماعة فيه سواء وله أن تقديمه كان لحق الجماعة فلم يكن نسكا في حق المنفرد ولأنه محتاج إلى الجماعة لأنهم إذا تفرقوا قل ما يجتمعون ثم عند أبي حنيفة الإمام والجماعة شرط في حق الظهر والعصر لتقديم العصر لأنه عرف مرتبا على ظهر كامل بالجماعة والإمام فلا يتعدى إلى ما دونه حتى لو صلى الظهر في منزله بجماعة ثم صلى العصر مع الإمام لم يجزه العصر إلا في وقتها ولهذا قلنا : لو صلى الظهر بالجماعة وهو غير محرم أو محرم بإحرام العمرة ثم أحرم للحج متمتعا لم يصل العصر إلا في وقتها لأنا وجدنا العصر مرتبا على ظهر كامل بالإحرام في الحج ولذلك فضل كامل فلم يصح ترتيبه على غيره قياسا وقال زفر : الإمام ليس بشرط لأن المغير عن السنن المشروع هو العصر فيجب مراعاة شرط المشروع في ذلك خاصة حتى لو صلى الظهر بجماعة في منزله ثم صلى العصر مع الإمام أجزاه
قوله : إلى صلاة العصر من يوم النحر وهو ثمان صلوات وهو قول ابن مسعود وبه أخذ أبو حنيفة وقال علي : إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وذلك ثلاث وعشرون صلاة وبه أخذ أبو يوسف ومحمد لأنه أكثر فكان الأخذ به أحوط
قوله : وهذا على المقيمين إلخ لحديث علي : [ لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع ] وأراد بالتشريق التكبير ولا يجب التشريق على جماعات النساء إذا لم يكن معهن رجل ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن معهم مقيم
قوله : فكبر إلخ فيه إشارة إلى أن الإمام إذا سهى يكبر المقتدي لأن التكبير مشروع في أثر الصلاة في حرمتها بخلاف سجود السهو إذا تركها الإمام لا يسجد المقتدي
قوله : والتعريف إلخ هو أن يجتمع الناس يوم عرفة في موضع تشبيها بأهل عرفة لأن هذه الأشياء لم تعرف قربه إلا في مكان مخصوص وزمان مخصوص (1/113)
{ باب في حمل الجنازة والصلاة عليها }
قوله : بحذاء الصدر وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يقوم من الرجل بحذاء رأسه ومن المرأة بحذاء وسطها لأن أنسا رضي الله عنه هكذا فعل ووجه ظاهر الرواية أن الصدر محل أشرف الأعضاء وهو القلب فوجب تقديمه في موضع الشفاعة والحديث يحمل على أن جنازتها لم تكن منعوشة فأراد أن يحول بينها وبين الرجال
قوله : في الاستحسان لأنه صلاة من وجه لوجود التحريمة ولهذا يشترط فيه الطهارة واستقبال القبلة فلا يجوز راكبا من غير عذر استحسانا
قوله : ولا بأس بالإذن لأن التقدم في الصلاة حق الولي فيملك إبطاله بالتقديم وفي بعض النسخ : بالأذان وهو أن يعلم الناس بعضهم بعضا ولا ينادي في الأسواق لأنه من عادات الجاهلية
قوله : صلى عليه لأن الإسلام يثبت بالتبعية مرة وبالأصالة أخرى والأصل في التبعية الأبوان لأن الحضانة لهما ثم لأهل الدار لأن الحضانة عليهم فإذا كان مع الصبي المسبى أحد أبويه لا يعتبر الدار
قوله : والرجل في ثوبين هذا بيان الكفاية وأما بيان الضرورة فهو أن يكفن في ما يوجد لأن حمزة استشهد وعليه نمرة إذا غطى بها رأسه بدت قدماه وإذا غطى بها قدماه بدت رأسه فغطى بها رأسه وجعل على قدميه الإذخر
قوله : والسنة في الرجل إلخ كيفية التكفين أن يجعل اللفافة بسطا أولا وهي ما يستر من الفرق إلى القدم ثم تبسط الإزار ثم يقمص الميت ثم يوضع على الإزار ويعطف الإزار من قبل اليسار ثم من قبل اليمين ثم تعطف اللفافة كذلك هذا في حق الرجال وأما المرأة فتلبس الدرع أولا وتجعل شعرها ضفرتين ويسترسل على صدرها فوق الدرع ثم يجعل الخمار فوق ذلك ثم يعطف الإزار من قبل اليسار ثم من قبل اليمين ثم تعطف اللفافة ثم الخرقة تربط فوق ذلك على بطنها وثدييها
قوله : وتضع إلخ وعند الشافعي السنة أن يحملها رجلان ووضع السابق منهما مقدمها على أصل عنقه والآخر منهما وضع مؤخرها على صدره لأن جنازة سعد بن معاذ هكذا حملت وإنا نقول : كان ذلك لازدحام الملائكة حتى كان النبي صلى الله عليه و سلم يمشي على رؤوس الأصابع
قوله : يصنع هذا يعني يحمل الجنازة مع ثلاثة نفر وكان ذلك دليل تواضع
قوله : على اللحد هذا هو السنة دون الشق وعند الشافعي السنة الشق واستدل بتوارث أهل المدينة ولنا قوله ( عليه السلام ) : [ اللحد لنا والشق لغيرنا ] فإن تعذر اللحد فلا بأس بتابوت يتخذ للميت لكن السنة أن يفرش فيه التراب أولا ليصير في معنى اللحد
قوله : ولا يسجى قبر الرجل به قال أحمد ومالك والمشهور من مذهب الشافعي أن يسجى قبر الرجل والمرأة وتعلق بحديث ضعيف وهو ما رواه البيهقي من حديث ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ستر قبر سعد بثوب ثم قال : لا أحفظه
إلا من حديث يحيى بن عقبة وهو ضعيف وروى عن علي أنه مر بقوم قد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره ثوبا فجذبه وقال : إنما يصنع هذا بالنساء وروى عن أنس أنه شهد دفن أبي زيد الأنصاري فخمر القبر بثوب فقال : ارفعوا ثوبكم إنما يخمر النساء
قوله : الآجر ( بضم الجيم وتشديد الراء ) الذي يبنى به فارسي معرب وإنما يكره لأن بالآجر أثر النار فيكره تفاؤلا
قوله : ويستحب اللبن والقصب لأنه ( عليه الصلاة و السلام ) جعل على قبره طن من قصب أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا مروان بن معاوية عن عثمان بن الحارث عن الشعبي مرسلا قال في المغرب : الظن ( بالضم ) الحزمة من القصب قال شمس الأئمة الحلواني ( رحمه الله ) : هذا في قصب العمل وأما القصب المعمول ( يعني بوربا بافته أزفي ) فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا يكره لأنه قصب وقال بعضهم : يكره لأنه لم يرد السنة بالمعمول وأما الحصير فإبقاؤه في القبر مكروه لأنه لم ترد به السنة
قوله : فإنه يغسله كذا أمر علي رضي الله عنه لكن يغسل كغسل الثوب النجس ولا يراعى سنة اللحد وإنما يحفر حفيرة له ولا يوضع فيه بل يلقى فيه فإن لم يكن له ولي مسلم دفع إلى أهل دينه ليفعلوا به ما شاؤوا (1/115)
{ باب الشهيد يغسل أم لا }
قوله : باب الشهيد أصل الباب أن شرط سقوط الغسل أن يكون القتل ظلما من كل وجه ولم يرتث ولا يقتاص عن دمه عوضا دنياويا لأن الأصل فيه شهداء أحد وقد قتلوا ظلما ولم يرتثوا ولم يقتاصوا عوضا دنياويا وقتيل أهل الحرب شهيد بأي وجه كان تسبيبا أو مباشرة فكل من ينسب قتله إلى أهل الحرب كان شهيدا وأهل البغي وقطاع الطريق بمنزلة أهل الحرب لأن الكل يحاربون الله ( تعالى )
قوله : لم يغسل ويصلى عليه في قول أهل العراق ويقول أهل المدينة لا يغسل هم يقولون : إن الصلاة على الميت استغفار له والسيف محاء للذنوب ونحن نقول : الصلاة على الميت من حق المسلم على المسلم كرامة له والشهيد أولى بهذه الكرامة ومنهم من يقول : إن الشهيد حي بالنص ولا يصلى على الحي وهذا ضعيف لأنه حي في أحكام الآخرة فأما في أحكام الدنيا فهو ميت يقسم ميراثه ويجوز لزوجته أن تتزوج بعد انقضاء العدة والصلاة على الميت من أحكام الدنيا إلا أنه لا يغسل ليكون ما عليه شاهدا على خصمه يوم القيامة ولهذا لا ينزع عنه جميع ثيابه ولكن ينزع عنه السلاح لأنه كان لبسه لدفع البأس فقد انقطع ولأن دفن القتلى مع الأسلحة من فعل أهل الجاهلية وكذلك ما ليس من جنس الكفن : كالسراويل والقلنسوة والمنطقة والخاتم والسيف هكذا نقله محمد عن جماعة من التابعين
قوله : ومن وجد في المعركة قتيلا وبه جراحة أو الدم يخرج من العين أو الأذن أو به أثر الخرق لا يغسل لوجود الدلالة
قوله : فارتث المرتث من صار خلقا في حكم الشهادة مأخوذ من ثوب رث أي خلق وإذا حمل من مصرعه حيا فمات في أيدي الرجال أو مرض في خيمة فهو مرتث لأنه نال بعض الراحة فأما إذا جر برجله من بين صفين لكيلا تطأه الخيول فإنه يغسل لأن نقله من مصرعه لم يكن لإيصال الراحة ولو أكل أو شرب فإنه يغسل لأنه نال بعض الراحة
قوله : غسل لأن فيه الدية والقسامة إلا أن يعلم أنه قتل بحديدة ظلما فإنه لا يغسل عندنا خلافا للشافعي لأن الواجب فيه القصاص وهو أحد بدلي الدم ولنا أن القصاص عقوبة وشهداء أحد استوجبوا على قاتلهم العقوبة في الدنيا إن وجدوا وفي العقبي إن لم يوجدوا
قوله : لا يغسل لأن ما وجب بالخنابة سقط بالموت والثاني لم يجب بسبب الشهادة ولأبي حنيفة أن حنظلة قتل جنبا فغسلته الملائكة للتعليم كما في قصة آدم ( صلوات الله عليه ) (1/118)
{ باب في حكم المسجد }
قوله : فله أن يبيعه لأنه لم يخلص لله ( تعالى ) فلا يصير مسجدا فلا يثبت أحكامه ولو كان السرداب لمصالح المسجد صح كما هو في مسجد بيت المقدس
قوله : لم يكن له لأنه لما صح وخلص لله ( تعالى ) صار محرزا عن التمليك والتملك وهذا إذا سلم إلى المتولي أو صلى فيه بجماعة أما إذا لم يسلم ولم يصل بجماعة لم يصح عند أبي حنيفة ومحمد لأن التسليم عندهما شرط ولم يوجد وعند أبي يوسف صح لأن التسليم عند أبي يوسف ليس بشرط ولو صلى فيه واحد لم يصح التسليم عند أبي حنيفة لأن المسجد وضع لأداء الجماعة ولم يوجد وعند محمد صح لأن حكم المسجد وضع للأداء مطلقا وقد وجد
قوله : ويكره لأن حكم المسجد ثابت في الهواء والعرصة جميعا ولهذا قلنا : إن من قام على سطح المسجد وهو مقتدي بالإمام وهو خلفه صح اقتداؤه وكذا إذا صعد إليه المعتكف لا يبطل اعتكافه ولا يحل للحائض والجنب والنفساء الوقوف على سطح المسجد وهذا كله دليل على أنه لو حلف لا يدخل هذه الدار وهذا المنزل فقام على السطح حنث وقال الفقيه أبو الليث في الفتاوى : هذا في بلادهم أما إن كان الحالف من بلاد العجم لا يحنث ما لم يدخل الدار لأنهم لا يعرفون ذلك دخولا في الدار وعليه الفتوى
قوله : ولا بأس إلخ لأنه سطح البيت ولا يخلوا بيوت المسلمين عن هذا
قوله : ولا بأس بأن ينقش إلخ فيه دليل على أن المستحب غيره وهو الصرف إلى الفقراء وقال بعضهم : إنه يجوز ولا يستحب وهو الصحيح وعليه الفتوى وأما التجصيص فحسن لأنه تحكيم البناء بأن جعل البياض فوق السواد وهذا إن كان من مال نفسه فلا بأس ومن مال الواقف لا يستحسن لما فيه من التضييع حتى قالوا : يضمن المتولي
قوله : ويكره لأنه مصلى للناس فلا يصح منعه عن الناس لقوله تعالى : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } قال مشايخنا : لا بأس بالغلق في غير أوان الصلاة لأنه لا يؤمن على متاع المسجد (1/120)
{ باب زكاة المال والخمس والصدقات }
قوله : لم يكن عليه زكاة لما مضى تأويله أنه لم يكن له بينة فصارت له بينة بأن أقر عند رجلين وأصل هذا أن الدين المجحود والمال المفقود والعبد الآبق والمغضوب والضال إذا لم يكن له بينة فليس بنصاب عندنا وقال زفر والشافعي : هو نصاب لوجود السبب ولنا حديث علي : لا زكاة في مال الضمار أي غير منتفع به فلو كان المال مدفونا في مفازة فنسي مكانه فهو على هذا الخلاف وإن كان مدفونا في البيت فهو نصاب بالإجماع لأن طلبه متيسر عليه وإن كان في أرضه أو كرمه فقد اختلف مشايخنا فيه وإن كان الدين على مفلس وهو مقر به كان نصابا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد لا ذكر الطحاوي هذا الاختلاف
قوله : لم يكن للتجارة إلخ لأن النية هناك اتصلت بالعمل وهو ترك التجارة فاعتبرت وههنا النية لم تتصل بالعمل فلا تعتبر ولو اشترى شيئا ونواه للتجارة كان لها لأن النية اتصلت بالعمل وإن ورث شيئا ونواه للتجارة لم يكن لها لأن النية لم تتصل بالعمل وإن وهب له أو أوصى له أو ملكته المرأة بنكاح أو ملك الزوج بخلع أو صلح عن قود أو صدقة ونواه للتجارة لا يكون للتجارة
قوله : إلا امرأته إلخ لأنه لم ينقطع عن المؤدي حقه في هذه المواضع من كل وجه لأن المنافع بينهم متصلة فلم يخلص لله ( تعالى )
قوله : ولا عبدا قد أعتق بعضه وقال أبو يوسف ومحمد : يعطيه لأنه حر مديون عندهما
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ لحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود [ أنها أتت النبي صلى الله عليه و سلم وقالت : يا رسول الله إني أتصدق على زوجى أفتجزيني ؟ فقال ( عليه السلام ) : نعم ولك أجران : أجر الصلة وأجر الصدقة ] والصدقة المطلقة هي الزكاة ولأبي حنيفة أن المنافع بينهما متصلة والحديث محمول على صدقة التطوع
قوله : ولا يعطي ذميا لحديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن : [ خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم ]
قوله : ولا بأس به إلخ لأن الغناء للشرعي مقدر به إلا أن النماء شرط لوجوب الزكاة تيسيرا وليس بشرط لجريانها حتى لو ملك مالا تبلغ قيمته مائتي درهم هو فاضل عن حاجته الأصلية غير معد للتجارة لا تجب عليه الزكاة وحرمت عليه الصدقة ووجبت عليه صدقة الفطر والأضحية
قوله : أجزاك وقال زفر : لا يجزيه لحصول الأداء إلى الغني وإنا نقول : الغناء يحصل بعد الأداء فيكون حكما للأداء فلا يمنع الأداء
قوله : وأن تغني بها يريد به الإغناء عن السؤال في يومه ذلك
قوله : على ثلاثة أسهم ظاهر الآية وهو قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } أن سهام الخمس تكون ستة وإنما ذكروها ثلاثة لأن ذكر الله في الآية للتبرك كما أخرجه الطبراني عن ابن عباس والحاكم عن الحسن بن محمد بن علي وسهم الرسول صلى الله عليه و سلم سقط بموته لأنه كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده وسهم ذوي القربى كان بالنصرة فسقط بموته ولذا لم يعطهم الخلفاء الراشدون كما رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن ابن عباس كذا في حواشي الهداية
قوله : على ثمانية وعند أبي يوسف الفقراء والمساكين صنف واحد حتى قال في من أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين : إن لفلان نصف الثلث وللفريقين نصف الثلث وقال أبو حنيفة لفلان ثلث ثلث المال وللفقراء والمساكين ثلثان فجعلهما صنفين مختلفين وهو الأصح والفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل لأنه لم يجد شيئا وقد قيل على العكس وهذا على طريق الندب أما على طريق الجواز فيجوز صرفها إلى صنف واحد وقال الشافعي : يقسم الخمس على خمسة أسهم سهم للخليفة وسهم لبني هاشم والصدقات على سبعة حتما من كل صنف ثلاثة ولنا أن الأمر بالصرف إليهم كان على اعتبار أنهم مصارف لا أنهم مستحقون
قوله : ما يسعه وأعوانه لأن ما يستحقه أجرة من وجه صدقة من وجه لأنه عامل للمسلمين فيجب نفقته في بيت المال ولا تحل لبنى هاشم وإن كان عاملا ذكره الجصاص والكرخي لأن الشبهة في حقهم ملحقة بالحقيقة كرامة لهم (1/122)
{ باب زكاة السوائم }
قوله : وقال أبو يوسف إلخ هو يقول : إن النص ورد باسم الإبل والبقر والغنم وهو اسم جنس فيتناول الكل فتجب فيها الزكاة نظرا إلى الفقراء لكن وجبت واحدة منها دفعا للضرر عن المالك نظرا من الجانبين كما في العجاف وهما قالا : إن مطلق اسم الجنس لا يتناول هؤلاء لنقصان فلا يجب اعتبارا لليسر ولأن الواجب هي المسنة بقوله ( عليه السلام ) وعد منها السخلة : [ ولا تأخذها منهم ] وأنها غير موجودة في النصاب إلا إذا كان فيها واحدة مسنة فحينئذ يجب ويجعل الكل كبارا تبعا للمسنة
قوله : لا يثني عليهم لأن الإمام هو الذي ضيعهم حيث لم يحمهم لكن يفتي لأرباب الصدقات أن يعيدوا الصدقات ثانيا في ما بينهم وبين الله لأنا نعلم يقينا أنهم لا يصرفون الصدقات بمصارفها بخلاف الخراج لأنهم مصارف لأنهم مقاتلة فوصل الحق إلى المستحقين وقد قيل : إنه ينوي عند أخذ الخوارج الصدقات الصدقة عليهم وكذلك عند أخذ كل سلطان جائر لأنهم فقراء لأن هؤلاء لو حوسبوا بما عليهم لكانوا فقراء والأول أصح والأخذ به أحوط
قوله : من بني تغلب قال أكمل الدين في العناية شرح للهداية : هم نصارى تغلب من الروم قوم من العرب لما أراد عمر ( رضي الله عنهم ) أن يوظف عليهم الجزية فأبوا وقالوا : نحن من العرب نأنف من أداء الجزية فإن وظفت علينا الجزية لحقنا بأعداءك من الروم وإن رأيت أن تأخذ منا ما يأخذ بعضكم عن بعض فضعفه علينا فشاور الصحابة فصالحهم عمر ( رضي الله عنهم ) على ذلك وقال : هذه جزية سموها ما شئتم فوقع الصلح على أن يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين انتهى
وقال العيني في البناية شرح الهداية : بنو تغلب ( بفتح التاء وسكون الغين وكسر اللام ) بن وائل بن قاسط ابن وهنب : اختاروا في الجاهلية النصرانية : فدعاهم عمر رضي الله عنه إلى الجزية فأبوا وقالوا : نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض فقال : لا نأخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم فقال النعمان : يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس شديد فخذ منهم الجزية باسم الصدقة فبعث عمر في طلبهم وضعف عليهم وأجمع الصحابة على ذلك انتهى هكذا في الكفاية وغاية البيان والكافي وغيرها وقال صدر الشريعة في شرح الوقاية : تغلب ( بكسر اللام ) أبو قبيلة والنسبة إليها تغلبي ( بفتح اللام ) استيحاشا لتوالي الكسرتين وربما قالوا بالكسر هكذا في الصحاح وبنو تغلب قوم من مشركي العرب طالبهم عمر رضي الله عنه بالجزية فأبوا وقالوا : نحن نعطي الصدقة مضاعفة فصولحوا على ذلك فقال عمر : هذه جزيتكم فسموها ما شئتم انتهى وهكذا في المغرب وفيه نظر لا يخفى
قوله : ما على الرجل يعني تضعيف الزكاة لأن الواجب خراج في حق الآخذ زكاة في حق المأخوذ منه والزكاة على المرأة دون الصبي (1/125)
{ باب فيمن يمر على العاشر بمال }
قوله : أو أديت زكاته يريد به أديت أنا في المصر لأن هذا مال باطن في المصر ظاهر خارج المصر وله ولاية الأداء في المصر وللعاشر ولاية الأخذ خارج المصر
قوله : إلا إذا قال إلخ وقال الشافعي : يصدق لأنه أوصل الحق إلى المستحقين ولنا أن ولاية الأخذ في الأموال الظاهرة حق السلطان فلا يملك إبطاله والزكاة هو الثاني والأول ينقلب نفلا هذا هو الصحيح
قوله : إلا أن يعلم إلخ لأنه إذا لم يكن في تلك السنة مصدق آخر ظهر الكذب بيقين وإن كان في تلك السنة مصدق آخر ذكر محمد ههنا أنه يصدق إن حلف على ذلك وذكر في الأصل وشرط أن يأتي بخط البراءة ولم يشترط ههنا والمذكور ههنا الأصح لأن الساعي ربما لا يعطيه الخط وإن أعطاه ولكن ربما يضيع ولأن الخط يشبه الخط فلا يعتمد عليه
قوله : ولا يصدق إلخ لأن الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده يحتاج إلى الحماية لا محالة إلا في الجواري لأنهن صرن أمهات الأولاد بقوله فلم يبقين مالا والأخذ من عين المال واجب
قوله : إلا أن يكونوا إلخ إنما نفعل هكذا زجرا لهم ليتركوا الأخذ من تجارنا في المال القليل لأنهم لم يحموا تجارنا فعلينا أن لا نحمي تجارهم عند مرورهم عليه مرة بعد أخرى وحق الأخذ إنما يثبت لأجل الحفظ والحماية
قوله : أخذ منه العشر لحديث عمر رضي الله عنه قال في الحربي : يؤخذ منه ما يأخذون منا فإن أعياكم فالعشر فإن لم يأخذو منا شيئا لم نأخذ شيئا كيلا يأخذوا
قوله : حتى يحول عليه الحول بوجهين : أحدهما أنه يؤدي إلى إفناء المال فيعوده الأمر على موضعه بالنقض لأن حق الأخذ للعاشر لأجل الحفظ والثاني أن ولاية الأخذ إنما يثبت بإزاء الأمان والحربي ما دام في دار الإسلام فهو في حكم الأمان الأول
قوله : عشره أيضا لأنه لا يؤدي إلى إفناء المال والأمان متجدد وإذا حال الحول تجدد الأمان
قوله : لم يزك هذه المائة أي التي مر بها لأنه قليل وما في بيته لا يحتاج إلى حماية ليضم إليها
قوله : بضاعة هي أن يدفع المالك ماله إلى رجل ليتجر فيه والربح كله للمالك وللعامل الأجرة والمضاربة عقد شركة في الربح بمال من رجل وعمل من آخر بأن يقول المالك : دفعت إليك مالي على أن يكون الربح بيني وبينك نصفا أو ثلثا أو غير ذلك كذا في جامع الرموز وغيره
قوله : وكان مرة إلخ أي كان أبو حنيفة ( رحمه الله ) يقول أولا : يعشرها لأنها بمنزلة المالك في حق أداء الزكاة ثم رجع وقال : لا يعشرها لأنه ليس بمالك في أداء الزكاة
قوله : وقال أبو يوسف إلخ ذكر محمد في الأصل أنه لا يؤخذ من هؤلاء كلهم في الفصول الثلاثة عندهم جميعا
قوله : عشر الخمر أي من قيمتها وبأخذ نصف عشر قيمتها وقال الشافعي لا يعشرهما لفقد القيمة لهما لأن الخمر لا قيمة له عنده وكذا الخنزير وقال زفر : يعشرهما وقال أبو يوسف : إن مر بكل واحد منهما بانفراده فالجواب كما قال ههنا : إنه يعشر الخمر دون الخنزير وإن مر بهما جملة فكما قال زفر ولنا أن الفرق بين الخمر والخنزير من وجهين : أحدهما : أن الخمر من ذوات الأمثال وأخذ القيمة في ما له مثل من جنسه لا يكون في معنى المثل شرعا وليس بمثل له حقيقة فيتمكن أخذ القيمة من الخمور فأما الخنزير فليس من ذوات الأمثال وقيمة ما لا مثل له من جنسه مثل له شرعا وكان أخذ القيمة كأخذ العين وذلك
حرام وثانيهما : أن ولاية الأخذ للعاشر بسبب الحماية لأن بسبب الحماية يستحق عليه الكفاية إذ الأصل في الولاية ولاية المرء على نفسه ثم نتعدى إلى غيره عند جود شرط التعدي والمسلم له ولاية حماية خمر نفسه ليخللها ويتخلل بنفسها فيكون له ولاية حماية على خمر غيره عند وجود شرط التعدي وأما المسلم فليس له ولاية حماية خنزير نفسه حتى لو أسلم النصارى وله خنازير يجب عليه أن يسيبها ولم يحمها فلا يكون له ولاية الحماية على غيره وإذا لم يكن له ولاية الحماية لم يكن له ولاية الأخذ لأن ولاية الأخذ مسبب الحماية (1/126)
{ باب في عشر الأرضين وخراجها وخراج رؤوس أهل الذمة }
قوله : بصاع رسول الله صلى الله عليه و سلم كل صاع أربعة أمناء وهذا عندنا هو صاع أهل العراق وعند أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث رطل وروي عن أبي يوسف أنه رجع إلى هذا القول لهما أن العشر في معنى الزكاة فلا يجب من غير نصاب ولأبي حنيفة النصاب يعتبر ليصير المالك به غنيا وههنا لا حاجة إلى الغناء لأنه مؤونة الأرض والمؤونة تجب على المؤسر والمعسر ثم عندهما إنما يشترط خمسة أوسق في ما يدخل تحت الوسق : كالحنطة والشعير والذرة والزبيب ونحو ذلك وأما في ما لا يدخل تحت الوسق : كالقطن ونحوه فقال أبو يوسف ( رحمه الله تعالى ) : يعتبر فيه قيمة خمسة أوسق من أدنى الموسقات كالذرة ونحوها وقال محمد ( رحمه الله تعالى ) : يعتبر خمسة من أعلى ما يقدر به الناس كالقطن بالأحمال إذا بلغ خمسة أحمال كل حمل ثلاث مائة من والزعفران بالأمناء والعسل بالأفراق والفرق ستة وثلاثون رطلا
قوله : وليس في الخضراوات إلخ هذا عندهما ( رحمهما الله تعالى ) وعند أبي حنيفة ( رحمه الله تعالى ) فيها العشر لهما قوله ( عليه السلام ) : [ ليس في الخضراوات صدقة ] وله العمومات من غير فصل
قوله : لا يحسب فيه لأن النبي ( عليه السلام ) قال : [ ما سقته السماء ففيه العشر ومما سقي بغرب أو بدانية أو بسانية ففيه نصف العشر ] حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤونة فلو رفعت المؤونة لصار الواجب متفقا عليه
قوله : فهي على حالها سواء كانت الأرض أصلية في حكم التضعيف بأن ورثها من آبائه أو تداولته الأيدي بالشراء من التغلبي إلى التغلبي كذلك أو كان تضعيف العشر فيها حادثا بأن اشتراها مسلم أو ذمي وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف : إن أسلم التغلبي أو اشتراها منه مسلم يسقط التضعيف ويعود إلى عشر واحد سواء كانت أصلية في حكم التضعيف أو كان التضعيف حادثا وقال محمد : إن كانت أصلية بقيت على حالها كما قال أبو حنيفة وإن كان حادثا لا يثبت التضعيف ويعود إلى عشر واحد والصحيح أن التضعيف الحادث لا يثبت عند محمد
قوله : فأخذها أي مسلم بالشفعة فهو عشري لتحول الصفقة
قوله : ففيه العشر يريد به إذا سقاه من ماء العشر لأن مؤونة الأرض تدور مع الماء وإن سقاه بماء الخراج فهي خراجية
قوله : فعليه الخراج ويستوي فيها ماء العشر وماء الخراج لأن العشر عبادة والكفر ينافيها وعلى قياس قولهما ينبغي أن يفصل في الجواب فيجب الخراج في الماء الخراجي والعشر في الماء العشري لكن عند أبي يوسف يضاعف عليه العشر
قوله : بطل عنها الخراج لأنه بعد الزراعة تعلق بنماء حقيقي وقد ذهب بالآفة
قوله : بقدر ما تطيق لأنه لم يرو فيهما نص فاعتبرت الطاقة ونهاية الطاقة أن يكون الواجب نصف الخارج لا يزاد عليه والبستان كل أرض يحوطه حائط وفيها نخيل متفرقة وأشجار مثمرة ومن أصحابنا من قال : إن من له أرض الزعفران وزرعه فيها الحبوب وترك الزعفران من غير عذر يوضع عليه خراج الزعفران لأنه هو الذي ضيعه فصار كالذي عطل أرضه وكذا من انتقل إلى أمر آخر من غير عذر إذا انتقل إلى أخس الأمرين بأن كان له أرض كرم مثلا فقلعها وزرع فيها الحبوب فعليه خراج الكرم لأنه هو الذي ضيع الزيادة وهذا مما يعرف ولا يفتي به كيلا يطمع الظلمة في أموال الناس
قوله : الخراج لتمكنه من الزراعة يريد به إذا كان ما وراء عين القير والنفط أرض فارغة تصلح للزراعة
قوله : ففيه العشر لأن الخراج إنما يجب بنماء حقيقي أو تقديري والتقديري إنما يكون بالتمكن وههنا لا يتحقق فيتعلق بحقيقة الربع والمتعلق بحقيقة الربع هو العشر بالنص
قوله : المعتمل هو الذي يقدر على عمل يكون سببا لملك الدرهم وإن لم يحسن حرفة
قوله : ثمانية وأربعون وقال الشافعي ( رحمه الله ) : دينار أو اثنا عشر درهما من غير تفاوت لقوله ( عليه السلام ) لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : [ خذ من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معافير ] ولنا قضية عمر وحديث معاذ محمول على ما وقع عليه الصلح
قوله : الخراج وقال زفر : يضاعف عليه العشر اعتبارا بمولى الهاشمي في حق حرمان الصدقة ولنا أن المولي لا يلحق بالأصل في حق التحفيف كمولى القرشي فإن الخراج لا يجب على القرشي ويجب على مولاه (1/130)
{ باب في المعدن والركاز )
قوله : في المعدن والركاز المعدن اسم خاص لما في باطن الأرض بأصل الخلقة والكنز اسم خاص لما كان مدفونا من جهة العباد والركاز اسم مشتركة لهما وقيل : الركاز الكنز حقيقة والمعدن مجاز وقيل : الركاز الإثبات وهو المعدن حقيقة
قوله : قال : فيه الخمس لقوله ( عليه السلام ) : في الركاز الخمس أراد به المعدن ولأنه مال مغنوم كالكنز فيجب الخمس وأربعة أخماس لمالك الرقبة هذا إذا وجده في أرض مملوكة لأحد وإن وجده في أرض غير مملوكة لأحد وجب الخمس بالحديث وأربعة أخماس للواجد كالكنز فإن قيل : لو كان هذا المال مغنوما وجب أن يكون أربعة أخماس للغانمين إذا وجده في أرض غير مملوكة قلنا : إن هذا المال مغنوم في حق الخمس دون أربعة أخماسه كالكنز إذا وجد في أرض غير مملوكة لأحد يجب الخمس وأربعة أخماسه للواجد وهذا لأن المال كان مباحا قبل أخذ الغانمين والمال المباح إنما يملك بإثبات اليد كما في الصيد ويد الغانمين ثابتة على هذا المال حكما لا حقيقة فاعتبار الحكم وإن أوجب الملك للغانمين فاعتبار الحقيقة لا يوجب الملك
قوله : في داره وفي الأرض روايتان : في رواية هذا الكتاب فرق بين الأرض والدار وفي رواية الأصل سوى بينهما وقال : إنهما لا يخمسان أي لا خمس فيهما وقال أبو يوسف ومحمد : يجب الخمس وأربعة أخماس للمالك لهما الأحاديث المطلقة ولأبي حنيفة أن ما في الأرض من المعدن من أجزاء الأرض وقد ملك صاحب الدار والأرض الدار والأرض بجميع أجزائهما غير أن لا مؤونة في الدار وفي الأرض المؤونة فكذا في أجزائه إذ الجزء لا يخالف الكل
قوله : ركازا يريد به الكنز وهو لا يخلو إما أن كان على ضرب أهل الإسلام أو على ضرب أهل الجاهلية عرف ذلك فإن كان على ضرب أهل الإسلام فهو بمنزلة اللقطة وكل حكم عرفته في اللقطة ( من التعريف والتصدق على نفسه إن كان فقيرا أو على غيره إن كان غنيا ) فهو الحكم فيه وإن كان على أهل الجاهلية فهذا على وجهين : إن وجده في أرض مباحة غير مملوكة لأحد ففيه الخمس وأربعة أخماسه للواجد بلا خلاف كالمعدن وإن وجده في دار نفسه يجب الخمس بلا خلاف بخلاف المعدن في الدار عند أبي حنيفة لأن الكنز ليس من أجزاء الأرض بل هو موضوع فيها ولهذا لم يكن أربعة أخماسه لمالك الرقبة بالإجماع فلو وجبت فيه المؤونة وهو الخمس لم يصر الجزء مخالفا للكل ثم أربعة أخماسه عند أبي حنيفة ومحمد للمختط له وقال أبو يوسف : هو للواجد لأنه مباح سبقت يده إليها ولهما أن هذا المال مباح سبقت يد الخصوص إليه وهو يد المحتط له فيصير مالكا له كالمعدن إلا أن المعدن ينتقل بالبيع إلى المشتري لأنه من أجزاء المبيع والكنز لا ينتقل لأنه ليس من أجزاء المبيع
قوله : فهو للذي اختطها المختط له من خصه الإمام بتمليك هذه البقعة منه فإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك له في الإسلام كذا ذكره شيخ الإسلام السرخسي
قوله : رده عليهم لأن ما يوجد في الدار فهو في يد صاحب الدار على الخصوص فيعد التعرض له غدرا ولا كذلك الذي وجده في الصحراء
قوله : ولا في اللؤلؤ إلخ عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : فيها الخمس وكذلك كل حلية تستخرج من البحر فيه الخمس لأن عمر رضي الله عنه أخذ الخمس من العنبر ولهما أن باطن البحر ليس في أحد
قوله : وفيه الخمس يريد به إذا كان في أرض غير مملوكة لأحد لأن في كونه غنيمة هذا والذهب سواء (1/133)
{ باب صدقة الفطر }
قوله : نصف صاع من بر إلخ وقال الشافعي ( رحمه الله ) : من الحنطة صاع لحديث أبي سعيد الخدري : كنت أؤدي ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا ولنا حديث عبد الله بن ثعبلة الخشني أنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في أول يوم من رمضان فقال : [ أدوا عن كل حر وعبد وصغير وكبير وذكر وأنثى نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ] والأخذ به أحق لأنه تعديل في المعاني وحجتهما في الزبيب أن الزبيب مثل التمر وأنقص منه ولأبي حنيفة أنه يؤكل بجميع أجزائه فيشابه الحنطة
قوله : أو دقيق أو سويق هذا دليل على أن الأداء باعتبار النص دون المعنى لأن الاعتبار لو كان بالمعنى لتفاوت الدقيق مع الحنطة لاختلافهما فيه والأولى أن يراعى فيهما القدر والقيمة جميعا حتى لو كان منصوصا عليه يتأدى باعتبار القدر وإن لم يكن منصوصا عليه يتأدى باعتبار القيمة وفي الكتاب لم يشترط أن يكون قيمة نصف صاع من دقيق أو سويق قيمة نصف صاع من الحنطة بناء على الغالب (1/136)
{ باب صوم يوم الشك }
قوله : إلا تطوعا دل ما ذكره أن الوجوه كلها تكره إلا هذا والجملة فيه أنه لا يخلو إما أن نوى الصوم أو تردده وإذا تردد لا يخلو أن تردد في الأصل أو الوصف فإن نوى صوم رمضان يكره فإن ظهر أنه من رمضان يجزيه وإذا نوى عن واجب آخره يكره أيضا بدلالة عموم جواب الكتاب لكن هذا دون الأول في الكرهة فإن ظهر أنه من رمضان وقع الصوم من رمضان وإن ظهر أنه من شعبان اختلفوا فيه منهم من قال : يكون تطوعا ولا ينوب عن ذلك الواجب ومنهم من قال : ينوب عنه وهو الصحيح وإن نوى التطوع كره بعضهم والصحيح أنه لا يكره فإن وافق صوما كان يصوم قبل ذلك فالأفضل الصوم بالإجماع أما إذا تردد في النية فإن كان التردد في أصل النية لا يصير صائما لأنه وقع التردد في أصل النية وإن كان التردد في الوصف إن ظهر أنه من رمضان أجزاه وإن كان غير رمضان لم يجزه عن واجب آخره نواه (1/137)
{ باب من أغمي عليه أو جن والغلام يبلغ والنصراني يسلم والمسافر يقدم }
قوله : ليس عليه قضاءه الأعذار أربعة : ما لا يمتد يوما وليلة غالبا كالنوم فلا يسقط شيئا من العبادات لأنه لا يوجب حرجا وما يمتد خلفه كالصبا فيسقط الكل دفعا للحرج وما يمتد وقت الصلاة لا الصوم غالبا كالإغماء فإذا امتد في الصلاة جعل عذرا ولم يجعل عذرا في الصوم وما يمتد وقت الصلاة والصوم قد لا يمتد كالجنون فإذا امتد أسقطهما
قوله : قضاه لأنه نوع مرض يضعف القوى ويزيل الحجى ألا ترى إلى أن الأنبياء كانوا يبتلون بالإغماء دون الجنون ؟ فإنه منتف عنهم فيصير عذرا في التأخير دون الإسقاط
قوله : غير يوم تلك الليلة لأنه لا بد من النية لكل يوم لأنها عبادات متفرقة ألا ترى إلى أن فساد البعض لا تمنع صحة الباقي ؟
قوله : فعليه قضاءه وقد ذكرنا أن من أغمي عليه بعدما دخل أول ليلة من رمضان أنه يصير صائما في يوم تلك الليلة وإن لم تعرف فيه نية الصوم ولا الفطر لكن حملنا أمره على النية بناء على ظاهر أمره فلم يكن بد من التأويل في هذه المسئلة وتأويلها أن يكون مريضا أو مسافرا أو متهتكا اعتاد الفطر في رمضان حتى لا يصلح حاله دليلا على العزيمة وهذا مذهبنا وقال زفر : غير المريض والمسافر يصير صائما في رمضان بغير نية لأن المستحق هو الإمساك وقد وجد وإنا نقول : بلى يجب الإمساك ولا يصير الإمساك لله ( تعالى ) إلا بالنية ولم توجد
قوله : ولا قضاء عليه في ما مضى لعدم الوجوب ويصوم ما بقي لقيام السبب في حق الأهل
قوله : أجزاه وإن كان في رمضان فعليه أن يصوم لأنه زال المرخص وهو قادر عليه وإن كان بعد الزوال لم يلزمه ولو نوى لم يجزه لأنه وإن زال المرخص لكن الإمكان ليس بثابت (1/138)
{ باب فيما يوجب القضاء والكفارة وفيما لا يوجبه }
قوله : فلا شئ عليه هذا عندنا والقياس أن يقضي وبه أخذ مالك لوجود المنافي ووجه الاستحسان قوله ( عليه السلام ) لذلك الرجل الذي أكل أو شرب ناسيا : [ تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك ] أبقاه صائما هذا إذا كان ناسيا وإن كان مخطئا نحو : أن يمضمض فسبق الماء في حلقه أو مكرها فعليه القضاء عندنا خلافا للشافعي هو قاسه بالناسي وإنا نقول : بين الأمرين تفاوت لأن في أحد الأمرين العذر جاء من قبل من لا حق له والعذر الآخر جاء من قبل من له الحق وبينها فرق بعيد كمن صلى وهو مريض قاعدا ثم زال المرض لا يلزمه القضاء ومن صلى وهو مقيد قاعدا يلزمه القضاء
قوله : فعليه القضاء والكفارة أما القضاء في الفصلين فبلا خلاف وأما الكفارة في الفصلين فهو مذهبنا وقال الشافعي : في الأكل والشرب لا كفارة عليه وفي المواقعة الكفارة
قوله : دخل حلقه ذباب إنما لم يكن فيه شئ لأنه لم يوجد الفاطر صورة ولا معنى أما صورة فالمضغ والابتلاع وأما معنى فإصلاح البدن ولم يوجد ولهذا قال مشايخنا : من خاض في الماء فدخل الماء في أذنه لم يفطره وإن دخل الدهن فطره وإن صب الماء بنفسه في أذنه قال بعض مشايخنا : لا يفسده وهو الصحيح
قوله : فأمنى لا شئ فيه لأنه ليس باستمتاع بالنساء فصار كالاستمتاع بالكف وذلك لا يوجب فساد الصوم عند بعضهم وإن لمسها بشهوة فأنزل فعليه القضاء بالإجماع لأنه استمتاع بالنساء فكان مواقعة بالنساء معنى وإن لمسها ولم ينزل لم يفسد صومه
قوله : أو قلس إلخ إن قلس أقل من ملأ الفم فعاد بعضه وهو ذاكر لصومه لم يفسد وإن أعاده فسد صومه عند محمد لوجود الفعل منه وعند أبي يوسف لا لأنه ليس بخارج شرعا حتى لم يوجب انتقاض الطهارة وإنما يتصور الإدخال بعد الخروج والصحيح في هذه المسئلة قول أبي يوسف وإن قلس ملأ الفم فعاد بعضه فسد صومه عند أبي يوسف لأن ملأ الفم خارج وعوده بمنزلة صب الماء في جوفه وعند محمد لا لأن فعل الفطر لم يوجد صورة ولا معنى أيضا والصحيح في هذه المسئلة قول محمد وإن أعاده فسد صومه بالإجماع
قوله : أو أكل لحم إلخ وقال زفر : فيه القضاء لأنه أكل لحما مبتدأ ولنا أن القليل تابع للأسنان فصار بمعنى الريق والكثير لا والحد الفاصل أنه إن كان أقل من الحمصة فقليل وإذا كان مثله فصاعدا فهو كثير
قوله : نائمة أو مجنونة إلخ وقال زفر والشافعي : لا يجب عليهما القضاء لأنهما أعذر من الناسي ولنا أن الحكم بعذر الناسي ثبت نصا غير معقول المعنى فلا يتعدى إلى غيره
قوله : فأكل متعمدا سواء بلغه الحديث أو لم يبلغه لأن اختلاف العلماء في قبول الحديث أورث شبهة
قوله : بالغداة والعشي لأن الآثار جاءت بالندب إلى السواك من غير فصل
قوله : مضغ العلك فيه من التشبه بالفطر ولم يفصل بين وجوه العلك وقيل : هذا إذا علك مرة أما إذا لم يعلك ينبغي أن يفسد الصوم لأنه لا يؤمن من أن يدخل جوفه ماؤه وقيل : هذا إذا كان أبيض أما إذا كان أسود ينبغي أن يقضي الصوم وما ذكر ههنا إشارة إلى أنه لا يكره مضغ العلك لغير الصائم لكن يستحب للرجل تركه إلا من عذر بخلاف النساء (1/139)
{ باب من يوجب الصيام على نفسه }
قوله : يفطر ويقضي وقال زفر والشافعي : لا يقضي لأنه لم يصح نذره لأن المنذر به منهي عنه وإنا نقول : بلى هو منهي ولكن لغيره فلا يمنع صحة النذر
قوله : فعليه يمين هذه المسئلة على ستة أوجه : إن نواهما وهو النذر واليمين جميعا كانا نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : كان نذرا خاصة وإن نوى اليمين لا غير كان نذرا ويمينا وعندهما وقال أبو يوسف : كان يمينا خاصة وإن نوى اليمين ونوى أن لا يكون نذرا كان يمينا خاصة بالإجماع وإن نوى النذر لا غير أو نوى النذر وأن لا يكون يمينا أو لم ينو شيئا كان نذرا خاصة فالحاصل أن أبا يوسف أبى الجمع بين النذر واليمين لأن هذا الكلام للنذر حقيقة ولليمين مجاز والحقيقة مع المجاز لا يجتمعان تحت كلمة واحدة فإن نواهما فالحقيقة أولى بالاعتبار لأن الحقيقة معتبر في موضعه والمجاز معتبر في غير موضعه والشئ الواحد لا يكون في موضعه وفي غير موضعه وإن نوى اليمين لا غير تعين المجاز فلا تبقى الحقيقة مرادة ولهما أن في النذر معنى اليمين فإن فيه إيجاب الصوم على نفسه إلا أن في النذر إيجاب الصوم لنفسه وفي اليمين إيجاب الصوم لغيره وهو أن لا يصير هاتكا حرمة اسم الله ( تعالى ) وهذا المعنى لا ينافي النذر إلا أنه غير معتبر فإذا نواه فقد اعتبره فيلزمه الكفارة وهذا ليس جمعا بين الحقيقة والمجاز وإنما هذا عمل بالشبهين : كالهبة بشرط العوض بيع انتهاء هبة ابتداء والإقالة فسخ في حق العاقدين وبيع جديد في حق الثالث وليس طريقهما طريق الجمع بين الحقيقة والمجاز وإنما طريقهما العمل بالدليلين فكذا هذا
قوله : فلا شئ عليه وروى عن أبي يوسف ومحمد أنه عليه القضاء اعتبارا للشروع بالنذر كما في سائر الأيام وجه ظاهر الرواية المؤدي لم يجب حفظه فلا يجب القضاء بتركه (1/141)
{ كتاب الحج }
قوله : لا يجزيه وجمعوا على أن الإحرام يتأدى بالنائب حتى إذا أمر إنسانا بأن يحرم عنه إذا نام أو أغمي عليه فأحرم المأمور عنه صح حتى إذا أفاق واستيقظ وأتى بأفعال الحج جاز لأن الإحرام في معنى الإيجاب والإيجاب ليس بعبادة فلو أحرم إنسان فأغمي عليه وطافوا به حول البيت على البعير أو غيره وأوقفوه بعرفات ومزدلفة ووضعوا الأحجار في يده ورموا بها وسعوا به بين الصفا والمروة جاز أيضا لأن النية شرط لصحة الشروع في الإحرام لا لكل واحد من أفعال الحج وأفعال الحج يتحقق من المغمى عليه حسب تحققه من غيره فيصح الشروع ثم اختلفوا أن في الرفقة هل يكون إذنا وأمرا بالإحرام من كل واحد منهما لصاحبه إذا عجز عنه دلالة ؟ قال أبو حنيفة : يكون إذنا وأمرا وقالا : لا يكون إذنا وأمرا لأن الإنابة إنما يثبت دلالة إذا كان معلوما عند الناس والإذن بالإحرام عن غيره لا يعرفه كل فقيه فكيف يعرفه العامي
قوله : لم يجزهما من حجة الإسلام لأن الإحرام منهما انعقد نفلا فلا يتصور أن يكون ينقلب فرضا ولو جد الصبي الإحرام ولبى قبل الوقوف بعرفة جاز عن حجة الإسلام والعبد لو فعل ذلك لم يجزه لأن إحرامه لازم فلا يرتفع (1/144)
{ باب فيمن جاوز الميقات أو دخل مكة بغير إحرام }
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ وقال زفر : لا يبطل عنه الدم بالرجوع إلى ذات عرق لبى أو لم يلب وتأويل المسئلة إذا جاوز ذات عرق وأتى بستان بني عامر على عزيمة العمرة أو الحج زفر يقول : إن جنايته حصلت بأن جاوز الميقات بغير إحرام وبالعود لا يتبين أنه لم يكن جانيا كمن أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ثم عاد إليه بعد غروبها لا يسقط عنه الدم كذا ههنا وهما يقولان : بأنه تارك قضاء حق الميقات لا جان فإن عاد إليها محرما فقد تدارك حق الميقات في أوانه لأن حقه في مجاوزته محرما لا ملبيا بخلاف الإفاضة فإنه لم يتدارك المتروك في وقته
قوله : فعليه شاة لأن ميقات المكي في الحج الحرم فإذا لم يلب من الحرم فقد ترك حق الميقات كالخراساني إذا جاوز ذات عرق وهو يريد الحج بغير إحرام فعليه دم كذا ههنا
قوله : فلا شئ لأنه كالآفاقي إذا جاوز الميقات وهو لا يريد دخول مكة فالفصلان سواء
قوله : فعليه دم لأنه لما خرج من الحرم كان حكمه حكم المكي فإذا أحرم خارج الحرم فقد أدخل نقصا في إحرامه
قوله : فله أن يدخل مكة بغير إحرام لأنه صار منهم ولهم أن يدخلوا مكة بغير إحرام فكذا له ووقتهم البستان فكذا وقته
قوله : ووقته البستان وهذا هو الحيلة لمن أراد دخول مكة من أهل الآفاق بغير إحرام كذا في الكافي وهو مشكل لأن من أراد دخول مكة من أهل الآفاق لا يحل له التجاوز من الميقات بغير إحرام
قوله : رجل دخل إلخ ليس للآفاقي أن يدخل مكة بغير إحرام سواء أراد دخولها لحاجة أو لزيارة البيت بل يلزمه إما حج أو عمرة فلا يدخل إلا محرما بأحد هذين الأمرين وهذا مذهبنا وقال الشافعي : إن دخلها لحاجة لا يلزمه الإحرام لأن الدخول دون السكنى وليس على ساكني مكة إحرام أبدا فلأن لا يلزم الداخل أولى وإنا نقول : بأن هذه بقعة معظمة فلا يسقط تعظيمها بحال فكان تعظيمها لازما وأما إذا كان تعظيمها لازما كان تعظيم ما يقع به قضاء حقها لازما أيضا وذلك إما الحجة أو العمرة بخلاف أهل مكة ومن كان منزله ما وراء الميقات لأنهم تبع للحرم فصار ذلك حظهم في التعظيم فصاروا كأنهم فيه إذا ثبت هذا فنقول : إذا جاوز الآفاقي الميقات ودخل مكة بغير إحرام لزمه إما حج أو عمرة لدخول مكة فإن خرج وعاد إلى الميقات فأحرم بحجة كانت عليه أجزته عما لزمه لدخول مكة عندنا وقال زفر : لا يجزيه لأنه لزمه أحد النسكين فلا ينوب به حجة الإسلام عما لزمه كما لو تحولت السنة وجاءت سنة أخرى وإنا نقول : إنه تلافى التفريط في وقته فيخرج عن حد التفريط بخلاف ما لو تحولت السنة لأنه لم بتلاف التفريط في وقته
قوله : أجزاه كما إذا نذر أن يعتكف شهر رمضان هذا فإنه يتأدى بصوم رمضان هذه السنة وإذا لم يعتكف في شهر رمضان الذي نذر فيه الاعتكاف حتى جاء رمضان العام الثاني فصامه فاعتكف فيه قضاء عما عليه لا يجوز اعتكافه لأنه لما لم يعتكف في رمضان الأول صار الصوم مقصودا فلا يتأدى إلا بصوم مقصود فكذا هذا
قوله : وليس عليه دم لأنه بالإفساد لزمه دم القضاء فقام القضاء مقام الأداء وقد أحرم في القضاء عن الميقات فصار آتيا بما عليه
قوله : لترك الوقت توضيحه أنه قد لزم على من جاوز الميقات دم لما تقرر أنه إذا جاوز الآفاقي ميقاته بغير إحرام الحج أو العمرة لزمه دم تعظيما لحق الحرام فإذا جاوز الميقات فأحرم بعمرة ما وراء الميقات فإن كان يمضي فيها ولم يفسدها يبقى عليه الدم على حاله وأما إذ أفسدها فحكمه أنه يمضي فيها كما إذا أفسد الحج فإنه يقضيه في السنة الأخرى ويمضي في ذلك الحج فكذلك العمرة إذا أفسدها لا بد له أن يمضي فيها ويقضيها من عام قابل أو من تلك السنة فإذا أراد قضاءها وأحرم بالقضاء من الميقات قام القضاء مقام الأداء ويسقط عنه الدم الواجب بالمجاوزة عن الميقات لأنه إذا قضاها بإحرام الميقات ينجبر به ما نقص من حق المجاوزة بغير إحرام فيسقط عنه الدم فإن قلت : ينبغي أن لا يسقط عنه الدم لأنه وجب بسبب المجاوزة بغير إحرام وهو لم يسقط قلت : هب لكن لما كان القضاء قائما مقام الأداء صار حكمه حكمه فكأنه لم يجاوز ونظيره من سهي في الصلاة ثم أفسدها ثم قضاها سجد عنه ما وجب عليه بالسهو السابق (1/145)
{ باب في تقليد البدن }
قوله : قلد صفة التقليد أن يربط على عنق دابته قطعة نعل أو لحاء شجرة ( أي القشر ) أو قطعة أديم أو شراك نعل
قوله : أو جزاء صيد بأن قتله حتى وجبت عليه قيمته فاشترى بتلك القيمة بدنة في سنة أخرى وقلدها أو قتل الحلال صيد الحرام فاشترى بقيمته بدنة
قوله : فقد أحرم لأن التقليد محتمل فإذا توجه تبين أنه من شعائر الحج كالتلبية فالنية اتصلت بفعل هو من خصائص الإحرام
قوله : إلا بدنة المتعة لأن هذا الهدى نسك من مناسك الحج وضعا وأصلا فجعل الاستقبال بمنزلة اللحوق به
قوله : ويكره الإشعار لأنه مثلة وهو منهى عنه وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي : يحتمل أن يكون إنما كره أبو حنيفة الإشعار المحدث وهكذا روى الطحاوي أن أبا حنيفة إنما كره إشعار أهل زمانه وهو المبالغة في البضع على وجه يخاف منه السراية بالتلف فسد الباب عليهم بالكراهية فإن لم يجاوز عن حد الجرح فهو حسن أو كره إيثاره على التقليد كما كره إيثار نكاح الكتابية على المسلمة فإنه مكروه كذا ههنا والإشعار لغة هو الإدماء بالجرح وتفسيره عند أبي حنيفة الطعن بالرمح من أسفل السنام من قبل اليسار وقال الشافعي : من قبل اليمين وكل ذلك مروي من رسول الله صلى الله عليه و سلم والأشبه من قبل اليسار
قوله : ومن الغنم لقوله ( تعالى ) في دم الإحصار والمتعة : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وهو في التفسير شاة وقال الشافعي : البدن من الإبل خاصة ومذهبنا حديث ابن عباس حين سئل عن ذلك فأوقع الأمر عليهما
قوله : إلا الجذع العظم من الضأن لحديث أبي هريرة : أنالنبي ( عليه الصلاة و السلام ) جوز الأضحة بالجذع من الضأن وهو اسم لما أتى عليه أكثر السنة والثني من الإبل الذي تم عليه خمس سنين ومن البقر ما أتى عليه سنتان وطعن في الثالثة ومن المعز ما أتى عليه سنة وطعن في الثانية والضأن اسم جنس يتناول الكبش والنعجة والمعز بتناول العنز والتيس (1/148)
{ باب في جزاء الصيد }
قوله : فإن شاء أهدى إلخ وعند محمد والشافعي الخيار في الجزاء إلى الحكمين وهما يقولان : إن الاختيار شرع رفقا فوجب أن يتفرد به وإنما التحكيم لمعرفة القيمة فإن اختار التكفير بالهدى عندهما أو اختار الحكمين عند محمد والشافعي وأجمعوا أن المماثلة بين الصيد والهدى معتبر فبعد هذا فالمسئلة على وجهين : إما أن يكون الصيد له مثل النعم في المنظر والخلقة : كالنعامة وحمار الوحش والظبي والأرنب أو لا يكون له مثل : كالحمامة والعصفور فإن كان مثل يعتبر المماثلة بين الصيد والنعم بالإجماع واختلفوا في كيفية المماثلة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : يعتبر المماثلة بينهما من حيث المعنى وهو القيمة لا من حيث المنظر والخلقة حتى إذا كان الهدى مثله في القيمة يجوز وإن كان دونه في المنظر والخلقة ولو كان على العكس لا يجوز وعند محمد والشافعي يعتبر المماثلة من حيث الخلقة والمنظر فيكون في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي الضبع شاة وفي الأرنب عناق فأما إذا لم يكن له مثل من النعم واختار التكفير بالهدى عندهما أو الحكمين عند محمد يعتبر المماثلة بين الصيد والهدى من حيث المعنى وهو القيمة بالاتفاق فيقوم الصيد في المكان والوقت الذي أصابه
قوله : أجزاه من الطعام يريد به إذا تصدق باللحم وفيه وفاء بقيمة الطعام لأن أداء الواجبات بالقيمة جائز عندنا وإنما لم يجزه من الهدى لأن هذه الأفعال لم تعرف قربة إلا في مكان مخصوص أو زمان مخصوص فإذا انعدم الزمان يتعين المكان وهو مكة
قوله : ليس عليه إلخ لأنه ميتة وحرمة تناول الميتة ليس من محظورات الإحرام فصار بمنزلة ما لو شوى بيضا أو جرادا أو قلع شجرة من الحرم فضمنه ثم يتناول منها المحرم لم يلزمه شئ ولم يحرم عليه أيضا ولهذا لو أكل منه محرم آخر لا شئ عليه بالاتفاق فهذا كذلك ولأبي حنيفة أنه تناول محظور إحرامه فيضمنه كما لو قلع شجرة من الحرم
قوله : فعليه الجزاء لأن قلع الشجرة من محظورات الإحرام وأما البيض فلأن بيض الصيد إذا لم يكن مذرة فهو أصل الصيد فيكون حكمه حكم الصيد ما لم يفسد فيكون من محظورات الإحرام وهو إما تلطه فيلزمه الجزاء وأما اللين فلأنه من جملة الصيد لأنه يتولد من عين الصيد وأما الجراد فإنه صيد أيضا ولذا لا يمكن أخذه إلا بحيلة
قوله : جاز لأنه لم يصر حراما بما وضع لكن يكره بخلاف بيع الصيد بعد الذبح لأنه صار بمعنى الميتة
قوله : فعليه جزاؤه إلخ أما الجزاء فلأنه صيد وقد حرم عليه قتل الصيد بالإجماع وعدم المجاوزة مذهبنا وقال زفر : يجب قيمته بالغة ما بلغ اعتبارا بالصيد المأكول ومذهبنا مأخوذ من قوله ( عليه السلام ) : [ السبع صيد وفيه شاة ]
قوله : فعلى كل واحد منهما إلخ لأن جزاء الفعل يتعدد بتعدد الفاعل فإن قتله حلالان فعليهما جزاء واحد لأنه ضمان محل والمحل لا يتعدد
قوله : ضمنه له وقال أبو يوسف ومحمد : لا يضمن لأنه أقام حسبة فلا يكون عليه عهدة كما لو أخذه حالة الإحرام فأرسله إنسان من يده ولأبي حنيفة أن الإرسال ليس بواجب عليه إنما الواجب ترك التعرض ويمكنه ترك التعرض بدون الإرسال على وجه لا ينقطع يده عن الصيد على وجه لا يؤد إلى تفوية ملكه بأن يخليه في بيته
قوله : لم يضمن لأنه لم يملك لأن صيد البر لم يجعل محل التملك في حق المحرم بالنص فبالإرسال لم يكن متلفا ملكه فلا يضمن
قوله : فعلى كل واحد إلخ لأن الأول فوت الأمن والثاني قرر الفوات ثم الآخذ يرجع على القاتل بما يضمن عندنا خلافا لزفر
قول : فليس عليه أن يرسله لأن الواجب ترك التعرض له وذلك بإزالة اليد الحقيقي لا بإزالة ملك الرقبة
قوله : فلا شئ عليه لأنها من الدواجن وهي التي تعلف في البيوت فصار بمنزلة النعم والحرام هو الصيد
قوله : فعلى الدال الجزاء هذا عندنا وعند الشافعي لا يجب عليه الجزاء لأن الجزاء لا يجب إلا بالقتل وهو كالحلال إذا دل حلالا على قتل صيد الحرم فإنه لا ضمان على الدال ووجه الفرق لأصحابنا أن صيد الحرم إنما أمن بالحرم وتر التعرض بناء عليه فكان ضمانه بمنزلة ضمان أموال الناصر وأموال الناس لا تضمن بمجرد الدلالة إلا بعقد يعقده كالمودع إذا دل سارقا على سرقة الوديعة فإنه يضمن وأما الصيد في حق المحرم فإنما أمن بعقده لأنه بالإحرام التزم الأمان ووجوب الضمان عند التعرض فإنما يلزمه بالتزامه وجوب الجناية عليه
قوله : فعليه جزاؤهن لأن الفرع ساوى الأصل في علة الضمان وهو إثبات اليد على صيد الحرم فيساويه في الحكم
قوله : لم يكن إلخ لأنه بأداء الضمان خرجت الأم من أن يكون الأولاد صيد الحرم
قوله : فلا شئ عليه لأن هذه الأشياء ليست بصيود ولا هو من قضاء التفث
قوله : أطعم شيئا لأنه من التفث وقال ههنا : أطعم شيئا وقال في الأصل : تصدق بشئ ويثبت بما قال ههنا أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وأن لا يشبع (1/150)
{ باب المحرم إذا قلم أظافيره أو حلق شعره }
قوله : في محرم حلق إلخ وقال أبو يوسف ومحمد : عليه في هذه الصورة صدقة لأن مواضع المحاجم لا تحلق لإزالة التفث إنما تحلق لأجل المحاجمة والحجامة ليست من محظورات الإحرام فلا يكون هذا الحلق من المحظورات ولكن مع هذا فيه إزالة شئ من التفث فيلزمه الصدقة وهو إطعام مسكين نصف صاع اعتبارا بحلق بعض الشعر الذي على الصدر ولأبي حنيفة أن هذا حلق مقصود لأمر مقصود فشابه حلق الإبطبين
قوله : أو أدهن بزيت إلخ لهما في هذا أنه جناية قاصرة فيضمن بالطعام وله أنه يعمل عمل الطيب وأنه يؤكل فشابه الزعفران والمحرم إذا استعمل الزعفران يجب عليه الدم فكذا ههنا
قوله : فعليه دم لوجود الربع صورة فصار بمنزلة ما إذا كان من يد واحدة ولهما أن الربع إنما ألحق بالكل لكمال المعنى وهو الرفق ولا كمال عند الافتراق بل يتأذى به
قوله : فعليه دم لأنه مرتفق من كل وجه لأن حلق بعض الرأس وبعض اللحية هو المعتاد لأن من عادة العرب أنهم يمسكون شعورهم وإنما يحلقون النواصي والأتراك يحلقون الأجزاء المتفرقة التي ورد الشرع بالنهي عنها وكذا الأخذ من اللحية معهود بالعراق وأرض العرب وإنما يؤخذ منه الربع وما يشبهه فكان هذا أمرا معهودا يتم به رفقهم فألحق بالكل وهذا مذهبنا وقال مالك : لا يجب إلا بحلق الكل وقال الشافعي : يجب بالقليل وإن أخذ ثلاث شعرات ومن مشايخنا من حمل على اختلافهم في مقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء وهذا غلط لأن النص هناك لا يتناول الرأس وإنما يتناول شيئا منه وهذا يتناول الكل لأنه ورد بحلق الرأس ولكن اختلفوا أن البعض هل يعمل عمل الكل أم لا ؟
قوله : حكومة عدل يريد به أنه ينظر أن هذا المأخوذ كم يكون من ربع اللحية فيجب عليه بقدره من الصدقة حتى لو كان المأخوذ ربع اللحية يجب عليه قيمة ربع ربع الشاة ثم ذكر الأخذ ولم يذكر الحلق لأن حلق الشارب بدعة عند بعض العلماء وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار أن حلقه سنة
قوله : وإن حلق الإبطين إلخ ذكر النتف في الإبط في الأصل والحلق ههنا فدل على أنه لا حرمة في الحلق وأن السنة هو النتف فالعمل بالسنة أحق ذكره في الكتاب
قوله : عضوا يريد بذلك الصدر والساق والعانة لأن ذلك مقصود بالتنور
قوله : أطعم ما شاء وقال الشافعي : لا شئ عليه لأنه ليس بارتفاق ولنا أن المرء يتأذى برؤية تفث غيره كما يتأذى برؤية تفث نفسه فكان فيه أصل رفق وإن لم يتكامل
قوله : فليس عليه شئ لأن الجماع محظور إحرامه والجماع قضاء الشهوة بالاجتماع ولم يوجد
قوله : فعليه دم لوجود قضاء الشهوة بالاجتماع لكن لا يفسد به الحج لأنه ليس بارتفاق كامل وكان كقتل الصيد وما ذكره في الأصل ولم يشترط الإمناء فصار في المسئلة روايتان
قوله : قال : لا يفترقان وقال مالك : إذ أخرج كل واحد منهما أخذ كل منهما طريقا آخر بحيث لا يرى أحدهما صاحبه ما لم يفرغا من الحج وقال زفر : عليهما أن يتفرقا إذا أحرما وقال الشافعي : إذا انتهيا إلى المكان الذي جامعا فيه أخذ كل واحد طريقا آخر حتى يجاوزا ذلك الموضع وهذا كله باطل لأن كل ما لا يكون نسكا في الأداء لا يكون نسكا في القضاء
قوله : رأسه وقال في الأصل : خضبه رأسه ولحيته بالحناء وأفرد الرأس ههنا فثبت أن كل واحد منهما مضمون ثم هذا كله على وجهين : إما أن يخضب بالمائع منه حتى لم يصر ملبدا أو كان غير مائع حتى صار ملبدا فإن لم يكن ملبدا فعليه دم لأنه طيب كامل وإن كان ملبدا يجب عليه أن يكون دمان : دم للطيب ودم لتغطية الرأس (1/154)
{ باب في الإحصار }
قوله : في الإحصار هو كما يكون بالعدو يكون بالمرض عندنا وعند الشافعي لا يكون إلا بالعدو لأن المراد بالإحصار في كتاب الله هو العدو ألا ترى إلى قوله : { فإذا أمنتم } ولنا أن المراد بالآية المرض كذا قال أهل اللغة : إن الحصر بالعدو والإحصار بالمرض قوله تعالى : { فإذا أمنتم } قلنا : ذلك سائغ في المرض
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ هذا بناء على أن إراقة الدم هل يتوقت بيوم النحر أم لا عند أبي حنيفة لا بل يجوز تقديمه على يوم النحر فيتصور أن يزول العذر فيدرك الحج ولا يدرك لهدى فإذا كان كذلك كان عذرا لأنه إذا نحر عنه تحلل ضرورة وعندهما يتوقف بيوم النحر فمتى أدرك الحج أدرك الهدى
قوله : هديه إلخ هذا الدم يتوقف على الحرم كدم المحصر بالحج ولا يتوقف بيوم النحر بالإجماع لعدم اختصاص العمرة بوقت ويكره أداءها في أيام الحج فكيف يتوقف على يوم النحر
