ص -71- ... ولو أوصى إلى رجل فقال قد جعلت ثلثي لرجل سميته فصدقوه فقال الوصي هو هذا وخالفه الورثة لم يصدق الوصي على ذلك لأنه أوصى بما هو خلاف حكم الشرع وهو إثبات الاستحقاق بشهادة شاهد واحد لأن الوصي ها هنا بمنزلة الشاهد وشهادة الواحد لا تكون حجة بخلاف الأول فإن هناك أوصى إليه بالوضع والواضع يكون متسببا بالتصرف على وجه النيابة لا شاهدا فلم يكن ذلك وصية بما يخالف الشرع وعلى هذا لو قال للوصي أعتق أي عبيدي شئت كان له أن يعتق أيهم شاء.
ولو قال: قد أعتقت عبدي فسميته للوصي فصدقوه في ذلك لم يصدق ولو أوصى إلى رجلين أن يضعا ثلثه حيث شاء أو يعطياه من شاء أو اختلفا فقال أحدهما أعطيه فلانا وقال الآخر لا بل فلانا لم يكن لواحد من الرجلين شيء لأن الوصيين لم يجمعا على واحد منهما وإنما فوض الموصي الرأى في الوضع إليهما وهذا شيء يحتاج فيه إلى الرأى لاختيار المصرف ورأى الواحد لا يكون كرأي المثنى.
ولو قال: قد أوصيت بثلثي لفلان وقد سميته للوصيين فصدقوهما فقال هو هذا وشهدا له بذلك جازت شهادتهما لخلوها عن التهمة وشهادة المثنى حجة تامة وإن اختلفا في ذلك أبطلت قولهما لأن كل واحد منهما يشهد بغير ما شهد به صاحبه.
ولو أوصى بعبده أن يعتق ثم أوصى له أن يباع أو على عكس ذلك فهذا رجوع عن الوصية الأولى للمنافاة بين التصرفين في محل واحد وكذلك لو أوصى بأن يعتق نصفه بعد ما أوصى ببيعه من رجل أو على عكس ذلك كانت الثانية رجوعا عن الأولى في جميع العبد وإن أضاف الثانية إلى نصفه لأن بين التصرفين في العقد الواحد منافاة وإن أوصى به لرجل ثم أوصى به أن يباع لرجل آخر تحاصا فيه
وكذلك إن بدأ بالبيع ثم بالوصية لأن كل واحد منهما تمليك أحدهما بعوض والآخر بغير عوض والجمع بينهما في عبد واحد صحيح فلا يكون إقدامه على الثانية دليل الرجوع عن الأولى.(28/144)
وإذا شهد شاهد ان بعد موته أنه قال في حياته لعبديه أحدكما حر جازت الشهادة أما عندهما فلأن الدعوى ليست بشرط في عتق العبد وعند أبي حنيفة العتق المبهم يشيع فيهما بالموت فتتحقق الدعوى منهما ويجعل الثابت من إقراره بشهادتهما كالثابت بالمعاينة ولو سمعا ذلك منه ثم مات عتق من كل واحد منهما نصفه فهذا مثله والله أعلم بالصواب.
باب الشهادة في الوصية وغيرها
قال رحمه الله: "وإذا شهد الوصيان أنه أوصى إلى هذا معهما فإن كذبهما ذلك الرجل فشهادتهما باطلة"لأنهما متهمان فيها وأنهما يثبتان بشهادتهما من يعينهما على التصرف وإن ادعاها الرجل جازت شهادتهما استحسانا وفي القياس لا تجوز لأجل التهمة ولكنه استحسن فقال لو سألا من القاضي أن يجعل هذا الرجل وصيا معهما والرجل راغب في ذلك كان على القياس للقاضي أن يجيبهما إلى ذلك فلا يتهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة(28/145)
ص -72- ... في هذه الحالة فأما إذا كان الرجل مكذبا لهما فهما متهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة لأنهما لو سألا ذلك من القاضي لم يجبهما إذا لم يكن الرجل راغبا فيه ثم إذا كذبهما الرجل أدخلت معهما آخر لأن في ضمن شهادتهما إقرارا منهما بوصي آخر معهما للميت وإقرارهما حجة عليهما فلا يتمكنان من التصرف بعد ذلك بمنزلة ما لو مات أحد الأوصياء الثلاثة وكذلك لو صدقهما وقال لا أقبل الوصية كان له ذلك لأنه لم يسبق منه القبول ولكن يتعذر على الوصيين التصرف بدون رأى الثالث فيدخل القاضي معهما وصيا ثالثا وهذا القياس والاستحسان في فصول أربعة.
أحدها: ما بينا.
والثاني: إذا شهد ابنا الميت أن أباهما أوصى إلى هذا ففي القياس لا تقبل شهادتهما لأنهما ينصبان نائبا عن أبيهما ومن يتصرف لهما ولو شهدا أن أباهما وكل هذا الرجل في حياته والأب غائب لم تقبل الشهادة فكذلك إذا شهدا بالوصية وفي الاستحسان إذا كان الرجل مدعيا للوصية تقبل شهادتهما لخلوها عن التهمة فإنهما لو سألا من القاضي أن يجعل هذا الرجل وصيا والرجل راغب فيه أجابهما القاضي إلى ذلك بخلاف ما إذا لم يكن الرجل مدعيا للوصية وبخلاف الوكالة فإنهما لو سألاه أن يوكل هذا الرجل عن أبيهما لم يفعل ذلك وهذا لأنه ليس للقاضي ولاية في مال أبيهما.
الثالث: الموصى لهما إذا شهدا أن الموصي أوصى إلى هذا فهو القياس والاستحسان لأن الموصى له بالثلث شريك الوارث فهو في هذه الشهادة كالوارث.
والرابع: غريمان لهما على الميت دين لو شهدا أنه أوصى إلى هذا الرجل في القياس لا تقبل الشهادة بمنزلة ما لو شهدا في حياته أنه وكل هذا الرجل بقضاء ديونه وهذا لأن في هذه الشهادة منفعة لهما فإنهما يطالبانه بقضاء دينهما وفي الاستحسان إذا كان الرجل مدعيا للوصية قبلت الشهادة لأن للقاضي أن ينصب وصيا بالتماسهما من غير شهادة فلا يتهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة.(28/146)
ولو أن غريمين للميت عليهما دين شهدا أن الميت أوصى إلى هذا جازت شهادتهما قياسا واستحسانا لخلوها عن التهمة فإنهما ينصبان بشهادتهما من يطالبا بقضاء الدين فتقبل الشهادة لخلوها عن التهمة ولو شهد ابنا الميت الموصي أو أبوه ورجل آخر أن الميت أوصى إليه أبطلته لأنه يشهد للوصي بثبوت ولاية التصرف له والولادة تمنع قبول شهادة أحدهما للآخر.
وكذلك لو شهد ابنا أحد الوصيين أن الميت أوصى إلى أبيهما وإلى هذا الآخر فشهادتهما باطلة لأنهما يشهدان لأبيهما والمشهود به كلام واحد فإذا بطل في حق أبيهما بطل في حق الآخر وشهادة ابني الوصيين على أن الموصي عزله وأوصى إلى رجل آخر جائزة لأنهما يشهدان على أبيهما بالعزل ويشهدان للأجنبي بولاية التصرف.(28/147)
ص -73- ... وكذلك شهادة ابني الغريمين أو غريميه على أنه عزل هذا وأوصى بولاية التصرف إلى الآخر جائزة لأنهما يشهدان بثبوت الولاية للثاني وبنقل ولاية التصرف من الأول إلى الثاني فلا تتمكن التهمة فيهما واختلاف الشاهدين على أنه أوصى إليه في الوقت والمكان لا تفسد الشهادة لأن الإيصاء إلى العين قول تكرر فلا يختلف المشهود به باختلافهما في المكان والزمان ولو شهد أنه قال هو وكيلي فيما تركت بعد موتي جعله وصيا له لأن النائب بعد الموت وصي سواء شهد بلفظة الوصاية أو بلفظة الوكالة.
قال: "ولا تجوز شهادة الوصي للموصى للميت"لأنه متهم في شهادته بإثبات حق القبض لنفسه وكذلك لو شهد الوصي للميت شهادة بعد أن يدرك ورثته ويقبضوا مالهم لم أجز شهادته لأنه لو قبض ذلك جاز قبضه عليهم فكان هو الخصم في ذلك فلا شهادة له فيما كان خصما فيه.
ولو شهد الوصي لوارث كبير أو صغير على الميت بدين لم تجز شهادته له في قول أبي حنيفة رحمه الله
وفي قولهما وبن أبي ليلى رحمهم الله تجوز شهادته للكبير ولا تجوز شهادته للصغير لأنه إذا شهد للصغير فهو الذي يقبض وإذا شهد للكبير فليس له حق القبض فيما للكبير الحاضر فلا تتمكن التهمة في شهادته وأبو حنيفة يقول كان هو الخصم فيما شهد به حين كان هذا الكبير صغيرا فلا يكون شاهدا فيه.
وقد بينا المسألة في الشهادات وأما فيما ليس من الميراث فإن شهادة الوصي للصغير لا تقبل على الصغير لأنه هو القابض وتجوز للكبير لأنه أجنبي في ذلك فإنه إنما صار خصما بقبوله الوصاية فيما هو من جملة ميراث الميت فأما فيما للوارث الكبير على الأجنبي لا بطريق الإرث فهو أجنبي.
وإذا شهد شاهدان لرجل على الميت بدين وشهد رجلان للشاهدين على الميت بدين فهو جائز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف تبطل شهادتهم وهذه ثلاثة فصول.(28/148)
أحدها: لا تقبل الشهادة بالاتفاق وهو أن يشهد رجلان لرجلين بوصية الميت لهما بالثلث ويشهد المشهود لهما للشاهدين بالوصية بالثلث وهذا لأن الثلث مشترك بين الموصي لهم فشهادة كل فريق لاقت محلا مشتركا بين الشاهد والمشهود له.
وفي الوجه الثاني: الشهادة مقبولة بالاتفاق وهو أن يشهد الرجلان أن الميت أوصى لهما بهذا العبد ويشهد الآخر أن الميت أوصى للشاهدين بهذه الجارية فالشهادة تقبل لأن كل واحد من الفريقين يثبت الحق للمشهود عليهما في محل لا شركة لهما في ذلك المحل.
والفصل الثالث: على الخلاف وهو فصل الدين فأبو يوسف يقول حق الغرماء بعد الموت يتعلق بالتركة ولهذا لا يثبت الملك للوارث ولا ينفذ تصرفه فيه إذا كان الدين محيطا بها فشهادة كل فريق تلاقي محلا مشتركا فهو نظير مسألة الوصية بالثلث وهذا لأن(28/149)
ص -74- ... المقصود من إثبات الدين بعد الموت الاستيفاء من التركة وباعتبار المقصود تتحقق الشركة بينهم فيه
وأبو حنيفة ومحمد قالا كل فريق إنما يشهد للفريق الآخر بالدين في ذمة الميت ولو شهدا بذلك في حياته كانت الشهادة مقبولة فكذلك إذا شهدوا به بعد موته وهذا لأن الدين بالموت لا يتحول من الذمة إلى التركة.
ألا ترى: أن التركة لو هلكت لا يسقط شيء من الدين وأن للوارث أن يستخلص التركة لنفسه بقضاء الدين من محل آخر فلا تتمكن الشركة بينهم ها هنا بخلاف الوصية بالثلث فإن حق الموصى له ثبت في عين التركة حتى لا يبقى بعد هلاك التركة.
ولو أراد الوارث أن يستخلص التركة لنفسه ويقضي حق الموصى له من محل آخر لم يكن له ذلك فكانت الشركة بينهم ثابتة في التركة باعتبار شهادتهما وكذلك لو شهد بذلك ابنا هذين لهذين وابنا هذين لهذين فهذا والأول في الفصول الثلاثة سواء لأن الشركة كما تمنع قبول شهادة الشريك لنفسه تمنع قبول شهادة ابنه له.
ولو شهد الميت أو غيرهما بدين لرجلين على الميت ثم شهد هذان الرجلان بدين لآخر على الميت فهو جائز لأنهما يضران أنفسهما فإن دينهما قد ثبت فيها وبشهادتهما يثبتان من يزاحمهما في التركة وهذا بخلاف الأول على قول أبي يوسف لأن هناك تتمكن تهمة المواضعة بين الفريقين لنفع كل واحد منهما صاحبه بشهادته ولا يتمكن مثل ذلك ههنا.
وإذا شهد الوصيان بدين على الميت أو بوصية فشهادتهما جائزة لخلوها عن التهمة فإن دفعا ذلك قبل أن يشهدا به ثم شهد فشهادتهما باطلة لأنهما صارا ضامنين لما دفعا بغير حجة فهما بشهادتهما يدفعان الضمان عن أنفسهما وكذلك شهادة ابنيهما أو أبويهما لا تقبل بعد الدفع لأنهما يدفعان الضمان بشهادتهما عن أبيهما أو ابنيهما والله أعلم.
باب الاستثناء(28/150)
قال رحمه الله: "وإذا أوصى رجل لرجل بدينار إلا درهما أو بمائة درهم إلا دينارا فهو كما قال يعطي ممن ثلثه دينار إلا درهما"وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف فأما عند محمد يعطى ما سمى له أولا والاستثناء باطل وقد بينا المسألة في الإقرار أن الاستثناء بخلاف الجنس لغو عند محمد رحمه الله لأن الاستثناء لإخراج ما وراءه ولولاه لكان الكلام متناولا له ولا يتحقق ذلك مع اختلاف الجنس فلا يكون هذا استثناء على الحقيقة بل يكون استثناء منقطعا بمعنى لكن فمعناه أوصيت له بالدينار ولكن لم أوص له بدرهم فلا يكون رجوعا على شيء وهما يقولان المجانسة في المقدار ثابتة معنى من حيث إنها ثبتت في الذمة ثبوتا صحيحا وإنما كان الاستثناء عبارة عما وراء المستثنى بطريق المعنى دون الصورة فكان اعتبار المعنى فيه مرجحا فلهذا صح استثناء المقدر من المقدر وإن لم يكن من جنسه صورة فعلى هذا لو قال كر حنطة إلا درهما أو كر شعير إلا مختوم حنطة نقص من الشعير قيمة ذلك
وكذلك لو قال له داري هذه أو عبدي هذا إلا مائة درهم فعندهما يبطل من ذلك(28/151)
ص -75- ... قيمة مائة درهم ويجوز له ما بقي من الثلث وهذا مشكل فإن الدار والعبد ليسا بمقدورين ولكنهما يشترطان أن يكون المستثنى مقدرا والمستثنى هنا مقدر وكأنهما يعتبران الاستثناء فاعتبار المالية في المقدرات يعرف بالتسمية فيصح استثناء القدر من خلاف جنسه مقدرا كان أو غير مقدر أو يقول هذا في معنى وصية ببيع الدار والعبد منه بمائة فكأنه يقول جعلت ملك هذه الدار وماليتها محاباة إلا بقدر مائة درهم فإني لا أخلفها له بعوض.
ولو كانت الدار قيمتها ألفا فأوصى ببيعها منه بمائة جازت المحاباة من الثلث فها هنا كذلك إلا أن هناك التمليك مضاف إلى جميع الدار وها هنا إلى ما وراء المستثنى معنى وقيمة مائة درهم من الدار يكون للورثة والباقي للموصى له.
ولو قال: أوصيت له بما بين العشرة والعشرين أو من العشرة إلى العشرين أو ما بين العشرة إلى العشرين فهو سواء وله تسعة عشر درهما في قول أبي حنيفة وعندهما له تمام العشرين استحسانا
وروى زفر عن أبي حنيفة أن له ثمانية عشر وهو قول زفر وكذلك لو قال بما بين المائة إلى المائتين فعند أبي يوسف ومحمد يدخل الغايتان استحسانا فله المائتان وفي رواية زفر لا يدخل الغايتان فله تسعة وتسعون وفي قول أبي حنيفة تدخل الغاية الأولى للضرورة ولا تدخل الغاية الثانية فله مائة وتسعة وتسعون وقد بينا المسألة في الإقرار.(28/152)
ولو أوصى له بعشرة دراهم في عشرة فله عشرة وعلى قول زفر عشرون باعتبار أن حرف في بمعنى حرف الواو أو بمعنى حرف مع وعند الحسن بن زياد له مائة بطريق الحساب فإنك إذا سألت واحدا من الحساب كم عشرة في عشرة يقول مائة ولكنا نقول له عشرة لأن حرف في للظرف والعشرة لا تصلح ظرفا للعشرة فيلغو آخر كلامه ويجعل بمعنى الواو ومع مجازا وبالمجاز لا يثبت تمليك المال كما لا يثبت بالسك والضرب من حيث الحساب تكثر السهام لا أصل المال فعشرة دراهم وإن ضربتها في عشرة أو في مائة تكثر السهام فيها ولا يزداد وزنها.
ولو قال: بعشرة أذرع في عشرة أذرع من داره أو أرضه جعلت له مائة ذراع مكسرة لأن لذوي المساحات طولا وعرضا فقوله فيها عشرة في عشرة لبيان الطول والعرض وذلك لا يتناول إلا مائة ذراع مكسرة بخلاف الدراهم فليس فيها لا طول ولا عرض وإنما يعرف مقدارها بالوزن وبأول كلامه صار مقدار الوزن معلوما فيكون آخر كلامه خاليا عن الفائدة.
ولو أوصى له بثوب سبع في أربع جعلت له ذلك كما قال لأن للثوب طولا وعرضا فإنما مراده بهذا اللفظ فيه بيان الطول والعرض على أن يكون الأكثر لبيان طوله والأقل لبيان العرض وهذا لأن اسم الثوب لا يتغير بزيادة الطول والعرض ونقصانهما وإنما يتغير الوصف فكان قوله سبعا في أربع بيانا لصفة ما أوصى له به من الثوب بخلاف الدراهم فبزيادة المقدار يتبدل الاسم لأنه لا يقال للمائة عشرة دراهم بحال وكذلك لا يقال لها عشر مرات عشرة في العادة فلم يبق إلا الغاء آخر الكلام فيه.(28/153)
ص -76- ... ولو أوصى له بحنطة في جوالق أعطيته الحنطة دون الجوالق لأنه أوجب له مظروفا في ظرف فإنما يستحق المظروف خاصة وذكر الجوالق لتعيين محل الجوالق وهذا لأن حرف في للظرف وإنما يقال أوصى له بكذا ولا يقال أوصى له في كذا فإنما يتناول الوصية بهذا اللفظ ما اتصل به حرف الباء وهو الحنطة دون ما اتصل به حرف في وهو الجوالق.
ولو أوصى له بهذا الجراب الهروي أعطيته الجراب وما فيه لأنه أوصل حرف الباء بالجراب والجراب الهروي اسم للجراب المملوء بيانا دون الجراب فارغا ولو أوصى له بهذا الدن الخل أعطيته الدن وما فيه كأنه قال بهذا الدن والخل فيكون حرف الباء متصلا بهما جميعا معنى ولأنه وصل هذا الحرف بالدن وسمي الدن الخل وإنما يسمى به حقيقة إذا كان مملوءا خلا.
وكذلك لو أوصى له بقوصرة تمر ولو أوصى له بسيف أعطيته السيف بجفنه وحمائله لأن اسم السيف عند الإطلاق يتناول الكل ولو أوصى له بسرج أعطيته السرج وما حمل من متاعه ولو أوصى له بقبة أعطيته عيدان القبة من غير كسوة لأن الاسم للعيدان.
ألا ترى أن في العادة لا يكون مع القبة كسوة ولكن كل مالك يتخذ كسوة القبة لنفسه على حسب ما يريده بخلاف السرج والسيف ولو أوصى بقبة تركية أعطيته القبة بالكنود لأن الاسم يطلق على الكل عادة.
ألا ترى: أنه لا يتخذ كل مالك للعيدان إلا كنودا آخر عادة وإن أوصى له بحجلة فله الكسوة دون العود لأن اسم الحجلة يتناول الكسوة بدون العيدان والعيدان بدون الكسوة لها اسم آخر وهي القبة فلهذا لا يستحق باسم القبة الكسوة ولا باسم الحجلة العيدان.
ولو أوصى له بسلة زعفران أعطيته الزعفران دون السلة وكان ينبغي على قياس ما تقدم أن يستحق السلة لأنه وصل حرف الباء بالسلة ولكنه ترك القياس لعرف الناس فإنهم إذا قالوا سلة زعفران فإنما يريدون به بيان مقدار الزعفران لا حقيقة السلة كما يقال كيل حنطة وكيل شعير.(28/154)
وكذلك لو أوصى له بهذا العسل وهو في زق أعطيته العسل دون الزق وكذلك لو قال بهذا السمن أو الزيت وما أشبه ذلك لأنه سمى في وصيته له المظروف وبتسمية المظروف لا يستحق الظرف فلهذا لم يكن له من الوعاء شيء والله أعلم بالصواب.
باب الوصية بما في البطن
قال رحمه الله: "وإذا أوصى رجل لرجل بما في بطن هذه الجارية ثم ولدت بعد موته لستة أشهر أو أكثر فلا وصية له"لأنه أوصى بالمعدوم ولم يعلم وجوده عند موت الموصي حقيقة ولا حكما ووجوب الوصية بالموت فما لم تكن العين معلومة الوجود عند وجوب الوصية لا تكون الوصية به صحيحة وبيان ذلك أن أدنى مدة الحبل ستة أشهر فيحتمل أن يكون هذا الولد من علوق حادث بعد موته وقد بينا أن الوصية بما في بطن الحيوان لا تصح قبل(28/155)
ص -77- ... الوجود وإسناد العلوق إلى وقت سابق يكون لضرورة الحاجة إلى إثبات نسبه وذلك لا يوجد ها هنا وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر وجبت الوصية به من الثلث لأنا تيقنا بوجوده عند وجوب الوصية وهو حالة الموت.
ولو قال: إن كان في بطن فلانة جارية فلها وصية ألف وإن كان في بطنها غلام فله وصية ألفين فولدت جارية لستة أشهر إلا يوما ثم ولدت غلاما بعد ذلك بيومين فلها جميعا الوصية لأنا حكمنا بوجود الذي انفصل قبل تمام ستة أشهر عند موت الموصي وهما توأمان خلقا من ماء واحد فمن ضرورة الحكم بوجود أحدهما في وقت الحكم بوجود الآخر فيه والوصية أخت الميراث وفي الميراث الجنين في البطن والمولود في الحكم سواء إذا انفصل حيا فكذلك في الوصية ثم شرط الوصية بالألف وجود الجارية في بطنها وقد وجد الشرطان وإن ولدت غلامين أو جاريتين لأقل من ستة أشهر فذلك إلى الورثة يعطون أي الغلامين شاؤوا أو أي الجاريتين شاؤوا لأنه أوجب الوصية لأحدهما ومثل هذه الجهالة اليسيرة المستدركة لا تمنع صحة الوصية كما لو أوصى بثلاثة لفلان أو فلان والبيان إلى الورثة لأنهم قائمون مقام مورثهم.
ولو قال: إن كان الذي في بطنك غلام فله ألفان وإن كانت جارية فلها ألف فولدت غلاما وجارية فليس لواحد منهما شيء لأن اللفظ المذكور يتناول جميع ما في بطنها بمنزلة قوله إن كان ما في بطنك أو جميع ما في بطنك ولم يكن جميع ما في بطنها على إحدى الوصيتين اللذين بهما علق استحقاق الوصية.(28/156)
وكذلك لو قال: إن كان حملك فهو اسم جميع المذكور لجميع المجهول قال الله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [لطلاق: من الآية4] ثم العدة لا تنقضي إلا بوضع جميع ما في البطن وإذا ترك امرأة حبلى فأوصى رجل لما في بطنها وصية ثم وضعت الولد لأقل من ستة وجبت له الوصية لأنا نسند العلوق إلى حال حياته لضرورة الحاجة إلى إثبات نسب الولد منه وإذا أسندنا فقد حكمنا بكون الولد موجودا في البطن حين أوجب له الوصية فكان ذلك بمنزلة علمنا حقيقة وإن ولدت ميتا فلا وصية له لأنه لا يستحق الوصية إلا باعتبار صفة الحياة فيه بعد موت الموصي ولا يعلم ذلك حين انفصل ميتا بخلاف ما إذا انفصل حيا ثم مات.
ألا ترى: أن في حكم الميراث الذي انفصل ميتا لا يجعل ولدا في حكم الاستحقاق فكذلك في الوصية وإن ولدت ولدين أحدهما حي والآخر ميت فالوصية للحي منهما بخلاف ما إذا ولدتهما حيين لأنه تم استحقاق الوصية لهما فبموت أحدهما بعد ذلك يصير نصيبه لورثته وأما إذا انفصل أحدهما ميتا فلم تعلم حياته بعد موت الموصي فلا يصح ضمه إلى الحي فكانت الوصية كلها للحي بمنزلة ما لو أوصى لحي وميت وهما منفصلان والله أعلم بالصواب.(28/157)
ص -78- ... باب الوصية بالجزء والسهم
قال رحمه الله: "وإذا أوصى لرجل بسهم من ماله فله أحسن سهام ورثته سهام يزاد ذلك على الفريضة إلا أن يكون أحسن السهام أكثر من السدس فلا يزاد عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله"وفي موضع آخر قال"له السدس فيتناوله فيما إذا لم يكن في سهام ورثته أقل من ذلك"وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله يزاد على الفريضة للموصى له بسهم كسهم أحدهم قل ذلك أو كثر إلا أنه إذا زاد على الثلث رد إلى الثلث إن لم يجز الورثة لا لأن السهم لا يتناول ذلك بل لأن الوصية لا تنفذ فيما زاد على الثلث بدون الإجازة.
وجه قولهما أن التركة بموته تصير سهاما بين ورثته لكل واحد منهم سهم فتسميه السهم للموصي له في هذه الحالة إنما تتناول أحد تلك السهام ولا يثبت إلا أقلها لأن في كون الأقل مرادا تيقن وفيما زاد على ذلك شك وأبو حنيفة اعتبر السدس لحديث بن مسعود رضي الله عنه حين سئل عمن أوصى لرجل بسهم من ماله فقال له السدس وهكذا نقل عن إياس بن معاوية وجماعة من أهل اللغة قالوا السهم السدس والدليل عليه أن لفظة السهم إنما تتناول سهم من يكون من جملة ورثته باعتبار الأصل لا باعتبار سبب عارض وذلك القرابة دون الزوجية فما يكون عارضا في مزاحمة ما هو أصلى كالمعدوم وسهام من يستحق بالقرابة السدس أو الثلث أو النصف فأما الربع والثمن إنما يستحق بالزوجية فيتناول اللفظ أدنى ما يستحق من السهام بالقرابة وهو السدس حتى لا يزاد على ذلك ولكن ينقص عنه إذا كان في سهم ورثته أقل من ذلك لأنه إنما يوجب له مثل سهم أحد ورثته فلا يستحق إلا المتيقن به وهو الأقل وهذا لأنه لما ذكر السهم دون الثلث عرفنا أنه مالك أداء الثلث لا النصف لأنه ليس له أن يوصي بالنصف فيتعين السدس مرادا له.
يوضحه: أن أعدل الأعداد في خروج سهام الفرائض منه الستة فإنها تشتمل على ما يستحق من السهام بالقرابة الأصلية كالسدس والنصف والثلث والثلثين.(28/158)
ألا ترى: أن الدراهم تجرى على الأسداس فيجعل للسدس سبيلا على حدة ولا يجعل ذلك للثمن ولا للربع فعرفنا أن السدس عدل في هذا الباب فيستحق ذلك بالتسمية إلا أن يكون أحسن سهام ورثته دون ذلك ثم يزاد ذلك القدر على سهام الفريضة لأنه يجعل الموصي له شريك ورثته بسهم وقد علمنا أنه لم يرد تحويل سهم أحد ورثته إليه لأنه لا سبيل إلى ذلك فعرفنا أن المراد إيجاب مثل أحد السهام له ومثل الشيء غيره.
ولو أوصى له بجزء من ماله أو بنصيب من ماله أو بطائفة من ماله أو ببعض ماله أو بشقص من ماله أعطاه الورثة ما شاؤوا لأنه سمى له شيئا مجهولا وليس لنا عبارة من جنس ما سمي ليصرف مقدار المسمى بالرجوع إلى عبارة وجهالة الموصى به لا تمنع صحة الوصية والوارث في البيان يقام مقام المورث بخلاف السهم فقد وجدنا هناك عيارا من جنس ما سمى عند وجوب الوصية يمكن أن يعلم به مقدار الوصية وذلك سهام ورثته بعد موته. ولو أوصى له(28/159)
ص -79- ... بالثلث إلا شيئا أو إلا قليلا أو إلا يسيرا أو بزهاء ألف أو بعامة هذه الألف أو جل هذه الألف أو بعظم هذه الألف وذلك يخرج من الثلث فله النصف من ذلك وما زاد على النصف فهو إلى الورثة يعطون منه ما شاؤوا لأنه ليس فيه أكثر من مستثنى مجهول وأن جهالته توجب جهالة المستثنى منه ولكن الوصية في المجهول صحيحة ثم في العادة المستثني بهذه الألفاظ يكون دون المستثنى منه والكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء ذلك المستثني فيجعل كأنه أوصى بنصف الألف وزيادة فيكون القول في مقدار بيان الزيادة إلى الورثة ثم عاد إلى بيان قول أبي حنيفة"قال""إذا أوصى بسهم من ماله وله ابنتان وامرأة وأبوان فله ثلاثة من ثلاثين سهما عندهم جميعا"لأن هذه الفريضة من سبعة وعشرين بعد العول وأخس السهام نصيب المرأة فيزاد للموصى له مثل نصيبها فيكون له ثلاثة من ثلاثين وكان له عشرة بنين وعشرة بنات فله سهم من أحد وثلاثين لأن المال بين أولاده على ثلاثين سهما وأخس السهام سهم بنت فيزاد ذلك على سهام الفريضة للموصى له.
ولو كانت امرأة لها أبوان وابنتان وزوج فللموصى له سهم من ثمانية أسهم ونصف لأن أصل هذه الفريضة من بعد العول من سبعة ونصف للابنتين الثلثان أربعة وللزوج الربع سهم ونصف وللأبوين السدسان فزدنا على ذلك مثل أخس السهام وذلك سهم.(28/160)
ولو تركت المرأة أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وزوجا جعلت له سهما من أحد عشر سهما لأن هذه الفريضة بعد العول من عشرة للأختين لأب وأم أربعة وللأختين لأم سهمان وللأم سهم وللزوج ثلاثة فيزاد على ذلك سهم للموصى له ولو تركت زوجا وأخوين وأوصت بسهم من مالها ففي قول أبي حنيفة له السدس لأن سهم أحد الورثة زائد على السدس فله السدس ولأنه ليس للأخوين فريضة معلومة وإنما الفريضة من ستة باعتبار أنها أعدل الأعداد كما بينا وفي قولهما له الخمس لأن أخس الأنصباء الربع وهو نصيب أحد الأخوين فيزاد على أربعة للموصى له سهم وهو الخمس.
ولو ترك الرجل امرأة وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم فأوصى بسهم من ماله جعلت لصاحب الوصية سهما من تسعة أسهم ونصف لأن أصل الفريضة من ثمانية ونصف بعد العول للأختين لأب
وأم أربعة وللأختين لأم سهمان وللأم سهم وللمرأة سهم ونصف فذلك ثمانية ونصف ثم يزاد للموصى له مثل أخس السهام سهما فلهذا كان له سهم من تسعة ونصف والله أعلم بالصواب.
باب الوصية على الشرط
قال رحمه الله: "وإذا أوصى الرجل لأمته أن تعتق على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج فإنها تعتق من ثلثه"لأن الشرط قبولها الامتناع من التزوج وقد قبلت.
ألا ترى: أنه لو أعتقها على مال عتقت بنفس القبول فكذلك إذا أوصى بعتقها على أن لا تتزوج تجب الوصية لها بنفس القبول فتعتق من ثلثه.(28/161)
ص -80- ... يوضحه: أنه لم يقصد المولى بهذا اللفظ انعدام التزوج منها أبدا فإن ذلك لا يتم إلا بموتها وبعد موتها لا يتصور عتقها فعرفنا أن مراده انعدام التزوج عقيب موته وقد وجد ذلك حين قبلت أن لا تتزوج فتعتق ثم الامتناع من التزوج لا يصير دينا في الذمة لأحد على أحد فإن تزوجت بعد ذلك جاز نكاحها ولم تبطل وصيتها لأنها قد عتقت والعتق بعد ما نفذ لا يمكن رده ولم يكن للمولى في هذا الشرط منفعة ظاهرة ولا لورثته ففواته لا يوجب عليها السعاية كما لو كان شرط عليها أن تصوم أو تصلى تطوعا يوضحه: أن القدر المشروط امتناعها من الزواج عقيب موته ولم يعقب ذلك وإن تزوجت بعد ذلك.
وكذلك لو قال هي حرة إن ثبتت على الإسلام أو على أن لا ترجع عن الإسلام فإن أقامت على الإسلام ساعة بعد موته فهي حرة من ثلثه لأنه لم يكن الشرط ثباتها على الإسلام إلى وقت موتها فإن الجزاء وهو العتق لا يترك فيها بعد ذلك واللفظ إذا تعذر فيه اعتبار الأقصى يعتبر الأدنى وذلك في أن تثبت على الإسلام ساعة بعد موته ثم ظاهر ما قال يدل على أن العتق يتنجز فيها من غير تنجيز وتأويله أنه لم يضف ذلك إلى ما بعد الموت فأما إذا أضافه إلى ما بعد الموت فإنها لا تعتق حتى تعتق لأن العتق إذا لم يتنجز بنفس الموت فلا بد من التنفيذ بعد ذلك وقد بينا ما في هذا من الكلام في كتاب العتاق في قوله أنت حر بعد موتي بيوم.
ولو أوصى لأم ولده بألف درهم على أن لا تتزوج أو قال إن لم تتزوج أو على أن تثبت مع ولدي فقبلت وفعلت ما شرط عليها بعد موته يوما أو أقل أو أكثر فلها الوصية لأن المعتبر وجود أدنى ما يتناوله اللفظ لعلمنا أنه لم يرد به الأقصى فيتم استحقاقها بقبولها لوجود ذلك الأدنى منها ثم لو تزوجت بعد ذلك لم تبطل وصيتها.(28/162)
ولو أوصى لخادمة أن تقيم مع أبيه أو مع ابنيه حتى يستغنيا ثم هي حرة ولا وارث له غيرهما وهي تخرج من ثلثه فإن كانا كبيرين خدمتهما حتى تتزوج الجارية ويصيب الغلام خادما أو ما لا يبلغ خادما يستغني به عن خدمتها وإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يدركا فإذا أدركا عتقت لأن مطلق اللفظ محمول على ما يتفاهم الناس في مخاطباتهم وهو شرط عليها الخدمة إلى غاية وهو استغناؤهما عن خدمتها فلا بد من اعتبار تلك الغاية وهي استغناء الكبير عن خدمتها فإذا كان صغيرين فاستغناؤهما يكون بالإدراك لأنهما عند ذلك يتمكنان من القيام بخدمتهما فإذا وجدت تلك الغاية فقد وجد ما شرط عليها فيجب إعتاقها من ثلثه حتى إذا لم يكن له مال غيرها أعتقت وسعت في ثلثي قيمتها للورثة فإن مات أحدهما أو ماتا قبل أن يستغنيا بطلت وصيته بالعتق لفوات الشرط.
وإذا أوصى النصراني بخادم له بالعتق إن ثبتت على النصرانية بعد موته أو على الإسلام فثبتت على ذلك بعد موته ساعة أو أكثر فإنها تعتق من ثلثه فإن تغيرت بعد ذلك لم تبطل وصيتها وعتقها ماض وإن أسلمت عقيب موته بلا فصل ولم تثبت على النصرانية فإنها لا تعتق(28/163)
ص -81- ... لأن المعتبر أدنى ما يتناوله اللفظ وشرط ثبوت الوصية ثباتها على ما شرط عليها وهو أن تثبت عليه بعد موته فإن ثبتت على ذلك ساعة فقد تم الشرط وإن لم تثبت فقد بطلت الوصية لفوات الشرط.
ولو أوصى لأم ولده بألف درهم إن لم تتزوج أبدا أو وقت لذلك وقتا فهو كما قال لأنه لا وجه لحمل اللفظ على أدنى ما يتناوله بعد تصريحه بالتأبيد أو بعد التوقيت نصا بل ما نص عليه أولى بالاعتبار فإن تزوجت قبل ذلك الوقت فوصيتها باطلة لفوات الشرط.
و كذلك لو قال لأمته أعتقوها إن لم تخرج من عند ولدي إلى شهر أو قال هي حرة إن لم تتزوج شهرا فإذا تزوجت قبل الشهر أو خرجت من عند ولده بطلت وصيته لها لفوات الشرط
ولو أوصى لها بالعتق على أن لا تتزوج فلانا بعينه فقبلت ذاك عتقت من ثلثه فإن تزوجت بعد ذلك لم يضرها ذلك لأنه ذكر الشرط مطلقا فيتناول الأدنى ويتم بوجود ذلك منها بعد موته ساعة فيجب إعتاقها وبعد ما عتقت لا يمكن ردها إلى الرق.
ولو أوصى لها بالعتق على أن لا تتزوج فلانا بعينه أبدا فقبلت ذلك فإنها تعتق من ثلثه فإن تزوجته بعد ذلك أو لم تتزوج فلا شيء عليها لأنا علمنا أن المولى لم يقصد تأخير عتقها امتناعها عن التزوج أبدا إذ لا يتصور العتق بعد ذلك بأنه شرط وإنما شرط قبولها ذلك وامتناعها من التزوج بعد موته ساعة وقد وجد ذلك ثم لا منفعة للمولى في هذا الشرط ففواته لا يوجب عليها السعاية في شيء بعد ما عتقت وإن كان فلان ذلك وارثه لا وارث له غيره وقد أعتقها على أن تتزوجه فأبت أن تزوجه نفسها فإنها تسعى في قيمتها لأن في التزوج به منفعة الوارث واشتراط منفعة لوارثه عليها كاشتراطه منفعة لنفسه
ولو أعتقها في حياته على أن تتزوج به فأبت كانت عليها السعاية في قيمتها لأن الشرط الذي فيه منفعة موجبه المطالبة به والامتناع منها يلزمها رد ما بمقابلته والعتق بعد ما نفذ لا يمكن رده فكان الرد بإيجاب السعاية عليها.(28/164)
ولو أوصى بعتق عبد له على أن لا يفارق ولده أبدا وعليه دين يحيط بماله بطلت وصيته ويباع في الدين لأن الدين مقدم على الوصية والميراث فإن أعتقه الورثة لم يجز عتقهم لكون الدين محيطا بالتركة فكذلك بعد وصية الأب فإن كان فيه فضل على الدين جاز عتق الورثة لأن الدين الذي هو عين محيط لا يمنع ملك الوارث في جميع التركة في قول أبي حنيفة رحمه الله الآخر وإذا نفذ العتق منهم ضمنوا الدين للغرماء لأن حقهم تعلق بمالية رقبته وقد أتلفوا ذلك عليهم بالإعتاق والله أعلم بالصواب.
باب وصية الصبي والوارث
قال رحمه الله: "وإذا أوصى الصبي بوصية فوصيته باطلة سواء مات قبل الإدراك أو بعده عندنا"وقال الشافعي وصيته بما يرجع إلى الخير ويكون مستحسنا عند أهل الصلاح صحيحة يجب تنفيذها وكذلك الخلاف في المجنون واستدل في ذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه(28/165)
ص -82- ... أجاز وصية غلام يفاع أو قال يافع وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ بعد وهذا لأن أوان وجوب الوصية ما بعد الموت وبالموت يستغنى هو عن المال وإنما لا يصح تصرفه في حياته لمعنى النظر له حتى يبقى له المال فيصرفه إلى حوائجه بعد البلوغ ومعنى النظر له في تنفيذ وصيته إذا مات في ذلك لأنه يكتسب الزلفى والدرجة بعد ما استغنى عن المال بنفسه والدليل عليه أن الوصية أحب الميراث والصبي في الإرث عنه بعد الموت مساو للبالغ فكذلك في الوصية.
قال: "ولا يلزمني على قولى هذا أن إسلامه لا يصح بنفسه وأن قبول الهبة والصدقة لا يصح"لأن ما فيه منفعة للصبي إذا أمكن تحصيله له بوليه لا يعتبر فيه عقله ورشده وإذا لم يمكن تحصيله بوليه يعتبر فيه عقله ورشده توفيرا للمنفعة عليه والإسلام يحصل له بغيره وكذلك قبول الهبة والصدقة فأما اكتساب الأجر بالوصية فلا يمكن تحصيله له بغيره فلا بد من اعتبار عقله فيه وأصحابنا رحمهم الله يقولون هذا تمليك المال بطريق التبرع ولا يصح من الصبي والمجنون كالهبة والصدقة وهذا لأن اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره.
ألا ترى: أنه لم يعتبر عقله في حق الطلاق والعتاق لأن ذلك يضره باعتبار أصل الوضع فكذلك تمليك المال بطريق التبرع فيه ضرر باعتبار أصل الوضع وإن تصور في الوصية منفعة فذلك باعتبار الحال وفي التصرفات يعتبر أصل الوضع لا الأحوال.
ألا ترى: أن الطلاق قد ينفعه في بعض الأحوال بأن يطلق امرأته الفقيرة ويتزوج بأختها الموسرة ولم يعتبر هذا فهذا مثله وكما أن منفعة الوصية لا يمكن تحصيلها له بوليه فمنفعة الهبة والصدقة من حيث الأجر وصلة الرحم لا يمكن تحصيلها بوليه وهذا لا يدل على أنه كان يملك ذلك بنفسه وتأويل حديث عمر رضي الله عنه أنه كان الغلام بالغا ولكنه كان قريب العهد بالبلوغ ومثله يسمى يافعا بطريق المجاز.(28/166)
ألا ترى: أنه لم يستفسر وصيته كانت بعمل القربة أو بغيره وكذلك لو قال الصبي إذا أدركت ثم مت فثلثي لفلان فهو باطل لأن قول الصبي هدر في التبرعات كما هو هدر في الطلاق والعتاق ثم لا يصح منه إضافة الطلاق والعتاق إلى ما بعد البلوغ كما لا يصح منه غيرهما فكذلك إضافة التبرع وهذا بخلاف المكاتب إذا قال إذا أعتقت فثلث مالي وصية لفلان لأن المكاتب مخاطب له قول ملزم في حق نفسه فيصح إضافة التبرع إلى حالة حقيقة ملكه فأما الصبي فغير مخاطب وليس له قول ملزم في التبرعات أصلا
فأما المكاتب إذا أوصى بثلث ماله ثم أدى فعتق ثم مات فعند أبي حنيفة الوصية باطلة وعند أبي يوسف هي صحيحة وهذا نظير ما سبق في كتاب العتاق إذا قال المكاتب كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك مملوكا.
وإذا أوصى الحربي المستأمن بماله لمسلم أو ذمي فهو جائز من قبل أن حكمنا لا يجري على ورثته ومعنى هذا أن امتناع نفوذ الوصية فيما زاد على الثلث لحق الورثة بدليل أنهم إذا(28/167)
ص -83- ... أجازوا كان نافذا وليس لورثته حق مرعى عندنا لأن من في دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام كالميت ولأن ثبوت الحرمة في هذا بسبب الأمان والأمان كان لحقه لا لحق ورثته ومن حقه تنفيذ وصيته لا إبطالها.
وإن أوصى بأقل من ذلك القدر أجزت وصيته ورددت الباقي على ورثته لأن ذلك مراعاة لحق المستأمن أيضا لا لحق ورثته ومن حقه تسليم ماله إلى ورثته إذا فرغ عن حاجته وتصرفه والزيادة على مقدار ما أوصى به فارغ عن ذلك.
وكذلك لو أعتق عبدا له عند الموت أو دبر عبدا له في دار الإسلام فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث وإن شهد على وصيته أهل الذمة أجزت ذلك وإن كانوا على غير ملته لأن الكفر كله ملة واحدة وشهادة أهل الذمة على المستأمن مقبولة.
ولو أوصى له مسلم أو ذمي بوصية جاز ذلك لأنه ما دام في دارنا فهو في المعاملات بمنزلة الذمي بدليل عقود التمليكات في حالة الحياة وذكر في الأمالي أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا تصح الوصية من المسلم والذمي للمستأمن لأنه وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يتمكن من إطالة المقام في دار الإسلام ووصية من هو من أهل دار الإسلام لمن هو من أهل دار الحرب باطلة لأن لتباين الدارين تأثيرا في قطع العصمة والموالاة ومحمد قال الوصية تبرع بالتمليك ابتداء بعد الموت فتعتبر بالتبرع في حالة الحياة كالهبة والصدقة وذلك صحيح من المسلم للمستأمن فكذلك هذا.(28/168)
وإن أوصى الحربي في دار الحرب بوصية ثم أسلم أهل الدار وصاروا ذمة ثم اختصموا في تلك الوصية فإن كانت قائمة بعينها أجزتها وإن كانت قد استهلكت قبل الإسلام أبطلتها من قبل أني لا آخذ أهل الحرب بما اغتصب بعضهم من بعض فالمستهلك قبل الإسلام بمنزلة المغصوب والمستهلك لا ضمان فيه على المستهلك وما كان قائما بعينه فالإسلام الموجود منه بعد العقد قبل حصول المقصود بمنزلة المقترن بالعقد فيجب تنفيذها ولا تجوز وصية الذمي بأكثر من الثلث لأن أهل الذمة التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع
إلى المعاملات، فكما أن الوصية فيما زاد على الوصية والوصية لبعض الورثة لا تجوز من المسلم مراعاة لحق ورثته، فكذلك لا تجوز من الذمي.
وإن أوصى لغير أهل ملته فهو جائز لأنهم أهل ملة واحدة في حكم الارث، فكذلك في حكم الوصية. وإن أوصى لحربي في دار الحرب لم تجز لتباين الدارين بينهما حقيقة وحكما ولهذا لا يجري التواث بينهما. وإن أوصى الذمي للبيعة أو للكنيسة أن ينفق عليها في إصلاحها أو أوصى أن يبني بماله بيعة أو كنيسة أو بيت نار أوصى بأن يذبح لعيدهم أوللبيعة أو لبيت نارهم ذبيحة جاز في قول أبي حنيفة ولم يجز شيء منه في قول أبي يوسف ومحمد.
ووصايا أهل الذمة على ثلاثة أوجه: منها أن يوصي بما هو قربة عندنا وعندهم كالوصية(28/169)
ص -84- ... بالصدقة والعتق والإسراج في البيت المقدس فهذا يجب تنفيذه من ثلثه بالاتفاق كما يجب تنفيذه إذا كان الموصي مسلما فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بذلك بزعمهم وإن كانوا لا يثابون على ذلك.
ووجه منها أن يوصي بما هو قربة عندنا معصية عندهم كالوصية بالحج والغزو إلى الروم إذا كان الموصي منهم فهذه الوصية تبطل لأنه لا يعتقد القربة فيه، وإنما أمرنا أن نبني الأحكام على ما يعتقدون إلا أن يوصي بشيء من ماله لأقوام معينين يصرفون إلى هذه الجهة، فحينئذ تنفذ الوصية لأعيانهم لا لمعنى القربة، وهو نظير المسم يوصى بشيء من ماله للمغنيات أو للنائحات، فإن كانوا أقواما بعينهم يحصون جازت الوصية لهم وإلا بطلت.
ووجه منها أن يوصي بما هو قربة عندهم معصية عندنا، وهذا عند أبي حنيفة، رحمه الله، بمنزلة الوجه الأول يجب تنفيذها وعندهما بمنزلة الوجه الثاني لأنه ليس في هذه الوصية معنى القربة حتى يقال إنها وقعت لله تعالى، فإذا لم يكن لقوم معينين كان الموصى له مجهولاً جهالة مستبهمة فلا تصح الوصية وإن كان لأقوام معينين فهذه وصية منه لهم فيجب تنفيذها كما في الوجه الثاني، وأبو حنيفة يقول: الموصي في هذه الوصية قصد التقرب إلى ربه فيجب تنفيذ وصيته, عن كان لا يثاب عليه أو كان معصية في الحقيقة كما في الوجه الأول،فإن إصراره على الكفر واشتغاله بالوصية معصية منه وهو غير مثاب على ما يوصي به من الصدقة، ومع ذلك يجب تنفيذ وصيته، وهذا لأنا أمرنا بأن نبني أحكامهم على ما يعتقدون.(28/170)
ألا ترى: أنا نجوز التصرف منهم في الخمر والخنزير بناء على اعتقادهم؟ وإنما نعتبر ما يظهرون من غير أن نعتبر حقيقة ما يضمرون في ذلك، ولهذا يحلفون بالله في الخصومات، والدليل عليه أن فيما تبطل الوصية بغير اعتقادهم لا اعتقاد المسلمين،فكذلك فيما تصح الوصية وإن بنى في حياته بيعة أو كنيسة أو بيت نار ثم مات كان ميراثا أما عندهما فلأن هذه معصية وعند أبي حنيفة هذا بمنزلة الوقف والوقف عنده لا يلزم في حالة الحياة ولا يمنع الإرث بخلاف ما إذا كان مضافا إلى ما بعد الموت وهذا بخلاف بناء المسجد من المسلم فإن ذلك تقرب بتحرير تلك البقعة وجعلها لله تعالى خالصا.
ألا ترى: أنه يعدها لعباد الله تعالى فأما بقعة البيع فإنما يعدها للتبرك وعبادة الشياطين فلا تتحرر به عن ملكه فلهذا تصير ميراثا لورثته ووصية الذمي بالخمر والخنزير جائزة لأنها مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة والعصير في حقنا.
ولو أوصى الذمي إلى المسلم فذلك جائز عندنا والشافعي لا يجوز ذلك لأن الوصي يخلف الموصي وكما أن اختلاف الدين يمنع الخلافة بسبب الإرث في الملك والتصرف فكذلك يمنع الخلافة في التصرف بجهة الإيصاء إليه ولكنا نقول تفويض التصرف بجهة الإيصاء إليه بعد موته بالوصية كتفويض التصرف إليه في الوكالة في حياته إلا أنه إذا كان في(28/171)
ص -85- ... التركة خمر أو خنزير فينبغي للمسلم أن يوكل ببيع ذلك من يثق بأمانته من أهل الذمة ولا يباشره بنفسه لأنه ممنوع من التصرف في الخمر والخنزير شرعا ومنهى عنه.
وإذا شهد قوم من أهل الذمة بدين على الذمي والوصي مسلم فالشهادة جائزة لأن الدين بهذه الشهادة لا يثبت في ذمة الوصي إنما يثبت في ذمة الميت فيكون القضاء به على الميت وعلى ورثته وهي حجة عليهم.
ألا ترى: أن ذميا لو وكل بخصومته مسلما فشهد عليه شهود من أهل الذمة جازت الشهادة"قال""ولا تجوز شهادتهم بما تولاه الوصي من عقوده"لأن مباشرته العقد لغيره بمنزلة مباشرته لنفسه وإنما يجب الدين في ذمته فلا يثبت إلا بشهادة هي حجة في حقه.
ولو أوصى الذمي للمسلم أو المسلم للذمي بوصية جاز ذلك عندنا اعتبارا للتبرع بالتمليك بعد الوفاة بالتبرع حالة الحياة ولو أوصى المسلم ببيت له يبني مسجدا فهو جائز من ثلثه لأنه تقرب بتلك البقعة إلى الله تعالى حين جعلها معدة لإقامة الطاعة فيها ولو فعل ذلك في حياته جاز فكذلك إذا أوصى بعد موته.(28/172)
ولو أوصى بأن يرم مسجد مبني أو يلقي فيه حصى أو يجصص أو يعلق عليه أبواب فهو جائز من ثلثه لوجود معنى القربة فيما أوصى به ولم يذكر في الكتاب إذا أوصى بشيء من ماله للمسجد وذكر في نوادر هشام أن ذلك لا يجوز عند أبي يوسف إلا أن يبين فيقول لمرمة المسجد أو لعمارته أو لمصالحه فإن مطلق قوله للمسجد يوجب التمليك من المسجد كقوله لفلان والمسجد ليس من أهل الملك وعلى قول محمد هذه الوصية جائزة من ثلثه لأن العرف يقيد مطلق لفظه وفي العرف إنما يفهم من هذا اللفظ مرمة المسجد أو عمارته وإن جعل السفل مسجدا والعلو مسكنا أو على عكس ذلك فهو ميراث يباع لأن الأصل في المساجد الكعبة وتلك البقعة جعلت لله تعالى وتحررت عن حقوق العباد فكل ما يكون في معنى ذلك فهو نافذ وما لم يكن في معناه فليس بمسجد وعلى قول الحسن إن جعل السفل مسجدا دون العلو جاز وإن جعل العلو مسجدا دون السفل لا يجوز لأن المسجد ماله قرار وتأبيد وعن أبي يوسف أنه جوز ذلك كله حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل بأهلها وقد بينا هذا الحبس في كتاب الوقف.
وإذا أوصى المسلم ببيعة أو كنيسة فوصيته باطلة لأن المسلم لا يتقرب إلى الله تعالى بمثل هذه الوصية وهو لم يقع لإنسان بعينه ولو أوصى المسلم بغلة جارية تكون في نفقة المسجد ومرمته فانهدم المسجد وقد اجتمع من غلتها شيء أنفق عليه ذلك في بنائه لأن وصيته بهذا اللفظ تقع لمصالح المسجد ومن المصالح بناء المسجد بعد الانهدام ولو انهدم المسجد وليس بيده غلة مجتمعة فإني أبني المسجد ثانيا وأنفق عليه من غلتها يعنى بطريق الاستقراض فيقضى ذلك من غلتها في المستقبل وإن شاء أجمعوا على بناء المسجد من غير ذلك لأن التدبير فيه إلى أهل المسجد والله أعلم بالصواب.(28/173)
ص -86- ... باب الوصية بسدس داره
قال رحمه الله: "وإذا قال الرجل في مرضه ثلثي لفلان أو سدسي لفلان ثم مات قبل أن يقبض فهو في القياس باطل"لأنه مجهول غير معروف وحكمهما مختلف وهذا التعليل لأنه لم يبين أن مراده الهبة في حياته أو الوصية بعد موته وحكمهما مختلف وقيل معناه أن مطلق هذا اللفظ يتناول الهبة والموهوب مجهول غير مقبوض وذلك دون هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وقيل معناه أن حقيقة هذا اللفظ يتناول اللفظ نفسه لأنه قال ثلثي وسدسي ونفسه لا تحتمل الإيجاب للغير ولا يمكن حمله على ماله لأنه مجهول فإنه لا يدري أله مال أم لا وأي مقدار ماله ومن أي جنس ماله ولكنه استحسن فجعل ذلك وصية من جميع تركته كما سمي لأن حقيقته تسقط اعتباره بدليل العرف كمن حلف لا يشتري بنفسجا ينصرف إلى الدين دون الورق بدليل العرف والعرف الظاهر أنهم لا يريدون بإطلاق هذا اللفظ في المرض إيجاب الوصية في ثلث المال فكأنه أوصى له بثلث ماله ومعنى قوله بثلثي أي بالثلث الذي جعل لي الشرع حق التصرف فيه بالوصية بعد موتي على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله تعالى تصدق عليكم"الحديث.
وإذا قال في وصيته: سدس داري لفلان فإن ذلك جائز وليس هذا بإقرار لأنه أضاف ما جعله لفلان إلى نفسه أولا فيه تبين أن المراد إيجابه له لا الإخبار أنه كان له وبذكر هذا اللفظ في حالة الوصية يستدل على أن مراده الوصية دون الهبة والشيوع لا يمنع صحة الهبة لأن القسمة تتمة القبض وأصل القبض ليس بشرط في معنى الوصية فكذلك القسمة بخلاف الهبة.
ولو قال له: السدس في داري فهذا إقرار لأن اللام لثبات الملك فقد أخبر بملكه في سدس منكر وجعل داره ظرفا لذلك السدس فلا يصير هو بإضافة الظرف إلى نفسه بمضيف ملك السدس إلى نفسه حتى يكون ذلك تمليكا منه ابتداء فهو بمنزلة قوله ذرة في كفي لفلان أو نواة في كمي لفلان.(28/174)
ولو قال له: ألف درهم من مالي لم يكن هذا إقرارا وهو وصية إذا كان ذكر في وصيته بخلاف قوله له ألف درهم في مالي لأن حرف في للظرف وحرف من للتبعيض فإذا جعل الألف بعضا من ماله كان مضيفا الألف إلى نفسه ثم موجبا لفلان.
وإن قال: عبدي هذا لفلان أو داري هذه لفلان فهذا مثل قوله سدس داري لفلان في القياس إن لم يقبضها في حياته فهو باطل بخلاف قوله سدس داري لفلان لأن حقيقة هذا اللفظ للتمليك في الحال ففي العبد والدار يمكن تحصيل مقصوده مع اعتبار حقيقة اللفظ لأن اللفظ فيها يصح وفي قوله سدس داري لا يمكن تحصيل مقصوده مع مراعاة حقيقة اللفظ فلهذا حملنا ذلك على الوصية.
ولو قال: درهم من دراهمي لفلان فليس هذا بإقرار لأن من للتبعيض فقد جعل ما(28/175)
ص -87- ... أوجبه لفلان من بعض ملكه وكذلك لو قال بيت من داري لفلان فليس هذا بإقرار بخلاف قوله بيت في داري.
ولو قال: سدس داري لفلان ولم يقل بعد موتي ولم يقل ذلك في حالة الوصية فهذه هبة لأنه لا يمكن حمل لفظه على الوصية من غير دليل وليس في لفظه ما يدل ولا في حاله ما يدل على ذلك فتكون هذه هبة غير مقسومة ولا مقبوضة.
ولو قال: أوصيت بأن يوهب لفلان سدس داري بعد موتي وصية أو يتصدق به عليه وصية أجزت ذلك
وكذلك لو قال سدس داري لفلان بعد موتي هبة أو صدقة جاز ذلك لأنه لما قال بعد موتي فقد صرح بالوصية فإنه أضاف التصرف إلى ما بعد الموت والتصرف المضاف إلى ما بعد الموت يكون وصية فيجب تنفيذها من الثلث والله أعلم بالصواب.
باب الوصية بالكمال
قال رحمه الله: "رجل ترك خمس بنين وبنتا فأوصى لأحد بنيه بكمال الربع بنصيبه فأجازوا فالقسمة من ستة وثلاثين الربع من ذلك تسعة ونصيبه من ذلك ستة وكمال الربع ثلاثة والباقي بين الآخرين لكل بن ستة وللابنة ثلاثة"فتخريجه على طريق الكتاب أن تقول أصل الفريضة لو لم يكن فيها وصية من أحد عشر لكل بن سهمان وللابنة سهم فاطرح نصيب الموصى له وذلك سهمان واضرب ما بقي وهو تسعة في أربعة لأجل الوصية بكمال الربع فيكون ستة وثلاثين سهما فهو المال.
ومعرفة النصيب أن تأخذ ما طرحت وذلك سهمان فتضربهما في أربعة فيكون ثمانية ثم اطرح من ذلك اثنين يبقى ستة فإذا ظهر المال والنصيب يأخذ الموصى له ربع المال تسعة ستة من ذلك ميراثه بلا منة الإجازة وثلاثة الوصية فإذا تبين أن وصيته ثلاثة أسهم يرفع ذلك من رأس المال قبل قسمة الميراث فإذا رفعت ثلاثة من ستة وثلاثين يبقى ثلاثة وثلاثون بين خمسة بنين وبنت لكل بن ستة مثل النصيب وللابنة ثلاثة.(28/176)
وطريق الدينار والدرهم في ذلك أن يجعل المال أربعة دراهم وأربعة دنانير لحاجتك إلى حساب له ربع صحيح ثم يدفع إلى الموصى له الربع وذلك دينار ودرهم ويسترد منه بالنصيب دينار فيصير في يد الورثة أربعة دنانير وثلاثة دراهم وحاجتهم إلى خمسة دنانير ونصف لأنا جعلنا نصيب الابن دينارا فأربعة دنانير التي في أيديهم قصاص بمثلها يبقى له ثلاثة دراهم يعدل دينارا ونصفا فانكسر فإذا ضوعف يكون ستة دراهم تعدل ثلاثة دنانير ثم اقلب القضية فيصير كل دينار بمعنى ستة فذلك أربعة وعشرون وأربعة دراهم كل درهم بمعنى ثلاثة فتكون الجملة ستة وثلاثين ثم أعطينا الموصى له دينارا ودرهما وذلك تسعة واسترجعنا منه بالنصيب دينارا وذلك ستة فظهر التخريج كما بينا.
وطريق الجبر فيه أن يأخذ مالا فيعطي الموصى له ربعه ثم يسترد بالنصيب شيئا فيكون في بدل ثلاثة أرباع مال وشيء وحاجة الورثة إلى خمسة أشياء ونصف شيء لأنا جعلنا(28/177)
ص -88- ... النصيب شيئا فاجعل الشيء بالشيء قصاصا يبقى في يدك ثلاثة أرباع مال يعدل أربعة أشياء ونصف شيء فزد على ما يعدله مثل ذلك وذلك شيء ونصف شيء فإذا زدت على أربعة أشياء ونصف شيئا ونصف شيء يصير ستة أشياء فظهر أن المال الكامل يعدل ستة أشياء فإذا أردت تصحيحه على وجه لا ينكسر فاضرب ستة في ستة فيكون ستة وثلاثين فهو المال الربع منه تسعة.
ومعرفة النصيب: أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا كل شيء في ستة فتبين أن النصيب ستة وطريق الخطأين فيه أن يجعل ثلث المال أربعة ويعطي الموصي له ثلاثة كمال الربع ويسترد منه بالنصيب سهما فيضم ذلك إلى ما في يد الورثة فيصير عشرة وحاجتهم إلى خمسة ونصف لأنا جعلنا نصيب الموصى له سهما فظهر الخطأ بزيادة أربعة ونصف فعد إلى الأصل وزد في النصيب نصف سهم فتبين أن النصيب سهم ونصف وحاجتهم إلى ثمانية وربع لأنا جعلنا نصيب الابن سهما ونصفا فيكون لخمسة بنين سبعة ونصف وللابنة ثلاثة أرباع فذلك ثمانية وربع فظهر الخطأ الثاني بزيادة سهمين وربع وكان الخطأ الأول بزيادة أربعة ونصف فلما زدنا في النصيب نصف سهم أذهب نصف الخطأ فالسبيل أن تزيد سهما كاملا ليذهب جميع الخطأ فيسترد بالنصيب من الموصى له سهمين يضمه إلى ما بقي من الثلث فيكون ثلاثة ثم يضم ذلك إلى ما في يد الورثة وهو ثمانية فتصير أحد عشر مقسوما بين خمسة بنين والابنة لكل بن سهمان وللابنة سهم فاستقام التخريج فإذا عرفت طريق الخطأ فطريق الجابرين تخرج عليه مستقيما أيضا.
ولو ترك ثلاثة بنين وابنة وأوصى للابنة بالربع بنصيبها وأوصى بثلثي ما بقي من الثلث فأجازوا فالفريضة من ثمانية وأربعين نصيب الابنة من ذلك خمسة وتمام الربع سبعة وثلثا ما بقي من الثلث ستة ولكل بن عشرة.(28/178)
أما على طريق الكتاب فنقول: أصل الفريضة بدون الوصية على سبعة لكل بن سهمان وللابنة سهم فاطرح نصيب الموصى لهما وذلك واحد ثم اضرب ما بقي وهو ستة في ثلاثة لوصيته بثلثي ما بقي من الثلث فيكون ثمانية عشر ثم زد على ذلك سهمين لأنه لو كان أوصى بثلث ما بقي من الثلث كنا نزيد سهما واحدا وإذا أوصى بثلثي ما بقي من الثلث تزيد سهمين فيكون ذلك عشرين ثم يضرب ذلك في أربعة لمكان وصيته بكمال الربع فيكون ثمانين فهو ثلث المال وجملة المال مائتان وأربعون الربع من ذلك ستون.
ومعرفة النصيب أن تأخذ ما طرحت وهو واحد فتضرب ذلك في أربعة ثم تطرح واحدا ثم تضرب ذلك في ثلاثة فيصير تسعة ثم في ثلاثة فيكون سبعة وعشرين ثم تطرح من ذلك سهمين لما بينا أنه لو كان أوصى له بثلث ما بقي من الثلث كنا نطرح من مبلغ عدد النصيب سهما فإذا أوصى بثلثي ما بقي من الثلث نطرح لأجل ذلك سهمين يبقى خمسة وعشرون وهو النصيب فإذا أخذت الابنة ربع المال ستين واسترد منها بالنصيب فإذا أخذت(28/179)
ص -89- ... خمسة وعشرين يبقى لها خمسة وعشرون مقدار وصيتها ثم يرفع ذلك من ثلث المال وهو ثمانون يبقى خمسة وأربعون للموصى له بثلثي ما بقي ثلثا ذلك وذلك ثلاثون يبقى خمسة عشر يضم ذلك إلى ثلثي المال مائة وستين فيكون مائة وخمسة وسبعين بين ثلاثة بنين وابنة لكل بن خمسون وللابنة خمسة وعشرون مثل نصيبها فاستقام التخريج.
وطريق الجبر في ذلك أن يأخذ ثلث مال مجهول فيعطي الموصى له بالربع ثلاثة أرباع ذلك لأن ثلاثة أرباع الثلث ربع الجميع ثم يسترد منها بالنصيب شيئا فيكون الباقي من الثلث سهما من أربعة وشيء فللموصى له بثلث ما يبقى سهم وثلثا شيء يضم ذلك إلى ثلثي المال وذلك ثمانية أسهم وثلث سهم وثلث شيء وذلك يعدل سبعة أشياء لأنا جعلنا نصيب الابنة شيئا فيجعل ذلك ثلث شيء قصاصا يبقي ثمانية أسهم وثلث يعدل ذلك ستة أشياء وثلث شيء فزد عليه بقدر ثلاثة أسهم وثلثي سهم ليتم المال وزد على ما يعدله وهو ستة أشياء وثلثا شيء مثل ذلك ولا طريق لمعرفة ذلك إلا بأن تضرب ستة في ثمانية يكون ثمانية وأربعين وثلثين في ثمانية يكون خمسة وثلثا وستة في ثلث اثنان وثلثان في ثلث تسعان فذلك خمسة وخمسة أتساع ثم تزيد عليه ثلاث مرات ستة وثلثين فذلك عشرون وثلثا ستة وثلاثين وذلك أربعة وأربعة أتساع فيكون أربعة وعشرين وأربعة أتساع إذا زدت ذلك على خمسة وخمسين وخمسة أتساع كان ذلك ثمانين فتبين أن المال الكامل ثمانون وليس له ثلث صحيح فيضرب ذلك في ثلاثة فيصير مائتين وأربعين فهو جميع المال الثلث ثمانون والربع ستون ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وقد ضربنا كل شيء في ثمانية وثلث ثم يضرب ذلك في ثلاثة كما ضربنا أصل المال فيكون ذلك خمسة وعشرين فظهر أن النصيب خمسة وعشرون ثم التخريج كما بينا في الطريق الأول.(28/180)
قال: "ثم بين هذه الأجزاء موافقة بالخمس فيختصر على الخمس من كل واحد وخمس مائتين وأربعين ثمانية وأربعون وخمس خمسة وعشرين خمسة فهو النصيب وخمس خمسة وثلاثين سبعة وخمس خمسين الذي هو نصيب كل بن عشرة"فاستقام.
قال رحمه الله: "رجل أوصى بداره تباع لرجل بألف درهم وأوصى لرجل بقرض ألف درهم سنة فاستهلك الوارث المال بعد موت أبيه وقد كان أبوه ترك ألفي درهم ودارا قيمتها ألف درهم فإنه تباع الدار من الذي أوصى له ببيع الدار بألف درهم ويستوفي منه الألف فيدفع ذلك إلى الموصى له بالقرض سنة ثم يؤخذ منه ذلك فهو للوارث"لأنه ليس في البيع محاباة وإنما تنفذ الوصية للموصى له بالفرض في جميع الثلث والثلث ثمن الدار فيقرض ذلك منه سنة ولا يقال الأجل لا يلزم في القرض لأن هذا في حالة الحياة فأما بعد الموت فالأجل يلزم في القرض لأن القرض بمنزلة العارية ولو أوصى بأن تعار داره من فلان سنة كان يجب الوفاء بذلك فكذلك إذا أوصى بأن يقرض الألف منه سنة فإذا مضت السنة فقد فرغ الألف من الوصية فيرد على الوارث.(28/181)
ص -90- ... "رجل مات وترك أربعة بنين وأوصى لأحدهم بالثلث بنصيبه وبربع ما يبقى من الثلث الآخر فأجازوا"قال"هي من تسعة وثلاثين سهما النصيب ثمانية وتكملة الثلث خمسة وربع ما بقي من الثلث سهمان"
وتخريجه على طريق الكتاب أن نقول أصل الفريضة من أربعة لكل بن سهم فيطرح نصيب الموصى له يبقي ثلاثة ثم تضرب ذلك في أربعة لوصيته بربع ما يبقى فيكون اثنى عشر ثم تزيد عليه سهما فيكون ثلاثة عشر ثم تضرب ذلك في ثلاثة لوصيته بتكملة الثلث فيكون تسعة وثلاثين سهما فهو المال الثلث منه ثلاثة عشر.
ومعرفة النصيب أن تأخذ واحدا وتضربه في ثلاثة فيكون ثلاثة ثم تطرح منه سهما لمكان وصيته بربع ما يبقى ثلاثة عشر واسترجعت منه بالنصيب ثمانية بقي خمسة فهو مقدار الوصية له فإذا رفعت ذلك من الثلث بقي ثمانية للموصى له بربع ما يبقى ربع ذلك سهمان بقي ستة فتضم ذلك إلى ثلثي المال ستة وعشرين فيكون ذلك اثنين وثلاثين بين أربعة بنين لكل بن ثمانية.(28/182)
وطريق الجبر فيه: أن تأخذ ثلث مال مجهول فتعطيه الموصى له بتكملة الثلث ثم تسترد منه بالنصيب شيئا فتعطي الموصى له بربع ما يبقي ربع ذلك الشيء يبقي من الثلث ثلاثة أرباع شيء تعدل أربعة أشياء لأنا جعلنا النصيب شيئا فثلاثة أرباع شيء قصاص بمثله يبقي ثلثا المال يعدل ثلاثة أشياء وربع شيء فيكمل المال بأن يزيد عليه بمثل نصفه ثم يزيد على ما يعدله مثل نصفه وذلك شيء وستة أثمان شيء وقد انكسر بالأثمان فيضرب ثلاثة وربع في ثمانية فيكون ذلك ستة وعشرين يزيد عليه مثل نصفه وذلك ثلاثة عشر فيكون تسعة وثلاثين فظهر أن المال الكامل يعدل تسعة وثلاثين ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا كل شيء في ثمانية فإذا ظهر أن النصيب ثمانية والثلث ثلاثة عشر استقام التخريج كما بينا فإن ترك أبويه وامرأته وثلاث بنات فأوصى لإحداهن بالثلث من جميع المال بنصيبها والأخرى بالخمس بنصيبها فأجازوا ذلك قال هي من مائة سهم وخمسة أسهم والوصية من ذلك أربعة وعشرون بقي واحد وثمانون للمرأة منها تسعة وللأبوين أربعة وعشرون ولكل واحد من البنات ستة عشر فأعط صاحبة الثلث مع نصيبها تسعة عشر وصاحبة الخمس مع نصيبها خمسة والتخريج على طريق الكتاب أن تصحح الفريضة فيكون أصلها من أربعة وعشرين لحاجتنا إلى ثمن وسدس وثلثين ويعول بثلاثة فيكون من سبعة وعشرين حظ البنات ستة عشر بينهن أثلاثا لا يستقيم فتضرب سبعة وعشرين في ثلاثة فيكون أحدا وثمانين يستقيم منها للمرأة تسعة ولكل واحد من الأبوين اثنا عشر ولكل ابنة ستة عشر ثم يحتاج لمعرفة الوصية إلى حساب له ثلث وخمس وذلك بأن يضرب ثلاثة في خمسة فيكون خمسة عشر ثم يطرح نصيب الابنتين الموصى لهما من أحد وثمانين وذلك اثنان وثلاثون يبقى تسعة وأربعون فاضرب تسعة وأربعين في خمسة عشر فيكون ذلك سبعمائة وخمسة وثلاثين فهو مبلغ المال.
و معرفة النصيب: أن نأخذ نصيب واحدة منهما وذلك ستة عشر فيضرب ذلك في خمسة(28/183)
ص -91- ... عشر بعد ما يطرح منه الثلث والخمس والثلث خمسة والخمس ثلاثة فإذا طرحتهما بقي سبعة فاضرب ستة عشر في سبعة فيكون ذلك مائة واثنى عشر هذا نصيب كل واحدة منهما ثم بين المال وبين النصيب موافقة بالسبع فيختصر على السبع من واحدة منهما وسبع سبعمائة وخمسة وثلاثين مائة وخمسة وسبع مائة واثنى عشر ستة عشر فعند الاختصار المال مائة وخمسة والنصيب ستة عشر وثلث جميع المال خمسة وثلاثون فيعطي الموصى لهما بالثلث خمسة وثلاثون ويسترد منهما بالنصيب ستة عشر يبقى وصيتهما تسعة عشر وخمس جميع المال أحد وعشرون فيعطى ذلك الموصي لهما بالخمس نصيبها من ذلك ستة عشر ووصيتهما خمسة فإذا ظهر مقدار وصيتهما وذلك أربعة وعشرون يرفع ذلك من أصل المال ويبقى واحد وثمانون مقسوما بينهم بالميراث للمرأة تسعة وللأبوين الأربعة وعشرون وللبنات ثمانية وأربعون بينهن لكل واحدة منهن ستة عشر مثل نصيبها وطريق الجبر فيه أن تأخذ مالا مجهولا فتعطي ثلثه إحداهما وخمسا للأخرى وقد انكسر المال بالأثلاث والأخماس فظهر فيه عدد السهام خمسة عشر بطريق الضرورة فلصاحبة الثلث خمسة ولصاحبة الخمس ثلاثة ثم تسترجع بالنصيب من كل واحدة منهما شيئا فتضم ذلك إلى ما في يدك فيصير معك سبعة أجزاء من خمسة عشر جزءا من مائة وستين وحاجتك إلى خمسة أشياء ونصف ثمن شيء لأنا جعلنا نصيب كل ابنة شيئا فلهن ثلاثة أشياء وذلك ستة عشر بقى وراء ذلك أحد عشر نصيب الأبوين والأم وإذا كان ستة عشر ثلاثة أشياء فأحد عشر يكون شيئين وثلث سهم نصف ثمن شيء فإذا عرفت هذا قلت الشيئان بمثلهما قصاص يبقي سبعة أجزاء من خمسة عشر جزءا من مال يعدل ثلاثة أشياء ونصف ثمن والمال ناقص فيزيد عليه مثله ومثل سبعة وهو ثمانية أجزاء حتى يتم المال ثم يزيد على ما يعد له مثل ذلك وليس لثلاثة أشياء ونصف ثمن سبع صحيح فالسبيل أن يضرب ثلاثة أشياء ونصف ثمن في مخرج نصف الثمن وهو ستة عشر فيكون ذلك تسعة وأربعين يضم(28/184)
إليه مثله فيكون ثمانية وتسعين ومثل سبعه وهو سبعة فيكون مائة وخمسة فتبين أن المال الكامل يعدل مائة وخمسة ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا كل شيء في تسعة عشر فظهر أن النصيب ستة عشر ثم التخريج إلى آخره كما بينا.
"وإن ترك ثلاثة بنين وامرأة فأوصي لأحد بنيه بثلاثة أرباع الثلث بنصيبه ولرجل أجنبي بربع الثلث"قال"هي من مائتين وثمانية وثمانين للأجنبي من ذلك أربعة وعشرون والباقي بينهم بالميراث وليس للابن وصية ها هنا"لأن ميراثه أكثر من ثلاثة أرباع الثلث وإنما يتبين لك هذا إذا صححت الفريضة فتقول للمرأة الثمن سهم من ثمانية والباقي وهو سبعة بين البنين الثلاثة ثلاثا لا يستقيم فتضرب ثمانية في ثلاثة فتكون أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل بن سبعة فعرفنا أنه ما أوصى للابن بشيء وطلب منه أن يتجوز بدون حقه فيسقط اعتبار وصيته للابن وتبقي وصيته للأجنبي بربع الثلث فالسبيل أن نضرب أصل الفريضة في حساب له ثلث وربع وأقل ذلك له اثنا عشر فإذا ضربت أربعة وعشرين في اثنى عشر يكون ذلك مائتين وثمانية(28/185)
ص -92- ... وثمانين الثلث من ذلك ستة وتسعون وإنما أوصي للأجنبي بربع الثلث وربع ستة وتسعين أربعة وعشرون فيأخذ الموصى له ذلك المقدار وإذا رفعت من مائتين وثمانية وثمانين أربعة وعشرين يبقي مائتان وأربعة وستون للمرأة ثمن ذلك وذلك ثلاثة وثلاثون يبقى مائتان وإحدى وثلاثون بين البنين الثلاثة لكل بن سبعة وسبعون فاستقام التخريج فإذا ترك امرأة وثلاث أخوات وجدا فأوصى لأحد أخواته بالثلث بنصيبها وللأخرى خمسة أسداس الوصية فأجازوا قال هي من مائتين وإحدى وستين سهما الوصية من ذلك مائة وأحد وعشرون لأحدى الأختين وصيتها ستة وستون وللأخرى خمسة أسداس الوصية خمسة وخمسون بقي بعد ذلك مائة وأربعون بين الورثة للمرأة الربع والباقي بين الأخوات والجد في قول زيد للجد اثنان وأربعون ولكل واحد عشرون فأما التخريج على طريق الكتاب فأن تصحح أصل الفريضة وهي من أربعة للمرأة الربع والباقي بين الأخوات والجد بالمقاسمة لأن ذلك خير للجد من السدس ومن ثلث ما بقي وعلى أصل زيد ينظر في الجد إلى المقاسمة وإلى السدس وإلى ثلث ما بقي فأي ذلك كان خيرا له أعطي ذلك والمقاسمة ها هنا خير ثم قسمة ثلاثة على خمسة لا تستقيم فتضرب أربعة في خمسة فيكون عشرين للمرأة خمسة وللجد ستة ولكل أخت ثلاثة ثم يحتاج في معرفة الوصية إلى حساب له ثلث ولثلثه خمسة أسداس وأقل ذلك ثمانية عشر بأن تضرب ثلاثة في ستة ثم تطرح من أصل الفريضة نصيب إحدى الأختين وهو ثلاثة وخمسة أسداس نصيب الأخرى وهو سهمان ونصف يبقى أربعة عشر ونصف في ثمانية عشر فيكون المبلغ مائتي سهم وإحدى وستين سهما.(28/186)
ومعرفة النصيب: أن نأخذ نصيب إحدى الأخوات وذلك ثلاثة فنضرب ذلك في ثمانية عشر وهو أن نطرح منها الثلث وخمسة أسداس الثلث وذلك أحد عشر يبقى سبعة وثلاثة في سبعة يكون أحدا وعشرون فهو النصيب الكامل وثلث المال سبعة وثمانون فتعطي الموصى لها بالثلث سبعة وثمانين وتسترد منها بالنصيب أحدا وعشرين يبقى ستة وستون فإذا تبينت وصيتها تبينت وصية الأخرى وهو خمسة أسداس هذا المقدار خمسة وخمسون فيكون جملة الوصية لهما مائة وأحدا وعشرين إذا رفعت ذلك من مائتين وإحدى وستين يبقى مائة وأربعون للمرأة الربع من ذلك وذلك خمسة وثلاثون يبقى مائة وخمسة بين الجد والأخوة بالمقاسمة للجد اثنان وأربعون ولكل أخت واحد وعشرون مثلا النصيب فاستقام التخريج وطريق الجبر فيه أن نأخذ مالا مجهولا فنعطي الثلث إحدى الأخوات وخمسة أسداس الثلث للأخرى فيظهر في المال عدد ثمانية عشر سهما من السهام بطريق الضرورة وأعطينا إحداهما ستة والأخرى خمسة ثم استرجعنا من إحداهما شيئا ومن الأخرى خمسة أسداس شيء فيصير معنا سبعة أسهم من ثمانية عشر جزءا من مال وشيء وخمسة أسداس وشيء وحاجتنا إلى ستة أشياء وثلثي شيء فقد جعلنا نصيب الأخت وهو ثلاثة من عشرين شيئا كما بينا فعرفنا أن حاجتنا إلى ستة أشياء وثلثي شيء فشيء وخمسة أسداس شيء بمثله قصاص يبقى أربعة أشياء وخمسة أسداس(28/187)
ص -93- ... بعد ذلك سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزءا من مال والمال ناقص فإكماله بأن تزيد عليه مثله ومثل أربعة أسباعه وإذا زدت على المال هذا فزد على ما يعدله وهو أربعة أشياء وخمسة أسداس شيء مثله ومثل أربعة أسباعه وليس ذلك بصحيح فالسبيل أن تضرب ثلاثة في سبعة فيكون أحدا وعشرين وإنما فعلنا ذلك لأنا ضممنا إلى أربعة وخمسة أسداس مثله فيكون الكسر على الأثلاث ثم تضرب أربعة وخمسة أسداس في أحد وعشرين فيكون ذلك مائة سهم وسهمين ونصفا يضم إليه مثله فذلك مائتان وثلاثة أسهم ومثل أربعة أسباعه فلكل سبعة من مائة واحد ونصف يكون أربعة عشر ونصفا فأربعة أسباعه يكون ثمانية وخمسين إذا ضممت ذلك إلى مائتين وثلاثة يكون مائة وإحدى وستين وتبين أن المال الكامل مائتان وأحد وستون.
ومعرفة النصيب: أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا كل شيء في أحد وعشرين فتبين أن النصيب أحد وعشرون ثم التخريج كما بينا أما قول أبي حنيفة وهو مذهب أبي بكر رضي الله عنه الأخوات كالأجانب لا يرثن مع الجد فجازت الوصية كأنه أوصى لصاحبة الثلث بكمال الثلث بنصيبها إن كانت وارثة وإن لم تكن وارثة فبالثلث وللأخرى خمسة أسداس الثلث فاحتجنا إلى حساب له ثلث وخمسة أسداس وأقله ثمانية عشر فاضربه في أصل الفريضة وذلك أربعة فيصير اثنين وسبعين فثلثه أربعة وعشرون وخمسة أسداس الثلث عشرون فكانت وصية إحداهما أربعة وعشرين ووصية الأخرى عشرين ومبلغهما أربعة وأربعون يبقى ثمانية وعشرون للمرأة ربعه سبعة والباقي وهو أحد وعشرون للجد هذا إذا أجزن وإن لم يجزن جعلت الثلث على سهام الوصايا ووصية إحداهما الثلث ستة من ثمانية عشر ووصية الأخرى بخمسة أسداس الثلث خمسة فمبلغهما أحد عشر والثلثان ضعفه اثنان وعشرون والجميع ثلاثة وثلاثون والثلث لأصحاب الوصايا بينهما على قدر حقهما يبقى اثنان وعشرون ربعه للمرأة خمسة ونصف والباقي للجد.(28/188)
فإن ترك ابنين وخمس بنات فأوصى لابنه بخمسة أسداس الثلث بنصيبه وأوصى لإحدى البنات بالخمس من جميع المال بنصيبها فأجازوا فهي من ثلاثمائة وستين سهما الوصية منها أحد وثلاثون سهما للابن من ذلك ستة أسهم وللابنة خمسة وعشرون والباقي ميراث بينهم.
وتخريجه على طريق الكتاب: أن تصحح الفريضة فيكون ذلك من سبعة للابن سهمان ولكل ابنة سهم ثم يحتاج في معرفة الوصية إلى حساب له خمس وسدس وثلث ذلك بأن يضرب المخارج بعضها في بعض خمسة وستة وثلاثة وثلاثون في ثلاثة يكون تسعين ثم تطرح من أصل الفريضة نصيب الموصى لهما وذلك ثلاثة يبقى أربعة فتضرب أربعة في تسعين يكون ذلك ثلاثمائة وستين فهو مبلغ المال ومعرفة النصيب أن تأخذ نصيب الابن وذلك سهمان فتضرب ذلك في تسعين بعد ما تطرح منها الخمس وخمسة أسداس الثلث خمسة وعشرون والخمس ثمانية عشر وذلك ثلاثة وأربعون إذا طرحت من تسعين ثلاثة وأربعين يبقى سبعة وأربعون فإذا ضربت نصيب الابن وذلك سهمان في سبعة وأربعين يكون ذلك أربعة وتسعين(28/189)
ص -94- ... وإذا تبين نصيب الابن تبين نصيب الابنة لأن نصيبها نصف نصيبه وذلك سبعة وأربعون ثم ثلث المال مائة وعشرون فخمسة أسداس الثلث مائة ونصيب الابن أربعة وتسعون فتبين أن نصيب الوصية له كانت بستة أسهم تمام خمسة أسداس الثلث وخمس ثلاثمائة وستين اثنان وسبعون نصيب الابنة من ذلك سبعة وأربعون فظهر أن الوصية لهما خمسة وعشرون وإذا رفعت مقدار وصيتهما وذلك أحد وثلاثون من أصل المال ثلاثمائة وستين يبقى ثلاثمائة وتسعة وعشرون بين الابن والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين فللابن أربعة وتسعون مثل نصيبه ولكل ابنة سبعة وأربعون مثل نصيب الابنة فاستقام.
وطريق الجبر يتيسر تخريجه في هذه المسألة بالقياس على ما سبق إذا تأملت في ذلك فلا يكون في الاشتغال به إلا مجرد التطويل من غير فائدة"فإن ترك امرأتيه وأبويه وثلاث بنات فأوصى لإحدى امرأتيه بنصيبها بالخمس وللأخرى بالسدس بنصيبها وبربع ما بقي من الثلث فأجازوا"قال"هي من خمسمائة وأربعين سهما الوصية منها مائة واثنان وستون بينهما لصاحبة الخمس من ذلك سبعة وثمانون وميراثها أحد وعشرون فذلك مائة وثمانية خمس جميع المال ولصاحبة الثلث تسعة وستون وميراثها أحد وعشرون فذلك تسعون سدس جميع المال ولصاحبة ربع ما بقي ستة أسهم".(28/190)
وأما تخريجه على طريق الكتاب فأن نقول: أصل الفريضة من ستة للأبوين السدسان وللبنات الثلثان وللمرأتين ثلاثة أرباع سهم فتعول بثلاثة أرباع فتكون القسمة من ستة وثلاثين فإذا أردت معرفة الوصية احتجت إلى حساب له خمس وسدس وثلث فتضرب خمسة في ستة فتكون ثلاثين ثم تطرح المرأتين وذلك ثلاثة أرباع من أصل الفريضة يبقى ستة فتضرب ذلك في تسعين فيكون خمسمائة وأربعين سهما الخمس من ذلك مائة وثمانية والسدس من ذلك تسعون ومعرفة نصيب المرأتين أن تأخذ نصيبهما وذلك ثلاثة أرباع فيضرب في تسعين بعد ما يطرح من ذلك الخمس والسدس وخمس تسعين ثمانية عشر والسدس خمسة عشر فإذا طرحتهما من تسعين يبقى سبعة وخمسون فإذا ضربت ثلاثة أرباع في سبعة وخمسين يكون ذلك اثنين وأربعين وثلاثة أرباع فاطرح منه ثلاثة أرباع مقدار ما أخذت في الابتداء يبقى اثنان وأربعون لكل واحدة منهما أحد وعشرون فإذا أعطينا إحداهما مائة وثمانية واسترجعنا منها بالنصيب أحدا وعشرين يبقى سبعة وثمانون فهذه وصيتها وأعطينا الأخرى تسعين فاسترجعنا منها أحدا وعشرين يبقى تسعة وستون فهذه وصيتها فإذا ضممت تسعة وستين إلى سبعة وثمانين يكون ذلك مائة وستة وخمسين يبقى أربعة وعشرون للموصى له بربع ما يبقى من الثلث ربع ذلك ستة ويضم ما بقي وهو ثمانية عشر إلى ثلثي المال ثلاثمائة وستين فيكون ثلاثمائة وثمانية وسبعين مقسوما بينهم بالميراث للمرأتين من ذلك اثنان وأربعون قسمتها بينهم مع العول لكل واحدة أحد وعشرون مثل نصيبها وللأبوين مائة واثنا عشر سهما لكل واحد ستة وخمسون وللبنات مائة وأربعة وعشرون لكل ابنة أربع وعشرون وثلثان فاستقام التخريج فإن ترك خمس(28/191)
ص -95- ... بنات وأبوين وأوصى لإحدى بناته بالثلث بنصيبها وبثلاثة أرباع الوصية لآخر فأقر الأب بابن وأنكر البنات وأجازوا كلهم الوصية فالفريضة من ثمانمائة وثمانية وعشرين الوصية منها ثلاثمائة وثمانية وسبعون لصاحب الثلث من ذلك مائتان وستة عشر وميراثها ستون فذلك تمام الثلث وللأخرى مائة واثنان وستون فذلك ثلاثة أرباع وصية الأول ويدخل الابن مع الأب في نصيبه وهو خمسة وسبعون فيأخذ منها أربعين أولا نقول إقرار أحد الورثة بوارث آخر صحيح في حقه على أن يشارك المقر له في نصيبه لأن المقر يعامل في إقراره كأن ما أقر به حق ثم تصحيح الفريضة بدون هذا الإقرار فنقول أصلها من ستة للأبوين السدسان وللبنات أربعة وعلى ما أقر به الأب للأبوين السدسان والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين أسباعا فنضرب ستة في سبعة فيكون اثنين وأربعين للأب من ذلك سبعة وهو السدس وللأم كذلك يبقى ثمانية وعشرون بين الابن والبنات للابن ثمانية ولكل ابنة أربعة فتبين أن نصيب الابن بزعم الأب ثمانية ونصيب الأب سبعة فالسدس الذي هو نصيب الأب يضرب كل واحد منهما فيه بجميع حقه فيصير على خمسة عشر وإذا صار السدس على خمسة عشر كان جميع المال تسعين هذا وجه تصحيح سهام الفريضة.(28/192)
وإذا أردت معرفة الوصية احتجت إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر ثم تطرح من أصل الفريضة نصيب إحدى البنات وثلاثة أرباع نصيب الأخرى على حسب وصيته لهما ونصيب إحدى البنات اثنا عشر وثلاثة أرباع نصيب الأخرى تسعة فذلك أحد وعشرون إذا طرحت ذلك من تسعين يبقى تسعة وستون فإذا ضربت تسعة وستين في اثنى عشر يكون ذلك تمام مائة وثمانية وعشرين فهو مبلغ المال الثلث من ذلك مائتان وستة وسبعون فتأخذ إحدى المرأتين ذلك وتسترد منها نصيبها وطريق معرفة ذلك أن تأخذ نصيبها اثنى عشر وتضرب ذلك في اثني عشر بعد ما تطرح منها ثلثها وثلاثة أرباع الثلث ثلثها أربعة وثلاثة أرباع الثلث ثلاثة فذلك سبعة إذا طرحت سبعة من اثنى عشر تبقى خمسة تضرب اثنى عشر في خمسة فيكون ستين فهو نصيبها إذا رفعت ذلك من مائتين وستة وسبعين يبقى مائتان وستة عشر فهو وصيتها ووصية الأخرى ثلاثة أرباع ذلك مائة واثنان وستون فإذا ضممت ذلك إلى مائتين وستة عشر يكون ثلاثمائة وثمانية وسبعين إذا رفعت ذلك من أصل المال يبقى هناك أربعمائة وخمسون مقسومة بينهم للأبوين السدسان مائة وخمسون لكل واحد منهما خمسة وسبعون وللبنات ثلاثمائة بينهن أخماسا لكل واحدة منهن ستون مثل النصيب ثم ما أخذ الأب يقسم بينه وبين المقر له على خمسة عشر فيكون كل جزء من ذلك خمسة فثمانية أجزاء من ذلك للابن وذلك أربعون سهما وسبعة للأب وذلك خمسة وثلاثون سهما فاستقام التخريج.
ولو ترك ابنين وعشرة دراهم عينا وعشرة دينا على أحدهما وأوصى بخمس ماله إلا إلا درهما فإنك ترفع من العين درهمين للموصى له وذلك خمس المال ثم تسترجع منه بالاستثناء درهما فترد ذلك على الابنين فتصير العين في أيديهما تسعة نصف ذلك للابن الذي لا دين عليه(28/193)
ص -96- ... ونصفه نصيب الابن المديون فلا يعطي ذلك لأن عليه فوق حقه ولكن يقسم ذلك بين الابن الذي لا دين عليه والموصى له أثلاثا لأن حق الموصى له في خمس الدين الذي على المديون وحق الابن الذي لا دين عليه في خمس ذلك فما تعين لهما من ذلك يقسم بينهما أثلاثا ثلثه وهو درهم ونصف للموصى له وثلثاه وهو ثلاثة للابن فقد وصل إلى الابن مرة أربعة ونصف ومرة ثلاثة وذلك سبعة ونصف وقد تعين من الدين مثل ذلك للابن المديون فكان جملة المال العين سبعة عشر درهما ونصفا خمس ذلك ثلاثة ونصف وقد نفذنا الوصية في الدفعتين في ذلك فاسترجعنا درهما بالاستثناء فبقي له درهمان ونصف والمقسوم بين الابنين خمسة عشر لكل واحد منهما سبعة ونصف.
ولو كان أوصى بالخمس إلا درهمين فالسبيل أن يعطي للموصى له خمس العشرة وذلك درهمان ثم استرجعهما بالاستثناء فيصير في يدك عشرة دراهم بين الابنين نصفين فيأخذ الابن الذي لا دين عليه خمسة والخمسة التي هي نصيب الابن المديون تقسم بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه أثلاثا كما بينا في الفصل الأول فيسلم للموصى له درهم وثلثا درهم وللابن في المرتين ثمانية وثلث فظهر أن المتعين من الدين ثمانية وثلث وأن جملة المال ثمانية عشر وثلث خمس ذلك ثلاثة وثلثان وقد نفذنا الوصية في هذا المقدار في الدفعتين واسترجعنا بالاستثناء درهمين بقى له درهم وثلثا درهم.(28/194)
ولو أوصى بخمس ماله لرجل إلا درهما منه لآخر فإنك تأخذ ثلث العشرة العين فتعطي صاحب الدرهم درهما ويبقى في يد الموصى له بالخمس إلا درهما درهمان وثلث لأن الموصى له بالمستثنى حقه في الثلث مقدم فإن الموصى له بالخمس شريك الوارث في التركة والموصى له بالثلث بشيء مسمى حقه مقدم على حق الوارث فلهذا يعطي صاحب الدرهم من الثلث درهما ويبقى للآخر من الثلث درهمان وثلث ويسلم للابن الذي لا دين عليه ستة وثلثان إلى أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فحينئذ القسمة واضحة على ما تقدم في بابه.
ولو ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم لرجل وبثلث ماله لآخر فأجازوا فالفريضة من ستة لصاحب الثلث اثنان وللموصى له بمثل نصيب أحدهم واحد ولكل واحد من الاثنين سهم لأن الموصى له بمثل النصيب عند الإجازة كابن آخر فكأنه ترك أربع بنين وأوصى بثلث ماله فالفريضة من ستة للموصى له بالثلث سهمان ولكل واحد من الابنين سهم فيأخذ الموصى له بمثل النصيب سهما من أربعة من الثلثين وإن لم يجيزوا فالفريضة من تسعة فالثلث من ذلك بين الموصى له بالثلث وبين صاحب النصيب سهمان من ذلك لصاحب الثلث وسهم للموصى له بالنصيب على اعتبار أحوالهما عند الإجازة فإنهم لو أجازوا كان حق الموصى له بالثلث ضعف حق الموصى له بالنصيب فكذلك عند عدم الإجازة يقسم الثلث بينهما على مقدار حقهما أثلاثا وهذا قول أبي يوسف رحمه الله بناء على أصله أن(28/195)
ص -97- ... الوصية الواقعة في حق الورثة تبطل عند عدم الاستحقاق ولا تبطل في حق الضرر بها في الثلث فأما على قول محمد رحمه الله فالثلث بينهما على خمسة للموصى له بالثلث ثلاثة وللموصى له بالنصيب سهمان لأن أصل الفريضة من تسعة لحاجتنا إلى حساب ينقسم ثلثاه أثلاثا للموصى له بالثلث ثلاثة ولكل بن ثلث الثلثين وذلك سهمان وفي حال عدم الإجازة الموصى له بمثل النصيب لا يستحق من الثلثين شيئا وإنما جعل الموصى نصيب أحد ورثته عيارا لما أوجبه له بالوصية ونصيب أحد البنين سهمان فعرفنا أنه أوجب للموصي له بمثل النصيب سهمين وللموصى له بالثلث ثلاثة فيقسم ذلك الثلث بينهما على مقدار حقهما فتكون الوصية على خمسة للموصى له بالثلث ثلاثة ولصاحب النصيب سهمان.
مسألة: قالها محمد رحمه الله في وصي الأم فيما تركت من الميراث ووصي الأخ والعم وبن العم وجميع من يورث من الصغار والكبار والغائب من الورثة بمنزلة وصي الأب ووصي الجد أب الأب إذا لم يكن له أب ولا وصي أب في الكبير الغائب فكل شيء جائز لوصي الأب على الوارث الكبير الغائب فهو جائز لوصي من ذكرناه وما لا فلا ومعنى هذا الكلام أن لوصي من سميناه حق الحفظ ومنع ما يخشى عليه التلف لأن ذلك من الحفظ وحفظ الدين أيسر من حفظ العين كما إذا أوصى الأب في حق الكبير الغائب ولأنه الحفظ وهذا لوجهين أحدهما: أن الحفظ من حق الميت ربما يظهر عليه دين يحتاج إلى قضائه من تركته والوصي قائم مقامه فيما هو من حقه والثاني: أن وصي الأم بمنزلة الأم وللأم ولاية الحفظ على ولدها الصغير في ماله كما أن لها ولاية حفظ نفسه فكذلك لوصي الأم ذلك.(28/196)
ولو أن وصي الأب باع رقيقا أو شيئا من الميراث على الكبير الغائب جاز بيعه فيما سوى العقار ولا يجوز في العقار فكذلك وصي الأم في حق الصغير ومن ذكرنا من الصغير والكبير الغائب ولا يتجر وصي الأب على الكبير الغائب لأن التجارة تصرف دون الحفظ وليس له سوى الحفظ في حق الكبير الغائب فكذلك وصي الأم في حق الصغير وكل شيء ورثه الكبير الغائب من غير ابنه فليس لوصي أبيه عليه سبيل لأن ثبوت حق الحفظ له في الموروث عن الأب لحق الأب وذلك لا يوجد فيما ورثه الكبير من غير الأب فكذلك وصي الأم وأما وصي الأب على الولد الصغير فأمره عليه جائز فيما باع واشترى في جميع ذلك لأنه قائم مقام الأب وللأب ولاية مطلقة في التصرف في مال ولده الصغير فيثبت تلك الولاية لوصية الذي هو قائم مقامه بعد موته والله أعلم بالصواب.(28/197)
ص -98- ... كتاب العين والدين
قال: الإمام الأجل الزاهد شمس الائمة رضي الله عنه وعن والديه أعلم أن جميع مسائل هذا الكتاب وترتيبها من عمل محمد بن الحسن رحمه الله فأما أصل التخريج والتفريع فمن صنعة الحسن بن زياد وقد كان له من البراعة في علم الحساب ما لم يكن لغيره من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ولكنه كان شكس الخلق فكان لا يؤلف معه لصغره وكان يخلو فيصنف ثم عثر محمد رحمه الله على تصنيفاته سرا فانتسخ من ذلك ما ظهر في بعض أبواب الجامع وأكثر كتب الحساب من تلك الجملة خصوصا هذا الكتاب وفيه من دقائق الفقه والحساب ما لم يوجد مثله في غيره ثم بدأ الكتاب بوصية الرجل بثلث ماله لأن محل الوصية الثلث شرعا قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم"الحديث وذكر الطحاوي في مشكل الآثار أن من الناس من أنكر صحة هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن في لفظ التصدق ما ينبئ عن التقرب فلا يستقيم أن يقال إن الله تعالى يتقرب إلى عباده قال وليس كما ظنوا ومراده صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى جعل لكم ثلث أموالكم لتكتسبوا به لأنفسكم في حال حاجتكم إلى ذلك ولفظ التصدق مستعار لهذا المعنى وهو كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: من الآية245] والإستقراض يكون للحاجة ولا يجوز أن يقال إن الله تعالى يحتاج إلى عباده فيستقرض منهم ولكن لفظ القرض على وجه المجاز والإستعارة مع أنه لا يبعد أن يقال إن الله تعالى يتقرب إلى عباده قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يأثره عن ربه: "لا أزال أتقرب إلى عبدي وهو يتباعد عني"وقال: "من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا"ثم نقول الموصى له بالثلث شريك الوارث في التركة ولهذا يزاد حقه بزيادة التركة وينتقص بنقصان التركة ولا يقدم تنفيذ الوصية له على تسليم الميراث إلى الوارث لوجهين أحدهما أن الإستحقاق ثبت له بمثل ما ثبت به الإستحقاق(28/198)
للوارث وهو السهم السابع المذكور ممن يملك الإيجاب له فالميراث للورثة مذكور في كتاب الله تعالى بذكر السهام والسدس والربع والثلث فالوصية بالثلث والربع والسدس تكون مثل ذلك والثاني أن الإيجاب في الإبتداء كان إلى الموصي للأقارب والأجانب جميعا ثم بين الله تعالى نصيب الأقارب في آية المواريث فبقي الإيجاب للأجانب في محل الوصية على ما كان إلى الموصى وهو بهذا الإيجاب يجعل الموصى خليفة نفسه فيما سمى له لأن الوارث خليفته شرعا.
ألا ترى: أن الوصية بثلث المال صحيحة فيمن لا مال له في الحال فعرفنا أنه أثبت له الخلافة ثم ملك المال من ثمرات تلك الخلافة ولهذا كان وجوبها بالموت بمنزلة الوراثة.
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا أوصى الرجل بثلث ماله لرجل وله ثلاثون دينارا قيمتها ثلاثمائة(28/199)
ص -99- ... درهم لا مال له غيرها كان له ثلث الدنانير أو ثلث الدراهم لأن ماله عند موته الجنسان وقد أوجب له الوصية بثلث ماله وليس صرف هذا الإيجاب إلى أحد الجنسين بأولى من الأخر فيستحق ثلث كل جنس وهو شريك الوارث فكما أن حق الوارث يثبت في ثلثي كل جنس فكذلك حق الموصى له في ثلث كل جنس فإن هلك منها عشرون دينارا بعد موت الموصي أو قبله كان للموصى له ثلث العشرة الباقية أو ثلث ثلاثمائة درهم لأن ما هلك قبل موت الموصي صار كأن لم يكن فإن وجوب الوصية بالموت وإنما يتناول ثلث ماله عند الموت وكذلك ما هلك بعد موت الموصي قبل القسمة لأن التركة بعد الموت قبل القسمة مبقاة على حكم ملك المورث ولهذا لو ظهر فيها زيادة يقضي من الزيادة دينه وتنفذ وصيته فكان الهالك بعد موته بمنزلة الهالك قبل موته وإنما يكون للموصى له ثلث المال يوم تقع القسمة والثاني أن المال بالموت صار مشتركا بين الوارث والموصى له والأصل في المال المشترك إذا توى منه شيء أن التاوي يكون من نصيب الشركاء بالحصة والباقي كذلك لأنه ليس بعضهم بإدخال الضرر عليه بالتوي بأولى من البعض الآخر وكذلك لو كان أوصى له بسدس ماله فإنما له سدس الباقي من الدنانير والدراهم.
ولو كان أوصى له بثلث الدنانير أو ثلث الدراهم ثم مات ولم يترك شيئا غيرها كان للموصى له ثلث كل جنس إلا أن في هذا الفصل يقدم تنفيذ وصيته على حق الورثة لأنه استحق عند الموت مالا يسمى فيكون هو في معنى الغريم في أنه تقدم حجته في محله على حق الوارث.(28/200)
ألا ترى: أنه لو كان له أموال سوى الدراهم والدنانير لم يكن للموصى له من ذلك شيء والدراهم والدنانير لو هلكت قبل موت الموصي أو بعده بطلت الوصية وإنه لا بد من تمام ملكه فيهما وقت الإيصاء لتصحيح الوصية فبهذا تبين أنه يستحق العين بهذا الإيجاب فلا يكون بينه وبين الوارث شركة بل يكون حقه مقدما على حق الوارث في العين الذي ثبت إستحقاقه له فيعطى له ثلث الدنانير وثلث الدراهم وما بقي بعد ذلك فهو للوارث فإن هلك عشرون دينارا قبل موته أو بعد موته فإن كان للميت سواهما مال فإن الموصى له يستحق الدنانير العشرة مع ثلث الدراهم إذا كان يخرج ثلث ذلك من ثلث ماله لأن حق الموصى له في هذين الجنسين مقدم على حق الوارث فكان حقه كالأصل وحق الوارث فيهما كالتبع والأصل أن المال الذي يشتمل على أصل وتبع إذا هلك منه نجعل الهالك من التابع دون الأصل كمال المضاربة إذا كان فيها ربح فعرفنا أن بهلاك بعض المال لا يقوم شيء من محل الوصية فيجب تنفيذ جميع وصيته مما بقي إذا وجد شرطه وهو كونه خارجا من ثلثه وإن لم يكن له مال سواهما فله ثلث ما بقي من المال نصفه فيما بقي من الدنانير ونصفه فيما بقي من الدراهم لأن بهلاك بعض الدنانير لم يبطل شيء من وصيته فقد تبقى من الدنانير مقدار ما أوصى له بمقداره وببقاء ذلك يبقي جميع وصيته فيها إلا أنه لا يجوز تنفيذ الوصية في أكثر من الثلث بدون إجازة الورثة وإنما يتقرر استحقاقه في ثلث الباقي من المال وذلك في المالين(28/201)
ص -100- ... على السواء فيكون نصف حقه من الدنانير ونصفه من الدراهم وبيان ذلك بأن تجعل ما بقي من الدنانير كأنه دراهم فيكون ماله أربعمائة للموصى له ثلث ذلك وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث نصف ذلك من الدراهم وذلك ستة وستون وثلثان ونصف ذلك من الدنانير وذلك ستة وثلثا دينار أو نجعل الدراهم دنانير فيكون الكل بمعنى أربعين دينارا والتخريج كما بينا بخلاف ما لو أوصى له بثلث ماله فإن هناك حقه مختلط بحق الوارث فبعد هلاك بعض المال إنما يبقى من وصيته في كل مال بقدر ما يبقى منه فلهذا كان له ثلث ما بقي من الدنانير وثلث الدراهم.
ولو كان أوصى له بسدس الدنانير وسدس الدراهم ثم هلك من الدنانير عشرون دينارا أخذ السدس كله من الباقي لأن جميع وصيته باق بعد هلاك بعض الدنانير وهو خارج من ثلث ما بقي من المال فإن جميع وصيته خمسة دنانير وخمسين درهما وقد بقي من المال ما يزاد ثلثه على هذا المقدار فيأخذ جميع وصيته.
ألا ترى: أنه لو ظهر في المالين زيادة لم يكن للموصى له إلا مقدار ما سمى له فكذلك إذا هلك بعض المال قلنا لا يبطل شيء من وصيته لكون حقه مقدما على حق الوارث في المحل الذي غير الوصية فيه.
ولو هلك من الدراهم أيضا مائتا درهم وقد كان أوصى له بسدس ماله فإنه يأخذ سدس المائة الباقية وسدس العشرة الدنانير لأن ما هلك صار كأن لم يكن فهو شريك الوارث في الباقي بسهم شائع سماه له الموصى فيأخذ ذلك السهم من المالين فإن كان أوصى له بسدس الدراهم وسدس الدنانير كان له من الدنانير الباقية ثلثها ومن الدراهم الباقية كذلك لأن جميع وصيته باق ببقاء ثلث كل نوع لأنه لا تنفذ له الوصية إلا في ثلث ما بقي من المال وثلثه بقدر ستة وستين وثلثين إذا جعلت العشرة دنانير بمعنى مائة درهم فيأخذ ذلك من المالين نصفين نصفه مما بقي من الدنانير وذلك ثلاثة وثلث ونصفه مما بقي من الدراهم وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث بل هذا مال له ثلث ما بقي من المالين.(28/202)
وإذا ترك الرجل ألف درهم ومائة شاة قيمتها ألف درهم وأوصى لرجل بسدس ماله فاستحق نصف القيمة أخذ الموصى له سدس الباقي من القيمة وسدس الدراهم لأن الموصى له شريك الوارث حكما إذا الهالك يكون من نصيب الشركاء بالحصص فكذلك المستحق إذا استحق تبين أنه لم يكن مالا له وإنما أوجب له الموصى سدس ماله وماله نصف القيمة وجميع الدراهم فيستحق سدس كل واحد منهما. وكذلك لو استحق نصف الدراهم أيضا.
وكذلك لو كان أوصى له بالثلث فإنه يأخذ ثلث ما بقي من كل مال باعتبار أن المستحق صار كأن لم يكن.
ولو كان أوصى بسدس الغنم وسدس الدراهم ثم استحق نصف المالين أخذ ثلث ما بقي(28/203)
ص -101- ... كله نصفه في الغنم ونصفه في الدراهم لأن حقه ها هنا مقدم على حق الوارث فقد أوجب الوصية له في عين فيتعين جميع وصيته باعتبار ما بقي من المالين وبالاستحقاق لا يبطل شيء من وصيته كما إذا هلك بعض المالين.
وزفر رحمه الله يقول في هذا الموضع للموصى له سدس ما بقي منهما لأن بالاستحقاق تبين أن المستحق لم يكن مملوكا له وصحت هذه الوصية باعتبار قيام ملكه وفيه الإيصاء فلا يستحق إلا سدس ما كان مملوكا فأما بالهلاك فلا يتبين أن الكل لم يكن مملوكا له وقت الإيصاء فاستحق هو سدس الجميع ثم تبقى وصيته ببقاء محلها وقد بينا هذه المسألة في الوصايا وأصلها فيما ذكر في الجامع الصغير إذا أوصى بثلث ثلاثة دراهم فاستحق منها درهمان فللموصى له جميع الدرهم الباقي إذا كان يخرج من ثلثه عندنا وعند زفر له ثلث الدرهم الباقي ولو كان هلك منها درهمان كان للموصى له جميع الدرهم الباقي بالاتفاق.
وكذلك لو كان مكان الغنم إبل أو بقر أو ثياب من صنف واحد أو شيء مما يكال أو يوزن فأما إذا ترك ألف درهم وثلاثة أعبد وأوصى لرجل بسدس إلا عبدا وسدس الدراهم أو أوصى له بسدس ماله ثم هلك عبد كان له في الوجهين سدس العبد الباقي وسدس الدراهم وكذلك الاستحقاق.
أما في الوصية بسدس المال فالجواب واضح وفي الوصية بسدس إلا عبد والدارهم قيل هذا الجواب قول أبي حنيفة فأما عند أبي يوسف ومحمد رحمهم الله فهذا وما سبق سواء ويكون له نصف العبد الباقي مع سدس الدراهم لأن عندهما الرقيق يقسم قسمة واحدة بمنزلة سائر الحيوانات من جنس واحد.(28/204)
ألا ترى: أنها تثبت في الذمة بمطلق التسمية في العقود المبنية على التوسع كسائر الحيوانات فكانت الوصية بسدس الرقيق كالوصية بسدس الغنم وسدس الإبل وعند أبي حنيفة الرقيق لا يقسم قسمة واحدة على وجه الجبر لأن المقصود بالقسمة الانتفاع فلا بد من المعادلة في المنفعة للإجبار على القسمة وذلك في العبيد متعذر لما فيها من التفاوت العظيم في المنفعة وذلك في العبد باعتبار التفاوت في المعاني الباطنة فتكون العبيد بمنزلة أجناس مختلفة.
ولو أوصي له بسدس ثلاثة أشياء من أجناس مختلفة كالإبل والبقر والغنم واستحق جنسان أو هلكا لم يكن له إلا سدس الباقي فكذلك إذا كان أوصي له بسدس إلا عبد الثلاثة فاستحق عبدان أو هلكا لم يأخذ إلا سدس العبد الباقي.
ألا ترى أنه لو بقي الكل له يستحق بتلك التسمية نصف العبد الباقي بطريق الإجبار على القسمة فكذلك بعد هلاك العبدين بخلاف صنف واحد مما توجد فيه القسمة بطريق الإجبار وقيل هذا الجواب قولهم جميعا كما أطلق في الكتاب لأن الرقيق عندهما وإن كان يقسم قسمة واحدة فقيل القسمة هنا بمنزلة الأجناس المختلفة.(28/205)
ص -102- ... ألا ترى أن مال المضاربة إذا كان ألف درهم فاشترى بها المضارب عبدين كل عبد يساوي ألفا لم يملك المضارب شيئا منهما ويجعل كل واحد منهما مشغولا برأس المال بمنزلة الجنسين بخلاف ما إذا اشترى بها مائة شاة تساوي ألفين فإن المضارب يملك حصته من الربح فذلك في حكم الوصية يفصل بين الموضعين.
ولو كان مكان العبيد دار فاستحق نصفها مقسوما أو غير مقسوم فهما سواء فإن كان أوصى له بسدس ماله فله سدس الباقي وإن أوصى له بسدس الدار وسدس الدراهم أخذ ثلث ما بقي من الدار وسدس الدراهم لأن الدار الواحدة تقسم قسمة واحدة واستحقاق نصفها لا يبطل شيئا من وصيته.
ألا ترى أنه لو لم يستحق منها شيء كان يأخذ ثلث نصفها بتلك التسمية عند القسمة فكذلك بعد استحقاق النصف ولم يذكر الهلاك في الدار لأن ذلك لا يتحقق فإن كان مكان الدار ثلاثة دور متفرقة أو مجتمعة إلا أن كل دار منها عليها حائط على حدة فأوصى له بسدس ماله أو بسدس الدور والدراهم فاستحق داران منها فله سدس الدراهم وسدس الدار الباقية في الوجهين أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأن الدور كالأجناس المختلفة من حيث أنها لا تقسم قسمة واحدة وإنما تقسم كل دار على حدة وكذلك عندهما لأنهما لا يطلقان القول في الدور أنها تقسم قسمة واحدة ولكنهما يقولان إن رأى الإمام النظر في قسمة الدور له أن يفعل ذلك قبل أن يرى النظر في حكم أجناس مختلفة فلذلك قلنا لا يكون للموصى له إلا سدس الباقي.
ولو أوصى لرجل بسدس ماله وقد ترك ألف درهم وثلاثة أثواب أحدها هروى والآخر مروى والآخر قوصي فهلك ثوبان منها فله سدس الباقي وكذلك لو كان أوصى له بسدس الثياب وسدس الدراهم لأن الثياب أجناس مختلفة ها هنا.(28/206)
ألا ترى أن مطلق التسمية لا يثبت دينا في الذمة في شيء من العقود والأجناس المختلفة لا تقسم قسمة واحدة وإنما استحق الموصى له سدس كل ثوب بما أوجب له الموصي فبعد هلاك الثوبين لا يستحق من الثوب الباقي إلا سدسه ولو هلك نصف الدراهم أيضا فإن كان أوصى له بسدس ماله فله سدس الباقي
وإن كان أوصى له بسدس الدراهم وسدس الثياب كان له سدس الباقي وثلث الدراهم الباقية لأن في الدراهم وصيته تبقى ببقاء ما بقي منها وقد كان أوصى له منها بسدس وذلك ثلث الدراهم الباقية فيأخذها كلها وهو ما استحق من الثوب الباقي إلا سدسه بما أوجب له الموصي فلهذا لا يأخذ من الثوب الباقي إلا سدسه.
وإذا ترك ثلاثمائة درهم وعدلا زطيا يساوى ثلاثمائة وقد أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث العدل وثلث الدراهم فإن الموصي يقتسمان الثلث بينهما نصفين لاستواء حقيهما فإن ثلث العدل وثلث الدراهم ثلث جميع المال إذ لا مال له سوى هذين النوعين فيكون الثلث بين الموصى لهما نصفين نصف ذلك يأخذه الموصى له بثلث العدل وثلث الدراهم من(28/207)
ص -103- ... المالين أولا لأن الموصى له بالثلث شريك الوارث فكما أن حق الموصى له بمال معين مقدم على حق الوارث في التنفيذ في محله فكذلك هو مقدم على حق الموصى له بثلث المال فإذا أخذ هو سدس العدل وسدس الدراهم خرج من البين ثم يقسم ما بقي بين الموصى له بثلث المال وبين الورثة أخماسا لأن الموصى له يضرب في الباقي بسهم والورثة بحقهم وهو أربعة أسهم فإن ضاع نصف الدراهم قبل موت الموصى أو بعده اقتسما ثلث ما بقي يضرب فيه صاحب ثلث المال بثلاثة أسهم والآخر بأربعة أسهم في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن بما هلك من الدراهم يبطل من وصية الموصى له بثلث المال بعض وصيته ولا يبطل من وصية الموصى له بثلث العين شيء وقد بقى من العين مقدار ما أوصى له به وزيادة فإذا حق الموصى له بثلث المال في ثلث المال يوم تقع القسمة وذلك مائة وخمسون والموصى له بثلث العين في المائتين مائة فما بقي من الدراهم ومائة ثلث العدل فيجعل كل خمسين سهما فيكون حقه أربعة أسهم وحق الموصى له بثلث المال ثلاثة أسهم والثلث بينهما على سبعة والثلثان أربعة عشر فيكون جملته أحدا وعشرين للموصى له بثلث العين من ذلك أربعة أسهم يأخذه مقدما من المالين نصفين لأن حقه فيهما سواء ثم يقسم ما بقي من المالين بين الوارث وبين الموصى له بثلث المال على سبعة عشر سهما يضرب الوارث في ذلك بجميع حقه أربعة عشر والموصى له بالثلث في ثلاث فأما في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فالثلث بينهما نصفان لأن من أصله أن الموصى له بالعين تبطل وصيته فيما زاد على الثلث ضربا واستحقاقا عند عدم إجازة الوراثة فإنما يضرب هو في الثلث بثلث ما بقي من العين وذلك مائة وخمسون وكذلك الموصى له بثلث المال ولهذا كان الثلث بينهما نصفين.(28/208)
قال: "وإذا ترك الرجل ثلاثمائة درهم وجراب هروي يساوي ستمائة درهم وأوصى لأحد رجلين بثلث ماله وللآخر بسدس الجراب وثلث الدراهم فإن الموصى له بثلث المال يضرب في الثلث بثلاثة أسهم ويضرب الموصى له الآخر بسهمين فما أصاب الموصى له بسدس الجراب وثلث الدراهم كان له نصف ذلك في الجراب ونصفه في الدراهم"لأن وصيته بقدر مائتي درهم سدس الجراب وثلث الدراهم ووصية الآخر بثلث جميع المال وذلك ثلاثمائة فإذا جعلت كل مائة سهما كان حق الموصى له بثلث المال في ثلاثة أسهم وحق الآخر في سهمين فيكون الثلث بينهما على خمسة والثلثان عشرة حق الورثة فيكون الجملة على خمسة عشر سهمان من ذلك حق الموصى له بالعين بأحدهما أولا من المالين نصفين لأن حقه في المالين على السواء ثم يقسم ما بقي بين الموصى له بالثلث وبين الورثة يضرب فيه الورثة بعشرة والموصى له بالثلث بالثلاثة فتكون القسمة بينهما على ثلاثة عشر سهما فإن لم يقتسموا شيئا حتى هلك نصف الجراب لم يبطل شيء من وصية الموصى له بالعين فهو يضرب في الثلث بثمانين والموصى له بثلث المال فكذلك يضرب بثمانين وهو ثلث المال حتى تقع القسمة فلهذا كان الثلث بينهما نصفين نصف الثلث للموصى له بالعين يأخذ ذلك من المالين نصفين(28/209)
ص -104- ... ثم يقسم الباقي بين الورثة والموصى له بالثلث على خمسة أسهم فإن ضاع كأن ضاع من الدراهم ولم يضع من الجراب شيء ضرب الموصى له بالعين في الثلث بأربعة أسهم وضرب الآخر فيه بخمسة لأن وصيته باقية كلها فهو يضرب بثمانين والموصى له بالثلث إنما يضرب بثلث الباقي من المال والباقي سبعمائة وخمسون والجراب ونصف الدراهم فثلث ذلك مائتان وخمسون إذا جعلت كل خمسين سهما يكون له خمسة وللآخر أربعة فكان الثلث بينهما على تسعة وجملة المال على سبعة وعشرين للموصى له بالعين من ذلك أربعة أسهم يأخذها أولا من المالين نصفين ثم يقسم ما بقي من المال بين الورثة والموصى له بالثلث على ثلاثة وعشرين سهما لأن الورثة يضربون بجميع حقهم وذلك ثمانية عشر سهما والموصى له بخمسة.(28/210)
قال: "ولو ترك ثلاثمائة درهم وسيفا يساوي مائة درهم وأوصى لرجل بربع ماله وأوصى لآخر بسدس السيف وثلث الدراهم فالثلث بينهما على خمسة أسهم للموصى له بالعين سهمان وللموصى له بالربع ثلاثة أسهم"لأن جملة المال أربعمائة فوصية الموصى له بالربع مائة درهم ووصية الآخر بسدس السيف وذلك ستة عشر وثلثان وسدس الدراهم وذلك خمسون درهما فيكون ذلك ستة وستين فإذا جعلت تفاوت ما بين الأول والأكثر وهو ثلاثة وثلاثون وثلث بينهما يكون للموصى له بالعين سهما فلذا كان الثلث بينهما على خمسة وجملة المال على خمسون عشر للموصى له بالعين من ذلك سهمان ربع ذلك في السيف وثلاثة أرباعه في الدراهم بحسب وصيته في كل المال ثم الباقي بين الورثة والموصى له بالربع على ثلاثة عشر سهما لأن كل واحد منهما يضرب في الباقي بجميع حقه فإن لم يقتسموا حتى ضاع مائة درهم كان الثلث بين صاحبي الوصية على سبعة عشر سهما لأن هلاك بعض الدراهم لا يبطل من وصية الموصى له بالعين شيئا فهو يضرب في الثلث بستة وثلاثين والموصى له بالربع إنما يضرب بربع ما بقي وذلك خمسة وسبعون درهما فاجعل تفاوت ما بين الأقل والأكثر وذلك ثمانية وثلث بينهما فيكون حق الموصى له بالعين ثمانية أسهم وحق الموصى له بالربع تسعة وإن شئت قلت قد انكسرت المائة بالأثلاث والأرباع فتجعل المائة على اثنى عشر سهما للموصى له بالعين ثلثا ذلك ثمانية أسهم وللموصى له بربع المال ثلاثة أرباع ذلك تسعة فإذا جمعت بينهما كان تسعة عشر سهما وهو الثلث وجملة المال أحد وخمسون سهما للموصى له بالعين منها ثمانية أسهم ربع ذلك في السيف وثلاثة أرباعه فيما بقي من الدراهم والباقي مقسوم بين الموصى له بالربع وبين الورثة على ثلاثة وأربعين سهما لأن الورثة يضربون بجميع حقهم وذلك أربعة وثلاثون والموصى له بالربع يضرب بتسعة فإن هلك من الدراهم مائة أخرى قبل القسمة فالثلث بين الموصى لهما على سبعة أسهم لأن الموصى له بالعين(28/211)
يضرب بستة وستين وثلثين على حاله والآخر إنما يضرب بربع الباقي وذلك خمسون فإذا جعلت تفاوت ما بين الأول والآخر إنما يضرب والأكثر وذلك ستة عشر وثلثان(28/212)
ص -105- ... للموصى له بالربع ثلاثة وللآخر أربعة فلهذا كان الثلث بينهما على سبعة وجملة المال أحد وعشرون للموصى له بالعين أربعة ربع ذلك في السيف وثلاثة أرباعه فيما بقي من الدراهم والباقي مقسوم بين الآخر والورثة على سبعة عشر سهما لأن الوارث يضرب في الباقي بأربعة عشر والموصى له بالربع بثلاثة.
وإذا ترك عبدا يساوى ألف درهم وترك ألفي درهم سواه فأوصى بالعبد لرجل وبثلث ماله لآخر فالثلث بينهما نصفان لأن من أصل أبي حنيفة رحمه الله أن القسمة في العبد بينهما على طريق المنازعة فيكون على ستة أيضا خمسة للموصى له بالعبد وسهم للآخر وكل ألف من الألفين يكون على ستة أيضا فللموصى له بالثلث ثلث ذلك أربعة فحصل لكل واحد منهما خمسة فلهذا كان الثلث بينهما نصفين(28/213)
وعندهما يقسم العبد على طريق العول أرباعا للموصى له بالعبد ثلاثة وللموصى له بالثلث سهم من العبد ثم يجعل كل ألف على ثلاثة باعتبار الأصل إذ ليس فيها عول فيكون للموصى له بالثلث سهمان من الألفين وسهم من العبد فله ثلاثة أيضا فلهذا كان الثلث بينهما نصفين فقد اتفق الجواب مع اختلاف التخريج وقد تقدم بيان هذا في الوصايا فإن لم يقتسموا حتى هلك ألف درهم فالثلث بينهما في قول أبي حنيفة على سبعة أسهم لأن العبد صار على ستة والألف الباقية كذلك على ستة للموصى له بالثلث منها سهمان وله من العبد سهم فهو يضرب في الثلث بثلاثة والموصى له بالعبد بأربعة لأن حقه وإن كان في خمسة إلا أنه إنما يضرب بقدر الثلث وثلث الباقي أربعة فوصيته فيما زاد على أربعة تبطل ضربا واستحقاقا كما هو أصل أبي حنيفة رحمه الله فلهذا يضرب هو بأربعة أسهم والثلث بينهما على سبعة وجملة المال أحد وعشرون للموصى له من ذلك أربعة أسهم كله في العبد فيأخذه وما بقي من العبد يضم إلى الألف الباقية فيقسم بين الورثة وصاحب الثلث على سبعة عشر سهما يضرب الوارث بأربعة عشر والموصى له بالثلث بثلاثة وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فالثلث بينهما على خمسة لأن العبد يصير على أربعة أسهم باعتبار الأصل للموصى له بالثلث سهم ثم الألف الباقية تكون على ثلاثة أسهم باعتبار الأصل للموصى له بالثلث سهم فكان حقه في سهمين وحق الآخر في ثلاثة فلهذا كان الثلث بينهما على خمسة وجملة المال على خمسة عشر للموصى له بالعبد ثلاثة أسهم كله في العبد ثم يقسم ما بقي بين الورثة والموصى له بالثلث على اثنى عشر سهما للموصى له بالثلث سهمان وذلك سدس ما بقي في الحاصل يأخذه من المالين وخمسة أسداس ما بقي للورثة.(28/214)
وإذا ترك عبدا يساوى ألف درهم وترك ألف درهم فأوصى بعتق العبد وأوصى لرجل بثلث الألف فالثلث بينهما يقسم أخماسا للعبد ثلاثة أخماسه بعتق منه ذلك ويسعى فيما بقي لأن الوصية بالعتق غير مقدمة على الوصية الأخرى إنما ذلك في العتق المنفذ باعتبار أنه لا يحتمل الرجوع عنه فأما الوصية بالعتق في احتمال الرجوع عنه كغيره فيضرب العبد في الثلث(28/215)
ص -106- ... بقيمته وهو ألف درهم والآخر بثلث الألفين فيكون التفاوت ما بين الأقل والأكثر وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث سهم فيكون للعبد ثلاثة أسهم وللموصى له بثلث الألف سهمان فإذا صار الثلث بينهما على خمسة كان جميع المال على خمسة عشر والمال ثلاثة ألف فكل آلاف على خمسة ثم يسلم للعبد ثلاثة أخماس رقبته وذلك ستمائة ويسعى للورثة في أربعمائة ويأخذ الموصى له بثلث الألفين خمسي الألف وذلك أربعمائة فيبقى للورثة من الألفين ألف وستمائة وقد استوفوا من العبد أربعمائة فيسلم لهم ألفان وقد نفذنا الوصية في ألف هذا إن أدى العبد السعاية وإن كان مفلسا لا يقدر على أداء ما عليه قسمت الألفان بين الموصى له بثلث الألفين وبين الورثة على ستة لأن ما في ذمة العبد تاو فيعول هو بوصيته ويبقى حق الموصى له بثلث الألفين في أربعمائة وحق الورثة في ألفين فيجعل كل أربعمائة بينهما فيكون حق الورثة خمسة أسهم وحق الموصى له سهما فيأخذ سدس الألفين وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وتبين أن السالم للعبد من رقبته مثل هذا ومثل نصفه وذلك خمسمائة فالمتعين من المال ألفان وخمسمائة وقد نفذنا الوصية لهما في ثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث وسلم للورثة ضعف ذلك ألف وستمائة وستة وستون وثلثان فاستقام التخريج إلى أن يؤدي العبد السعاية فإذا قدر على ذلك أمسك مقدار وصيته وذلك ستمائة فأدى أربعمائة فيأخذ الموصى له بثلث الألفين من ذلك ستة وستين وثلثين حتى يتم له أربعمائة كمال حقه وتأخذ الورثة ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا حتى يسلم كمال الألفين وفي الكتاب يقول ما خرج من السعاية أخذ الموصى له من الورثة مثل سدس الخارج وهذا موافق لما بينا إذا تأملت.(28/216)
وإذا ترك عبدا يساوي ألف درهم وأوصى بعتقه وترك أيضا ألف درهم وأوصى لرجل بثلث ماله وللآخر بسدس الألفين بعينهما فالثلث بينهما على أحد عشر سهما لأن وصية العبد بقيمته وهي ألف فيضرب في الثلث بجميعها وإن كانت أكثر من الثلث لأنه وصية بالبراءة عن السعاية فيكون بمنزلة الوصية بالألف المرسلة يستحق الضرب بجميعها وإن جاوزت الثلث وصاحب ثلث المال وصيته ستمائة وستة وستون وثلثان وصاحب ثلث الألف وصيته مائة وستة وستون وثلثان فيجعل هذا سهما فيكون حقه في سهم واحد وحق صاحب الثلث في أربعة أسهم وحق العبد في ستة أسهم فإذا جمعت بين هذه السهام كانت أحد عشر وهو الثلث والجملة ثلاثة وثلاثون للعبد من ذلك ستة عشر ونصف يسلم له من ذلك ستة ويسعى في عشرة ونصف والموصى له بسدس الألف يأخذ سهما من ستة عشر ونصف من الألف ويجمع ما بقي فيقسم بين الموصى له بثلث المال وبين الورثة على ستة وعشرين سهما للورثة من ذلك اثنان وعشرون وللموصى له بالثلث أربعة هذا إذا أدى العبد ما عليه من السعاية فإن لم يقتسموا حتى ضاع نصف الدراهم واستحق نصف العبد قسمت الثلث على ستة أسهم لأن وصية العبد ترجع إلى نصف رقبته وذلك ثلاثة ووصية صاحب الثلث ترجع إلى سهمين لأن ثلث المال ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ولم ينتقص من وصية صاحب السدس الألف شيء(28/217)
ص -107- ... فيكون الثلث بينهم على ستة والمال ثمانية عشر نصف العبد الباقي تسعة يسلم من ذلك ثلاثة وهو ثلث النصف ويسعى في ثلثي النصف ويأخذ الموصى له بسدس الألف من الخمسمائة إلى السعاية فيكون مقسوما بين الورثة والموصى له بالثلث على أربعة عشر سهما للورثة من ذلك اثنا عشر وللموصى له سهمان على قدر سبعة للموصى له بالثلث سبع ذلك ولا فرق بين سهم من سبعة وبين سهمين من أربعة عشر.
وقال محمد في جميع هذه المسائل: إذا أوصى لرجل بشيء بعينه ولآخر بثلث ماله مرسلا قسم الثلث على وصاياهما فيأخذ الموصى له بشيء بعينه حصته من الثلث فيما أوصى له ثم يعطي صاحب الثلث من الذي أوصى به بعينه للرجل مثل ثلث ما أخذ ذلك الرجل وما بقي من حصته جعل فيما بقي من المال لأن وصيته شائعة في المالين جميعا فيجب تنفيذها من كل مال بحصته والله أعلم بالصواب.
باب الوصية بأكثر من الثلث
قال رحمه الله: "وإذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بجميع ماله فأجاز ذلك الورثة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يقسم المال بينهما على طريق المنازعة"وبيان ذلك أنه لا منازعة لصاحب الثلث فيما زاد على الثلث فيسلم ذلك لصاحب الجميع وهو ثلثا المال فقد استوت منازعتهما في الثلث فيكون بينهما نصفين فحصل لصاحب الجميع خمسة أسداس المال ولصاحب سدس الثلث المال قال الحسن رحمه الله وهذا خطأ بل على قول أبي حنيفة يقسم المال بينهم أرباعا بطريق المنازعة.(28/218)
وبيان ذلك: أنه يبدأ بقسمة الثلث فإن حقهما فيه على السواء فيكون بينهما نصفين ثم يأتي إلى الثلثين فيقول كان لصاحب الثلث سهمان من ستة ووصل إليه سهم فإنما بقي من حقه سهم واحد فلا منازعة فيه له فيما زاد على سهم واحد من الثلثين وذلك ثلاثة فيسلم ذلك لصاحب الجميع ويبقى سهم استوت منازعتهما فيه فيكون بينهما نصفان فحصل لصاحب الثلث سهم ونصف من ذلك وذلك الربع وحصل لصاحب الجميع أربعة ونصف وذلك ثلاثة أرباع المال وتخريج الحسن رحمه الله أصح فإن على ما ذكره محمد رحمه الله يؤدي إلى أن لا ينتفع صاحب الثلث بالإجازة أصلا لأنه لو لم تجز الوصية لهما كان الثلث بينهما نصفين ثم يأخذ صاحب الثلث سدسا آخر من الورثة بالإجازة ليسلم له كمال حقه فكذلك عند الاجتماع ينبغي أن ينتفع كل واحد منهما بالإجازة وذلك فيما قلنا.
وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة على طريق العول فيضرب صاحب الجميع بثلاث وصاحب الثلث بسهم فيكون المال بينهم أرباعا وإن لم تجز الورثة ذلك فعندهما يقسم الثلث بينهما أرباعا وعند أبي حنيفة رحمه الله نصفين لأن وصية صاحب الجميع فيما زاد على الثلث تبطل ضربا واستحقاقا.
قال: "ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلثي ماله ولآخر بجميع ماله فأجازوا ففي(28/219)
ص -108- ... قياس قول أبي حنيفة على ما ذكره محمد رحمه الله ما زاد على الثلثين لا منازعة فيه لصاحب الثلثين ولا لصاحب الثلث فيسلم لصاحب الجميع ثم ما زاد على الثلث إلى تمام الثلاثين لا منازعة لصاحب الثلث وصاحب الجميع وصاحب الثلثين يدعيانه فيكون بينهما نصفين وقد استوت منازعتهم في الثلث فيكون بينهم أثلاثا يحتاج إلى حساب له ثلث ينقسم أثلاثا وينقسم نصفين وذلك ثمانية عشر يسلم لصاحب الجميع مرة ستة ومرة ثلاثة ومرة سهمين فذلك أحد عشر ولصاحب الثلثين مرة ثلاثة ومرة سهمين فذلك خمسة عشر ولصاحب الثلث سهمين".
وأما على تخريج الحسن فيقول يقسم الثلث أولا بينهم أثلاثا بالتسوية فيكون المال من تسعة ثم حق صاحب الثلثين في تسعة وصل إليه سهم يبقى له خمسة فما زاد على خمسة من الثلثين وهو سهم واحد لا منازعة فيه لصاحب الثلثين فيأخذه صاحب الجميع وحق صاحب الثلث كان في ثلاثة وصل إليه سهم بقي له سهمان فما زاد على السهمين إلى تمام خمسة وذلك ثلاثة لا منازعة فيها فيكون بين الأخوين نصفين وقد استوت منازعتهم في سهمين فيكون بينهم أثلاثا فقد انكسر بالأثلاث والأنصاف فتضرب ثلاثة في اثنين فيكون ستة ثم ستة في تسعة أصل المال فيكون أربعة وخمسين منه تصح المسألة.
وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة على طريق العول يضرب فيه صاحب الجميع بثلاثة وصاحب الثلثين بسهمين والثلث بسهم فيكون على ستة أسهم وإن لم تجز الورثة فالثلث بينهما كذلك عندهما يقسم على ستة وعند أبي حنيفة رحمه الله يقسم الثلث بينهما أثلاثا.(28/220)
قال: "ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بنصفه فأجازوا فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يأخذ صاحبا النصف كل واحد منهما سدس المال"لأنه لا منازعة لصاحب الثلث معهما فيما زاد على الثلث وكل واحد منهما يدعى الزيادة إلى تمام النصف وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما ذلك القدر ثلاثة استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أثلاثا فحصل لصاحب الثلث تسعة ولكل واحد من الآخرين ثلاثة أتساع ونصف تسع وإن لم تجز الورثة فالثلث بينهم أثلاثا وعند أبي حنيفة هما ان أجازت الورثة فجميعه مقسوم بينهما على ثمانية بطريق العول يضرب فيه صاحب النصف كل واحد منهما بثلاثة وصاحب الثلث بسهمين وإن لم يجيزوا فالثلث بينهم على ثمانية فلو أوصى بثلث ماله وبنصف ماله وبثلثي ماله وبخمسة أسداس ماله فأجازوا أما قياس قول أبي حنيفة على ما ذكره محمد رحمه الله فإنما زاد على ثلثي المال إلى خمسة أسداس لا يدعيه أحد منهم إلا صاحب خمسة أسداس فيأخذ ذلك بلا منازعة وهو سدس المال ثم زاد على النصف إلى الثلثين لا يدعيه إلا صاحب الثلثين وصاحب خمسة أسداس وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سدسا آخر ثم ما زاد على الثلث إلى تمام النصف وذلك سدس واحد لا يدعيه صاحب الثلث ويدعيه الباقون فيكون بينهم(28/221)
ص -109- ... أثلاثا والثلث الباقي استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أرباعا فقد انكسر بالأثلاث والأرباع فاضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثنى عشر ثم اثنى عشر في ستة فيكون اثنين وسبعين فصاحب خمسة أسداس يأخذ مرة اثني عشر ومرة أربعة فذلك ثمانية وعشرون ومرة ستة فذلك أربعة وثلاثون وصاحب الثلثين أخذ مرة اثنى عشر ومرة أربعة ومرة ستة فذلك اثنان وعشرون وصاحب النصف أخذ مرة أربعة ومرة ستة فذلك عشرة وصاحب الثلث ما أخذ إلا ستة فتكون القسمة بينهم على هذا.(28/222)
وعلى تخريج الحسن: يقسم الثلث أولا بينهم أرباعا بالسوية فيكون من اثنى عشر ثم صاحب خمسة أسداس حقه في عشرة وصاحب الثلث حقه في ثمانية ويأخذ كل واحد منهما سهما فما زاد على سبعة إلى ثمانية وهو سهم واحد يأخذه صاحب خمسة أسداس بلا منازعة وصاحب النصف حقه في ستة وصل إليه واحد بقي له خمسة فما زاد على ذلك إلى تمام سبعة وذلك سهمان هو لا ينازع فيه وكل واحد من الآخرين يدعيه فيكون بينهما نصفين وما زاد على ثلاثة إلى تمام خمسة وذلك سهمان لا يدعيه صاحب الثلث فيكون بين الثلاثة أثلاثا والباقي وهو ثلاثة استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أرباعا وقد انكسر بالأثلاث والأرباع فاضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثنى عشر ثم اثني عشر في اثني عشر فيكون مائة وأربعة وأربعين منه تصح المسألة وإن لم تجز الورثة فالثلث بينهم أرباعا كما بينا فإن كان أوصى مع هذا أيضا بجميع ماله فعلى تخريج محمد نقول ما زاد على خمسة أسداس لا يدعيه أحد سوى صاحب الجميع فيأخذه بلا منازعة وفيما زاد على الثلثين إلى خمسة أسداس لا منازعة لصاحب الثلثين فيكون بين صاحب خمسة أسداس وصاحب الجميع نصفين وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين وذلك سدس آخر لا يدعيه صاحب النصف فيكون بين الثلثين وصاحب خمسة أسداس وصاحب الجميع أثلاثا وما زاد على الثلث إلى تمام النصف وهو سدس آخر بينهم وبين صاحب النصف أرباعا وقد استوت منازعتهم في الثلث فيكون بينهم أخماسا فقد انكسر بالأخماس والأثلاث والأنصاف فالسبيل أن تضرب هذه المخارج بعضها في بعض إلا أن الأربعة تجزي عن اثنين فيضرب خمسة في أربعة فتكون عشرين ثم في ثلاثة فتكون ستين ثم يضرب أصل الفريضة وهو ستة في ستين فيكون ثلاثمائة وستين منه يصح التخريج في قول أبي حنيفة.(28/223)
وعلى تخريج الحسن: الثلث يقسم بينهم أخماسا أولا فيكون المال من خمسة عشر ثم صاحب خمسة أسداس حقه في اثني عشر ونصف وصل إليه سهم بقي له أحد عشر ونصف وقد انكسر بالأنصاف فاضعفه فيكون المال من ثلاثين وصل إلى كل واحد منهم سهمان وحق صاحب الثلثين في عشرين وصل إليه سهمان بقي له ثمانية عشر فما زاد على ذلك إلى عشرين وذلك سهمان بين صاحب الجميع والخمسة أسداس نصفين ثم ما زاد على ثلاثة عشر إلى ثمانية عشر وذلك خمسة بينهما وبين صاحب الثلثين أثلاثا ثم ما زاد على ثمانية إلى ثلاثة عشر وذلك خمسة بينهم وبين صاحب النصف أرباعا ثم الباقي وهو ثمانية بينهم أخماسا.(28/224)
ص -110- ... وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى القسمة عولية عند الإجازة في جميع المال فيكون على عشرين سهما لأن صاحب الجميع يضرب بستة وصاحب خمسة الأسداس بخمسة وصاحب الثلثين بأربعة وصاحب النصف بثلاثة وصاحب الثلث بسهمين وعند عدم الإجازة يكون الثلث بينهم على عشرين سهما.
قال: "ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع ماله ولآخر بسدس ماله فأجازت الورثة الوصية أخذ كل واحد منهم وصيته كاملة"لأن المال وفي بما أوجبه لكل واحد منهم وزيادة وإن لم يجيزوا ضرب كل واحد منهم في الثلث بوصيته فتكون القسمة بينهم على طريق العول بالاتفاق لأن الوصايا كلها وقعت في الثلث واستوت في القوة فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه فإن كان أوصى مع هذا بجميع ماله وبنصف ماله وأجازت الورثة فإن أبا يوسف رحمه الله ذكر أن قياس قول أبي حنيفة رحمه الله في ذلك أن لصاحب الجميع نصف المال وسدس المال بينه وبين صاحب الثلث أثلاثا ونصف سدس بينهم وبين صاحب الربع أرباعا والباقي بينهم وبين صاحب السدس أخماسا"قال""لأنه لا بد من اعتبار القسمة بطريق المنازعة فبعض الوصايا قد جاوزت الثلث وإذا وجب باعتبار القسمة بطريق المنازعة سقط اعتبار القسمة بطريق العول"لأن بينهما تضادا عند القسمة بطريق المنازعة فيكون التخريج ما قال أن كل جزء فرغ من منازعة بعضهم فيدعى ذلك بعضهم فيقسم ذلك بين الذين يدعونه بالسوية.(28/225)
قال محمد رحمه الله: وليس هذا بقياس قول أبي حنيفة في الوصايا التي لم تجاوز الثلث أن كل إنسان يضرب في الثلث بوصيته ولا نجعل لبعضهم شيئا دون بعض ولكن قياس قول أبي حنيفة أن كل شيء زاد على الثلث فكان إلى الورثة إجازته ورده فإنه يقسم على ما وصفه أبو يوسف وأما الثلث الذي ليس إلى الورثة إجازته ولا رده فإنه يقسم على الوجه الذي كان يقسم عليه لو لم يجز الورثة وقد وجد ها هنا محل القسمة بطريق العول ومحل القسمة بطريق المنازعة فلا بد من اعتبارهما جميعا فيكون القول في هذه المسألة أن النصف لصاحب الجميع خالصا والسدس بينه وبين صاحب النصف نصفان ثم يبقى الثلث الذي لا إجازة فيه للورثة فهو بين أصحاب الوصايا كلهم يقتسمونه كما كانوا يقتسمونه لو لم يجز الورثة يضرب فيه صاحب الجميع وصاحب النصف وصاحب الثلث كل واحد منهم بالثلث وذلك أربعة من اثنى عشر وصاحب الربع بثلاث وصاحب السدس بسهمين فإذا جمعت بين هذه السهام بلغت سبعة عشر وإذا صار سهام الثلث سبعة عشر فسهام جميع المال أحد وخمسون ثم إذا أخذ الموصى له بالجميع نصف ذلك خمسة وعشرين ونصفا فقد انكسر بالانصاف فاضعفه فيكون سهام المال مائة واثنين منه تصح المسألة.
قال: "ولو كان قوله على التفصيل الأول الذي قاله أبو يوسف لكانت الإجازة ببعض وصية بعضهم ومعلوم أنه ليس للوارث على الموصى له هذه الولاية أن ينقص نصيبه(28/226)
ص -111- ... بالإجازة"وبيان ذلك فيما إذا أوصى لرجل بجميع ماله ولا آخر بسدس ماله فأجازوا ففي قياس القول الأول لصاحب الجميع ثلث المال وسدسه بينه وبين صاحب الثلث نصفين والثلث الباقي بينهما وبين صاحب السدس أثلاثا فنصيب صاحب السدس عند الإجازة ثلث سدس وهو سهم من ثمانية عشر وإن لم يجيزوا كان له خمس الثلث لأنه يضرب في الثلث بالسدس بسهم ويضرب الآخران كل واحد منهما بالثلث سهمين فيكون الثلث بينهم خمسة وسهام المال خمسة عشر فعند عدم الإجازة يسلم له سهم من ثمانية عشر فينتقص حقه بالإجازة وهذا لا يستقيم فعرفنا أن الطريق ما قلنا وهو أن صاحب الجميع يأخذ ثلثي المال ثم يقسم الثلث بينهم على طريق العول فيكون أخماسا.(28/227)
قال الحسن رحمه الله: وهذا الذي قاله محمد غير صحيح أيضا فإن على ما ذهب إليه يؤدي إلى أن لا ينتفع صاحب السدس وصاحب الثلث بالإجازة أصلا بل يسلم لكل واحد منهما عند وجود الأجازة ما يسلم له عند عدم الإجازة ومعلوم أن كل واحد منهما ينتفع إذا انفرد به فكذلك عند الجميع ينبغي أن ينتفع كل واحد منهم بالإجازة وإنما يتحقق ذلك على ما ذهبت إليه من البداءة بقسم الثلث وهذا لأن القسمة بطريق العول تكون عن موافقة فهذا أقوى من القسم بطريق المنازعة وإنما يبدأ بالأقوى فيقسم الثلث بينهم في المسألة المذكورة آخرا على خمسة ويكون المال على خمسة عشر ثم صاحب الثلث كان حقه في خمسة وصل إليه سهمان بقي له ثلاثة فما زاد على ثلاثة وهو سبعة وهو لا يدعيه فيسلم لصاحب الجميع وصاحب السدس كان حقه في سهمين ونصف وصل إليه سهم بقي له سهم ونصف فما زاد على سهم ونصف إلى تمام ثلاثة يكون بين صاحب الجميع وصاحب الثلث نصفين يبقى سهم ونصف استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أثلاثا فحصل لصاحب السدس عند الإجازة سهم ونصف وعند عدم الإجازة كان لا يسلم له إلا سهم واحد فقد انتفع بالإجازة وحصل لصاحب الثلث مرة سهمان ومرة ثلاثة أرباع سهم ومرة نصف سهم فيكون ثلاثة وربع وعند عدم الإجازة ما كان يسلم إلا سهمان فقد انتفع بالإجازة وسلم له بها سهم وربع فعرفت أن الصحيح من الطريق ما ذهب إليه الحسن ثم تخريج المسألة الأصلية على تخريج الحسن أن يبدأ بثلث المال فيضرب فيه صاحب النصف والثلث والجميع كل واحد منهم بالثلث وهو أربعة ويضرب فيه صاحب الربع بثلاثة وصاحب السدس بسهمين فيكون بينهم على سبعة عشر وإذا صار الثلث على ستة عشر كان جميع المال أحدا وخمسين فإذا اقتسموا الثلث على سبعة عشر فتقول صاحب الثلث كان حقه في خمسة وعشرين ونصف وصل إليه أربعة بقى حقه في أحد وعشرين ونصف ما زاد على ذلك إلى تمام ثلثي المال وذلك اثنا عشر ونصف يسلم لصاحب الجميع بلا منازعة وصاحب(28/228)
الثلث كان حقه في سبعة عشر وصل إليه أربعة بقي له ثلاثة عشر فما زاد على ذلك إلى أحد وعشرين ونصف وذلك ثمانية ونصف بين صاحب الجميع وصاحب النصف نصفان لكل واحد منهما أربعة وربع وصاحب الربع كان(28/229)
ص -112- ... حقه في سبعة عشر وثلاثة أرباع وصل إليه ثلاثة بقي حقه في تسعة وثلاثة أرباع فما زاد على تسعة وثلاثة أرباع إلى تمام ثلاثة عشر لا منازعة له فيه فتكون القسمة بين صاحب الثلث والنصف والجميع أثلاثا لكل واحد منهما سهم وثلث وحق صاحب السدس كان في ثمانية ونصف وصل إليه سهمان بقي حقه في ستة ونصف فما زاد على ذلك إلى تسعة وثلاثة أرباع وهو ثلث وربع يكون بين الأربعة الباقين أرباعا فيبقي ستة ونصف وقد استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أخماسا.
ثم طريق التصحيح يضرب المخارج بعضها في بعض وإذا خرجت المسألة بهذه الصفة ظهر أن كل واحد منهم ينتفع بالإجازة كما بينا.
قال: "ولو أوصي لرجل بنصف ماله ولآخر بسدس ماله فأجازت الورثة فإن صاحبي النصفين يأخذان ما زاد على الثلث دون المال وذلك الثلثان لكل واحد منهما الثلث فيضرب صاحبا السدس بثلث المال وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما ثلث المال ثم يبقى لكل واحد منهم الوصية بسدس المال فيقتسمون الثلث بينهم على ثلاثة فتكون القسمة من تسعة".
قال في الأصل: "لأن صاحبي النصفين لم يبق لهما من وصيتهما إلا سدس السدس وهذا غلط"وإنما الباقي لكل واحد منهما السدس لاسدس السدس إلا أن يقال الألف واللام زيادة من الكاتب
والصحيح أنه لم يبق لهم من وصيتهم إلا سدس سدس أي لكل واحد منهما سدس وهذا في بعض النسخ العتيقة وعند عدم الإجازة كل واحد منهما يضرب في الثلث بالثلث وصاحبا السدس بالسدس فيقتسمون الثلث على خمسة أسهم والله تعالى أعلم.
باب الوصية بالعتق والمال يفضل فيه أحد الورثة صاحبه(28/230)
قال رضي الله عنه: "وإذا أعتق عبدا له في مرضه قيمته ألف درهم لا مال له غيره ثم قتل رجل المولى عمدا وله ابنان فعفا أحدهما فإن حصة الذي لم يعف على القاتل خمسة آلاف درهم فإذا أداها عتق العبد كله ولا شيء عليه"لأن المؤدي مال الميت فإنه بدل نفسه ولو وجب بالخطأ كان له بمنزلة الدية فيقسم الكل قسمة واحدة وها هنا العبد ليس من جنس الدية فكذلك إذا وجب بالعمد بعد عتق أحد الوليين وقد ظهر خروج قيمته من الثلث فيعتق كله ثم يقسم كل الخمسة آلاف بين الاثنين على اثني عشر سهما للعافي منهما سهم وللآخر أحد عشر سهما لأنه ظهر أن التركة ستة آلاف ألف قيمة العبد ونصف الدية ولو لم يوص بشيء لكانت تقسم على اثني عشر لأن العبد بينهما نصفان ونصف الدية للذي لم يعف فيكون حق العافي خمسمائة وحق الآخر خمسة آلاف وخمسمائة بينهما يكون ذلك اثني عشر سهما فكذلك بعد تنفيذ الوصية لا يختص به بعض الورثة بل يكون عليهم بالحصة فإن المستحق بالوصية في حق الورثة كالتاوي وما يتوى من المال المشترك يكون على الشركاء بالحصة فهذا مثله وإنما يكون الضرر عليهم بالحصة فإذا قسمنا الباقي على اثني عشر سهما كما كان يقسم الكل لو لم يكن هناك وصية.(28/231)
ص -113- ... فإن قيل: كيف يستوفي العافي شيئا من الدية وقد أسقط نصيبه بعفوه؟
قلنا: ما يستوفيه في حقه ليس بدية بل هو عوض عما تلف من نصيبه بالعبد باعتبار حصة شريكة لأن الإعتاق في حكم الوصية بالعتق للعبد فيقدم في الثلث على حق الورثة فيكون ضرره على الورثة بالحصة فيأخذ هو جزءا مما في يد صاحبه من المال عوضا عما سلم للعبد من نصيبه فما لم يكن مستحقا عليه في نصيبه.
فإن قيل: حقه كان في ثلث العبد بدليل أنه لو لم يعف لكان العبد يسعى في ثلثي قيمته بينهما فكيف يضرب بنصف العبد وحقه في ثلثي العبد؟
قلنا: نعم كان حقه في ثلث العبد لضيق المحل وقد اتسع المحل بظهور خمسة آلاف للميت وهذا لأن ضرر تنفيذ الوصية على الوارثين بالحصة.
ألا ترى أنه لو ترك ابنا وامرأة وأوصى بعين ماله فإنه تقسم التركة وتنفذ الوصية بينهما على ثمانية فيكون ضرر تنفيذ الوصية عليهما بحسب ميراثهما فها هنا كذلك فإن حق الذي لم يعف في التركة أضعاف حق العافي فينبغي أن تكون صورة تنفيذ الوصية عليهما بحسب ذلك والوصية بقدر الألف فجزء من اثني عشر جزءا منه حصة العافي وذلك ثمانية وثمانون وثلث بقي له في العبد أربعمائة وستة عشر وثلثان وقد تلف ذلك بتنفيذ الوصية في جميع العبد فيأخذ ذلك القدر مما في يد صاحبه.(28/232)
وإذا قسمنا خمسة آلاف على اثني عشر كان كل سهم من ذلك أربعمائة وستة عشر وثلثين ولو كانت قيمة العبد ثلاثة آلاف درهم سعى العبد في ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث جملة مال الميت ثمانية آلاف فإنما يسلم للعبد الثلث من ذلك والثلث ألفان وثلث ألف يسلم ذلك القدر من رقبته ويسعى فيما بقي وهو ثلث ألف فإذا أدى السعاية جمع ذلك إلى خمسة آلاف واقتسمها الابنان على ستة عشر سهما ثلاثة للعافي والباقي للآخر لأنه لو لم يكن ها هنا وصية لكانت قيمة جميع التركة بينهما على هذه السهام لأن حق العافي في نصف العبد ألف وخمسمائة وحق الآخر في نصف العبد ونصف الدية وذلك ستة آلاف وخمسمائة فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كان حق الذي لم يعف ثلاثة عشر سهما وحق العافي ثلاثة أسهم فكذلك بعد تنفيذ الوصية تكون قسمة ما بقي من التركة بينهما على هذه السهام والباقي من التركة خمسة آلاف وثلاثمائة وثلاثين وثلثا فإذا قسمت على ستة عشر كان كل سهم من ذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا فيكون للعافي في الحاصل ألف درهم وللذي لم يعف ما بقي فإن كان العبد مات قبل أن يؤدي ما عليه من السعاية كان للعافي سدس الخمسة والباقي للآخر لأن العبد حين هلك علمنا أن وصيته مثل نصف الباقي من المال وهو خمسة آلاف فإن الوصية تنفذ في الثلث والثلث مثل نصف ما يسلم للورثة فإذا كان السالم للورثة من التركة خمسة آلاف عرفنا أن الوصية للعبد تنفذ في نصفه ألفين وخمسمائة وأن جملة التركة سبعة آلاف وخمسمائة حق العافي من ذلك ألف ومائتان وخمسون فإذا جعلت كل ألف(28/233)
ص -114- ... ومائتين وخمسين سهما يكون حق العافي في سهم وحق الآخر في خمسة وإنما تقسم التركة بعد تنفيذ الوصية على ما كانت تقسم عليه لو لم يكن هناك وصية فيكون حق العافي سدس الخمسة آلاف والباقي كله للذي لم يعف.
ولو كان على الميت مع ذلك دين ألف درهم قضوا الدين من هذه الخمسة آلاف لأن الدين يقدم في التركة على الميراث والوصية ثم يقسم الباقي بين الابنين على سبعة للعافي سهم وللآخر ستة لأنه لما قضى الدين كله بألف درهم كان الباقي في يد الورثة أربعة آلاف وإنما تنفذ الوصية للعبد في نصف ذلك وذلك ألفان فهو الذي جبى من العبد فإذا ضممته إلى نصف الدية يكون سبعة آلاف فلو لم يكن ها هنا دين ولا وصية لكان حق العافي في ألف درهم نصف ما جبي من العبد وحق الآخر في ستة آلاف فكذلك يقسم ما بقي بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصية ليكون ضرر الدين والوصية عليهما بالحصة وإذا جعلت كل ألف سهما يكون ذلك على سبعة أسهم ينقسم الباقي وهو سبعة آلاف بينهما على سبعة سبعة للعافي وستة أسباعه للآخر.(28/234)
وإذا كان لرجل عبدان يساوي كل واحد منهما ألفي درهم فأعتقهما في مرضه ثم قتل عمدا وله ابنان فعفا أحدهما وغرم الآخر خمسة آلاف فإنه يسعى كل واحد من العبدين في خمس ثلثه لأن جملة التركة تسعة آلاف وإنما تنفذ الوصية لهما في ثلثه وذلك ثلاثة آلاف لكل واحد منهما ألف وخمسمائة ثلاثة أرباع قيمته ويسعى كل واحد منهما في ربع قيمته فإذا أديا ذلك ضم إلى الخمسة آلاف فيقسمه الابنان على تسعة أسهم سهمان للعافي وسبعة للآخر لأنه لو لم يكن ها هنا وصية لكان حق العافي في ألفين وحقه في سبعة آلاف فكذلك بعد تنفيذ الوصية يقسم الباقي على مقدار حقيهما وتجعل كل ألف سهما فإن مات أحد العبدين قبل أن يؤدي شيئا يسعى الباقي في ستمائة لأن الباقي قيمته ألفان فإذا ضممته إلى نصف الدية يكون سبعة آلاف يقسم ذلك بينه وبين الابنين أخماسا لأن حقه في نصف الثلث سهم من ستة وحق الورثة في أربعة وخمس سبعة آلاف ألف وأربعمائة وظهر أن السالم له من قيمته ألف وأربعمائة ويسعى في ستمائة وظهر أن السالم للآخر أيضا ألف وأربعمائة وأن جملة المال ثمانية آلاف وأربعمائة نفذنا الوصية لهما في ألفين وثمانمائة وحصل في يد الورثة خمسة آلاف وستمائة فاستقام الثلث والثلثان ثم ما في يد الاثنين يقسم بينهما اثنين وأربعين سهما فما أصاب ثلاثة وثلاثين ونصفا فهو للذي لم يعف وما أصاب ثمانية ونصفا فهو للعافي لأن جملة المال في الحاصل ثمانية آلاف وأربعمائة ولو لم يكن هناك وصية لكان للعافي من ذلك ألف وسبعمائة وللذي لم يعف ستة آلاف وسبعمائة فالسبيل أن نجعل كل مائة سهما فيكون حق العافي سبعة عشر سهما وحق الذي لم يعف سبعة وستون سهما فجملته أربعة وثمانون فكذلك بعد تنفيذ الوصيتين يقسم على أربعة وثمانين سهما سبعة عشر للعافي والباقي للآخر إلا أنه خرجه في الكتاب من نصف ذلك إلى اثنين وأربعين ولا يجوز لأنه انكسر(28/235)
ص -115- ... بالأنصاف فجعل للعافي ثمانية ونصف وهو نصف سبعة عشر وللذي لم يعف ثلاثة وثلاثون ونصف نصف سبعة وستين فإن كان للميت ألف درهم سوى العبدين فإن لكل واحد من العبدين ألفا وستمائة درهم وصية فيسعى العافي منهما في أربعمائة وقد استحق من الميت ألفا وستمائة وما بقي منه تاو فجملة التركة تسعة آلاف وستمائة وإنما كان كذلك لأن الباقي في يد الورثة ستة آلاف فإذا ضممته إلى قيمة العبد الباقي يكون ثمانية آلاف خمس ذلك للعبد الباقي بطريق الوصية وذلك ألف وستمائة فإذا تبين وصية العبد الباقي تبين أن السالم للميت من رقبته مثل ذلك وأنه استحق منه بقدر ألف وستمائة فيكون جملة المال تسعة آلاف وستمائة وقد نفذنا الوصية لهما في ثلث ذلك ثلاثة آلاف ومائتين دخل يد الورثة ستة آلاف وأربعمائة ثم يقسم بين الابنين على ثمانية وأربعين سهما فما أصاب ستة وثلاثين ونصفا فهو للذي لم يعف وما أصاب أحد عشر سهما ونصفا فهو للعافي لأنه لو لم يكن هناك وصية فإن نصف الدية للذي لم يعف خاصة والباقي وهو أربعة آلاف وستمائة بينهما نصفان لكل واحد منهما ألفان وثلاثمائة فيكون حق العافي في ألفين وثلاثمائة وإذا جعلت كل مائة سهما يكون ثلاثة وعشرين وحق الذي لم يعف في سبعة آلاف وثلاثمائة وإذا جعلت كل مائة سهما يكون ذلك ثلاثة وسبعين وجملة السهام ستة وتسعون فكذلك بعد تنفيذ الوصية يقسم الباقي بينهما على هذه السهام ليكون ضرر تنفيذ الوصية عليهما بالحصة ولأن الكتاب خرج المسألة من ذلك على ثمانية وأربعين لأنه لا يجوز الكسر بالأنصاف.(28/236)
قال: "وإذا ترك الرجل عبدين يساوى كل واحد منهما ألفي درهم وقد أعتقهما في مرضه ولا مال له غيرهما ثم قتل عمدا وله ثلاثة بنين فعفا أحدهم عن الجناية فعلى القاتل ثلثا الدية والعتيق من العبدين ثلاثة عشر ألفا وستمائة وستة وثلاثون"لأن جملة مال الميت هذا المقدار وهو رقبتهما مع ثلثي الدية فيسلم لهما الثلث بطريق الوصية وذلك ثلاثمائة وخمسمائة وخمسة وخمسون وخمسة أتساع فعليهما السعاية فيما بقي من قيمتهما وذلك أربعمائة وأربعة وأربعون وأربعة أتساع فإذا أديا ضم ذلك إلى ثلثي الدية ويقسم ذلك على اثنين وثلاثين سهما أربعة منها للعافي والباقي للآخرين لأنه لو يكن ها هنا وصية لكان جميع التركة بينهم على هذه السهام فإن مقدار أربعة آلاف وهو قيمة العبدين بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ألف وثلث ألف فإذا جعلت كل ألف على ثلاثة أسهم كان ذلك بينهم على اثنى عشر سهما وثلثي الدية إذا جعلت كل ألف على ثلاثة يكون عشرين سهما فيكون حق العافي أربعة أسهم وحق كل واحد من الآخرين أربعة عشر سهما فكذلك بعد تنفيذ الوصية يضرب كل واحد منهم في الباقي بجميع حقه فتكون القسمة على اثنين وثلاثين سهما للعافي أربعة ولكل واحد من الآخرين أربعة عشر فإذا مات أحد العبدين قبل أن يؤدي شيئا عتق من رقبة الباقي منهما خمس ثمانية آلاف وثلثا ألف فيسعى فيما بقي لأن الميت منهم مستوف لوصيته وقد توى ما عليه من السعاية فإنما يعتبر في الحال رقبة الباقي مع ثلثي الدية وحق الباقي منهما في نصف(28/237)
ص -116- ... الثلث وحق الورثة في الثلثين فيكون ذلك بينهم على خمسة أسهم خمسة للعافي وأربعة للورثة فقد انكسر الألف بالأثلاث والأخماس فتضرب ثلاثة في خمسة فيكون خمسة عشر ثم تضرب ثمانية وثلاثين في خمسة عشر فيكون مائة وثلاثين للباقي خمس ذلك وذلك ستة وعشرون وإذا سلم له بالوصية هذا المقدار تبين أن السالم للميت مثل ذلك وأن جميع المال مائة وستة وخمسون نفذنا الوصية للعبدين في اثنين وخمسين لكل واحد منهما في ستة وعشرين وحصل للورثة مائة وأربعة فاستقام الثلث والثلثان ثم تقسم الديون من السعاية وثلثي الدية على اثنين وخمسين سهما للعافي منهم ستة أسهم والباقي للآخرين فهذا طريق الاختصار واعتبره محمد رحمه الله فأما على طريق البسط الذي بينا فنقول لو لم يكن ها هنا وصية لكان جملة المال مائة وستة وخمسون مقسوم بينهم فأما مائة سهم من ذلك فهو بينهما وثلثا الدية بين الذين لم يعفوا ستة وخمسين هذا للعبد الباقي وما جبي من العبد الميت فيكون بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ثمانية عشر وثلثان انكسر بالأثلاث فاضرب ستة وخمسين في ثلاثة فيصير مائة وثمانية وستين وسهام ثلثي الورثة فيصير ثلاثمائة فتكون جملته أربعمائة وثمانية وستين للذي عفا ستة وخمسون وللآخرين لكل واحد منهما مائتا سهم وستة أسهم فكذلك بعد تنفيذ الوصية تكون القسمة بينهم على هذا ولكنه اعتبر طريق الإيجاز فقال لما وجب قسمة ثمانية آلاف وثلثي ألفين بين الباقي والورثة على خمسة تضرب ثمانية وثلاثين في خمسة فتكون خمسة وأربعين وثلث الباقي خمس ذلك وهو ثمانية وثلثان ويسلم للميت مثل ذلك من رقبته إذا ضممته إلى هذا تكون الجملة اثنين وخمسين فلو لم يكن ها هنا وصية لكان مقدار ثلثي الدية وذلك ستة وثلثان ضربته في خمسة فتكون ثلاثة وثلاثين وثلثا بين الذين لم يعفوا نصفين وما بقي وذلك ثمانية عشر وثلثان بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ستة وتسعون فكذلك بعد تنفيذ الوصية يقسم ما بقي بينهم(28/238)
على هذه السهام حق العافي في ستة أسهم ويسعى في سهم وحق الآخرين في خمسة وأربعين سهما وسبعة أتساع سهم بينهما نصفان فتكون القسمة على هذا ومعرفة ذلك من حيث الدراهم سهل إذا تأملته .
قال: "وإذا أوصى الرجل لرجل بعبد بعينه يساوي أربعة آلاف لا مال له غيره ثم قتل رجل الموصي عمدا وله ابنان فعفا أحدهما فللموصى له ثلاثة أرباع العبد ويرد ربع العبد إلى الخمسة آلاف التي تؤخذ من القاتل فيقتسمها الابنان على أربعة وخمسين سهما للعافي منهما اثنا عشر"لأن جملة مال الميت تسعة آلاف فتنفذ الوصية في ثلثه وذلك ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف قيمة ثلاثة أرباع العبد ثم لو لم يكن ها هنا وصية لكان المائتان بين الابنين أتساعا للعافي تسعا ذلك وهو نصف قيمة العبد والباقي للآخر فكذلك بعد تنفيذ الوصية ما بقي يقسم بينهم على هذه السهام إلا أن ما يصيب العافي يكون بعض ذلك في العبد وبعضه في الدية فلا بد من بيان ما يسلم له من العبد ومن الدية.
فالسبيل في معرفة ذلك أن تضرب تسعة في ستة فيكون ذلك أربعة وخمسين كان حق(28/239)
ص -117- ... العافي من ذلك في سهمين ضربتهما في ستة فيكون اثنى عشر سهما فيأخذ نصف ما بقي من العبد والباقي من العبد ربعه مقدار ذلك بالسهام تسعة فنصفه أربعة ونصف ويكون ما بقي له من هذه الاثنى عشر سهما وذلك سبعة ونصف في نصف الدية ويكون للذي لم يعف اثنين وأربعين سهما نصف ما بقي من العبد وهو أربعة ونصف ما بقي له من المال بعد ذلك لأن الضرر في تنفيذ الوصية يكون عليهما على قدر ميراثهما وقد كان العبد بينهما قبل الوصية فكذلك بعد تنفيذ الوصية فجعل ما بقي بينهما نصفين وإنما فعل هذا في هذه المسألة بخلاف ما بعده لأن هناك الباقي سعى به وهو دراهم من جنس الدية فقسم الكل قسمة واحدة وها هنا العبد ليس من جنس الدية فلا بد من قسمة ما بقي من العبد بينهما نصفين كما كان جميع العبد قبل الوصية ثم يعطي العافي من الدية مقدار ما بقي من حقه بما نفذنا منه الوصية باعتبار نصيب الابن الآخر فلهذا كانت القسمة على ما بينا والله أعلم بالصواب.
باب الوصية بالعتق والمحاباة
قال رحمه الله: "وإذا باع الرجل في مرضه عبدا من رجل بألف درهم وقيمته ألفان ثم أعتق عبدا له آخر يساوي ألف درهم ولا مال له غيره فالمحاباة أولى من العتق في قول أبي حنيفة"وقد بينا هذه المسألة في الوصايا وعند أبي حنيفة رحمه الله للمحاباة قوة من حيث السبب وهو أن سببه عقد الضمان وللعتق قوة من حيث الحكم وهو أنه لا يحتمل الرد فإذا بدا بالمحاباة كانت مقدمة في الثلث وإذا بدأ بالعتق تحاصا فيه(28/240)
وعند أبي يوسف ومحمد العتق أولى على كل حال فعندهما يعتق العبد مجانا لأن قيمته بقدر الثلث فيخير المشتري فإن شاء نقض البيع ورد العبد لما لزمه من الزيادة في الثمن ولم يرض به وإن شاء نقض العقد وأدى كمال قيمه العبد ألفي درهم وعند أبي حنيفة المحاباة أولى لأنه بدأ بها فيسلم العبد للمشتري بالألف ولم يبق من الثلث شيء لأن العتق لا يمكن رده فيسعى العبد في قيمته للورثة فإن كان قيمة المعتق ألفا وخمسمائة فعلى قول أبي حنيفة يبدأ بالمحاباة كما بينا ثم يسلم للمعتق باقي الثلث من قيمته وهو مائة وستة وستون وثلثان لأن جملة المال ثلاثة آلاف وخمسمائة وقد سلم للمشتري بالمحاباة مقدار ذلك ألف فيسلم للعبد ما بقي من الثلث وعندهما العتق مقدم فيسلم للعبد مقدار الثلث ويسعى فيما بقي وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ويخير المشتري كما بينا فإن مات العبد قبل أن يؤدي شيئا فالمشتري بالخيار في قول أبي حنيفة رحمه الله إن شاء أخذ العبد بألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث وإن شاء نقض البيع لأن العبد ما كان يسلم له من الوصية شيء قبل سلامة المحاباة للمشتري وقد هلك فصار كأن لم يكن وإنما المال في الحاصل ألف درهم فيسلم للمشتري من المحاباة بقدر ثلث المال وثلث الألفين ثلثا ألف فعليه أن يؤدي ما زاد على ذلك ويتخير لأنه لزمه زيادة في الثمن ولم يرض بالإلتزام وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله العتق مقدم فالعبد فيما مر مستوف لوصيته ويتخير المشتري بين أن يغرم كمال قيمة العبد المعتق ألف درهم وعلى(28/241)
ص -118- ... قول أبي حنيفة رحمه الله يتحاصان في الثلث والمحاباة مثل قيمة العبد فيكون الثلث بينهما نصفين فيعتق نصف العبد ويسعى في نصف قيمته ويأخذ المشتري عبده بألف وخمسمائة لأن السالم له من المحاباة بقدر نصف الثلث ويخير المشتري لما لزمه من الزيادة في الثمن فإن اختار فسخ البيع عتق العبد كله وبطلت عنه السعاية لأن الوصية بالمحاباة كانت في ضمن البيع فتبطل ببطلان البيع وببطلانها ينعدم مزاحمة المشتري مع العبد في الثلث فيعتق العبد كله من الثلث وإن اختار المشترى أخذ العبد بألف وخمسمائة ثم مات العبد المعتق قبل أن يؤدي شيئا فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد بألف وستمائة وإن شاء تركه لأن العبد مات مستوفيا لوصيته وتوى ما عليه من السعاية وذلك خمسمائة فيكون ضرر التوى على المشتري وعلى الورثة بعد حقهما خمسة على المشتري وذلك مائة درهم ونصف وإن شئت قلت الباقي وهو ألفا درهم مقسوم بين المشتري والورثة أخماسا لأن المشتري يضرب فيه بنصف الثلث والورثة بالثلثين فإنما يسلم للمشتري بالمحاباة خمس ذلك وهو أربعمائة فعليه أن يؤدي ألفا وستمائة وقد تبين أن السالم للعبد الميت مثل ذلك وهو أربعمائة فيكون جملة ذلك ألفين وأربعمائة نفدنا الوصية لهما في ثلث ذلك وهو ثمانمائة لكل واحد منهما في أربعمائة.
ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق تخلص المعتق الأول والمشتري في الثلث لأن العتق الثاني انفرد عن المحاباة فلا يزاحمهما والعتق الأول مقدم على المحاباة فيزاحمهما في الثلث ثم ما أصاب المعتق الأول يشاركه فيه المعتق الآخر للمجانسة والمساواة بينهما وإذا كان الثاني محجوبا بصاحب المحاباة فإذا استوفى هو حقه خرج من البين.(28/242)
فإن قيل: كيف يستقيم هذا ولم يصل إلى صاحب المحاباة كمال حقه فما يأخذه صاحب العتق الثاني يسترده منه صاحب المحاباة لأن حقه مقدم على حقه قلنا: لا كذلك فإنه لو استرد ذلك منه المعتق الأول لكان حقهما في الثلث سواء ثم يؤدي إلى وقت لا ينقطع والسبيل في الدوران يقطع فإن نقض صاحب المحاباة البيع لما لزمه من زيادة الثمن كان الثلث بين المعتق نصفين لاستواء حقهما فإن عند المجانسة المتقدم والمتأخر سواء لأنهما قد جمعهما حالة واحدة وهي حالة المرض.
ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق ثم حابى فالثلث بين المعتق الأول وبين صاحبي المحاباة أثلاثا لأن المحابين من جنس واحد وسبب كل واحد منهما عقد الضمان فاستويا والمعتق الأول مقدم عليهما فيزاحمهما في الثلث وإذا قسم الثلث بينهم أثلاثا وصل المعتق الآخر فما أصاب المعتق فيهما أصاب صاحب المحاباة الآخر فيقتسمون ذلك كله بينهم أثلاثا أما مزاحمته مع المعتق الأول فللمجانسة ومع صاحب الآخر لأن عتقه كان مقدما على هذه المحاباة إلا أنه كان محجوبا بحق صاحب المحاباة الأول وقد استوفى هو حصته وخرج من البين فيقسم ما بقي بين الثلاثة أثلاثا بالسوية.(28/243)
ص -119- ... ولو حابى ثم أعتق ثم حابي فالثلث بين صاحبي المحاباة لاستوائهما في السبب والمجانسة بينهما ولا مزاحمة للعتيق مع صاحب المحاباة الأول فإذا سلم نصف الثلث لصاحب المحاباة الأول دخل المعتق في النصف الذي أصاب صاحب المحاباة الآخر فيتحاصان فيه لأن عتقه كان مقدما على المحاباة الأخيرة فهو مزاحم له فيما يخصه.
ولو حابى ثم أعتق ثم حابى ثم أعتق فالثلث بين صاحبي المحاباة نصفان للمساواة بينهما في السبب ولا مزاحمة لواحد من المعتقين مع المحاباة فيما أصابه لأن عتقه كان مقدما على المحاباة الأخيرة فيكون هو مزاحما له في حصته ثم يشارك المعتق الآخر المعتق الأول فيما أصابه للمساواة والمجانسة بينهما وإنما كان المعتق الآخر محجوبا لصاحبي المحاباة وقد خرجا من البين قال وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله المحاباة وسائر الوصايا سوى العتق البات أو التدبير أو العتق الذي يقع بعد الموت بغير أجل سواء يتحاصان في الثلث لأن المحاباة بمنزلة الهبة وهي لا تحتمل الفسخ كالهبة وقد ثبت بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن العتق المنفذ مقدم على سائر الوصايا فكذلك على سائر المحاباة وثبت بطريق المعنى المحاباة وسائر الوصايا فيتحاصان في الثلث.(28/244)
قال: "وإذا تصدق الرجل في مرضه على رجل بألف درهم فقبضها ووهبها لذي رحم محرم منه وقبضها وهو غير وارث ثم أعتق عبدا ثم مات بدئ بالعتق في قولهم جميعا"لأن سبب هذه الوصايا استوى في القوة وهو أن يجعل ذلك تبرع وهذا دليل لأبي حنيفة رحمه الله في أنه ينظر إلى السبب دون الحكم فإن الهبة لذي الرحم المحرم والصدقة لا رجوع فيها بخلاف سائر الوصايا ثم مع ذلك يسوي بينهما وبين سائر الوصايا إلا أنهما يقولان التصدق والهبة تمليك فيكون محتملا للرجوع فيه إلا أن حصول المقصود به وهو نيل الثواب وصلة الرحم لا يرجع فيه لا أنه غير محتمل للفسخ بخلاف العتق فإنه إسقاط للرق والمسقط يتلافي ما يتصور فلا يتصور الرجوع فيه ولو لم يعتق مع الهبة والصدقة ولكنه حابى فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يبدأ بالمحاباة على كل حال لأن سببه عقد الضمان فيكون مقدما على التبرع وإن كان من أصله تقديم المحاباة على العتق إذا بدأ بها فلأن يقدم على سائر الوصايا أولى وعندهما يتحاصان صاحب المحاباة وصاحب الهبة والصدقة لأن المحاباة عندهما كغيرها من الوصايا سوى العتق وقد استوت في الحكم فإن الموصى لا ينفرد بفسخ الهبة والصدقة كما لا ينفرد بفسخ البيع الذي فيه المحاباة فيتحاصون في الثلث والله أعلم بالصواب.
باب الوصية في العتق والدين على الأجنبي
قال رحمه الله: "كان لرجل مائة درهم عين ومائة درهم على آخر دين فأوصى لرجل بثلث ماله فإنه يأخذ ثلث العين"لأنه سمى له ثلث المال ومطلق اسم المال يتناول العين دون الدين.(28/245)
ص -120- ... ألا ترى: أن من حلف لا مال له وله ديون على الناس لم يحنث ثم ما خرج من الدين بعد ذلك أخذ منه ثلثه حتى خرج الدين كله لأنه يعين الخارج مالا له فيلتحق بما كان عينا في الابتداء ولا يقال لما لم يثبت حقه في الدين قبل أن يخرج فكيف يثبت حقه فيه إذا خرج فإن مثل هذا غير ممتنع.
ألا ترى: أن الموصى له بثلث المال لا يثبت حقه في القصاص فإذا انقلب مالا ثبت حقه فيه وهذا لأن الموصى له بثلث المال شريك الوارث في التركة إلا أن الملك في الدين يثبت بالإرث ولا يثبت بالوصية كالملك في القصاص.(28/246)
وإذا تعين الدين والموصى له شريك الوارث في مال الميت وهذا المتعين مال الميت جعلناه مشتركا بينهما حتى يكون السالم للموصى له قدر الثلث من مال الميت وكذلك لو كان أوصى له بثلث المائة العين وثلث الدين وفي الحقيقة مسائل هذا الباب نظير مسائل الباب المتقدم في الفرق بين الوصية بالمال المرسل والوصية بالمال العين إلا أن هناك التفريع على نقصان المال بالهلاك والاستحقاق وها هنا التفريع على نقصان زيادة المال بخروج الدين والمعنى جامع للفصلين فنقول إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث المائة العين اقتسما ثلث المائة العين نصفين لأن حقهما قبل خروج الدين سواء فكل واحد منهما لو انفرد استحق ثلث المائة العين فإذا اجتمعا قسم ثلث العين بينهما نصفين فإن خرج من الدين خمسون درهما ضمت إلى العين وكان ثلث جميع ذلك بينهما على خمسة لأن حق الموصى له بثلث العين في ثلاثة وثلاثين وثلث وحق الموصى له بثلث المال في خمسين ثلث ما بقي من المال فيجعل تفاوت ما بين الأقل والأكثر بينهما فإنما يضرب الموصى له بالثلث ثلاثة والموصى له بثلث العين بسهمين فيكون العين الثلث بينهما على خمسة والثلثان عشرة ثم صاحب ثلث العين حقه مقدم فيأخذ خمس الثلث وذلك عشرون درهما وذلك كله من العين ويقسم الباقي بين صاحب ثلث المال والورثة على ثلاثة عشر سهما لأن الموصى له بثلث المال شريك الوارث في التركة.(28/247)
قال: "ولو كان أوصى بثلث العين لرجل وبثلث العين والدين لآخر ولم يخرج من الدين شيء اقتسما ثلث العين فكان لصاحبي الوصية ثلث ذلك خمسون درهما بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الثلث لصاحبي الوصية في العين والثلثان للآخر"لأنه لما تعين من الدين خمسون فقد ظهر جميع ما هو محل حق صاحب الوصية بثلث العين والدين على ما بينا أن حقه في الحال المحل المضاف إليه وصيته مقدم على حق الوارث فيضرب هو في الثلث بجميع وصيته وذلك ستة وستون وثلثان والآخر إنما يضرب بثلث العين فيكون الثلث بينهما أثلاثا لهذا بخلاف الأول فإن الموصى له بثلث المال شريك الوارث وإنما يضرب هو بثلث ما تعين من المال فذلك خمسون درهما وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فالثلث بينهما في هذه المسألة على خمسة أيضا لأن حق صاحب الثلث في العين والدين(28/248)
ص -121- ... وإن كان ستة وستين وثلثين إلا أنه لا يضرب في الثلث بأكثر من خمسين لأن الثلث المتعين من المال هذا المقدار ووصيته فيما زاد على الثلث تبطل ضربا واستحقاقا عند أبي حنيفة فإنما يضرب هو بثلاثة أسهم والآخر بسهمين فكان الثلث بينهما مقسوما على خمسة.
