-----
وكذلك إن اكتسب أحدهما كسباً قبل الدعوى، ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما من البائع؛ لأنه صحت دعوته في حق الحي، ومن ضرورته صحة الدعوى في حق الآخر؛ لأنهما خلقا من ماء واحد لا يتصور أن يثبت نسب أحدهما وحريته من الأصل دون الآخر، وإذا صحت دعواهما فيما ذكر أن قيمة المقتول تكون لورثة المقتول ولا تكون للمشتري، ولم يحكم بحريته من الأصل في حق الجاني حتى لم يوجب عليه الدية بل أوجب القيمة، ومثل هذا جائز، يجوز أن يكون الشخص الواحد عبداً وحراً في حق شخصين وفي حق حكمين، ألا ترى أن من أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه اعتبر عبداً في حق البائع حتى يستحق الثمن على المشتري، ويعتبر حراً في حق المشتري حتى يحكم بعتقه عليه، واعتبر شراؤه في حقه تخليص الحر، كذا ههنا.
وفرق بين الأرش والكسب والقيمة، فجعل الكسب والأرش للمشتري، وجعل القيمة لورثة المقتول. والفرق: أن من ضرورة ثبوت أحدهما وحريته من الأصل؛ لأن التوأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في حق ثبوت النسب والحرية، والقيمة بدل عن النفس، فإذا ظهرت الحرية في حق النفس من الأصل؛ يثبت في بدل النفس؛ فيكون لورثة المقتول ضرورة أما ليس من ضرورة ثبات النسب وثبوت حرية الأصل في حق النفس ثبوتها في حق الأطراف المبانة، لأن حرية الذات متصورة بدون الأطراف بأن كانت فبانت الأطراف من الأصل، فلا ضرورة إلى قطع ملك المشتري عن الأرش، وكذلك في الكسب؛ لأن حرية الذات متصورة بدون حرية ما فات بسبب الكسب، وهو المنافع كما يتصور بدون حرية الأطراف، فلا ضرورة إلى ملك المشتري عن الكسب، فلذا افترقا قال: ولو لم يدعهما البائع، وإنما ادعاهما المشتري ثبت نسبهما منه لما ذكرنا في الولد الواحد.(10/459)
-----
وإذا ولدت الأمة عند رجل ولدين في بطن واحد، فباع أحدهما وادعى المشتري الولد الذي اشتراه أنه ابنه، صحت دعوته وثبت نسب الولدين منه؛ لأنهما توأمان، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما منه ثبوت نسب الآخر، ولا يعتق الولد الآخر؛ لأن دعوى المشتري دعوى تحرير؛ لأن أصل العلوق لم يكن في ملكه، فكأنه أعتق ما اشترى للحال، وليس من ضرورة عتق أحد التوأمين بعتق عارض عتق الآخر، ولا تصير الجارية أم ولد له، لأن أمية الولد قد تنفصل عن حرية الولد من الأصل كما في الولد المغرور، ففي حرية عارضة أولى.
وإذا حبلت الأمة عند رجل وولدت ابنة فكبرت ابنتها؛ وولدت ابنة، ثم إن المولى باع الابنة السفلى وأعتقها المشتري ثم إن المولى ادعى الابنة العليا، ثبت نسب العليا وثبت نسب السفلى وبطل عتق المشتري، وكانت بمنزلة التوأم، وإنما بطل إعتاق المشتري؛ لأنه يبين أنها كانت حرة قبل شرائه.
وإذا اشترى الرجل أمة أو ولدها أو اشتراها وهي حامل ثم باعها من آخر ثم اشتراها ثم ادعى الولد صحت دعوته، وثبت نسب الولد منه، إذا كان الولد في ملكه يوم ادعاه؛ لأنه ادعى نسب ولد مملوك، ولا يبطل ما كان قبل الدعوى من بيع أو شراء؛ بخلاف ما إذا كان علوق الولد في ملكه، فإنه يبطل ما كان قبل الدعوى من بيع أو شراء.
والفرق: أن علوق الولد إذا كان في ملكه، فدعوته دعوى استيلاد، فيستند إلى وقت العلوق، وبين أن الساعات كلها حصلت في ولد الحر وفي أم الولد، فيظهر بطلانها، أما إذا لم يكن العلوق في ملكه، فدعوته دعوى تحرير فيقتصر على الحال، فلا يظهر به بطلان البيوع السابقة.(10/460)
-----
قال: وإذا اشترى الرجل عبدين توأمين ولدا في ملك العبد، وباع أحدهما ثم ادعاهما جميعاً، وادعى الذي لم يبع صحت دعوته في الذي لم يبع، وهذا ظاهر وثبت نسب الذي باع؛ لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد، فلا يختلفان في ثبات النسب، ولا ينتقض البيع في الذي باع بخلاف ما إذا كان العلوق في ملكه، والفرق وهو أن العلوق إذا كان في ملكهما، فدعوته في الذي لم يبع دعوى حريته من الأصل، ومن ضرورة حريته من الأصل فتبين أنه باع الحر، فأما إذا لم يكن العلوق في ملكهما فدعوته في الذي (231ب4) لم يبع دعوى تحرير، وليس من ضرورة حرية أحدهما بحرية عارضيه حرية الآخر، فلا يبين أنه باع الحر.
وإذا اشترى الرجل عبداً واشترى أبوه أخا ذلك العبد وهما توأمان؛ فادعى أحدهما العبد الذي في يديه صحت دعوته فيما في يديه، وهذا ظاهر وثبت نسب الآخر؛ لأنهما خلقا من ماء واحد، ويعتقان جميعاً؛ لأن المدعي إن كان هو الأب عتق الذي عنده بالدعوى، وعتق الآخر على أبيه؛ لأن ملك أخاه، وإن كان المدعي هو الابن عتق الذي عنده بالدعوى، وعتق الآخر على أبيه؛ لأنه ملك ابن أبيه، ولا ضمان على واحد منهما لصاحبه؛ لأن عتق ما في يد كل واحد منهما ثبت نسبه مقصوراً عليه غير متعدٍ إلى صاحبه.
وإذا اشترى الرجل أمة على أنه بالخيار ثلاثة أيام، فولدت بعد ذلك بيوم عند المشتري، فادعى المشتري الولد صحت دعوته عندهم جميعاً؛ لأن دعوى المشتري صادفت ملكه، أما عند أبي يوسف ومحمد، فلأن خيار المشتري سقط بالولادة، وصارت الأمة ملكاً له؛ لأن الولادة عيب في بنات آدم، وحدوث العيب في يد المشتري يسقط خيار المشتري، فهذا معنى قوله إن دعوى المشتري صادفت ملكه، ولو كان الخيار للبائع فادعاه المشتري، فإن دعوته تكون موقوفة إن أجاز البائع البيع، صحت دعوته، وإن فسخ بطلت دعوته.
(10/461)
-----
فرق بين هذا وبينما إذا أعتقه المشتري، والخيار للبائع، فإن عتقه لا يتوقف بل يبطل؛ والفرق: أن الدعوى إقرار بنسب ثابت، وليس بإثبات النسب للحال، والإقرار صحيح قبل الملك، ولكن نفاذه يتوقف على الملك كما لو أقر بحرية عبد الغير، فأما الإعتاق فإنشاء تصرف مبتدأ للحال، وإنه تصرف لا يصح إلا في الملك، وليس للمشتري حالة الإعتاق لا ملك مات، ولا ملك موقوف متى كان الخيار للبائع على ما عرف في موضعه، فلم يصح الإعتاق حتى لو أخرج الكلامان في الإعتاق مخرج الإخبار بأن كان قال: هذا كان حراً قبل شرائي يوقف ذلك منه.
وإذا أخذ الرجل أمتين من رجل على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء بألف درهم ويرد الأخرى فولدتا عنده، وأقر أنهما منه، إلا أنه لم يبين التي وطئها أولاً، فإقراره صحيح في ولد أحدهما وهي التي تناولها البيع، وهذا لأن خيار المشتري لا يمنع صحة دعواه، ولكن البيع تناول أحدهما بغير عينها، ويتبين باختيار المشتري فيؤمر بالبيان ما دام حياً، فإن مات قبل البيان فالبيان إلى الورثة؛ لأنهم قاموا مقام الميت في خيار التعيين، فيكون لهم البيان للمورث لو كان حياً.
فإن قالت الورثة: إن أبانا وطء هذه الجارية أولاً، فإنه يثبت نسب ولد هذه من الميت، ويرث معه، وتصير هي أم ولد للميت وتعتق بموته، وعلى الورثة ثمن هذا للبائع يؤدون ذلك من تركة الميت، ويردون الأمة الأخرى على البائع مع عقرها، فتكون أمة البائع كما لو حصل هذا البيان من الميت.
وإن قال بعض الورثة: إن أبانا وطء هذه أولاً، وقال بعض الورثة: لا بل وطء هذه الأخرى أولاً، كانت التي قال لهما بعض الورثة أولاً هي التي وطئها الميت أولاً متعينة للاستيلاد، ويرد الأخرى.
فرق بين هذا وبينما إذا أوصى الرجل أن يعتق أحد عبديه، ثم مات وله ولدان، فأعتق أحدهما أحد العبدين وأعتق الآخر العبد الآخر، فإن الآخر يتعين لتنفيذ الوصية فيه دون الأول.(10/462)
-----
والفرق: أن في مسألتنا هذه الوارث قام مقام المورث في البيان بحكم الملك لا بحكم الأمر؛ لأن المورث لم يأمرهم بالبيان، وإنما ثبت لهم البيان بحكم الملك؛ لأنهم ورثوا ما كان ملكاً للميت، وإنه مختلط بملك الغير، والملك ثابت للكل، فيكون تعيين أحدهم كتعيين الميت لو كان حياً. ولو كان الميت حياً وقال: وطئت هذه أولاً، كان الإقرار منه صحيحاً، والرجوع باطلاً كذا من الورثة.
أما في تلك المسألة التعيين إلى الوارث بحكم الأمر لا بحكم الملك، ألا ترى أنه لو مات ولم يأمرهم لا يصح إعتاقهم عن الميت، وإذا كان التعيين إليهم بحكم الأمر، فإنما يصير إعتاق الوارث كإعتاق الميت أن لو وافق أمره، والميت أمر بإعتاق عبد يجتمعان على تعيينه، وإنه تنفيذ لتفاوت العبدين كما لو حصل الأمر في حالة الحياة، فإذا أعتق أحدهما عبداً، فهذا إعتاق لم يوافق أمر الآمر، فلا ينفذ على الميت بل ينفذ على المعتق؛ لأن له نصيباً فيه، وإذا أعتق بعض هذا العبد من ابن المعتق لم يبق هو محلاً لتنفيذ الوصية، فيتعين العبد الآخر لتنفيذ الوصية فيه، ويصح إعتاق الابن الآخر بانفراده فيه، لأن اجتماعهما على إعتاق عبد بعينه لا يفيد؛ فهذا هو الفرق.
وإن اتفقت الورثة أنهم لا يدرون التي وطئها الميت أولاً، فإنه لا يثبت نسب واحد من الولدين من الميت، ولكن يعتق نصف كل واحد من الولدين، ونصف كل واحد من الجاريتين، وسبب كل واحد من الولدين في نصف القيمة، وردت الورثة على البائع نصف ثمن كل واحد من الجاريتين، ونصف العقر من التركة، فإن لم يمت المشتري وادعى نسب الولدين، وادعى البائع نسب الولدين أيضاً، فهذا على وجهين:(10/463)
-----
الأول: أن تكون الدعوى من البائع بعد دعوى المشتري، وفي هذا الوجه تصح دعوى البائع في الولد الذي يرد عليه في أمه، كيف جاءتا بالولدين لأقل من ستة أشهر من وقت البيع، أو لستة أشهر؛ لأن دعواه صادفت ملك نفسه، ولم تصح دعواه فيما صار للمشتري لا يصح في هذه الصورة من غير تصديق المشتري، فبعد دعوته أولى.
وأما إذا جاءتا لأقل من ستة أشهر لا تصح أيضاً؛ لما دخل عليه عتق المشتري، وإن ادعياهما جميعاً إذا جاءتا بالولد لستة أشهر، فدعوى البائع صحيحة فيما صار له، ولا تصح دعوته فيما صار للمشتري، وإن جاءتا بالولد لأقل من ستة أشهر، فدعوى البائع أولى في الولدين؛ لأن دعوته دعوى استيلاد، ودعوى المشتري دعوى تحرير.
نوع آخر في دعوى الولد بعد العتاق
إذا أعتق الرجل عبداً صغيراً له، ثم ادعى أنه ابنه صحت دعوته استحساناً، والقياس: أن لا تصح؛ لأنه يتناقض في هذه الدعوى. بيانه: أن إقدامه على الإعتاق إقرار منه بصحة الإعتاق، وإنما يصح إعتاقه إذا لم يكن ابناً له؛ لأنه إذا كان ابناً له، وكان العلوق في ملكه كان حر الأصل، وإن لم يكن العلوق في ملكه، فإذا دخل في ملكه يعتق عليه، فلا يصح إعتاقه بعد ذلك، وإقدامه على الإعتاق يكون إقراراً منه أنه ليس بابن له، فيصير بدعواه أنه ابنه متناقضاً.
وجه الاستحسان: أن هذا إقرار العبد وهو الابن؛ لأن عظم المنفعة في هذا الميراث للابن، والإقرار للغير صحيح من غير تصديق، وههنا يبطلان على التكذيب، ولم يوجد التكذيب ههنا، وقوله بأنه متناقض في هذه الدعوى قلنا نعم، ولكن التناقض في هذا الباب لا يضر، ألا ترى أنه لو صرح فقال: هذا ليس بابني، ثم قال: هذا ابني، تصح دعواه لنفسه لأن بقوله: ليس هذا بابني؛ أنكر أن يكون للابن عليه حقوق مالية وبقوله هذا ابني بعد ذلك أقر بالحقوق المالية، والإقرار بالحقوق بعد إنكارها صحيح.(10/464)
-----
عبد صغير بين رجلين أعتقه أحدهما ثم ادعاه الآخر بعد ذلك، فهو ابنه عند أبي حنيفة؛ لأن الإعتاق عنده متجزئ، فاقتصر الإعتاق على نصيب المعتق، وبقي نصيب الآخر مملوكاً له، فإذا ادعاه الآخر، فإنما ادعى نسب ولد مملوك فتصح دعوته، ويكون مولى لها إن كانت دعوى المدعي دعوى تحرير بأن لم يكن العلوق في ملكهما، لأن المعتق استحق نصف الولاء بينهما، فإن كانت دعوته دعوى استيلاد بأن كان العلوق في ملكه للمنعتق نصف الولاء بإعتاق النصف، ولا ولاء للمدعي؛ لأنه زعم أنه علق حر الأصل، وأنه لا ولاء له عليه وزعمه يعتبر في حقه.
وأما على قول أبي يوسف ومحمد: حين أعتقه أحدهما فقد عتق كله، وكان جميع الولاء للمعتق، فإذا ادعاه الآخر بعد ذلك، فإنما ادعى نسب حر صغير ليس له نسب معروف، فتصح دعوته استحساناً لا قياساً، كما لو ادعى نسب لقيط.
هذا إذا ادعاه الآخر، وأما إذا ادعاه المعتق، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: صحت دعوته قياساً واستحساناً؛ لأنه نصيبه باقٍ على ملكه، وعلى قولهما: صحت دعوته استحساناً، لأنه ادعى نسب حر صغير ليس له نسب معروف من غيره، هذا إذا كان الولد صغيراً، وإن كان كبيراً يعبر عن نفسه، فإن أقر بذلك، فهو ثابت النسب من المدعي سواء ادعى العتق أو لا، وإن جحد ذلك لم تصح دعوى المعتق؛ لأنه لا ملك (232أ4) له فيه وتصح دعوى الآخر عند أبي حنيفة، إلا أن نصيبه باق على ملكه، وعلى قولهما: لا تصح دعوى أحدهما؛ لأنه لا ملك لأحدهما فيه عندهما.
نوع آخر في دعوى الإنسان نسب غيره والشهادة عليه
ما يجب اعتباره في هذا النوع شيئان:(10/465)
-----
أحدهما: أن البينة إذا قامت على خصم حاضر قبلت، وإذا قامت على خصم غائب لا تقبل، إلا إذا كان عنه خصم حاضر، أما قصدي وهو ظاهر، أو حكمي وذلك بطريقين: أحدهما: أن يكون المدعي على الغائب سبباً لثبوت المدعي على الحاضر لا محالة، وقد ذكرنا ذلك غير مرة. والثاني: أن يكون الذي أقام البينة وارثاً، وتكون الدعوى واقعاً على الميت، فإن البينة تقبل على الوارث إذا كانت الدعوى في المال؛ لأن الوارث يقوم مقام المورث في المال، وفيما هو من آثار المال، وفي الحقوق المتصلة بالمال، فتقوم مقامه في الخصومة فيه
الثاني: أن من ادعى على آخر دعوى، وأقام عليه بينة، إن كان المدعى عليه ممن يجوز إقراره للمدعي فما وقع فيه الدعوى سمع دعوى المدعى عليه، وقبلت بينته بذلك عليه؛ لأنه لما جاز إقراره به علم أنه خصم؛ لأن الإقرار إنما يجوز من الخصم، والبينة على الخصم مقبولة والدعوى عليه مسموعة، وإن كان المدعى عليه ممن لا يتصور إثبات نسب ما وقعت فيه الدعوى، فإنه لا تقبل البينة عليه، كالرجل يدعي على آخر أنه أخوه لأبيه أو أمه، أو لأبيه ولأمه، والمدعي ليس يدعي عليه حقاً من ميراثه من جهة أبيه أو من جهة أمه، أو نفقة أو نحوه، فإنه لا تسمع بينته عليه، لأن المدعى عليه ممن لا يجوز إقراره للمدعي بما وقع فيه الدعوى، فإنه لو أقر أنه أخوه لا يصح إقراره؛ لأنه يحتمل النسب على أبيه وأمه، ولا يتصور من المدعى عليه إثبات سبب ما وقع فيه الدعوى؛ لأن سبب ثبوت الأخوة من المدعى عليه إذا كان المدعي يدعي الأخوة من جهة الأب، أو من جهة الأم أن يكون المدعي ابن أبيه أو ابن أمه، وذلك بإيلاد الأب أو بولادة الأم، وإنه لا يتصور من المدعى عليه، ولما لم يصح من المدعى عليه الإقرار بما وقع فيه الدعوى، ولم يتصور منه إثباته بسبب ما وقع فيه الدعوى، كان المدعى عليه أجنبياً عما وقع فيه الدعوى من كل وجه، ولم يكن خصماً للمدعي، فلا تقبل بينته عليه.(10/466)
-----
وإن كان المدعى عليه ممن لا يجوز إقراره للمدعي بما وقع فيه الدعوى إلا أنه يتصور من المدعى عليه إثبات نسب ما وقع فيه الدعوى تقبل البينة؛ لأنه لما تصور منه إثبات النسب ذلك كان خصماً فيه، أو وقع فيه الدعوى من كل وجه وذلك كالرجل يدعي على امرأة أنه ابنها وأقام بينة على دعواه؛ قبلت بينته حتى أنه إذا كان لها زوج يثبت نسب هذا الولد من زوجها، وإن كانت لو أقرت بذلك لا يصح إقرارها حتى يثبت نسب الابن المقر به من زوجها؛ لأنها تحمل نسبه على غيرها وهو الزوج، لأنه إن كان لا يصح إقرارها بالبنوة يتصور منها ما هو سبب ثبوت البنوة وهو الولادة، فإن ولادتها سبب لثبوت نسب الولد منها كما في ولد الملاعنة والزنا، فكان المدعي ادعى عليها أنها ولدته، فكان مدعياً عليها فعلاً يتصور منها، فكان خصماً للمدعي في حق سماع البينة عليه، وإن كان لا يجوز إقراره.
ثم ما ذكرنا أن إقرار المرأة بالولد باطل مستقيم على رواية «الأصل» والفرائض، غير مستقيم على رواية «الجامع»، فقد ذكر في «الجامع»: أن إقرار المرأة بالولد جائز، وسيأتي الكلام فيه في خلال المسائل إن شاء الله تعالى.(10/467)
-----
وبعد الوقوف عليها جئنا إلى المسائل: قال محمد رحمه الله في «الجامع»: لو أن رجلاً ادعى على رجل أنه أخوه لأبيه وأمه وهو يجحد فقدمه إلى القاضي؛ فالقاضي يسأل المدعي ويقول: ماذا تريد؟ فإن قال: لا حق لي قبله من نفقة ميراث، ولكن أريد إثبات نسبي لا غير، فالقاضي لا يلتفت إلى دعوته ولا يسمع بينته عليه إن أقامها، أما الأصل الأول: فلأن هذه بينة قامت على غائب وهو الأب والأم؛ لأن نسبه يثبت من الأب، ولا يثبت من الحاضر المدعى عليه، لأن نسب أحد الأخوين لا يثبت من الآخر، فدل أن هذه بينة قامت على الأب، وهذا الحاضر ليس بخصم عنها في هذه الدعوى، ولا من طريق الحكم، أما من طريق الإرث: لأن الوارث لا ينتصب خصماً عن الأب والأم من النسب حالة الحياة وبعد الوفاة؛ لأنه ليس بمال، ولا أثر من آثار المال، ولم يدع أيضاً على الحاضر شيئاً لا يتوصل إلى ذلك إلا بإثبات النسب من الغائب، فلم ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، والبينة القائمة على غير الخصم لا تقبل.
وأما على الأصل الثاني: فلأن المدعى عليه ممن لا يجوز إقراره بما وقع فيه الدعوى وهو الأخوة، ولا يتصور منه إثبات نسب الأخوة، وهو إيلاد أبيه وولادة أمه، فلهذا قال: لا تقبل.
وإن قال المدعي: أنا أدعي عليه ميراثاً أو نفقة أو غير ذلك مما يستحق بالأخوة؛ جعله القاضي خصماً للمدعي، ويسمع بينة المدعى عليه، أما على الأصل الأول فلأن هذه بينة قامت على خصم حاضر، لأن ما يدعيه المدعي من الحق على الحاضر لا يتوصل إلى إثباته إلا بإثبات النسب من الأبوين، فانتصب المدعى عليه الحاضر خصماً عن الأبوين في إنكار النسب، كمن ادعى في يد إنسان أنه اشتراه من فلان الغائب وأقام عليه البينة؛ قبلت بينته في إثبات الشراء؛ لأنه لا يتوصل إلى إثبات ما يدعيه على الحاضر إلا بإثبات الشراء من الغائب، فانتصب الحاضر خصماً على الغائب في إنكار الشراء.l(10/468)
-----
وكمن ادعى على رجل مالاً بسبب الكفالة من فلان وأقام عليه البينة تقبل بينته في إثبات المال على الغائب؛ لأنه لا يتوصل إلى إثبات ما يدعيه على الحاضر إلا بإثبات المال على الغائب، فانتصب الحاضر خصماً عن الغائب في إنكار المال، فكذا ههنا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب في إنكار السبب ويصير الغائب مقضياً عليه بالقضاء على الحاضر حتى لو حضر بعد ذلك وأنكر أن يكون المدعى عليه أنه لا ينفعه إنكاره. وأما على الأصل الثاني: فلأن المدعى عليه بالأخوة في هذا الوجه يجوز إقراره، فيقبل بينة المدعى عليه بذلك.
وإن ادعى رجل على رجل أنه ابنه والأب ينكر، فأقام المدعي بينة على دعواه قبلت بينته؛ ادعى مع ذلك مالاً أو لم يدع؛ لأن هذه بينته قامت على خصم؛ لأنه يدعي عليه فعلاً وهو إيلاده ويحمل نسبه عليه، ولهذا لو أقر المدعى عليه بذلك يصح إقراره.
وكذلك لو ادعى رجل أنه أبوه والابن ينكر، فأقام المدعي بينة على دعواه قبلت بينته ادعى مع ذلك مالاً أو لم يدع؛ لأن هذه بينة قامت على خصم؛ لأنه يدعي عليه فعلاً، فإنه يقول: أنا ولدته ويلزمه الانتساب إلى نفسه، فإن الابن ينتسب إلى الأب، ولهذا لو أقر المدعى عليه بذلك جاز إقراره.
وكذلك إذا ادعى رجل على امرأة نكاحاً وهي تنكر، أو ادعت امرأة على رجل نكاحاً وهو ينكر، فأقام المدعي بينته على دعواه قبلت بينته؛ لأنها قامت على خصم؛ لأنه يدعي عليه عقداً باشره وتولاه، ولأن الزوج يدعي عليها الملك وهي تدعي على الزوج المهر والنفقة وثبوت حق المطالبة بالجماع، ولهذا لو أقر المدعى عليه بذلك جاز إقراره فتقبل بينة المدعى عليه.(10/469)
-----
ولو ادعى رجل على رجل أنه مولاه من عتاقه، من فوق أو أسفل، أو ادعى أنه مولاه من موالاة، والمدعى عليه يجحد، فأقام المدعي بينة على دعواه قبلت؛ لأنها تدعي عليه فعلاً، فكان خصماً فيه وإن لم تدع عليه مالاً، ولهذا لو أقر المدعى عليه بذلك صح إقراره، ذكر بعد هذا أن إقرار المرأة بالولد جائز، وكذا ذكر في دعوى «الأصل»، وفي كتاب الفرائض أن إقرار المرأة بالولد باطل؛ لأن النسب للأب فيكون تحميلاً عليه.
حكي (232ب4) عن الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزودي أنه كان يقول: ماذكر في الجامع محمول على ما إذا لم يكن لها زوج معروف، فصار إقرارها متصرفاً إلى الزنا، فصار عليها خاصة، وما ذكر في الدعوى والفرائض محمول على ما إذا كان لها زوج معروف، فيكون تحميلاً عليه، وقال: في المسألة روايتان، على رواية «الأصل» إقرارها بالولد صحيح، والبينة عليها بذلك مقبولة على الروايتين جميعاً حتى أن المرأة لو ادعت على (رجل) أنه ابنها، وأقامت على ذلك بينة قبلت بينتها، وإن لم تدع بذلك مالاً أو حقاً.(10/470)
-----
وكذلك لو ادعى رجل على امرأة أنه ابنها، وأقام على ذلك بينة، وإن لم يدع بذلك مالاً وحقاً، أما على رواية «الجامع» فظاهر، وأما على رواية «الأصل»، فإنما قبلت البينة عليها، وإن كان لا يجوز إقرارها بذلك؛ لأن في الأخبار أخبرت بخبر الصدق وخبرها علامة، وهي شهادة القابلة؛ لأن سبب النسب منها الولادة، وأنه تحضرها القابلة، فلا تصدق في إخبارها بدون شهادة القابلة، ولا يثبت النسب بقولهما من هذا الوجه، فأما البينة فشرط صحتها الإنكار، ولا يشترط لصحة الإنكار انضمام قول غير المنكر إلى قول المنكر، وإنما يشترط تصور بسبب ما وقع فيه الدعوى والإنكار، وتصور ما وقع فيه الدعوى والإنكار منها ثابت، فقبلت البينة، ولا كذلك المدعى عليه، فلم تقبل عليه البينة، وروى أصحاب «الأمالي» عن أبي يوسف أن البينة عليه في هذه الصورة غير مقبولة؛ لأنه لا يصح إقرارها بالثبوت، فلا تصح البينة عليه بذلك.
ولو أن صبياً في يد رجل لا يعبر الصبي عن نفسه، وزعم الرجل الذي في يديه أنه التقطه، وأقامت المرأة حرة الأصل بينة أنه أخوها لأبيه وأمه جعلته أخوها وقضت بينهما، ودفعته إليها؛ لأن هذه بينة قامت على خصم؛ لأنها تدعي على الحاضر وهو الملتقط حقاً لنفسها، وهو حق نقل الصبي إلى حجرها للحضانة والتربية، فإن ذا الرحم المحرم وذات الرحم المحرم أحق بالصبي من الملتقط، ولا يتوصل إلى إثبات هذا الحق إلا بعد إثبات نسبها من أبيه أوأمه، فينتصب الملتقط خصماً عن أبيه وأمه.
وكذلك لو كان الذي في يديه يدعي أنه عبده، وباقي المسألة بحاله قضيت بأنه أخوها، وقضيت بعتقه؛ لأنها لا يمكنها الانتزاع من يد الملتقط إلا بعد إثبات نسبها من أبيه وأمه وإثبات حريته، فكان لها إثبات ذلك.(10/471)
-----
قال بعض مشايخنا: وعلى قياس مسألة اللقيط إذا ادعت امرأة على رجل أنه أخوها لأبيها وأمها، وأقامت على ذلك بينة ينبغي أن تقبل بينتها عند محمد؛ لأنها تدعي عليه حق الإنكاح لأن نكاحها لا يجوز إلا به عند محمد، فكان التزويج حقاً مستحقاً لها قبل الولي، فقد ادعت بسبب الإخوة حقاً، فملكت إثباته بالبينة عليه، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف: المرأة تملك تزويج نفسها من غير ولي، فلم يكن التزويج حقاً مستحقاً لها على الولي، فلم تدع نسب الإخوة حقاً، فلا يملك إثباتها بالبينة.
ولو أن رجلاً من العرب ملك وله ابن، فادعى رجل على ابنه أنه كان عبداً لأبيه، وأن أباه أعتقه وأنكر ذلك الابن، فأقام البينة عليه تسمع بينته؛ قال: ولا يشبه هذا النسب يريد بذلك دعوى الأخوة. وكذلك لو مات هذا العبد المعتق وترك ابناً وبنتاً، فادعى الابن العربي أن أباه أعتق أباهما وأنهما مولياه، وأقام عليهما البينة، فإنه تقبل بينته، فقد فرق بين ولاء العتاقة وبين النسب.
واختلفت عبارة المشايخ في الفرق، والعبارة الصحيحة فيه ما حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي أن الولاء أثر من أثار المال، فإنه أثر ملك اليمين؛ لأنه ثبت بالعتق، ولا صحة للعتق إلا في ملك اليمين، وكان من آثار ملك اليمين والابن يقوم مقام الأب الميت فيما يدعي على الميت من المال.(10/472)
-----
وإن كان المدعي لا يدعي على الابن مالاً، بأن ادعى ديناً على الأب الميت، وليس في يد الابن شيء من تركة الأب الميت يريد بذلك إثبات الدين على أبيه؛ حتى إذا ظهر له مال يستوفيه، ولا يحتاج إلى إثباته بالبينة تقبل بينته، وإذا كان الابن يقوم مقام الأب الميت فيما يدعي على الأب الميت من أثار المال، وإن كان المدعي لا يدعي قبله مالاً في الحال إذ أثر الشيء قائم مقام ذلك الشيء، ولهذا قلنا: إن من اشترى عبداً، وأعتقه ثم اطلع على عيب به كان له أن يرجع بنقصان العيب، وإن لم يبق ملكه؛ لأنه بقي لهذا الملك أثر، وقام الأثر مقام الملك كذا ههنا. ولما كان الابن قائماً مقام الأب في دعوى الولاء كانت هذه البينة قائمة على غائب عنه خصم حاضر، فقبلت بخلاف دعوى الأخوة؛ لأنه ليس بمال، ولا هو أثر من آثار المال إنما هو من آثار ملك المتعة، والابن لا يقوم مقام الأب في ملك المتعة، فلهذا لا يقوم مقامه فيما هو من آثاره، ولما لم يقم الابن مقام الأب في دعوى الأخوة كانت بينة الأخ قائمة على غائب ليس عنه خصم حاضر فلا تقبل.
ثم قال محمد: وكذلك ولاء المولاة، ثم ولاء العتاقة في جميع ما وصفت لك؛ لأنه حكم عقد بولي الأب لاكتساب المال، وإنه لا تنتقض بموته، فأشبه البيع من هذا الوجه، والابن يقوم مقام الأب في حقوق البيع وأحكامه حتى يرد عليه بالعيب وبخيار الرؤية وبخيار الشرط، وإن لم يكن في يده مال، فكذا يقوم مقام الأب في دعوى الولاء عليه بخلاف الأخوة، فإنها لا تثبت بعقد يبقى بعد الموت حتى يلحق بالبيع، فيقام الوارث في دعواها مقام المورث.(10/473)
-----
ثم المرأة إذا ادعت على رجل أنه ابنها، وأقامت على ذلك بينة قبلت بينتها. وكذلك إذا ادعى رجل على امرأة أنها أمه، وأقام على ذلك بينة إنما قبلت بينته، وإن كانت المرأة لو أقرت بذلك لا يصح؛ لأن سبب الأمومية متصوّر منها، وهو الولادة فكانت خصماً للابن فيما ادعى، وإن لم يدع عليها مالاً.
ولو ادعت امرأة على رجل أنه ابن أمها، فهذا وما لو ادعت الأخوة سواء؛ لأنها تحمل النسب على غيرها، فإنه ما لم يثبت نسبه من أبيها لا يثبت منها، فكان كدعوى الأخوة، فإن ادعت مع ذلك حقاً مستحقاً قبلت البينة وما لا فلا.
قال في «الجامع»: رجل مات وترك موالي ثلاثة أعتقوه وترك داراً، فأقام مواليه البينة أنهم عصبته وورثته ومواليه الذين أعتقوه لا وارث له غيرهم، وقضى القاضي بالدار بينهم أثلاثاً، ثم مات واحد من الموالي، وأقام رجل بينة أنه أخوه لأبيه وأمه لا وارث له غيره يعني أخ الميت الثاني، وقضى القاضي له بنصيبه ودفعه إليه غير مقسوم، فباع الأخ ذلك من رجل وسلمه إلى المشتري، ثم إن المشتري أودع ما اشترى من رجل وغاب المشتري، فجاء رجل وأقام بينة بحضرة أخ الميت الآخر أنه ابن الميت الآخر ووارثه لا وارث له غيره، وصدقه في ذلك الشريكان في الدار، فالقاضي يقضي بنسب الابن في حق إثبات النسب قامت على خصم جاحد وهو الأخ، فيقضي القاضي ببينته في حق النسب لهذا.
فإن قيل: كيف يقضي القاضي ببينته وإن الابن لا يدعي حقاً على الأخ؛ لأن نصيب الميت ليس في يد الأخ، ودعوى النسب إذا خلا عن دعوى المال لا تصح، فلا تسمع البينة عليه قلنا: من وجهين:
أحدهما: أن دعوى الحق إنما تشترط لصحة دعوى النسب فيما عدا الوالد والولد نحو الأخ والعم وأشباه ذلك أما في حق الوالد، والولد دعوى الحق ليس بشرط الصحة دعوى النسب، ألا ترى أن في حالة الحياة تصح الدعوى من الوالد والولد، وإن لم يكن مع ذلك دعوى الحق، وقد مر هذا كذا ههنا.(10/474)
-----
الثاني: أن سلمنا أن دعوى الحق مع دعوى النسب شرط في الوالد والولد أيضاً إلا أنه وجد دعوى الحق ههنا من الابن.
وبيان ذلك من وجوه: أحدها: أن الابن يقول لأخ الميت ثلث الدار ملكي، وأنت بعته بغير أمري، ولي أن أجيز البيع وآخذ منك الثمن. والثاني: أنه ادعى الميراث مع دعوى النسب إلا أن القاضي لم يقض له بالميراث في الحال لعدم الخصم وهذا لا يمنع القضاء بالنسب.
وهذا نظير ما لو ادعى رجل عند القاضي أنه وكيل فلان بإثبات حقوقه على الناس، وله على الناس حقوق، وأنا أريد إثباتها بحكم الوكالة، وأقام البينة على الوكالة، فإن القاضي يقضي بوكالته، وإن كان لا يقضي بالحقوق في الحال.
الثالث: أنه يدعي حقاً، والثاني بأن يحضر المشتري ... للمشتري هذا من أخ هذا الميت، وإنه مما ورثه عن الميت إذا أقر المشتري لهذا والابن يستحق ذلك والسبب كما يعتبر إذا أفاد حكمه في الحال أفاد حكمه في الثاني كبيع الفضولي والبيع بشرط الخيار (233أ4).
وأقرب من هذا رجل مات وله دين مؤجل على رجل، جاء رجل وأقام بينته على المديون أنه ابن الميت تسمع دعواه وتقبل بينته، وإن كان دعواه لا يفيد له شيئاً في الحال كذا ههنا.
وإذا قضى القاضي بنسب الابن هل يقضي للابن بالثلث الذي كان قضى به للأخ من تركة الميت الآخر؟ ينظر إن كان القاضي الذي وقع عنده دعوى الابن هو القاضي الذي قضى للأخ بنصيب الميت قضى للابن بذلك؛ لأنه علم بخطابه في قضائه؛ لأنه قضى للأخ بالميراث مع وجود الابن، وعلم بكون المشتري غاصباً وبكون المدعي مودع الغاصب، ولا يكون هذا منه قضاء على الغائب، وهو المشتري؛ لأنه علم أن الملك لم يثبت للمشتري حيث اشترى من غير المالك.(10/475)
-----
وإن كان القاضي الذي وقع عنده خصومة الابن غير القاضي الذي قضى للأخ بنصيب الميت لا يقضي للابن؛ لأن القاضي الثاني لا يعلم أن المشتري غاصب، وأن المودع غاصب الغاصب؛ لأنه لا يعلم أن الأخ البائع بأي سبب ملك، وأنه لا يعلم أن القاضي قضى للأخ بنصيب الميت بالأخوة، فلو قضى للابن نصيب الميت كان هذا قضاء على الغائب من غير خصم؛ لأن المودع لا ينتصب خصماً فيما يستحق على المودع.
وتأويل هذه المسألة: أن القاضي الثاني عرف كون المودع مودعاً بالمعاينة بأن كان إيداع المشتري منه بمعاينة القاضي الثاني أو ببينة أقامها المودع، أما إذا لم يعرف القاضي الثاني كونه مودعاً، فالقاضي يقضي للابن بنصيب الأخ؛ لأن صاحب اليد ينتصب خصماً بظاهر يده ما لم يثبت كونه مودعاً، ثم إذا لم يقض القاضي للابن بنصيب الأخ لا يدخل الابن في نصيب الشريكين المصدقين؛ لأن القضاء للأخ انصرف إلى نصيب الميت خاصة، فلم يصيرا مقرين للابن بشيء مما في أيديهما، فإن حضر المشتري بعد ذلك أخذ القاضي الثاني نصيب الميت من المشتري ودفعها إلى الابن.
هكذا ذكر محمد في «الكتاب» قالوا: تأويل هذا إذا أعاد الابن البينة على المشتري أو يقر المشتري أنه اشترى هذا من أخ الميت، وأن الأخ كان ورثه من الميت، أما بدون ذلك لا يقضي القاضي بنصيب الميت؛ لأن بينة الابن في حق المال قامت لا على خصم، فصار وجوده والعدم بمنزلة.
نوع آخر في دعوى الرجل النسب على غيره، وإحالة ذلك نسبه على شخص آخر
في «المنتقى»: رجل زمن ادعى على رجل أنه أبوه، وللزمن له عليه النفقة، وأنكر ذلك الرجل، فأقام الزمن بينة أنه أبوه، وأقام المدعى عليه بينة على رجل آخر أنه أب الزمن، وذلك الرجل ينكر، والزمن ينكر، قال: البينة بينة الزمن، ويثبت نسبه من الذي أقام عليه البينة بالنسب، وتفرض له عليه النفقة، ولا يلتفت إلى البينة الأخرى.(10/476)
-----
ذكر ثمة سؤالاً فقال: كيف لم يجعله ابن الرجلين ثم أجاب، فقال: لا يجوز ذلك، ألا ترى أن رجلين لو ادعيا رجلاً كل واحد منهما يزعم أنه ابنه، وقد يولد مثله لمثلهما، فأقام كل واحد منهما بينة على ذلك، وادعى شهادة إحدى البينتين كانت أولى أن يثبت نسبه منه وحده؛ لأن الحق ههنا حق الابن، وهو الذي ينسب إلى الاب وليس الأب ينسب إلى الابن، فإذا كان الأبوان استوى حالهما في الدعوى كانت البينة التي يدعيها الابن أولى أن يؤخذ بها، فكذا إذا استوت حالهما في الجحود، وادعى الوالد إحدى البينتين؛ فهو أولى أن يؤخذ بها.
ألا ترى أيضاً لو ادعى الغلام على أحدهما أنه أبوه وهو يجحد، والآخر يدعي أن الغلام ابنه والغلام يجحد، وأقاما البينة بينة الغلام، فإذا كانت بينة الغلام في هذا أولى أحرى أن يكون أولى، وإن كان الابن محتاجاً والغلام موسر، وادعى أنه ابنه ليثبت نسبه منه ويفرض له عليه النفقة، وأقام على ذلك بينة وجحد الغلام ذلك، وأقام بينة أنه ابن فلان سمى رجلاً آخر فأحضره أو لم يحضره وفلان يجحد، فالبينة بينة الأب، ويقضي له على الغلام بالنفقة، وتبطل بينة الغلام على الآخر.
قال ثمة: ولست أقضي بنسب رجل من رجلين إلا أن يستوي في حالهما في الدعوى والبينة، وفي كل شيء حتى لا أجد سبيلاً إلى أن أقضي لأحدهما دون الآخر، وأما إذا كان أحدهما أولى بالدعوى من الآخر بأن يستحق بالنسب شيئاً لا يستحقه الآخر كان أولى بالنسب.
وفي «المنتقى» أيضاً: لو أن غلامين توأمين مات أحدهما وترك مالاً والآخر فقير محتاج؛ فجاء رجل وادعى أنه أبوهما ليأخذ الميراث، وأقام على ذلك بينة ليأخذ الميراث، وادعى الزمن على رجل آخر أنه أبوهما، وأراد أن يقضي القاضي له عليه بالنفقة؛ وأقام على ذلك بينة وغاب البينتان معاً، فالقاضي يقضي بنسب الغلامين من الأبوين؛ ويفرض نفقة الزمن عليهما جميعاً؛ لأن كل واحد منهما يدعي بالنسب حقاً على غيره فاستوى حالهما في الدعوى.(10/477)
-----
وفي «المنتقى» أيضاً: امرأة خاصمت عمها إلى القاضي وطلبت من القاضي أن يفرض لها النفقة على العم، وهي محتاجة، فقال العم: إن لها أخاً موسراً فهو أولى بالنفقة عليها مني، وأنكرت المرأة ذلك، فإن القاضي يبرأ العم من النفقة ويقول لها: إن شئت فرضت لك النفقة على الأخ قال ثمة: ولا يشبه هذا الأبوين، ثم قال: ألا ترى أني أقبل بينة العم بعدما ثبت نسبه أن لها أخاً، ولا أقبل البينة بعدما ثبت نسب أحد الأبوين بأن الآخر أبوه.
وفي بعض الفتاوى: مجهول النسب إذا ادعى على رجل أني ابنك؛ وصدقه المدعى عليه يثبت النسب منه، وإن كذبه في دعواه وأقام بينة أنه ابنه يثبت النسب منه؛ وما لا فلا، وقد مرت المسألة من قبل، فإن أقام المدعى عليه بينة بعد ذلك أن هذا المدعي ابن فلان آخر تبطل بينة الابن، ولكن لا يقضى ببينة ابن فلان الآخر، لأن المدعى عليه ليس بخصم عنه في إثبات النسب منه.
هكذا ذكروا وقد ذكرنا عن «المنتقى» مسألة الزمن؛ إذا ادعى على رجل أنك أبي؛ وأقام عليه البينة، وأقام المدعى عليه البينة أنه ابن فلان الآخر أن البينة بينة الابن؛ لا يلتفت إلى البينة الأخرى، فما ذكر في بعض الفتاوى يخالف ما ذكر في «المنتقى».
إذا قال في دعوى البنوة: هذا ابني، ولم يقل: ولد على فراشي، فهذا دعوى صحيحة، وإذا أقام البينة تسمع بينته، وقضي ببنوته، وإذا قال: هذا الولد ليس مني، صح قوله الثاني، وحكم بثبوت النسب منه، وإذا ادعى أنه ابن عم فلان فلا بد فيه من ذكر الجد، وإذا ادعى أنه أخ فلان لا يشترط فيه ذكر الجد، هكذا حكي عن القاضي الإمام شمس الأئمة محمود الأوزجندي.
وفي «نوادر ابن سماعة»: عن أبي يوسف رحمه الله في ولد الملاعنة، إذا ادعاه رجل ابنه لا يثبت نسبه منه، قال: لأنه ولد على فراش الزوج.(10/478)
-----
وفي «المنتقى»: إذا شهد الشهود لرجل أن زيداً أقر أن هذا المدعي أخوه أو أخته، أو ابن أخته، أو مولاه، فليس هذا بشيء حتى يثبتوا، وهذا بخلاف ما لو شهدوا أنه أقر أنه ابن خاله، أو ابن عمه، لأن الغالب في هذا النسب، ويورث منه.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: صبي في يدي رجل لا يعرف نسبه ادعى رجل آخر أنه ابنه؛ قال: إن صدقه الذي الصبي في يديه يثبت نسبه منه، وإن كذبه لا يثبت نسبه منه، والمراد من المسألة الصغير الذي لا يعبر؛ لأنه إذا كان يعبر عن نفسه كانت العبرة لتصديقه وتكذيبه، لا لتصديق من في يده وتكذيبه.
قال محمد رحمه الله في «الأصل»: غلام احتلم ادعى على رجل وامرأة أنهما أبواه وأقام على ذلك بينة، وأقام رجل آخر وامرأته بينة أن هذا الغلام ابنهما، فإن البينة بينة الغلام ويقضى بنسب الغلام من اللذين ادعاهما الغلام؛ لأن البينات استويا في إثبات النسب، فإن كل بينة تثبت النسب بفراش النكاح، وترجح بينة الغلام من حيث إن الغلام ببينته يثبت حق نفسه، واللذين أنكرهما الغلام بنسبهما يثبتان حق غيرهما، وهو الغلام؛ لأن معظم المنفعة في النسب للولد لا للوالدين، لأن الولد يُعَيَّر إذا لم يكن (233ب4) له والد معروف، وأما الوالد لا يعير إذا لم يكن له ولد وبينة من يثبت الحق لنفسه أولى بالقبول، لأنه أشبه بالمدعيين، ولأن النسب بمعنى النتاج؛ وفي النتاج بينة ذي اليد أولى؛ والغلام ذو اليد لأنه في يد نفسه.
(10/479)
-----
قال: وكذلك غلام نصراني قد احتلم أقام شاهدين مسلمين على رجل وامرأته من النصارى أنه ابنهما، فأقام رجل مسلم وامرأة مسلمة شاهدين من النصارى على هذا الغلام أنه ابنهما؛ قضيت ببينة الغلام ويثبت نسبه من اللذين ادعاهما الغلام، لأن ما أقام الغلام من البينة حجة على المسلمين، وما أقام المسلمان حجة على الغلام، فاستوت البينتان من هذا الوجه، وترجحت بينة الغلام من الوجهين اللذين ذكراهما، ولو كان بينة الغلام نصرانيان ثبت نسبه من المسلمين؛ لأن ما أقام الغلام من البينة ليست حجة على المسلمين، فكأن الغلام لم يقم بينة، ولو لم يقم الغلام بينة يقضى ببينته من المسلمين نسبهما؛ لأنهما بينتان حقاً لأنفسهما، وهذا لأن معظم المنفعة في النسب، وإن كان الغلام وللوالدين فيه حق أيضاً، فإنهما يستحقان عليه حقوقاً مالية؛ فتقبل بينتهما إذا لم يكن للغلام ما هو حجة في حقهما.
وإذا قضى بنسب الغلام من المسلمين يجبر الغلام على الإسلام إن كان الأبوان مسلمين في الأصل، أو كانا كافرين في الأصل؛ إلا أنهما أسلما والغلام صغير؛ لأن الصغير يصير مسلماً بإسلام الأبوين، فإذا بلغ كافراً يجبر على الإسلام، لكن لا يقتل إن أبى الإسلام، والمسألة معروفة في السير.
نوع آخر في دعوى الرجل نسب الغلام
وإنه ينقسم أقساماً: قسم في دعوى الخارج مع ذي اليد، وقسم في دعوى الخارجين، وقسم في دعوى صاحب اليد.
أما القسم الأول في دعوى الخارج مع ذي اليد: قال محمد في «الأصل»: لو أن حراً مسلماً في يديه غلام يدعي أنه ابنه؛ جاء مسلم حر أو ذمي أو عبد، وأقام بينة أنه ابنه، ولا بينة لصاحب اليد قضي بنسبه من المدعي؛ لأن البينة لا تعارضها اليد، ولا قول ذي اليد.u(10/480)
-----
بعد هذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: ويكون الولد حراً في ذلك كله، قال: وهذا الجواب لا يشكل فيما إذا كان المدعي حراً، ويشكل فيما إذا كان المدعي عبداً؛ لأن ماء العبد رقيق ما لم يثبت اتصاله برحم الحرة، وإذا لم يسم أمته لم يثبت اتصاله برحم الحرة، ثم أجاب فقال: حرية الولد قد ثبتت ظاهراً حين ادعى صاحب العبد نسبه، وهو حر وبما أقام العبد من البينة لم تبطل تلك الحرية؛ لأنهم لم يسموا أمتهم يجوز أن تكون أمته حرة حتى لو أقام العبد بينة أن هذا ابنه من امرأته هذه، وامرأته أمة يبطل ما ثبت للولد من الحرية بإقرار ذي اليد. وذكر شمس الأئمة الحلواني: ويكون الصبي حراً إلا في العبد خاصة، فإنه إذا ثبت نسبه من العبد يكون مملوكاً وهو الأشبه.
قال: وإذا كان الصبي في يدي رجل يدعي أنه ابنه ويقيم على ذلك بينة، ورجل آخر يقيم بينة أنه ابنه قضي لصاحب اليد؛ لأن النسب في معنى النتاج، وفي النتاج بينة ذي اليد أولى فكذا في النسب.
ولو أقام صاحب اليد بينة أنه من امرأته هذه؛ وأقام رجل آخر بينة أنه ابنه من امرأته هذه قضي للذي في يديه؛ لأنهما استويا في اليد على الأم، ولأحدهما يد على الولد قد ترجح من له يد على الولد؛ كما في دعوى النتاج، ثم أجعله ابن الرجل والمرأة الذي هو في أيديهما، سواء ادعى الأب وجحدت المرأة، أو ادعت المرأة وجحد الابن يريد به إذا ادعى الرجل الذي في يديه الصبي أنه ابنه من امرأته هذه والمرأة تجحد، وادعت المرأة الصبي في يدها أنه ابنها من زوجها هذا والزوج يجحد.(10/481)
-----
وهذا بناء على أن الأب ينتصب خصماً عن ابنه في إثبات نسبه من الأم؛ لأن النسب حق الولد، والأب ينتصب خصماً عن ابنه في إثبات حقوقه، فصار إقامة البينة من الأب كإقامة البينة من الابن لو كان بالغاً، ولو كان بالغاً وأقام البينة على الأم أنه ابنها ثبت نسبه منها كذا ههنا. وكذلك الأم تنتصب خصماً عن الابن في إثبات النسب من الأب؛ لأن النسب محض منفعة في حق الصغير، فالأم والأب في ذلك على السواء، ألا ترى أنه كما يصح قبول الهبة من الأب على ابنه الصغير يصح قبولها من الأم على الصغير، وإنما التفاوت بين الأم والأب في الحقوق المترددة بين الضرر والنفع، والأب ينتصب خصماً عن الصغير في ذلك والأم لا تنتصب، وإذا انتصبت الأم خصماً عن الصغير في إثبات نسبه من الأب صار إقامة الأم البينة على ذلك كإقامة الابن لو كان بالغاً، وكان الابن بالغاً، وإقامة البينة أنه ابن هذا الرجل، أليس أنه يثبت نسبه منه كذا ههنا.
عبد تحته أمة وفي أيديهما صبي جاء رجل آخر تحته حرة؛ وادعى أن هذا الصبي ابنه من هذه المرأة وأقام على ذلك بينة؛ وادعى العبد أنه ابنه من امرأته هذه وأقام على ذلك بينة يقضى به للحر، ولم يعتبر اليد الثانية للعبد ترجيحاً إذا كان الخارج حراً، وهذا لأن اليد إنما تعتبر للترجيح إذا استوت البينتان في الإثبات ولا استواء ههنا؛ لأن بينة الحر تثبت النسب بجميع أحكامه وبينة العبد لا تثبت النسب بجميع أحكامه.
وإذا كان الصبي في يدي رجل أقام رجل بينة أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام رجل آخر بينة أنه ابنه وهو حر أيضاً إلا أنه لم ينسبه إلى أمه، فإنه يقضي بالولد للمدعي؛ لأن بينته أكثر إثباتاً؛ لأنها تثبت النسب من الأب والأم جميعاً، وبينة صاحب اليد لا تثبت النسب من الابن إذا لم يسم الأم، فما استوت البينتان في الإثبات لتعيين اليد ترجيحاً.(10/482)
-----
صبي في يدي رجل من أصل الذمة يدعي أنه ابنه، جاء مسلم وأقام بينة من المسلمين أو من أهل الذمة أنه ابنه، وأقام الذي في يديه بينة من أهل الذمة أنه ابنه قضي للخارج؛ لأن ما أقام الذمي من البينة ليست بحجة في حق المسلم، فصار في حق المسلم كأن الذمي لم يقم البينة. لو أقام الذمي بينة من المسلمين، وباقي المسألة بحاله قضي للذمي بحكم يده عند الاستواء في الحجة.
نوع آخر يتصل بهذا القسم وهو دعوى الخارج مع ذي اليد نسب الأمة مع دعوى ملك الأمة
قال محمد رحمه الله: وإذا ولدت أمة في يدي رجل، أقام رجل آخر بينة أن هذه الأمة أمته ولدت هذا الولد منه في ملكه وعلى فراشه، وأقام ذو اليد بينة أن هذه الأمة أمته ولدت هذا الولد منه في ملكه وعلى فراشه؛ والغلام صغير لا يتكلم أو قد احتلم إلا أنه يدعي أنه ابن صاحب اليد؛ فالقاضي يقضي بالغلام لذي اليد؛ لما ذكرنا أن بينة ذي اليد في دعوى النسب مرجحة حسب ترجحها في دعوى النتاج ويقضى بالأمة لذي اليد، وإن كان المدعي خارجاً؛ لأنهما تصادقا على أن حق العتق للأم بسبب ثبات نسب هذا الولد؛ لأن حق الأم إنما يثبت تبعاً لثبوت حق الولد، فكل من ثبت نسب الولد منه يثبت حق العتق للأم من جهته باتفاق الخصمين، وباتفاق البينتين، وقد ثبت نسب الولد ههنا من ذي اليد، فيثبت حق العتق للأم من جهته، وإنما يثبت حق العتق للأم من جهة ذي اليد إذا قضيا بالجارية لذي اليد.
وإن كان الغلام يدعي أنه ابن الخارج؛ يقضى بالغلام للخارج ويقضي بالأمة له أيضاً، أما القضاء بالغلام للخارج؛ لأن الغلام لما ادعى أنه ابن الخارج صار بينة الخارج بينة الغلام، وصار كأن الغلام أقام البينة بنفسه، وهناك يقضى ببينة الغلام كذا ههنا، وأما القضاء بالأمة له فلما ذكرنا من العلة في الفصل الأول من جانب ذي اليد.(10/483)
-----
ومما يتصل بهذا القسم: دعوى الخارج مع ذي اليد نسب ولد الحرة، قال محمد رحمه الله: حرة لها ابن وهما في يدي رجل؛ أقام رجل آخر البينة أنه تزوجها وأنها ولدت منه هذا الولد على فراشه؛ وأقام ذو اليد بينة على مثل ذلك، فإنه يقضى بالولد لذي اليد، سواء ادعى الغلام أنه ابن ذي اليد، أو ادعى أنه ابن الخارج، إن ادعى أنه ابن ذي اليد فظاهر، وإن ادعى أنه ابن الخارج فلان قضيا بالنكاح لذي اليد؛ لأنهما ادعيا تلقي الملك في بضعها من جهة واحدة ولأحدهما (234أ4) يد، فيقضى لذي اليد كما في دعوى الشراء، وإذا ثبت القضاء بالنكاح لذي اليد لم يمكن القضاء بالنكاح للخارج، وما لم يثبت النكاح في المرأة للخارج لا يمكن إثبات نسب الولد منه.
ولو كان الذي هما في يديه من أهل الذمة وشهوده مسلمون، والذي يدعي مسلم وشهوده مسلمون، والمرأة من أهل الذمة قضيت بالمرأة والولد للذي هما في يديه، لأن بينة كل واحد منهما حجة على صاحبه، وفي دعوى النكاح والنسب بينة ذي اليد أولى فيقضى بالولد والمرأة لذي اليد.
وإن كانت المرأة مسلمة في هذه الصورة يقضى بالمرأة والولد للمدعي سواء كان شهود ذي اليد مسلمين أو كانوا من أهل الذمة، أما إذا كانوا من أهل الذمة فظاهر، لأن شهود أهل الذمة ليست بحجة على المدعي، فكأن ذي اليد لم يقم البينة فيقضى للخارج ببينته، وإن كان شهود ذي اليد من أهل الإسلام فلأن ذي اليد يدعي نكاحاً فاسداً؛ لأن نكاح الذمي على المسلم نكاح فاسد، وبينة ذي اليد في دعوى النكاح إنما تترجح إذا ادعى ذو اليد نكاحاً صحيحاً.
وإن ادعى المدعي أنه تزوجها في وقت كذا؛ وأقام على ذلك بينة، وأقام ذو اليد على وقت دونه؛ فإنه يقضى بها للخارج؛ لأنهما ادعيا تلقي الملك من جهة ثالث، وأرخا وتاريخ أحدهما أسبق، فيقضي لأسبقهما تاريخاً كما في دعوى النتاج.(10/484)
-----
ومما يتصل بهذا القسم في دعوى ذي اليد نسب الولد من نكاح أمة ودعوى الخارج نسب الولد مع ملك أمة.
ولو أقام ذو اليد بينة أنها امرأته تزوجها وولدت هذا الولد منه على فراشه، وأقام آخر بينة أنها أمته ولدت هذا الغلام في ملكه على فراشه، فإنه يقضى بالولد للزوج، وبملك الأمة للمدعي أما القضاء بالولد للزوج؛ لأن الزوج أثبت نسب الولد بفراش النكاح، والمدعي أثبت فراشه بملك اليمين وأما القضاء بالأمة للمدعي؛ لأن المدعي يدعي ملكها، والزوج لا يدعي ملكها إنما يدعي النكاح فيها، ويجوز أن تكون أمة الإنسان منكوحة الغير، فلا تنافي بين الدعوتين فيقضى بالأمة للمدعي؛ لهذا كان الولد مع الأمة مملوكين له، لأن الولد يتبع الأم في الملك، إلا أن الولد يعتق بإقرار المدعي؛ وتصير الجارية أم ولد له بإقراره أيضاً، قال: إلا أن يشهد شهود المدعي أنها غرته من نفسها، بأن زوجت نفسها على أنها حرة فحينئذٍ يكون الولد حراً بالقيمة.
قال: أمة وولدها في يدي رجل، أقام رجل بينة أنها أمة أبيه؛ فولدت هذا الولد على فراش أبيه في ملكه وأبوه ميت، وأقام ذو اليد بينة أن هذه أمته ولدت هذا الولد على فراشه في ملكه، قضيت بالولد للميت الذي ليست في يديه؛ لأنهما استويا في إثبات النسب بفراش ملك اليمين، وترجحت بينة الميت بإثبات حقيقة العتق للجارية في الحال.
والقسم الثاني في دعوى الخارجين نسب الولد: قال محمد رحمه الله: صبي في يدي رجل جاء رجلان وادعى كل واحد منهما أنه ابنه وأقاما على ذلك بينة، قضي بنسبه منهما، وإن وقت إحدى البينتين وقتاً قبل الآخر، ينظران إلى سن الصبي، فإن كان موافقاً لأحد الوقتين مخالفاً للوقت الآخر يقضى للذي كان في وقته موافقاً لسن الصبي، وإن كان مخالفاً لأحد الوقتين يتعين، مشكلاً للوقت الآخر يقضى للكل؛ لأنه لم يتيقن بكذبه وتيقن بكذب الآخر.
(10/485)
-----
وإن كان مشكلاً للوقتين نحو أن شهد أحد الفريقين أنه ابن تسع سنين، وشهد الفريق الآخر أنه ابن عشر سنين، وهو يصلح ابن تسع سنين وابن عشر سنين، فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: يسقط اعتبار التاريخ؛ ويقضى بينهما باتفاق الروايات. وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله: ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» أنه يقضى بينهما في رواية أبي حفص ولا يعتبر التاريخ، وعلى رواية أبي سليمان: يقضى بأسبقهما تاريخاً؛ فعلى هذه الرواية اعتبر التاريخ، وذكر شمس الأئمة الحلواني في «شرحه»؛ وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله ذكر في عامة الروايات أنه يقضي بينهما؛ وذكر في بعض الروايات أنه يقضي لأسبقهما تاريخاً.
قال رحمه الله: والصحيح ما ذكر في عامة الروايات واتفقت الروايات عن أبي حنيفة أنه لا عبرة للتاريخ في باب النتاج، حتى أن الرجلين إذا ادعيا نتاج دابة في يد آخر وأقاما البينة وأرخا، وكان سن الدابة مشكلاً يقضي بينهما، وإذاً على ما ذكر في رواية أبي حفص كما ذكره شيخ الإسلام، وعلى عامة الروايات كما ذكره شمس الأئمة: لا فرق بين دعوى النتاج والنسب، والتاريخ ساقط الاعتبار عند أبي حنيفة فيهما؛ كما هو مذهبهما على ما ذكر في رواية أبي سليمان كما ذكره شيخ الإسلام.(10/486)
-----
وعلى بعض الروايات كما ذكره شمس الأئمة فرق أبو حنيفة رحمه الله بين النتاج وبين النسب؛ فاعتبر التاريخ في النسب، وأسقط التاريخ في النتاج؛ وهما سواء بين النسب والنتاج، وأسقط التاريخ فيهما، والقياس معهما؛ لأن النسب بمعنى النتاج من حيث إنه يثبت ابتداءً للوالد على الولد لا من جهة أحد بسبب لا يثنى ولا يكرر، فسقوط اعتبار التاريخ في النتاج يكون سقوطاً في النسب؛ وأبو حنيفة يقول: إنما سقط اعتبار التاريخ في النتاج؛ لأن بزيادة التاريخ لا يثبت لصاحب الزيادة زيادة استحقاق؛ لأن النسب يوجب حقوقاً فيما بين الوالد وولده، فأسبقهما تاريخاً بزيادة التاريخ تثبت زيادة استحقاق؛ فكان بينته أولى، ألا ترى أن في دعوى الشراء من ثالث اعتبرنا سبق التاريخ وطريقه ما قلنا.
صبي في يدي رجل يدعي نسبه خارجان أحدهما مسلم والآخر ذمي، وأقام كل واحد منهما بينة من المسلمين أنه ابنه قضي بالنسب من المسلم، ويرجح المسلم على الذمي بحكم الإسلام؛ وفي هذه المسألة تعذر الترجيح بحكم اليد؛ لأنهما خارجان فرجحنا بحكم الإسلام، وفيما إذا كان الصبي في يدي ذمي يدعي أنه ابنه ويقيم بينة من المسلمين، أو من أهل الذمة يقضى للذمي؛ لأن هناك الترجيح بحكم اليد ممكن؛ فرجحنا اليد عند الاستواء في الحجة.
صبي في يدي رجل ادعاه ذمي أنه ابنه ولد على فراشه، وأقام على ذلك بينة شاهدين مسلمين؛ وادعى أنه ابنه ولد على فراشه من هذه الأمة قضي للذمي، ولم يترجح العبد بحكم إسلامه وإن كانا خارجين كما فيما تقدم؛ لأن الترجيح بحكم الإسلام إنما يكون بعد الاستواء للبينتين في الإثبات، وبينة الذمي أكثر إثباتاً؛ لأنها تثبت النسب في جميع أحكامه.(10/487)
-----
ولو ادعى يهودي ونصراني ومجوسي كل واحد يدعي أنه ابنه ولد على فراشه يقضى لليهودي والنصراني بينهما؛ ولا يقضى للمجوسي؛ لأن بينة المجوسي لا تعارض بينهما؛ لأن بينتهما تثبت بعض أحكام الإسلام، وهو حل المناكحة، وحل الذبيحة واليهودي لاستوائهما في الإثبات.
صبي في يدي رجل ادعاه حر مسلم أنه ابنه من هذه المرأة الأمة؛ وادعاه عبد أو مكاتب أنه ابنه من هذه المرأة، قضي للحر؛ لأن بينته أكثر إثباتاً؛ لأنها تثبت النسب بجميع أحكامه.
ولو ادعاه عبد أنه ابنه ولد من هذه الأمة، وادعاه مكاتب أنه ابنه ولد من هذه المكاتبة قضي للمكاتب؛ لأن بينته أكثر إثباتاً؛ لأنها لا توجب حرية الولد، هذا إذا كان مدعي النسب اثنين، ولو كان مدعي النسب ثلاثة أو أكثر فعلى قول أبي حنيفة: يثبت النسب من الكل، وعلى قول أبي يوسف: إن كانوا أكثر من اثنين لا يثبت النسب، وعلى قول محمد: يثبت النسب من ثلاثة؛ ولا يثبت من أكثر من ثلاثة، وإذا كان المدعي امرأتين أو ثلاثة وعلى قول أبي حنيفة يثبت النسب من كل واحدة منهما، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يثبت النسب من وجوه منهما، وقد مرت المسألة في كتاب اللقيط.
القسم الثالث: وهو دعوى صاحبي اليد الولد: صبي في يدي رجل وامرأته؛ قال الرجل: هذا ابني من امرأة أخرى، وقالت المرأة: هذا ابني من زوج آخر كان لي قبلك، فهو ابنهما؛ ولا يصدق كل واحد منهما فيما يدعي من الإخراج من يد صاحبه، وهذا (234ب4) لأن كل واحد منهما أقر بثبوت نسب الولد؛ وادعى ما يخرجه من يد صاحبه، ويدهما ثابتة في الولد على السواء، فصح إقرارهما بثبوت نسب الولد، ولم تصح دعواهما الإخراج من يد صاحبه.
وإن كان الولد في يد الزوج فقال: هذا ابني من امرأة أخرى، وقالت المرأة: هذا ابني منك؛ فالقول قول الزوج.(10/488)
-----
وإن كان الولد في يدي المرأة فقالت المرأة: هذا ابني من الزوج كان لي قبلك، وقال الزوج: هذا ابني منك ولدته في ملكي، فالقول قول الزوج أيضاً؛ وكان ينبغي أن القول قولها في هذه الصورة؛ لأن الولد في يدها، ألا ترى أنا جعلنا القول قول الزوج في المسألة الأولى؛ لأن الولد في يده.
واختلفت عبارة المشايخ في الفرق بين المسألتين، فعبارة بعضهم: أن الولد إن كان في يدها حقيقة فهو في يد الزوج حكماً؛ فلا تصدق المرأة في دعواها، كما لو كان في يد الزوج حقيقة، أما في يد الزوج حقيقة لا يعتبر في يد المرأة حكماً، لأن المرأة ليست بقوامة عليها بحكم النكاح، فكان الولد في يد الزوج حقيقة وحكماً.
وكذلك إذا اختلف الزوجان في متاع البيت لا يجعل القول قول الزوج فيما في يد المرأة، ولا يجعل ما في يد المرأة في يد الزوج حكماً؛ مع هذا لا يقبل قول المرأة في الولد وإن كان في يدها؛ لأن المرأة بما تقول تريد قطع النسب من هذا الزوج مقصوداً؛ لأن الأنساب للآباء، وهذا الولد ثابت النسب من هذا الزوج ظاهراً لقيام الفراش بينهما، فهو معنى قولنا: إنها تريد قطع النسب من الزوج مقصوداً، ومجرد اليد لا تصلح لذلك، ألا ترى أن اليد مع الملك لا تصلح لذلك حتى لو كان لها عبد، وهو معروف النسب من غيره؛ إذا قالت: هذا ولد فلان الآخر لا تصدق على ذلك، فأما إذا كان الولد في يدي الزوج فالزوج يقول: هذا ابني من امرأة أخرى لا يقطع نسباً ثبت منها مقصوداً؛ لأن الأنساب للآباء لا للأمهات، وليس يخرجها من يده؛ لأنه لا بد لها، فكان مصدقاً فيما ادعى، وأما إذا كان في أيديهما، فالزوج إنما لا يصدق وإن كان لا يقطع نسبها مقصوداً من جانبها؛ لأنه يريد إخراج الولد من يدها، ويدها على الولد ثابت ظاهراً، فلا يصدق في دعوى الإخراج.(10/489)
-----
وبعضهم قالوا: قيام الفراش بينه وبينها لا يمنع فراشاً له على غيرها؛ إما بنكاح ملك يمين، فإذا كان الولد في يد الزوج كان بيان سببه إليه أنه على فراش حصل له، وأما ثبوت الفراش له عليها ينافي فراشاً آخر عليها لغيره، فكان هذا الفراش في حقها متعيناً؛ وباعتباره يثبت النسب من الزوج.
وفي «المنتقى»: إبراهيم عن محمد امرأة قالت لزوجها: هذا ولدي منك وهو في يدها، وشهدت امرأة على ولادتها وكذبها الزوج؛ لزم الزوج إذا لزمها لزمه، ولو كان الزوج يدعي ذلك وكذبته المرأة، فأقام الزوج امرأة على الولادة لم يصدق الزوج، وإنما يعتبر قول المرأة الشاهدة إذا ادعت.
وفيه أيضاً ابن سماعة عن محمد: صبي في يدي رجل وامرأة؛ قالت المرأة: هذا ابني من هذا الرجل، وقال الرجل: هذا ابني من امرأة أخرى غيرها، فإنه يكون ابن الرجل، ولا يكون ابن المرأة، فإن جاءت المرأة بامرأة وشهدت على ولادتها إياه كان ابنها منه، وكانت زوجته بهذه الشهادة؛ لأني جعلته ابنهما، وإن كان الولد في يدي الرجل دون المرأة، والمرأة امرأته، فادعى الرجل أنه ولده من غيرها، وادعت المرأة أنه ابنها منه، ويكون ابنه من قبل أنه في يده.
نوع آخر في دعوى المرأة نسب الولد
صبي في يدي رجل، جاءت امرأة وادعت أنه ابنها وأقامت على ذلك شاهدين؛ قضي لها بالولد، وإن لم تقم إلا امرأة، فإن كان صاحب اليد يدعيه لنفسه لا يقضى للمرأة المدعية.
قيل: هذا قول أبي حنيفة، فأما على قولهما: يقضى للمرأة المدعية بناءً على أن شهادة القابلة على الولادة إذا لم يتأيد بمؤيد، وتضمنت إبطال حق مستحق على الغير ليست بحجة عند أبي حنيفة رحمه الله. وهنا تضمنت إبطال اليد على ذي اليد، فصار وجودها والمعدوم بمنزلة بقي مجرد الدعوى من جانبها ومن جانب صاحب اليد كذلك، فيقضى لصاحب اليد، وعندهما شهادة القابلة حجة بمنزلة شهادة الرجلين، وقضي بالولد للمدعية.(10/490)
-----
وإن كان ذو اليد لا يدعي لنفسه يقضى بالولد للمرأة المدعية؛ لأن ذا اليد إذا كان لا يدعيه لنفسه وهو لقيط، فليس له على اللقيط يد مستحقة، ألا ترى أن للقاضي أن ينزعه من يده، وإذا كان للقاضي ولاية إبطال يده من غير شهادة القابلة، فمع شهادة القابلة أولى.
صبي في يدي امرأة ادعت امرأة أخرى أنه ابنها؛ وأقامت على ذلك بينة، وأقامت المرأة التي في يديها امرأة ابنها يقضى للتي في يديها، أما على قول أبي حنيفة؛ فلأن شهادة المرأة الواحدة للخارجة عند دعوى ذي اليد؛ ومجرد دعوى الخارجة سواء، وأما عندهما فلأنهما استويا في الدعوى والحجة، وترجح ذو اليد بحكم يده.
ولو شهد لكل واحد منهما رجلان قضي لذي اليد. ولو شهد لصاحبة اليد امرأة واحدة، وشهد للخارجة رجلان قضي للخارجة، أما عند أبي حنيفة فلأن شهادة امرأة واحدة على الولادة حالة المنازعة ومجرد الدعوى سواء، وأما عندهما فلأنه لا تعارض بين الحجتين؛ لأن شهادة امرأة واحدة حجة على الولادة لا غير، وشهادة الرجلين حجة في الولادة وغيرها من الأحكام.
صبي في يدي رجل لا يدعيه، أقامت امرأة بينة أنه ابنها ولدته ولم تسم أباه؛ وأقام رجل بينة أنه ولده على فراشه ولم يسم أمه، فإنه يجعل ابن هذا الرجل من هذه المرأة، ولا يعتبر الترجيح باليد كما لو كان المدعي رجلان والصبي في يد أحدهما، فإنه يقضي لصاحب اليد؛ لأن الترجيح بحكم اليد إنما يكون عند تعذر العمل بالبينتين، وقد أمكن العمل بالبينتين؛ لأنهما قامتا لإثبات نسب هذا الولد من هذا الرجل وهذه المرأة، والنسب هكذا يثبت من الرجل والمرأة، بخلاف ما إذا كانت الدعوى من رجلين؛ لأن هناك تعذر العمل بالبينتين؛ لأن النسب لا يثبت من رجلين، فرجحنا بينة أحدهما بحكم اليد والله أعلم.
نوع آخر في دعوى نسب ولد أمة الغير بحكم النكاح(10/491)
-----
أمة في يدي رجل لها منه ولد وإن جاء رجل وقال: الأمة التي هي في يديه، وإنه زوجها مني، وقد ولدت على فراش هذا الولد الذي في يدي، وأقام على ذلك بينة، وأقام صاحب اليد بينة أن الأمة لهذا المدعي، وأنه زوجها مني، وولدت على فراشي هذا الذي في يدي، فإنه يقضى لكل واحد منهما بالولد الذي في يديه؛ لأن كل واحد منهما يدعي الولد الذي في يديه، ولا ينازعه في ذلك أحد، ويحكم بحرية كل واحد من الولدين؛ لأن كلاً من المدعيين يقول: الولد الذي في يد صاحبي ملك صاحبي، وصاحبي أقر بحريته لما ادعى به، وقد صح إقراره بذلك، فقد تصادقا على حرية كل واحد من الولدين، فيحكم بحريتهما من هذا الوجه، وتصير الجارية أم ولد موقوفة في يد الذي في يديه لا يطؤها واحد منهما لصيرورتها أم ولد لتصادقهما على ذلك؛ لأن كل واحد منهما يقول: هي مملوكة لصاحبي، وصاحبي قد أقر بكونها أم ولد، فتصير أم ولد للحال، وتكون موقوفة؛ لأن كل واحد منهما يقر لصاحبه، وصاحبه تبرأ من ذلك، وأيهما مات عتقت، لأنهما تصادقا على حريتها بعد موت أيهما مات.Y(10/492)
-----
وإذا كانت الأمة في يدي رجل وفي يديه ولدها، فادعى آخر أنه زوجها بغير إذن مولاها، فولدت له على فراشه هذا الولد الذي في يد مولاها، وأقام البينة على ذلك، وأقام الذي في يديه الأمة بينة أن هذا الولد ابنه ولد على فراشه من أمته هذه، فإنه يقضى بالولد للزوج، وإن كان الزوج خارجاً ودعوى النسب بمنزلة دعوى النتاج إنما كانت بينة صاحب اليد أولى؛ لأن البينات استويا في الإثبات، فإن كل واحدة أثبتت أولية الملك، لا من جهة أحد فترجحت بينة ذي اليد بحكم اليد، وههنا ما استوت البينتان في الإثبات؛ لأن بينة الزوج تثبت النسب بفراش النكاح، وبينة صاحب اليد تثبت الفراش بملك اليمين (235أ4) والنسب بالنكاح آكد حتى لا ينفى بمجرد النفي، فكانت بينة الخارج أكثر إثباتاً، فكانت أولى، فإن قيل: يجب أن لا يثبت الفراش الموجب لبيان النسب بهذا النكاح؛ لأنه عقد بغير إذن المالك، والمستولد عالم به، فهو بمنزلة ما لو اشترى أمة من الغاصب، وهو عالم بذلك واستولدها، فإنه لا يثبت نسب الولد من المشتري، وطريقه ما قلنا. هذا النكاح صدر من المالك من وجه وهي الجارية؛ لأن الجارية في حق النكاح مبقىً على الحرية حتى كان لها القسم كما للحرة واعتبرت الأمة بالعبد فإن العبد في حق النكاح مبقاً على الحرية حتى يملك النكاح بإذن المولى، ولو ثبت الرق في حق النكاح لما ملكه بإذن المولى؛ كملك المال، فعلم أن النكاح صدر من المالك من وجه إلا أنه فسد لفوات شرطه وهو بمنزلة أحد الموليين إذا زوج الأمة بغير إذن الآخر، وبمنزلة العبد إذا تزوج بغير إذن المولى، وهناك ينعقد النكاح بوصف الفساد كذا ههنا. بخلاف الشراء من الغاصب لأن ذلك التصرف صدر من غير المالك من كل وجه فيكون وجوده وعدمه بمنزلة، ثم قال: ويعتق الابن بإقرار المولى بعتقه حيث ادعى نسبه، وتكون الجارية بمنزلة أم الولد للمولى تعتق بموته، لأن المولى كما أقر بالولد أقر للجارية.(10/493)
(10/494)
-----
نوع آخر في دعوى غلام أنه ابن فلان ولد على فراشه من أمته هذه، ودعوى فلان كون الغلام عبداً له ولدته أمته هذه زوجها عبده فلان.
قال محمد رحمه الله: ولو أن غلاماً احتلم أقام بينة أنه ابن فلان، ولد على فراشه من أمته هذه وقال فلان: إنه عبدي ولدته أمتي هذه، زوجتها من عبدي فلان، فهذا على وجهين:
الأول: أن يكون العبد حياً ويدعي ذلك، وفي هذا الوجه يثبت نسب الغلام من العبد، وهذا مشكل لأن الغلام في يد نفسه، واليد معتبرة ترجيحاً في دعوى النسب، ولا تثبت حرية نفسه من الأصل، وحق العتق للأم، وبينة العبد تثبت رقهما، والجواب: أن الترجيح باليد وبإثبات الحرية إنما يقع إذا استوت البينتان في الإثبات فيما وقع فيه الدعوى، أما إذا كان إحدى البينتين أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى معتبرة الترجيح بكثرة الإثبات كما في دعوى الملك المطلق لم يعتبر الترجيح باليد كما كانت بينة الخارج أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى؛ لأن العبد ببينته يثبت نسب الغلام بفراش النكاح، والغلام يثبت نسبه من المولى بفراش ملك اليمين والنسب الثابت بفراش النكاح آكد؛ حتى لا ينفى نسب فراش النكاح بمجرد النفي، فكانت بينته أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى، فكانت أولى بالقبول، وإذا قبلنا بينة العبد كان الغلام وأمه رقيقين للمولى.(10/495)
-----
والوجه الثاني: إذا كان العبد ميتاً، أو كان حياً إلا أنه يدعي نسب الغلام ولا يدعي النكاح ومولى الأمة أيضاً ميت، وإنما يدعيه ورثة الميت ويقيمون البينة على ذلك، وفي هذا الوجه يقضى بنسب الغلام من مولى الغلام، ويرث مع سائر ورثته لأن بينة الورثة قامت على إثبات النكاح للعبد وهم أجانب عن نكاح العبد، والبينة إنما تقبل من صاحب الحق لا من أجنبي فكأن الورثة لم يقيموا بينة على ما ادعوا، أو يقول الورثة بهذه البينة لا يثبتون لأنفسهم شيئاً، لا النكاح ولا النسب، وإنما غرضهم من هذه البينة نفي نسب الغلام من المولى، والبينة على النفي لا تقبل، فإذا لم تقبل بينته أنه من هذه الأمة فهو ابن العبد لأن العبد ببينته يثبت النسب بفراش النكاح والمتولي يثبت النسب بفراش ملك اليمين فكانت بينة العبد أكثر إثباتاً، وكذلك إن الغلام بينته أنه ابن العبد لما ذكرنا.
ولو أن رجلاً مات وترك أموالاً كثيرة فجاء غلام قد احتلم ومثله يولد للميت، فأقام بينة أنه ابن الميت من أمته فلانة وولدته في ملكه، وأن الميت أقر بذلك، وأقام رجل آخر بينة أن هذا العبد عبده، وأن الأمة أمته، زوجها غيره فلان فولدت منه هذا الولد، وإن كان العبد حياً ويدعي ذلك فهو ابن العبد لما ذكرنا في المسألة المتقدمة أن بينة العبد أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى، ويقضي بالأمة للمدعي؛ لأن البينتان في حق الأمة قامت على الملك المطلق والمدعي خارج، فيقضي ببينة المدعي في الأمة، وإن كان العبد ميتاً أو كان حياً إلا أنه أنكر النكاح؛ فإن نسب الغلام يثبت من الميت الذي أقام الغلام البينة أنه ابنه ويرث منه؛ لأن بينة المدعي على إثبات نكاح الغلام غير مسموعة لأنها تثبت نكاح الغير، والبينة على إثبات نكاح الغير لا تقبل من غير دعوى صاحب النكاح.
(10/496)
-----
وإذا لم تقبل بينة المدعي جعل كأن المدعي لم يقم البينة، وتفرد الغلام بإقامة البينة، وهناك يقضي ببينة الغلام كذا ههنا، ويقضي بالأمة للمدعي لأن الدعوى في الأمة دعوى مطلق الملك مفرداً، وبينة الغلام تثبت الملك للميت في الجارية مع العتق، وذو اليد إذا ادعى مطلق الملك مع العتق كانت بينته أولى من بينة الخارج إذا كان الخارج يدعي مطلق الملك مفرداً.
نوع آخر في دعوى الولد من الزنا
وإذا ولدت أمة الرجل ولداً فادعاه رجل أنه ابنه من الزنا ثم ملكه يوماً من الدهر، فإنه يعتق عليه من غير أن يثبت نسبه، وإن ملك أمة القياس: أن تصير أم ولد له، وفي الاستحسان: لا تصير أم ولد له.
وجه القياس في ذلك: أن حق الأم في هذا الباب تبع لحق الولد، وحق الولد في شيئين: في النسب وحقيقة العتق، وحق الولد يثبت في حقيقة العتق إذا ملكه المستولد، وإن كان من زنا وجب أن يثبت حق الأم في حق العتق؛ لأن ثبوت أحد الحقين للولد كما في ثبوت حق الأم، ألا ترى أن لو ثبت نسب الولد صارت الجارية أم ولد له، وإن لم يثبت حقيقة الحرية للولد بأن استولد جارية الغير بالنكاح ثم تملكها، فإن الجارية تصير أم ولد له؛ لأنه ثبت أحد الحقين للولد وهو النسب كذا ههنا.
وجه الاستحسان: أن ثبوت أحد الحقين للولد كاف لثبوت الحق للأم إذا ثبت الحق للولد من وقت العلوق، أما ثبات النسب بأن استولدها بالنكاح أو علوقه حر. الأصل: إن استولدها بملك اليمين، وهذا لأن الجارية إنما تصير أم ولد عند العلوق، فشرط لثبوت حقها ثبوت الحق للولد عند العلوق، ولم يثبت ههنا للولد وقت العلوق، لا حق ثبات النسب ولا الحرية، وإنما عتق الولد بسبب طارئ بعد العلوق وهو الملك، وهذا لا يوجب ثبوت الحق للأم، كما لو أعتق الولد.(10/497)
-----
وكذلك إذا قال المدعي: هذا ابني من فجور أو قال: فجرت بها فولدت هذا، أو قال: هذا ابني من غير رشده؛ لأن هذه العبارات تنبىء عن الزنا، فكأنه قال: هذا ولدي من الزنا. وكذلك إن كان هذا الولد لأب المدعي أو لخاله أو لرجل ذي رحم محرم من المدعي لا يثبت نسبه من المدعي إذا قال: هو من زنا؛ لأن وطأه جارية هؤلاء زنا محض، وليس له فيها ملك ولا تأويل ملك، وبالزنا لا يثبت النسب ولا يعتق هذا الولد على هؤلاء؛ لأن بعد الملك إنما يثبت العتق إذا كان المملوك ذا رحم محرم من المالك، أو كان يقضي من المالك، وهذا بخلاف ما إذا كان الولد لابن المدعي، فإنه يثبت نسب المدعي منه. وإن قال: هو من زنا؛ لأنه لا يكون زانياً بجارية ابنه؛ لأن له فيها تأويل ملك بخلاف من سواه على ما ذكرنا.
وإذا أقر الرجل أنه زنى بهذه المرأة الحرة، وأن هذا الولد ولد منها من الزنا وصدقته المرأة في ذلك لا يثبت نسب الولد من الرجل على كل حال (235ب4) وهل يثبت نسبه من المرأة إن شهدت القابلة بولادتها هذا الولد؟ ثبت النسب منها وما لا فلا.
(10/498)
-----
وإذا أقر الرجل بالزنا بامرأة حرة أو أمة، وادعت المرأة نكاحاً جائزاً أو فاسداً؛ لا يثبت النسب من الرجل وإن ملكه؛ لأن النكاح لم يثبت بقولها لما أنكر الزوج النكاح، بقي الفعل زنا في حق الزوج كما أقر، وبالزنا لا يثبت النسب وإن ملكه الزاني إلا أنه يعتق عليه إذا ملكه؛ لأنه جزؤه وإن لم يكن منسوباً إليه شرعاً، وكما لا يثبت الإنسان الرق على نفسه لم يثبت له الرق على جزئه ولا حد عليه، فقد عرف في كتاب «الحدود» أن الحد يسقط بدعوى أحد الواطئين النكاح وعليه العقر؛ لأن الوطء الحرام في دار الإسلام لا يخلو عن عقوبة أو غرامة وتعذر إيجاب العقوبة فتجب الغرامة، وكذلك إذا أقامت شاهداً واحداً لا يثبت النسب من الرجل وإن كان الشاهد عدلاً؛ لأن شهادة شاهد واحد ليست بحجة في إثبات النكاح، فصار وجودها في حق ثبوت النكاح والعدم بمنزلة وعليه العقر، وعليها العدة؛ لأن العدة حق الله تعالى، وقول الواحد العدل حجة في حقوق الله تعالى، فيثبت النكاح بهذه الشهادة في حق وجوب العدة، وإن لم يثبت في حق ثبوت النسب؛ لأن ذلك من حقوق العباد.
وإذا ادعى الرجل النكاح وادعت المرأة الزنا، ذكر في «الأصل»: أنه إن كان الولد في يد الزوج يثبت نسب الولد منه؛ لأن الولد إذا كان في يده لو ادعى تصح دعواه لقيام يده، مع أنه إقرار على الولد، فإذا ادعى نسبه لأن تصح دعواه وأنه إقرار للولد كان أولى، وإن كان الولد في يدي المرأة لا يثبت نسبه من الرجل إلا ببينة، فإن ملكه يوماً من الدهر يثبت نسبه منه، ويصير كا لمجدد لذلك الإقرار، وكذلك إذا ملك أمة تصير أم ولد له.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: في رجل ادعى ولداً في يدي امرأة وقال: هذا ولدي منك من الزنا، قال: فإني أثبت نسب الولد منه، وأقضي بالمهر عليه. ويتبين بما ذكر ابن سماعة أن ما ذكر في «الأصل» أنه إذا كان الولد في يدي المرأة لا يثبت نسبه من الرجل قول محمد.(10/499)
-----
قال في «الأصل»: وكذلك إذا أقام الرجل شاهداً واحداً على النكاح لا يثبت النسب من الرجل، يريد به: إذا كان الولد في يد المرأة، وكذلك إذا أقام شاهدين غير أنهما لم يزكيا، أو كانا محدودين في قذف أو أعميين، فإني لا أثبت النسب، وأوجب المهر والعدة؛ لأن النكاح لا يثبت بشهادة الفاسقين والأعميين والمحدودين في القذف، كما لا تثبت بشهادة الواحد، فصار الجواب في هذه الصورة نظير الجواب في الشاهد الواحد.
وإذا كان للرجل امرأة ولدت على فراشه ولداً، فقال الزوج: زنيت بها وولدت هذا منه، وصدقته المرأة في ذلك؛ كان نسب الولد يثبت لأنه ولد نكاح، وولد النكاح ثابت النسب من صاحبه لا ينتفي نسبه الا باللعان، ولا لعان بينهما لإقرارها على نفسها بالزنا.
وإذا قال: الصبي في يدي امرأة هذا ابني من الزنا، وقالت المرأه: لا بل من النكاح، فقال الزوج بعد ذلك: هو من النكاح، يثبت النسب من الرجل؛ لأن إنكاره السابق لا ينافي إقراره اللاحق كما في باب المال.
إذا قال: لا حق لفلان قبلي، ثم قال: له عليّ ألف درهم، وكذلك إذا قال الرجل: هو ابني من نكاح، فإنه يثبت النسب منهما، والمعنى ما ذكرنا.(10/500)
-----
رجل تزوج امرأة لا تحل له، فأغلق الباب وأرخى الستر لم يكن لها عليه مهر، والمسألة معروفة في كتاب «النكاح»، فإن جاءت بولد لستة أشهر منذ خلا بها، فإن نسبه يثبت منه، وهذا لأن ولادة الولد لستة أشهر منذ خلا بها دليل ظاهر على دخوله بها في حالة الخلوة، وإن كان ممنوعاً عن وطئها شرعاً، والعمل بالظاهر واجب حتى يقوم الدليل على خلافه، ومن ضرورة الوصول بها ثبوت النسب؛ لأن النكاح الفاسد بعد الدخول ملحق بالنكاح الصحيح في حق ثبات النسب، ويجب المهر لأنا قد حكمنا بالدخول، والدخول في النكاح الفاسد يوجب المهر، وهذا الذي ذكرنا قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما على قول أبي يوسف ومحمد: هذا النكاح غير منعقد أصلاً لا جائزاً ولا فاسداً، لأنه أضيف إلى غير محله، ولهذا يوجب الحد على قولهما، وإذا لم ينعقد هذا النكاح عندهما صار وجوده والعدم بمنزلة، فكان فعله زناً محضاً، فلا يثبت النسب، ولا يجب المهر والعدة.
نوع أخر في المرأة إذا تزوجت وزوجها حي وجاءت بالأولاد فالأولاد لمن تكون؟
قال: وإذا نعي إلى المرأة زوجها واعتدت عدة الوفاة، وتزوجت بزوج آخر وولدت من هذا الزوج الآخر، ثم جاء الأول حياً، أجمعوا على أن المرأة ترد على الأول. واختلف في الأول، قال أبو حنيفة: الأولاد للزوج الأول على كل حال، وقال أبو يوسف ومحمداً: إذا جاءت بالولد لأكثر من سنتين منذ دخل بها الزوج الثاني، فالولد للزوج الأول، وإن جاءت به لستة أشهر منذ دخل بها الزوج الثاني إلى سنتين. قال أبو يوسف: هو للثاني، وقال محمد: هو للأول، وروى أبو عصمة سئل ابن معاذ عن إسماعيل بن حماد عن عبد الكريم الجرجاني عن أبي حنيفة أنه رجع عن هذا القول وقال: الأولاد للثاني. فوجه قولهما: أن الثاني يساوي الأول في السبب الموجب لثبات النسب وهو الفراش، وترجح على الأول بحكم الوطء وما يقوم مقامه وهو الخلوة الصحيحة.(10/501)
-----
بيانه: أن الأول إن كان له فراشاً فلا وطء منه لا حقيقة * وهذا ظاهر * ولا حكماً، لأنه غير متمكن من وطئها حقيقة لسبب الغيبة، وإنما يعتبر الإنسان واطئاً حكماً إذا كان متمكناً منه حقيقة، فهو معنى قولنا إن الثاني ترجح على الأول بالوطء حقيقة، أو ما يقوم مقامه، فوجب أن يثبت النسب من الثاني دون الأول، وإن كان فراش الثاني فاسداً، وفراش الأول صحيحاً قياساً على امرأة الصبي إذا زوجت نفسها من رجل، وجاءت بالولد، فإن هناك الولد يكون للثاني، وفراشه يثبت بنكاح فاسد، ونكاح الصبي صحيح ما كان الطريق فيه سوى أن الثاني ترجح على الصبي بالوطء، وهذا بخلاف ما لو كان الزوج الأول حاضراً؛ لأن الحاضر متمكن من وطء المرأة كالثاني فاستويا في التمكن من الوطء، وترجح الأول بحكم الصحة.
إلا أن أبا يوسف يقول: إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ دخل بها الثاني فهو للأول، وإذا جاءت به لستة أشهر إلى سنتين فهو للثاني، لأن بالدخول يثبت بفراش الثاني؛ لأن النكاح الفاسد ملحق بالصحيح في حق حكم النسب، فينقطع الأول بالثاني في حق حكم النسب، وتكون العبرة للثاني، ألا ترى أن بدخول الثاني تحرم على الأول ويلزمها العدة من الثاني، وهذا دليل على أن الفراش الأول قد زال، وإنما كان التقدير فيه بادٍ في مدة الحبل اعتباراً للفاسد بالصحيح.
ومحمد رحمه الله يقول: فراش الأول وإن زال فالملك لم يزل، ولو زال الفراش والملك بالطلاق أو بالملك، وبقيت العدة إذا جاءت بولد ما بينها وبين سنتين، فالولد للأول، وإن جاءت لأكثر من سنتين، فالولد للثاني، فكذا إذا زال الفراش وبقي الملك من طريق الأولى؛ لأن الملك فوق العدة.
(10/502)
-----
وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الأول ساوى الثاني في السبب الموجب وهو الفراش لثبات النسب في الوطء، ويرجح الأول بالصحة، فيكون الأولاد للأول على كل حال قياساً على ما لو كان الأول حاضراً، أما استواؤهما في الفراش فظاهر، وأما في الوطء استواؤهما في الوطء؛ لأنه إن وجد من الثاني حقيقة الوطء أو ما أقيم مقامه، وجد من الأول الوطء حكماً؛ لأن النكاح الأول صحيح، والنكاح الصحيح في حق من هو من أهل الماء أقيم مقام الوطء حتى يثبت النسب من صاحب النكاح.
وإن لم يكن وطئها حقيقة، فإذا استويا في الفراش وفي الوطء: يجب أن يترجح الأول بحكم الصحة كما لو كان الأول حاضراً، وهذا لأنه لا معارضة بين الصحيح والفاسد بوجهٍ ما، بل الفاسد مدفوع بالصحيح لا محالة.
قال: وإن نفاه الآخر وادعاه الأول، أو ادعيا جميعاً، أو نفاه الأول وادعاه الثاني، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: هو ابن الأول لأنه ولد في نكاحه، فلا ينتفي نسبه من صاحب النكاح إلا باللعان، ولا لعان بين الأول والمرأة، لأنها وطئت في نكاحه بنكاح (236أ4) فاسد، والوطء في النكاح الفاسد يزيل الإحصان، فلا يجب بقذفها بعد ذلك حد ولا لعان، وعلى قولها: هو ولد الثاني وإن نفاه لأنه ولد في نكاحه نكاحاً فاسداً، وولد النكاح الفاسد لا يقطع نسبه باللعان، وكذلك لو كان سبيت المرأة فتزوجها رجل من أهل الحرب وولدت أولاداً، فهو على الخلاف الذي مر، وكذلك لو ادعت الطلاق فاعتدت وتزوجت، والزوج الأول جاحد لذلك، فهو على الخلاف، ذكر هذين الفعلين شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه».
نوع آخر في منكوحة الرجل إذا ولدت ثم ادعى أحدهما أن النكاح كان منذ شهر(10/503)
-----
قال محمد رحمه الله: إذا تزوج الرجل امرأة، وولدت ولداً فادعى أحدهما أن النكاح كان منذ شهر، وادعى الآخر أنه كان منذ سنة، فالقول قول من يدعي النكاح منذ سنة، ويحكم بثبات الولد منها؛ لأنهما تصادقا على سبب ثبات النسب وهو الفراش لما تصادقا على النكاح، إلا أن أحدهما منكر حكم الفراش لمانع والآخر يدعيه، والأصل: أن المتداعيين إذا اتفقا على سبب حكم، واختلفا في ثبوت الحكم وعدمه، فالقول قول من يدعي ثبوت الحكم؛ لأن ثبوت العلة يدل على ثبوت الحكم، فكان الظاهر شاهداً له كالمتبايعين إذا اتفقا على البيع؛ وأنكر أحدهما ثبوت الملك لمانع في السبب وهو الخيار أو التلجئة، وادعى الآخر ثبوته، كان القول قول من يدعي الثبوت كذا ههنا.
وإن تصادقا على أنه تزوجها منذ شهر لم يثبت نسب الولد، وإن كان في ذلك إبطال نسب الولد من حيث الظاهر؛ لأنهما اتفقا على أن حكم السبب غير ثابت، والمتداعيان إذا تصادقا على امتناع ثبوت الحكم لمانع في السبب مع اتفاقها على (السبب) يعتبر تصادقهما، وإن كان في ذلك إبطال حق على الغير، كالمتبايعين إذا اتفقا على أن البيع كان تلجئة، وإن كان فيه خيار، فإنه يعتبر اتفاقهما، وإن كان فيه إبطال حق على الغير وهو الشفيع، فإن أقامت البينة بعدما تصادقا أنه تزوجها منذ شهر أنه تزوجها منذ سنة قبلت، أما إذا كان الولد كبيراً، وهو أقام البينة بنفسه، فلأن هذه بينّة قامت من خصم على خصم، وأما إذا كان الولد صغيراً فكذلك.(10/504)
-----
واختلف المشايخ في طريق قبول البينة، قال بعضهم: ينصب خصماً عن الصغير؛ لأن النسب حق الصغير؛ فينصب عنه خصماً لتكون البينة قائمة ممن هو خصم، ثم الخصم إنما يقيم البينة على الزوج ههنا، لا على المرأة لأن النسب ثابت منهما على كل حال، وبعضهم قالوا: القاضي يسمع البينة من غير أن ينصب عنه خصماً بناءً على أن الشهادة على النسب هل تقبل حسيّة من غير دعوى؟ وقد اختلف فيه مشايخنا؛ بعضهم قالوا: تقبل؛ لأن في النسب حق الشرع، فإن نسبة الولد إلى غير أبيه حرام حقاً للشرع، والشهادة القائمة على حق الشرع؛ تقبل نسبه من غير الدعوى؛ والله أعلم.