قوله : لم يكن محصرا لأن ما هو الركن الأصلي قد صار مؤدي وقد حل له كل شئ إلا النساء فهذا دون امتداد أصل الإحرام فلم يصح التحلل بالدم عما بقي (1/156)
{ باب في التمتع }
قوله : فهو متمتع أما إذا اتخذ بمكة دارا فلأنه ترفق بنسكين في سفر واحد في أشهر الحج وأما إذا اتخذ البصرة دارا فكذلك وذكر الطحاوي أن هذا قول أبي حنيفة أما على قولهما لا يكون متمتعا لأن صورة التمتع أن يكون عمرته ميقاتية وحجه مكية وهذا قد أحرم لكل واحد منها من الميقات فلا يكون متمتعا وذكر الجصاص أنه لا خلاف فيه وهو قول الكل كما ذكرنا ههنا ووجهه أن شبهة السفر الأول قائمة ما لم يعد إلى وطنه فوجب الدم نسكا لأن الأصل في العبادة هو الإيجاب احتياطا
قوله : وقالا : هو متمتع لأنه ابتداء سفر وقد حصل له نسكان في هذا السفر فيكون متمتعا كما لو رجع إلى أهله ثم اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه ذلك فهو متمتع بخلاف ما إذا اتخذ مكة دارا لأنه مكي ولا تمتع لأهل مكة ولأبي حنيفة أن السفر الثاني بناء على السفر الأول وبذلك إذا أتى بالعمرة والحج لا يكون متمتعا لأن حكم السفر ينتهي بالعمرة الفاسدة وصارت مكة مصرا له فصار معتمرا من مكة ولا تمتع لأحد من مكة فكذا هذا
قوله : ويسقط عنه دم المتعة لأنه ليس بمتمتع لأن المتمتع من حصل له حجة وعمرة في سفر واحد ولم يحصل فلم يكن عليه دم
قوله : فليس بمتمتع لأن التمتع لا يتحقق من أهل مكة لأنه يلم بأهله في ما بين ذلك إلماما صحيحا وهو المفسد للتمتع
قوله : والقرآن أفضل هذا عندنا وقال الشافعي : الإفراد أفضل وهذا بناء على أصل وهو أن القارن يطوف عندنا طوافين ويسعى سعيين وعنده طوافا واحدا وسعيا واحدا فعندنا القرآن عزيمة وعنده رخصة والدم واجب بالإجماع لكن عندنا بطريق الشكر لحصول النسكين في سفر واحد وعنده لجبر النقصان المتمكن بسبب الجمع وجه قوله أن النبي ( عليه الصلاة و السلام ) أفرد بالحج عام حجة الوداع
قوله : ولنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اختار القرآن فإنه صح أنه كان قارنا وبذلك أمر عليا رضي الله عنه كما قال ( عليه السلام ) : [ أتاني آت من ربي وأنا بعقيق فقال لي جبرئيل : صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل : لبيك بحجة وعمرة معا ] وما رواه ليس بحجة لأنه ( عليه السلام ) كان يلبي بهما تارة وبإحداهما أخرى وليس على المحرم أن يسمي في تلبيته ما أحرم به لا محالة فمن سمعه يقول : لبيك بحجة ظن مفردا ومن سمعه بحجة وعمرة عرف حاله حقيقة على سبيل التيقن فكان الأخذ باليقين أولى
قوله : فما عجل إلخ يعني به تعجيل الإحرام للحج بعد الفراغ من العمرة لأن الوصل بينهما أفضل فما كان أقرب إلى الوصل كان أفضل
قوله : لم يجزه الثلاثة لأن المتمتع يلزمه الدم فإن لم يجد يلزم صوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع قال الله ( تعالى ) : { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } ولم يوجد الصوم في الحج
قوله : أجزته لأنه صام في الحج لأن العمرة قد صحت وهي الحجة الصغرى على ما قال النبي ( عليه الصلوة والسلام ) : [ العمرة حجة صغرى ]
قوله : لم تجزها من المتعة لأنه وجب عليها الدم بسبب التمتع والأضيحة غير هذا الدم فلا يسقط بها عنها هذا الدم (1/157)
{ باب في الطواف والسعي }
قوله : في جوف الحجر هو ( بالكسر ) موضوع من البييت حجره قريش من البيت حين بنو الكعبة لما قصر بهم النفقة ولذا سمي بالحجر ويسمى بالحطيم أيضا وهو قدر خمسة أو ستة أو سبعة أذرع على اختلاف الروايات في صحيح مسلم وغيره وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة ( رضي الله عنها ) : [ لولا حدثان قومك بالجاهلية لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين وأدخلت الحجر ] وقد بناه عبدالله بن الزبير رضي الله عنه كذلك في زمان خلافته لما سمع الحديث من عايشة ولما قتله الحجاج أعاد البناء السابق وبقي إلى الآن عليه فلما كان الحطيم من البيت يجب الطواف وراءه وإذا لم يفعل يجب عليه الإعادة وتفصيل هذه المباحث موكول إلى السعاية في كشف ما في شرح الوقاية
قوله : فإن كان بمكة أعاد لأن الطواف يجب أن يكون وراء الحجر لأن الطواف واجب بالبيت بالنص والحجر من البيت فيجب الطواف وراءه فإذا لم يكن وراءه فقد أدخل نقصانا في طوافه فيعيد كل الطواف حتى يصير آتيا بكمالها
قوله : فعليه دم لأنه أدخل نقصانا في طوافه لأنه ترك شيئا قليلا منه وهو قريب من الربع ونقائص طواف الحج تجبر بالدم كما أن نقائص الصلاة تجبر بالسجدة
قوله : فعليه دم لأن الطواف على غير وضوء جاز مع النقصان لأن الطهارة في الطواف واجبة وبترك الواجب يتمكن النقصان لكن النقصان لما خف أشبه بترك شوط أو شوطين من الطواف الواجب
قوله : عليه دم واحد وهذا بناء على أن طواف الجنب واجب الإعادة لأنه أقرب إلى العدم فوجب نقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأن النية في الابتداء حصلت لأداء أركان الحج على الترتيب الذي شرعت فهو وإن نوى الصدر بطلت نيته على خلاف الأول لأنها تعتبر عند الأداء فوجب صرفه إلى ما عليه وإذا صرف إلى ما عليه صار مؤخرا طواف الزيارة عن أيام النحر فصار تاركا طواف الصدر فيجب دم بترك طواف الصدر بالاتفاق ويجب بتأخير الركن دم آخر عند أبي حنيفة وعندهما لا يجب للتأخير شئ لأن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن من ذبح قبل الرمي فقال : [ ارم ولا حرج وما سئل يومئذ عن شئ إلا قال : افعل ولا حرج ] وله أن التأخير عن المكان مضمون فكذا التأخير عن الزمان
قوله : فقد أساء يريد به القارن لأنه ترك السنة المتوارثة لأن السنة المتوارثة أن يرتب طواف الحج على سعي العمرة فإذا لم يرتب فقد ترك السنة ولكنه غير واجب فلا يلزمه الدم
قوله : فليس عليه إلخ لأنه وجب على الصادر وهو ليس بصادر وهذا إذا اتخذ مكة دارا قبل النفر الأول والنفر الأول بعد يوم النحر بيومين فأما إذا حل النفر الأول فقد لزمه طواف الصدر فلا يبطل باختياره السكنى
قوله : ولا شئ عليه لأن النقص يرتفع بالإعادة وإذا أعاد الطواف أعاد بالسعي وإن لم يكن السعي محتاجا إلى الطهارة في الابتداء لأنه تبع للطواف فلا يكون له حكم نفسه فإذا أعاد الأصل لزمه إعادة التبع فإذا أعاد الطواف ولم يعد السعي كان عليه دم لأن بالإعادة يجعل المؤدي كأن لم يكن من وجه فيبقى السعي قبل الطواف فلو رجع إلى أهله ولم يعد فعليه دم وقد تحلل أما التحلل فلأنه لما قل النقصان لم يمنع الاعتداد بالطواف وأما الدم فلإدخال النقص في طواف العمرة وليس عليه في السعي شئ وإن كان لزمه إعادة السعي (1/160)
{ باب في الرجل يضيف إلى إحرامه إحراما }
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ هما يقولان : لما لزمه رفض أحدهما لما أن الجمع في حق المكي غير مشروع فالعمرة أولى بالرفض لأنها أخف مؤنة ولأبي حنيفة أن الأداء اتصل بالعمرة ولم يتصل بالحج فكان رفض العمرة رفضا للمؤدي ورفض الحج امتناعا عن الأداء والامتناع أيسر وهذا إذا طاف شوطا واحدا وإن طاف شوطين أو ثلاثة أشواط فما لم يطف أكثر الطواف فهو على هذا الاختلاف وإن طاف أكثر الطواف للعمرة رفض الحج بالإجماع وإن مضى فيهما أجزاه لأنه تحقق منه الأداء وإن كان منهيا عنه وعليه دم بإدخال النقص بارتكاب المنهى عنه
قوله : وعليه دم قصر أو لم يقصر إلخ أما إذا قصر فلأنه لما لم يحلق في الأولى صار جامعا بين إحرامي الحج فبالتقصير يتحلل عن الأولى وإن لم يقصر فعند أبي حنيفة يلزمه ويجب الدم بسبب تأخير الحلق في حق الإحرام الأول وعلى قولها لا يجب بسبب التأخير شئ ومحمد ذكر التقصير مكان الحلق
قوله : رجل فرغ إلخ وجه لزوم الدم أن بالجمع بين إحرامي العمرة صار مدخلا للنقص منهما فصار ضامنا بالدم فذكر في الجمع بين إحرامي العمرة رواية واحدة وفي الجمع بين إحرامي الحج روايتين وجه الرواية التي سوى فيها بين الحج والعمرة أن الجمع بين إحرامي الحج غير مشروع كما أن الجمع بين إحرامي العمرة غير مشروع ثم إذا جمع في العمرة صار مدخلا للنقص فيهما فكذا إذا جمع بين إحرامي الحج وجه الرواية التي فرق ( وهو رواية هذا الكتاب ) أن في الحج لا يصير جامعا بين الإحرامين في الأفعال لأنه لا يؤدي أفعال الحجة الأخرى في هذه السنة وإنما تؤدى في السنة الثانية فلا يصير جامعا بينهما في الفعل وأما في العمرة فيصير جامعا بينهما في الفعل لأنه يؤدي العمرة الثانية في هذه السنة والحلق الواحد يكفي للخروج عن الإحرامين
قوله : فهو رافض لأن الجمع بينهما قد صح وصار قارنا ولكنه أساء وأخطأ السنة هكذا ذكر في الأصل لأن السنة إدخال الحج على العمرة بالنص ولأن في الأداء تقدم أفعال الحج على أفعال العمرة فكذلك في الإحرام إلا أن ههنا فصح الالتزام لأن الترتيب إن فات في حق الإحرام لم يفت في حق الأفعال وكان يجب عليه تقديم أفعال العمرة على أفعال الحج فإذا وقف بعرفة يتعذر عليه أداء أفعال العمرة فصار رافضا للعمرة فإن توجه إلى عرفات لم يكن رافضا حتى يقف لأن القارن والمتمتع أمر بتقديم أفعال العمرة على أفعال الحج والإمكان باق ذكر الطحاوي أن القياس على قول أبي حنيفة أن يكون للعمرة رافضا بالتوجه إلى عرفات كمن صلى الظهر ثم سعى إلى الجمعة ولكنه استحسن ههنا وقال : لا يصير رافضا والفرق هو أن مصلي الظهر مأمور بنقض الظهر بأداء الجمعة فلما صار ذلك مستحقا عليه وجب إتيانه بأدنى ما يمكن فأما المتمتع والقارن ممنوعان عن نقض العمرة بل أمرا بتقديمها فإذا كان الشرع يمنع ذلك لم يجب إتيانه إلا بأقصى ما يكون من نفس الوقوف لا بماله شبه بالوقوف وهو التوجه
قوله : لجمعه بينهما لأنه خالف السنة كقران المكي وإذا كان الدم واجب عن كفارة لم يأكل منه
قوله : وعليه دم لأنه فات الترتيب في الفعل وهو بدعة وفي الفصل الأول ( وهو ما إذا أحرم بالعمرة بعد إحرام الحج ) قد فات الترتيب في الإحرام ولا ترتيب فيه
قوله : وكذلك إلخ لكن يلزمه الرفض ههنا لأنه أدى ركن الحج فصار هذا خطأ من كل وجه وإن مضى عليهما أجزاه وعليه دم لجمعه بينهما
قوله : فإنه يرفضها لأن فائت الحج في إحرام الحج يتحلل بأفعال العمرة كالمسبوق باق في حق التحريمة مقتديا حتى لا يجوز اقتداء غيره به وهو منفرد في حق الأفعال حتى لزمته القراءة فإذا أحرم بحجة رفع إحرام الحج الحج وإذا أحرم بعمرة رفع أفعال العمرة العمرة فأمر برفض كل منهما بعد صحة الالتزام لأن الجمع بين الحجتين والعمرتين مكروه (1/162)
{ باب في الحلق والتقصير }
قوله : وقال أبو يوسف إلخ له أن الحلق محلل من حيث إنه جناية فلا يتعلق ذلك بالحرم وإنما المناسك هي التي تتعلق بالحرم وإذا لم يتعلق به من حيث أنه جناية لم يتعلق به من حيث أنه محلل وهما يقولان : إن الحلق لما جعل محللا صار نسكا كالفعل الذي هو قربة بنفسه فأخص بالحرم كالذبح
قوله : فعليه دمان لأنه يلزمه دم آخر لتأخير الذبح عن الحلق
قوله : فعليه دم لم يذكر فيه قول أبي يوسف ومحمد فمنهم من قال : إن هذا بلا خلاف لأن السنة جرت في الحج بالحلق بمنا ومنا من الحرم ومنهم قال : هو على الاختلاف وهذا هو الأصح (1/165)
{ باب في الرجل يحج عن آخر }
قوله : فهو عن الحاج إلخ وهذا لأن الاستيجار على الحج وإن كان لا يجوز عندنا ولكن إذا أمر غيره بأن يحج عنه يجوز ويقع الحج عن الآمر من وجه ومن المأمور من وجه بخلاف الصوم والصلاة فإنهما يقعان عن المأمور من كل وجه إلا أن يصوم ويصلي ويتصدق فيجعل ثوابه لغيره وهذا جائز عند أهل السنة والجماعة خلافا لبعض أهل القبلة لأنه جعل الثواب لغيره والثواب هو الجنة فقد جعل الجنة لغيره وليس له هذه الولاية قلنا : إن النبي ( عليه السلام ) ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله ( تعالى ) وإذا صح أداء الحج عن الغير بالأمر فإذا أمر رجلان أن يحج عنهما فلا شك أنه أمر كل واحد منهما أن يخلص الحجة له من غير اشتراك فإذا أحرم عنهما صار مخالفا فيقع عن نفسه فيضمن النفقة إن أنفق من مالهما لأنه خالف
قوله : فالدم على الذي أحرم الدماء ثلاثة أنواع : منها ما يجب جزاء لجناية : كدم الجماع وذلك على المأمور لأنه هو الجاني ومنها ما يجب نسكا : كدم المتعة والقرآن وذلك على المأمور أيضا وما كان من المناسك فهو على المأمور لما وفقه الله على الجمع بين العبادتين ومنها ما يجب مؤونة : كدم الإحصار فهذا على المحجوج عنه عند أبي حنيفة ومحمد لأنه هو الذي أدخله في العهدة وقال أبو يوسف : يجب على الفاعل : لأنه وجب بالتحلل كدم القرآن
قوله : فعليهم أي على الأوصياء أو على الورثة أن يبعثوا بشاة أو بثمن شاة لأن نقل الشاة متعذر وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال مالك وأبو يوسف : يجب ذلك من مال الحاج لما قلنا : إنه وجب بالتحلل
قوله : من مال الميت قال بعضهم : يريد به من الثلث لأنه صلة كالزكاة وغيرها وقال بعضهم : من جميع المال لأن ذلك وجب حقا المأمور فصار دينا
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ وأجمعوا على أنه لو كان في وطنه أو في غير وطنه لكنه خارج المصر إلى غير سفر الحج أنه يحج عنه من وطنه ولهما في الخلافية أن خروجه لم يبطل بموته قال الله ( تعالى ) : { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } ولأبي حنيفة أن ما وقع من الخروج بطل لقوله ( عليه السلام ) : [ كل عمل ابن آدم ينقطع بموته إلا الثلاث : ولد صالح يدعو له وعلم علمه الناس وصدقة جارية ] وإن سرقت نفقته وقد أنفق النصف يحجج عن الميت بثلث ما بقي عند أبي حنيفة سواء أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله أو بأقل من ثلث ماله أو أوصى بأن يحج عنه ولم يقل شيئا لأن الذي أنفق أبي أن مات بمنزلة الضائع وعندهما يحج من الذي بقي من الثلث الأول إن أوصى أن يحج عنه بثلث ماله وإذا أوصى بأن يحج عنه من ثلث ماله أو أوصى بأن يحج عنه ولم يقل شيئا قال أبو يوسف كذلك وقال محمد : مما بقي من المال المقدر للحج عنه إن بقي وإلا بطلت الوصية
قوله : عن أحدهما لأن من حج عن غيره بغير أمره لا يكون حاجا عنه لكن يكون جاعلا ثواب الحج له فإذا شرع عنهما لم يصح جعله لهما فيصح جعله بعد ذلك لأحدهما (1/166)
{ مسائل لم تدخل في الأبواب }
قوله : أجزاهم بوجهين : أحدهما أن هذه شهادة قامت على النفي فلا يقبل
الثاني أن الاحتراز عن الخطأ متعذر والتدارك غير ممكن فيسقط التكليف صيانة لجميع المسلمين عن الحرج وصورة الشهادة أن يشهدوا أنهم رأؤا الهلال ليلة الثلاثين وكان اليوم الذي وقفوا فيه هو اليوم العاشر
قوله : أجزاه عندنا خلافا للشافعي لأنه شرعت مرتبة كلها في اليوم الثاني
ولنا أن رمي كل جمرة قربة فلا يتوقف الجواز على تقديم البعض على البعض
قوله : فإنه لا يركب إلخ خبره في الأصل بين الركوب والمشي وأشار ههنا إلى الوجوب وهو الأصح هذا هو الأصل لأنه التزم القربة بصفة الكمال فلزمه بذلك الوصف
قوله : ويجامعها وفي بعض النسخ : أو يجامعها فالمذكور ههنا يدل على أنه يحللها بغير الجماع بقص شعر أو بقلم ظفر ثم يواقعها بعد ذلك وتلك الرواية تدل على أنه يحللها بالمواقعة واختلف مشايخنا فيه فكره بعضهم التحليل بالمجامعة تعظيما لأمر الحج ولم ير بعضهم بأسا لأن المجامعة لا يخلو من تقديم مس يقع به التحليل فيصيبها بعد التحليل وإنما كان للمشتري أن يحللها لأنه لم يأذن لها فلا يكون التحليل في حقه خلفا في الميعاد
قوله : في أحد المسجدين أطلقه ولم يقيده بالجبانة فدل ذلك على أنه كله سواء لا يقع التفاوت بين أن يفرغ أهل الجبانة دون أهل المسجد أو أهل المسجد دون أهل الجبانة أو أهل أحد المسجدين فيجوز في الكل لأن شرط جواز التضحية في المصر فراغ البعض ودلت المسئلة على أن أداء صلاة العيد في مصر واحد في موضعين على قول أصحابنا جائز خلافا في الجمعة (1/168)
{ باب في تزويج البكر والصغيرين }
قوله : في بكر قال لها وليها إلخ ههنا مسئلتان : إحداهما إذا سكتت عند الاستيمار من الولي والثانية إذا سكتت بعدما زوجها الولي حين بلغها الخبر والسكوت منها رضا في المسئلتين بالنص والمعقول
قوله : غير ولي وهم الأجانب أو قريب ليس بولي : كما لو كان عبدا أو كافرا أو مكاتبا أو كان وليا غيره أولى منه : كالأخ مع الأب والعم مع الأخ ودلت الأحاديث على أن الأب لا يملك إجبار البكر البالغة على النكاح لأن النبي ( عليه الصلاة و السلام ) ما أهدر رضاها لكن أقام السكوت مقام الرضا ولكن مع هذا إذا زوجها ينعقد النكاح ويتوقف على إجازتها فإذا بلغها الخبر فسكتت فقد رضيت وطريق وصول الخبر إليها أن يبعث الولي إليها رسولا عدلا كان أو غير عدل فإن أخبرها الفضولي فلا بد من العدول والعدالة في قول أبي حنيفة ( رحمه الله ) وعندهما لا يشترط ذلك كما لا يشترط في الرسول
قوله : جاز لأن لغير الأب والجد ولاية تزويج الصغير والصغيرة عندنا خلافا للشافعي فإن كبرا فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد ( رحمهما الله ) خلافا لأبي يوسف فإن علمت بالنكاح وسكتت فهو رضا ويلزم العقد أما إذا لم تعلم بالنكاح فلها الخيار حتى تعلم أما إذا علمت وسكتت كان رضا اعتبارا بابتداء النكاح وأما إذا لم تعلم فالسكوت منها لا يكون رضا لأن الجهل بأصل النكاح عذر وإن علمت بالنكاح ولم يعلم بالخيار لم يعتبر هذا الجهل حتى لو سكتت كان رضا
قوله : ورثه الآخر لأنه لما صح النكاح وجب الملك وهذا كاف للتوارث وأثبت خيار البلوغ للذكر والأنثى جميعا لأن المعنى يجمعهما وهو قصور الشفقة بخلاف خيار العتق حيث يثبت للأنثى خاصة لأن المعنى خاص فيها وهو زيادة الملك عليها فيثبت لها الخيار سواء كانت تحت عبد أو تحت حر
قوله : حتى ينقضه القاضي على قول من يجعل له الخيار بخلاف خيار المخيرة والمعتقة فإن ثمة يرتفع النكاح بالرد لأن النقض بخيار البلوغ كان للدفع عن ضرر خفي وهو قصور شفقة الولي فجعل إلزاما في حق الخصم الآخر والإلزام يفتقر إلى القضاء وأما خيار العتق كان لدفع ضرر ظاهر وهو زيادة الملك عليها فكان دفعا والدفع لا يفتقر إلى القضاء
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ لهما أن ولاية الآباء ما ثبتت إلا بشرط النظر فلا يملك الأب كسائر الأولياء وهو الأخ والعم وغيرهما إذا فعلوا ذلك وكما في باب البيع ولأبي حنيفة أن النظر والضرر أمران باطنان لا يمكن الوقوف عليهما فيبتني الحكم على السبب الداعي إلى النظر والحس وهو قرب القرابة وبعدها وهذا في النكاح أما في البيع والتصرفات الواردة على المال لا يعتبر إلا المالية حتى لو عرف سوء الاختيار من الأب مجانة أو فسقا كان عقده باطلا في هذا الباب
قوله : والأب حاضر وإن كان غائبا لا يجوز أما إذا كان حاضرا فلأنه أمكن جعل الأب مزوجا ومباشرا من كل وجه حكما لأنه يتصور حقيقة فكان العقد مضافا إلى الأب فبقي المزوج شاهدا ومعه رجل آخر وأما إذا كان غائبا لم يجز لأنه لا يمكن جعله مزوجا ومباشرا من كل وجه حكما لأنه لا يتصور حقيقة فكان القول مضافا إلى المزوج فلا يصلح شاهدا وعلى هذا قالوا : الأب إذا زوج بنته البكر البالغة بأمرها بحضرتها بشهادة رجل واحد جاز وإن كانت غائبة لا يجوز
قوله : فهو جائز هذا قول أبي حنيفة وعلى قولهما لا يجوز وعلى هذا الخلاف التزويج من غير كفؤ وهو نظير الاختلاف في التزويج بالمهر بغبن فاحش كما مر (1/170)
{ باب في الأكفاء }
قوله : قريش إلخ قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ قريش بعضهم أكفاء لبعضهم بطن ببطن والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل ] وبهذا تبين أن الفضيلة بين الهاشميين ساقطة في هذا الحكم ألا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم زوج ابنته رقية ( رضي الله عنها ) من عثمان ( رضي الله تعالى عنه ) وكان أمويا لا هاشميا وكذلك علي ( رضي الله عنه ) زوج ابنته أم كلثوم من عمر ( رضي الله عنه ) وكان عدويا لا هاشميا فثبت أن قريشا كلهم أكفاء وسواء في النكاح
قوله : ومن كان له إلخ أي من كان له أبوان في الإسلام فصاعدا فهو كفؤ لمن كان له عشرة آباء في الإسلام وكذلك من كان له أبوان في الحرية يكون كفوءا لمن كان عشرة آباء في الحرية لأن النسب يثبت بالأب وتمامه بالجد فلا يشترط الزيادة كما لا تشترط في باب الشهادة ومن كان له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤا لمن كان له آباء في الإسلام أو أبوان وكذلك الحرية وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه يكون كفؤا
قوله : إن لم يجد مهرا ولا نفقة حتى لو وجد المهر ولم يجد النفقة أو على العكس لا يكون كفؤا وأراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله لأن سواه مؤجل عرفا وإنما شرطت القدرة على المهر والنفقة أما المهر فلأنه يدل عما يملك عليها بالعقد البضع وأما النفقة فلا بد منها لأنها محبوسة لحقه (1/173)
{ باب في الرجل يتزوج المرأة بغير وكالة والرجل يؤكل بالتزويج }
قوله : جميع ذلك يعني قالت : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فبلغه الخبر فأجاز فهو باطل
قوله : وقال أبو يوسف إلخ وعلى هذا الخلاف إذا قال الفضولي : أشهدوا أني قد زوجت فلانة من فلان فبلغهما الخبر فأجازا لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف والحاصل أن الواحد يصلح وكيلا وأصيلا من الجانبين أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب حتى نفذ العقد وأما الواحد هل يصلح فضوليا من الجانبين أو أصيلا من جانب فضوليا من جانب أو وكيلا من جانب فضوليا من جانب حتى يتوقف العقد وراء المجلس على إجازته فعند أبي حنيفة ومحمد ( رحمهما الله ) لا يصلح وعند أبي يوسف يصلح لأبي يوسف أن الواحد يتولى العقد من الجانبين في باب النكاح فإذا كان فضوليا وجب أن يتوقف فصار هذا كالخلع والطلاق على مال حتى يتوقف على قبولها في غير المجلس فكذا هذا ولهما أن هذا شطر العقد وشطر العقد لا يتوقف على غير المجلس كالبيع فإذا كان غائبا كان شطرا وشطر العقد لا يتوقف ما وراء المجلس كالبيع إلا إذا صار كل العقد موجودا حكما بحكم الولاية أو الأمر لأن كلامه بحكم الولاية والأمر صار بمنزلة الكلامين فصار هو الشخصين فإذا انعدمت الولاية والأمر عاد الأمر إلى حقيقته وهو كلام فرد حقيقة
قوله : لم تلزمه واحدة منهما لأنه لا وجه إلى التزام كلتيهما لأنه خالف أمره ولا وجه إلى التزام إحداهما عينا لأن إحداهما ليست بأولى من الأخرى وفي المجهولة لا يفيد الملك
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ دلت المسئلة على أن عندهما الكفاءة معتبرة في النساء والرجال أيضا وذكر محمد في كتاب الوكالة أن اعتبار الكفاءة في النساء استحسان لهما أن المطلق من كلام ينصرف إلى المتعارف والمتعارف التزوج بالأكفاء ولأبي حنيفة أن الكلام صدر مطلقا فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة والضرورة (1/174)
{ باب في النكاح الفاسد }
قوله : النكاح جائز وقال أبو يوسف : فاسد لأن هذا الحمل وإن كان من الزنا ولكنه محترم وامتناع النكاح على الحامل كان لحرمة الحمل وصيانته وقد وجد فصار كما لو كان الحمل ثابت النسب ولهما أن حرمة العقد كان لحق صاحب الماء وصيانته لا لمكان الحمل ألا يرى أنه لو تزوجها من كان نسب الحمل ثابتا منه جاز وصاحب الماء لا حرمة له ههنا فلا تلزمه حرمة العقد
قوله : فالنكاح فاسد لأن في بطنها ولدا ثابت النسب من الحربي وإن كان من زوج كافر
قوله : فالنكاح باطل لأنها فراش لمولاها ولو صح النكاح حصل الجمع بين الفراشين وأنه لا يجوز بخلاف ما إذا لم تكن حاملا حيث يصح وإن كانت فراشا لمولاها حتى لو جاءت ولدا يثبت النسب منه غير دعوة إلا أن فراشها ليس بفراش متأكد ولهذا ينتفي الولد بمجرد النفي من غير لعان فلا يعتبر هذا الفراش ما لم يتصل به الحمل
قوله : فرق بينهما ولهما نصف المهر لأنه وجب للأولى منهما وليست إحدهما أحق به فصار بينهما
قوله : ولهما نصف المهر قال الفقيه أبو جعفر الهندواني : معنى هذه المسئلة إذا ادعت كل واحدة منهما أنها الأولى ولا حجة لهما أما إذا قالتا : لا ندري أي النكاحين أولا لم يقض القاضي لهما بشئ حتى يصطلحا على أخذ نصف المهر لأن الحق وجب للمجهولة فلا بد من الدعوى والاصطلاح ليقضي بينهما
قوله : هو جائز وأجمعوا على أن العدة إذا كانت من طلاق رجعي لا يجوز لهما أن المحرم نكاح الأمة على الحرة ولم يوجد قال النبي ( عليه السلام ) : [ لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة ] فصار كما لو وطيء حرة بشبهة النكاح ثم تزوج أمة في عدتها جاز كذا ههنا ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن العدة من النكاح تعمل عمل النكاح في التحريم كتحريم نكاح
الأخت في عدة الأخت
قوله : فهو باطل لأن هذا عقد متعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذا
وقال زفر ( رحمه الله ) : إنه صحيح لأنه أتى بالإيجاب والقبول والشرط فصح الإيجاب والقبول وبطل الشرط
قوله : فعليه للصغيرة نصف المهر إلخ وأما فساد النكاح فلأنهما صارتا أما وبنتاه وأما بطلان مهر الكبيرة فلأن الفرقة جاءت من قبلها قال : وهذا أصل وهو أن الفساد متى جاء من قبل المرأة قبل الدخول بحيث لو ارتدت أو قبلت ابن زوجها له أو اختارت نفسها عند البلوغ إذا كان المزوج غير الأب والجد فإنه لا يجب المهر في هذه المواضع كلها ووجوب نصف المهر للصغيرة لأن الفرقة جاءت من قبل غيرها فأما عدم الرجوع على الكبيرة فلأنها ما تعمدت الفساد فإن لم تعلم الكبيرة بنكاح الصغيرة أو علمت لكنها قصدت دفع الجوع دون الفساد لم يرجع عليها بشئ لأنها مسببة وضمان التسبيب يبتني على التعدي ولم يوجد
قوله : وسعها المقام معه وهذا عند أبى حنيفة ( رحمه الله ) وهو قول أبي يوسف ( رحمه الله ) الأول وفي قوله الآخر وهو قول محمد والشافعي ( رحمهما الله ) لا يسعه أن يطأها وهي مسئلة معروفة بالخلافيات وهي أن قضاء القاضي في العقود والفسوخ ينفذ ظاهرا وباطنا عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) وعندهما ينفذ ظاهرا لا باطنا
قوله : وأحلها إلخ لأنهما يتعلقان بالجماع وقد وجد فإن قيل : الغسل إنما يجب بسبب الجماع الذي هو سبب نزول الماء وجماع الغلام ليس بسبب لنزول الماء قيل له : هو سبب نزول الماء في حقها وحاجتنا إلى إثبات الحكم في جانبها
قوله : لم يطأ إلخ لأن الأمة موطوءة حقيقة والمنكوحة بمنزلة الموطوءة حكما بواسطة حكم النكاح فأيتهما وطئت كان جمعا بينهما وطأ وهو حرام بالنص وهو قوله صلى الله عليه و سلم : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم
الأختين ] إلا أن يزيل الأمة عن ملكه فسقط اعتبار وطئها فيطأ المنكوحة وإن كان لم يطأ المملوكة يطأ التي تزوج لأنه لا يصير جامعا بينهما وطأ
قوله : حتى تنقضي عدتها لأن الخلوة الصحيحة قامت مقام الوطىء في حق تأكد المهر ووجوب العدة
قوله : ولا يستبرئها وقال محمد ( رحمه الله تعالى ) : لا أحب أن يطأها حتى يستبرئها لأنه لو تحقق الحمل حرم الوطىء لما فيه من سقي مائه زرع غيره فإذا احتمل وجب التنزه ولهما أن الشرع ( ما شرع ) النكاح إلا على رحم فارغ فقام جواز النكاح مقام الفراغ (1/175)
{ باب في المهور }
قوله : القول قوله ولا يجعل مهر المثل حكما لأن تقويم البضع أمر ضروري فلا يصار إليه ما أمكن ولأن المرأة تدعي المهر عليه فيكون القول قوله إلا إذا كذبه الظاهر فحينئذ لا يقبل قوله وهما يقولان : إنهما اختلفا في ما له قيمة شرعا فوجب الرجوع إلى ما هو الأصل
قوله : إلا أن يأتي بشئ قليل المراد به ما لا يتعارف مهر مثل لأنا جعلنا القول قوله بشهادة الظاهر وقد ادعى خلاف الظاهر فلا يصدق
قوله : وقال محمد رحمه الله إلخ هذه المسئلة تبتني على مسئلة أخرى
وهي أن من تزوج امرأة على هذا العبد فإذا هو حر قال أبو حنيفة ومحمد : لها مهر المثل وقال أبو يوسف : لها قيمة الحر لو كان عبدا ولو تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر قال أبو حنيفة : لها مهر المثل وقال أبو يوسف : لها قيمة الخمر لو كان خلا وقال محمد : لها مثل الدن من الخل فأبو حنيفة اعتبر الإشارة وأبو يوسف اعتبر المسمى ومحمد توسط بينهما ولأبي حنيفة في مسئلة الكتاب أنه لما كان الواجب تسليم العبد فإذا وجد العبد حرا وجب مهر المثل وقد وجد في هذه المسئلة أحد العبدين حرا وهو المسمى فلا يجب مهر المثل لأن وجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل كما لو تزوج المرأة على ثوب قيمته خمسة دراهم لا يجب مهر المثل وإنما يجب الثوب وخمسة دراهم حتى يتم العشرة وههنا العبد الباقي يساوي عشرة دراهم فاكتفى به وأبو يوسف يقول : أطمعها في سلامة العبدين وقد عجز عن تسليم أحدهما فتجب قيمته ومحمد يقول : لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل فإذا كان أحدهما عبدا وجب العبد وتمام مهر المثل إذا لم يكن قيمة العبد مثل مهر المثل
قوله : فلها ألف فعند أبي حنيفة الشرط الأول جائز والثاني فاسد وقال زفر : الشرطان فاسدان والمسئلة تأتي في كتاب الإجارات من هذا الكتاب
قوله : في ذلك كله لأن الجهالة لا يمنع وجوب المهر فوجب المهر فإذا وجب المهر وجب ما هو المتيقن وهو الأوكس ولهذا لو طلقها قبل الدخول وجب نصف الأوكس بالإجماع ولأبي حنيفة أن مهر المثل هو الواجب الأصلي في باب النكاح إلا إذا صحت التسمية ولم تصح التسمية فيجب مهر المثل ومهر المثل لا يعتبر بالطلاق قبل الدخول بها فيجب ما هو المتيقن وهو نصف الأوكس وأنه فوق المتعة
قوله : أن يبلغوا بها مهر مثلها وقال أبو يوسف ومحمد : ليس لهم ذلك قال بعض المشايخ : الصحيح هو قول أبي يوسف لأن النكاح بغير ولي صحيح عنده فأما عند محمد لا يصح فلا يكون نافذا أصلا فكيف يتصور الاختلاف عنه وتفسيره في مسئلة ذكرها في كتاب الإكراه : أن ولي المرأة والمولى عليها إذا أكرها على النكاح ثم زال الإكراه بعد العقد فإن كان الزوج غير كفؤ والمهر وافرا كان للولي أن يرد النكاح وكذا لها أن ترد النكاح فإن رضي أحدهما لم يبطل حق الآخر وإن كان كفؤا والمهر قاصرا فللمرأة أن ترده فكذا للولي فإن رضيت فللولى رده عند أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : ليس له رده وقال بعضهم : لا حاجة إلى هذا التفسير بل يحمل على القول المرجوع عنه فإنه صح رجوعه عنه إلى قولهما وقد بينا هذا في مسئلة النكاح بغير ولي في شرح المختصر لهما أن المهر حق المرأة فيصح الحط لأنها تصرفت في خالص حقها ولأبي حنيفة أنها أضرت بالأولياء لأنهم يفتخرون بغلاء المهر ويتعيرون بضده
قوله : فلها المتعة هذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف الأخير وكان أبو يوسف يقول أولا : لها نصف العبد لأنه نصف المفروض وإنا نقول : الغرض تعيين مهر المثل لأنه كان واجبا قبله فنزل المعين منزلة مهر المثل ومهر المثل لا يتنصف فكذا ما نزل منزلته
قوله : فلها أن تمنع لأن الوطء تصرف في البضع المحترم فلا يجوز إخلاءه عن العوض فإذا منعت عن الوطىء فقد منعت الزوج بما يقابله ولهما أن المعقود عليه كله صار مسلما برضاها فبطل حقها في الحبس فإن منعت نفسها فلها النفقة والسكنى حتى تستوفي مهرها عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) وقالا : لا نفقة لها وكان الشيخ الإمام أبو القاسم الصفار البلخي يفتي في المنع بقول أبي يوسف ومحمد وفي السفر بقول أبي حنيفة وأنه حسن
قوله : رجع عليها لأن الموهوب مثل المهر حقيقة لا عينه حتى لا يلزمها رد عين ما قبضت وحق الزوج في سلامة نصف الصداق وإذا لم تقبض شيئا حتى وهبت الكل لا يرجع بشئ عندنا
قوله : لم يرجع لأنه سلم له عين حقه فوجب له البراءة عن المطالبة في أوانه لأن عين حقه ما بقي في ذمته لأن ما دفع إلى المرأة الظاهر أنه حقها فلا يرجع عليها بشئ ولو كان المهر عرضا فقبضت أو لم تقبض فوهبت له ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشئ بالاتفاق لأن الموهوب عين المهر وقد سلم له حقه
قوله : فإن كان حرا إلخ اتفق أصحابنا على أن عين خدمة الحر لا يصير مستحقا بالنكاح للحرة وقال الشافعي ( رحمه الله ) : لها خدمته سنة لأن الخدمة مال عند العقد بالإجماع حتى لو تزوج امرأة على خدمة حر آخر برضاه جاز وصار مهرا ولو تزوج امرأة على رعي غنمها هذه السنة أو زراعة أرضها هذه السنة صح بالإجماع فكذا الخدمة فصار هذا كما لو كان الزوج عبدا وإنا نقول : بأن المسمى لا يصلح مهرا لأنه حرام على الزوج في الشرع لأنه مالكها وهو قوام يليها بخلاف خدمة حر آخر فإنه ليس فيه هذه المناقضة وبخلاف رعي الغنم لأنه ليس خدمة مناقضة أيضا لأنه لا بأس بالقيام بأمور الزوجات وإنما الحرام هو الخدمة وبخلاف ما لو كان الزوج عبدا فإنه خدمته تصلح مستحقة لها بالنكاح لأن خدمته لها جائزة لأنه بمنزلة الأموال يباع في السوق وقد سلبت عنه جميع الكرامات فلم تحرم الخدمة وإنما تحرم خدمة الحر لشرف الحر كرامة وقال محمد ( رحمه الله تعالى ) : إن المسمى مال متقوم فصحت التسمية إلا أنه عجز عن التسليم فقامت القيمة مقامها كما لو تزوجها على خدمة عبد الغير ولم يرضى به ذلك الغير فيجب قيمة الخدمة ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن المسمى لا يصلح مستحقا لها بحال فلا تقوم القيمة بحال مقامها
قوله : في الوجهين لأن مهر المثل وجب بالنكاح فيبقى بعد الموت كالمسمى وصار هذا كما إذا مات أحدهما ولأبي حنيفة ( رحمه الله تعالى ) أن القاضي عجز عن القضاء بمهر المثل لأنهما إذا ماتا فالظاهر موت أخراهما فبمهر مثل من يقدر ؟ ولا كذلك إذا مات أحدهما
قوله : فالقول قوله لأن المملك هو الزوج فيكون هو أعلم بجهة التمليك فوجب المصير إلى قوله إلا في ما صار مكذبا عرفا
قوله : نصراني إلخ وكذا الحربي وهو قول أبي يوسف ومحمد ( رحمه الله ) في الحربيين وأما في الذمية فلها مهر المثل إن دخل بها أو مات عنها والمتعة إن طلقها قبل الدخول وقال زفر ( رحمه الله تعالى ) في الحربية : لها مهر المثل أيضا فزفر سوى بينهما في الوجوب وأبو حنيفة ( رحمه الله تعالى ) سوى بينهما في عدم الوجوب وهما فرقا وقالا في الذمية : إن وجوب المهر إذا سكت عنه العاقد أو نفى عنه حكم من أحكام الإسلام وأحكام الإسلام جارية على أهل الذمة في دار الإسلام غير جارية على أهل الحرب في دار الحرب ولأبي حنيفة ( رحمه الله تعالى ) أن العمل بديانتهم في ما يحتمل الصحة واجب كما قلنا في الخمور والخنازير وهذا الحكم من جنس ما يحتمل أن يكون صحيحا وذكر في الكتاب تزوجها على غير مهر وذلك يحتمل النفي والسكوت عن ذكر المهر فالنفي على الاختلاف لا محالة وأما السكوت فإنه يرجع فيه إلى دينهم فإن دانوا أنه لا يجب إلا بالنص عليه كان على الاختلاف وإن دانوا أنه يجب إلا أن ينفى
قوله : فلها الخمر والخنزير إلخ لأنها وإن أسلمت لكن هذا بقاء على ملك الخمر لا ابتداؤه كالمسلم يسترد الخمر المغصوب في حالة كفره
قوله : وقال محمد إلخ أما الكلام في العين فهما يقولان : القبض مؤكد للملك فيمتنع الملك فيهما بسب الإسلام كابتداء الملك ولأبي حنيفة الثابت بالقبض صورة اليد فلا بأس بها بعد الإسلام ثم قال أبو يوسف : لما كان بالتسليم حكم الابتداء من وجه ألحقناه بابتداء التسمية بعد الإسلام وهو باطل فوجب مهر المثل ومحمد يقول : إن التسمية صحت إلا أنه عجز عن التسليم شرعا بشبهة الابتداء فقامت القيمة مقامها وأبو حنيفة يقول : الأمر كما قال محمد في الخمر أما في الخنزير فلا لأن قيمة الخنزير لها حكم الخنزير من وجه فوجب مهر المثل
قوله : فلها نصف المهر لأن الإحرام واجب فرضا كان أو نفلا فيمنع صحة الخلوة وكذلك صوم رمضان يمنع صحة الخلوة لأنه لا يحل له الإبطال إلا لعذر وأما صوم التطوع لا يمنع صحة الخلوة لأنه يحل له إبطاله ومنهم من قال : يمنع صحة الخلوة لأنه لا يحل له الإبطال إلا بعذر والأول أصح لأنه نص في المنتقى : أن من صام التطوع له أن يفطر بغير عذر هكذا قال الشيخ الإمام الأجل برهان الأئمة وأما المرض فمرضها متنوع إن كان لا يؤثر في المواقعة ولا يلحقها ضرر لا يمنع صحة الخلوة فإن كان يلحقها بذلك ضرر يمنع صحة الخلوة لأن الإضرار بها حرام وأما مرضه فقد قيل : بأنه متنوع أيضا إن كان لا يلحقه ضرر بذلك لا يمنع صحة الخلوة وإن كان يلحقه لذلك ضرر حينئذ يمنع صحة الخلوة لأنه يكون مانعا طبعا وقال بعضهم : كل مرض من جانبه يمنع صحة الخلوة لأنه يلحقه ضرر بذلك لا محالة وأما الحيض والنفاس يمنع صحة الخلوة لأنه مانع طبعا وشرعا
قوله : لها نصف المهر لأن عجز المجبوب فوق عجز المريض وله أن الجب لا يمنع تسليم المبدل وهي منفعة المساس والسحق فيجب تسليم البدل
قوله : وليس بقياس والقياس أن لا يجب لأن هذا طلاق قبل الدخول فلا يجب به العدة كما لو كان قبل الخلوة وجه الاستحسان أنه يتوهم الدخول في هذه المواضع كلها والعدة فيها حق الله ( تعالى ) وحق الولد فيحتاط فيها إذا وقع الشك في وجوبها (1/179)
{ باب في تزويج العبد والأمة }
قوله : ليس هذا بإجازة لأنه يحتمل الرد لأن رد هذا العقد يسمى طلاقا
قوله : فهذا إجازة لأنه لما قيدها بالرجعة لا يحتمل إلا الإجازة
قوله : فالإذن في العزل إلى المولى هذه المسئلة تبتنى على جواز العزل عند عامة العلماء خلافا لبعض الناس إلا أن في الحرة لا يباح عزلها إلا برضاها لأن لها حقا في الولد وقضاء الشهوة فلا يجوز تنقيص حقها إلا برضاها وأما في الأمة المملوكة لا يشترط رضاها لأنه ليس لها حق في الولد وقضاء الشهوة وفي الأمة المنكوحة اختلفوا قال أبو حنيفة ( رحمها الله ) : الإذن في العزل إلى المولى وقالا : إليها لأن الوطىء حقها لأنها هي التي تقضي شهوتها دون مولاها ولأبي حنيفة أن العقد ورد على ملك المولى والولد حق المولى فيشترط الرضاء من المولى وإن كان قضاء الشهوة حقها ولكن حقها في أصل الشهرة وهو الجماع لا في وصفه وهو إنزال الماء في رحمها وما هو أصل حقها يحصل بالجماع
قوله : القول قول المولى لأن الاختلاف وقع في إثبات النكاح ابتداء لا في انقضاء عدتها ظاهرا وذلك إلى المولى ولهذا أبى أبو حنيفة القضاء بالنكول في هذه الصورة وشبهه بابتداء النكاح ولأبي حنيفة أن الرجعة أمر يبتنى على العدة وفي ذلك القول قولها فكذلك في ما يبتنى على العدة
قوله : فالقول قولها لأنها عالمة بها فكان ما تقوله عن علم
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ أصل المسئلة أن الإذن بالنكاح ينصرف إلى الجائز والفاسد جميعا عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) وقالا : ينصرف إلى الجائز دون الفاسد وتبنى على هذا لو جدد العبد نكاح هذه المرأة على الصحة لا ينفذ عند أبي حنيفة لأن الإذن بالنكاح قد انتهى وعندهما ينعقد لأن الإذن بالنكاح باق بالنكاح المطلق لهما أن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف وذلك إنما يحصل بالجائز الذي يوجب الملك ولهذا لو حلف أن لا يتزوج لا يحنث بالنكاح الفاسد بخلاف البيع حيث ينصرف إلى الجائز والفاسد جميعا لأن بعض المقاصد يحصل بالبيع الفاسد من ملك الإعتاق وملك التصرفات ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن الحاجة إلى إذن المولى لتعلق المهر برقبته لأنه هو أهل في نفسه من حيث الآدمية والفاسد فيه مثل الجائز بالدخول ولكن هذا التعليل لا يوافق أصل مذهبنا لأن العبد كالوكيل في النكاح والمولى مالك الإنكاح على العبد فوجب أن يتعرض بإطلاق الإذن فنقول : الإذن مطلق والمطلق يقع عليهما كما في البيع
قوله : فلها المهر لأن القتل موت في حقها والموت مؤكد للمهر فلا يسقط شئ من مهرها كما لو ماتت حتف نفسها وأما في الأمة فهما سويا في الموضعين بعدم السقوط وأبو حنيفة فرق ووجه الفرق أن القتل ليس موتا في حق القاتل بل هو قطع للبقاء في حقه ولهذا أخذ بالقصاص وحرمان الميراث والكفارة وإن كان في حق الله ( تعالى ) ميتا لأجله وأحكام القتل في قتل المولى أمته ثابتة ولكن لم يجب القود لعدم الفائدة ولا كذلك الحرة فإنها لا يضاف القتل إليها لا حقيقة ولا حكما
قوله : فالنكاح جائز لأنها من أهل العبارة بدليل أنها تملك النكاح بالإذن لكن لم يجز النكاح ابتداء لقيام حق المولى فإذا زال بالإعتاق جاز ولا خيار لها لأن النكاح إنما جاز لها لأن المانع قد زال بالعتق فصار جائزا عند العتق وبعد الجواز لم يزد عليها الملك والمهر للمولى لأنه استوفى منفعة مملوكة للمولى فيكون بدلها له
قوله : فالمرأة أسوة الغرماء يريد به إذا كان النكاح بمهر المثل أو دونه لأنه لزمه بحكم لا مرد له وهو صحة النكاح فشابه بدين الاستهلاك
قوله : فلها الخيار لأن النبي صلى الله عليه و سلم خير بريرة وهي مكاتبة عائشة ( رضي الله عنها ) ولأن ثبوت الخيار معلول بزيادة الملك وقد وجد ذلك في حق المكاتبة
قوله : وإلا فلا لأن النفقة إنما تجب عندنا جزاء للحبس ولا يستحق ذلك على الأمة لأن ملكه في الرقبة والمنافع باق فكان مقدما عليه فإذا بواها معه بيتا فقد أبطل حقه ووجب الحبس فوجب جزاءه
قوله : لم تصر أم ولد له لعدم الملك له فيها وعدم الملك لعدم الحاجة وعدم الحاجة لاستغنائه بملك النكاح
قوله : وولدها حر يريد أنه يعتق على الأخ بالقرابة لأن الولد علق رقيقا لأن الأم مملوكة له والولد يتبع الأم في الحرية والرقبة جميعا إلا أنه يعتق على الأخ بالقرابة
قوله : فسد النكاح إلخ هذا عندنا خلافا لزفر لأنه يثبت الملك سابقا بطريق الاقتضاء وزفر لا يقول بالاقتضاء
قوله : لم يفسد النكاح والولاء في هذه الصورة للمعتق وقال أبو يوسف : يفسد والولاء لها زفر سوى بينهما في عدم الفساد وأبو يوسف سوى بينهما في الفساد وهما فرقا بين طلب العتق بعوض وبغير عوض (1/187)
{ باب طلاق السنة }
قوله : عند كل طهر إلخ لأن السنة في الإيقاع تفريقها على الأطهار
قوله : وقعن على ما نوى لأنه نوى ما يحتمله اللفظ وقال زفر : لا يصح لأنه نوى ضد السنة وإنا نقول : بأنه لما نوى الثلاث فقد نوى السنة من طريق الوقوع دون الإيقاع فكان المنوي من محتملات لفظه فيصح وكذلك إذا نوى أن يقع عند رأس كل شهر تطليقة واحدة لأن ذلك يحتمل أن يقع في الظهر فيكون سنيا في الوقوع والإيقاع وقد يحتمل أن يقع في الحيض فيكون سنيا في الوقوع دون الإيقاع
قوله : لا تطلق إلا واحدة وذلك لأن الأصل في الطلاق الخطر لقوله ( عليه الصلاة و السلام ) : [ أبغض الحلال إلى الله الطلاق ] وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة لقوله ( تعالى ) : ( فطلقوهن لعدتهن ) ففي ذوات الأقراء فرق على الأطهار وفي الآيسة والصغيرة على الأشهر لأنها في حقهن كالقرء في حق ذوات الحيض والشهر في حق الحاصل ليس من فصول العدة لأن مدة الحامل وإن صارت طويلة ليس من فصول العدة فإنه طهر واحد حقيقة وحكما فلا تطلق إلا واحدة ولهما أن إباحة الطلاق لعلة الحاجة والشهر دليلها فيقع الطلاق فيه كذا في شروح الهداية
قوله : لم تطلق لأن كلمة كل أوجبت عموم النساء لا عموم التزوج
قوله : فهو ابنه لأنها لما جاءت بولد لستة أشهر من حين تزوجها ظهر أنها جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت وقوع الطلاق والولد لا يحصل لأقل من ستة أشهر فكان العلوق قبله ويتصور أن يكون من الزوج فصارت المرأة فراشا له لأن الطلاق واقع بعد النكاح لأن الجزاء يوجد بعد الشرط وأما كمال المهر لأنا لما أثبتنا النسب منه جعلناه واطئا بعد النكاح قبل الطلاق والطلاق بعد وطأ الزوج يوجب كمال المهر فإن قيل : كيف يتصور جعله واطئا ولا يتصور منه الوطىء في تلك الساعة اللطيفة قيل له : لما أقام الفراش مقام الوطىء حكما فإذا وجد الفراش وجد الوطىء حكما فإن قيل : مع قيام الفراش احتمال نزول الماء حقيقة شرط ولم يوجد ولهذا لو جاءت امرأة الصبي بالولد لا يثبت منه ولا احتمال للماء ههنا لأنه لا بد للنكاح ثم الوطىء ثم الطلاق ثم مضي ستة أشهر لوضع الحمل وقد اعتبرت المدة بستة أشهر من حين التزوج قيل له : النكاح تقوم مقام الماء في موضع الاحتمال والاحتمال ههنا موجود وهو أنه يخالط امرأة ودخل عليه رجال وهو تزوجها ويخالطها والداخلون يسمعون كلامهما ثم أنزل فيكون وقت التكلم والوطىء واحدا والنسب مما يحتاط فيه لإثباته فوجب بناءه على هذا الاحتمال وإن كان نادرا فيكون على هذا الوجه أنها جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق ولستة أشهر من حين التزوج وإن جاءت لأكثر من ستة أشهر لا
يثبت النسب منه لأنها جاءت بالولد بعد الطلاق قبل الدخول ظاهرا لأكثر من ستة أشهر فلا يثبت النسب عندنا
قوله : لم تطلق التي تزوج لفقد الشرط لأن الشرط التزوج عليها والتزوج عليها أن يدخل عليها من ينازعها في الفراش ويزاحمها في القسم ولم يوجد (1/191)
{ باب إيقاع الطلاق }
قوله : لم تكن إلا واحدة يملك الرجعة وكذلك لو قال : طلقتك أو أنت مطلق يقع واحدة يملك الرجعة أما إذا نوى الإبانة لا يصح لأنه قصد تنجيز المعلق لأن البينونة معلقة بانقضاء العدة فليس ذلك في وسعه ولو نوى ثلاثا أو ثنتين بطلت نيته عندنا وقال زفر والشافعي : تصح وأجمعوا على أنه لو قال لها : أنت الطلاق أو طالق طلاقا أو طلقي نفسك ونوى ثلاثا تصح ولو نوى الثنتين فهو على هذا الاختلاف
قوله : فليس بشئ وذكر في الأصل أن من قال لامرأته : أنت طالق واحدة أولا على قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد تطلق امرأته وعلى قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف الآخر لا تطلق وجه قول محمد أنه أدخل الشك في الواحدة فبقي الإيقاع بلا شك حتى لو قال : أنت طالق أولا لا يقع وجه قولهما أن الشك دخل في الإيقاع فلا يقع ألا ترى أنه لو قال لامرأته : أنت طالق واحدة إن شاء الله ( تعالى ) لا يقع
قوله : فهي اثنتان أما في كلمة مع طلقت ثنتين سواء قال : مع واحدة أو معها واحدة لأن كلمة مع للقرآن فيتوقف الأولى على التكلم بالثانية تحقيقا لمراده فوقعا معا وفي مسئلة قبل إن قال : قبلها واحدة طلقت ثنتين وإن قال : قبل واحدة فطلقة واحدة وفي بعد بالعكس وأصل ذلك أنه إذا قال : أنت طالق واحدة قبلها واحدة فقد جعل القبيلة صفة للثانية وليس في وسعه تقديم الثانية على الأولى بعدما أوجبها بل في وسعه القران فوقعا معا وأما إذا قال : قبل واحدة فهى صفة الأولى ولو لم يقيد بهذه الصفة لكن قال : واحدة واحدة وقعت الأولى سابقة ولا يقع الثانية فإذا قيد فهو أولى وإذا قال : بعد واحدة فهي صفة للأولى فيقتضى تأخير الأولى وليس ذلك في وسعه وإذا قال : بعدها واحدة فهي صفة للثانية
قوله : فهي ثلاث لأن نصف التطليقتين واحدة فيكون جميعه الثلاث
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ لهما أن الشئ متى جعل غاية لم يكن بد من وجوده ليصلح غاية والطلاق إذا صار موجودا يقع فلا يمكن رفضه ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) الاحتجاج بالعادة فإنه متى ذكر هذا الكلام يراد به الأقل من الأكثر والأكثر من الأقل
قوله : ونوى الضرب إلخ وقال زفر : في الأول إن نوى الضرب والحساب يقع ثنتان وفي الفصل الثاني يقع ثلاث هو اعتبر حساب الضرب ولنا أن ضرب العدد في العدد إذا استعمل في الممسوح والمذروع وفي ما له طول وعرض يراد به بيان المساحة وإذا استعمل في ما ليس بممسوح وليس له طول وعرض يراد به تكثير الأجزاء والطلاق غير ممسوح وليس له طول وعرض فإنما يراد به تكثير أجزائه والطلاق الذي هو ألف جزء مثل الطلاق الذي هو جزء واحد
قوله : لم يقع شئ لأنه يصلح إخبارا فلا يمكن جعله إنشاء
قوله : وقع الساعة لأنه لا يصلح إلا إنشاء فيكون هذا إيقاع الطلاق في الماضي وإيقاع الطلاق في الماضي لا يتصور لكن إيقاع الطلاق في الماضي يكون إيقاعا في الحال لأن الطلاق متى وقع في زمان يبقى في الأزمنة المستقبلة
قوله : فإنه يؤخذ إلخ أما في الفصل الأول إنما يقع الطلاق في اليوم لأن قوله : أنت طالق اليوم إيقاع في الحال وقوله : غدا إضافة إلى الغد والواقع لا يصح إضافته فصار لغوا وأما في الثاني إنما لا يقع في الحال لأن قوله : أنت طالق غدا إضافة إلى الغد وقوله : اليوم إيقاع في الحال والمضاف لا يصح إيقاعه لأنه في معنى المعلق فصار لغوا
قوله : وسكت إلخ إنما يقع في هذه الصورة في الحال لأن متى للوقت فكان الطلاق مضافا إلى وقت خال عن التطليق وقد وجد
قوله : لم تطلق حتى يموت لأن كلمة إن للشرط فكان الطلاق معلقا بعدم التطليق والعدم لا يثبت إلا باليأس عن الحياة فصار كما إذا قال : إن لم أدخل الدار فأنت طالق أو قال : إن لم آت البصرة فأنت طالق
قوله : هذه التطليقة لأنه انعدم الوقت الخالي عن التطليقة فقد وجد الشرط للبر فلا يقع طلاق آخر
قوله : حين يسكت لأن كلمة إذا للوقت مثل كلمة حتى ولأبي حنيفة أن كلمة إذا تستعمل للشرط خالصا مثل كلمة إن هذا قول أهل الكوفة فوقع الشك في وقوع الطلاق في الحال فلا يقع الحال بالشك
قوله : لا يدين في القضاء خاصة لأنه نوى خلاف الظاهر لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد فلا يصدق في تخصيص الغد كما إذا قال : أنت طالق غدا ولأبي حنيفة أنه نوى حقيقة كلامه فيصدق بيانه وهو أنه جعل الغد طرفا للتطليق والظرف يقتضي وجود المظروف فيه لا استيعابه إلا أنه إذا لم يكن له نية يقع في أول الغد لأنه من الغد فيترجح بالسبق بخلاف ما إذا قال : أنت طالق غدا لأنه أوقع الطلاق في كل الغد فجعل جميع الغد وقتا للطلاق فلا يصدق إذا قال : نويت آخر النهار
قوله : لم يدين في القضاء لأن قوله : وأنت مريضة جملة تامة عطف على الأول فلا يتغير به حكم الأول
قوله : واحدة بائنة سواء دخل بها أو لم يدخل وقال الشافعي : يقع واحدة رجعية إن دخل بها لأن الزوج لا يملك الإبانة بعد الدخول عنده إلا بطريق الخلع أو بالثلاث
قوله : فهي واحدة بائنة إلخ أما قوله : أشد الطلاق فإنه وصف الطلاق بالشدة وشدة الطلاق من حيث الحكم إنما يكون إذا كان بائنا فإن حكمه لا يقبل الانتقاض وحكم الرجعي يحتمل ذلك وإنما يحتمل نية الثلاث لأن ذكر المصدر من غير وصف الشدة يحتمل الثلاث وهذا أحق وأولى وأما قوله : كألففإنه شبه الطلاق بالألف وقد يشبه به من حيث العدد وقد يشبه به من حيث العظم والقوة وعظم الطلاق وقوته بالبينونة فأيتهما نوى صحت نيته وعند عدم النية ثبت أقلهما وهي البينونة بالواحدة وروى عن محمد أنه يقع الثلاث لأن الألف اسم العدد هذا هو الظاهر وأما قوله : أنت طالق ملأ البيت فلأنه وصف الطلاق بأنه ملأ البيت والشئ قد يشغل الوعاء تارة فيملأ الوعاء بعظمه في نفسه وقد يملأ الوعاء لكثرته فأي ذلك نوى صحت نيته وعند عدم النية ثبت أقلهما وهو البينونة
قوله : فهي واحدة بائنة أما الشديدة فلما قلنا وأما الطويلة والعريضة فلأن الطول والعرض يحتمل الكمال والقوة يقال : ليس لهذا الأمر هذا الطول وهذا العرض أي ليس له هذه القوة وذلك يكون في حكمه وهو البينونة فإن الرجعي في مقابلته ضعيف وقصير وإن نوى الثلاث في الفصول كلها صحت نيته
قوله : يملك الرجعة وقال زفر : بائنة لأنه أكد وصف الطلاق بالطول ولنا أنه وصف الطلاق بالقصر لأنه حيث وقع الطلاق في مكان وقع في الأماكن كلها وقصره من حيث الحكم هو الرجعي
قوله : ليس بشئ لأنه أضاف الطلاق إلى حال زوال الملك
قوله : فإنه يملك الرجعة لأنه علق الطلاق مع العتق لأنه كلمة مع متى دخلت بين مختلفي الجنس يقتضي التأخير كقوله ( تعالى ) : { فإن مع العسر يسرا } ثم الطلاق صادفها وهي حرة والحرة لا تبين بالثنتين
قوله : ولا تحل للزوج إلخ لأن التطليق يقارن الإعتاق والعتق ثم الإعتاق والعتق يصادفها وهي أمة فكذا التطليق بخلاف قوله : أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك لأن هناك جعل العتق شرطا للتطليق فصار مع بمعنى إن لأنه جعل التطليق مقارنا للعتق ومقارنة لا يتصور إلا بوجهين : أحدهما أن يتعلق التطليق بالعتق حتى يوجدا معا لأن الجزاء مع الشرط أو يتعلق كلاهما بشرط واحد حتى ينزلا معا وفي هذه المسئلة لم يتعلقا بشرط واحد فتعين القرآن وفي مسئلتنا تعلقا بشرط واحد وهو مجئ الغد فلا حاجة إلى أن يتعلق أحدهما بالآخر
قوله : لم يقع شئ لأن الواقع صادف حالة الموت فلم يعمل والموت ينافي الإيجاب ولا ينافي ما يبطل به الإيجاب وهو الاستثناء
قوله : فهي ثلاث يريد به الإشارة ببطون الأصابع لا بظهورها لأن التكلم مع الإشارة ببطون الأصابع أقيم مقام التلفظ بالعدد عند الحاجة بالسنة قال ( عليه السلام ) : [ الشهر هكذا وهكذا وهكذا ] وأشار بأصابع يديه كلها يريد به أنه ثلاثون وخنس إبهامه مرة أخرى في المرة الثالثة يريد به تسعة وعشرين كذا هذا
قوله : لم يقع شئ لأن الطلاق ينعقد لإبطال الحل الثابت بالنكاح ولم يبق الحل لأنه صار فرعا لملك الرقبة
قوله : طلقت لأن اليوم متى أضيف إلى فعل لا يمتد يصير عبارة عن مطلق الوقت (1/193)
{ باب الأيمان في الطلاق }
قوله : باب الأيمان في الطلاق اعلم أن تعليق الطلاق ونحوه يمين خلافا لداؤد الأصفهاني وهذا لورود الشرع والعرف به قال ( عليه الصلاة و السلام ) : [ من حلف بالطلاق ] ويقال : حلف فلان بالطلاق كما يقال : حلف بالله وإنما سمي التعليق يمينا لأنه يتقوى به وجود الفعل واليمين القوة لغة وينسب اليمين إلى الجزاء فيقال : يمين بالطلاق كما يقال يمين بالله لأنه مقسم به كاسم الله ( تعالى ) لأن المقسم به ما يقصد بذكره تأكيد البر مراعاة لحرمته وههنا كذلك لأنه يقصد بذكر الجزاء من الطلاق والعتاق وغيره تأكيد البر رعاية لحرمة النكاح والمال لما تعلق به من المصالح دينا ودنيا
قوله : لزمه في القضاء تطليقة إلخ لأنها لو ولدت الغلام أولا وقعت واحدة وتصير معتدة وإذا ولدت الجارية بعده تنقضي العدة بوضع الجارية فلا يقع شئ لأنه لو وقع وقع مع الانقضاء بالوضع والطلاق لا يقع مع انقضاء العدة ولو ولدت الجارية أولا وقعت تطليقتان وتنقضي العدة بوضع الغلام ولا يقع شئ فإذا في حال يقع تطليقتان وفي حال تطليقة وفي الواحدة يقين وفي الزيادة شك فلا تقع الثانية بالشك ولكن في التنزه يجب أن يأخذ بتطليقتين لاحتمال وقوعهما
قوله : فكلمت أبا عمرو إلخ هذه المسئلة على أربعة أوجه : إما أن وجد الشرطان في الملك بأن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف في الملك قبل الطلاق أو وجدا في غير الملك بأن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف بعد طلاقها وانقضاء عدتها أو وجد الأول في الملك والثاني في غير الملك أو وجد الأول في غير الملك والثاني في الملك فعلى الوجه الأول يقع الطلاق وفي الوجه الثاني والثالث لا يقع وفي الوجه الرابع اختلفوا فقال علماءنا الثلاثة : يقع وقال زفر : لا يقع هو اعتبر الشرط الأول بالثاني : لأنهما سواء ثم الملك شرط عند وجود الشرط الثاني فكذا عند وجود الشرط الأول ولنا أن الملك إنما يشترط حال انعقاد اليمين ووجود الشرط الأول مستغنى عنه لأنه ليس وقت نزول الجزاء ولا وقت انعقاد اليمين فاستوى الوجود والعدم