ولو كان الدين مائتي درهم فأوصى لرجل بثلث العين ولآخر بثلث الدين فثلث العين للموصى له بثلث العين خاصة لأن وصية كل واحد منهما مضافة إلى محل عين وإنه إنما يستحق وصيته من ذلك المحل خاصة فلهذا لا يزاحم الموصى له بثلث الدين صاحب العين في شيء من العين فإن خرج من العين خمسون درهما ضممته إلى المائة وأخذ صاحب الوصية من ذلك الثلث واقتسماه على خمسة أسهم لأن صاحب ثلث الدين يضرب في الثلثين بجميع ما تعين من الدين فإن حقه فيه مقدم على حق الوارث فهو يضرب بخمسين وثلث وصاحب العين بثلاثة وثلاثين وثلث وكانت القسمة على خمسة فما أصاب صاحب وصية العين وهو عشرون درهما كان له في العين وما أصاب الآخر وهو ثلاثون درهما كان له في الخارج والدين.
قال: "ولو كان أوصى بثلث ماله لرجل وبثلث الدين لآخر وقد خرج من الدين خمسون درهما اقتسم صاحب الوصية الثلث نصفين"لأن العين من المال مائة وخمسون فإنما يضرب صاحبا ثلث المال بخمسين
وكذلك صاحب ثلث الدين يضرب بما تعين من الدين وذلك خمسون فكان الثلث بينهما نصفين ولكن يصير الموصى له بثلث الدين وذلك خمسة وعشرون درهما يأخذ من الخارج من الدين ثم ما بقي منه مع المائة العين يقسم بين الموصى له بثلث المال وبين الوارث أخماسا لأن الموصى له بثلث المال شريك الوارث.(28/249)
ولو كان أوصى بثلث العين والدين لرجل وبثلث الدين لآخر ثم خرج من الدين خمسون درهما ضمت إلى العين وكان ثلث ذلك بين صاحبي الوصية على ثمانية أسهم ثلاثة لصاحب الوصية في الدين في الخارج منه وخمسة منها للآخر سهمان في العين وثلاثة أسهم في الخارج من الدين في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن المتعين من الدين حقهما فيه على السواء وذلك خمسون درهما فصاحب ثلث الدين إنما يضرب في الثلث بخمسين وصاحب ثلث العين والدين إنما يضرب بثلاثة وثمانين وثلث العين قدر الخارج من الدين فيجعل كل ستة عشر وثلثين سهما فيكون حق صاحب ثلث الدين في ثلاثة أسهم وحق الآخر في خمسة فيقسم الثلث بينهما على ثمانية وما أصاب صاحب الدين يأخذ جميعه من الخارج من الدين وما أصاب الآخر يأخذ خمسة من العين وثلاثة أخماسه من الدين على مقدار وصيته في المحلين
وأما في قياس قول أبي حنيفة فالثلث بينهما أثلاثا ثلاثة لصاحب ثلث العين والدين وثلاثة لصاحب ثلث الدين وهذا بناء على أصلين له أحدهما اعتبار القسمة بطريق المنازعة عند اجتماع الحقين في محل هو عين
والآخر بطلان الوصية فيما زاد على الثلث عند عدم الإجازة ضربا واستحقاقا فيقول منازعتهما في الخارج من الدين سواء فيكون بينهما(28/250)
ص -122- ... نصفين ولصاحب ثلث العين والدين من العين ثلاثة فيكون جميع حقه ثمانية وخمسين وثلثا إلا أن ذلك فوق ثلث المتعين من المال فتطرح الزيادة على الثلث من حقه وذلك ثمانية وثلث فإنما يضرب هو في الثلث بخمسين درهما وصاحب ثلث العين بخمسة وعشرين فيكون الثلث بينهما أثلاثا ثلث ذلك وذلك ستة عشر وثلثان للموصى له بثلث الدين كله في الخارج من الدين وثلثا ذلك للموصى له بثلث العين والدين ثلاثة أسباعه من الخارج من الدين وأربعة أسباعه من المال العين لأن وصيته في المالين كانت بهذا المقدار خمسة وعشرين من الدين وثلاثة وثلاثين وثلث من العين وما طرحنا من أحد المحلين لا يكون خاصة بل يكون منهما بالحصة فلهذا استوفى ما أصابه من المحلين بحسب حقه فيهما.(28/251)
ولو أوصى لرجل آخر معهما بثلث العين ولم يخرج من الدين شيء كان ثلث العين بين الموصى له بثلث العين وبين الموصى له بثلث العين والدين نصفين لاستواء حقهما في العين فإن خرج من الدين خمسون درهما كان ثلث جميع ذلك بين أصحاب الوصايا على عشرة ثلاثة منها لصاحب ثلث الدين وسهمان لصاحب ثلث العين وخمسة للثالث في قول أبي يوسف ومحمد لأن صاحب ثلث الدين يضرب بخمسين وصاحب ثلث العين يضرب بثلاثة وثلاثين وثلث وصاحب ثلث العين والدين يضرب بثلاثة وثمانين وثلث فإذا جعل كل ستة عشر وثلثين سهما يصير حق صاحب ثلث العين سهمين وحق صاحب ثلث الدين ثلاثة وحق الآخر خمسة فيكون الثلث بينهم على عشرة ويستوفى كل واحد منهم ما أصابه في محل حقه فأما قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فالثلث بينهم على ثلاثة عشر سهما لصاحب ثلث العين والدين ستة ولصاحب ثلث العين أربعة ولصاحب ثلث الدين ثلاثة لأن على أصله الخارج من الدين مقسوم بين الدين لهم وصية في الدين نصفين لكل واحد منهما خمسة وعشرون فصاحب ثلث العين إنما يضرب بثلاثة وثلث وصاحب ثلث الدين يضرب بخمسة وعشرين وحق صاحب ثلث العين والدين في ثمانية وخمسين وثلث إلا أنه لا يضرب بما زاد على الخمسين لما بينا فإذا جعلنا كل ثمانية وثلث سهما نصف الخمسين ستة أسهم وخمسة وعشرون وثلاثة وثلاثون وثلث أربعة فتكون جملة السهام ثلاثة كله في الخارج من الدين ولصاحب ثلث العين أربعة كله في العين والثالث ستة في العين والدين جميعا على مقدار حقه منهما أسباعا كما بينا.
فإن قيل: لماذا اعتبر أبو حنيفة رحمه الله القسمة بطريق المنازعة في الخارج من الدين وفي العين اعتبر القسمة بطريق العول وفي كل واحد من الموضعين إنما أوصى بالثلث.(28/252)
قلنا: نعم ولكن وصيتهما في الخارج من الدين ضعيفة من حيث أنه لا يتمكن تنفيذها إلا باعتبار مال آخر وهو ما لم يخرج من الدين وفي الوصية الضعيفة عند القسمة باعتبار المنازعة كما في الوصية التي جاوزت الثلث فأما وصية كل واحد منهما في العين فوصيته قوية لأن تنفيذها يمكن من غير اعتبار مال آخر فاعتبر العول فيه لهذا. ولو لم يكن هذا أوصى لأحدهم(28/253)
ص -123- ... بثلث العين والدين ولكنه أوصى له بثلث ماله مرسلا فقبل أن يخرج شيء من الدين ثبت العين بين صاحب ثلث المال وثلث العين أن يخرج شيء من الدين ثلث العين بين صاحب ثلث المال وثلث العين نصفين لاستواء حقهما في العين ولا شيء لصاحب ثلث الدين منه لأنه لم يتعين شيء من محل حقه فإن خرج شيء من الدين خمسون درهما فالثلث بينهم على ثمانية سهمان منها لصاحب وصية العين وثلاثة لصاحب ثلث المال في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن صاحب ثلث العين يضرب في الثلث بثلاثة وثلاثين وصاحب ثلث الدين يضرب بجميع ما خرج من الدين العين ثم يقسم بين الورثة والموصى له بثلث العين وبربع الدين والمؤدي على ستمائة وستة وتسعين سهما لأنه يحتسب بسهام صاحب الربع ها هنا وذلك خمسة عشر فيكون ثلث المال مائتين وثمانية وستين والثلثان ضعف ذلك خمسمائة وستة وثلاثون ثم تطرح سهام من لم يؤد من الثلث وذلك مائة وثمانية يبقى من الثلث مائة وستون إذا ضممته إلى ثلثي المال يصير ستمائة وستة وتسعين لصاحب الثلث منها أربعون كلها من المائة العين وللمؤدي مائة وخمسة كله مما أدى ولصاحب الربع خمسة عشر كله من المؤدي أيضا والباقي للورثة.
ولو خرجت المائة الأخرى قسم المال كله على ثمانمائة وأربعين لأنه يحتسب بسهام حق صاحب الخمس أيضا فقد تعين محل حقه فيكون سهام الثلث على مائتين وثمانين والثلثان ضعف ذلك خمسمائة وستون فتكون الجملة ثمانمائة وأربعين لصاحب ثلث العين أربعون ولصاحب الربع خمسة عشر وللأكبر مائة وخمسة ولصاحب الخمس اثنا عشر وللأصغر مائة وثمانية يستوفى كل واحد منهم حقه في محله والباقي للورثة.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا لم يخرج من الدين شيء فالمائة العين بين الورثة والموصى له بثلث العين على ثلاثمائة سهم لصاحب ثلث العين منها عشرون والباقي للورثة وهذا تطويل غير محتاج إليه فإنه يستقيم من جزء من عشرين جزءا من ثلاثمائة وهو خمسة عشر.(28/254)
وبيان ذلك: أن القسمة عندهما بطريق العول وقد انكسرت المائة بالأثلاث والأرباع والأخماس فصارت كل مائة على ستين سهما إلا أنه لا يحتسب بسهام حق صاحب الربع والخمس ما لم يتعين محل حقهما فإنما يضرب كل واحد من الغريمين في الثلث بستين وصاحب ثلث العين بعشرين فتكون الثلاثمائة أربعين سهما والثلثان مائتين وثمانين ثم تطرح سهام حق الغريمين يبقي حق صاحب ثلث العين في عشرين وحق الورثة في مائتين وثمانين فتكون القسمة على ثلاثمائة وعلى ما قلنا من الاختصار لما بين أنه لا يحتسب بنصيب صاحب الربع والخمس فإنما يصير كل غريم في الثلث بمائة درهم وصاحب ثلث العين بثلاثة وثلاثين وثلث
فإذا جعلت الأقل سهما كان سهام الثلث سبعة والثلثان أربعة عشر ثم يطرح سهام الغريمين يبقى حق ثلث العين في سهم وحق الورثة في أربعة عشر فتكون القسمة(28/255)
ص -124- ... بينهم على خمسة عشر فإن خرجت المائة التي أوصى بربعها ضمت إلى المائة العين ثم كانت القسمة على أربعمائة سهم وخمسة وعشرين سهما لأنه تعين محل حق صاحب الربع والقسمة بينهما بطريق العول فكان حق الأكثر في ستين وحق صاحب الربع في خمسة عشر فيكون خمسة وسبعين وحق الأصغر في ستين وذلك مائة وخمسة وستون وثلثان وحق صاحب ثلث العين في عشرين فيكون ذلك مائة وخمسة وخمسين هذا ثلث المال والثلثان ثلاثمائة وعشرة إلا أن يطرح نصيب من عليه الدين وذلك ستون يبقى من الثلث خمسة وتسعون فإذا ضممته إلى ثلاثمائة وعشرة يكون أربعمائة وخمسة فتقسم العين بينهم على ذلك وعلى ما قلنا من الاختصار صاحب الربع يضرب بخمسة وعشرين وكل غريم يضرب بمائة وصاحب ثلث العين بثلاثة وثلاثين وثلث فيجعل كل مائة على اثني عشر للكسر بالأثلاث والأرباع فصاحب ثلث العين يضرب بأربعة وكل واحد من الغريمين باثنى عشر وصاحب الربع بثلاثة فيكون الثلث بينهم على أحد وثلاثين والثلثان اثنان وستون ثم يطرح نصيب المديون يبقى من الثلث تسعة عشر فإذا ضممته إلى اثنين وستين يكون أحدا وثمانين فتقسم العين بينهم على هذا لصاحب الربع ثلاثة ولصاحب الثلث أربعة والغريم المؤدي اثنا عشر والباقي للورثة وفي الكتاب خرجه من خمسة أمثاله فإن خرجت المائة الأخرى اقتسموا جميع المال على خمسمائة سهم وسهم وهو على الطريق المطول لأنه يحتسب حق صاحب الربع والخمس ها هنا فقد تعين محل حقهما فيضرب كل واحد من الغريمين بستين وصاحب الخمس باثني عشر وصاحب الربع بخمسة عشر وصاحب ثلث العين بعشرين فتكون جملة سهام الوصايا مائة وسبعة وستين فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك وذلك ثلاثمائة وأربعة وثلاثون فإذا ضممت إليه الثلث فيكون خمسمائة سهم وسهم فتقسم المال بينهم على ذلك عشرون لصاحب الثلث وخمسة عشر لصاحب الربع واثنا عشر لصاحب الخمس ولكل غريم ستون يأخذ كل واحد منهم ذلك من محل حقه والباقي للورثة.(28/256)
ولو كان أوصى لكل واحد من الغريمين بما عليه ولرجل بثلث ماله ولآخر بربع المائتين الدين قسمت المائة العين بين الورثة والموصى له بثلث المال في قياس قول أبي حنيفة على خمسمائة وسبعين سهما للموصى له بالثلث من ذلك تسعون سهما وما بقي فللورثة لأنه اجتمع في كل مائة من الدين ثلاثة وصايا وصية بجميعها وبثلثها وبربعها والقسمة عنده على طريق المنازعة وقد صار كل مائة على أربعة وعشرين سهما في الحاصل لحاجتنا إلى حساب له ثلث وربع وينقسم نصف سدسه نصفين ثم قلنا ما على الأكثر وهو ستة عشر يسلم له بلا منازعة ويفاوت ما بين الثلث والربع وذلك سهم لا منازعة فيه لصاحب الربع فيكون بين الآخرين نصفين وقد استوت منازعتهم في الربع وهو ستة فيكون بينهم أثلاثا فحصل لكل غريم مما عليه تسعة عشر سهما وللموصى له بالربع مما على كل واحد منهما سهمان وللموصى بالثلث مما على كل واحد منهما ثلاثة وله من المائة ربع الثلث ثمانية أسهم(28/257)
ص -125- ... فجملة حقه أحد عشر سهما إلا أنه لا يحتسب بنصف صاحب الربع لأنه لم يتعين شيء من محل حقه فإنما يضرب كل غريم بتسعة عشر سهما والموصى له بالثلث بأربعة عشر سهما فجملة هذه السهام اثنان وخمسون فهو ثلث المال والثلثان مائة وأربعة إلا أنه يطرح نصيب الغريمين وذلك ثمانية وثلاثون يبقي حق الورثة في مائة وأربعة وحق الموصى له بالثلث في أربعة عشر فيقسم المائة العين بينهم على مائة وثمانية عشر سهما أربعة عشر لصاحب ثلث العين والباقي للورثة.
وفي الكتاب قد خرجه من خمسة أمثال ما ذكرنا وهو تطويل غير محتاج إليه وكأنه بناه على ما سبق من جعل كأنه مائة على ستين سهما ولكن لا حاجة إلى ذلك ها هنا لانعدام الوصية بالخمس.
فإن قيل: هذا الجواب لا يستقيم فإنكم قلتم لا يحتسب بسهام حق صاحب الثلث في الدين ولم يتعين محل حقه أيضا فينبغي أن لا يحتسب بنصيبه من الدين وإنما يحتسبه بنصيبه من المائة العين فقط.(28/258)
قلنا: قد بينا أن الموصى له بثلث المال شريك الورثة وقد وجب الاحتساب بسهام حق الغريمين وحق الورثة في ذلك الدين لدفع الضرر عن الورثة فمن ضرورة الاحتساب بحقهم الاحتساب بحق صاحب الثلث أيضا ولا ضرورة في حق الموصى له بربع الدين فلهذا كانت القسمة على ما بينا فإن خرجت إحدى المائتين ضمت إلى العين ثم قسمت بين الورثة وصاحب الثلث وصاحب الربع والمؤدي على سبعمائة وخمسة عشر وهو يخرج مستقيما من خمس ذلك على ما بينا أنه يحتسب في القسمة ها هنا بسهام صاحب الربع في المؤدي وذلك سهمان وحق المؤدي في تسعة عشر فيكون ذلك أحدا وعشرين وحق الغريم الآخر في تسعة عشر فيكون ذلك أربعين وحق الموصى له بالثلث في أربعة عشر فيكون أربعة وخمسين هو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك مائة وثمانية إلا أنه يطرح نصيب من لم يؤد من الثلث وذلك تسعة عشر يبقي خمسة وثلاثون إذا ضممته إلى مائة وثمانية يكون ذلك مائة وثلاثة وأربعين فيقسم ما تعين بينهم على هذا لصاحب الربع سهمان وللمؤدي تسعة عشر ولصاحب الثلث أربعة عشر والباقي للورثة.
وفي الكتاب خرجه من خمسة أمثال ما ذكرنا فإن خرجت المائة الأخرى فهو على قياس ما بينا يعتبر سهام صاحب الربع في المائة الأخرى أيضا يكون الثلث ستة وخمسين ولثلث المائة اثنا عشر فيكون جملة المال على مائة وثمانية وستين لصاحب الربع أربعة عشر والباقي للورثة.
وفي الكتاب خرجه من خمسة أمثال ما ذكرنا فجعل القسمة من ثمانمائة والعين سهما وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا لم يخرج من العين شيء اقتسم الورثة والموصى له بثلث المائة العين على سبعة أسهم لأنه لا يحتسب بوصية صاحب الربع إذا لم(28/259)
ص -126- ... يتعين شيء من محل حقه ولكن كل غريم يضرب في الثلث ثمانية وصاحب ثلث المال يضرب بثلث المال وذلك مائة أيضا فيكون الثلث بينهم أثلاثا وإذا صار الثلث على ثلاثة فالثلثان ستة ثم يطرح نصيب الغريمين ويبقي حق الموصى له بالثلث في سهم وحق الورثة في ستة فيقسم المائة العين بينهما أسباعا فإن خرجت إحدى المائتين ضمت إلى العين وقسم بينهم على مائة وخمسة لأنه وجب اعتبار وصية صاحب الربع في المائة التي خرجت وقد انكسر كل مائة بالأثلاث والأرباع ويجعل كل مائة على اثنى عشر فإنما يضرب كل غريم باثنى عشر والموصى له بالثلث كذلك والموصى له بالربع بثلاثة فيكون الثلث بينهم على تسعة وثلاثين والثلثان ثمانية وسبعون إلا أنه يطرح نصيب الذي لم يؤد وذلك اثنا عشر يبقى من الثلث سبعة وعشرون إذا ضممت ذلك إلى ثمانية وسبعين يصير ذلك كله مائة وخمسة فلهذا كانت قسمة العين بينهم على هذا فإن خرجت المائة الباقية قسم جميع المال بينهم على اثنين وأربعين سهما لأن الموصى له بالربع إنما يضرب بربع المائتين وذلك خمسون وكل غريم يضرب بمائة والموصى له بثلث المال يضرب بمائة أيضا فإذا جعلت كل خمسين سهما تصير سهام الوصايا سبعة أسهم فهو الثلث والثلثان ضعف ذلك فتكون الجملة إحدى وعشرين للموصى له بالربع سهم إلا أن هذا السهم نصفه بما أدى كل غريم فلذلك ضعف الحساب فجعل القسم من اثنين وأربعين للموصى له بالربع سهمان ولكل غريم أربعة ويأخذ ذلك من محل حقه ثم يقسم ما بقي بين الورثة وصاحب الثلث على ثمانية أسهم لأن حق الورثة في ثمانية وعشرين وحق صاحب الثلث في أربعة فإن جعلت كل أربعة أسهم سهما يكون حق الورثة سبعة أسهم وحق صاحب الثلث سهما فلهذا قال القسمة بينهم على ثمانية.(28/260)
قال: "وإذا كان لرجل مائة درهم عينا ومائتان على رجلين دينا كل واحد منهما مائة فأوصى لرجل بثلث ماله ولكل واحد من صاحبي الدين بما على صاحبه فلصاحب الثلث ثلث العين وللورثة ثلثاها"لأنه لا يحتسب بوصية الغريمين ها هنا فإن محل حق كل واحد منهما في ذمة الآخر فما لم يتعين شيء منه بالأداء لا يحتسب بوصيته فيه كما لو كانت الوصية لأجنبي آخر فتبقى المائة العين مقسومة بين الورثة والموصى له بثلث المال أثلاثا فإن خرجت إحدى المائتين ضمت إلى العين وقسمنا على قول أبي حنيفة على سبعة وثلاثين سهما بين الورثة ولصاحب الثلث والموصى له بالمائة التي لم تخرج لأنه لما تعين إحدى المائتين وجب الاحتساب بوصية الموصى له بها في هذه المائة ومن ضرورته الاحتساب بوصية الموصى له بالمائة الأخرى أيضا لأن الذي لم يوجد لا يتمكن من استيفاء نصيبه وقد بقي عليه فوق حقه فلا بد من أن يجعل مستوفيا حقه مما عليه إذا عرفنا هذا فنقول كل مائة من الدين صار على ستة أسهم للموصى له بالثلث سهم منها بطريق المنازعة وخمسة لمن أوصى له بها وللموصى له بالثلث من المائة العين سهمان فيكون جملة سهام الوصايا أربعة عشر هو الثلث والثلثان ثمانية وعشرون فتكون الجملة على اثنين وأربعين سهما إلا أنه يطرح نصيب الذي لم(28/261)
ص -127- ... يؤد وهو خمسة أسهم فيبقى تسعة وثلاثون سهما فتقسم العين للموصى له المؤدي من ذلك خمسة أسهم يأخذه عوضا عما يسلم لصاحبه من حقه وإنما يأخذ ذلك من المائة التي أداها والباقي من المال بين الورثة والموصى له بالثلث على ثمانية لأن حق الورثة في ثمانية وعشرين وحق الموصى له بالثلث في أربعة فإذا جعلت كل أربعة سهما تكون القسمة بينهم على ثمانية وإن لم يخرج من الدين غير خمسين درهما من إحدى المائتين ضممت الخمسين إلى المائة العين ثم اقتسمتها الورثة وصاحب الثلث أثلاثا لأنه لا يحتسب ها هنا بشيء من وصية صاحبي الدين فقد بقي على كل واحد منهما مقدار حقه وزيادة فلا يسلم لواحد منهما شيء من العين وإنما كان لوصيتهما لضرورة تعين شيء لحق أحدهما ولم يوجد ذلك ها هنا فإذا ثبت أنه لا يحتسب بوصيتهما والموصى له بثلث المال شريك للوارث فيقسم ما تعين بينهم أثلاثا إلى أن يؤدي أحدهما مما عليه مقدار الزيادة على نصيبه من المائة فإذا لم يبق عليه إلا بقدر نصيبه وصار هو مستوفيا لنصيبه جعل هذا وما لو أدى جميع المائة سواء فحينئذ تكون القسمة على سبعة وثلاثين سهما كما بينا وقول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في هذا كقول أبي حنيفة رحمه الله إلا في فصل وهو أنه إذا خرج الدين على أحدهما فحينئذ يقسم ما تعين عندهما على ثمانية أسهم للمؤدي سهم من ذلك لأن كل غريم يضرب بمائة درهم وصاحب الثلث كذلك فيكون الثلث بينهم على ثلاثة والثلثان ستة إلا أنه يطرح السهم الذي هو نصيب من لم يؤد وتقسم العين بين من بقي منهم على ثمانية أسهم للمؤدي سهم من ذلك يأخذه مما أدى على سبيل العرض عما له في ذمة صاحبه إن كان أدى جميع المائة وإن بقي عليه شيء من ذلك يقاص ذلك الذي بقي عليه إذا لم يكن ذلك فوق حقه ثم يقسم ما بقي بين صاحبي الثلث والورثة على مقدار حقهما أسباعا لصاحب الثلث سبعة وللورثة ستة أسباعه والله أعلم بالصواب.(28/262)
باب الوصية في العين والدين على بعض الورثة
قال رحمه الله: "وإذا كان لرجل مائة درهم عينا ومائة درهم دينا على أحد ابنيه فأوصى لرجل بثلث ثم مات ولم يدع وارثا غير ابنيه ولا مالا غير هاتين المائتين وللموصى له بثلث المال نصف المائة العين"وفي تخريج المسألة طريقان أحدهما: أن الموصى له بالثلث شريك الوارث وحقه في سهم وحق الابنين في سهمين إلا أن المديون مستوف حقه مما عليه فيطرح سهم لأن عليه مثل حقه والزيادة ويبقي في العين حق الذي لا دين عليه وحق الموصى له بالثلث وحق كل واحد منهما في سهم فلهذا تقسم العين بينهما نصفين.
والثاني: أن الدين في حكم التاوي فلا يعتبر في القسمة ولكن تقسم العين بين الابنين والموصى له بالثلث أثلاثا إلا أن نصيب الابن المديون لا يسلم له لأن عليه للآخرين هذا القدر وزيادة ويستوفيان هذا القدر قضاء مما لهما عليه فإن صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه من مال المديون أخذه وحقهما سواء قبله فيقتسمان هذا الثلث بينهما نصفين فعلى الطريقين(28/263)
ص -128- ... يسلم للآخرين الذي لا دين عليه خمسة وتبين أن السالم للمديون مما عليه مثل هذا لأن ذلك القدر تعين من الدين فإذا ضممته إلى العين صار المال خمسة عشر درهما وقد نفذنا الوصية في مثلها خمسة.
وقد ذكرنا بعض طريق الحساب في هذه المسألة في كتاب الوصايا ولا نشتغل بإعادة تلك الطريق ها هنا فإن من سلك طريق الورع من أصحابنا لا يستحسن الاشتغال بتلك الطريق وقد أشرنا إلى بعض ذلك في حساب الوصايا.
ولو كان أوصى بربع ماله كان للموصى له المائة العين أما على طريق الأول فلأنك تحتاج إلى حساب ينقسم ثلاثة أرباعه نصفين وأقل ذلك ثمانية للموصى له سهمان ولكل بن ثلاثة ثم يطرح نصيب الابن المديون ويضرب الابن الآخر في العين بثلاثة والموصى له بسهمين فكانت القسمة بينهما على خمسة وعلى الطريق الآخر الموصى له بالربع يسلم له ربع العين وثلاثة أرباعه بين الابنين نصفين نصيب الابن المديون من العين سبعة وثلاثون ونصف ولكن لا يسلم له بل يستوفيان قضاء مما لهما قبله وحقهما قبله أخماسا فيستوفيان هذا القدر بينهما أخماسا ففي الحاصل يسلم للموصى خمسا العين أربعون درهما وللابن ستون ويتعين من الدين مثل ذلك فيكون جملة المال مائة وستين وقد نفذنا الوصية في ربعها أربعين إلى أن ينسب خروج ما بقي من الدين فيمسك الابن المديون بمقدار حصته وذلك خمسة وستون فيؤدي خمسة وعشرين فيقسم بين الموصى له والابن الآخر أخماسا خمساه للموصى له وذلك عشرة فإذا ضمه إلى أربعين يسلم له خمسون كمال الربع ويسلم لكل بن خمسة وسبعون.(28/264)
ولو كان أوصى بخمس ماله فالمائة العين بين الابن الذي لا دين عليه والموصى له أثلاثا لأن أصل الحساب من خمسة للموصى له سهم وهو الخمس ولكل بن سهمان ثم يطرح نصيب الابن المديون فيضرب كل واحد من الآخرين في العين بسهام حقه فيكون بينهما أثلاثا لهذا وعلى الطريق الآخر يأخذ الموصى له خمس العين وذلك عشرون ولكل بن نصف ما بقي وذلك أربعون إلا أنه لا يسلم للمديون نصيبه ولكن الآخرين يأخذان ذلك قضاء مما لهما قبله وحقهما قبله أثلاثا فيقسمان هذه الأربعين بينهما للموصى له بثلاثة عشر وثلث إذا ضمه إلى العشرين يكون ثلاثة وثلاثين وثلث وذلك ثلث المائة وللابن ستة وستون وثلثان وقد نفذنا الوصية في خمس ذلك ثلاثة وثلاثين وثلث فإذا تيسر خروج ما بقي من الدين أمسك المديون كمال حقه مما عليه من الدين وذلك ثمانون فأدى عشرين فاقتسمه الموصى له والابن الآخر أثلاثا للموصى له من ذلك ستة وثلثان فإذا ضمه إلى ما كان أخذه كانت الجملة أربعين درهما وذلك خمس المائتين وعلى هذا لو أوصى بثلث العين وثلث الدين فهي بمنزلة الوصية بثلث المال في التخريج إلا أن ما يسلم للموصى له ها هنا يكون مقدما في التنفيذ باعتبار أنه يوصى بالعين وفيما تقدم هو شريك الوارث باعتبار أن الوصية له كانت بثلث المال مرسلا وقد بينا هذا الفرق.(28/265)
ص -129- ... وكذلك لو أوصى بربع العين والدين فهو نظير ما تقدم في التخريج إلا أن ها هنا الموصى له يأخذ نصف العين بخلاف ما إذا كان أوصى له بربع المال لأنا نعلم أنه تعين من الدين قدر الربع وزيادة وحق الموصى له مقدم ها هنا في التنفيذ من ثلث المال فجميع وصيته ها هنا تخرج من ثلث المتعين من المال لأن وصيته بقدر خمسين درهما ربع المالين وقد تعين من الدين هذا المقدار باعتبار أن الابن المديون يصير مستوفيا بقدر حصته مما عليه فإذا أخذ الموصى له نصف العين وسلم الابن الذي لا دين عليه نصف العين ظهر أن المتعين من الدين مثل ذلك فإن حق الاثنين في التركة سواء فإن ظهر أن المتعين من الدين مقدار خمسين تبين أن وصية الموصى له ما جاوز من الثلث فلهذا يعطى جميع حقه مقدما على حق الوارث بخلاف ما تقدم فهناك إنما أوصى له بربع المال فهو بهذه الوصية يكون شريك الوارث بربع المال فلهذا لا ينفذ جميع وصيته من القدر المتعين من المال وأستوضح هذا الفرق بما لو كان الدين على رجل آخر فأوصى بربعه لإنسان ثم خرج من الدين عشرة أو عشرون فإن ذلك كله يسلم له للموصى له بربع الدين ويكون حقه في ذلك مقدما على حق الوارث بخلاف ما إذا كانت الوصية له بربع المال وعلى هذا لو كانت الوصية بخمس العين والدين استوفى الموصى له جميع حقه من العين وذلك أربعون درهما لأنه قد تعين من دينه مقدار حقه والزيادة وحقه فيما تعين مقدم على حق الورثة وجميع وصيته دون ثلثي ما تعين فلهذا يأخذ جميع حقه من المال العين.(28/266)
ولو كان أوصى بثلث ماله لرجل وبربع ماله لآخر فالقول أن الوصيتين جاوزتا الثلث فيعزل لتنفيذهما ثلث المتعين من المال وذلك خمسون درهما نصف العين ثم يقسم ذلك بين الموصى لهما على سبعة أسهم لأن الموصى له بالثلث يضرب بثلث ما تعين وذلك خمسون والموصى له بالربع يضرب بما تعين وذلك سبعة وثلاثون ونصف فإذا جعلت تفاوت ما بين الأكثر والأقل وهو اثنا عشر درهما ونصف بينهما يكون حق صاحب الثلث أربعة أسهم وحق صاحب الربع ثلاثة فلهذا قسم نصف العين بينهما على سبعة إلا أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فحينئذ يمسك المديون كمال حقه وذلك ستة وستون وثلثان ويؤدي ثلاثة وثلاثين وثلثا فيأخذ الابن الذي لا دين عليه نصفها ويقسم نصفها بين الموصى لهما على سبعة أسهم كما ذكرنا في القسمة الأولى وإن قسمته على طريق السهام قلت قد انكسرت المائة بالأثلاث والأرباع فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فالموصى له بالثلث يضرب بالثلث وهو أربعة والموصى له بالربع يضرب بثلاثة فتكون القسمة على ما يسلم لهما بينهما على سبعة.
ولو كان أوصى بثلث ماله وخمسه كان نصف العين بين الموصى لهما على ثمانية لأن حق صاحب الثلث في كل عشرة دراهم سهم يكون حق صاحب الثلث في خمسين خمسة أسهم وحق صاحب الخمس ثلاثة فلهذا يقسم محل الوصية بينهما على ثمانية وعلى الطريق الآخر يحتاج إلى حساب له خمس فخمسه ثلاثة فتكون القسمة بينهما على ثمانية.(28/267)
ص -130- ... ولو كان أوصى بثلث ماله وربعه وخمسه كان نصف العين بينهم على خمسة وأربعين سهما عشرين منها لصاحب الثلث وخمسة عشر لصاحب الربع واثنا عشر لصاحب الخمس لأن صاحب الثلث يضرب بخمسين وصاحب الربع خمسة عشر سهما وحق صاحب الخمس اثنا عشر سهما فيضرب كل واحد منهم في محل الوصية بسهام حقه وعلى طريق السهام يحتاج إلى حساب له ثلث وربع وخمس وذلك بأن نضرب ثلاثة في أربعة ثم في خمسة فتكون ستين للموصى له بالثلث ثلاثة وعشرون وللموصى له بالربع ربعه خمسة عشر وللموصى له بالخمس خمسة اثنا عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت سبعة وأربعين سهما.
ولو أوصى بثلث العين والدين وبخمس ماله كان بمنزلة من وصى بثلث ماله وخمس ماله لأن الوصيتين جاوزتا الثلث وقد بينا أن عند مجاوزة الثلث لا فرق بين الوصيتين بالعين وبين الوصية بالمال مرسلا في أنه تنفذ الوصية لهما في نصف العين فأما في القسمة بينهما فقال أبو حنيفة هذا والأول أيضا سواء لأن حق الموصي له بثلث العين والدين في ستة وستين وثلثين فقد تعين من الدين مقدار حقه فيها وزيادة وحق الموصى له بخمس المال في خمس ما تعين وذلك ثلاثون درهما إلا أن من أصله أن الموصى له بالزيادة على ثلث المتعين من المال تبطل وصيته في الزيادة ضربا واستحقاقا فإنما يضرب هو بخمس الآخر بثلاثين فتكون القسمة بينهما ثمانية أسهم كما في الفصل المتقدم فأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فالموصى له بثلث العين والدين يضرب فيه بجميع حقه وذلك ستة وستون وثلثان فالسبيل أن يجعل كل عشرة على ثلاثة أسهم فيكون حق صاحب الخمس في تسعة أسهم وحق صاحب الثلث في عشرين سهما فيقسم نصف العين بينهما على تسعة وعشرين سهما وقد فسره بعد هذا ونص على الخلاف بهذه الصفة.(28/268)
ولو كان أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع العين والدين اقتسما نصف العين نصفين لأن الموصى له بثلث المال حقه في خمسين ثلث المتعين من المال وكذلك حق الموصى له بربع العين والدين فقد تعين من الدين والعين مقدار حقه فيهما وزيادة وحقه فيهما مقدم على حق الورثة فلهذا ضرب هو بخمس كما ضرب صاحب الثلث فكان قسمة نصف العين بينهما نصفين.
ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع العين والدين اقتسما نصف العين نصفين لأن المتعين من الدين نصفه وفيه وفاء بوصية صاحب الدين وزيادة فهو يضرب بجميع وصيته وذلك خمسون وصاحب ثلث المال يضرب بخمسين أيضا ثلث المتعين من المال فكان محل الوصية بينهما نصفين.
ولو كانت الوصية بثلث ماله وبخمس العين والدين كان نصف العين بين الموصى لهما أتساعا لصاحب الثلث خمسة ولصاحب الخمس أربعة لأن صاحب الخمس يضرب بجميع حقه وذلك أربعون درهما فقد تعين من الدين مقدار حقه وزيادة وصاحب الثلث يضرب(28/269)
ص -131- ... بخمس فإذا جعلت كل عشرة سهما كان لصاحب الثلثين خمسة ولصاحب الخمس أربعة فلهذا كانت القسمة بينهما أتساعا.
ولو كانت الوصية بثلث العين والدين وبربع ماله كان نصف العين بينهما على خمسة وعشرين سهما تسعة منها لصاحب الربع وستة عشر لصاحب الثلث في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وأما في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فهو بينهما على سبعة أسهم وقد ذكر هذه المسألة قبل هذا وأجاب فيها بجواب مبهم فقال هذا بمنزلة وصيته بثلث المال وبربع المال وقد تبين بما ذكر ها هنا أن مراده هناك المساواة بينهما في أن تنفيذهما من نصف العين خاصة أو المساواة بينهما في التخريج على قول أبي حنيفة رحمه الله خاصة دون قولهما ثم بيان التخريج على قولهما أن صاحب ثلث العين والدين يضرب في محل الوصية بثلث العين وثلث الدين جميعا فقد تعين من الدين فوق ثلث وثلث الدين ستة وستون وثلثان وصاحب ربع المال إنما يضرب بسبعة وثلاثين ونصف ربع ما تعين من المال فقد انكسر العشر بالإثلاث والأرباع فالسبيل أن تجعل كل عشرة على اثنى عشر مكان حق صاحب الربع خمسة وأربعين وحق صاحب ثلث العين والدين في ثمانين ولكن بينهما موافقة بالخمس فيقتصر بالخمسة من خمسة وأربعين على خمسها وذلك تسعة ومن ثمانين على خمسها وذلك ستة عشر فصاحب الربع يضرب بتسعة وصاحب الثلث بستة عشر فكانت القسمة بينهما على خمسة وعشرين سهما وأما على قول أبي حنيفة فصاحب ثلث العين والدين إنما يضرب بخمسين لأن ما زاد على ذلك إلى تمام ستة وستين وثلثين جاوز الثلث فبطلت وصيته في ذلك ضربا واستحقاقا وصاحب الربع إنما يضرب بسبعة وثلاثين ونصف فإذا جعلت كل اثني عشر ونصف سهما يكون حق صاحب الثلث أربعة أسهم وحق صاحب الربع ثلاثة فلهذا كانت القسمة بينهما على سبعة أسهم.(28/270)
ولو كانت الوصية بربع ماله وبخمس العين والدين اقتسما نصف العين على أحد وثلاثين سهما خمسة عشر سهما لصاحب الربع وستة عشر لصاحب الخمس لأن صاحب الخمس إنما يضرب بألف درهم وصاحب ربع المال إنما يضرب بسبعة وثلاثين ونصف فيكون كل عشرة على أربعة أسهم فحق صاحب الخمس ستة عشر وحق صاحب الربع خمسة عشر.
ولو أوصى مع هذا بثلث ماله اقتسم أصحاب الوصايا نصف العين على أحد وخمسين سهما لأن صاحب الثلث إنما يضرب بثلث ما تعين وذلك خمسون وقد جعلنا كل عشرة على أربعة أسهم فيصير حقه في عشرين سهما إذا ضممت ذلك إلى أحد يكون أحدا وثلاثين وخمسين فيقسم محل الوصية وهو نصف العين بينهم على هذا لصاحب الثلث عشرين ولصاحب الربع خمسة عشر ولصاحب الخمس ستة عشر.
ولو لم يكن أوصى بثلث ماله ولكنه أوصى بثلث العين والدين اقتسم أصحاب الوصايا نصف العين على سبعة وخمسين سهما وثلثي سهم لصاحب الخمس منهما ستة عشر ولصاحب(28/271)
ص -132- ... الرد خمسة عشر والباقي لصاحب الثلث في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن صاحب ثلث العين والدين إنما يضرب بستة وستين درهما وثلثين وصاحب الخمس بأربعين وصاحب ربع المال بسبعة وثلاثين ونصف فيجعل كل عشرة على اثنى عشر سهما فيكون لصاحب الربع خمسة وأربعون ولصاحب الخمس ثمانية وأربعون فذلك ثلاثة وتسعون ولصاحب ثلث العين والدين ثمانون فجملته تكون مائة وثلاثين وسبعين.
وفي الكتاب اقتصر على الثلث من ذلك لأنه يجوز بالكسر بالأثلاث فجعل محل الوصية بينهم على سبعة وخمسين وثلثي سهم وجعل لصاحب الخمس ستة عشر وهو ثلث ثمانية وأربعين ولصاحب الربع خمسة عشر وهو ثلث خمسة وأربعين ولصاحب الثلث ستة وعشرون وثلثان وهو ثلث ثمانين فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله بالتخريج على الأصلين المعروفين له أن في الوصايا في العين تكون القسمة على طريق المنازعة وأن الوصية بما زاد على الثلث تبطل عند عدم الإجازة ضربا واستحقاقا فنقول قد تعين من الدين خمسون واجتمع فيها ثلاث وصايا وصية بثلاثة وثلاثين وثلث لصاحب ثلث الدين وبعشرين لصاحب خمس الدين وباثني عشر ونصف لصاحب ربع المال فما زاد على عشرين إلى تمام ثلاثة وثلاثين وثلث لا منازعة فيه لصاحب الخمس والربع فيسلم لصاحب الثلث وذلك ثلاثة عشر وثلث ثم ما زاد على اثني عشر ونصف إلى تمام عشرين لا منازعة فيه لصاحب الربع وكل واحد من الآخرين يدعى ذلك وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهم سبعة ونصفا فإذا قد رجعنا من الخمسين ثمانية وعشرين وثلثا يبقى أحد وعشرون وثلثان استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أثلاثا لكل واحد منهم سبعة وتسعون ثم تخريجه من حيث السهام فذلك أيسر فنقول قد انكسرت العشرة بالأثلاث والأرباع فيجعل كل عشرة على اثنى عشر فيصير الخمسون الدين على ستين سهما حق صاحب الخمس في أربعة وعشرين وحق صاحب الربع في خمسة عشر فما زاد على ذلك إلى أربعة وعشرين وهو تسعة لا منازعة فيه لصاحب الربع(28/272)
وكل واحد من الآخرين يدعيه وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما تسعة ويبقى هناك ستة وعشرون استوت منازعتهم فيه فانكسر بالأثلاث فتضرب ستين في ثلاثة فيكون مائة وثمانين كان ما أخذ صاحب الثلث خمسة وعشرين ضربت في ثلاثة فذلك خمسة وسبعون وما أخذ صاحب الخمس تسعة ضربته في ثلاثة فذلك سبعة وعشرون وثمانية وسبعون بينهم لكل واحد منهم ستة وعشرون فحصل لصاحب ثلث العين والدين من الدين مائة وواحد ولصاحب الخمس ثلاثة وخمسون ولصاحب الربع ستة وعشرون ثم المائة العين تصير على ثلاثمائة وستين كل خمسين على مائة وثمانين لصاحب الثلثين من ذلك مائة وعشرون فجملة ماله مائتان وأحد وعشرون إلا أن ثلث المتعين من المال مائة وثمانون فما زاد على ذلك من وصيته يبطل ضربا واستحقاقا فهو إنما يضرب بمائة وثمانين وصاحب الخمس حقه من العين اثنان وسبعون ومن الدين ثلاثة وخمسون فيكون جملة ذلك مائة وستة عشر فإذا جمعت بين هذه(28/273)
ص -133- ... السهام كانت الجملة أربعمائة وأحد عشر سهما فيقسم نصف العين بينهم على ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله لصاحب الربع مائة وستة عشر ولصاحب الخمس مائة وخمسة وعشرون ولصاحب الثلث مائة وثمانون.
ولو أوصى لرجل بربع ماله ولآخر بربع العين ولآخر بربع العين والدين كان نصف العين بينهما على سبعة لأن صاحب ربع العين والدين يضرب بخمسين كمال حقه وصاحب ربع العين يضرب بسبعة وثلاثين ونصف ربع ما تعين من المال فيجعل كل اثني عشر ونصف سهما فيصير حقه في ثلاثة وحق الآخر في أربعة فلهذا كان تضرب العين بينهم على سبعة.
ولو أوصى بثلث ماله لرجل وبثلث العين والدين فعلى قولهما نصف العين بينهما على سبعة لأن صاحب العين والدين يضرب بستة وستين وثلثين وصاحب ثلث المال يضرب بخمسين فإذا جعلت كل ستة عشر وثلثا سهما كانت القسمة بينهما على سبعة وفي قول أبي حنيفة رحمه الله الثلث بينهم نصفان لأن صاحب العين لا يضرب بما زاد على الخمسين فيستوى هو بصاحب ثلث المال.
ولو أوصى بخمس ماله لرجل وبخمس العين والدين لآخر فنصف العين بينهما على سبعة لأن صاحب خمس العين والدين إنما يضرب بأربعين وصاحب خمس المال إنما يضرب بثلاثين خمس العين والمال فإذا جعلت كل عشرة سهما صار حق أحدهما في أربعة أسهم وحق الآخر في ثلاثة فلهذا كانت القسمة بينهما على سبعة.
ولو أوصى لرجل بثلث العين ولآخر بثلث الدين كان نصف الدين بينهما نصفين لأنه قد تعين من الدين مقدار وصية صاحب الدين وزيادة فهو يضرب بجميع وصيته في محل الوصية وهو نصف العين كما يضرب صاحب العين بجميع وصيته فللمساواة كان نصف العين بينهما نصفين.(28/274)
وكذلك لو أوصى بربع العين لرجل وربع الدين لآخر إلا أن ها هنا إذا اقتسما نصف العين بينهما نصفين فقد وصل إلى كل واحد منهما كمال حقه فما يخرج من الدين بعد ذلك يكون للابن خاصة وفي الأول ما وصل إليهما كمال حقهما فإذا خرج الدين أمسك المديون كمال حقه وأدى الفضل وهو ثلاثة وثلاثون وثلث فكان نصف ذلك للابن الذي لا دين عليه ونصفه بين صاحبي الوصية نصفان.
ولو كان أوصى بخمس العين لرجل وبخمس الدين لآخر أخذه جميع وصيتهما بقدر أربعين درهما لأن وصيتهما دون نصف العين فإن وصيتهما بقدر أربعين درهما ونصف العين خمسون فيأخذ كل واحد منهما كمال حقه يبقى من العين ستون فهي للابن الذي لا دين عليه وقد سلم للمديون مثل ذلك مما عليه إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ يمسك المديون كمال حقه وذلك ثمانون ويؤدي إلى أخيه عشرين.
ولو أوصى بثلث العين لرجل وبربع الدين لآخر كان نصف العين بينهما على سبعة(28/275)
ص -134- ... لصاحب الربع ثلاثة وللآخر أربعة لأن وصيتهما فوق نصف العين ها هنا فإنما يقول نصف العين لتنفيذ الوصيتين باعتبار أنه ثلث المتعين من المال ثم يضرب فيه صاحب ثلث العين بثلاثة وثلاثين وثلث وصاحب ربع الدين بخمسة وعشرين فإذا جعلت تفاوت ما بين الأقل والأكثر وهو ثمانية وثلث سهما يكون لهذا ثلاثة وللآخر أربعة وما خرج من الدين أخذ نصفه إلى أن يستوفيا وصيتهما ثم ما يخرج بعد ذلك يكون للابن الذي لا دين عليه لأن الباقي من وصيتهما ثمانية وثلث فإذا خرج ستة عشر وثلثان وأخذا نصفه فاقتسماه بينهما على سبعة فقد استوفى كل واحد منهما كمال وصيته فما يخرج بعد ذلك يكون للابن الذي لا دين عليه.
ولو أوصى بثلث ماله لرجل وبثلث العين لآخر وبربع الدين لآخر كان نصف العين بينهم على ثلاثة عشر سهما لأن صاحب ثلث المال يضرب بخمسين ثلث المتعين من المال وصاحب ثلث العين يضرب بثلاثة وثلاثين وثلث وصاحب ربع الدين يضرب بخمسة وعشرين فإذا جعلت كل ثمانية وثلث سهما يصير حق صاحب ثلث المال ستة أسهم وحق صاحب ربع الدين ثلاثة فلهذا قسم محل الوصية بينهم على ثلاثة عشر سهما.
ولو كان أوصى بثلث العين والدين مكان وصيته بثلث المال مرسلا فنصف العين بينهم على خمسة عشر في قول أبي يوسف ومحمد لأن صاحب ثلث العين والدين يضرب بستة وستين وثلثين فإذا جعلت كل ثمانية وثلث سهما يكون حقه في ثمانية أسهم فلهذا كانت قسمته العين بينهم على خمسة عشر لصاحب ثلث العين والدين ثمانية ولصاحب ثلث العين أربعة ولصاحب ربع الدين ثلاثة فأما في قياس قول أبي حنيفة نصف العين بينهم على خمسة وعشرين للأصلين المعروفين له على ما بينا.(28/276)
ووجه التخريج أنه يتعين من الدين خمسون وفيه وصيتان لصاحب ثلث العين والدين بثلاثة وثلاثين وثلث ولصاحب ربع الدين بخمسة وعشرين بمقدار ثمانية وثلث تفاوت ما بين الحقين يسلم لصاحب الثلث بلا منازعة يبقي أحد وأربعون وثلثان وقد استوت منازعتهما فيه فيكون بينهما نصفين لكل واحد منهما عشرون وخمسة أسداس فكان لصاحب ربع الدين عشرون وخمسة أسداس وللآخر تسعة وعشرون وسدس قبله من العين ثلاثة وثلاثون وثلث فيكون جملة حقه اثنين وستين وأربعة أسداس فالسبيل أن تجعل كل أربعة وسدس سهما فيكون حق صاحب ربع الدين خمسة أسهم وحق صاحب ثلث العين ثمانية أسهم فكان حق صاحب ثلث العين والدين اثنين وستين وأربعة اتساع إلا أنه لا يضرب بما زاد على الخمسين لأن وصيته في الزيادة على الثلث تبطل ضربا واستحقاقا فإنما يضرب هو بخمسين فإذا جعلت كل أربعة وسدس سهما يكون ذلك اثنى عشر سهما فهو يضرب باثنى عشر وصاحب ثلث الدين بثمانية وصاحب ربع الدين بخمسة فتكون الجملة خمسة وعشرين سهما فيقسم نصف سهم على ذلك.
وإذا كان لرجل مائة درهم عينا ومائتا درهم على أحد ابنيه فأوصى لرجل بربع ماله(28/277)
ص -135- ... ولآخر بثلث العين ولآخر بخمس الدين فنصف العين بين أصحاب الوصايا على مائة وثلاثة وثلاثين في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن صاحب ربع المال إنما يضرب بسبعة وثلاثين ونصف وصاحب ثلث الدين يضرب بثلاثة وثلاثين وثلث وصاحب خمس الدين يضرب بأربعين لأنه قد تعين من الدين خمسون وذلك فوق حقه فقد انكسر على عشرة بالأثلاث والأرباع فيحمل كل عشرة على اثنى عشر فكان حق صاحب خمس الدين في ثمانية وأربعين وحق صاحب ربع المال في خمسة وأربعين وحق صاحب ثلث العين في أربعين فإذا جمعت بين هذه السهام كانت الجملة مائة وثلاثة وثلاثين سهما فلهذا قسم نصف العين بينهم على ذلك وأما على قياس قول أبي حنيفة فنصف العين بين أصحاب الوصايا على مائتين وستين لأنه اجتمع مما تعين من الدين وصيتان وصية بأربعين منها لصاحب الخمس وباثنى عشر ونصف لصاحب ربع المال فقدر سبعة وعشرين ونصف خرج عن منازعة صاحب الربع فيسلم لصاحب الخمس يبقي اثنان وعشرون ونصف استوت منازعتهما فيه فكان بينهما نصفين لكل واحد منهما أحد وعشرون عشر وربع فقد انكسر الدرهم بالأرباع ولصاحب ثلث العين من العين ثلاثة وثلاثون وثلث ولصاحب ربع المال من ذلك خمسة وعشرون فجملة ما أصاب الربع ستة وثلاثون وربع ولصاحب الخمس ثمانية وثلاثون وثلاثة أرباع فقد انكسر بالأثلاث والأرباع فالسبيل أن تجعل كل درهم على اثني عشر سهما فيصير ما تعين من الدين وذلك خمسون ستمائة والمائة العين ألف ومائتان ولكنك تجعل الموافقة بينهما بالخمس فاختصر من ستمائة على خمسها وهو مائة وعشرون والمائة العين على مائتين وأربعين ثم نعود إلى الأصل فنقول حق صاحب خمس الدين في أربعة وتسعين وحق صاحب الربع في ثلاثين مقدار ستة وستين تسلم لصاحب الخمس بلا منازعة يبقى أربعة وخمسون استوت منازعتهما فيه فكان بينهما نصفين فحصل لصاحب ربع المال من الدين سبعة وعشرون ولصاحب خمس الدين مرة ستة وستون ومرة سبعة وعشرون فذلك(28/278)
ثلاثة وتسعون ولصاحب الربع من المائة العين ستون سهما فإذا ضممت إليه سبعة وعشرين يكون سبعة وثمانين لصاحب ثلث العين ثمانون ثلث مائتين وأربعين فإذا جمعت بين هذه السهام كانت الجملة مائتين وستين وأن ثلاثة وتسعين مع سبعة وثمانين يكون مائة وثمانين إذا ضممت إلى ذلك ثمانين يكون مائتين وستين وكانت القسمة بينهم على ذلك عند أبي حنيفة.
ولو لم يكن أوصى بربع ماله ولكنه أوصى بربع العين والدين كان نصف العين على تسعة وثمانين سهما في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن صاحب خمس الدين يضرب بأربعين وصاحب ربع العين والدين إنما يضرب بخمسة وسبعين لأنه تعين من الدين مقدار الربع فهو يضرب بجميع وصيته فيها وصاحب العين بثلاثة وثلاثين وثلث فتجعل كل عشرة على ستة لأنه انكسر كل عشرة بالأثلاث والأنصاف فتضرب اثنين في ثلاثة فيكون ستة وإذا صار كل عشرة على ستة فسهام ما تعين من الدين ثلاثون وسهام المائة العين ستون ثم صاحب(28/279)
ص -136- ... خمس الدين إنما يضرب باربعة وعشرين وذلك أربعة أخماس ما تعين من الدين وصاحب ربع العين والدين إنما يضرب بخمسة وأربعين ثلاثون بسهام ما تعين من الدين خمسة عشر سهام ربع المائة العين وأربعة وعشرون إذا ضممته إلى خمسة وأربعين يكون تسعة وستين وصاحب ثلث العين يضرب بعشرين سهام ثلث العين فيكون ذلك تسعة وثمانين فلهذا كانت قسمة نصف العين بينهم على تسعة وثمانين سهما وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ولم يذكر قول أبي حنيفة.
قال رضي الله عنه: وكان شيخنا الإمام يقول: إنما لم يذكره لأنه مل من ذلك ويمكن تخريجه على الأصلين اللذين بيناهما له فنقول اجتمع فيما تعين من الدين وصيتان لصاحب الخمس بأربعين ولصاحب الربع بخمسين إلا أن القسمة عنده على طريق المنازعة فالعشرة تسلم لصاحب الربع بلا منازعة ونصف الباقي بالمنازعة له ثلاثون ولصاحب الخمس عشرون ولصاحب الربع من العين خمسة وعشرون فيجتمع له خمسة وخمسون إلا أن فيما زاد على الخمسين تبطل وصيته ضربا واستحقاقا فإنما يضرب هو بخمسين وصاحب الخمس بعشرين وصاحب ثلث العين بثلاثة وثلاثين وثلث فيجعل كل عشرة على ثلاثة أسهم لانكسار العشرة بالأثلاث فيكون حق صاحب ثلث العين عشرة وحق صاحب ربع العين والدين خمسة عشر لأن حقه كان في خمسين وقد جعلنا كل عشرة على ثلاثة فتكون خمسة عشر وحق صاحب ربع الدين كان في عشرين فيكون ستة فإذا جمعت بين هذه السهام كان أحدا وثلاثين سهما فيقسم نصف العين بينهم على أحد وثلاثين سهما في قول أبي حنيفة رحمه الله بهذا.(28/280)
وإذا كان للرجل مائتا درهم عينا ومائة على أحد ابنيه دينا فأوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع الدين ولآخر بخمس العين فالمال كله عين لأن نصف العين محل لتنفيذ الوصية ونصفه للابن الذي لا دين عليه وهو مائة درهم ويسلم للمديون منه مثل ذلك وذلك جميع ما عليه فظهر أن المال قد تعين كله فيعول لمائة وهو ثلث المال لتنفيذ الوصايا فيضرب فيه الموصى له بربع الدين بخمسة وعشرين والموصى له بخمس العين بأربعين والموصى له بثلث المال بمائة فالسبيل أن يجعل كل عشرة على سهمين فيكون لصاحب الثلث عشرون ولصاحب ربع الدين خمسة ولصاحب خمس العين ثمانية فإذا جمعت بين هذه السهام كان ثلاثة وثلاثين والثلثان ضعف ذلك فيكون جملة المال بينهم على تسعة وتسعين سهما عندهم جميعا.
وإذا كان للرجل مائة درهم عينا ومائة على امرأته دينا ثم مات وترك امرأته وابنه وأوصى لرجل بثلث ماله فالمائة العين بين الابن والموصى له على أحد عشر سهما فالسبيل في هذا أن يصحح الفريضة فيخرجها من ثمانية للمرأة الثمن سهم وللابن سبعة ثم يزيد الموصى له مثل نصف الفريضة لأن الوصية بثلث المال وبكل عدد ردت عليه مثل نصفه تكون الزيادة ثلث الجملة فإذا زدت أربعة على ثمانية صار اثنى عشر ثم يطرح نصيب المرأة لأنها مستوفية لحقها(28/281)
ص -137- ... بما عليها فيضرب الابن في العين بسبعة والموصى له بأربعة فيكون بينهما على أحد عشر ولو كانت الوصية بربع ماله كانت المائة العين بينهما على تسعة وعشرين للموصى له ثمانية وللابن أحد وعشرون لا بل يزيد على ثمانية مثل ثلثه وليس له ثلث صحيح فاضرب ثمانية في ثلاثة فيكون أربعة وعشرين يزيد عليه مثل ثلثه ثمانية فيكون اثنين وثلاثين يطرح من ذلك نصيب المرأة وهو ثلاثة ويضرب الابن بأحد وعشرين والموصى له بثمانية ولو كانت الوصية بخمس ماله فالمائة العين بينهما على تسعة أسهم لأنك تزيد على ثمانية مثل ربعها وذلك سهمان ثم تطرح نصيب المرأة سهما يبقى تسعة تقسم العين على ذلك للموصى له سهمان وللابن سبعة فإن كان مكان الابن أخ لأب وأم وقد أوصى بثلث ماله فالعين بين الأخ والموصى له بالثلث على خمسة لأن أصل الفريضة من أربعة فتزيد عليه للموصى له مثل نصفه سهمين فيكون ستة ثم يطرح نصيب المرأة فيبقى حق الابن في ثلاثة وحق الموصى له في سهمين فعلى ذلك تقسم العين بينهما.(28/282)
ولو ترك مائة عينا ومائة على امرأته دينا ومائة على ابنه دينا وترك مع ذلك بنتا وقد أوصى لرجل بثلث ماله فالمائة العين بين البنت والموصى له على تسعة عشر لأن أصل الفريضة من ثمانية والقسمة من أربعة وعشرين للموصى له ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة سبعة فيزاد للموصى له بالثلث مثل نصفه اثنا عشر ثم يطرح نصيب الابن والمرأة فكل واحد منهما مستوف حقه مما عليه وإنما تقسم العين بين الابنة والموصى له على تسعة عشر للابنة سبعة وللموصى له اثنا عشر فإن أدت المرأة ما عليها صار المال كله عينا مقسوما على ستة وثلاثين سهما لأنها إذا أدت ما عليها فقد صار نصيب الابن أكثر مما عليه وبيان ذلك أن جملة المال ثلاثمائة اقسمها على ستة وثلاثين سهما يكون كل مائة اثني عشر ونصيب الابن أربعة عشر فعرفنا أن نصيبه أكثر من مائة فيجب له ما عليه وللمرأة نصيبها بما عليها ثلاثة أسهم ويؤدي ما بقي فيكون ذلك مع المائة العين مقسوما بين الابنة والموصى له والابن على أحد وعشرين سهما لأنه قد وصل إلى الابن اثنا عشر بما عليه من الدين يبقى حقه في سهمين وحقهما في تسعة عشر كما بينا.
ولو كانت الوصية بخمس ماله ولم تؤد المرأة شيئا فالمال الذي على الابن عين لأن نصيبه أكثر من مائة وبيان ذلك أنه يطرح نصيب المرأة ويقسم المائة العين مع ما على الابن بينهم على سبعة وعشرين لأن الفريضة كانت من أربعة وعشرين وزدنا الموصى له بالخمس مثل ربعها ستة فيكون ثلاثين ثم يطرح نصيب المرأة ثلاثة يبقى سبعة وعشرون فيكون كل مائة على ثلاثة عشر ونصف فحق الابن أربعة عشر فعرفنا أن نصيبه أكثر من المائة فلهذا قسمنا المائتين على سبعة وعشرين للموصى له بالخمس ستة وللابنة سبعة وللابن أربعة عشر ثلاثة عشر ونصف قد كان مستوفيا له ويستوفي نصف سهم مما بقي.
قال: "وإذا كان للرجل مائة درهم عينا ومائة على ابنته دينا ثم مات وترك من الورثة امرأته(28/283)
ص -138- ... وابنته وابنه لا وارث له غيرهم وأوصى لرجل بثلث ماله فالمائة العين بين الابن والمرأة والموصى له على تسعة وعشرين سهما للموصى له من ذلك اثنا عشر وللابن أربعة عشر وللمرأة ثلاثة"لأن القسمة بين الورثة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة سبعة ثم تزاد الوصية بثلث المال مثل نصفه اثني عشر فيكون ستة وثلاثين ثم يطرح من ذلك نصيب الابنة لأنها مستوفية حقها مما عليها فيبقي تسعة وعشرون فلهذا تقسم العين بينهم على تسعة وعشرين كما بينا.
وإذا كان للمرأة مائة درهم عينا ومائة على زوجها دينا من صداقها فأوصت لرجل بربع مالها ثم ماتت وتركت من الورثة زوجها وأمها وأختيها لأبيها وأمها وأختين لأمها فالمائة العين تقسم بين الأم والأخوات والموصى له على أحد وثلاثين لأنا نصحح قبل الوصية فنقول للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللأختين للأم الثلث سهمان وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة فتكون القسمة من عشرة وهي مسألة أم الفروج ثم تزاد الوصية بالربع مثل ثلاثة وليس للعشرة ثلث صحيح فاضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم يزاد للموصى له مثل ثلثها عشرة ثم يطرح نصيب الزوج لأن عليه فوق حقه ونصيبه كان ثلاثة ضربناها في ثلاثة فتكون تسعة فإذا طرحت ذلك من أربعين يبقى أحد وثلاثون فتقسم العين بينهم على هذا للموصى له عشرة وقد كان للأم سهم ضربناه في ثلاثة فهو ثلاثة وللأختين للأم سهمان ضربناهما في ثلاثة فتكون ستة وللأختين لأب وأم أربعة ضربناها في ثلاثة فتكون اثنى عشر.(28/284)
قال: "وإذا كان للرجل على امرأته مائة درهم دينا فمات وترك مائة عينا وأوصى لرجل بخمس ماله وترك من الورثة امرأته وابنيه وأبويه فالمائة العين بين الموصى له وبين الابنين والأبوين على مائة وثلاثة عشر سهما"لأن هذه الفريضة إذا صححتها كانت من سبعة وعشرين فإنها مسألة المنبرية ثم يزاد للموصى له ربع ذلك لأنه أوصى له بمثل سبعة وعشرين فتكون مائة وخمسة وثلاثين إلا أنه يطرح نصيب المرأة لأنها استوفت حقها مما عليها وقد كان نصيبها ثلاثة ضربناها في أربعة فتكون اثنى عشر يبقى ثلاثة ومائة وعشرون فتقسم العين بينهم على هذا للموصى له سبعة وعشرون وللابنين أربعة وستون وقد كان لهما ستة عشر وضربنا ذلك في أربعة ويحسب للمرأة نصيبها مما عليه سبعة عشر درهما وسبعة أتساع فيؤدي ما بقي فيقتسمونه على ما وصفنا.
قال: "وإذا كان للرجل عشرة دراهم عينا وعشرة على أحد ابنيه دينا فأوصى لرجل بخمس ماله إلا درهما فإن الموصى له يأخذ من العشرة العين درهمين ونصفا ويأخذ الابن الذي لا دين عليه ما بقي".
وطريق التخريج لهذه المسألة من أوجه: أحدها: أنا لا نعتبر الاستثناء في الابتداء ولكن يعطى الموصى له بالخمس خمس العين وذلك درهمان ثم يسترجع بالاستثناء أحدهما فيكون في يد الورثة تسعة بين اثنين لكل واحد منهما أربعة ونصف ولكن لا يعطى الابن المديون(28/285)
ص -139- ... نصيبه فإن عليه فوق حقه بل يقسم ذلك بين الابن الذي لا دين عليه وبين الموصى له على مقدار حقهما قبله وحقهما قبله أثلاثا فإن درهمين من الدين للموصى له لأنه خمس العشرة الدين ولكل بن أربعة فإذا اقتسما أربعة ونصفا بينهما أثلاثا يكون للموصى له درهم ونصف وللابن ثلاثة فقد أخذ الموصى له مرة سهما قدره درهم ونصف وأخذ الابن مرة أربعة ونصفا ومرة ثلاثة فيكون ذلك تسعة وقد تعين من الدين مثل ذلك فتبين أن العين تسعة عشر ونصف خمس ذلك ثلاثة ونصف وقد نفذنا الوصية في ثلاثة ونصف واسترجعنا بالاستثناء درهما إلى أن يؤدي الابن المديون ما عليه فحينئذ يمسك من ذلك كمال حقه ثمانية ونصفا ويؤدي ما بقي وهو درهم ونصف فيقسم بين الابن والموصى له على مقدار حقهما أثلاثا فيحصل للموصى له ثلاثة ولكل بن ثمانية ونصف.(28/286)
والطريق الثاني: أن تجعل العشرة العين مقسومة بين الابن الذي لا دين عليه وبين الموصى له على مقدار حقهما أثلاثا لأن المديون استوفى حقه مما عليه فتطرح سهامه فإذا طرحت قسمنا العشرة أثلاثا وكان للموصى له ثلاثة وثلث ثم منه بالاستثناء خمسة أسداس درهم لأن المستثنى درهم من خمس جميع المال وهو أربعة وهو ربع ما يسلم للموصى له وربع ثلاثة وثلث خمسة أسداس فيبقي للموصى له درهمان ونصف ويسلم للابن سبعة ونصف والتخريج كما بينا وعلى طريق الدينار والدرهم نقول السبيل أن يجعل الخارج من الدين دينار ويضمه إلى العشرة العين فيكون للموصى له عشرة خمس ذلك وذلك درهم وخمس دينار ثم يسترجع بالاستثناء درهما فيضمه إلى الباقي فيكون بين الاثنين نصفين ولكل واحد منهما أربعة دراهم ونصف وخمسا دينار وحاجتنا إلى دينارين فإنا جعلنا الخارج من الدين وهو نصيب الابن المديون دينارا فأربعة أخماس دينار قصاص بمثلها يبقى في يد الورثة تسعة دراهم يعدل دينارا أو خمسا فتبين أن قيمة الدينار سبعة ونصف وإنا حين جعلنا الخارج من الدين دينارا كان ذلك يجزى سبعة ونصفا وأعطينا الموصى له درهمين وخمس دينار قيمته درهم ونصف فكانت ثلاثة ونصفا استرجعنا منه درهما يبقى له درهمان ونصف فاستقام وطريق الجبر فيه أن تجعل الخارج من الدين شيئا وتضمه إلى العشرة العين ويعطى الموصى له خمس ذلك درهمين وخمس شيء فيسترجع بالاستثناء درهما ويحصل في يد الورثة تسعة دراهم وأربعة أخماس شيء في يد الورثة قصاصا بمثلها يبقى في أيديهم تسعة دراهم تعدل شيئا وخمس شيء فأكمل ذلك شيئين بأن تزيد على ذلك مثل ثلثيه وزد ما يعدله أيضا مثل مثليه وذلك ستة فيكون خمسة عشر فإذا تبين أن الشيئين يعدلان خمسة عشر عرفنا أن الشيء الواحد يعدل تسعة دراهم ونصفا فأما حين جعلنا الخارج من الدين شيئا كان ذلك بمعنى سبعة ونصف وطريق الخطائين في ذلك أن تجعل الخارج من الدين درهما فيكون عدل أحد عشر ثم يعطى(28/287)
الموصى له خمس ذلك درهمين وخمسا ويسترجع بالاستثناء درهما فيكون في يد الورثة تسعة دراهم وأربعة أخماس وحاجة الورثة إلى درهمين ظهر الخطأ بزيادة سبعة وأربعة(28/288)
ص -140- ... أخماس فعد إلى الأصل واجعل الخارج من الدين درهمين فأعط الموصى له خمس ذلك درهمين وخمس درهم واسترجع بالاستثناء درهما فيكون في يد الورثة عشرة وثلاثة أخماس وحاجته إلى أربعة ظهر الخطأ بزيادة ستة وثلاثة أخماس وكان الخطأ الأول بزيادة سبعة وأربعة أخماس فلما زدنا في النصيب درهمين ثبت خطأ درهم وخمس وبقي خطأ ستة وثلاثة أخماس فعرفنا أن كل درهم يؤثر في درهم وخمس وبقي خطأ ستة وخمس فالسبيل أن يزيد ما يذهب خطأ ما بقي وذلك خمسة دراهم ونصف فإن خمسة دراهم يذهب خطأ ثلاثة أخماس درهم إذا كان ما بين كل درهم خمس فإذا زدنا هذا في الخارج من الدين ظهر أن الخارج من الدين سبعة ونصف والتخريج إلخ كما بينا وعند معرفة طريق الخطائين يتيسر التخريج على طريق الجامعين.(28/289)
قال: "ولو كان أوصى له بخمس ماله إلا ثلاثة دراهم أخذ الموصى له من العشرة والعين خمسة أسداس درهم يكون للذي لا دين عليه منها تسعة دراهم وسدس أما على الطريق الأول فنقول لا يعتبر الدين في الابتداء"لأنه تاو ولا الاستثناء ولكن يعطى الموصى له خمس العين وذلك درهمان ثم يسترجع منه بالاستثناء ثلاثة دراهم وفي يده درهمان فالدرهم الثالث يكون دينا عليه ويسمى هذا ومالا عليه على المال فإذا استرجعنا منه بالاستثناء ثلاثة صار معنا أحد عشر فيقسم ذلك بين الاثنين نصفين لكل واحد منهما خمسة ونصف إلا أن نصيب الابن المديون يأخذه الابن الذي لا دين عليه والموصى له قصاصا بحقهما وحقهما قبله أثلاثا فإن للموصى له من تلك العشرة درهمين وللابن أربعة فيقسم بين الاثنين هذه الخمسة ونصف بينهما أثلاثا ثلث ذلك درهم وخمسة أسداس للموصى له فإذا أخذ ذلك قضى ما عليه بدرهم وتبقى له خمسة أسداس والباقي للابن وهو تسعة دراهم وسدس ويسلم للمديون مثل ذلك مما عليه إلى أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فحينئذ يمسك المديون مما عليه كمال حقه تسعة دراهم ونصف لأن خمس المال أربعة والمستثنى ثلاثة فإنما يبقى للموصى له درهم والباقي بين الاثنين وذلك تسعة عشر لكل واحد منهما تسعة ونصف فيؤدي المديون نصف درهم ثم يقسم ذلك بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه أثلاثا على مقدار حقهما فيكون كل واحد منهما مستوفيا كمال حقه وعلى الطريق الثاني السبيل أن تقسم العين بين الابن الذي لا دين عليه والموصى له على مقدار حقهما أثلاثا ويحصل للموصى له ثلاثة وثلث ثم يسترجع منه بالاستثناء ثلاثة أرباع ما سلم له كان مقدار ذلك درهمين ونصفا فتبقى خمسة أسداس درهم ثم التخريج إلى آخره كما بينا وتخريجه على طريق الحساب على نحو ما قلنا في المسألة الأولى.(28/290)
قال: "ولو أوصى لرجل بدرهم من ماله أو بدرهمين ثم مات ولم يترك غير ابنه فإن الموصى له يأخذ جميع وصيته من العشرة العين"لأن ما سمى له أقل من ثلث العين والموصى له بقدر سهمين من المال وحقه مقدم على حق الورثة في الثلث فلهذا قلنا يأخذ جميع(28/291)
ص -141- ... وصيته سواء أوصى له بثلاثة أو أربعة أو خمسة وإن كان أوصى له بستة فحينئذ لا يأخذ إلا خمسة لأن ثلث المتعين من المال خمسة فإنه قد تعين من الدين نصيب الابن المديون وذلك خمسة دراهم مثل نصف العين فإن السالم للابن الآخر نصف العين فلهذا يأخذ الموصى له نصف العين فإن خرج من الدين شيء كان الخارج بين الابن والموصى له بمنزلة العين إلى أن يصل إلى الموصى له كمال حقه وهو ستة دراهم ثم يسلم ما بقي بعد ذلك للابن الذي لا دين عليه.(28/292)
قال: "فإن أوصى لرجل بدرهم ولآخر بخمس ماله فإن الموصى له بالدرهم يأخذ من العين درهما ويأخذ الموصى له بالخمس من العين ثلاثة دراهم وسدسا والباقي للابن الذي لا دين عليه"وذلك لأن الموصى له بخمس المال شريك الوارث فكما أن حق الموصى له بمال مسمى يكون مقدما على حق الوارث فكذلك يكون مقدما على حق من هو شريك الوارث فيبدأ وبالموصى له بالخمس بالدرهم فيعطي درهما يبقى تسعة دراهم فيأخذ الموصى له بالخمس خمس العين درهمين يبقى سبعة بين الابنين نصفين ولكن الابن المديون لا يعطي نصيبه بل يكون نصيبه للموصى له بالخمس وللابن الآخر مكان مالهما عليه وحقهما قبله أثلاث لأن حق الموصى له في الدرهمين مما عليه وحق الابن في أربعة فيقتسمان نصيبه وهو ثلاثة ونصف بينهما أثلاثا للموصى له درهم وسدس فقد أخذ مرة درهمين فصار له ثلاثة وسدس وللابن خمسة أسداس وقد تعين من الدين مثل ذلك المتعين خمسة عشر درهما وخمسة أسداس وقد نفذنا الوصية في خمس ذلك ثلاثة وسدس إلى أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فيمسك المديون نصيبه مما عليه سبعة ونصفا ويؤدي درهمين ونصفا فيقسم بين الموصى له والابن الآخر أثلاثا حتى يحصل للموصى له كمال حقه أربعة دراهم وللابن سبعة ونصف وعلى الطريق الآخر يجعل كأن المال كله عين فلا يعتبر في الابتداء وصية الموصي له بالدرهم في مقاسمة الورثة فيكون حق صاحب الخمس في أربعة دراهم وحق الابن الذي لا دين عليه في ثمانية فتقسم العين بينهما على مقدار حقهما أثلاثا لأن الابن المديون يستوفى حقه مما عليه فيحصل للموصى له ثلاثة وثلث ثم نقول وصية صاحب الدرهم مثل ربع وصية صاحب الخمس فيسترد من الابن الذي لا دين عليه مثل ربع ما أخذ منه الموصى له بالخمس وذلك خمسة أسداس درهم فيضم إلى ما في يده فيصير أربعة دراهم وسدسا ثم حق الموصى له بالدرهم مقدم فيعطى درهما من هذه الجملة ويبقى للموصى له بالخمس ثلاثة دراهم وسدس والتخريج كما بينا.(28/293)
ولو كان المال اثنى عشر درهما عينا واثنى عشر على أحد ابنيه دينا وأوصى لرجل بسدس المال يأخذ من العين ثلاثة دراهم وسبع درهم لأن وصيته لأحدهما بدرهمين من العين وهو مقدم كما بينا فيأخذ درهمين والموصى له بسدس المال يأخذ من العين درهمين فسدس المال بينه وبين الابن الآخر على مقدار حقهما قبله أسباعا فإن حق الموصى له قبله في الدرهمين(28/294)
ص -142- ... وحق الابن في خمسة فسبعاه درهم فيكون للموصى له سبعا هذه الأربعة وللابن خمسة أسباعه وكل سبع أربعة أتساع فسبعاه درهم وسبع إذا ضم ذلك إلى الدرهمين كان ثلاثة وسبعا يبقى في يد الابن ستة وستة أسباع وقد نفذنا الوصية في سدس ذلك ثلاثة وسبع إلى أن يثبت خروج الدين فيمسك الابن المديون حصته وذلك تسعة دراهم ويؤدي ثلاثة فيقتسمها الابن وصاحب سدس المال أسباعا سبعاه للموصى له وذلك تسع درهم إذا ضمه إلى ما أخذ يحصل له أربعة سدس المال ويبقى للأب درهمان وسبع إذا ضمه إلى ما أخذ كان ذلك له تسعة دراهم كمال حقه.
وعلى الطريق الآخر: يجعل المال كله كأنه عين ولا تعتبر الوصية بسدس العين في الابتداء فيكون للموصى له بسدس المال وللابن الآخر على مقدار حقهما أسباعا سبعاه للموصى له وذلك ثلاثة دراهم وثلاثة أسباع ثم وصية الموصى له بسدس العين مثل نصف وصية الموصى له بسدس المال فيسترد من الابن مثل نصف ما أخذه الموصى له وذلك درهم وخمسة أسباع فإذا ضم ذلك إلى ثلاثة وثلاثة أسباع يكون خمسة دراهم وسبع يأخذه الموصى له وذلك درهم وخمسة أسباع فإذا ضم ذلك إلى ثلاثة وثلاثة أسباع يكون خمسة دراهم وسبع يأخذ الموصي بسدس العين من ذلك درهمين لأن حقه مقدم ويبقى للموصى له بسدس المال ثلاثة دراهم وسبع والتخريج كما بينا.
وإذا كان للرجل مائة درهم عينا ومائة على أحد ابنيه دينا فأوصى لرجل بنصف العين أخذ الموصى له نصفها لأن وصيته ما زادت على ثلث المتعين من المال فقد تعين من الدين مثل نصف العين وهو نصيب الابن المديون فلهذا ينفذ للموصى له مثل جميع وصيته.
فلو أوصى له بثلثي العين أخذ أيضا نصفها لأن وصيته زادت على الثلث والمتعين من الدين يكون مثل نصيب الابن الذي لا دين عليه فلو نفذنا الوصية في ثلث العين كان السالم للابن ثلاثة وثلثا ويتعين من الدين مثل ذلك فيحصل تنفيذ الوصية في نصف المال وذلك لا يجوز فلهذا يسلم له نصف العين.(28/295)
ولو أوصى لرجل بنصف ماله وأجاز الابنان الوصية له ولم يجز كل واحد منهما ما أجاز صاحبه فإجازة الابن الذي عليه الدين باطلة في المال أما قوله ولم يجز كل واحد منهما ما أجاز صاحبه فإنما تظهر فائدة هذا في المسألة الثانية وأما قوله أن إجازة الابن المديون باطلة فلأن المديون لا يسلم له شيء من العين وأما من الإجازة في سلامة شيء من المال منها للموصى له فإنما تعمل إجازة من يكون متمكنا من استيفاء شيء من العين دون من لا يكون متمكنا.
ألا ترى أن الابن الذي أجاز وصية أبيه لو لم يكن وارثا بأن كان قاتلا كانت إجازته باطلة فهذا مثله ثم يأخذ الموصى له نصف العين وذلك خمسون درهما بلا منة لأحد ويكون للابن الذي لا دين عليه النصف الباقي وقد أجاز للموصى له وصيته فيعطيه من هذا النصف(28/296)
ص -143- ... اثنى عشر ونصفا فيؤمر بدفع ذلك القدر إلى الموصى له وعلى الطريق الآخر يجعل كأن المال عين فيكون للموصى له الثلث ستة وستون وثلثان بلامنة الإجازة يبقى من حقه ثلاثة وثلاثون وثلث نصف ذلك في حصة كل واحد من الاثنين وذلك ستة عشر وثلثان فيعطى له من العين الثلث وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث يبقى ستة وستون وثلثان بين الاثنين نصفين ثم لا يعطى المديون نفسه بل يقسمه الآخران على مقدار حقهما قبله وحقهما قبله سواء فيأخذ الموصى له ستة عشر وثلثين فيحصل له خمسون درهما ثم أن الموصى له يأخذ من الابن الذي لا دين عليه مثل ربع نصيبه الأصلي وذلك ثمانية وثلث فيصير له ثمانية وخمسون وثلث ويأخذ أيضا مثل ربع ما أخذه في المرة الثانية وهو في أربعة دراهم وسدس فيكون ذلك اثنين وستين ونصفا وإنما يأخذ مثل أربعة لما بينا أنه إنما أجاز له الوصية فيما زاد على الثلث إلى تمام النصف وما زاد على الثلث إلى تمام النصف يكون ربع الثلثين فعرفنا أن كل واحد منهما إنما أجاز له الوصية في ربع ما يسلم له إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ الابن المديون يمسك ميراثه وذلك ستة وستون وثلثان ويؤدي ثلاثة وثلاثين ونصفا فيقسم بين الآخرين لكل واحد منهما ستة عشر وثلثان ثم يستوفى الموصى له من الابن الذي لا دين عليه ربع ما أخذ باعتبار إجازته وذلك أربعة وسدس فيسلم له ستة وستون وثلثان ويأخذ من الابن الذي عليه الدين ما أجاز الوصية فيه لأنه لما تعين الدين عملت إجازته وذلك ستة عشر وثلثان فيصير له ثلاثة وثلاثون وثلث وقد كان السالم له بلا منة خمسون وظهر الآن أن ثلث المال ستة وستون وثلثان فيأخذ من كل واحد منهما أيضا ثمانية وثلثا حتى يسلم له كمال مائة درهم ويبقى لكل واحد منهما خمسون درهما فإن قال الابن الذي لا دين عليه قد أجزت له جميع وصيته وجميع ما أجاز له أخي من ذلك كله أخذ الموصى له من المائة العين ثلثها لأن إجازة المديون في العين إنما تصح بحق(28/297)
الابن الذي لا دين عليه وقد أجاز هو إجازته فكما أن وصية الموصى تنفذ بإجازته في حقه وإذا نفذت إجازتهما قلنا المائة العين تقسم بين الابن والموصى له على مقدار حقهما وحق الموصى له مائة في درهم وحق كل بن في خمسين فتقسم المائة العين بينهما أثلاثا ثلثاها للموصى له وذلك ستة وستون وثلثان وثلثها للابن وقد تعين من الدين مثل ذلك فظهر أن المتعين من المال مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وإنما نفذنا الوصية في نصفها فإذا تيسر خروج الدين أمسك المديون حصته وذلك خمسون درهما وأدى خمسين فاقتسمها الابن والموصى له أثلاثا للموصى له ثلثاها وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فيصل إليه كمال حقه مائة درهم ويسلم لكل بن خمسون درهما.
ولو كان أوصى له بنصف العين ونصف الدين فأجاز الوارثان ذلك فإجازة الذي عليه الدين باطلة ويأخذ الموصى له ثلثي المال العين لأنه قد تعين من الدين نصفه باعتبار نصيب الابن المديون وقد بينا أن الموصى له بالمال العين حقه مقدم على حق الوارث وقد أجاز الابن الذي لا دين عليه وصيته وإجازته صحيحة في حقه فيضرب الموصى له بنصف العين(28/298)
ص -144- ... ونصف الدين وذلك مائة درهم والابن إنما يضرب فلهذا كانت العين بينهما أثلاثا للموصى له ثلثاها وللابن ثلثها.
فإن قيل: فإذا سلم للابن ثلثها وظهر أن المتعين من الدين ثلثها.
قلنا: السالم للابن ثلث العين في الصورة وفي الحكم نصف العين لأن الموصى له إنما استحق تلك الزيادة عليه باعتبار إجازته فيكون كالسالم له في حكم وبهذا يتبين أن المتعين من الدين في الحكم خمسون درهما.
ولو أجاز له الابن الذي لا دين عليه وصيته وأجاز أيضا ما أجاز له أخوه أخذ الموصى له من المال المعين خمسة وسبعين درهما والابن الذي لا دين عليه خمسة وعشرين درهما لأنه إنما يستحق بإجازة كل واحد منهما ستة عشر درهما وثلثي درهم نصف ذلك في الدين ونصفه في العين وقد بينا أن إجازة الابن المديون في العين غير صحيح بحق الذي لا دين عليه ولو لم يجز الابن الآخر إجازته لكان الموصى له يأخذ ستة وستين وثلثين فإذا أجاز إجازته أخذ مع ذلك ثمانية وثلثا حصته من الإجازة في المائة العين فتكون خمسة وسبعين درهما وعلى الطريق الآخر تقسم المائة العين أثلاثا ثم الموصى له يأخذ من الابن الذي لا دين عليه حصة إجازته في المائة العين وذلك ثمانية وثلث ويقسم نصيب الابن المديون وهو ثلث المائة بينهما نصفين فيسلم له أيضا ستة عشر وثلثان فيكون ذلك ثمانية وخمسين وثلثا والنصف الذي أخذه الابن الذي لا دين عليه يأخذه أيضا بالإجازة لأن ذلك قد تعين من الدين وإنما يسلم له عوضا عن حصته من الدين وقد أجاز وصيته فيه فيكون حق الموصى له فيه مقدما على حقه فإذا ضم ذلك إلى ما أخذه كان له خمس وسبعون فإذا ثبت خروج ما بقي من الدين أمسك المديون من ذلك خمسين ودفع من ذلك إليهما خمسين فيكون بينهما نصفين لأن حصة الإجازة في الدين قد وصلت إليه فبقى حقهما فيما بقي من الدين سواء فإذا اقتسما هذه الخمسين نصفين سلم للموصى له مائة درهم كمال حقه ولكل بن خمسون.(28/299)
ولو كان أوصى له بثلث ماله أجاز أو لم يجز فهو سواء ويأخذ الموصى له نصف العين لأن الموصى له يستغنى عن إجازة الورثة في استحقاق ثلث المال بالوصية وهو شريك الورثة بالثلث فيما يتعين من المال وما يتوى منه"ولو كان أوصى بثلث العين وبثلث الدين لرجل فأجاز أخذ من العين مائة وخمسين وثلثا".
قال رضي الله عنه: "واعلم بأن إجازتهما ها هنا في الابتداء معتبرة وفي الانتهاء غير معتبرة"ثم نصف العين وهو خمسون سالم للموصى له بلا منة الإجازة يبقى إلى تمام حقه ستة عشر وثلثان فإنه قد تعين من الدين مقدار حقه والزيادة فيه وحقه مقدم وما يسلم له بالإجازة يكون من جهة الابنين نصفين إلا أن إجازة الابن المديون غير معتبرة في العين وإجازة الابن الآخر معتبرة فيأخذ حصته ثمانية وثلثا فلهذا كان له ثمانية وخمسون وثلث فإن أجاز الابن الآخر ما أجاز له لابن المديون أيضا أخذ الموصى له من المائة العين ستة وستين وثلثين لأن(28/300)
ص -145- ... حصة المديون إنما كانت لا تسلم للموصى له بالإجازة لدفع الضرر عن الابن الآخر فإذا رضي به الابن الآخر أخذ كمال حقه فقد تعين من الدين مقدار حقه وقد صحت الإجازة منهما جميعا وحقه فيما تعين يقدم على حق الورثة.
قال رضي الله عنه: "طعن عيسى في هذا الفصل وقال أنه أعطى الموصى له جميع وصيته قبل خروج ما بقي من الدين ولم يفعل مثل هذا فيما تقدم لا في الوصية بثلث المال ولا في الوصية بثلث العين والدين"ومن حيث المعنى لا فرق بين هذا وبين ما سبق ولكنا نقول إنما فعل ذلك استحسانا لاظهار تأثير الإجازة فإن إجازتهما بعد خروج الدين لغو فلو لم يحصل له جميع وصيته قبل خروج ما بقي من الدين صارت منة الإجازة لغوا أصلا وهي معتبرة بخلاف ما سبق فهناك الإجازة مؤثرة بعد خروج ما بقي من الدين لأن الوصية بنصف المال فمن هذا الوجه يقع الفرق بينهما ثم إذا خرج ما بقي من الدين بطلت الإجازة وأمسك الابن المديون ستة وستين وثلثين كمال حقه وأعطى ثلاثة وثلاثين إلى أخيه وقد سلم للموصى له كمال حقه.
ولو كان أوصى بنصف ماله فأجاز الابن الذي عليه الدين ولم يجز الآخر فإجازته باطلة لأن المديون لا يتمكن من أخذ شيء من العين ولا تتعين إجازته فيه ولأنه مستوف جميع ميراثه ولكن الموصى له يأخذ نصف العين فإذا خرج ما بقي من الدين وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث اقتسماه نصفين حتى يستوفى الذي لا دين عليه ستة وستين وثلثين كمال حقه ثم يرجع الموصى له على الابن المديون بستة عشر وثلثين لأنه لما تعين المال كله عملت إجازته في حصته وذلك ستة عشر درهما وثلثا درهم فيأخذ ذلك منه ويبقى للابن المديون خمسون درهما لأنه في حقه يجعل كأنهما أجازا وقد سلم الابن الآخر ستة وستين وثلثين لأنه في حقه يجعل كأنهما لم يجيزا.(28/301)
وإذا ترك الرجل ابنين وله على أحدهما ألف درهم وترك دارا تساوي ألف درهم فأوصى لرجل بماله فللموصى له ثلث الدار وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدار في يد الوارث والموصى له حتى يرفع إلى القاضي الأمر بخلاف ما سبق فإن هناك المال العين من جنس الدين فنصيب المديون منه يأخذه الموصى له والابن الآخر قضاء بمالهما عليه لأن صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه يكون له أن يأخذه وها هنا نصيبه من الدار ليس من جنس ما عليه من الدين فلا يبقى وصاحب الدين يأخذه لما في أخذه من معنى البيع وذلك لا يتم لصاحب الدين وحده ولكنه يوقف في أيديهما لما له من الدين عليه بمنزلة المرهون في يد المرتهن والمبيع في يد البائع محبوس بالقبض والابن محبوس بالجعل وهذا لأنه لو سلم ذلك إلى الابن المديون ازداد نصيبه على نصيب الابن الآخر من التركة وذلك لا يجوز ثم يرفع الأمر إلى القاضي فيقول القاضي للابن المديون أد ثلثي الألف التي لهما عليك وإلا بعنا ثلث الدار الذي صار لك وأوفينا هؤلاء حقوقهم لأن القاضي نصب للنظر ودفع الضرر عن الجانبين وذلك(28/302)
ص -146- ... فيما قلنا فإن أدى إليهما ثلثي الألف أخذ ثلث الدار لأنه وصل إليهما كمال حقهما ويصل إليه كمال حقه أيضا وإن لم يفعل باعه القاضي فأخذا ثمنه نصفين قيل هذا قولهما فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يبيع القاضي نصيبه من الدار لأن لهما عليه دينا ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله أن القاضي لا يبيع على المديون ماله وقيل بل هو قولهم جميعا لأن نصيبه من الدار تركة الميت وللقاضي في التركة ولاية البيع لمكان الدين فيبيع نصيبه ويدفع الثمن إليهما نصفين لأن حقهما فيما عليه سواء ثم يرجعان عليه بما بقي لهم وكذلك كل مال تركه الميت سوى الدراهم فهو والدار سواء لأن نصيب الابن المديون من هذا المال ليس من جنس ما عليه وكذلك المال لو كان دنانير إلا على قول بن أبي ليلى فإنه يقول يأخذون ذلك قضاء مما لهما عليه وهذا مذهبه أيضا في صاحب الدين إذا ظفر بشيء من مال المديون يأخذ النقدين ودينه من النقد الآخر وهو اختيار بعض مشايخنا أيضا لأن الدراهم والدنانير في كثير من الأحكام كجنس واحد وأما في ظاهر الرواية فأخذ الدنانير مكان الدراهم يكون مبادلة فلا ينفرد به صاحب الدين وكذلك إن كانت الدراهم التي عليه نبهرجة وما تركه الميت أجود منها لأنهما لو استوفيا نصيبه مكان ما عليه باعتبار الوزن كان فيه إبطال حق المديون في الجودة ولو استوفيا باعتبار القيمة التي في الدار فإن كان ما عليه أجود مما خلفه الميت من الدراهم فرضيا بأخذ نصيب المديون قصاصا فلهما ذلك لأنهما تجوزا بدون حقهما وأسقطا حقهما في الجودة وإن لم يرضيا بذلك كانت كجنس آخر من الدنانير وغيرها لأنهما لا يتمكنان من استيفاء ذلك باعتبار القيمة لما فيه من معنى الربا وقد انعدم الرضا منهما باستيفاء ذلك قضاء من حقهما باعتبار الوزن فيكون في معنى خلاف جنس الدين فيرفع إلى القاضي حتى يبيعه لهم فيوفيهم حقهم.(28/303)
ولو كان للميت على أحد ابنيه ألف درهم دينا وترك عبدا يساوي ألف درهم ودارا تساوي ألف درهم ولم يوص بشيء فالابن الذي لا دين عليه يستوفي حصته من العين ويمنع المديون من حصته حتى يستوفى منه ما عليه من الدين لأنه لا يتمكن من استيفاء نصيبه مكان ما عليه من الدين لانعدام المجانسة ولا يتمكن المديون من أخذه لأنه حينئذ يسلم له من التركة أكثر مما يسلم لأخيه فيبقي نصيبه موقوفا إلى أن يعطي نصف ما عليه من الدين إلى أخيه فإن أعتق الابن المديون العبد نفذ العتق من نصيبه لأنه مالك لنصيبه وإن كان ممنوعا عنه لحق أخيه فينفذ عتقه فيه كالمشتري إذا أعتق المبيع قبل القبض ومولى الآبق إذا أعتقه قبل أداء الجعل فإذا أنفذ العتق في نصيبه كان الشريك بالخيار في نصيبه كما هو الحكم في عبد بين شريكين يعتقه أحدهما ولا شيء على العبد من الدين الذي على الابن الآخر لأن ذلك الدين ما تعلق بماليته وإن كان هو محبوسا في يده بمنزلة الآبق والمبيع بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معتبر فإن على العبد السعاية في الدين وكان متعلقا بماليته وتلك المالية سلمت للعبد فللابن الذي لا دين عليه أن يحبس نصيب أخيه من التركة حتى يستوفي منه نصف(28/304)
ص -147- ... الدين لأن قبل إعتاق العبد كان حق الحبس ثابتا له في هذا النصف من الدار فلا يبطل ذلك بإعتاق العبد وإن أعطاه نصف الدار لسكنه ولو بأجرة ثم بدا له أن يأخذه حتى يعطيه نصف الدين لم يكن له ذلك لأنه بالتسليم إليه على أي وجه صار مسقطا حقه في الحبس والساقط يكون متلاشيا فلا يحتمل الإعادة كالبائع إذا سلم المبيع إلى المشتري بإعارة أو إجارة.
وإذا ترك الرجل ثلاثمائة درهم دينا على أحد ابنيه وهو معسر وأعتق عبدا في مرضه يساوي ثلاثمائة سعى العبد في نصف قيمته للابن الذي لا دين عليه لأن حقهما في سعايته سواء إلا أن الابن المديون يستوفي جميع حقه مما عليه فلا يكون له أن يرجع على العبد بشيء من السعاية ولكن نصف قيمته يسلم للابن الذي لا دين عليه.
يوضحه: أن المعتق في المرض وصية فالعبد موصى له بنصف المال وقد بينا أن المال المعين يقسم بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه نصفين وسعايته بمنزلة مال العين فيكون بينهما نصفين إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ يمسك المديون نصيبه وذلك مائة درهم ويؤدي مائة درهم فيكون بين الابن المعتق نصفين حتى يسلم للابن الذي لا دين عليه مائتا درهم وقد نفذنا الوصية للعبد في مائتين فاستقام الثلث والثلثان.(28/305)
ولو كان الغلام قيمته مائة درهم يسعى العبد أيضا في نصف قيمته لما بينا أن سعايته في حكم المتعين من المال والدين تاو فيسعى في نصف القيمة للابن الذي لا دين عليه فإذا تيسر خروج الدين أمسك المديون كمال حقه مائة وخمسين فأدى مائة وخمسين فيقسم مائة من ذلك بين الابن الذي لا دين عليه والعبد نصفين وما بقي للابن الذي عليه دين لأنه لما خرج العين تبين أن رقبة العبد كان ربع مال الميت فينفذ عتقه في جميعه مجازا ويكون لكل بن نصف ثلاثمائة وذلك مائة وخمسون وقد أخذ من العبد خمسين درهما فيرد ذلك عليه ويسلم للابن الذي لا دين عليه في الحاصل مائة وخمسون وقد أمسك المديون مثل ذلك مما عليه فاستقام التخريج.
وإذا مات الرجل وترك ابنا وامرأة وترك مائة دينا على امرأته ومائة عينا وقد أوصى من ماله بعشرين درهما لرجل ولآخر بما بقي من ثلثه ولآخر بربع ماله فإن الوصية بما بقي من الثلث تبطل لأن الموصى له بالباقي بمنزلة العصبة فإنما يستحق ما يفضل عن حق ذوي السهام ولم يفضل شيء لاستغراق الوصيتين الأخيرتين ثم العين بين الموصى له بالربع والموصى له بالدراهم على أحد عشر سهما أربعة من ذلك للموصى له بالدراهم وللموصى له بالربع لأنا نصحح السهام قبل الوصية فللمرأة الثمن سهم من ثمانية والباقي للابن ثم يزاد للوصيتين مثل نصفه أربعة ثم يطرح نصيب المرأة لأنها مستوفية حقها مما عليها يبقى أحد عشر سهما
وإذا قسمت المائة العين على أحد عشر كان كل سهم من ذلك تسعة دراهم وجزأ من أحد عشر جزءا(28/306)
ص -148- ... من درهم فيكون للموصى لهما ستة وثلاثون درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم وللابن ما بقي وقد ظهر أن المتعين من الدين تسعة دراهم وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم إذا ضممت ذلك إلى مائة كان ثلثه ستة وثلاثين درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر ثم يضرب الموصى له بالربع بربع ذلك وذلك تسعة وعشرون درهما وثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم فقد انكسر بجزء من أحد عشر جزءا فالسبيل أن يضرب سبعة وعشرين وثلاثة أجزاء في أحد عشر فيكون ثلاثمائة والموصى له بالدراهم يضرب بعشرين درهما إذا ضربت ذلك في أحد عشر يكون مائتين وعشرين ثم بين هذه الأجزاء موافقة بنصف العشر فإذا اقتصرت من ثلاثمائة على نصف عشرها يكون ذلك أحد عشر فيقسم الثلث بينهما على ستة وعشرين سهما وإذا صار الثلث على هذا فالثلثان اثنان وخمسون نصيب المرأة يطرح وذلك ستة ونصف ويأخذ الموصى له بالدراهم أحد عشر فيقسم ما بقي بين الموصى له بالربع وبين الابن يضرب فيه الابن بحقه والموصى له بخمسة عشر تكون القسمة بينهما على هذا إلى أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فيجب للمرأة نصيبها مما عليها ويؤدي ما بقي ثم تنفذ الوصيتان في ثلث المال يضرب فيه الموصى له بالعشرين بعشرين والموصى له بالربع بالخمس فيقتسمان الثلث بينهما على سبعة هذا هو الصحيح من الجواب وقد ذكر في كتاب الوصايا أن القسمة تكون بينهما على خمسة وبينا أن ذلك غلط والصحيح ما ذكرناه ها هنا مفسرا.(28/307)
وإذا مات الرجل وترك ابنين له على أحدهما مائة درهم دينا وترك مائة درهم عينا وعلى أجنبيين على كل واحد منهما مائة دينا فأوصى لكل واحد من الأجنبيين بما عليه وأوصى لآخر بثلث المائة العين فأدى أحد الأجنبيين ما عليه والآخر مفلس فإن هذه المائة العين والمائة التي على الابن تقسم على ثمانية عشر سهما ثلاثة للمؤدي وسهم للموصى له بثلث العين والباقي بين الاثنين نصفين لأنه لما أدى أحد الغريمين صار ما على الابن عينا فإنه يسلم للابن الآخر نصف الدين وذلك مائة ويسلم للمديون مثل ذلك وهو جميع ما عليه ثم يقول كل واحد من الغريمين الموصى له بمائة والذي لم يؤد مستوف وصيته مما عليه فلا بد من أن تغير سهامه فيجعل كل مائة على ثلاثة يضرب الموصى له بثلث العين فيسلم وكل غريم بثلاثة فيكون الثلث بينهم على سبعة والثلثان أربعة عشر فذلك أحد وعشرون ثم يطرح نصيب الغريم الذي لم يؤد يبقى ثمانية عشر فلهذا كانت القسمة ثلاثمائة بينهم على ثمانية عشر كل مائة على ستة فيكون كل سهم ستة عشر وثلثان يسلم للموصى له بثلث العين ستة عشر وثلثان وللغريم المؤدي خمسين وللآخر مما عليه مثل ذلك فظهر أن المتعين من المال ثلاثمائة وخمسون وإذا نفذنا الوصية لهم في ثلث ذلك مائة وستة عشر استقام.
ولو لم يكن أوصى لكل واحد من الغريمين بما عليه ولكنه أوصى لكل واحد منهما بما على صاحبه فلم يؤد واحد منهما شيئا فالمائة العين بين الموصى له بثلث العين والابن على ثلاثة أسهم لأن الغريمين لا يقع لهما وصية ما لم يتعين محل حقهما بالأداء فإن كان كل واحد منهما موصي له بما على صاحبه وإن أدى أحدهما ما عليه فهذا الفصل الأول في التخريج(28/308)
ص -149- ... سواء لأن محل إحدى الوصيتين تعين بالأداء فيتعين له محل الوصية الأخرى أيضا من قبل أن للموصى على صاحبه مثل ما لصاحبه فيما أدى فيأخذه قصاصا به وبطريق المقاصة يتعين ما على الآخر فلا فرق بين هذا وبين وصيته لكل واحد منهما بما عليه.
وإذا ترك الرجل على أحد ابنيه مائة دينا وترك ثوبا يساوي مائة درهم فأوصى لرجل بثلث ماله فثلث الثوب للموصى له وثلث للابن الذي لا دين عليه وثلث موقوف إلى أن يؤدي المديون ما عليه وقد تقدم بيان نظير هذا أن عند اختلاف الجنس لا يتمكنان من أخذ نصيب الابن المديون فصالحهما.(28/309)
ولو ترك مع الثوب مائة عينا والثوب يساوى خمسين درهما وأوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالثوب فإن في قياس قول أبي حنيفة يقسم العين والثوب بين الابن الذي لا دين عليه وبين أصحاب الوصايا على ستة وعشرين سهما وهذه من أدق المسائل من هذا الجنس لاجتماع قسمتين فإن العين تحتاج إلى قسمة على حدة لوجود المجانسة والثوب يحتاج إلى قسمة على حدة وقد اجتمع في الثوب وصيتان وصية بجميعها ووصية بثلثه والقسمة عنده في مثل هذا على طريق المنازعة فيكون الثوب على ستة أسهم ثم المائة العين تكون اثني عشر سهما كل خمسين منها ستة للموصى له بالثلث أربعة فيحصل لكل واحد من الموصى لهما خمسة وإذا كان المال المتعين مائة وخمسين ظهر أن المتعين من الدين مثل نصفه وذلك خمسة وسبعون فيكون تسعة أسهم ولصاحب الثوب خمسة فيجعل الثلث بينهما على ثلاثة عشر والثلثان ستة وعشرون ثم يطرح نصيب المديون ويضرب الابن الذي لا دين عليه بثلاثة عشر والموصى لهما بثلاثة عشر فتكون قسمة العين بينهم على ستة وعشرين والثوب ثلث العين فإذا صار الكل على ستة وعشرين كان الثوب من ذلك ثمانية وثلاثين للموصى له بالثلث من الثوب خمسة أسهم من ثمانية وثلاثين يأخذ ذلك يبقي من الثوب ثلاثة وثلثان يضم ذلك إلى المائة العين فيقسم بين الابن الذي لا دين عليه وبين الموصى له فأما المائة فتقسم بينهما على أحد وعشرين سهما يضرب الابن بثلاثة عشر والموصى له بثمانية وأما ما بقي من الثوب فيقسم على أربعة وثلاثين يضرب فيه الموصى له بالثلث بثمانية والإثنان بستة وعشرين وهذا لأنه لا مجانسة بين الثوب وبين الدراهم فلا بد من اعتبار نصيب الابن المديون من الثوب على أن يوقف ذلك في يد الابن الذي لا دين عليه إلى أن يؤدي ما عليه من الدين أو يبيعه القاضي لحق الموصى لهما(28/310)
فإن قيل فلهذا تبين أن المتعين من الدين مقدار خمسة وسبعين قلنا لا كذلك فإن القدر الذي يوقف من الثوب لما لم يكن سالما للمديون في الحال كان السالم له في العين عوضه مما عليه باعتبار المالية فبهذا الطريق يتبين أن المتعين من الدين ما ذكرنا فإن أدى المديون وإلا بيع نصيبه من الثوب فيقسم ثمنه بينهما على أحد وسبعين سهما باعتبار حقهما فيما في ذمته فإن لم يبع ذلك حتى أدى الابن ما عليه فإن القسمة الأولى تنتقض ويقسم المال كله على اثنين وأربعين بينهما لأن الثوب يكون بين الموصى لهما على ستة(28/311)
ص -150- ... بطريق المنازعة والمائتان على أربعة وعشرين كل خمسين على ستة فيكون للموصى له بالثلث ثمانية وله من الثوب سهم فذلك تسعة وللموصى له بالثوب خمسة فيكون الثلث بينهما على أربعة أسهم والثلثان ثمانية وعشرون فتكون القسمة على اثنين وأربعين سهما خمسة من ذلك للموصى له بالثوب كله من الثوب ثم يضم ما بقي من الثوب إلى المائتين فيقسمهما الاثنان وصاحب الثلث على سبعة وثلاثين تسعة من ذلك للموصى له بالثلث تسع ذلك فيما بقي من الثوب وثمانية أتساعه في الدراهم والباقي بينهما نصفين فأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا لم يؤد الابن ما عليه قسمت المائة العين والثوب على عشرة أسهم لأنه اجتمع في الثوب وصيتان والقسمة عندهما بطريق العول فيكون الثوب على ستة ويستقيم في الابتداء أن يجعل على ثلاثة ولكن في الانتهاء ينكسر بالأنصاف فجعلناه على ستة لهذا يضرب صاحب الثوب في الثوب بستة وصاحب الثلث بسهمين فتكون سهام الثوب ثمانية وقد بينا أن المتعين من الدين خمسة وسبعون فتجعل كل خمس على ستة فتكون سهام المائة العين اثني عشر وسهام خمسة وسبعين تسعة فذلك أحد وعشرون للموصى له بالثلث ثلث ذلك تسعة إذا ضممته إلى ثمانية يكون خمسة عشر فهو سهام الثلث والثلثان ضعف ذلك وذلك ثلاثون إلا أنه يطرح نصيب المديون مما عليه وتقسم العين بين الابن الذي لا دين عليه وبين الموصى لهما على ثلاثين والثوب من ذلك مقدار الثلث فتكون عشرة للموصى له بالثوب من ذلك ستة يضم ما بقي من الثوب إلى المائة العين للقسمة بين الابن الذي لا دين عليه وبين الموصى له بالثلث فأما المائة العين والموصى له بالثلث فيضرب في ذلك بتسعة والابن بخمسة عشر فتكون القسمة بينهما على أربعة وعشرين سهما وأما ما بقي من الثوب فيكون مقسوما بينهما على تسعة وثلاثين لأنه يضرب الورثة في ذلك بثلاثين والموصى له بتسعة فتكون القسمة بينهم على تسعة وثلاثين يوقف نصيب الابن المديون مما(28/312)
عليه لهما وإن خرجت المائة الدين فقد انتقضت القسمة الأولى ويجب إعادة القسمة على أربعة وعشرين سهما لأن الثوب يكون على أربعة ثلاثة للموصى له بالثوب وكل خمسين من المائتين على ثلاثة لأنه لا عول فيها فيكون ذلك اثني عشر للموصى له بالثلث ثلث ذلك أربعة فيحصل له خمسة وللآخر ثلاثة فيجعل الثلث بينهما على ثمانية والثلثان ستة عشر فيكون المال على أربعة وعشرين سهما ثلاثة لصاحب الثوب كله في الثوب ثم يضم ما بقي من الثوب إلى المائتين فيقسم بين الاثنين والموصى له بالثلث على أحد وعشرين سهما للموصى له بالثلث خمسة خمس ذلك فيما بقي من الثوب وأربعة أخماسه في المائتين والباقي بين الاثنين نصفين وإذا ترك الرجل مائتي درهم عينا وثلاثمائة على أحد ابنيه دينا وترك كر حنطة يساوي مائة درهم فأوصى لرجل بالكر ولآخر بثلث المائتين العين وثلث الكر فإن قول أبي حنيفة رحمه الله فيه أن المائتين والكر يقسم على أربعة أسهم لأنه اجتمع في الكر وصيتان بجميعه وثلثه والقسمة على طريق المنازعة عنده كأن الكر على ستة وكل مائة من العين كذلك للموصى له بثلث المائتين العين أربعة أسهم(28/313)
ص -151- ... منها وسهمان من الكر فذلك خمسة وللموصى له بالكر خمسة فيكون الثلث بينهما على عشرة ولا يعتبر في حق الموصى له بغير شيء من الدين لأن وصيته في العين خاصة فإذا صار الثلث بينهما على عشرة والثلثان عشرون يطرح نصيب المديون وهو عشرة وتقسم العين بين الابن والموصى لهما على عشرين سهما خمسة أسهم من ذلك وهو الربع للموصى له بالكر كله في الكر والربع ثلاثمائة خمسة وسبعون وهو ثلاثة أرباع الكل في الحاصل ثم يضم ما بقى إلى الكر إلى المائتين العين فيقسم بين الموصى له بالثلث والابن الذي لا دين عليه على خمسة عشر سهما فما أصاب خمسة أسهم فهو للموصى له بثلث العين خمس ذلك في الكر وأربعة أخماسه في المائتين العين على مقدار حقه فيهما وخمس ذلك خمسة عشر درهما فيكون له من الكر ثلاثة أخماس الربع الباقي ومن المائتين ستون درهما ويكون للابن بينه وبين الابن المديون نصفين فتوقف حصة المديون من الكر في يد أخيه حتى يبيعه القاضي أو يؤدي ما عليه فإذا أدى ما عليه انتقضت القسمة الأولى وصار المال كله عينا فيأخذ الموصى له بالكر خمسة أسداس الكر والآخر سدس الكر وثلث المائتين العين وذلك ستة وستون وثلثان لأن الوصيتين دون ثلث المال فيجب تنفيذهما وقسمة ما بقي بين الاثنين نصفين فأما على قولهما فالقسمة في الكر بطريق العول فتكون على أربعة وثلث المائتين العين سهمان لأنا نجعل كل مائة على ثلاثة فيكون للموصى له بالثلث ثلاثة وللموصى له بالكر كذلك فإذا صار الثلث على ستة كان الثلثان اثني عشر ثم يطرح نصيب المديون ويقسم ما بقي بين الابن الذي لا دين عليه والموصى لهما على اثني عشر وبين هذه الأجزاء موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث وهو أربعة للموصى لهما سهمان وللابن سهمان وفي الحاصل للوصى له بالكر ثلاثمائة وهو ثلاثة أرباع الكر كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله وللموصى له بالثلث ربع ذلك أيضا من الكر والمائتين أثلاثا فيصير مستوفيا الربع(28/314)
الباقي من الكر بحصته ويسلم للابن الذي لا دين عليه مائة وخمسون إلى أن يتيسر خروج الدين فيمسك الابن المديون مقدار حقه ويؤدي ما بقي فيأخذ الموصى له بالثلث ذلك ما بقي من حقه وهو ستة عشر وثلثان وما بقي يكون للابن.
وإذا مات الرجل وترك امرأة وابنين وترك على امرأته عشرة دينا وعلى أحد ابنيه عشرة دينا وترك سيفا يساوي خمسة دراهم فأوصى لرجل بالسيف فالسيف يقسم بين الابن الذي لا دين عليه والموصى له على خمسة عشر سهما لأن أصل الفريضة من ثمانية والقسم من ستة عشر ثم يزداد بنصف الموصى له مثل نصف ذلك ثمانية ثم يطرح نصيب الابن المديون ونصيب المرأة لأن على كل واحد منهما فوق نصيبه ويضرب الموصى له في السيف بثمانية والابن الذي لا دين عليه بسبعة فيكون بينهما على خمسة عشر ثمانية للموصى له وسبعة للابن الذي لا دين عليه ويحسب للمرأة نصيبها مما عليها اثنين ونصف وتؤدي ما بقي ويحسب للابن الآخر نصيبه مما عليه ثمانية وثلاثة أرباع فيؤدي درهما وربعا يأخذ الابن ذلك كله ويأخذ صاحب السيف جميع السيف قال عيسى وهذا غلط فإن السيف ليس من جنس ما على المرأة والابن(28/315)
ص -152- ... من الدين فكيف يأخذ الابن من الدين نصيبهما من السيف قضاء عما له عليهما ولكن ينبغي أن يعتبر في قسمة السيف سهامهم جميعا ثم يوقف نصيب المديون من ذلك على قياس ما ذكرنا ومن أصحابنا من يقول ما ذكره صحيح لأن السيف كله مشغول بالوصية ليس للورثة منه شيء وإذا خرج الدين فإنما يعتبر فيه حق الابن الذي لا دين عليه خاصة قبل خروج الدين ولا يعتبر فيه حق الآخرين ولكن هذا المعنى موجود فيما سبق من مسألة الكر وقد قال هناك يوقف نصيب الابن المديون من الكر إلى أن يبيعه القاضي فلا بد من أن يكون أحد الجوابين غلطا هذا ما تقدم ولكنه ذكر في الأصل وما أصاب سبعة أسهم فهو للابن الذي لا دين عليه على ما وصفت لك فكأنه بهذا اللفظ يشير إلى التوقف ويريد أن حصته تسلم له وحصة الآخرين تكون موقوفة في يده.
وإذا ترك ابنين وامرأتين وترك على أحد امرأتيه مائة درهم وعلى أحد ابنيه مائة وترك خادما يساوي مائة فأعتقها عند الموت فإنها تنصف قيمتها للمرأة والابن الذي لا دين عليه لأن القسمة من ستة عشر ثم تزاد في الوصية مثل نصفه ثمانية ويطرح نصيب الغريمين مما عليهما يبقى حق الخادم في ثمانية وحق اللذين لا دين عليهما فلهذا يسلم للخادم نصف قيمتها للمرأة من ذلك الثمن والابن سبعة أثمان ولا يوقف شيء مما يتعين للغريمين ها هنا لأن الواجب على الخادم السعاية والسعاية من جنس ما عليها من الدين فيأخذ اللذان لا دين عليهما نصيب الآخرين من ذلك قصاصا بما لهما عليه بخلاف ما سبق فإذا تيسر خروج الدينين رد على الخادم ما أخذ منها من السعاية لأنها خرجت من الثلث وتمسك المرأة المديونة حصتها مما عليها اثني عشر ونصفا وتؤدي سبعة وثمانين ونصفا للابن الذي لا دين عليه ويمسك الابن المديون مما عليه حصته وذلك سبعة وثمانون ونصف ويؤدي اثنى عشر ونصفا إلى المرأة التي لا دين عليها فقد وصل إلى كل ذي حق حقه.(28/316)
وإذا ترك ابنين على كل واحد منهما مائة درهم دينا وترك على رجلين على كل واحد منهما مائة فأوصى لكل واحد من الرجلين بما على صاحبه وأوصى لآخر بثلث ماله ثم أدى أحد الرجلين ما عليه فإن هذه المائة والمائتين العين التي على الاثنين تجمع فيقسم ذلك كله بين الوارثين والموصى له بالثلث والذي أدى المائة في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله على ثلاثة وأربعين سهما والحاصل أن المال كله صار في حكم العين بأداء أحد الغريمين ما عليه لأن الوصايا لا تنفذ في أكثر من الثلث فنحن نعلم بالقسمة أن نصيب كل واحد من الابنين المائة عليه وأكثر فيصير ما على الابنين عينا بهذا الطريق ثم المؤدي يأخذ نصيب الغريم الآخر بما أدى قضاء مما عليه قبله فيتعين ذلك القدر مما عليه ويثبت عليه حق الموصى له بالثلث فبقدر ما يجعل للموصى له بالثلث من ذلك ينتقص فيه استيفاء ما عليه فيصير مستوفيا مثله مما بقي ولا يزال كذلك حتى يصير جميع ما عليه في حكم العين فلهذا جعلناه كله عينا وقد اجتمع في كل مائة مما على الابنين يصير على ستة أنصباء للموصى له بالثلث من ذلك أربعة(28/317)
ص -153- ... فكان له في الحاصل ستة أسهم ولكل غريم خمسة فيكون الثلث بينهم على ستة عشر والثلثان ضعف ذلك فتكون سهام الجملة ثمانية وأربعين فتطرح من ذلك سهام الغريم الذي لم يؤد خمسة أسهم ويقسم ثلاثمائة على ذلك ثلاثة وأربعين خمسة من ذلك للمؤدي في المائة التي أداها صاحبه وثمانية وثلاثين للابن وللموصى له بالثلث للموصى له من ستة يستوفيه من المائة العين ويحسب للابنين ما عليهما بنصيبهما ويأخذان ما بقي ويؤدي الذي عليه المائة ما بقي عليه من المائة وهو ثمانية وخمسون وثلث فيستوفي كل واحد منهما حصته على ما بينا.(28/318)
ولو ترك ابنين وامرأة وترك خادما يساوي مائة درهم وعلى رجل مائة فأوصى للرجل بما عليه وأوصى بأن يعتق الخادم فإنه يعتق من الخادم خمسها وتسعى في أربعة أخماسها للورثة في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن الوصية بالعتق لا تكون مقدمة على الوصية الأخرى فالثلث بينهما وبين الموصى له الآخر نصفين على سهمين والثلثان أربعة ثم يطرح نصيب الموصى له لأن عليه فوق حقه فيضرب الخادم فيه بسهمه والورثة بأربعة فلهذا سعت في أربعة أخماس قيمتها حتى يؤدي الرجل ما عليه فحينئذ يمسك مقدار حقه وهو ثلث ما عليه من المائة ويؤدي الثلثين فيدفع إلى الخادم من ذلك تمام الثلث من قيمتها وهو ثلاثة عشر وثلث وما بقي فهو للورثة وأما في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فإن الخادم تسعى في عشرة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من قيمتها لأن من أصله أن الموصى له بالسعاية يضرب بجميع وصيته وإن كان أكثر من الثلث والموصى له بالعين لا يضرب بما زاد على الثلث والثلث ها هنا ستة وستون وثلثان والموصى له بالدين يضرب بهذا القدر والخادم يضرب بجميع قيمتها فإذا جعلت المائة على ثلاثة يكون الثلث بينهم على خمسة ثم يطرح نصيب الغريم ثم يبقى حق الخادم في سهمين وحق الورثة في عشرة فلهذا قال إنها تسعى في عشرة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من قيمتها فإذا تيسر خروج الدين يحسب المديون نصيبه مما عليه فذلك ستة وعشرون وثلثان ويؤدي ما بقي فيرد على الخادم من ذلك إلى تمام أربعين درهما وذلك خمس المال لأن حقها في ثلاثة أخماس الثلث هو خمس المال والله تعالى أعلم.
باب العتق في المرض والصحة(28/319)
قال رحمه الله: "وإذا قال الرجل في مرضه لجارية لا مال له غيرها هذه أم ولدي ثم مات فإن صدقه الورثة فهي حرة لا سبيل عليها وإن كذبوه سعت في ثلث قيمتها"فالحاصل أن هذه المقالة من المولي إما أن يكون معها ولد أو لا يكون معها ولد وإما أن تكون ولدت الولد في ملكه أو اشتراها في صحته أو مرضه وإما أن يصدقه الورثة في ذلك أو يكذبوه فإن صدقوه في ذلك فهي حرة مع ولدها ولا سعاية عليها لأن الثابت بتصادقهم في حقهم كالثابت بالبينة وإن كذبه الورثة في ذلك فإن كان معها ولد ولدته في ملكه فهي حرة مع ولدها سواء كان قال في صحته أو مرضه لأن ثبوت نسب الولد يكون شاهدا لها ويكون ذلك كإقامة(28/320)
ص -154- ... البينة في إثبات حريتها وحرية الولد وإنما قلنا بقول المولى في حق النسب لأن ذلك من حوائجه وإن لم يكن معها ولد فإن كان قال هذا القول في صحته فهي حرة من جميع المال لأنه يملك إعتاقها في صحته فلا تتمكن التهمة في إقراره بأمية الولد لها.
فإن قيل: هذا المعنى موجود فيما إذا أقر لها بالتدبير في صحته قلنا: نعم ولكن بسبب انتفاء التهمة يصير ما أقر به كأنه أنشأه ولو أسند الاستيلاد في صحته اعتبرت من جميع المال ولو أنشأ التدبير كان معتبرا من الثلث وهذا لأن التدبير مضاف إلى ما بعد الموت بخلاف الاستيلاد وإن كان قال في مرضه ولم يكن معها ولد فإنها تسعى في ثلثي قيمتها لأنه صار متهما في إقراره فإنه لو أعتقها في هذه الحالة كانت من ثلثه فلعله أخرج الكلام مخرج الإقرار لإبطال حق الورثة عنها فلهذا لا تصدق فيما زاد على الثلث وتسعى في ثلثي قيمتها وإن كان معها ولد قد اشتراهما فإن كان اشتراهما في صحته عتقا من جميع المال لأنه يسند إقراره لهما إلى وقت الشراء وقد كان ذلك منه بالصحة وإن كان اشتراهما في مرضه فإن الولد يسعى في ثلثي قيمته لأن دعوته دعوة التخديم فيكون بمنزلة الإعتاق وإنما عتق عليه من حين ملكه وذلك في مرضه فيسعى في ثلثي قيمته فيرث ذلك أقرب الناس من الميت بعد هذا الولد عند أبي حنيفة رحمه الله لأن المستسعى عنده مكاتب فلا يرث شيئا وعندهما المستسعى حر فيرثه مع سائر الورثة وإذا كان وارثا عندهما لم يكن وصية وكان عليه السعاية في جميع القيمة وهي لا تسعى في شيء لأن ثبوت نسب الولد شاهد لها في حق أمية الولد فينزل ذلك منزلة إقامة البينة فلهذا لا يلزمها السعاية في شيء.(28/321)
ولو قال في صحته: هذه أم ولدي أو مدبرتي ثم مات ولا مال له غيرها فإنها تعتق وتسعى في ثلث قيمتها لأنه خير نفسه بين الجانبين التدبير وأمية الولد وحكمهما مختلف فكان البيان إليه ما دام حيا وبموته فات البيان وليس أحدهما بأولى من الآخر فيثبت حكم كل واحد من الكلامين في نصفه فيعتق نصفها من جميع المال بإقراره بالاستيلاد في صحته والنصف الآخر منها إنما يعتق بالتدبير فيكون من الثلث وماله نصف رقبتها فيعتق ثلث ذلك النصف وتسعى في ثلثيه وذلك ثلث قيمتها في الحاصل.
ولو قال: هذه أم ولدي أو حرة أو مدبرة فهذا والأول سواء تعتق وتسعى في ثلث قيمتها لأن العتق في المرض معتبر من الثلث كالتدبير فكان قوله أو حرة أو مدبرة ككلام واحد لأن حكمهما واحد وإنما اعتبار الكلام بحكمه لا بصورته فلهذا كان هذا الفصل والأول في التخريج سواء.
ولو أن رجلا له جارية ولها ابنة ولابنتها ابنة وله عبد وجميع هؤلاء يولد مثلهم لمثله فقال في صحته أحد هؤلاء ولدي ثم مات ولم يثبت نسب أحدهم لأن المقر له بالنسب منهم مجهول والنسب في المجهول في حكم العين كالمتعلق بخطر البيان والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يصح إيجابه في المجهول وإذا لم يثبت النسب به كما لو قال لمعروف(28/322)
ص -155- ... النسب: هذا ابنى ثم يعتق من الغلام ربعه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته لأنه يعتق في الحال وهو أن يكون هو المقصود ويرث في ثلاثة أحوال وتسعى الجارية في ثلثي قيمتها لأنها تعتق في حالين لأنها إن كانت هي المقصودة فهي حرة وإن كان المقصود ولدها فهي حرة بالاستيلاد أيضا ولكن أحوال الإصابة كحالة واحدة في أصح الروايات يعتق ثلثها وتسعى في ثلثي قيمتها ويسعى كل واحد من الاثنين في نصف قيمتها لأن العليا منهما تعتق في ثلاثة أحوال بأن تكون هي المقصودة وابنتها أو أمها وأحوال الإصابة حالة واحدة فكأنها تعتق في حال دون حال وكذلك الصغرى إن كانت هي المقصودة أو أمها أو جدتها فهي حرة وإن كان المقصود هو الغلام فهي أمة فيعتق نصفها وإن كان هذا منه في مرضه اقتسموا الثلث على ذلك يضرب فيه الغلام بربع قيمته والجارية بثلث ذلك وواحد من الولدين بالنصف فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع ونصف وذلك اثنا عشر ونصف ثم الطريق في التخريج معلوم.
ولو قال في صحته لأمة له حامل: أنت حرة أو ما في بطنك ثم مات قبل أن يبين فالابنة حرة لا سبيل عليها لأنا قلنا بحريتها فإن الأم إن كانت هي المقصودة فهي حرة ويعتق من الأم نصفها لأنها تعتق في حال دون حال فتسعى في نصف قيمتها.(28/323)
وإن كان قال ذلك في مرضه وقيمة كل واحد منهما ثلاثمائة درهم ولا مال له غيرهما سعت الأم في ثلاثة أرباع قيمتها والابنة في ربع قيمتها لأن النصيب من الابنة يعتق بطريق التبعية وفي حال لائمة لا يعتبر الخروج من الثلث في هذا الوصف لأنا لو اعتبرنا ذلك جعلناه مقصودا وفيما هو تبع فيه لا يكون مقصودا ولأن بطريق التبعية إنما يعتق حال كونه تخلق في البطن وهو ليس بمال متقوم عند ذلك فإذا ثبت أنه لا يجعل هذا النصف مالا للمولى يبقى مال المولى فيه ونصف الثلث من ذلك وذلك نصف رقبة بينهما نصفان لأن كل واحد منهما يضرب في الثلث بنصف رقبته من الولد النصف بطريق التبعية والربع من الثلث فلهذا كان عليه السعاية في ربع قيمته.
ولو أعتق من الأم ربعها فتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها فإن ماتت الأم قبل موت السيد ثم مات السيد سعت الابنة في ثلثي قيمتها لأن الأم حين ماتت قبل موت السيد وقد خرجت من أن تكون مستحقة لشيء من هذه الحرية وإنما كان يستحق الولد بطريق التبعية سعيا بناء على استحقاقها فإذا بطل ذلك في حقها بقي الولد كله مالا للمولى وقد أعتقه في مرضه ولا مال له سواه فيعتق ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته.
ولو قال المولى قبل الموت قد أوقعت العتق على الابنة سعت الابنة في ثلث قيمتها وتكون بالأمانة لأن بتعين المولى خرجت الأم من أن تكون مستحقة لشيء من الحرية فلا يكون شيء من الولد تبعا لها أيضا وكان مال المولى رقبتها وقد عتقت الابنة في مرضه فينفذ العتق من ثلثه وثلث ماله ثلثان فيه للابنة وإن لم يوقع ولكن الابنة ماتت قبل السيد سعت الأم في ثلثي قيمتها لأن الابنة بموتها خرجت من أن تكون محلا أو مزاحما للأم فيتعين العتق في(28/324)
ص -156- ... الأم ولا مال له سواهما جعلتها السعاية في ثلثي قيمتها فإن قال المولى في مرضه وهما حيان قد أوقعت العتق على الأم عتقت الابنة كلها بغير سعاية لأن ببيانه تعين العتق فيها من حين أوقع والابنة كانت في بطنها عند ذلك فتعتق كلها بطريق التبعية وعلى الأم أن تسعى في ثلثي قيمتها لأنه لا مال للمولى سوى رقبة الأم ولو لم يوقع العتق على واحد منهما حتى مات ثم ماتت الأم سعت الابنة في قول أبي حنيفة رحمه الله في جميع ما كان على الأم من السعاية لأن المستسعى عندهما حر عليه دين من السعاية وهي ثلاثة أرباع قيمتها لأن نصف الولد الذي هو تبع الأم لا يعتق إلا بعتق الأم والأم لا تعتق إلا باداء السعاية وهي قبل الأداء بمنزلة المكاتبة وولد المكاتبة بعد موت الأم يسعى فيما عليه لأنه لا ينال العتق إلا بذلك وعليه أن يسعى في ربع قيمته أيضا مع ثلاثة أرباع قيمة أمه لأن النصف الذي هو مقصود منه لا يعتق إلا بأداء السعاية.
وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يسعى الولد في شيء مما كان على الأم لأن المستسعى عندهما حر عليه دين وليس على ولد الحرة السعاية في دين الأم بعد موتها ولكنها تسعى في خمسي قيمتها لأن نصفها عتق بغير وصية والوصية في النصف الباقي وقد ماتت الأم مستوفية ولوصيتها وهي نصف الثلث ويؤدي ما عليها من السعاية فإنما مال الميت نصف الولد يضرب فيه الولد بسهم والورثة بأربعة فيكون عليه السعاية في أربعة أخماس نصف قيمته وذلك خمسا جميع قيمته ولو لم تجب الأم ومات الولد سعت الأم في أربعة أخماس قيمتها لأن الولد مستوف لوصيته وقد توى ما عليه من السعاية فإنما تضرب الأم في رقبتها بنصف الثلث وذلك سهم والورثة بأربعة.(28/325)
ولو أن رجلا قال لأمة لا مال له غيرها في صحته أنت حرة الساعة أو إذا مت سعت في ثلثي قيمتها لأنه أدخل حرف أو بين كلامين مختلفين الحرية والتدبير وقد فات البيان لموته فإنما يثبت من كل واحد منهما نصفه فقد عتق نصفها بالحرية الثابتة في صحته فلا يكون ذلك معتبرا من الثلث والنصف الباقي يعتق بالتدبير من الثلث فإنما يسلم لها ثلث ذلك النصف وعليها السعاية في ثلثي قيمتها.
ولو قال: أنت حرة الساعة أو إذا مرضت فإنها تعتق إذا مرض ولا يعتق منها في الصحة شيء فإذا مات من مرضه سعت في ثلثي قيمتها لأصل قد بيناه في الزيادات أنه من ذكر وقتين وأضاف الحرية إلى أحدهما بحرف أو فإنما يقع في آخر الوقتين ومتى عتق بأحد فعلين فإنما يقع عند وجود أولهما فإذا جمع بين وقت وفعل لا يقع الطلاق والعتاق ما لم يوجد الفعل لأنه إن وجد الفعل أولا جعل في حق الموجود كأن الآخر مثله وإن وجد الوقت أولا يجعل في حق الموجود كأن الآخر مثله فهنا إما أن يقول هو منصف العتق إلى أخر الوقتين فإن زمان المرض وقت كزمان الصحة فلا يقع إلا في زمان المرض أو جمع بين وقت وفعل بقوله وإذا مرضت فإنما يقع عند وجود المرض وعتق المرض يكون معتبرا من الثلث بخلاف قوله: إذا(28/326)
ص -157- ... مت فإن ذلك تدبير لا تعليق بمنزلة قوله في الصحة أنت حرة أو مدبرة والتدبير واقع في الحال بعتق البيان ولهذا يمنع به البيع.
قال رضي الله عنه: "طعن أبو حازم في هذه المسألة وقال في المسألة الأولى أيضا ينبغي أن لا يعتق منها في الصحة"لأن قوله وإذا مت تعليق بالشرط في الظاهر والحقيقة جميعا ولا يترك شيء من العتق إلا بعد الموت بخلاف قوله أنت حرة أو مدبرة فإن ذلك ليس بتعليق واللفظ معتبر في التعليق.
ألا ترى: أنه لو قال أنت مدبرة إن دخلت الدار كان ذلك باطلا وما كان إلا باعتبار لفظة التعليق في أحد الفصلين دون الآخر ولو قال إن شئت فأنت طالق غدا تعتبر المشيئة في الحال وما كان إلا باعتبار لفظه فكذلك ها هنا ولكنا نقول ما ذكره محمد رحمه الله أصح لأن قوله وإذا مت وإن كان تعليقا في الصورة فقد غلب عليه معنى التدبير.
ألا ترى: أنه يمنع له البيع في الحال وبعد ما غلب على صورة اللفظ معنى يسقط اعتبار تلك الصورة كما لو قال لامرأته أنت طالق إن شئت فإنه يكون هذا تفويضا حتى يقتصر على المجلس ولا يكون يمينا وإن وجدت صورة الشرط لأنه غلب عليه معنى آخر فهذا كذلك بخلاف قوله إن مت فأنت حرة إن دخلت الدار لأن هناك علق بالموت عتقا معلقا بالدخول وذلك باطل حتى لو قال ها هنا أنت حرة الساعة وإذا مت في سفري هذا فإنه لا يعتق شيء من هذا إلا بعد موته لأنه لم يغلب على صورة الشرط معنى التدبير فإنه لا يمتنع البيع بذلك الكلام فيبقى التعليق معتبرا.(28/327)
وكذلك لو قال: أنت حرة الساعة أو إذا مت من مرضي هذا فإذا مات من هذا المرض عتقت من ثلثه بتا ولو قال لعبدين له في صحته أنتما حران أو أحدكما مدبر وقيمتها سواء ثم مات ولا مال له غيرهما فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه بغير وصية ويكون لكل واحد منهما سدس قيمته من وصيته ويسعى في ثلث قيمته لأنه خير نفسه بين حرية وتدبير فكان الخيار إليه وقد انقطع خياره بموته فيثبت نصف كل واحد منهما وذلك حرية رقبة واحدة وتدبير نصف رقبة وليس أحدهما بأولى من الآخر فتشيع الحرية فيهما ويعتق كل واحد منهما نصفه وكذلك تدبير نصف رقبة يشيع فيهما إلا أن العتق بالتدبير يكون من الثلث وماله رقبة واحدة فيسلم لهما بالتدبير ثلث رقبة لكل واحد منهما السدس ويسعى كل إلا واحد منهما في ثلث قيمته.
وكذلك لو قال: أنتما حران أو مدبران لأنه لا يسلم لهما بالتدبير ثلث رقبة بل ما أوجب لهما من التدبير أو أكثر.
ولو قال في صحته: أنتما حران أو أحد كما حر ثم مات ولا مال له غيرهما سعى كل واحد منهما في نصف قيمته لأنه خير نفسه بين تدبير رقبتين وحرية رقبة فإنما يثبت بعد موته(28/328)
ص -158- ... نصف كل واحد منهما فيعتق نصف رقبته بالعتق الثابت بينهما لكل واحد منهما الربع ويكون مال الميت رقبة ونصفا فإنما يعتق بالتدبير نصف رقبة بينهما نصفان ففي الحاصل يعتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته وكذلك لو قال أحد كما حر أو مدبر فإن الثابت بعد موته حرية نصف رقبة وتدبير نصف رقبة ويتبع كل واحد منهما فيهما فيعتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته.
ولو قال لعبد ومدبر في صحته وقيمتهما سواء ولا مال له غيرهما أحدكما حر ثم مات سعى العبد في نصف قيمته والمدبر في سدس قيمته ولأنه أوجب عتق رقبة لأحدهما فبموته وتشييع فيهما فيعتق من كل واحد منهما نصفه ثم ما بقي من المدبر يعتق من ثلث ماله وماله رقبة واحدة فإنما يسلم له بالتدبير ثلث رقبة ويلزمه السعاية في سدس قيمته وإنما يعتق من العبد نصف رقبته ويسعى في نصف قيمته فإن مات العبد بعد موت السيد قبل أن يؤدي شيئا سعى المدبر في ثلث قيمته لأن نصف العبد قد توى بموته وخرج من أن يكون محسوبا من مال المولى فإنما ماله نصف رقبة المدبر فيعتق بالسدس ثلث ذلك النصف مع النصف الذي عتق منه بالعتق الثابت فيلزمه السعاية في ثلث قيمته.(28/329)
ولو مات المدبر وبقي العبد سعى في نصف قيمته على حاله لأنه لاحظ للعبد من الوصية فموته في حقه وبقاؤه سواء ولو كان هذا القول في المرض من المولى ولم يمت واحد منهما ومات السيد كان للعبد ثلث الثلث وللمدبر ثلثا الثلث لأن العتق في المرض وصية فالعبد يوصى له بنصف رقبته والعبد يوصى له بجميع رقبته ولا تزاد وصيته بالعتق في المرض فكان الثلث بينهما أثلاثا فإن قيل لما لم يكن للمدبر في العتق في المرض نصيب ينبغى أن يسلم ذلك كله للقن فيكون هو موصى له بجميع رقبته قلنا إنه لا تظهر فائدة اعتبار العتق في حق المدبر بعد موته فأما في حال حياته فهو مفيد فلا بد من اعتبار مزاحمته مع القن في العتق الثابت فلهذا جعلنا العتق موصى له بنصف رقبته فإن مات المدبر بعد موت السيد قبل أن يؤدي شيئا سعى العبد في ستة أسباع قيمته لأن المدبر مات مستوفيا لوصيته ويؤدي ما عليه من السعاية فإنما بقي من مال المولى رقبة العبد يضرب فيه العبد بحقه وهو سهم والورثة بستة مقدار حقهم.
ولو كان العبد مات سعى المدبر في ثلاثة أرباع قيمته لأن العبد مات مستوفيا لوصيته وإنما مال الميت رقبة المدبر خاصة فيضرب فيه المدبر بحقه سهمين والورثة بستة فيسلم له الربع ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته.
ولو قال لعبد ومدبر في صحته أو مرضه: أحد كما حر أو مدبر ثم مات عتق بالتدبير والآخر رقيق لأنه خير نفسه بين كلامين فهو صادق في أحدهما فإن كان أحدهما مدبرا فيكون كلامه إخبارا لا إيجابا كما لو قال أحدهما حر أو عبد وجمع بين حر وعبد وقال هذا الكلام أن صيغة كلامه إخبار في الوجوه كلها وإنما جعلناه إيجابا وبالضرورة يصحح الخبر(28/330)
ص -159- ... فإذا كان المخبر به سابقا فلا حاجة بنا إلى أن نجعل كلامه إيجابا بل يكون إخبارا عن مال المدبر كما هو صيغة كلامه.
ولو قال لمدبرين له وعبد في صحته: أحدكم حر وقيمة كل واحد ثلاثمائة ثم مات ولا مال له غيرهم سعى العبد في ثلثي قيمته وكل واحد من المدبرين يعتق من ثلث ماله وماله رقبتان فلهم الثلث من ذلك وهو ثلثان فيه يعتق من كل واحد منهما ثلثه العتق الثابت في ثلثه بالتدبير ويسعى في ثلثي قيمته فإن مات أحد المدبرين قبل أن يؤدي شيئا سعى العبد في ثلثي قيمته على حاله والمدبر في خمسي قيمته لأن المدبر وإن كان مستوفيا لوصيته توى ما عليه من السعاية ولا حظ للعبد في الوصية فهو يسعى في ثلثي قيمته على حاله ومال الميت ثلثا رقبة كل واحد من الباقين فيضرب المدبر الباقي في ذلك بسهم والورثة بأربعة فيكون بينهم على خمسة وإنما يسلم للمدبر خمس الباقي وقيمة الباقي أربعمائة فخمسه ثمانون فقد سلم للمدبر بالعتق الثابت الثلث وذلك مائة وبالتدبير ثمانون وإنما بقي عليه السعاية في مائة وعشرين ومائة وعشرون من ثلاثمائة خمساه.
ولو مات العبد أيضا سعى العبد في أربعة أخماس ثلثي قيمته لأنه لم يبق من مال الميت إلا ثلثا رقبته فهو يضرب في ذلك بسهم والورثة بأربعة فلهذا سعى في أربعة أخماس ثلثي قيمته.(28/331)
ولو قال المولى ذلك في مرضه ثم مات كان الثلث بينهم أسباعا لأن القن أصابه من هذا الإيجاب ثلث رقبة فهو موصى له بثلث رقبة ولا يزاد حقهما بالإيجاب الذي كان في المرض فإذا جعلنا كل ثلث رقبة سهما يكون لكل واحد منهما ثلثه وللقن سهم وإذا صار الثلث على سبعة فالثلثان أربعة عشر والمال كله أحد وعشرون كل رقبة سبعة ويسلم للقن سهم وهو السبع من رقبته ويسعى في ستة أسباع قيمته ويسعى في خمسة أسباع قيمته فإذا مات العبد قبل أن يؤدي شيئا سعى كل واحد من المدبرين في سبعة أعشار قيمته لأن العبد مات مستوفيا لوصيته وتوى ما عليه من السعاية فإن مال الميت رقبة المدبرين وهما يضربان في ذلك بستة والورثة بأربعة عشر فيكون ذلك عشرين كل رقبة عشرة يسلم لكل واحد منهما ثلاثة ويسعى في سبعة.
ولو كان الميت أحد المدبرين يسعى المدبر الباقي في ثلثي قيمته والقن في ثمانية أتساع قيمته لأن الباقي من مال الميت رقبتهما يضرب فيه القن بسهم والمدبر بثلاثة والورثة بأربعة عشر فيكون ثمانية عشر لكل رقبة تسعة يسلم للمدبر ثلاثة وذلك ثلث رقبته والقن سهم وذلك تسع رقبته ويسعى في ثمانية أتساع قيمته وإن مات العبد أيضا سعى المدبر الباقي في أربعة عشر جزءا من سبعة عشر جزءا من رقبته لأن الباقي في الحاصل من مال الميت رقبته خاصة فيضرب الورثة بحقهم وذلك أربعة عشر والمدبر بحقه ثلاثة فتكون رقبته على سبعة عشر وقد مات كل من الآخرين مستوفيا لوصيته إذا ضممت ذلك القدر إلى ما يسلم للباقي استقام الثلث(28/332)
ص -160- ... والثلثان وإذا كان للرجل خمسة أعبد قيمة كل واحد منهم أربعمائة فقال في مرضه أحدكم حر فمات أحدهم قبل موت السيد ثم مات السيد وقع العتق على الأربعة الباقين لأن الذي مات خرج من أن يكون مزاحما للباقين في الحرية المتهمة بين الأربعة الباقين بعد موت المولى لكل واحد منهم ربعه ويسعى كل واحد منهم في ثلاثة أرباع قيمته فإن مات أحدهم قبل أن يؤدي شيئا لم ينتقص من حق الباقين شيء لأن الذي مات مستوف لوصيته وتوى ما عليه من السعاية إلا أنه قد بقي ثلاثة فإن بوصية كل واحد منهم إذا جمعتها كان دون الثلث من مال الميت فلهذا لا ينتقص حقهم بما توى من السعاية على الميت
وإن مات أحد الباقين أيضا يسعى الباقيان كل واحد منهما في أربعة أخماس قيمته لأن الميتين قد استوفيا وصيتهما وتوى ما عليهما من السعاية وإنما مال الميت رقبة الباقين وهما يضربان بحقهما كل واحد منهما بسهم والورثة بحقهم وذلك ثمانية فإن الثلث بينهم على أربعة فتكون السهام عشرة كل رقبة خمسة فلهذا يسعى كل واحد منهما في أربعة أخماس قيمته.
وإذا قال الرجل في مرضه لأمة: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وإن كان أول ولد تلدينه جارية فأنت حرة فولدت غلاما وجارية لا تدري أيهما أول ثم مات من مرضه ولا مال له غيرهم وقيمة كل واحد منهم ثلاثمائة فالابنة رقيق ويعتق الغلام نصفه من الثلث ونصفه بعتق الأم لأنا تيقنا برق الابنة كمال الشرط ثم الغلام يعتق على كل حال لأنها إن ولدت الغلام أولا فالغلام حر وإن ولدت الجارية أولا فالغلام حر أيضا تبعا للأم فلهذا يعتق كله والجارية تعتق في حال دون حال لأنها إن ولدت الغلام أولا فهي أمة وإن ولدت الجارية أولا فهي حرة فيعتق نصفها طعن عيسى في هذا الجواب وقال ينبغي أن لا يعتق شيء من الأم لأنه وقع الشك في شرط عتقها فإن شرط عتقها ولادة الجارية أولا وهذا مشكوك فيه وما لم يقع الشرط لا يترك شيء من الجزء.(28/333)
ألا ترى: أنه لو قال إن لم أدخل الدار اليوم فعبده حر فمضى اليوم ومات المولى ولا يدري أدخل أو لم يدخل لم يعتق العبد للشك فيما هو شرط وإن كان الظاهر أنه لم يدخل ولكنا نقول ما ذكره في الكتاب صحيح فإن شرط عتقها ولادة الجارية وقد وجد ذلك ولكن كون ولادة الغلام سابقا مانع وهذا المانع مشكوك فيه فإنما هذا اعتبار الأحوال في المانع لا في الشرط فإن ولادة الجارية صارت وما لم يكن موجودا أو أعلم وجوده كان أولا ما لم يعلم تقدم غيره عليه فإذا كانت هذه المقالة في مرضه يسعى الغلام في نصف سدس قيمته وتسعى الأم في ثلاثة أسداس ونصف سدس قيمتها لأن نصف رقبة الغلام لا يعد مالا للمولى فإن العتق فيه تبع الأم فإنما مال الميت رقبتان ونصف ثم الغلام بنصف رقبة وكذلك الأم تضرب بنصف رقبتها فإن وصية كل واحد منهما هذا المقدار فكان الثلث بينهما على سهمين والثلثان أربعة فتكون جملته ستة والمال رقبتان ونصف فقد انكسر بالأنصاف فاضعفه فيكون خمسة ثم ستة على خمسة لا يستقيم فتضرب ستة في خمسة فتكون(28/334)
ص -161- ... ثلاثين فصارت كل رقبة على اثني عشر ونصف الرقبة ستة فأما العبد فقد عتق منه نصفه تبعا للأم ويسلم له في النصف الباقي خمسة لأنه كان حقه في سهم وقد ضربناه في خمسة فإنما يبقى عليه السعاية في سهم بالاثني عشر وذلك نصف سدس قيمته والأم صارت رقبتها على اثني عشر سهم لها من ذلك خمسة وذلك سدسان ونصف سدس فعليها السعاية في ثلاثة أسداس ونصف سدس فإن مات الغلام قبل أن يؤدي شيئا سعت الأم في ثلاثة أخماس قيمتها لأن الغلام مات مستوفيا لوصيته وتوى ما عليه من السعاية فإنما مال الميت رقبة الأم والابنة يضرب الورثة في ذلك بأربعة والأم بسهم فيكون أخماسا ولكن إذا قسمت خمسة على رقبتين كان كل رقبة سهمين ونصفا فاضعف فيكون كل رقبة على خمسة فإنما يسلم للأم من رقبتين سهمان من خمسة وتسعى في ثلاثة أخماس قيمتها.
ولو ماتت الأم وبقى الغلام سعى الغلام في قول أبي حنيفة رحمه الله في جميع ما كان على أمه وعليه بمنزلة العبد ما لم يؤد جميع ذلك لأن المستسعى عنده بمنزلة المكاتب فالنصف الذي هو تبع الأم من الغلام لا يعتق إلا بعتق الأم فهو محتاج إلى أداء سعاية الأم ليستند العتق في ذلك النصف فلهذا في جميع ما على أمه كولد المكاتب بعد موت الأم وعلى قولهما ليس عليه أن يسعى فيما على أمه لأن المستسعى عندهما حر عليه دين وليس على ولد الحرة سعاية في دين أمه ولكن عليه أن يسعى في خمسي نصف قيمة نفسه لأن الأم ماتت مستوفية لوصيتها ويعاد ما عليها من السعاية وإنما مال الميت نصف رقبة الغلام مع رقبة الابنة يضرب الورثة في ذلك بأربعة والغلام بسهم فيكون خمسة وقسمه رقبة ونصف على خمسة لا تستقيم فالسبيل أن يضعف رقبة ونصفا فيكون ثلاثة ثم تضرب ذلك في خمسة فتكون خمسة عشر للابنة من ذلك عشرة ونصف رقبة الغلام خمسة يسلم له من ذلك ثلاثة لأنه كان حقه في سهم ضربناه في ثلاثة فإنما يجب عليه السعاية في خمسي نصف رقبته.(28/335)
وإذا كان لرجل ثلاثة أعبد قيمة كل واحد منهم في ثلاثمائة فقال في مرضه أحدكم حر على مائة درهم وقبلوا ذلك جميعا ثم مات السيد قبل البيان ولا مال له غيرهم فإنه يعتق ثلث كل واحد منهم بثلث المائة لأن العتق بعوض يصح إيجابه في المجهول كالعتق بغير عوض فإن الإيجاب في المجهول كالمعلق بالشرط والعتق بعوض يحتمل التعليق بالشرط كالعتق بغير عوض ولما قبلوا جميعا فقد وجد القبول ممن يتناوله الإيجاب فيعتق أحدهم وكان للمولى الخيار في البيان وقد انقطع خياره بموته فيشيع العتق فيهم جميعا ويكون على كل واحد منهم ثلث المائة بحصة ما يسلم له من العتق لأن المال ها هنا تبع العتق وثبوت التبع يثبت المتبوع ثم إنما حصلت الوصية لهم بقدر المائتين وذلك دون الثلث فيسلم لكل واحد منهما مقدار ثلث المائتين ويسعى كل واحد منهما في ثلثي قيمته فهو دية مع ثلث المائة هي عوض.
ولو لم يكن إلا عبدان قيمة أحدهما مائة درهم وقيمة الآخر ثلاثمائة فقال في مرضه أحدكما حر على مائة درهم فقبلا ثم مات السيد فإنه يعتق من كل واحد منهما نصف بنصف(28/336)
ص -162- ... المائة لما بينا والغلام الذي قيمته مائة يسعى في نصف قيمته ولا وصية له إلا أنه يسلم له نصف رقبته بخمسين درهما وذلك مثل قيمة نصفه فعرفنا أنه لا وصيه له ويسعى الآخر في نصف قيمته أيضا مع الخمسين فله من قيمته مائة درهم وصية لأنه سلم له نصف رقبته بخمسين وقيمة نصف رقبته مائة وخمسون فعرفنا أنه أوصى له بمائة وهذا لأنه إن كان هو المراد بالإيجاب ففي هذا الإيجاب وصية له بمائة درهم وإن كان المراد صاحبه فلا وصية في هذا الإيجاب لأحد فباعتبار الأحوال ثبتت الوصية بقدر المائة ويكون ذلك كله للأرفع فإنه لا وصية للأوكس.
ولو كان له ثلاثة أعبد قيمة كل واحد منهم ثلاثمائة فقال في صحته أحدكم حر على مائة درهم والأخران حران بغير شيء فقبلوا ذلك فهم أحرار لأنه أوجب الحرية لأحدهم بعوض في قبولهم فقبلوا قول من يتناوله الإيجاب ونزول العتق بعوض باعتبار القبول وقد وجد وأعتق الآخرين بغير شيء فقد تيقنا بحريتهم ولا خيار للمولى في الإيقاع لأن إيقاع العتق المتهم بالبيان إنما يصح ممن يملك الإيجاب وبعد ما عتقوا لا يملك المولى إيجاب الدين فيهم ابتداء فلا خيار له في الإيقاع ولا شيء عليهم لأن الذي يرث المال منهم مجهول والقضاء بالمال على المجهول غير ممكن.
ألا ترى أن ثلاثة نفر لو قالوا لرجل لك على أحدنا ألف درهم لم يجب على أحدهم شيء وهذا بخلاف ما سبق فإن هناك للمولى حق البيان في العتق فيكون المال عليهم وها هنا ليس للمولى في العتق حق البيان فيبقي مقصودا بالوجوب ولا يمكن إيجابه على المجهول مقصودا.(28/337)
ولو قال: أحدكم حر على مائة درهم والآخر على مائتي درهم والثالث على ثلاثمائة فقبلوا جميعا فهم أحرار لأن كل واحد منهم حر قيل مطلقا فقد قبل ما يتناوله من الأيجاب فيعتقون جميعا وعلى كل واحد منهم مائة درهم لأنه لا يجب من المال على كل واحد منهم إلا المتيقن به والمتعين في حق كل واحد منهم مقدار المائة فقط وهو بمنزلة ثلاثة نفر أقروا أن لرجل على أحدهم مائة وعلى الآخر مائتين وعلى الثالث ثلاثمائة فليس له أن يأخذ من كل واحد منهم إلا مائة.
فلو قال لعبدين له في مرضه: قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة أحد كما حر بمائة درهم والآخر بمائتي درهم فقبلا ذلك ثم مات السيد سعى كل واحد منهما في ثلثي قيمته لأنه أوصى لهما بنصف قيمته ولا يمكن تنفيذ وصيته إلا في مقدار الثلث فيسلم لكل واحد منهما ثلث قيمته بالوصية ويسعى في ثلثي قيمته.
ولو أن رجلا قال لعبده: إن أديت ألي ألفا فأنت حر وإن أديت إلي ألفين فأنت حر فكل واحد من الكلامين صحيح لأن تعليق العتق بالشرط صحيح من المولى ما لم يترك العتق مرة كان أو مرات كما لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر أو إن كلمت فلانا فأنت حر فأي(28/338)
ص -163- ... الشرطين وجد عتق العبد فها هنا إن أدى الألفين عتق بالكلام الثاني لوجود الشرط فإن وجد المولى إحدى الألفين ستوقية عتق العبد بالألف الخيار خاصة وليس له على العبد بدل الستوقة لأن الستوقة ليس من جنس الدراهم فتبين أن العبد إنما أدى إلى المولى ألف درهم وأنه أنما أعتق بالكلام الأول لوجود الشرط وهو أداء الألف ستوقة للمولى إن كانت من كسب العبد ولا دين عليه وإن كانت الستوقة دينا على العبد ردها على الغرماء لأنهم أحق بكسبه من مولاه.(28/339)
وكذلك لو وجد في الألفين درهما ستوقا أو وجدها تنقص من وزن ألفي درهم شيئا لأنه تبين أن بأدائه تم الشرط الأول ولم يتم الشرط الثاني فإنما يعتق بالكلام الأول وإن وجد الألف زيوفا أو نبهرجة واستحقت فعلى العبد بدلها لأنه إنما عتق بالكلام الثاني ها هنا فإن الزيف من جنس الدراهم والمستحق كذلك فيكون العبد مؤديا الألفين ثم المال المقبوض باعتبار هذا الشرط في حكم العرض فإذا وجده زيوفا استبدله به فإذا استحقت رجع بمثله بمنزلة بدل الكتابة فإن قيل القبض في المستحق ينتقص من الأصل بالاستحقاق وكذلك في الزيوف بالرد ولهذا بطل الصرف والسلم عند أبي حنيفة رحمه الله إذا وجد الكسر زيوفا فرده فكان ينبغي أن يعتق بالكلام الأول لأن قبض المولى إنما تم في الألف درهم قلنا نعم بالرد ينتقص القبض ولكن لا يتبين أن القبض لم يكن قائما فينتقض بانتقاص القبض ما يحتمل النقص دون ما لا يحتمله والعتق الواقع لا يحتمله النقص فبالرد والاستحقاق لا يتبين من نزول العتق ما لم يكن باعتبار أداء الألفين وكذلك لو كان هذا في المرض ثم مات السيد فوجد الورثة الأمر على ما وصفت لك إلا أن السيد إن كان حابى الغلام من قيمته شيئا وكان هذا الغلام أقل من قيمته كان الفضل له من الثلث وقد بينا أصل هذه المسألة في كتاب العتاق أن القدر المؤدى من المال في حكم العوض استحسانا ولهذا يجبر المولى على القبول إذا حابى العبد فلا يعتبر معنى الوصية في قدر المؤدي لوجود العوض وفيما زاد على ذلك تعتبر الوصية فيكون ذلك من ثلث ماله وكذلك لو قال لعبده إن أديت إلي ألفا فأنت حر وإن أديت إلي مائة دينار فأنت حر فأداهما جميعا فإنه يعتق بهما لوجود الشرطين جميعا والعتق يصير مضافا إلى العلة ثبوتا فكان يستقيم إضافة الحكم إلى علتين إلى كل واحد منهما بكماله فكذلك يصح إضافته إلى شرطين فإن وجد الألف ستوقة أو نبهرجة أو ناقصة أو استحقت فعلى ما وصفنا في الألفين يعنى أن في الستوق(28/340)
يكون العتق واقعا بأداء المائة الدينار خاصة وفي الزيوف والمستحق يكون العتق واقعا بادائهما فيستبدل بالزيوف المستحق والله أعلم بالصواب.
باب إقرار الوارث لوارث معه فيصدقه صاحبه أو يكذبه
قال: الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله: "وإذا مات الرجل وترك ابنا لا وارث له غيره وترك مالا فأقر الابن لرجل أنه أخوه لأبيه فإنه لا يصدق على النسب حتى لا يثبت نسبه من الميت"لا في رواية عن أبي يوسف قال إذا كان الابن واحدا يثبت النسب بإقراره بابن آخر لأنه قائم مقام أبيه فإقراره كإقرار الأب(28/341)
ص -164- ... والأصل فيه ما روى أن عبد الله بن ربيعة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما لما تنازعا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولد وليدة زمعة قال عبد الله ولد أبي ولد على فراش أبي وقال سعد بن أخي عهد إلي فيه أخي فقال عليه السلام: "هو لك يا عبد الله الولد للفراش وللعاهر الحجر"فقد أثبت النسب من زمعة بإقرار عبد الله لأنه كان هذا الوارث دون أخيه سودة فقد كانت مسلمة عند موت الأب وزمعة قتل كافرا وعبد كان على دينه يومئذ فكان هو الوارث خاصة وجه ظاهر الرواية أنه يحمل هذا النسب على غيره بإقراره وإقراره لا يكون حجة على الغير وبيانه أن الأخوة لا تثبت بينهما إلا بواسطة الأب فما لم يثبت نسبه من أبيه لا يكون أخا له فعرفنا أنه يحمل نسبه على أبيه وإنما يقوم هو مقام الأب فيما يخلفه فيه من المال وفي النسب لا يخلفه فلا يكون قائما مقامه في الإقرار ولا حجة في حديث عبد بن زمعة لأن قوله عليه السلام: "هو لك قضاء"بالملك لعبد في ذلك الولد فإنه كان ولد أمة أبيه وقوله: "الولد للفراش"لتحقيق نفي النسب من عتبة بن أبي وقاص فقد كان عاهرا لا فراش له على أنه روى أن تلك الوليدة كانت أم ولد لزمعة وليست ولد أم الولد بسبب من غير دعوة وفي بعض الروايات قال عند أبي ولد على فراش أبي أقربه أبي فإنما أقامه مقام أبيه في إظهار إقراره بقوله ثم ثبوت النسب كان بإقرار معه لا بإقرار عبد ثم نقول المقر له يشارك المقر في الميراث فيأخذ منه نصف ما ورث من الأب لأن في كلامه إقرارا بشيئين بالنسب وبالشركة في الميراث والنسب إنما يقر به على غيره فلم يصح والشركة في الميراث إنما يقر بها على نفسه لأنه صار أحق بجميع الميراث فصح إقراره بذلك ولا يبعد أن يثبت له الشركة في الميراث وإن لم يثبت النسب كما لو قال لعبده وهو معروف النسب من غيره هذا ابني فإنه يعتق عليه وإن لم يثبت نسبه منه فإن دفع النصف إليه ثم أقر بابن آخر لأبيه وكذبه الأول(28/342)
فيه وكذبه الآخر في الأول فإن كان دفع النصف إلى الأول بقضاء القاضي أخذ الآخر نصف ما بقي في يده لأنه بالكلام الثاني أقر أن حقه وحق الثاني في الشركة سواء وإقراره حجة في حقه فيدفع إليه نصف ما بقي في يده ولا يغرم له شيئا مما دفعه إلى الأول لأنه إنما دفع ذلك بقضاء القاضي فلا يصير ضامنا شيئا من ذلك المدفوع لأحد ويجعل ما أخذه الأول زيادة على حقه كالتاوي فيكون ضرر ذلك عليهما جميعا وإن كان دفعه إلى الأول بدون قضاء القاضي أخذ الآخر ثلثي ما بقي في يده وهو ثلث جميع المال لإقرار حق كل واحد منهم في ثلث المال وأنه دفع إلى الأول قدر السدس زيادة على حقه وإنما دفعه بعد قضاء فيكون ذلك محسوبا من نصيبه فيدفع إلى الآخر مما بقي في يده كمال حقه وهو ثلث جميع المال أو ما دفع إلى الأول زيادة على حقه كالقائم في يده حكما ويجعل كأن الباقي في يده ثلثا التركة فيدفع إلى الثاني نصف ذلك وهو ثلث جميع التركة والدليل على صحة الفرق بين الدفع بقضاء وغير قضاء أن الوصي إذا قضى دين بعض الغرماء من التركة بقضاء القاضي لم يكن ضامنا لسائر الغرماء شيئا ولو دفع بغير قضاء القاضي كان ضامنا حصة سائر الغرماء.(28/343)
ص -165- ... وكذلك لو كان الوارث هو الذي قضى بعض الغرماء دينهم وعلى هذا في جناية المدبر إذا دفع المولى القيمة ثم جنى جناية أخرى يفصل الدفع بقضاء وبغير قضاء في قول أبي حنيفة رحمه الله على ما بينا في الديات وهما يستويان هناك بين الدفع بقضاء وبغير قضاء والفرق لهم بحرف وهو أنه متى دفع إلى الأول وليس هناك حق واجب بغيره لم يكن ضامنا سواء دفع بقضاء أو بغير قضاء لأنه فعل بنفسه عين ما يأمر القاضي به لو رفع الأمر إليه ومتى كان حق الثاني ثابتا عند الدفع إلى الأول يفصل بين الدفع بقضاء وبغير قضاء.
بيانه فيما قال في كتاب العتق في المرض رجل زوج أمته واستوفى صداقها ثم أعتقها في صحته ثم مات ولم يدخل الزوج بها فيضرب الوارث في التركة ثم اختارت هي نفسها حتى صار الصداق دينا على المولى وهو مستغرق للتركة فإن تصرف الوارث في التركة لم ينفذ تصرفه لأن في الفصل الأول الدين لم يكن واجبا حين تصرف وفي الفصل الثاني واجبا حين تصرف وقد سبق نظائره في كتاب الرهن فها هنا قد تبين بإقراره أن حق الثاني كان ثابتا حين دفع إلى الأول ففصل بين الدفع بقضاء وبغير قضاء.(28/344)
وفي مسألة الجناية لم يتبين أن حق الثاني كان ثابتا حين دفع القيمة إلى الأول فلا يغرم الثاني شيئا سواء دفع بقضاء أو بغير قضاء وإن كان المقر دفع النصف إلى الأول بقضاء قاض ودفع الربع إلى الثاني بغير قضاء قاض ثم أقر بابن آخر وأنكر الأولان وأنكرهما الثالث أيضا فإن الثالث يأخذ منه ثلثي ما بقي في يده وهو سدس جميع الميراث لأنه لا يغرم له شيئا مما دفعه إلى الأول فإنه دفع ذلك بقضاء القاضي فيجعل ذلك كالتاوى يبقى نصف التركة في يده وقد أقر أن حقه وحق الثالث والثاني في هذا النصف سواء لكل واحد منهم ثلثه وهو سدس جميع الميراث لأنه لا يغرم له شيئا مما دفعه إلى الأول فإنه دفع ذلك بقضاء القاضي في المال وقد دفع إلى الثاني زيادة على حقه بغير قضاء القاضي فيكون ذلك محسوبا عليه من نصيبه فيدفع إلى الثالث كمال حقه وهو سدس جميع المال ثلثي ما بقى في يده وثلث المدفوع إلى الثاني لما كان محسوبا عليه جعل كالقائم في يده فكان الباقي في يده ثلثي النصف فيدفع إلى الثالث نصف ذلك وهو سدس جميع المال.
ولو كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء القاضي ودفع الثلث إلى الثاني بقضاء القاضي ثم أقر بالثالث فصدقه فيه الأول وكذبه الثاني وكذبا جميعا للثاني فإن الثالث يأخذ منه نصف ما بقي في يد الابن المعروف فيضمه إلى ما في يد المقر به الأول فيقتسمانه نصفين.
قال في بعض النسخ: وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وأما على قول محمد فيأخذ منه ثلث ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يدي الأول فيقتسمانه نصفين وزعم كل واحد منهما أن تخريجه على قياس قول أبي حنيفة وذكر الخصاف طريقا آخر لتخريج جنس هذه المسائل وزعم أنه هو الصحيح على أصل أبي حنيفة رحمه الله وأجاب في هذه(28/345)
ص -166- ... المسألة أن الثالث يأخذ منه خمسي ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يدي المقر به الأول فيقتسمانه نصفين وهذه المسألة تنبنى على ما بينا في كتاب الإقرار.
رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بابنين آخرين للميت وصدقه الآخر فإن المتفق عليه يأخذ من المقر ربع ما في يده في قول أبي يوسف رحمه الله فيضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقى في يد المقر بينه وبين المجحود نصفان وجه البناء عليه أن المقر به الأول ها هنا بمنزلة التصديق لأنه لما أقر له في وقت لم يكن له بشيء صار كالابن المعروف والثالث بمنزلة المتفق عليه لأن المعروف قد أقر به وصدقه الأول به ثم بيان تخريج أبي يوسف أن المقر قد أقر بأن الثالث مساو له في تركة الميت فإنه دافع أربعة والتركة بينهم أرباعا إلا أنه لا يغرم له شيئا مما دفعه إلى الثاني لأنه دفعه بقضاء القاضي ولا يغرم له شيئا مما دفعه إلى الأول وإن دفعه بغير قضاء قاض لأن الأول مصدق به فيسلم له نصيبه في المدفوع الأول من جهته فيبقى ما بقي في يد المقر له وقد أقر أن حقهما فيه على السواء فيأخذ منه نصف ما بقي في يده لهذا ثم يضمه إلى ما في يد الأول فيقتسمانه نصفين لأنهما تصادقا أن حقهما في التركة سواء.(28/346)
وجه تخريج محمد رحمه الله أن المقر يقول للثالث: أنا قد أقررت بأن حقي في سهم وحقك في سهم وحق الباقي في سهم إلا أن السهم الذي فيه حقك نصفه في يدي ونصفه في يد الأول وذلك يصل إليك من جهته لأنه أقر بك ولا غرم على شيء مما دفعته إلى الثاني لأني دفعته بقضاء القاضي فبقى ما في يدي وحقك فيه في نصف سهم وحقي في سهم فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه فيكون ما في يده بينهما أثلاثا لهذا وجه تخريج الخصاف أن المقر يقول للثالث أنا قد أقررت بأنك رابع أربعة ولا غرم لك علي في شيء مما دفعته إلى الأول لأن حقك في ذلك النصف يصل إليك من جهته يبقى حقك في سهم من أربعة من النصف الذي هو في يدك والباقي وهو ثلاثة بينى وبين الثاني نصفين لكل واحد منها سهم ونصف وما دفعت إليه زيادة على حقه إنما دفعته بقضاء القاضي فلا يكون مضموما علي فأنا أضرب فيما في يدي بحقى وهو سهم ونصف وأنت تضرب بحقك وهو سهم فانكسر بالأنصاف فتضعفه فيكون للثالث سهمين وللمقر ثلاثة فصار ما في يده على خمسة فلهذا يأخذ منه خمسي ما في يده فيضمه إلى ما في يد الأول فيقتسمانه نصفين.
ولو كان المقر به الأول وأنكر الثاني والثالث وأقر الثاني بالثالث وأنكرا جميعا الأول فإن الثالث يأخذ مما في يد المعروف سدس جميع المال وهو جميع ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يد الثاني فيقتسمانه نصفين لأنه أقر أن المال بينهم أرباعا وأن حق الأول كان في ربع المال وقد دفع إليه النصف بغير قضاء القاضي فالربع الذي دفعه إليه زيادة على حقه يكون من نصيبه خاصة أو يجعل ذلك كالقائم في يده فكان في يده ثلاثة أرباع المال فيلزمه أن يدفع إلى الثاني والثالث كمال حقهما وهو نصف المال وقد دفع إلى الثاني ثلث المال فيدفع إلى الثالث(28/347)
ص -167- ... السدس حتى يجتمع في يدهما نصف المال فيقتسمانه نصفين لتصادقهما ويصير كل واحد منهما مستوفيا كمال حقه بزعمه.
ولو لم يصدق كل واحد منهما بالثالث والمسئلة بحالها فإنه يدفع إلى الثالث ما بقي في يده وهو سدس المال ويغرم له أيضا ثلث سدس جميع المال لأنه أقر أن المال بينهما أرباعا إلا أنه دفع إلى الثاني ثلث المال بقضاء القاضي فلا يغرم شيئا من ذلك للثالث وقد دفع إلى الأول النصف بغير قضاء القاضي فيكون ضامنا للثالث ما دفعه إلى الأول زيادة على حقه ويجعل ذلك كالقائم في يده ثلثا التركة فعليه أن يدفع إلى الثالث ثلث الثلثين وثلث الثلثين سدس وثلث سدس والباقي في يده السدس فيدفع إليه ذلك ويغرم له ثلث سدس من ماله حتى يصير هو مستوفيا كمال حقه بزعمه.
ولو أن رجلا مات وترك ابنين وألفي درهم فأخذ كل واحد منهما الفا ثم أقر أحدهما بأخ من أبيه وأنكره صاحبه فإنه يأخذ من المقر نصف ما في يده لأنه أقر أن حقهما في التركة سواء وإقراره حجة فيما في يده وإن لم يكن حجة فيما في يد أخيه فيدفع إليه نصف ما في يد أخيه فإن أعطاه ذلك ثم أقر بأخ آخر من أبيه وصدقه فيه الأخ المعروف وأنكره المقر به الأول فإن كان الابن المعروف دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء القاضي أخذ منه المقر به الثاني خمس ما في يده فيضمه إلى ما في يد الابن الآخر المعروف فيقتسمانه نصفين فإن كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء قاض أخذ منه المقر به الثاني خمس ما في يده فيضمه إلى ما في يد الابن الآخر المعروف فيقتسمانه نصفين في قول أبي يوسف وقال محمد رحمه الله إن كان دفع النصف إلى الأول بقضاء القاضي أخذ الباقي منه ثلث ما في يده وإن كان دفعه بغير قضاء أخذ منه خمس جميع ما كان في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمانه نصفين وهذا بناء على مسألة الإقرار التي بيناها.(28/348)
وجه تخريج أبي يوسف أن المقر لو أقر بهما جميعا وصدقه المعروف في أحدهما لكان المتفق عليه يأخذ منه ربع ما في يده في قول أبي يوسف رحمه الله لأنه يقول له أنا قد أقررت بأن حقك في ربع التركة ونصف التركة في يد أخي وهو مقر بنصيبك فإنما يبقى حقك فيما في يدي في الربع وهو سهم من أربعة وما بقي وهو ثلاثة بيني وبين المجحود نصفان فإذا أقررت به أولا ودفعت إليه نصف ما في يدي فما دفعته زيادة على حقه لا يكون مضموما علي لأني دفعته بقضاء القاضي فيبقى حقك فيما في يدي في سهم وحقي في سهم ونصف فلهذا يعطيه خمس ما في يده وإن كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء القاضي فما دفعه زيادة على حقه يكون محسوبا عليه ويجعل القائم في يده فيدفع إلى الثاني جميع حقه إذ لو أقر بهما معا وذلك ربع النصف ثمن جميع المال فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمانه نصفين لأنهما تصادقا أن حقهما في التركة سواء.(28/349)
ص -168- ... وجه تخريج محمد رحمه الله أنه لو أقر بهما معا لكان المتفق عليه يأخذ من المقر خمس ما في يده لأنه يقول حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم إلا أن السهم الذي هو حقك نصفه في يدي ونصفه في يد شريكي وهو مقر لك بذلك وإنما تضرب فيما في يدي بنصف سهم وأنا بسهم والمجحود بسهم فلهذا يأخذ خمس ما في يده فإذا أقر بالمجحود أولا ودفع إليه نصف ما في يده بقضاء القاضي لم يكن ذلك مضمونا فإنما يضرب هو فيما بقي في يده بسهم والمتفق عليه بنصف سهم فلهذا يأخذ ثلث ما في يده وإن كان الدفع بغير قضاء القاضي فما دفعه زيادة على حقه محسوب عليه فيدفع إلى المتفق عليه جميع ما كان يدفع أن لو أقر بهما معا وذلك خمس نصف المال فيضمه إلى ما في يد المعروف فيقتسمانه نصفين.
ولو تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ الثاني من الابن المعروف الذي أقر به خاصة لأنه يحتاج إلى قسمة ما يأخذ مع الآخرين أيضا فيما بينهم ثم يأخذ منه ثلث ما في يده لأنه أقر له بثلث التركة نصف في يده ونصف في يد أخيه وهو يقر له بذلك فلا يأخذ منه إلا ما أقر له به مما في يده وذلك الثالث بمنزلة بن للميت أقر بابنته فإنها تأخذ منه ثلث ما في يده فإذا أخذ كل ضمه إلى ما في يد الأول والمعروف للذي أقر بهما لأنهم تصادقا أن حقهم في التركة سواء فما يصل إليهم يقسم بينهم أثلاثا باعتبار تصادقهم وإنما يتوى بأخذ الابن الآخر زيادة على حقه ويكون عليهم بالحصة وما يبقى يبقى لهم بالحصة كما هو الحكم في المال المشترك.(28/350)
ولو أن رجلا مات وترك ثلاثة أخوة له من أبيه وأمه فاقتسموا المال بينهم أثلاثا ثم أقر أحدهم بأخ للميت من أبيه وأمه فدفع إليه نصف ما في يده ثم أقر بأخ آخر وصدقه فيه أحد أخوته المعروفين وتكاذب المقر بهما فيما بينهما فإذا كان دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء قاض أخذ منه الآخر خمس ما بقى في يده فضمه إلى الذي أقر به خاصة فاقتسماه نصفين وإن كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء قاض دفع إلى الثاني ربع ثلث جميع المال يضمه إلى ما في يد الذي أقر به فاقتسماه نصفين في قول أبي يوسف وقال محمد إن كان دفع إلى الأول بقضاء قاض دفع إلى الثاني ثلث ما في يديه وإن كان دفعه بغير قضاء قاض أخذ منه الآخر خمس ما بقي في يده فضمه إلى الذي أقر به خاصة فاقتسماه نصفين وإن كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء قاض دفع إلى الثاني ربع ثلث جميع المال فضمه إلى ما في يده الذي أقر به فاقتسماه نصفين في قول أبي يوسف وقال محمد رحمه الله إن كان دفع إلى الأول بقضاء قاض دفع إلى الثاني ثلث ما في يديه وإن كان دفعه بغير قضاء قاض دفع إلى الثاني خمس جميع المال فضمه إلى ما في يد الذي أقر به فاقتسماه نصفين وجه تخريج أبي يوسف أن المقر زعم أن حق الثاني في خمس المال إلا أن أحد أخوته المعروفين كذبه وصار هو مع ما أخذ كالمعدوم وإنما نعتبر القسمة بين الباقيين فمن حجته أن يقول للثاني: إنما(28/351)
ص -169- ... أقررت بأن لك ربع ما في أيدينا والذي في يد المصدق بك يصل إليك من جهته يبقي حقك فيما في يدي في سهم من أربعة وذلك ربع ثلث المال والباقي وهو ثلاثة بيني وبين المقر له الأول نصفان إلا أني دفعت إلى الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي فلا يكون محسوبا علي وإنما يبقي ما في يده فأنت تضرب بسهم وأنا بسهم ونصف فانكسر بالأنصاف فأضعفه فيكون لي ثلاثة ولك سهمان فلهذا يأخذ منه خمسي ما في يده وإن كان دفعه بغير قضاء فما دفع إليه زيادة على حقه هو محسوب على الدافع فيدفع إلى الثاني جميع ما أقر له به وذلك ربع ثلث جميع المال ثم يضم ذلك إلى ما في يد المصدق به فيقتسمانه نصفين لتصادقهما على أن حقهما في التركة سواء.
ووجه تخريج محمد أن المقر يقول للمقر له: حقك في سهم ولكن نصف ذلك السهم في يدي ونصفه في يد المصدق لك وهو يصل إليك من جهته فأنت تضرب فيما في يدي بنصف سهم وأنا بسهم والمقر له الأول بسهم فيكون الثلث الذي في يدي بيننا أخماسا لك منه الخمس فإن كان دفع إلى الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي لم يكن ذلك محسوبا عليه وإنما يبقى ما في يده يضرب فيه الثاني بسهم والمقر بسهمين فلهذا يأخذ ثلث ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء كان ذلك محسوبا عليه فيدفع إلى الثاني كمال حقه مما في يده وهو خمس جميع المال فيضمه إلى ما في يد المصدق به فيقتسمانه نصفين لتصادقهما على أن حقهما سواء وإنما خرجا هذه المسألة على أن الذي كذب بهما مع ما أخذ صار في حكم المعدوم وهذا لأنه إنما أخذ بنسبة المعروف فلا يكون ذلك مضمونا على أحد سواء كان أخذه بقضاء قاض أم لا.(28/352)
ولو كان المقر به الآخر أقر به الأخوة المعروفون جميعا فإن كان المقر بهما دفع النصف إلى الأول بقضاء قاض دفع إلى الثاني ثلث ما بقي في يده وإن كان دفعه إليه بغير قضاء قاض دفع إليه خمس ثلث جميع المال فضمه إلى ما في يد الأخوين المعروفين فاقتسموها أثلاثا لأن المقر يقول للثاني حقك في خمس جميع المال والذي في يد أخوي لك بيني وبين الأول لي سهمان وله كذلك فإن دفعك بغير قضاء فما دفعه زيادة على حقه محسوب عليه فيدفع إلى الثاني كمال حقه مما في يده وهو خمس ثلث جميع المال فيضمه إلى ما في يد الأخوين المعروفين لأنهم تصادقوا على أن حقهم سواء فيقتسمون ذلك أثلاثا ولم يذكر قول محمد إلا في بعض النسخ فإنه قال على مذهبه التخريج بطريق السهام فالمقر له يقول للثاني حقك في سهم وحقي في سهم وحق الأول في سهم إلا أن السهم الذي حقك ثلثه في يدي وثلثاه في يد كل واحد من الآخرين وهما مقران بك فإنما تضرب فيما في يدي بثلث سهم وأنا بسهم والأول بسهم فإذا جعلت كل ثلث سهما كانت القسمة أسباعا للثاني سبع ما في يده فإذا كان دفع إلى الأول بقضاء لم يغرم شيئا من ذلك فالمقر يضرب فيما في يده بثلاثة والثاني بسهم فيقسم ما في يده بينهما أرباعا وإن كان دفعه بغير قضاء كان(28/353)
ص -170- ... ذلك محسوبا عليه فيأخذ الثاني منه مقدار حقه مما في يده وهو ثلث جميع المال فيضمه إلى ما في يد المعروفين فيقتسمونه بينهم أثلاثا.
ولو أن رجلا مات وترك ابنا وابنة فأقرت الابنة بأخ لها وأنكره أخوها فإنه يأخذ ثلثي ما في يد الابنة لأنها أقرت أن حقه ضعف حقها فإنها زعمت أن الميت خلف ابنين وابنة وأن المال بينهم على خمسة لكل بن سهمان ولكل بنت سهم إلا أن الابن المعروف أخذ زيادة على حقه بنسبه المعروف فلا يكون شيء من ذلك مضمونا عليهما ولكن يجعل ذلك كالتاوى فيقسم ما في يده بينهما على مقدار حقهما أثلاثا فإن أعطته ذلك ثم أقرت بأخت من أبيها وصدقها فيها الابن المعروف المقر به الأول وصدقت هي به أيضا فإنها تأخذ من الابن المعروف ربع ما في يده فتضمه إلى ما وفي يد الابنة والمقر به الأول فيقتسمونه للذكر مثل حظ الانثيين لأن الابن المعروف يزعم أن الميت خلف ابنا وابنتين وأن المال بينهم أرباعا حق هذه في ربع المال وبعض المال في يد الابنة والمقر له وحقها في ذلك يصل إليها لإقرارهما به فإنما يأخذ مما في يد الابن مقدار حقه مما في يده وذلك ربع ما في يده فيضمه إلى ما في يد الابنة والمقر به الأول فيقتسمونه للذكر مثل حظ الانثيين لتصادقهم فيما بينهم.
ولو كانت المقر بها كذبت بالأول أخذت من الابنة المعروفة ثلاثة أثمان ما بقى في يدها إن كانت أعطت الأول بقضاء قاض وإن كانت أعطته بغير قضاء أخذت هذه الأخيرة منها سدس ثلث جميع المال فضمته إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمانه أثلاثا في قول أبي يوسف وقال محمد رحمهما الله إذا أعطت الأول بقضاء قاض أخذت الثانية ربع ما في يدها فضمته إلى ما في يد الآخر فيقتسمانه على ثلاثة.(28/354)
وجه تخريج أبي يوسف: أن الابنة زعمت أن حق الثانية في سدس المال لأنها تقول الميت ترك ابنين وابنتين فتكون القسمة من ستة لكل بن سهمان ولكل ابنة سهم فإنما حق الثانية في سهم من ستة من كل جزء من المال ونصيبها في يد الابن المعروف يسلم لها من جهته يبقي حقها في سهم مما في يدها وما بقي وهو خمسة بينها وبين المقر به الأول أثلاثا للمقر به الأول ثلاثة وثلث وللمقرة سهم وثلثان فما دفعت إلى الأول زيادة على حقه إنما دفعت بقضاء قاض ولا يغرم شيئا من ذلك ولكن الثانية تضرب فيما بقي في يدها بسهم وهي بسهم وثلثين فإذا جعلت كل ثلث سهما يصير حق المقرة خمسة وحق الثانية ثلاثة فلهذا أخذت منها ثلاثة أثمان ما بقي في يدها وإن كان الدفع بغير قضاء كان ذلك محسوبا عليها وإنما تأخذ الثانية كمال حقها مما في يدها وذلك سدس ثلث جميع المال فضمت ذلك إلى ما في يد الابن المعروف وقاسمته أثلاثا لتصادقهما فيما بينهما.