نوع آخر في دعوى المولى ولد أمته ولها زوج
قال محمد رحمه الله: إذا زوج الرجل أمته من عبده فجاءت بولد لستة أشهر فصاعداً، فهو ابن الزوج، وإن نفاه الزوج لم ينتفِ منه لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر أمكن حالة العلوق على النكاح، فكان هذا ولد النكاح، وولد النكاح لا ينتفي نسبه إلا باللعان، ولا لعان بين الرجل وامرأته الأمة، فإن ادعاه المولى وقال: هذا ابني؛ لم تجز دعوته، ولم يثبت نسب الولد منه؛ ولكن يعتق الولد بإقراره؛ وتصير الجارية أم ولد له؛ لأن المولى بقوله: هذا ابني ادعى النسب على الولد من نفسه، وأقر بحرية الولد، وحق العتق للجارية ودعواه نسب الولد من نفسه على الزوج؛ لأنه يريد قطع نسب ثابت منه، فلم يصح، أما إقراره بحرية الولد وبحق العتق للجارية إقرار على نفسه فصح.
فرق بين هذه المسألة وبين مسألتين إحداهما: إذا قال لعبده ومثله لا يولد لمثله: هذا ابني، وإنه في ملكه؛ فإنها لا تصير أم ولد له، وقد أقر بحق العتق لهما، وكذلك إذا قال في مسألتنا: هذا ولدي من هذه الجارية من الزنا؛ لا تصير الجارية أم ولد، وفي معروف النسب إذا كان مثله يولد لمثله؛ قال: تصير الجارية أم ولد، وإن لم يثبت نسب الولد منه.(10/505)
-----
والفرق: أن في معروف النسب سببه ثبات النسب من المولى متصور بأن جعل الوطء منه بشبهة، فإن الوطء بشبهة كافٍ لثبات النسب كما في حال الانفراد، إلا أن صاحب الفراش الصحيح جعل أولى من صاحب الفراش الفاسد بحكم الصحة؛ لأن سبب ثبات النسب منه لم يوجد، وإذا كان سبب ثبات النسب متصور من المدعي بغير النسب ثابتاً منه في حق ما يلزمه من أحكام النسب، وأن يعتق الولد وتصير الجارية أم ولد له هذا حكم يلزمه، وإنه من أحكام النسب، فيعتبر النسب ثابتاً في حقه وفي حق هذا الحكم، وإن لم يعتبر ثابتاً في حق النسب من الزوج؛ لأن ذلك أمر على الزوج.H
فأما في حق ولد الزنا، وفيما إذا كان لا يولد مثله لمثله؛ فسبب ثبات النسب من المدعي غير متصور، فلا يمكن أن يعتبر النسب ثابتاً من المدعي في حق ما يلزمه من الأحكام؛ فلا يثبت حق العتق للجارية، وإنما عتق الغلام الذي لا يوجد مثله لمثله، لا لأن النسب اعتبر ثابتاً في حق عتق الولد، ولكن لأن قوله: هذا ابني جعل كناية ومجازاً عن قوله: عتق على هذا من حين ملكته، واللفظ إذا صار مجازاً عن غيره سقط اعتبار حقيقته، وتكون العبرة للمكنى عنه، ولو صرح بالمكنى عنه وقال: عتق هذا عليّ من حين ملكته لا تصير الجارية أم ولد له كذا ههنا.
هذا الذي ذكرنا، إذا جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح، ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح لم يثبت نسبه من الزوج وإنه ظاهر، فإن ادعاه المولى ثبت نسبه منه لأنه ولد أمته، وبحكم فساد النكاح؛ لأنه تبين أنه زوجها وفي بطنها ولد هو ثابت النسب منه.(10/506)
-----
وإذا زوج الرجل أمته من غير عبده بإذن مولاه، أو زوجها من حر برضاه؛ فجاءت بالولد لستة أشهر فصاعداً من وقت النكاح فادعاه المولى؛ لا يثبت نسبه من المولى، وإن صدقه الزوج في ذلك؛ لأن الزوج بالتصديق نفاه عن نفسه، ونسب ولد النكاح لا ينتفي إلا باللعان، فيكون الولد ثابت النسب من الزوج؛ صدَّق المولى أو كذبه، وهل يحكم بفساد النكاح إن كذبه الزوج في دعواه؟ لا شك أنه لا يحكم بفساد النكاح.
وأما إذا صدقه فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: يحكم بفساد النكاح؛ لأنه لما صدق المولى في النسب، فقد أقر بكونها حاملاً من المولى وقت النكاح مقراً بفساد النكاح، وإقرار الزوج بفساد النكاح إقرار على نفسه، فيصدق في حق فساد النكاح إن لم يصدق في حق قطع النسب عن نفسه، ومنهم من قال: لا يحكم بفساد النكاح لأن تصديق الزوج ليس بإقرار بفساد النكاح نصاً، ولا يجوز أن يثبت الإقرار بالفساد اقتضاءً لأنه لا يجوز أنه صدق المولى في دعوى ثبات النسب؛ لأنه علم أن العلوق منه كان قبل النكاح فيكون إقراراًبفساد النكاح، ويجوز أنه صدقه؛ لأنه علم أنه وطئها بعد النكاح، وظن ثبوت النسب منه، فيكون إقراراً بقيام الملك له في رقبتها حالة الوطء، فلا يكون هذا إقراراً منه بفساد النكاح، فلا يثبت الإقرار بالفساد مع الاحتمال، قال: إلا إذا كان الزوج أقر أن الولد من المولى حبلت به قبل النكاح فحينئذٍ يحكم بفساد النكاح، لأنه أقر أنه تزوجها وهي حامل بولد ثابت النسب منه، فيكون إقراراً بفساد النكاح.(10/507)
-----
وإذا زوج الرجل أمته من رجل ثم باعها ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعداً من وقت النكاح ولأقل من ستة أشهر منذ باعها فادعاه المولى؛ فإنه لا يصدق في حق النسب ولا يعتق الولد، ولا ينتقض البيع، والولد ابن الزوج على حاله، وإنما لم يصدق في حق النسب؛ لأنه ثابت النسب من غيره، وإنما لا يعتق الولد؛ لأن دعواه دعوة تحرير لما لم يوجد ثبات النسب، ودعوى تحرير لا تصح (236ب4) إلا من المالك، وإن ادعاه المشتري لا تصح دعوته في حق النسب أيضاً؛ لما ذكرنا في جانب المولى، ولكن يعتق الولد وتصير الجارية أم ولد له لأن دعوته دعوى تحرير لما لم يثبت النسب منه، ودعوى التحرير تصح من المالك والمشتري مالك.
وإذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها ودخل بها الزوج، ثم ولدت ولداً لستة أشهر منذ تزوجها، فادعاه المولى والزوج، فهو ابن الزوج؛ لأن النكاح الفاسد عند اتصال الدخول به في حق النسب كالنكاح الصحيح، والجواب في النكاح الصحيح ما قلنا، ولكن يعتق الولد على المولى بخلاف إقراره، ثم اعتبر المدة من وقت النكاح لا من وقت الدخول، فإنه وضع المسألة فيما إذا جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح، قال شمس الأئمة الحلواني: هذه المسألة دليل على أن الفراش ينعقد بنفس العقد في النكاح الفاسد خلافاً لما يقول بعض المشايخ: إنه لا ينعقد بنفس النكاح، وإنما ينعقد في النكاح الفاسد بالدخول، وتأويل المسألة على قوله: إن الدخول كان عقيب النكاح بلا فصل فتكون المدة من وقت النكاح ومن وقت الدخول سواء، وكذلك الجواب في أم الولد إذا تزوجت بغير إذن المولى فولدت ولداً فادعاه الزوج والمولى.
نوع آخر في امرأة لها ولد معروف(10/508)
-----
قال رجل لهذه المرأة: هذا ابني منك؛ وفي ولد رجل له ولد معروف قالت المرأة لهذا الرجل: هذا ابني منك، امرأة حرة لها ابن صغير تعرف أنه ابنها؛ قال رجل للمرأة: هذا ابني منك، فقالت نعم، فهو ابنهما ثابت النسب منهما؛ لأنهما تصادقا على ثبات النسب بينهما، وليس للولد نسب معروف من غيرهما؛ فيثبت نسبه منهما لتصادقهما.
وكذلك رجل حر له ابن صغير يعرف أنه ابنه فقال: هذا ابني من هذه الحرة، وصدقته المرأة في ذلك فهو ابنهما ثابت النسب منهما لما ذكرنا، ويقضى بينهما بنكاح صحيح، لأنهما تصادقا على ثبات النسب منهما، ولا يثبت النسب من الرجل إذا كانت المرأة حرة إلا بالنكاح، فيثبت التصادق على النكاح مقتضى التصادق على ثبات النسب منهما، فيقضى بالنكاح بينهما بتصادقهما على ذلك، ثم يقضى بنكاح صحيح، ولا يقضى بنكاح فاسد، وإن كان النكاح ثبت مقتضى تصادقهما على ثبات النسب، فإنما يثبت أدنى ما يكفي لثبات النسب، وهو النكاح الفاسد؛ لأن الأدنى إنما يثبت في موضع يستوي الأدنى والأعلى في صفة الإباحة، أما في موضع كان الأدنى حراماً، والأعلى مباحاً، يثبت الأعلى حملاً لحالهما على الصلاح، والنكاح الفاسد وإن كان أدنى فهو حرام، والنكاح الصحيح وإن كان أعلى فهو مباح، فأثبتا النكاح الصحيح لهذا.
هذا إذا كانت المرأة معروفة بأنها حرة، فأما إذا كانت لا تعرف بأنها حرة فقال رجل: هذا ابني منك، وأنت امرأتي، وقالت المرأة: أنا أم ولدك، وهذا ابني منك فهو ابنهما، ثابت النسب منهما لتصادقهما على ذلك، ولكن لا يقضى بالنكاح بينهما بخلاف ما إذا كانت المرأة تعرف بأنها حرة لا يثبت إلا بالنكاح، فتصادقهما على ثبات (ذلك) منهما تصادق على النكاح، فأما الفراش على غير الحرة كما يثبت بالنكاح يثبت بملك اليمين بالاستيلاد، وإذا لم يعرف حالها في الحرية والرق لا يثبت فراشاً بعينه بتصادقهما على النسب.(10/509)
-----
بقي الاختلاف بعدد كل بينهما في تعيين ما يثبت به الفراش عليها فالزوج يعين النكاح، ولم يثبت النكاح لإنكارها ذلك، وهي تعين الاستيلاد، ولم يثبت الاستيلاد لإنكار الزوج ذلك، فلم يثبت بينهما فراش بعينه، حتى يمكن القضاء به، ولكن بأن لم يثبت بينهما فراش بعينه، فذلك لا يمنعنا عن القضاء بحكمه، وهو ثبوت النسب إذا تصادقا على الحكم.
وكذلك إذا قالت المرأة: أنا زوجتك، وقال الرجل: أنت أم ولدي، وباقي المسألة بحالها؛ فالولد ثابت النسب منهما؛ لكن لا يقضى بالنكاح بينهما لما قلنا. ولو قال الرجل للمرأة: هذا ابني منك من نكاح جائز، وقالت المرأة: هذا ابني منك من نكاح فاسد؛ فهو ابنهما، وكذلك لو قالت المرأة للرجل: هذا ابني منك من نكاح جائز، وقال الرجل: هذا ابني منك من نكاح فاسد؛ فهو ابنهما، ويكون القول قول من يدعي الجواز، غير أن مدعي الفساد إن كانت هي المرأة لا يفرق بينهما، وإن كان هو الزوج يفرق بينهما؛ لأن الزوج إن لم يصدق في دعوى الفساد في حق المرأة، يصدق في حق التحريم بالطلاق، فيجعل إقراره بالفساد في حق المرأة بمنزلة إيقاع الطلاق عليها؛ حتى يقضي لها بالمسمى، وإن كان أكثر من مهر مثلها كأنه طلقها صريحاً.
نوع آخر في أمة لها ولدان ادعاها رجلان كل واحد منهما ادعاها مع الولدين جملة
قال محمد رحمه الله: أمة لها ابنان، والأمة مع أحد ولديها في يد رجل، والولد الآخر في يد رجل آخر، فادعى كل واحد منهما أن الأمة له، وأن الابنين ابناه ولدا من هذه الأمة، قضي بالأمة وبالولدين جميعاً للذي في يديه الأمة، سواء ولدا في بطن واحد، أو في بطنين مختلفين.(10/510)
-----
أما القضاء بالأمة للذي في يديه الأمة؛ لأن كل واحد منهما ادعى أمية الولد، وأمية الولد بمعنى النتاج؛ لأنه يثبت له ابتداءً لا من جهة أحد، وإنه سبب لا يثنى ولا يكرر، فكان بمعنى النتاج، وفي دعوى النتاج يقضى لذي اليد ببينته كذا ههنا، وأما القضاء بالولد للذي في يديه لأن كل واحد منهما ادعى نسب هذا الولد وإنه بمعنى النتاج، وهنا القضاء له بالولد الآخر؛ وإن كان هو خارجاً في حق الولد الآخر، والنسب بمعنى النتاج، وذي اليد في النتاج أولى؛ لأنهما تصادقا على أن هذا الولد ولد من هذه الأمة، ووجب القضاء بملك الأمة للذي في يديه الأمة، فيجب القضاء بملك الولد له ضرورة وإن كان الولد في يد الآخر؛ لأن الولد يتبع الأم في الملك، فإذا صار الولد ملكاً له وقد ادعى نسبه وجب الحكم بحريته من الأصل، كما في الولد الذي في يديه.
وأما إذا ادعى كل واحد منهما الأمة مع الولد الذي في يديه لا غير، فإن كانت ولدتهما في بطن واحد؛ فهذا والفصل الأول سواء، لأن البطن إذا كان واحد كانا توأمين، فيصير كل واحد منهما بدعوى الولد الذي في يديه مدعياً الولد الآخر، فأما إذا كان البطن مختلفاً، فهذا على وجهين:
إن لم يعلم الأكبر من الأصغر قضي بالأمة للذي في يديه؛ لأنه متى لم يعلم الأكبر من الأصغر لم يثبت سبق أحدهما على الأخر في الاستيلاد، فيسقط اعتبار التاريخ، وإذا سقط اعتبار التاريخ صار ذو اليد أولى؛ لأنه بمعنى النتاج، قال: ويقضى لكل واحد منهما بالولد الذي في يديه؛ لأن كل واحد منهما ادعى الولد الذي في يديه، ولم ينازعه الآخر فيه، وحال عدم المنازعة مجرد قول صاحب اليد يعتبر، فمع البينة أولى.(10/511)
-----
فإن قيل: إذا وجب القضاء بالأمة للذي في يديه وجب أن يقضى له بالولد الذي في يد الآخر، لأنهما تصادقا على أن هذا الولد ولد هذه الأمة، والولد يتبع الأمة في الملك قلنا: إنما يقضى له بالولد الآخر؛ لأنه في يد صاحبه وصاحبه مدعيه وهو لا ينازعه في ذلك، فيترك في يده، كأم ولد إنسان في يد غيره يدعيه ذو اليد ولا ينازعه، فأما إذا علم الأكبر من الأصغر كان الأكبر في يد الذي الأمة في يديه، فإنه يقضي له بالأمة والولد الأكبر؛ لأنه يقضى له بهما إذا لم يثبت سبق استيلاده على صاحبه، بأن لم يعلم الأكبر من الأصغر على ما مر.
فإذا علم سبق استيلاده أولى، ولا يقضى له بالولد الأصغر؛ لأنه لا يدعيه، وإن كان الأكبر في يد الذي ليست الأمة في يديه، فإنه يقضي لكل واحد منهما بالولد الذي في يديه؛ لأنه لا يدعيه ولا ينازعه فيه أحد، فأما الأمة فقد ذكر في «الكتاب»: أنه يقضي للخارج الذي الأكبر في يديه لأنه ثبت سبقه على صاحبه في الاستيلاد لما ادعى الاستيلاد بالولد الأكبر، وادعى الآخر الاستيلاد بالولد الأصغر.(10/512)
-----
فإن قيل: التاريخ ساقط الاعتبار في دعوة النتاج حتى أنهما إذا تنازعا في نتاج دابة وأرخ ذو اليد أحد عشر شهراً، والخارج أرخ سنة؛ يقضى لذي اليد كأنهما لم يؤرخا كذا هاهنا الجواب، قلنا: المعنى الذي لأجله سقط اعتبار التاريخ في النتاج معدوم فيما نحن فيه، إنما سقط اعتبار (237أ4) التاريخ ثمة لأنه لا يتصور نسبه زيادة استحقاق على أحد؛ لأن الملك الثابت بالنتاج لا يكون على أحد (و) هذا المعنى معدوم فيما نحن فيه؛ لأن شهادة التاريخ ههنا تثبت زيادة استحقاق على أحد؛ لأن أمية الولد سبب للولادة، والولاء يستحق على العبد بعد الحرية، فكان من هذا الوجه بمنزلة دعوى التملك من جهة غيره بسبب لا يثنى ولا يكرر، وإذا ثبت زيادة استحقاق ههنا بسبب زيادة التاريخ وجب اعتبار التاريخ كما في دعوى التملك في الثالث فيقضى بالأمة للذي الأكبر في يديه، وإن كان خارجاً في حقها لهذا.
نوع آخر في الرجل يقر لصبي في يديه أنه ابن فلان ثم يدعيه لنفسه(10/513)
-----
قال محمد رحمه الله: وإذا كانت الأمة في يدي رجل ولدت غلاماً، فأقر المولى الذي له الأمة هذا الغلام من زوج حر أو عبد زوجها إياه ثم ادعاها بعد ذلك لنفسه، فهذا لا يخلو من وجوه؛ إما أن يصدقه المقر له في ذلك أو لم يصدقه ولم يكذبه بل سكت، أو كان غائباً أو ميتاً، وفي هذه الوجوه لا تصح دعوى المولى، أما إذا صدقه المقر له فلأن نسب الغلام قد ثبت من المقر له بتصادقهما، وصار الغلام معروف النسب من غيره، وفي مثل هذا لا يثبت النسب منه بالإجماع، ولا يعتق الغلام عليه بإقراره، وأما إذا لم يصدقه المقر له ولم يكذبه، لأن الإقرار قد وقع صحيحاً؛ ولم يتصل به تكذيب المقر له حتى يبطل، فبقي على الصحة كما كان، فلا تصح دعوى المولى بعد ذلك، قال أبو يوسف ومحمد رحمهم الله: يصح. فوجه قولهما: أن إقرار المولى قد بطل بتكذيب المقر له، وبقي الولد محتاجاً إلى النسب، فإنما ادعاه المولى حال حاجته إلى ذلك، وليس فيه إبطال حق على الغير.
ولأبي حنيفة رحمه الله: أنه يجب لإقرار المولى شيئان: ثبوت النسب من المقر له، وخروجه من دعوى هذا النسب أصلاً، وتكذيب المقر له بطل ما هو من حقه. فأما ما لا حق له فيه لا يبطل الإقرار فيه بتكذيبه، ولا حق للمقر له في خروج المقر من دعوى هذا النسب، فلا يبطل الإقرار في حق هذا الحكم ولو لم يقر بذلك، ولكن جاء أجنبي وأقر أن هذا الولد ابن المولى، وجحد المولى ذلك، ثم إن للرجل الأجنبي الشاهد على المولى بذلك اشترى هذا الولد أو ورثه فادعاه بعد ذلك أنه ابنه يعتق عليه بإقراره، وهل يثبت نسبه منه؟ فهو على الاختلاف الذي قلنا، لأن الشاهد ادعاه بعدما كذبه المشهود له.(10/514)
-----
وكذلك إذا شهد رجلان على صبي من امرأة حرة أنه ابنها، وابن هذا الرجل، وأن هذا الرجل زوجها، وادعت المرأة ذلك وجحد الزوج، فسأل القاضي عن الشهود فلم يعدلوا فرد شهادتهم، ثم إن أحد الشاهدين ادعى نسب الولد وصدقته المرأة لا تصح دعوته عند أبي حنيفة خلافاً لهما؛ لأن الشاهد ادعاه بعدما كذبه المشهود له.
إذا شهدت امرأة على صبي أنه ابن هذه المرأة؛ والمرأة ادعته فلم تقبل شهادتهما بسبب من الأسباب، ثم إن الشاهدة ادعت نسب هذا الولد، وأقامت البينة على ذلك لا تقبل بينتها، ولا يقضى لها بالولد لأن البينة إنما تسمع بعد صحة الدعوى، والدعوى من الشاهدة في هذه الصورة لا تصح بالإجماع؛ لأن المشهود له صدقها، وحال تصديق المشهود له لا تصح الدعوى من الشاهدة بالإجماع. ولو كبر الصبي وادعى أنه ابن الشاهدة والشاهدة منكرة، فأقام على ذلك بينة قبلت بينته؛ لأن الدعوى من الصبي قد صح لأنه لو لم يقر بنسبها لغير الشاهدة فيصح دعواه النسب من الشاهدة، فهذه بينة قامت على دعوى صحيحة بالإجماع.
وعلى هذا إذا ادعى رجل نسب صبي في يدي امرأة، والمرأة تنكر وأقام الرجل شاهدين، ولم يقض القاضي بشهادتهما، ثم إن أحد الشاهدين ادعى أن هذا الصبي ابنه وهذه المرأة امرأته، وأقام على ذلك شاهدين، فالقاضي لا يقبل شهادته؛ لأن الدعوى من الشاهد لم تصح بالإجماع، وإن ادعت المرأة ابنها من هذا الرجل وأنه زوجها، وأقامت على ذلك شاهدين سمعت بينتها؛ لأن الدعوى منها قد صحت؛ لأنها لم تقر بنسب الولد للغير.
وإذا ادعى رجلان صبياً في يدي امرأة كل واحد يدعي أنه ابنها، والمرأة تنكر، ثم إن المرأة ادعت على رجل أنه تزوجها وهذا الصبي لها منه، فشهد لها الرجلان المدعيان للصبي، فالقاضي لا يقبل شهادتهما؛ لأن دعواهما السابق تجعلهما متناقضين في هذه الشهادة، والتناقض في الشهادة مانع قبولها وصحتها.(10/515)
-----
وكذلك على هذا: صبي في يدي امرأة شهد رجل أنه ابن فلان ورد القاضي شهادته، ثم شهد هو ورجل آخر أنه ابن هذا الرجل الآخر، فالقاضي لا يقبل شهادتهما؛ لأن أحد الشاهدين متناقض في هذه الشهادة.
إذا كان للرجل جارية حامل فأقر أن حملها من زوج قد مات، ثم ادعى أنه منه فولدت لأقل من ستة أشهر، فإنه يعتق ولا يثبت نسبه منه، أما العتق فلإقراره بذلك، وأما لا يثبت نسبه منه لأنه أقر بنسبه لغيره، وصح هذا الإقرار منه؛ لأنا تيقنا بوجود الولد في البطن وقت الإقرار، ولم يوجد تكذيب المقر له لكونه ميتاً، وفي هذه الحالة لا تصح دعوى المقر لنفسه بالإجماع، وهذه هي الحيلة لمن أراد أن يشتري جارية حاملاً ويتحرر عن دعوى البائع الولد، يأمر البائع أن يقر أن هذا الولد من فلان الميت، ثم يشتريها بها المشتري، فلا تصح دعوى البائع بعد ذلك. ولو مكث المولى بعد إقراره الأول سنة ثم قال: هي حامل مني، فولدت ولداً لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار الآخر فهو ابن المولى ثابت النسب منه؛ لأن دعوة المولى ههنا قد صحت؛ لأنه لو لم يصح الإقرار الأول شكَّ إن كان هذا الحمل موجوداً وقت الإقرار الأول، صح الإقرار الأول، وإن لم يكن موجوداً لا يصح فلا يصح إقراره الأول بالشك، وجعل كأنه لم يوجد، ولو لم يوجد الإقرار الأول كانت دعوته صحيحة كذا ههنا. وإذا أقر أنه زوج أمته رجلاً غائباً وهو حي لم يمت، ثم جاءت بولد بعد قوله لستة أشهر، فادعاه المولى فإنه لا يصدق؛ لأنه حصل مقراً للزوج بنسب ما يحدث منها بعد هذا الإقرار لستة أشهر يقتضي إقراره بالنكاح؛ لأن نسب الولد يثبت من صاحب الفراش، وقد أقر أن الفراش للزوج، وقد ذكرنا أن من أقر بنسب ولد إنسان ولم يصدقه المقر له ولم يكذبه، ثم ادعاه المقر لنفسه، فإنه لا تصح دعواه.
(10/516)
-----
وإذا كانت الجارية بين رجلين جاءت بولدها فقال أحدهما: إنه ابن صاحبي، وقال الآخر: إنه ابن صاحبي، ثم ادعى أحدهما أنه ابنه، إن ادعى الثاني لا تصح دعوته بلا خلاف؛ لأنه أقر بنسبه الأول، ولم يكذبه الأول بإقراره أنه للثاني لأن إقرار الأول كان سابقاً على إقرار الثاني، والتكذيب ما يكون متأخراً عن الأول لا سابقاً عليه، وإن ادعاه الأول فعلى قول أبي حنيفة؛ لا تصح دعوته خلافاً لهما، لأن الثاني كذب الأول في إقراره لما أقر أنه للأول، وعند تكذيب المقر له لا تصح دعوى المقر بعد ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما، وعتق الولد أيضاً لتصادقهما على حريته؛ وتكون الجارية أم ولد له موقوفة لأن كل واحد منهما ينفيه عن نفسه، ويقرّ به لصاحبه، فتكون موقوفة أيهما مات عتقت.
نوع آخر في دعوى الرجل ولد الجارية مع نكاح أمها ودعوى المولى بيع تلك الجارية منه أو على العكس(10/517)
-----
قال محمد رحمه الله: وإذا ادعى الرجل أمة في يدي رجل أنه تزوجها وأنها ولدت منه هذا الولد، وقال المولى: بعتكها بألف درهم، وقال: الولد منك، قال: هذا الولد ثابت النسب من المستولد؛ لأنهما تصادقا على ثبات النسب منه، إلا أنهما اختلفا في سببه، فالزوج زعم أن سببه ملك النكاح، والمولى زعم أن سببه ملك اليمين، والسبب إن لم يثبت لاختلافهما في ذلك ثبت النسب؛ لأن القضاء بالنسب من غير سبب متعين ممكن، ألا ترى أن لو شهد شاهدان أن هذا ابنه، فإن القاضي يقضي بثبات نسب الولد من المشهود عليه وإن لم يبينا سبباً، وهذا لأن حكم النسب الحرمة وهي حرمة المناكحة والنفقة والميراث، وهذه الأحكام لا تختلف بأي سبب ما ثبت النسب، فلا يشترط بيان، ألا ترى أنه لم يشترط بيان السبب في بيان المال حتى إذا شهد شاهدان أن لهذا الرجل على هذا الرجل ألف درهم، ولم يبينا سببه، فالقاضي يقضي بالمال؛ لأن حكم الوجوب وهو الإيفاء لا يختلف باختلاف السبب كذا ههنا، ويعتق الولد لأنهما تصادقا على حريته فالمولى يزعم أنه علق حر الأصل، والزوج يقول: إن الولد ملك المولى وقد أقر أنه حر (237ب4) الأصل فهو معنى؛ قلنا: إنهما تصادقا على حريته، وتصير الجارية أم ولد لأنهما تصادقا على ذلك؛ فالمولى يقول: إن الجارية ملك المستولد، والمستولد يقول: إنها ملك المولى؛ وإقراره نافذ في حقها، وقد أقر لها بحق العتق، فصارت أم ولد للمستولد، والمستولد ينفيها عن نفسه، ولا يحل للزوج غشيانها؛ لأن إباحة الغشيان باعتبار ملك المتعة، وملك المتعة لا بد له من سبب، ولم يثبت سبب ملك المتعة عليها؛ لأن الزوج يدعي الزوجية، والمولى يدعي الشراء، والزوج ينكر، وباب الحبل مبني على الاحتياط؛ فلهذا قال: لا يسعه أن يقر بها، وكذلك لا يحل للمولى غشيانها؛ لأن في زعمه أني بعتها، وتعذر على القاضي فسخ البيع فيها، لأنها صارت أم ولد، فلم تعد الجارية إلى ملكي، فلهذا لا يحل له وطؤها، قال:(10/518)
وعلى(10/519)
-----
الزوج المهر قضاء عن الثمن؛ لأنهما اتفقا على مقدار المهر، فللمستولد أن يقول: لك علي ألف درهم مهراً، والمولى يقول: لي عليك ألف درهم ثمناً، فاختلفا في حق سبب الألف، وإن لم يثبت السبب.
وإن كان المستولد ادعى الشراء، والمولى ادعى أنه زوجها منه، وباقي المسألة بحالها؛ فالولد ثابت النسب منه لأنهما تصادقا عليه على ما مر إن اختلفا في سببه، والجارية مع الولد رقيقان للمولى بخلاف المسألة الأولى؛ لأن في المسألة الأولى المولى أقر بحرية الولد وبحق العتق للجارية، وفي هذه المسألة المولى أقر بذلك إنما أقر به المستولد، وإقرار غير المالك لا يعمل، ولا يحل للمستولد وطؤها لأنه في زعمه أنه اشتراها والمولى أنكر ذلك، وفي زعم المولى أنه زوجها منه، وهو قد أنكر ذلك، فاختلفا في سبب الحل، ومع الاختلاف في سبب الحل لا يمكن القضاء بالحل ويحل للمولى وطؤها؛ لأن من زعم المولى أنه زوجها، وقد زال النكاح بتفريق القاضي، فعادت حلالاً لي؛ بخلاف المسألة الأولى؛ غير أن هناك في زعم المولى أنه باعها والبيع لم ينفسخ؛ لأن القاضي عجز عن فسخها، وإن وجد سبب الفسخ وهو إنكار الآخر؛ لأنها صارت أم ولد بإقرار المالك.Y
(10/520)
-----
ولم يذكر في هذه المسألة أن على المستولد الثمن قضاء عن العقر، وقال في المسألة الأولى: إن على المستولد العقر قضاء عن الثمن، ولا فرق بين المسألتين من حيث الظاهر، لأن في المسألة الأولى المستولد أقر عليه ألف درهم مهر هذه الجارية، وقال صاحب الجارية: لا بل عليه ألف درهم ثمنها، وههنا المستولد أقر أن عليه ألف درهم ثمن هذه الجارية، وقال صاحب الجارية: لا بل عليه ألف درهم مهرها، وإنما جاء الفرق لأن في المسألة الأولى تصادقا على وجوب الألف ديناً في الذمة على ما مر، وتصادقا على بقاء الألف واجباً في الذمة أيضاً لأن المستولد يقول: علي ألف درهم مهر هذه الجارية، ولم يسقط ذلك عني بتفريق القاضي؛ لأن تفريق القاضي حصل بعد الوطء، والتفريق بعد الوطء في النكاح لا يوجب سقوط المهر، وصاحب الجارية يقول: وجب لي عليه ألف ثمن هذه الجارية ولم يسقط ذلك لأن القاضي لم يفسخ البيع، لأن الجارية صارت أم ولد بإقراري، فقد تصادقا على الوجوب وعلى بقائه، لكن اختلفا في السبب، وإنه غير مانع من القضاء بالمال، أما في مسألتنا هذه: إن تصادقا على الوجوب فقد تصادقا على سقوط الثمن؛ لأن صاحب الجارية يقول: الثمن لم يكن واجباً لأن الشراء لم يكن، والمستولد يقول: الشراء كان إلا أن القاضي فسخ البيع بعد إنكار الآخر؛ لأنه لم يجعل الجارية أم ولد بإقراري، فقد تصادقا على سقوط الثمن بعد ما وجبه بزعم المستولد، فكأن المستولد لم يقر بالثمن، ولكن ادعى عليه المولى المهر، وهو ينكر، ولو كان كذلك لا يقضي عليه بشيء كذا ههنا
نوع آخر في دعوى ولد أمة الغير بحكم النكاح وتصديق المولى إياه في ذلك
قال: أمة في يدي رجل ولدت ولداً فادعى ولدها ثم قال: هذه أمة فلان زوجنيها، وصدقه فلان في ذلك فالمسألة على وجهين:(10/521)
-----
الأول: أن تكون الأمة معروفة أنها للمقر له، وفي هذا الوجه الأمة والولد رقيقان للمقر له؛ لأنه لم يثبت الولد حقيقة بالعتق، ولا للجارية حق العتق بدعوة المستولد؛ لما كانت الأمة معروفة بكونها للمقر له، وإن كانت الأمة غير معروفة بأنها ملك المقر له، فالولد حر ثابت النسب من صاحب اليد، والأمة أم ولد له لأنها كانت مملوكة له ظاهراً بحكم يده، فصحت دعوته، ويثبت للولد حقيقة الحرية وللجارية حق الحرية بناء على هذه الدعوى، فهو بهذا الإقرار يريد أن يبطل ما ثبت لهما من الحق، فلا يصدق على ذلك، ولكن يضمن قيمتها لأن إقراره صحيح في حقه، وقد صار مستهلكاً الجارية عليه بدعوته، فإنه لولا دعوته لما ثبت لها حق العتق، فيضمن قيمتها للمقر له بحكم الاستيلاد، ولايضمن العقر؛ لأنه ضمن قيمة الجارية وإنه كما بدلها فلا يضمن ما دونها.
وإن كان لا يعرف أصل هذه الجارية أنها لمن؛ قال صاحب الجارية: بعتكها، وقال أب الولد: زوجتني، أو كان على العكس فإن الولد ثابت النسب ويكون الولد حراً والجارية أم ولد، ويضمن الولد قيمتها للمقر له، وهذا لما ذكرنا أن الحق قد ثبت للولد والجارية بدعوته من حيث الظاهر، فهو بهذا الإقرار يريد إبطال ذلك الحق فلا يقدر عليه، ويضمن أب الولد قيمتها لما مر ولا عقر لما مر أيضاً.
وإن كان يعرف أن الأصل للمقر له، فإنه يأخذ الجارية وولدها مملوكين له؛ ما خلا خصلة واحدة أن يقر المقر له أنه باعها من أب الولد فحينئذٍ لا سبيل له على الجارية؛ لإقراره بخروجها عن ملكه بالبيع، ولا يغرم أب الولد قيمتها في هذا الفصل؛ لأن احتباسها عند صاحب اليد كان بإقرار المقر له أنه باعها، ألا ترى أنه لو أنكر ذلك تمكن من أخذها وأخذ ولدها، وإذا لم يضمن قيمتها في هذه الصورة ضمن العقر لأن العقر فيما تقدم إنما لم يجب لوجوب كمال بدل النفس، ولم يجب ها هنا بدل النفس، فيجب العقر والله أعلم.
(10/522)
-----
نوع آخر في الرجل يقر لصبي في يديه أنه ابنه، وقال ورثته بعد موته: إن أبانا كان زوج هذه الأمة وهذا الولد ولد العبد
وإذا أقر الرجل بصبي في يديه أنه ابنه من أمته ولد على فراشه، ثم مات الرجل فطلب الغلام الميراث وادعى أخواه أن أباهم قد كان زوج هذه الأمة عبده قبل أن يلده بثلاث سنين ولدت هذا الغلام على فراش العبد، فهذا على وجوه:
أحدها: أن يكون الغلام والأمة منكران ذلك، وفي هذا الوجه لا تقبل بينتهم؛ لأنهم بهذه البينة لا يثبتون لأنفسهم حقاً، إنما يثبتون النسب للعبد، وهو مكذب جاحد لهم، وإثبات الحق لمن ينكر ثبوته ممتنع لأن غرضهم من هذه البينة نفي نسب هذا الولد عن المولى حتى لا يزاحمهم في الميراث، والبينة على النفي لا تقبل.
الوجه الثاني: إذا كان الغلام والأمة مدعيان ذلك، وفي هذا الوجه تقبل بينتهم لأنهما بهذه البينة يثبتان الحق لأنفسهما وهو النكاح على الميت، ويعتق الغلام وتصير الجارية أم ولد له، وإقراره حجة عليه، فبعد ذلك إن كان هذا الإقرار من المولى في صحته بغير العتق من جميع المال، وإن كان في مرضه يعتبر من الثلث.
الوجه الثالث: إذا ادعى الغلام ذلك وفي هذا الوجه تقبل هذه البينة، ويكون الجواب فيه كالجواب فيما إذا ادعى الغلام والأمة ذلك جميعاً، وكذلك ادعت الأمة التزويج تقبل بينتها؛ لأنها تثبت حقاً لنفسها.
قال: ولو كان العبد غائباً حال ما أقامت الورثة البينة، يوقف حكم هذه البينة حتى يحضر العبد؛ لأنه ربما يدعي فتقبل البينة وربما ينكر فلا تقبل هذه البينة، فإذا حكم قبول هذه البينة يختلف بدعواه وإنكاره، يجب التوقف إلى وقت حضوره والله أعلم.
نوع آخر في الجارية إذا جاءت بولد وادعاه الموليان ما يجوز لأحدهما عليه من البيع أو الشراء أو غير ذلك، ويدخل فيه ما إذا مات أحد الولدين أو كلاهما وترك وصياً واحداً هذا النوع ينبني على أصول(10/523)
-----
أحدها: أن النسب مما يمكن إثباته من غير الواحد حتى إن الأمة إذا كانت بين رجلين جاءت بولد فادعياه، ثبت النسب منهما. والأصل في ذلك: ما روي أن شريحاً رضي الله عنه كتب إلى عمر رضي الله عنه يسأله عن أمة بين رجلين جاءت بولد فادعياه جميعاً، فكتب إليه في الجواب: هو ابنها يرثها ويرثانه، وهو للباقي منهما، وهكذا روي عن علي رضي الله عنه رجوعاً عما قال في الابتداء إنه يقرع بينهما. فهما نصا بثبوت الولد منهما، ولم ينقل من غيرهما خلاف ذلك فكان إجماعاً.
وفي الحقيقة الأب أحدهما؛ لأن الأبوة بسبب الانخلاق من مائِهِ، والولد مخلوق من ماء أحدهما لا من مائهما؛ لأن الولد لا يتخلق من ماء الذكرين إلا أن النسب منه ليس بمقصود، وإنما المقصود أحكامه، ولا تنافي في حق الأحكام، وقد وجد (238أ4) الدليل المقتضي لذلك في حق كل واحد منهما، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيعمل به في حق كل واحد منهما في حق الأحكام، فبعد ذلك: ما كان قابلاً للانقسام والتحري من أحكام النسب يثبت بينهما ويشتركان، وذلك كولاية التصرف في المال وما أشبه، وما لا يكون قابلاً للانقسام والتحري يثبت لهما جميعاً لكل واحد كملاً، وذلك كولاية الإنكاح وما أشبهه، هذا هو الأصل فيما لا يتحرى، فإذا دل الدليل على ثبوته لشخصين.
وأصل آخر أن ولاية الوصي تتعدد بقدر ولاية الموصى؛ لأنه يستفيد الولاية من جهة الموصي إذ الإيصاء إقامة الوصي مقام نفسه بعد الموت في حق ولاية التصرف، فينتقل إلى الموصي ما له من الولاية عند الموت.(10/524)
-----
وأصل آخر وهو أن الولاية نوعان: ولاية التصرف والمصالح وهي عامة، وولاية الحفظ: وهي قاصرة، وتخص بما يفتقر إلى الحفظ والتحصين، وولاية التصرف مستتبعة ولاية الحفظ فإن من ملك التصرف في شيء يملك حفظه؛ إذ التصرف لا يأتي بدون الحفظ فما دام ولاية التصرف ثابتة لأحد كان له ولاية الحفظ، فلا ضرورة إلى إثبات ولاية الحفظ بالإثبات فيجب إثباتها، وسنقرر هذه الجملة من خلال المسائل إن شاء الله تعالى.
إذا عرفنا هذا قال محمد رحمه الله: جارية بين رجلين جاءت بولد، فادعياه جميعاً ثبت النسب منهما لما مر في أصل الثابت، وصارت الجارية أم ولد لهما، فلو أنهما أعتقا الجارية فاكتسبت أكساباً، ثم ماتت وأوصت إلى رجل فلم يدع وارثاً غير ابنها هذا، وهو صغير لم يبلغ؛ كان ولاية التصرف في مال الولد، وحفظه للوالدين لا لوصي الأم.
(10/525)
-----
أما ولاية التصرف: فلأن وصي الأم قائم مقام الأم يستفيد الولاية من جهة الأم، ولم تكن للأم ولاية التصرف في مال الولد حال حياتها، وإنما الولاية للأبوين فكيف تنتقل إلى وصيها؟. وأما ولاية الحفظ: فلأنه محفوظ بولاية الأبوين تبعاً لولاية التصرف؛ فلا حاجة إلى إفراد ولاية الحفظ بالإثبات، فإن غاب الوالدان ظهر الآن ولاية الوصي، فثبت له ولاية الحفظ؛ لأنه مست الحاجة إليه، وللأم ولاية حفظ مال الصغير في هذه الحالة، فكذا لمن قام مقامها، ولكن إنما تثبت له الولاية فيما ورث الصغير من الأم، وفيما كان للصغير قبل موت الأم، وفيما كان للصغير لا في مال يحدث للصغير بعد ذلك، وهذا لأن وصي الأم استفاد الولاية من جهة الأم، فتقدر ولايته بقدر ما كان للأم والذي كان للأم هذا القدر، وكما تثبت له ولاية الحفظ تثبت له ولاية كل تصرف هو من باب الحفظ، نحو بيع المنقول وما يتسارع إليه الفساد، وهذا لأن المنقول وما يتسارع إليه الفساد مما يترادف عليه أسباب التوى والتلف، وبالبيع يقع الأمن عن بعضها، فكان البيع من باب الحفظ فملكه من حيث أنه حفظ، ألا ترى أن الأم ملكت ذلك حال غيبة الأبوين؛ وإنما ملكت من حيث أنه حفظ.
وليس له أن يبيع العقار ولا أن يتصرف في الدراهم والدنانير، أما العقار فلأنها محصنة بنفسها لا يخشى عليه التوى والتلف، فلا يكون نفعها من جملة الحفظ لملكه من حيث أنه حفظ، ألا ترى أن الأم لا تملك بيع العقار، وصرف الدراهم والدنانير للصغير حال غيبة الأبوين، وإنما لم يملكه لما قلنا.(10/526)
-----
وإن غاب أحد الوالدين والآخر حاضر، فكذلك الجواب عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن عندهما أحد الأبوين لا ينفرد بالتصرف إلا في أشياء معدودة على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكأن غيبة أحدهما كغيبتهما، فيثبت لوصي الأم ولاية الحفظ، وما كان من باب الحفظ، وعند أبي يوسف: أحد الأبوين ينفرد بالتصرف، فكان حضرة أحدهما كحضرتهما، فتكون ولاية التصرف في مال الصغير وحفظه للوالد الحاضر لا لوصي الأم.
فوجه قول أبي يوسف في ذلك: أن سبب الولاية النسب، والنسب يثبت من كل واحد منهما بالترويج، ولهذا لو ماتا يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، وإذا ثبت النسب من كل واحد منهما كملاً، فقد تفرد كل واحد بسبب الولاية فينفرد بالولاية.
وجه قول أبي حنيفة ومحمد في ذلك: أن الأب أحدهما: على الحقيقة؛ والآخر: أجنبي حقيقة لما ذكرنا، ولهذا لو مات يرثانه ميراث أب واحد؛ لأنه لو تفرد أحدهما بالتصرف ربما يكون المتصرف في مال الصغير غير الأب وإنه لا يجوز، كانت قضيته ما ذكرنا أن لا ينفرد كل واحد بالتزويج لكنا تركنا هذه القضية، ثم لضرورة أن النكاح لا يتجزأ، فإذا دل الدليل على ثبوته لهما، وإنه لا يتجزأ ثبت لكل واحد كملاً ضرورة هذه الضرورة معدومة في التصرف في المال، لأن التصرف في المال يتجزأ؛ لأن محله متجزئ، وإذا دل الدليل على ثبوته لهما أمسى مشتركاً بينهما، وشرطنا اجتماعهما حتى لا يكون التصرف في مال الصغير غير الأب.
(10/527)
-----
وإنما ورث هذا الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، وورثا منه ميراث أب واحد، لأن الأب أحدهما على الحقيقة، فكل واحد منهما أقر أنه ابنه وأنه أبوه، وإقرار الإنسان على نفسه صحيح ولنفسه باطل، ففيما يرجع إلى استحقاق الابن هذا إقرار على نفسه فكان صحيحاً، فكان استحقاق الابن بحكم الإقرار وقد أقر كل واحد منهما أنه ابنه، فكان له من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، أما فيما يرجع إلى استحقاق الأب بناءً على الحقيقة لا بحكم الإقرار، وفي الحقيقة الأب واحد منهما، فثبت استحقاق ميراث أب واحد، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فيكون ذلك بينهما.
قال: ولو مات أحد الوالدين بعد موت الأم ولم يدع وارثاً غير هذا الصغير، وأوصى إلى رجل والوالد الآخر حاضر، فالميراث كله للصغير، وولاية التصرف في التركتين للأب الباقي لا لوصي الولد الميت، ولا لوصي الأم، لما روينا من حديث عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو للباقي منهما، وليس المراد من خلوص النسبة خلوص أحكام النسبة، ومن أحكام النسبة الولاية، ولأنا إنما أثبتنا أحكام الأبوة في حقهما لمكان المزاحمة وعدم الأولوية، والذي مات زالت مزاحمته والحي يدعي الولد، فتقررت الأبوة عليه ..... أولى بالولاية من غيره.(10/528)
فرق بين هذه المسألة وبينما إذا أوصى إلى رجلين ثم مات أحد الوصيين فأوصى إلى رجل؛ فإن وصي الميت يزاحم الوصي الحي في التصرف، وههنا وصي الوالد الميت لا يزاحم الوالد الحي في التصرف، والفرق في مسألة الوصيين أن الإيصاء من الميت قد صح؛ لأن بالموت لا يبين أنه لم يكن وصياً، وللوصي ولاية الإيصاء فيصح الإيصاء، وقام الوصي مقام الميت، وقد كان للميت حال حياته أن يزاحم الوصي الآخر في التصرف؛ فكذا لمن قام مقامه، وفي مسألتنا الإيصاء من الميت لم يصح؛ لأن بعد موت أحدهما يتعين الباقي أباً، ويخرج الميت من أن يكون أباً، فتبين أنه لم يكن للميت ولاية الإيصاء، فلم يصح الإيصاء، فلا يثبت له حق المزاحمة(10/529)
-----
قال: ولا يضم القاضي إلى الوالد الباقي في وصيه ليتصرف هو معه، فرق بين هذا وبين الوصيين؛ إذا مات أحدهما، فالباقي لا ينفرد بالتصرف عن أبي حنيفة ومحمد بل يضم القاضي إليه وصياً آخر ليتصرف معه، والفرق وهو أن الأب يتصرف لمعنى في نفسه، فإن الأبوة علة مفيدة لولاية التصرف، لكن لم ينفرد أحدهما بالتصرف حال حياتهما؛ لأن أحدهما لم يتعين أبا، وبعد موت أحدهما تعين الباقي أباً، فينفرد بالتصرف، فأما الوصي فلا يتصرف لمعنى في نفسه، إنما يتصرف بحكم التفويض والمفوض لما فوض التصرف إلى المثنى، فقد رضي برأي المثنى، والراضي برأي المثنى لا يكون راضياً برأي الواحد، فيضم القاضي إلى الحي وصياً آخر ليكون المتصرف مثنى؛ طلباً لرضى المفوض بقدر الإمكان.
قال: وإن كان الوالد الباقي غائباً كان لوصي الأم حفظ ما ترك للأم، وما كان من باب الحفظ، أما وصي الأم فلأنه قائم مقام الأم، وقد كان للأم حفظ مال الصغير حال غيبة الوالد فكذا لمن قام مقامهما، وأما وصي الوالد الميت، فلأن حكم الأبوة وإن بطلت بالموت (238ب4) فولاية الحفظ لم تبطل، وهذا لأن بالموت إن تبين أن الميت لم يكن أباً لم يتبين أن الصغير لم يكن في عياله، فلا يتبين أنه لم يكن له ولاية الحفظ، فيصح الإيصاء في حق الحفظ، إن لم يصح في حق ولاية التصرف قام الوصي مقام الميت في حق الحفظ ولا يتعدى حفظ كل وصي إلى التركة الأخرى؛ لأن تعديه إلى التركة الأخرى باعتبار الولاية على الصغير، وليس لواحد من الوصيين ولاية مطلقة على الصغير، وإن مات الوالد الباقي بعد ذلك وأوصى إلى رجل فوصيّه يكون أولى بمال الصغير من وصي الأب الذي مات أولى من وصي الأم، فلأن الوصي قائم مقام الموصي، والولي الباقي حال حياته كان أولى بمال الصغير، فكذا وصيّه بعد وفاته.(10/530)
-----
فإن كان الأب الذي مات أولاً أباً هو جد هذا الغلام؛ والمسألة بحالها، فوصيُّ الأب الذي مات أولاً بالتصرف في مال الصغير، وكذلك لو كان الأب الذي مات آخراً أباً هو جد هذا الغلام كان وصيّه أولى من أبيه، وإنما كان وصي الأب الذي مات آخراً هو جد أولى من أبيه؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي، وقد كان الأب الذي مات آخراً حال حياته أولى من أبيه، فكذا من قام مقامه، وإذا كان أولى من أب الميت الذي مات آخراً مع أنه استقرت أُبوَّة فلان تكون أولى من أب الميت الذي مات أولاً، وقد بطلت أبوته بالموت كان أولى.
وإن مات وصي الأب الذي مات آخراً وأوصى إلى غيره وباقي المسألة بحالها فوصيُّه أولى ممن سمينا؛ لأنه قائم مقام الموصي، وقد كان الموصي حال حياته أولى، فكذا وصيُّه بعد الموت. وإن مات وصي الأب الذي مات آخراً ولم يوص إلى أحد، أو كان الأب الذي مات آخراً لم يوص إلى أحد، وقد ترك الأب الذي مات أولاً أولى من وصيته، وفي هذا الفصل نوع إشكال: وهو أن الذي مات أولاً إما أن تبطل أبوته وولايته بموته أو لم تبطل، إن بطلت تبطل الجدودة كما تبطل الوصاية، وإذا لم تبطل الوصاية فقد اجتمع وصي الأب مع جد الغلام، فتكون الولاية للموصي. والجواب أن يقول: أبوة الذي مات أولاً بطلت في حق القضاء به أباً لم تبطل في حق الجدودة.
بيانه: وهو أن السبب الثاني كما أثبت الأبوة للأبوين أثبت الجدودة لأبويهما ثبوتاً واحداً، فكانت ولاية الجد بسبب قائم به وهو القرابة لا بتفويض الأب، فلا تبطل ببطلان ولاية الأب، لكن لم تظهر ولاية الجد حال قيام الأب أو وصيه، فإذا ماتا ظهرت ولايته، أما ولاية الوصي بسبب تفويض الأب لا بسبب قائم به، فإذا بطلت ولاية الأب بطلت ولاية الوصي ضرورة.
(10/531)
-----
فإن مات الولدان أحدهما قبل الآخر ولكل واحد منهما أب، وأوصى كل واحد منهما إلى رجل؛ إن لم يعرف الذي مات أولاً من الذي مات آخراً، فولاية التصرف في المال للوصيين جملة؛ لأنه لما لم يعرف الذي مات أولاً من الذي مات آخراً يجعل كأنهما ماتا معاً، وإن ماتا معاً كانت ولاية التصرف في المال للوصيين؛ لأنه لم يظهر بطلان أبوة أحدهما لما ماتا معاً، فالإيصاء من كل واحد منهما حصل وله ولاية الإيصاء فصح، ونزل الوصيان بعد موت الأبوين بمنزلة الأبوين حال حياتهما، وإن عرف الذي مات أولاً من الذي مات آخراً؛ فولاية التصرف في المال لوصي الذي مات آخراً؛ لأنه وصيُّ أب استقرت أبوته، والآخر وصيُّ أب بطلت أبوته على ما ذكرنا.
وإن مات هذا الوصي ولم يوصِ إلى أحد، أو مات الأب الذي عرف موته آخراً ولم يوصِ إلى أحد وباقي المسألة بحالها؛ فولاية التصرف في المال للجدين، لا ينفرد أحدهما به بمنزلة الأبوين في الابتداء بخلاف الوصيين، فإن وصيَّ الأب الذي مات أولاً لا يزاحم وصي الأب الذي مات آخراً في التصرف.
والفرق: أن الوصي ثابت عن الموصي استفاد الولاية من جهته، وبموت الذي مات آخراً، فأما الجد أصل وليس بثابت؛ والولاية له بسبب القرابة، لا بطريق الانتقال والتفويض، وقرابة الجدين قائمة للحال بصفة واحدة فاستويا في سبب الولاية، فزاحم كل واحد منهما صاحبه.
قال: وإن وهب لهذا الغلام هبة والأبوان حيان؛ فقبل أحدهما جاز، أما على قول أبي يوسف فلأن كل واحد منهما ينفرد بجميع التصرفات، وأما على قولهما فلأن قبول الهبة لا يفتقر إلى الولاية، ألا ترى أنه صح من المجحود ومن الذي يعول الصغير ويحفظه، قال عليه السلام: «من عال يتيماً فله قبض هباته».(10/532)
-----
والفقه في ذلك: أن قبول الهبة نفع محض، وما كان نفعاً محضاً لا تفتقر صحته إلى الولاية، وكذلك لو وهبه أحدهما وأشهد على ذلك جاز لما قلنا، ويكتفي بقبضه القائم؛ لأن قبض القائم ينوب عن قبض الهبة لكونها قبض أمانة، فلا حاجة إلى تجديد القبض، وقوله: وأشهد على ذلك ليس على وجه الشرط، فالهبة صحيحة بدون الإشهاد، لكن الإشهاد لتعلم الهبة؛ فلا ينازع الوارث الصبي فيها بعد موت الأب، ولو زوجه أحدهما وهما حاضران جاز بلا خلاف، والعذر لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: أن ولاية الإنكاح لا تقبل الشركة على ما مر، فإذا ثبت لهما ثبت لكل واحد كملا، ولا كذلك ولاية التصرف في المال لأنها قابلة للشركة، فلا تثبت لكل واحد كملا، ولا خيار للغلام إذا بلغ لأن المزوج أب.
وكذلك لو ادعى أحدهما للصغير شيئاً؛ جاز بلا خلاف لأن حالهما لا يكون أضعف من حال الوكيلين، ولأحد الوكيلين أن يتفرد بالخصومة فالأب أولى، وكذلك لو وجب على الصغير مال لرجل فقضاه أحدهما جاز بلا خلاف لأن قضاء الدين ليس من باب الولاية، ألا ترى أن صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه أخذه، وألا ترى أن أحد الوصيين يملك ذلك بلا خلاف، وكذلك لو اشترى أحدهما للصغير ما لا بد منه له حال حياته كالطعام والكسوة، وبعد موته كالكفن وما أشبه ذلك جاز بلا خلاف لأن أحد الوصيين يملك ذلك بلا خلاف فأحد الأبوين أولى، ولأن في اشتراط اجتماعهما إضراراً بالغلام والضرر منتفٍ.(10/533)
-----
ولو اشترى أحدهما للصغير شيئاً بمال الصغير وله منه بد فهو على هذا الاختلاف الذي ذكرنا، على قول أبي يوسف: يجوز، وعلى قولهما: لا يجوز، وكذلك لو قبض أحدهما ديناً وجب للصغير فهو على الاختلاف؛ لأن في قبض الدين معنى المبادلة لأن الديون تقضى بأمثالها على ما عرف في موضعه وتفرود أحدهما بالمبادلة على الخلاف، بخلاف قضاء الدين لأن لصاحب الدين أن يمد يده فيأخذه فقضاؤه يكون معونة ولا يكون مبادلة، وكل جواب عرفته في الأبوين من المتفق والمختلف فهو الجواب في قضيتهما، أما إذا ماتا معاً أو مات أحدهما قبل صاحبه ولا يدرى الذي مات أولاً لأنهما قاما مقام الأبوين فكان حكمهما حكم الأبوين إلا في ولاية التزويج، فإن الوصي لا يملك التزويج على ما عرف في موضعه، ولو جن أحد الولدين جنوناً مطبقاً كانت الولاية للوالد الآخر، لأن الجنون المطبق بمنزلة الموت في حق بطلان الولاية، وإن كان يجن ويفيق فهو بمنزلة الصحيح، وهذا الجنون بمنزلة الإغماء؛ فلا يوجب انقطاع الولاية كالإغماء.y
ثم تكلَّمُوا في حد المطبق بعضهم قدروه بأكثر السَّنة وهو مروي عن أبي يوسف، وبعضهم قدره بالشهر وهو قول محمد أولاً، ثم رجع وقدَّره بسنة كاملة، وذكر الناطفي عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: أنهم قدروه بالشهر، وإذا عرفت المطبق فما دونه تفسير ما قاله في «الكتاب» أنه يجن ويفيق.(10/534)
-----
نوع مما يتصل بهذا النوع الذي يجب اعتباره في هذا النوع أن دعوى الوالد إذا تعذر اعتبارها دعوى الاستيلاد تعتبر دعوى التحرير لأن في دعوى الاستيلاد ما في دعوى التحرير وزيادة؛ لأن دعوى الاستيلاد توجب النسب والحرية وأمومية الولد، ودعوى التحرير توجب النسب والحرية ولا توجب أمومية الولد، فعند تعذر اعتبارها في جميع مواهبها يجب اعتبارها في بعض مواهبها تصحيحاً للصرف بقدر الممكن، وإذا اجتمع دعوى الاستيلاد ودعوى التحرير فدعوى الاستيلاد أولى؛ لأنها سابقة حكماً؛ لأنها مستندة إلى وقت العلوق، ودعوى التحرير تقتصر على الحال، ولو كانت سابقة حقيقة، (239أ4) كانت أولى، فكذا إذا كانت سابقة حكماً.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات»: جارية بين رجلين فولدت لستة أشهر فصاعداً منذ ملكاها، فجاءت بولد آخر بعد ذلك لستة أشهر فصاعداً منذ ولدت الأول، فقال أحد الموليين: الأصغر ابني والأكبر ابن شريكي، فهذا على وجهين: إما أن يصدقه شريكه في ذلك أو يكذبه.
فإن صدقه يثبت نسب الولد الأصغر من المدعي الأصغر، وتصير الجارية أم ولد لمدعي الأصغر، وضمن مدعي الأصغر لشريكه نصف قيمة الجارية موسراً كان أو معسراً؛ ويضمن نصف عقرها أىضاً، ولا يضمن من قيمة الولد شيئاً، وثبت نسب الولد الأكبر من مدعي الأكبر، وعلى مدعي الأكبر نصف قيمة الأكبر لشريكه، ونصف عقر الجارية، أما ثبوت نسب الأكبر من مدعي الأكبر وعلى مدعي الأكبر نصف قيمة الأكبر لشريكه ونصف العقر للجارية.(10/535)
-----
أما ثبوت نسب الأصغر من مدعي الأصغر؛ لأن نصف الجارية ملكه، والملك الناقص يكفي لصحة دعوة الاستيلاد، فتجب دعوة مدعي الأصغر، ويثبت نسب الولد الأصغر، وأما صيرورة الجارية أم ولد لمدعي الأصغر لأن أمومية الولد تترتب على ثبات النسب، وقد ثبت نسب الأصغر منه، وصار هو متملكاً نصيب شريكه من الجارية؛ لأن الاستيلاد لا يحتمل الوصف بالتحري، وإذا ثبت في البعض يثبت في الكل ضرورة، ومن ضرورة ثبوته في الكل يملك نصيب الشريك.
وأما ضمان نصف قيمة الجارية لشريكه موسراً كان أو معسراً لما ذكرنا أنه يملك نصيب شريكه فهذا ضمان التملك، وضمان التملك لا يختلف اختلاف اليسار والعسار، ويضمن نصف عقرها؛ لأنه حين وطئها فنصفها ملك الغير، وهذا لأن مدعي الأصغر وإن تملك نصف شريكه من الجارية إلا أنه يملكها حكماً للاستيلاد، وحكم الشيء يثبت بعده، فلا يتبين أن أول الوطء ما صادفت الجارية المشتركة، وهذا بخلاف استيلاد الأب جارية ابنه فإنه لا يوجب العقر على الأب أصلاً؛ لأن الأب يملك الجارية سابقاً عن الاستيلاد شرطاً لصحته فتبين أنه استولد ملك نفسه، وكان الفقه فيه أنه ليس للأب في جارية الابن ما يكفي لصحة الاستيلاد، فلم يثبت التملك مقتضى الاستيلاد سابقاً عليه شرطاً لصحته، وإنما يثبت التملك حكماً للاستيلاد، والتقريب ما ذكرنا.
ولا يضمن شيئاً من قيمة الأصغر لشريكه، لأن دعوته في حق الأصغر دعوى الاستيلاد، ولهذا صارت الجارية أم ولد له، ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق، وإنه كان ماءً مهيناً لا قيمة له، فلم يستهلك على الشريك شيئاً له قيمة، فلهذا لا يضمن.(10/536)
-----
فإن قيل: ينبغي أن يضمن مدعي الأصغر جميع العقر، ولا يضمن شيئاً من قيمة الجارية؛ لأنهما تصادقا أن استيلاد مدعي الأكبر إياها سابقٌ، وأن الجارية صارت أم ولد لمدعي الأكبر، فمدعي الأصغر استولد أم ولد الغير وإنه يوجب جميع العقر، ولا يوجب شيئاً من قيمة الجارية. قلنا: القاضي حين قضى بكون الجارية أم ولد لمدعي الأصغر فقد كذبها فيما تصادقا فيسقط اعتبار تصادقهما والتحق بالعدم، ولو انعدم تصادقهما كان الجواب كما قلنا؛ فههنا كذلك، هذا هو الكلام في مدعي الأصغر.
أما الكلام في مدعي الأكبر: فإنما يثبت نسب الأكبر منه لأنهما تصادقا على ثبات نسبه منه، ولو تصادقا على ثبات نسبه من أجنبي يدعي نسبه ثبت نسبه فههنا أولى، ويضمن مدعي الأكبر نصف قيمة الأكبر لشريكه إن كان موسراً، وإن كان معسراً سعى الأكبر في نصف قيمته له لأن دعوته في الأكبر ليست دعوى استيلاد؛ لأنا لو جعلناها دعوى استيلاد تصير الجارية أم ولد لمدعي الأكبر وقد جرى الحكم بكون الجارية أم ولد لمدعي الأصغر، وإنه يوجب خروج الجارية من أن تكون محلاً للاستيلاد في حق مدعي الأكبر، ودعوى الاستيلاد إنما تعمل في محلها فيعذر أن يجعل دعوته دعوى استيلاد، فجعلناها دعوى تحرير لما مر في ابتداء هذا النوع، فيصير مدعي الأكبر معتقاً للأكبر وهو مشترك بينهما.
والحكم في العبد المشترك بين رجلين أعتقه أحدهما أن يضمن لشريكه نصف قيمته إن كان موسراً وسعى الغلام في النصف إن كان معسراً، ولا تصير الجارية أم ولد لمدعي الأكبر دون مدعي الأصغر مع مدعي الأكبر لما تصادقا على كون الأكبر ابناً لمدعي الأكبر، فقد تصادقا أن استيلاد مدعي الأكبر سابق، وأن الجارية خرجت من أن تكون محلاً للاستيلاد في حق مدعي الأصغر.(10/537)
-----
قلنا: حين قال: مدعي الأصغر ابني فقد أقر على نفسه ووجد هذا الإقرار نفاذاً عليه لوجود المنفذ وهو الملك في النصف، وإقرار الإنسان على نفسه إذا وجد نفاذاً عليه ينفذ ولا يتوقف على تصديق الغير فنفذ إقراره، وصارت الجارية أم ولد له، فمدعي الأكبر إنما يدعي أمية الولد بعدما ثبت أمية الولد في حق مدعي الأصغر فلم يصح، أو يقول: بأن مدعي الأصغر حين قال: الأصغر مني فقد أقر بثبات نسب الأصغر وتكون الجارية أم ولد له من وقت العلوق بالأصغر، فهو بذلك بقوله: الأكبر شريكي يريد إبطال أمية الولد في حقه وليس له هذه الولاية فصار وجود هذه المقالة والعدم بمنزلة.
ولو لم يقل: الأكبر ابن شريكي؛ تصير الجارية أم ولد له، ولا تصح دعوة أمية الولد بعد ذلك من مدعي الأكبر فكذا ههنا؛ ويضمن مدعي الأكبر نصف العقر لمدعي الأصغر لأنه أقر بوطئها في حال كانت مشتركة بينهما، هذا إذا صدقه شريكه.
فأما إذا كذبه شريكه فالجواب في حق مدعي الأصغر ما ذكرنا فلا تعتد، وتصير في حق مدعي الأصغر كأنه ادعى نسب الأصغر وسكت ولا يثبت نسب الأكبر من واحد منهما؛ لأن مدعي الأصغر أقر بنسب الأكبر لشريكه؛ وشريكه ينفيه عن نفسه ولكن يعتق الأكبر ويكون حكمه حكم عبد مشترك بين اثنين شهد أحدهما على صاحبه بالعتق، وصاحبه منكر؛ لأنه لولا قول مدعي الأصغر: الأكبر ابن شريكي لكان الأكبر عبداً؛ وإنما حكم بعتقه بإقراره بنفسه لشريكه فيكون العبد لهما في قيمته عند أبي حنيفة على كل حال، ويسعى الشاهدان إن كان المشهود له معسراً ولا يسعى إن كان موسراً، وهو خلاف معروف في الأصل كذا ههنا.
(10/538)
-----
هذا الذي ذكرنا كله إذا كان قال أحد الوليين: الأصغر ابني والأكبر ابن شريكي، فأما إذا قال: الأكبر ابني والأصغر ابن شريكي فهذا على وجهين أيضاً: إن صدقه شريكه في ذلك أو كذبه، فإن صدقه ثبت نسب الأكبر من الشريك المصدق وصارت الجارية أم ولد له، وضمن مدعي الآخر نصف قيمتها، ونصف عقرها موسراً كان أو معسراً، ولا يضمن من قيمة الولد شيئاً، وصار الشريك المصدق في هذا الفصل نظير مدعي الأصغر في الفصل الأول، أما بيان نسب الأكبر فظاهر، أما صيرورة الجارية أم ولد للشريك المصدق باعتبار أن تصديقه يستند إلى وقت الإقرار فأوجب نفاذ الإقرار من وقت وجوده، فصارت دعوى الشريك المصدق للأكبر سابقة من حيث المعنى، وأما ضمان نصف قيمة الجارية وضمان نصف العقر وعدم ضمان قيمة الولد فلما ذكرنا.
والقياس: أن لا يثبت نسب الأصغر من مدعي الأصغر، لأن الأصغر ولد مدعي الأكبر، وفي الاستحسان: يثبت لأن أمية الولد للأكبر لم تكن ظاهرة وقت العلوق بالأصغر، فإنما استولدها مدعي الأصغر بناءً على ظاهر الملك فيكون مغروراً، وولد المغرور ثابت النسب منه، وضمن مدعي الأصغر قيمة الأصغر لشريكه لما ذكرنا أنه ولد المغرور، وولد المغرور حر بالقيمة عليه إجماع الصحابة.(10/539)
-----
من مشايخنا من قال: ما ذكر من الجواب قولهما لا قول أبي حنيفة رحمه الله، فإن ولد أم الولد ليس بمتقوم عنده كالأم، ومنهم من قال: لا بل هذا قول الكل لأن حكم الاستيلاد حالة العلوق بالأصغر لم يكن ظاهراً، وإنما يثبت عند الدعوى بطريق الاستناد إلى وقت العلوق بالأكبر، والمستند ثابت من وجه ظاهر من وجه، فلا يسقط تقوم مالية الولد بالشك، ولأن مدعي الأصغر مغرور على ما ذكرنا، والمغرور بأم ولد الغير يغرم القيمة (239ب4) بلا خلاف، وضمن مدعي الأصغر لشريكه جميع عقرها كذا ههنا، وهو إشارة إلى حقيقة الواجب، لأنه استولد أم ولد الغير، واستيلاد أم ولد الغير يوجب جميع العقر، وذكر في كتاب «الدعوى»: أنه يضمن نصف العقر، وهو إشارة إلى الحاصل بعد المقاصة؛ لأنه وجب لمدعي الأصغر، وعلى مدعي الأكبر نصف العقر، ووجب لمدعي الأكبر على مدعي الأصغر جميع العقر، فصار النصف بالنصف قصاصاً بعد الحاصل بعد المقاصة النصف.
فإن قيل: ينبغي أن تصير الجارية أم ولد لمدعي الأصغر دون مدعي الأكبر؛ لأنه ادعى نسب الأصغر قبل صيرورة الجارية أم ولد لمدعي الأكبر؛ لأن ذلك لا يسبق تصديقه، قلنا: مدعي الأصغر لما قال: الأكبر ابن شريكي فقد أقر بشيئين: بثبات نسب الأكبر من مدعي الأكبر، وبخروج الجارية من أن تكون محلاً لأمية الولد في حق نفسه، فثبات نسب الأكبر من مدعي الأكبر إن توقف على تصديق مدعي الأكبر فخروج الجارية من أن تكون محلاً لأمية الولد في حق مدعي الأصغر لا يتوقف على تصديق مدعي الأكبر؛ لأنه إقرار على نفسه وهذا سابق على دعواه للأصغر، فلهذا لا تصير الجارية أم ولد لمدعي الأصغر، وأما إذا كذبه شريكه ثبت نسب ولد الأصغر من مدعي الأصغر، وصارت الجارية أم ولد له، وضمن لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها ولا يضمن من قيمة الولد شيئاً.
(10/540)
-----
قال مشايخنا: وينبغي أن يكون هذا الجواب على قول أبي حنيفة: لا تصير الجارية أم ولد لمدعي الأصغر؛ لأنه إقرار لا بأمية الولد للشريك، وإنها حق لا ينفسخ بالرد والتكذيب، فبقي الإقرار به قائماً فلا تصح دعواه بعد ذلك لنفسه، وصار كما لو أقر بنسب ولد جارية من عبده وكذبه عبده في ذلك، ثم ادعاه المولى لنفسه؛ لم يصح عند أبي حنيفة، وطريقه ما قلنا، ولكن ثبت نسب الأصغر منه لأنه ليس من ضرورة بطلان حق الاستيلاد بطلان حق الولد، ويمكن أن يقال بأن هذا قول الكل؛ لأنا نعتبر هذا الإقرار في حق حريتها، ووجوب نصف قيمتها للشريك، وهذا أمر منفصل عن أمية الولد في الجملة، فجاز أن يصدق فيه، ولا يثبت نسب الأكبر من الشريك، ويكون الحكم فيه كالحكم في عبدين شريكين؛ شهد أحدهما على صاحبه بالعتق على ما ذكرنا قبل هذا.
(نوع آخر) يتصل (بهذا) النوع
قال محمد رحمه الله في «الجامع»: رجلان اشتريا جارية وقبضاها، فولدت عندهما ولداً، فادعى أحد الرجلين الجارية أنها ابنته، وادعى الآخر الولد أنه ابنه، وقد كانت الدعوتان منهما معاً، وكل واحد من المدعيين بحال يولد لمثله للمدعي، فإن كانت الولادة لستة أشهر فصاعداً من وقت الشراء كانت دعوى المدعي الولد أولى، ويصير الولد ابنه، والجارية أم ولد له؛ لأن دعوى مدعي الولد دعوى استيلاد، لأن علوق الولد حصل، والجارية في ملكهما؛ لأن موضوع المسألة أن الجارية جاءت بالولد لستة أشهر فصاعداً، أو ستة الأشهر مدة يحدث فيها الولد التام والحبل عارض، والأصل في الحوادث أن يحال بها على أقرب الأوقات؛ فهو معنى قولنا أن دعوى مدعي الولد دعوى استيلاد، ودعوى مدعي الجارية دعوى تحرير، ولأن علوقها لم يكن في ملكهما، وقد ذكرنا أن دعوى الاستيلاد مع دعوى التحرير إذا اجتمعتا كانت دعوى الاستيلاد أولى.(10/541)
-----
وإذا صارت دعوته أولى ثبت نسب الولد منه، وتصير الجارية أم ولد له، ويضمن لشريكه نصف قيمة الجارية لأنه يملك نصيب شريكه من الجارية لأنه لما استولدها صار نصيب المستولد من الجارية أم ولد له، وصار نصيب الشريك أم ولد له أيضاً؛ لأن أمية الولد عبارة عن صيرورة الجارية فراشاً للمولى حتى إذا جاءت بالولد ثبت النسب من المولى غير دعوى؛ كما في النكاح، وهذا مما لا يتحرى لأنه لا يتصور أن يكون البعض منها فراشاً، ولا يكون البعض فراشاً.
قلنا: ولا يصير نصيب الشريك أم ولد للمستولد إلا بتملكه نصيب شريكه، فيصير متملكاً نصيب شريكه بالضمان.
قال: ويضمن لشريكه نصف قيمتها موسراً كان أو معسراً؛ لأن ضمان الاستيلاد لا يختلف باليسار والعسار ويضمن لشريكه نصف عقرها أيضاً؛ لأن العلوق بالولد لما كان في ملكها بالطريق الذي قلنا صار هو واطئاً جارية مشتركة، فإن قيل: ينبغي أن لا يضمن مدعي الولد شيئاً من قيمة الجارية ومن عقرها لشريكه، لأن الشريك أقر أنها حرة لمَّا ادعى أنها ابنته، قلنا: نعم إلا أن إقراره قد بطل، وبيان ذلك في وجهين:
أحدهما: أنه إنما أقر بحريتها بعدما هي زائلة عن ملكه من حيث الحكم والاعتبار، بيانه: ما ذكرنا أن دعوى مدعي الولد دعوى استيلاد، ودعوى مدعي الجارية دعوى تحرير، ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق، ودعوى التحرير تقتصر على حال وجودها فصارت دعوى مدعي الولد سابقة حكماً واعتباراً، فصار مدعي الولد متملكاً نصيب شريكه من الجارية، من وقت العلوق، فصار مدعي الجارية مقراً بحريتها بعدما زالت هي عن ملكه من حيث الحكم والاعتبار فلم يصح إقراره، فصار وجوده والعدم بمنزلة.
(10/542)
-----
فإن قيل: لم لا يجعل هذا الإقرار مجازاً عن الإبراء عن نصف العقر؟ قلنا: لو جعلنا مجازاً عن الإبراء أيضاً لا يصح ولا يبرأ؛ لأن صاحبه وهو مدعي الولد يأبى ذلك لما زعم أن الجارية صارت أم ولد له، ولو أبرأه عن ذلك صريحاً ولم يقبله مدعي الولد كان لا يبرأ فكذا ههنا، وكان كمن اشترى عبداً بألف درهم ثم أقر البائع أنه كان أعتقه قبل البيع وكذبه المشتري في ذلك، فإن المشتري لا يبرأ عن الثمن وطريقه ما قلنا.
الوجه الثاني لبطلان إقراره: أن مدعي الولد بدعوى الولد استحق على شريكه تملك نصيبه من الجارية وإنما استحق التملك عليه بالقيمة؛ لأن تملك مال الغير من غير رضاه لا يجوز إلا بالقيمة، فهو بهذا الإقرار يريد إبطال الاستحقاق الثابت له عليه، وهو لا يملك إبطال الاستحقاق الثابت له عليه، وهو لا يملك إبطال الاستحقاق الثابت للغير عليه؛ فقلنا: إنه لا يصح إقراره، وصار وجود هذا الإقرار والعدم بمنزلة، فلهذا قال: له نصف قيمة الجارية، وكمن باع عبداً ثم إن البائع أقر أنه كان حر الأصل؛ فإنه لا يسقط عن المشتري شيء من الثمن.
وإن كان هو ينكر وجوب الثمن له عليه لأن المشتري استحق تملك العبد عليه بالثمن فهو بهذا الإقرار يريد إبطال ذلك الاستحقاق الثابت للمشتري عليه، فلم يصح إقراره كذا ههنا. فإن قيل: إذا وجب نصف قيمة الجارية لم لا يدخل فيه نصف العقر كما في الأب إذا استولد فإن هناك لما ملك الأب الجارية بالقيمة دخل فيها العقر؛ حتى لا يضمن العقر.(10/543)
-----
قلنا: عدم وجود العقر ثمة ما كان باعتبار أنه دخل في قيمة الجارية بل باعتبار أن الأب يملك الجارية سابقاً على الوطء شرطاً لصحة الاستيلاد، لأن نصيبه يكفي لصحة الاستيلاد، وإنما يتملك نصيب الشريك بعد الاستيلاد، وبعدما ثبتت أمية الولد في نصيبه بالطريق الذي قلنا، فالوطء صادف جارية مشتركة، فيضمن نصف العقر لهذا، ولا يضمن مدعي الولد شيئاً من قيمة الولد؛ لأنه لا وجه إلى أن يضمن قيمته بعد الولادة لأن الولادة حصلت كلها في ملكه، فكان الولد حاصلاً في ملكه ولا وجه إلى أن يضمن قيمته حالة العلوق، وإن كانت الجارية ملكها وقت العلوق؛ لأنه كان ماء مهيناً في ذلك الوقت، هذا إذا جاءت بالولد لستة أشهر من وقت شرائه إياها، فأما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت شرائه إياها وباقي المسألة بحالها؛ صحت دعوى كل واحد منهما فيما ادعى، ويثبت نسب الغلام من مدعيه، ونسب الجارية من مدعيها، لأن دعوى كل واحد منهما دعوى تحرير لأن علوق كل واحد منهما لم يكن في ملكه فانعدم دليل السبق، وزال المرجح.
قال: ويضمن شيئاً من قيمة الجارية، وإن زعم أنه يملك نصيب شريكه من الجارية بالقيمة إلا أن شريكه يكذبه من إقراره فإنه يقول بأن مدعي الولد لم يتملك على نصيبي من الجارية؛ لأنها علقت حرة أو رقيقة إلا أنها عتقت على حين اشتريناها، وقد صحت هذه المقالة منه لقيام ملكه في الجارية (240أ4) وقت هذه المقالة، ولم يصر مكذباً شرعاً في هذه المقالة؛ لأن القاضي قضى بعتق الجارية كما قال، وأما لا يضمن له شيئاً من قيمة الولد؛ لأن مدعي الجارية يقول: إنه ما أتلف الولد علي لأنه حافدي، وقد علق حر الأصل، ولم يصر مكذباً في هذه المقالة؛ لأن القاضي حكم بحرية الولد كما يقول هو، وأما لا يضمن له شيئاً من عقرها، وزعمه معتبر شرعاً لما ذكرنا.(10/544)
-----
قال: ولا يضمن مدعي الجارية من قيمة الجارية لشريكه عند أبي حنيفة إن كان موسراً يضمن نصف قيمتها، وإن كان معسراً فالجارية لا تسعى في ذلك.
وعندهما: إن كان موسراً يضمن نصف قيمتها، وإن كان معسراً سعت الجارية في ذلك لأن في زعم شريكه أنه بدعوى الجارية أتلف عليّ أم ولدي، وحال بينهما وبيني إلا أن رق أم الولد ليس بمتقوم عند أبي حنيفة وعندهما هو متقوم، والمسألة معروفة في عتاق الأصل، وكذلك لا يضمن مدعي الجارية من عقر الجارية لشريكه؛ لأن مدعي الجارية ما أقر بوطء الجارية وإنما أقر بوطء أم الجارية، وأم الجارية لم تكن مملوكة لشريكه.
رجلان اشتريا جارية، فولدت في ملكهما ابنة لستة أشهر فصاعداً، فكبرت الابنة وولدت ابنةً، ثم ادعى أحد الشريكين البنت الكبرى، وادعى الشريك الآخر البنت الصغرى، وكان الدعوتان منهما معاً كما ذكر في «الكتاب» أنه يثبت نسب كل واحدة منهما من مدعيها، أما نسب الكبرى فإنما يثبت من مدعيها؛ لأن دعوته دعوى الاستيلاد؛ لأن علوق الكبرى كان في ملكهما، ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق، وفي تلك الحالة لا منازع له فصحت دعوته وثبت النسب منه، وأما نسب الصغرى فقد قيل ما ذكر في «الكتاب» أنه يثبت نسب الصغرى استحساناً.
والقياس: أن لا تصح دعوته؛ فلا يثبت نسبها منه، إلا أن محمداً رحمه الله لم يذكر القياس، والاستحسان في هذا «الكتاب»، وإنما ذكر في عتاق الأصل في مسألة نسبه هذه المسألة.
وجه القياس في ذلك: أنا حكمنا بثبوت نسب الكبرى من مدعيها؛ لما أن دعوته دعوى استيلاد، ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق، فتبين أن مدعي الصغرى ادعى نسب ولد حرة؛ وليس بينه وبينهما نكاح، ولا شبهة نكاح، فلم يصح.
(10/545)
-----
وجه الاستحسان: أن مدعي الصغرى حين ادعى الصغرى كان الملك ثابتاً لهما في الكبرى التي هي أم الصغرى ظاهراً، وملك الأم ظاهراً كافٍ لصحة الدعوى وإثبات النسب، كما في ولد المغرور، إلا أن المغرور يضمن قيمة الولد للمستحق، ومدعي الصغرى ههنا لا يضمن قيمة الصغرى لمدعي الكبرى؛ لأن المستحق يقول للمغرور: لولا دعوتك وأنت حامل بحال الجارية وإلا لكان الولد مملوكاً لي كالجارية، وإنما تلف الولد علي بدعوتك فكنت ضامناً له، وههنا لا يمكن لمدعي الكبرى أن يقول لمدعي الصغرى: لولا دعوتك الصغرى لكانت الصغرى مملوكة لي، لأن الصغرى ولد الحرة، وولد الحرة يكون حراً، فلم يصر مدعي الصغرى متلفاً على مدعي الكبرى ملكه في الصغرى، فلهذا لا يضمن.
قال: ولا يضمن مدعي الصغرى أيضاً لمدعي الكبرى نصف قيمة الكبرى، وإن جعل مدعي الصغرى مقراً لأنه باستيلاد الكبرى يملك نصيب شريكه من الكبرى، لأن مدعي الكبرى يكذبه في إقراره؛ حيث ادعى أن الكبرى ابنته، وأنها حرة الأصل، وقد صحت هذه الدعوى منه شرعاً حتى حكمنا بحرية الكبرى وثبوت نسبها من مدعيها، ويضمن مدعي الصغرى نصف عقر الكبرى لها على رواية هذا الكتاب، وفي بعض روايات كتاب العتاق، قال محمد: يضمن مدعي الصغرى جميع عقر الكبرى، لأن مدعي الصغرى وطئها بعدما حكم بحريتها؛ لأن دعوى الكبرى استدرت إلى وقت علوقها، وثبت نسبها وحكم بحريتها من ذلك الوقت.
وجه رواية هذا الكتاب: أن مدعي الصغرى كان نصفها مملوكاً له ظاهراً، فكان مقراً لشريكه بنصف العقر لو كمل العقر إنما يكمل بحكم الإسناد من حيث أن دعوى الكبرى تستند إلى وقت العلوق، فيظهر أنه وطىء الكبرى وهي حرة، إلا أن الاستناد إنما يظهر في حق ثبات النسب وما لا بد للنسب منه من حرية الولد من الأصل.h(10/546)
-----
أما فيما للنسب منه بد فلا يظهر الاستناد في حقه بل تقتصر الدعوى على حال وجودها، وهذا لأن الاستناد إنما يثبت بطريق الضرورة لأن النسب يثبت من وقت العلوق فيظهر الاستناد في حق ثبات النسب، ولا بد لثبات النسب منه وللنسب بد من المستوفي بالوطء، فلا يظهر الإسناد في حقه.
وإذا لم يظهر الإسناد في حق المستوفي بالوطء صار مدعي الصغرى واطئاً الكبرى، والكبرى مشتركةً بينهما فيكون مقراً بنصف العقر، وإنما أوجبنا نصف العقر للكبرى مع أن مدعي الصغرى أقر بذلك لمدعي الكبرى لا للكبرى؛ لأن مدعي الكبرى حول ذلك من نفسه إلى الكبرى بإقرار أنها حرة الأصل، وذلك صحيح منه في حق نصيبه.
قال: ويضمن مدعي الكبرى نصف قيمة الجدة حية كانت أو ميتة، ونصف عقرها لشريكه، لأن الجدة علقت بالكبرى وهي في ملكهما حقيقة، فصار مدعي الكبرى مستولداً جارية مشتركة بينه وبين غيره، ولا يضمن نصف قيمة الكبرى لأنه ضمن نصف قيمة الأم، وأحد الشريكين متى ضمن نصف قيمة الجارية لشريكه في دعوى الاستيلاد لا يضمن له شيئاً من قيمة الولد؛ لأنه يملك الجارية من وقت العلوق، ووقت العلوق كان ماء مهيناً لا قيمة له.
وحالة الولادة وإن صار له قيمة إلا أن الولادة حصلت والجارية كلها ملك المستولد، فلم يجز أن يصير شيئاً من الولد لغيره وهو حادث على ملكه، هذا إذا كانت الجدة حية أو ميتة وقت الدعوى، فأما إذا قتلت الجدة وقد أخذ قيمة الجدة بينهما نصفان وباقي المسألة بحالها، والجواب في هذه المسألة والمسألة المتقدمة سؤالاً في فصلين؛ أحدهما: أن ههنا أب المدعي الكبرى لا يضمن نصف قيمة الجدة لمدعي الصغرى إنما يضمن له نصف العقر لا غير، لأن مدعي الصغرى لما أخذ نصف القيمة من القاتل فقد وصل إليه بدلها مرة، فليس له أن يأخذها ثانياً، إذ لا يجوز بإزاء مال واحد ضمانين وبدلين، بخلاف ما إذا كانت الجدة حية أو ميتة.(10/547)
-----
الفصل الثاني: أن الجدة متى كانت حية أو ميتة وقت دعوتها كان لا يضمن مدعي الأكبر من قيمة الكبرى شيئاً في قولهم جميعاً لما مرَّ، وإذا كانت مقتولة فكذلك الجواب عند أبي حنيفة، وعندهما يضمن نصف قيمتها أم ولد، فأبو حنيفة رحمه الله سوَّى بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى في هذا الفصل، لأن مدعي الصغرى أقر أن الكبرى أم ولد له، ومدعي الكبرى بالدعوى أعتقها، ورق أم الولد غير متقوم عنده، وأبو يوسف ومحمد فرقا بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى وفي هذا الفصل.(10/548)
-----
والفرق لهما: أن الجدة ....، فيدخل فيها ضمان الولد فيكون الولد حر الأصل، فأما إذا كانت الجدة مقتولة فمدعي الكبرى لم يضمن من قيمة الجدة شيئاً حتى يدخل ضمان الولد فيه فيضمن نصف قيمة الكبرى لهذا. هذا الذي ذكرنا إذا كانت ولادة الكبرى لستة أشهر فصاعداً من وقت شرائها، فأما إذا كانت ولادة الكبرى لأقل من ستة أشهر من وقت (شرائها) والباقي بحاله صحت دعوى مدعي الصغرى، وصارت الكبرى أم ولد له، ولم تصح دعوى مدعيي الكبرى؛ لأن دعوته دعوى تحرير إلى العلوق بها لم يكن في ملكهما، ودعوى الصغرى تقتصر على الحال، ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق، فصارت دعوى مدعي الصغرى سابقة معنىً فكانت أولى، ولذا لم تصح دعوى مدعي الكبرى، ولم يثبت نسب الكبرى منه، هل تصير الجدة أم ولد له؟ فهذا الشرط لمحمد رحمه الله يدل على أن الجدة إذا كانت ميتة إنها لا تصير أم ولد له، وفيما تقدم وهو أن ما إذا كانت ولادة الكبرى لستة أشهر من وقت الشراء؛ ذكر أن الجدة (240ب4) تصير أم ولد لمدعي الكبرى حية كانت الجدة أو ميتة، حتى ضمن مدعي الكبرى نصف قيمة الجدة لمدعي الصغرى على كل حال، والفرق أن حق الأم الولد إنما يثبت تبعاً للولد على ما عرف في موضعه، ففيما تقدم دعوى مدعي الكبرى دعوى استيلاد على ما مر؛ فتستند حرية الولد إلى وقت العلوق، فيثبت حق العتق للأم من ذلك الوقت تبعاً للولد، وفي ذلك الوقت هي محل لحقيقة العتق فكانت محلاً لحق العتق. أما في هذه المسألة دعوى مدعي الكبرى دعوى تحرير، فتقتصر الكبرى على حالة الدعوى فيثبت حق العتق للأم مقصوراً على حالة الدعوى أيضاً، فإن كانت حية كانت محلاً لحقيقة العتق، فتكون محلاً لحق العتق.
(10/549)
-----
وإذا كانت ميتة لم تكن محلاً لحقيقة العتق فلا يكون تحملاً لحق العتق، إذا لحق يلحق بالحقيقة، فإذا كانت الجدة حية حتى صارت أم ولد لمدعي الكبرى؛ ذكر أن مدعي الكبرى يضمن نصف قيمتها لمدعي الصغرى موسراً كان أو معسراً، فضمان الاستيلاد لا يختلف باختلاف اليسار والعسار، بخلاف ضمان العتاق حيث يختلف باختلاف اليسار والعسار.
والوجه في ذلك: أن قضية القياس أن ضمان العتق يختلف أيضاً، ويكون على المعتق على كل حال؛ لأن المعتق هو المفسد لنصيب صاحبه عند أبي حنيفة، وهو المتلف على قولهما، إلا أنا تركنا القياس وأوجبناه على العبد إذا كان المعتق معسراً بالنص. والنص الوارد بإيجاب ضمان العتق على العبد إذا كان المعتق معسراً، ومنفعة الإفساد والإتلاف في نصيب الساكت كلها تحصل للعبد لا يعتبر وارداً دلالة في ضمان الاستيلاد، وعامة منافع نصيب الساكت حاصلة للمستولد لا للأمة من الإجارة والتزويج والاستخدام والوطء، وهو معنى ما نقل من المشايخ أن ضمان الاستيلاد ضمان بملك، فإن عامة منافع نصيب الساكت للمستولد لا للأمة فتكون ضمان بملك هذا الاعتبار، فوجب عليه موسراً كان أو معسراً لهذا.
رجلان اشتريا جارية فولدت في ملكهما ولداً لأقل من ستة أشهر، فادعى الولد أحدهما صحت دعوته؛ لأنه يملك إعتاقه، وإن رد عليه شريكه فتصح دعوته من طريق الأولى؛ لأن الدعوى أسرع ثبوتاً بالإعتاق؛ بدليل أن الأمة تملك دعوى ولد جارية أمته، ولا يملك إعتاقه، وإذا صحت دعوته كانت الجارية أم ولد له، وضمن لشريكه نصف قيمتها يوم ادعى الولد؛ موسراً كان أو معسراً؛ لأنه صار متملكاً نصيب شريكه من الجارية.(10/550)
-----
أكثر ما في الباب أنه أقر بالاستيلاد قبل الملك، وبالاستيلاد قبل الملك لا يثبت التملك، إلا أن الاستيلاد قبل الملك قد ينعقد موجباً أمومية الولد موقوفاً على الملك، كما لو اشترى كما لو استولدها بالنكاح، ولا يضمن لشريكه شيئاً من عقرها لأنه لم يصر مقراً له بالعقر لأنه أقر بالاستيلاد وبالوطء سابقاً على المالك، والجواب في الولد كالجواب في العبد إذا كان بين اثنين؛ أعتق أحدهما؛ لأن هذه الدعوى في حق الولد دعوى تحرير؛ لأن العلوق به لم تكن في ملكهما، ولهذا ثبت الولاء للمدعي على الولد، وفي إعتاق أحد الشريكين خلاف ظاهر بين أبي حنيفة وبين صاحبيه في كيفية العتق، وفي كيفية الخيار للساكت، كذا ههنا، فإن قيل: المدعي لما ملك نصيب الساكت من الأم بالضمان ينبغي أن لا يضمن قيمة الولد كما في دعوة الاستيلاد؟ قلنا: في دعوة الاستيلاد يتملك نصيب شريكه من الجارية وقت العلوق، ولهذا يعتبر قيمتها يوم العلوق، وفي تلك الحالة الولد متصل بها فيصير متملكاً نصيب الشريك من الولد بتملك نصيب شريكه من الجارية بطريق التبعية، كما لو اشترى نصفها والولد في بطنها؛ فيكون ضمان نصفها ضمان نصفه بطريق التبعية، ألا ترى أن ثمن نصفها يصير ثمن نصفه بطريق التبعية، أو يقول في تلك الحالة: الولد ماء مهين لا قيمة له، فلا يلزمه بمقابلته شيء، أما ههنا ملك الأم بعد انفصال الولد منها وبعدما صار أصلاً، فلا يملك المدعي نصيب شريكه من الولد تبعاً لملك نصيب شريكه من الأم، فيبقى الولد مشتركاً بينهما، وبالتحرير أفسد وأتلف نصيب شريكه، وله قيمته، فيضمن إذا كان موسراً.
نوع آخر يتصل بهذا النوع أيضا(10/551)
-----
قال محمد رحمه الله: أمة بين رجلين جاءت بولدين في بطن واحد، فادعى أحدهما الأكبر، والآخر ادعى الأصغر، وخرج الكلامان منهما معاً؛ صحت دعوى كل واحد منهما استحساناً، ولو بدأ أحدهما بالدعوى؛ إن بدأ مدعي الأكبر بدعوى الأكبر ثبت نسب الأكبرمنه، ولم يثبت نسب الأصغر منه؛ لأن تخصيص الأكبر بالدعوى نفى الأصغر دلالة، فكان نفي الأصغر صريحاً، ويكون الأصغر ولد أم ولد مدعي الأكبر مملوكاً له لأن الجارية صارت كلها أم ولد لمدعي الأكبر حالة العلوق بالأكبر، والأصغر حدث بعد ذلك، فلهذا كان الأصغر مملوكاً لمدعي الأكبر، وولد أم ولده.
ويضمن مدعي الأكبر لشريكه نصف قيمة الجارية، ونصف عقرها، ولا يضمن شيئاً من قيمة الولد للأصغر بعد ذلك؛ لأنه ادعى ولد أم ولد المدعي الأكبر، ومن ادعى ولد أم ولد الغير لا تصح دعوته إلا بتصديق ذلك الغير، ويضمن مدعي الأصغر لمدعي الأكبر جميع عقرها؛ لأنه أقر بوطء أم ولده، إلا أن لمدعي الأصغر على مدعي الأكبر نصف العقر ونصف قيمة الجارية، فيتقاصان إن لم يكن ثمة فصل، ويراد أن الفصل إن كان يفصل.
وإن بدأ مدعي الأصغر بدعوى الأصغر ثبت نسب الأصغر منه، وتصير الجارية كلها أم ولد له، ويضمن لشريكه نصف قيمة الجارية ونصف عقرها؛ ولا يضمن شيئاً من قيمة الولد الأصغر لأنه ضمن الأم فلا يضمن الولد وينفي الأكبر ما كان مشتركاً بينهما، فإذا ادعى بعد ذلك الأكبر صحت دعوته لأنه ادعى نسب شخص بعضه مملوك له، وضمن لمدعي الأصغر نصف قيمة الأكبر إن كان موسراً، إلا أنه لا يمكن أن يجعل دعوته للأكبر دعوى استيلاد فجعلناه دعوى تحرير، فصار معتقاً نصيبه بدعوته، وصار في حق الشريك كأنه أعتقه، فيكون الجواب فيه كالجواب في عبد بين شريكين أعتقه أحدهما.
نوع آخر يتصل بهذا النوع(10/552)
-----
وإذا مات الرجل وترك أمةً حاملاً، وترك ابنين، وادعى أحدهما أن الحبل منه، وادعى الآخر أن الحبل من أبيه، وخرج الكلامان معاً، صحت دعوى الذي ادعى الآخر أن الحبل منه، ولا تصح دعوى الذي ادعى أن الحبل من أبيه، لأن الذي ادعى الحبل منه يحمل النسب على نفسه، فيكون مقراً على نفسه، والذي ادعى أن الحبل من أبيه يحمل النسب على الغير، فيكون مقراً على الغير، فكانت دعوى من يحمل النسب على نفسه أولى، وإذا صحت دعوى الذي ادعى أن الحبل منه دون دعوى صاحبه صار كأن الذي ادعى الحبل من نفسه تفرد بالدعوى، ولو تفرد هو بالدعوى تصح دعوته، وتصير الجارية أم ولد له ويضمن نصف قيمتها لشريكه كذا ههنا.
فإن قيل: كيف يضمن نصف قيمتها لشريكه، وإن من زعم شريكه أنه ليس عليه قيمة الجارية؛ لأنه في زعم شريكه أنها أم ولد للأب، وأنها عتقت بموت الأب؟ قلنا: لأن شريكه صار مكذباً في زعمه حين جعل القاضي الجارية أم ولد لمدعي الحبل عن نفسه فالتحق زعمه بالعدم، وضمن جميع عقرها لأبيه، إلا أنه لما مات الأب ورث من ذلك نصفه فسقط عن النصف وبقي النصف الآخر لصاحبه، قال شيخ الإسلام: هذه المسألة تنصيص (على) أن دعوى التحرير تنتظم الإقرار بالوطء، كدعوى الاستيلاد لأن وضع هذه المسألة في رجل مات وترك أمة حاملاً، فهذا يوجب أن يدخل في ملك الاثنين وهي حامل، فتكون دعوى مدعي الحبل عن نفسه دعوى تحرير، ومع هذا وجب عليه العقر، وفي هذا الفصل اختلاف المشايخ على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى. هذا الذي ذكرنا إذا خرج الكلامان معاً. وكذلك الجواب فيما إذا بدأ مدعي الحبل من نفسه بالدعوى، والكلام فيه أظهر.