قوله : ما بقي من الطلاق أي الواحد إذا طلقت قبل ذلك ثنتين وثنتان لو طلقت واحدة لأن بوطىء الزوج الثاني بعد الطلقات الثلاث ينتهي التحريم الحاصل بها ويثبت الحل الجديد على الأصل فيملك الطلقات الثلاث وأما وطئه بعد الطلقتين أو الطلقة فلا يثبت الحل الجديد فلا يملك الزوج إلا ما بقي ولأبي حنيفة أن وطىء الزوج الثاني يهدم الطلقات الثلاث فما دونها أولى فثبت الحل الجديد في جميع الصور وزيادة تحقيق هذه المسئلة في شروح أصول البزدوي وغيرها من كتب الأصول
قوله : لم يجب عليه المهر لأن الجماع إدخال الفرج في الفرج ولم يوجد ذلك ! بخلاف ما إذا خرج ثم أدخل لأنه وجد الجماع وهو إدخال الفرج
قوله : حين ترى الدم ودم الحيض لا يعرف إلا أن يمتد ثلاثة أيام فإذا وجد ذلك وقع الطلاق من حين رأت الدم لوجود الحيض
قوله : لم تطلق حتى تطهر لأنه وصف الحيض بالكمال وكمال الحيض بانتهائها وذلك بالطهر إذا كان عشرة أيام أو بالطهر والغسل أو ما يقوم مقام الغسل إذا كان أيامها دون العشرة
قوله : حين تغيب الشمس لأنه اسم لبياض النهار إذا قرن به ما يمتد والصوم مما يمتد
قوله : ولم يعتق العبد إلخ لأنها في حق نفسها أمينته وفي حق الزوج شاهدة وشهادة الفرد مردودة
قوله : وعند محمد لا يقع هو يقول : بأن الطلاق علق بالمحبة والمحبة عمل القلب إلا أن اللسان جعل خلفا عند تيسيرا والتقييد بالقلب مما يبطل خلافه اللسان عنه وهما يقولان : إن المحبة لما لم يكن إلا بالقلب وكان الإطلاق والتقييد بالقلب سواء ولو أطلق تطلق فكذا إذا قيد بالقلب (1/200)
{ باب الكنايات }
قوله : رجل قال لامرأته إلخ هذه المسئلة في ما إذا نوى الزوج بقوله : اختاري لأنه يحتمل أن يختار نفسها أو إياه وهذا استحسان والقياس أن لا تطلق لأنه يحتمل الوعد فلا يصير جوابا مع الاحتمال كما إذا قال لها : طلقي نفسك فقالت : أنا أطلق نفسي لا يقع كذا هذا وجه الاستحسان أن هذا جعل جوابا وإيجابا في الشرع فإنه لما نزل قوله ( تعالى ) : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } [ نادى رسول الله صلى الله عليه و سلم عائشة ( رضي الله عنها ) فقال : يا عائشة إني أخيرك في أمر فلا تجيبيني حتى تستأمري أبويك فأخبرها بنزول الآية فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ لا بل أختار الله ( تعالى ) ورسوله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ] وأرادت بهذا الاختيار الجواب في الحال وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الكلام منها إيجابا للحال
قوله : في قول أبي حنيفة إلخ ولا يحتاج عنده إلى نية الزوج وإنما لم يحتج لأن هذا الكلام لا يذكر على وجه التكرار إلا في حق الطلاق لأن الاختيار في حق الطلاق يتكرر أما في حق أمر آخر فلا لهما أن الأولى والوسطى والأخيرة غير مفيد في حق الترتيب لكن مفيد في حق الانفراد لأن قصده يحتمل الترتيب فيعتبر في ما يفيد ولأبي حنيفة أن المرأة إنما تتصرف بحكم الملك لأن الزوج ملك التصرف ولا ترتيب في ما ملكته ولأن المجتمع في الملك كالمجتمع في المكان وذلك لا يحتمل الترتيب فإن القوم المجتمعين في مكان لا يقال : هذا جاء أولا وهذا جاء آخرا فيكون الترتيب في مجيئها لا في ذاتها فإذا لم يكن في المملوك ترتيب لغا قولها : الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فبقي قولها : اخترته ولو قالت : اخترت وسكتت وقع الثلاث فكذا هذا
قوله : ثلاثا أما مذهب أبي حنيفة فكما ذكر عن الحسن بن أبي مطيع أنه احتج فقال : الاختيار مذكر والمرأة أخرجت الكلام مخرج التأنيث حيث قالت : الأولى ولم تقل : الأول فبطل قولها : الأولى وبقي قولها : اخترت وذكر عن ابن سلام أنه احتج لأبي حنيفة فقال : لأن الزوج جمع الخيارات وأتبع بعضها بعضا فصار قبول البعض بمنزلة قبول الكل ألا يرى أنها لو ردت البعض يرد الكل فكذلك إذا قبلت البعض
قوله : في قولهم جميعا لأن قولها : اختيارة يذكر للمرة فيكون معناه اخترت بمرة والاختيار بمرة إنما يتحقق إذا اختارت نفسها بالثلاث
قوله : فهي واحدة لا يملك الرجعة لأن الموجود من جانب الزوج ليس بصريح الطلاق وهي إنما تملك بحسب ما يملك الزوج والزوج ملكها بلفظة الاختيار وهي لا تعقب الرجعة وإن أتت بصريح الطلاق كذا ذكر في الجامع الكبير وذكر في بعض النسخ من هذا الكتاب : أنه تقع واحدة رجعية وهذا غلط من الكاتب
قوله : فهي واحدة يملك الرجعة لأنه جعل لها أن يختار نفسها لكن بتطليقة والتطليقة معقبة للرجعة
قوله : وإن قال لها إلخ الكنايات ثلاثة أقسام في هذا الباب : منها ما يصلح جوابا لا غير وذلك ثلاث : أمرك بيدك واختاري واعتدي ومنها ما يصلح جوابا وردا لا غير فسبعة ألفاظ : أخرجي واذهبي واغربي وقومي وتقنعي واستتري وتخمري ومنها ما يصلح جوابا وردا وسبا وذلك خمسة : خلية وبرية بائن بتة حرام وروي عن أبي يوسف أنه ألحق بالقسم الأول خمسة أخرى وهو قوله : خليت سبيلك وسرحتك ولا ملك لي عليك ولا سبيل لي عليك وألحقي بأهلك
والأحوال ثلاثة : حالة مطلقة وهي حالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وهي أن تسأل هي طلاقها أو غيرها طلاقها وحالة الغضب أما في الحالة المطلقة لا يعتبر شئ من الأقسام الثلاثة طلاقا إلا بالنية والقول قول الزوج في ترك النية لأنها محتملة للأشياء ولا دلالة على الحال وفي حال مذاكرة الطلاق لا يصدق في شئ من الأقسام الثلاثة قضاء إلا في ما يصلح جوابا وردا لأنه يحتمل الإجابة والرد فيثبت الأدنى وهو الرد فأما في حالة الغضب يصدق في الأقسام الثلاثة إلا في ما يصلح جوابا لا غير لأنه يصلح الطلاق الذي يدل عليه الغضب فيجعل طلاقا
قوله : لم تعتق المسئلة معروفة وهي أن صريح الطلاق وكنايته إذا نوى بهما العتق عندنا لا تعتق وقال الشافعي : تعتق
قوله : دين في القضاء لأن الإنسان بعد الطلاق يأمر امرأته بالاعتداد
قوله : فهي ثلاث لأنهما ذكرنا بعد مذاكرة الطلاق فتعينتا بدلالة الحال
قوله : دخل الليل في ذلك حتى لو ردت الأمر في يومها لم يبق الأمر في يدها في الغد لأن في الفصل الأول جعل الأمر في يدها في وقتين منفصلين فلا يصح أن يجعلا كوقت واحد لتخلل ما يوجب الفصل وهو اليوم والليلة وعند اختلاف الوقت لا يمكن القول باتحاد الأمر فإبطال أحدهما لا يتعدى إلى الآخر ولا يدخل الليل في الأمر لأن كل واحد من الأمرين ذكره منفردا وفي الفصل الثاني الأمر متحد لأن تخلل الليل في يومين لا يجعلهما مدتين لأن القوم قد يجلسون للمشورة فيبقى المجلس إلى الغد فإذا ردت الأمر في اليوم لا يبقى الأمر في يدها في الغد
قوله : ولو قال : في اليوم إلخ هذا يوافق ما تقدم وهو قوله : أنت طالق غدا أو أنت طالق في الغد
قوله : حنث لأن الشرع جعل اليوم في النكاح واقعا على الوقت المطلق وفي الأمر باليد يقع على بياض النهار لأن اليوم يطلق على مطلق الوقت ويستعمل لبياض النهار قال الله ( تعالى ) : { ومن يولهم يومئذ دبره } وأراد به مطلق الوقت وقال الله ( تعالى ) : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } وأراد به بياض النهار والليل لا يستعمل إلا للسواد خاصة والنهار لا يستعمل إلا للبياض خاصة فإذا كان كذلك وجب العمل بما يوجب ترجيح أحد الوجهين على الآخر فينظر فيه إن أضيف إلى أمر يمتد علم أنه أراد به بما يوجب بياض النهار لأنه أدنى ما يمتد ليجعل ذلك معيارا له وإن أضيف إلى فعل لا يمتد علم أنه أراد به مطلق الوقت والتزوج مما لا يمتد فحمل على مطلق الوقت فدخل الليل في ذلك ففي أي وقت تزوج تطلق فإذا قدم فلان وهي لا تعلم بقدومه حتى مضى النهار فلا خيار لها لأنها علمت بعد انقضاء الأمر والجهل لا يكون عذرا في مثل هذا
قوله : ما لم تأخذ في عمل آخر فإن أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن هذا تمليك الطلاق وليس بإنابة لأن المتصرف في الإنابة عامل لغيره لا لنفسه وهي عاملة لنفسها لا لغيرها فدل أن هذا تمليك يقتصر على المجلس
قوله : فهي على خيارها لأن قعود القائم دليل الإقبال دون الإعراض لأن هذا عادة من يستجمع الرأي وأما قعود المتكىء فلأنه دليل الإقبال دون الإعراض واتكاء القاعد كذلك وكذلك دعاء الشهود لأنه دليل التأمل دون الأعراض وكذلك إن لبست ثيابها
قوله : بمنزلة البيت لأن سير السفينة لا يضاف إلى راكبها لأنها لا تساق ولكنها تجري بالماء والريح وليس الماء والريح في يد أحد
قوله : فهي ثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لأنه جعل جوابا للتمليك بالإجماع وهذا تمليك وقولها : اخترت نفسي بواحدة أي بمرة واحدة
قوله : فهي واحدة بائنة لأنه نعت فرد فيقتضى مصدرا محذوفا فوجب إثبات المصدر على موافقة الفعل
قوله : فهي واحدة يملك الرجعة لأنه نوى ما يحتمل كلامه لأن واحدة يحتمل أن يكون نعتا لمصدر محذوف كما يصلح وصفا لشخصها لأن حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه أمر سائغ في اللغة حتى قال بعض أصحابنا : إذا أعرب الواحدة بالرفع لم يقع شئ وإن نوى لأنها صفة شخصها وإن أعرب بالنصب يقع من غير نية لأنه نعت مصدر محذوف وإن سكن ولم يتحرك بإعراب فيحتاج إلى النية وقال عامة مشايخنا : لا بل الكل على الاختلاف لأن العامة لا يميزون بين وجوه الإعراب فلا يصح عليه بناء حكم يرجع إلى العامة على هذا وهو الصحيح (1/203)
{ باب المشية }
قوله : فهي ثلاث لأن نية الثلاث قد صحت من الزوج لأن قوله : طلقي نفسك مختصر من : أفعلي فعل التطليق وهو اسم جنس يقع على الأقل ويحتمل الكل فإذا نوى الكل يصح وإن نوى الثنتين يقع واحدة لأنه نوى العدد واللفظ لا يحتمل العدد فلا تصح نية الثنتين إلا إذا كانت تحته أمة
قوله : فهي واحدة بملك الرجعة أما الواحدة فلأنه ملكها التطليق وهو اسم لفعل واحد فملكت ذلك فإذا طلقت وقعت واحدة فتكون رجعية لأن الطلاق بعد الدخول معقب للرجعة ولأن المفوض إليها صريح الطلاق
قوله : لم تطلق لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق حقيقة وحكما فأما الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق وضعا وحكما
قوله : فليس له أن يرجع فيه فإن قال : طلقي ضرتك له أن يرجع عنه ولا يقتصر على المجلس وكذلك لو قال للأجنبي : طلقها له أن يرجع عنه ولا يقتصر على المجلس لأن قوله : طلقي نفسك تمليك والتمليك يقتصر على المجلس بالإجماع ولا يقبل الرجوع وقوله : طلقها إنابة وهي لا تقتصر على المجلس ويقبل بالرجوع عنه
قوله : وكذلك إلخ لأن هذا الكلام في حق الأجنبي يصلح للتوكيل ويصلح للتمليك فإن صرح بالتمليك جعل تمليكا وإلا فلا وههنا صرح بالتمليك لأنه علقه بالمشية فجعل تمليكا
قوله : فهي واحدة لأنها ملكت إيقاع الثلاث فيملك إيقاع الواحدة
قوله : لم يقع شئ هذا بالاتفاق لأن وقوع الطلاق معلق بمشيتها الثلاث ولم يوجد
قوله : لم يقع شئ لأن وقوع الطلاق معلق بمشيتها الواحدة ولم يوجد
قوله : واحدة لأن مشية الثلاث مشية الواحدة وعنده ليس كذلك
قوله : فقالت قد شئت إن شئت إلخ لو قال لها : أنت طالق إن شئت فقالت : شئت إن كان كذا لأمر ماض طلقت لأنه علق الطلاق بتنجيز المشية والتعليق بشرط كائن تنجيز وإن قالت : شئت إن كان كذا لأمر لم يجيء بعد فهو باطل لأنه تعليق وخرج الأمر من يدها لأنها اشتغلت بما لا يعنيها ولو قالت : قد شئت إن شئت فقال الزوج مجيبا لها : قد شئت ينوي الطلاق لا يقع الطلاق إلا أن يقول الزوج : شئت طلاقك فحينئذ يكون هذا إيقاعا مبتدء فيقع وإن قال : أردت طلاقك لم يقع والفرق أن المشية مأخوذ من الشئ وأنه اسم للموجود بخلاف أردت لأنه مشتق من الرود وهو الطلب والطلب قد يكون فلا يوجد
قوله : فيقع حينئذ لأن المشية في الأصل مأخوذ من الشئ وهو اسم للشئ الموجود فكان قوله : شئت بمعنى أوجدت وإيجاد الطلاق بإيقاعه بخلاف الإرادة فإنها في اللغة عبارة عن الطلب قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ الحمى رائد الموت ] أي طالبه فإن قيل : ذهب علماؤنا في أصول الدين إلى أن الإرادة والمشية واحدة فما هذه التفرقة : فالجواب أنه يجوز أن يكون بينهما تفرقة بالنسبة إلى العباد وتسوية بالنسبة إلى الله ( تعالى ) لأن ما شاء الله كان لا محالة وكذا ما يريده بخلاف العبد
قوله : لم يكن ردا ولا يقتصر على المجلس ولها أن تطلق نفسها في كل زمان واحدة لأن كلمة متى تعم الأوقات دون الأفعال فتملك التطليق في كل زمان ولا تملك تطليقا بعد تطليق ولو قال : إذا شئت أو إذا ما شئت فكذلك عند الكل أما على أصلهما فظاهر وأما على أصل أبي حنيفة فلأنه يستعمل للوقت وللشرط وقد صار الأمر في يدها في المجلس فلا يخرج من يدها بالقيام عن المجلس بالشك
قوله : ثلاثا لأن كلمة كلما تعم الأفعال كما تعم الأزمان وإن قامت من المجلس بطل أمرها في ذلك المجلس لكن لها مشية أخرى فإن شاءت الثلاث جملة لم يصح لأنه لم يفوض إليها الثلاث جملة وأنه فوض إليها الواحدة في كل مشية فإذا شاءت الثلاث جملة لم يقع الثلاث فهل يقع الواحدة فعلى الاختلاف الذي ذكرنا يعني عند أبي حنيفة لا تقع وعندهما تقع
قوله : حتى تشاء لأن كلمة أين من ظروف المكان وحيث من أسماء المكان ولا اتصال للطلاق بالمكان والطلاق لا يختلف باختلاف المكان فيلغو ذكر المكان ويبقى ذكر المشية في الطلاق بخلاف الزمان
قوله : طلقت إلخ لم يحك ههنا خلافا وذكر في الأصل أن هذا قول أبي حنيفة وأما على قولهما فلا تقع ما لم توقع المرأة ولكن إن شاءت أوقعت تطليقة رجعية وإن شاءت أوقعت بائنة وإن شاءت أوقعت الثلاث لهما أن هذا تفويض أصل الطلاق إليها على أي وصف شاءت فملكت ذلك ولأبي حنيفة أن المشية دخلت على وصف الطلاق فبقي أصله بلا مشية فوقع
قوله : فهو كما قال يريد به أن الزوج يقول : نويت به ذلك
قوله : ما شاءت لأنكم وما يستعملان للعدد ويقتصر على المجلس
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ فهما يجعلان كلمة من للتمييز لأن ما محكم في التعميم وكلمة من يستعمل للتمييز فيحمل على تمييز الجنس كما إذا قال : كل من طعامي ما شئت أو طلق من نسائي من شئت وهو يجعل للتبعيض فإن طلقت ثلاثا لم يقع شئ عند أبي حنيفة لما عرف من أصله فإن المأمور بالواحد أو الثنتين إذا أوقع الثلاث لا يقع شئ (1/209)
{ باب الخلع }
قوله : ولا شئ له لأن الملك الذي يسقط عنه بالطلاق ليس بمال متقوم فلا يجب البدل إلا باعتبار التسمية والمسمى ليس بمال متقوم
قوله : وعليه القيمة لأن الملك الذي يسقط عنه بالإعتاق مال متقوم فإذا لم يسلم له العوض المشروط لفساده يرجع عليه بقيمة المعقود عليه وكذلك لو أعتقه على ذلك فقبل عتق وعليه قيمته لما قلنا وكذلك لو تزوج امرأة على ذلك فقبلت جاز النكاح وعليه مهر المثل لأن النكاح نظير الكتابة لأن المعقود عليه عند الدخول في ملك الزوج مال متقوم فإذا لم يجب المسمى لفساد التسمية وجب قيمة البضع ولهذا لو تزوج بدون المهر يجب مهر المثل
قوله : وهي صغيرة وإن خلع الصغيرة على مهرها فإن لم يضمن الأب شيئا توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول بأن كانت تعرف كون الخلع سالبا والنكاح جالبا فإن قبلت وقع ولم يبطل من مهرها شئ بل يبقى الكل إن دخل بها والنصف إن لم يدخل بها وإن لم يقبل هي وقبل الأب عنها فعلى هذا روايتان وأما إذا ضمنه الأب فإن كان المهر ألفا فالقياس أن يجب عليه الألف ولها على الزوج خمسمائة إن كان قبل الدخول بها وفي الاستحسان يجب خمسمائة عليه وعلى الزوج أيضا كذلك
قوله : والألف عليه لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح لأنه يسلم للعبد بالعتق شئ ولا يسلم ذلك للأجنبي فافترقا وفي الخلع يسقط فلا يسلم للمرأة شئ كما لا يسلم للأجنبي فاستويا
قوله : على كل واحد منهما ألف درهم لهما أن هذا الكلام يستعمل في موضع المعاوضة والشرط ألا ترى أن من قال : احمل هذا المتاع إلى منزلي ولك درهم كان مثل قوله : بدرهم ؟ وهذا لأن الواو يصلح للحال كما في قوله : إن دخلت الدار وأنت راكبة فأنت طالق فيكون شرطا عند دلالة الشرط وعوضا عند دلالة المعاوضة ولأبي حنيفة أن قوله : وعليك ألف درهم جملة تامة فلا يجعل متصلا بما قبله إلا بدلالة ولم يوجد لأن الطلاق شرع بمال وبغير مال بخلاف ما إذا استعمل في موضع المعاوضة لأنه ما شرع إلا معاوضة غالبا فيصلح دلالة
قوله : طاب الفضل للزوج لقوله ( تعالى ) : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وفي رواية الأصل : يكره لما روى : [ أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إني أبغض زوجي لا أنا ولا ثابت فقال ( عليه السلام ) : أتردين عليه حديقته ( والحديقة كانت مهرها ) قالت : نعم مع زيادة فقال ( عليه السلام ) : أما الزيادة فلا ]
قوله : كره له الفضل ولا يكره أخذ مهرها الذي قبضت لما تلونا من الآية وفي رواية الأصل : يكره لقوله ( تعالى ) : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } الآية
قوله : فالقول قول الزوج لأن الطلاق بمال يمين من جانب الزوج حتى لا يصح الرجوع عنه واليمين يتم من غير قبول إنما القبول شرط الحنث فلا يكون الإقرار به إقرارا بالقبول أما البيع إيجاب وقبول فلا يتم إلا بالقبول فكان الإقرار منه للبيع إقرارا للقبول فإذا أنكر فقد رجع عن بعض ما أقر به
قوله : إذا كان للزوج لأنه يمين من جانبه من حيث المعنى حتى لا يصح رجوعه عنه فلا يحتمل خيار الشرط
قوله : فإن ردت الخيار إلخ فإن اختارت الطلاق في الثلاث فالطلاق واقع والألف لازم وعندهما الطلاق واقع والمال لازم والخيار باطل لأن قبولها شرط اليمين فلا يحتمل الخيار كسائر الأيمان ولأبي حنيفة أن الخلع من جانبها يشبه البيع لأنه تمليك مال بعوض ولهذا لو رجع صح رجوعها ولو قامت بطل كما في البيع ولا يتوقف على ما وراء المجلس والمبيع يحتمل الخيار وإنما جعل ذلك شرطا في حق الزوج وأما في حق نفسها تمليك مال بعوض
قوله : وبطل الخيار فرق أبو حنيفة بين الخلع في جانبها وبين النكاح فإن اشتراطه الخيار في النكاح لا يصح وإن كان كلاهما تمليكا من جانبها حتى لو تزوج امرأة بشرط الخيار يبطل الخيار والفرق أن الخيار أثره في إثبات حق الفسخ بعد تمام الإيجاب والنكاح بعدما تم لا يحتمل الفسخ ولهذا لا يحتمل الإقالة وإيجاب المال فيه تابع ولهذا يصح بدون ذكر المال فلم يمكن إفراده بحكمه أما المال في باب الخلع مقصود فأمكن إفراده بحكمه
قوله : له ثلث الألف لأن كلمة على في المعاوضات بمنزلة الباء في العادة فإنه لا فرق بين قول الرجل : احمل هذا المتاع إلى منزلي بدرهم وبين قوله : على درهم ولأبي حنيفة أن كلمة على بمعنى الشرط لأن أصلها اللزوم فاستعير للشرط لأنه يلازم الجزاء والشرط لا ينقسم على الجزاء
قوله : فله ثلث الألف لأن الباء تصحب الأعواض والعوض ينقسم على المعوض كرجل قال لرجل : بع هؤلاء الجيد الثلاثة بألف درهم فباع الواحد بثلث الألف صح كذا هذا
قوله : لم تبرأ لأنه شرط فاسد لأن الخلع معاوضة فتصير السلامة مستحقة به والتسليم واجب عليها فإذا فات كان عليها القيمة فكان اشتراط البراءة شرطا فاسدا فيلغو الشرط لكن لا يبطل الخلع لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة (1/214)
{ كتاب الإيلاء }
قوله : كتاب الإيلاء الإيلاء في الشرع عبارة عن منع النفس عن قربان المنكوحة أربعة أشهر فصاعدا منعا مؤكدا باليمين
قوله : فهو مول لأنه جمع بينهما بحرف الجمع والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع ولو جمع كان موليا فكذلك ههنا فصار هذا كمن قال : بعت منك هذا العبد إلى شهر وشهر يصير بمنزلة قوله : بعت إلى شهرين وذكر في الجامع الكبير : والله لا أكلمك يوما ويومين يصير بمنزلة قوله : إلى ثلاثة أيام كذا هذا
قوله : لم يكن موليا لأنه لما مكث بينهما يوما كان هذا إيجابا آخر وإذا كان كذلك صارا أجلين فتداخلا كما في اليمينين فلم يثبت من كل واحدة من اليمينين أربعة أشهر والإيلاء لا ينعقد في أقل من أربعة أشهر هذا إذا قال في المرة الثانية : والله لا أقربك شهرين وكذا لو قال بعدما مكث يوما : والله لا أقربك شهرين بعد هذين الشهرين لأن هذين الشهرين غير الأولين فكان هذا إيجابا آخر
قوله : لم يكن موليا لأن علامة المولى أن لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بحنث يلزمه ولم يوجد إلا إذا قربها وقد بقي من السنة أربعة أشهر فحينئذ يصير موليا
قوله : لم يكن موليا لأن الإيلاء يمين لغة واصطلح الفقهاء على أنهم يسمون اليمين التي فيها الطلاق إيلاء فصار تقدير الإيلاء : إن لم أقربك في أربعة أشهر فأنت طالق بائن فإذا قال ذلك لأجنبية فقد حلف بالطلاق في غير الملك وغير مضاف إلى سبب الملك فبطل إيجاب الطلاق وبقيت يمينا مطلقا فإذا قربها لزمته كفارة
قوله : لم يكن موليا لأنه يمكنه قربانها من غير شئ يلزمه بالإخراج من الكوفة
قوله : وهو مريض أي لو آلى مريض لا يستطيع الجماع من امرأته ففيئه أن يقول بلسانه : قد فئت إليك أو راجعتك حتى يبطل الإيلاء في حق الطلاق وإن كان يبقى يمينا في حق الحنث وكذا إذا كانت المرأة مريضة أو صغيرة لا يستطاع جماعها كذا في جامع خواهر زاده وذكر الطحاوي أن الفيء باللسان باطل وهو قول الشافعي لأنه لا أثر للفيء باللسان في الحنث حتى لا يرتفع به اليمين ولا يتعلق به وجوب الكفارة ولو قام مقام الوطىء في كونه فيئا لقام مقامه في كونه حنثا إلا أنا نقول : إن الإيلاء إنما يكون طلاقا بعد المدة للظلم بمنع حقها في المدة وظلم المريض العاجز عن مباشرتها إنما يكون بالقول فكذا يكون توبته بالقول
قوله : إلا الجماع لأنه قدر على الأصل قبل الفراغ عن الحكم بالخلف فبطل حكم الخلف فإن تمت المدة مع العجز فقد مضى حكم الخلف فلا يبطل بعد ذلك فإن قربها بعد ذلك فعليه كفارة (1/219)
{ كتاب الظهار }
قوله : كتاب الظهار هو في اللغة قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي وفي اصطلاح الفقهاء تشبيه المنكوحة بالمحرمة على سبيل التأبيد
قوله : لم يكن إلا ظهارا لأنه صريح في الظهار
قوله : فهو مظاهر لأن حرمة الفرج أشد من حرمة الظهر
قوله : فهو على ما نوى لأنه نوى ما يحتمله لفظه لأنه يحتمل أن قصده التحريم والكذب والكرامة وإن نوى طلاقا فهو على ما نوى أيضا لأنه نوى ما يحتمله لفظه لأنه يحتمل التشبيه في التحريم كما لو قال : أنت علي حرام فيكون إيجابا لا كذبا فتصح نية التحريم وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي حنيفة لا يلزمه شئ وعلى قول محمد هو ظهار لمكان التشبيه وعن أبي يوسف روايتان
قوله : هو على ما نوى لوجود التصريح بلفظ الحرمة وأنه يحتمل ما نوى ويكون قوله : كظهر أمي تأكيدا للحرمة لكن عند محمد إذا كان طلاقا لا يكون ظهارا وعند أبي يوسف يكون طلاقا وظهارا لأنه تلفظ بلفظ الحرمة وشبهها بظهر الأم فبلفظ الحرمة يقع الطلاق وبالتشبيه يكون ظهارا
قوله : لم يكن مظاهرا يريد به أنه لا يحرم وطئها لأن الحل فيها تابع فلم يكن في كونه منكرا من القول وزورا مثل ما يكون في الزوجة
قوله : أجزاه لأن المسكين ينتصب نائبا عن الآمر في القبض أولا ثم يصير قابضا لنفسه
قوله : أجزاه أن يجعله عن أحدهما وقال زفر : لا يجزيه لأنه أوقع عن كل ظهار عتق نصف العبد وذلك غير كاف فإذا جعله عن أحدهما فقد جعل بعدما خرج الأمر من يده فلا يملك كما لو أعتق عبدا عن ظهار وقتل ولنا أن نية الظهارين قد بطلت لأن نية التعيين في الجنس المتحد لغو لأنه غير محتاج إليه فصار ناويا عما عليه فبعد ذلك لم يبق عليه إلا تكميل العدد بخلاف الكفارة عن الظهار مع القتل لأن الجنس قد اختلف فاعتبر نية التعيين فوقع عن كل واحد منهما نصف العبد
قوله : أجزاه أما عند أبي يوسف ومحمد فلأنه أعتق الكل عن الظهار بكلام واحد وأما عند أبي حنيفة فلأنه أعتق الكل عنه بكلامين
قوله : يجزيه لأنه لما أعتق النصف وهو موسر أعتق الكل ولأبي حنيفة أن الكفارة إنما تسقط بصرف كل الرقبة المملوكة له ولم يوجد لأنه حين أعتق النصف فقد أعتق الكل من وجه ولذا بطل حق الانتفاع وإذا أعتق الكل من وجه سقط به بعض الملك والرق ولم يكن ذلك على ملك من عليه الكفارة فحين أعتق النصف الباقي لم يصر صارفا كل الرقبة في حق الكفارة
قوله : وقال محمد إلخ لأن المؤدي يصلح وفاء لما عليه والمصروف إليه يصلح محلا فوجب أن يجوز كما لو اختلف السبب وهما يقولان : إن الجنس إذا اتحد بطلت نية الجمع حقيقة والمؤدي يصلح لكفارة واحدة لأن الشرع إنما ذكر المقدار وهو نصف صاع لأدنى الغايات لا باعتبار أنه لا يحتمل الزيادة وإذا احتمل صار الصاع المؤدى له بخلاف ما لو اختلف السبب لأنه مختلف الجنس فيعتبر نية الجمع (1/222)
{ باب طلاق المريض }
قوله : لم ترث منه لأنها رضيت بالعمل المبطل فظهر عمل المبطل في حقها
قوله : ورثته لأن الطلاق الرجعي ليس بمبطل للحل ولم ترض بعمل المبطل فلا يظهر عمله
قوله : في قولهم خلافا لزفر هو يقول : بأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع عن صحة الإقرار والوصية فصح ولنا أنه تمكنت التهمة في هذا الإقرار وتمكنت شبهة الظلم في هذه الوصية فوجب الرد وبيانه أن الإنسان قد يختار الطلاق ليبطل الميراث وينفتح عليه باب الإقرار والوصية فيزداد حقها والنكاح سبب التهمة ولهذا منع قبول الشهادة بالتهمة فأثبتنا الأقل لأنه لا تهمة فيه وأما الكلام معهما فهما يقولان : بأن الإقرار والوصية وجدا وليس بينهما سبب يدور عليه حكم التهمة لا النكاح ولا العدة فوجب أن يصح بخلاف المسئلة الثانية لأن السبب الذي يدور عليه حكم التهمة قائم وهي العدة وأبو حنيفة يقول : إن التهمة تمكنت في إقرار الزوج في المرض بالطلاق في الصحة فوجب إثبات الأقل
قوله : لم ترثه لأن الغالب من حاله السلامة فصار حكمه حكم الصحيح كمن به مرض لم يصر به صاحب فراش أو نزل في أرض سبعة أو كان راكب سفينة أو كان محبوسا لأجل قود أو رجم لكن لما كان الغالب من حكمهم السلامة كان حكمهم حكم الصحيح كذا هذا
قوله : ورثت لأن الغالب من حاله الهلاك فصار حكمه حكم المريض كمن انكسرت سفينته وبقي على لوح أو وقع في فم سبع لما كان الغالب منه الهلاك كان حكمها حكم المريض كذا هذا
قوله : رجل صحيح إلخ اعلم أن هذا على وجهين : إما أن يكون التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كلاهما في المرض وكل واحد منهما على ثلاثة أقسام : أحدها أن يكون التعليق بفعل الأجنبي أولا بفعل أحد والثاني أن يكون بفعل الزوج والثالث أن يكون بفعل المرأة فأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض فإن كان التعليق بفعل الأجنبي بأن قال : إن دخل فلان الدار فأنت طالق أولا بفعل أحد بأن قال : إذا جاء رأس الشهر لا ترث لأن الزوج لم يضيع شيئا وإن كان التعليق بفعل نفسه صار فارا سواء كان له منذ بد أو لم يكن وإن كان التعليق بفعلها فإن كان لها منه بد ككلام زيد لم يصر فارا لأنها رضيت به وإن لم يكن لها منه بد : كصلاة الظهر وكلام الأب واستيفاء الدين صار الزوج فارا عندهما وقال زفر ومحمد : لا يصير فارا فأما إذا كان التعليق والشرط في المرض فإن كان بفعل الأجنبي أولا بفعل أحد أو بفعله أو بفعلها الذي لا بد لها منه يصير فارا وإن كان بفعلها الذي لها منه بد لا يصير فارا لأنها بمباشرة الشرط تصير راضية بالطلاق
قوله : لم ترث لأن بالصحة تبين أن حقها لم يكن متعلقا بما له
قوله : ثم مات لم ترث لأنها بالردة خرجت عن أهلية الوراثة وبقاء الحق في غير الأهل ممتنع
قوله : ورثت لأن ما ينافيه المحرمية زال بالطلاق وما بقي لا ينافي المحرمية بخلاف الردة لأنها تنافي الكل
قوله : في قول أبي حنيفة إلخ لأن القذف تعليق الطلاق بفعلها الذي لا بد لها منه وهو اللعان دفعا للعار فكان هذا فرع ما تقدم (1/224)
{ باب في الرجعة }
قوله : فليس له أن يسافر بها إلخ لأن الله ( تعالى ) نهى الزوج عن إخراجها في العدة لقوله ( تعالى ) : { لا تخرجوهن من بيوتهن } وفي المسافرة بها إخراجها فلا يباح إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة فلا يكره المسافرة بها وهذا مذهب علمائنا الثلاثة وقال زفر ( رحمه الله ) : المسافرة بها رجعة سواء أشهد أو لم يشهد لأن المسافرة بها دلالة الرجعة وإنا نقول : لا اعتبار للدلالة مع الصريح بخلافه وكلامنا في رجل ينادي أنه لا يراجعها ولا عبرة للدلالة مع التصريح بخلافه كما لا يباح لها المسافرة لا يباح لها أن يخرج إلى ما دون السفر لظاهر النص المحرم فإنه مطلق غير مقيد بقيد المسافرة
قوله : فله عليها رجعة لأنه لما ظهر بها الحبل في مدة يتصور الحبل منه شرعا جعل واطئا شرعا لقول النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : [ الولد للفراش وللعاهر الحجر ] فإذا جعل واطئا صار مكذبا شرعا في قوله : لم أجامعها وإذ ثبت الوطىء تأكد الملك في البضع والملك المتأكد لا يبطل بنفس الطلاق فتثبت الرجعة وكذلك إذا ولدت منه وقال هو : لم أجامعها تكون له عليها الرجعة ومعنى المسئلة أنها ولدت قبل الطلاق لأنه إذا ولدت بعد الطلاق تنقضي العدة فلا تتصور الرجعة
قوله : لم يملك الرجعة وإن تأكد المهر بالخلوة لأنه لم يوجد الوطىء فلا يتأكد ملك الزوج في البضع فلا يملك الرجعة فإن طلقها بعدما خلا بها ثم راجعها وقال : لم أجامعها ثم جاءت بالولد لأقل من سنتين بيوم من وقت الطلاق صحت تلك الرجعة لأنها جاءت بالولد لأقل من سنتين من يوم الطلاق ولم تكن أقرت بانقضاء العدة فيثبت نسب الولد منه بوطىء كان قبل الطلاق لأن الولد قد يبقى في البطن سنتين عندنا وإذا ثبت نسب الولد منه تبين أنه كان واطئا وقد تأكد الملك في البضع فتبين إذن أن الرجعة كانت صحيحة
قوله : ثم أتت بولد آخر إلخ وجه المسئلة أن الولد الثاني من علوق حادث وذكر في كتاب الدعوى : ثم المطلقة طلاقا رجعيا إذا جاءت بالولد لأكثر من سنتين كانت رجعة وإن جاءت به لأقل من سنتين لم يكن رجعة لأنها إذا جاءت بأقل من سنتين احتمل العلوق بعد الطلاق فتكون رجعة واحتمل العلوق قبل الطلاق فلا يكون رجعة فلا يثبت الرجعة بالشك وأما في مسئلتنا هذه سقط اعتبار هذا الاحتمال لأنها ولدت ولدين فلو لم يجعل الولد الثاني من علوق حادث بعد الطلاق صار الولد الثاني مع الولد الأول بطنا واحدا وفي ثبوت اتحاد البطن شك إذا كان بين الولدين ستة أشهر فصاعدا فلا يثبت الاتحاد بالشك فصار الولد
الثاني من علوق حادث بعد الطلاق فيكون رجعة
قوله : رجعة لأنها لما ولدت الولد الأول وقع الطلاق ووجبت العدة فلما ولدت الولد الثاني جعلنا واطئا قبل الولادة بعد الطلاق فصار به مراجعا ووقع به الطلاق الآخر فلما ولدت الولد الثالث صار مراجعا أيضا بالوطىء بعد الطلاق ووقع آخر بالولادة ولا رجعة بعد ذلك لأنه تم الثلاث ولأنه لم توجد الرجعة (1/228)
{ باب العدة }
قوله : عندنا وقال الشافعي : الطلاق بالرجال والعدة بالنساء
قوله : تستحلف لأنها أمينة اتهمت بالكذب فتستحلف كالمودع إذا قال : هلكت الوديعة وكذبه المودع
قوله : فعدتها الشهور لقوله ( تعالى ) : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن }
قوله : أن تضع حملها وقال الشافعي : عدتها بالشهور في الوجهين لأن هذا حمل لا يثبت نسبه منه بيقين فلا يتعلق به انقضاء العدة ولنا قوله ( تعالى ) : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } من غير فصل بين أن يكون الحمل من الزوج أو من غيره وبين أن يكون عدة الطلاق أوعدة الوفات وهي قاضية على الأشهر لحديث ابن مسعود أنه قال : من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة وهو قوله : ( تعالى ) : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا }
قوله : بعد موته إنما يعرف قيام الحبل قبل الموت بأن تلد لأقل من ستة أشهر من يوم مات الصبي وإنما يعرف حدوثه بعد الموت بأن تلد لستة أشهر فصاعدا من يوم الموت
قوله : إن النكاح جائز لأنها لو لم تتزوج حتى أتت بولد لأكثر من سنتين لم يثبت نسب الولد من الميت لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر ولو تزوجت بعد أربعة أشهر وعشر ثم أتت بالولد لستة أشهر فصاعدا بعد التزوج لم يثبت نسب الولد من الميت ولم يبطل النكاح فهذا أولى
قوله : عليها العدة لأنه لو وقعت الفرقة بسبب آخر وجبت العدة فكذا إذا وقعت الفرقة بسبب التباين ولأبي حنيفة قوله ( تعالى ) : { لا جناح عليكم أن تنكحوهن } نفى الجناح عمن تزوجها بعد الهجرة من غير فصل وهذا دليل على عدم وجوب العدة فإن تزوجت جاز إن لم تكن حاملا لأنه ليس في بطنها ولد أما إذا كانت حاملا لا يجوز لأن في بطنها ولدا ثابت النسب والمرأة إذا تزوجت وفي بطنها ولد ثابت النسب لا يجوز النكاح
قوله : ولا تخرج المطلقة لأن السكنى واجب في منزل الزوج والخروج حرام لقوله ( تعالى ) : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } وقوله ( تعالى ) : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } وإذا كان السكنى في منزل الزوج فإن كان الطلاق بائنا أو ثلاثا والزوج يختار السكنى في المنزل فلا بد من حائل بين المطلق والمطلقة
قوله : تخرج أي من ذلك المسكن نهارا لأنه لا نفقة للمتوفي عنها زوجها في مال الزوج فتضطر إلى الخروج لمعاشها بخلاف المطلقة لأن نفقتها دارة عليها من مال زوجها
قوله : إن شاءت رجعت إلخ سواء كانت في المصر أو غير المصر بمحرم أو بغيره لأنه ليس في معنى ابتداء السفر فلا يمنع بسبب العدة والرجوع إلى مصرها أولى ليكون العدة في منزل الزوج وإن كان أحد الوجهين مدة سفر والآخر دونه اختارت ما دون السفر وإن كان كل منهما سفر فإن كانت في غير مصر فهي بالخيار إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت وإن كانت في مصر لم تخرج في العدة بمحرم وبغير محرم عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ( رحمهما الله ) : تخرج بمحرم في العدة
قوله : فلا بأس بأن تخرج لأنها في غير منزلها فلها الخروج بمحرم كما إذا كانت في غير المصر ولأبي حنيفة أن العدة المنع للخروج من عدم المحرم لأن العدة تمنع الخروج قل أو كثر وعدم المحرم لا يمنع ما دون مدة السفر وعدم المحرم ههنا مانع عن الخروج فالعدة أولى
قوله : لا تدهنان أصل هذا أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الحداد وهي ترك الزينة في العدة بالإجماع للسنة المشهورة وهي ما روي عن أم حبيبة بنت أبي سفيان : إنها دعت بالطيب بعد موت أبيها من ثلاثة أيام فقالت : والله ما لي إلى الطيب حاجة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا ]
واختلفوا في المبتوتة فقال علماؤنا : يلزمها الحداد وقال الشافعي : لا يلزمها
قوله : ولا غير مطيب أما المطيب فلا يشكل وأما غير المطيب فلأنه لا يخلو من الطيب وفيه زينة الشعر كاملة فلا تتزين إلا من وجع لأن فيه ضرورة فجاز على اعتبار أنه دواء وكذا إذا احتاجت إلى لبس الحرير لعذر لم يكن به بأس
قوله : ما تجتنب الحرة إلا الخروج لأن الحداد لزمها تعظيما لحق الزوج حقا للشرع وهى أهل لذلك وليس فيه بطلان حق المولى فتحرم إلا الخروج فإنه بطلان حق المولى فلا يحرم لأن حق المولى مقدم على حق الله ( تعالى ) وحق الزوج
قوله : لا تجتنبان أما الصغيرة فلا تجب عليها الحداد ولا يحرم الخروج لأنه لو حرم إنما يحرم لحق الزوج أو لحق الشرع ولا وجه إلى الأول إذ لا حق للزوج لأنه لا حل له عليها ولا ماء تصونه ولا وجه إلى الثاني لأنها غير مخاطبة وكذا الكتابية لا يجب عليها الحداد لكن يحرم الخروج لحق الزوج وكذلك المعتدة بنكاح فاسد لا يجب عليها الحداد لعدم العلة وهو فوت النعمة (1/230)
{ باب ثبوت النسب والشهادة في الولادة }
قوله : فالقول قولها لأن الظاهر شاهد لها لأن الظاهر أن المرأة إنما تلد من نكاح لا من سفاح وهي تدعي ذلك والقول قول من يشهد له الظاهر ولم يذكر هل تستحلف أم لا ؟ ويجب أن يكون على الاختلاف عند أبي حنيفة لا تستحلف وعندهما تستحلف
قوله : لزمه فإنه إذا جاءت لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء علم أن العلوق قبله وقبل الشراء كانت معتدة والمعتدة إذا جاءت بالولد يثبت النسب من غير دعوة وإذا جاءت ستة أشهر من الشراء يقضي بالعلوق من وقت الشراء فتكون أمة أتت بالولد فلا يثبت النسب من غير دعوة
قوله : في قولهم لأن الإنسان يصدق في حق نفسه فيشاركهم في حق الإرث وأما في حق غيرهم قالوا : إن كانوا بحال لو شهدوا تقبل شهادتهم بأن كانوا ذكورا وهم عدول يثبت النسب وإلا فلا
قوله : إلا أن يكون حبلا إلخ فإن هناك يثبت النسب بفراش قائم قبل الولادة فبعد ذلك وقعت الحاجة إلى إثبات الولادة وتعيين الولد لأن الخصم ربما يقول : لعله خرج ميتا أو مات بعد الخروج وقول القابلة حجة في إثبات الولادة وتعيين الولد
قوله : يلاعن لأن النسب بالنكاح القائم واللعان إنما يجب بالقذف
قوله : تطلق لأن الطلاق تعلق بالولادة وهي تثبت بشهادة النساء حال قيام النكاح عند الكل فكذلك ما تعلق بها ولأبي حنيفة أن القياس يأبى جواز شهادة النساء وحدهن وإنما جوزت حجة في الولادة ضرورة أنه لا يطلع عليها الرجال فلا يجعل حجة في ما يقبل الفصل عن الولادة
قوله : حتى نشهد إلخ لأن هذا حكم يتعلق بالولادة فلا يثبت عند المنازعة من غير حجة وله أن هذا طلاق معلق بأمر كائن فيثبت بخبر المرأة من غير حجة أي كالحيض
قوله : فهي أم ولد له لأن الحاجة إلى إثبات الولادة وتعيين الولد وأنه يثبت بشهادة القابلة بالإجماع
قوله : ويرثانه هكذا ذكر ههنا وذكره في النوادر وجعله جواب الاستحسان والقياس أن لا يكون لها الميراث لأنه يجوز أن يكون وطئها بشبهة أو بنكاح فاسد فلو كان هكذا لا ترث وجه الاستحسان أن المسئلة مصور في ما إذا كانت المرأة معروفة أنها أم هذا الابن ومعروفة أنها حرة فإذا أقر أنه ابنه فقد أقر أنه ابنه منها وابنه منها لا يكون إلا بنكاح صحيح على ما عليه وضع الشرع
قوله : فلا ميراث لها لأن الأمر محتمل للوجهين فلا يحكم بحريتها بظاهر الحال لأن الحرية الثابتة بظاهر الحال يصلح للدفع لا للاستحقاق والحاجة ههنا إلى استحقاق الميراث (1/234)
{ باب الولد من أحق به }
قوله : فالأم أحق به الأصل في هذا أن الفرقة متى وقعت بين الزوجين وبينهما ولد صغير ذكرا كان أو أنثى أو أولاد صغار فالأم تريد أن يكون الولد عندها والزوج يريد أن يكون الولد عنده فالأم أحق به هكذا قضى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان إجماعا ولأنها على حضانة الولد أقدر فكان الدفع إليها أنظر وإن أبت لا تجبر على ذلك لأنها عسى أن لا تقدر على الحضانة ولا يخير الولد عندنا خلافا للشافعي ( رحمه الله ) لأن
الصحابة ( رضي الله عنهم ) لم يخيروا الولد ولأن الصبي يختار المقام مع من لا يبعثه إلى المكتسب أو يجعله إلى اللعب فكان فسادا وقبيحا وهو سوء رائه وسوء اختياره فلا يخير نظرا له إذا ثبت هذا فنقول :
إن كانت الأم ترضع بدرهمين وغيرها كذلك فالأم أولى أن ترضع بدرهمين ودفع إليها لأن الحضانة لها وإن كانت هي ترضع بغير شئ وغيرها ترضع فالأم أولى ودفع إليها لأن الحضانة لها وإن كانت ترضع غيرها بدرهمين والأم تريد أكثر من ذلك أو غيرها ترضع بغير شئ والأم تريد الأجر لم يدفع إليها لكن ترضع غيرها عندها ولا ينزع الولد عن الأم لأن الأمة أجمعت على أن الحجر لها فترضع الظئر عند الأم ولا يجب عليها أن تمكث في بيت الأم إذا لم يشترط عليها ذلك عند العقد ولأن الولد مستغني عنها في تلك الساعة بل لها أن ترضع الولد ثم تعود إلى منزلها وإن لم يشترط أن ترضع عند الأم كان لها أن تحمل الصبي إلى منزلها فترضعه أو تقول : أخرجوه إلى فناء دار الأم ثم يدخل الولد على الأم إلا أن يكون قد اشترط عند العقد أن يكون الظئر عند الأم فحينئذ يلزمها الوفاء بالشرط
قوله : فإن لم تكن للولد أم أو تزوجت بزوج آخر يدفع الولد إلى الجدة التي من قبل الأم وإن بعدت لأن هذا الحق للأم وقومها هذا إذا كان الزوج أجنبيا فإن كان الزوج عم الصغير يبقى في حجر الأم وإن لم تكن من جانب الأم واحدة من الأمهات يدفع إلى الجدة التي من قبل الأب وإن بعدت فإن لم تكن ذكره في الكتاب وقال : يدفع إلى الخالة ولم يذكر الأخت وفي بعض المواضع قال : يدفع إلى الأخت لأب وأم فإن لم تكن فإلى الأخت لأم فإن لم تكن فإلى الأخت لأب وذكر في بعض المواضع : أن الخالة أولى من الأخت لأب فصار في تقديم الخالة على الأخت لأب روايتان فإن لم تكن الخالة يدفع إلى العمة
قوله : لم يكن لها إلخ أصل هذا أن المرأة إذا أرادت الانتقال بعد العدة مع أولاده الصغار لا يخلو إما أن تقصد الانتقال من قرية إلى قرية أو من قرية إلى مصر أو من مصر إلى مصر أو من مصر إلى قرية أما الانتقال من القرية التي وقع فيها العقد إلى قرية إن كانت قريبة بحيث يمكن للأب أن يطلعهم ويبيت بأهله كان لها ذلك وإلا فلا وكذلك إذا أرادت أن تنتقل من القرية إلى مصر وأما إذا أرادت الانتقال من المصر الذي وقع فيه العقد إلى قرية ليس لها ذلك كان فيه مفسدة للصغار لأنهم يتخلقون بتخلق أهل الرسناق وأما إذا أرادت أن تنتقل من مصر إلى مصر فإن لم يكن المصر الذي ينتقل إليها مصرها ولا يوجد أصل العقد فيه لم يكن لها ذلك لعدم دليل الالتزام عرفا وشرعا وإن كان ذلك مصرها وكان العقد فيه فلها ذلك لأن الزوج التزم الإمساك في ذلك الموضع عادة وشرعا وإن كان ذلك مصرها ولم يكن أصل العقد فيه لم يكن لها ذلك لأن الزوج لم يلتزم الإمساك فيه وإن لم يكن مصرها ولكن كان أصل العقد فيه فلها ذلك
قوله : بأن يأكل ويشرب ويلبس هذا حد الاستغناء وذكر في السير الكبير ونوادر داؤد بن رشيد وزاد عليها : ويستنجي وحده ولم يقدروا في ذلك تقديرا من حيث السنة ههنا وفي الأصل ذكر الخصاف في كتاب النفقات وقال : الأم أحق به حتى يبلغ سبع سنين
قوله : حتى تحيض وذكر في نوادر هشام عن محمد أنه قال : حتى تبلغ حد الشهوة ولم يقدروا في هذا تقديرا بل قالوا : إذا بلغت مبلغا تقع عليها الشهرة وتجامع مثلها
قوله : بمنزلة الحرة المسلمة لأن هذا أمر يبتني على الشفقة والكل في ذلك سواء (1/236)
{ باب الاختلاف في متاع البيت }
قوله : باب الاختلاف في متاع البيت إذا اختلف الزوجان في متاع البيت والنكاح قائم بينهما أو ليس بقائم فادعى كل واحد منهما أن المتاع كلها له فما يكون للرجال مثل : العمامة والخفاف والقوس كان القول فيها قول الرجل لأن الظاهر شاهد له وما يكون للنساء فالقول فيها قول المرأة وما كان لهما فالقول قولها في جهاز مثلها عند أبي يوسف ( رحمه الله ) وفي ما زاد القول قول الزوج مع اليمين وعند أبي حنيفة ومحمد القول قول الزوج في ذلك كله وأما إذا مات أحدهما ثم اختلف الحي مع ورثة الميت في متاع البيت قال أبو يوسف ومحمد : والجواب في ما كانا حيين وفي هذا سواء لأن الورثة يقومون مقام الميت وعند أبي حنيفة ( رحمه الله ) القول قول الباقي منهما في الأمتعة المشكلة إن كان الباقي هو الزوج وإن كانت الباقية المرأة فكذلك فرق أبو حنيفة بين الحياة والموت لأنهما إذا كانا حيين فالمرأة وما في يدها في يد الزوج فالقول قوله مع يمينه وأما
إذا مات الزوج فالمال في يدها وهي ليست في يد الزوج فكان القول قولها مع اليمين لأن الميت لا يد له فأما إذا كان أحد الزوجين رقيقا فإن كان مأذونا له في التجارة أو مكاتبا فعلى قولهما الجواب فيه كالجواب في الحرين على السواء وعلى قول أبي حنيفة ( رحمه الله تعالى ) إذا كانا حيين فالقول قول الحر منهما لأن يده أقوى فأما إذا كان أحدهما ميتا فالقول قول الحر (1/239)
{ باب الحيض والنفاس }
قوله : باب الحيض والنفاس أورد هذه المسائل ههنا مناسبة للمسئلة السابقة في حضانة البنت أن حدها حيضها
قوله : إلا بعد الدم لأن كدرة الشئ ما يعقب ذلك الشئ فإذا تعقب الدم يكون حكمه حكم الدم فيكون حيضا فأما إذا تقدم يكون تابعا للطهر فيكون طهرا ومذهبهما مروي عن عائشة ( رضي الله عنها ) أنها حكمت بما سوى البياض حيضا وأما الحضرة فلم يذكره ههنا واختلف المشايخ فيه قال بعضهم : هو حيض لحديث عائشة ( رضي الله عنها ) وقال بعضهم : هو بمنزلة الكدرة
والأصح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء فهو حيض وإن كانت كبيرة بحيث لا ترى غير الحضرة لا يكون حيضا ويحمل هذا على فساد المنبت والأول على فساد الغذاء وأما التربية لم يذكره أيضا ههنا وهو بمنزلة الكدرة
قوله : فهو حيض لأنها رأت الدم في وقت الحيض
قوله : إلا في أيامها الخمسة لأن الحيض عندنا لا يزيد على العشرة فإذا زاد كان استحاضة
قوله : فليس بشئ لأن الحيض دم رحم وخروج الدم من الرحم للحامل لا يتصور لانسداد فم الرحم بالحبل
قوله : وقال محمد وزفر إلخ هما يقولان : إن دم الحامل ليس بحيض فلا يكون نفاسا لأنهما سواء ولهما أن النفاس هو الدم الذي يعقب الولد بتنفس الرحم وقد وجد وقد تنفس الرحم بالولد الأول فيبطل انسداد فم الرحم بخلاف انقضاء العدة لأنه متعين بالفراغ (1/240)
{ مسائل من كتاب الطلاق لم تدخل في الأبواب }
قوله : عنين هو من لا يصل إلى النساء أو يصل إلى الثيب دون الأبكار وذلك إنما يكون لمرض أو ضعف في خلقته أو لكبر سنه أو أخذ من النساء بسحر
قوله : خيرت لأن البكارة أصل وعدم الوصول بناء عليها وإن قلن : هي ثيب فالقول قول الزوج لأن قول النساء ليس بحجة فوجب تحليفه وإنما يثبت الثيابة بقول النساء لا الوصول فإن حلف فلا حق لها وإن نكل خيرت
قوله : قول الزوج لأنه أنكر حق الفرقة فإن حلف فلا حق لها وإن نكل خيرت
قوله : واختارت نفسها فحينئذ يقول له القاضي : فارقها فإن فعل وإلا فرق القاضي بينهما وكانت الفرقة تطليقة بائنة عندنا وقال الشافعي : هو فسخ
قوله : لاعن امرأته اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان موثقاة باللعن والغضب وعند الشافعي ( رحمه الله ) أيمان مؤكدات بالشهادات وصورته أن يقوم الرجل بين يدي القاضي فيقول : أشهد بالله إني لصادق في ما رميتها به من الزنا أربع مرات ويقول في الخامسة : إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في ما رماها من الزنا ثم يقوم المرأة فيقول أربع مرات : أشهد بالله إنه لكاذب في ما رماني وفي الخامسة : إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وهو قائم مقام حد القذف في جانب الزوج وحد الزنا في جانب المرأة
قوله : لا يجتمعان اعتمد أبو يوسف على ظاهر قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ المتلاعنان لا يجتمعان أبدا ] ولهما أن اللعان شهادة بطلت بالرجوع والشهادة متى بطلت يجعل كأن لم يكن
قوله : لا يجبر لأن نفقة غير الوالدين والمولودين بناء على الوراثية بالنص ولا وراثة بين الكافر والمسلم فلا يستحق النفقة
قوله : بحيضة أخرى لأن الاستبراء يجب على مالك الجارية بملك اليمين إذا أراد الوطىء فكان سببه إرادة الوطىء بملك اليمين وذلك لا يتصور إلا بعد القبض فلا ينوب الأول منابه (1/241)
{ كتاب العتاق }
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ حقيقة الاختلاف يرجع إلى حرفين : أحدهما أن الإعتاق يتجزى عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) خلافا لهما والثاني أن يسار المعتق لا يمنع استسعاء العبد عند أبي حنيفة خلافا لهما وهذا يرجع إلى الحرف الأول وهي بدلائها تعرف في المختلف
قوله : ولا يضمن إلخ لأن ضمان الإعتاق وضمان التدبير ضمان معاوضة في أصل الشرع لأن الأصل في ضمان الغصب والإتلاف ضمان معاوضة ولهذا صح إقرار المأذون به حتى لو قال : غضبت من فلان صح إقراره فإذا كان الأصل في ضمان الغصب ضمان معاوضة ( مع أن الغصب محظور ) ففي ضمان الإعتاق والتدبير ( وهما مشروعان ) بطريق الأولى فلا يترك هذا الأصل إلى ضمان الجناية إلا لضرورة العجز فحين دبره الأول كان نصيب الساكت محلا للتمليك فانعقد التدبير سببا للضمان في نصيبه بشرط ملك المضمون لأن المدبر كان منتفعا في حقه والإعتاق انعقد سببا للضمان في نصيبه لا بشرط ملك المضمون لأن نصيب الساكت يوم أعتق لم يكن محلا للتمليك وأنه خالص ضمان العدوان وذلك باطل إلا عند الضرورة فلا يضمن الساكت الذي أعتق
قوله : ثلث قيمته مدبرا لأن الإعتاق جناية على نصيبه بطريق الحيلولة لأن المدبر كان منتفعا في حقه وبالإعتاق لم يبق منتفعا كالغصب
قوله : ولا يضمنه إلخ لأن ملك المدبر لذلك الثلث لم يظهر في حق المعتق
قوله : ويضمن ثلثي قيمته إلخ لأن ضمان التدبير ضمان التملك عندهما كالاستيلاد فلا يختلف باليسار والإعسار بخلاف ضمان العتق
قوله : فهي موقوفه يوما وفي اليوم الموقوف فيه نفقتها في كسبها وإن لم يكن لها ففي بيت المال تخدم المنكر يوما لأنه ليس له غير ذلك واختلف المشايخ في الخدمة للمنكر يوما هل هو ثابت على قولهما أم لا ؟ والأصح أنه غير ثابت لهما أن المقر لما لم يصدقا على الشريك انقلب الأمر عليه فصار بمنزلة المستولد كالمشتري إذا زعم أن البائع أعتقه وأنكر البائع جعل المشتري معتقا فكذا هذا ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن المقر إن صدق فالخدمة كلها للمنكر وإن كذب فله نصف الخدمة فيثبت النصف بيقين
قوله : فلا ضمان عليه وكذلك أم ولد بين اثنين ولدت ولدا فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه ولا شئ عليه لشريكه من الضمان ولا سعاية وقالا : يضمن نصف قيمتها إن كان معسرا وكذلك أم ولد بين اثنين مات أحدهما حتى عتقت لم تسع للآخر وقالا : سعت في نصف قيمتها وكذلك رجل غصب أم ولد لرجل فهلكت عنده وقالا : يضمن ذكر بعد هذا في كتاب الغصب : أن أم الولد عند أبي حنيفة غير متقومة وعندهما متقومة لأن الدليل الموجب للتقوم بعد الاستيلاد قائم وهو الانتفاع بالإحراز فبقي المدلول وهو التقوم وأبو حنيفة يقول : إن تقوم بالإحراز كما قلتم وهذه محرزة للنسب والاستمتاع فصار الإحراز في حق التقوم تبعا فلم يكن مضمونا ولا متقوما
قوله : ويسعى لهما في النصف عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : يسعى في جميع قيمته بينهما نصفين ثم عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) يسعى في نصف قيمته بينهما موسرين كانا أو معسرين أو أحدهما موسرا والآخر معسرا وعند أبي يوسف يسعى في نصف قيمته بينهما إن كان معسرين وإن كان موسرين فلا وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للموسر لا للمعسر أما الكلام مع محمد فهو أنه يقول : بأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول فلا يصح القضاء على المجهول وهما يقولان : إنا تيقنا بالبراءة عن نصف السعاية والقضاء بالسعاية مع العلم بالبراءة باطل والجهالة تزول بالتوزيع
قوله : وإن حلفا إلخ أي لو قال كل واحد من الحالفين ذلك لعبده المملوك له بتمامه بأن قال أحدهما : إن لم يكن فلان دخل الدار فعبدي حر وقال الآخر : إن كان فلان دخلها فعبدي حر ولا يعلم أن فلانا دخلها أم لا لم يعتق واحد منها لإنكار كل واحد منهما حنث نفسه وفساد ملكه وزعم صاحبه لا يعتبر في حقه بخلاف ما مر لأن كل واحد يزعم عتق نصيب صاحبه وبعتق نصيب صاحبه يفسد نصيب نفسه فكان مقرا بفساد ملكه فيه فإن قيل : قد علم القاضي أن أحد العبدين حر فكيف يمكنهما من التصرف فيهما واسترقاقهما ؟ قلنا : لا يتوجه عليهما الخطاب بالمنع للتعذر ألا يرى أن رجلين لكل واحد منهما امرأة وإحداهما أخت زوجها من الرضاعة ولا يدري من هي ؟ لا يجوز أن يفرق بين واحد منهما وبين امرأته
قوله : لم يعتق واحد منهما لأن المقضي له والمقضي عليه مجهول فبطل القضاء أصلا
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ وعلى هذا الخلاف إذا باع رجل نصف عبده من أب العبد لا يضمن الأب للبائع شيئا وإن كان موسرا وعندهما يضمن الأب نصف قيمته للبائع إذا كان موسرا وأما إذا كان العبد بين رجلين فاشترى الأب نصيب أحدهما يضمن نصف قيمته لشريك البائع إن كان موسرا ويسعى العبد في نصف قيمته لشريك البائع إن كان معسرا بالإجماع (1/244)
{ باب الحلف بالعتق }
قوله : لأن قوله : يومئذ اسم ليوم الدخول أي حين الدخول فيعتق ما يملكه بعد اليمين إذا بقي على ملكه يوم الدخول وكذلك لو كان في ملكه في وقت الحلف حتى دخل الدار يعتق لما قلنا
قوله : لم يعتق لأن قوله : كل مملوك اسم للحال وإنما دخل الشرط في الجزاء وهو قوله : فهو حر فيتأخر الجزاء إلى وقت دخول الدار ولكن الجزاء حرية ما يملكه في الحال وإذا كان هذا للحال لا يتناول ما يملك بعد
قوله : لم يعتق وإن كانت الولادة بعد اليمين لأقل من ستة أشهر لأن الولد في البطن غير مملوك مطلقا لأنه مملوك تبعا لا قصدا فصارا مقيدا فلا يتناوله المطلق كما إذا قال : كل مملوك لي فهو حر لا يتناول المكاتب لأنه ليس بمملوك مطلقا كذا هذا
قوله : عتق إلخ لأنه اسم للحال خاصة فلا يقع على المملوك الآخر وكذا إذا قال : كل مملوك يملكه فهو حر بعد غد لأن قوله : يملكه يستعمل للحال ويستعمل للاستقبال إلا أنه أغلب استعماله في الحال فانصرف إليه (1/248)
{ باب عتق أحد العبدين }
قوله : وقال محمد إلخ أجمعوا على أنه يعتق من الخارج نصفه لأنه عتق في حال دون حال فيتنصف ومن الثابت ثلاثة أرباعه نصفه بالإيجاب الأول ونصف نصفه بالإيجاب الثاني وأما الداخل فقد اختلفوا فيه قال أبو حنيفة وأبو يوسف : يعتق نصفه وقال محمد : يعتق ربعه لأن الإيجاب الثاني متحد دائر بين الثابت والداخل ثم الثابت أصاب منه الربع فكذا هذا وهما يقولان : إن الإيجاب الثاني في حق الداخل صحيح من كل وجه فأوجب عتق رقبته فأصاب الداخل نصفه وفي حق الثابت صحيح من وجه دون وجه فأوجب عتق النصف فأصاب الثابت ربعه
قوله : رجل قال لامرأته إلخ هذا الفصل على وجوه : الأول : أن يتصادقوا أنهم لا يدرون أيهما أول فالجواب أنه عتق من الأم النصف ونصف الجارية لأن كل واحد منهما تعتق في حال وترق في حال والغلام عبد لأنه يرق بكل حال والثاني : أن تدعي الأم أن الغلام هو الأول وأنكر المولى وقال : الجارية الأول فالجواب أن القول قول المولى مع يمينه لأنه أنكر وجود شرط العتق ثم إذا حلف يحلف على العلم فإذا حلف لم يعتق واحدة منهما وإن نكل عتقت الأم والبنت وإنما صحت خصومة الأم عن البنت ما دامت صغيرة وإن كانت كبيرة لا تصح خصومتها والثالث : إذا تصادقوا أن الغلام أول فالجواب فيه أنه عتقت الأم والبنت والغلام رقيق والرابع : إذا تصادقوا أن الجارية هي الأولى فالجواب أنه لا يعتق أحد والخامس : إن ادعت الأم أن الغلام أول ولم تدع الجارية شيئا وهي كبيرة حلف المولى فإن حلف لا يثبت شئ وإن نكل عتقت الأم دون البنت لأن النكول صار حجة باعتبار الدعوى والدعوى وحدت في نصيب الأم خاصة دون البنت