ووجه تخريج محمد رحمه الله أن المقرة زعمت أن حق الثانية في سهم ولكن ثلثا ذلك السهم في يد الابن المعروف وهو مقر بها فإنما تضرب هي فيما في يد المقرة بثلث سهم والمقرة بسهم والمقر به الأول بسهمين فإذا جعلت كل ثلث سهما كان ذلك عشرة أسهم(28/355)
ص -171- ... لها عشر ما في يدها وهو الثلث فإن دفعت إلى الأول زيادة على حقه بقضاء قاض لم يكن ذلك محسوبا عليها فلهذا أخذت ربع ما في يدها وإن كان الدفع بغير قضاء كان ذلك محسوبا عليها فتأخذ الثانية كمال حقها مما في يدها وذلك عشر ثلث جميع المال.
وإذا ترك الرجل ابنين ومالا فاقتسماه نصفين ثم إن أحدهما أقر بأخوين له من أبيه معا فصدقه أحدهما في أحدهما وتكاذب المقر بهما فيما بينهما فالذي أقرا به جميعا يأخذ من يد المقر بالأخوين ربع ما في يده فيضمه إلى ما في يد الذي أقر به خاصة فيقتسمانه نصفين في قول أبي يوسف وقال محمد يأخذ منه خمس ما في يده فيضمه إلى ما في يد المقر خاصة فيقتسمانه نصفين وما بقي في يد الابن المقر بهما اقتسمه هو والابن الذي أنكره أخوه نصفين وأبو يوسف رحمه الله يقول ولو صدقه فيهما لكان يأخذ كل واحد منهما ربع ما في يد المقر بهما فكذلك إذا صدقه في أحدهما يأخذ المتفق عليه ربع ما في يد المقر اعتبارا لحال تصديقه به خاصة بحال تصديقه بهما لأن تكذيبه بالآخر لا يغير نصيبه فيما في يده ومحمد يعتبر السهام فيقول في زعم المقر أن حق المتفق عليه في سهم ولكن نصف ذلك السهم في يد المصدق وهو يصل إليه من جهته فإنما يضرب المتفق عليه فيما في يد المقر بنصف سهم والمقر بسهم فلهذا يأخذ خمس ما في يده وهذه المسألة أصل هذه المسائل وكان من حقه أن يقدمها ولكنه قد ذكر هذه المسألة في كتاب الإقرار فلهذا بدأ بالتفريعات عليه ها هنا ثم أعاد المسألة أيضا لتكون أوضح في البيان فإن تصادق المقر بهما فيما بينهما بدأ المتفق عليه بالذي أقر به خاصة لتصادقهما فيما بينهم ثم يأخذ منه ثلث ما في يده لأنه يزعم أن الميت ترك ثلاث بنين وأن حقه في ثلث ما في يده وثلث ما في يد أخيه وإنما يأخذ منه مقدار ما أقر له به مما في يده فيضمه إلى ما في يد المقر بالأخوين فيقتسمونه لأنهم تصادقوا أن حقهم في التركة سواء.(28/356)
وإذا ترك الرجل ابنا وامرأة فاقتسما المال ثم أقرت المرأة بابنين للمرأة معا وصدقها الابن في أحدهما وتكاذب المقر بهما فيما في يدهما فإن الابن الذي أقر به الابن المعروف يأخذ مما في يد المرأة وهو سبعة أجزاء من أربعة وعشرين جزءا فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقاسمه نصفين ورجع محمد رحمه الله عليه عن هذا وقال لا نأخذ مما في يد المرأة شيئا وفي بعض النسخ ذكر رجوع أبي يوسف مكان رجوع محمد وقال ما في يد المرأة بينهما وبين الابن المجحود على عشرة أسهم له سبعة ولها ثلاثة وفي بعض النسخ قال ذلك بينهما على ثمانية لها سهم وللمجحود سبعة.
فوجه ظاهر الرواية أن الذي أقر به الابن المعروف يأخذ مما في يد المرأة سبعة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل بن سبعة فهي تزعم أن حق كل واحد من المقر بهما في سبعة أسهم من أربعة وعشرين من التركة والذي في يدها جزء من التركة فيدفع إلى الذي أقر(28/357)
ص -172- ... به الابن المعروف مقدار حقه مما في يدها وذلك سبعة من أربعة وعشرين فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقاسمه نصفين لتصادقهما على أن حقهما سواء.
ووجه رجوعهما عن هذا القول أن حق المرأة في ثمن المال سواء كان للميت بن أو ثلاث بنين وليس في يدها إلا مقدار نصيبها وهو الثمن فهي إنما أقرت للمتفق عليه بأن نصيبه في يد الابن المعروف وذلك يصل إليه من جهته فلا يأخذ شيئا مما في يدها.
ألا ترى أن الابن المعروف لو صدقها فيهما لم يأخذ واحد منهما شيئا مما في يدهما فكذلك إذا صدقهما في أحدهما ولكن المعاملة له مع الابن المعروف فيقاسمه فيما في يده نصفين وتبقى معاملة المجحود مع المرأة في بعض النسخ بني الجواب على زعمها وهي زعمت أن حق المجحود في سبعة من أربعة وعشرين وحقها في ثلث فيضرب كل واحد منهما فيما في يدها بحقه فلهذا كانت القسمة على عشرة وفي بعض النسخ بنى على زعم الابن المجحود وفي زعمه أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن القسمة من ستة عشر لها سهمان ولكل بن سبعة فيضرب هو بسبعة وهي بسهمين فكانت القسمة بينهما على تسعة وفي بعض النسخ قال الابن المعروف لما كذب المجحود صار هو مع ما في يده في حق المجحود كالمعدوم فيجعل كأن جميع التركة ما في يد المرأة وهي الوارثة مع المجحود فتكون القسمة بينهما على ثمانية لها الثمن وللمجحود سبعة أثمانه.(28/358)
ولو تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ الابن المتفق عليه من الابن المعروف سبعة أسهم من ستة عشر سهما مما في يده وإنما بدأ به لحاجته إلى مقاسمة ما يأخذ مع المقر به الآخر ثم في زعم الابن الآخر المعروف أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن القسمة على ستة عشر للمتفق عليه سبعة أسهم من ستة عشر سهما من جميع التركة والذي في بعض التركة فيعطيه نصيبه من ذلك وهو سبعة أسهم من ستة عشر ثم يجمع إلى ما في يد المرأة فيقسم بين المقر بهما والمرأة على سبعة من ستة عشر ثم يجمع إلى ما في يد المرأة فيقسم بين المقر بهما والمرأة على سبعة عشر سهما لأنهم تصادقوا أن الميت خلف امرأة وثلاث بنين وأن القسمة من أربعة وعشرين لها ثلاثة ولكل بن سبعة فيقسم ما وصل إليهم باعتبار زعمهم تضرب فيه المرأة وكل واحد من المقر بهما بسبعة فتكون القسمة بينهم على سبعة عشر سهما.
وإذا ترك الرجل ثلاثة بنين فاقتسموا المال ثم أقر أحدهم بثلاثة أخوة معا وصدقه أحد أخوته في ابنين منهما وصدقه الآخر في واحد من هذين وتكاذب الثلاثة فيما بينهم فإنما يسمى كل واحد منهم ليكون أوضح في البيان فالذي أقر به بالثلاثة نسميه الأكبر والذي صدقه في الاثنين نسميه الأوسط والذي صدقه في واحد نسميه الأصغر ثم نسمي الذي أقروا به جميعا متفقا عليه والذي أقر به اثنان مختلفا فيه والذي أقر به الأكبر خاصة نسميه مجحودا ثم نقول المتفق عليه يأخذ من الأكبر سدس ما في يده ومن الأوسط خمس ما في يده فيضمه إلى ما في يد الأصغر ويقاسمه نصفين لأن الأكبر زعم أن الميت ترك ستة بنين وأن حق(28/359)
ص -173- ... المتفق عليه في سدس كل جزء من التركة والذي في يده جزء من التركة فأخذ المتفق عليه منه سدس ما في يده لهذا والأوسط زعم أن الميت ترك خمسة بنين وأن حق المتفق عليه في خمس التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيه خمس ما في يده ثم يضم ذلك كله إلى ما في يد الأصغر فيقتسمانه نصفين لتصادقهما أن حقهما في التركة سواء ثم يأخذ المختلف فيه من الأكبر خمس ما في يده لأن الأصغر قد كذب به فهو مع ما في يده في حقه كالمعدوم فإنما تبقى المعاملة بين خمسة فالأكبر يزعم أن حقه في خمس التركة وأن التركة في حقه ما في يده وما في يد الأوسط والأوسط مصدق به فإنما يأخذ هو مما في يد الأكبر خمس ما في يده لهذا ثم يضم ذلك إلى ما في يد الأوسط فيقاسمه نصفين وما بقى في يد الأكبر بينه وبين المجحود نصفين لأنهما تصادقا فيما بينهما فقد انكسر الحساب بالأخماس والأسداس فالسبيل أن يضرب خمسة في ستة فتكون ثلاثين ثم تضعف ذلك للحاجة إلى المقاسمة بالأنصاف فمنه تخرج المسألة وإن كان الأصغر إنما أقر بالذي أنكره الأوسط والمسئلة بحالها فإن اللذين أقر بهما الأوسط يأخذان من الأكبر خمس ما في يده لأن الأصغر يكذب بهما فيجعل هو كالمعدوم في حقهما وإنما يبقى المعتبر في حقهما الأكبر والأوسط مع ما في يدهما ففي زعم الأكبر أن حق كل واحد منهما في الخمس وأن مالهما في يد الأوسط وأصل إليهما من جهته فإنما يأخذان مما في يد الأكبر ما أقر لهما به وذلك خمسا ما في يده فيضمانه إلى ما في يد الأوسط ويقتسمانه أثلاثا لتصادقهم فيما بينهم ويأخذ الابن الذي أقر به الثالث ثلث ما في يد الأكبر لأن الأكبر زعم أن حقه في سهم وحقي في سهم إلا أن السهم الذي هو حقه نصفه في يدي ونصفه في يد الأصغر فإن الأوسط في حقه كالمعدوم لأنه مكذب به فإنما يضرب هو فيما في يده بنصف سهم والأكبر بسهم فلهذا يأخذ ثلث ما في يده فيضمه إلى ما في يد الثالث ويقاسمه نصفين لتصادقهما فيما بينهما.(28/360)
فإن قيل: كيف يستقيم مقاسمة الأولين مع الأوسط أثلاثا وهما مكذبان فيما بينهما.
قلنا: نعم ولكن الأوسط مقر بهما والذي في يد كل واحد منهما مثل ما في يد صاحبه وإنما حاجتهما إلى المقاسمة مع الأوسط وذلك لا يختلف بتكاذبهما فيما بينهما وبتصادقهما فإن كان الثلاثة المقر بهم صدق بعضهم ببعض والذي أقر به الثالث هو أحد الابنين اللذين أقر بهما الأوسط فإن المتفق عليه ها هنا يبدأ بالأصغر لحاجته إلى مقاسمة صاحبه بتصديقه بهما
فيأخذ من الأصغر ربع ما في يده لأن الأصغر يزعم أن الميت ترك أربعة بنين وأن حق المتفق عليه في ربع ما في يد الآخرين وذلك يصل إليه من جهتهما فلهذا يأخذ منه ربع ما في يده ويأخذ الأوسط خمس ما في يده لأن الأوسط يزعم أن الميت خلف ابنين لأن حقه في خمس كل جزء وفي يده جزء من التركة فيعطيه خمس ما في يده ويأخذ المختلف فيه من الأوسط في حقه لأن له ربع ما في يده وربع ما في يد الأكبر والأكبر مصدق به فلهذا يأخذ ربع ما في يده ثم يجمعان ذلك كله إلى ما في يد الابن المعروف وهو(28/361)
ص -174- ... الأكبر فيقتسمون ذلك مع المجحود على أربعة أسهم بينهم بالسوية لتصادقهم أن حقهم في التركة سواء.
ولو كان الذي أقر به الثالث يأخذ منه ثلث ما في يده لأن الثالث وهو الأصغر مقر له بثلث ما في يده فإن الأوسط في حقه كالمعدوم لأنه مكذب له وإذا صار هو كالمعدوم ففي زعمه أن الابن للميت هو الأكبر وهذا الذي هو أقر به فلهذا يأخذ منه ثلث ما في يده ويأخذ اللذان أقر بهما الأوسط نصف ما في يد الأوسط لأن الأصغر في حقهما كالمعدوم فإنه مكذب بهما يبقي البنون أربعة في زعم الأوسط هو والأكبر وعلى هذا فلكل من واحد من هذين ربع التركة باعتبار زعمه وفي يده جزء من التركة فإذا أخذ كل واحد منهما ربع ما في يده بزعمه عرفنا أنهما أخذا مما في يده النصف ثم يجمعون ذلك كله إلى ما في يد الأكبر فيقتسمونه على أربعة أسهم لتصادقهم فيما بينهم.
ولو أن رجلا ترك ابنين وامرأة فاقتسموا ماله ثم أقر الابنان جميعا بامرأة للميت وكذبتهما المرأة فإنها تأخذ من الابنين سهما من خمسة عشر لأنهما أقرا أن الميت ترك ابنين وامرأتين فتكون القسمة من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل بن سبعة وما أخذته المعروفة زيادة على حقها فإنما أخذت ذلك المعروف ولا يغرم الابنان شيئا من ذلك ولكن يقسم ما في يدهما بينهما وبين المقر لهذا هي تضرب بسهم وكل واحد منهما بسبعة فلهذا أخذت منهما سهما من خمسة عشر بينهم.(28/362)
ولو لم يترك إلا ابنين فاقتسما المال ثم أقر أحد الابنين بامرأة وأنكرها الآخر أخذت تسعى ما في يده لأنه يزعم أن الميت خلف امرأة وابنين وأن لها سهمين من ستة عشر ولكل بن سبعة فهي تضرب فيما في يده بسهمين وهو بسبعة فلهذا أخذت تسعى ما في يده فإن وقع ذلك إليها بقضاء قاض ثم أقر بامرأة أخرى وصدقه فيها أخوه وتكاذبت المرأتان فيما بينهما فإنهما يأخذان مما في يد المقر بهما جزءا من أربعة عشر جزءا وثمن جزء مما في يده فيجمع ذلك إلى ما في يد الابن الآخر ويقاسمه على تسعة أسهم لها سهمان وله سبعة في قول أبي يوسف وقال محمد رحمه الله عليهما أخذ منه جزءا من خمسة عشر جزءا مما في يده فيضمه إلى ما في يد الابن الآخر ويقاسمه أتساعا فأما تخريج قول أبي يوسف وهو أن في زعم المقر أن حق الثانية في نصف ثمن ما في يديه وذلك سهم من ستة عشر جزءا وحق الأول في مثل ذلك إلا أن ما دفع إلى الأول زيادة على حقها كان بقضاء القاضي ولا يكون مضمونا عليه فإذا أخذت الثانية سهما من ستة عشر يبقى هناك خمسة عشر بين المقر وبين الأولى للمقر سبعة وللأولى سهم فظهر أن حق الأول كان في ثمن خمسة عشر سهما وسبعة أثمان فإن ثمن ثمانية واحد وثمن سبعة سبعة أثمان فإذا رفعت من خمسة عشر سهما وسبعة أثمان يبقى عشر وثمن هذا حق المقر فيضرب فيما بقي في يده بثلاثة عشر وثمن والثانية بسهم واحد فيصير ما بقي في يده بينهما على أربعة عشر جزءا وثمن جزء وقد انكسر بالأثمان فالسبيل(28/363)
ص -175- ... أن يضرب أربعة عشر وثمنا في ثمانية فيكون ذلك مائة وثلاثة عشر كان حق الثانية في سهم ضربته في ثمانية فذلك ثمانية فهو لها فإذا أخذت ذلك ضمت إلى ما في يد الابن الآخر وتقاسمه على تسعة أسهم لأن الابن الآخر يزعم أن الميت خلف ابنين وامرأة فيكون لها سهمان من ستة عشر ولكل بن سبعة فلهذا يقسم ما في يده على تسعة أسهم لها سهمان وله سبعة.
وأما على قول محمد رحمه الله يأخذ منه جزءا من خمسة عشر جزءا مما في يده فيضمه إلى ما في يد الآخر فيقاسمه أتساعا لأنه لو أقر مما في يد شريكي وهو يقربك فإنما تضرب فيما في يدي بنصف سهم وأنا بسبعة فانكسر بالأنصاف فيضعفه فيصير حقها سهما وحق المقر أربعة عشر فلهذا أخذت منه جزءا من خمسة عشر جزءا فضمت إلى ما في يد الابن فيقاسمه أتساعا.
ولو كان دفع إلى الأول نصيبه بغير قضاء أخذت الأخرى منه نصف ثمن نصيبه لأنه قد أقر أن حقها في نصف ثمن المال وفي يده جزء من المال وما دفع إلى الأخرى زيادة على حقه إنما دفع بغير قضاء فيكون محسوبا عليه ويجعل كالقائم في يده فيعطي الثانية كمال حقها مما في يده وذلك نصف الثمن فيضمه إلى الآخر ويقاسمه أتساعا لما بينا.
ولو تصادقت المرأتان فيما بينهما أخذت المرأة المجمع عليها من الابن الذي أقر بها وحدها ثمن ما في يده لأنه أقر أن حقها في ثمن المال وفي يده جزء من المال فيدفع ثمن ذلك إليها بحكم إقراره ثم يضمه إلى ما في يد المقر بهما ويقسم ذلك بينه وبين المرأتين على تسعة أسهم للمرأتين سهمان وللابن سبعة لأنهم اتفقوا فيما بينهم على أن الميت خلف ابنين وامرأتين والقسمة من ستة عشر للمرأتين سهمان ولكل بن سبعة فيجعل ما في أيديهم مقسوما بينهم على هذا للابن سبعة ولكل امرأة سهم.(28/364)
ولو أن رجلا هلك وترك أخوين فأقر أحدهما بامرأة للميت وأنكرها الآخر أخذت من الذي أقر بها خمس ما في يديه لأن في زعمه أن قسمة التركة من ثمانية للمرأة الربع سهمان ولكل أخ ثلاثة فزعمه معتبر في حقه فهو يضرب فيما في يديه بثلاثة والمرأة بسهمين فلهذا أخذت منه خمس ما في يديه فإذا دفع إليها ثم أقر بأخ لهما وللميت وصدقه أخوه فيه وأنكر المقر به المرأة فإن كان دفع للمرأة نصيبها بقضاء قاض أخذ منه الأخ خمسي ما بقي في يده فيجمعه إلى ما في يد الأخ ومقاسمة نصف في قول أبي يوسف بأخذ ثلث ما في يده .
وجه قول أبي يوسف: أن المقر يزعم أن حق الباقي في ربع المال لأنه يقول الميت خلف امرأة وثلاثة إخوة فيكون للمرأة الربع ولكل أخ مثل ذلك وهو يقول للمقر له أما لو أقررت بك وبالمرأة معا كيف تأخذ مني ربع ما في يدي سهما من أربعة يبقى ثلاثة بينى وبين المرأة نصفين لكل واحد سهم ونصف وقد أخذت هي زيادة على حقها وإنما أخذت بقضاء القاضي فلا يكون ذلك محسوبا علي فأنت تضرب فيما بيدي بسهم وأنا بسهم ونصف(28/365)
ص -176- ... فهذا الطريق يعطيه سهما من سهمين ونصف مما بقي في يده وذلك خمسا ما في يده لأنه وقع الكسر بالأنصاف فإذا أضعفته يكون خمسة.
وأما محمد رحمه الله فيقول المقر يقول للمقر له أنا قد أقررت بأن حقك في سهم وحقي في سهم وحق المرأة في سهم ولكن السهم الذي هو حقك نصفه في يدي ونصفه في يد شريكي وهو مقر بك وما دفعته إلى المرأة بقضاء القاضي لا يكون محسوبا علي فأنت تضرب فيما في يدي بنصف سهم وأنا بسهم فلهذا يعطيه ثلث ما في يده ويضمه إلى ما في يد الآخر فيقاسمه نصفين لأنهما تصادقا على أن حقهما في التركة سواء وإن كان دفع إلى المرأة نصيبها بغير قضاء أخذ منه المقر به جميع نصيبه لأنه أقر أن حقه في ربع كل شيء وما دفعه إلى المرأة بغير قضاء القاضي محسوب عليه ويجعل كالقائم في يده فلهذا يعطيه ربع جميع نصيبه فيضمه إلى ما في يد الآخر فيقسم نصفين وإن كان الأخ المقر به قد صدق بالمرأة فإنه يأخذ من الأخ الذي أقر به وحده ثلث ما في يده لأن الذي أقر به وحده زعم أن الميت إنما خلف ثلاث أخوة وأن المال بينهم أثلاثا فهو مقر لهذا الأخ بثلث ما في يده فيأخذ ذلك منه ويضمه إلى ما في يد المرأة والأخ المقر بهما فيقتسموه أثلاثا لأنهم يتصادقون فيما بينهم أن حقهم في الذكر سواء وأن لكل واحد منهم ربع التركة فما يصل إلى يدهم يقسم بينهم باعتبار تصادقهم.(28/366)
ولو هلك وترك ابنين فأقر أحدهما بامرأتين معا وصدقه أخوه في إحداهما وكذبه في الأخرى وتكاذبت المرأتان فيما بينهما فإن المرأة التي أقر بها الاثنان تأخذ من الابن الذي أقر بهما نصف ثمن نصيبه لأنه يزعم أن الميت خلف ابنين وامرأتين وأن حق كل امرأة في نصف الثمن سهم من ستة عشر وفي يده جزء من التركة فتأخذ منه نصف ثمن ذلك وتضمه إلى ما في يد الابن الآخر وتقاسمه أتساعا لأن الابن الآخر يزعم أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن للمرأة سهمان من ستة عشر ولكل بن سبعة فما تحصل في يدهما من التركة يقسم بينهما على زعمهما يضرب فيه الابن بسبعة والمرأة بسهمين ويقاسم الابن المقر بهما المرأة الباقية ما في يديه على ثمانية لأن في زعمه حقها في سهم وحقه في سبعة فما بقي في يده يقسم بينهما على ذلك فإن أقر الاثنان بعد ذلك بأخ لهما من أبيهما وأنكرت المرأتان وأنكرهما هو أيضا وقد كان الاثنان دفعا إلى المرأتين نصيبهما بغير قضاء قاض أخذ من كل واحد من الابنين الثلث من جميع نصيبه بعد الثمن لأنهما زعما أن للمرأة الثمن وأن الباقي بينهما أثلاثا وقد دفعا إلى المرأتين زيادة على حقهما بغير قضاء قاض فيجعل ذلك محسوبا عليهما فإنما يدفعان إلى المقر له الثلث مما أصاب كل واحد منهما بعد الثمن باعتبار زعمه.
وإن كان الدفع بقضاء القاضي أخذ كل واحد منهما ثلث ما بقي في يده لأن ما دفعا إلى المرأتين زيادة على حقهما كان بقضاء فلا يكون مضموما عليهما فلهذا يدفع كل منهما إلى(28/367)
ص -177- ... المقر له ثلث ما بقي في يده ولم يذكر في هذا الفصل الخلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
وفي المختصر في بعض نسخ الأصل ذكر أن المرأة التي اجتمع عليها ابنان تأخذ من الذي أقر بهما جميعا على قول محمد رحمه الله سهما من سبعة عشر سهما مما في يده فيضمه إلى ما في يد المقر بهما خاصة فيقتسمانه على تسعة وهو صحيح على أصل محمد رحمه الله في اعتبار السهام لأنه يقول أنا قد أقررت لك بأن حقك في سهم وحق الأخرى في سهم وحقي في سبعة ولكن السهم الذي هو حقك نصفه في يد أخي وهو مصدق بك فإنك تضربين فيما في يدي بنصف سهم والأخرى بسهم وأنا بسبعة فتكون القسمة على ثمانية ونصف انكسر بالأنصاف فأضعفه فيكون سبعة عشر فهذا الطريق تأخذ منه سهمان من سبعة عشر سهما.
ولو هلك وترك ثلاث بنين فأقر أحدهم بثلاث نسوة لأبيه وصدقه أحد الابنين في امرأتين منهن وصدقه الثالث في إحدى هاتين وتكاذب النسوة فيما بينهن فإنما نسمي المرأة التي أقر بها البنون مجمعا عليها والتي أقر بها اثنان مختلفا فيها والثالثة مجحودة والابن الذي أقر بثلاث نسوة الأكبر والذي أقر بامرأتين الأوسط والذي أقر بواحدة الأصغر ثم نقول المجموع عليها تأخذ من الأكبر ثلث ثمن نصيبه ومن الأوسط نصف ثمن نصيبه فتضمه فيها من الأكبر جزءا من سبعة عشر جزءا من نصيبه فتضمه إلى ما في يد الأكبر بينه وبين المجحودة على ثمانية أسهم لها سهم وله سبعة في قول أبي يوسف.(28/368)
ووجه تخريجه: أن الأكبر أقر أن الميت خلف ثلاث نسوة وثلاث بنين وأن القسمة من أربعة وعشرين لكل امرأة سهم وذلك ثلث الثمن فالمجمع عليها تأخذ مما في يد الأكبر مقدار ما أقر لها به في يده وذلك ثلث ثمن نصيبه جزءا من أربعة وعشرين وتأخذ من الأوسط نصف ثمن نصيبه لأن الأوسط يزعم أن الميت خلف امرأتين وأن لكل واحدة منهما نصف الثمن فالمجمع عليها تأخذ مما في يده نصف الثمن باعتبار إقراره ثم يضم جميع ما أخذت إلى ما في يد الأصغر فيقاسمه على عشرة أسهم لأنهما يتصادقان فيما بينهما أن الميت خلف ثلاث بنين وامرأة واحدة وأن لها ثلاثة من أربعة وعشرين ولكل بن سبعة مما في أيديهما يقسم باعتبار تصادقهما يضرب فيه الابن بسبعة والمرأة بثلاثة والمختلف فيها تأخذ من الأكبر جزءا من سبعة عشر من نصيبه من قبل أن الأصغر يكذب بها ولا تعتبر سهامه في حقها يبقى حق الأكبر في سبعة وحق الأوسط في سبعة وحق النسوة في ثلاثة فإذا جمعت هذه السهام كانت سبعة عشر فإنما أقر لها بسهم من سبعة فلهذا أخذت مما في يده جزءا من سبعة عشر جزءا يضم ذلك إلى ما في يد الأوسط ويقاسمه على سبعة عشر سهما للمرأة ثلاثة وللأوسط أربعة عشر لأن في زعم الأوسط أن الثمن بين المرأتين نصفان وذلك ثلاثة من أربعة عشر لكل واحد سهم ونصف ولكل بن سبعة فيضرب هو فيما حصل في أيديهما بسبعة والمختلف(28/369)
ص -178- ... فيها بسهم ونصف انكسر بالأنصاف فأضعفه فيكون سبعة عشر لها ثلاثة وله أربعة عشر ثم المجحودة تقاسم الأكبر ما بقي في يده على ثمانية لأن في زعم الأكبر أن حقها في سهم وحقه في سبعة فما بقي في يده يقسم بينهما على هذا فيكون على ثمانية لها سهم وله سبعة.
وأما في قول محمد فالمجمع عليها تأخذ من الأكبر سهما من ستة وعشرين سهما ونصف سهم فتضمه إلى ما في يد الأوسط والأصغر فيجعل كل واحد منهما نصف ذلك وإنما أخذت من الأكبر هذا المقدار لأن الأكبر يزعم أن حقها في ثلث الثمن وحق المختلف فيها في نصف ثمن وحق المجحودة في ثمن وحقه في سبعة أثمان وثلث الثمن سهم من أربعة وعشرين ونصف الثمن سهم ونصف والثمن ثلاثة فحقه في أحد وعشرين وهو سبعة أثمان وحق المجحودة في ثلث وحق المختلف فيها في سهم ونصف وحق المجمع عليها في سهم فإذا جمعت هذه السهام كانت ستة وعشرين ونصفا فلهذا أخذت مما في يده سهما من ستة وعشرين ونصف ثم يضم ذلك إلى ما في يد الآخرين نصفين ليتيسر معاملتهما في المقاسمة معها وتأخذ المختلف فيها مما في يد الأكبر سهما ونصفا من ستة وعشرين ونصف سهم لما أن حقهما فيما يده هذا المقدار لأن الأصغر مكذب بها فإذا أخذت ذلك ضمت إلى ما في يدي الأوسط ثم تأخذ المجمع عليها من الأوسط سهما ونصفا من ثمانية عشر سهما نصف الثمن وأن حق المختلف فيها في ثلاثة وحقه في أربعة عشر وهو سبعة أثمان فإذا جمعت هذه السهام كانت ثمانية عشر ونصفا فيأخذ منه سهما ونصفا من ثمانية عشر ونصف لهذا ويضمه إلى ما في يد الأصغر فيقاسمه على عشرة أسهم لها ثلاثة وله سبعة لأنهما تصادقا على أن حقهما في ثمن المال ثلاثة من أربعة وعشرين وأن حقه في سبعة فيقسم ما في يده بينهما على هذا ثم يقاسم الأوسط مع المختلف فيها ما بقي في يده على سبعة عشر سهما لتصادقهما على أن حق الأوسط في أربعة عشر وحقها في ثلاثة فيقاسم الأكبر المجحودة ما بقي على ثمانية لتصادقهما أن(28/370)
حقها في سهم وحقه في سبعة.
ولو كانت المرأة التي أقر بها الأصغر هي التي أنكرها الأوسط والمسئلة بحالها أخذت تلك المرأة من الأكبر جزءا من نصيبه لأن الأوسط مكذب بها فيسقط اعتبار سهامه في حقها وذلك سبعة من أربعة وعشرين يبقى سبعة عشر فلهذا أخذت منه سهما من سبعة عشر مما في يده وضمت ذلك إلى ما في يد الأصغر فيقاسمه على عشرة لها ثلاثة وله سبعة لتصادقهما على هذا واللتان أقر بهما الأوسط تأخذان من الأكبر جزئين من سبعة عشر جزءا من نصيبه لأن الأصغر مكذب بهما فلا تعتبر سهامه في حقهما وذلك سبعة يبقى سبعة عشر فلهذا أخذنا منه سهمين من سبعة عشر ثم يضمان ذلك إلى ما في يد الأوسط ويقاسمهما على عشرة أسهم للمرأتين ثلاثة وللأوسط سبعة لأن الأوسط مقر بأن حقهما في ثلاثة من أربعة وعشرين وهو الثمن وحقه في سبعة
فإن تصادق النسوة فيما بينهن والتي أقر بها الآخر إحدى المرأتين اللتين أقر بهما الأوسط فإن المجحودة تأخذ من الأصغر ثمن نصيبه لأنه أقر لها بثمن(28/371)
ص -179- ... جميع التركة وفي يده جزءا من التركة فتأخذ منه ثمن ما في يده وتأخذ من الأوسط نصف ثمن نصيبه لأن الأوسط أقر بأن الثمن بينها وبين الأخرى نصفان لها نصف ثمن التركة وفي يده جزءا من التركة فيعطيها نصف ثمن ذلك وتأخذ المختلف فيها من الأوسط جزءا ونصفا من سبعة عشر جزءا من نصيبه لأن الأصغر مكذب بها فتطرح سهامه وذلك سبعة من أربعة وعشرين يبقى سبعة عشر وقد أقر لها بنصف الثمن وهو سهم ونصف فلهذا أخذت مما في يده سهما ونصفا من سبعة عشر سهما ثم يجمع ما في يد النسوة إلى ما في يد الأكبر فيقتسمون ذلك على عشرة أسهم للنسوة ثلاثة ولكل بن سبعة فما يجمع في أيديهم يقسم بينهم على ما تصادقوا.
ولو كان الأصغر إنما أقر بالتي أنكرها الأوسط والمسئلة على حالها أخذت تلك من الأصغر ثلاثة أجزاء من سبعة عشر جزءا من نصيبه لأن الأوسط مكذب بها فيسقط اعتبار نصيبها في حقه وقد أقر الأصغر لهذه بثمن كامل فلهذا تأخذ منه ثلاثة أسهم من سبعة عشر سهما من نصيبه لأن الأصغر يكذب بهما فيسقط اعتبار سهامه في حقهما والأوسط أقر لهاتين بثمن كامل فلهذا تأخذان منه ثلاثة أسهم من سبعة عشر من نصيبه ثم يجمع ما في يد النساء إلى ما في يد الأكبر ويقسم ذلك بينه وبينهن على عشرة له سبعة ولكل امرأة سهم لأنهم تصادقوا فيما بينهم على أن القسمة من أربعة وعشرين وأن لكل بن سبعة ولكل امرأة سهم فما يجمع في أيديهم يكون مقسوما بينهم على ما تصادقوا عليه.(28/372)
وإذا تركت المرأة زوجها وأبويها فأقر الزوج بثلاث بنين للمرأة من غيره وصدقته الأم في اثنين منهم وصدقه الأب في الثالث وتكاذب البنون فيما بينهم فإن الابنين اللذين أقرت بهما الأم يأخذان من الزوج الثلث من نصيبه وثلث خمس نصيبه فيضمانه إلى نصيب الأم ويقتسمونه على أربعة عشر سهما للأم أربعة ولكل بن خمسة ويأخذ الابن الذي أقر به الأب من الزوج السدس من نصيبه فيجمعه إلى نصيب الأب ويقاسمه على سبعة للابن خمسة وللأب سهمان.
وفي رواية أبي حفص رحمه الله قال يأخذ الابنان اللذان صدقت بهما الأم من الزوج خمس نصيبه وثلث خمس نصيبه أما أصل الفريضة قبل الإقرار فمن ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث ما بقي وهو سهم والباقي للأب فإذا اقتسموا بهذه الصفة ثم وجد الإقرار كما بينا فيبدأ بالابن الذي أقر به الأب فنقول يأخذ من الزوج السدس من نصيبه في الروايتين جميعا لأن الزوج يزعم أن الميت ترك ثلاث بنين وزوجا وأبوين أصله من اثنى عشر للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان أربعة والباقي وهو خمسة بين البنين لا ينقسم أثلاثا فيضرب اثنى عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين للزوج تسعة وللأبوين اثنا عشر لكل واحد منهما ستة والباقي وهو خمسة عشر بين البنين الثلاث لكل واحد منهم خمسة ثم يطرح نصيب الأم في حق هذا الابن لأنها كذبت به فلذا طرحنا من ستة وثلاثين الثلث فلهذا أخذ من الزوج سدس ما في يده فيضمه إلى ما في يد الأب ويقاسمه على سبعة باعتبار زعمهما لأنهما يقولان الورثة زوج(28/373)
ص -180- ... وأبوان وبن والقسمة من اثنى عشر للزوج الربع وللأبوين السدسان والباقي وهو خمسة للابن والابن يضرب فيما وصل إليهما بخمسة والأب بسهمين فتكون القسمة على سبعة فأما الابنان اللذان صدقت بهما الأم فقد قال في رواية أبي حفص يأخذان من الزوج خمس نصيبه وثلث خمس نصيبه وثلث خمس نصيبه وهذا غلط من الكاتب والصحيح ثلثي خمس نصيبه لأن حقهما يطرح من نصيب الابن في المقاسمة مع الزوج لأنه كذب بهما وفي زعم الزوج أن حقهما في عشرة أسهم وهما يأخذان عشرة من ثلاثين مما في يده وذلك خمس نصيبه وثلثا خمس نصيبه صار على خمس فخمسه ستة وثلثا خمسه أربعة فذلك عشرة.(28/374)
وفي رواية أبي سليمان رحمه الله قال: يأخذان منه ثلث نصيبه وثلث خمس نصيبه لأنهما يقولان له لو أخذنا منك عشرة فقط كنت على جميع حقك لأنه يبقى لك خمسة عشر وفي يدك نصف المال فقد صار على ثلاثين فجميع المال يكون ستين الربع منه خمسة عشر وقد وافقنا على أن الأب أخذ فوق حقه لأن حقه السدس وقد أخذ الثلث فلا يجوز ضرر الزيادة علينا خاصة بل يكون علينا وحقك على ما زعمت في تسعة فادفع أنت تسعة ونحن ندفع عشرة ويبقى في يدك ستة لأن ما في يدك صار على ثلاثين وقد دفعت إلى الابن الذي أقر به الأب خمسة وإلينا عشرة ودفعت أنت تسعة يبقى ستة فهذه الستة تقسم بيننا وبينك على اعتبار أصل حقنا وحقك في خمسة عشر وحقنا في عشرة إلا أن الزوج يقول لهما وحق الابن الآخر مع حقي لأني مقر له وقد أخذ هو مني فيصير حقنا في الأصل عشرين وحقكما عشرة فتقسم هذه الستة بينهم أثلاثا للابنين من ذلك سهمان فتبين أن جميع ما أخذ من الزوج اثنا عشر سهما من ثلاثين وذلك ثلث نصيبه وثلث خمس نصيبه لأن ثلث نصيبه عشرة وثلث خمس نصيبه سهم ثم يضمان ذلك إلى نصيب الأم ويقتسمونه على أربعة عشر سهما لأن بزعمهم أن الميت خلف زوجا وأبوين والابنين وأن القسمة من أربعة وعشرين للزوج ستة وللأم أربعة وللأب كذلك والباقي وهو عشرة بين الابنين نصفان فيضرب كل واحد منهما فيما اجتمع في أيديهم بخمسة والأم بأربعة فتكون القسمة بينهم على أربعة عشر سهما فإن تصادق البنون فيما بينهم فإن الذي أقر به الأب يأخذ منه نصف نصيبه ويأخذ الآخران من الأم نصف نصيبها فيقسم جميع ذلك مع ما في يد الزوج على أربعة وعشرين سهما أما الذي أقر به الأب يأخذ منه نصف نصيبه لأن في يد الأب ثلث التركة وقدم أن حقه السدس وأن ما زاد على السدس مما في يده نصيب الابن فعليه أن يدفع ذلك إليه وذلك نصف نصيبه واللذان أقرت بهما الأم قال في رواية أبي سليمان يأخذان منها نصف نصيبها أيضا لأن حقها مثل حق الأب وقد أقرت هي(28/375)
أيضا بابنين للميت كما أقر الأب بابن فكما أن الذي أقر به الأب يأخذ منه نصف نصيبه فكذلك يأخذان هذان من الأم نصف نصيبها ليكون الباقي لها مثل نصف ما بقي للأب.
وفي رواية أبي حفص قال: لا يأخذ ورثة الأم شيئا وهو الصواب لأن في يد الأم سدس(28/376)
ص -181- ... التركة ولا ينقص نصيبها عن السدس مع البنين كيف يأخذان منها شيئا وبين جميع الورثة اتفاق أن حقها السدس وإنما يفضل الأب على الأم عند عدم الولد فأما بعد وجود الولد فحقها مثل حقه وقد بقي في يد الأب سدس التركة فينبغي أن يسلم لها من التركة السدس ونصيب هذان يصل إليهما من محله لوجود الإقرار من الزوج والابن الثالث لهما فلهذا لا يأخذان منها شيئا ولكن يقسم ما اجتمع في يد الزوج والبنين بينهم على أربعة وعشرين لاعتبار زعمهم وقد زعموا أن القسمة من ستة وثلاثين وأن للزوج تسعة وللبنين خمسة عشر فإذا جمعت ذلك كان أربعة وعشرين.
ولو لم يتصادقوا فيما بينهم ولكن اللذان أقرت الأم بهما صدق الأم أحدهما بالذي أقر به الأب وكذبا جميعا بالباقي وكذبا بهما فإن اللذين تصادقا فيما بينهما يأخذان من الزوج ثلث نصيبه فيجمعانه إلى ما في يد الأب فيقسمونه على أربعة عشر أربعة للأب وعشرة للابنين نصفان هكذا ذكر في نسخ أبي سليمان وفي نسخ أبي حفص زيادة وهو الصواب فإنه قال الذي أقرت به الأم من هذين اللذين تصادقا يأخذ سهما أولا ربع ما في يدها لأن الأم تزعم أن القسمة من أربعة وعشرين وأن حق هذا في جميعه إلا أن الأب قد كذب به فيطرح نصيب الأب في حقه وذلك أربعة يبقى عشرون فحقه في خمسة من ذلك وخمسة من عشرين هو الربع فلهذا أخذ منها ربع ما في يدها ثم يأخذان من الزوج ثلث نصيبه لأن بزعم الزوج القسمة من ستة وثلاثين إلا أنه يطرح من ذلك ستة لأن الأب يكذب بأحدهما والأخ بالآخر فلا بد من أن يطرح نصيب أحدهما في مقاسمة الزوج مع هذين فإذا طرحنا ستة يبقى ثلاثون فيأخذان منه عشرة من ثلاثين وهو الثلث ويجمعان ذلك إلى ما في يد الأب فيقسمونه على أربعة عشر لأن بزعمهما القسمة من أربعة وعشرين للأب أربعة ولكل واحد منهما خمسة فلهذا يسهم بينهم على أربعة عشر.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا والأب يكذب بأحدهما.(28/377)
قلنا: نعم ولكن لو اعتبرنا المقاسمة بين الأب وبين الذي صدق به خاصة أدى إلى الدور لأن ما يأخذه الذي صدق به الأب لا يسلم له ولكنه يقاسم الآخر لتصادقهما فيما بينهما ثم يرجع على الأب فيقاسمه للتصادق فيما بينهما فلا يزال يدور هكذا فلضرورة الدور قلنا بأن الأب يقاسمهما خمسا وهذا لأن نصيب الأب لا يختلف بعدد البنين سواء كان الابن واحدا أو أكثر كان للأب السدس فلهذا جعلنا تصديقه في أحدهما كتصديقه فيهما في المقاسمة إذا تصادقا بينهما ثم يأخذ الابن الباقي ستة أجزاء ونصف جزءا من ثلاثين جزءا من نصيب الزوج لأن الأب يكذب به فيطرح نصيبه في المقاسمة بينه وبين الزوج فتكون القسمة من ثلاثين إلا أنه يقول للزوج قد دفعت إلى أب الأخوين عشرة فلو دفعت إلى خمسة فقط تبقى خمسة عشر وذلك ربع جميع التركة فلا يدخل عليك من ضرب النقصان شيء وقد دفعت عشرين فادفع أنت تسعة تبقى ستة فهذه الستة تقسم بيننا وبينك على مقدار حقنا(28/378)
ص -182- ... وحقك وإنما حقك في التركة خمسة عشر وصل إليك ثلاثة أخماس حقك يبقى حقك في خمسين وذلك ستة وحقنا في جميع التركة بزعمك خمسة وعشرون وصل إلينا خمسة عشر يبقى عشرة وذلك خمسا نصيبنا وقد أخذ الابنان حقهما وزيادة تبقى قسمة هذه الستة بيني وبينك فأنا أضرب بخمسي حقي وذلك سهمان وأنت تضرب بستة فتكون قسمة هذه الستة بيننا أرباعا لي ربعه وربع ستة سهم ونصف فإذا أخذت منه سهما ونصفا مع الخمسة يكون ستة ونصفا فلهذا قال يأخذ ستة ونصفا من ثلاثين من نصيب الزوج.
قال الحاكم: "غلط في هذا الجواب في نصف سهم والصواب أنه يأخذ منه ستة أجزاء فقط هكذا قاله بن منصور"لأنه يصل إليه بعض نصيبه من جهة الأم فإنها مصدقة فلا يضرب في الستة الباقية معه بسهمين ولكن إنما يضرب بسهم وخمس والزوج يضرب بستة فتكون قسمة هذه الستة بينهما أسداسا للابن منه سهم وقد أخذ منه خمسة فظهر أنه إنما يأخذ منه ستة فقط فيضمه إلى نصيب الأم ويقاسمها على تسعة للأم أربعة وللابن خمسة لأنهما تصادقا على أن القسمة من أربعة وعشرين وأن نصيب الأم أربعة ونصيب الابن خمسة فما يجتمع في أيديهما يقسم بينهما على ذلك.
وإذا مات الرجل وترك ابنا فأقر الابن بأخ له من أبيه فأعطاه نصف ما في يده ثم أن الابن المقر له أقر بأخ لهما وقال المقر به للآخر أنا بن الميت وأما أنت فلست له بابن فقد كذب الأخ الابن المعروف فيك لم يلتفت إلى قوله ولا يأخذ مما في يد هذا المقر إلا نصف ما في يده وذكر في كتاب الفرائض إذا أقر بامرأة ودفع إليها نصيبها ثم أقرت المرأة بابن فقال المقر به أنا بن الميت وأما أنت فلست بامرأة له فإنه يأخذ منها جميع ما في يدها وكذلك لو كان الميت امرأة فأقر ابنها بزوج ودفع إليه نصيبه ثم أقر الزوج بابن فقال المقر به أنا بن لها وأنت لست بزوج لها فإنه يأخذ منه جميع ما في يده.(28/379)
وقال زفر رحمه الله: في الفصلين جميعا يأخذ المقر به الآخر من المقر جميع ما في يده وهو القياس لأنهما تصادقا على نسب المقر به الآخر ولم يوجد التصادق في حق المقر به الأول فمن تصادقا عليه يكون أولى بالمال بمنزلة ما لو مات رجل وله ابنان قد كانا عبدين فقال أحدهما لصاحبه عتقنا جميعا قبل موت الأب وقال الآخر أما أنا فعتقت قبل موته وأما أنت فإنما عتقت بعد موته فإنه يكون المال كله للذي اتفق أنه عتق قبل موته.
وعن أبي يوسف قال في الفصلين لا يأخذ المقر به الآخر إلا مقدار حصته مما في يد الأول على ما أقر له به ولا يعتبر تكذيبه به فإن الأول يقول استحقاقك إنما يثبت باعتبار إقراري فإذا كنت غير وارث كما زعمت لا يثبت لك بإقراري شيء وأنت تأخذ شيئا من التركة فمن ضرورة أخذك الشيء من التركة باعتبار إقراري الحكم بقرابتي ونفذ الحكم بذلك ولا يعتبر تكذيبك في.(28/380)
ص -183- ... وأما وجه ظاهر الرواية في الفرق بين الفصلين أن الزوج والمرأة إنما يأخذان الميراث بسبب ليس بقائم في الحال فإن النكاح يرتفع بالموت وإنما يأخذان بنكاح قد كان في حالة الحياة فليس من ضرورة الحكم به في حق الأول الحكم به في حق الثاني وقد كذب الثاني بهما فلا تكون لهما المزاحمة معه في استحقاق التركة فأما ذو القرابة فإنما يستحق التركة بسبب قائم في الحال وهو سبب لا يحتمل الرفع بعد ثبوت وقد جرى الحكم به حين أخذ شيئا من التركة من الابن المعروف فلا يعتبر تكذيب الثاني في حقه فلهذا لا يأخذ من المقر به الأول إلا نصف ما في يده وكذلك لو لم يقر الابن المعروف بأخ ولكنه أقر أن لهذا الرجل على الميت ألف درهم وأنكر صاحب الألفين لا يأخذ من الألفين إلا الثلثين لأن تكذيبه بعد ما جرى الحكم في الدين بالدين الأول غير معتبر.
ألا ترى أنا لو أبطلنا حق صاحب الألف بهذا التكذيب فأقر صاحب الألفين بألف لآخر وكذبه المقر له بدين صاحب الألفين نأخذ منه خمسي الألف حتى تناسخ ذلك عشرة ثم أن العاشر أقر للأول الذي أقر له الوارث فإنه يأخذ هو الألف منه ثم يأخذون منه حتى يدور عليهم جميعا ولا يزال يدور كذلك فهذا لا يستقيم ولكن الحكم فيه ما بينا أن تكذيبه لا يعتبر بعد ما حكمنا بدفعه.
وإذا ترك الرجل ثلاثة بنين فأقر أحدهم بابنين وصدقه الآخران في أحدهما وتكاذب الابنان فيما بينهما فإن المتفق عليه يأخذ من الذي أقر بهما خمس ما في يده في قول أبي يوسف وفي قول محمد سبع ما في يده لأن المقر بهما يزعم أن الميت ترك خمسة بنين وأن حق المتفق عليه في خمس التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيه خمس ما في يده.(28/381)
ألا ترى أن الآخرين لو صدقاه فيهما كان يأخذ كل واحد منهما منه خمس ما في يده فتكذيبهما بالآخر لا يغير الحكم فيما بينهما ومحمد رحمه الله يقول المقر يقول للمتفق عليه حقي في سهم وحق المجحود في سهم وحقك في سهم إلا أن ثلثي سهمك في يد الآخرين وقد صدقا بك متحملا على ثلثي ما بيدك فأنت تضرب فيما في يدي بثلث سهم وأنا بسهم والمجحود بسهم فجعلنا كل ثلاثة سهما فلهذا نأخذ سبع ما في يده فنضمه إلى ما في يد الآخرين ويقتسمون ذلك أثلاثا لتصادقهم على أن حقهم في التركة سواء.
ولو أقر أحدهم بابنين فصدقه أحد أخوته في أحدهما وكذبه الثالث فيهما وتكاذبا فيما بينهما أخذ الابن الذي أقر به الاثنان من المقر بهما ربع ما في يده في قول أبي يوسف لأن الذي كذب بهما لا يعتبر في المقاسمة بين المقر والمقر به.
وإذا سقط اعتباره يجعل كأن المعروف اثنان والتركة ما في أيديهما فأقر أحدهما بابنين وصدقه الآخر في أحدهما وقد بينا في هذا بعينه أن على قول أبي يوسف يأخذ المتفق عليه من المقر ربع ما في يده وعلى قول محمد خمس ما في يده فكذلك في هذا الفصل(28/382)
ص -184- ... وفائدة هذه الإعادة بيان أنه لا يقيد بالذي أنكرهما جميعا ولا يدخل نصيبه في شيء من فريضتهما فيكون إيضاحا لجميع ما سبق.
وإذا تركت المرأة زوجها وأختها وأمها فأقرت الأخت بأخ لها وصدقها في ذلك الزوج وكذبتها الأم فإن الفريضة من عشرين سهما والحاصل أن ها هنا فريضتان فريضة معروفة بدون اعتبار الإقرار وفريضة مجهولة باعتبار الإقرار فالمقاسمة بين المقرة وسائر الورثة على الفريضة المعروفة وبين المقرة والمصدق والمقر به على الفريضة المجهولة فأما الفريضة المعروفة فهي عولية من ثمانية لأن للزوج النصف ثلاثة من ستة وللأخت النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان فتكون القسمة من ثمانية للأم سهمان وهو الربع والفريضة المجهولة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي بين الأخ والأخت للذكر مثل حظ الانثيين أثلاثا لا يستقيم فيضرب ستة في ثلاثة فيكون ثمانية عشر للزوج تسعة وللأم ثلاثة والباقي بين الأخ والأخت"للذكر مثل حظ الأنثيين"فما في يد الزوج والأخت وهو ثلاثة أرباع التركة تكون مقسومة على الفريضة المجهولة من خمسة عشر سهما وإذا صار ثلاثة أرباع المال على خمسة عشر كان جميع المال على عشرين سهما للأم من ذلك الربع خمسة باعتبار الفريضة المعروفة وللزوج من الباقي تسعة وما بقي هو ستة بين الأخ والأخت للأخ أربعة وللأخت سهمان فإن أنكر الزوج أيضا فإن الأخت قد أقرت للزوج بأمر هو أكثر لنصيبه لو صدقها فإذا لم يصدقها فالفريضة من أربعين سهما وبيان هذا الكلام أن باعتبار الفريضة المعروفة للزوج ثلاثة أثمان المال وباعتبار الفريضة المجهولة على ما أقرت الأخت به للزوج نصف المال كاملا فعرفنا أنها أقرت للزوج بالزيادة فإذا كذبها الزوج في ذلك كانت الفريضة من أربعين لأن الفريضة المجهولة من ستة والفريضة المعروفة عولية من ثمانية وقد صارت القسمة من عشرين كما بينا فالزوج يدعي أن حقه في ثلاثة أثمان وذلك سبعة ونصف والأخت تقر(28/383)
له بتسعة من ثمانية عشر فما زاد على سبعة ونصف إلى تمام تسعة وهو سهم ونصف قد أقرت الأخت به للزوج وكذبها الزوج في ذلك وقد انكسر بالأنصاف فأضعف الحساب فيكون من أربعين سهما للأم كمال الربع وهو عشرة يبقى ثلاثون فالأخت تزعم أن للزوج في ذلك ثمانية عشر والزوج يدعي أن له من ذلك خمسة عشر فيأخذ خمسة عشر ويأخذ الأخ والأخت اثني عشر فيقسمان ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين ويبقى ثلاثة أسهم قد أقر الأخ والأخت بها للزوج والزوج كذبهما فتكون موقوفة في يد الأخت
حتى يصدقها الزوج فيأخذ ما أقرت به وليس للأخ والأم على ذلك سبيل لأن الأم استوفت كمال حقها والأخ كذلك استوفى كمال حقه بزعمه.
"وإذا ترك الرجل امرأته وأبويه فأقرت المرأة بابنين للميت وصدقها الأب في أحدهما وكذبتهما الأم فيهما وتكاذبا فيما بينهما أخذ الابن الذي أقر به الأب من المرأة ثلاثة عشر سهما من أربعين سهما من نصيبها في قول أبي يوسف وفي قول محمد يأخذ من المرأة أربعة أسهم(28/384)
ص -185- ... وثلث سهم من ثلاثة وعشرين سهما وثلث سهم، لأن الفريضة المعروفة من اثني عشر للمرأة الربع ثلاثة وللأم ثلث ما بقي وهو ثلاثة والباقي للأب والفريضة المجهولة على ما أقرت به المرأة من أربعة وعشرين للمرأة الثمن ثلاثة وللأبوين السدسان ثمانية لكل واحد منهما أربعة والباقي بين الابنين نصفان وذلك ثلاثة عشر فانكسر بالأنصاف فأضعفه فيكون من ثمانية وأربعين للمرأة ستة ولكل بن ثلاثة عشر وللأبوين لكل واحد منهما ثمانية ثم يطرح نصيب الأم في مقاسمة الابن الذي صدق به الأب مع المرأة لأنها قد كذبت به فإذا طرحنا ثمانية من ثمانية وأربعين يبقى أربعون فقد أقرت المرأة أن حق هذا الابن في ثلاثة عشر سهما من أربعين من التركة وفي يدها جزء من التركة فيعطيها مقدار حقها من ذلك وذلك ثلاثة عشر سهما من أربعين فيضمه إلى نصيب الأب ويقاسمه على سبعة عشر سهما للأب من ذلك أربعة وله ما بقي لأنهما تصادقا على أن الفريضة من أربعة وعشرين لأن الميت خلف ابنا واحدا وأن للأب أربعة وللابن ثلاثة عشر فما يصل إليهما يقسم بينهما على اعتبار زعمهما ويقاسم الابن الباقي المرأة ما بقي في يدها على تسعة عشر سهما لها ستة وله الباقي لأنهما تصادقا على أن القسمة من ثمانية وأربعين وأن للمرأة ستة وللابن الباقي ثلاثة عشر فما بقي في يدها يقسم بينهما على ذلك وجه قول محمد رحمه الله أن الابن الذي أقر به الأب يأخذ من يدي المرأة أربعة أسهم وثلث سهم من ثلاثة وعشرين سهما وثلث لأنها زعمت أن حق هذا الابن في ثلاثة عشر ولكن ثلث ذلك في يدها وثلثا ذلك في يد الأب لأن في يدها ربع التركة على الفريضة المعروفة وفي يد الأب نصف التركة وقد صدق الأب بهذا الابن فيكون متحملا عنها ثلثي نصيبه وذلك ثمانية وثلثان فإنما يبقى حقه فيما في يدها في أربعة وثلث وحق الابن الآخر في ثلاثة عشر وحق المرأة في ستة فإذا جمعت هذه السهام كانت ثلاثة وعشرين وثلثا فلهذا يأخذ منها أربعة(28/385)
وثلثا من ثلاثة وعشرين وثلث ثم يقاسمه كل واحد منهما مع من أقر به كما بينا في تخريج قول أبي يوسف.
ولو تصادق الابنان فيما بينهما أخذ الابن الذي أقر به الأب منه ثلاثة عشر سهما من عشرين سهما من نصيبه لأنه يزعم الأب أن الفريضة من أربعة وعشرين إلا أنه يطرح نصيب الأم وهو أربعة لأنها مكذبة به يبقى عشرون ففي زعم الأب أن للابن ثلاثة عشر سهما من عشرين سهما من نصيبه فنأخذ منه هذا المقدار ونضمه إلى نصيب المرأة فيقتسمونه على اثنين وثلاثين سهما لأنهم تصادقوا على أن القسمة من ثمانية وأربعين وأن نصيب المرأة ستة ونصيب كل بن ثلاثة عشر فما تحصل في أيديهم يقسم بينهم على ذلك يضرب فيه كل بن بثلاثة عشر والمرأة بستة فتكون القسمة من اثنين وثلاثين سهما وقيل هذا الجواب غلط والصحيح أن الابن إنما يأخذ من الأب ثلاثة عشر سهما وثلث سهم من عشرين سهما لأن الأب لا يدعي الزيادة على سدس التركة فإنه أقر أن الميت ترك ابنا وفي يده نصف التركة وقد صار على عشرين فيكون جميع التركة أربعين سهما السدس من ذلك ستة وثلثان فإذا(28/386)
ص -186- ... كان الأب لا يدعي أكثر من ستة وثلاثين كان عليه أن يدفع ما زاد على ذلك إلى الابن لأنه يدعي جميع ذلك وذلك ثلاثة عشر وثلث.
وحكى الحاكم هذا الطعن عن السري وقال: "صوابه أن يأخذ أربعة عشر سهما من عشرين سهما"وهو غلط من الكاتب إنما الصواب أن يأخذ ثلاثة عشر سهما وثلثا كما بينا.
وإذا ترك الرجل ابنين وعبدين وقيمتهما سواء فأخذ كل واحد منهما عبدا ثم أقر أحد الابنين بأخت له من أبيه وأنكرها صاحبه أخذت من العبد الذي في يده خمسة لأنه أقر أن الميت خلف ابنين وابنة وأن حقها في خمس كل عبد فيعطيها خمس العبد الذي في يده ويضمن لها المقر سدس قيمة العبد الذي في يد أخيه لأن ذلك العبد كان في يدهما فلا ضمان على المقر له في النصف الذي كان منه في يد الجاحد في الأصل وهو ضامن لنصيبها من النصف الذي كان في يده لأنه أعطاه إلى الجاحد باختياره ونصيبها من ذلك الثلث لأن ذلك النصف لو كان في يده لكان يعطيها ثلث ذلك باعتبار إقراره فيضمن لها ثلث النصف باعتبار إخراجه من يده وذلك سدس جميع قيمته.
ولو ترك دارين وابنا وابنة فاقتسما كل واحد منهما دارا ثم أقرت الابنة بأخ لها من أبيها وكذبها فيه أخوها فإنه يأخذ منها خمسي الدار التي في يدها لأنها زعمت أن الميت خلف ابنين وابنة وأن القسمة من خمسة لكل بن سهمان فنعطيه خمسي الدار التي في يدها لهذا وتضمن له خمسي قيمة الدار التي في يد أخيها لأن ثلث ذلك الدار باعتبار الأصل كان في يدها وقد دفعت إلى أخيها باختيارها فكانت ضامنة للمقر له نصيبه من ذلك بزعمها ونصيبه ثلثا تلك الثلث فإنه لو كان ذلك في يدها أمرت بدفع ثلثيه إلى الأخ فلهذا ضمنت له خمسي قيمة تلك الدار.(28/387)
وإذا ترك الرجل إبلا وبقرا وابنين فاقتسما فأخذ أحدهما الإبل بنصيبه والآخر البقر بنصيبه ثم أقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه أخوه في الأخت وكذبه في الأخ وتكاذب المقر بهما فيما بينهما فإن الابنة تأخذ من المقر بها سبع ما في يده فيسلم لها لأنها تزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وابنة فتكون القسمة من سبعة ونصيبها السبع فلهذا يعطيها سبع ما في يده ولا يضمن لها شيئا مما دفعه إلى الابن الآخر لأن الابن الآخر يصدق بها فيصل إليها نصيبها من ذلك ثم يرجع على أخيها الذي أقر بها خاصة بخمس ما صار له لأنه يزعم أن الميت خلف ابنين وابنة وأن نصيبها الخمس فلهذا يعطيها خمس ما صار له ويضمن لها أيضا ثلث سبع قيمة ما صار لأخيه وهو المقر بها وقيل هذا غلط والصواب أن يضمن لها ثلثي سبع قيمة ما صار لأخيه المقر بها لأنه قد دفع نصف ذلك إليه باختياره.
ولو كان ذلك في يده لكان يلزمه أن يدفع إليها ثلث ذلك النصف فيكون غارما لها قيمة ذلك إلا أنه قد وصل إليها سبع ذلك من جهة الأخ فيحتاج إلى حساب له سبع وثلث وأقل(28/388)
ص -187- ... ذلك أحد وعشرون فسبعه ثلاثة وثلثه سبعه فإذا صار النصف على أحد وعشرين كان جميع ذلك اثنين وأربعين فحقها بزعمه في ثلث النصف وذلك سبعة من اثنين وأربعين وقد وصل إليها السبع وذلك ستة نصف ذلك وهو ثلاثة مما كان في الأصل في يد أخيه ونصف ذلك من النصف الذي دفعه إلى أخيه فإنما يسقط عن الدافع ضمان هذه الثلاثة ويبقى عليه ضمان أربعة أسهم وسبع الكل ستة فأربعة تكون ثلثي السبع فلهذا يضمن لها ثلثي سبع قيمة ما صار لأخيه ويأخذ الأخ المقر به مما صار للمقر سبعيه لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وابنة والقسمة من سبعة للأخ من ذلك سهمان فلهذا نعطيه سبعي ما صار له فإن قيل الأخ الآخر مكذب له فلماذا لا يطرح نصيبه في المقاسمة معه على قياس المسائل المتقدمة قلنا لأنه ضامن له من حصته مما دفع إلى أخيه باعتبار اختلاف جنس المال فلا حاجة إلى أن يطرح نصيبه من ذلك.
قال: "ويضمن له خمس ما صار لأخيه" لأنه دفع النصف إلى أخيه باختياره ولو كان ذلك في يده لكان يعطيه خمس ذلك النصف لأن بزعمه أن للأخت من ذلك سهما والباقي منه بينه وبين الأخ نصفان لكل واحد منهما سهمان وخمسا النصف خمس الجميع فلهذا يضمن له خمس ما صار لأخيه.
قال الحاكم: هذا الحرف غلط وصوابه أنه يضم له ثلاثة أسهم من أربعة عشر سهما مما صار في يد أخيه هكذا ذكره أبو عصمة عن المقبري عن عيسى بن أبان لأنه لو لم يكن دفع إليه لكان يعطي الأخت سبع ذلك على ما بينا والباقي وهو ستة أسباع بينهما نصفان لكل واحد منهما ثلاثة وإذا صار النصف على سبعة كان الجميع أربعة عشر فعرفنا أن حصته من ذلك بزعمه ثلاثه أسهم من أربعة عشر سهما فإنما يضمن ذلك القدر لصاحبه يدفعه إلى أخيه باختياره والله تعالى أعلم.(28/389)
عنوان الكتاب:
كتاب المبسوط – الجزء التاسع والعشرون
تأليف:
شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
دراسة وتحقيق:
خليل محي الدين الميس
الناشر:
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان
الطبعة الأولى، 1421هـ 2000م(29/1)
ص -3- ... بسم الله الرحمن الرحيم
باب الوصية بأكثر من الثلث لوارث فيجيز ذلك بعض الورثة
قال رحمه الله: وإذا ترك الرجل ابنين فأوصى لأحدهما بنصف ماله فأجاز ذلك له أخوه أخذ نصف المال بالوصية والباقي بينهما نصفان" لأن الوصية بما زاد على الثلث والوصية للوارث إنما تمتنع بقوله لحق الورثة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث إلى أن يجيزه الورثة" فإذا وجدت الإجازة فقد زال المانع فيأخذ الموصى له نصف المال بطريق الوصية والإرث ينبغي عن المستحق بالوصية يبقي ماله النصف الباقي فيكون بين الاثنين نصفين بالميراث.
فإن قيل: لماذا لم يجعل الميراث مقدما على الوصية للوارث حتى يأخذ نصف المال بالميراث والنصف الباقي بالوصية لإجازة كما قال في الزيادات في امرأة لا وارث لها إلا زوجها فاوصت له بنصف مالها فإنه يأخذ النصف بالميراث ثم النصف الباقي بالوصية.
قلنا: لأن هناك بعض المال فارغ عن الميراث فإيجابها بالوصية ينصرف إلى ذلك الفاضل وها هنا جميع المال مشغول بالميراث فليس البعض يصرف الإيجاب بالوصية إليه بأولى من البعض فلهذا أخذ نصف المال بالوصية أولا.(29/2)
ولو كان أوصى مع هذا بنصف ماله لأجنبي فأجاز ذلك كله الوارثان فإن الأجنبي يأخذ نصف المال ويأخذ الموصى له من الوارثين نصف المال ولا ميراث لهما لأن المانع من تنفيذ الوصية قد زال بإجازة الوارثين وما أوجبه بالوصية شامل لجميع المال فلهذا يأخذ كل واحد منهما جميع المال بالوصية، ثم الموصى له الأجنبي يأخذ ثلث المال بلازمة الإجازة وهو أربعة من اثنى عشر يبقى في يد الابنين ثمانية في يد كل واحد منهما أربعة وقد بقى إلى تمام حق الأجنبي سهمان في يد كل واحد منهما سهم فيأخذ ذلك من يد كل واحد منهما حتى يسلم له نصف المال بقى في يد الموصى له من الابنين ثلاثة فيأخذ ذلك بطريق الوصية ويأخذ بفضل ما في يد أخيه وهو ثلاثة لأنه أجاز له الوصية وقد بقى إلى تمام حقه ثلاثة فيأخذ ذلك من أخيه ولم يبق شيء من المال ليكون ميراثا لهما.
ولو كان الابن الذي لم يوص أجاز جميع وصية أبيه ولم يجز الآخر وصية الأجنبي يأخذ ثلث المال بغير إجازة لأن الثلث محل الوصية ووصية الأجنبي أقوى من الوصية للوارث والضعيف لا يزاحم القوى فلهذا أخذ الثلث وهو أربعة من اثني عشر ويبقى لكل واحد من(29/3)
ص -4- ... الابنين أربعة وقد بقي إلى تمام حقه سهمان في يد كل واحد منهما سهم فيأخذ من المجيز سهما واحدا ويسلم للابن الموصى له وصيته كلها لأن في يده أربعة أسهم والباقي إلى تمام وصيته سهمان يأخذهما من أخيه المجيز يبقى في يد المجيز سهم واحد فيأخذ ذلك أيضا ليكون بمقابلة ما سلمه المجيز إلى الأجنبي بإجازته أو يمسك من الأربعة التي في يده سهما بمقابلة ما سلمه المجيز إلى الأجنبي يبقى في يده ثلاثة وفي يد المجيز ثلاثة فيأخذ جميع ذلك منه باعتبار أنه أجاز له الوصية ويخرج المجيز من الميراث.
ولو ترك ابنين فأوصى لأجنبي بنصف ماله وأوصى لأحد ابنيه بكمال النصف مع نصيبه فأجاز ذلك الوارثان أخذ الأجنبي أربعة بغير إجازة ثم يأخذ الأجنبي ما بقي في يد كل واحد منهما سهما سهما بالإجازة حتى يسلم له نصف المال ويأخذ الابن الموصى له من أخيه سهمين بكمال النصف بنصيبه لأنه كان في يده أربعة أسهم إلى تمام النصف سهمان فيأخذهما من أخيه باعتبار إجازته وصيته.
فإن قيل: لماذا لم يعتبر ما بقي في يده وهو ثلاثة أسهم حتى يأخذ من أخيه ثلاثة؟.
قلنا: لأنه قد سلم سهما للأجنبي بإجازة وصيته وما سلم إليه من ذلك محسوب عليك ميراثه فلهذا أخذ من أخيه سهمين فيجعل له كمال النصف بنصيبه فيسلم للأجنبي ستة وللابن الموصى خمسة ويبقى للابن الآخر سهم.(29/4)
ولو أجاز الابن الذي لم يوص له الأجنبي ولم يجز لأخيه ولم يجز أخوه للأجنبي أخذ الأجنبي ثلث المال بغير الإجازة منه وأخذ من الذي أجاز له سهم واحد لأن المستحق له بالإجازة من نصيبه هذا المقدار فيأخذه ولا يأخذ بالنصيب الآخر شيئا لأنه لم يجز له الوصية فيصير في يده خمسة وفي يد الابن المجيز للأجنبي ثلاثة وفي يد الابن الموصى له أربعة نصيبه من الميراث. وإذا ترك ثلاثة بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم وأوصى لآخر بثلث ماله فهذا على وجهين إما أن يجيز ذلك الورثة أو لا يجيزونه فإن أجازوا فالقسمة من ستة للموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بمثل نصيب أحدهم سهم وما بقي فبين الورثة أثلاثا لأنا نأخذ عدد البنين وهم ثلاثة فنزيد عليه للموصى له بمثل النصيب سهما لأنه جعله في الاستحقاق كابن بالغ له ثم الوصية بثلث المال تزيد على ما في يدنا وهو أربعة مثل نصفه وذلك سهمان فتكون ستة أسهم للموصي له بالثلث سهمان وللموصى له بمثل النصيب سهم والباقي وهو ثلاثة بين البنين أثلاثا، فإن لم يجيزوا فالقسمة من تسعة في قول أبي يوسف والثلث من ذلك ثلاثة للموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بمثل النصيب سهم اعتبارا بحال الإجازة أولا فرق بين الحالتين في حق الموصى لهما وفي حال الإجازة كان للموصى له بالثلث ضعف ما للموصى له بمثل النصيب فكذلك عند عدم الإجازة فيكون الثلث بينهما أثلاثا لكل واحد منهم سهمان ووصية الموصى له بمثل النصيب مثل نصيب البنين فعرفنا أن نصيبه سهمان ووصية الموصى له بالثلث ثلاثة من تسعة فيضرب كل واحد(29/5)
ص -5- ... منهما بجميع وصيته فلهذا كان الثلث بينهم على خمسة والمال كله على خمسة عشر.
ولو ترك ابنا واحدا فأوصى لرجل بمثل نصيبه وأوصى لآخر أيضا بمثل نصيبه فإن أجاز الوارث لهما جميعا فالمال بينهما وبين الابن أثلاثا لكل واحد منهم ثلث المال لأنه جعل كل واحد منهما بما أوجب له بالوصية كما لو أحد وقد أجاز ذلك الابن المعروف فكانوا بمنزلة ثلاثين بنين فيكون المال بينهم أثلاثا.
ولو أجاز لأحدهما ثم أجاز للآخر بعد ذلك كان للأول سدسا جميع المال وللآخر سدس المال وثلاثة أرباع سدس المال لأنهما استحقا ثلث المال بينهما نصفين قبل الإجازة وبقي في يد الابن ثلثا المال أربعة من ستة فحين أجاز لاحدهما فقد سواه بنفسه فيضم ما في يده وهو سهم إلى ما في يد ابنه وهو أربعة فيكون بينهما نصفين لكل واحد منهما سهمان ونصف فنصف المال انكسر بالإنصاف فيكون المال من اثني عشر في يد كل واحد من الموصي له سهمان وفي يد الابن ثمانية، فإذا ضممنا ما في يد الذي أجاز له إلى ما في يد الابن يكون ذلك عشرة بينهما نصفان لكل واحد منهما خمسة ثم لما أجاز صحت إجازته فيما بقي في يده لا في إبطال شيء مما صار مستحقا للأول وهو بهذه الإجازة سوى الثاني بنفسه فيضم ما في يده وهو سهمان إلى ما في يد الابن فيكون سبعة بينهما نصفان لكل واحد منهما ثلاثة ونصف فيضعفه للبناء بالإنصاف فتكون أربعة وعشرين للأول من ذلك عشرة وهو سدسان ونصف سدس كل سدس أربعة وللثاني سبعة وهو سدس وثلاثة أرباع سدس ويبقى للابن مثل ذلك.(29/6)
ولو كان أحدهما قابلا للموصى له فاختار الوارث لهما معا أو أجاز للقابل أولا فهو سواء والمال بينهم أثلاثا لأن الوصية للقابل إنما لا تجوز لحق الوارث فيزول المانع بإجازة الوارث لهما معا، أو للقابل أولا، وهذا لأن الموصى له الآخر قد استحق الثلث من غير مزاحمة القابل فيه وإجازته لهما أو للقابل في الحقيقة تكون إجازة للقابل، وإن أجاز الذي لم يقبل أولا ثم أجاز للقابل أخذ الأول نصف المال لأنه قد استحق ثلث المال من غير أن يزاحمه القابل فيه فإن الضعيف لا يزاحم القوى وحين أجاز وصيته له فقد سواه بنفسه في استحقاق المال فصار هو استحقاق لنصف المال كاملا ثم إجازته للقابل تعمل في حقه لا في حق الأول وقد سواه بنفسه فيما بقي والباقي نصف المال فهو بينهما نصفان لكل واحد منهما الربع.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهما وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهما فأجاز أحد الابنين لأحدهما ثم أجازا جميعا بعد ذلك للباقي فإن الفريضة من أربعة وخمسين سهما للموصى له الذي أجاز له أحدهما اثنا عشر سهما تسعة منها بغير إجازة وثلاثة من نصيب الذي أجاز له خاصة وسهمان من نصيب الذي أجاز لصاحبه قبله لأنهما لو أجازا لهما الوصيتين كان المال بينهما أرباعا ولو لم يجيزا كان للموصى لهما ثلث المال، فثلث(29/7)
ص -6- ... المال سالم لهما بغير إجازة والثلثان بين الاثنين نصفان فيكون أصل المسألة من سبعة ثم حين أجاز أحد الابنين لأحدهما فقبول إجازته لأحدهما معتبرة بإجازتهما له ولو أجازا له لكان يضم نصيبه وهو سهم إلى نصيبهما وهو أربعة فيكون مقسوما بينهم أثلاثا لا يستقيم فيضرب ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر في يد كل واحد من الابنين ستة وفي يد كل واحد من الموصى لهما ثلاثة ثم يضم ما في يده منهم خمسة فحين أجاز الآخر ضممنا ما في يده وهو ثلاثة إلى ما في أيديهما وهو عشر فيكون ثلاثة عشر بينهم أثلاثا لا يستقيم فيضرب ثمانية عشر في ثلاثة فتكون أربعة وخمسين ومنه تصح المسألة في يد الموصى لهما الثلث وهو ثمانية عشر في يد كل واحد منهما تسعة وفي يد كل بن ثمانية عشر فحين أجاز أحدهما لأحد الموصى لهما يعتبر إجازته بإجازتهما، ولو أجاز كان يأخذ مما في يد كل واحد منهما ثلاثة حتى يصير له خمسة ويبقى لكل واحد منهما خمسة عشر، فإذا أجاز أحدهما أخذ بما في يده ثلاثة حصته من الإجازة فتكون له اثنا عشر ثم لما أجاز الآخر فإنه يأخذ من الذي أجاز له خاصة ثلاثة أسهم مثل ما أخذه صاحبه من الأول لأن هذا أول مجيز في حقه ويأخذ من الآخر سهمين لأنهما لو كانا أجازا للأول ثم أجاز للآخر لكان يضم ما في يده وهو تسعة إلى ما في أيديهما وهو ثلاثون فيكون بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ثلاثة عشر فعرفنا أن الذي يسلم له أربعة أسهم بهذه الإجازة في يد كل واحد منهما سهمان فيجعل فيما يأخذ هو من الذي أجازا للأول ثم أجازا له، فإذا أخذ منه سهمين كان له أربعة عشر سهما تسعة يغير إجازة وثلاثة من الذي أجاز له خاصة وسهمان مما أخذه من الآخر.(29/8)
ولو ترك ثلاث بنين وأوصى لرجل بربع ماله ولآخر بمثل نصيب أحدهم فأجازوا فالفريضة من ستة عشر سهما، لأنا نجعل أصل الحساب من أربعة لمكان الوصية بالربع فيعطي الموصي له بالربع سهمان بطريق الاعتبار والباقي بين البنين الثلاثة لكل بن سهم فزيد على ذلك مثل النصيب سهم فيكون أربعة وقسمة الثلاث على أربعة لا يستقيم فيضرب أربعة في أربعة فتكون ستة عشر للموصى له بالربع أربعة والموصي له بمثل النصيب ربع ما بقي وهو ثلاثة وما بقي وهو تسعة بين البنين الثلاثة لكل ابن ثلاثة، وإن لم يجيزوا فالثلث بينهما على سبعة أسهم في قول أبي يوسف لأنه يعتبر حال عدم الإجازة بحالة الإجازة على معنى أن كل ما واحد منهما يضرب في الثلث بسهام حقه غير الإجازة وحق صاحب الربع أربعة وحق صاحب النصف ثلاثة فيكون بينهما على سبعة، وعند محمد رحمه الله الثلث بينهما نصفان لأن كل واحد منهما لو انفرد استحق ربع المال فإن من ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم كان للموصى له ربع المال فعرفنا أن حقهما فيما أوجب بهذه الوصية سواء فيكون الثلث بينهما نصفين.
ولو ترك خمسة بنين وأوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بنصف نصيب أحدهم فأجازوا فالفريضة من اثني عشر لأن الوصية الموصى له بنصف المال يأخذ النصف والنصف الآخر(29/9)
ص -7- ... بين البنين والموصى له بمثل النصيب على ستة لأنك تأخذ عدد البنين وتزيد عليه لصاحب النصف سهما فإذا صار النصف على ستة كان الكل اثنى عشر للموصى له بالنصف ستة وللموصى له بمثل النصيب سهم، وإن لم يجيزوا ففي المسألة ثلاثة أقاويل:
في قول أبي حنيفة: الثلث بينهما على أربعة لصاحب النصف ثلاثة لأن من أصله أن الوصية بما زاد على الثلث تبطل عند عدم الإجازة ضربا واستحقاقا فيتراجع حق صاحب النصف إلى الثلث والباقي وهو الثلثان بين البنين والموصى له بالنصيب في ثلاثة يضرب بذلك في الثلث وحق الموصى له بالنصف في سهم يضرب به في الثلث فيكون الثلث بينهما على أربعة.
وفي قول أبي يوسف: الثلث بينهما على أحد عشر لأن سهام المال تسعة كما قاله أبو حنيفة فإنا نجعل للموصى له بالنصف لابتداء الثلث بطريق الاعتبار لتبيين نصيب الآخر بقسمة الثلثين النصف عند أبي يوسف في الثلث وذلك أربعة ونصف والموصى له بالنصيب يضرب بسهم فيكون الثلث بينهما على خمسة ونصف فأضعفه للكسر بالإنصاف فيكون أحد عشر للموصى له بالنصف تسعة وللآخر سهمان.
وفي قول محمد: الثلث بينهما على تسعة ونصف لأن الموصى له بالنصف يأخذ الثلث بطريق الاعتبار والباقي وهو الثلثان مقسوم بين البنين أخماسا فإذا صار الثلثان على خمسة كان جميع المال سبعة ونصفا فانكسر فأضعفه فيكون خمسة عشر الثلث من ذلك خمسة والباقي وهو عشرة بين البنين لكل واحد منهم سهمان ووصية صاحب النصيب مثل نصيب أحدهم وذلك سهمان ثم الموصى له بالنصف يضرب في الثالث بنصف المال وهو سبعة ونصف لأن سهام المال خمسة عشر والموصى له بالنصيب يضرب بسهمين فيكون الثلث بينهما على تسعة أسهم ونصف لصاحب النصف سبعة ونصف وللآخر سهمان.(29/10)
ولو ترك ابنين وأوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بمثل نصيب أحد ابنيه فأجازوا فلصاحب النصف ثلاثة من ستة ولصاحب المثل سهم لأن صاحب النصف يأخذ النصف ثم يقسم النصف الباقي بين الابنين وصاحب النصف على ثلاثة لأنا نزيد على عدد البنين واحدا للموصى له بالنصف، فإذا صار النصف ثلاثة كان الكل ستة لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب المثل سهم والباقي بين الابنين، وإن لم يجيزوا فالثلث بينهما أخماس في قياس قول أبي يوسف لأن صاحب النصف عند عدم الإجازة يتراجع إلى الثلث فيأخذ الثلث ويقسم الثلثان على ثلاثة بنين نصيب الموصى له بالنصيب، وإذا صار ثلاثة كان المال أربعة ونصفا فأضعفه للكسر فيكون تسعة فإنما يضرب الموصى له بالنصف في الثلث بثلاثة أسهم والموصى له بالنصيب بسهمين فيكون الثلث بينهما على خمسة والمال كله خمسة عشر سهما وفي قول أبي يوسف الثلث بينهما على ثلاثة عشر لأن الموصى له بالنصف يعزل له الثلث بطريق الاعتبار ويقسم ما بقي بينهم أثلاثا لتبين وصية الآخر فيكون المال على أربعة ونصف وبعد(29/11)
ص -8- ... التضعيف يكون تسعة ثم الموصى له بالنصف إنما يضرب بأربعة ونصف وهو نصف المال والموصى له بمثل النصيب إنما يضرب بسهمين وهو ثلث الثلثين فيكون الثلث بينهما على ستة ونصف فإذا أضعفته كان ثلاثة عشر لصاحب النصف تسعة وللأخر أربعة في قول محمد رحمه الله الثلث بينهما على خمسة كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله لأنك إذا عزلت ثلث المال وقسمت الثلثين بين الابنين نصفين كان جميع المال على ثلاثة فإنما يضرب الموصى له بالنصف بنصف ذلك وهو سهم ونصف والآخر إنما يضرب بنصيب أحد الابنين وهو سهم فيكون الثلث بينهما بعد التضعيف على خمسة للموصى له بالنصف ثلاثة وللموصى له بالمثل سهمان.(29/12)
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بثلثي ماله ولآخر بمثل نصيب أحدهما فأجازوا فإن الموصى له بالمثل في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يأخذ سهمين من خمسة عشر من جميع المال لأن الورثة لو لم يجيزوا كان نصيبه هذا المقدار فلا يجوز أن ينقص حقه بإجازة الورثة لأن إجازتهم إنما تعتبر في حقه لتوفير المنفعة عليه لا الإضرار، وإنما قلنا أن نصيبه عند عدم الإجازة هذا لأن وصية صاحب الثلثين فيما زاد على الثلث عند عدم الإجازة تبطل ضربا واستحقاقا وإنما يضرب هو بثلاثة من تسعة والموصى له بالمثل بسهمين فيكون الثلث بينهما على خمسة كما في المسألة المتقدمة فعرفنا أن له عند عدم الإجازة سهمين من خمسة عشر فلو اعتبرنا الإجازة في حقه لكان له سهم من تسعة للموصى له بالثلثين ستة ولصاحب المثل سهم لأنه بمنزلة بن ثالث والباقي بين الابنين والإجازة في قوله خير لهما لأنهم لو لم يجيزوا كانت الفريضة على قوله من أربعة وعشرين بالطريق الذي قلنا انه يقول الثلث ويقسم الثلثان بين الابنين ويزاد لصاحب المثل سهم فيصير على ثلاثة والمال أربعة ونصف وبعد التضعيف يكون تسعة ثم صاحب الثلثين يضرب في الثلث بجميع وصيته وذلك ستة وصاحب النصيب بوصيته وذلك سهمان فيكون الثلث بينهما على ثمانية، وإذا صار الثلث على ثمانية كان المال كله أربعة وعشرين فظهر أن في الإجازة منفعة لهما، ولو كان فيه ضرر فذلك إنما يثبت حكما فأما الوارث ما قصد بالإجازة إلا توفير المنفعة عليهما فلا يكون هذا الإضرار مضافا إلى إجازة الوارث.(29/13)
وفي قول محمد، رحمه الله في حالة الإجازة مذهبه كمذهب أبي يوسف كما في المسائل المتقدمة وعند عدم الإجازة الثلث بينهما أثلاثا ثلثاه لصاحب الثلثين وثلثه لصاحب المثل لأن عنده المال على ثلاثة أسهم وأنا نقول الثلث ونجعل الباقي بين الابنين نصفين فتبين أن وصية صاحب المثل سهم ثم صاحب الثلثين يضرب بسهمين في الثلث وصاحب المثل يضرب بسهم فيكون الثلث بينهما أثلاثا.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب الثالث لو كان فيه ربع المال لأن مثل الشيء غيره ومثل نصيب الثالث بأن يزيد على الثالث سهما فيكون أربعة فعرفنا أنه ربع المال. ولو(29/14)
ص -9- ... كان أوصى له بمثل نصيب الخامس ثم الباقي وهو الخمسة بين الابنين نصفين فيزيد عليه للموصى له بمثل نصيب أحدهما سهمين ونصف مثل نصيب أحدهما فإذا زدت على خمسة مرة سهما ومرة سهمين ونصفا فيكون ذلك ثمانية ونصفا تضعفه فيكون سبعة عشر كان للموصى له بمثل نصيب خامس سهم أضعفه فيكون له سهمان وكان للموصى له بمثل نصيب أحدهما نصفا سهمين ونصفا أضعفه فيكون خمسة والباقي وهو عشر بين الابنين نصفان وأخذ منهما خمسة مثل ما أخذ الموصى له بمثل نصيب أحدهما، ولو قسمت هذه العشرة بين خمسة بنين كان لكل واحد منهم سهمان مثل ما أخذه الموصى له بمثل نصيب الخامس ولو كان أوصى له بمثل رابع لو كان ولآخر بمثل نصيب خامس لو كان فأجازوا كان للموصى له بمثل نصيب الخامس أربعة أجزاء من تسعة وعشرين جزءا من جميع المال وللآخر خمس الباقي لأنه اجتمع ها هنا وصيتان بمثل نصيب رابع وبمثل نصيب خامس فيضرب مخرج الربع في مخرج الخمس وذلك أربعة في خمسة فيكون عشرين ثم يزيدان عليه للموصى له بمثل نصيب رابع وذلك خمسة فللموصى له بمثل نصيب خامس الخمس وذلك أربعة فتكون تسعة فظهر أن المال على تسعة وعشرين سهما يأخذ الموصى له بمثل نصيب الرابع من ذلك خمسة والآخر أربعة والباقي بين الابنين نصفان وإن قسمت الباقي بين أربعة كان لكل واحد منهم أربعة، وإن لم يجيزوا فكذلك الجواب في هذا الفصل لأن الوصية أقل من الثلث فلا تختلف بالإجازة وعدم الإجازة وفي الفصل الأول إذا لم يجيزوا كان الثلث بينهما على سبعة لأن كل واحد منهما عند عدم الإجازة يضرب في الثلث بحقه وحق الموصى له بمثل نصيب خامس سهمان وحق الآخر خمسة فيكون الثلث بينهما أسباعا لهذا.(29/15)
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب خامس لو كان فأجازوا فالقسمة من تسعة وثلاثين جزأ وهذا بناء على الفصل المتقدم فقد جعلنا هناك المال على تسعة وعشرين وكان المقسوم بين الابنين عشرين لكل واحد منهما عشرة في هذا الفصل والوصية بمثل نصيب أحدهما تزيد على المال مثل نصيب أحدهما وهو عشرة فيكون على تسعة وثلاثين للموصى له بمثل نصيب أحدهما أثلاثا، وإن لم يجيزوا كان الثلث بينهم على تسعة عشر لأن كل واحد منهم يضرب في الثلث بسهام حقه أحدهم بعشرة والآخر بخمسة والآخر بأربعة فلهذا كان الثلث بينهم على تسعة عشر.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب رابع ومثل نصيب الرابع سبع ما بقي من المال والباقي بين الابنين والموصى له يمسك نصيب أحدهما أثلاث والفريضة من أحد وعشرين لأن الموصى له بالثلث يأخذ الثلث ثم يوجد عدد الأربعة فيزاد عليه واحد لتبيين نصيب الموصي له بمثل نصيب الرابع فيكون خمسة للموصي له نصف الرابع سهم والباقي وهو أربعة بين الابنين نصفان لكل واحد منهما سهمان فيزاد للموصى له بمثل نصيب أحدهما سهمان، فإذا قدرنا على ثلثي المال وهو أربعة للموصى له بمثل نصيب الرابع سهم وللموصى(29/16)
ص -10- ... له بمثل نصيب أحدهما سهمان فيصير سبعة أسهم للموصى له بمثل نصيب الرابع من ذلك سهم وهو سبع ما بقي من المال والباقي بين الابنين والموصي له بمثل نصيب أحدهما أثلاثا، فإذا صار ثلثاي المال على سبعة كان الكل عشرة ونصفا تضعفه للكسر فيكون أحدا وعشرين للموصى له بالثلث سبعة ولصاحب نصيب الرابع سهمان وللثالث أربعة، وإن لم يجيزوا كان الثلث بينهم على ثلاثة عشر لأن كل واحد منهم يضرب في الثلث بسهام حقه أحدهم بسبعة والآخر بأربعة والآخر بسهمين فيكون جملة ذلك ثلاثة عشر.
ولو كان أوصى لرجل بمثل نصيب سادس لو كان ولآخر بمثل نصيب أم لو كانت فإن الموصى له بمثل نصيب السادس يأخذ خمسة أسهم من أربعين سهما وهذا تطويل غير محتاج إليه فإن نصيب الأم من هذه التركة السدس ومثل الشيء غيره فالوصية بمثل نصيب السادس والوصية بمثل نصيب الأم لو كانت سواء في المقدار فإنما يزاد لكل واحد منهما سهم على ستة فتكون القسمة على ثمانية لكل واحد من الموصى لهما سهم والباقي وهو سهم بين الابنين.
قال رضي الله عنه في الكتاب خرجه من خمسة أمثال وذلك أربعون سهما وأعطى كل واحد منهما خمسة ولا فرق بين خمسة من أربعين وبين سهم من ثمانية.(29/17)
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث جميع المال فإنه رد على الوارثين فالفريضة من سبعة للموصى له بمثل نصيب أحدهما أربعة ويرد منها ثلث المال على الورثة وذلك ثلاثة لأنك تأخذ عدد الابنيين فتزيد على ذلك للموصى له بمثل النصيب سهمان فيكون ثلاثة ثم تضرب ذلك في ثلاثة لمكان الاستثناء وهو قوله إلا الثلث فيكون تسعة فهذا هو المال ومعرفة النصيب بأن تأخذ النصيب وهم سهم فتضربه في ثلاثة فيكون ثلاثة ثم تزيد عليه سهمين لمكان الاستثناء لأن بسبب المستثنى يزداد مال الوارث وكلما ازداد مال الوارث ازداد النصيب فظهر أن النصيب أربعة فإذا دفعت إلى الموصى له بالنصيب أربعة ففي يد الورثة خمسة ثم يسترجع بالاستثناء منه ثلث جميع المال وهو ثلاثة فتضمه إلى ما في يد الوارث فيصير ثمانية بين الابنين لكل واحد منهما أربعة مثل النصيب وعلى طريق الدينار والدرهم تجعل المال دينارا أو درهما فتعطي بالنصيب دينارا وتسترجع بالاستثناء ثلث دينار وثلث درهم فيصير معك درهم وثلث دينار وحاجة الورثة إلى دينارين لأنا جعلنا النصيب دينارا بمثله قصاصا يبقى في يدك درهم وثلث يعدل دينارا وثلثي دينار فتضرب كل واحد منهما في ثلاثة للكسر فتصير الدنانير خمسة والدراهم أربعة ثم نقلت الفضة ونجعل آخر الدراهم آخر الدنانير وآخر الدنانير آخر الدراهم فصار كل دينار بمعنى أربعة وكل درهم بمعنى خمسة ثم نعود إلى الأصل فنكون كأنا جعلنا المال دينارا ودرهما فذلك تسعة وأعطينا بالنصيب دينارا وذلك أربعة فتبين أن النصيب أربعة من تسعة ثم التخريج كما بينا.
ولو ترك خمسة بنين وأوصى لأحدهم بكمال الثلث مع نفسه وأوصى لأجنبي بثلث ما(29/18)
ص -11- ... بقي من الثلث فإن الأجنبي يأخذ سبع جميع المال لأنه لا مزاحمة للوصية للوارث مع الوصية للأجنبي فيأخذ الأجنبي كمال حقه كأنه لم يوص لأحد غيره وثلث ما بقي من الثلث هو الثلث الثلث إذا لم يكن هناك وصية أخرى.
ألا ترى أنه لو أوصى له بما بقي له من الثلث ولم يوص لغيره بشيء استحق جميع الثلث فكذلك هاههنا يستحق ثلث المال ثم إن أجازوا فلوارث الموصى له يأخذ مما بقي كمال حقه الثلث مع نصيبه بين جميع المال وذلك ثلاثة أسهم من تسعة فإذا أخذ هو ثلاثة وللأجنبي سهم يبقى خمسة فتقسم بين البنين بالسوية أرباعا انكسر بالأرباع فاضرب تسعة في أربعة فتكون ستة وثلاثين للأجنبي أربعة وللوارث اثنا عشر يبقى عشرون بين البنين الأربعة لكل واحد منهم خمسة فتبين أن الميراث الابن الموصى له خمسة والوصية له سبعة وقد استحق ذلك بإجازة الورثة.
ولو أوصى لأحدهم بمثل نصيب أحدهم ولأجنبي بثلث ما بقي من الثلث فإن الأجنبي يأخذ ثلث المال وهو سهم من تسعة كما بينا ويقسم ما بقي بين الورثة وبين الموصى له بمثل نصيب أحدهم على ستة لأن مثل الشيء غيره فلا بد من أن يزيد على عدد الورثة وذلك خمسة بينهما لتبيين مثل نصيب أحدهم فيجعل للموصى له بمثل النصيب سهمان سهم بميراثه وسهم بوصيته والباقي وهو أربعة بين البنين أرباعا. وإذا أردت تصحيح الحساب احتجت إلى ضرب تسعة في ستة فيكون أربعة وخمسين للأجنبي ستة وللابن الموصى له ستة عشر ثمانية بالميراث وثمانية بالوصية والباقي وهو اثنان وثلاثون بين أربعة بنين لكل واحد منهم ثمانية.(29/19)
ولو أوصى لأحد ورثته بثلث ماله ولأجنبي بما بقي من ثلثه فأجازت الورثة أو لم يجيزوا أخذ الأجنبي ثلث جميع المال لأن الوصية للوارث غير معتبرة في مزاحمة الأجنبي فكأنه أوصى للأجنبي بما بقي من ثلثه وهو بهذا اللفظ يستحق جميع الثلث كما يستحق العصبة جميع المال إذا لم يكن هناك صاحب فرض ثم الباقي بينهم على الميراث إن لم يجيزوا فإن أجازوا أخذ الوارث الموصى له ثلث جميع المال من الباقي باعتبار إجازتهم والباقي بينهم على الميراث.
ولو ترك ابنين وأوصى لأجنبي بما بقي من ثلاثة ولم يوص بغير ذلك كان له ثلث جميع المال لأن جميع الثلث باقي إذا لم يوص بشيء آخر.
ولو ترك ثلاثمائة وأوصى لأحد ابنيه بمائة من ماله ولأجنبي بما بقي من ثلاثة فأجازوا أخذ الأجنبي ثلث جميع المال لأنه لا مزاحمة للوارث معه وأخذ الوارث مائة درهم لإجازة الورثة وصيته والباقي ميراث.
ولو ترك ستمائة وأوصى لأجنبي بمائة من ماله ولآخر بما بقي من ثلثه أخذ صاحب المال مائة والآخر ما بقي من الثلث لأن كل واحد منهما له وصية ثابتة في حق الآخر وصاحب المال المسمى من الثلث مقدم على صاحب ما بقي كما أن صاحب الفريضة في الميراث مقدم على صاحب ما بقي كما أن صاحب الفريضة في الميراث مقدم على العصبة فلهذا يأخذ صاحب المائة من الثلث مائة ثم لصاحب ما بقي قدر الباقي، فإن رد الموصى له بالوصية(29/20)
ص -12- ... وصيته أو مات قبل موت الموصي حين بطلت وصيته أخذ الآخر جميع الثلث لأن جميع الثلث باقي وهو بمنزلة ما لم يوص لغيره بشيء ولو هلك نصف المال قبل القسمة كان لصاحب المائة مائة ولا شيء لصاحب ما بقي لأنه لم يبق من الثلث شيء. ولو كان أوصى مع ذلك بثلث ماله ولم يبق شيء من المال كان الثلث بين صاحب الثلث وصاحب المائة أثلاثا لأن صاحب الثلث يضرب في الثلث وهو مقدار الثلث والآخر يضرب بمائة فيكون الثلث بينهما أثلاثا ولا شيء لصاحب ما بقي لأنه لم يبق من الثلث شيء.(29/21)
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع ماله فأجاز ذلك أحد الابنين كان الثلث بينهم أسباعا بغير إجازة ويكون نصف ربع المال من نصيب الابن الذي أجاز صاحبي الوصية على سبعة أسهم وأصل هذه الفريضة من أربعة وثمانين سهما لأنهما يغلقان الذي أجاز لهما الوصية على حسب ما يغلقانه إن لو أجازا جميعا ويقابلان الذي لم يجز وصيتهما على حسب ما يقابلانه إن لم يجز فنقول لو أجازا الوصيتين جميعا لكان الموصى له بالثلث يأخذ الثلث والموصى له بالربع يأخذ الربع فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فثلثه أربعة وربعه ثلاثة، ولو لم يجيزا لكان الثلث بينهما على هذا، فإذا صار الثلث على سبعة كان جميع المال أحدا وعشرين ثم عند إجازتهما الموصى له بالثلث والموصى له بالربع يأخذ الربع وليس لأحد وعشرين ربع صحيح فيضرب أحد وعشرون في أربعة فيكون أربعة وثمانين فأما ثلث المال وذلك ثمانية وعشرون يأخذانه بلا منة الإجازة فيقتسمانه أسباعا على مقدار حقهما للموصى له بالثلث أربعة أسباعه وهو ستة عشر وللموصى له بالربع ثلاثة أسباعه وذلك اثنا عشر ثم نقول قد بقي إلى تمام حق الموصى له بالثلث اثنا عشر فلو أجازا له الوصية لكان يأخذ من كل واحد من الابنين نصف ذلك وهو ستة وقد بقي إلى تمام حق الموصى له بالربع تسعة فلو أجازا له الوصية لكان من كل واحد منهما نصف ذلك وهو أربعة ونصف فإذا أجاز أحدهما الوصية لهما جميعا ولم يجز الآخر فإنهما يأخذان من نصيب المجيز وهو ثمانية وعشرون مقدار حقهما إن لو أجازا وذلك عشرة ونصف فيقتسمان ذلك أسباعا فلكل سبع منه سهم ونصف فلصاحب الربع ثلاثة أسباعه أربعة ونصف ولصاحب الثلث أربعة أسباعه وهو ستة، ولو كان الابنان أجازا وصية صاحب الربع ولم يجيزا وصية صاحب الثلث فإن الثلث بينهما أسباعا كما بينا ثم يأخذ صاحب الربع ما بقي من حقه وهو سبعة أسهم من نصيب الابنين لأنهما قد أجازا له الوصية فيسلم له أحد وعشرون كمال(29/22)
الربع من أربعة وثمانين ويسلم لصاحب الثلث أربعة أسباع الثلث وذلك ستة عشر. ولو أجاز أحدهما لصاحب الثلث والآخر لصاحب الربع فالثلث بينهما أسباع كما بينا ثم يأخذ صاحب الثلث من نصيب الذي أجاز له نصف ما بقي من الثلث والباقي إلى تمام الثلث اثنا عشر فيأخذ نصف ذلك منه وهو ستة لأنهما لو أجازا جميعا له أخذ من كل واحد منهما ستة فكذلك إذا أجاز له أحدهما ويأخذ صاحب الربع من نصيب الذي أجاز نصف ما بقي إلى(29/23)
ص -13- ... الربع والباقي من حقه إلى تمام الربع تسعة فيأخذ منه نصف ذلك وهو أربعة بمنزلة ما لو أجازا له الوصية والله أعلم.
باب الوصية في المال ينقص أو يزيد بعد موت الموصى
قال رحمه الله: وإذا كان الرجل ثلاث جواري قيمة كل واحدة ثلاثمائة فأوصى لرجل بجارية منهن بعينها ثم مات فلم يقسم الورثة والموصى له حتى زادت تلك الجارية فصارت ستمائة أو ولدت ولدا يساوي مائة أو وطئها رجل بشبهة غرم عقرها مائة أو اكتسبت مائة فهذا كله من مال الميت" لأن التركة بعد الموت قبل القسمة مبقاة على حكم ملك الميت فهذه الزيادة تجل على حكم ملكه أيضا ويكون حصولها قبل الموت وحصولها بعد الموت سواء، فإن كانت الزيادة في بدنها فللموصى له تمام ثلث مال الميت منها وماله صار ألفا ومائتين فللموصى له مقدار الثلث أربعمائة وذلك ثلثا الجارية التي أوصى له بها وثلثها له مع الجاريتين الأخرتين وإن كانا ضامنا لها فإنه يسلم له الجارية كلها وتمام الثلث من تلك الزيادة حتى تقع القسمة في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله للموصى له الثلث من الجارية ومن الزيادة لا يبدأ بشيء من ذلك قبل وقد تقدم بيان المسألة في الوصايا والمقصود ها هنا بيان أنه يعتبر مال الميت حتى تقع القسمة لا حين يوصى ولا حين يموت لأن حق الموصى له في الثلث بمنزلة حق الورثة في الثلثين وإنما يتم سلامة الثلثين للورثة عند القسمة فكذلك سلامة الثلث للموصى له.(29/24)
ألا ترى أنه لو ظهر دين قبل القسمة وجب تنفيذه من الأصل والزيادة جميعا، وإذا كان للرجل أمة تساوي ثلاثمائة لا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له نفذ بيعها في ثلثيها لأن الموصى له صار أحق بثلثها والوارث أحق بثلثيها، فإذا كانت ولدت عند المشتري ولدا يساوي ثلاثمائة ثم أحضر الموصي له مائة يأخذ ثلث الجارية ويكون للمشتري ثلثاها وثلثا الولد ويكون للموصى له التسع من الولد ويرد التسعين إلى الوارث لأن ملك المشتري يفوت في ثلثيها فيقرر في ثلثي الولد أيضا ولا يكون ذلك محسوبا من مال الميت لأنه حدث على ملك المشتري وإنما مال الميت الجارية وثلث الولد فيأخذ الموصى له بثلث الجارية ويكون له ثلث الولد وذلك تسع الولد لأنه لا يسلم له بالوصية أكثر من ثلث مال الميت ويرد التسعين إلى الوارث لأنه زائد على الثلث بما تناولته الوصية فيكون مردودا على الوارث. وكذلك المهر والكسب في قول أبي حنيفة رحمه الله وهذا لأنه يبدأ بالجارية في تنفيذ الوصية ثم بالولد.
ولو كانت الجارية زادت في بدنها حتى صارت تساوي ستمائة صار كان الميت ترك من المال أربعمائة لأن في ثلثي الجارية يعتبر القسمة وقت البيع من الوارث فإن بيعه من الوارث بمنزلة الاستهلاك لأنه ملكه من غيره فيخرج به من أن يكون مبقى على حكم الميت فالزيادة(29/25)
ص -14- ... الحاصلة في ثلثيها لا تكون محسوبة من مال الميت يبقى مال الميت ثلثها وقيمة ذلك مائتا درهم فيكون للموصي له الثلث من ذلك وهو ثلثا ثلث الجارية قيمة ذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وللوارث ثلث ثلثيها قيمة ذلك ستة وستون وثلثان فإذا ضممته إلى المائتين استقام الثلث والثلثان، ولو لم تزد الجارية ولكنها نقصت حتى صارت تساوي مائة درهم أخذ الموصى له ثلثها ورجع على الوارث من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة اتساع درهم لأن مال الميت ما صار للوارث مستهلكا له وقيمة ذلك مائتا درهم وثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث فإن نقصان السعر لا يكون مضمونا على المشتري فللموصى له ثلث مائتي درهم وثلث ومقدار ذلك ما قال في الكتاب فيأخذ ثلث الجارية لأنها هي الأصل ويرجع على الوارث بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم حتى يكون السالم له ثلث مال الميت.(29/26)
وإذا كان للرجل ثلاثة أعبد قيمة كل واحد منهم ثلاثمائة لا مال له غيرهم فأوصى بعبد منهم بعينه لرجل ثم مات الموصى فأعتق الوارث العبدين الآخرين ثم صارت قيمة كل واحد منهم ستمائة ثم جاء الموصى له فطلب حقه فإنه يأخذ من العبد الموصى له به ثلثيه لأن الوارث بالإعتاق صار مستهلكا للعبدين الباقيين فإنما تعتبر قيمتهم يومئذ وذلك ستمائة ستمائة فيكون للموصي له بقدر ثلث مال الميت وذلك ثلثا هذا العبد قيمته أربعمائة وثلثه للورثة قيمته مائتان من الستمائة مع الثمانمائة، ولو كان الوارث لم يعتقهما ولكن الموصى له أعتق العبد الموصى به ثم نقصت قيمة العبيد حتى صار كل واحد منهم يساوي مائة فإنه يأخذ الوارث العبدين الباقيين ويضمن له مائة وثلاثة وثلاثين وثلثا لأن الموصى له صار مستهلكا بالإعتاق العبد الموصى له به فتعتبر قيمته يومئذ وقيمة العبدين الباقيين عند القسمة فيكون مال الميت خمسمائة يسلم للموصى له ثلث ذلك مائتان وستة وستون وثلثان ويقوم للوارث ما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثمائة فيأخذه الوارث مع العبدين الباقيين حتى يسلم له ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث.(29/27)
وإذا كان للرجل عبد يساوي ثلاثمائة فأوصى به لرجل ثم مات ولا مال له غيره وله بن صغير فكاتب الوصي العبد على ألف درهم فأداها إلى الوصي ثم جاء الموصى له يطلب حقه فيكون الوصي في الكتابة قائما مقام الصغير وحين تنفذ منه الكتابة في ثلثيه صار ذلك مستهلكا وإنما أدى الألف من كسب اكتسبه بعد الكتابة قلنا الكسب لا يكون محسوبا من مال الميت وإنما مال الميت العبد وثلث الكسب فيكون جملة ذلك ستمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا يسلم للموصى له ثلث ذلك وهو مائتا درهم واحد عشر وتسع يأخذها من مال الابن إن كان له مال بثلث قيمة العبد، وإن شاء أعتق ويرجع الموصي على العبد فيستسعيه الابن في ثلث قيمته لأنه عتق بقدر الثلثين منه فيخرج الباقي إلى الحرية بالسعاية فإن تمكنت السعاية في يد الموصى قبل أن يحضر الموصى له ثم حضر فإنه يتبع مال الابن إن كان له مال بثلث قيمة العبد، وإن شاء أعتق وإن شاء استسعاه لأن الصبي معتق باستيفاء الوصي بدل الكتابة وقد كان العبد مشتركا بينه وبين الموصى له فكان للموصى له أن يضمنه قيمة نصيبه إن كان(29/28)
ص -15- ... موسرا، وقد بينا في العتاق أن الصبا لا يمنع وجوب ضمان العين والموصى له لا يكون ضامنا من ماله شيئا لأنه غير مخالف في نصيب الصغير بالكتابة فيكون فعله كفعل الصبي، فإن كانت قيمة العبد زادت بعد أدائه المكاتبة لم ينظر إلى الزيادة ولا إلى النقصان بعد الأداء لأنه لما عتق بعضه وقد خرج من أن يكون مثبتا على ملك الميت، ولو كان العبد زاد قبل أن يؤدي المكاتبة حتى صار يساوي ستمائة ثم أدى المكاتبة فضاع في يد الموصى فلا ضمان على الوصي فيما قبض من المكاتبة لأنه غير مخالف في تصرفه بالكتابة وقبض البدل وللموصى له أن يتبع مال الابن إن كان له مال بثلث أربعمائة لأن مال الميت قيمة ثلثي العبد وقت الكتابة وذلك مائتا درهم وقيمة ثلثه وقت الأداء وذلك مائتا درهم فيكون أربعمائة فيسلم للموصى له ثلث ذلك وله الخيار بين التضمين والإعتاق والاستسعاء، وإن رجع ذلك في مال الصبي رجع الوصي على العبد بقيمة ثلثه عند الأداء وذلك مائتا درهم فيسعى للصبي في ذلك.(29/29)
وإذا كان للرجل عبدان قيمة كل واحد منهما ألف درهم فكاتبهما في مرضه كتابة واحدة بألف درهم فمات أحدهما وأدى الباقي المكاتبة إلى السيد ثم مات السيد بعد ذلك ولم يستهلك المكاتبة فإن الورثة يرجعون على الحي بمائتي درهم وذلك تمام ثلثي المال لأن المريض حاباهما بقدر ألف فذلك وصية لهما تنفذ من ثلثه وبموت أحدهما قبل موت المريض لا تبطل وصيته لأن هذه الوصية في ضمن الكتابة والكتابة قائمة ببقاء من يؤدي البدل وهو المكاتب الآخر ولأن هذه الوصية تلزم بنفسها فتكون بمنزلة العتق المقدم في مرضه فلا تبطل بموته فإنما مال الميت عند موته بدل الكتابة وهو ألف درهم ونصف رقبة الباقي قيمته خمسمائة والذي مات مستوفيا لوصيته ويؤدي بموته نصف رقبته فإنما يقسم الباقي بين الوارث والعبد القائم على خمسة لأن للعبد نصف الثلث سهم من سهمين وللوارث أربعة فإذا قسمنا ألفا وخمسمائة بينهم أخماسا للعبد من رقبته بقدر ثلاثمائة ويسعى فيما بقي وذلك مائتا درهم فحصل للورثة ألف ومائتا درهم وقد سلم للوصي بالعبد القائم ثلاثمائة والميت صار مستوفيا مثل ذلك بالوصية فيقتسم الثلث والثلثان.(29/30)
وكذلك لو كان أحد المكاتبين مات بعد موت المولي وبقي الآخر فأدى المكاتبة، وإذا كان للرجل ألفا درهم وعبد يساوي ألف درهم فأوصى أن يباع العبد من فلان بمائة درهم وأوصى لرجل بثلث ماله فإن العبد يباع تسعة أعشاره من الموصى له بالبيع بأربعمائة وخمسين درهما لأنه اجتمع في العبد وصيتان وصية بالبيع وهو مثل الوصية بالرقبة في القسمة ووصية بالثلث فتكون القسمة على طريق المنازعة للموصى له بالبيع خمسة أسداسه وللآخر سدسه، وإذا صار العبد على ستة فكل ألف من الألفين يكون على ستة أيضا للموصى له بالثلث ثلث ذلك وهو أربعة فمبلغ سهام الوصايا عشرة فذلك ثلث المال وجملة سهام المال ثلاثون العبد من ذلك عشرة أسهم وهو العشر للموصى له بالثلث وخمسة وهو نصف العبد يباع من الموصى له بخمسين درهما كما أمر به الموصى وأربعة أعشاره حق الورثة فإنما يباع من الموصى له(29/31)
ص -16- ... بالبيع بمثل قيمته أن رغب فيه لأنه لم يبق من الثلث شيء لتنفذ له المحاباة فيه وقيمة أربعة أعشاره أربعمائة فلهذا يباع تسعة أعشار العبد من الموصى له باربعمائة وخمسين فيكون للموصى له بالثلث خمس الألفين أيضا وذلك أربعمائة ويكون للموصى له من الثمن خمسون درهما وهو حصة نصف العبد الذي نفذنا فيه الوصية بالبيع مع المحاباة لأن ثمن ذلك خمسون وقد فرغ من وصية صاحب البيع فيسلم لصاحب الثلث، فإذا قد سلم للموصى له بالثلث في الحاصل خمسمائة وخمسين ونفذنا للموصى له بالمحاباة الوصية بقدر أربعمائة وخمسين فذلك ألف درهم وحصل للورثة ألف درهم فقد حصل لهم من الثمن أربعمائة وأربعة أخماس الألفين فيستقيم الثلث والثلثان.(29/32)
وإذا كان للرجل عبد يساوي ألف درهم لا مال له غيره فباعه من رجل في مرضه بثلاثة ألاف درهم بسنه ستة وأوصى لرجل آخر بثلث ماله ثم مات وأبى الورثة أن يجيزوا فتخريج هذه المسألة ينبني على فصلين فيهما الخلاف، أحدهما أن عند أبي حنيفة المحاباة المتقدمة تقدم على سائر الوصايا في الثلث. والثاني: أن من باع في مرضه عبدا يساوي قيمته ألف درهم بثلاثة ألف سنة فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر إنما يصح التأجيل في ثلث الثمن، وفي قوله الأول وهو قول محمد التأجيل صحيح فيما زاد على ثلثي قيمة العبد من الثمن وقد تقدم بيان الفصلين، ثم التخريج على قياس قول أبي حنيفة أن نقول يتخير المشتري فإن شاء نقض البيع وإن شاء أدى ألفي درهم حالة وسلم له التأجيل في مقدار ألف لأن المحاباة تقدم على الوصية بالثلث أصلا فإن نقض البيع بطلت وصيته ويبقى صاحب الثلث فيأخذ ثلث العبد. وإن أوصى بالبيع فأدى ألفي درهم حالة إلى الورثة ثم خلف الألف الباقية فإنها تؤخذ منه وتعطى الموصى له بالثلث لأن هذه الألف التي من مال الميت وقد فرغت من وصية صاحب المحاباة بمضي الأجل فيسلم للموصى له بالثلث. وأما على قول أبي يوسف فإن اختار المشتري امضاء البيع فالتأجيل صحيح له في ربع الثمن ويؤدي ما بقي فيسلم للوارث من ذلك ألفان وللموصى له بالثلث ما بقي لأن الثمن ثلاثة ألف فربعه سبعمائة وخمسون وإنما لم يصح تأجيله إلا في هذا القدر لأن الموصى له بالثلث يضرب بالثلث والموصى له بالبيع يضرب بالجميع فيكون الثلث بينهما على أربعة والمال اثنى عشر فإنما يسلم له التأجيل في مقدار ثلاثة أسهم من اثني عشر وهو الربع ويؤدي ألفين ومائتين وخمسين فيكون للورثة منها ألفان ولصاحب الثلث مائتان وخمسون وإذا حل الأجل كان الباقي وهو سبعمائة وخمسون كله لصاحب الثلث لأنه من جملة الثلث وقد فرغ من وصية صاحب المحاباة فيسلم لصاحب الثلث.(29/33)
وفي قول محمد: التأجيل صحيح في مقدار الألفين وفي ثلاثة أرباع ثلث الألف الثالثة باعتبار أن محل الوصية ثلث هذه الألف فيضرب فيه الموصى له بالثلث بسهم والموصى له بالربع بثلاثة فيؤدي ربع هذا الثلث مع ثلثي القيمة ربع هذا الثلث للموصى له بالثلث وثلثا القيمة للورثة. وإذا حل الأجل أدى ما بقي من الثمن فيكون للموصى له بالثلث من ذلك تمام(29/34)
ص -17- ... الألف مع ما استوفى والباقي للورثة وإنما يتحقق الخلاف قبل حلول الأجل فلعل بعد حلول الأجل يرتفع الخلاف والله أعلم بالصواب.
باب الرجل يموت وليس له وارث فيقر لورث له أو لوصي بمال
قال رحمه الله: "وإذا حضر الرجل الموت وليس له وارث فأوصى رجل بماله كله لرجل فهو جائز عندنا" بلغنا عن ابن مسعود رضي الله عنه "أنه قال يا معشر همدان إنه ليس من قبيلة أحرى أن يموت الرجل منها لا يعرف له وارث منكم، فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث أحب وقد بينا هذه المسألة في كتاب الوصايا فإن كان هذا الميت أسلم على يد رجل ووالاه أو كان له أحد من ذوي الأرحام كان للموصى له الثلث لأن من سمينا وارث له فعقد الموالاة عند تسبب الإرث وذوي الارحام من جملة الورثة فلا تنفذ وصيته مع وجود أحد من هؤلاء إلا في مقدار الثلث من ماله.
وإذا أقر في مرضه بأخ له من أبيه وأمه أو بابن بن له ثم مات وله عمة أو خالة أو مولى موالاة فالميراث للعمة أو الخالة وقد تقدم بيان هذا في كتاب الدعوى فلا يستحق المقربة شيئا مع وارث معروف له. ولو لم يكن له وارث من القرابة وغيرهم كان ماله لهذا المقربه لأنه أقر له بشيئين بالنسب وباستحقاق ماله بعده وهو في النسب مقر على غيره وفي استحقاق المال إنما يقر به على نفسه فيعتبر إقراره في ذلك وهذا لأنه غير متهم في هذا الإقرار فيما يرجع إلى المال لأنه يملك ايجابه له بطريق الوصية ابتداء فلهذا يعتبر إقراره باستحقاق المال.(29/35)
ولو أوصى بماله كله لرجل مع ذلك كان لصاحب الوصية ثلث المال لأن التهمة لما انتفت عن إقراره التحق المقربة بالوارث المعروف فيكون للموصى له ثلث المال معه وقد بينا في كتاب الدعوى من يصح إقراره به للرجل والمرأة ومن لا يصح إقراره، ولو أقر في مرضه بابن ابن أو بأخ وصدقه المقر به في ذلك ثم أنكره المريض وقال ليس بيني وبينه قرابة ثم أوصى بماله كله لرجل ثم مات ولا وارث له فالمال كله للموصى له ولا شيء للمقر به لأن النسب لم يثبت بإقراره وكان إقراره بمنزلة إيجاب المال له بالوصية ورجوعه عن ذلك صحيح، فإن أنكره صار بمنزلة الراجع عما أوجبه له فلهذا سلم المال كله له.
ولو لم يوص بماله لأحد كان ماله لبيت المال دون المقر به لأن حق المقر به قد بطل بجحوده، فإن قيل: كلامه بمنزلة الإقرار بالمال فكيف يصح رجوعه عنه؟ قلنا: لا كذلك بل هو بمنزلة إيجاب المال له بطريق الخلافة وهو الوصية.
ألا ترى أن ما أقر به لو كان ظاهرا لم يستحق المال إلا بهذه الصفة ولو لم يقر المريض بشيء من ذلك ولكن له عمة أو مولى نعمة فأقرت العمة أو مولى النعمة بأخ للميت من أبيه وأمه أو بعم أو بابن عم ثم أنكره ثم مات المريض أخذ المقر به الميراث كله لأن الوارث المعروف أقر بأنه مقدم عليه في استحقاق ماله وإقراره حجة على نفسه ولو جدد الإقرار به بعد موت المريض كان جميع المال للمقر به فكذلك إذا أقر به قبل موته.
وإن أقرت المرأة بزوج وابنة لها من غير هذا الزوج فصدقها كل واحد منهما بما أقرت به(29/36)
ص -18- ... له خاصة وجحد صاحبه ثم مات ولا وارث لها فللزوج نصف المال لأن اقرارها بالزوجية صحيح واقرارها بالابنة غير صحيح في حق الزوج فيأخذ الزوج النصف ثم لما لم يوجد ما يستحق لما بقي من الورثة فيعتبر إقرارها بالابنة فيما بقي فيكون لها النصف الباقي.
ولو صدقها الزوج فيما أقرت به من نسب الابنة وجحدت الابنة الزوج كان للزوج ربع المال لأن إقراره حجة في حقه فالتحقت بالابنة المعروفة عند تصديقه في حقه فيكون له ربع المال والباقي للابنة. ولو أقرت في مرضها أو صحتها بزوج وابنة وأم وأخت لأب فصدقها كل واحد فيما أقرت به له خاصة فللزوج نصف المال لأن إقرارها بالزوجية صحيح ولمن سمى الزوج من جميع من سمينا غير صحيح في حق الزوج فيأخذ الزوج نصف المال ثم الباقي يقسم بين من بقي على تسعة لأنهم استووا في أن إقرارها لهم بالنسب لا يصح فيجعل فيما بينهم كأن كل واحد منهم معروف بالنسب الذي أقر له به.
ولو كانوا معروفين كانت القسمة من اثنى عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنت النصف ستة وللأم السدس سهمان والباقي وهو سهم للأخت وقد أخذ الزوج كمال حقه فيطرح سهاما ويقسم ما بقي بينهم على تسعة للابنة ستة وللأم سهمان وللأخت سهم، فإن كان المقر بهم لم يصدقوها ولم يكذبوها حتى ماتت ثم صدقوها بعد موتها على ما بينا ففي قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الجواب كذلك.(29/37)
وفي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لا شيء للزوج في هذه المسألة في الإقرار عند أبي حنيفة تصديق الزوج بعد موتها باطل فلا شيء له ويقسم الميراث كله على ستة لأنه يصير في الحكم كأنه ما أقر إلا بالثلاثة سوى الزوج فيكون للابنة نصف ثلاثة من ستة وللأم السدس سهم والباقي للأخت وهو سهمان وقع في بعض النسخ وللأخت ثلاثة وهو غلط فإن الأخوات مع البنات عصبة فيكون للأخت ما بقي وهو سهمان ولو كانوا أقروا بذلك في حياتها وتكاذبوا فيما بينهم إلا الزوج فإنه أقر بالأم كان للزوج النصف والباقي على تسعة أسهم كما بينا ثم يضم للأم نصيبها إلى نصيب الزوج فيقتسمان ذلك على خمسة أسهم للزوج ثلاثة وللأم سهمان لأن الزوج قد صدق بها فالتحقت في حقه بأم معروفة فما يحصل في أيديهما يقسم بينهما على مقدار حقهما فيكون على خمسة للزوج ثلاثة وللأم سهمان وفي هذا بعض الشبهة لأن بوجوب الأم لا يتحول نصيب الزوج إلى الربع فينبغي أن يضرب هو بالنصف ستة ولكن نقول الزوج إنما يضرب بثلاثة على أن تكون المرأة تركت زوجا وأما فتكون القسمة من ستة للزوج ثلاثة.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكون ما في أيديهما بينهما نصفين لأن الأم أخذت النصف الباقي مع الزوج.
قلنا: هي بالأمية تستحق الثلث ثم الباقي يرد عليها ولا يعتبر الرد في المزاحمة عند ضعف المال فلذا كانت القسمة بينهما على خمسة.(29/38)
ص -19- ... ولو أقر في مرضه فصدقه الأخ في ذلك ثم أوصى بماله لرجل آخر ثم مات فقال الأخ لست له بأخ وكان إقراره لي باطلا فالمال كله للموصى له وإن لم يوص بماله لأحد فالمال كله لبيت المال لأن الأخ صار رادا لما أوجبه له حين أنكر الأخوة.
ولو أقر رجل بامرأة وابنة وأم وأخت لأب فصدقته كل واحدة منهن في نفسها وكذبته في البقية ثم مات فللمرأة الثمن والباقي للابنة خاصة لأن إقرار الرجل بالمرأة والابنة صحيح فالتحقتا بالمعروفتين فللمرأة الثمن والباقي للابنة بالغرض والرد ولا شيء للأم والأخت لأن الابنة بعد ثبوت نسبها مستحقة لجميع المال. وإذا أقر بابن بن أو بأخ له من أبيه وأمه ثم قتل عمدا فليس للمقربة في القود قول ولكنه إلى الإمام لأن المقر له بمنزلة الموصى له والموصى له بالمال لا حق له في القود ولأن إقراره إنما يعتبر فيما يملك الإنشاء به وهو لا يملك الإنشاء في القصاص.
ألا ترى أنه لو أوفي بذمة لرجل لم يكن له أن يقبض منه فكذلك إذا أقر له بنسب لا يثبت ذلك النسب بإقراره ولكن الرأي إلى الإمام فإن شاء استوفى القصاص وإن شاء صالح القاتل على الدية فإن صالحه على ذلك فالدية للمقر به لأن حق الموصى له يثبت في الذمة كما يثبت في سائر الأقواد فكذلك في حق المقر به.
ولو كان المقتول أقر ببعض من يثبت نسبه منه بإقراره كان القود للمقربة إذا صدقه بنسبه في حياته أو بعد موته لأن النسب الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة، ولو كان أقر بامرأة ثم مات فالقود إليها وإلى الإمام لأن إقراره بالزوجية صحيح فتلتحق بامرأة معروفة فيكون لها ربع القود والباقي للإمام إن شاء استوفيا وإن شاء صالحا على الذمة أو أكثر منها فإن صالحا على أقل من الذمة كان ربع ذلك لها لأن صلحها صحيح في نصيبها وأما الثلاثة أرباع فيصالح الإمام فيه على أقل من ثلاثة أرباع الدية.(29/39)
وإذا مات الرجل وترك أخا لأب وأم فأقر الأخ في حياته أو بعد موته بابنة بن ابن الميت ثم أنكرها في حياته أو بعد موته فهو سواء فيأخذ منه نصف المال لأنه أقر لها بنصف ميراثه وذلك ملزم إياه ولا يعتبر إنكاره بعد ذلك فإن أعطاها نصف المال ثم أقر بابنة بن للميت فإن دفع إلى الأولى بغير قضاء دفع إلى هذه نصف جميع المال لأنه أقر أنها مستحقة لنصف المال دون الأولى وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل كالقائم في يده. ولو كان دفع إلى تلك بقضاء دفع إلى هذه ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأن الميت بزعمه خلف ابنة بن وابنة بن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة وللأخرى السدس والباقي وهو سهمان للأخ وما دفعه إلى الأولى زيادة على حقها بقضاء قاض لا يكون محسوبا عليه فيجعل ذلك كالتاوي فتضرب الثانية فيما بقي بثلثه وهو سهمان فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه زعم أنها هي المستحقة للنصف وأن للأخ ما بقي بعد السدس.
وإذا قتل الرجل عمدا وله أخ لأب وأم فأقر الأخ بابنة للمقتول فإنه هو الخصم في الدية(29/40)
ص -20- ... يقبل منه البينة ويحضر معه الابنة التي أقر بها فإذا قضى القاضي بالدم تركا جميعا القتل أو أمرا من يقتل بحضرتهما ولا يقتل حتى يحضرا لأن العفو من كل واحد منهما صحيح في نصيبه باعتبار زعم صاحبه فلا يقتل إلا بحضرتهما فأما الإثبات بالبينة صحيح من الأخ وإن لم يحضر البينة إلا على قول أبي يوسف وهو بناء على التوكيل بإثبات القول وقد تقدم بيان الخلاف فيه في كتاب الوكالة.
ولو كان الأخ أقر بابن للميت فإن القاضي لا يقبل أيضا البينة حتى يحضر الابن والأخ جميعا لأن الأخ هو المستحق للدم في الحكم وقد زعم الأخ أن المستحق هو الابن فلا بد من أن يحضرا جميعا لإثبات القود بالبينة ثم إما أن يتوليا قتله أو بأمر أحدهما صاحبه فيقتله بحضرة الآخر.
وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأخاه لأمه فادعى رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه وصدقه الأخ من الأم بأنه أخوه من أمه وصدقه الأخ من الأب بأنه أخوه لأبيه فإنه يدخل مع الأخ لأب فيقاسمه ما في يده نصفين ولا يدخل مع الأخ لأم لأن في يد الأخ الأم السدس وهو لا ينقص من السدس، وإن كثرت الأخوة من الأب وقد زعم الأخ لأب أنه مساو له فيأخذ منه نصف ما في يده وهو سدسان ونصف وإنما أقر الأخ لأم بأن له من التركة السدس وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلا يزاحمه في شيء مما في يده.(29/41)
وإذا هلكت المرأة وتركت زوجها وأخاها لأبيها فادعى رجل أنه أخوها لأبيها وأمها وصدقه الزوج بذلك وصدقه الأخ بأنه أخوها لأبيها فللزوج النصف لا ينقص منه والنصف الباقي بين الأخوين نصفان لأن فرض الزوج لا يتغير بالأخ من الأب وإنما أقر الزوج له بما يستحق بالعصوبة في يد الأخ لأب وهو مصدق بالعصوبة له مكذب له فيما يدعي من الترجيح عليه فلهذا كان الباقي بينهما نصفين، وكذلك لو صدقه الزوج أنه أخوها لأمها لأن الزوج إنما يقر له بالسدس بالفريضة ويصل إليه سدس ونصف سدس بإقرار الأخ لأب وإن كان الأخ من الأب أقر بأنه أخ لأم وأقر الزوج بأنه أخ لأب أخذ المقر به من الأخ ثلث ما في يده لأنه زعم أن الميت خلف أخا لأم وأخا لأب وزوجا فيكون للزوج النصف ثلاثة وللأخ لأم السدس سهم والباقي وهو سهمان للأخ لأب ففي هذا إقرار بأن حقه في التركة مثل نصف حق المقر فلهذا يعطيه ثلث ما في يده فيضمه إلى نصيب الزوج فيقتسمانه أثلاثا للزوج ثلثاه وللمقر به ثلثه لأن للميت بزعم الزوج أخوين لأب وزوجا فالفريضة من أربعة للزوج سهمان ولكل أخ سهم فعلى هذا يقسم ما في يده بينهما أثلاثا فالمراد ينبغي على قياس هذا الجواب في المسألة الأولى وهو ما إذا أقر الزوج بأنه أخ لأم أن يأخذ هو نصف ما في يد الأخ لأب ويضمه إلى ما في يد الزوج ويقتسمانه نصفين لأن لها بزعم الزوج أخ لأب وأم وأخ لأب وزوج فيكون المال بين الأخ لأب وأم والزوج نصفين على سهمين فما يصل إليهما يقسم بينهما على اعتبار زعمهما والله أعلم بالصواب.(29/42)
ص -21- ... كتاب العتق في المرض
قال الشيخ الإمام الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء:
بدأ الكتاب بما ذكر عن إبراهيم النخعي رحمه الله في الرجل يعتق عبده عند الموت وعليه دين قال: يستسعي في قيمته وبه نأخذ لأن العتق في مرض الموت وصية والدين مقدم على الوصية فإذا كان الدين مثل قيمته أو أكثر ولا مال له سواه فقد بطلت الوصية ووجب على العبد رد رقبته ولكن العتق بعد نفوذه لا يحتمل النقض والرد فيكون رده بإيجاب السعاية عليه ولا يلزمه السعاية في أكثر من قيمته لأنه لا يسلم له أكثر من مالية رقبته، وإن كان الدين على المولى أقل من قيمته سعى في مقدار الدين من قيمته للغرماء وفي ثلثي ما بقي للورثة لأن مال الميت ما بقي بعد قضاء الدين فإنما سلم له بالوصية ثلث ما بقي وعليه السعاية في ثلثي قيمته للورثة.
وإذا أعتق الرجل في مرضه عبدا قيمته ثلاثمائة ولا مال للمولى سواه ولا دين عليه فعلى العبد السعاية في مائتي درهم للورثة لأن الثلث يسلم له بطريق الوصية فإن عجل العبد من السعاية لمولاه مائتي درهم فأنفقها المولى على نفسه ثم مات المولى ولا مال له غيره فإنه يعتق من العبد ثلث المائة الباقية ويسعى في ثلثيها لأن معنى المعاوضة تظهر فيما أدى وهو قدر الثلثين منه فيخرج ذلك القدر من أن يكون معتبرا من ثلثه.
ألا ترى أنه لو أعتقه بمثل قيمته فأداها إلى المولى لم يعتبر خروجه من الثلث فكذلك إذا أدى ثلثي قيمته إلى المولى وما أنفقه المولى على نفسه لا يكون معتبرا لأن المولى غير ممنوع من إنفاق المال على نفسه فإن حاجته مقدمة على حاجة ورثته وما أنفقه ليس بقائم عند موته فلا يحتسب من ماله فإنما يبقى ماله ثلث العبد وقد أوصى له بذلك فيسلم له بالوصية ثلث هذا الثلث ويسعى في ثلثيه وهو معنى تعليل محمد رحمه الله لأن المولى لم يترك إلا مائة درهم.(29/43)
ولو كان عجل له قيمته كلها ثم مات المولى وهي عنده رد على العبد منها مائة درهم لأنه موصى له بثلثمائة ومال المولى عند موته ثلاثمائة وهو ما استوفاه من العبد لأن باعتبار المعاوضة تخرج رقبته من أن تكون محسوبة من ماله فتنفذ وصيته في ثلث ماله عند موته وذلك(29/44)
ص -22- ... مائة درهم وهذا لأن ما أداه العبد إنما أداه من كسب هو أحق به فإنه بمعنى مكاتب أو حر عليه دين فيكون أحق بكسبه.
ولو أن المولى أنفق منها مائة درهم أو أكثر فقدر ما أنفقه لا يكون محسوبا من ماله وإنما ماله ما بقي فيرد ثلثه على العبد بطريق الوصية، ولو أنفقها كلها ثم مات لم يكن للعبد وصية لأن المولى لم يترك شيئا فحاجته في النفقة مقدمة على حق الوارث والموصى له وهو حر لا سعاية عليه لأن الحرية سلمت بعوض له بعوض فيه وفاء وهو ما إذا أداه من قيمته فهو قد أدى ذلك من كسب هو خالص حقه وهو نظير ما لو باعه من غيره بمثل قيمته وقبض الثمن فأنفقه على نفسه ثم مات.
ولو ترك المولى مالا أو اكتسبه قبل موته ثم مات وهو عبد كان للعبد الثلث من ذلك إلا أن يزيده على الثلثمائة ولا يزاد عليها لأنه أوصى له برقبته وقيمة رقبته ثلاثمائة فتنفذ الوصية من ثلث مال الميت عند موته ولا يستحق أكثر من ثلاثمائة لأنه لا سبب له في استحقاق الزيادة على ذلك، ولو كان على المولى دين كان الدين في ذلك المال يبدأ به لكونه مقدما على الوصية ثم يكون للعبد ثلث الباقي بعد الدين إلا أن يزيد ذلك على ثلاثمائة فحينئذ لا يستحق أكثر من ثلاثمائة.
وإذا أعتق الرجل عبدا في مرضه وقيمته ثلاثمائة ولا مال له غيره فاكتسب العبد ألف درهم ثم مات العبد قبل السيد وترك ابنة ثم مات السيد ولا مال له غيره سوى ماله قبل العبد من السعاية والميراث فإن للمولى من الألف خمسمائة درهم وعشرين درهما سعاية العبد من ذلك أربعون درهما وميراثه أربعمائة درهم وثمانون والباقي للابنة، وهذه المسألة تنبني على أصول:(29/45)
منها: أن الوصية بالعتق المنفذ في المرض لا تبطل بموت العبد قبل المولى لأنه حصل مسلما إلى العبد بنفسه ولزم على وجه لا يصح الرجوع عنه فهو بمنزلة هبة أو صدقة في المرض مقبوضة لا تبطل بموت المتصدق عليه قبل موت المتصدق بخلاف ما إذا أوصى برقبته لإنسان ثم مات الموصى له قبل موت الموصى لأن وجوب تلك الوصية بالموت فيشترط بقاء الموصى له عند موت الموصى له، ومنها أن كلما ظهر زيادة في مال الميت يزداد حق الموصى له لأنه شريك الوارث فيزداد حقه بزيادة مال الميت كما يزداد الوارث.
ومنها: أن الموصى به يكون محسوبا من مال الموصى له ويكون مقسوما بين ورثته بعد موته كسائر أمواله.
ومنها: ان مولى العتاقة آخر العصبات يرث ما بقي بعد أصحاب الفرائض.
ومنها: أن سهم الدور ساقط لأنه ساعي بالفساد فالسبيل طرحه وإنما يطرح من قبل خروج الدور من قبله ثم في تخريج المسألة طريقان:
أحدهما: اعتبار الدور في مال المولى والباقي اعتباره في مال العبد فيبدأ بالتخريج على(29/46)
ص -23- ... اعتبار الدور من جانب المولى فنقول أما على قول أبي حنيفة رحمه الله يرتفع من الألف مقدار قيمته للمولى بطريق السعاية وذلك ثلاثمائة لأن المستسعى عنده مكاتب فلا يرث ولا يورث عنه ما لم يحكم تجربته والحكم بحريته بعد أداء السعاية من ماله ويتوهم أن يكون عليه السعاية في جميع قيمته بأن يظهر على الميت دين محيط بماله فلهذا يعزل للمولى بجهة السعاية ثلاثمائة يبقى سبعمائة فهو مال العبد ميراث بين الابنة والمولى نصفين فيصير مال المولى ستمائة وخمسين تنفذ الوصية في ثلث ذلك وهو سهم من ثلاثة ثم هذا السهم يكون مال العبد مقسوما بين الابنة والمولى نصفين فانكسر بالإنصاف فأضعفه فيكون ستة سهمان للعبد بالوصية ويعود أحدهما إلى المولى بالميراث فيصير للورثة خمسة وحقهم في أربعة فهذا السهم الخامس هو السهم الدائر لأنه يجب تنفيذ الوصية في ثلاثة ثم يعود بالميراث إلى المولى نصف ما يحصل للعبد بالوصية فلا يزال يدور هكذا فيطرح السهم من أصل حق الورثة وذلك أربعة يبقى ثلاثة أسهم وللعبد سهمان ثم يعود إلى المولى بالميراث أحدهما فيسلم للورثة أربعة وقد نفذنا الوصية في سهمين فيستقيم الثلث والثلثان وتبين أن مال المولى وهو ستمائة وخمسون صار على خمسة كل سهم مائة وثلاثون ووصية العبد خمسا ذلك وذلك مائتان وستون كان عليه السعاية بقدر أربعين درهما فيأخذ المولى من الألف مقدار أربعين يبقى تسعمائة وستون بين الابنة والمولى نصفان لكل واحد منهما أربعمائة وثمانون فحصل لورثة المولى خمسمائة وعشرون وقد نفذنا الوصية في مائتين وستين فيستقيم الثلث والثلثان.(29/47)
وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله المستسعى حر عليه دين فيبدأ من تركة العبد بدينه وذلك مائتا درهم ثلثا قيمته بطريق السعاية فيأخذ ذلك ورثة المولى يبقى ثمانمائة فيستقيم ذلك بين المولى والابنة نصفان للمولى أربعمائة ثم تنفذ الوصية للعبد في ثلث ذلك وهو سهم من ثلاثة ثم ذلك السهم بين الابنة والمولى نصفان بالميراث فيكون الأربعمائة في الابتداء على ستة أسهم للعبد منه سهمان بالوصية ثم يعود إلى المولى أحدهما بالميراث وهو السهم الدائر فباعتباره يزداد مال المولى على ما بينا في تخريج قول أبي حنيفة فيطرح هذا السهم من حق ورثة المولى يبقى في ثلاثة وحق العبد في سهمين فذلك خمسة ثم يعود أحد السهمين بالميراث إلى ورثة المولى فيسلم لهم أربعة وقد نفذنا الوصية في سهمين فيستقيم، وتبين أن السالم للعبد بالوصية خمسا هذه الأربعمائة وذلك مائة وستون وقد سلم له بالوصية قبل هذا مائة فذلك مائتان وستون فإنما عليه السعاية في مقدار أربعين درهما، ثم التخريج كما بينا في قول أبي حنيفة وطريق الدينار والدرهم على هذا الوجه أن نجعل مال المولى على ستمائة وخمسين دينارا ودرهما تنفذ الوصية للعبد في دينار ثم يعود نصف ذلك بالميراث إلى المولى فيصير في يد وارث المولى درهم ونصف دينار وحاجته إلى دينارين لأنا نفذنا الوصية في دينار فنصف دينار بمثله قصاص يبقى في يده درهم يعدل دينارا ونصفا فأضعفه للكسر فيصير درهمين تعدل ثلاثة دنانير ثم اقلب الفضة واجعل آخر الدراهم آخر الدنانير،(29/48)
ص -24- ... وآخر الدنانير آخر الدراهم فيصير كل دينار بمعنى اثنين وكل درهم بمعنى ثلاثة ثم عد إلى الأصل فقل كنا جعلنا المال دينارا وذلك اثنان ودرهما وهو ثلاثة فتكون خمسة ثم نفذنا الوصية في دينار وذلك خمسا مال المولى وحصل في يد الورثة درهم وهو ثلاثة ونصف دينار وهو واحد فيكون أربعة ضعف ما نفذنا فيه الوصية وعلى طريق الجبر السبيل أن تأخذ مالا مجهولا فتصح الوصية للعبد في شيء منه ثم يعود نصف ذلك الشيء إلى المولى بالميراث فيصير في يد وارث المولى مال إلا نصف شيء يعدل شيئين وهو حق الورثة غير أن المال ناقص نصف شيء فأجبره بأن تزيد عليه نصف شيء وزد على ما يقابله نصف شيء فتبين أن المال الكامل شيئان ونصف وقد نفذنا الوصية في شيء وشيء من شيئين ونصف خمساه فظهر أن الوصية للعبد إنما تنفذ في خمسي مال المولى ثم التخريج كما بينا.(29/49)
وطريق الخطأين فيه أن نجعل مال المولى خمسة أسهم وننفذ الوصية في سهم ثم نصف ذلك السهم يعود بالميراث إلى المولى فيصير في يد وارث المولى أربعة أسهم ونصف وحاجته إلى سهمين لأنا نفذنا الوصية في سهم فظهر الخطأ بزيادة سهمين ونصف فعد إلى الأصل ونفذ الوصية في سهم ونصف ثم يعود بالميراث إلى المولى نصف ذلك وهو ثلاثة أرباع سهم فيصير في يد وارث المولى أربعة أسهم وربع وحاجته إلى ثلاثة لأنا نفذنا الوصية في سهم ونصف فظهر الخطأ بزيادة سهم وربع وكان الخطأ الأول بزيادة سهمين ونصف فلما زدنا في الوصية نصف سهم ذهب نصف الخطأ فالذي يذهب ما بقي نصف سهم آخر فتنفذ الوصية في سهمين من خمسة ثم يعود أحدهما بالميراث إلى المولى فيصير في يد وارث المولى أربعة وقد نفذنا الوصية في سهمين فيستقيم الثلث والثلثان، وإن شئت قلت: مال المولى على ثلاثة أسهم تنفذ الوصية في سهم منه ثم يعود نصفه بالميراث إليه فحصل في يد وارثه سهمان ونصف وحاجته إلى سهمين فظهر الخطأ بزيادة نصف سهم فيعود إلى الأصل وتنفذ الوصية في سهم ونصف فقد ظهر الخطأ الثاني بنقصان ثلاثة أرباع وكان الخطأ الأول بزيادة نصف سهم فلما زدنا في الوصية نصف سهم أذهب ذلك الخطأ وجلب خطأ ثلاثة أرباع سهم فإنما يزيد في الوصية ما يذهب ذلك الخطأ ولا يجلب خطأ آخر وذلك خمسا النصف وهو سهم فتنفذ الوصية في سهم وخمس سهم وخمس من ثلاثة خمساه وإذا أردت إزالة الكسر فاضربه في خمسة فيكون خمسة عشر خمساه ستة نفذنا فيه الوصية ثم يعود بالميراث إلى المولى ثلاثة فيحصل في يد وارث المولى اثنا عشر وقد نفذنا الوصية في ستة فيستقيم الثلث والثلثان.(29/50)
وأما الطريق الآخر: الذي يكون الدور فيه من جانب مال العبد بيانه أنه دفع من الألف بالسعاية مائتي درهم للمولى يبقى ثمانمائة فهو مال العبد نصفه للمولى بطريق الميراث ثم يعود ثلث ذلك النصف بالوصية إلى العبد فيتبين أن ماله يكون على ستة أسهم لحاجتنا إلى نصف ينقسم أثلاثا وإذا عاد سهم بالوصية إلى العبد يثبت فيه حق المولى بالميراث وهذا هو السهم الدائر وإنما ظهر هذا الدور بزيادة هذا السهم في نصيب الابنة فنطرح من أصل حقها(29/51)
ص -25- ... سهما يبقى حقها في سهمين وحق المولى في ثلاثة ثم نعود بالوصية سهما إلى الابنة فيسلم لها ثلاثة مما أخذه المولى بطريق الميراث فتبين أن الذي يبقى في يد وارث المولى خمسا ثمانمائة وذلك ثلاثمائة وعشرون كل خمس مائة وستون، فإذا ضممت ثلاثمائة وعشرين إلى مائتين الذي أخذه المولى في الابتداء كان خمسمائة وعشرين فهو السلم لوارث المولى وطريق الدينار والدرهم على هذا الوجه أن نجعل مال العبد دينارا ودرهما ثم نعطي المولى بالميراث دينارا ويعود بالوصية إلى الابنة ثلث ذلك فيصير في يدها درهم وثلث دينار وحاجتها إلى دينار مثل ما سلم للمولى فثلث دينار بمثله قصاص يبقى معها درهم يعدل ثلثي دينار فانكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون في ثلاثة دراهم تعدل دينارين ثم اقلب الفضة وعد إلى الأصل فنقول كنا جعلنا ماله دينارا وذلك بمعنى ثلاثة ودرهما وذلك بمعنى اثنين فيكون خمسة ثم أعطينا المولى بالميراث دينارا فاسترجعنا منه بالوصية ثلث دينار فيصير في يد الابنة ثلث دينار وهو بمعنى واحد ودرهم وهو بمعنى اثنين فذلك مثل ما أعطينا المولى بالميراث شيئا ويسترجع منه بالوصية ثلث ذلك فيصير مع الابنة مال إلا ثلثي شيء يعدل شيئا لأنا أعطينا المولى بالميراث شيئا فأخذ المولى بثلثي شيء ورد على ما يقابله ثلثي شيء فظهر أن المال الكامل شيء وثلثا شيء وكنا قد أعطينا المولى شيئا فذلك ثلاثة أخماس مال العبد والتخريج كما بينا وطريق الخطأ من فيه أن نجعل مال العبد سهمين ثم نعطي المولى بالميراث أحدهما ونسترجع منه بالوصية ثلث سهم فيصير في يد الابنة سهم وثلث وحاجتها إلى سهم مثل ما سلم للمولى فظهر أن الخطأ بزيادة ثلث سهم فنعود إلى الأصل ونعطي المولى سهما وثلثا ثم نسترجع منه بالوصية ثلث ذلك وذلك أربعة اتساع سهم فيصير في يد الابنة سهم وتسع وحاجتها إلى سهم وثلث فظهر الخطأ الثاني بنقصان تسعي سهم وكان الخطأ الأول بزيادة ثلث سهم فلما زدنا في(29/52)
نصيب المولى ثلث سهم أذهب ذلك الخطأ وجلب إلينا خطأ تسعي سهم فالسبيل أن نزيد ما يذهب ذلك الخطأ ولا يجلب خطأ آخر وذلك ثلاثة أخماس الثلث فإنما نعطي المولى بالميراث سهما وثلاثة أخماس ثلث سهم وذلك ثلاثة من خمسة عشر، فإن أردت إزالة الكسر فاضرب سهمين في خمسة عشر فيكون ذلك ثلاثين أعطينا المولى بالميراث ثمانية عشر فاسترجعنا منه بالوصية ستة فيحصل للابنة ثمانية عشر مثل ما كنا أعطينا المولى وإنما يسلم لوارث المولى اثنا عشر واثنا عشر من ثلاثين خمساه فاستقام التخريج ومن اختار التطويل من أصحابنا رحمهم الله يخرج كل مسألة على هذا الطريق ولكن لا فائدة في هذا التطويل فيقتصر في تخريج المسائل بعد.
هذا على بيان طريق الدور من جانب المولى ومن جانب العبد وربما يذكر في بعضها طريق الجبر للإيضاح أيضا.
وإذا أعتق المريض عبدا قيمته ثلاثمائة درهم ولا مال له غيره فأداها إلى المولى وأنفقها المولى على نفسه ثم مات العبد وترك ألف درهم وترك ابنته ومولاه ثم مات المولى من ذلك(29/53)
ص -26- ... المرض فلابنة العبد من تلك الألف ستمائة ولورثة المولى أربعمائة ولا خلاف بينهم في طريق تخريج هذه المسألة لأن العبد أدى السعاية وعتق وما أنفقه المولى لا يكون محسوبا من ماله فإنما مال المولى ما ورثه من العبد فقط.
وعلى طريق الذي يعتبر الدور في جانب المولى نقول العبد ترك ألف درهم نصفه وهو خمسمائة ميراثه للمولى ثم ننفذ وصية العبد في ثلاثة أسهم من ثلثه ونقسم ذلك السهم نصفين فيصير مال المولى على ستة تنفذ وصيته في سهمين ويعود أحدهما بالميراث إليه فيزداد حق ورثته بسهم وهو السهم الدائر فيطرح من أصل حق ورثته يبقى سهم ويبقى لهم ثلاثة وللعبد سهمان فيكون ماله على خمسة تنفذ الوصية للعبد في خمسة وذلك مائتا درهم ثم يعود مائة بالميراث إليه فيسلم لورثته أربعمائة وقد نفذنا وصيته في مائتين.
وإذا تبين وصية العبد بقدر مائتين يضم ذلك إلى ماله وهو ألف درهم فيكون ألفا ومائتين بين المولى والابنة نصفين للمولى ستمائة ثم يرد مائتين لأنه وصية العبد يبقى له أربعمائة ويسلم للابنة ستمائة مثل ما يسلم للمولى فإن اعتبرت الميراث فقد استوت وإن اعتبرت الوصية فقد نفذت وصية المولى في مائتين وسلم لورثته أربعمائة فكان مستقيما.(29/54)
وعلى طريق الجبر نجعل للمولى مالا وننفذ وصيته في شيء ثم يعود نصف ذلك بالميراث إليه فيكون الحاصل في يد وارثه مالا إلا نصف شيء يعدل شيئين وبعد الجبر والمقابلة المال الكامل يعدل شيئين ونصف شيء وقد نفذنا الوصية في شيء وشيء من شيئين ونصف خمساه فظهر أن تنفيذ الوصية في خمسي مال المولى وهو مائتا درهم، وإن اعتبرت سهم الدور من جانب العبد فالطريق فيه أن نقول لما لم يبق على العبد شيء من السعاية فماله ألف درهم وهو مقسوم بين الابنة والمولى نصفين ثم النصف الذي للمولى يكون على ثلاثة أسهم لحاجتنا إلى تنفيذ الوصية في ثلاثة فيكون الكامل ستة ثم يعود بالوصية سهم إلى الابنة فيزداد نصيبها بسهم فنطرح من أصل حقها سهما ونجعل الألف على خمسة أسهم ثلاثة أخماسه للمولى وذلك ستمائة ثم يعود بالوصية ثلث ذلك وهو مائتان فيسلم للابنة ستمائة ولوارث المولى أربعمائة نصف ما نفذت فيه وصيته وعلى طريق الجبر نقول قد وجب على المولى رد شيء مما أخذ لعلمنا أن له مالا لا يجب تنفيذ وصيته منه فنأمر الورثة باستقراض ذلك في الابتداء لنضمه إلى مال العبد وذلك المستقرض نجعله شيئا فيكون مال العبد ألف درهم وشيئا بين الابنة والمولى نصفين للمولى خمسمائة ونصف شيء ثم يقضي دينه منه بشيء يبقى خمسمائة إلا نصف شيء وهو يعدل شيئين فأجبره بنصف شيء وزد على ما يعدله مثله فصارت الخمسمائة تعدل شيئين ونصف شيء فالشيء منه يكون مائتين فظهر أن وصية العبد كانت بقدر مائتين.
وإذا أعتق المريض عبده وقيمته ثلاثمائة ثم مات العبد وترك ثلاثمائة وترك ابنته وامرأته ومولاه ثم مات المولى فلورثة المولى من ذلك مائتان وثمانية وعشرون درهما وأربعة أتساع(29/55)
ص -27- ... درهم وللابنة سبعة وخمسون درهما وتسع درهم وللمرأة أربعة عشر درهما وتسعا درهم أما على قول أبي حنيفة فلأن الثلثمائة كلها مال المولى في الظاهر لجواز أن يظهر عليه دين فيكون على العبد السعاية في جميع القيمة وما ترك إلا مقدار قيمته فهو بمنزلة المكاتب لا يورث عنه قبل أداء السعاية ثم هذه الثلثمائة تجعل على ثلاثة تنفذ وصية العبد في سهم منها ثم يكون ذلك السهم ميراثا عنه بين ورثته على ثلاثمائة للمرأة سهم وللابنة أربعة وللمولى ثلاثة، وإذا صار الثلث على ثمانية فالثلثان ستة عشر تعود الثلاثة إلى المولى فيزداد ماله بثلاثة أسهم وهي السهام الدائرة وبطرحها من أصل حق المولى يبقى حقه في ثلاثة عشر وحق العبد في ثمانية فذلك أحد وعشرون تنفذ الوصية في ثمانية ويعود بالميراث إلى المولى ثلاثة فيسلم لورثة المولى ستة عشر وقد نفذنا الوصية في ثمانية فيستقيم الثلث والثلثان فظهر أن السالم لورثة المولى ستة عشر سهما من أحد وعشرين سهما من ثلاثمائة مقدار ذلك بالدراهم مائتان وثمانية وعشرون وأربعة أتساع لأن أربعة عشر تكون مائتي درهم فإنه ثلثا أحد وعشرين وسبع المائة أربعة عشر درهما وسبعا درهم وسبعاه ثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وللمرأة واحد وهو أربعة عشر درهما وسبعا درهم وللابنة أربعة أسباع المائة وذلك سبعة وخمسون درهما وسبع درهم. ثم قال: فجميع المال الذي ترك العبد ثلاثمائة واثنان وأربعون درهما وستة أسباع يريد به أنا نفذنا الوصية له في ثلاثة أسباع المائة والموصى به محسوب من جميع ماله وثلاثة أسباع المائة اثنان وأربعون درهما وستة أسباع وطريق الجبر نقول تنفذ الوصية للعبد في شيء ثم يقسم ذلك الشيء بين ورثته على ثمانية فيعود إلى المولى ثلاثة أثمان شيء فيصير في يد ورثته مال إلا خمسة أثمان شيء يعدل ذلك شيئين وبعد الجبر والمقابلة الثلثمائة تعدل شيئين وخمسة أثمان شيء انكسر بالأثمان فاضرب شيئين وخمسة أثمان(29/56)
في ثمانية فيكون إحدى وعشرين فتبين أن الثلثمائة تكون على أحد وعشرين ومعرفة الوصية أنا نفذنا الوصية في شيء وضربنا كل شيء في ثمانية فظهر أن تنفيذ الوصية كان في ثمانية من أحد وعشرين والتخريج كما بينا. وعلى قول أبي يوسف ومحمد يدفع إلى المولى من تركة العبد مائتا درهم بقدر السعاية ويبقى له مائة ثم هذه المائة تقسم بين ورثته على ثمانية ثلاثة من ذلك للمولى ثم تنفذ الوصية في سهم من هذه الثلاثة ثم ذلك السهم يصير ميراثا بين العبد وبين ورثته على ثمانية فيعود ثلاثة إلى المولى وهو الدائر فيطرح ذلك من حق ورثة المولى يبقى حقهم في ثلاثة عشر وحق العبد في ثمانية ثم يعود بالميراث إليهم ثلاثة فيسلم لهم ستة عشر وقد نفذنا الوصية في ثمانية فيستقيم فإنما كان العمل عندهما في ثلاثة أثمان المائة على نحو ما ذكرنا من العمل في جميع المال على أصل أبي حنيفة.
وإذا تأملت تبين لك أن الجواب متفق مع اختلاف التخريج، وإن اعتبرت سهم الدور من جانب العبد قلت السبيل أن يؤدي سعايته مائتي درهم يبقى له مائة درهم ثم هذه المائة تجعل بين ورثته على ثمانية ثلاثة من ذلك للمولى ثم يعود سهم من هذه الثلاثة بالوصية إلى(29/57)
ص -28- ... الابنة والمرأة وهذا هو السهم الدائر فنطرح من أصل حقهما سهما يبقى حقهما في أربعة ثم يعود إليهما بالوصية فيصير لهما خمسة وهو مقدار حقهما من الميراث أربعة للابنة وسهم للمرأة فتبين أن هذه المائة صارت على سبعة أسهم والمائتان على أربعة عشر فيكون الجملة أحدا وعشرين وصل إلى ورثة المولى مرة أربعة عشر ومرة سهمين فذلك ستة عشر مقدار حقهما من الدراهم مائتان وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وعلى طريق الجبر يجعل للمولى من هذه المائة ثلاثة أشياء ثم تنفذ الوصية في ثلثه وهو شيء يبقى مائة إلا شيئين يعدل ذلك خمسة أشياء لأن حاجتهما إلى خمسة أشياء لما سلم للمولى بالميراث ثلاثة أشياء فأجبر المائة بشيئين وزد على ما يعدله شيئين فتبين أن المائة التي هي مال يعدل سبعة أشياء وأن السالم للمولى من هذا المال الحاصل شيئان وذلك سبعاه مع المائتين فيكون مائتين وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع.(29/58)
ولو كان العبد ترك ابنتين وامرأة ومولاه والمسألة بحالها فالثلثمائة مقسومة على سبعة وستين سهما للمولى من ذلك ثلاثة وأربعون سهما وخمسة أسهم مما بقي بميراثه وللابنتين ستة عشر سهما وللمرأة ثلاثة أسهم أما على أصل أبي حنيفة فلأن الثلثمائة كلها مال المولى من حيث الاعتبار فيكون للعبد ثلاثة بطريق الوصية ثم هذا الثلث ينقسم على أربعة وعشرين سهما بين ورثة العبد للابنتين ستة عشر وللمرأة ثلاثة وللمولى خمسة، فإذا صار الثلث على أربعة وعشرين يكون الثلثان ثمانية وأربعين ثم يعود خمسة بالميراث إلى المولى فيزداد ماله بهذه الخمسة وهي الدائرة فنطرحها من أصل حقه يبقى حقه في ثلاثة وأربعين وحق العبد في أربعة وعشرين فذلك سبعة وستون ثم يعود خمسة إلى ورثة المولى فيسلم لهم ثمانية وأربعون وقد نفذنا الوصية في أربعة وعشرين فاستقام الثلث والثلثان وطريق الجبر السبيل أن نأخذ مالا مجهولا وتنفذ الوصية في شيء ثم يعود بالميراث من ذلك الشيء إلى المولى خمسة أسهم من أربعة وعشرين في يد ورثة المولى مالا إلا تسعة عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من شيء يعدل ذلك شيئين وبعد الجبر والمقابلة المال يعدل شيئين وتسعة عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من شيء فقد انكسر بجزء من أربعة وعشرين جزءا فالسبيل أن نضرب شيئين وتسعة عشر جزءا في أربعة وعشرين فيكون ذلك سبعة وستين فظهر أن المال صار على سبعة وستين سهما، ومعرفة الوصية أنا نفذنا الوصية في شيء وضربنا كل شيء في أربعة وعشرين فظهر أن تنفيذ الوصية كان في أربعة وعشرين من سبعة وستين وإن جعلت السهم الدائر من جهة العبد فالسبيل فيه أن يؤدي من الثلثمائة سعاية العبد مائتي درهم يبقى مائة فهو مال العبد وميراث فيما بين ورثته على أربعة وعشرين سهما للمولى خمسة أسهم بالميراث ثم يرجع إلى العبد بثلث ذلك بالوصية وهو سهم وثلثا سهم فيطرح ذلك من حق العبد فيصير مال العبد وهو مائة درهم على اثنين وعشرين وثلث(29/59)
سهم والمائتان اللتان للمولى ضعف ذلك وذلك أربعة وأربعون وثلثان فالكل إذا سبعة وستون ثم أدفع إلى المولى من ذلك من مال العبد خمسة(29/60)
ص -29- ... أسهم ثم يرجع من هذه الخمسة سهم وثلثان إلى العبد بالوصية فيصير تسعة عشر للمرأة ثلاثة أسهم وللابنتين ستة عشر وللمولى ثمانية وأربعون مثلا ما كان للعبد وصية. وعلى طريق الجبر نقول السبيل فيه أن نجعل للعبد مالا ثم ندفع إلى المولى منه بالميراث خمسة أشياء ثم يرجع بالوصية شيء وثلثا شيء فيصير للعبد مال إلا ثلاثة أشياء وثلث شيء وذلك يعدل تسعة عشر شيئا لأنا قد جعلنا للمولى خمسة أشياء فحاجة الابنتين والمرأة إلى تسعة عشر فأجبر ذلك بثلاثة أشياء وثلث شيء وزد على ما يعد له مثله فظهر أن المال الكامل يعدل اثنين وعشرين وثلثا فقد انكسر بأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون سبعة وستين فلما صار المال اثنين وعشرين وثلثا وقد جعلنا الميراث للمولى خمسة ثم يسترجع بالوصية سهم وثلثا سهم صارت تسعة عشر للمرأة ثلاثة وللابنتين ستة عشر فكان مستقيما.(29/61)
وإذا أعتق الرجل عبده عند الموت ولا مال له غيره وقيمته ثلاثمائة درهم فأدى العبد مائة إلى المولى فأكلها ثم مات العبد وترك ثلاثمائة وترك ابنته ومولاه فللمولى من ذلك مائة درهم بالسعاية ومائة بالميراث وإنما صار هكذا لأن مائتي درهم من مال العبد مدفوع إلى المولى فإن العبد قد أدى مائة درهم وإنما بقي عليه من سعايته مائتان فإذا أدينا إلى المولى مائتين بقي مال العبد مائة بين المولى والابنة نصفان للمولى نصف ذلك فيكون حاصل مال المولى مائتين وخمسين فاجعل ذلك على ستة أسهم لحاجتنا إلى ثلاثة تنقسم نصفين ثم تنفذ الوصية في سهمين ويرجع إلى المولى بالميراث سهم فيزداد ماله سهم وهو السهم الدائر فيطرح من أصل حق ورثة المولى سهما فيصير ماله على خمسة للعبد سهمان ثم يرجع سهم بالميراث إلى المولى فيسلم لورثة المولى أربعة وقد نفذنا الوصية في سهمين فاستقام الثلث والثلثان فظهر أن وصية العبد خمسا مائتين وخمسين وذلك مائة درهم فإذا نفذنا الوصية له في مائة وخمسين ثم يرجع إليه بالميراث خمسون فيصير لورثته مائتان مثل ما نفذنا فيه الوصية ويبقى للابنة مائة وعلى طريق الجبر السبيل أن تجبر الوصية في شيء ثم يرجع إلى المولى نصفه بالميراث فيصير للمولى مالا إلا نصف شيء يعدل شيئين وبعد الجبر مالا يعدل شيئين ونصفا فأضعفه للكسر بالنصف فيصير خمسة والشيء يصير شيئين فظهر أنا نفذنا الوصية في خمسى مال المولى وذلك مائتان وخمسون كما بينا، وإن أردت أن تطرح سهم الدور من مال العبد فالسبيل أن تقول يدفع إلى المولى من الثلثمائة ثلث المائتين وهو مائة وثلاثة وثلاثون وثلث لأن العبد قد أدى المائة وإنما بقيت الوصية في رقبته بقدر مائتين فيدفع إلى المولى ثلثا ذلك ويبقى مال العبد مائة وستة وستون فيكون ذلك نصفين بين الابنة والمولى فاجعل كل نصف على ثلاثة أسهم ثم اطرح من نصيب العبد سهما فيصير مال العبد خمسة للمولى ثلاثة ولابنة العبد سهمان، ثم يرجع(29/62)
إليها سهم بالوصية فيكون ثلاثة مثل ما كان للمولى بالميراث ويخرج مستقيما على طريق الجبر أيضا إذا تأملت، ولو كان العبد أعطى المولى مائتي درهم والمسألة بحالها فأكلها المولى فللمولى من هذه الثلثمائة عشرون درهما بالسعاية ومائة وأربعون(29/63)
ص -30- ... بالميراث لأنا نجعل مال المولى ومال المولى مائة يأخذه بطريق السعاية ونصف ما بقي من مال العبد بالميراث وذلك مائتان ثم نجعل ذلك على ستة لحاجتنا إلى ثلاثة تنقسم نصفين ثم نطرح من نصيب المولى سهما كما ذكرنا فيصير مال المولى على خمسة خمسا ذلك للعبد بطريق الوصية وخمسا المائتين ثمانون درهما فظهر أن وصيته ثمانون وأن الباقي عليه من السعاية بقدر عشرين درهما ندفع من الثلثمائة عشرين درهما إلى ورثة المولى بالسعاية يبقى مائتان بين المولى والابنة نصفين فيحصل لورثة المولى بالميراث مائة وأربعون وبالسعاية عشرون فذلك مائة وستون وقد نفذنا الوصية في ثمانين فيستقيم الثلث والثلثان وإن جعلت السهم الساقط من مال العبد قلت قد أدى العبد مائتين فإنما تثبت الوصية في رقبته بقدر مائة فيدفع إلى المولى ثلثا المائة وذلك ستة وستون وثلثان يبقى مال العبد مائتان وثلاثة وثلاثون وثلث فاجعل ذلك على ستة ثم أطرح من نصيب العبد سهما واقسم على خمسة ثلاثة للمولى وسهمان للابنة ثم يعود إليها سهم بالوصية فيسلم لها ثلاثة مثل ما سلم للمولى بالميراث.
ولو كان العبد أعطى مولاه ثلاثمائة درهم فأكلها ثم مات وترك ثلاثمائة وابنته ومولاه فلا سعاية له على العبد ولا يحتسب بشيء مما أكل المولى وإنما مال المولى ما يرثه من العبد وذلك مائة وخمسون فاجعل ذلك على خمسة بعد طرح السهم الدائر فللعبد خمسا ذلك بطريق الوصية وذلك ستون درهما ثم يعود إلى المولى نصف ذلك بالميراث وهو ثلاثون فإنما يسلم لورثة المولى مائة وعشرون درهما وذلك خمسا الثلثمائة في الحاصل ويسلم للابنة مائة وثمانون وقد سلم للمولى مثل ذلك لأنا نفذنا وصيته في شيئين وقد سلم لورثته مائة وعشرون فاستقامت القسمة.(29/64)
ولو كان العبد أدى إلى المولى خمسمائة فأنفقها المولى على نفسه ثم مات العبد وترك خمسمائة وابنته ومولاه ثم مات المولى فللمولى من ذلك مائة وعشرون درهما وللابنة ما بقي لأن المولى في الحاصل لم يترك شيئا سوى ما ورث من العبد وميراثه منه مائتان وخمسون إلا أنه يقضي من ماله دينه أولا وذلك مائتا درهم لأن حقه قبل العبد في ثلاثمائة وقد استوفى منه خمسمائة فالمائتان دين عليه، فإن قضى الدين بقي للمولى خمسون وقد ظهر للعبد زيادة مال وهو مائتا درهم الذي استوفاه بالدين فيكون نصف ذلك للمولى بالميراث وهو مائة درهم فصار مال المولى في الحاصل مائة وخمسين ثم نجعل ذلك على ستة أسهم وبعد طرح السهم الدائر على خمسة للعبد خمسا ذلك بطريق الوصية وخمسامائة وخمسين يكون شيئين فظهر أن وصية العبد ستون ثم يرجع إلى المولى بالميراث نصف ذلك وهو ثلاثون فيصير في يد وارث المولى مائة وعشرون وقد نفذنا الوصية في شيئين فكان مستقيما.
وإن اعتبرت الميراث قلت أنه قد ورث في الميراث ثلاثمائة وثمانين مرة مائتين وخمسين ومرة مائة ومرة ثلاثين فذلك ثلاثمائة وثمانون وللابنة مثل ذلك فكان العبد مات في الحاصل عن سبعمائة وستين لأنه مات وفي يده خمسمائة وقد سلم له مائتان باقتضاء الدين وستون(29/65)
ص -31- ... بالوصية فذلك سبعمائة وستون بين الابنة والمولى نصفين لكل واحد منهم ثلاثمائة وثمانون.
ولو أعتقه عند موته وقيمته ثلاثمائة درهم ثم مات العبد وترك ألف درهم وابنا يحرز ميراثه ثم مات بن العبد وترك ابنة ثم مات المولى فللمولى من الألف أربعون درهما بالسعاية ونصف ما بقي بالميراث فيجتمع له خمسمائة وعشرون درهما وقد نفذنا الوصية للعبد في مائتين وستين لأن العبد لما مات عن بن فلا شيء للمولى من ميراثه ثم مات الابن عن ابنة فيكون ميراثه بين الابنة والمولى نصفين، وحكم هذه المسألة حكم ما تقدم فيما إذا مات العبد وترك ألف درهم وابنة سواء لأن نصف المال يرجع إلى المولى في الفصلين والله أعلم.
باب عتق أحد العبدين
قال رحمه الله: وإذا أعتق عبدين له عند الموت قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة ولا مال له غيرهما فمات أحدهما وترك ألف درهم اكتسبها بعد العتق ولا وارث له غير المولى ثم مات المولى وبقي العبد الآخر ولم يسع بشيء فعليه سعاية في أربعين درهما وميراثه تسعمائة وستون" لأن مال المولى رقبة الحي وهي ثلاثمائة وتركة الميت هي ألف فإنه إن مات حرا فلا وارث له غير المولى وإن مات عبدا فكسبه للمولى ولأن بعض هذا المال للمولى بطريق اقتضاء دين السعاية وبعضه بطريق الميراث ثم نجعل ذلك كله على ستة لحاجتنا إلى ثلث ينقسم نصفين بين العبدين ثم السهم الذي هو للميت يعود إلى المولى بالميراث فيزداد حقه بسهم وهو الدائر فيطرح ذلك من أصل حقه وهو أربعة فتتراجع السهام إلى خمسة للعبدين سهمان لكل واحد منهما سهم وخمس الألف وثلاثمائة مائتان وستون فيسلم للحي من رقبته هذا المقدار ويسعى في أربعين درهما فيصير في يد وارث المولى ألف وأربعون درهما وقد سلم للميت بالوصية أيضا مائتان وستون فحصل تنفيذ الوصية لهما في خمسمائة وعشرين وسلم لورثة المولى ضعف ذلك فكان مستقيما.(29/66)
وطريقة أخرى فيه أن أصل الفريضة من ستة لكل عبد سهم ولورثة المولى أربعة ثم مات أحد العبدين مستوفيا لوصيته فاطرح سهمه يبقى خمسة للعبد الباقي سهم واحد وللورثة أربعة فصار المال ألفا وثلاثمائة فإذا قسمتها على خمسة كان للحي سهم واحد وهو مائتان وستون وللورثة أربعة، وقد تبين أن الميت كان مستوفيا لوصيته مائتين وستين فيكون جميع مال المولى ألفا وخمسمائة وستين بأن تضم مائتين وستين إلى الثلثمائة الباقية تنفذ الوصية لهما في ثلث ذلك خمسمائة وعشرون ويسلم لورثة المولى ألف وأربعون.
ولو أعتق عبدين عند الموت قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة فمات أحدهما وترك مائة درهم وترك ابنته ومولاه ثم مات المولى فالمائة كلها للمولى بالسعاية ويسعى الحي في مائتين وعشرين درهما لأن مال المولى هنا أربعمائة فإن رقبة الباقي ثلاثمائة والمائة التي تركها الميت كلها مال المولى باعتبار السعاية لأن ثلثه فوق هذا المقدار والدين مقدم على الميراث ثم هذه الأربعمائة تقسم على خمسة لما بينا أن أصل الفريضة من ستة يطرح نصيب الميت ويبقى(29/67)
ص -32- ... خمسة فإنما للعبد الباقي خمس أربعمائة وذلك ثمانون درهما وقد تبين أن الآخر مستوف بالوصية مثل ذلك فيكون جملة ماله أربعمائة وثمانين الثلث من ذلك مائة وستون بين العبدين لكل واحد منهما ثمانون والثلثان ثلاثمائة وعشرون وقد أخذ وارث المولى مائة درهم فيسعى الحي لهم في مائتين وعشرين درهما حتى يصل إلى كل واحد منهما كمال حقه.
ولو كان العبد الميت ترك مائة وخمسين درهما أخذ المولى مائة منها بالسعاية ومائة وخمسة وتسعين درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ونصف الباقي سبعة وعشرون درهما وثلاثة أجزاء بالميراث ويسعى الحي في مائة وخمسة وتسعين جزءا وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم لأن الميت لو ترك زيادة على قيمته كان نصف تلك الزيادة للابنة ونصفه للميت بالميراث فإذا كان فيما ترك نقصان عن قيمته نجعل ذلك النقصان عليهما أيضا والنقصان بقدر خمسين فخمسة وعشرون من ذلك على الابنة فيكون مال الميت في الحاصل خمسمائة وخمسة وسبعين ثلاثمائة قيمة الحي ومائتان وخمسون تركة الميت يستوفيه بطريق السعاية إلى أن تتبين وصيته وخمسة وعشرون مما يسلم للابنة إذ نفذنا الوصية لأن ذلك القدر محسوب عليها، فإذا عرفنا مقدار ماله قلنا السبيل أن يكون ماله على ستة إلا أن السهم الذي هو نصيب الميت يعود نصفه إلى المولى بالميراث فينكسر بالإنصاف فنجعله على اثنى عشر ثمانية من ذلك لورثة المولى ولكل واحد من العبدين سهمان ثم أحد السهمين من نصيب الميت يعود إلى المولى وهو السهم الدائر فنطرح ذلك من أصل حق الورثة يبقى أحد عشر لورثة المولى سبعة ولكل عبد سهمان ثم يعود سهم من نصيب الميت إلى ورثة المولى فيسلم لهم ثمانية وقد نفذنا الوصية في أربعة فكان مستقيما فتبين أن نصيب الحي سهمان من أحد عشر من مال المولى وماله خمسمائة وسبعون، فإذا قسمت ذلك على أحد عشر كان كل سهم من ذلك اثنين وخمسين وثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم وقد سلم(29/68)
للميت بالوصية مثل ذلك، فإذا جمعت بين ما سلم لهما بالوصية وبين ما وصل إلى الورثة بالسعاية والميراث استقام الثلث والثلثان، وإذا تبين أنه كان على الميت السعاية في مائة وخمسة وتسعين وخمسة أجزاء يأخذ المولى ذلك من تركته يبقى من تركته أربعة وخمسون وستة أجزاء نصف ذلك للابنة ونصفه للمولى بالميراث وذلك سبعة وعشرون درهما وثلاثة أجزاء.
فإن قيل: لا يجوز أن يعتبر نقصان تركته عن قيمته بالزيادة لأن في الزيادة حقا للمولى والابنة جميعا لو وجدت وضررا بانعدامها يكون عليهما فأما إلى تمام القيمة حق المولى إذا وجد لما بينا أنه تعتبر السعاية في كمال قيمته فلا يجوز أن يجعل شيء من نقصان ذلك على الابنة بل يكون كله على المولى فإنما يبقى ماله خمسمائة وخمسين.
قلنا: هو في الصورة كذلك فأما في الحقيقة هذا النقصان من حقهما لأنا نعلم أنا نسلم الميت بالوصية هذا القدر وزيادة وما يسلم له بالوصية يكون ميراثا بين الابنة والمولى نصفين فلهذا جعلنا الجبران بذلك النقصان عليهما.(29/69)
ص -33- ... ولو ترك العبد ثلاثمائة درهم وترك ابنته ومولاه فإن قيمة الحي والميت تقسم على أحد عشر سهما لأن مال المولى هنا ستمائة فإن الميت خلف ثلاثمائة وذلك كأنه للمولى بسعايته لجواز أن يظهر عليه دين محيط وقيمة الحي أيضا ثلاثمائة فذلك ستمائة وهي مقسومة على أحد عشر سهما لما بينا أنه يطرح السهم الدائر من اثنى عشر وهو الذي يعود إلى المولى بالميراث من نصيب السعاية إذا قسمنا على احد عشر سهما قلنا: يسلم للحي سهمان من أحد عشر سهما من ستمائة فيسعى فيما بقي ويسلم للميت مثل ذلك بالوصية من تركته ويأخذ ما وراء ذلك ورثة المولى بالسعاية ثم يعود إليهم نصف ما سلم للميت بالوصية فيحصل لهم ثمانية أسهم وقد نفذنا الوصية في أربعة فاستقام الثلث والثلثان، فإذا ظهر التخريج من حيث السهام فالتخريج من حيث الدراهم سهل.
وعلى طريق الجبر نقول: يسلم لكل واحد من العبدين بالوصية ثلثي الذي كان وصية للميت يعود نصفه بالميراث إلى ورثة المولى فتصير في أيديهم ستمائة الأشياء ونصف شيء ثم يعدل ذلك أربعة أشياء فأجبر بشيء ونصف شيء وزد على ما يقول مثله فظهر أن الستمائة تعدل خمسة أشياء ونصفا وقد انكسر بالإنصاف فأضعفه فيكون أحد عشر فظهر أن الستمائة الذي هو مال المولى يعدل أحد عشر وأن الوصية لكل عبد من ذلك سهمان كما بينا.(29/70)
وإذا كان للرجل ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم اثنان منهم مدبران فأعتق أحدهم في صحته ثم مات أحد المدبرين قبل السعاية فإنه يعتق من المدبر الباقي الثلث وخمس ما بقي ويسعى في أربعة أعشار قيمته ويسعى الآخر في ثلثي قيمته لأن العتق المنفذ في صحته يشيع فيهم جميعا بالموت فيعتق من كل واحد سهم ومال المولى عند الموت ثلثا رقبة كل واحد منهم فيسلم للمدبر ثلث ماله بالوصية بينهما نصفان فيكون ماله على ستة وقد مات أحد المدبرين مستوفيا لوصيته وتوى ما عليه من السعاية فإنما يضرب المدبر الآخر فيما بقي بسهم والورثة بأربعة فيكون مقسوما بينهم على خمسة فقد وقع الكسر مرة بالأثلاث ومرة بالأخماس فالسبيل أن نضرب ثلاثة في خمسة فيكون خمسة عشر فنجعل كل رقبة على خمسة عشر ثم قد سلم لكل واحد منهم بالعتق البات خمسة وبعد موت أحد المدبرين يبقى مال المولى عشرون عشرة من رقبة المدبر القائم وعشرة من رقبة القن فإنما يسلم للمدبر الباقي خمس ذلك وهو أربعة، فإذا سلم له مرة خمسة ومرة أربعة يبقى من رقبته ستة فإنما يسعى هو في ستة أسهم من خمسة عشر سهما من قيمته فإن شئت سميت ذلك خمسي قيمته، وإن شئت سميته أربعة أعشار قيمته ويسعى الآخر في عشرة لأنه لا وصية له فيسلم للورثة ستة عشر سهما ووقد نفذنا الوصية للمدبر القائم في أربعة فظهر أن الميت صار مستوفيا مثل ذلك فحصل تنفيذ الوصية لهما في ثمانية مثل نصف ما سلم للورثة، ولو كان العتق البات في مرضه سعى المدبر في ثلثي قيمته وسعى الآخر في ثمانية أتساع قيمته لأن العتق في المرض وصية بالموت قبل البيان شاع فيهم فإنما يسلم لكل واحد من العبدين ثلثه ولا يزداد حق المدبر بهذا لأنه موصي(29/71)
ص -34- ... له بجميع رقبته فبعد موت المولى يضرب المدبر في الثلث بجميع رقبته والقن بثلث رقبته، فإذا جعلت كل ثلث سهما كان الثلث بينهم على سبعة والثلثان أربعة عشر فذلك أحد وعشرون وقد مات أحد المدبرين مستوفيا لوصيته وتوي ما عليه من السعاية فيضرب كل واحد منهم فيما بقي بسهام حقه الورثة بأربعة عشر والمدبر الباقي بثلاثة والقن بسهم فيكون جملته ثمانية عشر سهما والمال رقبتان كل رقبة على تسعة فقد سلم للمدبر ثلاثة وهو الثلث من رقبته ويسعى في ثلثي قيمته ويسلم للقن سهم وهو تسع رقبته ويسعى في ثمانية أتساع قيمته وتبين أن السالم للمدبر الميت مثل ما سلم للحي فيستقيم الثلث والثلثان.
ولو كان لرجل عبدان فأعتق أحدهما عند الموت ألبتة ثم مات أحدهما قبل السيد ثم مات السيد فإن الباقي منهما يعتق من الثلث لأن الذي مات قبل المولى يخرج من أن يكون مزاحما للآخر في العتق المبهم على ما عرف أن العتق المبهم والطلاق المبهم إنما يتعين في القائم بعد موت أحدهما.
ولو مات السيد أولا ثم مات أحدهما يسعى الباقي في أربعة أخماس قيمته لأن العتق المبهم يشيع فيهما بموت المولى ويكون من الثلث فصار الثلث بينهما نصفين على سهمين ثم مات أحدهما مستوفيا لوصيته وتوى ما عليه من السعاية فإنما يضرب الآخر في رقبته بسهم والورثة فلهذا يسلم له خمس رقبته ويسعى في أربعة أخماس قيمته والله أعلم بالصواب.
