لان القتال ما دام قائما بين الفريقين فالاصابة لا تتم.
إذ المشركون قاصدون (1) إلى الاستنقاذ من أيدى المسلمين، فإنما تمت الاصابة في الكل بقوة الذين أتوهم ردءا.
1675 - ولو كانوا حين غنموا غنائم كفوا عن القتال، فأتى كل فريق عسكره، ثم جاء المدد لم يشاركوهم في شئ من تلك الغنائم.
لان الوقعة التى أصيب فيها تلك الغنائم قد انقضت، فإنما الشركة لمن شهد الوقعة (ص 304) حقيقة وحكما، ولان الاصابة قد تمت في تلك الغنيمة.
حقيقة بتفريق الفريقين.
وحكما بالاحراز بدار الاسلام.
لانهم إنما يقاتلون العدو في دار الاسلام.
ولا شركة للمدد بعد الاحراز حقيقة وحكما.
1676 - فإن عادوا إلى العدو من الغد وقاتلوهم وأصابوا غنائم، شاركوهم في الغنيمة الثانية.
لانهم شهدوا الوقعة فيها، وإنما صارت محرزة بمباشرتهم القتال أو قربهم بأن كانوا ردءا للجيش.
1677 - وإن كانوا حين لقوا العدو من الغد قاتلوهم فانهزم المسلمون إلى خندقهم، المدد الذين جاءوا حتى هزموا عنهم المشركين، فقالوا نشارككم في الغنائم الاولى لانا دفعنا المشركين، عنها بالقتال لم يلتفت إلى قولهم.
لانها صارت محرزة بدار الاسلام قبل هذا القتال.
والقتال للدفع
* هامش * (1) في هامش ق " قائمون.
نسخة ميرزا ".(3/924)
عن المال في الغنائم المحرزة بالدار، كالقتال للدفع عن ثياب الجيش وأسلحتهم فلا يكون موجبا لهم الشركة فيها.
1678 - وإن كان المشركون حين هزموا المسلمين أخذوا تلك الغنائم فاستنقذها منهم المدد فإنهم يردونها إلى أهلها.
لان حقهم كان تأكد فيها بالاحراز بدار الاسلام، والتحقت بأموالهم (1) فيجب الرد عليهم، ولان المشركين وإن أخذوها لم يحرزوها بدارهم، فبقيت حقا للاولين كما كانت.
بخلاف مالو كانت هذه الحادثة في دار الحرب لان حق الاولين هناك لم يتأكد لانعدام الاحراز.
وإحراز أهل الحرب لها بالاخذ يتم فيبطل حق الاولين عنها ويلتحق بالغنائم التى يصيبونها الآن إبتداءا.
1679 ولو كان العدو في السفن في البحر في أرض الاسلام (2) فركب المسلمون البحر في السفن وحملوا معهم الخيل رجاء أن يخرجوا إلى البر فيقاتلوهم (3) فالتقوا في البحر فاقتتلوا فأصابوا غنائم، فإنهم يقسمونها على الخيل والرجالة.
لانهم التزموا مؤنة الفرس لقصد الجهاد عليه، فلا يحرمون سهم الفرسان بقاتلهم رجالة في موضع لم يتمكنوا من القتال على الفرس.
ألا ترى أنهم لو لقوهم في بعض المضايق فترجلوا أو قاتلوا رجالة * هامش * (1) ق " بأملاكهم " وفى هامش ق " بأموالهم.
نسخة ميرزا ".
(2) ق " دار الاسلام " وفى هامشها " أرض الاسلام.
نسخة ".
(3) في هامش ق " فيقابلونهم.
نسخة ".(3/925)
استحقوا سهم الفرسان ؟ وكذلك لو قاتلوهم على باب حصن رجالة استحقوا سهم الفرسان لهذا المعنى كذلك هنا.
1680 - فإن كانوا تركوا الخيل (1) على الساحل في أرض (2) الاسلام وركبوا السفن رجالة، والمسألة بحالها، فإن كانوا تباعدوا من خيولهم، حتى لو كانوا في البر لم يقدروا على أفراسهم إن احتاجوا إلى القتال عليها لم يكن لهم سهم الفرس (3)، ولم يكن لمن تخلف في المعسكر على الساحل شركة معهم.
لانهم لو كانوا على البر بهذه الصفة لم يثبت الاستحقاق لمن تخلف في المعسكر، باعتبار أنهم لم يشهدوا الوقعة فكذلك إذا كانوا في البحر.
1681 - وإن لقوا العدو قريبا من المعسكر حيث يغيثونهم (4) إن أرادوا غنائمهم (5) فلهم الشركة، ويضرب لاصحاب الخيل فيها بسهام الخيل.
لانهم شهدوا الوقعة وصاروا بقربهم من موضع القتال كأنهم في موضع القتال.
وإنما انهزم العدو وظفر بهم المسلمون بقوة من كان في المعسكر فيشاركوهم.
ألا ترى أن المشركين لو كانوا في جزيرة في أرض المسلمين، وبين * هامش * (1) ق " فإن كانوا يتركون الخيل " وفى هامشها " تركوا الخيل.
نسخة ميرزا ".
(2) ق " دار " وفى هامش ق " أرض.
نسخة ".
(3) كذا في الاصل وب وق وفى ه، " الفرسان ".
وفى هامش ق " الفرسان.
نسخة ميرزا ".
(4) مهملة في الاصل.
أثبتنا رواية ه، ق، ب.
(5) كذا في الاصل وب وق.
وفى هامش ق " أغاثتهم.
نسخة " وفى ه " غياثهم ".(3/926)
عسكر المسلمين وبينهم شئ يسير مثل عرض الدجلة، فركب المسلمون في السفن حتى أصابوا غنائم، فإن من في المعسكر يشاركهم فيها إذا رجعوا إليهم (ص 305)، فكذلك في الاول 1682 - وعلى هذا لو دخل المسلمون غيضة في دار الاسلام مثل غياض طبرستان، فلم يقدر المسلمون على أن يدخلوها على الخيل، فدخلوها رجالة، وقاتلو العدو قريبا من معسكرهم حيث يسمعون صهيل خيولهم، فإن أهل العسكر شركاؤهم فيما غنموا، ولاصحاب الخيل سهم الفرسان.
لان الكل، للقرب من موضع القتال، كالحضور في ذلك الموضع.
1683 وإن أمعنوا في الغيضة على إثر العدو حتى اقتتلوا في موضع لو طلبوا الغياث لم يغثهم أصحابهم فلا شركة لمن في المعسكر معهم في المصاب.
لانهم لم يشهدوا الوقعة حقيقة ولا حكما لبعدهم من موضع القتال.
1684 وكذلك لو تحصن المسلمون في قلعة في أرض الاسلام، أو في جبل لا تقدر الخيل على صعود ذلك الموضع، أو تحصنوا في حصن وجعلوا الماء في الخندق، حتى صار ما حول المدينة شبه (1) البحيرة (2)، * هامش * (1) ب " يشبه "، ه " شبيهة " وافقت ق رواية الاصل.
(2) كذا في الاصل وب.
وفى ه، ق " البحر ".
وفى هامش ق " شبه البحيرة.
نسخة حصيرى ".(3/927)
فركبوا السفن حتى انتهوا إلى الحصن، وصعدوا القلعة رجالة حتى فتحوا القلعة، وأصابوا الغنائم، فإن أهل العسكر شركاؤهم فيها،
لاصحاب الخيل سهم الفرسان.
لان الذين ظفروا إنما ظفروا بقوة أهل العسكر حين كانوا بالقرب منهم.
1685 إلا أن يكون المعسكر نائيا عن القلعة والحصن بحيث لا يغيثونهم ولا يكونوا ردءا لهم، فحينئذ لا شركة معهم لاهل العسكر.
لان تمكنهم من الاصابة بقوة أنفسهم لا بقوة من في المعسكر، والاصابة تتم قبل الرجوع إلى المعسكر هاهنا، وتصير الغنيمة محرزة بدار الاسلام فلا يشاركونهم فيها.
ألا ترى أنهم لو فعلوا هذا في دار الحرب ثم لم يرجعوا إلى المعسكر، ولكنهم خرجوا من جانب آخر إلى دار الاسلام، فإن أهل المعسكر لا يشاركهم فيها، إلا إذا كانوا بالقرب منهم.
حين اقتتلوا وأصابوا على وجه لو استغاثوا بهم أغاثوهم ؟ فكذلك إذا كان القتال في دار الاسلام.
إلا أن في دار الحرب من كان من أصحاب السرية خلف فرسه في المعسكر استحق سهم الفرسان، وإن كانت الاصابة بعد ما بعدوا من المعسكر، بخلاف ما إذا كان القتال في دار الاسلام، لان هناك سبب الاستحقاق له قد انعقد بمجاورة الدرب فارسا.
ألا ترى أنه لو نفق فرسه استحق سهم الفرسان ؟ فكذلك إذا خلفه في المعسكر، ولكن هذا المعنى غير معتبر في حق المستحق.
ألا ترى أن من مات من الجند في دار الحرب لم يضرب له بسهم (1).
* هامش * (1) في هامش ق " سهم.
نسخة ".(3/928)
فلهذا لا شركة لمن تخلف في المعسكر.
ومن كان من أهل السرية خلف فرسه
في المعسكر استحق السهم به.
فأما إذا كان القتال في دار الاسلام فإنما ينعقد سبب الاستحقاق هاهنا بشهود الوقعة فارسا، وحين كان فرسه بالبعد منه في موضع لا يتمكن من القتال عليه إن لو احتاج إليه، فهو ما شهد الوقعة إلا راجلا، فلا يستحق سهم الفارس.
والله أعلم (1).
* هامش (1) في الاصل " بلغ قراءة عليه حفظه الله تعالى ".
م - 7 السير الكبير(3/929)
100.
باب دخول المسلمين دار الحرب بالخيل ومن يسهم له منهم في الغصب والاجارة والعارية والحبس 1686 - قال: قد بينا فيما سبق أنه ينبغى للامير أن يعرض الجيش حين دخل دار الحرب فيكتب أصحاب الخيل (306) بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وحلاهم (1)، ويكتب الرجالة كذلك.
لان سبب الاستحقاق ينعقد لهم الآن، وهو محتاج إلى معرفة حال كل واحد منهم عند ذلك ليتمكن من القضاء بينهم بالحق.
ثم إذا رجعوا إلى ذلك الموضع عرضهم أيضا.
لان القسمة إنما تكون بعد الاحراز بدار الاسلام، فلابد أن يعرضهم عند ذلك ليتمكن من القسمة بينهم.
وهذا لانه يشق عليه عرضهم في كل يوم، فلدفع المشقة يكتفى بالعرض عند انعقاد السبب ابتداء وعند تأكد الحق بالاحراز.
1687 - فمن مر به في العرض الثاني راجلا وقد كان في العرض الاول فارسا سأله عن فرسه ما حاله.
فإن قال: عقر أو نفق أو أخذه المشركون فالقول قوله مع يمينه.
* هامش * (1) في ه " وحدهم " وقد انفردت بهذه الرواية.(3/930)
لانه يتمسك (1) بما عرف ثبوته، وانعقاد سبب الاستحقاق له معلوم، وأصحابه بقولهم إنه باع فرسه يدعون عليه ما يبطل استحقاقه من معنى (2) هو عارض وهو منكر.
لذلك فالقول قوله مع يمينه، حتى يثبت العارض المسقط.
1688 - فإن شهد شاهدان من المسلمين أنه باع فرسه (3) قبل إصابة الغنيمة فقد ثبت بالحجة العارض المسقط لاستحقاقه.
والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة.
ولو عايناه أنه باع فرسه قبل إصابة الغنيمة لم يستحق به السهم.
إلا في رواية شاذة عن أبى حنيفة برواية الحسن.
وقد بينا هذا في " شرح المختصر ".
ويستوى إن كان الشاهدان من أهل العسكر أو من التجار.
لان شركتهم في الغنيمة قبل القسمة شركة عامة.
فإنهم لا يملكون (4) شيئا قبل القسمة.
وبمثل هذه الشركة لا تتمكن التهمة في الشهادة، كما في مال بيت المال.
1689 فإذا حضر الرجل بفرسه ليدخل دار الحرب غازيا فغصب مسلم فرسه وأدخله دار الحرب، ثم وجد المغصوب منه فرسه في دار الحرب وأقام عليه البينة فأخذه، ففى القياس ليس له إلا سهم الرجالة.
* هامش * (1) ق، ب " متمسك " وفى هامش ق " يتمسك ".
نسخة ميرزا.
(2) في هامش ق " بمعنى.
نسخة ".
(3) ق " باعه ".
(4) ب " لم يملكوا ".(3/931)
لانه كان راجلا حين انعقد له سبب الاستحقاق بدخول دار الحرب، إذا لم يكن في يده فرس يتمكن من القتال عليه إن لو احتاج إليه، وقد أثبت اسمه في ديوان الرجالة، فلا يتغير حاله بعد ذلك بعود الفرس إلى يده، وتمكنه من القتال عليه في دار الحرب.
بمنزلة ما لو اشترى فرسا.
وفى الاستحسان له سهم الفرسان.
لانه التزم مؤنة الفرس للقتال عليه، حين خرج من أهله فارسا وقاتل وهو فارس أيضا، فلا يحرم سهمه بعارض غصب فيما بين ذلك، يزيل تمكنه من القتال عليه، كما لو مرض فرسه.
أرأيت أنه لو بقى بينه وبين دخول دار الحرب مقدار نصف ميل، فنزل ليقضى حاجته، فاستوى راجل على فرسه فأدخله دار الحرب، ثم دخل صاحب الفرس على إثره فأخذه منه، أكان يحرم سهم الفرس بهذا المقدار ؟ أرأيت لو أنه عار الفرس حين نزل لقضاء حاجته ودخل دار الحرب، فاتبعه الرجل فأخذه، أكان يحرم سهم الفرس ؟ أرأيت لو أنه حين عار الفرس أخذه مسلم فركبه أو لم يركبه، حتى دخل دار الحرب، ثم وجد صاحبه فأخذه منه، أكان يحرم سهم الفرس ؟ لا يستجيز أحد أن يقول: بهذا القدر يحرم سهم الفرس.
فكذلك الاول، ولكنه إن مر بالذى يعرضهم وهو راجل وأخبره هذا الخبر لم يصدقه على قوله، وكتبه راجلا، لانه يعلمه راجلا حقيقة، وما أخبر به محتمل للصدق والكذب، فلا يدع الحقيقة لاجله.
فإن كتبه راجلا ثم مر به في العرض الثاني وهو فارس، فقال: هذا الفرس الذى كنت أخبرتك خبره، لم يصدقه بقوله، لانه يدعى استحقاق * هامش * (1) ب " أرأيت لو غاب " ه " أرأيت لو أنه حين غاب " واتفقت ق مع أصلنا.
وفى هامش ق " لو أنه غاب للفرس.
نسخة حصيرى " وتحتها " وعار الفرس يعير ذهب هنا وهنا من نشاط أو هام على وجهه لا يثنيه شئ ".
مغرب.(3/932)
سهم الفرس بسبب لم يعرف.
والاستحقاق بمجرد قوله لا يثبت، فيحتاج إلى إقامة (ص 307) البينة على ما ادعى من ذلك.
وإذا أقام البينة كان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة.
1690 - ولو أن الغاضب حين أدخل فرس الغازى دار الحرب قاتل عليه حتى غنم المسلمون وخرجوا، فإنه يضرب له في الغنيمة بسهم الفارس.
لانه التزم مؤنة الفرس للقتال عليه وحقق ذلك بالقتال، فإن مؤنة المغصوب على الغاصب ما لم يرده.
1691 - ولا فرق في التمكن من القتال حسا بين الفرس المغصوب والفرس المملوك له.
ثم يرد الفرس إلى صاحبه ويغرم له ما نقص إن كان نقصه شئ.
لان ما استحق من السهم إنما استحقه لقتاله على الفرس، فهو بمنزلة ما لو أجر المغصوب وأخذ الاجر، فإنه يكون مملوكا له وليس للمغصوب منه على الاجر سبيل، وإنما له نقصان الفرس إن تمكن فيه نقصان، فهذا مثله ولا يضرب لصاحب الفرس في الغنيمة إلا بسهم راجل.
لانه ما كان متمكنا من القتال على الفرس في موضع من دار الحرب،
ولان بالفرس الواحد لا يستحق رجلان كل واحد منهما السهم الكامل، وقد استحق الغاصب السهم بهذا الفرس، فلا يستحق المالك به شيئا.
1692 - ولو كان غصبه منه بعد ما دخل دار الحرب والمسألة بحالها، فلصاحب الفرس سهم فارس.(3/933)
لان زوال (1) تمكنه من القتال على الفرس بالغصب بعدما جاوز الدرب كزوال تمكنه بموت الفرس.
والغاصب لا يضرب له إلا بسهم راجل.
لان المالك لما جعل فارسا بهذا الفرس فغيره لا يكون فارسا به أيضا.
ولانه لو اشترى فرسا في دار الحرب لم يستحق به سهم الفرسان، فإذا غصب فرسا أخرى أن لا يستحق به سهم الفرسان أولى.
1693 - ولو غصب الفرس قبل مجاوزة الدرب ثم أصابوا في دار الحرب غنائم والفرس في يد الغاصب، ثم استحقه المالك، وأصابوا غنائم بعد ذلك بقتال أو بغير قتال، ففى الغنائم الاولى يضرب للغاصب بسهم فارس.
لانه انفصل إلى دار الحرب فارسا، وقاتل حين أصيب تلك الغنائم وهو فارس، فيستحق سهم الفرسان.
ويضرب فيها لصاحب الفرس بسهم راجل.
لما بينا أنه لا يكون بالفرس الواحد فارسان.
وما أصابوا من الغنائم بعد ما استحق صاحب الفرس فرسه فإنه يضرب لصاحب الفرس فيه بسهم الفارس.
لانه استرده قبل الوقعة، فهو قياس مالو استرده قبل أن يلقوا
قتالا فيما أصيب بعد ذلك، ويضرب للغاصب فيها بسهم راجل لان صاحب * هامش * (1) ق " لانه زال تمكنه " وفى هامشها " لان زوال تمكنه.
نسخة حصيرى ".(3/934)
الفرس لما كان فارسا في هذه الغنيمة بهذا الفرس لم يكن غيره فارسا بها، ولان الفرس أخذ من يده بحق مستحق كان سابقا على دخوله دار الحرب.
ولو أخذ بحق مستحق اعترض بعد دخوله بأن باعه يخرج من أن يكون فارسا فيما يصاب بعد ذلك، فهاهنا أولى.
وكذلك إن لقوا قتالا فقاتل صاحب الفرس عن الغنائم الاولى بعد ما استرده فرسه، فإنه لا يضرب له فيها إلا بسهم راجل، لان حقه كان ثابتا في الغنائم الاولى بقدر سهم ر اجل، فهو ما قاتل إلا دفعا عن ذلك الحق، فلا يزداد به حقه (ص 308) ولا يبطل ما كان مستحقا للغاصب من سهم فرسه.
1694 - ولو كان صاحب الفرس حين جاء يريد دخول دار الحرب أعار مسلما فرسه وقال: قاتل عليه في دار الحرب.
فلما أدخله المستعير دار الحرب بدا للمعير فأخذه منه قبل إصابة الغنيمة (1) أو بعدها، فلصاحب الفرس في جميع ذلك سهم راجل.
لانه أزال الفرس عن يده باختياره قبل مجاوزة الدرب، وإنما انعقد له سبب الاستحقاق عند مجاوزة الدرب وهو راجل، ثم لا يتغير (2) بعد ذلك باسترداد الفرس، كما لا يتغير بشراء الفرس.
وليس هذا نظير ما استحسنا فيه من فصل الغصب، فإن هناك ما أزال يده باختياره، وبينهما فرق.
ألا ترى أنه لو دخل دار الحرب فارسا ثم أخذ المشركون فرسه استحق سهم الفرسان ؟ ولو باع فرسه لم يستحق سهم الفرسان.
وما كان الفرق إلا بهذا، إن تمكنه في أحد الموضعين زال في أحد الموضعين لا باختياره.
وفى الموضع الآخر أزاله باختياره.
* هامش * (1) ه " الغنائم ".
(2) في هامش ق " فلا يتغير.
نسخة ".(3/935)
1695 - وأما المستعير فله سهم الفارس (1) فيما أصيب قبل رده الفرس على المعير.
لان سبب الاستحقاق بمجاوزة الدرب انعقد له وهو فارس، والاصابة وجدت وهو فارس أيضا، وقد قررنا هذا في الغاصب ففى المستعير أولى.
1696 وأما ما أصيب بعد رد الفرس فله في ذلك سهم راجل.
لان الفرس أخذ منه بحق مستحق سابقا (2) على دخوله دار الحرب، وذلك يخرجه من أن يكون فارسا فيما يصاب بعد ذلك.
1697 ولو نفق الفرس عند المستعير ضرب له في الغنائم كلها بسهم فرس.
لانه كان فارسا حين انعقدت له السبب، ثم لم يؤخذ منه بحق حتى نفق في يده، فيكون هو كالمالك في ذلك.
1698 وإن أخذه المشركون من يده فأحرزوه، ثم أخذه المسلمون فردوه عليه، فإنه يعود إلى يده، كما كان.
حتى إذا أصابوا غنائم ثم أن يرده على المعير كان له سهم الفرسان في ذلك.
وإن رده إلى المعير ثم أصيبت الغنائم بعد ذلك فله سهم راجل، وذلك بمنزلة مالو لم يأخذه المشركون أصلا.
1699 - ولو كان صاحب الفرس دخل بالفرس أرض الحرب * هامش * (1) ق، ه " الفرسان ".
(2) كذا في ب والاصل.
وفى ق، ه " سابق ".(3/936)
ثم أعار غيره، فلم يزل معه يقاتل عليه حتى نفق وقد أصاب المسلمون غنائم قبل ذلك وبعده، فلصاحب الفرس في ذلك كله سهم فارس.
لانه دخل دار الحرب ملتزما مؤنة الفرس للقتال عليه، فإن بإعارته الفرس من غيره للقتال بعدما دخل دار الحرب لا يخرج من أن يكون قصده القتال على الفرس، بخلاف ما إذا باعه، فإنه يتبين بالبيع أن قصده كان التجارة لا القتال عليه.
وإذا ثبت أن للمعير سهم الفارس في جميع ذلك ثبت أن للمستعير سهم الرجالة، لانه لا يكون بالفرس الواحد فارسان (1)، ولان استعارة الفرس في دار الحرب لا تكون فوق شراء الفرس.
1700 ولو لم يدخل صاحب الفرس دار الحرب حتى أعاد رجلا فرسه ليركبه من غير أن يقاتل عليه، فركبه حتى دخل أرض الحرب، ثم رده على صاحبه، فصاحب الفرس في ذلك كله فارس.
لانه دخل دار الحرب وهو متمكن (ص 309) من القتال على الفرس.
إن لو احتاج إليه، فإنه يسترده من المستعير متى شاء.
وقد استرده وقاتل فارسا فيستحق سهم الفرسان.
والمستعير راجل في ذلك كله لانه ما كان متمكنا من القتال على الفرس عند مجاوزة الدرب، فإنه استعاره للركوب لا للقتال عليه.
بخلاف الاول، فإن هناك إذا قاتل حتى أصيبت الغنائم قبل الرد استحق سهم الفرسان، لكونه متمكنا من القتال على الفرس.
وبهذا يتضح الفرق أيضا في حق المعير.
فإن في الفصل الاول المستعير * هامش * (1) ه " فارسا " خطأ.(3/937)
لما كان فارسا بهذا الفرس عرفنا أن المعير ليس فارسا به.
وفى الفصل الثاني وهو الاعارة للركوب، المستعير لم يصر فارسا به في استحقاق السهم، فجعلنا المعير فارسا به لتمكنه من أخذه متى شاء.
1701 ولو كان المستعير حين دخل دار الحرب ادعى أن الفرس له وجحد حق صاحبه، وقاتل على الفرس حتى أصيبت الغنائم، ثم أقام المعير البينة وأخذ فرسه، فصاحب الفرس فارس في ذلك كله.
لان المستعير بالجحود صار غاصبا، وإنما جحد في دار الحرب فكان هذا بمنزلة ما لو غصب الفرس من صاحبه في دار الحرب ابتداء.
وقد بينا أن صاحب الفرس بهذا الغصب لا يخرج من أن يكون فارسا والغاصب به لا يصير فارسا، فكذلك ههنا (1).
1702 ولو كان صاحب الفرس آجره من رجل أياما ليركبه حين يدخل دار الحرب، وانقضت الاجارة قبل إصابة الغنائم أو بعدها، فصاحب الفرس راجل في جميعها.
لانه حين دخل دار الحرب لم يكن متمكنا من القتال على الفرس، فقد أوجب للمستأجر فيه حقا مستحقا، وبه فارق الاعارة.
1703 فإذا استرده بعد انقضاء المدة كان في حكم المشترى للفرس الآن، فلا يصير به فارسا.
والمستأجر راجل أيضا في جميع الغنائم.
* هامش * (1) ب " هنا ".(3/938)
لانه ما استأجره للقتال عليه، وإنما استأجره للركوب.
فلم يصر به
متمكنا من القتال على الفرس أن لو احتاج إليه، فهو بمنزلة ما لو استأجره ليحمل عليه ثقله.
1704 ولو كان استأجره شهرا أو أكثر ليركبه ويقاتل عليه، والمسألة بحالها، فصاحب الفرس راجل في جميع ما يصاب إلى أن يخرجوا إلى دار الاسلام.
لما بينا أنه دخل دار الحرب، ولغيره حق مستحق في فرسه، فلا يكون هو متمكنا من القتال عليه.
1705 وأما المستأجر فهو فارس فيما أصيب قبل انقضاء الاجارة.
لانه دخل دار الحرب على فرس هو متمكن من القتال عليه حقيقة وحكما، وأصيبت الغنائم في حال بقاء تمكنه.
1706 فأما ما أصيب بعد انقضاء مدة الاجارة فليس له فيها إلا سهم راجل.
لان الفرس أخذ من يده بعد انقضاء المدة بحق مستحق كان سابقا على دخوله دار الحرب، فيخرج من أن يكون فارسا به.
1707 ولو كان صاحب الفرس دخل به أرض الحرب فأصابوا غنائم، ثم آجره من رجل للركوب أو للقتال عليه مدة معلومة، وأصابوا غنائم، ثم استرده بعد انقضاء المدة، فأصابوا غنائم أيضا، فإن المستأجر راجل في جميع ذلك.(3/939)
لان استئجاره الفرس بعد دخول دار الحرب لا يكون أقوى من شرائه.
1708 وأما صاحب الفرس فهو فارس فيما أصيب قبل أن
يؤاجر فرسه.
لانه دخل الدار فارسا، وأصيبت تلك الغنائم، وهو فارس أيضا.
فاستحق سهم الفرسان.
ثم إجارة الفرس بعد ذلك لا تكون أقوى من بيعه.
1709 - وهو فارس أيضا فيما أصيب (ص 311) بعد انقضاء المدة.
لان بالاجارة لم يخرج الفرس من ملكه، وقد باشر القتال عليه فارسا كما انعقد له سبب الاستحقاق حين جاوز الدرب.
1710 فأما فيما أصيب في مدة الاجارة فهو راجل.
لان الفرس أخذ منه بحق أوجبه للغير باختياره، وقد زال به تمكنه من القتال عليه، فيجعل كأنه باعه فيما أصيب في هذه المدة، إذ الاجارة كالبيع في إزالة تمكنه من القتال عليه.
1711 وكذلك إن لقوا قتالا بعد انقضاء المدة فقاتل فارسا عن ذلك المصاب.
لان له فيها سهم راجل، وإنما قاتل دفعا عن سهمه فلهذا لا يزداد حقه في تلك الغنائم بهذا القتال.
1712 وإذا غصب مسلم من مسلم فرسا ولم يكن من قصد صاحبه أن يدخل دار الحرب بالفرس، فأدخله الغاصب دار الحرب،(3/940)
ثم بدا للمغصوب منه فأتبعه وأخذ الفرس منه، وقد كانوا أصابوا غنائم قبل أن يأخذ فرسه، وأصابوا بعد ذلك، فصاحب الفرس راجل في حميع ذلك.
لانه دخل دار الحرب راجلا ثم استرداده الفرس في دار الحرب بمنزلة
شرائه، وهذا بخلاف المستحسن المذكور في أول الباب فإن هناك كان ملتزما مؤنة الفرس لاجل القتال عليه حتى دنا من دار الحرب، ثم أخذه الغاصب بغير اختياره، فإذا استرده منه جعل ما اعترض كأن لم يكن، وهاهنا ما كان ملتزما مؤنة الفرس للقتال عليه قبل أن يدخل دار الحرب ولا عند دخوله دار الحرب، فلم يكن فارسا به أصلا، وإنما صار ملتزما مؤنته للقتال عليه حين استرده في دار الحرب فكأنه اشتراه الآن.
1713 وأما الغاصب فهو فارس فيما أصيب قبل استرداد (1) الفرس منه.
لانه دخل الدار فارسا وأصيبت هذه الغنائم وهو فارس فثبت له فيها سهم الفرسان.
ثم لا يتغير ذلك باستحقاق الفرس من يده، وهو راجل فيما أصيب بعد ذلك.
لان الفرس أخذ منه بحق.
1714 وكذلك لو كان صاحب الفرس أعاره إياه ليقاتل عليه، ثم بدا له فغزا (2) بنفسه، فلما التقيا في دار الحرب استرد الفرس منه، فهذا كالاول في جميع ما ذكرنا.
* هامش * (1) ه " " استرداده ".
(2) ب " وغزا ".(3/941)
لان صاحب الفرس دخل دار الحرب راجلا، فيكون راجلا إلى أن يخرج.
وهذا لانه حين دخل الغزو لم يكن الفرس في يده أصلا، ولا كان هو ملتزما مؤنته.
فإن مؤنة المستعار على المستعير حتى يرده على صاحبه.
1715 ولو كان أعاره إياه للركوب لا للقتال عليه، والمسألة
بحالها، فهذا والاول في حق صاحب الفرس سواء.
وأما المستعير فهو راجل في جميع الغنائم هاهنا.
لانه ما كان متمكنا من القتال على هذا الفرس، فقد استعاره للركوب لا للقتال عليه.
1716 فإن غدر بصاحبه حين دخل دار الحرب فقاتل عليه فهو راجل أيضا.
لانه صار غاصبا للفرس بالقتال عليه، بعدما دخل دار الحرب.
وقد بينا أن من غصب فرسا بعد ما دخل دار الحرب وقاتل عليه لم يستحق به سهم الفرسان.
1717 وأما صاحب الفرس فهو راجل في جميع الغنائم.
لان الاعارة للركوب والاعارة للقتال قبل قصد الغزو في حقه سواء.
فإنه في الموضعين لم يصر ملتزما مؤنة الفرس للقتال عليه إلا بعد دخول دار الحرب.
فلهذا لا يكون له إلا سهم راجل في جميع ذلك.
ولانه حين قصد الغزو ما كان يدرى أنه يصيب فرسه أو لا يصيبه (1).
وإنما استحسنا فيما إذا حضر ليدحل دار الحرب غازيا ثم أعاره غيره ليركبه (ص 312) فجعلناه فارسا إذا استرده منه بعد ما دخل دار الحرب، * هامش * (1) ق " أو لا يصيب فرسه ".(3/942)
وجعلنا هذا بمنزلة ما لو مر بؤاجل لا يقدر على المشى فحمله على فرسه أميالا، حتى دخلوا دار الحرب، ثم أنزله وأخذ فرسه، فلا إشكال في هذا الفصل أنه يكون هو فارسا.
فكذلك فيما يكون في معناه.
1718 ولو كان آجره ليركبه ولا يقاتل عليه، أو يقاتل، والمسألة بحالها فصاحب الفرس راجل في جميع الغنائم.
لانا قد بينا فيما إذا كان حضر يريد الدخول للقتال ثم أجر فرسه حتى أدخله المستأجر دار الحرب، أن صاحب الفرس يكون راجلا في جميع الغنائم.
فهاهنا أولى، لانه مابدا له قصد الغزو إلا والفرس في يد المستأجر بحق مستحق.
1719 - وأما المستأجر فإن استأجره للركوب فكذلك الجواب.
وإن كان استأجره للقتال عليه فهو فارس فيما يصاب قبل انقضاء مدة الاجارة، راجل فيما يصاب بعد ذلك.
لان الفرس أخذ منه بحق مستحق.
1720 - إلا أن يكون منع الفرس من صاحبه بعد انقضاء المدة أو جحده إياه فحينئذ هو فارس في جميع الغنائم، وكذلك المستعير.
لانهما دخلا فارسين، فكانا فارسين حتى يؤخذ الفرس منهما بحق.