قوله : رجلان إلخ هذا الفصل على وجوه : أحدها : أن يشهدا في حياته وصحته أنه أعتق أحدهما فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) وعندهما جائزة فإن شهدا في صحته وحياته أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة بالإجماع ويجبر الزوج أن يطلق إحداهن وهذا الاختلاف يرجع إلى حرف وهو أن الدعوى يشترط في عتق العبد عند أبي حنيفة وامتنع بسبب الجهالة فبطلت الشهادة بدونه وعندهما الدعوى ليست بشرط والثاني : إذا شهدا في مرض موته أنه قال هذه المقالة في مرض موته أو شهدا بعد موته أنه دبر أحدهما في صحته فالجواب في الكل واحد وهو أن القياس على مذهب أبي حنيفة أن لا تقبل هذه الشهادة وفي الاستحسان تقبل لأنه في معنى شرط الوصية وفي الوصية الدعوى ليست بشرط وحق موضوع المسئلة عتاق الأصل (1/249)
{ باب العتق على جعل والكتابة }
قوله : فالقبول بعد الموت لأنه إيجاب أضيف إلى ما بعد الموت وقال بعض مشايخنا : إن وجد القبول بعد الموت يجب أن لايعتق ما لم يعتقه الورثة لأن الإعتاق من الميت لا يتصور وهو الأصح والمذكور في الكتاب مسكوت عنه
قوله : وقال محمد إلخ هذا فرع مسئلة من باع نفس العبد بجارية بعينها أو أعتقه على جارية بعينها ثم استحقت الجارية يرجع المولى على العبد بقيمته عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد وزفر ( رحمهما الله ) يرجع بقيمة الجارية فهذا كذلك
قوله : ولا شئ على الآمر لأن من قال لآخر : أعتق أمتك على ألف علي ففعل لا يلزمه شئ بخلاف ما إذا قال لآخر : طلق امرأتك على ألف درهم علي فطلقها يلزم الألف على الآمر والفرق أن التزام العوض من المرأة صحيح وإن كان لا يحصل لها شئ لأن الطلاق إسقاط الملك ورفع القيد فجاز لزومه على الأجنبي ولا كذلك العتق لأن بالتزام العوض يحصل للعبد ملك نفسه فإذا لم يحصل ذلك لأجنبي لا يصح التزامه
قوله : أداه الآمر لأنه قابل الألف بالرقبة والبضع فانقسم عليهما فلزمه حصة ما سلم له وسقط ما لم يسلم له
قوله : رجل إلخ إذا دبر عبده ثم كاتبه على مائة درهم وقيمته ثلاث مائة درهم وذلك في صحته ثم مات ولا مال له غيره قال أبو حنيفة : إن شاء يسعى في ثلثي قيمته وإن شاء يسعى في جميع الكتابة وقال أبو يوسف : لا خيار له لكن يسعى في الأقل من ثلثي القيمة وثلثي الكتابة ولو كانت التدبير بعد الكتابة هل يسقط ثلث بدل الكتابة ؟ عندهما لا يسقط وعند محمد ( رحمه الله ) يسقط أما مسئلة الخيار ففرع ما سبق في مسئلة تجزي العتاق لأن عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) لما كان العتق يتجزى والإعتاق كذلك فقط وجد في حقه شيئان : ضمان التدبير وضمان الكتابة فيختار أيهما شاء وعندهما لما كان لا يتجزى عتق كله فبعد ذلك كل عاقل يختار الأقل وأما مسئلة الحط إذا تأخرت الكتابة فطريق محمد ( رحمه الله ) أن ثلث الرقبة مسلم للمدبر فيستحيل أن يجب عليه بدله ولهما أن المال كله بدل ثلثي الرقبة وقد سلم ذلك بالكتابة فيستحيل أن لا يجب عليه بدله وتمام هذه المسئلة يعرف في المختلف (1/251)
{ باب الولاء }
قوله : موالي أبيهم لأن الولاء في معنى النسب لقوله ( عليه السلام ) : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] فيجب إلحاقه بالأب كما لو كانا معتقين ولهما أن ولاء العتق أقوى بالإجماع فلا يظهر الأضعف في مقابلة الأقوى ولو لم يكن الأب من أهل الولاء بأن كان عبدا كان الولد مولى لموالي الأم كذا ههنا
قوله : أحق بالميراث لأنه صار مولى بالمعاقدة ومعاقدتهما لا يلزم غيرهما
قوله : أحق به لأنه من العصبات وهما من جملة ذوي الأرحام
قوله : فعقل عنه مولى الأم لأنه لا عاقلة للأب ولا له مولى فألحق ولاءهم بالأم كنسب ولد الملاعنة يكون عقلهم عليهم فكذا ههنا
قوله : جر إلخ صار له ولاء وزال المانع فيجر الولاء كالملاعن إذا أكذب نفسه عاد النسب إليه لزوال المانع وهو اللعان كذا ههنا لزوال المانع وهو الرق
قوله : ولم يرجع كذا ذكر في كتاب المعاقل لأن وقت الجناية كان عاقلتهم موالي الأم وإنما يثبت الولاء من قوم الأب مقصورا على حال عتق الأب فلا يظهر أن قوم الأب قضوا دينا على موالي الأب فلم يرجوا (1/253)
{ كتاب الأيمان }
قوله : لم يدين إلخ لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه لأن النية إنما تعمل في الملفوظ لأنها وضعت لتعيين محتمل اللفظ والثوب ههنا غير مذكور لا نصا ولا دلالة ولا اقتضاء أما نصا ودلالة فظاهر وأما اقتضاء فلان مقتضى اللفظ ما لا صحة للملفوظ بدونه وههنا الملفوظ صحيح بدونه لأن المنع ينعقد لمنع الفعل ولا حاجة إلى الثوب عند منع اللبس
قوله : خاصة لأن الثوب مذكور على سبيل النكرة في موضع النفي لأنه مذكور في موضع الشرط والشرط منفي والنكرة في موضع النفي تعم فإذا نوى ثوبا دون ثوب فقد أراد الخصوص من العموم وأنه محتمل لكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء
قوله : لم يحنث استحسانا وفي القياس يحنث لأن الله ( تعالى ) سماه لحما بقوله : لتأكلوا منه لحما طريا والمراد منه لحم السمك بالإجماع وجه الاستحسان أن السمك في صورة اللحم أما ليس اللحم حقيقة لأن اللحم منشأه من الدم والسمك منشأه ليس من الدم
قوله : في شحم الظهر أيضا لأن الكل يسمى شحما قال الله ( تعالى ) : { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } استثنى شحم الظهر من جملة الشحوم وحقيقة الاستثناء إنما يكون من الجنس وله أن شحم الظهر من جملة اللحم بدليل أنه إذا حلف لا يأكل لحما فأكل شحم الظهر حنث
قوله : هو على رؤوس الغنم خاصة قيل : هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان فإذا في زمان أبي حنيفة كان الناس يبيعون رؤوس البقر والغنم في السوق ويعتادون أكلهما وقد أفتى على وفق عادتهم وهما أفتيا على وفق عادتهم في زمانهما حتى قالوا : إذ كان الحالف خوار زميا فأكل رأس السمك
يحنث
قوله : حنث لأنه عقد يمينه على عين لا يؤكل عادة فوقعت يمينه على ما يتخذ منه مجازا كالذي حلف لا يأكل هذه الشجرة فأكل من ثمرها حنث ولو أكل عين الدقيق لم يذكر في الكتاب واختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث لأنه حقيقة مهجورة
قوله : حنث أيضا لأن أكل الخبز الذي من دقيق تلك الحنطة في العادة أكل ما في الحنطة كمن حلف لا يضع قدمه في دارفلان فدخلها متنعلا أو ماشيا أو راكبا يحنث لأنه عبارة عن الدخول كذا ههنا وأبو حنيفة يقول : هذا كلام له حقيقة مستعملة وهو الأكل حبا وقضما بعد القلي وبعد الطبخ وله مجاز متعارف وهو أكل ما يتخذ منها فكانت الحقيقة أولى
قوله : حنث لأنها فاكهة يتفكه بها بعد الطعام وقبله وكذلك اليابس من هذه الأشياء فاكهة إلا البطيخ وأما الرمان والرطب والعنب فقالا : يحنث لأنها فاكهة وأبو حنيفة يقول : إن الكلام المطلق لا يتناول المقيد وهذه الأشياء فاكهة مقيدة لا مطلقة
قوله : الشواء إدام عند محمد وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف ذكره في الأمالي : كل شئ يؤكل مع الخبز غالبا إدام مثل : البيض والجبن واللحم لأنه مشتق من الموادمة وهي الموافقة وهذه الأشياء يوافق الخبز من كل وجه ولهما أن حقيقة الموافقة أن يصير شيئا واحد
قوله : فأكل مذنبا حنث لأن الرطب المذنب أن يكون ذنبه بسرا والبسر المذنب أن يكون ذنبه رطبا والأكل هو المضغ يتناول ذنبه مقصودا كما يتناول الباقي
قوله : لم يحنث لأن ذلك في حق الأكل مقصود دون الشراء
قوله : لم يحنث لأن اليمين عقدت على ذات موصوفة بصفة مقصودة ولهذه الصفة أثر في الدعاء إلى اليمين فيتقيد اليمين بهذه الصفة بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي وكلمه بعدما شاخ أو حلف لا يأكل هذا الحمل فأكله بعدما صار كبشا حنث لأن صفة الصبا والحملية ليستا داعيتين إلى اليمين فقيدت اليمين بالذات
قوله : وإن قال إلخ ههنا فصول أجمعوا على أنه لو قال : والله لأمسن السماء ينعقد اليمين وكذا : لأقلبن هذا الحجر ذهبا وكذا في : لأطيرن في الهواء إلا أنه إن أطلق كما فرغ من اليمين حنث وإن قيد باليوم لا يحنث ما لم يمض اليوم فإذا قال : إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم وليس في الكوز ماء لم ينعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد ( رحمهما الله ) لعدم تصور البر وانعقدت عند أبي يوسف (1/255)
{ باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والركوب }
قوله : حنث لأن اسم الدار باق بعد خراب البناء فإن الدار لغة هي العرصة واليمين إذا تعلقت باسم يبقى ببقاء ذلك الإسم بخلاف ما إذا ذكر الدار منكرا بأن قال : والله لا أدخل دارا فدخل دارا خربة لا يحنث لأن الغائب يعرف بالوصف والغائب ما لا يكون معينا يعني أن البناء وصف الدار واسم الدار منكر والوصف في المنكر يكون للتعريف فكأنه قال : لا أدخل عرصة موصوفة بالبناء فاعتبر وصف البناء في الحنث وفي العرف لا يحتاج إلى التعريف
قوله : لم يحنث لأن العرصة وإن تعينت إلا أنه تبدل الإسم واليمين المتعلقة بالإسم تزول بزواله
قوله : فدخله لم يحنث أي لو قال : لا أدخل هذا البيت المشار إليه ثم خرب البيت فصارت عرصة صحراء فدخل لا يحنث لأن البيت اسم لما يبات فيه وإنما تصير العرصة صالحة للبيتوتة بالبناء فكان البناء من البيت فإذا خرب البناء لم يبق بيتا
قوله : فدخل الكعبة إلخ إنما لا يحنث لأن البيت اسم لما يبات فيه عادة وبني لذلك وهذه الأشياء ليست كذلك
قوله : أو ظلة هذا إذا كان بحال لو أغلق الباب بقي خارجا أما إذا بقي داخلا حنث
قوله : وإن دخل صفة هذا في عرفهم لأن الصفة ذات حوائط أربع فيكون بيتا وأما في عرفنا الصفة خارج عن البيت
قوله : حتى تخرج وتدخل هذا استحسان وفي القياس يحنث لأن للدوام حكم الابتداء ووجه الاستحسان أن الدخول انفصال من الخارج إلى الداخل وذلك لا دوام له
قوله : وإن قال لها إلخ وذلك لأن الركوب عبارة عن العلو على الدابة فيكون للثبات عليه حكم الابتداء إلا أن يعني به الابتداء الخالص فيصدق
قوله : لم يحنث لأن ما ليس في وسع العباد الامتناع عنه فهو مستثنى عن حكم الإيمان
قوله : حنث لأن فعله مضاف إليه وفيما إذا أخرجه مكرها لم يضف إليه وإن حمل بغير أمره ورضي به بقلبه اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه لا يحنث هكذا روي عن أبى حنيفة نصا
قوله : ثم أتى إلى حاجة أخرى لأن الإتيان ليس بخروج لأن الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج فلا يكون خروجا
قوله : لم يحنث حتى يدخلها لأن الإتيان يراد به الوصول إلى المكان المحلوف عليه قال الله ( تعالى ) : { فأتياه فقولا : إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل } والمراد به الوصول
قوله : فتغدى لم يحنث أما مسئلة التغدي فلأن الكلام خرج جوابا له فيتقيد به واقتصر عليه فصار كالنص عليه كمن قال لامرأته : طلقي نفسك فتقول : قد فعلت أنه يصير كقولها : طلقت وأما في الفصلين الآخرين فإنه يقيد به بدلالة الحال لأن قصده الزجر عما قصدت من الخروج وعما قصد من الضرب
قوله : فخرج ومتاعه إلخ هذه المسئلة على ثلاثة أوجه : إما أن يكون المسئلة في المصر أو في القرية أو في الدار فإن كان في المصر فانتقل بنفسه بر في يمينه ولا يتوقف البر على انتقال المال والأهل هكذا روى عن أبي يوسف وإن كان في القرية فحمل بعضهم هذه اليمين على الدار وبعضهم على المصر وهو اختيار الشيخ الإمام الأجل الزاهد برهان الأئمة وإن كان في الدار فلا بد من نقل المتاع والأهل لأن المرأ يعد ساكنا في الدار باعتبار الأهل والمتاع يقال : فلان يسكن هذه الدار وإن كان عامة نهاره في السوق وفي المصر خلاف ذلك فإن الرجل قد يكون ساكنا في المصر وله في مصر آخر أهل ومتاع لا ينسب إليه
قوله : ثم اختلفوا في كيفية النقل فقال أبو حنيفة : لا بد من نقل كل المتاع والأهل حتى إذا بقي وتد مثلا لا يبر وقال أبو يوسف : يعتبر نقل الأكثر وقال محمد : يعتبر نقل ما يقوم به كد خدائيته لأن ما وراء ذلك ليس من السكنى وهذا أحسن وأبو يوسف يقول : نقل الكل متعذر فيعتبر الأكثر وأبو حنيفة يقول : السكنى ثابت بالكل وهذا الاختلاف في نقل المتاع وأما الأهل فلا خلاف في نقلهم يعني يشترط نقل الكل حتى لو ترك عبدا أو جارية مثلا لم يبر
قوله : لم يحنث هذا إذا لم ينو أما إذا نوى إن كان مديونا مستغرقا لا يحنث لأنه لا ملك له فيه وإن لم يكن مديونا مستغرقا حنث لأن في الإضافة إليه نوع قصور فيدخل في المطلق من حيث الإضافة إذا نوى وعند أبي يوسف في الوجهين جميعا إن نوى حنث وإن لم ينو لا يحنث وعند محمد يحنث في الوجهين نوى أو لم ينو لقيام الملك فيه
قوله : فلم يأته حنث لأن عند الناس استطاع الإتيان من حيث سلامة الآلات
قوله : دين لأنه مما يقع عليه اسم الاستطاعة بالنصوص لكنه خلاف الظاهر وفيه تخفيف فلا يصدق قضاء وفي رواية يصدق لأنه نوى حقيقة ما تكلم به فيصدق وإن كان فيه تخفيف (1/259)
{ باب اليمين في الكلام }
قوله : فهو من حين حلف لأن ذكر الشهر لإخراج ما وراءه عن مطلق اليمين فبقي الشهر تحته مرادا من حين حلف
قوله : وإن قرأ إلخ وكذلك إذا سبح في الصلاة لم يحنث ولو سبح في غير الصلاة حنث هكذا ذكر في الكتاب قال الفقيه أبو الليث في الفتاوى : إن عقد اليمين بالعربية فالجواب ما ذكره في الكتاب وإن عقد اليمين بالفارسية لا يحنث ومن أصحابنا من قال : هذا في عرف ديارهم وأما في عرفنا ينبغي أن لا يحنث إذ قرء القرآن أو سبح في غير الصلاة لأنه لا يسمى متكلما عرفا
قوله : فهو على الليل والنهار لأن اليوم متى أضيف إلى فعل لا يمتد يراد به مطلق الزمان
قوله : خاصة لأنه لم يستعمل لغيره كالنهار يقع على البياض خاصة لأنه لم يستعمل لغيره إنما التردد في اليوم
قوله : حنث هذا لا يشكل في حتى لأنها للغاية فينتهي مدة اليمين عندها فإذا تكلم قبل وجوده فقد وجد شرط الحنث واليمين باق فيحنث وإن كلمه بعد وجوده فقد وجد شرط الحنث بعد سقوط اليمين فلا يحنث وإذا مات سقطت اليمين لأنه منع نفسه عن كلام فلان في تلك المدة وأما في قوله : إلا أن يقدم وإلا أن يأذن فكذلك أيضا لأن كلمة إلا أن بمعنى حتى
قوله : وإن حلف إلخ المسئلة على وجهين : إما أن يكون المسمى في الكلام مضافا إضافة ملك أو إضافة نسبة وكل ذلك على وجهين : إما أن يكون مطلقا أو مشارا إليه أما إذا كان مضافا إضافة ملك نحو : العبد والطعام والثوب فإن كان مطلقا بأن حلف لا يكلم عبد فلان أو لا يلبس ثوب فلان أو لا آكل طعام فلان يعتبر الملك يوم الحنث حتى لو فعل ذلك بعد البيع لا يحنث لأنه عقد يمينه على فعل واقع في ملك فلان وفي عين مضاف إليه فما لم يوجد ذلك الوصف لا يحنث فإن حلف لا أكلم عبد فلان هذا أو لا أدخل دار فلان هذه فباع العبد أو الدار ثم فعل ذلك لم يحنث عند أبي يوسف وأبي حنيفة ( رحمهما الله ) وعند محمد ( رحمه الله ) يحنث لأن الإشارة فوق النسبة في التعريف فلا يعتبر ولهما أنه إنما يصار إلى الترجيح عند التعارض ولا تعارض ههنا لأن الإشارة للتعريف والنسبة لهجران صاحبه لأن المراد منه أن لا يكلم مع عبد فلان لإظهار معاداة صاحبه لأن العبد لا يعادى نفسه وأما إذا كان الإضافة إضافة نسبة في غير الأموال مثل قوله : والله لا أكلم زوجة فلان أو زوج فلانة أو صديق فلان فإن كان مشارا إليه ثم بطلت الزوجية والصداقة ثم كلم حنث بالإجماع لأن هذا مما يعادى بنفسه فذكر النسبة ههنا للتعريف كالإشارة
قوله : حنث لأن ذكر النسبة لا يحتمل معنى آخر غير التعريف عند الناس (1/263)
{ باب اليمين على الحين والزمان }
قوله : على ستة أشهر لأنه الحين فإن الوسط قد يستعمل للوقت كقوله ( تعالى ) : { فسبحان الله حين تمسون } وقد يعني به ستة أشهر قال الله ( تعالى ) : { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } وقد يعني به أربعون سنة قال الله ( تعالى ) : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر }
قوله : ودهرا إلخ يريد دهرا منكرا في ما إذا قال : لا أكلم دهرا لأن درك اللغات ليس من باب القياس والتوقف فيما لا يدرك بالقياس عند عدم دليل ضرب من الفقه فكان هذا من أبي حنيفة نهاية في المعرفة لا جهالة وأما الدهر معرفا باللام يراد به الأبد عندهم جميعا وهو مذكور في الجامع الكبير قال الله ( تعالى ) : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر }
قوله : رجل قال إلخ هي فرع مسئلة أخرى ذكرها في الجامع الكبير : إذا حلف وقال : إذا كلمت فلانا الأيام الكثيرة فعبدي حر فإن ذلك على عشرة أيام عند أبي حنيفة وعندهما على سبعة أيام وقد ذكرنا مع فروعها في شرح الجامع الكبير ومن المتأخرين من قال : هذا في عرفهم وأما في عرفنا ينصرف إلى أيام الجمعة بلا خلاف (1/265)
{ باب اليمين في العتق }
قوله : طلقت لأن الميت ولد حقيقة وشرعا أما حقيقة فلا شك وأما شرعا فلأن العدة تنقضي به
قوله : لم يعتق أي لا يحنث فى اليمين لا يملك العبدين حتى لم يعتقا ولا يملك العبد حتى لم يعتق وذلك لأن الأول اسم لفرد سابق لا يشاركه غيره من جنسه في ما وصف به فيلزمه السبق والتفرد فإذا ملك عبدين لم يحنث لفقد التفرد في المثنى وإذا ملك عبدا بعدهما فكذلك لأنه وإن كان فردا لكنه غير سابق فلا يحنث
قوله : عتق الثالث لأن كلمة وحدة للدلالة على التفرد في الحال لأنها لم تقع إلا حالا فلم يكن الشرط مطلق التفرد بل المراد به التفرد في حالة التملك
قوله : يوم مات حتى يعتبر من ثلث المال لأن صفة الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء آخر بعده فصار العتق معلقا به وأنه لا يثبت إلا عند الموت فصار كأنه أعتقه في حالة المرض ولأبي حنيفة أن الآخر اسم لفرد لاحق لا يشاركه غيره من نفسه وقد اتصف به لكنه يبطل بشراء الآخر به فإذا لم يشتر حتى مات يثبت الوصف من وقت الشراء
قوله : عتق الأول لأن البشارة في اللغة عبارة عن خبر يغير بشرة الوجه من الغم أو من الفرح إلا أنه كثر استعماله في خبر يتغير به بشرة الوجه من الفرح فصار الإسم حقيقة له وهذا حصل من الأول
قوله : عتقوا لأنهم جميعا فعلوا فعل البشارة قال الله ( تعالى ) : { وبشروه بغلام عليم }
قوله : لم يجزه لأنه عتق بقوله : فهو حر لا بالشراء ولم توجد النية وقت اليمين فلا يسقط به الكفارة
قوله : وإن اشترى أم ولده يريد أنه قال لأم ولده وهي ليست في ملكه بأن استولدها بالنكاح : إن اشتريتك فأنت حرة فاشتراها تعتق ولا تسقط عنه الكفارة إذا نوى ذلك لأنه تعتق بالإعتاق الحاصل باليمين السابقة فخلاف ما إذا قال : إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني قال ذلك لأمة حيث يجوز لأنه تعتق كلها بالإعتاق
قوله : لم تعتق وقال زفر : تعتق في الحالين لأن التسري تصرف لا يستغني عن الملك فيصير ذكره ذكر الملك ولنا أن الإيجاب لم يحصل في ملك ولا مضافا إلى سبب الملك فبطل (1/266)
{ باب اليمين في البيع والشراء }
قوله : إن بعت لك هذا الثوب إلخ هذا الفصل على وجهين : إما أن يكون اليمين معقودا على فعل يحتمل النيابة والوكالة : كالبيع والخياطة والصياغة والبناء أو على فعل لا يحتمل النيابة والوكالة : كأكل الطعام وشرب الشراب وكل ذلك لا يخلو إما أن دخل اللام على الفعل فيقول : إن بعت لك هذا الثوب أو دخل عن العين فيقول : إن بعت ثوبا لك أما فيما يحتمل النيابة والتوكيل إن دخل اللام على الفعل فقال له : بعت لك ثوبا أو خطت لك ثوبا يقع اليمين على ذلك الفعل وهو أن يفعله بأمره سواء كان العين في ملكه أو لم يكن لأن اللام جاورت الفعل فأوجب ملك الفعل لا ملك العين وأما في ما لا يحتمل النيابة يقع اليمين على ملك العين سواء قدم اللام بأن قال : إن أكلت لك طعاما أو أخر بأن قال : إن أكلت طعاما لك لأن اللام دخلت على ما يملك وهو العين وعلى ما لا يملك وهو الفعل فوجب صرفها إلى ما يملك وهو العين
قوله : عتق لأن شرط الإعتاق قد وجد والعبد في ملكه
قوله : وكذلك لأن شرط الإعتاق قد وجد فصار موجبا تقديم الإيجاب كما إذا أعتقه بعد الشراء صريحا
قوله : طلقت لتحقق العدم فصار كموت الحالف أو موت العبد قبل البيع فإن قيل : العدم لا يثبت في حق الأمة بالعتق والتدبير لجواز أنها ترتد فتسبى بخلاف العبد فإنه متى ارتد يجبر على الإسلام بكل حال فإن قبل وإلا قتل قيل له : اليمين انعقدت على البيع باعتبار هذا الملك وباعتبار هذا الملك تحقق العدم (1/268)
{ باب اليمين في الحج }
قوله : فعليه إلخ لأن هذا في عرفهم إيجاب الحج والعمرة ماشيا فصار كما لو نص عليه وقال : لله على زيارة البيت ماشيا أو الكعبة ماشيا ولو قال هكذا كان الجواب ما قلنا
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد لأن قوله : على المشي إلى الحرم مثل قوله : على المشي إلى بيت الله وعلى هذا الخلاف لو قال : على المشي إلى المسجد الحرام ذكره محمد في الأصل وقالا : لأن الحرام شامل للبيت وكذلك المسجد الحرام فصار ذكره كذلك وأما الصفا والمروة فينفصلان عن البيت ولأبي حنيفة أن التزام الحج بهذه العبارة غير متعارف فوجب رده إلى القياس والقياس أن لا يلزم شئ بهذه الألفاظ بخلاف قوله : على المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة أو إلى مكة لأنه متعارف وفي النوادر : إلى مكة لأن ذلك كله متعارف
قوله : يعتق لأنهما شهدا بإثبات أمر معلوم ومن ضرورته أن لا يحج فعبده حر ولهما أن هذه شهادة قامت على النفي فلا تقبل كما إذا شهدا أنه لم يحج وإنما قلنا ذلك لأن الشهادة بالتضحية باطلة بحقيقتها لأنه لا مطالب لها فبقي النفي مقصودا فإن قيل : الشهاد على النفي لا تقبل في ما لا علم للشاهد بذلك فإذا وقع له العلم بذلك وجب أن تقبل والدليل عليه ما ذكر في السير : إذا شهد شاهدان على رجل : إنا سمعناه يقول المسيح ابن الله ولم يصل بقوله قول النصارى بانت منه امرأته والرجل يقول : لا بل وصلت بقولي قول النصارى فالشهادة مقبولة على النفي لأن ذلك مما يحاط به العلم قيل له : الأصل أن الشهادة على النفي لا تقبل كما قال ثم بعد ذلك لا يتميز بين نفي ونفي تيسيرا للأمر على الناس ودفعا للحرج أما مسئلة السير الكبير فذلك عبارة عن السكوت وهو أمر معلوم (1/270)
{ باب اليمين في لبس الثياب والحلي }
قوله : ليس بهدى حتى تغزله إلخ لأن النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك والغزل واللبس ليسا من أسباب الملك ولم يوجدا في الملك فلا يصح ولأبي حنيفة أن العادة الغالبة أنها تغزل لزوجها من قطنه فاليمين مقيدة بالعادة في الملك دلالة كأنه قال : من قطن ملكه
قوله : حنث لأنه حلي بدلالة تحريم الشرع للرجال ولو لم يكن ذهبا خالصا ولكن كان خاتما مما تلبسه النساء من الفضة أو من الحجارة مثلا يجب أن يحنث اعتبارا بالعادة وقيل : لا يحنث لا عبرة للعادة
قوله : تحنث لأنه حلي حقيقة قال الله ( تعالى ) : { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } وإنما تستخرج من البحر اللؤلؤ ولأبي حنيفة أن العادة لم تجر بالتحلي باللؤلؤ إلا إذا كان مرصعا بذهب أو فضة وقيل : على قياس قوله لا بأس بأن يلبس الغلمان اللؤلؤ وكذلك الرجال يجوز لهم ذلك (1/271)
{ باب اليمين في القتل والضرب }
قوله : فهو على الحياة لأن معنى الضرب لا يتحقق بعد الموت لأن معنى الضرب الإيلام والإيلام لا يتحقق بعد الموت ولا يلزم على هذا عذاب القبر أما من قال بأصل العذاب وسكت عن الكيفية فقد تفصى لأنه لا يعلم أنه على القالب أو على الروح وأما من قال بالكيفية منهم من قال : يعذب بعد وضع الحياة فيه لكن يوضع فيه الحياة بقدر ما يتألم لا الحياة المطلقة وهذا أقرب إلى الحقيقة ومنهم من قال : بوضع الحياة من كل وجه بخلاف قوله : إن غسلتك حيث يقع على الحياة والممات جميعا لأن الغسل بصورته ومعناه يتحقق بعد الموت أما الصورة فإسالة الماء على البدن وأما المعنى فإزالة الدرن
قوله : وكذلك إلخ فإن قال : إن كلمتك فهو على الحياة خاصة لأن كلام الإنسان مع غيره لا يكون إلا بالإفهام والإسماع وهذا لا يتحقق بعد الموت وكذلك الكسوة إذا أطلقت يراد بها التمليك عرفا والتمليك من الميت لا يتصور وكذلك الدخول عليه بأن قال : إن دخلت عليك لأن الدخول للزيارة يكون وبعد الموت يزار قبره لا عينه
قوله : والكلام قد وجهه أكثر الشراح بإن الكلام ما يخاطب به الأفهام والأسماع وهو غير متصور في الميت وفهم منه بعض أصحاب الفتاوى أنه مبني على عدم سماع الموتى فنسبوه إلى القدماء ومن ثم اشتهر بين العوام أن عند الحنفية لا سماع للموتى والحق أنهم بريئون عن ذلك كما حققه ابن الهمام وغيره والمسئلة التي نحن فيها ليست مبنية عليه بل على أن الكلام والخطاب في العرف إنما يطلق على الخطاب مع الحي ومع الميت لا يعرف كلاما والأيمان مبنية على العرف فلذا لا يحنث بالكلام مع الميت إذا حلف لا يكلمه وكيف ينكر قدماء أصحابنا سماع الموتى مع ظهور النصوص الدالة عليه وإجماع أكثر الصحابة عليه وقد أنكرته عائشة ( رضي الله عنها ) لكن قد زارت قبر أخيه عبد الرحمن وخاطبت معه كما هو مروي في جامع الترمذي وغيره فعلم أنها رجعت إلى السماع والعقل أيضا يوافق السماع فإن السامع والفاهم إنما هو الروح وهو لا يفني بالموت وفناء البدن لا يقدح في ذلك ولعلمي قد ينكشف حقية هذا الأمر لمنكري السماع بعد موتهم وإن طال إنكارهم في حياتهم وعند ذلك يحصل معه التنبيه على خطأهم ولا يفيدهم ذلك
قوله : حنث هذا إذا كان في حال الغضب وأما إذا كان يلاعبها فأصاب رأسه أنفها فأدماها أو آلمها لم يحنث
قوله : حنث لأنه عقد يمينه على قتله بحياة تحدث فيه بعد الموت وهذا متصور
قوله : لا يحنث هذا عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يحنث وهي فرع مسئلة شرب الماء في الكوز (1/272)
{ مسائل من كتاب الأيمان لم تدخل في الأبواب }
قوله : لم يبر لأن الزيوف دراهم فإن تجوز بها فقد اقتضى وإن ردها فقد انقض بعد صحته وأما الستوقة فليست بدراهم فلا يصح اقتضاءها فوجب الحنث
قوله : في القضاء إلخ لأنه نوى خلاف الظاهر لأن الطلاق فعل شرعي وذلك أن يوجد من المرأ كلام يثبت به وقوع الطلاق عليها والأمر بذلك مثل التكلم بنفسه فإذا نوى التكلم بنفسه فقد نوى الخصوص فلم يصدق قضاء
قوله : لم يحنث لأن في مسئلة العبد منفعة ضربه تحصل للآمر لأن العبد يأتمر بأمره إذا ضربه غيره فكان عمله كعمله في حق المنفعة فيحنث أما ولده فمنفعة ضربه يحصل للولد لا للوالد فلم يكن عمله كعمله في حق المنفعة فلا يعتبر عمله كعمله فلا يحنث
قوله : دين في القضاء لأن الضرب والذبح فعل حسي يعرف بأثره والنسبة إليه بحق التسبيب مجاز فإذا نوى حقيقة ما تكلم به صحت نيته
قوله : بر لأن الهبة تمليك من جانب واحد وقد وجد إلا أن القبول والقبض شرط ثبوت الملك وشرط البر الهبة المطلقة لا المقيدة لثبوت الملك وقد وجد
قوله : حنث لأن شرط الحنث فعل الصوم وقد وجد ولو قال مكانه : لا يصوم صوما أو يوما لم يحنث لانعدام صوم اليوم
قوله : لم يحنث لأن شرط الحنث فعل الصلاة والموجود بعض فعل الصلاة لأن كل الصلاة فعل القيام والركوع والسجود والقراءة وما وراء ذلك فهو تكرار
قوله : لم يحنث لأن قصده من هذا نفي ما وراء المائة فكان شرط حنثه ملك زيادة شئ على المائة
قوله : فشم وردا إلخ لأن في عرفهم الريحان اسم لما لا يقوم على الساق من البقول مما له رائحة طيبة وهو موضوع لذلك لغة والورد والياسمين لهما ساق
قوله : على الورق لتسمية الناس فى عرفهم دهن البنفسج بنفسجا دون دهن الورد وردا
قوله : هذه أي التي حلفته وقال أبو يوسف : إنها لا تطلق لأنه خرج جوابا فيتقيد به وجواب ظاهر الرواية أنه زاد على الجواب لأنه كان يكفيه أن يقول : إن فعلت فهي طالق ثلاثا فصار مبتدئا فوجب العمل بعمومه وإطلاقه وإن قال : نويت تلك خاصة صدق ديانة لأن مع الزيادة يحتمل أن يكون جوابا (1/274)
{ كتاب الحدود }
قوله : لم يؤخذ به لأن الشهادة بالحدود تبطل بتقادم العهد أما في كل حد لا يشترط فيه دعوى العباد فلأن الشهادة متى تمكنت فيها تهمة زائدة يمكن الاحتراز عنها تبطل ومتى عاين الشهود الفاحشة خيروا بين الحسبتين : بين حسبة أداء الشهادة وبين الستر على المسلم فإن اختاروا الأداء لم يحل لهم التأخير لأن تأخير الحد حرام فإذا أخروا حمل تأخيرهم على الوجه الأحسن الذي لم يوجب تفسيقهم وهو اختيارهم الستر فبعد ذلك اتهموا بأن الأداء بضغينة حملتهم على ذلك فيبطل شهادتهم أما في كل حد يشترط فيه الدعوى كالسرقة فلأنه بتقادم العهد تمكنت التهمة في الدعوى وإن لم تتمكن في الشهادة وحد التقادم ستة أشهر وعن أبي يوسف أنه لم يقدر بشئ وفوضه إلى رأي القضاة في كل عصر وعن محمد أنه قدر بشهر وهو الأدنى
قوله : أخذ به حتى لو أقر بزنا متقادم أو بسرقة متقادمة أو بقطع طريق متقادم أخذ به لأن التهمة التي حققناها في الشهادة لا يتحقق في الإقرار ولو تحقق فالإقرار لا يرد بالتهمة
قوله : إلا في شرب الخمر إلخ حد الشرب إن ثبت بالبينة كان التقادم مبطلا بالإجماع لكن اختلفوا في حد التقادم فيه فعند أبي حنيفة وأبي يوسف بانقطاع الرائحة وعند محمد بالزمان وهو الشهر كما في سائر الحدود وإذا ثبت بالإقرار فعند محمد لا يبطل بالتقادم اعتبارا بسائر الحدود وهو القياس وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يقام إلا بقيام الرائحة أيضا لأن حد الشرب إنما ثبت بإجماع الصحابة ولا إجماع إلا برأي عبد الله بن مسعود : وقد روى : أن رجلا جاء بابن أخ له إليه فادعى عليه شرب الخمر فقال ابن مسعود : بئس ولي اليتيم أنت لا أدبته صغيرا ولا سترت عليه كبيرا إن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه فاعتبر الرائحة
قوله : حد في قولهم جميعا لأن هذا موضع العذر فلا تبطل به الشهادة
قوله : هو الذي إلخ وقال أبو يوسف ومحمد : أن يهذي ويختلط كلامه وقال بعضهم : يستقرء بقل يا أيها الكافرون فإذا عجز فهو سكران فما قالا هو المعتاد وما قال أبو حنيفة هو الاحتياط لأنه سبب العقوبة فيشترط أقصاه
قوله : بإقراره على نفسه لأن السكران ألحق بالصاحي في جميع الحقوق غير حدود الله ( تعالى ) خالصا عقوبة له بإجماع الصحابة (1/277)
{ باب الإحصان }
قوله : وهما على هذه الصفة حتى لو تزوج أمة أو صغيرة أو مجنونة أو كتابية فدخل بها زوجها لا يصير محصنا لأنه لا يتكمل النعمة ولا يتم الاستغناء عن الحرام بوطىء هؤلاء وروي عن أبي يوسف أنه يصير محصنا بوطىء الكتابية والمجنونة
قوله : فإنه يرجم لأنه يثبت دخوله شرعا ولهذا لو طلقها كان له حق الرجعة فإن لم تكن ولدت وشهد على الإحصان رجل وامرأتان يثبت الإحصان وقال زفر والشافعي : لا يثبت ويتفرع من هذا أن شهود الإحصان إذا رجعوا لم يضمنوا عندنا وقال الشافعي : يضمنون وهي تعرف في المختلف (1/279)
{ باب الوطىء الذي يوجب الحد وما لا يوجبه }
قوله : فإنه يحد لأن حد الوطىء منوط بالملك وقد زال بالثلاث وأما إذا قال : ظننت أنها تحل لي لا يحد لأنه وطىء بشبهة
قوله : لم يحد لأن باختلاف الصحابة في ألفاظ الكنايات أنها بوائن أو رواجع تمكنت فيه شبهة ولا يثبت النسب إذا لم يدع
قوله : فلا حد عليه لأنه اشتبه عليه في موضعه لأن قرب ما بين الأب والإبن واحد وهذا القرب أوجب تأويلا في أحد الطرفين فاشتبه على الطرف الآخر فيعذر ولا يحد قاذفه لأنه ليس بزنا
قوله : إلا في جارية الولد إلخ إذا وطىء أمة ابنه وقال : علمت أنها حرام لا يحد ويثبت النسب إذا ادعى وتصير الجارية أم ولد له وعليه القيمة ولا عقر عليه خلافا لزفر والشافعي
قوله : وفي قول محمد إلخ أصل هذا شيئان : أحدهما : أن الحربي المستأمن لا يقام عليه شئ من الحدود عند أبى حنيفة ومحمد إلا حد القذف وقال أبو يوسف : يقام عليه الحدود إلا حد شرب الخمر كالذمي وهذا قوله الآخر لأبي يوسف أنه التزام أحكامنا مدة مقامه في دارنا ولهما أنه لا يصير من أهل دارنا بدليل أنه يترك حتى يعود إلى دار الحرب وإنما دخل دارنا ليقضي حوائجه فيؤخذ بما يتصل لحوائجه أو بما هو جزاء إيذاء المسلم والأصل الثاني : أن الحد متى لم يجب على المرأة أو تعذر استيفاءه لا يمنع وجوب الحد على الرجل بالإجماع
أما لو كان على العكس هل يمنع الوجوب على المرأة ؟ فعند أبي يوسف ومحمد يمنع نص على قوله ههنا وأشار في الأصل إلى قول أبي يوسف فإنه قال : حربي مستأمن زنى بذمية أو بمسلمة أن على قول أبي يوسف الأول لا يحدان وإنما يتبين هذا الاختلاف في مكره زنى المطاوعة أنه لا يحد المكره وتحد المطاوعة عند أبي حنيفة وعندهما لا تحد المرأة أيضا لهما أن فعل الرجل أصل فإذا لم يجب عليه الحد لا يجب عليها وأبو حنيفة يقول : إن حكم الفعل امتنع بمانع في حق الرجل والمرأة تابعة في نفس الفعل دون الحكم ألا ترى إلى أن الرجل إذا لم يكن محصنا والمرأة محصنة يجلد الرجل وترجم المرأة فلا يصير ذلك شبهة في حقها
قوله : فلا حد عليه وكان أبو حنيفة يقول أولا إن عليه الحد وهو قول زفر لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة وهذا آية الطوع وجه قوله الأخر أن السبب الملجيء قائم ظاهرا والإنتشار دليل محتمل لأنه قد يكون من غير قصد كالنائم فلا يزول اليقين بالمحتمل
قوله : حد وقالا : لا يحد قالوا : هذا اختلاف عصر وزمان لأنه لم يكن في زمن أبي حنيفة لغير السلطان من القوة ما لا يمكن دفعها إلا بالسلطان وفي زمنهما ظهرت القوة لكل متغلب فزماننا كذلك فيفتى بقولهما
قوله : رجل أقر أربع مرات إلخ وجه المسئلة أن النكاح إذا تحقق تحقق من الجانبين فإذا توهم كان من الجانبين وأما وجوب المهر عليه فلأن الحد قد سقط فلا يسقط المهر
قوله : ويضمن القيمة لأنه جنى جنايتين فيؤخذ بموجبهما ووجوب القيمة لا يمنع الحد
قوله : فلا حد عليه لأن الحد إنما يكلف بإقامة إمام المسلمين فلم يكن الإيجاب مفيدا وعلى هذا ينبغي أن لا يجب حد القذف (1/280)
{ باب الشهادة في الزنى }
قوله : لم يقطع لأن الدعوى شرط لثبوت السرقة دون الزنا
قوله : حد لأن الشهود إذا لم يعرفوها فالظاهر أنها امرأته فأما إذا أقر فلا يخفى عليه امرأته فلا يوهم في إقراره
قوله : درىء الحد إلخ لأن المشهود به مختلف في حق الرجل لأن الذين شهدا بالإكراه أثبتا كل الفعل له والآخران انتسبا شطر الفعل له فصار المشهود به مختلفا وليس على أحدهما حجة كاملة
قوله : عنهما لأنهم شهدوا على زنائين مختلفين وليس على كل واحد منهما أربعة
قوله : حد الرجل والمرأة يراد به أن كل اثنين شهدا أنه زنى بها في ناحية من البيت وشهدا آخران أنه زنى بها في ناحية أخرى من هذا البيت لأنه اختلاف محتمل التوفيق لأن ابتداء الفعل قد يكون في زاوية ثم يضطربان وينتقلان إلى زاوية أخرى من هذا البيت من غير أن يصير قولا آخر وهذا إذا كان البيت صغيرا بحيث يحتمل هذا التوفيق وأما إذا عظم بحيث لا يحتمل هذا لا تقبل
قوله : إنه زنى بامرأة بالنخيلة إلخ لأنا تيقنا بكذب أحد الفريقين ولا يحد واحد من الشهود لأنه يحتمل أن يكونوا صدقة
قوله : وهي بكر أراد به أن النساء نظرن إليها وقلن : إنها بكر لأنه ثبتت بكارتها بشهادة النساء وهي حجة فيها ودرىء الحد عنهم لأن قول النساء ليس بحجة في حق إقامة الحد
قوله : أربعة عميان إلخ أصل هذا أن الشهود ثلاثة أصناف : صنف أهل الشهادة وأهل الأداء وهم الأحرار العقلاء البالغون المسلمون العادلون وصنف أهل الشهادة وليسوا بأهل الأداء وهم العميان والمحددون في القذف أما كونهم أهل الشهادة فلاستجماع شرائط الأهلية نحو : العقل والحرية والفهم وأما ليسوا بأهل الأداء لأنه الأعمى لا يقدر على الأداء لأنه لا يقدر على التمييز بين المدعى والمدعى عليه والمحدود في القذف أبطل الله ( تعالى ) شهادته بنص الكتاب وصنف من أهل الشهادة وأهل الأداء لكن في أدائهم نوع قصور وهم الفساق
إذا ثبت هذا فنقول : إذا شهدا العميان والمحدودون في القذف فإنهم يحدون لأنه ما ثبت بشهادتهم في حق المشهود عليه شبهة الزنا لأن الزنا إنما يثبت بالأداء لا بالأهلية وليس لهم الأداء فصاروا قذفة فيحدون وإذا شهد الفساق يثبت بشهادتهم شبهة الزنا وهو الزنا من وجه لأنهم من أهل الأداء فصاروا قذفة لإنسان يثبت في حقه شبهة الزنا فكانوا صدقة من وجه فلا يحدون
قوله : فإنهم يحدون لأنه تبين أن الشهود ثلاثة والشهود متى كانوا أقل من أربعة تكون قذفة ووجب على العبد والمحدود في القذف أيضا حد لأنهما قاذفان
قوله : على بيت المال أيضا لأن الجرح محال إلى شهادتهم فكان محالا إلى قضاء القاضي لأنه هو الذي قضى بالضرب إلا أنه مخطيء في قضائه وليس بقاصد والقاضي متى أخطأ في قضائه لا يجب عليه الضمان وإنما يجب على ما وقع له القضاء وههنا القضاء وقع للعامة لأن المنفعة من الحد يقع على العامة فيجب الضمان على العامة ومال بيت المال مال العامة فيجب في بيت المال كالرجم وله أن الحد ضرب مؤلم غير جارح ويتصور الضرب بلا حرج وإنما حصل الجرح لخرق الضارب وقلة الاحتياط فيكون الجرح مقصورا على الضارب ولا يضمن الضارب لأنه ما تعمد الجرح فلو أخذناه بالضمان لامتنع الناس عن إقامة الحدود
قوله : لم يحد لأنه تمكن تهمة الكذب في موضعين والاحتراز عنه ممكن في الجملة فأورث شبهة في باب الحدود
قوله : لم يحد أيضا لأن القاضي لما رد شهادة الفروع صار رادا لشهادة الأصول أيضا لأن الفروع نائبون عنهم من وجه والشهادة متى ردت في حادثة لا تقبل
قوله : غرم إلخ أما غرم ربع الدية فلأنه أتلف ربع النفس وأما ضرب حد القذف عندنا خلافا لزفر لأنه قذف حيا وقد بطل بالموت ولنا أن الشهادة انقبلت قذفا للحال فصار قاذف ميت
قوله : حدوا جميعا لأن هذا الكلام قذف في الأصل وإنما يصير شهادة بقضاء القاضي فإذا رجع واحد منهم قبل القضاء لم يكن رجوعه نقضا للشهادة فبقي قاذفا ولو رجع واحد بعد القضاء قبل الإمضاء فكذلك الجواب عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : يحد الرجع خاصة
قوله : فلا شئ عليه لأن قضاء القاضي بكونه زانيا باق
قوله : وغرما لأن الثابت ثلاثة أرباع الدية ببقاء الثلاث وعليهما الحد لأن القضاء انفسخ في حقهما
قوله : على المزكين هذا إذا رجعوا وقالوا : علمنا أنه مجوس ومع ذلك زكيناهم أما إذا قالوا : زكيناهم وأخطأنا لا يجب عليهم الضمان لأن القاضي لو زكاهم في نفسه وأخطأ لا يجب عليه الضمان فالمزكون إذا أخطأوا فلأن لا يجب عليهم الضمان أولى
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ لهما أن المزكين ما أظهروا علة التلف وهي الزنا ولأبي حنيفة بلى ولكنهم أظهروا علة الظهور وهي الشهادة فكانت التزكية علة علة ظهور الزنا والحكم كما يضاف إن العلة يضاف إلى علة العلة أيضا
قوله : على بيت المال لأن التلف أضيف إلى قضائه وهو عامل للعامة (1/282)
{ باب الحد كيف يقام }
قوله : أربعين سوطا وقال أبو يوسف : ثمانين سوطا والأصل فيه ما روي عنه ( عليه الصلاة و السلام ) أنه قال : من يبلغ حدا في غير حد فهو من المتعدين فلا يجوز تبليغ غير الحد الحد بالإجماع فأبو يوسف اعتبر حد الأحرار لأنه هو الكامل وحد الأحرار ثمانون فلا يبلغ ثمانين سوطا وأبو حنيفة ومحمد بناه على أدنى الحدود وأدناها عددا حد القذف على العبيد
قوله : أشد من ضرب القاذف لأن سببه ثابت بيقين وسبب حد القذف متردد ولا يدري صادق أو كاذب قصد إقامة الحسبة أو هتك الستر
قوله : غير ممدود اختلفوا في تفسيره قال بعضهم : لا يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه وقال بعضهم : لا يمد السوط على بدنه بعد الضرب حتى لا يكون زيادة على سنة الحد
قوله : وعليه ثيابه لأنه لما بنى على التخفيف لم يجب أن يجرد غير أنه ينزع عنه الفرو والحشو لأن ذلك يمنع أثر الضرب أصلا
قوله : إلا الفرج إلخ أما الفرج فلأن الضرب عليه مهلك وأما الرأس فلأنه يخاف منه على عقله وعامة حواسه وأما الوجه فلأنه مجمع المحاسن فيخاف عليه أن يصير مثلة (1/287)
{ باب في القذف }
قوله : لا يعرف له أب فإن الإحصان في المقذوف شرط لوجوب الحد ومن شرائط الإحصان العفة عن الزنا وههنا وقعت الشبهة في العفة عن الزنا
قوله : لاعنت بولد فإن علامة الزنا موجودة وهو قيام ولد لا أب له
قوله : وطىء جارية فإنه زان من وجه
قوله : في نصرانيتها لأنها زانية من كل وجه لأن زناها في تلك الحالة زنا فبطل إحصانها
قوله : مات وترك وفاء لاختلاف الصحابة في موته حرا أو عبدا فأورث شبهة
قوله : أو مكاتبة له لأن وطئه في هذه الصور الثلاثة ليس بزنا لأن الزنا وطىء امرأة لم تلاق ملكه
قوله : بغير ولد حد القاذف لأن اللعان بلا ولد أقيم مقام حد القذف في جانب الرجل فكان مؤكدا للقذف
قوله : فإنه لا حد على قاذفه هذا بناء على أن أبا حنيفة جعل لهذا النكاح حكم الصحة وهما جعلا له حكم الفساد ويبتنى على هذا القضاء بالنفقة
قوله : فإنه يلاعن لأنه لما قال : هو ابني فقد لزمه النسب فلما قال : ليس بابني وجب اللعان لأنه قذف أمه إلا أن النسب لا ينقطع لإقراره في الماضي وليس ضرورة اللعان قطع النسب ألا ترى إلى أن اللعان مشروع بغير ولد ؟
قوله : ثم أقر به حد لأنه لما قال : ليس بابني وجب اللعان فلما قال : هو ابنى فقد أكذب نفسه وإذا أكذب نفسه بطل اللعان وإذا بطل اللعان وجب الحد لأن اللعان حد ضروري صير إليه عند التكاذب وإذا بطل التكاذب بطل اللعان فصير إلى الحد الذي هو الأصل ولزم النسب لإقراره بذلك
قوله : فلا حد ولا لعان لأنه أنكر الولادة أصلا فلا يكون قاذفا
قوله : فإنهما يحدان لأن كل واحد منها قاذف صاحبه لأن قوله : لا بل أنت أي بل أنت زان لأن لا بل كلمة عطف وكلمة العطف متى لم يذكر له الخبر يكون خبر الأول خبرا له كما إذا قال : جاءني زيد لا بل عمرو
قوله : حدت المرأة ولا لعان لأن كل واحد منهما قاذف صاحبه إلا أن قذف الزوج امرأته موجب اللعان وقذف المرأة زوجها موجب للحد إلا أنه لا بد من أن يقدم أحدهما على الآخر فلو قدمنا الحد على المرأة بطل اللعان لأن اللعان لا يجري بين المحدودة في القذف وبين زوجها ولو قدمنا اللعان لم يسقط الحد عن المرأة لأن حد القذف يقام على الملاعن والحدود يحتال لدرئها فبدأنا بالحد حتى يسقط اللعان
قوله : فلا حد ولا لعان لأن قولها : زنيت بك يحتمل الإرادة قبل النكاح وبعده فإن كان المراد قبل النكاح لا حد عليه لأنها أقرت بالزنا وعليها الحد لأنها قاذفته وإن كان المراد بعد النكاح لا حد عليها لأنها ما قذفته بالزنا لأن الزنا معه بعد النكاح لا يتصور ويجب عليه اللعان لقذفه إياها فقد وقع الشك في وجوب كل واحد منهما فلا يجب بالشك
قوله : لا يحد لأن في حالة الغضب يراد به القذف وفي غير الغضب يراد به المعاتبة
قوله : وقال محمد : لا يحد لأن الزناء بالهمزة هو الصعود إلا أنه يقال : صعد على الجبل ولا يقال : صعد في الجبل لكن إقامة كلمة في مقام على جائزة كما في قوله ( تعالى ) : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي على جذوع النخل ولهما أن الزناء يحتمل الصعود ويحتمل الفاحشة وقوله : في الجبل لا يحتمل الصعود لأنه لا يقال : زنا فيه وإنما يقال : على الجبل فصار المحتمل محمولا على المحكم
قوله : يا زانية فإنه قذف بالزنا لكن لم يوجب الحد لعدم الإحصان فيجب نهاية في التعزير
قوله : أن يأخذه بحدها وقال زفر : لا لأن الحد لا يجب له بقذفه فبقذف غيره أولى ولنا أنه عيره لقذف المحصنة فلزمه الحد
قوله : لم يأخذه لأن الحد لم يجب للميت حتى يورث عنه وإنما يجب للحي ولا يجوز أن يجب للحي لأنه لا يعاقب المولى بسبب عبده
قوله : إلا الولد أو الوالد لأن العار إنما يتصل بمن ينسب إلى الميت أو الميت ينسب إليه بالولادة ولهذا اقتصرت حرمة المصاهرة على هؤلاء بخلاف سائر الأقارب
قوله : بطل الحد لأنه لا يورث عندنا وقال الشافعي : يورث فلا يبطل
قوله : حد لأن فيه حق العبد والمستأمن يؤخذ بحقوق العبد
قوله : لم تجز شهادته لأن بطلان شهادة القاذف من تمام الحد وهو من أهل الشهادة على أهل الذمة فإذا أسلم جازت شهادته لأن هذه شهادة لم يلحقها الرد وجازت على أهل الذمة تبعا للمسلمين لأن هذه حدثت بالإسلام ولم تكن قبله
قوله : جازت شهادته لأن الذي ضرب بعد الإسلام وحده ليس بحد تام لأنه بعض الحد فلا يصلح أن يجعل الرد وصفا له (1/288)
{ باب فيه مسائل متفرقة }
قوله : فهو لذلك كله أما الزنا والشرب والسرقة فلأن الحد إنما يقام زجرا له فيتمكن فيما زاد على الوجه شبهة فوت المقصود لاحتمال الحصول بالأول والحدود تندرىء بالشبهات وأما القذف فكذلك عندنا وقال الشافعي : إن قذف غير الأول أو قذف الأول لكن بزنا آخر لا يتداخل وهي تعرف في المختلف
قوله : كلها لأنه وجد من كل واحد من الملاك خصومة فيقع عن الكل وإن خاصم أحدهم فقطع له قال أبو حنيفة : القطع للسرقات كلها ولا يضمن شيئا وقالا : يضمن للسرقات كلها إلا التي قطع فيها لأن القطع لا يجب ولا يستوفى إلا بالخصومة وليس بعضهم نائيا عن البعض في الخصومة فلا تقطع عمن لا يخاصم فبقي ماله مضمونا وله أن الحد واجب حقا لله ( تعالى ) لا للعباد وإنما شرطت الخصومة لظهور السبب عند القاضي فإذا قامت الحجة من واحد صح التكليف والحدود كلها واحدة فتداخلت
قوله : لم يقطعا لأنه بطل الحد عن الراجع فتثبت الشبهة في حق الآخر بحكم الشركة
قوله : ويضمن في العمد لأن المجتهد لا يعذر في عمد الظلم وله أنه أخلفه ما هو خير منه فلا يضمن
قوله : لا أقطعه والعشرة للمولى لأن المالك أصل وركن السرقة أخذ المال ولم يثبت فلا يثبت التبع وهو القطع ولأبي حنيفة أن الإقرار بالشئ يلاقي بقاؤه والقطع في البقاء أصل والمال تبع ولهذا لو هلك المال أو استهلكه لا يمنع القطع والإقرار من العبد المحجور بالقطع والحدود صحيح والقطع صار أصلا والعبد أهل لما هو أصل فيثبت الأصل فيتبعه ما كان من ضروراته وهو كون المال لغير المولى وهذا الحرف حجة على أبي يوسف
قوله : قطع لأنه لا شبهة في المال والحرز لأن الرضاع لا يتعلق به وجوب صلة ولا استحقاق حق في المال ولهذا لا يجب بالرضاع الميراث والعتق
قوله : فالدية على عاقلته هذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : يجب القصاص وهي مسئلة القتل بالمثقل
قوله : قتل به هذا قتل سياسة بالإجماع لسعيه في الأرض بالفساد (1/292)
{ باب ما يقطع فيه وما لا يقطع }
قوله : صيدا لقوله ( عليه الصلاة و السلام ) : لا قطع في الصيد ولا في الطير ولأن إحرازهما ناقص لأن الصيد يفر والطير يطير
قوله : أو فاكهة تفسد أي فاكهة يتسارع إليها الفساد أو لحما لنقصان إحرازهما لأن الإحراز صيانة الشئ وإدخاره لوقت حاجة وهما لا يقبلان ذلك
قوله : أو خشبا لأن إحرازه ناقص لأنه لا يحرز في البيوت بل يلقى على قوارع الطريق ولو أدخل في البيوت لا يدخل في الإحراز إنما يدخل لإصلاح البيت
قوله : أو مصحفا مفضضا وعن أبي يوسف : أنه يقطع لأنه مال متقوم يجوز بيعه ويحرز عادة وجه ظاهر الرواية ما أشار إليه في كتاب السرقة لأنه قرآن ومعنى هذا أن إحرازه وصيانته لأجل المكتوب فيه لا لأجل الجلد والأوراق
قوله : أو نورة إلخ لأنه لا يقصد إحرازها ولا يدخل في البيوت للإحراز بل يلقى على قوارع الطريق وإنما يدخل في البيت على وجه الاستعمال
قوله : أو أبواب المساجد لأنها غير محرزة لأنه يباح لكل واحد الدخول فيها
قوله : أو بربطا أو طبلا أو طنبورا لأنه لا يحرز للتمول وإنما يحرز للفسق
قوله : لو سرق شرابا لأن الشراب لا يحرز للإدخار ولا يبقى
قوله : ما يساوي إلخ لأنه أعز الخشب بالعراق ويحرز إحراز الأموال النفيسة
قوله : من أي خشب كان لأنه صار بهذه الصنعة ملحقا بالذي يحرز على الكمال وبطلت الحالة الأولى وجعلت الصنعة غالبة على أصل الخشب
قوله : لم يقطع لأن له ولاية الأخذ وحق التمليك
قوله : قبل الارتفاع إلى الحاكم لم يقطع لفوات الخصومة
قوله : في أقل إلخ وقال الشافعي : لا يقطع في أقل من ربع دينار وقال بعض الناس من أصحاب الظواهر : لا يشترط النصاب واختلفت الأخبار في المقدار فأخذنا بالأكثر احتياطا في الحدود
قوله : مرتين امتيازا من سائر الحوادث واستدلالا بالبينة في باب الزنا
ولهما حديث صفوان أتى بسارق فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : [ أسرقت ؟ قال : نعم : فقال : اذهبوا به فاقطعوه ] وليس فيه شرط العدد
قوله : من ذي رحم محرم لم يقطع لنقص في الحرز لأنه مأذون في الدخول في الحرز
قوله : أو إصبعان منها سوى الإبهام : لأن الإصبعين منها تنزلان منزلة الإبهام في نقصان البطش
قوله : ولم يخرجها من الدار لم يقطع لنقصان في ركن السرقة لأن المال في يد صاحب الدار إلا أن في الغصب يتحمل هذا النقصان عند بعضهم
قوله : قطع لأن كل مقصورة بمنزلة دار على حدة
قوله : فأخذه قطع لأنه معهود في فعل السرقة وإن لم يأخذه بعد ذلك لم يقطع لأنه إذا لم يأخذه علم أن القصد هو التضييع دون الأخذ للسرقة
قوله : وإن ناوله صاحبا له لم يقطع وعن أبي يوسف أنه فسره فقال : إن أدخل الخارج يده لم يقطع واحد منهما وإن أخرج الداخل يده قطع الداخل خاصة لكن ليس في ظاهر الرواية فصل وإنما لم يقطع واحد منهما لعدم كمال الهتك من كل واحد منهما
قوله : فسرق ما فيه قطع لأن القطع إنما يجب بسرقة نصاب كامل إذا كان محرزا مقصودا أما إذا لم يكن محرزا مقصودا فلا والسائق والقائد يقصدان بها قطع المسافة والسوق لا الحفظ فاعتبر الجوالق حرزا فإذا شق وأخذ منه قطع وإلا فلا
قوله : من الكم لم يقطع لأنه إذا طر أو كان الرباط من خارج والدراهم داخلا فلم يهتك الحرز فإذا كان الرباط داخلا والدراهم خارجا فأدخل يده وطرها فقد هتك الحرز بإدخال يده في الكم هذا جواب الكتاب في الطر وأما الحل بأن حل الرباط وأخذ الدراهم فإن مشايخنا قالوا : إن كان الرباط خارجا والدراهم باطن الكم قطع لأنه يحتاج إلى أن يدخل يده في الكم لأخذ الدراهم وإن كان على العكس لا يقطع لأنه أدخل يده لحل الرباط لا لأخذ الدراهم فبقيت الدراهم خارجه
قوله : وحده لوجود فعل الرقة منه حقيقة وجه الاستحسان أن هذه سرقة معهودة فوجب القطع كما لو تولى الكل
قوله : لم يقطع لأنه تمت السرقة وهي لحم
قوله : وصاحب الربا أراد به رجلا باع عشرة دراهم بعشرين وقبض العشرين ثم جاء إنسان وسرق العشرين منه يقطع بخصومة عندنا خلافا لزفر والمسئلة تعرف في المختلف (1/295)
{ باب ما يقطع فيه }
قوله : لا سبيل إلخ بناء على أنه لو كان مكانه غصب لا ينقطع حق المالك عنده خلافا لهما وإقامة الحد لا يشكل على قول أبي حنيفة لأنه لا يملك المسروق واختلف المشايخ على قولهما قال بعضهم : لا يقام لأن السارق ملك المسروق وقال بعضهم : يقام لأنه لا يملك المسروق عينه إنما يملك غيره
قوله : ما زاد الصبغ فيه وليس له غير ذلك اعتبارا بالغا صب ولهما أن صنيع السارق في الثوب قائم صورة ومعنى حتى إذا أخذه صاحبه ضمنه ما زاد الصبغ وحق المالك فيه صورة قائم لا معنى حتى لو هلك أو استهلك في إحدى الروايتين لا يضمن فما استويا في الوجود فلا يترجح حق المالك بالبقاء ولا كذلك الغاصب لأن حق المالك في الثوب قائم صورة ومعنى فيترجح حق المالك
قوله : في المذهبين لأن عند أبي حنيفة السواد نقصان والمسروق إذا انتقص في يد السارق لا ينقطع حق المالك وعند أبي يوسف هذا والأول سواء لأن عنده السواد زيادة كالحمرة وعند محمد السواد زيادة لكنه لا يقول بقطع حق الملك بمثل هذه الزيادة (1/298)
{ باب في قطع الطريق }
قوله : أن يكون هو قاطع الطريق لوجوده حقيقة كما في المفازة إلا أنا استحسنا وقلنا : ليس بقاطع لأن القطع إنما يكون بانقطاع المارة والناس لا يمتنعون من التطرق في هذا الموضع لوقوع هذه الحادثة فإذا كان لا ينقطع الطريق لم يتم السبب فلا يجب الحد أما في المفازة فالناس يمتنعون عن التطرق فيها بسبب هذه الحادثة ما لم يظهر الأمر بنفي اللصوص وإزعاجهم عن ذلك الموضع فيتحقق قطع الطريق
قوله : ويقتل أو يصلب في ظاهر الرواية يتخير الإمام بين الصلب والقتل وروي عن أبي يوسف أنه قال : لا يترك الصلب لأنه منصوص عليه بقوله ( تعالى ) : { أن يقتلوا أو يصلبوا } أو قيل : معناه : ويصلب ولأن المقصود بذلك التشهير ليعبر به غيره والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن معنى الزجر والتشهير يحصل بالقتل والصلب زيادة مبالغة فيه فكان الخيار فيه إلى الإمام ثم إذا أراد الصلب فقد ذكر الكرخي أنه يصلب حيا ثم يطعن تحت تندوته الأيسر حتى يموت وذكر الطحاوي أنه يقتل أولا ثم يصلب لأنه إذا صلب حيا ثم يطعن كان ذلك مثلمة وما ذكره الكرخي أصح لأن المقصود هو الإيلام والزجر وذلك إنما يحصل إذا صلب حيا ثم في ظاهر الرواية يترك على خشبة ثلاثة أيام ثم يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه
قوله : ولا يقطع : لأن الحد جزاء قطع الطريق وأنه جناية واحدة كيف ما قطع فلا يجمع بين الحدين ولكن يجب التغليظ ولأبي حنيفة أن قطع الطريق متفرق من وجه مجتمع من وجه بيانه أن قطع الطريق واحد في التقدير لكن الذي انقطع به الطريق متفرق فوجب التخيير وإن شاء جمع بين القتل والقطع لاعتبار جهة التفريق
قوله : فلا ضمان عليه لأنه من جنس السرقة فإن وجب به الحد بطل حق العبد في النفس والمال جميعا حتى لا يضمن واحد منهما كما في السرقة
قوله : جميعا لأنه شرط فيكتفى بوجوده من البعض
قوله : لم يقم عليهم الحد كان أبو بكر الرازي يأول هذه المسئلة بأن كان المأخوذ مشتركا بينهم حتى لا يجب الحد باعتبار نصيب ذي الرحم المحرم فيصير شبهة في نصيب الباقين أما إذا لم يكن المال مشتركا فإن لم يكن أخذ إلا من ذي الرحم المحرم فكذلك وإن أخذوا منه ومن غيره يقام عليهم الحد باعتبار المال المأخوذ من الأجنبي والأصح أنه لا يقام عليهم الحد بكل حال لأن جنايتهم واحدة وهي قطع الطريق
قوله : فهو سواء في أنه يقتل به لأن هذا القتل لم يجب قصاصا يشترط التساوي
قوله : وذلك إلى الأولياء لأنه متى لم يجب الحد ظهر حق العبد في النفس والمال جميعا
قوله : فإن شاء الأولياء إلخ لأن الحد بطل لقوله ( تعالى ) : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } وظهر حق العبد فيه
قوله : فلا شئ عليه إلخ أما إذا شهر عليه السيف فلأن السيف لا يلبث فيحتاج إلى الدفع فيجعل هدرا وكذلك كل سلاح لا يلبث وأما العصا فإنه يلبث فيمكنه أن يستغيث بغيره إلا في الليل فإنه وإن كان يلبث لكن لا يعينه غيره فيضطر إلى الدفع وإن كان عصا لا يلبث فيحتمل أن يكون مثل السلاح عندهما والطريق مثل الليل بكل حال ليلا أو نهارا وذلك ما روى : [ أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : إن الرجل يريد أخذ مالي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ذكره قال : فإن لم يتذكر ؟ قال : استعن إلى السلطان قال : إن كان السلطان يأبى عني ؟ قال : استعن بالناس قال : إن كانوا يأبون عني ؟ قال : قاتل دون مالك فتقتل أو تقتل فتكون شهيدا ] (1/299)
{ باب الارتداد واللحاق بدار الحرب }
قوله : الولدان فيء ولأن المرتدة تسبى والولد يتبع الأم في الرق والملك