باب السلم في المرض(29/72)
قال رحمه الله: الأصل في مسائل هذا الباب أن تبرع المريض بالأجل يكون معتبرا من ثلثه بمنزلة تبرعه بأصل المال بالهبة أو الإبراء" وهذا لأن الحيلولة تقع بين الورثة وبين المال عند موت المريض بسبب الأجل كما تقع الحيلولة بسبب الهبة والإبراء ولأن ما زاد على الثلث حق الورثة وتصرفه في حق الغير بالتأجيل باطل كتصرفه بالإسقاط وأصل إجرائه إذا جمع في تبرعه بين المال والأجل فإنه يقدم في ثلث ماله التبرع بأصل المال حتى إذا استغرق الثلث لم يصح تأجيله في شيء لأن التأجيل تبرع من حيث تأخير المطالبة مع بقاء أصل المال والمحاباة تبرع بأصل المال ولا شك أن التبرع بأصل المال أقوى ولا مزاحمة بين الضعيف والقوي في الثلث إذا عرفنا هذا فنقول إذا سلم المريض مائة درهم في عشرة إكرار حنطة إلى رجل بأجل معلوم ونقد الدراهم ولا مال له غيرها ثم مات قبل حل الأجل والطعام يساوي مائة فالمسلم إليه بالخيار إن شاء عجل ثلثي الطعام فكان الثلث عليه إلى أجله، وإن شاء رد عليهم رأس المال إلا إن شاء الورثة أن يؤخروا عنه الطعام إلى أجله لأن تبرع المريض كان بالأجل فإنما صح في ثلث ماله وعلى المسلم إليه أن يعجل ثلثي الطعام إلا أنه يثبت له الخيار لأنه تغير عليه شرط عقده فإنه ما رضي بأنه يطالب بحكم هذا العقد بشيء من الطعام قبل حل الأجل فإذا توجهت المطالبة عليه به فقد تغير عليه شرط عقده وذلك يثبت الخيار لانعدام تمام الرضى فله أن يفسخ العقد ويرد عليهم رأس المال إلا أن يشاء الورثة أن يؤخروا عنه الطعام(29/73)
ص -35- ... إلى أجل لأنهم إذا نفذوا التأجيل في جميع الطعام فقد سلم له شرط عقده فلا خيار له في الفسخ وإن لم يتخير شيئا حتى مات حل الأجل وبطل الخيار لأنه لم يتغير موجب العقد هنا فإن الأجل يحل بموت المسلم إليه وتتوجه المطالبة بحكم العقد إما لوقوع الاستغناء له عن الأجل أو لأن الدين لما صار في معنى التحول إلى التركة كان بمنزلة العين والعين لا تقبل الأجل وإن كان يموت رب السلم فقد حل الأجل فالطعام حال على المسلم إليه ولا خيار له فيه لأنه لم يتغير عليه شرط عقده.(29/74)
وإن كان السلم يساوي خمسين درهما فمات رب السلم والمسلم إليه حي فهو بالخيار إن شاء رد على الورثة رأس المال كله وأبطل السلم، وإن شاء رد عليهم سدس رأس المال وأدى الطعام كله في الحال لأنه جمع في تبرعه هنا بين الأجل والمال وتبرعه بالمال استغرق الثلث وزاد عليه فلا يصح تبرعه بالأجل في شيء ويسلم للمسلم إليه ثلث المال ثلاثة وثلاثون وثلث يبقى ستة وستون وثلثان فعليه أن يؤدي الطعام في الحال وقيمته خمسون رأس المال ستة عشر وثلثان حتى يسلم للورثة ثلثي المال في الحال وإنما يثبت له الخيار لأنه تغير عليه شرط عقده فإذا اختار الفسخ كان عليه رد جميع رأس المال لأن الوصية بالمحاباة كانت في ضمن العقد فلا تبقى بعد انفساخ العقد ولا يقال كان ينبغي أن ينفذ تبرعه في الأجل والمال كل واحد منهما في نصف الثلث فيعطي ثلثي الطعام في الحال وثلث الطعام عليه إلى أجله وتسلم له ثلث الخمسين ويرد ثلث رأس المال في الحال وهو ثلاثة وثلاثون وثلث وهذا لما بينا أن التوزع عليهما بعد ثبوت المساواة بينهما ولا مساواة بين أصل المال والأجل ثم لو جعلنا هكذا فإذا حل الأجل ووجب قضاء ما بقي من الطعام وجب رد نصف المقبوض من رأس المال عليه لأنهم لو لم يردوا ذلك حصل للورثة أكثر من الثلث وذلك ممتنع فإن عقد السلم ينتقض في المردود من رأس المال لفوات القبض فلا يتصور أن يعود العقد فيه بدون التجديد، وعلى هذا لو كان المسلم إليه رجلين فإن الطريق في التخريج واحد ولو أسلم المريض ثلاثين درهما في كر يساوي عشرة ثم مات قبل حل الأجل فالمسلم إليه بالخيار إن شاء نقض السلم وإن شاء رد ثلث رأس المال وأدى الكر كله لما بينا بأن تبرعه بأصل المال في الثلث مقدم وإذا تبرع بقدر عشرين درهما وثلث ماله عشرة، فإذا أدى المسلم إليه الطعام في الحال وقيمته عشرة ورد ثلث رأس المال وهو عشرة حصل للورثة عشرون وقد نفذنا له الوصية في عشرة، وإن اختار فسخ العقد لتغير شرطه رد(29/75)
جميع رأس المال لأن الوصية بالمحاباة كانت في ضمن العقد. ولو كان رأس المال أربعين درهما أدى الكر كله ورد من رأس المال ستة عشر درهما وثلثي درهم حتى يسلم للورثة ثلثا مال الميت ستة وعشرون درهما وثلثا درهم وقد نفذنا الوصية في ثلاثة عشر وثلث لأنه استوفى أربعين ثم رد ستة عشر وثلثين وكرا قيمته عشرة فيبقى السالم له بالوصية ثلاثة عشر وثلث وإن كان رأس المال خمسين درهما رد عليه ثلاثة وعشرين درهما وثلثا يسلم للورثة كر قيمته عشرة وثلاثة وعشرون وثلث(29/76)
ص -36- ... فذلك ثلثا مال الميت وقد نفذنا المحاباة له في ستة عشر وثلثين لأنه سلم له ستة وعشرون وثلثان بكر قيمته عشرة، وإن كان رأس المال مائة درهم رد ستة وخمسين درهما وثلثي درهم فيسلم للورثة هذا مع كر قيمته عشرة فيكون ستة وستين وثلثين وهو ثلثاه مال الميت ويسلم للمسلم إليه ثلاثة وأربعون بكر قيمته عشرة فيكون السالم له من المحاباة ثلاثة وثلاثون وثلث وهو ثلث مال الميت والله أعلم.
باب هبة أحد الزوجين لصاحبه
قال رحمه الله: وإذا وهب المريض لامرأته مائة درهم ولا مال له غيرها فدفعها إليها ثم مات فالهبة باطلة" لأنها بمنزلة الوصية ولا وصية للوارث وهي وارثة ولو ماتت المرأة قبله ولها عصبة ولا مال للمرأة غير هذه المائة فإنه يرد منها إلى ورثة الزوج ستين درهما لبطلان الهبة وعشرين درهما بالميراث لأنها حين ماتت قبله فقد خرجت من أن تكون وارثة له فصح هبته لها من ثلث ماله.
فإن قيل: الهبة في المرض وصية وموت الموصى له قبل الموصى مبطل لوصية صحيحة فكيف يكون مصححا لوصية باطلة.(29/77)
قلنا: الهبة بمنزلة الوصية في أنه تبرع معتبر من الثلث فأما الملك به يحصل بنفس القبض وموت الموصى له قبل الموصى إنما يبطل وصيته لكون التمليك فيها مضافا إلى ما بعد الموت فأما هذه هبة منفذة في الحال فلا تبطل بموتها قبله، ثم وجه تخريج المسألة أن مال الزوج في الأصل مائة درهم وهبته لها صحيح في ثلثها ثم نصف ذلك الثلث يعود بالميراث إلى الزوج فالسبيل أن يجعل المائة على ستة تنفذ الهبة في سهمين، ثم يعود بالميراث أحدهماإلى الزوج فيزداد ماله وهذا هو السهم الدائر فنطرح من أصل حق الورثة سهما يبقى لوارث الزوج ثلاثة وللمرأة سهمان فتكون المائة على خمسة ثم يعود سهم بالميراث إلى وارث الزوج فيسلم له أربعة وقد نفذنا الوصية في سهمين فاستقام فتبين أن بطلان الهبة في ثلاثة أخماس المائة وذلك ستون درهما وتنفيذ الهبة في خمس المائة وذلك أربعون ثم يعود نصفه إلى وارث الزوج وهو عشرون فيحصل له ثمانون درهما وقد نفذنا الهبة في أربعين وتبقى لعصبتها عشرون درهما.
فإن اعتبرت طرح سهم الدور من جانب المرأة فالطريق في ذلك أن نقول ما لها ما نفذت الهبة فيه وهو ثلث المائة نصف ذلك بالميراث يكون للزوج ثم تنفذ لها الوصية في ثلث ذلك لأن ما وصل إليه بالميراث من جملة ماله وفي الثلث والثلثين يعتبر ماله عند موته فصار هذا النصف على هذا ثلاثة والنصف الذي لعصبتها أيضا على ثلاثة ثم يعود سهم من نصيب الزوج إلى عصبتها فيزداد مالها بذلك وهو السهم الدائر فيطرح ذلك من حق عصبتها يبقى حق عصبتها في سهمين وحق الزوج في ثلاثة فذلك خمسة ثم يعود سهم إلى العصبة فيسلم له ثلاثة مثل ما سلم للزوج بالميراث فتبين أن ثلث المائة صار على خمسة والسالم للزوج(29/78)
ص -37- ... خمساه وهو ثلاثة عشر وثلث إذا ضممته إلى ثلثي المال يكون مائتين والسالم للعصبة ثلاثة أخماس ثلث المال وذلك عشرون درهما كل خمس ستة وثلثان، ولو كان وهب لها مائتي درهم والمسألة بحالها رجع إلى ورثة الزوج مائة وعشرون درهما ببطلان الهبة وأربعون بالميراث، ووجه التخريج على الطريق الأول أن المائتين مال الزوج وبعد طرح سهم الزوج يكون على خمسة أسهم كما بينا في المسألة الأولى فتنفذ الهبة في خمسها وذلك ثمانون درهما ويرد على ورثة الزوج ببطلان الهبة ثلاثة أخماسها وذلك مائة وعشرون وبميراث الزوج منها أربعين فيسلم لورثة الزوج مائة وستون وقد نفذنا الهبة في ثمانين فاستقام، وعلى الطريق الآخر ما لها ثلث المائتين وينقسم هذا الثلث بعد طرح سهم الدور من نصيب عصبتها على خمسة فالذي يسلم لعصبتها في الحاصل ثلاثة أخماس ذلك وثلث المائتين ستة وستون وثلثان كل خمس منه ثلاثة عشر وثلث وثلاثة أخماسها أربعون هو لعصبة المرأة وخمساها ستة وعشرون وثلثان لورثة الزوج مع ثلثي المائتين فتكون الجملة مائة وستين، ولو كان وهب لها ثلاثمائة وهي جميع ماله أخذ ورثة الزوج مائة وثمانين ببطلان الهبة وستين بالميراث عنها لأن ماله بعد طرح سهم الدور ينقسم أخماسا فإنما تبطل الهبة في ثلاثة أخماس ثلاثمائة وثلاثة أخماس ثلاثمائة مائة وثمانون التخريج كما بينا، وكذلك على الطريق الآخر يخرج مستقيما.
ولو كان وهب لها خمسمائة وماتت قبله كان لورثة الزوج ثلاثمائة ببطلان الهبة ومائة بالميراث وتخريجه على الطريقين واضح أيضا. وكذلك لو وهب لها ألف درهم والمسألة بحالها فالسالم لورثة الزوج ببطلان الهبة ستمائة وبميراث الزوج منها مائتان وطريق التخريج أن يقسم مال الزوج على خمسة إن طرحت السهم الدائر من جانبه وأن يقسم مال المرأة وهو ثلث الموهوب على خمسة إن طرحت السهم الدائر من جانبها.(29/79)
وإذا وهب المريض لامرأته ألف درهم وله مائة أخرى ولا مال للمرأة غيرها ثم ماتت قبله ولها عصبة ثم مات الزوج فإنه يرد إلى ورثة الزوج عشرين درهما ببطلان الهبة وأربعين درهما بالميراث لأن جميع مال الزوج مائتا درهم فإنما تنفذ هبته في ثلث جميع ماله لأن ثلث الموهوب خاصة، وبعد طرح سهم الدور على الوجه الذي بينا في المسألة الأولى قسمة المائتين على خمسة فإنما تنفذ الهبة لها في خمسي المائتين وذلك ثمانون فعرفنا أن بطلان الهبة في عشرين درهما من المائة الموهوبة لها وأن مالها ثمانون درهما نصفه للزوج بالميراث وهو أربعون درهما ونصفه لعصبتها فجملة ما يسلم لوارث الزوج مائة وستون وقد نفذنا الهبة في ثمانين فاستقام الثلث والثلثان.
ولو ترك الزوج مائة وخمسين درهما سوى المائة الموهوبة لها جازت الهبة في المائة كلها ويرجع بالميراث إلى الزوج خمسون لأن مال الزوج مائتان وخمسون وبعد طرح سهم الدور يكون على خمسة أسهم فإنما تجوز الهبة في الخمسين وذلك مائة درهم مقدار ما وهب ثم(29/80)
ص -38- ... يعود إلى الزوج نصفه بالميراث وذلك خمسون فيسلم لورثة الزوج مائتا درهم وقد نفذنا الهبة في مائة فاستقام.
وكذلك لو ترك أكثر من خمسين ومائة لأنك تنظر إلى خمسي ما ترك مع ما وهب فإن كانت الهبة تخرج من خمسى ذلك سلمت لها الهبة لأنها لم تجاوز ثلث مال الزوج في الحاصل. وإذا وهب المريض لامرأته مائة درهم لا مال له غيرها وللمرأة مائة درهم سوى ذلك ثم ماتت المرأة قبله ثم مات الزوج فإن الهبة تجوز في ستين درهما لأن مال الزوج مائة وخمسون المائة الموهوبة ونصف المائة الأخرى له بالميراث عنها ثم هذه المائة والخمسون تكون مقسومة على خمسة بعد طرح سهم الدور من جانبه فإنما تجوز الهبة في خمسى ذلك وذلك ستون كل خمس ثلاثون ثم يعود إلى الزوج بالميراث ثلاثون فيسلم لورثة الزوج مرة تسعون ومرة ثلاثون فذلك مائة وعشرون وقد نفذنا الهبة في ستين فاستقام، وإن اعتبرت طرح سهم الدور من جانب المرأة قلت مالها مائة وثلاثة وثلاثون وثلث لأن الهبة صحيحة في مقدار الثلث من المائة التي للزوج ثم يقسم مالها بعد طرح سهم الدور من جانبها على خمسة للزوج ثلاثة ولعصبتها سهمان ثم يعود بالوصية إلى العصبة سهم فيسلم له ثلاثة مثل ما سلم للزوج بالميراث فظهر أن السالم للعصبة ثلاثة أخماس مائة وثلاثة وثلاثين وثلث وذلك ثمانون درهما ولوارث الزوج خمسا ذلك ثلاثة وخمسون وثلث فإذا ضممت ذلك إلى ثلثي المائة ستة وستين وثلثين تكون مائة وعشرين فيستقيم التخريج كما بينا في الكتاب، ولو كان لها مائتا درهم سوى ذلك جازت الهبة في ثمانين درهما لأن مال الزوج مائتا درهم فإنه ورث عنها نصف مالها ثم هذه المائتان بعد طرح سهم الدور من جانبه على خمسة فإنما تجوز الهبة في خمسي ذلك وذلك ثمانون ثم يعود نصفه بالميراث إليه وذلك أربعون فيسلم لورثة الزوج مائة وستون وقد نفذنا الهبة في ثمانين فاستقام.(29/81)
ولو كانت للمرأة ثلاثمائة سلمت الهبة لها في جميع المائة لأن الزوج يرث عنها نصف الثلثمائة مائة وخمسين وقد بينا أنه إذا كان له سوى المائة الموهوبة مائة وخمسون جازت الهبة في جميع الهبة بخروجها من الثلث.
وإذا وهب الرجل لامرأته في مرضه مائة درهم لا مال له غيرها وعليه دين خمسون درهما ولا مال للمرأة غيرها ثم ماتت قبله فإنما تجوز الهبة لها في عشرين درهما لأن الدين مقدم على الهبة في المرض فيسترد من المائة خمسين لقضاء الدين بها أولا ويخرج ذلك من ان يكون محسوبا من مال الزوج في حكم الهبة يبقى ماله خمسون درهما وبعد طرح سهم الدور من جانبه تقسم هذه الخمسون أخماسا فتجوز الهبة في خمسها وذلك عشرون ثم يعود نصف العشرين بالميراث إلى الزوج فيسلم لورثته أربعون وقد نفذنا الهبة في عشرين فاستقام.
ولو وهب لها ثمانين درهما لا مال له غيرها ولا دين عليه وعلى المرأة دين عشرة دراهم ثم ماتت قبله ولا مال له غيرها ثم مات الزوج جازت الهبة في ثلاثين درهما لأن مال الزوج(29/82)
ص -39- ... خمسة وسبعون درهما فإنه لو لم يكن عليها دين كان مال الزوج جميع الثمانين، فإذا كان عليها دين عشرة ينتقص من مال الزوج بقدر نصف دينها وهو خمسة وإنما كان كذلك لأن مالها بالميراث يكون نصفين بين الزوج وعصبتها وإنما يقضي دينها من مالها ولو لم يكن عليها دين عشرة كان نصف هذه العشرة للزوج بالميراث، وإذا كان عليها دين عشرة عرفنا أنه ينتقص من مال الزوج بقدر نصف العشرة وهو خمسة ثم هذه الخمسة والسبعون بطرح سهم الدور من جانبه تكون على خمسة أسهم وإنما تنفذ الهبة لها في خمس ذلك وكل خمس خمسة عشر فخمساها وثلاثون فعرفنا أن الهبة تجوز في ثلاثين درهما وتبطل الهبة في خمسين ثم يقضي بعشرة من الثلاثين دينها يبقى عشرون بين الزوج وعصبتها نصفين بالميراث فيسلم لورثة الزوج ستون درهما وقد نفذنا الهبة في ثلاثين فاستقام.
وإذا وهب المريض لامرأته مائة درهم لا مال له غيرها وأوصى لرجل بثلث ماله ثم ماتت المرأة وقد قبضت المائة ثم مات الزوج قسمت المائة على أحد عشر سهما للمرأة منها سهمان وللموصى له سهمان في قياس قول أبي حنيفة لأن من أصله أن لوصية بما زاد على الثلث تبطل عند عدم إجازة الورثة ضربا واستحقاقا فهو إن وهب لها جميع ماله فإنما تضرب هي في الثلث بقدر الثلث، وكذلك الموصى له يضرب بالثلث فيكون الثلث بينهما على سهمين ثم السهم الذي لها ينقسم نصفين فيعود نصفه بالميراث إلى الزوج فانكسر بالإنصاف فأضعفه فيكون الثلث أربعة والثلثان ثمانية فذلك اثنا عشر لأنه يعود بالميراث إلى الزوج أحد سهميها وهو السهم الدائر فيطرح ذلك من أصل حق ورثة الزوج فيعود حقهم إلى سبعة وحق الموصى لهما أربعة فذلك أحد عشر سهما سلم للموصى له بالثلث سهمان وللمرأة سهمان ثم يعود بالميراث أحد السهمين منها إلى الزوج فيسلم لورثة الزوج ثمانية وقد نفذنا الوصية لها في أربعة فاستقام التخريج.(29/83)
وأما على قول أبي يوسف ومحمد قسمة المائة على أحد وعشرين سهما لصاحب الثلث سهمان ولورثة المرأة ستة ثم يرجع ثلاثة منها إلى الزوج بالميراث لأن عندهما الموصى له بالمال يضرب في الثلث بجميع ما أوصى له به فهي تضرب بجميع المال مائة والآخر بثلثها فيكون الثلث بينهما على أربعة أسهم لها ثلاثة وللموصى له بالثلث سهم والثلثان ثمانية فيكون سهام المال اثنى عشر ثم نصف نصيبها وذلك سهم ونصف يعود بالميراث إلى الزوج فيزداد ماله بثلاثة أسهم وهي السهام الدائرة فنطرحها من أصل حق الورثة وذلك ستة عشر فيتراجع حقهم إلى ثلاثة عشر وحق الموصى لهما في ثمانية فذلك أحد وعشرون فلهذا كانت قسمة المائة على أحد وعشرين سهما لها ستة ويعود نصف ذلك وهو ثلاثة إلى الزوج بالميراث فيسلم لورثة الزوج ستة عشر وقد نفذنا الوصية في ثمانية فاستقام الثلث والثلثان.
ولو كانت المرأة هي التي أوصت بثلث مالها لرجل جازت الهبة لها في ثلاثة أسهم من ثمانية لأن مال الزوج وهو مائة درهم يجعل على تسعة أسهم هنا في الأصل لأنه تنفذ الهبة لها(29/84)
ص -40- ... في ثلث ذلك ثم ثلث ذلك الثلث تنفذ فيه وصيتها في سهم من الثلاثة فيبقى سهمان فيعود أحد السهمين إلى الزوج بالميراث، ويزداد ماله بهذا السهم وهو الدائر فنطرح من أصل حق ورثته سهما يبقى حقهم في خمسة وحق المرأة في ثلاثة عشر ونصف ثم تجوز الهبة في ثلاثة أثمانه وذلك سبعة وثلاثون ونصف وتبطل الهبة في خمسة أثمانه وذلك اثنان وستون ونصف ثم تنفذ وصيتها في ثلث مالها اثنى عشر ونصف ويبقى خمسة وعشرون للزوج منها بالميراث نصف ذلك اثنا عشر فيسلم لورثة الزوج خمسة وسبعون وقد نفذنا الهبة في سبعة وثلاثين ونصف فاستقام.
وإذا وهب الرجل لامرأته مائة درهم وهو مريض لا مال له غيرها ولا مال لها غيرها ثم ماتت المرأة قبله وتركت ابنها وزوجها ثم مات الزوج فإن الهبة تجوز لها في أربعة أسهم من أحد عشر سهما لأن تنفيذ الهبة لها في ثلث مال الزوج ثم يصير بين ذلك الزوج والابن على الأربعة فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلاثة أرباعا وأقل ذلك اثنا عشر فإنما تنفذ الهبة لها في أربعة ثم يعود سهم من أربعة إلى الزوج بالميراث وهو السهم الدائر فنطرح ذلك من نصيب ورثة الزوج وهو ثمانية فيبقى حقهم في سبعة وحقها في أربعة فذلك على أحد عشر ثم يعود سهم بالميراث إلى الزوج فيسلم لورثة الزوج ثمانية وقد نفذنا الهبة في أربعة فاستقام وتبين أن صحة الهبة في أربعة أسهم من احد عشر سهما من المائة.(29/85)
ولو تركت زوجها وأختيها قسمت المائة على ثمانية عشر سهما لأن نصيبها وهو الثلث يكون مقسوما بين الزوج والأختين على سبعة للزوج ثلاثة وللأختين أربعة فاصل الفريضة من ستة وتعول بسهم، فإذا صار الثلث على سبعة كان الكل على أحد وعشرين ثم ثلاثة من هذه السبعة نعود بالميراث إلى الزوج وهي السهام الدائرة فنطرحها من أصل حق ورثة الزوج أربعة عشر يبقى لهم أحد عشر ولها سبعة فذلك ثمانية عشر فعرفنا أن المائة تنقسم على ثمانية عشر وأن الهبة إنما تجوز في سبعة ثم يعود إلى ورثة الزوج ثلاثة فيسلم لهم أربعة عشر.
ولو كانت تركت أختيها وأمها وزوجها قسمت المائة على أحد وعشرين لأن نصيبها وهو الثلث بين ورثتها على ثمانية للزوج ثلاثة وللأختين أربعة وللأم سهم، وإذا صار الثلث على ثمانية كان الكل على أربعة وعشرين ثم نعود ثلاثة إلى الزوج بالميراث وهي السهام الدائرة فنطرحه من أصل حق ورثته فيتراجع الحساب إلى أحد وعشرين وعلى هذا القياس ما تركت من الورثة فذكر في الأصل أنها تركت أختين لأب وأم وأختين لأم وزوج والقسمة في هذا الفصل على أربعة وعشرين، ولو تركت أختين لأب وأم وأختين لأم وزوج وأم فالقسمة من سبعة وعشرين والحاصل أنك تصحح فرضيتها فتجعل الثلث على سهام فرضيتها والثلثان ضعف ذلك ثم تطرح من نصيب ورثة الزوج ما يعود إلى الزوج بالميراث منها وتستقيم القسمة على ما بقي.
ولو تركت ابنتها وأبويها وزوجها قسمت المائة على اثنين وأربعين سهما لأن نصيبها وهو(29/86)
ص -41- ... الثلث يكون مقسوما على خمسة عشر سهما والثلثان ثلاثون ثم يعود إلى الزوج بالميراث منها ثلاثة فيطرح من أصل حق ورثته ثلاثة أسهم يبقى لهم سبعة وعشرون ولها خمسة عشر فذلك اثنان وأربعون منه يستقيم التخريج.
ولو وهبت المرأة لزوجها مائة درهم وهي مريضة ولا مال لهما غيرها ثم مات قبلها وهي وارثته مع عصبته ثم ماتت فإنه يجوز له الهبة في أربعة أسهم من أحد عشر سهما من المائة لأنه لما مات قبلها فقد خرج من أن يكون وارثا لها فجازت هبتها له في الثلث ثم هذا الثلث يكون ميراثا بينها وبين عصبة الزوج أرباعا فعرفت أن أصل المائة على اثني عشر سهما لحاجتك إلى ثلث ينقسم أرباعا ثم سهم من نصيب الزوج يعود إليها بالميراث وهو الدائر فيطرح ذلك من سهام ورثتيها يبقى حقهم في سبعة وحق الزوج في أربعة فذلك أحد عشر فإنما نفذنا الهبة للزوج في أربعة من أحد عشر ثم يعود إليها من الميراث سهم من ذلك فيسلم لورثتها ثمانية وقد نفذنا الهبة في أربعة فاستقام.
ولو كان له دار قسمت المائة على ثمانية وعشرين فتجوز الهبة للزوج في ثمانية أسهم من ذلك لأن الثلث الذي هو نصيب الزوج يكون بينها وبين ولد الزوج على ثمانية لها من ذلك الثمن فإذا صار الثلث على ثمانية كان الكل على أربعة وعشرين ثم يعود من الثمانية بالميراث إليها سهم واحد وهو السهم الدائر فيطرح ذلك من سهام ورثتها وهو ستة عشر يبقى لهم خمسة عشر وللزوج ثمانية فذلك ثلاثة وعشرون فتبين أن الهبة إنما صحت للزوج في ثمانية من ثلاثة وعشرين ثم يعود إليها بالميراث سهم فيكون السالم لورثتها ستة عشر ضعف ما نفذنا فيه الهبة.(29/87)
وإذا مرض الزوج وامرأته ولكل واحد منهما مائة درهم فوهب كل واحد منهما مائة لصاحبه فهذه المسألة على ثلاثة أوجه: إما أن تموت المرأة أولا ثم الزوج أو الزوج أولا ثم المرأة أو ماتا معا، فإن كانت المرأة هي التي ماتت أولا ولا ولد لها جازت الهبة لها من مائة الزوج في ستين درهما ولم يجز للزوج من مائتها شيء لأن الزوج ورثها حين ماتت قبله فإنما وهبت لوارثها في مرضها وذلك باطل وأما المرأة فهي لا ترث من الزوج شيئا حيث ماتت قبله فجازت الهبة لها في ثلث مال الزوج ثم الزوج يرث عنها نصف مائتها فيكون ماله في الحاصل مائة وخمسين درهما وبعد طرح سهم الدائر من جانبه تقسم هذه المائة والخمسون على خمسة أسهم وإنما تجوز الهبة لها في خمسي ذلك وذلك ستون درهما ثم يعود بالميراث نصفه إلى الزوج فيسلم لورثته مائة وعشرون وقد نفذنا الهبة في ستين فاستقام. ولو كان الزوج مات أولا لم يجز للمرأة من مائته شيئا لأنها وارثته وجاز له من مائة المرأة خمسة وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم لأن مالها مائتها وربع مائة الزوج يسلم لها بالميراث فذلك مائة وخمسة وعشرون ثم تنفذ الهبة في ثلث ذلك وينقسم ذلك الثلث بينها وبين عصبة الزوج أرباعا فتبين أن مالها في الأصل اثنا عشر سهما تنفذ الهبة في أربعة ثم يعود سهم إليها وهو السهم الدائر فيطرح ذلك من أصل حق ورثتها يبقى لهم سبعة(29/88)
ص -42- ... وللزوج أربعة فذلك أحد عشر فإنما ينقسم مالها على أحد عشر سهما فكل سهم من ذلك يكون أحد عشر وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم كما قال في الكتاب. ولو ماتا معا جاز لها نصف مائته وجاز له نصف مائتها لأن كل واحد منهما لا يرث من صاحبه شيئا حين ماتا معا فتصح الهبة من كل واحد منهما لصاحبه في مقدار الثلث فيكون مال كل واحد منهما في الأصل ثلاثة إلا أن سهما من ثلاثة يعود إلى كل واحد منهما من جهة صاحبه بطريق الوصية وهو الدائر فنطرح من أصل حق وارث كل واحد منهما سهما فيبقى حق وارث كل واحد منهما في سهم وحق الموهوب له في سهم فلهذا قسمنا كل مائة على سهمين فيسلم لوارث كل واحد منهما مائة درهم نصفه ببطلان الهبة ونصفه بالوصية من جهة الآخر وقد نفذنا الهبة في حق كل واحد منهما في خمسين درهما فيستقيم الثلث والثلثان.
وإذا تزوج المريض امرأة على مائة لا مال له غيرها ومهر مثلها خمسون ثم ماتت المرأة ولها عصبة ثم مات الزوج فإن المحاباة لها تجوز في ثلاثين درهما وتبطل في عشرين درهما لأن ما زاد على مقدار مهر المثل محاباة وذلك خمسون درهما فتكون وصية لها من ثلث مال الزوج حيث ماتت قبله ومال الزوج خمسة وسبعون مقدار المحاباة وذلك خمسون ونصف مهر مثلها بميراثه عنها ثم هذه الخمسة وسبعون تجعل على خمسة أسهم بعد طرح سهم الدور من جانب الزوج فإنما تجوز المحاباة لها في خمسي ذلك ثلاثين فيسلم لورثة الزوج خمسة وأربعون ويعود إليهم نصف الثلاثين خمسة عشر بالميراث فيكون جملة ما يسلم لهم ستون وقد عرفنا المحاباة في ثلاثين فاستقام.(29/89)
وإن جعلت طرح سهم الدور من قبل المرأة قلت مالها مهر مثلها وذلك خمسون وثلث الخمسين الأخرى بالوصية فيكون ستة وستين وثلثين بين عصبتها وزوجها نصفين ثم نصيب الزوج يكون على ثلاثة لأن الثلث من ذلك وصية لها ونصيب العصبة أيضا على ثلاثة ثم يعود سهم من نصيب الزوج إلى العصبة فيزداد نصيبه فالسبيل أن نطرح من أصل العصبة سهما فيتراجع إلى خمسة ثلاثة أخماسها للزوج وذلك أربعون درهما وخمساه للعصبة وذلك ستة وعشرون وثلثان ثم يعود إلى العصبة ثلاثة عشر وثلث فيسلم للعصبة أربعون مثل ما سلم للزوج بالميراث وقد نفذنا الوصية لهما مرة في ستة عشر وثلثين ومرة في ثلاثة عشر وثلث فذلك ثلاثون.
وإذا وهب المريض لامرأته مائة درهم فماتت المرأة قبله عن عصبة وعليها دين فإن كان عليها من الدين مثل ثلث المائة أو أكثر فلها من المائة الموهوبة الثلث يقضي منه دينها لأنه لا يعود شيء من ذلك إلى الزوج بالميراث فإن الدين مقدم على الميراث فلا يقع فيه الدور، وإن كان عليها من الدين عشرة دراهم كانت وصيتها ثمانية وثلاثين درهما ونرد على ورثة الزوج بنقص الهبة اثنين وستين درهما لأن مال الزوج خمسة وتسعون فإنه لو لم يكن عليها دين كان جميع المائة مال الزوج وقد بينا أن الدين الذي عليها نصفه مقضى من نصيب العصبة ونصفه(29/90)
ص -43- ... من نصيب الزوج فيجعل نصف العشرة كأنه على الزوج ثم هذه الخمسة والتسعون تجعل على خمسة أسهم بعد طرح سهم الدور من جانب الزوج فإنما تجوز الهبة في خمسة وذلك ثمانية وثلاثون يقضي بعشرة من ذلك دينها ويبقى ثمانية وعشرون بين الزوج والعصبة نصفين فيعود إلى ورثة الزوج أربعة عشر وقد كان وصل إليهم بنقص الهبة اثنان وستون فيكون ذلك ستة وسبعين مثل ما نفذ ما فيه الهبة وإن كان عليها دين عشرون درهما كانت الوصية ستة وثلاثين ونرد على ورثة الزوج أربعة وستين لأن نصف الدين وهو عشرة في المعنى كأنه على الزوج فيبقى ماله تسعون درهما وإنما تنفذ الهبة في خمسي ذلك بعد طرح سهم الدور وذلك ستة وثلاثون ثم يقضي بعشرين من ذلك دينها يبقى ستة عشر للزوج نصف ذلك وهو ثمانية وقد عاد إليه بنقص الهبة أربعة وستون فذلك اثنان وسبعون مثل ما نفذنا فيه الهبة والله أعلم بالصواب.
باب الرجل يهب العبد في مرضه فيجني على سيده أو غيره
قال رحمه الله: وإذا وهب المريض عبدا لرجل لا مال له غيره وقيمته ألف درهم فقتل العبد رجلا خطأ ثم مات المولى فإنه يرد ثلثيه إلى ورثة المولى" لأن الهبة في المرض بمنزلة الوصية فلا تنفذ في أكثر من الثلث وبعد رد الثلثين إلى ورثة المولى بقي العبد كله مشغولا بالجناية فيقال لهم وللموهوب له: ادفعوه أو افدوه أي ذلك فعلوا رجع ورثة المولى على الموهوب له بثلثي قيمته لأن ثلثي العبد استحق من يدهم بجناية كانت عند الموهوب له وقد كان الموهوب له قبضة لنفسه على وجه التملك فكان مضمونا عليه فإذا لم يسلم الرد جعل كأنه هلك في يده فترجع ورثة المولى عليه بثلثي قيمته وقد كانوا يستفيدون البراة بدفعه فكانوا مختارين في التزامه الزيادة باختيار الفداء فلا يرجعون إلا بالأقل بمنزلة العبد المغصوب يجني ثم يرده الغاصب على المغصوب منه فيدفعه بالجناية أو يفديه.(29/91)
ولو أعتقه الموهوب له قبل أن يرد ثلثيه إلى الورثة نفذ عتقه لأنه تملك العبد كله بالقبض فبقي ملكه ما بقي القبض وأن وجوب رد الثلثين على الورثة لفساد الهبة فيه واشتغاله بحق ولي الجناية لا يمنع نفوذ عتق المولى فيه، ثم إن كان يعلم بالجناية فعليه كمال الدية لولي الجناية وثلثا قيمته لورثة المولى لأن رد الثلثين عليهم كان مستحقا على الموهوب له وقد تعذر الرد بإعتاقه فعليه رد ثلثي قيمته وإن لم يعلم بالجناية فعليه قيمته لولي الجناية لأن ملكه تقرر في جميعه وقد صار مستهلكا رقبته على رد الجناية على وجه لم يصر مختارا فيجب عليه قيمته لولي الجناية وثلثا قيمته لورثة المولى لما بينا.
ولو كان العبد قتل الواهب قيل للموهوب له ادفعه إلى ورثة المولى أو افده فإن اختار الدفع دفعه كله فيكون نصفه بالجناية ونصفه لهم بنقض الهبة لأن الهبة إنما تصح في ثلث العبد ثم يدفع ذلك الثلث بالجناية فيزداد مال الواهب بسهم فنطرح من أصل حق ورثة الواهب سهما يبقى له سهم وللموهوب له سهم فكان العبد سهمين تجوز الهبة في أحدهما، ثم يدفع(29/92)
ص -44- ... ذلك بالجناية فيسلم لورثة الواهب سهمان وقد نفذنا الوصية في سهم فاستقام الثلث والثلثان، وظهر بهذا أن الميت إنما ترك عبدا ونصف عبد في الحكم فثلث ذلك يكون نصف عبد فلهذا جوزنا الهبة في نصف عبد وهي مسألة كتاب الهبة.
وإن اختار الفداء جازت الهبة في جميع العبد لأنه يفديه بالدية عشرة آلاف فيكون مال الواهب أحد عشر ألفا وقيمة العبد ألف درهم وهو دون الثلث فلهذا جازت الهبة في جميعه فإن أعتقه بعد ما قتل المولى فإن كان يعلم بالجناية كان مختارا للفداء فيغرم عشرة آلاف وتبين أن الهبة صحت في جميعه، وإن لم يعلم فعليه قيمته وثلث قيمته للورثة لأن ملكه تقرر فيه بالإعتاق فكان عليه قيمته باستهلاك العبد الموهوب وقيمته بالجناية لأنه صار مستهلكا رقبته على ولي الجناية فتبين أن مال الميت قيمتان فإنما تجوز الهبة في ثلث ذلك فيسلم له ثلثا قيمته وثلث قيمته للورثة.
فإن قيل: لما غرم قيمته بالاستهلاك قامت القيمة مقام العين وقد بينا أن العبد لو كان باقيا كان يدفعه النصف بالجناية والنصف بنقض الهبة ولا شيء عليه سوى ذلك بعد الإعتاق وهذا لأنه لما كان لا يسلم لورثة الواهب بالجناية إلا نصف العبد فهو بالإعتاق ما أتلف عليهم إلا ذلك النصف فيكون الواجب عليه قيمة ونصف يسلم له بالهبة ثلث ذلك ويغرم قيمة واحدة.
قلنا: عند قيام العبد ما يرد منه بنقض الهبة يعود إلى ملك الواهب فيبطل حكم الجناية فيه لأن جناية المملوك على مالكه هدر وهذا المعنى لا يوجد بعد الإعتاق لأن برد القيمة لا يعود شيء من العبد إلى ملك الواهب فلا يتبين أن الجناية كانت من المملوك على مالكه في شيء من العبد فوجب اعتبار الجناية كلها وتبين أن حق الأولياء في قيمة كاملة بسبب الجناية فلهذا كان التخريج كما بينا.(29/93)
ولو قتل الواهب ولم يعتقه الموهوب له وقيمته أكثر من ألف فإن اختار الدفع فالجواب على ما بينا أنه يدفع العبد كله نصفه بالجناية ونصفه بنقض الهبة وحكم الدفع لا يختلف بقلة قيمته وكثرة قيمته إذا لم يجاوز عشرة آلاف درهم، وإن اختار الفداء فإن كانت قيمته خمسة آلاف فداه بالدية وجازت الهبة في جميعه لأن مال الواهب عند اختيار الفداء خمسة عشر ألفا العبد وقيمته خمسة آلاف والدية وهي عشرة آلاف فتبين أن العبد خارج من ثلث ماله فلهذا جازت الهبة في جميعه، فإن كانت قيمته ستة آلاف واختاره الموهوب له رد إلى ورثة الواهب ربعه وجازت الهبة في ثلاثة أرباعه يفديه بثلاثة أرباع الدية لأن العبد في الأصل يكون على ثلاثة أسهم تنفذ الهبة في سهم ثم يفدي ذلك السهم بمثله ومثل ثلثه لأن الدية من قيمة العبد مثله ومثل ثلثه فإنما يفدى كل سهم من العبد بمثله ومثل ثلثه ويزداد مال الواهب بذلك القدر فيطرح من أصل حق ورثة الواهب بسهم وثلثي سهم يبقى لهم ثلث سهم وللموهوب له سهم فاجعل كل ثلاثة سهما فيصير العبد على أربعة ثلاثة للموهوب له وسهم لورثة الواهب بنقض الهبة ثم يفدى الموهوب له هذه الثلاثة بمثله ومثل ثلثه وذلك خمسة أسهم فيسلم(29/94)
ص -45- ... لورثة الواهب ستة وقد نفذنا الهبة في ثلاثة فيستقيم الثلث والثلثان ومحمد رحمه الله يذكر طريقة أخرى بعد هذا فيقول السبيل أن يجعل كل ألف على ثلاثة أسهم فقيمة العبد تكون ثمانية عشر سهما والدية ثلاثون سهما ثم تجوز الهبة في ثلث العبد فيفديه بثلث الدية وذلك عشرة زيادة تظهر في جانب ورثة الواهب فتطرح من أصل نصيبهم في العبد وهو اثنا عشر عشرة يبقى حقهم في سهمين وحق الموهوب له في ستة فتبين أن العبد كان على ثمانية فإن الهبة إنما تجوز في ستة من ثمانية وهو ثلاثة أرباعه تخريجه من حيث الدراهم أن قيمة ثلاثة أرباع العبد أربعة آلاف درهم وخمسمائة، فإذا جوزنا الهبة في ثلاثة أرباعه وفداه بثلاثة أرباع الدية فذلك سبعة آلاف وخمسمائة يسلم لورثة الواهب مع هذا ربع العبد وقيمته ألف وخمسمائة فيكون جملة ما يسلم لهم تسعة آلاف وقد نفذنا الهبة في أربعة آلاف وخمسمائة فاستقام وقع في بعض النسخ، وقيل للموهوب له: ادفع ثلاثة أرباعه أو افده بثلاثة أرباع الدية وهذا غلط والصحيح أنه عند الدفع يدفع العبد كله نصفه بالجناية ونصفه ببعض الهبة هكذا ذكر في بعض نسخ هذا الكتاب. وفي كتاب الدور أيضا فإن كانت قيمته ثمانية آلاف واختار الموهوب له الفداء رد ثلاثة أسباعه إلى الورثة ويفدي أربعة أسباعه بأربعة أسباع الدية لأنا نجوز الهبة في ثلث العبد سهما من ثلاثة ثم يفدى ذلك بسهم وربع لأن الدية من القيمة كذلك فيزداد مال الواهب بهذا القدر فيطرح من أصل حق ورثته سهم وربع يبقى لهم ثلاثة أرباع سهم وللموهوب له سهم فقد انكسر بالأرباع فنضرب سهما وثلاثة أرباع في أربعة فيكون سبعة للموهوب له أربعة ولورثة الواهب ثلاثة فتبين أن الهبة تبطل في ثلاثة أسباع العبد وتكون في أربعة أسباعه ثم يفدى ذلك بمثله ومثل ربعه وهو خمسة أسهم فيحصل لورثة الواهب ثمانية أسهم وقد نفذنا الهبة في أربعة فاستقام، وعلى طريق الثاني يخرج مستقيما على نحو ما بينا.(29/95)
وكذلك طريق الحساب فإن على طريق الدينار والدرهم يعدي ما يجوز فيه الهبة وهو الدينار بمثله ومثل ربعه، وعلى طريق الجبر يفدي الشيء الذي تجوز فيه الهبة بشيء وربع شيء ثم التخريج واضح عند التأمل، وإن كانت قيمته عشرة آلاف فلا فرق هنا بين اختيار الدفع والفداء لأن القيمة مثل الدية فيرد نصفه إلى الورثة بنقض الهبة ويدفع نصفه بالجناية أو يفديه بنصف الدية وإن كانت قيمته خمسة عشر ألفا رد أربعة أسباعه إلى الورثة وقيل له ادفع ثلاثة أسباعه أو افدها بثلاثة أسباع الدية أما عند اختيار الفداء فالجواب صحيح لأنا نجوز الهبة في سهم من ثلاثة ثم نفدي ذلك السهم بثلثي سهم لأن الدية من القيمة مثل ثلثيه فيزداد مال الواهب بذلك القدر فنطرح من أصل حق الورثة ثلثي سهم يبقى لهم سهم وثلث وللموهوب له سهم فقد انكسر بالأثلاث فنضرب سهمين وثلثا في ثلاثة فيكون سبعة حق الورثة في أربعة وحق الموهوب له في ثلاثة ثم نفدي هذه الثلاثة بسهمين من الدية فيسلم لورثة الواهب ستة وقد نفذنا الهبة في ثلاثة فكان مستقيما، وأما عند اختيار الدفع فما ذكره في المختصر غلط، والصحيح ما ذكره في بعض نسخ الأصل قال تدفعه على ما فسرت لك يعني(29/96)
ص -46- ... أن حكم الدفع لا يختلف بقلة القيمة وكثرة القيمة فيدفع العبد كله نصفه بنقض الهبة ونصفه بالدفع بالجناية، وإن كانت قيمته عشرين ألفا واختار الفداء رد ثلاثة أخماسه إلى الورثة وفدى خمسة بخمس الدية لأن الهبة تجوز في سهم من ثلاثة ثم يفدى ذلك بنصف سهم لأن الدية من القيمة هكذا فيزداد مال الواهب بنصف سهم فيطرح من أصل حق ورثته نصف سهم يبقى لهم سهم ونصف للموهوب له سهم فأضعفه بالكسر بالنصف فيكون خمسة تبطل الهبة في ثلاثة أخماسه وقيمة ذلك اثنا عشر ألفا وتجوز في خمسي قيمته ثمانية آلاف ثم يفديه بخمسي الدية وهو أربعة آلاف يسلم لورثة الواهب ستة عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في ثمانية آلاف، فإن كانت قيمته ثلاثين ألفا رد خمسة أثمان العبد على الورثة وفدى ثلاثة أثمانه بثلاثة أثمان الدية لأن الهبة تجوز في سهم من ثلاثة ثم يفدى ذلك السهم بثلث سهم لأن الدية من القيمة هكذا فيزداد مال الواهب بثلث سهم فإذا طرحنا ذلك من حق الورثة يتراجع العبد إلى ثلثين وسهمين فيضرب ذلك في ثلاثة فيكون ثمانية للموهوب له ثلاثة ولورثة الواهب خمسة ثم يفدى هذه الثلاثة بمثل ثلاثة وهو سهم له واحد فيسلم لورثة الواهب ستة وقد نفذنا الهبة في ثلاثة، وإن كانت قيمته خمسين ألفا رد على الورثة أربعة أسباع ونصف سبع وتجوز الهبة في سبعين ونصف فيفدي ذلك بسبعي الدية ونصف سبع لأنا جوزنا الهبة في سهم من ثلاثة ثم يفدى ذلك بخمس سهم فيزداد مال الواهب بهذا القدر، فإذا طرحنا ذلك من حق الورثة يتراجع العبد إلى سهمين وأربعة أخماس فيضرب ذلك في خمسة فيكون أربعة عشر حق الورثة في تسعة وحق الموهوب له في ستة وخمسة من أربعة عشر سبعان ونصف سبع ثم يفدى ذلك بمثل خمسة وهو سهم واحد فيسلم للورثة عشرة وقد نفذنا الهبة في خمسة.(29/97)
وإن كانت قيمته مائة ألف رد على الورثة تسعة عشر جزءا من العبد ونفدي الباقي وهو عشرة أجزاء بعشرة أجزاء من تسعة وعشرين من الدية لأن الهبة إنما تجوز في سهم من ثلاثة ثم نفدي ذلك السهم بعشرة لأن الدية من القيمة مثل عشرة فإذا طرحنا عشر سهم من أصل حق الورثة يتراجع العبد إلى سهمين وتسعة أعشار فيضرب ذلك في عشرة فيكون تسعة وعشرين حق الورثة تسعة عشر وحق الموهوب له عشرة ثم تفدى هذه العشرة أسهم بسهم واحد فيسلم للورثة عشرون وقد نفذنا الهبة في عشرة فيستقيم الثلث والثلثان فإن كانت قيمة العبد ستة آلاف فأعتقه الموهوب له بعد ما قتل الواهب، فإن كان لا يعلم بالجناية فعليه قيمة وثلث لما بينا أن مال الواهب قيمتان في الحاصل فيسلم له الثلث بالوصية وإن كان يعلم بالجناية فهو مختار للدية ضامن لقيمة العبد بحكم الهبة فتضم الدية إلى القيمة فتكون ستة عشر ألفا هو مال الواهب فيسلم له من ذلك الثلث وهو خمسة آلاف وثلث ألف ويؤدي إلى ورثة الواهب عشرة آلاف وثلثي ألف.
وإذا كانت قيمته تسعة آلاف فأعتقه وهو يعلم غرم ثلثي الدية وثلثي القيمة وهو ما بينا أنه يضم الديه إلى قيمة العبد فيكون تسعة عشرة ألفا يسلم له من ذلك الثلث وهو ستة آلاف وثلث(29/98)
ص -47- ... ألف ويغرم اثنى عشر ألفا وثلث ألف وذلك ثلث القيمة ستة آلاف وثلث ألف وثلث الدية ستة آلاف وثلث ألف.
وإن كانت قيمته عشرة آلاف أو أكثر فأعتقه وهو يعلم أو لا يعلم فهو سواء وهو ضامن لثلثي الدية وثلثي القيمة كما بينا إلا أنه إن كان لا يعلم رفعنا عنه ثلثي عشرة دراهم من ثلثي الدية لأن قيمة العبد بسبب الجناية مقدرة بعشرة آلاف إلا عشرة.
ألا ترى أنه لو كان مجنيا عليه كانت هذه قيمته في الجناية فكذلك إذا كان جانيا.
وإذا وهب المريض عبده لرجل وقيمته عشرة آلاف ولا مال له غيره ثم أن العبد والموهوب له قتلا المولى فإن الهبة تبطل ويرد العبد إلى ورثة المولى لأن الموهوب له قاتل ولا وصية للقاتل فيرد العبد كله بنقض الهبة ويغرم الموهوب له خمسة آلاف درهم لأنه جنى على نصفه فيغرم نصف الدية.(29/99)
ولو كان العبد وأجنبي قتلا المولى فعلى الأجنبي خمسة آلاف لأنه جنى على نصفه وتجوز الهبة في ثلاثة أخماس العبد فيرد الموهوب له خمسي العبد بنقض الهبة ويفدي ثلاثة أخماسه بثلاثة أخماس نصف الدية إذا اختار الفداء لأن مال المولى خمسة عشر ألفا فإن قيمة العبد عشرة آلاف والدية الواجبة على الأجنبي خمسة آلاف فذلك خمسة عشر ألفا بعد طرح سهم الدور من جانب المولى هذه الخمسة عشر ألفا تكون على خمسة أسهم فإنما تجوز الهبة في جميعها وهو ستة آلاف مقدارها من العبد ثلاثة أخماسه فعرفنا أن الهبة تجوز في ثلاثة أخماس العبد ويرد الخمس بنقض الهبة قيمة ذلك أربعة آلاف ويفدى بثلاثة أخماسه نصف الدية لأن العبد إنما جنى على نصف النفس وثلاثة أخماس الدية ثلاثة آلاف فإذا جمعت ما وصل إلى ورثة الواهب كان اثنى عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في ستة آلاف فيستقيم الثلث والثلثان وإن اختار الدفع رد ربعه بنقض الهبة وتجوز الهبة في ثلاثة أرباعه لأن مال الميت خمسة عشر ألفا كما بينا وعند اختيار الدفع إنما تجوز الهبة في نصف ذلك على ما بينا أن الهبة تجوز في سهم من ثلاثة ثم يدفع ذلك السهم بالجناية فيزداد مال الواهب بسهم فتطرح من أصل حق الورثة سهما يبقى لهم سهم وللموهوب له سهم فعرفنا أن الهبة إنما تصح في نصف ماله وذلك سبعة آلاف وخمسمائة وذلك من العبد ثلاثة أرباعه فيرد ربع العبد بنقض الهبة وقيمته ألفان وخمسمائة ويدفع ثلاثة أرباعه بالجناية فيحصل في يد الورثة العبد وقيمته عشرة آلاف ونصف الدية التي أخذوها من الأجنبي وذلك خمسة عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في سبعة آلاف وخمسمائة فاستقام الثلث والثلثان والله أعلم بالصواب.
باب السلم في المرض وبيع المكيل بمثله من المكيل ووزنه بمحاباة(29/100)
قال رحمه الله: اعلم أن بناء هذا الباب على الأصل الذي بينا أن المحاباة في الأصل بمنزلة المحاباة في المال في الاعتبار من الثلث فإن المال مقدم على الأصل في تنفيذ المحاباة فيه من الثلث فنقول إذا أسلم المريض ثوبا يساوي عشرة دراهم في كر حنطة يساوي عشرة(29/101)
ص -48- ... إلى أجل ودفع إليه الثوب ثم مات قبل أن يحل السلم ولا مال له غيره ذلك فإن شاء المسلم إليه عجل ثلثي الكر وإن شاء نقض السلم لأنه حاباه بالأجل في جميع ماله وثبوت الخيار له لتغير شرط العقد عليه فإن كان الثوب يساوي عشرين درهما إن شاء نقض السلم وإن شاء أدى الكر ورد سدس الثوب لأن المحاباة بالمال هنا جاوزت الثلث فلا يظهر حكم المحاباة بالأجل وإنما يسلم له من المحاباة بقدر ثلث ماله وذلك ستون وثلثان فيرد الكر حالا ويرد سدس الثوب حتى يسلم للوارث ثلاثة عشر وثلث وقد نفذنا المحاباة في مثل نصفه تصفه وما يرد من الثوب يكون حظا من رأس المال وذلك مستقيم في السلم، وإن كان قيمة الثوب ثلاثين درهما رد ثلث الثوب لأنه حاباه بقدر العشرين وثلث ماله عشرة فيرد ما زاد على ذلك من الثوب حتى يسلم للورثة كرا يساوي عشرة وثلث الثوب وقيمته عشرة مثل ما نفذنا فيه المحاباة.
ولو أسلم عشرة دراهم وثوبا يساوي عشرة في كر حنطة يساوي عشرة ثم مات ولا مال له غير ذلك فإن شاء المسلم إليه نقض السلم، وإن شاء أدى الكر ورد سدس الثوب وسدس العشرة فذلك القدر مما زاد على الثلث وليس تنفيذ المحاباة له من أحد المالين بأولى من الآخر فإنما يرد السدس منهما من الكر حتى يسلم للوارث ثلاثة عشر وثلث وقد نفذنا المحاباة له في ستة وثلاثين.
ولو كان أسلم ثوبا يساوي عشرين درهما وعشرة دراهم في كر حنطة يساوي عشرة دراهم رد ثلث الثوب وثلث العشرة لأنه حاباه بقدر عشرين وثلث ماله عشرة فيسلم له ذلك منهما ويرد ما زاد على الثلث سهما.(29/102)
ولو أسلم ثوبين قيمة أحدهما ثلاثون وقيمة الآخر خمسة عشر في كر يساوي خمسة عشر درهما أدى الكر كله ورد ثلث الثوبين لأنه حاباه بقدر ثلاثين درهما فإنما يسلم له بقدر ثلث ماله وذلك خمسة عشر من الثوبين جميعا ويرد ما زاد على الثلث من الثوبين وإن شاء نقض السلم، وأصل ذلك أن ينظر إلى قيمة الثوبين وإلى قيمة السلم فيعطي المسلم إليه قيمة السلم وثلث ما ترك الميت محاباة له ويرد ما بقي من السلم، وكذلك سائر ما يسلم فيه وكذلك الصرف في جميع ذلك إلا في الجنس بجنسه فإنه شيء من هذا، وفي الأصل استكثر من هذا الجنس من المسائل والكل يخرج على ما بينا والله أعلم.
باب الإقالة في السلم والبيع في المرض
قال رحمه الله: "وإذا أسلم المريض عشرة دراهم في كر حنطة يساوي عشرة ثم أقاله السلم وقبض منه الدراهم فهو جائز" لأنه ما حاباه بشيء فإنه أعاد الكر بالإقالة واسترد منه العشرة التي بمقابلته وهما في المالية سواء والإقالة بمنزلة البيع وكما أن البيع الذي لا محاباة فيه نافذ من المريض فكذلك الإقالة.
ولو كانت قيمة الكر ثلاثين درهما ولا مال له غير ذلك ثم مات فإن كان له مال يكون(29/103)
ص -49- ... ثلثه بقدر عشرين أو أكثر جازت الإقالة لأن المحاباة تخرج من ثلث ماله وإن لم يكن له مال سواه جازت الإقالة في نصف الكر ويقال للمسلم إليه أد إلى الورثة نصف الكر ورد عليهم نصف رأس المال لأنه حاباه بقدر العشرين درهما فإنه أخرج بالإقالة من ملكه جزءا يساوي ثلاثين بعشرة دراهم والإقالة في هذا كالبيع فلا يمكن تصحيح المحاباة له فيما زاد على الثلث ولا يمكن أن يؤمر بأداء ما زاد على الثلث من المحاباة لأن الإقالة قبل القبض فسخ فلا يمكن أن يثبت فيه ما لم يكن ثابتا في أصل العقد لأن الفسخ رفع العقد وإنما يرفع الشيء من المحل الوارد عليه لا من محل آخر ولا يمكن إبطال في الكل لأنها نفذت من المريض في مقدار الخارج من الثلث وإقالة السلم لا تحتمل الفسخ لأن بالإقالة يسقط طعام السلم والمسقط يكون متلاشيا وفسخ الإقالة إنما يصح في القائم دون المتلاشى فعرفنا أن الإقالة جازت في البعض دون البعض فاحتجنا إلى معرفة مقدار ما جازت الإقالة فيه فنقول المحاباة بقدر عشرين وثلث ماله عشرة، ولو كانت ثلث ماله نصف المحاباة قلنا تجوز الإقالة في نصف الكر ويسلم للوارث نصف كر قيمته خمسة عشر ونصف رأس المال وهو خمسة دراهم فذلك عشرون فيسلم للمسلم إليه نصف كر قيمته خمسة عشر بخمسة فتسلم له المحاباة بقدر العشرة وعلى طريق الجبر تجوز الإقالة في شيء من الكر بثلث شيء لأن رأس المال بقدر الثلث من السلم فيبقى للورثة كر إلا ثلثي شيء يعدل ذلك شيئا وثلثا لأنا نفذنا المحاباة في ثلثي شيء فحاجة الورثة إلى ضعف ذلك فاجبر الكر بثلث شيء وزد على ما يعدله مثله فظهر أن الكر يعدل شيئين وقد جوزنا الإقالة في شيء وذلك نصف الكر في المعنى.
ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي ثلاثين درهما ثم أقاله في شيء وذلك نصف الكر في المعنى. ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي ثلاثين في مرضه ومات فالإقالة جائزة لأن المحاباة بقدر عشرة وهو مقدار الثلث من ماله.(29/104)
ولو أسلم عشرة في كر يساوي عشرين درهما ثم أقاله في مرضه ومات فالإقالة جائزة لأن المحاباة بقدر عشرة وهو مقدار الثلث من ماله. ولو أسلم عشرة في كر يساوي عشرين درهما ثم أقاله في مرضه ثم مات جازت الإقالة في ثلثي الكر ويقال للمسلم إليه أد ثلث الكر ورد عليهم ثلثي رأس المال لأنه حاباه بقدر عشرة دراهم وثلث ماله ستة وثلثان لأن جميع ماله عشرون فإنما يجوز الإقالة في مقدار الثلث وذلك قدر ثلثي المحاباة فلذا جازت الإقالة في ثلثي الكر ويرد على الورثة ثلثي رأس المال ستة وثلثين وثلث كر قيمته ستة وثلثان ويسلم للوارث ثلاثة عشر وثلث وسلم للمسلم إليه ثلثا كر قيمته ثلاثة عشر وثلث بستة دراهم وثلاثين فعرفنا أنه سلم من المحاباة بقدر ثلث المال، وعلى طريق الجبر تجوز الإقالة في شيء من الكر بنصف شيء لأن رأس المال من المسلم فيه مثل نصفه فيحصل في يد الورثة كر إلا نصف شيء وحاجتهم إلى شيء فيجبر الكر بنصف شيء ويزيد على ما يقابله مثله،(29/105)
ص -50- ... فظهر أن الكر يعدله شيء ونصف شيء وأنا حين جوزنا الإقالة في ذلك كان ذلك بمعنى ثلثي الكر.
ولو أسلم عشرة دراهم في كر يساوي ثلاثين درهما ثم أقاله في مرضه وقبض منه العشرة فاستهلكها ثم مات ولا مال له غيرها جازت الإقالة في ثلثي الكر ويقال للمسلم إليه أد إلى الورثة ثلثي الكر وارجع عليهم بثلثي العشرة التي كنت أعطيتها الميت لأنه حاباه في الإقالة بقدر عشرين وماله عند الموت عشرون فإن ما استهلكه لا يكون محسوبا من ماله بل ذلك في حكم الدين عليه إذا لم يجز الإقالة فثلث ماله ستة وثلثان والمحاباة إنما تجوز بقدر ثلث ماله وذلك الثلث من جملة ما حاباه فباعتباره جازت الإقالة في ثلث الكر ويؤدي المسلم إليه إلى الورثة ثلثي كر قيمته عشرون درهما ويرجع عليهم بثلثي العشرة حصة ما بطلت فيه الإقالة فيعطونه ذلك مما أخذوا من الطعام يبقى لهم ثلاثة عشر وثلث وقد سلم للمسلم إليه ثلث كر قيمته عشرة بثلاثة دراهم وثلث فعرفنا أنه قد سلم له من المحاباة بقدر ثلث ماله.
وعلى طريق الجبر فيه نقول: الإقالة تصح في شيء من الكر ثم على الوارث أن يقضي المسلم إليه بثلث ذلك وهو حصته من رأس المال فيدفع ثلث كر إلا ثلث شيء يبقى في يد الوارث ثلثا شيء وذلك يعدل شيئا وثلثا فاجبر ثلثي كر بثلثي شيء وزد على ما يعدله مثله فظهر أن ثلثي الكر يعدل شيئين فالكر الكامل يعدل ثلاثة أشياء وقد جوزنا الإقالة في شيء من ذلك فذلك بمعنى ثلثي الكر ثم التخريج كما بينا.(29/106)
ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي خمسين درهما ثم أقاله المسلم وهو مريض ثم مات ولا مال له غيره جازت الإقالة في خمسة أتساع الكر ويقال للمسلم إليه أد إلى الورثة أربعة أتساع الكر وخمسة أتساع رأس المال لأنه حاباه بقدر ثلاثين درهما وثلث ماله ستة عشر وثلثان لأن جميع المال خمسون فننظر إلى ثلث ماله كم هو من مقدار المحاباة وطريق معرفته أن تجعل كل ثلاثة وثلث درهم سهما وجملة المحاباة تسعة دراهم وستة عشر وثلثان تكون خمسة فعرفنا أن ثلث ماله من جملة المحاباة خمسة أتساع وصحة الإقالة باعتبار خروجه من الثلث فإنما تصح الإقالة في خمسة أتساع الكر ويقال للمسلم إليه أد إلى الورثة أربعة أتساع الكر وقيمة ذلك اثنان وعشرون وتسعان وخمسة أتساع رأس المال مقدار ذلك أحد عشر وتسع فيسلم للورثة ثلاثة وثلاثون وثلث مقدار ثلثي المال ويكون في يد المسلم إليه خمسة اتساع الكر قيمته سبعة وعشرون وسبعة أتساع درهم يأخذ أحد عشر درهما وتسع الذي أعطى الورثة من رأس المال فيبقى ستة عشر وثلثان محاباة له وهو ثلث ما ترك الميت.
وعلى طريق الجبر تصح الإقالة في شيء من الكر بخمسي شيء لأن رأس المال من قيمة الكر كذلك فيبقى في يد الوارث كر إلا ثلاثة أخماس شيء وذلك يعدل شيئا وخمس شيء فأجبر الكر بثلاثة أخماس شيء وزد على ما يعدله مثله فظهر أن الكر يعدل شيئا وأربعة أخماس شيء وقد جوزنا الإقالة في شيء وشيء من شيء وأربعة أخماس شيء يكون خمسة(29/107)
ص -51- ... أتساع، فظهر أن الإقالة إنما جازت في خمسة أتساع الكر وهذا كله إذا كانت الإقالة قبل قبض الكر فإن كانت الإقالة بعد قبض الكر فالعمل فيه كما وصفنا في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن الإقالة عندهما بعد القبض فسخ كما قبله فلا تجوز بأكثر من رأس المال، وأما في قول أبي يوسف رحمه الله فالإقالة بعد القبض بمنزلة البيع المستقبل، فإن كان رأس المال عشرة دراهم وقيمة الكر ثلاثون وتقابضا ثم أقاله إياه في مرضه وقبض منه الدراهم ودفع إليه الكر قيل للمسلم إليه أنت بالخيار فإن شئت أد إلى الورثة عشرة دراهم أخرى وإن شئت فرد الكر وخذ دراهمك لأن الإقالة عنده لما كانت بمنزلة البيع أمكن إثبات الزيادة في البدل منه فيكون هذا.
وأما لو باع المريض كرا يساوي ثلاثين درهما بعشرة سواه فهناك يخير المشتري بين أن يؤدي عشرة أخرى حتى تسلم له المحاباة بقدر ثلث المال وبين أن يفسخ البيع ويرد المبيع فهنا أيضا يخير المسلم إليه بين أن يرد الكر ويأخذ دراهمه وبين أن يؤدي ما زاد على الثلث من المحاباة وإنما ننظر إلى قيمة السلم إذا كانت نية محاباة في جميع ذلك يوم يختصمون وقول أبي يوسف رحمه الله مفسرا بهذه الصفة لم يذكره في الكتب سوى في هذا الموضع.(29/108)
وإذا اشترى الرجل عبدا بخمسين درهما وقيمته مائة درهم فلم ينقد الثمن ولم يقبض العبد وليس له مال غير خمسين ثم مرض المشتري فأقاله البائع ثم مات فإنه يخير البائع، فإن شاء سلم العبد وأخذ خمسين وإن شاء سلم ثلثي العبد وأخذ منه ستة عشر درهما وثلثي درهم لأن المشتري حاباه بقدر نصف ماله فلا يسلم له من المحاباة إلا مقدار الثلث غير أن إقالة البيع محتملة للفسخ بخلاف إقالة السلم لأن المبيع قائم بعد الاقالة ولهذا اذا اختلفا في رأس المال بعد الإقالة تحالفا في البيع وترادا الإقالة وفي السلم لا يتحالفان فلكون الاقالة بغرض الفسخ هنا أثبتنا الخيار للبائع لأنه تعين عليه شرط الإقالة فإن شاء سلم العبد وأخذ الخمسين بطريق فسخ الإقالة، وإن شاء سلم ثلثي العبد وتصح الإقالة في ثلث العبد فيأخذ منهم ثلث الثمن ستة عشر وثلثين ويحصل في يد الورثة من الثمن ثلاثة وثلاثون وثلث وقيمته مثل ذلك فذلك ستة وستون وثلثان وقد سلم للبائع ثلث العبد قيمته ستة وستون وثلثان بثلاثة وثلاثين وثلث فيكون السالم له من المحاباة بقدر ثلاثة وثلاثين وثلث مثل نصف ما سلم للورثة والله أعلم بالصواب.
باب السلم في المرض وله على الناس ديون
قال رحمه الله: وإذا أسلم الرجل في مرضه ثلاثين درهما في كر يساوي عشرة دراهم وقبض ولا مال له من العين غيرها وله على الناس دين كثير ثم مات فالمسلم إليه بالخيار إن شاء رد الثلاثين درهما ونقض السلم وإن شاء أدى الكر ورد من رأس المال عشرة دراهم" لأن عقد السلم يحتمل الفسخ فيثبت الخيار هنا للمسلم إليه لتعين شرط العقد عليه فإن شاء فسخ السلم ورد المقبوض من رأس المال لأن الوصية بالمحاباة كانت في ضمن البيع فلا(29/109)
ص -52- ... تبقى بعد فسخ البيع وإن شاء أمضى العقد وأدى الكر في الحال لأن المحاباة بالثلث بالمال جاوزت الثلث فلا يسلم له شيء من الأجل ولكن يؤدي الكر كله ويرد من رأس المال ما زاد على ثلث ماله من المحاباة وذلك عشرة دراهم ويكون هذا بمنزلة حظ بعض رأس المال وعقد السلم يحتمل ذلك، فإن اقتضوا الدين بعد ما اختصموا وقضى القاضي بينهم بهذا وفسخ السلم لم يرد على المسلم إليه شيء لأن الدين الذي للميت على الناس لا يكون محسوبا من ماله ما لم يخرج، فإن بدا الوارث لا يصل إليه وإذا لم يحتسب به بعد قضاء القاضي بينهم يفسخ السلم إن اختار المسلم إليه ذلك وفسخ السلم لا يحتمل النقض فلهذا لا يعاد بخروج الدين. وكذلك إن اختار رد عشرة من رأس المال لأن ذلك القدر يخرج من أن يكون رأس المال وينتقض القبض فيه من الأصل فلا يعود بعد ذلك، وإن اقتضوا الدين قبل أن يختصموا أسلم للمسلم إليه إلى أجله وجازت له المحاباة لأن المحاباة بالمال والأجل تخرج من الثلث حين وصل إلى يد الوارث ضعف ذلك من مال الميت.(29/110)
ولو أسلم عشرين درهما في مرضه في كر يساوي عشرة ونقد الدراهم ثم مات وله على الناس دين فاقتضى الورثة بعد موته عشرة دراهم قبل أن يختصموا فالسلم جائز لأنه حاباه من المال بقدر عشرة وهي تخرج من ثلاثة فيقال للمسلم إليه أد إلى الورثة الكر وقيمته عشرة فيكون في أيديهم عشرون وهي ثلثا ما ترك الميت من العين فيكون في يد المسلم إليه عشرون درهما عشرة قيمة الكر الذي أدى وعشرة محاباة. ولو كان رأس المال ثلاثين درهما والمقبوض من الدين بعد موته عشرون درهما فالمسلم إليه بالخيار إن شاء نقض السلم ورد الدراهم وإن شاء أدى الكر حالا ورد من رأس المال ثلاثة دراهم وثلثا لأنه حاباه بقدر عشرين درهما وثلث ما تعين من المال ستة وعشرون وثلثان وإنما يسلم له من المحاباة ذلك القدر ورد ما زاد على ذلك وهو ثلاثة دراهم وثلث وإن شاء نقض السلم لأنه تغير عليه شرط عقده وإذا اختار النقض بطلت الوصية بالمحاباة فيرد جميع ما قبض من الدراهم والله أعلم بالصواب.
باب بيع المكيل بمثله من المكيل
قال رحمه الله: وإذا باع الرجل في مرضه كر تمر فأدى قيمته ثلاثين درهما بكر دقل قيمته عشرة دراهم ثم مات البائع وليس له مال غيره فالمشتري بالخيار إن شاء نقض البيع وأخذ كره لتغير شرط العقد عليه حين لم تخرج المحاباة من ثلث ماله وإن شاء أخذ نصف الكر الفارسي بنصف الدقل ورد نصف الكر الفارسي" لأن المحاباة حصلت بقدر ثلثي ماله ولا يمكن إزالة المحاباة بزيادة الدراهم لأن ذلك ربما كان في بيع المكيل بمكيل من جنسه والفضل ربا فينظر إلى ثلث ماله كم هو من جملة المحاباة فيجوز في البيع بقدره لأنه لو كانت المحاباة بقدر الثلث جاز البيع في الكل وهنا الثلث مثل نصف المحاباة فيجوز البيع في نصف الكر فيرد على الوارث نصف كر قيمته خمسة عشر ونصف كر دقل قيمته خمسة ويسلم للمشتري نصف كر فارسي قيمته خمسة عشر بنصف كر دقل قيمته خمسة فيحصل تنفيذ الوصية له في(29/111)
ص -53- ... ثلث ماله وإن باعه كرا قيمته ستون بكر حشف قيمته عشرة دراهم فإن البيع يجوز في خمس الكر لأنه حاباه بقدر خمسين وثلث ماله عشرون فكان الثلث بقدر خمسي المحاباة فيرد على الورثة ثلاثة أخماس الفارسي وقيمته ستة وثلاثون وخمسا الحشف وقيمته أربعة فذلك ثلثا تركة الميت، ولو باعه كرا قيمته خمسون يكر قيمته عشرون جاز البيع في خمسة أتساع الكر لأنه حاباه بقدر ثلاثين وثلث ماله ستة عشر وثلثان وذلك خمسة اتساع الكر لأنه حاباه كل ثلاثة وثلث سهما فيرد على الورثة أربعة أتساع الكر الجيد وخمسة أتساع الكر الرديء، فإن اعتبرت قيمتهما فهي ثلثا تركة الميت يسلم لورثته ويحصل تنفيذ الوصية في ثلث ماله وهذا بمنزلة إقالة السلم في جميع ما ذكرنا والله أعلم بالصواب.
باب العفو عن الجناية في المرض(29/112)
قال رحمه الله: وإذا جرح العبد رجلا حرا خطأ فمات الحر منها وقد عفى عن هذا الدم في مرضه وليس له مال وقيمة العبد ألف درهم قيل لمولاه أتدفع أو تفدى فإن اختار الدفع دفع ثلثه" لأن العبد صار مستحقا بجنايته ولا مال للعافي غيره والعفو وصية منه لمولاه لأن الاستحقاق مال على المولى فيجوز في ثلاثة، وإن اختار الفداء جاز العفو في خمسة أسداس العبد ويفدى سدسه بسدس الدية لأنه يمكن تصحيح العفو في جميعه فإنه لا يسلم لورثته شيء من المال إذا صححنا العفو في جميعه ولا يمكن إبطاله في الكل لأنه يفديه حينئذ بعشرة آلاف فيكون للعبد خارجا من ثلثه وزيادة فعرفنا أن صحة العفو هنا في البعض، وطريق معرفة ذلك أنه لو كان للميت ألفا درهم ضعف قيمة ذلك العبد لكان العفو يجوز في جميعه فالسبيل أن نضم نصف القيمة إلى الدية ثم نبطل من العفو حصة ضعف القيمة من الجملة لأن بطلان العفو باعتبار أنا لم نجد ذلك القدر وضعف القيمة ألفا درهم فإذا ضممته إلى الدية كان اثنا عشر ألفا ضعف القيمة من الجملة هو السدس فلهذا جازت الهبة في خمسة أسداس العبد وبطلت في السدس فيفديه بسدس الدية وذلك ألف وثلثا ألف فيسلم ذلك للورثة وقد نفذنا العفو في نصف ذلك وهو خمسة أسداس العبد قيمته ثمانمائة درهم وثلاثة وثلاثون وثلث.(29/113)
وعلى طريق الجبر يجوز العفو في شيء من العبد ثم يفدى ما بقي منه وهو عبد إلا شيئا بعشرة أمثاله لأن الدية من القيمة هكذا فيصير في يد الوارث عشرة أموال إلا عشرة أشياء تعدل شيئين لأنا جوزنا العفو في شيء وحاجة الورثة إلى شيئين فتجبر الأموال بعشرة أشياء ويزيد على ما نفذ مثلها فكانت عشرة أموال تعدل اثني عشر شيئا فالمال الواحد يعدل شيئا وخمسا فانكسر بالأخماس فاضرب شيئا وخمسا في خمسة فيكون ستة فظهر أن المال الكامل ستة وقد جوزنا العفو في شيء فضربنا كل شيء في خمسة فتبين أن العفو إنما جاز في خمسة أسداس العبد، وإن كانت قيمته ألفين واختار الفداء فدى سبعة بسبعي الدية لأنا نأخذ(29/114)
ص -54- ... ضعف قيمة العبد وهي أربعة آلاف فنضمه إلى الدية فيكون أربعة عشر ألفا ثم ننظر إلى ضعف القيمة كم هو من الجملة فنبطل الهبة بقدره وذلك سبعاه فتجوز الهبة في خمسة أسباع العبد وتبطل في السبعين فنفديه بسبعي الدية مقداره ألفان وثمانمائة وسبعة وسبعون وسبع وقد نفذنا الهبة في خمسة أسباع العبد قيمته ألف وأربعة وثمانية وعشرون وثلاثة أسباع مثل نصف ما سلم للورثة وعلى طريق الجبر تأخذ مالا مجهولا فيجوز العفو في شيء منه ويبطل في مال إلا شيئا ثم تفديه بخمسة أمثاله فيحصل في يد الورثة خمسة أموال إلا خمسة أشياء يعدل ذلك شيئين فاجبره بخمسة أشياء وزد على ما يعدله مثله فصار خمسة أموال تعدل سبعة أشياء والمال الواحد يعدل شيئا وخمسي شيء فاضرب ذلك في خمسة حتى يتبين أن المال الكامل يعدل سبعة أشياء وقد جوزنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في خمسة فذلك خمسة أسباع العبد فإن كان قيمة العبد ألفا وعلى المقتول دين ألف فالسبيل فيه إذا اختار الفداء أن يضم نصف القيمة إلى الدية فيكون اثنى عشر ألفا ثم يبطل العفو بحصة نصف القيمة وحصة الدين وذلك ثلاثة من اثنى عشر فعرفنا أن العفو إنما بطل في الربع فنفديه بربع الدية الفين وخمسمائة فنقضي به الدين ألف درهم وشيء للورثة ألف وخمسمائة وقد أجزنا العفو في ثلاثة أرباع العبد قيمته سبعمائة وخمسون فاستقام الثلث والثلثان وعلى طريق الجبر نجوز العفو في شيء ونبطله في عبد إلا شيء نفدي ذلك بعشرة أمثاله وذلك عشرة أموال إلا عشرة أشياء ثم يقضي الدين بمال كامل لأن الدين ألف درهم وقد جعلنا العبد وقيمته ألف مالا كاملا فيبقى في يد الورثة تسعة أموال إلا عشرة أشياء يعدل ذلك شيئين وبعد الجبر والمقابلة تكون تسعة أموال تعدل اثنى عشر شيئا فالمال الواحد يعدل شيئا وثلثا فقد انكسر بالأثلاث فاضرب شيئا وثلثا في ثلاثة فيكون أربعة وقد جوزنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في ثلاثة وثلاثة من أربعة بثلاثة(29/115)
أرباعه فصح أن العفو إنما صح في ثلاثة أرباع العبد، ولو لم يكن على الميت دين وكان له ألف درهم موضوعة فدى نصف سدس العبد بنصف سدس الدية لأنك تأخذ نصف القيمة فتضمه إلى الدية فيجوز العفو بحصة الدية وخمسة أسداس وبحصة الألف الموضوع وذلك نصف سدس فإنما تبطل الهبة في نصف سدس العبد فيفديه بنصف سدس الدية وذلك ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فحصل للورثة هذا مع الألف وقد نفذنا الهبة في خمسة أسداس العبد نصف سدسه قيمة ذلك تسعمائة وستة عشر وثلثان فاستقام الثلث والثلثان وعلى طريق الجبر نجوز العفو في شيء ونبطله في عبدا إلا شيء فنفديه بعشرة أمثاله وذلك عشرة أموال إلا عشرة أشياء تعدل شيئين وبعد الجبر والمقابلة أحد عشر مالا يعدل اثنى عشر شيئا فالمال الواحد يعدل شيئا وجزءا من أحد عشر جزءا من شيء فاضربه في احد عشر فظهر أن المال الكامل يعدل اثنى عشر وقد جوزنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في احد عشر فتبين ان العفو إنما جاز في احد عشر جزءا من اثني عشر جزءا من العبد وذلك خمسة أسداسه ونصف سدسه والله أعلم بالصواب.(29/116)
ص -55- ... باب قتل العبد الموهوب له والواهب أو غيره
فقال رحمه الله: رجل له عبدان قيمة كل واحد منهما عشرة آلاف فوهب أحدهما لرجل في مرضه وقبضه ولا مال له غيرهما ثم أن العبد الموهوب قتل الواهب فالهبة جائزة في جميع العبد ويقال له ادفعه كله أو افده" لأن العبد كله يخرج من ثلثه فإن ماله في الأصل على ثلاثة تجوز الهبة في سهم ثم يدفع ذلك أو يفديه بمثله لأن الدية والقيمة سواء فيزداد في نصيب الورثة سهم وهو الدائر فنطرحه من أصل حق الورثة فيبقى لهم سهم وللموهوب له سهم فعرفنا أن الهبة إنما تجوز في سهم من سهمين وهو العبد الموهوب كله فإن قيمة العبدين سواء، ثم يدفعه بالجناية أو يفديه بعشرة آلاف فيسلم للورثة عشرون ألفا وقد نفذنا الهبة في عشرة آلاف فاستقام الثلث والثلثان وصار في المعنى كأن الميت ترك ثلاثة أعبد لأن المدفوع بالجناية من جملة تركته فتبين أن الموهوب خارج من ثلثه، فإن كان وهب الآخر لرجل آخر أيضا فإنه يرد ثلاثة أخماس العبد القاتل إلى الورثة وهو ثلاثة أخماس العبد الآخر نقضا للهبة ويقال لمولى القاتل ادفع خمسه أو أفده بخمسي الدية لأن الثلث بين الموهوب لهما نصفان على سهمين والثلثان أربعة ثم أن مولى القاتل يدفع سهمه أو يفديه بمثله فيحصل في يد الورثة خمسة فيطرح السهم الدائر من أصل حقهم يبقى حقهم في ثلاثة وحق الموهوب لهما في سهمين فذلك خمسة ثم يدفع مولى القاتل نصيبه أو يفديه بسهم فيسلم للورثة أربعة وقد نفذنا الهبة في سهمين فاستقام فتبين أن الهبة إنما جازت لكل واحد منهما في خمسي عبده وذلك أربعة آلاف وبطلت في ثلاثة أخماس كل واحد منهما فيكون ذلك اثنى عشر ألفا ثم دفع الموهوب له نصيبه أو فداه بخمسي الدية فيصير في يد الورثة ستة عشر ألفا وقد نفذنا الهبة لهما في ثمانية آلاف وعلى طريق الجبر تأخذ مالا مجهولا فتجوز الهبة لهما في شيء ثم إن مولى القاتل يدفع نصيبه أو يفديه بمثله وذلك نصف شيء فيحصل في يد(29/117)
الورثة مال الا نصف شيء يعدل شيئين وبعد الجبر والمقابلة يعدل شيئين ونصفا إنما جوزنا الهبة في شيء وشيء من شيئين ونصف خمساه فعرفنا أن الهبة إنما جازت لكل واحد منهما في خمسي عبده.
ولو كان أحد العبدين وأجنبي قتلا الواهب غرم الأجنبي خمسة آلاف لأنه أتلف نصف النفس بجنايته ويقال لمولى العبد القاتل أتدفع أم تفدي فإن اختار الفداء كان لكل واحد منهما خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من العبد الذي في يده ورد البقية بنقص الهبة ويقال لمولى القاتل افد ما جاز لك فيه الهبة بخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من نصف الدية لأن مال الميت خمسة وعشرون ألفا العبدان ونصف الدية وإنما تجوز الهبة لهما في ثلثه وذلك الثلث بينهما نصفان على سهمين ثم أن مولى القاتل يفدي سهمه بنصف سهم لأن عبده إنما جنى على نصف النفس فحصته من الدية مثل نصف قيمته فالسبيل أن نضعفه للكسر بالإنصاف فيصير على اثنى عشر سهما لكل واحد من الموهوب لهما سهمان وللورثة ثمانية ثم يفدي الموهوب(29/118)
ص -56- ... له سهمه بسهم من الدية وهذا السهم هو الدائر فنطرحه من أصل حق الورثة يبقى حقهم في سبعة وحق الموهوب لهما في أربعة فذلك أحد عشر ثم مولى القاتل يفدي بسهم فيحصل في يد الورثة ثمانية وقد نفذنا الهبة لهما في أربعة فاستقام الثلث والثلثان.
إذا عرفنا هذا فنقول السبيل أن نضرب أحد عشر في خمسة وعشرين فيكون مائتين وخمسة وسبعين وإنما جوزنا الهبة لكل واحد منهما في سهمين من أحد عشر وقد ضربنا ذلك في خمسة وعشرين فعرفنا أن الهبة إنما جازت لكل واحد منهما في خمسين وذلك خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من عبده لأن جملة ماله لما صار على مائتين وخمسة وسبعين فكل عبد يكون مائة وعشرين ونصف الدية خمسة وخمسون من مائة وعشرة يكون خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا فتبين تخريج المسألة.(29/119)
وإن اختار الدفع جازت الهبة لكل واحد منهما في نصف العبد ورد النصف بنقص الهبة ويدفع مولى الجاني النصف بالجناية لما بينا أن جملة ماله خمسة وعشرون ألفا وقد انقسم ذلك بعد طرح سهم الدور بين الورثة والموهوب لهما على خمسة لكل واحد من الموهوب لهما خمس ذلك وذلك خمسة آلاف وهو قيمة نصف العبد الذي وهب له فتبين أن الهبة تبطل في نصف قيمة كل عبد فيحصل في يد الورثة خمسة عشر ألفا ثم يدفع مولى القاتل نصف العبد بالجناية فيسلم للورثة عشرون ألفا وقد نفذنا الهبة لهما في عشرة آلاف فاستقام الثلث والثلثان، فإذا كان لرجل عبد قيمته عشرة آلاف درهم وله خمسة آلاف درهم فوهب العبد في مرضه لرجل وقبضه ثم قتل العبد الواهب فإنه يرد ربع العبد نقصا للهبة ويدفع ثلاثة أرباعه أو يفديها بثلاثة أرباع الدية لأن مال الميت خمسة عشر ألفا وبعد طرح سهم الدور إنما تنفذ الهبة في نصف ذلك وهو سبعة آلاف وخمسمائة قيمة ثلاثة أرباع العبد فعرفنا أن الهبة إنما جازت في ثلاثة أرباعه فيرد عليهما ربع العبد وقيمته ألفان وخمسمائة ثم يدفع ثلاثة أرباعه أو يفدي بثلاثة أرباع الدية فيجتمع في يد الورثة خمسة عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في سبعة آلاف وخمسمائة فاستقام الثلث والثلثان.
وإذا وهب المريض عبدا له يساوي عشرة آلاف درهم لا مال له غيره وعليه دين عشرة آلاف درهم أو أكثر وقبضه الموهوب له ثم قتل العبد الواهب فإن الهبة تبطل لأن الهبة في المرض وصية فتتأخر عن الدين والدين محيط بالتركة فتبطل الهبة في جميع العبد لهذا وتبطل الجناية أيضا لأن ببطلان الهبة تبين أن العبد جنى على مولاه وجناية الخطأ من العبد على مولاه هدر فيكون هذا وما لو مات حتف أنفه سواء فيباع العبد في الدين.(29/120)
ولو أعتقه الموهوب له قبل أن يرفعوا إلى القاضي وهو لا يعلم بالجناية نفذ عتقه لأنه ملكه بالقبض بحكم فلا يبطل ملكه بفساد السبب ما لم يسترد منه والعتق متى صادف ملكه نفذ سواء كان سببه فاسدا أم صحيحا وبنفوذ العتق تقرر ملكه فيجب اعتبار الجناية إلا أن المولى إذا أعتقه وهو لا يعلم بالجناية يصير مستهلكا للعبد، فإن كان الدين عشرين ألفا أو أكثر غرم(29/121)
ص -57- ... الموهوب له قيمتين قيمة كاملة وهي عشرة آلاف بالاستهلاك لأنه وجب عليه رده بانتقاض الهبة وقد تعذر رده بالاستهلاك فيغرم قيمته وعليه عشرة آلاف إلا عشرة بالجناية لأنه في حكم الجناية صار مستهلكا له حين أعتقه وهو لا يعلم بالجناية ولكن قيمة العبد بالجناية لا تزاد على عشرة آلاف إلا عشرة، وإن كان الدين عشرة آلاف كان على الموهوب له عشرة آلاف لحق الغرماء ثم يغرم ثلثي ما بقي من القيمة في الجناية للورثة لأن ذلك الباقي مال الميت في الحاصل فيسلم له الثلث بحكم الوصية ويغرم للورثة ثلثي ذلك وإن كان الدين خمسة آلاف ولم يعتقه الموهوب له رد على الورثة ثلاثة أرباعه، ويقال للموهوب له ادفع الربع أو افده بربع الدية لأن الهبة تبطل في نصف العبد لمكان الدين يبقى نصف العبد فيجعل ذلك النصف بمنزلة عبد كامل في حال ما إذا لم يكن على الواهب دين، وقد بينا في العبد الكامل أنه إذا كان قيمة العبد والدية سواء فإنما تجوز الهبة في نصف العبد ويدفع النصف بالجناية أو يفديه بنصف الدية فهنا أيضا تجوز الهبة في ذلك النصف وتبطل في نصف فعرفنا أن الهبة إنما بطلت في ثلاثة أرباع العبد وجازت في ربعه قيمته ألفان وخمسمائة فإذا دفع الموهوب له أو فداه حصل في يد الوارثة عشرة آلاف فيقضون الدين خمسة آلاف لقتل العبد المريض فإنه يقال للموهوب له أتدفع أم تفدى فإن اختار الدفع جازت الهبة في ثلاثة أثمان العبد ورد خمسة أثمانه نقضا للهبة ويصير في الحكم كأن الميت ترك عبدا وثلاثة أثمان العبد لأن المدفوع بالجناية ماله، وطريق التخريج فيه عند اختيار الدفع أن الهبة تبطل في مقدار الدين وهي خمسة آلاف قيمة ربع العبد ويبقى ثلاثة أرباعه فيجعل هذه الثلاثة الأرباع بمنزلة عبد كامل في حال ما لو لم يكن على الميت دين وفي العبد الكامل بعد طرح سهم الدور إنما تجوز الهبة في نصفه فهنا أيضا تجوز الهبة في نصف ثلاثة أرباع العبد ونصف ثلاثة أرباع العبد ثلاثة(29/122)
أثمانه فيحصل للورثة خمسة أثمان العبد ويدفع إليهم ثلاثة أثمانه بالجناية فيحصل لهم العبد فيقضون منه الدين خمسة آلاف يبقى لهم ثلاثة أرباع العبد وقيمته خمسة عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في ثلاثة أثمان العبد وقيمته سبعة آلاف وخمسمائة فاستقام الثلث والثلثان، وإن اختار الفداء جازت الهبة في ثلاثة أعشار العبد ورد سبعة أعشار العبد إلى الورثة نقضا للهبة ثم يفديه بثلاثة أعشار الدية.
وطريق التخريج فيه أن الهبة تبطل في ربع العبد باعتبار الدين يبقى ثلاثة أرباعه فيجعل ذلك كعبد كامل ثم كل سهم تفدي فيه الهبة يفديه بمثل نصفه لأن الدية مثل نصف القيمة، فإذا جعلنا ثلاثة على ثلاثة وجوزنا الهبة في سهم فداه بنصف سهم فيظهر في يد الورثة زيادة نصف سهم وهو الدائر فيطرح هذا من أصل حقهم ويكون ثلاثة أرباع العبد على سهمين ونصف انكسر بالإنصاف فأضعفه فيكون خمسة فتجوز الهبة له في سهمين من خمسة ثم يفدي ذلك بسهم واحد فيحصل للورثة أربعة أسهم وقد نفذنا الهبة في سهمين فكان مستقيما فإذا صار ثلاثة أرباع العبد على خمسة كان ربعه سهما وثلثين وجميعه ستة وثلثان فاضربه في ثلاثة(29/123)
ص -58- ... للكسر فيكون عشرين وإنما جوزنا الهبة في سهمين وقد ضربنا هما في ثلاثة وذلك ستة وستة من عشرين ثلاثة أعشار فلهذا قال يفدى ثلاثة أعشاره بثلاثة أعشار الدية ووقع في بعض النسخ قيل للموهوب له ادفع ثلاثة أعشاره أو افده بثلاثة أعشار الدية وهو غلط في حق الدفع بل الصحيح عند اختيار الدفع ما بينا أن الهبة تجوز في ثلاثة أثمانه.
ولو كان له عبد يساوي عشرة آلاف درهم لا مال له غيره ولا دين عليه فوهبه لرجل في مرضه وقبضه ثم قتل العبد الواهب وأجنبيا معه ثم أعتقه الموهوب له وهو يعلم بالجناية فهو ضامن عشرة آلاف درهم لورثة الأجنبي ويضمن ثلثي الدية وثلثي القيمة لورثة الواهب لأن ملكه يتقرر بالإعتاق وهو بالإعتاق مع العلم بالجناية يصير مختارا للجنايتين فيضمن للأجنبي كمال الدية ولورثة الواهب الدية بسبب الجناية والقيمة بسبب الاستهلاك فظهر أن مال الميت الدية والقيمة فيسلم له الثلث منها بطريق الوصية فيضمن للورثة ثلثي كل واحد منهما وإن أعتقه وهو لا يعلم بالجناية صار في حكم الجنايتين مستهلكا رقبة العبد فيغرم قيمته وقيمته في الجناية لا تزيد على عشرة آلاف إلا عشرة فيغرم نصف ذلك وهو خمسة آلاف إلا خمسة لورثة الأجنبي ويغرم لورثة الواهب ثلثي قيمته وثلثي خمسة آلاف إلا خمسة لأن ماله قيمة كاملة وهي الواجبة باستهلاك الموهوب ونصف القيمة بسبب الجناية وذلك خمسة آلاف إلا خمسة فتنفذ وصيته في ثلث ذلك ويغرم للورثة الثلثين، وإن كان الموهوب له لم يعتقه واختار الفداء فإنه يرد نصفه إلى ورثة الواهب نقضا للهبة وتجوز الهبة في نصفه ثم يفدى ذلك النصف بنصف الدية لورثة الأجنبي وبنصف الدية لورثة الواهب لأن عند اختيار الفداء يظهر أن مال الواهب خمسة عشر ألفا وأن الهبة تصح في مقدار الثلث وهو نصف العبد قيمته خمسة آلاف باعتبار أن العبد في الأصل على ثلاثة وبعد طرح سهم الدور على سهمين فتجوز الهبة في أحد السهمين ويفدى ذلك بسهم فيسلم(29/124)
للورثة سهمان وقد نفذنا الهبة في سهم ثم يقال لورثة الواهب ادفعوا النصف الذي رد عليكم إلى ورثة الأجنبي أو افدوه بخمسة آلاف لأن بانتقاض الهبة عاد ذلك النصف إلى قديم ملك الواهب وقد جنى على الأجنبي فيقوم وارثه مقامه باختياره الدفع أو الفداء ثم يرجعون بنصف القيمة على الموهوب له لأنه قبض النصف فارغا ورده مشغولا بالجناية وقد استحق بها وإن اختار الدفع رد ثلاثة أخماس العبد إلى ورثة الواهب نقضا للهبة ويدفع الخمسين بالجناية إلى ورثة الواهب وورثة الأجنبي بينهما نصفين لأن العبد في الأصل على ستة فإن الثلث الذي تجوز فيه الهبة مدفوع بالجنايتين نصفين فتجوز الهبة في سهمين ثم يدفع أحد السهمين إلى ورثة الواهب وهو السهم الدائر فيطرح من أصل حقهم وإنما نجعل العبد على خمسة فتجوز الهبة في الخمسين ثم يدفع أحد الخمسين إلى ورثة الواهب فيسلم لهم أربعة أخماسه وقد نفذنا الهبة في خمسين فاستقام.
وقع في بعض النسخ يقال للموهوب له ادفع نصفك أو افده بنصف الدية وهو غلط عند اختيار الدفع والصحيح ما بينا وبه أجاب في بعض النسخ هنا وفي كتاب الدور ثم يقال لورثة(29/125)
ص -59- ... الواهب: ادفعوا الثلاثة الأخماس التي ردت إليكم إلى ورثة الأجنبي أو افدوه بثلاثة أخماس الدية وارجعوا بقيمة ذلك على الموهوب له لأنه كان قبضه فارغا ورده عليهم مشغولا بالجناية وقد استحق ذلك، وإن كان لرجل عبدا يساوي خمسة آلاف فوهبه لرجل في مرضه ولا مال له غيره ثم أن الموهوب له وهبه لآخر ثم قتل العبد الواهب الأول فإنه يقال للموهوب له الثاني ادفعه بالجناية أو افده لأن الملك له في الحال فإن دفعه بالجناية جازت الهبة من الواهب الأول للموهوب له في ثلثي العبد ورجع ورثة المقتول على الموهوب له الأول بثلث قيمته لأن بالدفع تبين أن ملك الواهب الأول في الحكم عبدان فتجوز الهبة في ثلث ذلك للموهوب له الأول وهو ثلثا عبد ويلزمه رد ثلث العبد المقبوض وقد تعذر رده حين وهبه لغيره فيغرم ثلث قيمته حتى يسلم لورثة الواهب عبد وثلث عبد وقد نفذنا الهبة في ثلثي عبد، فإن فداه بجميع الدية فلا شيء على الموهوب له الأول لأن ملك الواهب الأول الدية والعبد وذلك خمسة عشر ألفا وقيمة العبد خمسة آلاف فهو خارج من الثلث فتجوز الهبة في جميعه، ولو كانت قيمته خمسة عشر ألفا فوهبه لرجل في مرضه وقبضه ثم أن الموهوب له وهبه لآخر وهو مريض وقبضه الآخر ثم أن العبد قتل الموهوب له الأول ومات الواهب من مرضه فإنه يسلم للموهوب له الآخر سبع العبد ويرد ستة أسباعه إلى ورثة الموهوب له الأول ويجيء ورثة الواهب الأول فيأخدون من ذلك ثلثي العبد ويقال للموهوب له الآخر ادفع السبع الذي في يدك أو افده بسبع الدية هكذا ذكره في بعض النسخ وهو صواب عند اختيار الفداء فأما عند اختيار الدفع تجوز له الهبة في السدس وهو الصحيح وهكذا ذكره في بعض النسخ أما عند اختيار الفداء يجعل العبد في الأصل على تسعة لحاجتنا إلى حساب له ثلث والثلاثة ثلث فإنما تجوز الهبة للموهوب له الأول في ثلاثة ثم تجوز الهبة من الأول للثاني في سهم من هذه الثلاثة ويفدي هذا السهم بمثل(29/126)
ثلاثة من هذه الدية لأن الدية مثل ثلثي القيمة فيظهر في حق ورثة الموهوب له الأول زيادة بثلثي سهم فيطرح ذلك من أصل حقهم يبقى حقهم في سهم وثلث وحق الموهوب له الثاني في سهم فذلك سهمان وثلث فعرفنا أن ثلث العبد صار على سهمين وثلث فيكون جميع العبد على سبعة فإنما تصح الهبة للموهوب له الثاني في سهم من سبعة فيفدي ذلك بسبع الدية ويرد ثلثي العبد على ورثة الواهب الأول لأنه لا تظهر الزيادة في مال مورثهم فإنما تجوز الهبة منه في ثلث العبد، وأما عند اختيار الدفع الثلث الذي جازت الهبة فيه للموهوب له الأول يكون على ثلاثة أسهم فتجوز الهبة في سهم منه ثم يدفع الموهوب له الثاني ذلك السهم فيزداد حق ورثة الموهوب له الأول بسهم فيطرح ذلك من أصل حقهم ويجعل الثلث على سهمين فتجوز الهبة بالثاني في أحدهما ثم يدفعه بالجناية فيحصل لورثة الموهوب له الأول سهمان وقد نفذنا الهبة في سهم فاستقام وإذا صار الثلث على سهمين كان جميعه ستة فعرفنا أن الهبة إنما تصح في سدس العبد فيدفع الموهوب له ذلك السدس بالجناية ويرد إلى ورثة الواهب الأول ثلثي العبد. ولو كان العبد قتل الواهب(29/127)
ص -60- ... الأول والمسألة بحالها وقيمة العبد عشرة آلاف ومات الموهوب له الأول من مرضه جازت الهبة للموهوب له الآخر في سدسه ورد خمسة أسداسه إلى الموهوب له الأول ويجيء ورثة الواهب الأول فيأخذون من هذه الخمسة الأسداس ثلاثة أسداس وهو نصف العبد ويبقى في يد ورثة الثاني ثلث العبد لأنا نحتاج إلى حساب له ثلث والثلاثة ثلث ذلك تسعة فتصح الهبة من الأول للثاني في ثلاثة ثم يعود ذلك إليهم بالدفع بالجناية أو الفداء بمثله فيطرح ذلك من أصل حق ورثة الواهب الأول لمكان الدور يبقى حقهم في ثلاثة وحق الموهوب له في ثلاثة فيكون العبد على ستة ثلاثة أسداسه وهو نصف العبد لورثة الواهب الأول بنقض الأول، وسدسان وهو ثلث العبد لورثة الموهوب له الأول وسدسه للموهوب له الآخر ثم يقال لورثة الموهوب له الأول وللموهوب له الآخر ادفعوا ما في أيديكم إلى ورثة المقتول أو افدوه بمثله لأن القيمة والدية سواء وأي ذلك فعلوا فقد حصل لورثة الواهب ستة وقد نفذنا الهبة في ثلاثة فكان مستقيما ثم يرجع ورثة الواهب الآخر على الموهوب له الآخر بثلث قيمة العبد لأنه قبضه فارغا ورده عليهم مشغولا بالجناية وقد استحق من يدهم بذلك السبب فلهذا رجعوا عليه بمثل قيمته سواء اختاروا الدفع أو الفداء.(29/128)
ولو قتل العبد الواهب الأول والآخر جميعا وهما مريضان فهذه المسألة على أربعة أوجه أما أن يختار الموهوب له الآخر وورثة الموهوب له الأول الدفع أو يختاروا جميعا الفداء أو يختار ورثة الموهوب له الأول الدفع والموهوب له الآخر الفداء أو يختار ورثة الموهوب له الأول الفداء والموهوب له الآخر الدفع، فإن اختاروا جميعا الفداء قيل للموهوب له الآخر رد ستة أثمان العبد على ورثة الواهب الآخر نقضا للهبة ويبقى في يدك ثمناه ثم يجيء ورثة الواهب الأول إلى ورثة الموهوب له الأول فيأخذون منهم أربعة أثمان العبد ويبقى في أيديهم ثمنان ويأخذون منهم فداء الثمنين ربع الدية وإنما قلنا ذلك لأن العبد في الأصل على تسعة ستة من ذلك لورثة الواهب الأول وهو فارغ عن الجنايتين وسهمان لورثة الموهوب له الأول وفيهما جناية واحدة وهي الجناية على الواهب الأول لأن جناية هذين السهمين على الموهوب له الأول هدر فإنه جناية المملوك على مالكه وسهم حق الموهوب له الآخر وفيه جنايتان فعند اختيار الفداء يفدى الموهوب له الآخر نصيبه بسهم لورثة الموهوب له الأول فيزداد نصيبهم بهذا السهم فنطرح من أصل حقهم سهما فيتراجع العبد إلى ثمانية لورثة الموهوب له الأول سهم وللموهوب له الآخر سهم ثم يفدى سهمه بسهم من الدية لورثة الموهوب له الأول فيحصل لهم سهمان وقد نفذنا الهبة في سهم فاستقام ثم يقال للموهوب له الآخر افد ما في يدك وذلك ثمنان لورثة الواهب الأول بسهمين وكذلك ورثة الموهوب له الأول يفدون ما كان في أيديهم وذلك ثمنان لورثة الواهب الأول بسهمين فيزداد في حقهم أربعة أسهم فيطرح ذلك من أصل حقهم. وإذا طرحنا أربعة من ثمانية يبقى أربعة أسهم فتبين أن العبد في الحاصل يكون على أربعة أسهم سهمان لورثة الواهب الأول وسهم لورثة(29/129)
ص -61- ... الواهب الثاني، وسهم للموهوب له الأول الآخر ثم يفدي الموهوب له الآخر الواهب الأول سهمه بربع الدية، وكذلك الموهوب له الأول فيحصل لورثة الواهب الأول عشرة آلاف وقد نفذنا الهبة في خمسة آلاف ثم يفدى الموهوب له الآخر لورثة الموهوب له الأول بربع الدية أيضا فيسلم لهم خمسة آلاف وقد نفذنا الهبة في ألفين وخمسمائة ثم يرجع ورثة الواهب الآخر على الموهوب له الآخر بقيمة ربع العبد لأن الموهوب له الآخر قبضه فارغا ورده مشغولا ولم يسلم لهم إلا بالفداء، وإن اختاروا جميعا الدفع قيل للموهوب له الآخر رد تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من العبد على ورثة الواهب الآخر فيأخذ ورثة الأول منهم ستة أجزاء من أحد عشر جزءا ويبقى في يدي ورثة الثاني ثلاثة أجزاء فيدفعونها بالجناية إليهم أيضا ويرجعون بقيمتها على الموهوب له الآخر، ويقال للموهوب له الآخر ادفع الجزأين اللذين بقيا في يدك أحدهما إلى ورثة الواهب الأول والآخر إلى ورثة الواهب الآخر لأن العبد يكون على تسعة لما بينا ثم السهم الذي للموهوب له الآخر يدفع بالجنايتين نصفين فيكسر بالإنصاف فيجعله على ثمانية عشر لورثة الواهب الأول اثنا عشر ولورثة الواهب الثاني أربعة وللموهوب له الآخر سهمان يدفعهما بالجنايتين فيحصل لورثة الواهب الثاني خمسة وحقهم في أربعة فيطرح السهم الدائر من أصل حقهم يبقى حقهم في ثلاثة وحق الموهوب له الآخر في سهمين فذلك خمسة، وإذا صار ثلث العبد على خمسة كان الكل على خمسة عشر ثم الموهوب له الآخر يدفع سهما من نصيبه إلى ورثة الواهب الأول وورثة الموهوب له الأول يدفعون ثلاثة أسهم وهو ما عاد إليهم بنقض الهبة إلى ورثة الواهب الأول فيزداد حق ورثة الواهب الأول بأربعة أسهم فيطرح من أصل حقهم أربعة يبقى حقهم في ستة وحق الآخرين في خمسة فذلك أحد عشر فتبين أن العبد صار على أحد عشر وأن الموهوب له الآخر يرد تسعة على ورثة الواهب الآخر بحكم نقض الهبة فيأخذ(29/130)
ورثة الواهب الأول من ذلك ستة في يد ورثة الواهب الآخر ثلاثة ويدفع الموهوب له الآخر إليهم سهما فيحصل لهم أربعة ونفذنا هبة مورثهم في سهمين فاستقام ثم يدفع الموهوب له الآخر إلى ورثة الواهب الأول سهما وورثة الواهب الثاني يدفعون إليهم ثلاثة فيحصل لهم عشرة وقد نفذنا هبة مورثهم في خمسة فاستقام الثلث والثلثان ويرجع ورثة الواهب الثاني بقيمة الثلاثة الأسهم التي دفعوا إلى ورثة الواهب الأول على الموهوب له الآخر لأن الموهوب له الآخر قبض ذلك من مورثهم فارغا ورده مشغولا بالجناية وقد استحق تلك الجناية، وإن اختار الأوسط الدفع والآخر الفداء فهذا وما لو اختار الفداء سواء وإن اختار الأوسط الفداء والآخر الدفع فهذا وما لو صار الدفع سواء، لأنه ليس في نصيب ورثة الواهب الثاني إلا جناية واحدة فلا يتغير الحكم باختيارهم الدفع او الفداء وفي نصيب الموهوب له الآخر جنايتان فيتغير الحكم باختياره الدفع أو الفداء لأنه عند اختيار الدفع يدفع نصيبه إليهما نصفين وعند اختيار الفداء يفدى كل واحد منهما بكمال نصيبه فلهذا يغير الحكم باختياره والله أعلم بالصواب.(29/131)
ص -62- ... باب العتق في المرض
قال رحمه الله: وإذا أعتق الرجل عبدين له في مرضه ولا مال له غيرهما وقيمة كل واحد منهما ثلاثمائة فمات أحدهما بعد موت المولى فإن الثاني يسعى في أربعة أخماس قيمته" لأن الميت منهما مستوفى لوصيته وقد توى ما عليه من السعاية فإنما يضرب كل واحد منهما في الباقي بحقه فيقول قد كان الثلث بين العبدين نصفين على سهمين وللورثة أربعة أسهم فبعد موت أحدهما الباقي في رقبة الآخر فهو يضرب في رقبته بسهم والورثة بأربعة فتكون رقبته على خمسة يسلم له الخمس ويسعى في أربعة أخماس قيمته، فإن كان العبد الميت ترك مائة درهم أضف المائة إلى قيمة الباقي ثم يجعل له الخمس من ذلك لأن على الميت من السعاية فوق ما تركه فيجعل ما ترك مال المولى فيكون ماله أربعمائة فيضرب فيه الورثة بأربعة والعبد الباقي فيسلم له الخمس من ذلك وذلك ثمانون ويسعى في مائتين وعشرين من قيمته فيحصل للورثة ثلاثمائة وعشرون وقد نفذنا الوصية للحي في ثمانين وللميت في مثله فيحصل تنفيذ الوصية لهما في مائة وستين، ولو لم يمت واحد من العبدين حتى سعى أحدهما في مائة درهم ثم مات أو أبق أو عجز عن السعاية ضم ما سعى فيه إلى رقبة الآخر ثم جعل للباقي خمس ذلك للتخريج الذي بينا ولو عجلا للمريض ثلثي قيمتهما فاستهلكها ثم مات كان عليهما أن يسعيا في ثلثي الثلث لأن مال الميت عند الموت ثلث رقبة كل واحد منهما وقد وصل إليه عوض الثلثين وما استهلك إلا بعد جملة ماله فإنما ننفذ الوصية لهما في ثلث الثلث وعلى كل واحد منهما أن يسعى في ثلثي ثلث قيمته، ولو كان أحدها عجل له ثلثي قيمته فاستهلكها ثم مات ضم ما بقي من قيمته إلى رقبة الآخر فيصير أربعمائة وهو جميع تركة المولى فثلث ذلك بينهما نصفان وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث لكل واحد منهما ستة وستون وثلثان ويسعى الذي لم يعجل شيئا في مائتين وثلاثة وثلاثين وثلث ويسعى الآخر في ثلاثة وثلاثين وثلث فيحصل للورثة(29/132)
مائتان وستة وستون وثلثان وقد نفذنا الوصية لهما في مائة وثلاثة وثلاثين وثلث.
فإن قيل: لماذا لا يضرب كل واحد منهما بما بقي من رقبة الذي عجل بسهم والذي لم يعجل بثلاثة؟.
قلنا: لأن كل واحد منهما موصى له بجميع رقبته فإنما يضرب في الثلث بوصيته فلا بد من أن يجعل الثلث بينهما نصفان ثم يحتسب للذي عجل ما أدى، ولو عجل أحدهما جميع قيمته للمولى فاستهلكها ثم مات سعى الآخر في ثلثي قيمته للورثة وفي سدس قيمته للعبد الذي عجل القيمة لأن مال المولى عند موته ثلاثمائة وهي رقبة الذي لم يعجل شيئا فتنفذ الوصية في ثلثه وهو مائة درهم بينهما نصفين لكل واحد منهما خمسون فالذي لم يعجل يسلم له خمسين ويسعى في مائتين وخمسين والذي عجل ثلاثمائة وقد تبين أنه كان السالم له بالوصية خمسين وقد استوفى ذلك المولى منه فكان دينا له في تركته فيأخذ خمسين من هذه السعاية بحساب ديته ويبقى للورثة مائتان وقد نفذنا الوصية في مائة.(29/133)
ص -63- ... ولو عجل أحدهما جميع قيمته وعجل الآخر نصف قيمته فاستهلك المولى جميع ذلك ثم مات سعى الذي عجل النصف في ثلث القيمة للورثة وفي نصف سدس القيمة للعبد الآخر لأن ماله عند الموت مائة وخمسون فإنما يسلم لهما بالوصية ثلث ذلك بينهما نصفين فيسلم للذي عجل النصف خمسة وعشرين بما بقي من رقبته ويسعى في مائة وخمسة وعشرين يأخذ العبد الآخر بحساب دينه لأن المولى قد استوفى منه جميع القيمة وقد ظهر أنه كان سلم له بالوصية خمسة وعشرين فيرد عليه ذلك القدر.
ولو كان عجل أحدهما للمولى خمسين درهما وعجل له الآخر مائتين وخمسين فاستهلك المولى جميع ذلك ثم مات يسعى العبد الذي عجل خمسين درهما في مائتي درهم للورثة فقط لأن ماله عند الموت ثلاثمائة فيسلم لهما بالوصية ثلاثة لكل واحد منهما خمسين وقد عجل أحدهما مائتين وخمسين وهو مقدار ما عليه من السعاية وعجل الآخر خمسين فيسعى للورثة في مائتي درهم حتى يصير مؤديا جميع ما عليه من السعاية فيسلم للورثة مائتي درهم وقد نفذنا الوصية لهما في مائة.
وإذا أعتق عبدا له في مرضه لا مال له غيره وقيمته ثلاثمائة ثم مات المولى ثم مات العبد وله ورثة أحرار وترك خمسمائة درهم كان لورثة المولى من ذلك مائتا درهم والباقي لورثة العبد لأن عند موت المولى يسلم للعبد ثلث رقبته بالوصية وتلزمه السعاية في ثلثي رقبته فلما مات عن ورثة أحرار فإنما يبدأ بقضاء الدين من تركته وذلك مائتا درهم والباقي لورثته. وكذلك لو مات العبد قبل المولى وله ورثة يحوذون ميراثه لأن شيئا من ماله لا يعود إلى السيد بالميراث فلا يقع الدور.(29/134)
وكذلك لو مات العبد قبل السيد وترك خمسمائة ثم مات المولى وله أولاد رجال ونساء ولا وارث للعبد غير السيد فالمائتان من الخمسمائة بين ورثة المولى للذكر مثل حظ الانثيين لأن ذلك للمولى من تركة العبد بحساب دينه وثلاثمائة الباقية من تركة العبد تكون للذكر من أولاد المولى بسبب الولاء هذا إذا كان موت العبد بعد المولى، فإن كان موت العبد قبل موت المولى فالخمسمائة كلها بين ورثة المولى للذكر مثل حظ الأنثيين لأن جميع ذلك صار للمولى بعضه بحساب الدين وبعضه بحساب الميراث فتكون الخمسمائة كلها تركة المولى.
ولو أن العبد مات بعد موت المولى وترك ابنته كانت المائتان من الخمسمائة لورثة المولى بحساب دين السعاية وكانت الثلثمائة بين ابنة العبد والذكور من أولاد المولى نصفين لأن تركة العبد في الحاصل هذا فيكون نصفه لابنته ونصفه لعصبة المولى. ولو مات العبد قبل السيد وترك خمسمائة وترك ابنته ومولاه كانت وصية العبد مائة وستين درهما لأن مال المولى في الحاصل أربعمائة قيمة العبد ثلاثمائة والباقي وهو مائتان بين الابنة والمولى نصفان ثم تنفذ الوصية للعبد في خمسي هذه الأربعمائة باعتبار طرح سهم الدور من نصيب المولى كما بينا فإذا ظهر أن وصيته خمسا أربعمائة وذلك مائة وستون يبقى عليه من السعاية مائة وأربعون(29/135)
ص -64- ... فيأخذها ورثة المولى من الخمسمائة ويبقى من تركة العبد ثلاثمائة وستون بين المولى والابنة نصفان فيسلم للابنة مائة وثمانون ولورثة المولى في الحاصل ثلاثمائة وعشرون، وعلى الطريق الآخر وهو أن يجعل طرح سهم الدور من نصيب العبد واليه أشار في الكتاب هنا السبيل أن نرفع من تركة العبد ثلثي قيمته بالسعاية يبقى ثلاثمائة بين الابنة والمولى نصفان ثم نصيب المولى يكون على ثلاثة أسهم لحاجتنا إلى تنفيذ الوصية للعبد في ثلث ذلك فيكون هذه الثلثمائة على ستة أسهم ثلاثة للمولى ثم يعود سهم من ذلك بالوصية إلى الابنة فيطرح ذلك من أصل نصيبها يبقى لها سهمان وللمولى ثلاثة فذلك خمسة فهذه تكون أخماسا خمساها مائة وعشرون ثم يعود إليها بالوصية خمس آخر وذلك ستون فيسلم لها مائة وثمانون وقد كنا أعطينا المولى بالميراث مثل هذا فاستقام التخريج.
ولو مات العبد قبل السيد وترك سبعمائة درهم والمسألة بحالها فوصية العبد مائتا درهم، أما على الطريق الأول فإن مال المولى خمسمائة وقيمة العبد مع نصف ما بقي ثم بعد طرح سهم الدور من جانبه وهذه الخمسمائة تكون أخماسا للعبد خمساها بالوصية وذلك مائتا درهم فإذا تبين أن وصيته مائتا درهم يبقى عليه السعاية في مائة درهم فيأخذ المولى ذلك من تركته مع نصف ما بقي فيسلم لورثته أربعمائة وقد نفذنا وصيته في مائتين، وعلى الطريق الآخر ترفع ثلثي قيمته من تركته بقي تركة العبد خمسمائة وتقسم هذه الخمسمائة بعد طرح سهم الدور من نصيب الابنة على خمسة أسهم ثلاثمائة للمولى ومائتان للابنة ثم تعود مائة بالوصية فيسلم لها ثلاثمائة مثل ما سلم للمولى وقد نفذنا الوصية في المرتين في مائتي درهم.(29/136)
ولو ترك العبد مائتي درهم أو أقل منها كان ذلك كله لورثة السيد لأن على العبد السعاية في المائتين وقد تبين أن دينه محيط بتركته فلا ميراث لورثته. ولو ترك ثلاثمائة كانت وصيته عشرين ومائة لأن هذه الثلثمائة كلها مال المولى وبعد طرح سهم الدور من جانبه تقسم أخماسا للعبد خمساها بطريق الوصية وذلك مائة وعشرون يبقى عليه من السعاية بقدر مائة وثمانين فيأخذ المولى ذلك أولا ثم يسلم له نصف المائة والعشرين بالميراث فيسلم لورثته مائتان وأربعون وقد نفذنا الوصية في مائة وعشرين.
وعلى الطريق الآخر يرفع ثلثا قيمته يبقي تركة العبد مائة فيقسم ذلك بين الابنة والمولى أخماسا للمولى ثلاثة أخماسه ستون ثم يعود إليها بالوصية ثلث ذلك عشرون فيسلم لها ستون مثل ما سلم للمولى بالميراث وقد نفذنا الوصية مرة في مائة ومرة في عشرين فاستقام.
وعلى هذا القياس لو ترك العبد أكثر من ذلك ما ثلثه بين ألف ومائتين إلا شيء فإن التخريج فيه كما بينا.
ولو ترك ألف درهم ومائتي درهم أو اكثر فلا سعاية عليه وهو كله ميراث لأن نصف تركته يكون للمولى بطريق الميراث وذلك ستمائة فتبين أن جميع رقبته خارج من ثلث مال المولى فلهذا لا سعاية عليه. ولو ترك العبد ابنتين وثلاثمائة درهم كانت وصيته في ثلث ذلك ثم ذلك(29/137)
ص -65- ... الثلث بين الابنتين والمولى أثلاثا فالسبيل أن تجعل أصله من تسعة ثم يعود سهم إلى المولى بالميراث وهو الدائر فتطرحه من أصل حقه وتجعل الثلثمائة على ثمانية فإنما تنفذ الوصية في ثلاثة أثمان هذه الثلثمائة وثمن الثلثمائة سبعة وثلاثون ونصف فثلاثة أثمانه تكون مائة واثني عشر ونصفا فتبين أن السالم له بالوصية هذا المقدار فيأخذ المولى من تركته ما بقي عليه من السعاية وذلك مائة وسبعة وثمانون ونصف ويعود إليه بالميراث سبعة وثلاثون ونصف فذلك مائتان وخمسة وعشرون وقد نفذنا الوصية في مائة واثنى عشر ونصف على الطريق الآخر يرفع ثلثا قيمته من تركته يبقى مائة فهذه المائة تقسم بين الابنتين والمولى أثلاثا ثم الثلث الذي للمولى يكون على ثلاثة لحاجتنا إلى تنفيذ الوصية في ثلث ذلك فتكون هذه المائة على تسعة وبعد طرح سهم الدور من جانب الابنتين تكون على ثمانية يسلم للمولى بالميراث ثلاثة ثم يعود إلى الابنتين بالوصية سهم فيكون لهما ستة وذلك الثلثان من تركة العبد وللمولى الثلث.
وإذا قسمت ذلك بالدراهم ظهر أن تنفيذ الوصية في مائة واثنى عشر ونصف لأنا نفذنا الوصية مرة في مائة ومرة في ثمن المائة وذلك اثنا عشر ونصف وكذلك على هذا القياس يخرج لو ترك أكثر من ذلك إلى ألف وثمانمائة درهم، فإن كانت تركة العبد ألف درهم وثمان مائة أو أكثر فلا سعاية عليه لأن لابنتيه من تركته الثلثين والباقي للمولى وذلك ستمائة فتبين أن رقبته تخرج من ثلث ماله فلهذا لا يجب عليه السعاية.(29/138)
ولو كان العبد ترك ابنتيه وأمه والمولى فإن كانت تركته قدر ثلثي قيمته أو أقل فهو لورثة المولى كله بحساب دين السعاية، وإن كانت تركته أكثر من ذلك نظرت إلى ما بقي فتقسمه على أربعة عشر سهما ثم نظرت إلى سهم من سبعة عشر فاضفته إلى ثلث رقبة العبد فذلك ثلث تركة المولى فهو الوصية من قبل أن أصل الفريضة من ثمانية عشر للابنتين الثلثان اثنا عشر وللأم السدس الثلاثة وما بقي وهو الثلاثة فهو للسيد يعود ثلث ذلك وهو سهم بالوصية إلى ورثة العبد فاطرح ذلك من أصل حقهم فيبقي لهم أربعة عشر وهذه الثلاثة التي بقيت ميراث المولى فذلك سبعة عشر فلهذا صار الباقي بعد المائتين مقسوما على سبعة عشر الوصية من ذلك سهم واحد.
ولو ترك العبد وابنه وامرأة ومولاه رفعت من تركته ثلثي القيمة ثم نظرت إلى ما بقي فأخذت سبعة فاضفته إلى ثلث قيمة العبد فجعلته لوصيته لأن أصل الفريضة من ثمانية للمرأة سهم وللابنة أربعة والباقي وهو ثلاثة للمولى ثم يعود سهم من هذه الثلاثة بالوصية إلى ورثة العبد فيطرح هذا السهم من أصل حقهم وتجعل قسمة الباقي على سبعة.
ولو ترك العبد ابنة وأما وامرأة والمسألة بحالها قسم ما بقي من التركة بعد رفع ثلثي القيمة على سبعة وستين سهما فنظرت إلى خمسة أسهم من هذه السبعة والستين فاضفتها إلى ثلث قيمة العبد وجعلت ذلك الوصية لأن الفريضة من أربعة وعشرين للابنة اثنى عشر وللأم أربعة وللمرأة ثلاثة يبقى خمسة فهي للمولى بالعصوبة ثم تنفذ الوصية في ثلث ذلك وليس للخمسة ثلث صحيح فيضرب أصل الفريضة في ثلاثة فصار اثنين وسبعين للمولى من ذلك(29/139)
ص -66- ... خمسة عشر ثم يعود ثلث ذلك وهو خمسة إلى ورثة العبد بالوصية فيطرح ذلك من أصل حقهم. وإذا طرحت من اثنين وسبعين خمسة يبقى سبعة وستون الوصية من ذلك سبعة أخرى مع ثلث القيمة كما بينا، ولو كان العبد ترك ابنين وأما وامرأة كانت وصيته جزءا من أحد وسبعين مع ثلث رقبته لأن أصل الفريضة من أربع وعشرين للابنتين الثلثان ستة عشر وللأم أربعة وللمرأة ثلاثة وبقي سهم واحد فهو للمولى ثم ثلث ذلك العبد وصية فالسبيل أن تضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فيكون اثنين وسبعين للمولى بالميراث من ذلك ثلاثة ويعود إلى ورثة العبد سهم منه بالوصية فيطرح من أصل حقهم سهم يبقى أحد وسبعون فتبين أن الوصية له بثلث رقبته وبجزء من أحد وسبعين مما بقي من تركته بعد رفع ثلثي قيمته.(29/140)
ولو مات العبد قبل المولى وترك ثلاث مائة درهم ثم مات المولى وعليه دين مائة درهم فوصية العبد من ذلك ثمانون درهما والسعاية مائتان وعشرون لأن القدر المشغول بالدين من ثلاثمائة لا يعد مالا للمولى في حكم الوصية يبقى ماله مائتا درهم وبعد طرح سهم الدور من قبل المولى يقسم على خمسة أسهم خمساه للعبد بالوصية وذلك ثمانون درهما وثلاثة أخماسه للمولى ثم يعود نصف الثمانين بالميراث إلى المولى فيسلم لورثته مائة وستون وقد نفذنا الوصية للعبد في ثمانين فاستقام، وعلى الطريق الآخر يجعل طرح سهم الدور من قبل العبد، قال "يرفع مقدار الدين وهو مائة وثلثا ما بقي فإنما يكون للعبد ثلث ما بقي وذلك ستة وستون وثلثان فذلك بين الابنة والمولى نصفان ثم نصيب المولى يكون على ثلاثة أسهم لتنفيذ الوصية للعبد في ثلاثة فيطرح سهم من قبل الابنة" لأن ذلك يعود إليها بالوصية ويقسم هذا الباقي على خمسة خمساها للابنة وثلاثة أخماسها للمولى ثم يعود خمس بالوصية إليها فيسلم إليها مثل ما سلم للمولى وقد حصل تنفيذ الوصية مرة في ستة وستين وثلثين ومرة في ثلاثة عشر وثلث فذلك ثمانون ثم التخريج كما بينا، وكذلك إن كان الدين أقل من ذلك أو أكثر فهو على هذا القياس وكذلك لو كان مع الابنة امرأة أو أم أو كلاهما فهو يخرج مستقيما إذا تأملت على الطريق الذي قلنا، ولو لم يكن على المولى دين وترك المولى أيضا ثلاثمائة فوصية العبد مائتان وأربعون درهما لأنا نضم ما ترك المولى إلى ما تركه العبد فإنه ليس فيه فضل على قيمته فيجعل ذلك كله مال المولى ثم بعد طرح سهم الدور من جانب المولى ننفذ الوصية للعبد في خمسي ذلك وخمسا ستمائة مائتان وأربعون يبقي من تركة العبد ستون يأخذه بطريق السعاية ويأخذ نصف المائتين وأربعين بطريق الميراث فيسلم لورثته أربعمائة وثمانون وقد نفذنا الوصية في مائتين وأربعين، وعلى الطريق الآخر يقول وصية العبد من ثلاث مائة، فإذا ترك ثلاث مائة(29/141)
والوصية للعبد من كل ثلاث مائة عرفنا أن له مائتين فيأخذ المولى مائة درهم من تركة العبد بطريق السعاية ونصف المائتين بطريق الميراث ثم ثلث ذلك للعبد وصية فتكون هذه المائتان بعد طرح سهم الدور أخماسا وإنما تنفذ الوصية في خمسها وخمس المائتين أربعون فظهر أنا نفذنا الوصية له مرة في مائتين ومرة في أربعين فذلك مائتان وأربعون.(29/142)
ص -67- ... وكذلك إن ترك أكثر من ذلك من المال فعلى هذا القياس يخرج. ولو أعتق المريض عبدا قيمته ثلاثمائة فتعجل المولى من العبد جميع القيمة فأكلها ثم مات العبد وترك خمسمائة درهم ولا وارث له غير ابنته ومولاه فالوصية من ذلك مائة درهم لأن ما ترك العبد صار ميراثا بين الابنة والمولى نصفين فمال المولى عند موته مائتان وخمسون وبعد طرح سهم الدور يقسم ذلك أخماسا الوصية للعبد خمسا ذلك وذلك مائة درهم فتبين أن المولى أخذ من العبد مائة زيادة على حقه فيكون ذلك دينا عليه فيضم ذلك إلى تركة العبد وهو خمسمائة فيصير ستمائة بين الأخت والمولى نصفين لكل واحد منهما ثلاثمائة فيحسب للمولى ما عليه وذلك مائة ويأخذ ورثته مائتين من الابنة فيسلم للابنة ثلاث مائة. ولو كان المولى تعجل من العبد ثلثي قيمته فأكلها ثم مات العبد وترك خمسمائة فالوصية هنا عشرون ومائة لأنه يدفع للمولى مائة درهم من هذه الخمسمائة ونصف ما بقي بطريق الميراث فيكون مال المولى ثلاث مائة وبعد طرح سهم الدور من هذه الثلاثمائة تكون أخماسا الوصية للعبد خمساها وذلك مائة وعشرون فتبين أن السعاية على العبد كانت مائة وثمانين وقد أخذ المولى مائتين فمقدار عشرين من ذلك دين عليه يضم إلى الخمسمائة ويجعل ذلك بين الابنة والمولى نصفان لكل واحد منهما مائتان وستون فيحتسب للمولى ما عليه وذلك عشرون ويأخذ من الخمسمائة ما بقي وأربعين ويسلم للابنة مائتان وستون، ولو كان عجل مائة درهم فاستهلكها كانت الوصية أربعين ومائة لأنه يدفع للمولى من الخمسمائة ما بقي من قيمة العبد وذلك مائتان ونصف ما بقي بالميراث فيكون ثلاث مائة وخمسين الوصية للعبد خمسا ذلك باعتبار طرح سهم الدور وذلك مائة وأربعون فظهر أن السعاية عليه مائة وستون وقد أخذ مائة درهم يبقى على العبد من السعاية ستون درهما فيأخذ المولى ذلك من الخمسمائة ونصف ما يبقي بالميراث وذلك مائتان وعشرون فيسلم لورثته مائتان(29/143)
وثمانون وقد نفذنا الوصية في ثمانية وأربعين فاستقام، ولو لم يؤد العبد شيئا من السعاية حتى مات وترك خمسمائة كانت الوصية ستين ومائة درهم لأن المولى يرفع قيمة العبد من تركته وذلك ثلاثمائة ونصف ما بقي بالميراث فيكون ماله أربعمائة خمساها للعبد بطريق الوصية وذلك مائة وستون درهما فظهر أن السعاية على العبد مائة وأربعون فيأخذها ورثة المولى من الخمسمائة يبقى ثلاث مائة وستون بين الابنة والمولى نصفان للمولى من ذلك مائة وثمانون فيصير في أيديهم ثلاث مائة وعشرون وقد نفذنا وصية العبد في مائة وستين فاستقام الثلث والثلثان والله أعلم بالصواب.
باب السلم في المرض
قال رحمه الله: وإذا أسلم المريض عشرة دراهم في كر يساوي عشرة إلى أجل معلوم وقبض الدراهم ثم مات رب السلم وعليه دين محيط بماله ولم يحل السلم فالمسلم إليه بالخيار إن شاء رد الدراهم ونقض السلم وإن شاء أدى الكر كله حالا" لأن المريض حابى بالأجل فقد بينا أن الوصية بالأجل بمنزلة الوصية بالمال في الاعتبار من الثلث بعد الدين والدين(29/144)
ص -68- ... محيط بتركة الميت هنا فلا يمكن تنفيذ الأجل للمسلم إليه وقد تغير عليه شرط عقده بذلك فثبت له الخيار وإن كان الكر قد حل قبل موت رب السلم أو مات المسلم إليه قبل موت رب السلم حتى حل الأجل بموته فلا خيار له ولا لورثته هنا ولكن يجبرون على أداء الكر لأنه لم يتغير موجب العقد هنا ولو كان أسلم عشرين درهما في كر يساوي عشرة وعليه دين عشرة فالمسلم إليه بالخيار إن شاء رد الدراهم ونقض السلم وإن شاء أدى الكر ورد من رأس ماله ستة وثلاثين لأن المحاباة هنا حصلت بالمال والأجل جميعا فتعتبر من الثلث بعد الدين والثلث بعد الدين ثلاثة دراهم وثلث فذلك القدر سلم للمسلم إليه بالوصية ويثبت له الخيار لتغير شرط العقد عليه فإذا اختار الإمضاء أدى الكر حالا لأن وصيته نفذناها من ثلث المال فلا يسلم له شيء من الأجل فيؤدي الكر حالا ويرد من رأس المال ستة وثلاثين حتى يقضي الدين بعشرة ويسلم للورثة ستة وثلثان وقد نفذنا الوصية في ثلاثة وثلث ولا حاجة إلى نقض العقد هنا في شيء لما أمكن رد بعض رأس المال من غير أن يؤدي إلى الربا بخلاف الإقالة وبيع الكر بالكر على ما بينا فلو كان أسلم خمسين درهما في كر يساوي ثلاثين وعليه دين عشرون، فإن شاء المسلم إليه نقض السلم وإن شاء رد الكر وأدى عشرة دراهم من رأس المال لأنه حاباه بقدر عشرين من رأس المال فيسلم له من ذلك قدر الثلث بعد الدين وذلك عشرة وثبت الخيار له لتغير شرط العقد عليه، فإذا اختار إمضاء العقد أدى الكر ورد عشرة دراهم من رأس المال فيقضي دينه عشرون درهما ويبقى للورثة عشرون وقد نفذنا الوصية في عشر فاستقام، ولو كان السلم مائة درهم في كر يساوي خمسين وعليه دين أربعون فإن شاء المسلم إليه نقض السلم، وإن شاء أدى الكر ورد ثلاثين رأس المال لأنه يسلم له بالوصية الثلث بعد الدين وذلك عشرون ويثبت له الخيار لتغير شرط العقد، فإذا اختار إمضاء العقد أدى الكر ورد ثلاثين من رأس المال(29/145)
حتى يقضي دينه بأربعين ويسلم للورثة أربعون وقد نفذنا الوصية في عشرين وفي الحاصل يسلم للمسلم إليه قيمة كره وثلث تركة الميت بعد الذين ورد ما زاد على ذلك من رأس المال.
وإذا أسلم المريض عشرة دراهم إلى رجلين في كر حنطة يساوي عشرة إلى أجل وقضي الدراهم ثم مات أحدهما ثم مات رب السلم قبل حل الأجل فإنه يخير ورثة الميت على أن يؤدوا نصفه لأن طعام السلم حل بموته في نصيبه فلم يتغير موجب العقد على ورثته والحي بالخيار إن شاء نقض السلم في حقه لتغير موجب العقد عليه، وإن شاء أدى ثلث ما عليه لأنه موصى له بالأجل في نصيبه فإنما تنفذ الوصية له في ثلث مال الميت وذلك ثلثا ما عليه فقد سلم للورثة ثلثي كر قيمته ستة وثلثان وبقي ثلث الكر عليه مؤجلا وقيمته ثلاثة وثلث.
ولو كان رأس المال عشرين درهما وقد مات أحدهما قبله أو بعده قبل أن يختصموا فالحي وورثة الميت منهما بالخيار لأنه حاباهما بقدر نصف ماله ولا يسلم المحاباة لهما إلا بقدر الثلث فقد تغير على كل واحد منهما شرط العقد فلهذا ثبت لهم الخيار، فإن اختاروا(29/146)
ص -69- ... إمضاء العقد أدوا الكر وردوا ثلاثة دراهم وثلثا من رأس المال لأنه إنما يسلم لهم من المحاباة مقدار ثلث المال وذلك ستة وثلثان فيؤدي الكر حالا وقيمته عشرة وثلاثة دراهم وثلث من رأس المال حتى يسلم للورثة ثلاثة عشر وثلث وقد نفذنا الوصية في ستة وثلاثين فيكون السالم لهما قيمة الكر من رأس المال وثلث مال الميت بالوصية فإن كان الميت منهما مات معسرا فالآخر بالخيار إن شاء رد حصته من الدراهم ونقض السلم، وإن شاء رد نصف الكر وثلاثة دراهم من رأس المال لأن الميت منهما مات مستوفيا لوصيته ويؤدي ما عليه وقد كان الثلث بينهما نصفين فيكون حق كل واحد منهما في سهم وحق الورثة في أربعة فنصيب الحي يجعل على خمسة يسلم له من الخمس بطريق الوصية ويؤدي أربعة أخماسه وذلك نصف كر قيمته خمسة دراهم وثلاثة دراهم من رأس المال فيسلم للورثة ثمانية وقد نفذنا الوصية للحي في درهمين وللميت في مثله فاستقام.(29/147)
ولو كان رأس المال ثلاثين درهما ولم يمت واحد منهما ولكن غاب أحدهما وقالت ورثة رب السلم لا نجيز هذا السلم، فالمسلم إليه بالخيار إن شاء نقض السلم في حصته ورد حصته من الدراهم، وإن شاء أدى نصف الكر ورد من رأس المال سبعة على ما بينا أن الثلث بينهما نصفان فإنما يضرب الحاضر في نصيبه بسهم وورثة رب السلم بأربعة فيسلم له الخمس مما عليه وذلك ثلاثة دراهم بالوصية فيرد إلى الورثة نصف كر قيمته خمسة وسبعة دراهم من رأس المال فيكون ذلك اثني عشر وقد نفذنا الوصية للحاضر في ثلاثة وللغائب في مثله فاستقام، فإن حضر الغائب بعد ما قضى القاضي بينهم بهذا فإنه يكون بالخيار إن شاء رد الدراهم على الورثة في نقض السلم لتغير شرط العقد عليه وإن شاء أدى نصف الكر ورد ثلاثة من رأس المال لأنه قد سلم للورثة اثني عشر فإنما يبقي إلى تمام حقهم ثمانية فإذا أعطاهم نصف الكر قيمته خمسة رد عليهم من رأس المال ثلاثة فقد سلم لهم عشرون درهما وقد نفذنا الوصية لأحدهما في ثلاثة وللآخر في سبعة فاستقام التخريج ولا يرد على الأول بشيء لأن حكم السلم قد انتقض فيما رد ومن رأس المال بانتقاض قبضه من الأصل فلا يعود بعد ذلك حكم العقد في شيء منه.(29/148)
وإذا أسلم الرجل في مرضه ستين درهما إلى ثلاثة نفر في كر قيمته ثلاثون وقبض الدراهم ثم مات رب السلم ولا مال له غيرها فأخذ الورثة أحدهم ولم يظفروا بالآخرين فهو بالخيار لتغير شرط العقد عليه، فإن اختار إمضاء العقد أدى ثلث الكر ورد من رأس المال سبعة دراهم وسبعا لأن الثلث بينهم أثلاث فالحاضر إنما يضرب في نصيبه بسهم والورثة بستة فيسلم له السبع من نصيبه ونصيبه عشرون درهما فسبعة يكون درهما وستة أتساع فعليه أن يرد على الورثة ما زاد على ذلك وهو ثلث كر قيمته عشرة ومن رأس المال سبعة دراهم وسبعا، فإن ظفروا بأحد الغائبين بعد ما قضى القاضي بينهم بهذا وفسخ السلم فيما بينهم وبين الأول فهذا الثاني أيضا بالخيار إن شاء نقض السلم في حصته وإن شاء أدى ثلث الكر ورد من رأس(29/149)
ص -70- ... المال ثلاثة دراهم إلا تسعا لأن في يد الورثة سبعة عشر درهما وسبعا، فإذا أعطاهم ما بينا يسلم للورثة ثلاثون درهما وذلك ثلاثة أرباع ما كان أسلم إليهما ويكون في يد المسلم إليه الثاني عشرة دراهم وسبعا فإذا أعطاهم عشرة قيمة ما أدى من الطعام وسبعة وسبعا محاباة فذلك كمال ربع ما أسلم إليهما بما أخذ الأول من المحاباة ولا يرد الثاني على الأول شيئا لأن الأول قد فسخ القاضي حصته من رأس مال السلم فيما رده عليه فلا يعود الحق فيه بعد وذلك لهذا فإن فعلوا ذلك ثم ظفروا بالثالث جاز السلم في حصته وجازت له حصته من المحاباة لأنها كمال الثلث سواء فيؤدي إلى الورثة حصته وذلك ثلاثة عشر قيمته عشرة حتى يسلم للورثة تمام أربعين درهما وهي ثلث تركة الميت ويكون في يد المسلم إليه الثالث عشرون درهما عشرة قيمة ما أدى وعشرة محاباة وهي تمام ثلث تركة الميت بما أخذ الأولان والأصل في ذلك أنهم حين ظفروا بالأول كانت القسمة بينه وبينهم أسباعا كما بينا فحين ظفروا بالثاني كانت القسمة بينهم وبين الأول والثاني على ثمانية لأن الثالث مستوفي لسهمه بقي حق الورثة في ستة وحقهما في سهمين فعرفنا أنه سلم لهما الربع مما عليهما وقد أخذ الأول حصته كما بينا فيسلم للثاني ما بقي من الربع ثم إذا ظفروا بالثالث فحق الورثة في الثلثين وحق الموصى لهم في الثلث وقد أخذ الأولان حقهما على وجه يتعذر إيصال شيء آخر إليهما فيسلم ما بقي من الثلث كله للثالث.(29/150)
وإذا أسلم المريض عشرين درهما في كر يساوي عشرين إلى أجل وأخذ به رهنا قيمته عشرة فضاع ثم مات قبل أن يحل السلم فقد ذهب الرهن بنصف الكر لأن في قيمته وفاء بنصف الكر وبهلاك الرهن إنما يصير مستوفيا بمقدار قيمة الرهن ويقال للمسلم إليه أنت بالخيار فإن شئت أد ثلثي ما بقي عليك من الكر ويكون ما بقي عليك إلى أجله وإن شئت فرد الدراهم وخذ من الورثة نصف الكر لأن المحاباة بالأجل لا تتعذر إلا في مقدار الثلث وماله عند الموت نصف الكر فإنما يسلم له الأجل في ثلث ذلك ويثبت له الخيار لتغير شرط العقد، فإذا اختار فسخ العقد رد الدراهم وأخذ من الورثة نصف الكر لأن الرهن حين ضاع في يده صار هو به مستوفيا نصف الكر فكأنه أداه إليه، وإذا فسخ العقد وجب على الورثة رد ذلك إليه إلا أن تجيز له الورثة ما بقي عليه إلى أجله فيكون لهم ذلك حينئذ ويسقط به خيار المسلم إليه لأنه ما تغير عليه موجب العقد فإن موجب العقد وجوب تسليم ما بقي عليه بعد حل الأجل وقد سلم له ذلك حين رضي الورثة بالأجل فيما بقي.
ولو أسلم المريض عشرين درهما في كر قيمته عشرة دراهم وأخذ منه رهنا قيمته تساوي عشرة فضاع ثم مات المريض فإن شاء المسلم إليه رد الدراهم كلها وأخذ من الورثة كرا مثل كره وإن شاء رد من رأس المال ستة دراهم وثلثين لأنه حاباه بنصف المال ولا يسلم له من المحاباة إلا مقدار الثلث فيثبت له الخيار لتغير شرط العقد عليه. وإذا اختار فسخ العقد رد رأس المال واسترد كرا مثل كره لأنه صار مستوفيا الكر بهلاك الرهن فكأنه استوفاه حقيقة فيلزمه(29/151)
ص -71- ... رده عند فسخ السلم. وإذا اختار إمضاء العقد فمال الميت عند موته عشرة دراهم لأن الكر صار مستهلكا فيسلم له بالمحاباة ثلاثة وثلث ويرد ستة دراهم وثلثين ولو أسلم إليه خمسين درهما في كر قيمته عشرون وأخذ منه رهنا يساوي ثلاثين فضاع الرهن ثم مات المريض فالمسلم إليه بالخيار كما قلنا إن شاء رد الدراهم وأخذ كرا مثل كره لأنه بهلاك الرهن صار مستوفيا للكر وهو أمين في الزيادة فعند انفساخ العقد يرد كرا مثل كره. وإن شاء رد من رأس المال إلى الورثة عشرين درهما لأن ماله عند الموت ثلاثون درهما فإن الكر مستهلك فلا يحتسب من تركته فإنما يسلم له بالوصية عشرة ويرد من رأس المال عشرين درهما وذلك ثلثا تركة الميت.(29/152)
ولو أسلم عشرة دراهم في كر قيمته عشرة وأخذ منه رهنا قيمته عشرة ثم مات المريض وقد حل الكر وقيمته خمسة فليس للورثة إلا عين الكر لأنه لم يحابه بشيء من المال حين أسلم وإنما مات بعد حل الأجل فإذا لم يكن في العقد محاباة كان مباشرته في الصحة والمرض سواء. ولو أسلم ثلاثين درهما في مرضه في كر حنطة قيمته يومئذ عشرون ثم مات المريض وقيمة الكر يوم مات عشرة فلم تجز الورثة فالمسلم إليه بالخيار لتغير شرط العقد وعند إمضاء العقد يؤدي الكر ويرد من رأس المال عشرة لأنه قد يمكن في أصل العقد هنا محاباة وإنما يسلم المحاباة له بطريق الوصية فينظر إلى قيمة الكر وقت الخصومة وقيمته وقت الخصومة عشرة وحق الورثة في عشرين فعليه أن يرد مع الكر من رأس المال عشرة بخلاف الأول فهناك لا محاباة في أصل العقد حين وقع السلم فكانت مباشرته في المرض ومباشرته في الصحة سواء إذا لم يكن فيه وصية، فإن أعطاه الكر رهنا ففي حكم الرهن ينظر إلى قيمة الكر يوم الرهن لأن بدء الاستيفاء إنما يثبت بقبض الرهن فيعتبر قيمته عند ذلك وتفسير ذلك مريض أسلم ثلاثين درهما في كر قيمته عشرون وأخذ منه رهنا بالكر قيمته عشرون ثم مات رب السلم فصار قيمة الكر عشرة دراهم وقد ضاع الرهن فإن الرهن يذهب بالكر على قيمته يومئذ لأنه كان في قيمته وفاء بالكر فينعقد به الاستيفاء بقبض الرهن ويتم بهلاكه ثم يكون المسلم إليه بالخيار إن شاء رد الدراهم وأخذ كرا مثل كره لأن استيفاء الكر بهلاك الرهن بمنزلة استيفائه حقيقة، وإن شاء رد من رأس المال إلى الورثة ستة دراهم وثلثين لأن الكر مستهلك فإذا رفعت قيمته من رأس المال يوم يقع السلم بقي عشرة دراهم فذلك مال الميت فيسلم لصاحب المحاباة ثلث ذلك ويرد على الورثة ثلثيها وذلك ستة وثلثان. ولو أسلم خمسين درهما في كر يساوي عشرين وأخذ منه رهنا قيمته عشرون فزادت قيمة الكر حتى صارت ثلاثين ثم مات رب السلم وقد ضاع الرهن فإن الرهن يذهب(29/153)
بقيمة الكر يومئذ لأن بقبض الرهن يثبت له بدء الاستيفاء في جميع الكر فإن في قيمته وفاء بالكر فيتم الاستيفاء بهلاك الرهن ولا ينظر إلى زيادة قيمة الكر بعد ذلك والمسلم إليه بالخيار إن شاء رد الدراهم وأخذ كرا مثل كره، وإن شاء رد من رأس المال عشرين درهما وهو ثلثا تركة الميت بعد الذي ذهب به الرهن لأن الكر مستهلك وقيمته وقت العقد كان عشرين، فإن كانت المحاباة بقدر ثلاثين(29/154)
ص -72- ... ومال الميت منه مقدار المحاباة فقط فإنما يسلم له من ذلك الثلث وهو عشرة دراهم فيرد على الورثة مقدار عشرين درهما حتى يستقيم الثلث والثلثان والله أعلم بالصواب.
باب السلم في مرض المسلم إليه
قال رحمه الله: وإذا أسلم الرجل عشرة دراهم في كر موصوف قيمته أربعون درهما إلى مريض وقبض المريض الدراهم ثم مات المسلم إليه ولا مال له غير الكر فرب السلم بالخيار" لأن المسلم إليه حاباه بثلاثين درهما وذلك فوق ثلث ماله وإنما يسلم له المحاباة بقدر ثلث ماله فيتخير حين لم يسلم له شرط عقده فإن شاء نقض السلم ورجع على الورثة بدراهمه وإن شاء أخذ نصف الكر وكان للورثة نصف الكر فيكون السالم لرب السلم نصف كر قيمته عشرون درهما عشرة منها بالعشرة التي أسلمها وعشرة بالمحاباة وهي ثلث ما ترك الميت ويسلم للورثة نصف كر قيمته عشرون وذلك ثلثا تركة الميت.
وذكر الحاكم في المختصر إن شاء أخذ الكر وأعطى الورثة عشرين درهما وإنما أراد به أن يرد من المحاباة ما جاوز الثلث بطريق لزيادة في رأس المال على قياس بيع العين وهذا غلط لأن الزيادة في رأس المال بعد موت المسلم إليه لا تجوز فإنه لو لم يقبض رأس المال حتى مات المسلم إليه لم يجز قبضه بعد الموت فلم تثبت الزيادة التي التحقت بأصل العقد وإنما قبضت بعد موت المسلم إليه وذلك لا يجوز.
فإن قيل: كيف يستقيم القول بسلامة نصف الكر للورثة من غير أن يجب عليهم رد شيء من رأس المال لأن سلامة نصف الكر لهم لا يكون إلا بطريق انتقاض العقد في نصف الكر وانتقاض العقد في نصف المعقود عليه لا تجوز بغير بدل؟.(29/155)
قلنا: إنما يسلم للورثة نصف الكر بطريق الحط وهو أن رب السلم حين اختار إمضاء العقد فكأنه حط نصف الكر وقد بينا في جانب رأس المال أنه يرد بعض رأس المال على ورثة رب السلم بطريق الحط وكما يجوز الحط في رأس المال يجوز في المسلم فيه لأن الإبراء عن المسلم فيه قبل القبض صحيح فحط بعضه يجوز أيضا، فإن كان على الميت دين محيط بتركته لم تجز المحاباة لأنها وصية ويحاص رب السلم الغرماء برأس ماله في التركة لأنه تعذر تسليم الكر لمكان حق الغرماء فيجب رد رأس المال وقد استهلكه المسلم إليه فيكون دينا عليه كسائر الديون فلهذا يتحاصون في التركة بقدر ديونهم، فإن كان رب السلم قد أخذ منه رهنا بالسلم وعلى ذلك بينة ثم مات المسلم إليه ولا مال له غير الرهن وعليه ديون استوفى رب السلم رأس المال من الرهن ورد ما بقي على الغرماء لأن تعلق حق السلم بالرهن أسبق من تعلق حق سائر الغرماء فيستوفي رأس ماله ويرد ما بقي على الغرماء لأن الدين مقدم على الوصية.
وإذا أسلم الرجل عشرة دراهم إلى مريض في كر قيمته مائة وقبض الدراهم فاستهلكها ثم مات وقد أوصى الرجل بثلث ماله ولا مال له غير الكر، فإن شاء صاحب السلم نقض السلم وأخذ دراهمه لأنه لم يسلم له شرط عقده، وإذا نقض العقد بطلت وصيته بالمحاباة فيجوز(29/156)
ص -73- ... للآخر وصيته في ثلث مال الميت وإن شاء أخذ خمسي الكر وأعطى الورثة منه ثلاثة أخماسه بطريق الحط فيسلم له خمسي كر قيمته أربعون درهما بعشرة دراهم فالوصية له من ذلك ثلاثون ويسلم للورثة ثلاثة أخماس الكر وقيمته ستون درهما فيستقيم الثلث والثلثان.
والحاكم رحمه الله يقول: إن شاء أخذ الكر وأعطي الورثة ستين درهما وهذا غلط لما بينا ولا شيء لصاحب الوصية في قول أبي حنيفة لأن المحاباة على أصله مقدمة على سائر الوصايا والمحاباة هنا بقدر سبعين فهو أكثر من ثلث ماله فإنما يسلم الثلث لصاحب المحاباة ولا شيء للآخر. وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يتحاصان في الثلث فيضرب صاحب المحاباة بجميع المال وصاحب الثلث بالثلث فيصير الثلث بينهم على أربعة والثلثان ثمانية، فإذا اختار رب السلم إمضاء العقد كان له من الكر قدر اثنين وثلاثين ونصف ورد على الورثة قدر سبعة وستين ونصف من الكر بطريق الحط فيكون لصاحب الوصية من ذلك سبعة ونصف وهو ربع ثلث ما ترك الميت لأن التركة بقدر سبعين فمقدار العشرة من الكر مستحق بعوضه وهو رأس المال ولهذا قلنا أن صاحب المحاباة يضرب بجميع المال لأن جميع ذلك محاباة له ويسلم للورثة ما يساوي ستين وذلك ثلثا التركة ولرب السلم من الكر ما يساوي اثنين وثلاثين ونصف عشرة منها بإزاء دراهمه واثنان وعشرون ونصف محاباة وهي ثلاثة أرباع ثلث التركة، فإن كان له عبد فأعتقه في مرضه فعلى قول أبي يوسف ومحمد العتق أولى ويرجع صاحب السلم برأس ماله ولا شيء له غير ذلك وعند أبي حنيفة رحمه الله إن بدأ بالمحاباة فهي مقدمة على العتق، وإن بدأ بالعتق فهو والمحاباة سواء وقد تقدم بيان هذه المسألة في العين والدين.(29/157)
وإذا اشترى الرجل بعشرة دراهم كر حنطة قيمته ثلاثون درهما من مريض ثم مات البائع ولا مال له غير الكر وقد باعه من إنسان آخر بعشرة أيضا فالأول أولى بالبيع والمحاباة له دون الآخر لأن الوصية بالمحاباة في ضمن البيع والبيع من الثاني باطل، فإن كان له كر آخر فباعه في مرضه من إنسان آخر وحاباه فيه ثم مات تحاصا في الثلث فما أصاب كل واحد منهما كان في الكر الذي اشترى ويردون ما بقي من قيمة الكرين دراهم على الورثة لأن في بيع العين يمكن إزالة المحاباة بالزيادة في الثمن بعد موت البائع فإن قبض الثمن قبل موته ليس بشرط بخلاف السلم على ما بينا والله أعلم بالصواب.
باب هبة المريض العبد يقتله خطأ ويعفو عنه
قال رحمه الله: وإذا وهب المريض في مرضه الذي مات فيه عبدا لرجل قيمته ألف درهم وقبضه ولا مال له غيره ثم إن العبد قتل الواهب خطأ فعفا عنه الواهب قبل موته فإنه يقال للموهوب له ادفعه أو افده فإن اختار الدفع دفع أربعة أخماسه وجاز له الخمس لأنه جمع بين الهبة والعفو وكل واحد منهما وصية تجوز من الثلث فحق الموهوب له باعتبار الهبة في سهم ثم لولا العفو لكان يدفع ذلك السهم فيسلم له ذلك السهم بالعفو فحق الورثة في أربعة(29/158)
ص -74- ... لما نفذنا الوصية له في سهمين سهم بالعفو وسهم بالهبة فلهذا يكون العبد على خمسة تجوز الهبة في سهم ثم يجوز العفو في ذلك السهم فيكون ذلك السهم بمعنى سهمين ويصير كأن الميت إنما ترك عبدا وخمسي عبد فيسلم للورثة أربعة أخماس عبد ويسلم للموصى له خمسا عبد في الحكم فيستقيم الثلث والثلثان.
وعلى طريق الجبر يجعل العبد مالا وتجوز الهبة في شيء ثم يجوز العفو في ذلك الشيء يبقى في يد الورثة مال إلا شيء وذلك يعدل أربعة أشياء لأنا جوزنا الهبة في شيء والعفو في شيء فحاجة الورثة إلى ضعف ذلك وهو أربعة أشياء فأجبر المال بشيء وزد على ما يعدله مثله فظهر أن المال الكامل يعدل خمسة أشياء وإنا حين جوزنا الهبة في شيء كان ذلك بمعنى خمس العبد وجوزنا العفو فيه أيضا وإن اختار الفداء فدى ثلثه بثلث الدية ويسلم له العبد كله لأنه لو كان العفو دون الهبة لكان يفدي سدس العبد بالطريق الذي قلنا أنه لو كان للميت ألفا درهم جاز العفو في جميع العبد فيضم الألفين إلى الدية ثم يجوز العفو في مقدار الدية ويبطل العفو في حصة الألفين وذلك سدس الجملة فيفديه بسدس الدية، فإذا اجتمعت الهبة والعفو يتضاعف ما يلزمه الفداء فيه فإنما يفدى ثلث العبد بثلث الدية وذلك ثلاثة آلاف وثلث ألف ويسلم له العبد كله بالهبة وثلثا العفو وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان لأن موجب الجناية أحد شيئين القيمة أو الدية وإنما يعتبر الأقل وهو القيمة لأنه المتيقن به فيكون السالم للموهوب له في الحاصل ألف وستمائة وستة وستون وثلثان وقد سلم للورثة ضعف ذلك من الدية فكان مستقيما فإن كانت قيمته ألفي درهم فاختار الدفع دفع أربعة أخماسه كما بينا، وإن اختار الفداء فدى أربعة أسباعه بأربعة أسباع الدية ويسلم له العبد كله لأنا نضم ضعف قيمة العبد وهو أربعة آلاف إلى الدية ثم نوجب عليه الفداء بحصة ما عدمنا وذلك سبعان لو لم يكن هنا هبة فبعد وجود الهبة يتضاعف لفداء فيفدى أربعة(29/159)
أسباعه بأربعة أسباع الدية وذلك خمسة آلاف وخمسة أسباع ألف ويسلم للموهوب له العبد بالهبة وقيمته ألفان وثلاثة أسباعه بالعفو وذلك ستة أسباع ألف فيكون له ألفان وستة أسباع ألف فذلك ثلث تركة الميت. ولو كانت قيمته ثلاثة آلاف فدى ثلاثة أرباعه بثلاثة أرباع الدية لأنا نضم إلى الدية ضعف القيمة وذلك ستة آلاف فيكون ستة عشر ألفا فلو كان العفو خاصة لكان يفدى بحساب المضموم وذلك ثلاثة أثمان الدية فعند اجتماع الهبة مع العفو يتضاعف الفداء فيفدي ثلاثة أرباعه بثلاثة أرباع الدية وذلك سبعة آلاف وخمسمائة فيسلم له العبد بطريق الهبة وقيمته ثلاثة آلاف ربعه بالعفو قيمته سبعمائة وخمسون فذلك ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسون نفذنا فيه الوصية وقد سلم للورثة ضعف ذلك.
ولو كانت قيمته أربعة آلاف فدى ثمانية اتساع بثمانية اتساع الدية لأنا نضم ضعف القيمة وهو ثمانية آلاف إلى الدية فلو لم يكن إلا العفو لكان يفدي بحصة المضموم وذلك أربعة اتساعه. فإذا اجتمعت الهبة والعفو يتضاعف الفداء فلهذا يفدي ثمانية اتساعه بثمانية اتساع الدية، ولو كانت قيمته خمسة آلاف فداه كله بجميع الدية ويسلم له العبد بالهبة لأنا نضم(29/160)
ص -75- ... ضعف القيمة إلى الدية فيكون عشرين ألفا فلو كان العفو دون الهبة لكان يفدى بحصة المضموم وذلك نصف العبد، فإذا اجتمعت الهبة مع العفو يتضاعف الفداء عليه فيفدي جميعه بجميع الدية وذلك عشرة آلاف ويسلم له العبد بالهبة وقيمته خمسة آلاف فيستقيم الثلث والثلثان وهذا لأنا نصحح الهبة له في جميع العبد أولا فإن بتصحيح الهبة في جميع العبد يزداد الفداء عليه وبزيادة الفداء يزداد مال الميت فلا بد من تصحيح الهبة في جميع العبد ثم إن بقي من الثلث شيء يصح العفو بقدر ما بقي من العبد ويفدي ما زاد على ذلك كما في المسائل المتقدمة، وإن لم يبق من الثلث شيء لا يصح العفو في شيء كما في هذه المسألة فإنه إذا كانت قيمته خمسة آلاف وقد نفذنا الهبة في جميع ذلك العبد لا يبقى من ثلث مال الميت شيء فلهذا يبطل العفو ويفدي جميع العبد بجميع الدية.(29/161)
وإذا وهب المريض عبدا لرجل لا مال له غيره وقيمته ألف درهم وقبضه ثم وهب الموهوب له الآخر وقبضه ثم جرح العبد المريض جراحة خطأ فمات منها وعفا عن الجناية فإنه يخير الموهوب له الثاني في الدفع والفداء لأن الملك في العبد له فإن اختار دفعه دفع بثلثين وأمسك الثلث وضمن الموهوب له الأول ثلثي قيمة العبد لورثة المقتول لأن مال الواهب في الحكم عبدان عبد يستحق له بالجناية وعبد كان على ملكه فوهبه فتصح وصيته في ثلثه وذلك ثلثا عند نصف ذلك للموهوب له الأول بالهبة ونصفه الثاني بالعفو فيكون السالم للموهوب له الأول ثلث العبد وقد وجب عليه رد الثلثين وقد تعذر رده بالاستهلاك فيضمن ثلثي قيمته لورثة المقتول ويسلم للثاني ثلث العبد بالعفو ويدفع ثلثيه إلى ورثة المقتول فيسلم لهم عبد وثلثا عبد وقد نفذنا الوصية لهما في ثلثي عبد فاستقام، فإن كان الموهوب له الأول معسرا دفع الموهوب له الثاني أربعة أخماس العبد وأمسك الخمس لأن الموهوب له الأول مستوف لوصيته وما عليه تاوي فإنما يعتبر ما هو قائم وهو رقبة العبد بالجناية يضرب فيه الورثة بسهام حقهم وهو أربعة والموهوب له الثاني بسهم فيكون العبد على خمسة يسلم له الخمس ويدفع إلى ولي المقتول أربعة أخماسه، فإذا تيسر استقاما على الموهوب له الأول وذلك ثلثا قيمة العبد رد على الموهوب له الثاني إلى تمام ثلث العبد لأن ذلك حقه بالوصية وإن اختار فداء العبد فدى بسبعه وخمسي تسعه بتسعى الدية وخمسي تسعها ويؤخذ من الأول تسعا قيمة العبد وخمسا تسعه والطريق في ذلك أن يأخذ ضعف القيمة لأجل العفو وذلك ألفان وضعف القيمة لأجل الهبة فيضم ذلك إلى العبد فيكون خمسة آلاف ثم يضم ذلك إلى الدية فيكون خمسة عشر ألفا ثم ينظر إلى المضموم كم هو من الجملة فيجد العبد والدية أربعة أسهم من خمسة عشر سهما من الجملة فيجوز العفو فيما زاد على ذلك وهو أحد عشر سهما من خمسة عشر سهما ويفدي أربعة أسهم من خمسة عشر بعشرة(29/162)
أمثاله من الدية لأن الدية من القيمة عشرة أمثاله فيكون ذلك أربعون وتجوز الهبة للموهوب له الأول في أحد عشر سهما من خمسة عشر فإنما يضمن قيمة أربعة أسهم من(29/163)
ص -76- ... خمسة عشر سهما للورثة فيسلم للورثة أربعة وأربعون سهما وقد نفذنا الوصية لهما في اثنين وعشرين سهما فاستقام الثلث والثلثان.
وإذا أردت معرفة ما قال في الكتاب أنه يفدي بتسعة وخمسي تسعه بتسعى الدية وخمسي تسعها فالسبيل أن تضرب خمسة عشر في ثلاثة فيكون خمسة وأربعين وإنما لزمه الفداء في أربعة من ذلك فيضرب تلك الأربعة في ثلاثة فتكون اثنى عشر واثنا عشر من خمسة وأربعين يكون تسعاه خمسا تسعه فإن كل تسع يكون خمسة وتسعاه عشرة وخمسا تسعه سهمان فظهر أنه إنما يفدي بتسعه وخمسي تسعه وكذلك الموهوب له الأول إنما ضمن أربعة من خمسة عشر وقد ضربنا ذلك في ثلاثة فهو اثنا عشر فعرفنا أنه يضمن تسعى قيمة العبد وخمسي تسعه، فإن كانت قيمته ألفا فدى خمس العبد بخمسي الدية لأنا نأخذ ضعف القيمة لأجل العفو ومثله لأجل الهبة فيكون ثمانية آلاف إذا ضممت ذلك إلى الدية مع قيمة العبد يكون عشرين ألفا ثم يبطل العفو بحصة المضموم والمضموم كان ثمانية آلاف فحصته خمسا الجملة فلهذا يفدي خمسي العبد بخمسي الدية وذلك أربعة آلاف ويضمن الموهوب له الأول خمسي قيمة العبد وذلك ثمانمائة ويسلم له بالهبة ثلاثة أخماس العبد قيمته ألف ومائتان وقد نفذنا العفو للموهوب له الثاني في مثل ذلك فحصل تنفيذ الوصيتين في ألفين وأربعمائة وقد سلم للورثة أربعة آلاف وثمانمائة فاستقام الثلث والثلثان، وإن كانت قيمته ثلاثة آلاف فدى أربعة أعشاره وأربعة أخماس عشرة بالطريق الذي قلنا أنه يؤخذ ضعف القيمة مرتين وذلك اثنا عشر ألفا فيضم إلى الدية مع القيمة فيكون الجملة خمسة وعشرين ألفا ثم يفدي حصة المضموم والمضموم من الجملة أربعة أعشاره وأربعة أخماس عشره لأن المضموم اثنا عشر واثنا عشر من خمس وعشرين يكون أربعة أعشاره وأربعة أخماس عشره، وإن أردت معرفة ذلك فاضرب خمسة وعشرين في عشرة فيكون مائتين وخمسين ثم اضرب اثني عشرة في عشرة فتكون مائتين وعشرين وعشر مائتين(29/164)
وخمسين خمسة وعشرون فمائة تكون أربعة أعشاره وعشرون تكون أربعة أخماس عشر ثم التخريج إلخ كما بينا، وعلى هذا الطريق يخرج ما إذا كانت قيمته خمسة آلاف أو أكثر فإنه إذا كانت قيمته خمسة آلاف فدى أربعة أسباعه وإن كانت ستة آلاف فدى ثلاثة أخماسه وإن كانت سبعة آلاف فدى ثلاثة أخماسه وتسع خمسه وإن كانت ثمانية آلاف فدى ثلاثة أخماسه وخمس خمسه، وإن كانت تسعة آلاف فدى منه ستة وثلاثين سهما من خمسة وخمسين سهما وكل ذلك يخرج مستقيما على الطريق الذي قلنا فإن كانت قيمته عشرة آلاف فدى ثلثيه لأنا نضم ضعف القيمة مرتين وذلك أربعون ألفا إلى الدية والقيمة فيكون ستين ألفا يبطل العفو والهبة في حصة المضموم وذلك ثلثا الجملة، فإذا بطل العفو في ثلثي العبد فداه بثلثي الدية وكذلك الهبة تبطل في ثلثي العبد فيضمن الموهوب له الأول ثلثي قيمته فيسلم لورثة الواهب ثلاثة عشر ألفا وثلث ألف وقد نفذنا الهبة والعفو لهما في ستة آلاف وثلثي ألف فكان مستقيما، ولو كانت قيمته عشرين ألفا(29/165)
ص -77- ... فدى ثلثيه بثلثي الدية ويرد الموهوب له الأول ثلثي القيمة لأنا نعتبر في العفو هنا الدية دون القيمة فإن الدية أقل من القيمة والمتيقن به هو الأقل. وإذا اعتبرنا الدية كان هذا وما لو كانت قيمته عشرة آلاف سواء من حيث أنه يجوز العفو في الثلث وذلك ثلاثة آلاف وثلث ألف ويؤدي ثلثي الدية ويرد الموهوب له الأول ثلثي القيمة وذلك ثلاثة عشر ألفا وثلث ألف فيسلم للورثة عشرون ألفا وقد نفذنا الهبة في عشرة آلاف للموهوب له الأول في ثلث عبد قيمته ستة آلاف وثلثا ألف وللموهوب له الثاني في ثلث الدية فيكون ذلك عشرة آلاف. وكذلك لو كانت قيمته خمسة عشر ألفا لأنا نعتبر في العفو الدية فيسلم له الثلث بالعفو ويؤدي ثلث الدية ويغرم الموهوب له الأول ثلثي قيمته وذلك عشرة آلاف فيسلم للورثة ستة عشر ألفا وثلثا ألف وقد نفذنا الوصية للموهوب له الأول في خمسة آلاف ثلث العبد وللموهوب له الثاني في ثلث الدية فذلك ثمانية آلاف وثلث ألف مثل نصف ما سلم للورثة فكان مستقيما، وإن أراد الدفع دفع خمسة أثمانه وضمن له الموهوب له الأول خمسة أثمان قيمته لأن الوصية بالهبة كانت في خمسة عشر ألفا وبالعفو في عشرة آلاف وهو الدية لأنه أقل الواجبين فيكون ذلك خمسة وعشرين ألفا وحاجة الورثة إلى ضعف ذلك وذلك خمسون ألفا فالسبيل أن تضم خمسين ألفا إلى نصف قيمة العبد وذلك ثلاثون ألفا فيكون جملة ذلك ثمانين ألفا ثم تبطل من الهبة والعفو بحساب ما عدمنا وذلك خمسة أثمان الجملة، فإذا بطل العفو في خمسة أثمانه دفع قيمة ذلك تسعة آلاف وثلاثمائة وخمسة وسبعين ويغرم الموهوب له خمسة أثمان قيمته وهو هذا المقدار أيضا فتكون الجملة ثمانية عشر ألفا وسبعمائة وخمسين وسلم للموهوب له الأول ثلاثة أثمان العبد وللموهوب له الثاني ثلاثة أثمان الدية بالعفو، فإذا جمعت بينهما من حيث الدراهم كان مثل نصف ما سلم للورثة فيستقيم الثلث والثلثان.(29/166)
مسألة من إقالة السلم: وإذا كان للمريض كر حنطة على رجلين يساوي ثلاثين درهما ورأس ماله فيه عشرة دراهم فأقالهما ولا مال له غيره ثم مات وأحدهما غائب قيل للحاضر رد ثلاثة أعشار نصف رأس المال وذلك درهم وأد سبعة أعشار نصف الكر وذلك يساوي عشرة ونصفا وإنما كان كذلك لأنه بالإقالة حاباهما بقدر عشرين درهما وإنما تجوز المحاباة لهما في الثلث فيكون لكل واحد منهما نصف الثلث وأحدهما غائب مستوف لوصيته فإنما يعتبر حصة الحاضر خاصة وذلك خمسة عشر فهو يضرب بسهم والورثة بأربعة فيكون ذلك خمسة فإنما نسلم له خمس هذا النصف وذلك ثلاثة ثم المحاباة لهما كانت بقدر عشرين فيكون لكل واحد منهما عشرة وثلاثة من عشرة تكون ثلاثة أعشاره والأصل في الإقالة ما قدمنا أنه إنما تصح الإقالة في مقدار ما يخرج من الثلث من المحاباة.
ألا ترى أن في هذه المسألة لو كانا حاضرين كانت الإقالة تجوز لهما في النصف لأن الثلث من جملة المحاباة مثل نصفه فكذلك هنا إنما تجوز الإقالة للحاضر في مقدار نصيبه من المحاباة وذلك ثلاثة أعشار نصف رأس المال ونصف رأس المال خمسة دراهم فثلاثة أعشاره(29/167)
ص -78- ... درهم ونصف ويؤدي سبعة أعشار نصف الكر قيمة ذلك عشرة ونصف فيكون جملته اثنى عشر هو السالم للورثة وقد سلم للحاضر بالوصية ثلاثة دراهم وللغائب مثل ذلك فيستقيم الثلث والثلثان إلى أن يقدم الغائب. فإذا قدم رد نصف رأس مال حصته ونصف كر ويرد الورثة على الأول من الطعام بقيمة ثلاثة من عشرة ونصف ويأخذون منه درهما من رأس المال حتى تسلم الإقالة لهما في نصف الكر وقيمته خمسة عشر بخمسه فتكون الوصية لهما في عشرة ويسلم للورثة نصف كر قيمته خمسة عشر درهما فاستقام الثلث والثلثان وإنما كان هذا بخلاف ما تقدم من مسائل السلم إلى رجلين لأن قضاء القاضي هناك على الحاضر عند غيبة أحدهما يكون فسخا لعقد السلم فيما أمره بالرد وفسخ السلم لا يحتمل النقض فلا يعود حقه بحضور الثاني فأما في هذه المواضع هذا إقالة السلم فكأنه فسخ الإقالة أو منع صحتها في النقص عند غيبة أحدهما، فإذا حضر وأمكن إعماله وجب أعماله فلهذا كان الراجع فيما بينهما حتى يستويا في الوصية وفيما وجب لكل واحد منهما بالإقالة.(29/168)
وإذا وهب المريض لرجل صحيح عبدا يساوي ثلاث مائة فقبضه ثم باعه من المريض بمائة درهم وقبضه المريض ثم مات ولا مال له غير العبد فإن العبد يسلم لورثة المريض ويرجعون أيضا على الموهوب له بثلاثة وثلاثين وثلث وإنما يسلم لهم الهبة في ثلثي العبد وثلثي ثلثه لأن مال المريض في الحاصل خمسمائة العبد الموهوب والعبد المشتري وهو في كعبد آخر إلا أن عليه مائة درهم دين وهو ثمنه، فإذا رفعنا المائة من ستمائة يبقي خمسمائة فإنما تجوز الهبة في ثلث ذلك وذلك مائة وستة وستون وثلثان وعليه رد مائة وثلاثة وثلاثين وثلث باعتبار نقض الهبة لأنه صار مستهلكا للعبد بالبيع إلا أن مقدار المائة دين له على الميت وهو ثمن العبد فتقع المقاصة بقدره ويؤدي ثلاثة وثلاثين وثلثا فيسلم للورثة العبد وقيمته ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وقد نفذنا الهبة في مائة وستة وستين وثلثين مثل نصف ما سلم للورثة فاستقام الثلث والثلثان والله أعلم.(29/169)
ص -79- ... كتاب الدور
"قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله" إملاء في كتاب الدور.
قال: وإذا جرح العبد رجلا فعفا عنه المجروح في صحته أو في مرضه ثم مات من ذلك المرض ولم يترك مالا فإن كانت الجراحة عمدا فالعفو صحيح من غير أن يعتبر من الثلث" لأن الواجب هو القصاص والقصاص ليس بمال وإسقاط المريض حقه فيما ليس بمال لا يكون معتبرا من الثلث وهذا استحسان قد بيناه في الديات وإن كانت الجراحة خطأ فإن لم يكن صاحب فراش حين عفا جاز العفو في الكل أيضا لأنه في حكم الصحيح ما لم يصر صاحب فراش في التصرفات والتبرعات وهذا تصرف بعده في الحال فإنما يعتبر حاله حين نفذ التصرف، وإن كان صاحب فراش حين عفا جاز العفو من ثلثه لأن الواجب في الجناية الخطأ الدفع أو الفداء فعفوه يكون إسقاطا بطريق التبرع وذلك معتبر من الثلث إذا باشره في مرضه وبعد ما صار صاحب فراش فهو في حكم المريض فيكون عفوه من الثلث.
ثم المسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يكون قيمة العبد مثل الدية عشرة آلاف أو أقل من الدية أو أكثر من الدية، فإن كانت قيمته مثل الدية فالعفو صحيح في ثلثه ويخير بين أن يدفع ثلثه وبين أن يفديه بثلثي الدية ولا يقع الدور هنا سواء اختار الدفع أو الفداء، وإن كانت قيمته أقل من عشرة آلاف لم يقع الدور عند اختيار الدفع ويقع الدور عند اختيار الفداء لأن وقوع الدور بزيادة مال الميت وإنما يحسب مال الميت في الابتداء ما هو الأقل لأن مولى العبد الجاني يتخلص بدفع الأقل فإنما يتبين بذلك القدر أنه مال الميت وما زاد عليه إنما يظهر باختياره الدفع، فإذا كانت قيمته أقل من عشرة آلاف درهم فظهور الزيادة عند اختياره الفداء لا عند اختياره الدفع، وإن كانت قيمته أكثر من عشرة آلاف فظهور الزيادة عند اختيار الدفع لا عند اختيار الفداء.(29/170)
ثم جملة هذا النوع من المسائل أن قيمة العبد إما أن تكون ألفا أو ألفين أو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف أو خمسة آلاف أو ستة آلاف أو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف أو خمسة عشرة ألفا أو عشرين ألفا أو ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا أو خمسين ألفا أو مائة ألف وفي الأصل إنما بدأ بما كانت قيمته خمسة آلاف.
وفي المختصر ذكر بعض المسائل ولم يذكر البعض والأولى أن نخرج جميع هذه المسائل على الترتيب ليكون أوضح في البيان وأقرب إلى الفهم فنقول أما إذا كانت قيمته ألف درهم فإن اختار الدفع لا تدور المسألة ولكنه يدفع ثلثي العبد ويجوز العفو في الثلث، فإن(29/171)
ص -80- ... اختار الفداء فإنه يقع الدور هنا لأنه يتعذر تصحيح العفو في جميع العبد فإنه لا يجب شيء من الدية عند ذلك ولا يظهر للميت مال آخر فتبين أنا صححنا تبرعه في جميع ماله وذلك لا يجوز ولا يمكن إبطال العفو في جميعه لأنه حينئذ يفديه بعشرة آلاف درهم فتبين أن للميت عشرة آلاف وأن العبد خارج من الثلث وزيادة فعرفنا أنه يجب تصحيح العفو في بعضه، ثم طريق معرفة ذلك البعض ما أشار إليه محمد رحمه الله في الأصل أنه لو كان معنا مال آخر ضعف قيمة العبد لكان يصح العفو في الكل لأن مال الميت هو أقل وذلك ألف درهم قيمة العبد، فإذا جاز العفو في الكل وسلم للورثة ألف درهم استقام الثلث والثلثان ولا معتبر بالدية هنا لأنها لا تجب عند صحة العفو فإنما وجب الاعتراض على هذا العفو لأنا عدمنا ألفي درهم فالسبيل أن يضم ذلك القدر إلى الدية وهو عشرة آلاف درهم ثم ينظر إلى المضموم كم هو من الجملة فيبطل العفو بقدر ذلك المضموم.
وإذا ضممت إلى عشرة آلاف ألفي درهم كان اثني عشر ألفا وكان المضموم من هذه الجملة السدس فعرفنا أن العفو يصح في خمسة أسداس العبد مقدار ذلك ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ويبطل في السدس فيفديه بسدس الدية وذلك ألف وستمائة وستة وستون وثلثان فيحصل للورثة هذا القدر وما نفذنا فيه العفو مثل نصفه فيستقيم الثلث والثلثان وطريق الدينار والدرهم فيه أن تجعل العبد دينارا أو درهما وتجبر العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فيفديه بعشرة أمثاله لأن الدية عشرة أمثال قيمة العبد فكل جزء بطل فيه العفو فداه بعشرة أمثاله فيصير في يد الوارث عشرة دراهم وحاجتهم إلى دينارين فاقلب الفضة فيكون كل دينار بمعنى عشرة وكل درهم بمعنى اثنين ثم عد إلى الأصل فقل قد جعلنا العبد دينارا ودرهما الدينار عشرة والدرهم اثنان فذلك اثنا عشر وقد نفذنا العفو في الدينار وذلك خمسة أسداس العبد.(29/172)
أو نقول: لما كان عشرة دراهم تعدل دينارين عرفنا أن كل دينار يعدل خمسة فتقلب الفضة وتجعل الدينار بمعنى خمسة والدرهم بمعنى واحد ثم تعود إلى الأصل فتقول قد كان العبد دينارا ودرهما فالدينار بمعنى خمسة والدرهم بمعنى واحد ثم صححنا العفو في الدينار وذلك خمسة أسداس العبد وبطل في السدس فيفديه بسدس الدية والتخريج كما بينا، وعلى طريق الجبر نقول السبيل أن تأخذ مالا مجهولا يصح العفو في شيء منه ويبطل في مال إلا شيء فتفديه بعشرة أمثاله وهو عشرة أموال إلا عشرة أشياء وحاجة الورثة إلى شيئين فالسبيل أن تجبر عشرة أموال بعشرة أشياء وتزيد على ما يعدله مثل ذلك فصار عشرة أموال تعدل اثني عشر شيئا فالمال الواحد يعدل شيئا وخمس شيء فقد انكسر بالأخماس فتضرب شيئا وخمس شيء في خمسة فيكون سبعة وقد نفذنا العفو في شيء فضربنا كل شيء في خمسة فتبين أنا نفذنا العفو في خمسة أسداس العبد وأبطلناه في السدس فنفديه بسدس الدية كما بينا وعلى طريق الخطأين السبيل أن تجعل على العبد ثلاثة أسهم فتجبر العفو في سهم(29/173)
ص -81- ... وتبطله في سهمين فتفدي هذين السهمين بعشرة أمثالهما وذلك عشرون وحاجة الورثة إلى سهمين فظهر الخطأ بزيادة ثمانية عشر فتعود إلى الأصل وتجبر العفو في سهمين وتبطله في سهم فيفديه بعشرة أمثاله فيحصل في يد الورثة عشرة وحاجتهم إلى أربعة فظهر الخطأ بزيادة ستة وكان الخطأ الأول بزيادة ثمانية عشر فلما زدنا سهما في العفو ذهب خطأ اثني عشر فعرفنا أن الذي يذهب ما بقي من الخطأ وذلك ستة ونصف سهم فنجوز العفو في سهمين ونصف ونبطله في نصف سهم ثم نفدي ذلك بعشرة أمثاله وذلك خمسة أسهم ونسلم للورثة خمسة وقد نفذنا العفو في سهمين ونصف فيستقيم وسهمان ونصف من ثلاثة تكون خمسة أسداس فظهر أن العفو إنما يصح في خمسة أسداس العبد. وإذا عرفنا طريق الخطأين تيسر طريق الجامعين على ذلك وقد بينا في وجه تخريجه فيما تقدم من كتب الحساب فإن أعتقه مولاه أو باعه وهو يعلم فهو مختار للفداء لأنه فوت الدفع بتصرفه وعليه سدس الدية بمنزلة ما لو اختار الفداء، وإن لم يعلمهما بالجناية كان مستهلكا للعبد فعليه ثلثا القيمة بمنزلة ما لو اختار الدفع فإن كان قيمة العبد ألفي درهم واختار الفداء فداه بسبعي الدية.(29/174)
والطريق في ذلك أن تقول لو كان هنا مال آخر ضعف قيمة العبد وهو أربعة آلاف لكان العفو يصح في جميع العبد فيضم ما عدمنا وهو أربعة آلاف إلى الدية فيكون أربعة عشر ألفا ثم ننظر إلى المضموم كم هو من الجملة فتجده سبعي الجملة فنبطل العفو في سبعي العبد باعتبار ما عدمنا ونجوز في خمسة أسباع العبد مقدار ذلك من الدراهم ألف وأربعمائة وعشرون وأربعة أسباع، وما أبطلنا فيه العفو وذلك سبعا العبد فنفدي بسبعي الدية مقدار ذلك ألفان وثلاثمائة وسبعة وخمسون وسبع يسلم للورثة ضعف ما نفذنا فيه العفو فاستقام الثلث والثلثان، وعلى طريق الدينار والدرهم نجعل العبد دينارا ودرهما ونجبر العفو في الدينار ونبطله في الدرهم فنفديه بخمسة أمثاله لأن الدية خمسة أمثال قيمة العبد فيحصل في يد الورثة خمسة دراهم وحاجتهم إلى دينارين فإذا قلبت الفضة كان كل دينار بمعنى خمسة وكل درهم بمعنى اثنين ثم نعود إلى الأصل فنقول قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فالدينار خمسة والدراهم اثنان فذلك سبعة وقد صححنا العفو في الدينار وذلك خمسة أسباع العبد فتبين أن العفو إنما بطل في سبعة والتخريج كما بينا.
وعلى طريق الجبر نصحح العفو في شيء ونبطله في مال إلا شيء فنفديه بخمسة أمثاله فيحصل في يد الورثة خمسة أموال إلا خمسة أشياء وذلك شيئان فأجبره بخمسة أشياء فيكون خمسة أموال تعدل سبعة أشياء فعرفنا أن كل مال يعدل شيئا وخمسي شيء فانكسر بالأخماس فنضرب شيئا وخمسي شيء في خمسة فيكون سبعة فظهر أن المال الكامل سبعة وقد كنا صححنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في خمسة فتبين أنا صححنا العفو في خمسة أسباع العبد والتخريج كما بينا وعلى طريق الخطأين نجعل العبد على ثلاثة أسهم ونصحح العفو في شيء ونبطله في سهمين فنفديهما بخمسة أمثالهما وذلك عشرة وحاجة الورثة إلى سهمين(29/175)
ص -82- ... فظهر الخطأ بزيادة ثمانية فنعود إلى الأصل ونصحح العفو في سهمين ونبطله في سهم فنفديه بخمسة أمثاله فيحصل في يد الورثة خمسة وحاجتهم إلى أربعة فظهر الخطأ بزيادة سهم وكان الخطأ الأول بزيادة ثمانية فلما زدنا سهما أذهب سبعة فنزيد في العفو ما يذهب خطأ السهم الباقي وذلك سبع سهم ونصحح العفو في سهمين وسبع ونبطله في ستة أسباع سهم فنفدي ذلك بخمسة أمثاله وذلك أربعة وسبعان فيسلم للورثة هذا المقدار وقد نفذنا العفو في سهمين وسبع فيستقيم الثلث والثلثان وستة أسباع من ثلاثة سبعاه في الحاصل فظهر أنا أبطلنا العفو في سبعي العبد وجوزناه في خمسة أسباعه. ولو كان قيمة العبد ثلاثة آلاف واختار الفداء فداه بثلاثة أثمان الدية لأنا ننظر إلى ضعف قيمة العبد وذلك ستة آلاف فنضمه إلى الدية فيكون ستة عشر ألفا ثم ننظر إلى المضموم كم هو من الجملة فإذا هو ثلاثة أثمانه فنبطل العفو باعتباره في ثلاثة أثمان العبد ونصححه في خمسة أثمانه مقدار ذلك من الدراهم ألف وثمانمائة وخمسة وسبعون ونفدي بثلاثة أثمان الدية وذلك ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسون فإن كل ثمن من الدية ألف ومائتان وخمسون فيستقيم الثلث والثلثان.