وهذا لانهما صارا غاصبين بالمنع.
وقد بينا أن ابتداء سبب الاستحقاق ينعقد له بالفرس المغصوب إذا قاتل عليه، فلان يبقى له ما كان منعقدا من السبب بالفرس المغصوب كان أولى، فإن حالة البقاء أسهل من حالة الابتداء.
1721 - ولو أن رجلا آجر فرسا يغزو عليه على أن يكون سهم الفرس لصاحب الفرس، إجارة فاسدة.(3/943)
لان ما يصاب مجهول الجنس والقدر وإنما السهم للغازي على الفرس لا للفرس، فهو إنما استأجر الفرس ببدل مجهول جهالة فاحشة.
ثم الاجارة الفاسدة تعتبر بالجائزة في الحكم، فيكون سهم الفرس للمستأجر، ولصاحب الفرس أجر مثله بالغا ما بلغ.
لان المستأجر استوفى المعقود عليه بحكم عقد فاسد.
1722 وكذلك لو كان أعاره إياه بهذا الشرط.
لان هذا اشتراط الاجر عليه، وعند اشتراط الاجر لا فرق بين لفظ الاجارة ولفظ الاعارة.
1723 ولم لم يصيبوا شيئا حتى خرجوا كان على المستأجر مثله أيضا.
لانه استوفى المعقود عليه بحكم إجارة فاسدة، فيلزمه أجر المثل أصاب شيئا أو لم يصب.
وهو بمنزلة المضارب في المضاربة الفاسدة إذا عمل، فإنه استوجب أجر المثل، حصل الربح أو لم يحصل.
1724 ولو استأجر رجلا يغزو عنه مدة معلومة بأجر مسمى أو لم يذكر المدة وقال: هذه الغزوة إلى حيث يبلغ المسلمون.
فهذا العقد باطل.
لما بينا أن الجهاد من باب العبادات، فإنه سنام الدين.
والاستئجار على الطاعات باطل.
وهو إن كان فرض كفاية فمن باشره يكون مؤديا فرضا عليه، والاستئجار على أداء الفرض باطل.(3/944)
ثم السهم للاجير، شرطه المستأجر لنفسه أو لم يشترط.
لان الاستئجار لما بطل صار كأن لم يكن، فيكون السهم للغازي.
1725 وإن كان أخذ الاجر من المستأجر رده عليه.
لان العقد باطل، وبالعقد الباطل لا يجب الاجر أصلا.
ولانه في الغزو كان عاملا لنفسه، فلا يستوجب الاجر على غيره.
1726 وإن كان دفع إليه سلاحه وفرسه فعلى الاجير أجر مثل فرسه وأجر مثل سلاحه بالغا ما بلغ، إن كان الشرط بينهما أن السهم للمستأجر.
لانه شرط لنفسه بإزاء منفعة الدابة والسلاح عوضا مجهولا، وقد استوفى الاجير تلك المنفعة (ص 312) بعقد فاسد، فعليه أجر المثل.
1727 وإن كان المستأجر لم يشترط (1) السهم لنفسه فليس على الاجير من أجر السلاح والدابة شئ.
لان المستأجر ما شرط لنفسه عوضا ماليا، فيكون هو معير الفرس والسلاح منه، أو باذلا ليقاتل به في سبيل الله، فلا يستوجب أجرا على من استعمله في القتال.
1728 ولو استأجر فرسا ليركبه ويقاتل عليه مدة معلومة، أو استأجر غلاما ليخدمه في دار الحرب مدة معلومة ببدل معلوم، فهو جائز سواء سمى لكل يوم أجرا على حدة أو لم يسم.
* هامش * (1) ب " يشرط ".(3/945)
لان المعقود عليه معلوم ببيان المدة، والبدل معلوم، وليس في هذا العقد من معنى الطاعة وإقامة الفرض، فيصح الاستئجار.
1729 وإن لم يبين المدة ولكن قال: أستأجره لغزاتي هذه حتى أرجع إلى موضع كذا، فهذا (1) فاسد.
لان المعقود عليه مجهول، فإنه لا يدرى إلى أين يبلغ (2) المسلمون، ويطول مقامهم أو يقصر.
1730 ولو استوفى المنفعة على هذا الشرط فله أجر المثل على المستأجر.
لان العقد هاهنا منعقد لوجود (3) المعقود عليه، لكنه فاسد للغرور والجهالة، فيستوجب أجر المثل بالغا ما بلغ، لان الاجر وإن كان مسمى فصاحب الدابة يقول: أنا ما رضيت بهذا المسمى إلى الموضع الذى انتهيتم
إليه، وقد كان عندي أنكم ترجعون قبل الوصول إلى ذلك الموضع، فلهذا يستحق أجر المثل بالغا ما بلغ.
1731 ولو أن رجلا في يده أفراس حبس في سبيل الله فأعطى أقواما منها أفراسا يغزون عليها في سبيل الله، والذى في يده كان القيم في ذلك يعطى من شاء ويأخذ ممن شاء.
فلما دخلوا دار الحرب أخذها منهم ودفعها إلى غيرهم، وقد كان المسلمون أصابوا غنائم قبل أن يأخذوها * هامش * (1) ه " فهو ".
(2) في هامش ق " بلغ المسلمون.
نسخة ".
(3) ه " بوجود ".(3/946)
وغنائم بعد ذلك.
فلهم سهم الفرسان فيما أصيب قبل أخذ الافراس منهم، ولهم سهم الرجالة فيما أصيب بعد ذلك.
والمراد بالافراس الحبس الموقوفة للجهاد.
وذلك جائز.
أما على أصل (1) محمد فظاهر، لانه يجيز الوقف في المنقولات.
وعلى أصل أبى يوسف كذلك فيما فيه عرف ظاهر، كثياب الجنازة والآلات التى يغسل بها الموتى، فكذلك يجوز في الافراس التى يقاتل عليها في سبيل الله.
والاصل فيه ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه حين قبض، كان في يده ثلاث مئة فرس مكتوب على أفخاذها: حبس (2) في سبيل الله.
ثم الغازى على مثل هذا الفرس قد دخل دار الحرب وهو متمكن من القتال على الفرس، ودام تمكنه ألى أن أصيبت الغنائم، فيستحق سهم الفرس (3) بمنزلة المستعير.
ثم أخذ الفرس منه بعد ذلك بحق مستحق، فلا يبقى فارسا فيما يصاب
بعد ذلك كالمستعير.
ويستوى إن كان القيم هو الذى يسترده منه في دار الحرب أو الواقف.
ثم لا يصير (4) الواقف ولا القيم به فارسا.
لانه إنما استرده في دار الحرب، وهذا لا يكون أقوى في حقه من شراء الفرس، فكذلك إن دفعه إلى راجل آخر لم يصر به فارسا كما لو اشتراه في دار الحرب.
* هامش * (1) ب " قول ".
(2) ق، ه " حبيس ".
(3) ق، ه " الفرسان ".
(4) في هامش ق " ولا يصير.
نسخة ".(3/947)
1732 ولو أن رجلا في يده خيل حبس آجرها ليقاتل عليها في سبيل الله وهى له أو ليست له، فقد أساء فيما صنع.
لان من جعلها حبسا فقد جعلها لله خالصا.
بمنزلة من جعل أرضه مسجدا فلا يجوز التصرف فيها بالاجارة لاكتساب المال بعد ذلك.
ولان صاحبها (1) إنما أعدها لاكتساب (ص 313) الاجر في الآخرة بالقتال عليها في سبيل الله، فاكتساب القيم المال بها في الدنيا يكون تغييرا للشرط.
1733 وقال الله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه (2)).
فإن قاتل عليها المستأجرون فلهم سهام الفرسان.
لانهم حصلوا في دار الحرب فرسانا وتمكنوا من القتال عليها.
واستحقاق سهم الفرس به، ويكون عليهم أجور الخيل لانهم استوفوا المنفعة التى تناولها العقد، وحالهم كحال من استأجر الخيل من الغاصب، لان القيم أو الواقف
فيما صنع لا يكون أسوأ حالا من الغاصب، والغاصب يستوجب الاجر إذا استوفى المستأجر المنفعة بعقده.
وينبغى للذى آجرها أن يتصدق بأجرها ولا يأكله، لانه اكتسبه بسبب (3) خبيث، فإنه ممنوع من هذه الاجارة لحق الشرع، وسبيل مثله التصدق به.
1734 وإن عطبت تحت بعض من استأجرها، أو عقرها العدو، ضمن الذى آجرها قيمة الفرس، إن شاء الوالى ذلك، وإن شاء ضمن المستأجر القيمة.
* هامش * (1) في هامش ق " صاحب الخيل.
نسخة " وهى كذا في ه.
(2) سورة البقرة، الآية 181.
(3) ب " بمال "، ه " بكسب ".(3/948)
لان كل واحد منهما متعد، بمنزلة الغاصب يؤاجر المغصوب، فيتلف في استعمال المستأجر.
1735 فإن ضمن المستأجر رجع بالقيمة على الاجر.
لانه صار مغرورا من جهته بسبب عقد ضمان.
وإن ضمن الآجر لم يرجع على المستأجر بشئ ثم يشترى بهذه القيمة فرسا مكانه فيجعل حبيسا.
لانه قام مقام الاول، فإن القيمة إنما تسمى قيمة لقيامها مقام العين.
والعين كان حبيسا في سبيل الله، فيجعل بدله بتلك الصفة أيضا.
كما لو قتل وغرم القاتل القيمة.
وإنما يصير البدل بتلك الصفة إذا اشترى به الفرس فجعل حبيسا.
لان الفرس والسلاح لا يكون حبيسا حتى يخرجه صاحبه من يده.
لان هذا بمنزلة الوقف، والتسليم إلى المتولي شرط لتمام الوقف في قول محمد رحمه الله وهو قول ابن أبى ليلى.
1736 فإذا سلمه إلى القيم لم يكن له أن يرجع فيه، وإن كان اشترط الذى جعله حبيسا أن التدبير فيه إليه بعد موت القيم، أو يكون هو القيم فيه حتى يموت فذلك جائز.
لان التسليم شرط لاتمام الوقف، وقد وجد.
فالعود إلى يده بعد ذلك لا يضر.
واستدل على جواز الحبس في الكراع والسلاح بما بلغه عن على وابن مسعود والشعبى والنخعي رضى (1) الله عليهم إنما أجازوا ذلك.
* هامش * (1) ب " رضوان ".(3/949)
1737 فإن أعطى رجلا فرسا حبيسا يغزو عليه فدخل دار الحرب، وأصابوا غنائم، ثم أخذ الفرس منه، ثم أصابوا غنائم بعد ذلك، فإنما يضرب له في الغنيمة الاولى بسهم الفارس، وفى الغنيمة الثانية بسهم الراجل.
لان الفرس أخذ منه بحق.
1738 وأما القيم إذا لم يكن في يده فرس آخر حين دخل دار الحرب فإنه يضرب له بسهم راجل في جميع الغنائم.
لانه دخل الدار راجلا، فلا يصير فارسا بعد ذلك بأخذ الفرس من يد الغازى، كما لا يصير فارسا بشراء فرس.(3/950)
101.
باب ما يبطل فيه سهم الفارس
في دار الحرب وما لا يبطل 1739 (ص 315) رجل وهب لرجل فرسا في دار الاسلام، فقبضه الموهوب له ودخل به مع العسكر دار الحرب، فأصابوا غنائم، ثم أراد الواهب أن يرجع في فرسه فله ذلك.
لان الموهوب قائم عند الموهوب له على حاله، ولم يصل إلى الواهب عوض من جهته، فيثبت له حق الرجوع فيه، لتمكن الخلل في مقصوده.
1740 - فإن رجع فيه ثم أصابوا غنائم بعد ذلك، وقد كان الواهب دخل الدار راجلا فالواهب راجل في الغنائم كلها.
لانه انفصل إلى دار الحرب راجلا، ولا معتبر بتحصيل الفرس في دار الحرب في استحقاق السهم به.
1741 - وأما الموهوب له فهو فارس في الغنائم الاولى.
لانه انفصل فارسا وأصيبت تلك الغنائم وهو فارس.
وهو راجل في الغنائم الاخرى.
لان الفرس أخذ من يده بحق مستحق.
فإن حق الواهب ثابت في الرجوع شرعا ما لم يتصل إليه العوض.
* هامش * (1) ب " به ".(3/951)
فإن قيل: قد (1) انفصل هو على فرس مملوك له، ثم أزيل ملكه في دار الحرب لا باختياره، فينبغي أن لا يخرج به من أن يكون فارسا، كما لو أخذه أهل الحرب فأحرزوه.
قلنا: إنما أخذ الفرس منه بحق مستحق شرعا.
وذلك الحق كان سابقا على دخوله دار الحرب، فيخرج من أن يكون متمكنا من القتال على الفرس
مطلقا، وإنما كان تمكنه من القتال مقيدا بما قبل رجوع الواهب.
1742 - ولهذا لو رجع الواهب قبل أن يصيبوا شيئا لم يكن الموهوب له فارسا بعد رجوعه، وكذلك إذا رجع بعد ما أصيب بعض الغنائم.
1743 - ولو جعل هو فارسا بهذا المقدار أدى إلى القول بأن من كان معه عشرة أفراس فوهب من كل رجل من الرجالة فرسا حتى دخلوا عليها دار الحرب ثم استرد الافراس منهم أن يكونوا فرسانا بذلك القدر مما يصيبون.
وهذا بعيد.
فإن من قال بهذا البعد لم يجد بدا من أن يقول إذا أعاد الافراس منهم ثم استردها في دار الحرب: كانوا فرسانا أيضا، إذ في كل واحد من الموضعين عند الانفصال كانوا متمكنين من القتال على الافراس، إلى أن يرجع فيها صاحبها.
وعلى هذا لو اشترى فرسا شراء فاسدا فقبضه ودخل عليه دار الحرب.
لان حق البائع في الاسترداد ثابت لفساد البيع، كحق الواهب في الرجوع، بل أظهر.
فالبائع هاهنا مأمور بالاسترداد شرعا، والواهب منهى * هامش * (1) ب، ق " فقد ".(3/952)
من الرجوع ندبا.
ثم هناك بالاسترداد يخرج الموهوب له من أن يكون فارسا فيما يصاب بعد ذلك فهاهنا أولى.
1744 ولو كان البيع صحيحا ثم استحق الفرس من يد المشترى في دار الحرب بالحجة فهذا بمنزلة البيع الفاسد.
لانه أخذ منه بحق مستحق كان ثابتا قبل دخوله دار الحرب، ولانه تبين بالاستحقاق أنه كان غاصبا للفرس، فإذا استرده المغصوب منه يخرج هو من أن يكون فارسا به.
1745 وكذلك رجلان اشترى أحدهما من صاحبه فرسا ببغل وتقاضا، فلما دخلا الحرب وجد العيب بأحدهما، فرد بالعيب بقضاء أو بغير قضاء.
فما كانوا غنموا قبل التراد يضرب فيه لمشترى الفرس سهم الفرس سواء كان هو الراد أو المردود عليه.
وما أصيب بعد التراد (1) يضرب له (ص 316) فيه بسهم راجل.
لانه إن كان هو الراد فقد أزال الملك عن فرسه (2) باختياره.
1746 - وإن كان هو المردود عليه فقد أخذ الفرس من يده بحق.
فأما مشترى البغل فهو راجل في الغنيمتين جميعا.
لانه دخل دار الحرب راجلا.
1747 - وعلى هذا لو تقايلا البيع، أو كان أحدهما لم ير * هامش * (1) ص، ه " الرد " أثبتنا رواية ب، ق.
(2) ص، ق " أزال الفرس عن ملكه " وفى هامشها " أزال الملك عن فرسه.
نسخة ".(3/953)
ما اشترى فرده بخيار الرؤية، أو كان مشترى الفرس قبض الفرس ولم يسلم البغل حتى هلك عنده فرد الفرس في دار الحرب بعد ما أصاب بعض الغنائم.
لان ملكه أزيل بسبب مستحق، فيخرج به من أن يكون فارسا فيما يصاب (1) به بعد ذلك.
1748 - ولو رهن في دار الاسلام فرسا من رجل بدين له عليه، ثم دخلا دار الحرب مع العسكر، فقضى الراهن المرتهن ماله وأخذ الفرس فقاتل عليه، فهما راجلان: أما المرتهن فلانه لم يكن متمكنا من القتال على الفرس المرهون، فلا يكون هو فارسا به.
وأما الراهن
فلانه لم يكن متمكنا من القتال على فرسه حين دخل دار الحرب.
لان عقد الرهن يوجب ملك اليد للمرتهن، حتى لا يتمكن الراهن من إثبات يده على المرهون، ما لم يقض دينه.
1749 - ولو كان إنما رهن الفرس في دار الحرب بعد إصابة بعض الغنائم ثم أصيبت غنيمة أخرى، ثم قضى الدين واسترد الفرس، ثم أصيبت غنيمة أخرى، فهو فارس في الغنيمة الاولى والآخرة، راجل في الغنيمة الوسطى.
لانه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختباره، مع قيام ملكه، فيكون بمنزلة مالو آجره في دار الحرب.
وقد بينا الاجارة في هذا الفصل * هامش * (1) كذا في ق، وفى الهامش " ما أصابه.
نسخة ".(3/954)
وقررنا المعنى فيه، فالرهن قياسه، لان كل واحد من العقدين يوجب استحقاق اليد على صاحب الفرس مع قيام ملكه.
1750 - ولو باع فرسه في دار الحرب بعد إصابة (1) بعض الغنائم، ثم أصيبت غنيمة أخرى، ثم وجد المشترى به عيبا ورده بقضاء أو بغير قضاء، ثم أصيبت غنيمة أخرى، فصاحب الفرس فارس في الغنيمة الاولى والاخرى، راجل في الغنيمة الوسطى.
لانه أزال تمكنه من القتال عليه بإخراجه من ملكه.
فسواء عاد إليه بسبب هو فسخ من كل وجه أو بسبب هو فسخ في حقه بيع جديد في حق غيره لا يتبين به أنه كان متمكنا من القتال عليه حين أصيبت الغنيمة الوسطى.
فإن قيل: كان ينبغى أن يكون راجلا في الغنيمة الثالثة أيضا.
لان بالبيع يتبين أن التزامه مؤنة الفرس كان لقد التجارة لا لقصد القتال عليه.
فبعد ذلك وإن عاد الفرس إلى يده يجعل كالمشترى للفرس الآن إبتداءا.
ولو دخل دار الحرب راجلا ثم اشترى فرسا لم يستحق سهم الفرسان.
قلنا: بيعه الفرس في دار الحرب محتمل يجوز أن يكون لقصد التجارة ويجوز أن يكون لقصد استبدال هذا الفرس بفرس آخر يكون أقوى منه في القتال عليه.
فما انعقد له من سبب الاستحقاق لا يبطل بهذا المحتمل، وإنما يبطل بما هو متيقن به، وهو زوال تمكنه من القتال على الفرس.
وإنما وجد ذلك في الغنيمة الوسطى خاصة.
وعلى هذا قال: 1751 لو لم يرد عليه ذلك الفرس ولكن اشترى فرسا آخر مكانه أو وهب له فرس آخر، والمسألة بحالها فإنه لا يكون راجلا إلا في الغنيمة الوسطى.
* هامش * (1) في هامش ق " بعد ما أصاب.
نسخة ".(3/955)
لانها (ص 317) أصيبت وهو لم يكن متمكنا من القتال على الفرس يومئذ.
فأما في الغنيمة الاولى والآخرة فهو فارس.
لانه كان متمكنا من القتال على الفرس حين أصيبت بعد ما انعقد له سبب الاستحقاق بالانفصال إلى دار الحرب فارسا.
1752 وكذلك إن قاتل المشركون المسلمين على الغنيمة الوسطى ليستردوها فقاتل هو معهم على الفرس الثاني.
لانه قاتل وله فيها نصيب، وهو سهم الراجل، فلا يزداد بهذا القتال حقه فيها.
1753 وكذلك لو كان الفرس الذى اشترى (1) دون الذى باعه إلا أنه بحيث يقاتل عليه.
لانه لو دخل على هذا دار الحرب في الابتداء استحق سهم الفرسان، وحالة البقاء أسهل.
فأذا جاز أن ينعقد له سبب الاستحقاق بهذا الفرس فالبقاء به يكون أجوز.
1754 - ولو كان رجلان لكل واحد منهما فرس فتبادلا، أو باع كل واحد منهما صاحبه فرسا بدراهم، فهما فارسان على حالهما.
لان كل واحد منهما دخل دار الحرب فارسا، ودام تمكنه من القتال على الفرس.
إما بما باعه أو اشتراه.
* هامش * (1) ق " اشتراه " وفى الهامش " اشترى.
نسخة ".(3/956)
1755 - ولو دخل دار الحرب فارسا فقتل مسلم فرسه وضمن له قيمته فلم يشتر بها صاحب الفرس فرسا حتى أصابوا غنائم، فصاحب الفرس فارس في جميع ذلك.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له، وما أزال الفرس عن ملكه بعد ذلك باختياره وإنما تلف بغير صنع من جهته.
فهو كما لو مات.
فإن قيل: حين ضمن المتلف قيمته فقد ملكه بما استوفى من القيمة، فلماذا لا يجعل هذا كبيعه منه ؟ قلنا: هو ما قصد التمليك منه، وإنما قصد دفع الخسران عن نفسه باسترداد القيمة منه، بعد تعذر استرداد العين.
إلا أن من شرط تقرر ملكه في القيمة انعدام ملكه في الاصل لكيلا يجتمع البدلان في ملك واحد.
فكان التمليك ثابتا بطريق الضرورة لا باعتبار قصد أو فعل كان من جهة صاحب الفرس، فلا يبطل به حقه.
وعلى هذا لو قتله مسلم ثم فر فلم يقدر عليه، أو غصبه منه مسلم فغيبه وضمن له قيمته، أو هرب عليه فأخرجه
إلى دار الاسلام فهو بمنزلة الاول في جميع ما ذكرناه.
1756 ولو كان الغاصب غيبه فقضى القاضى عليه بقيمته، ثم ظهر الفرس في يده، وقد كانوا أصابوا غنائم قبل غصب الفرس وبعده، وبعد ما ظهر الفرس، فما كان من غنيمة قبل غصب الفرس وبعده، قبل أن يضمن الغاصب القيمة فالمغصوب منه في ذلك فارس.
لان ملكه بالغصب لم يزل، وإنما زال تمكنه من القتال عليه لا باختياره.
وما أصيب بعد ما ضمن الغاصب القيمة قبل أن يظهر الفرس أو بعده فللمغصوب منه في ذلك كله سهم راجل.(3/957)
لان زوال تمكنه من القتال عليه في هذه الحالة كان باختياره، وقد كان متمكنا من أن يتلوم ولا يعجل بتضمين القيمة لعل فرسه يظهر فيأخذه، فأذا لم ذلك، ولكنه طلب القيمة وقضى له بها، فقد صار في حكم البائع لفرسه.
فيجعل (1) زوال تمكنه من القتال على فرسه (2) مضافا إلى اختياره.
أرأيت لو غصبه إنسان ساعة من نهار فضمنه قيمته، ثم ظهر الفرس لكان هذا فارسا بعد هذا.
وقد أخرجه من ملكه باختياره، إلا أن يكون حين استوفى القيمة اشترى بها فرسا آخر قبل إصابة الغنائم، فحينئذ هو يكون فارسا في جميع ذلك، لقيام تمكنه من القتال على الفرس.
1757 - (ص 318) ولو دخل دار الحرب فارسا فأصابوا غنائم، ثم باع فرسه واستأجر فرسا وقاتل عليه فأصابوا غنائم ايضا (3)، فهو فارس في الغنائم الاولى راجل في الغنائم الثانية.
لان سبب الاستحقاق إنما انعقد له بفرس مملوك له، والمستأجر لا يكون مملوكا له، فلا يصلح أن يكون قائما مقام الاول في إبقاء سبب الاستحقاق المنعقد بالفرس الاول، ولا ينعقد به سبب آخر ابتداء، لانه حصل في
دار الحرب.
1758 - وكذلك لو استعار فرسا.
فإنه مثل الاستئجار أو دونه.
1759 - فأما إذا وهب له فرس، أو تصدق به عليه وقبضه فهو فارس في جميع الغنائم.
* هامش * (1) فوق هذه الكلمة في ق " فجعل.
نسخة ".
(2) ق " الفرس " وفوقها " فرسه.
نسخة ".
(3) إلى جانب هذه الكلمة في هامش الاصل " بلغ قراءة عليه أبقاه الله..".(3/958)
لان الموهوب مملوك له، فيصلح أن يكون قائما مقام الاول في إبقاء ما انعقد به من سبب الاستحقاق.
يوضحه أن باستئجار الفرس و (1) الاستعارة لا يتبين أنه لم يكن مقصوده التجارة بالتزام مؤنة الفرس الاول، وبالشراء يتبين أنه لم يكن مقصوده ذلك، فيمكن إقامة المشترى مقام ما باع.
ثم يجعل الموهوب كالمشترى، لان كل واحد من السببين يثبت له الملك في غير الفرس.
1760 - ولو كان في الابتداء دخل على فرس مستأجر، فأصابوا غنائم، ثم انقضت الاجارة فأخذه صاحبه، ثم أصابوا غنائم، ثم استأجر فرسا آخر فقاتل عليه، فأصابوا غنائم، فهو فارس في الغنائم الاولى والاخيرة، راجل في الغنيمة الوسطى.
لان سبب الاستحقاق انعقد له باعتبار فرس هو متمكن من القتال عليه، من غير أن يكون مالكا لعينه.
والثانى مثل الاول في هذا، فيقوم مقامه في إبقاء ذلك الاستحقاق به، كما قام المشترى مقام الفرس الذى كان
مملوكا له.
وإنما لا يستحق سهم الفارس فيما أصيب في حال لم يكن هو متمكنا من القتال على الفرس، وهو الغنيمة الوسطى فقط.
ثم لا فرق في هذا المعنى بين أن ينتهى العقد بمضي المدة أو ينتقض بموت المؤاجر، أو بتقايل الاجارة في المدة.
1761 - ولو كان استعار فرسا والمسألة بحالها لم يكن له إلا سهم راجل فيما أصيب بعد ذلك.
* هامش * (1) ب " أو ".(3/959)
لان الاستعارة دون الاستئجار في الاستحقاق.
فإن بالاستئجار يثبت له استحقاق المنفعة وبالاستعارة لا يثبت، فلا يمكن إبقاء ما انعقد له من السبب باعتبار الفرس من المستأجر بهذا الفرس المستعار.
1762 ولو كان اشترى فرسا حين انقضت الاجارة، أو وهب له فهو فارس في جميع الغنائم.
لانه لو استأجر كان فارسا، فإذا اشترى أو وهب له كان أولى.
إذ قد وجد في الثاني المعنى الذى لاجله انعقد له سبب الاستحقاق وزيادة.
1763 - ولو كان الفرس في يده حين دخل دار الحرب عارية وأصابوا غنائم، ثم استرده المعير فأصابوا غنائم، ثم استعار فرسا آخر ليقاتل عليه فأصابوا غنائم، فإن كان الذى أعاره الفرس ممن يستحق السهم بسبب الفرس الذى أعار فقد بينا أنه لا يبطل استحقاقه الغنيمة الاولى خاصة.
1764 - وإن كان المعير معه خيل كثير وهو يستحق سهم الفرس بغير هذا الفرس، فللمستعير سهم الفرس في الغنائم الاولى
والاخيرة، وله سهم راجل في الغنيمة الوسطى.
لان الثاني مثل الاول الذى اتعقد له سبب الاستحقاق باعتباره، فيجعل ذلك السبب باقيا ببقاء ما هو مثله، كما يجعل باقيا ببقاء عينه.(3/960)
ألا ترى أنه لو استعار ذلك (ص 319) الفرس بعينه ثانيا وقاتل عليه كان فارسا ؟ 1765 - وكذلك لو أنه اشترى فرسا أو وهب له أو استأجره.
لان الثاني فوق الاول في المعنى الذى انعقد به سبب الاستحقاق له، فيبقى ذلك الاسنحقاق باعتباره.
ويستوى إن كان الذى استأجره فرسا، كان صاحبه به فارسا أو لم يكن.
لان بالاجارة يخرج صاحبه من أن يكون فارسا به، بخلاف الاعارة، وهذا لان بالاجارة يزول تمكن صاحبه من القتال عليه، بما أوجب من الحق للمستأجر، وبالاعارة، لا يزول ذلك.
ألا ترى لو أنه آجر نفسه للخدمة مدة معلومة في دار الحرب لم يكن له سهم ؟ ولو أعان غازيا وخدمه في دار الحرب لا يبطل به سهمه، فكذلك الحكم في سهم فرسه.
1766 ولو اشترى في دار الاسلام فرسا ولم يقبضه، حتى دخلا دار الحرب، ثم نقد الثمن وقبض الفرس، فكل واحد منهما راجل في جميع الغنائم.
أما البائع فلان الفرس زال من ملكه قبل أن يدخل دار الحرب، فهو قد دخل وليس له فرس.
وأما المشترى فلانه دخل وهو غير متمكن من القتال على فرسه، لكونه محبوسا عند البائع بالثمن، بمنزلة المرهون.
وإنما صار متمكنا حين نقد الثمن في دار الحرب إبتداء، فكأنه اشترى الفرس
الآن.
م 9 السير الكبير(3/961)
1767 ولو كان فقد الثمن قبل أن يدخل دار الحرب ولم يقبض الفرس حتى دخل أو كان الثمن إلى أجل، ففى القياس المشترى راجل فيما أصيب من الغنائم.
لان القتال على الفرس تصرف.
وملك التصرف يحصل للمشترى عند القبض إبتداء، وإنما ملك القتال عليه في دار الحرب بعد ما قبضه.
يوضحه أن الفرس في ضمان ملك البائع، وإن كان المشترى قد نقده الثمن بدليل أنه لو هلك يهلك على ملكه، والبائع إذا وجد الثمن زيوفا فرده يكون له أن يحبسه إلى استيفاء الثمن، فعرفنا أن المشترى حين دخل دار الحرب لم يكن متمكنا من القتال عليه مطلقا، فلا يستحق سهم الفارس، كما قبل نقد الثمن وفى الاستحسان للمشترى سهم الفرس.
لان انعقاد سبب الاستحقاق له باعتبار تمكنه من القتال على الفرس عند مجاوزة الدرب، وهذا ثابت باعتبار ملكه وخلوه عن حق الغير وتمكنه من الاخذ متى شاء بإبقرار البائع له بذلك، وقد تقرر هذا التمكن بقبضه، فيستحق سهم الفرس به، كما لو أعار فرسه غيره للركوب أو أودعه (1) منه.
1768 ولو دخل مسلمان دار الحرب بفرس مشترك بينهما يقاتل عليه هذا مرة وهذا مرة، فهما راجلان في الغنائم كلها.
لان كل واحد منهما لا يتمكن من القتال عليه بغير إذن صاحبه، فلا يكون فارسا باعتباره.
1769 فإن كان أحدهما أجره من صاحبه أو أعاده منه في دار الاسلام فالمستعير والمستأجر فارس به.
* هامش * (1) ب " وادعه ".(3/962)
لانه انفصل وهو متمكن من القتال عليه.
إلا أن يأخذ المعير حصته أو تنقضي الاجارة، فحينئذ يكون هو راجلا فيما يصاب بعد ذلك.
لانه زال تمكنه من القتال عليه بحق مستحق كان سابقا على دخوله دار الحرب.
1770 - ولو دخلا بفرسين بينهما نصفين، وطيب كل واحد منهما لصاحبه في دار الحرب أن يقاتل على فرس منهما بعينه أو بغير عينه، فهما راجلان.
لان كل واحد منهما انفصل وهو غير متمكن من القتال على الفرس، وإنما صار متمكنا من ذلك بسبب حادث في دار الحرب، وهو أن صاحبه طيب له ذلك، وذلك لا ينفعه شيئا.
1771 - ولو كان طيب كل واحد منهما لصاحبه قبل دخول دار الحرب فهما فارسان، إلى أن يرجع كل واحد منهما عما أذن لصاحبه فيه.
لان كل واحد منهما انفصل وهو متمكن من القتال على الفرس، فينعقد له سبب الاستحقاق به ما بقى تمكنه.
فإذا أرجعا عن ذلك فقد زال التمكن، فيكون كل واحد منهما راجلا بعد ذلك.
1772 - وكذلك إذا تهايئا على الركوب قبل دخول دار الحرب.
فإن المهايأة قسمة المنفعة.
وقد بينا الخلاف في التهايئ على ركوب الدابتين في كتاب الصلح من شرح المختصر.(3/963)
ولا خلاف أن أحدهما أذا طلب ذلك وأبى صاحبه فإنه لا يجبر كل واحد منهما على المهايأة على الركوب للقتال.