قوله : ويجبر لأنه قد كان أصل الإسلام لأبويه والولد تابع للأبوين في الإسلام ولو كان له أصل الإسلام بنفسه كان مجبراعلى الإسلام إذا سبي فهذا مثله
قوله : ولا يجبر لأن أصل الإسلام إنما كان لجده وقد بينا أن النافلة لا يكون مسلما بإسلام الجد فلهذا لا يجبر على الإسلام ويكون حكمه كحكم سائر الكفار
قوله : فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه و سلم صالح بني نجران على ألف ومائتي حلة وهم نصارى العرب
قوله : فيء لأنه لما صح تقريرهم على الكفر بالجزية يصح تقريرهم بضرب الرق عليهم لأنهما سواء فى المعنى
قوله : لم يفعل ذلك لقوله ( عليه الصلاة و السلام ) : لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف
قوله : فنساؤهم وصبيانهم فيء لما روي أنه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) سبى ذرية أو طاس ولأن قتل هؤلاء حرام فصح استرقاقهم
قوله : قتل لأنه لما لم يجز تقريرهم على الكفر بالجزية لم يجز تقريرهم عليه بالاسترقاق أيضا
قوله : فلا بأس لأنها ثابتة بالسنة لكن إنما يجوز ذلك عند الحاجة إلى استعداد القتال
قوله : حتى ينظروا إلخ لأنه وقع منهم رجاء الإسلام لكن لا يأخذ على ذلك مالا لأنه يشبه الجزية فإن أخذه لم يرده عليهم لأنه مال لا عصمة له
قوله : فإنه يقضي إلخ بعدما قضى القاضي بلحاق المرتد بدار الحرب يعتق أمهات أولاده ومدبروه والمؤجل من الديون عليه يصير حالا لأن ذلك بمنزلة موته فما ثبت من الحكم إذا مات حقيقة يثبت ههنا
قوله : أخذه أي إن جاء مسلما بعد ذلك فما كان قائما من ماله في يد ورثته له أن يأخذ منهم لأن الوارث خلف الميت لاستغنائه عنه فإذا جاء مسلما فقد احتاج إليه وما أزاله الوارث عن ملكه لا سبيل له عليه لأنهم أزالوا في وقت كان لهم ولاية الإزالة ولا على أمهات أولاده ومدبريه لأن القاضي قضى بعتقهن في وقت كان القضاء جائزا فيه فنفذ قضاؤه
قوله : فكأنه لم يزل مسلما فالمرتد وإن لحق بدار الحرب الحرب لا يعتق أمهات أولاده ما لم يقض القاضي بلحاقه لأن ذلك لا يثبت بنفس الردة بل بالموت وإنما يكون للردة حكم الموت إذا اتصل بها قضاء القاضي
قوله : فهو فيء ولا يكون للورثة لأن هذا مال حربي وحق الورثة إنما يثبت في المال الذي خلفه في دار الإسلام فأما ما لحق به بدار الحرب فلا يثبت فيه حق الورثة وإن كان لحق بدار الحرب ثم رجع وأخذ مالا وأدخله في دار الحرب ثم ظهرنا على ذلك المال رددناه إلى الورثة في قول أبي حنيفة وقال محمد : إن رجع قبل قضاء القاضي بلحاقه فلا سبيل للورثة على هذا المال وإن رجع بعد قضاء القاضي بلحاقه كان للورثة أن يأخذوه إذا وجدوه في الغنيمة قبل القسمة بغير شئ وبعدها بالقيمة ولا خلاف بينهما بالحقيقة ولكن أطلق أبو حنيفة الجواب وقسم محمد وهو على التقسيم فإنه كان عوده قبل قضاء القاضي بلحاقه فاللحاق الأول في حكم الغنيمة وإنما المعتبر اللحاق الثاني والمال فيه معه وكأنه لحق بدار الحرب بماله وأما إذا قضى القاضي بلحاقه فقد صار المال ميراثا لورثته وهو حربي خرج فاستولى على مال الورثة وأحرزه ولو وقع غيره على هذا المال ثم وقع في الغنيمة كان لهم أن يأخذوه قبل القسمة بغير شئ وبعدها بالقيمة فهذا مثله
قوله : جاز ما صنع تصرفات المرتد على أربعة أقسام : نافذ بالاتفاق : كالطلاق والاستيلاد ودعوة الولد وتسليم الشفعة وباطل بالاتفاق : كالنكاح والذبيحة لأنهما يعتمدان الملة ولا ملة له وموقوف بالاتفاق : كالمفاوضة والإرث لأنهما يعتمدان المساواة ولا مساواة بين المسلم والمرتد ما لم يسلم
ومختلف فيه : كالعتق والهبة والكتابة وقبض الديون والإجارة والبيع والشراء
قوله : في الوجهين لأن الصحة تعتمد الأهلية والنفاذ يعتمد الملك وقد وجد فوجب أن ينفذ ولأبي حنيفة أن المرتد حربي مقهور تحت أيدينا والحربي متى قهر توقف يده حتى توقف تصرفاته بالإجماع كذا ههنا
قوله : فإن أبى قتل لقوله صلى الله عليه و سلم : [ من بدل دينه فاقتلوه ]
قوله : وتجبر المرتدة إن كانت حرة وإن كانت أمة وأهلها يحتاجون إلى خدمتها رفعت إليهم يستخدمونها ويجبرونها على الإسلام لأن حبسها لحق الله ( تعالى ) وحق المولى في خدمتها يقدم على حق الله في حبسها
قوله : بمنزلة المرتد إلا أنه إذا أسر صار فيئا بخلاف المرتد لأن تقريره على الكفر جائز فجاز تقريره بضرب الرق لأنه لم يلتزم الإسلام
قوله : والولاء للمرتد لأنه لما ثبت له حكم الأحياء فصار الإبن بمنزلة وكيله بحكم الخلافة فيما تصرف من ماله
قوله : جميع ذلك لورثته لأنه لما صح تصرفه عندهما بلا توقف صح تملكه فوجب النقل إلى الوارث ولأبي حنيفة أن الإرث وقع مستندا إلى حالة الإسلام من أول زمان الردة لا بعد الردة ليكون فيه توريث المسلم من المسلم وهذا لا ينافي في ما اكتسبه بعد الردة
قوله : ولا يرثه لأن الأمة إذا كانت نصرانية كان الولد مرتدا تبعا لأبيه لأنه أقرب إلى الإسلام لأنه يجبر على الإسلام والأم لا يجبر فالولد يتبع خير الأبوين دينا والأب كذلك لما ذكرنا فيتبعه والمرتد لا يرث وليس بأهل للإرث وإن كانت الجارية مسلمة كان الولد مسلما تبعا لها والمسلم أهل للإرث
قوله : فيما اكتسبه لأن العاقلة لا تعقل عن المرتد وإنما يجب الدية في ماله لكن عند أبي حنيفة ماله الذي كسب في الإسلام وعندهما الكسبان جميعا ماله
قوله : نصف الدية لأن اعتراض الردة أوجب إهدار الجناية لحصوله في محل غير معصوم فإذا أسلم وجب أن لا ينتقل ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن الجناية وقعت فى محل معصوم وتمت في محل معصوم فوجب الضمان كما لو لم يتحلل الردة في البين
قوله : وما بقي فهو للورثة هذا لا يشكل على أصلهما لأن عندهما أكساب الردة تكون ملكا للمرتد كأكساب الإسلام وإنما يشكل على أصل أبي حنيفة لأن أكساب الردة عنده لا يكون للمرتد وههنا جعله ملكا للمكاتب وإنما كان كذلك لأن المكاتب إنما يملك أكسابه بسبب الكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة فكذلك الملك لا يتوقف
قوله : فهما على نكاحهما وقال زفر : يبطل النكاح لأن المرتد ليس من أهل النكاح وبقاء الشئ بغير الأهل مستحيل ولنا إجماع الصحابة لما روى : أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة أنهم يفرقون
قوله : فسد النكاح وكذلك إن ارتدا معا وأسلم أحدهما قبل الآخر إلا أن في الردة يتعجل الفساد قبل الدخول وبعده وفي إسلام أحد الزوجين لا يتعجل قبل الدخول وبعده غير أنه إن كان في دار الإسلام يتوقف على قضاء القاضي أيهما أسلم وإن كان في دار الحرب يتوقف على مضي ثلاث حيض
قوله : هي فرقة بغير طلاق إلخ لأبي يوسف أن هذه فرقة بسبب يشترك فيه الزوجان فلا يكون طلاقا كما إذا ملك أحدهما صاحبه ولمحمد أن هذه فرقة من جهة الزوج فصار طلاقا ولأبي حنيفة أن الفرقة بالردة تقع بمعنى التنافي لا يصلح أن يكون مستفادا بالملك ليكون طلاقا وفي الإباء وقعت بسبب فوات تمرات النكاح وذلك مضاف إلى الزوج فشابه الفرقة بسبب الجب والعنة وذلك فرقة بطلاق كذا ههنا
قوله : وقال محمد إلخ إن ارتدا معا ثم أسلم الزوح بعد ذلك بانت المرأة منه بغير طلاق ولا يتوارثان لأنه حال الفرقة على إصرارها على الكفر بعد إسلام الزوج وهي ليست بمشرفة على الهلاك حتى يرث الزوج منها بسبب القرابة وهي لا ترث إن مات وإن كانت المرأة هي التي أسلمت فالفرقة تكون أيضا لغير طلاق إلا في قول محمد وهي ترثه إذا مات قبل انقضاء العدة (1/303)
{ باب الأرض يسلم عليها أهلها أو تفتح عنوة }
قوله : فإن شاء إلخ لأن الأول فعله عمر رضي الله عنه بأهل سواد العراق والثاني فعله رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) لأهل خيبر فكان كل منها مأثورا
قوله : فهي أرض خراج سواء قسمت بين الغانمين أو أقر عليها أهلها لأنه إذا وصل إليها ماء الأنهار التي تكون تحت ولاية السلطان ( وهي الأنهار التي شقها الأعاجم ) أخذ حكم الحراج بخلاف ما إذا لم يصل إليها ماء الأنهار بل ماء العيون فإنه يأخذ حكم العشر لأن ماء السماء والآبار والعيون عشري والوظيفة تتعلق بالنامي فيعتبر بالماء وأما إذا أسلم أهل بلدة وأقروا عليها فالأرض عشرية لأن الوظيفة على المسلم هو العشر لا الخراج
قوله : حتى يجعلها إلخ كان أبو حنيفة يقول : كل من أحيى أرضا مواتا فهى له إذا أجازه الإمام ومن أحيى أرضا مواتا بغير إذن الإمام فليست له ما لم يأذن وللإمام أن يخرجها من يده ويصنع فيها ما رأى وحجته في ذلك أن يقول : الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام أرأيت رجلين أراد كل واحد منهما أن يختار موضعا واحدا فكل واحد يمنع صاحبه أيهما أحق به ؟ قال أبو يوسف : وأما أنا أرى إذا لم يكن فيه ضرر لأحد ولا لأحد فيه خصومة فهي له أن أذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جائز إلى يوم القيامة فإذا جاء الضرر فهو على هذا الحديث ليس لعرق ظالم حق : حدثني هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) : [ من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق ] (1/310)
{ باب فيما يحرزه العدو من عبيد المسلمين ومتاعهم }
قوله : بالثمن الذي أخذه إلخ لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل للمالك القديم حق الأخذ بالثمن الذي أخذه إن شاء ولا يأخذ الأرش لأنه لو ثبت لثبت ابتداء بالدراهم والدراهم لا تؤخذ بمثلها لأنه لا يفيد وبالزيادة والنقصان ربا
قوله : بالثمن اعترض عليه بأنه على قوله ينبغي أن يأخذ المالك المتاع أيضا بغير شئ لأنه لما ظهرت يد العبد على نفسه ظهرت على المال أيضا لانقطاع يد المولى عنه وأجيب عنه بأن يد العبد ظهر على نفسه مع المنافي وهو الرق فكانت ظاهرة من وجه غير ظاهرة من وجه فجعلناها ظاهرة في حق نفسه غير ظاهرة في حق المال
قوله : من الثاني بالثمن إلخ لأن الأسر الثاني حصل في يد المشتري الأول فيأخذ منه ثم يأخذه المالك القديم بألفين إن شاء لأن العبد إنما قام عليه بألفين
قوله : لا يعتق لأن استحقاق الإزالة كان بطريق البيع وانتهى ذلك بالرجوع إلى دار الحرب يعجز الإمام عن التنفيذ ولأبي حنيفة أن تعين البيع كان لقيام الأمان فإذا انتهى أمانه تعين العتق مخلصا للعبد وطريقه أن يقام تباين الدارين الذي هو شرط الزوال في الجملة مقام الإزالة كما ذكرنا أنه إذا ارتد الزوجان ثم أسلم أحدهما ولحق الآخر بدار الحرب أنه تقع الفرقة بعد مضي ثلاث حيض لأن مضي ثلاث حيض شرط في الجملة
قوله : فهو حر لأن إحرازه لنفسه أسبق فكان أولى بنفسه (1/311)
{ باب من الديون والغصوب وغيرها من الأحكام }
قوله : بشيء لأنه لا ولاية لنا على الحربي إلا في ما التزم وإنما التزم لقضاء الحوائج في المستقبل لا في ما مضى فلم يكن لنا عليه ولاية الحال
قوله : ففعلا ذلك أي أدان أحدهما صاحبه ثم خرجا من دار الحرب مستأمنين
قوله : بالدين إلخ لأن تلك المداينة كانت صحيحة إلا أنا لا نتعرض لهما لانقطاع الولاية فإذا أسلما وجب القضاء لقيام الولاية للحال مطلقا ولو اغتصب أحدهما من صاحبه في المسئلتين يعني في مسئلة الحربي مع المسلم اغتصب أحدهما من صاحبه أو الحربيين ثم خرجا إلى دار الإسلام مسلمين لم يقض بشئ لأن الغصب صادف ملكا مباحا فصار ملكا له
قوله : ولم أقض عليه لأن الملك ثبت له لما قلنا لكنه فاسد لما فيه من نقض العهد فأشبه المشتري بشراء فاسد
قوله : إلا الكفارة في الخطأ أما وجوب الكفارة فلإطلاق قوله ( تعالى ) : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } الآية وأما عدم وجوب القصاص فلأنه لا يمكن استيفاءه إلا بمنعه وإمام وهو مفقود في دار الحرب وأما عدم وجوب للدية في الخطأ فلعدم ثبوت العصمة للحربي بخلاف ما إذا دخل مسلمان في دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه خطأ حيث يجب الدية على القاتل لأن العصمة الثابتة بدار الإسلام لا تبطل بدخولهما في دار الحرب
قوله : فالدية على عاقلته إلخ أما الوجوب فللعصمة والوضع في بيت المال لعدم الورثة وإن كان عمدا يجب القصاص لأن المقتول معصوم والولي معلوم وهم العامة
قوله : وإذا قتل اللقيط هو لغة ما يلقط أي يرفع من الأرض فعيل بمعنى مفعول سمي به الولد المطروح في الطريق خوفا من العيلة وتهمة الزنا به باعتبار مآله إليه
قوله : لا قصاص إلخ لأنه احتمل وجود الولي وهي الأم وغيرها فلو أوجبنا للعامة لأوجبنا لغير من وجب له الحق من حيث الشبهة وهي كالحقيقة في ما يسقط بالشبهات ولهما أن المجهول لا يصلح وليا حقيقة فلا يصلح وليا من حيث الشبهة لأن الشبهة إنما تعتبر في موضع يتصور فيه الحقيقة فإذا لم يتصور الإيجاب للمجهول صار المجهول كالمعدوم ولو انعدم الولي أصلا كان القود للعامة فكذا
هذا
قوله : الدية في العمد والخطأ لأن هذا أمر عارضي وليس بأصلي فلا يبطل به العصمة كالدخول لأمان ولا قصاص في العمد لأن القتل وجد في دار الحرب ودار الحرب يورث الشبهة ولأبي حنيفة أن الأسير مقهور في دار الحرب فصار تابعا لهم فبطل الإحراز عنهم بخلاف المستأمن لأنه يمكنه القود إلى دار الإسلام فصار محرزا حكما فصار معصوما ثم في المسائل كلها وجب الدية على القاتل دون العاقلة أما إذا كان عمدا فلأن العاقلة لا تعقل العمد وإن كان خطأ فلأن الوجوب على العامة إنما كان لتركهم الصيانة عن الجناية فإن الصيانة عن الجناية كانت واجبة عليهم فإذا لم يفعلوا صاروا كالشركاء في الجناية وههنا
لا يجب على عاقلته صيانته لأنهم لا يقدرون على ذلك فلا يثبت الشركة
قوله : فالوديعة فيء لأنها في يده التقدير لقيام يد المودع مقامه فإذا صار هو مغنوما صار ماله الذي هو في يده مغنوما أيضا ضرورة
قوله : وبطل القرض لأنه لا يحتمل إثبات اليد على القرض إلا بواسطة المطالبة وقد بطلت مطالبته ههنا فاختص من عليه الدين بإثبات اليد عليه فيملكه
قوله : لورثته لأنه لم يصر مغنوما فكذلك ماله
قوله : فهو فيء كله أما الأولاد الكبار والمرأة فلا شك لأنهم في أيد أنفسهم وهم كفار وكذلك الأولاد الصغار لأنهم لم يصيروا مسلمين بإسلام أبيهم لأن الولد إنما يصير مسلما بإسلام أبيه إذا كان تحت ولاية أبيه والأولاد الذين في دار الحرب ليسوا تحت ولاية أبيهم ليصيروا في معنى نفسه وأما الأموال فلأنها ليست بمعصومة وإن صارت نفسه معصومة فإن قيل : يد المودع كيد المودع أيضا فكان تلك الأموال في يده تقديرا فيجب أن يكون معصوما قيل له : نعم لكن في موضع الإمكان إذا كان بحال لو أراد إثبات اليد أمكنه ذلك قلنا له ذلك
قوله : أحرار مسلمون لأنهم صاروا مسلمين تبعا لأبيهم لأن الدار واحدة فلا يملكون بالاستيلاء وأما الأولاد الكبار والمرأة تكونون فيئا لأنهم كفار بين أهل الحرب فكانوا محلا للإستيلاء وكذلك الأموال التي أودع أهل الحرب لأنها لم تصر معصومة لما قلنا وما كان وديعة عند مسلم أو ذمي فهو له لأنه فى يد من يده كيده فيصبر كأنه في يد صاحب المال
قوله : فهو له لأن يده سبقت على أيدي المسلمين فيكون له
قوله : فإنه فيء لأنه تابع لدار الحرب محفوظ ليد سلطانهم والتابع لا يوازي الأصل وما ليس في يده إن كان في يد المسلم أو الذمي وديعة فهو له أيضا لأن يدهما كيده فيكون ما في أيديهما كأنه في يده وإن كان في يد الحربي يكون فيئا لما قلنا وإن كان في يد المسلم غصبا أو في يد الذمي فهو فيء عند أبي حنيفة وعندهما لا يكون فيئا لأنه مال المسلم في يد المسلم أو الذمي فلا يكون فيئا كما لو كانت وديعة عندهما ولأبي حنيفة أن يد الغاصب يد مانعة متعدية فلا يكون يد المالك فصارت كأنها ليست في يد أحد
قوله : وما في بطنها فيء أما أولاده الكبار فلأنه كافر حربي وأما المرأة فلأنها كافرة حربية وأما الجنين ففي مذهبنا فيء وقال الشافعي : لا يكون فيئا لأن الولد مسلم تبعا لأبيه قلنا : بلى لكنه رقيق تبعا لأمه والمسلم محل التمليك في الجملة إذا كانت أمه رقيقا
قوله : ومن قاتل من عبيده فيء لأنه لما تمرد على مولاه صار تبعا لهم
قوله : فليس عليه شئ لأنه حين قتل لم يكونوا تحت يد إمام أهل العدل
قوله : وإن غلبوا إلخ يريد به أنهم غلبوا على مدينة ولم يجر فيها أحكامهم حتى أزعجهم إمام عدل وإذا كان الأمر بهذه الصفة لم تنقطع ولاية الإمام لأهل العدل عنهم
قوله : فإنه يرثه لأنه قتله بحق كالقصاص بحق فلا يثبت منه الحرمان
قوله : لا يرث الباغي لأن تأويله فاسد والتأويل الفاسد لا ينزل منزلة الصحيح في حق الاستحقاق ولهما أن هذا القتل يساوي القتل بحق في حق أحكام الدنيا حتى لا يجب به الضمان فلا يجب به الحرمان أيضا
قوله : بأس لأنه محمول على الجهاد لأن الظاهر من حال المدني شراء السلاح للجهاد
قوله : ويكره أن يبتدي لأنه أمر بالمعروف في مصاحبته بنص الكتاب قال الله ( تعالى ) : { وصاحبهما في الدنيا معروفا }
قوله : أباه وكذلك جده من قبل أبيه أو أمه وإن بعد إلا أن يضطره إلى ذلك لقوله ( تعالى ) : { وصاحبهما في الدنيا معروفا } والمراد الأبوان وإن كانا مشركين وليس من المصاحبة بالمعروف البداية بالقتل وأما إذا اضطره إلى ذلك فهو يدفع عن نفسه ثم الأب كان سببا لإيجاد الولد ولا يجوز للولد أن يجعل نفسه سببا لإعدامه بالقصد إلى قتله إلا أن يضطره إلى ذلك فحينئذ يكون الأب هو المكتسب لذلك السبب بمنزلة الجاني على نفسه
قوله : حتى يقتله غيره استدل محمد في الكتاب أي السير الكبير بما روى : أن حنظلة بن عامر وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول استأذنا رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) في قتل أبويهما فلم يأذنهما وعن عمر بن مالك قال : قال رجل لرسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : [ إني لقيت أبي في العدو فسمعت منه مقالة لك سيئة فقتلته فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ] وفي هذا دليل على أنه لا يستوجب بقتله شيئا إذا قتله لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمره بشئ والسكوت بعد تحقق الحاجة إليه لا يجوز وأولى الوجوه أن لا يقصده بالقتل ولا يمكنه من الرجوع إذا تمكن منه في الصف ولكنه يلجئه إلى
موضع ويتمسك به حتى يجيء غيره فيقتله روى محمد في الكتاب حديثا بهذه الصفة قال : فهو أحب إلينا فأما إباحة قتل غير الوالدين والمولودين من ذي الرحم المحرم من المشركين فقد بيناه في الجامع الصغير
قوله : ولا بأس إلخ قال الطحاوي : نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك في ابتداء الإسلام إنما كان عند قلة المصاحف وفي زماننا كثرت المصاحف (1/313)
{ باب الإسهام للخيل }
قوله : جاوز الدرب قال الخليل : الدرب الواسع على السكة وعلى كل مدخل من مداخل الروم درب والمراد ههنا الحد الذي بين دار الحرب ودار الإسلام
قوله : فله سهم فارس عند أبي حنيفة يسهم لفرس واحد ولا يسهم لأكثر من ذلك وقال أبو يوسف : يسهم لفرسين إذا كان له فرسان ولا يسهم لأكثر من ذلك
قوله : فلا شئ له في العطاء ولأنه تبرع فلا يملك قبل القبض وأهله من يعمل لعامة المسلمين : كالقاضي والمدرس والمفتي وهذا في زماننا وفي الابتداء كان يعطي لمن له مزية حرمة في الإسلام مثل : أزواج النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) وأولاد المهاجرين والأنصار أو كان عاجزا يحتاج إلى معونة
قوله : ويكره الجعل المراد به أن يضرب الإمام بالجعل على الناس للغزوة وإنما كره لما فيه شبهة الأجرة وأخذ الأجرة على الجهاد حرام فما يشبهه يكون مكروها فإذا لم يكن للمسلمين شئ لا بأس بذلك لوقوع الحاجة إلى الجهاد (1/319)
{ باب الحربي يدخل بأمان متى يصير ذميا }
قوله : فهو ذمي أصل هذا أن الحربي لا يمكن أن يطيل المكث في دارنا ليصير عونا للكفر علينا وإنما يمكن بقدر ما يقضي به حوائجه ثم يرجع فإذا دخل ينبغي للإمام أن يتقدم إليه في أول ما دخل ويضرب له مدة معلومة على قدر ما يقتضي رأيه ويقول له : إن جاوزت المدة جعلتك من أهل الذمة فإذا جاوزه صار ذميا لأنه التزم واستأنف الجزية بحول الحول بعده عليه إلا أن يكون شرط عليه أنه إن مكث سنة أخذ منه الجزية فيه أخذها حينئذ
قوله : فهو ذمي لأنه لما وظف عليه الخراج فقد لزمه حكم يتعلق بالمقام في دارنا
قوله : صارت ذمية لأنها لزمت المقام معه بخلاف ما لو دخل حربى وتزوج ذمية لم يصر ذميا لأنه لا يلزمه المقام معها لأنها تبع للزوج وليس هو تبعا لها (1/320)
كتاب البيوع
{ باب السلم }
قوله : فالقول قول رب السلم الأصل فيه أنهما إذا اختلفا فى الصحة والفساد فإن خرج كلام أحدهما مخرج التعنت والعناد كان باطلا وكان القول قول من يدعي الصحة لأن قول المتعنت مردود فبقي قول صاحبه بلا معارض وإن خرج مخرج الخصومة قال أبو حنيفة : القول قول من يدعي الصحة أيضا إذا اتفقا على عقد واحد وإن كان خصمه هو المنكر وقال أبو يوسف ومحمد : القول قول المنكر وإن أنكر الخصومة بيانه أنه إذا ادعى رب السلم الأجل وأنكر المسلم إليه فالقول قول رب السلم بالإجماع لأن كلام المسلم إليه خرج مخرج التعنت لأنه ينكر ما ينفعه فتعين الفساد غرضا له فصار باطلا وإن ادعى المسلم إليه الأجل وأنكر رب السلم فعند أبي حنيفة القول قول المسلم إليه وعندهما قول رب السلم وإن ادعى المسلم إليه شرط الردى وأنكر رب السلم الشرط أصلا فكلام رب السلم خرج مخرج التعنت فبطل قوله وإن ادعى رب السلم شرط الردى وأنكر المسلم إليه الشرط أصلا يجب أن يكون على الاختلاف فعنده القول قول رب المسلم وعندهما القول قول المسلم إليها
قوله : باطل أما إذا أطلق السلم بمائتي درهم في كرحنطة ثم قاصا المائة بما عليه وأدى المائة فلا يشكل لأن الفساد ههنا بسبب عدم القبض وذلك طار وأما إذا أضاف العقد إلى الدين فكذلك لأن الدين لا يتعين إذا كان ثمنا فصار الإضافة والإطلاق سواء
قوله : فلا خير فيه لأن في السلم يتأخر التسليم فربما يهلك القفيز فيؤدي إلى المنازعة
قوله : في المكان الذي أسلم فيه ما ليس له حمل ومؤنة لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه لصحة العقد بالإجماع لكن هل يتعين مكان العقد مكانا للإيفاء ؟ ذكر ههنا أنه يتعين وذكر في كتاب الإجارات أنه لا يتعين فإنه قال : يوفيه فى أي مكان شاء وبه أخذ بعض مشايخنا
قوله : فهو جائز هذا الاختلاف مبني على أن مكان العقد هل يتعين مكانا للإيفاء ؟ عند أبي حنيفة لا يتعين وعندهما يتعين وعلى هذا الخلاف الأجرة في الإجارات إذا كانت دينا ولها حمل ومؤنة نص عليه في كتاب الإجارات وعلى هذا الخلاف القسمة إذا وقع في أحد النصيبين بناء أو شئ آخر فزادوا في نصيب الآخر مكيلا أو موزونا دينا مؤجلا وله حمل ومؤنة فإنه بيان مكان الإيفاء على هذا الخلاف لهما أن سبب وجود التسليم وجد في هذا المكان فوجب أن يتعين هذا المكان مكان الإيفاء كما في بيع العين وكما في الغصب والقرض وكما إذا لم يكن له حمل ومؤنة ولأبي حنيفة أن التعيين موجب التعين أو ضرورة موجب التسليم ولم يوجد فلا يتعين مكان العقد
قوله : والجوز وإن أسلم في الجوز كيلا لا بأس به أيضا عندنا خلافا لزفر لأنه مما يعلم بالكيل ولا يتفاوت إلا باعتبار الصغير والكبير الذي هو هدر بالإصطلاح
قوله : والفلوس لأن ثمنيتها بطلت باصطلاح المتعاقدين وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : لا يبطل فلا يجوز السلم لأن ثمنيته ثبت باصطلاح الناس فلا يبطل باصطلاحها فيه
قوله : وفي السمك المالح لاستجماع الشرائط فيه وإن أسلم فيه عددا لم يجز لأنه متفاوت
قوله : سواء لاصطلاح الناس على إهدار التفاوت
قوله : إلا في حينه لأنه قد ينقطع في زمان الشتاء فإن كان لا ينقطع يجوز
قوله : جاز لأنه أسلم في موزون معلوم ألا يرى أنه يضمن بالمثل ضمان العدوان ؟ ولأبي حنيفة أن المسلم فيه مجهول لتفاوت يقع باختلاف العظم فإذا كان مخلوع العظم فعن أبي حنيفة فيه روايتان
قوله : فلا خير فيه لأنه يباع دينا والدين لا يعرف إلا بالوصف وإذا عرف يجوز إذا استجمع سائر شرائط الجواز
قوله : فهو بالخيار إلخ الاستصناع جائز بإجماع المسلمين وهو بيع عند عامة المشايخ وقال بعضهم : هو عدة والصحيح ما قاله عامة المشايخ فإذا صار بيعا فإذا رأه فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء ترك لأنه اشترى شيئا لم يره
قوله : فأمره بقبض الكر جاز أصل هذا أن من اشترى الحنطة أو مثيلا آخر بشرط الكيل بأن اشترى الحنطة على أنها عشرة أقفزة أو اشترى عشرة أقفزة من هذه الصبرة أو اشترى كرا من هذه الصبرة ( والكراسم لأربعين قفيزا ) وقبض ما اشترى لم يكن له أن يتصرف فيه ولا أن يأكله حتى يكيله لأنه لو زاد لا يكون له الزيادة بل يكون للبائع ولو انتقص يرجع على البائع بحصة من الثمن فلو جاز البيع أو الأكل قبل الكيل ربما يصير بائعا أو آكلا بمال غيره فإن اشترى بشرط الكيل وكاله ثم باعه من غيره بشرط الكيل لا يكتفي بذلك الكيل بل على المشتري الثاني أن يكيله ثانيا وليس له أن يتصرف قبل الكيل لأنه إذا كيل ثانيا عسى أن يزداد شيئا فلا يسلم له وإذا ثبت هذا فنقول : إذا أمر المسلم إليه رب السلم أن يأخذ ذلك الكر من البائع اقتضاء لحقه الذي له عليه لا يكون له أخذه حتى يكيل مرتين : مرة للمسلم إليه ومرة لنفسه لاجتماع الصفقتين بشرط الكيل بخلاف ما إذا كان قرضا لأن القرض إعادة فيكون المقبوض عين حقه في التقدير فيصح القبض من غير كيل فوجب كيل واحد للمشتري
قوله : لم يكن ذلك قبضا لأن الأمر يتناول عينا مملوكا للمسلم إليه مستعيرا للغرائر لا مودعا فانقطع يد رب السلم عن الغرائر فلم يصر قابضا
قوله : كان قبضا لأن الأمر يتناول ملك الآمر فيصح وإذا صح صار البائع وكيلا في إمساك الغرائر فبقيت في يد المشترى ببقاء يد الوكيل عليها : ولو كان الغرائر للبائع روي عن محمد : أنه لا يصير قابضا لأن المشترى صار مستعيرا ولم يقبض فلم يصح العارية فلا تصير الغرائر واقعا في يده فلم يصر الواقع فيها واقعا في يد المشتري
قوله : فزاد جاز لأنه يصير قرضا ويصير بالاتصال بملكه قابضا
قوله : فعليه القيمة أيضا لأن الإقالة فسخ البيع فيصلح إضافته إلى محل البيع والمسلم فيه محل البيع لأن المسلم فيه مبيع كالجارية فيصح إضافة الإقالة إليه بعد هلاك الجارية ابتداء وبقي العقد عليه بعد هلاك الجارية فيفسخ المسلم فيه ويجب عليه ردها فيفسخ في الجارية ضرورة وهو عاجز عن ردها فيجب رد قيمتها
قوله : بطلت الإقالة لأن محل العقد هي الجارية دون الدراهم فإذا ماتت لم يبق محلا للعقد فلا يصح الفسخ لفوات المحل
قوله : لم يكن له إلخ لما روى عن أبي سعيد الخدرى عن النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أنه قال لرب السلم : [ لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك ] وإنما أراد به السلم حال بقاء العقد أو رأس المال حال انفساخ العقد ولأن رأس المال أخذ شبها بالبيع فيثبت حرمة الاستبدال
قوله : فاسد لأن القبض المعين واجب في بدل الصرف والاستبدال يبطل القبص المعين
قوله : فهو جائز لأنه إذا أطلق البيع وجب به ثمن يجب تعيينه ووجب بالعقد قبض معين احترازا عن الربا والدين لا يصلح وفاء به فلذلك لم يصر قصاصا فإن تقاصا صح استحسانا عند علمائنا الثلاثة ولم يصح عند زفر (1/322)
{ باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز }
قوله : لا يجوز إلخ أما البيع فلأنه ورد على ما ليس بملك للبائع ولا هو أحق به من المشتري إلا إذا أحرزه فيملكه فيجوز بيعه وأما الإجارة فلأنها وقعت على استهلاك العين وهو غير مملوك للآجر ولو وقعت على استهلاك العين المملوك للأجر بطلت كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها فهذا أولى
قوله : ولا بيع سمك إلخ سئلت يا أمير المؤمنين عن بيع السمك في الآجام ومواضع مستنقع الماء فلا يجوز بيع السمك في الماء لأنه غرر وهو الذي يصيده فإن كان يؤخذ باليد من غير أن يصاد فلا بأس ببيعه ومثله إذا كان يؤخذ بغير صيد كمثل سمك في جب فإن كان لا يؤخذ إلا بصيد فمثله كمثل ظبي في البر أو طير في السماء فلا يجوز بيعه لأنه غرر وقد رخص بيع السمك في الآجام أقوام وكان الصواب عندنا قول من كرهه حدثنا العلاء العكلي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لا تبايعوا السمك في الماء فإنه غرر
قوله : ولا يجوز بيع النحل لأنه من الهوام فلا يجوز بيعه كالزنابير وهذا لأن النحل غير منتفع به لكنه منتفع بما يحدث منه وما يصير به منتفعا معدوم
قوله : حرة كانت أو أمة وروى عن أبي يوسف أنه أجاز بيع لبن الأمة
قوله : للخرز للضرورة لأن ذلك العمل لا يتأتى بغيره ولا ضرورة إلى تجويز البيع
قوله : ولا يجوز بيع شعر الإنسان إلخ لأن الإنسان مكرم فلا يجوز أن يكون منه شئ مبتذل وهو طاهر عندنا على الصحيح
قوله : قبل أن تدبغ لأنه محرم الانتفاع لا لكرامته لقوله ( عليه الصلاة و السلام ) : [ لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ] وهو اسم لغير المدبوغ
قوله : ولا بأس إلخ الدليل عليه ما أخرجه الدارقطني [ عن ابن عباس : إنما حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الميتة لحمها فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس ] وأخرج عن ابن عباس : سمعت رسول الله يقول : [ قال الله : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } إلخ أن كل شئ من الميتة حلال إلا ما أكل فأما الجلد والشعر والقرن والصوف والسن والعظم فكله حلال لأنه لا يذكى ] وفي إسنادهما ضعف والسر في هذا على ما ذكره الشرنبلالي وغيره : أن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما اختلط به من الدم والرطوبات النجسة فما اختلطت به كالحم والشحم يكون نجسا وما لم يختلط به كالعظم والشعر يكون طاهرا وذكر صاحب الهداية وغيره : أن هذه الأشياء ليست بميتة لأنها عبارة عما حل فيه الموت بغير وجه شرعى والموت لا يحل إلا فيما يحل فيه الحياة وهذه الأشياء لا حياة فيها بدليل أنها لا تتألم بقطعها إلا بما يتصل به فلا يحلها الموت وفي الدليلين أنظار وأفكار قد فرغنا عنها في السعاية فى كشف ما فى شرح الوقاية
قوله : فهو جائز لأن النهى ورد عن بيع الآبق مطلقا وهو أن يكون آبقا فى حق المتعاقدين والمأخوذ ليس بآبق فى حق أحد المتعاقدين وهو المشترى
قوله : فلا بيع بينهما لأن الذكر والأنثى من بنى آدم جنسان مختلفان لتفاوت المعاني فتعلق العقل بالمسمى وهو معدوم
قوله : صح البيع لأن الذكر والأنثى فى غير بنى آدم جنس واحد لتوافق المعنى فيتعلق العقد بالمشار إليه وهو موجود فيصح العقد ويثبت الخيار له إن كان الموجود أنقص
قوله : جاز لأن الأجل صفة الدين والأصل فى البيع هو الثمن وذلك لا يحتمل شيئا من الجهالة فكذا ما جعل وصفا له والدين فى الكفالة يحتمل جهالة مستدركة فكذا ما جعل وصفا له
قوله : لم يجز لأن البيع إنما يرد على عين هو مال أو شبه مال ولم يوجد ذلك ههنا لأن الهواء ليس بعين مال عند الناس لأن عين المال يتصور قبضه وإحرازه وهذا لا يتصور إحرازه وقبضه
قوله : باطل أما إذا كان المراد بالطريق والمسيل الرقبة فإنما فرقا لمكان الجهالة لأن الطريق معلوم الطول والعرض فيكون معلوما غائبا فجاز البيع والتملك والمسيل مجهول غالبا لأن مقدار ما يشغله الماء مجهول وإن كان المراد بالطريق حق المرور ففي ذلك روايتان ذكر في كتاب القسمة أن لحق المرور قسطا من الثمن فهذا دليل جواز بيعه وفي رواية لا يجوز بيعه وهو في الزيادات وأما حق المسيل فلا يجوز بيعه أما إذا كان المسيل على السطح فإنه نظير حق التعلي على السفل وإن كان على الأرض فإنما يفارق حق المرور بسبب الجهالة
قوله : فهو جائز لأن البيع الفاسد ينعقد مفيدا للملك عند اتصال القبض به
قوله : حتى يستوفي الثمن لأن المبيع مقابل بالثمن فصار محبوسا به كالرهن في الدين فصار أحق بالعين من البائع حتى يسلم له ماله ودل ذكر قبض المشتري مطلقا على أن المشتري شراء فاسدا إذ أخذ الثمن منه صح قبض المبيع بعد الافتراق بغير إذن البائع لأن كل بائع راض بقبض المبيع عند قبض الثمن
قوله : وقال يعقوب ومحمدإلخ ذكر في كتاب الشفعة أن الشفيع يأخذها بالشفعة بقيمتها عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : لا شفعة فيها ولم يذكر الشك هناك في الرواية وكذلك الغرس على هذا الخلاف لهما أن حق البائع فوق الشفيع ألا ترى أن هذا يصح بلا رضاء ولا قضاء ؟ وذلك لا يصح إلا بقضاء أو برضاء ثم ذلك الحق لا ينقض بالبناء والغرس فهذا أولى وله أن هذا أمر حصل بتسليط البائع وهو من جنس ما يدوم فينقطع حق الاسترداد ولا كذلك الشفيع وأما شك يعقوب في الرواية يريد به أنه سمع منه أم لا حتى أبطل مشايخنا الاختلاف لكن ذكر في كتاب الشفعة في غير موضع من غير شك
قوله : لم يجز فإذا اتصل به قبض أفاد الملك عند علمائنا الثلاثة كسائر البياعات الفاسدة وقال زفر : لا يفيد كالبيع بشرط الخيار
قوله : البيع الثاني باطل لما روى : أن زيد ابن أرقم رضي الله عنه باع جارية من امرأة بثمان مائة درهم ثم اشتراها منها بستمائة فبلغ ذلك عائشة ( رضي الله عنها ) فقالت : إن الله أبطل حجه وجهاده إن لم يتب وفي رواية : دخلت أم ولد زيد على عائشة فقالت : إني بعت من زيد غلاما بثمانمائة درهم نسيئة واشتريته بستمائة نقدا فقرأت عائشة آية الربا فقالت المرأة لعائشة : أرأيت لو أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل فقالت عائشة : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } دل قول عائشة هذا على حرمة مثل هذه المعاملة لاسيما وقول الصحابي في ما لا دخل للاجتهاد فيه محمول على التوقيف عن النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم )
قوله : ويبطل في الأخرى لأن الفساد في التي اشتراها كان لأجل الربا من حيث الشبهة على ما عرف فلم يظهر ذلك في ما ضم إليها
قوله : ويطيب إلخ جملته أن الخبث نوعان : خبث لعدم الملك ظاهرا وخبث في الملك لفساد المال نوعان : مال يتعين ومال لا يتعين فإن كان الخبث لعدم الملك يعمل في النوعين جميعا حتى لا يطيب الربح كالمودع والغاصب إذا تصرفا في العرض والنقد وربما لا يطيب لهما الربح إلا أن الخبث في الأرض حقيقة لتعلق العقد بمال غيره ظاهرا استحقاقا والخبث في النقد
شبهة لتعلق العقد به جوازا وسلامة المبيع به وإن كان الخبث لفساد يعمل في ما يتعين ولا يعمل في ما لا يتعين حتى يطيب الربح فيه
قوله : وكذلك إلخ لأن هذا ملك فاسد لأنه بمنزلة بدل المستحق لأن وجود الدين بالتسمية فإذا تصادقا بعد التسمية صار بمنزلة موجود مستحق ففسد به الملك ولم يبطل
قوله : ثمن الفضة لأن قبض حصة الفضة واجب في المجلس شرعا وقبض الباقي ليس بواجب والتسليم مطلق ولا تعارض بين الواجب وغيره والظن بالمسلم أن يؤدي ما أوجب عليه الشرع
قوله : ثمن الطوق لأن الشرع حرم التأجيل في الصرف وأطلقه في غيره والظن بالمسلم أن لا يفعل بالباطل
قوله : عليه قيمتها لأن هذا مقبوض بجهة البيع فكان هذا مضمونا ملحقا بالمقبوض من الأموال ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن جهة البيع ملحق بحقيقة البيع لكن فيما يحتمل حكم الحقيقة خلفا عن ذلك بالقيمة أما فيما لا يحتمل فلا كما في المكاتبة (1/328)
{ باب البيع فيما يكال أو يوزن }
قوله : أو باع إلخ أي لا بأس بذلك لأن الشحم واللحم والإلية أجناس مختلفة لاختلاف الصور والمعاني اختلافا فاحشا كل واحد لا يصلح لما يصلح له الآخر
قوله : أو بيضة إلخ لأن ربا الفضل إنما يظهر عند وجود الجنس والقدر بالكيل والوزن ولم يوجد القدر حتى لو كان أحدهما نسيئة لم يجز لأن الجنس بانفراده يحرم النسأ
قوله : لا يجوز إلخ لو باع فلسا بفلسين فالمسألة على أربعة أوجه : إما أن يكون الكل ديونا أو أحد العوضين دينا أو كان الكل عيانا فإن كان الكل ديونا لم يجز بوجهين : أحدهما أن الجنس بانفراده يحرم النسأ والثاني أن بيع الدين بالدين باطل وكذلك إذا كان أحد العوضين دينا لم يجز لأحد الوجهين وإن كان الكل أعيانا جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا وقال محمد : لا يجوز وحاصل الخلاف راجع إلى حرف وهو أن التعيين هل يصح ؟ عندهما يصح عند محمد لا يصح
قوله : فهو وزني حتى إذا بيع كيلا بكيل في غير الأواقي سواء بسواء بطل البيع لأن الأواقي قدرت بطريق الوزن فصار وزنيا فأما سائر المكائيل ما قدرت بالوزن فإن باع الموزون بعضها ببعض بذلك الكيل الذي لم يقدر بالوزن كان مجازفة فيبطل
قوله : فالبيع فاسد أي اشتراه على أنه كذا قفيزا أو موازنة بأن اشتراه على أنه كذا منا إن لم يقبض لم يجز التصرف فيه وإن قبض لم يجز التصرف به إلا بعد الكيل والوزن لنهى النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) عن بيع الطعام حتى يجري فيها صاعان : صاع البائع وصاع المشتري وههنا لم يجر صاع المشتري
قوله : جاز لأن الذرع صفة ألا ترى إلى أنه إذا ذرع فازداد لم يلزمه الزيادة ولو انتقص لم يرجع بشئ فلم يكن في ذلك جهالة : وأما العدديات فلم يذكر جوابه في الكتاب وروى عن أبي حنيفة أنه أبطل البيع قبل العدد وروى عنهما أنهما أجازا لهما أن العدد نظير الذرع حتى لا يجري الربا بين المعدودين وأبو حنيفة يقول : إن المعدود إن لم يكن مال الربا لكنه ساوى المكيل والموزون في المعنى الذي تعلق به الفساد وهو جهالة المبيع لاحتمال الزيادة والنقصان فإن من اشترى جوزة على أنه ألف فوجده ألفين يلزمه رد الزيادة وإن انتقص رجع بحصته من الثمن
قوله : أو أخذه كله تأويله أنه إذا كان في وعاء واحد لأن تمييز المعيب من غير المعيب يوجب زيادة عيب فيصير ردا بعيب حادث
قوله : فلا خيار له لأن الشركة فيه لا يعد عيبا حتى لو كان ثوبا كان له الخيار
قوله : فهو فاسد لأن هذا شرط يخالف مقتضى العقد لأن مقتضى العقد أن يطرح عنه مقدار وزن الظرف أي مقدار كان فإذا شرط أن يطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا كان هذا شرطا يخالف مقتضى العقد فيكون مفسدا للعقد
قوله : هو جائز لأن عشرة أذرع من مائة ذراع من الدار يكون عشر الدار فصار كما لو اشترى عشرة أسهم من مائة سهم وله أن الذراع اسم لما يذرع به الممسوح وقد استعير لما يحله ويجاوره وهو العين الذي يحله الذراع وأنه مجهول لأن الشائع لا يحله الذراع فلم يصح أن يستعار للشائع ولا كذلك السهم ألا ترى أن ذراعا من مائة أذرع وذراعا من عشرة سواء وسهم من عشرة أسهم لا يوازيه سهم من مائة أسهم
قوله : رجل اشترى إلخ أصله أن الذراع في ما يذرع بمنزلة الصفة في الأعيان لأنه طول الدار وطول الشئ صفته والصفة تابعة فيستحق باستحقاق المتبوع لكنه يحتمل أن يكون أصلا مقصودا لأن وجوده مزيد في قدر الأصل وفي قيمته وهو منتفع به فإذا قابل كل ذراع بكذا صار أصلا وإذا لم يقابل كل ذراع بكذا بقي تبعا فإن زاد في الذرعان سلم المشتري من غير خيار وإن انتقص خير المشتري من غير حط شئ وبمنزلة من اشترى عبدا على أنه معيب فوجده سليما لم يخير فإن استحقه سليما فوجده معيبا خير وإن قابل كل ذراع بكذا حتى صار أصلا مقصودا فإن ازداد خير المشتري لأنه نفع يشعر به ضرر وإن انتقص خير أيضا لأنه وإن قل الثمن فقد انتقص الجميع وكذلك الثوب والخشب وسائر ما يذرع
قوله : رجل باع إلخ لأن البائع لا يقدر على التسليم إلا بضرر فإن القطع لا ينفك عن الضرر بالباقي وذلك مما لا يلزم البائع لأن الضرر لا يلحق بالعقد فإذا لم يلزم الضرر صار التسليم كبيع الجذع في السقف والفص في الخاتم إلا أن يقطعه البائع برضاه فيسلم قبل نقض البيع لأنه الآن ينقلب صحيحا
قوله : من أوله فائدته أنه أراد به ذرعا من ثوب صحيح يعد قطعه نقصانا بالباقي في العادات فإن كان لا يعد قطع بعضها ضررا بالباقي يجب أن يصح بيعه
قوله : يلزمه إلخ لأن طريق المعرفة قائم ولأبي حنيفة أن الثمن كله مجهول فهما اعتبرا طريق المعرفة وطرية المعرفة بمنزلة قيام المعرفة في حق جواز البيع وأبو حنيفة اعتبر حقيقة المعرفة ولم يوجد فصار كبيع الشئ برقمه وإذا علم جملة الذرعان صح ولم يقيد ذلك بالمجلس والصحيح أنه إذا علم في مجلس العقد صح أما بعد الافتراق فلا لأن الفساد داخل في صلب العقد وهو جهالة الثمن ولساعات المجلس حكم ساعة واحدة
قوله : رجل اشترى طعاما إلخ هذا على وجهين : إما أن يقول : بعت منك هذا الطعام كل قفيز بدرهم أو يقول : بعت كل قفيز من هذا الطعام بدرهم والجواب فيهما واحد أن البيع في الكل لا يجوز عند أبي حنيفة لما سبق ذكره أن جملة الثمن مجهول لكن يجوز في قفيز واحد إلا أن يكيله ويعلمه في المجلس فيجوز في الكل لأنه لما لم يصح البيع في الكل صرفه إلى الأدنى إلا أن البيع في ذراع من الثوب لا يصح وفي قفيز من الطعام يصح
قوله : فالقول قول المشتري لأنه إن وقع الخلاف في مقدار الثمن فقال البائع : وهو خمسة وتسعون وقال المشتري : تسعون كل القول قول المشتري لأنه منكر الزيادة وإن وقع الاختلاف في عين الزق كان القول قوله أيضا لأن الاختلاف وقع في تعيين المقبوض فكان القول قول القابض كالمودع والغاصب (1/334)
{ باب اختلاف البائع والمشتري في الثمن }
قوله : وقال محمد إلخ محمد مر على أصله لأن عنده الهلاك لا يمنع التحالف ولأبي يوسف أن المانع هو الهلاك فيتقدر الامتناع بقدره ولأبي حنيفة أن التحالف بعد القبض ثبت نصا عند قيام السلعة وهو اسم لجميع أجزائه ولم يوجد فلا يجري التحالف ثم قال في الكتاب : إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا شئ له أي لا يأخذ من ثمن الميت شيئا واختلف المشايخ فيه منهم من قال : أراد أنه لا يأخذ شيئا من ثمن الميت أصلا ومنهم من قال : أراد أن لا يأخذ شيئا من الزيادة التي يدعيها البائع من الثمن في حق الميت بل يأخذ ما يقربه المشتري وهو الصحيح لأن البائع لا يترك من ثمن الميت ما أقر به المشتري وإنما يترك دعوى الزيادة
قوله : ثم اختلفوا في الاستثناء من المشايخ من قال : إنه منصرف إلى التحالف ومنهم من قال : إلى يمين المشتري وهو الصحيح لأن المذكور يمين المشتري لا ترك التحالف فمن مال إلى القول الأول في قوله : لا شئ له قال ههنا : الاستثناء منصرف إلى التحالف يعني أن البائع إذا رضي أن لا يأخذ شيئا سوى الحي يتحالفان لأنه حينئذ صار الحي كل المبيع ومن مال إلى القول الثاني ( وهو الصحيح ) لا بد أن يقول : هذا الاستثناء منصرف إلى يمين المشتري
قوله : فإنهما يتحالفان لأن التحالف وإن كان ثابتا بالسنة في البيع والإقالة فسخ في حق المتعاقدين إلا أن التحالف قبل قبض المبيع ثبت استحسانا بمعنى معقول وهو أن البائع يدعي الزيادة في الثمن والمشتري ينكره والمشتري ينكر وجوب تسليم المبيع إذا أدى قدر ما أقر به من الثمن والبائع ينكره فوجب تحليف كل واحد منهما فإذا تحالفا وقع التعارض فوجب رد كل واحد منهما إلى رأس ماله وهذا المعنى موجود ههنا لأن وضع المسئلة في ما إذا لم يقبض الجارية بحكم الإقالة فصار التحالف معقولا
قوله : وينقسم الثمن على قيمتهما فإن اختلف البائع والمشتري فادعى المشتري الأقل والبائع الأكثر فالقول قول البائع وإن أقاما البينة فالبينة بينته أيضا
قوله : ولا يعود السلم لأن الإقالة في السلم لا يحتمل الفسخ لأن المعقود عليه دين قد سقط فلا يحتمل العود ألا ترى أنه لو كان رأس المال عرضا فرده بالعيب وهلك قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود وفي بيع العين يعود ؟
{ باب في خيار الرؤية وخيار الشرط }
قوله : فله أن يرده لأن الرضا بالشئ قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلم يعتبر فلم يلزمه لأنه بناء عليه ولو فسخه قبل الرؤية صح الفسخ لأن العقد غير لازم مخل في الرضا لا للخيار فيملك الفسخ قبل الرؤية لعدم لزومه
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ أصل المسئلة أن الوكيل بالقبض يملك إبطال خيار الرؤية عند أبي حنيفة بأن يقبض وهو ينظر إليه فإذا قبضه مستورا ثم أراد بعد ذلك إبطال الخيار فليس له ذلك وقالا : لا يملك إبطال الخيار بوجه ما لأنه وكيل بالقبض وإبطال الخيار ليس من القبض ألا يرى أنه لا يبطل خيار العيب ولا خيار الشرط ولأبي حنيفة أنه مالك للقبض فيملك إتمامه وإتمام القبض ههنا بإبطال الخيار لأنه يمنع تمام القبض قبل الرؤية فكأنه غير مقبوض ولما كان كذلك ملك القبض التام والناقص جميعا فإذا قبض وهو ينظر إليه صلح القبض دلالة على الرضا بخلاف خيار العيب لأنه لا يملك القبض وأما الرسول فنائب عن المرسل في نفس القبض فانتسب إلى المرسل فيكون إلى المرسل إتمامه
قوله : لم يرد شيئا منها إلخ لأن خيار الرؤية والشرط يمنعان تمام الصفقة من قبل أن الرضا لا يتكامل ولا كذلك خيار العيب
قوله : فنطره جسه فيما يجس والشم فيما يشم والذوق فيما يذاق لأن هذه الأشياء تعمل عمل العيان في حقه لأنه يفيد العلم بالمعقود عليه فقام مقام المعاينة وإن كان شيئا لا يتأتى فيه هذه الأشياء كالعقار بوكل بصيرا بالقبض عند أبي حنيفة
قوله : لم يكن له أن يرده لأنه إذا قام في مكان لو كان بصيرا لرآه فقد تشبه بالرائي فيقوم التشبه مقام الرؤية باعتبار الحاجة إلا أنهما يقولان : إن هذه الأسباب دليل المعرفة إلا أنها دون العيان فكان اعتبار الحقيقة القاصرة أولى من اعتبار التشبه
قوله : وأيهما نقض انتقض وإن أجازه أحدهما ونقضه الآخر فالسابق أولى وإن خرج كلاهما معا قال محمد في كتاب البيوع : إن تصرف الموكل أولى نقضا كان أو إجازة وقال في المأذون : إن النقض أولى
قوله : فعلى المشتري قيمته لأن العقد وإن لم يوجب الملك للمشتري فلا ينزل من المقبوض بسوم الشراء
قوله : فعليه الثمن لأنه قد تم العقد بمضي الأيام الثلاثة فيجب المسمى
قوله : وإن كان الخيار للمشتري إلخ أصله أن تعيب المبيع يبطل خيار المشتري ولا يبطل خيار البائع والموت لا يخلو من مقدمة عيب
قوله : لم يفسد النكاح هذا بناء على أن خيار المشتري يمنع دخول السلعة في ملكه عند أبي حنيفة وعندهما لا يمنع وثمرة الخلاف يظهر في مسائل : منها أن المشتري إذا كان ذا رحم محرم منه لم يعتق عليه عند أبي حنيفة وخياره على حاله وعندهما يعتق ويبطل خياره ومنها أن المشترى إذا كان جارية قد ولدت منه بالنكاح لم تصر أم ولده عند أبي حنيفة وخياره على حاله وعندهما تصير أم ولده ويبطل خياره ومنها ما ذكر في الكتاب أن المشتري إذا كانت امرأته لم يفسد النكاح عند أبي حنيفة وخياره على حاله وعندهما يفسد النكاح والخيار على حاله فإن وطئها في مدة الخيار قبل الاختيار ينظر إن كانت بكرا فنقصها الوطىء صار مختارا بالإجماع أما عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) فلأجل النقصان وعندهما للنقصان والوطىء جميعا وإن كانت ثيبا لم ينقصها الوطىء لا يصير مختارا عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) لأنه وطئها يملك النكاح لأن النكاح عنده قائم وعندهما يصير مختارا لأنه وطئها بملك اليمين لأن النكاح مرتفع عندهما
قوله : رجل باع إلخ المسئلة على أربعة أوجه : أحدها : أن لا يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن والثاني : أن يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن والثالث : أن لا يعين الذي فيه الخيار ويفصل الثمن والرابع : أن يعين الذي فيه الخيار ويفصل الثمن والبيع في الوجوه كلها فاسد إلا في الوجه الأخير أما الأولى فلجهالة المبيع والثمن لأن الخيار يمنع العقد حكمه ولا يمنع وقوع العقد فصار الذي فيه الخيار غير داخل في الحكم فبقي الآخر وحده في الحكم وهو مجهول وثمنه مجهول وأما الثاني فلأن الذي فيه الخيار غير داخل في الحكم وثمنه مجهول لأنه يثبت بطريق الحصة بالتقسيم وأما الثالث فلأن الذي فيه الخيار غير داخل وهو مجهول وأما الرابع فلأن المبيع والثمن معلوم فلا يفسد
قوله : على الذي العبد له معناه أنه يبقى إذا كان الخيار للبائع لعدم خروجه عن ملكه فكان لفظة الصيرورة في حقه مجازا عن البقاء
قوله : وكذلك الثلاثة هذا استحسان والقياس أن يفسد في الثوبين والثلاثة لأن المبيع مجهول وذلك مفسد وجه الاستحسان أن هذا بمعنى ما جاءت به السنة وهو شرط الخيار ثلاثة أيام فإن ذلك يخالف موجب العقد شرعا لكنه لما كان مستدركا جوز لحاجة العباد إلى دفع الغبن فكذلك الحاجة ههنا موجودة والجهالة غير مفضية للمنازعة والحاجة تندفع بالثلاث لأن الأشياء ثلاثة أنواع : جيد وردي ووسط ورغائب الناس فيه مختلفة فيحتاج إلى الثلاثة ثم هل يشترط أن يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين ؟ اختلف المشايخ فيه منهم من قال : يشترط وهو المذكور في هذا الكتاب ومنهم من قال : لا وهو المذكور في الجامع الكبير
قوله : فهو رضا لأن طلب الشفعة دليل الملك فإذا صار مختارا وقع له الملك
قوله : فهو جائز لأنه أتى بتفسير خيار الشرط
قوله : عند أبي حنيفة وأبي يوسف أما عند أبي حنيفة اعتبارا بالملحق به وهو خيار الشرط فإن نقد في الثلاث فالبيع جائز استحسانا اعتبارا بالملحق به أيضا وقال محمد ( رحمه الله ) : يجوز أربعة أيام أو أكثر اعتبارا بأصله وأبو يوسف ( رحمه الله ) اتبع السنة وفي الأصل وردت السنة بالزيادة على ثلاثة أيام وهو حديث عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) وفي الفرع وردت السنة بثلاثة أيام وهو المروي عن ابن عمر أنه أجاز البيع بهذا الشرط (1/339)
{ باب في المرابحة والتولية }
قوله : رجل اشترى إلخ صورة المسئلة إذا اشترى ثوبا بعشرة وقبضه ثم باعه من غيره مرابحة بخمسة عشر وسلم المبيع ونقد الثمن ثم اشتراه بعشرة فإن أراد أن يبيعه مرابحة يحط الربح الذي ربح قبل ذلك وهو خمسة وبيعيه مرابحة على خمسة لكن لا يقول : اشتريته بخمسة فإنه يكون كاذبا لكن يقول : قام علي بخمسة والآن أبيعه بربح كذا وعندهما يبيعه مرابحة على عشرة لهما أن هذا شراء جديد فوجب أن تبتني عليه المرابحة لأن المرابحة بيع ما اشترى بمثل ما اشترى وزيادة وله أن بيع المرابحة يمتنع بالشبهات كما يمتنع بالحقيقة ألا ترى أن من اشترى شيئا بثمن مؤجل لم يجز له أن يبيعه حالا مرابحة على ذلك الثمن لأن الأجل له حق يزاد به في الثمن لأجله فصار لبعض الثمن شبهة المقابلة به فألحق بحقيقة المقابلة فصار كأنه اشترى شيئين فباع أحدهما بثمنين مرابحة
قوله : وكذلك لأن العقد الذي جرى بين العبد والمولى صحيح له شبهة العدم وإنما صح لقيام الدين مع قيام المانع من الصحة فأورثت شبهة فإذا صار كالعدم صار العبد بالعقد الأول مشتريا للمولى فكأنه اشتراه له بالوكالة في الفصل الأول وفي الفصل الثاني بائعا للمولى كأنه يبيعه للمولى فاعتبر العقد الأول والثمن الأول
قوله : على اثني عشر ونصف لأن المضارب وكيل رب المال من وجه فصار بيعه مع رب المال بخمسة عشر في حق نصف الربح باطلا
قوله : ولا يبين لأنه لم يفت شئ يقابله الثمن لأنه تبع ألا ترى أنه لو كان بعد البيع قبل التسليم لا يسقط به شئ من الثمن ؟
قوله : حتى يبين لأنه صار مقصودا فصار مما يقابله الثمن ألا يرى أنه لو فقأها البائع بعد البيع قبل القبض يسقط بحصته من الثمن ؟ وكذا إذا اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر أو حرق نار لم يلزمه البيان وإن تكسر بنشره أو طيه فانتقص لزمه البيان ولو اشترى جارية ثيبا فوطئها لم ينقصها باعها مرابحة ولم يبين وإن كانت بكرا لم يبعها مرابحة حتى يبين لأن وطىء الثيب لا يوجب شيئا يقابله الثمن ولا كذلك البكر لأنه قد حبس العذرة وهي جزء من العين
قوله : وإن شاء رده لأن للأجل شبها بالمبيع لأن الثمن يزاد لمكان الأجل فألحق بحقيقته فإذا منع الأجل فقد منع بعض المبيع وذكر المرابحة دلالة السلامة عن مثله فإذا ظهر الخلاف كان في حكم العيب فوجب الخيار
قوله : ألف ومائة ولا يرجع بشئ لأن الممنوع هو الأجل ولا حصة له من الثمن على طريق الحقيقة
قوله : إن شاء رده إلخ لأن التولية بيع ما اشترى بمثل ما اشترى فصار الخيار فيها مثلها في المرابحة
قوله : ألف حالة ولا يرجع بشئ لما قلنا وروى عن أبي يوسف في النوادر : يرد قيمة العين ويسترد الثمن وهذا نظير من كان له على آخر عشرة دراهم جياد فاستوفى مكانها زيوفا ولم يعلم فأنفقها والمسئلة يأتي في آخر كتاب البيوع من هذا الكتاب ( إن شاء الله تعالى ) وكان الفقيه أبو جعفر يقول : يختار للفتوى أن يقوم المبيع بثمن حال وثمن مؤجل فيرجع المشتري على البائع بفضل ما بينهما عملا بعادة الناس
قوله : وإن أعلمه إلخ فحينئذ يصح البيع فيخير إن شاء أخذه وإن شاء تركه لأن جهالة الثمن فساد في صلب العقد إلا أنه غير مستقر لأن ساعات المجلس في حكم ساعة واحدة فيصير التأخير إلى آخر المجلس عفوا كتأخير القبول فيصح على تقدير الابتداء فيصير كأنهما أنشأ البيع الآن أما بعد الافتراق فإصلاح وليس بابتداء وهذا فاسد لا يحتمل الإصلاح ونظيره البيع بالرقم فإنه فاسد فإن أعلمه في المجلس صح وإلا فلا (1/346)
{ باب في العيوب }
قوله : لا تحيض فإن دلالة داء في الباطن والمعتبر في هذا الباب أقصى ما ينتهي إليه ابتداء حيض النساء وذلك سبعة عشرة سنة عند أبي حنيفة وكذلك إذا كانت مستحاضة لأنه آية المرض
قوله : لا يرده لأن الزنا يفسد الفراش وذلك إنما يتصور من الإماء دون العبيد ويرد بالكفر لأن الكفر يعد عيبا في الغلام أيضا لأن المسلم قلما يرغب في صحبته
قوله : عيب أبدا من مشايخنا من قال : معنى هذا أنه إذا ثبت الجنون عند البائع وجب الرد وإن لم يعاوده عند المشتري وهذا غلط فإنه نص محمد ( رحمه الله ) في بيوع الأصول وفي الجامع الكبير وغير ذلك : أن الرد ليس يثبت بعيب الجنون إلا أن يعاوده عند المشتري لأن الله ( تعالى ) قادر على أن يزيله
قوله : عيب ما دام صغيرا معناه أنه متى حدث ذلك عند البائع في صغره ثم زال فإن حديث ذلك عند المشتري في صغره رده بالعيب وإن حدث ذلك بعدما بلغ لم يرده لأن الإباق والسرقة في حالة الصغر لمادة الجهل وبعد البلوغ لمادة الخبث والبول في الصغر لضعف المثانة وبعد البلوغ داء فيه فكان الثاني غير الأول
قوله : لأنه بدعوى العيب إلخ ولأنه لو ألزم القاضي المشتري أداء الثمن كان اشتغالا بما لا يفيد لأن العيب إذا ظهر بالحجة وجب رد الثمن المقبوض فلا يجب على القاضي ذلك بل يلزم أن يصون نفسه وقضاءه عن مثله
قوله : استحلف البائع فإن حلف يجب عليه دفع الثمن ولا ينتظر حضور الشهود لأن في الانتظار ضررا بالبائع ولا ضرر على المشتري في الدفع
قوله : حتى يقيم إلخ لأنه لا يعتبر إنكار البائع لإباق ما لم يثبت الإباق عند المشتري
قوله : وما أبق قط ولا يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب لأنه لو حلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب كان فيه ترك النظر للمشتري لأنه عسى أن يكون أبق بعد البيع قبل التسليم
قوله : فالقول قول المشتري لأن الاختلاف وقع في مقدار المقبوض فيكون القول قول القابض لكونه أعرف بالقبض