وعلى طريق الدينار والدرهم تجعل العبد دينارا ودرهما فتجوز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم ثم تفدي ذلك بثلاثة أمثاله وثلث لأن الدية مثل ثلاثة أمثال قيمة العبد ومثل ثلثه فيحصل في يد الورثة ثلاثة دراهم وثلث وحاجتهم إلى دينارين فقد وقع الكسر بالأثلاث فتضرب كل شيء في ثلاثة فصارت الدراهم عشرة والدنانير ستة ثم تقلب الفضة وتعود إلى الأصل فتقول قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فالدينار عشرة والدرهم ستة فذلك ستة عشر ثم صححنا العفو في الدينار وذلك خمسة أثمان العبد وأبطلنا في الدرهم وذلك ثلاثة أثمان العبد وهو ستة فتفديه بثلاثة أمثال وثلث وذلك عشرون فيسلم للورثة عشرون وقد صححنا العفو في عشرة فيستقيم الثلث والثلثان.(29/176)
وعلى طريق الجبر تصحح العفو في شيء منه وتبطله في مال إلا شيئا منه فتفديه بثلاثة أمثاله ومثل ثلثه فيحصل في يد الورثة ثلاثة أموال وثلث إلا ثلاثة أشياء وثلثا تعدل خمسة أشياء وثلثا انكسر بالأثلاث فتضرب خمسة وثلثا في ثلاثة فيكون ستة عشر وتضرب ثلاثة أموال وثلث في ثلاثة فيكون عشرة فظهر أن كل مال يعدل شيئا وستة أعشار شيء وهو ثلاثة أخماس فتضرب شيئا وثلاثة أخماس في خمسة فيكون ثمانية وتبين أن المال الكامل ثمانية وقد نفذنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في خمسة فتبين أنا نفذنا العفو في خمسة أثمان العبد وأبطلناه في ثلاثة أثمانه وطريق الخطأين فيه على نحو ما بينا يخرج مستقيما إذا تأملت فتركته للتحرز عن التطويل.
ولو كان قيمة العبد أربعة آلاف فداه بأربعة أسباع الدية لأنا نأخذ ضعف قيمة العبد وذلك ثمانية آلاف فنضمه إلى مقدار الدية فيكون ثمانية عشر ألفا ثم ننظر إلى المضموم كم هو من الجملة فنجد ذلك أربعة اتساع الجملة فنبطل العفو بقدره ونصحح العفو في خمسة أتساع العبد(29/177)
ص -83- ... مقدار ذلك من الدراهم ألفان ومائتان وعشرون وتسعان ونفدي أربعة أتساع العبد بأربعة أتساع الدية وذلك أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعون وأربعة أتساع فيستقيم الثلث والثلثان.
وعلى طريق الدينار والدرهم نجعل العبد دينارا ودرهما ونصحح العفو في الدينار ونبطله في الدراهم فنفدي ذلك بمثله ومثل نصفه وذلك درهمان ونصف ثم درهمان ونصف يعدل دينارين وقد وقع الكسر فيه بالإنصاف فاضعفه فيصير أربعة دنانير تعدل خمسة دراهم ثم أقلب الفضة وعد إلى الأصل فتقول: كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فالدينار بمعنى خمسة والدرهم بمعنى أربعة فذلك تسعة وصححنا العفو في الدينار وذلك خمسة وأبطلناه في الدرهم وهو أربعة فنفدي ذلك بمثله ومثل نصفه وذلك عشرة فيحصل للورثة عشرة وقد نفذنا العفو في خمسة فيستقيم الثلث والثلثان.(29/178)
وطريق الجبر فيه أن تصحح العفو في شيء وتبطله في مال إلا شيء فتفديه بمثله ومثل نصفه فيحصل في يد الورثة مالان ونصف إلا شيئين ونصف شيئا وحاجتهم إلى شيئين فاجبر مالين ونصفا بشيء ونصف شيء وزد على ما يعدله شيئين ونصف شيء فيصير مالين ونصفا يعدل أربعة أشياء ونصفا فانكسر بالإنصاف فاضعفه فيكون خمسة أموال يعدل تسعة أشياء فالمال الكامل يعدل شيئا فتضربه في أربعة أخماس فتضربه في خمسة وشيء وأربعة أخماس إذا ضربته في خمسة يكون تسعة وقد صححنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في خمسة فتبين أنا جوزنا العفو في خمسة أتساع العبد والتخريج كما بينا فإن كان قيمة العبد خمسة آلاف فإنه يفدي نصفه بنصف الدية لأنا نأخذ ضعف قيمة العبد وهو عشرة آلاف فنضمه إلى الدية فيكون ذلك عشرين ألفا ثم ننظر إلى المضموم وكم هو من الجملة فإذا هو نصف الجملة فنبطل العفو باعتباره في العبد ونجوز في نصف العبد مقدار ذلك ألفان وخمسمائة ثم نفدي ما أبطلنا فيه العفو بنصف الدية وذلك خمسة آلاف فيحصل للورثة خمسة آلاف وقد نفذنا العفو في ألفين وخمسمائة فيستقيم الثلث والثلثان.(29/179)
وعلى طريق الدينار والدرهم نجعل العبد دينارا ودرهما فنصحح العفو في الدينار ونبطله في الدرهم فنفدي ذلك بضعفه لأن الدية ضعف قيمة العبد فيصير في يد الورثة درهمان تعدل دينارين وتبين أن قيمة الدينار والدرهم سواء وأنا صححنا العفو في الدينار وذلك نصف العبد وأبطلناه في الدرهم وقد فدى المولى ذلك بضعفه فيحصل للورثة ضعف ما نفذنا فيه العفو وعلى طريق الجبر نصحح العفو في شيء ونبطله في مال إلا شيئا فنفدي ذلك بضعفه وذلك مالان إلا شيئين وحاجة الورثة إلى شيئين فاجبر مالين بشيئين وزد على ما يعدلهما مثل ذلك فيكون مالين يعدل أربعة أشياء كل مال يعدل شيئين وقد نفذنا العفو في شيء وشيء من شيئين يكون نصف شيئين فتبين أنا صححنا العفو في نصف العبد والتخريج كما بينا وإن كانت قيمته ستة آلاف فالطريق فيه أن تأخذ ضعف قيمة العبد وذلك اثنا عشر ألفا فتضمه إلى الدية فتكون الجملة اثنان وعشرون ألفا ثم تنظر إلى المضموم كم هو من الجملة فتجد ذلك ستة أجزاء من(29/180)
ص -84- ... أحد عشر جزءا فتبطل العفو في ستة أجزاء من أحد عشر جزءا من العبد وتفدي ذلك بستة أجزاء من أحد عشر جزءا من الدية فيستقيم الثلث والثلثان إذا تأملت، وعلى طريق الدينار والدرهم تجوز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فتفديه بمثله وبمثل ثلثه، لأن الدية من القيمة مثلها ومثل ثلثيها ثم التخريج كما بينا وعلى هذا يخرج فيما إذا كانت قيمته سبعة آلاف أو ثمانية آلاف أو تسعة آلاف، فإن كانت قيمته عشرة آلاف فالعفو هنا صحيح في ثلث العبد ولا دور في المسألة لأن الدية مثل قيمة العبد فلا يمكن زيادة في مال الميت سواء اختار الدفع أو الفداء، فإن كانت قيمة العبد أكثر من عشرة آلاف فالأصل فيه أن تأخذ ضعف الدية وتضمه إلى القيمة ثم تدفع حصة الضعف من العبد لأنه لو كان العبد ضعف الدية لكان يجوز العفو في جميع العبد لأن مال المولى هو مقدار الدية هنا فله أقل المالين، وإنما تتبين الزيادة عن اختيار الدفع وصارت الدية في هذا النوع كالعبد في النوع الأول ولهذا لو اختار الفداء هنا لا يقع الدور لأنه لا يظهر زيادة في مال الميت وإنما يقع الدور عند اختيار الدفع فتقول إذا كانت قيمته عشرون ألفا صح العفو في النصف لأنك تأخذ ضعف النقدية وذلك عشرون ألفا فتضمه إلى القيمة فيصير أربعين ألفا ثم يدفع حصة الضعف من العبد وذلك نصف العبد فيجوز له العفو في النصف مقدار ذلك من الدية خمسة آلاف ويدفع إلى الورثة نصف العبد وقيمته عشرة آلاف فيستقيم الثلث والثلثان وسائر الطرق تخرج على هذا فإنك تجعل العمل في الدية هنا على طريق بمنزلة العمل في العبد فيما سبق.(29/181)
ولو كانت قيمته ثلاثين ألفا فخذ ضعف الدية وضمه إلى القيمة فيصير خمسين ألفا ثم تدفع حصة الضعف وذلك خمسا العبد ويجوز العفو في ثلاثة أخماسه مقدار ذلك من الدية ستة آلاف ويسلم للورثة خمسا العبد وقيمته اثنا عشر ألفا فيستقيم الثلث والثلثان. ولو كانت قيمته أربعين ألفا فخذ ضعف الدية وضمه إلى القيمة فيصير ستين ألفا ثم تدفع العبد ما أصاب حصة الضعف وذلك ثلث العبد ويجوز العفو في الثلثين مقدار ذلك من الدية ستة آلاف وثلثان ويسلم للورثة ثلث العبد وثلاثة عشر ألفا وثلث ألف فيستقيم الثلث والثلثان، وإن كانت قيمته خمسة عشر ألفا واختار الدفع فالعفو جائز في ثلاثة أسباع العبد ويدفع أربعة أسباعه لأنك تأخذ ضعف الدية فتضمه على القيمة فيصير خمسة وثلاثين ثم تدفع حصة النصف من العبد وذلك أربعة أسباع العبد ويجوز العفو في ثلاثة أسباعه مقداره من الدية أربعة آلاف ومائتان وخمسة وثمانون وخمسة أسباع ويسلم للورثة أربعة أسباع العبد قيمته بنصف هذا المقدار إذا تأملت فيستقيم الثلث والثلثان.
ولو كانت قيمة العبد مائة درهم فإن اختار الدفع دفع ثلثي العبد لما بينا أن قيمته إذا كانت أقل من عشرة آلاف فإن الدور لا يقع في الدفع وإنما يقع في الفداء، ولو اختار الفداء فإنه يفدي بجزأين من مائة جزء وجزئين من الدية لأنك تأخذ ضعف القيمة وذلك مائتان فتضمه إلى الدية وهي عشرة آلاف فإذا جعلت كل مائة سهما تصير الدية مائة سهم والضعف(29/182)
ص -85- ... سهمين فذلك مائة وجزآن ثم تفدي مائتي الضعف من العبد وذلك جزآن من مائة جزء ومن جزأين من الدية وهو يخرج مستقيما على طريق الحساب باعتبار أن كل جزء تفديه إنما يفدى بمائة أمثاله لأن الدية من القيمة مائة أمثاله.
ولو أن عبدا جرح رجلا خطأ فعفا عنه المجروح في مرضه ثم مات وترك ألف درهم وقيمة العبد ألف درهم فالأصل في هذه المسائل أن تأخذ ضعف القيمة وتضمها إلى الدية ثم تقسم العبد على الدية وعلى الضعف فيجوز العفو بحصة الدية وبحصة التركة ويبطل بحصة الضعف وبيان ذلك أن ضعف القيمة هنا ألفا درهم فإذا ضممته إلى الدية يصير اثني عشر ألفا ثم إذا قسمت العبد على اثني عشر فالعفو صحيح بحصة الدية وذلك عشرة بحصة التركة وهو سهم لأن التركة سوى العبد ألف فتبين أن العفو إنما يجوز في أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا من العبد وذلك خمسة أسداسه ونصف سدسه ويبطل في سهم واحد وذلك نصف سدس العبد فتفديه بنصف سدس الدية وذلك ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فيصير للورثة ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وجاز العفو في خمسة أسداس العبد ونصف سدسه مقدار ذلك تسعمائة وستة عشر وثلثان.
وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن تجعل العبد دينارا ودرهما وتجيز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فتفديه بعشرة أمثاله وقد كان للورثة ألف درهم مثل قيمة العبد فذلك دينار ودرهم أيضا فيصير للورثة أحد عشر درهما ودينارا يعدل دينارين فالدينار قصاص وبقي أحد عشر درهما تعدل دينارا فاقلب الفضة وعد إلى الأصل فتقول: قد كنا جعلنا العبد دينارا وذلك أحد عشر درهما ودرهما فذلك اثنا عشر ثم جوزنا العفو في الدينار وذلك خمسة أسداس العبد ونصف سدسه ثم التخريج إلى آخره كما بينا.(29/183)
وعلى طريق الجبر والمقابلة السبيل أن تجيز العفو في شيء وتبطله في مال إلا شيئا فتفدي ذلك بعشرة أمثاله فيصير في يد الورثة عشرة أموال إلا عشرة أشياء وقد كان عندهم مال كامل وهي الألف التي هي مثل قيمة العبد صار عندهم أحد عشر مالا إلا عشرة أشياء تعدل شيئين فأجبره بعشرة أشياء وزد على ما يقابله مثله فصار أحد عشر ما لا يعدل اثني عشر شيئا كل مال يعدل شيئا وجزءا من أحد عشر جزءا من شيء فقد انكسر بجزء من أحد عشر جزءا فاضرب شيئا وجزءا من أحد عشر جزءا في أحد عشر جزءا فيصير ذلك اثني عشر جزءا وقد جوزنا العفو في شيء وجعلنا كل شيء أحد عشر فتبين أن العفو إنما صح في أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا من العبد، ولو كانت قيمة العبد خمسة آلاف وقد ترك الميت ألف درهم واختار الفداء فإنما يفدي بتسعة أجزاء من عشرين جزءا من الدية لأنك تأخذ ضعف القيمة وذلك عشرة آلاف فتضمه إلى الدية فيكون عشرين ألفا ثم تقسم العبد على الدية وعلى النصف فيجوز العفو بإزاء الدية وذلك عشرة أسهم وبإزاء التركة وذلك سهم واحد فذلك أحد عشر سهما من عشرين سهما وتبطل في تسعة أجزاء من عشرين.(29/184)
ص -86- ... وطريق الدينار والدرهم أن تجعل العبد دينارا ودرهما فتجيز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فتفدي الدرهم بضعفه لأن الدية ضعف قيمة العبد فيصير للورثة درهمان وقد كان عندهم ألف درهم فذلك خمس دينار وخمس درهم فصار في يد الورثة درهمان وخمس دينار وخمس درهم يعدل دينارين فخمس دينار بمثله قصاص يبقى درهمان وخمس درهم يعدل دينارا وأربعة أخماس دينار فاجعل كل خمس دينارا فيصير الدينار تسعة والدرهم أحد عشر ثم أقلب الفضة وعد إلى الأصل فقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فالدينار أحد عشر والدرهم تسعة فذلك عشرون وقد أجزنا العفو في الدينار وذلك أحد عشر وأبطلناه في الدرهم وذلك تسعة ثم فدى الدرهم بمثليه وذلك ثمانية عشر وقد كان عندهم خمس دينار وخمس درهم وذلك أربعة فإذا جمعت الكل كان اثنين وعشرين ضعف ما نفذنا فيه الوصية فاستقام.
وطريق الجبر فيه أن تجيز العفو في شيء وتبطله في مال إلا شيئا فنفديه بمثله وذلك مالان إلا شيئين وعند الورثة أيضا خمس مال فصار عندهم مالان وخمس مال إلا شيئين يعدل شيئين فأجبر بشيئين وبعد الجبر والمقابلة يصير مالين وخمس مال يعدل أربعة أشياء فاجعل كل خمس سهما فيصير المالان والخمس أحد عشر والأشياء عشرين لأنا متى ضربنا مالين وخمس مال لأجل الكسر في خمسة فقد ضربنا أربعة أشياء في خمسة أيضا والأربعة متى ضربت في الخمسة تصير عشرين وإذا تأملت كان كل شيء أحد عشر وكل مال عشرين وقد جوزنا العفو في شيء وذلك أحد عشر وأبطلناه في مال إلا شيئا وذلك تسعة أجزاء من عشرين جزءا وقد جعلنا العبد مالا فذلك عشرون وجوزنا العفو في شيء وذلك أحد عشر جزءا من عشرين جزءا.(29/185)
ولو كان الميت ترك ألفي درهم والمسألة بحالها فإنه يفدي بثمانية أجزاء من عشرين جزءا من الدية لأنك تأخذ ضعف القيمة وذلك عشرة آلاف وتضمه إلى الدية فيصير عشرين ألفا ثم تجيز العفو بإزاء الضعف وهو عشره وبإزاء التركة وهو ألفان فذلك اثنا عشر وتبطل في ثمانية فتفديه بثمانية أجزاء من عشرين جزءا من الدية.
وإن ترك الميت ثلاثة آلاف درهم فداه بسبعة آلاف من عشرين جزءا من الدية لأنك تأخذ ضعف القيمة وذلك عشرة آلاف فتضمه إلى الدية فيكون عشرين ألفا ثم تجيز العفو بحصة الدية وذلك عشرة أسهم وبحصة التركة وذلك ثلاثة يبقي سبعة أسهم فتفديه بسبعة أجزاء من عشرين جزءا من الدية. ولو كانت قيمة العبد خمسة آلاف وقد ترك الميت ألف درهم فاختار الدفع فإنه لا يقع فيه الدور لأنه يتبين في مال الميت هنا زيادة ولكنه يدفع ثلاثة أخماس العبد ويسلم له خمساه لأن مال الميت ستة آلاف فيجوز العفو في ثلث ماله وذلك ألفا درهم وإذا جاز العفو في العين مقداره من العبد خمساه كان عليه أن يدفع ما بقي من العبد وذلك ثلاثة أخماسه.
ولو كان مال الميت ألفي درهم دفع خمسي العبد وثلثي خمسه لأن مال الميت سبعة آلاف فيجوز العفو في ثلثه وذلك ألفان وثلث ألف ويدفع ما بقي من العبد وذلك ألفان وثلثا(29/186)
ص -87- ... ألف وكل ألف خمس العبد فذلك خمساه وثلثا خمسه، وإن كان الميت ترك ألف درهم دفع خمسي العبد وثلث خمسه لأن مال الميت ثمانية آلاف فيجوز العفو في ثلثه وذلك ألفان وثلثا ألف ويدفع ما بقي وذلك ألفان وثلث ألف، وإن كان الميت ترك أربعة آلاف فإنه يدفع خمسي العبد لأن مال الميت تسعة آلاف فيجوز العفو في ثلثه وذلك ثلاثة آلاف ويبقي له من العبد ألفان وخمسمائة وإن كانت قيمة العبد أكثر من عشرة آلاف فالدور هنا يقع في الدفع ولا يقع في الفداء والأصل فيه أن تأخذ ضعف الدية وتضمه إلى القيمة ثم تطرح من الضعف مقدار تركة الميت وتدفع الباقي، وبيان هذا أن قيمة العبد لو كانت عشرين ألفا وقد ترك الميت عشرة آلاف فخذ ضعف الدية وذلك عشرون فتضمه إلى القيمة فيصير أربعين فلو لم يترك الميت شيئا لكان يدفع مقدار النصف وهو نصف العبد فلما ترك عشرة آلاف وجب أن يطرح منها مقدار عشرة فيبقى من الضعف عشرة وهو الربع فيدفع ربع العبد مقداره خمسة آلاف ويبقى للمولى ثلاثة أرباع العبد فإنما سلمت له بالوصية ثلاثة أرباعه مقداره من الدية سبعة آلاف وخمسمائة وقد سلم للورثة من العبد خمسة آلاف ومن التركة عشرة آلاف فذلك خمسة عشر.
ولو ترك الميت عشرين ألفا أو أكثر سلم العبد كله للمولى وجاز العفو في الكل لأن الدية مقدار عشرة آلاف وإنما تنفذ الوصية من الدية هنا لأنها أقل وقد ترك الميت ألفا مثل ما نفذنا فيه الوصية، ولو لم يترك الميت مالا ولكن عليه دين وقيمة العبد أكثر من عشرة آلاف، فالأصل فيه أن تقول: لو ترك الميت مقدار الدين وضعف القيمة به مع ذلك كان يصح العفو في الكل وإذا لم يترك شيئا من ذلك يجب أن يرفع من العبد مقدار الدين فيجعل كأن ذلك المقدار لم يكن ويجعل الباقي من العبد كأنه عبد على حدة.(29/187)
ثم التخريج على قياس ما ذكرنا في العبد الكامل وبيانه: أن العبد إذا كانت قيمته عشرين ألفا والدين عشرة آلاف دفع ثلاثة أرباع العبد لأنه لو لم يكن عليه دين لكان يدفع نصف العبد فإذا كان عليه دين يدفع ربعه أيضا لمكان الدين فيصير في يد الورثة ثلاثة أرباع العبد قيمته خمسة عشر ألفا ويصح العفو في الربع مقداره من الدية ألفان وخمسمائة ثم الوارث يقضي الدين بعشرة آلاف ويبقى له خمسة آلاف ضعف ما نفذنا فيه الوصية أو تقول مقدار عشرة آلاف من العبد يجعل كأن ليس لأنه مشغول بالدين ويبقي نصف العبد فاجعل كأن هذا النصف عبد على حده ثم أخذ ضعف ما فيه من الدية وذلك عشرة آلاف وضمه إلى قيمته فيصير عشرين ألفا ثم يجوز العفو في نصفه ويبطل في نصفه فقد بطل نصف هذا الباقي مع النصف الأول فذلك ثلاثة أرباع. ولو كانت قيمته خمسة آلاف وعلى الميت ألف درهم فاختار الدفع فإنه لا يقع الدور هنا ولكن تقول: مال الميت بعد قضاء الدين أربعة آلاف فيجوز العفو في ثلث ذلك وهو ألف وثلث ألف مقداره من العبد خمسه وثلث خمسه ويدفع ما بقي وهو ثلاثة أخماس العبد وثلثا خمسه فيقضي منه الدين بخمس العبد ويبقي للورثة خمسان وثلثا(29/188)
ص -88- ... خمس ضعف ما نفذنا فيه الوصية، وإن كان الدين ألفا درهم فمال الميت بعد قضاء الدين ثلاثة آلاف فإنما يجوز العفو في ثلثه وهو ألف درهم وذلك خمس العبد ويدفع أربعة أخماس العبد فيقضي الدين بخمسيه ويبقي للورثة خمسه ضعف ما نفذنا فيه الوصية، وإن كان ثلاثة آلاف فماله بعد قضاء الدين ألفا درهم فيجوز العفو في ثلثه وذلك ثلثا ألف يدفع ما بقي من العبد وهو أربعة أخماسه وثلث خمسه فيقضي الدين بثلاثة أخماسه ويسلم للورثة خمسا وثلث خمس ضعف ما نفذنا فيه الوصية، وإن كان الدين أربعة آلاف فإنه يدفع أربعة أخماسه وثلثي خمسه لأن ماله بعد قضاء الدين ألف درهم فيجوز العفو في ثلث ذلك وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ويدفع ما بقي وذلك أربعة أخماس العبد وثلثا خمسه، وإن كان الدين خمسة آلاف فالعفو كله باطل لأن العبد كله مشغول بالدين ومع الدين المستغرق بالتركة لا تنفذ الوصية في شيء.
ولو اختار الفداء وقيمته خمسة آلاف وعليه دين عشرة آلاف أو أكثر فإنه يفديه كله لأنه إذا فداه بعشرة آلاف فإنه يقضي بجميعه الدين ولا يبقي للميت مال فلهذا بطل العفو، ولو كان عليه دين ألف درهم فاختار الفداء فإنه يفديه بأحد عشر جزءا من عشرين جزءا من الدية لأنك تأخذ ضعف القيمة فتضمه إلى الدية فيصير عشرين ألفا ثم تبطل العفو بحصة الضعف وذلك عشرون وبحصة الدين وذلك سهم فذلك أحد عشر فيجوز العفو في تسعة أجزاء من عشرين جزءا.(29/189)
وعلى طريق الدينار والدرهم تجعل العبد دينارا ودرهما فتجيز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فتفدي الدرهم بمثليه فيصير مع الورثة درهمان يقضي من ذلك الدين ومقدار الدين خمس دينار وخمس درهم فيبقى درهم وأربعة أخماس درهم إلا خمس دينار يعدل دينارين فالدرهم وأربعة أخماس درهم إلا خمس دينار يعدل دينارين وخمسا فقد وقع الكسر بالخمس فاجعل كل خمس سهما فيصير الدرهم تسعة والدينار أحد عشر ثم أقلب الفضة وعد إلى الأصل فقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فالدينار تسعة والدرهم أحد عشر فذلك عشرون وقد أجزنا العفو في الدينار وذلك تسعة وأبطلناه في الدرهم وذلك أحد عشر وقد فداه بمثل ضعفه وذلك اثنان وعشرون فيقضي الدين بخمس دينار وخمس درهم وذلك أربعة فيبقى للورثة ثمانية عشر ضعف ما نفذنا فيه الوصية، وإنما قلنا: أن الدين يقضى بأربعة لأن مبلغ الدينار والدرهم عشرون ودينه مقدار خمس ذلك، وطريق الجبر فيه أن تجعل العبد مالا فتجيز العفو في شيء يفدي ما بقي بمثليه فيصير مع الورثة مالان إلا شيئين ثم يقضى الدين بخمس مال فيبقي مع الورثة مال وأربعة أخماس مال إلا شيئين يعدل شيئين وبعد الجبر والمقابلة يعدل أربعة أشياء فاجعل كل خمس سهما فيصير أربعة أشياء عشرين والمال وأربعة أخماس تسعة وبعد الضرب يكون المال وهو العبد عشرون ويجوز العفو في شيء منه وذلك تسعة وتبطله فيما بقي وذلك أحد عشر.(29/190)
ص -89- ... ولو كان الدين ألفي درهم فإن العفو يجوز في ثمانية أجزاء من عشرين لأنك تأخذ ضعف القيمة فتضمه إلى الدية فيصير عشرين ثم تفدي حصة الضعف وذلك عشرة وحصة الدين وذلك سهمان فذلك اثنا عشر وهو في الأصل ثلاثة أخماس العبد فإنما تفديه بثلاثة أخماس الدية وذلك ستة آلاف تقضي الدين بألفين وتسلم للورثة أربعة آلاف وقد صححنا العفو في خمسي العبد وذلك ألفان فاستقام الثلث والثلثان.
ولو كان الدين خمسة آلاف فإنه يفدي بخمسة عشر جزءا من عشرين جزءا ويجوز العفو في خمسة أجزاء لأنك تضم ضعف القيمة إلى الدية فيصير عشرين ثم تفدي ما بإزاء الضعف وذلك عشرة، وما بإزاء الدين فذلك خمسة فيكون خمسة عشر وذلك خمسة أرباع العبد فإنما تفديه بثلاثة أرباع الدية وذلك سبعة آلاف وخمسمائة يقضي الدين بخمسة آلاف ويسلم للورثة ألفان وخمسمائة وقد جوزنا العفو في ربع العبد ومقداره ألف ومائتان وخمسون فاستقام الثلث والثلثان.
ولو أن عبدا لرجل جرح رجلا ثم جرح آخر فعفا عنه الأول وهو مريض ثم مات من ذلك فإنه ينظر إلى نصف العبد كم قيمته فيعمل فيه كما وصفنا في العبد إذا جرح رجلا واحدا فعفا عنه يعني أنه إن كان قيمة النصف عشرة آلاف لا يقع الدور في الدفع ولا يقع في الفداء، وإن كان قيمة النصف أقل من عشرة آلاف لا يقع الدور في الدفع ويقع في الفداء، وإن كانت قيمته أكثر من عشرة آلاف فإن الدور يقع في الدفع ولا يقع في الفداء لأن نصف العبد مدفوع بالجناية الثانية مستحق بها والنصف كان مستحقا بالجناية التي وقع العفو عنها وموجب تلك الجناية عشرة آلاف فصار حكم هذا النصف وحكم عبد جنى جناية سواء فيما بينا.(29/191)
ولو أن عبدين لرجل جرحا رجلا فعفا عنهما المجروح في مرضه ثم مات وقيمتهما سواء عشرة آلاف أو أكثر قيل لسيدهما ادفع ثلثيهما أو افده ذلك بثلثي الدية وهذا صحيح فيما إذا كانت قيمتهما عشرة آلاف فأما إذا كانت قيمتهما أكثر من عشرة آلاف فإنما يصح الجواب في الفداء ولا يصح في الدفع لأن العبدين إذا كانا لواحد وجرحا رجلا واحدا كان حكمهما حكم عبد واحد جرح رجلا، فإن كانت قيمته عشرة آلاف لا يقع الدور في الدفع ولا في الفداء ولكن يدفع ثلثيه أو يفدي ثلثيه بثلثي الدية، وإن كانت قيمته أكثر يقع الدور في الدفع فكذلك في العبدين، ولو كانت قيمة أحدهما عشرة آلاف وقيمة الآخر خمسة آلاف فمات الذي قيمته عشرة آلاف واختار الدفع فإنه يدفع أربعة أخماس الباقي أو يفديه بأربعة أخماس نصف الدية، والسبيل أن تتبين الجواب قبل موت أحدهما ثم تبني عليه الجواب بعد موت أحدهما فتقول العبدان هنا في الحكم كعبد واحد لأنهما لرجل واحد جنيا على واحد فصارا كعبد واحد قيمته خمسة عشر ألفا ثم السبيل أن تأخذ ضعف الدية فتضمه إلى القيمة فيصير خمسة وثلاثين ألفا ويجب الدفع فيما بإزاء الضعف وذلك أربعة أسباعه ويصح العفو في ثلاثة أسباع العبد وذلك في الحكم بمنزلة سبعين لأن الدية مثل ثلثي القيمة فإنما يعتبر تنفيذ الوصية من الأصل، فإذا(29/192)
ص -90- ... سلم للمولى ثلاثة أسهم وذلك في معنى سهمين ودفع إلى الورثة أربعة أسهم من العبد استقام الثلث والثلثان ثم لما مات أحدهما فقد صار المولى مستوفيا الوصية فيه فإنما يقسم الباقي على حق الورثة وعلى ما بقي من حق المولى فتقول حين مات الذي قيمته عشرة آلاف فإنما يضرب الوارث في الباقي بأربعة أسهم والمولى بسهم لأن وصيته بالعفو كانت تجوز في سهم واحد من العبد الأوكس فيصير هذا العبد على خمسة أسهم يدفع أربعة أخماسه إلى الورثة ويبقى له من هذا العبد سهم وتبين أنه صار مستوفيا من العبد الآخر سهما فيحصل تنفيذ الوصية في سهمين ويسلم للوارث أربعة وكذلك إن اختار الفداء لأن قيمة العبد والدية سواء فإن قيمة العبد خمسة آلاف وقيمته من الدية خمسة آلاف.
ولو مات الذي قيمته خمسة آلاف وبقي الآخر فإن اختار المولى الدفع دفع ثلثيه لأن الذي مات قد صار المولى مستوفيا لوصيته فإنما يضرب الورثة في الباقي بأربعة والمولى بسهمين لأن له وصية في هذا العبد سهمين فيكون على ستة أسهم سهمين للمولى من هذا العبد وهو في الحكم كأنه السهم لأن المعتبر ما فيه من الدية وهو خمسة آلاف قيمته وذلك نصف فحصل للورثة من هذا العبد أربعة وللمولى في الحكم سهم وله من العبد الآخر سهم فيستقيم الثلث والثلثان ومن حيث الدراهم سلم للورثة ثلثي هذا العبد وقيمته ستة آلاف وستمائة وستة وستون وثلثان للمولى بالوصية من هذا العبد ثلث نصف الدية ومن العبد الآخر ثلث نصف الدية أيضا فيكون ذلك ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فيستقيم الثلث والثلثان.(29/193)
ولو أن عبدين لرجلين لكل واحد منهما عبد جرحا رجلا وقيمة أحدهما ألف وقيمة الآخر عشرون ألفا فعفا عن الذي قيمته ألف جاز عفوه ويدفع الآخر عبده أو يفديه بنصف الدية لأنا نتيقن بخروج الوصية من الثلث فإن مولى الآخر إن اختارا لدفع يسلم للورثة عشرين ألفا، وإن اختار الفداء يسلم للورثة خمسة آلاف ففي الوجهين جميعا هو خارج من الثلث وإن لم يعف عن هذا ولكن عفا عن الذي قيمته عشرون ألفا فإنه يجبر المولى الذي قيمة عبده ألف حتى ينظر أختار الدفع أم الفداء حتى يتبين مال الميت، فإن اختار الدفع فدفعه كان هذا بمنزلة مال خلفه الميت فكان المجروح ترك ألف درهم فيقال لمولى العبد الأرفع تختار الدفع أو الفداء؟ فإن اختار الدفع دفع من عبده ما يساوي ستة آلاف وهو خمس العبد ونصف خمسه وصار العفو فيما بقي وذلك من الدية ثلاثة آلاف وخمسمائة لأن فيه نصف الدية فحصة ما جاز فيه العفو ثلاثة أخماس نصف الدية ونصف خمسه وهذا لأنك تأخذ ضعف الدية وهو عشرة آلاف فإن في هذا العبد من الدية خمسة آلاف فيضم ضعفه إلى القيمة فيصير ثلاثين ألفا فما أصاب حصة الضعف من العبد وهو خمس العبد ونصف خمسة لأن كل خمس من الثلاثين يكون ستة ونصف الخمس ثلاثة.
ثم انظر إلى العبد كم يكون قيمة خمسه ونصف خمسه وقيمة العبد عشرون ألفا فخمسه(29/194)
ص -91- ... أربعة آلاف ونصف خمسه ألفان فيكون جملة ذلك ستة آلاف فيدفع ذلك القدر إلى الورثة وقد سلم الألف لهم فذلك سبعة آلاف وقد نفذنا الوصية في ثلاثة أخماس نصف الدية ونصف خمسه مقدار ذلك ثلاثة آلاف وخمسمائة فاستقام الثلث والثلثان.
وإن اختار الفداء فدى منه قدر ثلاثة أخماسه بثلاثة أخماس الدية وهو ثلاثة آلاف فيصير في يد الورثة مع العبد الآخر أربعة آلاف وقد نفذنا الوصية له في خمسي نصف الدية وذلك ألفان فيستقيم الثلث والثلثان.
وفي الحاصل: هذه المسألة على أربعة أوجه إما إن يختار صاحب العبد الأوكس الدفع أو الفداء وإما أن يختار صاحب العبد الأرفع الدفع أو الفداء، وفي الكتاب ذكر ما إذا اختار صاحب الأوكس الدفع ثم اختار صاحب الأرفع الدفع أو الفداء ولم يذكر ما إذا اختار صاحب الأوكس الفداء والوجه في ذلك أن تقول إذا اختار الفداء فإنما يفدي عبده بخمسة آلاف ويصير كأن الميت ترك خمسة آلاف فإن اختار الآخر الدفع قسم على الضعف وعلى القيمة فخذ ضعف الدية عشرة آلاف ضمه إلى القيمة فيصير ثلاثين ألفا فما أصاب صاحب حصة الضعف دفعه إلا مقدار خمسة آلاف فإن ذلك المقدار سقط عنه باعتبار وجوده في يد الورثة ويكون الذي يدفع منه خمسة أجزاء من ثلاثين جزءا وهو سدس العبد قيمته ثلاثة آلاف وثلث ألف فيصير في يد الورثة ثمانية آلاف وثلث ألف وقد جوزنا العفو في خمسة أسداس الأرفع مقداره خمسة أسداس نصف الدية أربعة آلاف وسدس ألف فيستقيم الثلث والثلثان، وإن اختار صاحب الأرفع الفداء كان مال الموصى الدية عشرة آلاف فتجوز وصيته في ثلث ذلك وهو ثلاثة آلاف وثلث ألف ويدفع ما بقي إلى تمام خمسة آلاف وذلك ألف وثلثا ألف فيصير للورثة ستة آلاف وثلثا ألف وهذا لأنه لا يظهر زيادة في مال الميت هنا باختيارهما جميعا الفداء وهو أقل المالين ولا يقع الدور فيه والله أعلم بالصواب.
باب العفو والوصية(29/195)
قال رحمه الله: ولو أن عبدا جرح رجلا خطأ فعفا عنه المجروح في مرضه وأوصى لرجل بثلث ماله وقيمة العبد عشرة آلاف فاختار المولى الدفع دفع خمسة أسداسه" لأنه أوصى لمولى الجارح بجميع عبده حيث عفا عنه والعفو لا يجوز فيما زاد على الثلث في مرضه فيصير كأنه أوصى للمولى بالثلث وللآخر بالثلث فيكون ثلث ماله بينهما نصفين لكل واحد منهما سدس العبد ودفع خمسة أسداسه فيأخذ الموصى له بالثلث سدسه ويسلم للورثة أربعة أسداسه فيستقيم الثلث والثلثان، وهذا الجواب على أصل أبي حنيفة رحمه الله خاصة لأن من أصله أن الموصى له بجميع المال لا يضرب إلا بالثلث فيكون الثلث بينهما نصفين وأما عندهما ينبغي أن يضرب الموصى له بسهم واحد ويضرب المولى بثلاثة أسهم وهو جميع المال فيصير الثلث بينهما على أربعة فصار العبد كله اثنى عشر فإنما يدفع ثلاثة أرباع العبد وهو تسعة ويسلم للمولى ثلاثة ويأخذ صاحب الثلث من التسعة سهما واحدا ويبقى للورثة ثمانية أسهم.(29/196)
ص -92- ... وكذلك إذا اختار الفداء لأن ماله في حال الدفع والفداء واحد لا يختلف وقد جرى هذا الباب إلى آخره على نحو هذا وقال في آخره وعلى هذا جميع هذا الوجه على قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله ولا وجه لذلك إلا أن يقال هذا يكون رواية عنهما مثل قول أبي حنيفة أن الموصى له بالجميع عند عدم الإجازة لا يضرب بما زاد على الثلث، ولو كانت قيمته خمسة آلاف فإن اختار الدفع فالجواب كذلك لأنه لا يقع الدور عند اختيار الدفع إذا كانت قيمته أقل من عشرة آلاف فإن اختار الفداء فدى خمسة أسباعه بخمسة أسباع الدية أربعة للورثة وسهم للموصى له لأنه لو لم يكن من العافي وصية سوى العفو كان الطريق عند اختيار الفداء أن يضم ضعف القيمة إلى الدية فيصير عشرين ألفا ثم يفدى ما بإزاء الضعف وذلك نصف الدية فلما كان للآخر وصية من مثل وصيته وجب أن يزاد مثل وصيته لمكان حق الموصى له وذلك خمسة آلاف ويزاد ضعف ذلك لمكان حق الورثة لأنه إذا أراد الوصية يزاد ضعف ذلك فيصير كله خمسة وثلاثين ألفا ثم يفدي حصة الضعفين وحصة الوصية فذلك خمسة وعشرون وهو خمسة أسباع العبد فإن كل سبع من خمسة وثلاثين خمسة فيأخذ الموصى له بثلث المال سبع الدية والورثة أربعة أسباعه وقد جاز له العفو في سبعي العبد فيستقيم الثلث والثلثان وأشار في الأصل إلى طريق آخر فقال السبيل أن تنظر إلى الدية فتزيد عليها مثل ما لو ترك المجروح من المال لكان يجوز العفو والوصية كلاهما ثم تفدي ذلك القدر لأن بانعدامه امتنع تنفيذ كلا العفو والوصية وذلك خمسة وعشرون ألفا لأن الميت لو كان له خمسة وعشرون ألفا جازت الوصية والعفو لأنه يسلم للمولى العبد وقيمته خمسة آلاف ويأخذ صاحب الثلث خمسة آلاف، ويبقي للورثة عشرون ألفا فلما كان بوجود خمسة وعشرين ألفا يكون إمكان تنفيذ الوصيتين فيجب أن يضع ذلك المقدار على الدية ثم يضم على ذلك.(29/197)
وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن تجعل العبد دينارا ودرهما فتجيز العفو في الدينار وتفدي الدرهم بمثله ويصير في يد الورثة درهمان تعدل خمسة دنانير لأن حاجة الورثة إلى أربعة دنانير وحاجة الموصى له بالثلث إلى دينار فاقلب الفضة وعد إلى الأصل فقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما الدرهم خمسة والدينار اثنان فذلك سبعة أجزنا العفو في الدينار وذلك سهمان وفدى الدرهم وذلك خمسة أسهم بمثله وذلك عشرة ثم يسلم للموصى له بالثلث سهمان وثمانية للورثة.
وطريق الجبر فيه أن تجعل العبد مالا وتجيز العفو في شيء وتبطله في مال إلا شيئا فتفديه بمثله وذلك مالان إلا شيئين يعدل خمسة أشياء وبعد الجبر مالان يعدل سبعة أشياء فالمال الواحد يعدل ثلاثة أشياء ونصفا وقد جوزنا العفو في شيء منه وشيء من ثلاثة ونصف سبعاه فعرفنا أن العفو إنما جاز في السبعين وطريق الخطأين فيه أن تجعل العبد على سبعة وتجيز العفو في أربعة وتبطله في ثلاثة ثم تفدي ذلك بمثليه فيصير في يد الورثة ستة وإنما(29/198)
ص -93- ... حقهم مع حق الموصى له في عشرين أربعة للموصى له وستة عشر للورثة فقد ظهر الخطأ بنقصان أربعة عشر فعد إلى الأصل وأجز العفو في ثلاثة أسباعه وأبطله في أربعة أسباعه فيفدي ذلك بثمانية وحاجة الورثة مع الموصى له إلى خمسة عشر فيكون للموصى له ثلاثة وللورثة اثنا عشر فقد ظهر الخطأ الثاني بنقصان سبعة وكان الخطأ الأول بنقصان أربعة عشر فلما نقصنا سهما ارتفع من الخطأ سبعة يجب أن تنقص سهما آخر ليرتفع جميع الخطأ فتجيز العفو في السبعين وتبطله في خمسة أسباعه فيفدي ذلك بمثليه وهو عشرة أسهم للموصى له من ذلك سهمان وللورثة ثمانية فقد نفذنا الوصية في أربعة أسهم وسلم للورثة ثلاثة أسهم فاستقام الثلث والثلثان.(29/199)
ولو كانت قيمة العبد ستة آلاف فإنه يفدي ثلاثة أرباعه بثلاثة أرباع الدية وذلك سبعة آلاف وخمسمائة ستة آلاف منها للورثة وألف وخمسمائة للموصى له لأنه لو لم يكن هنا وصية سوى العفو لكان يؤخذ ضعف القيمة ويضم إلى الدية فيصير اثنين وعشرين ألفا ثم تفدى حصة الضعف وذلك ستة أسهم من أحد عشر فلما كان هنا وصية مثل العفو وجب أن يزداد على اثنين وعشرين ألفا مثل القيمة لمكان الوصية وذلك ستة آلاف ومثلي ذلك لمكان حق الورثة فتصير الجملة مائة وأربعين ألفا فيجب عليه أن يفدي حصة الضعفين وحصة الوصية وذلك ثلاثون من أربعين فيكون ثلاثة أرباع العبد وقيمته أربعة آلاف وخمسمائة يفديه بمثله ومثل ثلثيه لأن الدية من القيمة هكذا فذلك سبعة آلاف وخمسمائة ويسلم للمولى بالعفو ربع العبد قيمته ألف وخمسمائة ويأخذ الموصى له بالثلث مثل ذلك ألفا وخمسمائة فحصل تنفيذ الوصيتين في ثلاثة آلاف ويسلم للورثة ستة آلاف فيستقيم الثلث والثلثان وهو يخرج مستقيما على الطريق الآخر الذي أشار إليه محمد رحمه الله في الأصل وعلى طريق الحساب على النحو الذي ذكرنا في الفصل الأول، ولو كانت قيمته ألف درهم فإنه يفدي ثلث العبد بثلث الدية ويأخذ الموصى له من ذلك ستمائة وستة وستين وثلثين ويسلم للورثة ألفان وستمائة وستون وثلثان لأنه لو لم يكن هنا وصية لكان يؤخذ ضعف القيمة ألفان فيضم إلى الدية فيكون اثني عشر ألفا ثم يفدي حصة الضعف وهو السدس فلما أوصى بثلث ماله وجب أن يؤخذ مثل القيمة لمكان الموصى له وهو ألف ويؤخذ ضعف ذلك لحق الورثة ويزيد كله على الدية فيصير خمسة عشر ألفا ثم يفدي حصة الضعفين وحصة الوصية وذلك خمسة من خمسة عشر وهو الثلث فصار للمولى بالعفو ثلثا العبد قيمته ستمائة وستة وستون وثلثان وقد فدى ثلاثة بثلث الدية وذلك ثلاثة آلاف وثلث ألف فيأخذ الموصى له بالثلث ثلث الألف ويبقى للورثة ألفان وثلثا ألف وقد نفذنا الوصيتين في ألف وثلث ألف فاستقام الثلث(29/200)
والثلثان.
ولو كانت قيمة العبد ألف درهم وأوصى لرجل بربع فدى أربعة أجزاء وربع جزء من أربعة عشر جزءا وربع جزء من العبد بحصة ذلك من الدية لأنك تأخذ ضعف القيمة وذلك ألفان وتأخذ ثلاثة أرباع القيمة لأجل الموصى له لأن الوصية مثل ثلاثة أرباع وصية صاحب(29/201)
ص -94- ... العفو فإنه أوصى له بربع المال والربع مثل ثلاثة أرباع الثلث فخذ ثلاثة أرباع الألف لأجل الموصى له وضعف ذلك لأجل الورثة فذلك كله ألفان وربع الألف ضم هذا كله إلى الدية مع ضعف القيمة فتكون الجملة أربعة عشر ألفا وربع ألف ثم يفدي ما بإزاء الضعفين وما بإزاء وصية صاحب الربع وذلك جزء وربع جزء من أربعة عشر جزءا وربعا بحصته من الدية فيحصل للورثة ثلاثة أجزاء ونصف من أربعة عشر وربع وللموصى له ثلاثة أرباع سهم من أربعة عشر وربع من الدية أو تقول بطل العفو في أربعة وربع من أربعة عشر وربع من العبد ويفديه بعشرة أمثاله وذلك اثنان وأربعون ونصف فيكون للموصى له سبعة ونصف وللورثة خمسة وثلاثون وقد أجزنا العفو في عشرة وأعطينا للموصى له ثلاثة أرباع ذلك وهو سبعة ونصف فقد نفذنا الوصية له في سبعة عشر ونصف وسلم للورثة خمسة وثلاثون فاستقام الثلث والثلثان.
ولو أوصى بالسدس وقيمة العبد ألفان فدى سبعة أجزاء من سبعة عشر جزءا من العبد بحصته من الدية فيكون للموصى له جزء وللورثة سبعة أجزاء لأنك تزيد على الدية ضعف القيمة وذلك أربعة آلاف لمكان العفو ويزيد عليه مثل نصف القيمة لحق الموصى له بالسدس لأن حقه مثل نصف حق صاحب العفو يزيد عليه ضعف ذلك لحق الورثة وذلك ألفان فمبلغ الضعفين والوصية سبعة آلاف فإذا ضممت ذلك إلى الدية يصير سبعة عشر ألفا فيفدي من ذلك حصة الضعفين والوصية وذلك سبعة أجزاء من سبعة عشر جزءا من العبد بخمسة أمثالها لأن الدية خمسة أمثال القيمة وخمسة أمثال السبعة يكون خمسة وثلاثين فيأخذ الموصى له بالسدس من ذلك خمسة وقد سلم له صاحب العفو عشرة فحصل تنفيذ الوصيتين في خمسة عشر وقد سلم للورثة ثلاثون.(29/202)
وعلى طريق الدينار والدرهم تجعل العبد دينارا ودرهما وتجيز العفو في الدينار ثم تفدي الدرهم بخمسة أمثاله فذلك خمسة دراهم فصار في يد الورثة خمسة دراهم تعدل ثلاثة دنانير ونصفا وللورثة ثلاثة دنانير وللموصى له بالسدس نصف دينار أضعفه لمكان الكسر فيصير عشرة دراهم تعدل سبعة دنانير ثم عد إلى الأصل وقد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فذلك سبعة عشر الدينار عشرة والدرهم سبعة ثم صححنا العفو في الدينار وذلك عشرة وأبطلناه في الدرهم وهو سبعة فنفديه بخمسة أمثاله وذلك خمسة وثلاثون فيكون للموصى له خمسة وللورثة ثلاثون.
وعلى طريق الجبر السبيل أن تجيز العفو في شيء وتبطله في مال إلا شيئا فتفديه بخمسة أمثاله فيصير في يد الورثة خمسة أموال إلا خمسة أشياء تعدل ثلاثة أشياء ونصف شيء وبعد الجبر خمسة أموال تعدل ثمانية أشياء ونصف شيء وفيه كسر فاضعف فيصير عشرة أموال يعدل سبعة عشر شيئا والمال الواحد يعدل شيئا وسبعة أجزاء من عشرة من شيء فقد انكسر بالأعشار فاضربه في عشرة فتبين أن العفو إنما صح في عشرة أسهم من سبعة عشر من العبد وأنه يفدي سبعة أجزاء بخمسة أمثاله من الدية والتخريج كما بينا.(29/203)
ص -95- ... رجل وهب عبدا لرجل في مرضه ثم أن العبد قتل الواهب خطأ ولا مال للواهب غير ذلك فإن الموهوب له يخير بين الدفع والفداء لأنه مالك العبد وتصرف المريض فيما يحتمل النقص يكون نافذا قبل موته، فإن اختار الدفع دفع العبد كله نصفه بحكم نقص الهبة ونصفه بالجناية لأن الهبة في ثلث العبد جائزة في ثلث العبد ثم يدفع الموهوب له ذلك الثلث بالجناية فيزداد مال الواهب وهو السهم الدائر فتطرح من أصل نصيب الورثة سهما وتجعل العبد على سهمين فتصح الهبة في أحدهما فتدفعه بالجناية فيحصل للورثة سهمان وقد نفذنا الهبة في سهم فاستقام ويستوي إن قلت قيمته أو كثرت عند اختيار الدفع وإن اختار الفداء فإن كانت قيمته خمسة آلاف أو أقل فالهبة جائزة في جميع العبد لأنه إذا فداه بعشرة آلاف كان العبد خارجا من الثلث.
وإن كانت قيمته ستة آلاف جازت الهبة في ثلاثة أرباع العبد لأنا نجعل العبد في الأصل ثلاثة أسهم ونجيز الهبة في سهم ثم يفدي ذلك السهم بمثله ومثل ثلثيه لأن الدية من القيمة هكذا فيزداد في مال الواهب سهم وثلثان فالسبيل أن تطرح من نصيب الواهب سهما وثلثين فيبقي ثلث سهم ونصيب الموهوب له سهم فإذا جعلت كل ثلث سهما صار العبد على أربعة نصيب الموهوب له ثلاثة فتجوز الهبة في ثلاثة أسهم من أربعة ثم تفدي ذلك بمثلها ومثل ثلثيها وذلك خمسة فيصير لورثة الواهب ستة أسهم لأنا نفذنا فيه الوصية.(29/204)
وعلى الطريق الآخر الذي نقدم بيانه تقول لو كان للميت ألفان سوى العبد لكانت تجوز الهبة في جميع العبد لأنه يفديه بالدية الكاملة عشرة آلاف فيسلم للورثة اثني عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في ستة آلاف فيبطل من الهبة بحساب ما عدمناه وهو ربع الجملة إذا ضممت الألفين إلى القيمة فنفذنا الهبة في ثلاثة أرباع قيمته أربعة آلاف وخمسمائة ثم يفدي ذلك بثلاثة أرباع الدية وهو سبعة آلاف وخمسمائة فإذا ضممت إليه ربع العبد وقيمته ألف وخمسمائة كان تسعة آلاف ضعف ما نفذنا فيه الهبة ولو كانت قيمته عشرة آلاف واختار الفداء جازت الهبة في النصف لأن الدية مثل العبد فحكم الدفع والفداء فيه سواء.
ولو كانت قيمته عشرين ألفا جازت الهبة في خمس العبد لأنا نجعل العبد على ثلاثة ونجوز الهبة في سهم ثم نفدي ذلك السهم بمثل نصفه لأن الدية مثل نصف العبد فإنما يزداد مال الواهب بنصف سهم فيطرح من نصيب الواهب نصف سهم يبقى سهم ونصف سهم ونصيب الموهوب له سهم فإذا ضعفت الكسر بالأنصاف صار العبد على خمسة وإنما تجوز الهبة في خمسة مقدار ذلك ثمانية آلاف وتبطل في ثلاثة أخماسه مقدار ذلك اثنا عشر ألفا ثم تفدي الخمسين بخمسي الدية أربعة آلاف فإذا ضممت ذلك إلى ثلاثة أخماس العبد يسلم للورثة ستة عشر ألفا وقد نفذنا الهبة في ثمانية آلاف فاستقام.
ولو كانت قيمته ثلاثين ألفا جازت الهبة في ثلاثة أثمانه لأنا نجعل العبد على ثلاثة ونجيز الهبة في سهم ثم نفدي ذلك بثلث سهم فاطرح من نصيب الواهب ثلث سهم يبقي له(29/205)
ص -96- ... سهم وثلثا سهم وللموهوب له سهم فإذا جعلت كل ثلث سهما صار نصيب وارث الواهب خمسة ونصيب الموهوب له ثلاثة فيكون العبد على ثمانية ثم يفدي الموهوب له الثلاثة بسهم فيصير للورثة ستة وقد نفذنا الهبة في ثلاثة.
ولو أن رجلا وهب لرجل عبدا في مرضه وقيمة العبد عشرة آلاف ثم أن العبد قتل الواهب خطأ وعلى الواهب دين، فإن كان عشرة آلاف أو أكثر فالهبة باطلة لأن العبد كله مشغول بالدين وبطلت بالجناية أيضا لأنه جنى على مولاه فإن كان الدين خمسة آلاف رد ثلاثة أرباعه لأن نصف العبد مشغول بالدين فلا تجوز الهبة فيه ونصفه فارغ فاجعل ذلك النصف كعبد على حدة فتجوز الهبة في نصف ذلك النصف كما في الفصل الأول.
ولو كان عليه من الدين ستة آلاف جازت الهبة في خمس العبد ونفديه بخمس الدية لأن الهبة تبطل بحصة الدين وذلك ثلاثة أخماس العبد بقي من العبد خمساه قيمته أربعة آلاف فإذا جعل ذلك القدر كأنه عبد على حدة فيرد نصف ذلك بحكم نقص الهبة وتجوز الهبة في نصفه وهو ألفا درهم فنفديه بذلك القدر من الدية لأن الدية هنا مثل القيمة فيستوي حكم الدفع والفداء، والأصل فيه أن ننظر إلى حصة الدين فنبطل الهبة بقدره ثم نجوز الهبة في نصف الباقي سواء اختار الدفع أو الفداء لأنهما سواء.
وإن كان الواهب ترك مالا فإن التركة تضم إلى قيمة العبد ثم تنفذ الهبة من جملة ذلك وبيانه أنه لو ترك الواهب خمسة آلاف فإن الهبة تجوز في ثلاثة أرباعه لأن مال الميت خمسة عشر ألفا فاجعلها على ثلاثة أسهم فأجز الهبة في سهم وأبطلها في سهمين ثم تدفع ذلك السهم فيزداد مال الواهب فنطرح من نصيب الواهب سهما فصار المال كله على سهمين ثم تجوز الهبة في سهم وماله خمسة عشر ألفا فإنما تجوز الهبة في نصف ذلك وهو ثلاثة أرباع العبد قيمته سبعة آلاف وخمسمائة.(29/206)
ولو كان ترك الواهب عشرة آلاف جازت الهبة في جميع العبد لأنك تجعل مال الميت بعد طرح سهم الدور على سهمين فيكون نصف ماله مثل العبد فلهذا جازت الهبة في جميع العبد لأنك تجعل مال الميت بعده فيسلم للورثة عشرون ألفا وقد نفذنا الهبة في عشرة آلاف فاستقام.
ولو أن مريضا وهب عبده لرجل وقيمته ألف درهم ثم قتله العبد ثم أعتقه الموهوب له أو باعه فإن كان يعلم بالجناية فهو ضامن للدية وإن لم يعلم فعليه القيمة لأنه إذا كان عالما فهو مختار للدية، وإذا لم يكن عالما فهو مستهلك للعبد في الموضع الذي كان مختارا للعبد خارجا من الثلث لأن مال الميت أحد عشر ألفا وفي الموضع الذي كان مستهلكا يغرم قيمته وثلث قيمته لأنه وجب عليه القيمة بسبب الجناية فيصير مال الميت ألفي درهم فتجوز الهبة في ثلث ذلك وهو ثلثا العبد فيغرم ثلث القيمة لتعذر بعض الهبة في ثلث العبد بتصرفه وجميع القيمة بسبب الجناية وإن كانت قيمة العبد خمسة آلاف فكذلك الجواب على ما(29/207)
ص -97- ... خرجنا، فإن كانت قيمته أكثر من خمسة آلاف فإن كان يعلم بالجناية تضم الدية إلى الرقبة فتجوز الهبة له في ثلث ذلك وبيانه إن كانت قيمته عشرين ألفا فإن الدية تضم إلى الرقبة فيصير مال الواهب ثلاثين ألفا تجوز الهبة للموهوب له في ثلث ذلك وهو عشرة آلاف ويغرم ما بقي إلى تمام قيمة العبد وهو عشرة آلاف فيسلم لورثه الواهب مع الدية عشرين ألفا وإن كان لم يعلم بالجناية فإنه يغرم عشرة آلاف درهم لأن قيمة العبد في الجناية لا تكون أكثر من ذلك كما لم لو كان مجنيا عليه فيصير مال الواهب ثلاثين ألفا غير عشرة فيسقط عن الموهوب له ثلث ذلك.
ولو مات العبد في يد الموهوب له والقتل عمدا أو خطأ فهو سواء وجنايته هدر لأن جنايته متعلقة برقبته فبالموت يبطل حكم الجناية ويبقى حكم الهبة فعلى الموهوب له أن يغرم ثلثي قيمته ولو أنه قتل الموهوب له ولم يقتل الواهب فإن جنايته هدر لأنه جنى على مالكه. وكذلك لو قتل الواهب والموهوب له جميعا فجنايته على الموهوب له هدر وعلى الواهب معتبرة وصار كأنه لم يجن إلا على الواهب فيخير ورثة الموهوب له بين الدفع والفداء كما لو كان يخير الموهوب له لو كان حيا.(29/208)
ولو أن مريضا وهب عبده وقيمته ألف درهم فقتل العبد الواهب ورجلا أجنبيا قيل للموهوب له ادفع العبد إليهما أو افده فإن اختار الدفع رد ثلاثة أخماسه على الورثة بنقص الهبة وتجوز الهبة في خمسه ثم يقال له ادفع الخمسين إلى ورثة الواهب وورثة الأجنبي بالجناية لأن الهبة تجوز في ثلث العبد وهو سهم من ثلاثة ثم يدفع ذلك السهم بالجناية إليهما فيقع فيه الكسر فيجعل على العبد ستة وتجوز الهبة في سهمين ثم يدفع إلى كل واحد منهما سهما بالجناية فيزداد مال الواهب بسهم فتطرح من نصيب ورثة الواهب سهما فيصير على خمسة ثم تجوز الهبة في سهمين وتبطله في ثلاثة ثم تدفع إلى كل واحد منهما سهما فيصير للورثة أربعة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يقال للورثة ادفعوا الثلاثة الأسهم إلى الأجنبي بالجناية لأن الهبة لما فسخت في تلك الثلاثة صارت جنايته على الواهب هدرا وعلى الأجنبي معتبرة، فإذا دفع الورثة تلك الثلاثة أو فدوا رجعوا على الموهوب له بقيمة ذلك لأن تلك الثلاثة الأسهم قد تلفت بسبب كان عند الموهوب له وفي ضمانه فصارت كأنها تلفت في يده فإن اختار الفداء فإنه يفدي لكل واحد منهما بعشرة آلاف وكذلك إن اختار الفداء للواهب والدفع إلى الآخر وإن قال: أنا أدفع إلى ورثة الواهب وأفدي لورثة الأجنبي فإن الهبة تجوز في خمسة وتبطل في ثلاثة أخماسه وصارت المسألة في الحاصل على أربعة أوجه إما أن يختار الفداء إليهما أو الفداء للواهب والدفع إلى الأجنبي أو كان على العكس فإن اختار الدفع إليهما أو إلى الأجنبي أو إلى الواهب خاصة جازت الهبة في خمسيه، فإن اختار الفداء إليهما وللواهب جازت الهبة في الكل لأن باختياره الفداء تظهر الزيادة في مال الواهب على وجه تخريج العبد من الثلث فإن اختار الفداء لهما وقيمته ستة آلاف فإنه يرد ربع العبد ثم يفدي لكل واحد منهما ثلاثة أرباع الدية لأنه لو قتل الواهب ولم يقتل الأجنبي جازت الهبة في ثلاثة أرباعه عند(29/209)
ص -98- ... اختيار الفداء فكذلك إذا قتل الأجنبي معه لأن بحكم جناية الأجنبي لا يتغير ما لم يتعين مقدار ما جازت الهبة فيه فإذا جازت الهبة على ثلاثة أرباعه فدي لكل واحد منهما بثلاثة أرباع الدية ويرد الهبة في ربع العبد فيقال لوارث الواهب ادفع الربع إلى وارث الأجنبي أو افده بربع الدية لأن حكم جنايته على الواهب يقابل ذلك الربع لأنه جنى على مولاه ولم يبق في ذلك الربع إلا جناية الأجنبي فيدفع الوارث أو يفديه ثم يرجع بالأقل على الموهوب له لأنه تلف بسبب كان في ضمانه.(29/210)
ولو وهب عبده في مرضه من رجل وقيمته خمسة آلاف أو أقل ثم أن العبد ورجلا أجنبيا قتلا الواهب خطأ فعلى الأجنبي خمسة آلاف لأنه أتلف نصف النفس بجنايته، ويقال للموهوب له ادفعه أو افده فإن اختار الدفع دفعه كله بالجناية لأن الهبة تجوز في جميع العبد لأن مال المولى هنا عشرة آلاف لأن العبد قيمته خمسة آلاف ونصف الدية التي أخذت من الأجنبي خمسة آلاف فذلك عشرة آلاف فيحتاج أن يجعل مال الميت على ثلاثة أسهم وتجوز الهبة في سهم ثم يدفع ذلك بالجناية فيزداد مال الميت بسهم واحد فيطرح من نصيبه سهم فيصير ماله سهمين وتجوز الهبة في سهم وهو نصف المال وماله عشرة آلاف فنصفه خمسة آلاف فتبين أن الوصية تجوز في خمسة آلاف وهو العبد كله ثم يدفعه بالجناية فيصير للورثة عشرة آلاف مثلا ما نفذنا فيه الوصية، فإن اختار الفداء جازت الهبة في جميع العبد لأنه يفديه بخمسة آلاف وإن اختار الدفع جازت الهبة في جميع العبد أيضا لأنه يفديه بخمسة آلاف فإن العبد أتلف بجنايته نصف النفس فيصير مال الميت سوى العبد عشرة آلاف وتبين خروج العبد من الثلث، ولو كانت قيمة العبد عشرة آلاف فاختار دفعه رد الربع بنقص الهبة ودفع ثلاثة أرباعه بالجناية لأن مال الميت خمسة عشر ألفا العبد وقيمته عشرة آلاف ونصف الدية التي أخذت من الأجنبي فذلك خمسة عشر ألفا اجعلها على ثلاثة أسهم واجبر الهبة في سهم ثم أدفعه بالجناية فيزداد مال الميت فاطرح من نصيب الميت سهما فيصير ماله على سهمين وتجوز الهبة في نصفه وذلك سبعة آلاف وخمسمائة وهو ثلاثة أرباع العبد ثم يدفع بالجناية فيصير للورثة خمسة عشر ألفا، وإن اختار الفداء فدى ثلاثة أخماسه بثلاثة آلاف ورد خمسه بنقص الهبة لأنا نجعل المال كله وهو خمسة عشر على ثلاثة أسهم ثم نجيز الهبة في سهم ثم نفدي ذلك السهم بمثل نصيبه فيصير في يد الورثة سهمان ونصفا فاطرح من نصيبهم نصف سهم فيبقي للورثة سهم ونصف وللموهوب له سهم واحد فذلك سهمان(29/211)
ونصف فقد وقع فيه كسر فاضعفه فيصير خمسة ثم جازت الهبة في خمس ذلك وهو ستة آلاف لأن ماله خمسة عشر ألفا كل خمس ثلاثة آلاف وخمساه ستة آلاف وذلك ثلاثة أخماس العبد لأن قيمة العبد عشرة آلاف فثلاثة أخماسه ستة آلاف ثم تفديه بمثل نصفه وذلك ثلاثة آلاف فيصير للورثة اثنى عشر ألفا مثلي ما نفذنا فيه الوصية ويتيسر تخرجه على سائر الطرق أيضا وقد تركناه كراهية التطويل.(29/212)
ص -99- ... ولو وهب في مرضه عبدا لرجل وقبضه الموهوب له ثم جنى على الواهب جناية خطأ فعفا عنها ثم مات منها وقيمة العبد ألف فاختار الموهوب له دفعة فإنه تجوز الهبة في خمسه ويدفع أربعة أخماسه واعلم بأنه جمع في هذا الفصل بين الهبة والعفو عن الجناية بعد ما ذكر فصولا في العفو عن الجناية خاصة ثم فصولا في الهبة من غير عفو عن الجناية فنقول إذا كانت الجراحة عمدا فالعفو صحيح لأنه أبطل القصاص والقصاص ليس بمال وإنما بقي حكم الهبة فيجوز في الثلث ويبطل في الثلثين فأما إذا كانت الجناية خطأ فإنما تجوز الهبة للموهوب له في سهم ثم يجوز العفو في ذلك السهم أيضا فتصير وصيته سهمين فلا بد من أن يكون للورثة أربعة أسهم والسبيل أن نجعل العبد على خمسة فتصير الهبة في سهم ثم نجيز العفو في ذلك السهم أيضا ونبطل الهبة في أربعة فقد بطلت الجناية في تلك الأربعة فصار للورثة أربعة أسهم وللموهوب له سهما واحدا وهو في الحكم سهمان فيستقيم الثلث والثلثان.
وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن نجعل العبد دينارا ودرهما ونجيز الهبة في الدينار ثم نجيز العفو في ذلك الدينار ونبطل الهبة في الدرهم فيصير للورثة درهمان تعدل أربعة دنانير لأنا نفذنا الوصية في الدينارين فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما والدرهم أربعة والدينار واحدا وذلك خمسة ثم أجزنا الهبة في الدينار وذلك خمس العبد على ما بينا.(29/213)
وعلى طريق الجبر السبيل أن نجيز الهبة في شيء ثم نجيز العفو في ذلك الشيء ونبطله في مال الأشياء فصار للورثة مال إلا شيء يعدل أربعة أشياء وبعد الجبر يعدل خمسة أشياء وإنما جوزنا الهبة في شيء من خمسة وهو خمسه ويدفع أربعة أخماسه وإن اختار الفداء فإن الهبة تجوز في جميع العبد ويفدي ثلاثة بثلث الدية لأنه لو لم تكن هنا الهبة وكان العبد للموهوب له فجنى على المريض وعفا عنه فإنه يجب عليه أن يفديه بسدس الدية للمعنى الذي بيناه أنه يؤخذ ضعف القيمة فيضم إلى الدية فيصير اثنى عشر ألفا ثم يفدي ما بإزاء الضعف وذلك السدس بسدس الدية فهنا لما كانت الهبة والعفو جميعا فقد اجتمعت الوصيتان فيجب أن يفديه بضعف ذلك السدس لمكان الهبة وسدس لمكان العفو فذلك ثلث الدية فيسلم للورثة ثلاثة آلاف وثلث ألف وقد نفذنا الوصية في ألف وثلثي ألف ألف بالهبة وثلثا ألف بالعفو فيستقيم الثلث والثلثان، ولو كانت قيمته أكثر من عشرة آلاف واختار الدفع فإن كانت قيمته عشرين ألفا جاز العفو في ربعه ودفع ثلاثة أرباعه لأنه لو لم يكن هنا هبة كان يؤخذ ضعف الدية ويضم إلى القيمة فيصير أربعين ألفا ثم يدفع ما بإزاء الضعف وهو نصف العبد فلما وجدت الهبة هنا فالسبيل أن يوضع مثلا قيمة العبد وهو أربعون ألفا على ذلك فيصير ثمانين ألفا ثم يدفع حصة ضعف القيمة وحصة ضعف الدية وهو ثلاثة أرباع العبد فيحصل في يد الورثة ثلاثة أرباع العبد وقيمته خمسة عشر ألفا ويحصل في يد الموهوب له ربع العبد بالهبة وذلك خمسة آلاف وفيه من الجناية التي جاز فيه العفو ألفان وخمسمائة فذلك سبعة آلاف وخمسمائة.(29/214)
ص -100- ... وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل فيه أن تجعل العبد دينارا ودرهما فتجيز الهبة في الدينار ثم العفو في نصف ذلك الدينار لأن الجناية مثل نصف العبد وتبطل الهبة في الدرهم فيصير مع الورثة درهم يعدل ثلاثة دنانير لأن تنفيذ الوصية كان في الدينار ونصف الدينار للهبة والنصف للعفو فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما فالدينار واحد والدرهم ثلاثة ثم أجزنا العفو في الدينار وهو ربع العبد.
وعلى طريق الجبر تجيز الهبة في شيء ثم العفو في نصف ذلك الشيء وتبطل الهبة في مال إلا شيئا وذلك يعدل ثلاثة أشياء وبعد الجبر المال يعدل أربعة أشياء وقد أجزنا الهبة في شيء فذلك ربع العبد.
ولو كانت قيمته ثلاثين ألفا فاختار الدفع دفع منه ثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا والوجه فيه أن تضعف الدية وهي عشرون ألفا والقيمة وهي ستون ألفا تضمها إلى القيمة أيضا فتصير مائة ألف وعشرة فما أصاب حصة ضعف القيمة وضعف الدية يدفعه وذلك ثمانون ألفا فيكون ثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من العبد وسلم له ما بقي وإن كانت قيمته أربعين ألفا فإنه يدفع خمسة أسباع العبد وتجوز الهبة في سبعه لأنا نأخذ ضعف الدية فنضمه إلى القيمة فيصير ستين ألفا ثم نزيد عليه مثل القيمة مائة ألف وأربعين ألفا فما أصاب حصة ضعف القيمة وضعف الدية وذلك مائة ألف يدفعه وذلك خمسة أسباع العبد كل سبع عشرون ألفا ثم نجيز الهبة في سبعين والعفو في نصف سبع فيحصل تنفيذ الوصية في سهمين ونصف ويسلم للورثة خمسة.(29/215)
ولو كانت قيمته ألفا واختار الفداء فنقول لو لم يكن هنا العفو لجازت الهبة في جميع العبد لأنه يفديه بعشرة آلاف ويخرج العبد من الثلث ولو لم تكن الهبة وكان العفو بانفراده فكان يؤخذ ضعف القيمة ويضم إلى الدية ثم يفدي حصة الضعف وهو السدس فإذا اجتمعا فلا بد من أن يفدي الهبة بسدس العبد فيصير الفداء كله في الثلث لأن الهبة مثل الوصية بالعفو فإذا فداه بالثلث حصل للورثة ثلث الدية وحصل للموهوب له ثلث العبد بالهبة وثلثاه بالعفو وهو نصف ما حصل للورثة فيستقيم الثلث والثلثان.
وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن تجعل العبد دينارا ودرهما ثم تجيز الهبة في الدينار والدرهم لأن العفو لا يتبين ما لم تجز الهبة في الكل ثم تجيز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فتفدي الدرهم بعشرة أمثاله فيصير للورثة عشرة دراهم تعدل أربعة دنانير فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما والدرهم أربعة والدينار ثمانية فذلك اثنا عشر وقد أجزنا الهبة في الدرهم وذلك أربعة ثم فداه بعشرة أمثاله وذلك أربعون فيستقيم الثلث والثلثان وهذا التخريج ما دامت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف. وإن كانت قيمته خمسة آلاف أو أكثر فإنا نجعل العفو كأن لم يكن ونعتبر الهبة خاصة فنقول لو لم يكن العفو جازت الهبة في الكل لأنه يخرج من الثلث فلو أجزنا شيئا من العفو بنقص(29/216)
ص -101- ... الفداء وباعتباره تنتقص الهبة وإذا انتقصت الهبة انتقص ماله فلهذا أبطلنا حكم العفو عن الجناية.
أو نقول: لو لم يكن هناك هبة لكان يفديه بنصف الدية للمعنى الذي قلنا أنه يفدي بمقدار الضعف وهو النصف فإذا كان هنا هبة فلا بد من أن يفدي بمثله أيضا وذلك جميع الدية.
ولو وهب عبده في مرضه لرجل فقتل العبد الواهب عمدا وله وليان فعفا أحدهما قيل للموهوب له أدفعه أو افده فإن اختار دفعه رد ثلاثة أخماسه بنقص الهبة ويدفع أحد الخمسين الباقيين إلى الذي لم يعف ويسلم له الخمس ويقتسم الاثنان الأربعة الأخماس بينهما على اثني عشر سهما يضرب فيها الذي لم يعف بسبعة والذي عفا بخمسة وفي المسألة حكمان حكم بين الموهوب له وبين الوارثين وحكم فيما بين الوارثين فأما الحكم بينهما وبين الموهوب له فالسبيل أن يجعل العبد على ثلاثة أسهم وتجيز الهبة في سهم وتبطلها في سهمين ثم يدفع نصف ذلك السهم بالجناية فوقع فيه كسر فضعفه فيصير ستة ثم تجيز الهبة في سهمين وتبطلها في أربعة ثم تدفع سهما واحدا بالجناية لأنه عفا أحدهما وبقي حق الذي لم يعف، فإذا دفع ذلك السهم بالجناية زاد مال الميت فتطرح من نصيب الورثة سهما فيصير العبد على خمسة ثم تجيز الهبة في سهمين وتبطلها في ثلاثة ثم تدفع سهما بالجناية فيصير للورثة أربعة مثلا ما نفذنا فيه الوصية.(29/217)
وأما الحكم بين الوارثين فنقول التركة تقسم بعد تنفيذ الوصية على ما تقسم أن لو لم يكن هناك وصية ولو لم يكن هنا وصية لكان العبد بينهما نصفين لكل واحد منهما سهمان ونصف ثم السهم المدفوع بالجناية للذي لم يعف خاصة لأن ذلك السهم بمنزلة مال على حدة فيصير للذي لم يعف ثلاثة أسهم ونصف وللذي عفا سهمان ونصف فضعفه فيصير نصيب الذي لم يعف سبعة أسهم ونصيب الذي عفا خمسة فذلك اثنا عشر فتستقيم الأربعة الأخماس على ذلك وهذه المسألة بعينها قد أوردها في الإقرار وقد بيناها ثمة وإن اختار الفداء فإن كانت قيمة العبد ألف درهم فإنه يفدي بخمسة آلاف درهم وتجوز الهبة في الكل لأن مال الميت صار ستة آلاف فيخرج العبد كله من الثلث ويقسم الخمسة آلاف بين الاثنين على اثني عشر سهما للذي لم يعف أحد عشر وللعافي سهم لأنه لو لم يكن هنا وصية لكانت الخمسة للذي لم يعف خاصة والعبد بينهما نصفان فبعد تنفيذ الوصية يضرب الذي لم يعف في الباقي بخمسة آلاف وخمسمائة والعافي بخمسمائة، فإذا جعلت كل خمسمائة سهما يصير ذلك اثني عشر سهما وكذلك إن كانت قيمته ألفي درهم أو ألفين وخمسمائة جازت الهبة في الكل لأنه إذا فداه بخمسة آلاف صار مال الميت سبعة آلاف وخمسمائة فيكون ألفان وخمسمائة مقدار ثلث ماله فيخرج العبد من ثلثه ويقتسم الاثنان الخمسة آلاف يضرب فيها الذي لم يعف بنصف الدية وبنصف قيمة العبد والعافي بنصف قيمة العبد فيكون مقسوما بينهما على ذلك.(29/218)
ص -102- ... وإن كانت قيمته بثلاثة آلاف رد ربع العبد وصارت الهبة في ثلاثة أرباعه فيفديه بثلاثة أرباع نصف الدية لأنا نجعل العبد على ثلاثة ونجيز الهبة في سهم ثم نفدي ذلك السهم بمثله ومثل ثلثيه لأن القيمة من نصف الدية هكذا فمقدار ما تجوز الهبة فيه منه ينبغي أن يفديه بذلك المقدار فيزداد مال الميت بسهم وثلثي سهم فاطرح من نصيب الورثة سهما وثلثي سهم فيبقى من نصيبهم ثلث سهم، ومن نصيب الموهوب له سهم فإذا جعلت كل ثلث سهما صار ذلك أربعة أسهم وقد جازت الهبة في ثلثه مقدار ذلك ألفان ومائتان وخمسون وبطلت في سهم فيفدي تلك الثلاثة بمثلها ومثل ثلثيها فيصير للورثة ستة مثل ما نفذنا فيه الوصية ثم يقتسم ذلك الاثنان بينهما فيضرب فيه الذي عفا بنصف قيمة العبد والآخر بثلاثة أرباع نصف الدية ونصف قيمة العبد ونجعل ربع العبد سهما في هذه القسمة نصفين يحتسب كل واحد منهما ما أصابه من ذلك مقدار حقه لأن جنس المالين يختلف فلا يتأتى قسمة الكل دفعة واحدة فلا بد من أن يجعل ما بقي من العبد بينهما نصفان كما كان أصل العبد بينهما نصفين لو لم يكن هنا هبة، وأجاز محمد رحمه الله في الكتاب طريقا آخر قال السبيل أن يجعل كل ألف على ثلاثة أسهم فيصير نصف الدية خمسة عشر سهما ويصير العبد تسعة أسهم ثم نجيز الهبة في ثلث العبد وهو ثلاثة أسهم ثم نفدي تلك الثلاثة بمثلها ومثل ثلثيها وذلك خمسة فتظهر الزيادة في نصيب الورثة بخمسة أسهم فالسبيل أن نطرح من نصيبهم خمسة فيصير العبد أربعة أسهم للورثة سهم واحد وللموهوب له ثلاثة ثم نفدي تلك الثلاثة بمثلها ومثل ثلثيها وهو خمسة فيصير ستة مثلي ما نفذنا فيه الوصية فيستقيم الثلث والثلثان.
ولو أن رجلا وهب في مرضه عبدا من رجل ثم أن العبد قتل الواهب خطأ وله وليان فعفا عنه الوليان فإن الموهوب له يرد نصف العبد ويجوز له النصف.(29/219)
والسبيل فيه أن ينظر أنه لو لم يعف كان كم يدفع بالجناية وكم يدفع بحكم نقص الهبة فمقدار ما كان يدفع بحكم نقص الهبة يرد بعض العفو ومقدار ما كان يدفع بالجناية يسلم له لأنهما لما عفوا فقد بطل حكم الجناية وإنما بقي حكم الهبة فنقول لو لم يكن العفو لكان يدفع جميع العبد نصفه بحكم نقص الهبة فلما بطل حكم الجناية بالعفو رد النصف بحكم نقص الهبة ويسلم للموهوب له النصف وصار في الحكم كأنه مات عن عبد ونصف ويسلم للموهوب له نصف العبد وللورثة نصف عبد في الظاهر وفي الحكم عبد كامل لأنهم استهلكوا نصفه بالعفو.
ولو وهب عبده لرجل في مرضه ثم أن العبد قتل عبدا للموهوب له وقيمتهما سواء فعفا عنه الأولياء فإن الموهوب له يرد ثلثي العبد ويجوز له الثلث والجناية على عبده باطلة لأنه جنى على عبد مالكه وجناية العبد على مال مالكه خطأ تكون هدرا.
ولو كان الميت ترك عبدين أحدهما الذي جنى والآخر الذي وهب فإن عفو الأولياء بمنزلة قبضهم موجب الجناية ويرد الموهوب له نصف العبد وسلم له النصف هكذا قال في بعض النسخ، وفي بعض النسخ قال يرد ثلث العبد وسلم له الثلثان وهذا هو الأصح.(29/220)
ص -103- ... وتفسير المسألة أنه لو وهب لرجل عبدا في مرضه ثم أن عبدا آخر للموهوب له جنى على الواهب ثم عفا الأولياء عنه فإنه يجعل في الحكم كأن الميت ترك عبدين لأن الموهوب له كان مخاطبا بالدفع أو الفداء فلما عفا الأولياء صار في الحكم كأنهم استوفوا وحصل للميت عبدان فتجوز الهبة في الثلث وهو ثلثا عبد فتبطل في ثلث عبد فيرد الثلث ويجعل للورثة ثلثا هذا العبد والعبد الآخر الذي سلم لهم بحكم الجناية فيسلم لهم عبد وثلث مثلا ما نفذنا فيه الوصية.(29/221)
فظهر أن الصحيح ما ذكره في بعض النسخ أنه يرد ثلث العبد وهذا كله إذا كانت قيمته عشرة آلاف فإن كانت قيمته عشرين ألفا وقد قتل العبد الواهب ولا مال له غيره فينبغي أن يعرف أنه لو لم يكن العفو كيف يكون حكمه حتى يبني عليه عند العفو فنقول لو لم يكن العفو لكان يسلم له الخمسان ثم يفدي ذلك بخمسي الدية لأنا نجيز الهبة في الثلث ثم نفدي ذلك بخمسي الدية لأنا نجيز الهبة في الثلث ثم نفدي ذلك الثلث بمثل نصفه فيكون العبد على ستة أسهم نجيز الهبة في سهمين ونفديه بسهم فيصير للورثة خمسة فاطرح من نصيبهم سهما ويبقى للورثة ثلاثة وللموهوب له سهمان فصار العبد على خمسة وقد جازت الهبة في خمسة ثم يفدي ذلك بسهم واحد فصير للورثة أربعة أسهم وهو يخرج مستقيما أيضا على الطريق الذي ذكره محمد رحمه الله في المسألة المتقدمة بأن نجعل كل ألف ثلاثة أسهم فصارت القيمة ستين والدية ثلاثين ثم نجيز الهبة في الثلث وهو عشرون سهما ثم نفدي ذلك بعشرة وهو الدائر فيطرح من نصيب الورثة عشرة فصار العبد خمسين سهما وقد أجزنا الوصية في عشرين وذلك خمسا العبد، وإذا أردت أن تعرف مقداره بالدرهم فقل قد أجزنا الهبة في خمسي العبد وذلك ثمانية آلاف وبقي للورثة اثنا عشر ألفا ثم تفدي الورثة ذلك بخمسي الدية وذلك أربعة آلاف فيصير للورثة ستة عشر ألفا وهو مثلا ما نفذنا فيه الوصية فإذا عفوا لا يختلف الجواب لأن أربعة آلاف من الفداء كأنها في أيديهم إذا ضممت ذلك إلى ما قبضوا يتبين أن السالم لهم ستة عشر ألفا.(29/222)
وإذا وهب عبدا في مرضه لرجل ثم أن العبد قتل الواهب خطأ وله وليان فعفا عنه أحدهما فإنه يقال للموهوب له أدفع نصفه إلى الذي لم يعف أو افده، فإن اختار الدفع دفع إلى الذي لم يعف نصفه وإلى العافي ربعه ويبقي له الربع لأنهما لو لم يعفوا كان يدفع جميع العبد إليهما نصفه بالجناية ونصفه بنقص الهبة، ولو عفوا لكان يدفع إليهما نصفه بنقص الهبة ولا يدفع بالجناية شيئا فلما عفا أحدهما وجب عليه أن يدفع إلى الذي لم يعف نصفه ربعه بالجناية وربعه بنقص الهبة بمنزلة ما لو لم يعفوا ويدفع إلى العافي ربعه بنقص الهبة بمنزلة ما لو عفوا، فإن اختار الفداء فداه للذي لم يعف بخمسة آلاف وسلم له العبد كله إذا كانت قيمته قدر ثلث الدية أو أقل لأنهما لو لم يعفوا لكان عند اختيار الفداء يسلم له كله بالهبة فلما عفا أحدهما بطل حقه في الجناية وبقى حق الآخر فيفديه بنصف الدية وهو خارج من(29/223)
ص -104- ... الثلث، لأن قيمته إذا كانت قدر ثلث الدية فمال الميت في الحاصل عشرة آلاف فإن الفداء خمسة آلاف وقيمة العبد ثلاثة وثلث ألف وقد استهلك العافي نصف موجب الجناية وذلك ألف وثلثا ألف فكأنه في يده فيصير في يد الموهوب له عبد قيمته ثلاثة آلاف وثلث وفي يد الورثة ستة آلاف وثلثان فلهذا سلم العبد للموهوب له.
وأما حكم القسمة فيما بين الاثنين أن نقول يضرب الذي لم يعف بالفداء وبنصف قيمة العبد والعافي يضرب بنصف قيمة العبد وبنصف قيمته أيضا لمكان العفو لأنا جعلنا مال الميت الفداء وهو للذي لم يعف وعبدا بالهبة وهو بينهما ونصف عبد قد استهلكه الآخر بالعفو فيضرب هو به كما يضرب الآخر بالفداء، وبيان ذلك أنه لو كانت قيمته ألفي درهم وقد اختار الفداء بخمسة آلاف فاجعل في الحكم كأن الآخر استوفى نصف العبد وهو ألف درهم فيجمع إلى نصف الدية فيصير ستة آلاف فيقسم بينهما على حساب ما لو لم يكن هناك وصية وذلك عبد بالميراث ونصف عبد ونصف الدية بالجناية فيضرب الذي لم يعف بنصف الدية وبنصف العبد وذلك ستة آلاف فاجعل كل ألف سهما والآخر يضرب بنصفي عبد وذلك ألفان فيكون الكل ثمانية نصيب العافي من ذلك ربع ستة آلاف وذلك ألف وخمسمائة وقد وصل إليه نصف العبد وهو ألف درهم بالعفو بقي حقه في خمسمائة فيأخذ من الفداء خمسمائة ولو كانت قيمة العبد خمسة آلاف واختار الفداء بطلت الهبة في ثلاثة ويرد ثلث العبد إلى الوارثين ثم يفدي للذي لم يعف بثلث الدية لأن العبد هنا لا يخرج كله من الثلث فإنه حين كانت قيمته ثلاثة آلاف وثلث ألف استوى الثلث والثلثان فيما ذكرنا من الفداء، فإذا جاوزت قيمته ذلك لم يخرج العبد كله من الثلث فلا بد من اعتبار معنى الآخر فيه، والطريق فيه أن نجعل العبد على ثلاثة أسهم تجوز الهبة في سهم وتبطل في سهمين ويفدي السهم الذي جازت الهبة فيه بمثليه لأن الدية ضعف قيمة العبد وقد جاز العفو في نصف ذلك السهم فيفدي النصف الآخر(29/224)
بمثله وإنما نجعل العبد على ستة لأن الثلث انقسم على نصفين ثم نجيز الهبة في سهمين ونفدي أحدهما بمثليه فيصير في يد الورثة ستة أسهم أربعة من العبد وسهمان من الدية وفي الحكم كأنه سبعة فإن العافي قد استهلك سهما واحدا وهو محسوب عليه بمنزلة القائم في يده فقد ازداد مال الميت بثلاثة أسهم لأن حاجتهم إلى أربعة لما نفذنا الهبة في سهمين فهذه الثلاثة هي السهام الدائرة فنطرحها من نصيبهم يبقي في أيديهم سهم من العبد وسهمان من الدية وسهم قد استهلكه العافي فذلك أربعة وقد نفذنا الهبة في سهمين فيستقيم الثلث والثلثان وتبين بهذا أن العبد صار على ثلاثة أسهم وأن الهبة إنما بطلت في ثلثه وصحت في ثلثيه مقدار ذلك ثلاثة آلاف وثلث ألف ويفدي الثلث بثلث الدية وذلك ثلاثة آلاف وثلث ألف ويحصل للورثة ثلث العبد أيضا وقيمته ألف وثلثا ألف وقد استهلك العافي ثلثي ألف، فذلك كله ستة آلاف وثلثا ألف فيستقيم الثلث والثلثان
وأما بيان الحكم فيما بين الوارثين وهو أن يقسم ثلث الدية وثلث العبد بين الاثنين(29/225)
ص -105- ... يضرب فيه العافي بنصف القيمة وثلث القيمة أيضا ويضرب الذي لم يعف بنصف القيمة وثلث الدية لأن حق العافي في مال الميت هو العبد الذي تركه الميت ونصف العبد الذي وصل إليه بالجناية فإن الدية إنما وجبت للذي لم يعف ولم يجب للعافي شيء من الدية فلهذا لم يضرب هو بشيء من الدية وإنما الآخر هو الذي يضرب بنصف الدية، وعلى الطريق الذي يشير إليه محمد رحمه الله في الكتاب السبيل أن تجعل نصف الدية خمسة عشر سهما كل ألف على ثلاثة ونصف العبد الذي استهلكه العافي تسعة ونصفا ثم تجيز الهبة في ثلث العبد وذلك خمسة أسهم لأن العبد كله صار خمسة عشر سهما، فإذا جازت الهبة في خمسة يفدي ذلك بعشرة لأن الدية ضعف القيمة فيزداد مال الورثة بخمسة أسهم وقد استهلك العافي نصف ذلك بالعفو وهو سهمان ونصف فاطرح من نصيب الورثة وهو عشرة سبعة أسهم ونصفا يبقي من نصيبهم سهمان ونصف ونصيب الموهوب له خمسة، فإذا جعلت كل سهمين ونصف سهما يصير العبد على ثلاثة وإنما تجوز الهبة في ثلثه وتبطل في ثلثيه ثم التخريج كما بينا.
ولو أن عبدا لرجل قتل رجلا خطأ وله وليان فدفع نصفه إلى أحدهما والآخر غائب ثم مات العبد ثم حضر الغائب ولا مال للمولى رجع الغائب على القابض بربع قيمة العبد لأنه قبض نصفه لنفسه فكان مضمونا عليه وإنما يسلم ذلك النصف له إذا سلم النصف الآخر لشريكه ولم يسلم ولا ضمان على المولى للغائب لأن الحق في النصف الباقي كان في رقبة العبد وقد مات العبد فتبطل لفوات محله وحكم ضمان المولى لم يذكره في الكتاب، والأصح أن يقال: إن كان المولى دفع بقضاء القاضي فلا ضمان عليه وإن كان دفع بغير قضاء القاضي فللغائب أن يضمن أيهما شاء ربع قيمة العبد فإن شاء المولى بالتسليم وإن شاء القابض بالقبض.(29/226)
ولو كان المولى فدى النصف من الشاهد بنصف الدية والآخر غائب ثم مات العبد فإنهما يقتسمان نصف الدية بينهما نصفين ثم يأخذان من المولى نصف الدية أيضا فيقتسمانه نصفين لأنه إذا اختاره من أحدهما فهو اختيار من الآخر لأن النفس واحدة فأيهما حضر فهو خصم عن جميع الورثة ويجعل اختيار المولى الفداء بحضرة أحدهما بمنزلة اختياره الفداء بحضرتهما وهذا لأن بالفداء يتحول الحق من الرقبة إلى ذمة المولى ولو فدى من أحدهما ثم قتل العبد فأخذ السيد قيمته فإنه يدفع نصف القيمة إلى الغائب ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء.
قال رضي الله عنه: "واعلم بأن هذا الجواب في الظاهر متناقض" لأنه ذكر أولا أن اختياره الفداء من أحدهما اختيار من الآخر وتجب لهما جميع الدية، ثم قال: "إذا قتل العبد بعد ما فداه من أحدهما فإنه يدفع نصف القيمة إلى الغائب" فينبغي على قياس الجواب الأول أن يدفع نصف الدية فأما أن تحمل المسألة على روايتين كما هو في اختياره الدفع فإن اختياره الدفع في حق أحدهما هل يكون اختيارا في حق الآخر فيه روايتان بيناهما في الصلح والجامع أو(29/227)
ص -106- ... يقال: فرق بين قتل العبد وموته كأنه إذا مات فلم يوجد هنا شيء يقوم مقامه فيجعل حقهما متحولا إلى الدية فأما إذا قتل فقد وجبت القيمة على القاتل وهو قائم مقام العبد فيتحول من الآخر إلى القيمة ويكون حقه في نصف القيمة وحق الأول في نصف الدية أو يقال يحتمل أن موضع المسألة فيما إذا كانت قيمة العبد مثل الدية أو أكثر، فلو دفع المولى نصف العبد إلى أحدهما واختار الفداء في النصف الآخر فقد ذكر في الجامع أن اختيار دفع النصف إلى أحدهما يكون اختيارا في حق الآخر، وفي كتاب الصلح ذكر أن اختياره دفع ثلث العبد إلى أحدهما بطريق الصلح لا يكون اختيارا في حق الآخر، وقد وفق بعض مشايخنا رحمهم الله بين الروايتين فقالوا ما ذكر في كتاب الصلح أن المصالحة تجوز بدون حقه وإنما اختيار الدفع إليه بناء على هذا فأما إذا اختار دفع نصف العبد إليه يكون اختيارا في حق الآخر كما ذكره في الجامع ولكن يتبين بما ذكر هنا أن الجواب سواه وأن اختيار دفع النصف إلى أحدهما لا يكون اختيارا للدفع في حق الآخر لأنه يقول دفع النصف إلى أحدهما اختيار الفداء في النصف الآخر فصارت المسألة على روايتين، وجه تلك الرواية أن الأولياء يقومون مقام الميت والحق في الحاصل للميت فهم جميعا كشخص واحد في حق ذلك فيكون اختياره في حق البعض اختيارا في حق الكل. ووجه هذه الرواية هو أن الحق قد تفرق بين الوليين فصار لكل واحد منهما نصفه ويجعل هذا في الحكم كجناية العبد على شخصين فلا يكون اختيار الدفع في نصيب أحدهما اختيارا للدفع في نصيب الآخر، فإذا اختار الفداء في نصيب الآخر وهو معسر لا يقدر على شيء فإنه يرجع على صاحبه بربع الدية إلا أن يشاء صاحبه أن يعطيه نصف قيمة العبد إن كان مستهلكا وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إلا أن مذهبهما إذا كان معسرا كان اختياره باطلا ويجبر على دفع العبد بالجناية فيصير الآخر ضامنا له نصف ما قبضه على وجه التملك وهو ربع(29/228)
قيمة العبد إلا أن يشاء أن يعطيه ربع الدية. وفي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله اختياره صحيح وإن كان معسرا وقد بينا المسألة في الديات وإنما حق الآخر في ذمة المولى يطالبه به إذا أيسر ولا سبيل على شريكه.
ولو وهب المريض عبده لرجل بثلث ماله وقيمته ألف درهم فإن اختار المولى الدفع دفعة كله خمسه بالجناية وأربعة أخماسه بنقص الهبة لأن الهبة إنما تجوز في سدس العبد ووصية الآخر بالسدس أيضا فإن الثلث بينهما نصفين لاستواء حقهما فيه وللورثة أربعة أسهم ثم يدفع السهم الذي جازت الهبة فيه بالجناية فيصير للورثة خمسة وحاجتهم إلى أربعة فظهرت الزيادة في نصيبهم سهم وهو السهم الدائر فيطرح ذلك من أصل حقهم يبقي حقهم في ثلاثة وحق الموصى له في سهم وحق الموهوب له في سهم فيكون العبد على خمسة ثم يدفع الموهوب له خمسة بالجناية فيصير للورثة أربعة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ويصير في الحكم كأن المريض مات عن عبد وخمس عبد على قياس ما تقدم من المسائل، ثم هذا الجواب مبني على قول أبي حنيفة فأما عندهما ينبغي أن يضرب الموصى له بثلث العبد وبثلث خمس العبد(29/229)
ص -107- ... لأن الميت في الحكم إنما ترك عبدا وخمسا فالموصى له بالثلث يضرب في الثلث بجميع ذلك والموهوب له يضرب بالثلث بجميع العبد كما هو مذهبهما أن الموصى له عند عدم إجازة الورثة يضرب بجميع وصيته وإن كان أكثر من الثلث، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يضرب إلا بمقدار الثلث فإنما تتحقق المساواة بينهما على أصل أبي حنيفة رحمه الله فعرفنا أن الجواب بناء على مذهبه، وإن اختار الفداء فداه بجميع الهبة فإن الهبة تصح بجميع العبد فإن ماله في الحاصل أحد عشر ألفا الدية والعبد فيكون نصيب الموهوب له من الثلث مقدار قيمة العبد فلهذا جازت الهبة في جميعه فيفديه بعشرة آلاف ثم يعطى الموصى له بالثلث من الدية إلى تمام الثلث وثلث ماله ثلاثة آلاف وثلثا ألف وقد سلم للموهوب له مقدار ألف فيأخذ الموصى له من الدية ألفين وثلثي ألف ويسلم للورثة سبعة آلاف وثلث ألف وقد نفذنا الوصية في ثلاثة آلاف وثلثي ألف فاستقام الثلث والثلثان وإن كانت قيمته ألفي درهم، فإن اختار الدفع فالجواب كما بينا وإن اختار الفداء فإنه يفديه بجميع الدية لأنه يصير مال الميت اثني عشر ألفا فيكون ثلثه أربعة آلاف وللموهوب له نصف الثلث فعرفنا أن قيمة العبد لم تزد على مقدار حقه فلهذا جازت الهبة في جميع العبد ويسلم للموصى له ما بقي من الثلث وذلك ألفا درهم وللورثة ثمانية آلاف فيستقيم الثلث.
فإن قيل: هذا الجواب يحتمل أن أحدهما موصى له بثلث المال وذلك أربعة آلاف والآخر موصى له بالعبد وقيمته ألفان فكيف يجعل الثلث بينهما نصفين وحق أحدهما ضعف حق الآخر بل ينبغي أن يجعل الثلث بينهما أثلاثا؟.(29/230)
قلنا: هو كذلك في الحقيقة وإنما جعل الثلث بينهما نصفين للضرورة لأنه لو نقص حق الموهوب له احتاج إلى نقص الهبة في بعض الهبة وبقدر ذلك ينقص من الدية لأنه إنما يلزمه من الفداء بقدر ما تجوز فيه الهبة فأما ما تنتقص فيه الهبة من العبد لا يجب على الموهوب له أن يفديه، وإذا انتقص الفداء انتقص حق الموصى له بالثلث فلم يبق هنا وجه سوى تصحيح الهبة في جميع العبد ليفديه بجميع الدية فإن في ذلك توفير المنفعة على الموصى له بالثلث.
وحكى أن ابن جماعة رحمه الله كتب إلى محمد رحمه الله حين كان بالرقة أن هذه المسألة لا تخرج على الأصول المعروفة فكتب إليه محمد رحمه الله هو كما قلت وإنما لم نعرف حسابا يتبين لنا به قدر مال الميت فإنا كلما نقصنا الهبة في شيء انتقص مال الميت بقدره فإن كان عندك ذلك الحساب فمن علينا به وإن كانت قيمته أكثر من ألفين فإن اختار الدفع رد أربعة أخماسه بنقص الهبة ويدفع الخمس بالجناية ويكون للموصى له خمس العبد لما بينا في الفصل الأول فإن الطريق عند اختيار الدفع لا يختلف، وإن قال: أنا أفدي وقيمة العبد ثلاثة آلاف رد خمسة أثمانه بنقص الهبة وفدى ثلاثة أثمانه بثلاثة أثمان الدية ويعطي الموصى له بالثلث من الدية مثل ثلاثة أثمان العبد وما بقي فهو للورثة لأن تجويز الهبة في جميع(29/231)
ص -108- ... العبد هنا غير ممكن فإنه لا يفديه بأكثر من عشرة آلاف فصار مال الميت ثلاثة عشر ألفا فثلث ماله أربعة آلاف وثلث ألف، فإذا جوزنا الهبة في جميع العبد لم يبق للموصى له من الثلث إلا ألف وثلث ولا يجوز أن تكون وصيته أقل من وصية العبد، فإذا تعذر تنفيذ الهبة في جميعه قلنا السبيل في معرفة مقدار ما تجوز فيه الهبة أن تقول الهبة يكون على ستة أسهم، وإنما تجوز الهبة في سهم منه وهو نصف الثلث ثم يفدي ذلك السهم بثلاثة أمثاله ومثل ثلثه لأن الدية من القيمة هكذا فإن القيمة بثلاثة آلاف والدية عشرة آلاف فإذا فداه بذلك ازداد مال الميت بثلاثة أسهم وثلث.
فالسبيل أن يطرح من أصل حقهم ثلاثة أسهم وثلث يبقي العبد على سهمين وثلثي سهم فانكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون ثمانية وحق الورثة في سهمين وحق الموصى له في ثلاثة وحق الموهوب له في ثلاثة فلهذا جازت الهبة له في ثلاثة أثمانه ثم يفدي ذلك بثلاثة أثمان الدية وذلك ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسون ومن حيث السهام إنما يفدي هذه الثلاثة بعشرة أسهم ثلاثة أمثاله ومثل ثلثه فيصير للورثة اثنا عشر وقد نفذنا الهبة لكل واحد منهما في ثلثه فيستقيم الثلث والثلثان.
وعلى الطريق الآخر يقول: يجعل كل ألف على ثلاثة أسهم فتكون الدية ثلثين والعبد تسعة ثم يجوز للموهوب له الهبة في سدس العبد فيفديه بسدس الدية وهو خمسة فيزداد نصيب الورثة والموصى له بهذه الخمسة.(29/232)
فالسبيل أن يطرح من نصيبهما خمسة يبقى لهما سهمان ونصف لأن سهام العبد تسعة للموصى له سهم ونصف وللورثة ستة فذلك سبعة ونصف إذا طرحت منه خمسة يبقي سهمان ونصف فأضعفه فيصير حقهما خمسة وحق الموهوب له ثلاثة فلهذا صار العبد على ثمانية أسهم وإنما تجوز الهبة في ثلاثة أثمانه مقدار ذلك من الدراهم ألف ومائة وخمسة وعشرون ثم يفدي ذلك بثلاثة أثمان الدية وهو ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسون فيأخذ الموصى له من ذلك ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين مثل ما سلم للموهوب له يبقي للورثة من الدية ألفان وستمائة وخمسة وعشرون ومن العبد خمسة أثمانه مقدار ذلك ألف وثمانمائة وخمسة وسبعون، فإذا جمعت بينهما تصير أربعة آلاف وخمسمائة وذلك مثلا ما نفذنا فيه الهبة والوصية فاستقام الثلث والثلثان، وكذلك إن كانت قيمته أكثر من ذلك إلى عشرة آلاف وطريق التخريج فيه كما بينا، فإن أوصى في هذه المسألة بالسدس من ماله وقيمة العبد ألف درهم فإن اختار الدفع دفع العبد كله خمسة أسباعه بنقص الهبة وسبعية بالدفع بالجناية لأن وصية الموهوب له مثلا وصية صاحب السدس فإنه أوصى له بالعبد كله بالهبة وإن لم تجز في جميع العبد تجوز في ثلثه فوصية الموهوب له مقدار الثلث ووصية الآخر السدس فاجعل ثلث المال بينهم أثلاثا، وإذا صار ثلث المال على ثلاثة فالمال كله تسعة ستة للورثة وسهمان للموهوب له ثم يدفع الموهوب له سهمه بالجناية فيزداد نصيب الورثة فيطرح من نصيبهم(29/233)
ص -109- ... سهمان، فيجعل العبد على سبعة للموهوب له سهمان وللموصى له سهم وللورثة أربعة ثم يدفع الموهوب له سهميه بالجناية فيصير للورثة ستة مثلا ما نفذنا فيه الوصية، فإن اختار الفداء فإن كانت قيمته ألف درهم جازت الهبة في الكل لأن مال الميت أحد عشر ألفا وحق الموهوب له في ثلثي الثلث وقيمة العبد أقل من ثلثي الثلث فيسلم له العبد كله ويسلم للآخر سدس المال وذلك ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فحصل تنفيذ الوصيتين في ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث، وإن كانت قيمة العبد ألفي درهم فعند اختيار الفداء مال الميت يصير اثني عشر ألفا وثلثه أربعة آلاف فتجوز الهبة في جميع العبد وللموصى له الآخر سدس المال وذلك ألفان وهو تمام ثلث المال وكذلك إن كانت قيمة العبد أكثر من ألفين فالجواب كذلك إلا أن تكون قيمة العبد مقدار سبعي الدية أو أقل فإن زاد على ذلك حينئذ لا يخرج العبد من الثلث وإنما تتبين هذه المسألة بمسألة أول الباب فقد ذكرنا هناك أن عند اختيار الدفع تجوز الهبة في الخمس وعند اختيار الفداء تجوز الهبة في الكل إذا كانت قيمته مثل خمس الدية أو أقل، فإن زادت على ذلك لا يخرج العبد كله من الثلث فهنا لما جازت الهبة عند الدفع في سبعي الدية فعند الفداء تجوز الهبة في الكل إذا كانت القيمة مثل سبعي الدية أو أقل، وكذلك في المسائل التي بعد هذا ينظر إلى حال الدفع فمقدار ما تجوز فيه الهبة عند الدفع فعند الفداء إذا كان قيمة العبد مثل ذلك الجزء من الدية أو أقل تجوز في الكل حتى إذا كان عند الدفع يدفع سدس العبد بالجناية فعند الفداء إذا كان العبد مثل سدس الدية أو أقل جازت الهبة في الكل.(29/234)
ولو كان أوصى بربع ماله فإن اختار الدفع وقيمة العبد ألف درهم فهو على سبعة عشر سهما لأن الموهوب له عند أبي حنيفة رحمه الله إنما يضرب بقدر الثلث والآخر يضرب بالربع فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر ثلثه أربعة وربعه ثلاثة فيصير ثلث المال بينهم على سبعة والثلثان أربعة عشر والمال كله أحد وعشرون للموهوب له أربعة ولصاحب الربع ثلاثة وللورثة أربعة عشر ثم يدفع إلى الموهوب له الأربعة بالجناية فيزداد مال الميت فالسبيل أن يطرح من نصيب الورثة أربعة فيصير نصيب الورثة عشرة وللموصى لهما سبعة فيكون العبد على سبعة عشر ثم يدفع الأربعة بالجناية فيصير للورثة أربعة عشر مثلا ما نفذنا فيه الوصية، وينبغي في قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن يضرب الموهوب له في الثلث بجميع العبد وهو أربعة والآخر بالربع وهو سهم واحد فيصير الثلث على خمسة أسهم والمال خمسة عشر إلا أن في الكتاب خرج المسألة على قول أبي حنيفة رحمه الله.
وإن اختار الفداء وكان قيمة العبد مثل أربعة أجزاء من سبعة عشر جزءا من الدية أو أقل فإن الهبة تجوز في الكل ويفديه بجميع الدية ويعطي الموصى له بالربع الأقل من ربع جميع العبد كله بالهبة لأنه لو جازت الهبة في كله صار نصيبه فيجب أن يقسم الثلث بينهما على الحساب الذي قلنا إذا كانت الهبة أربعة آلاف جازت الهبة في أربعة أجزاء من أحد عشر جزءا(29/235)
ص -110- ... من العبد لأنه يفدي ذلك بمثله ومثل نصفه فالدية من القيمة كذلك ثم التخريج على قياس ما بينا.
ولو أن رجلا وهب في مرضه عبدا من رجل وقبضه فأعتقه ثم إن العبد قتل الواهب عمدا وله وليان فعفا عنه أحدهما فلا شيء على الموهوب له ويأخذ الذي لم يعف من المعتق نصف الدية.
واعلم بأن هذه المسألة على ثلاثة أوجه إما أن يكون أعتقه قبل القتل أو بعد القتل وقبل عفو أحدهما أو بعد القتل والعفو وكل وجه على وجهين إما أن يكون القتل عمدا أو خطأ وفي كل فصل حكمان حكم بين الموهوب له وبين الورثة وحكم فيما بين الوارثين، فأما إذا كان القتل عمدا والعتق قبل القتل فلا شيء على الموهوب له لأنه لما عفا أحدهما صار نصيب الآخر مالا وإنما قتله وهو حر فيجب على العبد للذي لم يعف خمسة آلاف والعبد خارج من الثلث لأن قيمته ألف درهم ومال الميت ستة آلاف ثم يقسم نصف الدية بين الاثنين على اثني عشر سهما للذي لم يعف أحد عشر وللعافي سهم لأن مال الميت يقسم بينهما بعد تنفيذ الوصية على ما يقسم إن لو لم يكن وصية، ولو كان القتل خطأ لم يكن على الموهوب له شيء أيضا لأن التركة أحد عشر ألفا فالألف خارج من الثلث ويجب على القاتل خمسة آلاف للذي لم يعف خاصة لأنه قد وجب لكل واحد منهما خمسة آلاف بالقتل فلما عفا أحدهما صار مستهلكا نصيبه فيكون بمنزلة المستوفي بخلاف قتل العمد فإن هناك بالعفو لا يصير مستهلكا ولا مستوفيا شيئا من المال فلهذا لا يسلم نصف الدية للذي لم يعف.(29/236)
ولو كان القتل قبل الإعتاق والمسألة بحالها فإذا كان القتل عمدا فعلى العبد أن يسعى في نصف قيمته للذي لم يعف لأن نصيبه صار مالا بعد ما صار حرا ولكن أصل الجناية منه كان في حالة الرق فيكون الواجب من القيمة فلهذا يستسعيه الآخر في نصف قيمته وإذا استسعاه في ذلك تبين أن مال الميت عبد ونصف فيجوز للموهوب له من ذلك الثلث وهو نصف القيمة ويضمن نصف القيمة، فإذا وصل ذلك إلى الورثة كان الواصل إليهم تمام قيمة العبد وهو مثلا ما نفذنا فيه الهبة ثم يقتسم الاثنان هذه القيمة فيضرب الذي لم يعف بقيمة واحدة لأن نصف القيمة وجب له بالميراث ونصف القيمة وجب بالجناية ويضرب العافي بنصف القيمة لأنه أبطل حقه في الجناية بالعفو فتقسم القيمة بينهما أثلاثا. ولو كان القتل خطأ فعلى الموهوب له قيمة وثلث لأن القتل الخطأ يوجب المال وقد كان الموهوب له يخير بين الدفع والفداء وقد استهلكه بالعتق وهو لا يعلم بالجناية فوجب عليه القيمة وصار كأن الميت ترك عبدين لأن الواجب قيمتان قيمة باعتبار القبض بحكم الهبة وقيمة بسبب الجناية ثم يسلم للموهوب له ثلث ذلك وهو ثلث القيمة ويدفع قيمة وثلثا إلى الورثة حتى يصير للورثة ضعف ما نفذنا فيه الهبة إلا أنه لما عفا أحدهما فقد أبطل حقه في النصف فسقط عن الموهوب له نصف القيمة وبقي عليه خمسة أسداس القيمة لأنا إذا أسقطنا عن قيمة وثلث نصف قيمة يبقي خمسة(29/237)
ص -111- ... أسداس القيمة نصف القيمة من ذلك للذي لم يعف وثلث القيمة بينهما نصفان للذي لم يعف في الحاصل ثلثا القيمة وللعافي سدس القيمة.
ولو كان العتق بعد القتل والعفو فإن كان الموهوب له لا يعلم بالجناية فعليه قيمة واحدة لأن تركة الميت قيمة بالهبة ونصف قيمة بالجناية فيسلم للموهوب له ثلث ذلك وهو نصف القيمة وعليه قيمة واحدة بين الاثنين أثلاثا لأن حق أحدهما في جميع القيمة وحق الآخر في نصف القيمة فإنما يقتسمانه بعد تنفيذ الوصية كما يقتسمانه إن لو لم يكن وصية. ولو كان القتل خطأ كان القتل على الموهوب نصف القيمة إذا لم يعلم بالجناية لأن موجب الخطأ المال فلما عفا أحدهما صار كأنه استوفى نصف القيمة لما بينا أنه في حكم القابض ثم المتلف ووجب عليه للآخر نصف القيمة ويكون ذلك النصف كله للذي لم يعف وعلى الموهوب له أيضا ثلث القيمة بينهما نصفان لأن مال الميت في الأصل قيمتان فيجوز للموهوب له من ذلك الثلث ويجب عليه قيمة وثلث إلا أنه لما عفا أحدهما فقد أسقط نصف القيمة فإنما يبقى خمسة أسداس القيمة.
ولو كان الموهوب له دبر العبد ثم أن العبد قتل الواهب عمدا ثم عفا أحد الاثنين فهذا مثل الأول لأن مال المولى قيمة ونصف القيمة من جهة الهبة والنصف من جهة الجناية وجميع ذلك على المولى فإن موجب جناية المدبر على مولاه فيجوز للموهوب له من ذلك الثلث وهو نصف القيمة وعليه قيمة واحدة يقتسمها الاثنان أثلاثا. ولو كاتبه الموهوب له فالجواب كذلك إلا نصف القيمة يجب على المكاتب والقيمة على الموهوب له فصار ماله قيمة ونصفا فيسقط عن الموهوب له نصف القيمة بالوصية ويؤدي نصف القيمة ويسعى العبد في نصف القيمة فيقتسمها الاثنان أثلاثا.(29/238)
وكذلك لو وهبه الموهوب له من غيره فدبره الثاني أو كاتبه فهو على ما وصفنا ولو كاتب الموهوب له الأول ثم أنه قتل الواهب خطأ وله وليان فعفا أحدهما فعلى الموهوب له ثلث قيمته بينهما نصفين وفي بعض النسخ قال فعلى الموهوب له ثلثا القيمة والأول أصح لأن مال المولى في الأصل قيمتان قيمة بالهبة وقيمة بالجناية عن المكاتب فيسقط عن الموهوب له ثلث ذلك وهو ثلثا القيمة ويبقى عليه ثلث القيمة بينهما نصفين وقد صار العافي بمنزلة المستوفى لنصف القيمة من المكاتب فيبقى على المكاتب نصف القيمة للذي لم يعف.
ولو كان الموهوب له وهبه من رجل آخر ثم قتل العبد الواهب خطأ فالموهوب له الثاني بالخيار، فإن اختار الدفع تبين أن مال الميت قيمتان فيجوز للموهوب له الثلث وهو ثلثا القيمة ويضمن ثلث القيمة فيكون ذلك مع العبدين بين الاثنين نصفين لأنه لم يعف واحد منهما فإن اختار الفداء فالعبد خارج من الثلث إذا كانت قيمته خمسة آلاف أو أقل فإنه يفديه بجميع الدية فيصير مال الميت خمسة عشر ألفا وإن كانت قيمته أكثر من خمسة آلاف ضمت القيمة إلى الدية حتى يتبين مال الميت كم هو فيسقط عن الموهوب له ثلث ذلك ويغرم ما وراء ذلك إلى(29/239)
ص -112- ... تمام القيمة، وبيانه إذا كانت قيمته ستة آلاف فإن مال الميت ستة عشر ألفا فيسلم للموهوب له ثلثه وهو خمسة آلاف وثلث ألف وإنما يغرم ثلثي ألف وكذلك ما زادت قيمته فهو على هذا الحساب، فإن عفا أحد الاثنين فإنه يقال للموهوب له الآخر أدفعه أو افده فإن اختار الدفع دفع نصف العبد وتبين أن مال الميت عبد ونصف والعافي صار مستوفيا للنصف بالعفو فجازت الهبة في ثلثي القيمة وهو ثلث المال وعلى الموهوب له الأول ثلث القيمة بينهما نصفين ونصف العبد للموهوب له الآخر ونصفه للذي لم يعف. وإن اختار الفداء فدى نصفه بخمسة آلاف وجازت الهبة في جميع العبد إذا كانت قيمته مثل ثلث الدية أو أقل لأن مال المولى هنا قيمة ونصف الدية لأن في نصيب الذي عفا يعتبر أقل المالين فالزيادة على ذلك إنما تظهر بالاختيار والاختيار فيما جاز فيه العفو فيجب أن يعتبر في نصيب الذي عفا نصف القيمة وفي نصيب الذي لم يعف نصف الدية ونصف القيمة ثم يجوز للموهوب له ثلث ذلك.(29/240)
وإذا أردت معرفة ذلك فاجعل كل قيمة العبد ألفي درهم فيكون مال الميت ثمانية آلاف أما خمسة آلاف فهو نصف الدية وألفان قيمة العبد وألف استهلكه العافي فتبين أن العبد خارج من الثلث ويقتسم الاثنان الخمسة آلاف ونصف القيمة الذي هو محسوب على العافي فيضرب فيه العافي بنصف قيمته من قبل الميراث ونصف قيمته من قبل الجناية ويضرب فيه الذي لم يعف بنصف نصف الدية وبنصف القيمة الذي كان على الموهوب له فما أصاب العافي حسب عليه من ذلك نصف القيمة الذي أتلف ويأخذ الفضل وما أصاب الذي لم يعف يسلم له فإن كانت قيمته أكثر من ثلث القيمة أو أقل من جميع الدية فإنه لا يخرج العبد من الثلث فالسبيل أن يضم مال الميت بعضه إلى بعض وهو قيمة ونصف قيمة ونصف الدية فيجوز للموهوب له الثلث من ذلك ويضمن الفضل ثم يقتسم الاثنان فيضرب قيمة الذي لم يعف بنصف القيمة ونصف الدية والعافي بنصف القيمة من جهة الهبة ونصف القيمة الذي استهلكه بالجناية فيكون بينهما على ذلك، وإن كانت قيمته عشرة آلاف سلم نصف الدية للذي لم يعف وعلى الموهوب له ثلث الدية أيضا بينهما نصفين لأن مال الميت عشرون ألفا في الحاصل عشرة آلاف قيمة العبد وخمسة آلاف نصف الدية للذي لم يعف ومثله قد استهلكه العافي بالعفو فتصح الهبة في ثلث ذلك وذلك ثلثا قيمة العبد ويغرم الموهوب له ثلثي القيمة فيكون بينهما نصفان لاستواء حقهما في العبد قبل الهبة وبعدها، وإن كانت قيمته أكثر من عشرة آلاف وقد اختار الفداء من الذي لم يعف فالسبيل أن يضم جميع الدية إلى جميع القيمة لأن العافي استهلك بالعفو نصف الدية فكأنه استوفي ذلك ثم أتلفه وقد وجب للذي لم يعف نصف الدية فتضم الدية إلى القيمة ثم يسلم للموهوب له ثلث جميع ذلك بطريق الوصية ويؤدي الفضل فيقتسمه الاثنان نصفين حتى إذا كانت قيمته عشرين ألفا فإذا ضممت الدية إلى القيمة كانت الجملة ثلاثين ألفا فيسلم للموهوب له من ذلك عشرة آلاف وهو نصف قيمة العبد(29/241)
ويغرم نصف القيمة فيكون ذلك بين الاثنين نصفين ونصف الدية للذي لم يعف خاصة.(29/242)
ص -113- ... ولو أن رجلا وهب في مرضه عبدا من رجل ثم أن العبد قتل الواهب عمدا فعفا الوليان عنه جاز العفو وللموهوب له ثلث ذلك العبد وللورثة ثلثاه لأن حكم الجناية بطل بعفوهما فكأنه مات حتف أنفه ولا مال له سوى العبد فتجوز هبته في ثلثه فلو عفا أحد الوليين واختار الموهوب له الدفع فإنه يدفع ثلاثة أخماس العبد فيكون بينهما نصفين ويدفع الخمس إلى الذي لم يعف ويبقى للموهوب له الخمس لأن الهبة في الابتداء تجوز في الثلث فلما عفا أحدهما وجب دفع نصف ذلك الثلث فيصير العبد على ستة وتجوز الهبة في سهمين ثم يدفع سهما بالجناية وهو الدائر فنطرح من نصيب الورثة سهما ويجعل العبد على خمسة فيرد ثلاثة أخماسه بنقص الهبة وخمسة بالجناية ثم يقتسم الاثنان هذه الأربعة فيضرب الذي عفا بنصف قيمة العبد والذي لم يعف بنصف الرقبة وخمس العبد وأورد المسألة بعينها في الإقرار إلا أنه اعتبر اللفظ هنا وقال هناك للذي لم يعف ثلاثة أسهم ونصف وللعافي سهم ونصف. ولو عفا أحدهما ثم عفا الآخر بعده دفع إليهما ثلاثة أخماس العبد بنقص الهبة ويسلم له الخمسان لأنهما لما عفوا فقد جعل الذي عفا منهما آخر بمنزلة المستوفى خمس ذلك العبد بالإتلاف فإذا سلم لهما ثلاثة أخماس العبد مع ذلك استقام الثلث والثلثان ثم يقتسم الاثنان هذه الثلاثة أخماس فيضرب فيه الذي عفا أولا بنصف القيمة والذي عفا آخرا بنصف القيمة وبخمسه إلا أنه يحسب عليه بالخمس الذي أتلفه لأنه إنما عفا بعد ما صار مالا والأول منهما عفا وقد كان الواجب هو القصاص.(29/243)
ولو أعتقه الموهوب له ثم عفوا معا ضمن الموهوب له ثلثي قيمة العبد لأن عفوهما معا يبطل حكم الجناية ولم يظهر للميت مال سوى ذلك العبد فيسلم له الثلث بالهبة ويضمن الثلثين لأنه أتلفه بالعتق. ولو عفا أحدهما قبل صاحبه بعد العتق فعلى الموهوب له نصف قيمة العبد وعلى المعتق نصف قيمته لأن مال الميت هنا قيمة ونصف القيمة من جهة الهبة ونصف القيمة بالجناية وإنما صار مالا بعد عتق العبد فيكون ذلك النصف عليه ثم يقسم القيمة بين الاثنين فيضرب فيه العافي أولا بنصف القيمة والعافي آخرا بقيمة كاملة فتكون القيمة بينهما أثلاثا ثلثاها للذي عفا آخرا ويحسب عليه نصف القيمة الذي أتلفه بالعفو ويبقى له سدس القيمة الذي أتلفه بالعفو ويبقى له سدس القيمة، وفي الكتاب يقول: يضرب الآخر بثلثي قيمته وهذا الجواب غلط وقع من جهة الكاتب، والصحيح إنه يضرب بقيمة كاملة للمعنى الذي قلنا إلا أن يعنى به أنه يحصل له ثلثا القيمة ولو كان الموهوب له أعتقه ثم أن العبد قتل الواهب عمدا فعفا الاثنان عنه معا فالموهوب له ضامن ثلثي قيمة العبد لأن حكم الجناية قد بطل بعفوهما فلا يتبين للميت مال سوى العبد، ولو عفا أحدهما جازت الهبة في الكل إن كانت قيمته ما بينه وبين ألفين وخمسمائة لأنه وجب على المعتق نصف الدية للذي لم يعف فإنه قتله وهو حر ونصف الدية خمسة آلاف فإذا ضممت إليه ألفين وخمسمائة يكون سبعة آلاف وخمسمائة فيتبين أن العبد خارج من الثلث فيكون سالما للموهوب له(29/244)
ص -114- ... الأول، ثم يقتسم الاثنان بينهما هذه الخمسة آلاف يضرب فيه الذي لم يعف بنصف الدية ونصف القيمة والعافي بنصف القيمة على ما كان يضرب فيه لو لم يكن هناك وصية ولا يضرب بحصة الجناية لأن نصيبه لم يصر مالا فتكون القيمة بينهما على اثني عشر، ولو عفا أحدهما ثم الآخر فعفو الأول جائز، ولا شيء على الموهوب له لما قلنا فلما عفا الآخر يجوز عفوه في نصيب نفسه ويبطل عن العبد مقدار حصته من نصف الدية وذلك أحد عشر سهما من اثني عشر ويكون على العبد للذي عفا أول مرة حصته من ذلك وهو سهم من اثنى عشر لأن إسقاط الثاني إنما يصح في نصيبه لا في نصيب شريكه ولا يضمن ذلك العافي آخرا للذي عفا أولا لأنه بالعفو مسقط لا مستوفي وإن كانت قيمته خمسة آلاف وقد عفا أحدهما فإن مال الميت قيمة العبد ونصف الدية وذلك عشرة آلاف فإنما تجوز الهبة في ذلك وهو ثلاثة آلاف وثلث ألف مقدار ثلثي العبد ويغرم الزيادة إلى تمام خمسة آلاف فيقتسم الاثنان ذلك يضرب فيه الذي عفا بنصف القيمة فقط لأن نصيبه لم يصر مالا ويضرب الذي لم يعف بنصف الدية لأن ذلك وجب له بالجناية وبنصف القيمة فيقتسمانه وعلى ذلك مريض وهب عبده من مريض وقبضه ثم إن الموهوب له وهبه لصحيح ثم أن العبد قتل الواهب الأول ومات الثاني من مرضه ولا مال لواحد منهما سواه فإنه يقال للثالث أدفعه أو افده لأنه هو المالك عند جنايته فإن اختار الدفع لورثة الثاني انتقصت الهبة في نصف العبد منهما جميعا لأنك تحتاج إلى حساب له ثلث وربع ولثلثه ثلث وذلك تسعة فأجر الهبة للأول في ثلاثة وللثاني في سهم وقد بطلت الجناية في الستة التي عادت إلى الواهب الأول بنقص الهبة لأن الهبة لما بطلت في تلك الستة صارت جنايته على مولاه وجناية المملوك على مولاه خطأ تكون هدرا فإنما تبقي الجناية في ثلاثة أسهم سهمين في يد الموهوب له الأول وسهم في يد الموهوب له الثاني ويدفعان تلك الثلاثة بالجناية فيزداد مال الأول بقدر(29/245)
ثلاثة أسهم وهي السهام الدائرة فاطرح ثلاثة أسهم من نصيب الواهب الأول ويصير العبد على ستة أسهم ثلاثة للواهب الأول بنقص الهبة وثلاثة بالدفع بالجناية ويسلم لورثته ستة أسهم مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يغرم الموهوب له الثاني لورثة الموهوب له الأول ثلث قيمة العبد إلا أن يكون ثلثا الدية أقل لأنه قد أخذ العبد فارغا ثم رد السهمين عليهم مشغولا بالجناية وقد استحق بذلك الشغل فكأنه تلف عنده إلا أن الورثة كانوا يتمكنون من اختيار الأقل وهو الدفع أو الفداء فلا يضمن لهم إلا الأقل، ولو أنهم اختاروا الفداء فإن كانت قيمة العبد خمسة آلاف أو أقل يرد الثالث على ورثة الثاني بثلثيه ثم فدوه بعشرة آلاف الثالث بثلث الدية وورثة الثاني بثلثي الدية فيصير كأن الأول ترك خمسة عشر ألفا فتجوز الهبة في جميع العبد ثم يضمن الثالث لورثة الثاني ثلثي قيمته لأنه أخذ عبدا فارغا على طريق التملك ورده مشغولا وقد استحق بذلك الشغل، وإن كانت قيمته أكثر من خمسة آلاف وكانت ستة آلاف فإن الهبة تجوز في ثلاثة أرباع العبد لأنا نجيز الهبة من الأول في ثلث العبد فيفدون ذلك بمثله ومثل ثلثه فيزداد مال الأول سهما وثلثين فاطرح من(29/246)
ص -115- ... نصيب الأول سهما وثلثي سهم يبقى لورثة الواهب الأول ثلث سهم وجازت الهبة في سهم فإذا جعلت كل ثلث سهما جازت الهبة له في ثلاثة أرباعه ثم تجوز الهبة للثاني في سهم من الثلاثة ثم يفديان تلك الثلاثة بمثلها ومثل ثلثيها وذلك خمسة فيصير للأول ستة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يرجع الموهوب له الأول على الثاني بقيمة سهمين وهو نصف العبد في الحاصل لأنه استحق بسبب كان في ضمانه، فإن كانت قيمته عشرين ألفا فإن الهبة تجوز في خمسي العبد لأن الهبة من الأول تجوز في الأصل في سهم من ثلاثة ثم يفديان ذلك بمثل نصفه فإن الدية مثل نصف القيمة فإنما يطرح من نصيب الأول نصف سهم فيصير العبد على سهمين ونصف أضعفه للكسر فيكون خمسة ثم تجوز الهبة في سهمين وتبطل في ثلاثة فيفديان ذلك بسهم واحد فيصير للأول أربعة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم رجع ورثة الثاني بما أدوا من ذلك على الثالث لأن ما أدوا هو الأقل وإنما لزمهم ذلك بجناية كانت من العبد في ضمان الثالث، وإن اختار الثالث الفداء وورثة الثاني الدفع وقيمته خمسة آلاف فإنه تجوز الهبة للثاني في ثلاثة أخماس العبد ومن الثاني للثالث في خمس العبد لأنك تجعل العبد على تسعة لحاجتك إلى حساب له ثلث ولثلثه ثلث فيجوز للأول ثلاثة وللثاني من ذلك واحد ثم يدفع الأول السهمين ويفدي الثاني سهمه بسهمين لأن الدية بنصف القيمة فيرجع إلى الواهب الأول أربعة ويزداد ماله بذلك فالسبيل أن يطرح أربعة من ورثته يبقى لهم سهمان وصار العبد كله خمسة للواهب الأول سهمان وللأوسط سهمان وللثالث سهم ثم يدفع الأوسط سهميه ويفدي الثالث سهمه بسهمين من الدية فيصير للورثة ستة أسهم مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يرجع ورثة الموهوب له الأول على الثاني بقيمة الخمسين لأنه استحق ذلك من أيديهم بجناية كانت في ضمانه.(29/247)
وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن تجعل العبد درهما ودنانير فتجوز هبة الأول في ثلاثة دنانير وهبة الثاني في دينارين ثم يدفع ورثة الثاني الدينارين ويفدي الثالث ديناره بدينارين فيصير للواهب الأول درهم فأربعة دنانير تعدل ستة دنانير لأنا جوزنا هبة الأول في ثلاثة دنانير فأربعة دنانير بمثلها قصاص في درهم يعدل دينارين فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا العبد درهما وثلاثة دنانير الدرهم اثنان وكل دينار واحد فذلك خمسة ثم أجزنا الهبة في ثلاثة دنانير وهو ثلاثة أخماس العبد كما بينا.
وعلى طريق الجبر تجعل العبد مالا ثم تجيز الهبة للأول في ثلاثة أشياء وللثاني في شيء ثم يدفع ورثة الأول شيئين ويفدي الثالث شيئا بشيئين فيصير للواهب الأول مال وشيء يعدل ستة أشياء فالشيء بمثله قصاص وبقي مال كامل يعدل خمسة أشياء وقد أجزنا الهبة في ثلاثة أشياء فذلك ثلاثة أخماس العبد، وإن اختار الثالث الدفع واختار ورثة الثاني الفداء جازت الهبة للثاني في ثلاثة أرباع العبد وللثالث في ربعه ويرجع ربعه إلى ورثة المقتول بانتقاص الهبة وربعه يدفع للثالث ويفدي ورثة الثاني بنصف الدية لأنك تجعل العبد على تسعة(29/248)
ص -116- ... ثم يدفع الثالث سهمه ويفدي الثاني سهميه بأربعة فيزداد مال الواهب الأول بخمسة فيطرح من نصيب ورثته يبقي لهم سهم وللثاني وللثالث ثلاثة فصار العبد كله أربعة فتجوز الهبة في ثلاثة أرباعه للأوسط من ذلك سهمان والثالث سهم ثم يدفع الثالث سهمه ويفدى الأوسط سهميه بأربعة فيصير لورثة الأول ستة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ويرجع ورثة الثاني على الثالث بنصف قيمة العبد كما بينا.
ولو كان العبد قتل المريض الآخر ولم يقتل الأول فإن الهبة تنتقص في الثلثين فيرد ذلك إلى ورثة المقتول فيردونه إلى ورثة الواهب الأول ولا شيء فيه من الجناية إما لأنه جنى على سيده أو لأنه إن اعتبر حكم الجناية فيه لم يكن مفيدا وإنما الحق لورثة الواهب الأول في ذلك فيرجعون به في تركة الموهوب له ويبقى ثلث العبد، فإن اختار الثالث دفعه فعلى الثالث أن يدفع ذلك الثلث نصفه بنقص الهبة ونصفه بالدفع بالجناية لأن ذلك الثلث فيما بين الموهوب له الأول والموهوب له الآخر بمنزلة عبد تام وهبه من رجل في مرضه ثم قتل العبد الواهب وقد بينا في العبد التام أن الموهوب له إذا اختار الدفع رد نصفه بنقص الهبة ودفع نصفه بالجناية فكذلك الثلث فإن اختاروا الفداء فداه بثلث الدية وتجوز الهبة في ذلك الثلث إذا كانت قيمته خمسة أو أقل يعنى إذا كانت قيمة العبد خمسة آلاف أو أن قيمته ثلاثة آلاف وثلثا ألف فإذا فداه بثلث الدية وهو ثلاثة آلاف وثلث يسلم لورثة الأوسط ضعف ما نفذنا فيه هبة الأوسط فيستقيم الثلث والثلثان.(29/249)
وإن كانت قيمته أكثر من خمسة آلاف عملت في هذا الثلث بعد أن تجعل في هذا الثلث ثلث النفس فيجعل كعبد كامل جنى على ثلث النفس، ولو كان العبد قتل الأول والثاني جميعا واختار الثالث وورثة الثاني الدفع فإنه تجوز الهبة من الأول للثاني في خمسة أسهم من أحد عشر سهما ومن الثاني للثالث في سهمين لأنك تجعل العبد على تسعة ستة: للأول لا جناية فيها وسهمان للأوسط فيهما جناية واحدة وهي الجناية على الأول وسهم للآخر فيه جنايتان جناية على الأول وجناية على الأوسط فاجعل ذلك السهم على سهمين واضعف الحساب للكسر بالأنصاف فيكون ثمانية عشر للأول اثنا عشر وللأوسط أربعة وللآخر سهمان ثم يدفع الآخر إلى الأوسط سهما واحدا فيزداد نصيبه بسهم فاطرح من نصيبه سهما يبقي نصيبه ثلاثة ونصيب الثالث سهمين فيصير ثلث العبد على خمسة فيكون كله خمسة عشر ثم يدفع الثالث إلى الأوسط سهما واحدا فيصير له أربعة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يدفع الآخر سهمه الثاني إلى الأول ويدفع الأوسط ثلاثة أسهم أيضا إلى الأول فيزداد نصيبه بأربعة وهي السهام الدائرة فيطرح من نصيبه أربعة وقد كان سهامه عشرة يبقى ستة ويصير العبد كله أحد عشر ثم يدفع الأوسط والآخر إلى الأول أربعة فيصير لورثته عشرة مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يرجع ورثة الواهب الثاني على الثالث بقيمة ثلاثة أسهم من أحد عشر سهما كما بينا، وإن اختاروا جميعا الفداء وقيمته خمسة آلاف أو أقل فالفداء كله على الثالث يسلم له العبد ويؤدي الديتين لأنه(29/250)
ص -117- ... يفدي الأول بعشرة آلاف والأوسط بعشرة آلاف فيكون العبد خارجا من ثلث كل واحد منهما وكذلك إن اختار الثالث الفداء من الثاني خاصة لأنه يزداد مال الواهب الثاني فإن ماله يصير خمسة عشر ألفا فتجوز الهبة في جميع العبد ويزداد أيضا مال الواهب الأول لأن الآخر يدفع نصف العبد إلى الأول ويغرم الأوسط ثلثي قيمة العبد للأول لأنه أتلفه بالهبة من الثاني قالوا: وهذا الجواب غير صحيح لأن مال الأوسط إذا صار خمسة عشر ألفا فإنما يبدأ بقضاء دينه وذلك ثلثا قيمة الواهب الأول فلا يخرج العبد من ثلث ماله بعد قضاء الدين لتصحيح الهبة من الثاني في جميع العبد إلا أن يحمل على أنه كان قيمته ألف درهم فحينئذ يكون الجواب صحيحا ولو كانت عشرة آلاف واختار الفداء بطل هبة الأول في نصف العبد وهبة الثاني في نصف النصف.
والحاصل: أن الهبة عند اختيارهما الفداء تجعل على تسعة أسهم للأول ستة وللأوسط سهمان وللآخر سهم ثم أن الآخر فدي الأوسط بسهم فإن الدية مثل القيمة فيطرح من نصيب الأوسط سهم فيصير ثلث العبد على سهمين والعبد كله ستة للأول أربعة وللأوسط سهم وللثالث سهم ثم يفدي الثالث الأوسط بسهم فيصير للأوسط سهمان مثلا ما نفذنا فيه الوصية ثم يفدي الثالث للأول بسهم ويفديه الأوسط أيضا بسهم فتظهر الزيادة في مال الأول بسهمين ونطرح من نصيب الأول سهمين، فيصير العبد كله أربعة أسهم للأول سهمان وللأوسط سهم وللثالث سهم ثم يدفعان السهمين إلى الأول فيصير للأول أربعة مثلا ما نفذنا فيه الوصية فكان مستقيما على ما بينا من حاصل الجواب والله أعلم بالصواب.(29/251)
ص -118- ... كتاب الفرائض
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء:
اعلم بأن الفرائض من أهم العلوم بعد معرفة أركان الدين حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمها وتعلمها كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني أمرؤ مقبوض وسيقبض هذا العلم من بعدي حتى يتنازع الرجلان في فريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول لأصحابه عند رواية هذا الحديث تعلموا الفرائض ولا يكونن أحدكم كرجل لقيه أعرابي فقال أمها جر أنت قال فإن إنسانا من أهلي مات فكيف يقسم ميراثه قال لا أدري قال فما فضلكم علينا تقرؤون القرآن ولا تعلمون الفرائض.(29/252)
وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا الفرائض فإنها نصف العلم وهي أول ما ينزع من بين أمتي" وقد كان أكثر مذاكرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم إذا اجتمعوا في علم الفرائض ومدحوا على ذلك حتى قال عليه السلام: "أقرؤكم لكتاب الله أبي بن كعب وأقضاكم علي وأفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنهم أجمعين" فقد نوه بذكر زيد في علم الفرائض، ثم طرق الفرضيين قد اختلفت في شرح هذا الكتاب فمن بين مطول أمل ومن بين موجز أخل فالسبيل أن نجري القصد وندع التطويل بذكر ما لا يحتاج إليه والإخلال بترك نص ما يحتاج إليه فإن خير الأمور أوسطها فنقول إذا مات بن آدم يبدأ من تركته بالأقوى فالأقوى من الحقوق عرف ذلك بقضية العقول وشواهد الأصول فأول ما يبدأ به تجهيزه وتكفينه ودفنه بالمعروف كما روي أن ابن عمر رضي الله عنه لما استشهد يوم أحد لم يوجد له إلا نمرة فكان إذا كان غطى بها رأسه بدى رجلاه وإذا غطى بها رجلاه بدى رأسه فأمر صلى الله عليه وسلم أن يغطي بها رأسه ويجعل على رجليه من الازخر، وقد نقل ذلك في حال حمزة رضي الله عنه أيضا ولم يسأل عن الدين عليهما فلو كان الدين مقدما على الكفن لسأل عن ذلك كما سأل عن الدين حتى كان لا يصلي على من مات وعليه دين فقال: "هل على صاحبكم دين؟" ثم الكفن لباسه بعد وفاته فيعتبر بلباسه في حياته ولباسه في حياته مقدم على دينه حتى لا يباع على المديون ما عليه من ثيابه فكذلك لباسه بعد موته، ومن مات ولا شيء له يجب على المسلمين تكفينه فيكفن من مال بيت المال وماله يكون أقرب إليه من مال بيت المال وبهذا يتبين أن الكفن أقوى من الدين فإنه لا يجب على المسلمين قضاء دينه من بيت(29/253)
ص -119- ... المال، ثم بعد الكفن يقدم الدين على الوصية والميراث لحديث علي رضي الله عنه قال إنكم تقرون الوصية قبل الدين وقد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية. وقيل لابن عباس رضي الله عنه إنك تأمر بالعمرة قبل الحج وقد بدأ الله تعالى بالحج فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فقال كيف تقرؤون آية الدين فقالوا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فقال بماذا يبدأ فقالوا بالدين قال هو ذلك.(29/254)
ولأن قضاء الدين من أصول حوائجه فإنه يفك به رهانه وتنفيذ الوصية ليس من أصول حوائجه، ثم قضاء الدين مستحق عليه والوصية لم تكن مستحقة عليه وصاحب الدين ليس يتملك ما يأخذ عليه ابتداء ولكنه في الحكم يأخذ ما كان له ولهذا ينفرد به إذا ظفر بجنس حقه والموصى له يتملك ابتداء بطريق التبرع، وأيد هذا كله ما روي أن رجلا أعتق عبدا في مرضه وعليه دين فاستسعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيمته وإنما فعل ذلك لأنه قدم الدين على الوصية، وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله الدين إذا كان محيطا بالتركة يمنع ملك الوارث في التركة وإن لم يكن محيطا فكذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله الأول، وفي قوله الآخر: لا يمنع ملك الوارث بحال لأنه يخلف المورث في المال والمال كان مملوكا للميت في حال حياته مع اشتغاله بالدين كالمرهون فكذلك يكون ملكا للوارث، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فقد جعل الله تعالى أوان الميراث ما بعد قضاء الدين والحكم لا يسبق أوانه فيكون حال الدين كحال حياة المورث في المعنى ثم الوارث يخلفه فيما يفضل من حاجته فأما المشغول بحاجته لا يخلفه وارثه فيه وإذا كان الدين محيطا بتركته فالمال مشغول بحاجته وقيام الأصل يمنع ظهور حكم الخلف ولا يقول يبقى مملوكا بغير مالك ولكن تبقى مالكية المديون في ماله حكما لبقاء حاجته.(29/255)
وأصل هذه المسألة فيما بيناه في النكاح أن المكاتب لا يعتبر ميراثا للوارث بموت المولى عندنا لبقاء حاجته إلى ولاية، وعند الشافعي رحمه الله يصير ميراثا، ثم بعد قضاء الدين تقدم الوصية في محلها على الميراث ومحل الوصية الثلث قال عليه السلام: "إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم" ففي مقدار الثلث تقدم الوصية على الميراث لأن الله تعالى جعل الميراث بعد الوصية ولأن تنفيذ الوصية من حوائج الميت أيضا فأما ما زاد عن الثلث لا يظهر فيه تقديم الوصية لأن حق الوارث فيه يمنع الوصية إلا أن يجيز الوارث وبعد تنفيذ الوصية يقسم الميراث. فنقول: الأسباب التي بها يتوارث ثلاثة الرحم والنكاح والولاء والولاء نوعان ولاء نعمة وولاء موالاة وكل واحد منهما سبب الإرث عندنا على ترتيب بينهما وبينه، والأسباب التي بها يحرم الميراث ثلاثة الرق واختلاف الدين ومباشرة القتل بغير حق في حق من يتحقق منه التقصير شرعا.
والوارثون أصناف ثلاثة: أصحاب الفرائض والعصبات وذووا الأرحام وأصحاب الفرائض هم الذين لهم سهام مقدرة ثابتة بالكتاب والسنة أو الإجماع والعصبات: أصناف(29/256)
ص -120- ... ثلاثة: عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره فالعصبة بنفسه الذكر الذي لا يفارقه الذكور في نسبته إلى الميت والعصبة بغيره الأنثى التي تصير عصبة بمن في درجتها من الذكر كالبنات بالبنين والأخوات بالأخوة والعصبة مع غيره كالأخوات يصرن عصبة مع البنات، وفرق فيما بين العصبة بغيره والعصبة مع غيره أنه لا يكون عصبة بغيره إلا وأن يكون ذلك الغير عصبة والعصبة مع غيره أن لا يكون ذلك الغير عصبة في نفسه كالأخوات مع البنات فالبنت ليست عصبة بنفسها والأخت تصير عصبة معها، وذووا الأرحام ما عدا هذين الصنفين من القرابة ثم أقوى أسباب الإرث العصوبة فإنه يستحق بها جميع المال ولا يستحق بالفريضة جميع المال والعصوبة في كونها سببا للإرث مجمع عليها بخلاف الرحم فكانت العصوبة أقوى الأسباب.
ثم إن محمدا رحمه الله بدأ الكتاب ببيان ميراث الآباء وقد استحسن مشايخنا رحمهم الله البداءة ببيان ميراث الأولاد اقتداء بكتاب الله فقد قال الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] ولأن الابن مقدم في العصوبة على الأب وقد بينا أن أقوى الأسباب العصوبة فقدمنا بيان ميراث الأولاد لهذا والله أعلم بالصواب.
باب الأولاد
قال رحمه الله: إعلم أن الابن الواحد يحرز جميع المال، ثبت ذلك بإشارة النص فإن الله تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ثم جعل للبنت الواحدة النصف بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وثبت أن للذكر ضعف هذا وضعف النصف الجميع.(29/257)
وثبت ذلك استدلالا بآية الأخوة فإن الله تعالى قال: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] أي يرثها جميع المال وإذا ثبت بالنص أن للأخ جميع المال ثبت للابن بدلالة النص لأن الأخ ولد أبيها وولدها أقرب إليها من ولد أبيها والميراث ينبني على الأقرب. قال الله تعالى: {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] وزيادة القرب تدل على قوة الاستحقاق إلا أن الله تعالى لم ينص على جميع المال للبنين لأن ذلك كان معروفا فيما بين العرب فقد كانوا في الجاهلية لا يورثون إلا البنين ومنهم من كان لا يورث إلا الكبار من البنين الذين يحملون السلاح ويورثون العشيرة فإنما بين ما لم يكن معلوما لهم فإن اجتمع البنون فالمال بينهم بالسوية لاستوائهم في سبب الاستحقاق وللبنت الواحدة إذا انفردت النصف ثبت ذلك بالنص وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] واستدلالا أيضا بميراث الأخت فقد قال الله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] والبنت أقرب إليه من الأخت، فإن كن ثلاثا فصاعدا فلهن الثلثان بالنص وهو قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] فهذا تنصيص على أنه لا يزاد للبنات على الثلثين عند الانفراد وإن كثرن، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان في قول عامة الصحابة رضوان الله عليهم وهو قول جمهور(29/258)
ص -121- ... الفقهاء، وكان ابن عباس يقول: للبنين النصف ويستدل بظاهر الآية فإن الله تعالى شرط في استحقاق البنات الثلثين أن يكن فوق اثنتين والمعلق بالشرط معدوم قبل الشرط وقد تجاذب البنين حالتان إما أن تعتبرهما بالثلاث أو بالواحدة واعتبارهما بالواحدة أولى لأن في اعتبارهما بالثلاث إبطال شرط منصوص والقياس لإبطال النص باطل وفي أول الآية ما يدل على أن للابنتين النصف لأن الله تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ومن ترك ابنا وابنتين فللابن النصف وهذا إشارة إلى أن حظ الأنثيين النصف وفي قوله تعالى: {فَلَهُنَّ} [النساء: 11] دليل أيضا على ذلك لأن هذا لفظ الجمع والجمع المتفق عليه ثلاثة فأهل اللغة جعلوا الكلام على ثلاثة أوجه الفرد والتثنية والجمع فكان اتفاقا منهم على أن التثنية غير الجمع وللواحد عندهم أبنية مختلفة وكذلك للجمع وليس للتثنية إلا بناء واحدا، ومن حيث المعقول في المعنى يعارض الفردين فلا يظهر ترجيح أحد الجانبين وفي الثلاث تتعارض البنات مع الفرد فيترجح جانب الجمع على جانب الفرد وإذا ثبت أن اسم الجمع لا يتناول ما دون الثلاث فقد ظهر الحاق البنتين بالواحدة هذا بيان أصل ابن عباس رضي الله عنه في هذا وفي الأخوة في حكم الحجب، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فقد جعل للذكر حالة الاختلاط مثل نصيب الابنتين وأدنى الاختلاط أن يجمع بن وبنت وللابن هنا الثلثان بالاتفاق فعرفنا أن حظ الأنثيين الثلثان ولما صار نصيب البنين معلوما بهذه الإشارة لم يذكر الله تعالى نصيب البنتين أيضا وذكر نصيب ما فوق البنتين بقوله عز وجل: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] والدليل على صحة ما قلنا سبب نزول الآية فإن سعد بن الربيع رضي الله عنه لما استشهد يوم بدر وكان خلف بنتين وامرأة فاستولى الأخ على ماله فجاءت امرأته إلى(29/259)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إن سعدا قتل معك وخلف ابنتين وقد غلب عمهما على مالهما ولا يرغب في النساء إلا بمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ينزل الله في ذلك شيئا" ثم ظهر أثر الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سرى عنه قال النبي عليه السلام: "قفوا مال سعد فقد أنزل الله تعالى في ذلك ما إن بينه لي ببينته لكم" وتلا عليهم قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} [النساء: 7] الآية، ثم نزل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا سعد وأمره أن يعطي البنتين الثلثين وللمرأة الثمن وله ما بقي.
وفي الحديث المعروف أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه سئل عن فريضة فيها بنت وابنة ابن وأخ فجعل للابنة النصف وللأخ ما بقي فبلغ ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخ" فهذا دليل على استحقاق البنتين الثلثين بطريق الأولى لأن حال البنتين أقوى من حالة الابنة وابنة الابن والدليل عليه أن حالة التثنية فى معنى حالة الجمع لوجود الاجتماع وانضمام أحد الفردين إلى الآخر ولا معنى في الجمع سوى هذا، ومن حيث(29/260)
ص -122- ... الحكم الإمام يتقدم على المثنى كما يتقدم على الجماعة وإليه إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الاثنان فما فوقهما جماعة".
وقيل في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] أي اثنتين فما فوقهما وكلمة فوق صلة فيه كما في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] يعنى مع الأعناق مع أنا قد سلمنا أن في هذا اللفظ بيان نصيب الثالث والتعليق بالشرط عندنا لا يوجب نفي الحكم عند عدم الشرط بل يجوز أن يثبت الحكم بدليل آخر وقد أثبتنا بإشارة النص أن للبنتين الثلثين كما قررنا، فإن اختلط الذكور بالإناث من الأولاد فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين بالنص واستدلالا بميراث الأخوة فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] والأولاد أقرب من الإخوة وأولاد الابن يقومون مقام أولاد الصلب عند عدم أولاد الصلب في جميع ما ذكرنا لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] واسم الأولاد يتناول أولاد الابن مجازا قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وعند نزول الآية لم يكن بقي أحد من صلب آدم عليه السلام.(29/261)
وقال ابن عباس رضي الله عنه لرجل: أي أب لك أكبر؟ فتحير الرجل ولم يفهم ما قال له فتلا ابن عباس قوله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وجعل يقول من كنت ابنه فهو أبوك، فإن اجتمع أولاد الصلب وأولاد الابن فإن كان في أولاد الصلب ذكر فلا شيء لأولاد الابن ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين لأن الذكر من أولاد الصلب مستحق لجميع المال باعتبار حقيقة الاسم وعند العمل بالحقيقة يسقط اعتبار المجاز فإن الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد في حالة واحدة متعذر، والدليل على أن الاسم يتناول أولاد الابن مجازا أنه يستقيم نفيه عنه بإثبات غيره فيقال ليسوا بنيه ولكنهم بنوا ابنه وهذا حد المجاز مع الحقيقة لأنه لا يمكن نفي الحقيقة ويمكن نفي المجاز بإثبات غيره، والدليل عليه أن أولاد الابن يدلون بالابن ويرثون بمثل نسبه فيحجبون به كالأجداد بالأب والجدات بالأم بخلاف الإخوة لأم فإنهم يرثون مع الأم وإن كانوا يدلون بها لأنهم لا يرثون بمثل نسبها فإنها ترث بالأمومة وهم بالأخوة وأيد ما ذكرنا قوله عليه السلام: "ما أبقت الفرائض" فلأولى رجل ذكر وأولى رجل ذكر الابن دون أولاد الابن فإن لم يكن في أولاد الصلب ذكر ولا في أولاد الابن ذكر، فإن كانت ابنة الصلب واحدة فلها النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين واحدة كانت أو أكثر من ذلك لحديث بن مسعود رضي الله عنه: وإن كانت ابنة الصلب بنتين فلهما الثلثان ولا شيء لبنات الابن لأن حظ البنات الثلثان وقد استحق البنتان جميع ذلك فلم يبق من حق البنات شيء لبنات الابن وإن لم يكن في أولاد الصلب ذكر وكان في أولاد الابن ذكر، فإن انفرد الذكور من أولاد الابن فالباقي بعد نصيب البنات لهم نصفا كان أو ثلثا لقوله عليه السلام: "الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت" فلأولى رجل ذكر ولا يقال بأن هذا جمع بين الحقيقة والمجاز لأن الاسم يتناول أولاد الصلب حقيقة وأولاد الابن مجازا، وهذا لأن ما(29/262)
ص -123- ... يعتبر فيه الحقيقة لا يعتبر فيه المجاز وهو ما استحقه بنات الصلب فأما ما زاد على ذلك فالحقيقة غير معمول بها في استحقاق ذلك وإنما يعمل بالمجاز في استحقاق ما لم يثبت فيه الاستحقاق باعتبار الحقيقة فلا يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز، فإن اختلط الذكور بالإناث من أولاد الابن. فنقول: إن كان بنات الصلب بنتين فصاعدا فلهن الثلثان والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عند علي وزيد رضي الله عنهما وهو قول جمهور العلماء. وكان ابن مسعود يقول: الباقي لبني الابن خاصة ولا شيء لبنات الابن، فإن كانت ابنة الصلب واحدة فلها النصف والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عند علي وزيد، وعند عبد الله بن مسعود ينظر إلى المقاسمة والسدس لبنات الابن فأي ذلك كان شرا لهن فلهن ذلك والباقي لبني الابن ويسمى هذا الجنس مسائل الإضرار على قول ابن مسعود، واحتج في ذلك بالآية فإن الله تعالى اعتبر في ميراث الأولاد أحد الحكمين أما الثلثان للبنات بقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النسا: 11] وأما القسمة فللذكر مثل حظ الأنثيين بقوله عز وجل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وقد وجد أحد الحكمين هنا وهو إعطاء البنات الثلثين فلا يجوز اعتبار الحكم الآخر في هذه الحادثة لأن الجمع بينهما متعذر بالإجماع فلا يبقى لأولاد الابن استحقاق بحكم هذه الآية بعد ما أخذت البنات الثلثين فإنما يثبت الاستحقاق للذكور منهم بقوله عليه السلام: "فلأولى رجل ذكر" وإن كانت ابنة الصلب واحدة قد بقى السدس مما يستحقه البنات ولكن ذلك لهن عند الأنفراد لا عند الاختلاط فلا يعطين إلا الأقل لأنه المتيقن به فلهذا ينظر إلى المقاسمة وإلى السدس فيما يعطى بنات الابن ولأن بنات الابن لو انفردن مع الابنتين لم يكن لهن شيء ومع الواحدة من البنات لا يكون لهن إلا السدس ومعلوم أن حالة الانفراد في حكم(29/263)
الاستحقاق أقوى من حالة الاجتماع وإنما تصير الأنثى عصبة بالذكر إذا كانت صاحبة فرض عند الانفراد كالبنات والأخوات، فأما إذا لم تكن مستحقة شيئا عند الانفراد لم تصر عصبة بالذكر كبنات الأخوة مع بني الأخوة وبنات العم مع بني العم وحجتنا في ذلك أن الذكر مع أولاد الابن يعصب الإناث في درجته في استحقاق جميع المال بالاتفاق وهو ما إذا لم يكن هناك ولد للميت لصلبه فكل ذكر يعصب الأنثى في استحقاق جميع المال بالاتفاق يعصبها في استحقاق ما بقي كالأخ مع الأخوات في درجة واحدة والبنات مع البنين وهذا لأن بنات الصلب لما أخذن نصيبهن خرجن من البنين وصار فيما بقى كأنه ليس هناك ابنة ويكون الحكم فيما بقي هو الحكم في الجميع إذا لم يكن هناك بنات الصلب وبهذا يتبين أنا لا نجمع بين الحكمين في محل واحد وإنما نثبت في كل محل أحد الحكمين ففي الثلثين عملنا بقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] وفيما وراء ذلك عملنا بقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] يوضحه: أن الذكر من أولاد الابن يعصب الأنثى في درجته في حكم الحرمان، وبيانه: إذا اجتمع مع الزوج والأبوين ابنة وابنة ابن فإن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، فإن كان مع ابنة الابن ابن الابن في هذة(29/264)
ص -124- ... الصورة لم يكن لها شيء لأنها تصير عصبة به ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلما كان يعصبها في حكم الحرمان فلأن يعصبها في حكم الاستحقاق كان أولى لأن التعصيب في الأصل للاستحقاق لا للحرمان، فإن كان الذكر من أولاد الابن دون الأنثى بدرجة فإن اجتمع مع ابنتي الصلب بنت بن وبن بن ابن فظاهر المذهب عندنا أن الباقي بينهما {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النسا: 11].
وقال بعض المتأخرين: إن الباقي للذكر خاصة هنا لأن الأنثى إنما تصير عصبة بذكر في درجتها لا بذكر هو دونها في الدرجة.
ألا ترى أن البنت لا تصير عصبة بابن الابن في ابنة واحدة صلبية وابنة بن وبن بن ابن فإنه لا تصير ابنة الابن عصبة بابن الابن فكذلك مع البنتين لمعنى وهو أن الذكر إذا كان أبعد بدرجة فلو جعل للأنثى التي هي أقرب منه بدرجة عصبة كان الذكر محروما في نفسه لأن في ميراث العصبات الأقرب يقدم على الأبعد ذكرا كان أو أنثى.
ألا ترى أن الأخت لما صارت عصبة مع البنت كان الباقي لها دون بن الأخ والعم وإذا صار محروما لا يعصب أحدا؟ وجه قولنا: أن هذه الأنثى لو كانت في درجة الذكر كانت عصبة به مستحقة معه فإذا كانت أقرب منه بدرجة كان أولى لأن تأثير القرب في قوة سبب الاستحقاق لا في الحرمان وفي هذا بيان أن التعصيب كان لمعنى النظر للأنثى ولا يتحقق ذلك في ابنة مع بن الابن لأن بالتعصيب هناك ينتقص حقها لأنه يصير المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب البنت الثلث فلذا جعلناها عصبة بابن الابن وحقها بدون التعصيب النصف. وكذلك في حق ابنة الابن مع ابنة واحدة للصلب فإن بالتعصيب هناك بابن بن الابن لا يزداد نصيبها بحال وقد يؤدي إلى حرمانها في بعض الأحوال لأنه إذا كانت البنت الصلبية واحدة فحق ابنة الابن معها السدس دون التعصيب.(29/265)
ولو عصبنا بنت الابن بابن بن الابن لا يزداد نصيبها على السدس فإن الباقي من النصف وهو النصف يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين سهم لبنت الابن وسهمان لابن بن الابن كما في غير حالة التعصيب فأما في التعصيب هنا توفير المنفعة على ابنة الابن باعتبار زيادة القرب.
يوضحه: أن من كانت في درجة الذكر هنا تستحق شيئا فالقول بأن الأبعد من البنات يستحق والأقرب يصير محروما بنسبة المحال فلا يصار إليه.
فصل
ثم جملة من يرث مع الأولاد ستة نفر: الأب، والجد لأب وإن علا والأم والجدة أم الأم أو أم الأب والزوجة ولا يرث غير هؤلاء مع الابن بالفريضة لا بالعصوبة ولا يكون غير هؤلاء صاحب فرض مع الابنة وإن كان قد يرث بالعصوبة، فأما الأب فله في الميراث(29/266)
ص -125- ... ثلاثة أحوال: فرض وعصوبة وكلاهما فالفرض مع وجود الابن وبن الابن وإن سفل والعصوبة عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى وكلاهما مع البنت وبنت الابن وفريضته السدس لا ينقص من ذلك إلا عند العول ولا يزاد عليه بالفريضة بحال وذلك منصوص عليه في كتاب الله تعالى قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النسا: 11] فهو تنصيص على أنه صاحب فرض مع الولد وأن فريضته السدس. قال الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] معناه وللأب ما بقى كما هو الأصل أن المال متى أضيف إلى اثنين وبين نصيب أحدهما منه كان للآخر ما بقى فذلك تنصيص على أنه عصبة حال عدم الولد، وأما مع البنت فهو صاحب فرض يأخذ السدس بالفرضية والبنت تأخذ النصف ثم للأب ما بقي بالسنة وهو قوله عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" وهو أولى رجل ذكر فيكون عصبة فيما بقي والجد أب الأب عند عدم الأب يقوم مقامه باعتبار أنه يدلى به وأنه يتناوله اسم الأب مجازا إلا في فصل وهو في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فإن للأم ثلث ما بقى والباقي للأب فإن كان مكان الأب جد فللأم ثلث جميع المال والباقي للجد على ما نبينه، فأما الأم فإنها صاحبة فرض ولها في الميراث حالان إما السدس وإما الثلث لا تنقص من السدس إلا عند العول ولا تزاد على الثلث إلا عند الرد أما السدس لها مع الولد ثبت ذلك بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] والثلث بقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] والسدس لها مع وجود الإخوة بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] ولا خلاف أن فرضيتها السدس مع(29/267)
الولد ذكرا كان أو أنثى لأن اسم الولد حقيقة لهما فأما مع الإخوة فقد اختلفوا في فصول بعد ما اتفقوا أن الذكور والإناث في هذا الحكم سواء عند الاختلاط وعند الانفراد حتى أن فرضها السدس مع الأخوات المفردات كما في الذكور المفردين وكما مع الذكور مع الإناث عند الاختلاط، وإنما الاختلاط في المثنى من الأخوة والأخوات فعلى قول أكثر الصحابة رضي الله عنهم وهو قول جمهور العلماء الفقهاء فريضتها السدس معهما. وعلى قول ابن عباس: فريضتها الثلث معهما إلا أن يكونوا أثلاثا لظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وذلك اسم جمع وأدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة والحجب لا يثبت إلا بعد التيقن بشرطه، ولكنا نقول قد ثبت بالنص أن المثنى من الأخوات كالثلاث في الاستحقاق قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فكذلك المثنى كالثلاث في الحجب وقد بينا في البنات أن المثنى حكم الجمع في الحجب والاستحقاق جميعا وهذا وإن كان نوعا من المجاز فقد حملنا اللفظ عليه بدليل النص وذلك مستقيم على قول جمهور العلماء الأخوة لأم كغيرهما من الإخوة في حجب الأم من الثلث، وعلى قول الزيدية: الحجب إنما يثبت بالإخوة لأب وأم أو لأب ولا يثبت بالأخوة لأم، قالوا: لأن هذا الحجب بمعنى معقول وهو أن عند وجود الاخوة لأب وأم أو(29/268)
ص -126- ... لأب يكثر عيال الأب فيحتاج إلى زيادة مال للإنفاق عليهم والأم لا تحتاج إلى ذلك إذ ليس عليها شيء من النفقة وهذا المعنى لا يوجد في الأخوة لأم لأن نفقتهم ليست على الأب وإنما ذلك على الأم فهي التي تحتاج إلى زيادة مال لأجلهم فلا تحجب من الثلث إلى السدس باعتبارهم، وحجتنا ظاهر الآية فإن اسم الأخوة حقيقة للأصناف الثلاثة لأن الأخ من جاور غيره في صلب أو رحم وهذا حكم ثابت بالنص، وقولهم غير معقول المعنى فإن الأخوة يحجبون الأم إلى السدس بعد موت الأب ولا نفقة هنا على الأب ويحجبون إذا كانوا كبارا وليس على الأب من نفقتهم شيء، ثم السدس الذي يحجب عنه الأخوة لأم يكون للأب في قول عامة الصحابة وهو مذهبنا.
وعن ابن عباس رضي الله عنه في رواية شاذة إن ذلك للأخوة بيانه، فمن مات وترك أبوين وأخوة عندنا للأم السدس والباقي للأب وعنده للأم السدس والسدس للأخوة والباقي للأب واستدل بحديث رواه طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأخوة السدس مع الأبوين ولأن من لا يرث لا يحجب.
ألا ترى أن الأخوة لو كانوا كفارا أو أرقاء لا يحجبون فلما حجبوا الأم مع وجود الأب عرفنا أنهم ورثة مع الأب ولا يرثون شيئا من نصيب الأب لأنهم يدلون به ولأن الأب أقرب منهم فإنه يتصل بالميت من غير واسطة فلم يبق لهم من الميراث إلا مقدار ما نقصوا من نصيب الأم وذلك سدس، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] معناه وللأب ما بقى لأنه معطوف على قوله عز وجل: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ثم هناك المراد وللأب ما بقي وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه.(29/269)
يوضحه: أنه بين في أول الآية حالا يكون الوارث فيه الأبوان فقط بقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] فبين نصيب الأم ثم عطف عليه بغير نصيبها بوجود الغير فيبقي ما سوى ذلك على ما كان وهو أن الوارث هم الأبوان فقط.
وأما الحديث فقد روى عن طاووس: لقيت بن رجل من الأخوة الذين أعطاهم رسول الله السدس مع الأبوين فسألته عن ذلك فقال كان ذلك وصية فعلى هذا يصير الحديث دليلا لنا لأن الوارث لا يستحق الوصية فلما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخوة بالوصية مع الأبوين عرفنا أنهم لا يرثون، والمعنى الذي قال هو كما قال أن من لا يرث لا يحجب غير أن الشرط أن يكون وارثا في حق من يحجبه والأخ وارث في حق الأم وإنما يحجب الأم بخلاف الرقيق والكافر ثم هو محجوب بالأب لأن حال الأخوة مع وجود الأم لا يكون أقوى من حالة عند عدم الأم وهم لا يرثون مع الأب شيئا عند عدم الأم لأن الله تعالى شرط في توريث الأخوة أن يكون الميت كلالة وللكلالة من ليس له ولد ولا والد وهذا لا يتغير بوجود الأم فلهذا لا يرث الأخ شيئا مع الأب، والأصح أن هذه الرواية عن ابن عباس لا تثبت فإن مذهبه في الجد مع الأخوة كمذهب الصديق رضي الله عنه أنهم لا يرثون شيئا فكيف يرثون مع الأب(29/270)
ص -127- ... ويختلفون أيضا في زوج وأبوين فعلى قول عمر وعلي وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي والباقي للأب وهو قول جمهور الفقهاء. وعلى قول ابن عباس للأم ثلث جميع المال والباقي للأب وكذلك في امرأة وأبوين للأم ثلث ما بقي عند من سمينا وعند ابن عباس ثلث جميع المال.
وحكى أن ابن عباس لقي زيدا رضي الله عنهما فقال نشدتك الله هل تجد في كتاب الله ثلث ما بقى فقال لا ولكنني قلت ذلك برأيي فقال كتاب الله أحق أن يؤخذ به من رأيك، وحجته ظاهر الآية فإن الله تعالى قال: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] يعنى ثلث التركة لأنه معطوف على قوله تعالى: {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وعلى قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] يعنى نصف ما ترك فكذلك قوله عز وجل: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ثم لا يجوز أن ينتقص نصيب الأم بالزوج لأن سبب وراثه الأم أقوى من سبب الزوج فإن سبب وراثتها لا يحتمل النقص والدفع فهو قائم عند الوراثة وقد ترث جميع المال في بعض الأحوال بخلاف الزوج ولو جاز أن ينقص نصيب أحدهما لمكان الزوج لكان الأولى به الأب.
وقد ينتقص نصيب الأب لوجود الزوج فإن المرأة إذا تركت أباها وحده كان له جميع المال وإن كان مع الأب زوجها فله نصف المال.(29/271)
ولا ينتقص نصيب الأم لمكان الزوج بحال فإدخال ضرر النقصان على الأب أولى منه على الأم وهذا المعنى فقهي وهو أن الأب عصبة في هذه الحالة ولا مزاحمة بين العصبات وأصحاب الفرائض ولكن أصحاب الفرائض مقدمون فيعطون فريضتهم ثم ما بقي للعصبة قل أو أكثر واعتبار الثلث والثلثين بين الأب والأم عند وجود المزاحمة ويقاس بما لو كان مكان الأب جدا في هذين الفصلين وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] معناه: فلأمه ثلث ما ورثه أبواه إذ لو لم يحمل على هذا صار قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ}[النساء: 11] فصلا خاليا عن الفائدة وقد كان يحصل البيان بقوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] كما قال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فلما قال هنا: وورثه أبواه عرفنا أنه إنما جعل لها ميراث الأبوين وميراث الأبوين ما بقي بعد نصيب الزوج والزوجة، يوضحه أنه علق إيجاب الثلث لها بشرطين أحدهما عدم الولد والآخر أن يكون الوارث أبوين فقط لأن قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] شرط، وقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] عطف على شرط والمعطوف على الشرط شرط والمتعلق بشرطين كما ينعدم بانعدامهما ينعدم بانعدام أحدهما فبهذا يتبين أن ثلث جميع التركة لها غير منصوص في هذه الحالة فوجب المصير إلى هذا المعنى المعقول وهو أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع لأن سبب وراثة الذكر والأنثى واحد، وكل واحد منهما متصل بالميت بغير واسطة،(29/272)
ص -128- ... ثم لا يجوز تفضيل البنت على الابن ولا التسوية بينهما في الفروع بل يكون للأنثى مثل نصف نصيب الذكر فكذلك في الأصول ويقاس ما بقى بعد نصيب الزوج والزوجة بجميع المال عند عدم الزوج والزوجة، فأما إذا كان مكان الأب جد فيقول تفضيل الأنثى على الذكر أو التسوية إنما تجوز عند المساواة في القرب ولا مساواة فالأم متصلة بالميت من غير واسطة والجد لا يتصل به إلا بواسطة.
ألا ترى أن الجد قد يحرم الميراث بمن هو أقرب منه وهو الأب والأم لا تحرم بمن هو أقرب منها بحال بمنزلة الأب فلهذا أعطيناها مع الجد ثلث جميع المال ومع الأب ثلث ما بقي، وكان يقول أبو بكر الأصم لها ثلث ما بقي مع الزوج وثلث جميع المال مع الزوجة ويروى ذلك عن معاذ رضي الله عنه لأن مع الزوج لو أعطيناها ثلث جميع المال لم يكن للأب إلا السدس فيكون فيه تفضيل الأنثى على الذكر ولا إلى التسوية بينهما، فأما الجدة فهي صاحبة فرض فريضتها السدس لحديث أبي سعيد الخدري أعطى الجدة السدس ويستوى في ذلك أم الأم وأم الأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ثبت ذلك باتفاق الصحابة رضي الله عنهم على ما روى أن أم الأم جاءت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقالت أعطني ميراث ولد ابنتي فقال لا أجد لك في كتاب الله تعالى نصيبا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا ولكني أشاور أصحابي فجمعهم وسألهم عن ذلك فشهد محمد بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس ثم جاءت أم الأب بعد ذلك إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراث ولد ابني فقال لا أجد لك في كتاب الله نصيبا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا ولكني أرى أن ذلك السدس بينكما إذا اجتمعتا وهو لمن انفرد منكما، ثم لا يزداد نصيب الجدات على السدس وإن كثرن إلا عند الرد ولا ينقص إلا عند العول، فأما الزوج فهو صاحب فرض وله حالان النصف عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى والربع عند وجوده(29/273)
ثبت ذلك بقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، الآية ولا يزداد الزوج على النصف بذلك بحال ولا ينقص عن الربع إلا عند العول وأما الزوجة فهي صاحبة فرض ولها حالان الربع عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى والثمن عند وجوده ثبت ذلك بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] الآية ونصيب الزوجات بينهن بالسوية اثنتين أو ثلاثا أو أربعا لا يزاد لهن على الربع بحال ولا ينقص عن الثمن إلا عند العول ولا يحجب الزوج والزوجة عن الميراث بأحد ولا سبب إلا بقتل أو كفر أو رق.
والحاصل أن الحجب نوعان: حجب حرمان وحجب نقصان، فحجب الحرمان نحو حجب الأجداد بالأب والجدات بالأم وحجب النقصان نحو حجب الزوج والزوجة ولا خلاف في أن حجب الحرمان لا يثبت بمن هو غير وارث بسبب القتل أو الرق أو اختلاف الدين وكذلك حجب النقصان في أكثر قول الصحابة رضي الله عنهم وهو مذهبنا. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ثبت حجب النقصان بمن لا يكون وارثا، واستدل في ذلك فقال: هذا(29/274)
ص -129- ... الحجب بالنص ثابت بالولد وبالأخوة وبسبب الرق والقتل والكفر لا بقيد هذا الاسم فالتقييد بكون الأخ والولد وارثا يكون زيادة على النص وهذا بخلاف حجب الحرمان لأن حجب الحرمان باعتبار تقديم الأقرب على الأبعد وإنما يتحقق ذلك إذا كان الأقرب مستحقا فأما حجب النقصان باعتبار أن السبب مع وجود الولد والأخوة لا يوجب له إلا أقل النصيبين وفي هذا المعنى لا فرق بين أن يكون الولد والأخ وارثا أو لا يكون وارثا، وحجتنا في ذلك أن من ليس بوارث جعل في استحقاق الميراث كالميت فكذلك في الحجب هو كالميت وكما أنه مع الرق لا يخرج من أن يكون ولدا فبالموت لا يخرج من أن يكون ولدا ثم شرطنا كونه ولدا حيا للحجب بالاتفاق فكذلك يشترط كونه وارثا حرا للحجب ونفس حجب النقصان على حجب الحرمان في المعنى لا فرق بينهما لأن في حجب الحرمان تقديم الأقرب في الكل وفي حجب النقصان تقديم الحاجب على المحجوب في البعض فإذا شرط هناك صفة الوراثة في الحاجب فكذلك يشترط هنا والله أعلم بالصواب.
باب التشبيه في ميراث الأولاد(29/275)
قال رضي الله عنه: ويسمى هذا باب التفويض وباب ترتيب الأنساب واعلم بأن الصحابة رضي الله عنهم لم يتكلموا في جنس مسائل هذا الباب وإنما ذكر المتأخرون رحمهم الله في ذلك لتسجيد الخواطر فنقول إنك تسأل عن ثلاثة بنات بن بعضهن أسفل من بعض، فالأصل في تخريج الجواب ما قدمنا أن ابنة الابن تقوم مقام ابنة الصلب عند عدمها وابنة بن الابن تقوم مقام ابنة الابن عند عدمها، ثم صورة هذه المسألة أن العليا منهن ابنة الابن والوسطى ابنة بن الابن والسفلى ابنة بن ابن الابن فيكون للعليا النصف لأنها قائمة مقام ابنة الصلب والوسطى السدس تكملة الثلثين ولا شيء للسفلى، فإن كان مع واحدة منهن غلام قلت إن كان الغلام مع العليا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان مع الوسطى فللعليا النصف والباقي بين الغلام والوسطى للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للسفلى لأن الذكر لا يعصب من دونه بدرجة وإن كان الغلام مع السفلى فللعليا النصف وللوسطى السدس تكملة الثلثين والباقي بين السفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان مع العليا جدها أب أبيها فقل هذا الميت ذكر أم أنثى، فإن كان الميت ذكرا فالسؤال محال لأن أب الأب أب أب العليا وهو الميت نفسه، وإن كان الميت امرأة فالسؤال صحيح وهذه امرأة ماتت وتركت زوجها وثلاث بنات بن فيكون للزوج الربع وللعليا النصف وللوسطى السدس.
فإن قيل: لم يذكر في السؤال قيام الزوجية بينهما عند الموت فكيف يورثه؟
قلنا: قد ذكر ذلك إشارة بذكره إياه في جملة الورثة مع أنا عرفنا أن الزوجية بينهما وما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه حتى يقوم دليل الزوال، فإن كان مع العليا جدتها أم أبيها قلنا: إن كان الميت امرأة فالسؤال محال لأن أم أب العليا هي الميتة نفسها، وإن كان الميت ذكرا فالسؤال مستقيم وأم أب العليا زوجة الميت فيكون لها الثمن، ولابنة الابن النصف، ولابنة ابن(29/276)
ص -130- ... الابن السدس تكملة الثلثين، وإن كان مع العليا عمها فنقول عم العليا بن الميت فالمال كله له، وإن كان مع العليا عمتها فعمة العليا ابنة الميت فلها النصف وللعليا السدس، وإن كان مع العليا عم ابنها فعم أبنها أخ الميت فيكون للعليا النصف وللوسطى السدس والباقي للأخ، وإن كان مع العليا عمة ابنها فعمة ابنها أخت الميت فللعليا النصف وللوسطى السدس والباقي للأخت فإن الأخوات مع البنات عصبة فإن كان مع العليا ثلاثة أعمام متفرقين فنقول إن كان الميت ذكرا فالمال بين عم العليا لأب وأم وعمها لأب نصفان ولا شيء لعمها لأمها لأن عمها لأم ابن امرأة الميت، وإن كان الميت امرأة فالمال بين عم العليا لأب وأم وعمها لأم نصفان لأنهما ابنا الميت ولا شيء لعمهما لأب لأنه بن زوج الميت وإن كان مع العليا ثلاث عمات متفرقات فهو كذلك إن كان الميت رجلا فعمة العليا لأب وأم وعمتها لأم ابنتا الميت فلهما الثلثان وإن كان مع العليا ثلاث أخوة متفرقين فالمال بينها وبين أختها لأب وأم وأختها لأب للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لأختها لأم لأنها ابنة امرأة بن الميت وإن كان مع العليا ثلاث أخوات متفرقات فأخوتها لأبيها وأمها وأختها لأبيها في درجتها فيكون لهم الثلثان ولا شيء لأختها لأمها لأنها ابنة بن امرأة بن الميت ويستوي في هذا الفصل إن كان الميت ذكرا أو أنثى، فإن كان ترك ثلاث بنات بن بعضهن أسفل من بعض وثلاث بنات بن ابن بعضهن أسفل من بعض فنقول العليا من الفريق الثاني في درجة الوسطى من الفريق الأول والوسطى من الفريق الثاني في درجة السفلى من الفريق الأول فيكون للعليا من الفريق الأول النصف وللوسطى من الفريق الأول والعليا من الفريق الثاني السدس تكملة الثلثين ولا شيء لمن سواهن، فإن كان مع الوسطى من الفريق الثاني غلام فالباقي بين السفلى من الفريق الأول والوسطى من الفريق الثاني والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للسفلى من الفريق(29/277)
الثاني، وإن كان الغلام مع السفلى من الفريق الثاني فالباقي بين الغلام وبين من بقي منهن للذكر مثل حظ الأنثيين لما بينا أن الغلام كما يعصب من في درجته يعصب من هو فوقه بدرجة إذا لم يستحق شيئا بالفريضة وإن كان الغلام مع العليا من الفريق الثاني فللعليا من الفريق الأول النصف والباقي بين الوسطى من الفريق الأول والعليا من الفريق الثاني والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كان الغلام مع العليا من الفريق الأول فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن ترك ثلاث بنات بن بعضهن أسفل من بعض ومع العليا ثلاث بني أعمام متفرقين فالمال بين العليا وبين بن عمها لأب وأم وبين بن عمها لأب للذكر مثل حظ الأنثيين لأن بن عمها في درجة بن ابن الميت رجلا كان أو امرأة، فإن كان مع العليا ثلاث بنات أعمام متفرقين فللعليا وما يكون من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا.
ويتصل بهذا الباب مسائل المعاياة ومتشابه الأنساب. ولكن أورد محمد رحمه الله لذلك بابا في آخر الكتاب. فيؤخر البيان إلى ذلك الموضع ليكون أسهل والله أعلم بالصواب.(29/278)
ص -131- ... باب الأخوة والأخوات
قال رحمه الله: الأصل في توريثهم آيتان من كتاب الله تعالى إحداهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] معناه أخ أو أخت لأم هكذا في قراءة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وتسمى هذه الآية آية النساء لأنها في النساء نزلت والثانية قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] إلى آخر السورة والمراد الأخوة والأخوات لأب وأم أو لأب هكذا قاله الصديق رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمى هذه الآية آية الصيف لأن نزولها كان في الصيف ثم اختلفت الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن بعدهم في معنى اللفظ المذكور في الآيتين وهو الكلالة أنه عبارة عما خلا عن الولد والوالد وفي آية النساء الكلام مبهم جدا وفي آية الصيف زيادة بيان بقوله عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وكان عمر رضي الله عنه أحرص الناس على السؤال عن الكلالة حتى أنه روى لما ألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السؤال عنه وضع في صدره فقال: "أما يكفيك آية الصيف؟" وإنما أحاله على الآية ليجتهد في طلب معناها فينال ثواب المجتهدين.(29/279)
وروى أن ابن عمر رضي الله عنه قال لحفصة رضي الله عنها: متى وجدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة نفس فسليه عن الكلالة فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيابه يوما ليخرج فقالت حفصة أخبرني عن الكلالة يا رسول الله فقال عليه السلام: "أبوك أمرك بذلك؟ ما أراه يعرف الكلالة" فكان عمر رضي الله عنه يقول ما أراني أعرف الكلالة بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال وكان عمر رضي الله عنه يقول قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين لنا ثلاثا، ولو علمتها لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها الكلالة والخلابة والربا. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه إني رأيت في الكلالة رأيا فإن يك صوابا فمن الله ورسوله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان أرى الكلالة ما خلى عن الولد والوالد فاتبعه عمر رضي الله عنه على رأيه وقال لا أرضى من نفسي أني أنسب إلى مخالفة أبي بكر رضي الله عنه وأثبت ذلك في كتف فلما طعن وأيس من نفسه دعا بالكتف ومحاه وقال اشهدوا أني ألقى الله تعالى ولا قول لي في الكلالة، ثم اتفق أكثر الصحابة أبو بكر وعلي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم أن الكلالة ما عدى الولد والوالد وهو قول جمهور العلماء وقد روى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وقد صح عنه في زوج وأبوين أن للأم ثلث جميع المال ولا يظن به أنه يسقط الأب بالأخ ولا أنه ينقص نصيبه من السدس بسبب الأخ ولم يبق السدس يعنى أن الله تعالى أثبت للأخ لأم السدس إذا كانت المرأة كلالة.
وأما إذا ماتت المرأة عن زوج وأبوين وأخ لأم فعلى قول ابن عباس للزوج النصف وللأم ثلث جميع المال ولم يبق إلا السدس فلو كانت المسألة كلالة مع قيام الأب عنده لصار ذلك السدس للأخ لأم فيصير الأب محجوبا بسبب الأخ لأم ولا يظن به هذا، فعرفنا أن الصحيح(29/280)
ص -132- ... من مذهبه أن الكلالة ما خلا الولد والوالد وأظهر الروايتين عنه أن الكلالة ما خلا الولد فإن كان هناك والد فقلت أنهم يقولون ما عدا الوالد والولد فغضب فقال أنتم أعلم أم الله قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] يعنى الكلالة هالك ليس له ولد، وعامة الصحابة والعلماء استدلوا بحديث رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ليس له ولد ولا والد" وأما الآية فقد قيل المراد بقوله: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وهو يشمل الولد والوالد جميعا فإن اسم الولد مشتق من الولادة ويطلق ذلك على الوالد لتولد الولد منه وعلى الولد لتولده من الوالد كاسم الذرية يتناول الأولاد والآباء قال الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] يعنى آباءهم فسمى الأب بهذا الاسم لأن الولد ذري منه وسمى به الولد لأنه ذري من الأب والمراد بقوله عز وجل: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] الولد ومن يقوم مقام الولد.