لان اعتبار المعادلة في غير ممكن، فلا يجرى فيه الاجبار.
ولكن إن اجتمعا عليه فلهما ذلك بوجود التراضي منهما، ويجبران على التهايئ على الركوب لغير الحرب عند محمد رحمه الله.
لان اعتبار المعادلة فيه ممكن.
فإذا طلب أحدهما أجبر الآخر عليه اعتبارا لقسمة المنفعة بقسمة العين.
ثم لا يستحق واحد منهما بذلك سهم فارس.
لان واحدا منهما (1) لا يصير متمكنا من القتال على الفرس بالمهايأة على الركوب.
1773 - ولو كان كل واحد منهما أذن لصاحبه في ركوب أي الفرسين شاء ولم يدفع إلى صاحبه فرسا بعينه، فكل واحد منهما راجل، سواء كان هذا الاذن منهما في دار الاسلام أو في دار الحرب.
لان إعارة نصيبه من صاحبه لا تتم بمجرد الاذن ما لم يسلم إليه.
1774 - ولو دخل مسلم دار الحرب بأفراس فباعها كلها إلا واحدا منها لم يحرم سهم الفارس.
لانه متمكن من القتال على الفرس بما بقى عنده، ولانه تبين بما صنع * هامش * (1) ق، ه " لان كل واحد منهما " وفى هامش ق " لان واحدا منهما.
نسخة حصيرى ".(3/964)
أنه قصد التجارة فيما باع، فيسقط اعتبار ذلك في استحقاق السهم به، ويجعل في الحكم كأنه حين دخل لم يكن معه إلا هذا الفرس.
وهذا لان ما زاد على الواحد فضل هو غير محتاج إليه، وإنما يبنى حكم الاستحقاق ثبوتا، وبقاء على ما يحتاج إليه خاصة.
ألا ترى أنه لو رجع بعض الشهود لم ينتقض نصاب الشهادة برجوع من رجع.
فإن القاضى لا يمنع من القضاء بالشهادة لهذا المعنى.
ولو كان بعد القضاء لم يجب شئ من الضمان على الراجعين.
1775 - ولو نفق منها واحد أو عقر في دار الحرب ثم باع بقية خيله فهو فارس أيضا.
لانه لو نفق بعد بيع البعض بقى فارسا باعتباره، فكذلك قبله.
وهذا لان ما باع صار كأن لم يكن.
فكأنه دخل بفرس واحد، ثم نفق قبل القتال عليه أو بعده، وهو يستحق سهم الفرسان في هذا.
1776 - ولو دخل مراهق دار الحرب فارسا أو راجلا فأصابوا غنائم فله الرضخ على التفسير الذى قلنا.
فإن لم يخرجوا إلى دار الاسلام ولم يقسموا الغنائم حتى بلغ الغلام ضرب له بسهم فارس إن كان فارسا، وبسهم راجل إن كان راجلا، سواء لقوا قتالا بعد ذلك أو لم يلقوا.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له حين جاوز الدرب، ثم قبل تمام الاستحقاق كمل حاله، فيجعل ما اعترض كالمقترن بأصل السبب في استحقاقه السهم الكامل، بمنزلة الذمي إذا أسلم.
وقد بيناه فيما مضى.
أشار هاهنا إلى حرف آخر فقال:(3/965)
1777 - من العلماء من يقول يسهم له وإن لم يبلغ.
وللذمي
وإن لم يسلم.
فاختلافهم في استحقاق السهم الكامل قبل البلوغ والاسلام يكون اتفاقا منهم على استحقاق ذلك إذا كان بالغا مسلما عند تمام الاستحقاق.
والله أعلم.(3/966)
102.
باب مما يختلف فيه صاحب الفرس وصاحب المقاسم فيما يجب للفرس 1778 - ولو أن غازيا باع فرسه في دار الحرب فله سهم الفرسان فيما أصيب قبل بيعه، وفيما أصيب بعد البيع له سهم الرجالة.
فإن قال الذى يلى المقاسم: إنما بعت فرسك قبل الاصابة، وقال (ص 322) الغازى: ما بعته إلا بعد الاصابة.
فالقول قول الذى يلى المقاسم.
وكان ينبغى أن يكون القول قول الغازى.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له بمجاوزة الدرب.
ولان البيع حادث، فأنما يحال بحدوثه على أقرب الاوقات، ما لم يثبت سبق التاريخ بالحجة ولكنه قال: سبب الحرمان قد ثبت بإقراره، وهو بيع الفرس، فلا يثبت له الاستحقاق بعد ذلك إلا بحجة.
1779 - ألا ترى أن مسلما لو مات وله أخ مسلم، فجاء ابنه مرتدا، وزعم أنه ارتد بعد موت أبيه، فالميراث له وقال الاخ: إنما ارتد في حياته.
فالقول قول الاخ.
وإن كان يدعى تاريخا سابقا في ردته.
لان سبب حرمانه ظاهر، فلا يثبت استحقاقه بعد ذلك إلا بحجة.(3/967)
1780 - وكذلك لو (1) كان ابنه نصرانيا فزعم (2) أنه أسلم قبل موت أبيه.
لان سبب حرمانه وهو المخالفة في الدين معلوم، فلا يثبت الاستحقاق إلا بحجة.
يوضحه أن سبب الاستحقاق التزام مؤنة الفرس عند مجاوزة الدرب على قصد القتال، وبالبيع في دار الحرب قد صار ذلك محتملا فلا يثبت استحقاقه إلا بترجح جانب القصد إلى القتال.
وهو يعلم أنه باعه بعد القتال وإصابة الغنائم.
فما لم يثبت ذلك بالبينة لا يثبت سبب استحقاقه.
1781 - فأما الاحالة بالبيع على أقرب الاوقات فهو نوع من الظاهر، وبالظاهر يدفع الاستحقاق، ولا يثبت الاستحقاق.
1782 - وإن أقام البينة من الجند على أنه باعه بعد الاصابة قبلت بينته لخلوها عن التهمة.
1783 - وإن شهد بذلك شاهد واحد فالحجة لا تتم بشهادته.
فإن قال المشهود له: أشارك هذا الفارس الذى شهد لى في نصيبه لاقراره لم يكن له ذلك.
لانه لم يكن لواحد منهما ملك في شئ من الغنيمة قبل القسمة.
وإقرار من ردت شهادته إنما يعتبر إذا صادف ملكه أو كان أقر بملك للغير فيه (3) ولم يوجد ذلك هاهنا فلهذا لا يشاركه في نصيبه.
* هامش * (1) ب " وكذلك إن كان ".
وفى هامش ق " وإذا كان ابنه.
نسخة ".
(2) ب " وزعم ".
(3) ه " بملك الغير له " ق " بملك الغير فيه " ووافقت ب أصلنا.(3/968)
1784 - وإن قال الفارس: نفق فرسى أو عقر.
وقال الذى يلى
المقاسم: أراك بعته.
فالقول قول الفارس، وله سهم الفرسان.
لان سبب الاستحقاق له معلوم.
وما يبطل حقه وهو بيع الفرس مختلف فيه: صاحب المقاسم يدعيه والغازي ينكره.
فالقول قوله مع يمينه.
بمنزلة ما لو ادعى الاخ المسلم (1) على الابن أنه ارتد في حياة أبيه ثم أسلم بعد موته، وقال الابن: ما ارتدت قط.
فإنه يكون القول قول الابن، والميراث له.
1785 - فإن قال: دخلت بفرس فنفق.
وقال صاحب المقاسم: ما أدخلت بفرس أم لا ؟ فهو راجل حتى يعلم أنه دخل بفرس.
لان الغازى هاهنا يدعى سبب استحقاق سهم الفرس، وهو غير معلوم، فلا يستحق شيئا إلا بحجة.
بمنزلة ما لو ادعت امرأة ميراث ميت وزعمت أنه كان تزوجها في حياته، لم تصدق إلا بحجة.
1786 - وإن علم صاحب المقاسم والمسلمون أنه كان فارسا، وإنه استهلك فرسه بعد إصابة بعض الغنائم ببيع أو هبة ولكنهم لا يدرون ما أصابوا قبل استهلاكه، ولا ما أصابوا بعده، فله في ذلك سهم راجل، إلا ما علم أن إصابته كان قبل استهلاكه.
لان السبب المبطل لحقه هاهنا عن البعض معلوم، فلا يعطى إلا القدر المتيقن به.
ولان كل جزء من المصاب يحتمل أن يكون مصابا بعد استهلاكه، * هامش * (1) ه " ادعى أخ المسلم " وفى هامش ق " ادعى أخ المسلم.
نسخة ".
وقد توافقت ه ب وق والاصل.(3/969)
ويحتمل (ص 322) أن يكون قبله، وبالاحتمال لا يثبت الاستحقاق.
وصار كل جزء هاهنا كجميع المصاب في مسألة أول الباب.
ولا يمين على صاحب المقاسم في شئ من هذا.
لانه ليس بخصم، إنما هو بمنزلة الحاكم.
1787 - وإن كان باع فرسه واشترى فرسا آخر فقد بينا أنه فارس في كل مصاب، إلا ما كان بعد بيعه الفرس قبل شرائه (1) الفرس الثاني.
فإن اختلفوا في ذلك لم يضرب له إلا بسهم راجل في جميع ذلك لبقاء الاحتمال في كل جزء من المصاب أنه كان بعد بيعه الفرس الاول قبل أن يشترى الفرس الثاني، ومع الاحتمال لا يثبت حقه إلا بحجة.
ولانا علمنا أنه كان راجلا في دار الحرب في وقت، فلا يستحق سهم الفرسان، ما لم يعلم أن الاصابة كانت في غير ذلك الوقت.
بمنزلة الابن الذى علم أنه كان نصرانيا في وقت فجاء مسلما بعد موت الاب، وزعم أنه كان أسلم في حياته، لم يصدق إلا بحجة.
وكذلك لو علم أن الابن كان مرتدا في وقت فقال: أسلمت قبل موت الاب.
وقال الاخ: أسلمت بعد موته.
فإنه لا يستحق (2) الميراث ما لم يثبت بالبينة إسلامه قبل موت أبيه.
1788 - ولو أقر أنه بادل فرسه بهذا الفرس الذى في يده، * هامش * (1) ب " شرائه ".
(2) ق " فلا يستحق الميراث " وفى هامشها " فإنه لا يستحق الميراث.
نسخة ".(3/970)
وقال صاحب المقاسم: أظنك بعت فرسك ثم اشتريت هذا الفرس.
فالقول قول الغازى مع يمينه.
لانه لم يعلم كونه راجلا في دار الحرب في وقت من الاوقات.
فقد بينا
أن مبادلة الفرس بفرس آخر لا تجعله في حكم الراجل.
فصاحب المقاسم هاهنا يدعى السبب المبطل لحقه، وهو منكر.
فالقول قوله مع يمينه.
بخلاف الاول.
1789 - ومن لحق بالجيش من تاجر، أو حربى أسلم في دار الحرب، أو عبد كان يخدم مولاه فأعتقه، فقد بينا أن له الشركة فيما يصاب بعد ما التحق (1) بهم، ولا شركة فيما أصيب قبل ذلك.
إلا أن يلقوا قتالا فيه، فيقاتل دفعا عن ذلك.
فإن لم يعلم ما أصابوا قبل أن يلحق بهم، ولا ما أصابوا بعد ما لحق بهم، ولم يلقوا قتالا بعد الاصابة فلا شئ له، ما لم يقم البينة على شئ أنه قد أصيب بعد مالحق بهم.
لان الاحتمال قائم في كل جزء من المصاب، وبالاحتمال لا يثبت الاستحقاق ابتداء.
1790 - فإن شهد له بذلك من لا تجوز شهادته فأراد أن يشارك الشاهد فيما أصاب لم يكن له ذلك.
لما بينا أنهم لم يشهدوا بملك له في شئ.
* هامش * (1) ب " ر لمتحق ".(3/971)
ألا ترى أنه لو قبلت شهادتهم لم يملك شيئا قبل قسمة الغنائم ؟ وحق الاشتراك ينبنى على الملك فيما هو خاص.
ألا ترى أن جيشا لو اقتسموا غنائم، ثم ادعى رجل أنه كان معهم فأقر بذلك بعض الجيش لم يشارك المقر له المقر في نصيبه ؟ وهذا مما لا يشكل.
فإنه لو علم أنه كان مع الجيش لم يكن له سبيل على ما أصاب كل واحد منهم استحسانا، ولكن إن بقيت من الغنيمة بقية.
أعطاه الامام نصيبه من ذلك،
وإن لم يبق أعطاه عوض نصيبه من بيت المال.
فإذا لم يعلم (1) كان أولى.
وهذا نوع استحسان، باعتبار أن الغرم مقابل بالغنم.
ولو بقى شئ تتعذر قسمته بين الغانمين يجعل في بيت المال.
فكذلك إذا ظهر سهو يجعل ذلك على بيت المال.
1891 وكذلك لو ادعى هذا الرجل أن المسلمين لقوا قتالا بعد ما لحق بهم، وأنه قاتل دفعا عن المصاب معهم، وقد علم المسلمون (ص 323) أنهم لقوا قتالا بعد الاصابة ولكن لا يدرون أن ذلك القتال كان قبل أن يلحق بهم هذا الرجل أو بعده فلا شركة له معهم، حتى تقوم البينة من المسلمين على ما يدعى من ذلك.
لان سبب استحقاقه هاهنا المقاتلة معهم دفعا عن المصاب، وذلك لا يظهر بقوله، فلا بد من إقامة البينة عليه.
* هامش * (1) ق " فإذا لم يحكم " وفى الهامش " " فإذا لم يعلم.
نسخة صح ".
وفى ب " فإن لم يعلم ".(3/972)
103.
باب دفع الفرس باشتراط السهم وإعادته وإيداعه في دار الحرب 1892 قال: وإذا دخل الغازى في دار الحرب فارسا، ثم دفع فرسه إلى رجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه فهو جائز.
لانه شرط موافق لحكم الشرع.
وقد بينا أن إعادة الفرس في دار الحرب لا يبطل استحقاقه، وأنه لو لم يشترط هذا كان له سهم الفرس له والشرط لا يزيده إلا وكادة.
1893 ولو كان شرط أن سهم الفرس وسهم الراجل الذى
قاتل عليه كله لصاحب الفرس فهذا فاسد.
لانه شرط لنفسه ما هو حق الذى يقاتل على فرسه.
فيكون هذا إجارة منه لفرسه بما شرط عليه.
وهذه إجارة فاسدة لجهالة البدل المشروط عليه.
فيكون له أجر مثله على الذى قاتل عليه، ولا سهم للفرس هاهنا.
أما الذى قاتل عليه فإنه استأجر في دار الحرب إجارة فاسدة، ولو استأجره إجارة صحيحة أو اشتراه لم يستحق به شيئا فهذا أولى.
وأما صاحب الفرس فلانه لو أجره إجارة صحيحة بطل به حقه كما لو باعه في دار الحرب، فكذلك إذا آجره إجارة فاسدة.
لان العقد الفاسد معتبر بالجائز في الحكم، ولانه استحق عوضا من منفعة فرسه وهو أجر، المثل، فلا يستحق به السهم مع ذلك.(3/973)
1894 - ولو كان مع صاحب الفرس فرس غير هذا فله سهم فارس باعتبار الفرس الآخر سواء بقى في يده أو نفق.
لان الذى آجره بهذه الصفة صار كأن لم يكن.
1895 - ولو لم يدخلوا دار الحرب حتى أعطى فرسه رجلا على أن يكون سهم الفرس لصاحبه، فإن سهم الفرس هاهنا للذى أدخله دار الحرب.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له وهو الانفصال فارسا.
فيكون صاحب الفرس مؤاجرا فرسه ببذل مجهول فيستوجب عليه أجر المثل، وليس له من سهم الفرس شئ.
لانه انفصل راجلا.
فإن كان معه فرسان فصنع هذا بأحدهما والمسألة
بحالها فله سهم الفارس باعتبار فرسه الذى بقى له.
وأما سهم الفرس الآخر فهو للذى قاتل عليه، ولصاحب الفرس عليه أجر المثل (1) في قول محمد، وهو قياس قول أبى حنيفة، لان من أصلهما أن الغازى لا يستحق السهم إلا بفرس واحد.
وإن قاد (2) بأفراس فكان في هذا الشرط معنى إجارة الفرس كما بينا.
فأما في قياس قول من يقول بسهم لفرسين، وهو قول أبى يوسف، فينبغي أن يكون الشرط صحيحا والسهم كله لصاحب الفرس، لانه بدون هذا الشرط كان يستحق سهم الفرسين، فالشرط لا يزيده إلا وكادة.
* هامش * (1) ب، ق " مثله ".
(2) ق " جاز " وفى الهامش " قاد.
نسخة ".(3/974)
1896 - ولكن هذا إذا كان الاعطاء بهذا الشرط في دار الحرب.
فأما إذا كان في دار الاسلام فسهم الفرس للذى قاتل عليه، ولصاحب الفرس عليه أجر مثله في الوجهين.
لانه ما انعقد لصاحب الفرس سبب استحقاق السهم بهذا في دار الاسلام، وإنما انعقد ذلك لمن كان فارسا به (ص 324) عند الانفصال، فيكون معنى الاجارة متقررا بينهما هاهنا.
1897 - وإن كان لكل واحد من الرجلين (1) فرس غير الفرس الذى أعطى أحدهما صاحبه (2) بهذا الشرط.
ففى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله: لا يسهم لهذا الفرس، ولا شئ لصاحبه على من أخذه منه.
لان كل واحد منهما فارس عند الانفصال بالفرس الآخر، دون
هذا الفرس.
وأما في قول أبى يوسف فللذى قاتل على الفرس سهم فرسين لانه انفصل إلى دار الحرب ومعه فرسان، فيكون لصاحب الفرس عليه أجر مثله، باعتبار الشرط الذى جرى بينهما في دار الاسلام.
1898 - وإذا أودع المسلم فرسه في دار الحرب مسلما أو ذميا، ثم خرج راجلا في سرية فأصابوا غنائم ورجعوا إلى العسكر، أو خرجوا من جانب آخر إلى دار الاسلام، فصاحب الفرس فارس في ذلك في الوجهين.
* هامش * (1) ه " الراجلين ".
(2) ب، ه " لصاحبه ".(3/975)
لان سبب استحقاق سهم الفرس قد انعقد له، ثم يبطل ذلك بإيدعه إياه من رجل معه في المعسكر لبقاء تمكنه من الاخذ بعد الايداع وقد قررنا هذا في الاعارة.
فهو بمنزلة مالو تركه مع غلامه في المعسكر.
فكما لا يبطل هناك سهمه لا يبطل هاهنا.
ألا ترى أن العدو لو حضروا العسكر فخرج إليهم راجلا وهو محتاج إلى فرسه، ولكن تركه إبقاء عليه، كان له سهم الفرس ؟ فكذلك إذا خرج في سرية وتركه في المعسكر عند بعض أصحابه ليقوم عليه ويسمنه وهو محتاج إلى ذلك أو غير محتاج.
1899 - ولو كان الامام نفل للفرسان من السرية نفلا فليس لهذا الرجل من النفل شئ.
لانه قصد بالتنفيل تحريضهم على إخراج الافراس معهم إلى الموضع
الذى وجههم إليه، فمن ترك فرسه في المعسكر لا يدخل في هذا التنفيل، حتى لو خرج القوم كلهم رجالة وتركوا الافراس في المعسكر لم يكن لهم من نفل الفرسان شئ لهذا المعنى.
1900 ولو مر عسكر المسلمين بحصن من حصونهم ممتنعين من أهل الاسلام، فأودع مسلم فرسه من رجل كان ساكنا في الحصن مسلما مستأمنا أو ذميا أو أسيرا أو حربيا، بينه وبينه قرابة، ثم قاتل راجلا وهو بالقرب من باب الحصن أو بالبعد منه، فليس له فيما يصاب إلا سهم راجل.(3/976)
لانه صار مضيعا فرسه حين جعله في منعة أهل الحرب، فهو بمنزلة ما لو استهلك فرسه، وهذا لانه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختياره.
فان أهل الحرب إذا منعوه منه لا يتمكن من إثبات يده على الفرس بقوته، ولا بقوة الامام، إذ لا ولاية له على من هو في منعة أهل الحرب، بخلاف ما سبق.
فهناك (1) إنما جعل الفرس في يد مسلم من أهل العسكر، وهو متمكن من الاسترداد منه متى شاء، فلا يزول به تمكنه من القتال عليه.
1901 - فإن رجع إليهم بعد إصابة الغنائم وأخذ فرسه لم يكن له فيها إلا سهم راجل سواء لقوا قتالا بعد ذلك أو لم يلقوا.
أما إذا لم يلقوا قتالا فلا إشكال، وحاله كحال من باع فرسه ثم اشترى فرسا بعد إصابة الغنيمة.
وأما إذا لقوا قتالا فلان له في المصاب سهم راجل.
وإنما قاتل دفعا عن ذلك، فلا يزداد به سهمه.
1902 وكذلك لو دخل مدينة من مدائنهم بأمان مع فرسه، فأصابوا غنائم، ثم خرج إلى المعسكر بعد ذلك، فلا نصيب له في تلك
الغنيمة.
لانه خرج من أن يكون مقاتلا حين دخل في منعتهم بأمان فلا يكون هو ممن شهد الوقعة (ص 325) حقيقة ولا حكما.
ولكن حاله كحال من كان (2) من المسلمين مستأمنا في هذه المدينة، فخرج والتحق بالعسكر، فلا شركة له فيما أصيب قبل ذلك، إلا أن ها هنا * هامش * (1) ه " فإن هناك " وفى هامش ق " فإن هناك.
نسخة ".
(2) ق " كحال من هو من المسلمين ".
م 10 السير الكبير(3/977)
إن لقى المسلمون قتالا فقاتل معهم دفعا كان له سهم الفارس فيما أصيب قبل ذلك.
لانه ما كان مستحقا لشئ من هذا (1) المصاب حتى قتاله دفعا عن ذلك، فيثبت الحق له بهذا القتال، وإنما التحق بهم فارسا فيستحق سهم الفرسان، بخلاف ما سبق.
1903 ولو كان أسر على فرسه والمسألة بحالها كان له سهم الفارس، سواء التحق بهم فارسا أو راجلا.
لانه انعقد له سبب الاستحقاق معهم بدخول دار الحرب للقتال، ثم لم يعترض بعد ذلك ما يبطله، فإنه أسر بغير اختياره، ولم يخرج به من أن يكون محاربا.
ألا ترى له قتلهم وأخذ أموالهم إن قدر على ذلك، بخلاف الاول، فهناك ترك القتال معهم باختياره.
ألا ترى أنه لا يحل له قتلهم ولا أخذ أموالهم ما دام مستأمنا فيهم.
1904 ولو كان الامير بعث إليهم رسولا في بعض حوائج المسلمين، فلما دخل الرسول إليهم بأمان أصاب المسلمون غنائم بعد ذلك، ثم خرج الرسول، فإنه يستحق سهم الفرسان معهم إن كان فارسا، سواء خرج إليهم فارسا أو راجلا.
لان الرسول لم يترك المحاربة معهم، وإنما أتاهم ليدبر أمر الحرب، فهو بمنزلة من يكون في المعسكر، بخلاف المستأمن إليهم لحاجة نفسه.
* هامش * (1) في هامش ق " من هذه المصاب.
نسخة ".(3/978)
ألا ترى أن الرسول من الجانبين يكون آمنا من غير استئمان لاعتبار هذا المعنى ؟ ولان الرسول إنما أتاهم لمنفعة المسلمين، فمن يكون ساعيا فيما ترجع منفعته إلى المسلمين لا يكون مفارقا لهم حكما، والمستأمن ما أتاهم لمنفعة المسلمين بل لمنفعة له خاصة، فيصير به مفارقا للعسكر حكما.
والاصل في هذا الباب ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لطلحة بن عبيد (1) الله من غنائم بدر.
وقد كان وجهه إلى ناحية الشام لمنفعة المسلمين ولم يكن حاضرا عند القتال (2).
وروى أنه بعث محيصة الانصاري إلى أهل فدك، وهو محاصر خيبر، ففتحها وهو غايب، ثم جاء فضرب له سهم.
فعرفنا أن من كان سعيه (3) في توفير المنفعة على المسلمين فهو في الحكم كأنه معهم.
1905 ولو أن رجلين من المسلمين أو من أهل الذمة دخلا يريدان القتال فقاتلا مع المسلمين، فلم يصيبوا شيئا حتى استأمنا إلى المشركين، ثم رجعا إلى العسكر.
بآخرين لا يريدان قتالا، فأصاب
المسلمون غنائم، لم يكن لهم فيها شئ (4).
لانهما حين استأمنا إلى أهل الحرب فقد تركا المحاربة معهم، ويكون حالهما بعد ذلك كحال من كان تاجرا فيهم بأمان والتحق بالعسكر على قصد * هامش * (1) ق " طلحة بن عبيد ".
(2) ق " لم يكن حاضرا للقتال " وفى هامشها "..عند القتال.
نسخة ".
(3) في هامش ق " من كان في سعيه توفير المنفعة.
نسخة ".
(4) في هامش ق " شركة.
نسخة ".(3/979)
القتال.
وإذا ثبت هذا فيما إذا رجعنا إلى العسكر لا قصد القتال ثبت فيما إذا كانا مستأمنين في دار الحرب بطريق الاولى.
إلا ترى أنهما لو لم يستأمنا إليهم ولكنهما تركا القتال واشتغلا بالتجارة في المعسكر، وتبين ذلك للمسلمين، ثم أصاب المسلمون الغنائم بعد ذلك لم يكن لهما شركة فيها.
فبعد الاستئمان إليهم أحرى أن لا يكونا لهم شركة.
1906 ولو دخل مسلم فارسا مع الجيش وليس له اسم في الديوان، فلما أصابوا غنائم قال: دخلت للقتال متطوعا.
وقال المسلمون: دخلت تاجرا فالقول قوله مع يمينه.
لان المسلم محارب للمشركين في الاصل.
فإن مخالفته إياهم في الدين والدار تحمله على المحاربة معهم، فما لم يظهر منه خلاف ذلك يكون هو محاربا، والمسلمون بقولهم: دخلت تاجرا يدعون عليه سبب الحرمان، وهو منكر، فالقول قوله مع يمينه.
(ص 326).
1907 وإن كان الداخل ذميا أو عبدا أو صبيا أو امرأة والمسألة بحالها فلا شئ لاحد منهم، ما لم يعلم أنه دخل للقتال، وأن
المرأة دخلت لمداواة الجرحى.
لان هؤلاء باعتبار الاصل غير مقاتلين.
فليس للمرأة الصبى بينة صالحة للمحاربة.
والعبد محجور عن القتال لحق مولاه.
والذمى موافق لهم في الاعتقاد، والك يمنعه من المحاربة معهم.
فما لم يعلم بالحجة قصدهم إلى المحاربة أو مباشرة المحاربة لا يكون لهم في المصاب شئ، بخلاف ما سبق.
1908 والدليل على الفرق أن من لا يعلم حاله من أهل الحرب(3/980)
إذا كان رجلا بالغا يباح قتله.
وإنما يباح لكونه محاربا، ومن كان صبيا منهم أو امرأة لا يباح قتله ما لم يوجد منه (1) مباشرة القتال.
يوضحه أن من كان (2) مقاتلا في الاصل يستحق السهم، وهؤلاء لا يستحقون السهم، إلا الرضخ.
وإن قاتلوا فعرفنا أنهم ليسوا مقاتلين في الاصل.
909 ولو أن فارسا في دار الحرب أعار فرسه بعض التجار، أو رسولا أرسله الامير إلى الخليفة، فركب المستعير وانطلق إلى دار الاسلام، فأصاب أهل العسكر غنائم بعد ذلك فإن كان المستعير خرج إلى دار الاسلام قبل إصابة تلك الغنائم فليس للمعير فيها إلا سهم راجل.
لانه جعل (3) فرسه في دار الاسلام باختياره، فيزول به تمكنه من القتال عليه حقيقة وحكما، ويبعد أن يكون هو في دار الحرب فارسا بفرس له في دار الاسلام.
ألا ترى أنه لو رد الفرس مع غلامه إلى دار الاسلام فأتى به أهله لم يكن هو فارسا به، فكذلك ما سبق.
1910 وإن كان المستعير لم يخرج إلى دار الاسلام فهو فارس
فيما أصيب.
* هامش * (1) ق " منهم " وفى الهامش " منه.
نسخة ".
(2) ق " يكون " وفى الهامش " كان.
نسخة ".
(3) ه " حصل ".(3/981)
لان سبب استحقاق سهم الفرس قد انعقد له بالانفصال إلى دار الحرب على قصد القتال عليه، فما بقى فرسه في دار الحرب يبقى ذلك الاستحقاق، وإن لم يكن متمكنا من القتال عليه حقيقة لبعده منه.
ألا ترى أنه لو أعاره في المعسكر ثم خرج في سرية (1) راجلا وبعد من المعسكر كان له سهم الفارس في المصاب ؟ وإن لم يرجع إليهم.
فكذلك ما سبق.
أرأيت لو بدا للمستعير فرجع إلى العسكر قبل أن يخرج إلى دار الاسلام، فرد الفرس عليه، أما كان له سهم الفرسان فيما أصيب قبل رجوعه ؟ وهو فارس في جميع ذلك ؟ وهذا لان دار الحرب في حكم موضع واحد فيما يبتنى عليه استحقاق الغنيمة.
ولهذا يشارك المدد الجيش والعسكر أصحاب السرية في المصاب إذا التقوا في دار الحرب.
فها هنا مادام فرسه في دار الحرب يجعل في الحكم كأنه حاضر معه بخلاف ما بعد إخراجه إلى دار الاسلام، وهو نظير المسجد في حكم صحة الاقتداء بالامام، وإن لم تكن الصفوف متصلة مع الموضع الذى هو خارج المسجد.
1911 ولو عاد (2) المستعير بالفرس إلى المعسكر بعد ما خرج إلى دار الاسلام فللمعير سهم الفارس فيما أصيب بعد دخول المستعير دار
الحرب، كما أن له سهم الفارس فيما أصيب قبل خروج المستعير من دار الحرب.
وأما فيما أصيب بعد خروج المستعير إلى دار الاسلام فله سهم الرجالة خاصة.
للمعنى الذى بينا.
(1) ق " سريته ".
(2) في هامش ق " أعاد، نسخة ".(3/982)
فإذا لم يعلم متى كانت الاصابة وقد علم أن الفرس وصل إلى دار الاسلام فليس للمعير إلا سهم الراجل.
لما بينا أن كل جزء فيه احتمال أن يكون إصابته بعد ما حصل الفرس في دار الاسلام فلا يعطى إلا قدر المتيقن به.
1912 وإن قال صاحب الفرس: لم يخرج الفرس من دار الحرب.
وصدقه المستعير (ص 327) في ذلك أو كذبه فالقول قوله.
لان سبب استحقاقه معلوم، وما بيطله وهو حصول الفرس في دار الاسلام غير معلوم، بل هو منكر.
لذلك فالقول قوله، وكما لا يصدق صاحب المقاسم عليه فيما يبطل حقه لا يصدق المستعير إذا كذبه، لان قول المستعير ليس بحجة عليه، وإن كان الفرس عنده، وبدون الحجة لا يثبت سبب الحرمان.
وأما المستعير فهو يكون فارسا بهذا الفرس في شئ من الغنائم سواء حصل في دار الاسلام أو لم يحصل.
لانه استعاره للركوب لا للقتال عليه، فلا يكون هو متمكنا من القتال عليه أصلا.
1913 - ولو كان الفرس نفق في يد المستعير، فإن كان قبل أن
يخرج إلى دار الاسلام فالمعير فارس في الغنائم كلها.
لان موته في يد المستعير في دار الحرب كموته في يد المعير، فإن بالاعارة لا يصير مبطلا استحقاقه بالفرس.(3/983)
1914 - وإن كان نفق في دار الاسلام فهو فارس في كل غنيمة أصيبت قبل إخراج الفرس إلى دار الاسلام.
لان حصول الفرس في دار الاسلام باختياره مانع من استحقاق السهم به، غير مبطل لما استحقه قبل ذلك.
فإنما يكون هو راجلا فيما يصاب بعد خروجه إلى دار الاسلام.
1915 - وإن كان نفق بعد ما رده المستعير إلى دار الحرب فهو فارس فيما يصاب بعد ما رده إلى دار الحرب.
لزوال المانع.
وموت الفرس في يد المستعير كموته في يد المعير.
ولو مات بعد ما سلمه إلى المعير كان هو فارسا، إلا فيما أصيب حال كون الفرس في دار الاسلام فهذا مثله.