(10/553)
-----
ولو بدأ الذي ادعى الحبل عن ابنه بالدعوى، لا تصح دعوته في حق النسب (241أ4) لأنه يحمل النسب على الغير، ولكن يعتق نصف الجارية ونصف الولد بإقراره؛ لأنه زعم أن الجارية عتقت بموت الأب، وأن الولد حر الأصل وهو مالك لنصفها، فيصح إقراره بعتق نصف الجارية والولد، ويبقى نصف الجارية ونصف الولد رقيقاً للآخر عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن العتق عنده متجزئ ولا يضمن المدعي لأخيه شيئاً لا من الأم ولا من الولد لأن المدعي لم يقر بسبب الضمان، فإنه لم يقر أنهما عتقا من جهته، وإنما أقر أنهما عتقا من جهة أبيه، وعتق الأب لا يوجب عليه ضماناً فيكون منكراً للضمان، وهو بمنزلة عبد بين شريكين أقر أحدهما أن صاحبه أعتق نصيبه؛ لا يضمن لصاحبه شيئاً، وإن فسد نصيب صاحبه بإقراره؛ لأنه أقر بإعتاق صاحبه لا بإعتاق نفسه كذا ههنا، وأما على قول أبي يوسف ومحمد: إذا ادعى أن الحبل من أبيه أعتق الجارية كلها والولد لأن العتق عندهما لا يتجزّأ ولا يضمن لصاحبه شيئاً لما ذكرنا، فإن ادعى الآخر الولد بعد ذلك أنه ابنه؛ فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله صحت دعوته، لأن ملكه في نصف الجارية والولد قائم عنده، وهذا كافٍ لصحة الدعوى، وصار نصيبه من الجارية أم ولد له، ولا يضمن لصاحبه شيئاً لا من الولد ولا من الجارية، لأن المدعي لم يفسد على صاحبه نصيبه، لأن نصيب صاحبه عتق عليه بإقراره؛ لأن الحبل من أبيه، ويضمن نصف العقر لصاحبه، إن صدقه صاحبه أخذ ذلك منه لأن في زعمه أنه وطء جارية الأب وضمن العقر لأبيه، إلا أنه ورث النصف من ذلك فسقط عنه النصف، وبقي النصف لصاحبه فيأخذه صاحبه إن صدقه صاحبه في ذلك، وإن كذبه بطل زعمه وإقراره، وعلى قول أبي يوسف ومحمد ثبت نسب الولد منه استحساناً وإن لم يكن له فيه ملك لما أنه عتق كله بإقرار المدعي الأول، إنما يثبت لأنه ادعى نسب صغير ليس له نسب معروف، فتصح دعوته استحساناً، كما لو ادعى نسب لقيط وضمن نصف العقر لصاحبه(10/554)
لما(10/555)
-----
ذكرنا.
(نوع آخر) يتصل (بهذا) النوع
قال: أمة بين رجلين جاءت بولد فادعياه، وقد ملك أحدهما نصيبه منذ شهر وملك الآخر نصيبه منذ ستة أشهر، فدعوى صاحب الملك الأول أولى؛ لأن دعوته سابقة معنى؛ لأن دعوته دعوى استيلاد وتستند إلى وقت العلوق، وإذا صارت دعوته أولى ذكر أنه يضمن نصف قيمتها، ونصف عقرها، ولم يذكر أنه لمن يضمن لصاحبه أو لبائع صاحبه، قالوا: وينبغي أن يضمن ذلك لبائع صاحبه؛ لأن دعوته دعوى استيلادتستند إلى وقت العلوق، والعلوق كان في ملك بائع صاحبه فصار متملكاً على بائع صاحبه نصيبه فيضمن نصف قيمتها، ونصف عقرها لبائع صاحبه من هذا الوجه، وظهر أن البائع حين باع هذا النصف باع أم ولد الأول فيكون باطلاً، فيجب على البائع أن يرد جميع الثمن على صاحب الملك الآخر، وهل يضمن صاحب الملك الآخر العقر لصاحب الملك الأول؟.
لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل ههنا، وذكر المشايخ في شروحهم: أنه يضمن جميع العقر للمالك الأول؛ لأنه ظهر أنه أقر بالوطء بعدما صارت الجارية كلها أم ولد لصاحب الملك الأول، وما ذكره المشايخ إشارة إلى دعوى التحرير لا ينتظم الإقرار بالوطء، فإن دعوى صاحب الملك الآخر دعوى تحرير، إذ العلوق لم يكن في ملكه.(10/556)
-----
وصاحب شرح «مختصر الطحاوي» يشير إلى أن دعوى التحرير لا ينتظم الإقرار بالوطء، لأن دعوى التحرير تقتصر على الحال، ولا تستند إلى ما قبل ذلك ومتى لم تستند إلى ما قبل ذلك لا ينتظم الإقرار بالوطء في ملك الغير، ومحمد رحمه الله لا يذكر العقر في دعوى التحرير؛ إنما يذكره في دعوى الاستيلاد، فكأن محمداً صحح دعوى التحرير باعتبار الملك في الحال من غير اعتبار الوطء، كما يصح العتق باعتبار الملك الثابت للحال، وأراد بقوله في «الكتاب»: دعوى التحرير تقتصر على الحال: الاقتصار في حق العتق والنسب، وإذا اعتبر مقصوراً على الحال في حق بيان ثبات النسب حكماً لم ينتظم إقراراً بالوطء، هذا إذا علم المالك الأول من المالك الآخر، فأما إذا لم يعلم ثبت نسب الولد منهما، وتصير الجارية أم ولد لهما لأنهما استويا في الدعوى لأن دعوى كل واحد منهما احتمل أن تكون دعوى تحرير.
قال: ولا عقر على واحد منهما، قال بعض مشايخنا: لم يرد بقوله لا عقر على واحد منهما أصلاً؛ وإنما أراد به: لا عقر على واحد منهما لصاحبه، ولا شك أنه لا عقر لواحد منهما على صاحبه، وإن صار واطئاً ملك صاحبه، إلا أن الوطء في ذلك ليس بمعلوم، فكان المقضي عليه بالعقر، والمقضي له بالعقر مجهولاً، ولا يمكن الجهالة في الموضعين فمنع القضاء.
(10/557)
-----
إما يضمنا نصف العقر للبائع لأن المقضي وهو نصف العقر معلوم، والمقضي له وهو البائع أيضاً معلوم، وإنما الجهالة في المقضي عليه لا غير، وتمكن الجهالة في موضع واحد لا يمنع القضاء بل يقضي ويودع كما في مسألة الطلاق وإلى هذا مال شيخ الإسلام رحمه الله، وبعض مشايخنا قالوا: لا عقر على واحد منهما أصلاً، إما لصاحبه فغير مشكل لأنا لم نتيقن أن كل واحد منهما وطء ملك شريكه، وإما لبائع صاحبه فلأنه إنما يجب العقر للبائع على من حصل وطؤه في ملك البائع وأنه مجهول، والمال لا يجب على المجهول، وإلى هذا مال شمس الأئمة السرخسي، والأول أشبه بأصول أصحابنا.
وإذا كانت الأمة بين رجل وامرأة جاءت بولد فادعى الرجل وأب المرأة نسب الولد كانت دعوى الرجل أولى لأنه صاحب حقيقة الملك، ولأب المرأة تأويل الملك، والتأويل لا يعارض حقيقة الملك، ولأن دعوى الرجل تثبت من غير تقديم الملك له على العلوق، فكانت دعوى الرجل سابقة معنى.
أمة بين رجلين ولدت ولداً ميتاً، أو أسقطت سقطاً استبان خلقه، فادعاه أحدهما صحت دعوته وصارت الجارية أم ولد له، وكان ينبغي أن لا تصير الجارية أم ولد له لأن نسب الولد لا يثبت بهذه الدعوى لاستغناء الولد عن النسب، وحق العتق للأم ثبت تبعاً لثبات نسب الولد، والجواب: أن العمل بحقيقة هذه الدعوى إن تعذر وهو إثبات النسب لكون الولد ميتاً أمكن العمل بمجازه، ويجعل قوله: هذا ولدي عبارة عن قوله: هذه أم ولدي بهذا الولد، وهذا لأن نسب الولد إذا ثبت بأن كان الولد حياً كان من حكمته أن تصير الجارية أم ولد له، فعند تعذر العمل بحقيقته يجعل كناية عن حكمه، فصار كأنه قال: هذه أم ولدي بهذا الولد، ونظيره مسألة هذا ابني؛ على قول أبي حنيفة رحمه الله.
أمة بين رجلين جاءت بولد فادعاه أحدهما في مرض موته صحت دعوته وثبت نسب الولد منه لأن العلوق اتصل بملكه وتصير الجارية أم ولد وتعتق من جميع المال إذا مات.(10/558)
-----
فرق بين الاستيلاد والتدبير، فإن عتق المدبر يعتبر من ثلث المال؛ لأن التدبير وصية، وإنه من فضول الحوائج والاستيلاد من حوائجه الأصلية، لأنه تعلق به حياته المعنوية، فصار كثمن الأدوية وأجرة الطبيب، وقد ذكرنا هذا في كتاب العتاق وهذا إذا كان الولد ظاهراً، أما إذا لم يكن ظاهراً يعتق من الثلث كالتدبير والله أعلم.
نوع آخر يتصل بهذا الفصل
أمة بين رجل وابنه جاءت بولد فادعياه، فالقياس: أن يكون بينهما، وفي الاستحسان: هو ابن الأب، لأن الابن مع الأب استويا في الملك في النصف، ويرجح الأب بزيادة تأويل الملك له في مال الابن ليس ذلك للابن في مال والده، وإذا صار الولد للأب صارت الجارية أم ولد له، وضمن الأب لابنه نصف قيمتها ونصف عقرها، بخلاف ما إذا كان الكل للابن لأن بملك الأب نصيب الابن ههنا بحكم الاستيلاد لا شرط بصحته، فإن قيام الملك له في النصف كافٍ لصحة الاستيلاد كان الوطء في نصف الجارية ملاقياً ملك الابن، أما إذا كانت الجارية كلها للابن فملك الأب الجارية شرط الاستيلاد إذ ليس للأب في الجارية ما يكفي لصحة الاستيلاد، فكان الوطء مضافاً إلى ملك نفسه؛ وعلى هذا القياس والاستحسان إذا كانت الأمة بين الجد وابن الابن، أما إذا كانت الأمة بين أخوين أو بين رجل وعمه أو خاله أو ابن خاله فالولد يكون بينهما لأنهما استويا من كل وجه.
نوع آخر في دعوى الرجل (241ب4) ولد أمته(10/559)
-----
قال محمد رحمه الله: رجل له أمة لها أولاد قد ولدتهم في بطون مختلفة من غير زوج، فقال المولى: جد هؤلاء ابني، فما دام المولى حياً يجبر على البيان؛ لأن المولى كما أقر بنسب أحدهم فقد أقر بحرية عبد من عبيده، فما دام المولى حياً يجبر على البيان، فإن مات قبل البيان وقد كان قال هذه المقالة في صحته أجمعوا على أن النسب لا يثبت حتى لا يرث واحد منهم من الميت، لأن النسب مجهول، وجهالة النسب مما يمنع ثبوت النسب، وأجمعوا على أن أم الأولاد تعتق؛ لأنا تيقنا بعتقها، فإن أب الأولاد هو المراد بالدعوى، صارت الجارية أم ولد وتعتق بموته.
وكم يعتق من الأولاد؟ اختلفوا فيه، قال أبو حنيفة: يعتق من كل واحد منهم ثلثه، ويسعى في ثلثي قيمته. وقال محمد: يعتق الأصغر كله، ويعتق من الأوسط نصفه، وسعى في نصف قيمته، ويعتق من الأكبر ثلثه، وسعى في ثلثي قيمته، ولم يذكر قول أبي يوسف في «الكتاب»، وحكي أن الفقيه أبا أحمد العياضي كان يروي عن أبي يوسف أنه قال: ما تيقنت بعتقه عتق كله، كما قال محمد: وما لم أتيقن بعتقه، فإن قولي فيه مثل قول أبي حنيفة، فعلى هذا يعتق الأصغر كله على قوله، ويعتق من الأوسط والأكبر من كل واحد ثلثه.g
وجه قول محمد رحمه الله: أنا تيقنا بعتق الأصغر؛ لأنه إذا كان المراد بالدعوى هو عتق هو، لأنه ابنه، وإذا كان المراد بالدعوى الأكبر أو الأوسط، فكذلك يعتق الأصغر لأنه ولد لأم الولد، فأما الأوسط يعتق في حالتين: وهو أن يكون المراد بالدعوى هو أو الأكبر، ولا يعتق إن كان المراد بالدعوة الأصغر وأحوال االإصابة حالة واحدة، فصار يعتق في حال ولا يعتق في حال، فيعتق نصفه، وأما الأكبر فهو يعتق في حال ولا يعتق في حالين وهو أن يكون المراد بالدعوى الأوسط أو الأصغر، وأحوال الحرمان أحوال فيعتق ثلثه.(10/560)
-----
وأما أبو حنيفة يقول: الأصغر إنما يعتق كله، والأوسط نصفه إذا اعتبرنا العتاق لهما من جهة أنفسهما ومن جهة أمهما كما اعتبره محمد، وتعذر اعتبار العتاق لهما بالجهتين، لما بينهما من التضاد والتنافي، فبعد هذا اختلفت عبارة المشايخ في بيان التضاد والتنافي بين الجهتين
فبعضهم قالوا: العتق من جهة نفسه يثبت أصلاً بالدعوى، والعتق من جهة الأم يثبت تبعاً؛ لأنه يعتق تبعاً لعتق الأم؛ وبين كون الشيء تبعاً وأصلاً تنافٍ، فلا بد من اعتبار أحدهما وإلغاء الآخر، ولا شك أن إلغاء جهة التبعية أولى من إلغاء جهة الأصالة، وإذا وجب إلغاء للجهة التي تثبت لهما العتق من جهة الأم بقيت العبرة للجهة التي تثبت لهما العتق من جهة أنفسهما أصلاً، وباعتبار هذه الجهة ثبت لكل واحد منهما ثلث العتق؛ لأن كل واحد منهما يعتق في حال رق في حالتين، فيعتق من كل واحد منهما ثلثه.
وبعضهم قالوا: ما يثبت لهما من العتق من جهة أمهما يثبت في ثاني الحال، وهو ما بعد موت السيد، وبينما يثبت من العتق في الحال، وبينما يثبت في الثاني تنافٍ؛ لأن الذي يثبت في الحال يزيل الرق في الحال، والذي يثبت في الثاني يزيل الرق في الثاني، وبين كون الرق زائلاً في الحال وغير زائل تنافٍ، فلا بد من إلغاء أحدهما، فنقول: إلغاء ما يوجب العتق في الثاني أولى من إلغاء ما يوجبه منجزاً في الحال، لأن المنجز أقوى، فلنا اعتبار جهة العتق التي تثبت لهما من جهة الأم، وبقيت العبرة للجهة التي تثبت لهما العتق من جهة أنفسهما، وباعتبار هذه الجهة تثبت لكل واحد منهما ثلث العتق على ما بينا، ولم يذكر ههنا أن الورثة هل يجبرون على البيان؟، وذكر في «وصايا الفتاوى»: أنهم يجبرون، وإذا بين واحد منهم وقالوا: هذا ولده يثبت نسبه؛ ولا يلتفت إلى قول الباقين وجحودهم.(10/561)
-----
وإذا ولدت أمة الرجل ابناً من غير زوج فلم يدعه المولى حتى كبر الابن وولد الابن ولداً من أمة للمولى، ثم مات الابن الأول، ثم ادعى المولى أحدهما وقال: أحد هذين ابني، يعني الميت وأبيه، قال: يعتق الابن الأسفل كله، وهذا بلا خلاف، أما على أصل أبي حنيفة فلأنه لا يعتبر العتق من جهة نفسه، وباعتبار هذه الجهة يعتق الأسفل كله؛ لأن المولى يصير جامعاً بين حي وميت، وقوله: أحدكما حر، تنصرف الحرية كلها إلى الحي منهما، أما عند محمد فلأنه إن كان المراد بالدعوى هو عتق لأنه ابنه، وإن كان المراد بالدعوى الميت؛ عتق هو أيضاً؛ لأنه ابن ابنه فتيقنا بعتقه ويعتق من كل واحد من الجاريتين نصفها، لأن كل واحدة تعتق في حال وترق في حال
قال: أمة في يدي رجلين ولدت بنتاً، وولدت ابنتها بنتاً؛ فقال المولى في صحته: إحدى هؤلاء الثلاثة ولدي، ومات قبل أن يبين، فإنه تعتق السفلى كلها؛ لأنها إن كانت هي المراد فهي ابنته، فتعتق بهذه الجهة، فتيقنا بعتقها كلها، وكذلك الوسطى تعتق كلها؛ لأنها إن كانت هي المراد فهي ابنته، وإن كان المراد هي العليا فهي العليا، فيعتق نصفها، وسعت في نصف قيمتها لأنها إن كانت هي المرادة بالدعوى تعتق كلها، وإن كان المراد هي الوسطى فكذلك؛ لأنها ولد أم ولده، فتعتق بهذه الجهة، وإن كان المراد هي السفلى لا تعتق العليا، والعليا تعتق في حالين دون حال وأحوال الإصابة حالة واحدة في ظاهر الرواية، فكأنها تعتق في حال وترق في حال فَيُعتق نصفها، وسعت في نصف قيمتها.(10/562)
-----
قالوا: ما ذكر في الجواب مستقيم على قول أبي حنيفة في حق الجملة إذا كانت العلة في إلغاء العتق الذي أثبت من جهة الأم في المسألة المتقدمة أن العتق من جهة الأم يثبت للولد تبعاً، ومن جهة نفسه ثبت مقصوداً؛ لأن السفلى تعتق في الأحوال الثلاثة من جهة نفسها مقصوداً؛ لأنها ابنة المدعي أو ابنة ابنته أو ابنة ابنة ابنته، وابنة الابنه، وابنة بنت الابنه، تعتق من جهة نفسها؛ لأنها أماً إن أثبت المدعي، أو ابنة ابنته، أو أم ولده، وابنة الابنة تعتق من جهة نفسها كالابنة وأم الولد تعتق من جهة نفسها أيضاً مقصوداً لا تبعاً لغيره؛ ألا ترى أنه مقصود عتقها بدون عتق الولد، بأن استولد جارية بحكم النكاح، ثم اشتراها دون الولد، ثم مات المستولد فإنها تعتق بموته، فاعتبار الجهات ممكن في هذه المسألة بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأن هناك الأصغر نصيبه العتق في حال من جهة نفسه، وفي حالين من جهة الأم تبعاً، ألا ترى أن الأصغر لا يعتق ما لم تعتق الأم، وكذلك الأوسط على هذا، وبين الجهتين تنافٍ، فلا يمكن اعتبارهما، أما ههنا بخلافه.
(10/563)
-----
فأما إذا كانت علة إلغاء العتق على قول أبي حنيفة في تلك المسألة أن العتق الذي يصيب الابن من جهة نفسه منجز يثبت في الحال، والذي يثبت له من جهة أمه يثبت في ثاني الحال، فما ذكر من الجواب مستقيم على قوله في حق السفلى؛ لأنه نصيبها عتق منجز في الأحوال؛ لأنه إنما يصيبها العتق إما لأنها ابنة المدعي، أو ابنة ابنته، أو ابنة ابنة ابنته، والعتق بهذه الأسباب يقع منجزاً، أما لا يستقيم في حق الوسطى؛ لأن الوسطى تعتق في حال تعتق الأم في الثاني، فيجب إلغاء هذه الجهة، وباعتبار الجهة التي توجب العتق منجزاً للوسطى تعتق في حالين؛ بأن كانت هي المرادة أو العليا، ولا تعتق في حال بأن كان المراد هي السفلى، وأحوال الأصالة حالة واحدة في ظاهر الرواية، فكأنها تعتق في حال دون حال، فيعتق نصفها، وكذلك لا يستقيم هذا الجواب في حق العليا، ويجب أن يعتق منها ثلثها؛ لأن ما يصيبها من العتق بسبب أمومية الولد ساقط الاعتبار، وباعتبار الجهة التي يصيبها العتق من جهة نفسها تعتق في حال إن كان المراد هي، وترق في حال إن كان المراد هي السفلى أو الوسطى، وأحوال الحرمان أحوال باتفاق الروايات، فينبغي أن يعتق ثلثها وتسعى في ثلثي قيمتها.(10/564)
-----
قال: أمة في يدي رجل ولدت ابناً من غير زوج، ثم ولدت ابنين في بطن آخر من غير زوج، فنظر المولى إلى الابن الأكبر، وإلى أحد الابنين وقال في صحته: أحد هذين ولدي، ثم مات (242أ4) قبل البيان فإنه لا يثبت نسب واحد منهما لما مر، وعتقت الجارية كلها؛ لأنا تيقنا بعتقها، أراد بالدعوى الابن الأكبر أو أحد الابنين، وعتق الأكبر نصفه وسعى في نصف قيمته؛ لأن الأكبر يصيبه العتق من جهة نفسه، ولا يصيبه من جهة أمه؛ لأن ولادته قبل ولادة الابنين، وباعتبار جهة نفسه يعتق في حال ويرق في حال، فيعتق نصفه، ويعتق الأصغر كله بلا خلاف؛ لأنه لا يصيبه العتق من جهة نفسه، لأنه لم يدخل تحت الدعوى أصلاً، وإنما يصيبه العتق من جهة الأم، وأبو حنيفة يعتبر العتق من جهة الأم إذا كان لا يصيبه العتق من جهة نفسه، وباعتبار عتق الأم يعتق على كل حال، لأنه ولد أم الولد على كل حال، فيعتق بموت المولى، ويعتق من كل واحدة من الابنتين نصفها، وسعت في نصف قيمتها عند أبي حنيفة رحمه الله؛ هكذا ذكر في ظاهر الرواية.
وروي في غير رواية «الأصول»: أنه يعتق من كل واحدة منهما ربعها، وسعت كل واحدة في ثلاثة أرباع قيمتها.
وجه هذه الرواية: أن الدعوى إذا لم يثبت بها النسب يجعل كأنه عن حكمها وهو الحرية، فكأنه جمع بين الابن الأكبر وبين إحدى الابنتين وقال: أحدكما، فتثبت حرية كاملة للأكبر وبين إحدى الابنتين؛ نصفها للأكبر، ونصفها لإحدى الابنتين، وليست إحداهما * لتعينها للحرية * بأولى من الأخرى، فيكون ذلك النصف بين الابنتين لكل واحدة الربع.
(10/565)
-----
وجه ما ذكرنا في ظاهر الرواية: أن الدعوى متى لم توجب النسب تجعل كناية عن حكمه، وهو الحرية لو ثبت النسب على الحقيقة، ولو ثبت النسب على الحقيقة كان من حكمه حرية الأكبر أو حرية الابنتين؛ لأنهما توأمان لا يختلفان في حق النسب والحرية، فتثبت بهذه الدعوى لو ثبت النسب على الحقيقة، إما حريته أو حرية الابنين لا حرية أحدهما، فإذا لم يثبت النسب على الحقيقة يجعل كناية عن هذا كأنه قال: هذا حر أو هذان، فيكون لهما حريتان في حال، ولا شيء في حال، فيكون لهما حرية كاملة في ضمان، ولا شيء في حال، فيكون له النصف.
وعلى قول محمد رحمه الله: عتق الابنتان جميعاً؛ لأنه إن كان المراد بالدعوى إحداهما عتقا من جهة أنفسهما، وإن كان المراد هو الأكبر عتقا من جهة أمهما؛ لأنهما ولدا أم الولد، ومحمد رحمه الله يعتبر الأحوال في العتق (و) يعتبر الجهتين.
ولو نظر إلى الابن الأكبر وإلى الابن الأصغر وقال: أحد هذين ابني ثم لم يبين؛ لم يثبت نسب واحد منهما لمكان الجهالة، ويعتق من الأكبر نصفه، ويسعى في نصف قيمته عندهم جميعاً؛ لأن الأكبر لا يصيبه العتق إلا من جهة نفسه، وباعتبار هذه الجهة هو يعتق في حال ولا يعتق في حال، وأما الأصغر فعلى قول أبي حنيفة: يعتق نصفه، وإن كان يعتق هو من جهتين؛ من جهة نفسه ومن جهة أمه؛ لأن أبا حنيفة لا يعتبر العتق من جهة الأم في حال ما يصيبه العتق من جهة نفسه؛ باعتبار هذه الجملة، يعتق في حال إن كان المراد هو فيعتق.
وعلى قول محمد: يعتق الأصغر كله؛ لأنه يعتبر العتق بالجهتين، وباعتبار الجهتين هو حر يتعين ويعتق من الابنتين، من كل واحدة منهما نصفها بلا خلاف؛ لأنه لا يصيبها العتق إلا من جهة الأم؛ لأنهما ما دخلتا تحت الدعوى أصلاً، وباعتبار عتق الأم هما يعتقان في حال إن كان المراد بالدعوى الأكبر، وإذا كان المراد بالدعوى الأصغر لا يعتقان أصلاً، فيعتق من كل واحدة نصفها.(10/566)
-----
أمة في يدي رجل ولدت ثلاثة أولاد في (بطون) مختلفة من غير زوج، فنظر المولى إلى الأكبر منهم وقال: هذا ابني ثبت نسبه منه، وينتفي نسب الآخرين عند علمائنا الثلاثة، ونسب ولد أم الولد لا ينتفي إلا بالنفي، ولم يوجد النفي، ولنا: أن نفي الاثنين وجد دلالة؛ لأن تخصيص بعض الأولاد بدعوى نسبه دليل نفي الباقين، وهذا لأن الشرع أوجب على المولى إظهاراً لنسب هو ثابت منه بالدعوى فيكون تخصيص البعض، والحالة هذه دليل نفي الباقين، ودليل النفي كصريح النفي، ونسب ولد أم الولد ينتفي بمجرد النفي والله أعلم.
(نوع آخر) يتصل (بهذا) النوع
وإذا كان للرجل منكوحة حرة وأمة، جاءت كل واحدة منهما بغلام، ثم ماتت المنكوحة والأمة، فقال الرجل: أحدهما ابني ولا أعرف من هو فإنه لا يثبت واحد منهما، لأن هذا الإقرار لا حكم له؛ لأن أحدهما ابنه بدون إقرار، فصار وجوده والعدم بمنزلة. وإن انعدم هذا الإقرار ولا يعلم ولد المنكوحة من ولد الأمة؛ لا يقضى بنسب واحد منهما؛ لأن الثابت نسب أحدهما، وهو ولد المنكوحة، وإنه ليس بمعلوم، وإثبات نسب المجهول لا يمكن؛ لأن المقصود من النسب الشرف بالانتساب، وذلك لا يحصل بالمجهول، ولكن يعتق من كل واحد منهما نصفه؛ لأن أحدهما حر بيقين، وهو ولد المنكوحة، وعند الاشتباه ليس أحدهما لتعيينه للحرية بأولى من الآخر، فنسخ العتق فيهما، فيعتق من كل واحد نصفه، فهذه الجملة من «الأصل».(10/567)
-----
وفي «المنتقى»: بشر عن «أمالي» عن أبي يوسف: رجل له أمة ولها ثلاثة أولاد في بطون متفرقة، قال المولى في صحته: أحد هؤلاء ولدي من هذه الأمة، قال: يعتق الأسفل كله، وتعتق الأم، وأما الولد الأكبر والأوسط فيعتق من كل واحد منهما ثلثه كأنه قال؛ أو كما مر فإنما يعامل في العتاق بهذا الوجه مع من لم يعتق منهم على كل حال، وأما الذي يعتق على كل حال لا بد من عتقه عليه، وهذا الجواب ظاهر في حق الأول والأسفل، مشكل في حق الأوسط.
وفيه أيضاً: رجل له أمة ولها ثلاثة أولاد ولدوا في ملكه في بطون مختلفة، فأشهد المولى في صحته على أحد الأولاد بعينه أنه ابنه من هذه الأمة، ثم مات ونسي الشهود أيهم هو، وشهدوا بالشهادة وقالوا: لا نحفظ الذي أرانا يومئذٍ، قال أبو يوسف: إني أعتق الأم والأصغر، أما الأم فلأنه أقر لها بأمية الولد، وأما الأصغر فلأنه يعتق على كل حال، أشهد عليه أو على الأكبر أو على الأوسط، وأما الأكبر والأوسط فرقيقان؛ لأنهما يعتقان في حال ولا يعتقان في حال، فلا أعتقهما بهذه الشهادة، وقال: ألا ترى أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه أعتق أحد عبيده بعينه، وقد نساه أني أبطلت الشهادة.
(نوع آخر) ما يجب اعتباره في هذا النوع
أن دعوى المدعي في حق ثبات النسب إنما تصح من غير تصديق المالك إذا كان العلوق في ملك المدعي كما في البائع، وفي حق الملك للمدعي، ولصاحب الحق ولاية حق استلحاق النسب على المالك كما في المكاتب، فإن دعوى المكاتب ولد جارية من أكسابه صحيحة من غير تصديق المولى؛ لأن للمكاتب ولاية إبطال حق استلحاق النسب على المولى بالبيع من غيره، ولو ادعى المولى نسب ولد جارية المكاتب لا يصح من غير تصديق المكاتب؛ لأنه ليس للمولى ولاية إبطال حق استلحاق النسب على المكاتب بالبيع من غيره.(10/568)
-----
إذا ثبتت هذه الجملة جئنا إلى مسائل الباب فنقول: إذا ولدت جارية الرجل ولداً وادعى نسب هذا الولد لا تصح دعوته إلا بتصديق من الأب؛ لأن العلوق لم يحصل في ملك الابن ولا في حق الملك له، وليست له ولاية إبطال حق استلحاق النسب على الأب أيضاً؛ بأن يبيع أمته من غيره، فكان الابن وأجنبي آخر في ذلك على السواء، والأجنبي لو ادعى لا يصدق إلا بتصديق المالك، فكذا الابن، وكذلك لو ادعى الابن أنه تزوجها لا يصدق إلا بتصديق الأب، لا يدعي ملك بضع الأمة على الأب فلا يصدق؛ كما لو ادعى ملك رقبة الأمة عليه، فإن أقام الابن بينة على التزويج برضا الأب أو بغير رضاه؛ فإن نسب الولد ثبت منه، ويعتق لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت معاينة، ولو عاين القاضي أنه تزوجها نكاحاً صحيحاً برضى المولى، أو فاسداً بغير رضاه، ثم جاءت بولد في مدة تلد الأمة (242ب4) لمثلها؛ فإنه يثبت نسب الولد منه، ويحكم بعتقه؛ لأنه ملك ابن أمته.
نوع آخر في إقرار المريض بالولد
قال محمد رحمه الله: ملك عبداً في صحته، وأقر في مرضه أنه ابنه (لمثله)، وليس له نسب معروف فهو ابنه، ويعتق ويرثه، ولا يسعى في شيء وإن لم يكن له مال غيره، وكان عليه دين يحيط بقيمته، وهذا لأن المرض لا يزيل أملاك المريض عنه، ألا ترى أن تصرفات المريض كلها نافذة، فالدعوى صادفت ملكه، ولم يكذب فيما ادعى لا حقيقة؛ لأن مثله يولد لمثله ولا حكماً؛ لأنه مجهول النسب من غيره فصحت دعوته كما في حالة الصحة، وعتق العبد عليه؛ لأنه ملك ابنه، ولا يسعى العبد وإن لم يكن له ما غيره، وكان على المريض دين يحيط بقيمته؛ لأن هذا عتق الصحة ومعتق الصحة لا يسعى لأحد.(10/569)
-----
بيانه: أن العتق ههنا ثبت حكماً لبيان النسب، والنسب لا يمكن إثباته مقصوراً على الحال؛ إنما يثبت مستنداً إلى وقت العلوق، كان يجب أن يستند العتق منه إلى وقت العلوق؛ لأنه حكمه إلا أن إسناد العتق إلى ما قبل الملك غير ممكن فيستند العتق إلى حالة التملك، والتملك كان في حالة الصحة فيعتق من ذلك الوقت، فهو معنى قولنا: إنه معتق الصحة، وهذا بخلاف ما لو أقر المريض أنه أعتق هذا العبد في صحته، فإنه يعتبر هذا عتق المريض، وأن ملكه في حالة الصحة؛ لأن إثبات العتق في الحال ممكن، فأثبتناه للحال ولم نصدقه في حق الإسناد لحق الورثة، فأما إثبات النسب مقصوراً على الحال غير ممكن فثبت مستنداً إلى وقت العلوق، وإذا استند السبب إلى وقت العلوق استند العتق إلى وقت العلوق أيضاً، وكذلك إذا ملك معه أمه وقد ملكها في حالة الصحة لا سعاية على الأم؛ لأن الأم لا تسعى لو ملكهما في حالة المرض لما تبين فههنا أولى.
هذا إذا ملك العبد في حالة الصحة وحده أو مع المرض وادعى نسب الولد ثبت الولد منه وعتق عليه، وهل يجب على الولد السعاية؟ فهذا على وجهين.
الأول: أن لا يكون للمريض مال يخرج العبد من ثلثه، وفي هذا الوجه تجب السعاية بخلاف ما لو ملكه في حالة الصحة لأنه متى ملكه في المرض كان معتق المرض، لما ذكرنا أن العتق يستند إلى وقت التملك، والتملك كان في حالة المرض فيكون معتق المرض، ومعتق المرض يعتبر عتقه من الثلث، فأما إذا ملكه في حالة الصحة كان معتق الصحة على ما ذكرنا فيعتبر عتقه من جميع المال.(10/570)
-----
ثم إذا وجب عليه السعاية في هذه الصورة ففي أي قدر يسعى؟ ذكر أن على قول أبي حنيفة: يسعى في ثلثي قيمته، وعندهما: يسعى في جميع قيمته إلا قدر ما يخص الميراث وهذا لأن المستسعى عندهما حر مديون، وليس بمنزلة المكاتب فيكون وارثاً ولا وصية للوارث، فكان عليه أن يسعى في جميع القيمة رداً للوصية إلا قدر ما يخصه من الميراث، فإن ذلك يطرح عنه لأنه يستحيل أن يسعى لنفسه، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله: فالمستسعى بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يرث، فكانت الوصية صحيحة له بقدر الثلث فيسعى في ثلثي قيمته عند أبي حنيفة لهذا ولا يرث.
هذا إذا كان للمريض مال يخرج العبد من ثلث ماله، فأما إذا لم يكن للمريض مال يخرج العبد من ثلث ماله، فعلى قولهما: يرث منه ويسعى في قيمته إلا قدر ما يصيبه من الميراث، وهذا لما ذكرنا أن المستسعى حر مديون فيكون وارثاً ولا وصية للوارث، فيلزمه السعاية في جميع القيمة رداً للوصية إلا قدر ما يخصه من الميراث لما ذكرنا، فأما على قول أبي حنيفة: يرث ولا يسعى في شيء من قيمته، فقد جمع أبو حنيفة بين أمرين متغايرين، فإنه قال: يرث ولا يسعى، ومتى ورث يجب أن يسعى رداً للوصية؛ لأنه لا وصية للوارث، فإذا سعى لا يكون وارثاً؛ لأن المستسعى بمنزلة المكاتب، فقد جمع بين أمرين متضادين من هذا الوجه، وإنما فعل كذلك ضرورة الدور.(10/571)
-----
بيانه: أنه متى أوجبنا السعاية لا يرث؛ لأنه يكون بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة، والمكاتب عنده لا يورث، وإذا لم يرث تصح الوصية له ويعتق كله فيرث، وإذا ورث لا تصح الوصية له فصحت السعاية فلا تزال تدور هكذا، وسبيل الدور أن يطرح من حيث يقع، وإنما يقع الدور بإيجاب السعاية عليه، فلهذا قال: لا يسعى، فأما الجارية فإنها تعتق بموته، ولا سعاية عليها وإن ملكها في حالة المرض عندهم لأن المحتبس عندهما بالإعتاق مال غير متقوم في حق الغرماء والورثة؛ لأن أمومية الولد في حق الغرماء والورثة كما لو كان الاستيلاد معاشاً، فكان المحتبس عندهما بالإعتاق مالية متقومة؛ لأنه لم يحدث فيه قبل العتق ما يسقط قيمته في حق الغرماء فإنما احتبس عنده بالإعتاق مالية متقومة، وإنه معتق المرض، فيجب عليه السعاية كما لو أعتقه.
وزان مسألة أم الولد من مسألتنا ما لو ملكها في حالة المرض بدون الولد، وقال: إنها أم ولدي ثم مات، وهناك تسعى للغرماء و الورثة إذا لم يكن معها ولد؛ لأنه لم يثبت بمجرد إقراره، ولا وجه إليه فاعتبر هذا في حق الغرماء والورثة بين اثنين، فكان المحتبس عندهما مالية متقومة، أما ههنا بخلافه.(10/572)
-----
قالوا: ولو أن مريضاً وهب له ابن معروف النسب منه ولا مال له غيره وعليه دين يحيط بقيمته، فعليه أن يسعى في جميع قيمته عندهم، لأنه معتق المرض وقد احتبس عنده مالية متقومة ولا وصية مع الدين، فكان عليه أن يسعى في جميع قيمته. وإن كانت قيمة الابن أكثر من الدين بأن كان الدين ألفاً، وقيمة الابن أربعة آلاف لا شك أنه يسعى بقدر الدين؛ لأنه لا وصية في مقدار الدين، ومتى وجبت السعاية بقدر الدين يصير في معنى المكاتب عند أبي حنيفة، والمكاتب لا يرث، فتصح الوصية بمقدار ثلث الباقي وذلك ألف درهم، ويسعى في ثلثي الباقي وذلك ألفا درهم، وعندهما يسعى في جميع قيمته؛ لأن المستسعى عندهما حر مديون فيرث، ولا وصية للوارث فيسعى في جميع القيمة رداً للوصية إلا قدر ما يخصه من الميراث على ما ذكرنا.
ولو وهب للمريض أم ولد معروفة لا سعاية عليها لما مر أن المحتبس عندهما مالية غير متقومة، ولو كان اشترى أم ولد معروفة لا سعاية عليها لا للغرماء ولا للورثة لما ذكرنا وإن كان في البيع محاباة بأن كانت قيمة الابن أقل من الألف وقد اشتراه المريض بألف درهم ولا مال له غيره، وعليه دين يحيط بجميع ماله، فإن البائع يرد الفضل على القيمة، وهو مقدار المحاباة، لأن المحاباة في مرض الموت وصية، والوصية مؤخرة عن الدين؛ وإن لم يكن عليه دين ولا مال غير ذلك يسلم للبائع من المحاباة قدر ثلثها بطريق الوصية، ورد الباقي على الورثة، ولا يجبر البائع وإن لزمه زيادة ثمن؛ لأن الرد متعذر لأنها صارت أم ولد للمريض، فلا يفيد التخيير.[
(نوع منه) في الشهادة على الولادة من الوارث(10/573)
-----
وإذا كان رجل وامرأته مسلمين، ولدت المرأة ولداً وادعت أنه ابنها منه، والزوج يجحد ذلك، فشهد على الزوج ابنه أو أخوه أنه أقر أنه ابنه من هذه المرأة قبلت الشهادة، أما شهادة الأخ، فلأنه يشهدعلى أخيه لابن أخيه، فإن الولد ابن أخيه في زعمه وشهادة الإنسان على أخيه ولابن أخيه مقبولة، وأما شهادة الابن فلأنه يشهد على أبيه لأخيه، وشهادة الإنسان على أبيه ولأخيه مقبولة.
فإن قيل: الابن كما يشهد على أبيه لأخيه يشهد لامرأة أبيه أولاً فيما إذا وقعت هذه الدعوى بين الزوج وبين أمه، وشهادة الإنسان لأمه وامرأة ابنه غير مقبولة.
قلنا: الأم في هذه الدعوى نائبة عن الولد، لأن منفعة هذه الدعوى للولد، فتكون نائبة عن الولد في الدعوى، فتكون دعواها كدعوى الابن لو كان كبيراً، ولو كان المدعي هو الابن دون (243أ4) الأم كانت هذه الشهادة مقبولة لأنها قامت على الأب للأخ كذا ههنا، ولو شهد على إقرار الزوج بذلك أب المرأة أو جدها لا تقبل شهادته ادعت المرأة أو جحدت، وأما الجد فلأنه يشهد لمناقلته إن ادعت ولولد ناقلته إن جحدت، وكذلك لو شهد بذلك أب الزوج أو جده لم تقبل شهادتهم ادعى الزوج أو جحد.
نوع آخر في دعوى العبد التاجر(10/574)
-----
قال محمد رحمه الله في «الأصل»: العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى أمة ووطئها وولدت ولداً، ثم إن العبد ادعى نسب هذا الولد، صحت دعوته، صدقه المولى في ذلك أو كذبه؛ لأن العبد في أكسابه من تأويل الملك ما للأب من مال الابن وزيادة، أما أصل التأويل فلأن النبي عليه السلام أضاف كسب العبد إلى العبد بقوله: «من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع»، كما أضاف مال الابن إلى الأب بقوله: «أنت ومالك لأبيك»، وأما زيادة التأويل فلأن الكسب حصل بتصرف العبد، والعبد في حق التصرف بمنزلة الحر لا بمنزلة النائب عن المولى، لما عرف أن العبد بعد الإذن يتصرف بحكم فك الحجر لا بحكم النيابة عن المولى، وإذا كان العبد في التصرف بمنزلة الحر يجب أن يكون المستفاد له حقيقة الملك كما بعد العتق، فإن لم تثبت له حقيقة الملك؛ لأنه ليس من أهل حقيقة الملك لا أقل من أن يثبت له زيادة تأويل ملك، بسبب كونه أصلاً في التصرف.
فهو معنى قولنا: إن للعبد في كسبه من تأويل الملك ما للأب في مال الابن وزيادة، فمن حيث أصل التأويل تصح دعوته من غير تصديق المولى، ومن حيث زيادة التأويل لم يحتج إلى التملك لثبات النسب بخلاف الأب ويملك العبد بيع الولد؛ لأنه لما ثبت النسب منه صار في مثل مال الأب، وإذا ملك بيع الولد ملك بيع الأم بطريق الأولى.
قال: ولو زوج المولى هذه الأمة من هذا العبد صح النكاح؛ وثبت النسب منه إذا ولدت ولداً؛ كما لو زوجه أمة أخرى، وكذلك لو أن هذا العبد تزوج هذه الأمة بغير إذن المولى ثبت نسب الولد منه إذا أقر بالولد، فقد شرط إقراره بالولد، وإنه ليس بشرط مع النكاح سواء كان النكاح جائزاً أو فاسداً، فكأنه ذكر الإقرار اتفاقاً لا شرطاً.(10/575)
-----
وكذلك لو ادعى هذا العبد ولداً من امرأة حرة نكاحاً صحيحاً أو فاسداً ثبت النسب منه إذا صدقته المرأة؛ لأن العبد من أهل أن يثبت النسب ببينته، وإقراره بالنسب لا يمس حق المولى، وفيما لا يتناول حق المولى إقرار العبد به كإقرار الحر، كما في الإقرار بالقود والطلاق.
وإذا ادعى ولد أمة لغيره بنكاح جائز أو فاسد؛ إن صدقه المولى في النكاح * يعني: مولى الأمة * يثبت النسب منه كذبه في الولد أو صدقه؛ لما ذكرنا أن العبد في دعوى النسب بمنزلة الحر، والجواب في الحر هكذا.
قال: للعبد المأذون إذا كان مديوناً فاشترى (جارية) ووطئها وولدت له ولداً؛ وادعى نسب الولد، وكذبه مولاه صحت دعوته، وثبت نسب الولد منه؛ لأن الوطء حصل في تأويل الملك، ألا ترى أنه لا يعتبر تكذيب المولى إذا لم يكن على العبد دين، فإذا كان عليه دين أولى، وكذلك إذا ادعى العبد أن المولى أحلها له، وكذبه المولى لأن الإحلال إن لم يثبت في تكذيب المولى بقي له تأويل الملك في كسبه، وإنه يكفي لثبات النسب على ما مر.
ولو ادعى ولد أمة لمولاه لم يكن من جارية وادعى أن مولاها أحلها له، أو زوجها إياه، فإن كذبه المولى في ذلك لا يثبت النسب منه؛ لأنه في حق جارية المولى كأجنبي آخر، وإن صدقه المولى في ذلك ففي دعوى النكاح يثبت النسب؛ وفي الاستحسان: لا يثبت، وجه القياس في ذلك: الإحلال في هذا المحل غير قابل للإحلال، والإحلال (هنا لا يثبت إلا) بعقد، بل هو بمنزلة الرضا، فكأنه ادعى أنه زنا بها برضا مولاه، وبهذا لا يثبت النسب، وجه الاستحسان: أن الإحلال نظير النكاح من وجه؛ فإن ملك النكاح يسمى ملك الحل، ولا يثبت له ملك النكاح بملك عينها ومنافعها، إنما يحل له وطؤها، فكان الإحلال مورثاً الشبهة من هذا الوجه.(10/576)
-----
والنسب يثبت في موضع الشبهات؛ إلا أنه في دعوى النكاح يشترط تصديق المولى في النكاح خاصة، وفي دعوى الإحلال يشترط تصديق المولى في أنه أحلها له، وفي أنها ولدت منه، وهذا لأن النكاح عقد والعقد يثبت في المحل، فلا يثبت النسب به ما لم ينضم إليه إقرار المولى أن الولد منه، ولو لم يكن العبد ادعى نسب الولد المولود من أمته؛ ولكن المولى ادعى نسب هذا الولد صحت دعوته أيضاً، أما إذا لم يكن على العبد دين، فلأنه مالك كسب العبد حقيقة، وأما إذا كان عليه دين، فلأن المولى يملك استخلاص كسبه لنفسه بقضاء الدين فيصير بدعوى النسب والله أعلم.
نوع آخر في دعوى المكاتب في الأمة من كسبه، وفي دعوى المولى ولد مكاتبة، أو ولد أمة مكاتبة
قال محمد رحمه الله في «الأصل»: وإذا ولدت أمة المكاتب ولداً، وادعى المكاتب نسبه صحت دعوته؛ لأن ما للمكاتب في كسبه أقوى مما للعبد المأذون في كسبه، لأن للمكاتب في كسبه حق الملك؛ حتى لو تزوج بجارية من كسبه لا يجوز، وينقلب ذلك الحق حقيقة بعتقه، وليس للعبد المأذون مثل هذا الحق، فإذا صحت دعوى المأذون أولى أن تصح دعوى المكاتب، ويستوي إن صدق المولى المكاتب في دعوته أو كذبه فيها.(10/577)
-----
فرق بين المكاتب والمولى: فإن المولى إذا ادعى نسب ولد أمة المكاتب، فإنه لا تصح دعوته إلا بتصديق المكاتب، والفرق: وهو أن حق التصرف في كسب المكاتب للمكاتب، وليس للمولى إبطال التصرف عليه في إكسابه من غير رضاه، ومتى صحت دعوى المولى يبطل على المكاتب حق التصرف، فشرط تصديق المكاتب حتى لا يبطل عليه حق التصرف من غير رضاه، وليس في تصحيح دعوى المكاتب إبطال حق التصرف على المولى، إذ ليس للمولى في أكساب المكاتب حق التصرف، فلم يشترط تصديق المولى لهذا، ويصير هذا الولد بمثل حال المكاتب مكاتباً؛ لأن الكتابة حق لازم في المكاتب، ومثل هذا الحق يسري إلى الولد، ولا يتبع الابن ولا الأم، أما الابن فلأنه صار مكاتباً، وأما الأم فلأن للمكاتب في الأم حق الملك إن لم يكن له فيها حقيقة الملك، ولو كان له فيها حقيقة الملك يثبت لها حق العتق، ويمتنع بيعها، فإذا كان له فيها حق الملك لا حقيقة الملك امتنع بيعها لمكان أصل الحق، ولم يثبت لها حق العتق لانعدام حقيقة الملك.
وإذا اشترى المكاتب أمة فولدت عنده ولداً لأقل من ستة أشهر، فادعاه المكاتب صحت دعوته؛ ولو كان مكان المكاتب عبداً مأذوناً لا تصح دعوته، والفرق: أن دعوى المكاتب إنما صحت باعتبار ما له من حق الملك في أكسابه، والحق يلحق بالحقيقة، وحقيقة الملك في أحد الطرفين: إما طرف العلوق وإما طرف الدعوى يكفي لصحة الدعوى؛ فكذا في حق الملك، أما دعوى العبد إنما تصح باعتبار ما له من تأويل الملك في أكسابه لا باعتبار حق الملك؛ وصحة الدعوى متى كانت باعتبار تأويل الملك يشترط قيامه في الطرفين في طرف العلوق والدعوى كما في الأب.(10/578)
-----
ونظير هذا ما قالوا في المكاتب: إذا باع جارية له فولدت عند المشتري ولداً لأقل من ستة أشهر صحت دعوته وانتقض البيع؛ ولو ادعاه العبد وباقي المسألة بحالها لا تصح دعوته؛ لأن دعوى العبد باعتبار تأويل الملك فشرط قيامه في الطرفين ودعوى المكاتب باعتبار حق التملك، فيكتفي بقيامه في أحد الطرفين.
الأمة إذا كانت بين مكاتب وحر ولدت، فادعى المكاتب نسب الولد حتى ثبت نسبه منه؛ ضمن نصف قيمة الجارية، ونصف عقرها لشريكه.
والأمة إذا كانت بين حر وعبد تاجر؛ ولدت ولداً؛ فادعى العبد نسب هذا الولد حتى يثبت نسب الولد منه لا يضمن العبد من قيمة الجارية لشريكه شيئاً، والفرق: أن العبد بدعوته لم يفسد على شريكه نصيبه في الجارية؛ لأنه لا يمتنع بيع الجارية في نصيب العبد بالاستيلاد حتى يمتنع البيع (243ب4) في نصيب الشريك، فأما المكاتب بدعوته أفسد على شريكه نصيبه من الجارية؛ لأن نصيب المكاتب من الجارية صارت أم ولد له وامتنع بيعها، فيمتنع البيع في نصيب الشريك أيضاً، فصار مفسداً على شريكه نصيبه فيضمن قيمة نصيبه.
وإذا ادعى المكاتب أمة ابنه والولد حر أو مكاتب بعقد على حرة لم يثبت النسب من المكاتب إلا بتصديق الابن، بخلاف ما إذا كان الأب حراً، فإن عتق المكاتب وملك هذا الولد يوماً من الدهر مع الجارية ثبت نسب الولد منه، وصارت الجارية أم ولد له، وإن كان الابن قد ولد للمكاتب في حال مكاتبته، أو كان المكاتب قد اشتراه فولدت أمة هذا الابن ولداً، وادعاه المكاتب صحت دعوته وصارت الأمة أم ولد له، ولا يضمن مهراً ولا قيمتها؛ لأن كسب الولد المولود في الكتابة والولد المشترى بمنزلة كسبه حتى ينفذ تصرفه فيه، ولو ادعى ولداً من كسبه صحت دعوته، ويثبت النسب منه، ولم يلزمه مهر ولا قيمة كذا ههنا.(10/579)
-----
إذا ادعى الرجل الحر ولد مكاتبته وليس للولد نسب معروف، ولا للمكاتبة زوج، صحت دعوته صدقه المكاتب أو كذبه، وإنما صحت دعوته لأن رقبة المكاتبة مملوكة لمولاها، فرقبة ولدها تكون مملوكة أيضاً، ودعوى الإنسان في ملك نفسه دعوى صحيحة، ولأنه ليس في تصحيح هذه الدعوى إلا إثبات حق العتق للأم، وحقيقة العتق للولد، والمولى يملك إثبات حقيقة العتق للاخر بالدعوى من طريق الأولى؛ لأن الدعوى أسرع نفاذاً من الإعتاق حتى صحت الدعوى من البائع ومن الأب، ولم يصح الإعتاق منهما، وتخير المكاتبة؛ لأنه ثبت لها جهتا عتق: عتق بجهة الاستيلاد آجلاً بغير بدل، وعتق بجهة الكتابة عاجلاً بعوض، فإن شاءت مضت في الكتابة، وإن شاءت فسخت.
وإن ادعى ولد أمة مكاتبته لا تصح دعوته إلا بتصديق المكاتبة؛ لأن للمولى حق ملك في أكساب المكاتبة، وإنه كافٍ لصحة الدعوى؛ لأن مال المكاتبة في أكسابها من الحق راجح على حق المولى؛ لأن المولى في أكسابه حق الملك، وليس له حق التصرف، وللمكاتب حق الملك، وإذا كان الرجحان لحق المكاتبة كانت العبرة لحق المكاتبة فيشترط تصديق المكاتبة بخلاف ما لو ادعى ولد مكاتبته حيث تصح دعوته من غير أن تصدق المكاتبة؛ لأن حق المولى إذا رجح على حق المكاتبة في نفسها وولدها، فإن الثابت للمكاتبة في نفسها وولدها حق الملك، والثابت للمولى في رقبتها ورقبة ولدها حقيقة الملك؛ حتى ملك إعتاقهما. وإذا كان الرجحان في رقبتها ورقبة ولدها له كانت العبرة لجانب المولى، فلا يشترط تصديق المكاتبة؛ وهذا الذي ذكرنا جواب ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه تصح دعوى المولى ولد أمة المكاتب من غير تصديق المكاتبة، وقاسه على دعوى الأب جارية أبيه فإنه يصح من غير تصديق الابن.(10/580)
-----
وجه ذلك: أن للمولى في أكساب مكاتبه حق الملك وهذا الحق أقوى من حق الأب في مال الابن، حتى أن المولى لو تزوج بجارية من أكساب مكاتبة لا يجوز، والأب إذا تزوج بجارية ابنه يجوز، ثم الأب إذا ادعى ولد جارية ابنه تصح دعوته من غير تصديق الابن، فلأن تصح دعوة ولد مكاتبه من غير تصديق المكاتب أولى.
وجه ظاهر الرواية: وهو الفرق بين دعوى الأب، وبين دعوى المولى، إن صحة دعوى الأب ما كانت باعتبار حق الملك، فإنه ليس للأب في مال الابن حق الملك عندنا، ولهذا لو تزوج بجارية ابنه يجوز، وإنما جاز باعتبار أن للأب ولاية تملك مال الابن عند الحاجة، وقد مست الحاجة إلى التملك ههنا صيانة لمائه، فثبت التملك مقتضى الاستيلاد سابقاً عليه شرطاً لصحته، فتبين أنه استولد ملك نفسه، فلا تتوقف صحة دعوته على تصديق العبد؛ أما المولى فليس له بملك شيء من أكساب المكاتب للحاجة لتصير الجارية ملكاً له مقتضى الاستيلاد، فتبين أنه استولد ملك نفسه، ألا ترى أنه لو أراد أن يأخذ شيئاً من أكسابه لحاجة المأكول والملبوس لا يقدر عليه، فبقيت الجارية مملوكة للمكاتب، لو صحت دعوته إنما صحت باعتبار ما له فيها من حق الملك؛ ولا وجه إليه فيها لأن حقه لا يظهر بمقابلة حق المكاتب؛ لأن حق المكاتب راجح، لأن له حق الملك وحق التصرف، وللمولى حق الملك لا غير، فلا يظهر حقه إلا بتصديق المكاتب.(10/581)
-----
وفرق بين هذه المسألة وبين البائع: إذا ادعى ولد الجارية المبيعة، وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت البيع، فإن دعوته تصح من غير تصديق أحد، والفرق: أن دعوى البائع إنما صحت لحصول العلوق في ملكه حتى لو توهم أن العلوق لم يكن في ملكه بأن جاءت لستة أشهر فصاعداً من وقت البيع لا تصح دعوته، وعلى هذا التقدير يظهر أنها أم ولده، وأنه باع أم الولد فلم يصح بيعه، فبقيت على ملكه، فكان مدعياً ولد جاريته، فلم يحتج إلى تصديق أحد، أما ههنا العلوق لم يكن في ملك المولى فتصح دعوته بناءً على ذلك؛ لأن موضوع المسألة فيما إذا اشترى المكاتب أمة وحبلت في ملكه حتى لو كان العلوق في ملك المولى، بأن كانت الجارية من كسب العبد قبل الكتابة، كاتبه المولى على رقبته وأكسابه، فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الكتابة، فادعاه المولى صحت دعوته من غير تصديق أحد فثبت أنه لا يمكن تصديق دعوته بناءً على كون العلوق في ملكه لو صحت دعوته إنما تصح باعتبار ما له فيها من حق الملك، لكن حقه لا يظهر بدون تصديق المكاتب على ما مر، فشرط تصديقه لهذا.
فإذا صدقه المكاتب ثبت النسب منه لأن الحق لهما لا يعدوهما، فإذا تصادقا عليه فيما بينهما بهذا الطريق؛ قلنا: إذا ادعى نسب هذا الولد أجنبي وصدق المكاتب الأجنبي على ذلك يثبت النسب من الأجنبي، ولأنه لما صدق المولى في ذلك فقد ثبت الوطء من المولى بتصادقهما، وبعدما ثبت الوطء بتصادقهما تصح الدعوى من المولى، ويثبت النسب منه؛ لأنه صار مغروراً لما نبيّن بعد هذا إن شاء الله تعالى. وولد المغرور ثابت النسب منه، وعن هذا قال أصحابنا: إذا كان الوطء ظاهراً من المولى جاءت دعوته، صدقه المكاتب في ذلك أو كذبه، وكان الولد حراً بالقيمة، ويغرم المولى قيمة الولد للمكاتب، ويغرم عقرها للمكاتب أيضاً.(10/582)
-----
فرق بينه وبين الأب: إذا ادعى نسب ولد جارية ابنه، فإنه لا يغرم قيمة الولد ويغرم العقر إلا رواية رواها ابن سماعة أن آخر ما استقر عليه قول أبي يوسف أن الأب يضمن قيمة الولد، ويضمن العقر كما في المكاتب بمعنى جامع وهو الغرور، فإن الأب صار مغروراً في هذا الاستيلاد لاعتماده دليل الملك في المكاتب وهو ملك الرقبة، وحكم الغرور ما ذكرنا.
أصله: إذا اشترى جارية واستولدها فاستحقت من يده، ووجه الفرق على ظاهر الرواية: أنه ليس للأب في جارية الابن ما يكفي لثبات النسب من حقيقة الملك، أو حق الملك أو دليل الملك أو دليل الحق، إنما الثابت مجرد تأويل باعتبار ظاهر الإضافة، وأنه يكفي لإسقاط الحد، أما لا يكفي لثبات النسب، فلا بد من إثبات الملك في الجارية ليثبت النسب، ولا ملك بدون التملك مقتضى الاستيلاد سابقاً عليه شرطاً لصحته فتبين أنه وطأ ملك نفسه، والولد يعلق حر الأصل من غير قيمة، ولا يلزمه عقر الجارية، فأما المولى فله في جارية المكاتب ما يكفي لثبات النسب وهو حق الملك، وقد ظهر ذلك الحق بتصديق المكاتب، فلا حاجة إلى إثبات التملك مقتضى الاستيلاد سابقاً عليه، بل بقيت الجارية على ملك المكاتب، فكان واطئاً ملك المكاتب معتمداً على وجود سبب الملك، ظاناً أنها ملكه، وحكم الغرور ما ذكرنا.
ولا تصير الجارية (244أ4) أم ولد للمولى في الحال إلا رواية رواه ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه فإنها تصير أم ولد له، والفرق على ظاهر الرواية ما ذكرنا أن الأب يملك الجارية مقتضى الاستيلاد سابقاً عليه، فتبين أنه استولد ملك نفسه فتصير أم ولد له ولا كذلك المولى، فإنه لم يملك الجارية بل يثبت على ملك المكاتب، فلهذا لا تصير أم ولد له للحال، وليس من ضرورة ثبات النسب ثبوت أمية الولد للحال.
(10/583)
-----
قال: وتعتبر قيمة الولد يوم الولادة، فرق بينه وبين ولد الغرور، فإن في ولد المغرور تعتبر القيمة يوم الخصومة.
والفرق وهو أن في مسألتنا لما صدق المكاتب المولى في دعوى الاستيلاد، فقد زعم أن الحرية تثبت من وقت العلوق لأن للمولى حق الملك في أكساب المكاتب، فظهر ذلك عند تصديق المكاتب، وحق الملك كحقيقة الملك في دعوى الاستيلاد، فصار المولى متلفاً الولد على المكاتب من وقت العلوق، ولكن لا يمكن اعتبار قيمته قبل الولادة إذ لا قيمة للولد قبل الولادة، فيعتبر قيمته في أول أوقات الإمكان، وذلك وقت الولادة؛ لأنه أول وقت لحم له قيمة، فأما المستحق لم يصدق المشتري في الدعوى، والولد علق رقيقاً في حق المستحق إلا أن الشرع أثبت للمشتري ولاية المنع بالقيمة، فكان وقت تقرير النسب، ووقت المنع وقت الخصومة، فاعتبرت قيمته يوم الخصومة.
وفرق بين مسألتنا هذه وبين مسألة المغرور من وجه آخر، فإن هناك لو علم المشتري بحال البائع أنه غاصب لا يثبت الغرور لزوال نسب المغرور، وهو نفاذ الشراء بزعمه، وههنا لو علم المولى بحال الجارية أنها لا تحل له يثبت الغرور أيضاً لبقاء سبب الغرور؛ وهو قيام الملك للمولى في رقبة المكاتب هذا الذي ذكرنا.
إذا جاءت الأمة بالولد لستة أشهر منذ اشتراها المكاتب حتى لو كان العلوق في ملك المكاتب، فإذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها المكاتب فادعاه المولى لا تصح دعوته، ولا يثبت النسب بدون تصديق المكاتب، وإذا صدقه المكاتب حتى ثبت النسب كان عبداً على حاله.
وكذلك إذا اشترى المكاتب غلاماً من السوق، وادعى المولى نسب هذا الغلام؛ لا تصح دعوته إلا بتصديق المكاتب، وإذا صدقه وثبت النسب كان عبداً للمكاتب على حاله.(10/584)
-----
فرق بين هذا وبين الوجه الأول وهو ما إذا كان العلوق في ملك المكاتب، فإن العلوق في ملك المكاتب ما كان لأجل ثبوت النسب بالمولى؛ لأن العتق بالقرابة كالعتق بالإعتاق، ولو أعتق المولى عبداً من أكساب مكاتبه لا يعتق، فكذا إلا بعتق القرابة بهذا الطريق، قلنا: المكاتب إذا اشترى ابن مولاه وهو معروف النسب منه أنه لا يعتق، ولكن حرية الولد باعتبار الغرور، فإنه بنى الاستيلاد على سبب الحق في الجارية وهو يملك الرقبة في المكاتب، وولد المغرور حر بالقيمة، أما إذا لم يكن العلوق في ملك المكاتب، فالمولى لا يصير مغروراً لأنه بنى الاستيلاد على سبب الحق في الجارية، فلهذا لم يعتق الولد.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات»: رجل اشترى عبداً وكاتبه ثم إن المكاتب كاتب أمة له، ثم ولدت المكاتبة ولداً، فادعاه مولى المكاتب فالمسألة على وجوه؛ أما إن كانا صدقاه في ذلك يعني المكاتب والمكاتبة، أو كذباه في ذلك، أو صدقه أحدهما وكذبه الآخر، وأما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كوتبت أو لأكثر، فإن صدقاه في ذلك أو صدقته المكاتبة يثبت النسب منه، وإن كذباه في ذلك أو كذبته المكاتبة لا يثبت النسب، فالعبرة في هذا الباب لتصديق المكاتبة؛ لا لتصديق المكاتب؛ بخلاف الفصل الأول، فالعبرة هناك لتصديق المكاتب دون أمة المكاتب.
والفرق: أن ولد المكاتبة من كسبها، وقد صارت هي أخص بنفسها ومكاسبها بل المولى أحق بها، فكانت العبرة لتصديق المولى، وإذا صدقه في ذلك ثبت النسب؛ لأن مولى المكاتب لا يكون أدنى حالاً من الأجنبي، ولو ادعى أجنبي نسب هذا الولد وصدقه المكاتب ثبت النسب منه، فههنا أولى، ولأن المكاتبة قادرة على اكتساب سبب يثبت به النسب بأن تزوج نفسها منه، فيثبت به النسب، وهي قادرة على ذلك، فيثبت به النسب، ويجب العقر بها إن ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت كتابتها.u(10/585)
-----
وإن ولدت لأقل من ستة أشهر فالعقر للمكاتب بحصول العلوق في ملكه، ثم هذا الولد يكون مكاتباً مع أمها، ولا يكون حراً بخلاف ولد أمة المكاتب، والفرق أن حرية ولد أمة المكاتب إنما كانت لأجل الغرور ولا غرور هنا، وهذا لأن رقبة المكاتب وإن كانت مملوكة للمولى في الفصلين إلا أن ملك الرقبة إنما يكون سبباً لملك الكسب إذا كان الكسب محلاً للملك، والأمة محل الملك، فإذا صح النسب في محله، وامتنع الحكم لمانع ثبت الغرور، فأما المكاتبة فليست بمحل الملك، فيبطل النسب ههنا لوقوعه في غير محله، فلا يثبت الغرور، ولو ثبت الغرور ههنا إلا أنه لا يمكن القول بحرية الولد ههنا؛ بخلاف ولد أمة المكاتب.
بيانه: وهو أن حرية ولد المغرور تثبت بالقيمة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم وتعذر إيجاب القيمة ههنا، لأنها لو وجبت إما أن تجب للمكاتب أو للمكاتبة لا وجه إلى الأول، لأن المكاتب صار كالأجنبي عن أكساب مكاتبته، وولدها من كسبهما، ألا ترى أنه لو قيل: هذا الولد فالقائل يغرم القيمة للمكاتبة لا للمكاتب، ولا وجه إلى الثاني، لأنه لو وجبت القيمة لها وجبت لأجل العتق، فيجب لها ضمان العتق في أولادها، والمكاتب لا يجب له ضمان العتق في أولاده لأن المكاتبة بعقد الكتابة تسعى لتحصيل مقصودها، فكيف تستوجب القيمة لأجلها بخلاف ولد أمة المكاتب؛ لأن هناك لو أوجبنا القيمة للمكاتب بعتق ولد أمته والمكاتب لا يسعى لتحصيل العتق لولد أمته.(10/586)
-----
فإن قيل: لا بل إيجاب القيمة للمكاتبة ممكن مع تحصيل مقصودها في حرية الولد؛ ألا ترى أن المكاتبة إذا غرت رجلاً فزوجت نفسها منه، على أنها حرة فولدت ولداً كان الولد حراً بالقيمة، وكانت القيمة لها، قلنا: ليس في حرية الولد تحصيل مقصودها؛ لأن مقصودها أن تعتق هي ولدها على وجه تصير وولدها مولى لمولاها، وهناك إذا وجبت القيمة وحكم بحرية الولد بحكم الحرية من الأصل من غير ولاء فلا يكون الولد مولى لمولاها، فلا يكون فيه تحصيل مقصودها فيمكن إيجاب القيمة لها.
فإن قيل: هذا المعنى ليس بصحيح، فإنا إذا أوجبنا القيمة في مسألتنا وحكمنا بحرية الولد حكمنا بحريته من الأصل من غير ولاء، فلا يكون فيه تحصيل مقصودها أيضاً، قلنا: لا بل هو صحيح، لأن مولاه هنا المكاتب، والمكاتب ليس من أهل الولاء، فلم تكن هي قاصدة أن يكون ولدها مولى مولاها، بل تقصد عتق الولد لا غير؛ وإنه حاصل فقد حصل مقصودها فيتعذر إيجاد القيمة بخلاف تلك المسألة؛ لأن هناك مولى المكاتبة من أهل الولاء، فكانت قاصدة عتق ولدها على وجه تصير هي وولدها مولى لمولاها، وهذا المقصود هناك مما لا يحصل، أما هنا بخلافه.(10/587)
-----
وإذا ثبت أن الولد يكون مكاتباً مع الأم فالمسألة بعد ذلك على وجهين: إن أدت الأم بدل الكتابة عتقت وعتق الولد معها تبعاً لها، وإن عجزت وردت إلى الرق أخذ المولى ابنها بالقيمة (244ب4)؛ لأنها لما عجزت صارت أمة للمكاتب والمكاتب من أهل أن يستحق قيمة ولد أمته، فتجب القيمة وهبت الحرية على ما مرَّ، غير أن ههنا لا يحتاج إلى تصديق المكاتب وإن ثبت الحق له لوجود التصديق يوم الدعوى ممن إليه التصديق وتعتبر قيمة الولد ههنا يوم العجز؛ لأن قيمة الولد إنما تجب بمنع الولد واستهلاكه، وذلك لثبوت الحرية في الولد ووقت ثبوت الحرية في الولد وقت عجز المكاتبة، فتعتبر قيمته يوم عجز المكاتبة لهذا قال: ولو كذبته المكاتبة وصدقه المكاتب لا يثبت النسب لما بينا أن العبرة في هذا الباب لتصديق المكاتبة ولم توجد، ويكون الولد مكاتباً مع أمه إن أدت بدل الكتابة عتقا، وإن عجزت وردت في الرق ثبت النسب من المولى؛ لأنها لما عجزت وردت في الرق صارت أمة للمكاتب، وقد وجد التصديق من المكاتب وظهر أن ولاية التصديق والتكذيب له؛ لانفساخ الكتابة من الأصل وإن كان الولد حراً بالقيمة؛ لأنه لما انفسخت الكتابة من الأصل ظهر تأويل الملك للمولى في الجارية وقت العلوق، وظهر أنه صار مغروراً، غير أنه إن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ كوتبت تعتبر قيمة الولد يوم الولادة، وإن جاءت به لستة أشهر منذ كوتبت تعتبر قيمة الولد يوم العجز.
والفرق: أن في الوجه الأول تيقنا أن العلوق كان في ملك المكاتب سابقاً على عتق المكاتبة، لأن حقها ثبت بالكتابة، والعلوق كان قبل الكتابة، فعند ثبوت النسب يصير المولى مستهلكاً الولد على المكاتب من ذلك الوقت، إلا أنه لا يمكن اعتبار قيمة الولد حال كونه مستحقاً، واعتبرناه في أول أوقات الإمكان وهو ما بعد الولادة.(10/588)
-----
فأما في الوجه الثاني حصل العلوق بعد ثبوت حق المكاتبة وبعدما صار المكاتب كالأجنبي عنها فلم يصر المولى مستهلكاً عليه وقت ثبوت حقه، وهو وقت العجز، فاعتبرت قيمته يوم العجز، لهذا يوضح الفرق أن في الوجه الأول لما كان العلوق سابقاً على حق المكاتبة كان العلوق في زمان المكاتبة غير محجور عن التصرف فيها، فعند زوال حق المكاتبة بالعجز يمكن إسناد التصديق إلى وقت العلوق فيثبت النسب وتثبت الحرية من وقت العلوق فصار مستهلكاً الولد من ذلك الوقت.
أما في الوجه الثاني: لما كان العلوق بعد ثبوت حق المكاتبة كان العلوق في زمان المكاتبة محجوراً عن التصرف فيها، فلا يمكن إسناد التصديق إلى ذلك الوقت بل يبقى مقصوراً على وقت ثبوت حق المكاتب، وهو وقت العجز، فاعتبرت قيمته يوم العجز لهذا، هذا إذا صدقه أحدهما دون الآخر.
وإن كذباه لا يثبت نسب الولد؛ لأن في تكذيبهما تكذيب المكاتبة وزيادة، وقد ذكرنا أن المكاتبة لو كذبته بانفرادها لا يثبت النسب؛ لأنها لما عجزت صارا مملوكين للمكاتب ولا يثبت النسب منه، فههنا أولى.
ويكون الولد مع الأم مكاتبين للمكاتب إن ردت بدل الكتابة عتقاً، وإن عجزت صارا مملوكين للمكاتب، ولا يثبت النسب لأنها لما عجزت صارا مملوكين، فكان المولى مدعياً ولد أمة المكاتب، فلا يثبت النسب إلا بتصديق المكاتب، ولم يوجد ههنا تصديق من المكاتب أصلاً.(10/589)
-----
وأما إذا صدقاه جميعاً ثبت النسب من المولى؛ لأن في تصديقهما إياه تصديق المكاتبة وزيادة، ولو صدقته المكاتبة بانفرادها قد ذكرنا أنه يثبت النسب منه فههنا أولى، بعد هذا ينظر؛ إن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كاتبها المكاتب حتى كان العلوق في ملك المكاتب كان الولد حراً بالقيمة؛ لأنهم تصادقوا على أن الولد علق حراً بحكم الغرور، وتكون قيمة الولد للمكاتب لوجوبها بسبب كان قبل الكتابة الثالثة، وتعتبر قيمته يوم الولادة لما قلنا قبل هذا بأن جاءت به لستة أشهر منذ كاتبها المكاتب، والولد مكاتب معها لما مر أنه لا يمكن إثبات الحرية في ولد مكاتبة المكاتب ما دامت مكاتبة تعجز بعد، فإن عجزت حينئذٍ يأخذ المولى الولد بالقيمة، وتعتبر القيمة يوم العجز على ما مر.
عاد محمد رحمه الله إلى الوجه الثاني: وهو ما إذا صدقه المكاتب وكذبته المكاتبة حتى لم يثبت النسب، ثم تعجز المكاتبة بعد ذلك، ولكن أدى المكاتب بدل الكتابة وعتق، فإن كانت المكاتبة جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كوتبت ثبت النسب من المولى ويكون حراً بالقيمة، لأن المكاتب لما صدقه في الدعوى وقد جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كوتبت فقد أقر أن العلوق حصل حال قيام ملك المكاتب، وحال قيام حق الملك للمولى، وهو إقرار بحرية الولد لمكان الغرور على ما بينا؛ إلا أنه لم يعمل إقراره لأنه مكاتب، والمكاتب لا يملك تحرير ولد مكاتبه، وبعدما ادعى وعتق فهو مصر على ذلك الإقرار، فيعمل إقراره لأن المولى الحر يملك إعتاق ولد مكاتبه، فيملك الإقرار بحريته أيضاً، فيعتق الولد بإقراره ويثبت النسب من المولى؛ لأن الولد لما عتق صار في يد المكاتب المعتق، وقد صدق المكاتب المولى في الدعوى.
(10/590)
-----
ومن ادعى صبياً حراً في يدي إنسان وصدقه صاحب اليد في ذلك يثبت النسب منه ويضمن المولى قيمة الولد، ويكون ذلك للمكاتب لأنه أقر بإتلاف ملك المكاتب عليه وصدقه المكاتب فقد حصل هذا الإتلاف قبل ثبوت حق المكاتبة لما جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كوتبت، وهذا إذا كان الولد صغيراً لأنه لا يعبر عن نفسه، فإن كان قد كبر ثم ادعى المولى نسبه وصدقه المولى المكاتب، فالولد حر لما قلنا، ويرجع في حق النسب إلى قول الولد؛ لأن النسب تمحض نفعاً في حقه، وقول من يعبر عن نفسه معتبر فيما ينفعه.
وإن كانت جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر منذ كوتبت لا يعتق الولد، بل يكون مكاتباً مع أمه، ولا يثبت نسبه من المولى أيضاً، أما لا يعتق؛ فلأن العتق في الوجه الأول وهو ما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر إنما جاءت حكماً لإقرار المكاتب بعتق الولد، والمكاتب ههنا لم يصر مقراً بعتق الولد لأنه يحتمل أن العلوق كان بعد الكتابة، والعلوق إذا كان بعد الكتابة لا يثبت حكم الغرور لانعدام محله على ما مرَّ، فلا يصير مقراً بعتق الولد مع الاحتمال، وإذا لم يعتق الولد لم يصر في يد المولى بل بقي في يد المكاتبة، فيعتبر تصديقها لثبوت النسب بخلاف الوجه الأول، لأن هناك لما عتق الولد صار في يد المكاتب المعتق فيعتبر تصديقه، فقد وجد فثبت النسب، أما ههنا بخلافه.(10/591)
-----
وإن عجزت المكاتبة بعد ذلك وردت في الرق كان الولد حراً بالقيمة ثابت النسب من المولى؛ لأنها لما عجزت وردت إلى الرق انفسخت الكتابة من الأصل وولد العلوق في التقدير في أمة المكاتب فكان المولى مدعياً ولد أمة المكاتب، وهي المسألة التي تقدم ذكرها، وإن لم تعجز ولكنها أدت بدل الكتابة عتقت وعتق الولد معها، ولا يثبت نسب الولد من المولى؛ لأن تصديق المكاتب لما لم يعمل قبل عتقها في حق ثبات نسب الولد من المولى فبعد عتقها أولى، إلا أنه إذا كبر الابن وصدق المولى في ذلك فحينئذٍ يثبت نسبه من المولى بتصديقه، ولا تلزمه القيمة لأن الولد حين تعتق الأم لا بدعوى المولى وبعدما عتق بعتق الأم لا تجب قيمته على من ثبت نسبه منه، كمن ادعى نسب معتق إنسان وصدقه المعتق حتى يثبت نسبه منه لا يجب على المدعي قيمته كذا ههنا.
عاد محمد رحمه الله إلى أصل المسألة فقال: المكاتب إذا كاتب أمته، ثم أدى المكاتب بدل الكتابة وعتق، ثم ولدت المكاتبة ولداً فادعاه المولى، فإن ولدت لأقل (245أ4) من ستة أشهر من وقت العتق ولأكثر من ستة أشهر منذ كوتبت فهذا؛ وما لو ولدت قبل عتق المكاتب سواء، وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت العتق فادعاه أحدهما؛ لا يثبت نسب الولد من المولى أصلاً؛ لأنه استولدها وليس له فيها حق التملك، ولا تأويل الملك؛ إذ ليس للإنسان في مكاتبة معتقه حق الملك ولا تأويل الملك فكان هذا الولد حاصلاً من الزنا لا يثبت النسب.
(10/592)
-----
وإن زعم المولى أنه تزوجها بعد عتق المكاتب ثبت النسب، أما إذا صدقاه جميعاً فلأنهما يملكان إثبات الفراش عليهما، فكان تصديقهما إياه بمنزلة اكتساب نصيب الفراش، وهما يقدران عليه، فيثبت به النسب، وأما إذا صدقته المكاتبة؛ فلأنها تملك على نفسها بأن تزوج نفسها، ويثبت به النسب وإن كان فاسداً، فصار تصديقها بمنزلة اكتساب سبب الفراش، وهي قادرة عليه، فيثبت به النسب ويعتق الولد لأنه استولد مكاتبة معتقه بحكم النكاح، ومن استولد مكاتبة معتقة بحكم النكاح لا يعتق الولد، بل يكون مكاتباً تبعاً للأم، فإن أدت بدل الكتابة عتقت وعتق الولد معها، وإن عجزت كانت أمة للمكاتب، وولدها عبد للمكاتب لا يأخذه المولى بالقيمة، كما لو كان النكاح ظاهراً وعجزت المكاتبة.
وإن كذبته المكاتبة وصدقه المكاتب لا يثبت النسب؛ لأنه لا يملك إثبات الفراش عليها أصلاً، ولا يعتبر تصديقه، وإن عجزت المكاتبة بعد ذلك وردت في الرق صارت أمة للمكاتب المعتق، فينفذ إقراره عليها بالنكاح لأنه يملك إنشاء النكاح عليها ويثبت النسب، ولكن لا يعتق الولد كما لو كان النكاح ظاهراً، وإن زعم المولى أن هذا الولد ابنه بوطء كان منه قبل عتق المكاتب، فإن صدقاه جميعاً يثبت النسب من المولى ويكون مكاتباً مع أمه لأنهم تصادقوا أن العلوق كان والمكاتب مكاتب، ومن ادعى ولد مكاتبة المكاتب واتصل بها التصديق من المكاتبة ثبت النسب وكان الولد مكاتباً مع أمه كذا ههنا، فإن عجزت بعد ذلك وردت في الرق انفسخت الكتابة من الأصل، وتبين أن الدعوى في ولد أمة المكاتب وقد اتصل بها التصديق من المكاتب.(10/593)
-----
وإن صدقته المكاتبة وكذبه المكاتب ثبت النسب؛ لأن الحق في التصديق لها، وقد وجد والولد رقيق لما مر، وإن عجزت وردت في الرق كان الولد مع أمه مملوكين للمكاتب؛ لأن المكاتب منكر كون العلوق سابقاً على عتقه فيكون منكراً كون المولى مغروراً، وبعد العجز صار الملك له في الجارية والولد، فكانت الجارية المكاتبة بتصديق المولى فيما ادعاه من يده إبطال ملك استحقه المكاتب في الولد، وهي لا تملك ذلك، وإن كذبته المكاتبة وصدقه المكاتب لا يثبت النسب لما مر، فإن عجزت المكاتبة وردت في الرق أخذ المولى الولد بالقيمة؛ لأن المكاتب مصدق في حق نفسه، وبعد العجز جعلت الحق له، فيعمل تصديقه فيأخذ المولى الولد بالقيمة، وتعتبر قيمته يوم العجز لما مرَّ، وكثير من جنس هذه المسائل، ذكرناها في كتاب المكاتب والله أعلم.
نوع آخر في دعوى أهل الإسلام وأهل الذمة الولد
قال محمد رحمه الله: أمة بين مسلم وذمي جاءت بولد فادعياه، فهو ابن المسلم؛ لأن الدعوى عند اتصال العلوق بالملك بمنزلة البينة، ألا ترى أنه لو انفرد أحدهما بالدعوى يثبت ما ادعاه، كما لو أقام البينة بأن كان الصبي في يد غيرهما، كانت بينة المسلم أولى؛ لأنها أكثر إثباتاً لأنها يثبت النسب بجميع أحكامه ويثبت إسلام الولد، وبينة الكافر تثبت النسب ببعض أحكامه فكذا ههنا فإن كان الذمي قد أسلم ثم جاءت الأمة بولد فادعياه، فهو ابنهما يرثهما ويرثانه سواء كان العلوق بالجارية قبل إسلام الذمي أو بعده؛ لأنهما استويا وقت الدعوى، لأن كل واحد منهما بدعوته يثبت نسب الولد بجميع أحكامه، وإسلام الولد والعبرة بحالة الدعوة، وقد استويا حالة الدعوة، فيقضى بالولد بينهما.(10/594)
-----
وإذا كانت الأمة بين مسلمين ارتد أحدهما والعياذ بالله ثم جاءت بولد فادعياه، فهو ابن المسلم منهما، علقت قبل ارتداد الآخر أو بعده، لأن العبرة لحالة الدعوى ولا مساواة بينهما حالة الدعوى؛ لأن بينة المسلم تثبت إسلام الولد حقيقة وحكماً، وبينة المرتد تثبت إسلام الولد حكماً لا حقيقة، لأن المرتد إن اعتبر مسلماً في حق بعض الأحكام، فهو كافر على الحقيقة، وإذا صار المسلم أولى بالولد صارت الجارية أم ولد له، وضمن للمرتد قيمتها؛ لأنه يملك عليه نصيبه ويتقاصان في العقر؛ لأن كل واحد منهما أقر بوطء جارية مشتركة.
وإذا كانت الأمة بين مسلم وذمي، ارتد المسلم والعياذ بالله وجاءت الأمة بالولد فادعياه فهو ابن المرتد، لأن المرتد يثبت إسلام الولد حكماً إذا كان لا يثبته حقيقة، والذمي لا يثبت إسلام الولد لا حقيقة ولا حكماً، فصار المرتد أولى وضمن للذمي نصف قيمتها، لأنه يملك نصيب الذمي، وفي العقر يتقاصان لما ذكرنا.
وإذا كانت الأمة بين يهودي ونصراني ومجوسي جاءت بالولد فادعوه، فهو ولد النصراني واليهودي يرثهما ويرثانه؛ لأن دعواهما أكثر إثباتاً، لأنهما يثبتان للولد بعض أحكام الإسلام من حل الذبيحة والمناكحة.
وإذا كانت الأمة بين مجوسي حر، وبين مكاتب مسلم، فجاءت بولد فادعياه، فهو ابن المجوسي وإن كان ينبغي أن يكون ابنهما؛ لأن في دعوى كل واحد منهما زيادة إثبات ليست في دعوة الآخر، فالمجوسي يثبت النسب بجميع أحكامه، إن كان لا يثبت إسلام الولد، والمكاتب يثبت إسلام الولد إن كان لا يثبت النسب بجميع أحكامه، والجواب: أن الزيادة في جانب المجوسي في نفس ما وقع فيه الدعوى؛ لأن الزيادة في جانبه أحكام النسب، والدعوى وقعت في النسب وأحكامه، والزيادة في جانب المكاتب إسلام الولد، وإنه ليس من أحكام النسب والترجيح أولاً يعتبر بالزيادة فيما وقع فيه الدعوى، ثم عند الاستواء في ذلك يعتبر الترجيح بالزيادة في شيء آخر.(10/595)
-----
قال: وإذا كانت الأمة بين رجلين مسلمين علقت، ثم إن أحدهما باع نصيبه من الآخر فولدت ولداً بعد البيع لأقل من ستة أشهر فادعياه، فهو ابنهما فقد صحح دعوى المشتري مع دعوى البائع، وفيما إذا كانت الجارية كلها لرجل باعها من إنسان فولدت في يد المشتري لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فادعياه؛ كان دعوى البائع أولى.
والفرق: وهو أن تلك المسألة إنما كانت دعوى البائع أولى، لأن دعوته سابقة معنى؛ لأنها دعوى استيلاد إذ العلوق في ملكه؛ ودعوى المشتري دعوى تحرير، إذ العلوق لم يكن في ملكه، ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق، ودعوى التحرير تقتصر على الحال، وفي هذه المسألة استويا في الدعوى ولم تسبق دعوى أحدهما على دعوى صاحبه، لأن دعوى كل واحد منهما دعوى استيلاد، فإذا استويا في الدعوى في النسب؛ فإن ادعاه المشتري وحده صحت دعوته، ويثبت النسب منه وبطل البيع منه، واشترى المشتري الثمن من البائع، وغرم البائع نصف قيمتها ونصف عقرها والله أعلم.
نوع آخر(10/596)
-----
قال محمد رحمه الله في «الأصل»: أمة أبقت إلى رجل وأخبرته أنها حرة، وتزوجها أنها حرة، فولدت لها أولاداً، ثم جاء مولاها وأقام البينة على أنها أمته؛ قضى القاضي له بالجارية وبالأولاد إلا أن يقيم الزوج البينة على أنها تزوجته على أنها حرة، أما القضاء بالجارية؛ لأن الجارية عين ماله، وأما القضاء بالأولاد، فلأن الأولاد فرع الجارية وجزؤها فتكون مملوكة لصاحب الجارية إلا أن يظهر سبب حرية الجزء وذلك (245ب4) ههنا الغرور، غير أن الغرور لا يثبت بمجرد دعوى الزواج بل يشترط إقامة البينة علىه، فإذا أقام الزوج البينة على أنها حرة، فقد ثبت الغرور، فلا يقضى بالأولاد للمولى بل يجعلهم أحراراً بالقيمة؛ لأن ولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة، وهذا لأن ولد المغرور علق حراً في حق المستولد؛ لأنه لم يرضَ برق مائه، وعلق رقيقاً في حق المستحق لأنه متولد من ذات مرقوق، فجعله الشرع حراً بالقيمة نظراً من الجانبين ومراعاة للطريقين.
وطريقه: أن ولد المغرور علق رقيقاً في حق المستحق، فصار الزوج بما ثبت فيه من الحرية حقاً للزوج مانعاً الولد عن المستحق، ومنع الملك على المالك بعد الطلب سبب وجوب الضمان، ولهذا تعتبر قيمة الولد يوم الخصومة؛ لأن وجوب الضمان على المستولد باعتبار منع المملوك عن المالك، والمنع إنما يتحقق عند الخصومة، فتعتبر القيمة يوم الخصومة لهذا؛ وتكون قيمة الولد على المستولد، ولا يكون على الولد ولا في ماله؛ لأن سبب الضمان إنما وجد من المغرور لا من الولد؛ لأن سبب الضمان منع الولد بالحرية، وحرية الولد إنما تثبت من جهة المستولد، وهو اشتراط الحرية عند العقد، فلهذا كان الضمان على المستولد في ماله.(10/597)
-----
ومن مات من الأولاد قبل الخصومة لا يضمن المستولد شيئاً من قيمته؛ لما ذكرنا أن ولد المغرور علق رقيقاً في حق المستولد، ولو علق رقيقاً في حق المستحق والمستولد بأن كان غاصباً لا يضمن من مات من الأولاد قبل الخصومة، والطلب إنما يضمن من مات منهم بعد الخصوم والطلب فههنا أولى.
ومن قتل منهم خطأ فقضي للأب بديته وقبضها فإنه يقضي عليه بقيمته؛ لأنه سلم له بدل الولد لما قبض الدية، وسلامة البدل كسلامة المبدل، ويضمن قيمة الولد يوم القتل، وكان ينبغي أن يضمن قيمته يوم الخصومة؛ لأن المنع بعد الطلب إنما يتحقق يوم الخصومة ومنع البدل. والجواب: أن يقول: إيجاب القيمة يوم الخصومة ويوم منع البدل متعذر؛ لأنه لا قيمة للولد يوم الخصومة ويوم منع البدل لأنه ميت، والميت لا قيمة له، فاعتبرنا قيمته في آخر يوم يمكن تقويمه إذا منع البدل، وذلك يوم القتل، بخلاف ما لو كان الولد قائماً تقويمه ممكن يوم الخصومة، ويوم المنع ثمة، أما ههنا بخلافه.
وإذا كان لم يقبض شيئاً من دية الولد لا يقضى عليه بقيمة الولد؛ لأنه لم يسلم له الولد لا بنفسه ولا ببدله، فلم يصر هو مانعاً الولد لا بنفسه ولا بمنع بدله، فلهذا لا يقضى عليه بقيمة الولد، وإن قبض من الدية قدر قيمة الولد فإنه يقضي عليه بقيمة الولد لأنه رقيق في حق المستحق حكماً واعتباراً، فإنما يشترط لإيجاب الضمان على المستولد للمستحق أن يسلم له بدله رقيقاً، وقد سلم له ذلك متى قبض قدر قيمته، وإن مات المستولد وعليه ديون كان المستحق أسوة لغرمائه لأن قيمة الولد دين للمستحق على الميت كسائر الديون، فيكون أسوة لسائر غرمائه.w(10/598)
-----
قال: ولا يكون ولاء الولد لمولى الجارية، وإن علق رقيقاً في حق مولى الجارية؛ لأنه إنما اعتبر رقيقاً في حق المستحق ليمكن إيجاب الضمان على المستولد لأنه اعتبر حراً في حقه لا يمكن إيجاب الضمان على المستولد، فإنما يظهر رقه على حق المستحق في حق حكم الضمان لا غير، والولاء ليس من إيجاب الضمان في شيء، فلا يظهر رقه في حق هذا الحكم في حق المستحق.
فالحاصل: أن ولد الغرور حر في حق غير المستحق في جميع الأحكام، وفي حق المستحق رقيق في حق حكم الضمان حر في حق ما سواه من الأحكام، وعن هذا قلنا: إن للمستحق أن يضمن المستولد قيمة الولد وإن المستحق ذا رحم محرم من الولد، ولا يجعل حراً من جهة المستحق بالقرابة حتى لا يضمن المستولد أنه إنما اعتبر رقيقاً في حق المستحق في حق حكم الضمان لا غير، وأن يعتق عليه بحكم القرابة ليس من الضمان في شيء فيعتبر حراً في حق هذا الحكم فلا يعتق عليه بالقرابة.
قال: ولو لم يكن للزوج بينة على أنها حرة وطلب يمين المستحق حلفته على ذلك على العلم؛ لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لزمه، فإذا أنكر يستحلف فيكون الاستحلاف على العلم؛ لأن هذا استحلاف على فعل الغير.(10/599)
-----
قال: وإذا اشترى الرجل أمة شراءً فاسداً أو جائزاً أو ملكها بهبة أو صدقة أو وصية فولدت له أولاداً، ثم استحقها رجل فإنه يقضى للمستحق بالجارية وأولادها؛ لأن الأولاد فرع ملكه، فيكون له إلا إذا ثبت من غرور المتولد، ولا بد لذلك من البينة على الشراء أو الهبة أو ما أشبه ذلك، فإذا أقام المشتري بينة على ذلك ثبت غرور المستولد؛ لأنه وطئها على حسبان أنها ملكه بناءً على دليله وهو الشراء أو الهبة، وهذا هو حد الغرور، وولد المغرور حرّ بالقيمة، فيقضي القاضي للمستحق بالجارية وبقيمة الولد، ويقضي له بعقر الجارية أيضاً، لأن المستولد وطئ ملك الغير وقد سقط الحد لمكان الشبهة فيجب العقر، ولا يرجع المشتري على ملكها بالعقر بائعاً كان أو واهباً عندنا، وهل يرجع عليه بقيمة الولد؟ ففي الشراء يرجع، وفي فصل الهبة ونظائرها لا يرجع.
وعلى هذا إذا نقض المستحق بناء أحدثه المشتري في الأرض المشتراة، أو قلع الأشجار التي غرسها المشتري في الأرض المشتراة هل يرجع بقيمة ذلك على مملكه؟ ففي الهبة وأشباهها لا يرجع، وفي الشراء يرجع.
فالحاصل: أن مجرد الغرور ليس يصلح سبباً للضمان والرجوع، ألا ترى أن من قال لغيره: اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلك وأخذ ماله لا ضمان على المخبر، فقد حصل الغرور، إنما الموجب للضمان والرجوع ضمان السلامة إما نصاً بأن قال لغيره: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فإن أخذ مالك فأنا ضامن لذلك، أو في عقد المعاوضة كما في الشراء وأشباهه من عقود المعاوضات، وهذا لأن البائع بالبيع ضمن سلامة المبيع للمشتري؛ لأن المشتري ضمن له سلامة الثمن فيكون هو ضامناً للمشتري سلامة المبيع؛ لأن هذا عقد معاوضة ومقابلة.(10/600)
-----
ولأجل ذلك يثبت للمشتري حق الرد بالعيب، ويكون سلامة المبيع ضماناً لسلامة الزوائد بطريق التبعية، ولم يعلم الزوائد للمشتري لما ضمن قيمتها للمستحق، فيرجع على البائع بذلك بحكم الضمان، فأما الواهب، فلم يضمن سلامة الموهوب له ليصير ضامناً سلامة الزوائد بطريق التبعية؛ لأن سلامة المبيع من البائع بمقابلة ضمان صاحبه سلامة البدل، ولا بدل في عقود التبرع حتى يثبت ضمان سلامة المعقود عليه بمقابلته، وإذا لم يثبت ضمان السلامة من الواهب في ضمن العقد ولا لصاحبه، ولم يقل: ضمنت لك سلامة الموهوب لو ثبت حق الرجوع للموهوب له، ثبتت بمجرد الغرور، ومجرد الغرور لا يصلح لذلك.
وإن كان المشتري باع الأمة من رجل آخر وولدت للمشتري الثاني أولاداً ثم استحقها رجل وأخد الجارية، وقيمة الأولاد من المشتري الثاني ورجع المشتري الثاني على بائعه وهو المشتري الأول بالثمن وبقيمة الأولاد رجع المشتري الأول على بائعه بالثمن بلا خلاف، وهل يرجع عليه بقيمة الأولاد؟ فعلى قول أبي حنيفة: لا يرجع، وعلى قولهما: يرجع، وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب «البيوع» في فصل الاستحقاق.
قال: وإذا اشترى الرجلان جارية، ثم إن أحدهما وهب نصيبه من شريكه، وولدت له أولاداً، واستحقها رجل وأخذها المستحق، وقيمة الأولاد، رجع المستولد بنصف الثمن، فينصف قيمة الأولاد على بائعه ولا يرجع على الواهب بشيء؛ لأن المستولد صار مغرماً في النصف من جهة البائع فيرجع بنصف الثمن، وبنصف قيمة الأولاد عليه اعتباراً للبعض بالكل، وفي النصف صار مغروراً من جهة الواهب فلا يرجع عليه في ذلك النصف بشيء، كما لو صار مغروراً في الكل من جهته، ويرجع الواهب على بائعه بنصف الثمن؛ لأن المبيع لم يسلم له، ولا يرجع عليه بشيء من قيمة (246أ4) الأولاد؛ لأن الواهب لم يغرم شيئاً من قيمة الأولاد للأخذ.
(10/601)
-----
قال: وإذا اشترى الرجلان أمة من رجل وولدت ولداً وادعاه أحدهما وغرم نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ثم استحقها رجل قضى القاضي بها للمستحق وبقيمة الولد والعقر لأنه صار مغروراً، والغرور كما يتحقق بقيام الملك في الكل يتحقق بقيام الملك في النصف؛ لأن قيام الملك في نصف الجارية يكفي لصحة الاستيلاد في حرية الأصل للولد، ثم يرجع المستولد على بائعه بنصف الثمن وبنصف قيمة الولد؛ لأنه في نصف الجارية صار مغروراً من جهته ويرجع على شريكه بما أعطاه من نصف قيمة الجارية ونصف عقرها؛ لأن الاستحقاق أظهر أن شريكه أخذ ذلك منه بغير حق، ولا يرجع عليه بنصف قيمة الولد وإن صار شريكه مانعاً نصف الجارية منه؛ لأن هذا البيع من الشريك من غير صنعه، وبيع بيت من غير صنع لإنسان لا يصير البائع به ضامناً سلامة الأولاد للمشتري؛ لأن ضمان سلامة الأولاد كضمان الكفالة، والكفالة لاتثبت في موضع من غير صنع من المالك، أما البيع قد ثبت من غير صنع الملك، فأثبتنا البيع ولم نثبت الكفالة لهذا ويرجع شريك المستولد على بائعه بنصف الثمن؛ لأنه لم يسلم له المشتري من جهته.
قال: وإذا أخبر الرجل غيره عن امرأة أنها حرة وتزوجها ذلك الغير على أنها حرة وولدت له ولداً، ثم استحقها رجل وجعل القاضي الولد حراً بالقيمة بالطريق الذي مر، فهذه المسألة على وجهين: إن تزوجها المخبر على أنها حرة؛ فالمستولد يرجع بقيمة الولد على المخبر لأنه ضمن له سلامة الولد في ضمن عقد المفاوضة، وإن لم يكن المخبر زوجها منه ولكن المرأة زوجت نفسها على أنها حرة فالمستولد يرجع عليه بقيمة الولد للمعتق، أما أصل الرجوع عليها؛ لأنه صار مغروراً من جهتها، وأما الرجوع عليها بعد العتق؛ لأن ضمان الغرور ضمان قول والأمة محجور عليها، والمحجور لا يؤاخذ بضمان القول للحال وإنما يؤاخذ به بعد العتق.(10/602)
-----
قال: وإذا اشترى أمّ ولد لرجل أو مدبرة أو مكاتبة من أجنبي غير المولى فوقع عليها فجاءت بولد، فإن على المستولد قيمة الولد والعقر لمولى المدبرة ولمولى أم الولد، وعليه قيمة الولد والعقر لمكاتبه، وهذا الجواب ظاهر في حق المدبرة؛ لأن ولد المدبرة في حق المستحق يصير مدبراً حكماً ضرورة إمكان إيجاب الضمان له كما اعتبر ولد القنة فيما في حق المستحق ضرورة إمكان إيجاب الضمان له فيضمنه المغرور؛ لأن المدبر يضمن بالمنع والغصب، وضمان المغرور ضمان منع وغصب في حق المستحق لا ضمان إعتاق، ولهذا وجب على المغرور قيمة الأولاد موسراً كان أو معسراً.