ألا ترى أن من له ولد بن لا يكون كلالة لوجود من يقوم مقام الولد فكذلك من له أب لا يكون كلالة لوجود من يقوم مقام الولد، ومن حيث معنى اللغة والاشتقاق الحجة فيه لعامة العلماء رحمهم الله أن السبب نوعان سرد وكلالة فالسرد لا يتبع فردا فردا قال الله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] ومنه قول القائل:
نسب توارث كابر عن كابر
كالرمح أنبوبا على أنبوب(29/281)
وهذا المعنى في الآباء والأولاد لأنه يتبع فردا فردا، فعرفنا أن الكلالة ما سوى ذلك ومن حيث الاشتقاق لأهل اللغة ولأن أحدهما أن اشتقاق الكلالة من قولهم تكلله النسب أي أحاط به ومنه يقال تكلل الغمام السماء أي أحاط به من كل جانب ومنه الإكليل فإنه يحيط بجوانب الرأس ومنه الكل والمراد به الجمع والإحاطة وذلك لا يتحقق في الآباء والأولاد لأن اتصال كل واحد منهما بصاحبه من جانب واحد وإنما يتحقق هذا فيما سوى الآباء والأولاد فإن الاتصال يحيط من الجانبين ومن ذلك قول الفرزدق:
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
وقيل: اشتقاق الكلالة من قولهم حمل فلان على فلان ثم كل عنه أي بعد ومنه الكل وهو اسم لما تباعد عن المقصود ومعنى التباعد إنما يتحقق فيما عدا الوالد والولد لكون الاتصال بواسطة أو واسطتين أو واسطات والدليل عليه قول القائل:
وإن أب المرء حمالة
ومولى الكلالة لا يعصب
فقد أخرج الأب من الكلالة ثم اختلفوا في أن الكلالة اسم للميت أو للورثة فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هو اسم لميت ليس له ولد ولا والد وهو اختيار أهل البصرة. وقال أهل الكوفة وأهل المدينة هو اسم لورثه ليس فيهم ولد ولا والد، وحجة القول الأول قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] أي يورث في حال ما يكون كلالة فهو(29/282)
ص -133- ... نصب على الحال. كما يقال ضرب زيدا قائما وإنما يورث الميت فعرفنا أن الكلالة صفة له وحجة القول الثاني قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] أي يستفتونك عن الكلالة وإنما يستقيم الاستفتاء عن ورثة ليس فيهم ولد ولا والد فأما إذا سئل عن ميت ليس له ولد ولا والد لا يفهم بهذا السؤال شيء والآية قرئت بالنصب بيورث وبالكسر بورثة والقراءة بالكسر دليل على أن الكلالة اسم للورثة وتأويل القراءة بالنصب ما أشرنا إليه أن اسم الكلالة يتناول الورثة ويتناول الميت كاسم الأخ بتناول كل واحد منهما ثم قد ثبت بالسنة أن المراد بالكلالة الورثة قال عليه السلام: ومن ترك كلا وعيالا فعلي نفقته يعنى كلالة، إذا عرفنا هذا فنقول الأخوة والأخوات أصناف ثلاثة بنو الأعيان وهم الأخوة والأخوات لأب وأم سموا بذلك لأن عين الشيء أتم ما يكون منه وتمام الاتصال من الجانبين في حقهم وبنو العلات وهم الأخوة والأخوات لأب قال القائل:
ويوسف إذ دلاه أولاد علة
فأصبح في قعر الركية ثاويا
وبنو الأحياف وهم الأخوة والأخوات لأم سموا بذلك من قولهم فرس أحيف إذا كانت إحدى عينيه زرقا والأخرى كحلا فنسب بإحدى عينيه إلى شيء وبأخرى إلى شيء آخر فحال الأخوة والأخوات لأم كذلك.(29/283)
ثم نبدأ ببيان ميراث بني الأحياف اقتداء بكتاب الله تعالى فقد ذكر الله تعالى في أول السورة ميراثهم بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أي لأم، وهكذا في قراءة سعد رضي الله عنه وهم أصحاب الفريضة للواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللمثنى فصاعدا منهم الثلث بين الذكر والأنثى بالسوية لا يزاد لهم على الثلث وإن كثروا إلا عند الرد فلا ينتقص الفرد منهم عن السدس إلا عند العول وهذا حكم ثابت بالنص قال الله تعالى: {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].
ولفظ الشركة يقتضي التسوية فهو دليل على أنه سوى بين ذكورهم وإناثهم والمعنى يدل عليه فإنهم يدلون بالأم فيعتبر ميراثهم بميراث المدلى به وللأم في الميراث حالان فالفرد منهم يعتبر حاله بأسوإ حالى الأم فله السدس والجماعة منهم يعتبرون بأخس حالى الأم لتقوى حالهم بالعدد وفي معنى الإدلاء بالأم الذكور والإناث سواء ويفضل الذكر على الأنثى باعتبار العصوبة ولا حظ له في العصوبة ثم هم لا يرثون مع أربعة نفر بالاتفاق مع الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى ومع الأب والجد فإن الله تعالى شرط في توريثهم الكلالة وقد بينا أن الكلالة ما خلا الوالد والولد، واتفقوا أنهم لا يسقطون ببنى الأعيان ولا ببني العلات ولا ينقص نصيبهم ببني العلات وإنما يختلفون في أنه هل ينقص نصيبهم ببني الأعيان أم لا وبيان هذا الاختلاف في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وأخوين لأم أو أختين أو أخا وأختا وأخوين لأب وأم فالمذهب عند علي وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب رضي الله عنهم أن(29/284)
ص -134- ... للزوج النصف وللأم السدس وللأخوة لأم الثلث ولا شيء للأخوة لأب وأم وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله.
وقال عثمان وزيد رضي الله عنهما: الثلث مقسوم بين الأخوة لأم وبين الأخوة لأب وأم بالسوية وهو مذهب شريح والثوري ومالك والشافعي، وهذه المسألة المشركة وكان عمر رضي الله عنه ينفي التشريك ثم رجع إلى التشريك. وعن ابن عباس رضي الله عنه روايتان: أظهرهما التشريك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان أظهرهما نفي التشريك وتسمى هذه المسألة مسألة التشريك والحمارية وذلك لأنه روى أن الأخوة لأب وأم سألوا عمر رضي الله عنه عن هذه المسألة فأفتى بنفي التشريك كما كان يقوله أولا فقالوا: هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فقال عمر رضي الله عنه صدقتم ورجع إلى القول بالتشريك وهو المعنى الفقهي فإن استحقاق الميراث باعتبار القرب والإدلاء وقد استوفوا في الإدلاء إلى الميت بالأم ويرجح الأخوة لأب وأم بالإدلاء إليه بالأب فإن كانوا لا يتقدمون بهذه الزيادة فلا أقل من يستووا بهم. وإنما لم يتقدموا لأن الإدلاء بالأب بسبب العصوبة واستحقاق العصبات متأخر عن استحقاق أصحاب الفرائض فلا يبقى هنا شيء من أصحاب الفرائض فيسقط اعتبار الإدلاء بقرابة الأب في حقهم وإنما يبقي الإدلاء بقرابة الأم وهم في ذلك سواء، واحتجاجنا على القوم الذين قالوا هب أن أبانا كان حمارا إنا إذا جعلنا أباكم حمارا فإنا نجعل أمكم أتانا فلا يستحق بالإدلاء بها شيء ومعنى هذا الكلام وهو أن الإدلاء بقرابة الأب سبب لاستحقاق العصوبة وبعد ما وجد هذا السبب لا تكون قرابة الأم علة الاستحقاق بل تكون علة للترجيح فلهذا يرجح الأخ لأب وأم على الأخ لأب.(29/285)
وما يكون علة للاستحقاق بانفراده لا يقع به الترجيح وإنما يقع الترجيح بما لا يكون علة للاستحقاق فلهذا يتبين أن قرابة الأم في حقهم ليست بسبب للاستحقاق ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث والضعيف لا يظهر مع وجود القوي فلا يظهر الاستحقاق بالفرضية في حق الأخوة والأخوات لأب وأم وإذا لم يظهر ذلك وجب إلحاق الفرائض بأهلها فإن بقي سهم فهو للعصبة وإن لم يبق فلا شيء لهم، وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الأخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم إذ عرفنا هذا فنقول لو كان مكان الأخوين لأب وأم اختين لأب وأم لا تكون المسألة مشركة لأن للاختين لأب وأم الثلثين بالفريضة وتكون المسألة عولية وكذلك لو كان مكانهما أخوين لأب لا تكون المسألة مشركة لأن من يقول بالتشريك إنما يقول به لوجود المساواة في الإدلاء بالأم وذلك لا يوجد في الأخوة لأب وكذلك إذا كان الأخ لأم واحدا لا تكون مشتركة لأنه يبقى بعد نصيب أصحاب الفرائض.(29/286)
ص -135- ... فأما بيان ميراث بني الأعيان فنقول: إنهم يقومون مقام أولاد الصلب عند عدمهم في التوريث ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم حتى أن الأنثى منهم إذا كانت واحدة فلها النصف وللمثنى فصاعدا الثلثان وذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] ثم قال عز وجل: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] كما في ميراث البنات إذا كن فوق اثنتين ولم يذكر ذلك هنا ونص على ميراث البنتين هنا ولم ينص عليه ثمة ليستدل بأحدهما على الآخر، وللفرد منهم إذا كان ذكرا جميع المال ثبت بقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] أي يرثها جميع المال وإن كثروا فالمال بينهم بالسوية اعتبارا بالأبناء، وعند اختلاط الذكور بالإناث يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثبت بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] كما هو في ميراث الأولاد وشيء من المعقول يدل عليه فالإرث خلافة مشروعة لمن يقوم مقام الميت عند استحقاقه عما يخلفه من المال بعد موته والخلافة إما بالمناسبة أو بالمواصلة أو بالقرابة، وميراث بنى العلات كميراث أولاد الابن على معنى أنهم عند عدم بني الأعيان يقوم ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم كأولاد الابن عند عدم أولاد الصلب فإنهم لا يرثون مع الذكر من بني الأعيان شيئا كما لا يرث أولاد الابن مع الابن حتى أن الأخت لأب لا ترث مع الأخ لأب وأم ولا تصير عصبة مع البنت إذا كان معها أخ لأب وأم بل يكون النصف للبنت والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخت لأب وإن كان بنو الأعيان إناثا مفردات فإن كانت واحدة فلها النصف ولبني العلات إذا كن إناثا مفردات السدس تكملة الثلثين. وإن كانوا مختلطين فالباقي بينهم للذكر مثل حظ(29/287)
الأنثيين.
وعلى قول ابن مسعود رضي الله عنه ينظر للإناث منهم إلى المقاسمة وإلى السدس فلهن شرهما وإن كان بنو الأعيان بنتين من الإناث فصاعدا فلهما الثلثان ولا شيء للأخوات إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي، وعلى قول ابن مسعود الباقي للذكر خاصة وهو نظير ما ذكرنا من مسائل الإضرار على قول ابن مسعود رضي الله عنه في أولاد الابن مع بنات الصلب ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الأب شيئا إلا في رواية شاذة عن ابن عباس، وقد بينا في توريثهم مع الجد اختلافا ظاهرا نبينه في موضعه ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الابن شيئا لأن شرط توريثهم أن يكون الميت هالكا قال الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] ومن له بن فليس بهالك وإنما يختلفون في توريثهم مع البنات وهذا الاختلاف في الإناث المفردات منهم دون الذكور حتى أن من مات وترك ابنة أو ابنتين وأخا لأب وأم أو لأب فللأخ ما بقي نصفا كان أو ثلثا وذلك ثابت بالسنة فقد قال عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر" وأقرب رجل ذكر هو الأخ، فأما إذا كان مع الابنة أو الابنتين أخت لأب وأم أو لأب فعلى قول عمر وعلي وزيد وابن مسعود ما بقي للأخت نصفا كان أو ثلثا.
وعلى قول ابن عباس: لا شيء للأخت في هذه الحالة وأصله: أن الأخوات يصرن(29/288)
ص -136- ... عصبة مع البنات عند أكثر الصحابة وهو قول جمهور الفقهاء. وعند ابن عباس رضي الله عنه لا يصرن عصبة، واختلفت الرواية عنه فيما إذا اختلط الذكور بالإناث من الأخوة فروى عنه أن الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهو الأصح من مذهبه وروى عنه أن الباقي كله للذكر، فالأخت تصير عصبة مع البنت سواء كانت لأب وأم أو لأب إلا أنه إذا كان مع الأخت لأب أخ لأب وأم بأن ترك بنتا وأخا لأب وأم وأختا لأب فللبنت النصف والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخت لأب وكذلك إن كان هناك ابنة وأخت لأب وأم وأخ وأخت لأب فقد روى عنه أن الباقي كله للذكر والأظهر من مذهبه أن الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وعندنا الباقي كله للأخت لأب وأم، وحجته ما روى معمر عن الزهري عن أبي مسلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال سألت ابن عباس رضي الله عنه عن فريضة فيها ابنة وأخت فقال للابنة النصف ولا شيء للأخت فقلت قد كان عمر رضي الله عنه يقول للابنة النصف وللأخت ما بقي فغضب وقال أنتم أعلم أم الله قال الله تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] قال الزهري: فلم أفهم مراد ابن عباس حتى سألت عنه عطاء فقال مراده أن الله تعالى إنما جعل للأخت النصف بشرط عدم الولد ولم يجعل لها النصف مع الولد فإن اسم الولد حقيقة للذكر والأنثى جميعا.(29/289)
ألا ترى أن الله تعالى لما حجب الأم من الثلث إلى السدس بالولد استوى فيه الذكر والأنثى ولما حجب الزوج عن النصف إلى الربع والمرأة إلى الثمن من الربع بالولد استوى فيه الذكر والأنثى فكذلك هنا شرط عدم الولد لتوريث الأخت فيستوي فيه الذكر والأنثى والدليل عليه أن الباقي بعد نصيب صاحب الفريضة يستحقه العصبة بالنسبة والأخ عصبة فأما الأخت فليست بعصبة لأنها عند الانفراد لا تكون عصبة فعرفنا أنها ليست بعصبة في نفسها وإنما تعتبر عصبة بغيرها إذا كان ذلك الغير عصبة والابنة ليست بعصبة فلا يجوز أن يجعل عصبة معها ولو صار عصبة معها لشاركها في الميراث وبالإجماع لا يشاركها في نصيبها فعرفنا أنها ليست بعصبة أصلا إلا أن يخالطها ذكر فحينئذ تصير عصبة بالذكر.
وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] ومعناه بن بدليل ما عطف عليه بقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فإن معناه بالاتفاق إن لم يكن لها بن حتى أن الأخ يرث مع الابنة، فإن قيل: هما شرطان ذكر كل واحد منهما في حادثة على حدة فإن قام الدليل على أن المراد بأحدهما الذكر لا يتبين أن المراد بالثاني الذكر. قلنا: لا كذلك بل الكل شرط واحد لأنه ذكرا ولا إذا كان الأخ هو الميت يجعل للميت النصف ثم قلت المسألة بجعل الأخت هي الميت والأخ هو الوارث وجعل له جميع المال فبهذا يتبين أن الشرط واحد وهو عدم الولد ثم المراد في أحد الموضعين الذكر دون الأنثى فكذلك المراد في الموضع الآخر والسنة تدل على ذلك فقد روى أن أبا موسى الأشعري سئل عن ابنة وابنة بن وأخت فقال للابنة النصف وللأخت ما بقي، فسئل عن ذلك(29/290)
ص -137- ... ابن مسعود رضي الله عنه فقال قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سمعت رسول الله يقول: "للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخت" ففي هذا تنصيص على أن الأخت عصبة مع البنت والمعنى فيه أن حالة الانفراد حال الأخت أقوى من حال الاختلاط بالأخوة لأن حالة الاختلاط حال مزاحمة وحال الانفراد حال عدم المزاحمة، فإذا كانت هي لا تحجب عن الميراث في حالة الاختلاط بالأخوة فلأن لا تحجب في حالة الانفراد كان أولى وبهذا يتبين أن وجود عين الولد ليس بموجب حرمان الأخوة والأخوات وإنما يحجبون بفريضة الابنة.
ألا ترى أن للأخوات المفردات لأبوين السدس مع الابنة الواحدة ولو لم يكن حجب الأخوات بفريضة البنات لكانت تثبت المزاحمة بينهن وبين الابنة الواحدة في فريضة البنات كبنات الابن فإنهن يزاحمن الابنة الواحدة في فريضة البنات فيكون لهن السدس وإذا ثبت أن حجب الأخوات بفريضة البنات فيما وراء فريضة الابنة انعدم الحجب فيثبت الاستحقاق لهن بخلاف بنات الابن مع الابنتين لأن حجبهن بوجود البنات لا بفريضة البنات يدل عليه أن استحقاق البنات الميراث ينبني على القرب وذلك يكون بالولادة فولد الرجل أقرب إليه من ولد ابنه وولد ابنه أقرب من ولد جده كما أن الأب أقرب إليه من الجد والأخوات ولد الأب والعصوبة تستحق بالولادة لا بالأب في الجملة فعند الحاجة يثبت حكم العصوبة لولد الأب ذكرا كان أو أنثى وقد تحققت الحاجة إلى ذلك في حق الأخوات مع البنات لأنهن صرن محجوبات عن فريضة البنات فإذا كان هناك ذكر معهن فجعلهن عصبة بالذكر أولى وإذا لم يكن يجعلهن عصبة في استحقاق ما وراء فريضة البنات بخلاف فريضة بنات الابن فالحاجة لا تتحقق إلى ذلك في حقهن فإنهن لا يحجبهن عن فريضة البنات بخلاف الأخوات لأم لأنهن يدلين بالأم ولا تأثير لقرابتها في العصوبة.(29/291)
ألا ترى أن الذكر هو الذي يدلي بقرابتها؟ يوضحه: أن الله تعالى شرط كلالة مبهمة لتوريث أولاد الابن ومن له ابنة فليس بكلالة مطلقا وشرط توريث أولاد الأب كلالة مقيدة بقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ} [النساء: 176] أي ولد ذكر بدليل آخر الآية وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} [النساء: 146] فالشرط هناك عدم ولد ذكر بالاتفاق ولم يذكر الشرط هناك نصا بل هو معطوف على ما في أول الآية والدليل عليه أن من له ابنة فهو كلالة معنى وليس بكلالة صورة فإن الكلالة من يكون منقطع النسب ولا نسب لأحدهم فإن الأخوة لا ينسبون إلى أخيهم وأولاد البنت لا ينسبون إلى أب أمهم وإنما ينسبون إلى أب أبيهم فلكونه كلالة معنى قلنا يرثه الأخوات لأب وأم أو لأب ولكونه غير كلالة صورة قلنا لا يرثه الأخوات لأم، إذا عرفنا هذا فنقول الأخوة والأخوات وإن كانوا ينزلون منزلة الأولاد في الإرث فلا ينزلون منزلتهم في الحجب حتى أنهم لا يحجبون الزوج والزوجة والواحد منهم لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس بخلاف الأولاد لأن الحجب ثابت بالنص(29/292)
ص -138- ... من غير أن يعقل فيه المعنى فإنما يثبت في مورد النص وإنما ورد النص به في الأولاد خاصة بخلاف الإرث فإنه معقول المعنى وهو القرب على ما قررنا.
فصل في ميراث الأخوة والأخوات
فإن سئلت عن ثلاث أخوة متفرقين مع كل واحد منهم ثلاث أخوة متفرقون فقل هذا ميت ترك أخوين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع أخوة لأم لأن أخ أخيه لأب وأم مثله أخ للميت لأب وأم وأخوة لأب للميت كذلك وأخوة لأم للميت كذلك فأما أخ الأخ لأب وأم وأخوة هما أخوا الميت لأب وأخوه لأم أجنبي عن الميت فحصل للميت أخوان لأب وأم وأربع أخوة لأب وأربع أخوة لأم فللأخوة لأم الثلث والباقي للأخوين لأب وأم ولا شيء للأخوة لأب، فإن قال ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاث أخوات متفرقات فهو في الحاصل ترك أختين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع أخوات لأم على التفصيل الذي قلنا فللأخوات لأم الثلث وللأختين لأب وأم الثلثان.
فإن قال: ترك ثلاث أخوة متفرقين وثلاث أخوات متفرقات مع كل أخ ثلاث أخوة متفرقين ومع كل أخت ثلاث أخوات متفرقات فهذا في الحاصل ترك أخوين وأختين لأب وأم وأربع أخوات لأم وأربع أخوة وأربع أخوات لأب على التفسير الذي قلنا فيكون للأخوة والأخوات لأم الثلث بينهم بالسوية والباقي بين الأخوة والأخوات لأب وأم للذكر مثل حظ الأنثيين.(29/293)
وعن ابن عباس رضي الله عنه في رواية شاذة أن الثلث الذي هو نصيب الأخوة والأخوات لأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قال لأنهم يدلون بالأم فيكون قسمة هذا الميراث بينهم على نحو قسمة ميراث الأم بينهم وميراث الأم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك ميراث الذي يستحقونه بقرابة الأم، ولكنا نستدل بقوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النسا: 12] والشركة تقتضي التسوية ثم يفضل الذكر على الأنثى في حالة الاختلاط من حكم العصوبة ولا تأثير لقرابة الأم في استحقاق العصوبة بها وإنما يستحقون الميراث بالإدلاء بالأم والأنثى قد استوت بالذكر في ذلك فيستويان في الاستحقاق كما لو أعتق رجل وامرأة عبدا بينهما ثم مات العبد استويا في الميراث عنه لاستوائهما في السبب، فإن قال: ترك بن أخ لأب معه ثلاثة أعمام متفرقين فنقول أما عمه لأب وأم فهو أخ الميت لأب لأنه مثل أبيه وأبوه أخ للميت لأب وأما عمه لأم فهو أجنبي عن الميت وأما عمه لأب فإن كانت أمه أم الميت فهو أخ الميت لأب وأم وإن كانت أمه امرأة أخرى غير أم الميت فهو أخ الميت لأب ففي حال ترك الأخوين لأب وبن أخ فالمال كله للأخوين وفي حال ترك أخ لأب وأم وأخت لأب فالمال كله للأخ لأب وأم، فإن قال: ترك بن الأخ لأب معه ثلاث بني أعمام متفرقين قلنا: ابن عمه لأبيه وأمه مثله ابن أخ الميت لأب وابن عمه لأمه أجنبي عن الميت وابن عمه لأبيه يجوز أن يكون ابن الميت لأن الميت عمه لأمه، فإن قال السائل: وليس للميت(29/294)
ص -139- ... فقل حينئذ ابن عمه لأبيه إن كان أبوه من أم الميت فهو بن أخ الميت لأب وأم فيكون أولى بالميراث، فإن كان من امرأة أخرى غير أم الميت فإنما ترك ثلاث بني أخ لأب فالميراث بينهم بالسوية وما كان من هذا الجنس فعلى هذا القياس يخرج والله أعلم بالصواب.
باب العول
قال رضي الله عنه: إعلم أن الفرائض ثلاثة: فريضة عادلة وفريضة قاصرة وفريضة عائلة فالفريضة العادلة هي أن تستوي سهام أصحاب الفرائض بسهام المال بأن ترك أختين لأب وأم وأختين لأم فللأختين لأم الثلث وللأختين لأب وأم الثلثان وكذلك إن كان سهام أصحاب الفرائض دون سهام المال وهناك عصبة فإن الباقي من أصحاب الفرائض يكون للعصبة فهو فريضة عادلة، وأما الفريضة القاصرة أن يكون سهام أصحاب الفرائض دون سهام المال وليس هناك عصبة بأن ترك أختين لأب وأم وأما فللأختين لأب وأم الثلثان وللأم السدس ولا عصبة في الورثة ليأخذ ما بقي فالحكم فيه الرد على ما نبينه في بابه، والفريضة العائلة أن يكون سهام أصحاب الفرائض أكثر من سهام المال بأن كان هناك ثلثين ونصفا كالزوج مع الأختين لأب وأم أو نصفين وثلثا كالزوج مع الأخت الواحدة لأب وأم ومع الأم فالحكم في هذا العول في قول أكثر الصحابة عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وهو مذهب الفقهاء. وكان ابن عباس رضي الله عنه ينكر العول في الفرائض أصلا وأخذ بقوله محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وزين العابدين، وأول من قال بالعول العباس بن المطلب فإنه قال لعمر رضي الله عنه حين وقعت هذه الحادثة أعيلوا الفرائض وقيل لابن عباس رضي الله عنه من أول من أعال الفرائض فقال ذلك عمر بن الخطاب ثم أتى بفريضة فيها ثلثان ونصف أو نصفان وثلث فقال لا أدري من قدمه الله فأقدمه ولا من أخره الله فأؤخره وأعال الفريضة وأيم الله لو قدم من قدمه الله تعالى وأخر من أخره الله تعالى ما عالت فريضة قط فقيل ومن الذي قدمه الله يا ابن عباس؟ فقال: من نقله(29/295)
الله من فرض مقدر إلى فرض مقدر فهو الذي قدمه الله تعالى ومن نقله الله تعالى من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فهو الذي أخره الله تعالى.
وعن عطاء رحمه الله أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنه فقال كيف يصنع في الفريضة العائلة فقال أدخل الضرر على من هو أسوأ حالا فقيل ومن الذي هو أسوأ حالا فقال البنات والأخوات فقال عطاء رحمه الله ولا يغني رأيك شيئا ولو مت لقسم ميراثك بين ورثتك على غير رأيك فغضب فقال قل لهؤلاء الذين يقولون بالعول حتى نجمع ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين أن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفين وثلثا فإذا ذهب هذا بالنصف وهذا بالنصف فأين موضع الثلث فقال لم لم تقل هذا في زمن عمر رضي الله عنه فقال كان رجلا مهيبا فهبت حتى قال الزهري رحمه الله لولا أنه يقدم في العول قضاء إمام عادل ورع لما اختلف اثنان على ابن عباس رضي الله عنه في قوله في مسألة المباهلة يعني مسألة العول.(29/296)
ص -140- ... ثم اشتبه مذهب ابن عباس رضي الله عنه في فصول فمنها إذا تركت زوجا وأما وابنة وابنة بن فعلى قول عامة الصحابة للزوج الربع ثلاثة من اثني عشر وللأم السدس سهمان وللابنة النصف ستة ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين فتعول بسهم فتكون القسمة من ثلاثة عشر، واختلفوا على قول ابن عباس رضي الله عنه فيمن يدخل عليه ضرر النقصان منهم فقال سفيان وهو مذهب أهل الكوفة على مذهبه إنما يدخل الضرر على ابنة الابن خاصة فتأخذ الابنة فريضتها ستة وللأم السدس سهم والباقي وهو ثلاثة ونصف مقسومة بين الابنة وابنة الابن أرباعا ثلاثة أرباعه للابنة وربعه لابنة الابن لأن كل واحد منهما ينتقل من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فضرر النقصان يدخل عليهما فإن صح هذا عن ابن عباس رضي الله عنه فهو قول بالعول لأن العول ليس إلا هذا فإن ثلاثة ونصفا لا يسع لأربعة فتضرب كل واحدة منهما فيها بجميع حصتها فيقسم بينهما أرباعا وهذا هو العول.
ومن هذه الفصول: إذا تركت زوجا وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم فعلى قول عامة الصحابة للزوج النصف ثلاثة من ستة وللأم السدس سهم وللأختين لأم الثلث سهمان وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة فتعول بأربعة والقسمة من عشرة، واختلفوا على قول ابن عباس فقال سفيان رحمه الله على قوله للزوج النصف وللأم السدس وللأختين لأم الثلث ولا شيء للأختين لأم وأب لأنه يتغير ضرر الحرمان بضرر النقصان فكما أن ضرر النقصان على قوله على الأختين لأب وأم دون الأختين لأم فكذلك ضرر الحرمان.(29/297)
وقال طاوس: على قول ابن عباس رضي الله عنه الثلث الباقي بين الأختين لأم والأختين لأب وأم بالسوية ليدخل الضرر عليهما جميعا وهذا يرجع إلى القول بالتشريك ثم حجة ابن عباس الكلام الذي ذكرناه عنه فإنه لا يدخل في وهم أحد من العقلاء يوهم نصفين وثلثا أو ثلثين ونصفا في مال واحد فكان تقرير ذلك من المحال وإنما يحتاج هو إلى بيان من يكون أولى بإدخال الضرر عليه فقال أصحاب الفرائض يقدمون على العصبات كما قال عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها" الحديث فهو ينتقل من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فهو صاحب فرض من وجه عصبة من وجه فيكون إدخال ضرر النقصان عليه أولى وعلى الحرف الآخر قال يدخل الضرر على من يكون أسوأ حالا وهم الأخوات والبنات أما الأخوات فلا يشكل لأنهن يسقطن بالأب والجد على الاختلاف وبالابن ويصرن عصبة إذا خالطهن ذكر والزوج والزوجة والأم لا يسقطون بحال وكذلك البنات فإنهن يصرن عصبة إذا خالطهن ذكر والعصبة مؤخر عن صاحب الفريضة فإذا كن أسوأ حالا كان إدخال الضرر والنقصان عليهن أولى.
وحجتنا في ذلك أنهم استووا في سبب الاستحقاق في ذلك وذلك يوجب المساواة في الاستحقاق فيأخذ كل واحد منهم جميع حقه إن اتسع المحل ويضرب كل واحد منهم بجميع حقه عند ضيق المحل كالغرماء في التركة.(29/298)
ص -141- ... وبيان المساواة أن كل واحد منهم يستحق فريضة ثابتة له بالنص. يوضحه: إن إيجاب الله تعالى يكون أقوى من إيجاب العبد ومن أوصى لإنسان بالثلث ولآخر بالربع ولآخر بالسدس ضرب كل واحد منهم في الثلث بجميع حقه ومراد الموصى أن يأخذ كل واحد منهم ما سمي له عند سعة المحل بإجازة الورثة ويضرب كل واحد منهم بما سمى له عند ضيق المحل لعدم الإجازة فكذلك لما أوجب الله تعالى في الفريضة نصفين وثلثا عرفنا أن المراد أخذ كل واحد منهم ما سمي له عند سمة المحل والضرب به عند ضيق المحل وفيما قلناه عمل بالنصوص كلها بحسب الإمكان وفيما قاله عمل ببعض النصوص وإبطال للبعض وهذا لا وجه له إلا أن من يذب عنه يقول فيما قاله ابن عباس رضي الله عنه التعيين في بعض النصوص دون البعض والتعيين فيما قلتم في جميع النصوص فنقول الطريق الذي ذهب إليه ابن عباس في إدخال النقصان على بعض المستحقين بما اعتمده من المعنى غير صحيح فإنه يعتبر التفاوت بينهم في حالة أخرى سوى حالة الاستحقاق وهذا غير معتبر.
ألا ترى أن رجلا لو أثبت دينه في التركة بشهادة رجلين وأثبت آخر دينه بشهادة رجل واحد وامرأتين استويا في الاستحقاق وإن كان في غير هذه الحالة شهادة الرجل أقوى من شهادة النساء مع الرجال ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث فكيف يثبت الحرمان والنقصان لاعتبار معنى العصوبة في بعض الأحوال ولو جاز إدخال النقصان على بعضهم لكان الأولى به الزوج والزوجة لأن سبب توريثهما ليس بقائم عند التوريث وهو يحتمل الرفع فيكون أضعف مما لا يحتمل الرفع والعجب أنه يدخل على الأخوات لأب وأم دون الأخوات لأم وهن أسوأ حالا.(29/299)
ألا ترى أنهن يسقطن بالبنات وبالجد بالاتفاق بخلاف الأخوات لأب وأم فعرفنا أن الطريق ما أخذ به جمهور الفقهاء رحمهم الله. ثم بيان الفريضة العائلة أن نقول أصل ما يخرج به منه هذه الفريضة ستة ثم تعول مرة بنصف سهم ومرة بثلاثة أرباع سهم ومرة بسهم ومرة بسهم ونصف. ومرة بسهمين ومرة بسهمين ونصف ومرة بثلاثة ومرة بأربعة فالتي تعول بنصف سهم صورتها امرأة ماتت وتركت زوجا وابنة وأبوين فللأبوين السدسان سهمان وللابنة النصف ثلاثة وللزوج الربع سهم ونصف فتعول بنصف سهم والتي تعول بثلاثة أرباع سهم صورتها رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين فللأبوين السدسان سهمان وللابنتين الثلثان أربعة وللمرأة الثمن ثلاثة أرباع سهم فتعول بثلاثة أرباع وإذا أردت تصحيحها ضربت ستة وثلاثة أرباع في أربعة فيكون سبعة وعشرين وهذه هي المنبرية فإن عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فأجاب على البديهة وقال انقلب ثمنها تسعا يعني أن لها ثلاثة من سبعة وعشرين وهو تسع المال والتي تعول بسهم صورتها إذا ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأما فللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان وللأم السدس سهم فتعول بسهم والتي تعول بسهم ونصف بأن ترك الرجل أختين لأب وأم وامرأة وأختين لأم فللمرأة الربع سهم ونصف وللأختين(29/300)
ص -142- ... لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهم ونصف والتي تعول بسهمين صورتها فيما إذا تركت زوجا وأختا لأب وأم وأختين لأم فللزوج النصف ثلاثة وللأخت لأب وأم النصف ثلاثة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهمين والتي تعول بسهمين ونصف بأن ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وامرأة فللمرأة الربع سهم ونصف وللأم السدس سهم وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهمين ونصف والتي تعول بثلاثة بأن تركت زوجا وأختين لأب وأم وأختين لأم فللزوج النصف ثلاثة وبها تعول والتي تعول بأربعة صورتها فيما قدمنا إذا تركت أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وزوجا فإنها تعول بنصيب الأم وبنصيب الزوج ثلاثة فعرفنا أنها تعول بأربعة ولا تعول الفرائض بأكثر من هذا وتسمى هذه المسألة أم الفراخ لكثرة العول فيها وتسمى الشريحية لأنها رفعت إلى شريح رحمه الله فقضى بهذا فجعل الزوج يسأل الفقهاء بالعراق فيقول امرأة ماتت وتركت زوجا ولم تترك ولدا فماذا يكون للزوج فقالوا النصف فقال والله ما أعطيت نصفا ولا ثلثا فبلغ مقالته إلى شريح فدعاه وقال للرسول قل له قد بقي لك عندنا شيء فلما أتاه عزره وقال أنت تشنع على القاضي وتنسب القاضي بالحق إلى الفاحشة فقال الرجل هذا الذي كان بقي لي عندك.
وحق الله إن الظلم لؤم
فما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله يجتمع الخصوم(29/301)
فقال شريح: ما أخوفني من هذا القضاء لولا أنه سبقني به إمام عادل ورع يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم المسائل على ما ذكرنا من الأصل بكثرة تعدادها ولكنا بينا لكل فريضة صورة فذلك يكفي لمن له فهم يقيس عليه ما يشاء من ذلك والذي بقي في الباب مسألة الالتزام وهي امرأة تركت زوجا وأما وأختين لأم فمذهبنا فيه ظاهر للزوج النصف وللأم السدس وللأختين الثلث وهي فريضة عادلة ويتعذر على بن عباس رضي الله عنه تخريج هذه المسألة على أصله فإن من مذهبه أن الأختين لا ينقلان الأم من الثلث إلى السدس فإن قال للزوج النصف والأم الثلث والأختين الثلث لزمه القول بالعول وإن قال للزوج النصف وللأم السدس كان تاركا مذهبه في أن الأختين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولا يمكنه إدخال النقصان هنا على واحد منهن لأن الأم صاحبة فرض محض والأخوات لأم كذلك فإنهن لا يصرن عصبة بحال، فإن قال الأخوات لأم أسوأ حالا من الأم فقد يسقطن بمن لا تسقط الأم به قلنا هذا اعتبار التفاوت في غير حالة الاستحقاق وقد بينا أن التفاوت إنما يعتبر في حالة الاستحقاق وقد أدخل هو الضرر على البنات والأخوات لأب وأم دون الأخوات لأم وفي غير حالة الاستحقاق الأخوات لأم أسوأ حالا فهذا يتبين أن قول ابن عباس رضي الله عنه لا يتمشى في الفصول وأن الصحيح ما قالت به عامة الصحابة رضي الله عنهم والفقهاء والله أعلم بالصواب.(29/302)
ص -143- ... باب الجدات
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الجدة صاحبة فرض وفريضتها وإن كان لا تتلى في القرآن فهي ثابتة بالسنة المشهورة وإجماع الصحابة والسلف والخلف وكفى بإجماعهم حجة.
ثم الكلام في فصول أربعة:
أحدها: في بيان من يرث من الجدات.
والثاني: في مقدار نصيب الجدات.
والثالث: في ترتيب بعض الجدات على البعض في الميراث.
والرابع: في حجب الجدات. فأما في الفصل الأول فالمذهب عند علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أن كل جدة تدلى بعصبة أو صاحبة فريضة فهي وارثة وكل جدة تدلى بمن ليس بعصبة ولا صاحبة فريضة فهي غير وارثة وبه أخذ علماؤنا وهو معنى قول الفقهاء كل جدة دخل في نسبها إلى الميت أب بين أمين فإنها لا ترث لأن أب الأم ليس بعصبة ولا صاحب فرض هكذا روى عن عمر رضي الله عنه فقد ذكر الشعبي رحمه الله أن عمر رضي الله عنه سئل عن أربع جدات متحاذيات أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب وأم أب الأم فورثهن إلا هذه الواحدة لأن في نسبها إلى الميت أب بين أمين. وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان إحداهما هكذا والثانية أن الجدات وارثات كلهن والقربى والبعدى منهن سواء على تفصيل نبينه. وعن ابن عباس رضي الله عنه ثلاث روايات اثنتان كما روينا عن ابن مسعود والثالثة أنها لا ترث من الجدات إلا واحدة وهي أم الأم وتقوم هي مقام الأم عند عدم الأم في فريضة الأم إما السدس أو الثلث وبه أخذ بن سيرين، وأما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فالمروي عنه أنه لا يرث إلا جدتان حتى روى أن ابن مسعود رضي الله عنه لما عابه في الوتر بركعة قال سعد يعيبني أن أوتر بركعة وهو يورث ثلاث جدات إلا أن أبان ذكر أن مراد سعد من هذا الأخذ عليه في توريث البعدى مع القربى لا في توريث ثلاث جدات في الأصل.(29/303)
ألا ترى أنه روى في بعض الروايات أن سعدا لما بلغه قول ابن مسعود رضي الله عنه قال هلا يورث حواء، وأما مالك وأبو ثور حملا قول سعد على ظاهره وأخذا به فقالا لا يرث من الجدات إلا اثنتان قال أبو ثور وهو قول الشافعي: فأما إبراهيم النخعي والأوزاعي رحمهما الله فقد روى عنهما توريث ثلاث جدات حتى ذكر سفيان عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات قال سفيان فقلت لإبراهيم وما هن فقال أم الأم وأم الأب وأم أم الأب، ولكن ذكر جرير عن منصور عن إبراهيم هذا الحديث وذكر فيه عن إبراهيم فقال هي أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب فيكون موافقا لمذهبنا، والرواية الأخرى لا تكاد تصح لما فيها من توريث البعدى مع القربى والمشهور عن العلماء رحمهم الله بخلاف ذلك، وحجتنا في ذلك أن الجدات كما يرثن في الأصول بالولاء فيعتبر حالهن بحال من يرث(29/304)
ص -144- ... من الفروع بالولاء وهم ذووا الأرحام من أولاد البنين والبنات وهناك عند التساوى في الدرجة الميراث لمن هو ولد عصبة أو ولد صاحب فرض فكذلك هنا الميراث لمن هي والدة عصبة أو صاحب فرض يوضحه أن أم أب الأم تدلى بأب الأب وأب الأم ليس بوارث مع أحد من أصحاب الفرائض والعصبات كان تدلى به أولى أن لا يرث معهم ولأن المدلى لا يكون أقل حالا من المدلى به والدليل عليه أنه إذا اجتمع أم أب الأم وأم أم الأم مع أب الأم فإما أن يقال الميراث لأب الأم دونهما وهذا بعيد لأن أب الأم إذا انفرد عن أمه لا يستحق شيئا فكيف يستحق مع أمه ولا جائز أن يكون الميراث للجد دون أب الأب لأن أم الأب تدلى بأب الأم وهو لا يستحق مع أم أم الأم شيئا فأمه التي هي أبعد كيف تستحق فلم يبق إلا أن يكون الميراث لأم أم الأم وإذا ثبت هذا في حال حياة أب الأم فكذلك بعد موته، فأما ابن مسعود رضي الله عنه قد كان يقول توريث الجدات ليس باعتبار الإدلاء لأن أم الأم تدلى بالأم كما أن أب الأم يدلى بالأم والإدلاء بالأنثى إذ كان لا يوجب استحقاق الميراث للذكر لا يوجب استحقاق الميراث للأنثى كالإدلاء بالابنة فإن بنت البنت كابن البنت في حكم الفريضة والعصوبة وكذلك بنت الأخت كابن الاخت فعرفنا أن استحقاق الجدات إنما ثبت شرعا بمجرد الاسم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس فهذه طعمة أطعم رسول الله الجدات بهذا الاسم والقربى والبعدى ومن يدخل في نسبتها أب بين ابنين ومن لا يدخل في ذلك سواء.(29/305)
ولكنا نقول: مجرد الاسم يثبت بالرضاع كما يثبت بالنسب ولا يتعلق به استحقاق الميراث. فعرفنا أنه لا بد من اعتبار معنى القرب والإدلاء ومن يدلى منهن بعصبة أو صاحبة فرض يكون سببه أقوى ممن يدلى بمن ليس بعصبة ولا صاحبة فرض وبهذا الإدلاء تثبت الفريضة وفي حق الأم إنما تثبت العصوبة دون الفريضة وبالإدلاء بالأنثى لا تثبت العصوبة فأما ابن عباس رضي الله عنه يقول أم الأم تدلى بالأم وترث بمثل سببها وهي الأمومة فتقوم مقامها عند عدمها كالجد أب الأب فإنه يقوم مقام الأب عند عدمه وبن الابن يقوم مقام الابن عند عدمه وإذا كانت الأم ترث في بعض الأحوال الثلث وفي بعضها السدس فكذلك أم الأم بخلاف الأخ لأم فإنه وإن كان يدلى بالأم فلا يرث بمثل سببها ثم كما لا يزاحم أحد من الجدات الأم فكذلك لا يزاحم أم الأم شيء من الجدات في فريضة الأم، يوضحه أن حال المدلى مع المدلى به كحال المدلى به مع الميت والمدلى أم المدلى به وصاحبة فرض كما أن المدلى به أم للميت وصاحبه فرض فكما أن ميراث المدلى من الميت الثلث فكذلك ميراث المدلى به
ولكنا نستدل بحديث قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس وهكذا روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، وقد روينا في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه شهد عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس فأعطاها أبو بكر رضي الله عنه ذلك، وروى في بعض الروايات أنها كانت أم الأم ثم جاءت أم الأب إلى عمر رضي الله عنه في خلافته وقالت: ما لي(29/306)
ص -145- ... من ميراث بن ابنتي فقال عمر رضي الله عنه لا أجد لك في كتاب الله تعالى شيئا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا وأراك غير الجدة التي أعطاها أبو بكر ولست برائيك في كتاب الله ولكني أرى أن ذلك السدس بينكما وأنه لمن انفرد منكما فتبين بهذه الآثار أنه لا يزاد في فريضة الجدات على السدس فالجدتان في استحقاق السدس سواء وهذا لأن الإدلاء بالأنثى لا يكون سببا لاستحقاق فريضة المدلى به بحال، كبنات الأخوات وبنات البنات إلا أنا تركنا هذا القياس في حق الجدات بالسنة فإنا نعتبر ما ورد به السنة وليس في شيء من الآثار زيادة على السدس لواحدة من الجدات فلهذا كان لهن السدس هذا بيان الفصل الثاني.
والفصل الثالث في الترتيب: فالمذهب عند علي أن القربى من الجدات أولى بالسدس من البعدى سواء كانت من جانب الأم أو من جانب الأب وهكذا يرويه العراقيون عن زيد بن ثابت وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله، فأما أهل المدينة يروون عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن القربى إن كانت من قبل الأم والبعدى من قبل الأب فكذلك الجواب وإن كانت البعدى من قبل الأم والقربى من قبل الأب فهما سواء وهو قول الشافعي، فأما ابن مسعود رضي الله عنه فله روايتان إحداهما أن القربى والبعدى سواء إلا أن تكون البعدى أم القربى أو جدة القربى فحينئذ لا ترث معها، والأخرى القربى والبعدى سواء إلا أن يكونا من جانب واحد فحينئذ القربى أولى وإن لم تكن القربى أم القربى ولا جدتها، أما هو أمر على أصله أن الاستحقاق باسم الجدودة شرعا والقربى والبعدى في هذا الاسم سواء إلا أن البعدى إذا كانت أم القربى أو جدتها فإنما تدلى بها وترث بمثل نسبها فتكون محجوبة بها كالجد مع الأب.(29/307)
وفي الرواية الأخرى قال: إذا كانت الجهة واحدة فسواء كانت تدلى بها أو لا تدلى بها كانت محجوبة بها لمعنى إيجاد السبب كأولاد الابن مع الابن فإنهم لا يرثون شيئا لإيجاد السبب وإن كانوا لا يدلون بهذا الابن وإنما يدلون بابن آخر فهذا مثله.
وجه قول زيد رضي الله عنه: أن الجدة إنما تستحق الميراث بالأمومة ومعنى الأمومة في التي من قبل الأم أظهر لأنها أم في نفسها تدلي بالأم والأخرى أم تدلي بالأب فإذا كانت القربى من قبل الأم فقد ظهر الترجيح في جانبها من وجهين زيادة القرب وزيادة ظهور صفة الأمومة في جانبها فهي أولى وإن كانت القربى من قبل الأب فلها ترجيح من وجه وهو زيادة القرب وللتي من قبل الأم ترجيح من وجه وهو زيادة ظهور صفة الأمومة فاستويا فيكون الميراث بينهما كما هو مذهب زيد في الجد مع الأخ أن للأخ زيادة قرب وللجد زيادة قوة من حيث الأبوة فيستويان في الميراث، ولكنا نأخذ بقول علي فنقول الجدة ترث باعتبار الأمومة والأمومة هي الأصل ومعنى الأصلية في القربى أظهر منه في البعدى من أي جانب كانت القربى لأنها أصل الميت والأخرى أصل أصل أصل الميت فإذا كان معنى الأصلية في القربى أظهر تقدمت على البعدى كما لو كانت القربى من قبل الأم.(29/308)
ص -146- ... ألا ترى أن أم الأم وأم الأب إذا اجتمعتا كان الميراث بينهما ولو كان كما قاله زيد من زيادة قوة الأمومة لوجب أن يكون الميراث لأم الأم دون أم الأب.
وأما الفصل الرابع وهو الكلام في الحجب فنقول: الأم تحجب الجدات أجمع بالاتفاق سواء كانت من قبلها أو من قبل الأب لما روي أن النبي عليه السلام أطعم الجدة السدس حين لم يكن هناك أم ففي هذا إشارة إلى أنها لا ترث مع الأم وفي رواية بلال بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس حين لم يكن هناك أم دونها فهذا يفيد ما أفاده الأول وزيادة وهو أن البعدي لا ترث مع القربى فإن قوله أم دونها إشارة إلى ذلك والمعنى فيه أن الجدة ترث بالأمومة وفرض الأمهات معلوم بالنص وقد استحقت الأم ذلك فلا يبقى لأحد من الجدات شيء من فرض الأمهات ولا تثبت المزاحمة بين شيء من الجدات وبين الأم لأن الجدة التي من قبلها تدلى بها وترث بمثل سببها فلا تزاحمهما كما لا يزاحم الجد الأب والتي من قبل الأب وإن كانت لا تدلي بها فهي لا تزاحمها في فريضتها لكونها أقرب إلى الميت منها وهي بمنزلة ابنة الابن مع الابنتين فإن فرض البنات لما صار مستحقا للابنتين لم يكن لابنة الابن معهما مزاحمة ولا شيء من الميراث بالفريضة وإن كانت لا تدلي بهما إنما تدلى بالابن.(29/309)
واختلفوا في حجب الجدة بالأب بعد ما اتفقوا أن الجدة من قبل الأم لا تصير محجوبة بالأب لأنها تدلى به ولا ترث بمثل نسبه فهي ترث بالأمومة وهو بالأبوة والعصوبة، واختلفوا في الجدة التي من قبله فقال علي وزيد وأبي بن كعب وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم لا ترث أم الأب مع الأب شيئا وهو اختيار الشعبي وطاووس وهو مذهب علمائنا رحمهم الله. وقال عمرو بن مسعود وأبو موسى الأشعري وعمران بن الحصين ترث أم الأب مع الأب وهو اختيار شريح وابن سيرين، وبه أخذ مالك والشافعي، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس وابنها حي. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أم حسكة رضي الله عنها السدس من أبي حسكة وحسكة حي، والمعنى فيه ما بينا أن إرث الجدات ليس باعتبار الإدلاء فالإدلاء بالأنثى لا يؤثر في استحقاق شيء من فريضتها ولا في القيام مقامها في التوريث بمثل سببها كالبنات والأخوات ولكن الاستحقاق باسم الجدة في هذا الاسم أم الأم وأم الأب سواء فإذا كان الأب لا يحجب أم الأم فكذلك لا يحجب أم الأب إذ لا فرق بينهما إلا في معنى الإدلاء والاستحقاق ليس بالإدلاء ولو كان الأب ممن يحجب شيئا من الجدات لاستوى في ذلك من يكون في جانبه ومن لا يكون في جانبه كالأم.
وجه قولنا: أن استحقاق الميراث لا بد فيه من اعتبار الإدلاء ما بينا أن مجرد الاسم بدون القرابة لا يوجب الاستحقاق والقرابة لا تثبت بدون اعتبار الإدلاء، فهنا معينان: أحدهما: إيجاد السبب. والآخر: الإدلاء ولكل واحد منهما تأثير في الحجب ثم إيجاد السبب وإن انفرد عن الإدلاء تعلق به حكم الحجب كما في حق بنات الابن مع الابنتين فإنهن يحجبن بإيجاد(29/310)
ص -147- ... السبب ولا يدلين إلى الميت بالبنات فكذلك الإدلاء وإن انفرد عن إيجاد السبب يتعلق به حكم الحجب إذا تقرر هذا قلنا الجدة التي من قبل الأب تدلى بالأب ولا ترث معه لوجود الإدلاء وإن انعدم معنى إيجاد السبب والجدة التي من قبل الأم ترث مع الأب لانعدام الإدلاء وإيجاد السبب جميعا فأما الأم تحجب الجدة التي من قبلها لوجود الإدلاء وإيجاد السبب وتحجب الجدة التي من قبل الأب لإيجاد السبب وإن انعدم الإدلاء وبه فارق الأخ لأم فكان وارثا معها. يوضحه أن معنى الإدلاء الموجود في جانب الأب يحجب الذكر هنا فإن أب الأب يحجبه الأب لأنه يدلى به فإذا كان الأب يحجب من يدلى به إذا كان ذكرا فكذلك يحجب من يدلى به إذا كان أنثى.
ألا ترى أن الأب كما يحجب الأخوة يحجب الأخوات وبه فارق الأم مع الأخوة لأم لأن هناك الذكر من الأخوة لا يصير محجوبا بها وإن كان يدلى بها فكذلك الأنثى، فأما تأويل الحديث يحتمل أن ابنها كان رقيقا أو كافرا على أنه قال ورث جدة وابنها حي ولم يتبين أن ابنها أب الميت فيحتمل أن ابنها الحي غير أب الميت والحديث حكاية حال وحديث حسكة لا يثبت مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن عمر رضي الله عنه وقد بينا مذهب عمر.(29/311)
واختلف الفرضيون على قول علي رضي الله عنه في فصل وهو أنه إذا اجتمع أم الأب مع الأب وأم أم الأم فقال الحسن بن زياد على قياس قول علي رضي الله عنه أن ميراث الجدة لأم أم الأم وإن كانت أبعد من أم الأب لأن على قول علي القربي إنما تحجب البعدي إذا كانت وارثه وهنا القربي ليست بوارثة مع ابنها فهي بمنزلة الكافرة والرقيقة فيكون فرض الجدات للبعدي وأكثرهم على أن المال كله للأب هنا لأن القربي هنا وارثة في حق البعدي ولكنها محجوبة بالأب حتى إذا لم يكن هناك أب كان الميراث للقربى فصارت البعدي محجوبة بالقربى ثم صارت القربى محجوبة بابنها فيكون المال كله للأب ونظيره ما تقدم في الأخوين مع الأب لأنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وإن كانا لا يرثان شيئا مع الأب.
فصل
فإن اجتمع جدة لها قرابتان أو ثلاث قرابات مع جدة لها قرابة واحدة وصورة المسألة امرأة لها بنت ولابنتها بنت ولها بن ولابنها بن فتزوج بن ابنها بنت بنتها فولد بينهما ولد فهذه الجدة أم أم أم هذا الولد وأم أب أب هذا الولد فإذا مات هذا الولد وله مع هذه الجدة جدة أخرى وهي أم أم أب هذا الولد فعلى قول زفر ومحمد والحسن بن زياد ميراث الجدتين بينهما أثلاثا ثلثان للتي لها قرابتان وثلث للتي لها قرابة واحدة وعند سفيان وأبي يوسف الميراث بينهما نصفان ولا رواية فيه عن أبي حنيفة وكذلك امرأة لها ابنتان لإحدى ابنتيها ابنة وللأخرى بن فتزوج بن ابنتها ابنة ابنها وولد منها ولدا فهي لهذا الولد أم أم الأب فإن مات هذا الولد وله معها جدة أخرى وهي أم أب الأب فهي على الخلاف الذي بينا وصورة ما إذا كان لها ثلاث(29/312)
ص -148- ... قرابات أن يكون لهذه المرأة ابنة بن ابنة أخرى وهذا الولد ذكر فتزوج الابنة السفلى فولد بينهما ولد فلهذه الجدة من هذا الولد ثلاث قرابات لأنها أم أم أم أمه وأم أم أم الأب وأم أم أب الأب فإن اجتمع معها لهذا الولد جدة أخرى محاذية لها وهي أم أب أب ابنة فعلى قول محمد ميراث الجدة بينهما أرباعا ثلاثة أرباعه للتي لها ثلاث قرابات وربعه للتي لها قرابة واحدة، وعند أبي يوسف الميراث بينهما نصفان ثم على قول محمد رحمه الله في حق التي لها جهات إذا فسد بعض تلك الجهات بأن دخل في تلك النسبة أب بين أمين لا تعتبر تلك الجهة، وإن كان بعض الجهات أقرب من بعض فإنما يعتبر في حقها أقرب الجهات خاصة ثم ينظر إلى الأخرى فإن كانت تساويها في أقرب الجهات فالميراث بينهما نصفان وإن كانت أبعد منها في هذه الجهة فالميراث كله لها بناء على أن القربى تحجب البعدي. وجه قول محمد رحمه الله أن الاستحقاق باعتبار الأسباب لا باعتبار الأشخاص.
ألا ترى أن الرقيق والكافر لا يخرج من أن يكون شخصا ولكن لما انعدم في حقه سبب الاستحقاق وهو الفريضة أو العصوبة جعل كالمعدوم فدل أن الاستحقاق باعتبار السبب فمن اجتمع في حقه سببان فهو في الصورة شخص واحد ولكنه في الحكم باعتبار تعدد السبب متعدد فيثبت له الاستحقاق باعتبار كل سبب بمنزلة ما لو وجد كل سبب في شخص على حدة وهو نظير ما لو ترك ابني عم أحدهما أخ لأم فإن لابن العم الذي هو أخ لأم السدس بالفريضة والباقي بينهما نصفان، وكذلك المجوسي إذا ترك أمه وهي أخته لأبيه فإنها ترث بالسببين لهذا المعنى وهذا بخلاف الأخ لأب وأم فإنه يرث بالسببين لأن السبب هناك واحد وهو الأخوة ثم الأخوة لأم اعتبرناها في الترجيح ويقوى السبب بها حتى ينعدم الأخ لأب فلم يكن معتبرا في حق الاستحقاق بها بخلاف ما نحن فيه.(29/313)
وجه قول أبي يوسف: أن استحقاق الميراث للجدات ليس باعتبار الإدلاء لما قررنا أن الإدلاء بالإناث لا يؤثر في استحقاق الفرضية بمثل سبب المدلى به ولكن الاستحقاق باسم الجدة وبتعدد الجهة لا بتعدد الاسم في التي لها قرابة واحدة والمساواة في سبب الاستحقاق يوجب المساواة في الاستحقاق وكل واحدة من هذه الجهات علة تامة للاستحقاق وبتعدد العلة لا يزداد الاستحقاق كما لو أقام رجل شاهدين على ملك عين وأقام الآخر عشرة من الشهود فإنه يسوي بينهما.
ومن جرح رجلا جراحة واحدة وجرحه آخر عشر جراحات فمات من ذلك فالدية بينهما نصفان ولا معنى لقول من يقول فقد اعتبرنا الإدلاء في حكم الحجب كما قررنا في الفصل الرابع وهذا لأن حكم الحجب غير حكم الاستحقاق والاستدلال بحكم على حكم إنما يجوز إذا عرفت المساواة بينهما فبان أن اعتبار الإدلاء في حكم الحجب يدل على أنه يعتبر في الاستحقاق وهذا بخلاف ما استشهد به فكل واحد من السببين هناك معتبر في الاستحقاق يعني الأخوة لأم مع العصوبة بالأمومة والزوجية مع العصوبة والأختية مع الأمومة في حق(29/314)
ص -149- ... المجوسي، فإذا كان كل واحد من السببين هناك معتبرا في الاستحقاق جعلنا الاستحقاق مبنيا على السبب بخلاف ما نحن فيه على ما قررنا.
فصل التثبيت في الجدات
قال رضي الله عنه: الجدات في الأصل ستة جدتاك وجدتا أبيك وجدتا أمك وهي الأصول في الجدات إذ لم يتفرع بعضهن من بعض وما سواهن من الجدات في المعنى كالفروع لهذه الجدات لتفرع بعضهن من بعض فإن سئلت عن عدد من الجدات متحاذيات هن وارثات كيف صورتهن فالطريق في ذلك عند أهل البصرة أنهم يذكرون بعددهن أمهات ثم في المرة الثانية بعددهن أمهات إلا الآخرة وفي الثالثة إلا الآخرة والتي تليها هكذا إلا أن تبقى أم واحدة وأهل المدينة يذكرون بعددهن أبناء إلا الأولى وفي المرة الثانية إلا الأولى والتي تليها وهكذا في كل مرة وأهل الكوفة يذكرون الجدات بقراباتهن وبيانه إذا قيل خمس جدات متحاذيات وارثات كيف صورتهن فعلى قول أهل البصرة نقول إحداهن أم أم أم أم الأم والثانية أم أم أم أم الأب والثالثة أم أم أم أب الأب والرابعة أم أم أب أب الأب والخامسة أم أب أب أب الأب، وعلى طريق أهل المدينة على عكس ذلك.(29/315)
وعلى طريق أهل الكوفة نقول إحداهن: أم جدة جدات الميت والثانية أم جدة أم أب الميت والثالثة جدة جدة أب الميت والرابعة جدة جدات الميت والخامسة أم جد جد الميت فإن سئلت عن قول ابن مسعود عن جدتين متحاذيتين على أدنى ما يكون وثلاث جدات متحاذيات على أدنى ما يكون وأربع جدات متحاذيات على أدنى ما يكون وخمس جدات متحاذيات على أدنى ما يكون كم الوارثات منهن فقل خمسة الجدتان المتحاذيتان إحداهما أم الأم والأخرى أم الأب فهما وارثتان ومن الثلاث الواحدة وارثة لأن الثلاث منهن على أدنى ما يكون أم أم الأم وأم أم الأب وهما غير وارثين هنا لأنهما يدليان باللتين هما وارثتان والثالثة أم أب الأب فهي الوارثة من الفريق الثاني وكذلك من الفريق الثالث الوارثة واحدة وهي أم أب أب الأب فأما الثلاث غير وارثات لأن من يدلين بها وارثات، وكذلك من الفريق الرابع الوارثة واحدة فعلى هذه الصورة إذا تأملت تجد الوارثات منهن الخمسة عند ابن مسعود رضي الله عنه على مذهبه في توريث القربى مع البعدى إذا لم تكن البعدي أم القربى أو جدتها فإن سئلت عن عدد من الجدات متحاذيات وارثات كم الساقطات بإزائهن فالسبيل في معرفة ذلك أن تحفظ العدد المذكور بيمينك ثم تطرح اثنتين من ذلك وتحفظهما بيسارك ثم تضعف ما بيسارك بعدد ما بقي بيمينك فما بلغ فهو مبلغ جملة العدد والوارثات من ذلك عدد معلوم إذا رفعت ذلك من الجملة فما بقي عدد الساقطات بيانه إذا قيل ثلاث جدات متحاذيات وارثات كم الساقطات بإزائهن فالسبيل أن تحفظ الثلاث بيمينك ثم تطرح من ذلك اثنتين فتحفظهما ثم تضعف ما بيسارك بعدد ما بقي في يمينك وهو الواحدة فإذا أضعفت الاثنتين(29/316)
ص -150- ... مرة تكون أربعة فكان عدد الجملة أربعا ثلاث منهن وارثات والساقطة واحدة فالوارثات أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب والساقطة أم أب الأم، فإن قيل: أربع جدات وارثات متحاذيات كم بإزائهن من الساقطات فالسبيل أن تأخذ الأربع بيمينك ثم تطرح من ذلك اثنتين وتأخذهما بيسارك ثم تضعف ما بيسارك بعدد ما في يمينك فإذا ضعفت الاثنتين مرتين يكون ثمانية فإذا كان الوارثات منهن أربعا عرفت أن الساقط بإذائهن أربعا، فإن قال خمس جدات وارثات متحاذيات كم بإزائهن من الساقطات فهو على نحو ذلك فإنك تضعف الاثنتين ثلاث مرات فيكون خمس منهن وارثات والبواقي ساقطات.
فإن قال: ست جدات متحاذيات وارثات فهو على هذا القياس أيضا تضعف الاثنتين أربع مرات فيكون ذلك اثنين وثلاثين فهو عدد الجملة ستة عشر منهن من قبل الأم وستة عشر من قبل الأب.
وليس في اللاتي من قبل الأم الوارثات إلا واحدة وهي أم أم الأم إلى أن تذكر ستة عشر مرة وفي اللاتي من قبل الأب الوارثات خمسة وهن من لا يدخل في نسبهن إلى الميت أب بين أمين ومن سواهن ساقطات وما كان من هذا النحو فطريق تخريجه ما بينا والله أعلم بالصواب.
باب أصحاب المواريث(29/317)
قال رضي الله عنه: أصحاب المواريث بالاتفاق صنفان أصحاب الفرائض والعصبات فأصحاب الفرائض اثنا عشر نفرا أربعة من الرجال وثمانية من النساء فالرجال الأب والجد والزوج والأخ لأم. والنساء الأم والجدة والبنت وبنت الابن والأخت لأب وأم والأخت لأب والأخت لأم والزوجة فستة من هؤلاء صاحب فرض في عموم الأحوال وهم الزوج والأخ لأم والأم والجدة والأخت لأم والزوجة وستة يتردد حالهم بين الفريضة والعصوبة وهم الأب والجد والبنت وبنت الابن والأخت لأب وأم والأخت لأب وأما العصبات لا يحصون عددا ولكن يحصون جنسا وهم أصناف ثلاثة عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره فأما العصبة بغيره والعصبة مع غيره فقد تقدم بيانهما، وهذا الباب لبيان من هو عصبة بنفسه وهو الذكر الذي لا يفارقه الذكور في نسبة إلى الميت فأقرب العصبات الابن ثم بن الابن وإن سفل ثم الأب ثم الجد أب الأب وإن علا ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم بن الأخ لأب وأم ثم بن الأخ لأب ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم بن العم لأب وأم ثم بن العم لأب ثم عم الأب لأم ثم عم الأب لأب ثم بن عم الأب لأب وأم ثم بن عم الأب لأب ثم عم الجد هكذا والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أبقت الفرائض فلأولى رجل" ذكر معناه فلا قرب رجل ذكر والابن أقرب إلى الميت من الأب لأن الابن تفرع من الميت فالميت أصله والأب تفرع منه الميت فهو أصل له واتصال الفرع بالأصل أظهر من اتصال الأصل بالفرع.
ألا ترى أن الفرع يتبع الأصل فيصير مذكورا بذكر الأصل، والأصل لا يصير مذكورا(29/318)
ص -151- ... بذكر الفرع فإن البناء والأشجار يدخل في البيع باعتبار الاتصال بالأصل فإذا تبين أن اتصال الفرع بالأصل أظهر عرفنا أن الفرع إلى الأصل أقرب وأيد هذا المعنى قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] معناه: وللولد ما بقي فعرفنا أن الابن أقرب في العصوبة من الأب ثم بن الأب لأن سببه البنوة وقد بينا أن الاعتبار بالسبب دون الشخص ثم بعده الأب فهو أقرب في العصوبة من الجد والأخوة لأنه يتصل إلى الميت بغير واسطة ثم بعده الجد أب الأب لأن سببه الأبوة وفيه خلاف معروف نبينه في بابه ثم بعده الأخ فإنه أقرب إليه من العم لأن الأخ ولد ابنه والعم ولد جده.(29/319)
فإذا أردت معرفة القرب في الفروع فاعتبر كل فرع بأصله فاتصال الأخ بأخيه بواسطة واحدة واتصال العم به بواسطتين فعرفنا أن الأخ أقرب ثم الأخ لأب وأم أقرب من الأخ لأب وهو مقدم في العصوبة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى بالدين قبل الوصية وبالميراث لبنى الأعيان دون بني العلات" ولأن الأخوة عبارة عن المجاورة في صلب أو رحم والقرب بينهما باعتبار ذلك والأخ لأب وأم جاوره في الصلب والرحم جميعا والأخ لأب جاوره في الصلب خاصة فما يحصل به القرب في جانب الأخ لأب وأم أظهر فهو أقرب حكما ثم الأخ لأب مقدم على بن الأخ لأب وأم لأنه أمس قربا فإنه يتصل بالميت بواسطة واحدة وبن الأخ يتصل به بواسطتين فصار الحاصل في هذا أنهما إذا استويا في الدرجة فمن يكون أظهرهما قربا يكون أولى وإذا تفاوتا في الدرجة فمن يكون أمسهما قربا أولى ثم من بعدهم العم ثم عم الأب على هذا القياس وإنما يختلفون في مولى العتاقة فقال علي وزيد رضي الله عنهما مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام وهو قول علمائنا رحمهم الله، وقال ابن مسعود: ومولى العتاقة مؤخر عن ذوي الأرحام، وكذلك الخلاف فيما إذا كان هناك صاحب فرض مع مولى العتاقة فعندنا وهو قول علي وزيد مولى العتاقة مقدم على الرد، وعند ابن مسعود رضي الله عنه مؤخر عن ذلك، بيانه فيما إذا ترك ابنة ومولى العتاقة فعندنا للابنة النصف والباقي لمولى العتاقة وعن ابن مسعود الباقي رد عليها ولا شيء لمولى العتاقة واستدل في ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أي بعضهم أقرب إلى بعض ممن ليس له رحم والميراث يبنى على القرب وروينا في أول العتاق أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد فساومه الحديث إلى أن قال وإن مات ولم يدع وارثا كنت أنت عصبته فقد شرط في توريث مولى العتاقة أن لا يدع المعتق وارثا وذووا الأرحام من جملة الورثة،(29/320)
والمعنى فيه: هو أن هذا نوع ولا يستحق به الميراث فيعتبر بولاء الموالاة وبحقيقته هو أن الأصل في التوريث القرابة وبإدلاء لا تثبت القرابة ولكن الولاء شبيه بالقرابة شرعا قال عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وما تشبه بالشيء لا يكون معارضا لحقيقته فكيف يترجح على حقيقته بل إنما يعتبر ما يشبه الشيء في الحكم عند انعدام حقيقة ذلك الشيء والدليل على أن الولاء أضعف أنه يحتمل الرفع في الجملة.(29/321)
ص -152- ... ألا ترى أنه إذا كان الولد مولى لمولى الأم فظهر له ولاء في جانب الأب انعدم به الولاء الذي كان لعموم الأم والقرابة لا تحتمل الرفع بحال وكذلك يستحق الإرث بالقرابة من الجانبين وبالولاء لا يستحق من الجانبين فالمعتق لا يرث من المعتق شيئا وعليه يخرج الزوجية فإنها وإن كانت تحتمل الرفع فالإرث بها من الجانبين وهذا لأن الزوجية أصل فإن القرابات تتفرع منها فحكم الفرع يثبت للأصل وإن انعدم فيه معناه كما يعطى لبيض الصيد حكم الصيد في حق المحرم وإن انعدم فيه معنى الصيد ثم إذا ادعينا هذا فيما ينبني على القرب وهو العصوبة فالزوجية لا تستحق العصوبة فتخرج على ما ذكر.(29/322)
وحجتنا في ذلك ما روى أن ابنة حمزة أعتقت عبدا ثم مات العبد وترك ابنة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف ماله لابنته والباقي لابنة حمزة فهو نص في أن مولى العتاقة مقدم على الرد ودليل على أنه مقدم على ذوي الأرحام فمن ضرورة كون المعتق مقدما على الرد أن يكون مقدما على ذوي الأرحام وبهذا يتبين أن معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "وإن مات ولم يدع وارثا هو عصبة" وقد أشار إلى ذلك بقوله: "كنت أنت عصبته" ولم يقل كنت وارثه، وفي هذا التنصيص على أن مولى العتاقة عصبة والعصبة مقدم على ذوي الأرحام فأما قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فسبب نزوله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخا بين الأنصار والمهاجرين فكانوا يتوارثون بذلك فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بهذه الآية وبين أن الرحم مقدم على المؤاخاة والولاء وبه نقول وهذا لأن مولى الموالاة بمنزلة الموصى له بجميع المال فالاستحقاق لا يثبت له بعقد يحتمل الرفع والفسخ فيكون ضعيفا جدا والمعنى في المسألة أن ولاء العتاقة بمنزلة الأبوة صورة ومعنى أما من حيث الصورة فلأن المعتق ينسب إلى معتقه بالولاء كما ينسب الابن إلى أبيه بالولادة وأما من حيث المعنى فلأن الوالد كان سبب إيجاد ولده والمعتق سبب إحياء المعتق من حيث أن الرق تلف والحرية حياة الإنسان بصورته ومعناه فالمعتق سبب لإيجاد معنى الإنسانية في المعتق وهو صفة المالكية وبه باين الإنسان سائر الحيوانات فعرفنا أنه في المعنى بمنزلة الوالد.(29/323)
ألا ترى هذا المعنى يوجد من الأعلى خاصة دون الأسفل بخلاف الولادة فحقيقة العصبة هناك تشمل الجانبين فلهذا يثبت هناك الأرث من الجانبين وهنا يثبت من الجانب الأعلى ثم أقوى ما يستحق بالولاء العصوبة فإذا انعدمت يقام الولاء مقامها في استحقاق العصوبة به، وإذا تبين بهذا المعنى أن المستحق بالولاء العصوبة قلنا تقديم العصوبة على ذوي الأرحام ثابت بالنص والإجماع، واختلفوا في ابني عم أحدهما لأخ لأم فنبين صورة المسألة أولا ثم نذكر حكمه فنقول أخوان للأكبر منهما امرأة ولد بينهما بن ثم مات الأكبر فتزوجها الأصغر وولد بينهما بن ثم مات الأصغر وله بن من امرأة أخرى ثم مات بن الأكبر فقد ترك ابني عم وهما ابنا الأصغر أحدهما أخوه لأمه، فأما بيان الحكم فنقول على قول علي وزيد للأخ لأم السدس والباقي بينهما نصفان بالعصوبة وهو قول علمائنا. وقال ابن مسعود: المال(29/324)
ص -153- ... كله لابن العم الذي هو أخ لأم. وعن عمر فيه روايتان أظهرهما كما هو قول ابن مسعود رضي الله عنه.
وجه قوله: أن بن العم الذي هو أخ لأم أظهرهما قربا فيكون هو أحق بجميع المال كما لو ترك أخوين أحدهما لأب وأم والآخر لأب وبيان هذا لوصف القرب باعتبار الاتصال فابن العم الذي هو أخوه لأمه يتصل به من الجانبين من جانب الأب ومن جانب الأم واتصال الآخر به من جانب واحد فعرفنا أنه أظهرهما قربا، والدليل عليه أن العمومة والأخوة في المعنى سواء.(29/325)
ألا ترى أن في كل واحد منهما يترجح الذي لأب وأم على الذي لأب فإذا استويا كان لابن العم الذي هو أخ لأم سببان للميراث الفريضة بالأخوة لأم والعصوبة بالعمومة ويرث بكل واحد من السببين ويجعل اجتماع السببين في شخص واحد كوجودهما في شخصين فيستحق السدس بالفريضة ثم يزاحم الآخر فيما بقي بالعصوبة وهذا لأن الترجيح مما لا يصلح علة للاستحقاق بانفراده فأما ما يصلح علة للاستحقاق بانفراده لا يقع به الترجيح وقد بينا ذلك في الجراحات والشهادات ولذلك يترجح أحد الجانبين على الآخر بزيادة وصف وهو معنى القوة في التأثير ولا يترجح قياسان على قياس واحد إذا عرفنا هذا فنقول كل واحد من السببين هنا معتبر في الاستحقاق بانفراده فلا يقع الترجيح بأحدهما بخلاف الأخوة والسبب هناك واحد وهو الأخوة والأخوة لأم في معنى زيادة الوصف في الأخوة لأب فيجوز أن يحصل به الترجيح فأما هنا الأخوة لأم لا يمكن أن تجعل زيادة في وصف العمومة فلا بد من أن تجعل سببا للاستحقاق بانفراده فلا يقع به الترجيح وبيان ذلك أن العمومة باعتبار المجاورة في صلب الجد وباعتبار المجاورة في رحم الجدة لا تستحق الفريضة فلا يمكن أن تجعل المجاورة في رحم الأم موجبا زيادة وصف في معنى المجاورة في صلب الجد فأما الأخوة مجاورة في صلب الأب فيمكن أن تجعل المجاورة في رحم الأم موجبا لتلك المجاورة زائدا في وصفها فلهذا يرجح الأخ لأب وأم على الأخ لأب.(29/326)
ولو ترك أخوين لأم وأخا لأب فإن للأخوين لأم الثلث بينهما نصفان والباقي كله للأخ لأب ولا يرجح الأخ لأب هنا على الآخرين بخلاف ما سبق لأن بالأخوة لأم تستحق الفرضية واستحقاق الفرضية ليس ينبنى على القرب ولا مزاحمة بين العصبة وصاحب فرض بل صاحب الفرض مقدم على العصبة كما قال عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر" فلهذا لا يجعل الأخ لأب وأم مرجحا على الأخ لأم بل يعطي الأخ لأم فرضه وهو السدس فأما الأخوة لأب يستحق بها العصوبة وفي العصبات الأقرب يترجح فجعلنا الأخوة لأم في معنى زيادة وصف ورجحنا به الأخ لأب وأم على الأخ لأب، ولو ترك أخوين لأم أحدهما بن عم وصورته ما ذكرنا إلا أن لتلك المرأة ولد آخر من غير الأخوين، فإذا مات ولد الأصغر فقد ترك أخوين لأم أحدهما بن عمه فللأخوين لأم الثلث بينهما نصفان،(29/327)
ص -154- ... وما بقي كله للذي هو ابن عم أما على قول علي وزيد فظاهر وعلى قول ابن مسعود رضي الله عنه فلأنه يجعل العمومة كالأخوة وقد بينا أن الأخوين لأم إذا كان أحدهما أخا لأب لا يستحق الترجيح لجميع المال فكذلك لأخوان لأم إذا كان أحدهما ابن عم، ولو ترك ابني عم أحدهما أخ لأم وأخوين لأم أحدهما بن عم وصورته فيما ذكرنا فعلى قول علي وزيد رضي الله عنهم الثلث بين الأخوين لأم نصفين والباقي بين ابني العم بالسوية نصفين فتكون القسمة من ستة. وعلى قول ابن مسعود: للأخ لأم الذي ليس بابن عم السدس والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم ولا شيء لابن العم الآخر، ولو ترك ثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم وثلاثة أخوة لأم أحدهما بن عم وصورته فيما ذكرنا فعلى قول علي وزيد رضي الله عنهما للأخوة للأم الثلث بينهم بالسوية، والباقي بين بني الأعمام أثلاثا بالسوية فتكون القسمة من تسعة، وعلى قول ابن مسعود رضي الله عنه الثلث للأخوين للأم اللذين ليسا بابن عم بينهما نصفان والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم ولا شيء للآخرين.(29/328)
واختلف الفرضيون رحمهم الله على قول ابن مسعود رضي الله عنه في فصلين أحدهما إذا ترك بن عم لأب وأم وبن عم لأب هو أخ لأم فقال يحيى بن آدم على قياس قول ابن مسعود رضي الله عنه المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم لأنه يجعل العمومة كالأخوة وبن العم الذي هو أخ لأم عنده في معنى الأخ لأب وأم فيكون مقدما في العصوبة على بن العم لأب وأم. وقال الحسن بن زياد على قياس قول ابن مسعود رضي الله عنه للأخ للأم السدس هنا والباقي كله لابن العم لأب وأم كما هو مذهب علي وزيد رضي الله عنهما لأنه إنما يترجح العمومة بالأخوة لأم عند الاستواء في معنى العمومة وما استويا هنا فإن العم لأب وأم في العصوبة مقدم على بن العم لأب وعنده العمومة قياس الأخوة وفي الأخوة بقرابة الأم إنما يقع الترجيح عند المساواة في الأخوة من جانب الأب لا عند التفاوت فكذلك في العمومة.
الفصل الثاني: إذا ترك ابنة وابني عم أحدهما أخ لأم فعلى قول علي وزيد رضي الله عنهما للابنة النصف والباقي بين ابنى العم نصفين لأن الأخوة لأم لا يستحق بها شيء مع الابنة فوجودها كعدمها فأما على قول ابن مسعود رضي الله عنه فقد قال بعضهم الجواب هكذا لأن الترجيح بالأخوة لأم عنده إنما يقع في موضع يستحق بالأخوة لأم عند الانفراد ومع البنت لا يستحق الأخوة لأم شيئا فلا يصح بها الترجيح.
وقال محمد بن نصر المروزي على قياس قول ابن مسعود للابنة النصف والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم لأن الابنة لما أخذت فريضتها فقد خرجت من الوسط فيجعل الباقي في حق الأخوين بمنزلة جميع التركة لو لم يكن هناك ابنة وعنده في جميع التركة بن العم الذي هو الأخ لأم مقدم على الآخر فكذلك في الباقي هنا.
وروى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال في هذه المسألة على قول ابن مسعود للابنة النصف ولا شيء للأخ لأم بل الباقي كله للأخ الذي هو ابن عم قال عطاء رضي الله(29/329)
ص -155- ... عنه: وهذا غلط لا وجه له لأن أكبر ما في الباب أن يسقط أخوته لأم باعتبار الابنة فبقي مساويا للآخر في أنه ابن عم، ولو تركت المرأة ابني عم أحدهما زوجها فللزوج النصف والباقي بينهما نصفان بالعصوبة أما على قول زيد فلا يشكل وكذلك عند ابن مسعود، لأن الزوجية لا تصلح مرجحة للقرابة إذ لا مجانسة بينهما صورة ولا معنى.
ولو تركت المرأة ثلاثة بنى عم أحدهم زوجها والآخر أخوها لأمها فعلى قول علي وزيد للزوج النصف وللأخ لأم السدس والباقي بينهم أثلاثا بالسوية. وعلى قول عبد الله للزوج النصف والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم لأنه بمنزلة الأخ لأب وأم عنده فيرجح بالعصوبة على الأخوين والله أعلم بالصواب.
باب فرائض الجد
قال رحمه الله: قال أبو بكر الصديق وعائشة وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعمران بن الحصين وأبو الدرداء وعبد الله بن الزبير، ومعاذ بن جبل رضوان الله عليهم أجمعين الجد عند عدم الأب يقوم مقام الأب في الإرث والحجب حتى يحجب الأخوة والأخوات من أي جانب كانوا وهو قول شريح وعطاء وعبد الله بن عتبة وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله إلا في فصلين زوج وأم وجد وامرأة وأم وجد فللأم فيهما ثلث جميع المال.
ولو كان مكان الجد أبا كان لها ثلث ما بقي، وذكر أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أن على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للأم في هذين الموضعين ثلث ما بقي أيضا وهكذا روى أهل الكوفة رضي الله عنهم عن ابن مسعود رضي الله عنه للأم في زوج وأم وجد أن للأم ثلث ما بقي أو سدس جميع المال.(29/330)
وروى أهل البصرة عن عبد الله بن عباس أن للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان وهي إحدى مربعات عبد الله وروى عن زيد بن هارون عن عبد الله في امرأة وأم وجد أن للمرأة الربع والباقي بين الأم والجد نصفين والرواة كلهم غلطوا زيدا في هذه الرواية فقالوا إنما قال عبد الله هذا في زوج وأم وجد وكيلا يكون في ذلك تفضيلا للأم على الجد وهذا لا يوجد في جانب المرأة فإن الأم وإن أخذت ثلث المال كاملا يبقى للجد خمسة من اثنى عشر فلا يؤدي إلى تفضيل الأنثى على الذكر ولا إلى التسوية بينهما.
وقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود الجد يقوم مقام الأب في الإرث مع الأولاد ويقوم مقام الأب في حجب الأخوة والأخوات لأم فأما في حجب الأخوة والأخوات لأب وأم فلا ولكن يقاسمهم ويجعل هو كأحد الذكور منهم وبه أخذ سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي رحمهم الله، إلا أن زيدا كان يقول يقاسمهم ما دامت المقاسمة خيرا له من ثلث جميع المال فإذا كان الثلث خيرا له أخذ الثلث وكان ما بقي بين الأخوة والأخوات. وقال علي رضي الله عنه: يقاسمهم ما دامت المقاسمة خيرا له من سدس المال وإذا كان السدس خيرا له أخذ السدس.(29/331)
ص -156- ... وعن ابن مسعود روايتان: أشهرهما كقول زيد وروى عنه أيضا كقول علي، وعن عمر بن الخطاب كقول أبي بكر الصديق في الجد وعنه كقول زيد إلا في الأكدرية خاصة، وعن عثمان بن عفان كقول علي رضي الله عنه وعنه كقول زيد إلا في مسألة الخرقاء على ما نبينها، والصحيح أن مذهب عمر رضي الله عنه لم يستقر على شيء في الجد، وروى عن عبيدة السلماني اجتمعوا في الجد على قول فسقطت حية من سقف البيت فتفرقوا فقال عمر رضي الله عنه أبي الله تعالى أن يجتمعوا في الجد على شيء. ولما طعن عمر رضي الله عنه وأيس من نفسه قال اشهدوا أنه لا قول لي في الجد ولا في الكلالة، وإني لم استخلف أحدا وقال علي من أراد أن ينفحم في جراثيم جهنم فليقض في الجد.
وكان الشعبي إذا أراد أحد أن يسأله عن شيء من الفرائض قال هات إن لم يكن أحدا لا حياه الله ولا بياه ليعلم أنهم كانوا يتحرزون عن الكلام في الجد لكثرة الاختلاف فيه، أما حجة من ورث الأخوة مع الجد ما روى عن علي أنه شبه الأخوين بشجرة أنبتت غصنين والجد مع النافلة بشجرة نبت منها غصن فالقرب بين غصني الشجرة أظهر من القرب بين أصل الشجرة والغصن النابت من غصنها لأن بين الغصنين مجاورة بغير واسطة وبين الغصن الثاني وأصل الشجرة مجاورة بواسطة الغصن الأول فعلى هذا ينبغي أن يقدم الأخ على الجد لأن العصوبة تنبني على القرب إلا أن في جانب الجد معنى آخر وهو أولاد يتأيد بذلك المعنى اتصاله بالنافلة وبالولاد يستحق الفرضية من له اسم الأبوة وبهذه الفرضية إنما يستحق السدس قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] فلا ينقص نصيب الجد عن السدس باعتبار الولاد بحال وتأيد بهذا الولاد قرابته من الميت فيكون مزاحما للأخوة ويقاسمهم إذا كانت المقاسمة خيرا له من السدس.(29/332)
يوضحه: أن الولد في حكم الحجب أقوى من الأخوة بدليل حجب الزوج والزوجة بالولد دون الأخوة وحجب الأم إلى السدس بالولد الواحد دون الأخ ثم الولد لا ينقص نصيب الجد عن السدس بحال كان أولى والمروي عن زيد بن ثابت أنه شبه الأخوين بواد تشعب منه نهران والجد مع النافلة بواد تشعب منه نهر ثم تشعب من النهر جدول فالقرب بين النهرين يكون أظهر منه بين الجدول وأصل الوادي وهذا يوجب تقديم الأخوة على الجد إلا أن في جانب الجد معنى الولاد وبه يسمى أبا ولكنه أبعد من الأب الأول بدرجة فيجعل هو فيما يستحق في الولاد بمنزلة الأم من حيث أنه يقام البعد بدرجة مقام نقصان الأنوثة في الأم والأم عند عدم الولد تستحق ثلث جميع المال فكذلك الجد بالولاد يستحق ثلث جميع المال إذ الجد مع الجدة بمنزلة الأب مع الأم فكما أن نصيب الأم عند عدم الولد ضعف نصيب الأم وذلك الثلثان فكذلك نصيب الجد عند عدم الولد ضعف نصيب الجدة ونصيب الجدة السدس لا ينقص عن ذلك فنصيب الجد الثلث لا ينقص عن ذلك، وحجتهم من حيث المعنى أن الجد والأخ استويا في الإدلاء فكل واحد منهم يدلى للميت بواسطة الأب ثم(29/333)
ص -157- ... للأخ زيادة ترجيح من وجه وهو أنه يدلى بواسطة الأب بالبنوة والجدودية تدلي إلى الميت بواسطة الأب بالأبوة والبنوة في العصوبة مقدم على الأبوة.
ألا ترى أن من ترك أبا وابنا كانت العصوبة للابن دون الأب ولكن في جانب الأب ترجيح من وجه آخر وهو الولاد مقدم في الاستحقاق حتى يستحق به الفريضة وصاحب الفريضة يتقدم على العصبة فقلنا في الفرض المستحق بالولاد يجعل الجد مقدما وإذا آل الأمر إلى العصوبة يعتبر الإدلاء وهما مستويان في ذلك ولكل واحد منهما ترجيح من وجه فيقع التعارض ويكون المال بينهما بالمقاسمة بمنزلة الأخوين لأب وأم أو لأب ولهذا لا تثبت المزاحمة لأولاد الأم مع الجد لأن إدلاءهم بالأم ولا تأثير لقرابة الأم في استحقاق العصوبة بها والمساواة باعتبار التساوي في الإدلاء. قال الشافعي: ولهذا قلت إذا مات المعتق وترك أخا المعتق لأبيه وأمه وجده فالمال بينهما نصفان لأنه معتبر بالفرضية في الميراث بالولاء وقد استويا في معنى العصوبة فيستويان في الاستحقاق على كل حال قل الباقي لهما أو كثر، فأما أبو حنيفة احتج بما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول ألا يتق الله زيد بن ثابت يجعل بن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا؟ ومعنى هذا الكلام أن الاتصال بالقرب من الجانبين يكون بصفة واحدة لا يتصور التفاوت بينهما بمنزلة المماثلة بين مثلين والأخوة بين الأخوين فإذا كان في الموضع الذي كان الجد ميتا يجعل بن الابن قائما مقام الابن في حجب الأخوة من أي جانب كانوا وكان معنى القربى والاتصال في جانبه مرجحا فكذلك إذا كان بن بن الميت ميتا يكون الجد قائما مقام الأب في حجب جميع الأخوة ويكون اتصاله وقربه إلى الميت بالميت مرجحا لأن الاتصال واحد لا يعقل التفاوت بين الجانبين بوجه، والدليل عليه أن الجد عند عدم الأب يستحق اسم الأبوة قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] ومن كنت ابنه فهو أبوك وقال جل جلاله: {قَالُوا(29/334)
نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 133] وكان إبراهيم جدا وقال عز وجل: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: 38] وكانا جدين له وكذلك أيضا في الحكم فالجد له من الولاية عند عدم الأب ما للأب حتى أن ولايته تعم المال والنفس جميعا بخلاف الأخوة والخلافة في الإرث نوع ولاية وكذلك الجد في استحقاق النفقة مع اختلاف الدين بمنزلة الأب بخلاف الأخوة والنفقة صلة كالميراث وكذلك الجد في حكم حرمة وضع الزكاة وحرمة قبول الشهادة وحرمة حليلته كالنافلة والمنع من وجوب القصاص عليه بقتل النافلة وثبوت حق التملك له بالاستيلاد قائم مقام الأب بخلاف الأخوة فإذا جعل هو في جميع الأحكام بمنزلة الأب فكذلك في حجب الأخوة، وبعد ما تقرر هذا المعنى فلا معتبر بالقرب لأن استحقاق المال بالعصوبة وهي لا تبني على القرب فابنة الابنة أقرب من ابن العم ومن مولى العتاقة ثم الميراث بالعصوبة لابن العم ومولى العتاقة دون ابنة الابنة فكذلك هنا، إذا عرفنا هذا رجعنا إلى بيان مذهب الذين قالوا بتوريث الأخوة والأخوات مع الجد فقد فرغنا من بيان قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن قال بقوله فنقول: أما(29/335)
ص -158- ... على مذهب زيد الجد يقاسم الأخوة والأخوات ما دامت المقاسمة خيرا له من ثلث جميع المال أو كانا سواء فإن كان الثلث خيرا له فإنه يعطي الثلث ثم الباقي بين الأخوة والأخوات.
ومن مذهبه أن يعتد بالأخوة والأخوات لأب مع الأخوة والأخوات لأب وأم في مقاسمة الجد فإذا أخذ الجد نصيبه رد الأخوة والأخوات لأب على الأخوة والأخوات لأب وأم جميع ما أصابوا إن كان أولاد الأب والأم ذكورا أو مختلطين فإن كانوا إناثا فإنهم يردون على البنتين إلى تمام الثلثين وعلى الواحدة إلى تمام النصف وينبنى على هذا مسألة العشرية وصورتها أخت لأب وأم وأخ لأب وأم وأخ لأب وجد فعلى قول زيد بن ثابت المال بينهم بالمقاسمة لأن بالمقاسمة نصيب الجد خمسا المال وهو خير له من الثلث فيكون أصل الفريضة من خمسة للجد سهمان وللأخ سهمان وللأخت سهم ثم الأخ لأب يرد على الأخت لأب وأم إلى تمام النصف وذلك سهم ونصف ما أصابه فانكسر بالأنصاف فاضعفه فيكون عشرة للجد أربعة وللأخت لأب وأم بعد الرد خمسة والباقي للأخ لأب سهم واحد وهذا السهم الواحد هو عشر المال فلهذا سميت المسألة عشرية زيد ومن مذهبه أنه إذا اجتمع مع الجد والأخوة أصحاب الفرائض يوفر على أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر للجد إلى المقاسمة وإلى ثلث ما بقي وإلى سدس جميع المال فأي ذلك خيرا للجد أعطي ذلك والباقي للأخوة والأخوات ومن مذهبه أن الأخوات المفردات لا يكن من أصحاب الفرائض مع الجد ولكن يصرن عصبة بالجد ويكون الحكم المقاسمة بينهن وبين الجد إلا في مسألة الأكدرية خاصة فإن جعل الأخت فيها صاحبة فرض لأجل الضرورة وصورتها امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وأختا لأب وأم وجدا فللزوج النصف ثلاثة من ستة وللأم الثلث سهمان وللجد السدس سهم وللأخت النصف ثلاثة تعول بثلاثة وإنما جعل الأخت هنا صاحبة فرض لأجل الضرورة فإنه لم يبق بعد نصيب أصحاب الفرائض إلا السدس فإن جعل ذلك للجد صارت الأخت محجوبة بالجد وهذا(29/336)
خلاف أصله وإن جعل ذلك بينهما بالمقاسمة انتقص نصيب الجد عن السدس، ومن مذهبه أنه لا ينقص نصيبه عن السدس باعتبار الولاء بحال وإسقاط الأخت بالجد متعذر أيضا لأنها صاحبة فرض عند عدم الولد بالنص وفريضتها النصف فلهذه الفريضة جعلها صاحبة فرض هنا ثم ينضم نصيب الأخت مع نصيب الجد وهو أربعة من تسعة فيكون مقسوما بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فانكسر بالأثلاث فاضربه تسعة في ثلاثة فيكون سبعة وعشرين كان للزوج ثلاثة مضروبة في ثلاثة فتكون تسعة وكان للأم سهمان مضروبان في ثلاثة فيكون ستة وكان نصيب الأخت والجد أربعة مضروبة في ثلاثة فيكون اثني عشر للجد ثمانية وللأخت أربعة وإنما جعله كذلك لأن أصحاب الفرائض لما خرجوا من الوسط صار الباقي في حقهما بمنزلة جميع التركة فإنا إنما جعلنا الأخت صاحبة فرض لأجل الضرورة والثابت بالضرورة يتعذر بقدر الضرورة وقد انعدمت الضرورة فيما أصابهما فيبقى المعتبر المقاسمة فيما بينهما. ولو كان مكان الأخت أخا لم تكن المسألة أكدرية بل سدس الباقي كله للجد ولا شيء للأخ(29/337)
ص -159- ... لأن استحقاق الأخ بالعصوبة فقط وللعصبة ما يبقى من أصحاب الفرائض فإذا لم يبق شيء كان الأخ محروما لانعدام محل حقه بخلاف الأخت، وكذلك إن كان مكان الأخت الواحدة أختين أو أخا وأختا لم تكن المسألة أكدرية لأنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس فيكون الباقي الثلث، فإن كان مع الجد أختان فالمقاسمة والسدس للجد سواء وإن كان أخا وأختا فالسدس خير له فيأخذ السدس والباقي بين الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وإنما لقبت هذه المسألة بالأكدرية لأنه تكدر فيها مذهب زيد فاضطر إلى ترك أصله وقيل إن عبد الملك بن مروان ألقاها على فقيه كان يلقب بالأكدر فأخطأ فيها على قول زيد وقيل لأن الميت الذي وقعت هذه الحادثة في تركته كان يلقب بالأكدر.(29/338)
ومن مذهب زيد: أن البنات مع الجد كغيرهن من أصحاب الفرائض والجد يكون عصبة معهن ومن مذهبه أن يجوز تفضيل الأم على الجد، وبهذا كله أخذ سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وعليه الفتوى إلا أن بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله استحسنوا في مسائل الجد الفتوى بالصلح في مواضع الخلاف وقالوا إذا كنا نفتي بالصلح في تضمين الأخير المشترك لاختلاف الصحابة فالاختلاف هنا أظهر فالفتوي بالصلح فيه أولى، فأما بيان مذهب علي رضي الله عنه فنقول إنه يقاسم الأخوة والأخوات ما دامت المقاسمة خيرا له من السدس أو كانا سواء فإذا كان السدس خيرا له أخذ السدس ثم الباقي بين الأخوة والأخوات ومن مذهبه أنه لا يعتد بالأخوة والأخوات لأب مع الأخوة والأخوات لأب وأم في مقاسمة الجد، ولكن يعتد بهم إذا انفردوا عن الأخوة والأخوات لأب وأم ويجعل الجد كأحد الذكور منهم في حكم المقاسمة، ومن مذهبه أنه إذا اجتمع مع الجد والأخوة أصحاب الفرائض سوى البنات فإنه يوفر عليهم فرائضهم ثم ينظر إلى ما بقي فإن كان السدس يعطى للجد وإن كان أقل يكمل له السدس وإن كان أكثر من السدس ينظر للجد إلى المقاسمة وإلى سدس جميع المال فأيما كان خيرا له ذلك والباقي للأخوة، ومن مذهبه أن الأخوات المفردات أصحاب الفرائض مع الجد وفريضة الواحدة منهن النصف وفريضة المثنى فصاعدا الثلثان ومن مذهبه أن مع الابنة الجد صاحب فرض له السدس ولا يكون عصبة بحال، ومن مذهبه أنه يجوز تفضيل الأم على الجد وبهذا كله أخذ بن أبي ليلى وسوى هذا روايتان عن علي رضي الله عنه، أحدهما كقول الصديق رضي الله عنه والأخرى أن المال بين الجد والأخوة بالمقاسمة وإن كان نصيب الجد دون السدس فقد روى أن ابن عباس كتب إليه يسأله عن جد وست أخوة فكتب في جوابه أجعل المال بينهم على سبعة ومزق كتابي هذا إن وصل إليك فكأنه لم يستقر على هذا الفتوى حين أمره أن يمزقه.(29/339)
فأما بيان مذهب عبد الله بن مسعود فمن مذهبه أن الجد يقاسم الأخوة ما دامت القسمة خيرا له من الثلث وافق في هذا زيدا ومن مذهبه أنه لا يعتد بأولاد الأب مع الأولاد لأب وأم في مقاسمة الجد فوافق فيه عليا وقال يعتد بهم إذا انفردوا عن أولاد الأب والأم كما هو(29/340)
ص -160- ... مذهب علي رضي الله عنه فإن اجتمع مع الجد والأخوة أصحاب الفرائض فأهل الحجاز يروون عن عبد الله أنه يعطى أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر للجد إلى ثلاثة أشياء كما هو مذهب زيد فأهل العراق يروون عنه أنه ينظر للجد إلى المقاسمة وإلى السدس كما هو مذهب علي، ومن مذهبه أن الأخوات المفردات أصحاب الفرائض مع الجد وافق فيه عليا ومما تفرد به ابن مسعود ابنة وجد وأخت للابنة النصف والباقي بين الجد والأخت نصفان فهذه من مربعات عبد الله ومما تفرد به زوج وأم وجد للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان فكان لا يفضل أما على جد فهذه من مربعاته أيضا ومما تفرد به أن الأخوات لأب وأم إذا كانوا أصحاب الفرائض مع الجد فلا شيء للأخوة والأخوات لأب سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو مختلطين ولا يعتد بهم في هذه الحالة، وبهذا كله أخذ فقهاء الكوفة علقمة والأسود وإبراهيم النخعي فصار الاختلاف بينهم في الحاصل في ثمان فصول، فالسبيل أن نذكر كل فصل على الانفراد.
أما الفصل الأول: أن على قول زيد وعبد الله تعتبر المقاسمة ما دامت خيرا له من ثلث المال، وعند علي تعتبر المقاسمة ما دامت خيرا له من سدس المال وجه قوله أن الجد إنما امتاز من الأخوه بمعنى الولاء واسم الأبوة وبهذا الاسم والمعنى يختص باستحقاق الفريضة وفريضة الأب بالنص السدس قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] ثم الجد مع الأخوة بمنزلة الأب مع الأولاد لأن الأخ ولد من يدلى به الجد وهو الأب ثم فريضة الأب مع الولد السدس لا ينقص عنه فكذلك فريضة الجد مع الأخوة السدس لا ينقص عن ذلك بحال واعتبار العصوبة لتوفر المنفعة عليه فإذا كانت الفريضة أنفع له قلنا بأنه يعطى فريضته وذلك السدس.(29/341)
وجه قول عبد الله وزيد حديث عمران بن الحصين: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه فقال عليه السلام: "لك السدس" فلما أدبر الرجل دعاه فقال: "لك سدس آخر" وإنما يحمل هذا على أنه كان وقع عنده في الابتداء أن للميت ولدا فجعل له السدس ثم علم أنه لا ولد للميت فجعل له الثلث.
وروى أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة وقال هل سمع منكم أحد من النبي عليه السلام في الجد شيئا فقام رجل وقال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي للجد بالثلث، فقال مع من كان فقال لا أدري فقال لا دريت فقام رجل آخر وقال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للجد بالثلث، فقال مع من كان فقال لا أدري شيئا فقال لا دريت وإنما يحمل هذا على أنه جعل له السدس مع الولد والثلث عند عدم الولد، والمعنى فيه أن الجد مع الجدة بمنزلة الأب مع الأم ثم عند عدم الولد للأم الثلث وكان للجدة نصف نصيب الأم وهو السدس وللأب الثلثان فينبغي أن يكون للجد نصف نصيب الأب وهو الثلث بالولاء كما هو الأصل في جعل حظ الذكر ضعف حظ الأنثى، والدليل عليه أن(29/342)
ص -161- ... الجد يحجب أخوين لأم عن فرضهما وفرضهما الثلث عند عدم الولد وكل وارث يحجب آخر عن فرضه فإنه يستحق ذلك لا محالة فإن معنى حجته في أنه يكون مقدما عليه في فرضه كالولد في حق الزوج والزوجة بخلاف الأخوين مع الأب فإنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولا حظ لهما في ذلك لأنهما غير وارثين مع الأب وكلامنا فيمن يحجب غيره وهو وارث.
والفصل الثاني: أن على قول زيد بن ثابت رضي الله عنه لا يعتد بهم. وجه قول زيد أنه يعتد بهم في مقاسمة الجد عند الانفراد بالاتفاق وإنما يعتد بهم لأنهم يدلون بالأب كما يدلى الجد وهذا المعنى قائم عند وجود الأخوة والأخوات لأب وأم فإن بوجودهم لا يزداد معنى الإدلاء في الجد ولا ينتقص في جانب الأخوة لأب، وتحقيق هذا الكلام أن قرابة الأم في حق الأخوة والأخوات لأب وأم معتبر للترجيح لا للاستحقاق والترجيح عند اتحاد الجهة لا عند اختلاف الجهة ففي حق الجد مع الأخوة الجهة مختلفة لأن الأبوة غير الأخوة فلا معتبر بقرابة الأم في الترجيح مع الجد ولكن يجعلا في المقاسمة كأنهما جميعا أخوة لأب حتى يأخذ الجد نصيبه فيخرج من الوسط ثم صارت الجهة واحدة فيما بين الأخوة لأب وأم والأخوة لأب فيظهر الترجيح عند ذلك بقرابة الأم فيرد الأخوة لأب على الأخوة لأب وأم ما أخذوا لهذا المعنى بمنزلة الأبوين مع الأخوين فالأخوان يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ثم الأب يستحق عليهما ذلك، وأما وجه قول علي وعبد الله أن الجد مع الأخوة لأب وأم يجعل بمنزلة الأخ لأب وأم لا بمنزلة الأخ لأب لأنه لو جعل كالأخ لأب لكان الأخ لأب وأم مقدما عليه وإذا جعل هو كالأخ لأب وأم والأخ لأب وأم يحجب الأخوة لأب فالأخوان لأب وأم لأن يحجبان الأخوة لأب كان أولى وهذا بخلاف ما إذا انفرد الأخوة لأب مع الجد لأن هناك الجد يجعل بمنزلة الأخ لأب بمعنى وهو أن الولاء الذي اختص به الجد معتبر عند الحاجة ولا يعتبر عند عدم الحاجة.(29/343)
ألا ترى أن نصيبه إذا كان بالمقاسمة دون الثلث يعتبر الولاء لكن لا ينتقص حقه عن السدس؟ وإذا كانت المقاسمة خيرا له لا يعتبر الولاء ولكن يعتبر الإدلاء بالأب فهنا مع الأخوة لأب لا حاجة إلى اعتبار الولاء في جانب الجد فلا يعتبر وجود الأخوة لأب وأم ولما قضت الحاجة إلى ذلك ليقوم معنى الولاء في جانبه مقام قرابة الأم في جانب الأخ لأب وأم فكان معتبرا وجعل الجد كالأخ لأب وأم، يوضحه: أن لو قلنا بأنه يعتد بهم في مقاسمة الجد ثم يردون ما أصابهم على الأخ لأب وأم يؤدي إلى تفضيل الأخ لأب وأم على الجد وهذا ساقط بالإجماع فإن الجد لا ينتقص نصيبه عن السدس بحال وقد ينقص نصيب الأخ عن السدس فكيف يجوز تفضيل الأخ على الجد في الميراث؟.
والفصل الثالث: أن الأخوات المفردات أصحاب الفرائض مع الجد عند علي وعبد الله(29/344)
ص -162- ... وعند زيد رضي الله عنه عصبات إلا في الأكدرية. وجه قولهما أن الأنثى إنما تصير عصبة للذكر عند اتحاد السبب فأما عند اختلاف السبب فلا فالسبب في حق الجد غير السبب في حق الأخت فلا تصيرن عصبة به بخلاف الأخ فالسبب واحد في حق الأخ والأخت فتصير الأخت عصبة بالأخ، يوضحه أن الجد لا يعصب من في درجته من الإناث كالجدة فكذلك لا يعصب غيرها بمنزلة بن العم ولأن الأخت مع الجد بمنزلة الابنة من الأب ثم الابنة لا تصير عصبة بالأب فكذلك الأخت لا تصير عصبة بالجد وجه قول زيد أن الجد كأحد الذكور من الأخوة ومعلوم أن الأخت تصير عصبة بالأخ لا باسم الأخوة فذلك موجود في الأخ لأم ولا يجعلها عصبة ولكن إنما تصير بالأخ لكون الأخ عصبة والجد في العصوبة مساو للأخ فتصير الأخت عصبة إلا في الأكدرية فإنها تجعل صاحب فرض لأجل الضرورة كما بينا مع أن الجد في تلك المسألة صاحب فرض فإن له السدس فيكون في تلك المسألة هو بمنزلة الأخ لأم والأخت لا تصير عصبة بالأخ لأم.
والفصل الرابع: بين علي وعبد الله أنه إذا كان هناك أخت لأب وأم وأخ وأخت لأب وجد عند علي للأخت لأب وأم النصف والباقي بين الجد والأخ والأخت لأب بالمقاسمة، وعند عبد الله الباقي كله للجد ولا شيء للأخ والأخت لأب لأن استحقاق الباقي باعتبار العصوبة فيقدم الأقرب والجد هو أقوى سببا من أولاد الأب لأن جانبه زائد بالولاء وقد اعتبر الولاء هنا لمكان الأخت لأب وأم فإن قرابة الأم اعتبرناها في جانبها حين جعلناها صاحبة فرض إذ لو لم يعتبر قرابة الأم لكانت هي عصبة بالأخ لأب وإذا اعتبر قرابة الأم في جانبها يعتبر الولاء في جانب الجد فيكون سببه في العصوبة أقوى ويحجب به أولاد الأب بمنزلة الأخ لأب وأم بخلاف ما إذا انفرد أولاد الأب مع الجد لأن هناك يعتبر الولاء في جانب الجد فيكون سببه مثل سبب أولاد الأب.(29/345)
وجه قول علي: أن الأخوة والأخوات لأب يقاسمون الجد في جميع المال فيقاسمونه فيما بقي بعد صاحب الفريضة كالأخ والأخت لأب وأم وهذا لأن الولاء في الجد غير معتبر هنا لأنه لا حاجة إلى اعتباره في إثبات العصوبة للجد مع أولاد الأب فهو وما انفردوا معه سواء.
والفصل الخامس: أنه إذا اجتمع أصحاب الفرائض مع الأخوة والجد فعلى قول زيد يوفر على أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر للجد إلى ثلث ما بقي وإلى المقاسمة وإلى سدس المال وهو بناء على أصله فإنه يعتبر للجد ثلث جميع المال إذا لم يكن هناك صاحب فرض فما بقي هنا كجميع المال هناك فاعتبر المقاسمة وثلث ما بقي إلا أن يكون السدس خيرا له فحينئذ لا ينقص الجد عن السدس لأنه يثبت استحقاق السدس باسم الأبوة بالنص وذلك يتناول الجد، وأما عند علي ينظر إلى المقاسمة وإلى سدس جميع المال بناء على أصله إذا لم يكن هناك صاحب فرض فإنه يعتبر للجد المقاسمة والسدس ولا يعتبر ثلث جميع المال،(29/346)
ص -163- ... فكذلك هنا، وأهل الحجاز يروون عن عبد الله مثل قول زيد أنه يعتبر ثلث ما بقي كما هو أصله إذا لم يكن هناك صاحب فرض فإنه يعتبر للجد ثلث جميع المال وأهل العراق يروون عن عبد الله السدس والمقاسمة هنا كما هو قول علي رضي الله عنه فهو يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما إذا لم يكن هناك صاحب فرض ووجه الفرق أن هناك إنما جعلنا للجد الثلث باعتبار أنه نصف نصيب الأب مع الأم وضعف نصيب الجدة وقد تغير ذلك بوجود أصحاب الفرائض ومتى وقع التغير في فريضة فالأصل فيها المناصفة كما في فريضة الزوج والزوجة وفريضة الأم بالأخوة فلهذا اعتبرنا له السدس والمقاسمة.
يوضحه: أن ثلث ما بقي غير منصوص عليه في الفرائض وإثبات مقدار الفريضة لا يكون بالرأى بخلاف زوج وأبوين وامرأة فإنا إذا جعلنا للأم ثلث ما بقي في زوج وأبوين كان ذلك سدس جميع المال وفي فريضة السدس نص وإذا جعلنا لها ثلث ما بقي بامرأة وأبوين كان ذلك ربع جميع المال وفي فريضة الربع نص فأما لو جعلنا للجد ثلث ما بقي بعد أصحاب الفرائض لا يكون ذلك موافقا لفرض منصوص على كل حال فيكون إثبات فريضة بالرأي.
والفصل السادس: في الابنة مع الجد والأخوة والأخوات فإن على قول علي الجد صاحب فريضة هنا وفريضته السدس، وعند عبد الله بن مسعود وزيد رضي الله عنهما يكون هو عصبة يقاسم الأخوة والأخوات ما بقي بعد نصيب الأبنة فهما يقولان الابنة صاحبة فرض فتكون كغيرها من أصحاب الفرائض والجد عصبة مع سائر أصحاب الفرائض ويقاسم الأخوة والأخوات ما بقي فكذلك مع الابنة.(29/347)
وجه قول علي: أن الجد أب والأب صاحب فرض مع الولد بالنص قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] إلا أنا جعلنا الأب الأدنى مع الابنة عصبة فيما بقي بعد ما جعلناه صاحب فرض فلو أعطينا للجد حكم العصوبة كنا قد سويناه بالأب فحجب الأخوة ولا يزاحمهم وذلك لا يستقيم فلا نجعل له حظا من العصوبة هنا.
والفصل السابع: بين زيد وعبد الله فيما إذا ترك ابنة وجدا وأختا فعلى قول زيد للابنة النصف والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى قول عبد الله الباقي بينهما نصفان لأن كل واحد منهما لو انفرد مع الابنة استحق ما بقي بطريق العصوبة فالأخت مع الابنة عصبة وكذلك الجد فعند الاجتماع الأخت لا تصير عصبة بالجد وإنما يفضل الذكر على الأنثى في العصبة إذا صارت المرأة عصبة بالذكر فأما بدون ذلك فلا وصار هذا كما لو أعتق رجل وامرأة عبدا كان ميراثه بالولاء بينهما نصفين وهذا بخلاف الأخ والأخت لأن الأخت عند وجود الأخ إنما تصير عصبة بالأخ.
ألا ترى أنه لو لم يكن ابنة كانت عصبة بالأخ فكذلك مع وجود الابنة وهنا لو لم توجد الابنة ما كانت الأخت عصبة بالجد فكذلك مع الابنة.(29/348)
ص -164- ... والفصل الثامن: إذا تركت زوجا وأما وجدا فعلى قول زيد وعلي للأم ثلث جميع المال لأن ثلث المال للأم عند عدم الولد ثابت بالنص قال الله تعالى: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] والنقصان عما هو منصوص عليه بالرأي لا يجوز، ثم الأم أقرب من الجد بدرجة والأقرب وإن كان أنثى يجوز تفضيله على الأبعد في الاستحقاق، يوضحه أن النقصان دون الحرمان ويجوز حرمان الجد في موضع ترث الأم فيه الثلث وهو حال حياة الأب فلأن يجوز نقصان نصيب الجد عن نصيب الأم كان أولى. وأما عبد الله ففي إحدى الروايتين عنه للأم ثلث ما بقي وهو سدس جميع المال لأن اسم الأب ثابت للجد ولا يجوز تفضيل الأم على الأب ولا التسوية بينهما في الميراث. وفي الرواية الأخرى قال النصف الباقي بين الأم والجد نصفان لأن الممتنع تفضيل الأنثى على الذكر بسبب الولاء فأما بعد التسوية بينهما غير ممتنع كما في حق الأبوين مع الابن يوضحه أن في جانب الجد فضيلة الأبوة والبعد بدرجة وفي جانب الأم فضيلة القرب بدرجة ونقصان الأبوة فاستويا فيكون الباقي بينهما نصفان.(29/349)
ثم اعلم أن حاصل الكلام في مسائل الجد يدور على ستة مسائل فمن أحكم أقاويل الصحابة فيها يتيسر عليه تخريج ما سواها، والمسائل الست ذكرها محمد رحمه الله في كتاب الفرائض ورواها عن السدي عن إسماعيل عن الشعبي إحداها مسألة الخرقاء وصورتها أخت لأب وأم أو لأب وجد وأم فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا فيها على ست أقاويل على قول أبي بكر الصديق للأم الثلث والباقي للجد ولا شيء للأخت، وعلى قول علي للأم الثلث وللأخت النصف بالفرضية وللجد السدس، وعلى قول زيد: للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى قول عبد الله: للأخت النصف وللأم السدس في رواية والباقي للجد لأنه يجعل نصيب الجد ضعف نصيب الأم كما هو مذهبه في زوج وأم وجد، وفي الرواية الأخرى للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان لأنه لا يرى تفضيل الأم على الجد ويرى التسوية بينهما. والسادس: قول عثمان رضي الله عنه أن المال بين ثلاثتهم أثلاثا. وجواب هذه المسألة بهذه الصفة محفوظ عن عثمان ووجهه أن الأم تستحق الثلث بالنص ولو لم يكن هناك أم لكان للأخت النصف بالفريضة والنصف الآخر للجد، فإذا استحقت الأم الثلث عليهما كان ذلك من نصيبها جميعهما ويبقى حقهما في الباقي سواء فكان المال بين ثلاثتهم أثلاثا وتسمى هذه المسألة الخرقاء لكثرة اختلاف العصبة فيها وتسمى عثمانية لأن قديما جوابها محفوظ عن عثمان وتسمى مثلثة لجعل عثمان المال بينهم أثلاثا وتسمى حجاجية لأن الحجاج ألقاها على الشعبي على ما حكى أن الحجاج لما قدم العراق أتى بالشعبي موثقا بحديد فنظر إليه بشبه المغضب وقال أنت ممن خرج علينا يا شعبي فقال أصلح الله الأمير لقد أجدب الجناب وضاق المسلك واكتحلنا السهر واستجلسنا الحرر، ووقعنا في فتنة لم يكن فيها تروية أتينا ولا فجرية أقويا قال صدق خذوا عنه ما يقول في أم وأخت وجد فقال قد قال فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(29/350)
ص -165- ... ومن هم؟ قال عثمان وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس فقال ما قال فيها الحبر يعنى عبد الله بن عباس قال جعل الجد أبا ولم يعط الأخت شيئا قال وما قال فيها ابن مسعود قال جعل للأخت النصف والباقي بين الأم والجد نصفان قال وما قال فيها زيد قال جعل للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين فقال وما قال فيها أمير المؤمنين يعنى عثمان قال جعل المال بينهم أثلاثا فقال لله در هذا العلم فرده بجميل.
والمسألة الثانية: ملقبة بالأكدرية وصورتها أم وجد وزوج وأخت لأب وأم أو لأب وفيها خمسة أقاويل قول زيد كما بينا وقول الصديق أن للزوج النصف وللأم الثلث على ما رواه محمد بن الحسن والباقي للجد على ما رواه أبو يوسف وأبو ثور للأم ثلث ما بقى والباقي للجد والقول الرابع قول عبد الله أن للزوج النصف وللأخت النصف وللجد السدس وللأم السدس كيلا يؤدي إلى تفضيل الأم على الجد فتعول بسهمين والقسمة من ثمانية وعلى قول علي رضي الله عنه للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس فتعول بثلاثة فتكون القسمة من تسعة وهذا قريب من قول زيد إلا أن على مذهب زيد أن ما يصيب الجد والأخت يجعل بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فتكون القسمة من سبعة وعشرين وعند علي لا يجعل كذلك بل لكل واحد منهما ما أصابه.
والمسألة الثالثة: امرأة وأخت وأم وجد وفيها أربعة أقاويل: قولان للصديق رضي الله عنه أحدهما أن للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي والباقي للجد، والآخر: أن للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي للجد. والثالث: قول علي وزيد أن للمرأة الربع وللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة. والرابع: قول عبد الله أن للمرأة الربع وللأخت النصف والباقي بين الجد والأم نصفان.(29/351)
والمسألة الرابعة: امرأة تركت زوجا وأما وجدا وأخا لأب وأم أو لأب وفيها ثلاثة أقاويل قولان للصديق رضي الله عنه أحدهما للأم ثلث جميع المال، وفي الآخر لها ثلث ما بقي والباقي للجد، والثالث: قول علي وعبد الله وزيد أن للزوج النصف وللأم ثلث جميع المال والباقي للجد ولا شيء للأخ فيكون هذا موافقا لأحد قولى أبي بكر، والقول الآخر فيه لعبد الله أن للزوج النصف والباقي بين الأم والجد نصفان ولا شيء للأخ.
والمسألة الخامسة: امرأة وأم وجد وأخ لأب وأم أو لأب وفيها خمسة أقاويل قولان للصديق كما ذكرنا والثالث قول علي وزيد أن للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي بين الجد والأخ نصفان لأن المقاسمة خير له من السدس فالمقاسمة له سهمان ونصف من اثنى عشر والسدس سهمان والقول الرابع لعبد الله أن للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي والباقي بين الجد والأخ نصفان والخامس قول عبد الله أيضا أن للمرأة الربع والباقي بين الجد والأم والأخ أثلاثا كيلا يؤدي إلى تفضيل الأم على الجد فتكون هذه من مربعاته على هذه الرواية.(29/352)
ص -166- ... والمسألة السادسة: ابنة وأخت وجد وفيها خمسة أقاويل قول الصديق أن للابنة النصف والباقي للجد بالفرض والعصوبة، وقول زيد أن للابنة النصف والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول علي رضي الله عنه للابنة النصف وللجد السدس والباقي للأخت، وقولان لعبد الله أحدهما أن للابنة النصف والباقي بين الأخت والجد نصفان، والقول الآخر أن للابنة النصف وللجد ثلث ما بقي وهو والسدس في المعنى سواء والباقي للأخت فهذا بيان المسائل الستة وما سواها من مسائل الجد يتيسر تخريجها على قياس هذه المسائل والله أعلم بالصواب.
باب الرد(29/353)
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا فضل المال عن حقوق أصحاب الفرائض وليس هناك عصبة من جهة النسب ولا من جهة السبب فإنه يرد ما بقي عليهم على قدر انصبائهم إلا الزوج والزوجة وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه يرد على الزوج والزوجة أيضا كما يرد على غيرهم من أصحاب الفرائض وهو قول جابر بن يزيد. وقال عبد الله بن مسعود: الرد على أصحاب الفرائض إلا على ستة نفر الزوج والزوجة وابنة الابن مع ابنة الصلب والأخت لأب مع الأخت لأب وأم وأولاد الأم مع الأم والجدة مع ذي سهم أيا كان وهو قول أحمد بن حنبل. وقال زيد بن ثابت: لا يرد على أحد من أصحاب الفرائض شيء بعد ما أخذوا فرائضهم ولكن نصيب الباقي لبيت المال وهو رواية عن ابن عباس وبه أخذ الشافعي. وعن ابن عباس في رواية قال يرد على أصحاب الفرائض لا على ثلاثة نفر الزوج والزوجة والجدة، ثم الرد على قول علي وهو مذهبنا يكون بطريقين أحدهما بأن يعطون فرائضهم أولا ثم يرد الباقي عليهم بقدر فرائضهم فتكون القسمة مرتين والأخرى أنه ينظر إلى مقدار فرائضهم فيقسم جميع المال بينهم على ذلك قسمة واحدة وهذا هو الأصح لأنه أبعد عن التطويل، وبيانه فيما إذا ترك أختا لأب وأم وأما فعلى الطريق الأول القسمة الأولى من ستة على مقدار فريضتهما فتكون على خمسة وستة على خمسة لا يستقيم فيضرب ستة في خمسة فتكون ثلاثين منه تصح وعلى الآخر يقسم المال كله بينهما على خمسة ثلاثة أخماسه للأخت وخمساه للأم وهذا إذا لم يخالطهم من لا يرد عليه، فإن خالطهم من لا يرد عليه فحينئذ لا بد من اعتبار القسمتين وبيانه إذا تركت امرأة زوجا وأما وابنة فللزوج الربع وللابنة النصف وللأم السدس بقي سهم من اثنى عشر وهو نصف سدس فيرد على الابنة والأم دون الزوج وإنما يرد عليهما أرباعا فيحتاج إلى أن تضرب اثنى عشر في أربعة فيكون ثمانية وأربعين للزوج الربع وذلك اثنا عشر ثم الباقي وهو ستة وثلاثون(29/354)
بين الأم والابنة للابنة ثلاثة أرباعها وذلك سبعة وعشرون وللأم ربعها وذلك تسعة.
وعلى الطريق الآخر يطلب حساب له ربع ولثلاثة أرباعه ربع وأقل ذلك ستة عشر فيعطى الزوج الربع وذلك أربعة يبقى اثنا عشر للابنة ثلاثة أرباعها تسعة وللأم ربعها ثلاثة، فمن(29/355)
ص -167- ... أصحابنا، رحمهم الله من جعل هذه المسألة بناء على مسألة ذوي الأرحام فإن الرد يكون باعتبار الرحم ولهذا لا يرد على من لا رحم له وهو الزوج والزوجة ومن أصلنا أن الميراث يستحق بالرحم وأن ذوي الأرحام يقدمون على بيت المال فكذلك أصحاب الفرائض فيما بقي يقدمون على بيت المال بالرحم. وعلى قول الشافعي ذووا الأرحام لا يستحقون شيئا ولكن يصرف المال لبيت المال إذا لم يكن هناك صاحب فرض ولا عصبة فكذلك إذا فضل عن حقوق أصحاب الفرائض وليس هناك عصبة قلنا بأنه يجعل ما بقى في بيت المال فالحجة لمن أبى الرد آية المواريث فإن الله تعالى بين نصيب كل واحد من أصحاب الفرائض والتقدير الثابت بالنص يمنع الزيادة عليه لأن في الزيادة مجاوزة الحد الشرعي وقد قال الله تعالى بعد آية المواريث: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} [النساء: 14] الآية، فقد ألحق الوعيد بمن جاوز الحد المشروع وفي الرد عليهم زيادة على ما قدر لكل واحد منهم ثم الرد إنما يكون باعتبار الفريضة أو العصوبة أو الرحم لا يجوز أن يكون باعتبار الفريضة لأنه وصل إلى كل واحد منهم مقدار ما فرض له ولأنه لا يرد على الزوج والزوجة والفريضة لهما ثابتة بالنص ولا يجوز أن يكون باعتبار العصوبة لأن باعتبار العصوبة يقدم الأقرب فالأقرب وفي الرد لا يقدم الأقرب وكذلك الاستحقاق بالرحم في معنى الاستحقاق بالعصوبة يقدم فيه الأقرب فإذا بطلت الوجوه صح أن القول بالرد باطل وأن ما زاد على حق أصحاب الفرائض لا يستحق له من الورثة فيصرف إلى بيت المال، ولا يقال: إن المسلمين يستحقون ذلك بالإسلام فأصحاب الفرائض ساووا المسلمين في الإسلام ويرجحوا بالقرابة لأن وصلة الإسلام بانفراد بناء على الاستحقاق كوصلة القرابة والترجيح لا يصلح بكثرة العلة.(29/356)
وأما ابن مسعود قال: الرد باعتبار الرحم والاستحقاق بالرحم إنما يكون بمعنى العصوبة فيعتبر ذلك بالاستحقاق الثابت بحقيقة العصوبة فلا يثبت ذلك للزوج والزوجة لأن العصوبة باعتبار القرابة أو ما يشبه القرابة في كونه باقيا عند استحقاق الميراث كالولاء والزوجية ليست بهذه الصفة لأنها ترتفع بموت أحدهما إلا أن استحقاق الفرضية بها كان بالنص ففيما وراء المنصوص لا يثبت الاستحقاق لانعدام السبب عند الاستحقاق وكذلك لا يرد على ابنة الابنة مع الابنة لأنهما في الرد بمنزلة الابن وبن الابن فيكون الأقرب مقدما. وكذلك لا يرد على الأخت لأب مع الأخت لأب وأم لأنهما بمنزلة الأخ لأب مع الأخ لأب وأم، وكذلك لا يرد على أولاد الأم مع الأم كما لا تثبت العصوبة لأولاد الأب مع الأب ولا يرد على الجدة مع ذي سهم لأنها تدلى بالأنثى والإدلاء بالأنثى ليس بسبب لاستحقاق العصوبة بحال وقد بينا أن سبب الاستحقاق في حق الجدة ضعيف فلا تثبت المزاحمة بينها وبين من كان سببه قويا في المستحق بالرد، فأما علماؤنا رحمهم الله احتجوا بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] معناه: بعضهم أولى بميراث بعض بسبب الرحم فهذه الآية توجب استحقاق جميع الميراث لكل واحد منهم يوصله الرحم، والآية التي فيها ذكر(29/357)
ص -168- ... الفريضة توجب استحقاق جزء معلوم من المال لكل واحد منهما بالوصف المذكور فيعمل بالآيتين ويجعل لكل واحد منهم فريضة بإحدى الآيتين ثم يجعل ما بقي مستحقا لهم بسبب الرحم بالآية الأخرى ولهذا لا يرد على الزوج والزوجة لانعدام الرحم في حقهما فلا يكون هذا مجاوزة ولئن كان فهو زيادة على النص وذلك جائز ثم كما لا تجوز الزيادة على الحد المحدود شرعا لا يجوز النقصان عنه وبالإجماع ينتقص حق كل واحد منهم عما سمى له عند العول وكان ذلك جائزا لأن فيه عملا بالنصوص بحسب الإمكان وكذلك الرد ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن أبي وقاص يعوده قال أما إنه لا يرثني إلا ابنة لي فأوصى بجميع مالي الحديث إلى أن قال عليه السلام: "الثلث والثلث كثير" فقد اعتقد سعد أن الابنة تكون وارثة في جميع المال ولم ينكر ذلك عليه رسول الله ثم منعه عن الوصية بما زاد على الثلث مع أنه لا وارث له إلا ابنة واحدة فلو كانت لا تستحق الزيادة على النصف بالرد لجوز له الوصية بنصف المال.(29/358)
وفي حديث عمرو بن شعيب عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث الملاعنة من أمها أي ورثها جميع المال ولا يكون ذلك إلا بطريق الرد وفي حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحوز المرأة ميراث لقيطها وعتيقها والابن الذي لوعنت به" والمعنى فيه: أن استحقاق الميراث بطريق الولاية لأن الولاية خلافة والوارث يخلف المورث ملكا وتصرفا حتى أن ما يقطع الولاية كالرق واختلاف الدين يمنع التوارث ولهذا يرث المسلم الكافر بالسبب العام دون السبب الخاص لأن الولاية تثبت للمسلم على الكافر بالسبب العام دون السبب الخاص ولا يرث الكافر المسلم بحال لأن الولاية لا تثبت للكافر على المسلم بحال ولا يدخل عليه استحقاق الصبي والمجنون الإرث وإن لم يكونا من أهل الولاية لأنه إنما انعدم في حق الصبي والمجنون الأهلية للمباشرة والتصرف وما انعدمت الأهلية للملك والوراثة خلافة في الملك ثم وليهما يقوم مقامهما في التصرف فلا يتمكن بسبب الصغر والجنون خلل فيما به تثبت ولاية الإرث إذا ثبت أن الاستحقاق بطريق الولاية قلنا الأقارب ساووا المسلمين في الإسلام وترجحوا بالقرابة لأن استحقاقهم باعتبار معنى العصوبة ومجرد القرابة في حق أصحاب الفرائض لا تكون علة للعصوبة فثبت بها الترجيح بمنزلة قرابة الأم في حق الأخ لأب وأم فإن الترجيح يحصل به لأنه لا يستحق به العصوبة بانفراده، وإذا ترجحوا بقوة السبب في حقهم كانوا أولى بما بقي من سائر المسلمين إلا أن هذا الترجيح بالسبب الذي هو به استحقوا الفريضة فيكون سببا على تلك الفريضة فكما أن أصل الفريضة يسقط باعتبار الأقرب فالأقرب من السبب فكذلك في الاستحقاق بالرد فيسقط اعتبار ذلك فيرد على أهل القرابة جميعا على قدر أنصبائهم، ثم الحاصل أن الرد به على سبعة نفر الابنة وابنة الابن والأم والجدة والأخت لأب وأم والأخت لأب وولد الأم ذكرا كان أو أنثى وقد يكون الرد على واحد منهم وقد يكون على اثنين(29/359)
وقد يكون على ثلاثة وقد يكون على أربعة إلا أن في(29/360)
ص -169- ... الأربعة واحد ممالا يرد عليه لا محالة أما الرد على الواحد فصورته فيما إذا مات وترك ابنة ولا عصبة له فالنصف لها بالفرضية والباقي رد عليها.
وكذلك إذا ترك أما فالثلث لها بالفرضية والباقي رد عليها وصورة الرد على اثنين أن يترك أما وابنة فللأم السدس وللابنة النصف والباقي رد عليها فعلى إحدى الطريقين المال بينهما أرباعا وعلى الطريق الآخر تأخذ الأم سهما من ستة والابنة ثلاثة والباقي وهو سهمان رد عليهما أرباعا فانكسر بالأرباع ولكن بين الاثنين والأربعة موافقة بالنصف فاقتصر على النصف من أحدهما وهو أربعة وذلك اثنان ثم أضرب أصل الفريضة ستة في اثنين فيكون اثنى عشر للابنة النصف ستة وللأم السدس سهمان والباقي وهو أربعة عليهما أرباعا ثلاثة أرباعه للابنة وربعه للأم.(29/361)
ولو ترك ابنة وعشر بنات بن فللابنة النصف ولبنات الابن السدس والباقي رد عليهن فعلى الطريق الأول ثلاثة أرباع المال للابنة والربع لبنات الابن بينهن على عشرة ولا يستقيم فيضرب أربعة في عشرة فيكون أربعين منه تصح المسألة. وعلى الطريق الثاني للابنة النصف ثلاثة من ستة ولبنات الابن سهم بينهن على عشرة لا يستقيم وما بقي رد عليهن أرباعا لا يستقيم فقد انكسر بالأعشار والأرباع ولكن بينهما موافقة بالنصف فتقتصر على النصف من أحدهما ثم نضربه في جميع الآخر وذلك خمسة في أربعة أو اثنان في عشرة فيكون عشرين ثم أضرب أصل الفريضة وهو ستة في عشرين فيكون مائة وعشرين وإن شئت اقتصرت على النصف من أحدهما لوجود الموافقة بالأنصاف فتضرب عشرة في ستة فيكون ستين منه تصح المسألة ولكن هذا يقع فيه الكسر بالأنصاف، وإذا خرجته من مائة وعشرين لا يقع الكسر فإن الابنة تأخذ النصف ستين وبنات الابن السدس عشرين ثم الباقي رد عليهن أرباعا فيحصل لبنات الابن ثلاثون لكل واحد منهن ثلاثة، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الابنة خاصة فيكون من ستة لبنات الابن السدس سهم بينهن على عشرة لا يستقيم فتضرب ستة في عشرة فيكون ستين منه تصح القسمة، ولو تركت ثلاث جدات وعشر أخوات لأب وأم فللجدات السدس وللأخوات الثلثان والباقي رد عليهن فعلى الطريق الأول خمس المال للجدات أثلاثا لا يستقيم وأربعة أخماسه للأخوات بينهن على عشرة لا يستقيم فتضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم تضرب أصل الفريضة وهو خمسة في ثلاثين فيكون مائة وخمسين منه تصح المسألة.(29/362)
وعلى الطريق الثاني أن تجعل أصل المسألة على ستة للجدات السدس بينهن أثلاثا وللأخوات الثلثان بينهن على عشرة لا يستقيم والباقي رد عليهن أخماسا لا يستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم ثلاثين في خمسة فتكون مائة وخمسين ثم تضرب أصل الفريضة وذلك ستة في مائة وخمسين إلا أن للاقتصار هنا وجها فإن بينهما موافقة بالسدس فيقتصر على السدس من مبلغ الرؤوس فذلك خمسة وعشرون، ثم(29/363)
ص -170- ... تضرب ستة في خمسة وعشرين فيكون مائة وخمسين كان للجدات السدس خمسة وعشرون وللأخوات الثلثان مائة والباقي وهو خمسة وعشرون رد عليهن أخماسا فيحصل للجدات ثلاثون بينهن أثلاثا والباقي وهو خمسة بين الأخوات على عشرة لا يستقيم فتضرب ثلاثة في عشرة وللأخوات مائة وعشرون بينهن لكل واحدة منهن اثنا عشر، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الأخوات دون الجدات فيكون للجدات السدس بينهن أثلاثا والباقي وهو خمسة بين الأخوات على عشرة لا يستقيم فتضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم ستة في ثلاثين فيكون مائة وثمانين للجدات السدس وذلك ثلاثون بينهن لكل واحدة عشرة والباقي وهو مائة وخمسون بين الأخوات لكل واحدة خمسة عشر، وصورة الرد على ثلاثة فيما إذا ترك ثلاث أخوات متفرقات فللأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس وللأخت لأم السدس والباقي رد عليهن فعلى الطريق الأول المال مقسوم بينهن أخماسا، وعلى الطريق الثاني أصل المسألة من ستة والسهم الباقي مردود عليهن أخماسا فالسبيل أن تضرب خمسة في ستة فيكون ثلاثين منه تصح المسألة، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الأخت لأب وأم والأخت لأم أرباعا فالسبيل أن تضرب ستة في أربعة فيكون أربعة وعشرين منه تصح المسألة وصورة الرد في فريضة فيها أربعة نفر أن يترك امرأة وأما وابنة وابنة بن للمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس أصله من أربعة وعشرين للمرأة الثمن ثلاثة وللابنة النصف اثنا عشر ولابنة الابن السدس أربعة وللأم السدس أربعة والباقي وهو سهم واحد رد عليهن إلا على المرأة. فعلى الطريق الأول تأخذ المرأة ثلاثة من أربعة وعشرين ثم ما بقي يكون مقسوما بينهن على عشرين للأم أربعة وللابنة اثنا عشر ولابنة الابن أربعة. وعلى الطريق الآخر: الباقي وهو سهم واحد رد على الثلاثة على مقدار حقهم أخماسا فالسبيل أن تضرب أربعة وعشرين في خمسة فيكون مائة وعشرين منه تصح المسألة، وعلى قول ابن مسعود(29/364)
الباقي رد على الابنة والأم أرباعا فإنما تضرب أربعة وعشرين في أربعة فيكون ستة وتسعين منه تصح المسألة وما يكون من هذا النحو فهذا الطريق لتخريجه والله أعلم بالصواب.
باب ولد الملاعنة
قال رضي الله عنه: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت يقولان ولد الملاعنة بمنزلة من لا قرابة له من قبل أبيه وله قرابة من قبل أمه وهو قول الزهري وسليمان بن يسار وبه أخذ علماؤنا والشافعي، وكان ابن مسعود وابن عمر يقولان: عصبة ولد الملاعنة عصبة ولد أمه وبه أخذ عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي حتى قال النخعي إذا أردت أن تعرف عصبة ولد الملاعنة فأمت أمه وانظر من يكون عصبتها فهو عصبة ولد الملاعنة. وعن ابن مسعود في رواية أخرى: عصبة أمه وهي له بمنزلة الأب والأم وهو قول الحكم بن عيينة، واحتج لذلك بما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحرز المرأة ميراث لقيطها وعتيقها والولد الذي لو عنت به ثم هي عصبة لعتيقها" فكذلك لولدها الذي لو عنت به.(29/365)
ص -171- ... وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أم ولد الملاعنة أبوه أمه لأنها ترث جميع ماله إذا لم يكن غيره واستحقاق جميع المال يكون بالعصوبة" فعرفنا أنها عصبته. والحجة لقول إبراهيم ما روى عن داود بن أبي هند قال كتبت إلى صديق لي بالمدينة أن سل من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولد الملاعنة من عصبته فكتب في جوابه أنهم ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عصبته عصبة أمه ولأن الولد مخلوق من المائين وماء الفحل يصير مستهلكا بحضنتها في الرحم ولهذا يتبعها الولد في الملك والرق والحرية وكان ينبغي أن تقدم هي في العصوبة لأن كون الولد مخلوقا من مائها أظهر إلا أن الشرع بنى العصوبة على النسبة والنسبة إلى الآباء دون الأمهات إلا إذا انعدمت النسبة في جانب الأب فحينئذ تكون النسبة إلى الأم.(29/366)
ألا ترى أن الله تعالى نسب عيسى عليه السلام إلى أمه لما لم يكن له أب فكذلك حكم العصوبة المبنى على النسب يثبت لقوم الأم إذا انعدم في جانب الأب وهو نظير ولاء العتق فالأصل فيه قوم الأب فإذا لم يكن له ولا من قبل أبيه صار منسوبا إلى قوم أمه فهذا كذلك وجه قولنا أن في إثبات العصوبة لقوم الأم إبطال الحكم الثابت بالنص وذلك أن الله تعالى شرط لتوريث الأخ لأم أن يكون الميت كلالة مطلقة فعلى ما قالوا إذا مات ولد الملاعنة وترك ابنة وأخا لأم يكون النصف للابنة والباقي للأخ لأم بالعصوبة وتوريث الأخ لأم بدون أن يكون الميت كلالة خلاف النص ولأن العصوبة أقوى أسباب الإرث والإدلاء بالإناث أقوى أسباب الإدلاء فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الإرث وهو العصوبة وهذا بخلاف الولاء فإن استحقاق الولاء باعتبار الإعتاق والأنثى والذكر فيه سواء ثم الولاء بمنزلة النسب والذين قالوا إن قوم الأم في العصوبة ينزلون منزلة قوم الأب عند عدمهم هذا باطل فإنه إذا لم يكن له أحد من قوم أبيه لا تجعل عصبته قوم أمه بالاتفاق وما ذكروا موجود هنا فأما الجدات فنحن نقول به وهو أنها تحرز ميراثه ولكن بالفرضية والرد وليس في الحديث بيان أنها تحرز ميراثه بالعصوبة والمراد بالحديث الآخر أنها في وجوب الإكرام والبر والإكرام في حقه بمنزلة الأب والأم على ما قيل أنه ينبغي للمرء أن يجعل ثلاثة أرباع الإكرام والبر لأمه والربع لأبيه وفي ولد الملاعنة يجعل البر والإكرام كله لأمه وحديث داود بن أبي هند قلنا المراد أن عصبته قوم أبيه في استحقاق الميراث بمعنى العصوبة وهو الرحم لا في إثبات حقيقة العصوبة لهم فكيف ثبت لهم حقيقة العصوبة وإنما يدلون بمن ليس بعصبة ثم لا خلاف في الولد من الزنى إذا كانا توأما أنهما بمنزلة الأخوين لأم في الميراث بمنزلة ما لو كانا غير توأم، واختلفوا في ولد الملاعنة إذا كانا توأما قال علماؤنا والشافعي رحمهم الله كالأخوين لأم، وقال(29/367)
مالك: كالأخوين لأب وأم لأن نسبهما كان ثابتا باعتبار الفراش وإنما خلقا من ماء واحد ثم انقطع نسبهما باللعان لحاجة الولد إلى أن يدفع عن نفسه نسبا ليس منه والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة وهذه الضرورة في قطع النسبة عنه فأما فيما وراء ذلك بقي(29/368)
ص -172- ... الأمر على ما كان وهو إنما خلقا من ماء فحل واحد فكانا أخوين لأب وأم ولأنه إنما يقطع بقضاء القاضي فيما كان محتملا للقطع وهو النسبة إلى الأب فأما ما لا يكون محتملا لذلك وهو كونهما مخلوقين من ماء واحد فالحكم فيه بعد القضاء كما كان قبله وهذا بخلاف ولد الزنى لأن النسب هناك لم يكن ثابتا لانعدام الفراش ولهذا لا يثبت من الزانى وإن ادعاه بخلاف ولد الملاعنة ولأنهما يتصادقان على أن نسبهما ثابت من الأب وانتفى باللعان وأنه في اللعان ونفي النسب ظالم لهما ولأمهما فتصادقهما حجة في حقهما فكانا في الميراث بمنزلة الأخوين لأب وأم، وحجتنا في ذلك أن الأخوة لأب لا تثبت إلا بواسطة الأب ولا أب لهما فكيف تثبت بينهما الأخوة لأب وهو نظير ولد الزنى فإن هناك يتيقن أنهما خلقا من ماء واحد، إذا كانا توأما وسقط اعتبار ذلك لانعدام ثبوت النسب من الأب قوله بأن القاضي هنا قطع النسب فلا كذلك لأن النسب بعد موته لا يحتمل القطع فتبين بقضائه أن النسب لم يكن ثابتا من الملاعن لا أن يقال كان ثابتا فقطع وقوله بأن قضاء القاضي إنما يؤثر في نفي النسبة عن الأب، قلنا: يؤثر في هذا وفيما هو من ضرورته وهو نفي الأخوة بينهما لأن الأخوة لأب لا تتصور بدون الأب كما أن الأخوة لأم لا تتصور بدون الأم، وقوله: إنهما تصادقا على الأخوة لأب وأم قلنا: نعم ولكنهما صارا مكذبين في ذلك بحكم الحاكم والمقر بالشيء إذا صار مكذبا فيه بقضاء القاضي سقط اعتبار إقراره، إذا عرفنا هذا فنقول إذا مات بن الملاعنة وخلف ابنة وأما فللابنة النصف وللأم السدس والباقي رد عليهما أرباعا عند علي رضي الله عنه وهو مذهبنا، وعند زيد الباقي لبيت المال، وفي إحدى الروايتين عن ابن مسعود الباقي للأم بالعصوبة، وفي الرواية الأخرى وهو قول إبراهيم الباقي لأقرب عصبته لأمه، ولو خلف ابنة وأما وأخا توأما فعندنا هذا والأول سواء لأن التوأم أخوه لأمه فلا يرث مع الابنة شيئا.(29/369)
وعلى قول مالك الباقي للتوأم بالعصوبة لأنه بمنزلة أخيه لأبيه، وعلى قول إبراهيم الباقي لأخيه توأما كان أو غير توأم لأنه أقرب عصبة لأمه فإنه ابنها وأقرب عصبة الأم عنده يكون عصبة لولد الملاعنة.
ولو مات بن ابن الملاعنة وخلف ابنة وأما وعما فعندنا هذا والأول سواء الباقي يكون ردا على الأم والابنة أرباعا لأن عمه يكون عما لأم والعم لأم لا يكون عصبة، وعلى قول إبراهيم الباقي يكون للعم لأنه أقرب عصبة للأم، وعلى قول مالك إن كان العم توأما مع ابنة فالباقي له لأنه بمنزلة العم لأب وأم وما كان من هذا النحو فهذا طريق تخريجه والله أعلم بالصواب.
باب أصول المقاسمة
اعلم بأن الفرائض المذكورة في القرآن ستة الثلثان والثلث والسدس والنصف والربع والثمن فبعض الفرضيين جعلوا ذلك جنسين الثلثان ونصفه وهو الثلث ونصف نصفه وهو السدس والنصف ونصفه وهو الربع ونصف نصفه وهو الثمن، وبعضهم جعلوا الكل جنسا واحدا وقالوا نسبة الثمن من السدس كنسبة الربع من الثلث لأن الثمن ثلاثة أرباع السدس والربع ثلاثة أرباع الثلث والنصف ثلاثة أرباع الثلثين فكان الكل جنسا واحدا بهذا الطريق، ومن(29/370)
ص -173- ... جعلها جنسين قال الثلثان والثلث والسدس لا يكون فريضة إلا في فريضة الأقارب، والربع والثمن لا يكون إلا في فريضة الأزواج والنصف يكون فيهما جميعا فأما الثلثان فقد ذكرهما الله تعالى في موضعين في فريضة الأختين بقوله: {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وفي فريضة البنات إذا كن فوق اثنتين {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وأما الثلث ذكره الله تعالى في موضعين في فريضة الأم عند عدم الولد والأخوة بقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وفي فريضة أولاد الأم بقوله: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وأما السدس فقد ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع في فريضة الأبوين مع الولد بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] وفي فريضة الأم مع الأخوة بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وفي فريضة الفرد من أولاد الأم بقوله جل جلاله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] وهو في النسبة في أربعة مواضع في فريضة ابنة الابن مع الابنة وفي فريضة الأخت لأب مع الأخت لأب وأم وفي فريضة الجدة وفي فريضة الجد مع الولد.
وأما النصف فقد ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع في فريضة الابنة الواحدة بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وفي فريضة الأخت الواحدة بقوله عز وجل: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وفي فريضة الزوج عند عدم الولد بقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12].(29/371)
وأما الربع فقد ذكره الله تعالى في موضعين في فريضة الزوج مع الولد بقوله: {فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] وفي فريضة المرأة عند عدم الولد بقوله: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12].
والثمن ذكره الله تعالى في موضع واحد وهو في فريضة المرأة مع الولد بقوله تعالى: {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12].
ثم أصل ما تخرج عليه المسائل الصحاح دون الكسور من الحساب لمعنى التيسير متى كان يخرج مستقيما من أقل الأعداد فتخريجه من الزيادة على ذلك يعد خطأ لما فيه من الاشتغال بما لا فائدة فيه.
ثم جملة ما تخرج منه هذه الفرائض أصول سبعة فإن هذه الفرائض نوعان مفردات ومركبات فالمفردات تخرج من أصول خمسة اثنين وثلاثة وأربعة وستة وثمانية ويزاد للمركبات أصلان اثنا عشر وأربعة وعشرون وهذا لأن أقل عدد تخرج منه المقاسمة مستقيما اثنان وأقل عدد يخرج منه الثلث مستقيما ثلاثة فنقول كل فريضة فيها نصف وما بقي أو نصفان فهي تخرج من اثنين وكل فريضة فيها ثلث وما بقي أو ثلثان وما بقى أو ثلث وثلثان فهي تخرج من ثلاثة وكل فريضة فيها ربع وما بقي أو ربع ونصف أو ربع وثلث وما بقي فهي تخرج من أربعة وكل فريضة فيها سدس وما بقي أو سدسان وما بقي أو سدس ونصف أو سدسان(29/372)
ص -174- ... ونصف أو سدس وثلث أو سدس ونصف وسدسان أو نصف وثلث وما بقي فهي تخرج من ستة، وكل فريضة فيها ثمن أو ثمن ونصف فهي تخرج من ثمانية ولو تصور اجتماع الثمن مع الربع لكانت تخرج من ثمانية أيضا ولكن لا يتصور ذلك فالربع فريضة الزوج مع الولد، والثمن فريضة المرأة مع الولد ولا يتصور اجتماع المرأة والزوج في الميراث من واحد وكل فريضة فيها ربع وسدس أو ربع وسدسان أو ربع وثلث ونصف أو ربع وثلثان ونصف فهي تخرج من اثنى عشر، وكل فريضة فيها ثمن وسدس أو ثمن وسدسان أو ثمن ونصف وسدس أو ثمن وثلثان وسدسان فهي تخرج من أربعة وعشرين.
وقع في بعض نسخ كتاب الفرائض أو ثمن وثلث فطعنوا في هذه وقالوا لا يجتمع في الفريضة الثمن والثلث فالثلث فريضة الأم عند عدم الولد وفريضة أولاد الأم عند عدم الولد والثمن فريضة المرأة مع الولد فكيف يتصور اجتماعهما؟ وقيل: يتصور هذا على أصل ابن مسعود فإن عنده من لا يرث لكفر أو رق يحجب حجب النقصان ولا يحجب حجب الحرمان، فإذا ترك امرأة وأخوين لأم وابنا رقيقا فهذا الابن يحجب المرأة من الربع إلى الثمن ولا يحجب الأخوين لأم فيجتمع الثمن والثلث في هذه الفريضة، ثم أربعة من هذه الأصول لا تعول وهي اثنان وثلاثة وأربعة وثمانية وثلاثة منها تعول وهي ستة واثنا عشر وأربعة وعشرون، فأما الستة تعول بسدسها وثلثها ونصفها وثلثيها ولا تعول أكثر من ذلك وإنما تعول بثلثيها في مسألة أم الفروخ وهذا معنى قول الفرضيين أنها تعول وترا وشفعا وأما اثنا عشر فإنها تعول بنصف سدسها وبربعها وربعها وسدسها وهو معنى قولهم تعول وترا لا شفعا فتعول بواحدة وبثلاثة وخمسة ولا تعول أكثر من ذلك.(29/373)
فبيان العول بواحدة منها إذا ترك امرأة وأختين لأب وأم وأما فللمرأة الربع ثلاثة وللأختين الثلثان ثمانية وللأم السدس سهمان وبيان العول بثلاثة في امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم فإنها تعول بثلاثة للمرأة الربع ثلاثة وللأختين لأب وأم الثلثان ثمانية وللأختين لأم الثلث أربعة وبيان العول بخمسة في امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم وأما فإنها تعول إلى سبعة عشر إذا اجتمعت السهام فأما أربعة وعشرون فإنها تعول عولة واحدة بثلاثة فتكون من سبعة وعشرين وهي مسألة المنبرية ترك امرأة وابنتين وأبوين لا تعول أكثر من ذلك إلا في قول ابن مسعود رضي الله عنه فإنه يقول إنها تعول إلى أحد وثلاثين في امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم وأم وبن رقيق فإن الابن عنده يحجب المرأة من الربع إلى الثمن ولا يحجب الأخوة فللأختين لأب وأم الثلثان ستة عشر، وللأختين لأم الثلث ثمانية وللمرأة الثمن ثلاثة وللأم السدس أربعة فتكون القسمة من إحدى وثلاثين وبعض الفرضيين زاد أصلين على قول زيد ثمانية عشر وستة وثلاثين لأن على أصله قد يجتمع في الفريضة السدس وثلث ما بقي بأن ترك جدة وجدا وأخوة وأخوات فيكون للجدة السدس وللجد ثلث ما بقي إذا كان ذلك خيرا له من المقاسمة والثلث وسدس ما بقي إنما يخرج مستقيما من ثمانية عشر وقد يجتمع على أصله السدس(29/374)
ص -175- ... والربع وثلث ما بقي بيانه في امرأة وجد وأم وأخوة وأخوات للمرأة الربع وللأم السدس وللجد ثلث ما بقي إذا كان ذلك خيرا له من المقاسمة لكثرة الأخوة وأقل حساب يخرج منه هذه الفرائض مستقيما ستة وثلاثون سدسها ستة وربعها تسعة يبقى أحد وعشرون فثلث ما بقي يكون سبعة فردوا هذين الأصلين على مذهبه لهذا.
ثم بيان هذه الأصول أن نقول أما اثنان فعدد فرض غير مركب لأنك لا تجد عددا إذا ضربته في مثله يكون اثنين ليكون مركبا من ذلك العدد فعرفت أنه فرد فيكون أصلا لما ينسب إليه وهو النصف لأن الواحد إذا ضعفته يكون ثلاثة فلهذا كان أصلا لفريضة فيها ثلث وثلثان، وأما أربعة فهو عدد مركب بجهة واحدة لأنك متى ضربت اثنين في اثنين يكون أربعة فعرفنا أنه مركب منه وهو فرد أيضا فكان أصلا لما ينسب إليه وهو الربع ولما ينسب إلى العدد الذي ركب منه وهو النصف، فلهذا قلنا: كل فريضة فيها ربع أو ربع ونصف فإنها تخرج من أربعة، وأما ستة فإنه عدد مركب بجهة واحدة فإنك إذا ضربت اثنين في ثلاثة يكون ستة وهو فرد أيضا فيكون أصلا لما ينسب إليه وهو السدس ولما ينسب أجزاء العددين اللذين ركب منهما ستة وهو الثلث والنصف، وأما ثمانية فهو عدد مركب من عددين بجهة واحدة لأنك متى ضربت اثنين في أربعة كان ثمانية وهو فرد أيضا فكان أصلا لما ينسب إليه وهو الثمن ولما ينسب إلى أجزاء العددين اللذين ركب منهما ثمانية وهو النصف والربع لو تصور ذلك، وأما اثنا عشر فهو ليس بعدد فرد ولكنه مركب من أعداد أربعة بجهتين فإنك متى ضربت اثنين في ستة يكون اثني عشر ومتى ضربت ثلاثة في أربعة تكون اثنى عشر فلهذا كان أصلا لما ينسب إلى أجزاء الأعداد التي يتركب منها اثنا عشر وذلك الربع والثلث والنصف والسدس، وأما أربعة وعشرون فليس بعدد فرد ولكنه مركب من ستة أعداد بثلاث جهات فإنك متى ضربت اثنين في اثني عشر أو ثلاثة في ثمانية أو أربعة في ستة يكون أربعة وعشرين فلهذا كان(29/375)
أصلا لما ينسب إلى أجزاء هذه الأعداد، ولهذا قيل: لو تصور اجتماع جميع الفرائض في حادثة واحدة لكانت تخرج من أربعة وعشرين فإن منها الثلثان والثلث والسدس والنصف والربع وكل الفرائض هذه.
ثم اعلم بأن الأعداد أربعة متساوية ومتداخلة ومتفقة ومتباينة، فأما المتساوية نحو ثلاثة وثلاثة وأربعة وأربعة فأحد العددين يجزئ عن الآخر ويكتفي بالواحد منهما، وأما المتداخلة فهي أن يكون أحد العددين أكثر من الآخر والأقل جزءا من الأكثر نحو ثلاثة وتسعة وأربعة واثنا عشر.
ومعرفة كون الأقل جزءا من الأكثر بإحدى ثلاث علامات أنك إذا نقصت عن الأكثر أمثال الأقل يفني به الأكثر وإذا زدت على الأقل أمثاله يبلغ عدد الأكثر وإذا قسمت الأكثر على الأقل يكون مستقيما لا كسر فيه وأما المتفقة فهي أن يكون أحد العددين أكثر من الآخر ولكن الأقل ليس بجزء من الأكثر إلا أن بينهما موافقة بجزء واحد أو بأجزاء فبيان الموافقة بجزء واحد كستة مع خمسة عشر فإن الأقل ليس بجزء من الأكثر ولكن بينهما موافقة بالثلث فكانا متفقين من هذا(29/376)
ص -176- ... الوجه، وبيان الموافقة في أجزاء كستة مع اثني عشر فإنهما غير متداخلين فإنك إذا زدت على الأقل أمثاله يزيد على الأكثر ولكن بينهما موافقة بالسدس والثلث والنصف ففي المتداخلة يجزء في الأكثر من الأقل وفي المتفقتين يقتصر من أحدهما على الجزء الموافق ويضرب في مبلغ الآخر، وإن كانت الموافقة في أجزاء يقتصر من أحدهما على الأدنى من ذلك ثم يضرب في مبلغ الآخر لأنه يخرج مستقيما إذا اقتصرت على أدنى الأجزاء، ومتى كانت المسألة تخرج من حساب قليل فتخريجها من الزيادة على ذلك يكون خطأ، وأما المتباينة فهي أن يكون أحد العددين أقل من الآخر ولا يتفقان في شيء كسبعة مع سبعة عشر فحينئذ يضرب أحد العددين في الآخر فما بلغ فمنه يستقيم الحساب ثم الأعداد نوعان مطلقة ومقيدة إلا أن الفرائض كلها أجزاء الأعداد المطلقة يعني الثلث والسدس والنصف والربع والثمن فعرفنا أنه ليس في الفرائض أجزاء الأعداد المقيدة كاثني عشر وإنما يقع ذلك في عدد السهام والأنصباء.
فصل في بيان تصحيح الحساب(29/377)
اعلم بأن الورثة إما أن يكونوا كلهم أصحاب فرائض أو كلهم عصبات أو اختلط أحد الفريقين بالآخر فإن كان كلهم أصحاب فرائض فقسمة المال بينهم على الأنصباء، وإن كانوا عصبات فقسمة المال بينهم على عدد الرؤوس وإن كانوا ذكورا كلهم وإن اختلط الفريقان في حق أصحاب الفرائض على الأنصباء وفي حق العصبات على عدد الرؤوس فإما أن يكونوا ذكورا كلهم أو إناثا أو مختلطين وعند الاختلاط نحسب كل ذكر رأسين وكل أنثى رأسا واحدا فتكون القسمة على هذا فإما أن يستقيم على هذا الاعتبار من غير كسر أو بكسر وصورة المستقيم من غير كسر امرأة وثلاث بنين وابنة فللمرأة الثمن والباقي بين الأولاد بالعصوبة فنحسب لكل ذكر رأسين وللأنثى رأسا فتكون سبعة فتخرج المسألة مستقيمة من غير كسر من ثمانية للمرأة سهم ولكل بن سهمان وللابنة سهم فأما إذا انكسر فقد يكون الكسر من جنس واحد يعني في موضع واحد وقد يكون من جنسين وقد يكون من ثلاثة أجناس وقد يكون من أربعة أجناس فإن كان الكسر من جنس واحد فالسبيل في ذلك أن تطلب الموافقة أولا بين أصل الفريضة وبين عدد من انكسر عليه فإن كان بينهما موافقة بجزء فتضرب على ذلك الجزء من عدد رؤوس من انكسر عليهم وتضرب أصل الفريضة إن لم تكن عائلة ومع عولها إن كانت عائلة في ذلك الجزء الموافق فما بلغ فمنه يستقيم التخريج، وإن لم يكن بينهما موافقة بجزء ضربت أصل الفريضة مع عولها إن كانت عائلة في عدد رؤوس من انكسر عليهم فما بلغ فمنه تصح المسألة، وإن كان الكسر من جنسين نظرت فإن كانا متساويين يجزئ أحدهما عن الآخر فالسبيل أن تضرب أصل الفريضة في أحدهما وإن كانا متداخلين فالأكثر يجزئ عن الأقل فتضرب أصل الفريضة في مبلغ الأكثر وإن كانا متفقين فتضرب على الجزء الموافق من أحدهما ثم ضربت في مبلغ الآخر، فما بلغ ضربت فيه أصل الفريضة(29/378)
ص -177- ... إن لم تكن عائلة ومع عولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح المسألة وإن لم يكونا متفقين فالسبيل أن تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض ثم تضرب أصل الفريضة في مبلغ ذلك فما بلغ فمنه تصح المسألة، وإن كان الكسر من ثلاثة أجناس أو أربعة أجناس فإن كان بين الأعداد موافقة بجزء فالسبيل أن تقتصر على أجزاء الموافقة من أعداد الرؤوس إلا واحدة منها ثم تضرب الأجزاء بعضها في بعض فما بلغ يضرب ذلك في جميع العدد الذي لم يقتصر منه على شيء فما بلغ يضرب منه أصل الفريضة فما بلغ تصح منه المسألة وإن لم يكن بين الأجزاء موافقة بشيء فالسبيل أن تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض فإن كان الكسر بين ثلاثة أجناس فالموافقة بين عددين منها فتقتصر من أحدهما على الجزء وتضربه في مبلغ الآخر فما بلغ ضربته في العدد الذي لا موافقة له فما بلغ ضربت فيه أصل الفريضة، وإن كان الكسر بين أربعة أجناس والموافقة بين اثنين منها فالسبيل أن تضرب الجزء الموافق من أحدهما في الجزء الموافق من الآخر ثم تضرب أحد العددين اللذين لا موافقة لهما في جميع الآخر ثم تضرب مبلغ أحد العددين في مبلغ الآخر فما بلغ تضرب فيه أصل الفريضة إن لم تكن عائلة ومع عولها إن كانت عائلة فما بلغ منه تصح المسألة.(29/379)
واختلف أهل البصرة وأهل الكوفة رحمهم الله فيما إذا كان بين أعداد الرؤوس موافقة بجزء ولا موافقة بينهما وبين الأنصباء فقال أهل البصرة: توقف أحد الأعداد ثم تضرب الأجزاء الموافقة من الأعداد الأخر بعضها في بعض ثم تضرب مبلغه في العدد الموقوف فما بلغ فهو مبلغ عدد الرؤوس تضرب فيه أصل الفريضة. وقال أهل الكوفة: يوقف أحد الأعداد ويضرب الأجزاء الموافقة من الأعداد الأخر بعضها في بعض فما بلغ يطلب الموافقة بينه وبين العدد الموقوف إذ لا بد أن يتفقا بجزء فيقسم على الجزء الموافق منه ثم يضرب في عدد الموقوف. وأما إذا كانت الموافقة بين أعداد الرؤوس والأنصباء فإن كان الكسر من جنسين يقتصر على الجزء الموافق بين أعداد الرؤوس والأنصباء فإن كان الكسر من جنسين يقتصر على الجزء الموافق من كل جنس ثم يضرب أحدهما في الآخر فما بلغ يضرب فيه أصل الفريضة وإن كانت الموافقة لأحد الجنسين بين النصيب وعدد الرؤوس يقتصر على الجزء الموافق من النصيب في المبلغ فمنه تصح المسألة، وإن كان الكسر من ثلاثة أجناس أو أربعة ومن الأنصباء وأعداد الرءوس موافقة فإنه يقتصر على الجزء الموافق من كل عدد ثم يضرب بعضها في بعض فما بلغ يضرب فيه أصل الفريضة وإن كانت الموافقة لأحد الأجناس بين عدد الرؤوس والأنصباء يقتصر على الجزء الموافق منه ثم يضرب في العددين الآخرين بعد ضرب أحدهما في الآخر ثم يضرب المبلغ في أصل الفريضة فمنه تصح المسألة وبيان طلب الموافقة بين الأقل والأكثر من الأعداد أن يطرح عن الأكثر أمثال الأقل فإن كان فني به عرفت أن بينهما موافقة بآحاد الأقل وإن بقي واحد عرفت أنه لا موافقة بينهما في شيء وإن بقي اثنان يطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فإن فني فيه عرفت أن بينهما موافقة باتحاد ما بقي من الأكثر وإن بقي واحد عرفت أن لا موافقة بينهما في شيء.(29/380)
ص -178- ... وبيان هذا أنك إذا أردت معرفة الموافقة بين ثمانية واثنين وثلاثين فالسبيل أن يطرح من الأكثر أمثال الأقل فيفنى به، فبه عرفت أن بينهما موافقة باتحاد الأقل وهو الثمن، وإن طلبت الموافقة بين ثمانية وثلاثة وثلاثين فإذا طرحت عن الأكثر أمثال الأقل فيبقى اثنان فيطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فيفنى به عرفت أن بينهما موافقة بآحاد ما بقي من الأكثر وهو النصف وهذا الأصل يتمشى في عددين مطلقين أو أحدهما مطلق والآخر مقيد، فأما إذا كانا مقيدين لا يتمشى فيه هذا الأصل وبيانه: إذا أردت معرفة الموافقة بين اثنين وعشرين وثلاثة وسبعين فتطرح عن الأكثر أمثال الأقل يبقي سبعة ثم تطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فبقي واحد فذلك يدل على أنه لا موافقة بينهما في شيء فإذا أردت معرفة الموافقة بين ثلاثة وعشرين وبين ثلاثة وسبعين تطرح عن الأكثر أمثال الأقل فبقى أربعة ثم تطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فيبقي ثلاثة وهو لا يدل على أن بين ثلاثة وسبعين وثلاثة وعشرين موافقة بالربع والثلث فعرفت أن هذا الأصل لا يتمشى في الأعداد المقيدة ولكن مبنى أصول الفرائض على الأعداد المطلقة والمقيدة من جانب أو المطلقة من جانب، وأما بيان معرفة نصيب كل فريق أن تأخذ نصيب ذلك الفريق وتضربه فيما ضربت فيه أصل الفريضة سواء كان الكسر من جنسين أو ثلاثة أو أربعة فأما بيان معرفة نصيب كل واحد من اتحاد الفريقين فإن كان الكسر من جنس واحد ولا موافقة بين عدد الرؤوس والنصيب في شيء فنصيب كل واحد منهم مثل ما لم يكن مستقيما بينهم وإن كان بينهما موافقة بجزء فنصيب كل واحد منهم مثل الجزء الموافق من نصيبهم وإن كان الكسر من جنسين، فإن لم يكن هناك موافقة فنصيب كل واحد منهم مثل ما لم يكن مستقيما بينهم بعد ما ضربت ذلك في عدد رؤوس الفريق الآخر وإن كان هناك موافقة بجزء فنصيب كل واحد منهم هو الجزء الموافق من نصيبهم بعد ما ضربت في جزء(29/381)
موافق عدد رؤوس الفريق الآخر ثم يضرب هذا الجزء فيها فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم، وإن كانت الموافقة لأحد الجنسين بين عدد الرؤوس والنصيب فمعرفة نصيب كل واحد من أحاد الفريق الذين لهم الموافقة أن يضرب الجزء الموافق من نصيبهم في جميع عدد رؤوس الفريق الآخر ومعرفة نصيب كل واحد من الفريق الذي لا موافقة لهم أن يضرب جميع نصيبهم في الجزء الموافق من عدد رؤوس الفريق الآخر فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم، وإن كان الكسر من ثلاثة أجناس فعند عدم الموافقة معرفة نصيب كل واحد منهم أن يضرب نصيبهم في مبلغ رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب أحدهما في الآخر وإن كان للكل موافقة بين عدد الرؤوس والنصيب يضرب الجزء الموافق من نصيبهم في الجزء الموافق من نصيب الفريقين الآخرين بعد ضرب أحدهما في الأخر فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم، وإن كانت الموافقة لأحدهم فطريق معرفة نصيب كل واحد منهم من الفريق الذي لا موافقة لهم أن يضرب الجزء الموافق من نصيبهم في مبلغ عدد رؤوس الآخرين بعد ضرب أحدهما في الآخر ومعرفة نصيب كل واحد من آحاد الفريقين الآخرين أن يضرب جميع نصيبهم في مبلغ(29/382)
ص -179- ... رؤوس الفريقين الآخرين بعد ما ضربت جميع أحدهما في الجزء الموافق من الآخر وعلى هذا النحو إذا كان الكسر من أربعة أجناس، فأما إذا لم تكن الموافقة بين أعداد الرؤوس والأنصباء وإنما كانت الموافقة بين أعداد الرءوس فإن كانت متساوية فالواحدة منها تجرى على الكل ومعرفة نصيب كل فريق أن تضرب نصيبه في العدد الذي ضربت فيه أصل الفريضة ومعرفة نصيب كل واحد منهم تظهر من غير ضرب لأنك لا تجد شيئا تضرب فيه فإنك لم تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض ولكن اكتفيت بالواحد منها فعرفنا أن نصيب كل واحد منهم مثل ذلك العدد من غير ضرب.
إذا عرفنا هذه الأصول جئنا إلى تخريج المسائل عليها فنقول أما إذا كان الكسر من جنس واحد ولا موافقة بين عدد الرؤوس والنصيب فصورته من ترك امرأة وسبع بنات وخمس بنين فأصل الفريضة من ثمانية للمرأة الثمن سهم والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين يحسب لكل ذكر رأسان ولكل أنثى رأس فيكون سبعة عشر وقسمة سبعة على سبعة عشر لا تستقيم ولا موافقة في شيء فالسبيل أن تضرب ثمانية في سبعة عشر فيكون ذلك مائة وستة وثلاثين كان للمرأة سهم ضربته في سبعة عشر فهو لها ومعرفة نصيب الأولاد أن تضرب نصيبهم في سبعة عشر فيكون ذلك مائة وتسعة عشر ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن نصيب كل واحد مثل ما لم يكن يستقيم بينهم وذلك سبعة فظهر أن لكل بن أربعة عشر فللبنين الخمسة سبعون ولكل ابنة سبعة فيكون ذلك تسعة وأربعين فاستقام التخريج.(29/383)
وأما إذا كان بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بجزء فصورته فيما إذا كان ترك امرأة وعشر بنات وابنين فللمرأة الثمن والباقي سبعة بين عشر بنات وابنين على أربعة عشر لا يستقيم ولكن بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بالسبع فيقتصر على السبع من عدد الرؤوس وذلك اثنان ثم تضرب أصل الفريضة وهو ثمانية في اثنين فيكون ستة عشر للمرأة الثمن سهمان ومعرفة نصيب كل واحد من آحاد الأولاد أن نصيب كل واحد هو الجزء الموافق من نصيبهم والجزء الموافق من نصيبهم سهم واحد فعرفنا أن لكل بنت سهما ولكل بن سهمين فإن الكسر من جنسين ولا موافقة بين النصيب وعدد الرؤوس فصورته فيما إذا ترك خمس بنات وبن بن وتبين أن أصل الفريضة من ثلاثة للبنات الثلثان بينهن أخماسا لا يستقيم والباقي وهو سهم بين أولاد الابن أرباعا لا يستقيم ولا موافقة بين خمسة واثنين وخمسة وأربعة فالسبيل أن تضرب خمسة في أربعة فيكون ذلك عشرين ثم تضرب أصل الفريضة وهو ثلاثة في عشرين فتكون ستين منه تصح المسألة، ومعرفة نصيب البنات أن تضرب نصيبهن وذلك اثنان فيما ضربت فيه أصل الفريضة وذلك عشرون فذلك أربعون ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب نصيبهن في عدد رؤوس الفريق الآخر وذلك اثنان في أربعة فيكون ثمانية وإذا قسمت أربعين على خمسة كان كل نصيب ثمانية، ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تأخذ مالهم وهو سهم فتضرب ذلك فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو عشرون فيكون(29/384)
ص -180- ... عشرين، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب نصيبهم في عدد رؤوس الفريق الآخر وهو واحد في خمسة فيكون خمسة فتبين أن للذكر عشرة ولكل ابنة خمسة، فأما إذا كان بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بجزء والكسر من جنسين فصورته فيما إذا ترك ثمان بنات وبن بن وابنتي بن فللبنات الثلثان بينهن على ثمانية لا يستقيم ولكن بين ثمانية وبين سهمين موافقة بالنصف فيقتصر من عدد رؤوسهم على النصف وهو أربعة وسهم واحد لأولاد الابن على أربعة لا يستقيم ولكن استوى العددان وقد بينا أن عند التساوي يجزئ أحد العددين عن الآخر فالسبيل أن تضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب البنات أن تضرب نصيبين وذلك اثنان فيما ضربت فيه أصل الفريضة وذلك أربعة فيكون ثمانية ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن نصيب كل واحدة من البنات مثل الجزء الموافق من نصيبهم وهو الواحد من غير ضرب، ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تضرب نصيبهم وهو واحد فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو أربعة فيكون أربعة ونصيب كل واحد منهم مثل ما لم يكن فيستقيم بينهم من غير ضرب وهو واحد فيكون للابن سهمان ولكل ابنة سهم، فأما إذا كان الكسر من ثلاثة أجناس ولا موافقة في شيء فصورته فيما إذا ترك ثلاث جدات وخمس بنات وبن بن وابنتي بن فأصل الفريضة من ستة للجدات سهم بينهم أثلاثا لا يستقيم وللبنات الثلثان أربعة بينهن أخماسا لا يستقيم وأولاد الابن سهم بينهم أرباعا لا يستقيم ولا موافقة في شيء، فالسبيل أن تضرب ثلاثة في خمسة فيكون خمسة عشر ثم خمسة عشر في أربعة فيكون ستين ثم تضرب أصل الفريضة وهو ستة في ستين فيكون ثلاثمائة وستين، ومعرفة نصيب الجدات أنه كان لهن سهم مضروب في ستين فذلك ستون، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب عدد رؤوس الفريقين الآخرين أحدهما في الآخر وذلك خمسة في أربعة فيكون عشرين ثم تضرب نصيبهن وذلك واحد في عشرين فيكون عشرين فهو نصيب كل واحدة منهن ومعرفة(29/385)
نصيب البنات أن تضرب مالهن وهو أربعة في ستين فيكون مائتين وأربعين ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب عدد رؤوس الفريقين الآخرين أحدهما في الآخر وذلك أربعة في ثلاثة فيكون اثني عشر ثم تضرب نصيبهن وهو أربعة في اثني عشر فيكون ثمانية وأربعين فهو نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تضرب مالهم وهو واحد في ستين ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب عدد رؤوس الفريقين الآخرين أحدهما في الآخر وذلك خمسة في ثلاثة فيكون خمسة عشر ثم تضرب نصيبهن وهو واحد في خمسة عشر فهو نصيب كل أنثى ونصيب الذكر ضعف ذلك وهو ثلاثون، فإن كان الكسر من ثلاثة أجناس وبين عدد الرؤوس والنصيب موافقة فصورته فيما إذا ترك ثلاث جدات واثني عشر بنتا وبن بن وابنتي بن فأصل الفريضة من ستة للجدات سهم بينهن أثلاثا لا يستقيم وللبنات أربعة بينهن على أثني عشر لا يستقيم ولكن بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بالربع فيقتصر على الجزء الموافق من عدد رؤوسهن وهو ثلاثة فيستوي برؤوس الجدات، وعند تساوي(29/386)
ص -181- ... العددين يجزئ أحدهما عن الآخر ولأولاد الابن سهم بينهم أرباعا لا يستقيم، فالسبيل أن تضرب أربعة في ثلاثة فيكون اثني عشر ثم تضرب أصل الفريضة وذلك ستة في اثني عشر فيكون اثنين وسبعين ومعرفة نصيب الجدات أن تضرب مالهن وهو سهم في اثني عشر فيكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب ما كان لهن وهو واحد في أربعة عدد رؤوس أولاد الابن لوجود المساواة بين الجزء الموافق بين عدد رؤوس البنات وبين عدد رؤوس الجدات وقد بينا أن عند المساواة لا فرق وإنما يضرب نصيبهن في أربعة فيكون أربعة فهو نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب البنات أن تضرب مالهن وهو أربعة في اثني عشر فيكون ثمانية وأربعين ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تأخذ الجزء الموافق من نصيبهن وهو واحد فتضرب ذلك في عدد رؤوس أولاد الابن وهو أربعة فيكون أربعة ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تضرب نصيبهم وهو واحد فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو اثني عشر فيكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب نصيبهم وهو واحد في ثلاثة فيكون لكل أنثى ثلاثة وللذكر ستة.(29/387)
وأما إذا كان الكثير من أجناس أربعة ولا موافقة بين عدد الرؤوس والأنصباء فصورة ذلك في امرأتين وثلاث جدات وخمس أخوات لأم وأخوين وثلاث أخوات لأب وأم فأصل الفريضة من اثني عشر للمرأتين الربع ثلاثة بينهما نصفان لا يستقيم وللجدات السدس سهمان بينهن أثلاثا لا يستقيم وللأخوات لأم الثلث بينهن أخماسا لا يستقيم والباقي وهو ثلاثة بين الأخوات لأب وأم أسباعا لا يستقيم ولا موافقة في شيء، فالسبيل أن تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض اثنين في ثلاثة فتكون ستة في خمسة فيكون ثلاثين ثم في سبعة فيكون مائتين وعشرة ثم تضرب أصل الفريضة اثني عشر في مائتين وعشرة فيكون ألفين وخمسمائة وعشرين ومعرفة نصيب المرأتين أن تضرب مالهن وذلك ثلاثة في مائتين وعشرة فيكون ستمائة وثلاثين، ومعرفة نصيب كل واحدة منهما أن تضرب نصيبها في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض فثلاثة في خمسة خمسة عشر وخمسة عشر في سبعة تكون مائة وخمسة فإذا ضربت ثلاثة في مائة وخمسة تكون ثلاثمائة وخمسة عشر فهذا نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب الجدات أن تضرب مالهن وذلك سهمان في مائتين وعشرة فيكون أربعمائة وعشرين، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب مالهن في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض وخمسة في اثنين تكون عشرة ثم عشرة في سبعة تكون سبعين وسبعين في اثنين تكون مائة وأربعين فتبين أن نصيب كل واحدة مائة وأربعون ومعرفة نصيب الأخوات لأم أن تضرب مالهن وهو أربعة في مائتين وعشرة فتكون ثمانمائة وأربعين ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب مالهن في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض وثلاثة في اثنين تكون ستة ثم ستة في سبعة فتكون اثنين وأربعين، فإذا ضربت أربعة في اثنين وأربعين يكون مائة وثمانية وستين فهو نصيب كل واحدة منهن ومعرفة نصيب الأخوة(29/388)
ص -182- ... والأخوات لأب وأم أن تضرب مالهم ذلك ثلاثة في مائتين وعشرة فتكون ستمائة وثلاثين، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب مالهم في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض وذلك اثنان في ثلاثة فتكون ستة ثم في خمسة فتكون ثلاثين فإذا ضربت ثلاثة في ثلاثين يكون تسعين هذا نصيب كل أخت ونصيب كل أخ ضعف ذلك فاستقام فإن كان الكسر من أربعة أجناس وبين عدد رؤوس الأنصباء موافقة فصورة ذلك في أربعة أربع نسوة وثمان جدات وستة عشر أختا وأربعة أخوة وأربع أخوات لأب وأم، فأصل المسألة من اثني عشر للنسوة الربع ثلاثة بينهن أرباعا لا يستقيم وللجدات السدس سهمان بينهن على ثمانية لا يستقيم ولكن بين عدد رؤوس الجدات ونصيبهن موافقة بالنصف فاقتصر على النصف من عدد رؤوسهن وهو أربعة فاستوى عدد رؤوس النسوة والأخوات لأم أربعة بينهن على ستة عشر لا يستقيم لكن بين عدد رؤوسهن ونصيبهن موافقة بالربع فاقتصر على الربع من عدد رؤوسهن وهو أربعة فاستوى بعدد رؤوس الفريقين الآخرين والباقي وهو ثلاثة بين الأخوة والأخوات لأب وأم على اثني عشر لا يستقيم ولكن بين عدد رؤوسهم ونصيبهم موافقة بالثلث فاقتصر من عدد رؤوسهم على الثلث وهو أربعة فاستوى بعدد رؤوس الفريق الآخر، وقد بينا أن عند تساوي العدد الواحد يجزئ عن الكل فتضرب اثني عشر في أربعة فيكون ثمانية وأربعين منه تصح المسألة، ومعرفة نصيب النسوة أن تضرب مالهن وهو ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تقول: نصيب كل واحدة منهن مثل ما لم يكن يستقيم بينهن وهو ثلاثة لأن عند تساوي العدد لا تجد شيئا تضرب فيه أصل الفريضة لتعرف به نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب الجدات أن تضرب مالهن وذلك اثنان في أربعة فتكون ثمانية ونصيب كل واحدة منهن مثل الجزء الموافق من نصيبهن وذلك واحد، ومعرفة نصيب الأخوات لأم أن تضرب مالهن وهو أربعة في أربعة فتكون ستة عشر ونصيب كل واحدة منهن مثل(29/389)
الجزء الموافق من نصيبهن وذلك واحد، ومعرفة الأخوة والأخوات لأب وأم أن تضرب مالهن وهو ثلاثة في أربعة فتكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أنه يقدر الجزء الموافق من نصيبهم وذلك واحد فلكل أنثى سهم ولكل ذكر سهمان، وإذا عرفت لكل فصل صورة كما بينا يتيسر عليك تخريج نظائرها على الأصول التي ذكرناها والتخريج على هذا الأصل من المسائل ما يكثر تعدادها وفيما ذكرنا كفاية لمن يفهم الأصول التي قد بيناها والله تعالى أعلم بالصواب.
تم الجزء التاسع والعشرون من كتاب المبسوط
ويليه الجزء الثلاثون. وأوله: باب ميراث ذوي الأرحام(29/390)
عنوان الكتاب:
كتاب المبسوط – الجزء الثلاثون
تأليف:
شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
دراسة وتحقيق:
خليل محي الدين الميس
الناشر:
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان
الطبعة الأولى، 1421هـ 2000م(30/1)
ص -3- ... بسم الله الرحمن الرحيم
باب ميراث ذوي الأرحام
قال رضي الله عنه: اعلم أن محمدا رحمه الله ذكر هذا الباب قبل باب الولاء وزعم بعض الفرضيين إنه كان ينبغي له أن يقدم باب الولاء لأن مولى النعمة عصبة مقدم على ذوي الأرحام لكنا نقول أنه أراد أن يبين أحكام الميراث بالقرابة ثم يرتب عليه بيان الميراث بما أقيم مقام القرابة أو لما بين باب الرد وكان الرد بسبب الرحم أعقب ذلك بباب ميراث ذوي الأرحام لأن الاستحقاق هنا بالرحم كما أن هناك بالرحم والولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة وولاء الموالاة يتأخر عن ذوي الأرحام فلهذا قدم هذا الباب ثم في توريث ذوي الأرحام اختلاف بين الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم فمن قال بتوريثهم من الصحابة رضوان الله عليهم علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح ومن قال بأنهم لا يرثون زيد بن ثابت وابن عباس في رواية عنه ومنهم من روى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هذا غير صحيح فإنه حكي أن المعتضد سأل أبا حازم القاضي عن هذه المسألة فقال اجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم وقال المعتضد أليس أنه يروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان فقال كلا وقد كذب من روى ذلك عنهم وأمر المعتضد برد ما كان في بيت المال مما أخذ من تركة من كان ورثه من ذوي الأرحام وقد صدق أبو حازم فيما قال وقد روي عن أبي بكر أنه قال لا أتأسف على شيء كتأسفي على أني لم أسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث عن هذا الأمر أهو فينا فنتمسك به أم في غيرنا فنسلم إليه وعن الأنصار هل لهم من هذا الأمر شيء وعن توريث ذوي الأرحام فإني لم أسمع فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولكني ورثتهم برأيي.(30/2)
وأما الاختلاف بين التابعين فمن قال بتوريثهم: شريح والحسن وبن سيرين وعطاء ومجاهد وممن قال أنهم لا يرثون سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهم وأما الفقهاء فممن قال بتوريثهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وأهل التنزيل رحمهم الله وممن قال لا يرثون سفيان الثوري ومالك والشافعي أما من نفى توريثهم استدل بآيات المواريث فقد نص الله تعالى فيها على بيان سبب أصحاب الفرائض والعصبات ولم يذكر لذوي الأرحام شيئا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم: 64] وأدنى ما في الباب أن يكون توريث ذوي(30/3)
ص -4- ... الأرحام زيادة على كتاب الله وذلك لا يثبت بخبر الواحد والقياس وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة قال: "نزل جبريل عليه السلام وأخبرني أن لا ميراث للعمة والخالة" وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يستخير الله تعالى في ميراث العمة والخالة فنزل عليه الوحي أن لا ميراث لهما ومن قال بتوريثهم استدل بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] معناه بعضهم أولى من بعض وقد بينا أن هذا إثبات الاستحقاق بالوصف العام وأنه لا منافات بين الاستحقاق بالوصف العام والاستحقاق بالوصف الخاص ففي حق من ينعدم فيه الوصف الخاص يثبت الاستحقاق بالوصف العام فلا يكون ذلك زيادة على كتاب الله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له" وفي حديث آخر قال عليه السلام: "الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه" ولما مات ثابت بن الدحداح رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم المنقري: "هل تعرفون له فيكم شيئا؟" فقال: إنه كان فينا ميتا فلا نعرف له فينا إلا بن أخت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه لابن أخته أي لخاله ابن عبد الله المنذر وتأويل ما روي من نفي ميراث العمة والخالة في حال وجود صاحب فرض أو عصبة والكلام في هذه المسألة من حيث المعنى للفريقين مثل الكلام في مسألة الرد وقد بينا ثم ذوي الأرحام الأقارب الذين لا يستحقون شيئا بالفريضة والعصوبة من الذكور والإناث واختلفت الروايات فيمن يكون مقدما منهم فروى عيسى بن أبان عن محمد عن أبي حنيفة أن الجد أبا الأب مقدم على أولاد البنات وفي ظاهر الرواية ذكر أن أولاد البنات يقدمون علي الجد أب الأم في قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف ومحمد وجه ظاهر الرواية أن استحقاق الميراث لذوي الأرحام بالرحم في معنى الاستحقاق(30/4)
بالعصوبة ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب، ويستحق الأقرب جميع المال، وفي الحقيقة العصوبة بالبنوة مقدمة على الأبوة، وابن الابن أولى من الجد، فكذلك في معنى العصوبة يقدم أولاد البنات على الجد أب الأم.