1916 - وأما بيان سهم المستعير فنقول: إن بعث رسولا إلى دار الاسلام فله السهم فيما أصيب قبل خروجه إلى دار الاسلام، عاد إلى دار الحرب أو لم يعد.
لانه وإن بعد من العسكر فهو في دار الحرب، وإنما ذهب لمنفعة العسكر فيجعل في الحكم كأنه معهم، سواء عاد إليهم أو لم يعد.
1917 - وما أصيب بعد ما دخل دار الاسلام فإن عاد هو إلى(3/984)
دار الحرب قبل أن يقتسموا أو يبيعوا (1) فهو شريكهم فيها، بمنزلة المدد، وإن لم يعد أو عاد بعد ما اقتسموها أو باعوها لم يكن له شركة فيها.
لانه بعدما حصل في دار الاسلام التحق هو بمن لم يدخل دار الحرب قبل هذا في الشركة فيما يصاب، وكيف يكون له الشركة في ذلك وهو عند امرأته وولده في منزله حيث أصيب ذلك ؟ 1918 - وإن لم يكن رسولا فله سهمه فيما أصيب حال كونه مع الجيش أو بالقرب منهم، أو بعد ما خرج إلى دار الاسلام فلا سهم له في ذلك إذا لم يعد إليهم.
لانه فارقهم لا لمنفعة ترجع إليهم فيخرج به من أن يكون شاهدا للوقعة معهم حكما كما لو اشتغل بالتجارة وترك القتال.
إلا أن يعود إليهم قبل القسمة والبيع فحينئذ يكون هو بمنزلة المدد يشاركهم في جميع ذلك.
وهكذا كان القياس في الرسول، ولكنا استحسنا باعتبار أن الرسول إنما بعد عنهم في أمر ترجع منفعته إليهم، وهو نظير الاستحسان الذى قلنا (2) * هامش * (1) ق، ه " يقتسموها أو يبيعوها "، ووافقت ب الاصل.
(2) في هامش ق " ذكرنا " نسخة.(3/985)
فيما إذا دخل منعة أهل الحرب رسولا أو مستأمنا إليهم لحاجة نفسه، فالفرق الذى ذكرنا هناك هو الفرق بين الفصلين هاهنا.
1919 - ولو أودع الغازى فرسه بعض من في منعة أهل الحرب.
فقد بينا أنه يصير مضيعا بما صنع، فلا يضرب له فيما يصاب بعد
ذلك إلا بسهم راجل.
كما لو باع (ص 328) فرسه.
وإن غنم المسلمون فرسه فردوه عليه قبل القسمة بغير شئ، أو باعه الامام فأخذه من المشترى بالثمن، ثم غنموا غنائم بعد ذلك فهو فارس فيما أصيب (1) بعد عود الفرس إليه، راجل فيما أصيب قبل ذلك.
بمنزلة ما لو اشترى فرسا ابتداءا.
لانه بما صنع في الابتداء صار مبطلا استحقاقه حين أزال تمكنه من القتال على الفرس، فما لم يعد الفرس إلى يده لا يعود تمكنه من القتال عليه.
1920 ولو كان لم يودع الفرس أحدا ولكنه غنمه المشركون، والمسألة بحالها، فهو فارس فيما يصاب بعد ذلك.
لانه ما زال تمكنه باختياره، فهو بمنزلة ما لو نفق الفرس في يده.
1921 - وكذلك إن أبى أن يأخذه بالثمن من يد المشترى من العدو، فهو فارس حكما فيما يصاب بعد ذلك.
لانه لا يتوصل إليه إلا بالثمن، وهو غير مجبر على إعطاء الثمن.
* هامش * (1) ب " فيما يصاب ".
وفى هامش ق " فيما يصاب.
نسخة ".(3/986)
بمنزلة ما لو نفق فرسه فلم يشتر فرسا آخر في دار الحرب، مع تمكنه منه.
1922 - ولو أعار فرسه مسلما ليخرج به إلى دار الاسلام، وأمره أن يسلمه إلى أهله، فأخرجه المستعير، ثم ركبه راجعا إلى دار الحرب، فالمعير راجل في كل غنيمة أصيبت، والمستعير في دار الاسلام أو بعد ما رجع إليهم قبل أن يعود للفرس إلى يده.
أما ما أصيب والفرس في دار الاسلام فقد بينا الحكم فيه.
وأما في المصاب بعد الرجوع فلان المستعير يستحق سهم الفرسان
باعتبار هذا الفرس.
لانه مدد التحق بالجيش على فرس مغصوب، فإنه بالرد صار غاصبا ضامنا ما لم يسلمه إلى صاحبه.
1923 - وإذا كان المستعير فارسا به فالمعير لا يكون فارسا به.
وفيما أصيب بعد ما أخذ المعير فرسه فالمستعير راجل.
لان الفرس أخذ منه بحق مستحق.
والمعير فارس لانه عاد تمكنه من القتال عليه، كما لو اشترى فرسا آخر.
1924 - ولو لم يرده المستعير إلى دار الحرب حتى ظهر عليه المشركون في دار الاسلام فأحرزوه، فالمعير راجل فيما يصاب بعد حصول الفرس في دار الاسلام وبعد إحراز أهل الحرب إياه.(3/987)
لانهم أحرزوه لانفسهم، فلا يعود تمكنهم من القتال عليه.
1925 - إلا أن يأخذه المسلمون في الغنيمة فيردونه عليه قبل القسمة بغير شئ أو بعد البيع (1) بالثمن، فحينئذ يكون هو فارسا فيما يصاب بعد ذلك.
لانه عاد تمكنه من القتال عليه.
كما كان قبل أن يبعث به إلى دار الاسلام.
1926 - ولو كان الغازى خلف فرسه في دار الاسلام ودخل مع الجيش راجلا، ثم أحرز المشركون فرسه بدارهم، ثم ظهر المسلمون على الفرس فردوه عليه فهو راجل.
لان سبب الاستحقاق انعقد له بالانفصال وهو راجل، فلا يتغير بعد ذلك بوصول الفرس إلى يده في دار الحرب.
كما لو اشترى فرسا ابتداء، بخلاف الاول، فهناك انعقد له السبب وهو فارس، ثم اعترض مانع باختياره فزال به تمكنه من القتال على الفرس، فإذا ارتفع ذلك المانع صار كأن لم يكن.
1927 وكذلك لو أنه دخل راجلا، ثم كتب إلى أهله حتى بعثوا إليه فرسه، فهو راجل في جميع الغنائم بمنزلة ما لو اشترى فرسا آخر.
* هامش * (1) ق " بعد القسمة " وفى هامشها " بعد البيع.
نسخة ".(3/988)
وهذا لان التمكن من القتال على الفرس لا يصلح أن يكون مغيرا لما انعقد من السبب، ويصلح أن يكون مقررا له رافعا للمانع الذى كان يمنع ظهور الحكم بعد انعقاد السبب.
1928 ولو كان دخل فارسا ثم رد فرسه إلى دار الاسلام واشترى فرسا آخر فله سهم الفرسان (ص 329) في جميع الغنائم.
لانه كان متمكنا من القتال على الفرس بعد ما انعقد له سبب الاستحقاق.
1929 وإن وقعت المنازعة بينه وبين صاحب المقاسم فقال: هو ما وصل فرسى إلى دار الاسلام حتى اشتريت هذا الفرس.
وقال صاحب المقاسم: لا أدرى لعله كان وصل فرسك إلى دار الاسلام قبل أن تشترى هذا الفرس فأصبنا (1) غنائم، فالقول فيه قول الغازى مع يمينه.
لانه ما لم يصل فرسه إلى دار الاسلام لا يصير هو في الحكم الراجل.
1930 وصاحب المقاسم يدعى عليه شيئا يصير به في حكم الراجل، وهو منكر لذلك، فالقول قوله مع يمينه، بمنزلة ما لو باع
فرسه واشترى فرسا ثم قال: اشتريت هذا الفرس قبل أن أبيع فرسى، أو بادلت بفرسي هذا الفرس، فإنه يكون القول قوله مع يمينه.
لانه لم يقر بكونه راجلا في دار الحرب في شئ من الاحوال، فهو منكر ما يدعى عليه من سبب الحرمان.
* هامش * (1) ه " فأصابوا ".(3/989)
1931 ولو دخل مع العسكر راجلا فأصابوا غنائم ثم رجع وحده إلى دار الاسلام فركب فرسه وكر إلى العسكر راجعا فهو فارس في جميع ما أصيب، إلا في غنيمة أصيبت قبل خروجه إلى دار الاسلام، فأنه راجل في تلك الغنيمة.
لانه استحق سهم الرجالة في تلك الغنيمة بالدخول الثاني.
وإن صار هو مددا للجيش ملتحق بهم.
لان التحاق المدد بالجيش لا يكون أقوى من القتال وقد بينا أن من له سهم الرجالة في غنيمة فقاتل عليها فارسا لا يستحق سهم الفرسان.
1932 - وإذا قاتل فارسا عن غنيمة لا حق له فيها استحق سهم الفرسان، فكذلك (1) حكم التحاقه بالجيش.
فإنه لاحق له فيما أصيب بعد خروجه، فيستحق بهذا الالتحاق سهم الفرسان في ذلك، وفيما أصيب قبل الخروج كان له سهم الرجالة، فلا يتغير ذلك.
وعلى هذا الاصل قال: 1933 لو دخل معه رجل من المسلمين فارسا فإن لهذا الثاني سهم الفارس في جميع الغنائم.
لانه ما كان له حق فيها قبل أن يلتحق بالجيش.
فإذا التحق بهم فارسا * هامش * (1) في هامش ق " فكذا.
نسخة ".(3/990)
استحق سهم الفرسان في جميع ذلك بخلاف الاول على ما قررنا، وهذا لان الاول عاد ليحرز ما هو شريك فيه، والثانى جاء ليحرز ما لم يكن له فيه شركة، وإنما يصير هو شريكا الآن ابتداء، فيراعى في صفة الشركة حاله الآن، 1934 ولو أعار الغازى فرسه في دار الحرب مسلما ليخرج إلى دار الاسلام فيقضى حاجته ثم يرده إليه، فلما دخل المستعير دار الاسلام لم يقدر على الرجوع إلى دار الحرب، فدفعه إلى غيره ليبلغه صاحبه في دار الحرب.
فجاء به الرجل فدفعه إليه.
فإن كان الذى جاء به بعض من في عيال المستعير فلا ضمان عليه ولا على الذى جاء به.
لان يد من في عياله كيده في الحفظ، فكذلك في الرد.
1935 ولو رد بنفسه كان المعير فارسا في جميع الغنائم، إلا فيما أصيب حال كون الفرس في دار الاسلام.
فهذا مثله.
1936 وإن لم يكن المدفوع إليه من (1) عيال المستعير فالمعير راجل في كل ما أصيب بعد خروج الفرس إلى دار الاسلام إلى أن يعود إلى يده.
لان الذى جاء به الآن غاصب للفرس، فلا تكون يده عليه في دار الحرب كيد المعير.
* هامش * (1) ق " في ".
وفى هامشها " من.
نسخة ".(3/991)
ألا ترى أنه لو نفق الفرس في يد الذى جاء به كان للمعير الخيار إن شاء ضمن المستعير ولا يرجع هو على أحد بشئ وإن شاء ضمن الذى
جاء به ويرجع هو بما ضمن على المستعير وعلل فقال: لانه بمنزلة الوديعة له في يده.
فهذا تنصيص على أنه ليس للمستعير أن يودع.
وإذا فعله صار ضامنا، بخلاف الاعارة.
فإن للمستعير أن يعير فيما لا يتفاوت الناس في الانتفاع به.
وقد بينا اختلاف المشايخ في هذا الفصل في " شرح الجامع الصغير "، وقررنا الفرق بين الاعارة والايداع في حق المستعير.
1937 وأما الذى جاء به ليرده على صاحبه فهو راجل في جميع الغنائم وإن كان القتال حين دخل.
وكان ينبغى أن يكون فارسا باعتبار أنه ضامن للفرس كالغاصب ولكن قال هو ما أدخل الفرس ليغزو عليه، ولكن أدخله ليرده على صاحبه.
ولان الضمان غير مستقر عليه.
ألا ترى أنه يرجع على المستعير إذا ضمنه فكيف يصير هو فارسا بفرس لو لحقه فيه ضمان يرجع به إلى غيره.
ألا ترى أن من كان راجلا من الغزاة إذا أودعه رجل فرسا فأدخله مع نفسه دار الحرب لم يكن هو فارسا به فكذلك هذا.(3/992)
1938 ولو كان المستعير أعاره هذا الداخل (1) ليقاتل عليه والمسألة بحالها، فالداخل فارس في كل غنيمة، إلا فيما أصيب قبل خروج الفرس إلى الاسلام.
لان الداخل الآن ضامن للفرس ضمانا يستقر عليه ولا يرجع به على أحد فيكون هو في حكم الغاصب، وإنما دخل فارسا ليقاتل على الفرس.
فكان ينبغى على هذا أن يكون فارسا في كل غنيمة، إلا أن فيما أصيب قبل حصول
الفرس في دار الاسلام للمستعير سهم الفارس بسبب هذا الفرس، فلا يستحق الغاصب فيه سهم الفارس أيضا بهذا الفرس لاستحالة أن يستحق رجلان كل واحد منهما السهم بفرس واحد.
1939 - وأما المستعير فلا شئ له في الغنائم إلا فيما أصيب قبل أن يبعد هو من العسكر، فإن له في ذلك سهم راجل.
لانه كان دخل مع الجيش راجلا.
وفيما سوى ذلك لاحق له.
لانه لم يعد إلى العسكر ولم يشاركهم في الاصابة ولا في الاحراز حقيقة ولا حكما.
1940 - ولو أراد الامير أن يرسله رسولا إلى دار الاسلام في شئ من أمر المسلمين، فسأل فارسا أن يعطيه فرسه ففعل ذلك صاحب * هامش * (1) ص، " هذا الراجل "، ق " هذا الرجل ".
م - 11 السير الكبير(3/993)
الفرس طائعا، ثم أصابوا غنائم والفرس في دار الاسلام، فالمعير راجل في تلك الغنائم رجع إليه فرسه أو لم يرجع.
لانه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختياره.
1941 - وإن أبى أن يعطيه الفرس ولم يجد الامام بدا من أن يأخذ الفرس منه فيدفعه إلى الرسول لضرورة جاءت للمسلمين.
فلا بأس بأن يإخذه منه كرها.
لانه نصب ناطرا، وعند الضرورة يجوز له أن يأخذ مال الغير بشرط الضمان كمن أصابه مخمصة.
ثم المعير يكون فارسا في جميع الغنائم هاهنا.
لانه ما زال تمكنه من القتال على الفرس باختياره، وإنما أخذ الفرس منه بغير اختياره، فلا يصير هو مضيعا للفرس.
بمنزلة ما لو أخذه المشركون، بل أولى.
لان هناك لا منفعة للمسلمين في ذلك الاخذ، وها هنا لهم منفعة في ذلك.
فإذا لم يسقط هناك سهمه وإن زال تمكنه فهاهنا أولى أن لا يسقط سهمه.
والله الموفق.(3/994)
104.
باب من يرضخ له من الادلاء وغيرهم 1942 - وإذا دخل العسكر دار الحرب ومعهم قوم من أهل الذمة يدلونهم على الطريق ولا يقاتلون معهم، فإنه ينبغى للامام أن يرضخ لهم من الغنيمة ولا يسهم له كسهام الخيل.
ولا كسهام الرجالة، لانهم غير مجاهدين حكما، ولا مقاتلين مع المسلمين حسا، ولكنهم جاءوا لامر (1) فيه منفعة للمسلمين، وهو الدلالة على الطريق، فيرضخ لهم من مال المسلمين بحسب عملهم، ليرغبوا في مثله في كل وقت، حتى إذا كانت في دلالتهم منفعة عظيمة للمسلمين فلا بأس بأن يرضخ لهم على قدر ما يرى، وإن كان أكثر من سهام الفرسان والرجالة.
لان سبب استحقاقهم هاهنا ليس من جنس السبب في حق المقاتلين، ولكنه منفعة أخرى، فإنما يرضخ لهم بحسب ما يكون من المنفعة بدلالتهم.
1943 - وإن كان جعل لهم على (ص 331) الدلالة نفلا مسمى
من الغنيمة فلا بأس بذلك أيضا.
* هامش * (1) ب " ولكن جاءوا لامر " وأشار في هامش ق إلى أنها رواية نسخة أخرى.(3/995)
لان التنفيل في الاصل للتحريض على ما فيه منفعة للمسلمين.
1944 - فإن أصابوا غنائم بدأ بنفلهم قبل الميراث.
لان النفل في الغنائم كالوصية في التركة يبدأ بها قبل الميراث.
1945 - وإن لم يصيبوا شيئا إلا قدر النفل فذلك سالم لهم.
لانه مقدم في جميع الغنيمة (1) بمنزلة الدين في التركة.
1946 - وإن لم يصيبوا شيئا أصلا فلا شئ لهم.
لانعدام حقهم، كما لا شئ للغريم والموصى له إذا لم توجد التركة أصلا 1947 - فإن خرجوا في غزاة أخرى وسموا لهم أيضا نفلا على الدلالة، وأصابوا غنائم، أعطوهم من ذلك النفل الآخر دون الاول.
لان استحقاقهم بالتسمية الثانية، فأما الاولى فقد بطلت الغنائم لانعدام محلها حين رجعوا قبل أن يصيبوا شيئا.
1948 - إلا أن يكونوا شرطوا لهم أن يعطوهم مما يغنمون النفل الاول والثانى، فحينئذ يجب الوفاء بذلك.
لان في هذا الشرط تنصيصا على تسمية الكل، فيستحقون جميع ذلك بهذه التسمية.
كما لو لم يكن الاول.
1949 - وفيما يستحقه الذمي والحربي والمستأمن بطريق التنفيل * هامش * (1) في هامش ق " على جميع.
نسخة ".(3/996)
على الدلالة لا فرق بين أن يذهب معهم وبين أن يدلهم بخبره من غير
أن يذهب معهم إذا وجدوا الامر على ما قال.
لانه سمى ذلك على الدلالة، والدلالة بالخبر تتحقق.
1950 - إلا أنه إذا لم يذهب معهم فليس ينبغى للامام أن يعطيهم رضخا ولا نفلا مما أصيب قبل دلالته.
لانه لا نفل مما أصيب من الغنائم قبل التنفيل، وإنما يجوز إعطاء الاجر من ذلك، وبالدلالة بالخبر من غير ذهاب لا يستحق الاجر.
1951 - فإن رضى المسلمون بأن يعطيه ذلك أعطاه من أنصابهم دون الخمس.
لان رضاهم يعتبر في حقهم لا في حق أرباب الخمس.
1952 - وإن استأجره (1) الامام على أن يدله على موضع كذا فدله بخبره ولم يذهب معه فلا أجر له.
لما بينا أن استحقاق الاجر بالعمل لا بمجرد الكلام، وهو لم يعمل للمسلمين شيئا، إنما أخبرهم بخبر.
1953 - فإن أصابوا غنائم في ذلك المكان فرأى الامام أن يرضخ له للدلالة فلا بأس بذلك.
بمنزلة مالو دل عليه من غير اشتراط الاجر.
* هامش * (1) ه " استأجر ".(3/997)
وقد بينا أن هناك للامام أن يرضخ له مما أصاب بدلالته قدر ما يرى، فهذا مثله.
1954 - فإن كان الامام قال له: اذهب معنا إلى موضع كذا، ولك من الاجر كذا، فذهب معهم فله الاجر المسمى.
لانه وفى بالعمل المشروط عليه.
ثم يعطيه الامام أجره مما أصابوا بعد دلالته أو قبل دلالته، بخلاف النفل والرضخ.
فإن الاستحقاق هاهنا بعقد لازم وهو عقد الاجارة، فلا يختص به بعض المصاب دون البعض كما لو استإجر قوما لسوق الغنم والرماك.
فأما استحقاق الرضخ والنفل باعتبار منفعة المسلمين فيتعين له المصاب بدلالته وعمله.
لان ذلك منفعة عمله.
1955 وإن لم يصيبوا شيئا من الغنائم فإنه ينبغى للامام أن يعطى الاجير أجره من بيت المال.
لانه في هذا الاستئجار كان ناظرا للمسلمين، وهو لا يلحقه العهدة فيما يباشر من العقود للمسلمين، ولكنه يرجع به في مال المسلمين وهو مال بيت المال.
1956 ولو استأجر مسلما أو ذميا أو حربيا ليدخل معهم دار(3/998)
الحرب فيدلهم على الطريق فقد بينا أن الاجارة فاسدة على هذا، بخلاف التنفيل.
لان في الاجارة لابد من بيان مقدار المعقود (ص 332) عليه، وأذا لم يسم له مكانا فالمعقود عليه لم يصر معلوما.
وفى التنفيل لا حاجة إلى إعلام المقدار فيما سمى النفل للتحريض عليه.
1957 ثم إذا ذهب معهم على الاجارة الفاسدة فلا سهم له في الغنيمة وإن كان مسلما.
لانه لم يدخل على قصد القتال.
ولكن له أجر مثله لا يجاوز به ما سمى.
لانه أقام العمل المشروط عليه، وقد وجد منه الرضى بالمسمى، فلا يزاد على ذلك، وإن كان أجر مثله أكثر منه.
1958 ولو أن الاجير من أهل الذمة أو المستأمنين لم يدلهم على الموضع الذى طلبوا منه ولكن هجم بهم على العدو فلا أجر له.
سواء ذهب معهم أو لم يذهب.
لانه ما أتى بالعمل المشروط عليه.
1959 وليس للامام أن يقتله وإن تعمد ذلك.
لان المسلم لو فعل هذا لم يكن به ناقضا لايمانه، فكدلك إذا فعله صاحب العهد لا يصير ناقضا لامانه.(3/999)
ولكن للامام أن يؤدبه بقدر ما يرى، إن رأى أنه تعمد ذلك، كما يؤدب المسلم على مثله.
لانه قصد إلحاق الضرر بالمسلمين.
1960 إلا أن يكون الحربى المستأمن إنما آمنوه على شرط ذلك، ولم يكن آمنا قبل ذلك.
فحينئذ للامام أن يقتله.
لا باعتبار أنه ناقض للامان، ولكن لان الامان كان معلقا بالشروط، فيكون معدوما قبل الشرط.
1961 وإن جعل الامام للدليل نفلا من غنيمة وقد أصابها المسلمون على أن يذهب إلى موضع كذا، حتى يدله، ففعل ذلك، فلا بأس بأن يعطيه ذلك بغير رضى المسلمين.
لان هذا بمنزلة الاجارة، وقد استأجره على عمل معلوم ببدل معلوم، فيعطيه ذلك من الغنيمة.
لانه استأجر لمنفعة المسلمين.
1962 ولو دله بخبر ولم يذهب معه، فليس له أن يعطيه فيما أصيب قبل الدلالة شيئا، إلا برضى المسلمين، وعند وجود الرضى يعطيه ذلك من أنصبائهم دون الخمس.
لانه لا يستحق الاجر إلا على مجرد الخبر من غير أن يذهب معهم.
1963 ولو بعث الامير بشيرا إلى الخليفة ليخبره بما صنع(3/1000)
بالعدو بعد ما أصابوا الغنائم، فليس له أن يعطى البشير إلا سهمه من الغنيمة، فارسا كان أو راجلا.
لان الغنيمة قد صارت مستحقة للغانمين، فلا ينبغى للامام أن يعطى منها أحدا شيئا بغير رضى المسلمين.
1964 والاصل فيه حديث الكبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: أما نصيبي منها فهو لك.
فحين تحرز رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يجعل له الكبة من الشعر مع حاجته إلى ذلك وسؤاله إياه، وكان لا يمنع أحدا شيئا سأله، عرفنا أن ذلك لا يجوز لاحد بعده، إلا أن البشير إن كان محتاجا فلا بأس للامام أن يعطيه من الخمس شيئا لحاجته.
لان الخمس مصروف إلى المحتاجين، وهو محتاج.
وقد كان يجوز له إن يدفعه من غير أن يرسله بشيرا فبعد إرساله أولى.
1965 فإن رضى المسلمون بما يعطى الامام البشراء، فإن كانوا أهل حاجة فلا بأس بأن يعطيهم ذلك من جميع الغنيمة، وإن كانوا
أغنياء أعطاهم ذلك من الاربعة الاخماس دون الخمس.
لان رضاهم إنما يعتبر في نصيبهم دون الخمس.
1966 وإن كانوا محتاجين فقد كان له أن يعطيهم (1) من الخمس بغير رضا الغانمين، ورضاهم معتبر في نصيبهم أيضا.
* هامش * (1) ه " يعطى ".(3/1001)
1967 فإذا قدم البشراء (1) على الخليفة فرأى أن يعطيهم جائزة من بيت المال على وجه النظر والاجتهاد فلا بأس بذلك.
لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيز الرسل والوفود الذين ينزلون عليه.
وهذا لان بيت المال معد لنوائب المسلمين، والصرف إلى ما فيه منفعة المسلمين، بخلاف الغنيمة فإنها مستحقة للغانمين.
ألا ترى أنه يقسم الغنيمة بين الغانمين ولا يقسم مال بيت المال بين الاغنياء من المسلمين ولكنه يعده (ص 333) لنوائب المسلمين ؟ 1968 وكذلك لو أتى أمير العسكر رسول من ملك أهل الحرب، فليس ينبغى أن يجيزه بشئ من الغنيمة إلا برضى المسلمين.
لانه إذا لم يجز له أن يخص بعض المسلمين بشئ منها فلان لا يجوز له أن يخص حربيا بذلك كان أولى.
1969 فإن رضى المسلمون بذلك أجازه من أنصبائهم دون الخمس.
لانه لا حق للحربى دون الخمس، ورضاهم إنما يعتبر في نصيبهم خاصة.
1970 فإن أجاز الامير البشراء (2) والرسل من الغنيمة على وجه
* هامش * (1) ه " البشير ".
(2) ه " البشير ".(3/1002)
الاجتهاد، ثم رفع ذلك إلى قاض من قضاة المسلمين فإنه ينفذ ما صنع، وإن كان رأيه مخالفا لذلك.
لان هذا مما يختلف فيه الفقهاء، وقد أمضاه باجتهاده، فلا يبطله حد بعد ذلك.
وقد قررنا هذا في التنفيل بعد الاصابة.
واستدل عليه أيضا بما لو جعل الامير للمقاتلين من أسلاب القتلى من غير تنفيل، ثم رفع ذلك إلى من يرى خلاف رأيه فإنه لا يبطل شيئا مما فعله.
لانه أمضى باجتهاده فصلا مختلفا فيه.
ألا ترى أنه فيما هو أهم من ذلك وهو حرمة الفرج ينفذ قضاء القاضى باجتهاده، فليس لاحد أن يبطله بعد ذلك، وإن كان مخالفا لرأيه، حتى إذا قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة، فإن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما قالا: يقع به تطليقة رجعية.
وقال على رضى الله عنه: ثلاث تطليقات.
فإن قضى قاض بأحد القضاءين ثم رفع إلى من يرى خلاف ذلك لم يبطل قضاؤه، لانه حصل في محل مختلف فيه، وإبطال القضاء في المجتهدات يكون قضاء، بخلاف الاجماع فيكون باطلا.
وإذا ثبت هذا في تحريم الفرج مع كونه مبنيا على الاستقصاء ثبت في النفل بطريق الاولى.
والله أعلم.(3/1003)
105.
باب كيفية قسمة الغنيمة (1) وبيان من يستحقها ممن جاء بعد الاصابة 1971 وإذا وقع القتال في دار الاسلام بين المسلمين وأهل الحرب فالغنيمة لمن شهد الوقعة، ولا شئ لمن جاء بعد الفراغ من القتال.
لان بنفس الاصابة تصير محرزة بدار الاسلام، فمن يلحق بعد ذلك مددا فهو لم يشارك الجيش في الاصابة ولا في الاحراز.
1972 وكذلك (2) لو فتح المسلمون أرضا من أرض العدو حتى صارت في أيديهم وهرب أهلها عنها.
لانها صارت دار الاسلام بظهور أحكام الاسلام فيها، فتصير الغنائم محرزة بدار الاسلام قبل لحوق المدد.
1973 وكذلك لو أصابوا غنائم فأخرجوها إلى دار الاسلام ثم لحقهم مدد.
* هامش * (1) ه " الغنائم ".
وفى هامش ق " الغنايم.
نسخة ".
(2) في هامش ق " وكذا لو فتح.
نسخة ".(3/1004)
لان بالاحراز باليد قد تأكد حقهم فيها، ولهذا لو مات بعظهم كان نصيبهم ميراثا.
1974 فأما إذا أصابوا الغنائم في دار الحرب ثم لحقهم مدد قبل الاحراز وقبل القسمة والبيع فإنهم يشاركونهم في المصاب عندنا لان الحق لا يتأكد بنفس الاخذ، فإن سبب ثبوت الحق القهر، وهو موجود من وجه دون وجه، لانهم قاهرون يدا مقهورون دارا.
ألا ترى أنهم لا يتمكنون من القرار في تلك البقعة وتصييرها (1) دار الاسلام، فإنما تم السبب بقوة المدد، وكانوا شركاؤهم ولهذ قلنا من مات منهم في هذه الحالة لا يورث نصيبه وهو قول على رضى الله عنه.
لان الارث في المتروك بعد الوفاة، والحق الضعيف لا يبقى بعد موته ليكون متروكا عنه.
وعلى قول عمر رضى الله عنه (ص 334) يورث نصيبه.
لان وارثه يخلفه فيما كان حقا مستحقا له، ثم استدل على هذه الجملة بالآثار منها: ما روى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه بعث عكرمة بن أبى جهل في خمس مئة نفر مددا لابي أمية وزياد بن لبيد البياضى.
فأدركوهم حين افتتحوا النجير فأشركهم (2) في الغنيمة.
* هامش * (1) في هامش ق " ذلك الموضع وتصييره.
نسخة حصير ".
(2) ب " فأشرك بينهم ".(3/1005)
وبه يستدل من يقول من أهل الشام أن للمدد شركة وإن أدركوهم بعد الفتح.
ولكنا نقول: النجير هذا اسم قرية وهى كانت تابعة للبلدة، فما لم تفتح البلدة لا تصير القرية دار الاسلام.
أو يحتمل أنهم أدركوا على أثر الفتح قبل إظهار حكم الاسلام فيها.
وفى مثل هذا تثبت الشركة عندنا.
فأما بعد تمام الفتح فلا.
على ما روى عن طارق بن شهاب قال: لما فتحت ماه دينار (1) أمد أهل الكوفة بأناس عليهم عمار.
فأراد أن يشاركوهم في الغنيمة.
فقال رجل من بنى عطارد: أيها العبد الاجدع (2) ! أتريد أن تشاركنا
في غنائمنا ؟ فقال: خير أذنى سبب.
وإنما قال ذلك لان إحدى أذنيه قطعت في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكتب فيه إلى عمر رضى الله عنه، فكتب عمر: إن الغنيمة بين من شهد الوقعة.
وإنما قال ذلك لان ماه دينار صارت دار الاسلام بإجراء أحكام الاسلام فيها.
* هامش * (1) في هامش ق " هكذا ذكر شمس الائمة الحلواني رحمه الله.
وكذا ذكره غيره.
وذكر في أسماء المواضع ماه دانيال.
حصيرى ".
قلت: وماه دينار.
هي الاسم القديم لمدينة نهاوند.
(2) في هامش ق: " أي مقطوع الاذن.
يقال في الدعاء: اجدع الله مسامعك.
أي قطع آذانك.
حصيرى ".(3/1006)
ألا ترى إلى ما روى أن عمر رضى الله عنه كتب إلى سعد بن أبى وقاص: من وافاك من الجند ما لم تتفقأ القتلى فأشركه في الغنيمة.
أي ما لم يتشقق القتلى بتطاول الزمان، أو معناه ما لم يتميز قتلى المشركين من قتلى المسلمين بالدفن.
وفى بعض الروايات ما لم تتقفا القتلى، أي تجعلهم على قفاك بالانصراف إلى دار الاسلام.
والاشهر هو الاول فإن الفقأ عبارة عن التمييز والتشقق ومنه سمى الفقيه.
لانه يميز الصحيح من السقيم.
ومنه قول الشاعر: تفقأ فوقه القلع السوارى * * * وجن الخازباز به جنونا (1) وذكر عن عبدالله بن أبى بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لجعفر بن على بن أبى طالب ولمن معه من أهل السفينتين والدوسيين، فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو مع سهمان أهل خيبر.
وإنما قدموا بعد فتح خيبر.
ولكن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كلم المسلمون في حقوقهم أن يدخلوا فسلموا.
فأسهم لهم.
هكذا روى مفسرا.