وفي حق أم الولد هذا الجواب ظاهر أيضاً على قولهما؛ لأن ولد أم الولد يعتبر ولد أم الولد في حق المستحق، وولد أم الولد يضمن بالمنع والغصب، فيضمن بالغرور أيضاً (وهذا) مشكل على قول أبي حنيفة؛ لأن ولد أم الولد لا يضمن بالمنع والغصب عنده كأم الولد، فكيف يضمن بالغرور، وفي المكاتبة هذا الجواب يشكل على قولهم جميعاً؛ لأن ولد المكاتبة في حق المكاتبة يعتبر مكاتباً بمثل حال الأم، إلا أن المستولد قد حصل للمكاتبة ما هو مقصودها من عقد الكتابة في حق الولد، فإن مقصود المكاتبة من عقد الكتابة عتقها وعتق ولدها، ولهذا قلنا: إن المولى إذا أعتق ولد المكاتبة لا يضمن للمكاتبة شيئاً عندهم جميعاً.(10/603)
-----
وكان يجب أن لا يضمن المغرور للمكاتبة قيمة الولد؛ لأنه حصل للمكاتبة ما هو مقصودها من عقد الكتابة، والجواب: إيجاب ضمان الولد بالغرور ثابت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم أجمعوا على أن ولد المغرور حر بالقيمة بلا تفصيل، إلا أن إيجاب ضمان الولد في بعض المواضع حصل على موافقة القياس كما في ولد العبد والمدبرة لأن المستولد منع مالاً متقوماً عن المستحق فكان ضامناً بالنص وبالقياس، وفي أم الولد الضمان على قول أبي حنيفة، وفي المكاتبة على قولهم ثابت بإجماع الصحابة، بخلاف القياس من الوجه الذي قلنا، وإثبات الحكم أيضاً بخلاف القياس جائز.
وإن كانت المكاتبة هي الغارة بأن زوجت نفسها منه على أنها حرة، فظهر أنها مكاتبة، فإن المستولد يضمن للمكاتبة في قول أبي يوسف الآخر، وكان أبو يوسف يقول أولاً: لا يضمن للمكاتبة شيئاً، ووجه ذلك: أن المستولد لو ضمن للمكاتبة قيمة الولد لكان له أن يرجع على المكاتبة ثانياً؛ لأنها هي الغارة، فإيجاب الضمان لها لا يفيد، ثم رجع عن هذا وقال: يضمن قيمة الأولاد لأن التضمين يفيد؛ لأن المستولد يضمن لها للحال لأن ما يجب على المغرور من ضمان الأولاد يجب حالاً، وما يجب على المكاتب من الضمان للمغرور يجب مؤجلاً؛ لأنه ضمان لزم المحجور بالقول؛ لأن هذا الضمان ثبت بالنكاح والمكاتبة محجور على النكاح عند علمائنا الثلاثة، وكل ضمان يلزم المحجور بالقول، فإنه يتأخر إلى ما بعد العتق، فيكون الضمان معتداً.(10/604)
-----
قال: وإذا باع المكاتب أو العبد المأذون أمة في يدي رجل، فوطئها المستولد ثم ولدت له ولداً، ثم استحقها رجل وجعل القاضي الولد حراً بالقيمة، فإن المشتري يرجع بقيمة الولد على البائع بالكفالة، والمكاتب والعبد المأذون لا يؤاخذان بالكفالة للحال والعبد لا يؤاخذ بضمان الكفالة أصلاً؛ لأن هذا الضمان إنما يثبت نسبة البيع، فيكون في حكم ضمان البيع، فكان كالمأذون إذا اشترى جارية ووطئها، ثم استحقت فإنه يضمن العقر للحال، وإن كان المأذون لا يؤاخذ بالمهر للحال؛ لأنه يثبت نسبة الشراء، فكان حكمه حكم الثمن كذا ههنا.
قال وأهل الذمة والمسلمون سواء في الغرور؛ لأن الذمة خَلَفٌ عن الإسلام في أحكام الدنيا وهذا من أحكام الدنيا فيكون الذمي والمسلم فيه سواء.
قال: وإذا ورث الرجل أمة من أبيه، فوطئها فولدت منه ولداً ثم استحقها رجل، فإنه يقضى له بالأمة وبقيمة الولد؛ لأنه حصل مغروراً؛ لأنه وطئها على حسبان أنها ملكه، وظهر أنها لم تكن ملكه، فإن كان الأب قد اشتراها من رجل كان للأب أن يرجع بالثمن وبما ضمن من قيمة الولد على بائع أبيه.(10/605)
-----
فرق بين الوارث وبين الموصى له إذا صار مغروراً وضمن قيمة الولد للمستحق، فإنه لا يرجع على بائع الموصي بشيء لا بالثمن ولا بقيمة الولد، والفرق أن الرجوع بالثمن وبقيمة الولد إنما يكون للمشتري أو لنائب المشتري، والموصى له ليس بمشترٍ ولا نائب عن المشتري لأن الموصى له لا يقوم مقام الموصي في حقوقه كأنه هو، ألا ترى أنه لا يرد بالعيب ولا يرد عليه بالعيب، وإذا لم يكن مشترياً ولا نائباً عن المشتري حكماً لم يكن له أن يرجع على بائع الموصي بشيء، وكان هو في الرجوع وأجنبي آخر عن المشتري سواء، فأما الوارث إن لم يكن مشترياً فهو نائب عن المشتري؛ لأن الوارث يقوم مقامه في الحقوق كأنه هو، ألا ترى أنه يرد بالعيب ويرد عليه بالعيب كالميت سواء، وإذا كان نائباً عنه حقيقة بأن كان وكيلاً عنه.(10/606)
-----
قال: وإذا أقر المريض في مرضه الذي مات أن هذه الجارية لفلان ووديعة عندي، فوطئ الوارث الأمة بعد موت المورث منه ثم استحقها رجل، فإنه يقضي للمستحق بالجارية وبالولد؛ لأن الوارث لم يصر مغروراً ههنا؛ لأنه وطأ الجارية مع علمه أنها ملك المقر له، فإن إقرار المريض بكونها عنده لفلان وفلان أجنبي منه صحيح، ولو لم يقر بالجارية لفلان، ولكن قال: هي لي إذ لم تقل: هي لي وعليه دين يحيط بماله، فوطئها الوارث فولدت منه تباع الجارية في الدين ويضمن الوارث قيمة الولد والعقر للغرماء، أما تباع الجارية؛ لأنها لم تصر أم ولد للوارث؛ لأن النائب للوارث في تركة المورث إذا كان عليه دين مستغرق حق الملك لا حقيقة الملك وبحق الملك للمستولد في الجارية لا تصير الجارية أم ولد له، ألا ترى (246ب4) أن المولى إذا ادعى ولد أمة المكاتب وصدقه المكاتب حتى صحت دعوته لا تصير الجارية أم ولد له، بل يثبت فيه للمكاتب بيعها، وإذا لم تصر أم ولد صار الحال بعد الاستيلاد وقبله سواء. وقيل: الاستيلاد تباع الجارية في الدين كذا ههنا، وأما يضمن المستولد قيمة الولد؛ لأنه صار مغروراً؛ لأن بين العلماء خلافاً ظاهراً في وقوع الملك للوارث في التركة المستغرقة بالدين وإن لم نقل بثبوت حقيقة الملك، فقلنا: بثبوت حق الملك ولهذا ملك الوارث استخلاصها لنفسه من موضع آخر.
(10/607)
-----
ولو كان في التركة جارية فتزوجها الوارث لا يصح، وهذا لأن سبب الملك قد تحقق للوارث، وهو ثبوت المورث عن مال إلا أنه لم عمل عمله في حق إيجاب حقيقة الملك للوارث لمانع وهو الدين، فثبت له حق الملك، فيكفي لتحقق الغرور، ألا ترى أن المولى يصير مغروراً في جارية المكاتب، وإنما يصير مغروراً لما لزمها من حق الملك؛ لأن للمولى سبب الملك في أكساب المكاتب، وهو ملك رقبة المكاتب لكن لم يعمل عمله في إفادة حقيقة الملك، وعمل في إفادة الحق، فعلم أن حق الملك يكفي لتحقق الغرور لها بغرم العقر؛ لأن حق الملك لا يسقط العقر، إنما يسقط الحد كما في أمة المكاتب.
ولو جاء رجل وأقام بينة أنها له، قضيت له بالجارية وبالعقر وبقيمة الولد، لأن الوارث مغرور، هذا إذا كان على الميت دين مستغرق. ولو كان الدين على الميت غير مستغرق وباقي المسألة بحالها، فالمستولد لا يضمن قيمة الولد؛ لأن الدين إذا لم يكن مستغرقاً لا يمنع وقوع الملك للوارث في التركة، فكان مستولداً أمة نفسه، فلا يضمن قيمة الولد وإن تعلق بالجارية حق الغير، كالراهن إذا استولد الجارية المرهونة ولكن يضمن قيمتها وعقرها لأن الجارية إن كانت ملكاً للوارث، إلا أنه تعلق بها حق الغريم، فإن الدين بعد الموت يتعلق بالتركة.
ويجوز أن يضمن المالك يتصرف بخدمته في ملكه إذا تعلق به حق الغير، ألا ترى أن الراهن إذا عتق المرهونة أو وطئها، فإنه يضمن جميع قيمتها إذا كان الدين مثل قيمتها أو أكثر، فأما إذا كان الدين أقل من قيمتها، فإنه يضمن بقدر الدين، لأن حق الغريم في قدر الدين، هكذا ذكر في «الكتاب».(10/608)
-----
وطعنوا على محمد رحمه الله في المسألة فقالوا: لا معنى لقول محمد: يضمن جميع قيمتها إذا كان الدين مثل قيمتها، وينبغي أن يضمن بقدر ما يتعلق بها من الدين، فإن بعض الدين يتعلق بها وبعضه يتعلق بغيرها، وهذا بناء على أن الدين إذا لم يكن مستغرقاً للتركة لا يعتبر كل جزء من أجزاء التركة مشغولاً بالدين لأنه لو كان مشغولاً بالدين لكان لا يقع الملك للوارث في التركة كما لو كان الدين مستغرقاً.
والجواب: أن الدين مع أنه لا يكون مستغرقاً فكل جزء من أجزاء التركة يصير مشغولاً بالدين، كأنه ليس معه غيره، لأن احتمال هلاك البعض وتعين الباقي لقضاء الدين قائم، فكان ينبغي أن لا يملك الوارث شيئاً من التركة، كما لو كان الدين مستغرقاً وهو القياس، لكن لم يعتبر هذا الشغل في حق وقوع الملك للوارث ضرورة، فإن الإنسان قل ما يخلوا عن قليل الدين عليه، فلوا اعتبرنا هذا الشغل مانعاً جريان الإرث أدى إلى أن لا يقع الملك في التركات إلا نادراً، وفيه فساد عظيم، فأما فيما عدا وقوع الملك للوارث لا ضرورة، فيعتبر كل جزء من أجزاء التركة مشغولاً بالدين، كأنه ليس معه غيره، ولو لم يكن معها شيء آخر أليس أن الوارث يضمن جميع القيمة إذا استولدها؟ كذا ههنا.
رجل اشترى جارية مغصوبة وهو يعلم بكونها مغصوبة، أو تزوج امرأة على أنها حرة وهو يعلم بكونها أمة واستولدها؛ فالولد رقيق ويأخذها صاحب الجارية، لأن المستولد لم يصر مغروراً ههنا حيث علم بحقيقة الحال.(10/609)
-----
ولو اشتراها وهو يعلم بكونها ملك غيره، فقال البائع: إن صاحبها وكلني ببيعها أو مات وأوصى إلي، فباعها منه على ذلك، فاستولدها ثم حضر المالك وأنكر الوكالة؛ فله أن يأخذها وقيمة الولد؛ لأن المشتري صار مغروراً ههنا، لأنه وطئها على تقدير أنها ملكه؛ لأن قول الواحد حجة في المعاملات وما أخبر به لو كان حقاً كانت الجارية مملوكة للمشتري، ثم يرجع المشتري على البائع بالثمن، وبما غرم من قيمة الولد؛ لأن البائع صار ملتزماً له سلامتها وسلامة أولادها بالطريق التي تقدم ذكرها فيما أخبر أنه سمع ملكه.
ولو أن رجلاً وكل رجلاً أن يشتري له جارية فاشتراها ونقد الثمن من مال الموكل، فاستولدها الموكل ثم استحقت أخذها المستحق وأخذ قيمة الولد وعقر الجارية من المستولد لا من الوكيل؛ لأن الموكل من وجه كالمشتري من الوكيل باعتبار الملك؛ لأن الوكيل نائب عنه في حق الملك. ومن وجه كالمشتري من الوكيل باعتبار الحقوق، ولأن الوكيل بالشراء في حق الحقوق كأنه اشترى لنفسه ثم باع من موكله، وأي الأمرين ما اعتبرنا، فإن المستحق يضمن المستولد، ويرجع المستولد وهو الموكل بالثمن، وقيمة الولد على البائع، والوكيل هو الذي يلي الخصومة في ذلك مع البائع، لأن الموكل كالمشتري بنفسه من البائع من وجه.
فمن حيث إنه كالمشتري بنفسه من البائع يستحق الضمان في ذمة البائع، لا في ذمة الوكيل، ومن حيث إنه كالمشتري من الوكيل، يكون الطالب بائعاً ذلك هو الوكيل توقيراً على الأمرين حفظهما بقدر الممكن، فإن أنكر البائع البيع من المستولد، أوقال: لم يشتر هذا مني، فأقام المستولد بينة أن فلاناً اشترى هذه الجارية من هذا الرجل بأمري، ونقد الثمن من مالي، صار المشتري مغروراً من جهة البائع، وكان له الرجوع على البائع بالثمن، وقيمة الولد والوكيل هو الذي يلي الخصومة في ذلك.(10/610)
-----
وإن شهد الشهود للمستولد على الشراء، أو لم يشهدوا على أن المستولد أم المشتري بذلك، وإنما شهدوا أن المشتري أقر أنه اشتراها لفلان، فهذا على وجهين:
الأول: أن يشهد الشهود أن المشتري أقر قبل الشراء أو في حالة الشراء أنه يشريها لفلان، وفي هذا الوجه يصير المستولد مغروراً من جهة البائع، وكان له الرجوع بقيمة الولد على البائع؛ لأن الإقرار بالتوكيل حصل في حال يصح التوكيل، فصح الإقرار به، وإذا صح الإقرار به صارت الوكالة الثابتة بالإقرار كالثابت بالبينة، ولو ثبتت الوكالة بالبينة كان للمستولد أن يرجع بقيمة الولد كذا ههنا.
الوجه الثاني: أن يشهد الشهود أن المشتري أقر بعد الشراء أنه اشتراها لفلان، وفي هذا الوجه لا يكون للمستولد الرجوع على البائع بالثمن وبقيمة الولد، لأن إقرار المشتري بالوكالة في هذا الوجه لم يصح؛ لأنه أقر بها في حال لا يصح التوكيل، وإذا لم يصح هذا الإقرار لم يثبت الأمر، فلم يصر المستولد مشترياً من البائع بوجه من الوجوه، فلا يصير مغروراً من جهته، فلا يكون له حق الرجوع على البائع لا بالثمن ولا بقيمة الولد.
رجل استولد أمة واستحقها رجل فقال المستولد: اشتريتها من فلان بكذا وكذا ونقدته الثمن، وصدقه فلان في ذلك، وكذبهما المستحق فالقول قول المستحق؛ لأن استحقاق غير الولد ظاهر للمستحق، وهو استحقاق الجارية، فالمستولد مع البائع يريدان إبطال حقه عن غير الولد، فلا يصدقان على ذلك، ولكن يحلف المستحق بالله ما يعلم أنه اشتراها من فلان؛ لأنه لو أقر به كان الولد حراً بالقيمة، فإذا أنكر يستحلف رجاء النكول الذي هو إقرار.
ولو أن المستحق أقر بهذا الشراء وجحده البائع كان الولد حراً، وعلى المستولد قيمة الولد؛ لأن المستحق مع المستولد تصادقا على حرية الولد وعلى وجوب قيمته على المستولد وتصادقهما حجة في حقهما، ولكن لا يرجع المستولد على البائع بشيء.(10/611)
-----
ولو جحد المستولد والبائع البيع والشراء وأقر به المستحق؛ كان الولد حراً بإقرار المستحق، فلا يجب على الأب قيمة الولد؛ لأن المستحق أقر بحرية الولد، وإنه إقرار على نفسه يصح، وما كان على غيره لا يصح.m
وإذا كان للرجل ألف درهم في يدي رجل مضاربة بالنصف، فاشترى المضارب بها جارية (247أ4) تساوي ألف درهم، فوقع عليها المضارب فولدت، ثم استحقها رجل كان الولد حراً بالقيمة، فيأخذ المستحق عين الجارية، ويأخذ عقرها وقيمة الولد من المضارب؛ لأن المضارب وطئها على حسبان أن ربعها وذلك حصته من الربح ملكه وإنه يكفي لعلوق الولد حر الأصل، فلم يصر راضياً برق ماله فكان مغروراً، ثم يرجع المضارب على البائع بالثمن، وذلك ألف ويكون على المضاربة كما كان؛ لأنها مال بدل المضاربة، ويرجع أيضاً بقيمة الولد على البائع؛ لأنه صار مغروراً من جهة البائع في ربع الجارية؛ لأنه اشترى الربع منها لنفسه، ويكون ذلك للمضارب خاصة، ولا يكون على المضاربة؛ لأنه عوض عما أدى بمقابلة الولد، وما أدى بمقابلة الولد كان ماله ولم يكن مال مضاربة، ولا يرجع المضارب بثلاثة أرباع قيمة الولد على البائع؛ لأنه اشترى بثلاثة أرباع الجارية من البائع لنفسه، والمضارب اشترى من ربعها، ولو كان كذلك لكان لا يرجع بذلك المضارب على البائع إلا بربع قيمة الولد كذا ههنا.
وأما لا يرجع بذلك على رب المال وإن اشترى ثلاثة أرباع الجارية من رب المال؛ لأن هذا الشراء ثبت بينهما لا بصنع من جهة رب المال، وفي مثل هذا لا يصير البائع ضامناً سلامة الأولاد للمشتري على ما مر.(10/612)
-----
وإذا لم يكن للمضارب أن يرجع على رب المال بشيء من قيمة الولد؛ لأنه لم يوجد منه شيء من قيمة الولد، هذا إذا كان في قيمة الجارية فضل على رأس المال بأن كانت قيمة الجارية ألف درهم وباقي المسألة بحالها، فإن المستحق يأخذ الجارية وولدها؛ لأن المضارب لم يصر مغروراً ههنا؛ لأنه وطىء الجارية مع علمه أنه لا ملك له فيها؛ هذا إذا استولدها رب المال، ثم استحقت الجارية كان الولد حراً بالقيمة، سواء كان فيها فضل على رأس المال بأن كانت قيمتها ألفي درهم أو لم يكن بأن كانت قيمتها ألف درهم؛ لأن المولى وطئها على أن جميعها ملكه إن لم يكن فيها فضل، وعلى أن ثلاثة أرباعها ملكه إن كان فيها فضل فصار مغروراً، ثم يرجع على البائع بالثمن وبجميع قيمة الولد إن لم يكن لها فضل، والمضارب هو الذي يلي الخصومة في ذلك؛ لأن المضارب صار مشترياً كل الجارية لرب المال إذا لم يكن فيها فضل وهذا وفضل الوكيل سواء.
ثم إذا رجع المضارب على البائع بالثمن وبقيمة الأولاد فقيمة الأولاد لا تكون للمولى خاصة، والثمن يكون على المضاربة، وإن كان فيها فضل فرب المال يرجع عليه بالثمن وبثلاثة أرباع قيمة الولد؛ لأن المملوك له من جهة البائع هذا القدر، وذلك قدر رأس المال وحصته من الربح، فأما الربع الآخر فقد اشتراه المضارب لنفسه، وإنما صار رب المال مغروراً من جهة البائع في ثلاثة أرباع الجارية، فيرجع عليه بقيمة ثلاثة أرباع الولد لهذا، ويكون ذلك لرب المال خاصة.(10/613)
رجلان اشتريا أمة من وصي يتيم واستولدها أحدهما، ثم استحقت الجارية كان الولد حراً بالقيمة ورجع المشتري على الوصي بنصف قيمة الولد؛ لأنه صار مغروراً من جهته في نصف الجارية؛ لأنه اشترى منه نصف الجارية، ولا يرجع بنصف قيمة الباقي من الولد على شريكه وإن صار مشترياً النصف الباقي من شريكه؛ لأن البيع بينهما حصل من غير صنع من الشريك، ثم يرجع الوصي بذلك في مال اليتيم؛ لأنه كان عاملاً لليتيم في هذا البيع.(10/614)
-----
وكذلك الجواب فيما إذا كان البائع أب الصغير، فهو والوصي في حكم الرجوع في مال الصغير على السواء، وكذلك الجواب فيما إذا كان البائع وكيلاً أو مستبضعاً كان له الرجوع بما لحقه من العهدة على من وقع البيع له.
وكذلك إذا كان البائع مضارباً ولم يكن في الجارية فضلاً، رجع بجميع ما لزمه من قيمة الولد على رب المال، فأما إذا كان في الجارية فضل فإنما يرجع على رب المال من قيمة الولد (للمشتري) بقدر رأس المال، وحصته من الربح؛ لأن بذلك القدر صار عاملاً لرب المال في بيع الجارية، أما بقدر حصة المضارب من الربح، فالمضارب عامل فيه لنفسه فلا يرجع بذلك على رب المال.
قال: ولو كفل رجل للمشتري بما أدرك به من درك لم يرجع على الكفيل بشيء من قيمة درك في الولد لأبي الجارية، وهو لم يكفل به حتى لو كفل به بأن قال: كفلت لك ما أدركك في الولد والجارية يرجع عليه بذلك أيضاً.
قال: ولو أن أمة غرت من نفسها رجلاً أخبرت أنها أمة لهذا الرجل، واشتراها منه على ذلك واستولدها ثم استحقت، رجع المستولد بالثمن وقيمة الأولاد على البائع دون الأمة؛ لأن رجوع المستولد بحكم التزام ضمان السلامة في ضمن البيع، والمباشر للبيع البائع دون الأمة، الموجود من الأمة مجرد الاختيار، وإنه لا يوجب الرجوع على ما مر.(10/615)
-----
قال: حرة ولدت ولدين في بطن واحد فكبرا واكتسبا مالاً، ثم مات أحدهما وترك ابناً، ثم جاء رجل وادعى أنه زوج المرأة وأنهما ابناه، وأقرت المرأة بذلك وجحد الابن الباقي وابن الابن، فإن الرجل والمرأة يصدقان على أنفسهما دون غيرهما، فثبت النكاح بينهما بتصادقهما ويدخل في نصيب من الميراث، فإن أقر الابن الباقي بدعوى الرجل ثبت نسبه بإقراره، ومن ضرورة ثبوت نسبه ثبوت نسب الميت، لأنهما توأمان، فيثبت نسبهما، ولكن لا يرث هذا مع ابن الميت شيئاً، لأن الابن الباقي غير مستحق بشيء من ميراث الميت، فتصديقه في حكم الميراث وتكذيبه سواء، والميراث ينفصل عن الميت في الجملة، ألا ترى عند الرق واختلاف الدين النسب ثابتة والميراث غير ثابت، وألا ترى أن أحد الأخوين إذا أقر بأخ فالشركة في الميراث ثابت، والنسب غير ثابت، وإذا كان أحد الحكمين منفصلاً عن الآخر في الجملة لم يكن من ضرورة ثبوت النسب بإقراره استحقاق الإرث.
وإن أقر ابن الابن الميت بدعوى الرجل وقد احتلم، ثبت نسب ابنه من الرجل المدعي، لأنه في التصديق قائم مقام ابنه، وثبوت نسب ابنه يقتضي ثبوت نسب الابن الحي ضرورة، ويرث الرجل مع ابن الميت؛ لأن الحق في الميراث لابن الابن الميت، وقد أقر له ببعض ما أصابه من ميراث ابنه، فيؤمر بتسليمه إليه.
ولو أن أمة ولدت ولدين في بطن واحد، فاشترى رجل أحدهما وأعتقه، ثم مات المعتق فورثه مولاه، ثم اشترى رجل آخر الابن الباقي من أمه فادعى أنه ابنه ثبت النسب منه، وإن كان كبيراً لا يقر بذلك؛ لأنه عبده فلا يحتاج إلى تصديقه في إثبات النسب منه، ويثبت نسب الميت منه أيضاً، ولا يكون له الميراث الذي أقره المولى، أورد هذا أيضاً .... لعدم أنه ليس من ضرورة النسب استحقاق الإرث.
(10/616)
-----
في «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: رجل ورث جارية أبيه، ولم يكن يعرف حالها عند الأب لم يكن يعرف أنه اشتراها، فأولدها الابن ثم استحقها رجل، فإنه يأخذها ويأخذ ولدها معها كذا ههنا، وقد مر قبل هذا بخلاف هذا.
وكذلك قال في رجل عنده أمة لا يعرف حالها عنده باعها من رجل، ثم ذلك الرجل باعها من رجل آخر، ثم اشتراها الأول وأولدها ثم استحقها رجل، أخذها المستحق وولدها من قبل أنه ليس بمغرور، إنما خرج الأصل عنه.
وفي «المنتقى»: رجل أمر رجلاً بأن يشتري (247ب4) له جارية ثم إن الآمر وهب الجارية للمشتري، فولدت ولداً ثم استحقت أخذها المستحق وعقرها وقيمة ولدها، ولا يرجع الواطىء على البائع بشيء؛ لأنه اشتراها لغيره.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل اشترى أمة ولدت منه ولداً، فجاء رجل، وأقام بينة أن هذه الأمة له ولفلان، وقضى القاضي لهذا الرجل بنصف الأمة وبنصف عقرها، وبنصف قيمة ولدها، ثم جاء شريكه وقد ماتت الأمة، فإنه يأخذ من الذي كانت الأمة في يده نصف قيمة الأمة ولا عقر له إذا أخذ نصف القيمة، ثم يأخذ المهر والله أعلم.
نوع آخر
ادعى رجل أرضاً في يدي رجل بهذه العبارة: إن هذه الأرض كانت في يدي، وإن صاحب اليد أحدث يده عليها وأخذها مني، وأنكر ذو اليد إحداث اليد، فأقام المدعي بينة ...... عليها وأخذها منه، فقصر القاضي يده عن الأرض وسلمها إلى هذا المدعي، ثم إن كان الذي كانت الأرض في يده ........ وحقّه، وفي يد هذا الذي أخذه الآن بغير حق وأقام على ذلك بينة؛ فالقاضي يقضي بالأرض له، ويعيدها ......... هذه البينة.
هكذا حكى فتوى بعض مشايخ سمرقند، وهذا لأن القاضي لو لم يقضِ له إنما لم يقضِ لأنه صار مقضياً عليه، إلا ......(1) صار مقضياً عليه بالملك في الأرض إنما صار مقضياً عليه بإحداث اليد، وههنا الحاجة إلى القضاء له بالملك، وهو ما صار مقضياً عليه بالملك.(10/617)
-----
سئل نجم الدين النسفي رحمه الله: عن رجل ادعى أرضاً في يدي رجل أنها ملكه، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فقال المدعى عليه: هي ليست بملكي، إنما هي وقف على كذا وأنا متوليها، فطلب القاضي من المدعى عليه بينة على ما قال، فلم يمكنه إقامة البينة على ما قال، فأمر القاضي المدعى عليه بتسليم الأرض إلى المدعي لتكون في يده، إلى أن يقييم البينة على ما قال، قال: كل ذلك خطأ، ليس ينبغي للقاضي أن يطلب البينة من المدعى عليه على مقالته، ولا أن يأمر المدعى عليه بتسليم الأرض إلى المدعي، وإنما على المدعي إقامة البينة على دعواه الملك على المدعى عليه، وبينته على ذلك على المدعى عليه مقبولة، لأنه متولٍ بزعمه، والمتولي خصم لمن يدعي الملك لنفسه في الوقف.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله قال هشام: سألت محمداً عن رجل في يده دار ادعاها رجل وقدم صاحب اليد إلى القاضي، فأقر صاحب اليد أنه اشترى هذه الدار من هذا المدعي وادعى أنّ له بينة، هل يؤمر صاحب اليد بتسليم الدار إلى المدعي بحكم هذا الإقرار؟
قال: أما في القياس فنعم، ولكن أدع الدار في يده استحساناً، وآخذ منه كفيلاً وأؤجله إلى ثلاثة أيام، فإن أحضر بينة وإلا قضيت عليه.
وفيه أيضاً قال خلف بن أيوب: سألت شداداً عمن مات وترك مئتي درهم، فأقام رجل البينة بمئة درهم، وقضى القاضي له بها، ثم جاء رجل آخر وادعى مائة درهم على الميت، وأنكر الورثة ذلك، ولا بينة للمدعي، فأقر الذي قضي له بالمئة لهذا المدعي الذي أنكرت الورثة، ما حكم هذه؟ قال: المائة التي أخذها المقضي له تكون بينهما نصفين؛ لأن المقضي أقر أنه غريم مثله، وأن دينهما سواء وإقراره حجة في حقه، قال خلف: وبه أخذ والمسألة مسطورة في الكتب
(10/618)
-----
في «فتاوى أبي الليث» أيضاً: رجل في يديه نصف دار؛ جاء رجل وادعى أنه وقف هذه الدار وكانت له يوم وقفها، وشهد الشهود بوقفيته جميعاً، والشهود شهدوا على موافقة دعواه، أكثر ما فيه أن في يد المدعى عليه نصفها، ولكن هذا النصف دخل في الدعوى ودخل في الشهادة أيضاً فتقبل الشهادة عليه، وهو نظير دار في يدي رجلين، ادعى رجل على أحدهما ملكية جميع هذه له، وشهد له الشهود بذلك تقبل شهادتهما على ما في يد هذا المدعى عليه، وطريقه ما قلنا.
وفيه أيضاً: رجل زوج ابنه امرأة وسمى لها منزلاً، وباعها منه بيعاً صحيحاً، ثم إن هذا الرجل مات، وادعى ورثته أن أباهم باع هذا المنزل من فلان قبل أن يسميه لها، فإنهم لا يصدقون على ذلك والميراث لها، وعلى فلان أن ما يقم البينة على ميراثه بتاريخ قبل تاريخ شراء المرأة، ولا تقبل شهادة الورثة في ذلك، لأنهم بشهادتهم يريدون إبراء أنفسهم عن عهدة شراء المرأة، فإن المرأة لو وجدت المنزل عيناً ردته عليه وخاصمتهم، فكانوا متهمين في هذه الشهادة.
في «فتاوى الفضلي»: ادعت مهرها على ورثة زوجها، وأنكر الوارث ذلك، فالقاضي يسأل عن مقدار مهر مثلها، ويذكر ذلك المقدار للورثة، ويقول: أكان مهرها كذا، فإن قالوا: لا، فالقاضي لا يصدقهم على ذلك ويقضي عليه بذلك المقدار؛ لأن ذلك القدر ثابت بحكم الظاهر، ويحلفهم على الزيادة، قال: وهو نظير ما لو أقر رجل بغصب مال، فالقاضي يقول: أهو درهم؟ فإن قال: نعم، فالقاضي يصدقه، ويقضي عليه بذلك ويحلفه على الزيادة كذا ههنا.(10/619)
-----
شاهدان شهدا على رجل بقرض ألف درهم، وشهد أحدهما أنه قضاها، وقال المدعي: لم يقضها، فالشهادة على القرض جائزة، ويقضي القاضي للمدعى عليه بالقرض، كذا ذكر في «الجامع الصغير». وذكر الطحاوي عن أصحابنا رحمهم الله: أنه لا يقضى بالقرض؛ لأن الذي شهد بالقضاء لم يشهد بمال واجب في الحال. وجه ما ذكر في «الجامع الصغير»: أن القضاء لا يتصور إلا بعد سابقة الوجوب، فهما اتفقا على القرض والوجوب، فثبت ذلك باتفاقهما عليه، ثم تفرد أحدهما بالقضاء فلم يثبت القضاء.
سئل القاضي الإمام شمس الإسلام محمود الأوزجندي: عمن يدعي على رجل مالاً، وشهد له شاهدان بالمال وبقضائه، والمدعى عليه لا يدعي القضاء، قال: القاضي يقضي على المدعى عليه بالمال، وعلى قياس ما ذكره الطحاوي: ينبغي أن لا يقضى؛ لأنهما ما شهدا بمال واجب في الحال.
وفي «مجموع النوازل»: رجل ادعى عبداً في يدي رجل أنه له، ولم يقم البينة حتى باعه صاحب اليد من رجل بيعاً صحيحاً بمحضر من الشهود، ولم يسلم العبد إلى المشتري حتى أقام المدعي البينة على المدعى عليه، وقضى القاضي له بالعبد، فلو أن هذا المشتري باع هذا العبد من المدعى عليه أو وهبه منه جاز، وهذا هو الحيلة لدفع العبد إلى المدعى عليه.
هكذا ذكر المسألة في «مجموع النوازل»، وما ذكر من المدعى عليه إذا أقام البينة أن العبد عبده اشتراه من المدعى عليه تقبل بينته، ويقضى بالعبد له خطأ لا وجه إلى تصحيحه؛ لأن المشتري يدعي تلقي الملك من جهة المدعى عليه، والمدعى عليه صار مقضياً عليه بالملك المطلق، والقضاء بالملك المطلق على إنسان قضاء عليه، وعلى من تلقى الملك من جهته، والإنسان متى صار مقضياً عليه في حادثة كيف يصير مقضياً له في عين تلك الحادثة؟ فقبول البينة من المشتري في هذه الصورة خطأ، وهكذا ذكر محمد رحمه الله في الباب الثاني من «دعوى الجامع».(10/620)
-----
ادعى مال من أحدهما معلوم والآخر مجهول، والشهود شهدوا بالمالين جميعاً، لا شك أنه لا تقبل الشهادة على المجهول، وهل تقبل على المال المعلوم؟ اختلف المشايخ فيه.
الشهادة إذا قامت على الإثبات (248أ4) وفيها نفي، نحو أن يقول في باب النكاح: هذا غلام نتج عنده، هذه الدابة نتجت عنده، ولم يزل ملكاً له، هل تقبل؟ فيه اختلاف المشايخ، والأصح أنها تقبل.
استحق دابة من يدي رجل، وقال المستحق في دعواه: غابت الدابة مني منذ سنة، فقبل أن يقضي القاضي بالدابة للمستحق أخبر المستحق بائعه عن القصة، فأقام البائع بينة أن الدابة ملكه منذ عشرين سنة قضى القاضي بالدابة للمستحق؛ لأن المستحق ما ذكر تاريخ الملك في الدابة، إنما ذكر تاريخ غيبة الدابة، بقي دعواه الملك من غير تاريخ، والبائع ذكر تاريخ الملك، ودعواه دعوى المشتري؛ لأن المشتري تلقى الملك من جهة، فصار كأن المشتري ادعى ملك بائعه بتاريخ عشرين سنة، غير أن التاريخ لا عبرة له حالة الانفراد عند أبي حنيفة، فسقط اعتبار ذكر تاريخ غيره، وينفي الدعوى في الملك المطلق، فيقضي بالدابة للمستحق لهذا.
وكذلك إذا قال المستحق في دعواه: غابت الدابة مني منذ سنة، وقال المدعى عليه: إنها كانت في يده منذ عشر سنين أو ما أشبه ذلك، وأقاما البينة قضي بالدابة للمستحق، لأنهما ذكرا تاريخ الملك في الدابة، وكان دعواهما في الدابة دعوى مطلق الملك، فيقضى بها للمستحق لهذا.(10/621)
-----
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل مات وترك ابنين ودارين، فادعى رجل إحدى الدارين أنه غصبها أبوهما وحلفهما على ذلك، فحلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، قال: أقضي للمدعي بنصف الدار حصة الذي نكل عن اليمين ووسَّع المدعي حصة الناكل عن اليمين من الدار الأخرى، فيأخذ من ذلك نصف قيمة الدار التي ادعاها من قبل، لأن نكوله إقرار أن أباه غصب الدار، وأن على ابنه ديناً في .... ولا ميراث له من الأخرى حتى يؤدي ما أقر به من غصب أمه، ولو لم يدع المدعي غصباً، وادعى أن الدار له لم يكن له على الناكل ضمان النصف الأخرى.
وفي كتاب «الرقبات»: أن ابن سماعة كتب إلى محمد بن الحسن في رجل ادعى عبداً في يدي رجل، وأقام بينّة أن هذا العبد كان لفلان بن فلان وسمى رجلاً غائباً، وأن فلاناً أقر أنّه لهذا المدعي، والذي في يديه العبد منكر دعواه ويدعي رقبة العبد، والمدعي يقول: صدق الشهود قد أقر فلان لي بالعبد، ولكني ملكته من جهته بهبة أو صدقة أو شراء منه، قال محمد: لا يستحق بهذا شيئاً حتى يقيم البينة على هبة أو قبض أو شراءٍ بثمن معلوم، فإذا أقام البينة على ذلك نفذ القاضي الثمن وقضى له بالعبد، وكذلك إن قال المدعي: صدق الشهود، ولم يزد على ذلك، ولم يدع هبة ولا شراء.
ولو كان المقر حاضراً والعبد في يده فقال المدعي: قد كان هذا الغلام لهذا الذي في يديه، وقد أقر لي به فقال الذي في يديه: صدق لم (يستحق) المقر له بذلك شيئاً حتى يقر له بهبة أو قبض أو ما أشبه ذلك.(10/622)
-----
ادعى محدوداً في يدي رجل وقال: إنها خمس دبرات أرض وبين حدودها، فإذا في يدي المدعى عليه محدود بهذه الحدود، إلا أنها أربع دبرات أرض؛ لا تبطل الدعوى لجواز أن هذا المحدود وقت الدعوى كانت خمس دبرات أرض في الوجه الذي قاله؛ إلا أن المدعى عليه بعد ذلك هدم المستساب، فصارت أربع دبرات أرض، وبمثله لو ادعى محدوداً في يدي رجل، وقال: إنها خمس دبرات أرض خالية من الأشجار، فأذن في يد المدعى عليه خمس دبرات أرض فيها الأشجار، أو على المستساب الأشجار، ولكن هي بهذه الحدود لا تسمع الدعوى، ولو كان قال: فيها الأشجار فإذا هي خمس، وأن لا أشجار فيها؛ تسمع الدعوى لجواز أنه كان في هذا المحدود أشجار وقت الدعوى، إلا أن المدعى عليه قلع الأشجار ثم إن المدعى عليه غرس الأشجار وكثرت الأشجار، ويعرف عن هاتين المسألتين كثير من المسائل.
عين في يدي رجل جاء رجل واستحق هذا العين من يدي صاحب اليد، وأراد صاحب اليد أن يرجع على بائعه بالثمن، ثم إن صاحب اليد قال لابن البائع: قد كنت اشتريت منك هذه العين بكذا، وأرجع عليك بذلك الثمن، تسمع دعواه الثاني، ويرجع عليهما بالثمنين جميعاً لجواز أنه اشترى من البائع، ثم جاء ابن البائع وادعى العين لنفسه، فاشترى منه ثانياً، فعند الاستحقاق يرجع بالثمنين جميعاً، وإن كان الصحيح أحد الشراءين إلا أن الرجوع بالثمن عند الاستحقاق يعتمد صورة الشراء ودفع الثمن، لا صحة الشراء لا محالة.(10/623)
-----
وفي «مجموع النوازل»: امرأتان ولدت كل واحدة منهما ابناً في ليلة مظلمة، ثم ادعيا ابناً واحداً بعينه، وقالت كل واحدة: هذا هو الابن الذي ولدته، فإن الولد الذي ادعياه ابنهما، والولد الآخر يربى من بيت المال هكذا ذكر، وإنه مشكل عندنا، وقد ذكر في كتاب «الدعوى» من الأصل، وفي كتاب اللقيط: أن المرأتان إذا ادعتا نسب ولد وأقامت كل واحدة رجلين، أو رجل وامرأتين فعلى قول أبي يوسف ومحمد: لا يثبت نسبه من واحدة منهما، وعلى قول أبي حنيفة يثبت نسبه منهما. وإذا أقامت كل واحدة منهما امرأة واحدة ذكر في رواية أبي سليمان أنه لا يقضى لواحدة منهما بهذه الحجة عند أبي حنيفة، وذكر في رواية أبي حفص أنه يقضى بالولد بينهما، ولو لم يكن لواحدة منهما حجة لا يقضى بنسب الولد بينهما بلا خلاف، وقد أثبت النسب منهما ههنا بمجرد الدعوى، فما ذكر في «مجموع النوازل» يخالف الرواية.
قال في «مجموع النوازل»: ولو كان أحد الولدين ذكراً والآخر أنثى ادعت كل واحدة منهما الابن، وبقيت الابنة، يوزن لبنهما، فيجعل الابن للتي لبنها أثقل.
وفي «نوادر أبي سليمان» عن أبي يوسف: في رجل ادعى عبداً في يدي رجل وقال: بعتني هذا العبد بألف درهم ونقدتك الثمن، وجحد البائع البيع وقبض الثمن، وشهد شاهدان على إقرار البائع بالبيع وقبض الثمن، وقالا: لا نعرف العبد، ولكن البائع قال لنا: اسم عبدي زيد، فشهد شاهدان آخران أن هذا العبد زيد وشهدا على إقرار البائع أنه زيد، أو أقر البائع أن هذا العبد زيد، فإن العبد لا يتم بهذه الشهادة، ويحلف البائع فإن حلف يرد الثمن.v(10/624)
-----
فإن شهد شاهدا البيع أن البائع أقر أن عبده زيد المولد، أو نسبوه إلى صناعة أو حلية أو ما أشبه ذلك من أمر معروف يعرف به، فوافق ذلك العبد، فهذا والأول سواء في القياس، ولكن استحسن في هذا أن يجيزه، وكذلك الأمة، وكذلك كتاب القاضي في هذا بالشهادة على الإقرار. ولو شهدا على إقراره بالعبد بعينه، وسمياه ووصفاه وقالا: أراناه يومئذٍ، وسمى لنا ولكن لا نعرفه اليوم بعينه، فهذا باطل من قبل أنهما شهدا على معروف، ثم جهلا بشهادتهما.
وفي كتاب البيوع من «المنتقى»: رجل في يديه دار ادعاها رجل أنها داره اشتراها من الذي في يديه بألف درهم، وادعى الذي في يديه أنها داره اشتراها من المدعي بألف درهم، ولا بينة لهما، فإن الدار للذي في يديه الدار، فإن أنكر تلك المقالة وشهد على إقرارهما بذلك شهود، كل واحد منهما يدعي الدار لنفسه، وينكر تلك المقالة التي شهدت الشهود عليها، فإن الدار للمتكلم الأول وهو الخارج؛ لأن الخارج لما ادعى الشراء من صاحب (248ب4) اليد فقد أقر أن الدار كانت لصاحب اليد، ولم يثبت شراءه من صاحب اليد، وصاحب اليد لما ادعى الشراء بعد ذلك من الخارج فقد أقر أن الدار كانت للخارج، ولم يثبت شراءه من الخارج، وبطل إقرار الخارج لصاحب اليد حكماً؛ لإقرار صاحب اليد للخارج بعد ذلك.
وفي «نوادر هشام» قال: سألت محمداً عن غلام في يدي رجل ادعاه رجلان أقام أحدهما بينة أنه اشتراه منه بألف درهم منذ سنة، وأقام آخر بينة أنه اشتراه منه بمئة دينار منذ خمسة أشهر، وصاحب اليد يقول: بعته من صاحب المئة، وقضى القاضي بالغلام لصاحب الألف لما أن وقته أول وسلم الغلام إليه، فوجد بالغلام عيباً، ورده على المقضي عليه بقضاء القاضي فجاء صاحب المئة وقال: أنا آخذ الغلام لأنك أقررت أنك بعته مني بمئة دينار، وصاحب اليد يأبى ويقول: إن القاضي فسخ العقد بيني وبينك، لا يكون فسخاً وله أن يأخذ بإقرار البائع أنه باعه منه، ولم يبعه من ذلك.(10/625)
-----
وإن قال البائع لصاحب المئة: خذ الغلام إنما هو فللبائع أن يلزمه، وإن قال صاحب المئة حين قضى القاضي بالغلام لصاحب الألف وقام من مجلس القاضي: فسخت البيع بيننا، لم يكن فسخاً إلا أن يقول البائع: أجيبك إلى ذلك أو يفسخ القاضي العقد بينهما.
وفي «المنتقى»: رجل ادعى على رجل أني قد بعتك هذا الطيلسان لي، وأنا كنت أودعتك فرددتها علي، يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه، ويرد الطيلسان على الذي ادعى البيع؛ لأن الذي في يديه الطيلسان أقر أن الطيلسان كان في يد مدعي البيع. قال: وهذا في اليمين بالمدعى عليه، وعلل فقال: لأنهما لو أقاما البينة كانت البينة بينة الآخر.
رجل ادعى داراً في يدي رجل أنها داره، اشتراها من صاحب اليد قبل هذا التاريخ بشهر، وأنكر المدعى عليه دعواه، فأقام المدعي بينة على دعواه، فقال المدعى عليه: الدار كانت لي إلا أني قد كنت بعتها قبل هذا من امرأتي بتاريخ ثلاثة أشهر؛ وصدقت امرأة المدعى عليه المدعى عليه في ذلك، وقالت: قد كنت اشتريت هذه الدار من هذا المدعى عليه قبل هذا بثلاثة أشهر، وأقامت بينة على دعواها على المدعي، وكان ذلك قبل القضاء بالدار للمدعي، فالقاضي لا يقبل بينتها.
ولو أقامت المرأة بذلك على زوجها قبلت بينتها، وقضي بالدار لها، وإن أقر الزوج لها بذلك؛ لأن إقرار الزوج لها ببيع الدار منها بعدما أقام المدعي البينة على دعواه لم تصح؛ إذ لو صح بطل ما أقام المدعي من البينة وإنه لا يجوز، وإذا لم يصح إقرار المدعى عليه بذلك صار وجوده والعدم بمنزلة، وصارت مسألتنا أن المدعي ادعى الشراء من صاحب اليد بتاريخ شهر، وامرأة صاحب اليد ادعت الشراء منه بتاريخ ثلاثة، فيقضى بالدار بتاريخها.(10/626)
-----
المحبوس بالدين إذا أقام بينة أنه معسر، وأقام رب الدين بينة أنه موسر، فالقاضي يقبل بينة رب الدين، وإن لم يبينوا مقدار ملكه حتى يخلده في السجن ببينة رب الدين وفيه إشكال؛ لأن تخليده في السجن لا يستحق إلا باليسار، واليسار لا يثبت إلا بالملك، وتعذر القضاء بالملك لجهالة قدره، ألا ترى إلى ما ذكر في كتاب الشفعة أن المشتري إذا أنكر جوار الشفيع وأنكر ملكه في الدار التي في يديه بجنب الدار المشتراة، وأقام الشفيع بينة أن له نصيباً في هذه الدار، ولم يبينوا مقدار النصيب فالقاضي لا يقضي بهذه الشهادة، وطريقه: أن حق الشفعة إنما تثبت لمدعيها إذا ثبت له الملك في الدار التي يدعي الشفعة بها، والقضاء بالملك له، فهذه الشهادة غير ممكنة لمكان الجهالة، فههنا يجب أن يكون كذلك.
والجواب وهو الفرق بين المسألتين: أن في مسألة المحبوس القضاء بالملك له غير ممكن لجحوده لا لجهالته، بل الملك لنفسه، ألا ترى أن الشهود إن بينوا مقدار الملك له، فالقاضي لا يقضي له بالملك مع أن المشهود به معلوم لجحوده الملك لنفسه، وإذا تعذر القضاء بالملك لجحوده لم يشترط القضاء باليسار إمكان القضاء له بالملك، فأما في مسألة الشفعة؛ القضاء بالملك للشفيع ممكن؛ لأنه يدعي الملك لنفسه، وإذا أمكن القضاء له بالملك كان إمكان القضاء بالملك شرطاً لثبوت الشفعة؛ لأن الشفعة لا تستحق إلا بالملك، أو ليس إذا سقط شرط من شرائط صحة القضاء في موضع العجز يدل على أنه يسقط في موضع آخر من غير العجز.(10/627)
-----
وإذا أقام المدعي بينة على أن قاضي بلد كذا فلان قضى له على هذا الرجل بألف درهم، وأقام المدعى عليه بينة أن ذلك القاضي يقضي له بالبراءة عن هذه الألف، فالقاضي يقضي بالبينة التي قامت على البراءة، ولا يقضي ببينة المدعي؛ لأن المدعى عليه لما ادعى البراءة صار مقراً، فوقع الاستغناء عن قبول بينة المدعي على الدين لإقرار المدعى عليه بالدين، فصار كأن المدعي لم يقم البينة على الدين، ثم إن المدعى عليه أثبت براءته بالبينة، فتقبل بينته، ويقضى له بالبراءة لهذا.
وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف: رجل ادعى على رجل أنه تصدق بهذه الدار عليه وقبضها، أو اشتراها منه بألف درهم، وقبضها أو وهبها منه على عوض ألف وقبضها، وأنكر صاحب اليد ذلك، فأقام المدعي بينة أن صاحب اليد أقر بهذه الدار لهذا المدعي، قال: أقبل ذلك وأجعلها للمدعي، فبعد ذلك إن ادعى صاحب الدار الثمن أو العوض الذي أقر به أمرته بدفعه إليه، وإن لم يدع ذلك فلا حق له فيه.
وإذا قال المدعى عليه: هذه الضيعة ليست في يدي، وأراد المدعي أن يحلفه على اليد، له ذلك حتى يصير مقراً باليد، ثم إذا صار مقراً باليد يحلفه القاضي بالله ما هي ملك هذا المدعي، حتى يصير مقراً له بالملك، وإذا صار مقراً له بالملك يترك التعرض إذا كان بعض التركة في يد الغاصب، فالغريم لا يكون خصماً للغاصب في ذلك، حتى لو أراد الغريم الدعوى على الغاصب في ذلك لا تسمع دعواه في أول وصايا «الجامع»، ولكن حق الدعوى للوارث إن كان، وإن لم يكن فللموصي، فإن كان للميت وارث وامتنع عن الخصومة مع الغاصب، فالقاضي ينصب وصياً ليخاصم مع الغاصب نظراً للغريم الدعوى في عتق الأمة، وفي الطلقات الثلاث، وفي الطلاق البائن ليس بشرط لصحة القضاء والمسألة معروفة، قالوا: وكذلك في الطلاق الرجعي الدعوى لا تكون شرطاً لصحته أيضا، لأن حكمه حرمة الفرج بعد انقضاء العدة، وأنه حق الله تعالى.
(10/628)
-----
جارية في يدي رجل جاء رجلان وادعى كل واحد منهما أن الجارية ملكه، باعها من ذي اليد بألف درهم على أنه بالخيار، وأقام على ذلك بينة، فإن أمضيا العقد كان لكل واحد منهما على ذي اليد جميع الثمن، وإن لم يمضيا فالجارية بينهما، وإن أمضى أحدهما دون الآخر كان له نصف الثمن.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل باع أمة له وبها حمل، فقال البائع: ليس هذا الحمل مني بل هو من عبدي، فولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر، فادعاه البائع جازت دعوته وردت الجارية والولد إليه؛ لأن هذا حق الولد.
هشام عن محمد: في رجل اشترى مملوكاً وباعه من آخر، وباعه الآخر من آخر أيضاً، ثم اشتراه الأول، وادعى أنه ابنه، فهو ابنه وتبطل البيوع كلها، وإن كان هو لم يشترِ وادعاه فدعوته باطلة.
رجل أعتق جارية ولها ولد، ثم ادعى ولدها بعدما أعتقها قال: يلزمه وعليها العدة.
رجل قال في مرضه: هذا الغلام ابني من (249أ4) إحدى هاتين الجاريتين ثم مات، قال محمد رحمه الله: يعتق الغلام من جميع المال؛ لأن نسبه قد ثبت، وتسعى كل جارية في نصف قيمتها، ويعتق نصفها من الثلث.
ابن سماعة في «نوادره»: رجل أعتق جارية وتزوجت زوجاً وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها،فادعاه الزوج والسيد قال: أيهما صدقته فهو ابنه، قال: لأن علمي قد أحاط أن الولد كان قبل التزويج، فإن صدقه الزوج وادعى نكاحاً فاسداً أو وطأ شبهة لزمه ذلك، وكذلك السيد ليس له دعوى بدون تصديقها؛ لأنه لا عدة له عليها.
محمد بن (سماعة) عن أبي حنيفة: إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج، فأنزل فأخذت الجارية ماءه في شيء واستدخلته فرجها في حرمان ذلك، فعلقت الجارية وولدت ولداً، فإن الولد ولد الرجل، وتصير الجارية أم ولد له.(10/629)
-----
ابن سماعة عن محمد: في رجل وطء جارية مشتركة بين ابنه وبين أجنبي فولدت، قال: عليه نصف قيمة الأم للابن، وعليه للآخر نصف قيمتها، ونصف عقرها، لأنه يملك نصيب الابن سابقاً على الاستيلاد؛ شرطاً لصحته ويملك نصيب الأجنبي بعد الاستيلاد حكماً لصحته، فالاستيلاد في نصيب الابن صادف ملك الأب فلا يوجب العقر، وفي نصيب الآخر صادف ملك الغير فيلزمه العقر.
ذكر في «المنتقى»: في عبد ادعى لقيطاً أنه ابنه من امرأته هذه وهي أمته، ثبت نسبه من العبد، ويكون حراً ولا يكون ابن امرأته، وقال في نصراني مات وترك ابناً فأسلم الابن بعد موته، ثم جاء نصراني وأقام بينة من النصارى أنه ابن الميت قضيت ببينته، ولم أعطه شيئاً لما في يد الابن المسلم، وإن ظهر للميت بعد ذلك مال؛ كان ذلك المال للابن المسلم؛ وإن مات الابن المسلم ورث أخاه منه إن كان قد أسلم قبل موته، لأن نسبه قد ثبت، وعن محمد أن القاضي لا يقضي بنسب الابن النصراني في هذه الصورة، ولا يقبل بينته أصلاً.
ولو ترك النصراني ابنين فأسلم أحدهما بعد موته، فجاء نصراني وأقام بينة من النصارى أنه ابن الميت، قال أبو يوسف: أقبل بينته على النسب، وأجعله شريك الابن النصراني، ولا يشارك الابن المسلم في نصيبه، وقال محمد: أثبت نسبه، وإذا أثبت نسبه أشركته فيما في أيديهما.
ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: في امرأة مع رجل لها منه أولاد، وهي معه في منزله يطأها وتلد له بنيناً، ثم أنكرت أن تكون امرأته قال: إذا أقرت أن هذا الولد ولده منها فهي امرأته، وإن لم يكن منها ولد وإنما كان معه على هذا الحال، فالقول قولها.(10/630)
-----
بشر عن أبي يوسف في عشرة ادعوا نكاح امرأة، قال: إن كان دخل بها أحدهم فهي امرأته، وإن ادعت هي واحداً منهم، فهو زوجها، فإن كان واحد منهم دخل بها ولم تدع هي واحداً منهم، ولا يدري الذي دخل بها، فلها على كل واحد منهم نصف مهر، وإن ماتوا كان لها عشر مهر على كل واحد منهم، ولها عشر ميراث امرأة من كل واحد، وإن ماتت هي كان على كل واحد منهم عشر منهم ولهم ميراث زوج بينهم إذا تصادقوا أنهم لا يعلمون.
هشام عن محمد: امرأة مدركة زوجها أبوها من رجل فمات زوجها، فجاءت تدعي الميراث قال: إن قالت: كنت أمرت أبي بالتزويج ثبت النكاح وورثت، وإن قالت: لم آمره، ولكن حين بلغني تزويجه إياي أمرت، فعليها البينة وكذلك هذا فيمن باع عبد غيره ومات العبد في يد المشتري ثم ادعى البائع الأمر أو الإجارة.
وفي «المنتقى»: رجل توفي فادعى رجلان ميراثه يدعي كل واحد منهما أن الميت مولاه أعتقه ولا وارث له غيره، وأقام البينة على ما ادعى ولم يؤقتوا للعتق وقتاً، فالميراث بينهما، ولو وقت للعتق وقتاً فصاحب الوقت الأول أولى. وإذا كان الصبي في يدي رجل أقام رجل بينة أنه ابنه ولد من أمته هذه منذ سنة والصبي مشكل السن، فالبينة بينة الذي في يديه، وهذا مخالف للعتق؛ لأن الولادة لا تكون إلا مرة وقد يجوز أن يعتق الإنسان عبده ثم يغصبه منه غاصب ويكون عبد الغاصب فيعتقه بعد ذلك، فيعاين كل فريق عتقاً فيمكن القضاء لأول الوقتين.
ادعى عيناً في يدي رجل، فقال المدعى عليه: اشتريته من هذا المدعي بنزع الدار من يده حتى يقيم البينة على الشراء وهذا قياس، وفي الاستحسان: تترك العين في يده ثلاثة أيام، ويؤخذ منه كفيل حتى يقيم البينة على الشراء، هكذا ذكر في «الفتاوى»، والقياس كان يفتي الشيخ الإمام طهر الدين المرغيناني، وعلى هذا: المديون إذا ادعى الإيفاء يؤمر بالقضاء، ثم بإثبات الإيفاء.
(10/631)
-----
رجل ادعى نصف دار في يدي رجل، فأقر المدعى عليه، إلا أنه لم يدفعه إليه وغاب، فجاء رجل وادعى نصف الدار لنفسه، فالمقر لا يكون خصماً له لأنه ليس في يده شيء، ولو غاب المقر له والمقر حاضر فهو خصم لهذا المدعي الثاني، ولو أن رجلاً ادعى نصف دار في يدي رجل وقضي له بما ادعى بالبينة ولهذا المدعي أخوان، كل واحد منهما يدعي بعد ذلك أن له نصف الدار، وإن قبض الأول ما ادعى قضي بالدار بين أخويه نصفان؛ لأن القضاء في هذه الصورة على الأول، وإن لم يقبض الأول ما ادعى قضي بالدار بينهما أثلاثاً.
ادعى عيناً في يدي رجل أنه ملكي لما أنه كان ملكاً لأبي رهنه منك ودفعه إليك ثم مات أبي وتركه ميراثاً لي ولا وارث له غيري، فأنكر الذي في يديه العين ملكه ورهن أبيه منه، فجاء المدعي يشهد وشهدوا أن هذه العين ملكه وفي يدي هذا المدعى عليه بغير حق قبلت شهادتهم؛ لأن المرتهن إذا أنكر الرهن فالمرهون يكون في يده بغير حق.
وإذا ادعى جارية في يد إنسان أنها كانت ملكي يوم أخد يد صاحب اليد مني، فإذا ادعى أنه غصب مني هذه الجارية، فدعواه صحيحة وإن لم يقل: ملكي، ولو أقام البينة على أن صاحب اليد غصبها منه، فالقاضي يأمر صاحب اليد بالرد عليه أما لا يقضى له بالملك إذا قال في دعوى البنوة: هذا ابني ولم يقل ولد على فراشي، فهذه دعوى صحيحة، وإذا أقام البينة سمعت بينته وقضي بثبوته. وإذا قال: هذا الولد ليس مني ثم قال: هو مني صح قوله الثاني، وحكم بثبوت النسب منه، وإذا ادعى أنه ابن عم فلان فلا بد فيه من ذكر الجد.
وإذا ادعى أنه أخ فلان لا يشترط فيه ذكر الجد، هكذا حكي عن القاضي الإمام شمس الإسلام محمود الأوزجندي.
-----
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف في ولد الملاعنة: إذا ادعاه رجل أنه لايثبت نسبه منه، قال: لأنه ولد على فراش الزوج. وفي «المنتقى»: وإذا شهد الشهود لرجل أن زيداً أقر أن هذا المدعي أخوه أو ابن أخته أو مولاه، فليس هذا بشيء حتى يثبتوا، وهذا بخلاف ما لو شهدوا أنه أقر أنه ابن خاله أو ابن عمه؛ لأن الغالب في هذا النسب ويورث منه.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله: صبي في يدي رجل لا يعرف نسبه ادعى آخر أنه ابنه، قال: إن صدقه الذي الصبي في يده ثبت نسبه منه، وإن كذبه لا يثبت نسبه منه، والمراد من المسألة: الصغير الذي لا يعبر عن نفسه كانت العبرة بتصديقه وتكذيبه التصديق من في يده وتكذيبه، والله أعلم بالصواب.(10/632)
كتاب المحاضر والسجلات
هذا الكتاب يشتمل على ثلاثة وستين محضراً وسجلاً
1 * فيما ينبغي أن يكتب في المحضر.
2 * في محضر الدين المطلق وسجله.
3 * في إثبات الدفع لهذه الدعوى وسجله.
4 * في إثبات الدين على الميت وسجله، وإثبات الدفع لهذه الدعوى.
5 * في إثبات ملكية المحدود وسجله، وفي دفع هذه الدعوى وسجله.
6 * في دعوى الدار ميراثاً عن الأب وسجله، وفي دفع (249ب4) هذه الدعوى وسجله.
7 * في دعوى ملكية المنقول تملكاً مطلقاً وسجله.
8 * في ملكية العقار بسبب الشراء من صاحب اليد وسجله.
9 * في حرية الأصل وسجله.
10 * في دعوى العتق على صاحب اليد باعتاق من جهته وسجله.
11 * في دعوى العتق على صاحب اليد بإعتاق من جهة غيره وسجله.
12 * في إثبات الرق وسجله في دفع هذه الدعوى وسجله.
13 * في دعوى التدبير المطلق وسجله، وفي إثبات العتق على غائب وسجله.
14 * في دعوى النكاح وسجله، ودفع هذه الدعوى وسجله.
15 * في دعوى نكاح امرأة هي في يدي رجل يدعي نكاحاً وهي لم تقر له بذلك.
16 * محضر في إثبات الصداق ديناً في تركة الزوج.
17 * في إثبات مهر المثل.
18 * في إثبات المتعة.
-----
19 * في إثبات الحرمة الغليظة.
20 * في شهادة الشهود بالحرمة الغليظة بدون دعوى المرأة.
21 * في إثبات حرمة الغليظة على الغائب وسجله.
22 * في سجل التفريق بين الزوجين بسبب العجز عن النفقة.
23 * في سجل التفريق في النكاح بلفظ الهبة.
24 * في سجل فسخ اليمين المضافة.
25 * في إثبات العنة للتفريق، وفي إثبات دفع هذه الدعوى.
26 * في دعوى النسب.
27 * في إثبات العصوبة.
28 * في إثبات الوقفية
29 * في دعوى الشفعة.
30 * في دعوى المزارعة.
31 * في إثبات الإجارة.
32 * في إثبات الرجوع في الهبة.
33 * في إثبات منع الرجوع في الهبة.
34 * في إثبات الرهن.
35 * في شركة العنان.
36 * في إثبات الاستبضاع.
37 * في إثبات القود.
38 * في إثبات الدية.
39 * في إثبات القذف.
40 * في إثبات الوفاة والوارث مع المناسخة.
41 * في دعوى المنزل ميراثاً عن أبيه.
42 * في إثبات الوصاية.
43 * في إثبات بلوغ اليتيم.
44 * في إثبات الإفلاس.
45 * في إثبات هلال رمضان.
46 * في إثبات كون المدعى عليها مخدرة.
47 * في دعوى المال على الغائب للكتاب الحكمي.
48 * في ثبوت ملك محدود بكتاب حكمي.
49 * في إثبات المضاربة والبضاعة للكتاب الحكمي.
50 * الكتاب الحكمي في إثبات شركة العنان في عمل الحلابين.
51 * في إثبات كتاب حكمي.
52 * كتاب حكمي على قضاء الكاتب بشيء قد حكم به وسجله.
53 * في دعوى العقار.
54 * في عبد الآبق.
55 * في رسوم للقضاة والحكام في تقليد الأوقاف.
56 * في كتاب القاضي إلى بعض الحكام بالنواحي لاختيار القيّم في الأوقاف، وفي جواب المكتوب إليه، ثم في قسمة التركة واختيار القيم للصغير.
57 * في نصب الحكام في القرى.
58 * كتاب في أمر أتاه بالتزويج.
59 * في كتاب إلى بعض الحكام بالناحية للتوسط بين الخصمين.
60 * في كتابه إليه لتوقيف الضيعة.
61 * في ذكر الإذن بالاستدانة.
62 * في فرض نفقة المرأة.
-----
63 * في كتاب المسودة من القاضي بالعربية.(10/633)
الأول: فيما ينبغي أن يكتب في المحضر
ذكر الشيخ الإمام الزاهد الحجاج نجم الدين شمس الإسلام والمسلمين عمر النسفي رحمه الله أن الإشارة في الدعاوي والمحاضر ولفظة الشهادة من أهم ما يحتاج إليها، وإنما كانت أهم قطعاً للاحتمال؛ لأن المدعي بدعواه يستحق المدعى به على المدعي به، والشهود بشهادتهم يثبتون استحقاقه، ولا يثبت الاستحقاق مع الاحتمال، وكذا في السجلات لابد من الإشارة حتى قالوا: إذا كتب في محضر الدعوى حضر فلان مجلس الحكم وأحضر مع نفسه فلاناً، فادعى هذا الذي حضر عليه لا يفتي لصحة ويكتب، فادعى هذا الذي أحضره؛ لأن بدونه توهم أنه أحضر هذا وادعى على غيره، وكذلك عند ذكر المدعي والمدعى عليه في إتياء المحضر لابد من ذكر هذا، فيكتب المدعي هذا والمدعى عليه هذا لأن بعض المشايخ كانوا لا يفتون بالصحة بدونه.
وكذلك قالوا في السجلات: إذا كتب: وقضيت لمحمد هذا على أحمد هذا لابد وأن يكتب: وقضيت لمحمد هذا المدعي على أحمد هذا المدعى عليه، وكذلك قالوا: إذا كتب في المحضر عند ذكر شهادة الشهود، وأشاروا إلى المتداعيين لا يفتى بالصحة؛ لأن الإشارة المعتبرة هي الإشارة عند الحاجة إليها في موضعها، ولعلهم أشاروا إلى المدعى عليه عند الحاجة إلى الإشارة إلى المدعي، وأشاروا إلى المدعى عليه عند الحاجة إلى الإشارة إلى المدعى عليه، ويكون ذلك إشارة إلى المتداعيين، ولا تكون معتبرة، فلابد من بيان ذلك بأبلغ الوجوه قطعاً للوهم.I(10/635)
-----
وقالوا أيضاً: إذا كتب صك الإجارة: آجر فلان من فلان أرضه بعدما جرت المبايعة الصحيحة بينهما في الأشجار والزراحين التي هي في هذه الأرض لا يفتى بصحة الصك؛ لجواز أن الأشجار كانت للمستأجر باعها من الآجر ثم استأجر الأرض، وعلى هذا التقدير لا تصح الإجارة في الأرض، وهذه إجارة الأرض بعدما جرت المبايعة الصحيحة في الأشجار بين المتعاقدين كما كتب في الصورة الثانية لأنهما متعاقدان، وينبغي أن يكتب أجر الأرض من المستأجر.
هذا بعد ما باع هذا الآجر الأشجار والزراحين من المستأجر هذا، وقالوا نصاً فيما إذا كتب في المحضر: أحضر المدعي شهوده وسألني الاستماع إليهم، فشهدوا على موافقة الدعوى لا يفتى بصحة المحضر، وينبغي أن يذكر ألفاظ الشهادة؛ لأن القاضي عسى أن يظن أن بين الدعوى والشهادة موافقة، ولا يكون بينهما موافقة في الحقيقة، وكذلك قالوا أيضاً: إذا كتب في السجل شهد الشهود على موافقة الدعوى لا يفتي بصحة السجل، وكذلك قالوا في كتاب «القاضي إلى القاضي» لو كتب فيه: شهدوا على موافقة الدعوى لا يفتى بصحة الكتاب، ومن المشايخ من فرق بين كتاب القاضي والسجل وبين محضر الدعوى، فافتى بصحة الكتاب والسجل وبفساد محضر الدعوى؛ لأن كتاب القاضي إنما يرد من الآفاق.
(10/636)
-----
فلو رددناه بهذا القدر من الخلل احتاج الذي جاء بالكتاب إلى الرجوع إلى بلده، وفيه جرح بين، والمانع من القبول موهوم وليس بقطعي؛ لأن الظاهر أن قاضي كل بلدة يعرف الموافقة بين الدعوى والشهادة، فأما محضر الدعوى في كل بلدة يكتب أهل تلك البلدة، فلو رددناه بهذا الخلل لا يؤدي إلى الحرج، وسجل القاضي إنما يكتب بعد حكمه، وحكمه محمول على الصحة، ولا صحة إلا بالموافقة فتثبت الموافقة بحكمه بخلاف المحضر ليس فيه ما يثبت الموافقة بين الدعوى والشهادة، فلا بد من بيانهما، ولأن السجل قد يرد من مصر آخر، فلو رددناه بهذا الخلل يؤدي إلى الحرج، ولا كذلك المحضر على نحو ما بينا.
والدليل على صحة الفرق بين السجل والمحضر ما ذكر في «الزيادات»: أن من ادعى أنه وارث فلان الميت ولا وارث له غيره، وأقام بينة على دعواه فالقاضي لا يقضي بوراثته ما لم يثبتوا سبب الوراثة، ولو ادعى أنه وارثه ولا وارث له غيره، وأن قاضي بلد كذا قضى بوراثته وجاء ببينة شهدوا أن قاضي بلد كذا اشهدنا على قضائه أن (250أ4) هذا وارث فلان الميت لا وارث له غيره، وقال الشهود: لا ندري بأي سبب قضى، فإن القاضي الثاني يجعله وارثاً، وطريقه ما قلنا: إن قضاء القاضي محمول على موافقة الشرع وعلى الصحة، وذلك ههنا في أن يحمل على أنه استقضاء في سبب الوراثة غاية الاستقضاء، ولم يقدم على القضاء إلا بعد العلم بالحجة بسبب وراثته كذا في مسألتنا.(10/637)
-----
وكذا قالوا في السجل: إذا كتب على وجه الإيجاز: ثبت عندي من الوجه الذي تثبت الحوادث الحكمية والنوازل الشرعية أنه لا يفتى بصحة السجل ما لم يبن الأمر على وجهه. وقال بعضهم: يفتى بصحته، قالوا: ويكتب في محضر الدعوى: شهد الشهود بكذا عقيب دعوى المدعي هذا، حتى لا يظن أن شهادتهم قبل الدعوى، وكذا يكتب والجواب بالإنكار من المدعى عليه هذا؛ لأن البينة لا تسمع على المقر إلا في مواضع معدودة ذكرها الخصاف في أدب القاضي، وعندي أن كل ذلك ليس بشرط؛ لأن في المحضر تكتب دعوى المدعي أولاً، ثم جواب المدعى عليه بالإنكار بعده، ثم شهادة شهود المدعي، فتكون شهادتهم بعد الدعوى، والجواب بالإنكار لا محالة.
وكان الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي يقول: ينبغي للمدعي أن يقول في دعواه: أين مدعى به حق منست وملك منست، ولا يكتفي فقوله: أين مدعي ملك منست، وحق من حتى لا يمكن أن يحلق به، وحق من نسى. وكذلك في جواب المدعى عليه لا يكتفي بقوله: ملك منست وحق من، وينبغي أن يقول: ملك منست وحق منست حتى لا يحلق بآخره كلمة النفي.
وكذلك في قوله الشاهد لا يكتفي بقوله: ملك أين مدعي أست وحق وي لما ذكرنا، وبعض مشايخنا اكتفوا بقوله: ملك منست وحق من، ويقول المدعى عليه: ملك منست وحق من، ويقول الشاهد: ملك أين مدعي است وحق وي. ولو قال المدعي: وحق منست فذلك يكفي بالإتفاق، وكذا في أمثاله.
وإذا قال الشهود في شهادتهم: أين مدعي به ملك أين مدعى است ولم يقولوا: دردست أين مدعي عليه بنا حق است، فقد اختلف المشايخ فيه، والصحيح أن المدعي إن طلب من القاضي القضاء بالملك، فالقاضي يقبل هذه الشهادة، ويقضي بالمال للمدعي، فإن طلب التسليم فالقاضي لا يقضي به ما لم يقولوا: دردست أين مدعي عليه بنا حق است.(10/638)
-----
الثاني: محضر الدين المطلق، يكتب بعد التسمية: حضر مجلس القضاء في كورة بخارى قبل القاضي فلان بذكر لقبه واسمه ونسبه المتولي لعمل القضاء والأحكام ببخارى نافذ القضاء والإمضاء بين أهلها من قبل فلان في يوم كذا من شهر كذا ومن سنة كذا؛ فبعد ذلك إن كان المدعي والمدعى عليه مووفين باسمهما ونسبهما يكتب اسمهما ونسبهما، فيكتب: حضر فلان بن فلان وأحضر مع نفسه فلان بن فلان؛ وإن لم يكونا معروفين باسمهما ونسبهما يكتب: حضر رجل ذكر أنه يسمى فلان بن فلان، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى فلان بن فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضر معه كذا كذا ديناراً نيسابورية حمراً جيدة مناصفة موزونة بوزن مثاقيل مكة ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب صحيح، وأقر هنا الذي أحضره معه في حال جواز إقراره طائعاً راضياً بجميع هذه الدنانير المذكورة الموصوفة في هذا المحضر على نفسه لهذا الذي حضر دينامً لازماً وحقاً واجباً بسبب صحيح إقراراً صحيحاً، وصدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً، فواجب على هذا الذي أحضره معه أداء هذا المال المذكور فيه إلى هذا الذي حضر، وطالبه بالجواب وسأل مسألته.
فبعد ذلك ينظر: إن أقر المدعى عليه بما ادعاه المدعي فقد تم الأمر، ولا حاجة للمدعي إلى إقامة البينة، وإن أنكر ما ادعاه المدعي يحتاج المدعي إلى إقامة البينة، ثم يكتب: فأحضر المدعي هذا نظراً ذكر أنهم شهود، وسأل الاستماع إليهم فأجبت، وهم فلان بن فلان وفلان، يكتب أسماء الشهود وأنسابهم وحلاهم ومسكنهم ومصلاهم.(10/639)
-----
وينبغي للقاضي أن يأمر بكتابة لفظة الشهادة بالفارسية على قطعة قرطاس حتى يقرأ صاحب المجلس على الشهود ذلك بين يدي القاضي ولفظة الشهادة في هذه الصورة: كواهي بيدهم كه أين مدعي عليه، ويشير إليه بحال روايي إقرار خويش تهمه وجوه مقرا، يد بطوع ورطبت وجنين كفت له يومن است من أين مدعي را، ويشير إليه ليست دينار زر شرح بخارى سره مناصفة موزون بوزن مثاقيل مكة جنان كه در أين محضر بادكرده شد، ويشير إلى المحضر فأمي لازم وحقي واجب بسببي درست إقداري درست، وأين مدعي، ويشير إليه راست كوي راشت ورا در أين إقرار ديار وي.
ثم يقر صاحب المجلس على الشهود ذلك بين يدي القاضي، ثم يقول القاضي للشهود: هل سمعتم لفظة الشهادة هذه التي قرئت عليكم؟ وهل تشهدون كذلك من أولها إلى آخرها؟ فإن قالوا سمعنا ويشهد كذلك يقول القاضي: الحل واحد منهم بكذا كه مجنين كواهي ميدهم كه خواجه إمام صاحب مجلس بوخو انداز أول تا آخر أين مدعى رابر أين مدعى عليه، وإن شاء القاضي يأمر كل واحد منهم حتى يأتي بلفظة الشهادة من أولها إلى آخرها كما قرئت عليهم، فإذا أبو بذلك يكتب في المحضر بعد كتبه أسامي الشهود وأنسابهم وحلاهم ومسكنهم ومصلاهم، فشهد هؤلاء الشهود بعدما استشهدوا عقيب دعوى المدعي، والجواب بالإنكار من المدعى عليه شهادة مستقيمة صحيحة متفقة الألفاظ والمعاني قرئت عليهم جميعاً، وأشار كل واحد منهم موضع الإشارات.
سجل هذه الدعوى: يكتب بعد التسمية: يقول القاضي فلان يذكر لقبه ونسبه واسمه أدام اللّه توفيقه المتولي لعمل القضاء والأحكام ببخارى ونواحيها نافذ القضاء بين أهلها من قبل الخاقان فلان ثبت لله قواعد ملكه وأعز نصره، حضر في مجلس قضائي ببخارى يوم كذا من شهر كذا من سنة (كذا) رجل ذكر أنه يسمى فلان، وأحضر معه رجلاً ذكر أنه يسمى فلان.(10/640)
-----
وإن كان القاضي يعرف المدعي والمدعى عليه يكتب: حضر فلان وأحضر معه فلان بن فلان، فادعى هذا الذي أحضر معه عشرين ديناراً نيسابورية حمراً جيدة مناصفة موزونة بوزن مثاقيل مكة ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب صحيح، وهكذا أقر هذا الذي أحضر معه في حال جواز إقراره طائعاً بجميع هذا المال المذكور مبلغه وجنسه وعدده في محضر الدعوى ديناً لازماً لهذا المدعي الذي حضر عليه، وحقاً واجباً بسبب صحيح إقراراً صحيحاً، وصدقه هذا الذي حضر بهذا الإقرار وطالبه بأداء جميع ذلك إليه وسأله مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب، وقال بالفارسية: من أباين مدعي سيح خير دادني نيست، فأحضر (المدعي) على المدعى (عليه) نفراً ذكر أنهم شهوده، وسأل الاستماع إليهم، فأجبت إليه واستشهدت الشهود وهم فلان بن فلان بن فلان حليته كذا وسكنه سكة كذا، ومصلاه مسجد كذا، فشهد هؤلاء الشهود عندي بعدما استشهدوا عقيب دعوى المدعي هذا، والجواب بالإنكار من المدعى عليه هذا شهادة صحيحة متفقة الألفاظ والمعنى، شهادة مستقيمة من نسخة قرئت عليهم بالفارسية، وهذا مضمون تلك النسخة التي قرئت عليهم كواهي ميدهم يكتب لفظة الشهادة بالفارسية على نحو ما ذكرنا في المحضر، فإذا فرغ من كتابة لفظة الشهادة يكتب: فأتوا كذلك بهذه الشهادة على وجهها وساقوها على سببها، وأشار كل واحد منهم في موضع الإشارة، فسمعت شهادتهم هذه، وأثبتها في المحضر المخلل في خريطة الحكم.
(10/641)
-----
فبعد ذلك إن كان الشهود (250ب4) عدولاً معروفين بالعدالة، عنده تكتب وقبلت شهادته لكونهم معروفين عندي بالعدالة، وجواز الشهادة وإن لم يكونوا معروفين عنده بالعدالة، وعدلوا بتزكية المعدلين يكتب، ورجعت في التعرف عن أحوالهم إلى من إليه رسم التعديل والتزكية بالناحية، فبعد ذلك ينظر إن عدلوا جميعاً يكتب، فنسبوا جميعاً إلى العدالة وجواز الشهادة فقبلت شهادتهم لإيجاب العلم قبولها، وإن عدل بعضهم دون البعض يكتب، فنسب آتيان منهم إلى العدالة وهما الأول والثاني وعلى هذا القياس فافهم، فقبلت شهادتهم لإيجاب العلم قبولها، وهذا إذا طعن المشهود عليه في الشهود، فإن كان المشهود عليه لم يطعن في الشهود يكتب عقيب قوله: فسمعت شهادتهم، وأثبتها في المحضر المخلد في خريطة الحكم قبلي، ولم يطعن المدعى عليه هذا في هؤلاء الشهود ولم يلتمس التعرف عن أحوالهم من المزكين بالناحية، فلم أشتغل بالتعرف عن حالهم من المزكين بالناحية واكتفيت بظاهر عدالتهم عدالة الإسلام عملاً بقول من يجوز الحكم بظاهر العدالة من أئمة الدين وعلماء المسلمين رحمهم الله أجمعين، فقبلت شهادتهم قبول مثلها؛ لإيجاب الشرع قبولها من الوجه الذي بين فيه، وثبت عندي بشهادة هؤلاء الشهود ما شهدوا به على ما شهدوا به، فأعلمت المشهود عليه هذا وأخبرته بثبوت ذلك عندي، ومكنته من إيراد الدفع ولا أتى بالمخلص وظهر عندي عجزه عن ذلك.(10/642)
-----
ثم سألني هذا المدعي المشهود له الحكم له على هذا المشهود عليه بما ثبت عندي له، ومن ذلك في وجه خصمه هذا المشهود عليه، وكتابه سجل له فيه والإشهاد عليه ليكون حجة له في ذلك، فأجبت إلى ذلك واستخرت الله تعالى في ذلك، واستعصمته عن الزيغ والزلل والوقوع في الخطأ والخلل، واستوفقته لإصابة الحق وحكمت لهذا المدعي على هذا المدعى عليه بثبوت إقرار هذا المدعى عليه بالمال المذكور مبلغه وجنسه وصفته وعدده في هذا السجل ديناً لازماً عليه، وحقاً واجباً بسبب صحيح لهذا المدعي، وتصديق هذا المدعى عليه إياه لهذا الإقرار خطاباً على الوجه المبين لي في هذا السجل.
فبعد ذلك إن كان الشهود معروفين بالعدالة يكتب عقيب قوله على الوجه المبين في هذا السجل بشهادة هؤلاء المعروفين بالعدالة، وإن ظهرت عدالتهم بتزكية الشهود يكتب بشهادة هؤلاء المعدلين، وإن ظهرت عدالة البعض دون البعض يكتب بشهادة هذين الشاهدين المعدلين من هؤلاء الشهود المسمين فيه بمحضر من المدعي ومن المدعى عليه، هذين في وجههما يشيرا إلى كل واحد منهما في مجلس قضائي بكورة بخارا بين الناس على سبيل التشهير والإعلان حكماً أبرمته، وقضاءً نفذته مستجمعاً شرائط الصحة والنفاذ وألزمت المحكوم عليه هذا إيفاء هذا المال المذكور مبلغه وجنسه وصفته وعدده فيه إلى هذا المحكوم له، فتركت المحكوم عليه هذا، وكل ذي حق وحجته ودفع على حجته ودفعه، وأمرت بكتابة هذا السجل حجة للمحكوم له في ذلك وأشهدت عليه حضور مجلس هذا من أهل العلم والعدالة والأمانة والصيانة، وذلك في يوم كذا من سنة كذا.
(10/643)
-----
فهذه الصورة التي كتبناها في هذا السجل أصل في جميع السجلات لا يتغير شيء مما فيها إلا الدعاوى، فإن كان الدعاوى كثيرة لا تشبه بعضها بعضاً، وليس كتابه المسجل إلا إعادة الدعاوى المكتوبة في المحضر بعينها، وإعادة لفظة الشهادة عقيبها، ثم بعد الفراغ من كتابة لفظة الشهادة فجميع الشرائط في سائر السجلات على نحو ما بينا في هذا السجل والسيف يضارب والله أعلم.
ثم ينبغي للقاضي أن يوقع على صدر السجل بتوقيعه المعروف، ويكتب في آخر السجل عقيب التاريخ من جانب يسار السجل يقول: فلان بن فلان بن فلان، كتب هذا السجل عني بأمري، وجرى الحكم عني ما بين فيه عندي ومتى، والحكم المذكور فيه حكمي وقضائي، نفذته بحجة لاحت عندي وكتبت التوقيع على الصدر، وهذه الأسطر الأربعة أو الخمسة على حسب ما يتفق بخط يدي، وقد يكتب هذا السجل على سبيل المعاينة: هذا ما شهد عليه المسمون آخر هذا الكتاب شهدوا جملة أنه حضر مجلس القضاء بكورة كذا قبل القاضي فلان بن فلان وهو يومئذٍ متولي عمل القضاء والأحكام بهذه الكورة من قبل فلان.
رجل ذكر أنه يسمى فلان، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى فلان ويذكر الدعوى على حسب ما ذكرنا في النسخة الأولى، ويذكر لفظة الشهادة أيضاً على ما ذكرنا في النسخة الأولى، فإذا فرغ من ذلك يكتب: فسمع القاضي شهادتهم، وأثبتها في المحضر المخلد في خريطة الحكم، ورجع في التعرف عن أحوالهم إلى مواليه رسم التعديل والتزكية بالناحية إلى آخر ما ذكرنا على التفصيل الذي ذكرنا ثم يكتب: وثبت عنده بشهادة هؤلاء الشهود ما شهدوا به على ما شهدوا به.(10/644)
-----
وعرض الدعوى ولفظة الشهادة على الأئمة الذين عليهم المدار في الفتوى بالناحية، فأفتوا بصحتها وجواز القضاء بها، وأعلم المشهود عليه ثبوت ما شهدوا به على ما شهدوا به ليورد دفعاً إن كان له فلم يأت بالدفع ولا أتى بالمخلص، وظهر عنده عجزه عن ذلك، فالتمس المشهود له الحكم من القاضي له بما ثبت له عنده من ذلك، وكتابه ذكر له في ذلك والإشهاد عليه ليكون حجة، فاستخار القاضي هذا الله وسأله العصمة عن الزيغ والزلل والوقوع في الخطأ والخلل، وحكم القاضي هذا للمشهود له هذا بمسألته على المشهود عليه هذا، بثبوت إقرار هذا المدعى عليه بالمال المذكور فيه، مبلغه وجنسه وصفته وعدده في هذا السجل ديناً لازماً عليه، وحقاً واجباً بسبب صحيح لهذا المشهود له، وتصديق المشهود له إياه في هذا الإقرار خطاباً على الوجه المبين في هذا السجل بشهادة هؤلاء الشهود، بمحضر من هذين المتخاصمين في وجهها في مجلس قضائه بين الناس في كورة كذا حكماً أبرمه وقضاء نفذه، وأمر المحكوم عليه بتسليم هذا المال المذكور مبلغه وجنسه وصفته وعدده في هذا السجل إلى هذا المحكوم له، وترك المحكوم عليه وكل ذي حق وحجة ودفع على دفعة وحجته متى أتى به يوماً من الدهر وأمر بكتبه هذا السجل والإشهاد عليه، وذلك في يوم كذا من سنة كذا، وهذا السجل أصل أيضاً إلا أن المستعمل فيما بين الناس الأول.
(10/645)
-----
وقد يكتب هذا السجل بطريق الإيجاز، فكتب بقول القاضي فلان بن فلان المتولي لعمل القضاء، والأحكام إلى آخره، ثبت عندي من الوجه الذي يثبت به الحوادث الشرعية، والنوازل الحكمة بعد دعوى صحيحة من خصم حاضر على خصم حاضر أوجب الحكم الإصغاء الى ذلك ببينة عادلة قامت عندي، أو بشهادة فلان وفلان، وقد ثبت عندي عدالتهم وجواز شهادتهم أن فلاناً أقر أن لفلان عليه كذا كذا ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب صحيح ثبوتاً أوجب الحكم به، فحكمت بمسألة المشهود له هذا على المشهود عليه هذا بجميع ما أقر به المشهود عليه هذا للمشهود له هذا بمحضر منهما في وجههما حكماً أبرمته، وقضاء نفذته بعد استجماع شرائط صحة الحكم وجوازه بذلك عندي في مجلس قضائي بين الناس بكورة بخارى، وكلفت هذا المحكوم عليه قضاء هذا المال المذكور وتركته وكل ذي حق وحجة ودفع على حقه وحجته ودفعه متى أتى به يوماً من الدهر، وأمرت بكتبة هذا السجل حجة في ذلك بمسألة هذا المحكوم له وأشهدت عليه حضور مجلس، وذلك في يوم كذا محضر في إثبات الدفع لهذه الدعوى، يكتب بعد التسمية: حضر مجلس القضاء في كورة بخارى قبل القاضي فلان المتولي لعمل القضاء والأحكام ببخارى أدام الله توفيقه يوم كذا.
رجل ذكر أنه فلان وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله، فإن هذا الذي أحضر معه، كان ادعى على هذا الذي أحضر أولاً أن له على هذا الذي حضر عشرين ديناراً، ويذكر صفتها ونوعها وعددها.(10/646)
-----
وهكذا أقر هذا الذي حضر في حال جواز إقراره بهذه الدنانير المذكورة فيه ديناً على نفسه، لهذا الذي أحضره معه ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب صحيح إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي أحضره معه في ذلك خطاباً، وطالبه برد هذه الدنانير المذكورة، وأقام البينة عليه بذلك بعد إنكاره ودعواه (251أ4) هذه ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه الموصوفة في هذا الذكر على هذا الذي حضر أنه مبطل في هذه الدعوى؛ لأن هذا الذي أحضره معه قبض من هذا الذي حضر،هذه الدنانير المذكورة فيه قبضاً صحيحاً بإيفاء هذا الذي حضر ذلك كله، وهكذا أقر هذا الذي أحضره معه في حال جواز إقراره طائعاً إقراراً صحيحاً، صدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً، فواجب على هذا الذي أحضره معه ترك هذه الدعوى قبل هذا الذي حضر وطالبه بالجواب وسأل مسألته، هذا إذا كان القاضي لم يقض للذي أحضره معه في الدعوى الأول، وإن كان قد قضى له بذلك يكتب بعد قوله وطالبه برد هذه الدنانير المذكورة فيه، وأقام البينة عليه بذلك بعد إنكاره دعواه هذه، وجرى الحكم مني لهذا الذي أحضره معه على هذا الذي حضر.
(10/647)
-----
ثم يكتب ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه الى آخر ما ذكرنا، ثم يكتب عقيب قوله: وطالبه بالجواب وسأل مسألته عن ذلك، فسأله القاضي عن ذلك، فقال بالفارسية: من مبطل نه أم أندرين دعوى، أحضر مدعي الدفع هذا نفراً ذكر أنهم شهوده، وسأل مني الاستماع إلى شهادتهم فأجبت إليه، وهم فلان وفلان وفلان يذكر أسماء الشهود وأنسابهم وحلاهم ومساكنهم ومصلاهم، فشهد هؤلاء الشهود عندي بعد دعوى مدعي الدفع هذا والجواب بالإنكار من المدعى عليه الدفع هذا عقيب الاستشهاد الواحد منهم بعد الآخر شهادة صحيحة متفقة الألفاظ والمعاني من نسخة قرئت عليه، ومضمون ذلك النسخة كواهي سيدهم كه مقر اسد أمن فلان وأشار إلى المدعى عليه الدفع هذا بحال روالي إقرار خويش بطوع ورغبت حنين كفت كه قبض كرده أم أز ابن فلان، وأشار إلى مدعى عليه الدفع هذا اليزمت دينار زركه مذكور شده اسدد راين محضر، وأشار إلى المحضر هذا قضى درست برسا نيدن ابن فلان وأشار إلى مدعي الدفع هذا أين زرهارا إقرار درست وابن مدعي دفع وأشار إليه داست كوا راشت مرين مدعي را، وأشار إليه أندرين إقرار كه أورد روبار وي.(10/648)
-----
وإن شهدوا على معاينة القبض يكتب مكان الإقرار بالقبض معاينة على نحو ما بينا في الإقرار، ويكتب: قبض المدعى عليه الدفع هذه الدنانير الموصوفة من مدعي الدفع هذا قبضاً صحيحاً بإيفائه ذلك كله إليه، وإن كان مدعي الدفع ادعى الدفع بطريق الإبراء عن جميع الدعاوى والخصومات يكتب: ادعى مدعي الدفع هذا في دفع هذه الدعوى؛ أن هذا الذي أحضر معه قبل دعواه هذه أبرأ هذا الذي حضر من جميع دعاويه وخصوماته قبله من دعوى المال وغيره إبراء صحيحاً، وأقر أنه لا دعوى له ولا خصومة له قبله، لا في قليل المال ولا في كثيره بوجه من الوجوه، وسبب من الأسباب، وإنه قبل عنه هذا الإبراء، وصدقه في هذا الإقرار خطاباً، وإن هذا الذي أحضره معه في دعواه قبله بعدما كان أقر بالإبراء عن جميع الدعاوى؛ مبطل غير محق، فواجب عليه الكف عن ذلك، وترك التعرض له، وطالبه بذلك، وسأل مسألته، فسئل فأجاب: من يبطل أنه أم درين دعوى خويش، فأحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده إلى آخر ما ذكرنا في دعوى الدفع بطريق القبض، غير أن في كل موضع ذكر القبض، ثم يذكر الإبراء هنا.g(10/649)
-----
سجل في هذه الدعوى يكتب بعد التسمية: يقول القاضي فلان حضر وأحضر، ويعيد الدعوى المكتوبة في المحضر من أولها إلى آخرها، فإذا فرغ من كتابة شهادة شهود مدعي الدفع يكتب فسمعت شهادتهم هذه، وأثبتها في المحضر المخلد في خريطة الحكم إلى قوله: وثبت عندي ما شهدوا به على ما شهدوا به، فعرضت ذلك على المدعى عليه الدفع هذا، وأعلمته بثبوت ذلك عندي، ومكنته من إيراد الدفع إن كان له دفع في ذلك فلم يأت بدفع ولا مخلص ولا أدلى بحجة يسقط بها ذلك، وثبت عندي عجزه عن إيراد الدفع، وسألني مدعي الدفع هذا في وجه مدعى عليه الدفع هذا الحكم له بما ثبت له عندي وكتابة السجل والإشهاد عليه إلى قوله: فحكمت لمدعي الدفع هذا بمسألته على المدعى عليه الدفع هذا في وجه المدعى عليه الدفع هذا بثبوت هذا الدفع الموصوف بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه في مجلس قضائي ببخارى؛ حكماً أبرمته، وقضاءً نفذته مستجمعاً شرائط صحته ونفاذه، بمحضر من هذين المتخاصمين في وجههما جملة، مشيراً إليهما، وكلفت المحكوم عليه هذا بترك التعرض للمحكوم له هذا بأداء هذا المال المذكور في هذا السجل، وتركت المحكوم عليه وكل ذي حجة وحق ودفع على دفعه وحقه وحجتة متى أتى يوماً من الدهر، وأمرت بكتابة هذا السجل حجة للمحكوم له، وأشهدت على حكم من حضر مجلس قضائي، وذلك في يوم كذا من شهر كذا وسنة كذا.
(10/650)
-----
فإن كانت دعوى الدين بدعوى الإكراه من السلطان يكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه أنه كان مكرهاً من جهة السلطان على هذا الإقرار إكراهاً صحيحاً بالضرب والحبس، وإن إقراره هذا لم يصح، وإن مبطل في دعواه هذه الدنانير المذكورة، فواجب عليه الكف عن هذه الدعوى. وإن كان دفع دعوى الدين بدعوى الصلح على مال يكتب في دعوى الدفع أنه مبطل في هذه الدعوى لما أنه صالحه عنه على كذا، وقبض منه بدل الصلح بتمامه، ووجوه الدفع كثيرة؛ فما جاءك من دعاوى الدفع يكتب على هذا المثال.
وإن كان دعوى الدين بسبب يكتب ذلك السبب في محضر الدعوى، فإن كان السبب غصباً يكتب كذا وكذا ديناراً ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب أن هذا الذي أحضره معه غصب منه دنانير هذا الذي حضر عنه هذا المبلغ المذكور الموصوف في هذا المحضر واستهلكها، وصار مثلها ديناً في ذمته. وإن كان السبب بيعاً يكتب ديناً لازماً، وحقاً واجباً ثمن متاع باعه منه وسلمه إليه، وإن كان السبب إجارة يكتب: ديناً لازماً وحقاً واجباً أجرة مني آجره منه وسلمه إليه، وانتفع به في مدة الإجارة. وإن كان السبب كفالة أو حوالة ففي الكفالة يكتب: ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب كفالة كفل له بها عن فلان، وإن هذا الذي حضر أجاز ضمانه عنه لنفسه في مجلس الضمان، وهذا الذي أحضر معه هكذا أقر بوجوب هذا المال على نفسه لهذا الذي حضر بالسبب المذكور، وفي الحوالة يكتب: ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب حوالة أحاله بها عليه فلان، وإنه قبل منه هذه الحوالة شفاهاً في وجهه ومجلسه، وأقر هذا الذي أحضره معه هكذا بوجوب هذا المال، ديناً على نفسه لهذا الذي حضر بالسبب المذكور.(10/651)
-----
وإن كان دعوى الدين بصك يكتب: ادعى هذا الذي حضر؛ على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه صك إقرار أورده وهذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم وينسخ صك الإقرار من أوله إلى آخره ثم يكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمن هذا الصك من المال المذكور فيه، وإقراره بجميع ذلك ديناً على نفسه لهذا الذي حضر ديناً لازماً وحقاً واجباً، وتصديق هذا الذي أحضر إياه في إقراره بذلك خطاباً بتاريخه، فواجب عليه إيفاء ذلك المال إليه، وطالبه بذلك.
وإن كانت الحوالة والكفالة بصك يكتب: ادعى عليه جميع ما تضمنه صك ضمان، أو صك حوالة أورده، وهذه نسخته: وينسخ كتاب الكفالة أو الحوالة، ثم يكتب: ادعى جميع ما تضمنه الصك المحول إلى هذا المحضر نسخته من الكفالة والقبول، والإقرار والتصديق على ما نطق به الصك من أوله إلى آخره.
محضر في إثبات الدين على الميت يكتب: حضر وأحضر معه، فادعى هذا الذي أحضره معه أنه كان لهذا الذي حضر على فلان بن فلان بن فلان والد هذا (الذي) أحضره كذا كذا ديناراً ويصفها، ويتابع في ذلك: ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب صحيح، وهكذا كان أقر فلان والد هذا الذي أحضره معه في حال حياته وصحته، وجواز إقراره ونفاذ تصرفاته في الوجوه كلها طائعاً بهذه الدنانير المذكورة ديناً على نفسه لهذا الذي حضر ديناً لازماً وحقاً واجباً بسبب صحيح.(10/652)
-----
وإن كتب السبب كان أحوط إقراراً صحيحاً صدقه الذي حضر فيه خطاباً في تاريخ كذا، ثم إن فلاناً والد هذا الذي أحضره توفي قبل أداء هذه الدنانير المذكورة فيه إلى هذا الذي حضر، وصار مثل هذه الدنانير ديناً لهذا الذي حضر في تركته، وخلف هذا المتوفى المذكور فيه من الورثة ابناً له لصلبه، وهو (251ب4) هذا الذي أحضر معه وخلف من التركة من ماله في يد هذا الذي أحضره معه من جنس هذا المال المذكور ما به وما بهذا المال المذكور فيه وزيادة، وهذا الذي أحضره معه في علم من ذلك فواجب عليه هذا الذي حضر وطالبه بذلك وسأل مسألته عن ذلك فسئل ويتم المحضر مع لفظة الشهادة على وفق الدعوى.