قوله : فإن لم ينتفع به إلخ هذا إذا وجد الكل فاسدا أما إذا وجد البعض فاسدا لا ينتفع به فإن كان ذلك كثيرا فهو كالخمر والميتة والحر يضم إلى ما هو مال على التفاصيل المعلومة وهو ما إذا اشترى عبدين فإذا أحدهما حر أو اشترى مذبوحين فإذا أحدهما ميتة أو اشترى دنين من الخل فإذا أحدهما خمر لا يجوز البيع عند أبي حنيفة وعندهما يجوز إذا سمي لكل واحد منهما ثمنا معلوما وله الخيار وإن كان قليلا ففي القياس كذلك وفي الاستحسان يجعل هذا لمكان الضرورة عفوا
قوله : رجع بنقصان العيب ولا يرده لأن الكسر عيب حادث فيكون مانعا من الرد وقال الشافعي ( رحمه الله ) : يرده
قوله : فإنه يأخذهما أو يدعهما كيلا يكون تفريقا للصفقة قبل تمامها وإن وجد بالمقبوض عيبا اختلف المشايخ ( رحمهم الله ) فيه والصحيح أنه لا يرد خاصة وقد نص ههنا أنه لا يرد المعيب خاصة
قوله : فهو رضا لأنه دليل الإمساك
قوله : فليس برضا والجواب في الركوب للرد يجري على إطلاقه وفيهما محمول على ما إذا لم يجد منه بدا أما في الركوب للسقي إن لم يجد بدا لصعوبتها أو لعجزه فكان ذلك من أسباب الرد وأما في الركوب لحمل العلف إن لم يجد بدا منه بأن كان العلف في وعاء واحد فأما إذا كان في وعائين فلا حاجة إلى الركوب فصار راضيا
قوله : رجع بالعيب وليس له أن يرده لأن القطع عيب حادث فيمنع الرد
قوله : كان له ذلك لأن حق الرد قائم بقيام المبيع لكن امتنع لحق البائع فإذا رضي زال المانع
قوله : لم يرجع بشئ لأنه صار ممسكا لقيام حق المشتري مقامه فصار مبطلا للرد وهو الحق الأصلي
قوله : وليس للبائع إلخ لأن الرد كان ممتنعا حكما لهذه الزيادة فصار بمنزلة الهلاك
قوله : رجع بالنقصان لأن الرد كان مقنعا قبل البيع فلا يصير بالبيع ممسكا
قوله : قد سرق ولم يعلم فإن كان عالما بذلك فعندهما بطل حقه لأنه بمنزلة العيب والعلم بالعيب يمنع الرجوع وقد قيل : عند أبي حنيفة كذلك والصحيح أن العلم والجهل عنده سواء لأنه بمنزلة الاستحقاق والعلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ الحاصل أن أبا حنيفة ( رحمه الله تعالى ) أجرى هذا مجرى الاستحقاق واستحقاق البعض يكون عيبا في الباقي لأنه يتضمن فوات المالية بسبب وجد في ضمان البائع فكان عيبا في الباقي مضافا إلى البائع وعندهما هذا بمنزلة العيب الحادث وإنما يضاف إلى ضمان البائع وجوب القطع لا غير هذا إذا سرق عند البائع لا غير وإن سرق عند المشتري أيضا فقطع في ذلك كله فالجواب عندهما لا يختلف وعند أبي حنيفة ( رحمه الله ) لا يرد بغير رضا البائع لأن وجوب القطع مستند إلى السبب الذي وجد في ضمان المشتري وأنه بمنزلة العيب وهو السرقة الثانية ويرجع بربع الثمن لأن اليد في الآدمي نصفه وقد فات بسببين : أحدهما وجد في ضمان المشتري والثاني وجد في ضمان البائع فيقسم عليهما
قوله : فله أن يخاصم إلخ لأن البيع الثاني انفسخ بحكم القاضي فصار كأن لم يكن والبيع الأول لم ينفسخ بالثاني فيملك الخصومة ويستوي الجواب في مسئلة الكتاب في ما يحتمل الحدوث وفي ما لا يحتمل : كالأصابع الزائدة والسن الشاغية
قوله : لم يرجع به لأنه صار حابسا بدله ولو حبس عليه لم يرجع بشئ فكذا إذا حبس بدله (1/349)
{ باب الوكالة بالشراء والبيع }
قوله : فهو على الحنطة ودقيقها لأنه هو المتعارف من الطعام في باب البيع والشراء فوجب التقييد به ولا عرف في حق الأكل فيعمل اسم الطعام
قوله : لم يجز أصل ذلك أن أبا حنيفة يعتبر العموم والإطلاق في التوكيل بالبيع ويعتبر التعارف الذي لا ضرر فيه في التوكيل بالشراء وقالا : هما سواء والحجج من الجانبين تعرف في المختلف
قوله : جاز يريد به قبل أن يرده إلى الموكل وإنما جاز لأنه قد لا يقدر الشراء من الباعة إلا شيئا فشيئا
قوله : وقال الآمر إلخ فإن لم يكن الثمن منقودا فالقول قول الآمر لأن غرضه الرجوع بالثمن والآمر منكر وإن كان الثمن منقودا فالقول قول المأمور لأنه ادعى الخروج عن الأمانة
قوله : فإن فلانا يأخذه لأن قوله : لفلان إقرار منه بالوكالة
قوله : ويكون العهدة عليه لأن المشتري له لما جحد الأمر أول مرة فقد بطل إقرار المقر فلزم الشراء للمشتري فإذا سلمه إليه وأخذه كان بيعا بالتعاطي
قوله : على الآمر لأن الرد غير مستند إلى هذه الحجج لعلم القاضي يقينا بكون العيب عند البائع ومعنى شرط البينة والإباء والإقرار في الكتاب أنه علم القاضي أنه لا يحدث مثله في مدة شهر مثلا لكن اشتبه عليه تاريخ البيع فاحتيج إلى هذه الحجج حتى لو عاين القاضي تاريخ البيع والعيب ظاهر لا يحتاج الوكيل إلى رد وخصومة فأما إذا كان العيب يحدث مثله إن رده عليه ببينة أو بإباء يمين فهو لازم للموكل لأن البينة حجة في حق الناس كافة والوكيل مضطر في النكول وإن رده عليه بإقراره لزم المأمور لانعدام العلتين لكن له أن يخاصم الموكل ويلزمه ببينة أو بنكوله هذا إذا كان الرد بقضاء وإن كان الرد بغير قضاء بإقرار الوكيل والمسئلة بحالها ليس للوكيل أن يخاصم الموكل بحال
قوله : وإن قال إلخ الأصل أن العبد يصلح وكيلا في شراء نفسه لأنه أجنبي عن نفسه في حكم المالية في يده لكن عقده لنفسه لا يصلح لامتثال ما أمر به لأنه إعتاق فلم يصر مستحقا عليه فبقيت ولايته لنفسه ولا يعمل النية في ذلك فإذا أطلق فالمطلق يصلح لهذا ولهذا فلا يصلح للامتثال فبقي لنفسه بخلاف ما إذا أضاف لأنه لما أضاف فقد عقد للموكل وهذا يصلح للامتثال بما أمر به
قوله : حتى يحلف المشتري لأن التدارك هناك ممكن لو دفع باسترداد مما قبضه الوكيل وهو غير ممكن هنا لأن القاضي لو فسخ البيع ثم ظهر الخطأ في القضاء بالفسخ كان الفسخ ماضيا عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) حتى أن عند محمد يجب أن يكون على السواء لأن التدارك ممكن لأن القضاء لا ينفذ عنده إذا ظهر الخطأ فيه أما عند أبي يوسف ( رحمه الله ) المشتري لو كان حاضرا وهو الذي يرد بالعيب يستحلف بالله ما رضي به ادعى البائع ذلك أو لم يدع نظرا له وإذا كان المشتري غائبا وقد ادعى البائع رضا المشتري أو لم يدع فيحتمل أن يرده عنده لإمكان التدارك كما قال محمد ( رحمه الله ) والأصح أنه يعتبر طريق النظر فيه أن لا يرده عليه حتى يحضر المشتري على قياس قوله في مسئلة الدين (1/353)
{ باب الحقوق التي تتبع الدار والمنزل }
قوله : فليس له الأعلى هذا كله في عرفهم وأما في عرفنا العلو يدخل من غير ذكر في الفصول الثلاثة واسم المنزل يقع على كل مسكن صغيرا أو عظيما مسقفا بسقف أو بسقفين لأن الكل يسمى خانة
قوله : وإن اشترى دارا إلخ أما الدار فلأنه اسم لما يدار عليه الحوائط والعلو من توابع الأصل وأجزائه وأما البيت فاسم لما يبات فيه والعلو مثله فلم يكن من توابعه وأجزائه فلا يدخل باسم التبع وعلو المنزل يشبه السفل من وجه لكن لا يعادله لاحتمال السكنى فصار تبعا من وجه فإن ذكر باسم الأتباع دخل وإن سكت عنه لم يدخل
قوله : إلا أن يقول إلخ لأن الظلة خارجة من المحدود فأشبه طريق الخارج فلا يدخل إلا بذكر التبع
قوله : إلا أن يشتريه إلخ لأنه خارج عن المحدود ولكنه تبع من التوابع فلا يدخل إلا بذكر التوابع وكذا الثوب والمسيل وهذا بخلاف الإجارة حيث يدخل هذه الجملة من غير ذكر لأن الإجارة تعقد للانتفاع ولا يمكن الانتفاع إلا بالطريق والمستأجر لا يشتري الطريق عادة وإن استأجر الطريق الذي لصاحب الدار لا يجوز فدخل الطريق بطريق الضرورة أما البيع لا يعقد للانتفاع من حيث السكنى ولا يعقد للانتفاع في الجملة (1/356)
{ باب الاستحقاق }
قوله : فإنه يأخذها إلخ وهل يشترط القضاء بالولد أو يكتفى القضاء بالأم ؟ قال بعضهم : لا يشترط لأنه تابع فيدخل في الحكم تبعا وقال محمد ما يدل على خلاف ذلك فإنه قال : إذا قضى بالأصل ولم يعرف الزوائد لم يدخل تحت الحكم فكذلك الولد لو كان في ملك إنسان آخر لم يدخل تحت الحكم أيضا وهذا لأن الولد يوم القضاء منفصل عن الأم فلم يكن بد من الحكم به
قوله : لم يتبعها الولد لأن البينة حجة مطلقة فيثبت بها أن الجارية ملك المستحق من الأصل والولد متصل به فيثبت الاستحقاق فيهما فأما الإقرار ليس ببيان وضعا بل هو إخباره إلا أن صحة الإخبار ثبت بثبوت المخبر به والمخبر به هو ملك الأم دون ملك الولد
قوله : وهو على دعواه يريد أنه إذا شهد على الشراء وختم الصك ثم ادعى أنه ملكه يصح دعواه ولا يكون نفس الشهادة على الصك إقرارا منه بملك البائع وهذا لأن الإنسان قد يبيع مال غيره كما يبيع مال نفسه فلا يكون شهادته على البيع إقرارا بأن العين ملك البائع والشهادة بوجود البيع لا يكون دلالة على صحته ونفاذه وقال بعض مشايخنا : إن ذكر في الشهادة على البيع ما يوجب صحته ونفاذه بأن كتب في الصك أنه باع وهو يملكه وهو كتب على الصك وشهد بذلك فإنه يبطل دعواه إلا أن يكون كتب الشهادة على إقرارهما بذلك كله فحينئذ لا يبطل دعواه
قوله : رجع المشتري على العبد إلخ وعن أبي يوسف أنه لا يرجع لكل حال لأن ضمان الثمن إنما يجب بالمبايعة أو بالكفالة ولم يوجد من العبد شئ من ذلك فلا يرجع كما لو وجد هذا من الأجنبي وكما لو قال العبد : ارتهني فإني عبد والمسئلة بحالها وجه ظاهر الرواية أن العبد ضمن للمشتري سلامة الثمن من نفسه فمتى تعذر استيفاءه من البائع وجب الرجوع عليه عند ظهور أهلية الضمان والفرق بينه وبين الرهن أن البيع عقد معاوضة فيستحق به السلامة فجعل الآمر به ضامنا للسلامة على ما هو موجبه ولا كذلك الرهن لأنه شرع لملك الحبس من غير عوض يقابله ويصير بعاقبته استيفاء العين حقه من غير عوض
قوله : لم يرجع بشئ لأن هذا الاستحقاق غير مناقض للصلح لأن المصالح يقول : إنما عنيت بهذه الدعوى هذا الباقي فلا يجب الرجوع إلا أن يستحق الكل
قوله : رجع بحسابه لأن التوفيق غير ممكن فوجب الرجوع
قوله : ويبطل البيع أجمع لأن العلوق اتصل بملكه واتصال العلوق بملكه ينزل منزلة البينة العادلة على صدق الدعوى لأن ولادة الجارية في ملك المولى دليل ظاهر أن الولد من صاحب الملك لأن الظاهر منها عدم الزنا فيجب تصديقه (1/357)
{ باب في الرجل يغصب شيئا فيبيعه أو يبيع عبدا لغيره بغير أمره }
قوله : لم تقبل بينته لبطلان الدعوى بالناقض لأن الإقدام على الشراء منه إقرار بصحته
قوله : بطل البيع لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار فصح فكان للخصم أن يساعده على ذلك فنفد النقض عليهما باتفاقهما فلذلك شرط للنقض طلب المشتري حتى يصيرا متفقين على ذلك فيكون نقضا وتمامها في الزيادات
قوله : يضمن قيمتها هل هي متقومة ؟ عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) غير متقومة وعندهما متقومة لأن الدليل الموجب للتقوم بعد الاستيلاد قائم وهو الانتفاع بالإحراز فبقي المدلول وهو التقوم كما في المدبر وأبو حنيفة ( رحمه الله ) يقول : إن التقوم بالإحراز كما قلتم وهذه محرزة للنسب والاستمتاع فصار الإحراز في حق التقوم تبعا فلم يكن مضمونا ولا متقوما (1/359)
{ باب الشفعة }
قوله : أن يأخذ نصيب أحدهم لأن الشفيع يقدم على الدخيل من غير ضرر بالبائع ولا بالدخيل فإذا أخذ نصيب أحدهم قام مقامه فلا ضرر على أحد ولا يملك الشفيع أو أحدهم قبض شئ حتى ينقد المشترون جميع الثمن
قوله : أخذها كلها أو تركها لأن في أخذ نصيب أحدهم تفريق الصفقة على المشتري فلا يجوز
قوله : فيها ثمر ثم القياس في ثمر الشجر أن يدخل في البيع من غير شرط لأنه متصل بالشجر وجزء منه خلقة والمركب يدخل من غير شرط وهو الشجر فالذي هو منه خلقة أولى وفي الاستحسان لا يدخل إلا بالشرط لأن الثمر معه للفصل فاعتبر فيه العاقبة فلم يدخل من غير شرط فإذا شرط حتى دخل ثم جاء الشفيع أخذ الكل لأن الثمر كان متصلا وتابعا للعقار فإن قطعه المشتري أخذ الشفيع جميع ذلك سوى الثمر ويسقط حصة الثمر المحذوذ من الثمن أما عدم الأخذ فلأنه صار أصلا بالإنفصال وأما سقوط الثمن لأن ذلك كان موجودا وقت البيع فكان له حصة من الثمن
قوله : وكذلك أي أخذ جميع ذلك فإن قطعه أخذ جميع ذلك سوى الثمر بجميع الثمن أما عدم الأخذ فلما قلنا وأما عدم سقوط شئ من الثمن فلأنه زيادة بعد القبض فلم يكن له قسط من الثمن
قوله : أخذ الشفيع إلخ لأن القسمة من تمام القبض والشفيع لا ينقض ليعيد العهدة على البائع
قوله : وقال المشتري : بألفين فالقول قول المشتري مع يمينه لأن الشفيع يدعي استحقاق الشفعة بألف وخصمه منكر فإن أقام البينة يعتبر بينة الشفيع هذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : البينة بينة المشتري لأنه يثبت الزيادة ولهما أن الجمع أصل عند التعارض وعند التعذر يصار إلى الترجيح وههنا الجمع ممكن كأنه اشتراها بألف ثم بألفين
قوله : وكذلك إلخ لأن أخذ الدار بالشفعة في معنى الشراء ولكل واحد منهما أن يشتري من الآخر
قوله : ولا يكون الرجل إلخ لأن العلة هي الشركة في العقار ولم يوجد
قوله : في القسمة لأنها ليست ببيع محض ألا ترى أن الممتنع عنها يجبر عليه ؟
قوله : ولا خيار رؤية إن كان الرواية بكسر الراء فمعناه لا شفعة في خيار الرؤية إذا رد به لأنه فسخ محض فلا يثبت له شبهة العقد بخلاف الإقالة وإن كان الرواية بالفتح فمعناه لا يثبت خيار الرؤية وخيار الثسرط في القسمة وهذا غير صحيح لأنه بين في كتاب القسمة أنه يثبت خيار الرؤية والشرط
قوله : إذا بلغ لأنه إبطال حق ثابت فشابه الإعتاق ولهما أن هذا ترك التجارة فيصح ممن يملك التجارة
قوله : أحق بالشفعة لأن سبب استحقاق الشفعة هو الاتصال وحكمه دفع الضرر والاتصال بالشركة أقوى (1/360)
{ باب المأذون يبيعه مولاه أو يعتقه }
قوله : فإن شاء الغرماء إلخ لأن هذا العبد تعلق حقهم به لتعلق ديونهم برقبته ولهذا كان لهم أن يبيعوه إلا أن يقضي المولى ديونهم فإذا كان حقهم فهو بهذا البيع والتسليم أبطل حقهم فيكون لهم ولاية أن يضمنوه قيمته إن شاؤا وإن شاؤا ضمنوا المشتري لأنه أبطل حقهم بالشراء والقبض وإن شاؤا أجاز البيع وأخذوا الثمن لأن هذا العبد حقهم وهو في معنى المرهون
قوله : فللمولي أن يرجع إلخ لأن سبب الضمان البيع والتسليم وقد زال
قوله : وقال إلخ الحاصل أن الدين إذا لم يكن مستغرقا لرقبة المأذون وكسبه لم يمنع ثبوت الملك للمولى في كسبه بلا خلاف فإذا كان مستغرقا لرقبته وكسبه يمنع عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) خلافا لهما هما يقولان : ما هو علة الملك لم يختل وهو ملك الرقبة ولهذا ملك إعتاقه ووطئها إن كانت جارية ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن ملك الرقبة علته يشرط الفراغ عن حاجة العبد وقد عدم الشرط فلم يصر علة فكان ينبغي أن يكون القليل مانعا إلا أنا لو قلنا بهذا يؤدي إلى أمر محال (1/363)
{ مسائل من كتاب البيوع لم تشاكل الأبواب }
قوله : رجل قال إلخ صورة المسئلة أن يطلب إنسان من آخر شراء عبده بألف درهم وهو لا يبيع إلا بألف وخمسمائة والمشتري لا يرغب فيه إلا بالألف فيجيء الآخر ويقول لصاحب العبد : بع هذا من هذا الرجل بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف
قوله : ولا شئ على الضامن لأنه زيادة في الثمن والمثمن فلا يستحق من غير مال يقابله تسمية وصورة ولم يوجد
قوله : فالإقالة بالثمن الأول الحاصل أن الإقالة فسخ عند أبي حنيفة ( رحمه الله ) إلا إذا تعذر بأن حدث بالمبيع ما يمنع الفسخ فيبطل وقال محمد : هو فسخ إلا أن لا يمكن فيجعل بيعا جديدا إلا أن لا يمكن بأن كان المبيع غير مقبوض فيبطل وقال أبو يوسف : بيع جديد إلا أن لا يمكن فيجعل فسخا بأن يكون المبيع غير مقبوض وكان منقولا فيبطل لمحمد أن لفظة الإقالة موضوعة
للفسخ فوجب الجري على ذلك إلا أن يتعذر فينتقل إلى البيع لأنه محتمل للبيع ألا ترى أنه جعل بيعا في حق الثالث ؟ فكذا ههنا ولأبي يوسف أن الإقالة تمليك المال بالمال بالتراضي وذلك جد البيع فوجب الجري على ذلك إلا إذا تعذر فينتقل إلى الفسخ لأنه يحتمله ولأبي حنيفة أن الإقالة رفع وإسقاط يقال في الدعاء : اللهم أقلني عثرتي والرفع والإسقاط لا يحتمل معنى الابتداء بحال إذا ثبت هذا فنقول : إذا أقال بألف وخمسمائة صحت الإقالة عندهما بأي طريق كان وعند أبي حنيفة بألف وإن أقال بخمسمائة إن لم يكن بالمبيع عيب فالإقالة بألف ويلغو ذكر خمسمائة وإن كان بالمبيع عيب فالإقامة بخمسمائة ويصير المحطوط بإزاء النقصان وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : الإقالة بخمسمائة في الوجهين
قوله : هي للمدعي إلخ لأن الأصل عند تعارض الحجج الجمع إن أمكن فإن تعذر فالترجيح فإن تعذر فالتهاتر وقد أمكن الجمع لأنه قامت دلالة البيعين وهي البينة وقد علمنا أن البيعين لا يوجدان معا فلا بد من الترتيب وقد قام دلالة الترتيب لأنا إذا بدأنا بشراء المدعى الخارج لم يصبح بيعه لعدم اليد ولو بدأنا بشراء صاحب اليد صح بيعه وكان الجمع ممكنا من هذا الوجه وفيه تصحيح العقدين فتعين هذا الوجه ولهما أن الخصمين اتفقا على أنه لم يجر بينهما إلا عقد واحد فيكون القضاء بالعقدين قضاء من غير دعوى وذلك لا يجوز فتعذر الجمع والترجيح فتعين التهاتر وما قال في الكتاب : الألف بالألف قصاص بعد قول محمد فهو قولهما لأنه لما لم يصح البيعان عندهما بقي قبض المالين فيجب على كل واحد منهما رده إن كان قائمين وإن كانا هالكين يتقاصان فأما عند محمد البيعان قد ثبتا وثبت قضاء الثمنين فكيف يتصور المقاصة ؟ فإن لم يذكر في الشهادة نقد الثمن صحت المقاصة عند محمد ولا مقاصة عندهما
قوله : وهذا قبض لأن الوطىء استيلاء وقد فعل الزوج باستيلاء المشتري فصار كفعل المشتري بنفسه وإن لم يطأها فليس يقبض استحسانا والقياس أن يكون النكاح قبضا ذكره في الأصل لأنه تعيب وجه الاستحسان أن التعيب إنما جعل قبضا لمعنى الاستيلاء على المبيع والنكاح أمر حكمي لا استيلاء فيه
قوله : وأوفى الثمن لأن موضوع المسئلة أن العبد في يد البائع حتى لو قال : إن العبد لي كان القول قوله فإذا أقر به لغيره وادعى أنه مشغول بحقه كان القول قوله أيضا فيظهر الملك لغيره مشغولا بحقه ولا يمكن إيصاله به إلا ببيعه
قوله : وكان متطوعا إلخ لأنه متطوع في أداء دين غيره بغير أمره ولهما أن الحاضر مضطر في أداء نصيب شريكه من الثمن ليتمكن من قبض نصيبه من المبيع لأن الصفقة واحدة فثبت له ولاية الأداء بطريق الضرورة فلا يكون في الأداء متبرعا فيصير في معنى الوكيل بالشراء والوكيل بالشراء إذا أدى الثمن من مال نفسه لا يكون متبرعا كذلك ههنا
قوله : فالظهار باطل فرق بين هذا وبين ما تقدم من توقف العتق على إجازة المالك عند أبي حنيفة وأبى يوسف ( رحمهما الله ) والفرق لهما أن الإعتاق حق من حقوق المالك لأنه نهاية فيتوفى عليه ونفذ فيه وأما الظهار فليس بحق من حقوق الملك ليتوقف وينفذ فيه
قوله : فهما نصفان لأن العقد أضيف إليهما سواء فيكون بينهما سواء
قوله : ويرجع بدراهمه لأن المقبوض غير حقه ورد مثل الشئ كرده ولهما أن الزيوف جنس حقه فوقع به الاستيفاء وإنما بقي حقه في الجودة ولا يمكن تداركها إلا بضمان الأصل والقضاء بالضمان على القابض حقا له ممتنع
قوله : لمن أخذه لأنه مباح سبقت يده إليه فيكون هو أحق به ولا يكون لصاحب الأرض لأن صاحب الأرض ما أعد أرضه لذلك فصار كمن نصب شبكة للجفاف أو نصب فسطاطا فتعلق به صيد لم يملكه ولهذا قالوا في نشر الدراهم والسكر إذا وقعت في ثوب رجل لم يملك إلا أن يضم ذلك في نفسه أو كان قعد ذلك فتهيأ له بخلاف ما إذا عسل النحل في أرض رجل فإن العسل يكون لصاحب الأرض لأن العسل ليس بصيد وقد صار متصلا قائما بأرضه فيكون تابعا كالشجر وأما البيض صيد فإنه أصل الصيد إلا أنه يمكن أخذه من غير حيلة فبهذا لا يبطل معنى الصيدية وقد قال للنبي صلى الله عليه و سلم : [ الصيد لمن أخذه لا لمن أثاره ]
قوله : ولا بأس ببيع من يزيد هو بيع الفقراء على سوم الشراء وإنما أريد بالنهي إذا سكن قلب كل واحد منهما وتأكد الأمر فظهر الرغبة فأما قبل ذلك فلا بأس ومسئلتنا في ما إذا لم يوجد سكون القلب واتفاقهما على ذلك
قوله : فلا خيار له لأن الرؤية لا تستوعب لاستحالة ذلك أو تعذره فيعتبر عيان ما يعرف به حال سائر الأجزاء ألا ترى أنه إذا رأى وجه الجارية كفى ذلك لأنه يعرف ما وراءه وبرؤية مقدم الدابة ومؤخرها يعرف ما وراء ذلك والنظر إلى مواضع الطي من الثياب إذا كانت مستوية يقع على كل جزء (1/364)
{ باب الكفالة بالنفس }
قوله : فهما كفيلان لأن حكمها التزام المطالبة وأنه يحتمل ذلك فالالتزام الأول لا ينافي الالتزام الثاني
قوله : فهو بريء لأن ذلك موجبه فيثبت البراءة ثبت النص أم لا
قوله : ولا كفالة في الحدود والقصاص وقال أبو يوسف ومحمد ( رحمهما الله ) : لا بأس بذلك لأن موجبه التزام تسليم النفس وهو ههنا أوجب ولأبي حنيفة أنها شرعت استيثاقا محضا فلا يلزم القاضي في ما بنى على الدرء بخلاف سائر الحقوق والخلاف في جبر القاضي على إعطاء الكفيل وأما لو سامحت به نفسه بذلك فهو جائز
قوله : فهو جائز وقال الشافعي ( رحمه الله ) : لا تجوز الكفالة الثانية وهي الكفالة بالمال لأنها في النفس لا يتصور عنده لعدم ولايته فكذا ما هو بناء عليه ولنا أن الكفالة يشبه النذر من وجه ويشبه البيع من وجه من حيث أنه معاوضة فلشبهها بالنذر صح تعليقها بما هو المتعارف وتعليق الضمان لعدم الموافاة متعارف
قوله : لم ضمن الكفيل لتحقيق الشرط وهو عدم الموافاة
قوله : رجل ادعى إلخ رجل ادعى على رجل مائة دينار سوداء أو بيضاء أو ادعى عليه درهما وبين قدرها أو لم يبين أو ادعى حقا مطلقا أو مالا مطلقا فقال له رجل : دعه فأنا كفيل بنفسه إلى غد وإن لم أوافك به غدا فعلي مائة دينار فرضي به ولم يواف غدا فعليه مائة دينار غدا في الوجهين جميعا إذا ادعى صاحب الحق أنه له وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال
محمد ( رحمه الله ) : إن ادعاها ولم يسمها حتى كفل له رجل بمائة دينار ثم ادعى بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه لمحمد طريقان : أحدهما : ما اختاره الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي ( رحمه الله ) وهو يقول : إن هذا تعليق المال بالخطر فكان باطلا بيانه أنه لما قال : إن لم أوافك غدا فإنه ضامن لك مائة درهم من غير نسبة إلى ما عليه كان هذا تعليق المال بالخطر وأنه في حكم
الرشوة فكان باطلا وهذا يوجب أن لا يصح وإن كان المال مقدرا عند الدعوى والثاني : هو ما اختاره الكرخي وهو أن الكفالة بالنفس باطلة لأنه لم يدع شيئا معلوما فلم يصح الكفالة بالنفس فلا يصح الكفالة بالمال لأنها خلف عن الأولى فهذا يوجب أن لا يصح حين كان المال مقدرا عند الدعوى ولهما أن هذه الكفالة أمكن تصحيحها وكل عقد أمكن تصحيحه وجب تصحيحه وذلك لأنه إذا كان المال مقدرا عند الدعوى فلأن الكفالة بالنفس قد صحت والكفالة بالمال جعلت بناء عليه فصار البناء دالا على تقييد العقد بالمال المدعي به وهو المتعارف في ما بين الناس أن ييهم الكفيل الكلام عند ذلك ويريد ما تناوله الدعوى وأما إذا لم يكن مقدرا فقد صحت الملازمة وصحت الدعوى فإن هذا متعارف أن يحمل الدعوى في غير مجلس القاضي هونا لكلامه إلى وقت الحاجة فصح ذلك على احتمال البيان من جهته فإذا بين ذلك انصرف بيانه إلى ابتداء الدعوى فيظهر به صحة الكفالة بالنفس وصحت الثانية خلفا عن الأول (1/369)
{ باب الكفالة بالمال }
قوله : فليس له إلخ لأنه صار حقا للقابض على احتمال أن يؤدي الدين بنفسه فما لم ينتف هذا الاحتمال بأداء الأصيل بنفسه ليس للأصيل أن يرجع
قوله : فهو له لأن ملك المقبوض يوم قبض كان ثابتا له والريح حصل على ملك صحيح
قوله : ويستحب هذا رواية هذا الكتاب وقال في كتاب الكفالة من الأصل : يتصدق به وقال في كتاب البيوع : يطيب له وفي قولهما يطيب له لأن ملك المقبوض يوم قبض كان ثابتا ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن اقتضاءه قاصر غير خال عن شبهة لأن المكفول عنه بسبيل من أن يقتضيه بنفسه ويسترد منه عين ما أعطى فتمكنت شبهة عدم الملك فوجب الخبث إلا أن هذا
الخبث يثبت لحق الأصيل فسبيله أن يرده عليه وإن كان فقيرا طاب له وإن كان غنيا ففيه روايتان والأشبه أن يطيب له
قوله : رجع إلخ البراءة ابتداءها من الكفيل وانتهاءها عن الطالب ولا يكون ذلك إلا بالأداء فيكون هذا إقرارا بالقبض
قوله : لم يرجع لأن البراءة التي ثبتت من جهة صاحب الدين لا يكون إلا بالإسقاط فلا يكون إقرارا بالقبض
قوله : لا يرجع لأن البراءة قد يكون بالأداء وقد تكون بالإسقاط فلا يثبت حق الرجوع بالشك ولأبي يوسف أنه أضاف ضمان الفعل إلى الكفيل حيث قال : برئت فيجب أن يتحقق من جهة الفعل ولا يتحقق من جهة الفعل إلا بالأداء فيكون إقرارا بالأداء وهذا كله إذا كان الطالب غائبا فأما إذا كان حاضرا يرجع إليه
قوله : فأمره أن يتعين إلخ تفسير هذا أن المكفول عنه أمر الكفيل بالعينة والعينة أن يأتي الرجل إلى آخر فيستقرضه عشرة فلا يرغب المقرض في الإقراض طمعا في الفضل الذي لا يناله بالقرض فيقول : ليس يتيسر لي القرض ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر نسيئة وقيمته عشرة لتبيعه بعشرة ففعلا كذلك فيحصل لرب الثوب درهمان بطريق البيع فيسمى
عينة لأنه أعرض عن الدين إلى العين إذا ثبت هذا فنقول : المكفول عنه لما أمر الكفيل بالعينة كان الشراء للكفيل لأنه هو المشتري والربح للبائع عليه ولم يصح التوكيل لجهالة العين والثمن جميعا
قوله : لم تقبل حتى يحضر المكفول عنه فيقضي عليه لأنه ضمن لهذه الكفالة ما يقضي للطالب عليه بعد عقد الكفالة ولم يوجد القضاء
قوله : فإنه يقضي إلخ ولم يكن قضاء على الغائب لأنه لما ادعى الكفالة بأمره لم يصح القضاء بغير أمره ومن ضرورة صحة القضاء بهذا السبب التعدي إلى الغائب لأن هذا الأمر إقرار بالمال وفي الفصل الثاني لم يكن من ضرورة صحتها التعدي إلى الغائب
قوله : فقد بريء الكفيل إلخ لأن إضافة الصلح إلى الألف إضافة إلى ما على الأصيل فبرىء الأصيل عن خمسمائة بالإضافة وبرىء الكفيل ثم بريا بإيفاء خمسمائة ويرجع الكفيل به على الأصيل
قوله : فهو تسليم لأنه لو صح منه الدعوى بعد ذلك كان للمشتري أن يرجع عليه بحق الضمان (1/371)
{ باب الرجلين يكون بينهما المال فيقبضه أحدهما }
قوله : حتى يؤدي إلخ لأنه لا تعارض بين ما عليه بحكم الأصالة وبين ما عليه بحكم الكفالة فيقع الأداء عما عليه بحكم الأصالة وإذا زاد على النصف فليس له في الفضل على النصف معارضة فيقع ذلك عن صاحبه
قوله : عن صاحبه يريد إذا كفل كل واحد منهما بالمال كله عن الأصيل ثم عن صاحبه أيضا
قوله : رجع على شريكه إلخ لأن المؤدي وقع شائعا عن الدينين إذ ليس بعضه فوق بعض بل هو كفالة كله بخلاف ما سبق
قوله : بنصفه لأن المؤدى شائع عن الدين لأن كل واحد منهما أصيل في الكل كفيل عن صاحبه بالكل فإذا أدى أحدهما شيئا وقع عن الجميع لا محالة فيقع عن صاحبه نصف ذلك لاستواء الحقين
قوله : جاز العتق وبرىء عن النصف لأن المال في الحقيقة مقابل برقبتهما وإنما جعل كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه في حق صاحبه في الكل احتيالا لتصحيح الضمان فإذا جاء العتق فقد استغني عنه
قوله : أيهما شاء أما المعتق فحق الكفالة وأما الآخر فبحكم الأصالة
قوله : باطل لأنه شرط فيه كفالة المكاتب والكفالة ببدل الكتابة وكل واحد منهما بانفراده باطل فعند الاجتماع أولى أن يكون باطلا أما بطلان كفالة المكاتب فلأن الكفالة تبرع والمكاتب لا يملكه وأما بطلان الكفالة ببدل الكتابة فلأنها تقتضي دينا صحيحا وبدل الكتابة ليس كذلك
قوله : متفاوضان إلخ المفاوضة شركة متساويين مالا وحرية وعقلا ودينا ويتضمن الوكالة فكل واحد منهما كفيل للآخر ووكيله ولما كان كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه على الإطلاق سميت مفاوضة مشتقة من التفويض
قوله : لا يلزم صاحبه لأنه دين وجب بما ليس بتجارة فشابه أرش الجناية ومهر المرأة ولأبي حنيفة أن الكفالة تقع تبرعا وتبقى معاوضة بدليل الحقيقة والحكم أما الحقيقة فلأن الأداء لا ينفك عن العوض وأما الحكم فلأن المريض إذا أنشأ كفالة بمال في مرض الموت كانت وصية وإذا أقر بها في مرض كان معتبرا من رأس المال لأن الإقرار يلاقي بقاء الكفالة فكان في معنى التجارة فيؤخذ صاحبه (1/374)
{ باب كفالة العبد والكفالة عنه }
قوله : برىء الكفيل لأنه برىء الأصيل عن تسليم نفسه فبرىء الكفيل
قوله : ضمن إلخ لأنه غرم الأصيل وهو مولى العبد قيمة المكفول فغرم الكفيل لأنه قائم مقامه
قوله : لم يرجع وقال زفر : رجع كل واحد منهما على صاحبه لأن الموجب قد وجد والمانع قد زال ولنا أن الكفالة وقعت غير موجبة للرجوع فلا يثبت فيها الرجوع أبدا كمن كفل عن رجل بدين بغير أمره ثم بلغه فأجاز فإنه لا يرجع عليه لما قلنا
قوله : فقال المحيل : هو مالي معناه أن المحيل يقول : لا شئ لك علي وإنما أنت وكيلي في قبض مالي على فلان وقال المحتال : لا بل ديني عليك أحلتني به على فلان ( ولك على فلان دين مثله ) على أن يؤديه إلي وإنما جعل القول قول المحيل لأن الحوالة قد تستعمل في نقل التصرف على سبيل التوكيل أشار إليه في كتاب المضاربة وقد تستعمل في نقل الديون فلم يكن حجة للمحتال على المحيل على كونه معترفا بالدين ولو اختلف المحيل والمحتال بعدما أدى المحتال عليه وأراد الرجوع على المحيل فقال له المحيل : إنما أحلته بمال لي عليك فليس لك علي رجوع وقال المحتال عليه : لا بل أديت دينك بأمرك ولي أن أرجع عليك فالقول قول المحتال عليه نص عليه في كتاب الكفالة في باب الحوالة من الأصل لأنه قضى دينه عنه بأمره فله أن يرجع إلا أن يثبت ما يبطل حقه
قوله : برىء المودع لأن المودع التزم الأداء من عين ذلك المال فبرأ بهلاكه (1/376)
{ كتاب الضمان }
قوله : فالضمان باطل لأن حق القبض للوكيل والمضارب فلو صح الضمان صار ضامنا لنفسه وأنه باطل بخلاف الوكيل بالنكاح إذا ضمن المهر عن الزوج لأن حق القبض ليس له وكذلك رجلان باعا عبدا صفقة واحدة وضمن أحدهما للآخر حصته من الثمن فالضمان باطل لأنه لا وجه إلى تصحيح الضمان مع الشركة حتى لا يصير ضامنا لنفسه ولا وجه إلى تقديم القسمة لأن قسمة الدين قبل القبض باطل
قوله : فهو حال لأن الدين على العهد غير مؤجل لكن لا يطالبه بعسرته ولعدم ظهوره في حق المولي ولا عسرة في حق الكفيل
قوله : فهو جائز أما الخراج فلأنه دين كسائر الديون وأما النوائب إن كان بحق : ككرى الأنهار المشتركة وأجر الحارس فهو دين كسائر الديون وإن لم يكن لحق : كالجبايا اختلف المشايخ فيه وأما القسمة يريد بها ما وظف عليه من النوائب الراتبة ويريد من النوائب المذكورة أولا ما ينوبه في ما هو غير متعارف وأنه يحتمل أن يقع
قوله : فالقول قول المدعي لأن الأجل في الديون عارض ولذلك لا يثبت بغير شرط فمن ادعى العارض فقد ادعى شرطا زائدا والآخر منكر فكان القول قوله ولا كذلك دين الكفالة لأن الأجل في الكفالة نوع ولذلك يثبت الأجل فيها بغير شرط حتى لو ضمن دينا مؤجلا كان مؤجلا في حقه من غير شرط
قوله : لم يأخذ الكفيل يعني لا يفسخ البيع بنفس الاستحقاق ما لم يقض القاضي بالفسخ لأنه ما لم يقض به على البائع لا ينقض فلا يلزم البائع رد الثمن فلا يحل ذلك على الكفيل
قوله : فهو باطل لأنه مجهول بخلاف الدرك فإنه صار مستعملا في ضمان الاستحقاق خاصة
قوله : ولا يجوز البيع لأن هذه الأشياء إنما أعدت للمعصية فسقطت ماليتها كالخمر وله أنها إنما أعدت للمعصية لكن مع صلاحيتها لغيرها فصار كالأمة المغنية والحمامة الطيارة (1/379)
{ باب الدعوى }
قوله : فخلطها المودع إلخ الخلط على أربعة أوجه : أحدها : الخلط بطريق المجاورة مع تيسر التمييز : كخلط الدراهم البيض بالسود والجوز باللوز وذلك لا يقطع حق المالك بالإجماع والثاني : خلط بطريق المجاورة مع تعذر التمييز : كخلط الحنطة بالشعير وذلك يقطع حق المالك لأن الحنطة لا تخلو عن حبات شعير فتعذر التمييز حقيقة والثالث : خلط بطريق الممازجة مع خلاف الجنس : كخلط الدهن بالخل وذلك يقطع حق المالك بالإجماع والرابع : خلط بالممازجة للجنس بالجنس : كخلط دهن الجوز بدهن الجوز وهي مسئلة الكتاب فعند أبي حنيفة ينقطع حق المالك وقال أبو يوسف ومحمد : يتخير إن شاء ضمنه مثله وإن شاء شاركه في المخلوط لأن دليل الهلاك لا ينفك عن دليل الوصول فيمنع به الهلاك
بيانه أن التمييز إن تعذر من حيث الحكم والقسمة والقسمة في ما يكال ويوزن إفراز وتعيين بالإجماع لعدم التفاوت فلم يتحقق الهلاك لكن المغايرة قائمة فخبرناه سدا لباب التعدي وله أن الخلط في ما لا يحتمل التمييز استهلاك فينقطع الحق إلى الضمان كالخلط بخلاف الجنس من المائعات وما قالا لا يصلح مانعا من الهلاك لأن القسمة يستحق بالشركة فلا يصح علة لوجب الشركة
قوله : فالقول قوله لأنه إذا كان يعبر عن نفسه فهو في يده فلا ينتقض يده من غير حجة وإذا لم يعبر عن نفسه شابه البهيمة
قوله : فهو لصاحب الجذوع أو الاتصال أما صاحب الجذوع فلأن صاحب الجذوع مستعمل للحائط بما وضع له وهو حمل الجذوع وصاحب الهرادى صاحب تعلق لا استعمال له ولأن الهرادى لا يبني لأجله الحائط فكان صاحب الاستعمال أولى كدابة تنازع فيها رجلان ولأحدهما عليه حمل وللآخر عليه كوز معلق فصاحب الحمل أولى كذا ههنا وأما صاحب الاتصال فكذلك أولى من صاحب الهرادى لأنه مستعمل للحائط أيضا لأن الاتصال بالبناء أن يكون بعض بنائه على بعض بناء الحائط فكان مستعملا بعض بناء ذلك الحائط فكان الظاهر أشهد له وقوله : وصاحب الهرادى ليس بشئ دليل على أنه لو كان لأحدهما عليه هرادى وليس للآخر عليه شئ أنه بينهما وليس يختص به صاحب الهرادى
قوله : في يد واحد منهما يريد أنه لم يكن لصاحب الأرض غرس عليها ولا لصاحب النهر عليه تراب ملقى على شطه
قوله : فهي لصاحب الأرض لأن الحريم أشبه بالأرض صورة ومعنى أما صورة فلأنهما مستويان وأما معنى فلأن كل واحد منهما يصلح للغرس والزراعة فكان الظاهر أشهد له
قوله : نصفان لأن استعمالهما الساحة على السواء وهو المرور وغير ذلك
قوله : أرض ادعاها رجلان يريد أن كل واحد يدعي أنها في يده
قوله : حتى يقيما البينة إلخ لأن اليد حق مقصود يدعيه كل منهما ولعل ذلك في يد غيرهما
قوله : سوى العقار قال بعضهم : إن هذا قول أبي حنيفة أما عندهما يقسم العقار أيضا من غير بينة على الملك وجعل هذه المسئلة فرعا لمسئلة ذكرها في كتاب القسمة وهو أن الورثة إذا طلبوا من القاضي قسمة العقار وقالوا : هذه ورثتنا من أبينا لم يقسم حتى يقيموا البينة على الملك عند أبي حنيفة وعندهما يقسم من غير بينة ولو كانت الدار مشتراة وقالوا : اشترينا هذه قسم من غير بينة بالإجماع وهذا لأن العقار يحتمل أن يكون موروثا ويحتمل أن يكون غير موروث فوجب الاحتياط عند أبي حنيفة وعندهما لما كان الجواب متفقا لم يجب الاحتياط ومنهم من قال : إن هذا بالإجماع ولا يقسم عند الكل لأن القسمة
نوعان : قسمة بحق الملك تكميلا للمنفعة وبحق اليد تكميلا للحفظ ولم يثبت الملك حتى يكون لتكميل المنفعة ولا حاجة إلى الحفظ لأن العقار يحفظ بنفسها بخلاف المنقول فإنه يجب قسمته للحفظ
قوله : وإن كان في يد أحدهما إلخ لأن الزيادة من جنس الحجة لا توجب زيادة في الاستحقاق
قوله : لا يضر بالعلو قال بعضهم : ما حكي عنهما تفسير لما حكي عنه أنه إنما منع لما فيه من ضرر ظاهر لصاحب العلو أما إذا كانت بحال لا يضر صاحب العلو لا يمنع عنده فكان أصلا مجمعا عليه لأن التصرف حصل في ملكه وقال بعضهم : لا بل الخطر أصل عنده والإطلاق يعارض عدم الضرر فإذا أشكل وجب المنع عن ذلك والإطلاق أصل عندهما والخطر يعارض الضرر فإذا أشكل لم يمنع الشك
قوله : فليس لأهل الزائغة إلخ لأنه ليس لهم حق المرور فيها فإذا أرادوا أن يفتحوا بابا فقد أرادوا أن يتخذوا طريقا في ملك غيرهم فمنعوا عن ذلك ومن مشايخنا من قال : لهم أن يفتحوا بابا لكن يمنعون عن المرور وهذا ليس بصواب فإنه نص في الكتاب على أنه ليس لهم أن يفتحوا بابا
قوله : فلهم أن يفتحوا لأن صحنها مشترك بينهم ولهم حق المرور في كل الزائغة فإذا فتح بابا لم يحدث لنفسه حقا لم يكن
قوله : فهو بينهما لاستوائهما في الدعوى والحجة
قوله : فلا خصومة بينهما لأنهما أقرا أن الدار ملك الغير وأنها وصلت إليه بحق أو بغير حق فيكون يده يد غصب أو أمانة والغاصب والمودع لا يكون خصما لمدعي الملك المطلق
قوله : وسعه أن يطأها إلخ لأن المشتري لما جحد الشراء جعل ذلك فسخا في حقه ألا ترى لو تجاحدا جميعا جعل ذلك فسخا في حقه ؟ فإذا أعزم البائع على ترك الخصومة فقد وجد منه ما يدل على الفسخ فإذا اتصل ذلك بفعله وهو إمساك الجارية ونقلها وما أشبه ذلك تم الفسخ
قوله : صدق لأن اسم الدراهم يقع على الجياد والزيوف والقبض لا اختصاص له بالجياد فلم يوجد ما ينافي الدعوى فقبل قوله لأنه منكر به قبض حقه فإذا زاد على الاقتضاء بأن أقر بقبض حقه أو أقر بقبض الجياد أو بالاستيفاء ثم ادعى الزيافة لم يقبل لأنه وجد ما ينافي دعواه فلا يصدق
قوله : فليس عليه شئ لأن رد الإقرار يتفرد به المقر له فيبطل بتكذيبه
قوله : قبلت بينته لأنه لا منافاة بينهما لوضوح التوفيق لعله قضاه دفعا لخصومة مع أنه لم يكن عليه شئ فيوجد صورة القضاء ألا ترى أنه يقال : قضى بحق وقضى بباطل ؟ أو لعله صالحه على مال دفعا لخصومة فثبت عليه المال ثم قضاه بعد ذلك فكان التوفيق ممكنا من هذا الوجه
قوله : لم تقبل بينته لأنه لا يتصور أن يكون بين رجلين خصومة قضاء أو مصالحة ولا يعرف أحدهما صاحبه فيبطل التوفيق وذكر القدوري عن أصحابنا أن بينة القضاء في هذه المسئلة أيضا تقبل لأن التوفيق ممكن بأن الرجل يدعي على رجل محتجب أو امرأة محتجبة فيؤذيه بالشغب على باب الدار فيأمر بعض وكلائه أن يعطيه ما يرضيه فيكون قد قضاه وهو لا يعلم ثم علم بذلك
قوله : لم يقبل بينة البائع لأن التوفيق غير ممكن لأن البراءة من العيب تغيير لصفقة العقد فإذا بطل التوفيق لزم التناقض وذكر الخصاف مسئلة البيع في آخر باب أدب القاضي وذكر فيه خلافا قال : على قول أبي حنيفة لا تقبل على هذا الدفع كما هو المذكور ههنا وعلى قول أبي يوسف تقبل فأبو يوسف سوى بينه وبين الدين وأبو حنيفة فرق (1/382)
{ باب القضاء في الأيمان }
قوله : ضمن ولم يقطع لأن الاستحلاف شرع للنكول وأنه يصلح حجة في الأموال دون الحدود
قوله : ولا يمين في نكاح بأن ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها وأنكرت المرأة أو بالعكس ولا رجعة بأن ادعى الرجل بعد الطلاق وانقصاء العدة أنه راجعها في العدة وأنكرت أو بالعكس ولا في ادعاء نسب بأن ادعى على مجهول النسب أنه ابنه وأنكر هو أو ادعى المجهول أنه والده وأنكر هو ولا في الاستيلاد بأن ادعت الجارية أنا أم ولد مولاي وهذا ابني منه وأنكر المولى ولا في فيء الإيلاء بأن ادعى بعد مضي مدة الإيلاء ( وهي أربعة أشهر ) أنه فاء إليها في المدة وأنكرت أو بالعكس ولا في اللعان بأن ادعت على زوجها أنه قذفها قذفا يوجب اللعان وأنكر هو
ووجه الخلاف في هذه المسائل وأمثالها أن اليمين يكون للنكول وهو إقرار عند أبي يوسف ومحمد والإقرار يجري في هذه الأشياء فيجري اليمين فيها وعند أبي حنيفة هو بذل أي ترك منازعة كأنه ترك منازعة وخصومة وإن لم يكن حقه عليه في الواقع والبذل لا يجري فيها لإن هذه الأشياء لا يثبت لهذا وزيادة تفصيل هذا المقام في حواشي الهداية
قوله : استحلف الزوج لأن المقصود به المال والنكول حجة فيه
قوله : ولم يقتص منه لأن النكول إقرار فيه شبهة لأنه يحتمل أن يكون امتنع منه تورعا فلا يثبت به القصاص بل المال ولأبي حنيفة أن الأطراف يجري مجرى الأموال لكونها مخلوقة لوقاية النفس كالأموال فيجري فيها الفذل فيجب القصاص فيها بخلاف النفس فإنه لا يجري فيها البذل
قوله : على البتات لأن المشترى والموهوب له مالك بسبب شرعي وضع وهذا يفيد علما بأنه ملكه فيصح تحليفه فأما الوارث فلا علم له بما صنع الوارث فطولب بعلم ما كان
قوله : فهو جائز إلخ أما الاقتداء والصلح فهو مروي عن عثمان رضي الله عنه على ما في شرح أدب القاضي المنسوب إلى الخصاف وأما عدم الاستحلاف فلأنه أبطل حقه في الخصومة (1/388)
{ باب القضاء في الشهادة }
قوله : فإنه يسعك إلخ لأنه أقصى ما يستدل به على الملك لقيام يد التصرف بلا منازعة والعبد والأمة إن كان يعرف أنه رقيق فكذلك لأن الرقيق لا يكون في يد نفسه
قوله : استحسانا والقياس أن لا تقبل شهادتهما في الإيصاء أيضا كما لا تقبل في الوكالة وعلى هذا مسائل : منهما : مسئلة الوكالة والثاني : إذا شهد الموصى لهما أن الميت أوصى إلى هذا والثالث : إذا شهد غريمان لهما على الميت دين بهذا والرابع : إذا شهد غريمان عليهما للميت دين بهذا وجه القياس أن هذه شهادة قامت للشاهد أو لأبيه فتمكنت التهمة وجه الاستحسان أن القاضي يملك نصب الوصي إذا كان طالبا والموت معروفا فلا يثبت للقاضي بهذه الشهادة ولاية لم تكن ثابتة قبل ذلك وإنما أسقط عنه في مؤنة التعيين بخلاف التوكيل لأنه لم يملك نصب الوكيل على الغائب فلو ثبت إنما يثبت بهذه الحجة وهذا إذا كان الوصي طالبا والموت معروفا أما إذا لم يكن الوصي طالبا والموت غير معروف لا يملك القاضي نصب الوصي إلا بهذه البينة فيصير هي موجبة فيبطل لمعنى التهمة إلا في غريمين عليهما للميت ديون لأن اعترافهما على نفسهما بموت رب الدين جائز
قوله : لم تقبل لأن البينة إنما تقبل على ما يدخل تحت القضاء والجرح المجرد لا يدخل تحته لأن الجرح حرام إلا إذا تضمن حقا للشرع والعباد ولم يوجد فإن تضمن صح بأن قال المدعى عليه : إني صالحت هؤلاء الشهود بكذا من المال ودفعت إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل فإذا شهدوا فعليهم أن يردوا علي ما أخذوا مني
قوله : جائزة لأن نفس العمل للسلطان ليس بفسق فإن عمر رضي الله عنه كان عامل النبي صلى الله عليه و سلم في الصدقات وكذلك علي وابن مسعود كانا خازني عمر وكثير من الصحابة كانوا عمالا
قوله : جازت شهادته لأن العذر ظاهر وهو مهابة مجلس القاضي فلو رددنا لذلك لما صحت شهادتنا أبدا فإن برح عن مكانه ثم عاد لم تقبل لأنه توهم الزيادة من المدعي بتلبيس
قوله : ومن رأى إلخ يريد به أن أبا يوسف ومحمدا لا يقبلان قول الخصم : إنه عدل يريد به تعديله حتى يسأل عن الشهود غير الخصم لأن من زعم المدعي وشهوده أن المدعى عليه كاذب بالجحود فلا يصلح للتزكية وهذا إذا قال : هم عدول لكنهم أخطؤا أو نسوا أما إذا قال : هم عدول صدقوا في شهادتهم فقد اعترف بالحق
قوله : جائزة لأنهما اتفقا عليه وذكر الطحاوي عن أصحابنا أنها لا تقبل لأن الذي شهد بالقضاء لم يشهد بالمال الواجب والصحيح ما في الكتاب
قوله : باطلة لأن المدعي كذبه في بعض ما شهد به وهذا مبطل لشهادته
قوله : يضربان لحديث عمر رضي الله عنه : أنه ضرب شاهد الزور وسخم وجهه ولأبي حنيفة أن شريحا كان يشهر ولا يضرب
قوله : في الوجهين جميعا لأن هذا الخلاف يمنع الحكم به أعني الغصب فلأن يمنع الحكم بالحد أولى كالاختلاف في الذكورة والأنوثة ولأبي حنيفة أن البقرة قد يجتمع فيها لونان فيكون أحد طرفيها أسود وأحدهما من هذا الجانب فوقع نظره والآخر أبيض والآخر من هذا الجانب فوقع بصره عليه فيصح التوفيق والداعي إليه موجود وهو التحمل في ظلم الليالي من بعيد ولا كذلك الغصب لانعدام الداعي لأنه يوجد نهارا جهارا غالبا ولا كذلك الذكورة والأنوثة لأن الحيوان الواحد لا يشتمل عليهما
قوله : إلا في الحدود والقصاص وقال الشافعي : الشهادة على الشهادة جائز في الحدود القصاص ولنا أن هذه حجة فيها شبهة زائدة وهو أنها هل أخذت من الأصول أم لا فلا يثبت بها شئ من العقوبات كشهادة رجل وامرأتين
قوله : حتى يكون المشهود ليتحقق العجز الذي هو شرط جواز الشهادة على الشهادة وعن أبي يوسف أنه إن كان مسافته بحيث لو غدا عند القاضي للشهادة لم يستطع أن يبيت بأهله صح الإشهاد إحياء لحق المسلمين وعليه الفتوى
قوله : حتى يقول إلخ لأن الشهادة على الشهادة تحميل وتوكيل أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف فلأن الحكم يضاف إلى الفروع حتى أن عند الرجوع يجب الضمان عليهم دون الأصول وإذا كان الحكم مضافا إليهم فإنما يصح تحملهم إذا عاينوا ما هو الحجة والشهادة في غير مجلس القاضي ليست بحجة ويجب عليهم النقل بالأمر ليصير حجة ويتبين أنهم تحملوا فإذا لم يكن بد من النقل لم يكن بد من التحميل وأما عند محمد الحكم يقع بشهادة الكل حتى أن عند الرجوع يشتركون في الضمان فلا بد من نقل الشهادة إلى مجلس القاضي فلا بد من التحميل
قوله : طعن الخصم أو لم يطعن لأن الظاهر لا يصلح للإثبات فوجب إثبات العدالة لدليل ولأبي حنيفة قول عمر رضي الله عنه : المسلمون عدول بعضهم على بعض ولأن العدالة ثابتة ظاهرا وأنها حجة تامة في هذا الباب فإذا طعن فالطعن عارض دليل الظاهر فوجب الترجيح بالسوال بخلاف الحدود والقصاص لأنها تندرىء بالشبهات وفي هذا شبهة وقيل : هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان فإن أبا حنيفة أفتى في القرن الثالث الذي شهد لهم رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) بالصدق ووصفهم بالخيرية وهما أفتيا بالقرن الذي شاع فيه الكذب فكان هذا اختلاف عصر وزمان
قوله : وكذلك الكتاب إلخ يعني إذا ادعى العبد الكتابة أو العتق على مال وأنكر المولى أو ادعت المرأة الخلع وأنكر الزوج لأن المقصود بهذه الدعاوى كلها إثبات السبب وهو مختلف فلا يمكن إثباته لقصور الحجة عن كمال العدد على ما يدعيه المدعي وإن كان الدعوى من المولى إن كان في الكتابة فكذلك أيضا وإن كان في العتق على مال أو من الزوج تقبل الشهادة على ألف لأن العتق والطلاق يثبت باعترافهما فبقي الدعوى في نفس المال فصارت المسئلة نظير مسئلة الدعوى في الدين المطلق بخلاف الكتابة لأن العتق لم يثبت فكان المقصود إثبات السبب وهو مختلف فيه
قوله : تجوز بألف لأن المال في النكاح تابع والازدواج والملك أصل والشاهدان اتفقا على الأصل واختلفا بالتبع فوجب القضاء بالمتفق عليه
قوله : هات شاهدين إلخ حتى يثبت لها المعرفة بالشهادة على الحاضر لأن الشهادة على الحاضر لا تصح إلا بالإشارة إليه
قوله : وكذلك كتاب القاضي لأنه شهادة على الشهادة إلا أن القاضي بولايته يتفرد بالنقل
قوله : لم يجز لأن بني تميم لا يحصون فيكثر الأعيان بهذه الصفة والنسبة فلا يحصل التعريف ما لم ينضم إليه الفخذ
قوله : إلى فخذها هو آخر القبائل الست وفي الكشاف : قوله ( تعالى ) : { وجعلناكم شعوبا وقبائل } : هي الطبقات الست : الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة فالشعب يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمارة والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الأفخاذ والفخذ تجمع الفصائل مثلا خزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة
قوله : رجل كتب على نفسه معناه أن رجلا أقر بمال وكتب الكتاب كتاب الإقرار وكتب في أسفله : من طلب هذا المال وجاء بهذا الكتاب فله ولاية المطالبة إنشاء الله أو كتب الشراء وكتب : فعلى فلان تسليم ذلك إنشاء الله ( تعالى ) فعندهما الشراء جائز والدين لازم وقوله : إنشاء الله تعالى يحمل على من قام بذكر الحق وعلى الخلاص لأن الصك للاستيثاق فصار ذلك دلالة الصرف إليه والقصر عليه ولأبي حنيفة أن الصك بمنزلة شئ واحد فإذا لحقه الاستثناء يعمل به في الكل (1/389)
{ باب القضاء في المواريث والوصايا }
قوله : فالقول قول الورثة لأن سبب الحرمان ثابت في الحال فيثبت ما مضى تمسكا بالحال في معرفة الماضي في حكم الدفع كالمستأجر مع ربط الطاحونة إذا اختلفا في جريان الماء وانقطاعه كان القول قول من شهد له الحال بخلاف المسلم إذا مات وله امرأة نصرانية وهي مسلمة يوم الخصومة فقالت : أسلمت قبل موته وقال الورثة : بعد موته فالقول قول الورثة ولا يحكم للحال لأن الحال ظاهر في دلالته على الماضي فصح التمسك به في معرفة الماضي في حكم الدفع لا في الإثبات
قوله : فإنه يدفع إلخ لأنه يقر على نفسه بتسليم عين ماله إليه بخلاف ما لو أقر أنه وكيله بقبض الوديعة فإنه لا يؤمر بالدفع إليه لأنه معترف لقيام المودع وقيام حقه فلا يملك التصرف عليه
قوله : للأول لأنه شهادة على الأول بعد انقطاع يده عن المال ولا يصح
قوله : ميراث قسم إلخ معنى المسئلة أن الدين إذا ثبت للغرماء وقضى القاضي بديونهم واحتمل أن يكون على الميت دين غيره أو قامت البينة على المواريث ولم يشهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غيره فإن القاضي يتأتى في هذا المكان فإن فعل ولم يظهر له آخر فقضى ذلك هل يأخذ كفيلا أم لا ؟ عند أبي حنيفة لا وعندهما يأخذ لهما أن الموت قد يقع بغتة ولا يخلو الغرماء والورثة عن غائب فكان هذا موضع الاحتياط وله أن الحق ظهر للحاضر فلا يجوز تعطيله صيانة لحق موهوم
قوله : أخذ منه إلخ لأن الجاحد متعد بالجحود منه فوجب الأخذ منه كما في العروض وله أن القضاء وقع للميت وقد ثبت احتمال الائتمان من الميت وبطل جحوده بقضاء القاضي ولا ضرورة إلى الأخذ لأن العقار محفوظة بنفسها ولا كذلك العروض
قوله : ولا يكلف إلخ الأصل أن ملك المورث متى ثبت لا يقضى للوارث حتى يقيم الشهود على الانتقال فيقولون : إنها كانت لأبيه ومات وتركها ميراثا له وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : هو كاف لأن ملك المورث ملك الوارث فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة بالملك للوارث إذا ثبت هذا فلا يشكل أن هذه الشهادة عند أبي يوسف تقبل أما عندهما يجب القبول أيضا لأن الشهادة على الإعارة والإجارة والإيداع إثبات اليد من جهة الميت فيصير إثباتا لليد للميت عند الموت فيصير كالتنصيص على الانتقال إلى الوارث
قوله : جازت الشهادة لأنهم لما شهدوا باليد له وقت الموت فقد شهدوا بالملك له فيثبت النقل إلى الورثة بطريق الضرورة
قوله : لم تقبل لأن الشهادة قامت على مجهول لأن اليد منقطعة للحال ويحتمل أنها كانت يد ملك أو غصب أو أمانة وأما اليد عند الموت فهو إن كان يد ملك فلا شك وإن كان يد غصب يصير يد الملك بالضمان وإن كان يد أمانة يصير يد غصب بالتجهيل
قوله : دفعت إليه إلخ لأن الشهادة قامت على معلوم وهو الإقرار
قوله : فهو على ما فيه الزكاة لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله ( تعالى ) وما أوجب الله من الصدقة مضافة إلى مال مطلق يتناول مال الزكاة لا جميع المال فكذا إيجاب العبد
قوله : جائز لأن الوصية خلافة عن الميت لكونها مضافة إلى زمان لا يمكن فيه الإنابة فلا يتوقف على العلم كما إذا باع الوارث شيئا من التركة بعد موت المورث من غير علم به جاز أما الوكالة فهو إنابة فتكون متوقفة على العلم ويكفي فيه إخبار الواحد لأنه ليس فيه إلزام بل هو إثبات محض فلا يشترط فيه العدد بخلاف عزل الوكيل فإنه يتضمن الإلزام فيكون شهادة من وجه فيشترط أحد شطريها : إما العدد أو العدالة وكذلك إذا أخبر المولى بجناية عبده فإن أخبره اثنان أو واحد عدل به ثم أعتقه كان ذلك اختيارا منه للفداء وإلا لا والتفصيل في الهداية وحواشيها (1/396)
{ باب من القضاء }
قوله : كل شئ إلخ أصل المسئلة أن قضاء القاضي في العقود والفسوخ ينفذ ظاهرا وباطنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف في قوله الأول وعنده في الآخر وعند محمد والشافعي ينفذ ظاهرا لا باطنا وهي تعوف في المختلف
قوله : ضمن الفرق أن القرض تبرع حالا ومعاوضة مآلا فاعتبر تبرعا في حق الوصي معاوضة في حق القاضي لتمكنه من الاستخراج نظرا لليتيم والأب في هذا الحكم بمنزلة الوصي
قوله : إلا أن يكون إلخ وذلك لأن القاضي جعل رسولا عن جماعة من المسلمين ألا ترى أنه لا عهدة عليه وأن الخليفة إذا هلك لم ينعزل القضاة فالوكيل لا يملك التوكيل إلا بإطلاق الموكل فالرسول به أولى فإن ولاه الخليفة صح وصار الثاني من جهة الخليفة لا من جهة هذا القاضي حتى إنه لا يملك عزله إلا أن يقول الخليفة له : ول من شئت واستبدل من شئت
قوله : أمضاه لأن اجتهاد الأول اتصل به العمل فلا ينقضه ما لم يتصل به العمل لأن خطأ القاضي الأول لم يظهر بيقين وإنما ظهر بالاجتهاد والاجتهاد لا يبطل بالاجتهاد
قوله : أب أو وصي إلخ هكذا وجد في النسخة المنقول عنها وليس هذا موضع هذه المسئلة وليس لها أثر في نسخة شرح الصدر وقد مرت المسئلة بوجوهها في باب الشفعة فلعل إيراد هذه المسئلة ههنا من صنيع النساخ
قوله : وسعك أن تفعل لأنا أمرنا بالطاعة ومن الطاعة تصديقه فصار قوله بحق الولاية مثل قول الجماعة فجاز الاعتماد على قوله في كل باب ولذلك صار كتاب القاضي إلى القاضي حجة لأن شهادة القاضي وإخباره مثل شهادة شاهدين وعن محمد أنه رجع عن هذا القول وقال : لا يقبل قول القاضي ولا يحل العمل به إلا أن يعاين الحجة وبهذه الرواية أخذ علماءنا وقالوا : ما أحسن هذا في زماننا لأن القضاة قد فسدوا فلا يؤتمنون إلا أنهم لم يأخذوا بهذه الرواية فى كتاب القاضى إلى القاضى وأخذوا بظاهر الرواية للضرورة
قوله : قول القاضي لأن المأخوذ منه لما أقر أنه فعل ذلك في حالة القضاء صار معترفا بشهادة ظاهر الحال للقاضي فكان القول قوله ولا ضمان على الآخذ أيضا لأن قول القاضي حجة
قوله : وقال محمد أراد برسول القاضي المزكى وعلى هذا الخلاف المترجم عن الشاهد والرسول إلى المزكى لمحمد أن التزكية بمعنى الشهادة فيشترط فيها ما يشترط فيها ولهما أن التزكية ليست بشهادة محضة ولهذا لم يشترط فيها لفظ الشهادة ولا مجلس القاضي وشرط العدد زائد في الشهادة بالنص فلا تصح تعديته إليه
قوله : فإنه يحبسه معناه إذا ظهر للقاضي جحوده عند غيره ومماطلته بعدما أقر مرة عنده فحينئذ يحبس أما إذا أقر مرة ففي المرة الأولى لا يحبس لكن يأمره بقضاء الدين فإذا ظهر تعنته يحبسه
قوله : يبيع العروض أيضا أصله بطلان الحجر على الحر عند أبى حنيفة وجوازه عندهما
قوله : على الوصي إلخ لأن الوصي عاقد بحكم النيابة عن الميت وحقوق العقد كانت ترجع إليه لو باشر بنفسه فكذلك من قام مقامه ثم يرجع هو على الغرماء لأنه تصرف لهم فأما أمين القاضي فهو نائب القاضي والقاضي نائب عن الإمام والإمام نائب عن العامة لكن في معنى الرسول لا في معنى الوكيل فلا ترجع الحقوق إليه بل إلى من وقع له العقد فلم يضمن الإمام ولا القاضي ولا نائبه
قوله : تلقين الشاهد وهو أن يقول القاضي للشاهد : إشهد هكذا وكذا لأن المدعي لو أراد تلقين الشهادة لا يمكن القاضي من ذلك فلأن لا يكون يلقنه بنفسه كان أولى وهو جواب القياس على قول أبي حنيفة ومحمد وبالاستحسان أخذ أبو يوسف فقال : لا بأس به في غير موضع التهمة (1/399)
{ مسائل من كتاب القضاء لم تدخل في الأبواب }