وفى هذا بيان أن من لحق بعد الفتح لم يكن له شركة لانه لو كان شريكا ما احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يسترضى المسلمين إلى أن يسهم لهم.
* هامش * (1) البيت لابن أحمر، أورده صاحب اللسان 1: 118، والخازباز صوت الذباب، سمى الذباب به، وتفقأت السحابة عن مائها تشققت.(3/1007)
وروى أن أبان بن سعيد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية من المدينة قبل نجد، فقدموا عليه بخيبر بعد الفتح.
فقال أبان: اقسم لنا يارسول الله.
فقال: اجلس يا أبان.
ولم يقسم لهم.
ففى هذا دليل على أن من أدرك بعد الفتح لم يكن له شركة إلا أن يكون رسولا بعثه الامام في بعض حوائج أهل العسكر.
وقد بينا في الحكم كالحاضر معهم.
وقد روى أنه أسهم لمحيصة وأصحابه من غنائم خيبر.
لانه كان أرسلهم إلى فدك حين كان محاصرا أهل خيبر فرجعوا إليه بعد الفتح.
فأسهم لهم في الشق والنطاة، وأطعمهم طعمة سوى ذلك.
من الخمس في الكتيبة جارية عليهم.
وقيل في ذلك تأويل آخر وهو أن غنائم أهل خيبر كانت عدة من الله تعالى لاهل الحديبية كما قال الله تعالى (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) (1).
فكل من كان من أهل الحديبية أسهم له رسول الله صلى الله
عليه وسلم من غنائم خيبر من شهد فتحها ومن لم يشهد.
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان بن عفان * هامش * (1) سورة الفتح 48 الآية 20.(3/1008)
رضى الله عنه من غنائم بدر، وكان تخلف في المدينة (ص 335) على ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ليمرضها (1).
وأسهم لطلحة بن عبيد الله ولسعيد بن زيد، وكان بعثهما نحو الشام، يتجسسان أخبار عير قريش.
وأسهم لخمسة من الانصار وقد سماهم في الكتاب (2) وقد كان ردهم إلى المدينة لخبر بلغه عن المنافقين.
وفى تأويل ذلك وجوه.
أحدها: أن المدينة يومئذ ما كان لها حكم دار الاسلام بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها، لكثرة اليهود والمنافقين بها.
فكانوا جميعا في دار الحرب مشغولين بما فيه منفعة المسلمين، وبما فيه فراغ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل إن غنائم بدر كان الامر فيها مفوضا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى من شاء ويحرم من شاء كما قال تعالى (قل الانفال لله والرسول) (3) فلهذا أسهم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أن المنهزمين يوم حنين قد كانوا بلغوا إلى مكة، * هامش * (1) ق " لتمرضها " وفى هامشها " لمرضها.
نسخة " ه " يمرضها ".
(2) قوله وقد سماهم هو من السرخسى.
وفى هامش ق: " إلى لبابة الذى استعمله على المدينة
ورده من الروحاء وثعلبه بن حاطب وعاصم بن عدى وخوات بن جبير والحارث ين صمة.
وذكر في هذا الخبر أن خوات بن جبير كسر.
ومعناه أنه سقط من دابته فانكسر فمات.
حصيرى ".
(3) سورة الانفال 8، الآية 1(3/1009)
ثم جاءت النصرة، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم.
وأن حرب حنين كان بعد فتح مكة، فقد وصلوا إلى دار الاسلام ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم.
فبهذا تبين أن للمدد شركة مع الجيش إذا أدركوا قبل إحراز الغنيمة بدار الاسلام.
1975 قال: ولا ينبغى للامام أن يقسم الغنائم ولا يبيعها حتى يخرجها إلى دار الاسلام.
لان بالقسمة تنقطع الشركة في حق (1) المدد، فيكون فيها تقليل رغبة المدد في اللحوق بالجيش، وفيها تعريض المسلمين لوقوع الدبرة عليهم بأن يتفرقوا ويشتغل كل واحد منهم بحمل نصيبه، فيكون عليهم العدو.
ثم القسمة والبيع تصرف، والتصرف إنما يكون بعد تأكد الحق بتمام السبب (2) وذلك لا يكون إلا بعد الاحراز بالدار.
1976 وإن قسمها في دار الحرب جاز.
لانه أمضى فصلا مختلفا فيه باجتهاده.
ثم استدل بحديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بالمدينة مع غنائم أهل نخلة وكانت تلك غنيمة أصيبت * هامش * (1) ق " لان بالقسمة تنقطع شركة المدد " وفى هامشها " تنقطع الشركة في حق المدد.
نسخة "
(2) في هامش ق " والقسمة في الملك الذى ليس بمتأكد لا يجوز.
كما لو اشترى نصف دار فقاسمه قبل القبض لا يجوز.
حصري ".(3/1010)
قبل بدر، فوقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى إلى بدر، ثم رجع فقسم الغنيمتين بالمدينة جملة.
وفى رواية قال: قسمها بسبر (1) وهى شعب بمضيق الصفراء.
فإن كانت القسمة بالمدينة فهو دليل ظاهر لما قلنا.
وإن كانت بسبر فقد بينا أن دار الاسلام يومئذ كانت الموضع الذى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
لانه ما كان للمسلمين يومئذ سوى ذلك.
فأما غنائم خيبر فإنه لم يقسمها حتى أتى الجعرانة (2).
وروى أنهم طالبوه بالقسمة حتى ألجأوه إلى سمرة فتعلق بها رداؤه ثم جذبوا رداءه فتخرق.
فقال: اتركوا إلي ردائي، فوالله لو كانت هذه العضاة (3) إبلا وبقرا وغنما لقسمتها بينكم، ثم لا تجدونى جبانا ولا بخيلا.
فقد أخر القسمة مع كثرة سؤالهم حتى انتهى إلى دار الاسلام.
فإن جعرانة قرية من قرى مكة وقد صارت مفتوحة بفتح مكة.
ففى هذا بيان أنها لا تقسم في دار الحرب.
* هامش * (1) في هامش ق " في الحديث: قسم الخمس بشبر شعب بالصفراء.
ويروى بالبشير.
والصواب بسبر بكسر السين وفتح الباء، سماعا من مشايخ الصفراء حين نزلت بهم مجتازا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
مغرب ".
(2) في هامش ق " الجعرانة مرحلة بمكة.
حصر " وذكر الخطابى الجعرانة والحديبية بالتخفيف
وغيره بالتشديد.
من خط الحصيرى.
ه.
(3) في هامش ق " العضاة شجر أم غيلان.
وكل شجر عظيم له شوك.
الواحدة عظمة بالتاء.
نهاية "(3/1011)
ثم بين أن: 1977 من شهد الوقعة فهو شريك في الغنيمة، قاتل أو لم يقاتل، مريضا كان أو صحيحا.
والاصل فيه حديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه.
قال: يارسول الله ! أرأيت الرجل يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه، أيكون نصيبه مثل نصيب غيره ؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن أم سعد.
وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم (1).
ونظير هذا ما روى عن (ص 336) النبي صلى الله عليه وسلم فيما يؤثر عن ربه: لولا الصبيان الرضع والشيوخ الركع لصببت عليكم العذاب صبا.
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أطيب كسب المؤمن سهمه في سبيل الله تعالى، وصفقة (2) يده، وما تعطيه الارض.
* هامش * (1) في هامش ق " قيل معناه: هل تنصرون إلا بدعوة ضعفائكم.
وقيل معناه: إلا بكثرة ضعفائكم، لان منعهم يتقوى بها وبكثرة ضعفائكم.
فإن الواحد القوى أو الثلاثة إذا خرجوا سرية وحدهم لا يبالى بهم ولايكون لهم منعة، فإذا انضم الضعفاء إلى الاقوياء، وكثروا.
وتقوت منعتهم ونصروا.
والذى عليه الاخبار التى أوردها في الكتاب وحديث غنائم بدر أن النبي عليه السلام قسمها بينهم، وهم كانوا على ثلاثة فرق كما ذكر في الكتاب.
وذكر قول فريق منهم أنهم قالوا: نحن ظلعنا العدو حتى أجهدناهم.
نقل من خط الامام الحصرى رحمه الله تعالى ".
(2) في هامش ق: " والصفقة من التصفيق.
وهو ضرب إحدى اليدين على الاخرى، فقال لذلك التصفيق والتصفيح.
وإنما سمى التجارة صفقة يد لان البائع يضرب على البيع.
ثم التجارة
محمودة إذا كانت خالية عن الخيانة.
لما روى عن عمر أنه قال: لئن أضرب في الارض أبتغى من فضل الله أحب من أن أجاهد في سبيل الله.
فقيل يا أمير المؤمنين ! ولم قلت ؟ قال: لان الله تعالى يقول في كتابه (وآخرون يضربون في الارض.
الآية) فقدم بالذكر من كان يضرب في الارض لابتغاء فضل الله تعالى.
من خط الامام الحصرى رحمه الله ".(3/1012)
في هذا دليل على أنه ينبغى للغازي أن يظهر الرغبة في سهمه غنيا كان أو فقيرا قل سهمه أو كثر، فإنه أطيب كسبه، على معنى أنه مصاب بطريق فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز الدين.
وذلك أشرف جهات إصابة المال.
والمراد بصفقة يده التجارة، ولكنها بشرط أداء الامانة ومراعات حدود الشرع.
وما تعطيه الارض المراد الزراعة، فهى تجارة على ما قال عليه السلام: " الزارع يتاجر ربه " 1978 وإذا أراد الامام قسمة الغنائم ينبغى أن يجعل عليها رجلا من المسلمين عدلا وصيا عالما بالامور مجربا لها.
فإذا ميز الخمس جعل على الخمس أيضا رجلا أمينا حافظا كاتبا عالما.
لانه يعجز بنفسه على مباشرة القسمة لكثرة أشغاله فيستعين بغيره ويختار لذلك من يكون أقدر على ما هو المقصود من الحفظ والقسمة وذلك بأن يكون مستجمعا للشرائط التى قالها.
والاصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل محمية ابن جزء الزبيدى على خمس بنى المصطلق.
وكانت تجمع إليه الاخماس (1)، وكانت الصدقات على حدة لها أهل، وللفئ أهل، وكان يعطى من الصدقة اليتيم والضعيف والمسكين.
فإذا احتلم اليتيم ووجب عليه الجهاد نقل إلى الفئ، وإن كره الجاد لم يعط من الصدقة شيئا، وأمر
بأن يكسب لنفسه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع سائلا شيئا فأتاه * هامش * (1) في هامش ق " يجمع الاخماس.
نسخة " وهى كذا في ه.(3/1013)
رجلان يسألانه عن خمس بنى المصطلق فقال: إن شئتما أعطيتكما منه ولا حظ فيه لغنى ولا لقوى مكتسب.
ثم روى أن عبيدة السلمانى كان يقسم أعطيات قومه، ففضل بين رجلين درهم فقال: اقترعا أيكما يأخذه.
فقام إليه رجل فساره.
فقال: أتأمرهما أيهما يذهب بنصيب صاحبه.
فقال: اذهبا فاشتريا به شيئا بينكما فاقتسماه.
وبه نقول أنه لا يجوز الاقراع في تعيين المستحق، وأن المشترك إذا كان بحيث لا يحتمل القسمة بنفسه فإما أن يمسكه الشريكان مشتركا بينهما نصفان أو يشتريا به شيئا فيقسمانه نصفين.
وكذلك إذا لم يعلم أنه لايهما فإنه يجعل بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق.
وذكر عن الاحنف بن قيس قال: كنا بباب عمر رضى الله عنه فمرت جارية فتخشخش (1) لها القوم أي تحركوا وأوسعوا لها.
فقالوا: لعلها من أمهات أولاد أمير المؤمنين.
فقالت: إنى لا أحل لامير، إنى من خمس مال الله تعالى.
فقلنا فيما بيننا: ما يحل لامير المؤ منين من مال الله تعالى الحديث..إلى أن قال عمر رضى الله عنه: إنى أستحل من مال الله تعالى حلتين حلة بالشتاء وحلة بالصيف.
وظهري الذى أحج عليه * هامش * (1) في هامش ق " التخشخش التحرك الذى معه الصوت.
قال القائل: تخشخش أبدان الحديد عليهم
كما خشخشت ببنى الحصار جنوب وقوله: أبدان الحديد يريد به الدروع.
حصيرى ".(3/1014)
وأعتمر، وقوت أهلى، وقوتى قوت أهل رجل من قريش، لا وكس ولاشطط، ثم أنا شريك المسلمين بعد.
ففى هذا دليل على أن الامام إنما يأخذ مقدار الكفاية من مال المسلمين، ثم هو يساويهم فيما سوى ذلك.
لانه بمنزلة الوصي في مال اليتيم وقال تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف ومن (ص 337) كان فقيرا فليأكل بالمعروف) (1).
1979 - ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذوى القربى بخيبر بين بنى هاشم وبنى عبدالمطلب، حتى كلمه عثمان بن عفان وجبير بن مطعم.
وقد بينا تمام ذلك في السير الصغير.
والذى زاد هاهنا.
أن النبي صلى الله عليه وآله قال لهما: إن بنى المطلب كانوا دخلوا معنا الشعب (2) وكانوا معنا في الجاهلية لم يفارقونا وإنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد.
ففى هذا تنصيص على أن المراد قرب النصرة بالانضمام إليه في حال ما هجره الناس لاقرب القرابة.
* هامش * (1) سورة النساء 3 الآية 6 (2) في هامش ق " ومعنى دخول الشعب أن كفار مكة هجروا رسول الله صلى الله عليه وآله والذين أسلموا عن مجالستهم ومكالمتهم.
فساعد بنو المطلب على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونزلوا معه من مكة حيث نزل، وإن كانوا كفارا، ولم يساعدوا سائر الكفرة، إلا أبو جهل، فإنه ساعد الكفرة.
فلهذا قال عليه السلام في بنى المطلب.
حصيرى ".(3/1015)
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله استشار جبريل عليه السلام في ذلك، فأشار عليه أن يقسمه بين بنى هاشم وبين بنى المطلب.
وذكر عن مجاهد قال: كان خمس الخمس لذوى القربى (1).
لانهم كانوا لا يأكلون الصدقة.
والاول أصح.
لان حرمة الصدقة عليهم كان بطريق الاكرام لهم فما كانوا يحتاجون (2) إلى عوض ذلك، ثم حرمة الصدقة في حق بنى هاشم خاصة.
وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله بنى المطلب أيضا، فعرفنا أن السبب قرب النصرة لما بيناه، والله أعلم.
* هامش * (1) في هامش ق " قال: فهذا يدل على صحة ما رواه الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله أن سهم ذوى القربى ساقط في حق الاغنياء منهم، غير ساقط في حق الفقراء.
حصيرى ".
(2) في هامش ق " احتاجوا.
نسخة ".(3/1016)
106.
باب ما يستعمل في دار الحرب ويؤكل ويشرب (1) 1980 - وإن (2) أصاب المسلمون غنائم في دار الحرب فليس ينبغى لواحد منهم أن ينتفع من ذلك بشئ إلا المأكول والمشروب، لهم ولدوابهم.
ولا بأس بأن يذبحوا البقر والغنم ليأكلوا بغير خمس.
لان حاجتهم إلى الطعام والعلف حاجة ماسة، ولا يمكنهم أن يستصحبوا ذلك من دار الاسلام، ولا يجدونها في دار الحرب بشراء، وما يأخذون يكون
غنيمة.
فلاجل الحاجة يصير ذلك مستثنى من شركة، فيبقى على أصل الاباحة كما كان قبل الاصابة.
وهو نظير شركة المفاوضة، فإنه يستثنى منها ما يشترى كل واحد منهما من الطعام والكسوة لنفسه وعياله، حتى يختص بذلك العلم بوقوع الحاجة إلى ذلك في مدة الشركة.
والاصل فيه حديث عمر رضى الله عنه حيث كتب إلى عامله جواب كتابه أن دع الناس يأكلوا ويعلفوا، فمن باع شيئا من ذلك فقد وجب فيه خمس الله وسهام المسلمين.
وروى هذا المعنى عن فضالة بن عبيد وبه نأخذ.
* هامش * (1) في هامش الاصل: " أبواب ما يجوز فعله في الغنائم ".
(2) ب " إذا ".(3/1017)
فنقول إنما يباح التناول من ذلك للحاجة دون التجارة، فما يدخل تحت التجارة بالبيع يكون بدله كسائر الغنائم، فلا ينبغى لاحد أن يخص نفسه بذلك.
وذكر حديث سلمان حين أتاه غلامه بسلة يوم نهاوند.
فقال: هاتها، فإن كان مالا دفعناه إلى هؤلاء، وإن كان طعاما أكلناه.
فإذا فيها أرغفة حوارى وجبنة وسكين.
فجعل سلمان يطرح لاصحابه من ذلك الخبز ويقطع لهم من جبنه فيأكلون، ويخبرهم كيف يصنع الجبن.
1981 ثم ذكر عن ابن عباس رضى الله عنه أنه رخص في الاكل.
وقال: فإن خرجوا بشئ منه تصدقوا به.
والمراد إنما يتصدقون إذا قسمت الغنائم، فأما قبل القسمة فيرد ذلك
في المغنم، لان قبل القسمة يتيسر إيصاله إلى مستحقه بالالقاء في الغنيمة وبعد القسمة يتعذر ذلك، فيكون سبيله التصدق به كاللقطة.
إلا أن يكون محتاجا فيأكله، وإن أكله وهو غنى تصدق بقيمته كما هو الحكم في اللقطة (ص 338) وقد روى ذلك عن بن عمر رضى الله عنه.
1982 وذكر عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ردوا الخيط والمخيط.
وكلوا واعلفوا ولا تحملوا.
ففيه دليل على أن ما سوى المأكول والمشروب يكون غنيمة لا يحل لاحد أن يختص بشئ منه.
فأما المأكول والمشروب فمستثنى في حكم الاكل(3/1018)
خاصة لا في حكم الحمل والتصرف فيه.
ولهذا قال سليمان بن يسار: بيع الطعام إذا خرج من أرض العدو من الغلول إن لم يرد ثمنه في الغنيمة.
وذكر عن ابن أبى أوفى قال: لم يخمس الطعام يوم خيبر، وكان الرجل يأخذ منه ما شاء.
ففى هذا دليل أنه مستثنى من أصل شركة الغنيمة، حتى لا يجب فيه الخمس، ويستوى في ذلك ما يكثر وجوده في ذلك الموضع وما يعز وجوده فيه، بخلاف ما يقول بعض أهل الشام.
أن هذه الاباحة تختص بطعام يكون في ذلك الموضع حتى يكون تافها، فأما ما ينقل من موضع آخر إليه فهو من أعز الاموال في ذلك الموضع.
واعتمادنا فيه على حديث مكحول أن رجلا نحر جزورا بأرض الروم،
ثم نادى في الناس: هلموا إلى هذا اللحم فخذوا منه.
فقال مكحول لرجل من غسان: ألا تقوم فتأتينا من لحم هذا الجزور ؟ فقال: إنها نهبى (1)، أي لم تخمس.
فقال مكحول: إنه لا نهبى في المأذون فيه.
ومعلوم أن الابل مما لا يكون بأرض الروم، وقد جوز نحرها والاكل منها.
فدل أن الاكل (2) في ذلك سواء.
وعن مكحول قال: كل ما حمل من أرض العدو مما لا قيمة له * هامش * (1) في هامش ق " النهبة والنهبى الشئ المنتهب.
مغرب ".
(2) ه " ان الكل " وفى هامش ق " أن الكل.
نسخة ".(3/1019)
هناك فحمله في حاجة نفسه فهو له.
وهذا عندنا صحيح فيما لا قيمة له في دارنا أيضا، فعليه أن يرده في الغنيمة.
لان بمجرد النقل من مكان إلى مكان لم تتبدل العين وإنما تمكن من إخراجه بقوة المسلمين.
فهو من جملة الغنائم.
وكأن مكحولا جعل النقل محدثا صفة التقوم فيه، بمنزلة الصنعة حتى قال: فما اقتطعت من شجر العدو فعملته (1) قدحا أو مرزبة (2) أو مزادة فلا بأس به، وما وجدت من ذلك معمولا فرده في الغنيمة.
وبهذا نأخذ.
فإن المعمول مال متقوم بصنعته، وقبل العمل لا يكون مالا متقوما.
فإذا صيره مالا متقوما بصنعته فهو له خاصة، بمنزلة من اتخذ الكوز من تراب غيره، لكنا نفرق بين الصنعة والنقل، لان بالصنعة تتبدل العين.
فيكون المتقوم شيئا آخر، هو حادث بصنعته، فأما بالنفل فلا تتبدل العين.
1983 - ثم روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إياكم وربا الغلول.
وفسر ذلك بأن يركب دابة من الفئ، حتى إذا أعجفها
ردها في المغنم، أو يلبس ثوبا حتى إذا خلق رده في المغنم، أو ينكح الجارية قبل أن تحيض.
* هامش * (1) ق " فعملت ".
(2) في هامش ق " المرزبة بتخفيف الباء.
والارزبة بالتشديد ما يكسر به المدر، والهراوة والعصا.
حصيرى ".(3/1020)
وبهذا نأخذ.
فإنه ليس له أن يختص بشئ من هذه الاعيان قبل القسمة، فكذلك بمنافعها.
وبالجزء الذى يفوت من عينها لتمكن النقصان باستعماله.
1984 وذكر عن أبى الدرداء قال: لا بأس بما أصابت السرية من الطعام أن يرجعوا به إلى أهلهم فيأكلون ويهدون ما لم يبيعوا.
فكأنه جعل الاهداء من جملة الحاجة.
كالاكل ولسنا نأخذ بها.
فإن الاكل من أصول الحوائج (ص 339) تتحقق فيه الضرورة، والاهداء ليس من أصول الحوائج، فهو كسائر التصرفات.
1985 وذكر أن البراء بن مالك أخذ سيفا مما أصابوا يوم الزارة وقاتل به.
وبه نأخذ عند الحاجة، بأن ينكسر سلاحه.
فأما إذا أراد الابقاء على سلاحه والقتال بسلاح أخذه من العدو فهو من ربا الغلول.
لان ما أخذه يكون غنيمة، ولكن عند الضرورة لا بأس بأن يستعمله عند الضرورة في القتال.
إلا ترى أنه لو ضربه المشرك بسيف فأخذه من يده وضربه به لم يكن به بأس.
1986 قال: ولا بأس بأن يوقح (1) ويدهن رأسه
من المغنم.
* هامش * (1) التوقيح: تصليب الحافر بالشحم المذاب (القاموس).(3/1021)
وإنما أراد أنه بفعل ذلك بما يؤكل من الزيت والسمن، فإن له أن يختص بذلك العين أكلا فكذلك له أن يختص به انتفاعا بوجه آخر.
فأما سوى ذلك من الادهان كالبنفسج والزنبق والخيرى فليس له أن يدهن بشئ من ذلك.
لان هذا مما لا يؤكل.
ألا ترى أنه لو وجد غالية أو بانا لم يكن له أن يستعمل هذا.
لان هذا مما لا يؤكل.
وأما الزيت ونحوه فلا بأس بأن يأكله أو يستصبح به في السراج فكذلك لا بأس بأن يدهن به.
1987 وذكر أن رجلا من المسلمين وجد يوم خيبر دراهم في خربة، فأخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس.
وبهذا نأخذ.
فإن واحدا من الغانمين إذا وجد في دار الحرب ركازا أو معدنا فهو عنيمة، لانه ما توصل إلى ذلك المكان واستخراج ذلك المال إلا بقوة المسلمين.
1988 فإن نهى الامام الجيش أن يأكلوا من البقر أو الغنم أو غيرهما وأقسم عليهم أن لا يفعلوا ذللك حتى يقسم فعليهم طاعته، ولا يحل لهم أن يتعرضوا لشئ منه.
لان الامام مجتهد، فيما يأخذ عليهم الميثاق (1) به، وبتنصيصه ينعدم معنى الاستثناء في هذا المال من شركة الغنيمة، فيكون حكمه كحكم سائر الغنائم.
* هامش * (1) ه " من الميثاق ".(3/1022)
1989 إلا أنه ينبغى للامام أن ينظر لهم.
فإذا عرف حاجتهم إلى ذلك أخذ منه الخمس وقسم ما بقى، ليتناول كل واحد منهم من نصيبه.
فإن الحاجة إلى ذلك قد تحققت، وعند الضرورة تجوز القسمة في دار الحرب.
والله أعلم.(3/1023)
107.
باب قتل الاسارى والمن عليهم 1990 قال: الامام بالخيار في الرجال من أسارى المشركين بين أن يقتلهم وبين أن يخمسهم ويقسم بين من أصابهم.
وكان الحسن رضى الله عنه يكره قتل الاسير إلا في الحرب ليهيب به العدو.
وحماد ابن أبى سليمان رحمه الله كان يكره قتل الاسير بعد ما وضعت الحرب أوزارها (1).
وجه قولهما إن إباحة القتل لدفع محاربتهم.
قال الله تعالى (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) (2) وقد اندفع ذلك بالقتل واقضاء الحرب.
فليس في القتل بعد ذلك إلا إبطال حق المسلمين بعد ما ثبت في رقابهم حق وذلك لا يجوز.
واستدلوا على ذلك بما روى أن عبدالله بن عامر بعث إلى ابن عمر رضى الله عنهما بأسير ليقتله فقال: أما والله مصرورا (3) فلا أقتله.
يعنى: بعد ما شددتموه وأسرتموه فلا أقتله.
* هامش * (1) في هامش ق " وقوله حتى تضع الحرب أوزارها أي حملها.
فالوزر هو الحمل.
وإنما جعل الاثم وزرا لانه حمل على صاحبه.
وإنما يريد هنا حتى تضع الحرب ما يحملونه عليهم من السلاح
ويمتنعون عن القتال.
قال قائلهم: وأعددت للحرب أوزارها * * * رماحا طوالا وخيلا ذكورا ففسر قوله أوزارها بكلامه الاخير.
حصيرى ".
(2) سورة البقرة 2، الآية 191.
(3) في هامش ق " أي موثوقا مربوطا.
حصيرى ".(3/1024)
وقال الله تعالى (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، حتى إذا أثخنتموهم، الآية) (1) وإنما أمرنا بالقتال إلى غاية الاسر، ثم جعل الحكم بعد ذلك المن أو الفداء.
ودليلنا على جواز القتل بعد الاسر قصة بنى قريضة.
فقد قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الاسر، وبعد ما وضعت الحرب أوزارها.
وقتل رسول الله (ص 340) صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث بالاثيل (2) وكان من أسارى بدر.
وقتل عمر ين الخطاب رضى الله عنه معبد بن وهب وقد كان أسره أبو بردة بن نيار (3) يوم بدر فسمعه يقول: يا عمر أتحسبون أنكم غلبتم، كلا واللات والعزى.
فقال: أتقول هذا وأنت أسير في أيدينا.
ثم أخذه من أبى بردة وضرب عنقه.
ولان الامن عن القتل إنما يثبت بالامان أو بالايمان، وبالاسر لا يثبت شئ من ذلك، فبقى مباح الدم على ما كان قبل الاسر.
وهو بالاسر لم يخرج من أن يكون محاربا، ولكنه عجز عن المحاربة لكونه مقهورا في أيدينا مع قيام السبب الذى يحمله على ذلك وهو المخالفة في الدين.
فيجوز قتله كالمرتد المقهور في أيدينا، وقوله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء (4)) فمنسوخ.
* هامش * (1) سورة محمد 47، الآية 4.
(2) في هامش ق " الاثل شجر يشبه الطرفاء، وبتصغيره سمى الموضع الذى قتل فيه النضر صبرا.
مغرب ".
(3) في هامش ق " أبى الدينار.
نسخة " وهو خطأ.
(4) سورة محمد 47، الآية 4.(3/1025)
هكذا نقل عن السدى أنه نسخة قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (1).
1991 وتأويل حديث ابن عمر أنه كره قتله مشدود اليدين، لا أن يقال تحرز عن قتله بعد ما أسر.
ونحن هكذا نقول: الاولى أن لا يقتل مشدود اليدين إذا كان لا يخاف أن يهرب أو يقتل بعض المسلمين، ثم يستوى في ذلك ما بعد الاحراز بدار الاسلام وما قبله.
لانعدام السبب الموجب لحرمة دمائهم.
فإن الحق لا يتأكد للمسلمين في الاسارى بعد الاحراز بالدار.
ألا ترى أن للامام أن يجعلهم أحرار الاصل بأن يمن عليهم برقابهم وأراضيهم ويضع الجزية عليهم والخراج على أراضيهم، كما فعل عمر رضى الله عنه بالسواد.
1992 وإذا لم يتأكد الحق فيهم كان الحكم فيه بعد الاحراز كالحكم قبله، والامام ناظر للمسلمين، فإن رأى الصواب في قسمتهم قسمهم، وإن رأى الصواب في قتلهم قتلهم.
لدفع فتنتهم.
قال الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) (2).
ومن أسلم منهم حرم قتله لقوله تعالى: (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين).
وقد
* هامش * (1) سورة التوبة 9 الآية 5.
(2) سورة البقرة 2 الآية 193.(3/1026)
خرج بالاسلام من أن يكون ظالما، وقال عليه السلام: فإذا قالوها فقد عصموا منى دمائهم وأموالهم.
ولكنه يقسم بين المسلمين.
لان الاسلام يؤمنه من القتل، ولكن لا يبطل الحق الثابت فيه للمسلمين.
وقد كان الامام مخيرا بين القتل والقسمة فأذا تعذر أحدهما بالاسلام وتعين الآخر.
1993 وأيما مسلم قتل أسيرا قبل أن يسلم أو يباع أو يقسم فلا شئ عليه.
لانه أراق دما مباحا فهو كمن قتل مرتدا أو مقضيا عليه بالرجم.
ولكن يكره له ذلك.
لانه إن كان الاسير غيره فهو بالقتل يفوت عليه يده فيه، وذلك ممنوع.
بحديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتعاطى أحدكم أسير صاحبه إذا أخذه قبله فيقتله.
ولكن مع هذا لا شئ عليه.
لانه أزال يده عما ليس بمال متقوم لحقه.
فهو كمن أراق خمرا على مسلم وهو يمسكه للتخليل.
1994 وإن كان هو الذى أسره فهو في القتل يفتات (1) على رأى الامام، ويبطل الخيار الثابت له.
وذلك مكروه، وقال عليه السلام: ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه.
* هامش * (1) في حاشية ه " الافتيات الاستبداد بالرأى.
مغرب ".(3/1027)
1995 إلا أن يعالجه الاسير ويقصد الانفلات من يده حتى يعجزه عن أن يأتي به الامام، فحينئذ لا بأس بأن يقتله، قد فعل ذلك غير واحد من الصحابة.
1996 وإن أسلم في يده فهو آمن من القتل.
هكذا قال عمر رضى الله عنه: إذا أسلم الاسير في أيدى المسلمين (1) فقد أمن من القتل وهو رقيق.
1997 فإن قسم الامام الاسارى أو باعهم حرمت دماؤهم.
(ص 341).
لانه آمنهم بما صنع، فإنه ملكهم من الذين وقعوا في سهامهم، والملك يكون محترما بحرمة المالك.
1998 فمن قتلهم بعد ذلك خطا فعليه قيمة من قتل.
والكفارة، كما هو الحكم في قتل غيرهم من عبيد المسلمين، بخلاف ما قبل القسمة والبيع.
فهناك الملك لم يثبت لمن في يده الاسير، فإذا قتله غيره لا يلزمه شئ، وإن كره ذلك لحرمة يد المسلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: لا تخبروا سعدا بقتل أخيه فيقتل كل أسير في أيديكم.
1999 وذكر عن محمد بن إبراهيم التيمى قال: ردت الغنائم * هامش * (1) ق " المؤمنين " وفى هامشها " المسلمين.
نسخة ".(3/1028)
في المغنم يوم بدر، وأقرت الاسارى في أيدى من أسرهم، والاسلاب في أيدى من قتلهم.
وإنما فعل ذلك لان التنفيل كان قد سبق من النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله: " من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أسر أسيرا فهو له " فأما إذا لم يسبق التنفيل من الامير بذلك فكل ذلك مردود في المغنم (1).
2000 وإن رأى الامام قتل الاسارى فينبغي له أن لا يعذبهم بالعطش والجوع ولكنه يقتلهم قتلا كريما.
يعنى لا ينبغى أن يمثل بهم.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن المثلة ولو بالكلب العقور (2).
وقال عليه السلام في بنى قريظة بعد ما احترق النهار في يوم صائف " لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح.
قيلوهم حتى يبردوا (3) ".
فقتلوهم حتى أبردوا، ثم راحوا ببقيتهم فقتلوهم.
وقد كان أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأحمال التمر فنثرت بين أيديهم، فكانوا يكدمونها كدم الحمر (4).