وجه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة: أن الجد أب الأب أقوى سببا من أولاد البنات.
ألا ترى أن الأنثى في درجته تكون صاحبة فرض وهي أم الأم؟ بخلاف الأنثى في درجة بن البنت ولأن من الناس من يجعل الأنثى التي تدلي بالجد أب الأم صاحبة فرض وهي أم أب الأم ولا يوجد مثل ذلك في حق أولاد البنات ثم الجد أب الأم مقدم على بنات الإخوة وأولاد الأخوات في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد تقدم بنات الإخوة وأولاد الأخوات على الجد أب الأم وهذا لأن من أصل أبي حنيفة أن في حقيقة العصوبة الجد يقدم على الإخوة فكذلك في معنى العصوبة يقدم الجد على بنات الإخوة وأولاد الأخوات وعندهما يسوى في حقيقة العصوبة بين الجد والإخوة إلا أن هنا قدموا بنات الإخوة وأولاد الإخوات لأن هناك كل واحد منهما يدلي بالأب والجد أب الأم يدلي بالأم ففي حقيقة العصوبة يعتبر الإدلاء بالذكر دون الأنثى ففي معنى العصوبة يقدم الإدلاء بالأب على الإدلاء(30/5)
ص -5- ... بالأم، ثم الذين يورثون ذوي الأرحام أصناف ثلاثة صنف منهم يسمون أهل القرابة وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وإنما سموا بذلك لأنهم يقدمون الأقرب فالأقرب.
وصنف منهم يسمون أهل التنزيل وهم: علقمة والشعبي ومسروق ونعيم بن حماد وأبو نعيم وأبو عبيدة القاسم بن سلام وشريك والحسن بن زياد رحمهم الله سموا بذلك لأنهم ينزلون المدلى منزلة المدلى به في الاستحقاق وبيان ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة وابنة أخت على قول أهل القرابة المال لابنة البنت لأنها أقرب وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان بمنزلة ما لو ترك ابنة وأختا.
والصنف الثالث يسمون أهل الرحم منهم: حسن بن ميسر ونوح بن ذراح سموا بذلك لأنهم سووا بين الأقرب والأبعد في الاستحقاق وثبتوا الاستحقاق بأصل الرحم ثم كل فريق يزعم أن مذهبه موافق لما نقل في الباب عن الصحابة رضي الله عنهم والمنقول عن الصحابة في هذا الباب ثلاث مسائل:
إحداها: ما ذكره إبراهيم النخعي عن علي بن عبد الله فيمن مات وترك عمة وخالة أن المال بينهما أثلاثا الثلثان للعمة والثلث للخالة فزعم أهل التنزيل أن ذلك موافق لمذهبنا لأن العمة تدلي بالأب فأنزلها منزلة الأب والخالة تدلي بالأم فأنزلها منزلة الأم قال أهل القرابة بل هو موافق لمذهبنا من اعتبار القرب فإن العمة قرابتها قرابة الأب والأبوة تستحق بالفرضية وبالعصوبة جميعا، والخالة قرابتها قرابة الأم وبالأمومة تستحق الفرضية دون العصوبة فلهذا جعلنا المستحق بقرابة الأب ضعف المستحق بقرابة الأم ومن ذلك ما روى الشعبي عن ابن مسعود رضي الله عنه في ابنة ابنة وابنة أخت أن المال بينهما نصفان فذلك دليل على أن مذهبه مثل مذهب أهل التنزيل.(30/6)
وروى الشعبي عن علي رضي الله عنه أن ابنة الابنة أولى من ابنة الأخت فهو دليل على أن مذهبه كمذهب أهل القرابة وجه قول أهل التنزيل أن سبب الاستحقاق لا يمكن اثباته بالرأي ولا نص هنا من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أن سبب الاستحقاق لهم فلا طريق سوى إقامة المدلى مقام المدلى به في الاستحقاق ليثبت به الاستحقاق بالسبب الذي كان ثابتا للمدلى به.
ألا ترى أن من كان منهم ولد عصبة أو صاحب فرض فإنه يقدم على من ليس بعصبة ولا صاحب فرض وما كان ذلك إلا باعتبار المدلى به وأما أهل الرحم يقولان الاستحقاق لهم بالوصف العام ثابت بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] وفي هذا الوصف وهو الرحم الأقرب والأبعد سواء.
وأما وجه قول أهل القرابة أن استحقاقهم باعتبار معنى العصوبة ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب ويستحق الواحد جميع المال ثم في حقيقة العصوبة تارة تكون زيادة القرب نقصان(30/7)
ص -6- ... درجة، يعني أن يكون أقرب بدرجة وتارة بقوة السبب ولهذا قدمت البنوة في العصوبة على الأبوة فكذلك في معنى العصوبة يثبت التقديم كما يثبت بقرب الدرجة وولد الابنة أقوى سببا من ولد الأخت فلهذا كان مقدما عليه ثم القول بما قال به أهل التنزيل يؤدي إلى قول فاحش وهو حرمان المدلي يكون المدلى به رقيقا أو كافرا فإن الإنسان لا يجوز أن يكون محروما عن الميراث بمعنى غيره ولو كان رق المدلى به يوجب حرمانه لكان موت المدلى به موجبا حرمانه أيضا وإذا ثبت أن في الحجب والحرمان لا يعتبر المدلى به فكذلك في الزيادة والنقصان لا يعتبر المدلى به وإنما يكون استحقاقه باعتبار وصف فيه وهو القرابة ولكن يقدم الأقرب لاعتبار معنى العصوبة كما قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] ثم لاخلاف أن الرد على أصحاب الفرائض مقدم على توريث بعض الأرحام إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قدم ذوي الأرحام على الرد لأنه لما اعتبر في حق أصحاب الفرائض الوصف الخاص سقط اعتبار الوصف العام في مقابلة من يستحق بالوصف وهم ذوو الأرحام ولكنا نقول الوصف العام قد استوى فيه الفريقان ويرجح أصحاب الفرائض باعتبار قوة السبب في حقهم بالوصف الخاص فيقدمون على ذوي الأرحام ثم ذوو الأرحام في الحاصل سبعة أصناف صنف منهم أولاد البنات والصنف الثاني بنات الأخوة وأولاد الأخوات والصنف الثالث الأجداد الفواسد والجدات الفاسدات والصنف الرابع العم لأم والعمة لأب وأم أو لأب أو لأم والخال والخالات والصنف الخامس أولاد هؤلاء والصنف السادس أعمام الأب لأم وعمات الأب وأخوال الأب وخالات الأب والصنف السابع أولاد هؤلاء وفي كل ذلك عند التساوي في الدرجة إذا كان أحدهما ولد صاحب فرض أو ولد عصبة والآخر ليس كذلك فولد صاحب الفرض والعصبة أولي بيان ذلك في ابنة ابنة بن مع ابنة ابنة ابنة فقد استويا في الدرجة ولكن ابنة(30/8)
ابنة الابن ولد صاحب فرض فهي أولى.
وكذلك لو ترك ابنة ابنة أخ وابنة بن أخ فابنة بن الأخ أولى لأنها ولد من هو عصبة دون الأخرى ولو كان أحدهما ولد صاحب فرض والآخر ولد عصبة فهما سواء كابنة الأخ مع ابنة الأخت فإن أحداهما لا تصير محجوبة بالأخرى وأما إذا كانت إحداهما أقرب فالأقرب أولى وإن كانت الأبعد ولد عصبة أو صاحبة فرض كابنة ابنة الابنة مع ابنة ابنة بن الابن فإن ابنة ابنة الابنة أقرب بدرجة فهي أولى اعتبارا بحقيقة العصوبة وكذلك ابنة ابنة الأخت تقدم على ابنة بن ابن الأخ لأنها أقرب بدرجة وفي حقيقة العصوبة عند المساواة في الدرجة يقدم من هو أقوى سببا كالأخ لأب وأم مع الأخ لأب وعند التفاوت في الدرجة يقدم الأقرب كابن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب فكذلك في معنى العصوبة ثم اختلفوا بعد ذلك في كيفية قسمة الميراث بين ذوي الأرحام من أولاد الأولاد فكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا يعتبر في القسمة أول من يقع فيه الخلاف إذا اتفقت الآباء والأجداد واختلفت الأبدان فالقسمة على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين وإن اتفقت الأجداد واختلفت الآباء فالقسمة على الآباء، ثم(30/9)
ص -7- ... ينقل نصيب كل ذكر من الآباء إلى ولده ذكرا كان أو أنثى ونصيب كل أنثى إلى ولدها ذكرا كان أو أنثى وإن اختلفت الأجداد يقسم أولا على الأجداد ثم يجمع ما خص الذكور منهم فيقسم على أولادهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن اختلفت صفاتهم في الذكورة والأنوثة يجمع ما خص الإناث فيقسم بين أولادهن كذلك وهكذا يفعل في الأباء مع الأبدان وهذا قول محمد وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة ثم رجع أبو يوسف فقال يعتبر في القسمة أبدانهم على كل حال وهو رواية شاذة عن أبي حنيفة والرواية الأولى أشهر فقد ذكرت في الفرائض في الكتاب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ثم رجع أبو يوسف عن ذلك وجه قول محمد أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا في العمة والخالة على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث ولو كان المعتبر في القسمة الأبدان لكان المال بينهما نصفين وفي اتفاقهم على أن المال بينهما أثلاثا دليل على أن المعتبر في القسمة المدلى به وهو الأب والأم ولأنا أجمعنا على أنه لو كان أحدهما ولد عصبة أو صاحب فرض كان أولى من الآخر وإنما يرجح بمعنى في المدلى به فإذا كان في الحرمان يعتبر المدلى به ففي النقصان أولى فبهذا يتبين أن المعتبر أول من يقع به الخلاف لأن في هذه المسألة قد استويا في الأب وهو المنسوب إلى الميت وفي الأبدان وإنما وقع الاختلاف فيما بين ذلك.(30/10)
ثم اعتبرنا من وقع به الخلاف في ترجيح أحدهما على الآخر وهذا بخلاف العدد فإن المعتبر فيه أبدانهم دون المدلى به فإنه واحد وهذا لأن علة الاستحقاق كاملة في حق كل واحد منهم وهو القرابة والعلة تحتمل العدد فيجعل الأصل كالمتعدد حكما بتعدد الفرع وكمال العلة بكل واحد منهم بمنزلة جماعة قتلوا رجلا عمدا يجعل كل واحد منهم قاتلا على الكمال والمقتول وإن كان واحدا يجعل متعددا حكما لتكامل العلة في حق كل واحد منهم بخلاف صفة الذكورة والأنوثة فالموجود من ذلك في الفرع لا يمكن أن يجعل كالموجود في الأصل مع تحقق ضده فيه لأنه لا احتمال لذلك فيعتبر ما في الأصول من الصفة لأن الاستحقاق للفروع بناء على ذلك وأبو يوسف يقول قد استويا في سبب الاستحقاق فإن الاستحقاق للمرء في الأصل إنما يكون بمعنى فيه لا بمعنى في غيره والاستحقاق عندنا باعتبار القرابة وذلك معنى في أبدانهم وقد اتحدت الجهة أيضا وهي الولاء فثبتت المساواة بينهم في الاستحقاق وأن اختلفت الصفة في المدلى به.
ألا ترى أنه لو كان في بعضهم صفة الرق أو الكفر لم يعتبر ذلك واعتبر حالة الأبدان في هذه الصفة فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة فالدليل عليه العدد فإن اعتبار الذكورة والأنوثة في معنى اعتبار العدد لأن كل ذكر بمعنى اثنين فكل انثى بمعنى واحد فإذا كان في العدد يعتبر الأبدان فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة وهذا بخلاف العمة والخالة فالجهة هناك قد اختلفت لأن الأبوة غير الأمومة والاستحقاق بالسبب فباختلاف الجهة يختلف السبب معنى فأما عند اتحاد الجهة يكون السبب واحدا فيعتبر في الصفة الأبدان.(30/11)
ص -8- ... خاصة وكذلك إذا كان بعضهم ولد صاحب فرض أو عصبة فالفرضية والعصوبة سبب الاستحقاق، وعند التفاوت بالسبب يعتبر المدلى به فلا تعتبر المساواة في أصل النسبة إلى الميت لأن في الأنساب إذا أمكن اعتبار الأبدان تعتبر الأبدان خاصة فيما بين الأولاد فإذا تعذر اعتبار ذلك يعتبر من هو أقرب إلى الأبدان إذا عرفنا هذا فنقول أما إذا اختلفت الأبدان واتفقت الآباء فصورته فيما إذا ترك ابنة بنت وبن بنت أخرى فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين بالاتفاق.(30/12)
وذكر الطحاوي أن على قول محمد رحمه الله المال بينهما نصفان باعتبار المدلى به وهذا غلط وإنما هو قول أهل التنزيل على ما نبينه أما عند أصحابنا المعتبر الأبدان هنا لأن أول من وقع به الخلاف الأبدان فأما إذا اختلفت أبدانهم واختلفت آباؤهم واتفقت أجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وبن ابنة ابنة وابنة بن بنت وبن بن بنت ففي قول أبي يوسف الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة عشر لكل بن سهمان ولكل ابنة سهم وأما على قول محمد القسمة أولا على الآباء واثنان منهم ذكران يعني ابنة بن الابنة وبن بن الابنة واثنان منهم أنثيان فقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة من ذلك للبنتين يدليان بالذكر ثم يقسم بينهما على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فانكسر بالاثلاث وسهمان للتين تدليان بالأنثى ثم يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فقد وقع الكسر بالأثلاث في موضعين ولكن أحدهما يجزئ عن الآخر فتضرب ستة في ثلاثة فيكون ثمانية عشر كان للتين تدليان بذكر ثلثان اثنا عشر سهما ثمانية لابن بن البنت وأربعة لابنة بن البنت وكان للآخرين الثلث ستة بينهما أثلاثا أربعة لابن ابنة الابنة وسهمان لابنة ابنة البنت وبين هذه السهام موافقة بالنصف فاقتصر على النصف فيعود إلى تسعة فالتخريج كما بينا فأما إذا اختلفت أبدانهم وآباؤهم وأجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابنة بن ابن ابنة وبن ابنة بن ابنة فعلى قول أبي يوسف الجواب ظاهر كما بينا وعند محمد يعتبر في القسمة الأجداد أولا واثنان منهم ذكران يعني أن ابنة بن ابن الابنة وبن ابنة بن ابنة والآخران انثيان فتكون القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة الثلثان وهو أربعة لهذين والثلث للآخرين ثم ما أصاب الابنتين يقسم على آبائهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا وأما نصيب الآخرين يقسم على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيقتصر على تسعة بعد الاقتصار(30/13)
كما بينا ثم يجمع ما أصاب من اتفقت آباؤهم واختلفت أبدانهم فيقسم ذلك بينهم على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين فيتيسر التخريج بالقياس على الفصل المتقدم كما بينا، وإن اختلفت الآباء دون الأجداد والأجداد دون الأبدان فصورة ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة ابنة وابني ابن ابنة وابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان فيكون المال بينهم أرباعا بالسوية وعند محمد يعتبر أولاد الأجداد فإن أول من وقع به الخلاف الأجداد واثنان منهم أجدادهما ذكر يعني ابنة بن ابن ابنة وابنة ابنة بن بنت والآخريان أجدادهما أنثى فتكون القسمة(30/14)
ص -9- ... للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة للبنين أجدادهما ذكر وسهمان للآخرين ثم ما أصاب اللتين أجدادهما ذكر يقسم بينهما على الآباء أثلاثا فنصيب ابنة بن ابن الابنة ثلثي الثلاثين والأخرى ثلث الثلاثين وذلك الثلث يقسم بين الآخرين على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب ابنة ابنة ابنة الابنة ثلث الثلث والأخرى ثلثا الثلث ثم ما يصيب كل أب فهو منقول إلى ولده فإن بين الأبدان موافقة ولا حاجة إلى قسمة أخرى.
مسألة: من هذا الجنس هي ألطف مسائل الباب فاعتبرها وهي ثمانية نفر أربعة أجدادهم انثى وأربعة أجدادهم ذكر فالأربعة الأولى ابنة ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة ابنة وابنة ابن ابنة ابنة وابن ابن ابنة ابنة والأربعة الذين أجدادهم ذكر بن ابن بن ابنة وابنة بن ابن ابنة وابنة ابنة بن بنت وبن ابنة بن ابنة فعلى قول أبي يوسف الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على اثنى عشر سهما باعتبار الأبدان.(30/15)
وأما على قول محمد فالعبرة للأجداد أولا في القسمة فيكون المال على اثني عشر سهما ثمانية من ذلك نصيب الأربعة الذين أجدادهم ذكر وأربعة نصيب الأربعة الذين أجدادهم انثى ثم هذه الأربعة تقسم بينهم على الآباء واثنان من الآباء ذكر يعني ابنة بن الابنة وبن بن ابنة الابنة وبن بن ابنة الابنة واثنان انثى فيقسم هذا الثلث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثلثاه وهو تسعا المال للذين أبوهما ذكر وتسع المال للآخرتين ثم هذا التسع يقسم بين ابنة ابنة ابنة ابنة الابنة وبن ابنة ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على أبدانهما فيكون للأولى ثلث التسع وللابن ثلثا التسع وأما التسعان فبين ابنة بن ابنة الابنة وبن بن ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان للابن ثلثا التسعين وللابنة الثلث ثم تجيء إلى ثلثي المال فتقسم ذلك بين الأربعة الذين أجدادهم ذكر على الآباء واثنان منهم ذكران يعني بن ابن بن الابنة وابنة بن ابن الابنة والآخرين يدليان بأنثى يعني ابنة ابنة بن الابنة وبن الابنة فيقسم الثلثان للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان ثلثا ذلك الثلثين للذين أجدادهما ذكر وثلث الثلثين للذين أجدادهما انثى ثم يقسم ثلث الثلثين على الأبدان للذكر مثل حظ الانثيين ثلثا ذلك الثلث لابن ابنة بن الابنة وثلثه لابنة ابنة ابن الابنة والثلثان يقسم كذلك أيضا فإذا ضرب بعض هذا في بعض بلغ الحساب مائة وثمانية وبين الانصباء موافقة بالربع فيقتصر على الربع وذلك سبعة وعشرون تسعة من ذلك للذين أجدادهم أنثى ثم ستة من هذه التسعة للذين أبوهما ذكر وثلاثة للذين أبوهما انثى ثم تقسم هذه الثلاثة بينهما على الأبدان أثلاثا للذكر سهمان وللأنثى سهم وكذلك الستة تقسم بين الآخرين على الأبدان للذكر أربعة وللأنثى سهمان وثمانية عشر للذين أجدادهم ذكر تقسم على الآباء أثلاثا ستة للذين يدليان بالأنثى ثم تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للأنثى سهمان وللذكر أربعة واثنا(30/16)
عشر حصة اللذين أبوهما ذكر تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للذكر منهما ثمانية وللأنثى أربعة فما يكون من هذا النحو تخريجه هذا فإن كان مع الثمانية ابنة ابنة ابن الابن فالمال كله لها لأنها ولد صاحبة فرض فإن ابنة ابن الابنة صاحبة فرض وعند المساواة(30/17)
ص -10- ... في الدرجة ولد صاحب الفرض أولى وإن كان معهن ابنة بن ابن الابن فلا شيء لها لأنها وإن كانت ولد صاحب فرض فهي أبعد بدرجة والبعدى محجوبة بالقربى وإن كانت ولد صاحبة فرض أو عصبة وإن كان مع الكل ابنة ابنة ابنة فهي أولى بجميع المال لأنها أقرب بدرجة من جميع من سمينا وإن كان معها ذكر يعني بن ابنة الإبنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لمن سواهما وإن كان معهم من هو أقرب بدرجة وهو ابنة الابنة فالمال كله لها وإن كان معها ذكر في درجتها وهو بن الابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين هذا كله بيان أهل القرابة فأما بيان قول أهل التنزيل نقول إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة فعلى قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه المال بينهما نصفان سواء كانا من أم واحدة أو من أمين مختلفين وعلى قول أبي نعيم وشريك والحسن بن زياد إن كانا من أمين كذلك وإن كانا من أم واحدة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا لأن عند اختلاف الأصول كل فرع يقوم مقام أصله فكأنهما ابنتان للميت فالمال بينهما نصفان وأما إذا اتحد الأصل فلا يمكن القسمة باعتبار الأصل لأن الواحد لا يقاسم نفسه فلا بد من اعتبار الفرعين في القسمة فيكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وجه قول عبيد أن كل فرع قائم مقام أصله فتتحقق المساواة بينهما سواء كان من أم واحدة أو من أمين فباعتبار تحقق المساواة تكون القسمة بينهما نصفان وهذا لأن سبب الاستحقاق في كل واحد منهما ما في المدلى به وهو التبنية وفي هذا لا فرق بين أن يكونا من أمين أو من أم واحدة، ولو ترك ابنة ابنة وابني ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال بينهن أثلاثا وعلى قول أهل التنزيل القسمة نصفان نصف لابنة الابنة ونصف لابني الابنة نصفين بمنزلة الابنتين للميت ثم ينتقل إلى فرع كل أصل نصيب ذلك الأصل وكذلك لو ترك ابنة ابنة وعشر بنات ابنة ابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهن على(30/18)
أحد عشر سهما وعلى قول أهل التنزيل على عشرين سهما لبنات الابنة عشرة لكل واحدة منهن سهما فإن ترك ابنة ابنة وبنتي ابنة أخرى وثلاث بنات ابنة أخرى فعندنا المال بينهن أسداسا بالسوية وعند أهل التنزيل المال بينهن أثلاثا ثلث لابنة الابنة وثلثان لابنتي الابنة نصفان وثلث بين ثلاث بنات الابنة أثلاثا بالسوية فإن ترك ثلاثة بني بن ابن ابنة وبن بن ابنة أخرى وبن بن أخرى لهذه الابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهم بالسوية أسداسا وعلى قول أهل التنزيل نصف المال لثلاثة بني بن البنت والنصف الآخر بين ابني بن الابنة الأخرى وبن ابنها نصفين بمنزلة ما لو كان للميت ابنان فيكون المال بينهما نصفين ثم ينتقل نصيب كل منهما إلى أولادهما فالنصف للثلاثة والنصف للفريقين الآخرين نصف ذلك لابني ابنها ونصفه لابن ابنها لأن كل واحد منهما يقوم مقام من يدلى به إليها في نصيبها من الميراث فإن ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة وأما على قول أهل التنزيل فقد ذكر محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما نصفان لأن الأقرب إنما يترجح عند اختلاف الجهة فأما عند إتحاد الجهة الأقرب والأبعد عندهم سواء وقد اتحدت الجهة(30/19)
ص -11- ... هنا وهي الولاء، وهذا القول أقرب من قول أهل الرحم فإن ترك ابنة ابنة وابنة ابنة بن فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة وعلى قول أهل التنزيل وقد ذكره محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما أرباعا ثلاثة أرباعه لابنة الابنة والربع لابنة الأخرى على قياس قول علي في الرد وعلى قياس قول ابن مسعود في الرد المال كله بينهما أسداسا لأن كل واحدة منهما تنزل منزلة المدلي به من صاحب فريضة واحداهما ولد الابنة فتنزل منزلتها والأخرى ولد ابنة الابن فتنزل منزلتها ولو ترك ابنة وابنة بن كان المال بينهما أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود ثم ينتقل إلى ولد كل واحدة منهما حصتها من ذلك أو يقام المدلى مقام المدلى به فإن ترك ابنة بن وبن ابنة أمهما واحدة وترك أيضا ابنة ابنة بن وبن ابنة بن أمهما واحدة فعلى قول أهل القرابة المال بين ابنة ابنة الابن وبن ابنة الابن للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا لأنهما أقرب بدرجة، وعلى قول أهل التنزيل يكون المال بين هاتين وبين الآخرين أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد كما بينا ثم ثلاثة أرباع المال الذي هو نصيب ولدي الابنة على قول أبي عبيد بينهما نصفان وعلى قول أبي نعيم بينهما أثلاثا على ما بينا أن الأم إذا كانت واحدة عند أبي نعيم يعتبر في القسمة الأبدان وعند أبي عبيد لا فرق بين أن يكونا لأم واحدة أولا يكونا في أن القسمة على المدلى به وكذلك الربع الذي أصاب الآخرين على قول أبي نعيم بينهما نصفان للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أبي عبيد بينهما نصفين فإن ترك ثلاثة بني بن بنت وبن بن ابنة وابني ابنة ابنة فنقول أما على قول أبي يوسف الآخر المال بينهما بالسوية أسداسا وأما على قول محمد يقسم على الآباء أولا لابني ابنة الابنة سهمان وللأربعة ثمانية أسهم فإن أبا كل واحد منهم ذكر ولكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم(30/20)
فيكون لابني ابنة الابنة في الحاصل خمس المال بينهما نصفين فتكون القسمة بين عشرة وأما على قول أهل التنزيل فالظاهر من مذهبهم أن المال بين الفرق أثلاثا ثلثه لبني بن الابنة بينهم أثلاثا وثلثه لابني ابنة الابنة وثلثه لابن بن الابنة اعتبار بالمدلى به وهو بمنزلة ما لو ترك ثلاث بنات وقد قال بعضهم المال بين الفريقين الأولين نصفين ولا شيء لابني ابنة الابنة لأن بني بن الابنة هم ورثة الجدة.
ألا ترى أنها لو كانت هي الميتة كانوا يرثونها بالعصبة فأما ابنتا ابنة الابنة فليستا بوارثتين للجدة حتى لا يرثا بأنها لعصوبة فكما أن الفريقين الآخرين يحجبان ابني ابنة الابنة عن ميراث الجدة فكذلك عن ميراث من يستحق ميراثه بالإدلاء بالجدة ثم يكون المال عندهم على ستة ثلاثة لابن بن الابنة وثلاثة لبني بن الابنة لكل واحد منهم سهم لأن كل فريق يقوم مقام المدلى به فكأنهما اثنان يقسم المال بينهما نصفان ثم ينتقل نصيب كل بن إلى ولده واحدا كان أو أكثر فإن ترك ابنة ابنة بن وبن بن ابنة فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة ابنة الابن لأنها ولد صاحب فريضة وعند المساواة في الدرجة ولد صاحب الفريضة أولى(30/21)
ص -12- ... وعلى قول بعض أهل التنزيل المال كله لابن بن الابنة فإنه وارث الجدة دون من سواها وقد بينا أن عندهم يقع الترجيح بهذا وعند بعضهم المال بين ابنة ابنة الابن وبن بن الابنة أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد لأن ابنة ابنة الابنة وبن ابنة الابنة صارا محجوبين بابن بن الابنة على ما بينا أنه وارث الجدة دونهما بقى ابنة ابنة الابن وبن بن الابنة فكل واحد منهما يقوم مقام من يدلي به من صاحب فريضة وبن بن الابنة بمنزلة الابنة وابنة ابنة الابن بمنزلة ابنة الابن فيكون المال بينهما أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد وهذا طريق التخريج في هذا الجنس من المسائل والله أعلم بالصواب.
باب ميراث أولاد الإخوة والأخوات من ذوي الأرحام(30/22)
قال رضي الله عنه: اعلم بأن ذوي الأرحام من هذا الصنف فرق أربعة إما أن يكونوا كلهم لأب وأم أو لأب أو لأم أو مختلطين ثم لا يخلو ما أن يكون بعضهم أقرب من بعض أو يكونوا متساويين في الدرجة فإن كان بعضهم أقرب فهو بالميراث أحق وإن كانوا متساويين في الدرجة أن كان بعضهم ولد صاحب فريضة أو عصبة فهو أولى ممن ليس بولد عصبة ولا صاحب فريضة لأن ولد العصبة وصاحب الفرض أقرب حكما والترجيح بالقرب حقيقة إن وجد وإن لم يوجد فبالقرب حكما فأما إذا استووا في ذلك أيضا فإن انفردوا فكانوا لأب وأم أو لأب فعلى قول أبي يوسف الآخر القسمة بينهم على لأبدان وعلى قوله الأول وهو قول محمد على الآباء حتى إذا ترك بن أخت وابنة أخ وهما لأب وأم أو لأب فعند أبي يوسف الثلثان لابن الأخت والثلث لابنة الأخ وعند محمد على عكس هذا الثلثان لابنة الأخ والثلث لابن الأخت بمنزلة الأخ والأخت ثم ينتقل ميراث كل واحد منهما إلى ولده وإن كانا جميعا لأم ففي ظاهر الرواية المال بينهما في نصفان وقد روي في رواية شاذة عن أبي يوسف أن المال بينهما أثلاثا ووجهه بأن الأصل في المواريث تفضيل الذكر على الأنثى وإنما تركنا هذا الأصل في الإخوة والأخوات لأم لخصوص القياس بالنص وهو قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] والمخصوص من القياس بالنص لا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه وأولاد الإخوة لأم ليس في معنى الآباء لأنهم لا يرثون بالفرضية شيئا فيعتبر فيهم الأصل ثم توريث ذوي الأرحام بمعنى العصوبة وفي حقيقة العصوبة يفضل الذكر على الأنثى وجه ظاهر الرواية أن قرابة كل واحد منهما قرابة الأم والاستحقاق بهذه القرابة إذ لا سبب بين الميت وبينهم سوى هذا وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى بحال وربما بفضل الأنثى فإن أم الأم صاحبة فرض دون أب الأم فإن لم تفضل هنا الأنثى فينبغي أن يسوي بينهما اعتبارا بالمدلى به وأما إذا كانا مختلطين بأن(30/23)
ترك ثلاث بنات إخوة متفرقين فعلى قول أبي يوسف المال كله لابنة الأخ لأب وأم وهو الظاهر من قول أبي حنيفة وعلى قول محمد لابنة الأخ لأم السدس والباقي لابنة الأخ لأب وأم، ولا شيء لابنة الأخ لأب رواية عن أبي(30/24)
ص -13- ... حنيفة لأن محمدا يعتبر المدلى به فكأنه ترك ثلاث إخوة متفرقين ثم نصيب كل أخ ينتقل إلى ولده وجه قول أبي يوسف أن الاستحقاق بمعنى العصوبة وفي حقيقة العصوبة يترجح من هو أقوى سببا فكذلك في معنى العصوبة والذي له إخوة من الجانبين يكون أقوى سببا من الذي تكون أخوته من جانب فلهذا يقدم ابنة الأخ لأب وأم على ابنة الأخ لأب.
يوضحه: أنه لو كان أحدهما أقرب بدرجة كان هو أولى وكذلك لو كان أحدهما ولد صاحب فرض أو عصبة كان هو أولى فكذلك إذا كان أحدهما أقوى سببا ولو ترك ثلاث بنات أخوات متفرقات فعلى قول أبي يوسف وهو الظاهر من قول أبي حنيفة المال كله لابنة الأخت لأب وأم وعلى قول محمد المال بينهم أخماسا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد اعتبارا بالمدلى به فكأنه ترك ثلاث أخوات متفرقات ثم ينتقل ميراث كل أخت إلى ولدها فإن ترك ابنة أخت لأب وأم وبن أخت لأب وأم فعلى قول أهل القرابة المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان وعلى قول أبي عبيد ومن تابعه سواء كانا من أم واحدة أو من أمين وعلى قول أبي نعيم ومن تابعه أن كانا من أمين فكذلك وان كانا من أم واحدة فالمال بينهما أثلاثا وقد بينا نظيره في أولاد البنات فهو كذلك في أولاد الأخوات.(30/25)
فإن ترك ابنة ابنة أخت وابنة ابنة بن أخ فالمال كله لابنة ابنة الأخت لأنها أقرب درجة وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان لأنهم يعتبرون المدلى به ممن هو وارث في حق أحدهما هو الأخت وفي حق الآخر بن الأخ فكأنه ترك أختا وبن أخ فيكون المال بينهما نصفين ثم ينتقل إلى المدلي ميراث المدلى به فإن ترك ابنة أخت وابنة أخ وبن أخ لأب وأم أو لأب فالمال كله لابن الأخ لأنه عصبة ثم الأنثى في درجته لا تجعل به عصبة هنا بخلاف الأخوات والأولاد لأن الأنثى متى كانت صاحبة فريضة عند الانفراد تصير عصبة بذكر في درجتها لكن لا يؤدي إلى تفضيل الأنثى على الذكر أو المساواة بينهما وهذا موجود في البنات والأخوات فأما هنا الأنثى بانفرادها لا تكون صاحبة فرض وهي ابنة الأخ فلا تصير عصبة يذكر في درجتها أيضا ولكن المال كله للذكر باعتبار حقيقة العصوبة.
فإن ترك ثلاث بنات أخوة متفرقين وثلاث بنات أخوات متفرقات فعلى قول أبي يوسف المال كله بين ابنة الأخت لأب وأم وابنة الأخ لأب وأم نصفين باعتبار الأبدان وعلى قول محمد لابنة الأخت لأم مع ابنة الأخ لأم الثلث بينهما نصفين والباقي كله لابنة الأخت والأخ لأب وأم بينهما أثلاثا باعتبار الآباء ثلثاه لابنة الآخ وثلثة لابنة الأخت ولا شيء للذين هما لأب باعتبار المدلي به.
فصل في بيان من له قرابتان من البنات والأخوات
قال رضي الله عنه: اعلم أنه يجتمع للواحد قرابتان من أولاد البنات والأخوات فصورة ذلك في أولاد البنات أن يترك ابنة ابنة ابنة وهي أيضا ابنة ابن ابنة بأن كان لرجل ابنتان(30/26)
ص -14- ... لإحداهما ابنة وللأخرى ابن فتزوج الابن بالابنة فولد بينهما ابنة فهي ابنة ابنة ابنة الجد وهي أيضا ابنة بن ابنته فلا شك على قول محمد أنها ترثه بالقرابتين جميعا أما على قياس قول أبي حنيفة فالفرضيون من أهل العراق يقولون عند أبي يوسف لا ترث هذه إلا بجهة واحدة لأن الجهة اتحدت وهي الولاء فهي نظير الجدات على قوله وقد بينا من مذهبه في الجدات أن التي هي جدة من جانب واحد والتي هي جدة من الجانبين سواء فهذا كذلك فأما الفرضيون من أهل ما وراء النهر يقولون هذه ترث بالجهتين جميعا عنده وهذا هو الصحيح والفرق له بين هذا وبين الجدات أن الاستحقاق هناك بالفرضية وبتعدد الجدات لا تزداد فريضتهن فإذا كانت الواحدة منهن والعدد سواء فلا يعتبر اجتماع الجهتين لواحدة فأما هنا الاستحقاق بمعنى العصوبة فيعتبر الاستحقاق بحقيقة العصوبة وهو في حقيقة العصوبة يعتبر الجهتان جميعا للترجيح تارة وللاستحقاق أخرى فللترجيح كالإخوة لأب وأم مع الإخوة لأب وللاستحقاق كالأخ لأم إذا كان بن عم فإنه يعتبر السببان في جهة الاستحقاق وكذلك بن العم إذا كان زوجا يعتبر السببان في حقه للاستحقاق فهنا أيضا يعتبر السببان جميعا.(30/27)
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا اجتمع مع هذه ابنة ابنة ابنة أخرى قرابتهما من جهة واحدة فعلى قول أبي يوسف المال بينهما أثلاثا للتي لها قرابتان ثلثا المال لأنها في معنى شخصين فكأنه ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة ابنة أخرى وابنة بن ابنة وعند محمد القسمة على الآباء فيكون ثلاثة أرباع المال للتي لها قرابتان وربعه للتي لها قرابة واحدة بمنزلة ما لو ترك بن ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فيكون المال على أربعة ثم سهمان من هذه الأربعة للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد الإبنة وسهم باعتبار أنها ولد ابنة الابنة فإن كان مع التي لها قرابتان بن ابنة ابنة فعلى قول أبي يوسف المال بينهما نصفان لأنه يعتبر الأبدان والتي لها قرابتان بمنزلة اثنين، فيكون المال على أربعة للذكر سهمان ولكل انثى سهم.(30/28)
وعلى قول محمد للتي لها قرابتان ثلاثة أرباع المال باعتبار المدلى به على ما بينا ثم ميراث كل واحد ممن هو مدل به يكون لولده فما نجده ذا قرابتين فباعتبار قرابة الأب وهو سهمان من أربعة يسلم له وما كان باعتبار قرابة الأم بضمه إلى ما أخذ الآخر فيقسم بينهما أثلاثا فتكون القسمة من اثني عشر نضرب ثلاثة في أربعة وبعد الاقتصار على النصف للموافقة تكون القسمة ممن ستة فإن كان معها ابنة بن ابنة أخرى فعلى قول أبي يوسف للتي لها قرابتان ثلثا المال على ما بينا وعند محمد تكون القسمة على خمسة باعتبار الآباء فإن هذا بمنزلة ابني ابنة وابنة ابنة فيكون المال بينهم أخماسا للذكر مثل حظ الأنثيين ثم خمسا المال للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد ابن الابنة وخمس المال باعتبار أنها ولد ابنة الابنة وللأخرى خمسا المال فإن كان معها بن ابن بنت فعند أبي يوسف المال بينهما نصفان باعتبار الأبدان وعند محمد المال بينهما في الابتداء أخماسا باعتبار الآباء ثم التي لها قرابتان تأخذ خمس المال باعتبار قرابة الأم ويضم خمسا المال للتي تأخذه باعتبار قرابة الأب إلى ما في يد(30/29)
ص -15- ... الآخر، فيكون بينهما أثلاثا لاستواء الآباء في هذا المقدار واختلاف الأبدان فانكسر بالأثلاث فإذا ضربت ثلاثة في خمسة تكون خمسة عشر للتي لها قرابتان بقرابة الأم ثلاثة وبجهة الأخرى أربعة فتكون لها سبعة ولابن بن الابنة ثمانية فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وبن ابنة ابنة فيكون لها سبعة ولابن ابنة الابنة ثمانية فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان ويكون المال بينهم أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة أخماس المال خمس باعتبار قرابة الأم وخمسان باعتبار قرابة الأب ثم ما أخذت باعتبار قرابة الأب سلم لها وما أخذت باعتبار قرابة الأم يضم إلى ما في يد الأخوين فيكون بينهما على الأبدان أرباعا لإستواء الآباء فيضرب خمسة في أربعة فيكون عشرين لها باعتبار قرابة الأب ثمانية وباعتبار قرابة الأم ربع الباقي وهو ثلاثة فيكون لها أحد عشر للابن سبعة وللابنة الأخرى الباقي فإن كان معها ابنة بن ابنة وبن بن ابنة فعند أبي يوسف هذا وما تقدم سواء.(30/30)
وعند محمد رحمه الله القسمة في الإبتداء على الآباء، فتكون على سبعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم يسلم لها وسهمان باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد الآخرين فيقسم بينهم على الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان فيضرب أربعة في سبعة فتكون ثمانية وعشرين للتي لها قرابتان السبع أربعة باعتبار قرابة الأم ويكون لها مما بقي الربع باعتبار قرابة الأب فيكون لها عشرة ولابنة بن الابنة ستة ولابن ابن الابنة اثنا عشر فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وبن ابنة ابنة وابنة بن ابنة وبن بن ابنة فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان على ثمانية أسهم للتي لها قرابتان سهمان وعند محمد القسمة في الإبتداء على الآباء على تسعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم سهم فيضم ذلك إلى ما في يد ابنة ابنة الابنة وبن ابنة الابنة فيكون مقسوما بينهم باعتبار الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان وما اتحد من جهتين باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد ابنة بن الابنة وبن بن الابنة فيكون مقسوما بينهم أرباعا على الأبدان لاستواء الآباء فقد وقع الكسر بالأرباع في موضعين ولكن أحدهما يجزئ عن الآخر فتضرب تسعة في أربعة فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة الثلث من ذلك اثنا عشر بين التي لها قرابتان وبين الأولين أرباعا لها ثلاثة وللابنة الأخرى ثلاثة وللابن ستة والثلثان بين التي لها قرابتان وبين ابنة بن الابنة أرباعا لابن بن الابنة اثنا عشر ولابنة بن الابنة ستة وللتي لها قرابتان ستة فيحصل لها بالجهتين تسعة هذا طريق التخريج في هذا الجنس والله أعلم.
فصل في بيان ذي القرابتين من بنات الإخوة وأولاد الأخوات(30/31)
قال رحمه الله: فإن مات وترك ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب وصورته أن يكون لرجل أخت لأم وأخ لأب فيزوج أخاه لأبيه أخته لأمه فيكون صحيحا لأنه لا قرابة بين الزوجين فإذا ولدت ابنة كانت هذه له ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب فإن مات وترك مع هذه ابنة أخت لأب فعلى قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد لذي القرابتين سهم من ستة(30/32)
ص -16- ... باعتبار قرابة الأم، والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب فينكسر بالأثلاث فتكون القسمة من ثمانية عشر فإنه يعتبر المدلى به فكأنه ترك أختا لام وأختا وأخا لأب وعلى قول أبي يوسف الآخر المال كله لذي القرابتين لأن الاستحقاق باعتبار معنى العصوبة وقد اجتمع في جانبها قرابة الام وقرابة الاب فتترجح على الأخرى في جميع المال كما في حقيقة العصوبة وهذا لأنه على القول الآخر يعتبر الأبدان فإن كان معها ابنة أخ لأب فعلى قوله الآخر المال كله لذي القرابتين وفي قوله الأول وهو قول محمد السدس لذي القرابتين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما نصفان بمنزلة أخت لأم وأخوين لأب فإن كانت المسألة على عكس هذا فكانت التي لها قرابتان ابنة أخت لأب وهي ابنة أخ لأم ومعها بن أخ لأم فعلى قوله الآخر هذا وما سبق سواء، فكذلك إن كان معها ابنة أخت لأب ففي قوله الأول وهو قول محمد إن كان معها ابنة أخ لأم فلهما الثلث بينهما نصفان باعتبار قرابة الأم ولذى القرابتين النصف باعتبار الأب والباقي رد عليهما فيكون المال في الحاصل بينهما أخماسا بمنزلة ما لو ترك أختا لأب وأخوين لأم ولو كان معها ابنة أخت لأب فللتي لها قرابتان السدس باعتبار قرابة الأم ولها الثلثان باعتبار قرابة الأب بينهما نصفان والباقي رد عليهما بمنزلة أختين لأب وأخ لأم فتكون القسمة أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة وللأخرى سهمان فإن كان معها ابنة أخت لأب وأم فالمال بينهما نصفان لأنه وجد في حق كل واحد منهما قرابة الأب وقرابة الأم فاستويا عند أبي يوسف وكذلك عند محمد لأنه لا فائدة في تمييز إحدى القرابتين عن الأخرى هنا فإن ما يسلم لهما باعتبار كل قرابة بينهما نصفان وإنما الإشكال على قول محمد فيما إذا كان معها ابنة أخ لأب وأم فإن تمييز إحدى القرابتين عن الأخرى مقيد هنا فقد مال مشايخنا أيضا إلى التمييز فيكون الثلث بينهما نصفين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما(30/33)
أثلاثا باعتبار قرابة الأب بمنزلة ما لو ترك أخوين لأم وأخا وأختا لأب والأصح أنه لا يشتغل بهذا التمييز بل يكون المال بينهما نصفين لاستوائهما في الإدلاء بقرابة الأب والأم جميعا وثبوت الاستحقاق لها باعتبار معنى العصوبة والله أعلم بالصواب.
باب ميراث العمات والأخوال والخالات
قال رضي الله عنه: اعلم بأن العمة بمنزلة العم عندنا والخالة بمنزلة الأم وقال بشر المديني العمة بمنزلة الأم وقال أهل التنزيل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وقال أبو عبيد القاسم بن سلامة العمة مع بنات الإخوة بمنزلة الجدات لأب وهي مع الخالة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وبها تتصل بالميت والخالة ولد الجدة لأم وبها تتصل بالميت فالأولى أن يجعل كل واحدة منهما قائمة مقام المدلي به وهي الواسطة التي تتصل للميت بها للميت فيكون المال كله للعمة ولا شيء للخالة بمنزلة أب الأب مع أب الأم وأما أهل التنزيل فإنهم قالوا اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث إذا اجتمعا ولا وجه لذلك إلا بأن تجعل العمة كالأب باعتبار أن قرابتها قرابة الأب، والخالة(30/34)
ص -17- ... كالأم باعتبار أن قرابتها قرابة الأم وأما أبو عبيد فكان يقول العمة مع ابنة الأخ بمنزلة الجد لأن ابنة الأخ تتصل بالميت بقرابة الأب وتنزل منزلة ابنها وهو الأخ والعمة أيضا تتصل بقرابة الأب ولو نزلناها منزلة الأب كانت ابنة الأخ محجوبه بها لأن الأخ محجوب بالأب فجعلناها بمنزلة الأب لهذا المعنى فأما مع الخالة فقد جعلنا الخالة بمنزلة الأم الأدنى لأن قرابتها قرابة الأم فتجعل العمة معها بمنزلة الأب الأدنى لأن قرابتها قرابة الأب فأما أهل الحديث قالوا العمة ولد الجد وبه تتصل بالميت فتقوم مقام الجد أب الأب والخالة ولد الجد أب الأم والجدة أم الأم ولو جعلناها كالجد أب الأم لم ترث شيئا ولو جعلناها كالجدة أم الأم كانت وارثة مع العمة فبهذا الطريق جعلناها كالجدة أم الأم.
وجه قول علمائنا رحمهم الله: أن الأصل أن الأنثى متى أقيمت مقام ذكر فإنها تقوم مقام ذكر في درجتها ولا تقام مقام ذكر هو أبعد منها بدرجة أو أقرب والذكر الذي في درجة العمة العم وهو وارث فتجعل العمة بمنزلة العم لهذا فأما أب الأب فهو أبعد منها بدرجة فلا يمكن إقامتها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها وهو الخال لم ترث مع العمة فلهذه الضرورة أقمناها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها وهو الخال لم ترث الثلثين وللخالة الثلث بهذا الطريق بمنزلة ما لو ترك أما وعما يدل عليه أن العمة لو جعلت كالجد أب الأب لكان العم كذلك فإن قرابتهما سواء فينبغي أن يكون العم مزاحما للإخوة كالجد وإذا سقط اعتبار هذا المعنى في حقيقة العصوبة فكذلك في معنى العصوبة.(30/35)
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا ترك عما وعمة فإما أن يكونا لأب وأم أو لأب أو لأم فإذا كانا لأب وأم أو لأب فالمال كله للعم لأنه عصبة ولا ميراث لأحد من ذوي الأرحام مع العصبة وكذلك إن كان العم لأب والعمة لأب وأم أو لأب أو لأم فأما إذا كانا جميعا لأم فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين:
وروى محمد بن جماعة عن أبي يوسف أن المال بينهما نصفان لاستوائهما في القرابة فإن قرابتهما قرابة الأم وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى كالأخ والأخت لأم وجه ظاهر الرواية أن توريثهما باعتبار معنى العصوبة وفي العصوبة للذكر مثل ما للأنثى إذا تساويا في الدرجة وهذا بخلاف الأخ والأخت لأم لأن توريثهما بالفرضية وفي الاستحقاق بالفرضية لا يفضل الذكر على الأنثى قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] مما ترك الآية.
وكذلك هذا في الأعمام والعمات إذا كثروا فإن اجتمع عمات بعضهن لأب وأم وبعضهن لأب وبعضهن لأم فالمال كله للعمة لأب وأم لقوة السبب في حقها باجتماع القرابتين وعلى هذا أولاد العمات إذا كان بعضهن أقرب فله المال كله وعند الاستواء في الدرجة يترجح ذو القرابتين على ذي قرابة واحدة وعلى هذا ميراث الأخوال والخالات حتى إذا ترك خالا وخالة فالمال بينهما أثلاثا وفي رواية أبي يوسف المال بينهما نصفان، وهذا لأن الذكر هنا ليس(30/36)
ص -18- ... بعصبة، وتوريثهما باعتبار قرابة الأم وقد استويا في ذلك وفي ظاهر الرواية الاستحقاق بمعنى العصوبة فيكون للذكر مثل ما للأنثى فإن كان بعضهم لأب وأم وبعضهم لأب وبعضهم لأم فذلك كله لذي القرابتين ذكرا كان أو أنثى لقوة السبب في جانبه باجتماع القرابتين وإن اختلط العمات بالخالات والأخوال فللعمات الثلثان وللأخوال والخالات الثلث اعتبارا للعمات بالعم والأخوال والخالات بالأم ويستوي في هذا إن استوت الأعداد أو اختلفت حتى إذا ترك عمة واحدة وعشرة من الأخوال والخالات فللعمة الثلثان والثلث بين الأخوال والخالات للذكر مثل حظ الأنثيين لأن استحقاقهم بقرابة الأم والأمومة لا تحتمل التعدد فهم بمنزلة أم واحدة وكذلك إن ترك خالة واحدة وعشرة من العمات فللخالة الثلث وللعمات الثلثان بينهن فإن ترك عمة لأب وأم وخالة أو خالا لأم فكذلك الجواب في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أن المال كله للتي لها قرابتان من أي جانب كانت بمنزلة ما لو اتحدت الجهة كالعمين أو الخالين فأما في ظاهر الرواية ذو القرابتين إنما يترجح على ذي قرابة واحدة إذا كانت من جهتهما فأما إذا كانت من جهة أخرى فلا لأن الخالة كالأم سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم والعمة كالعم فلهذا كان المال بينهما أثلاثا.
فصل في ميراث أولاد العمات والأخوال والخالات(30/37)
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الأقرب من هؤلاء مقدم على الأبعد في الاستحقاق سواء اتحدت الجهة أو اختلفت والتفاوت بالقرب بالتفاوت في البطون فمن يكون منهم ذا بطن واحد فهو أقرب ممن يكون ذا بطنين وذو البطنين أقرب من ذي ثلاث بطون لأنه يتصل بالميت قبل أن يتصل الأبعد به فعرفنا أنه أقرب وميراث ذوي الأرحام يبنى على القرب وبيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وابنة ابنة خالة أو ابنة بن خالة أو بن ابن خالة فالميراث لابنة الخالة لأنها أقرب بدرجة وكذلك إن ترك ابنة عمة وابنة ابنة خالة فابنة العمة أولى بالمال لأنها أقرب بدرجة وإن كانا من جهتين مختلفتين وإن ترك بنات العمة مع بن خالة واحدة فلبنات العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث وإن كان بعض هؤلاء ذا قرابتين وبعضهم ذا قرابة واحدة فعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا وعند اتحاد الجهة الذي لأب أولى من الذي لأم ذكرا كان أو أنثى بيانه فيما إذا ترك ثلاث بنات عمات متفرقات فالمال كله لابنة العمة لأب وأم وكذلك ثلاث بنات خالات متفرقات فإن ترك ابنة خالة لأب وأم وابنة عمة لأب وأم أو لأب فلابنة العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث وهذا لأن المساواة في الدرجة بينهما موجودة حقيقة يعني الاتصال إلى الميت ولكن ذو القرابتين أقوى سببا فعند اتحاد السبب يجعل الأقوى في معنى الأقرب وذلك ينعدم عند اختلاف السبب.
وكذلك توريث ذوي الأرحام باعتبار معنى العصوبة وقرابة الأب في ذلك مقدمة على قرابة الأم فجعل قوة السبب كزيادة القرب عند اتحاد الجهة فأما عند اختلاف الجهة يسقط اعتبار هذا المعنى وكذلك إن كان أحدهما ولد عصبة أو ولد صاحب فرض فعند اتحاد الجهة(30/38)
ص -19- ... يقدم ولد العصبة وصاحب الفرض وعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا بل يعتبر المساواة في الاتصال بالميت لأن في جانب ولد العصبة وصاحب الفرض قوة السبب باعتبار المدلى به وقد بينا أن قوة السبب إنما تعتبر عند اتحاد الجهة لا عند اختلاف الجهة بيانه فيما إذا ترك ابنة عم لأب وأم أو لأب وابنة عمة فالمال كله لابنة العم لأنها ولد عصبة ولو ترك ابنة عم وابنة خال أو خالة فلابنة العم الثلثان ولابنة الخال أو الخالة الثلث لأن الجهة مختلفة هنا فلا يترجح أحدهما بكونه ولد عصبة وهذا في رواية بن عمران عن أبي يوسف فأما في ظاهر المذهب ولد العصبة أولى سواء اختلفت الجهة أو اتحدت لأن ولد العصبة أقرب اتصالا بوارث الميت فكان أقرب اتصالا بالميت.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن العمة تكون أحق بجميع المال من الخالة لأن العمة ولد العصبة وهو أب الأب والخالة ليست بولد عصبة ولا ولد صاحب فرض لأنها ولد أب الأم.(30/39)
قلنا: لا كذلك فإن الخالة ولد أم الأم وهي صاحبة فرض فمن هذا الوجه تتحقق المساواة بينهما في الاتصال بوارث الميت إلا أن اتصال الخالة بوارث هو أم فتستحق فريضة الأم واتصال العمة بوارث هو أب فتستحق نصيب الأب فلهذا كان المال بينهما أثلاثا فإن كان قوم من هؤلاء من قبل الأم من بنات الأخوال أو الخالات وقوم من قبل الأب من بنات الأعمام أو العمات لأم فالمال مقسوم بين الفريقين أثلاثا سواء كان من كل جانب ذو قرابتين أو من أحد الجانبين ذو قرابة واحدة ثم ما أصاب كل فريق فيما بينهم يترجح جهة ذي القرابتين على ذي قرابة واحدة وكذلك يترجح فيه من كان قرابته لأب على من كان قرابته لأم لأن في نصيب كل فريق الاستحقاق لهم بجهة واحدة وكل واحد منهم إذا انفرد إستحق جميع ذلك، فعند الاجتماع يراعى قوة السبب بينهم في ذلك المقدار فإن استووا في القرابة فالقسمة بينهم على الأبدان في قول أبي يوسف الآخر وعلى أول من يقع الخلاف فيه من الآباء في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله بيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وبن خالة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار الأبدان لأن الآباء قد اتفقت فإن ترك ابنة خال وبن خالة فعلى قول أبي يوسف الآخر لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث وعلى قول محمد على عكس هذا لاختلاف الآباء فيكون لابن الخالة الثلث ولابنة الخال الثلثان.(30/40)
ولو ترك ابن عمة وابنة عمة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين على الإبدان ولو ترك بن عمة وابنة عم فإن كانت ابنة عم لأب وأم أو لأب فهي أولى لأنها ولد عصبة وبن العمة ليس بولد عصبة وإن كانت بنت عم لأم فعلي قول أبي يوسف الآخر المال بينهم أثلاثا على الإبدان لابن العمة الثلثان ولابنة العم الثلث وعند محمد على عكس ذلك باعتبار الآباء وهذا إذا كان بن العمة لأم فأما إذا كان بن عمة لأب وأم فهو أولى بجميع المال لأنه ذو قرابتين وكذلك إذا كان بن عمة لأب لأن الإدلاء بقرابة الأب وفي استحقاق بعض العصوبة يقدم قرابة الأب على قرابة الأم فإن ترك ثلاث بنات أخوال متفرقات أو ثلاث بنات خالات(30/41)
ص -20- ... متفرقات، وثلاث بنات عمات متفرقات فالثلثان لبنات العمات ثم يترجح في استحقاق ذلك ابنة العمة لأب وأم على الآخرين لما قلنا والثلث لبنات الخالات ثم يترجح في استحقاق ذلك بن الخالة لأب وأم وابنة الخال لأب وأم فتكون المقاسمة بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف الآخر على الأبدان لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث وعلى قول محمد على عكس ذلك فإن كان مع هؤلاء ثلاث بنات أعمام متفرقات فالمال كله لابنة العم لأب وأم لأنها ولد عصبة فإن لم تكن فلابنة العم لأب لأنها عصبة فإن لم تكن فحينئذ الثلثان لقوم الأب ويستحق ذلك ابنة العمة لأب وأم خاصة لأن ابنة العمة لأم وابنة العم لأم سواء في أن كل واحدة منهما ليست بولد عصبة ولا صاحبة فريضة فكما تترجح ابنة العمة لأب وأم على ابنة العمة لأم فكذلك على ابنة العم لأم ولا يتغير هذا الإستحقاق بكثرة العدد من أحد الجانبين وقلة العدد من الجانب الآخر لأن الإستحقاق بالمدلى به وهو الأب والأم وذلك لا يختلف بقلة العدد وكثرة العدد وهو سؤال أبي يوسف على محمد في أولاد البنات فإن هناك لو كان المدلى به هو المعتبر لما اختلفت القسمة بكثرة العدد وقلة العدد كما في هذا الموضع إلا أن الفرق بينهما لمحمد أن هناك تتعدد الفروع بتعدد المدلى به حكما وهنا لا يتعدد المدلى به حكما لأنه إنما يتعدد الشيء حكما إذا كان يتصور حقيقة والعدد في الأولاد من البنين والبنات يتحقق فيثبت التعدد فيهم حكما بتعدد الفروع فأما في الأب والأم لا يتصور التعدد حقيقة فلا يثبت التعدد حكما بتعدد القرابات والله أعلم.
فصل في ميراث أعمام الأم وعماتها وأخوال الأم وخالاتها(30/42)
قال رحمه الله: فإن ترك الميت خالة لأم أو خالا لأم فالميراث له إن لم يكن معه غيره لأن الأم وارثة له فخالها وخالتها بمنزلة خاله وخالته في استحقاق الميراث وإن تركهما جميعا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا باعتبار الأبدان لاستواء المدلى به فإن ترك خالة الأم وعمة الأم فقد ذكر أبو سليمان من أصحابنا أن المال بينهم أثلاثا ثلثاه للعمة والثلث للخالة وذكر عيسى بن أبان أن المال كله لعمة الأم وذكر يحيى بن آدم أن المال كله لخالة الأم فوجه رواية أبي سليمان أن في توريث هذا النوع المدلى به أقيم مقام الميت فعمة الأم بمنزلة عمة الميت وكذلك خالة الأم بمنزلة خالة الميت فيكون للعمة الثلثان وللخالة الثلث.
ووجه قول عيسى: أن عمة الأم قرابتها من الأم قرابة الأب وخالة الأم قرابتها من الأم قرابة الأم والتوريث هنا لمعنى العصوبة فترجح قرابة الأب على قرابة الأم وهكذا كان القياس في عمة الميت وخالته وإنما تركنا ذلك لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم وهذا ليس في معنى هذا فإن هناك إحداهما ولد عصبة والأخرى ولد صاحب فريضة وذلك لا يوجد هنا فرجحنا قرابة الأب اعتبارا لحقيقة العصوبة.
ووجه ما قال يحيى بن آدم أن خالة الأم ولد صاحب فرض لأنها ولد أم الأم وهي صاحبة فرض وعمة الأم ليست بولد صاحب فريضة ولا عصبة لأنها ولد أب الأم فلهذا(30/43)
ص -21- ... كانت خالة الأم أولى من عمة الأم وعلى هذا لو ترك خال الأم وخالة الأم مع عمة الأم ثم على ظاهر الرواية يستوي أن يكون لهما قرابتان أو لاحداهما قرابتان وللأخرى قرابة واحدة لأن اختلاف الجهة بينهما في حق الأم كاختلاف الجهة في حق الميت فإن ترك عمة الأب وعم الأب فالمال كله لعمة الأب إن كان لأب وأم أو لأب لأنه عصبة وإن كان لأم فالمال بينهما أثلاثا على الأبدان في قول أبي يوسف الآخر وعلى المدلى به في قوله الأول وهو قول محمد وإن كان هناك عمة الأب وخالة الأب فعلى رواية أبي سليمان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول عيسى ويحيى المال كله لعمة الأب لأنها ولد العصبة وهو أب أب الأب ولأنها تدلي بقرابة الأب وقرابة الأب في معنى العصوبة مقدمة على قرابة الأم فإن اجتمع الفريقان يعني عمة الأب وخالة الأب وعمة الأم وخالة الأم فلقوم الأباء الثلثان ولقوم الأم الثلث ثم قسمة كل فريق بين كل فريق في هذا الفصل كقسمة جميع المال فيما تقدم ولا يختلف الجواب فيكون أحدهما ذا قرابتين والآخر ذا قرابة واحدة في القسمة عند اختلاف الجهة ولكن في نصيب كل فريق يترجح ذو القرابتين على نحو ما بينا في الفصل المتقدم والكلام في أولاد هؤلاء بمنزلة الكلام في آبائهم وأنها تعم ولكن عند انعدام الأصول فأما عند وجود أحد من الأصول فلا شيء للأولاد كما لا شيء لأحد من أولاد العمات والخالات عند بقاء عمة أو خالة للميت ويتصور في هذا الجنس شخص له قرابتان بيانه في امرأة لها أخ لأم وأخت لأب فتزوج أخوها لأم أختها لأبيها فولد بينهما ولد ثم مات هذا الولد فهذه المرأة خالتها لأب وهي أيضا عمتها لأم ثم هذا الجواب في هذا الفصل على الاختلاف الذي بيناه ذو قرابتين من بنات الأخوة وأولاد الأخوات والله تعالى أعلم بالصواب.
باب الفاسد من الأجداد والجدات(30/44)
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الجد الفاسد من يتصل إلى الميت بأم والجدة الفاسدة من يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين والكلام في هذا الباب في فصلين:
أحدهما: في ترتيب التوريث بين هؤلاء والباقي في ترتيب التوريث بينهم وبين غيرهم من ذوي الأرحام فأما بيان الترتيب فيما بينهم فنقول: من يكون أقرب منهم فهو أولى بالميراث والقرب بالبطن فمن يتصل إلى الميت ببطن واحد فهو أقرب ممن يتصل ببطنين ومن يتصل ببطنين فهو أقرب ممن يتصل ببطون ثلاثة والجد الذي يتصل إلى الميت ببطن واحد لا يكون إلا واحدا وهو أب الأم والذي يتصل ببطنين ثلاثة وهو أب أم الأم وأب أب الأم وأب أم الأب ولهم من الجدات الفاسدات واحدة وهي أم أب الأم ثم لم يذكر محمد رحمه الله في الفرائض من هذا الجنس إلا مسألة واحدة وهي أب أم الأم وأب أم الأب وقال الميراث بينهما أثلاثا لأب أم الأب الثلثان ولأب أم الأم الثلث وتقدم مسألة أخرى فيها اختلاف وهي ما إذا ترك أب أم الأم وأب أب الأم فعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي وعبد الله المال كله لأب أم الأم لأنه أقرب أيضا لا لصاحب العصبة لأنك إذا أسقطت(30/45)
ص -22- ... من نسبه بطنا يبقي أم الأم وهي صاحبة فرض وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقي أب الأم وهو جد فاسد فلهذا كان الميراث كله لأب أم الأم وعلى قول عيسى المال كله لأب أب الأم لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فرض في حقه فإنها أم أمه وهو بن ابنها والآخر ليس بعصبة للأم بل هو بن ابنها والمعتبر هنا معنى العصوبة فإذا كان يترجح أحدهما بمعنى العصوبة في نسبته إلى أم الميت كان هو أولى باعتبار إقامة المدلى به مقام الميت وذكر أبو سليمان أن المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أب الأم وثلثة لأب أم الأم لأنا نعتبر في القسمة أول من يقع به الخلاف ثم ينقل نصيب كل واحد منهما إلى من يدلى به فأما إذا ترك أب أم الأم وأب أم الأب فقد بينا أن في ظاهر الرواية المال بينهما أثلاثا اعتبارا بالمدلي به فإن أب أم الأب يدلي بالأب والأخرى تدلي بالأم فكأنه ترك أبا وأما وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان لأنهما استويا في الاتصال بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت بطنا من أب أم الأب تبقي أم الأب وإذا أسقطت بطنا من نسب الآخر تبقي أم الأم وبينهما مساواة في الفرضية وعلى قول عيسى المال كله لأب أم الأب لأن اتصاله بقرابة الأب واتصال الآخر بقرابة الأم والاستحقاق بطريق العصوبة والعصوبة إنما تثبت بقرابة الأب دون قرابة الأم وإن ترك أب أب الأم وأب أم الأب فعلي قياس قول محمد رحمه الله المال بينهما أثلاثا لأن أب أب الأم يدلي بالأم وأب أم الأب تدلي بالأب وعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم الأب لأنه أقرب اتصالا بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبه بطنا تبقى أم الأب وهي جدة صحيحة وفي حق الآخر يبقى أب الأم وهو جد فاسد.(30/46)
واختلفت المشايخ على قول عيسى، فمنهم من يقول المال كله لأب أب الأم لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فريضة في حقه ولا يوجد ذلك في حق الآخر والأصح أن عنده المال كله لأب أم الأب لأن اتصاله بالميت بقرابة الأب وفي استحقاق العصوبة لا مزاحمة بين قرابة الأم وبين قرابة الأب وإنما تعتبر الأم في العصوبة في النسبة إلى الميت لأنه يتعذر اعتبار معنى العصوبة في النسبة إلى الميت فأما هنا اختلفت الجهة فإنما تعتبر العصوبة في النسبة إلى الميت فكان من يدلي إليه بقرابة الأم أولى بالمال فإن ترك أب أم الأم وأب أب الأم فقد ذكر أبو سليمان أن المال يقسم بينهم أثلاثا الثلثان لأب أم الأب لأنه يدلي بالأب والآخران يدليان بالأم فقاما مقام الأم ثم الثلث الذي أصاب اللذين يدليان بالأم يقسم بينهما أثلاثا ثلث ذلك لأب أب الأم وثلث ذلك لأب أم الأم وهذا صحيح على أصل محمد في اعتبار أول من يقع به الخلاف في القسمة فأما على قول أهل التنزيل فأب أب الأم ساقط لأنه يسقط مع أحد الأبوين كما بينا فمعهما أولى ويكون المال بين أب أم الأب وأب أم الأم نصفين وعلى قول عيسى أب أم الأم ساقط لأنه سقط بأب أب الأم إذا انفرد فإذا كان معه غيره أولى فإذا سقط هو يبقى أب أب الأم وأب أم الأب وفيه اختلاف المشايخ كما بينا فإن ترك مع هؤلاء الثلاثة جدة فاسدة كجدتهم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل وقول عيسى(30/47)
ص -23- ... هذا وما سبق سواء وهذه الجدة تسقط فأما على ما ذكره أبو سليمان عن محمد رحمه الله فلأب أم الأب الثلثان ومن الثلث الباقي ثلثة لأب أم الأم وثلثاه بين أب أب الأم وبين أب أم الأب أثلاثا لأن المدلى بهما في حقهما الأب وإنما اختلفت أبدانهما فتقسم تلك الحصة بينهما على الأبدان أثلاثا فإن ترك أب أم الأب وأب أم أب الأب فعلى قول أهل القرابة المال كله لأب أم الأب لأنه أقرب بدرجة وعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي رضي الله عنه الجواب كذلك فأما على قياس قول عبد الله المال بينهما نصفان لأن مذهبه أن البعدى من الجدات الصحيحات تستوي بالقربى إذا لم تكن البعدى أم القربى فكذلك في الفاسد من الأجداد والجدات فإذا أسقطت من نسب كل واحدة منهما بطنا يبقى صاحبه فرض وهي أم الأب وأم أب الأب بينهما في الفرضية مساواة عند عبد الله فكذلك هنا فإن ترك أم أب أم الأم وأم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل المال كله لأم أب أم الأم لأنها أقرب اتصالا بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبها بطنين يبقى أم الأم فإذا أسقطت من نسب الأخرى بطنين يبقى بطنان وهو جد فاسد وعلى قول عيسى المال كله لأم أم أب الأم إقامة للأم مقام الميت فيكون اتصال هذه بالأم باعتبار قرابة الأب واتصال الآخرى بالأم بقرابة الأم واستحقاق العصوبة بالأب فلهذا كان المال لها فإن ترك أب أم أب الأب وأب أب أم الأب فعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم أب الأب لأنك إذا أسقطت من نسبه بطنا يبقى أم أب الأب وهي صاحبة فرض وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقى أب أم الأب وهو جد فاسد وكذلك على قول عيسى لأنه يقيم الأب المدلى به مقام الميت ثم اتصال أب أم الأب بقرابة الأب واتصال الآخر به بقرابة الأم فيكون هو أحق بجميع المال.(30/48)
وعلى قياس قول محمد: ينبغي أن يكون المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أم أب الأب وثلثه لأب أب أم الأب اعتبارا لأول من يقع به الخلاف، وفي المسألة الأولى كذلك الثلثان لأم أم أب الأم والثلث لأم أب أم الأم، فأما بيان الترتيب بين هؤلاء وغيرهم من ذوي الأرحام فنقول إذا ترك أب الأم ومعه أولاد البنات فقد بينا اختلاف الروايات فيه وإن كان معه أولاد الأخوات وبنات الإخوة فقد بينا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فإن كان معه الخال والخالة فالمال كله لأب الأم بالاتفاق بين أهل القرابة لأن أب الأم اتصاله بالأم بالأبوة واتصال الخالة بالأم بالأختية واتصال الخال بالإخوة والأبوة تقدم في الاستحقاق على الإخوة ولأن الخالة أو الخال يتصلان بالميت بأب الأم وقد بينا أن من يتصل إلى الميت بغيره لا يزاحمه في الاستحقاق بطريق العصوبة وكذلك إن كان مع أب الأم العم فهو أولى من العمة في درجة الخالة وقد بينا أن أب الأم مقدم على الخالة فكذلك على العمة ولأن الفاسد معتبر بالصحيح لأن الفاسد لا يمكن أن يجعل أصلا والجد أب الأب مقدم على العم في حقيقة العصوبة فكذلك الجد أب الأم يكون مقدما على العمة فإن ترك أب أب الأم ومعه عمة أو خالة فعندنا العمة والخالة أولى بالميراث لأنها أقرب وذكر أبو عبيد أن على قول أهل(30/49)
ص -24- ... التنزيل إذا كان مع أب أب الأم العمة فالعمة أولى وإن كان معه الخالة فعلى قياس قول أبي بكر أب أب الأم أولى بمنزلة الجد والأخت لأنهما يدليان بأب الأم وعلى قياس قول علي وعبد الله وزيد المال بينهما أثلاثا بمنزلة الجد مع الأخت وقال عيسى العمة أولى من أب أب الأم لأنها أقرب ولأن قرابتها قرابة الأب وفي العصوبة تقدم قرابة الأب فأما الخالة إن كانت مع أب أب الأم فأب أب الأم أولى لأنا نقيم الأم مقام الميت فإن اتصالهما جميعا بالميت بالأم ثم أب الأب في العصوبة مقدم على الأخت والاستحقاق بمعنى العصوبة فلهذا قدم أب أب الأم على الخالة والله أعلم بالصواب.
باب الحرقى والغرقى
قال رحمه الله: اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا أنه لا يرث بعضهم من بعض وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى زيد في قتلى اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم وبه قضى زيد في الذين هلكوا في طاعون عمواس حين بعثه عمر رضي الله عنه لقسمة ميراثهم وبه قضي زيد في قتلى الحرة وهكذا نقل عن علي رضي الله عنه أنه قضى به في قتلى الجمل وصفين وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء.(30/50)
وقد روى عن علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض إلا فيما ورث كل واحد منهم من صاحبه ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم وسبب الحرمان مشكوك فيه لأن سبب الاستحقاق حياته بعد موت صاحبه وقد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى يأتي بيقين آخر وسبب الحرمان موته قبل موته وذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه لأجل الضرورة لأنا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما ورث من صاحبه ومن ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله ولكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وإنما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما سوى ذلك يتمسك بالأصل فإن هذا أصل كثير في الفقه أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو عكس ذلك.
فأما وجه القول الآخر أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا والاستحقاق ينبني على السبب فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق لأن في الفقة أصل كثير أن الاستحقاق بالشك لا يثبت وبيانه أن سبب الاستحقاق بقاؤه حيا بعد موت مورثه ولا يعلم هذا يقينا وإنما نعرفه بطريق الظاهر واستصحاب الحال لأن ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه ولكن هذا البقاء لانعدام دليل المزيل لا لوجود المبقي فإنما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة المفقود يجعل ثابتا في نفي التوريث عنه ولا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه وبهذا الطريق لا يرث كل واحد منهما من(30/51)
ص -25- ... صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الأموال وهذا لأن الإرث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر إثباته في البعض يتعذر إثباته في الكل ولا وجه لاعتبار الأحوال هنا لأن ذلك إنما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق وسبب الحرمان والتردد فيما بين الأشخاص كطلاق المتهم في إحدى نسائه إذا لم يدخل بهن فإن سبب الإرث لبعضهن معلوم وهو النكاح وسبب الحرمان لبعضهن معلوم وهو عدم النكاح فتعتبر الأحوال للترد بينهن بعد التيقن بأصل السبب ولا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار الأحوال.(30/52)
يوضحه: أن المقضي له والمقضي عليه هنا مجهول واعتبار الأحوال إنما يكون إذا كانت الجهالة في إحدى الجانبين أما في جانب المقضي له أو في جانب المقضي عليه فأما عند وقوع الجهالة فيهما لا يجوز القضاء أصلا ثم يجعل كأنهما ماتا جميعا لأن إسناد موت كل واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن إضافة موت الآخر إليه ولا وجه لإثبات تاريخ بين المورثين من غير دليل وكذلك إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدري أيهما لتحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا إذا عرفنا هذا فنقول أخوان لأب وأم أو لأب غرقا وترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض والرد فإن مات الأب والابن تحت هدم أو غرقا أو احترقا أو ترك الأب أبا وابنة وامرأة ولم يترك الابن أحدا غير هؤلاء فنقول أما ميراث الأب فلزوجته منه الثمن ولابنته النصف والباقي للأب وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم هذا الابن فإنما ترك الابن أما وجدا وأختا وهي مسألة الحرقى وقد بيناها في باب الجد وإن لم تكن المرأة أم الابن فإنما ترك الابن جدا وأختا فعلى قول الصديق ميراثه للجد وعند علي وعبد الله وزيد بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا فإن ترك الابن بنتا فنقول أما ميراث الأب فالأب إنما ترك في الحاصل امرأة وابنة وابنة ابن وأبا فللمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأب بالفرض والعصوبة وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم الابن فإنما ترك ابنة وأما وجدا وأختا فللأم السدس وللابنة النصف والباقي للجد في قول الصديق وفي قول علي للجد السدس والباقي للأخت وفي قول زيد الباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا وفي قول عبد الله الباقي بين الجد والأخت نصفين فإن غرق رجل وابنته وترك الرجل أبا وأختا وامرأة وتركت الابنة زوجا فنقول أما ميراث الأب فلامرأته الثمن وللابنة النصف والباقي للأب وأما ميراث الابنة فإن كانت امرأة الأب أمها فإنما تركت زوجا وأما وجدا(30/53)
وأختا وهي مسألة الأكدرية وقد بيناها وإن لم تكن أمها فإنما تركت زوجا وأختا وجدا فللزوج النصف والباقي للجد في قول الصديق وفي قول علي وعبد الله وزيد الباقي بينهما بالمقاسمة أثلاثا وأما بيان الرواية الأخرى عن علي في مسألة الحرقى والغرقى فنقول أخوان غرقا وترك كل واحد منهما أما وابنة ومولى وترك كل واحد منهما تسعين دينارا فتركة الأكبر منهما للأم السدس منها خمسة عشر دينارا وللابنة خمسة وأربعون دينارا ولأخيه ما بقي وذلك ثلاثون.(30/54)
ص -26- ... وكذلك يقسم تركة الأصغر ثم بقي من تركة كل واحد منهما ثلاثون دينارا وهو ما ورث كل واحد منهما من صاحبه فلأمه من ذلك السدس خمسة دنانير ولابنته النصف خمسة عشر دينارا والباقي للمولى بالعصوبة لأن كل واحد منهما لا يرث من صاحبه مما ورث صاحبه منه وهذا بيان التخريج والله أعلم بالصواب.
باب مواريث أهل الكفر
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بمثلها المسلمون فيما بينهم وقد يتحقق فيما بينهم جهات للإرث لا يرث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تصح فيما بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بنسب أو رضاع ونكاح المطلقة ثلاثا قبل زوج آخر ويختلفون في التوارث بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود فقال زفر لا يتوارثون بهما وقال أبو حنيفة رحمه الله يتوارثون بهما وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يتوارثون بالنكاح بغير شهود ولا يتوارثون بالنكاح في العدة وهو بناء على اختلافهم في تقريرهم على هذه الأنكحة إذا أسلموا وقد بينا ذلك في كتاب النكاح ثم لا خلاف أن الكافر لا يرث المسلم بحال وكذلك لا يرث المسلم الكافر في قول أكثر الِصحابة وهو مذهب الفقهاء.(30/55)
وروي عن معاذ ومعاوية رضي الله عنهما قالا يرث المسلم الكافر لقوله عليه الصلاة والسلام: "الإسلام يعلو ولا يعلى" وفي الإرث نوع ولاية للوارث على المورث فلعلو حال الإسلام لا تثبت هذه الولاية للكافر على المسلم وتثبت للمسلم على الكافر ولأن الإرث يستحق بالسبب العام تارة وبالسبب الخاص أخرى ثم بالسبب العام يرث المسلم الكافر فإن الذمي الذي لا وارث له في دار الإسلام يرثه المسلمون ولا يرث المسلم الكافر بالسبب العام بحال فكذلك بالسبب الخاص والدليل عليه المرتد فإنه يرثه المسلم ولا يرث المرتد من المسلم بحال والمرتد كافر فيعتبر به غيره من الكفار وقال عليه السلام: "الإسلام يزيد ولا ينقص" يعني يزيد في حق من أسلم ولا ينقص شيئا من حقه وقد كان مستحقا للإرث من قريبه الكافر قبل أن يسلم فلو صار بعد إسلامه محروما من ذلك لنقص إسلامه من حقه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين بشيء لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم" والكلام من حيث الاستدلال أن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] هذا بيان نفي الولاية من الكفار والمسلمين فإن كان المراد به الإرث فهو إشارة إلى أنه لا يرث المسلم الكافر وإن كان المراد به مطلق الولاية فقد بينا أن في الإرث معنى الولاية لأنه يخلف المورث في ماله ملكا ويدا وتصرفا ومع اختلاف الدين لا تثبت الولاية لأحدهما على الآخر ألا ترى أنه تبقى الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حتى كانت الهجرة فريضة فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فدل ذلك على نفي الولاية بين الكفار والمسلمين بطريق الأولى، وهو الكلام من(30/56)
ص -27- ... حيث المعنى فإن الإرث نوع ولاية فالسبب الخاص كما لا يوجب الولاية للكافر على المسلم لا يثبت للمسلم على الكافر يعني ولاية التزويج بسبب القرابة وولاية التصرف في المال وبه فارق التوريث بالسبب العام فإن الأبوية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية الشهادة والسلطنة ولا تثبت للكافر على المسلم بحال فكذلك التوريث وهذا بخلاف المرتد فالإرث للمسلم منه يستند إلى حال إسلامه ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه إنه يورث عنه كسب إسلامه ولا يورث عنه كسب الردة ولهذا لا يرث هو من المسلم لأنه لا يتحقق معنى الاستناد في جانبه أو لا يرث هو عقوبة له على ردته كما لا يرث القاتل بغير حق من المقتول شيئا ثم المرتد غير مقر على ما اعتقده بل هو مجبر على العود إلى الإسلام فيبقى حكم الإسلام في حقه فيرثه وارثه المسلم باعتبار هذا المعنى ولا يرث هو من أحد شيئا لأن حكم الإسلام إنما يعتبر في حقه فيما لا ينتفع هو به دون ما ينتفع به والمراد بقوله عليه السلام: "الإسلام يعلو ولا يعلى" العلو من حيث الحجة أو من حيث القهر والغلبة فيكون المراد أن النصرة في العاقبة للمؤمنين.
وأما الحديث الآخر قلنا عندنا نفي التوريث يكون محالا به على كفر الكافر لأنه خبيث ليس من أهل أن يجعل المسلم خلفا له فلا يكون هذا النقصان محالا به على إسلام المسلم كالزوج إذا أسلم وامرأته مجوسية يفرق بينهما لأنها خبيثة ليست من أهل أن يستفرشها المسلم إلا أن يكون إسلامه مبطلا ملكه ثم أهل الكفر يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم فاليهودي يرث من النصراني والنصراني من المجوسي والمجوسي منهما عندنا وهكذا ذكر المزني في المختصر عن الشافعي وروى بعض أصحاب الشافعي أنهم لا يتوارثون إلا عند اتفاق الاعتقاد وهكذا رواه ابن القاسم عن مالك.(30/57)
وقال ابن أبي ليلى اليهود: والنصارى يتوارثون بينهم ولا يرثهما المجوسي ولا يرثان من المجوسي شيئا فمن قال لا يتوارثون استدل بقوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين بشيء" وهم أهل ملل مختلفة بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} [البقرة: 62] وإنما يعطف الشيء على غيره لا على بعضه فكما أن عطف اليهود على المسلمين دليل على أنهم أهل ملتين فكذلك عطف النصارى على اليهود قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] ومعلوم أن اليهود لا ترضى إلا بأن يتبع اليهودية معهم والنصارى كذلك فعرفنا أن لكل واحد من الفريقين ملة على حدة ولأن النصارى يقرون بنبوة عيسى عليه السلام والإنجيل، واليهود يجحدون ذلك فكان ملة كل واحد منهما غير ملة الآخر كالمسلمين مع النصارى فإن المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فكانت ملتهم غير ملة النصارى وبه فارقوا أهل الأهواء لأنهم يتفقون على الإقرار بالرسل والكتب وإنما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب والسنة فلا يوجب ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم وقد يوجد مثل ذلك فيما بين النصاري كالنسطورية والملكانية واليعقوبية وفيما بين اليهود أيضا كالفرعية والسامرية وغير ذلك.(30/58)
ص -28- ... وأما ابن أبي ليلى فقال: إن اليهود والنصارى اتفقوا على دعوى التوحيد وإنما اختلفت نحلهم في ذلك واتفقوا على الإقرار بنبوة موسى عليه السلام والتوراة بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد وإنما يدعون الاثنين يزدان وأهرمن، ولا يقرون بنبوة موسى ولا بكتاب منزل ولا يوافقهم اليهود والنصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين والدليل عليه حل الذبيحة والمناكحة فإن اليهود والنصارى في ذلك كشيء واحد بخلاف المجوس وحجتنا في ذلك أن الله تعالى جعل الدين دينين الحق والباطل فقال الله عز وجل {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] وجعل الناس فريقين فقال: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ} [الشورى: 7] وهم المؤمنون {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] وهم الكفار بأجمعهم وجعل الخصم خصمين فقال جل جلاله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] يعني الكفار أجمع مع المؤمنين والدليل عليه أنا نسلم أنهم فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقدون ولكن عند مقابلتهم بالمسلمين أهل ملة واحدة لأن المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وهم ينكرون ذلك باجمعهم وبه كفروا فكانوا في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك وإن اختلفت نحلهم فيما بينهم وكذلك من يعبد منهم صنما ومن يعبد صنما آخر ويكفر كل واحد منهم صاحبه فهم أهل ملة واحدة وإن اختلفت نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم وكانوا في هذا كأهل الأهواء من المسلمين وفي قوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين" إشارة إلى ما بينا فإنه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ففي تنصيصه على الوصف العام في موضع التفسير بيان أنهم في حكم التوريث أهل ملة واحدة وحل الذبيحة والمناكحة لا يقوى الاستدلال بها فإن المسلمين مع اليهود والنصارى استووا في حكم حل الذبيحة والمناكحة ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة(30/59)
والمناكحة لا يكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم وكان المعنى فيه أن شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص والكتابي من أهل ذلك لأنهم يظهرون دعوى التوحيد وإن كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرك فلتحقق وجود الشرط في حقهم حلت ذبائحهم بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد فلا تصح منهم تسمية الله تعالى على الخلوص وهو شرط الحل ثم ينقطع التوارث فيما بينهم بسبب اختلاف الدار حقيقة وحكما حتى أن الذمي إذا مات لا يرثه قرابته من أهل الحرب وكذلك لا يرث هو قريبه الحربي لأن الذمي من أهل دار الإسلام وبتباين الدار تنقطع العصمة.
ألا ترى أن عصمة النكاح تنقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فكذلك تنقطع الولاية فينقطع التوارث أيضا باعتبار أن من مات في دار الحرب يجعل في حق من هو من أهل دار الإسلام كالميت وكذلك المستأمن في دار الإسلام لا يجري التوارث بينه وبين الذمي لأنه وإن كان وارثا حقيقة فهو من أهل الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يترك ليستديم المقام في دار الإسلام ولهذا لا تبين منه زوجته التي في دار الحرب، ويجري(30/60)
ص -29- ... التوارث بين هذا المستأمن وبين أقاربه من أهل دار الحرب لهذا المعنى حتى إذا مات يوقف ماله حتى يأتي دارنا فيأخذه لأنا أعطيناه الأمان في ماله ونفسه فبعد موته يبقى حكم الأمان في ماله لحقه لا لحق ورثته التي في دار الحرب لأن اتصال ماله إلى ورثته من حقه فيمنع ذلك صرف ماله إلى بيت المال بخلاف الذمي إذا مات ولا وارث له من أهل الذمة فإن أهل الحرب لا يرثونه شيئا ومال الميت الذي لا وارث له يصرف إلى بيت المال كالمسلم الذي لا وارث له إذا مات وأهل الحرب فيما بينهم لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم وملكهم بخلاف المسلمين فإن أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم لأن دار الإسلام دار أحكام فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار فيما بين المسلمين لأن حكم الإسلام يجمعهم فأما دار الحرب ليست بدار أحكام ولكن دار قهر فباختلاف المنعة والملك تختلف الدار فيما بينهم وبتباين الدار ينقطع التوارث وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان لأنهم من أهل دار الحرب وأن كانوا مستأمنين فينا فيجعل كل واحد في الحكم كأنه في منعة ملكه الذي خرج منها بأمان بخلاف ما إذا صاروا ذمة فإنهم صاروا من أهل دار الإسلام فيتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجوز التوارث بينهم وإن اختلفت منعتهم في حالة الكفر والله أعلم بالصواب
فصل في ميراث المجوس(30/61)
قال عمر وعلي رضي الله عنهما: في المجوسي إذا كان له قرابتان فإنه يستحق الميراث بهما ويكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين وهو قول علمائنا رحمهم الله وكان بن مسعود رضي الله عنه يقول لا يرث الواحد بالقرابتين وإنما يرث بالأقرب منهما وهكذا يرويه بعض الرواة عن زيد فإن خارجة بن زيد يروي عن أبيه مثل هذا والفرضيون اتفقوا على أن هذه الرواية لا تصح عن زيد وقد حفظت الرواية عنه في ثلاثة أعمام أحدهم أخ لأم أن للأخ لأم السدس بالاخوة والباقي بينهم أثلاثا بالعمومة وإنما يتصور هذا في حق المجوسي بأن يكون للمجوسي ثلاثة بنين للابن الأكبر منهم امرأة فولد له منها ولد ثم مات الأكبر فتزوجها المجوسي فولد له منها ولد ثم مات المجوسي ثم مات الولد الأكبر فقد ترك ثلاثة أعمام أحدهم أخ لام وقد ورثه زيد رضي الله عنه بالسببين جميعا فعرفنا أن مذهبه كمذهب عمر وعلي رضي الله عنهم ومن العلماء من قال إنما يرث أوفر النصيبين ومنهم من قال إنما يرث بالسبب الذي يتحقق مثله فيما بين المسلمين دون السبب الذي لا يتحقق مثله فيما بين المسلمين.
وجه قول من اختار قول ابن مسعود أن توريثه بالسببين يؤدي إلى أن يستحق شخص واحد فرضين مختلفين وذلك لا يجوز.
ألا ترى أن الأخت لأب وأم مع الأخت لأب لا ترث فرضين بالأختية لأم وبالأختية لأب وكذلك الجدة لا ترث فرضين إن كانت جدة من جهتين على ما بينا من أصل أبي(30/62)
ص -30- ... يوسف، فإذا كان هذا لا يثبت فيما بين المسلمين مع تحقق السببين فكذلك فيما بينهم بخلاف بن العم الذي هو أخ لأم أو زوج لأن هناك إنما يجمع له بين الفرضية والعصوبة وذلك لا يستقيم كالأب مع الابنة يكون صاحب فرض وعصبة وإنما لا يجوز الجمع بين الفرضين لأن الله تعالى بين نصيب كل صاحب فريضة ففي الجمع بين الفرضين زيادة على ذلك بالسبب الذي ثبت به فريضته نصا وذلك لا يجوز ثم هذا يؤدي إلى أن يكون المرء حاجبا نفسه وذلك ممتنع فإنه إذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد وللمجوسي ابنة أخرى ثم مات المجوسي ثم مات هذا الولد فقد مات عن أم هي أخته لأبيه وعن أخت أخرى لأب فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للأم السدس بالفريضة فتكون حاجبة نفسها من الثلث إلى السدس وذلك لا يجوز.
إذا عرفنا هذا فنقول: لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الأقرب منهما لأن الإرث ينبني على القرب فيقدم الأقرب من الأسباب على أبعدها ومن قال يرث أوفر النصيبين قال الأقل يدخل في الأكثر ومن قال يرث بالسبب الذي يتحقق به التوارث بين المسلمين قال إن هذا السبب ثابت على الإطلاق في حقهم وفي حق المسلمين فلا يعارضه السبب الذي لا يكون ثابتا فيما بين أهل الإسلام.
ألا ترى أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تتحقق فيما بين المسلمين كنكاح المحارم وإن كان لتلك الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة حتى يتعلق بها استحقاق النفقة ولا يسقط الإحصان باعتبارها وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وقال عز وجل: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النسا: 12] والله تعالى جعل سبب الاستحقاق الوصف الذي نص عليه من البنتية والأختية وقد تحقق اجتماع هذين الوصفين في شخص واحد حقيقة وحكما فيثبت له الاستحقاق بهما بمنزلة ما لو تفرق ذلك في شخصين.(30/63)
ألا ترى أن ابن العم إذا كان زوجا وأخا لأم فإنه يرث بالسببين جميعا ولا معنى للفرق الذي قالوا فإن الاستحقاق بالعصوبة يزيد في فريضة شخص هو صاحب فرض كما أن الاستحقاق بالفرضية يزيد في ذلك ثم لما جاز أن يستحق بالفرضية والعصوبة لاجتماع السببين في حقه فكذلك يجوز أن يستحق بالفرضية باعتبار السببين لما اجتمعا في حقه بخلاف الأخت لأب وأم مع الأخت لأب فهناك ما اجتمع سببان لأن السبب الأختية وبقرابة الأم يتقوى هذا السبب ولا يتعدد وكذلك الجدة فالاستحقاق بهذا الاسم وهو أنها جدة لا يزداد ذلك في حق من كانت جدة من جهتين فأما هنا الاستحقاق بالبنتية والأختية والأمية وهذه الأسباب مختلفة سواء اجتمعت في شخص واحد أو افترقت في أشخاص ولا أثر لكونه شخصا في الاستحقاق باتحاد الشخص لاختلاف الأشخاص في الاستحقاق بهذه الأسباب فأما الأنكحة فنقول إن تلك الأنكحة ليست بثابتة في حكم الإسلام على الإطلاق.(30/64)
ص -31- ... ألا ترى أنه لا بقاء لها بعد الإسلام بحال بخلاف الأنساب فإنها ثابتة بحكم الإسلام حتى أنها تبقى بعد الإسلام ولا تنقطع والدليل عليه أن استحقاق الإرث لا يكون بنفس النكاح بل بنكاح صحيح مطلقا ينتهي بالموت ونكاح ذوات المحارم فيما بينهم ليس بهذه الصفة فأما النسب يستحق بها الميراث سواء كان نسبه في الأصل حراما أو حلالا.
ألا ترى أن النسب إذا ثبت بنكاح فاسد أو وطء بشبهة يستحق به التوارث يوضحه: أن لتلك الأنكحة حكم الصحة باعتبار اعتقادهم واعتقادهم معتبر فيما يكون دافعا عنهم لا فيما يكون ملزما بغيرهم وفي الإرث الاستحقاق يثبت ابتداء بطريق الصلة فاعتقادهم لا يصلح حجة في ذلك بخلاف بقاء الإحصان والنفقة فكان ذلك في معنى الدفع عنهم وقد قررنا هذا الفرق في كتاب النكاح إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول: مجوسي مات عن أم وابنة هي أخته لأم وصورته فيما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن بنت هي أخته لأمه فلا ترث الأم بالزوجية شيئا ولا الإبنة بالأختية لأم لأن الأخت للأم لا ترث مع الإبنة ولكن للأم السدس باعتبار الأمومة، وللابنة النصف والباقي للعصبة فإن لم يكن له عصبة فالباقي رد عليهما أرباعا.(30/65)
ولو أن مجوسيا تزوج أمه فولدت ابنا وابنة ثم فارقها فتزوجها ابنه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات عن أم وعن بن وابنة وابنة بن فيكون للأم السدس باعتبار الأمية والباقي بين الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لابنة الابن فإن مات الابن فإنما مات الابن عن زوجة هي جدته أم ابنه وهي أمه وعن ابنة هي أخته لأمه وعن أخت لأب وأم فلا شيء للأم بالزوجية ولا بكونها جدة لأن الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمية وللابنة النصف بالبنتية ولا شيء لها بالأختية لأم وللأخت ما بقي بالعصوبة فإن لم يمت الابن ولكن ماتت الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن أخ لأب وأم وعن ابنة أخ هي أختها لأمها فللأم السدس بالأمية لأن معها أخ لأب وأم وأخت لأم وهما يردان الأم من الثلث إلى السدس ولابنة الأخ السدس بالأختية لأم والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة وإن كانت الابنة الصغرى هي التي ماتت فإنما ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن عمة هي أختها لأمها وعن أب هو أخوها لأمها فللأم السدس لأن معها أخ وأخت لأم والباقي للأب لأن الأخوة والأخوات لا يرثون شيئا مع الأب ولا شيء للابن بالزوجية ولكن المال بين الابن والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للذكر باعتبار أنه بن الابن ولا للأنثى باعتبار أنها ابنة الابن.
مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج إحدى ابنتيه فولدت له ابنة ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن ثلاثة بنات إحداهن زوجته وابنتان هما أختاه لأمه وإحداهن ابنة ابنته فلا شيء للأم بالزوجية ولها السدس بالأمية وللبنات الثلثان بالبنتية ولا شيء للزوجة منهن بالزوجية ولا للأختين بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابنته ولكن الباقي للعصبة، فإن(30/66)
ص -32- ... لم تكن فهو رد على الأم والبنات على مقدار حقهن فإن ماتت الأم بعد ذلك فقد ماتت عن ابنتى صلب وابنة بن فيكون المال للابنتين بالفرض والرد فإن ماتت بعدها الابنة التي هي زوجته فقد ماتت عن ابنة وأخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة وإن لم تمت هذه ولكن ماتت الابنة السفلى فإنها ماتت عن أم هي أختها لأبيها، وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة.
مجوسي تزوج ابنته فولدت له ابنتين فمات المجوسي ثم ماتت إحدى الابنتين فإنما ماتت عن أم هي أخت لأب وعن أخت لأب وأم أيضا فذكر في بعض النسخ أن للأم السدس بالأمية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأنا لما اعتبرنا الأختية لأب التي وجدت في الأم لاستحقاق السدس بها صار ذلك كالموجود في شخص آخر فإنما تركت أختين وهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وفي بعض النسخ قال للأم الثلث بالأختية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأب لأن صفة الأختية لأب موجودة في الأم وهي لا تكون حاجبة نفسها فإنما تعتبر القرابة التي فيها للاستحقاق لا للحجب وإذا لم يعتبر ذلك فإنما بقي أخت لأب وأم والأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس والأول أصح لما بينا أن صفة الأختية الموجودة فيها لما اعتبرت للاستحقاق كانت معتبرة للحجب أيضا بمنزلة الموجود في شخص آخر وما كان من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا.
فصل في ميراث المرتد(30/67)
المرتد إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فما اكتسبه في حال إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات المرتد وهي في العدة فأما إذا انقضت عدتها قبل موت المرتد أو لم يكن دخل بها فلا ميراث لها منه بمنزلة امرأة الفار إنما ترث إذا مات الزوج وهي في العدة وإن كانت قد ارتدت معه لم يكن لها منه ميراث كما لا يرثه أقاربه من المرتدين لما بينا أن المرتد ليس من أهل الولاية فلا يرث أحدا ولأنه جان بالردة وهذه صلة شرعية فالجاني على حق الشرع يحرم هذه الصلة عقوبة عليه كالقاتل بغير حق فإن ارتد الزوجان معا ثم ولدت منه ثم مات المرتد فلا ميراث لها منه وإن بقي النكاح بينهما وأما الولد فإنه إن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ارتد فله الميراث لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين كانا مسلمين فكان محكوما له بالإسلام ثم لا يصير مرتدا بردة الأبوين ما بقي في دار الإسلام فإن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعيته الدار فلأن يبقى أولى وإذا بقي الولد مسلما كان من جملة الورثة فأما إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر منذ يوم ارتد فلا ميراث ولأن النكاح قائم بينهما وإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وأقرب الأوقات ما بعد ردتهما.
وإذا علق الولد من ماء المرتد ابتداء يكون مرتدا معهما لأنه إنما يعتبر تبعية الدار في بقاء حكم الإسلام فأما في الابتداء في الدار لا يعارض الأبوين.(30/68)
ص -33- ... ألا ترى أن الحربي إذا سبي ومعه الولد الصغير فإنه لا يحكم بالإسلام ابتداء ولا يكون الدار معارضا للأب في الابتداء حكم الإسلام للولد فكذلك هنا.
وإذا كان هذا الولد مرتدا لم يكن من ورثته ثم على قول أبي حنيفة إنما يورث منه ما اكتسبه في حال الإسلام فأما ما اكتسبه في حالة الردة يكون فيئا يوضع في بيت المال وعند أبي يوسف ومحمد كسب الردة يورث عنه ككسب الإسلام وعند الشافعي نصيب كل واحد من الكسبين لبيت المال في أحد القولين بطريق أنه فيء وفي القول الآخر بطريق أنه مال ضائع وقد بينا مسألته في السير الكبير والله أعلم بالصواب.
باب الولاء
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الولاء نوعان: ولاء عتاقة وولاء موالاة فصورة ولاء العتاقة أن يعتق الرجل عبدا أو أمة فيصير المعتق منسوبا إلى المعتق بالولاء ويسمى هذا ولاء النعمة وولاء العتاقة وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى شيئا ويستوي إن كان أعتقه لوجه الله تعالى أو لوجه السلطان أو أعتقه سائبة أو بشرط أن لا ولاء عليه ويستوي إن أعتقه بجعل أو بغير جعل أو بطريق الكتابة.(30/69)
وقال مالك: أن أعتقه لا لوجه الله تعالى أو بشرط أن لا ولاء له عليه فلا لأن هذه صلة شرعية يعني ميراث المعتق من المعتق فإنما يستحق هذه الصلة من يعتق لوجه الله تعالى فأما المعتق لوجه السلطان جان في قصده فيحرم هذه الصلة والذي يصرح بنفي الولاية يكون مراده لهذه الصلة فلا يكون مستحقا لها ونظيره الرجعة عقيب الطلاق لما كان ثبوته شرعا بطريق النظر لم يثبت عنده التصريح بالحرمة والبينونة فهذا مثله وحجتنا في ذلك أن السبب متحقق مع قصده وشرطه وهذا الإعتاق والحكم يتبع السبب والدليل على أن السبب الإعتاق قوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد فساومه ولم يشتره ثم مر بآخر فساومه فاشتراه وأعتقه فقال عليه السلام: "هو أخوك ومولاك"، ولم يستفسره إنه أعتقه لوجه الله تعالى أو أعتقه سائبة ولأن المعنى الذي لأجله يثبت الولاء يختلف بهذه الأسباب وهو أن المعتق مسبب لإحياء المعتق لأن الحرية حياة والرق تلف فإن الحرية تثبت صفة المالكية التي بها امتاز الآدمى من سائر الحيوانات فكان المعتق سببا لإحياء المعتق كما أن الأب سبب لإيجاد الولد فكما أن الولد يصير منسوبا إلى أبيه بالنسب فالمعتق يصير منسوبا إلى معتقه بالولاء وهذا معنى قوله عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وإليه أشار الله تعالى في قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] الآية أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق فإن الكافر في معنى الميت قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] فبالإسلام يحيا حكما والرقيق في حكم الهالك فبالعتق يحيا حكما فالمسبب لإحيائه يكون منعما عليه وإذا ثبت أن المعنى الذي لأجله ثبت الولاء لا يختلف باعتبار هذه المعاني قلنا لا يختلف الحكم أيضا ثم الولاء بمنزلة النسب لا يورث عنه ولكن(30/70)
ص -34- ... يورث به عندنا وكان إبراهيم النخعي يقول الولاء جزء من الملك يورث عنه كسائر أجزاء الملك قال لأنه ليس للمولى على مملوكه شيء سوى الملك والإعتاق إبطال للملك فلا يجوز أن يكون مثبتا شيئا آخر سواه ولكن يجوز أن يكون مبطلا بعض الملك غير مبطل للبعض فما يبقى يكون جزءا من الملك ولكنا نستدل بقوله عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" والنسب لا يورث عنه وإنما يورث به ثم الإعتاق إبطال للملك ومع إبطال الملك لا يجوز أن يبقى شيء من الملك ولكنه إحداث القوة المالكية وذلك بمنزلة إحيائه حكما فيعقب ذلك المعنى الولاء بمنزلة النسب.(30/71)
ثم المروى عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أنهم قالوا الولاء للكبر وزعم بعض العلماء بظاهر هذا اللفظ أن الولاء لا كبر بني المعتق بعده وقال الأكبر قائم مقام الأب في الذب عن العشيرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأكبر بقوله: "الكبر" فيقدم أكبر البنين في استحقاق الولاء لهذا والمذهب عندنا أن المراد بالأكبر الأقرب يعني أن أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن بن وبن بن فالولاء للابن خاصة دون ابنه في قول وكذلك إن مات عن بن ابن وبن بن ابن فالميراث بالولاء لابن الابن خاصة لأنه أقرب فإن مات المعتق عن أب وبن فميراثه لابن المعتق خاصة دون أبيه في قول زيد وسعيد بن المسيب وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول وفي قول إبراهيم للأب السدس والباقي للابن وهو قول أبي يوسف الآخر لأن استحقاق الولاء بالعصوبة والأب في حكم العصوبة كالابن فإنه ذكر يتصل بالميت بغير واسطة كالابن إلا أن الابن مقدم عليه شرعا في ميراثه لأن الأب لا يصير محروما عن ميراثه لو قدمنا الابن بالعصوبة فإنه يستحق بالفرضية فأولى الوجوه أن يجعل ميراث المعتق كميراث المعتق ويجعل كان المعتق الذي استحق ذلك ثم يخلفه في ذلك أبوه وابنه فيكون مقسوما بينهما أسداسا، وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أن البنوة في العصوبة مقدمة على الأبوة فما كان الأب مع الابن في حكم العصوبة إلا نظير الأخ مع الأب فإن الأخوة لما كانت دون الأبوة في العصبة لم يكن للأخ من الميراث بالولاء شيء مع الأب وكذلك الأخوة لأب وأم لما كانت مقدمة في العصوبة على الأخ لأب لم يكن للأخ لأب شيء من الميراث بالولاء مع الأخ لأب وأم فأما ميراث المعتق فإنما استحق الأب السدس منه بالفرضية وبالفرضية يستحق الميراث بالولاء.(30/72)
ألا ترى أن المعتق إذا مات عن بن وابنه لا يكون للابنة من ميراث المعتق شيء لأنها صاحبة فرض وإنما تصير عصبة تبعا للابن ولا تثبت المزاحمة للتبع مع الأصل فيما يستحق بغلبة الأصل فإن أعتقت المرأة عبدا فهي في استحقاق ميراثه بالولاء كالرجل لأن السبب وهو الإعتاق قد تحقق منها وبعد تحقق السبب الرجل والمرأة في الاستحقاق سواء فإن أعتق معتقها عبدا أو أمة فهي تستحق من معتق معتقها ما يستحق الرجل لأن الثاني صار منسوبا إليها بالولاء كالأول على معنى أن الثاني منسوب بالولاء إلى الأول والأول منسوب بالولاء إليها،(30/73)
ص -35- ... فلاتحاد سبب الإضافة جعل الثاني كالأول بخلاف ما إذا أعتق أبوها عبدا لأن المعتق منسوب إلى أبيها بالولاء وهي تنسب إلى الأب بالعصوبة لا بالولاء فلما اختلف السبب لم يكن مولى الأب مضافا إليها فلا تكون عصبة له والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرث بالولاء من النساء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو جر ولاء معتق معتقهن". إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول امرأة عتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنا هو من غير قومها وبن عم لها ثم مات المعتق فإن ميراثه لابنها لأنه أقرب عصبة لها ولو جنى جناية كان عقل جنايته على بن العم دون الابن به قضى عمر رضي الله عنه فإن صفية بنت عبد الملك أعتقت عبدا ثم ماتت فاختصم في ولاء معتقها علي والزبير إلى عمر فقال علي أنا أعقل جنايته على ميراثه وقال الزبير مولى أمي فلي ميراثه فقضى عمر بالميراث للزبير وجعل عقل الجناية على علي رضي الله عنهم وكان المعنى فيه أن استحقاق الميراث بالعصوبة والابن مقدم في ذلك على بن العم فأما عقل الجناية فبالتناصر.
ألا ترى أن أهل الديوان يتعاقلون بالتناصر ولا ميراث بينهم ولا عصوبة والتناصر إنما يكون لها ولمولاها بقوم أبيها لا بأبيها فلهذا كان عقل الجناية عليهم.(30/74)
ولو أن امرأة اشترت عبدا فاعتقته ثم مات المعتق عن ابنه فلها النصف والباقي للمعتقة بالعصوبة لما روي أن ابنة حمزة رضي الله عنها أعتقت عبدا ثم مات المعتق عن ابنة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه نصفين: نصفا لابنته ونصفا لابنة حمزة وفيه دليل على أن مولى العتاقة عصبة مقدم على الرد وعلى ذوي الأرحام وقد بينا خلاف ابن مسعود في هذا فإن اشترت المرأة أباها فعتق عليها استحقت ولاءه لأنها صارت معتقة له بالشراء فإن شراء القريب إعتاق فإن مات الأب بعد ذلك كان لها المال نصفه بالفرضية ونصفه بالعصوبة بالولاء وإنما يتبين هذا فيما إذا كان معها ابنة أخرى فإنه يكون لهما الثلثان والباقي للمشترية بالعصوبة خاصة ولو جن الأب جنونا مطبقا كان للمشترية أن تزوجه بولاية الولاء وهذه من أعجب المسائل أن يثبت للابنة على ابنها ولاية التزويج.
ولو أن مملوكا له ابنتان اشتريا الأب فعتق عليهما ثم أن أحديهما مع الأب اشتريا ابنا للأب فعتق عليهما ثم مات الأب فإنما مات عن بن وابنتين فالميراث بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ولا شيء للولاء فإن مات الابن بعد ذلك فإنما مات عن اختين وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر حي فللأختين الثلثان والثلث الباقي يكون نصفين نصفه للمشترية مع الأب ونصفه للأب بالولاء فيكون بين الابنتين نصفان للولاء الثابت لهما على الأب فإن المرأة ترث معتق معتقها بالولاء كما ترث معتقها فيكون أصل الفريضة من ثلاثة ثم يكسر بالإنصاف مرتين فإذا أضعف ثلاثة مرتين يكون اثني عشر فمنه تصح المسألة لهما ثمانية بالأختية وللابنة المشترية سهمان بولاء نفسها وسهمان بولاء الأب بينهما نصفان فإن كن ثلاث بنات اشترى بنتان منهما أباهما ثم إن الأب مع الثالثة التي لم تشتر الأب اشتريا(30/75)
ص -36- ... ابنا له ثم مات الأب فقد مات عن بن وثلاث بنات فيكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر حي فيكون لهن الثلثان بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سهم بين الولاء نصفين لا يستقيم ثم نصيب الأب بين الابنتين بالولاء لا يستقيم فتضرب ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ثم تضعف تسعة مرتين فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة للبنات الثلثان أربعة وعشرون لكل ابنة ثمانية وللمشترية نصف الباقي بولاء نفسها وذلك ستة وللتين اشتريا الأب النصف الباقي وهو ستة بينهما نصفان فحصل لكل واحدة منهما أحد عشر وللأخرى أربعة عشر فاستقام فإن اشترى الأب مع إحدى الابنتين المشتريتين له ومع الابنة الثالثة الأخ فعتق عليهم جميعا ثم مات الأب ثم مات الأخ بعده فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه لأشخاص ثلاثة اثنان منهم حيان والثالث وهو الأب ميت فيكون لهن الثلثان بالأختية والثلث الباقي يقسم أثلاثا لكل واحدة من اللتين اشتريا الأخ ثلث هذا الباقي بولاء نفسها وثلث هذا الثلث بين المشتريتين للأب نصفين بولاء الأب فتصح القسمة من ستة وثلاثين أيضا لهن الثلثان والباقي وهو اثنا عشر بينهن أثلاثا فقلت الذي هو نصيب الأب بين المشتريتين له لكل واحدة سهمان فإن اشترى الابنتان أباهما ثم أب الأب مع أحديهما والأخرى التي لم تشتر الأب اشتروا أخا لهما ثم أربعتهن جميعا مع الأب والأخ اشتروا أمهم وهي امرأة الأب ثم مات الابن فإنما مات عن بن وثلاث بنات فيكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.(30/76)
فإن قيل: فقد مات عن امرأة أيضا؟ قلت لا كذلك فالنكاح قد فسد حين ملك الأب جزء أمها فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن أم وثلاث أخوات وولاء ثابت عليه لثلاثة نفر اثنان منهم حيان وواحد ميت فيكون للأم السدس وللأخوات الثلثان والباقي وهو السدس يكون بالولاء أثلاثا لكل ابنة ثلثا ذلك بين المشتريتين للأخ والثلث الآخر حصة ولاء الأب من المشتريتين وتستقيم المسألة من ستة وثلاثين أيضا لأن الباقي يقسم أثلاثا وثلثه ينقسم نصفين فيستقيم التخريج منه فإن ماتت الأم بعد ذلك فإنما ماتت عن ثلاث بنات وعن ولاء ثابت عليها لخمسة نفر ثلاثة منهم أحياء واثنان ميتان الأب والابن فيكون للبنات الثلثان وما بقي ينقسم بالولاء أخماسا فانكسر بالأثلاث والأخماس فالسبيل أن تضرب خمسة في ثلاثة فتكون خمسة عشر ثم خمس الثلث الذي هو نصيب الابن ينكسر أثلاثا بالولاء الذي عليه فتضرب خمسة عشر في ثلاثة فتكون خمسة وأربعين منه تصح المسألة للبنات الثلثان ثلاثون وما بقي وهو خمسة عشر ينقسم بالولاء أخماسا لكل بنت ثلاثة باعتبار ولاء نفسهما وثلاثة باعتبار ولاء الابن فيكون مقسوما أثلاثا للمشتريتين للابن مع الأب لكل واحدة سهم وسهم للأب بولاء الابن وثلاثة أسهم له بولاء الأم ثم هذه الأربعة بين المشتريتين للأب نصفين بولائهما عليه لكل واحدة سهمان فحصل لكل واحدة من هاتين مرة عشرة ومرة ثلاثة، ومرة سهمان(30/77)
ص -37- ... فذلك خمسة عشر وللتي اشترت الابن مع هذا سهم آخر فذلك ستة عشر وللتي لم تشتر الأب عشرة بالنسب وثلاثة بولاء نفسها وسهم بولاء الابن فذلك أربعة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت خمسة وأربعين فاستقام التخرج والله أعلم.
فصل في ولاء الموالاة
قال رضي الله عنه: اعلم أن عقد الموالاة جائز يستحق به الميراث إذا لم يكن هناك أحد من القرابات ولا مولى العتاقة عندنا وهو مذهب عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضوان لله عليهم أجمعين وعلى قول الشافعي هو باطل لا يستحق به الميراث وهو مذهب زيد وزعم بعضهم أنه قول علي رضي لله عنه أيضا فإن رجلا أتاه يسأله أن يعاقدة عقد الموالاة فاؤه الرجل ابن عباس ووالاه ولكن ايتاء لا يدل على أنه لا يرى جواز هذا العقد وإنما تنبني هذه المسألة على مسألتين إحداهما الوصية بجميع المال ممن لا وارث له صحيح عندنا خلافا له ووجه البناء أن من لا وارث له فإنما يصرف ماله إلى بيت مال المسلمين والموصى له ساواهم في الإسلام وترجح بإيجاب الموصى له فكان هو أولى عندنا فكذلك الذي عاقده عقد الموالاة وعند الشافعي وارث من لا وارث له جماعة المسلمين فكما لا يملك إبطال حق الورثة بالوصية بجميع المال لا يملك إبطال حق جماعة المسلمين.(30/78)
والثاني: أن أهل الديوان يتعاقلون بينهم عندنا خلافا له فلما كان إثبات الاسم في الديوان سببا لتحمل العقل فكذلك عقد الموالاة يكون سببا لتحمل العقل وإذا كان يتحمل به العقل يورث به أيضا لأن الغرم مقابل بالغنم وعلى سبيل الابتداء الشافعي احتج فقال إن الملك بطريق الوراثة ليس يثبت ابتداء وإنما يثبت على سبيل الخلافة فيبقى للوارث ما كان ثابتا للمورث ولهذا يرد الوارث بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه وبالعقد يثبت الملك ابتداء بسبب مقصود إلا أن يبقى ما كان من الملك الأول فلا يمكن إثبات ملكه بطريق الخلافة هنا بعقد الموالاة لأنه عقد باشراه ابتداء ولا يمكن إثبات الملك ابتداء لأن ذلك لا يكون وراثة وهذا بخلاف الوصية فإن ملك الموصى له لا يكون خلفا عن ملك الموصى بل هو ملك ثبت ابتداء ولهذا لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى ولأن أسباب الإرث معلومة شرعا وعقد الموالاة ليس من تلك الأسباب وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] يعني نصيبهم من الميراث والمراد عقد الموالاة بدليل ما سبق من قوله عز وجل: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] فكما أن المراد من ذلك بيان النصيب على سبيل الاستحقاق إرثا على سبيل البر والمعونة ابتداء فكذلك المراد بما جعله معطوفا عليه لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه وليس المراد بقوله تعالى: {عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] القسم بل المراد الصفقة باليمين، فإن العادة أن المتعاقدين يأخذ كل واحد منهما يمين صاحبه إذا عاقده،(30/79)
ص -38- ... ويسمى العقد صفقة لهذا وفي حديث تميم الداري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فقال عليه السلام: "هو أخوك ومولاك فأنت أحق به محياه ومماته" يعني محياه في تحمل عقل الجناية عنه ومماته في الإرث عنه والمعنى في المسألة أن خلافة الوارث الموروث في ملكه إنما كانت على سبيل النظر للمالك فإن الظاهر أن الإنسان يؤثر قرابته على الأجانب في هذه الخلافة ولهذا قدمنا الأقرب على الأبعد لأنه يؤثر الأقرب على الأبعد عادة فما دام هناك أحد من قرابته فقد وجد النظر من الشرع له فوقع الاستغناء عن نظره لنفسه وإذا لم يكن هناك أحد من القرابة فقد وقعت الحاجة إلى نظره لنفسه فإذا فعل ذلك وعقد عقد الموالاة مع إنسان كان ذلك منه تصرفا في خالص حقه على سبيل النظر منه لنفسه فيكون صحيحا بمنزلة الوصية بثلث ماله.(30/80)
ألا ترى أن مثل هذا النظر منه لنفسه في حال حياته صحيح بتمليك المال من غيره بعوض وبغير عوض فكذلك في إثبات الخلافة لغيره بعد موته والحاصل أن كلام الخصم يرجع كله إلى عدم الدليل فإن إثبات هذه الخلافة بطريق العقد قصدا مشروع بالإتفاق وهو عقد النكاح فكأنه يقول لم يقم الدليل علي أن بعقد الموالاة تثبت الوراثة ونحن نقول بجعل هذا العقد قائما مقام ما ورد به الشرع من الأسباب لإثبات الخلافة بالدليل الذي قلنا ثم بمجرد الإسلام على يدي غيره لا يصير مولى له ما لم يعاقده عقد الموالاة عندنا وقال بعضهم يصير مولى له وإن لم يعاقدة لقوله عليه السلام: "من أسلم على يد غيره فهو أخوه ومولاه" وفي رواية: "فهو أحق به في حياته ومماته" ولأن في الإسلام معنى الحياة حكما كما في العتق فكما أن المعتق يثبت له الولاء على المعتق باكتساب سبب إحيائه فكذلك الذي دعاه إلى الإسلام تثبت له الولاية عليه باكتساب سبب إحيائه ولكنا نقول في الحديث المروي زيادة فإنه قال عليه السلام: "من أسلم على يد غيره ووالاه" فهذه الزيادة تبين أن بمجرد الإسلام على يده لا يصير مولى له والدليل عليه حديث تميم الداري فإنه قال أن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فدل أنه كان معروفا بينهم أن بمجرد الإسلام على يده لا تثبت الولاية عليه وهذا بخلاف ولاء العتق فإن سببه الإعتاق وإنما وجد ذلك من المعتق وهنا سبب حياته الإسلام وهو الذي أسلم بنفسه فلم يكن هذا الذي عرض عليه الإسلام هو المكسب سبب الحياة له فلا يثبت له عليه الولاء ما لم يعاقده إذا عرفنا هذا فنقول: ولاء الموالاة يخالف ولاء العتق في فصول أحدها أن في ولاء العتاقة يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى وولاء الموالاة إنما يكون على ما يتفقان عليه حتى إذا اتفقا على توريث كل واحد منهما من صاحبه يثبت الحكم من الجانبين والفرق أن ولاء العتاقة سبب الإحياء وذلك إنما يوجد من الأعلى في حق الأسفل(30/81)
ولم يوجد من الأسفل في حق الأعلى وهنا السبب العقد والشرط فعلى الوجه الذي وجد الشرط يثبت الحكم والثاني أن ولاء العتق لا يحتمل النقض والفسخ وولاء الموالاة يحتمل ذلك لأن السبب هناك الإعتاق والإعتاق لا يحتمل النقض(30/82)
ص -39- ... بعد ثبوته وثبوت الحكم على وفق السبب وهنا السبب الإيجاب بطريق التبرع وهو محتمل للنقض إلا أنه ينفرد بالفسخ ما لم يعقل عنه وبعد ما عقل عنه الجناية لا تنفرد بالفسخ لأنه ما لم يعقل جنايته فالعقد تبرع والمتبرع يملك الفسخ قبل حصول المقصود بغير رضاء الآخر فأما إذا تحمل عنه جنايته صار العقد معاوضة وأحد المتعاوضين لا ينفرد يفسخ المعاوضة من غير رضا الآخر وكما يملك أن يفسخ العقد يملك أن يتحول بولاية إلى غيره بأن يعاقد غيره عقد الولاء فيفسخ العقد بينه وبين الأول وبعد ما عقل جنايتة لا يملك ذلك.
وكذلك الذي لم يوال أحدا إذا جنى جناية وعقل بيت المال جنايته فإنه لا يملك عقد الموالاة مع أحد بعد ذلك لأنه صار ولاؤه لبيت المال وتأكد ذلك بعقل الجناية فلا يملك إبطاله بخلاف ما قبل أن يعقل بيت المال جنايته.
ومن وجه آخر: الفرق بين هذا وبين ولاء العتاقة أن مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام لأن الشرع أثبت العصوبة لمولى العتاقة بقوله عليه السلام: "كنت أنت عصبته" والعصبة مقدمة على ذوي الأرحام وهنا الموت هو الذي أوجب هذه الصلة له بعقده فيكون بمنزلة الوصية بجميع ماله وذلك يمتنع لحق ذوي الأرحام كما يمتنع لحق العصبات فكذلك الميراث بهذا الولاء فقلنا ما دام هناك أحد من ذوي الأرحام فلا شيء لمولى الموالاة.(30/83)
ولو أنه والى رجلا وعاقدة ثم أقر بأخ أو بن عم ثم مات فميراثه لمولى الموالاة لأن إقراره بالأخوة والعمومة باطل فإنه يحمل به النسب على غيره وإقراره ليس بحجة على غيره وأما عقد الموالاة تصرف منه في حق نفسه وهو من أهل التصرف في حق نفسه ابتداء والسبب الباطل لا يزاحم السبب الصحيح وحكم الولد بين رجلين في ميراثه من كل واحد منهما حكم ولد كامل له خاصة يعني أن الجارية بين رجلين إذا جاءت بولد فادعياه حتى ثبت النسب منهما فإنه يرث من كل واحد منهما ميراث بن كامل ويزاحم سائر أولاد كل واحد منهما لأنه بن كامل له لقول عمر وعلي رضي الله عنهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه ولأن البنوة لا تحتمل التجزي فإما أن يمتنع ثبوته عند المعارضة أو يتكامل ولم يمتنع ثبوته هنا فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهما.
ولو مات هذا الولد فلهما منه جميعا ميراث أب واحد عندنا بينهما نصفان. وقال زفر: لكل واحد منهما ميراث أب كامل لأن الأبوة لا تحتمل التجزي كالبنوة ومن ضرورة كونه ابنا كاملا لكل واحد منهما أن يكون كل واحد منهما أبا كاملا ولكنا نستدل بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] والمراد ها هنا الأب والأم فهذا تنصيص على أنه يستحق السدس بالأبوة مع الإبن فالقول باستحقاق السدس بالأبوة مع الابن يكون بخلاف هذا النص ولأن الأب في الحقيقة أحدهما وهو المخلوق من مائة منهما فإنا نتيقن أنه غير مخلوق من الماءين، ولكن لأجل المعارضة والمساواة جعلناه منسوبا إليهما، وإذا علمنا أن الأب(30/84)
ص -40- ... حدهما قلنا لا يستحق من ماله بالأبوة إلا ميراث أب واحد وهذا بخلاف الابن لأن المعارضة في جانبه لا تتحقق وإنما تتحقق في جانبهما حتى إذا انعدمت المعارضة في جانبهما بأن مات أحدهما ثم مات الابن كان الباقي منه ميراث أب كامل وهو معنى قول عمر وعلي رضي الله عنهما وهو للباقي منهما وهذا لأن المزاحمة لم تبق بعد موت أحدهما فيرثه الآخر ميراث ابن كامل.
رجل وعم له ادعيا ابنة جارية بينهما ثم مات العم وترك أباه فللابنة النصف والباقي للأب بالفرض والعصوبة وإن مات الابن وترك هذه الابنة فلها النصف والباقي للجد في قول أبي حنيفة وإن مات الجد وترك هذه المدعاة وعصبته فلها النصف والباقي للعصبة لأنها ابنة ابنة من وجه وابنة بن ابنة من وجه ولكن الثابت أحد الأمرين لا كلاهما فإما أن نقول بنت الأقرب أو نقول هي لا تستحق إلا النصف سواء كان الثابت أقرب الجهتين أو أبعدهما وإنما أوردنا هذا لبيان أنها ليست تثبت لكل واحد منهما بكماله فإنها لو كانت كذلك لاستحقت الثلثين النصف بكونها ابنة بن والسدس بكونها ابنة بن ابنة فقد بينا فيما سبق أن عند اجتماع السببين في شخص يستحق الميراث بكل واحد منهما وهنا لا يكون لها إلا النصف فعرفنا أن الثابت في الحقيقة أحد السببين وأن الأب أحدهما والله أعلم بالصواب.
باب ميراث القاتل(30/85)
قال رضي الله عنه: اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا عندنا سواء قتله عمدا أو خطأ. وقال مالك إن قتله خطأ فله الميراث لا من الدية وأما في العمد لا ميراث له لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن لا ميراث للقاتل وعن عمر رضي الله عنه قال لا ميراث لقاتل وعن عبيدة السلماني رضي الله عنه لا ميراث لقاتل بعد صاحب البقرة يعني بقرة بني إسرائيل وهو الإشارة إلى المعنى فذلك القاتل قصد استعجال الميراث فصار أصلا أن كل قاتل قصد استعجال الميراث ولو توهم في القتل العمد ذلك منه فإنه يحرم الميراث عقوبة له أورد القصده عليه فهذا المعنى موجود في القتل العمد فأما في الخطأ قال مالك لم يوجد منه القصد إلى قتل مورثه واستعجال الميراث ينبني على ذلك ثم الخاطىء معذور فلا يستحق العقوبة والخطأ موضوع رحمة من الشرع فلا يثبت به حرمان الميراث إلا أنه لا يرث من الدية لأن عاقلته يتحملون عنه الدية فلو ورث من ذلك لتحملوا عنه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك أن الحرمان جزاء القتل المحظور شرعا والقتل من الخاطىء محظور لأن ضد المحظور المباح والمحل غير قابل للقتل المباح إلا جزاء على جريمة وكما لا يتصور الفعل في غير محل لا يتصور المباح في غير محل الإباحة فقلنا إن هذا القتل محظور ولهذا تتعلق به الكفارة وهي ساترة للذنب ومع كونه موضوعا شرعا لما جاز أن يؤاخذ بالكفارة فكذلك جاز أن يؤاخذ بحرمان الميراث وهذا لأن تهمة القصد إلى الاستعجال قائمة فمن الجائز أنه كان قاصدا إلى ذلك وأظهر الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث،(30/86)
ص -41- ... وكذلك كل قاتل هو في معنى الخاطىء كالنائم إذا انقلب على مورثه لتوهم أنه كان يتناوم وقصد استعجال الميراث.
وكذلك إن سقط من سطح على مورثه فقتله أو وطىء بدابته مورثه وهو راكبها لأنه مباشر للقتل فإنما مات المقتول بفعله وبتوهم قصده إلى الاستعجال فكان القاضي الجليل رحمه الله يقول الدابة في يد راكبها يسيرها كيف يشاء فهي بمنزلة حجر في يده وخرجه على مورثه فقتله فأما القاتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق ومن أخرج ظلة أو جناحا فسقط على مورثه فقتله فإنه لا يحرم من الميراث عندنا وعلى قول الشافعي يحرم الميراث لأنه قاتل بغير حق ودليل كونه قاتلا وجوب الدية على عاقلته بمنزلة الخاطىء ولكنا نقول ليس هنا يوهم القصد إلى الاستعجال لأنه بما أحدث من السبب لم يقصد قتل مورثه ولا يدري أن مورثه يمر في ذلك الموضع ويقع في البئر أو يسقط عليه الجناح ثم حرمان الميراث جزاء مباشرة القتل المحظور وهذا المسبب ليس بقاتل.
ألا ترى أنه لو فعل هذا في ملكه لم يكن مؤاخذا بشيء والقاتل مؤاخذ بفعله سواء كان في ملكه أو في غير ملكه كالرامى ولأن القتل لا يتم إلا بمقتول وقد انعدم المقتول عند الحفر فلا يصير هو بالحفر قاتلا ولا يجوز أن يصير قاتلا عند الوقوع لأن الحافر قد يكون ميتا عند وقوع الواقع في البئر فكيف يكون الميت قاتلا وإذا ثبت أنه ليس بقاتل لم يكن عليه جزاء القتل من حرمان الميراث والكفارة ووجوب الدية عليه لصيانة دم المقتول عن الهدر وذلك لا يدل على أنه قاتل كما أن الدية تجب على العاقلة ولا تدل على أن العاقلة قاتلون.(30/87)
وأما الصبي والمجنون إذا قتل مورثه لم يحرم الميراث عندنا وعند الشافعي يحرم الميراث لوجود القتل بغير حق وأكثر ما في الباب أن يكون فعلهما كفعل الخاطىء والخاطىء يحرم الميراث فكذلك الصبي والمجنون ولكنا نقول هذا جزاء القتل المحظور وفعلهما لا يوصف بالحظر شرعا لأن الفعل المحظور ما يجب الامتناع عنه بخطاب الشرع وذلك لا يثبت في حقهما ثم حرمان الميراث باعتبار توهم القصد إلى الاستعجال ولا يعتبر بقصد الصبي والمجنون شرعا إذ حرمان الميراث إنما يكون باعتبار تقصير منه في التحرز وذلك يتحقق من الخاطىء لأنه من أهل أن ينسب إلى التقصير ولا يتحقق من الصبي والمجنون فإنهما لا ينسبان إلى التقصير شرعا فأما الأب إذا ختن ولده أو حجمه أو بط قرحة به فمات من ذلك لم يحرم الميراث لأن هذا فعل مباح له شرعا وحرمان الميراث جزاء القتل المحظور فهو وما لو قتل مورثه بحق سواء.
ولو أدب ولده بالضرب فمات من ذلك فعلى قول أبي حنيفة يضمن ديته ويحرم الميراث وعلى قول أبي يوسف ومحمد لا يضمن شيئا ولا يحرم عن الميراث ولو أن المعلم هو الذي ضربه بإذن الأب فمات لم يضمن شيئا بالاتفاق قال رحمه الله وهذا عند أبي حنيفة ترك لقوله قبل هذا من دعوى المناقضة على قول أبي حنيفة وقيل بل هو استدلال على(30/88)
ص -42- ... رجوعه عن جوابه في الفصل الأول وهذا هو الأصح فإن المعلم لو أدبه بغير إذن أبيه فمات كان ضامنا فإذا أدبه بإذنه لم يضمن فلما كان لأمره تأثير في إسقاط الضمان عن المعلم عرفنا أنه لا يجب عليه الضمان إذا ضربه بنفسه وهذا لأن التأديب يباح له شرعا كالختان والحجامة ومن حمل المسألة على الاختلاف فوجه قولهما هذا ووجه قول أبي حنيفة لأن الأب إنما يؤدب ولده لمنفعة نفسه وما يباح للمرء شرعا لمنفعة نفسه يتقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته والرمي إلى الصيد والمشي في الطريق وبيان الوصف أن الأب لا يعزر بسوء أدب ولده وإنما يزجره عن ذلك لدفع العار واللوم عن نفسه وبه فارق المعلم فإنه لا يؤدب الصبي لمنفعة نفسه، فإذا صار مباحا له شرعا لم يتقيد عليه بشرط السلامة وبه فارق الختان والحجام لأن ذلك لمنفعة الولد فإن الطهرة به تحصل للولد لا للأب فلهذا لا يتقيد بشرط السلامة بل يجعل فعل الآمر به كفعله بنفسه يوضحه أن الأب يغيظه سوء أدب ولده وربما يحمله الغيظ على المبالغة في تأديبه وترك الاحتياط فلهذا يتقيد بشرط السلامة وهذا المعنى لا يوجد في الختان والحجامة ولا في المعلم إذا أدبه بإذن الأب ثم دية المقتول تكون ميراثا عنه لجميع ورثته كسائر أمواله عندنا ومن الناس من قال ليس للزوج والزوجة من الدية نصيب لأن وجوب الدية بعد الموت والزوجية ترتفع بالموت بخلاف القرابة ولكنا نستدل بحديث الضحاك أن شيبان الكلابي رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة اشيم الضبابي من عقل زوجها اشيم ولأن الدية مال الميت حتى تقضى بها ديونه وتنفذ منها وصاياه فيرثها عنه من يرث سائر أمواله وإنما استحقاق الميراث باعتبار زوجية قائمة إلى وقت الموت منتهية بالموت لا باعتبار زوجية قائمة في الحال وفي هذا المعنى الدية بمنزلة سائر الأموال إذا عرفنا هذا فنقول ثلاثة إخوة قتل أحدهم أباه عمدا فللباقيين أن يقتلاه لأن(30/89)
السبب الموجب للقود وهو العمد قد تحقق منه ولا نصيب له في ذلك لأن القاتل محروم عن الميراث فإن مات أحد الأخوين الباقيين لم يكن للباقي أن يقتله لأن نصيب الميت من القصاص صار ميراثا بموته بين إخوته والقاتل يرث أخاه لأنه ليس بقاتل له فلا يحرم الميراث عنه وإذا ورث جزأ من القصاص الواجب عليه سقط ذلك وانقلب نصيب الآخر مالا فعليه ثلاثة أرباع الدية في ماله للأخ الباقي في ثلاث سنين.
ألا ترى أنه لو عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فكذلك إذا سقط جزء من القصاص عن القاتل باعتبار أنه ملكه بالميراث.
ولو أن أخوين وأختا لأب وأم قتل أحد الأخوين الأم عمدا والزوج وارث معهم وهو أبوهم فللأخ الباقي والأخت والزوج أن يقتلوا القاتل لأن القاتل محروم عن ميراث أمه بالقتل وإن لم يقتلوه حتى مات الأخ الباقي فللأخت والزوج أن يقتلا القاتل لأن الأخ الباقي مات عن أخت وأخ وأب فيكون نصيبه للأب والأخت ولا شيء للأخ من نصيبه فلا يرث القاتل شيئا من القصاص بموت أخيه فإن مات الأب بعد ذلك لم يكن للأخت أن تقتله، لأن(30/90)
ص -43- ... نصيب الأب من القصاص صار ميراثا بين القاتل وأخته فلا يكون محروما عن ميراثه ويكون لها عليه نصف الدية لأن الأب كان ورث من امرأته الربع وهو ثلاثة من اثني عشر وما بقي وهو تسعة بين الأخ والأخت أثلاثا للأخ ثلثاه ستة وللأخت ثلاثة فلما مات الأخ صار نصيبه للأب فإنما مات الأب عن تسعة فيكون ذلك بين الابن والابنة أثلاثا للابن ستة وللابنة ثلاثة فعرفنا أنه اجتمع للأخت ستة من اثني عشر وذلك النصف فلهذا كان لها عليه نصف الدية ولو أن أخوين وأختا قتل أحد الأخوين أباهم وقتل الآخر أمهم فإن قاتل الأم يقتل قاتل الأب مع الأخت ولا يقتله قاتل الأب لأنه كان مستوجبا للقصاص وللأم من ذلك نصيب فلما قتل الآخر الأم صار بعض ذلك ميراثا منها لقاتل الأب لأنه ليس بقاتل للأم فلهذا سقط عنه القصاص وقاتل الأم قد لزمه القصاص ولم يسقط عنه شيء من ذلك بملكه فيقتل قصاصا ويغرم قاتل الأب للأخت ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية لأن الأب خلف امرأة وابنا وابنة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة تسعة فحين قتل الآخر الأم فنصيبها ميراث بين قاتل الأب والابنة أثلاثا فحصل للابنة ثمانية ثم لما قتل قاتل الأم قصاصا صار نصيبه وهو أربعة عشر ميراثا بين الأخ والأخت أثلاثا وهو لا يستقيم فتضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين وكان للابنة ثمانية مضروبة في ثلاثة فذلك أربعة وعشرون وكان الذي لا يستقيم بينها وبين الابن أربعة عشر مضروبة في ثلاثة فتكون اثنين وأربعين لها من ذلك الثلث أربعة عشر فإذا ضممت أربعة عشر إلى أربعة وعشرين تكون ثمانية وثلاثين فلهذا قال يغرم لها ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية ويبطل عنه ما سوى ذلك ستة بالميراث عن أمه وثمانية وعشرون بالميراث عن أخيه والله أعلم بالصواب.
باب ميراث الحمل(30/91)
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الحمل من جملة الورثة إذا علم بأنه كان موجودا في البطن عند موت المورث وانفصل حيا وإنما يعلم وجوده في البطن إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ مات المورث لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلا ميراث له إذا كان النكاح قائما بين الزوجين وإن كانت معتدة فحينئذ إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ وقعت الفرقة بموت أو طلاق فهو من جملة الورثة وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ مات المورث فإنما يرث إذا انفصل حيا وطريق معرفة ذلك أن يستهل صارخا أو يسمع منه عطاس أو يتحرك بعض أعضائه بعد الانفصال فإن خرج بعضه فتحرك قلنا إن خرج أكثره فتحرك عضو من أعضائه دليل على أنه حي وإن خرج أقله فكذلك لا يكون دليل كونه حيا وإنما شرطنا وجوده في البطن عند موت المورث لأن الوراثة خلافة والمعدوم لا يتصور أن يكون خلفا عن أحد فأدنى درجات الخلافة الوجود.
فإن قيل: الخلافة لا تتحقق الا باعتبار صفة الخلافة لان الميت لا يكون خلفا عن الميت(30/92)
ص -44- ... وأنتم لا تعتبرون ذلك بل تقولون وإن كان نطفة في الرحم عند موت المورث فإنه يكون من جملة الورثة ولا حياة في النطفة.
قلنا: نعم تلك النطفة في الرحم ما لم تفسد فهي معدة للحياة ولأن يكون منها شخص حي فيعطي لها حكم الحياة باعتبار المآل كما يعطى للبيض حكم الصيد في وجوب الجزاء على المحرم إذا كسره وإن لم يكن فيه معنى الصيدية ولهذا قلنا بأن اعتاق ما في البطن صحيح والوصية له صحيحة وإن كانت نطفة في الرحم باعتبار الحال ولكن يعتبر المآل فكذلك هنا يعتبر المآل فكذلك يكون من جملة الورثة ولما جعلنا الجنين في البطن كالمنفصل في منفعة المالكية بالإرث اعتبارا لمآله فكذلك النطفة تجعل كالنفس الحية باعتبار المآل ثم الأصل أن العلوق يستند إلى أقرب الأوقات إلا في موضع الضرورة لأن المتيقن به ذلك وفي حال قيام النكاح لا ضرورة فاستندنا إلى أقرب الأوقات وذلك ستة أشهر فأما بعد ارتفاع النكاح بنا حاجة إلى إسناد العلوق إلى أقرب الأوقات لإثبات النسب وإذا أسندنا إلى ذلك الوقت فقد حكمنا بأنه كان موجودا في البطن عند موت المورث وعلى هذا الأصل لو قال لأمة لها زوج أنت حرة فجاءت بولد لستة أشهر أو أقل فإن ولاء الولد لمولى الأم لأنه كان موجودا عند اعتاق الأم فصار مقصودا بالعتق وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فولاؤه لموالي الأب لأنه لو لم يكن موجودا عند اعتاق الأم بتيقن فيكون هو في حكم الولاء تبعا ولو كان الزوج طلقها تطليقتين ثم أعتقها مولاها فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق فإن الولد يكون مولى لموالي الأم لأنا حكمنا بكونه وقت الإعتاق حين أثبتنا نسبه من الزوج فيصير الولد مقصودا بالعتق وإنما شرطنا في التوريث انفصال الولد حيا لأن حاله عند موت المورث لا يمكن معرفته حقيقة ولكن إذا انفصل حيا كان ذلك دليلا للحياة يومئذ وتحركه في البطن غير معتبر لكون تحرك البطن محتملا قد يكون من الريح وقد يكون من الولد أما إذا(30/93)
انفصل واستهل فهو دليل حياته وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه" وكذلك روي عن علي رضي الله عنه والعطاس دليل حياته بمنزلة الاستهلال وتحرك بعض الأعضاء كذلك، وإذا كان الخارج بعضه فنقول إن كان الخارج هو الأكثر فحكم الأكثر حكم الكل وكأنه خرج كله ثم خرج بعض أعضائه وإن كان الخارج أقله فكأنه لم يخرج منه شيء بعد إذ الأقل تبع للأكثر بدليل حكم النفاس ثم اختلفت الروايات في مقدار ما يوقف للحمل من الميراث فروى بن المبارك عن أبي حنيفة انه يوقف للحمل نصيب أربع بنين وروى هشام عن أبي يوسف أنه يوقف للحمل ميراث ابنين وهو قول محمد وذكر الخصاف عن أبي يوسف أنه يوقف له ميراث بن واحد وهذا هو الأصح وعليه الفتوى وفي رواية بن المبارك لا اعتبار بما يتوهم لأن قسمة الميراث لا تكون إلا باعتبار المتيقن ولم ينقل عن المتقدمين أن امرأة ولدت أكثر من أربع بنين وفي رواية هشام قال ولادة المرأة أربع بنين في بطن واحد اندر ما يكون فلا ينبني الحكم عليه وإنما ينبني على ما يكون في العادة وهو ولادة اثنين في بطن(30/94)
ص -45- ... واحد. وفي رواية الخصاف: فإن النادر لا يعارض الظاهر والعام الغالب أن المرأة لا تلد في بطن واحد إلا ولدا واحدا فعلى ذلك ينبني الحكم ما لم يعلم خلافه إذا عرفنا هذا فنقول رجل مات وترك ابنا وأم ولد حامل فعلى رواية بن المبارك إنما يدفع إلى الابن خمس المال ويجعل كان الحمل أربع بنين وعلى رواية هشام يدفع إلى الابن ثلث المال ويجعل كأن الحمل اثنان وعلى رواية الخصاف يدفع إلى الابن نصف المال ويجعل كان الحمل بن واحد ثم سائر الورثة مع الحمل لا يخلو حالهم أما أن يكون الوارث مع الحمل ممن لا تتغير فريضته بالحمل أو ممن تتغير فريضته بالحمل ولا يخلو إما أن يكون ممن يسقط في بعض الأحوال أو ممن لا يسقط فإن كان ممن لا تتغير فريضته بالحمل فإنه يعطى فريضته حتى إذا ترك امرأة حاملا وجدة فللجدة السدس لأنها لا تتغير فريضتها بهذا الحمل وكذلك إذا ترك امرأة حاملا فإنه تعطى المرأة الثمن لأنها لا تتغير فريضتها بهذا الحمل.
ولو ترك امرأة حاملا وأخا أو عما لا يعطي الأخ والعم شيئا لأن من الجائز أن يكون الحمل ابنا فيسقط معه الأخ والعم ولا يعطي من يرث مع الحمل إلا القدر المتيقن به لأن التوريث في موضع الشك لا يجوز فإذا كان ممن تتغير فريضته بالحمل فالمتيقن له أقل النصيبين فلا يعطى إلا ذلك وإذا كان ممن يسقط بحال فاصل الاستحقاق له مشكوك فلهذا لا يعطي شيئا ثم إن كان الأقل كنصيب سائر الورثة أن يجعل الحمل ذكرا يجعل ذكرا وإن كان الأقل كنصيب سائر الورثة أن يجعل الحمل اثني يجعل اثني فإنما يوقف للحمل أوفر النصيبين ولا يعطي سائر الورثة إلا الأقل احتياطا.(30/95)
بيان ذلك في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وهي حامل من أبيها فإن الحمل يجعل انثى على الروايات كلها لأنا لو جعلنا الحمل ذكرا كان للزوج النصف كاملا ثلاثة من ستة وللأم الثلث سهمان والباقي وهو سهم للأخ وإذا جعلنا الحمل انثى فعلى رواية بن المبارك الحمل بمنزلة أربع أخوات وعلى رواية هشام الحمل بمنزلة أختين فيكون لهما الثلثان وتعول المسألة بسهمين للزوج ثلاثة وللأم السدس وللأختين أربعة ولا شك أن ثلاثة من ثمانية دون ثلاثة من ستة وكذلك على رواية الخصاف لأنا إذا جعلنا الحمل انثى فالقسمة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان فإن الأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس وللأخت ثلاثة فتكون القسمة من ثمانية فلهذا جعلنا الحمل انثى ويوقف لها ثلاثة من ثمانية فإن ولدت ابنة فالموقوف يكون لها وتبين صحة القسمة وإن ولدت ابنا فقد بطلت القسمة الأولى وإن ولدت ابنتين انتقصت القسمة ويسترد من الأم أحد السهمين فيكون للأختين وإنما يقسم المال من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان والباقي وهو سهم للأخ بالعصوبة.
فإن ترك ابنا وامرأة حاملا فولدت الحامل ولدين أحدهما ذكر والآخر أنثى واستهل أحدهما ولم يستهل الآخر أو لا يدري أيهما استهل بأن كان ليلا أو لكثرة الزحمة لم يعلم من(30/96)
ص -46- ... استهل منهما والتخريج في هذه المسألة أن نقول هنا حالتان فإن كان الذي استهل منهما الابن فإنما ترك الرجل ابنين وامرأة فتكون القسمة من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل بن سبعة ثم مات أحد الإخوة الاثنين عن أخ وأم فللأم الثلث والباقي للأخ وقسمة سبعة أثلاثا لا يستقيم فتضرب ستة عشر في ثلاثة فيكون ثمانية وأربعين للأم ستة بالميراث من الزوج ولكل بن أحد وعشرون ثم لها سبعة من ابنها فيكون لها ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون وإن كان الذي استهل الابنة فإنما مات الرجل عن بن وابنة وامرأة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابنة سبعة ثم ماتت الابنة عن أم وأخ وقسمة سبعة بينهما أثلاثا لا تستقيم فنضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين للمرأة تسعة وللابنة أحد وعشرون وللابن اثنان وأربعون ثم قد ورثت الأم من الابنة سبعة فيكون لها في الحاصل ستة عشر وللابن ستة وخمسون إلا أن بين ستة عشر وستة وخمسين موافقة بالنصف فيقتصر على الثمن من كل واحد منهما وثمن ستة عشر اثنان وثمن ستة وخمسين سبعة فذلك تسعة فتكون القسمة بينهما في هذه الحالة على تسعة وفي الحالة الأولى للأم ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون ولا موافقة بينهما في شيء إلا أن بين تسعة وبين ثمانية وأربعين وهو جملة السهام في الحالة الأولى موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث من أحدهما ويضرب في جميع الآخر وذلك أما ستة عشر في تسعة أو ثلاثة في ثمانية وأربعين فيكون ذلك مائة وأربعة وأربعين ثم ضعف ذلك لأن الحالة حالتان فيكون مائتين وثمانية وثمانين منه تصح القسمة كان للأم سهمان من تسعة ضربناها في ستة عشر فيكون اثنين وثلاثين ثم أضعفنا فيكون أربعة وستين فهو نصيب الأم وكان للابن سبعة ضربنا ذلك في ستة عشر فتكون مائة واثنا عشر ثم أضعفنا ذلك فيكون أربعة وعشرين فهو نصيب الابن فاستقام التخريج ومتى انفصل الحمل ميتا لا يرث إذا انفصل بنفسه فأما إذا انفصل بسبب فهو(30/97)
من جملة الورثة وبيانه إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة لأن الشرع أوجب على الضارب الغرم ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت فإذا حكمنا بحياته كان له الميراث وبعد عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه وهو الغرة والله أعلم بالصواب.
فصل في ميراث المفقود
قال رضي الله عنه: وإنما ألحقنا هذا الفصل بما سبق لاستواء حالهما فالمفقود متردد الحال بين الحياة والموت كالجنين في البطن ثم الأصل فيه أن المفقود يجعل حيا في ماله ميتا في مال غيره حتى لا يورث عنه ماله ولا يقسم بين ورثته ما لم يعلم موته ولا يعطى له ميراث أحد من قرابته إذا مات قبل أن يتبين حاله ولكن يوقف نصيب المفقود كما يوقف نصيب الحمل لأن حياته كانت معلومة وما علم ثبوته فالأصل بقاؤه إلا أن الحكم بحياته باعتبار استصحاب الحال فهو حجة في إبقاء ما كان على ما كان وليس بحجة في إثبات ما لم يكن ثابتا لأن ثبوته لانعدام الدليل المزيل لا لوجود الدليل المنفي فنقول في مال نفسه يجعل(30/98)
ص -47- ... حيا لإبقاء ما كان على ما كان وفي مال غيره لا تثبت حياته لأن الحاجة إلى استحقاق الميراث لدفع استصحاب الحال لا يكفي لذلك ثم اختلفت الروايات أنه متى يحكم بموته فعلى ظاهر الرواية قال إذا لم يبق أحد من أقرانه وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة إذا مضى من مولده مائة وعشرون سنة وفي رواية أخرى مائة سنة وقد بينا هذا في كتاب المفقود.
ثم إذا وقف نصيبه من ميراث غيره فإن ظهر حيا أخذ ذلك وإن لم يظهر حاله حتى حكم بموته لم يستحق شيئا مما وقف له بمنزلة الحمل إذا انفصل حيا استحق الميراث وإن انفصل ميتا لم يستحق شيئا فإذا مضت مدة يعلم أنه لا يعيش إلى تلك المدة فإنه يحكم بموته ويقسم ميراثه بين ورثته وإنما يعتبر من ورثته من يكون باقيا في هذه الحالة ولا يرثه أحد ممن مات قبل هذا شيئا لأنه إنما يحكم بموته في هذه الحالة وشرط التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث فلهذا لا يرثه إلا من كان باقيا من ورثته حين حكم بموته والله أعلم بالصواب.
باب المناسخة(30/99)
قال رحمه الله: وإذا مات الرجل ولم تقسم تركته بين ورثته حتى مات بعض ورثته فالحال لا يخلو أما أن يكون ورثة الميت الثاني ورثة الميت الأول فقط أو يكون في ورثة الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت الأول ثم لا يخلو أما أن تكون قسمة التركة الثانية وقسمة التركة الأولى سواء أو تكون قسمة التركة الثانية غير الوجه الذي هو قسمة التركة الأولى ثم لا يخلو إما أن تستقيم قسمة نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول بين ورثته من غير كسر أو بكسر فإن كانت ورثة الميت الثاني هم ورثة الميت الأول ولا تغيير في القسمة فإنه يقسم قسمة واحدة لأنه لا فائدة في تكرار القسمة بيانه إذا مات وترك بنين وبنات ثم مات أحد البنين أو إحدى البنات ولا وارث له سوى الإخوة والأخوات فإن قسمة التركة بين الباقين على صفة واحدة للذكر مثل حظ الأنثيين فيكتفى بقسمة واحدة بينهم وأما إذا كان في ورثه الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت فإنه تقسم تركة الميت الأول أولا ليتبين نصيب الثاني ثم تقسم تركة الميت الثاني بين ورثته فإن كان يستقيم قسم نصيبه بين ورثته من غير كسر فلا حاجة إلى الضرب وبيانه فيما إذا ترك ابنا وابنة فلم تقسم التركة بينهما حتى مات الابن وخلف ابنة وأختا فإن تركة الميت الأول تقسم أثلاثا ثم مات الابن عن سهمين وترك ابنة وأختا فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة مستقيم ولا ينكسر وإن كان لا يستقيم قسمة نصيب الثاني بين ورثته فإما أن يكون بين سهام فريضته موافقة بجزء أو لا يكون بينهما موافقة فإن كان بينهما موافقة بجزء فإنه يقتصر على الجزء الموافق من سهام فريضته ثم يضرب سهام فريضة الأول في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الأول أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت
باب من متشابه النسب(30/100)
قال رضي الله عنه: ولو أن رجلين ليست بينهما قرابة تزوج كل واحد منهما أم الآخر فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الغلامين أن كل واحد منهما عم الآخر، لأمه ولا يرث واحد منهما من صاحبه شيئا أن مات وله عصبة وإن تزوج كل واحد منهما ابنة الآخر والمسألة بحالها فقرابة ما بين الغلامين أن كل واحد منهما بن خال الآخر فلا يرث مع أحد من العصبات فإن تزوج أحدهما أم الآخر وتزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بينهما أن بن المتزوج بالأم خال بن الذي تزوج الابنة وعمه وبن الذي تزوج الابنة بن أخت الذي تزوج الأم وبن أخيه لأمه فلا يرث واحد منهما من صاحبه شيئا لأن العم لأم وبن الأخ لأم من جملة ذوي الأرحام فلا يرثون مع أحد من العصبات.
ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوج ابنتها من ابنه فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بين الغلامين أن أب الذي تزوج الأم عم بن الابن الذي تزوج الابنة وخاله وابن الابن بن أخ الأب وبن أخته فأيهما مات ورث صاحبه هنا من قبل العم من الأب عصبته وكذلك ابن الأخ لأب عصبة فإذا كان كل واحد منهما عصبة صاحبه من أحد الوجهين كان وارثا له فإن تزوج الأب الابنة وتزوج الابن الأم فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الولدين أن ابن الأب عم ابن الابن وابن أخته وابن الابن خال ابن الأب وابن أخته فأيهما مات ورثه صاحبه بالعصوبة.(30/101)
ص -48- ... الثاني من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه وإن لم يكن بينهما موافقة بشيء فالسبيل أن تضرب سهام فريضة الميت الأول في سهام فريضة الميت الثاني فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الأول أن تضرب نصيبه في فريضة الميت الثاني فما بلغ فهو نصيبه.
ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه وبيانه عند الموافقة أن يخلف الرجل ابنا وابنة ولم يقسم تركته حتى مات الابن عن ابنة وامرأة وثلاثة بني بن ففريضة الميت الأول من ثلاثة ثم مات الابن عن سهمين وخلف امرأة وابنة وثلاثة بني بن فتكون فريضته من ثمانية للمرأة الثمن سهم وللابنة النصف أربعة والباقي وهو ثلاثة بين بني الابن إلا أن قسمة سهمين على ثمانية لا تستقيم ولكن بين سهمين وثمانية موافقة بالنصف فيقتصر في فريضة الميت الثاني على النصف وهو أربعة ثم تضرب فريضة الميت الأول وهو ثلاثة في فريضة الميت الثاني وهو أربعة فيكون اثني عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الابن من فريضة الميت الأول أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني وهو أربعة فتكون ثمانية ومعرفة نصيب الابنة من فريضة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وهو أربعة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وهوسهم فيكون أربعة ومعرفة نصيب المرأة أن تضرب نصيبها وهو سهم في هذا الجزء الموافق أيضا وهو سهم فيكون لها سهما واحدا والباقي وهو ثلاثة بين بني الابن لكل واحد منهم سهم.(30/102)
وبيان المسألة عند عدم الموافقة أن نقول رجل مات عن ابن وابنة ولم تقسم تركته حتى مات الابن عن بن وابنة ففريضة الميت الأول ثلاثة ثم مات الابن عن سهمين وفريضته أيضا ثلاثة وقسمة سهمين على ثلاثة لا تستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية وذلك ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ومعرفة نصيب الابن أنه كان نصيبه من تركة الأول سهمين تضربهما في الفريضة الثانية وهو ثلاثة فيكون ستة ومعرفة نصيب بن الميت الثاني أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان أيضا فتكون أربعة ومعرفة نصيب ابنة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وذلك سهم في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان فيكون لها سهمين وللابن أربعة فكذلك إن مات بعض ورثة الميت الثاني قبل قسمة التركة على ورثته فهو على التقسيمات التي بينا وإن كان في ورثة الميت الثالث من لم يكن وارثا للأولين، فالسبيل أن تجعل فريضة الأولين كفريضة واحدة بالطريق الذي قلنا ثم تنظر إلى نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فإن كان يستقيم قسمته بين ورثته من غير كسر قسمته بينهم وإن كان لا يستقيم نظرت فإن كان بين نصيبه من التركتين وبين فريضته موافقة بجزء فتقتصر على الجزء الموافق من فريضته ثم تضرب فريضته الأولى والثانية في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ، ومعرفة نصيب الميت(30/103)
ص -49- ... الثاني من تركة الأولين أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من سهام فريضته فما بلغ فهو نصيبه ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثالث أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فما بلغ فهو نصيبه وإن لم يكن بينهما موافقة بشيء ضربت مبلغ الفريضتين في سهام الفريضة الثالثة فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب الميت الثالث أن تضرب نصيبه في نصيب فريضته فما بلغ فهو نصيبه من التركتين ومعرفة نصيب كل واحد من ورثته أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثالث من التركتين فما بلغ فهو نصيبه وبيان هذا أن تقول رجل مات وترك ابنين فلم تقسم تركته حتى مات أحدهما عن ابنة وعن تركة الميت الأول وهو أخ ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعن تركة الميت الأول وهو عمها ففريضة الميت الأول من سهمين فإنما مات أحد الابنين عن سهمين وفريضته من سهمين أيضا للابنة النصف والباقي للأخ وقسمة سهم على سهمين لا تستقيم فتضرب اثنين في اثنين فتكون أربعة ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعم فتكون فريضتها من ستة للزوج النصف وللأم الثلث سهمان والباقي للعم وقسمة سهم على ستة لا تستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب أربعة في ستة فتكون أربعة وعشرين منه تصح المسألة نصيب الابن من الميت الأول اثنا عشر ومن الميت الثاني ستة فيكون ثمانية عشر ونصيب الابنة ستة يضرب نصيبها وهو سهم في فريضتها وهو ستة ومعرفة نصيب الزوج أن يضرب نصيبه وهو ثلاثة في نصيب الميت الثالث من الفريضة الأولى وذلك سهم فيكون ثلاثة أسهم فللأم سهمان وما بقي وهو سهم فهو للعم وأما عند وجود الموافقة فصورته فيما إذا ترك امرأة وأما وثلاث أخوات متفرقات فماتت الأم وتركت زوجا وعما ومن تركه الميت الأول وهما الابنتان فاخت الأول لأب وأم وأخته لأم ابنا الميت الثاني وأخته لأبيه أجنبية عنها ثم لم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة ومن تركه الميت الأول والثاني وهما(30/104)
الأخت لأب وأم والأخت لأم فالسبيل أن تصحح فريضة الميت الأول فيكون أصله من اثني عشر للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان وللأخت لأب وأم النصف ستة وللأخت لأب السدس سهمان وللأخت لأم السدس سهمان فتعول بثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر ثم ماتت الأم عن سهمين وتركت زوجا وعما وابنتين ففريضتها من اثني عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية والباقي للعم وهو سهم واحد وقسمة سهمين على اثني عشر لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على الجزء الموافق وذلك ستة ثم تضرب الفريضة الأولى وهي خمسة عشر في ستة فتكون تسعين ومعرفة نصيب الأم أنه كان نصيبها سهمين يضرب ذلك في ستة فيكون اثني عشر بين ورثتها مستقيم ثم ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة وأختا لأم وأختا لأب ففريضتها من أربعة للزوج الربع سهم وللابنة النصف سهمان وللأخت لأب الباقي سهم فتكون القسمة من أربعة ثم ننظر إلى نصيبها من التركتين فنقول كان لها من التركة الأولى ستة ضربناها في ستة فتكون ستة وثلاثين وكان لها من التركة الثانية أربعة ضربناها في الجزء الموافق من نصيب(30/105)
ص -50- ... الأم من تركة الأولى وهو سهم فكان أربعة فيكون نصيبها من التركتين أربعين وقسمة أربعة على أربعين تستقيم.
ولو مات وترك ابنين وأبوين فمات أحد الابنين عن ابنة ومن تركه الميت الأول وهو أخ وجد وجدة فنقول فريضة الميت الأول من ستة للأبوين السدسان والباقي وهو أربعة بين الابنين ثم مات أحد الابنين عن سهمين وخلف ابنا وجدا وجدة وأخا فالفريضة من ستة للابنة النصف ثلاثة وللجدة السدس سهم والباقي وهو سهمان بين الجد والأخ فالمقاسمة نصفان في قول زيد وقسمة السهمين على ستة لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على النصف وهو ثلاثة ثم تضرب الفريضة الأولى وذلك ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الميت الثاني أن تأخذ نصيبه من تركه الأول وذلك سهم تضربه في الجزء الموافق من فريضته وذلك ستة فتكون ستة ومعرفة نصيب ابنته أن تضرب نصيبها وهو ثلاثة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني وذلك سهم فيكون ذلك ثلاثة فهو لها وللجدة سهم والباقي بين الأخ والجد نصفان بالمقاسمة.
رجل مات وترك امرأة وابنتين له منها وأبوين فماتت إحدى الابنتين عن زوج ومن تركه الميت الأول وهو جدها أب أبيها وجدتها أم أبيها وأختها لأب وأم ففريضة الميت الأول أصلها من أربعة وعشرين وقسمتها من سبعة وعشرين وهي المنبرية ثم ماتت إحدى الابنتين عن ثمانية أسهم وإنما تقسم فريضتها من ستة في الأصل للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان وللجد السدس سهم وللأخت النصف ثلاثة تعول بثلاثة فتكون من تسعة ثم ما أصاب الجد والأخت يقسم بينهما أثلاثا فتضرب تسعة في ثلاثة فتكون سبعة وعشرين منه تصح المسألة ولا موافقة بين سبعة وعشرين وبين ثمانية في شيء فالسبيل أن تضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية فتصح المسألة من المبلغ والطريق في التخريج ما بينا.(30/106)
رجل مات وترك امرأة وأبوين وثلاث أخوات متفرقات فلم تقسم تركته حتى ماتت الأم وخلفت من خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى مات الأب وخلف امرأة ومن خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وخلفت زوجا ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وخلفت زوجا وابنتين ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأم وخلفت زوجا وثلاث بنات وأبوين فنقول قوله خلفت الأخت لأم زوجا وثلاث بنات وأبوين غلط وقع من الكاتب لأنه ذكر في وضع المسألة أن الأم ماتت أولا فكيف يستقيم قوله بعد ذلك خلفت أبوين وإنما الصحيح خلفت أبا وزوجا وثلاث بنات ثم وجه التخريج أن فريضة الميت الأول من اثني عشر سهما للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان والباقي وهو سبعة أسهم للأب ولا شيء للأخوات ثم أن الأم ماتت عن زوج وابنتين فإن الأخت لأب وأم والأخت لأم ابنتاها فلهما الثلثان والربع للزوج وأصله من اثني عشر إلا أن بين نصيبها وهو سهمان وبين سهام فريضتها موافقة بالنصف فيقتصر على النصف وهو(30/107)
ص -51- ... ستة، ثم تضرب اثني عشر في ستة فيكون اثنين وسبعين وكان لهما سهمان ضربناه في ستة فيكون اثني عشر للزوج ثلاثة وكان له من الفريضة الأولى سبعة ضربناها في ستة فيكون اثنين وأربعين فحصل له من التركتين خمسة وأربعون ثم مات الأب عن امرأة وابنتين وهما الأخت لأب وأم والأخت لأب فتكون فريضته من أربعة وعشرين لا يستقيم ولكن بينهما موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث وهو ثمانية ثم تضرب اثنين وسبعين في ثمانية فيكون خمسمائة وستة وسبعين وهكذا تعبيره في تركة كل ميت فيعتبر الاقتصاد والضرب إلى أن ينتهي الحساب إلى تسعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة واثني عشر فمن ذلك تصح المسألة والله أعلم بالصواب.
باب طلاق المريض
قال رضي الله عنه: وإنما تنبني مسائل هذا الباب على من طلق امرأته ثلاثا في مرضه ثم مات وهي في العدة فإنها ترث بحكم الفرار وقد تقدم بيان هذه المسائل في كتاب الطلاق والذي زاد هنا أن الفرقة متى وقعت بسبب باشره بن المريض بأن قبلها بشهوة أو جامعها وهي مكرهة ثم مات المريض وهي في العدة فإنها ترثه لأنه إذا وقعت الفرقة بايقاع الطلاق جعلنا النكاح كالقائم بينهما في حكم الميراث باعتبار أن الزوج قصد ابطال حقها عن ميراثه فرد عليه قصده ويكون لها الميراث إذا مات الزوج قبل انقضاء العدة فإن مات بعد انقضاء العدة أو كان ذلك قبل الدخول فلا ميراث لها بمنزلة ما لو كان الزوج هو الذي طلقها.(30/108)
ولو كان للأب امرأة أخرى والمسألة بحالها لم ترث هذه المبانة شيئا لأنه لا يتحقق هنا قصد من جهة الابن فإن ميراث النساء يستوي في استحقاقه المرأة الواحدة والثنتان فيبقى جميع ذلك مستحقا عليه للمرأة الأخرى وإن اكتسب سبب الفرقة بين الأب وبين هذه فإذا انتفت التهمة لم تجعل العدة قائمة مقام النكاح في بقاء ميراثها كما لو كان فعل ذلك في صحة الأب وإن كان من المرأتين جميعا عن شهوة معا بغير رضاهما فلهما الميراث إذا مات الأب قبل انقضاء عدتها لأن تهمة القصد هنا موجودة.
ولو وطىء إحداهما ثم الأخرى مكرهتين فلا ميراث للأولى وللثانية الميراث لأن القصد منه إلى إبطال ميراث النساء غير موجود حين وطىء الأولى وهو موجود وحين وطىء الثانية ولو وطئها بن ابنه وهي مكرهة حين وقعت الفرقة بينهما فإن كان ابنه حيا فلا ميراث للمرأة لأن بن الابن ليس بوارث الجد في هذه الحالة فلا تتحقق منه تهمة القصد وإن كان أبوه ميتا وكان بن الابن وارثا فحينئذ لها الميراث لوجود تهمة القصد وكذلك لو كان الابن فعل ذلك وهو غير وارث بأن كان كافرا أو رقيقا لم يكن لها الميراث لأن تهمة القصد هنا لم تتحقق فإن كان وطئها وهو غير وارث ثم صار وارثا بالسبب الذي كان قائما وقت الوطء بأن كان رقيقا فعتق أو كافرا فاسلم أو فعله بن الابن والابن حي ثم مات الابن فإنها ترثه لأن تهمة القصد باعتبار كون المكتسب لسبب الفرقة وارثا والميراث إنما يثبت عند الموت فيعتبر حالة الموت وإن كان الابن فعل ذلك وهو مجنون أو صبي لم يكن لها الميراث، لأن حكم الفرار باعتبار(30/109)
ص -52- ... تهمة القصد، وذلك ينبني على قصد معتبر شرعا وليس للصبي والمجنون قصدا معتبرا شرعا فلا يثبت حكم الفرار بفعلهما كما لا يثبت حكم حرمان الميراث بقتل باشره الصبي والمجنون والله أعلم بالصواب.
باب ما يسأل عنه من المتشابه في غير ولاء مجوسي
قال رضي الله عنه: ولو أن رجلا سئل عن رجل مات وترك خال بن عمته وعمة بن خاله فالسبيل لك أن تقول له خال بن عمة أخرى وعمة بن خال آخر غير هذا الأول فإن قال لم يكن له عمة ولا خال غير هذا فقل الميراث بينهما أثلاثا فإن خال بن عمته أبوه وعمة بن خاله أمه لأن خال بن عمته هو أخو عمته وأخو عمته أبوه وعمة بن خاله هي أخت أخي أمه فهي أمه إذا لم يكن سواهما فلهذا كان للأب الثلثان وللأم الثلث فإن سئل عن خال وعم فورث الخال دون العم فقل ورث الخال لأنه خال أم بسبب آخر فإن قال لأنه خال فهذا لا يتصور إلا أن يكون في العم ما يحرمه من رق أو كفر وإن قال لا أبين فقل إن الخال هو بن أخ الميت وكانت صورة هذه المسألة في أخوين لأب تزوج أحدهما أم أم أخته والنكاح صحيح لأنه لا قرابة بين هذين فإن ولدت له ابنا فهذا الابن بن أخ الآخر وخاله لأنه أخ أمه فإنه بن جدته ولكنه بن أخي الميت وبن الأخ في الميراث بالعصوبة مقدم على العم فإن سئلت عن رجل ورثه سبعة إخوة وأخت المال بالسوية فهذا رجل تزوج امرأة وتزوج أمها ابنه فولدت منه سبع بنين فصار بنوه إخوة امرأة أبيه ثم مات الرجل وبقي أبوه حيا ثم مات الأب فإنما مات عن امرأة وسبع بني بن فللمرأة الثمن والباقي بين بني الابن بالسوية وهم إخوتها لأمها فقد ورث لكل واحد منهم ثمن المال بهذا الطريق فإن سئلت عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما المال من رجل دون الآخر فقل لعل في الآخر مانعا من رق أو كفر فإن قال لا مانع فقل إن الميت بن أحدهما أو زوجة أحدهما فهو الذي يرثه دون أخيه فإن سئلت عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما ثلاثة أرباع المال والآخر الربع فقل هذه امرأة(30/110)
لها ابنا عم تزوجها أحدهما ثم ماتت فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين فحصل للزوج منها ثلاثة أرباع المال وللآخر الربع فإن قال ورث أحدهما الثلثين والآخر الثلث فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها لأمها والآخر زوجها فللأخ لأم السدس وللزوج النصف والباقي بينهما نصفان فتكون القسمة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأخ لأم السدس سهم والباقي وهو سهمان بينهما نصفان فحصل لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان فإن قالوا كانوا ثلاث إخوة فورث أحدهم الثلثين وورث اثنان منهم سدسا فقل هذه امرأة لها ثلاث بني عم وهم إخوة فتزوجها أحدهم ثم ماتت فصار للزوج النصف وما بقي فبينه وبين الإخوة أثلاثا فصار له الثلثان ولكل واحد منهما السدس.
فإن سئلت عن رجل وأخوين ورثوا المال للرجل الثلث ولأحد الأخوين النصف والآخر السدس فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها لأمها والآخر الذي ليس أخاها لأمها له أخ(30/111)
ص -53- ... لأم وليس بابن عم لها وهو زوجها فماتت فصار لزوجها النصف ولابن العم الذي هو أخوها لأمها السدس وما بقي فبين ابني عميها اللذين أحدهما أخوها لأمها نصفين فحصل لأختها لأمها الثلث ولابن عمها الآخر السدس وهو أخ هذه الابنة ولزوجها النصف وهو أخ هذا أيضا لأمه فإن سئلت عن رجل وأخته ورثا المال فصار للرجل سبعة أثمان المال ولأخته الثمن فقل هذا رجل تزوج أم امرأة أبيه فولدت منه غلاما ثم مات الرجل ثم مات أبوه فصار لامرأته الثمن وما بقي فللغلام لأنه بن ابنه وهو أخ المرأة لأمها.
فإن سئلت عن رجل وابنة ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجها بن عمها وعمها حي ثم ماتت فصار لزوجها النصف وما بقي لأب الزوج وهو العم.
فإن سئلت عن رجل وابنته ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجت بن عمها فولدت منه ابنة ثم ماتت المرأة فصار لابنتها النصف ولزوجها الربع وما بقي فللزوج أيضا لأنه عصبتها.
فإن سئلت عن رجل وأمه ورثا المال نصفين فهذا رجل زوج ابنته من بن أخيه فهو عصبته.
فإن سئلت عن رجل وامرأتيه ورثوا المال أثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنتي ابنيه بن أخيه ثم مات ولا وارث له غيرهم فصار لابنتي الابنين الثلثان وما بقى فلابن أخيه وهو زوجهما.
فإن سئلت عن رجل ورثه ثلاث نسوة المال أثلاثا إحداهن أم الأخرى فقل هذا رجل زوج بن ابنه ابنة بن ابن آخر له فولدت له بنتا ثم مات بن ابنه فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ثم مات الرجل وله أخت فصار لهما الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة.
فإن سئلت عن امرأة وابنها وبن ابنها ورثوا المال ثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنة ابنه بن ابن له آخر فولدت له ابنتان ثم مات بن الابن فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ثم تزوج بن أخ له ابنة بن ابن الميت فولدت له ابنا ثم مات بن أخيه ثم مات الرجل وترك ابنتي ابنيه فلهما الثلثان وإحداهما أم الأخرى وما بقي فلابن الابنة لأنه ابن ابن أخيه وهو عصبته.(30/112)
فإن سئلت عن رجل ورثه سبعة عشر امرأة ماله بالسوية فقل هذا رجل مات وترك ثمان أخوات لأب وأم وأربع أخوات لأم وثلاث نسوة وجدتان فللأخوات لأب وأم الثلثان ثمانية من اثني عشر وللأخوات لأم الثلث وهو أربعة وللنسوة الربع وهو ثلاثة وللجدتين السدس سهمان فتعول بخمسة فتكون القسمة من سبعة عشر لكل واحدة منهن سهم.
فإن سئلت عن رجل ترك عشرين دينارا فورثه امرأة من ذلك دينارا واحدا فقل هذا رجل ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأربع نسوة فللأختين لأب وأم الثلثان ثمانية من اثني عشر وللأختين لأم الثلث أربعة وللنسوة الربع ثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر للنسوة من ذلك ثلاثة فلا يستقيم بين أربعة فاضرب خمسة عشر في أربعة فتكون ستين للنسوة من ذلك اثنا عشر لكل واحدة منهن ثلاثة واثنا عشر من ستين فهو الخمس في الحاصل وخمس عشرين دينارا أربعة دنانير بينهن لكل واحدة منهن دينار.
فإن سئلت عن امرأة ورثت أربعة أزواج لها واحدا بعد آخر صار لها نصف أموالهم(30/113)
ص -54- ... جميعا وصار للعصبة النصف فقل هذه امرأة تزوجها أربع إخوة واحدا بعد واحد وبعضهم ورثة بعض معها وكان جميع مالهم ثمانية عشر دينارا لزوجها الأول ثمانية دنانير وللثاني ستة دنانير وللثالث ثلاثة وللرابع دينار فإنما مات زوجها الأول عن ثمانية دنانير فلها الربع وذلك ديناران وما بقي من إخوته وهم ثلاثة لكل واحد دينار فصار لصاحب الستة ثمانية ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة ثم تزوجها الثاني فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة وعن أخوين فيكون لها الربع من تركته وذلك ديناران وما بقى وهو ستة بين أخويه لكل واحد ثلاثة فصار للذي كان له خمسة ثمانية وللذي كان له ثلاثة ستة ثم تزوجها الثالث فمات عنها وعن أخ فورثته الربع وهو ديناران وصار ما بقي لأخته وهو ستة فحصل للأخ اثنا عشر دينارا ثم تزوجها الرابع فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة والباقي وهو تسعة للعصبة فقد ورثت هي من الثلاثة ستة دنانير من كل واحد دينارين ومن الرابع ثلاثة فصار لها تسعة وهو نصف ما لهم وللعصبة النصف.(30/114)
ولو أن رجلا جاء إلى قوم وهم يقتسمون ميراثا فقال لهم لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فإن لي امرأة غائبة فإن كانت حية ورثت ولم أرث وإن كانت ميتة ورثت ولم ترث فهذه امرأة ماتت وتركت أختين لأب وأم وأما وأخا لأب وهو متزوج بأخت لها لأمها فصار للأختين الثلثان وللأم السدس فإن كانت الأخت من الأم حية فلها السدس الباقي ولا شيء للأخ لأب لأنه عصبة ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء وإن كانت ميتة فالسدس الباقي للأخ لأب لأنه عصبة وهذا الذي جاء إليهم فقال ما قال فإن قال إن كانت امرأتي حية ورثت ولم ترث وإن كانت ميته لم أرث أنا ولا هي فهذه امرأة ماتت وتركت جدها أب أبيها وزوجها وأمها وأخا لها لأمها وهو متزوج أختها لأمها فصار للزوج النصف فإن كانت الأخت من الأم حية كان للأم السدس والثلث الباقي بين الجد والأخ نصفين بالمقاسمة فيرث في هذه الحالة وإن كانت الأخت من الأم ميتة كان للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وسقط الأخ فلا يرث في هذه الحالة شيئا لأنه لا ينقص الجد عن السدس.
فإن جاءت امرأة وقالت: لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فإني حبلى فإن ولدت ولدا حيا ورث معكم غلاما كان أو جارية فإن هذا رجل مات أبوه قبله ولأبيه سرية فمات الرجل بعد ابنه وله امرأة وابنة وعم فقالت سريته لا تعجلوا فإني إن ولدت غلاما كان أخا للميت وكان عصبته فكان الباقي له دون العم وكذلك أن ولدت جارية لأنها أخت الميت لأب والأخت مع الابنة عصبة فكان الباقي لها دون العم فإن قالت إن ولدت غلاما ورث وإن ولدت جارية لم ترث فهذا رجل مات أخوه وله سرية حبلى ثم مات هو وترك ابنتين وعما فقالت سريته لهم ذلك فهي إن ولدت غلاما كان ابن أخ الميت فهو أولى بالعصوبة من العم وأن ولدت جارية كانت ابنة أخ الميت فلا ترث شيئا والباقي للعم بالعصوبة فإن قالت أن ولدت غلاما لم يرث وإن ولدت جارية ورثت فهذه امرأة ماتت عن زوج وأم وأختين لأم وسرية ابنها حبلى وهي التي(30/115)
ص -55- ... قالت له ذلك فإن ولدت جارية كانت أختا لأب فيكون لها النصف وإن ولدت غلاما لم يرث شيئا لأنه عصبة ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلا شيء له فإن قالت أن ولدت غلاما لم يرث وإن ولدت جارية لم ترث وإن ولدتهما جميعا ورثا فهذا رجل مات أبوه وله سرية حبلى ثم مات الرجل وترك أمه وأختا لأب وأم وجد فسرية أبيه أن ولدت غلاما كان أخا للابن فكان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخ والأخت للذكر مثل حظ الانثيين ثم يرد الأخ من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يديه حتى يستكمل النصف ولا يبقي له شيء فإن الفريضة من ستة للأم السدس سهم وللجد اثنان وللأخ من الأب اثنان وللأخت من الأب والأم واحد ثم يرد الأخ ما في يده على الأخت حتى يسلم لها النصف ثلاثة ويخرج بغير شيء وأن ولدت جارية كان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخت من الأب والأم والأخ من الأب للذكر مثل حظ الانثيين ثم ردت الأخت من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يدها ولم ترث شيئا وأن كانت هي ولدت غلاما وجارية كانت الفريضة من ثمانية عشر سهما للأم السدس ثلاثة وللجد ثلث ما بقي خمسة فإن ذلك خير له من المقاسمة وبقي عشرة للأخت لأب وأم منها كمال النصف تسعة والباقي وهو سهم بين الأخ والأخت من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيرثان جميعا في هذه الحالة وهذا قول زيد رضي الله عنه فإن قالت الحبلى أن ولدت غلاما ورث وورثت وأن ولدت جارية لم أرث ولم ترث فهذا رجل زوج بن ابنة ابنه ابنة بن ابن له آخر ثم مات بن ابنة ابنه وابنة بن ابنه حبلى من بن ابنه ابنه ثم مات الرجل وترك ابنه وعصبته فجاءت ابنة بن ابنه هذه فقالت ما قالت فهي أن ولدت جارية لم يكن لها ولا للجارية شيء لأن ابنتى الميت قد أحررتا الثلثين فريضة البنات فلا شيء لمن دونهما من البنات ولكن الباقي للعصبة وإن ولدت غلاما ورثت هي وهو لأنها ابنة بن ابن الميت وابنها بن ابن بن الميت فتصير هي عصبة به وكان الباقي(30/116)
بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وأن قالت هذه الحبلى أن ولدت جارية ورثت أنا وهي وأن ولدت غلاما لم أرث أنا ولا هو فهذه امرأة تزوج بن ابنها ابنة بن ابنها ثم مات بن ابنها وابنة بن ابنها حبلى ثم ماتت المرأة وتركت زوجها وابنتها وأبويها فجاءت الحبلى وقالت ما قالت فهي إن ولدت غلاما لم يرث هو ولا هي لأن لابنة الميت النصف ولأبويها السدس وللزوج الربع فقد عالت الفريضة ولم يبق لهما شيء فإنها صارت عصبة بالذكر في درجتها فإن لم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلا شيء للعصبة وإن ولدت جارية كان لابنة الميت النصف ولهذه مع ابنتها السدس تكملة الثلثين لأنهما ابنتا بن ابن وللأبوين السدسان وللزوج الربع فكانت الفريضة من خمسة عشر سهما فإن قالت لا تعجلوا فإني حبلى فإن ولدت غلاما حيا وجارية ميتة ورثت أنا والغلام وإن ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منا فهذا رجل له ابنتان وابنة بن ابن قد تزوجها بن ابن له آخر ثم مات بن ابنه ثم مات الرجل وترك ابنتيه وابنة ابنه وهي حبلى من بن ابنه فهي إن ولدت غلاما حيا وجارية ميتة صارت هي عصبة بالغلام فورث الغلام وهي ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين،(30/117)
ص -56- ... وإن ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منهما شيئا لأن الابنتين قد أحرزتا فريضة البنات وكان الباقي للعصبة والله أعلم بالصواب.
باب السؤال في بنات الابن والإخوة
قال رضي الله عنه: قد بينا أكثر مسائل هذا الباب في العويص في ميراث الأولاد والإخوة والجدات فلا نعيد ها هنا شيئا مما ذكرنا وإنما نذكر ما لم نذكره ثمة فنقول رجل ترك ثلاثة بنات بن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة منهن عمة أو عمة عمها قال رضي الله عنه اعلم بأن أهل الكوفة يجيبون في هذه المسائل بأكثر مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب وأهل المدينة يجيبون فيها بأقل مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب وما ذهب إليه أهل الكوفة رحمهم الله أولى لأن فيه تصحيح كلام السائل بأصله ووصفه وفيما ذهب إليه أهل المدينة ألغى بعض كلام السائل لأن ذلك يؤدي إلى العبارة عن شخص واحد بعبارات وذلك تكرار محض لا فائدة فيه وفيما ذهب إليه أهل الكوفة ألغى صفة كلامه وهو صفة الوراثة لبعضهم فإنه إذا حمل على أبعد ما يكون من النسب لم يكن وارثا فلهذا اخترنا طريق أهل الكوفة في ذلك فنقول عمة العليا ابنة الميت وعمة عمتها أخت الميت وعمة الوسطى درجة العليا وعمة عمتها ابنة الميت أيضا فإنما ترك الميت ابنتين وأختا فللابنتين الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة وعلى ما ذهب إليه أهل المدينة عمة الوسطى هي العليا وعمة عمتها هي عمه العليا فإنما ترك الميت ابنة وابنة بن وأخت فللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأخت فإن كان مع كل واحدة منهن عمها فعم العليا بن الميت فيكون المال كله له وأن كان مع كل واحدة منهن عمتها وعمة عمتها وأختها وابنة أختها وجدتها وأمها فلعمة العليا وعمة الوسطى الثلثان لأنهما ابنتا الميت ولجدة العليا الثمن لأنها امرأة الميت وما بقي فللعليا ولأختها ولابن أختها ولابنة أختها وللوسطى وللأختها ولعمتها ولعمة السفلى وعمة عمتها بينهم للذكر(30/118)
مثل حظ الأنثيين لاختلاط الذكور بالإناث في درجة الذكور أو فوقهم فيكونون عصبة فيما بقي.