سجل هذه الدعوى يقول القاضي: فلان حضر وأحضر معه، ويعيد الدعوى بعينها، ويذكر أسامي الشهود ولفظة الشهادة، وعدالة الشهود، وإنه قبل شهادتهم بظاهر عدالة الإسلام، أو لكونهم عدولاً، أو لثبوت عدالتهم بتعديل المزكين إلى قوله: وحكمت، ثم يكتب: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بثبوت إقرار هذا المتوفى المذكور فيه حال حياته وصحته، ونفاذ تصرفاته لهذا المال المذكور فيه ديناً على نفسه لهذا الذي حضر، وتصديق هذا الذي حضر إياه فيه خطاباً بتاريخ كذا المذكور فيه، وبوفاته قبل أدائه شيئاً من المال المذكور فيه، في يده ما فيه وفاء بمثل هذا المال المذكور فيه، وزيادة بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه حكماً أبرمته، وقضيت بثبوت ذلك كله له عليه بشهادتهم، قضاءً نفذته مستجمعاً شرائط صحته ونفاذه في مجلس قضائي بين الناس في كورة بخارى، بمحضر من هذين المتخاصمين في وجههما، وكلفت المحكوم عليه هذا أداء هذا الدين المذكور فيه من تركة أبيه المتوفى الذي في يده إلى هذا الذي حضر ويتم السجل.(10/653)
-----
محضر في إثبات الدفع لهذه الدعوى: حضر وأحضر معه، فادعى هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه الموصوفة فيه قبل هذا الذي حضر، وذلك لأن هذا الذي أحضره معه ادعى على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه هذه أنه مبطل في هذه الدعوى قبل هذا الذي حضر؛ لأن هذا الذي أحضره قبض من أبيه المتوفى المذكور اسمه ونسبه في هذا المحضر حال حياته هذه الدنانير المذكورة فيه قبضاً صحيحاً، وهكذا أقر هذا الذي أحضره في حال صحته وثبات عقله بقبض هذه الدنانير طائعاً من أبيه المتوفى هذا قبضاً صحيحاً، وأقر أنه الدعوى له على هذا المتوفى بوجه من الوجوه، وسبب من الأسباب إقراراً صحيحاً جائزاً صدقه المتوفى هذا فيه خطاباً، وأن هذا الذي أحضره معه في دعواه الموصوفه فيه قبل هذا الذي حضر بعدما كان الأمر على ما وصف مبطل غير محق، ويتم المحضر، وقد يكون دفع هذا بدعوى أبرأته المتوفى عن جميع الدعاوى، وبأسباب أخر قد مر ذكرها قبل هذا، فيكتب على نحو ما كتبنا قبل هذا.
سجل هذا الدفع: يكتب بعد التسمية على الرسم المذكور قبل هذا إلى قوله: وحكمت، ثم يكتب بعد الاستخارة: وحكمت بثبوت هذا الدفع الموصوف فيه لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه بمحضر من هذين المتخاصمين في وجههما ويتم السجل على نحو ما بينا.
محضر في إثبات ملكية المحدود: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على الذي أحضره أن جميع الأراضي التي عددها كذا في أرض قرية كذا في ناحية منها تدعى كذا من كورة كذا أحد حدودها والثاني والثالث والرابع، كذا بحدودها كلها وحقوقها ومرافقها التي هي من حقوقها.(10/654)
-----
وإن وقعت الدعوى في دار يكتب أن جميع الدار المشتملة على الثبوت التي هي في كورة كذا في محلة كذا، في سكة كذا أحد حدودها، والثاني والثالث والرابع، كذا بحدودها كلها، وحقوقها ملك هذا الذي حضر، وفي يد هذا الذي أحضره معه بغير حق، وهذا الذي أحضره معه في علم من ذلك، فوجب على هذا الذي أحضره قصر يده عن هذه الأراضي أو عن هذه الدار، وتسليمها إلى الذي حضر هذا، وطالبه بذلك وسأل مسألته فسئل، فأجاب بالفارسية: أين زمبنها أين خانه كه دعوى سكند أين مدعي ملك منست وحق منست، وبه أين مدعي سبردني ينست أحضر المدعي هذا نفراً، ذكر أنهم شهوده على وفق دعواه، وسألني الاستماع إليه، فأجبته إليه، وهم فلان وفلان يذكر أنسابهم وحليتهم إلى آخر ما ذكرنا، فشهدوا عقيب دعوى المدعي والجواب بالإنكار من المدعى عليه هذين بشهادات صحيحة متفقة الألفاظ والمعاني من نسخة قرئت عليهم، ومضمون تلك النسخة كواني مندهم كه أين زمينها با أين هراي كه جايكاه، وحدود وي در محضر دعوى با دكرده شد إست، وأشار إلى المحضر بحدها، وي جملة وحقها وي ملك أين حاضر أمده إست وحق ويست، وأشار إلى المدعي هذا وبيدست أين حاضر أورده بنا حق إست، وواجب إست يروي تسليم كردن به أين مدعي ويتم المحضر.(10/655)
-----
سجل هذه الدعوى يكتب: يقول فلان حضرني في مجلس قضائي بكورة (بخارى) فلان، وأحضر مع نفسه فلاناً، ويعيد الدعوى من أولها إلى آخرها فيكتب، وادعى هذا الذي حضر أن الأراضي التي في موضع كذا حدودها كذا، أو الدار التي في موضع كذا حدودها كذا بجميع حدودها وحقوقها ملك هذا الذي حضر، وفي يد هذا الذي أحضره معه بغير حق، وهذا الذي أحضره في علم من ذلك، فواجب على هذا الذي أحضره معه قصر يده عن هذه الأراضي المحدودة أو عن هذه الدار المحدودة في محضر الدعوى، وأشار إلى محضر الدعوى وتسليمها إلى هذا الذي حضر، وطالبه بذلك وسأل مسألته عن ذلك، فسئل المدعى عليه وهو الذي أحضره معه عن دعواه هذه، فقال بالفارسية: أين زمينها كه دعوى ميكند أين مدعي با أين خانه ملك مينست وحق مينست، وباين مدعي سبرد ني ينست، أحضر المدعى نفراً ذكر أنهم شهوده، وسألني الاستماع إلى شهادتهم وهم: فلان وفلان وفلان، يكتب على نحو ما بينا قبل هذا إلى موضع الحكم.
(10/656)
-----
ثم ويكتب: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، بكون الأراضي المحدودة في هذا السجل، أو بكون الدار المحدودة في هذا السجل بحدودها كلها، وحقوقها ومرافقها التي هي لها من حقوقها ملكاً وحقاً لهذا المدعي، وكونها في يد هذا المدعى عليه بغير حق بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه، وقضيت بملكيتها له عليه بشهادتهم، بعدما رجعت في التعرف عن حال هؤلاء الشهود إلى من إليه رسم التعديل والتزكية بالناحية، فنسبوا إلى العدالة، وبعدما عرضت دعوى المدعي وألفاظ الشهادة على أئمة الدين الذين عليهم مدار الفتوى بالناحية؛ فأفتوا بصحة الدعوى وجواز الشهادة، وكان هذا الحكم وهذا القضاء مني في مجلس قضائي في كورة بخارى حكماً أبرمته، وقضاءً نفذته مستجمعاً شرائط صحته ونفاذه بمحضر من هذين المتخاصمين في وجوههما وكلفت المحكوم عليه هذا قصر يده عن هذه الأراضي المحدودة، أو عن هذه الدار المحدودة المحكوم بها فقصر يده عنها، وسلمها إلى الذي حضر هذا امتثالاً لأمر الشرع، ويتم السجل على نحو ما بينا قبل هذا.(10/657)
-----
محضر في دفع هذه الدعوى: إن كان المدعى عليه يدعي الشراء من المدعي، يكتب: حضر وأحضر وادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله، فإن هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله، فإن هذا الذي أحضره معه كان ادعى على هذا الذي حضر أولاً وكتب دعواه بتمامه، ثم يكتب: فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه أن هذا الذي أحضره معه مبطل في هذه الدعوى الموصوفة قبل هذا الذي حضر؛ لأن هذا الذي أحضره باع حال نفوذ تصرفاته في الوجوه كلها هذه الدار المحدودة فيه بحدودها وحقوقها ومرافقها التي هي لها من حقوقها قبل دعواه الموصوفة فيه من هذا الذي حضر، حال كون هذه الدار المحدودة ملكاً وحقاً لهذا الذي أحضره معه، وفي يده بكذا ديناراً بيعاً صحيحاً، وإن هذا الذي حضر اشتراها منه بحدودها وحقوقها ومرافقها التي هي لها من حقوقها بهذا الثمن المذكور فيه شراءً صحيحاً حال نفوذ تصرفاته في الوجوه كلها، وتقابضا قبضاً صحيحاً.
وإن ادعى أقر الذي أحضره مع ذلك يزاد في الكتابة عقيب قوله: وتقابضا قبضاً صحيحاً: وهكذا أقر هذا الذي أحضره معه في حال جواز إقراره ونفوذ تصرفاته في الوجوه كلها طائعاً بجريان هذا البيع والشراء الموصوفين فيه بينه وبين هذا الذي حضر في هذه الضيعة المحدودة فيه، أو في هذه الدار المحدودة فيه بحدودها وحقوقها، ومرافقها التي هي لها من حقوقها بهذا الثمن المذكور فيه حال نفوذ تصرفاتهما (252أ4) في الوجوه كلها، وبجريان التقابض بينهما فيه إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً، وإن هذا الذي أحضره معه في دعواه الموصوفة فيه قبل هذا الذي حضر بعدما كان الأمر كما وصف فيه مبطل غير محق، فواجب على هذا الذي أحضر معه ترك هذه الدعوى قبل هذا الذي حضر، وترك التعرض له فيه، وطالبه بذلك، ويتم المحضر.
(10/658)
-----
وإن كان الذي حضر ادعى سبباً آخر لدفع هذه الدعوى، بأن ادعى أن الذي أحضره معه استكرى هذه الدار المحدودة الموصوفة فيه يكتب في موضعه من هذا المحضر: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن دعوى هذا الذي أحضره معه ملكية هذه الدار المحدودة فيه قبل هذا الذي حضر ساقطة عنه؛ لأن هذا الذي أحضره معه استكرى هذه الدار المحدودة فيه بحدودها إلى آخره من هذا الذي حضر.
أو يكتب: استشرى بكذا كذا، وإن هذا الذي حضر أبى أن يكريها منه، أو أبى أن يبيعها منه، وكان استكراؤه واستشراؤه هذه الدار المحدودة فيه من هذا الذي حضر إقراراً منه بكون الدار المحدودة فيه ملكاً لهذا الذي حضر، وبعدما صدر هذا الإقرار منه، فهو مبطل في هذه الدعوى غير محق، ويتم المحضر.
سجل هذه الدعوى أن يكتب صدر السجل ودعوى الدفع بتمامه على نحو ما بينا قبل هذا إلى موضع الحكم، ثم يكتب: وحكمت بثبوت هذا الدفع الموصوف فيه لهذا المدعي الدفع على المدعى عليه الدفع بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه بمحضر من هذين المتخاصمين في وجههما في مجلس قضائي ببخارى بين الناس ويتم السجل.
وإن كان هذا الذي حضر أراد دفع هذه الدعوى بسبب شراء الدار المحدودة من رجل آخر، يكتب: ادعى هذا الذي حضر في دفع دعوى هذا الذي أحضره معه أن دعوى هذا الذي أحضره ملكية الدار قبل فلان، هذا الذي حضر ساقطة عنه، لما أن هذا الذي حضر اشترى هذه الدار المحدودة من فلان بن فلان، وفلان بن فلان كان يملكها بكذا شراءً صحيحاً قبل دعوى هذا الذي أحضره معه، ويتم المحضر.(10/659)
-----
محضر فيه دعوى الدار ميراثاً عن الأب: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن الدار التي في موضع كذا حدودها كذا، بحدودها وحقوقها ومرافقها التي هي من حقوقها كانت ملكاً لوالده فلان بن فلان الفلاني، وحقاً له وفي يده، وتحت تصرفه إلى أن مات، وخلف من الورثة ابناً له لصلبه، وهو هذا المدعي، ولم يخلف وارثاً سواه، وصارت هذه الدار المبين فيه موضعها وحدودها ميراثاً له عن أبيه المذكور اسمه ونسبه فيه، واليوم هذه الدار المبين حدودها ملك هذا المدعي وحقه بهذا النسب المذكور، وفي يد هذا الذي أحضره معه بغير حق، وهذا الذي أحضره معه في علم من ذلك، فواجب عليه قصر يده عن هذه الدار، المبين حدودها، وتسليمها إلى هذا المدعي، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك فسئل فأجاب بالإنكار، أحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده على وفق دعواه هذه، وسأل الاستماع إلى شهادتهم فشهدوا بشهادات صحيحة متفقة الألفاظ والمعاني، عن نسخة قرئت عليهم عقيب دعوى المدعي هذا، والجواب من المدعى عليه هذا بالإنكار، وهذا مضمون تلك النسخة: كوابي سدهم كه أين خانه كه جايكاه وحدودوى بانكرده شداست دراين محضر اين دعوى وأشار إلى محضر الدعوى الموصوفة فيه بحدها وحقها، وي ومرافق وي كه از حقها ونسب ملك فلان بن فلان بدراين مدعي بود، وأشار إلى المدعي هذا وحق وي ودردست وتصرف وي بودتا آن وقت كه وقا يافت وا زوي يكي بسرما نده مين مدعي، وأشار إلى المدعي هذا ويجز زوي وارثي ويكر ما نداين متوفي راواين خانه ميراث بفدا زاين متوفي من بسر ولاين مدعي، وأشار إلى محضر الدعوى بحدها وحقها وي ملك أين مدعي إست وحق وي إست ووردست أين مدعى عليه بنا حق إست، وأشار إلى المدعى عليه هذا، ويتم المحضر.
(10/660)
-----
سجل هذه الدعوى: بقول القاضي فلان يكتب على رسمه ويعيد الدعوى بعينها من أولها إلى آخرها، مع أسامي الشهود، وألفاظ الشهادة إلى قوله: قبلت شهادة هؤلاء، لكونهم معروفين بالعدالة، أو بظهور عدالتهم بتعديل المزكين، أو بظاهر عدالة الإسلام، إذا لم يطعن المشهود عليه في شهادتهم، وجميع ما يكتب في السجلات إلى موضع الحكم، ثم يكتب: وحكمت لهذا المدعي على هذا المدعى عليه بجميع ما شهد هؤلاء الشهود المسمون في هذا السجل، بكون الدار المحدودة فيه ملكاً لفلان بن فلان والد هذا المدعي، وكونها في يده وتحت تصرفه إلى وقت وفاته، وصيرورتها ملكاً لهذا المدعي بعد وفاة والده هذا، إرثاً عن والده هذا في وجه المتخاصمين هذين حكماً أبرمته، وقضاءً نفذته ويتم السجل.
محضر في دفع هذه الدعوى: حضر وأحضره فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه هذه، فإن هذا الذي أحضره كان ادعى أولاً على هذا الذي حضر ملكية دار في موضع كذا، حدودها كذا؛ إرثاً عن أبيه، وبعد دعواه بتمامه، ادعى هذا الذي حضر عل هذا الذي أحضره معه أن دعواه هذه ساقطة عني، لما أن والد هذا الذي أحضر معه فلان بن فلان قد كان باع هذه الدار المحدودة، وهذا المحضر في حياته وصحته من هذا الذي حضر بكذا بيعاً صحيحاً، وهذا الذي حضر اشتراها منه بهذا الثمن المذكور فيه ملك هذا الذي حضر بهذا السبب وحقه، وإن هذا الذي أحضره معه في دعواه قبله بعدما كان الأمر على ما وصف فيه مبطل غير محق، فواجب عليه الكف عن ذلك، وسأل مسألته عن ذلك وسئل (........).
سجل هذه الدعوى يكتب عند الحكم: وحكمت بثبوت هذا الدفع الموصوف فيه؛ لهذا المدعي الدفع على هذا المدعى عليه؛ الدفع بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه، بمحضر من هذين المتخاصمين، في وجوههما في مجلس قضائي هذا ببخارى، وأمرت المحكوم عليه بالكف عن دعواه هذه، وترك التعرض للمحكوم له في ذلك ويتم السجل.(10/661)
-----
محضر في دعوى ملكية المنقول ملكاً مطلقاً: حضر وأحضر وفي يد هذا الذي أحضره معه فرس وسط الجثة؛ يقال لمثله لوناً: أبلق، مشعوف المنخرين على كتفه اليسرى كي صورته هكذا عرفه مائل إلى اليمين، تامّ الذنب، محجل اليدين والرجلين، مقطوع رأس أذنه اليمنى، من الطول يقال لمثله سوقال، محضر مجلس هذه الدعوة الموصوفة فيه مشار إليه، فادعى هذا الذي حضر على هذ الذي أحضره معه أن هذا البرذون، وأشار إلى البرذون المدعى ملك هذا الذي حضر، وحقه وفي يد هذا الذي أحضره معه بغير حق، وهذا الذي أحضره في علم من ذلك كله، فواجب عليه قصر يده عن هذا البرذون المدعى به المشار إليه، وتسليمه إلى هذا الذي حضر، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب فقال: إن است ملك منست وحق منست ومرا بدين مدعي سبردني منست أحضر هذا المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده، فاستشهد الشهود وهم فلان وفلان وفلان إلى آخره.
سجل هذه الدعوى: تكتب على الرسم إلى قوله: فأشهد الشهود وهم: فلان، وفلان، وفلان، فشهد كل واحد منهم بعد الاستشهاد عقيب دعوى المدعي هذا، والجواب بالإنكار من المدعى عليه، وقال كل واحد: كواني سيدهم كه أين إست، وأشار إلى البرذون المدعى به ملكاً أين حاضر أمده إست، وأشار إلى المدعي هذا وحق ويست وإندردست أين حاضر أورده وأشار إلى المدعى عليه بناء حق إست، فسمعت شهادتهم إلى قوله: وحكمت، فإذا بلغ إليه يكتب: وحكمت لهذا المدعي على هذا المدعى عليه، بكون هذا البرذون المدعى به، المشار إليه ملك هذا المدعي وحقه، ويكون في يد المدعى عليه بغير حق بشهادة هؤلاء الشهود المعروفين بالعدالة بمحضر من المتخاصمين هذين، وبمحضر من البرذون المدعى به، ويتم السجل.g
محضر في دفع دعوى البرذون: ووجوه الدفع لهذه الدعوى كثيرة، فنحن نكتب ثلاثة منها، فإذا علمها الكاتب يبني ما يقع له من وجوه أخر عليها:(10/662)
-----
أحدها: الدفع بالاستشراء، وصورة ذلك: حضر وأحضر، وفي يد هذا الذي أحضره معه برذون سببه كذا، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره في دفع دعواه على هذا الذي حضر ملكية هذا البرذون الموصى فيه، المحضر مجلس هذه الدعاوى، وذلك لأن هذا الذي أحضره معه (252ب4) ادعى على هذا الذي حضر أولاً ويكتب دعواه بتمامه ثم يكتب: فادعى هذا الذي حضر في دفع دعوى هذا الذي أحضره معه الموصوفة فيه، فقال: دعوى هذا الذي أحضره معه ملكية هذا البرذون قبل هذا الذي حضر ساقطة لأن هذا الذي أحضره معه ملكية قد كان استشرى هذا البرذون الموصوف الموشى فيه، وأشار إلى البرذون المدعى به من هذا الذي حضر في حال نفاذ تصرفه في الوجوه كلها، وإن هذا الذي حضر أبى أن يبيعه منه، وكان استشرى هذا الذي أحضره هذا البرذون المدعى به من هذا الذي حضر إقراراً من هذا الذي أحضره معه، أنه لا ملك له في هذا البرذون المدعى به، وبعدما صدر من هذا الذي أحضره هذا الاستشراء، فهذا الذي أحضره معه مبطل في دعوى ملكية هذا البرذون لنفسه، فواجب عليه ترك هذه الدعوى قبل هذا الذي حضر، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك.
الوجه الثاني: الدفع بطريق الاستكراء؛ يكتب: فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أنه مبطل في دعوى ملكية هذا البرذون المدعى به لنفسه قبل هذا الذي حضر؛ لأن هذا الذي أحضره معه قد كان استكرى هذا البرذون المدعى به، في حال نفوذ تصرفاته في الوجوه كلها من هذا الذي حضر، وكان استكراؤه منه إقراراً منه أنه لا ملك له في هذا البرذون المدعى به على نحو ما ذكرنا في الاستشراء.
(10/663)
-----
الوجه الثالث: الدفع بالنتاج: يكتب ادعى هذا الذي حضر في دفع دعوى هذا الذي أحضره معه ملكية البرذون المدعى به الموصوف الموصى فيه أن دعواه هذه قبل هذا الذي حضر ساقطة عنه، لأن هذا البرذون المدعى به، والأمر على ما وصف مبطل غير محق، فواجب عليه ترك هذه الدعوى قبل هذا الذي حضر وطالبه بذلك، وسأل مسألته فسئل عن ذلك.
سجل هذا الدفع: يكتب صدر السجل إلى قوله: وحكمت على الرسم، ثم يكتب: حكمت لهذا المدعي هذا الذي حضر بمسألته في وجه خصمه المدعى عليه الدفع هذا الذي أحضره معه بصحة دعوى الدفع التي ادعى هذا الذي حضر من استشراء هذا الذي أحضره معه في حال صحته ونفاذ تصرفاته، هذا البرذون المدعى به نتاج فيه من مدعي الدفع هذا الذي حضر قبل دعوى هذا الذي أحضره معه ملكية هذا البرذون المدعى به الموشى فيه قبل هذا الذي حضر، وأبى هذا الذي حضر البيع من هذا الذي أحضره معه، وببطلان دعوى المدعى عليه الدفع هذا الذي أحضره معه هذا البرذون الموصوف فيه قبل هذا الذي حضر، وهو المدعي الدفع بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه، بمحضر من المتخاصمين هذين، وبحضرة البرذون المدعى به الموصوف الموشى فيه، هذا على الوجه الأول.(10/664)
-----
وعلى الوجه الثاني: يكتب عقيب قوله بصحة دعوى الدفع التي ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه من استكراء هذا الذي أحضره معه في حال صحته ونفوذ تصرفاته هذا البرذون المدعى به نتاج مدعي الدفع هذا الذي حضر نتج عنده من رمكة كانت مملوكة له وفي يده وتحت تصرفه يوم هذا النتاج المذكور فيه، وإنه لم يخرج عن ملكه من يوم هذا النتاج المذكور فيه إلى هذا اليوم، وإن دعوى هذا الذي أحضره ملكية هذا البرذون المدعى به قبل هذا الذي حضر ساقطة عنه حكمت بذلك كله بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه في وجه المتخاصمين هذين، وبحضرة هذا البرذون المدعى به أو يكتب: وحكمت لمدعي الدفع هذا على المدعى عليه الدفع هذا، بثبوت جميع ما شهد به هؤلاء الشهود المسمين فيه على الوجه المبين فيه حكماً أبرمته وقضاءً نفذته، مستجمعاً شرائط صحته ونفاذه في مجلس قضائى بين الناس في كورة بخارى، بمحضر من هذين المتخاصمين، وبمحضر من هذا البرذون المدعى به، وأمرت المحكوم عليه هذا بترك التعرض للمحكوم له هذا إلى آخره.(10/665)
-----
محضر في دعوى ملكية العقار بسبب الشراء من صاحب اليد: يكتب: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه إن الدار التي هي في موضع كذا حدودها كذا، وهي في يد هذا الذي أحضره معه اليوم ملك هذا الذي حضر، وحقه بسبب أن هذا الذي حضر اشتراها من هذا الذي أحضره معه بكذا كذا درهماً، أو بكذا كذا ديناراً شراءً صحيحاً، وإنه باعها منه بيعاً صحيحاً، وإن هذا الذي أحضره معه قبض هذا الثمن المذكور تاماً وافياً قبضاً صحيحاً، بدفع هذا الذي حضر ذلك إليه، وإن هذه الدار المبين حدودها وموضعها فيه؛ كانت يوم الشراء المذكور فيه ملكاً لهذا الرجل الذي أحضره معه وفي يده، فصارت الدار المحدودة فيه ملكاً لهذا الذي حضر بهذا السبب، وهذا الذي أحضره معه يمتنع عن تسليم هذه الدار المحدودة فيه إلى هذا الذي حضر ظلماً، ونقدها فواجب عليه تسليمها إلى هذا الذي حضر، وطالبه في ذلك، وسأل مسألته، فسئل.
(10/666)
-----
فإن كان بالبيع صك فادعى مضمونه على البائع، والدار في يد البائع، ويمتنع عن التسليم يكتب: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه ذكر شراء أورده وهذه نسخته، ويكتب الصك في المحضر من أوله إلى آخره من غير زيادة ولا نقصان، ثم يكتب بعد الفراغ عن تحويل الصك: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه هذا الصك المحول نسخته إلى هذا المحضر من الشراء والبيع بالثمن المذكور فيه، وإيفاء الثمن وقبضه، وضمان الدرك في المعقود عليه كما ينطق بذلك كله هذا الصك المحول نسخته إلى هذا المحضر بتاريخه المؤرخ فيه، وإن هذه الدار المبين حدودها في هذا الصك، المحول نسخته إلى هذا المحضر، كانت ملكاً لهذا الذي أحضره يوم الشراء المذكور فيه، وصارت الدار المبين فيه حدودها في الصك المحول نسخته إلى هذا المحضر ملكاً لهذا الذي حضر بهذا الشراء المبين فيه، وهذا الذي أحضره معه يمتنع عن تسليم هذه الدار إلى هذا الذي حضر، فواجب عليه تسليمها إلى هذا الذي حضر، وطالبه بذلك وسأل مسألته، وإن كان قد جرى التقابض بينهما يكتب: ادعى هذا الذي حضر جميع ما تضمنه هذا الصك المحول نسخته إلى هذا المحضر من البيع والشراء، بالثمن المذكور فيه، وإيفاء الثمن وقبضه، وتسليم المعقود عليه وتسلمه، وضمان الدرك في المعقود عليه كما ينطق به الصك، وإن هذه الدار المبين حدودها في هذا الصك، المحول نسخته إلى هذا المحضر كانت ملكاً لهذا الذي أحضره معه وقت الشراء المبين فيه، وصارت ملكاً لهذا الذي حضر بالسبب المبين فيه، ثم إن هذا الذي أحضره بعد هذا البيع والشراء والتسليم والتسلم أحدث يده على هذه الدار المبين حدودها فيه وأخرجها من يد المشتري هذا الذي حضر بغير حق، فواجب عليه تسليمها إليه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته، فسئل عن ذلك فأجاب.(10/667)
-----
محضر في إثبات سجل أورده رجل من بلدة أخرى للرجوع بثمن البرذون المستحق: صورة ذلك: رجل اشترى من آخر برذوناً بثمن معلوم وتقابضا، وكانت هذه المبايعة ببخارى، فذهب المشتري بالبرذون إلى سمرقند، واستحق رجل هذا البرذون بالبينة في مجلس قضاء سمرقند وقضى قاضي سمرقند بملكية البرذون للمستحق على المستحق عليه، وكتب للمستحق عليه بذلك سجلاً، فأورد المستحق عليه السجل إلى بخارى، وأراد الرجوع إلى بائع البرذون بالثمن، فجحد بائعه الاستحقاق والسجل، فإنه يحتاج إلى إثبات السجل الذي أورده هذا البائع بالبينة في مجلس قضاء بخارى، وعند ذلك يحتاج إلى كتابة المحضر.
(10/668)
-----
وصورة ذلك: حضر وأحضر فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه ذكر سجل أورده من قبل قاضي سمرقند، وهذه نسخته فينسخ السجل في المحضر من أوله إلى آخره، ويكتب توقيع قاضي سمرقند على صدر السجل، ويكتب خط قاضي سمرقند بعد تاريخ السجل يقول فلان القاضي بسمرقند: هذا سجلي إلى آخره، ثم يكتب فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر كان اشترى من هذا الذي أحضره معه هذا البرذون الموشى الموصوف في هذا السجل المحول نسخته إلى هذا المحضر بكذا درهماً، وبكذا ديناراً، وإنه كان باعه منه به، وإنهما كانا تقابضا، ثم إن فلان بن فلان يعني المستحق استحق هذا البرذون بعينه من يد هذا الذي حضر في مجلس الحكم بكورة سمرقند عند قاضيها فلان بالبينة العادلة التي قامت عنده، وجرى الحكم منه بهذا البرذون لهذا المستحق على هذا المستحق عليه، وأخرج هذا القاضي هذا البرذون من يد هذا المستحق عليه، وسلمه إلى هذا المستحق كما ينطق به السجل المحول نسخته إلى هذا المحضر، ويكتب السجل من أوله إلى آخره بتاريخه المؤرخ فيه أن قاضي بلده سمرقند فلان بن فلان هذا المذكور اسمه في هذا السجل المحول نسخته إلى هذا المحضر كان قاضياً يومئذٍ بكورة سمرقند نافذ (253أ4) القضاء بين أهلها من قبل الخاقان فلان، وإن لهذا الذي حضر حق الرجوع على هذا الذي أحضره بالثمن المذكور فيه، وهو في علم من هذا الاستحقاق عليه، فواجب عليه رد هذا الثمن الذي قبضه منه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته فسئل فقال: من فرار أين سجل علم نيست ومرابكسبي خيري دادني نيست.(10/669)
-----
سجل هذه الدعوى: يكتب صدر السجل على الرسم وتعاد دعوى المدعي إلى جواب المدعى عليه من أراء أين سجل علم نيست ومرايكسي خير دادنيي نيست، ثم يكتب: فأحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده وهم: فلان وفلان وفلان، وسألني الاستماع إلى شهادتهم فأجبت إليه، فاستشهدت الشهود هؤلاء، فشهدوا عقيب الدعوى من المدعي هذا، والجواب من المدعى عليه هذا بالإنكار، من نسخة قرئت عليهم ومضمون تلك النسخة: كوامي ميدهم كه أين سجل، وأشار إلى السجل الذي أورده المدعي هذا سجل قاضي سمرقند ست إينك نام ونسب وي دراين سجلات، ومضمون وي حكم وقضاء أين قاضي سمرقند ست حكم كرد وين يستحق داماين إست كه صفت وشيت وي دراين سجل مذكور إست براين مستحق عليه، وإن روز كه أين قاضي حكم كرد براين كه مضمون أين سجل إست ومارا براين سجل كواه كردنايت وي قاضي بود بشهر سمرقند نافذ قضاء بيان أهل وي فأتوا بالشهادة على وجهها، وساقوها على سببها، فسمعت شهادتهم، وأثبتها في المحضر المخلد في ديوان الحكم قبلي، ورجعت في التعرف عن أحوالهم إلى من إليه رسم التركة بالناحية، فنسب اثنان منهم إلى العدالة، وجواز الشهادة، وهما فلان وفلان وثبت عندي شهادة هذين العدلين ما شهدا به على ما شهدا به، فأعلمت المشهود عليه هذا بثبوت ذلك، ومكنته من إيراد الدفع، فلم يأت بالدفع إلى قوله، وحكمت بثبوت هذا السجل المنتسخ فيه أنه سجل القاضي فلان، وأن مضمونه حكمه، وأنه كان يوم هذا الحكم الموصوف فيه، ويوم الإشهاد عليه نافذ القضاء بكورة سمرقند، وأمضيت حكمه الموصوف فيه، وحكمت بصحته بمحضر من المتخاصمين في وجههما، وأطلقت للمستحق عليه وهو هذا الذي حضر في الرجوع بالثمن المذكور فيه على هذا الذي أحضره بعدما فسخت العقد الذي كان جرى بينهما، وكان هذا السجل الذي أورده هذا الذي حضر، وحولت نسخته فيه محضراً وقت حكم هذا مشاراً إليه، وأشهدت على ذلك حضور مجلسي، وكان ذلك كله في مجلس قضائي في كورة(10/670)
بخارى في(10/671)
-----
يوم كذا من شهر كذا.
ولو كان مشتري البرذون باع البرذون من رجل آخر، ثم إن المشتري الذي ذهب بالبرذون إلى سمرقند، وذهب معه بائعه وهو المشتري الأول، فاستحق رجل البرذون على المشتري الثاني في مجلس قضائي بسمرقند؛ بين يدي قاضي سمرقند ببينة عادلة أقامها عليه، وقضى قاضي سمرقند بالبرذون المدعى به للمستحق على المستحق عليه، وقضى للمستحق عليه بالرجوع بالثمن على بائعه وهو المشتري الأول، وكتب قاضي سمرقند للمستحق عليه وهو المشتري الأول سجلاً بالرجوع عليه، فجاء المشتري الأول بالسجل إلى قاضي بخارى، وأحضر بائعه وأراد أن يرجع عليه بالثمن فجحد الاستحقاق والسجل، ووقعت الحاجة إلى إثبات السجل، يكتب المحضر بهذه الصورة:(10/672)
-----
حضر فلان يعني المشتري الأول، وأحضر معه فلاناً، يعني البائع الأول، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، أن هذا الذي أحضره كان باع من هذا الذي حضر برذوناً شبيه كذا بعينه؛ بكذا درهماً أو ديناراً، وأن هذا الذي أحضر كان اشترى هذا البرذون من فلان بن فلان؛ يعني المشتري الآخر، ثم إن فلان بن فلان يعني المستحق حضر مجلس القضاء بكورة سمرقند قبل قاضيها فلان بن فلان، وأحضر معه فلاناً يعني المشتري الآخر، وادعى هذا المستحق عليه بحضرته، وبحضرة هذا البرذون المذكور، بينته أن هذا البرذون وأشار إليه ملكه وحقه، وفي يدي هذا الذي أحضره بغير حق، فأنكر المدعى عليه دعواه وقال بالفارسية: «أين برذون مدعى به ملك منست»، فأقام المدعي هذا بينة عادلة على وفق دعواه بحضرة هذا المدعى عليه، وبحضرة هذا البرذون المذكور سببه في مجلس قاضي سمرقند؛ هذا المذكور لقبه ونسبه فيه فسمع القاضي بينته وقبلها بشرائطها، وحكم للمستحق المذكور اسمه ونسبه فيه على المستحق عليه المذكور بحضرتهما وبحضرة البرذون المدعى به بملكية البرذون المدعى به، وأخذ هذا البرذون من هذا المحكوم عليه، وسلمها إلى هذا المحكوم له، وهذا القاضي يوم هذا الحكم، وهذا التسليم كان قاضياً بكورة سمرقند ونواحيها، نافذ القضاء والإمضاء بين أهلها من قبل فلان، ثم إن فلاناً المحكوم عليه يعني المشتري الآخر رجع على بائعه هذا الذي حضر بالثمن الذي نقده، وذلك كذا في مجلس قضاء كورة سمرقند قبل القاضي المذكور واسترده منه بكماله بعد جريان الحكم منه لهذا المحكوم عليه على هذا الذي حضر؛ بنكول هذا الذي حضر عن اليمين بالله ثلاث مرات، وبعدما فسخ العقد الذي جرى بينهما، وأطلق له الرجوع بالثمن الذي اشتراه البرذون منه ونقد وذلك كذا، وقد يطلق بذلك كله مضمون السجل الذي أورده هذا الذي أورده مجلس الدعوى، وإن لهذا الذي حضر حق الرجوع على هذا الذي أحضره بالثمن المذكور فيه الذي كان(10/673)
أداه(10/674)
-----
إليه وقت جريان هذه المبايعة المذكور فيه، وطالبه بذلك وسأل مسألته عن ذلك، فسئل فقال: مرا از ابن سجل علم نيست وماين مدعي خير دادني نيست أورد المدعي الذي حضر هذا نفراً ذكر أنهم شهوده وسألني الاستماع إليهم.
سجل هذه الدعوى على الوجه الذي أولاً، غير أن في هذا السجل يذكر حكم قاضي سمرقند برجوع المشتري الآخر على هذا الذي حضر نسخة أخرى للسجل الأول على سبيل الإيجاز يكتب قاضي بخارى ونواحيها إلى آخره، ثبت عندي من الوجه الذي تثبت به الحوادث الحكمية والنوازل الشرعية أن المحكوم عليه المذكور اسمه ونسبه في باطن هذا السجل كان اشترى هذا البرذون المحكوم به الموشى في باطنه بعينه من فلان بن فلان؛ باع هذا المحكوم عليه بكذا كذا، وهو الثمن المذكور في باطن هذا السجل، وإنه كان باعه منه بهذا الثمن المذكور فيه، ثم إن المحكوم عليه هذا المذكور في باطن هذا السجل رجع على بائعه هذا المذكور في باطن هذا السجل بالثمن المذكور فيه بحكمي عليه بالنكول عن اليمين بالله ثلاث مرات؛ بعدما فسخت العقد الذي جرى بينهما في هذا البرذون، وأطلقت للمرجوع عليه هذا الرجوع على بائعه فلان بالثمن الذي كان اشترى منه هذا البرذون، وأمرت بكتبة هذا الرجوع على ظهر هذا السجل حجة للمرجوع عليه هذا، وأشهدت على ذلك حضور مجلسي. السجل الثاني على هذا النسق أيضاً، غير أنه يكتب فيه رجوع المشتري الأول على هذا الذي حضر.(10/675)
-----
...... حضر مجلس القضاء في كورة بخارى قبل القاضي فلان رجل ذكر أنه يسمى فلان بن فلان الفلاني، وهو رجل شاب يكتب حليته بتمامه، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر حر الأصل والعلوق لما أن هذا الذي حضر ابن فلان بن فلان الفلاني وهو كان حر الأصل، وأمه فلانة بنت فلان بن فلان، وهي كانت حرة الأصل أيضاً، وهذا الذي حضر ولد حراً على فراش أبويه الحرين هذين، لم يرد عليه ولا على أبويه هذين رق قط، وإن هذا الذي أحضره معه يسترقه ويستعبده بغير حق مع علمه بذلك، فواجب على هذا الذي أحضره معه قصر يده عن هذا الذي حضر، (253ب4) وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك؛ فسئل فأجاب فقال: أين حاضر يده ملك نيست ورفيق منست، ومن ومرا أزار أو مي وي علم نيست أحضر هذا نفراً ذكر أنهم شهوده وسألني الاستماع إلى شهادتهم؛ وهم: فلان وفلان وفلان فأجبت إليه، واستشهدت الشهود، فشهدوا بشهادة صحيحة متفقة الألفاظ والمعاني من نسخة قرئت عليهم، وهذا مضمون تلك النسخة إلى آخره.
سجل هذه الدعوى يكتب صدر السجل على الرسم، ويكتب الدعوى من نسخة المحضر بتمامه، ويكتب أسامي الشهود وألفاظ الشهادة، ويكتب بعد الاستخارة: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بكونه حر الأصل، والوالدين لم يرد عليه رق ولا على والديه، وأمرته بقصر يده، والكف عن مطالبته إياه بالطاعة في أحكام الرق، ويتم السجل.
(10/676)
-----
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، أن هذا الذي حضر كان مملوك هذا الذي أحضره معه ومرقوقه، وأنه أعتق هذا الذي حضر في حال صحة عقله له، وجواز تصرفاته في الوجوه كلها؛ طائعاً لوجه الله تعالى، وطلب مرضاته، عتقاً صحيحاً جائزاً نافذاً بغير بدل، وإن هذا الذي حضر اليوم حر بهذا السبب، وإن هذا الذي أحضره في علم من ذلك، وإنه في مطالبته إياه بالطاعة له، ودعواه الرق عليه مبطل غير محق، فواجب عليه قصر يده عن هذا الذي حضر، وترك التعرض له، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك.
سجل هذه الدعوى: يكتب على نحو ما تقدم، ويكتب بعد الاستخارة: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بكون هذا الذي حضر حراً مالكاً نفسه غير مولىً عليه بالسبب المذكورالمدعى، وهو إعتاق هذا الذي أحضره مع نفسه إياه، وبطلان دعوى هذا الذي أحضره مع نفسه الرق عليه، وتقصير يد هذا الذي أحضره معه عن هذا الذي حضر بشهادة هؤلاء الشهود.
(10/677)
-----
محضر في دعوى العتق على صاحب اليد بإعتاق من جهة غيره
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه. هذا الذي حضر كان مملوكاً ومرقوقاً لفلان بن فلان الفلاني، وفي يده وتحت تصرفه، وإن فلاناً أعتقه من خالص ملكه وماله مجاناً بغير بدل لوجه الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وطلباً لثوابه، وهرباً من أليم عقابه، وصار هذا الذي حضر حراً بهذا الإعتاق المذكور فيه، وإنه اليوم حر بهذا السبب، وإن هذا الذي أحضره يستعبده مع علمه بحريته ظلماً وتعدياً، فواجب عليه قصره يده إلى آخره.
سجل هذه الدعوى: على نحو ما تقدم، ويكتب بعد الاستخارة: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، تكون هذا الذي حضر حراً مالكاً نفسه غير مولىً عليه بالسبب المذكور المدعى، وهو إعتاق فلان بن فلان إياه من خالص ملكه وماله، وببطلان دعوى هذا الذي أحضره معه الرق عليه، ويقصر يد هذا الذي أحضره معه عن هذا الذي حضر إلى آخره.
محضر في إثبات الرق
حضر وأحضر مع نفسه رجلاً سندياً شاباً، ويذكر حليته، ثم يذكر، فادعى هذا الذي حضر أن هذا الذي أحضره معه مملوك هذا الذي حضر، ومرقوقه يملكه بسبب صحيح، وأنه خرج عن طاعته، فواجب عليه طاعته، والانقياد له في أحكام الرق، وطالبه بذلك، وسأل مسألته، ويتم المحضر.
سجل هذه الدعوى على نحو ما تقدم، ويكتب بعد الاستخارة: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بكون هذا الذي أحضره معه مملوك هذا الذي حضر ومرقوقه بشهادة هؤلاء الشهود المسمين، وبكون هذا الذي حضر مبطلاً في الامتناع عن طاعة هذا الذي حضر في أحكام الرق، وأمرت هذا الذي أحضره معه بالانقياد لهذا الذي حضر في أحكام الرق والطاعة له، ويتم السجل.
ولا بد للحكم بالرق وكتابة السجل فيه من عجز المدعى عليه عن إثبات الحرية لنفسه، فأما قبل ذلك لا يحكم بالرق، ولا يكتب السجل.
محضر في دفع هذا الدعوى(10/678)
-----
فنقول: لدفع هذه الدعوى طرق أحدها: أن يدعي المدعى عليه حرية الأصل لنفسه، وصورة كتابته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله، فإن هذا الذي أحضره معه كان ادعى عليه أنه عبده ومملوكه، وأنه خرج عن طاعته، وطالبه بالطاعة، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع هذه الدعوى قبله أنه حر الأصل والعلوق لما أن أباه فلان بن فلان بن فلان، وأمه فلانة بنت فلان بن فلان، وهما كانا حرّي الأصل، وهذا الذي حضر ولد على فراش هذين الأبوين الحرين لم يجر عليه ولا على أبويه هذين رق قط، وإن هذا الذي أحضره معه في علم من ذلك، وإنه في مطالبة هذا الذي حضر بالطاعة له، ودعواه الرق قبله، والحال على ما وصفت فيه مبطل غير محق، فواجب عليه الكف عن ذلك، فطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك فسئل، ويتم المحضر.k
سجل هذا المحضر: يكتب بعد قوله: وحكمت للذي حضر على هذا الذي أحضره معه بجميع ما ثبت عندي من دعوى الدفع الذي ادعى هذا الذي حضر لدفع دعوى هذا الذي أحضره معه الرق عليه، وكون هذا الذي حضر حر الأصل، وبطلان دعوى هذا الذي أحضره معه الرق عليه بشهادة الشهود المسمين بعدما ظهرت عدالتهم عندي بتعديل من إليه رسم التعديل بالناحية على ما شهدوا به بمحضر من المحكوم له والمحكوم عليه هذين في وجوههما، في مجلس قضائي وحكمي ببخارى، وقضيت بصحة ذلك كله، وقصرت يد المحكوم عليه هذا عن المحكوم له بالحرية هذا، ورفعت عنه طاعته، وأطلقت المحكوم عليه هذا بالرجوع على بائعه إن كان قد اشتراه من غيره، ونقد له الثمن، وفسخت العقد الذي كان جرى بينهما، ويتم السجل.(10/679)
-----
قالوا: وفي كل موضع وقعت الحاجة إلى إثبات الحرية يجب أن يكون إثباتها بطريق الدفع بأن يدعي صاحب اليد الرق على المملوك، ويقيم البينة، ثم يثبت المملوك حريته بطريق الدفع؛ لأن هذا أشبه وأقرب إلى الصواب؛ لأنه إذا كان إثبات الحرية بطريق الابتداء بأن ادعى رجل على رجل أنه حر الأصل، وأن هذا الرجل يستعبده، وأقام البينة على حريته كان في قبول هذه البينة شبهة وكلام؛ لأنه إذا لم يسبق منه إقرار بالرق، أو انقياد للمولى وقت البيع والتسليم كان القول قوله في حرية الأصل، فكيف يسمع منه البينة على حريته، وحريته ثابتة بقوله؟ فالأصوب ما ذكرنا.
الوجه الثاني: أن يدعي المدعى عليه الرق إعتاقاً من جهة مدعي الرق. وصورة كتابته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه الرق على هذا الذي حضر، ثم يذكر: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه، ويذكر دعوى الذي أحضره الرق على هذا الذي حضر، ثم يذكر: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله هذه أنه حر، لما أنه كان مملوكاً ومرقوقاً لهذا الذي أحضره، وإن هذا الذي أحضره أعتقه في حال جواز تصرفاته في الوجوه كلها إعتاقاً صحيحاً جائزاً نافذاً لوجه الله تعالى، وطلب ثوابه ومرضاته، وصار هذا الذي حضر حراً بسبب هذا الإعتاق، وهذا الذي أحضره مبطل في مطالبته هذا الذي حضر بالطاعة له، والانقياد له في الأحكام الرق، ويتم المحضر.
سجل هذا المحضر على نحو ما بينا، إلا أن القاضي يكتب في الحكم هاهنا: وكون هذا الذي حضر حراً مالكاً نفسه بالسبب المذكور فيه؛ وهو إعتاق هذا الذي أحضره، وكونه ملحقاً بسائر الأحرار بهذا السبب، وكونه يوم الإعتاق الموصوف فيه ملكاً لهذا الذي أحضره، ويتم السجل.(10/680)
-----
الوجه الثالث: أن يدعي المدعى عليه الرق الإعتاق من جهة غير المدعي الرق. صورة كتابته: حضر وأحضر (254أ4) فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله، أن هذا الذي حضر كان عبداً مملوكاً لفلان بن فلان الفلاني، وأنه أعتقه من خالص ماله وملكه مجاناً بغير بذل؛ ابتغاءً لوجه الله تعالى، وطلباً لمرضاته، وهرباً من أليم عقابه، وشديد عذابه في حال صحة عقله، وجواز تصرفه في الوجوه كلها، واليوم هذا الذي حضر حر بسبب هذا الإعتاق المذكور الموصوف فيه إلى آخره.
سجل هذا المحضر على نحو ما بينا إلا أن القاضي يكتب في الحكم: وحكمت بحرية هذا الذي حضر بالسبب المذكور فيه؛ وهو إعتاق فلان بن فلان الفلاني، وكون هذا الذي حضر مملوكاً لفلان بن فلان الفلاني يوم الإعتاق المذكور فيه، ويتم السجل.
محضر في دعوى التدبير المطلق
رجل دبّر عبده تدبيراً مطلقاً، ومات بعد التدبير، وخلف ورثته، وأنكرت الورثة العلم بالتدبير، واحتاج المدبر إلى إثبات ذلك بالبينة، وكتبه المحضر يكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، أن هذا الذي حضر كان عبداً مملوكاً لفلان بن فلان الفلاني والد هذا الذي أحضره دبره في حال حياته وصحته، وجواز تصرفاته في الوجوه كلها؛ طائعاً راغباً تدبيراً مطلقاً، وأن فلاناً والد هذا الذي أحضره معه مات، وعتق المدبر هذا الذي حضر بعد موته، وقد خلف فلان في يد وارثه هذا الذي أحضره من التركة من ماله ما يخرج هذا المدبر عن ثلثه، وهذا الذي أحضره في علم من ذلك، فواجب على هذا الذي أحضره قصر يده عن هذا الذي حضر إلى آخره.(10/681)
-----
سجل في إثبات العتق على غائب: يقول القاضي فلان: حضر قبلي في مجلس قضائي بكورة بخارى فلان، وأحضر مع نفسه فلاناً، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه كذا كذا ديناراً، وبين نوعها وصفتها ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب صحيح، فواجب عليه الخروج من ذلك، فطالبه بالجواب عنه، وسأل مسألته عنه فسئل، فأنكر أن يكون عليه شيء لهذا الذي حضر، فأحضر المدعي رجلين ذكر أنهما شاهدا المدعي، وهما: فلان وفلان، وذكر المدعي والشاهدان أنهما موليا فلان بن فلان؛ أعتقهما حال كونهما مملوكين له، وسأل مني الاستماع إلى شهادتهما، فشهدا بعد الدعوى، والجواب بالإنكار عقيب الاستشهاد، الواحد بعد الآخر بشهادة صحيحة متفقة اللفظ والمعنى على موافقة الدعوى من نسخة قرئت عليهم، وهذا مضمون تلك النسخة.
فلما ساقا الشهادة على وجهها ذكر المدعى عليه في دفع هذه الشهادة أن هذين الشاهدين مملوكا فلان بن فلان الذي زعم المدعي والشاهدان أنه أعتقهما، وقد كذبوا في ذلك لم يعتقهما فلان، فعرضت ذلك على المدعي هذا فقال: إنهما حران، فإن مولاهما فلان قد أعتقهما حال كونهما مملوكين له إعتاقاً صحيحاً، وإن له على ذلك بينة، فكلفته إقامة البينة على صحة دعواه هذه، فأحضر نفراً ذكر أنهم شهوده على موافقة دعواه هذه، وسألني الاستماع إلى شهادتهم، فسمعت شهادتهم، وثبت عندي بشهادتهم حرية هذين الشاهدين بإعتاق فلان إياهما، وكونهما أهلاً للشهادة، وبالقضاء له بالمال المدعى به بشهادة هذين الشاهدين، فأجبته إلى ذلك، وحكمت بحرية هذين الشاهدين بإعتاق فلان إياهما حال كونهما مملوكين له إعتاقاً صحيحاً، وبكونهما أهلاً للشهادة، وقضيت للمدعي هذا بالمال المدعى به على المدعى عليه بشهادة هذين الشاهدين حكماً أبرمته وقضاءً نفذته، ويتم السجل.
(10/682)
-----
فإذا قضى القاضي على هذا الوجه يثبت العتق في حق المولى حتى لو حضر وأنكر الإعتاق، لا يلتفت إلى إنكاره، ولا يحتاج العبد إلى إقامة البينة على المولى؛ لأن المشهود له ادعى حرية الشاهدين على المشهود عليه، وقد صح منه هذه الدعوى؛ لأنه لا يتمكن من إثبات حقه على المشهود عليه، إلا بهذا، والمشهود عليه أنكر ذلك، وصح منه الإنكار؛ لأنه لا يتمكن من دفع الشهود عن نفسه إلا بإنكار الحرية.
والأصل أن من ادعى حقاً على الحاضر، ولا يتوسل إلى إثباته إلا بإثبات سببه على الغائب. ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، فصار إقامة البينة على المشهود عليه كإقامتها على المولى الغائب.
سجل هذا المحضر: أوله على نسق ما تقدم، ويكتب عند ذكر الحكم: وحكمت لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بجميع ما ثبت عندي من تدبير فلان والد هذا الذي أحضره معه هذا الذي حضر حال كونه مملوكاً مرقوقاً له من خالص ماله وملكه تدبيراً صحيحاً مطلقاً، لا قيد فيه، وبحرية هذا الذي حضر بموت فلان، وبتخليف فلان والد هذا الذي حضر من ثلثه، وإن هذا الذي حضر حر اليوم، لا سبيل لأحد عليه إلا سبيل الولاء بشهادة هؤلاء الشهود المسمين بمحضر من هذين المتخاصمين في وجههما حكماً أبرمته، وقضاءً نفذته إلى آخره.(10/683)
محضر في دعوى النكاح
-----
إذا لم يكن للمرأة زوج، ولم تكن هي في يد أحد، ادعى رجل نكاحاً، وزعم هذا الرجل أنه دخل بها، والمرأة تنكر نكاحها، ووقعت الحاجة إلى إثبات النكاح، وكتبه المحضر يكتب: حضر فلان، وأحضر مع نفسه امرأة ذكرت أنها تسمى فلانة بنت فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذه المرأة التي أحضرها معه، أن هذه المرأة التي أحضرها معه امرأة هذا الذي حضر ومنكوحته وحلاله، ومدخولته بنكاح صحيح، زوجت نفسها منه حال كونها عاقلة بالغة نافذة التصرفات في الوجوه كلها، خالية عن النكاح والعدة من جهة الغير من هذا الذي حضر بمحضر من الشهود الرجال الأحرار البالغين العاقلين المسلمين على صداق كذا، وإن هذا الذي حضر تزوجها في حال نفوذ تصرفاته في الوجوه كلها في مجلس التزويج هذا على الصداق المذكور فيه لنفسه تزويجاً صحيحاً، وقد سمع أولئك الشهود الذين حضروا مجلس التزويج هذا على كلام المتعاقدين هذين، وهذه المرأة التي أحضرها اليوم امرأة هذا الذي حضر، وحلاله بحكم هذا النكاح الموصوف فيه، وتمتنع عن طاعته في أحكام النكاح بغير واجب، فواجب على هذه المرأة التي أحضرها معه طاعة هذا الذي حضر في أحكام النكاح، والانقياد له في ذلك، وطالبها بذلك وسأل مسألتها (فنفت).
وإن لم يكن الزوج دخل بها، يكتب في المحضر: ادعى هذا الذي حضر على هذه التي أحضرها معه امرأته ومنكوحته وحلالته، فلا يتعرض للدخول، فإن كان هذا العقد جرى بين هذا الذي حضر، وبين وليها مثل والدها حال بلوغها يكتب في المحضر: زوجها والدها فلان بن فلان الفلاني، حال نفاذ تصرفها في الوجوه كلها، وحال كونها عاقلة بالغة خالية عن نكاح الغير، وعن عدة الغير بأمرها ورضائها، بحضرة الشهود المرضيين على صداق كذا تزويجاً صحيحاً، ويتم المحضر.
وإن كان هذا العقد جرى بين هذا الذي حضر، وبين وكيلها يكتب زوجها من هذا الذي حضر وكيلها فلان بن فلان، والباقي على نحو ما بينا.(10/684)
-----
وإن كان هذا العقد جرى في حال صغرها بين هذا الذي حضر، وبين والد الصغيرة، وأنه يخاصمها بعدما بلغت يكتب: زوجها أبوها فلان الفلاني في حال صغرها بولاية الأبوة لما رآه كفواً لها على صداق كذا، وهذا الصداق صداق مثلها.
وإن كان العقد جرى بين والدي المتداعيين حال صغرهما، وتخاصما بعد بلوغهما يكتب: ادعى هذا الذي حضر أن هذه المرأة التي أحضرها معه امرأته وحلاله ومنكوحته، زوجها أبوها فلان بن فلان الفلاني في حال صغرها بولاية الأبوة من هذا الذي حضر في حال نفاذ تصرفاته في الوجوه كلها، بحضرة الشهود المرضيين تزويجاً صحيحاً، وإن أباها الذي حضر، وهو فلان بن فلان قبل هذا التزويج الموصوف لابنه هذا الذي حضر حال صغر ابنه هذا الذي حضر في مجلس التزويج هذا بولاية الأبوّة حال نفوذ تصرفاته في الوجوه (254ب4) كلها بحضرة أولئك الشهود الحاضرين في مجلس التزويج هذا قبولاً صحيحاً، ويتم المحضر.
سجل هذا الدعوى: يكتب صدر السجل على ما هو الرسم، ويعاد فيه الدعوى من نسخة المحضر بتمامها، ويذكر أسماء الشهود، ولفظة الشهادة إلى موضع الحكم، ثم يكتب في موضع الحكم: وحكمت لهذا الذي حضر بمسألته على هذه المرأة التي أحضرها مع نفسه بجميع ما ثبت عندي من كونها منكوحة، وحلالاً لهذا الذي حضر بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه، بسبب هذا النكاح الصحيح المذكور المبين فيه بحضرة هذين المتخاصمين، وقضيت بذلك كله في مجلس قضائي بكورة بخارى حكماً أبرمته، وقضاء نفذته، مستجمعاً شرائط صحته ونفاذه، وألزمت المحكوم عليها طاعته هذا الذي حضر في أحكام النكاح، ويتم السجل.
محضر في دفع دعوى النكاح(10/685)
-----
حضرت فلانة وأحضرت مع نفسها فلاناً، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها في دفع دعواه قبلها أن هذا الذي أحضرته كان ادعى على هذه التي حضرت أولاً أن هذه التي حضرت امرأته وحلاله، يعيد دعواه بتمامه، فادعت هذه التي حضرت في دفع دعواه قبلها أن دعوى هذا الذي أحضرت قبلها النكاح هذا ساقطة من قبل أن هذه التي حضرت اختلعت نفسها حال نفوذ تصرفاتها في الوجوه كلها في هذا النكاح المذكور فيه من هذا الذي أحضرته بتطليقه واحدة على صداقها ونفقة عدتها، وكل حق يجب للنساء على الأزواج قبل الخلع وبعده.
وإن كان الخلع بشرط براءة كل واحد منهما عن صاحبه من جميع الدعاوي والخصومات، يكتب: وعلى براءة كل واحد منهما عن صاحبه عن جميع الدعاوي والخصومات، وأن هذا الذي أحضرته مع نفسها خلعها من نفسه حال نفوذ تصرفاته في الوجوه كلها بتطليقه بائنة واحدة على الشرائط المذكورة فيه في مجلس الاختلاع هذا خلعاً صحيحاً خالياً عن الشروط المفسدة، وأن هذا الذي أحضرته معها في دعواه النكاح قبلها بعد ما جرت بين هذه التي حضرت، وبين هذا الذي أحضرته هذه المخالعة، وهذا الاختلاع الموصوفين فيه مبطل غير محق، فواجب على هذا الذي أحضرته معها ترك هذه الدعوى قبلها، وطالبته بذلك، وسأل مسألته فسئل، فأجاب من مبطل نه أم درد عوى، أين نكاح كه بزاين زن كه حاضراً يده كردة أم، وأشارت إلى التي حضرت ومحتم، أحضرت نفراً ذكرت أنهم شهودها.(10/686)
-----
سجل هذه الدعوى عل نسق ماتقدم، ويكتب عند الحكم وثبت عندي بشهادة هؤلاء الشهود المسمين أن هذه التي حضرت اختلعت نفسها على صداقها ونفقة عدتها، وكل ما يجب للنساء على الأزواج قبل الخلع بتطليقه واحدة، وإن هذا الذي أحضرته معها خلعها من نفسه بالبدل المذكور فيه بتطليقة واحدة في مجلس الخلع هذا، وإن المخالعة هذه جرت بين هذين المتخاصمين في حال جواز تصرفاتهما في الوجوه كلها، فحكمت بذلك كله لهذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته، وقضيت بكون هذه التي حضرت محرمة على هذا الذي أحضرته بتطليقة ثانية بسبب المخالعة المذكورة فيه في وجه المتخاصمين هذين، حكماً أبرمته، وقضاء نفذته، مستجمعاً شرائط الصحة والجواز، ويتم السجل.
محضر فيه دعوى النكاح على امرأة هي في يدي رجل يدعي نكاحها وهي ما تقر له بذلك
يكتب: حضر فلان، وأحضر مع نفسه امرأة ذكر أنها تسمى فلانة بنت فلان بن فلان، وذكر رجلاً ذكر أنه يسمى فلان بن فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذه المرأة التي أحضرها بحضرة هذا الرجل الذي أحضره معها أن هذه المرأة التي أحضرها امرأة هذا الرجل الذي حضر، وأن هذا الرجل الذي أحضره يمنعها عن طاعة هذا الذي حضر، والانقياد له في أحكام النكاح بغير حق، ويسبب ناشزة بغير حق، وهي بسبب منع هذا الذي أحضره تمتنع عن طاعة هذا الذي حضر في أحكام النكاح بغير حق، فواجب على الذي أحضره معه الكف عن هذا المنع الموصوف فيه إياها، وواجب على هذه المرأة التي أحضرها طاعة هذا الذي حضر، والانقياد له في أحكام النكاح، وطالب كل واحد منهما بالجواب، وسأل مسألتهما فسئلا، فأجابت المرأة أولاً بالفارسية، وقالت: من زن أين مدعي نيم وطاعت وي بر من واجب نيست من زن فلان بن فلان أم ومنكوحة ويم، ثم أجاب الرجل هذا بالفارسية: أين فلانة حاضر آورده زن نيست، ومنكوحة نيست ومن وير ابن حق منع نميكم إن طاعت راشتن أين مدعي(10/687)
-----
أحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده، وسأل الاستماع إلى شهادتهم، فإذا استشهدوا، وشهدوا على موافقة دعوى المدعي بشهادات متفقة اللفظ والمعنى، فالقاضي يقضي بالمرأة للمدعي، فإن أقام صاحب اليد بينة على أن هذه المرأة منكوحته وحلاله، فالقاضي يقضي ببينة صاحب اليد، وتندفع به بينة المدعي، فالخارج مع ذي اليد إذا أقاما البينة على النكاح مطلقاً من غير تاريخ يقضي ببينة صاحب اليد، ولو كان القاضي قضى للخارج ببينته ثم أقام صاحب اليد بينة هل يقضى ببينة صاحب اليد؟ ففيه اختلاف المشايخ.
وطريقة كتابة هذا الدفع: حضر فلان، يعني: صاحب اليد، ومعه فلانة، يعني: المرأة التي دفعت المنازعة في نكاحها، وأحضر معه فلاناً، يعني: المدعي الأول، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه، وفي دفع بينته، فإن هذا الذي أحضره كان ادعى أولاً على هذه المرأة بحضرة هذا الذي حضر أنها منكوحته، وحلاله بنكاح صحيح، وأنها خرجت عن طاعته، وهذا الرجل يمنعها عن طاعته، ويذكر مطالبة المرأة بالانقياد لها، ومطالبة الذي حضر بالكف عن منعه إياها عن طاعته، ويذكر إنكار الرجل أيضاً دعواه قبلها هذه، ويذكر إقرارها بالنكاح لهذا الذي حضر، وتصديق هذا الذي حضر إياها بذلك، وإقامة الذي أحضره البينة عليها بالنكاح المذكور فيها، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه هذه قبلها في وجهه أن هذه المرأة التي حضرت مع هذا الذي حضر امرأة هذا الرجل الذي حضر وحلاله، ومنكوحة بنكاح صحيح جرى بينهما، وأحضر شهوداً على ما ادعى، وقال: أنا أولى بنكاح هذه بحكم أن لي يداً وبينة، فواجب عل هذا الذي أحضره ترك دعواه النكاح هذه قبلها، وترك المطالبة إياها حين يتمكن في طاعة زوجها هذا الذي حضر، وطالبه بذلك، وسأل مسألته، ولهذا الدفع وجوه.
(10/688)
-----
أحدها: أن يدعي الخارج على صاحب اليد أنه طلقها تطليقة بائنة أو رجعية، وانقضت عدتها، وأن هذا الخارج بعد انقضاء عدتها منه. صورة كتابة هذا الدفع: حضر وأحضر مع نفسه فلان بن فلان، وفلانة بنت فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أنه طلق امرأته هذه التي أحضرها بتاريخ كذا بتزويج وليها فلان إياها منه برضاها بمحضر من الشهود على صداق معلوم، وإنه قبل تزويجه منه لنفسه في ذلك المجلس قبولاً صحيحاً، واليوم هي امرأته وحلاله بهذا السبب، وإن هذا الذي أحضره معه في دعواه هذه قبله بعدما كان الأمر كما وصف مبطل غير محق.
وجه آخر لدفع هذه الدعوى: أن يدعي أن هذا الذي أحضره وكل فلاناً أن يطلق امرأته هذه طلاقاً بائناً أو رجعياً، فطلق وكيل هذا الذي أحضره معه هذه المرأة كما أمره هذا الذي أحضره أقر أنها محرمة عليه بالمصاهرة أو بالرضاع.(10/689)
محضر في إثبات الصداق ديناً في تركة الزوج
-----
حضرت وأحضرت معها، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها، أن هذه التي حضرت كانت امرأة فلان بن فلان والد هذا الذي أحضرته معها، وكانت منكوحته وحلاله، ومدخولته بنكاح صحيح، وكان لها عليه من الصداق التي تزوجها عليه كذا ديناراً، أو نصف الدنانير، بصفاتها ديناً لازماً، وحقاً واجباً، وصداقاً ثابتاً بنكاح صحيح كان قائماً بينهما، وهكذا كان أقر فلان بن فلان والد هذا الذي حضر في حال حياته، وجواز إقراره، ونفاذ تصرفاته في الوجوه كلها طائعاً، بهذه الدنانير المذكورة فيه ديناً على نفسه لهذه التي حضرت ديناً لازماً، وحقاً واجباً، وصداقاً ثابتاً بالنكاح الصحيح القائم (255أ4) بينهما إقراراً صحيحاً صدقته هذه التي حضرت خطاباً، ثم إنه توفي قبل أدائه هذا الصداق المذكور فيه ديناً في تركته لهذه التي حضرت، وخلف من الورثة امرأة له، وهي هذه التي حضرت، وابناً لصلبه، وهو هذا الذي أحضرته مع نفسها لا وارث له سواهما، أو يكتب: وورثة له أخرى سواهما، وخلف من التركة من جنس هذه الدنانير المذكورة فيه في يد هذا الذي أحضرته ما يفي بهذا الدين المذكور فيه وزيادة، ويتم المحضر.
سجل هذه الدعوى، ودفع هذه الدعوى. وسجل الدفع يكتب على نحو ما تقدم في سجل دعوى الدين المطلق في تركة الميت.
محضر في إثبات مهر المثل(10/690)
-----
إذا زوج الرجل ابنته البالغة برضاها من إنسان نكاحاً صحيحاً، ولم يسم لها مهراً حتى وجب مهر المثل، وقعت الحاجة إلى إثبات مهر المثل، بأن دخل بها، أو خلا بها خلوة صحيحة، ثم طلقها، وأنكر مهر المثل، ولا يخلو إما إن كانت البنت وكلت أباها بهذه الدعوى حتى يدعي الأب ذلك لها، فكتب في المحضر: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر لبنته فلانة بحق الوكالة الثابتة له من جهتها على هذا الذي أحضره معه أن ابنته فلانة موكلة هذا الذي حضر، كانت امرأة هذا الذي أحضره معه بنكاح صحيح، زوجها أبوها هذا الذي حضر برضاها بمحضر من الشهود، ولم يسم لها مهراً عند العقد، وإن مهر مثلها كذا درهماً، أو كذا ديناراً؛ لأن أختها الكبرى، أو الصغرى المسماة فلانة أختها لأبيها وأمها أو لأبيها، كان مهرها هذا المقدار، وموكلة هذا الذي حضر هذه تساوي أختها هذه في الحسن والجمال، والسن والمال، والحسب والبكارة.
إنما ذكرنا هذه الأشياء؛ لأن المهر يختلف باختلاف هذه الأشياء، ويذكر أيضاً أن أخت موكلته هذه مقيمة بهذه البلدة التي موكلته فيها؛ لأن المهر يختلف باختلاف البلدان، فواجب على هذا الذي أحضره معه أداء مثل هذه الدراهم، أو الدنانير إلى هذا الذي حضر لابنته موكلته هذه، وطالبه بذلك وسأل مسألته عن ذلك، فسئل إلى آخره.
وإن لم يكن لها أخت ينظر إلى امرأة أخرى من نساء عشيرة الأب، من بقي مثلها في الحسن والجمال والسن والبكارة، ويشترط أن تكون تلك المرأة من بلدها أيضاً كما ذكرنا، وإن لم يوجد من قوم أبيها امرأة بهذه الأوصاف يعتبر مهر مثلها من الأجانب في بلدتها، ولا تعتبر بمهر مثلها من قوم أمها هكذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في أول باب المهور، وذكر رحمه الله أيضاً في مسألة اختلاف الزوجين في المهر أن على قول أبي حنيفة رحمه الله: لا يجوز تقدير مهر مثلها بأقرانها من الأجانب، فكان المذكور في أول باب المهور قولهما.(10/691)
-----
وإن كانت هذه المرأة وكلت أجنبياً بذلك يكتب: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه لموكلته فلانة بنت فلان بن فلان الفلاني، أن موكلته هذه كانت امرأة هذا الذي أحضره بنكاح صحيح، زوجها أبوها فلان من هذا الذي أحضره معها برضاها بمحضر من الشهود، ولم يسم لها مهراً إلى آخره.
محضر في إثبات المتعة
إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها، وقبل أن خلا بها خلوة صحيحة، ولم يكن سمى لها في النكاح مهراً، كان لها على الزوج المتعة.
والمتعة ثلاثة أثواب: قميص وملحفة ومقنعة، وسط لا جيد غاية الجودة، ولا رديء غاية الرداءة، فيجب لها ذلك إلا إذا زاد ذلك على نصف مهر مثلها، فلها الأثواب إلا أن تنقص قيمتها عن خمسة دراهم، فالحاصل أن لها الأقل من نصف مهر المثل، ومن المتعة إلا أن تكون قيمة المتعة أقل من خمسة دراهم، فحينئذٍ لا ينقص عن خمسة دراهم، وإن كانت المتعة مثل نصف مهر المثل، فلها المتعة، ويعتبر فيها حال الرجل، وكان الكرخي يقول: يعتبر حالها.
ثم إذا وجبت المتعة ثلاثة أثواب، ووقعت الحاجة إلى الإثبات يكتب: حضرت وأحضرت، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها أن هذا الذي أحضرته معها تزوجها بنكاح صحيح، من غير تسمية شيء عند العقد، ثم طلقها قبل الدخول بها وقبل الخلوة، حتى وجب عليه المتعة ثلاثة أثواب وسط، درع، وخمار، وملحفة، فواجب عليه الخروج عن ذلك، ويتم المحضر.
محضر في إثبات الحرمة الغليظة
يجب أن يعلم بأن دعوى الحرمة بالطلاق على أنواع:(10/692)
-----
أحدها: دعوى الحرمة بصريح ثلاث تطليقات، وصورة كتابة المحضر في هذا الوجه: حضرت وأحضرت، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها أنها كانت امرأة هذا الذي أحضرته، ومنكوحته، ومدخولته بنكاح صحيح، ولها عليه من الصداق كذا درهماً، أو كذا ديناراً ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب هذا النكاح، وإن هذا الذي أحضرته معها حرمها على نفسه بثلاث تطليقات حرمة غليظة، لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، وإنها محرمة عليه اليوم بهذا السبب المذكور فيه، وإن هذا الذي أحضرته مع علمه بقيام هذه الحرمة الغليظة بينهما يمسكها حراماً، ولا يقصر يده عنها، فواجب على هذا الذي أحضرته مفارقتها، وتخلية سبيلها، وأداء الصداق الذي لها عليه المذكور فيه، وإدرار نفقة العدة، نفقة مثلها إلى أن تنقضي عدتها، وطالبته بذلك، وسألت مسألته عن ذلك.
سجل هذه الدعوى: يكتب عند الحكم: وحكمت لهذه المرأة التي حضرت المدعية بهذه الحرمة الغليظة، على هذا الذي أحضرته، بثبوت هذه الحرمة الغليظة بالسبب المذكور فيه بعدما كانت حلالاً له بعقد النكاح بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه، بمحضر من هذين المتخاصمين في وجههما، وكلفت المحكوم عليه، وهو هذا الذي أحضرته بمفارقة هذه التي حضرت، وقصرت يده عنها، وأمرته بأداء ما لها عليه من الصداق المذكور فيه، وبإدرار النفقة عليها نفقة مثلها حتى تنقضي عدتها، ويتم السجل.
الوجه الثاني: أن تدعي الحرمة بإقراره أنه طلقها ثلاثاً، وصورة كتابة المحضر في هذا الوجه: فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته أنها كانت امرأته ومنكوحته، ومدخولته بنكاح صحيح، وإن هذا الذي أحضرته أقر في حال صحة إقراره أنه حرم هذه التي حضرت بثلاث تطليقات، وأنه يمسكها حراماً، ولا يفارقها، فواجب عليه مفارقتها، وأداء صداقها المذكور إليها.(10/693)
-----
سجل هذه الدعوى على نحو السجل الأول، إلا أنها تذكر الإقرار بالحكم، فيكتب: وحكمت لهذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها بثبوت إقرار هذا الذي أحضرته معها بهذه الحرمة الغليظة، المذكورة فيه بشهادة هؤلاء الشهود المسمين فيه، ويتم السجل.
الوجه الثالث: أن تدعي الحرمة عليه بثلاث تطليقات بسبب حلف قد حلف بثلاث تطليقاتها حال قيام النكاح بينهما أن لا يفعل كذا، وقد فعل ذلك الفعل المعين الذي حلف عليه، وحنث في يمينه، فنزل الطلقات الثلاثة المعلقة، وصارت هذه المرأة التي حضرت محرمة على هذا الذي أحضرته بثلاث تطليقات بالسبب المذكور فيه، وإن هذا الذي أحضرته مع علمه بهذه الحرمة الغليظة بينهما يمسكها حراماً، ولا يفارقها، فواجب عليه مفارقتها، وطالبه بذلك، ويتم المحضر، وإن كانت تدعي الحرمة بتطليقة، أو تطليقتين بين ذلك في المحضر، وكذلك إذا ادعت المرأة المحرمة بسبب آخر يذكر ذلك السبب في المحضر.
محضر في شهادة الشهود بالحرمة الغليظة بثلاث تطليقات بدون دعوى المرأة
قوم شهدوا عند القاضي على رجل حاضر أنه طلق امرأته هذه الحاضرة بثلاث تطليقات، وإنها محرمة عليه اليوم بثلاث تطليقات، فأتوا بالشهادة على وجهها، وساقوها على سببهما يكتب في المحضر: حضر مجلس الحكم قوم ذكروا أنهم شهود حسبة، وهم: فلان وفلان وفلان، يذكر أسماءهم وأنسابهم وحلاهم ومصلاهم، وأحضروا معهم رجلاً يسمى فلان، وامرأة تسمى فلانة، وشهد كل واحد منهم أن هذا الرجل * وأشاروا إلى الرجل الذي أحضروه * طلق امرأته هذه * وأشاروا إلى المرأة التي أحضروها * بثلاث تطليقات، ثم إنه لا يفارقها، ويمسكها حراماً، فسئلا، يعني هذا الرجل وهذه المرأة، فأنكرا الطلاق، فالحكم في هذه الصور أن القاضي يقبل شهادة هؤلاء، ويقضي بالفرقة بينهما.(10/694)
-----
وإذا أراد السجل يكتب صورة السجل على رسمه، ويكتب حضور هذا القوم مجلسه، وشهادتهم على الوجه الذي شهدوا، ويكتب إنكار الرجل والمرأة الطلاق، ثم يكتب: فسمعت شهادتهم، وأثبتها في المحضر المخلد في ديوان الحكم، ويعرفه عن أحوال (255ب4) الشهود عمن إليه رسم التعديل والتزكية بالناحية، فنسبوا إلى العدالة وقبول القول، فقبلت شهادتهم، وثبت عندي بشهادتهم ما شهدوا به على ما شهدوا به، وأعلمت المشهود عليه بذلك، ومكنته من إيراد الدفع إن كان له دفع، فلم يأت بالدفع، وظهر عند عجزه عن ذلك، فاستخرت الله تعالى الى آخره، وحكمت بكون فلانة بنت فلان هذه محرمة على زوجها فلان هذا بثلاث تطليقات بمحضر منهما في وجوههما إلى آخره، وأمرت كل واحد منها بمفارقة صاحبه إلى أن تقضي عدتها على هذا الزوج، وتتزوج بزوج آخر، ويدخل بها الزوج الثاني، ويطلقها وتنقضي عدتها، ثم يتزوجها برضاها.
محضر في إثبات الحرمة الغليظة على الغائب
امرأة لها زوج دخل بها، ثم حرمها على نفسه بثلاث تطليقات بمحضر من الشهود، ثم غاب الزوج قبل أن يقضي القاضي بالحرمة، وأرادت المرأة إثبات هذه الحرمة بين يدي القاضي؛ ليقضي بذلك بشهادة شهودها، فلذلك وجهان:(10/695)
-----
أحدهما: أن تدعي على رجل حاضر أنه كان لي على زوجي فلان بن فلان ألف دينار ونصفها بقيمة صداقي، وإنك ضمنت لي ذلك عن زوجي فلان هذا المذكور إن حرمني على نفسه بثلاث تطليقات، وإني أجزت هذا الضمان معلقاً بهذا الشرط في مجلس الضمان هذا، ثم إن زوجي فلان حرمني على نفسه بثلاث تطليقات، وصارت هذه الدنانير المذكورة ديناً لي عليك بحكم الضمان المذكور فيه، وأنت في علم من هذه الحرمة المذكورة فيه بالسبب المذكور فيه، فواجب عليك الخروج من ذلك بإزائها إليَّ، فيقرُّ المدعى عليه بالضمان كما ادعت، وينكر العلم بوقوع الحرمة، فتجيء المرأة بشهود يشهدون على أن زوجها حرمها على نفسه بثلاث تطليقات، فهذا هو صورة الدعوى.
صورة المحضر: أن يكتب حضرت، وأحضرت مع نفسها، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته بذكر دعواها على نحو ما ذكرنا من أوله إلى آخره.
سجل هذه الدعوى على نحو ما بينا إلى قوله: أحضرت المدعية نفراً ذكر(ت) أنهم شهودها على موافقة الدعوى، وسألتني شهادتهم، فأجبتها إلى ذلك، فشهدوا بعد الإشهاد عقيب الدعوى، والإنكار من المدعى عليه وقوع هذه الحرمة الواحد بعد الآخر من نسخة قرئت عليهم، وهذا مضمون تلك النسخة: كواهي سيدهم كه اين زن حاضر آسده، وأشار إلى المدعية هذه زن فلان بن فلان بود وبرا برخو يشتن حام كرد به طلاق، وأمرد زاين زن حاضر أده محرمة است برين فلان بس طلاق، وأشار كل واحد منهم في جميع مواضع الإشارة، فسمعت شهادتهم إلى أن يصل إلى قوله: وحكمت بكون هذه المرأة التي حضرت محرمة على زوجها فلان بالسبب المذكور فيه، وقضيت لهذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها بوجوب هذا المال المذكور مبلغه وجنسه فيه، وذلك كذا بسبب الضمان المذكور، وعند وجود شرطه، وهو تحريم فلان زوج هذه التي حضرت إياها على الوجه المذكور فيه في وجه المتخاصمين هذين، ويتم السجل.(10/696)
-----
الوجه الثاني: أن تدعي على رجل حاضر ضمان نفقة العدة أنك قد ضمنت لي نفقة عدتي إن حرمني زوجي على نفسه بثلاث تطليقات، وأنا أجزت ضمانك هذا في مجلس الضمان هذا، ثم إن زوجي حرمني على نفسه بثلاث تطلقات، وأنا أجزت ضمانك هذا في مجلس الضمان هذا، ثم إن زوجي حرمني على نفسه بثلاث تطليقات بتاريخ كذا، وأنا في عدته اليوم، ووجب لي عليك نفقة عدتي الى أن تنقضي عدتي بسبب هذا الضمان المذكور، فواجب عليك الخروج عن عهدة ما لزمك من نفقة عدتي بالأداء إلي، فيقر المدعى عليه بضمان نفقة العدة، وينكر الحرمة، فتجيء المرأة بشهود يشهدون على أن زوجها فلان حرمها على نفسه بثلاث تطليقات، وأنها في عدة زوجها فلان، فهذا هو وجه الدعوى.
صورة المحضر لهذه الدعوى: حضرت وأحضرت، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها أنه قد كان ضمن لها عن زوجها نفقة عدتها، إن حرمها زوجها على نفسه ثلاث تطليقات، ويكتب دعواها من أولها إلى آخرها، إلى قوله: أحضرت هذه التي حضرت نفراً، وذكرت أنهم شهودها إلى آخره.
سجل هذه الدعوى: يكتب فيه دعواها على هذا الذي أحضرته معها إلى قوله فسمعت شهادتهم، وقبلتها لإيجاب العلم قبول مثلها، وحكمت بكون هذه المرأة محرمة على زوجها فلان، وبكونها في عدته اليوم، وقضيت لهذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته معها بوجوب عدة نفقتها إلى أن تنقضي عدتها بشهادة هؤلاء الشهود بمحضر من المتخاصمين هذين في وجوههما، ويتم السجل.
سجل التفريق بين الزوجين بسبب العجز عن النفقة(10/697)
-----
صغير تحته صغيرة، وهذا الصغير عاجز عن الإنفاق عليها لما أنه فقير لا يملك شيئاً، فرفع أمر هذه الصغيرة أبوها بنيابة عنها إلى القاضي حتى يستخلف القاضي في هذه الحادثة القاضي الشفعوي الذي يرى التفريق جائزاً بين الزوجين بسبب عجز الزوج عن الإنفاق، فيكتب القاضي إليه في هذه الحادثة كتاباً صورته: بعد التسمية والتحية للقاضي الشفعوي قد رفع إليَّ بنيابة الصغيرة المسماة فلانة بنت فلان بن فلان أبوها هذا أنها امرأة الصغير فلان بن فلان، زوَّجها أبوها فلان بن فلان بولاية الأبوة على صداق كذا بمحضر من الشهود تزويجاً صحيحاً، وصارت هذه الصغيرة امرأة لهذا الصغير بنكاح صحيح، وهذه الصغيرة بعدم لا تملك شيئاً من الدنيا، وإنه ليس بمكتسب ولا محترف، وقد ظهر عجزه عندي عن الإنفاق على هذه الصغيرة بشهادة شهود معدلين قد شهدوا عندي بجميع ذلك، والتمس مني أب هذه الصغيرة مكاتبته أدام الله فضله، فأجبت ملتمسه، وكاتبته يستفضل بالإصغاء إلى هذه الخصومة الواقعة بينهما، وتفصيلها بينهما على ما يؤدي اجتهاده إليه، ويقع رأيه عليه، مستعيناً بالله تعالى طالباً منه التوفيق لإجابة الحق، فهذا هو صورة كتاب القاضي الشفعوي.
ثم إذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه يخاصم أب الصغير بين يدي المكتوب إليه أن الصغير على حسب ما هو مذكور في كتاب القاضي الحنفي معدم لا مال له، وأنه لا يقدر على الكسب، وأنه عاجز عن الإنفاق على امرأته هذه الصغيرة، ويطالب من القاضي الشفعوي أن يفرق بين هذين الصغيرين، فيفرق القاضي الشفعوي بينهما، ويكتب السجل.(10/698)
-----
وصورة السجل: يقول فلان بن فلان الشفعوي: قد ورد إليَّ كتاب من القاضي فلان بن فلان المتولي لعمل القضاء ونواحيها في كورة بخارى * أدام الله توفيقه * من قبل الخاقان فلان مشتملاً على ما رفع إليه من الخصومة الواقعة بين فلان بن فلان الفلاني الذي يخاصم لابنته الصغيرة فلانة، وبين فلان بن فلان الفلاني الذي يخاصم من ابنه الصغير فلان، وذلك لأن فلاناً هذا أبا هذه الصغيرة المذكورة رافع إلى هذا القاضي أن ابنته الصغيرة المذكورة امرأة الصغير المسمى فلان بن فلان هذا، امرأته وحلاله بنكاح صحيح، زوجها أبوه هذا منه تزويجاً صحيحاً، وأن فلان بن فلان والد هذا الصغير هذا قبل منه هذا النكاح لابنه الصغير هذا قبولاً صحيحاً في مجلس التزويج هذا، وإن ابنته الصغيرة هذه محتاجة إلى النفقة، وإن زوجها هذا الصغير معدم عاجز عن الإنفاق، ثبت عجزه عند القاضي هذا، وقد سأل أب الصغيرة فلان بن فلان من القاضي هذا أن يكتب إليَّ، ويأذن لي في الاستماع (256أ4) إلى هذه الخصومة، والفصل بينهما على ما يؤدي اجتهادي إليه، ويقع رأيي عليه، وفلان القاضي كتب إلي، وقرأت الكتاب وفهمته، وامتثلت أمره في سماع هذه الخصومة، وعقدت مجلساً لذلك، وقد حضر في مجلسي ذلك والد هذه الصغيرة فلان، وأحضر معه والد هذا الصغير فلان.
(10/699)
-----
فادعى هذا الذي حضر لهذه الصغيرة على هذا الذي أحضره معه أن الصغيرة المسماة فلانة بنت هذا الذي حضر امرأة هذا الصغير الذي هو ابن هذا الذي أحضره معه، وإن الصغير المسمى ابن هذا الذي أحضره معه معدم عاجز عن الإنفاق على ابنته الصغيرة المسماة فيه، وإن هذه الصغيرة محتاجة إلى النفقة، وأقام شهوداً عدولاً على أن الصغير المسمى فلان بن فلان ابن هذا الذي أحضره معدم عاجز عن الإنفاق على هذه الصغيرة، وسأل مني والد هذه الصغيرة التفريق بينها وبين زوجها الصغير هذا، فتأملت في ذلك، ووقع اجتهادي على جواز التفريق بينهما بسب العجز عن النفقة، وفرقت بينهما بعدما صار النكاح بينهما معلوماً، وبعدما كان عجز هذا الصغير عن الإنفاق معلوماً لي تفريقاً صحيحاً، فأمرت بكتب هذا السجل حجة في ذلك.
فإن طلب من القاضي الأصل أيضاً هذا السجل، فالقاضي الأصل يأمر بأن يكتب على ظهر ذلك السجل: يقول القاضي فلان إلى آخره، جرى جميع ما تضمنه هذا الذكر من أوله إلى آخره، بتاريخه المذكور فيه من كتبه الكتاب إلى فلان بن فلان متضمناً تفويض سماع هذه الخصومة المذكورة فيه إليه، والاستماع إلى البينة في ذلك، والعمل فيها بما يؤدي إليه اجتهاد المكتوب إليه، ويقع رأيه عليه كان مني، وجعلت المكتوب إليه فلاناً ثابتاً عني في العمل بما يقع عليه رأيه، وأمضيت حكم ما في هذا وأجزته، وأمرت بكتبه هذا الإمضاء في تاريخ كذا.
وإن كان الزوجان بالغين، وكان الزوج عاجزاً عن الإنفاق، فالطريق فيه ما ذكرنا في الصغيرين، إلا أن هاهنا إذا وقعت الخصومة بين المرأة وبين زوجها عند القاضي الشفعوي، فادعت المرأة أن زوجها عاجز عن الإنفاق، فإن أقر الزوج بذلك، فالقاضي يفرق بينهما بإقرار الزوج عند طلب المرأة ذلك، وإن لم يكن الزوج مقراً، فالمرأة تقيم البينة على عجزه، ويفرق القاضي بينهما، عند طلب المرأة ذلك، والله أعلم.
(10/700)
-----
سجل في التفريق بين المرأة وزوجها في النكاح بلفظة الهبة
امرأة كبيرة زوجت نفسها من صغير، كان العقد بلفظة الهبة، وقبل أب الصغير العقد لابنه الصغير، ثم وقع الاتفاق على إبطال هذا النكاح، لا سبيل إلى ذلك بالطلاق ما دام الزوج صغيراً، ولا سبيل إليه بسبب العجز عن النفقة بأن يكون للصغير مال كثير، فيتعين إبطاله بسبب أن النكاح كان بلفظة الهبة، والشافعي لا يرى جواز النكاح بلفظ الهبة، فرفع الأمر إلى القاضي الأصل، ويلتمس منه الكتاب إلى القاضي الشفعوي في ذلك، فيكتب القاضي الحنفي إلى القاضي الشفعوي * أيده الله * القاضي الإمام فلان وأدام سلامته وسعادته، رفعت إلي فلانة بنت فلان أنها وهبت نفسها للصغير المسمى فلان بن فلان، وإنه صغير لا حاجة له إلى المرأة، ومثله لا يحتاج، ولم يدخل بها منذ صارت امرأة له، وإنها تتضرر بالمقام معه إلى وقت البلوغ، وسألت مني مكاتبته * أدام الله توفيقه * فأجبتها، وكاتبت؛ ليتفضل بالإصغاء إلى الخصومة الواقعة بينهما، وتفصيلها بينهما على ما يؤدي إليه اجتهاده، ويقع على رأيه، ولكن بعدما قامت البينة عنده أن النكاح بينهما كان بلفظ الهبة، وهو موفق في ذلك.
ثم إذا ورد هذا الكتاب إلى المكتوب إليه، وأراد المكتوب إليه أن يسمع هذه الخصومة ففي ذلك وجهان:(10/701)
-----
أحدهما: أن تحضر المرأة المخاصمة مجلس هذا القاضي، وتحضر مع نفسها هذا الصغير مع أبيه، وتدعي على أب الصغير بحضرته: أن أب الصغير هذا يطالبني بطاعة الابن الصغير هذا، ويزعم أني امرأة ابنه الصغير هذا، زوجني من هذا الصغير أبي بأمري ورضائي، وهو مبطل في هذه المطالبة لما أن النكاح بيننا كان بلفظة الهبة، فإني قلت لأب الصغير هذا وقت مباشرة هذا الزوج: وهبت نفسي من ابنك الصغير فلان، أو قال: أبي كان قال لوالد الصغير هذا: وهبت ابنتي فلانة برضاها من ابنك الصغير فلان، وقال أب الصغير: قبلت ذلك لابني فلان، والنكاح بلفظ الهبة غير جائز عند بعض السلف، فعليه الكف عن هذه المطالبة، وأب الصغير يقول: أنا محق في هذه المطالبة لما أن النكاح الواقع بين هذه المرأة، وبين ابني الصغير كان بلفظة النكاح، فإن والد هذه المرأة قال لي: زوجت ابنتي فلانة برضاها من ابنك الصغير فلان على صداق كذا، وأنا قبلت ذلك لابني الصغير هذا، فتقيم المرأة شهوداً، حتى يشهدوا عند القاضي على موافقة دعواها، وتلتمس منه القضاء بفساد هذا العقد على مذهبه، فيقضي بذلك، ويكتب بذلك كتاباً حجة لها.
(10/702)
-----
فيكتب: ورد إليَّ كتاب من قاضي فلان المتولي بعمل القضاء والأحكام ببخارى ونواحيها من قبل فلان مشتملاً على ما رفع إليه من الخصومة الواقعة بين فلانة بنت فلان، وبين الصغير المسمى فلان بن فلان في النكاح الواقع بلفظة الهبة، وقد أمر لي بالإصغاء إلى هذه الخصومة، وفصلها و سماع البينة فيها، و القضاء فيما وقع فيه برأيي واجتهادي فيها، فامتثلت أمره، وعقدت مجلساً لذلك، فحضرني في مجلسي ذلك فلانة بنت فلان الفلاني، وأحضرت معها زوجها الصغير فلان بن فلان، ومعه أبوها فلان، فادعت هذه التي حضرت على أب هذا الصغير بحضرة هذا الصغير، أن أب هذا الصغير يطالبني بطاعة ابنه الصغير، ويزعم أني زوجة ابنه الصغير هذا، وهو مبطل في هذه الدعوى؛ لأن النكاح الذي كان بيني، وبين هذا الصغير كان بلفظة الهبة، فإني قلت لأب هذا الصغير، وفيه مباشرة عقد النكاح: وهبت نفسي من ابنك الصغير فلان، وقال أب الصغير: قبلت ذلك لابني الصغير هذا.
والنكاح بلفظة الهبة غير جائز عند بعض السلف من العلماء والفقهاء، وعليه الكف عن هذه المطالبة، فطالبته بذلك، وسألت مسألته فقال: من مبطل نه لم درين مطالبت محتم كه عقد نكاح بيان اين حاضر كمده وبيان من أن جهة اين صبر خود مرا بلفظ نكاح بودنه بلفظ هبة اين زن حاضر آمده مرا كفت كه من خدمتن به بسرتو فلان بعقد نكاح نيرني دادم، ومز كفتم اين عقد را ازجبت بسرخو درابدر فتم.(10/703)
-----
فأحضرت هذه المرأة نفراً ذكر أنهم شهودها على وفق دعواها بذكر أسمائهم وأنسابهم،فشهد كل واحد منهم بعد الاستشهاد عقيب هذه الدعوى المذكورة، والجواب عنها بالإنكار على وفق دعوى هذه المدعية بشهادة مستقيمة متفقة الألفاظ والمعاني، وأشار كل واحد منهم في موضع الإشارة بإشاراتٍ صحيحة، فسمعت شهادتهم، وقبلتها لإيجاب العلم قبولها، أو كنت عرفتهم بالعدالة، وجواز الشهادة، وقبول القول، وثبت عندي بشهادة هؤلاء أن العقد الذي جرى بين المرأة التي حضرت، وبين أب هذا الصغير الذي أحضرته كانت بلفظة الهبة، ثم سألتني هذه التي حضرت الحكم بما يقع عليه رأيي واجتهادي (256ب4) فاجتهدت في ذلك وتأملت، ووقع رأيي على بطلان النكاح بلفظة الهبة، عملاً بقول من لا يرى جواز النكاح بلفظة الهبة، فحكمت بفساد هذا العقد الموصوف، وبحضرة هذين المتخاصمين في وجههما حكماً أبرمته، وقضاء نفذته، وكان ذلك بعدما أطلقني القاضي فلان بالحكم في هذه الخصومة بما يقع عليه رأيي واجتهادي، وذلك في يوم كذا، فإن طلبوا من القاضي الأصل إمضاء هذا الحكم، يكتب على ظهر ذلك السجل على حسب ما مر في التفريق بين الزوجين بسبب العجز عن النفقة.
(10/704)
-----
الوجه الثاني في ذلك: أن يحضر أب الصغير على هذه المرأة التي أحضرته أنها زوجت نفسها من ابني الصغير منه بلفظ الهبة، فقالت لي: وهبت نفسي من ابنك الصغير فلان، وأنا قبلت ذلك لابني، فصارت هي امرأة ابني الصغير هذا من هذا الوجه، فواجب عليها طاعته، فتنكر المرأة دعواه هذه، وتقول: من زن اين صغر نم وطاعت وي بر من واجب نيست، فيجىء أب الصغير بشهود يشهدون على وفق دعواه هذه، بحضرة هذه المرأة، فإذا شهدوا على موافقة دعواه من جريان النكاح بين هذه المرأة التي أحضرها، وبين أب هذا الصغير لأجل ابنه الصغير هذا، فالقاضي الشفعوي يقبل شهادتهم، ثم تلتمس منه هذه المرأة أن تفصل هذه الخصومة بينهما على ما يقع اجتهاده عليه، فيقضي بفساده بناءً على مذهبه أخذاً بقول من يرى النكاح بلفظة الهبة باطلاً على قول بعض السلف من العلماء والفقهاء.I
وإذا أراد هذا القاضي أن يكتب في ذلك سجلاً يكتب: يقول فلان: ورد إلي كتاب من قاضي فلان إلى قوله: وعقدت لذلك مجلساً، ثم يكتب دعوى أب الصغير هذا، وجواب المرأة التي أحضرها أب الصغير مع نفسه بتمامها إلى قوله: فأحضر أب الصغير هذا نفراً ذكر أنهم شهوده، وسألني الاستماع إلى شهادتهم، فأجبت له في ذلك، واستشهدت الشهود، فشهد كل واحد منهم عقيب الآخر بشهادات صحيحة مستقيمة متفقة الألفاظ والمعاني، على وفق ما ادعاه أب الصغير هذا، وأشار كل واحد منهم في موضع الإشارة بإشارات صحيحة، فسمعت شهادتهم وقبلتها، وثبت عندي بشهادة هؤلاء الشهود كون النكاح الذي جرى من أب الصغير هذا لأجل ابنه الصغير هذا، وبين المرأة التي أحضرته هذه بلفظة الهبة، ثم سألتني هذه المرأة المخاصمة الحكم بفساد هذا العقد على مذهبي أخذاً بقول من لا يجوز النكاح بلفظة الهبة، فأجبتها إلى ذلك، وحكمت بفساد هذا النكاح على قول من يرى ذلك فاسداً من علماء السلف، ويتم السجل على نحو ما تقدم.
(10/705)
سجل في فسخ اليمين المضافة(10/706)
-----
رجل حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها بأن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً، فهذه اليمين منعقدة عندنا حتى لو تزوج امرأة تطلق ثلاثاً، وعند الشافعي: ليست بمنعقدة، حتى لو تزوج امرأة لا تطلق، فإن احتاج هذا الرجل إلى فسخ هذه اليمين، ورفعها، ينبغي أن يتزوج امرأة، أي امرأة شاء، يزوج وليها إن كان لها ولي، ويزوج القاضي إن لم يكن لها ولي، حتى يصح هذا النكاح بالإجماع، ثم ترفع المرأة الأمر إلى القاضي الحنفي، وتلتمس منه كتاباً إلى القاضي الشفعوي، فالقاضي الحنفي يكتب كتاباً إلى القاضي الشفعوي لها بهذه الصورة:
أطال الله بقاء الشيخ الإمام إلى آخره، رفعت إلي المسماة فلانة بنت فلان، أن فلاناً تزوجها، وقد كان حلف قبل النكاح بطلاق كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً، ثم تزوجها بعد هذه اليمين، ووقع عليها ثلاث تطليقات، وصارت محرمة عليه بهذا السبب، وإنه يمسكها حراماً، ولا يقصر يده عنها، والتمست مني مكاتبته في ذلك، فأجبتها إلى ذلك، وكتبت هذا الكتاب إليه ليتفضل بالإصغاء إلى هذه الخصومة الواقعة بينهما على ما وقع اجتهاده، ويقع عليه رأيه، وهو موفق في ذلك من الله تعالى.