* هامش * (1) في هامش ق " الغنيمة.
نسخة ".
(2) في هامش ق " وحسن القتلة أن لا يضر بهم ولكنه يذبحهم كما يذبح البهيمة.
حصري " (3) في هامش ق " أي يدخلوا في وقت البرد، كما يقال حتى يصبح وحتى يمسى أي يدخل وقت الصباح والمساء.
حصري ".
(4) في حاشية ه " الكدم العض بمقدم الاسنان كما يكدم الحمار.
المغرب ".(3/1029)
2001 - قال: وليس ينبغى للامام أن يمن على القتيل فيتركه ولا يقتله ولا يقسمه.
لانه لو أراد إبطال حق المسلمين عنه بأن يختص به أحدهم لم يكن له ذلك.
فإذا أراد إبطال حق جميع المسلمين بالمن عليه أولى أن يكون ممنوعا منه.
وهذا لان في المن عليه تمكينه من أن يعود حربا للمسلمين بعد الظهور
عليه وذلك لا يحل.
2002 - وقد بينا أن حكم المن الثابت بقوله تعالى: (فأما منا بعد وإما فداء).
قد انتسخ بقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين).
والذى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم من على أبى عزة الجمحى يوم بدر.
فقد كان ذلك قبل انتساخ حكم المن.
ألا ترى أنه لما وقع أسيرا يوم أحد وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه أبى وقال: لا تحدث العرب بأنى خدعت محمدا مرتين.
ثم أمر به فقتل.
وذكر محمد رحمه الله للحديث تأويلا آخر وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقاتل عبدة الاوثان من العرب.
وأولئك ما كان يجرى عليهم حكم السبى، وإنما من على بعض الاسراء لانه ليس فيه إبطال حق ثابت للمسلمين في رقابهم.
ونحن نقول به في مثلهم من المرتدين وعبدة الاوثان من العرب الذين لا يقبل منهم إلا السيف أو الاسلام، فإنهم إن أسلموا كانوا أحرارا، وإن أبوا قتلوا.(3/1030)
2003 وإن رأى الامام النظر للمسلمين في المن عليهم على بعض الاسارى فلا بأس بذلك أيضا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من على ثمامة بن أثال الحنفي حين أسره المسلمون وربطوه بسارية من سوار المسجد.
فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما وراءك يا ثمامة ؟ فقال: إن عاقبت عاقبت ذا ذنب، وإن مننت مننت على شاكر، وإن أردت المال فعندي من المال ما سئت فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص 342) بشرط أن يقع الميرة عن أهل مكة.
ففعل ذلك حتى قحطوا.
والدليل عليه أن له أن يمن على الرقاب تبعا للاراضي، لان فيه منفعة للملمين من حيث الجزية والخراج.
فعرفنا أنه يجوز ذلك عند المنفعة للملمين.
وذكر عن جابر رضى الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فنزلنا منزلا للمقيل، ثم دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئته وعنده رجل جالس.
فقال عليه السلام: إن هذا جاء وأنا نائم، فسل سيفى ثم قال: يا محمد: من يمنعك (1) اليوم ؟ فقلت: الله.
ثم قال: يا محمد ! من يمنعك منى اليوم ؟ فقلت: الله.
ثم شام (2) * هامش * (1) ب " عنى ".
(2) ه " سل " وقد انفردت بهذه الرواية.
وفى هامش ق: يقال: شمت السيف إذا سللته.
ويقال: شمته أي أغمدته.
وهو من حروف الاضداد.
ولكن المراد في الخبر أنه غمد، لانه قال في أوله: فسل سيفى..حصيرى "(3/1031)
السيف.
وها هو جالس.
فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ولا عاقبة.
وتأويل ذلك أنه حين سقط السيف من يده وتبين له الحق أسلم.
فلهذا فلهذا لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إنما تمكن منه النبي صلى الله عليه وسلم بتأييد إلهى لا بقوة المسلمين.
فرأى أن يمن عليه رجاء أن يسلم.
2004 - وإذا قال الامير: من أخذ أسيرا فهو له.
فوجد الاسير في يد رجلين كل واحد منهما يدعيه، فهو بينهما نصفان.
لاستوائهما في سبب الاستحقاق.
إلا أن يكون عقره أحدهما بعينه، وأخذه الآخر، فإنه إن كان
عقر عقرا لا يقدر معه على البراح فهو للذى عقره.
لانه صار مأخوذا بفعله.
وإن كان يقدر معه على الفرار فهو للذى أخذه.
لانه لم يصر مأخوذا بفعل الاول.
ونظيره الصيد إذا رماه إنسان فأثخنه ثم أخذه آخر.
وروى حديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال: رميت يوم بدر سهيل بن عمرو، فانقطع نساه (1) ثم اتبعت أثر الدم حتى وجدته في يد مالك بن الدخشم وقد جز ناصيته، فاختصمنا فيه إلى رسول الله * هامش * (1) ه " فساءه " خطأ، وفى هامش ق " النسا مقصور مثل العصا.
وهو عرق الفخذ ".(3/1032)
صلى الله عليه وسلم، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منا.
وإنما أخذه منهما لما بينا أن غنائم بدر كانت مخالفة لسائر الغنائم من حيث إن الامر فيها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطى من شاء ويحرم من شاء.
وذكر عن يحيى بن أبى كثير: 2005 - قال: قلت للحسن البصري: أرأيت رجلا من المسلمين اشترى أسيرا من المسلمين أيصلح له أن يربح فيه ؟ قال: لا.
وبه نأخذ.
فإن المسلم وإن وقع أسيرا فهو حر على حاله، ومن اشتراه من العدو لا يملكه، فكيف يربح عليه ؟ ولكن إن اشتراه بغير أمره فهو متطوع فيما أدى من فدائه، فعليه أن يخلى سبيله.
وإن اشتراه بأمره فإنه يرجع عليه بالثمن الذى اشتراه به.
وهذا استحسان.
وفى القياس لا يرجع عليه إلا أن يشترط ذلك نصا.
لان مجرد الامر متنوع (1)، قد يكون لطلب الاحسان والاخذ بمكارم الاخلاق، وقد يكون للاستقراض، ولكنه عين جهة الاستقراض للعادة الظاهرة فيه، بمنزلة من أمر غيره أن ينفق على عياله من مال نفسه.
ثم يصير هذا رواية في فصل اختلف فيه وهو فيه المشايخ، وهو أن السلطان إذا صادر رجلا فأمر ذلك الرجل غيره أن يؤدى المال فقد قال هناك بعض مشايخنا: لا يثبت له حق الرجوع إلا بالشرط، لان المال ما كان واجبا على الآمر، وإنما كان مظلوما فيه، ومن دفع ظلما عن غيره بسؤاله لم يرجع عليه بشئ، ولكن * هامش * (1) في هامش ق " متبوع نسخة ".(3/1033)
الاصح أن يرجع عليه، فإن أهل الحرب ظالمون في حبس الاسير أيضا.
ومن اشتراه منهم فقد دفع ظلمهم عنه، ومع ذلك يثبت له حق الرجوع عليه إذا كان بأمره.
وذكر عن بشر بن غالب: 2006 - قال: سئل الحسين بن على رضى الله عنهما: متى يجب السهم (ص 343) للمولود ؟ قال: إذا استهل.
يريد به نصيبه من الميراث.
فإنه إنما يستحق ذلك إذا انفصل حيا، وإنما يعلم ذلك بالاستهلال.
2007 - وسئل عن فكاك الاسير فقال: على الارض التى يقاتل عنها.
يعنى من خراج تلك الارض، لانه قبل الاسر كان يذب عن أهل تلك الارض، فهم أولى بفكاكه، ليكون الغرم بمقابلة الغنم، وإنما يفك من الخراج لانه معد لنوائب المسلمين وسد خلة المحتاجين منه.
وهذا من
جملة ذلك.
2008 - وسئل عن الشرب قائما، فحلب ناقة ثم شرب قائما.
وإنما قصد البيان بفعله أنه لا بأس بذلك.
وقد اقتدى فيه بأبيه على رضى الله عنه، فإنه حين بلغه عن قوم أنهم يكرهون الشرب قائما توضأ في رحبة المسجد بالكوفة ثم أخذ الاناء وشرب فضلة فيها قائما.
وكان قصده من ذلك رد قولهم في كراهة شرب الماء قائما.
2009 - وذكر أن على بن أبى طالب رضى الله عنه أتى بأسير(3/1034)
يوم صفين، فقال: لا تقتلني.
قال لا أقتلك صبرا، إنى أخاف الله رب العالمين.
وجعل سلاحه للذى جاء به.
وإنما جعل ذلك ليتقوى به على العدو، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها رده على صاحبه إن كان حيا، وعلى ورثته إن كان ميتا.
وهو أيضا تأويل ما نقل عن الشعبى رضى الله عنه لم يغنم من أموال أهل الجمل إلا الكراع والسلاح (1).
أي دفع ذلك إلى أصحابه ليتقووا به على عدوهم من غير أن يملكهم ذلك، فإن مال المسلم لا يصير غنيمة للمسلمين حال.
ألا ترى أنه لم يخمس شيئا من ذلك وأنهم لما طالبوه القسمة بينهم قال: فمن يأخذ منكم عائشة ؟ وإنما قال ذلك على وجه الانكار عليهم.
فعرفنا أنه إنما دفع السلاح إلى من دفع لحاجته، حتى يقاتل به ثم يرده على صاحبه بعد ما وضعت الحرب أوزارها.
2010 - وإذا وقع الظهور على قوم من مشركي العرب فقد بينا أنه لا يقبل من رجالهم إلا السيف أو الاسلام.
فأما نساؤهم وصبيانهم فهم فئ لا يجبرون على الاسلام لقوله عليه السلام: اقتلوا شيوخ المشركين واستحييوا شرخهم.
والمراد بالاستحياء الاسترقاق قال الله تعالى (ويستحيون نساءكم) (2) والمراد بالشرخ النساء والصبيان.
ثم قد بينا أن حالهم كحال المرتدين، والنساء والذراري من المرتدين بعدما صاروا أهل حرب يسترقون، بخلاف الرجال إلا أن إؤلئك يجبرون * هامش * (1) في هامش ق " وبهذا الحديث أخذ بعض الروافض بغنم أموال الخوارج.
قال محمد رحمه الله: ولو عده على غنيمة يخمسه كما يخمس الغنيمة ويغنم غير ذلك من الاموال.
حصيرى ".
(2) سورة البقرة 2 آية 49.(3/1035)
على الاسلام، لان حكم الاسلام قد لزمهم.
فأما عبدة الاوثان من العرب فلم يسبق منهم الاقرار بالاسلام، فلهذا لا يجبر على الاسلام من استرق من ذراريهم.
2011 ثم كل من يجوز استرقاقه من الرجال يجوز أخذ الجزية منه بعقد الذمة، كأهل الكتاب وعبدة الاوثان من العجم.
ومن لا يجوز استرقاقه لا يجوز أخذ الجزية منه كالمرتدين وعبدة الاوثان من العرب.
لان في كل واحد منهما إبقاء الكافر بمنفعة تحصل للمسلمين من حيث المال.
والاصل فيه حديثان: أحدهما: حديث الزهري قال: لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من أحد من أهل الاوثان من العرب الجزية إلا الاسلام أو القتل.
والثانى حديث معاذ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال يوم حنين: لو ثبت على أحد من العرب ولاء أو رق لثبت اليوم، ولكن إنما هو القتل أو الفداء.
وقد بينا أن حكم الفداء قد انتسخ، فبقى القتل إلا أن يسلم.(3/1036)
2012 وإذا وقع السبى في سهم رجل من المسلمين فأخرج مالا كان مغه لم يعلم به فينبغي للذى وقع في سهمه (ص 344) أن يرده في الغنيمة.
لان الامير إنما ملكه بالقسمة رقبة الاسير لا ما معه من المال، فإن ذلك لم يكن معلوما له وهو مأمور بالعدل في القسمة.
وإنما يتحقق العدل إذا كانت القسمة لا تتناول إلا ما كان معلوما له.
2013 فإن تفرق الغانمون وذلك السبى مما لا يحتمل القسمة لقلته فليتصدق به على المساكين.
لانه عجز عن إيصاله إلى صاحبه، فيكون بمنزلة اللقطة في يده يتصدق (1) به.
هكذا نقل عن مكحول: أنه قال لمن ابتلى بذلك: ما أرى وجها من أن يتصدق به.
والذى روى أن عبدالرحمن بن خالد بن الوليد أعطى ذلك من وقع الاسير في يده.
فتأويله إنما أعطاه لانه لم يعلم أن ذلك لم يكن معلوما للذى قسم الغنيمة بين الغانمين.
وإنما حسب أن الذى قسم أعطاه ذلك بنصيبه مع الاسير الذى أعطاه إياه.
* هامش * (1) في هامش ق: " ومن اشترى عبدا وله مال لم يملك المشترى ماله إلا بالشرط.
وهذا
إذا اكتسب في ملك البائع المبايع له.
حصيرى ".(3/1037)
2014 وذكر أن رجلا اشترى جارية من المغنم، فلما رأت أنها قد خلصت له أخرجت حليا كان معها.
فقال الرجل: ما أدرى هذا.
وأتى سعد بن أبى وقاص فأخبره.
فقال: اجعله في غنائم المسلمين.
وانطلق آخر يغتسل، فأمر الماء التراب عن لبنة من ذهب، فأتى سعدا فأخبره، فقال اجعلها في غنائم المسلمين.
وبه نأخذ.
فإن المال الذى مع الاسير كان غنيمة، وبيع الامير إنما تناول الرقبة دون المال، فيبقى المال غنيمة.
2015 ومن وجد في دار الحرب كنزا وقد دخل مع الجيش، فإن ذلك يكون غنيمة.
لانه ما تمكن من ذلك المال إلا بقوة (1) المسلمين.
2016 وإذا وقعت الجارية من السبى في سهم رجل فقالت: أنا جارية ذمية سباني أهل الحرب ثم أخذني المسلمون.
ولا يعلم ذلك إلا بقولها لم يقبل قولها.
لانها صارت رقيقة حين سبيت من أرض العدو، فلا يقبل قولها في إسقاط الرق عنها.
ولا بأس بأن يطأها مولاها بالملك ويبيعها حتى تقوم البينة العادلة على ما قالت.
* هامش * (1) ب " بقوة الجيش " وفى هامش ق " بقوة الجيش.
نسخة.(3/1038)
لان كل مسلم مأمور باتباع الظاهر، ما لم يتبين غير ذلك بالحجة.
وذكر عن الحسن رضى الله عنه.
أنه قال للسائل في هذه الحادثة: لا تقع عليها وبعها.
فإنما كره مواقعتها على طريق التنزه.
لا لانه لم يرها حلالا له.
ألا ترى أنه أمره ببيعها، ولو رآها حرة كما زعمت ما أمر ببيعها.
2017 - وإذا ظهر الامام على أرض من أرض المشركين فهو بالخيار إن شاء خمسها وخمس أهلها وقسم أربعة أخماس ذلك بين من أصابها، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بخيبر.
وإن فعل ذلك كانت الاراضي أرض عشر.
لان المسلم لا يبتدئ بتوظيف الخراج عليه، وإنما يوضع عليه العشر لان فيه معنى الصدقة.
وإن شاء تركها وأهلها يؤدون منها الخراج، كما فعل عمر رضى الله عنه بأرض السواد وأرض الشام.
وما خالفه في ذلك إلا نفر يسير ولم يحمدوا على خلافة حتى دعا عليهم فقال: اللهم اكفني بلالا واصحابه.
فما حال الحول وفيهم عين تطرف.
يعنى ماتوا في الطاعون.
وقد بينا تمام هذا في السير الصغير.
2018 - وذكر أن عمر رضى الله عنه كتب إلى سعد بن أبى(3/1039)
وقاض: أما بعد، فقد بلغني كتابك يذكر أن الناس قد سألوا أن تقسيم بينهم غنائمهم.
فانظر ما أجلب الناس عليك من كراع أو سلاح فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الارض والانهار لعمالها.
وبه نأخذ.
وإنما أصيب قبل الفتح والظهور.
وقد تحقق انفصاله عن أهل الارض وخروجه من أيديهم، فيجب
قسمة ذلك بين الغانمين.
ولا يبطل ذلك بفتح الارض والمن على أهلها.
قال: وانظر أن لا توله والدة عن ولدها.
أي لا تفرق بين الصغير ووالدته.
وبنحو هذا جاء الاثر عن النبي صلى الله عليه وسلم (ص 345) حين رأى جارية والهة في الغنيمة فقال: ما حالها ؟ فقال: بيع ولدها.
قال: لا توله والدة بولدها.
قال: ولا تمس امرأة حتى يطيب رحمها.
أي حتى يستبريها.
وهو نظير ما جاء في الاثر: ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة.
قال: ولا تتخذ أحدا من المشركين كاتبا على المسلمين، فإنهم يأخذون الرشوة في دينهم، ولا رشوة في دين الله.
وبه نأخذ (1).
* هامش * (1) في هامش ق " وقد أخبر أنهم بأخذون الرشوة في دينهم كما قال الله تعالى: (وأكلهم أموال الناس بالباطل) وهى الرشوة.
قال الشيخ: إن عمر رضى الله عنه لم يزيف الكاتب الكافر بكفره، وإنما زيفه بأخذ الرشوة، حتى إن الكاتب الكافر الذى لا يرتشى يكون خيرا من الكاتب الذى يرتشى وإن كان مسلما.
إليه يشير عمر رضى الله عنه.
حصري ".(3/1040)
فإن الوالى ممنوع من أن يتخذ كاتبا من غير المسلمين لقوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم) (1) ثم قال: ولا عشر على مسلم ولا صاحب ذمة، إنما العشور على أهل الحرب إذا استأذنوا أن يتجروا في أرضنا.
وفى هذا نظر، فقد اشتهر عن عمر رضى الله عنه أنه أمر عماله أن يأخذوا من أهل الذمة نصف العشر.
فإن صح هذا الحديث فالمراد أنه ليس على أهل
الذمة العشر الكامل في أموال التجارة إذا مروا به على العاشر، وإنما ذلك على أهل الحرب خاصة.
فأما أهل الذمة فعليهم نصف العشر.
2019 - وذكر عن مجاهد قال: أيما مدينة فتحت فأسلم أهلها قبل أن تقسم فهم أحرار.
وتأويل ذلك فيما إذا كانوا مرتدين أو عبدة الاوثان من العرب، أو كان رأى الامام أن يدعهم في أرضهم يؤدون الخراج.
فأما إذا رأى الامام أن يقسمهم وأرضهم فهم عبيد، لما بينا أنهم أسلموا بعد تمام القهر، وذلك يؤمنهم من القتل ولا يبطل حق المسلمين عن رقابهم.
والله أعلم بالصواب.
* هامش * (1) سورة آل عمران 3، آية 118.
م - 14 السير الكبير(3/1041)
108.
باب ما يحمل عليه الفئ وما يركبه الرجل من الدواب وما يجوز فعله بالغنائم في دار الحرب من القسمة وغير ذلك قال رضى الله عنه: 2020 - قد بينا أنه لا ينبغى للامام أن يقسم الغنائم في دار الحرب ولا يبيعها، وإن كان لو فعل ذلك نفذ منه، إلا أن يحتاج المسلمون إليها.
فعند الحاجة تقسم الثياب والسلاح بينهم بعد رفع الخمس.
لان ما يشبه القسمة يجوز له أن يفعله قبل الاصابة عند الحاجة، وهو التنفيل، فالقسمة بعد الاصابة عند الحاجة أجوز.
ولانه إنما لا يقسم مراعاة لحق المدد، كيلا تقل رغبتهم في اللحوق بالجيش، وعند الحاجة مراعاة جانب الذين هم معهم أولى.
2021 - فأما الرقيق فلا تحقق الحاجة إلى قسمتهم في دار الحرب فلا يتأكد الحق فيهم أيضا، حتى حل للامام قتلهم.
فلا ينبغس له أن يقسمهم قبل الاحراز بالدار.
2022 فإن لم يكن معه ظهر يحمل عليه الغنائم نظر: فإن كانت في الغنائم دواب فليحمل عليها الغنائم، وإن لم يكن وكان مع عامة الجيش فضل حمولة حمل الغنائم عليها.(3/1042)
لان الغنائم حقهم والدواب كذلك لهم، ففى الحمل عليها مرعاة النظر لهم، فلا يمنع ذلك لاجل الخمس.
فإنه تبع لحق الغانمين، على معنى أنه يستحق بإصابتهم.
وثبوت الحكم في البيع كثبوته في الاصل.
وإن كانت فضل الحمولة مع خواص منهم فإن طابت أنفسهم بأن تحمل الغنائم عليها فعل، وإن أبوا لم يكرههم على ذلك.
لان الدواب للخاص منهم، والغنيمة لعامتهم، فاعتبار جانب غير صاحب الدابة يمنعه من حملها على دابته بغير رضاه، وليس حق البعض تبع لحق البعض.
ألا ترى أنه لو أراد أن يحمل بعضهم على دواب البعض لم يكن له ذلك بغير رضاهم، فكذلك حكم حمل الغنائم.
2023 ثم إذا أبوا فينبغي أن يقسم ذلك بينهم، حتى يتولى كل واحد منهم حمل نصيبه بالطريق الذى يمكنه.
لان الحاجة قد تحققت إذ لو لم يقسم في هذه الحالة احتاج إلى تركها وفيه إبطال حقهم عنها أصلا.
2024 وإن كان بحضرته تجار يشترون ذلك فلا بأس بأن
يبيعها منهم.
لانه لما جاز له القسمة في هذه الحالة (ص 346) جاز البيع، فإن كل واحد منهما له تصرف يبتنى على تأكد الحق.
ثم بعد البيع يقسم الثمن بين الغانمين، ولا يؤخر ذلك إلى الخروج من دار الحرب.
* هامش * (1) ه " الخواص ".(3/1043)
لان بنفوذ البيع يتأكد حق الغانمين وتنقطع شركة المدد معهم في الثمن، فلا معنى لتأخر القسمة بعد ذلك.
كما بعد الاحراز بدار الاسلام.
2025 وإن رأى الامام أن يستأجر الحمولة من أصحابها تاجر معلوم فذلك صحيح، ويكون الاجر من الغنائم يبدأ به قبل الخمس.
لان في هذا الاستئجار منفعة للغانمين، فهو كالاستئجار لسوق الغنم والرماك.
وحق أصحاب الحمولة في ذلك لا يمنع من صحة الاستئجار.
لانه لا ملك لهم فيها قبل الاحراز والقسمة، وشركة الملك هو الذى يمنع من صحة الاستئجار لا شركة الحق كما في مال بيت المال.
ويستوى في ذلك إن رضى به أصحاب الحمولة أو أبوا إذا كان بهم غنى عن تلك الحمولة.
لانهم بهذا الاباء قصدوا التعنت.
فإن في هذا الاستئجار منفعة لهم، من حيث أنه يحصل لهم الاجرة بمقابلة منفعة لا تبقى لهم بدون هذا الاستئجار، وفيه منفعة للغانمين أيضا.
فكانوا متعنتين في الاباء والقاضى لا يلتفت إلى إباء المتعنت.
ولان إبتداء الاستئجار وبقاء الاجارة عند تحقق الحاجة
صحيح من غير الامير، فمن الامير أولى.
وبيانه في استئجار السفينة مدة معلومة، إذا انتهت المدة أو مات صاحب السفينة والسفينة في لجة البحر.
وكذلك استئجار الاوعية لحمل المائع فيها مدة معلومة إذا انتهت المدة وهم في المفازة.
وكذلك إذا استأجر دابة لحمل أمتعة من موضع إلى موضع مدة معلومة فانتهت المدة وهم في المفازة، أو مات صاحب الدابة، فإنه يبتدأ في العقد بعد انتهاء المدة، ويبقى بعد الموت (1) * هامش * (1) قوله " بعد الموت " ساقط من ق.(3/1044)
في هذه المواضع بأجر المثل، وبالمسمى في حالة البقاء.
وكان ذلك لاجل الحاجة.
فكذلك في الغنائم إذا تحققت الحاجة إلى حملها.
2026 إلا أن يكون الامام يقدر على حمل الغنيمة بغير إجبار منه لاصحاب فضل الحمولة، فحينئذ لا يتعرض لحمولتهم.
لان لحاجة لم تتحقق.
وقال عليه السلام: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ".
2027 وإن كانت الغنيمة سبيا يقدر على أن يمشيهم فعل ذلك، ولم يجبر أصحاب الحمولة.
لانه ليس في هذا أكثر من أن السبى يلحقهم تعب في المشى، ولاجل ذلك لا يجوز له إجبار أصحاب الحمولة على ما لا تطيب به نفوسهم.
2028 وإن لم يقدر على ذلك ولم يكن مع أحد فضل حمولة فإنه ينبغى له أن يحرق بالنار ما يحترق من غير الحيوان، وما لا يحترق كالحديد يدفنه (1) في موضع لا يطلع عليه أهل الحرب.
ومن كان من رجال السبى يضرب أعناقهم، وما كان من النساء والصبيان خلى
سبيلهم في موضع يعلم أنهم يضيعون فيه.
وما كان من حيوان ذبحه ذبحا ثم أحرقه بالنار.
ولا ينبغى له أن يحرق شيئا من ذلك وفيه الروح.
لان ذلك مثلة، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يعذب بالنار إلا ربها ".
والحاصل أنه بعد ما وقع في يده شئ فالواجب عليه شيئان: * هامش * (1) في هامش ق " وذكر في موضع آخر: يكسر الحديد ثم يدفن، حتى إن وجدوه لا ينتفعون به.
حصيرى ".(3/1045)
أحدهما: قطع منفعة المشركين عن ذلك أصلا.
والآخر: إيصال المنفعة للمسلمين.
فإن قدر عليهما فليأت بهما، وإن عجز عن أحدهما فليأت بالآخر.
وها هنا قد عجز عن أحدهما وهو قادر على الآخر، وهو قطع منفعتهم عنها لكيلا يتقووا بها على المسلمين بحال.
ولانه مأمور بأن يفعل ما فيه الكبت والغيظ للعدو.
وفى جميع ما قلنا تحقيق معنى الغيظ والكبت لهم.
ثم لا يكون هو متلفا للصبيان وللنساء بتركهم في مضيعة، ولكن يكون ممتنعا (ص 347) من الاحسان إليهم بالنقل إلى العمران.
وترك الاحسان لا يكون إساءة.
ألا ترى أن من مر بامرأة أو صبى في مفازة وهو يقدر على نقله إلى العمران فلم يفعل لم يكن ضامنا شيئا من بدله، وكذلك يصنع (1) بما قام على المسلمين من دوابهم وبما ثقل عليهم من متاعهم.
2029 - وإذا اشترى الرجل دابة في دار الاسلام وغزا عليها، فوجد بها عيبا في دار الحرب، فإن كان البائع معه في العسكر خاصمه حتى يردها عليه.
لانه صار مظلوما من جهته بتدليس العيب، فله أن ينتصف منه.
وإن لم يكن حاضرا فإنه ينبغى له أن لا يركبها، ولكن يسوقها
معه حتى يخرجها فيردها.
لان الركوب بعد العلم بالعيب يكون رضى منه بها، فليتحرز من ذلك 2030 - إلا أن يركبها ليسقيها أو ليسوقها إلى معلفها، أو حمل عليها علفها، فإن هذا لا يكون رضى منه بالعيب.
* هامش * (1) ه " يضيع " خطأ.(3/1046)
لانه لا يتمكن من ردها إلا بأن يسقيها ويعلفها، فربما لا تنقاد له في ذلك ما لم يركبها، فلا يكون ذلك دليل الرضى منه.
وأما الركوب لحاجة نفسه أو لحمل أمتعه عليها فدليل الرضا منه، من حيث إنه انتفاع بملكه، فيكون ذلك آية رضاه بتقرر ملكه.
2031 - ويستوى في ذلك إن لم يجد دابة أخرى أو وجدها.
لان العذر الذي له غير معتبر فيما يرجع إلى حق البائع، والركوب لحاجته دليل الرضا، فيكون بمنزلة التصريح بالرضا.
2032 - فإن أتى الامام وأخبره خبرها فقال له الامام: اركبها فركبها بأمره، لم يستطع ردها أيضا.
لانه هو الذى التمس ذلك من الامام، وقد كان متمكنا منه قبل أمره، فلا يتغير الحكم باعتباره أمره بعد أن يركبها طائعا.
2033 - فإن أكرهه الامام على ذلك حين خاف الهلاك عليه، فإن نقصها ركوبه فكذلك الجواب بمنزلة ما لو تعيبت في يده بآفة سماوية وإن لم ينقصها ركوبه فله أن يردها بالعيب.
لان عند الاكراه (1) ينعدم الفعل من المكره، ويصير آلة له، إن كان الاكراه بالقتل.
وإن كان بالحبس والقيد ينعدم به الرضا.
وإنما كان لايستطيع
ردها بعد الركوب لوجود دليل الرضا.
فإذا انعدم ذلك في الركوب مكرها يتمكن من ردها.
* هامش * (1) ق " بالاكراه ".
وفى هامشها " عند الاكراه.
نسخة ".(3/1047)
2034 - وإن لم يكرهه ولكن قال: اركبها وأنت على ردك لها (1).
فركبها، لزمته.
وكان هذا القول من الامير باطلا.
لانه فتوى بخلاف حكم الشريعة، وليس بقضاء من جهته.
لان القضاء مستدع مقضيا له ومقضيا عليه.
2035 - فإذا رفعها إلى قاض بعد ذلك فردها بالعيب على طريق الاجتهاد لما قال له الامير ذلك، ثم رفعت إلى قاض آخر يرى ما صنع الاول خطأ فإنه يمضى قضاء الاول ولا يرده.
لان القضاء الاول حصل في موضع الاجتهاد.
فإن ظاهر النصوص الموجبة لطاعة الامير تخرج ركوبه من أن يكون رضا بالعيب.
2036 - وكذلك التنصيص من الامير بقوله: وأنت على ردك.
يسقط اعتبار دليل الرضا بالعيب منه عند الركوب.
لان الدليل إنما يعتبر إذا لم يوجد التنصيص بخلافه.
2037 - ثم إذا تعذر ردها فإن كان ذلك لوجود دليل الرضا منه لم يرجع بحصة العيب من الثمن، وإن كان لنقصان دخلها، بأن كان ركبها مكرها فإنه يرجع بحصة العيب من الثمن، إلا أن يرضى البائع بالرد عليه.
وهذا لان دليل الرضا كصريحه (2)، ولو أكره على الرضا بالعيب صريحا لم يسقط به حقه بالرد.
فكذلك إذا أكره على ما يكون دليل الرضا.
* هامش * (1) ق " وأنت على رد ذلك " (2) ق " كتصريحه ".(3/1048)
فإذا انعدم الرضا بقى اعتبار النقصان، فكان ذلك حصل بغير صنيع أحد، وذلك يمكنه من الرجوع (ص 348) بنقصان العيب، إلا أن يرضى البائع بالرد عليه.
2038 وإذا أصاب المسلمون غنائم فكان فيها مصحف لا يدرى أن المكتوب فيه توراة أو إنجيل أو زبور أو كفر، فليس ينبغى للامير أن يبيع ذلك من المشركين، مخافة أن يضلوا به فيكون هو المسبب لفتنتهم وإصرارهم على الكفر، وذلك لا رخصة فيه، وكذلك لا يبيع من مسلم.
لانه لا يأمن أن يبيع ذلك منهم أيضا فيضلوا بسببه.
وكذلك لا يقسم بين الغانمين.
لانه لا يأمن على من وقع في سهمه أن يبيعه من المشركين فيضلوا بسببه.
ولا ينبغى له أن يحرق بالنار ذلك أيضا.
لان من الجائز أن يكون فيه شئ من ذكر الله تعالى، ومما هو كلام الله، وفى إحراقه بالنار من الاستخفاف ما لا يخفى.
والذى يروى أن عثمان رضى الله عنه فعل ذلك بالمصاحف المختلفة حين أراد جمع الناس على مصحف واحد لا يكاد يصح.
فالذي ظهر منه من تعظيم الحرمة لكتاب الله تعالى والمداومة على تلاوته آناء الليل والنهار دليل على أنه لا أصل لذلك الحديث.(3/1049)
ولكنه ينظر في ذلك.
فإن كان لورقه قيمة محى الكتاب وجعل الورق في الغنيمة.
وإن لم يكن لورقه قيمة فليغسل ورقه بالماء
حتى يذهب الكتاب ثم يحرقه بعد ذلك إن أحب.
لانه لا كتاب فيه وربما يكون في إحراقه بعد غسله المكتوب فيه معنى الغيظ لهم، وهم المشركون، فلا بأس بأن يفعله.