ولو أن رجلا مات وترك ابن ابنته وابنة ابنه مع كل واحدة منهما خال وعم فخال ابن الابنة هو ابن الميت وكذلك عم ابنة الابن هو ابن الميت فيكون المال بينهما نصفان فإن كان مع كل واحد منهما خالته وعمته فخالة ابن الابنة ابنة الميت وعمة ابنة الابن كذلك ابنة الميت فلهما الثلثان والباقي للعصبة فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة عمومة متفرقين فللأخوات فرضهن للأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، وللأخت لأم السدس والباقي لعم الأخت من الأب والأم لأب وأم ولعم الأخت من الأب لأب وأم فإنهما عمتا الميت لأبيه وأمه إذا حمل ذلك على أقرب ما يكون من النسب كما هو اختيار أهل الكوفة فإن كان مع كل واحدة أبوها وأخوها فإنه يحصل في هذا السؤال ان في هذا السؤال إن أبا الميت حي فهو يحرز الميراث دون الإخوة والأخوات فإن كان مع كل واحدة منهن جدها فإنه يحصل في(30/119)
ص -57- ... هذا السؤال أن أب أب الميت حي وقد سبق الكلام في توريث الإخوة والأخوات مع الجد فإن ترك ثلاث عمات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة بني إخوة متفرقين وثلاثة عمومة متفرقين فالمال لابن أخي العمة لأب وأم لابنها وأمها لأنه بن عم الميت لأبيه وأمه فهو أقرب العصبات فإن ترك أخوين لأب أحدهما لأم فالذي لأم أخ لأب وأم فيكون الميراث له دون الآخر فإن ترك أخوين لأم أحدهما لأب فالذي لأب أخ لأب فالميراث كله له ولو أن امرأة ماتت وتركت ابنى عمها أحدهما أخوها لأمها وتركت أخوين لأم أحدهما بن عمها فثلاثة منهم إخوة لأم فالثلث بينهم أثلاثا والباقي بين اللذين هما ابنا عم من هؤلاء الثلاثة وبين الرابع الذي ليس هو أخ لأم أثلاثا في قول علي وزيد رضي الله عنهما وقد بينا خلاف بن مسعود في هذه المسألة فإن تركت ابنى عمتها أحداهما أختها لأمها وأختين لأم أحداهما ابنة عم فإنما تركت ثلاث أخوات لأم فلهن الثلث والباقي للعصبة ولا شيء لبنات العم فإن ترك ابنتي عمه إحداهما امرأته والأخرى أخته لأبيه وثلاثة إخوة لأم أحدهم بن عم فإنما ترك الميت في الحاصل أختا وثلاثة أخوة لأم فلهم الثلث بينهم بالسوية وترك امرأته فلها الربع وترك ابنة عم وهو أخوه لأمه فله ما بقي فإن ترك بن أخ لأم وهو بن أخت لأب وخالة وبن عم فالمال لابن الأخ من الأم الذي هو بن الأخت لأب في قول يعقوب ومحمد قاساه على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يريد به في توريث ذوي الأرحام باعتبار القرابة وتقديم الأقرب وقد بينا هذا في باب ذوي الأرحام وما ذكره بعده من الجدتين من جهتين أو الجدة قد بيناه في باب الجدات والله أعلم بالصواب.(30/120)
وفيه حكاية عبد الملك بن مروان رحمه الله فإنه جلس يوما للمظالم فقام رجل فقال إني تزوجت امرأة وزوجت أمها ابني فمر بعطائي فقال لو كان على عكس هذا كان أولى وأني أسألك عن مسألة فإن أحسنت جوابها امرت بعطائك وإن لم تحسن جوابها لا أعطيك شيئا فقال هات فقال أن ولد لك غلام ولابنك غلام فأي قرابة تكون بين الغلامين فلم يحسن الرجل الجواب وقال سل القاضي الذي وليته ما وراء مجلسك فإن أحسن الجواب فاصرف عطائي إليه وإلا فاعذرني فلم يحسن القاضي ولا أحد من القوم إلا رجل في أخريات الناس فقام فقال أن أجبت فأحسنت هل تقضي حاجتي قال نعم فأجاب كما ذكرنا فاستحسن جوابه وقال لله در هذا العالم ما حاجتك فقال أن عاملك أسقط حرفا من كلام الله تعالى قال وما ذاك قال أن الله تعالى يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فهو يسقط حرف من فيأخذ أموالنا قال هذا أحسن من الأول وعزل ذلك العامل والله أعلم بالصواب.
فصل فيما يسأل عنه من المحال الذي لا يكون(30/121)
قال رضي الله عنه: ولو أن رجلا سأل عن رجل مات وترك والديه وما ولدا فهذا لا يكون لأن ما ولدا هو الميت فكيف يترك الميت نفسه إلا أن يقول وما ولدا سواه فإن سئل عن أم وأبوين فهو محال لأن الأم أحد الأبوين فإن سئل عن امرأة وأبوين وزوج فهذا محال لأن الميت أما رجل له امرأة أو امرأة لها زوج ولا يتصور ميت ترك زوجا وامرأة فإن سئل عن ابنى عم أحدهما أخ لأب فهذا لا يكون لأن بن عم الرجل لا يكون أخاه لأبيه فإن سئل عن ابنى عم أحدهما بن أخ لأب أو لأب وأم فهذا لا يكون أيضا لأن ابن العم لا يكون ابن الأخ بحال فإن سئل عمن ترك ابنته وأبوي ابنته فهذا محال لان الميت أحد أبوي البنت فإن سئل عن عم لأب هو أخ لأب فهذا لا يكون لأن العم هو جد الميت فليس له أن يتزوج امرأة بن أبيه فإن سئل عمن مات وترك عم بن أخيه ولم يكن لابن أخيه عم فهذا لا يكون لأن الميت هو بن أخ عمه وما ذكرناه يهديك إلى ما يكون من هذا الجنس والله أعلم بالصواب.(30/122)
ص -58- ... باب إقرار الرجل بالنسب
قال رضي الله عنه: وإذا كان الرجل ذا قرابة أو وارث معروف لم يجز إقراره إلا بأربعة نفر الولد والوالد والمرأة ومولى العتاقة ولا يجوز إقرار المرأة إلا بثلاث الزوج والوالد والمولى لأن إقرار المرأة على نفسها حجة وعلى غيرها ليس بحجة فالرجل بالإقرار بالأب يلزم نفسه بالانتساب إليه لأنه يجب على الولد أن ينسب إلى أبيه شرعا قال عليه السلام: "من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" وكذلك أن أقر بمولى العتافة فإنما يقر على نفسه بوجوب الانتساب إلى المولى وكذلك إذا أقر بالمرأة فإنه يقر لها على نفسه بحقوق النكاح وكذلك إذا أقر بابن فإنما يقر على نفسه لأن الأب يحمل نسب الولد على نفسه وكذلك إذا أقر بمولى العتاقة(30/123)
ص -59- ... الأسفل لأن الولاء بمنزلة النسب فإذا كان يحمله على نفسه كان مقبول القول في ذلك إذا صدقه صاحبه في جميع هذه الفصول إلا في الولد إذا كان صغيرا في يده أو كان مملوكا لا يحتاج إلى التصديق والمرأة في الإقرار بالأب والزوج ومولى العتاقة إنما تقر على نفسها أيضا والأبوية لا تمنع صحة إقرارها فإذا أقرت بابن فإنما أقرت به على غيرها لأن نسب الولد يثبت باعتبار الفراش فإنما يثبت من صاحب الفراش أو لا وهو الزوج وإقرارها ليس بحجة على الزوج يوضحه أنه مع قيام النكاح بينها وبين هذا الزوج لا يتحقق بسبب صحيح بينها وبين غيره يثبت به نسب ولدها من ذلك الغير دون هذا الزوج وفي جانب الرجل يتحقق بسبب صحيح للنسب بينه وبين امرأة أخرى سوى المعروفة بالنكاح أو الملك يوضحه أن النسب يثبت من الرجل باعتبار الاعلاق حقيقة وذلك لا يقف عليه غيره فلا بد من قوله في ذلك وأما النسب من المرأة إنما يثبت باعتبار الولادة وهو ظاهر يقف عليه غيرها وهي القابلة فلا يجعل مجرد قولها في ذلك حجة وسواء كان هذا الإقرار في صحة أو مرض لأن حالة المرض إنما تخالف حالة الصحة باعتبار تعلق حق الغرماء والورثة بالتركة فما لا يتعلق به حق الغرماء والورثة كان الإقرار به في الصحة والمرض سواء والنسب والنكاح والولاء لا يتعلق به حق الغرماء والورثة فإن كان للمقر أب معروف أو مولى عتاقة معروف لم يجز إقراره بأب آخر ولا بمولى آخر لثبوت حق الأول ولأنه مكذب في هذا الإقرار شرعا فلا يكون ذلك دون تكذيب المقر له وكذلك لا يجوز إقرار المرأة بزوج ولها زوج معروف لأن المقر له حق الغير وأنها مكذبة في هذا الإقرار شرعا بخلاف الرجل يقر بامرأة وله امرأة معروفة فإنه غير مكذب في هذا الإقرار شرعا ولأنه لا حق له فيما أقر به.(30/124)
ألا ترى إنها لا تملك ذلك بطريق الإنشاء ولا يجوز إقرار واحد منهما بمن سوى هؤلاء من بن ابن أو جد أو أخ لأنه يقر على الغير فإن نسب النافلة لا يثبت منه إلا بواسطة الأب فكان هذا إقرارا منه على أبيه وكذلك أحد الأخوين لا ينسب إلى صاحبه إلا بواسطة الأب فكان إقرارا منه على ابنه وكذلك الجد فإن جمع في الإقرار بين من يجوز إقراره به ومن لا يجوز إقراره به كان المال لمن جاز إقراره به إن كان ممن يرث جميع المال في حال انفراده نحو ما إذا أقر بابن وابنة بن فالمال كله للابن بالفرض والفرد لأن إقراره بنسبه صحيح فيكون ثبوت نسبه بإقراره كثبوته بالبينة وان كان ممن لا يرث جميعه مثل الزوج والزوجة كان له حظه كاملا والباقي بين الأخوين اللذين لا يثبت نسبهما بإقراره على حسابهما لو كانا معروفين ولم يترك لهما إلا باقي المال.
بيانه فيما إذا أقر بامرأة وابنة بن وأخت فللمرأة الربع كاملا والباقي بين ابنة الابن والأخت على سبعة لابنة الابن أربعة وللأخت ثلاثة لأن إقرار فريضتهما من ثمانية إلا أنه لم يصدق في إدخال النقصان على المرأة فأخذت الربع كاملا وهو مصدق في حق الآخرين فتضرب ابنة الابن بنصيبها أربعة والأخت بثلاثة.(30/125)
ص -60- ... ولو أقر بابنتى بن والمسألة بحالها فالباقي بين ابنتي الابن والأخت على أحد وعشرين سهما لأن في زعمه أن الفريضة على أربعة وعشرين لابنتي الابن الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة وللأخت ما بقي وهو خمسة فلم يصدق في حق المرأة وأخذت الربع كاملا فتضرب ابنتا الابن في الباقي بستة عشر سهما والأخت وإن تصادق بعضهم فيما بينهم يجمع نصيب المتصادقين فاقتسموها على حساب ما تصادقوا عليه لأن الثابت فيما بينهم بتصادقهم كالثابت بالبينة أو أقوى منه فإذا مات الرجل وأقر بعض ورثته بوارث وأنكره الآخرون دخل معه في نصيبه فاقتسماه على سهامهما نحو ما إذا ترك ابنا فأقر بأخ له فإنه لا يثبت نسبه ولكنه يأخذ نصف ما في يد المقر إلا في رواية عن أبي يوسف أنه يثبت نسبه وقد بينا المسألة في العين والدين فلو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ له فإنه يعطيه نصف ما في يده لإقراره أن حقهما في التركة سواء وإن لم يقر بأخ ولكنه أقر بابنة لأبيه فإنه يعطيها ثلث ما في يده لإقراره أن حقها مثل نصف حقه فإن لم يقر بذلك ولكنه أقر بامرأة لأبيه فإنه يقاسمها ما في يديه على تسعة لها سهمان وله سبعة لأنه يزعم أن الفريضة من ستة عشر سهما للمرأة سهمان وله سبعة ولأخيه سبعة.(30/126)
وكذا لو أقر مقر منهم بوارث آخر فإنه يجمع جميع ما في أيدي المقرين فيقسم بينهم وبين المقرين له على مقدار حقهم وذلك بأن تصحح الفريضة لو كان المقر به ثابتا في الأصل، ثم يضرب كل واحد منهم بنصيبه بيانه فيما اذا ترك ابنين وابنتين فأقر أحد الابنين بأخ فإنهما يقاسمانه جميعا ما في أيديهما على خمسة للأخ المقر سهمان وللأخت المقرة سهم وللأخ المقر به سهمان لأنهما زعما أن الفريضة من ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فما وصل إليهما يقسم بينهما وبين المقر به باعتبار زعمهم وفي المسائل التي تخرج على الأصول التي بيناها كثرة ولكن بالقدر الذي بينا يتيسر تخريج الكل عند التأمل والله أعلم بالصواب.
باب إقرار الورثة بوارث بعد وارث
قال رضي الله عنه: وإذا أقر بوارث معه وأعطاه نصيبه بقضاء قاض ثم أقر بوارث آخر ولم يصدق الأول قاسمه ما بقى في يديه على حساب نصيبهما إلا أن يصدقه الأول لأن الأول قد استحق نصيبه بالإقرار السابق منه فكما لا يملك إبطال حقه بالرجوع عن الإقرار فكذلك لا يملك إثبات الشركة للغير معه فيما صار مستحقا له ويجعل ثبوت الاستحقاق للأول بإقراره في حقه كثبوته بالبينة أو يكون نسبه معروفا ولا يكون إقراره للغير بعد ذلك حجة عليه إلا باعتبار تصديق يكون منه ولا ضمان عليه في شيء مما دفعه إلى الأول لأنه بمجرد الإقرار للأول ما أتلف على الثاني شيئا والدفع كان بقضاء القاضي فلا يكون موجبا للضمان عليه ولكن يجعل ذلك القدر في حكم التاوي فكان جميع المال مقدار ما بقي في يده فيقاسمه المقر له الآخر على حساب نصيبهما وبيانه لو أن رجلا مات وترك ابنين ثم أقر أحدهما بأخ فإنه يعطيه نصف ما بقي في يديه أيضا بخلاف ما لو أقر أحد الابنين بأخوين معا أو بواحد بعد واحد(30/127)
ص -61- ... بكلام متصل فإنهما يأخذان ثلثي ما في يده لأنه إذا أقربهما فقد زعم أن حق كل واحد منهما مثل حقه وكذلك أن أقر أحدهما بعد الآخر في كلام موصول لأن في آخر كلامه ما يغير حكم أوله فيتوقف أوله على آخره فأما إذا فصل بين الكلامين فقد استحق الأول نصف ما في يده بتقدم الإقرار له فلا يكون إقراره بعد ذلك حجة على الأول في إدخال شيء من النقصان عليه فإن أقر بهما معا فأعطاهما ثلثي ما في يديه بقضاء ثم أقر بأخ أعطاه نصف ما بقي في يديه لأن ما أخذه الأولان في حكم التاوى كما بينا ولو ترك ابنين وأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف ما في يديه بقضاء قاض ثم أقر بامرأة أعطاها عشر ما بقي في يده لأنه بزعم أن الميت ترك امرأة وثلاثة بنين فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل بن سبعة والأصل في جميع هذه المسائل أن المقر به أولا يجعل معتبرا في المقاسمة مع المقر به آخرا أو المقر به آخرا لا يعتبر في المقاسمة مع المقر به أولا لأنه حين أقر بالثاني فحق المقر به الأول ثابت بتقديم الإقرار له فيكون ذلك كالثابت بالبينة وحين أقر بالأول لم يكن حق المقر به الثاني ثابتا فلا يكون هو معتبرا في المقاسمة مع الأول.(30/128)
ولو ترك ابنة وعصبة فأقرت الابنة بامرأة فإنها تعطيها خمس ما في يدها لأنها زعمت أن الفريضة من ثمانية لها سهم وللابنة أربعة فكل واحد منهما يضرب فيما في يد الابنة بحقها فلهذا أخذت خمس ما في يدها فإن أعطتها ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من تسعة أسهم مما بقى في يدها لأنها زعمت أن للميت امرأتين وإن القسمة من ستة عشر للمرأتين سهمان لكل واحدة سهم ولها ثمانية فتعطيها سهما من تسعة فإن أعطت ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من ثلاثة عشر سهما مما بقي في يدها لأنها زعمت أن للميت ثلاث نسوة وإن القسمة من أربعة وعشرين للنسوة ثلاثة لكل واحدة سهم ولها اثنا عشر فتعطيها سهما من ثلاثة عشر بهذا الطريق فإن أعطتها ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من سبعة عشر سهما مما بقى في يدها لأنها زعمت أن للميت أربع نسوة وأن القسمة من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولها النصف ستة عشر فهي تضرب فيما بقي في يدها بستة عشر والمرأة بسهم فلهذا أعطتها سهما من سبعة عشر.
ولو ترك أخا فأقر الأخ بابنة للميت أعطاها نصف ما في يده لأنه زعم أن الميت خلف ابنة وأخا فيكون المال بينهما نصفين فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة أخرى أعطاها نصف ما في يده أيضا لأنه يزعم أن الميت خلف ابنتين وأخا فيكون للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فحق الثانية بزعمه مثل حقه فلهذا يعطيها نصف ما في يده فإن أعطاها مثل ذلك ثم أقر بابنة أخرى أعطاها خمسي ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاث بنات وأخا فتكون القسمة من تسعة للبنات الثلثان ستة بينهن لكل واحدة سهمان والباقي وهو ثلاثة للأخ فيضرب الأخ فيما بقي في يده بثلاثة وهي بسهمين فلهذا يعطيها خمسي ما في يده فإن أعطى ذلك بقضاء ثم أقر بابنة(30/129)
ص -62- ... أخرى أعطاها ثلث ما في يده لأن للميت بزعمه أربع بنات وأخا فللبنات الثلثان أربعة من ستة لكل واحدة سهم والباقي للأخ فهو يضرب في الباقي بسهم والأخ بسهمين فلهذا يعطيها ثلث ما في يده.
ولو أقر الأخ أولا بابنة وأعطاها نصف ما في يده بقضاء ثم أقر بابنة بن فإنه يعطيها ثلث ما في يده لأن للميت بزعمه ابنة وابنة بن وأخا فللابنة النصف ثلاثة ولابنة الابن سهم والباقي وهو سهمان للأخ فبهذا الطريق بعطيها ثلث ما بقي فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة بن أسفل منها فلا شيء لها لأنه ما أقر لها بشيء من المال فإن مع الابنة وبن الابن لا ترث ابنة بن الابن شيئا والثابت بإقراره لا يكون أقوى من الثابت بالبينة.(30/130)
ولو أقر الأخ أولا بابنة بن ابن فأعطاها نصف ما في يده بقضاء ثم أقر بابنة بن أعطاها ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه يزعم أن الميت ترك ابنة ابن وابنة ابن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة ولابنة بن الابن السدس والباقي وهو سهمان للأخ فتضرب هي في فيما بقي يدها بثلاثة وهو بسهمين فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة للميت أعطاها أيضا ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه زعم أن لها النصف ثلاثة ولابنة الابن السدس والباقي للأخ فبهذا الطريق يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده ولو لم يقر من ذلك بشيء ولكنه أقر بابن ابن فإنه يعطيه جميع ما في يده لأن الميت بزعمه ترك بن ابن وأخا فالمال كله لابن الابن وزعمه معتبر فيما في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء القاضي ثم أقر بابن للميت فلا ضمان على الأخ لأنه دفعه بقضاء القاضي ولا يدخل الابن مع ابن الابن فيما في يده لأن إقرار الأخ ليس حجة عليه ولو أقر الأخ بامرأة للميت فدفع إليها ربع ما في يده بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أخذت سبع ما في يده لأن الميت بزعمه خلف امرأتين وأخا فتكون القسمة من ثمانية لكل امرأة سهم وللأخ ستة فلهذا يعطيها سبع ما في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها عشر ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاث نسوة والقسمة من اثنى عشر لكل واحدة سهم وللأخ تسعة فإن أعطاها العشر بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى فإنها تأخذ منه سهما من ثلاثة عشر مما بقى في يده لأن للميت بزعمه أربع نسوة والقسمة من ستة عشر للنسوة الربع أربعة لكل واحدة سهم والباقي وهو اثنا عشر للأخ.(30/131)
ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأة للميت وأعطاها تسعى ما في يده بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى فإنه يعطيها ثمن ما بقى في يده لأن للميت بزعمه ابنين وامرأتين فتكون القسمة من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل بن سبعة فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها سهمين من ثلاثة وعشرين سهما مما بقى في يده لأنه يزعم أن للميت ابنين وثلاث نسوة فيكون أصل الفريضة من ثمانية للنسوة سهم بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب ثلاثة في اثنين فيكون ستة ثم يضرب ثمانية في ستة فيكون ثمانية وأربعين للنسوة ستة بينهن لكل واحدة سهمان ولكل بن أحد وعشرون فبهذا الطريق يعطيها(30/132)
ص -63- ... مما بقي في يده سهمين من ثلاثة وعشرين فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها جزأ من خمسة عشر جزأ مما في يده لأن للميت بزعمه أربع نسوة والثمن بينهن أرباعا لا يستقيم والباقي وهو تسعة بين الابنين لا يستقيم إلا أن أربعة تجزي عن سهمين فيضرب ثمانية في أربعة فيكون اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولكل بن أربعة عشر فبهذا الطريق يعطيها مما بقى في يده جزأ من خمسة عشر جزأ وإذا دفع إلى المقر به الأول بغير قضاء قاض ثم أقر بوارث آخر ضمن له جميع نصيبه من الأصل من حصته دون حصة الباقين من الورثة لأن فيما أخذه سائر الورثة لم يوجد منه صنع يوجب الضمان وفيما دفعه إلى المقر به بغير قضاء القاضي قد وجد منه الصنع الموجب للضمان وهو الدفع باختياره وهو بإقراره الثاني زعم أنه استهلك ذلك بالدفع إلى الأول باختياره فيجعل محسوبا عليه في حق الثاني ويكون بمنزلة القائم في يده وبيانه لو ترك ابنا فاقر بابن آخر فأعطاه نصف ما في يديه بغير قضاء ثم أقر بآخر فإنه يعطيه ثلثي ما بقي في يده لأنه زعم أن حق الثاني في ثلث جميع التركة والباقي في يده نصف التركة فيعطيه ثلثي ذلك النصف وهو جميع نصيبه بزعمه فإن أعطاه بغير قضاء ثم أقر بابن آخر فإنه يعطيه ربع جميع المال لأن في زعمه أن للميت أربع بنين والباقي في يده سدس المال فيعطيه ذلك ويغرم له نصف السدس من مال نفسه فإن دفع إليه بغير قضاء ثم أقر بآخر فإنه يغرم له خمس جميع المال من مال نفسه باعتبار زعمه.(30/133)
ولو ترك ابنين فأقر أحدهما باخ وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بآخر أعطاه ثلث جميع ما كان في يده لأنه غير ضامن شيئا مما أخذه الابن المعروف لأنه أخذه بنسب له معروف وهو ضامن في حق الثاني ما دفعه إلى الأول زيادة على حقه بزعمه لأنه دفعه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيغرم للآخر جميع نصيبه مما كان في يده بزعمه وهو ثلث ما في يده فإن أعطاه ذلك بغير قضاء ثم أقر باخ آخر فإنه يعطيه ربع جميع ما كان في يده وهو ثمن جميع المال لما بينا أن ما دفع إلى الأول والثاني بغير قضاء زيادة على حقهما يجعل كالقائم في يده.
ولو ترك أخا فأقر باخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يعطيه جميع ما بقي في يده ويغرم له أيضا جميع ما أعطى الأخ لأنه زعم أن جميع المال للابن وأنه مستهلك بعض المال بدفعه إلى الأخ باختياره.
ولو ترك عما فأقر العم بأخ للميت وأعطاه المال بغير قضاء ثم أقر بابن للميت غرم له مثل جميع المال لأنه زعم أنه أعطى للأول ما ليس له فإن أعطاه ذلك بغير قضاء ثم أقر بابن بن لم يغرم له شيئا لأنه بعد الإقرار بالابن لا يكون هو مقرى بشيء من المال لابن الابن بمنزلة ما لو كانا معروفين ولو ترك أخا فاقر الأخ بابن بن وأعطاه جميع ما في يده بغير قضاء ثم أقر بابن وغرم له مثل جميع المال ودفع ذلك بغير قضاء ثم أقر بابن آخر فإنه يغرم للابن الثاني مثل نصف جميع المال فإنه مستهلك عليه نصف المال بالدفع إلى الابن الأول باختياره، فإن دفع(30/134)
ص -64- ... ذلك بغير قضاء ثم أقر بامرأة للميت فإنه يغرم مثل ثمن جميع المال باعتبار زعمه في حقه فإن أعطاها بغير قضاء ثم أقر بأم للميت فإنه يعطيها مثل سدس جميع المال باعتبار إقراره أن ذلك حقها وإنه دفعه إلى غيرها باختياره.
ولو ترك أخا فأقر الأخ بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بأخ آخر وأعطاه ثلث جميع المال بقضاء ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه سدس المال وثلث سدس المال لأن ما دفع إلى الثاني بقضاء القاضي وهو ثلث المال لا يكون ذلك مضمونا عليه فيجعل ذلك كالتاوى يبقى ثلثا المال وفي زعمه أن ذلك بينه وبين الأول والثاني أثلاثا وأنه دفع إلى الأول زيادة على حقه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيعطي الثالث كمال حقه وذلك سدس وثلث سدس وفي يده سدس فيعطيه ذلك ويغرم له ثلث سدس ذلك من ماله فإن أعطاه ذلك بقضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يغرم له نصف المال الذي دفع إلى الأول بغير قضاء قاض لأنه دفع ذلك باختياره وزعم أنه دفع إلى من ليس له ولا يغرم النصف الآخر لأنه دفعه إلى الثاني والثالث بقضاء القاضي.
وإذا أقر بعض الورثة بوارثين فصدقه واحد من الورثة في أحدهما فإن أبا يوسف رحمه الله قال ينظر في نصيب الذي اجتمعا عليه من حصة المقر بهما لو كان أقربهما فيعطى ذلك مما في يد المقر بهما فيضمه إلى ما في يد الذي صدق به ويقتسمانه على قدر نصيبهما في الأصل ويقسم الباقي في يد المقر بهما بينه وبين الآخر على حساب نصيبهما في الأصل لو كانا معروفين وزعم أن هذا الأصل هو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن حق المقر بهما يجعل كان الآخر صدقه فيهما وفي حق المجحود يجعل كأن الآخر كذبه فيهما.(30/135)
وبيان هذا الأصل من المسائل أن رجلا مات وترك فأقر أحدهما بأخوين معا وصدقه الآخر في أحدهما فإن المتفق عليه يأخذ من المقر بهما ربع ما في يدهما لأن الآخر لو صدقه فيهما لكان يأخذ منه ربع ما في يده فإن زعم أن حق كل واحد منهما في ربع التركة وفي يده جزء من التركة فإذا أخذ منه ذلك ضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقى في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفين باعتبار زعمهما وأما عند محمد فالمتفق عليه يأخذ من المقر بهما خمس ما في يدهما لأنه يقول أنا قد أقررت بأن حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم إلا أن أخي حين صدق بك فقد يحمل عني نصف مؤونته فإنما بقى حقك فيما في يدي في نصف سهم وحق المجحود في سهم فيضعفه للكسر بالانصاف فلهذا يأخذ منه خمس ما في يده ثم التخريج بعد ذلك كما قاله أبو يوسف وقد قدم هذه المسألة في كتاب الإقرار وأعادها ليبني عليها أخواتها فقال لو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه الآخر في الأخت وكذبه في الأخ فإن الأخت تأخذ من المقر بهما سبع ما في يده في قول أبي يوسف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة وأن القسمة من سبعة للأخت السبع من التركة فيعطيها سبع ما في يده فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه(30/136)
ص -65- ... ذلك بغير قضاء ثم أقر بامرأة للميت فإنه يغرم مثل ثمن جميع المال باعتبار زعمه في حقه فإن أعطاها بغير قضاء ثم أقر بأم للميت فإنه يعطيها مثل سدس جميع المال باعتبار إقراره أن ذلك حقها وإنه دفعه إلى غيرها باختياره.
ولو ترك أخا فأقر الأخ بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بأخ آخر وأعطاه ثلث جميع المال بقضاء ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه سدس المال وثلث سدس المال لأن ما دفع إلى الثاني بقضاء القاضي وهو ثلث المال لا يكون ذلك مضمونا عليه فيجعل ذلك كالتاوى يبقى ثلثا المال وفي زعمه أن ذلك بينه وبين الأول والثاني أثلاثا وأنه دفع إلى الأول زيادة على حقه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيعطي الثالث كمال حقه وذلك سدس وثلث سدس وفي يده سدس فيعطيه ذلك ويغرم له ثلث سدس ذلك من ماله فإن أعطاه ذلك بقضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يغرم له نصف المال الذي دفع إلى الأول بغير قضاء قاض لأنه دفع ذلك باختياره وزعم أنه دفع إلى من ليس له ولا يغرم النصف الآخر لأنه دفعه إلى الثاني والثالث بقضاء القاضي.
وإذا أقر بعض الورثة بوارثين فصدقه واحد من الورثة في أحدهما فإن أبا يوسف رحمه الله قال ينظر في نصيب الذي اجتمعا عليه من حصة المقر بهما لو كان أقربهما فيعطى ذلك مما في يد المقر بهما فيضمه إلى ما في يد الذي صدق به ويقتسمانه على قدر نصيبهما في الأصل ويقسم الباقي في يد المقر بهما بينه وبين الآخر على حساب نصيبهما في الأصل لو كانا معروفين وزعم أن هذا الأصل هو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن حق المقر بهما يجعل كان الآخر صدقه فيهما وفي حق المجحود يجعل كأن الآخر كذبه فيهما.(30/137)
وبيان هذا الأصل من المسائل أن رجلا مات وترك فأقر أحدهما بأخوين معا وصدقه الآخر في أحدهما فإن المتفق عليه يأخذ من المقر بهما ربع ما في يدهما لأن الآخر لو صدقه فيهما لكان يأخذ منه ربع ما في يده فإن زعم أن حق كل واحد منهما في ربع التركة وفي يده جزء من التركة فإذا أخذ منه ذلك ضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقى في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفين باعتبار زعمهما وأما عند محمد فالمتفق عليه يأخذ من المقر بهما خمس ما في يدهما لأنه يقول أنا قد أقررت بأن حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم إلا أن أخي حين صدق بك فقد يحمل عني نصف مؤونته فإنما بقى حقك فيما في يدي في نصف سهم وحق المجحود في سهم فيضعفه للكسر بالانصاف فلهذا يأخذ منه خمس ما في يده ثم التخريج بعد ذلك كما قاله أبو يوسف وقد قدم هذه المسألة في كتاب الإقرار وأعادها ليبني عليها أخواتها فقال لو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه الآخر في الأخت وكذبه في الأخ فإن الأخت تأخذ من المقر بهما سبع ما في يده في قول أبي يوسف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة وأن القسمة من سبعة للأخت السبع من التركة فيعطيها سبع ما في يده فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه(30/138)
ص -66- ... معا وصدقه أخوه في أحديهما فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهن جزأ من عشرين جزأ وخمس جزء وثلاثة أخماس جزء مما بقي في يده لأن الفريضة بزعمه من ثمانية وأربعين فإنه يزعم أن الميت خلف ابنين وثلاث نسوة فللنسوة الثمن بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب اثنان في ثلاثة فتكون ستة ثم ثمانيه في ستة فتكون ثمانية وأربعين للنسوة الثمن من ذلك ستة لكل واحدة سهمان ولكل بن أحد وعشرون إلا أنه دفع إلى الأولى تسعي ما في يده والذي في يده كان أربعة وعشرين وتسعاه خمسة وثلث سهمان من ذلك حقها بزعمه وثلاثه وثلث أعطاها زيادة على حقها وما أعطاها زيادة من حق الآخرتين لا يكون مضمونا عليه لأنه دفع ذلك بقضاء القاضي ولكنه ما أعطاها من حقه يكون محسوبا من نصبيه فإذا تأملت ذلك كان ما أعطى من نصيبه سهما وثلاثة أخماس سهم وخمسي خمس سهم وقد كان نصيبه أحدا وعشرين إذا انتقص منه هذا القدر من حقه بقي تسعة عشر سهما وخمس وثلاثة أخماس خمس وحق المتفق عليها سهمان ولكن أحدهما في يد الابن الآخر وهو مصدق بها فإنما تضرب هي بسهم فيما بقي في يد المقر وهو مقدار حقه فتكون الجملة عشرين سهما وخمس سهم وثلاثة أخماس خمس سهم فلهذا أخذت سهما من ذلك قال الحاكم رحمه الله وهذا الجواب غير سديد على الأصل المذكور في هذا الباب لأنه حذف في هذه القسمة نصيب امرأتين وكان صوابه أن يحذف نصيب المرأة التي أخذت نصيبها بقضاء القاضي ويقسم ما بقي في يده على نصيبه ونصيب المرأتين الباقيتين فيعطى المجمع عليها سهما من اثنين وعشرين سهما وأربعة أخماس خمس سهم وقد فحصت في أصل التخريج والأصل جميعا ولم يتضح لي ذلك بالتأمل وعسى يتضح إذا تيسر وصولي إلى كتبي أو أصب وقت فراغ خاطري فإذا أخذت ذلك من المقر بهن فضممته إلى ما في يد الذي صدقه بها فاقتسماه على تسعة أسهم لأن بزعمه أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن القسمة من ستة عشر للمرأة(30/139)
سهم ولكل بن سبعة فيقسم ما في أيديهما بينهما على تسعة باعتبار زعمهما ويقاسم المقر بهن المرأة المجحودة ما بقي في يده على ثلاثة وعشرين سهما لأن باعتبار زعمهما أن القسمة من ثمانية وأربعين وأن لها سهمان وله أحد وعشرون سهما فيقسم ما بقي في يده على اعتبار زعمهما على ثلاثة وعشرين لها سهمان وله أحد وعشرون سهما وفي هذا أيضا بعض شبهة باعتبار ما ذكرنا أن ما دفع إلى الأول من نصيبه محسوب عليه حتى ينتقص ذلك القدر من نصيبه ولم يعتبر ذلك بالقسمة مع المجحودة ولو ترك أخوين فأقر أحدهما بابنتين للميت وصدقه أخوه في أحديهما فإن المتفق عليها منهما تأخذ من المقر بها ثلث ما في يده لأن بزعمه أن الميت خلف ابنتين وأخوين فللابنتين الثلثان والباقي بين الأخوين نصفين فإما أن يقول هو قد أقر لهذه بثلث التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيها نصف ذلك أو يقول قد أقر أن حقه مثل نصف حقها لأنه يقول حقها ثلث التركة ويبقى نصف الثلث فلهذا أخذت ثلث ما في يده ثم ضم ذلك إلى ما في يد الآخر واقتسماه أثلاثا لأن الآخر يزعم أن الميت خلف بنتا(30/140)
ص -67- ... وأخوين فلها النصف والباقي بين الأخوين نصفين لكل واحد منهما الربع فحقه مثل نصف حقها فلهذا اقتسما ما وصل إليهما أثلاثا لها سهمان وله سهم وتقاسم الأخرى المقر بهما ما بقي في يده أثلاثا لأنه زعم أن لها الثلث وله السدس فيقسم ما بقي بينهما على هذا لها سهمان وله سهم ولو كان أقر بثلاث بنات وصدقه أخوه في واحدة منهن فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهن تسعي ما في يده لأن بزعمه أن الميت خلف ثلاث بنات وأخوين فيكون للبنات الثلثان بينهن أثلاثا والباقي بين الأخوين نصفين فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثاه أثلاثا وثلثه نصفين وأقل ذلك ثمانية عشر للبنات اثنا عشر لكل واحدة منهن أربعة فهو إنما أقر للمتفق عليها بأربعة من ثمانية عشر وذلك تسعا التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيها تسعي ما في يده لهذا فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه أثلاثا لأن بزعمه أن لها نصف التركه وله الربع ثم يقاسم المقر بهن الباقيتين ما بقى في يده على أحد عشر سهما لها ثمانية وله ثلاثة لأن بزعمه القسمة من ثمانية عشر ولكل واحدة منهما أربعة وله ثلاثة فيقسم ما في يده بينهم على أحد عشر سهما لهذا قال في الأصل وهذا كله إذا كان قد دفع إلى الأول شيئا أو لم يدفع حتى اختصموا ثم دفع بقضاء وكان ذلك إقرارا من الورثة ولم تكن شهادة لأنه إذا شهد شاهدان من الورثة لآخر أنه وارث ثبت نسبه وصار وارثا ودخل على القوم جميعا إذا لم يكونوا دفعوا شيئا حتى شهدوا لأنه لا تهمة في شهادتهم بل عليهم ضرر في ذلك وإن كانا قد دفعا من حصتهما نصيب الوارث ثم جاءا بشاهدين لا تقبل شهادتهما لتمكن الشبهة فيهما فأما في حق الواحد الإقرار والشهادة سواء لأن الحجة لا تتم بشهادة الواحد.(30/141)
ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين بامرأة أخرى وكذبه الأخ فيها والمرأة المعروفة فإنه يقاسمها ما في يده على ثمانية لأن القسمة بزعمه من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل بن سبعة فإن دفع ثمن ما في يده إليها بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بامرأة أخرى فصدقته المرأة المعروفة بذلك فإن المقر بها أخيرا تأخذ نصف ما في يد المرأة المعروفة ولا تدخل في نصيب الابن لأن ميراث النساء في يد المعروفة والابن إنما أقر أن حصتها في يد المعروفة وهي قد صدقته في ذلك فلهذا لا تأخذ مما بقي في يد الابن شيئا بخلاف الأولى فإن المعروفة هناك كذبت بها فلا يصل إليها نصيبها مما في يد المعروفة فلا بد أن تدخل مع المقر فيما في يده لأن ما في يده جزء من التركة وكان حقها في التركة.
وعلى هذا لو ترك ابنا وامرأة ثم أقر الابن بامرأة وصدقته المعروفة فإنها تأخذ نصف ما في يد المعروفة ولا سبيل لها على ما في يد الابن.
ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين بامرأتين معا وصدقته المعروفة في إحديهما وكذبته في الأخرى فإن المعروفة تقاسم التي أقرت بها ما في يدها نصفين لأن ميراث النساء في يدها وقد صدقت بهذه وزعمت أن حقهما سواء ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على ثلاثة وعشرين سهما لأن القسمة بزعمه من ثمانية وأربعين لكل امرأة سهمان ولكل بن أحد وعشرون(30/142)
ص -68- ... فهو يضرب في الباقي بأحد وعشرين وهي بسهمين فيكون بينهما على ثلاثة وعشرين سهما لها من ذلك سهمان وله أحد وعشرون.
ولو ترك ابنا وامرأة فأقرت المرأة بابن وصدقها الابن المعروف في ذلك فإن المقر به يقاسم المعروف ما في يده نصفين لأن ميراث البنين في يده والذي في يد المرأة ميراث النساء ولاحظ للبنين في ذلك وإن أقرت بابنين وصدقها المعروف في أحدهما فإن المتفق عليه لا يدخل في نصيب المرأة لما بينا والابن الآخر يقاسم المرأة ما في يدها على عشرة لأن القسمة بزعمها من أربعة وعشرين لها ثلاثة لكل ابن سبعة.(30/143)
ولو ترك ابنا وامرأة فأقر الابن بثلاث نسوة وصدقته المعروفة في امرأتين منهن كأن المعروفة تقاسم هاتين ما في يدها أثلاثا لأن ميراث النساء في يدها وقد أقرت بهاتين بالزوجية فإن حقهما مثل حقها ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على تسعة وعشرين سهما لأن القسمة بزعمه من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة ولكل واحدة منهن سهم وللابن ثمانية وعشرون فهي تدخل معه فيما في يده فتضرب بسهم وهو بثمانية وعشرين فإن تصادق النسوة كلهن فيما بينهن فإنهن يدخلن مع المعروفة فيما في يدها فيقسم ذلك بينهن أرباعا لأن ميراث النساء في يدها وقد أقرت لهن بالزوجية ولو كانت المرأة هي التي أقرت بثلاثة بنين فصدقها الابن في أحدهم فالذي صدق الابن به يقاسمه ما في يده نصفين ويقسم ما في يد المرأة على ثمانية عشر لها أربعة ولكل ابن سبعة لأن القسمة بزعمها من اثنين وثلاثين فإن الميت خلف أربعة بنين وامرأة فيكون للمرأة الثمن أربعة ولكل بن سبعة فما في يدها يقسم بينها وبين الابنين المجحودين على مقدار حقهم ولو صدقها الابن فيهم جميعا دخلوا معه في نصيبه فيقتسمون ذلك أرباعا ولم يأخذوا من المرأة شيئا لأن نصيب الأولاد في يد الابن المعروف وقد صدقهم فهم بمنزلة أولاد معروفين للميت وأن أقر أحد الورثة بوارث ثم أنكره ثم أقر بآخر لم يصدق على الذي أقر به أولا في إبطال حقه لأن رجوعه عن إقراره بعد صحة الإقرار لا يصح فإن المقر لا يملك الرجوع بعد الإقرار ويكون الآخر على حقه فيما في يده على ما وصفنا أن لو لم يكن أنكر الأول وبيان هذا الأصل رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم أنكره ثم أقر بأخ فإن الأول يأخذ نصف ما في يده لأن بالكلام الأول أقر بأن حقهما في التركة على السواء فيضم ما في يده فيقتسمانه بينهما نصفين ثم يأخذ الآخر نصف ما في يده لأنه بالكلام الآخر أقر أن حقهما في التركة سواء فما بقي في يده يقسم بينهما نصفان.(30/144)
فإن قيل: لماذا لم يجعل إنكاره حجة عليه حتى يكون هو مستهلكا نصف ما في يده كما لو لم يكن أنكر حقه بعد الإقرار ويأخذ الآخر نصف ما في يده عند الإقرار للأول وهو جميع ما بقي في يده لأن ذلك يكون محسوبا عليه من نصيبه؟.
قلنا: لأنه بالإقرار ما صار مستهلكا شيئا وإنما يكون الاستهلاك بالدفع وهو يجبر على ذلك بالحكم فلا يكون ذلك محسوبا.(30/145)
ص -69- ... ولو ترك الميت أخاه فأقر بأن للميت ابنا ثم أنكره ثم قال لا بل فلان ابنه فإن الأول يأخذ جميع ما في يده ولا شيء للآخر لأنه صار مقرا للأول بجميع ما في يده ثم إنكاره رجوع فيكون باطلا ولا شيء للآخر لأنه دفع إلى الأول جميع ما في يده بقضاء القاضي فلا يصير ضامنا للآخر شيئا ولو كان الإقرار منه بعد الدفع بغير قضاء قاض كان ضامنا للثاني جميع ما دفع إلى الأول لأنه دفعه باختياره وحين أنكره فقد زعم أنه لم يكن له في التركة حق وإنما كانت التركة للباقي وقد استهلكها عليه بالدفع إلى غير المستحق باختياره.
رجل مات وترك دارا وابنا ثم مات الابن وترك ابنين فأقر أحدهما بابن للميت الأول أعطاه ثلثي ما في يده لأنه زعم أن الميت الأول خلف ابنين وإن نصف تركته للمقر به والنصف الآخر بينه وبين أخيه نصفين بالميراث من أبيهما فحقه مثل نصف حق المقر به بزعمه فلهذا يعطيه ثلثي ما في يده وإن كان الابن حين مات ترك ابنتين فأقرت إحداهما بابن للميت الأول أعطته أربعة أخماس ما في يدها لأنها زعمت أن للمقر به النصف بالميراث من أبيه وإن النصف الباقي قد صار أثلاثا بموت أبيها للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فإذا بزعمها لها سدس الدار وللمقر به أربعة أسداس فيقسم ما في يدها بينهما على ذلك أخماسا.(30/146)
ولو ترك ابنين من أم ولد له وترك دارا ثم مات أحدهما وترك ابنا وترك عبدا سوى نصيبه من الدار ثم أن عم الجارية أقر بأخ لأب فإنه يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار ولا يعطيه مما ورث من العبد شيئا أما لا يعطيه من العبد شيئا لأن حصته من العبد ميراث من أخيه وبزعمه أن أخاه مات عن ابنه وأخ لأب وأم وأخ لأب ولا شيء للأخ لأب مع الأخ لأب وأم وأما الدار فهي ميراث من ابنه وهو يزعم أن المقر به مساو له فيما ورث من أبيه فلهذا يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار قالوا وهذا غير صحيح لأن الواصل إليه في الحاصل ثلاثة أرباع الدار نصفه بالميراث من أبيه والربع بالميراث من أخيه وحق المقر به بزعمه في ثلث الدار فلا معنى لقوله يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار إلا أن يكون مراده نصف ما وصل إليه بالميراث من أبيه وهو محتمل أيضا لأن بعض ما وصل إليه بالميراث من أخيه وذلك سدس الدار فهو يزعم أن رد ذلك كان مستحقا على أخيه وأنه أخذه بذلك الطريق فيثبت حق المقر به في ذلك الجزء فلا وجه سوى أن يقال موضوع المسألة فيما إذا خلف أحد الابنين ابنتين فحينئذ العائد إلى الأخ ثلث النصف فيجتمع في يده ثلث الدار فيؤمر بتسليم نصف ذلك إلى المقر به لإقراره أن ثلث الدار له إرث عن أبيه.
ولو أقر بأخ لأب وأم قاسمه ما وصل إليه من الدار والعبد نصفين لأن بزعمه أن المقر به مساو له في التركتين جميعا فما وصل إليه من التركتين يكون بينهما نصفين.
ولو مات وترك ابنين ثم مات أحدهما وترك ابنة فأقر الثاني بإمرأة للميت وأنها أمهما وأنكرت الابنة ذلك فإنه يعطيها مما في يده تسعة عشر سهما من خمسة وسبعين لأن فريضة الأول بزعمه من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل بن سبعة ثم مات أحد الابنين وترك أما وابنة(30/147)
ص -70- ... وأخا فتكون هذه الفريضة من ستة ونصيبه من التركة الأولى سبعة وقسمة سبعة على ستة لا يستقيم فبضرب ستة عشر في ستة فيكون ستة وتسعين كان للأم من التركة الأولى سهمان ضربتهما في ستة فذلك اثنى عشر ولكل بن اثنان وأربعون ثم للأم من التركة الثانية السدس وهو سبعة فإذا ضممت سبعة إلى انثي عشر تكون تسعة عشر وللمقر من التركة الأولى اثنان وأربعون ومن التركة الثانية أربعة عشر فيكون ذلك ستة وخمسين فإذا جمعت بينهما كان خمسة وسبعين فلهذا يعطيها مما في يدها تسعة عشر سهما من خمسة وسبعين.
رجل مات وترك ابنين وألفي درهم فأخذ كل واحد منهما ألفا ثم مات أحدهما وترك مائة درهم والأخ وارثه وهما اخوان لأب وأم ثم أن الثاني أقر بأخ لأب فإنه يقاسمه هذه الألف ومائة درهم نصفين لأنه زعم أن حق الميت الثاني كان في ثلثي الألف وأن ما أخذه زيادة على حقه كان مستحق الرد عليه وإنما استوفى ذلك من تركته قضاء مما كان مستحقا عليه فيكون ذلك كله تركه للميت الأول وقد زعم أن هذا المقر به مساو له في تركته فلهذا قاسمه ما في يده نصفين.
وكذلك لو كان ترك أكثر من مائة درهم إلى ثلاثة آلاف فإن كان ترك أكثر من ثلاثة آلاف أخذ من ذلك ثلث الألف وأخذ من المقر ثلث الألف الذي كان في يده ولا حق له فيما بقي لأن المقر زعم أن حق المقربه في ثلث كل ألف وأن ذلك دين له على الميت الثاني فيأخذ ذلك القدر من تركته ثم ما بقي من ميراث الميت الثاني وقد ترك أخا لأب وأم وأخا لأب فيكون الميراث كله للأخ لأب وأم.(30/148)
ولو أن رجلا في يده ألف درهم ورثها عن أبيه وهو مجهول النسب فأقر بأخ له من أبيه فقال المقر به أقررت ان هذا الالف تركها أبى وانك تزعم انك ابنه ولست ابنه فادفعها إلى فالقول قول الذي في يده الالف وللمقر به نصفها لأنه كان مستحقا لما بيده وإنما أقر للمقر به بنصفها ولا يأخذ أكثر من ذلك إلا أن يقيم البينة على نسبه فحينئذ يأخذ الجميع لأنه أثبت سبب استحقاقه بالبينة وليس للآخر سبب مثله فلا يزاحمه وفي الأول سبب استحقاقه بإقرار ذي اليد وهو ما أقر له إلا بالنصف وصحة إقرار ذي اليد باعتبار كونه وارثا للميت.
قال: وكذلك كل وارث ما خلا الزوج والمرأة إذا أقر أحدهما بوارث من جهة القرابة وأنكره المقر له أخذ جميع ما في يده إلا أن يقيم البينة على الزوجية وقد بينا هذا الفرق وما في المسألة من اختلاف الروايات في كتاب العين والدين.
رجل مات وترك أخاه لأبيه وأخاه لأمه فاقتسما المال ثم ادعى رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه فقال الأخ من الأب أنت أخي لأبي وأمي وقال الأخ من الأم أنت أخي لأبي وأمي فإن المقر به يقاسم الأخ من الأب بما في يده نصفين لأنه أقر أنه أخو الميت لأب مساو له في التركة والمقر له صدقه في ذلك وادعى زيادة عليه فيقاسمه ما في يده نصفين وفي يده خمسة أسداس التركة فقد وصل إلى المقربه سدسان ونصف سدس ولا يدخل في نصيب الأخ من(30/149)
ص -71- ... الأم لأن الأخ من الأم يزعم أنه مثله أخ لأم وإن نصيبه من التركة السدس وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلهذا لا يزاحمه بشيء مما في يده.
ولو قال الأخ من الأم أنت أخي لأبي وأمي وأنكره الأخ من الأب فإنه يقاسم الأخ من الأم ما في يده نصفين لإقراره أنه مساو له في تركة الميت ولم يصل إليه شيء من التركة فيعطيه المقر نصف ما في يده.
ولو قال الأخ من الأم: أنت أخو الميت لأبيه وأمه كما قلت وقال الأخ لأب أنت أخي لأبي وأمي فإن المقر به يقاسم الأخ لأب ما في يده نصفين لما قلنا ثم يضم ذلك النصف إلى ما في يد الأخ من الأم فيقتسمان ذلك على ستة للأخ من الأم سهم وللمقر به خمسة لأن في زعم الأخ من الأم أن الميت خلف ثلاثة إخوة متفرقين فيكون للأخ لأم السدس والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخ لأب فإنما أخذ هو ما أخذ ظلما فيجعل ذلك كالتاوى وإنما حاصل التركة ما في أيديهما فيقسم بينهما أسداسا باعتبار زعمهما ولو كان صدقه الأخ من الأب فإنه يأخذ جميع ما في يد الأخ لأب لأن المستحق بالعصوبة ما في يده وقد أقر أنه مقدم عليه في الاستحقاق بالعصوبة ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم سواء أقر له بذلك أو أنكره لأن ما أدعى من الإخوة لو كان ظاهرا كان السدس سالما بالفرضية للأخ لأم وليس في يده أكثر من ذلك.
ولو قال الأخ لأم: أنت أخو الميت لأبيه وكذبه الأخ لأب فإنه يقسم ما في يد الأخ لأم على سبعة لأن بزعمه أن الميت خلف أخا لأم وأخوين لأب فتكون القسمة من اثني عشر للأخ لأم سهمان وللأخ من الأب خمسة فيضرب المقر به فيما في يده بخمسة والمقر بسهمين فيكون ذلك بينهما أسباعا.(30/150)
ولو ادعى رجلان أنهما أخو الميت لأبيه وأمه فقال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وكذب الآخر وقال الأخ لأم للآخر أنت أخي لأبي وأمي وكذب المقر بهما فيما بينهما فالذي أقر به الأخ لأب يأخذ منه نصف ما في يده لإقراره أنه مساو له في التركة والذي أقر به الأخ لأم يأخذ أيضا منه نصف ما في يده لإقراره أنه مساويه في التركة ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء لأن كل واحد منهما مكذب لصاحبه إلى أن يتصادق المقر بهما فحينئذ يقتسمان ما أخذ بينهما نصفين باعتبار تصادقهما.
ولو قال الآخ لأب لأحدهما: أنت أخ الميت لابنه وأمه كما قلت وكذب الآخر وقال الأخ لأم للآخر أنت أخ الميت لأبيه كما قلت وكذب بالذي أقر به الأخ لأب وكذب المقر بهما فيما بينهما فإن الذي أقر به الأخ من الأب يأخذ منه جميع ما في يده لإقراره أنه مقدم عليه فيما هو مستحق بالعصوبة ويقاسم الذي أقر به الأخ من الأم ما في يد الأخ من الأم على ستة لإقراره أن له خمسة أسداس التركة وللمقر السدس وفي يده جزء من التركة فيقاسمه ما في يده أسداسا وأن تصادق المقر بهما بعضهما ببعض أخذ الذي أقر به الأخ لأب منه جميع ما في(30/151)
ص -72- ... يده وقاسم ذلك الآخر نصفين ولا يرجع في نصيب الأخ لأم بشيء لأنه قد استوفى جميع حصته من الميراث بزعمه.
ألا ترى أنها لو قامت بينة بذلك أخذا جميعا ما في يد الأخ لأب ولو لم يكن لهما سبيل على ما في يد الأخ لأم ولو قال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وقال الآخر أنت أخي لأم وخرج الكلام منهما معا وصدقه الأخ لأم في الذي أقر أنه أخ لأم فالذي أقر به الأخ من الأم يأخذ من الأخ لأب السدس من جميع المال لأنه يزعم أن الميت خلف أخوين لأم وأخوين لأب فيكون للأخوين لأم الثلث لكل واحد منهما السدس وقد أخذ المعروف منهما السدس فيأخذ هذا المقر به سدسا آخر ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم بشيء ثم ما بقي في يد الأخ لأب يقسم بينه وبين الآخر الذي أقر له بالإخوة لأب نصفين.
ولو كان الأخ لأب أقر بأخ من أبيه فدفع إليه نصف ما في يده بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بأخ لأم وصدقه فيه الأخ لأم فإن كان دفع النصف إلى الأول بقضاء قاض فإن المقر به الآخر يأخذ ثلث ما بقي في يده لأنه يزعم أن لهذا المقر به سدس التركة وأن له ثلث التركة وللمقر به الأول الثلث وقد دفع إلى الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي فلا يكون ضامنا لذلك ولكن يقسم ما بقي في يده بينه وبين المقر به على مقدار حقهما فإذا أخذ ثلث ما في يده ضمه إلى ما في يد الأخ لأم فيقتسمان ذلك نصفين لأن تصادقهما أن حقهما في التركة سواء وإن كان دفع إلى الأول بغير قضاء أخذ منه خمس ما في يده وهو سدس جميع المال ولا يدخل في نصيب الأخ لأم لأن الأخ لأب قد أقر له بسدس كامل وما دفعه إلى الأول بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل ذلك كالقائم في يده فلهذا يعطيه كمال نصيبه بزعمه.(30/152)
وأن ترك الرجل أخا لأم وأختا لأب وعما فاقتسموا التركة وأخذت الأخت لأب النصف والأخت لأم السدس والعم ما بقي فادعت امرأة أنها أخت الميت لأب وأم فقالت الأخت من الأم أنت أختي لأبي وأمي وقالت الأخت لأب أنت أختي لأبي وأمي وكذبهما العم فالمقر بها تأخذ نصف ما في يد الأخت لأب ولا يدخل في نصيب الأخت لأم لأن الأخت لأب أقرت أنها تساويها في تركة الميت فتأخذ نصف ما في يدها والأخت لأم زعمت أن نصيبها سدس التركة وقد وصل إليها الربع فكيف يدخل في نصيبها سدس التركة ولو كذبتها الأخت من الأب مع العم قسم ما في يد الأخت من الأم بينهما نصفان لإقرارها أنها تساويها في سبب الاستحقاق ولم يصل إليها شيء من التركة.
ولو قالت الأخت من الأم أنت أخت الميت لأبيه وأمه وكذبت الآخرتان بها قسم ما في يد الأخت لأم على أربعة لأنها تزعم أن لها النصف من التركة ثلاثة من ستة فتضرب هي فيما في يد الأخت لأب بثلاثة والأخت لأم بسهم فإن صدقت الأخت من الأب بما قالت الأخت من الأم قسم ما في يد الأخت من الأب وما في يد الأخت من الأم على خمسة ثلاثة أسهم للمقر بها وسهم للأخت من الأب وسهم للأخت من الأم لأنهم تصادقوا فيما بينهم على أن.(30/153)
ص -73- ... نصيب كل واحدة منهن من التركة هذا المقدار ولو لم يقر بها واحدة منهما ولكن العم أقر بأخت للميت لأب وأم قسم ما في يد العم على أربعة لأن العم يزعم أن حقها في نصف التركة ثلاثة وحقه في سهم فإنما تضرب هي بثلاثة والعم بسهم.
ولو ترك أباه وأمه فأقرت الأم بأخوين للميت وكذبها الأب في ذلك فالفريضة من ستة للأم السدس وللأب الثلثان ويوقف السدس الباقي في يد الأم لأنها أقرت أن هذا السدس للأب دونها فإن الأخوين يحجبانها من الثلث إلى السدس والأب كذبها في هذا الإقرار وزعم أن الثلث لها فيبقى موقوفا في يدها إلى أن يصدقها الأب ولا شيء للأخوين لأنهما لو كانا معروفين ما استحقا شيئا مع الأب وكذلك أن صدقها الأب في أحدهما لم تأخذ السدس حتى يصدقها فيهما لأن الأخ الواحد لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس فإذا صدقها فيهما أخذ سدس الباقي لأنها أقرت له بذلك بسبب لا يحتمل الفسخ فلا يبطل بتكذيبه وتصديقه إياها في الانتهاء كتصديقه إياها في الابتداء.(30/154)
ولو ترك ابنته وأخاه لأبيه وأمه وامرأته فأقرت الابنة بامرأة للميت فإن صدقتها المعروفة في ذلك فالمقر بها تقاسم المعروفة ما في يدها نصفين ولا تدخل في نصيب الابنة لأن ميراث النساء في يد المعروفة وقد أقرت بها وأن كذبتها المعروفة قسم ما في يد الابنة على سبعة وعشرين سهما لأن بزعم الابنة أن الفريضة من ثمانية للمرأتين الثمن بينهما نصفين لا يستقيم فتكون القسمة من ستة عشر للابنة من ذلك ثمانية ولكل امرأة سهم فالابنة تضرب فيما في يدها بثمانية والمقر بها بسهم فتكون القسمة على تسعة وفي الكتاب خرجه من ثلاثة أمثاله فأعطى المقر بها ثلاثة من سبعة وعشرين ولا فرق بين سهم من تسعة وبين ثلاثة من سبعة وعشرين ولو كانت المرأة المعروفة هي التي أقرت بابنة للميت فصدقتها الابنة المعروفة جمع ما في يد الابنة وما في يد المرأة المعروفة فاقتسموا ذلك على تسعة عشر سهما لأنهما اتفقا على أن القسمة من أربعة وعشرين للابنتين الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة فيقسم ما في أيديهما على ما اتفقا عليه ولا يقال عند تصديق الابنة ينبغي أن لا تدخل المقر بها في نصيب المرأة كما في المسألة الأولى وهذا لأن جميع ميراث النساء هناك كان في يد المعروفة وهنا لم يحصل في يد الابنة المعروفة ميراث الابنتين لأن في يدها النصف وميراث الابنتين الثلثان ولو كذبتها الابنة المعروفة قسم ما في يد المرأة على أحد عشر سهما لأنها تضرب بثلاثة والمقر بها بثمانية كما أقرت لها به وأن صدقها الأخ جمع ما في يد الأخ وما في يد المرأة فيقتسمون ذلك على ستة عشر سهما لأن بزعمهما أن للمرأة ثلاثة وللمقر بهما ثمانية وللأخ خمسة فيقسم ما في يديهما على هذا باعتبار زعمهما فلو لم تقر المرأة بها ولكن الأخ أقر بها فإنه يقسم ما في يد الأخ على ثلاثة عشر سهما لأن بزعم الأخ لها ثمانية وله خمسة ولو ترك ابنا فأقر بأخ ودفع إليه نصف ما في يده ثم أن المقر به أقر بأخ وكذبه الابن(30/155)
المعروف في ذلك فإن المقر به يأخذ نصف ما في يد المقر به الأول لأنه صار أحق بما وصل إليه بإقرار(30/156)
ص -74- ... الابن المعروف وقد زعم أن المقر به الثاني مساو له في ذلك فإن دفع إليه بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر باخ له آخر وصدقه فيه الابن المعروف وكذب المقر بهما بعضهما بعضا فإن كان الأخ المقر دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء أخذ المقر به الآخر منه خمس ما بقي في يده لأنه لا ضمان عليه في شيء مما دفعه إلى الأول بقضاء القاضي يبقى ما في يده وهو يزعم أن حقه في سهم من أربعة ونصف ذلك في يده ونصفه في يد أخيه وهو مقر له بذلك والباقي وهو ثلاثة بين المقر بهما الأولين نصفين لكل واحد منهما سهم ونصف فانكسر بالانصاف فأضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ ثلثي ما بقي فإنما يضرب هو فيما في يده بسهم من أربعة والمقر بسهم ونصف فانكسر بالإنصاف فاضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ خمسى ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين لتصادقهما على أن حقهما في التركة سواء وأن كان دفع بغير قضاء أخذ منه المقر به الآخر ربع ما كان في يده لأنه أقر أن له الربع من كل جزء من التركة فإن الميت بزعمه خلف أربعة بنين وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه فيجعل كالقائم في يده فيدفع إلى المقر به الآخر جميع حقه وهو ربع ما كان في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين فإن تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ المقر به الآخر ثلث ما بقي في يد الابن المعروف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وأن حق هذا المقر به الآخر في ثلث التركة وفي يده جزء من التركة فيدفع ثلث ذلك فيضمه إلى ما في يد المقر به الأول فيقتسمونه أثلاثا لتصادقهم على أن حقهم في التركة سواء والله أعلم.
باب الإقرار بعد قسم الميراث(30/157)
قال رضي الله عنه: وإذا مات الرجل وترك ابنين وترك عبدين أو عبدا ودارا وأخذ كل واحد منهما أحدهما ثم أقر أحدهما بآخر وكذبه الآخر فإنه يعطيه ثلث ما في يده وربع قيمة ما صار لصاحبه لأن المقر يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وأن حق المقر به في ثلث التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيه ثلث ذلك وما أخذه أخوه كان في يدهما في الأصل نصفه في يد الآخر فلا يضمن المقر شيئا من ذلك للمقر به ونصفه كان في يده سلمه لأخيه فيغرم للمقر به حصته من ذلك وحصته نصف ذلك النصف ليستوي به في التركة بزعمه فلهذا يغرم له ربع قيمة ما صار لأخيه.
ولو أقر أحدهما بأخت وكذبه الآخر أعطاها خمس ما في يده وخمس قيمة ما صار لصاحبه لأن للميت بزعمه ابنين وابنة فحقها في خمس التركة فيعطيها خمس ما في يده لأن النصف الذي دفعه إلى أخيه لو كان في يده كان حقها في ثلث ذلك لأن حق المقر ضعف حق المقر به وإنما يغرم لها ثلث النصف وذلك سدس الكل.
ولو أقر بأخ وأخت وكذبه الآخر فيهما وتكاذب فيما بينهما فإنه يعطي الأخت سبع ما بقى يده وعشر قيمة ما صار لصاحبه لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وابنة فيكون نصيب الابنة(30/158)
ص -75- ... سهما من سبعة فيعطيها سبع ما في يده وعشر قيمة ما صار لصاحبه لأن النصف الذي دفعه لصاحبه من ذلك لو كان في يده كان يعطيها خمس ذلك النصف فإن ذلك النصف يقسم بين المقر والأخ المقر به والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون حقها في خمس ذلك وخمس النصف عشر الجميع ويعطي الأخ مثل ذلك لأن نصيب الأخ بزعمه سهمين من سبعة فيعطيه سبعي ما في يده وخمس قيمة ما صار لأخيه لأن حقه بزعمه في خمس نصف ذلك ولو كان أقر بأختين معا فإنه يعطي كل واحدة منهما سدس ما في يده لأن للميت بزعمه ابنين وابنتين فنصيب كل واحدة من الابنتين سدس التركة فيعطي لكل واحدة منهما سدس ما في يده وثمن قيمة ما صار لصاحبه لأن النصف الذي سلمه إلى صاحبه لو كان في يده كان يعطي كل واحدة منهما ربع ذلك فإن ذلك النصف بين المقر والمقر بهما للذكر مثل حظ الأنثيين فإنما يغرم لكل واحدة منهما ربع ما في يده، في الحكم وذلك النصف وربع النصف ثمن الكل.(30/159)
ولو أقر بأخوين معا فإنه يعطي لكل واحد منهما ربع ما في يده لأن النصف الذي كان في يده من ذلك لو لم يدفعه إلى صاحبه لكان يقسم ذلك بينهم أثلاثا لاستواء حقهم في التركة فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلث النصف وهو سدس الجميع ولو ترك ابنين وابنة وعبدين ودارا فاقتسموا فأخذت الابنة عبدا وأخذ أحد الابنين عبدا والآخر الدار فاقرت الابنة بأخ أعطته سبعى ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزأ مما صار لكل واحد من الأخوين لأن للميت بزعمها ثلاثة بنين وابنة فتكون القسمة بينهم على سبعة لكل بن سهمان فلهذا أعطته سبعى ما في يدها وقد كان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس باعتبار نصيبهم في التركة فذلك الخمس لو كان في يدها لكان بينها وبين المقر به أثلاثا وظهر ان حق المقر به في ثلثى خمس ما صار لكل واحد منهما وذلك جزآن من خمسة عشر جزأ فإن خمس خمسة عشر جزأ ثلاثة وثلثاه جزآن فلهذا تغرم للمقر به جزئين من خمسة عشر مما صار في يد كل واحد من الأخوين.
ولو كانت أقرت بأخت أعطتها سدس ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين لأن للميت بزعمها ابنين وابنتين فتكون القسمة من ستة لكل بن سهمان ولكل ابنة سهم فلهذا أعطتها ثلث ما في يدها وكان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس وكان ذلك بينها وبين الأخت المقر بها نصفين وخمس النصف عشر الجميع فلهذا تغرم لها عشر ما صار لكل واحد منهما.
ولو أقرت بأخ وأخت فإنها تعطي الأخ ربع ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد من الأخوين فكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أرباعا نصف ذلك للأخ والربع لكل أخت ونصف الخمس عشر الجميع فلهذا تغرم عشر قيمة ما صار للأخوين وتعطي الأخت مثل نصف ذلك لأن حقها مثل نصف الأخ ولو أقرت بأخوين معا أعطت كل واحد منهما تسعى ما في يدها لأن للميت بزعمها أربعة بنين وابنة(30/160)
ص -76- ... فتكون القسمة من تسعة لكل بن سهمان فلهذا تعطي كل واحد منهما تسعى ما في يدها وقيمة جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أخماسا فإنما تغرم لكل واحد منهما خمس الخمس فاحتجنا إلى حساب له خمس ولخمسه خمس وأقل ذلك خمسة وعشرون خمسه خمسة وخمسا خمسة سهمان فلهذا غرمت لكل واحد منهما جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين.(30/161)
ولو كانت أقرت بأختين أعطت كل واحدة منهما سبع ما في يدها لأن للميت بزعمها ثلاث بنات وابنين فتكون القسمة من سبعة فلهذا أعطت كل واحدة سبع ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزأ مما صار للأخوين لأن ما كان في يدها وهو الخمس مما صار للأخوين لو لم تدفعه إلى الأخوين لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا فحق كل واحدة منهما في ثلث ذلك الخمس وهو جزء من خمسة عشر من الكل ولو كان أحد الابنين أقر بأخ وأخت وكذبه الآخران فيهما فإنه يعطي للأخت ثمن ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وبنتين فتكون القسمة من ثمانية فلهذا أعطى الأخت ثمن ما في يده وقيمة جزء من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين فإنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما صار لكل واحد من الأخوين فلو كان ذلك في يده لكان يقسم بينه وبين المقر بهما أخماسا للأخت خمسا ذلك وخمسا خمسة وعشرين عشرة فخمس ذلك سهمان فلهذا يغرم للأخت قيمة جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين ويعطي الأخ مثل ذلك لأن حقه في التركة سواء ضعف حق الأخت ولو كان أقر بأخوين معا فإنه يعطي كل واحد منهما تسعى ما في يده لأن للميت بزعمه أربعة بنين وابنة فتكون القسمة من تسعة ونصيب كل بن سهمان فيعطي كل واحد منهما تسعى ما في يده لهذا ويغرم لكل واحد منهما جزئين من خمسة عشر جزأ مما صار للأخوين لأنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما في يد كل واحد من الأخوين ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهما أثلاثا فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلثي الخمس لأن ثلثي الخمس جزآن من خمسة عشر جزأ.(30/162)
ولو ترك ابنا وابنتين وعبدين وأمة فاقتسموا فأخذ الابن الأمة وكل ابنة عبدا ثم أقرت إحدى الابنتين بأختين أعطت كل واحدة منهما سدس ما في يدها لأن للميت بزعمها بن وأربع بنات فتكون القسمة من ستة لكل ابنة سهم فهذا تعطي كل واحدة منهما سدس ما في يدها وقيمة جزء من اثنى عشر جزأ مما صار للأختين لأنه كان في يدها باعتبار الأصل ربع ما في يد كل واحدة منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا بالسوية فإنما تغرم لكل واحدة منهما ثلث الربع وهو جزء من اثنى عشر لأن ربع اثنى عشر ثلاثة.
ولو كانت أقرت بأخوين وأخت معا أعطت الأخت تسع ما في يدها لأن للميت بزعمها ثلاثة بنين وثلاث بنات فتكون القسمة من تسعة ونصيب الأخت سهم فتعطيها تسع ما في يدها(30/163)
ص -77- ... وقيمة جزء من أربعة وعشرين جزأ مما صار للأخوين، لأنه كان في يدها ربع ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أسداسا للأخت سدس ذلك وسدس الربع جزء من أربعة وعشرين لأن ربع أربعة وعشرين ستة وسدسه جزء واحد وتعطي للأخ مثلي ذلك لأن نصيبه ضعف نصيبها.
ولو كان الابن أقر بثلاث أخوات متفرقات معا وكذبته الأختان في ذلك أعطي كل واحدة منهن سبع ما في يده لأن للميت بزعمه ابنا وخمس بنات فتكون القسمة من سبعة لكل ابنة سهم ويغرم لكل واحدة منهن قيمة جزئين من عشرين جزأ مما صار للأختين لأنه كان في يده باعتبار الأصل نصف ما صار لكل واحدة منهما فلو بقى ذلك في يده يكون مقسوما بينه وبين المقر بهن أخماسا فإنما يغرم لكل واحدة منهن خمس النصف وخمس النصف عشر الجميع فكان ينبغي أن يقول جزأ من عشرة أجزاء ولكنه بني هذا على ما تقدم من القسمة بالأرباع حين كانت المقرة بالابنة فجعل في يد الابن جزئين من أربعة فذكر أنه يغرم لكل واحدة منهن جزأين من عشرين لهذا.
ولو كان أقر بأخوين وأختين معا فأعطى كل أخ خمس ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاث بنين وأربع بنات فتكون القسمة من عشرة لكل بن سهمان وسهمان من عشرة الخمس فلهذا يعطي الأخ خمس ما في يده وثمن ما صار للأختين معا لأن ما في يده باعتبار الأصل نصف ذلك ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهم على ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فإنما يغرم للأخ ربع النصف مما صار لكل أخت وربع النصف ثمن الجميع فلهذا قال يغرم للأخ ثمن ما صار للأختين ثم يعطي كل أخت مثل نصف ذلك لأن نصيب الأخ مثل نصيب الأختين فيكون نصيب كل أخت مثل نصف نصيب الأخ وعلى هذا جميع هذا الوجه وقياسه والله أعلم بالصواب.(30/164)
ص -78- ... كتاب فرائض الخنثى
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله:
أعلم بأن الله تعالى خلق بني آدم ذكورا وإناثا كما قال الله تعالى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: 1] وقال تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] ثم بين حكم الذكور وحكم الإناث في كتابه ولم يبين حكم شخص هو ذكر وأنثى فعرفنا بذلك أنه لا يجمع الوصفان في شخص واحد وكيف يجتمعان وبينهما مغايرة على سبيل المضادة وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة إلى أن يتبين سائر العلامات بمضي الزمان ثم قد يقع الاشتباه عند الولادة من وجهين أحدهما بالمعارضة بأن يوجد في المولود الآلتان جميعا فيقع الاشتباه إلى أن تترجح أحداهما بخروج البول منه والوجه الثاني أن تنعدم آلة التمييز أصلا بأن لا يكون للمولود آلة الرجال ولا آلة النساء وهذا أبلغ جهات الاشتباه ولهذا بدأ الكتاب به ورواه عن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن مولود ولد وليس بذكر ولا أنثى وليس له ما للأنثى وليس له ما للذكر يخرج من سرته كهيئة البول الغليظ فسئل عن ميراثه فقال عمر رضي الله عنه له نصف حظ الأنثى ونصف حظ الذكر قال محمد رحمه الله وهذا عندنا والخنثى المشكل في أمره سواء والمراد إذا مات قبل أن يدرك فيتبين حاله بنبات اللحية أو بنبات الثديين.
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الخنثى المشكل في الميراث فقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبي يوسف الأول رحمه الله يجعل هو في الميراث بمنزلة الأنثى إلا أن يكون أسوأ حاله أن يجعل ذكرا فحينئذ يجعل ذكرا وفي الحاصل يكون له شر الحالين وأقل النصيبين وفي قول أبي يوسف الآخر له نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى وهو أقرب من قول الشعبي على ما نبينه.(30/165)
أما بيان الحالة التي تكون الذكورة فيه شرا له بأن تركت المرأة زوجا وأختا لأب وأم وشخصا لأب هو بهذه الصفة مشكل فإن جعل ذكرا لم يرث شيئا لأن نصف الميراث للزوج والنصف للأخت لأب وأم فلم يبق للأخ لأب شيء ولو جعل انثى كان للزوج النصف وللأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين فتعول بسهم والقسمة من سبعة فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يجعل ذكرا في هذه الحالة ولا شيء له وفي قول أبي يوسف الآخر له سهم من أربعة عشر نصف ميراثها أن لو كانت أنثى.
وكذلك لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وشخصا هو مشكل لأب وأم فإن جعل هذا(30/166)
ص -79- ... المشكل ذكرا فللزوج النصف وللأم السدس وللأخ لأم الثلث ولم يبق للأخ لأب وأم شيء وإن كانت أنثى فلها النصف ثلاثة لأنها أخت لأب وأم وتعول فريضة المسألة بثلاثة فعندهما يجعل ذكر ولا شيء له وفي قياس قول أبي يوسف الآخر لها ثلاثة من ثمانية عشر نصف ميراثها وأن لو كانت أنثى.
وبيان الحال الذي تكون الأنوثة فيه شرا لها ظاهر فإنه لو ترك ابنة وعصبته وولدا هو مشكل فإن كان هذا المشكل ذكرا فله الثلثان وإن كان أنثى فله الثلث فيجعل انثى في قول أبي حنيفة ومحمد وفي قول أبي يوسف الآخر نصف في كل حالة نصف الثلثين ونصف الثلث فيكون له في الحال نصف المال وللابنة الثلث والباقي وهو السدس للعصبة وجه قول أبي يوسف أن حاله متردد والأصل في المسائل اعتبار الأحوال عند التردد ويتوزع المستحق على الأحوال كما في الطلاق المبهم والعتاق المبهم إذا طلق إحدى نسائه الأربع قبل الدخول ثم مات يسقط نصف صداقها ويتوزع عليهن باعتبار الأحوال وكذلك الميراث بينهن باعتبار الأحوال فكذلك هنا يعتبر الأحوال بل أولى لأن الاشتباه هنا أكثر والحاجة إلى اعتبار الأحوال بمعنى الاشتباه.
ووجه قولهما هو أن اعتبار الأحوال ينبني على التيقن بالسبب وسبب استحقاق الميراث الفرضية والعصوبة ولا يتيقن بواحد من السببين بهذا المشكل وبدون التيقن بالسبب لا يعتبر الأحوال لكن لا يعطي إلا القدر الذي يتيقن بأنه مستحق له بخلاف الطلاق والعتاق فقد تيقنا بالسبب المسقط لنصف الصداق هناك وبالسبب الموجب لعتق رقبته وإنما وقع الشك في المستحق كذلك فبعد التيقن بالسبب يصار فيه إلى اعتبار الأحوال.(30/167)
ولو مات وترك ولدا خنثى وعصبة ثم مات الولد قبل أن يستبين أمره ومن الاستبانه البول فإن كان يبول من إحدى المبالين فالحكم لذلك وأن كان يبول منهما فمن أيهما أسبق فإن خرجا معا ففيه اختلاف يأتيك بيان هذا في كتاب الخنثى وإنما الكلام هنا في الميراث فعلى قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف أولا لا يعطي إلا ميراث جارية وذلك نصف المال والباقي للعصبة وفي قول أبي يوسف الآخر له ثلاثة أرباع المال أما لأنه يستحق الكل في حال والنصف في حال فيعطى نصف الكل ونصف النصف أو لأن النصف اثنان والنصف الآخر يثبت في حال دون حال فيتنصف فله ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة فإن كان للميت مع ذلك بن معروف فعلى قول أبي حنيفة ومحمد للذكر مثل حظ الأنثيين لأن أسوأ الحال للخنثى أن يكون أنثى وتكلموا فيما إذا كان الخنثى حيا بعد توهم أن يتبين أمره في الثاني أنه كيف يقسم المال بينهما فمنهم من يقول يدفع الثلث إلى الخنثى والنصف إلى الابن ويوقف السدس كما في الحمل والمفقود فإنه يوقف نصيبهما إلى أن يتبين حالهما وأكثرهم على أنه يدفع ذلك إلى الابن لأن سبب استحقاقه لجميع المال وهو البنوة معلوم فإنما ينتقص من حقه لمزاحمة الغير والخنثى ما زاحمه إلا في الثلث فما وراء ذلك يبقى مستحقا له.(30/168)
ص -80- ... يوضحه: أنا حكمنا بكون الخنثى أنثى حين أعطيناه الثلث مع الابن وبعد ما حكمنا بالأنوثة في حقه يعطى الذكر ضعف ما يعطى الأنثى وبه فارق الحمل والمفقود فإنا لم نحكم فيهما بشيء من موت أو حياة فلهذا يوقف نصيبهما.
وإذا دفع الثلثين إلى الابن هل يوجد منه الكفيل قال بعض مشايخنا رحمهم الله على الخلاف المعروف فإن القاضي إذا دفع المال إلى الوارث المعروف لم يأخذ منه كفيلا في قول أبي حنيفة وعندهما يحتاط في أخذ الكفيل منه وقيل بل هنا يحتاط في أخذ الكفيل عندهم جميعا لأنه إن تبين علامة الذكورة في الخنثى كان هو المستحق لما زاد على النصف مما أخذه الابن فيحتاط لحقه بأخذ الكفيل من الابن وإنما لم يجوز أبو حنيفة أخذ الكفيل للمجهول وهنا إنما يؤخذ الكفيل لمعلوم فهو طريق مستقيم يصون به القاضي قضاءه وينظر لمن هو عاجز عن النظر لنفسه وهو الخنثى فيأخذ من الابن كفيلا لذلك فإن تبين أن الخنثى ذكر استرد ذلك من أخيه وإن تبين أنه أنثى فالمقبوض سالم للابن.
وأما في قياس قول الشعبي فقد اختلف أبو يوسف ومحمد في القسمة بين الخنثى والابن المعروف قال أبو يوسف رحمه الله قياس قوله أن يكون المال بينهما على اثنى عشر سهما للابن المعروف سبعة وللخنثى خمسة.
أما بيان قول محمد فظاهر لأن الخنثى إن كان ذكرا فالمال بينهما نصفين فإن كان أنثى فالمال بينهما أثلاثا فيعطيه نصف كل حالة فاحتجنا إلى حساب ينقسم نصفه نصفين وثلثه نصفين وأقل ذلك اثنا عشر فإن كان الخنثى ذكرا فله الستة من اثني عشر وإن كان أنثى فله أربعة وأما أن تقول له نصف أربعة وهو سهمان ونصف ستة وهو ثلاثة وذلك خمسة وللابن نصف ثمانية وهو أربعة ونصف ستة وهو ثلاثة فيكون سبعة أو تقول الثلث متيقن به للخنثى وهو أربعة وما زاد على ذلك إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له خمسة والباقي وهو سبعة للابن فقد فسر محمد قول الشعبي بهذا ولم يأخذ به.(30/169)
وأما بيان قول أبي يوسف لقول الشعبي أن يقول الخنثى في حال بن وفي حال ابنة فالابنة في الميراث نصف الابن فيجعل له نصف كل حال فيكون ثلاثة أرباع بن فكأنه اجتمع بن وثلاثة أرباع بن فيجعل لكل ربع من الابن سهما فللابن الكامل أربعة أسهم ولثلاثة أرباع بن ثلاثة فذلك سبعة أو يقول أن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكأن الذكر بمنزلة الأنثيين وإحدى الأنثيين في حق الخنثى معلوم والأنثى الآخرى ثابتة في حال دون حال فينتصف فيكون الخنثى بمنزلة أنثى ونصف.
ولو تصور اجتماع ابنة ونصف مع ابنة فإنه يكون المال على سبعة أسهم للابن أربعة وللابنة ونصف ثلاثة فها هنا أيضا يقسم المال بينهما على سبعة أسهم للابن أربعة وللابنة ونصف ثلاثة وأشار في الأصل إلى رجوع أبي يوسف إلى التفسير الذي ذكره محمد رحمه الله لقول الشعبي قالوا: وهذا غلط والصحيح أن الرجوع إلى التفسير الذي ذكره أبو يوسف فإنه رجع إلى قول(30/170)
ص -81- ... الشعبي رحمه الله ثم فسر قوله بما ذكرنا عنه قال ولو كان مع الخنثى ابنة معروفة فللابنة ثلث المال وللخنثى نصف المال والباقي يكون للعصبة في قياس قول الشعبي لأن الخنثى إن كان ذكرا فله ثلث المال وإن كان أنثى فلها الثلث فيعطي نصف كل حالة فيكون له نصف المال والباقي للعصبة لأنه في حال يستحق ثلث المال وهو أن يكون الخنثى أنثى وفي حال لا شيء له فيكون له نصف الثلث وهو السدس فإن لم يكن للميت عصبة رد الفضل عليها على قدر ما أخذ معناه يجعل المال في الحاصل بينهما على خمسة سهمان للابنة المعروفة وثلاثة للخنثى لأنه ليس أحدهما بالرد عليه بأولى من الآخر فيكون المردود بينهما على مقدار أصل حقهما قال فإن كان مع الخنثى أب للميت فللخنثى ثلث المال وللأب ثلثه في قياس قول الشعبي لأن الخنثى إن كان ذكرا فللأب السدس والباقي للابن فله في هذه الحالة خمسة وإن كان أنثى فلها النصف والباقي كله للأب بالفرضية والعصوبة فأما أن يقول للخنثى نصف كل حالة ونصف ثلاثة سهم ونصف ونصف خمسة سهمان ونصف فذلك أربعة وهو ثلثا المال أو يقول مقدار ثلثه للخنثى بيقين وما زاد إلى تمام خمسة يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له أربعة والسدس للأب بيقين وما زاد عليه إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون للأب سهمان وهو الثلث وللخنثى أربعة وذلك ثلثان وأن ترك ابنة خنثى وابنة بن خنثى وعصبة ففي قياس قول الشعبي الفريضة من ستة وثلاثين سهما للخنثى الأعلى خمسة وعشرون سهما وللاسفل سبعة أسهم وللعصبة أربعة أسهم فإن لم يكن له عصبة فثلاثة أرباع المال للأعلى وربعه لولد الابن لأنه ينظر إلى أقل ما يصيب كل واحد منهما وإلى أكثره فيأخذ نصف ذلك ولا ينظر إلى ما بين ذلك لأن في اعتبار الأقل والأكثر اعتبار ما بين ذلك فيقول النصف للعليا متيقن به ذكرا كان أو أنثى والسدس لا يدعيه العصبة لأن العصبة تقول هما ابنتان فلهما الثلثان والعليا(30/171)
والسفلى كل واحدة منهما تدعى ذلك فيكون ذلك بينهما نصفان ولا ينظر إلى تفاوت ما بينهما في جهة الدعوى فالأعلى يدعى ذلك من وجه واحد وهو نصف الذكورة لنفسه والأسفل من وجهين أما لأنه ذكر والعليا أنثى أو لأنهما ابنتان وهذا لأن المستحق من وجه يكون مستحقا من كل وجه فلا فرق بين أن يكون استحقاقه لهذا السدس من وجه أو من وجهين والثلث الباقي تدعيه العصبة إن كان الخنثيان أنثيين، وتدعيه ابنة الابن أن كانت هي ذكرا والعليا هي أنثى وتدعيه العليا إن كانت ذكرا فلا يفضل فيه البعض على البعض لأن المعتبر في حقهم الأكثر والأقل فيكون بينهم أثلاثا كان أصل الفريضة من ستة وقد انكسر السدس بالانصاف فصار اثنى عشر ثم انكسر الثلث بالإثلاث فاضرب اثنى عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين أخذت العليا مرة ثمانية عشر ومرة نصف السدس ثلاثة ومرة ثلث الثلث أربعة فذلك خمسة وعشرون وأخذت السفلى مرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك سبعة وإنما يسلم للعصبة أربعة أسهم وإن لم يكن له عصبة فالنصف وهو ستة من اثنى عشر للعليا ثلث والثلث بينهما نصفان لما بينا والثلث الباقي أن كانا ذكرين فهو للأعلى.(30/172)
ص -82- ... وكذلك إن كان الأعلى ذكرا فإن كانا أنثيين فللعليا ثلاثة أرباعه بالرد وإن كان الأسفل ذكرا والأعلى أنثى فالثلث للأسفل وقد بينا أنه يؤخذ بالأكثر والأقل فيكون هذا الثلث بين الأعلى والأسفل نصفين فقد أخذ الأعلى مرة ستة ومرة سهما ومرة سهمين فذلك تسعة من اثنى عشر وهو ثلاثة أرباع المال وأخذ الأسفل مرة سهما ومرة سهمين وذلك ربع المال.
ابنة أخ خنثي وابنة بن أخ خنثى وبن بن ابن أخ معروف فعلى قول أصحابنا رحمهم الله المال بينهم أثلاثا لأن العليا إن كان ذكرا فله الميراث كله وإن كانت أنثى فلا شيء لها والثانية إن كانت أنثى فلا شيء لها وإن كان ذكرا والعليا أنثى فالميراث له وإن كانتا أنثيين جميعا فالميراث للأسفل وإنما يؤخذ في هذا بأكثره وأقله فالذي يسقط من وجه ويرث من وجهين والذي يسقط من وجهين ويرث من وجه سواء في قياس مذهبه وإذا كان كل واحد منهم استحق جميع المال من وجه فقد استووا في الاستحقاق فالمال بينهم أثلاثا فإن لم يكن للميت وارث غير هذين الخنثيين فالمال كله للعليا في قولنا لأنهما ابنتان وابنة الأخ مقدمة في الميراث على ابنة بن الأخ.
وفي قياس قول الشعبي: المال بينهما نصفان لأن الذي يرث من وجوه والذي يرث من وجه واحد عنده سواء فالمال كله للأعلى إن كانا ذكرين أو كان هو ذكرا أو كانا أنثين وإن كانت العليا أنثى والآخر ذكرا فالمال كله له فلهذا جعل المال بينهما نصفين.(30/173)
فإن ترك ثلاث بنات أخ خناثى بعضهن أسفل من بعض وأسفل من السفلى بن أخ ففي قياس قول الشعبي المال بينهم أرباعا لكل واحد منهم الربع لأن العليا أن كان ذكرا ورث دونهم وإن كانت أنثى والثانية ذكرا ورث دونهم وإن كانت أنثى والثالثة ذكرا ورث دونهم وإن كن أناثا جميعا ورث بن الأخ الأسفل فكل واحد منهم يستحق جميع المال من وجه وذلك يكفي للمزاحمة فكان بينهم أرباعا فإن لم يكن أسفل منهن ذكر ولم يكن للميت عصبة فالمال بينهم أثلاثا لأن كل واحد منهم يرث جميع المال من وجه وإنما يوجد في هذا الأقل والأكثر فكان المال بينهم أثلاثا فإن ترك بنتا خنثى وأختا خنثى ومات قبل أن يستبين أمرهما فللابنة النصف والباقي للأخت في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول ومحمد رحمهم الله لأنها ابنة والأخت مع الابنة تكون عصبة وفي قياس قول الشعبي للابنة ثلاثة أرباع المال وللأخت الربع لأن النصف للابنة بلا شك والنصف الآخر استوت فيه منازعتهما والابنة أن كانت ذكرا كان هذا النصف له وإن كانت أنثى فهذا النصف للأخت ذكرا كان أو أنثى فجعل بينهما نصفان فيجعل للابنة ثلاثة أرباع المال وللأخت ربعه وإن ترك أختا خنثى وابنة أخ خنثى ففي قولنا للأخت النصف وللعصبة النصف لأن الخنثيين انثيان فللأخت النصف والباقي للعصبة ولا شيء لابنة الأخ وإن لم يكن للميت عصبة فالمال كله للأخت بالفرض والرد فإنه لا شيء لذوي الأرحام مع وجود ذي السهم وابنة الأخ من ذوي الأرحام.
وفي قول الشعبي: للأخت الثلثان ولابنة الأخ السدس وللعصبة السدس لأن الأخت لها(30/174)
ص -83- ... النصف بلا شك وهي تزاحم الأخرى في النصف الباقي فإنه إن كان ذكرا فله الباقي وإن كانت هي أنثى والأخ ذكر فالنصف الباقي له وإن كانتا انثيين فالنصف الباقي للعصبة فكان هذا النصف بينهما أثلاثا وإن لم يكن للميت عصبة فللأخت ثلاثة أرباع المال ولابنة الأخ ربع المال لأن النصف للعليا بلا شك والنصف الآخر للعليا إن كانا ذكرين أو أنثيين وإن كانت العليا أنثى والسفلى ذكرا فالنصف الباقي له والذي يسقط من وجه واحد والذي يسقط من وجهين عنده سواء فيكون هذا النصف بينهما نصفين وكذلك لو ترك ابنة خنثى وابنة أخ خنثى ولا عصبة له فالجواب على ما وصفنا في الآخت على القولين جميعا فإن ترك ابنة خنثى وابنة بن خنثى وابنة بن ابن خنثى وعصبة فعلى قولنا الخناثى أناث فللعليا النصف وللوسطى السدس تكملة الثلثين والباقي للعصبة ولا شيء للسفلي وإن لم يكن للميت عصبة فالباقي يرد على العليا والوسطى أرباعا على قدر مواريثهما.(30/175)
وفي قول الشعبي: للعليا ثمانية أسهم من اثنى عشر وللوسطى سهمان وللسفلى سهم وللعصبة سهم لأن النصف للعليا بلا شك والسدس بينهما وبين الوسطى نصفين لأن العليا إن كان ذكرا فهذا السدس له وإن كانت أنثى فهذا السدس للوسطى ذكرا كان أو أنثى فكان بينهما نصفين وبقى ثلث المال كل واحدة منهن تدعيه وتقول إنا ذكر والثلثان لي والعصبة أناث جميعا تقول هذا الثلث لنا فباعتبار هذا المعنى كان الثلث بينهم أرباعا فقد أخذت العليا مرة ستة ومرة سهما ومرة سهما فذلك ثمانية ثلثا المال والوسطى أخذت مرة سهمين ومرة سهمين فذلك الثلث وإنما أخذت السفلى سهما والعصبة كذلك وذلك نصف السدس وإن لم يكن للميت عصبة فللعليا النصف بلا شك والسدس بينهما وبين الوسطى نصفين لما بينا والثلث بينهن أثلاثا فتكون القسمة من ستة وثلاثين للعليا مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة وللوسطى مرة ثلاثة ومره أربعة وللسفلى أربعة فإن ترك ابنة وثلاث بنات بن بعضهن أسفل من بعض خناثى كلهن وعصبة فعندنا للابنة النصف وللعليا السدس والباقي للعصبة لأن الخناثي أناث ما لم يستبن حالهن وإن لم يكن له عصبة فالباقي رد على الإبنة وابنة الابن على قدر ميراثهما أرباعا.(30/176)
وفي قياس قول الشعبي: الفريضة من مائة وثمانين سهما للأبنة مائة وثمانية عشر سهما وللعليا ثمانية وعشرون سهما وللوسطى ثمانية عشر سهما وللسفلى ثمانية أسهم وللعصبة ثلاثة عشر سهما لأن للابنة النصف من غير شك والسدس بينهما وبين العليا من بنات الابن نصفين لما بينا وثلث الثلث الباقي بين الابنة والعليا والوسطى وللعصبة أرباعا لأن السفلى لا تدعى من ذلك الثلث إلا بثلثه فإنها تقول أنا ذكر والبواقي أناث والثلث بيني وبين الوسطى أثلاثا لأن الذكر يعصب من فوقه بدرجة ممن لم يأخذ شيئا كما يعصب من هو في درجته فيخرج ثلث هذا الثلث عن منازعته وكل واحدة من البواقي تدعى ذلك لنفسها بدعواها الذكورة والعصبة تدعى ذلك لنفسها أيضا بدعواها أنهن إناث وأما ثلث الثلث بينهم جميعا أخماسا لأن كل(30/177)
ص -84- ... واحدة منهن تدعى ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة والعصبة كذلك فقد انكسر الثلث بالأثلاث والأرباع والأخماس فيضرب ثلاثة في خمسة فتكون خمسة عشر ثم خمسة عشر في أربعة فتكون ستين ثم في أصل المال ثلاثة فيكون مائة وثمانين فأما الابنة فقد أخذت النصف تسعين وجعلنا السدس بينها وبين العليا نصفين وذلك ثلاثون لكل واحد خمسة عشر وجعلنا ثلث الثلث وذلك عشرون بين الأربعة سوى السفلى أرباعا لكل واحدة خمسة وجعلنا ثلثى الثلث وذلك أربعون بين الخمسة أخماسا لكل واحدة ثمانية فحصل للابنة مرة تسعين ومرة خمسة عشر ومرة خمسة ومرة ثمانية فذلك مائة وثمانية عشر ولابنة الابن مرة خمسة عشر ومرة خمسة ومرة ثمانية فذلك ثمانية وعشرون وللوسطى مرة خمسة ومرة ثمانية فذلك ثلاثة عشر وكذلك للعصبة ولم يسلم للسفلى إلا ثمانية أسهم فاستقام التخريج فإن كان أسفل منهن غلام معروف فعندنا للابنة النصف وللعليا من بنات الابن السدس تكملة الثلثين والباقي بين الذكر الأسفل وبين الوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين لأنهما بنتان والذكر من أولاد الابن يعصب من فوقه من الأناث ممن لم يأخذ شيئا بالفرضية.(30/178)
وفي قول الشعبي: نصف المال للابنة والسدس بينها وبين العليا نصفين وثلثا سدس المال بين الابنة والعليا والوسطي أثلاثا وثلث سدس المال بينهن وبين السفلى أرباعا وسدس المال الباقي بينهن وبين الغلام أخماسا من قبل أن الغلام يدعي انهن أناث وإن له نصف ثلث الباقي في الحاصل فنصف الثلث وهو السدس خارج عن دعواه والسفلى تدعي أنه ذكر وأن الثلث الباقي بينه وبين الوسطى أثلاثا فثلثا السدس بزعمه للوسطى وهو ثلث الثلث وقد استوت منازعة الابنة العليا والوسطى في هذا الجزء وهو ثلثا السدس كل واحدة منهما تدعى ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة فيكون بينهما أثلاثا وثلث السدس هما مع السفلى يدعونه فيكون بينهم أرباعا والسدس الباقي هم جميعا مع الغلام يدعونه فيكون ذلك بينهم أخماسا فقد انكسر الثلث بالأرباع والأخماس والأثلاث فإذا ضربت المخارج بعضها في بعض كان ذلك ستين ثم في أصل المال وهو ستة فيكون ذلك ثلاثمائة وستين فقد أخذت الابنة مرة النصف مائة وثمانين ومرة نصف الثلث وذلك ثلاثون فهو مائتان وعشرة ومرة ثلث ثلثي السدس أربعين وهو ثلاثة عشر وثلث ومرة ربع ثلث السدس وذلك خمسة ومرة خمس السدس وذلك اثنا عشر فإذا جمعت ذلك كله كان ذلك مائتين وأربعين وثلثا وابنة الابن أخذت مرة ثلاثين ومرة ثلاثة عشر وثلثا ومرة خمسة ومرة اثنى عشر فذلك ستون وثلث والوسطى أخذت مرة ثلاثة عشر وثلثا ومرة خمسة ومرة اثنى عشر فذلك ثلاثون وثلث والسفلى أخذت مرة خمسة ومرة اثنى عشر وما أخذ الغلام إلا اثني عشر فاستقام التخريج فإن كانت الوسطى أو السفلى معروفتان أيهما ابنتان والمسألة بحالها ففي قول الشعبي للابنة النصف والسدس بينها وبين العليا نصفين ومن الثلث الباقي للابنة ثلاثة وللعليا ثلاثة والثلث بين الوسطى والسفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين فصار هذا الثلث مقسوما على اثنى عشر سهما فحاجتنا إلى حساب ينقسم(30/179)
ص -85- ... ثلثه أرباعا فيكون جملة المال على ستة وثلاثين سهما نصف ذلك ثمانية عشر للابنة الصلبية بغير شك والسدس وهو ستة بينها وبين العليا نصفين لأن كل واحدة منهما تدعى ذلك بدعواها صفة الذكورة ولا ينازعهما في ذلك الوسطى والسفلى والغلام لأنهم يزعمون أنهما ابنتان وأن الثلثين لهما فلهذا قسم هذا السدس بينهما نصفين وأما الثلث الباقي فالوسطى والسفلى لا يدعيان شيئا من ذلك لأنفسهما إلا بالغلام الذي دونهما لأنهما ابنتان معروفتان حالهما فيعصبهما الغلام الذي هو دونهما في الباقي فقد استوى في هذا الثلث دعوى الغلام ودعوى العليا وابنة الصلب فيكون ثلاثة لابنة الصلب وثلاثة للعليا باعتبار أن كل واحدة منهما تدعى جميع ذلك لنفسها بدعوى صفة الذكورة يبقى الثلث فهو بين الغلام والوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين فحصل لابنة الصلب مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك خمسة وعشرون وحصل للعليا مرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك سبعة وحصل للغلام سهمان وللوسطى والسفلى لكل واحدة سهم وإن كانت السفلى هي المعروفة أنها ابنة والباقون خناثى فعلى قياس قول الشعبي للابنة النصف والسدس بين الابنة والعليا نصفين ونصف السدس بين الابنة والعليا والوسطى أثلاثا والباقي بينهم جميعا أرباعا للابنة ربعه وللعليا ربعه وللوسطى ربعه وربعه بين السفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثه أسداسا وأرباعا وأثلاثا وذلك بأن تضرب ستة في أربعة فيكون أربعة وعشرين ثم في ثلاثة فيكون اثنين وسبعين ثم في ثلاثة فيكون مائتين وستة عشر النصف من ذلك مائة وثمانية للابنة بغير شك والسدس ستة وثلاثون بين الابنة والعليا نصفين لكل واحدة ثمانية عشر لأنه لا ينازعهما في الثلثين أحد والثلث نصفان لأن لكل واحدة ثمانية عشر لأنه لا ينازعهما في الثلثين أحد والثلث الباقي وذلك اثنان وسبعون فربعه وهو نصف السدس بين الابنة والعليا والوسطى أثلاثا لأن السفلى(30/180)
إنما تدعي هذا الثلث بالغلام والغلام يزعم أن الوسطى أنثى وإن الثلث الباقي بينه وبين الوسطي والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين أرباعا فربع هذا الثلث لا يدعيه الغلام والسفلى وقد استوى فيه دعوى العليا والوسطى والابنة كل واحدة تزعم أنها ذكر فيكون بينهم أثلاثا لكل واحدة ستة والباقي وهو ثلاثة أرباع الثلث وذلك أربعة وخمسون سهما استوى فيه دعوى الابنة والعليا والوسطى والغلام فيكون أرباعا ربعه للابنة وربعه للعليا وربعه للوسطي وربعه بين الغلام والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الغلام مقر أن ما يصيبه من هذا الميراث بينه وبين السفلى للذكر مثل حظ الأنثيين وإقراره حجة في حقه وربعه ثلاثة عشر ونصف فإذا جعل بينهما أثلاثا كان للغلام تسعة وللسفلى أربعة ونصف وأن أردت دفع الكسر بالانصاف فاضعف الحساب.
امرأة تركت زوجها وأمها وأختا لأب وأم خنثى فماتت قبل أن يستبين أمرها ففي قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للخنثى لأنهم يجعلون للخنثى أسوأ حالة وأسوأ الأحوال هنا أن يكون ذكرا وفي الحقيقة لا يحكم بأنه ذكر(30/181)
ص -86- ... ولا أنثى وكيف يحكم بذلك من غير دليل ولكن يعطيه أقل النصيبين لأنه هو المتيقن به وأقل النصيبين هنا نصف الذكر لأنه إذا جعل أنثى يستحق النصف وتعول الفريضة بسببها وأثبات العول بدون التيقن لا يجوز ولهذا جعلنا للأخ ما بقي.
وفي قياس قول الشعبي: الفريضة من ثمانية وأربعين سهما لأن الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من ستة وإن كانت أنثى فالفريضة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان وللأخت ثلاثة فتعول بسهمين فالسبيل أن يضرب ستة في ثمانية فيكون ثمانية وأربعين ثلاثة أثمان ذلك وهو ثمانية عشر للزوج يعني وما زاد على ذلك إلى تمام النصف وهو ستة يستحقه في حال وهو أن يكون الخنثى ذكرا ولا يستحقه في حال فيعطيه نصف ذلك فيكون للزوج أحد وعشرون والأم لها اثنا عشر يعني وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو أربعة يستحقه في حال دون حال فيكون لها نصف ذلك فلها أربعة عشر والخنثى لها ثمانية يعني وما زاد على ذلك إلى تمام ثمانية عشر يستحق في حال دون حال فلها نصف ذلك فحصل لها ثلاثة عشر وللأم أربعة عشر فذلك سبعة وعشرون وللزوج أحد وعشرون فذلك ثمانية وأربعون وإن كان مع ذلك أخ لأم فللخنثى والزوج مثل ما كان لهما في الوجه الأول في قياس قول الشعبي وللأم والأخ لأم مثل ما كان للأم في الفريضة الأولى بينهما نصفين لأن في الفريضة الأولى للأم سهمان من ستة أو من ثمانية وهنا للأم سهم وللأخ لأم سهم من ستة أو من ثمانية فعرفنا أن نصيبهما هنا مثل نصيب الأم هناك وإن حالهما فيه على السواء فيقسم أربعة عشر بينهما نصفين وعلى قولنا هذا والأول سواء لأن نصيب الأخ لأم مع الخنثى يحول نصيب الأم إلى السدس ويكون السدس للأخ لأم فإنما يجعل للخنثى ما بقى وهو السدس باعتبار أنه أقل النصيبين له.(30/182)
رجل مات وترك امرأته وأخوين لأمه وأختا لأب وأم هي خنثى فعندنا للمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث وما بقي فهو للأخت الخنثى لأن أقل النصيبين له نصيب الذكر فإنه يأخذ خمسة من اثنى عشر ولو جعلت أنثى كان لها ستة من ثلاثة عشر فلهذا جعلنا له الباقي وأما في قياس قول الشعبي الفريضة من مائة وستة وخمسين سهما لأن الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من اثنى عشر وإن كان أنثى فالفريضة من ثلاثة عشر للمرأة سبعة وثلاثون ونصف لأن ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزأ وذلك ستة وثلاثون لها يعنى والربع تسعة وثلاثون فما زاد على ذلك إلى تمام الربع لها في حال دون حال فلها سبعة وثلاثون ونصف وللأخوين خمسون لأن مقدار ثمانية وأربعين لهما بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو أربعة يثبت في حال دون حال فينتصف وللخنثى ثمانية وستون ونصف لأن خمسة أجزاء ذلك ستون له بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام سبعة وسبعين وذلك سبعة عشر لها في حال دون حال فينتصف فيكون لها ثمانية وستون ونصف فإن كان ترك مع ذلك أما ففي قولنا للأم السدس سهمان من اثنى عشر وللمرأة الربع ثلاثة وللأخوين لأم أربعة وللخنثى ما بقى لأن أقل النصيبين نصيب الذكر هناك وفي قول الشعبي الفريضة من مائة وعشرين سهما لأن الخنثى إن كان ذكرا(30/183)
ص -87- ... فالفريضة من اثنى عشر وإن كانت أنثى فلها ستة وللأم السدس سهمان وللأخوين لأم أربعة وللمرأة ثلاثة تعول بثلاثة فتكون من خمسة عشر إلا أن بين خمسة عشر وبين اثنى عشر موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث من أحدهما وذلك أربعة ثم تضربه في خمسة فيكون ذلك ستين منه تصح المسألة وإن خرج كما في بعض النسخ من ضعف ذلك وهو مائة وعشرون فقد يخرج مستقيما من ستين فأما مقدار اثنى عشر يعني وما زاد على ذلك إلى تمام الربع خمسة عشر وذلك ثلاثة لها في حال دون حال فيكون لها ثلاثة عشر ونصف قلنا وإنما أن مقدار اثنى عشر لها بيقين لأن أقل النصيبين لها ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وخمس ستين اثنا عشر فللأم ثمانية بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام السدس سهمان وهو عشرة لها في حال دون حال فيكون لها تسعة وللأخوين لأم ستة عشر بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام عشرين في حال دون حال فيكون لها ثمانية عشر بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام أربعة وعشرين لها في حال دون حال فيكون تسعة عشر ونصفا وإنما خرجه في بعض النسخ من مائة وعشرين للتحرز عن الكسر بالإنصاف فإن ترك ابنة وثلاث بنات بن بعضهن أسفل من بعض خناثى كلهن ولا عصبة له ففي قياس قول الشعبي الفريضة من مائة وثمانية أسهم من قبل أن النصف للابنة ثابت بغير شك والسدس سهمان بينهما وبين العليا نصفين لأن الوسطى والسفلى لا يدعيان ذلك فإنهما يزعمان أنهما ابنتان وإن الثلثين لهما ثم السفلى تزعم أنها ذكر وأن الوسطى أنثى والثلث الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فهو لا يدعى ثلث هذا الثلث والوسطى والعليا والابنة كل واحدة تدعى ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة فيكون بينهم أثلاثا يبقى ثلثا الثلث استوت فيه منازعتهن كل واحدة تدعى ذلك لنفسها فيكون بينهن أرباعا فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثه أثلاثا وأرباعا فالسبيل أن يضرب أربعة في ثلاثة فيكون اثنى عشر ثم اثنى عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين ثم ستة(30/184)
وثلاثين في أصل المال وهو ثلاثة فيكون مائة وثمانية للابنة مرة أربعة وخمسون وهو النصف ومرة نصف السدس تسعة فذلك ثلاثة وستون ومرة أربعة وهو ثلث ثلث الثلث ومرة ربع ثلثي الثلث وذلك ستة فستة وأربعة يكون عشرة إذا ضممت ذلك إلى ثلاثة وستين يكون ثلاثة وسبعين وللعليا مرة تسعة ومرة أربعة ومرة ستة فذلك تسعة عشر وليس للسفلى إلا ستة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت مائة وثمانية فاستقام التخريج والله أعلم بالصواب.(30/185)
ص -88- ... كتاب الخنثى
قال رضي الله عنه: ذكر عن أبي يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مولود ولد في قوم له ما للمرأة وما للرجل كيف يرث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حيث يبول" وهكذا روى عن علي رضي الله عنه وهكذا نقل عن جابر بن زيد وعن قتادة وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه يرث من حيث يبول وهذا حكم كان عليه العرب في الجاهلية على ما يحكى أن قاضيا فيهم رفعت إليه هذه الحادثة فجعل يقول هو رجل وامرأة فاستبعد قومه ذلك فتحير ودخل بيته في الاستراحة فجعل يتقلب على فراشه ولا يأخذه النوم لتحيره في هذه الحالة وكانت له بنية فغمزت رجليه فسألته عن تفكره فأخبرها بذلك وقالت دع الحال وابتغ المبال فخرج إلى قومه وحكم بذلك فاستحسنوا ذلك منه فعرفنا أن حكمه كان في الجاهلية قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيجيء من المعني ما يدل عليه فإن ما يقع به الفصل بين الذكر والأنثى عند الولادة الآلة وذلك في الآدمى وفي سائر الحيوانات وعند انفصال الولد من الأم منفعة تلك الآلة خروج البول منها وما سوى ذلك من المنافع يحدث بعد ذلك فعرفنا أن المنفعة الأصلية في الآلة أنها المبال فإذا كان يبول من مبال الرجل عرفنا أن آلة الفصل في حقه هذا وإن الآخر زيادة خرق في البدن فإذا كان يبول من مبال النساء عرفنا أن الآلة هذا وإن هذا بمنزلة مبالين في البدن فإن كان يبول منهما جميعا فالحكم لا سبقهما خروجا للبول منه لأن الترجيح بالسبق عند المعارضة والمساواة أصل في الشرع ولأنه كما خرج البول من أحدهما فقد حكم باعتبار أنه على تلك الصفة.(30/186)
ألا ترى أنه لو لم يخرج من المبال الآخر بعد ذلك كان ما خرج علامة تمام الفصل وبعد ما حكم له بأحد الوصفين لا يتغير ذلك بخروج ذلك البول من الآلة الآخرى فهو بمنزلة رجل أقام بينة على نكاح امرأة وقضى له بها ثم أقام الآخر البينة لا يلتفت للبينة الثانية وكذلك لو ادعى نسب مولود وأقام البينة وقضى له به ثم ادعاه آخر وأقام البينة لا يلتفت إلى ذلك وإن كان يبول منهما جميعا معا قال أبو حنيفة رحمه الله لا علم لي بذلك وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يورث بأكثرهما بولا لأن الترجيح عند المعارضة بزيادة القوة وذلك يكون بالكثرة كما يكون بالسبق إذ لا مزاحمة بين القليل والكثير كما لا مزاحمة بين اللآحق والسابق فالظاهر أن الذي يخرج منه البول أكثر هو المبال فالحكم للمبال وأبو حنيفة أبى ذلك لوجهين أحدهما أن كثرة البول تدل على سعة المخرج ولا معتبر لذلك فمخرج بول النساء أوسع من مخرج بول الرجال والثاني أن الكثرة والقلة تظهر في البول لا في المبال والآلة الفصل المبال دون البول وباعتبار السبق يأخذ السابق اسم المبال قبل أن يأخذ الآخر(30/187)
ص -89- ... ذلك الاسم وأما إذا خرج منهما جميعا فقد أخذا اسم المبال في وقت واحد على صفة واحدة لأن هذا الاسم لا يختلف بكثرة ما يخرج منه البول وقلته.
ثم إن أبا حنيفة رحمه الله استقبح الترجيح بالكثرة على ما يحكى عنه أن أبا يوسف رحمه الله لما قال بين يديه يورث من أكثرهما بولا قال يا أبا يوسف وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني فقد استبعد ذلك لما فيه من القبح وتوقف في الجواب لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول ولم يجد فيه نصا فتوقف وقال لا أدري وهذا من علامة فقه الرجل وورعه أن لا يخبط في الجواب على ما حكى أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن مسألة فقال لا أدري ثم قال بخ بخ لابن عمر سئل عما لا يدري فقال: لا أدري.
وكذلك أبو يوسف ومحمد قالا: إذا استويا في المقدار لا علم لنا بذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنه علم ذلك أو وقف فيه على دليل ليكون قول أبي حنيفة وأصحابه لا علم لنا به بقضايا فيهم والله أعلم.(30/188)
وهذا الذي هو مشكل لا يخلو إذا بلغ هذه المعالم وإنما لا يبقى الإشكال فيه بعد البلوغ فلا بد أن يزول الإشكال بظهور علامة فيه فإنه إذا جامع بذكره أو خرجت له لحية أو احتلم كما يحتلم الرجال فهو رجل وقوله في ذلك مقبول لأنه أمر في باطنه لا يعلمه غيره وقول الإنسان شرعا مقبول فيما يخبر عما في باطنه مما لا يعلمه غيره، وإن كان له ثديان مثل ثديي المرأة أو رآى حيضا كما ترى النساء أو كان يجامع المرأة أو ظهر به حبل أو نزل في ثدييه لبن فهو امرأة لأن هذه علامات الفصل للبلوغ ولا بد أن يظهر عليه بعضها عند بلوغه فإنه لا يخلو إذا بلغ عن هذه المعالم قلنا لا يبقى الإشكاك فيه بعد البلوغ وإنما يكون ذلك في صغره إذا مات قبل أن يبلغ وقد بينا اختلاف العلماء في ميراثه قبل أن يستبين أمره فيما سبق وإن مات قبل أن يستبين أمره وقد راهق لم يغسله رجل ولا امرأة ولكن ييم الصعيد لأن الأصل أن النظر إلى العورة حرام وبالموت لا تنكشف هذه الحرمة إلا أن نظر هذا الجنس أخف فلأجل الضرورة أبيح النظر للجنس عند الغسل والمراهق كالبالغ في وجوب ستر عورته فإذا كان هو مشكلا لا يوجد له جنس أو لا يعرف جنسه أنه من الرجال أو من النساء فيعذر عليه لانعدام من يغسله وهو بمنزلة ما لو تعذر غسله لانعدام ما يغسل به فيمم الصعيد وهو نظير امرأة تموت بين رجال ليس معهم امرأة فإنها تتيمم الصعيد فهذا مثله فإن كان من ييممه من النساء يممته بغير خرقة وكذلك إن كان من الرجال من ذوي الرحم المحرم له وإن كان أجنبيا عنه يممه بخرقة ولا بأس بأن ينظر إلى وجهه ويعرض بوجهه عن ذراعيه لجواز أن يكون امرأة وفي هذا أخذ بالاحتياط فيما بنى أمره على الاحتياط وهو السن والنظر إلى العورة وإن سجى دبره فهو أحب إلي لأن فيه نوع احتياط فلعله امرأة ومبنى حالها على الستر ولا بأس بأن يسجى دبر الرجل عند العذر كالحر والبرد والمطر واشتباه حاله في العذر أبلغ من ذلك وإن حمل على السرير(30/189)
مقلوبا فهو أحب إلي لأن الرجل يحمل على السرير مستويا بغير نعش والمرأة(30/190)
ص -90- ... تحت نعش فإن حمل على السرير بغير نعش وهو امرأة كان فيه تشبيه النساء بالرجال وإن جعل على سريره النعش كان فيه تشبيه الرجال بالنساء إذا كان رجلا فأولي الوجهين أن يحمل على سريره مقلوبا وإن جعل على السرير النعش فيه المرأة فهو جائز أيضا لأنه أقرب إلى الستر والستر مندوب إليه عند اشتباه الأمر ويدخله قبره ذو رحم محرم منه لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] ولأنه إذا كان أنثى فينبغي أن يرمسه من هو ذو رحم محرم منه وإن كان ذكرا فلا بأس بأن يرمسه محرمه عند الإدخال في قبره فكان هذا أحوط الوجهين ويكفن كما تكفن الجارية فهو أحب إلي لأنه أقرب إلى الستر ولأن الزيادة في كفن الرجل عند الحاجة جائزة واشتباه أمره من أقوى أسباب العذر فلهذا يكفن كما تكفن الجارية.(30/191)
ألا ترى أن في حالة الحياة يؤمر بالستر وينهى عن الكشف فكذلك بعد الموت ما كان أقرب إلى الستر في حقه فهو أولى والأصل فيه قوله عليه السلام: "ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا غلب الحرام الحلال" وأكره في حياته لبس الحلى والحرير لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الذهب بيمينه والحرير بشماله وقال: "هذان حرامان على ذكور أمتي حل لأناثها" فإنما أباح اللبس بشرط أنوثة اللابس وهذا الشرط غير معلوم في الخنثي ثم ما يتردد بين الحظر والإباحة يترجح معنى الحظر فيه لقوله عليه السلام: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وترك لبس الحرير لا يريبه ولبسه يريبه يوضحه أن الاجتناب عن الحرام فرض والإقدام على المباح ليس بفرض فكان الاحتياط في ترك لبس الحرير لكيلا يكون مواقعا للحرام إن كان رجلا وإن قبله رجل بشهوة لم يتزوج أمه حتى يستبين أمره لأنه أن كان أنثى فتقبيله بعد ما راهق يثبت حرمة المصاهرة فتكون أمه حراما عليه من هذا الوجه وترك نكاح امرأة تحل له أولى من نكاح امرأة هي محرمة عليه وإن زوجه أبوه رجلا أو امرأة فلا علم لي بنكاحه وهو موقوف إلى أن يبلغ لأن الذكر يدخل في النكاح دخول المالكين والأنثى تصير مملوكة بالنكاح ولا يمكن إثبات واحد من الوصفين في حقه من غير دليل ولا وجه لإبطال إنكاح الولي في حال قيام ولايتة ما لم يعلم أنه لم يصادف محله فيكون موقوفا إلى أن يبلغ فإن ظهرت فيه علامة الرجال وقد زوجه أبوه امرأة حكم بصحة النكاح من حين عقد الأب لأنه تبين أن تصرفه صادف محله وإن لم يصل إليها أجل كما يؤجل العنين وإن كان زوجه أبوه من رجل ثم ظهر به علامة الرجال فقد تبين أن هذا التصرف لم يصادف محله فكان باطلا وإن أحرم وقد راهق قال أبو يوسف لا علم لي بلباسه لأن الرجل في إحرامه يحرم عليه لبس المخيط والمرأة في إحرامها يلزمها لبس المخيط ويحرم عليها الإكتفاء بلبس الإزار والرداء فلما(30/192)
استوى الجانبان لا يمكن ترجيح أحدهما بغير حجة فتوقف فيه وقال لا علم لي بلباسه وقال محمد يلبس لباس المرأة لأنه أقرب إلى الستر ومبنى حاله على الستر كما في غير حالة الإحرام ولأن لبس المخيط للرجل في احرامه جائز عند العذر واشتباه أمره من أبلغ الأعذار ولا شيء عليه في ذلك لأنه لم يبلغ وكفارة الإحرام بارتكاب المحظور لا تجب على(30/193)
ص -91- ... غير البالغ عندنا ويصلي بقناع أحب إلي لأنه أقرب إلى الستر ولأنه إن كان رجلا فالتقنع لا يمنع جواز صلاته وإن كان أنثى فإنها تؤمر بالتقنع في صلاتها إذا كان مراهقه فعند الاشتباه يترجح هذا الجانب ويجلس في صلاته كجلوس المرأة معناه يخرج رجليه من جانب ويفضي بإليتيه إلى الأرض لأنه أقرب إلى الستر ولأن الرجل لا بأس بأن يجلس كذلك عند العذر واشتباه الحال أبين الأعذار ويكون في الجماعة خلف صف الرجال وأمام صف النساء لأن تمام الاحتياط فيه فإنه إن كان رجلا فوقوفه في صف النساء يفسد صلاته وإن كانت امرأة فوقوفها يفسد صلاة من عن يمينها وعن يسارها ومن خلفها من الرجال بحذائها لأن المراهقة في هذا كالبالغة استحسانا فإذا وقف في صف الرجال أمام صف النساء نتيقن بجواز صلاته وصلاة جميع القوم فإن وقف في صف النساء فأحب إلي أن يعيد الصلاة لأن سبب وجوب الصلاة عليه معلوم والسقوط بهذا الأداء مشتبه والأخذ بالاحتياط في باب العبادات أحب إلي إلا أنه لم يلزمه الإعادة قطعا لأن المسقط وهو الأداء معلوم والمفسد وهو محاذاة المرأة الرجل في صلاة مشتركة موهوم فللتوهم أحب له أن يعيد الصلاة وإن أقام في صف الرجال فصلاته تامة لأنا نتيقن بجواز صلاته ذكرا كان أو أنثى ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره ومن خلفه سجدات صلاتهم والمراد على طريق الاستحباب لما بينا أن محاذاة المرأة الرجل في حقهم موهوم ومبنى العبادة على الاحتياط فيستحب لهم أن يعيدوا صلاتهم لهذا.(30/194)
وإن مات هذا الخنثى المشكل فصلي عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل مما يلي الإمام والخنثي خلفه مما يلي القبلة والمرأة خلف الخنثي اعتبارا بحالة الحياة فإن صف الرجال أقرب إلى الإمام من صف لخناثى لقوله عليه السلام: "ليلنى منكم أولو الاحلام والنهى ثم الذين يلونهم" فقد أمر بأن يقرب منه من هو أفضل والاصل فيه قوله تعالى: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3] وللرجال زيادة درجة على النساء فينبغي أن تكون جنازة الرجل أقرب إلى الإمام من جنازة النساء والخنثى المشكل لتردد الحال فيه تجعل جنازته خلف جنازة الرجل وأمام جنازة المرأة فإن دفنوا في قبر واحد من عذر فلا بأس بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد أن يدفن جماعة من الشهداء في قبر واحد وأن يجعل بين كل ميتين حاجز من التراب فيفعل كذلك هنا ويوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الخنثي ثم خلفه المرأة لأن جهة القبلة أشرف فيكون الرجل بالقرب منه أحق.
ألا ترى في حديث أحد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم أكثرهم أخذا للقرآن إلى جانب القبلة ويجعل بين كل ميتين حاجز من الصعيد فيصير ذلك في حكم قبرين وإن قذف رجلا بعد ما بلغ قبل أن يستبين أمره أو سرق منه أقيم الحد عليه لأنه صار بالبلوغ مخاطبا وحد القذف والسرقة لا يختلف بالذكورة والأنوثة واشتباه حاله لا يمنع بتحقق قذفه موجبا للحد عليه ولا تحقق سرقته والسرقة منه موجب القطع وإن قذفه رجل فلا حد على قاذفه بمنزلة المجنون والرتقاء إذا قذفها رجل وهذا لأن القاذف يستوجب الحد بنسبة الرجل إلى فعل يباشره، ونسبة المرأة إلى التمكين(30/195)
ص -92- ... من فعل يباشره غيرها ومع اشتباه أمره لا يتقدر السبب ولا يدري أن قاذفه إلى أي فعل نسبه فإن كان نسبه إلى مباشرة الفعل وهو امرأة كان قد نسبه إلى محال فيكون بمنزلة قاذف الرتقاء والمجنون وإن كان قد نسبه إلى التمكين وهو رجل كان قد نسبه إلى ما هو قاصر في حقه غير موجب للحد عليه وعند الاشتباه الأمر لا يمكن إقامة الحد على القاذف.
وإذا قطع رجل يده أو امرأة قبل أن يستبين أمره فلا قصاص على القاطع لأن حكم القصاص فيما دون النفس يختلف بالذكورة والأنوثة لا يجري القصاص بين الرجال والنساء وفي الإطراف فإن كان القاطع رجلا لم يجب القصاص إذا كانت هي امرأة وإن كان القاطع امرأة لم يجب القصاص إذا كان هو رجلا فعند الاشتباه يتمكن فيه الشبهة والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وبه فارق القصاص في النفس فإنه لا يختلف بالذكورة والأنوثة سواء قتله رجل أو امرأة كان عليه القصاص لتيقننا بوجوبه وتقرر سببه.(30/196)
ولو قطع هذا الخنثى يد رجل أو امرأة أو قتله لم يكن عليه قصاص ولكن الدية على عاقلته لأنه صغير لم يبلغ فعمده وخطؤه سواء ولو صلى بغير قناع قبل أن يدرك لم آمره بالإعادة لأن أسوأ أحواله أن يكون أنثى والمراهقة إذا صلت بغير قناع لا تؤمر بالإعادة استحسانا زاد في بعض النسخ وإن كان بالغا فصلى بغير قناع أمرته أن يعيد وهذا بطريق الاحتياط ولكن لا يتصور بقاؤه مشكلا بعد البلوغ وأن تصور يحكم بهذا وأكره له أن ينكشف قدام الرجال وقدام النساء إذا كان قد راهق حتى يستبين أمره لتوهم أن يكون امرأة والمرأة عورة مستورة وهذه المسألة تدل على أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لا كنظر الرجل إلى الرجل لأنه لو كان كنظر الرجل إلى الرجل لجاز للخنثى التكشف من النساء فإنه ليس المراد من التكشف إبداء موضع العورة لأن ذلك لا يحل لغير الخنثي أيضا ولكن المراد أن يكونا في إزار واحد وفي هذا الفصل روايتان بيناهما في الاستحسان وأكره أن يخلو به من ليس بمحرم له من رجل أو امرأة لقوله عليه السلام: "ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فإن ثالثهما الشيطان" وإذا خلى الخنثى برجل فمن الجائز أنه امرأة فتكون هذه خلوة رجل بامرأة أجنبية، وإذا خلا بامرأة فمن الجائز أنه ذكر خلا بأجنبية والمراهقة في المنع من هذه الخلوة كالبالغة لأن المنع لخوف الفتنة وكذلك يكره أن تسافر معه امرأة محرما كانت أو غير محرم لأن من الجائز أن الخنثى أنثى فتكون هذه مسافرة امرأتين بغير محرم لهما وذلك حرام ويكره أن يسافر الخنثى إلا مع محرم من الرجال ثلاثة أيام فصاعدا لأن من الجائز أنه أنثى ولا يجوز شهادته حتى يدرك لأن الصغير يعدم أهلية الشهادة وأكره له أن يلبس الحلي والذهب حتى يستبين أمره لجواز أن يكون ذكرا.(30/197)
ولو كان لرجل ولدان خنثيان فمات أبوهما أحرزا ميراثه كله في قول الشعبي لأن عنده يرث كل واحد منهما نصف ميراث رجل ونصف ميراث أنثى وعندنا ما زاد على نصيب(30/198)
ص -93- ... الابنتين موقوف حتى يستبين أمرهما وقد بينا هذا في فرائض الخنثي ولا يرث الخنثي بولاء الغير ما لم يستبن أمره لأنه في حكم الميراث أنثى.
ولو أوصى رجل لما في بطن امرأة بألف درهم إن كان غلاما وبخمسمائة إن كانت جارية فولدت هذا الخنثي قال يوقف الخمسمائة الفاضلة في قوله حتى يتبين أمره لأن الوصية أخت الميراث وقد جعلناه في الميراث كالأنثي ما لم يتبين أمره وهذا لأنا لا نعطيه إلا بالمتيقن به والمتيقن به هو الأقل وفي قياس قول الشعبي ينبغي أن يكون له سبعمائة لأنه يجعل الخنثي في الميراث بمنزلة نصف رجل ونصف امرأة فكذلك في الوصية وهذا لأن اعتبار الأحوال عند الاشتباه أصل معتبر في الشرع ولو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت طالق أو قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه جارية فأنت حرة فولدت الحرة والأمة هذا الخنثى المشكل لم يقع الطلاق ولا العتاق حتى يتبين أمره لأن المتعلق بالشرط لا ينجز ما لم يوجد الشرط حقيقة ومع الإشكال لا يتبين وجود الشرط فهذا نظير ما لو قال أن لم أدخل دار فلان فعبده حر ثم مات ولا يعلم أدخل أو لم يدخل لا يحكم بوقوع العتق لهذا المعنى فكذلك هنا فإن فرض لهذا الخنثي في الغنيمة لم يحز حتى يستبين أمره وإن شهد الوقعة وصح له بسهم لأنه صغير ما دام مشكل الحال وقد بينا أن الإشكال لا يبقى بعد البلوغ ولأنه متردد الحال فلا يثبت في حقه إلا أدنى الأمرين وكذلك الرضخ دون السهم وإن أخذ الخنثى أسيرا من الكفار أو ارتد بعد الإسلام لم يقتل لأن القتل عقوبة يندرئ بالشبهات فأما أن يكون هذا في حال الصغر والصغير لا يستوجب العقوبة أو بعد البلوغ فيتوهم كونه أنثى وإن كان الخنثي من أهل الذمة لم يوضع عليه خراج رأسه لهذين المعنيين وكذلك لا يدخل الخنثي في القسامة مع العقلاء ولتوهم الأنوثة.(30/199)
ولو قال رجل: كل عبد لي حر أو قال كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره وأن قال القولين جميعا عتق لأنه عند يتيقن الجمع أن الإيجاب يتناوله بأحد اللفظين وعند الإنفراد بأحد اللفظين لا يتيقن ذلك والرق فيه يقين.
وكذلك أن قال: إن ملكت عبدا فامرأته طالق فاشترى الخنثي لم تطلق وكذلك إن قال القولين جميعا طلقت بشراء الخنثى لتيقننا بوجود الشرط وإن قال الخنثي أنا رجل أو قال أنا امرأة لم يقبل قوله أن كان قد علم أنه مشكل لأنه يحارف عما يخبر به عن نفسه فإنه لا يعلم من ذلك إلا ما يعلم غيره ويكره أن تجسسه رجل وامرأة حتى يبلغ ويستبين أمره لأن المراهق بمنزلة البالغ في وجوب ستر عورته ونظر الجنس إلى خلاف الجنس لا يباح في حالة الاختيار فسواء جسسه رجل أو امرأة يتوهم نظر خلاف الجنس ولكن يشتري له جاريه عالمة بذلك من ماله تجسسه لأنه يملكها بالشراء حقيقة فإن كان الخنثي امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس فإن كان رجلا فهذا نظرا لمملوكة إلى مالكها.
قال محمد رحمه الله: إن كان معسرا اشترى له الإمام جارية بمال بيت المال فتجسسه ثم باعها وجعل ثمنها في بيت المال وأبو حنيفة وأبو يوسف لا يخالفان محمدا رحمه الله في(30/200)
ص -94- ... هذا ولكنه خص قوله لأنه لم يحفظ جوابهما ثم مال بيت المال معد لمصالح المسلمين وهذا من جملتها وفيه إقامة ما هو ظهره بمنزلة المستحقة شرعا فيكون للإمام أن يحصل ذلك بمال بيت المال ولم يذكر في الكتاب أنه يزوج امرأة خناثة وكان الشيخ الإمام رحمه الله يقول إنما لم يذكر ذلك لأنه لم يتيقن بصحة نكاحه ما لم يتبين أمره ولكن لو فعل مع هذا كان مستقيما لأن الخنثي إن كان امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس والنكاح لغو وإن كان رجلا فهذا نظر المنكوحة إلى زوجها وأن زوجه أبوه قبل أن يبلغ رجلا أو زوجه امرأة فإن ذلك موقوف لا يجيزه ولا يبطله ولا يتوارث حتى يستبين أمره أما لا نبطله لأن العاقد ولي ولا نجيزه لأنا لا نعلم بمصادفة هذا العقد محله ولا يتوارث لأن التوارث من حكم انتهاء العقد الصحيح بالموت وإن قتل خطأ قبل أن يستبين أمره فعلى قول الشعبي على القاتل نصف دية المرأة ونصف دية الرجل باعتبار الأحوال وعندنا القول قول القاتل وعلى أولياء القتيل البينة لأن القاتل منكر للزيادة فكان القول قوله مع يمينه وعلى مدعى الزيادة إثباتها بالبينة.(30/201)
رجل مات وترك ابنا وامرأة وولد من هذه المرأة خنثي فمات الخنثي بعد أبيه فادعت أمه أنه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام وادعى الابن أنه كان يبول من حيث تبول الجارية فالقول قول الابن لأنها تدعى الزيادة في ميراثها منه والابن منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه على علمه لأنه يستحلف على فعل الغير والبينة بينة الأم سواء أقامت هي وحدها أو أقاما جميع البينة لأنها تثبت الزيادة في حقها والابن ينفي بينة تلك الزيادة ولو أقامت الأم بينة على ذلك وأقام رجل البينة أن الميت زوجه هذه الصبية على ألف درهم وأنها كانت تبول من حيث تبول النساء وطلب ميراثه منها قال فالبينة بينة الزوج لأن في بينتة زيادة إثبات فإنه يثبت صحة النكاح والميراث لنفسه فكانت بينته أولى بالقبول ثم للأم نصيبها من الصداق وغيره ولا يقال هي تنكر وجوب الصداق فكيف تأخذ نصيبها منه لأنها صارت مكذبة فيما زعمت في الحكم وقد بينا أن زعم الزاعم يسقط اعتباره إذا جرى الحكم بخلافه.
وكذلك إن أقام كل واحد منهما البينة أنه كان يبول من المبال الذي ادعاه ولم يكن يبول من المبال الآخر لأن قوله ولم يكن يبول نفي والشهادة بلفظ النفي لا تكون مقبولة فوجود هذه الزيادة كعدمها.(30/202)
ولو أقامت امرأة البينة أن أباها زوجها إياه في حال حياته وأمهرها عنه ألف درهم وأنه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام خاصة وأقامت الأم البينة أنه كان يبول من حيث تبول النساء فالبينة بينة المرأة لما فيها من إثبات الزيادة وهو أصل النكاح والمهر والميراث وكذلك لو صدقتها الأم فيما ادعت وأقام الابن البينة أنه كان جارية فالبينة بينة المرأة لما بينا ولو أقامت هذه المرأة البينة على ما وصفنا وأقام الزوج البينة على ما وصفنا في المسألة الأولى فالبينة بينة المرأة وهو إثبات الصداق فتترجح بذلك لأن البينتين تعارضتا في إثبات النكاح والميراث وفي بينة المرأة زيادة وهو إثبات الصداق فتترجح لذلك وإن وقعت البينتان في(30/203)
ص -95- ... وقتين فالوقت الأول أولى لأن صاحب الوقت الأول يثبت عقده وحده في الخنثي في وقت لا ينازعه غيره فيه وبعد ما ثبت ذلك في الوقت الأول الذي استند إليه تصير البينة الثانية محالا وأن كان الخنثي حيا أبطلت ذلك كله ولم أقض بشيء منه لأن في حال حياته المقصود هو الحل وقد تعارضت البينتان فيه وانتفتا لاستحالة أن يكون الشخص الواحد زوجا وزوجة بخلاف ما بعد موته فالعقد قد ارتفع هناك على أي وجه كان وإنما المقصود المهر والميراث فصرنا إلى الترجيح بإثبات الزيادة وهو نظير أختين ادعيا نكاح رجل بعد موته وأقامت كل واحدة منهما البينة قضي لهما بالميراث منه ولو كان الرجل حيا لكان يبطل البينتين إذا لم يؤقتا.
وكذلك لو ادعى رجلان نكاح امرأة فهو على هذا في الفرق بين ما بعد الموت وقبله قال وليس يكون الخنثي مشكلا بعد الإدراك على حال من الحالات لأنه إما أن تحبل أو تحيض أو تخرج له لحية أو يكون له ثديان كثديي المرأة وبهذا يتبين حاله وإن لم يكن له شيء من ذلك فهو رجل لأن عدم نبات الثديين يكون دليلا شرعيا على أنه رجل.(30/204)
وإذا قال أبوه أو وصيه هو غلام أو قال هي جارية فالقول قوله إذا كان لا يعلم حاله فإن كان لا يعلم أنه مشكل لم يقبل قوله لأنه قائم مقام الصغير فيكون أخباره بذلك كأخبار الخنثى بنفسه وإذا مات الخنثي بعد موت أبيه وهو مراهق فأقام الرجل البينة أن أباه زوجه على هذا الوصيف فأمر بدفعه إليها وأنه كان يبول من مبال النساء وأنه قد طلقها في حياته قبل أن يدخل بها فوجب له نصف هذا العبد وأقامت امرأة البينة أن أباها زوجها إياه في حياته على ألف درهم وأنه كان يبول من مبال الغلام فإن وقتت البينتان وقتين فصاحب الوقت الأول أولى لأنه أثبت دعواه في وقت لا ينازعه غيره فيه والإبطال للمعارضة وقد انعدم هذا وإن لم توقت البينتان ولا يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله لأن البينتين استويا في معنى الإثبات ففي كل واحد منهما إثبات النكاح والميراث وإثبات المهر أيضا لأن الرجل يثبت ببينته الملك لنفسه في نصف الوصيف والمرأة تثبت المهر والجمع بينهما ممتنع فللتعارض قلنا بأنه تبطل البينتان بخلاف ما تقدم فهناك إثبات المهر في بينة المرأة دون بينة الرجل.
وكذلك لو أقام الرجل البينة أن أباه زوجها إياه برضاها وإنه دخل بها فولدت هذا الغلام أبطلت ذلك كله لأنه في كل واحدة من البينتين إثبات النكاح والنسب والميراث فاستويا والجمع بينهما محال وإذا لم يعرف الحق منهما أبطلت ذلك كله ولو قامت إحدى البينتين وقضى القاضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها لأنا نتيقن بكذب أحد الفريقين فمن ضرورة القضاء بصدق الفريق الأول الحكم بكذب الفريق الثاني هذا هو الصحيح من الجواب.
وقع في بعض ذلك تشويش في الرواية فقال إذا لم يكن هناك ولد وقامت البينتان ولم يوقتا ولم يقض القاضي بواحدة منهما فإني أبطل ذلك كله وأرده وهذا الجواب إنما يكون في حال حياة الخنثي فأما بعد موته فقد بينا أن بينة المرأة أولى لما في بينتها من إثبات الزيادة وهو(30/205)
ص -96- ... المهر ولو كان الخنثى من أهل الكتاب فادعى مسلم أن أباه زوجه أياها على مهر مسمى وأقام بينة من أهل الكتاب وادعت امرأة من أهل الكتاب أنه زوجها وأقامت بينة من أهل الكتاب قضيت ببينة المسلم لأن المسلم أقام ما هو حجة عليها وهي أقامت ما ليست بحجة عليه.
وكذلك لو كان الرجل من أهل الكتاب وبينته من أهل الإسلام قضيت بها له لأن إبطال البينتين بحكم المعارضة والمساواة ولا معارضة بين شهادة المسلمين وشهادة الكفار فلا يجوز أن تجعل شهادة المسلمين مردودة لمكان شهادة الكفار وإذا مات هذا الخنثي فادعت أمه ميراث غلام وجحد الورثة ذلك وأقر الوصي به قال إذا جاءت الأموال والديون لم أصدق الوصي لأن عند الدعوى والجحود الحاجة إلى حجة حكمية وقول الوصي لا يكفي لذلك في حق الورثة بخلاف ما إذا لم يكن هناك دعوى المال فأخبر الوصي أنه غلام أو جارية فإنه يقبل قوله لأن الوصي قائم مقامه وهو لو أخبر بنفسه في حياته كان قوله مقبولا إذا لم يعرف خلاف ذلك منه إلا فيما يرجع إلى الزام الغير فكذلك قول الوصي بعد موته وإن كان الوصي أخاه فزوجه امرأة ثم مات الخنثي فقال الوصي هو غلام وقال بقية الورثة هو جارية لم يصدق الأخ إلا في نصيبه يرث من ذلك القدر معه لأن الوصي أحد ورثة الخنثى وقد أقر بصحة نكاحه وأن لها منه ميراث النساء وأحد الورثة إذا أقر بوارث آخر بسبب القرابة أو النكاح صدق في نصيب نفسه وإن لم يثبت أصل النسب بإقراره فإن كان له أخ آخر فأقر أنه جارية وزوجه رجلا ثم مات الخنثى وهو مراهق لم يتبين حاله فنكاح الأول جائز على الزوج دون غيره ولا يجوز نكاح الثاني على الثاني ولا على غيره من الورثة لأن كل واحد من الأولين يستند بالعقد كأنه ليس معه غيره فحين زوجه أحدهما لا يحكم ببطلان النكاح ليكون المزوج وليا ولو جعلنا النكاح من الثاني معتبرا كان من ضرورته الحكم ببطلان النكاح الأول وذلك لا وجه له ولأنه لما استويا ترجح الأول(30/206)
بالسبق فيتعين جهة البطلان في العقد الثاني وبالعقد الباطل لا يستحق الميراث فإن لم يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله ولم أورثهما شيئا لتحقق المعارضة والمساواة بينهما وتنافي الجمع بينهما ويجوز عتق هذا الخنثي عن الرقبة الواجبة لأن الواجب رقبة مطلقة يستوي فيه الذكر والأنثى والخنثي على أحد الوصفين لا محالة ولا يحضر إن كان مراهقا غسل امرأة ولا رجل كما لا يغسله إذا مات رجل ولا امرأة لتوهم نظر الجنس إلى خلاف الجنس.
وإذا زوج خنثي من خنثي وهما مشكلان على أن أحدهما رجل والآخر امرأة لم أجز النكاح ولم أبطله حتى يتبين أمرهما لأن العقد صدر بين الوليين فلا يحكم ببطلانه ما لم يعلم أنه لم يصادف محله ولا يحكم بجوازه لتوهم كونهما أنثيين أو ذكرين أو على عكس ما قدره الوليان وأن ما تألم يتوارثا لأن الإرث إنما يكون بعد الحكم بصحة النكاح وإن كان لم يعرف كل واحد منهما أنه مشكل أجزت النكاح إذا كان الأبوان هما اللذان زوجا لأن أب الزوج منهما أخبر أنه غلام وأب المرأة منهما أخبر أنها امرأة وخبر كل واحد منهما مقبول شرعا ما لم(30/207)
ص -97- ... يعرف خلاف ذلك فوجب الحكم بصحة النكاح بناء على ذلك فإن ماتا بعد ذلك الأبوين وأقام كل واحد من ورثتهما البينة أنه هو الزوج وإن الأخرى هي الزوجة لم أقض بشيء من ذلك فأما إذا قامت البينة بخلاف ما جرى الحكم به فهو مردود بلا إشكال وإن لم يعلم أيهما كان الزوج فقد تعارضت البينتان واستويا في أن كل واحدة منهما تنقض الأخرى وإن قامت إحدى البينتين أولا واتصل القضاء بها تعين البطلان للبينة الأخرى.
وإذا شهد شهود على خنثى أنه غلام وشهد شهود آخرون أنه جارية فإن كان يطلب ميراثا بهذه البينة قضيت بشهادة الشهود الذين شهدوا أنه غلام لأن فيه إثبات الزيادة وإن كان لا يطلب ميراثا وكان رجل يدعى أنها امرأته فضيت بأنها جارية لأن في هذه البينة إثبات النكاح والحل وإن كان لا يطلب شيئا ولا يطلب من قبله شيء لم أسمع هذه البينة لأن قبول البينة تنبني على دعوى صحيحة ولا تصح الدعوى لصحة الذكورة والأنوثة إذا لم يدع بها شيئا فلهذا لا تقبل البينة وهو بمنزلة من أثبت الإخوة بالبينة وهو لا يدعي بذلك شيئا إذ الثابت بالبينة كالثابت بالإقرار وقد بينا أنه بعد ما عرف كونه مشكلا إذا أقر أنه على أحد الوصفين لم يقبل إقراره بذلك إذا قامت البينة به والله أعلم بالصواب.(30/208)
ص -98- ... كتاب حساب الوصايا
قال الشيخ الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله اعلم بأن مسائل هذا الكتاب من تفريع الحسن بن زياد وقد كان هو المقدم في علم الحساب من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ويوجد غير هذه المسائل في تصنيف له سماه التكملات وإنما جمعها محمد بن الحسنرحمه الله في هذا التصنيف بعد ما صنف كتب الحساب وسماه حساب الوصايا لأن مقصوده تحقيق طريق التعميم الذي هو الأصل لأهل الكوفة في تخريج مسائل الحساب عليه والحساب قل ما يعتمدون ذلك الطريق ولكن الفقهاء رحمهم الله قدموه على سائر الطرق لأنه أقرب إلى طريق الفقه ومن سلك طريق الورع من أصحابنا لا يشتغل في شرح مسائل كتب الحساب بطريق الحساب ويقولون إنا لا نقف على حقيقة تلك الطرق ولا ندري أنها توافق فقه الشريعة أم لا وليس في الاشتغال بها كثير فائدة فيكتفي بما هو طريق الفقهاء رحمهم الله ومنهم من اشتغل بذكر ذلك الطريق وقالوا إن الحساب كسبي في الابتداء ضروري في الانتهاء وفي الفقه كسبي في الابتداء والانتهاء لأن المجتهد في الابتداء لا يدري أيصيب يقينا أم لا وبعد ما اجتهد لا يدري أنه أصاب يقينا أم لا وفي الحساب نتيقن إن أصاب في الابتداء فهو ضروري في الانتهاء فذكر طريق الحساب في مسائل الفقه لبيان أنه قد يستدل بطريق الفقه على ما يكون بمنزلة الضروري في الانتهاء وقد ذكرنا طرق الحساب في بعض ما تقدم من المسائل فيكتفي في بيان مسائل هذا الكتاب بما اعتمده محمد رحمه الله وهذا طريق التعميم وقد سماه ثم الكسر والتعميم هو الأصل فنقول رجل مات وترك ابنا وابنة وأوصى بمثل نصيب الابن فأجاز الابن ولم تجز الابنة فالقسمة من خمسة وأربعين سهما للابنة عشرة وللابن ثمانية عشر وللموصى له سبعة عشر لأنا نصحح الوصية لو أجازا جميعا فنقول عند إجازتهما تكون الفريضة من خمسة أسهم لأن قبل الوصية المال بين الابن والابنة أثلاثا وقد أوصى(30/209)
بمثل نصيب الابن ومثل الشيء غيره فيزداد للموصى له سهمان فتكون الفريضة من خمسة ثم تصحح الفريضة لو لم يجيز فنقول الفريضة من تسعة لأن الموصى له يأخذ ثلث المال والباقي بين الابن والابنة أثلاثا فتكون الفريضة من تسعة فإذا أجاز أحدهما ولم يجز الآخر فالسبيل أن نضرب تسعة في خمسة فيكون خمسة وأربعين خمسة عشر سهما وهو الثلث من ذلك للموصى له بلا منة الإجازة وللابنة ثلث ما بقي عشرة أسهم لأنها لم تجز الوصية فتأخذ كمال حقها من الثلثين والابن قد أجاز الوصية وباعتبار الإجازة حقه في خمسي المال وكل خمس تسعة فله ثمانية عشر فهو يأخذ من الباقي ثمانية عشر ويدفع سهمين إلى الموصى له فيحصل للموصى له سبعة عشر وللابن ثمانية عشر،(30/210)
ص -99- ... وإذ لم تجز الابنة أخذت حقها عشرة فانتقص بما كان يسلم للموصى له بالإجازة سهم وبقي سهمان وضرر الإجازة يكون عليهما بقدر نصيبهما والتفاوت ما بين حالة الإجازة وعدم الإجازة للموصى له ثلاثة أسهم سهمان من ذلك من نصيب الابن وسهم من نصيب الابنة والابن قد رضي بالتزام هذا الضرر ورضاه يعمل في نصيبه دون نصيب الابنة فلهذا دفع سهمين من نصيبه إلى الموصى له.
فإن قيل: ترك ثلاث بنين وأوصى لشخص بمثل نصيب أحدهم ولآخر بثلث ما بقي من الثلث فالقسمة من ثلاثة وثلاثين للموصى له بمثل نصيب أحدهم ثمانية وللآخر سهم ولكل بن ثمانية والطريق في تخريجه أن تأخذ عدد البنين وهو الثلاثة فتزيد عليها سهما للوصية بمثل النصيب ثم تضرب ذلك في ثلاثة لمكان وصيته بثلث ما بقي من الثلث فيكون اثنا عشر ثم ادفع منه ما زدت للنصيب وهو واحد لأن الوصية بثلث ما بقي بعد النصيب فيبقى أحد عشر سهما فهو الثلث وجملة المال ثلاثة وثلاثون وإذا أردت أن تعرف النصيب فخذ النصيب وهو السهم واضربه في ثلاثة فيكون تسعة ثم ارفع منه سهما كما رفعته من أصل الثلث يبقى ثمانية فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما بقي سهم وترد الباقي وذلك سهمان على ثلثي المال فيكون أربعة وعشرين مقسوم بين ثلاثة بنين لكل بن ثمانية مثل النصيب قال في الأصل فإن أردت أن تحسبه بالجامع ومراده طريق الخطأين وفي تخريجه ثلاث طرق أحدها يسمى طريق التقدير والآخر يسمى طريق الجامع الأصغر والآخر طريق الجامع الأكبر فالذي ذكر في الكتاب أن قال خذ مالا فوق العشرة له ثلث وهو اثنا عشر فاخرج ثلثه وهو أربعة وأعط بالنصيب منه سهما وبثلث ما يبقى من الثلث سهما بقي سهمان فردهما على ثلثي المال فيصير عشرة وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ بسبعة فاحفظ ذلك معك وخذ مالا آخر له ثلث وهو أحد وعشرون فاخرج منه الثلث سبعة ثم أعط بالنصيب سهما وبثلث ما يبقى سهمين بقي أربعة فزدها على(30/211)
الثلثين فيكون ثمانية عشر وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ الثاني بزيادة خمسة عشر فاضرب الثلث الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو خمسة عشر فيكون ستين وثلث الثاني وهو سبعة في الخطأ الأول وهو سبعة فيكون تسعة وأربعين اطرح الأقل من الأكثر يبقى أحد عشر وهو الثلث ومعرفة النصيب أن تطرح أقل الخطأين من أكثرهما بلا ضرب فإن طرحت سبعة من خمسة عشر بقيت ثمانية فهو النصيب فهو الذي أشار إليه الجامع الأكبر والفقهاء رحمهم الله يعبرون عنه بتضعيف الثلث سوى النصيب فهو كذلك فقد جعل الثلث الأول أربعة والثلث الثاني سبعة وعلى طريق التقدير في الخطأين أن تقول لما ظهر الخطأ الأول بزيادة سبعة تجعل ثلث المال أربعة ثم تعط بالنصيب سهمين وبثلث ما يبقى ثلثا سهم يبقى سهم وثلث تضمه إلى ثلثي المال فيصير تسعة وثلثا وحاجة الورثة إلى ستة ظهر الخطأ بزيادة الثلاثة وثلث وكان الخطأ الأول بزيادة سبعة فلما زدنا في النصيب سهما اذهب خطأ ثلاثة وثلاثين ويبقى خطأ ثلاثة وثلث فتزيد في النصيب ما(30/212)
ص -100- ... يذهب الخطأ الباقي وذلك عشرة أجزاء من أحد عشر جزأ لأن كل سهم يؤثر في أحد عشر فتنفذ الوصية في سهمين وعشرة أجزاء بقي سهم وجزء من أحد عشر جزأ للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك فقد انكسر فتضرب أربعة في أحد عشر فيكون أربعة وأربعين النصيب من ذلك اثنان وثلاثون يبقى من الثلث اثنا عشر للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو أربعة والباقي وهو ثمانية رده على ثلثي المال ثمانية وثمانين فيكون ستة وتسعين بين ثلاث بنين لكل بن اثنان وثلاثون مثل النصيب وبين هذه الأجزاء موافقة بالربع فإذا اقتصرت على ذلك كان الثلث أحد عشر والنصيب ثمانية وثلث يبقى من الثلث واحد وعلى طريق الجامع الأصغر تقول لما ظهر أن الخطأ الأول بزيادة سبعة والثاني بزيادة ثلاثة وثلث فتضرب ثلث الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو ثلاثة فيكون اثني عشر وثلث ثلث الثاني وهو أربعة في الخطأ الأول وهو سبعة فيكون ثمانية وعشرين اطرح الأقل من الأكثر يبقى أربعة عشر وثلثان وقد انكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون أربعة وأربعين.
ومعرفة النصيب أن تضرب نصيب الأول وهو سهم في الخطأ الثاني وهو الثلاثة والثلث ونصيب الثاني في الخطأ الأول وهو سبعة فيكون أربعة عشر ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى عشرة وثلثان اضربه في ثلاثة فيكون اثنين وثلاثين فهو النصيب.
وإذا أردت الاقتصار فبين هذه الأعداد موافقة بالربع كما بينا وحاصل طريق الخطأين أنه متى كان الخطأ إلى زيادة أو نقصان فالسبيل طرح الأقل من الأكثر ومتى كان أحدهما إلى زيادة والآخر إلى نقصان فالسبيل هو الجمع بينهما ومسائل الحساب تخرج مستقيما على طريق الخطأين إذا لم يخالطه حذر فإن خالطه ذلك فقد يخرج مستقيما وفي الأغلب لا يخرج مستقيما فلهذا لا يشتغل به أكثر أهل الحساب.(30/213)
قال: فإن ترك ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم والثلث والربع مما يبقى من الثلث فالثلث أحد وأربعون سهما والنصيب منه تسعة وعشرون والثلث والربع مما يبقى من الثلث سبعة وثمانون وطريق التخريج أن تأخذ عدد البنين ثلاثة فتزيد عليه سهما بوصيته بمثل النصيب ثم تضرب ذلك في اثني عشر لحاجتنا إلى حساب له ثلث وربع لأنه أوصى بالثلث والربع مما بقي من الثلث فيصير ثمانية وأربعين سهما ثم اطرح من ذلك سبعة وهو ثلث اثني عشر وربعه لأن هاتين الوصيتين بعد النصيب فيبقى أحد وأربعون سهما فهو ثلث المال والثلثان اثنان وثمانون.
وإذا أردت معرفة النصيب فخذ النصيب وهو واحد واضربه في ثلاثة يكون ثلاثة ثم اضربه في اثني عشر فيكون ستة وثلاثين ثم اطرح من ذلك سبعة ثلث اثني عشر وربعه يبقى تسعة وعشرون فهو النصيب إذا رفعته من أحد وأربعين بقي اثنا عشر للموصى له الآخر ثلث هذا الباقي وربعه وهو سبعة يبقى خمسة فتضم ذلك إلى ثلثي المال فيكون سبعة وثمانين مقسوما بين ثلاث بنين لكل بن تسعة وعشرون مثل النصيب الكامل فكان مستقيما.(30/214)
ص -101- ... ولو أوصى بثلث نصيب أحدهم وربع وثلث وسدس ما يبقى من الثلث الآخر والثلث مما يبقى من ذلك الآخر فالثلث ثمانية وثلاثون والنصيب ستة وعشرون ويبقى من الثلث اثني عشر فثلثها وربعها وسدسها تسعة وثلث ما يبقى بعد ذلك سهم واحد وهذا من التعميم الكثير أيضا فطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين الثلاثة فتزيد عليه النصيب واحدا ثم تضربه في مال له ثلث وربع وسدس وثلث ما يبقى بعد ذلك وذلك اثنا عشر إذا ضربت أربعة في اثني عشر تكون ثمانية وأربعين ثم اطرح من ذلك ثلث اثني عشر وهو أربعة وربعه وهو ثلاثة وسدسه وهو اثنان وثلث ما يبقى بعد ذلك وهو واحد فيكون جملة ما طرحته عشرة يبقى ثمانية وثلاثون فهو ثلث المال ومعرفة النصيب وهو واحد فتضربه في ثلاثة ثم في اثني عشر فيكون ستة وثلاثين ثم اطرح من ذلك عشرة كما طرحته من الثلث وهو ثلث اثني عشر وربعه وسدسه وثلث ما بقي بعد ذلك يبقى ستة وعشرون فهو النصيب إذا رفعته من ثمانية وثلاثين يبقى من الثلث اثنا عشر فللموصى له الآخر ثلثها وربعها وسدسها وذلك تسعة يبقى ثلاثة للموصى له الآخر ثلث ذلك وهو سهم يبقى سهمان تضمهما إلى ثلثي المال ستة وسبعين فيصير ثمانية وسبعين بين ثلاث بنين لكل بن ستة وعشرون مثل النصيب الكامل فاستقام التخريج وإن ترك خمسة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وثلث ما يبقى من الثلث فالثلث سبعة عشر والنصيبان أربعة عشر والباقي بعدهما من الثلث ثلاثة فيعطي ثلثيها وهو سهمان ويرد السهم الباقي إلى الثلثين وطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين خمسة فتزيد عليه النصيبين وهو اثنان فيصير سبعة ثم تضرب في ثلاثة لمكان وصيته بثلثي ما يبقى من الثلث لكنا نطرح باعتبار كل نصيب سهما فإذا كانت الوصية بثلثي ما يبقى من الثلث تطرح باعتبار كل نصيب سهمين لأن الثلثين ضعف الثلث وهذا هو الأصل في هذا الجنس فإذا طرحنا أربعة من أحد وعشرين يبقى سبعة عشر وهو الثلث ومعرفة النصيبين أن تأخذ(30/215)
النصيبين وذلك اثنان فتضرب ذلك في ثلاثة فيصير ستة ثم ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر ثم تطرح من ذلك أربعة باعتبار النصيبين لما بينا يبقى أربعة عشر فهو مقدار النصيبين كل نصيب سبعة إذا رفعت ذلك من سبعة عشر يبقى ثلاثة للموصى له بثلثي ما يبقى من الثلث سهمان ثلثا ذلك ويبقى من الثلث سهم فرده على ثلثي المال أربعة وثلاثين فيكون خمسة وثلاثين بين خمس بنين لكل بن سبعة مثل النصيب الواحد ولو كان قال وثلث ما بقي من الثلث كان الثلث تسعة عشر والنصيبان ستة عشر والطريق فيه أن تزيد على عدد البنين سهمين فيكون سبعة ثم تضرب ذلك في ثلاثة فيكون أحدا وعشرين ثم تطرح باعتبار النصيبين هنا سهمين لأنه أوصى بثلث ما يبقى من الثلث فيبقى تسعة عشر سهما فهو الثلث.
وإذا أردت معرفة النصيبين فخذ اثنين وأضربهما في ثلاثة فتصير ستة ثم ستة في ثلاثة فتصير ثمانية عشر ثم ارفع من ذلك اثنين يبقى ستة عشر فهو النصيبان كل نصيب ثمانية فإذا رفعت من الثلث ستة عشر يبقى ثلاثة فللموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك يبقى سهمان(30/216)
ص -102- ... فردهما على ثلثي المال وهو ثمانية وثلاثون فيصير أربعين بين خمسة بنين لكل بن ثمانية مثل النصيب.
قال: ولو ترك ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب فالثلث ثلاثة عشر والنصيب عشرة والاستثناء سهم واحد وطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين ثلاثة فتزيد عليه للوصية بالنصيب سهما ثم اضربه في ثلاثة فيصير اثني عشر سهما ثم زد عليه مقدار النصيب وهو واحد لأن الوصية الثانية هنا بطريق الاستثناء فيكون المستثنى من النصيب فكان الطريق فيه الزيادة بقدر النصيب بخلاف ما سبق فهناك الوصية الثانية كانت بما بقي من الثلث بعد النصيب فكان الطريق طرح الزيادة والنصيب من الجملة فإذا زدت سهما على اثني عشر يكون ثلاثة عشر فهو ثلث المال وإذا أردت معرفة النصيب فخذ واحدا واضربه في ثلاثة فيصير تسعة ثم زد عليه واحدا كما زدت على أصل الثلث فيكون عشرة فهو النصيب إذا رفعته من الثلث يبقى ثلاثة فاسترجع من النصيب مثل ثلث ما يبقي من الثلث وهو سهم واحد فيحصل في يدك من الثلث أربعة وتسلم للموصى له بالنصيب تسعة ثم تزيد هذه الأربعة على ثلثي المال ستة وعشرين فيصير ثلاثين سهما بين ثلاثة بنين لكل بن عشرة مثل نصيب الكامل.(30/217)
ولو ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب بن رابع لو كان وثلث ما يبقى من الثلث فالثلث اثنان وأربعون والنصيبان أربعة وعشرون وثلث الباقي ستة والطريق فيه أن تأخذ عدد البنين ثلاثة وتزيد عليه النصيب وهو واحد فيصير أربعة ثم اضرب ذلك في ثلاثة فيصير اثني عشر فإن قسمته بين ثلاث بنين كان لكل بن أربعة وإن قسمته بين أربعة كان لكل واحد ثلاثة فتبين أن نصيب الرابع لو كان ثلاثة فزدنا على الاثني عشر مثل نصيب رابع لو كان وهو ثلاثة أسهم فيصير خمسة عشر سهما ثم اضرب خمسة عشر في ثلاثة لأنه قال وثلث ما يبقى من الثلث فيصير خمسة وأربعين ثم اطرح منه نصيب رابع لو كان وهو ثلاثة يبقى اثنان وأربعون فهو ثلث المال فإذا أردت معرفة النصيب فخذ مثل نصيب رابع من اثني عشر وهو ثلاثة فاضربه في ثلاثة فيكون تسعة ثم تسعة في ثلاثة فيكون سبعة وعشرين ثم اطرح منه أيضا ثلاثة يبقى أربعة وعشرون فهو نصيب رابع لو كان إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى ثمانية عشر سهما للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو ستة يبقي من الثلث اثنا عشر فزده على ثلثي المال وهو أربعة وثمانون فيصير ستة وتسعين سهما إن قسمته بين ثلاثة بنين كان لكل بن اثنان وثلاثون سهما ولو قسمته بين أربعة كان لكل بن أربعة وعشرون سهما فعرفنا أن نصيب رابع لو كان أربعة وعشرين وقد نفذنا الوصية للموصى له في ذلك القدر فاستقام.
رجل ترك ثلاثة بنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بربع ماله فأجازوا فالمال ستة عشر للموصى له بالربع منه أربعة وللموصى له بمثل النصيب ثلاثة والطريق فيه أن تأخذ عدد البنين وذلك ثلاثة فتزيد عليه بالنصيب واحدا لوصيته بمثل النصيب ثم تزيد عليه للوصية(30/218)
ص -103- ... الأخرى مثل ثلثه وذلك سهم وثلث لأنك إذا زدت على العدد مثل ثلثه تكون الزيادة ربع الكل ثم تضرب خمسة وثلثا في ثلاثة فتصير ستة عشر فهو مبلغ المال وقد أوصى لأحدهم بربع جميع المال وذلك أربعة من ستة عشر فإذا أخذ ذلك يبقى اثنا عشر للموصى له بمثل النصيب ثلاثة لأنا جعلنا النصيب واحدا وضربنا كل سهم في ثلاثة فإذا أخذ ذلك يبقى تسعة بين ثلاث بنين لكل بن ثلاثة مثل النصيب وسمى هذا في الأصل المنكوس لأن الأصل فيه أن تزيد أقل مما أوصى به فإنه إن كان أوصى بربع ماله تزيد مثل ثلث ما معك وإن كان أوصى بخمس ماله تزيد مثل ربع ما معك وإن كان أوصى بسدس ماله تزيد مثل خمس ما معك فلهذا سماه المنكوس فإن ترك ثلاثة بنين وأوصى بربع ماله وبثلث ماله وبدرهم فالمال على أربعة وعشرين فالسبيل في تخريجه أن تأخذ حسابا له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فتطرح منه الثلث وهو أربعة والربع وهو ثلاثة فيبقى خمسة ثم تطرح منه الدرهم فيبقى أربعة فإذا قسمته بين البنين الثلاثة لم تستقم سهامهم صحاحا فتعول إلى اثني عشر فتعزل منه الثلث والربع ولا تعزل منه الدرهم فيبقى خمسة، وكان قد بقي في المرة الأولى أربعة فإذا جمعت بينهما كان تسعة وهو مستقيم بين البنين الثلاثة لكل بن من ذلك ثلاثة فاضرب أصل الحساب وهو اثنا عشر في اثنين وإنما ضربت ذلك في اثنين لأنك جمعت ما بقي من المال الأول والمال الآخر فصار مرتين فلهذا تضرب أصل الحساب في اثنين فيصير أربعة وعشرين فهو المال الذي تخرج منه الوصايا فإذا رفعت منه الثلث وهو ثمانية يبقى ستة عشر وإذا رفعت منه الربع أيضا للوصية الأخرى وهو ستة يبقى عشرة فإذ ارفعت منه الدرهم لوصيته به تعول بدرهم يبقى تسعة مثل عدد الباقي من المالين بعد ما جمعت بينهما فيكون مقسوما بين ثلاث بنين لكل بن ثلاثة أسهم.(30/219)
ولو ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم وثلث وربع ما يبقى من الثلث ودرهم فالمال كله على مائة وتسعة وعشرين سهما والنصيب ثلاثون سهما وخرج هذه المسألة على طريق الخطأين بطريق الجامع الأصغر فقال السبيل أن تأخذ مالا إذا رفعت منه النصيب والدرهم كان له الثلث والربع والدرهم وأقل ذلك أربعة عشر فتجعل ثلث المال أربعة عشر وتعطي بالنصيب واحدا فيبقى ثلاثة عشر ثم تعطي واحدا آخر بقوله ودرهم فيبقى اثنا عشر فتعطى بالوصية الثانية ثلث وربع ما يبقى وذلك سبعة فيبقى خمسة فتعطي منه واحدا آخر بقوله ودرهم فيبقى أربعة فتزيدها على ثلثي المال وهو ثمانية وعشرون فيصير اثنين وثلاثين ثم تخرج منه نصيب البنين ثلاثة لأنا جعلنا النصيب واحدا فتكون حاجة البنين إلى ثلاثة أسهم فظهر الخطأ بزيادة تسعة وعشرين فعد إلى الأصل وخذ مالا آخر فوق المال الأول بواحد وهو خمسة عشر فارفع منه النصيب اثنين فبقي ثلاثة عشر فارفع منه الدرهم يبقى اثنا عشر فارفع من ذلك الثلث والربع والدرهم يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ثلاثون فيصير أربعة وثلاثين وحاجة البنين إلى ستة لأنا جعلنا النصيب سهمين فظهر الخطأ الثاني بزيادة ثمانية(30/220)
ص -104- ... وعشرين، فاضرب المال الأول وهو أربعة عشر في الخطأ الثاني وهو ثمانية وعشرون فيصير ثلاثمائة واثنين وتسعين ثم اضرب المال الثاني وهو خمسة عشر في الخطأ الأول وهو سبعة وعشرون فيصير أربعمائة وخمسة ثم اطرح الأقل من الأكثر فيبقى ثلاثة وأربعون سهما فهو ثلث المال وجملة المال مائة وتسعة وعشرون ومعرفة النصيب أن تأخذ نصيب الأول وذلك سهم فتضربه في الخطأ الثاني وهو ثمانية وعشرون فيكون ثمانية وعشرين فتأخذ النصيب الثاني وذلك اثنان فتضربه في الخطأ الأول وهو تسعة وعشرون فيصير ثمانية وخمسين اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثون فإذا رفعت من الثلث بالنصيب ثلاثين فيبقى ثلاثة عشر ثم ترفع واحدا بقوله ودرهم يبقى اثنا عشر فترفع بالوصية الأخرى ثلثها وربعها ودرهما وذلك ثمانية يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ستة وثمانون فيصير تسعين سهما بين ثلاث بنين لكل بن ثلاثون مثل النصيب ثم خرج المسألة على الجامع الأكبر أيضا على نحو ما خرجنا عليه بعض ما تقدم من المسائل الأول.
وحاصل الفرق بين الطريقين أن في الجامع الأصغر بعد الخطأ الأول تزيد في النصيب خاصة فتضعفه وفي الجامع الأكبر بعد الخطأ الأول تضعف المال سوى النصيب فمن حيث أن التضعيف هناك أكبر سماه الجامع الأكبر ومن حيث التضعيف هنا أقل سماه الجامع الأصغر وعلى هذا النحو تخريج ما ذكر بعده.
إذا أوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم فإنك تطلب حسابا إذا رفعت بالنصيب منه واحدا ودرهما يبقى ماله ثلث ثم التخريج إلى آخره كما بينا.(30/221)
رجل ترك ثلاث بنين وامرأة وترك عشرين درهما وثوبين وأوصى بمثل نصيب امرأته وثلث ما يبقى من الثلث ودرهما فصار أحد الثوبين بقيمته لأجل البنين فالثوب الآخر بقيمته لامرأته ما قيمة كل ثوب فالسبيل في معرفة ذلك على طريق الجامع أن تنظر أولا كم نصيب المرأة من نصيب الابن فنقول أصل الفريضة من ثمانية والقسمة من أربعة وعشرين للمرأة الثمن ثلاثة ولكل بن سبعة فظهر إن نصيب المرأة ثلاثة أسباع نصيب الابن فنقول الابن يأخذ العشرين الذي ترك ويقوم الثوب الذي أخذه الابن بأربعة دراهم والثوب الآخر الذي أخذته المرأة بالدرهم وخمسة أسباع درهم ثلاثة أسباع أربعة فيجمع بينهما فتكون خمسة وعشرين وخمسة أسباع ثم يخرج الثلث منها لأنه أوصى من الثلث فذلك ثمانية وأربعة أسباع درهم فتعطى منها مثل نصيب المرأة وهو درهم وخمسة أسباع درهم يبقى ستة دراهم وستة أسباع فتعطي بالوصية الثانية ثلثها وذلك درهمان وسبعان فيبقى أربعة دراهم وأربعة أسباع درهم فتعطي منها درهم بقوله ودرهم فيبقى ثلاثة وأربعة أسباع فتجمعه إلى الثلثين وهو سبعة عشر درهما وسبع فيكون عشرين درهما وخمسة أسباع فتقسمه بين البنين والمرأة لكل بن أربعة دراهم وللمرأة درهم وخمسة أسباع فيكون ذلك ثلاثة عشر درهما وخمسة أسباع إذا رفعنا ذلك من عشرين درهما وخمسة أسباع يبقى سبعة دراهم فقد ظهر الخطأ بزيادة سبعة فاحفظها وعد(30/222)
ص -105- ... إلى الأصل فقوم الثوب الذي أخذه الابن بسبعة دراهم والثوب الذي أخذته المرأة بثلاثة دراهم لأن نصيبها مثل ثلاثة أسباع نصيب الابن فيكون عشرة ثم يضم ذلك إلى عشرين درهما التي تركها الميت فيكون ثلاثين الثلث منها عشرة فتعطي منها بالوصية بالنصيب ثلاثة مثل نصيب المرأة وبالوصية الأخرى درهمين وثلث لأن ثلث ما بقي من الثلث وهو سبعة هذا يبقى أربعة وثلثا درهم فتعطي درهما أيضا بقوله ودرهم فيبقى ثلاثة دراهم وثلثا درهم فتزيده على الثلثين الباقيين وذلك عشرون فتصير ثلاثة وعشرين وثلثي درهم فاقسمه بين البنين والمرأة لكل بن سبعة وللمرأة ثلاثة فجملة ذلك أربعة وعشرون ظهر الخطأ الثاني بنقصان ثلث درهم وقد بينا أن الخطأين متى كان إلى الزيادة أحدهما والآخر إلى النقصان فالطريق هو الجمع بينهما وإذا جمعت بينهما كان سبعة وثلثا فانكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون اثنين وعشرين بالأجزاء فاحفظ هذا ثم اضرب الخطأ الأول وهو سبعة في القيمة الثانية لثوب الابن وهو سبعة فيكون تسعة وأربعين ثم اضرب الخطأ الثاني وهو ثلث في قيمة الثوب الأول وهو أربعة فيكون درهما وثلثا ثم تجمع بينهما فيكون خمسين وثلثا ثم يضرب ذلك في ثلاثة للكسر بالثلث كما ضرب سبعة وثلث فيكون مائة وأحدا وخمسين ثم تقسمها على الأجزاء التي حفظتها وذلك اثنان وعشرون.
وإذا قسمت مائة وأحدا وخمسين على اثنين وعشرين فكل قسم من ذلك ستة دراهم وتسعة عشر جزأ فهذا هو نصيب الابن وتبين أن قيمة ثوب الابن ستة دراهم وتسعة عشر جزأ ونصيب المرأة مثل ثلاثة أسباع نصيب الابن فظهر إن قيمة ثوبها درهمان وعشرون جزأ وخمسة أسباع جزء فظهر المقصود وهو معرفة قيمة كل ثوب.(30/223)
ولو ترك خمسة بنين وأوصى بدرهم من ماله وبسدس ماله بعد الدرهم فتخرج المسألة من سبعة لأنك تأخذ عدد البنين خمسة فتزيد عليها درهما لوصيته بسدس ماله لأن الطريق في مثله أن تزيد مثل خمس ما معك والذي معك خمسة وواحد فيصير معك ستة ثم تزيد درهما من أجل الوصية الأولى وهو الوصية بدرهم قبل السدس فيكون سبعة ترفع من ذلك بالوصية الأولى درهما وبالوصية الثانية سدس ما معك بعد الدرهم والذي معك ستة فسدسها درهم ثم يبقى خمسة بين البنين لكل بن سهم فكان مستقيما.
ولو كان ترك أربعة بنين وأوصى بدرهم وبسدس ماله بعد الدرهم ودرهم بعد السدس فهو يخرج من سبعة أيضا لأنك تأخذ عدد البنين أربعة فتزيد عليها درهما من أجل قوله ودرهم بعد السدس فإن ذلك بمنزلة الوصية بمثل نصيب أحدهم فيكون معك خمسة ثم تزيد عليها خمسها وهو درهم من أجل وصيته بسدس ماله فيكون ستة ثم تزيد عليها درهما من أجل الوصية الأولى وهو الوصية بدرهم فيكون ذلك سبعة رفع منها درهم بالوصية الأولى وبالوصية الثانية سدس ما بقي وهو درهم أيضا وبالوصية الثالثة درهم لأنه قال وبدرهم بعد السدس فيبقى أربعة بين أربعة بنين مستقيم لكل ابن درهم فإن ترك ثلاث بنين وأبوين وأوصى(30/224)
ص -106- ... بمثل نصيب إحدى البنات لبعضهم وبثلث ما يبقى من الثلث لأخرى وأوصى لإحدى البنات بتكملة الثلثين مع نصيبها فأجازوا فالثلث خمسون والنصيب عشرون وثلث الباقي عشرة والتكملة ثلاثون والطريق في ذلك أن تأخذ أصل الفريضة وهو ثمانية عشر لحاجتك إلى حساب ينقسم ثلثاه بين البنات أثلاثا وذلك ثمانية عشر للبنات الثلثان اثنا عشر بينهن لكل واحدة أربعة وللأبوين السدسان وهو ستة لكل واحد ثلاثة ثم تضرب ثمانية عشر في ثلاثة من أجل وصيته بثلث ما يبقى من الثلث فيصير أربعة وخمسين ثم تطرح منها أربعة أسهم مثل سهام إحدى البنات من أصل الفريضة فيبقى خمسون فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون جملة المال مائة وخمسين إذا أردت قسمتها فالسبيل أن ترفع منها ثلثها يبقى مائة ثم تأخذ من هذه المائة مثل أصل الفريضة ثمانية عشر مرة بعد مرة حتى يكون الباقي منها دون ثمانية عشر فإذا رفعت منها خمس مرات ثمانية عشر يكون ذلك تسعين فيبقى عشرة فاحفظ هذه العشرة واقسم التسعين أولا فاعط الأبوين ثلثها وذلك ثلاثون لكل واحد منهما السدس خمسة عشر ونقسم ستين سهما بين البنات لكل واحدة عشرين فتبين أن نصيب كل ابنة عشرون فادفع إلى الموصى له بمثل النصيب من الثلث الذي عزلت عشرين فيبقى ثلاثون ثم ادفع للموصى له بثلث ما يبقى من الثلث ثلث الباقي وهو عشرة فبقي عشرون فاجمع بينهما وبين العشرة التي بقيت معك من المائة فيكون ثلاثين فردها على نصيب الابنة التي أوصى لها بتكملة الثلثين فإذا زدت الثلاثين على عشرين تبلغ الجملة خمسين وهو ثلث المال فاستقام التخريج.(30/225)
رجل مات وترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وبثلث ما يبقى من الثلث ودرهم فالمال ثلاثون سهما والثلث عشرة والنصيب سبعة وثلث ما يبقى من الثلث سهم فالسبيل في ذلك أن تأخذ مالا له ثلث صحيح وذلك ثلاثة فترفع بالنصيب واحدا وبالدرهم آخر فيبقى واحد فاقسمه بين البنين الثلاثة لكل بن ثلثا درهم ثم تأخذ عدد البنين وذلك ثلاثة فرده على نصيب أحدهم وهو الثلث فيكون ثلاثة وثلثا اضربه في ثلاثة فيصير ذلك عشرة فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون المال ثلاثون وإذا أردت معرفة النصيب فانظر ما بين المال الذي أخذته أول مرة وهو ثلاثة وبين الثلث وهو عشرة فتجد ذلك سبعة فهو النصيب إذا رفعت سبعة من الثلث يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو سهم وللموصى له بالدرهم مثل ذلك يبقى من الثلث واحد فرده على ثلثي المال وذلك عشرون وهو مقسوم بين ثلاثة بنين لكل بن سبعة مثل النصيب وإن كان قال وبربع ما يبقى من الثلث وبدرهم فتخريجه على هذا النحو أن تأخذ مالا له ربع وهو أربعة فترفع بالنصيب منه واحدا وترفع الدرهم الذي قال يبقى سهمان فاقسمهما بين البنين الثلاثة لكل بن ثلثي سهم فرد ما أصاب واحدا منهم على أصل الفريضة وهو أربعة فيصير أربعة وثلاثين اضرب ذلك في ثلاثة فيصير أربعة عشر فهو الثلث.
وإذا أردت معرفة النصيب نظرت إلى ما بين أصل الفريضة وهو أربعة وبين الثلث وهو أربعة عشر فذلك عشرة فهو النصيب إذا رفعته من الثلث يبقى أربعة للموصى له بربع ما يبقى(30/226)
ص -107- ... من الثلث سهم وللموصى له بالدرهم آخر يبقى سهمان فردهما على ثلثي المال وهو ثمانية وعشرون فيكون ثلاثين بين البنين الثلاثة لكل بن عشرة مثل النصيب فإن قال وبثلث وربع ما يبقى من الثلث ودرهم فهو على هذا القياس تأخذ مالا له ثلث وربع وهو اثنا عشر فترفع منه الثلث وهو أربعة والربع وهو ثلاثة يبقى خمسة فترفع منه الدرهم أيضا يبقى أربعة يقسم ذلك بين البنين الثلاثة لكل بن سهم وثلث ثم تزيد ما أصاب أحدهم وهو سهم وثلث على أصل الفريضة وهو اثنا عشر فيصير ثلاثة عشر وثلثا اضربه في ثلاثة فيصير أربعين سهما فهو الثلث.
وإذا أردت معرفة النصيب فانظر ما بين المال الأول وهو اثنا عشر وبين الثلث وهو أربعون فتجد ما بينهما ثمانية وعشرين فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى اثنا عشر فتعطي الموصى له بثلث ما يبقى وهو أربعة والموصى له بربع ما يبقى ثلاثة والموصى له بالدرهم درهما يبقى أربعة فرد ذلك على ثلثي المال وهو ثمانون ثم اقسمه بين البنين الثلاث لكل ابن ثمانية وعشرون مثل النصيب.(30/227)
فإن ترك خمس بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وثلث ما يبقى من الثلث ودرهم صحيح يعني لا كسر فيه فإنا إلى الآن خرجنا على حساب وقع فيه كسر فالسبيل في ذلك أن تأخذ أدنى مال يكون له ثلث ولثلثه ثلث وأقل ذلك تسعة إلا أنك تبتلى فيه بالتضعيف أيضا فلا يستقيم من تسعة فالسبيل أن تضعفه فيكون ثمانية عشر فاطرح ثلثها ثم اطرح منها الثلث والدرهم الثلث سهمان والدرهم سهم يبقى ثلاثة فاحفظها ثم عد إلى الأصل إلى الحساب فخذ عدد البنين خمسة وزد عليها واحدا من أجل الوصية بمثل نصيب أحدهم فتكون ستة فارفع ثلثها ودرهما يبقى ثلاثة فرد هذه الثلاثة على اثني عشر ثلثي الثمانية عشر الفريضة الأولى فيكون خمسة عشر ثم اقسم هذه الخمسة عشر على الثلاثة التي حفظت من الحساب الأول فيكون كل قسم خمسة فهو النصيب ثم زد هذه الخمسة على الستة وهو ثلث الفريضة الأولى التي أخذت فيكون أحد عشر وهو ثلث المال وجملة المال ثلاثة وثلاثون ثم ترفع النصيب وهو خمسة من الثلث يبقى ستة فأعط الموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمين وأعط الآخر درهما يبقى ثلاثة تضم ذلك إلى ثلثي المال وذلك اثنان وعشرون فيصير خمسة وعشرين مقسوم بين خمسة بنين لكل بن خمسة مثل النصيب وهذا هو الفرق في التخريج بناء على طريق الحساب في الفرق بين الصحاح والكسور.
ثم ذكر محمد رحمه الله في آخر الكتاب أن هذا شيء وضعه الحساب لا نأخذ به في القضاء لأن الميت إذا أوصى بالدرهم إنما يضرب في الثلث بدرهم من مال الميت فأما أن تجعل له سهما بتسمية الدرهم ثم تشتغل بالفرق بين أن تقول صحيح أولا يقول فهذا ليس بطريق القضاء ولكنه بيان على طريق الحساب فإن ترك ابنا وابنة فاختلس كل واحد منهما مالا ثم قال الابن أنا أرد مما اختلسته الثلث وتردين أنت الربع فيصير ما يبقى في يد كل واحد منا على قدر ميراثه ويقسم ما يزيد على فرائض الله تعالى كم كان مع كل واحد منهما، فالجواب(30/228)