ثم إذا وصل هذا الكتاب إلى المكتوب إليه تدعي هذه المرأة قبل المكتوب إليه على زوجها بهذه الصورة: إنك تزوجتني بمحضر من الشهود، وقد كنت طلقت قبل تزوجي: إن كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً، ثم تزوجتني بعد ذلك، ووقع علي ثلاث تطليقات، وحرمت عليك حرمة غليظة بهذا السبب، فواجب عليك قصر يدك عني، وتطالبه بالجواب عن هذا، فيقر الزوج بهذه اليمين، ويقر بتزوجها؛ إلا أنه يقول: إنها حلال لي، ولم يقع عليها طلاق؛ لأن هذه اليمين غير منعقدة، فيقضي المكتوب إليه ببطلان هذه اليمين، وبقيام النكاح بينهما؛ أخذاً بقول (من قال) ببطلان هذه اليمين من قول علماء السلف، ويكتب في ذلك السجل على نحو ما بينا في التفريق بسبب العجز عن النفقة، وفي النكاح بلفظة الهبة.(10/707)
-----
ووجه آخر: أن يدعي الزوج عند المكتوب إليه على هذه المرأة: إني تزوجتها، وإنها خرجت عن طاعتي، والمرأة تقول: طاعته ليست بواجبة عليَّ لما أنه حلف قبل تزوجي، وقال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً، وقد تزوجني، ووقع عليَّ ثلاث تطليقات، وصرت محرمة عليه حرمة غليظة، فليس عليَّ طاعته، فيقر الزوج بالحلف وبالتزوج، ثم يقضي هذا المكتوب إليه على مذهبه ببطلان اليمين، وبقيام النكاح بينهما، ويأمر المرأة بطاعته، وإن أراد أن يكتب بذلك سجلاً يكتب على نحو ما بينا.
محضر في إثبات العنَّة للتفريق
المرأة إذا خاصمت زوجها عند القاضي، وتقول: إنه لم يصل إليَّ، والزوج يدعي الوصول إليها، فإن كانت بكراً وقت النكاح، فالقاضي يريها النساء، الواحدة العدل تكفي، والثنتان أحوط، فإن قلن: هي بكر، فالقاضي يؤجله سنة، وإن قلن: هي ثيب، يحلف الزوج على الوصول إليها، وهذا استحسان، والقياس: أن يكون القول قول المرأة مع اليمين؛ لأنها تنكر الوصول إليها.
وجه الاستحسان: أنه إن كانت تدعي الوصول إليها، ولكنه ينكر حق التفريق، فيحلف لذلك، ثم إذا حلف الزوج استحساناً، إن حلف ثبت وصوله فلا يؤجل، وإن نكل صار مقراً بعدم الوصول إليه، فيؤجل سنة.(10/708)
-----
فإن كانت المرأة ثيباً وقت النكاح، فالقاضي لا يريها النساء، ولكن يحلف الزوج على ما ادعى الوصول إليها، فإن حلف ثبت الوصول إليها، وإن نكل صار مقراً بعدم الوصول إليها، فيؤجل سنة، وإن أرادوا كتبه ذكر التأجيل، يكتب: هذا ما أمهل القاضي فلان بن فلان المتولي لعمل القضاء والأحكام بكورة بخارى نافذ القضاء بين أهلها يومئذٍ أمهل فلان بن فلان حين رفعت إليه المسماة فلانة بنت فلان له تزوجها نكاحاً صحيحاً، وإنها وجدته عنيناً لا يصل إليها، وثبت ذلك عند هذا القاضي بما هو (257أ4) طريق الثبوت في هذا الباب، فحكمها ما أوجب الشرع في حق العنين من الإمهال سنة واحدة من وقت الخصومة؛ رجاء وصوله إليها في مدة الإمهال، فأمهل القاضي إياه سنة واحدة بالأيام على ما عليه اختيار أكثر المشايخ من وقت تاريخ هذا الذكر الذي هو يوم الخصومة إمهالاً صحيحاً، وأمر بكتابة هذا الذكر حجة في ذلك في يوم كذا.
إذا تمت السنة من وقت التأجيل، وادعى الزوج الوصول إليها في مدة التأجيل، وأنكرت المرأة ذلك، فإن كانت المرأة وقت النكاح بكراً، فالقاضي يريها النساء على مامر، وإن قلن: هي بكر ثبت أنه لم يصل إليها، فيخير القاضي المرأة بين المقام معه وبين الفرقة، وإن قلن: هي ثيب، فالقول قول الزوج مع يمينه، فيحلف الزوج على الوصول إليها على ما مرَّ، فإن حلف فلا خيار لها، وإن نكل، فلها الخيار.(10/709)
-----
وإن كانت المرأة ثيباً وقت النكاح، فالقاضي لا يريها النساء، ولكن يحلف الزوج، فإن حلف فلا خيار لها، وإن نكل فلها الخيار، وإن أرادوا أن يكتبوا لذلك محضراً يكتب: حضرت وأحضرت، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرت معها أن هذه التي حضرت امرأة هذا الذي أحضرته معها، وحلاله بنكاح صحيح، وإنها وجدته عنيناً لا يصل إليها، وهي بكر على حالها، وإنها رفعت أمرها إلى هذا القاضي، وأمهله القاضي سنة بعدما ثبت عند هذا القاضي أن الأمر كما ادعت بما هو طريق ثبوته، وقد انقضت السنة من وقت التأجيل، وأنا بكر على حالها، وطالبته بذلك، وسألت مسألته عن ذلك، فأجاب وقال: من رسيده أم باين زن درين مدت تأجيل، فبعد هذا المسألة على التفصيل الذي مر ذكره.
ثم إذا فعل القاضي ما ذكرنا، وثبت عنده أنها بكر للحال، وإنه لم يصل إليها في مدة التأجيل، فالقاضي يخيرها، فإن اختارت التفريق، فالقاضي يقول للزوج: فارقها، فإن فارقها وإلا فالقاضي يفرق بينهما، وهو كخيار الإدراك عند أبي حنيفة، لا تقع الفرقة بدون قضاء القاضي، وعندهما كخيار المخيرة، لا يحتاج إلى تفريق القاضي، فتقع الفرقة باختيارها نفسها، ويكتب في السجل بعد جواب الزوج: فأريها النساء فأخبرت عدلان منهن أنها بكر اليوم، وثبت عندي بقولهما أنها بكر، وأنه لم يصل إليها.
وإن أخبرت أنها ثيب يكتب: فأخبرن أنها ثيب، والمرأة تنكر الوصول إليها، وإن أخبرن أنها ثيب يكتب: فأخبرن أنها ثيب، والمرأة تنكر الوصول إليها، فحلفت الزوج بالله: لقد وصلت إليها في مدة التأجيل، فنكل، فعرضت اليمين عليها، فنكلت، وصار مقراً أنه لم يصل إليها، فخيرت المرأةفاختارت نفسها، فأمرت الزوج بأن يفارقها، فأبى ذلك، ففرق بينهما بمحضر منهما في وجوههما.(10/710)
-----
وإن كان القاضي الذي كان الإمهال منه مات، أو عزل قبل مضي المدة، فإن أقر الزوج بالإمهال ومضي المدة، فلا حاجة لها في إقامة البينة على الإمهال، ومضي المدة، وإن أنكر الإمهال تحتاج المرأة إلى إقامة البينة على ذلك، ويكتب في المحضر: حضرت وأحضرت، فادعت التي حضرت على هذا الذي أحضرته أنها امرأة هذا الذي أحضرته معها ومنكوحته، وحلاله بنكاح صحيح، وأنها وجدت زوجها هذا عنيناً، وإنها قد رفعت أمرها إلى قاضي فلان نافذ القضاء يومئذٍ، وادعت دعواها هذه على هذا الذي أحضرته قبل القاضي فلان، وإنه أمهله سنة بعدما ثبت عنده صحة دعواي هذه بما هو طريقها، وقد انقضت السنة من وقت التأجيل، وأنا بكر على حالها، وطالبته بذلك، وسألت مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب: من عنين مرا اذ ايين تأجيل فلان قاضي نيست أحضرت هذا ذكر أنهم شهودها، وسألتني الاستماع إلى شهادتهم، فأجبتها إلى ذلك، فاستشهدت الشهود، فشهدوا عقيب الدعوى، والجواب بالإنكار واحد منهم بعد الآخر، وهذا لفظ شهادة كل واحد منهم: كواهي ميذهم كه اين زن كه حاضر آمده است دعوى كرد بنزو نك فلان بن فلان برييز شوى كزى كه أنيحا حاضر است كه اين غوي من عينين است وبمن برسيده است واين شوي منكر بود عنت خويش راوما رسدن خويش وأبو قاضي فلان وبرا أمها زكرد ياك سال بيوسته بعد إذ أنك قاضي فلا بندا معلوم كشت كه اين شوى آن زن عنن است وباين زن نرسيده است وازوقت إمهال يك سال تمام بكدشت.
(10/711)
-----
ثم ثبت عند القاضي الثاني أنه عنين ولم يصل إليها، وقد مضت السنة من وقت إمهال القاضي الأول، فكتب هذا القاضي الثاني في السجل: فأتوا بالشهادات على وجهها، وساقوها على سببها، وثبت عندي بشهادتهم جميع ما شهدوا من إمهال القاضي فلان زوج هذه التي أحضرت هذا، وحكمت بذلك كله بمحضر من هذين المتخاصمين في وجوههما، فبعد ذلك ادعى الزوج الوصول إليها في المدة، وأنكرت المرأة ذلك، وقالت: أنا بكر، فالقاضي الثاني يصنع ما كان يصنع القاضي الأول على نحو ما بينا.
محضر في دفع هذه الدعوى
ادعى الذي حضر على هذه التي أحضرت معه في دفع دعواها قبله العنة، ومطالبتها إياه بالتفريق بعد مضي مدة التأجيل أنها مبطلة في المطالبة بالتفريق لما أنها اختارت المقام معه بعد تأجيل القاضي، ورضيت بالعنة التي به بلسانها رضاءً صحيحاً، أو يقول: إنه وصل إليها في مدة التأجيل، وقد أقرت بوصوله إليها.
محضر في دعوى النسب
امرأة في يدها صبي تدعي على رجل أن هذا الصبي ابنها من هذا الرجل ولدته على فراشه حال قيام النكاح بينهما، وتطالبه بنفقة الغلام وبكسوته. أو رجل في يديه صبي يدعي على امرأة أن هذا الصبي ابنه منها، ولدته على فراشه حال قيام النكاح بينهما.
أو ادعى رجل في يديه صبي أنه ابنه من امرأته هذه، والمرأة تجحد.(10/712)
-----
أو ادعت امرأة في يدها صبي أنه ابنها من زوجها هذا، والزوج ينكر، فهذه الدعاوى كلها صحيحة، ويجب بأن يعلم بأن دعوى الأبوة، أو دعوى البنوة صحيحة سواء كان معه دعوى المال، أو لم يكن، وذلك بأن يدعي رجل على أني أب هذا الرجل، أو يدعي أني ابن هذا الرجل، وذلك الرجل منكر، فهذه الدعوى صحيحة حتى أقام المدعي البينة على ما ادعاه، فالقاضي يسمع دعواه، ويقضي ببينته على المدعى عليه، وكذلك دعوى الأمومية بدون دعوى المال صحيحة، حتى أن امرأة لو ادعت على رجل أني أم هذا الرجل، وأقامت على ذلك بينة، فإن القاضي يسمع بينتها، ويقضي بنسبه من الأم، والأب ينتصب خصماً عن ابنه في إثبات نسبه من الأم، وكذلك الأم تنتصب خصماً عن ابنها الصغير في إثبات نسبه من الأب بيانه في المسائل التي ذكرناها في أول هذا المحضر، وأما انتصابه خصماً فظاهر؛ لأن النسب (257ب4) حق الولد، والأب ينتصب خصماً عن الابن في إثبات حقوقه، فصار إقامة البينة من الأب كإقامة البينة من الابن لو كان بالغاً، ولو كان بالغاً، وأقام البينة عليها أنه ابنها، يثبت نسبه منها كذا هاهنا، وأما انتصاب الأم خصماً عن الابن في إثبات النسب من الأب؛ فلأن النسب محض منفعة في حق الصغير، وفيما بمحض منفعة في حق الصغير، فالأم والأب في ذلك على السواء.
ألا ترى أنه كما يصح قبول الهبة من الأب على ابنه الصغير يصح قبولها من الأم على الصغير، وإنما التفاوت بين الأب والأم في حق الحقوق المترددة بين النفع والضرر، فالأم لا تنتصب خصماً عن الابن في ذلك، والأب ينتصب خصماً، وإذا انتصبت الأم خصماً عن الابن في إثباته نسب الابن من الأب، فصارت إقامة الأم البينة على ذلك كإقامة الابن لو كان بالغاً، ولو كان بالغاً، وأقام بينته أنه ابن هذا الرجل أليس أنه يثبت نسبه منه؟ كذا هاهنا.(10/713)
-----
صورة المحضر: فيما إذا كان في يد المرأة ابن صغير تدعي على زوجها أنه ابنها منه: حضرت، وأحضرت، فادعت هذه التي حضرت على هذا الذي أحضرته مع نفسها أن هذا الصبي الذي في حجرها * وأشارت إليه * أنه ابن هذا الذي أحضرته هاهنا ولدته منه على فراشه حال قيام النكاح بينهما، فبعد ذلك إن شاءت ذكرت في الدعوى: وإن على هذا الذي أحضرت نفقة هذا الصبي، وإن شاءت لم تذكر ذلك في الدعوى.
صورة المحضر: فيما إذا كان في يد الرجل ابن صغير يدعي على امرأته أنه منها: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذه التي أحضرها أن هذا الصبي الذي في يديه * وأشار إليه * ابن هذه المرأة التي أحضرها مع نفسه، وأشار إليها * منه ولدته على فراشه حال قيام النكاح بينهما، فبعد ذلك إن شاء ذكر: وإن على هذه التي أحضرها أن ترضعه، وإن شاء لم يذكر.
صورة المحضر: في دعوى الرجل البالغ على رجل أنه ابنه: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر ابن هذا الذي أحضره، ولدته أمه فلانة من هذا الذي أحضره معه على فراشه حال قيام النكاح بينهما.
صورة المحضر في دعوى رجل على رجل أني أبوه: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر أبوه، وأن هذا الذي أحضره ابن هذا الذي حضر، ولد على فراشه من امرأته فلانة حال قيام النكاح بينهما إلى آخره.(10/714)
-----
وأما دعوى الأخوة والعمومة والخؤولة، وابن الأخ وابن الابن، فلا يصح إلا بدعوى المال بأن كان المدعي زمناً، فيدعي الأخوة على الغير، أو العمومة، ويدعي النفقة لنفسه، وله وجه آخر أن يدعي الوصية الأخوة المدعى عليه من جهة متوفي، صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن فلاناً الميت قد كان أوصى إلى هذا الرجل الذي أحضره مع نفسه بتسوية أموره بعد وفاته، وخلف في تركته في يديه كذا وكذا، وقد كان أوصى لأخوة فلان بن فلان بكذا وكذا، ولفلان بن فلان ثلاث أخوة فلان وفلان وفلان هذا المدعي، وإنه واجب على هذا الذي أحضره معه تسليم حصته من ذلك إليه، وذلك كذا وكذا، ويطالبه بالجواب، فيقر المدعى عليه بالوصاية والوصية، وينكر كونه أخ فلان، وله وجه آخر: أن تدعي المرأة وقوع الطلاق بسبب تعليق الزوج طلاقها بكلام أخ فلان، وهذا أخ فلان، وإنه كلمه.(10/715)
محضر في إثبات العصوبة
-----
مجلس القضاء في كورة بخارى قبل القاضي: فلان رجل ذكر أنه يسمى أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه سمي أبو بكر بن محمد بن عمر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن أسعد بن أحمد بن عبد الله بن عمر توفي، وخلف من الورثة زوجة له تسمى سارة بنت فلان، وابنتاً له تسمى سعادة، وابن عم له هذا الذي حضر لما أنه ابن عمر، وأسعد المتوفى كان ابن أحمد، وأحمد والد هذا المتوفى مع عمر والد هذا الذي حضر كانا أخوين لأب أبوهما عبد الله بن عمر توفي، وخلف من التركة في يد هذا الذي أحضره مع نفسه من الدنانير النيسابورية اثني عشر ديناراً، وصار ذلك بموته ميراثاً عنهم لهؤلاء على فرائض الله تعالى، للمرأة الثمن وللابنة النصف، والباقي لابن العم هذا وهذا الذي (أحضره) في علم من ذلك، فواجب عليه تسليم نصيبه من ذلك، وذلك تسعة أسهم من أربعة، وعشرين سهماً، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل، فأجاب بالفارسية: مرا از ميراث خواركي اين مدعي معلوم نيست، أحضر المدعي هذا نفراً ذكر أنهم شهوده، وسألني الاستماع إلى شهادتهم فأجبته إليه، وهم فلان وفلان وفلان، فسمعت شهادة هؤلاء.
سجل هذه الدعوى يقول القاضي فلان إلى قوله: فشهد هؤلاء الشهود عندي بعدما استشهدوا عقيب دعوى المدعي هذا، وإنكار المدّعى عليه هذا شهادة صحيحة متفقة الألفاظ والمعاني، أوجب الحكم سماعها من نسخة قرئت عليهم، وهذا مضمون تلك النسخة: كواهي من دسم كه اين سعد بن أحمد بن عبد الله بن عمر بمر دوازدي ميراث خواريك زن مانر سارة بنت فلان بن فلان ود حتروي سعادت واين مدعي أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بسر عمر وي بود أزروي بدرير أنك أحمد، وأشار إلى المدعي هذا بسر عمر بود واين سعد متوفى بسر أحمد بود وعمر بدراين مدعى با أحمد بدراين متوفى برادر أن يدري بود ند بدر الشأن عبدالله بن عمر وبحزاز ايشان مرسة ميراث خواره ديل نميد انم وهذا.(10/716)
-----
فأتوا بالشهادة هذه كذلك على وجوهها، ثم يسوق السجل إلى قوله: فسألني هذا المدعي أحمد بن عمر بن عبد الله الحكم له مما ثبت له من ذلك عندي، وكتب ذكر في ذلك، والإشهاد عليه حجة له في ذلك، فأجبت إلى ذلك واستخرت الله تعالى، إلى قوله: وحكمت لهذا المدعي أحمد بن عمر بن عبد الله على هذا المدعى عليه أبي بكر بن محمد بن عمر في وجهه، وبمحضر من هذين المتخاصمين جميعاً في مجلس حكمي بكورة بخارى بثبوت وفاة أسعد بن أحمد بن عبد الله بن عمر، وبتحليفه من الورثة هذا المدعي ابن عم له لأب، وامرأة تسمى سارة بنت فلان، وبنت تسمى سعادة بشهادة هؤلاء الشهود المعدلين حكماً أبرمته إلى آخره.
وإذا كان المدعي ابن عم أب الميت، صورة المحضر في ذلك: حضر محمود بن طاهر بن أحمد بن عبد الله بن عمر بن علي، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى الحسن بن عبد الله بن علي، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أن عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر توفي، وخلف من الورثة ابن عم له هذا الذي حضر؛ لما أن هذا الذي حضر ابن طاهر، وطاهر ابن أحمد، وعمر المتوفى ابن محمد، ومحمد والد المتوفى هذا، وأحمد جد هذا الذي حضر كانا أخوين لأب، أبوهما عبد الله بن عمر لا وارث له لهذا المتوفى سوى هذا الذي حضر، وفي يد هذا الذي أحضره من تركة هذا المتوفى كذا كذا ديناراً من الذهب نيسابورية، وصارت هذه الدنانير المذكورة بموته ميراثاً لهذا الذي حضر، وهذا الذي أحضره في علم من ذلك، فواجب على هذا الذي أحضره أداء جميع ذلك إليه، وطالبه بذلك، وسأل (258أ4) مسألته عن ذلك، فأجاب بالفارسية: مرا از ميراث خواركي اين متوفى علم منست أحضر نفراً ذكر أنهم شهوده.
سجل هذه الدعوى على نسق السجل المتقدم(10/717)
-----
وإن كان المدعي ابن ابن ابن عم الميت، فصورة المحضر فيه: حضر محمد بن محمود بن طاهر بن أحمد بن عبد الله بن عمر بن علي، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى الحسن بن علي بن عبد الله، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي توفي، وخلف من الورثة ابن ابن ابن عم له هذا الذي حضر لما أن هذا الذي حضر ابن محمود، وعم المتوفى هذا ابن محمد، ومحمد والد هذا المتوفى، وأحمد والد هذا الذي حضر، كانا أخوين لأب أبوهما عبد الله بن عمر بن علي لا وارث له سوى هذا الذي حضر من التركة من الصامت في يد هذا الابن، كذا كذا ديناراً نيسابورية، وصارت هذه الدنانير بموته ميراثاً له، وهذا الذي أحضره معه في علم من ذلك إلى آخره.
وسجل هذا المحضر على النسق المتقدم أيضاً، فإن ادعى المدعى عليه في دفع دعوى المدعي في هذه الصورة أنه أقر أولاً أنه من ذوي الأرحام، كان رضاءً لدعوى العصوبة لمكان التناقض.
محضر في إثبات الوقفية
حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر بحكم الإذن الصادر له من جهة القاضي فلان بإثبات الوقفية المذكورة في هذا المحضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه صك صدقة أورده مع نفسه، وينسخ الصك إلى آخره، وهذا مضمون الصك، ثم يكتب: فادعى جميع ما تضمنه هذا الصك من إيقاف فلان بن فلان الفلاني هذا هذه الضيعة المذكورة المحدودة في هذا المحضر وقف وصدقة على الوجه المذكور، وفي يد هذا الذي أحضره بغير حق، فواجب على هذا أحضره معه تسليمها إلى هذا الذي حضر؛ ليراعي فيها شرائط الوقف، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك فسئل.d(10/718)
-----
هذا إذا أتى المدعي بصك الوقف، وإن لم يكن في يد المدعي صك الوقف يكتب: فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن جميع الضيعة التي هي عشر وبرات أرض المتصل بعضها ببعض جميعها في أرض قرية كذا من عمل كذا من قرى كورة بخارى بمحلة كذا من ناحية هذه القرية يدعي كذا، فأحد حدود جميعها لزيق طريق العامة، والطريق بهذه النسبة في هذا الموضع واحد، والثاني والثالث، كذا والرابع لزيق الطريق، والمدخل بحدودها كلها، وحقوقها ومرافقها وقف مرتد حبيس معروف، وقفها وتصدق بها فلان بن فلان الفلاني في حال حياته وصحته، وبعد وفاته من خالص ماله وملكه على أن يستغل بأفضل وجوه الاستغلال، فما يرزق الله تعالى من غلتها بدىء بما فيه عمارتها ومرمتها، والإصلاح لها.
ثم يصرف الفاضل من غلتها إلى إصلاح مسجد داخل كورة بخارى في محلة كذا يعرف بمسجد كذا أحد حدود المسجد كذا، والثاني، والثالث، والرابع كذا، ثم يصرف الفاضل منها إلى فقراء المسلمين، وكانت هذه الضيعة المحدودة فيه يوم الإيقاف المذكور فيه ملكاً لهذا الواقف وفي يده، وقد سلم الواقف هذا جميعها إلى ابنه فلان، أو إلى فلان الأجنبي بعدما جعله فيما فيها متولياً لأمرها، وقبل فلان منه هذه القوامة، وهذه الولاية قبولاً صحيحاً، وقبض منه جميع ما بين وقفيتها فيه قبضاً صحيحاً، واليوم جميع ما بين حدودها ووقفيتها فيه وقف على الوجه المذكور فيه، وفي يد هذا الذي أحضره بغير حق، فواجب على هذا الذي (حضر) أحضره معه تسليم جميع هذه الضيعة الموقوفة المحدودة في هذا المحضر إلى هذا الذي ليراعي فيها شروط الواقف هذا، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب بالفارسية: مرا از اين وقفية اين محدود علم نيست وباين مدعى حاضر آمده بسروني نيست، أحضر المدعي إلى آخره.
سجل هذه الدعوى وهذا المحضر(10/719)
-----
يقول فلان القاضي، ويذكر دعوى المدعي بكماله، وشهادة شهود المدعي مع الإشارات في مواضعها بتمامها، إلى قوله: وحكمت بجميع ما ثبت عندي من كون هذه الضيعة المحدود فيه وقفاً صحيحاً من جهة فلان على الشرائط المبينة، والسبل المذكورة فيه من خالص ماله، وملكه، وتسليمه إياها إلى فلان، بعدما جعله متولياً بمسألة المدعي هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، بشهادة هؤلاء الشهود المعدلين، وكونها في يد المدعى عليه هذا بغير حق في مجلس قضائي بين الناس إلى آخره.
وإن كان الواقف قد رجع عما وقف بعدما سلم إلى المتولي، فصورة المحضر: أن يكتب أوله على نحو ما بينا، ثم يكتب: فادعى هذا الذي حضر المأذون من جهة القاضي فلان في إثبات الوقفية المذكورة فيه على هذا الذي أحضره معه، وهو الواقف أنه وقف جميع الضيعة التي في موضع كذا، حدودها كذا من خالص ماله وملكه في حال حياته علي بالشرائط المذكورة فيه، وإن هذا الواقف سلم جميع الضيعة المحدودة المذكورة وقفيتها فيه إلى فلان المتولي، وإنه قد بدا لهذا المتصدق الرجوع عن هذه الوقفية على قول من يرى الوقف غير لازم، فأزالها عن يد المتولي، وأعادها إلى سائر أملاكه، فواجب عليه قصر يده عنها، ويسلمها إلى المتولي ليراعي شرائط الوقفية هذه فيها، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل، فأجاب بالفارسية: أين محدود ويست ودودست من وبكسي برد ني ني.
سجل هذا المحضر إلى قوله: وحكمت على فلان بن فلان الواقف هذا في وجهه بمسألة هذا المدعي بصحة الوقفية المذكورة فيه، ولزومها، وأبطلت رجوعه عنها، وقصرت يده عنها عملاً بقول من يرى هذه الوقفية لازمة من علماء السلف، وسلمتها إلى متوليها فلان بعد ما ثبت عندي هذا الإيقاف والتصدق المذكور فيه، ويتم السجل.(10/720)
محضر في دعوى الشفعة
-----
حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره مع نفسه أن هذا الذي أحضره معه اشترى داراً في كورة كذا في محلة كذا في سكة كذا، أحد حدود هذه الدار، والثاني والثالث والرابع، كذا اشتراها بحدودها وحقوقها، وجميع مرافقها الداخلة فيها، وجميع مرافقها الخارجة منها بكذا درهماً وزن سبعة، وأنه قبض هذه الدار، وصارت في يده، وأن هذا الذي حضر شفيع هذه الدار بالجوار جواراً ملازقةً بدار هي ملكه بجوار هذه الدار المشتراة، أحد حدودها والثاني والثالث والرابع كذا، وإن هذا الذي حضر علم بشراء هذا الذي أحضره معه الدار المشتراة المحدودة في هذا المحضر، وأنه طلب منفعتها كما علم بشرائها طلب موافقة من غير لبث وتفريط، ثم أبى المشتري، وهو هذا الذي أحضره مع نفسه (258ب4) قد كان أقرب إليه من الدار المشتراة المحدودة في هذا المحضر، وطلبها منه بشفعته فيها، وأشهد على ذلك كله شهوداً، وأنه على طلبه اليوم، وقد أحضر الثمن المذكور فيه، وهذا الذي أحضره معه في علم من كون هذا الذي حضر شفيع هذه الدار المشتراة، ومن طلبه الشفعة حين علم بشراء هذا الذي أحضره معه طلب المواثبة من غير لبث وتقصير، ومن إتيانه المشتري هذا بعد ذلك من غير تأخير، وإشهاده على طلب الشفعة بحضرته، فواجب عليه أخذ الثمن هذا، وتسليم الدار المشتراة المحدودة في هذا المحضر إلى هذا الذي حضر وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل.
فبعد ذلك الحال لا يخلو إما أن يقر هذا المدعى عليه بشراء الدار التي حدها، وينكر كون الدار التي حدها المدعي هذا ملكاً للمدعي هذا، وفي هذا الوجه يكتب بعد جواب المدعى عليه: أحضر المدعي هذا عدداً من الشهود، وهم فلان وفلان وفلان، وسأل من القاضي الاستماع إلى شهادتهم، فأجابه القاضي إلى ذلك، فشهد كل واحد منهم بعد الاستشهاد عقيب دعوى المدعي هذا، والجواب من المدعى عليه بالإنكار من نسخة قرئت عليهم.(10/721)
-----
ومضمون تلك النسخة: كوا هي ميدهم كه خان كه لفلان موضع است حدها وي كذا وكذا وجنا نكر أين مدعي يا دكردة است در جوار أين خانه كه خديدة شده است ملكه أين مدعي ..... بيش إزانك أين مدعى عليه وين خانه ..... موضع وحدود وي درين محضر يا دكردة شدة است نحر يرن وبر ملكوي ما ندتا أمروز وأمروز أين خانه ملكه أين مدعي است.
فبعد ذلك ينظر إن كان المدعى عليه مقراً بطلب المدعي الشفعة طلب مواثبة، وطلب إشهاد، فلا حاجة للمدعي إلى إقامة البينة على ذلك، وإن كان منكراً لذلك يكتب: ويمين كو إيان نز كوا هي وأوند كه أين مدعي راجون نجر وأوند نجر يدن أين مدعى عليه مر أين خانه را كه مدعي دعوى منفعة وي ميكر وهمان ساعت شفعة أين خانه طلب كود بي تا خر ودرنك وبنز ديكر أين مشتري آيد كه أين مشتري نز ديكتر أو دبري إزيز خانه كه خر ده شدا ست بي تا خر وكواه كروا نيديا دارو ياروي آين فريدة بر طلب كردن خويش شفعة أين خانه كه حدود وي دراين محضر باد كرده شده است وامرو دبرهان طلبت ووي حق ترست بدين خانه كه خريدن وي درين محضر ياد كرده شده است ازين فريده.
(10/722)
-----
وإن كان المدعى عليه أنكر شراء هذه الدار المحدودة، وأقر بما سوى ذلك من جوار المدعي، وطلبه الشفعة بالطلبين يحتاج المدعي إلى إثبات الشراء عليه، فيكتب في المحضر: فسأل القاضي فلاناً المدعى عليه عما ادعى عليه فلان المدعي من شرائه الدار المحدودة في هذا المحضر، وقبضه إياها، فأنكر فلان المدعى عليه الشراء والقبض على ما ادعاه، فأحضر المدعي نفراً، وذكر أنهم شهوده، وهم فلان وفلان وفلان إلى آخره، فشهدوا كل واحد منهم بعد الاستشهاد عقيب دعوى المدعي هذا، والجواب من المدعى عليه هذا بالإنكار: كواهي ميدهم كه فلان بن فلان المدعي هذا الذي أحضره بخريد أنه فلان بن فلان خائزه راكه موضع وحدود وي درين محضر ياد كرده شداه است مهديني بها واين مدعى عليه مراين خانه را قبض كرد وامروز دردست ويست واين مدعى سرا وار ترست بدين خانه بحكم شفعة جوار بخانه كه ملك اين مدعي است درهماً يكي اين خانه كه فريده شده است جنانك دراين محضر ياد كرده شده است.
وإن كان المدعي من الابتداء أنكر الطلبين، وأقر بما سوى ذلك، يكتب في المحضر أحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده، فشهد كل واحد منهم: كواهي سيدهم كه جون اين مدعي راجون خبر داد ند بخريدن اين مدعي عليه اين خانه راكه درين محضر ياد كرده شده است خريدن وي وي شفعة طلب كرد مراين خانه را طلبت مواثبة بي يسمح درنك وتاجر وبنزديك خريده اين مدعي رفت كه وي نزد يكتر بود بوي بي يسح درنك وتأخير إلى آخره.
وإن (كان) المدعي يدعي الشفعة بسبب الشركة في المشتري، يكتب في المحضر: فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه اشترى من ضيعة كذا نصفها، وذلك سهم من سهمين مشاعاً غير مقسوم، وإن هذا الذي حضر شفيعه شفعة شركة أداء النصف الآخر من هذه الضيعة المحدودة، وهو سهم واحد من سهمين مشاعاً ملكه وحقه.(10/723)
-----
سجل هذا المحضر: يقول القاضي فلان إلى قوله: وحكمت على فلان بن فلان المدعى عليه هذا في وجهه بمسألة المدعي هذا بجميع ما ثبت عندي بشهادة هؤلاء الشهود من شراء المدعى عليه هذه الدار المحدودة فيه في يد المدعى عليه هذا يوم الخصومة، ومن كون هذا المدعي شفيعاً لهذه الدار المشتراة بالجوار، جوار ملازقة على النحو المذكور فيه، ومن طلب المدعي هذا حين أخبر بالشراء المذكور فيه الدار المحدودة الطلبين، طلب المواثبة، وطلب الإشهاد، وقضيت للمدعي هذا بالشفعة في الدار المحدودة المذكورة شراؤها فيه بالثمن المذكور فيه المنقود إلى المدعى عليه هذا، وأمرت المدعى عليه بتسليم الدار المحدودة فيه إلى المدعي هذا، وكان ذلك كله مني في مجلس قضائي على ملأ من الناس في وجه المتخاصمين هذين إلى آخره.
محضر في دعوى المزارعة(10/724)
-----
يجب أن يعلم أن الخصومة بين المزارع ورب الأرض قد تقع قبل المزارعة، فإن كان قبل المزارعة، فإنما تتوجه الخصومة إذا كان البذر من قبل المزارع، فأما إذا كان قبل رب الأرض، فلا تتوجه الخصومة؛ لأن لرب الأرض أن يمتنع عن المضي على المزارعة في هذه الصورة، ثم إذا كان البذر من قبل المزارع، وأراد إثبات المزارعة، يكتب في المحضر: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر أخذ من هذا الذي أحضره معه جميع الأراضي التي هي له بقرية كذا من رستاق كذا، وبين حدودها مزارعة ثلاث سنين، أو سنة واحدة على ما يكون الشرط بينهما من لدن تاريخ كذا إلى كذا، على أن يزرعها ببذره، وبقره وأعوانه ما بدا له من غلة الشتاء والصيف، ويسقيها ويتعهدها على أن ما أخرج الله من شيء من ذلك، فهو بينهما نصفان، وإن هذا الذي أحضره معه دفع هذه الأراضي إليه مزارعة بهذا الشرط مزارعة صحيحة مستجمعة شرائط الصحة، ثم إن هذا الذي أحضره يمتنع عن تسليم هذه الأراضي إليه بحق هذه المزارعة، وطالبه بالجواب عن ذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب.
وإن كان للمزارع صك، يكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر معه جميع ما تضمنه صك أورده هذا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم (259أ4) وينسخ الصك من أوله إلى آخره، ثم يكتب: ادعى عليه جميع ما تضمنه الصك هذا المحمول نسخته إلى هذا المحضر من الدفع والأخذ مزارعة بالنصف المذكور في الصك، على ما نطق به الصك من أوله إلى آخره بتاريخه، وإن الواجب على هذا الذي أحضره معه تسليم هذه الأراضي بحق هذه المزارعة، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك.(10/725)
-----
وإن كانت المنازعة بعد الزراعة، فإن كانت الغلة قائمة في الأرض يكتب المحضر على المثال الأول، إلى قوله: مزارعة صحيحة مستجمعة شرائط الصحة، ثم يكتب: وإنه زرعها حنطة مثلاً ببذره وبقره، وأعوانه، واليوم هي قائمة ثابتة فيها، ويذكر أنها سبيل، أو فصل على نحو ما يكون، وإن جميع ذلك بينهما بالشرط المذكور فيه نصفان، وإن هذا الذي أحضره مع نفسه يمنعه عن العمل فيها، والحفظ بغير حق، فواجب عليه قصر يده عن ذلك، وترك التعرض له إلى أن يدرك الزرع، فيقبض هو حصته لنفسه بعد الحصاد، وطالبه بذلك، وسأل مسألته.
وإن كان الزرع قد أدرك واستحصد، فالمزارعة تكون في الخارج، ويكتب في المحضر على نحو ما ذكرنا، إلا أن هاهنا لا يكتب وهي قائمة باقية فيها، ولكن يكتب: وإنه زرعها حنطة ببذره وبقره، وقد أدرك الخارج واستحصد، وإنه مشترك بينهما بالشرط المذكور فيه نصفان، وإن هذا الذي أحضره معه يمنعه عن أخذ حصته من ذلك وهو كذا، وطالبه بالجواب عنه، وسأل مسألته عن ذلك فسئل فأجاب.
سجل هذه الدعوى: إن كانت المنازعة قبل الزراعة يكتب: يقول القاضي فلان إلى موضع الحكم على نحو ما سبق، ويقول في موضع الحكم: وثبت عندي بشهادة هؤلاء الشهود المعدلين جميع ما شهدوا به من أخذ هذا الذي حضر المحدودة المذكورة فيه من هذا الذي أحضره معه مزارعة صحيحة بالشرائط المذكورة فيه بين هذين المتخاصمين في وجههما بمسألة المدعي هذا حكماً أبرمته، وأمرت المدعى عليه بتسليم هذه الأراضي المذكورة المدعي هذا، ويتم السجل.
وإن كان المنازعة بعدما استحصد الزرع يكتب في موضع الحكم: وحكمت على فلان بن فلان المدعى عليه في وجهه بمسألة المدعي هذا بجميع ما ثبت عندي بشهادة هؤلاء الشهود المعدلين من كذا وكذا إلى آخره، وأمرت المدعى عليه بدفع نصيب هذا المدعى، وذلك النصف جميع ما خرج من الأراضي المذكورة فيه بحكم المزارعة المذكورة فيه، ويتم السجل.(10/726)
-----
وإن كان المزارع امتنع عن العمل قبل الزراعة، والبذر من قبل رب الأرض، واحتاج رب الأرض إلى إثباته، يكتب في المحضر: وإن هذا الذي أحضره معه يمتنع من العمل في الضيعة المذكورة التي ورد عليها عقد المزارعة، وإن كان يدعي عقد المزارعة بعدما استحصد الزرع وخرجت الغلة، فالدعوى تقع في الخارج، فيكتب في المحضر: وإن هذا الذي أحضره معه يمتنع عن تسليم حصة هذا الذي حضر إليه.
محضر في إثبات الإجارة
رجل آجر أرضه من إنسان مدة معلومة بأجر معلوم؛ ليزرع فيها ما بدا له من الحنطة، أو الشعير أو غير ذلك، ويسلم الأرض إلى المستأجر، ثم إن المؤاجر أحرث مدة على الأرض قبل مضي المدة، واحتاج المستأجر إلى إثبات عقد الإجارة، فإن كان لعقد الإجارة صك كتبه المستأجر لنفسه وقت عقد الاستئجار ليكون حجة له، وأشهد على ذلك، يكتب في المحضر: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر معه جميع ما تضمنه صك الإجارة هذا نسخته، ويحول صك الإجارة في المحضر من أوله إلى آخره، ثم يكتب بعد الفراغ عن تحويل صك الإجارة: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه صك الإجارة المحول نسخته إلى هذا المحضر من إجارة هذه الأراضي المبين موضعها وحدودها في هذا الصك المحول إلى هذا المحضر، واستئجارها المدة المضروبة بالأجرة المذكورة فيه، وتسليم هذه الأراضي المعقود عليها، وتسلمها كما نطق بذلك كله هذا الصك المحول نسخته إلى هذا المحضر من أوله إلى آخره بالتاريخ المؤرخ فيه.
ثم هذا الأجر الذي أحضره معه أجرة يده على هذه الأراضي المحدودة فيه قبل مضي هذه الإجارة من غير فسخ جرى بينهما بغير حق، فواجب عليه قصر يده عنها، وتسليمها إلى هذا المستأجر لينتفع بها من حيث الزراعة تمام المدة المضروبة فيه، وطالب بذلك، وسأل مسألته عن ذلك فسئل، فأجاب بالفارسية، والله تعالى أعلم.(10/727)
-----
سجل هذه الدعوى: صورة على الرسم الذي تقدم ذكره إلى قوله: وثبت عندي استئجار فلان هذا الذي حضر الأراضي المبين حدودها في هذا الصك المحول إلى هذا المحضر المدة المذكورة فيه بالبدل المذكور في الصك المحول فيه من هذا الذي أحضره معه، وإثبات هذا الذي أحضره معه يده على هذه الأراضي المبينة قبل مضي هذه الإجارة من غير فسخ جرى من أحد هذين المتخاصمين بغير حق، فحكمت بثبوت جميع ذلك من استئجار فلان هذا الذي حضر إلى آخره، يكتب قوله: فحكمت عند قوله: ثبت عندي.
وإن لم يكن لعقد الإجارة صك، يكتب في المحضر: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه آجر من هذا الذي حضر جميع الأراضي التي هي ملك هذا الذي أحضره معه بقرية كذا من رستاق كذا، وبين حدودها، سنة أو سنتين أو ثلاث سنين من لدن تاريخ كذا، إلى كذا بكذا، ليزرع فيها ما بدا له من غلة الشتاء والصيف إجارة صحيحة، وإن هذا الذي حضر استأجر هذه الأراضي المحدودة المذكورة بهذا البدل المذكور بالشرط المذكور فيه إجارة صحيحة إلى آخر ما ذكرنا.
(10/728)
-----
وفي الإجارة الطويلة المرسومة ببخارى: إذا وقع التسليم والتسلم، ثم أجرت الآخر يده على المستأجر قبل مضي المدة من غير فسخ جرى بينهما، واحتاج المستأجر إلى إثبات الإجارة، يكتب المحضر على نحو ما ذكرنا، وإذا انفسخت الإجارة الطويلة بفسخ المستأجر في أيام الاختيار بمحضر من المؤاجر، فطلب المستأجر الأجر برد بقية مال الإجارة، والآجر منكر الإجارة، ويحتاج المستأجر إلى إثباتها كيف يكتب في المحضر؟ فإن كان للمشتري صك الإجارة يحول الصك إلى المحضر على ما ذكرنا، ثم بعد الفراغ عن تحويل الصك يكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه جميع ما تضمنه هذا الصك من الإجارة والاستئجار بالشرائط المذكورة فيه، وتعجيل الأجرة، وتعجلها، وتسليم المعقود عليه وتسلمه، وضمان الدرك كما نطق به صك الإجارة المحول نسخته إلى هذا المحضر من أوله إلى آخره.
وإن كان هذا المستأجر فسخ هذا العقد (259ب4) المذكور في الصك المحول نسخته إلى هذا المحضر في أيام الاختيار بمحضر من هذا الأجر الذي أحضره مع نفسه فسخاً صحيحاً، وقد ذهب من هذه الأجرة المذكورة فيه كذا بمضي ما مضى من مدة هذه الإجارة إلى وقت فسخ المستأجر هذه الإجارة، فواجب على هذا الآجر إيفاء بقية مال الإجارة المنسوخة إلى هذا الذي حضر، ويتم المحضر.(10/729)
-----
سجل هذا المحضر: الصدر على الرسم إلى قوله: وثبت عندي، وعند ذلك يكتب: وثبت عندي استئجار فلان جميع هذه الأراضي المحدودة في الصك المحول نسخته هذه المدة المذكورة بالبدل المذكور بالشرائط المذكورة في هذا الصك، وتعجيل الأجرة وتعجلها، وتسليم المعقود عليه وتسلمه، وإن المستأجر هذا الذي حضر فسخ هذا العقد في أيام الفسخ بمحضر من هذا الآجر هذا الذي أحضره معه، ووجب على الآجر هذا إيفاء بقية مال الإجارة، وذلك كذا إلى هذا المستأجر، ثم يقول: وحكمت بجميع ما ثبت عندي، عند قوله: ثبت عندي، وإن كانت الإجارة قد انفسخت بموت الآجر يكتب المحضر على ورثة الآجر على المال الذي يكتب على الآجر لو كان حياً، ويزيد فيه، وإن هذه الإجارة قد انفسخت بموت فلان الآجر هذا، وذهبت بمضي المدة الماضية إلى وقت موت الآجر هذا من هذه الأجرة المذكورة في هذا المحضر كذا، وبقي كذا، وصار بقية مال الإجارة ديناً في تركة هذا الآجر المتوفى، ويتم المحضر على نحو ما تقدم.
سجل هذا المحضر كما بينا، إلا أنه يزيد بذكر وفاة الآجر هذا، وانتقاض الإجارة بوفاته، ووجوب رد الباقي من الأجرة المعجلة على الآجر، وذلك كذا على وارث الآجر، هذا الذي حضر.
وإن كان المستأجر قد مات، والآجر حي إلا أنه ينكر، واحتاج ورثة المستأجر إلى إثبات الإجارة وفسخها، يكتب المحضر على المثال الذي ذكرنا، غير أنه يزيد فيقول: وانفسخت هذه الإجارة بموت المستأجر فلان، وخلف من الورثة ابناً له هذا الذي حضر، وقد ذهب من هذه الأجرة المذكورة بمضي ما مضى من المدة من وقت عقد هذه الإجارة إلى وقت موت المستأجر كذا، وصارت بقية مال الإجارة المفسوخة ميراثاً من المستأجر المتوفى هذا لوارثه هذا الذي حضر، وهذا الآجر في علم من ذلك، فواجب عليه (ردّ) بقية مال الإجارة المفسوخة إليه، ويتم المحضر.(10/730)
-----
قال رضي الله: ورأيت سجلاً مكتوباً عن جدي القاضي الإمام جمال الدين شمس الإسلام والمسلمين مقتدى الأمة أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن رحمه الله، بثبوت مال الإجارة المنفسخة بوفاة الآجر ديناً في تركته للمستأجر، صورته ثبت عندي في مجلس قضائي بكورة بخارى مستجمعة شرائط صحة قبولها، ووجوب القضاء بها لأحمد بن دينار، ودينار كان هندياً معتق المهتر، محمد بن أبي الحسن اللباد المعروف بمهتر مهتران أنه كان استأجر من السيد عمر بن غياث بن عبد الرحمن الحسيني النيسابوري، جميع أصل الكرم المحوط المبني بقصره الذي موضعه في أرض قريته سارقون من قرى بخارى، من عمل قرغند دوسر به من نهر مائه حده الأول لزيق أرض هذا الآجر يوم الإجارة والاستئجار، والثاني كذلك، والثالث كذلك، ولزيق أرض لمحمد بن إدريس، والرابع لزيق أرض هذا الآجر يومئذٍ، والمدخل فيه بحدوده كلها، وحقوقه وجميع مرافقه التي هي له من حقوقه بعد عقد معاملة صحيحة جرى بينهما في أشجار هذا الكرم المحدود فيه وزرا جينه وقصباته، بشرائط الصحة كلها.x
وكان استأجر أصل هذا الكرم المحدود فيه ثلاثين سنة متوالية، أولها: العشرون من شهر ربيع الأول من شهر سنة اثنتين وخمسمئة، بمئة وخمسين درهماً عطر بغية بخارية سوداء قديمة منتقدة جيدة على أن يكون تسع وعشرون سنة منها من أوائلها بخمسة دراهم غير سدس درهم من الأجرة المسماة فيه، والسنة الأخيرة تتمة هذه الثلاثين سنة ببقية هذه الأجرة المسماة فيها، وإن السيد عمر بن عثمان هذا كان آجره منه هذه المدة المذكورة فيه بهذا البدل المذكور فيه بالشرائط المذكورة فيه استئجاراً صحيحاً، وإجارة صحيحة، وجرى التقابض في البدلين.(10/731)
-----
ثم إن هذا الآجر المسمى فيه توفي قبل مضي سنة واحدة من هذه الإجارة، وانفسخت بقية هذا العقد بوفاته، وصارت هذه الأجرة المقبوضة المسماة فيه ديناً في تركته لهذا المستأجر كلها غير سدس درهم منها، فقد ذهب بعض هذا السدس بمضي ما مضى من مدة هذه الإجارة إلى وقت وفاة هذا الآجر، وبعضه بإبراء المستأجر إياه عنه، وإن هذا المتوفى خلف من الورثة السيد إبراهيم ابناً له بالغاً، وورثة أخرى له، وقد خلف من التركة من ماله من يد ابنه إبراهيم ما يفي بجميع هذا الدين وزيادة، وحكمت لأحمد بن دينار هذا بمسألته على السيد إبراهيم هذا بمحضر منهما في وجوههما بثبوت جميع ذلك لأحمد بن دينار هذا حكماً أبرمته وقضاءً نفذته، بعد استجماع شرائط الحكم، وجوازه بذلك عندي في مجلس قضائي من الناس بكورة بخارى، وكلفت هذا المحكوم عليه قضاء هذا الدين مما في يده من تركة والده المتوفى المسمى فيه، وتركته وكل ذي حق وحجة، ودفع على حقه وحجة، ودفعه متى أتى به يوماً من الدهر، وأمرت بكتب هذا السجل بمسألة هذا المحكوم له حجته له في ذلك، وأشهدت عليه حضور مجلسي، وذلك كل شيء في اليوم الأول من رجب شهر الله الأصم من شهور سنة ثلاثين وخمسمئة.
محضر في إثبات الرجوع في الهبة
يكتب في المحضر: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، أن هذا الذي حضر وهب لهذا الذي أحضره معه كذا هبة صحيحة، وإن هذا الذي أحضره معه قبض ذلك منه في مجلس العقد قبضاً صحيحاً، وإن الموهوب هذا قائم في يدي الذي أحضره معه هذا لم يزدد في يديه، ولم يتغير عن حاله، وإن هذا الذي أحضره لم يعوض هذا الذي حضر عن هبته هذه شيئاً، فرجع هذا الذي حضر في تلك الهبة، وطالب الذي أحضره بتسليمها إليه بحق الرجوع، وسأل مسألته عن ذلك.(10/732)
-----
سجل هذا المحضر: على نحو ما تقدم، ويكتب في موضع الثبوت: وثبت عندي جميع ما شهد به هؤلاء الشهود من هبة فلان هذا الذي (حضر) كذا من فلان هذا الذي أحضره معه هبة صحيحة، ومن قبضه ذلك منه في مجلس العقد قبضاً صحيحاً، ومن رجوع هذا الذي حضر في هبته على ما شهد به الشهود، فحكمت بصحة رجوعه في هبته هذه، وفسخت الهبة، وأعدت الموهوب هذا إلى قديم ملك الواهب هذا، وأمرت الموهوب له هذا برد الموهوب هذا على واهبه هذا، ويتم السجل.
محضر في إثبات منع الرجوع في الهبة
ادعى هذا الذي حضر في دفع دعوى هذا الذي أحضره معه؛ وذلك لأن هذا الذي أحضره معه ادعى على هذا الذي حضر أولاً أني وهبت منك كذا إلى آخره، ورجعت فيها، فادعى هذا الذي حضر في دفع دعواه هذا أن الموهوب (260أ4) هذا قد ازداد في يديه زيادة متصلة، وإن رجوعه ممتنع، ويتم المحضر.
محضر في إثبات الرهن
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر رهن من هذا الذي أحضره معه كذا ثوباً، ويبين صفته بكذا ديناراً رهناً صحيحاً، وإن هذا الذي أحضره معه ارتهن هذا الثوب المذكور منه بهذه الدنانير المذكورة ارتهاناً صحيحاً، وقبضه منه بتسليمه إليه قبضاً صحيحاً، واليوم هذا الثوب المذكور رهن في يد هذا الذي أحضره معه، وإن هذا الذي حضر قد أحضر هذا المال، فواجب على هذا الذي حضر قبض هذا المال، وتسليم هذا الرهن إليه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك.
محضر في دعوى شركة العنان(10/733)
-----
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر اشترك مع هذا الذي أحضره معه شركة عنان في تجارة كذا، على أن رأس مال كل واحد منهما كذا، على أن يتصرفا في مال الشركة كذا، ويتصرف كل واحد منهما برأيه على أن ما حصل من الربح فهو بينهما نصفان، وما كان من (حط) وخسران، فهو عليهما على قدر رأس مال كل واحد منهما، وأحضر كل واحد منهما رأس ماله في مجلس الشركة، وخلطاهما حتى صار المالان مالاً واحداً، وجعلا جميع مال الشركة في يد هذا الذي أحضره معه، وإن تصرف فيه، وربح كذا وكذا، فواجب عليه الخروج من رأس ماله، ومن حصته من الربح، وذلك كذا وكذا، وإن كان على الشركة صك ينسخ الصك على مثال ما تقدم.
ثم يكتب في الصك: ادعى عليه جميع ما تضمنه الصك من الشركة في المال المبين قدره فيه بالربح المشروط فيه، وخلط كل واحد منهما رأس ماله برأس مال صاحبه على ما نطق به الصك من أوله إلى آخره بتاريخ كذا، وجعلهما جميع مال الشركة في يد هذا الذي أحضره معه، وإن هذا الذي أحضره ربح كذا وكذا، فواجب عليه رد رأس المال هذا الذي حضر مع حصته من الربح إلى هذا الذي حضر رأس ماله كذا، وحصته من الربح كذا، ويتم المحضر.
محضر في دفع هذه الدعوى
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعوى هذا الذي أحضره معه قبل هذا الذي حضر شركة عنان برأس مال كذا، ودعواه قبله رد رأس ماله، وحصته من الربح، ادعى عليه في دفع الدعوى أنه مبطل في هذه الدعوى لما أنه قاسم المال، وسلم إليه رأس ماله، وحصته من الربح، وإنه أخذ جميع ذلك منه بتسليمه جملة ذلك إليه، ويتم المحضر.(10/734)
محضر في إثبات الاستبضاع
-----
صورة الاستبضاع: أن يدفع رجل إلى رجل حديداً أو نحاساً ليتصوغ له إناء، أو ما أشبه ذلك، فإن وافق شرطه فليس للصانع أن يمتنع من الدفع، ولا للمستبضع أن يمتنع عن القبول، وإن خالفه كان للمستبضع الخيار، إن شاء ضمنه حديداً مثل حديده، والإناء للصانع، ولا أجر له، وإن شاء أخذ الإناء، وأعطى الصانع أجر مثل عمله لا يجاوزه المسمى، فإن وافق شرطه، وامتنع عن التسليم يكتب في المحضر: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أنه دفع إليه الأجر، وأنه قد صاغ هذا الإناء على موافقة شرطه، وأنه يمتنع عن تسليم الإناء إليه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب بالفارسية.
فإن كان الصانع خالف الشرط، وأراد المستبضع أن يضمنه حديداً مثل حديده يكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أنه دفع إليه كذا مناً من النحاس، صفته كذا ليصوغ إناء له من ذلك صفته كذا بأجر كذا، ودفع إليه الأجر، فصاغه بخلاف ما شرط له، فلم يرضَ، فواجب عليه رد مثل النحاس والأجر المذكور المبين قدرهما وصفتها فيه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل.
محضر في إثبات القود
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه قتل أباه فلان بن فلان الفلاني عمداً بغير حق بسكين حديدي ضربه به وجرحه جرحاً، فهلك ساعتئذٍ، ووجب عليه القصاص في الشرع، وإن لم يكتب: فهلك ساعتئذٍ، وكتب: فلم يزل صاحب فراش حتى مات بذلك يكتفي به، وكذلك لو كتب: فهلك، ولم يكتب فهلك من ذلك الضرب، فذلك يكفي أيضاً، ثم يكتب: وخلف هذا المقتول ابناً لصلبه هذا الذي حضر، لا وارث له سواه، وإن له حق استيفاء القصاص منه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، وكذلك إذا ضربه بالسيف، أو الرمح، وكذلك إذا ضربه بآلة أخرى، أو بالأشفى والإبرة.(10/735)
-----
والحاصل: أنه لا بد لوجوب القصاص من القتل بالحديد سواء كان الحديد سلاحاً، أو لم يكن، وسواء كان له حدة يبضع، أو ليس له حدة كالعمود وسنجة الميزان، هذا على رواية «الأصل».
وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه إذا قتل بسنجة حديد، أو عمود لا حدة له لا يجب القصاص، وعلى قولهما إن كان الغالب منه الهلاك يجب القصاص، وإن لم يكن الغالب منه القصاص لا يجب، فأبو يوسف ومحمد رحمهما الله على رواية «الأصل» ألحقا الحديد الذي لا حدة له بالسيف، وعلى رواية الطحاوي ألحقاه بالخشب. والجواب في الخشب عندهما في التفصيل إن كان الغالب منه الهلاك يجب القصاص، وما لا فلا.
وكذلك إن ترك المقتول أباً وأماً، أو ابنتاً أو امرأة أو أخاً؛ لأن الإرث يجري في القصاص عندنا، ويثبت حق الاستيفاء لكل من كان وارثاً له، فيكتب على نحو ما ذكرنا في الابن، وإن ترك المقتول عدداً من الورثة، فحق إثبات القصاص لكل واحد من آحاد الورثة، وحق الاستيفاء للكل إذا كان الكل بالغين، وإن كان بعضهم صغاراً وبعضهم كباراً، ففي ثبوت حق الاستيفاء للكبير خلاف معروف، وإن كان القاضي ممن لا يرى ولاية الاستيفاء للكبير يكتب المحضر باسم الكبير، ثم يكتب أسماء جميع الورثة في المحضر عند ذكر قوله: وخلف هذا المقتول من الورثة كذا أولاداً، يذكر الصغار والكبار، ثم يكتب: وإن لهذا الكبير حق استيفاء القضاء، ويتم المحضر.(10/736)
محضر في إثبات الدية
-----
يكتب في المحضر: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه قتل أباه خطأ، فإنه كان رمى بسهم ذي نصل من الحديد إلى صيد قد رآه، فأصاب بذلك السهم أباه فجرحه، ومات من ذلك ساعتئذٍ، أو لم يقل: فمات ساعتئذٍ، ولكن قال: فلم يزل صاحب فراش، فذلك يكفي، بل قال: فمات، ثم يكتب: ووجبت دية هذا المقتول على هذا القاتل، وعلى عاقلته، وهي عشرة آلاف درهم فضة، أو ألف دينار أحمر خالص جيد موزون وزن مثاقيل مكة أو مئة من الإبل، فواجب على هذا الذي أحضره معه، وعلى عاقلته أداء هذه الدية إلى هذا الذي حضر، فطالبه بذلك، وسأل مسألته.
محضر في إثبات القذف
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه قذف هذا الذي حضر بالزنا، وقال له صريحاً: يا زاني، ووجب (260ب4) عليه حد القذف ثمانون إلى آخره، وإن كان شتمه شتماً يوجب التعزير، يكتب: أن هذا الذي أحضره معه شتمه، ويبين شتماً يوجب التعزير، فقال له: يا كذا، ثم يكتب: ووجب عليه التعزير في الشرع زجراً له عن مثله، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك.
محضر في إثبات الوفاة والوراثة مع المناسخة(10/737)
-----
صورة المناسخة: أن يموت الرجل ويخلف ورثة، ثم يموت أحد ورثته قبل القسمة، ويخلف ورثة، ووجه الكتابة في هذا أن يكتب: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن جميع المنزل المبني، ويذكر صفته وموضعه، وحدوده بتمامه بحدوده وحقوقه كان ملكاً، وحقاً لفلان بن فلان الفلاني والد هذا الذي حضر، وكان في يده، وتحت تصرفه إلى أن توفي وخلف من الورثة امرأة له تسمى فلانة بنت فلان بن فلان، وابنها لصلبه، وهو هذا الذي حضر، وابنتين له لصلبه، إحداهما تسمى فلانة، والأخرى تسمى فلانة، لا وارث له سواهم، وخلف من التركة من ماله هذا المنزل المحدود فيه ميراثاً لهؤلاء المذكورين على فرائض الله تعالى للمرأة الثمن، والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
أصل المسألة من ثمانية أسهم، وتصحيحها وقسمتها من اثنين وثلاثين سهماً، للمرأة منها أربعة، وللابن منها أربعة عشر، ولكل بنت منها سبعة.
ثم توفيت امرأة المتوفى هذا، وهي فلانة، وخلفت من الورثة ابناً، وابنتين لها، وهم هذا الذي حضر، واختاه هاتان المسماتان فيه لا وارث لها سواهم، وصار حصتها المذكورة فيه من ذلك، وهي الثمن أربعة أسهم من اثنين وثلاثين سهماً من هذا المنزل المحدود فيه بموتها ميراثاً عنها لأولادها هؤلاء المسمين فيه على فرائض الله تعالى، للابن من ذلك سهمان، ولكل ابنة سهم.(10/738)
-----
ثم توفيت إحدى هاتين البنتين المذكورتين فيه، وهي فلانة هذه قبل قبض حصتها من هاتين التركتين المذكورتين فيه، وذلك ثمانية أسهم من اثنين وثلاثين سهماً من هذا المنزل المحدود، فيه سبعة أسهم من الفريضة الأولى، وسهم واحد من الفريضة الثانية، وخلفت من الورثة بنتها، وهي فلانة بنت فلان، وأخاً لأب وأم هذا الذي حضر، وأختاً لأب وأم، وهي فلانة المذكورة لا وارث لها سواهم، وصار جميع حصتها المذكورتين فيه بموتها ميراثاً عنها لورثتها هؤلاء المسمين فيه على فرائض الله تعالى للابنة النصف، والباقي للأخ والأخت لأب وأم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين بالعصوبة.
(10/739)
-----
أصل الفريضة من سهمين، وقسمتها من ستة أسهم، للابن منها ثلاثة أسهم، وللأخ لأب وأم سهمان، وللأخت لأب وأم سهم، ونصيب هذه المتوفاة من التركتين ثمانية أسهم، وقسمة ثمانية على ستة لا يستقيم، لكن بينهما موافقة بالنصف، فضربا نصف الفرضة الثانية، وذلك ثلاثة في الفريضة الأولى، وذلك اثنان وثلاثون، فيصير ستة وتسعين كان للمتوفاة الثالثة هذه ثمانية أسهم من اثنين وثلاثين صارت مضروبة في ثلاثة، فصار أربعة وعشرين، وهي تستقيم على ورثتها المسمين فيه، لبنتها اثني عشر، ولأخيها هذا الذي حضر ثمانية، ولأختها هذه أربعة، فصار لهذا الذي حضر من التركات الثلاث ستة وخمسون سهماً من ستة وتسعين سهماً من هذا المنزل المحدود فيه، اثنان وأربعون سهماً من التركة الأولى، وستة أسهم من التركة الثانية، وثمانية أسهم من التركة الثالثة، فحاصل حصة الذي حضر من التركات الثلاث بالاختصار سبعة أسهم من اثني عشر سهماً من هذا المنزل المحدود فيه بموافقة بين ستة وخمسين، وبين ستة وتسعين بالثمن، فيعود كل حساب إلى ثمن الأول، فصار ستة وتسعين، اثني عشر سهماً، وهي سهام المنزل المحدود فيه، وستة وخمسون، سبعة أسهم من اثني عشر سهماً من هذا المنزل المحدود فيه، وجميع هذا المنزل المحدود فيه اليوم في يد هذا الذي أحضره معه، وهذا الذي أحضره معه يمنع عن هذا المحضر الذي حضر حصته من هذه التركات الثلاث، وذلك سبعة أسهم من اثني عشر سهماً من هذا المنزل المحدود فيه، أو ستة وخمسون سهماً من ستة وتسعين سهماً من هذا المنزل المحدود فيه بغير حق، وهو في علم من ذلك، فواجب على هذا الذي أحضره معه قصر يده عن حصص هذا الذي من المنزل المحدود فيه، وتسليمها إلى هذا الذي حضر، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل، ويتم المحضر.(10/740)
محضر أخرى بهذه الدعوة
-----
في رجل مات وترك امرأة، وثلاثة بنين وابنة، وهذه المرأة أم هذه الأولاد، فقبل قسمة الميراث ماتت هذه المرأة، وتركت هذه الأولاد، صارت حصتها ميراثاً لهذه الأولاد، فقبل قسمة الميراث توفي أحد هذا البنين بقي أخوان لأب وأم، وأختاً لأب وأم، وصار نصيبه ميراثاً لأخويه.
حضر رجل ذكر أنه يسمى محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يسمى ناصر بن إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن أباهما إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق توفي، وخلف من الورثة امرأة تسمى سعادة بنت عمر بن عبد الله الفلاني، وثلاث بنين، هذا الذي حضر، وهذا الذي أحضره معه، وآخر يسمى عيسى، وبنتاً له تسمى عائشة لا وارث له سواهما، وخلف من التركة في يد هذا الذي أحضره معه من الصامت كذا، وصار ذلك ميراثاً لورثته هؤلاء المسمين على فرائض الله تعالى، للمرأة الثمن، والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
أصل الفريضة من ثمانية، فقبل قسمة الميراث توفيت سعادة أم هؤلاء الأولاد، وصار نصيبها من تركة الميت الأول، وذلك ثمنها من هذا الصامت لهؤلاء الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، وقبل قسمة التركتين توفي عيسى أخو هذا الذي حضر، وخلف من الورثة أخوين له لأب وأم، هذا الذي حضر، وهذا الذي أحضره معه، وأختاً له لأب وأم هذه، وصار نصيبه من التركتين في هذا الصامت ميراثاً لأخويه ولأخته هؤلاء، وبلغ سهام التركات كلها مئتين وثمانين سهماً، للمرأة من تركة الميت الأول خمسة وثلاثون سهماً، ولكل ابن سبعون، وللبنت خمسة وثلاثون سهماً.(10/741)
-----
ثم إن المسماة سعادة أم هؤلاء الأولاد ماتت قبل قسمة الميراث الأول، وصار نصيبها وذلك خمسة وثلاثون من مئتين وثمانين سهماً ميراثاً بين أولادها هؤلاء، لكل ابن عشرة، وللبنت خمسة، ثم مات عيسى قبل قسمة هاتين التركتين، وصار نصيبه من التركتين، وذلك ثمانون سهماً من مئتين وثمانين سهماً ميراثاً بين أخويه وأخته لكل أخ اثنان وثلاثون، وللأخت ستة عشر، فأصاب هذا الذي حضر من هذا الصامت من تركة الميت الأول سبعون سهماً من مئتين وثمانين سهماً، ومن تركة الميت الثاني عشرة أسهم من خمسة وثلاثين سهماً من مئتين وثمانين سهماً، ومن تركة الميت الثالث اثنان وثلاثون سهماً، من مئتين وثمانين سهماً، فجملة (261أ4) ما أصاب هذا الحاضر من التركات كلها من هذا الصامت مائة واثني عشر سهماً من مئتين، وثمانين سهماً، وذلك بالاختصار خمسا هذا الصامت، لأن بينهما موافقة بجزء من ستة وخمسين، فكانت جملة حصة هذا الذي حضر من التركات كلها قدر خمسي هذا الصامت، وهذا الذي أحضره معه يمنع عن هذا الذي حضر هذا المبلغ الذي أصابه من هذه التركات الثلاث من هذا الصامت المذكور، وذلك قدر خمسها، أو مئة واثني عشر سهماً من مئتين، وثمانين سهماً من هذا الصامت المذكور فيه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل.
محضر في دعوى المنزل ميراثاً عن أبيه
قد مر هذا المحضر فيما تقدم، إلا أن فيما تقدم وضع المسألة فيما إذا كان الوارث واحداً، وهذا المحضر فيما إذا كان الوارث عدداً.(10/742)
-----
صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن جميع الدار التي في محلة كذا في سكة كذا، حدودها كذا بحدودها وحقوقها، أرضها وبنائها، سفلها وعلوها، وكل حق هو لها داخل فيها، وكل حق هو لها خارج منها، كانت ملكاً لوالده فلان بن فلان، وحقه وفي يده، وتحت تصرفه إلى أن توفي، وخلف من الورثة ابناً له هذا المدعي، وورثة أخرى سواه من البنين فلان وفلان، ومن البنات فلانة وفلانة، لا وارث له سواهم، وصارت هذه الدار المحدودة فيه ميراثاً عنه لورثته هؤلاء المسمين على فرائض الله تعالى على كذا سهماً، حصة هذا الذي حضر، كذا كذا سهماً، واليوم كل هذه الدار في يد هذا الذي حضر معه، وإنه يمنع عن هذا الذي حضر وصيته، وذلك كذا كذا سهماً إلى آخره.
وإن كان هذا الذي حضر يدعي جميع الدار لنفسه بسبب قسمة جرت بين هؤلاء الورثة بأن ترك المتوفى سوى هذا المنزل من العقار والعروض، والأراضي والنقود، وجرت القسمة بين هؤلاء الورثة في تركة الميت بالتراضي، فوقعت هذه الدار في نصيب هذا الابن يكتب في هذا المحضر: وخلف من التركة هذه الدار المحدودة، وترك مع هذه الدار المحدودة من العقار كذا، ومن العروض كذا، ومن البقر كذا، وقد جرت قسمة صحيحة بين هؤلاء الورثة بالتراضي، فوقعت هذه الدار في نصيب هذا المدعي الذي حضر، وقبض هذا الذي حضر جميع هذه الدار بحكم هذه القسمة، وقبض باقي الورثة أنصباءهم، وحصصهم، واليوم جميع هذه الدار ملك هذا الذي حضر بالسبب الذي ذكر، وإنها في يد هذا الذي حضر بغير حق، وإنه يمنع ذلك منه.(10/743)
-----
سجل هذه الدعوى على نسق ما تقدم، ويكتب في آخره: فسأل فلان المدعي هذا المذكور اسمه ونسبه في هذا السجل مني إنفاذ القضاء بما ثبت عندي على هذا المدعى عليه، فأنفذت القضاء بوفاة فلان، وإنه ترك من الورثة فلاناً وفلاناً، وإن الدار المحدودة كانت مملوكة لوالد هذا المدعي فلان، وكانت في يده، وتحت تصرفه إلى أن توفي وتركها ميراثاً لورثته هؤلاء المسمين فيه، وإن لهذا الذي حضر كذا من كذا سهماً من جملة هذه الدار المحدودة، وإن هذا الذي أحضره معه يمنع حصة هذا الذي حضر المذكور فيه من الدار المحدودة فيه بغير حق، وأمرت هذا المدعى عليه بتسليم حصة هذا الذي حضر من الدار المذكورة المحدودة فيه إليه، وذلك كله في مجلس قضائي.
وإن كان المدعي يدعي جميع هذه الدار لنفسه بالسبب الذي تقدم ذكره، يكتب القاضي في آخر السجل: أنفذت القضاء لوفاة فلان، وإنه ترك من الورثة فلاناً وفلاناً، وإنه خلف من التركة الدار المحدودة فيه، وسواها من العقار، والعروض والنقود كذا وكذا، وإنه جرى بين هؤلاء الورثة المسمين فيه قسمة صحيحة في جميع ما ترك هذا المتوفى فلان، وإن هذه الدار المحدودة وقعت في نصيب هذا المدعي الذي حضر إلى آخره.(10/744)
-----
سجل في إثبات الوصاية: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن أخ هذا الذي حضر فلان بن فلان توفي، وترك من الورثة أباه فلان، وأمه فلانة، ومن البنين فلاناً وفلاناً، ومن البنات فلانة وفلانة، لا وارث له غيرهم، وإنه أوصى إلى هذا الذي حضر في صحة عقله وبدنه، وجواز أمره في جميع تركته، وما يخلفه بعده من قليل وكثير، وإنه قبل هذه الوصاية، وتولى القيام بذلك، وإن لأخيه الميت هذا على هذا الذي أحضره معه كذا درهماً وزن سبعة نقد بلد كذا حالاً، وإن له البينة على ما ادعى، ولم يبد الجواب المدعى عليه؛ لأنه وإن أقر بالوصاية لا تثبت الوصاية على ما اختاره صاحب «الأقضية»، وهو قول محمد آخراً، حتى لا يبرأ المدعى عليه عن اليمين بالدفع؛ ولأن الجواب إنما يستحق بعد دعوى الخصم، وإنما يعرف كون المدعي خصماً بإثبات الوصاية، فلهذا بدأ بقوله: وإن له البينة على ذلك.(10/745)
-----
ثم يكتب: وأحضر من الشهود جماعة، فشهدوا فلان بن فلان أخو فلان بن فلان هذا الوصي الذي حضر، وقد عرفوه معرفة قديمة باسمه ونسبه، ووجهه: توفي وترك من الورثة أباه فلاناً، وأمه فلانة، ومن البنين فلاناً وفلاناً وفلاناً، ومن البنات فلانة وفلانة، وامرأة اسمها فلانة بنت فلان، ولم يحضروا، لا يعرفون له وارثاً غيرهم، وإن هذا المتوفى أشهدهم في صحة عقله وبدنه، وجواز أمره أنه جعل أخاه هذا الذي حضر من وصيته بعد وفاته في جميع (أملاكه)، وهو حاضر مجلس الإشهاد، وقبل وصايته، وقد عرف القاضي هؤلاء الشهود بالعدالة، والرضى في الشهادة، فسأل القاضي المدعى عليه هذا الذي أحضره معه عما ادعى عليه هذا الذي حضر لأخيه فلان الموصى من الدراهم الموصوفة فيه، فأقر المدعى عليه هذا أن لفلان بن فلان أخ هذا الذي حضر عليه كذا كذا درهماً، وزن سبعة نقد كذا حاله، فسأل مدعي الوصاية هذا الذي القاضي إنفاذ القضاء بجميع ما ثبت عنده بشهادة هؤلاء الشهود من وفاة أخيه فلان، وعده ورثته، ووصايته إليه وإلزام المدعى عليه هذا ما أقر به عنده لفلان من الدارهم الموصوفة فيه، والقضاء بذلك كله عليه، ويأمره بدفعها إليه، فأنفذ القاضي فلان القضاء بوفاة فلان بن فلان أخ هذا المدعي الذي حضر، وعده ورثته فلان وفلان إلى آخرهم، على ما اجتمع عليه هؤلاء الشهود، ثم أنفذ القضاء بوصاية فلان بن فلان يعني الموصى إلى أخيه هذا الذي حضر في جميع تركته، وقبوله هذه الوصاية بما اجتمع عليه هؤلاء الشهود، وذلك بعد أن انتهت إليه عدالته وأمانته، وإنه موضع لذلك، وإنه أمره أن يقوم في جميع تركة أخيه فلان بن فلان، فقام الموصى فيما يجب في ذلك لله عليه، وألزم القاضي فلان فلاناً المدعى عليه هذا ما أقر به عنده لفلان بن فلان من الدراهم الموصوفة، وقضى بذلك كله عليه، وأمره بدفعها إلي هذا الذي حضر وصي أخيه فلان، وقضى بذلك كله عليه على ما سمى، ووصف في هذا الكتاب بمحضر من فلان،(10/746)
وذلك(10/747)
-----
كله في مجلس قضائي في كورة كذا، وكثير من أهل هذه الضيعة يبدون بجواب المدعى عليه كما هو الرسم في سجلات سائر الدعاوى والخصومات (261ب4).
نسخة أخرى: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر أن فلاناً أوصى إليه، وجعله وصياً بعد وفاته في تسوية أمور أولاده الصغار فلان وفلان، وفي إحراز الثلث من جميع التركة بعد وفاته، وصرف ذلك إلى سبيل الخير وأبواب البر أيضاً صحيحاً، وإن هذا الذي حضر قبل منه هذا الإيصاء قبولاً صحيحاً، وإن هذا الإيصاء إليه كان آخر وصية أوصى بها، وتوفي هذا الموصي ثابتاً على هذه الوصاية من غير رجوع عنها، واليوم هذا الذي حضر وصي منه في تسوية أمور أولاد هذا المتوفى الصغار هؤلاء، وفي إحراز الثلث من تركته، وصدقه إلى ما أوصى هذا الموصي على الوجه الذي ادعى هذا المدعي، وأرض مال هذا الموصي على هذا الذي أحضره كذا، أو في يده كذا، فواجب عليه دفع ذلك إليه لينفذ وصاياه في ذلك إذ هو في علم من ذلك، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل، فأجاب.
محضر في إثبات بلوغ اليتيم
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه كان وصي أبيه بتسوية أموره بعد وفاته، وحفظ تركته على وارثه، وإنه لم يخلف وارثاً غيره، وإنه بلغ مبلغ الرجال بالاحتلام، أو يقول: بالسن، ويقول: طعن في ثمانية عشرة سنة، أو تسع عشرة سنة، فإن في يده من ماله كذا كذا من تركة أبيه، فواجب عليه تسليم جميع ذلك إليه.(10/748)
محضر في إثبات الإعدام والإفلاس على قول من يرى ذلك
-----
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع دعواه قبله بوجه المطالبة عليه بكذا كذا درهماً، ولزومه الخروج عنه إليه، فادعى عليه في دعواه هذه أنه مبطل في هذه الدعوى؛ لأنه فقير ليس له مال ولا عرض من العروض يخرج بذلك عن حالة الفقر، والشهود يقولون: لا نعلم له مالاً، ولا عرضاً من العروض يخرج بذلك عن حالة الفقر، وهو اختيار الخصاف، واختيار الفقيه أبي القاسم أنه ينبغي للشهود أن يقولوا: إنه مفلس معدم لا نعلم له مالاً سوى كسوته التي عليه، وثياب ليلة، وقد اختبرنا أمره في السر والعلانية.
سجل هذا المحضر: يكتب في موضع الثبوت: وثبت عندي أنه معدم فقير لا يملك شيئاً سوى ثياب بدنه التي عليه، وسقوط مطالبته بما عليه من المال للناس، وحكمت بجميع ما ثبت عندي من كونه معدماً فقيراً لا يملك شيئاً إلى آخره.
محضر في إثبات هلال رمضان
يكتب المحضر باسم رجل على رجل بمال معلوم مؤجل إلى شهر رمضان، فيكتب: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن لهذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه كذا كذا ديناراً ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب كذا، وكان مؤجلاً إلى شهر رمضان هذه السنة، وقد صار هذه الدنانير حالة بدخول شهر رمضان، فإن هذا اليوم غرة شهر رمضان، فيقر المدعى عليه بالمال، وينكر الحلول، وكون هذا اليوم شهر رمضان، فيقيم المدعي البينة على كون هذا اليوم غرة شهر رمضان، والشهود بالخيار إن شاؤوا شهدوا أن هذا اليوم غرة شهر رمضان من غير تغيير، وإن شاؤوا فسروا فقالوا: كواهي سيدهم كه بادي شيئاً ذكاه نيست، ونهم بودزاياه شعبان بوقت نماز شام مه ديديم، وأمروز غرة رمضان اسال است، ولو شهدوا على ذلك من غير دعوى أحد سمعت الشهادة، وقبلت.
محضر في إثبات كون المدعى عليها مخدرة لدفع مطالبة المدعي إياها بالخصومة:(10/749)
-----
يكتب في المحضر: حضر فلان وكيل فلان ثابت الوكالة عنها في الدعاوى والخصومات، وإقامة البينة، وأحضر معه فلاناً، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه في دفع هذه الدعوى أنها مخدرة لا تخرج من منزلها في حوائجها، ولا تخالط الرجال، وإنه مبطل في دعواه إحضارها مجلس الحكم، فواجب عليه الكف عن هذه الدعوى.
محضر في دعوى المال على الغائب للكتاب الحكمي
رجل له على رجل مال، وشهوده على المال في بلده، والمديون غائب عن بلده غيبة سفر، فيلتمس المدعي من قاضي بلده أن يسمع دعواه، وشهادة شهوده ليكتب له إلى قاضي البلد الذي المدعى عليه فيه، فيجيبه القاضي إلى ذلك أخذاً بقول من يرى ذلك لحاجة الناس إليه.(10/750)
-----
صورة كتابة المحضر في ذلك: حضر مجلس الحكم في كورة كذا قبل القاضي فلان رجل ذكر أنه يسمى فلان من غير خصم أحضره، ولا نائب عن خصم أحضره، فادعى هذا الذي حضر أن له على غائب يسمى فلان بن فلان، يذكر اسمه ونسبته ومحلته، ويبالغ في تعريفه بأقصى ما يمكن كذا كذا ديناراً؛ ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب صحيح، وبين السبب، وهكذا أقر هذا الغائب المسمى المحلي في هذا المحضر في حال جواز إقراره، ونفوذ تصرفاته في الوجوه كلها طائعاً بهذه الدنانير المذكورة فيه، لهذا الذي حضر ديناً لازماً على نفسه، وحقاً واجباً بسبب صحيح إقراراً صحيحاً، وصدقه هذا الذي حضر خطاباً، وإن هذا المقر المسمى المحلى فيه غائب اليوم من هذه البلدة غيبة سفر مقيم ببلدة كذا جاحد دعوى هذا الذي حضر هذا، وإن شهود هذا الذي حضر على وفق دعواه قبله بهذه الناحية، وقد تعذر الجمع بين شهوده، وبين هذا الغائب المسمى المحلى فيه لبعد المسافة، والتمس من القاضي هذا سماع دعواه هذه على هذا الغائب المسمى فيه، وسماع البينة على وفقها للكتاب الحكمي إلى قاضي بلدة كذا ونواحيها إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، فأجابه إلى ذلك، فأحضر المدعي نفراً من شهوده، وهم فلان وفلان، ويكتب أسامي الشهود وأنسابهم، وحليتهم ومساكنهم على حسب ما ذكرنا، فإذا شهدوا بما ادعاه المدعي من أولها إلى آخرها، وأشاروا في موضع الإشارة، وعرفهم القاضي بالعدالة، أو لم يعرفهم، ويعرف عن حالهم، وحضر له عدالتهم بأمر الكتاب الحكمي على هذا المثال.(10/751)
-----
صورة الكتاب الحكمي في هذا: بسم الله الرحمن الرحيم، كتابي هذا أطال الله بقاء القاضي الإمام * يذكر ألقابه دون اسمه ونسبته * إليه وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، وأدام عزه وعزهم، وسلامته وسلامتهم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين من مجلس قضائي بكورة كذا، وأنا يوم أمرت بكتابته أتولى عمل القضاء بها ونواحيها، وقضائي بها ونواحيها نافذة، وأحكامي فيها بين أهلها جارية من قبل فلان، والحمد لله على نعمائه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تستقصى.
أما بعد: فقد حضر مجلس قضائي بكورة كذا يوم كذا، وإن شاء كتب: والذي اقتضى تحرير هذه الكتابة إليه، وإليهم أنه حضر مجلس قضائي بكورة كذا يوم كذا من شهر كذا، من سنة كذا رجل ذكر أنه يسمى فلان الفلاني من غير خصم أحضره، ولا نائب عن خصم أحضره مع نفسه، فادعى هذا الذي حضر على غائب ذكر أنه يسمى فلان بن فلان الفلاني، ويكتب الدعوى من أوله إلى آخره.
ثم يكتب: والتمس مني سماع دعواه هذه على الغائب المسمى المحلى فيه، وسماع البينة على وفق دعواه للكتاب (262أ4) الحكمي إليه أدام الله عزه، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم أدام الله عزهم، فأجبته إلى ذلك، فأحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده، وهم: فلان وفلان وفلان، وشهد كل واحد منهم عقيب الاستشهاد بعد الدعوى هذه، ولا يكتب هاهنا بعد الدعوى والجواب؛ لأن في هذه الصورة لا جواب لكون الخصم غائباً، ثم يكتب من نسخة قرئت عليهم، وهذه مضمون تلك النسخة، ثم بعد الفراغ من كتبة ألفاظ شهادتهم يكتب: فأتوا بالشهادة كذلك على وجهها، وساقوها على سننها، فسمعتها، وأثبتها في المحضر المخلد في ديوان الحكم قبلي، ورجعت في التعرف عن حالهم إلى من إليه رسم التزكية والتعديل بالناحية، وهم: فلان وفلان.(10/752)
-----
فبعد ذلك إن نسب الكل إلى العدالة يكتب: فنسبوا جميعاً إلى العدالة والرضا، وقبول القول، فقبلت شهادتهم لإيجاب العلم قبولها، ثم سألني المدعي هذا الذي حضر بعد هذا كله مكاتبة القاضي فلان، ومكاتبة كل من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم بما جرى له عندي من ذلك، فأجبته إليه، فكاتبته وإياهم بما جرى عندي من ذلك معلماً ذلك إياه، وإياهم، منهياً ذلك إليه وإليهم حتى إذا وصل كتابي إليه وإليهم مختوماً بخاتمي صحيح الختم على الرسم في مثله، ويثبت له من الوجه الذي يوجب العلم قبله، وقدم في باب مورده ما يحق لله تعالى عليه تقديمه فيه بتوفيق الله تعالى.
ويجب أن يحفظ آخر الكتاب عن إلحاق الاستثناء، وهو كلمة إن شاء الله تعالى؛ لأن ذلك يأتي على جميع ما تقدم عند أبي حنيفة، فيبطل به الكتاب، ويقر القاضي على من يشهد عليه، ويعلمه المضمون، ويشهده أن كتابه إلى قاضي كورة كذا، ورسم هذا الكتاب أن يكتب على ثلاثة أنصاف قرطاس، أو أكثر، أو أقل بقدر ما يحتاج إليه صولة بعضها ببعض، ويعنون الكتاب بعنوانين: أحدهما من الخارج، والآخر من الداخل، فيكتب من الجانب الأيمن من الكتاب: إلى القاضي فلان بن فلان الفلاني قاضي كورة كذا ونواحيها نافذ القضاء والإمضاء بين أهلها، ويعلم على أوصاله من الخارج من الجانبين الوصل صحيح، وعلى داخله من الجانب الأيمن الحكم لله تعالى، ويكتب من الخارج: سوى اسم القاضي الذي كتب منه الكتاب الحكمي في نقل الشهادة بثبوت إقرار فلان بن فلان لفلان بن فلان، بكذا ديناراً، ويكتب أسماء الشهود الذين أشهدوا على الكتاب في آخر الكتاب وأنسابهم، ومساكنهم ومصلاهم، ثم يوقع القاضي على صدر الكتاب بتوقيعه بخطه.
(10/753)
-----
ويكتب في آخره يقول فلان بن فلان بن فلان الفلاني: كتب هذا الكتاب عني بأمري وجرى الأمر على ما بين فيه عندي، وهو كله مكتوب على ثلاثة أنصاف قرطاس من الكاغد موصول بوصلين، مكتوب على كل وصل من وصليه من الخارج الوصل صحيح من الجانبين، ومن الداخل مكتوب على كل وصل من الجانب الأيمن: الحكم لله تعالى معنون بعنوانين داخلاً وخارجاً، موقع بتوقيعي، وتوقيعي كذا مختوم بخاتمي، ونقش خاتمي الذي ختمت هذا الكتاب كذا، وأشهدت على مضمون هذا الكتاب الشهود المسمين آخر هذا الكتاب، وسأشهدهم على الختم أيضاً إذا ختمته، وكتبت التوقيع على الصدر، وهذه الأسطر السبعة أو الثمانية أو كذا كما يكون في آخره بخط يدي حامداً لله تعالى، ومصلياً على نبيه محمد وآله، ثم يختم الكتاب على الرسم، ويشهد القاضي أولئك الشهود الذين أشهدهم على الكتاب، وعلى الختم أيضاً.
وينبغي للقاضي الكاتب أن يكتب من هذا الكتاب نسخة أخرى تكون مع الشهود يشهدون بما فيه عند الحاجة إلى شهادتهم، ويسمى ذلك بالفارسية كسادنا مه.(10/754)
-----
كتاب حكمي أيضاً: ونقل كتاب حكمي يكتب بعد الصدر والدعاء على نحو ما تقدم: عرض علي فلان * أطال الله بقاء القاضي فلان * كتاباً حكمياً هذه نسخته، وينسخ الكتاب من أوله إلى آخره، وبعد الفراغ من نسخه يكتب: عرض علي هذا الكتاب، وزعم أنه كتاب فلان بن فلان القاضي بكورة كذا، مختوم بختمه، موقع بتوقيعه أشهد على مضمونه وعلى ختمه، وهو قاضي بها إليك، وأشار إلي في معنى نقل شهادة على فلان لفلان بمعنى الذي جاء بالكتاب، وإن المشهود عليه فلان المذكور باسمه ونسبه في هذا الكتاب غائب عن هذه البلدة مقيم بكورة كذا، وطلب مني نقل هذا الكتاب إلى مجلسه، أدام الله تعالى بقاء القاضي فلان، فسألته البينة على ذلك، فأحضر شاهدين، وهما فلان وفلان شهدا بعد الاستشهاد على أثر هذه الدعوى: أن هذا كتاب فلان بن فلان قاضٍ بكورة كذا، مختوم بختمه موقع بتوقيعه، كتبه إليك، وأشار إليَّ وقالا: وقد أشهدنا على خاتمه، وعلى ما في ضمنه في معنى ثبوت الشهادة لفلان على فلان بكذا، فسمعت شهادتهما، وثبت عندي عدالتهم من جهة من إليه التركة بالناحية، فقبلت الكتاب وفككته، فوجدته معنون الداخل والخارج، موقع الصدر، والآخر، معلم الأوصال ظاهراً، وباطناً، على الرسم في كتب القضاة، فصح عندي، وثبت عندي أنه كتاب فلان القاضي إلى كتبه في معنى كذا حال كونه قاضياً، ثم سألني هذا الذي عرض عليَّ هذا الكتاب نقل ذلك إليه، فأجبته، وأمرت بكتابي هذا، ويتم الكتاب على نسق ما تقدم، وإن كان الكتاب احتيج إلى نقله نقل كتاب آخر، فترتيبه على نحو ما ذكرنا.
(10/755)
-----
سجل في ثبوت ملك محدود بكتابي حكمي يكتب: يقول القاضي فلان: حضرني في مجلس قضائي بكورة كذا فلان، وأحضر مع نفسه فلاناً، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن جميع الدار التي في موضع كذا، حدودها كذا، ملك هذا الذي حضر، وحقه في يد هذا الذي أحضره معه بغير حق، فواجب عليه تسليمها إلى هذا الذي حضر، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عنه، فسئل فأجاب بالفارسية: اين خانه كه، اين مدعي دعوى مسكند ملك منست وحق منست ودردست من بحقست، فكلفت المدعي هذا إقامة الحجة على دعواه، يعرض علي كتاباً حكمياً هذه نسخته.(10/756)
-----
وينسخ الكتاب الحكمي من أوله إلى آخره، ثم يكتب: فعرض علي هذا الكتاب، وزعم أنه كتاب فلان القاضي بكورة كذا إليك، وأشار إلى الكتاب، وإلى كتبه بثبوت ملكية هذه الدار بحدودها، وحقوقها لي موقع بتوقيعه، مختوم بخاتمه، كتبه وهو يومئذٍ قاضي بكورة كذا، وأشهد على مضمونه وخاتمه شهوداً، فطلب منه البينة، فأحضر نفراً ذكر أنهم شهوده، وهم: فلان وفلان وفلان، وسألني الاستماع إلى شهادتهم، فأجبته إليه، فشهد شهوده هؤلاء أن هذا الكتاب، وأشار إلى الكتاب المحضر مجلس الحكم، كتاب قاضي بلدة كذا، كتبه إليك، وهو يومئذٍ قاضي بلدة كذا بثبوت ملكية هذه الدار المحدودة لهذا المدعي الذي عرض هذا الكتاب، وأشاروا إلى المدعي هذا مختوم بختمه، موقع بتوقيعه، وأشهد على مضمون هذا الكتاب وعلى ختمه، فسمعت شهادتهم، ورجعت في التعرف عن أحوالهم إلى من إليه التزكية والتعديل بالناحية، فنسب اثنان منهم إلى جواز الشهادة وقبول القول، وهما فلان وفلان، فقبلت الكتاب، وفككته بمحضر الخصمين، فوجدته معنون الداخل والخارج موقع الصدر والآخر، معلم الأوصال ظاهراً وباطناً، وقد أثبت أسامي الشهود في آخره (262ب4) كما هو الرسم في كتاب القضاة فقبلته، وثبت عندي كون هذا الكتاب كتاب قاضي كورة كذا كتبه إلي، وهو يومئذٍ قاض بها في ثبوت ملك هذا المحدود لفلان هذا، وكونه في يدي فلان هذا بغير حق، وقد أشهد هؤلاء الشهود على مضمونه وختمه، وصح عندي مورده، وثبت عندي جميع ما تضمنه، فعرضت ذلك على المدعى عليه، وأعلمته بجميع ذلك، ومكنته من إيراد الدفع إن كان له دفع، فلم يأت بالدفع، ولا أتى بالمخلص، وظهر عندي عجزه عن ذلك، ثم إن هذا المدعي الذي عرض الكتاب سألني الحكم على هذا المدعى عليه بما ثبت عندي له من ذلك، فأجبته إلى ذلك، وحكمت لهذا المدعي على هذا المدعى عليه بملكية هذه الدار المحدودة إلى آخره، والله أعلم.
(10/757)
-----
محضر في إقامة البينة للكتاب الحكمي في دعوى المضاربة المذكوة والبضاعة
حضر مجلس القضاء في كورة بخارى قبل القاضي فلان بن فلان، ويحليه، من غير خصم أحضره، ولا نائب عن خصم أحضره معه، فادعى هذا الذي حضر على غائب ذكر أنه يسمى فلان، وذكر أن حليته كذا، وذكر أيضاً: أنه دفع إليه تسعين ديناراً أحمر مناصفة بخارية جيدة رائجة، موزونة بوزن سنجات سمرقند مضاربة صحيحة لا فساد فيها؛ ليتجر هو في ذلك ما بدا له من أنواع التجارات حضراً وسفراً، على أن ما يرزق الله تعالى في ذلك من ربح، فهو بينهما أثلاثاً، ثلثاه لرب المال هذا الذي حضر، وثلثه للمضارب هذا المذكور اسمه ونسبه، وما كان من وضيعة أو خسران، فهو على رب المال هذا.
وإن المدعى عليه الغائب عن هذا قبض من هذا الذي حضر جميع رأس مال هذه المضاربة الموصوفة فيه قبضاً صحيحاً في مجلس العقد هذا؛ بدفعه إليه ذلك مضاربة، وأقر بقبض ذلك على هذه الشرائط المذكورة فيه من هذا الذي حضر إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي حضر في ذلك خطاباً، ودفع هذا الذي حضر أيضاً إليه عشرين ديناراً من الذهب الأحمر المناصفة البخارية الضربة بوزن سنجات سمرقند بضاعة صحيحة؛ ليورد له في عوض ذلك ما بدى له من المؤدى جانبه التي تكون لائقة لأهل ما وراء النهر من البرطاس والفتك، وإنه قبل منه هذه الدنانير الموصوفة فيه بضاعة على هذا الوجه البين فيه إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً، وإنه اليوم غائب من كورة بخارى ونواحيها، مقيم بقصبة أوزجند جاحد لدعواه هاتين قامت بحصة هاتين، وإن له شهوداً على دعوته ههنا إلى آخره.
الكتاب الحكمي في إثبات شركة العنان في عمل الحلابين(10/758)
-----
ادعى هذا الذي حضر على غائب ذكر هذا الذي حضر أنه يسمى قراحة سالار بن فلان بن فلان، وإنه يعرف باكدش بحه، وذكر أن حليته كذا، وذكر أنه، يعني هذا الذي حضر، وهذا الغائب المسمى اشتركا شركة عنان في تجارة الحلابين على تقوى الله، وأداء الأمانة، والاجتناب عن الخيانة على أن يكون رأس مال كل واحد منهما في هذه الشركة مئة دينار من الذهب الأحمر البخارية الضرب المناصفة الجيد الرابحة بوزن سنجات سمرقند، فيكون جميع رأس مال هذه الشركة مئتي دينار أحمر بخارية الضرب إلى آخره، على أن يكون جميع رأس مال هذه الشركة في يدي هذا الغائب المسمى فيه يتجران فيه، ويتجر كل واحد منهما بذلك كله حضراً وسفراً بتجارات الحلابين، ويشتريان ويشتري كل واحد منهما بذلك ما يبدو لهما، ولكل واحد منهما من السلع الصالحة للحلابين، وتجاراتهم المعهودة فيما بينهم ويبيعانه، ويبيع كل واحد منهما ذلك بالنقد والنسبة، ويستبدلان، ويستبدل كل واحد منهما بما يتفق من ذلك أنه سلعته يبدو لهما، وكل واحد منهما من السلع الصالحة للحلابين في تجاراتهم المعهودة فيما بينهم، ويسافران ويسافر كل واحد منهما بمال هذه الشركة كله إلى أي بلد يبدو لهما، أو لكل واحد منهما من بلاد الإسلام والكفر على ما يرزق الله تعالى من الربح في هذه الشركة يكون بينها نصفين، وما يكون من وضيعة أو خسران يكون عليهما نصفين أيضاً، وأحضر كل واحد منهما رأس ماله المذكور في مجلس الشركة هذه وخلطاهما، وجعلاه بعد الخلط في يد الغائب المسمى فيه جعلاً صحيحاً، وأقر هو بحصول جميع مال هذه الشركة المذكور في يده إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً وشفاهاً في مجلس الشركة هذه.u(10/759)
-----
وذكر هذا الذي حضر أيضاً أن له على الغائب المسمى فيه مئة دينار حمراء مناصفة بخارية رائجة جيدة بسنجات سمرقند ديناً واجباً، وحقاً لازماً بسبب قرض صحيح أقرضها هذا الذي حضر إياه من مال نفسه إقراضاً صحيحاً، وإنه قبضها من هذا الذي حضر قبضاً صحيحاً، وجعلها رأس ماله المذكور في هذه الشركة، وهكذا أقر هذا الغائب المسمى فيه في حال صحة إقراره، ونفاذ تصرفاته في الوجوه كلها طائعاً بجريان عقد هذه الشركة المذكورة فيه، وبحصول جميع رأس مال هذه الشركة المذكورة في يده، وبإقراض هذا الذي حضر إياه مئة دينار، وقبضها منه على الوجه المذكور فيه، وإن قراحه سالار المحلى المسمى فيه لليوم غائب عن كورة بخارى ونواحيها، مقيم ببلدة كذا، جاحد دعوى هذا الذي حضر قبله بذلك كله إلى آخره.