ولا ينبغى له أن يدفن شيئا من ذلك قبل محو الكتاب.
لانه لا يأمن أن يطلبه المشركون فيستخرجونه، ويأخذون بما فيه فيزيدهم ذلك ظلالا إلى ظلالهم.
وفى هذا التعليل إشارة إلى أنه إذا كان يأمن ذلك فلا بأس بأن يدفنه، فيكون دليلا لقول من يقول من أصحابنا فيما إذا انقطع أوراق المصحف: إنه لا بأس بدفنه في مكان طاهر.
والغسل بالماء أحسن الوجوه فيه على ما ذكره.
وإن أراد شراؤه رجل ثقة من المسلمين يؤمن عليه أن لا يبيعه (1) من المشركين فلا بأس بأن يبيعه منه الامام.
لانه مال متقوم.
ولهذا لو باعه جاز بيعه، إلا أن كراهة بيعه لخوف الفتنة، وذلك ينعدم هاهنا.
فهو نظير بيع العصير ممن يعلم أنه لا يتخذه خمرا.
قال مشايخنا: وكذلك الجواب فيما يجده المسلم من كتب الباطنة وأهل الاهواء المضلة فإنه يمنع من بيع ذلك مخافة أن يقع في يد أهل الضلالة فيفتتنوا به، وإنما يفعل به ما ذكرناه في هذا الموضع.
* هامش * (1) ه ق ب " أن يبيه ".(3/1050)
2039 ولو وجدوا في الغنائم صليبا من ذهب أو فضة أو تماثيل، أو دراهم، أو دنانير فيها التماثيل، فإنه ينبغى للامام أن يكسر ذلك كله فيجعله تبرا.
لانه لو قسمه أو باعه كذلك، ربما يبيعه من يقع في سهمه من بعض
المشركين بأن يزيدوا له من ثمنه رغبة منهم في لباسه، أو في أن يعيدوه.
فليتحرز عن ذلك بكسر الصليب والتماثيل.
والذى يروى أن معاوية بعث بها لتباع بأرض الهند.
فقد استعظم ذلك مسروق على ما ذكره محمد في كتاب الاكراه ثم قد بينا تأويل ذلك الحديث في شرح المختصر.
فأما الدراهم والدنانير فلا بأس بقسمتها وبيعها قبل أن تكسر.
لان هذا مما يلبس، ولكنه يبتدل في المعاملات.
ألا ترى أن المسلمين يتبايعون بدراهم الاعاجم فيها التماثيل بالتيجان، ولا يمنع أحد عن المعاملة بذلك.
وإنما يكره هذا فيما يلبس أو يعبد من دون الله من الصليب ونحوها.
2040 وحكم هذه الاشياء كحكم ما لو أصابوا برابط وغيرها من المعارف.
فهناك ينبغى له أن يكسرها ثم يبيعها أو يقسمها حطبا.
قال: إلا أن يبيعها قبل أن يكسرها ممن هو ثقة من المسلمين لا يعلم أنه يرغب فيها للحطب لا للاستعمال على وجه لا يحل فحينئذ لا بأس بذلك.
لانه مال منتفع به، فيجوز بيعه للانتفاع به بطريق مباح شرعا.(3/1051)
2041 وما وجدوا في الغنائم من كلب صيد أو فهد أو بازى فلا بأس بقسمة ذلك بين المسلمين (1).
لانه مال متقوم يجوز الانتفاع به بطريق مباح شرعا.
ولهذ جوز علماؤنا رحمهم الله ببيعه.
واستدل عليه بحديث إبراهيم (2) قال: رخص رسول الله
صلى الله عليه وسلم لاهل البيت القاصي (3) في الكلب يتخذونه.
يعنى للحرس.
ثم شبه الكلب بالهرة.
وبيع الهرة جائز.
لانه منتفع به، وإن كان لا يحل أكله فالكلب المنتفع به مثله.
2042 ومن وجد من الغزاة في دار الحرب فهدا أو بازيا أو صقرا غير مملوك لاحد فأخرجه إلى دار الاسلام فإنه يجعل ذلك في الغنيمة.
لان هذا مال متقوم بعد إخراجه، وهو لم يتوصل إلى المكان الذى أخذ ذلك فيه إلا بقوة المسلمين فعليه أن يجعل ذلك في الغنائم.
بمنزلة ما لو أخذه من بعض المشركين.
نظيره ما تقدم فيما إذا وجد كنزا أو معدنا في دار الحرب واستخرج منه مالا.
* هامش * (1) في هامش ق " بين الغانمين.
نسخة ".
(2) في حاشية ه " هو إبراهيم النخعي سيد فقهاء الكوفة، وشيخ شيخ الامام الاعظم ".
(3) في هامش ق " البيوت التى تكون بعيدة عن المصر.
حصيرى ".(3/1052)
2043 وكذلك لو استخرج من البحر لؤلؤا أو عنبرا في موضع من دار الحرب، فإنه يرد ذلك كله في الغنيمة.
لانه ما توصل إلى ذلك إلا بقوة المسلمين.
2044 وكذلك إن أصاب سمكا في ذلك الموضع.
إلا أنه لا بأس بأن يتناول السمك ويطعم أصحابه، كما هو الحكم في طعام الغنيمة.
2045 وكذلك لو اصطاد بكلب أو فهد أو بازى من الغنيمة، فإن ما يصاد به يكون من جملة الغنيمة.
إلا أنه لا بأس بأن يتناوله كسائر الاطعمة.
2046 - وأهل الشام يفرقون بين ما يكون من ذلك مملوكا للعدو يأخذه منهم، وبين ما لا يكون مملوكا.
فيقولون فيما لا يكون مملوكا: هو سالم له.
لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: الصيد لمن أخذه.
ولان الغنيمة اسم لمال مصاب بطريق فيه إعلاء كلمة الله وإعزاز الدين، وذلك فيما يتملك على المشركين بطريق القهر.
أما ما يؤخذ من المال المباح الذى هو تافه بين الناس فإنه لا يكون غنيمة.
وبهذا الحرف يفرقون بين هذه الاشياء وبين ما ليس بتافه كالذهب والفضة والعنبر واللؤلؤ.
ألا ترى أن ما يوجد في دار الاسلام مما يكون تافها كالصيد والحطب والحشيش لا يجب فيه الخمس، وما لا يكون تافها كالذهب والفضة المستخرجة من المعادن يجب فيها الخمس.
وكذلك اللؤلؤ والعنبر على قولهم بخلاف السمك.(3/1053)
إلا انا نقول: ما أصيب في دار الحرب بقوة الجيش فإنه يكون من جملة الغنيمة: وفى هذا يستوى ماكان مملوكا لهم وما لم يكن مملوكا لهم.
لان دار الحرب موضع ولايتهم، وفى إصابة ذلك في موضع ولايتهم معنى المغايظة لهم.
فإذا حصلت تلك الاصابة بمنعة الجيش يكون حكمها حكم الغنيمة.
ألا ترى أن الغزاة لو استخرجوا من بعض جبالهم الياقوت والزبرجد
فإنه يكون ذلك غنيمة، وإن كان المسلم لو وجد شيئا من ذلك في جبال أرض الاسلام لم يكن فيه خمس، على ماقاله عليه السلام: " ليس في الحجر زكاة " وهذا كله حجر، إلا أن بعض الاحجار أضوأ من بعض.
فعرفنا أن ما يوجد من ذلك في دار الحرب فيخرج بقوة الجيش لا يكون قياس ما يوجد في دار الاسلام.
2047 - ولو أراد الغازى أن يصطاد بكلب أو فهد أو بازى من الغنيمة فذلك مكروه له.
لانه انتفاع بما هو من الغنيمة من غير حاجة، فهو بمنزلة ركوب الدابة ولبس الثوب من الغنيمة.
فإن أرسله فذهب ولم يعد إليه فلا ضمان عليه فيه.
لان أكثر ما فيه أنه بالارسال مستهلك له، ومن استهلك شيئا من الغنائم في دار الحرب لم يضمن.
ولكنه يؤدب على ذلك إن فعله بغير إذن الامير.
فهذا مثله.(3/1054)
2048 - ولو وجد (ص 350) في الغنائم فرس مكتوب عليه: حبيس في سبيل الله تعالى.
فإن كانوا إنما وجدوا ذلك في عسكر المسلمين أو بالقرب منه بحيث يكون أغلب الرأى فيه أنه للمسلمين فهو بمنزلة اللقطة، فالسبيل فيه.
بمنزلة ما لو وجد ذلك بدار الاسلام.
ولا يكون حبيسا بما عليه من السمة.
لان السمة ليست بحجة حكيمة.
ألا ترى أنه لا يستحق بها الملك ولا اليد.
وإن وجدوا ذلك في موضع هو في يد أهل الحرب مما يكون
غالب الرأى فيه أنه للمشركين فإن هذا غنيمة كسائر الغنائم.
لان بهذه السمة لا يثبت استحقاق شئ في الحكم.
فوجودها كعدمها، فيحتمل أن يكون المشركون فعلوا ذلك ليلبسوا على المسلمين إذا خرج بعضهم إلى المعسكر عينا يتجسس أخبار المسلمين، والمحتمل لا يكون حجة.
والدليل عليه أن مثل هذا الفرس لو كان في يد مسلم يبيعه لم يمنع من بيعه، باعتبار هذه السمة، فبهذا يتبين أن السمة لا تكون حجة في الاحكام.
ولكن لو شهد قوم من المسلمين أنه من الخيل الحبس (1)، وقد حضر صاحبه الذى كان في يده، فإن الامام يرده إليه قبل القسمة، وبعد القسمة، بغير شئ.
* هامش * (1) ه، ب والاصل " الحبيس " وكلها خطأ.
والصواب ما في ق، وهو ما أثبتناه.
وفى هامش ق " الحبس بضمتين جمع حبيس.
وهو كل ما وقفته لوجه الله تعالى حيوانا كان أو أرضا أو دارا.
مغرب ".(3/1055)
لان على قول من يجيز الوقف الفرس الحبيس، كالواقف في الحكم، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يمتلكه المشركون بالاحراز ولا المسلمون بالاخذ منهم، فيجب رده على القيم الذى كان في يده، وتعويض (1) من وقع في سهمه قيمته من بيت المال، ورد الثمن على المشترى إن كان باعه الامام.
ويكون الحكم فيه كالحكم في المدبر يأسره المشركون ثم يصيبه المسلمون.
فأما على قول أبى حنيفة رحمه الله فالحكم في هذا كالحكم في غيره من أفراس المسلمين يحرزها المشركون.
لان عنده هذا محل للتمليك (2) بالارث والبيع، فيكون محل التمليك (2) بالاغتنام أيضا.
2049 وإذا قسم الامام الغنائم في دار الاسلام وعزل الخمس،
ثم أغار العدو على ما عزله للخمس فأحرزوه، ثم ظهر عليه المسلمون، فإن عرف ذلك قبل القسمة رد في الخمس كما كان.
لان حق أرباب الخمس تأكد في الخمس، كما أن حق الغانمين قد تأكد في الاربعة أخماس.
وإن كان لم يعرف ذلك حتى قسم بين الغانمين فهو سالم لهم.
لان الامام لو أخذه لارباب الخمس ثم علم أنه من الخمس فإن كان باعه بقسمته أو أكثر فهو سالم للمشترى.
* هامش * (1) ه " ويعوض ".
(2) ق، ب " التمليك ".(3/1056)
لانه لو أخذه من يده أخذه بالثمن، ولا فائدة لارباب الخمس.
وإن كان باعه بأقل من قيمته فله أن يأخذه بالثمن.
لان الاخذ هاهنا مفيد لارباب الخمس، فإنه يعطى الثمن من الخمس ويجعل ما بقى مقسوما بينهم.
2051 وما وجد المسلمون من متاع على ساحل البحر أو وجدوا سفينة قد ضربتها الريح فرمت بها على الساحل، وفيها أمتعة، فإن كان ذلك الموضع الذى وجد فيه من أرض الحرب فهو فئ يخمس، سواء كان ذلك المتاع مما يتخذه المسلمون أو المشركون.
لانهم إنما توصلوا إلى ذلك الموضع بقوة الجيش، فيكون المصاب غنيمة، وبأن كان ذلك من متاع المسلمين لا يخرج به من أن يكون غنيمة.
كما لو وجدوا ذلك في حصن من حصونهم.
وهذا لانه يتوهم أن يكونوا اشتروا ذلك من تجار المسلمين، أو أخذوه من المسلمين قهرا، أو أحرزوه.
2052 وإن وجدوا ذلك في موضع من الساحل هو من أرض أهل الاسلام فالحكم فيه ما هو الحكم في اللقطة.
ويستوى إن كان ذلك كمن متاع يتخذه المسلمون أو المشركين، إلا أن يكون (ص 351) أكثر الرأى فيه أنه كان للعدو، فحينئذ يخمس، وما بقى يكون للغانمين.
لان ما يوجد على ظاهر ذلك الموضع بمنزلة ما يوجد في باطنه.
م 15 السير الكبير(3/1057)
2053 ولو استخرجوا كنزا من موضع هو من دار الحرب يكون حكمه حكم الغنيمة.
2054 وإن استخرجوا ذلك من موضع من دار الاسلام، يجب الخمس فيه، ويكون ما بقى لمن أصابه، سواء كان الموجود من دراهم الاعاجم أو غير ذلك، إلا أن يكون أكبر الرأى أن ذلك من وضع (1) أهل الحرب.
وهذا لان البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف فيه على الحقيقة، وغالب الرأى، بمنزلة اليقين فيما لا يمكن إثباته بحجة أخرى.
2055 فإذا دخل لمسلمون دار الحرب فدلوا على قبور الكفار، فيها الاموال والسلاح قد دفنت معهم، فلا بأس بأن يحفروا تلك القبور ويستخرجوا ما فيها.
وهذه عادة بعض أهل الحرب أنهم يدفنون الابطال (2) منهم بأسلحتهم وأعيان أموالهم.
ثم في استخراج ذلك منفعة للمسلمين، فإنهم يتقوون بتلك الاسلحة على قتالهم.
وحرمة قبورهم لا تكون فوق حرمة بيوتهم.
فإذا جاز الهجوم عليهم في بيوتهم
لاخذ ما فيها من الاموال فكذلك يجوز حفر قبورهم.
وهذا لان هذه الاموال ضائعة، والموضع الذى تدفن فيه الاموال يكون كنزا لا قبرا، وبه فارق ما لو أرادوا حفر القبور لنبش أكفان الموتى، لان ذلك ليس بمال ضائع، بل هو مصروف إلى حاجة الميت.
* هامش * (1) ب " موضع " (2) في هامش ق " ورجل بطل محركة، وكشداد، بين البطالة والبطول شجاع تبطل جراحته فلا يكترث لها، أو تبطل عنده دماء الاقران.
جمعه أبطال.
حصيرى ".(3/1058)
ثم من استخرج شيئا من هذه الاموال فهو غنيمة يخمس.
لانه ما يوصل إليها إلا يقوة العسكر.
2056 وما وجدوا من متاع المشركين أو المسلمين شيئا قد سقط منهم، مثل السوط والحذاء والحبل، فإنه لا يحل لمن كان غنيا أن ينتفع بشئ من ذلك، ولكنه إن كان من متاع المشركين فهو غنيمة.
وإن كان من متاع المسلمين فهو بمنزلة اللقطة، فإن كان محتاجا إلى ذلك انتفع به، وهو ضامن لما نقصه إذا جاء صاحبه، بمنزلة ما لو وجد ذلك في دار الاسلام.
فإن قيل.
فقد جاءت الرخصة في السوط ونحو ذلك، كما في حديث ابن معبد الضمنى (1) على ما رواه في كتاب اللقطة.
قلنا: تأويل ذلك في السوط المنكسر ونحوه مما لا قيمة له، ولا يطلبه صاحبه بعد ما سقط منه، وربما ألقاه واستبدل به.
فأما إذا كان شيئا له قيمة ويعلم أن صاحبه ما ألقاه بل سقط عنه، وهو في طلبه، فحكمه حكم اللقطة، اعتبار القليل بالكثير.
ألا ترى إلى ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ردوا الخيط والمخيط.
فقيل له: إن فلانا أخذ قبالين (2) من شعر.
فقال: قبالين من نار.
وإذا كان هذا الحكم في الغنيمة فما ظنك في مال المسلمين ؟ وقد أشار في الكتاب إلى أن له مخالفا في المسألة، وهم بعض أهل الشام.
فإنهم يرخصون في السوط ونحوه.
ثم بين فساد مذهبهم فقال: * هامش * (1) ه " في حديث الصبى بن معبد التعلبى "، ق " الصبى بن معبد " وصححت في الهامش " ابن معبد الضبى "، ب " أبى معبد الضبى ".
(2) في هامش ق " , قبال الثعل، ككتاب زمام بين الاصبع الوسطى والتى تليها.
قاموس ".(3/1059)
أرأيت لو كان سوطا يساوى عشرة دراهم أكان يجوز له أن يتملكه، وهو بحيث لو سرقه من صاحبه قطعت يده فيه.
أرأيت لو كان عشرون سوطا بهذه الصفة ؟ فعرفنا أن الذى لا بأس بأن ينتفع به هو ما ليس بمتقوم، ولا يطلبه صاحبه، مثل النوى وقشور الرمان وبعر الابل وجلد الشاة الميتة وما أشبه ذلك.
فأما ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة في يده.
2057 والدابة العجفاء التى يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها إنسان فأخرجها فعليه ردها، ولا يجعل ذلك بمنزلة السوط يلقيه صاحبه.
والقياس في الكل واحد، إلا أنا استحسنا في السوط لان صاحبه ألقاه رغبة عنه.
فقد كان قادرا على حمله، وما ترك الدابة رغبة عنها وإنما تركها لعجزه عن إخراجها فلا يزول ملكه عنها بذلك.
أرأيت لو كانت جارية مريضة تركها لعجزه عن إخراجها فأخذها إنسان وأحسن إليها حتى برأت من مرضها كان يحل له أن يطأها من غير
سبب من أسباب الملك له فيها ؟ فلهذا وشبهه أخذنا في الحيوان بالقياس.
2058 ولو ادعى الذى في يده الدابة على صاحبها: إنك قلت حين خليت سببها: من أخذها فهى له.
وجحد ذلك صاحبها.
فالقول قوله مع يمينه.
لان دعواه هذا السبب عليه كدعواه منه.(3/1060)
فإن أقام البينة أو نكل صاحبها عن اليمين سلمت الدابة للذى أخذها.
سواء كان حاضرا حين قال صاحبها هذه المقالة أو لم يكن.
للحديث الذى روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهدايا: من شاء فليقتطع.
وقد تقدم بيان هذا الجنس من المسائل.
وبعد صحة الهبة لما صلحت في يد الموهوب له وسمنت فليس للواهب أن يرجع فيها.
لان الزيادة المتصلة تمنع الرجوع في الهبة.(3/1061)
109.
باب قسمة الغنائم التى يقع فيها الخطأ (1) 2059 وإذا رأى صاحب المقاسم أن يقسم الاجناس المختلفة بين الغانمين فيعطى كل واحد منهم جنسا بنصيبه فذلك جائز، بعد أن يعتبر المعادلة في المالية.
لان حق الغانمين في المالية دون العين.
ألا ترى أن له أن يبيع الكل ويقسم الثمن بينهم، وفى القسمة بهذه الصفة اعتبار معنى المعادلة فيما هو حقهم.
2060 وهذا بخلاف قسمة المال المشترك الموروث والمشترى،
فإن هناك عند اختلاف الجنس لا يجيز القاضى الشركاء على القسمة جملة واحدة.
لان الشركة هناك ثابتة في العين.
ألا ترى أنه لو أراد أن يبيع العين ويقسم الثمن لم يكن له ذلك دون رضاهم.
يوضحه أن الملك هناك ثابت لكل واحد منهم في كل جنس (2)، ولهذا لو عتق بعضهم نفذ عتقه في نصيبه، فيتحقق معنى المعاوضة في قسمة الاجناس جملة واحدة.
* هامش * (1) في هامش الاصل " بلغ قراءة عليه أبقاه الله تعالى ".
(2) في ه وحدها ".
أن الملك هناك ثابت في العين ويقسم الثمن بينهم لكل واحد منهم في كل جنس ".(3/1062)
2061 وهاهنا لا ملك للغانمين قبل القسمة.
ولهذا لو أعتق بعضهم شيئا من الرقيق لم ينفذ عتقه، ولو استولد جارية لم تصر أم ولد له.
ولا يثبت النسب منه، ولكن سقط الحد بشبهة فكانت القسمة هاهنا تمليكا من كل وحد منهم ما يعطيه بحقه ابتداء، فيستوى فيه الجنس الواحد والاجناس المختلفة.
فإن وقعت جارية منها في سهم رجل، فأقامت البينة أنها حرة ذمية قد سباها المشركون، فإن كان شهودها من أهل الذمة لم تقبل شهادتهم.
لان الشهادة تقوم على المسلم في إبطال ملكه.
وإن كان شهودها مسلمين قبلت الشهادة وقضى بأنها حرة.
ثم في القياس يرجع المستحق عليه على الجند فيأخذ منهم حصته مما أخذوا، كما في قسمة الميراث إذا استحق نصيب بعض الشركاء، ولكنه استحسن وقال: الامام يعوض الذى وقعت في سهمه قيمتها من بيت مال المسلمين ولا ينتقض بتلك القسمة.
وكذلك لو قامت البينة أنها مدبرة لمسلم أو أم ولد له.
وهذا لانه يتعذر رجوعه عليهم بحصته لكثرتهم وتفرقهم في القبائل، والمتعذر كالممتنع.
ثم دفع الضرر عن المستحق عليه واجب، وذلك في أن يعوض له قيمتها من بيت المال، لان هذا من نوائب المسلمين.
ولانه لو بقى(3/1063)
شئ من الغنيمة مما يتعذر قسمته (ص 353) فإنه يوضع ذلك في بيت المال، فكذلك إذا لحقه غرم يجعل ذلك على بيت المال.
لان الغرم مقابل بالغنم (1).
ولان هذا خطأ من الامام فيما عمل فيه للمسلمين، فيكون في بيت مال المسلمين.
2062 وكذلك إن استحقت جاريتان أو ثلاثة أو نحو ذلك، مما لا يكون فيه ضرر بين في بيت المال.
وكذلك لو أغفل رجلا أو رجلين عند القسمة فهذا وما لو استحق نصيبهم سوآء.
فأما إذا قامت البينة على ألف رأس أو أكثر أنهم من أهل الذمة وقضى بحريتهم، فإن القاضى لا يعوض المستحق عليهم من بيت المال، ولكن يقول لهم: ائتونى بمن قدرتم عليه من الجند حتى أردكم عليهم بحصصكم من الغنيمة.
لانه كما دفع الضرر عن المستحق عليهم يجب دفع الضرر عن
عامة المسلمين، وفى التزام التعويض من بيت المال، عند كثرة المستحق، إضرار بالمسلمين في بيت مالهم.
وربما يأتي ذلك على جميع مال بيت مال المسلمين (2) أو يزيد على ذلك.
فلهذا أخذ بالاستحسان (3) إذا قل المستحق، وعاد إلى القياس إذا كثر المستحق.
2063 - وأى رجل جاءوا به قد أخذ من الغنيمة شيئا أعطاهم بحصتهم مما في يده، وأعطى أيضا نصيبهم من الخمس إن لم يقسم * هامش * (1) ه " للغنم ".
(2) ه " بيت المال ".
(3) ه، ق " أخذنا بالا ستحسان "، ووافقت ب الاصل.(3/1064)
ذلك بين المساكين، وإن كان قسم أعطاهم ذلك من أموال الصدقات.
فإن لم يكن في بيت المال من أموال الصدقات شئ كان ذلك دينا فيما يأتيه من ذلك.
لان حقهم كان ثابتا فيما دفعه للخمس وفيما دفعه إلى غيرهم، فلا يسقط حقهم عن ذلك إلا بسلامة نصيبهم لهم من محل آخر وقد تبين أنه لم يسلم.
2064 - فإن جاءوا بقوم كثير ممن أخذوا الغنائم وقالوا للامير: اجمع ما في أيديهم فاقسمه بيننا وبينهم بالسوية لانا وإياهم شرعا (1) سوآء، لم يفعل ذلك، ولكن ينظر إلى حصتهم مما في أيدى الذين أحضروهم فيعطيهم ذلك القدر.
لان التمليك من الامام بالقسمة قد صح من كل واحد منهم، فلا يبطل ذلك إلا في قدر ما يتيقن بالسبب المبطل فيه، وذلك مقدار حصتهم من ذلك، وما وراء ذلك من حقهم في يد سائر الغانمين، فما لم يحضروهم لا يقضى لهم به.
2065 - وهذا بخلاف ما إذا كان المقسوم بينهم جنسا واحدا من المكيل والموزون، فإن هناك يقسم ما في يد (2) الذين أحضروهم بين جماعتهم، كأن الغنيمة (3) لم تكن إلا ذلك، وكأنهم الغانمون خاصة.
لان القسمة في المكيل والموزون تمييز محض.
ألا ترى أنه ينفرد به بعض الشركاء، وأن (4) تلك القسمة بين المشترين * هامش * (1) في هامش ق " الناس في هذا شرع ويحرك أي سواه.
قاموس ".
(2) ه " أيدى ".
(3) ه " القسمة " خطأ.
(4) ه " ولان ".(3/1065)
لا تمنع كل واحد منهم من بيع نصيبه مرابحة، فالذين لم يقدر عليهم قد أخذوا مقدار حقهم وزيادة، فتجعل الزيادة كالتساوي.
فأما في العروض والاجناس المختلفة فيتمكن معنى المعارضة في القسمة.
ألا ترى أنه لا ينفرد به بعض الشركاء، وأنه ليس لواحد من المشترين بعد القسمة أن يبيع نصيبه مرابحة على قدر ما غرم فيه من الثمن ؟ فلهذا يعتبر مقدار نصيب المستحق عليهم فيما في يد الذين أحضروهم في الاصل، فيردهم عليهم بذلك القدر.
2066 - قال: ألا ترى أن رجلا لو مات عن ثلاثة أعبد وثلاث بنين، فقسم القاضى العبيد بينهم، وأخذ كل واحد منهم عبدا، ثم استحق نصيب أحدهم، أو ظهرت حريته، فوجد (ص 354) أحد صاحبيه لم يأخذ مما في يده إلا قدر نصيبه في الاصل، وهو الثلث من العبد الذى
في يده.
ولو كان الموزون بينهم مكيلا أو موزونا والمسألة بحالها فإنه يأخذ منه نصف ما في يده.
والفرق بينهما ما ذكرنا.
فإذا كان هذا الحكم في القسمة التى تبتنى على الملك وهى لا تتضمن التمليك ابتداء ففى القسمة التى تبتنى على الحق وفيها تمليك العين ابتداء أولى.
2067 - ولو سمع بهذا الاستحقاق بقية الجند الذين أخذوا الرقيق فهم في سعة من بيع ما في أيديهم، وجماع الامة التى أصابت(3/1066)
كل واحد منهم، ما لم يقض الحاكم عليه لمن استحق نصيبه بحصته مما في يده.
لانه تملكها بالقسمة بتمليك الامام ابتداء منه فلا يبطل ملكه في شئ منها ما لم يقض القاضى بإبطال ذلك التمليك عليه.
وهذا بخلاف الميراث، فإن هناك لا يحل لمن لم يستحق نصيبه أن يطأها ولا يبيعها بعد ما استحق نصيب أحدهم، لان هناك القسمة كانت تمييزا للملك لا تمليكا ابتداء، ويمكن فيها معنى المعاوضة، بحيث أن ما أخذ كل واحد منهم أخذ بعضه بنصيبه فيها وبعضه عوضا عن نصيبه فيما أخذه صاحبه.
2068 - فإذا ثبت بالبينه حرية الاصل أو الاستحقاق في نصيب أحدهم، فقد بطلت تلك القسمة وعاد الحكم فيها كما كان قبل القسمة.
فلهذا لا يحل له وطؤها ولا بيع نصيب شريكه منها.
وحقيقة هذا الفرق تتبين بما قدمنا أنه لاملك للغانمين قبل القسمة، حتى لو أعتق بعضهم لا ينفذ عتقه، ولو استولد لم يصح استيلاده،
فعرفنا أن الملك يثبت بالقسمة ابتداء، وفى الموروث الملك ثابت للشركاء حتى ينفذ العتق والاستيلاد فيه من بعضهم قبل القسمة.
فإذا بطلت القسمة بالاستحقاق كان المستحق عليه مالكا لنصيبه مما في يد صاحبه، قبل قضاء القاضى، كما كان قبل القسمة، وفى الغنيمة المستحق عليه بعد بطلان القسمة لا يملك شيئا مما في يده قبل قضاء القاضى، كأن لم يكن مالكا قبل القسمة.(3/1067)
يوضحه أن في الغنيمة لو رأى الامام أن لا تبطل القسمة وأن يعوض المستحق عليه قيمة نصيبه من بيت المال كان له ذلك.
وفى الميراث لو أراد القاضى أن يفعل ذلك لم يتمكن منه، وكان للمستحق عليه أن يرجع بنصيبه فيما أخذه شريكه، شاء الحاكم أو أبى.
2069 - ولو أن المولى لقسمة الغنائم عزل الخمس والاربعة الاخماس ولم يعط أحدا شيئا حتى سرق الخمس أو هلك، أو سرقت الاخماس الاربعة (1) فإنه يستقبل القسمة فيما بقى ويجعل ما هلك كأن لم يكن.
لان القسمة لا تتم بتمييزه البعض من البعض قبل التسليم، فالواحد لا يكون مقاسما مع نفسه، وإنما تتم القسمة بين اثنين.
فلهذا كان هلاك ما هلك قبل التمييز وبعده سواء.
2070 - ولو أعطى المساكين الخمس ثم سرقت الاخماس الاربعة فقد سلم للمساكين ما أخذوا، ولم يكن للغانمين أن يرجعوا عليهم بشئ، وكذلك لو بدأ بالاخماس الاربعة فقسمها بين الجند ثم سرق الخمس لم يرجع على الغانمين بشئ.
لان القسمة قد تمت هنا بينه (2) وبين أرباب الخمس بدفع نصيبهم إليهم، على اعتبار أنه كالوكيل من جهة الغزاة، وبينه وبين الغانمين، إذا سلم نصيبهم إليهم، على اعتبار (ص 355) أنه كالوكيل للمساكين فإنه يصلح * هامش * (1) ه " الاربعة الاخماس ".
(2) ه " بينهم ".(3/1068)
للنيابة من الجانبين، وهو بمنزلة مالو أوصى الرجل بثلث ماله للمساكين فقسم القاضى وأعطى الثلثين للورثة، ثم ضاع الثلث في يده، أو أعطى المساكين الثلث ثم ضاع نصيب الورثة في يده، فإن القسمة تكون ماضية، ولا رجوع لاحد الفريقين على الآخر بشئ، باعتبار أن القاضى كالنائب عن الذين بقى نصيبهم في يده، فوصول نصيبهم إلى نائبهم بمنزلة وصوله إليهم، فيكون هلاكه بعد ذلك عليهم.
2071 - وكذلك لو كان قسم الاخماس الاربعة وجزاها على سهام الخيل والرجالة ولكن لم يعط أحدا شيئا حتى ضاع بعض ما عزل، فإن القسمة تنتقص ويقسم ما بقى بينهم قسمة مستقبلة.
فالقسمة لا تتم.
لانه لا يكون مفاسما بنفسه عليهم، ولكن ما هلك يهلك من نصيب جماعتهم وما بقى يبقى لجماعتهم.
2072 - ولو كان أعطى الرجالة سهامهم، وبقيت سهام الخيل، ولم يعط المساكين الخمس أيضا، ثم ضاعت سهام الخيل جاز للرجالة ما أخذوا.
لان القسمة في حقهم تمت على اعتبار أن الامام نائب عن أصحاب الخيل.
2073 - ثم ينبغى له أن يقسم ما في يده من الخمس على حق
أرباب الخمس وعلى سهام الخيل.
لان القسمة لم تتم فيما بين أرباب الخمس وأصحاب الخيل حين لم يعط واحدا من الفريقين نصيبه، فما يتوى يتوى عليهم، وما يبقى لهم.(3/1069)
2074 - وكذلك لو كان الذى ضاع ما عزله للخمس، فإنه يقسم ما عزله لاصحاب الخيل بينهم وبين أرباب الخمس على مقدار حقهم، ولا يرجع على الرجالة بشئ.
لان القسمة قد تمت في حقهم حين قبضوا نصيبهم، وفرق بين هذه المسائل وبين ما إذا استحق نصيب البعض لحرية أو غير ذلك على ما بينا.
ووجه الفرق أن بالاستحقاق يتبين أن القاسم أخطأ، وأن القسمة كانت فاسدة.