قوله : على قدر مواريثهم لأن نفقة المحارم ما عدا الوالدين والمولودين تعلق بالإرث لقوله ( تعالى ) : { وعلى الوارث مثل ذلك } فتقدرت بقدر الإرث حتى لو كان للصغر أو الزمن أم وجد يجب النفقة عليهما أثلاثا ثلث على الأم وثلثان على الجد بخلاف الوالد في حق الصغار فإنه يجب كل النفقة عليه دون الأم
قوله : غرم الأب لأنه ولد المغرور لأن المغرور أن يشتري رجل جارية وتملكها بسبب من أسباب الملك ظاهرا فاستولدها ثم تستحق الجارية أو يتزوج امرأة على أنها حرة ثم يظهر بالبينة أنها أمة وإذا ثبت أنه ولد المغرور فهو حر بالقيمة كذا روى عن عمر وعلي
قوله : فليس على الأب إلخ لأن الوالد جعل عبدا أمانة في حق المستحق حرا في حق الأب وقد حصل في يده من غير صنعه فلا يضمن إلا بالمنع لما في ولد المغصوب وإنما يصير المنع والغصب حاصلا يوم الخصومة فإذا مات قبل ذلك لم يجب شئ ولو خلف مالا كان ذلك لأبيه لأنه علق حرا في حقه
قوله : دفع المال إليه لأن إقرار المديون يتناول خالص حقه لأنه إنما يقضي الديون من عين هو خالص ملكه فيصح الإقرار وأما إقرار المودع فإنما يتناول مال غيره فلم يصح
قوله : ولم يرجع الغريم إلخ لأن في زعمه أن القابض صادق والطالب ظالم وإذا ظلمني فلا يحل لي أن أظلم غيري
قوله : قد ضمنه عند الدفع لأن معنى التضمين أن يقول : إنك وكيل وقبضك جائز لكن لا آمن أن يحضرني الغائب فينكر الوكالة فهل أنت كفيل عنه لي بما بما يجب عليه ؟ فكفل له بذلك صح ذلك بمنزلة الكفالة بالدرك فإذا ضمنه فحلت الكفالة يرجع عليه
قوله : يرجع عليه لأن العقد وقع للمأمور خاصة بدليل حل الوطىء له والثمن قضي من مال الشركة فيرجع عليه صاحبه ولأبي حنيفة أن العقد وقع بعقد الشركة والثمن من مال الشركة فلا يثبت الرجوع وحل الوطىء يحتمل ثبوته بعقد الهبة وقد جعلها له لما أحل الوطىء ولم يذكر عوضا (1/402)
{ باب الوكالة بقبض مال أو عبد }
قوله : هذا والأول سواء ولا يثبت البراءة كما لا يثبت الشراء لأن التوكيل حصل بالقبض لا بالخصومة والخصومة ليست من القبض فلا يملكها كما في العين وكما لو كان بصيغة الأمر دون التوكيل لكن وقف الأمر احتياطا حتى لا يثبت له ولاية القبض ما لم يحضر الغائب كما في الفصل الأول ولأبي حنيفة أن هذا وكيل بالتمليك والتملك فصار خصما كالوكيل بالشراء والوكيل بأخذ الدار بالشفعة إذا قامت عليه البينة بأن الموكل سلم الشفعة صحت وقضى بذلك وإنما قلنا ذلك لأن المقبوض عين والعين غير الدين فيصير القبض في حكم المبادلة وإن كان قبض الأصل من وجه ومسئلتنا أشبه بمسئلة الأخذ بالشفعة منها بمسئلة الشراء لأنه خصم قبل القبض كالوكيل بطلب الشفعة خصم قبل القبض فأما الوكيل بالشراء فإنما يصير خصمه بعد المباشرة
قوله : لم يكن وكيلا لأن الوكيل من يعمل لغيره ولو صح التوكيل صار الوكيل عاملا لنفسه فلا يصلح وكيلا
قوله : وكيل بقبض الدين لكن لا يفتي به في زماننا لأنه لا يؤتمن على المال من يؤتمن على الخصومة
قوله : فلأحدهما إلخ خلافا لزفر هو يقول : بأن الخصومة تصرف يفتقر إلى الرأي فلا يحتمل الانفراد كالتوكيل بالبيع والشراء والتوكيل بالقبض ولنا أن المعهود في ما بين الناس الاجتماع في تسوية الأمر والانفراد بالتكلم مجلس القضاء تحرزا عن التشويش فصار الانفراد بالتكلم مرادا بدلالة العقد ولا كذلك القبض لأنه أمر مختلف بالرأي ولا ضرورة إلى الانفراد فلا يصح الانفراد
قوله : فالعشرة بعشرته لأن الإتفاق لا يكون إلا بالشراء والوكيل بالشراء يملك أن يقضي الثمن من مال نفسه ثم يرجع في مال الموكل لأن حقوق العقد راجع إليه وهذا استحسان ذكره في الوكالة وأما في القياس يكون متبرعا ويرد مال الموكل لأن الأمر بالانفاق مقصور على المدفوع إليه
قوله : ولا يجوز لأن القاضي مأمور بدرء الحدود والقصاص وفي الاستيفاء بحضرة صاحب الحق احتمال الدرء لأنه إذا حضر وعاين العقوبة ربما يلحقه الرحمة والرأفة على الجاني فيعفو إن كان للعفو فيه مجال
قوله : وقال أبو يوسف إلخ وقول محمد مضطرب والأظهر أنه مع أبي حنيفة له أن الوكيل بمنزلة البدل من الأصل ولا مدخل للبدل في هذا كالبدل في الحجة وهي الشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال وإشارة الأخرس في الإقرار ولهما أن التوكيل تناول ما ليس بحد ولا قصاص ولا يضاف إليه الحد والقصاص ولأن الوجوب يضاف إلى علة الوجوب وهو الجناية والظهور يضاف إلى علة الظهور فأما الخصومة شرط محض لا حظ لها في الوجوب فأشبهت سائر الحقوق (1/405)
{ باب الوكالة بالبيع والشراء }
قوله : أحدهما جاز لأنه قد لا يتفق الجمع والتوكيل حصل مطلقا فوجب إجراءه على إطلاقه بعد أن يشتري بمثل قيمته أو بزيادة يتغابن الناس بمثله
قوله : بمثله الباقي جاز لأن التوكيل حصل مطلقا فيحتمل على إطلاقه كما قلنا ولأبي حنيفة أن هذا بالمقابلة أوجب النصف دلالة والتنصيص على الخمسمائة لكل منهما حجر عن الزيادة قلت الزيادة أو كثرت فكذا هذا إلا أن يشتري الباقي قبل أن يختصما لأن العمل بالصريح أحق من العمل بالدلالة والموكل صرح بتحصيل العبدين بألف
قوله : فهو عبد للمشتري إلخ فرق بين هذا وبين ما إذا وكل غير العبد ليشتريه له فأعلم الوكيل البائع أنه اشتراه لغيره أو لم يعلمه يصير مشتريا للآمر وههنا ما لم يعلم أنه اشترى للعبد لا يصير مشتريا للعبد والفرق بينهما أن بيع نفس العبد من العبد إعتاق وشراء العبد لنفسه قبول الإعتاق فكان بين الشرائين تفاوت فلا بد من البيان والتمييز لأنه إذا اشترى للعبد صار البائع معتقا ولزمه الولاء وإذا اشتراه لغيره لا يصير معتقا ولا يلزمه الولاء وعسى أن يرضى بأحدهما دون الآخر فلم يستغن عن البيان أما إذا كان وكيلا من جهة غير العبد فلا فرق بين الشرائين فإن العهدة في حق البائع يكون عليه على كل حال فلا حاجة إلى البيان فإذا أطلق ههنا وقع العقد للوكيل عملا بحقيقته وهو المعاوضة فيه إلا أن الألف يكون للمولى لأنه كسب عبده وعليه ألف أخرى ثمنا للعبد وإن اشتراه للعبد هل يلزم للعبد ألف أخرى أم لا ؟ لم يذكره في الكتاب وينبغي أن يلزمه لما قلنا
قوله : قول الآمر لأن الأمر قد يكون مطلقا وقد يكون مقيدا والأمر يستفاد من جهته
قوله : قول المضارب لأن الإطلاق فيها أصل ألا ترى أنه لو سمى المضاربة مطلقا صحت فالقول قول من يدعي الأصل
قوله : وإن أمره إلخ أصل هذا أن التوكيل بالشراء إذا أضيف إلى دين على الوكيل فإن كان البائع متعينا بأن قال : اشتر لي من فلان أو يكون المبيع بعينه ليكون البائع متعينا صح بالإجماع وإن كان غير متعين لم يصح عند أبي حنيفة خلافا لهما لهما أن عقد الشراء لا يتعلق بعين الدراهم عينا كان أو دينا ألا ترى أن من اشترى شيئا بالدراهم على البائع ثم تصادقا أن الدين لم يكن لم يبطل الشراء ووجب مثلها ؟ فيصير التقييد بها والإطلاق سواء كما لو عين البائع ولأبي حنيفة أن الدراهم تتعين في الوكالات إذا كان عينا ألا ترى أنه لو وكله بشراء عبد بهذا الألف فهلكت الألف عند الوكيل بطلت الوكالة ؟ فإذا لم يتعين كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين وهو باطل وأما إذا عين انتصب البائع وكيلا بالقبض ثم الشراء والقبض بحكم الشراء واقع بعده فيصير كالتوكيل بالشراء مضافا إلى عين
قوله : قول المأمور لأن الآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو منكر
قوله : وإن لم يكن إلخ إن لم يكن دفع إليه الألف والمسئلة بحالها فالقول قول الآمر وتلزم الجارية المأمور على كل حال أما إذا كانت تساوي خمسمائة فلا يشكل لأنه خالف الشراء وإن كانت تساوي ألفا فالقول قول الآمر أيضا أي يتحالفان وتلزم الجارية المأمور هكذا ذكره فإنه أطلق الجواب ولم يفصل بينهما وكان ينبغي أن تلزم الجارية الآمر في هذا الفصل لأنه اشتراها بألف فتلزم الآمر فإن من وكل رجلا أن يشتري له جارية بألف فاشترى جارية تساوي ألفا بخمسمائة تلزم الآمر ومع هذا قال : تلزم المأمور وإنما كان هكذا لأن الوكيل بالشراء مع الموكل ينزل منزلة البائع مع المشتري فالاختلاف بينهما يوجب التحالف فإذا تحالفا وجب فسخ العقد فتلزم الجارية المأمور
قوله : باطلة أصله أن الوكالة تتحمل الجهالة اليسيرة ولا تتحمل الجهالة الفاحشة
قوله : رجل أمر آخر إلخ قال الفقيه أبو جعفر : إنما فارقت هذه المسئلة ما سبق حتى أوجب التحالف ثمة وألزم الجارية للمأمور وههنا لم يوجب التحالف وألزمه للآمر لأن البائع ههنا حاضر مصدق للمأمور فصار كإنشاء البيع فبطل الاختلاف وثمة البائع غائب
قوله : لم يجز لأن المقصود من التوكيل الانتفاع برأي الوكيل لا بعبارته إذ الناس يتفاوتون في الرأي لا في العبارة فإذا وكل غيره وغاب فقد فات رأيه وإن لم يغب فقد حضر رأيه وإنما فات عبارته
قوله : وقال إنما خص قولهما بالذكر مع أنه حكم مجمع عليه لأن الشبهة إنما ترد على قولهما لأن تصرفات المرتد بالبيع والشراء نافذة عندهما وإن قتل على ردته ولكن تصرفاته على ولده موقوفة بالإجماع
قوله : كذلك أي لا يجوز بيع واحد منهما ولا شراءه ولا نكاحه لأنه لا ولاية للحربي على المسلم لأنه أبعد من الذمي فإذا لم يثبت للذمي ولاية على ابنته المسلمة الصغيرة فالحربي أولى وكذلك المرتد لأن الولاية تبتنى على معنى النظر واتفاق الملة يدل إليه وهو ههنا متردد
قوله : خيرا لليتيم جاز لأن المشروع في حق الصبي هو النظر والمقصود من الحوالة هو التوثيق وأنه لا يحصل إلا أن يكون المحتال عليه أملأ من المحيل فلا يجوز من الوصي بدون خيرية الثاني
قوله : ولا ضمان عليه لأن الاستيفاء حق الوكيل والرهن والكفالة يؤكدان الإستيفاء فلم يصح الحجر عنه فإذا ضاع الرهن في يده فقد هلك استيفاءه
قوله : وكذلك الخلع وإن قدر الثمن وبدل الخلع لأن الخلع والبيع يحتاجان إلى الرأي والتدبير وهو رضي برائهما فإذا تفرد واحد بطل غرضه (1/407)
{ كتاب الدعوى }
قوله : فهو ابنه هذا إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء فإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا أو لأقل من سنتين من وقت البيع لم يصح دعوة البائع ما لم يصدقه المشتري
قوله : بحصته من الثمن يريد أنه يقسم الثمن على قيمة الجارية وعلى قيمة الولد فما أصاب الأم يسقط وما أصاب الولد يرد البائع على المشتري
قوله : قال هو ابن عبدي إلخ تفسير المسئلة صبي في يد رجل ولد في يده وهو يبيعه ولا يأمن المشتري أن يدعيه البائع يوما فينتقض البيع فيقر بالنسب لعبده الغائب خوفا من انتقاض البيع
قوله : لم يكن ابنه أبدا لأن هذا إقرار بما لا يحتمل النقض فلا يبطل برد المقر له كمن شهد على رجل بنسب فردت شهادته لمعنى ثم ادعى الشاهد أنه ابنه لم يصح وعندهما إذا صدقه الغائب ولم يعرف منه تصديق ولا تكذيب لا يصح دعوة المقر أما إذا كذبه الغائب يصح دعوة المقر لأن الإقرار قد بطل بالجحود والتكذيب فصار كأن لم يكن
قوله : وبطل عتق المشتري لأنه لما صحت الدعوة في هذا لقيام الملك وقت العلوق والدعوة جميعا يتبعه الآخر لأن أحدهما لا ينفصل عن الآخر في حكم النسب والحرية
قوله : فهو ابن النصراني لأنه لا تعارض بين دعوى الرق وبين دعوى النسب ليترجح بالإسلام لأن إثبات النسب أقوى
قوله : حتى تشهد إلخ يريد امرأة لها زوج لأنها قصدت إلزام النسب على الغير وسبب لزوم النسب قائم وهو النكاح لكن الحاجة إلى إثبات الولادة وتعيين الولد وفي إثبات الولادة وتعيين الولد إلزام عليه فوجب إثباته بحجة
وحجة إثبات الولد شهادة القابلة هذا إذا كانت منكوحة فإن لم تكن منكوحة لكنها معتدة وادعت النسب على الزوج احتاجت إلى حجة تامة عند أبي حنيفة هذا إذا ادعت إلزام النسب على أحد : أما إذا لم تدع إلزام النسب على أحد بأن لم تكن معتدة ولا منكوحة بأن ولدت من الزنا كان القول قولها من غير حجة
قوله : وإن لم تشهد امرأة لأن الخصم قد اعترف
قوله : فهو ابنهما لأن كل واحد منهما قصد إبطال حق الآخر فلا يقدران والفقه فيه أن أيديهما تثبت عليه على السواء فلا يملك أحدهما إبطال حق صاحبه كثوب في يد اثنين يزعم كل واحد منهما أنه بيني وبين فلان لا يصدقان ويكون الثوب بينهما كذا هذا (1/413)
{ كتاب الإقرار }
قوله : فهو ضامن لأنه إقرار بسبب الضمان والأخذ وادعى ما يوجب البراءة وهو المنكر فالقوال قوله مع اليمين ووجب الضمان على المقر إلا أن ينكل الخصم عن اليمين فحينئذ لا يلزمه
قوله : لم يضمن لأنه ما أقر بسبب الضمان بل أنكره حيث أضاف الفعل إلى صاحب المال فكان القول قوله مع يمينه
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ لهما أن المقر أقر باليد له ثم ادعى عليه الاستحقاق فوجب الرد وإثبات قوله بالحجة كما في الوديعة واستحسن أبو حنيفة الفرق بينهما وذكر القمي الفرق بينهما فقال : في مسئلة الوديعة قال : فأخذتها منه فوجب جزاؤه وجزاء الأخذ الرد وفي مسئلة العارية قال : فردها علي فافترقا لافتراقهما في الوضع لكن هذا غير صحيح لأنه ذكر الأخذ في كتاب الإقرار وكذا ذكر عن أبي يوسف ومحمد الأخذ ههنا وإنما الفرق لأبي حنيفة أن اليد في باب العارية والإجارة ضرورية فيكون عدما في ما وراءه فلا يكون هذا إقرارا باليد له مطلقا بخلاف الوديعة لأن اليد حق مقصود في عقد الوديعة فيكون الإقرار منه بأن العين كان في يده إقرارا بالملك له
قوله : إذا وصل صدق لأن ظاهر كلام المرأ منصرف إلى الجياد ويحتمل الزيوف فكان هذا بيانا فيه معنى التغيير فيصح متصلا ولا يصح منفصلا وكذلك الستوقة لأنها دراهم مجازا ولأبي حنيفة أن الزيافة عيب ومطلق العقد يقتضي السلامة عن العيوب فكان دعوى الزيافة رجوعا عن بعض ما أقر به فلا يصح
قوله : صدق لأنه ليس لهما مقتضى في الجودة والزيافة فإن كل واحد منهما يرد على السليم والمعيب فكان بيانا محضا فيصدق وصل أم فصل
قوله : وإن وصل صدق لأنه استثناء والاستثناء إنما يعمل إذا كان موصولا ولا يعمل إذا كان مفصولا ولو فصل بينهما بفصل يقع بطريق الضرورة بأن انقطع عليه الكلام ثم وصل به روي عن أبي يوسف أنه قال : يعمل هذا وعليه الفتوى فإن هذا وصل من حيث الحقيقة
قوله : وللآخر خمسون لأن إقراره على الميت لا ينفذ فجعل كالمستوفي بنفسه (1/416)
{ كتاب الصلح }
قوله : لا يعود عليه لأن الإبراء ثبت مطلقا فيثبت البراءة مطلقا وإنما قلنا ذلك لأن أداء خمسمائة لما لم يصلح عوضا لم يوجب تعلق الإبراء به فيحصل الإبراء مطلقا ولهما أن الإبراء حصل بشرط مرغوب فيتعلق بسلامتها كما إذا أبرأه على عوض مسماة وإنما قلنا ذلك لأنه لما أبرأ بتعجيل خمسمائة وأدائها غدا فلعل له رغبة في ذلك وقوله : على أنك بريء لم يخرج إلا مخرج الأعواض فلم يثبت إلا مقابلا والمقابل يصلح أن يكون شرطا لكونه مرغوبا ولا يصلح عوضا محضا
قوله : لم يجز له لأن رقبته ليست من التجارة وإنما هي للخدمة ألا ترى أنه لا يبيع رقبته ولا زكاة على مولاه
قوله : جاز لأنه عبده من التجارة ففوض التصرف في ذلك إليه وقد صار بمنزلة المستحق فإذا صالح فكأنه اشتراه
قوله : يبطل الفضل لأن حقه من القيمة مقدر فلا يحتمل الزيادة لأنه يصير ربا كما في مسئلة العتق بخلاف الغبن اليسير لأنه ما يدخل تحت التقويم فلم يكن من باب الفضل ولأبي حنيفة أن هذا اعتياض عن حقه فيصح بالغا ما بلغ وإنما قلنا ذلك لأن الهالك في حكم الصلح بمنزلة القائم والدليل عليه أن الصلح لو وقع على كر شعير بغير عينه وقبض في المجلس صح ولو كان عن القيمة لبطل لكونه سلما حالا دل على أن الهالك في حكم الصلح بمنزلة القائم وهذا المال يصلح عوضا كما يصلح استيفاء فالظاهر الاستيفاء إلا أنه قام دليل على جهة الاعتياض وهو طلب الزيادة بخلاف العتق لأنه استيفاء
قوله : جاز لأنه ليس بمكره فيه وهذا إنما يكون في السر أما إذا كان في العلانية يؤخذ (1/419)
{ كتاب المضاربة }
قوله : لم يجبر لأنه وكيل والوكيل متبرع والمتبرع لا يجبر على تسليم ما تبرع به فإذا امتنع الجبر قيل له : أحل رب المال على التقاضى أي وكله لأن الحوالة تستعمل في موضع الوكالة بمعنى النقل وإنما أمر بالتوكيل لأن العهدة على العاقد والآمر ليس بعاقد فأمر بالتوكيل ليصلح مطالبة رب المال وكذلك على هذا كل وكيل بالبيع فأما الذي يبيع بالأجرة كالبياع والسمسار فلا بد من أن يجبر على الاستيفاء ويجعل بمنزلة الإجارة الصحيحة بحكم العادة
قوله : فإن شاء رب المال لأن الدعوة انعقدت صحيحة في الظاهر حملا على وجه الصحة وهو فراش النكاح لكن لم ينفذ لفقد الشرط هو الملك له فيهما ألا ترى أن كلاهما مشغولان برأس المال فلا يظهر الربح كالمضارب إذا اشترى عبدين بمال المضاربة وليس في كل واحد منهما فضل فالربح لا يظهر عندنا خلافا لزفر فإذا وجد الملك في الأم نفذت الدعوة بخلاف ما إذا أعتق المضارب الولد ثم ظهرت الزيادة حيث لا يصح الإعتاق لأن الإعتاق إنشاء فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعد ذلك أما هذا إخبار عن علوق سابق فينفذ إذا حدث الملك فإذا نفذت الدعوة ثبت النسب وعتق الولد إلا أنه لا يضمن نصيب رب المال في الولد لأن العتق ثبت بالنسب والملك فأضيف إلى آخرهما وجودا وهو الملك وأنه ثبت بالزيادة بغير صنعه فوجبت السعاية على الولد في نصيب رب المال وهو ألف ومائتان وخمسون ألف رأس المال والباقي نصف الربح فإذا استوفى رأس المال ظهر أن الأم كلها ربح فصار النصف منها للمضارب وقد صحت الدعوة فإذا ملك شيئا ههنا صار أم ولد له وضمن نصف قيمتها لرب المال موسرا كان أو معسرا لأنه ضمان ملك فلا يختلف باليسار والإعسار ولا يفتقر إلى الصنع
قوله : فإنه يغرم إلخ لأن المضارب عجز عن أداء الثمن من المضاربة وأداء الثمن واجب عليه لأنه هو المشتري وربع العبد ملكه وثلاثة أرباعه ملك رب المال فيجب عليه أداء الثمن ما هو ملكه من ماله وأداء ثمن ما هو ملك رب المال عليه أيضا لكن له حق الرجوع على رب المال ويخرج ربع العبد من أن يكون مال المضاربة لأن مال المضاربة أمانة في يد المضارب وربعه صار مضمونا عليه بالثمن وضمان المضارب ينافي المضاربة فخرج ذلك الربع من أن يكون مضاربة والباقي بقي على المضاربة ورأس المال ألفان وخمسمائة لكن لا يبيعه مرابحة إلا على ألفين لأنه اشترى بألفين
قوله : وربعه على المضارب لأن الفداء مؤنة الملك والملك مشترك فكذلك الفداء وإذا فديا يخرج العبد من أن يكون كله من مال المضاربة أما نصيب المضارب فلما مر أن الضمان ينافي المضاربة وأما نصيب رب المال فكذلك لأنه صار كالزائل عن ملكهما بالجناية ثم اشتريا لأنفسهما فيكون ثلاثة أرباعه لرب المال وربعه للمضارب ويخدم للمضارب يوما ولرب المال ثلاثة أيام
قوله : فهو على المضاربة لأن الإيضاع توكيل بالتصرف والتصرف حق المضارب فيصح التوكيل به فلم يكن أخذه استردادا منه فلم ينقض المضاربة بخلاف ما إذا اشترط في العقد على رب المال العمل حيث لا يصح المضاربة لأن ذلك يمنع التخلية والتخلية شرط صحة المضاربة وهذا بخلاف ما إذا دفع المضارب إلى رب المال مضاربة حيث لا يصح لأن الشركة تنعقد على مال رب المال وعمل المضارب وههنا لا مال للمضارب فلا تصح هذه الشركة فبقي عمل رب المال بأمر المضارب فلم يبطل المضاربة الأولى
قوله : فليست نفقته إلخ لأن النفقة إنما تجب بالاحتباس كالمرأة تستوجب النفقة باحتباسها في منزل الزوج والقاضي يستوجب الكفاية إذا ثبت هذا قلنا : إن المضارب في مصره ساكن بالسكنى الأصلي لا للمضاربة وإذا سافر يجب النفقة لأنه صار محبوسا بالعمل للمضاربة فأشبه المرأة في بيت الزوج والقاضي في أعمال المسلمين هذا إذا خرج للسفر وإن كان خروجه دون السفر بطرف من أطراف المصر ينظر إن كان يغدو ثم يروح إلى منزله فليس له حكم الخروج لأن هذا بمنزلة المصر فإن أهل المصر يتجرون في السوق ثم يبيتون في منازلهم وإن كان لا يبيت بأهله كانت نفقته في مال المضاربة لأن خروجه قد صار للمضاربة
قوله : ففي ماله وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يدخل في النفقة لأن الدواء لإصلاح بدنه وتمكنه من إقامة العمل كالنفقة وجه ظاهر الرواية أن الحاجة إلى النفقة معلوم وقوعها بخلاف الدواء ألا ترى إلى أن نفقة المرأة على الزوج ودواءها في مالها ونفقة المرهون على الراهن ودواءه على المرتهن
قوله : فهو متطوع أصله أن التصرف في المضاربة على ثلاثة أقسام : قسم من باب المضاربة وتوابعها فيملكها بمطلق الإيجاب وهو إلإيداع والإبضاع والإجارة والاستيجار والرهن والارتهان وما أشبه ذلك وقسم آخر ليس من المضاربة المطلقة لكن يحتمل أن يلحق بها عند وجود الدلالة وهو إثبات الشركة فى المضاربة بأن يدفع إلى غيره مضاربة أو يختلط المضاربة بماله أو بمال غيره فإنه لا يملك هذا لمطلق المضاربة لأن رب المال لم يرض بشركة غيره وهذا أمر زائد على ما يتناوله التجارة فلا يتناوله مطلق المضاربة لكن يحتمل أن يلحق به فإذا قيل له : اعمل برائك فقد ملك ذلك وقسم آخر ليس من المضاربة ولا يحتمل أن يلحق بها وهو الإقراض والاستدانة على رب المال لأنه ليس بتجارة إلا أن ينص عليه فإذا نص عليه اعتبر بنفسه حتى يصير بمنزلة شركة الوجوه لا مضاربة إذا ثبت هذا قلنا : إذا حملها بمائة من عنده فقد استدان على المضاربة بعد استغراق رأس المال فلم ينفذ على رب المال فصار متبرعا به وكذلك إذا قصرها بمائة
قوله : فهو شريك بما زاد حتى لو بيع الثوب كان ما يختص قيمة الصبغ للمضارب وإذا صار شريكا لا يضمن الثياب لأن قوله : إعمل برائك أفاد له ولاية الخلط والشركة ولو لا ذلك لكان لرب المال أن يضمنه بخلاف الاستدانة لأنه لا يستفاد له ولايته إلا بالتصريح
قوله : فله أجر مثله لأنه ابتغى عن منافعه عوضا ولم ينل ذلك لمكان الفساد فيجب أجر المثل وأما فساد المضاربة فلأنها جوزت بطريق الشركة وهذا الشرط يقطع الشركة لأنه ربما لا يربح إلا عشرة
قوله : ضمن ليفيد التقييد وهذا يدل على وجوب الضمان ههنا بالشراء بالمال والضمان يتعلق بالإخراج نص عليه في كتاب المضاربة والتقرر يتعلق بالشراء فكنى بالضمان ههنا عن التقرر
قوله : نصفان لأنه شرط لنفسه نصف ما ينسب إلى المضارب وقد ربح نصف الربح فيكون بينهما
قوله : ونصفه لرب المال ولا شئ للمضارب الأول لأنه شرط لنفسه نصف الفضل مطلقا ولم يسلم له ذلك إلا أن يصرف ما شرطه المضارب الأول إلا نصيبه خاصة
قوله : ولا تكون المفاوضة إلخ أصله أن المفاوضة جائزة عندنا خلافا للشافعي فإذا جازت اقتضت ثلاثة أشياء : الوكالة في أعمال التجارة وتوابعها والكفالة بضمان التجارة ولواحقها والاستواء في رأس المال ابتداء وانتهاء إذا ثبت هذا قلنا : لا يصح المفاوضة بين الحر والعبد لأنهما ليسا بسواء لأن الكفالة من العبد لا يصح وكذلك مفاوضة الحر والمكاتب وكذلك مفاوضة العبدين والمكاتبين وكذلك مفاوضة الصبي التاجر والبالغ ومفاوضة الحرين الكبيرين المسلمين أو الذميين صحيح لوجود شرائط المفاوضة وأما بين المسلم والذمي لا يصح عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف
قوله : ولا تفسد المفاوضة لأن التساوي في غير جنس المال ليس بشرط حتى لو ملك دراهم أو دنانير أو وهبت له فسدت
قوله : إلا بدراهم أو دنانير لأن غير المضروب يتعين بالتعيين فيؤدي إلى ربح ما لم يضمن يعني إذا تعين فإذا هلك قبل التسليم لا يكون على المضارب شئ بخلاف ما لا يتعين
قوله : بمثاقيل ذهب أو فضة لأنها سلعة في هذه الرواية فتتعين بالتعيين فيؤدي إلى ربح ما لم يضمن وقال في كتاب الصرف : النقرة لا تتعين بالتعيين فعلى قياس تلك الرواية تصح المضاربة والشركة بها
قوله : قول المضارب لم يذكر ههنا قول أبي حنيفة أولا وذكر في المضاربة من المبسوط وقال : كان يقول أولا : القول قول رب المال لأن المضارب يدعى الشركة ورب المال ينكر ثم رجع وقال : القول قول المضارب لأن حاصل اختلافهما وقع في مقدار المقبوض والقابض أحق بمعرفة مقدار المقبوض ألا ترى إلى أن القول قول الغاصب في مقدار المغصوب ؟ فهذا أولى
قوله : قول رب المال لأن العامل يدعي تقويم العمل ورب المال ينكر قوله : فإنه يدفع إلخ فرق بين المضارب وبين الوكيل بالشراء إذا كان الثمن منقودا إليه فإنه إذا اشترى شيئا وهلك الثمن المنقود ورجع الوكيل به على الموكل ثم هلك من بعد فإنه لا يرجع عليه بعد ذلك والمضارب يرجع مرة بعد مرة أخرى وفرق في الوكالة بين ما إذا كان الثمن منقودا وبين ما إذا لم يكن فإنه إذا اشترى الوكيل ولم يكن الثمن منقودا وقبض من الموكل وهلك عنده غرم من ماله ولم يرجع به على الموكل وإن كان الثمن منقودا وهلك بعد الشراء رجع الوكيل على الموكل وإنما افترق الفصلان في الوكالة لأن قبض الوكيل قبل الشراء بحق الأمانة دون الاستيفاء فإذا هلك بعد الشراء فهو دائم على الأمانة ورجع به على الموكل فصار مستوفيا ثم لا يرجع به أما إذا لم يكن الثمن منقودا حتى اشترى ثم قبض فقد استوفى فلا يرجع وأما الفرق بين المضاربة والوكالة أن الضمان لا ينافي الوكالة وبالشراء وجب على الوكيل للبائع الثمن ووجب للوكيل على الموكيل مثل ذلك فيرجع عليه بخلاف الكفيل فإنه لا يطالب الأصيل ما لم يطالب ولم يرجع عليه ما لم يؤد الدين فإذا استوفى حقه من الموكل حمل قبضه على جهة الإستيفاء لا على جهة الأمانة فإذا استوفاه مرة لم يبق الحق أصلا أما المضارب لا يصلح أن يكون ضامنا بكل حال فإذا حمل قبضه على الاستيفاء لصار ضامنا فحمل قبضه على جهة الأمانة
قوله : فإنه جائز لأن اشتراط العمل عليه لا يمنع التخلية لأن للعبد يد ألا ترى أنه ليس للمولى أن يسترد ما أودع لعبد من يد المودع ؟ (1/421)
{ كتاب الوديعة }
قوله : فأبى إلخ المسئلة على أربعة أوجه : إما أن يحلف لكل واحد منهما أو حلف للأول ونكل للثاني أو على العكس أو نكل لهما جميعا فإن حلف لكل واحد منهما فلا شئ لهما وإن حلف للأول ونكل للثاني فالألف له ولا شئ للأول وإن نكل للأول وحلف للثاني فالألف للأول وإن نكل للثاني أيضا فالألف بينهما نصفان وعليه ألف أخرى لأنه أوجب الحق لكل واحد منهما ببذله أو بإقراره وينبغي أن لا يقضي القاضي بالنكول للأول حتى يحلفه للثاني ليظهر وجه الحكم فإذا نكل لهما قضى لها جملة
قوله : حيث شاء أجمع أصحابنا أن له أن يخرج بالوديعة إذا لم يكن له حمل ومؤنة فإذا فعل لا يضمن طال الخروج أو قصر وأما إذا كان له حمل ومؤنة اختلفوا فيه فقال أبو حنيفة : له ذلك في الوجهين ولا يضمن طال الخروج أم قصر وقال محمد : ليس له ذلك إذا فعل ضمن طال الخروج أو قصر وقال أبو يوسف : إن طال فكما قال محمد وإن قصر فكما قال أبو حنيفة
قوله : ويدفعها إلى من شاء لأن الأمر مطلق فانصرف إلى الحفظ المعهود وإنما يحفظ الإنسان ما له في العادة بيده أو بيد من في عياله
قوله : إلى من لا بد له منه بأن كان الوديعة دابة وقال : لا تدفعها إلى غلامك أو ما يحتاج في حفظها إلى امرأته لا محالة وقال : لا تدفعها إليها
قوله : لم يضمن لأنه إن كان النهى مفيدا فالعمل به غير ممكن
قوله : ضمن لأن النهي مفيد لأن من العيال من لا يأتمن على المال والعمل به ممكن
قوله : لم يضمن لأن البيتين في دار واحد فلما يتفاوتان فلم يفد الشرط فلم يصح حتى لو كان الشرط مفيدا صح بأن كانت الدار عظيمة والبيت الذي نهاه عنه عورة ظاهرة
قوله : له ذلك لأنه طلب منه تسليم نصيبه فصح كما لو كان دينا ولأبى حنيفة أن الحاضر يطلب حق غيره فلا يلزم تسليمه
بيانه أن حقه شائع وهو يطلبه بتسليم مال معين وذلك لا يصلح حقا له إلا بالقسمة والقسمة لا تصح بالإجماع بخلاف الدين لأن المديون يسلم له ماله فصح الطلب
قوله : أيهما شاء لأن الثاني قبض المال من يد ضمين فصار ضامنا كمودع الغاصب ولأبي حنيفة أن نفس الإيداع الذي لا يقطع رأي الأول مطلق له بدليل أن الأول لو لم يفارق الثاني وأمره أن يحفظه لحضرته فهلك لم يضمن فإذا فارق الأول الثاني فإنما يضمن الأول بالتضييع لترك الحفظ والثاني صار أمينا ولم يضيع (1/430)
{ كتاب العارية }
قوله : فله أن يعيرها العارية على أربعة أوجه : إما أن يكون مطلقة في الوقت والانتفاع جميعا أو يكون مقيدة في حق الوقت والانتفاع جميعا أن قيدها بيوم ونص على ضرب منفعة أو يكون مقيدة في حق الوقت مطلقة في حق الانتفاع أو بالعكس ففي الوجه الأول للمستعير أن ينتفع به أي نوع شاء في أي وقت شاء عملا بإطلاق العقد وفي الوجه الثاني ليس له أن يعدو عن ذلك عملا بالتقييد إلا أن يكون خلافا إلى خير أو إلى مثل السمي فحينئذ لا يضمن وفي الوجه الثالث والرابع يعمل بذلك أيضا إذا ثبت هذا قلنا في مسئلة الكتاب إذا أطلق العقد في حق الوقت والانتفاع جميعا له أن يركب إن شاء وأن يحمل إن شاء ولو أعار غيره للحمل جاز لأن الناس لا يتفاوتون في الحمل والمستعير عندنا يعير في ما لا يتفاوتون فيه خلافا للشافعي
قوله : مع أجنبي ضمن لأن المستعير في حق العين مودع يملك الدفع إلى يد من في عياله وعبيده وعبده في عياله وكذا أجيره إذا كانت مسانهة أو مشاهرة فأما إذا كانت مياومة فلا ولا كذلك الأجنبي
قوله : يكتب : إنك أعرتني لأنه هو الموضوع للعقد وكان أحق من الإطعام وله أن الإعارة إنما وقعت للزراعة وذلك يحتاج فيه إلى مدة مديدة ومطلق الإعارة لا يدل عليه ولفظ الإطعام يدل على الزراعة فكان هو أولى (1/433)
{ كتاب الهبة }
قوله : حتى يتقابضا أصله أن الهبة بشرط العوض ينعقد تبرعا عندنا حتى لا يتم إلا بالتقابض وتبطل بالشيوع ولا يجب به الشفعة في العقار وإذا اتصل القبض صار بيعا فحينئذ يجب به الشفعة في العقار ويرد بالعيب
قوله : فله أن يرجع إلخ لأن المانع عن الرجوع خاص فامتنع فيه دون غيره وتفسير التعويض أن يأتي الموهوب له بلفظ يعلم الواهب أنه عوض هبته بأن يقول : هذا عوض هبتك أو مكافآت هبتك أو ثواب هبتك أو بدل هبتك أو جزاء هبتك أما إذا وهب الواهب شيئا وهو لم يعلم بأن هذا عوض هبته فلكل واحد أن يرجع في هبته
قوله : والشرط باطل لأنه يخالف موجب العقد والهبة لا تفسد بالشروط الفاسدة
قوله : فليس له أن يرجع في شئ منها لأن الزيادة المتصلة في الموهوب يمنع الرجوع والشجر والبناء في بعض الناحية يعد زيادة في الكل وكذلك الدكان ولآرى يعد في زيادة في الكل وهذا إذا كان الدكان كبيرا بحيث يعد زيادة أما إذا كان صغيرا حقيرا بحيث لا يعد زيادة فلا عبرة ولو كانت الأرض كبيرة لا يعد في الكل وإنما يعد زيادة في تلك القطعة فيرجع في غيرها
قوله : فله أن يرجع في نصفها لأنه صح الرجوع في الكل ففي النصف أحق
قوله : فهو سكنى لأن قوله : داري لك هبة ظاهرة لتمليك الرقبة وهو يحتمل تمليك المنفعة لأن الإضافة بلام التمليك يحتمل الإجارة والعارية ولهذا حمل عليه في باب اليمين إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخلها وهو ساكن فيها بإجارة أو بإعارة فإنه يحنث فثبت أن لام التمليك يحتمل ملك السكنى وإن كان أصله ملك الرقبة فصار ذلك كلاما محتملا وقوله : سكنى محكم لملك المنفعة فجعل المحكم قاضيا عليه كما قلنا في الرجل يقول لامرأة : تزوجتك شهرا : إن التزوج محتمل للمتعة والشهر محكم في حق المتعة فجعل المحكم قاضيا على المحتمل حتى صارت متعة فصار ذلك بمنزلة قوله : لفلان علي ألف درهم وديعة إن ذلك أمانة
قوله : فهي هبة لأن قوله : تسكنها لا يصلح مغيرا لصدر الكلام لأنه فعل وليس بصفة فبقي مشورة أو شرطا فاسدا فوجب العمل بظاهر الكلام الأول كأنه قال : داري لك هبة فسكت
قوله : لم يجز فالحاصل أن أبا حنيفة أجاز الصدقة على اثنين ولم يجز الهبة لكن جعل الهبة عبارة عن الصدقة إذا صادفت الفقير والصدقة عبارة عن الهبة إذا صادفت الغني وذكر في كتاب الهبة أن الصدقة على اثنين باطل عند أبى حنيفة كالهبة فصار عن أبي حنيفة في جواز الصدقة على اثنين روايتان : في رواية هذا الكتاب يجوز وفي رواية كتاب الهبة لا يجوز والحجج تعرف في المختلف
قوله : فهو باطل لأن تمليك الدين فيه معنى الإسقاط من وجه وإبراء الدين إسقاط فيه معنى التمليك فصار التصرف في الدين تمليكا من وجه وإسقاطا من وجه ولهذا تم الإبراء من غير قبول وارتد بالرد والتعليق بالشرط مشروع في الإسقاط المحض أما فيما فيه شبهة التمليك فليس بمشروع (1/435)
{ باب ما ينقض بعذر وما لا ينقض }
قوله : فهو عذر لأن السفر قد يتعذر بهلاك أسبابه فلو لم ينقض لزمه الضرر
قوله : ذلك فليس بعذر لأنه قادر على المضي بأن يبعث تلميذه يقوم على الإبل فلا عذر له
قوله : ثم باعه فليس بعذر لأنه قادر على المضي في موجب العقد لأنه لا ضرر في نفسه بأن يصبر حتى ينتهي مدة الإجارة
قوله : وترك العمل فهو عذر لأنه عجز عن المضي عن موجب العقد لأن تجارته تنقطع عند الإفلاس فلو لم ينقض لزمه ضرر في ما لم يستحق بالعقد
قوله : في الصرف فليس بعذر لأنه ليس بعاجز لأنه يمكنه أن يستعمل الغلام للخياطة وهو في ناحية من الحانوت يعمل في الصرف فأفلس وترك العمل فهو عذر وإن أراد ترك الخياطة وأن يعمل في الصرف
قوله : ثم سافر فهو عذر لأنه لا يمكنه أن يسافر به لأن خدمة السفر أعظم من الحضر والحجر من السفر غير ممكن لأن في الحجر ضررا غير مستحق بالعقد فصار بمعنى العيب ولو كان الاستيجار ليخدمه مطلقا فكذلك الجواب لأن المستأجر لا يملك أن يسافر به وإن كان العقد مطلقا لتفاوت في الخدمة
قوله : تنتقض وهل يكون قضاء القاضي أو التراضي شرطا للنقص ؟ ذكر ههنا أن شيئا من ذلك ليس بشرط بل يتفرد العاقد بالفسخ لأنه في معنى العيب قبل القبض والعيب قبل القبض يثبت ولاية الفسخ من غير قضاء في باب البيع فكذا ههنا وذكر في الزيادات وجعل قضاء القاضي شرطا فصار في المسئلة روايتان والصحيح ما ذكر ههنا وإنما يحتاج إلى القضاء إذا كان العذر يحتمل الاشتباه (1/438)
{ باب الإجارة الفاسدة }
قوله : فالإجارة فاسدة إلخ أما فساد الإجارة في هذه الصور فلأنه جعل الأجر بعض ما يخرج من عمله فكان في معنى قفيز الطحان وهو أن جر ثورا من إنسان ليطحن بها الحنطة على أن يكون له قفيز من ذلك فتلك الإجارة فاسدة لأن هذا شرط منهى عنه فكذا هذا وأما وجوب أجر المثل فلأنه يسلم له المعقود عليه إذ لا فساد في جانب المعقود عليه
قوله : فهو فاسد وقال أبو يوسف ومحمد في الإجارات من المبسوط : إنه جائز لأن تصحيح العقود واجب ما أمكن وقد أمكن بأن يجعل المعقود عليه نفس العمل وذكر الوقت للتعجيل فإذا لم يحل وفرغ من العمل يستحق الأجر كله
ولأبي حنيفة أن ذكر للعمل يدل على استحقاق العمل وذكر الوقت يدل على استحقاق المنفعة والجمع بينهما غير ممكن فكان المستحق مجهولا والجهالة مانعة لجواز العقد
قوله : فهو جائز لأنه شرط ما يقتضيه العقد لأن الزراعة مستحقة به ولا ينتفع بالأرض من حيث الزراعة إلا بالكراب والسقي فكان الكراب والسقي مما يقتضيه العقد
قوله : فهو فاسد أما التثنية وهو أن يردها مكروبة عند البعض وأن يكربها مرتين عند البعض ( وهو الصحيح ) فلأنه شرط ما لا يقتضيه العقد ولأحد العاقدين فيه منفعة فكان مفسدا وأما السرقة فإن منفعتها يبقى إلى العام الثاني فيكون هذا مثله
قوله : فلا أجر له لأن المعقود عليه جعل نصيب شريكه محمولا شائعا وأنه مستحيل لأن الحمل فعل حقيقي وكل فعل حقيقي يعاين لا وجود له في الشائع فالعقد ورد على ما لا يحتمل الوجود فيبطل
قوله : لا يجوز لأن الأجر مجهول فلا يجوز فصار كما إذا استأجر امرأة بطعامها وكسوتها للخبز وله بلى لكن هذه جهالة لا توجب المنازعة لأن العادة بين الناس التوسعة على الآظار والجري على موجب شهواتهن لحب الولد
قوله : فلا خير فيه وكذا إجارة السكنى بالسكنى والركوب بالركوب واللبس باللبس لأن المجاز لهذا العقد الحاجة والحاجة لا يتحقق عند اتحاد الجنس
قوله : هو جائز ولو آجر أحد الشريكين نصيبه من أجنبي فهو على هذا الخلاف وحكى عن أبي طاهر الدباس أنه قال : يجوز هذا بالإجماع والصحيح هو الأول ولو آجر من شريكه جاز بالإجماع في ظاهر الرواية وروى عن أبي حنيفة أنه لا يجوز
قوله : فاسدة لأن الأرض تستأجر للزراعة وتستأجر لغير الزراعة وهو البناء والغرس فما لم يبين لا يصير المعقود عليه معلوما وكذا إذا لم يذكر أي شئ يزرعها لأن الأرض تستأجر لزراعة الحنطة وتستأجر لزراعة الشعير والتفاوت بينهما فاحش
قوله : فله ما سمى لأن المعقود عليه صار معلوما قبل تمام العقد فيصير ارتفاع الجهالة في هذه الحالة كارتفاعها حالة العقد
قوله : نقضت الإجارة لأن العقد فاسد ما لم يحمل عليه
قوله : فهو جائز لأن البيت وضع للسكنى والناس لا يتفاوتون في السكنى فصار المعقود عليه معلوما عادة فاستغنى عن بيانه صريحا بخلاف ما إذا استأجر دابة إلى بغداد ولم يسم ما حمل عليه حيث يفسد الإجارة لأن الانتفاع بالدابة مختلف متفاوت عادة فإذا صح العقد في مسألتنا فليس له أن يسكن فيه حدادا أو قصارا أو طحانا لأن العقد إذا صح انصرف إلى المعهود وصار المعهود كالملفوظ ولو نص على السكنى لا يملك ذلك فكذا هذا
قوله : وإن لم يشترط وهذا استحسان فرق بين هذا وبين الشراء فإنه إذا اشترى أرضا لم يدخل الشرب والطريق إلا أن يقول : بمرافقها أو بكل قليل وكثير وبكل حق هو لها لأن الإجارة للانتفاع والبيع للملك
قوله : فإنها تقلع لأن الرطبة ليست لنهايتها غاية معلومة بخلاف ما إذا انتهت مدة الإجارة وفي الأرض زرع لم يدرك بعد فإنه يترك لأن له غاية معلومة إلا أنها يترك بأجر حتى يكون مراعاة لكل العاقدين (1/439)
{ باب الإجارة على شرطين }
قوله : لا ينقص إلخ وروى ابن سماعة عن أبي حيفة في أجر المثل : إنه لا يزاد على نصف درهم وينقص من نصف درهم وروى عنه رواية أخرى في النوادر : إنه لا يزاد على درهم وينقص عن نصف درهم فصار عنه ثلاث روايات
قوله : الشرطان جائزان وقال زفر : الشرطان فاسدان لأن ذكر اليوم جعل للتعجيل والإضافة إلى الغد للترقية فيجتمع في كل يوم تسميتان : درهم ونصف درهم فيفسد العقد وهما جعلا ذكر اليوم للتاقيت والإضافة إلى الغد للتعليق فلا يجتمع في كل يوم تسميتان وأبو حنيفة جعل ذكر اليوم للتعجيل والإضافة إلى الغد للتعليق فيجتمع في الغد تسميتان متعارضان دون اليوم
قوله : لا يجوز لأن المعقود عليه أحد الشيئين فكان مجهولا ولا يشترط الانتفاع لاستحقاق البدل ليرتفع الجهالة عند العمل بخلاف ما إذا قال للخياط : إن خطته رومية فلك درهم وإن خطته فارسية فلك نصف درهم حيث يصح لأنه لا يجب الأجر هناك إلا بالعمل ولا يبقى الجهالة عند العمل ولأبي حنيفة أن هذا تخيير من عقدين مختلفين صحيحين فوجب القول بصحته كما في الرومية والفارسية وإنما قلنا ذلك لأن السكنى وعمل الحداد مختلفان وكل منهما عند الانفراد صحيح فكذا عندا الجمع والغالب في الإجارة الانتفاع فإذا جاء الانتفاع لم يثبت الجهالة
قوله : فله من الأجر بحسابه يريد به إذا كانوا مسلمين لأنه أوفى بعض المعقود عليه
قوله : في قولهم جميعا والفرق لمحمد أن نقل الطعام عمل يقابل به الأجر وقد نقضه فيبطل الأجر وأما حمل الكتاب فليس بعمل يقابل به الأجر ليسره وخفة مؤنته وإنما يقابل به الأجر لقطع المسافة وقد قطعها له في الذهاب ولهما أنه قابل الأجر بنقل جواب الكتاب وهو الغرض وقد نقضه فيبطل الأجر كما في مسئلة الطعام (1/442)
{ باب إجارة العبد }
قوله : وليس للمستأجر إلخ وهذا استحسان ذكره في الأصل والقياس أن لا يجوز وللمستأجر أن يأخذ منه الأجر لأن عقد المحجور باطل فلا يستحق شيئا كما إذا هلك العبد من العمل وجه الاستحسان أن العبد محجور عما يضر بالمولى مأذون في ما ينتفع به ألا ترى أنه إذا قبل الهبة يجوز من غير إذن المولى ؟ والجواز في الابتداء يضر به المولى والجواز في الانتهاء ينتفع به المولي فوجب القول به وإذا جاز لم يكن للمستأجر أن يأخذ منه
قوله : هو ضامن لأنه أتلف ملك المالك من غير إذنه فيجب الضمان ولأبي حنيفة أن الأجر غير محرز في حق الغاصب لأن العبد ليس بمحرز بنفسه فلا يكون العبد محرزا لما في يده فلا يكون متقوما فلا يكون مضمونا
قوله : بأربعة حتى لو عمل الأول دون الثاني لزمه أربعة دراهم ولو عمل الثاني دون الأول لزمه خمسة دراهم لأنه لما قال : شهرا بأربعة انصرف إلى ما يلي الإيجاب فتعين الثاني للذي يلي ذلك الشهر
قوله : فالقول قول المستأجر إلخ لأنهما اختلفا في أمر احتمل احتمالا سواء لأن تسليم المؤاجر العهد إلى المستأجر لا يوجب تسليم المعقود عليه إلا بدوام العبد إلى آخر المدة وذلك محتمل فإذا اختلفا فيه وجب الترجيح بالحال لأنه يدل على الدوام ظاهرا وهو نظير ما قال في كتاب الإجارات من المبسوط في المستأجر للرحا : إذا ادعى بعد المدة أن الماء كان منقطعا وأنكر رب الرحا فإن كان الماء منقطعا في الحال فالقول قول المستأجر وإن كان الماء جاريا فالقول قول رب الرحا لأن الحال وإن لم يصلح حجة يصلح مرجحا لأن الترجيح أبدا يقع بما ليس بحجة كذا ههنا (1/444)
{ باب ما يضمن فيه المستأجر وما يضمن مما يخالف }
قوله : والعارية كذلك وفي الوديعة يبرء عن الضمان حين عاد إلى الوفاق وجه الفرق أن في الإجارة والعارية غير مأمور بالحفظ مقصودا وإنما يثبت له ولاية الحفظ تبعا للاستعمال فإذا لم يكن مأمورا بالحفظ مقصودا لم يكن نائبا في الحفظ لكن لم يجب عليه الضمان لانعدام أسباب الضمان فبعد الخلاف لا يصير رادا إلى من هو نائب عن المالك في القبض فيضمن وأما المودع مأمور بالحفظ فيصير بالعود إلى الوفاق رادا إلى من هو نائب عن المالك في القبض
قوله : فلا ضمان عليه لأنه لا فرق بينهما فيكون الإذن بالإسراج إذنا بذلك دلالة
قوله : يضمن بحساب ذلك لأن الإكاف إذا كان يوكف بمثله الحمر لا يكون بين الإكاف والسرج تفاوت فيكون الإذن بذلك إذنا بهذا دلالة إلا أنه إذا كان أثقل منه لا يكون إذنا بتلك الزيادة ولأبي حنيفة أن الإكاف يستعمل لما لا يستعمل له السرج فصار في حق الدابة مخالفا إلى جنس غير المسمى فلم يكن مستوفيا شيئا من المسمى فيضمن الكل كما إذا أبدل الحديد مكان الحنطة
قوله : فلا ضمان عليه هذا إذا لم يكن بين الطريقين تفاوت لأنه حينئذ لا يصح التعيين لعدم الفائدة لكن أطلق في الكتاب لأن الطريقين إذا كان يسلك فيهما الناس فلما يكون بين الطريقين تفاوت
قوله : ضمن لأن بينهما تفاوتا فاحشا لكن إن بلغه فله الأجر لأنه إذا أسلم بقي التفاوت صورة فلا يمنع وجوب المسمى
قوله : ضمن ما نقصها لأن الرطبة لا تعرف نهايتها واستعمال الأرض بالرطبة جنس غير جنس الاستعمال بالحنطة فصار غاصبا ضامنا بكل حال فلا يجب الأجر
قوله : فخاطه قباء يريد به القرطق الذي هو ذو طاق واحد
قوله : فإن شاء إلخ لأن هذا القباء يشبه القميص من وجه لأن بعض الناس يستعملونها استعمال القميص فكان مخالفا له من وجه موافقا له من وجه فإن شاء مال إلى جهة الخلاف وإن شاء مال إلى جهة الوفاق لكن لا يلزمه المسمى وانما يجب أجر المثل لأن العمل متفاوت لكن لا يزاد على المسمى كما هو الأصل في الإجارات الفاسدة وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يضمن قيمته ولا سبيل له على الثوب لأن هذا غاصب خاط ثوب غيره بغير أمره لأن القباء جنس آخر غير جنس القميص فلا يتناوله الأمر أصلا فيضمن قيمته ويملكه (1/446)
{ باب جناية المستأجر }
قوله : من الفرات إنما وضع المسئلة في الفرات لأن الدنان تباع هنالك
قوله : في بعض الطريق قيد به لأنه لو انكسر بعدما انتهى إلى المكان المشروط من جناية يده فلا ضمان عليه وله الأجر
قوله : فإن شاء إلخ وقال زفر والشافعي : لا يضمن وفقه المسئلة أن الأجير المشترك يضمن ما تلف بصنعه عندنا خلافا لهما
قوله : وكل أجير مشترك هو الذي يعمل لعامة الناس كالقصار والصباغ
قوله : يضمن ما هلك أيضا إن كان بسبب يمكن التحرز عنه كالسرقة والغصب حجتهما فعل علي رضي الله عنه ولأبي حنيفة أن المقبوض أمانة عنده بدلالة أن الهلاك لو كانت بسبب لا يمكن التحرز عنه كالحريق الغالب لا يضمن لأنه أمين والأمين لا يجب عليه الضمان بهلاك الأمانة
قوله : فله ذلك وقال زفر : ليس له ذلك وعلى هذا الخلاف كل عامل يعمله أثر في العين له حق الحبس وأجمعوا على أنه إذا لم يكن لعمله أثر في العين نحو الغسل والحمل لا يملك الحبس
قوله : فلا ضمان عليه لأن قبل حبس العين كانت أمانة في يده عند أبي حنيفة فكذا بعده ولا أجر له كهلاك المبيع قبل القبض وعندهما العين كان مضمونا قبل الحبس فكذا بعد الحبس ولصاحبه الخيار إن شاء ضمنه غير معمول ولا أجر له وإن شاء ضمنه معمولا وأعطاه الأجر لأن الوصف تبع للأصل فإذا صار الأصل مضمونا بالعقد صار التبع أيضا مضمونا تبعا وإن كان المبيع لا يصير مضمونا بالقيمة على البائع قصدا ألا ترى أنه إن أتلفه الصباغ والقصار يخير رب الثوب في ما قلنا بالإجماع فكذا ههنا
قوله : فله الأجر ولا ضمان عليه يريد به إذا خبز في بيت المستأجر وهكذا العادة لأنه لما أخرج الخبز من التنور فقد صار الخبز منتفعا به فصح التسليم لقيام يده على الخبز بواسطة قيامها على منزله بخلاف ما إذا لم يخرجه بعد من التنور لأن العمل غير منتفع به وكأنه لم يوجد فلا يصح تسليمه بخلاف الخياط يخيط في منزل رب الثوب فهلك الثوب بعدما خاط بعضه حيث
يستحق الأجر بحصته لأنه قدر ما خاطه منتفع به فصح التسليم (1/448)
{ مسائل من كتاب الإجارات لم تدخل في الأبواب }
قوله : فلا ضمان عليه لأن تحصيل شرط التلف إذا كان بغير تعد لا يحال التلف إليه ألا ترى أنه لو حفر بيرا في داره فوقع فيها إنسان ومات حيث لا يضمن لأنه ليس بمتعد بخلاف ما إذا حفر على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان ومات حيث يضمن لأنه تعدى
قوله : على المؤاجر يريد به مؤنة الرد لأن منفعته تعود إليه في الحقيقة لأنه يحصل له بدل المنفعة وأنه عين والذي يحصل للمستأجر منفعة والعين خير من المنفعة فيكون ضرر الرد عليه
قوله : فهو جائز وإن كانت الأجرة مجهولة لأنها شركة لا إجاوة وهو شركة التقبل ورأس المال هو العمل
قوله : وكذا إكراء إلخ وكان أبو حنيفة أولا يقول في الكراء إلى مكة : كل من يحمل حمولة على ظهره أو دابته أنه لا يستحق الأجر حتى يستوفي تسليمه مفروغا وكذلك في سكنى البيت لا يستحق حتى يستوفي المستأجر المنفعة كلها ثم رجع وقال في الكراء : كلما صار مرحلة استوجب الأجر وفي السكنى : كلما سكن يوما استوجب الأجر وهو قول أبي يوسف ومحمد فأما الخياط وكل صانع لعمله أثر في العين يحبس به فإنه لا يستوجب الأجر حتى يسلمه مفروغا بالإجماع وإنما كان كذلك لأن المعاوضة مبناها على المساوات وقد صار أحد العوضين مسلما منتفعا به فيجب أن يكون الأجر كذلك أيضا إلا في موضع الضرورة
قوله : فهو جائز إنما تجوز هذه الكفالة إذا كانت الإبل بغير أعيانها فأما إذا كانت بأعيانها فلا يجوز لأنه لا يمكن استيفاء حملها من غيرها فلم يجز وهذا إذا كفل بالحمل أما إذا كفل بالإبل جاز في الوجهين جميعا لأنه يمكن استيفاؤها من الكفيل مثله وهو مثل الكفالة بالنفس بخلاف الأولى لأنه كفيل بالحمل وإنما يقدر على تسليمه إذا كانت الإبل بغير أعيانها
قوله : فهو باطل لما قلنا : إنه لا يمكن استيفاءه من غيره ولو كفل بعين العبد جاز لما قلنا (1/449)
{ باب في الكتابة الفاسدة }
قوله : ويكون مكاتبا بما بقي لأن العبد يصلح أن يكون بدل الكتابة وينصرف إلى الوسط أيضا فيصلح أيضا أن يكون مستثنى من بدل الكتابة وكذا في بدل كل عقد ولهما أن العبد لا يمكن استثناءه من الدنانير لأن صحة الاستثناء تبتني على المجانسة وإنما استثنى من قيمته والقيمة لا يصلح أن يكون بدل الكتابة لأنها مجهولة فكذا لا يصلح أن يكون مستثنى من بدل الكتابة
قوله : لم يجز أما الأول فلأن القيمة مجهولة الجنس والقدر والوصف لأن القيمة قد تكون من الدراهم وقد تكون من الدنانير وهما جنسان مختلفان ومثل هذه الجهالة يمنع صحة الكتابة كما لو كاتبه على ثوب بغير عينه وأما الثاني فلان الغائب جعل نفسه أصلا والغائب تبعا لنفسه فلا يكون عليه من البدل فلأنه لا يفيد مقصوده وهو صيرورته أحق بمكاسبه لأنه لا يجب عليه أداء بدل الكتابة من مكاسبه إذا وقعت الكتابة على شئ بعينه لغيره فلا يصير أحق بمكاسبه لأنه يجوز أن لا يبيع العين له فلا يكون أحق بمكاسبه وإن أجاز صاحب العين ففيه روايتان ذكرناهما في كتاب المكاتب في شرح المختصر
قوله : فهو جائز يريد به إذا كان مقدارا معلوما
قوله : قيمة الخمر لأنه وقع العجز عن تسليم عين الخمر لأن المسلم منهى عن تسليم الخمر وتسلمها وفي تسليم عين الخمر تمليكها أو تملكها للمسلم وذلك باطل فالعجز شئ وقع عن تسليم بدل الكتابة فيجب تسليم قيمته لتقوم القيمة مقامه فإذا أقبض القيمة يعتق لأن الكتابة في معنى المعاوضة (1/452)
{ باب الحر يكاتب عن العبد والعبد يكاتب عن نفسه وغيره }
قوله : في حر إلخ صورة المسئلة أن يقول رجل لمولى العبد : كاتب عبدك على ألف درهم على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فكاتبه على هذا فإن أدى عتق بحكم الشرط لأنه علق عتقه بأدائه وإن بلغ العبد فقبل يصير مكاتبا لأن الكتابة كانت موقوفة على إجازته
قوله : بشئ لأن معنى المسئلة أن يقول : كاتبني بألف على نفسي وعلى شئ وللمولى أن يأخذ الحاضر بكل بدل الكتابة ولأن البدل عليه فأيهما أدى عتقا أما الحاضر فلأن البدل عليه وأما الغائب فلأنه محتاج إليه ليصل إلى العتق ولا يرجع أحدهما على صاحبه أما الحاضر فلأن البدل عليه وأما الغائب فلأنه متبرع في ذلك فليس له ولاية الرجوع
قوله : لازمة للشاهد لأن الكتابة نفذت كذلك من غير قبوله فلا يتغير بقبوله (1/453)
{ باب في العبد بين رجلين يكاتبانه أو يكاتبه أحدهما }
قوله : فالمال للذي قبض عند أبي حنيفة الكتابة تتجزى فاقتصرعلى نصيبه وليس للآخر حق نقض الكتابة لوجود الإذن منه بها فإذا قبض شيئا من بدل الكتابة بإذن شريكه يكون كله له لأن الإذن بقبض بدل الكتابة إذن للمكاتب بالأداء فصار متبرعا على الكتابة بنصيبه من الكسب وعندهما الكتابة لا تتجزى فكان الإذن بكتابة نصيبه إذنا بكتابة الكل فإذا كاتب يكون مكاتبا نصيب نفسه بحكم الملك ونصيب شريكه بحكم التوكيل فيكون مكاتبا لهما ويكون بدل الكتابة بينهما فإذا قبض من المكاتب شيئا يكون بينهما وإذا عجز يبقى بينهما كما كان
قوله : فهي أم ولد للأولاد إلخ هذا قول أبي حنيفة بناء على أنه لما ادعى أحدهما ولد المكاتبة صح فصار نصيبه أم ولد لا غير لأن الاستيلاد يقبل التجزي إذا وقع في ما لا يقبل النقل فإذا ادعاه الآخر صح لأن له فيها ملكا من حيث الظاهر فإذا عجزت المكاتبة بعد ذلك صار الكتابة كأن لم تكن فتبين أن الجارية كلها أم ولد للأول وولد الثاني ولد مغرور لوجود حده وقال أبو يوسف ومحمد : الجارية أم ولد للأول فيضمن لشريكه في قول أبي يوسف نصف قيمتها وفي قول محمد الأقل من نصف ما بقي من بدل الكتابة ونصف قيمتها ولا يثبت نسب الولد من الثاني ويغرم لها العقر بناء على أنه لما ادعى أحدهما صارت الجارية كلها أم ولد له وتفسخ الكتابة في حق التمليك لا في ما وراء
قوله : والولد ولد الأول إلخ هذا بالإجماع أما عند أبي حنيفة فلأنه تبين بالعجز أنه لم يكن له فيها ملك والملك شرط لصحة التدبير بخلاف دعوى الولد لأن فيه شبهة الملك وأما عندهما فلما قلنا
قوله : لا يرجع عليها لأنها لما عجزت بطلت الكتابة فصارت كأنها لم تكن فهذه جارية بين اثنين أعتقها أحدهما وهو موسر فالجواب هناك على هذا الاختلاف فكذا هذا وأما قبل العجز فعند أبي حنيفة لا يضمن شيئا لشريكه لأن هذا العتق لم يوجب تغيرا في حق نصيب شريكه فإنه يجب عليها السعاية في نصيب شريكه بالعتق والسعاية كانت واجبة عليها قبل العتق فأما عند أبي يوسف ومحمد عتق كلها فيضمن نصف قيمتها وهي مكاتبة لشريكة وهو قول أبي يوسف وأما عند محمد يضمن الأقل من نصف قيمتها ونصف ما بقي من بدل الكتابة كما ذكرنا في المسئلة المتقدمة لمحمد أن ما للمولى على المكاتبة أحد الشيئين : إما بدل الرقبة وإما بدل الكتابة فمن المحال أن يغرم له ألف درهم وهو نصف قيمتها وقد بقي عليه من مكاتبة درهم
قوله : إن شاء الذي دبره إلخ وجه هذه المسئلة أن التدبير يتجزى عند أبي حنيفة كالعتق فإذا دبر أحدهما نصيبه اقتصر على نصيبه إلا أنه فسد بتدبيره نصيب الشريك الآخر فيثبت له الاختيار في أن يعتق نصيبه أو يضمن الشريك الذي دبر أو يستسعى العهد فإذا أعتق الآخر اختار واحدا من الأمور الثلاثة التي كانت له ولم يبق له خيار التضمين والاستسعاء ثم إعتاقه يقتصر على نصيبه لكون العتق متجزيا لكنه فسد به نصيب الآخر وهو الذي دبره لأنه كان قبل إعتاقه يملك الاستخدام وقد بطل ذلك الآن فبناء عليه جاز له أن يأخذ من المعتق قيمة نصيبه أو يعتق نصيبه أو يستسعى العبد فإن اختار التضمين يأخذ قيمته مدبرا لأنه أعتق حين أعتق وهو مدبر
وإن أعتقه أحدهما أولا كان للآخر خيار العتق والضمان والاستسعاء لما مر فإذا دبره الآخر بعد ذلك لم يبق له خيار التضمين لأن الغرض من التضمين أن يملك وهو غير ممكن ههنا لأن المدبر لا يملك ويبقى له خيار العتق والاستسعاء وأما عند أبي يوسف ومحمد فلما كان العتق والتدبير غير متجزين فإذا دبره أحدهما صار الكل مدبرا فلم يصح إعتاق الآخر ويضمن الذي دبر لشريكه نصف قيمته لأنه ملك نصيبه بالتدبير وهذا ضمان الملك فلا يختلف باليسار والإعسار وكذا إذا أعتقه أحدهما أولا فتدبير الآخر باطل ويضمن المعتق لشريكه نصف قيمته إن كان موسرا لأنه ضمان الإعتاق فلا يجب في الإعسار كذا في الهداية (1/454)
{ باب في المكاتب يعجز أو يموت فيترك وفاء أو لا يترك }
قوله : وهو قول محمد إلخ أصله أن السنة في الكتابة التأجيل والتنجيم والتيسير فإذا أجل بنجم ولم يؤد حصته كان للمولى حق الفسخ في قولهما إلا أن يكون له مال حاضر أو غائب يرجى وجوده فيؤخر يوما أو يومين أو ثلاثة أيام لأنه لما مضى النجم صار كأنه كوتب على ذلك القدر حالا ولو كان كذلك لا يؤخر زيادة على ما قلنا فكذا هذا وقال أبو يوسف : لا يفسخ حتى يتوالى عليه نجمان لقول علي ( رضي الله عنه ) : إذا توالى على المكاتب نجمان رد في الرق
قوله : فهو جائز لأن الكتابة محتمل للفسخ بالتراضي من غير عذر فعند العذر أحق
قوله : ورثه ابنه لأنه لما أدى بدل الكتابة حكم بعتق المكاتب في آخر جزء من أجزاء حياته فحكم بعتق ابنه في ذلك الوقت : لأنه تابع له فهذا حرمات عن ابن حر فيرثه
قوله : وكذلك لأن كل واحد منهما كشخص واحد لكون العقد واحدا فإذا حكم بعتق أحدهما في وقت حكم بعتق الآخر في ذلك الوقت
قوله : لم يكن ذلك قضاء إلخ لأن القاضي قرره حكم الكتابة لأن من قضية قيام الكتابة أن يكون الولد ملحقا بموالي الأم والعقل عليهم مع احتمال أن يعتق الأب فيجر الولاء إلى نفسه
قوله : فهو قضاء بالعجز لأن الاختلاف في تعيين نفس الولاء راجع إلى قيام الكتابة وانتقاضها لأن الولاء لا يستقر إلا بناء على ذلك يعني الحرية وهذا فصل مجتهد فيه فإذا قضى بالولاء لموالي الأم كان هذا قضاء في فصل مجتهد فيه فينفذ قضاؤه
قوله : فهو طيب للمولي لأنه تبدل ملكه فإن الصدقة كانت ملكا للمكاتب ثم صارت ملكا للمولى بالأداء وبعد تبدل الملك يحل الصدقة للغني والهاشمي هذا إذا عجز بعد الأداء وإن عجز قبل الأداء لم يذكر ههنا وذكر في موضع آخر أنه طيب للمولى أيضا