محضر في إثبات كتاب الحكمي
حضر مجلس القضاء في كورة بخارى قبل القاضي فلان رجل ذكر أنه يسمى محمد بن عمر ابن عبد الله بن أبي بكر الترمذي، وهو يومئذٍ وكيل عن أخويه لأب وأم، أحدهما يكنى بأبي بكر، والآخر يسمى أحمد، وعن والدتهم المسماة بستي كوهر بنت عمر بن أحمد البزاز الترمذي الثابت الوكالة عنهم في جميع الدعاوى والخصومات وإقامة البينات، والاستماع إليها في الوجوه كلها، وفي طلب حقوقهم قبل الناس أجمعين، وفي قبضها لهم إلا في تعديل من يشهد عليهم، والإقرار عليهم.(10/760)
-----
وفي كتابه كتاب حكمي مكتوب في عنوانه الظاهر: بسم الله الملك الحق المبين إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم من الموفق بن منصور بن أحمد قاضي ترمذ في نقل إقرار أبي بكر بن طاهر بن محمد المعروف بأولياء الكاغدي بمضمون الأذكار الملصقة بعضها ببعض في آخر كتابي هذا على حسب ما تضمنه كل ذكر منها، وهو مختوم بختمي، ونقش ختمي الموفق بن منصور بن أحمد، وأحضر مع نفسه رجلاً ذكر أنه يكنى بأبي بكر بن طاهر بن محمد الترمذي الكاغدي، وأنه يعرف بأولياء، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بنفسه بطريق الأصالة، ولموكليه المذكورين فيه بحكم الوكالة الثابتة له من جهتهم أنه كان للشيخ محمد عبد الله بن أبي بكر الترمذي على هذا الذي أحضره معه مئتي دينار، وأربعين ديناراً ملكته تلجئة بوزن مكية ديناً واجباً، وحقاً لازماً بسبب صحيح، وإن هذا الذي أحضره معه أقر له في حال صحة إقراره طائعاً بجميع هذا المال المذكور فيه، مكتوب إقراره له بذلك في ثلاثة من الأذكار: في أحدها مئة وخمسة وثلاثون ديناراً، وفي الآخر خمسة وثلاثون ديناراً ديناً على نفسه واجباً، وحقاً لازماً بسبب صحيح أقارير صحيحة كان صدقه محمد بن عبد الله هذا في جميع ذلك في حال حياته خطاباً، وكل ذلك محكوم به، مسجل في مجلس القضاء بكورة ترمذ قبل قاضيها الموفق بن منصور بن أحمد (263أ4) حال كونه قاضياً بها نافذ القضاء بين أهلها.(10/761)
-----
ثم إن الشيخ محمد بن عبد الله بن أبي بكر هذا توفي قبل قبضه شيئاً من هذا المال المذكور فيه من هذا الذي أحضره معه، وخلف من الورثة زوجة له، وهي ستي كوهر المذكورة فيه، وثلاثة بنين لصلبه أحدهم هذا الذي حضر، والاثنان منهم الموكلان المذكوران فيه، لا وارث له سواهم، وخلف المال من التركة من مال هذا المذكور فيه ميراثاً عنه لورثته هؤلاء المذكورين فيه على فرائض الله تعالى، للمرأة الثمن، والباقي لبنيه الثلث بينهم بالسوية. أصل الفريضة من ثمانية أسهم، وقسمتها من أربعة وعشرين سهماً، للمرأة ثلاثة أسهم، ولكل ابن سبعة أسهم منها.
وهذا المال المذكور فيه لما كان ثابتاً على هذا الذي أحضره معه بإقراره لهذا المذكور فيه حال حياته في مجلس القضاء بكورة ترمذ عند قاضيها هذا المذكور فيه، ومحكوماً به، ومسجلاً، التمس هذا الذي حضر وموكلوه المسمون فيه من قاضي ترمذ هذا المذكور فيه كتاباً في نقل الإقرار بهذا المال المذكور إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، فأجابهم إلى ذلك، وأمر بكتابة هذا المكتوب، وأشار إليه في ذلك بعد استجماع شرائط صحة الكتاب الحكمي من أوله إلى آخره بتاريخه المذكور فيه، وأشار إليه، وكان قاضي ترمذ المذكور فيه يوم أمر بكتابة هذا الكتاب، وأشار إليه قاضي ترمذ ونواحيها، فاليوم هو على قضائه بها، وهذا الذي أحضره معه في علم من ذلك كله، فواجب على هذا الذي أحضره معه أداء هذا المال المذكور فيه بالسبب المذكور فيه؛ ليقبض لنفسه بالأصالة، ولموكله بحكم الوكالة المذكورة فيه على السهام المذكورة فيه، وطالبه بذلك، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب: ما مازين فام وازين نامه خير نيست ومرابدين مدعي خيري دادني نيست به أين سبب كه دعوى مسكندا.(10/762)
-----
أحضر المدعي نفراً ذكر أنهم شهوده، فشهد كل واحد بهذه الألفاظ: كوامي ميدهم كه أين كتاب حكمي، وأشار إليه أن قاضي ترمذ أست الموفق بن منصور بن أحمد أين كه نام ونسب وي برعنو، فظاهر أين نامه مذكور أست، وأشار إلى هذا الكتاب، آن روزكه فررمود نيشتن أيينووأشار إليه قاضي بود بشهر ترمد ونواحي وي وازن روز باز برعمل قضاء ست بترمذ ونواحي وي واين نامه وأشار إليه بمهر ويست ونفس وي الموفق بن منصور بن أحمد ست ومضمون أين نامه، وأشار إلى الكتاب أينست كه أييين مدعي عليه إقرار كرده أست، وأشار إليه بحال دوابي إقرار خويش بطوع كه بر منست ودركرون منست مدين خواجه محمد بن عبد الله بن أبي بكر راكه نام ونسب وي درين محضر ودرين نامه يادكرده شده أست، وأشار إلى الكتاب دويست دينار وجهل دينار حكمي بلخي سره بوزن مكه دادني أست فامي لازم، وحقي واجب بسبب درست إقراري درست واين مقر له كه أندرين محضر وأندرين نامه يادكرده شدة أست، وأشار إلى المحضر.(10/763)
-----
والكتاب هذا تصديق كرده بودمرين مقر أنددرين إقرار روياروي بازاين خواجه محمد بن عبد الله بن أبي بكر كه نام ونسب وي أندرين محضر وأندرين نامه ياده كرده شده أست، وأشار إلى هذا المحضر والكتاب بمر وبيش أز قبض كردن وي خيري أزين زره كه مبلغ، وصنعت وجنس ووزن وي أندرين محضر، وأندرين نامه يا دكرده شده أست، وأشار إلى هذا المحضر، وإلى هذا الكتاب أزين مدعى عليه، وأشار إليه وازوي ميراث خواره مراودازن مانده أست أين كومركه نام ونسب وي أندرين محضر ودرين نامه يا دكرده شده أست، وأشار إلى المحضر والكتاب وسه بسر حلبي ماندش يكي أزايشان أين مدعي وأشار إليه ودوديكر موكلان أين مدعي كه نام ونسب مردو دراين محضر ودرين نامه يا دكردده شدة أست، وأشار إلى المحضر والكتاب مدين لا نعلم له وارثاً سواهم، ويحكي زره كه أندرين نامه يادكرده شده، وأشار إلى المحضر و الكتاب بترك وي ميراث شدة أست ميرين ميراث خواركان ويراكه نام ونسب أيشان أندرين محضر، وأين نامه ياركرده شدة، وأشار إلى هذا المحضر والكتاب أترويي باين تره كه أندرين محضر وأندرين نامه بادكرده شده أست، وأشار إليها، ثم كتب قاضي بخارى أخر هذا المحضر: جرى الحكم مني بثبوت ما شهد به هذان الشاهدان.
كتاب حكمي آخر: حضر مجلس القضاء في كورة بخارى الشيخ الإمام عفيف الدين عبد الغني بن إبراهيم بن ناصر الحجاج الهروي، والشيخ الحجاج محمود بن أحمد الصفار القزويني، وهو يومئذ وكيل المسماة قرة العين بنت أبي نعيم بن ناصر القزوينية الثابت الوكالة عنها في الدعاوى والخصومات، وإقامة البينات والاستماع إليها في الوجوه كلها، إلا في الإقرار عليها، وتعديل من يشهد عليها، والمأذون له من جهتها في توكيل من أحب من يجب هذه بمثل ما وكله به وأحضرا معها السالار أحمد بن الحسين بن الحسن الحجاج الحلاب.(10/764)
-----
وادعى الشيخ الإمام عبد الغني هذا الذي حضر لنفسه بالأصالة، وادعى الشيخ محمود هذا الذي حضر لموكلته هذه بحكم الوكالة على هذا الذي أحضره معه أن عمر بن أبي نعيم بن ناصر الحجاج القزويني توفي، وخلف من الورثة ابنة له لصلبه تسمى فرخندة، وأخاً له لأب وأم، وهو الشيخ الإمام عبد الغني هذا، وأختاً له لأب وأم، وهي موكلة محمود هذا الذي حضر هذه، لا وارث له سواهم، وخلف من تركته في يدي هذا الذي أحضراه معهما عشرة أعداد جلدقندر مدبوغ قيمة كل جلد منها أربعة دنانير نيسابورية يوزنه الضرب جيدة رائجة حمراء مناصفة بوزن مثاقيل مكة، وصار جميع ذلك بموته ميراثاً عنه لورثته هؤلاء المسمين فيه على فرائض الله تعالى، للبنت النصف، والباقي للأخ، والأخت لأم وأب.
أصل الفريضة من اثنين، وقسمتها من ستة أسهم للبنت منها ثلاثة أسهم، وللأخ منها سهمان، وللأخت منها سهم واحد، وإن هذين اللذين حضرا أقاما البينة العادلة في مجلس القضاء بكورة قزوين قبل القاضي عمر بن عبد الحميد بن عبد العزيز خليفة والده الشيخ القاضي الإمام أبي عبد الله عبد الحميد بن عبد العزيز قاضي كورة قزوين ونواحيها نافذ القضاء والإمضاء والإنابة فيه، وفي مجلس القضاء بكورة ري قبل القاضي محمد بن الحسن بن محمد الأسترابادي قاضي كورة ري ونواحيها، نافذ القضاء والإمضاء والإنابة فيها، أدام الله توفيقه بجميع ما كتب في الكتاب الحكمي الذي أورده من قاضي كورة قزوين من وفاة عمر بن أبي نعيم بن ناصر الحجاج القزويني هذا، وتخليفه من الورثة ابنة له لصلبه، وأخاً وأختاً له لأب وأم، هؤلاء المسمون فيه، لا وارث له سواهم للكتاب الحكمي إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، وهما هذان الكتابان اللذان أورداهما هذان اللذان حضرا، المشار إليهما، وأمر كل واحد منهما بكتاب حكمي.(10/765)
-----
وكان إقامة البينة من هذين اللذين حضرا في مجلس قضاء كورة قزوين عند قاضيها هذا الكتاب الحكمي، وفي مجلس قضاء كورة ري عند قاضيها هذا الكتاب الحكمي بعد ما أثبت محمود هذا الذي حضر وكالته عن (263ب4) موكلته هذه بكورة قزوين قبل قاضيها هذا بجميع ما جرى لهذين اللذين حضرا قبله إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، وإن كل واحد من هذين النائبين المذكورين فيه كان نائباً في الحكم والقضاء بكورته يوم أمر بكتابة هذا الكتاب إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، وحكامهم من جهة المنوب عنه المذكور فيه حال كون المنوب عنه المذكور فيه قاضياً في كورته هذه المذكورة فيه نافذ القضاء والإمضاء والإنابة بها.
واليوم كل واحد منهما نائب في الحكم والقضاء في كورته كما كان من هذا المنوب عنه من لدن أمره بكتابة هذا الكتاب إلى هذا اليوم، وهذا الذي أحضر معه في علم من هذين الكتابين المشار إليها، فواجب عليه تسليم حصة الشيخ الإمام عبد الغني هذا الذي حضر من ذلك لقبضه لنفسه، وذلك سهمان من ستة أسهم، وتسليم نصيب موكله محمود هذا الذي حضر من ذلك، وذلك سهم واحد من ستة أسهم من ذلك ليقبضه لها بتوكيلها، وطالباه بذلك، وسألا مسألته عن ذلك، فسئل فأجاب وقال: مراد زين وقاة أين نام بردة واذ وارث أين مدعيان وا زين نامها حكى علم نيست وناين مدعيان بسيح وا دنى نيست باين سبب كه دعوى بيكتند أين اندازه كه دعوى بيكتند.
أحضر هذان اللذان حضرا نفراً ذكر أنهم شهودهما، وهم فلان يكتب أسامي الشهود على هذا الوجه الشاهد الأصل الشيخ محمود بن إبراهيم بن فلان المعروف بالشرواني، ويكتب تحت الاسم الفرع عنه الشيخ أحمد بن إسماعيل بن أبي سعيد المعروف بمعاري سالار، والشيخ الفائق محمد بن أحمد بن عبد الله الصائغ السجزي ساكن سكة على الرومي بناحية مسجد فلان.(10/766)
-----
ثم كتب: والأصل الآخر الشيخ أبو الحسن بن أحمد الحسن القزويني التاجر، وكتب تحت اسم هذا الأصل الثاني الفرع عنه الفرعان اللذان يشهدان على شهادة الأصل الأول، والشيخ محمد بن أحمد بن محمد الكتاني، ثم كتب الكاتب تحت أسامي الفروع الثاني وأنسابهم، والأصل الثالث الشيخ أحمد بن محمد بن محمد الحجاج الإسكاف المعروف بأحمد خوب، ولم يكن لهذا الأصل فرعان؛ لأنه شهد بنفسه، وكان قاضي بخارى كتب في آخر هذا المحضر بعد ما شهد الشهود من نسخة قرئت عليهم، حكمت بثبوت الكتابين الحكمين بشهادة هؤلاء الفروع على شهادة هذين الأصلين المسمين بتاريخ كذا، وأما لفظة الشهادة على الشهادة التي قرئت على الشهود هذا:(10/767)
-----
كوا هي سيدهم كه كواهي داد نيس من محمود بن إبراهيم بن شرواني، وأبو الحسن بن أحمد بن الحسن القزويني، وحين كفتند ميريل إذا يشان كه كواهي سيدهم كه أين مرد وناينة، وأشار إلى الكتابين، يكي إذين در نابه، وأشار إلى أحد الكتابين بعينه، نابه نائب قاضي شهر قزوين إست أين كه مروي ونسب ونام ويست منوب عنه وي ولقب وي أندرين محضر ياد كردة إست، وأشار إلى المحضر هذا وأين نامه ديكر، وأشار إلى الكتاب الآخر نامه قاضي دي إست كه نام ونسب منوب عنه وي ولقب وي أندرين محضر يا دكردة شده إست، وأشار إلى المحضر هذا وأين مرد ومهر، وأشار إلى الحتمين ومرد ونامه، وأشار إلى الكتابين أين يكي مهر نائب قاضي قزوينيست أين كه نام ونسب وي أندرين محضر يا دكردة إست، وأشار إلى الختم والمحضر ومضمون أين مرد ونامه، وأشار إلى الكتابين، إينست كه أندرين محضر يا دكردة إست، وأشار إلى المحضر وآن دوز كه مر يكي إزا سان مرد وين نفر موند نيشتن أين نامه، وأشار إلى الكتابين نائب بود ندا نرد شهز خويش أندر عمل قضاء أزين منوب عنه خود كه نام ونسب وي أندرين محضر يا دكردة إست، وأشار إلى المحضر وأين منوب عنه وي نيرهم قاضي يو داندر شهر خويش نافذ القضاء والإمضاء والإنابة وأمر وذ مر يكي يشان بمحنين نائب إست أندر شهر خويش أندر عمل إقضاء أزهمين منوب عنه خو دازان روز كه يفر مودند نيشتن أين نامه، وأشار إلى الكتاب تا أمر ود ومر أكوده كر دانيدبر كواهي خودبر من همه ويفر مودند مراتا كواهي دهم بر كواهي وي برين همه واكنون كواهي ميدهم بر كواهي وي بر من همه أزلور تا أخر.
والصحيح أن البداية بقوله: كواهي سيدهم لا حاجة إليه؛ لأن شهادته على هذه الجمله في آخره كما ذكرنا، وهذا تكرار محض، ثم يقول: واين مردو كواه أصل كه مرا بركوا هي خودبرين همه كواه كردايند ندا مروزاز شهر بخارى ونواحي وي غائب اند غيبت سفر وعدل اند، والله أعلم.(10/768)
-----
كتاب حكمي على قضاء الكاتب بشيء قد حكمه به وسجله
يكتب بعد الصدر والدعاء: حضر في يوم كذا رجل ذكر أنه يسمى فلان، وينسبه ويحليه، وأحضر معه رجلاً ذكر أنه يسمى فلان كذا، وينسبه ويحليه، ويذكر دعوى الذي حضر، وحكمه على هذا الذي أحضر، وينسخ السجل من أوله إلى آخره بتاريخه، ثم يكتب: ثم إن هذا المدعي حضرني بعد ذلك، وادعى أن المحكوم عليه فلان غائب عن هذه البلدة مقيم ببلدة كذا، وإنه جاحد ملكية المدعى به والحكم، وسألني مكاتبته، أدام الله علوه بذلك، والإشهاد عليه، ويتم السجل.
نسخة أخرى لهذا الكتاب: إن نسخ السجل في آخر الكتاب، فيكتب: نسخت * أطال الله بقاء القاضي الإمام فلان * آخر كتابي هذا سجلاً أعلمته لفلان في ورود استحقاق كذا عليه لفلان، وإخراجه من يده، وتسليمه إلى المستحق المذكور فيه، وذكر هذا المحكوم عليه، وأنه اشترى ذلك من فلان المقيم بتلك الناحية، وسألني إعلام القاضي فلان، أيده الله، والكتاب إليه، ويتم الكتاب.
نسخة أخرى: يكتب بعد الدعاء والصدر: طويت كتابي هذا على سجل بدلته لفلان حكمت فيه له على فلان بكذا بشهادة شهود عدول، شهدوا له عندي في مجلس قضائي، على ما ينطق به السجل المطوي عليه الكتاب بعدما ثبت فيه قضائي، ومضى به حكمي فسئلت مكاتبته أدام الله عزه بذلك، والإشهاد عليه، فأجبت إلى المسؤول، والله أعلم.
كتاب حكمي في دعوى العقار
إذا وقع الدعوى في العقار، وطلب المدعي من القاضي أن يكتب له بذلك كتاباً، فهذا على وجهين:(10/769)
-----
الأول: أن يكون العقار في بلد المدعي، ويكون المدعى عليه في بلد آخر، وفي هذا الوجه القاضي يكتب له، وإذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه كان المكتوب إليه بالخيار، إن شاء بعث المدعى عليه ووكيله مع المدعي إلى القاضي الكاتب حتى يقضي له عليه، ويسلم العقار إليه، وإن شاء حكم به لوجود الحجة، وسجل له، وكتب له قصته لتكون في يده، وأشهد على ذلك، ولكن لا يسلم العقار إليه؛ لأن العقار ليس في ولايته، فلا يقدر على التسليم، إلا أن العجز عن التسليم يمنع التسليم، أما لا يمنع الحكم، فلهذا يحكم بالعقار للمدعي، ولكن لا يسلمه إليه.
ثم إذا ورد المدعي قضية القاضي المكتوب إليه إلى القاضي الكاتب، وأقام بينة على قضائه، فالقاضي الكاتب لا يقبل هذه البينة؛ لأنه يحتاج إلى تنفيذ ذلك القضاء، وتنفيذ القضاء بمنزلة القضاء، فلا يجوز على الغائب، وكذلك لا يسلم الدار إليه؛ لأن تسليم الدار قضاءٌ منه، فلا يجوز على الغائب، ولكن ينبغي للمكتوب إليه أولاً أنه إذا قضى للمدعي، وسجل له بأمر المدعى عليه أن يبعثه مع المدعي أميناً له ليسلم الدار إلى المدعي، فإن أبى ذلك كتب المكتوب إليه إلى الكاتب كتاباً، ويحكي له فيه كتابه الذي وصل إليه، ويخبره بجميع ما جرى بين المدعى عليه، وبين المدعي بحضرة المدعي، وبحكمه على المدعى عليه بالعقار للمدعي، فيأمره المدعى عليه أن يبعث مع المدعي أجراً ليسلم العقار إلى المدعي، وامتناعه عن ذلك، ثم يكتب: وذلك قبلك، وسألني المدعي الكتاب إليك، وإعلامك بحكمي على فلان بذلك ليسلم إليه هذا العقار، فاعمل في ذلك يرحمك الله وإيانا بما يحق لله عليك، وسلم العقار المحدود في الكتاب (264أ4) هذا إلى المدعي فلان بن فلان يوصل كتابي هذا إليك، فإذا وصل هذا الكتاب إلى القاضي الكاتب.(10/770)
-----
وتجمع غلاتها وتصرفها إلى مصارفها ونصوبها عن الإضاعة، فكاتبته في ذلك ليختار قيماً ذا عفاف وأمانة، وكفاية في الأمور، وصلاح وديانة، ويكتب بالجواب على ظهر كتابي هذا شرحاً لأقف عليه، وأقلد من يختاره القوام بعون الله تعالى.
جواب المكتوب إليه: قد وصل إلي كتاب الشيخ القاضي الإمام * يديم الله أيامه * قرأته وفهمت مضمونه، وامتثلت ما أمرني به من اختيار القيم للأوقاف المنسوبة إلى مسجد قريتنا، فوقع اختياري، واختيار المشايخ من قرى للقيام بتسوية أمور الأوقاف إلى قريتنا على فلان بن فلان لما عرفنا من صلاحه وصيانته وعفافه، وديانته وكفايته في الأمور، وكونه مقيماً في هذه القرية، فليتفضل بتقليده، والإطلاق له الده يارده مما يحصل من ارتفاعات هذه الأوقاف؛ ليكون له معونة على القيام في ذلك، وهو مشكور مثاب من الله تعالى.
(10/771)
-----
تقليد الوصاية: يقول القاضي فلان: قد رفع إلي أن فلاناً توفي، وترك ابناً صغيراً، ولم يجعل أحداً وصياً في تسوية أمور هذا الصغير من وصي يقوم في تسوية أموره، وإنه عم فلان، وإنه من أهل الصلاح والأمانة والديانة، وله كفاية وهداية في الأمور، فتفحصت عن حال عم هذا الصغير هذا المذكور، فأخبرني جماعة، وهم فلان وفلان وفلان أنه معروف بالصلاح والديانة والأمانة، مشهور بالكفاية والهداية، فجعلته قيماً في أسباب هذا الصغير المذكور فيه ليقوم بحفظ أسبابه، وسائر أمواله وتعاهدها، وصيانتها عن الإضاعة، واستغلال ما هو صالح للاستغلال من أسبابه، وقبض ارتفاعات أسبابه وحفظها، وصرفها إلى وجوه تصارفها، وإلى ما لا بد له من المطعوم والملبوس والمشروب بالمعروف من غير تقتير ولا إسراف، وأوصيته في ذلك بتقوى الله تعالى، وأداء الأمانة في السر والعلانية، والتحرز عن الغدر والخيانة، وأطلقت له الده يازده مما يحصل في يده من ارتفاعات أسبابه ليكون له معونة في هذا الأمر، ونهيته عن بيع شيء من محدوداته من غير استطلاع، وإني قلدته في ذلك كله، فتقلد بشرط الوقاية، وأمرته بكتابة هذا الذكر حجة في ذلك، وأشهدت عليه من حضر من الثقات، وكان ذلك في تاريخ كذا.
كتاب إلى بعض الحكام
أطال الله تعالى بقاء الشيخ الفقيه الحاكم إلى آخره قد رفع إلي أن فلاناً من قيمة كذا توفي ثم، وخلف من الورثة ابناً صغيراً اسمه فلان، وابنة كبيرة اسمها فلانة، وترك أموالاً كثيرة، وهذه البنت استولت على جميع مال هذا المتوفى وسلفها، فلا بد من إقرار حصة الصغير، وانتزاعها من يد هذه الكبيرة، وكاتبته في ذلك لينسخ جميع التركة من المحدودات، والمنقولات، والحيوانات، وتتفحص في ذلك عمن يسلم العقار إلى المدعي، ويخرجه من يد المدعى عليه.l
الوجه الثاني: أن يكون العقار في غير بلد المدعي، وإنه على وجهين أيضاً:(10/772)
-----
أن يكون في البلد الذي فيه المدعى عليه، وفي هذا الوجه أيضاً القاضي يكتب له، وإذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه يحكم به للمدعي، وأمر المحكوم إليه بتسليم العقار إلى المدعي، وإن امتنع المدعى عليه عن التسليم، فالقاضي يسلم بنفسه، ويصح التسليم منه؛ لأن العقار في ولايته.
وإن كان العقار في بلد آخر يتجر البلد الذي فيه المدعى عليه، فالقاضي يكتب أيضاً إلى قاضي البلد الذي فيه المدعى عليه، والقاضي المكتوب إليه بالخيار إن شاء بعث المدعى عليه، أو وكيله مع المدعي إلى البلد الذي فيه العقار، ويكتب إليه كتاباً حتى يقضي بالعقار للمدعي بحضرة المدعى عليه، وإن شاء حكم به للمدعي وسجل له، ولكن لا يسلم العقار إليه على نحو ما بينا؛ لأن العقار ليس في ولايته.
كتاب حكمي في عبد الآبق على قول من يرى ذلك
صورة ذلك: إذا كان لرجل بخاري عبد آبق إلى سمرقند، فأخذه رجل سمرقندي، فأخبر به المولى، وليس للمولى شهود بسمرقند إنما شهوده ببخارى، فطلب المولى من قاضي بخارى أن يكتب بما شهد عنده شهوده، فالقاضي يجيبه إلى ذلك، ويكتب له كتاباً إلى قاضي سمرقند على نحو ما بينا في الديون وغيره، غير أنه يكتب: شهد عندي فلان وفلان وفلان أن العبد السندي الذي يقال له: فلان، حليته كذا، وقامته كذا ملك فلان المدعي هذا، وقد أبق إلى سمرقند، واليوم في يد فلان بسمرقند بغير حق، ويشهد على كتابه شاهدين يشخصان إلى سمرقند، ويعلمهما ما في الكتاب حتى يشهدوا عند قاضي سمرقند بالكتاب، وبما فيه.(10/773)
-----
فإذا انتهى هذا الكتاب إلى قاضي سمرقند يحضر العبد مع الذي في يديه حتى يشهد عند قاضي سمرقند بالكتاب، وبما فيه حتى تقبل شهادتهما بالإجماع، فإذا قبل القاضي شهادتهما، وثبتت عدالتهما عنده فتح الكتاب، فإن وجد حلية العبد المذكور فيه مخالفاً لما شهد به الشهود عند القاضي الكاتب، رد الكتاب إذ ظهر أن العبد هذا غير المشهود به في الكتاب، وإن كان موافقاً قبل الكتاب، ودفع العبد إلى المدعي من غير أن يقضي له بالعبد؛ لأن الشهود لم يشهدوا بحضرة العبد، ويأخذ كفيلاً عن المدعي بنفس العبد، ويجعل في عنق العبد خاتماً من رصاص؛ حتى لا يتعرض له أحد في الطريق أنه سرقه، ويكتب كتاباً إلى قاضي بخارى بذلك، وشهد شاهدان على كتابه وختمه، وعلى ما في الكتاب، فإذا وصل الكتاب إلى قاضي بخارى، وشهد الشهود أن هذا الكتاب كتاب قاضي سمرقند وخاتمه، أمر المدعي أن يحضر شهوده الذين شهدوا عنده أول مرة، فيشهدون بحضرة العبد أنه ملك هذا المدعي.
فإذا شهدوا بذلك ماذا يصنع قاضي بخارى؟ اختلفت الروايات عن أبي يوسف رحمه الله، ذكر في بعض الروايات أن قاضي بخارى لا يقضي للمدعي بالعبد؛ لأن الخصم غائب، ولكن يكتب كتاباً آخر إلى قاضي سمرقند، ويكتب فيه ما جرى عنده، ويشهد شاهدين على كتابه، وختمه، وما فيه، ويبعث بالعبد معه إلى سمرقند حتى يقضي له قاضي سمرقند بالعبد بحضرة المدعى عليه، فإذا وصل الكتاب إلى قاضي سمرقند، وشهد الشاهدان عنده بالكتاب والختم، وبما في الكتاب، وظهرت عدالة الشاهدين قضى للمدعي بالعبد بحضرة المدعى عليه، وأبرأ كفيل المدعي.(10/774)
-----
وقال في رواية أخرى وهو الأصح: إن قاضي بخارى يقضي بالعبد للمدعي، ويكتب قاضي سمرقند كتاباً آخر حتى يبرأ كفيل المدعي، وعلى الرواية التي جوز أبو يوسف كتاب القاضي في الإماء، وصورته ما ذكرنا في العبد، غير أن المدعي إذا لم يكن ثقة مأموناً، فالقاضي المكتوب إليه لا يدفعها إليه، ولكن يأمر المدعي حتى يجيء برجل ثقة مأمون في دينه وعقله يبعث بها معه؛ لأن الاحتياط في باب الفرج واجب.
رسوم القضاة والحكام في تقليد الأوقاف، يكتب: يقول القاضي فلان قاضي كورة كذا ونواحيها نافذ القضاء بها بين أهلها من قبل فلان: وقع اختيار جماعة من أهل جماعة مسجد فلان في سكة فلان في محلة فلان في كورة بخارى، وهم فلان وفلان، وفلان، وقع اختيارهم جميعاً للقيام في تسوية أمور الأوقاف المنسوبة إلى هذا المسجد على فلان بن فلان الفلاني، وأن يكون هذا المتولي لما عرفوا من صلاحه وأمانته وكفايته، وهدايته في التصرفات، فأمضيت اختيارهم، ونصبت مختارهم هذا فيما فيها ليقوم بحفظها وحياطتها، وصيانتها عن الإضاعة، وصرف ارتفاعاتها إلى وجوه مصارفها، ومراعاة شرط الواقف فيها، وأوصيته في ذلك بتقوى الله، وأداء الأمانة، والتجنب عن المكروه والغدر والخيانة في السر والعلانية، وأطلقت له الده يازده مما يحصل في مدة من ارتفاعاتها ليكون معونة له في هذا الأمر الذي قلدته في ذلك كله، فتقلد مني بشرط الوقاية، وأمرت بكتب هذا الذكر حجة له في ذلك، وأشهدت عليه من حضرني من أهل العلم والعدالة، ثم يوقعه القاضي على الصدر بتوقيعه المعروف، ويكتب في آخره يقول فلان بن فلان: جرى ذلك كله مني، وعندي، وكتبت التوقيع على الصدر، وهذه الأسطر في الآخر بخط يدي.
كتاب (264ب4) يكتب القاضي إلى بعض الحكام في النواحي لاختيار القيم في الأوقاف(10/775)
-----
أيد الله فلان، قد رفع إلي أن الأوقاف المنسوبة إلى مسجد قريتكم خالية عن قيم يتعاهدها، ويجمع غلاتها، ويصرفها إلى مصارفها، ويصونها عن الإضاعة في ذلك ليختار قيماً ذا عفاف وأمانة، وكفاية في الأمور، وصلاح وديانة، ويكتب بالجواب على ظهر كتابي هذا مسرحاً؛ لأقف عليه، وأقلد من يختاره القوامة بعون الله.
جواب المكتوب إليه: قد وصل إلي كتاب الشيخ القاضي الإمام * يديم الله أيامه * قرأته وفهمت مضمونه، وامتثلت ما أمرني به من اختيار القيم للأوقاف المنسوبة إلى مسجد قريتنا، فوقع اختياري واختيار المشايخ من قريتي للقيام بتسوية أمور الأوقاف إلى قريتنا على فلان بن فلان لما عرف من صلاحه وصيانته وعفافه وديانته، وكفايته في الأمور، وكونه مقيماً في هذه القرية، فليتفضل بتقليده، والإطلاق له الده يازده لما يحصل من ارتفاعات هذه الأوقاف ليكون له معونة على القيام في ذلك، وهو مشكور مثاب من الله تعالى.(10/776)
-----
تقليد الوصاية: يقول: القاضي فلان قد رفع إلي أن فلاناً توفي، وترك ابناً صغيراً، ولم يجعل أحداً وصياً في تسوية أمور هذا الصغير، ولا بد لهذا الصغير من وصي يقوم في تسوية، وله عم فلان، وإنه من أهل الصلاح والأمانة والديانة، وله كفاية وهداية في الأمور، فتفحصت عن حال عم هذا الصغير هذا المذكور، وأخبرني جماعة، وهم: فلان وفلان وفلان أنه معروف بالصلاح والديانة والأمانة، مشهور بالكفاية والهداية، فجعلته قيماً في أسباب هذا الصغير المذكور فيه ليقوم بحفظ أسبابه وسائر أمواله، وتعاهدها، وصيانتها عن الإضاعة، واستغلال ما هو صالح للاشتغال من أسبابه، وقبض ارتفاعات أسبابه، وحفظها، وصرفها إلى وجوه مصارفها، وإلى ما لا بد له من المطعوم والملبوس والمشروب بالمعروف، من غير تقتير ولا إسراف، وأوصيته في ذلك بتقوى الله، وأداء الأمانة في السر والعلانية، والتحرز عن الغدر والخيانة، وأطلقت له الده يازده مما يحصل في يده من ارتفاعات أسبابه ليكون له معونة في هذا الأمر، ونهيت عن بيع شيء من محدوداته من غير استطلاع رأيي، قلدته في ذلك كله، فتقلد بشرط الوقاية، وأمرت بكتابة هذا الذكر حجة في ذلك، وأشهدت عليه من حضر من الثقات، وكان ذلك في تاريخ كذا.
كتاب في بعض الحكام بالناحية بقسمة التركة واختيار القيم الموارث الصغير(10/777)
-----
أطال الله بقاء الشيخ الفقيه الحاكم فلان إلى آخره، قد رفع إلي أن فلاناً من قرية كذا توفي، وخلف من الورثة ابناً صغيراً اسمه فلان، وابنة كبيرة اسمها فلانة، وترك أموالاً كثيرة، وهذه البنت استولت على جميع مال هذا المتوفى، ومبلغها فلا بد من إقرار حصة الصغير، وانتزاعها من يد هذه الكبيرة، فكاتبته في ذلك ليفسخ جميع التركة من المحدودات والمنقولات والحيوانات، ويتفحص في ذلك عمن أخبر بذلك، ويقيم جميع التركة من هذا الصغير، وهذه الكبيرة على سهامها، ويراعي في هذه القسمة العدل والإنصاف، ويختار قيماً ذا صلاح وعفاف، وصيانة وديانة وكفاية وهداية، ويبعث نسخة التركة مع المختار للقوامة التي لا تلده القوامة في حق الصغير، وأمضى القسمة، وأسلم حصة الصغير إليه، وهو موفق في إتمام ذلك إن شاء الله تعالى.
نصب الحكام في القرى(10/778)
-----
يقول القاضي فلان: لما ظهر عندي صلاح فلان وصيانته وهداه وديانته، ورشاده وهدايته في الأمور وكفايته مع ما حمد الله تعالى من حقائق الأحكام، وعلمه دقائق الحلال والحرام، نصبته في ناحية كذا متوسطاً لفصل الخصومات بين الخصوم بتراضيهم على سبيل المصالحة بعد أن تأمل في ذلك الحادثة تأملاً شافياً، ولا يحابي شريفاً لشرفه، ولا يظلم ضعيفاً لضعفه، ولم أجز له أن يسمع بينة في حادثة من الحوادث، وأن يقضي لأحد على أحد في صورة من الصور، وإذا تعذر عليه فصل الخصومة بالتراضي بعث الخصوم إلى مجلس الحكم، وأمر به بإنكاح الأيامى الخاليات عن النكاح والعدة من أكفائهن برضاهن إن لم يكن لهن ولي، بمهر أمثالهن في سبيل الاحتياط، وآمر به باختيار القوام في الأوقاف، وأموال اليتامى من الصلحاء والثقات باتفاق من هو بسبيل منها واختيارهم، وأمر به بطاعة الله وتقواه في جميع أحواله سراً وعلانية، وأن يأتي بأوامره، وينتهي عن زواجره، فهذا عهدي إليه، ومن قرأ هذا الكتاب، أو قرىء عليه، فليعرف حقه وحرمته، ولا يخوض أحد فيما فوض إليه، وليصون نفسه عن الملامة، والله الموفق للصواب.
كتاب في التزويج
بعد الدعاء يكتب: يحتسب الشيخ الفقيه أيده الله بالتعرف عن حال المسماة فلانة بنت فلان، فقد خاطبها فلان، فإن وجدها حرة بالغة خالية عن النكاح والعدة، وكان هذا الخاطب كفءاً لها، ولم يكن لها ولي حاضر، ولا غائب ينتظر حضوره، فزوجها منه برضاها بمحضر من الشهود على صداق كذا.(10/779)
وإن كانت صغيرة قد بلغت مبلغاً تصلح للرجال، ولم يكن لها ولي حاضر ولا غائب ينتظر حضوره، ويكتب الكتاب على المثال الذي ذكرنا، ويكتب: فإن وجدها قد بلغت مبلغاً تزف إلى بيت الزوج، ولم يكن لها ولي حاضر، ولا غائب ينتظر بلوغه، ورأيت المصلحة في تزويجها من هذا الخاطب، فزوجها منه على مهر معلوم بمهر مثل لها، وأقبض ما هو مرسوم تعجلته من المسمى، ثم سلمها إلى الزوج.(10/780)
-----
وأكتب الوثيقة على الزوج ببقية المسمى، وأشهد عليها كتاب القاضي إلى بعض الحكام بالناحية للتوسط بين الخصمين: رفع إلي فلان بن فلان أن له خصومة على فلان بن فلان، ويبين الخصومة، وأنه لا ينصفه، ولا يوفي إياه حقه، ولا يحضر معه مجلس الحكم، ويلجأ إلى أهل السلطان، فكاتبته في ذلك ليجمع بينهما، ويسمع دعوى المدعي، وجواب المدعى عليه، ثم يتوسط بينهما بتراضيهما ويفصلها، فإن صلح الأمر، وإلا فأبعثه بهما إلى مجلس الحكم قبلي لأفصل بينهما في الحكم إن شاء الله تعالى.
كتاب القاضي إلى الحاكم بالناحية لتوقيف الضيعة
صورة ذلك: رجل ادعى ضيعة في يدي رجل، وأقام بينة على صحة الدعوى، والقاضي في مسألة الشهود بعدما التمس المدعي من القاضي أن يكتب إلى حاكم القرية التي الضياع المدعى فيها حتى تكون ذلك الضياع موقوفاً عن التصرف فيه من الزيادة والنقصان، فالقاضي يكتب.
وصورته: يكتب الصدر على الرسم، ويكتب بعده: قد ادعى فلان بن فلان على فلان بن فلان بملكية الضيعة التي هي كرم محوط مبني بقصره، وكذا دبرة أرض التي موضعها في أرض قرية كذا، حدودها كذا أنها ملكه، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، وأقام البينة على ذلك (265أ4) ولم يظهر لي أحوال الشهود، فالتمس هذا المدعي مني كتب هذا الكتاب إليه ليجعل هذه الضيعة المتنازع فيها موقوفة في يد هذا المدعى عليه، فلا ينقص من غلاتها، ولا يزيد فيها شيئاً، بل تكون في يده موقوفة إلى أن يظهر أحوال الشهود، فإن انقاد لذلك، وإلا أعلمني بالجواب في ذلك بعون الله تعالى.
ذكر الإذن في الاستدانة على الغائب(10/781)
-----
يكتب: يقول القاضي الإمام فلان: رفعت المسماة فلانة بنت فلان بن فلان الفلاني أن بعلها فلان بن فلان غائب عنها من كورة بخارى ونواحيها، وتركها ضائعة من غير نفقة ولا كسوة، وإنها مضطرة في ذلك، وإن النكاح بينهما قائم في الحال أحضرت معها من جيرانها فلاناً وفلاناً، وفلاناً، يذكر أسماءهم وأنسابهم، فأخبروني هؤلاء أن الحال، كما رفعت إلي من أوله إلى آخره، التمست مني تعيين نفقتها، ويذكر كسوتها، والإذن لها في استدانتها على هذا الغائب، فأجبتها إلى ذلك، وأذنت لها بالاستدانة عليه كل شهر من هذا التاريخ كذا درهماً لمطعومها ومأدومها، وكذا كذا درهماً كل ستة أشهر للبوسها إلى أن يحضر الغائب، فتقضي ما استدانت عليه، وإنها رضيت بذلك، وأمرت بكتب هذا الذكر حجة في ذلك، وأشهدت على ذلك من حضرني من الثقات.
فرض نفقة المرأة: امرأة شكت إلى القاضي من زوجها أنه لا ينفق عليها، والتمست من القاضي التقدير لنفقتها، يكتب: يقول القاضي فلان: رفعت فلانة بنت فلان الفلاني إلى أن زوجها لا ينفق عليها، والتمست مني تقدير نفقتها، فأجبتها إلى ذلك، وفرضت لها على زوجها فلان لمطعومها ومأدومها لكل شهر من هذا التاريخ كذا كذا درهماً، وبدل كسوتها كل ستة أشهر كذا درهماً، وألزمته إدرار ذلك عليها ليتولى الإنفاق على نفسها، وقد رضيت بذلك، وأمرت بكتب هذا الذكر.
أو يكتب: فرض القاضي على فلان بن فلان نفقة زوجته فلانة بنت فلان لطعامها وأدامها لكل شهر من هذا التاريخ كذا درهماً إلى آخره، ويكتب القاضي توقيعه على صدر الذكر، ويكتب في آخره يقول: وفلان كتب هذا الذكر مني بأمري، وجرى القرض والتقدير مني كما كانت فيه.
كتاب المستورة من القاضي بالعربية(10/782)
-----
أطال الله بقاء الشيخ الفقيه فلان، وأدام عزه وتأييده وترفيعه وتسديده، شهد مجلس القضاء قبلي فلان، وهو كهل مسكنه في سكة كذا من جماعة كذا، وفلان وهو شاب مسكنه بهذه السكة من هذه الجماعة، فالتفصيل بالتأمل في أحوالهما، وبالاختيار إيانا ما صح عنده محتسباً، وللثواب مكتسباً، جواب ظاهر حالهما الصلاح عندي، وكتب فلان إلى فلان، وعلى عكسه يكتب غيرهما أولى منهما عندي، وكتب فلان المستورة بالفارسية: أطال الله بقاء فلان، وأدام عزه على سلامة ونعمة كواهي واو بمجلس قضاء بيري كه نام وي فلانست باسيده بجماعة فلان وجواني فلان نام باشده بهمين كوي وبهمين جماعة فصل كند وآز أخوال ايشان مارخبر ومد، وجوابه بالفارسية على نسق ما كتب بالعربية.
محاضر وسجلات
هذه المحاضر مشتملة على سبعة وستين محضراً
1 * في رد محضر فيه دعوى وصي صغير من جهة أبيه ديناً لذلك الصغير
2 * في رد دعوى العقار للصغير بالإذن الحكمي
3 * في محضر رد، وفيه دعوى المرأة الميراث على وارث الزوج، ودعوى الوارث الصلح عليها.
4 * في رد محضر فيه دعوى تجهيل الوديعة.
5 * في رد محضر فيه دعوى الدنانير الملكية رأس مال الشركة.
6 * في رد محضر فيه دعوى الوصية بثلث المال.
7 * في رد محضر فيه دعوى الكفالة.
8 * في رد محضر فيه دعوى المهر بحكم الضمان.
9 * في رد محضر فيه دعوى الكفالة بسبب الصداق معلقة لوقوع الفرقة.
10 * في محضر فيه دعوى عشرة أسهم من عشرين سهماً من أرض.
11 * في دعوى شراء الحدود من والد صاحب اليد.
12 * في دعوى الجارية.
13 * في دعوى ولاء العتاقة.
14 * في دعوى الميراث.
15 * في دعوى رجل على رجل أنك سرقت من دراهمي كذا.
16 * في إثبات الإيصاء بثلث المال.
17 * في محضر اختلفوا في فساده في دعوى الكرم.
18 * في دعوى الإرث مع دعوى العتق.
19 * في محضر فيه دعوى الميراث.
20 * في محضر فيه دعوى بيع السكني.
21 * في رد محضر فيه دعوى الشفعة.
-----
22 * في دعوى الرجوع بثمن الأمان عند استحقاق الأمان.
23 * في بيع سهم شائع بحدود هذا السهم.
24 * في دعوى الإجارة الطويلة.
25 * في محضر فيه دعوى بقية مال الإجارة المفسوخة.
26 * في موت المستأجر.
27 * في صك الإجارة.
28 * فيما فيه دعوى المضاربة على ميت بحضرة وارثه.
29 * فيما فيه دعوى قيمة الأعيان المستهلكة.
30 * فيما فيه قبض العدليات بغير حق، واستهلاكها.
31 * في دعوى الثمن.
32 * في دعوى الوكيل من جهة موكله.
33 * في دعوى الثمن.
34 * في دعوى السرقة.
35 * في دعوى الوصية بالثلث.
36 * في سجل ورد من مرو في إثبات ملكية حمل.
37 * في إثبات الوقفية.
38 * في دعوى ثمن أشياء أرسل بها المدعي إلى المدعى عليه ليبيعها.
39 * في دعوى ملكية حماره.
40 * في محضر فيه دعوى بقية صداق بنته على زوجها بسبب دعوى الطلاق.
41 * في محضر فيه دعوى استئجار الطاحونة.
42 * فيما فيه دعوى إجارة محدودة بأجرة معلومة.
43 * في الإجارة المضافة.
44 * في سجل فيه استحقاق جارية اسمها دلب
45 * في إثبات الاستحقاق، والرجوع بالثمن.
46 * في دعوى ثمن عين مسماة.
47 * في دعوى دنانير نيسابورية.
48 * في دعوى بيع الحنطة بخمسين، فشهد أحد الشاهدين بخمسة وعشرين، والآخر بسبعة وعشرين.
49 * فيما فيه ابن مدعى عليه ازرسين مستأجر من اين مبلغ كندم برد اشته است بنا حق، فإن كان قائماً فعليه رده، وإلا فرد مثلها.
50 * في محضر فيه دعوى أعيان مختلفة الجنس والنوع، وذكر قيمتها جملة، ولم يبين قيمة كل واحد.
51 * في دعوى الناقة، والمكتوب في المحضر الجمل.
52 * فيما فيه أنه قطع من أشجار كرمه كذا من الحطب قيمته كذا، أو غصب من كرمه كذا وقراً من الأعناب.
53 * فيما فيه دعوى أن الزوج أخذ من مالها كذا بغير حق قبضاً يوجب عليه الرد، فأقر أنه قبض ذلك، ولم يذكر فيه أنه قبض بغير حق.
54 * فيما فيه دعوى القبض والسراويل.
-----
55 * في دعوى النحاس المنكسرة، والغاصب في مرو، والدعوى ببخارى.
56 * فيما لم يذكر فيه اسم الجد.
57 * فيما ادعت المرأة بقية مهرها على ورثة الزوج، ولم يذكر أعيان التركة.
58 * فيما رد من الإقرار بعلة أنه لم يذكر فيه تطوع.
59 * في دعوى صداق جارية مشتركة.
60 * في محضر فيه دعوى صبي بعلة أن دعوى الصبي غير صحيحة.
61 * فيما رد بعد أنه ادعى عليه موجب خرسه، والواجب على العاقلة.
62 * في دعوى الإرث.
63 * في دعوى الضمان، ولم يقل ضمن لي.
64 * فيما فيه دعوى دفع الدفع.
65 * فيما رد؛ لأنه لم يذكر فيه لفظة الشهادة، بل ذكر أنهم شهدوا على موافقة الدعوى.
66 * في سجل رد بعلة أنه لم يكتب فيه: حكمت، بل كتب: ثبت عندي.
67 * في دعوى الوصي وقفية ضيعة، ولم يذكر المصرف.
68 * في الشهادة على أنه حر الأصل، ولم يشهدوا أنه علق حر الأصل (265ب4).(10/783)
محاضر وسجلات ردت بخلل فيها
ورد محضر فيه دعوى رجل زعم أنه وصي صغير من جهة أبيه ديناً لذلك الصغير على رجل، ورد المحضر بعلة أنه لم يذكر في المحضر أن الدين لهذا الصغير بأي سبب، ولا بد من بيان ذلك؛ لأن الدين إذا كان موروثاً، وللميت وارث سوى هذا الصغير، فإنما يصير الدين للصغير بالقسمة، وقسمة الدين باطلة، والشهود في شهاداتهم لم يشهدوا على موت الأب، وعلى الإيصاء إلى المدعي، ولا بد من ذلك.(10/786)
ورد محضر في دعوى العقار للصغير بالإذن الحكمي
-----
صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بالإذن الحكمي أن الدار التي في يد هذا الذي أحضره معه، حدودها كذا ملك فلان الصغير بسبب أنها كانت ملك والد هذا الصغير فلان المسمى في المحضر، اشتراها لابنه الصغير المسمى في هذا المحضر بمال الصغير من نفسه بولاية الأبوة بثمن معلوم هو مثل قيمة الدار، واليوم هذه الدار المحدودة ملك هذا الصغير بهذا السبب المذكور فيه، وفي يد هذا الذي أحضره بغير حق، فواجب عليه تسليمها إلى هذا الذي حضر ليقبضها لهذا الصغير المسمى في هذا المحضر، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن فيه أن الإذن الحكمي لهذا المدعي من جهة هذا القاضي، أو من جهة قاضٍ آخر، وعلى تقدير الإذن من جهة قاضٍ آخر لابد من إثبات الإذن الحكمي عند هذا القاضي يسمع خصومته، ولأنه لم يذكر في المحضر أن المدعي مأذون في القبض، إنما المذكور فيه أن المدعي ادعى بالإذن الحكمي، ولعل أنه كان مأذوناً بالدعوى والخصومة دون القبض.H
وعلى تقدير أن لا يكون مأذوناً بالقبض لا يكون له حق القبض عند زفر؛ لأن المأذون بالدعوى والخصومة بمنزلة الوكيل بالخصومة، والوكيل بالخصومة لا يملك القبض عند زفر وعليه الفتوى، فلا بد من ذكر كونه مأذوناً بالقبض، وذكر ما يدل عليه من كونه وصياً، فإن الإيصاء يثبت ولاية القبض، ولأنه لم يذكر في المحضر أن الثمن مثل المعقود عليه وقت العقد، ولا بد لصحة هذا العقد من كون الثمن مثل المعقود عليه وقت العقد.
محضر في دعوى المرأة الميراث على وارث الزوج للميت، ودعوى الوارث الصلح عليها(10/787)
-----
رجل مات وترك ابناً وامرأة، فحضرت المرأة مجلس القاضي، وأحضر(ت) ابن الزوج معها، وطلب(ت) منه ميراثها، فادعى الابن أنها صالحته من جميع نصيبها من ميراث أبيه، وعن جميع دعاويها على كذا وكذا، وإنه قبل الصلح عن نفسه بالأصالة، وعن أخيه الصغير بالإذن الحكمي، وهذا الصلح كان خيراً للصغير، وقد قبضت بدل الصلح، ولم يبق لها في تركة الزوج حق، وهي في هذه الدعاوى مبطلة، فرد المحضر بعلة أنه ليس في المحضر بيان التركة، ويجوز أن يكون في التركة ديون، وعلى هذا التقدير لا يصح الصلح إلا باستثناء الدين عن الصلح.
ولو لم يكن في التركة من جنس بدل الصلح من النقد مقدار ما يصيبها من الميراث من ذلك قدر بدل الصلح، أو زائداً عليه، وعند ذلك لا يجوز الصلح لمكان الربا، وإن لم يكن في التركة من جنس بدل الصلح يجوز أن يكون فيها من خلاف جنس بدل الصلح من النقد، وعند ذلك يشترط قبض بدل الصلح من النقد، وعند ذلك يشترط قبض بدل الصلح في المجلس، ولم يكن في المحضر ذكر قبض بدل الصلح في المجلس.
وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول بجواز هذا الصلح، ويقول بجواز أن لا يكون في التركة دين، ويجوز أن لا يكون في التركة من جنس بدل الصلح، أو إن كان يجوز أن لا يكون نصيبها من ذلك مثل بدل الصلح أو أقل، بل يكون أزيد، ويجوز أن لا يكون في التركة شيء من نقد آخر، فما ذكروا كلها وهم هو، بالوهم لا يمكن إبطال الصلح.(10/788)
محضر في دعوى تجهيل الوديعة
-----
حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أني دفعت إلى أب هذا الذي أحضرته فلان صرة مسدودة مكتوب عليها: توكلت على الله بضاعة إبراهيم الحاجي، وفيها خمسة أعداد من اللعل البد خشاني وزن كل واحد سبعة دراهم، وقيل: وكل كذا، وإن أب هذا الذي أحضرته فلان قبض ذلك كله مني قبضاً صحيحاً، وتوفي قبل رد ذلك إلى التجهيل لها من غير بيان، وصارت قيمة ذلك ديناً في تركته لي، وشهد الشهود بذلك، فرد المحضر بعلة أن المدعي في دعواه، والشهود في شهادتهم أثبتوا قيمة هذه الأشياء يوم التجهيل؛ لأن سبب الضمان في مثل هذا الموضع التجهيل، فيراعي القيمة يوم التجهيل.
قلت: وقد ذكر محمد في كفالته: لو أن رجلاً أودع رجلاً عبداً، وجحده المودع، ومات في يده، ثم أقام المودع بينته على الإيداع، وعلى قيمته يوم الجحود، قضي على المودع بقيمته يوم الجحود.
ولو قالوا: لا نعلم قيمته يوم الجحود، ولكن علمنا قيمته يوم الإيداع، وهو كذا قضى القاضي على المودع بقيمته يوم القبض بحكم الإيداع، وهذا لأن سبب الضمان على المودع في فصل الجحود الجحود، إذا علم قيمة الوديعة يوم الجحود، وإذا لم يعلم قيمته يوم الجحود، وعلم قيمته يوم الإيداع، فسبب الضمان في حقه القبض بحكم الإيداع؛ وهذا لأن الضمان إنما يجب على المودع بالجحود والقبض السابق، فإنه لو جحد الوديعة، وقال: لا وديعة لك عندي، وكان الأمر كذلك بأن لم يكن قبضها لا يجب الضمان، وإذا كان قبضها، ولم يجحد لا يجب الضمان أيضاً، قلنا: والجحود آخرهما وجوداً، فيحال بالضمان عليه، فجعلنا سبب الضمان في حقه الجحود، وأوجبنا قيمته يوم الجحود.
وإذا لم يشهدوا بقيمته يوم الجحود، وشهدوا بقيمته يوم الإيداع تعذر إحالة الضمان على الجحود، فأحلناه على القبض السابق، وجعلنا سبب الضمان في حقه القبض السابق، وأوجبنا قيمته يوم القبض السابق.(10/789)
-----
وإن قال الشهود: لا نعلم قيمته أصلاً لا يوم الجحود، ولا يوم الإيداع، فإنما يقضي عليه بما يقر من قيمته يوم الغصب، فعلى قياس هذه المسألة ينبغي أن يقال في مسألة التجهيل: إذا لم يشهد الشهود بقيمة البضاعة يوم التجهيل، وشهدوا بقيمتها يوم الإيضاع أن يقضي بقيمتها يوم الإيضاع.
وإن قالوا: لا نعرف قيمتها أصلاً يقضى بما يقر من قيمتها يوم التجهيل، وهو الصحيح.
سجل لم يكتب في آخره: وحكمت بكذا في مجلس قضائي بكورة كذا تركوا ذكر الكورة، فرد السجل بعلة أن المصر شرط نفاذ القضاء في ظاهر الرواية.
قالوا: ليس أنه كتب في أول السجل حضر مجلس قضائي في كورة كذا قبل هذا حكاية أول الدعوى، ويجوز أن تكون الدعوة في الكورة، والحكم والقضاء بكورة خارج الكورة، فلابد من ذكر الكورة عند الحكم والقضاء لقطع هذا الاحتمال، ولكن هذا الطعن عندي فاسد؛ لأن على رواية «النوادر» المصر ليس شرط نفاذ القضاء، فإذا قضى القاضي بشيء خارج المصر كان قضاؤه في فصل مجتهد فيه، فينفذ قضاؤه، ويصح سجله، ويصير مجمعاً عليه.
سجل ورد من قاضي كتب في آخره
يقول فلان: كتب هذا السجل علي بأمري ومضمونه حكمي، فأخذوا عليه، وقالوا: قوله مضمونه حكمي كذب وخطأ؛ لأن مضمون السجل أشياء التسمية، وحكاية دعوى المدعي، وإنكار المدعى عليه، وشهادة الشهود، وكل ذلك ليس حكم القاضي، وإنما حكم القاضي بعض مضمون السجل، فينبغي أن يكتب: وفي مضمونه حكمي، أو يكتب: والحكم المذكور فيه حكمي، أو يكتب: والقضاء المذكور فيه قضائي نفذته لاحت عندي.
ورد محضر في دعوى الدنانير الملكية رأس مال الشركة(10/790)
-----
صورتها: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أن هذا الذي حضر مع هذا الذي أحضر اشتركا شركة عنان على أن يكون رأس مال كل واحد منهما كذا كذا عدلياً (266أ4) من ضرب كذا على أن يبيعا ويشتريا جملة، وعلى الانفراد ما بدا لهما، ولكل واحد منهما من الأمتعة والأقمشة، وأحضر كل واحد رأس ماله، وخلطاه وجعلناه في يد هذا الذي أحضره معه اشترى بهذه العدليات التي هي رأس مال الشركة كلها، كذلك من الكرابيس، ثم باعها بكذا من الدنانير الملكية الموزونة بوزن مكية، فواجب عليه أداء حصته من الدنانير الملكية وذلك كذا، وهي قائمة بعينها في يده يطالبه بذلك، وسأل مسألته، فرد المحضر بعلة أن الدعوى وقع في الدنانير الملكية؛ لأن الدعوى وقع في ثمن الكربيس، وثمن الكربيس الدنانير الملكية، والدنانير الملكية نقلية، والدعوى في النقليات، والبينة حال غيبتها.
لا تسمع وهذا ليس بصواب عندنا، ولا يجوز رد المحضر بهذه العلة؛ لأن الإحضار في المنقول إنما يشترط للإشارة إليه، وفي الدنانير وما أشبهها الإشارة؛ لأن البعض يشبه البعض بحيث لا يمكن التمييز والفصل.
ثم هذا العقد لم يصح شركه عند أبي حنيفة وأبي يوسف في المشهور من قولهما؛ لأن العدلي الذي في زماننا بمنزلة الفلوس، والفلوس لا تصلح رأس مال الشركة في المشهور من قولهما، فبعد ذلك ننظر إن كان دافع العدليات قال لشريكه يوم دفع العدليات إليه اشتراها وقع مرة بعد مرة، فإذا اشترى الشريك بالعدليات الكرابيس، وباع الكرابيس بالملكي، واشترى بالملكي شيئاً بعد ذلك، وباعه هكذا مرة بعد مرة، فجميع البياعات نافذة، والمشترى في كل مرة مشترك بينهما، والثمن في كل مرة مع الربح كذلك؛ لأن هذه التصرفات إن لم تنفذ على الدافع بحكم الشركة؛ لأن الشركة لم تصح، نفدت بحكم الوكالة والأمر.(10/791)
-----(10/792)
المحيط البرهانى
وإن كان الدافع قال لشريكه: اشتر هذه العدليات، ولم يقل مرة بعد أخرى، فإذا اشترى بها الكربيس، ثم باع الكربيس انتهت الوكالة بها فيها، ووجب على الشريك دفع الملكيات إلى الدافع بقدر حصة رأس المال مع حصته من الربح، فإذا اشترى بعد ذلك يصير مشترياً لنفسه، فإذا نقد الثمن من الملكي صار غاصباً لحصة الدافع من الملكي، فيصير ضامناً له ذلك القدر.
محضر فيه دعوى الوصية بثلث المال
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن أب هذا الذي أحضره معه أوصى لهذا الرجل الذي حضر بثلث جميع ماله في حياته وصحته، وثبات عقله وصية صحيحة، وإن هذا الذي حضر قبل منه هذه الوصاية بعد موت أب هذا الذي أحضره معه قبولاً صحيحاً، وصار ثلث جميع تركة أب هذا الذي أحضره لهذا الذي حضر بحكم هذه الوصية، وفي يد هذا الذي أحضره معه من تركة أبيه كذا وكذا، فعليه تسليم ثلث ذلك إلى هذا الذي حضر ليقبضه بحكم هذه الوصية ليقبضه.
فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر: أوصى في حال جواز تصرفاته ونفاذها، إنما كان فيه: أوصى في حياته وصحته، وثبات عقله، وليس من ضرورة كونه صحيحاً ثابت العقل أن تصح وصيته، فإنه لو كان مجحوراً عليه على قول من يرى الحجر لا تصح وصيته.
وقد ذكر في كتاب الحجر: أن السفيه المبذر لماله إذا أوصى بوصايا، فالقياس: أن لا تجوز وصاياه. وفي الاستحسان: تجوز من وصاياه ما وافق وصايا أهل الصلاح، ولا يعدون ذلك سرفاً من الموصي، ولا يستفحشونها فيما بينهم، وكذلك لم يكن في المحضر: أوصى لها طائعاً، ولا بد من ذكر الطواعية، فإن وصية المكره لا تصح، وزعم بعض مشايخنا علة أخرى لدفع المحضر، وهو ترك ذكر حرية الموصى في المحضر، وهذا وهم؛ لأن الحرية صارت مستفادة من قوله: أوصى له بثلث ماله.
محضر فيه دعوى الكفالة(11/1)
-----
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أنه كفل لي بنفس فلان على أنه متى لم يسلمه إلى يوم كذا، فهو كفيل بالمال الذي لي عليه، وذلك ألف درهم مثلاً، وإني قد أجزت كفالته، ثم إنه لم يسلم نفس فلان إلي في ذلك اليوم الذي عينه؛ ليسلم النفس فيه، وصار كفيلاً بالمال الذي لي عليه، وذلك ألف، وطالبه في ذلك، وسأل مسألته، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر ذكر الألف التي ادعى الكفالة بها أنها ما هي، ولا بد من بيان ذلك؛ لأن من الأموال ما لا تصح الكفالة به كبدل الكتابة، والدية، وأشباه ذلك، فلا بد من بيان الألف أنها ماذا؟ حتى ننظر أنه هل تصح الكفالة؟ وإن دعوى الكفالة هل منه مسموع أم لا؟ وعلة أخرى أنه لم يكن في المحضر أنه أجاز الكفالة في مجلس الكفالة، ولا بد من إجازة الكفالة في مجلس الكفالة، فإن من كفل لغائب، ولم يقبل عنه في مجلس الكفالة، ولا خاطب عنه أجنبي في مجلس الكفالة، فبلغ الغائب ذلك، وأجاز لا تصح الكفالة عند أبي حنيفة، ومحمد، وهو قول أبي يوسف الأول.
وبعض مشايخنا قالوا: دعوى إجازة الكفالة ليس بشرط، ودعوى الكفالة يتضمن دعوى الإجازة كما أن دعوى البيع يتضمن دعوى الشراء، ثم على قول من يقول بأن دعوى الإجازة شرط يشترط دعوى الإجارة في مجلس الكفالة.
ولو قال: أجزت الكفالة في مجلس، ولم يقل: في مجلس الكفالة، وذلك لا يكفي، فلعل المكفول له لم يجز الكفالة حتى قام الكفيل عن المجلس، وذهب ثم أجاز، فذلك إجازة في مجلس المكفول له، إلا أنها ليست بمعتبرة بالإجماع.
ولو ادعى الكفالة مرة، ولم يدع الإجازة، ثم ادعى الكفالة مرة أخرى، وادعى الإجازة في مجلس الضمان كان ذلك صحيحاً.(11/2)
محضر في دعوى المهر بحكم الضمان
-----
صورته: امرأة ادعت على رجل أنها كانت منكوحة فلان، تزوجها على ألف درهم نكاحاً صحيحاً، وهذا الرجل ضمن لي جميع المهر ضماناً صحيحاً، وقد أجزت ضمانه في مجلس الضمان، ثم إني صرت محرمة على زوجي فلان حرمة غليظة، وصار مهري على زوجي فلان، وعلى هذا الضمان ضمن المهر لي عنه حالاً، فواجب عليه أداء جميع مهري، وذلك ألف درهم، وطالبه في ذلك، وسألت مسألته، فرد المحضر بعلة أنها لم يتيقن سبب الحرمة أنها بأي سبب حرمت عليه.
وأسباب الحرمة نوعان: متفق عليه، ومختلف فيه، ولعل أنها زعمت الحرمة بسبب مختلف فيه، ويكون عند المفتي والقاضي بخلاف ما زعمت، ولأن الحرمة الغليظة قد تكون بمعنى من جهتها، وإنها توجب سقوط جميع الصدقات من الزوج والكفيل جميعاً إذا كان قبل الدخول بها، وقد يكون بمعنى من جهة الزوج، وإنها توجب سقوط نصف الصداق عن الزوج والكفيل إذا كان قبل الدخول بها، وهي لم تبين أن الحرمة كانت لمعنى من الزوج، أو من جهة المرأة قبل الدخول بها، أو بعد الدخول، ولا تستقيم دعوى جميع المهر على الكفيل من غير بيان.
محضر فيه دعوى الكفالة بشيء من الصداق معلقة بوقوع الفرقة
صورته: امرأة ادعت على رجل أنك كفلت لي عن زوجي فلان بدينار أحمر جيد من صداقي الذي كان لي على زوجي فلان كفالة معلقة بوقوع (266ب4) الفرقة بيننا، وقد أجزت ضمانك في مجلس الضمان، وقد وقعت الفرقة بيني وبين الزوج بسبب أن الزوج جعل أمري بيدي على أنه متى غاب عني شهراً، فأنا أطلق نفسي تطليقة بائنة متى شئت، وقد غاب عني شهراً من تاريخ الأمر، وطلقت نفسي بحكم ذلك الأمر، وصرت كفيلاً لي بدينار من صداقي، وواجب عليك أداء الدنانير إلي، وأقامت البينة على جميع ذلك، فأفتوا بصحة المحضر، وقالوا: تقبل بينتها، وبالقضاء على الكفيل بالدينار.(11/3)
-----
قالوا: ويكون ذلك قضاءً على الزوج بالفرقة؛ لأنها ادعت على الكفيل أمراً لا يتوصل إليه إلا بإثبات أمر آخر على الزوج، وهو جعل الأمر بيدها، وتطليقها نفسها بحكم ذلك الأمر عند تحقق شرطه، فينصب الكفيل خصماً عن الزوج في ذلك، وهذا أصل ممهد في قواعد الشرع، ولكن هذا مشكل عندي؛ لأن المدعي ببيان الفرقة على الغائب، والمال على الحاضر، والمدعي على الغائب ليس بسبب لثبوت المدعي على الحاضر بل هو شرطه، وفي مثل هذا لا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، عليه عامة المشايخ، فينبغي أن يقضى بالمال، ولا يقضى بالفرقة على الزوج.
محضر في دعوى ملكية الأرض على رجل في يده بعض ملك
وصورته: رجل ادعى على رجل أرضاً في يديه أنها ملكه، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، وأقام المدعي البينة على دعواه بعد إنكار المدعى عليه دعواه، وقضى القاضي للمدعي بالأرض كما هو الرسم، ثم ظهر أن الأرض المدعى بها كانت في يد المدعى عليه، وفي يد رجل آخر.
فقيل: المسألة على وجهين:
إن ظهر ذلك بإقرار المدعي ظهر ببطلان القضاء؛ لأن المدعي بإقراره أكذب شهوده في بعض ما شهدوا به بعد القضاء، وتكذيب المدعي شهوده في بعض ما شهدوا بعد القضاء يوجب بطلان القضاء على ما عليه إشارات «الأصل» و «الجامع»، فأما إذا أراد المدعى عليه أن يقيم البينة على أن الدار المدعى به كان في يدي، وفي يد فلان وقت الدعوى، لا تقبل بينته؛ لأن بينته على كون المدعى به في يده بعدما ثبت ذلك ببينة المدعي، فلا تقبل بينته، ولا يظهر معنى بطلان القضاء.
محضر فيه دعوى عشرة أسهم من عشرين سهماً من أرض رجل، ولم يشهد الشهود أن جميع الأرض في يد المدعى عليه(11/4)
-----
صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن جميع عشرة أسهم من عشرين سهماً من الأراضي التي في موضع كذا، حدها الأول والثاني والثالث، والرابع كذا ملكي، وحقي وفي يد هذا الذي أحضرته بغير حق، وشهد الشهود بذلك، فاختلفت أجوبة المفتين في ذلك، بعضهم أجابوا بفساد المحضر بعلة أن المدعي في دعواه والشهود في شهادتهم لم يذكروا أن جميع الأرض في يد المدعى عليه، وما لم يثبت كون الأرض في يده، لا يثبت كون بعض الأرض في يده، وبعضهم أفتوا بصحة المحضر، وليس من شرط إثبات اليد على بعض الشيء شائعاً إثباتها على جميع ذلك الشيء، فالقول الأول: يشير إلى أن غصب نصف العين لا يتصور، وهكذا ذكر ركن الدين أبو الفضل في «إشاراته»، وهكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله.
والقول الثاني: يشير إلى أن غصب نصف العين شائع متصور، ألا ترى أن الرجلين إذا استأجرا داراً، واشتريا داراً، وشغلا بأمتعة مشتركة كان كل واحد منهما مثبتاً يده على نصفها شائعاً.
محضر فيه دعوى شراء المحدود من والد صاحب اليد
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن المنزل الذي في يد هذا الذي أحضره معه حدوده كذا، وموضعه كذا؛ كان ملكاً لوالده فلان، وحقها له، وإنه باعه مني في حياته وصحته، ونفاد تصرفاته بكذا في يوم كذا، وهكذا أقر لي في حياته ببيع هذا المحدود بهذا لتاريخ (كذا)، وجاء بشهود شهدوا على إقرار والده فلان بهذا البيع المذكور، قالوا: واليوم هذا المنزل ملك هذا المدعي بالسبب المذكور في هذا المحضر، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فزعم بعض المفتين أن في المحضر خللاً من وجهين:(11/5)
-----
أحدهما: أن الشهود شهدوا على إقرار البائع بالبيع المذكور في دعوى المدعي، والمذكور في دعوى المدعي إقرار البائع مضافاً إلى تاريخ البيع، وهو يوم كذا، ولعل هذا الإقرار كان في يوم كذا ولكن قبل البيع، فيكون الإقرار بتاريخ البيع، ولكن قبل البيع، وعلى هذا التقدير كانت الشهادة على الإقرار بالبيع قبل البيع، والإقرار بالبيع باطل، فالشهادة على الإقرار بالبيع قبل البيع يكون باطلاً أيضاً. ولأن الشهود في شهادتهم قالوا: واليوم هذا المنزل ملك هذا المدعي بالسبب المذكور في هذا المحضر، والسبب المذكور في هذا المحضر البيع لا الإقرار بالبيع؛ لأن الإقرار لا يصلح بسبب ملك، ولا شهادة لهم على البيع إنما شهادتهم على الإقرار بالبيع.
ولكن هذا الزعم فاسد لوجهين:
أحدهما: أن مطلق كلام العاقل، وتصرفه يحمل على وجه الصحة بقصة الأصل، وذلك هاهنا في أن يحمل دعوى المدعي الإقرار بالبيع بذلك التاريخ على دعواه الإقرار بالبيع بعد البيع بذلك التاريخ، وكذلك على هذا.
والثاني: أن مطلق كلام العاقل على المعتاد، والناس في عاداتهم يريدون بهذا الإقرار بالبيع بعد البيع بذلك التاريخ.
وأما الثاني فقلنا: هذا شهادة على الإقرار بالبيع، والبيع بسبب الملك، فتكون هذه شهادة على الإقرار بما هو سبب الملك، وإنه صحيح.
محضر في دعوى الجارية
حضر وأحضر مع نفسه جارية، وادعى أن هذه الجارية ملكه، والجارية منكر، فجاء الذي حضر بشهود شهدوا بهذه العبارة: دو ذي مروي بياند واين جارية حاضر أورده راباين حاضر آسده، فزوجت بها معلوم وبوي تسليم كرد، فرد المحضر بعلتين:(11/6)
-----
إحداهما أن الشهود شهدوا بالملك للمدعي بطريق الانتقال من بائعه، فلا بد من إثبات الملك للبائع ليثبت الانتقال إلى المدعي، ولم يثبت الملك للبائع بهذه الشهادة؛ لكون البائع مجهولاً، وإثبات الملك للمجهول لا يتحقق، وإذا لم يثبت الملك للبائع في هذه الصورة بهذه الشهادة كيف يثبت الانتقال منه إلى المدعي بهذه الشهادة؟ حتى لو كان ملك البائع معلوماً تقبل الشهادة، ويقضى بالجارية للمدعي.
العلة الثانية: أن الشهود شهدوا أن رجلاً باعها من هذا المدعي، ولم يشهدوا أن المشتري اشتراها، ويجوز أن ذلك الرجل باعها إلا أن المدعي لم يشترها، وبمجرد البيع بدون الشراء لا يثبت الملك، ولكن العلة الثانية ليست بصحيحة؛ لأن ذكر البيع يتضمن الشراء، وذكر الشراء يتضمن البيع، ألا ترى أن من ادعى على غيره أني بعت منك هذه الجارية بكذا، وطالبه بالثمن كان دعواه صحيحة، وإن لم يقل: وأنا اشتريتها منه، ذكره محمد رحمه الله في كثير من المواضع.
ورد محضر آخر أيضاً في دعوى الجارية
أحضر مع نفسه جارية، وادعى أنها جاريته اشتريتها من فلان، وطاعته واجبة عليها، والجارية تنكر دعواه، فجاء الذي حضر بشهود شهدوا أنه اشتراها، فاختلفت أجوبة المفتين، فأفتى بعضهم بصحة الدعوى في حق القضاء بالملك لا في حق وجوب الطاعة، لأن الطاعة بتسليمها نفسها إليه، وتسليم المبيع إنما يجب بعد نقد الثمن، والمدعي في دعواه لم يذكر نقده الثمن، وأفتى بعضهم بعدم صحة الدعوى أصلاً، وهو الصحيح؛ لأن الشهود ما شهدوا بملك البائع لا قضاءً، ولا دلالة، وبدون ذلك لا يقضى بالملك للمشتري، وهي مسألة كتاب «الشهادات.»(11/7)
محضر في دعوى ولاء العتاقة
-----
رجل مات فجاء رجل، وادعى أن الميت عتيق والدي فلان كان أعتقه والدي في حياته، وميراثه لي لما أني ابن معتقه، لا وارث له غيري، فأفتى بعض مشايخ زماننا بفساد هذه الدعوى، وأفتى بعضهم بالصحة، والصحيح أن هذه (267أ4) الدعوى فاسدة؛ لأن المدعي لم يقل في دعواه: وهو يملكه، والإعتاق من غير المالك باطل.
الدليل على صحة ما قلنا ذكر محمد رحمه الله في دعوى «الأصل» في باب دعوى العتق: إذا أقام عبد بينة أنه أعتقه فلان، وفلان ينكر ذلك، أو يقر، فأقام آخر بينة أن هذا العبد عبده قضى القاضي للذي أقام البينة أنه عبده؛ لأن شهود العتق شهدوا بعتق باطل؛ لأنهم لم يقولوا في شهادتهم: وفلان يملكه، والملك لا يثبت لفلان من غير شهادة، والعتق بلا ملك باطل، فهو معنى قولنا: إنهم شهدوا بعتق باطل، فصار وجود هذه الشهادة وعدمها بمنزلة، ولو عدم هذه الشهادة لكان يقضي للذي أقام البينة أنه عبده كذا هاهنا
وكذلك لو شهد شهود العبد أن فلاناً أعتقه، وهو في يده يقضى للذين شهدوا أنه عبده؛ لأن صحة الإعتاق يعتمد الملك دون اليد، والشهود لم يشهدوا له بالملك، ولو شهد شهود العبد أن فلاناً أعتقه وهو يملكه، وشهد شهود الآخر أنه عبده قضي ببينة العتق؛ لأن إثبات العبد الملك لمعتقه، كإثبات المعتق الملك لنفسه.
ولو أن المعتق أقام بينة أنه عبده أعتقه قضي ببينة العتق؛ لأن البينتين استويا في إثبات الملك، وفي أحدهما زيادة إثبات العتق كذا هاهنا، فهذه المسألة دليل على أن في دعوى العتق من جهة الغير لا بد من ذكر ملك ذلك الغير.
ورد محضر في دعوى الدفع(11/8)
-----
صورته: ادعى عيناً في يدي رجل اشتراه من فلان في يوم كذا من شهر كذا، وجحد المدعى عليه دعواه، فأقام المدعي بينة على ما ادعى، وتوجه الحكم للمدعي على المدعى عليه بما ادعاه المدعي، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أن هذا الذي ادعيت تلقي الملك من جهته، أقر قبل تاريخ شرائك، أو قال: قبل شرائك بسنة طائعاً أن هذا العين ملك أخيه فلان، وحقه، وصدقه أخوه فلان في ذلك، وأنا اشتريت هذا العين من أخيه ذلك المقر له، فدعواك علي باطل بهذا السبب، فاتفقت أجوبة المفتين أن هذا الدفع صحيح، ثم استفتى بعد ذلك أن المدعى عليه الدفع لو طلب من يدعي الدفع بيان وقت ذلك الإقرار أنه متى كان؟ وفي أي شهر كان؟ فالقاضي هل يكلفه عليه؟ فاتفقت الأجوبة أيضاً أن القاضي لا يكلفه عليه؛ لأنه قد بين مرة بقدر ما يحتاج إليه حيث قال: قبل تاريخ شرائك، أو قال: قبل شرائك.
محضر في دعوى الميراث
صورته: حضر مجلس القضاء فلان وفلان، وفلانة كلهم أولاد فلان، فادعى هؤلاء الذين حضروا محدوداً على رجل أحضروه معهم ميراثاً عن والدتهم فلانة، وكان المكتوب في المحضر، وكان هذا المحدود ملك فلانة والدة هذين المدعيين، وحقهما ودردست وي بودتا بروز مرك مرد وميراث باند فرزندان خويش را فرد المحضر بعلتين:
إحداهما؛ أن المكتوب فيه والدة هذين المدعين، وينبغي أن يكتب والدة هؤلاء المدعين، العلة الثانية: أن المكتوب إليه مرد وميراث ماند فرزندان أن خويش راو ليس جه جير ماند ميراث فرز ندان راو، ينبغي أن يكتب وميراث مانداين محدود فرز ندا نرا، أو يكتب: وميراث ماندش حتى يصير المتروك مذكوراً؛ إما بالصريح أو بالكناية، أما بدون ذكر لا بالصريح ولا بالكناية لا يتم جر الميراث فيما يقع فيه الدعوى.(11/9)
-----
وحكي عن الشيخ الإمام نجم الدين عمر النسفي رحمه الله أنه قال: كنت كتبت المحضر في جر الميراث، وبالغت في شرائط صحته، غير أني تركت الهاء عند قولي: وتركه ميراثاً، وكتبت: وترك ميراثاً، فلم يفت شيخ الإسلام علي بن عطاء بن حمزة السعدي بصحته، وقال لي: الحق به الهاء، واجعله: وتركه ميراثاً حتى أفتي بصحته.
قال الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين عمر النسفي رحمه الله: عرض علي محضر فيه دعوى رجل على رجل أرضاً أنها ملكه وحقه، وأن موروث هذا المدعى عليه فلاناً، كان أحدث يده عليها بغير حق إلى أن مات، وفي يد وارثه هذا أيضاً بغير حق، فواجب عليه قصر يده عنها، وتسليمها إلى المدعي، وقال المدعى عليه في دفع دعواه: إن مورثاً فلاناً كان اشترى هذا المحدود من مورث هذا المدعي بيعاً باتاً، وجرى التقابض من الجانبين، وكان في يده بحق إلى أن توفي، ثم صار ميراثاً عنه لي بحق.
فقال المدعي في دفع هذا الدفع: أن مورث هذا المدعى عليه الأرض أقر أن البيع الذي جرى بيننا بيع وفاءاً ذا رد علي الثمن كان على رد الأرض، وأقام على ذلك بينة، هل يصح دفع الدفع على هذا الوجه؟ قال نجم الدين رحمه الله: وقد كان قاضي القضاة عماد الدين علي بن عبد الوهاب، والشيخ الإمام علاء الدين عمر بن عثمان المعروف بعلاء بدر أجابا بالصحة، وأنا أجيب بعدم الصحة؛ لأنه ادعى أولاً أنه كان في يده بغير حق، فإذا أقر ببيع الوفاء، فقد أقر أنه في يده بحق.(11/10)
-----
وقيل: يجب أن يصح دعوى الدفع على قول من يقول بأن لبيع الوفاء حكم الرهن؛ لأن المدعي بهذا الدفع أقر للمدعى عليه ببعض ما أنكره في الابتداء، وهو كون المحدود في يده بغير حق؛ وهذا لأنه لما كان لهذا المبيع حكم الرهن كان المبيع على ملك المدعي، إلا أن للمدعى عليه حق الحبس، وقد ادعى المدعي ذلك المحدود لنفسه، وكونه في يد المدعى عليه بعير حق، فإذا أقر بعد ذلك ببيع الوفاء، فقد ادعى ملك المحدود لنفسه، وأقر أن يد المدعى عليه بحق، فهو معنى قولنا: أقر ببعض ما أنكره له أولاً، وأما على قول عامة المشايخ إن لم يكن الوفاء مشروطاً في المبيع، فالبيع صحيح، فلا تسمع هذه الدعوى، وإن كان الوفاء مشروطاً في المبيع كان البيع فاسداً، فإن ادعى فسخ العقد صح دعواه الدفع، وما لا فلا.
محضر: فيه دعوى رجل على رجل أنك سرقت من دراهمي كذا درهماً كانت موضوعة في موضع من هذه الدار، والمدعى عليه من سكان هذه الدار، وقد كان قال هذا المدعى عليه لهذا المدعي: إن حلفت أني سرقت من دراهمك هذا المقدار الذي أودعته، فأنا أعطيك مثل ملك الدراهم، فحلف المدعي على دعواه، وأعطاه المدعى عليه نصف هذه الدراهم، وأعطاه بالنصف الباقي خطاً، ثم أراد المدعى عليه استرداد ما دفع إليه من الدراهم، كيف الحكم فيه؟ وقد كان الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين النسفي كتب في الجواب أن المدعى عليه إن أعطى النصف، والتزم النصف صلحاً عن دعوى المدعي، وأقر أنه سرق الدراهم، فعليه إعطاء الباقي، وليس له أن يسترد النصف الذي أعطى، وإن أعطى النصف، وأعطى خطاً بالباقي بناء على يمين المدعي، ووفاءً بما قال لا يلزمه شيء، وله أن يسترد ما أعطاه، وقد قيل: له أن يسترد في الوجهين جميعاً؛ لأن بيمين المدعي لا يستحق على المدعى عليه شيء.(11/11)
-----
نص محمد رحمه الله في كتاب «الصلح»: إن المدعي مع المدعى عليه إذا اصطلحا على أن يحلف المدعي على دعواه على أنه إن حلف، فالمدعى عليه ضامن المدعى به أن الصلح باطل.
عرض على الشيخ الإمام الأجل نجم الدين النسفي رحمه الله محضر فيه دعوى رجل أثبت استحقاق كرم على رجل، وطالبه بغلاتها، وبين ذلك، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أنه صالحه من ذلك على بدل معلوم، ولم يذكر مقدار البدل، ولم يذكر قبضه، هل يكون ذلك دفعاً؟ قال: لا، وإن ذكر القبض فهو دفع، وإن لم يتبين مقدار البدل؛ لأن ترك بيان مقدار البدل فيما لا يحتاج إلى القبض لا يضر.
واعلم أن هذه المسألة في الحاصل على وجهين:
إن وقع الصلح عن الكرم لا غير إن كان البدل معلوماً، أو لم يكن معلوماً إلا أن الشهود شهدوا (267ب4) على قبضه كان الصلح صحيحاً، وكان دعواه دفعاً.
وإن وقع الصلح عن الكرم وعن الغلات التي استهلكها المدعى عليه ببدل من خلاف جنس الواجب باستهلاك الغلة، وافترقا من غير قبض بطل الصلح في حق الغلة، سواء كان البدل معلوماً، أو لم يكن، فلا يكون هذا دفعاً في حق الغلة.
محضر في دعوى الدفع من الوارث لدعوى أرض من التركة
وصورته: رجل ادعى أرضاً من تركة ميت على وارث، فقال الوارث للمدعي في دفع دعواه: إنك مبطل في هذه الدعوى؛ لأنك قد قلت لي مرة: تواز بدر ميراث يافتة يا منكويد قد قلت لي مرة: سس بدر مال سيار كد فته من كفتم كد ام مال ميراث يا فته أم تو كفتي فلان ذمين إز توا قرار ست بملكي من ودعوى تو باطل إست هل يصح الاحتجاج منه بهذا الكلام؟ وهل يكون ذلك دفعاً لدعواه؟ وكان فيه جواب نجم الدين النسفي رحمه الله أن في قوله: ميراث يافتة يكون دفعاً؛ لأنه إقرار بالملك له، وفي قوله: كدفته لا يكون دفعاً؛ لأن هذا ليس بإقرار بالملك، وهذا الجواب ظاهر.
محضر في إثبات الإيصاء بثلث المال وكان الموصي امرأة(11/12)
-----
وهي بنت الأستاذ محمد النجار السمرقندي المعروف بأستاذ سارة، قد كانت أوصت بثلث مالها على أن يشتري بثلثه الحرفة، ويفرق على الفقراء لقضاء صلواتها الفائتة، ويشتري بثلثه شياه، فيضحي بها في اليوم الأول من أيام الأضحية، ويشتري بثلثه الرعانف وما يتخذ منه الحيص والكران والكرنر على ما اعتاد الناس في أيام عاشوراء، وقد كانت أوصت إلى أختها وإخوتها بتنفيذ هذه الوصية، فادعت على زوجها بمحضر منه، وكانوا كتبوا في المحضر بيان الإيصاء، وقالوا في آخره: وفي يد زوجها المدعى عليه مداخل سرح كان طوله كذا، وعرضه كذا قيمته دينار ونصف، فواجب عليه إحضار الحل مجلس الدعوى لتتمكن هي من تنفيذ الوصية فيه إن كان قادراً على إحضاره، وإن عجز عن إحضاره واستهلكه، فواجب عليه أداء نصف دينار، وذلك ثلث قيمته لتنفيذ الوصاية فيه، وكان هذا موجباً للحل من قبل أن المذكور هي القيمة لا غير، ولم يذكروا أن هذه القيمة قيمته يوم قبضه أو يوم الاستهلاك، ولا شك أن الحل يكون أمانة في يد الزوج ظاهراً إذا لم يذكروا أنه قبضه بغير حق، فإنما يصير مضموناً عليه بالاستهلاك، فيعتبر قيمته يوم الاستهلاك، وعسى كانت قيمته يوم القبض أكثر من قيمته يوم الاستهلاك، فلا يصلح مطالبته بنصف دينار في الحال ما لم يعلم أن قيمته يوم الاستهلاك كانت ديناراً أو نصفاً.
وكان ينبغي أن يذكروا أن الواجب عليه إحضار هذا الحل، وتسليمه إلى الموصى إليها حتى يبيعها، ويأخذ منه الثلث إن كان مقراً به، وإن كان منكراً كون الحل هذا في يده ملكاً للموصية هذه حتى تتمكن المدعية من إقامة البينة على ذلك، فكان الوجه الصحيح في طلب إحضار الحل هذا حتى تتمكن المدعية من إقامة تنفيذ الوصية فيه؛ لأنه لا تتمكن من تنفيذ الوصية فيه إلا بما ذكرنا، وهو البيع إن كان مقراً به، وإقامة البينة عليه إن كان منكراً.
ورد محضر آخر(11/13)
-----
كان فيه: ادعى فلان على فلان أن الكرم الذي في موضع كذا حدوده كذا، وهو في يد أم هذا المدعي أقرت أم هذا المدعي أنه ملك هذا المدعي، وبعد هذا الإقرار اشترى هذا المدعى عليه هذا الكرم من أم هذا المدعي، فواجب عليه تسليم هذا الكرم إلى هذا المدعي، وكان فيه جواب جماعة من أئمة سمرقند بالصحة، وأفتى الإمام النسفي رحمه الله بفساده، وقال: وجوه الخلل ظاهر، ولم يبين، وكان من جملة وجوه الخلل أن المدعي لم يدع الملك لنفسه، ولو كان ادعى الملك لنفسه، وادعى أن أمه أقرت له به لا يسمع دعواه به أيضاً؛ لأنه نسب ملكه إلى ما لا يصلح سبب الملك وهو الإقرار حتى لو نسبه إلى ما يصلح سبب الملك بأن قال: هذا الكرم ملكي اشتريته من أمي فلانة قبل شراء هذا المدعي تصح دعواه.
ورد محضر في دعوى الإرث مع دعوى العتق
فيه دعوى رجل على رجل عبداً أنه كان ملك ابن عمي فلان مات، وهو ملكه، وأنا وارثه لا وارث له غيري، وصار هذا العبد ميراثاً من جهته، وهو ممتنع عن طاعتي، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أن مورثه هذا أعتقني في مرضه، وأنا أخرج من ثلث ماله، وأنا اليوم حر، ولا سبيل له عليّ وأقام على ذلك بينة، فادعى هذا المدعي ثانياً أني كنت اشتريت هذا العبد من ابن عمي هذا في صحته، وكان فيه جواب نجم الدين النسفي رحمه الله: أنه لا يصح دعواه ثانياً لمكان التناقض، وتعذر التوفيق؛ لأنه ادعى الإرث، ثم ادعى الشراء في حياة المورث.(11/14)
-----
وهذا الجواب صحيح، والعلة ظاهرة، فقد ذكر محمد رحمه الله في آخر «جامع الكبير» في رجل مات أبوه، فادعى داراً في يدي رجل أنه داره اشتراها من أبيه في حياته وصحته، وأقام على ذلك بينة، فلم تزل بينته، أو لم يكن له بينة، فحلف المدعى عليه، ثم أقام المدعي بينة أنها كانت دار أبيه مات وتركها ميراثاً له لا يعلمون له وارثاً غيره، فالقاضي يقضي بالدار للمدعي؛ لأنه لا تناقض بين دعوى الشراء من الأب في حياته وصحته أولاً، وبين دعوى الإرث منه ثانياً؛ لأنه يمكنه أن يقول: اشتريت منه كما ادعيت أولاً لكن عجزت عن إثبات شرائي، وبقيت الدار على ملك أبي ظاهراً، فصار ميراثاً لي بموته في الظاهر.
وبمثله لو ادعى الإرث من الأب أولاً، ثم ادعى الشراء منه بعد ذلك لا يصح منه دعوى الشراء؛ لأن بين دعوى الإرث أولاً، وبين دعوى الشراء ثانياً تناقض إذ لا يمكنه أن يقول: ورثت من أبي كما ادعيت أولاً، فلما عجزت عن إثبات الإرث اشتريت منه يوضحه أن الشراء من جهة الأب قد يصير ميراثاً بأن يفسخ الشراء بينهما، أما في حياته، أو بعد وفاته بأن يجد به عيباً، فيرده فلا تتحقق المناقضة لا محالة، أما الموروث من الأب لا يصير مشترياً من جهته، فتتحقق المناقضة.
محضر فيه دعوى الميراث
صورته: رجل مات، فجاء رجل وادعى ميراثه بعصوبة بنوة العم، وأقام الشهود على النسب بذلك بذكر الأسامي إلى الجد، ثم إن منكر هذا النسب والميراث أقام بينة أن جد الميت فلان، وهو غير ما أثبت المدعي، هل يندفع بهذا دعوى المدعي وبينته؟ وكان جواب نجم الدين النسفي أنه إن وقع القضاء بالبينة الأولى لا يندفع، وإن لم يقع القضاء بالبينة الأولى لم يجز القضاء بإحدي البينتين لمكان التعارض.(11/15)
-----
قال: وهو نظير مسألة طلاق المرأة يوم النحر من هذه السنة بالكوفة، وعتاق العبد يوم النحر بمكة من هذه السنة، قيل: وينبغي أن لا تندفع بينة المدعي، ولا تقبل بينة المدعى عليه؛ لأنها لوقبلت إما أن تقبل على إثبات اسم الجد، ولا وجه إليه؛ لأنه ليس بخصم، وإما أن تقبل لنفي ما ادعاه المدعي، ولا وجه إليه أيضاً؛ لأن البينة على النفي غير مقبولة.
وهو نظير ما لو ادعى على غيره أنه أقرضه ألف درهم في يوم كذا، وأقام المدعى عليه البينة أنه في ذلك اليوم كان في مكان كذا، سمى مكاناً آخر، لا تقبل بينة المدعى عليه؛ لأنها في الحقيقة قامت على النفي.
ورد محضر في دعوى مرابحة والشهود
(268أ4) شهدوا بلفظ خافردا بمحضر بعلة أن المشهود به لم يدخل تحت دعوى المدعي؛ لأن الدعوى وقعت في مرابحه، والشهود شهدوا بخانة وسرائجه غير، والبيت غير، وهذا الجواب الصحح فيما إذا كانت الدعوى بالعربية، والشهادة بالعربية، فأما إذا كانت الدعوى بالفارسية والشهادة بالفارسية، يصح الدعوى والشهادة؛ لأن اسم خانه بالفارسية ينطلق على سرائجه بالفارسية، ولا كذلك بالعربية.
محضر فيه دعوى بيع السكنى
عرض على شيخ الإسلام السعدي رحمه الله، وكان فيه باعه بحدوده وحقوقه، فرده بعلة أن السكنى نقلى، والنقلى لا حد له، عرض عليه محضر آخر لم يذكر فيه اسم حد المدعى عليه.(11/16)
-----
صورته: حضر فلان، وأحضر مع نفسه فلاناً، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، فأجاب بالصحة؛ لأن المدعى عليه حاضر، وفي الحاضر الإشارة تكفي، ولا يحتاج إلى ذكر اسمه واسم أبيه، ولا يحتاج إلى ذكر جده بالطريق الأولى، فأما في الغائب فلابد من ذكر الجد، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وكذلك في ذكر الحدود لابد من ذكر جد صاحب الحد، وكذلك في تعريف المتخاصمين لابد من ذكر الجد، وكان القاضي الإمام ركن الإسلام علي بن الحسين السعدي في الابتداء لا يشترط ذكر الجد، وفي آخر عمره كان يشترط ذلك، وهو الصحيح، وعليه الفتوى.
ورد محضر فيه دعوى الشفعة: وكان فيه بيان أنواع الطلب الثلاثة، فرد بعلة أنه لم يكن في الدعوى والشهادة أن الشفيع طلب الإشهاد على فور يمكنه من الإشهاد، وأنه أشهد على هذا المحدود، والمحدود أقرب إليه من المشتري والبائع، ولابد من بيان ذلك؛ لأن الشرط هو الإشهاد على ما هو أقرب إليه من المحدود والبائع، والمشتري يجب أن يعلم بأن مدة طلب الإشهاد مقدرة بالتمكن من الإشهاد عند حضرة أحد الأشياء الثلاثة، إما البائع أو المشتري أو المحدود، والطلب من المشتري صحيح على كل حال قبض الدار، أو لم يقبض، والطلب من البائع صحيح إذا كان الدار في يده، وإذا لم يكن في يده ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» أن الطلب صحيح استحساناً غير صحيح قياساً.
وذكر الشيخ أبو الحسن القدوري في «شرحه» والناطفي في «أجناسه» وعصام في «مختصره» أنه ليس بصحيح من غير ذكر القياس والاستحسان، وإذا قصد الأبعد من هذه الأشياء، وترك الأقرب إن كان الكل في مصر واحد لا تبطل شفعته، هكذا ذكر شيخ الإسلام في «شرحه»، وعصام في «مختصره»؛ لأن المصر في سائر أطرافه كمكان واحد حكماً، وذكر الخصاف في «أدب القاضي» إذا اختار على الأقرب، وترك الطلب تبطل شفعته، وهكذا ذكر الصدر الشهيد في «واقعاته».(11/17)
-----
وإن كانوا في مصرين، أو في أمصار، فإن كان أحد هذه الأشياء مع الشفيع في مصر واحد، فتركه وذهب إلى مصر آخر بطلت شفعته، وإن كان الشفيع في مصر على حده، والمشتري والبائع والدار كل واحد في مصر على حده، فيترك الأقرب، ويذهب إلى الأبعد، فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: تبطل شفعته، وهكذا ذكر عصام في «مختصره» وقال بعضهم: لا تبطل شفعته، وهكذا ذكر الناطفي في «أجناسه»؛ وهذا لأن الشفيع قد لا يقدر على الذهاب إلى الأقرب بسبب من الأسباب، فلا يكون بالذهاب إلى الأبعد مبطلاً شفعته، وعلى هذا إذا كان إلى الأقرب طريقان، فترك الطريق الأقرب، وذهب في الطريق الأبعد، فعلى قياس ما ذكره عصام يبطل شفعته، وعلى قياس ما ذكره الناطفي لا يبطل شفعته، ثم إذا حضر المصر الذي فيه الأقرب يشترط لصحة الطلب أن يكون الطلب بحضرة ذلك الشيء الدار، والبائع والمشتري في ذلك على السواء هو المعروف والمشهور.
وكان القاضي الإمام أبو زيد الكبير يفرق بين الدار، وبين البائع والمشتري، وكان يقول: في البائع والمشتري يشترط الطلب بحضرته، وفي الدار لا يشترط الطلب بحضرته، بل إذا طلب وأشهد من غير تأخير في أي مكان أشهد من المصر الذي الدار فيه يصح الطلب، وكان يقول: إليه أشار محمد رحمه الله في باب شفعة أهل البغي، وعلى هذا إذا كان الدار في مصر الشفيع لا يشترط الطلب عند حضرة الدار على ما اختاره القاضي الإمام، ولو كان البائع والمشتري في مصر الشفيع يشترط الطلب عند حضرته بالاتفاق.
محضر ورد في دعوى الرجوع بثمن الأتان عند ورود الاستحقاق(11/18)
-----
صورته: رجل حضر مجلس قضاء بخارى يسمى حيدر الحميري، وأحضر مع نفسه رجلاً يسمى عثمان الحميري، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أنه باع مني أتاناً تامة الجثة بكذا درهماً في شهر كذا من سنة كذا، وأني اشتريتها منه، وجرى التقابض بيننا، ثم إني بعت هذه الأتان من أحمد بن فلان بثمن معلوم، وأنه اشتراها مني بذلك الثمن، وجرى التقابض بيننا، ثم إن أحمد باع هذه الأتان من الدهقان علي بن فلان، ثم إن زيداً استحق هذه الأتان من يد الدهقان علي بن فلان في مجلس قضاء كورة نسف بين يدي الشيخ القاضي الإمام معين الدين، والقاضي معين الدين هذا يومئذ قاضي كورة نسف ونواحيها من جهة القاضي الإمام علاء الدين عمر بن عثمان المتولي لعمل القضاء، والأحكام بكورة سمرقند، وبأكثر كور المملكة بما وراء النهر بالبينة العادلة التي قامت بها عنده، وجرى الحكم له منه عليه بها، وأخرجها من يده، وسلمها إلى هذا المستحق.
ثم جرى الحكم من القاضي الإمام سديد الدين طاهر ثابت الحكم بخارى من جهة القاضي الإمام صدر الدين أحمد بن محمد المتولي لعمل القضاء بكورة بخارى ونواحيها لهذا المستحق عليه، وهو الدهقان علي بالرجوع على بائعه بالثمن الذي أدى إليه، وهو أحمد بن فلان، واسترد الثمن منه بكماله، ثم جرى الحكم من القاضي سديد الدين هذا لأحمد بن فلان هذا بالرجوع بالثمن على بائعه أنا بالثمن الذي أدى إليه، واسترد الثمن مني بكماله، ولي حق الرجوع على هذا الذي أحضرته بالثمن الذي أديته إليه، فسئل المدعى عليه هذا الذي أحضره هذا المدعي فأنكر، وقال: مرا باين مدعي سيح دادني نيست، فأحضر المدعي شهوداً على دعواه، واستفتى عن صحة هذه الدعوى، فقيل: في هذه الدعوى خلل من وجوه:
g
أحدها: مدعي يكتب، وكان القاضي علاء الدين مأذوناً بالاستخلاف؛ لأنه إذا لم يكن مأذوناً بالاستخلاف لا يصلح استخلافه، فلا يصير علاء الدين قاضياً.(11/19)
-----
والثاني: أنه لم يذكر تاريخ تقليد قاض معين الدين لينظر أن القاضي علاء الدين هل كان قاضياً وقت تقليد القاضي معين الدين، لينظر أنه هل صار قاضياً بتقليده؟؛ ولأنه لم يذكر أنه هل كان لعلاء الدين قاضي سمرقند ولاية نسف صريحاً، وإنما ذكر بأكثر كورها لمملكته بما وراء النهر ووراء نسف بما وراء النهر كورة كبيرة، فبهذا لا يصير نسف مذكوراً؛ ولأنه ذكر القاضي معين الدين حكم بالبينة العادلة التي قامت بها عنه، ولم يذكر أن البينة قامت على إقرار المشتري أنها ملك المستحق، أو قامت على أنها ملك المستحق، والحكم مختلف؛ ولأنه يذكر أن القاضي معين الدين حكم بالبينة العادلة، ولم يذكر أن البينة العادلة قامت بحضرة المدعى عليه، وما لم تكن البينة والحكم بحضرة المدعى عليه لا يصح الحكم، ثم قال: وجرى الحكم من القاضي (268ب4) الإمام سديد الدين نائب الحكم ببخارى لهذا المستحق عليه بالرجوع على بائعه بالثمن، ولم يذكر أن ذلك البيع كان ثابتاً عند القاضي سديد الدين، والقاضي سديد الدين حكم بفسخ ذلك البيع، وهذا يوجب خللاً؛ لأن الحكم بالرجوع بالثمن إنما يصح إذا ثبت البيع عند الحاكم، وحكم بفسخ البيع، ثم المشترى يرجع على البائع، حكم القاضي بالرجوع عليه بالثمن، أو لم يحكم.
ولم يذكر أيضاً أن القاضي الإمام صدر الإسلام كان مأذوناً في الاستخلاف، ولا بد من ذكره على ما ذكرنا، ولأن المدعي مدعي الثمن ودو دعوى ني كويد كه هل آن سبحا رابح است در شهر وآن سيمها اكر بنا بد در شهر با بايد، ولكن رابح بنا شديا يدكه قيمت دعوى كند بكويد يروي واجب است كه قيمت آن سيم كه امروز اذبدي است ثمن وسد، فأما دعوى ثمن درست بتأيد.(11/20)
-----
وحكي أن القاضي الإمام اللامسي حين قلد القضاء بسمرقند كان لا يعمل بسجل من كان قاضياً قبله، فقيل له في ذلك، فقال: إنه كتب في سجلاته، وهو اليوم قاضي القضاء بسمرقند، وبما وراء النهر وبخارى من ما وراء النهر، وقاضي سمرقند ليس قاضي بخارى، فكان هذا كذباً محضاً، والكاذب كيف يكون قاضياً؟ وبعض مشايخ ذلك الزمان كانوا يجيبون عن هذا ويقولون: إن قاضي سمرقند قاضي أكثر كور المملكة بما وراء النهر، وللأكثر حكم الكل في أحكام الشرع، فجاز أن يقال: قاضي ما وراء النهر.
عرض محضر على الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين النسفي في بيع سهم واحد شائعاً بحدود هذا السهم قال: كان مشايخنا بسمرقند يقولون: بأنه يوجب الفساد؛ ولأنه توهم الإفراز؛ لأن المفرز تكون له الحدود، أما المشاع فلا، قال: والصحيح عندي أنه لا يوجب الفساد، وقد ذكر أبو جعفر الطحاوي في «شروطه» في مواضع: اشترى منه النصف من كذا بحدود هذا النصف، قال: وسمعت السيد الإمام الأجل الحجاج محمد بن أبي شجاع يقول: لا أحفظ من والدي في هذه المسألة شيئاً، ولا رواية عن أصحابنا في ذلك، فذكرت له ما ذكر الطحاوي، فاستحسنه، وأخذ به؛ وهذا لأنه ليس في ذكر حدوده ما يدل على الإفراز، ألا ترى أن ذكر السهم لا يدل على الإفراز؟ فذكر حدوده كذلك لا يكون.
ورد دعوى الإجارة الطويلة محضر: وكان المكتوب فيه أول يوم هذه الإجارة يوم الأربعاء السادس من شهر كذا، وكتب بعد ذلك، وتقابضا في التاريخ المذكور فيه، فقيل قوله: وتقابضا في التاريخ المذكور فيه خطأ؛ لأنه يشير إلى وقوع التقابض الذي هو حكم العقد مع العقد في زمان واحد، وإنه لا يكون؛ لأن التقابض الذي هو حكم العقد ما يكون بعد العقد، ولكن يكتب: وتقابضا في اليوم الذي وقع العقد فيه، أو يكتب: وتقابضا في اليوم الذي باشر العقد فيه ليثبت التقابض بعد العقد، والصحيح عندي أنه يكتب: وتقابضا بعدما باشر العقد في اليوم الذي باشر العقد فيه.(11/21)
-----
ورد محضر في دعوى مال الإجارة
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن والد هذا الذي أحضره معه فلان آجر مني محدود كذا بكذا إجارة طويلة مرسومة، ثم مات وانفسخت الإجارة بموته، وصار بقية مال الإجارة ديناً في تركته، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر ذكر قبض مال الإجارة، وما لم يقبض للآجر مال الإجارة لا يصير شيئاً منه ديناً في تركته بموته، ولأنه لم يذكر في الدعوى تاريخ أول مدة الإجارة وتاريخ آخرها، ولا بد من ذكر ذلك حتى ينظر؛ أبقي شيء من مال الإجارة أم لا؟ وهذا؛ لأن مدة الإجارة قد تطول مبلغ ثلاثون سنة أو أكثر، فإذا بلغت هذا المبلغ تنتهي الإجارة بانتهاء المدة، ويصير جميع مال الإجارة مستحقاً للآجر بانتهاء المدة، فلا يبقى شيء حتى يصير ذلك ديناً في التركة، ولو لم تبلغ مدة الإجارة هذا المبلغ لا بد وأن يعرف ما بقي من المدة ليعلم ما بقي من مال الإجارة، وإنما يعلم ذلك بذكر التاريخين.
وقد قال بعض مشايخنا: ينبغي أن يصرح بقبض مال الإجارة، ولا يكتفي بقوله: تقابضا قبضاً صحيحاً، فإن المستأجر لو أحضر مال الإجارة، ولم يدفعه إلى الآجر، وقبض المستأجر، ثم سلم المستأجر إلى الآجر، ولم يسلم مال الإجارة، فيكون قوله: وتقابضا مستقيماً على هذا الاعتبار، مع أنه لم يوجد أحد البدلين.
وبعض مشايخنا زينوا هذا القول وقالوا: المعتبر في نظر الشرع وقواعده مفهوم الناس، والمفهوم من قوله: وتقابضا قبض الآجر الأجرة، وقبض المستأجر المستأجر.(11/22)
-----
وقد قيل: لا ينبغي أن يكتب في صك الإجارة عل أن يزرع المستأجر ما بدا له؛ لأن كلمة «على» كلمة شرط، وزراعة المستأجر بنفسه ليست من قضايا العقد، فقد شرط في العقد ما لا يقتضيه العقد، ولكن يكتب لزرع ما يبدو له، وهذا لا يوجب الفساد؛ لأن هذا يرجع إلى بيان غرض المستأجر لا إلى الشرط، إلا أن هذا القول عندي في غاية الرياضة؛ لأن الإجارة في الأصل شرعت لحاجة المستأجر إلى الانتفاع، وكان انتفاع المستأجر بنفسه من قضايا عقد الإجارة، ولو لم يكن انتفاع المستأجر بنفسه من قضايا الإجارة، إلا أن اشتراط ما لا يقتضيه العقد إنما يوجب فساد العقد إذا كان لأحد المتعاقدين فيه منفعة بالإجماع، أو كان لأحدهما فيه مضرة عند أبي يوسف، أما إذا لم يكن لأحدهما فيه منفعة، ولا مضرة لا يفسد العقد، كما لو اشترى طعاماً، وشرط البائع على المشتري أن يأكله، وهاهنا لا منفعة لأحدهما في هذا الشرط ولا مضرة، ولو لم يذكر في عقد الإجارة ما يزرع في الأرض، ذكر في «الجامع الصغير» أن الإجارة فاسدة، وذكر في موضع آخر أنها صحيحة استحساناً.
ورد محضر فيه دعوى الإجارة، ودعوى استحداث الآجر يده على المستأجر(11/23)
-----
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر معه أن هذا الذي أحضرته معي أخذ مني عشرة وبرات أرض، حدودها كذا في ضيعة كذا، وسلمها إلي، ثم إنه أحدث يده على هذه الأراضي بغير حق، فواجب عليه قصر يده عن هذه الأراضي، وترك التعرض لها، وتسليمها إلي، ورد المحضر بعلة أنه لم يذكر فيه أنه آجر هذه الأراضي وهو يملكها، وهذا أمر لا بد من ذكره؛ لأن الإجارة من غير المالك لا تصح، وإن ملكه بعد ذلك، وكذلك لم يذكر فيه أنه أجر هذه الأراضي وهي في يده، ولا بد من ذكره؛ لأن الأراضي ربما كان مشتراة، وإجارة العقار المشترى قبل القبض لا يجوز، إما على الخلاف الذي في بيع العقار قبل القبض كما ذهب إليه بعض المشايخ، أو على الوفاق كما ذهب إليه بعض المشايخ، ولأنه لم يذكر في المحضر أن هذه الأراضي صالحة للزراعة وقت العقد؛ لأن الإجارة للانتفاع، فمحلها ما يصلح للانتفاع.
ولا يكتفي بقولها: استئجاراً صحيحاً لجواز أن الأرض لا تكون صالحة للزراعة وقت العقد، ولكن تكون بحال تصلح للزراعة لعمل المستأجر قطناً أن كون الأرض بحال تصلح للزراعة بعمل المستأجر تكفي لصحة العقد، والله أعلم.
ورد محضر فيه دعوى بقية مال الإجارة المفسوخة(11/24)
-----
صورته: حضر وأحضر، وهذا الذي حضر وكيل عن أخته الكبرى المسماة فلانة بالدعوى المذكور فيه، وقيم عن أخته الصغيرة المسماة فلانة من جهة الحكم بالدعوى المذكور فيه، وهم أولاد فلان بن فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه لنفسه بطريق الأصالة، ولأخته الكبيرة بحكم الوكالة، ولأخته الصغيرة بحكم الإذن الحكمي أن هذا الذي أحضر آجر من ابننا (269أ4) فلان جميع الأرض التي حدودها كذا بكذا من الدنانير إجارة طويلة مرسومة، وإن أبانا توفي قبل انفساخ الإجارة هذه، وقبل قبضه شيئاً من مال الإجارة، وانفسخت هذه الإجارة بموته، وصار مال الإجارة، وذلك كل الدنانير ميراثاً لورثته هؤلاء المسمون ما خلا ديناراً واحداً، فإنه ذهب بعضه بمضي ما مضى من مدة الإجارة، والبعض بإبراء الآجر ساعته في حياته، فواجب عليه أداء الدنانير المذكورة ما خلا ديناراً واحداً ليقبض المدعي حصة نفسه بطريق الأصالة، وحصة أخته الصغيرة فلانة بالإذن الحكمي.
فرد المحضر بعلة أن المذكور فيه أن مال الإجارة صار ميراثاً لورثته ما خلا ديناراً، فإنه ذهب بعضها بإبراء الآجر هذا في حياته، ودعوى الإبراء على هذا الوجه فاسدة؛ لأن الإبراء إنما يصح بعد الوجوب أو بعد سبب الوجوب، وحال حياة المستأجر مال الإجارة غير واجب على الآجر إذا كانت الإجارة قائمة لم تنفسخ، ولم يوجد سبب وجوبه؛ لأن سبب وجوبه انفساخ الإجارة، والإجارة لم تنفسخ بعد، وعلة أخرى أن المذكور في الدعوى: فواجب على المدعى عليه أن يدفع مال الإجارة إلى هذا المدعي ليقبض حصة نفسه بطريق الأصالة، وحصة أخته بطريق الوكالة، والوكيل بالخصومة لا يملك القبض عند زفر، وعليه الفتوى، فلا تصح مطالبته بحصة الموكل على ما عليه الفتوى.
والعلة الأولى ليست بصحيحة؛ لأن دعوى الإبراء إن لم تصح فذاك أمر عليهم، فلا يوجب ذلك خللاً في دعوى بقية مال الإجارة، وإن ذلك أمر لهم.(11/25)
-----
ورد محضر فيه دفع دعوى مال الإجارة المفسوخة بموت من ورثة الآجر، وكان الدعوى بشرائطها من غير خلل فيها، فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي: إن أباك قد قبض مني في حال حياته كذا مناً من الحنطة عوضاً عن مال الإجارة الذي يدعيه، فرد المحضر بعلة أن دفع الحنطة عوضاً من مال الإجارة يستدعي وجوب مال الإجارة، ومال الإجارة لا يجب على الآجر حال حياة الآجر، إذ الإجارة حال حياة الآجر قائمة على حالها، ومال الإجارة إنما يجب على الآجر بعد انفساخ الإجارة، فكيف يتصور قبض المستأجر الحنطة عوضاً من مال الإجارة في تلك الحالة؟
وعلة أخرى أنه دفع الحنطة عوضاً، وإنما ذكر أن أباك قبض الحنطة عوضاً، وبقبضه الحنطة عوضاً لا تصير الحنطة عوضاً ما لو يوجد الدفع من صاحب الحنطة بجهة العوض.
عرض صك في الإجارة، وكان المكتوب فيه: آجر فلان من فلان أرضاً حدودها كذا، وهي صالحة للزراعة على أن يزرع المستأجر فيها كذا، فقيل: الصك باطل، لأنه شرط في العقد ما لا يقتضيه العقد؛ لأن زراعة شيء بعينه ليس من مقتضيات العقد، ولأحد المتعاقدين، وهو الآجر فيه منفعة، ومثل هذا الشرط يوجب فساد العقد، وقيل: بهذا لا يبطل الصك؛ لأن قوله في هذا المقام: على أن يزرع فيها كذا، وقوله: ليزرع فيها كذا سواء، وقوله: ليزرع فيها ليس بشرط، وإنما هو لبيان الغرض، ولا يوجب الفساد، كيف وقد ذكرنا قبل هذا أن المستأجر إذا لم يبين ما يزرع مفسداً للعقد، فبذكره كيف يفسد العقد؟(11/26)
-----
عرض محضر على شيخ الإسلام: سئل شيخ الإسلام السغدي عن محضر كان في أوله: ادعى روزيه بن عبد الله الهندي على فلان، فأجاب بأنه غير صحيح؛ لأن النسبة على هذا الوجه لا تقع بها الإعلام، ويجب أن يكتب أنه عبد فلان أو مولى فلان، وكان فلان بن فلان أقر له، أو عبد لمولاه محجور عليه، فيكون الإقرار لمولاه، أو مأذون بديون، فيكون الإقرار له، فيختلف حكم الإقرار باختلاف حاله، فلا بد من ذكره.
قال: والمعتق يعرف لمولاه، وإن كان مولاه معتقاً أيضاً لا بد من أن يقال: إنه مولى فلان، وإن كان المولى الثالث معتقاً أيضاً، فلم ينسبه إلى مولاه فلا بأس؛ لأن المولى الثالث بمنزلة الجد في النسب، فيجوز الاقتصار عليه.
عرض سجل فيه حكم نائب قاضي سمرقند، فردوه لوجوه:
أحدها: أنه كان فيه حكم فلان، وهو نائب عن قاضي سمرقند فلان، ولم يذكر فيه أن قاضي سمرقند مأذون بالاستخلاف.
والثاني: أنه كان فيه قاضي سمرقند كان قاضياً من قبل الملك سنجر، ولم يكن كذلك، بل قاضي سمرقند كان من قبل الخاقان محمد، والخاقان محمد كان من قبل الملك سنجر، إلا أن هذا لا يصلح خللاً؛ لأن قاضي سمرقند قاضياً من جهة الملك سنجر، ألا ترى أن ولاية الملك سنجر كانت ظاهرة على أهل سمرقند في الابتداء.
والثالث: أن الشهود في شهادتهم قالوا: ما وقع فيه الدعوى ملك أين مدعي است واندر دردست اين مدعى عليه بنا حق است، ولم يقولوا: فواجب على هذا المدعى عليه كه دست خويش كتاه كندزين مدعى به وباين مدعي تسليم كند، وقد اختلف المشايخ في هذا، قال بعضهم: لا بد من ذكره، ونحن إن لم نقل به، ولكن لا بد من ذكره حتى لا يبقى لأحد فيه مجال الطعن .
(11/27)
-----
والرابع: أنه كان في آخره، وجعلت حكمي هذا موقوفاً على إمضاء القاضي فلان، وهو الذي كان ولاه، وهذا يخرجه من أن يكون حكماً؛ لأن المعلق بشيء، والموقوف عليه غير ثابت قبل وجود ذلك الشيء، وهذا خلل قوي لو حصل الحكم على هذا الوجه، أما لو حصل الحكم مطلقاً، والكاتب كتب على هذا الوجه، فهذا لا يوجب خللاً في الحكم، إنما يوجب خللاً في المكتوب.
محضر ورد في المحضر دعوى إجارة العبد
صورته: ادعى فلان على فلان عبداً في يديه أني أجرت هذا العبد من هذا الذي في يديه كل يوم بدرهم، وقد مضى كذا كذا يوماً، فواجب عليه تسليم هذا العبد إلي مع كذا من الأجرة، فرد المحضر بعلة أنه ادعى أنه أجره كل يوم بدرهم، ولم يذكر للإجارة مدة تنتهي إليها، فكل يوم يجيء ينعقد فيه عقد الإجارة، وهذا اليوم الذي وقعت فيه الدعوى قد انعقد فيه عقد الإجارة، وكان للمستأجر إمساك العبد والانتفاع به، فكيف تصح مطالبة المدعي إياه بتسليمه إليه؟ ولو كان ذكر لذلك مدة، وهذا اليوم الذي وقعت فيه الدعوى من جملة تلك المدة كان كذلك. لأن هذا اليوم إذا كان من جملة تلك المدة كان داخلاً في عقد الإجارة، وكان للمستأجر حق إمساكه عند نفسه والانتفاع به؛ ولأنه ادعى كذا كذا من الأجرة، وكان في محضر الدعوى أجر العبد، وبعد ذكر كلمات كثيرة، وسلم إليه، ولم يذكر وسلم العبد إليه، وبهذا لا يثبت تسليم العبد لجواز أنه سلم شيئاً آخر، وما لم يثبت تسليم العبد لا تجب الأجرة، فلا تستقيم دعوى تسليم الآجر خط الصلح والإبراء، عوض خط الصلح والإبراء.(11/28)
-----
وكان المذكور فيه: ادعى فلان على فلان مالاً معلوماً، فصالحه فلان على ألف درهم، وقبض فلان بدل الصلح، وذكر في آخره، وأبرأه المدعي عن جميع دعاويه وخصوماته إبراءً صحيحاً، فقيل: الصلح غير صحيح إذ ليس فيه مقدار المال المدعى، ولا بد من بيان ذلك ليعلم أنه وقع معارضة، أو وقع إسقاطاً، وليعلم أنه وقع صرفاً يشترط فيه قبض البدل في المجلس أولاً، ولم يتعرض لمجلس الصلح، فمع هذه الاحتمالات لا يمكن القول بصحة الصلح، أما الإبراء على سبيل العموم، فلا تسمع دعوى المدعي بعد ذلك لمكان الإبراء العام لا لمكان الصلح.
محضر فيه دعوى مال المضاربة على ميت بحضرة وارثه (269ب4)
صورته: حضر وأحضر مع نفسه فلاناً وفلاناً كلهم أولاد فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضرهم مع نفسه أنه دفع إلى مورثهم فلان ألف درهم مضاربة، وإنه تصرف فيها وربح أرباحاً، وإنه مات قبل قسمة هذا المال، وقبل دفع رأس المال إلى رب المال، وقبل قسمة الربح مات مجهلاً لهذا المال، وصار ذلك ديناً في تركته إلى آخره، فقبل أن وقعت الدعوى في رأس المال والربح، فلا بد من بيان قدر الربح، وتركه يصير خللاً في الدعوى، وإن ادعى رأس المال وحده، فلا بأس بترك بيان قدر الربح.
محضر فيه دعوى قيمة الأعيان المستهلكة
صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه ألف دينار قيمة عين استهلكه من أعيان أمواله بسمرقند، ورد المحضر بوجوه:(11/29)
-----
أحدها: أنه لم يبين المستهلك، ولا بد من بيانه؛ لأن من الأعيان ما يكون مضموناً بالقيمة عند الاستهلاك، ومنها ما يكون مضموناً بالمثل، ولعل هذا العين مضمون بالمثل، فكيف تستقيم دعوى القيمة مطلقاً؟ ولأن من أصل أبي حنيفة رحمه الله أن حق المالك لا ينقطع عن العين بنفس الاستهلاك، ولهذا جوز الصلح عن المغصوب المستهلك على أكثر من قيمته، وإنما ينتقل حقه عن العين، وينتقل إلى القيمة بقضاء القاضي وبتراضيهما، فقبل ذلك يكون حقه في العين، فتكون الدعوى واقعاً في العين، فلا بد من بيانه؛ ولأنه لم يذكر أن هذا المقدار قيمة هذا العين المستهلك بسمرقند أو ببخارى، فإن قيمة الأعيان تختلف باختلاف البلدان، والمعتبر قيمة المستهلك في مكان الاستهلاك، فلا بد من بيان ذلك.
محضر فيه دعوى الحنطة
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر ألف منّ من الحنطة قبضاً موجباً للرد، وبين أوصاف الحنطة، قال: وهكذا كان أفراح هذا الذي أحضر معه في حال جواز إقراره بقبض الحنطة الموصوفة، فإنه قال لهذا الذي حضر بالفارسية: ترا هزاد من كندن آبي بكيزة ميانه سرخه تيرما هي بوزن أهل بخارى با منست إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً، وقد توفي فلان قبل أن يرد شيئاً من هذه الحنطة مجهلاً غير معين لهذه الحنطة المذكورة فيه، وصارت هذه الحنطة المذكورة مضمونة لهذا الذي حضر في تركته، وخلف من الورثة أخاً له هذا، وخلف من التركة في يد هذا الذي أحضره أموالاً، منها ألف منّ من الحنطة بالأوصاف المذكورة، فواجب على هذا الذي أحضره معه أداء مثل هذه المذكورة فيه من هذه الحنطة المتروكة المذكورة فيه، وشهد الشهود على إقرار المدعى عليه بذلك، فرد المحضر بوجوه ثلاثة:(11/30)
-----
أحدها: أنه ادعى أولاً أنه قبض من ماله قبضاً موجباً للرد، والقبض المطلق خصوصاً نصفه كونه موجباً للرد يتصرف إلى الغصب، وكذلك الأخذ المطلق، ثم قال: وهكذا أقر فإنه قال بالفارسية كذا وكذا على نحو ماكتب، وليس إقرار المدعى عليه كما ادعاه المدعي فإنه قال: ترابا منست، وهذا منه إقرار بالوديعة، فشهادتهم تكون بالوديعة، فلم تكن الشهادة موافقة للدعوى المذكورة.
والثاني: ادعى عليه الحنطة بالمنّ والوزن في مثل هذه الصورة.
والثالث: أنه قال: فواجب عليه أداء مثل هذه الحنطة المذكورة فيه من التركة.
ولا يجب على الوارث أداء الدين من غير التركة لا محالة، بل الوارث بالخيار، إن شاء أدى الدين من التركة، وإن شاء أدى الدين من مال نفسه، وإنما يشترط قيام التركة في يد الوارث لتوجه المطالبة عليه لا للأداء منها.
والخلل الثالث ليس بصحيح؛ لأن أصل الوجوب في التركة، إلا أن للوارث ولاية استخلاص التركة بأداء الدين من مال نفسه، ولما كان أصل الوجوب في التركة تستقيم دعوى الأداء من التركة نظراً إلى الأصل.
محضر فيه دعوى قبض العدليات بغير حق واستهلاكها
صورته: هذا الذي حضر ادعى على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره قبض من هذا الذي حضر دراهم عدلية، وبين عددها وصفتها وجنسها بغير حق، واستهلكها، فواجب عليه أداء مثل هذه الدراهم العدلية إن كان يوجد مثلها، وأداء قيمتها إن لم يوجد مثلها، وقيمتها يوم القبض كان كذا واليوم كذلك، فظن بعض مشايخنا أن في هذه الدعوى نوع خلل من قبل أنه ذكر قبض هذه الدراهم بغير حق واستهلكها، ولم يذكر أنه استهلكها بغير حق، أو بغير أمر صاحبه، ويحتمل أن الاستهلاك كان بغير أمر المالك، ويحتمل أنه كان بأمره، واعترض على هذا القائل أن الاستهلاك إن كان لا يصلح سبباً لمكان الاحتمال، فالغصب السابق كافٍ، فيمكن إيجاب الضمان بالغصب السابق.(11/31)
-----
وقيل في الجواب عن هذا الاعتراض: بهذا لا يمكن إيجاب الضمان بالغصب السابق؛ لأنه يحتمل أن المالك رضي بقبضه الدراهم، والمالك إذا رضي بقبض الغاصب، وقد كان الغاصب قبض للحفظ يبرأ عن الضمان، ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في كتاب «الصرف».
وأكثر المشايخ على أن هذا الخلل المذكور في الحقيقة ليس بخلل، وجهه أن الغصب والقبض بغير حق في نفسه صلح لوجوب الضمان، وكذلك الاستهلاك في نفسه صلح سبباً لوجوب الضمان، إلا أن أمر المالك بالاستهلاك، وإجارته قبض الغاصب مبرىء له عن الضمان، وليس على المدعي أن يتعرض للمشتري عن الضمان نفياً وإثباتاً، إلا إذا ادعى المدعى عليه شيئاً من ذلك، فحينئذٍ يكون ذلك دفعاً لدعوى المدعي لا أن يشرط بيان ذلك على المدعي.h
ثم في هذه الدعوى لو لم يكن المدعي ذكر الاستهلاك في الدعوى إنما ذكر القبض بغير حق ينبغي أن يطلب من المدعى عليه أولاً تسليم عين تلك الدراهم؛ لأن الدراهم إذا كانت قائمة، وثبت قبضها بغير حق يجب على المدعي تسليم عينها، لما عرف أن الدراهم والدنانير تتعينان في المغصوب، فيطالب المدعي بتسليم عينها، فإن عجز عن تسليم عينها، فبتسليم مثلها، فإن لم يقدر على المثل، فبتسليم قيمتها.
ومن الأئمة من قال: ينبغي للمدعي أن يطالب المدعى عليه أولاً بإحضار تلك الدراهم ليقيم البينة عليها، ثم يطالبه بتسليمها إليه كما هو الحكم في سائر المنقولات. ولكن يقول: طلب الإحضار على الإطلاق غير مستقيم هاهنا بخلاف سائر المنقولات؛ وهذا لأن الإحضار إنما يطلب في المنقولات حتى إذا شهد الشهود، وأشاروا إلى المدعى به، والشهود لا يمكنهم الإشارة هاهنا، فإنهم لا يعلمون أن هذه الدراهم هل هو عين تلك الدراهم المغصوبة؟ فإن الدراهم يشبه بعضها بعضاً، فتقع الإشارة إلى غيرها عسى بخلاف سائر المنقولات، فإنه يعرف ظاهراً إلا إذا كان على الدراهم علامة يمكن تمييزها من جنسها، فحينئذٍ يشترط الإحضار أولاً.(11/32)
-----
محضر في دعوى الثمن
صورته: ادعى رجل على غيره أنه باع ثلاثة أذرع من الأطلس المعدني، وبين طوله وعرضه بثمن معلوم، وبين ذلك، وإنه اشتراها منه هذه القطعة من الأطلس الموصوف في مجلس البيع بالثمن الذي بينه، وقلنسوتين معروفتين بالعراق، وإوزة وتكمها، بكذا ثمناً وبين ذلك وسلمها إليه، وأنه قبضها منه من غير تسليم الثمن، فواجب عليه أداء الثمن المذكور فيه، وبين شرائط البيع والشراء من البلوغ والعقل، وطالبه بالثمن، وأنكر الخصم الشراء منه، وأنكر وجوب الثمن عليه، وأقام المدعي بينة على وفق دعواه بشرائطها، وكتبوا نسخة المحضر، وطلبوا جواب الفتوى، فزعم بعض المفتين أن في هذه الدعوى خللاً من قبل أنه لم يذكر فيه أن المبيع هل كان ملك البائع أولاً؟ لجواز أنه باع مال غيره بغير أمره، فلا يستوجب عليه المطالبة بالثمن؛ ولأنه لم يذكره في المحضر (270أ4) أن هذا بذرعان أهل بخارى أو بذرعان أهل خراسان، وإنه مما يتفاوت، فبقي المبيع مجهولاً إلا أن ما زعم هذا القائل لا يوجب خللاً.
أما الأولى: فلأنه ذكر في الدعوى أنه سلمها إليه، وقوله: وسلم، نظير قوله: هو يملكه، وهي مسألة كتاب «الشهادات».
وأما الثاني: فلأنه ذكر في الدعوى أنه يسلمها إليه، وبعد القبض والتسليم، فالمدعى به في الحقيقة هو الثمن الذي وجب بالعقد، وصار ديناً في الذمة، ولا جهالة في الثمن، وإنما الخلل في هذه الدعوى من وجه آخر.(11/33)
-----
فإن المذكور في الدعوى أنه باع منه قطعة أطلس صفتها كذا، وإنه اشتراها منه، والبائع سلمها إلى المشتري، ولم يقل: باعهن واشتراهن، وسلمهن، أو اشتراها جملة بعدما باعها منه جملة، وسلم الجملة إليه، وهو قبض الجملة حتى ينصرف إلى كل ذلك، ولعله باع قطعة الأطلس هذه والقلنسوتين، وأنه اشترى القطعة دون القلنسوتين، أو سلم القطعة دون غيرها أكثر ما في الباب أن كلمة «ما» يجوز أن يصرف إلى أحدهما أيضاً، فلا يبقى هذا الاحتمال، فلا بد من ذكر شيء يزول به ما ذكرنا من الاحتمال، وهو كلمة «هنَّ»، أو ذكر لفظ الجملة، أما بدون ذلك لا يزول الاحتمال، وإذا لم يزل الاحتمال بقي البيع والتسليم مجهولاً، فلا تستقيم دعوى القبض؛ لأن المسلم غير معلوم حتى يستقيم دعوى الثمن بقدره.
محضر في دعوى الوكيل من موكله
ادعى على آخر بحكم الوكالة الثابتة له من جهة والده أنه دفع إلى هذا الرجل تخت ديباج عدده كذا، وصفته كذا، ولونه كذا، وطول كل ديباج كذا، وعرضه كذا على سبيل الأمانة، ولم يظفر به والده حتى يأخذ منه، وقد وكل والده هذا بالخصومة في ذلك متى ظفر بهذا المدفوع إليه، ووكله بقبض ذلك منه أيضاً، وكانت الوكالة ثابتة في مجلس القضاء، فادعى عليه إحضار ذلك مجلس القضاء ليقيم الوكيل البينة عليه، فأنكر المدعى عليه القبض أصلاً، فأقام المدعي بينة على إقرار المدعى عليه أنه كان قبض، لكن رده إلى والده، فكتبوا المحضر، وطلبوا جواب المفتين، فأجابوا بالكل، وكان وجه الخلل منه لم يكن في المحضر أن المدعي كذبه في قوله: باد زد كردم، وهذا لأن المدعي لو صدقه في الرد على والده لا يبقى له حق الخصومة بعد ذلك، فلا بد من بيان ذكر التكذيب في الرد لتستقيم دعوى الإحضار، وعندي أن هذا ليس بخلل؛ لأن طلبه الإحضار تكذيب له في الرد.
محضر في دعوى امرأة منزلاً في يدي رجل شراءً من والده(11/34)
-----
امرأة ادعت منزلاً على رجل، وقالت: هذا المنزل، وذكرت موضعه وبينت حدوده، كان ملكاً وحقاً لوالدي فلان، وإنه باعه مني يوم كذا، في شهر كذا، في سنة كذا حال كونه نافذ التصرف، وإني اشتريتها منه بذلك الثمن المذكور في مجلس البيع، وذلك في حال صحة تصرفاتي، واليوم جميع هذا المنزل ملكي وحقي بهذه السبب، وإن الذي في يده المنزل أحدث فيه يده، فواجب عليه قصر يده عنه، وتسليمه إليّ، فأجاب المدعى عليه: اين منزل ملك منست وحق منست، وباين مدعي سبروني نيست كه دعوى ميكند، أحضرت المدعية نفراً ذكرت أنهم شهودها، فشهد كل واحد منهم بعد الاستشهاد، وقال: كوهي ميدهم كه اين فلان بن فلان والد هذه المدعية أقر في حال صحة إقراره، وقال: اين خانه كه حدوي درين محضر باد كرده شده است بدين دفتر خويش فلانة فروخته ام ووي ازمن خريده است بهمين نهاكه درين محضر ست بهمين تاريخ كه درين محضر باد كرده شده است فروختي وخريدني دردست، وأمرو زاين خانه ملك ابن فلانة است بدين بسبب كه أندر محضر باد كرده است واين مدعى عليه دست نو كرده است درين خانه بنا حق.
واستفتوا المفتين فزعم بعضهم أن فيه خللاً من قبل أنه ذكر في الدعوى أنه باعه منها بتاريخ كذا، وهكذا أقر البائع بهذا البيع بهذا التاريخ، وهذا يوجب خللاً من قبل أنه أضاف الإقرار إلى تاريخ البيع في يوم كذا، ولعل الإقرار كان قبل ذلك، وهذا الزعم فاسد من جهة أن الإقرار لو حمل على ما قبل البيع يكون باطلاً، ولو حمل على ما بعده يكون صحيحاً، والأصل في تصرف العاقد أن يصحح لا أن يبطل.
وزعم هذا الزاعم أيضاً أن في لفظة الشهادة خللاً؛ لأن الشهود قالوا: نشهد أنه أقر بالبيع، شهدوا على إقراره، ثم قالوا: واليوم جميع هذا المنزل ملك هذا المدعي بالسبب المذكور، وفي المحضر أو الإقرار لا يصلح سبباً ولا شهادة لهم على البيع، فكانت الشهادة باطلة، والجواب عن هذا من وجهين:(11/35)
-----
أحدهما: أن هذا لا يوجب خللاً في شهادتهم، وفساد؛ لأن الشهود إذا شهدوا عل إقراره بالبيع والشراء من المدعي، فقد ثبت البيع والشراء بشهادة الشهود، ولكن بناءً على الإقرار والبيع بسبب الملك.
والثاني: أنهم شهدوا على إقراره، ولا علم لنا بعدم شهادتهم على البيع، ولعل لهم شهادة على البيع، لكن لم يشهدوا في الابتداء على البيع، بل شهدوا على إقراره أولاً، ثم شهدوا على البيع، وهو السبب الموجب للملك، فلم يكن في الشهادة خللاً.
محضر في دعوى الثمن
ادعى على غيره كذا ديناراً نيسابورية جيدة ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب صحيح، وذكر فيه، وأقر المدعى عليه أن هذه الدنانير عليه بسبب أنه اشترى من هذا المدعي كذا مناً من دهن السمسم الصافي، وبين أوصافه شراءً صحيحاً، وقبضه منه قبضاً صحيحاً، فواجب على المدعى عليه تسليم هذه الدنانير المذكورة فيه إلى هذا المدعي، وذكر جواب المدعى عليه بالإنكار، وذكر بعده شهادة الشهود على إقرار المدعى عليه بهذا الشراء المذكور فيه هذا المبلغ من الدهن الموصوف فيه.
وقال كل واحد من الشهود بالفارسية: كواهي سيدهم كه اين مدعى عليه، وأشار إليه مقراً مد كه بحال صحت، ورواني إقرار خويش بطوع، ورغبت وحنين كفت كه بخريده ام ازين مدعي، وأشار إلي المدعي مفتصد من روعن كنحيل باكيزة صافي خريدني دردست، وقبض كردم قبض كردني دردست، فاستفتوا عن صحة هذه الدعوى فقيل: إنها فاسدة من وجهين، والشهادة غير مطابقة للدعوى.
أما بيان أحد وجهي فساد الدعوى أن المدعي ادعى إقرار المدعى عليه بهذا المال المذكور فيه، ودعوى الإقرار بالمال غير صحيح لوجهين:
أحدهما: أن دعوى الإقرار ليس بدعوى للحق؛ لأن حق المدعي المال دون الإقرار، فإذا ادعى الإقرار فقد ادعى ما ليس له بحق له.(11/36)
-----
والثاني: أنه ظهر وجه الكذب في هذه الدعوى؛ لأن نفس الإقرار ليس بسبب لوجوب المال إنما الموجب شيء آخر، وهو المبايعة والإقراض، أو ما شاكل ذلك، فلو كان الحق ثابتاً للمدعي بسببه لادعى ذلك، ولبين سببه، فلما أعرض عن ذلك، ومال إلى الإقرار علم أنه كاذب في الدعوى.
والوجه الثاني: لفساد الدعوى أنه لما بين سبب الوجوب وشري الدهن، لا بد وأن يبين أن هذا المبلغ من الدهن (270ب4) الذي يدعي بيعه المدعى عليه كان موجوداً وقت البيع حتى يقع البيع صحيحاً؛ لأن على تقدير عدمه وقت البيع، أو عدم بعضه لا يكون البيع منعقداً في حق الكل، أو في حق البعض، فلا يكون الثمن واجباً على المدعى عليه، فلا تستقيم دعوى الثمن بسبب الشراء، والبيع أكثر ما في الباب أنه ذكر قبضه قبضاً صحيحاً، لكن هذا لا يكفي لصحة البيع ووجوب الثمن لوجهين:
أحدهما: أنه يحتمل أنه لم يكن موجوداً ولا مقبوضاً، لكن الكاتب هكذا كتب.
والثاني: أنه يحتمل أنه لم يكن موجوداً وقت البيع، ثم حصله البائع، وسلمه إلى المشتري، وقبضه المشتري إذ لم يكن في المحضر، وقبضه في مجلس الشراء، أو عقيب القيام عن مجلس الشراء، وعلى تقدير العدم وقت البيع لا ينفعه التسليم؛ لأن العقدحينئذٍ يقع باطلاً، والتسليم بحكم البيع الباطل لا ينفع، ولا يكون هذا بيعاً بالتعاطي؛ لأن هذا التسليم بناء على ذلك العقد الفاسد، وإنما يعتبر البيع بالتعاطي في موضع لم يكن التسليم بناءً على العقد الفاسد.
وهو نظير ما قلنا في الإجارة إذا أجر داره أو أرضه، وهي مشغولة بمتاع الآجر، أو زروعه، ثم فرغ، وسلم لا تنقلب الإجارة جائزة، ولا ينعقد بينهما إجارة مبتدأة بالتعاطي؛ لأن التسليم حصل بناءً على الإجارة الفاسدة كذا هاهنا.(11/37)
-----
ومن المشايخ من أنكر وجود الفساد في هذه الدعوى، وذكر لكل وجه من وجهي الفساد جواباً، أما الأول قوله: بأن دعوى الإقرار بالمال إنما لا يصح إذا حصل دعوى المال بحكم الإقرار بالمال بأن قال المدعي: لي عليك كذا، لأنك أقررت لي به، أو قال: هذا العين ملكي؛ لأنك أقررت لي به، وهاهنا دعوى المال ما حصل بحكم الإقرار، بل دعوى المال حصل مطلقاً إلا أنه مع دعوى المال ادعى إقراره بالمال، وهذا لا يوجب خللاً، وقوله: ظهر وجه الكذب في هذه الدعوى ممنوع أيضاً، وقوله: لم يدع السبب، قلنا: إنما لم يدع السبب لا لما قلتم، بل؛ لأنه لم يجد من يشهد على السبب، وجد من يشهد على إقرار المدعى عليه بالمال.
وأما الوجه الثاني قوله: لا بد وأن يبين أن هذا المبلغ من الدهن كان موجوداً وقت البيع، قلنا: هذا إنما يحتاج إليه في الشهادة بأن شهد الشهود أنه باع منه كذا مبلغاً من الدهن، والشهود هاهنا لا يشهدون على البيع إنما يشهدون على إقراره بالبيع، وإقراره كان بشراء صحيح، وإقرار الإنسان متى حصل بتصرف صحيح يثبت حكمه في حقه، وإن احتمل الفسادبخلاف الشهادة، والفرق بين الشهادة والإقرار عرف في موضعه.
وأما بيان أن الشهادة لا تطابق الدعوى: فإن في الشهادة ذكر إقرار المدعى عليه بالقبض مطلقاً لا بقبض المشتري، فإن الشهود قالوا: مقراً بدين مدعى عليه كه خريدم ازين مدعى مفصدين روعن كنجيد صافي باكيزه، وقبض كردم قبضي دردست، وفي دعوى القبض ذكر مع الإشارة فإنه قال: قبض منه قبضاً صحيحاً، وكان ينبغي أن يذكروا في الشهادة على إقرار المدعى عليه، وقبض كرد مش.(11/38)
محضر: فيه دعوى السرقة من رجل خباز من رجل أجلسه على دكانهليبيع الخبز من الناس، ويأخذ الأثمان وهو الذي يسمى صاحب دكان
-----
وصورة الدعوى: أن الخباز ادعى عليه مبلغاً معلوماً من المال، وقال: إنك سرقت من مالي من أثمان الخبز هذا المبلغ، وادعى عليه إنك قلت: إني أخذت كل يوم خمسة دراهم من الناس، ونقصت لهم من الخبز الذي بعت منهم، إلا أني لم أحبس من مالك شيئاً، وصاحب الدكان منكر ذلك كله، وقد كتبوا في آخر المحضر: فواجب على هذا الذي أحضره معه إحضار هذه الدراهم مجلس القضاء ليتمكن المدعي من إقامة البينة عليها.
فقيل: هذه الدعوى لا تتوجه على صاحب الدكان من جهة الخباز؛ لادعائه ما في الباب أنه يريد إثبات إقراره بأخذ هذه الدراهم على الوجه الذي ذكر في الدعوى، إلا أنه لو ثبت ذلك كان حق الخصومة لأصحاب الدراهم؛ لأنه لما نقصهم من الخبز الذي باع منهم، وأخذ الثمن كان عليه رد ذلك إليهم، وكان حق الاسترداد لهم لا لهذا الرجل إذ ليس هو بخصم عنهم، وإن كان الخباز ادعى عليه إنك قلت: إني أخذت كل يوم خمسة دراهم من مالك، ونقصت الوزن للمشتري أيضاً لا تصح الدعوى؛ لأنه إذا نقص من الخبز المبيع، وأخذ الثمن تاماً كانت الدراهم التي هي بمقابلة النقصان ملك المشتري، فلا يكون للخباز ولاية الاسترداد.
وقد يكون زعم نفر من الأئمة أن صاحب الدكان لما أقر بأخذ الدراهم كان ذلك إقرار من حيث الظاهر أن الدراهم عوض إخبازه أخذها على دكانه عند البيع، فبدعواه أنه أخذ من الناس، ونقص لهم من الخبز الذي باع منهم يكون مدعياً خلاف الظاهر، فلا يصدق على المدعي ما لم يثبت ذلك، وهذا منهم مجرد ظن.(11/39)
-----
ووجه ذلك: أن الخباز يدعي أن الدراهم المأخوذة حقه، وصاحب الدكان منكر، فيكون القول قوله لا أن يكون هو المدعي حتى يكون إثبات ذلك عليه، وبيان فساد هذه الدعوى من وجه آخر أنه يريد أن يدعي عليه مالاً معلوماً مقدراً، ويقول: إنك أقررت بأخذ خمسة دراهم كل يوم، فيكون الدراهم في يده كذا كذا مبلغاً، ونحن نعلم قطعاً أو ظاهراً أن على تقدير التصور لا تجتمع الدراهم في يده ما ذكر من المبلغ؛ لأن المدة كانت طويلة خمس سنين أو ست سنين، فنعلم نفسياً أن الدكان لا يكون على العمل في هذه المدة على سبيل الدوام، بل يتعطل في بعض الأيام، ويحتاج إلى تجديد التنور والعمارة، وهذا أمر معتاد متعارف، وظاهر فيكون دعوى مبلغ معلوم مقدر بحساب كل يوم في جميع هذه المدة كذباً محضاً، ودعوى باطلة، فلا يسمع.
وكانوا كتبوا في آخر محضر الدعوى: فواجب على هذا الذي أحضره إحضار الدراهم مجلس القضاء ليتمكن المدعي من إقامة البينة عليها، وهذا كلام فاسد لغو ضائع من قبل أن الإحضار إنما يشترط للشيء المدعى به وقت الشهادة لتسيير الشهود المدعى به وقت الشهادة، وهاهنا الشهود لما كانوا يريدون الشهادة على إقراره لقبض خمسة دراهم في كل يوم لا على معاينة القبض، والأخذ كيف يمكنهم الإشارة إلى دراهم معينة محضرة، فأي فائدة في ذكر إحضار الدراهم؟ وقد ذكرنا هذا الكلام غير مرة.(11/40)
محضر في دعوى الوصية بالثلث
-----
وصورته: ادعى الموصى له على واحد من الورثة أن الميت قد كان أوصى بثلث ماله حال حياته عاقلاً بالغاً، وأحضر في مجلس الدعوى خاتماً من ذهب فصه من فيروزج، وادعى على الوارث أن هذا الخاتم من جملة التركة التي خلفها الميت، وإنه في يدك، فواجب عليك دفع الثلث المشاع من هذا الخاتم إلي بحكم الوصية، وأنكر الوارث الوصية، فأقام المدعي بينة على وفق دعواه، واستفتوا عن صحة الدعوى، فأفتوا بفساد هذه الدعوى، واختلفوا في علة الفساد، بعضهم قالوا: لم يذكر في المحضر أنه أوصى طائعاً، ويحتمل أنه كان مكرهاً في الإيصاء، والوصية مع الإكراه باطلة، وبعضهم قالوا: طلب تسليم الثلث المشاع من الخاتم، وذلك لا يتصور، والصحيح هو الأول؛ لأن تسليم الجزء الشائع متصور بتسليم الكل.
محضر فيه دعوى النكاح على امرأة(11/41)
-----
وصورة ذلك: ادعى فلان على فلانة أنها منكوحته، وحلاله بسبب أنه تزوجها على مهر معلوم بمشهد من الشهود العدول بتزويجها نفسها منه، وأنها خرجت عن طاعته، فواجب عليها الانقياد له في أحكام النكاح، وقد كان جواب المرأة أن انقيادها له في أحكام الشرع غير واجب عليها من قبل أنه طلقها ثلاث تطليقات، وأنها محرمة عليه بالطلقات الثلاث، وأثبت ذلك بالبينة على سبيل دفع دعواه النكاح عليها، وقد كان أبى الرجل بدفع الدفع أنها مبطلة في دعوى الدفع، وأن دعواها الدفع ساقطة من قبل أنها أقرت قبل دعواها الدفع هذه أنها اعتدت من بعد الطلقات الثلاث، وتزوجت بزوج آخر ودخل بها ذلك الزوج، ثم طلقها، واعتدت منه أيضاً، وكان دعوى انقضاء العدتين منها في مدة يتصور في مثلها انقضاء العدتين، ثم تزوجت بهذا الزوج بمهر معلوم، بمشهد من الشهود العدول، وإنها اليوم امرأته، وكان على المحضر جواب (271أ4) مشايخ سمرقند وكتابهم بالصحة، واتفق مشايخ بخارى أن المحضر غير صحيح من المدعي، وبينوا لذلك وجهاً، فقالوا: الزوج ادعى إقرار المرأة بهذه الأشياء، ودعوى الإقرار على المدعى عليه بالشيء غير صحيح، والمدعي المذكور في شرح «أدب القاضي»، وعندي أن ما ذكروا من بيان وجه الفساد ليس بصحيح، وهذا لأن الزوج لا يدعي النكاح عليها بحكم إقرارها، بل يدعي النكاح مطلقاً، وإنما دعوى الإقرار لبيان كونها مطلقة في دعوى الدفع، ودعوى الإقرار إنما لا يسمع لإثبات استحقاق المدعى به بالإقرار إما لأبطال الدعوى في مقام الدفع فصحيح، وإليه أشار في آخر «الجامع» وقد ذكرنا المسألة قبل مشروحه والله أعلم.(11/42)
-----
ورد سجل من مرو في إثبات ملكية جمل، وكتب فيه يقول القاضي فلان صاحب المظالم والأحكام الشرعية بكورة مرو ونواحيها من قبل السلطان فلان حضر في مجلس الحكم بها بتاريخ كذا رجل ذكر أنه فلان بن فلان، وأحضر معه خصماً ذكر أنه فلان بن فلان، فادعى عليه بمحضر منه، قالوا: وكان في المذكور إلى هاهنا خللاً من وجهين:
أحدهما: أنه كتب حضر في مجلس القضاء بها، وقد سبق ذكر كونه قاضياً بمرو ونواحيها، فقوله: بها يحتمل الانصراف إلى كورة مرو، ويحتمل الانصراف إلى نواحيها، وعلى تقدير الانصراف إلى النواحي، والحكم لا يكون صحيحاً فيها إذ المصر شرط صحة القضاء في ظاهر الرواية، وإليه مال أكثر المشايخ، مذكور في «أدب القاضي» للخصاف، وعندي أن هذا ليس بخلل؛ لأن المصر على رواية «النوادر» ليس بشرط، فإذا قضى القاضي خارج المصر كان قضاؤه في فصل مختلف فيه، فينفذ.
والثاني: أنه ذكر، فادعى عليه بمحضر منه، ولا من التصريح بذكر الذي حضر، والذي أحضره معه؛ لأنه يحتمل أن الدعوى صدر من غير هذا المدعي، أو من هذا المدعي على غير هذا المدعى عليه، ويكتب بمحضر من هذا المدعى عليه لاحتمال أنه يدعي عليه حال غيبته، ثم ذكر فيه جملاً صفته كذا على فخذه كيّ، صفته كذا، وقيمته كذا، سنه كذا بمحضر مجلس القضاء، وأشار إليه أنه ملكه وحقه.
قالوا: وفي بعض هذه الألفاظ خلل، وبعضها غير محتاج إلى الذكر، فبيان الصفة والقيمة والسن غير محتاج إليه، إذ هو محضر مجلس الحكم، فتصح الدعوى بالإشارة إليه من غير بيان الصفة والسن والقيمة، وفيه خلل فإنه قال: وأشار إليه أنه ملكه وحقه، وينبغي أن يقول إلى الجمل المحضر هذا أنه ملك المدعي هذا، وحقه.(11/43)
-----
ثم قال: وفي يد المدعى عليه بغير حق، فلا بد وأن يقول: في يد المدعى عليه هذا، ثم ذكر: وإن الواجب عليه قصر اليد عنه، ولا بد وأن يقول: وإن الواجب على هذا المدعي قصر يده عن الجمل المدعى هذا، ثم ذكر: وإعادته إلى يده، وعسى لم يكن في يده بأن كان ورثه، ولم يقبضه حتى غصبه المدعى عليه، وينبغي أن يذكر مكان لفظة التسليم، ويسلمه إلى المدعي هذا.
ثم ذكر بعد المسألة والإنكار، فأحضر المدعي جماعة، وكان ينبغي أن يقول: فأحضر المدعي هذا، ثم ذكر في شهادة الشهود شهدوا أن الجمل المدعى ملك المدعي وحقه، وفي يد المدعى عليه بغير حق، وقد كان ذكر عقيب ذلك، وأشار إلى المتداعيين، وأنه لا يعني عن ذكر الإشارة عقيب ذكر كل واحد منهما؛ لأن اسم المتداعيين تتناول كل واحد منهما، فعسى أشاروا إلى المدعي عند الحاجة إلى الإشارة إلى المدعى عليه، وعند ذكر الجمل يحتاج إلى ذكر الإشارة إلى الجمل، إلا إذا كان ذكر وأشار إلى المشهود به هذا، ولو لم يكن ذكر لفظة هذا عند ذكر المشهود به، وأحوج ما يكون في المحضر والسجل الإشارة في موضع الإشارة في لفظة الشهادة والدعوى، حتى يرتفع الاشتباه وتصح الدعوى، وقد كان ذكر عقيب قوله: فالتمس المدعي هذا مني الحكم، فأعلمت المدعى عليه ما يوجه عليه من الحكم، ولم يكن ذكر هذا عقيب ذكر المدعى عليه لكن ليتأمل في ترك ذكر الإشارة في هذه المواضع، وإنما يبالغ في ذلك في الدعوى والشهادة.v
وقد كان فيه أيضاً: وحكمت بثبوت ملكية المذكور فيه للمدعي، وبكونه في يد المدعى عليه بغير حق بحضره المتخاصمين، ولم يكن ذكر: وبحضرة الجمل المدعى به هذا، ولابد من ذكر ذلك لا محالة؛ لأن في المنقول يحتاج القاضي وقت الحكم إلى الإشارة كما يحتاج الشاهد وقت الشهادة إلا إذا كان المدعى به القيمة، فحينئذٍ لا يحتاج ما يدعي قيمته كما في الرجوع في الاستحقاق، فالقاضي يقضي بالرجوع بالثمن من غير إحضار المستحق كذا هاهنا.(11/44)
-----
وكان القاضي كتب في آخر السجل المذكور فيه صدر من فلان، ولم يكن كتب: إني حكمت بشهادة هؤلاء الشهود، وبدليل لاح عندي، وما أشبه ذلك، ولا بد من ذلك ليعلم أن الدعوى والشهادة كانت بين يديه، وعسى كان الدعوى والشهادة بين يدي نائبه، وهو تولي الحكم بنفسه، ومثل ذلك لا يجوز القضاء به، فلا بد من بيان ما يدل على ذلك، وكان قاضي بخارى كتب في آخر هذا السجل: وصدر منه الحكم بشهادة عدلين، ولم يكن ذكر بحضرة الخصم، وعسى كان عند غيبة الخصم، فلا يكون صحيحاً، ولو كان كتب: حكمت بثبوت السجل بشرائطه لا يكفي أيضاً؛ لأن القاضي لا يقف على الشرائط، فلا بد من البيان كما قلنا في قول القاضي: شهدوا على موافقة الدعوى أنه لا يكفي بذلك؛ لأنه لا يعرف الموافقة بين الدعوى والشهادة، كذا هاهنا.
محضر في إثبات الوقفية
وكان المكتوب فيه ادعى أن فلاناً وكل فلاناً، وأقامه مقام نفسه في طلب حقوقه من الناس، وفي قبضها له منهم توكيلاً مطلقاً بشرط متحقق كائن قبل هذا التوكيل، وهو هذا الوقف، وقال بالفارسيية: اكر فلان وقف كرده است اين فلان موضع رابن براد دو خواهر خويش فلان وفلان بشرائط كذا، وسلمه إلى متولي كان ولاه يوم الوقف، وصارت وقفية ذلك الموضع مستفيضة مشهورة، وصار هذا الوقف من الأوقاف القديمة المشهورة، فأنت وكيلي بقبض الديون علمه الناس، وقد ثبتت وقفية ذلك الموضع المبين بالشرائط المذكورة فيه، وصارت من الأوقاف المشهورة فتحقق شرط الوكالة له بقبض الديون التي لفلان على الناس، ولفلان الموكل على هذا الذي أحضرته كذا كذا ديناراً، فأجاب الخصم وقال: بلى فلان ترى وكيل كرده است بران وجه كه دعوى ميكنى وكالتي معلق بآن شرط كه ياد كردي ومرا لفلان جند بن كه دعوى ميكني دادني نيست، ولكن مرا از وقفية اين موضع معلوم نيست، وإن شهرت واستفاضت أو خبرني ومرا بتواين جه دعوى ميكني داد نيست.(11/45)
-----
أحضر المدعي نفراً يشهدون له على الوقفية، فشهد الشهود بذلك على وجهها، وساقوا هذه الشهادة على سببها، وذكروا أن فلاناً وقف هذه الضياع المذكورة فيه على كذا بشرط كذا، وحكم القاضي بثبوت الوقفية، وتحقق شرط الوكالة، ولزوم المال على المدعى عليه، وكلفه أداء ذلك إلى المدعي، وأمر بكتبة هذا السجل فكتبوا، ووقع القاضي على صدره، وكتب في آخره كما هو المعتاد (271ب4)، ثم استفتوا على صحة السجل، فأجاب بعض مشايخنا بصحته، وأجاب المحققون بفساده.
واختلفوا فيما بينهم بعلة الفساد، بعضهم قالوا: لأن الشهود شهدوا على أصل الوقف، وشرائطه بالشهرة، والاستفاضة والشهادة على أصل الوقف جائزة، وعلى شرائطه لا، وإذا لم تقبل الشهادة على الشرائط، والشهود شهدوا بهما لا تقبل على أصل الوقف أيضا هاهنا. إما لأن الشهادة واحدة فإذا بطلت في البعض بطلت في الكل؛ أو لأن الشهود لما لا يحل لهم، فوجب ذلك فسقهم، والفسق يمنع قبول الشهادة، وجهلهم بذلك لا يكون عذراً؛ لأن هذا من الأحكام، والجهل بالحكم في دار الإسلام لا يكون عذراً، وإنما علم هاهنا أنهم شهدوا بالتسامع، لأنهم شهدوا بوقف قديم مضى عليه سنون كثيرة، يعلم قطعاً أنهم لم يكونوا حال حياة الواقف يعلم بالضرورة أنهم شهدوا بالتسامع، وهذا ليس بشيء عندي؛ لأن الشهود وإن شهدوا بوقف قديم مضى عليه سنون كثيرة، فهذا لا يثبت الشهادة بالشهرة والتسامع لجواز أنهم عاينوا قاضياً قضى بوقفية هذا الموضع بالشرائط المذكورة.
وطريق آخر يعلم به أنهم شهدوا بالتسامع أن يقول الشهود: شهدنا؛ لأنه اشتهر عندنا، وهذا مقبول بخلاف ما إذا قالوا: شهدنا؛ لأنا سمعنا من الناس حيث لا يقبل في ظاهر الجواب، كما لو قالا: شهدنا بملكية هذا العين لفلان؛ لأنا رأينا هذا العين في يده يتصرف تصرف الملاك، في شهادات «مختصر عصام».(11/46)
-----
وفي رواية: تقبل، وإن فسروه بالسماع من الناس وتأكيد هذه الرواية في كتاب «الأقضية»، وبعضهم قالوا: إنما فسد السجل؛ لأنهم لم يثبتوا المتولي، ولم يذكروا نسبه، بل ذكروا مجهولاً، والتسليم إلى المجهول لا يتحقق، والتسليم شرط صحة الوقف، ولا اعتماد على هذه العلة إنما الاعتماد على العلة الأولى.
وعندي: أن الدعوى من الوكيل ودفعه ذلك الموضع على الوجه الذي ذكر لا يصح، ولو كان الدعوى خالياً عما ذكروا من وجه آخر، لأن الوكيل بهذه الدعوى يثبت شرط حقه بإثبات فعل على الغائب، وفيه إبطال حق الغائب عما هو مملوك له، والإنسان لا يصلح خصماً في إثبات شرط حقه بإثبات فعل على الغائب إذا كان فيه إبطال حق، ألا ترى أن من علق عتق عبده بطلاق فلانة امرأته، فأقام العبد بينة أن فلاناً قد طلق امرأته، فالقاضي لا يسمع دعوى العبد، ولا يقبل بينته؟ والمعنى ما ذكرنا، هكذا ذكر المسألة في طلاق «الجامع الأصغر»، وقد افتى بعض المتأخرين بسماع هذه الدعوى، وقبول بينته، والأول أصح.(11/47)
محضر فيه دعوى ثمن أشياء أرسل بها المدعي إلى المدعى عليه ليبيعها
-----
وصورته: حضر فلان بن فلان الفلاني، وأحضر معه فلاناً، وادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر أرسل إلى هذا الذي أحضره بيد أمين له فلان كذا عدداً من الكرباس الزندسجي البخاري الممسوح؛ طول كل واحد كذا، وعرضه كذا ليبيع ممن يرغب في شرائه بما يقوم أهل البصر في ذلك، وإن فلاناً الأمين أوصل هذه الكرابيس إلى هذا الذي أحضره، قبض ذلك كله من الأمين، وباع ممن اشترى بتقويم أهل البصر وقبض، وذلك كذا، فواجب على هذا الذي أحضره معه تسليم الثمن المذكور فيه إلى هذا المدعي إن كان قائماً بعينه في يده، وإن كان استهلكه، فواجب عليه أداء مثل ذلك الدنانير المقبوضة إلى المدعي، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل، فأجاب الذي أحضره بالإنكار، فأحضر المدعي شهوداً، فاستغنوا عن صحة هذه الدعوى، قيل هذه الدعوى غير مسموعة، وفيها خلل من وجهين:
أحدهما: أن المدعي ادعى على المدعى عليه تسليم ثمن الكرابيس المذكورة في هذه الدعوى، وذكر في الدعوى أنه باع الكرابيس المذكورة فيه بكذا، وقبض الثمن، وطالبه بتسليم الثمن، ولم يذكر أنه باع الكرابيس المذكورة فيه، وسلمها إلى المشتري، ويحتمل أنه ملك الكرابيس في يد البائع بعد البيع قبل التسليم، وعلى هذا التقدير الثمن لا يكون لصاحب الكرابيس بل يبطل البيع، ويكون الثمن لمشتري الكرابيس، وإنما يكون الثمن لصاحب الكرابيس إذا سلم البائع الكرابيس إلى المشتري، فما لم يذكر التسليم لا تكون دعوى المطالبة بتسليم الثمن صحيحة.
والوجه الثاني: قال: فواجب على هذا الذي أحضره معه تسليم الثمن إلى هذا المدعي، وهذا النوع من المطالبة غير مستقيمة في مثل هذه الدعاوى لوجهين:(11/48)
-----
أحدهما: أنه ذكر لفظة الوجوب، وعلى تقدير صحة البيع، ووجود التسليم إلى المشتري، فالثمن يكون أمانة عند المدعى عليه؛ لكونه وكيلاً في البيع، وفي الأمانات لا يجب على الأمين تسليمها إلى صاحبها، إنما يجب عليه التخلية لا غير، فمطالبته بالتسليم لا تكون مستقيمة.
والثاني: أن الثمن لو كان قائماً في يد الأمين كان متعيناً، وفيما يتعين من المنقول إنما تستقيم المطالبة بالإحضار مجلس الحكم ليتمكن المدعي من الدعوى، وإقامة البينة بحضرته، ولا تستقيم الدعوى والمطالبة بالتسليم.
بعض مشايخنا قالوا: الوجه الثاني من الخلل ليس بصحيح، وكذا الوجه الأول قوله: لو صح البيع وتسليم المبيع، وقبض الثمن كان الثمن أمانة في يد الوكيل، ولا يجب على الأمين تسليم الأمانة قلنا: الأمين لا يجب عليه الأمانة بحقيقة أما يجب عليه التسليم بمجازه، وهو التخلية، فتحمل دعوى التسليم على دعوى التخلية تصحيحاً، وقوله: بأن الثمن في يد الوكيل لو كان قائماً كان متعيناً، فيجب الإحضار للإشارة، ولا يمكن للشهود الإشارة إلى الدراهم التي أثمان، وقد مر جنس هذا فيما تقدم.
محضر فيه دعوى ملكية حمار
صورته: ادعى فلان على فلان ملكية حمار، فحضر مجلس الحكم، وقال: الحمار الذي في يد هذا المدعى عليه اشتريته من فلان، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فواجب عليه تسليمه إليّ، فاستفتوا عن صحة هذا الدعوى، فقيل: إنها فاسدة من وجهين:
أحدهما: أنه ذكر الشراء من فلان، ولم يذكروا نقد الثمن، وقد كتبنا في هذا الكتاب أن المشتري إذا وجد المشترى في يد غيره، ولم يكن نقد الثمن للبائع لا يكون له ولاية الاسترداد والاستخراج من يد ذي اليد، وأكدنا ذلك بمسألة «المنتقى».(11/49)
-----
والثاني: أن في دعوى الملك بسبب الشراء لا بد للمدعي أن يقول: باع مني وهو يملكه، أو يذكر التسليم، أو يقول: ملكي اشتريته من فلان، ولم يوجد شيء من ذلك، والحاصل أن ذكر الملك من أحد الجانبين كافٍ لصحة الدعوى بطريق الشراء.
محضر فيه دعوى رجل بقية صداق بنته على زوجها بسبب دعوى الطلاق عليها وجهته بالحلف
وكان صورة الدعوى: كان لفلان بن فلان على ختني كذا ديناراً بسبب كذا، فقضى من ذلك كذا، وبقي عليه كذا، وكان في يد صاحب الدين خط إقرار ختني لهذا بالمال، فطعن المقر بذلك ومزقه، ثم أخذه الغريم يوماً، وطالبه بالباقي من المال، فأنكر فاستحلفه بالطلاق، فحلف بثلاث تطليقات إنه ليس عليه شيء، فهدده وحبسه، فأقر ببقية المال الذي كان عليه، وأعطاه خطاً بذلك.(11/50)
-----
وهكذا أقر المدعى عليه بالحلف، وببدل الخط، والإقرار ببقية ماله الذي كان له عليه، فأخبر بذلك امرأته وصهره، ورفعوا الأمر إلى القاضي، فادعى صهره بوكالة بنته بقية مهرها بوقوع الطلاق بسبب الحلف المذكور فيه، فأنكر الرجل الحلف والإقرار بعد ذلك، فأتى المدعي بالشهود، فشهدوا بهذا اللفظ: أن الزوج أقر أني حلفت بثلاث تطليقات أنه ليس لفلان عليَّ كذا، وهو ما كان يدعي علي من بقية الدين، ثم بدل له خطاً بكذا، فاستفتوا بصحة هذه الدعوى (272أ4) وموافقة الشهادة الدعوى، فقيل: إن هذه الشهادة غير موافقة لهذه الدعوى؛ لأن في الدعوى ذكر أنه أقر بعد الحلف ببقية المال الذي كان له عليه، وبدل له الخط بذلك، وفي الشهادة شهد الشهود أنه أقر أنه بدل الخط بعد الحلف بكذا، ولم يشهدوا أنه بدل الخط بالمال الذي كان له عليه، وعسى بدل له خط الصلح، وذلك لا يكون إقراراً أصلاً، وإن بدل خط الإقرار، وأشهد بمال آخر لا بذلك المال، فلا يوجب هذا حنثاً في يمينه، فكانت هذه الشهادة مخالفة للدعوى من هذا الوجه، ولأنه يكره في هذا الإقرار، والإقرار مكرهاً لا يجب به المال، فلا يقع الحنث، فهذا خلل ظاهر في هذا المقام.
محضر فيه دعوى استئجار الطاحونة
وكان في ذكر الحدود، الحد الأول: مصرف ماء النهر، والحد الثاني: مصب ماء النهر من الوادي، فرد المحضر بعلة أن هذا حد النهر لا حد الطاحونة، والدعوى وقع في الطاحونة وحدها، ولو وقع الدعوى في الطاحونة، والنهر، فما ذكروا يصلح حداً للنهر.
محضر فيه دعوى إجارة محدودة بأجرة معلومة
فرد المحضر بعلة أن الأجرة ذكر مطلقة، ولعل أنها من المكيلات، وبيان مكان الإيفاء إذا كانت الأجرة مكيلاً أو موزوناً شرط، ولم يذكر ذلك.
محضر في الإجارة المضافة إلى زمان بعينه(11/51)
-----
وقد كتب الصك قبل مجيء ذلك الزمان، وكتب فيه أنهما تقابضا قبضاً صحيحاً قبل قوله: تقابضا قبضاً صحيحاً لا يكاد يصح؛ لأن العقد لا ينعقد قبل مجيء ذلك الزمان، والتقابض قبله لا يكون صحيحاً.
محضر
سجل فيه استحقاق جارية اسمها دلبر، فحين أراد المشتري أن يثبت الاستحقاق عند القاضي ليرجع على البائع ذكر اسم الجارية بنقشه، فقال البائع: ما بعت منك جارية اسمها نقشة، وإنما بعت جارية اسمها دلبر، فقد قيل: القاضي لا يلتفت إلى دعوى المشتري، ولا يمكنه من الرجوع على بائعه؛ لأن البائع ينكر بيع الجارية بالاسم الذي ادعاه المشتري، وقد قيل: القاضي يسمع دعواه إذا قال: أرجع عليك بثمن الجارية التي اشتريتها منك، واستحقت عليّ، سمع دعواه، وإذا أقام عليه البينة، قبلت بينته، وقضى له بالثمن.
محضر في إثبات الاستحقاق والرجوع بالثمن
وصورة ذلك: جرى الحكم من القاضي فلان على فلان باستحقاق حمار كان اشتراه ببينة قامت، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر أن الاستحقاق كان بمطلق الملك، أو بالملك بسبب، وكذلك لم يذكر فيه أن البينة قامت على إقرار المستحق عليه، أو على نفس الدعوى، والحكم يختلف.
محضر في دعوى يمين عين مسماة
وكان المذكور في آخر الدعوى، فواجب على هذا المدعى عليه تسليم الثمن المذكور إلى هذا المدعي، فرد المحضر بعلة أنه لم يذكر في المحضر تسليم المبيع، ولا بد من ذكره ليصح دعوى المطالبة بتسليم الثمن، فإنه لو ملك البيع قبل التسليم ينتقض البيع، ولا يبقى الثمن واجباً على المشتري.
والثاني: أن المذكور في آخر الدعوى: فواجب على هذا المدعى عليه تسليم الثمن المذكور إلى هذا المدعي، والثمن على تقدير صحة البيع أمانة عند المدعى عليه، وفي الأمانات والودائع الواجب هو التخلية دون التسليم.(11/52)
-----
وكل ذلك عندي فاسد غاية الفساد، أما الأول: فلأن حكم الشرع في بيع العين بالدراهم أن المشتري هو الذي يطالبه بتسليم الثمن أولاً، وأما الثاني: فلأن الثمن واجب في ذمة المشتري، والواجب في الذمة لا يكون أمانة، وكيف يستقيم هذا القول؟ فإنه لو ملك جميع مال المشتري لا يسقط عنه الثمن.
ورد محضر
فيه دعوى: دنانير نيسابورية جيدة حمراء ثمن دهن مقدر معلوم، اشتراه المدعى عليه من المدعي، وقبض الدهن، وشهد الشهود بذلك، وذكروا قبض الدهن في الدعوى والشهادة جميعاً، فرد المحضر بعلة أن المدعي في دعواه، والشهود في شهادتهم لم يذكروا أن هذا القدر من الدهن هل كان في ملكه يوم البيع؟ وعلى تقدير أنه لا يكون لا يجوز البيع، ولا يجب الثمن على المشتري، وهذا ليس بخلل في الحقيقة؛ لأن هذا دعوى الدين في الحقيقة؛ لأن الدهن مقبوض، ألا ترى أنهم لو لم يذكروا مقدار الدهن تصح الدعوى؟ وإن لم يذكروا قبضه، وإنما تصح الدعوى؛ لأنه في الحقيقة دعوى الدين.
ورد محضر
صورته: ادعى فلان على فلان أنك اشتريت مني كذا كذا حنطة بخمسين ديناراً، وجاء المدعي بشاهدين شهد أحدهما بالبيع بخمسة وعشرين، وشهد الآخر بالبيع بسبعة وعشرين، فقيل: الشهادة ليست بصحيحة لاختلاف الشاهدين فيها، وقيل: لو صح الدعوى كانت الشهادة على العشرين مقبولة؛ لأنهما اتفقا على العشرين لفظاً ومعنى، والأول أصح؛ لأن كل واحد منهما شهد بعقد غير العقد الذي يشهد به صاحبه، فإن العقد بخمسة وعشرين غير العقد بعشرين، ألا ترى أنه لو وقع مثل هذا الاختلاف بين المتبايعين يتحالفان؟.
ورد محضر(11/53)
-----
ادعى فلان على فلان كذا كذا أقفزة حنطة، وقال في دعواه: اين مدعى عليه ارزمين مستأجر اين مبلغ كندم برده است بنا حق، فإن كان قائماً بعينها، فعليه أن يردها علي، وإن كان هالكاً، فعليه أن يرد مثلها، فرد المحضر بعلة أنه لم يذكر في الدعوى: اين مبلغ كندم برده است بنا حق ان مزروعه مزيا ان مزروعه مزارع من، ولا بد من ذكر ذلك ليصح منه دعوى المطالبة بالتسليم إذ يجوز أن يكون الزارع زرع في أرض غيره، فيكون الزرع لذلك الغير لا لهذا المدعي، وإذا ذكر أنه مزروع مزارعة هل يشترط ذكر اسم المزارع ونسبه؟ ففيه اختلاف المشايخ.
وفي «فتاوى النسفي»: عرض محضر فيه دعوى أربعة آلاف دينار، والمكتوب في لفظة الشهادة أربعة دنانير، قال شيخ الإسلام السغدي: المخالفة بين الدعوى والشهادة ظاهرة، فقيل: بسي هزار، فقال: أدان سي فقد فسد المكتوب، وقيل: يجب أن يقبل الشهادة على أربعة دنانير، وقد مر جنس هذا.
ورد محضر فيه دعوى: أعيان مختلفة الجنس والنوع والصفة، وذكر قيمتها جملة، ولم يبين قيمة كل عين، قال شيخ الإسلام: اختلف المشايخ فيه، منهم من اكتفى بالإجماع، ومنهم من شرط التفصيل، وهذه المسألة في الحاصل على وجهين:
أما إن كانت الأعيان قائمة، أو مستهلكة، فإن كانت قائمة فلا بد من الإحضار عند الدعوى، وعند ذلك لا حاجةإلى بيان القيمة، وقد مر جنس هذا، وإن كانت مستهلكة ينبغي أن يبين قيمة كل عين؛ لأنه ربما يقر باستهلاك بعض هذه الأعيان، وينكر البعض، فلا بد من أن يعرف القاضي أنه بأي قدر يقضي، مع هذا إذا لم يبين لا يوجب ذلك خللاً في الدعوى؛ لأنه ادعى ديناً وبين قدره.
محضر في دعوى الناقة(11/54)
-----
رد بعلة الدعوى، وقع في الناقة، والمكتوب في المحضر الجمل، وإنه يوجب الفساد لمكان تجهيل في الوصف، وكذلك لو وقع الدعوى في ناقة وجمل، وكتب في المحضر (272ب4) ناقتين أو جملين يرد المحضر لما قلنا، وهذا الجواب مستقيم في دعوى الدين غير مستقيم في دعوى العين؛ لأن في دعوى العين يحتاج إلى الإشارة، وعند الإشارة لا حاجة إلى ذكر شيء من الأوصاف.
عين محضر
صورته: ادعى فلان أنه قطع من أشجار كرمه كذا كذا وقراً من الحطب، قيمتها كذا، وغصب من كرمه كذا كذا وقراً من الأعيان، فرد المحضر بعلة أنه ليس فيه بيان نوع العنب والحطب، فقيل: هذا الجواب مستقيم في العنب؛ لأنه مثله، غير مستقيم في الحطب؛ لأن الحطب من ذوات القيم، فبين مقدار قيمة الحطب، ويكتفى به، وقيل: الأول صح؛ لأن القيمة تتفاوت بتفاوت النوع والصفة، فإن قيمة الجوز والفرصاد أكثر من قيمة الخلاف، وكذلك قيمة اليابس أكثر من قيمة الرطب، فلا بد من أن يبين نوع الحطب مع مقدار القيمة حتى يعلم هل هو صادق في تعيين هذا القدر من القيمة؟.
ورد محضر فيه دعوى امرأة على زوجها
وصورتها: أنها ادعت أنه أخذ من مالها كذا كذا بغير حق، قبضاً يوجب عليه الرد عليها، وأقر فلان أنه قبض ذلك المال المذكور منها إقراراً صحيحاً، وهو طائع غير مكره، ولم يكن عند ذكر الإقرار أنه قبض ذلك بغير حق، ولا ذكر أنه قبض قبضاً يوجب عليه الرد عليها، قال شيخ الإسلام السعدي رحمه الله: مدار الأمر على هذا الإقرار، وليس فيه أنه بغير حق، ويحتمل أن يكون بحق، وليس فيه إضافة إقراره إلى ما سبق ذكره أنه أقر بذلك، أو نحوه حتى يتصرف ذلك الأول، بل هو إقرار مستأنف مطلق، وذلك لا يوجب الضمان لا محالة، فلا تصح الدعوى.(11/55)
-----
قيل: وينبغي أن تصح الدعوى، وهو الأشبه؛ لأن القبض المطلق سبب لضمان الرد والعين جميعاً، فصار وجود الرد كالمنصوص عليه في إقراره بالقبض المطلق، ألا ترى إلى ما ذكر في «الأصل»، وفي «الجامع الصغير» أن من قال لغيره: غصبتني هذا الثوب، وقال ذلك الرجل: أخذته منك وديعة، أن القول قول المقر له، والمقر ضامن مع أن المقر هناك نص على الأخذ وديعة، فهاهنا أولى.
عرض محضر على شيخ الإسلام السغدي
وصورته: ادعى رجل أعياناً من الأموال على رجل، ومنها قميص قد كانوا سواء جنسه ونوعه وقيمته وصفته، وسراويل بينوا نوعه وصفته وجنسه، وقيمته، قال: إنه ليس بصحيح؛ لأنه لم يذكر مردانه، وارنا زنانة وار خرديا كلان.
والمسألة على وجهين: إن كانت هذه الأشياء قائمة لابد من إحضارها مجلس الدعوى للإشارة إليها، وعند ذلك لا حاجة إلى بيان هذه الأشياء، وإن كانت مستهلكة، فلابد من ذكر هذه الأشياء مع ذكر القيمة.
ورد محضر فيه دعوى النحاس المنكسرة
وكان الغصب في بلد مرو، والدعوى ببخارى، فاعلم بأن الغصب على نوعين:
نوع هو من ذوات الأمثال، ونوع هو ليس من ذوات الأمثال، وكل نوع على نوعين أيضاً، نوع له حمل ومؤنة، ونوع لا حمل له ولا مؤنة، فإن لم يكن المغصوب من ذوات الأمثال نحو الدابة والخادم، أو ما أشبه ذلك، فلقي المغصوب منه الغاصب في بلدة أخرى، والمغصوب قائم في يد الغاصب، فإن كانت القيمة في هذه البلدة مثل القيمة في بلدة الغصب أو أكثر، فالمغصوب منه يأخذ عين ماله، وليس له أن يطالب الغاصب بالقيمة؛ لأن وصل إليه عين حقه من غير ضرر يلحقه.h(11/56)
-----
وإن كان السعر في هذه البلدة أقل من القيمة في مكان الغصب، فالمغصوب منه بالخيار، إن شاء أخذ المغصوب ولا شيء له، وإن شاء أخذ القيمة في مكان الغصب، وإن شاء انتظر حتى يذهب الغاصب بالمغصوب إلى بلدة الغصب فيأخذ منه، وهذا لأنه إذا أخذ العين فقد وصل إليه عين ملكه مع ضرر يا حقه من الغاصب؛ لأن قيمة الأشياء تتفاوت بتفاوت الأمكنة، وهذا التفاوت إنما حصل لمعنى من جهة الغاصب، وهو نقله إلى هذا المكان، فكان له أن يلتزم الضرر بأخذ العين، وله أن لا يلتزم الضرر، فيأخذ القيمة يوم الخصومة في مكان الغصب، أو ينتظر بخلاف ما إذا لقيه في بلدة الغصب، وقد انتقص السعر حيث لا يكون له الخيار؛ لأن النقصان ما حصل بفعل مضاف إلى الغائب، وإنما هو لمعنى راجع إلى رغبات الناس، فلا يضمن، أما إذا نقله إلى موضع آخر فهذا النقصان حصل مستنداً إلى فعل الغاصب، وهو النقل، فأمكن إيجاب الضمان عليه.
وإن كان المغصوب قد هلك في يد الغاصب، فلقيه المغصوب منه في بلد آخر، فإن كانت قيمتها في بلدة الغاصب أكثر يطالبه بقيمتها في بلدة الغاصب يوم الخصومة إن شاء، وإن كانت قيمتها في بلدة الخصومة أكبر فالغاصب يعطيه قيمته في بلدة الغاصب؛ لأن المالك لا يستحق الرد إلا في مكان الغصب.(11/57)
-----
وإن كان المغصوب من ذوات الأمثال، وله حمل ومؤنة كالكر من الحنطة أو الشعير، وكالنحاس المنكسر وما أشبه ذلك، فإن كان المغصوب قائماً في يد الغاصب، فلقيه المغصوب منه في بلدة أخرى، فإن كان الشعير في هذه البلدة مثل الشعير في بلدة الغصب، أو أكثر، يأخذ المغصوب منه بالخيار؛ إن شاء أخذ عين المغصوب، وإن شاء أخذ قيمته في مكان الغصب يوم الخصومة، وإن شاء انتظر، وإن كان المغصوب قد ملكه في يد الغاصب فإن كان الشعير في بلدة الغاصب مثل الشعير في بلدة الخصومة، فالغاصب يبرأ برد المثل، وللمغصوب منه أيضاً أن يطالبه برد المثل؛ لأنه لا ضرر على واحد منهما، وإن كان الشعير في بلدة الغصب أكثر فللمغصوب منه الخيار؛ إن شاء طالبه برد المثل، وإن شاء أخذ قيمته في بلدة الغصب يوم الخصومة، وإن شاء انتظر.
فإن كانت قيمته في مكان الغصب أكثر فللغاصب الخيار، إن شاء أعطاه مثله، وإن شاء أعطاه قيمته في مكان الغصب؛ لأن المالك لا يستحق إلا في مكان الغصب، فلو ألزمنا الغاصب تسليم المثل على التعيين يستضر به الغاصب، فإنه يلزمه زيادة قيمة لا يستحق المغصوب منه، فخيرناه بين إعطاء المثل في الحال، وبين إعطاء القيمة في مكان الغصب إلا أن يرضى المغصوب منه بالتأخير، فله ذلك، وله أن لا يأخذ القيمة في مكان الغصب للحال.(11/58)
إذا عرفت جواب هذه الفصول خرج جواب المحضر، وإن كان قيمة النحاس بمرو أكثر من قيمته ببخارى مثل قيمة النحاس بمرو، فحق المغصوب منه في مثل ذلك النحاس، فإن ادعى المثل صح دعواه، وما لا فلا، وإن كانت قيمة النحاس بمرو أكثر من قيمته ببخارى، فالمغصوب منه بالخيار إن شاء طالبه بالمثل في الحال، وإن شاء طالبه بقيمة مرو يوم الخصومة، فأي ذلك شاء، وعينه وادعاه يصح دعواه، وإن كانت قيمته ببخارى أكثر من قيمته بمرو، يطالب الغاصب بأيهما شاء الغاصب، ويقول له القاضي: أدّ أيهما شئت، إما قيمته بمرو، وإما مثله في الحال.(11/59)
-----
ورد محضر
صورته: حضر فلان وأحضر معه فلان بن فلان، ولم يذكر اسم الجد فأجبت بالصحة؛ لأنه حاضر، وفي الحاضر الإشارة تكفي، ولا يحتاج إلى ذكر الاسم، فأولى أن لا يحتاج إلى ذكر الجد، وأما الغاصب فلا بد من ذكر الجد في قول أبي حنيفة ومحمد، وهو الصحيح.
ورد محضر: امرأة ادعت على ورثة زوجها بقية مهرها، الذي كان لها عليه، وأنه أقر لها بذلك طائعاً، ومات (273أ4) قبل أن يوفيها ذلك، وخلف من التركة في أيديهم ما فيه وفاء بالدين وزيادة، وفيه جواب الإمام نجم الدين النسفي بالفساد؛ لعلة أنها لم تبين أعيان التركة في أيديهم، ولا بد من بيان ذلك، وتعريفها بما يقع به المعرفة، نحو ذكر الحدود في المحدودات وأشباه ذلك.
وهذا فصل اختلف فيه المشايخ، بعضهم شرطوا بيان أعيان التركة شيئاً فشيئاً، والحاكم أحمد السمرقندي في «شروطه» ذكر في سجل إثبات الدين إن أجمل كان كافياً، وإن بين وفسر كان أحوط، والفقيه أبو الليث لم يشترط بيان أعيان التركة، واكتفى بذكر الوفاء بالدين، والخصاف ذكر في «أدب القاضي» في باب اليمين على العلم مثلما ذكر الفقيه أبو الليث، والمختار للفتوى هذا أنه لا يشترط بيان أعيان التركة لإثبات الدين والقضاء به، ولكن إنما يأمر القاضي الوارث بقضاء دين الميت إذا ثبت وصول التركة إليهم، وعند إنكارهم وصول التركة إليهم لا يمكن للمدعي إثباته إلا بعد ذكر أعيان التركة في أيديهم بما يحصل به الإعلام، وهكذا حكى فتوى شمس الإسلام الأوزجندي.
ورد محضر فيه ذكر إقرار بمال، فرده الإمام النسفي بعلة أنه لم يذكر فيه أنه أقر بطوع، قال: ولا بد من ذكره، وقيل: إنه من باب الاحتياط، وليس بأمر لازم؛ لأن الإكراه فيما بين الناس ليس بظاهر، وإنما يكون بطريق الندرة، وما كان نادراً لا يلتفت إليه بالأحكام الشرعية.
محضر فيه دعوى رجلين صداق جارية مشتركة بينهما(11/60)
-----
وصورته أن المسماة فلانة التركية مشتركة بينهما، وإن لهذه التركية على هذا الرجل من صداقها كذا، وهكذا، أقر هو، وجاء بشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه بالصداق المذكور للتركية المسماة، فرد المحضر بعلة أنه ليس فيه ذكر المزوج، وهذا لأنه يحتمل أن الجارية صارت لهما من جهة غيرهما إما بالإرث أو بالهبة أو بالبيع، أو بالصدقة، أو بالوصية، أو ما أشبه ذلك، ويحتمل أن التزويج كان من جهة ذلك الغير، فإن كان التزويج من البائع أو الواهب أو من المتصدق، كان الصداق إلا لهذين المدعيين فلا يصح دعواهما ذلك، وإن كان التزويج من مورثهما، فالصداق يجب للمورث أولاً، ثم يجب للوارث، فلا بد من بيان حق الميراث؛ ولأنهم قالوا: لها على هذا المدعى عليه من الصداق كذا، والصداق يجب لمالكها لا لها؛ ولأن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه لها بالصداق على نفسه، أما ما شهدوا بكونها مملوكة لهذين المدعيين، وما لم يثبت بالحجة كونها مملوكة للمدعيين لا يثبت لهما حق المطالبة بتسليم الصداق إليها.
ورد محضر فيه: دعوى صبي بعلة أن دعوى الصبي غير صحيحة، وهذا مستقيم في حق الصبي المحجور، أما الصبي المأذون فدعواه صحيحة إن كان مدعياً، وإن كان مدعى عليه، فجوابه أيضاً صحيح.
محضر فيه: دعوى رجل على رجل أن هذا الرجل وكزه خطأ، وأصاب وجهه، وانكسر من شدة ضربه ستة من ثناياه الثماني من الأصل، ووجب لهذا المدعى عليه خمسمئة درهم، وطالبه بالجواب، فرد المحضر بعلة أن الضرب إذا كان خطأ، فوجب على العاقلة لا على الضارب وحده، وإن اختلفوا أن الضارب هل هو من جملة العاقلة؟.
والاختلاف في هذا الفعل في موضعين:
أحدهما: أن الوجوب على الضارب ابتداء، والعاقلة يحملون عنه، أو الوجوب على العاقلة ابتداء.
والثاني: أن الضارب هل هو من جملة العاقلة، فلا يستقيم دعوى مطالبة بجميع الموجب.
ورد محضر في دعوى الإرث(11/61)
-----
صورته: ادعى على هذا الذي أحضره أن فلاناً مات، وخلف من الورثة، فلاناً وفلاناً، لا وارث له غيرنا، وصارت جميع تركته ميراثاً بيننا على أربعة أسهم لي، وفي يد هذا المدعى عليه من تركته دار حدودها كذا، فواجب عليه تسليم سهم واحد من أربعة أسهم من هذه الدار المحدودة إليَّ، فقال المدعى عليه: نيشت ازيازده نيراز جملة اين دار محدودة ملك منست ودردست من وبتو سبروني نيست.
فرد المحضر بعلة أن المدعى عليه إذا لم يكن يتعرض للباقي، فإنما يطالب المدعى عليه بسهم من أربعة أسهم من جملة ما أقر بكونه في يده لا بسهم من أربعة أسهم من جملة الدار؛ لأن يد المدعى عليه على الدار إنما تثبت بإقراره وهو إنما أقر بيده على هذا المقدار، وهذا ليس بخلل على الحقيقة؛ لأن المدعي إن لم يثبت يد المدعى عليه على ما ادعاه المدعي، فالقاضي لا يلتفت إلى دعواه، وإن أثبت صح دعواه، وصحت مطالبته بتسليم هذا المقدار، فلا حاجة إلى شيء آخر.
ورد محضر فيه دعوى الضمان بعلة أن المدعي قال في دعواه: وإن هذا الرجل ضمن المال المذكور فيه، ولم يقل: ضمن لي، ولا بد من ذكر ذلك ليصح مطالبة المدعي إياه بحكم الضمان، وعندي أن هذا ليس بخلل.
محضر فيه دعوى دفع الدفع(11/62)
-----
صورته: رجل مات وترك ابناً، وصنوفاً من الأموال، فادعت امرأة على ابن الميت أن أباه هذا الميت قد كان تزوجها على صداق كذا، ومات قبل أداء شيء إليها، وخلف من التركة في يد هذا الابن كذا وكذا، وإنها تفي بهذا المقدار من الصداق وزيادة، فأنكر الابن أن يكون لها على أبيه صداقاً، فأقامت البينة على ذلك، فادعى الابن عليها في دفع دعواها: إنك أبرأت أبي عن هذه الدعوى بعد موته، وأقام البينة على ذلك، فادعت المرأة على الابن في دفع دعواه الدفع: إنك مبطل في دعوى الإبراء، لما أنك طلبت مني الصلح بعد موت أبيك على كذا وكذا، فقيل: لا شك أن دفع الابن دعواها صحيحة مع ما سبق منه من إنكار الصداق على الأب؛ لأن التوفيق ممكن؛ لأنه يمكنه أن يقول: لم يكن لها على الأب الصداق، ولكن لما ادعت تشفعنا إليها حتى تبرئه، فأبرأته، فأما دفع الدفع ننظر إن ادعت أنه طلب مني الصلح عن دعواي لا يصلح هذا دفعاً؛ لأن الصلح عن دعوى الشيء لا يكون إقراراً بذلك الشيء للمدعي، وكذلك طلب الصلح من الدعوى لا يكون إقراراً، فكذا هاهنا، طلب الصلح عن الابن دعوى المهر لا يكون إقراراً (273ب4) بمهرها.
وإن ادعت أنه طلب الصلح عن مهري، فالمسألة يجب أن تكون على خلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهذا لأن طلب الصلح عن الشيء إقرار بذلك الشيء للمدعي، فيثبت بينة المرأة إقرار للابن بصداقها على أبيه، وقد ثبت بينة الابن إبراء المرأة الميت عن الصداق، ولم يعرف بينهما تاريخ، فيجعل له كأنهما وقعا معاً الإبراء وطلب الصلح، فيصير الابن راداً الإبراء بطلب الصلح عن الصداق، ورب الدين إذا أبرأ الميت عن الدين، فرد الوارث إبراءه هل يرتد الإبراء برده؟ على قول أبي يوسف: يرتد، وعلى قول محمد: لا يرتد، فيصح الدفع.
سجل ورد من خوارزم في إثبات الحرية(11/63)
-----
ولم يذكروا فيه لفظة الشهادة، وإنما ذكروا أنهم شهدوا عل موافقة الدعوى، فظن بعض مشايخنا أن فيه خلل، وقد ذكرنا في أول المحاضر أن ترك لفظة الشهادة خلل في محضر الدعوى، وليس بخلل في السجل، وذكر فيه أيضاً: وقضيت لفلان على فلان بكذا، ولم يذكر فيه: بحضرتهما، فظن بعض مشايخنا أنه خلل، وليس بخلل، ويحمل ذلك على أنه كان بحضرتهما حملاً لقضائه على الصحة، وقد غلطوا في الاسم، فجعلوا اسم الوكيل للموكل، واسم الموكل للوكيل، فظن بعض مشايخنا أنه خلل.
وقال بعضهم: ليس بخلل؛ لأن الوكيل والموكل متخاصمان، وقد وجدت الإشارة، فلا حاجة إلى الاسم.
سجل عرض كتب في آخره: ثبت عندي، ولم يكتب: حكمت، فرد السجل بهذه العلة، وإنه سهو، فقول القاضي: ثبت عندي بمنزلة قوله: حكمت.
عرض سجل في دعوى الوصية
صورته: حضر فلان وأحضر مع نفسه فلاناً، وهذا الذي حضر مأذون من جهة القاضي فلان في دعوى وقفية الضيعة التي حدودها كذا، نصبه القاضي فلان ليثبت الوقفية على فلانة، وأولاد أولادها، وقفها فلان على ابنته فلانة، ثم على أولادها، ثم على أولاد أولادها، وبعد انقراضهم على مسجد جامع كذا، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه أثبت يده على هذه الضيعة الموقوفة على فلانة، ثم على أولادها بغير حق، فواجب عليه قصر يده عنها، وتسليمها إليّ لأقضيها بالإذن الحكمي.
فقيل: هذا السجل وقع فاسداً؛ لأن المدعي لم يذكر في دعواه أنه يدعي الوقفية ليصرف الغلة إلى فلانة وأولاد أولادها، أو ليصرف الغلة إلى مصالح الجامع، ولا بد من بيان ذلك؛ لأن على تقدير بقاء فلانة، أو واحد من أولادها، أو أولاد أولادها لا تصرف الغلة إلى مصالح الجامع، وعلى تقدير انقراضهم، فالمدعي ليس بخصم؛ لأن القاضي إنما نصبه ليدعي وقفية هذه الضيعة لهؤلاء لا للجامع.(11/64)
-----
وقيل: السجل صحيح، وهذا الخلل ليس بشيء؛ لأن الواقف واحد إلا أن المصارف مختلفة، والبعض مقدم على البعض، فالإذن من القاضي بدعوى وقفية هذه الضيعة لأجل البعض يكون إذناً بدعوى وقفيتها لأجل الكل، فصار مأذوناً بدعوى الوقفية لأجل الكل، فلا حاجة إلى تعيين المصارف في الدعوى، ويكفيه دعوى أصل الوقفية، ثم إذا ثبت أصلاً، فإن بقي أحد من هؤلاء تصرف الغلة إليه، ولا تصرف إلى مصالح الجامع.
عرض سجل في دعوى حرية الأصل
وكان في الدعوى أنه حر الأصل، وإنه علق حراً، وولد على فراش الحرية، وأم المدعي هذا معتقة، فشهد الشهود أنه حر الأصل ولد على فراش الحرية، ولم يشهدوا أنه علق حر الأصل، وشهدوا أنه حر الأصل، ولم يزيدوا على هذا، فأفتى كثير من مشايخنا بصحته.
فإن محمداً رحمه الله ذكر في كتاب «الولاء»: إذا شهد الشهود أن هذا حر الأصل اكتفى به، ومن المشايخ من زعم فساد السجل؛ لأن المعتوق بالولد إن كان بعد عتق الأم كان الولد حراً، وإن كان قبل ذلك لا يكون الولد حراً، فإذا لم يبينوا ذلك في الدعوى والشهادة كيف يقضي بحرية الولد وبصحة السجل؟ والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، تم المحاضر والسجلات.
عرض سجل في دعوى حرية الأصل
وكان في الدعوى أنه حر الأصل، وإنه علق حراً، وولد على فراش الحرية، وأم المدعي هذا معتقة، فشهد الشهود أنه حر الأصل ولد على فراش الحرية، ولم يشهدوا أنه علق حر الأصل، وشهدوا أنه حر الأصل، ولم يزيدوا على هذا، فأفتى كثير من مشايخنا بصحته.(11/65)
-----
فإن محمداً رحمه الله ذكر في كتاب «الولاء»: إذا شهد الشهود أن هذا حر الأصل اكتفى به، ومن المشايخ من زعم فساد السجل؛ لأن المعتوق بالولد إن كان بعد عتق الأم كان الولد حراً، وإن كان قبل ذلك لا يكون الولد حراً، فإذا لم يبينوا ذلك في الدعوى والشهادة كيف يقضي بحرية الولد وبصحة السجل؟ والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، تم المحاضر والسجلات.
(11/66)