قوله : رجع أبو يوسف إليه وكان يقول أولا : إذا عجز قبل القضاء بيع فيه أيضا وهو قول زفر لأن المانع عن الدفع قائم عند الجناية وهي الكتابة فصار لازما بنفس الوقوع كجناية المدبر ولنا أن المانع للدفع قابل للزوال فلما تردد لم يثبت الانتقال إلا بقضاء أو رضاء ولا كذلك التدبير (1/457)
{ باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز }
قوله : فله أن يخرج إلخ فهذا الشرط باطل والكتابة جائزة أما بطلان الشرط فلأنه يخالف موجب العقد وهو استحقاق يده فيبطل وأما صحة العقد فلأن الكتابة في جانب العبد تشبه العتق لأنه إسقاط وفك الحجر فكل شرط في جانبه كان هدرا لأنه بمنزلة الداخل على العتق وهذا الشرط يختص بجانبه فكان هدرا والهدر لا أثر له
قوله : جاز لأنه من جملة الأكساب فيملك المكاتب
قوله : فليس له شئ من ذلك لأن المأذون يملك ما هو من توابع التجارة وهذا ليس من التجارة بخلاف المكاتب لأنه مأذون في الأكساب
قوله : فأولادها عبيد هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : أولاده أحرار بالقيمة يؤديها إليه إذا أعتق ذكر قوله في الأصل له أن العبد شارك الحر في سبب هذا الحق وهو الغرور فيشاركه في الحكم ولهما أن هذا ولد ولد بين رقيقين فيكون عبدا كما لو كان عالما بحالها وحكم الشرع يثبت في الأصل نظرا للمغرور بإبقاء مائه على الحرية فيترجح ماءه على ماء المرأة أما ههنا لو وجب العتق لوجب إثباته ابتداء لأنه لا تعارض بين المائين فيجب الترجيح
قوله : ويؤخذ به في الكتابة لأن هذا المهر وجب بسبب الشراء لأنه لولا الشراء لوجب الحد فصار هذا المال من توابع التجارة فيلحق بها
قوله : حتى يعتق لأنه ليس من توافع التجارة وليس من باب الكسب فلم يكن التزامه داخلا في ولاية المكاتب بغير إذن المولى فصار كدين الكفالة (1/459)
{ مسائل من كتاب المكاتب لم تشاكل ما في الأبواب }
قوله : وبطلت الكتابة وسقط بدل الكتابة لأن بدل الكتابة إنما يجب عليها إذا عتقت بالكتابة وهذه عتقت بسبب الاستيلاد فلا يجب عليها بدل الكتابة
قوله : فعليها أن تسعى أي يقضي عليها بأن تسعى في قيمتها فتعتق وقال زفر : تعتق في الحال وعليها السعاية وهي حرة تسعى لأن الإسلام أوجب إزالة الرقية عن ملكه في الحال فقام الإعتاق مقامه ههنا فوجب تعجيله ولنا أن الإزالة وجبت بطريق النظر وههنا النظر في السعاية
قوله : فهو جائز لأن الاعتياض عن الأجل ربا من وجه وشراؤه من المكاتب شراء من وجه والربا يجري في الشراء فإذا لم يكن هذا شراء من وجه لم يكن ربا من وجه فلم يعتبر
قوله : فإنه يؤدي إلخ لأن البدل كله بدل الرقبة فصار كأن الرقبة قيمتها ألفا درهم فإذا أجل تصح في ثلثه وقال محمد : يؤدي ثلثي الألف حالا والباقي إلى أجله أو يرد رقيقا لأن للمكاتب أن يكاتب على ألف ولا يوجب ما زاد عليه فإذا كان له أن يترك ما زاد عليه كان له أن يؤخره بالطريق الأولى
قوله : في قولهم جميعا لأنه تبرع بالألف وأخر بالألف الآخر وهو في معنى التبرع فيصح في الثلث (1/461)
{ كتاب المأذون }
قوله : فهو باطل لأنه متبرع والوصي والأب كذلك بخلاف القاضي فإنه يملك إقراض مال اليتيم وقد تقدم ذكر الفرق في كتاب القضاء
قوله : فقال : أنا عبد إلخ المسئلة على وجهين : إما أن يخبر أنه مأذون من جهة المولى أو لا يخبر بشئ ويبيع ويشتري أما إذا أخبر يجب قبوله عدلا كان أو غير عدل وهكذا خبر كل مخبر عدلا كان أو غير عدل فى حق ملك التجارة باعتبار الحاجة فإن الناس يبعثون العبد والأحرار للتجارة فلو لم يقبل قولهم يؤدي إلى إلحاق الضرر بالناس وعليه إجماع الأمة إلا أنه لا يعتبر قوله في بيع رقبته بالدين لأن رقبته ملك المولى وليست بحق له فلا يقبل قوله فيه بخلاف كسبه لأنه حقه أما إذا لم يخبر لكنه باع واشترى فكذلك لأن الظاهر أنه مأذون وفي الأحكام يعتبر ما هو الظاهر لكن لا يباع رقبته في الدين حتى يحضر مولاه لما قلنا
قوله : على حالها لأنه ليس بحجر دلالة فبقيت مأذونة
قوله : والمولى ضامن لأنه أتلف حقهم بالتدبير
قوله : شيئا يحط التجار يعني إن كان يحط عن عيب وقد حط ما يحط التجار مثله في العيب فهو جائز لأن هذا من فعل التجارة وإن كان من غير عيب لا يجوز لأنه متبرع لا يحتاج إليه التجار
قوله : فللغرماء أن يردوا البيع تأويله إذا كانوا لا يصلون إلى الثمن أما إذا وصلوا إلى الثمن وليس في البيع نقصان فليس لهم أن يردوا البيع
قوله : المشتري خصم لأنه يدعي الملك لنفسه في هذا العبد فيكون خصما ينازعه فيه كما في دعوى العين ولهما أنه لا فائدة في جعله خصما لأنا إذا جعلناه خصما لهم ونقضوا البيع يعود العبد إلى ملك البائع فلا يمكن بيعه في ديونهم لأن البائع غائب وفي بيعه قضاء على الغائب وأنه باطل فلا يجعل خصما (1/463)
{ مسائل من كتاب الكراهية لم تشاكل ما في الأبواب }
قوله : وسعه أن يأخذها لأن قول الواحد مقبول في المعاملات على أي صفة كان
قوله : فلا بأس بأن يقعد إلخ لأن التناول من الوليمة سنة واللعب بدعة فلا يجوز ترك السنة ما اقترنت به البدعة كالصلاة على الجنازة واجبة الإقامة وإن حضرتها النياحة هذا إذا كان على اللعب والغناء فى المنزل وأما إذا كان المائدة فلا ينبغى أن يقعد وهذا إذا كان الرجل خامل الذكر لا يشين فى الدين قعوده فأما لو كان مقتدى به فليخرج إن لم يقدر على النهى فى الوجهين جميعا لأن فيه شين الدين وفتح باب المعصية على المسلمين وقول أبى حنيفة : ابتليت كان قبل أن يصير مقتدى به هذا إذا حضر الرجل ثم علم أما إذا علم قبل الحضور لا يحضر في الوجهين لأنه حق الوليمة لم يلزمه ههنا
قوله : ويكره إلخ للمسئلة عبارتان : بمقعد من القعود وبمعقد من العقد فالأول لا يشكل أنه يكره لأنه وصف الله ( تعالى ) بما هو باطل وهو القعود على العرش وهو قول المجسمة والثاني ( هو المعروف في الدعاء ) يكره أيضا لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش فيوهم أن عزه حادث إذا تعلق بحادث وروى عن أبي يوسف ( رحمه الله ) أنه لم ير به بأسا لأنه ورد به الحديث قوله : وتكره الصلاة إلخ لقوله ( عليه السلام ) : [ من صلى صلاة الجنازة فى المسجد فلا شئ له ] أخرجه ابن ماجة وأبو داؤد وغيرهما وسنده ضعيف وذهب الشافعي ( رحمه الله ) وغيره إلى جوازه وهو رواية عن أبي يوسف ( رحمه الله ) لما روى : أنه صلى الله عليه و سلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد أخرجه مسلم وروى عبد الرزاق أنهم فعلوا على أبي بكر ( رضي الله عنه ) فى المسجد وروى مالك أنهم صلوا على عمر فى المسجد
قوله : ويكره اللعب بالنرد هذا بالاتفاق لقوله صلى الله عليه و سلم : [ من لعب بالنرد شبر فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه ] وأما الشطرنج فعندنا مكروه لما روى أبو هريرة : [ أنه صلى الله عليه و سلم مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال : لعن الله من لعب بها ] أخرجه العقيلي في الضعفاء وروى عن واثلة مرفوعا : إن لله في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه يعني الشطرنج أخرجه ابن حبان وكلاهما ضعيفا السند وذهب الشافعي ( رحمه الله ) إلى جوازه ما لم يقاع ولم يود إلى فوت صلاة أو جماعة
قوله : وكل لهو لأنه قال ( عليه السلام ) : [ كل لهو ابن آدم باطل إلا ملاعبة العبد مع أهله وتأديبه بفرسه ومناضلته بقوسه ]
قوله : ولا بأس بقبول هدية إلخ لأن التاجر إذا فتح دكانه لم يخل أمره عن طالب تجارة يحتاج إلى شربة ماء أو رغيف وما أشبه ذلك فلو منع من ذلك أعرض الناس عنه وكذلك يحتاج إلى الضيافة اليسيرة وكذلك يحتاج إلى العارية بخلاف هبة الثوب والدراهم والدنانير فإنه لا ضرورة في ذلك
قوله : فإنه يجوز إلخ أصله أن الولايات على الصغار أنواع : نوع لا يملكه إلا من هو ولي : كالإنكاح والبيع والشراء ونوع آخر ما كان من ضرورة الصغار : كشراء ما لا بد للصغير منه وبيعه وذلك جائز ممن يعوله وينفق عليه كالأم والعم والأخ والملتقط إذا كان في حجرهم ونوع آخر هو نفع محض فيملكه الصبي العاقل ومن يعوله وقبول الهبة والصدقة ونحو ذلك نفع محض له فيملكه الملتقط
قوله : ويجوز للأم لأنها ملكت إتلاف منافعه بغير عوض بالاستخدام فأن تملك إتلاف منافعه بالعوض أولى بخلاف الملتقط
قوله : الراية أي الطوق من الحديد الذي يمنعه من أن يتحرك رأسه لأنه عقوبة أهل النار
قوله : ويكره له ذلك لأنه إعانة على المعصية وله أن المعصية إنما يحصل بفعل فاعل محتار وليس ذلك من ضرورات الحمل
قوله : ولا بأس برزق القاضي إلخ لأن النبي صلى الله عليه و سلم بعث عتاب بن أسيد إلى مكة قاضيا وفرض له رزقا ولأنه محبوس بحق المسلمين والحبس من أسباب النفقة كما في النكاح (1/481)
{ باب العتق }
قوله : ولا يعتق إلخ لأنه لم يدخل فى الإيجاب لأن قوله : كل مملوك أملكه أو كل مملوك لي ينصرف إلى ما يملكه في الحال لا إلى ما يملكه فى الاستقبال ووجه ظاهر الرواية أن هذا الكلام وصية من الوصايا وفيها يعتبر الحال وحالة الموت فيدخل ما فى ملكه فى الحال باعتبار الحالة الراهنة فيصير مدبرا ويدخل ما بعد ذلك عند الموت تحت كلامه عند الموت فيصير كأنه قال عند الموت فيعتق بعد الموت لكن لا يصير مدبرا (1/484)
{ كتاب الأشربة }
قوله : مكروه ومن الناس من أباه ذلك لقوله ( تعالى ) : { تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } ولنا ما روى عن ابن مسعود أنه سئل عن التداوي بالسكر فقال : إن الله لم يجعل شفاءكم في ما حرم عليكم
قوله : والطلا إلخ والمنصف ( وهو ما ذهب نصفه ) وبقي نصفه في الحكم مثل الطلا وأحكام هذه الأشربة يساوي أحكام الخمر في بعض الوجوه ويفارقها في بعض الوجوه أما في حق الحرمة يفترقان فإن حرمة الخمر كاملة وهي قاصرة حتى يكفر مستحل الخمر ولا يكفر مستحلها لكن يضلل ويحد شارب قطرة الخمر ولا يحد شارب هذه الأشربة حتى يسكر وهل هى مثل الخمر فى النجاسة فيه روايتان
قوله : وما سوى ذلك إلخ هذا الجواب على العموم لا يوجد فى غير هذا الكتاب وهذا نص على أن ما يتخذ من الحنطة والشعير والذرة حلال فى قول أبى حنيفة ولا يجب الحد وإن سكر منه وروى عن محمد أن شرب ذلك حرام ويحد شاربه إذا سكر
قوله : عن ذلك إلخ كان أبو يوسف يقول أولا مثل قول محمد : إن كل مسكر حرام لكن يقول : بشرط أن لا يفسد بعد عشرة أيام ثم رجع إلى قول أبى حنيفة ( رحمه الله تعالى ) وهما مسئلتان أدرج أحدهما فى الأخرى أحدهما أن كل مسكر حرام عندهما وعند أبى حنيفة ( رحمه الله تعالى ) لا ثم رجع أبو يوسف إلى قول أبى حنيفة والثاني أن الأشربة نحو السكر ونقيع الزبيب إذا غلا واشتد حرام مكروه عند أبى حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف كذلك لكن بشرط أن يبقى بعد عشرة أيام ولا يفسد يعني لا يحمض ثم رجع إلى قولهما
قوله : ولا يحد شاربه إن لم يسكر لأنه شراب ناقص لا يدعو قليله إلى كثيره
قوله : فهو من أهل الكتاب لأنه أقرب إلى دين الإسلام
قوله : فهو مسلم لأنه اجتمع فيه الإسلام وغيره فيغلب الإسلام بكل حال (1/485)
{ كتاب الصيد }
قوله : فلا بأس بصيده لأن الانزجار عقيب الزجر طاعة دلالة وقد وجد ما هو في حكم الصريح وهو طاعته عقيب الإرسال والدلالة عند الصريح لغو فلم يعتبر
قوله : لم يؤكل لأن الشبهة لما لم يعتبر في حق التحريم ففي حق التحليل أولى
قوله : فلا بأس بأكله لأن الدلالة وجدت ههنا منفردة فوجب العمل بها (1/487)
كتاب الرهن
قوله : باطل بخلاف الكفالة بالدرك والفرق أن الرهن شرع للاستيفاء ولا استيفاء إلا فى الواجب فلا يحتمل الإضافة إلى زمان المستقبل فأما الكفالة شرعت لالتزام التسليم لا التزام أصل الدين حتى لو أبراء الكفيل لا يسقط أصل الدين على ما عرف فصح إضافتها إلى زمان المستقبل كالتزام الصدقات والصيامات
قوله : فهو رهن بالعشرة لأن التخمر لا يبطل عقد الدين كما لا يبطل عقد البيع وإذا صار خلا فقد زال العارض قبل قرار الحكم فجعل كأن لم يكن
قوله : فهو رهن بدرهم لأن موت الشاة يؤكد عقد الرهن لأن المرتهن صار مستوفيا بالهلاك عنده فإذا عادت المالية بالدباغ صارت عقدا قائما فثبت حكمه بقدره
قوله : ولكن الدين يبطل ثم إذا بطل يبطل بطريق الاستيفاء عند علمائنا الثلاثة وعند زفر ( رحمه الله ) يبطل بطريق البراءة في قوله الأول وبطريق الاستبدال في قوله الآخر
قوله : حتى يجعله رهنا مكان الأول لأنه لما جعل الثاني رهنا مكان الأول فقد قصد نقض الرهن الأول وأقام هذا مقامه
قوله : هي جائزة لأن عقد الرهن لا يكون إلا بالمرهون كما أن البيع لا يكون إلا بالمبيع والثمن وثمه لما جازت الزيادة في المبيع جازت في الثمن فكذا في الرهن لما جازت الزيادة في المرهون يجوز في الدين ولأبي حنيفة ومحمد أن الزيادة في أحد البدلين تغيير العقد من وصف إلى وصف وإنما يملك التغيير بالتصرف في ما وجب بالعقد والدين لم يجب بالعقد فلا يملك التغيير بالتصرف فيه ولا كذلك الزيادة في الرهن والزيادة في الثمن في باب البيع
قوله : فقد مات العبد بالدين لأن الراهن غاصب فإذا ضمنه فقد ملكه من وقت الغصب فصح الرهن بعده فهلك مضمونا بالدين
قوله : رجع إلخ لأن المرتهن في حق العين بمنزلة المودع فكان إقرار الضمان على المودع
قوله : فهو باطل كله لأن كل واحد منهما أثبت أنه رهنه كل العبد ولا يمكن أن يجعل كل الرهن رهنا فى حق هذا وهذا ولا يمكن أن يجعل النصف رهنا فى حق هذا والنصف رهنا فى حق هذا
قوله : نصفه رهنا لأن العقد مطلوب بحكمه والحكم بعد موت الراهن استيفاء الدين من المرهون لا الحبس والشيوع لا يمنع صحة الاستيفاء بالعقد الذي هو سببه
قوله : فإنه يجبر على بيعه بوجهين : أحدهما أنه لما شرط ذلك فى عقد الرهن صار من أوصافه فأخذ حكمه وصار لازما بلزومه فوجب إيفاء حكمه جبرا والثاني أن الوكالة صارت حقا للمرتهن يصل ذلك إلى حقه فى استيفاء الدين وما كان وسيلة إلى الواجب واجب وأما الدليل بالخصومة فيجبر للوجه الثاني هذا إذا كان الوضع على يد العدل وشرطه البيع فى الرهن فإن لم يكن ذلك بل شرط ذلك بعد عقد الرهن فقد اختلف المشايخ فيه الوجه الثاني يدل على أنه يجبر وهو الصحيح
قوله : فالثوب رهن لأن هذا اللفظ يؤدي معنى الرهن حقيقة
قوله : فهو جائز لأنه جعله مضمونا على الحافظ ولو جعله محفوظا غير مضمون بالإيداع صح وهذا أحق فيبقى بعد هذا صارفا إلى دين نفسه وذلك جائز لأنه لو كان لابنه الصغير دراهم فقضى بها الأب دين نفسه جاز
قوله : فالوكيل على وكالته لأن التوكيل بالبيع متى حصل شرطا في عقد الرهن صار لازما تبعا للمرتهن فلا ينعزل بموته
قوله : انتقضت الوكالة لأن الموكل لم يرض برأي غيره فلم يقم غيره مقامه
قوله : ولا يرجع إلخ لأن الفضل على المائة توى في ضمان المرتهن فصار هالكا بالدين ولو أمر الراهن المرتهن ببيعه ثم باعه بمائة والمسئلة بحالها فإنه يقبضه بحقه ويرجع على الراهن بتسعمائة لأن المرتهن وكيل الراهن بالبيع فصار بيعه كبيعه ويده كيده فصار كأنه أخذه بإذنه وباعه بإذنه فكان الفضل تلويا على الرهن
قوله : بالخيار لأنه تغير الأصل في ضمانه فأوجب الخيار كالغصب ولهما أن العبد الثاني قائم مقام الأول ولو كان الأول قائما وقد تراجع السعر لم يكن له خيار كذا هذا
قوله : فهو بما فيه يريد أن يكون قيمته مثل وزنه أو أكثر من وزنه فإن كان أقل فعلى الاختلاف عند أبي حنيفة ( رحمه الله تعالى ) يملك بما فيه وعندهما ( رحمهما الله تعالى ) يضمن قيمته من خلاف جنسه لأن في الاستيفاء ضررا بالمرتهن
قوله : فله أن يبيعه إلخ لأن المرتهن صار وكيلا عن الراهن فلم ينعزل بموته لأنه لزمه هذه الوكالة حتى ملك البيع بغير محضر الموكل فكذا بعد موته لا يشترط حضرة ورثته ورضاهم
قوله : فإن شاء إلخ حاصله أن المستحق بالخيار إن شاء ضمن العدل وإن شاء ضمن الراهن فإن ضمن الراهن صح الرهن وصح البيع وصح القضاء وإن ضمن العدل القيمة كان العدل بالخيار إن شاء رجع بتلك القيمة على الراهن وإن شاء ضمن المرتهن الثمن أما على الراهن فلأنه وكيله فيرجع عليه بما لحقه بعد البيع وينفذ البيع وصح الاقتضاء وأما المرتهن فلأنه لما استحق ظهر أنه أخذ الثمن بغير حق فكان له أن يرجع على المرتهن ويرجع المرتهن على الراهن بدينه (1/488)
{ باب ما يجب فيه القصاص وما لا يجب وتجب الدية }
قوله : ثلث الدية لأن فعل الإنسان في نفسه ليس بهدر حتى إنه يأثم بالإجماع وإنما يهدر حكمه للتنافي وفعل البهائم هدر والهدر في مقابلة ما ليس بهدر جنس واحد فصار كأنه تلف ثلثه لا بفعل أحد وثلثه بفعل نفسه وثلثه بفعل الأجنبي فلزم على الأجنبي ثلث الدية لكنه في ماله لأنه فعل عمدا وما يجب بالعمد لا يتحمله العاقلة
قوله : بالحديدة أطلق الجواب في الكتاب وهو محمول على أنه أصابه حدة الحديد أما إذا أصابه ظهره ولم يجرج وجب القصاص عندهما واختلفوا في قول أبي حنيفة فمن اعتبر نفس الحديد أوجب القصاص ومن أوجب الجرج وهو رواية الطحاوي لم يوجب
قوله : فعليه القصاص لأن النار تجرح وتبضع كالسيف
قوله : يقتص منه وكذلك العصا الكبير والحجر العظيم على هذا الخلاف وإذا ضربه بسوط ووالى فى الضربات حتى مات لا يجب القصاص عندنا وعند الشافعي إذا ضربه بالثقل يجب القصاص
قوله : فعليه القصاص لوجود القتل بصفة الكمال
قوله : فلا قود عليه لأنه وقع خطأ منه ويجب عليه الكفارة لأنه أراق دما معصوما ويجب الدية وهو مذكور فى السير الصغير
قوله : عليه الكفارة وفى الإملاء عن أبي حنيفة : أنه لا كفارة عليه أيضا لأن وجوبها باعتبار تقوم الدم لا باعتبار حرمة القتل وتقوم الدم يكون بالإحراز بدار الإسلام والدليل على وجوب الكفارة قوله ( تعالى ) : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } جاء فى التفسير عن عطاء ومجاهد أنه الرجل يسلم فيقتل خطاء قبل أن يأتى المسلمين وقيل : نزول الآية في رجل يقال له : مرداس كان أسلم فقتله أسامة بن زيد قبل أن يأتي المسلمين وهو لا يعلم بإسلامه فأوجب الله ( تعالى ) فيه الكفارة دون الدية ثم الدية يجب حقا لله ( تعالى ) والإحراز بالدين يثبت فى حق الله ( تعالى ) وإنما الحاجة إلى الإحراز بالدار فى ما يجب من الضمان لحق العباد وقد قررنا هذا في السير الصغير
قوله : فعليه الدية في ماله لأن القصاص لو وجب وجب للمقتول أولا ثم يرثه سوى أبيه القاتل من ورثته ويصير استيفاء الورثة كاستيفاء الإبن وليس للإبن ذلك وإذا لم يجب القود يجب الدية في ماله لأنه عمد ولا يتحمله العاقلة في العمد كما لا تعقل الواجب بالخطأ إذا كان الوجوب عن إقرار
قوله : فلأبيه إلخ لأنه شرع للتشفي وذلك راجع إلى النفس وللأب ولاية على نفسه وله أن يصالح لأنه أنفع وليس له أن يعفو لأنه إبطال حقه
قوله : إلا أنه لا يقتل لأنه من باب الولاية على النفس وليس له هذه الولاية بخلاف الطرف لأنه ألحق بالمال وله هذه الولاية وذكر في كتاب الصلح أنه لا يملك الصلح في النفس لأنه بمنزلة الاستيفاء وذكر ههنا أنه يملك وهو رواية كتاب الديات لأن المقصود من الصلح منفعة المال وذلك حاصل
قوله : ليس لهم ذلك لأنه مشتركة فلا يتفرد به البعض (1/493)
{ باب الشهادة في القتل }
قوله : فإنه يعيد البينة وقالا : لا يعيد لأن القصاص يصير مملوكا للمقتول ثم يصير موروثا كالدين ولهذا يكون للمرأة نصيب في القصاص والمرأة لا تملك شيئا من حق الزوج إلا بطريق الوراثة ثم في الدين لا تعاد البينة فكذا إذا كانت فيه شبهة الدين ولأبي حنيفة أن القصاص وجب للوارث من وجه ابتداء من حيث إن المنتفع به هو الوارث دون الميت فلا ينتصب عن الغائب خصما
قوله : فالشاهد خصم ويسقط القصاص لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص ولايصح دعواه إلا بثبوت عفو الغائب فينتصب الحاضر خصما عن الغائب طريق الضرورة
قوله : ففيه القود إن كان عمدا لأن هذه شهادة منهم على أنه قتله عمدا لكن إنما يجب القود إذا شهدوا أنه ضربه بشئ جارح
قوله : وإن اختلف إلخ إذا اختلف الشاهدان في الأيام أو البلدان لم تقبل شهادتهما لأن القتل لا يتكرر فكان كل واحد منهما شاهدا بقتل على حدة فلا يثبت أحدهما وكذلك إذ اختلفا في الآلة لأن القتل يختلف حكمه باختلاف الآلة وكذلك لو قال : قتله بعصا وقال الآخر : لا أدري لأن الذي شهد أنه قتله بالعصا شهد على قتل مقيد والآخر شهد على المطلق والمطلق غير المقيد
قوله : ففيه الدية هكذا ذكر ههنا وذكر في كتاب الديات أن هذا استحسان والقياس أن لا تقبل شهادتهم لأنهم شهدوا بقتل مجهول لأنه إذا جهلت الآلة فقد جهل القتل لأن القتل يختلف باختلاف الآلات وجه الاستحسان أنهم شهدوا بقتل مطلق وأقل موجبه الدية والمطلق لا يكون مجهولا
قوله : فله أن يقتلهما لأن كل واحد منهما أقر بكل القتل فوجب القصاص عليه والمقر له صدق في أحدهما وكذب في الآخر وتكذيب المقر له المقر في بعض ما أقر به لا يبطل إقراره
قوله : بطل لأن تكذيب المشهود له الشهود في بعض ما شهدوا يبطل الشهادة لأنه يوجب تفسيقه وتفسيق الشاهد يوجب رد الشهادة
قوله : باطلة لأنهما شهدا لأنفسهما بانقلاب نصيبهما مالا فلم يقبل
قوله : فإن صدقهما إلخ المسئلة على أربعة أوجه : إما أن يصدقهما القاتل وحده أو يصدقهما المشهود عليه أو يصدقاهما أو يكذباهما أما إن صدقاهما جميعا صار الثابت بالبينة كالثابت معاينة ولو عاينا ذلك بطل نصيب العافي وانقلب نصيبهما مالا كذا ههنا وإن كذباهما فلا شئ للشاهدين لأنهما لما شهدا بالعفو فقد أقرا ببطلان حقهما في القصاص فصح إقرارهما وادعيا بعد ذلك انقلاب نصيبهما مالا فلم يصدقا ونصيب المشهود عليه يصير مالا لأن شهادتهما للعفو بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه وإن صدقهما القاتل وحده غرم الدية بينهم أثلاثا لأنه لما صدقهما فقد أقر لهما بثلثي الدية فلزمه وادعى
بطلان حق المشهود عليه فلم يصدقا وإن صدقهما المشهود عليه دون القاتل غرم القاتل ثلث الدية وهو نصيب المشهود عليه (1/495)
{ باب في اعتبار حالة القتل }
قوله : لا شئ عليه لأن المقتول غير متقوم ولأبي حنيفة أن الرامي إنما يصير قاتلا بالرمى لأنه إنما يصير قاتلا بفعله وفعله الرمي ولهذا لو رمي إلى الصيد وهو مسلم فارتد وأصابه السهم وهو مرتد فجرح الصيد ومات حل أكله فدل ذلك على أن المعتبر حالة الرمي
قوله : في قولهم لأن هذا الرمي غير متقوم فلا يجب به الضمان وإن صار متقوما بعد ذلك
قوله : عليه فضل إلخ لأن العتق أبطل سراية الجناية ألا ترى أن من قطع يد عبد خطأ ثم أعتقه مولاه ثم مات لم يجب عليه قيمة النفس وإنما يجب عليه أرش اليد مع النقصان الذي نقصه القطع إلى أن أعتق كله وأبو حنيفة يقول : إن الرامي إنما يصير قاتلا من وقت الرمي ووقت الرمي المرمي إليه عبد فيلزمه قيمته للمولى كما قلنا في ارتداد المرمى إليه وفرق أبو يوسف بين هذه المسئلة وبين مسئلة الرمي بأن بالارتداد خرج من أن يكون مضمونا فصار مبريا له عن الجناية ولا كذلك العبد إذا أعتق
قوله : فلا شئ على الرامي لأنه حين رمى كان المرمى إليه مباح القتل فلم ينعقد رميه موجبا للضمان وبعد ذلك لم يوجد فعل آخر حتى يجب به الضمان
قوله : أكل لأن هذا الحكم يتعلق بأهلية الفاعل فيعتبر حالة الفعل
قوله : فلا شئ عليه لأن هذا الضمان يتعلق بإحرام الرامي فيعتبر حالة الفعل (1/498)
{ باب الرجل يقطع يد إنسان ثم يقتله }
قوله : يؤخذ بالأمرين لأن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن ويجعل الآخر تتميما للأول لأن القتل في الأعم يكون بضربات متعاقبات إلا أن لا يمكن الجمع وهو أن يختلف حكم الفعلين كما في الفصلين الأولين أو يتخلل البرء كما في الفصلين الأخيرين ومتى لم يتخلل البرء وتجانس الفعلان إن كان خطاء يجمع بالإجماع واكتفى بدية واحدة وإن كان عمدا عند أبي حنيفة بالخيار إن شاء اعتبر جهة التعدد فقطع ثم قتل وإن شاء مال إلى جهة الاتحاد فقتل لا غير وعندهما لا يجوز له إلا القتل والحجج تعرف في المختلف
قوله : ففيه دية واحدة لأنه لما برأ من الأسواط فكأنها لم توجد في حق الضمان دون التعزير وإنما يحصل القتل بما بقي فلا يجب إلا دية واحدة وبجب التعزير بتلك الأسواط التي اندملت
قوله : رجل قطع إلخ إذا قطع يد رجل عمدا فعفى المقطوع يده عن القطع ومات من ذلك فعلى القاطع الدية وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ومن الجناية ثم مات من ذلك فهو عفوعن النفس وقال أبو يوسف ومحمد : إن عفا عن القطع فهو عفو عن النفس فإن كان القطع خطأ وعفا عن القطع ثم سرى إلى النفس فهو على هذا الاختلاف وإن عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية صح العفو عن الكل كالعمد إلا إن في العمد يصح من جميع المال وفي الخطأ من ثلث المال وهذا يكون وصية العاقلة
وهذا لا يشكل عند من لم يجعل القاتل من العاقلة وأما من جعله واحدا من العاقلة فقد أبطل حصته من الوصية من الدية لأنها للقاتل وهذا غير صحيح والصحيح أنها صحيحة وإن حصلت للقاتل لأنه وإن لم يصح في الابتداء صح في الانتهاء لأنا لو أبطلنا ذلك رجعت إلى العاقلة لأن من أوصى لمن يصح له الوصية ولمن لا يصح له الوصية صار كلها لمن يصح له الوصية كمن أوصى بثلث ماله لحي وميت ففهنا إذا لم للقاتل يعود إلى العاقلة في الانتهاء فيصح من الابتداء
ثم بنى محمد على هذه المسئلة مسئلة وصورتها امرأة قطعت يد رجل عمدا وتزوجها الرجل على القطع وما يحدث منه أو عن الجناية ثم مات من ذلك فلها مهر مثلها ولا شئ عليها أما وجوب مهر المثل فلأن التزوج عليها تزوج على موجبها وموجبها ليس بمال لأن موجبها القطع وأما سقوط القصاص فلأنه لما جعل مهرا فقد رضي بسقوط القصاص وإن كان القتل خطأ والمسئلة بحالها صار متزوجا على موجبها وموجبها الدية وهذا يصلح مهرا غير أنه إنما يصح بمقدار مهر المثل لأنه مريض وما زاد على ذلك وصية فيكون الواجب لها بقدر مهر مثلها من الدية فإن كان مهر مثلها والدية سواء فالعاقلة لا يغرمون شيئا من ذلك لها لأنهم إنما يتحملون جنايتها فإذا لم يبق شئ فلا يغرمون لها وإن كان مهر مثلها أقل يرفع عن العاقلة مهر مثلها وما زاد عن ذلك إن كان يخرج من ثلث مالها فإنه يرفع عنهم لأنه وصية لهم وهم أجانب فيصح وإن كان لا يخرج فلهم ما زاد على مهر المثل قدر الثلث ويردون الفضل إلى الورثة هذا إذا تزوجها على القطع وما يحدث منه أو على الجناية فإن تزوجها على القطع لا غير في حالة الخطأ والعمد فجوابهما كالجواب الذي مر في ما إذا تزوجها على القطع وما يحدث منه أو على الجناية وعند أبي حنيفة إذا سرى بطلت التسمية فوجب مهر المثل لها على الحالين ووجب الدية في مالها عند العمد فيتقاصان إن كانا سواء ويرجع صاحب الفضل عند الزيادة وإن كان خطاء فالدية على العاقلة
قوله : فإنه يقتل المقتص منه وقطع يده لا يمنع وجوب القصاص عليه
وعن أبي يوسف أنه لا يقتل لأن الإقدام على القطع يكون إبراء عما وراءه والجواب عنه أنه إنما يصير إبراء عما وراءه لو كان الموجب معلوما وعند القطع زعمه أن حقه في القصاص في الطرف فيستوفى لهذا أما أن يبرأ أحد عن شئ مجهول فلا (1/499)
{ باب فى القتيل يوجد فى الدار والمحلة }
قوله : فهو على عاقلة البائع فأبو حنيفة اعتبر اليد لأن القدرة على الحفظ حقيقة إنما يكون باليد لا غير غير أن الملك سبب اليد فأقيم مقام اليد فإذا وجد الملك لأحدهما واليد للآخر كان اعتبار اليد أولى وهما اعتبرا الملك لأن الحفظ إنما يملك به
قوله : وهو على أهل الخطة إلخ لأن ولاية حفظ المحلة فى العادات لأصحاب الخطة فيكون هم المقصرون فى حفظ المحلة ويختار صالحو أهل المحلة وأما في حق الدية كل من أصحاب الخطة الصالح والطالح سواء هذا حكم منقول عن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) في القتيل الموجود بخيبر
قوله : فهو على المشتري لأنهم نزلوا منزلة أصحاب الخطة في ولاية الحفظ
قوله : فهو على رؤس الرجال لأنهم في ولاية الحفظ سواء فكانوا في التقصير سواء
قوله : فلا شئ على أحد لأن وجوب الدية والقسامة لأجل التقصير في الحفظ بعد وجوب الحفظ والفرات ليس في يد أحد ولا في ملك أحد حتى يجب عليه الحفظ ليصير جانيا يترك الحفظ
قوله : فهو على أقربهما يريد به القسامة والدية لأن القدرة على حفظ الموضع ثابتة لأقربهما
قوله : حتى يشهد الشهود إلخ أي إذا أنكرت العاقلة أن الدار ملك ذي اليد لأن اليد محتملة فلا يكتفى للاستحقاق (1/502)
{ باب الجراحات التي هي دون النفس }
قوله : فعلى الأول إلخ لأنه لما نبت سن الأول تبين أن القصاص لم يكن واجبا
قوله : وكذلك إن كسر إلخ لهما أن الفعل وقع فى محلين فأخذ حكم الفعلين وكل منهما مبتدأ فلم يعتبر شبهة وله أن الفعل واحد صورة لوقوعه محلا واحدا والفعل الواحد لا يكون موجبا للقصاص والدية
قوله : فعليه أرش الضرب هذا إذا بقي أثر الضرب وإن لم يبق لها أثر لا يجب شئ عند أبى حنيفة ( رحمه الله ) وعن أبي يوسف ( رحمه الله ) أنه يجب حكومة عدل وعن محمد ( رحمه الله ) يجب أجرة الطبيب وثمن الأدوية وهذا إذا جرح ثم برأ فأما إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شئ بالاتفاق
قوله : فعليه القصاص يريد به إذا قطع من الحشفة عمدا أو من أصله لأن في هذا الموضعين اعتبار المساواة ممكن
قوله : وفي لسانه إلخ لم يذكر القود وعلم أنه لا قود استوعب الكل أو قطع بعضه وعن أبي يوسف أنه يجب حكومة عدل
قوله : وفي بصره إلخ أي في بصر المولود إنما يضمن بكمال الدية والقود عند ظهور السلامة بالبصر فإذا لم يظهر يجب حكومة العدل
قوله : فإنه يقتص منه لأن اعتبار المساواة ممكن وهو أن يبرد بالمبرد
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد إلخ هما يرجحان بالكثرة وأبو حنيفة ( رحمه الله تعالى ) رجح بالذات فقال : الأصابع أصل في حق المنفعة فيكون أصلا في الضمان فما بقي شئ من الأصل لا يظهر حكم التبع (1/504)
{ باب فى جناية العبد والمكاتب }
قوله : فهو مختار للفداء لأنه بهذا الكلام أعتقه بعد الجناية وهو عالم به
قوله : فلا قصاص فيه لاشتباه الولي ولا يرتفع الاشتباه بالاجتماع لأنه لا يمكن القضاء للمجهول
قوله : فلا قصاص فى ذلك لأنه اشتبه سبب الحق فألحق باشتباه الولي وصار كما لو كان القتل خطأ والمسألة بحالها لا يجب قيمة النفس وإنما يجب أرش اليد وما نقصه القطع إلى أن أعتقه كذلك ههنا ولهما أن المستوفي معلوم وهو المولى وجهالة السبب لا يمنع لأنه لا يفضي إلى المنازعة بخلاف ما إذا كان القطع خطأ لأن العتق يمنع سراية الجناية إذا كانت خطأ لتبدل المستحق حال ابتداء جناية المولى وحالة السراية العبد وتبدل المستحق يمنع السراية أما إذا كان عمدا فالعتق لا يمنع السراية لأن المستحق فى الحالين هو العبد لأنه في استحقاق القصاص يبقى على أصل الحرية وإنما يستوفى المولى بطريقة النيابة ونظيره ما ذكر بعد هذا أن المكاتب إذا قتل من وفاء إن كان له ورثة آخر فلا قصاص فيه وإن لم يكن إلا المولى فعلى الاختلاف وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار اقتص منه المولى بالإجماع
قوله : فإنه يباع الولد إلخ لأن الدين وصف حكمي تعلق برقبتها فيسري إلى ولدها
قوله : لم يدفع إلخ لأن وجوب الدفع الذي هو حكم شرعي يلزم المولي فيكون وصفا له دونها فلا يسري إلى ولدها
قوله : بيع فيها وقال أبو يوسف أولا وهو قول زفر : يباع في المسئلتين جميعا وقد مرت المسئلة في كتاب المكاتب من هذا الكتاب
قوله : فلا شئ عليه لأن المقر بالعتق ادعى موجب الجناية على عاقلته وهم ينكرون ذلك
قوله : فأرشهما للمولى لأن العتق في العين نزل مقصودا على الحال
قوله : قول العهد لأنه ينكر وجوب الضمان حيث نسبه إلى حالة معهودة فكان القول قوله
قوله : وقال محمد هو يقول : إن المولى لما أضاف الفعل إلى حالة معهودة تنافي الضمان كان منكرا للضمان فكان القول قوله كما في الوطىء والغلة بخلاف القائم في يده بعينه لأنه يدعي التملك عليها وهي تنكر فالقول قولها وهما يقولان : إنه ما أضاف فعله إلى حالة تنافي الضمان لأن قطع المولى يد أمته وهي مديونة يوجب الضمان ولا كذلك الوطىء وأخذ الغلة لأنهما لا يوجبان الضمان وإن كانت مديونة
قوله : فالعبد صلح بالجناية أي يملكه بالجناية لأنه لما أقدم على العتق فقد قصد تصحيحه ولا صحة له إلا أن يجعله دفعا عن القطع وما يحدث منه
قوله : أمر برده على المولى لأن الدفع تسليم الواجب وبالسراية بطل التسليم أيضا فلا يبقى شبهة
قوله : وكذلك إن أمر عبدا إلخ لأنهما يؤخذان بأفعالهما دون أقوالهما إلا أن الصبى لا يؤاخذ أبدا والعبد المأمور يؤاخذ بعد العتق لأن قوله فى حقه معتبر
قوله : فعليه قيمتان قيمة لأولياء الجناية وقيمة لصاحب الدين لأنه أتلف حقين : حق البيع للغرماء وحق الدفع للأولياء وتوفير الحقين كان ممكنا بدفع المولى إلى ولي الجناية ثم يأخذ الغرماء من يد ولي الجناية فإذا أتلفهما ضمن لكل منهما
قوله : فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين إلخ لأن بالعفو بطل القصاص كله وانقلب نصيب الآخرين مالا فصار كما لو وجب المال من الابتداء وسقط نصف الكل
قوله : فداه بخمسة عشر ألفا إلخ لأن حق الآخر لما انقلب مالا صار حقه في نصف الدية
قوله : وقال أبو يوسف ومحمد : يدفع إلخ وذكر في بعض النسخ قول محمد مع قول أبى حنيفة وذكر في الزيادات أن عبدا لو قتل مولاه عمدا وله وليان فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة ومحمد ولم يختلف الرواية فيه وقال أبو يوسف في هذه المسئلة مثل قوله في الكتاب وذكر في أكثر نسخ الكتاب قول محمد مع أبي يوسف لهما أن نصيب الذي لم يعف لما انقلب مالا لعفو صاحبه صار نصفه في ملك صاحبه فما أصاب ملك نفسه سقط وما أصاب ملك صاحبه لم يسقط وهو الربع وله أن القصاص واجب لكل واحد منهما في النصف من غير تعين فإذا انقلب مالا احتمل بطلان الكل وهو أن يعتبر بتعلقه بنصيب الآخر واحتمل أن يعتبر متعلقا بنصيب نفسه واحتملا التنصيف بأن يعتبر شائعا فلا يجب المال بالشك
قوله : بالغة ما بلغت لأن الضمان بدل المالية فيجب بحبسها كما فى الغصب حيث يجب قيمة المغصوب بالغة ما بلغت ولأبي حنيفة ومحمد أنه ( تعالى ) أوجب الدية مطلقا بقوله : { ودية مسلمة إلى أهله } وهي اسم للواجب بمقابلة الآدمية فيجب اعتبارها ولا يجوز الزيادة عليها ولما كانت قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم نقصنا منها فى العبد بعشرة إظهارا لانحطاط مرتبته وهو مروي عن عبد الله بن مسعود حيث قال : لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم رواه القدوري في شرح مختصر الكرخي وروى عبد الرزاق مثله عن إبراهيم النخعي والشعبي بخلاف قليل القيمة فإنه لا أثر فيه فقدرنا بقيمته (1/506)
{ باب فى غصب المدبر والجناية فى ذلك }
قوله : فعليه قيمته أقطع لأن الغصب مبطل لسراية الجناية فصار كأنه هلك لا بالقطع فيضمن قيمته أقطع
قوله : فلا شئ عليه لأنه لم يعترض على القطع ما يمنع السراية فصار المولى متلفا له في يد الغاصب وبالإتلاف صار مستردا للعبد
قوله : فهو ضامن لأنه مأخوذ بأفعاله بالاستهلاك ولا يؤخذ بأقواله من الإقرار
قوله : نصفان لأنه صار مبطلا حقهم في العبد على وجه لا يصير مختارا للفداء لأن المولى بالتدبير السابق صار معجزا نفسه عن دفع العبد
قوله : فيدفعه هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : لا يدفع إلى ولي الجناية الأولى بل يسلم له لأن المولى إنما يرجع على الغاصب بنصف القيمة التي أخذها ولي الجناية الأولى ولهما أن حق ولي الجناية الأولى في كل القيمة وقد منع النصف لمزاحمة ولي الجناية الثانية فإذا وصل إلى المولى من قيمة المدبر شئ وجب التسليم إلى ولي الجناية الأولى
قوله : ويرجع بذلك النصف إلخ لأنه استحق هذا النصف بسبب كان في ضمان الغاصب فيرجع بذلك عليه
قوله : فعلى عاقلة الغاصب الدية لأن الإتلاف وجد نسبيا بالنقل إلى المسبعة ومكان الصواعق لأنهما لا يكونان فى كل مكان فهو متعد فيه فيضمن كالحفر فى الطريق بخلاف الحمى والفجاءة لأنه لا يختلف باختلاف المكان حتى لو كان موضعا يغلب فيه الحمى والأمراض ينبغي أن يضمن
قوله : لم يضمن وقال أبو يوسف : يضمن لأنه أتلف مالا معصوما حقا لله ( تعالى ) فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا ولهما أنه أتلف مالا غير معصوم لأن العصمة تثبت حقا للمالك وقد فوتها بنفسه فإنه لا ولاية للصبي عليه ولا على نفسه ولم يقم هو من يقوم مقامه للحفظ فلا يجب الضمان بخلاف إيداع العبد فإن عصمته لحق نفسه لأنه مبقي على أصل الحرية في الدم فلا يحتاج فيه إلى ولاية أحد فيجب ضمانه وبخلاف ما إذا استهلك الصبي شيئا من غير إبداع فإن الصبى يؤخذ بأفعاله والتقييد بالعاقل يدل أن غير العاقل يضمن اتفاقا لأن التسليط من المودع غير معتبر وفعل الصبى معتبر كذا ذكره فخر الإسلام ( رحمه الله ) وذكر قاضيخان ( رحمه الله ) وغيره أن غير العاقل لا يضمن فى قولهم جميعا كذا فى العناية (1/510)
{ باب في الرجل شهر سلاحا واللص يدخل دارا }
قوله : ولا شئ عليهم لأنه صار محاربا فسقطت عصمته كما سقطت عصمة أهل البغي بالمحاربة
قوله : فلا شئ عليه لقوله ( عليه السلام ) : [ قاتل دون مالك وأنت شهيد ]
قوله : فعلى القاتل القصاص يريد به أنه ضربه وتركه وانصرف ومتى كان كذلك خرج من أن يكون محاربا (1/513)
{ باب في جناية الحائط والجناح }
قوله : أو جرصنا البرج الذي يكون في الحائط كذا قال الصدر وقيل : مجرى ماء يركب في الحائط وقيل : جذع يخرجه الإنسان من الحائط ليبني عليه وقيل غير ذلك
قوله : ما لم يضر بالمسلمين لأن له حق الانتفاع بالمرور فإذا لم يضر أشبه المرور
قوله : ضمن لأنه مباح مقيد بشرط السلامة وهكذا الجواب فى جميع ما مر
قوله : من أهل الدرب الدرب الباب الواسع على السكة والمراد به السكة ههنا
قوله : إلا بإذن إلخ لأن السكة مملوكة لهم والطريق الأعظم حقهم لا ملكهم
قوله : فهو ضامن له أي ثلث الدية وقال محمد وأبو يوسف : عليه نصف الدية فى المسألتين جميعا لأنه ما تلف بنصيب من لم يشهد عليه هدر فلما هدر البعض واعتبر البعض يجعل الهدر جنسا واحدا والمعتبر شيئا واحدا ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن العلة قدر الثقل وهى علة واحدة للحكم فيضاف الحكم إليها ثم تنقسم الحكم على أربابها على قدر الملك
قوله : فهو ضامن لأن الحامل قاصد للحفظ فلو قيد بشرط السلامة لا يحرج
قوله : لم يضمن لأنه غير قاصد للحفظ فالتقييد بالحفظ يوقعه في الحرج
قوله : وكذلك إلخ لأنهما استويا في صفة العدوانية حال تعمد المرور عليها فكانت الإضافة إلى المباشر أولى
قوله : ضمن لأن ولاية التصرف لأهل المحلة فكان فعلهم مباحا وفعل غيرهم تعديا
قوله : لا يضمن على كل حال لأن الجلوس للصلاة من ضرورات الصلاة فألحق بالصلاة ولو جلس مصليا لا يضمن فكذا هذا وأبو حنيفة ( رحمه الله ) يقول : بلى لكن الجلوس لأجل الصلاة مباح مقيد بشرط السلامة والجلوس في الصلاة مباح غير مقيد يقع التفاوت بينهما (1/513)
{ باب في جناية البهيمة والجناية عليها }
قوله : ضمن السائق لأنه قاصد للحفظ فيشترط بقيد السلامة
قوله : لم يضمن لأن صاحب الدابة لم يباشر الإتلاف وإنما يضمن بالتسبيب والمسبب إنما يضمن إذا كان متعديا ووقف الدابة لذلك ليس بتعد لأنه لا بد من ذلك
قوله : يضمن لأن الوقف لأمر آخر تعد أو مباح مقيد بشرط السلامة
قوله : لم يضمن لأن الصيانة عن المرور على الحجر الصغير غير ممكن فلا يصير متعنتا بترك الصيانة ولا كذلك المرور على الحجر الكبير
قوله : أو خبطت أي ضربت بيدها لأنه يمكن صيانة الدواب من هذه المعاني
قوله : إلا النفحة بالرجل والذنب فإنه لا يضمن لأنه لا يمكن صيانة الدواب عن هذه المعاني لأنه يغيب عن بصره
قوله : ضمن النفحة أيضا لأن الصيانة عن الوقف ممكن وعن النفحة غير ممكن فصار الوقف تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة
قوله : وعلى الراكب الكفارة يريد في ما إذا أوطأت الدابة ولا تجب الكفارة على القائد والسائق لأن القتل من الراكب حصل بثقله وثقل الدابة تبع له فجعل مباشرا وعلى المباشر الكفارة وهما مسببان والمسبب لا كفارة عليه
قوله : ضمن لأن الكلب محتمل السوق كسائر الدواب فأضيف إليه فأما البازي لا يحتمل السوق فهدر سوقه ذكر هذا الفرق في الزيادات
قوله : وكذلك إن أرسل كلبا ولم يكن سائقا يريد به لم يكن خلفه فأصاب على فوره لم يضمن لأن الكلب عامل باختياره وعمل البهيمة هدر إلا أنه نسب إلى المرسل في حق إباحة الصيد للحاجة ولا حاجة في حق التعدي
قوله : رجل قاد قطارا إلخ قائد القطار كالسائق لأن عليه الحفظ ولو أصاب نفسا وجب الضمان على عاقلته
قوله : فعلى عاقلة القائد الدية وإن كان لا يشعر بالربط لأن عليه صيانة القطار فكان مسببا لكن عاقلته يرجعون على عاقلة الرابط لأنه هو الذي أوقعهم في ذلك
قوله : ففيها ما نقصها لأن الشاة لا يمسكه إلا للأكل فكان في معنى اللحم فلا يعتبر إلا النقصان وهذه الدواب لها منافع آخر سوى الأكل فصار شبيها بالآدمي لكن لا ينتفع بها إلا بأربعة أعين فصار كما لو كان لها أربعة أعين فيجب في العين الواحدة ربع القيمة (1/515)
{ مسائل من كتاب الجنايات لم تدخل في الأبواب }
قوله : فإنه يجزيه إلخ لأن السلامة ثابتة في الرضيع ظاهرا على ما عليه الغالب
قوله : ولا يجزيه لأنه عضو من وجه وإن كان نفسا من وجه فلم يدخل تحت مطلق اسم الرقبة
قوله : فهو حال لأن المال الواجب بالعقد أصله الحلول لا المؤجل بخلاف الدية لأنها لا تجب بالعقد
قوله : نصفان لأنه أضيف العقد إلى دمهما على السواء فينقسم كذلك
قوله : غرة الغرة عبد أو فرس قيمته خمسمائة درهم وإنما وجبت لأن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) قضى فى جنين الأجنبية الغرة على عاقلة القاتل فكذا في الجنين الذي هو ابنه
قوله : ولا يرث منها أي الأب لأنه قاتل مباشر بغير حق
قوله : ففيه قيمته حيا لأنه قتله بالضرب السابق ووقت الضرب كان رقيقا فيضمن القيمة لأنه صار قاتلا إياه
قوله : ولا شئ فى الإفضاء لوجود الإذن كمن قال : اقطع يدي
قوله : فثلث الدية لأنه بمنزلة الجائفة
قوله : فكل الدية لأنه أتلف منفعة لا نظير لها في البدن ولم يوجد منها إذن يبطل به الأرض فلا يبطل وإن كان مع ذلك دعوى الشبهة فالجواب أن يستوي في المطاوعة والكره في حق سقوط الحد ويختلف في الأرش فلا يجب الأرش في المطاوعة وفي الكره يجب ثلث الدية مرة وكل الدية مرة (1/517)
{ باب الوصية بثلث المال }
قوله : فلهن ثلاثة أسهم لأن الصيغة وإن كانت للجمع إلا أنها صارت مجازا عن الجنس لتعذر العمل بالعموم واسم الجنس يقع على الأدنى ويحتمل الكل
قوله : فله ثلث كل مائة لأن مطلق الشركة تقتضي التسوية وذلك في ما قلنا
قوله : فله نصف ما لكل إلخ لأن مطلق الشركة تقتضي التسوية لكن بقدر الإمكان ففي الفصل الأول أمكن التسوية من كل وجه بينهم جميعا وفي الفصل الثاني لم يمكن التسوية بينهم على اعتبار الجملة فوجب الاستواء على طريق الانفراد فانصرف إلى التسوية مع كل منهما
قوله : فله ثلث المال لأن الثلث يتضمن السدس فجعلناه مخبرا عن السدس الأول منشأ للسدس الآخر لأنه مهما أمكن جعله إخبارا لا يجعل إنشاء لأن فيه شكا والإخبار متيقن
قوله : إلا سدس واحد لأنه ذكر السدس معرفا بالإضافة مرتين لأنها من أسباب التعريف والمعرفة إذا أعيدت معرفة أو النكرة إذا أعيدت على سبيل التعريف كان الثاني عين الأول
قوله : لا يزاد على الثلث لأنها وصية بأقل الأنصباء فإذا زاد لا يجاوز عن الثلث ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أن السهم اسم للسدس وهو اسم لنصيب واحد من الورثة أيضا فينظر أيهما كان أقل فله ذلك وهذا في عرفهم فأما في عرفنا فالسهم والجزء سواء لأنه ليس باسم لنصيب أحد الورثة ولا للسدس
قوله : يصدق إلى الثلث يعني إذا ادعى أكثر من الثلث فكذبته الورثة لا يعطى إلا ثلث المال لأن قوله : على دين إقرار بمجهول لا يصح الحكم به
وقوله : فصدقوه مخالف لحكم الشرع لأن المدعي لا يصدق من غير حجة فبطل لكن قصده من هذا تقديمه على الورثة وفي الوصية ذلك فكان وصية فلا يزاد على الثلث
قوله : نصف الوصية لأن الوصية ابتداء إيجاب وقد أضيف إلى ما يملك وإلى ما لا يملك فبطل في ما لا يملك
قوله : والورثة تجحد يريد أن الورثة يجحدون بقاء حق كل واحد منهم بعينه ويقولون : حق كل واحد منكم بطل ولا يدري من بطل حقه ومن بقى فلا نسلم إليك شيئا فالوصية باطلة لأن المستحق مجهول وجهالة المستحق يمنع القضاء
قوله : فإن سلموا وقالوا : اقتسموها بينكم على قدر وصاياكم فالآن يقسم بينهم لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود لأنه لا حق له في الردي بيقين ولصاحب الردى ثلثا الثوب الردي لأنه لا حق له فى الجيد بيقين ولصاحب الوسط ثلث الأجود وثلث الأدون لأن حقه دائر فيهما تحقيقا للتسوية بينهم
قوله : له مثل ذرع نصف البيت لأن الوصية أضيفت إلى المملوك وغير المملوك فصح فى المملوك دون الآخر ولهما أن القسمة إفراز النصيب والتعيين فإذا وقع البيت فى سهمه صار البيت عين حقه فينفذ إيجابه فى ذلك
قوله : وله أن يمنع لأن تبرع الموصي يتوقف على إجازة صاحب المال فإذا أجاز فكأنه تبرع والتبرع لا يفيد الملك قبل التسليم فله أن يمنع
قوله : ثلث ما في يده لأن الموصى له شريك الورثة وليس بمقدم عليه فصار مقرا أنه شريكه
قوله : فله الدرهم كله لأن الوصية بثلث ثلاثة دراهم والوصية بالدرهم سواء ولو كانت بصيغة الدرهم بقيت الوصية بكمالها فكذا هذا
قوله : باطل لأن الإيصاء في الحكم لا ينزل إلا عند الموت فيكون كأنه عقد عند الموت
قوله : وتجوز الوصية لما في البطن لأن الإيصاء استخلاف فإن الموصي يستخلف الموصى له في بعض ماله ويلحقه بالوارث وخلافة الجنين صحيحة شرعا في الميراث إذا علم حياته ولا كذلك الهبة لأنه تمليك محض ولا ولاية لأحد على ما في البطن
قوله : باطلة لأنها نهينا بالبر إليهم
قوله : جاز لأن امتناع الوصية بكل المال لحق الورثة حتى جاز بإجازتهم وحق ورثة الحربي غير مراعى
قوله : له ثلثا كل واحد منهما لأنها لما حبلت صار الولد موصى به تبعا للأم فيدخل الولد تحت الوصية كما يدخل تحت العتق والبيع فبقي كل واحد منهما موصى به وهما أكثر من الثلث فيعطي له ثلثا كل منهما وله أن الوصية قد صحت بالأم فلو جعل الولد شريكا لها انتقض بعض الوصية فى الأم فلا يجوز نقض الأصل بالتبع
قوله : فهو للموصى له لأن التركة بالقسمة خرجت عن حكم ملك الميت فحدث الزيادة على خالص ملك الموصى له (1/520)
{ باب العتق في المرض والوصية بالعتق }
قوله : جاز الإقرار لأنها أجنبية في الحال وبطل ما سوى ذلك أما الهبة فلأنها وصية مضافة إلى ما بعد الموت معنى وإن كانت منجزة صورة وكذلك الوصية وهي امرأة وقت الموت والوصية للوارث باطلة
قوله : يبطل ذلك أما الوصية والهبة فلما قلنا وأما الإقرار فلأن سبب استحقاق الإرث قائم وهو البنوة والحالة ليست حالة الاستحقاق فيعتبر نفس السبب فيبطل الإقرار لأن الإقرار لا يكون واقعا للإبن كما إذا كان مسلما
قوله : من جميع المال لأنه إذا تقادم العهد صار بمنزلة طبع من طباعه
قوله : يعتق عنه بما بقي لأن المستحق لم يتبدل لأن المستحق للعتق هو الله ( تعالى ) فوجب التنفيذ كما في الحج وله أن المستحق للعتق قد تبدل لأن المستحق هو العبد وقد أوصى بالعتق بعبد يشترى بمائة فلو أعتق عبد يشترى بما دونها كان تنفيذا للوصية بغير المستحق
قوله : لم يسع في شئ لأنه وصية والوصية بأكثر من الثلث يجوز بإجازة الورثة
قوله : بطلت الوصية لأن الدفع يبطل الملك فيبطل الوصية
قوله : في أموالهم لالتزامهم إجازة الوصية لأن العبد فرغ من الجناية فبقي على ملكه فسلم للوصية والوارث متبرع في الفداء ويجب إعتاقه
قوله : قول الوارث لأن من زعم الوارث أن الإعتاق كان وصية وأنه مقدم على وصية ولا شئ له إلا أن يفضل على قيمة العبد من الثلث ومن زعم الموصى له أن الإعتاق لم يكن وصية فهو يدعي حقا في التركة والوارث منكر فيكون القول قوله مع اليمين وإن أقام الموصى له بينة على ما قال ثبت أن العتق لم تكن وصية فله ثلث سائر الأموال
قوله : وقالا : لا يعتق إلخ لأن العتق والدين ثبتا معا فيثبت الدين والعبد قد عتق فلا يتعلق الدين برقبته وله أن الإقرار بالدين أقوى من إقرار العتق (1/525)
{ باب الوصية بثمرة البستان وغلته }
قوله : وحدها لأن الثمرة حين أطلقت يراد بها الموجود عرفا
قوله : ما عاش لأن الوصية استخلاف للموصى له وإقامته مقام الوارث والوارث يستحق الثمرة الموجودة وما سيوجد فإذا جعل له ثمرة بستانه أبدا جعل له الثمرة الموجودة وما يوجد
قوله : وغلته في ما يستقبل لأن الغلة اسم للمصدر والمصدر كما يتناول الموجود يتناول ما هو بعرضة الموجود
قوله : يوم يموت الموصي بخلاف الغلة والثمرة لأن الغلة والثمرة يستحق بالعقود في الجملة فإذا كانت تستحق بالعقود في الجملة أمكننا أن نجعلها مستحقة بعقد الوصية فأما الصوف واللبن والولد الذي هو معدوم لا يستحق بالعقد فلا نقدر أن نجعلها مستحقة بعقد الوصية (1/527)
{ باب وصية الذمي ببيعة أو كنيسة }
قوله : فهو ميراث أما عند أبي حنيفة فلأن حكمه حكم الوقف ووقف المسلم يورث عنده فكذا وقف اليهودي والنصراني وأما عندهما فكذلك لأنه لا يجوز من أهل الذمة ما هو قربة
قوله : فهو من الثلث لأن هذا باعتبار الاستخلاف وصح استخلافهم فيه وله ولاية الاستخلاف (1/527)
{ باب بيع الأوصياء والوصية إليهم }
قوله : جائزة لأن الوصي خليفة الميت والورثة خلفاء الميت فيكون هو خليفة لهم
قوله : بثلث ما بقي لأن الوصي ليس بخليفة عن الميت من كل وجه حتى يكون خليفة للموصى له فلم ينفذ قسمة الوصي عليه فإذا لم ينفذ وقبضه كان ذلك أمانة فى يده
قوله : فقسمته جائزة لأن الوصية قد صحت وإن كان الموصى له غائبا وإذا صحت فللقاضي ولاية النظر
قوله : فقد لزمته وأورد بعد موته لم يصح لأن الموصى هلك معتمدا على قبوله فلو صحح رده بعد موته لبطلت حقوق الميت
قوله : لم يكن ردا لأنه لو كان ردا وقع الموصى في ضرر وغرر
قوله : وإن لم يقبل إلخ إن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فله الخيار إن شاء قبل وإن شاء رد لأن الموصي لا يملك الإلزام فإن باع شيئا من تركته فقد لزمته لأنه وجدت دلالة القبول وإن لم يقبل ولم يرد حتى مات فقال : لا أقبل ثم قال : أقبل لم يبطل لأنه لو بطل لوقع الموصي في الضرر والضرر واجب الدفع إلا أن يكون القاضي أخرجه عن الإيصاء حين قال : لا أقبل فإن قبل بعد ذلك لا يصح لأنه صح إخراجه لأن الموضع موضع الاجتهاد
قوله : فهو جائز لأنه قائم مقام الموصي ولو فعل الموصي صح
قوله : وهو قول محمد إلخ الحاصل أن أحد الوصيين لا يتفرد بالتصرف في ما يبتنى على الولاية عند أبي حنيفة ومحمد ( رحمهما الله ) وقال أبو يوسف ( رحمه الله ) : يتفرد وأجمعوا على ما لا يتبنى على الولاية يتفرد به أحدهما : كشراء الكفن للميت وشراء ما لا بد للصغير منه وقضاء الديون ورد الودائع
قوله : كفعلهما لأن الإيصاء نقل الولاية والولاية إذا ثبت لاثنين شرعا ثبت لكل منهما على الانفراد مثل الأخوين في ولاية الإنكاح ولهما أن الموصي أثبت الولاية لهما جميعا فصارت الولاية مقيدة بشرط اجتماع فوجب اعتباره
قوله : ضمن الوصي لأنه عاقد ملتزم للعهدة ويرجع في جميع ما تركه الميت وهذا قول أبي حنيفة الآخر وفي قوله الأول لا يرجع بشئ
قوله : إلا في ما يتغابن الناس لأن ولايته مقيدة بشرط الأحسن والغبن الفاحش ليس من الأحسن بخلاف الغبن اليسير لأن الاحتراز عنه غير ممكن
قوله : وإذا كتب إلخ أي إذا كتب القاضي كتاب الشراء على وصي كتب كتاب الشراء على حدة وكتاب الوصية على حدة لأنه لو كتب كتابا واحدا وأشهد عليه قوما وفيهم من لم يشهد على الإيصار فعسى أن يشهد بالملك فيصير شاهدا بلا إشهاد
قوله : ولا يتجر لأنه قائم مقام الموصي وهو الأب وهو لا يملك بيع مال الكبير الغائب إلا بطريق الحفظ نظرا له فكذا الوصي وبيع المنقول من باب الحفظ
قوله : بمنزلة وصي الأب إلخ لأن للموصي ولاية الحفظ فكذا للوصي حتى ملكوا شراء الطعام والكسوة
قوله : يقسم الرقيق فيجمع حق كل منهما في عبد واحد ويستوي بينهما باعتبار القيمة
قوله : من الجد لأنه قائم مقام الأب فوجب تقديمه على الجد كما قدم الأب
قوله : باطلة لأنهما شهدا لأنفسهما لأنهما أثبتا معنى لأنفسهما هذا إذا أنكر الوصي وأما إذا ادعى الوصي ذلك فالقياس أن لا يقبل وفي الاستحسان يقبل
قوله : في الوجهين لأنهما أجنبيان عن المشهود له كما في غير مال الميت ولأبي حنيفة ( رحمه الله ) أنهما يوجبان لأنفسهما حق الحفظ لأن حفظ مال الميت إليهما في حق الكبير إذا غاب فكانا متهمين
قوله : جازت شهادتهم عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف وذكر الخصاف فى أدب القاضي أن على قول أبي حنيفة ( رحمه الله ) لا تجوز شهادتهم فحصل عن أبي حنيفة ( رحمه الله ) روايتان في هذه المسئلة ووجه رواية الخصاف أن الدين بعد الموت يتعلق بالتركة على سبيل الشركة فصار بمنزلة الوصية المشتركة ولو كانت وصية والمسئلة بحالها لا تقبل فكذا هذا ووجه رواية هذا الكتاب أن الدين إنما يحل فى الذمة ولا شركة فى ذلك أصلا وإنما الاستيفاء من ثمراته فوقعت الشهادة لغير الشاهد بخلاف الوصية لأن حق الوصية لا يثبت فى الذمة وإنما يثبت في العين
فصار العين مشتركا بينهم
قوله : فالوصية باطلة وذكر فى كتاب القسمة أن المسلم إذا أوصى إلى ذمي فقاسم الذمي قبل أن يخرجه القاضي من الوصية إن ذلك جائز فثبت أن الإيصاء إلى الذمي صحيح وكذا إلى عبد الغير لكن يخرجهما القاضي منهما أما صحة الإيصاء فلأنهما من أهل التصرف وأما الإخراج فلأن الذمي لا يؤتمن على المسلم وعبد غيره مشغول فلا يؤتمن عليه أن يتصرف فلا يستوفي حقوق الميت فكان للقاضي أن يخرجه (1/528)
{ باب البازي }
قوله : لم يؤكل لقوله ( تعالى ) : { فكلوا مما أمسكن عليكم } الإباحة مقيدة بشرط الإمساك لصاحبه ولم يوجد لأنه إذا أكل منه فإنما أمسكه لنفسه
قوله : فيما سوى ذلك يريد به إذا أخذ كلب غير معلم صيدا فلا خير فيه إذا قتله إلا أن يدرك ذكاته لقوله ( تعالى ) : { إلا ما ذكيتم } (1/533)
{ مسائل متفرقة ليست لها أبواب }
قوله : فلا يحرم شيئا لأن حرمة الرضاع إنما يثبت باللبن الذي يشربه الصغار لمعنى النمو
قوله : ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه لأن الإشارة إنما تقوم مقام العبارة إذا صارت معهودة وإنما يتحقق ذلك في ما إذا كان العارض أصليا كالخرس وما سواها على شرف الزوال
قوله : لم يجز لأن الإشارة لا تقوم مقام العبارة لقدرته على الكلام
قوله : ويكره لأن ما حرم استعماله على الرجال حرم عليهم أن يجعلوا صبيانهم مستعملين له (1/533)