وأما هاهنا فبهلاك البعض لم يتبين خطأ القاسم، فلهذا كانت القسمة باقية في نصيب من تمت القسمة في حقه.
والله أعلم.(3/1070)
110.
باب أثمان الغنائم التى يبرئ الامام منها أهلها 2075 - قال: قد بينا أن الامام لو قسم الغنائم في دار الحرب أو باعها ثم لحقهم مدد لم يشاركوهم فيها.
لان بالقسمة قد ثبت الملك لكل واحد منهم في نصيبه، فلو ثبت للمدد شركة لثبت بطريق الغنيمة، فالمسلم لا يثبت له الحق في ملك المسلم بطريق الغنيمة.
وكذلك بالبيع قد ثبت الملك للمشترى، فتعذر إثبات الشركة للمدد في المبيع، ولا يثبت لهم الشركة في الثمن أيضا، سوآء قبض من
المشترى أو لم يقبض.
لان وجوب الثمن للغانمين بالبيع.
والشركة في الغنيمة لا فيما صار مستحقا لهم بالعقد.
ولان العقد يقتضى تقابل البدلين في الملك، وكما يثبت الملك للمشترى في المبيع يثبت للغانمين في الثمن.
فكان ذلك أقوى في قطع الشركة من تأكد حقهم بالاحراز.
ولان الامام نائب عنهم في البيع، فكأنهم باعوه بأنفسهم، ونفوذ البيع من جهتهم آية تأكد حقهم فيه، فكأنه قسمها بينهم، وباع كل واحد منهم نصيبه.
2076 - فلو أن المشترين لم يتقدوا الثمن وقبضوا ما اشتروا، ثم لحقهم المشركون، وقد علم الامير أنه لا طاقة للمسلمين (ص 356)(3/1071)
بهم فأمر مناديا فنادى: من اشترى منا شيئا فليطرحه.
وتجمعوا حتى تبلغوا مأمنكم من دار الاسلام ففعلوا ذلك، ثم طالبهم الامير (1) بالثمن بعد ما خرجوا، فقالوا: قد طرحنا ما اشترينا بأمرك، فلا ثمن لك علينا.
أو قالوا: اضمن لنا قيمته.
فإن كانوا طرحوا ذلك طائعين فلا شئ لهم على الامير، وعليهم ما التزموا من الثمن.
لان حكم البيع في المبيع قد انتهى بالتسليم والتحق بسائر أملاكهم، فهم قوم أتلفو ا ملكهم طوعا.
والامير أشار عليهم بمشورة، فلا يوجب ذلك غرما لهم عليه، ولا يسقط به الثمن الذى تقرر دينا في ذمتهم.
2077 - وإن كان أكرههم على ذلك بوعيد متلف نظر الخليفة في ذلك، فإن علم أنه فعل ذلك نظرا لهم لم يضمن لهم شيئا مما طرحوا.
لانه كان مأمورا من جهته بالنظر لهم.
وقد فعل.
ولانه أكرههم
على ما بحق عليهم فعله شرعا، فإن المسلم مأمور عند الضرورة بأن يجعل ماله وقاية لنفسه، وهو ما أمرهم إلا بذلك، والمكره بحق يكون محسنا، وما على قيمة ما طرحوا.
لانه ما كان متعديا فيما أكرههم عليه مخالفا لامر الخليفة، فكانوا بمنزلة الآلة له بعد تحقق الاكراه، فكأنه أخذ المال وطرحه، فيضمن لهم قيمته.
* هامش * (1) ب " الامام ".(3/1072)
والثمن واجب على الشترين في الوجهين.
لانه تقرر ذلك دينا في ذمتهم، وإتلاف البيع بعد تقرر الثمن وانتهاء العقد لا يسقط الثمن، سواء حصل بفعل المشترى أو بفعل البائع.
2079 - ولو كان قال: ليطرح كل واحد منكم ما اشترى منى وهو برئ من الثمن.
أو على أنه برئ من الثمن، أو إن طرحه فقد أبرأته من الثمن، فطرحوا طائعين أو مكرهين، فالثمن واجب عليهم لان هذه الزيادة من الامير باطل (1) فإنه ليس له ولاية الابراء عن الثمن فيما باعه للغانمين.
أما عند أبى يوسف رحمه الله فظاهر، لانه بمنزلة الاب والوصى أو الوكيل في ذلك.
وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فلانه مما لا يلتزم العهدة في هذا التصرف، لانه بمنزلة الحكم منه، فيكون كالرسول في البيع لا يملك الابراء من الثمن.
2080 - وكذلك لو كانوا في السفينة فاحتاجوا إلى أن يخففوها، فأمرهم بالطرح في الماء، فهو كالاول في جميع ما ذكرنا.
2081 - وكذلك لو كان بائع الاطعمة في السفينة متصرفا لنفسه ثم ناداهم: من طرح شيئا مما اشتراه منى في الماء فهو برئ من ثمنه (2)،
أو اطرحوا على أنكم برءآء من الثمن، فهذا باطل، وعليهم الثمن له.
وكان ينبغى أن لا يجب الثمن هنا.
لانه كان مالكا للابراء عن الثمن.
ولكن نقول: إنه علق الابراء بالشرط، والابراء لا يحتمل التعليق بالشرط كالعقد.
* هامش * (1) ه " باطله ".
(2) ب، ق " الثمن ".
م - 16 السير الكبير(3/1073)
2082 - ولو قال لهم رجل آخر: اطرحوا على أن على ثمنه، أو قيمته لكم، لم يصح ذلك ولم يلزمه شئ.
وكذلك إذا قال البائع ذلك.
وهذا لان المبيع قد صار في ملكهم وضمانهم، فمن يناديهم (1) بالطرح بعد ذلك يكون مشيرا عليهم بما يفعلونه في ملكهم، وذلك لا يكون سببا في الضمان عليه، إذ فعل المرء في ملك نفسه لا ينتقل إلى من أشار عليه فيبقى الابراء أو العقد متعلقا بالشرط، وذلك باطل، وبهذا الطريق يتضح الكلام في بيع الامير الغنيمة 2083 - ولو كان الامير أمر المنادى فنادى أيها أيها الناس إنا قد أقلنا المشترين العقد فيما اشتروا منا فمن كان اشترى شيئا فيطرحه، ففعلوا ذلك، لم يكن عليهم من الثمن شئ.
لانه أقالهم البيع، وذلك صحيح منه، كأصل البيع.
ألا ترى أن الاب والوصى يصح منهما الاقالة فيما باعه لليتيم كما يصح أصل البيع، وبعد صحة الاقالة لا يبقى الثمن على المشترى، ثم البيع عاد كما كان غنيمة، وقد طرحوه بأمر الامير، فكأنه طرحه بنفسه، فلا يجب عليهم شئ بسببه، وهو بمنزلة ما لو اشترى ثوب رجل فقال له البائع: قد أقلتك
البيع، فاقطعه لى قميصا، ففعل ذلك، أو كان المشترى طعاما فقال: قد أقلتك البيع فيه فتصدق به عنى على هؤلاء المساكين، ففعل ذلك.
فإن الاقالة تكون صحيحة، وعلى البائع رد الثمن وهذا لان الاقالة معتبرة بأصل العقد.
ولو قال: قد اشتريت منك هذا الطعام بكذا فتصدق به عنى، أو هذا الثوب بكذا فاقطعه لى قميصا، ففعل الرجل ذلك كان البيع صحيحا بينهما، وعلى الآمر الثمن، فكذلك الاقالة.
* هامش * (1) ب " ناداهم ".(3/1074)
أرأيت لو أن المشترين وجدوا عيبا بالمبيع فقبل الامير منهم بغير قضاء لم يكن ذلك صحيحا، والرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء يكون بمنزلة الاقالة فيه، فتبين أنه يصح الاقالة منه في حق الغانمين، وهذا لان حقهم قد تأكد في الثمن، ولكن لم يتعين ملكهم قبل القسمة، وذلك لا ينفى ولاية التصرف للامير كما في الغنائم المحرزة بالدار، وكما في مال الخراج إذا أخذ الامام في ذلك ثيابا أو باعها، ثم رأى أن يقبل المشترى العقد فيها صحة الاقالة منه، فكذلك ما سبق.
2084 وإن لم يطرحوا ذلك حين سمعوا النداء حتى إذا ساروا منقلة (1) أو منقلتين عملوا عملا آخر مما يستدل به على قطع المجلس طرحوا ذلك فعليهم الثمن.
لان الاقالة معتبرة بأصل البيع، وكما أن إيجاب البيع يبطل بالتفرق قبل القبول فكذلك إيجاب الاقالة، وقبول الاقالة منهم هاهنا يكون بالطرح، فإذا لم يفعلوا ذلك في المجلس لم تثبت الاقالة وبقى الثمن عليهم.
2085 وإن ادعى المشترون أنهم طرحوا كما سمعوا ولا يعلم ذلك إلا بقولهم لم يصدقوا على ذلك إلا ببينة.
لانهم ادعوا ما يسقط الثمن عنهم بعد تقرر السبب الموجب، فهو كما لو ادعوا قبول الاقالة في المجلس، البائع منكر لذلك، فلا يقبل قولهم إلا بحجة.
2086 ولو كان أمر المنادين حتى قال: من طرح منكم المتاع الذى اشترى منه فقد أقلته البيع فيه.
فهذا في القياس لا يصح.
* هامش * في هامش ق " والمنقلة كمرحلة السفر زنة ومعنى.
قاموس ".(3/1075)
لانه تعليق الاقالة بالشرط.
وفى الاستحسان هو صحيح.
لان المقصود تحقيق الاقالة والحث لهم على الطرح.
2087 وكذا لو قال: أقلتكم على أن تطرحوه، أو اطرحوا على الاقالة منكم لى، وكذا غير الامير من باع متاعه فهو على قياس الامير.
وهو نظير القياس والاستحسان في أصل البيع إذا قال: إن أديت إلى كذا درهما ثمن الثوب فقد بعته منك، فأدى الثمن في المجلس، فإنه يكون ذلك بيعا صحيحا استحسانا، فكذلك الاقالة.
2088 ولو كان سمع النداء من المنادى بعض الناس، ثم أخبروا بذلك من لم يسمع النداء فهذا وما لو سمعوا جميعا من المنادى سواء.
لان الامير أذن بتبليغ كلامه إلى من لم يسمع دلالة لكل من سمع، كما أنه أذن للمنادى في ذلك أيضا، وهذا بخلاف ما لو كان البائع تاجرا باع متاعه في السفينة فإن هناك إذا لم يسمع كلامه في إيجاب الاقالة بعض
المشترين وأخبره بذلك من سمع فطرح معهم فإنه يجب عليه الثمن، لان المبلغ لم يرسله البائع ولم يأمره بالتبليغ صريحا ودلالة، فصار كأنه لم يسمع أصلا فأما الامير فإنه أذن في التبليغ دلالة لان مبنى كلام الامير فيما يخاطب به رعيته على الانتشار والاستفاضة، ومثل هذا لا يوجد في كلام التاجر الذى يتصرف لنفسه.
ثم الاقالة تعتبر بالعقد.
ولو قال التاجر: قد بعت عبدى هذا من فلان بكذا.
فبلعه من سمع منه ذلك الكلام من غير أن يجعله رسولا إليه، فقبل لم ينعقد البيع به.
ولو قال: فأبلغه يا فلان.
فذهب فأبلغه كان ذلك بيعا صحيحا إذا قبله.(3/1076)
وكذلك لو ذهب رجل آخر فأبلغه، لانه حين قال: فأبلغه يا فلان فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ إليه، فكل من بلغه فقبل البيع، كان البيع صحيحا، وإذا ثبت هذا في العقد فكذلك في الاقالة.
وبه يتضح فصل الامير حين أمر المنادى به، لانه قد صرح بالامر بالتبليغ للمنادى، فتبليغه وتبليغ غيره بعد ذلك سواء.
2089 وكذلك لو قال الامير بنفسه: قد أقلتكم البيع فاطرحوا ما اشتريتم منى وليبلغ شاهدكم غائبكم.
فهذا والاول سواء.
لانه نص على الامر بالتبليغ، فعبارة كل مبلغ تكون بمنزلة عبارتة.
2090 ولو كان الامير لم يذكر هذه الزيادة ففى القياس لا يبرأ من الثمن إلا من سمع مقالة الامير، كما في حق البائع لنفسه، ولكنه استحسن فقال: هم برءاء من الثمن إذا طرحوا حين بلغهم مقالة الامير.
لما بينا أن مبنى كلام الامير على الانتشار والظهور عادة، والعادة تعتبر في تقييد مطلق الكلام.
فكان هذا والتصريح بقوله: فليبلغ شاهدكم غائبكم سواء، والله أعلم.(3/1077)
111.
باب قسمة الخمس من الاربعة الاخماس (1) 2091 ولو أن الامير في دار الحرب عزل الخمس من الاربعة الاخماس ولم يدفع إلى أحد شيئا حتى أتاهم جيش آخر مدد أقلهم الشركة.
لما بينا أن الامير لا يقاسم نفسه، وأن الملك لا يثبت لاحد في شئ بهذا العزل.
ألا ترى أنه لو سرق المعزول للخمس كان الباقي مشتركا بين الغانمين وأرباب الخمس أخماسا، بمنزلة ما لو سرق البعض قبل العزل.
وإذا ثبت أن هذا لم يكن قسمة فقد ظهر أن المدد لحقوهم (2) قبل القسمة والبيع، وكانوا شركاء الجيش في الاخماس الاربعة.
2092 - ولو كان الامير أعطى الخمس المساكين، ولم يقسم الاخماس الاربعة بين الجند حتى لحقهم المدد، فلا شركة لهم مع الجيش في الاخماس الاربعة هاهنا.
لان القسمة قد تحققت بتسليم الخمس، إلى أرباب الخمس، وقد ثبت الملك لهم.
ألا ترى أن الاخماس الاربعة لو هلكت بعد ذلك لم يكن على الغانمين رجوع على أرباب الخمس بشئ.
* هامش * (1) في هامش الاصل بخط مخالف " الابواب المتفرقة ".
(2) في هامش ق " لحقهم.
نسخة ".(3/1078)
وقد بينا أنه لاشركة للمدد بعد القسمة.
فإن قيل: شركة المدد إنما تثبت (1) في الاخماس الاربعة دون الخمس، ولم توجد القسمة فيما هو محل حقهم فكيف تنقطع شركتهم بقسمة وقعت لا في محل حقهم ؟ قلنا: لا كذلك، فإن القسمة لا يتصور وقوعها من أحد الجانبين دون الآخر، فمن ضرورة تقرر القسمة في المصروف إلى أرباب الخمس ثبوت حكم القسمة في الاخماس الاربعة.
يوضحه أن المدد لو استحقوا الشركة فإنما يستحقون ذلك بطريق الغنيمة.
وإذا صار نصيبهم كالغنيمة ابتداء فلا بد من إيجاب الخمس فيها، إذ الخمس يجب في كل ما يصاب بطريق الغنيمة وهذا لا وجه له هاهنا، ثم أدنى درجات هذه القسمة (ص 359) هاهنا أن تجعل الاخماس الاربعة بمنزلة التنفيل لانه لا يمكن إيجاب الخمس فيما يجعل للمدد من ذلك فيكون بمنزلة النفل (2) 2093 - ولو أن الامير نفل سرية بعض ما أصابوا، ثم لحقهم المدد بعد الاصابة لم يكن له شركة مع السرية في النفل، وكذلك هاهنا، لا يكون للمدد شركة في الاخماس الاربعة إذا لحقوهم بعد ما صرف الخمس إلى أربابها.
2094 - وكذلك لو كان الامير قسم الاخماس الاربعة بين أهلها ولم يقسم الخمس حتى لحق المدد، أو كان أخذ بعض القوم سهامهم وبقى الخمس وسهام بعضهم، فلا شركة للمدد لثبوت حكم القسمة بما صنعة الامير.
* هامش * (1) ه " يثبت ".
(2) ه " التنفيل ".(3/1079)
2095 - ولو لم يصنع شيئا من ذلك ولكنه عجل لرجل أو رجلين
نصيبهما من الغنيمة، ثم لحقهم جيش آخر شركوهم في المصاب.
2096 - ولو عجل ذلك لاناس كثيرة لم يشركهم المدد بعد ذلك، والقياس في الفصلين واحد.
أنه لا شركة للمدد فقد وجد منه نوع قسمة، ولكنه فرق بين القليل والكثير على طريقة الاستحسان، وهو نظير ما سبق، إذا ظهر الاستحقاق في نصيب واحد أو اثنين لم تبطل القسمة، ويعوض المستحق عليه قيمة نصيبه من بيت المال، بخلاف ما إذا استحق نصيب جماعة منهم، فلما فصل بين القليل والكثير في بعض القسمة بالاستحقاق فكذلك في ابتداء القسمة يفصل بين أن يعجل لنفر يسير نصيبهم أو لجمع كثير، فلا يجعل تعجيله للواحد والمثنى قسمة، لان الشركة في الغنيمة شركة عامة فلا يتغير ذلك بما صنعه مع واحد أو اثنين، وإنما يتغير إذا صنع ذلك في حق جمع عظيم منهم، لتحقق معنى العموم فيما صنعه.
أرأيت لو أعطى نصيب الفرسان وبقيت الرجالة، أو أعطى نصيب أكثر الجند وبقى في يده نصيب مئة رجل أو نحو ذلك، أكان للمدد شركة إذا لحقوا بعد ذلك ؟ هذا مما لا يقول به أحد.
2097 ولو أن المدد دخلوا دار الحرب قبل القسمة، ولكنهم لم يصلوا إلى الجيش حتى قسم الامام بين الغانمين، فلا شركة للمدد إذا لحقوهم بعد ذلك.
لان ثبوت الشركة للمدد عند اللحوق بالجيش.
ألا ترى أنهم لو دخلوا دار الحرب ولم يلحقوا بهم حين خرجوا من جانب آخر إلى دار الاسلام لم يكن للمدد معهم شركة، فعرفنا أن المعتبر(3/1080)
حال لحوقهم بهم لا حال دخولخهم دار الحرب، وعند اللحوق بهم إنما يستحقون الشركة في الغنيمة في ملك الغانمين، وقد تعين الملك بالقسمة هاهنا قبل
أن يلحقوا بهم.
2098 ولو كانوا نزلوا قريبا منهم قبل القسمة حتى يكونوا عونا (1) لهم إن احتاجوا إليهم إلا أنهم لم يخالطوهم فهم شركاؤهم فيها.
لان ثبوت الشركة للمدد في الغنيمة باعتبار أن الجيش يتقوون بهم، وفى هذا المعنى لا فرق بين ما إذا خالطوهم وبين ما إذا نزلوا بالقرب منهم.
2099 فإن قسم الامام الغنيمة بين أهل العسكر الاول بعد ذلك ولم يعطى العسكر الثاني من ذلك شيئا، ثم رفع العسكر الثاني الامر إلى الخليفة فإنه يمضى ما صنع الاول.
لان ثبوت الشركة للمدد مع الجيش إذا لم يشهدوا الوقعة مختلف فيه بين العلماء، والامير الاول فيما يصنع من القسمة بمنزلة الحاكم، وحكم الحاكم في المجتهد نافذ إذا رفع إلى حاكم آخر يرى خلافه لم ينقصه، فكذلك ما صنعه الامير هاهنا.
2100 ولو كان الامير باع الغنائم في دار الحرب وشرط المشترون الخيار لانفسهم، أو كانوا لم يرو فردوا بخيار الرؤية (ص 360) أو بخيار الشرط، أو ردوا ذلك بعيب قبل القبض أو بعده، ثم لحقهم المدد لم يكن لهم شركة في تلك الغنيمة.
لان البيع فيها قد نفذ ولزم من الامير.
* هامش * (1) ب " وغوثا ".(3/1081)
ألا ترى أن الملك ثبت للمشترين مع خيار الرؤية والعيب عندهم جميعا، ومع خيار الشرط عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله، وعند أبى حنيفة رحمه الله: المشترون إن لم يملكوا فقد صاروا أحق بالتصرف فيها بحكم الشراء (1).
فيتبين بهذا أنها خرجت من أن تكون غنيمة والتحقت بسائر أملاك المسلمين، فلا يكون للمدد فيها شركة بعد ذلك.
ألا ترى أنهم لو لحقوا بهم، والمشترون على خيارهم لم ينقضوا البيع، لم يكن لهم شركة في الثمن إذا تم البيع ؟ فكذلك لا يكون لهم شركة في المبيع إذا نقض البيع وصاروا عوده إلى يد الامام، ينقض البيع ببعض هذه الاسباب، يمنزلة العود بالاقالة إذا التمس ذلك المشترون منه.
2101 ولو قسم الامير الخمس وأعطى للمساكين، ثم رأى أن يبيع الاخماس الاربعة ويقسم ثمنها فذلك جائز منه.
لان القسمة وإن تحققت بين الغزاة وأرباب الخمس فالملك لم يثبت للغزاة في نصيبهم قبل القسمة بينهم.
ألا ترى أنهم لو باعوا ذلك لم يجز (2) بيعهم، وما لم يثبت الملك لهم كانت ولاية الامام في البيع وقسمة الثمن باقية.
ألا ترى أنه لو قسم الاخماس الاربعة بينهم ثم باع الخمس كان ذلك جائز منه ؟ فكذلك الاول.
2102 ولو كان الامام شرط الخيار لنفسه في البيع ثلاثة أيام، ثم لحقهم المدد بعد نقض البيع أو قبله، فهم شركاء الجيش في المبيع إن انتقض البيع في الثمن، وفى الثمن إن تم البيع.
* هامش * (1) ب " المشترى ".
(2) ق " لا يجوز " وفى هامشها " لم يجز.
نسخة ".(3/1082)
لان الملك لا يثبت للمشترى ما خيار الشرط للبائع، فكذلك (1) لا يثبت لهم حق التصرف في المبيع فلم يخرج به من أن يكون باقيا على حكم الغنيمة، بخلاف الاول.
وهذا لان البيع بشرط الخيار للبائع في حق الحكم كالمتعلق
بالشرط، والمتعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط، وإنما يثبت حكم البيع ابتداء عن إسقاط الخيار، ولهذا لو كان المشترى أعتق قبل ذلك لم ينفذ عتقه، فيكون (2) هو كالبائع ابتداء بعد ما لحقهم المدد.
2103 ولو أن الامير عزل الخمس وأعطاه المساكين ولم يقسم الاخماس الاربعة حتى أعتق رجل جارية من الغنيمة أو استولدها لم يصح شئ من ذلك منه.
لان الملك لم يثبت بهذه القسمة للغانمين، وبدون الملك في المحل لا يثبت الاستيلاء والاعتاق (3) وبأن لا يكون للمدد شركة إذا لحقوا في هذه الحالة، فإن ذلك لا يدل على ثبوت الملك لهم، كما يعد الاحراز بالدار قبل القسمة، فإن الملك لا يثبت لهم حتى لا ينفذ العتق والاستيلاد.
2104 وإن كان لو لحقهم المدد لم يشاركوهم، ولهذا وجب العقر على الوطئ هاهنا.
لان بما صنع الامام صارت هذه كالغنائم المحرزة بالدار في تأكد الحق فيها، وقد سقط الحد عن الواطئ للشبهة، فيجب العقر، وتكون الجارية مع ولدها في الغنيمة تقسم بينهم.
ولان الاخماس الاربعة في هذه الحالة بمنزلة النفل، والاستيلاد والاعتاق من بعض أصحاب النفل لا يكون صحيحا.
* هامش * (1) ق " ولذلك " وفوقها " وكذا " وفى هامشها " فكذلك ".
نسخة ".
(2) " ق فهو " وفى هامشها " فيكون.
نسخة حصري ".
(3) ق " العتق " وفى هامشها " الاعتاق.
نسخة ".(3/1083)
وإن لم يكن للمدد منهم شركة فكذلك هذا.
2105 وإن كان الامير قسم الاخماس الاربعة بين العرفاء (1) وأهل الرايات، ثم أعتق بعضهم عبدا، فقد بينا أن عتقه ينفذ هاهنا
استحسانا، فيكون الحكم فيه كالحكم في العبد المشترك يعتقه بعضهم.
وعلى هذا الاصل لو مات بعض الغانمين بعد ما أعطى الامير الخمس للمساكين فإن نصيبه يصير ميراثا.
لان نفوذ (ص 361) القسمة فيما يرجع إلى تأكد الحق بمنزلة البيع أو الاحراز بالدار والارث يجرى في الحق المتأكد كما يجرى في الملك.
2106 وكذلك (2) لو ظهر المشركون على الاخماس الاربعة وأحرزوها بالدار، ثم ظهر جيش آخر عليها بعد ذلك، فإن وجدها الجيش الاول قبل القسمة فهم أحق بها بغير شئ، وإن وجدها بعد القسمة فلا سبيل لهم عليها، كما هو الحكم في الغنائم المحرزة بالدار قبل القسمة.
وهذا لان الجيش الثاني ملكوها بالقسمة، والجيش الاول ما كانوا يملكونها، فلا يثبت لهم حق الاخذ مجانا ولا بالقيمة، لان ذلك لا يفيدهم شيئا.
فأما قبل القسمة فالجيش الثاني لا يملكونها، وإن تأكد حقهم فيها بالاحراز، وقد كان حق الاولين متأكدا فيها فيترجحون (3) بالسبق.
* هامش * (1) في هامش ق " العرافة بالكسر الرياسة، والعريف السيد لانه عارف بأحوال من يسودهم ويسوسهم.
معرب ".
(2) ه " ولذلك ".
(3) ق " فيترجح " وفى الهامش " فيترجحون.
نسخة ".(3/1084)
2107 - وإن كان حضور الجيش الاول بعد قسمة الامير الخمس بين المساكين فهم أحق بالاخماس الاربعة.
لانها لم تصر ملكا للجيش الثاني بهذه القسمة.
ولا سبيل لهم على ما أخذه المساكين.
لانها قد صارت ملكا لهم.
2108 - ولو كان الامير قسم الاخماس الاربعة بين الجند الثاني وبقى الخمس فالجيش الاول يأخذون الخمس بغير شئ، ولا سبيل لهم على الاخماس الاربعة.
لثبوت الملك فيها للجند (1) الثاني.
وإن لم يفعل شيئا من ذلك ولكن باع الغنايم كلها قبل الاحراز أو بعده ثم حضر الجيش الاول فلا سبيل لهم عليها.
لانها بالبيع صارت ملكا للمشترين، فنفذ فيها عتقهم، وليس للاولين ولاية إبطال الملك المتعين لمكان ملك حق كان لهم فيها ولم يصر ملكا بعد.
2109 - ولو كان الامام خمسها وقسمها بين أهل الرايات وبين الاشخاص من الجند الاول، ثم ظهر المشركون عليها وأحرزوها، ثم استنقذها من أيديهم جيش آخر فأخرجوها، وحضر أصحابها * هامش * (1) ق " للجيش الثاني " وفى الهامش " الجند الثاني.
نسخة ".(3/1085)
الاولون، فإن حضروا قبل القسمة أخذوها بغير شئ، وإن حضروا بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن شاءوا.
لان الملك كان ثبت لهم بالقسمة بين الاشخاص أو بين أهل الرايات، حتى كان ينفذ تصرفهم فيها والاستيلاء الوارد عليها بعد ذلك بمنزلة الاستيلاء الوارد على سائر أملاكهم.
والله أعلم بالصواب.(3/1086)
112.
باب العيب يوجد في بعض الغنيمة بعد القسمة أو قبلها 2110 وإذا عزل الامير الخمس على حدة والاخماس الاربعة على حدة، وعدل في القسمة، ثم وجد ببعض الرقيق الذين جعلهم في أحد القسمين عيبا قبل دفع نصيب كل فريق إليهم، فإن كان ذلك عيبا يسيرا أمضى القسمة على حالها.
لان قسمة الغنائم مبنية على التوسع، والعيب اليسير فيما بنى على التوسع غير معتبر، كما في الصداق وبدل الخلع.
ألا ترى أنه لو وجد هذا العيب بعد تمام القسمة لم يلتفت إليه ؟ فكذلك إذا وجده قبل تمام القسمة.
قلنا: لا يمتنع لاجله إتمام القسمة.
2111 وإن كان ذلك عيبا فاحشا وجده ببعضهم، أو عيوبا كثيرة غير فاحشة وجدها بجماعة الرقيق، بحيث إذا جمعت كانت بمنزلة العيب الفاحش فإنه لا ينقض القسمة أيضا، ولكن ينظر إلى هذا النقصان فيجمعه ثم يزيد عليه من القسم الآخر حتى تحصل المعادلة.
لان العيب الفاحش معتبر لما في اعتباره من الفائدة فيما بنى على التوسع (ص 362)، وفيما بنى على الضيق (1)، إلا أنه لا حاجة به إلى نقض ما باشره من عمل القسمة.
والمقصود هو المعادلة، وذلك يحصل بالزيادة * هامش * (1) ق، ب " التضييق " ه " التضيق ".(3/1087)
من أحد القسمين في القسم الآخر، فلا ينبغى أن ينقض ما صنعه من غير حاجة.
فإن قيل: القسمة لا تقع قبل التسليم، فينبغي أن يؤمر بالاستئناف على وجه يعتدل فيه النظر من الجانبين.
قلنا: ما أتى به من العزل هو من عمل القسمة وإن لم يتم، فبظهور العيب الفاحش تبين أنه أقام بعض العمل دون البعض، فإنما يشتغل بمباشرة ما لم يأت به من العمل لا بنقض ما قد أتى به.
2112 وكذلك لو وجد بعض الرقيق الذين جعلهم للخمس حرا مسلما أو ذميا، أو أم ولد مسلم، فإنه لا ينقض ما صنع من القسمة، ولكنه يأخذ من الاخماس الاربعة مقدار أربعة أخماس هذا الذى وجده حرا.
لان المعادلة بذلك تحصل.
وفى هذا الجواب نظر.
فإن خمس هذا الذى وجده حرا من نصيب أرباب الخمس، وأربعة أخماسه من نصيب الغانمين كما كان قبل القسمة، إذ القسمة لا تؤثر فيه.
فأما إذا أخذ أربعة أخماس قيمته مما بقى وجعله لارباب الخمس يزداد (1) نصيبهم، لا أن يحصل به المعادلة.
ولكنا نقول: هو حين جعل هذا في حصة أرباب الخمس فقد جعل خمسه لارباب الخمس، باعتبار أصل حقهم وأربعة أخماسه لهم عوضا عما سلمه للغانمين من نصيب أرباب الخمس فيما دفعه إليهم، فإنما يكون له الرجوع عند استحقاق المعوض بالعوض.
2113 وكذلك إن كان وجد هذا بعد إتمام القسمة بتسليم أربعة الاخماس إلى الغانمين وقسمته بينهم، أو وجد ذلك بعد ما قسم الخمس * هامش * (1) ه " يزيد ".(3/1088)
بين أهله دون الاخماس الاربعة، فإنه لا ينقض القسمة، ولكنه يرجع بقدر ما يحصل به المعادلة عند الكثرة، وعند القلة يصير إلى التعويض
من مال بيت المال إن كان وقع ذلك في قسم (1) الغانمين، ثم إن شاء أعطى ذلك من كان دفع إليه وإن شاء أعطاه مسكينا آخر.
لان بظهور الحرية فيه تبين أنه لم يصح دفعه فيما دفعه إليه، فيبقى رأيه في اختيار المصرف في ذلك القدر، كما لو لم يدفعه إلى أحد، وكذلك في الرجوع بنقصان العيب الفاحش، فالرأى إليه في أن يصرفه إلى ذلك المسكين أو غيره.
وما بعد هذا إلى آخر الباب معاد كله * هامش * (1) في هامش ق " سهم.
نسخة ".
م 17 السير الكبير(3/1089)
113.
باب ما يجوز لصاحب المقاسم أن يأخذ لنفسه وما لا يجوز وما يكون قبضا في البيع وما لا يكون 2114 وإذا باع المولى للقسمة الغنائم في دار الحرب أو في دار الاسلام، بأقل من قيمتها، فإن كان النقصان بقدر ما يتغابن الناس فيه فبيعه جائز، وإن كان مما لا يتغابن الناس فيه فبيعه مردود.
لان فعل المولى كفعل الامام بنفسه، والمعنى في الكل واحد، وهو أن الغنيمة حق الغانمين، ونفوذ البيع فيه من غير رضاهم باعتبار النظر لهم في ذلك، والبيع بالغبن الفاحش لا يتحقق فيه معنى النظر، لان ذلك مما لا يستطاع الامتناع منه عادة.
ألا ترى أن الاب والوصى يملكان بيع المال (ص 363) الصغير بالغبن اليسير ولا يملكان ذلك بالغبن الفاحش.
فإن قيل: لمن باشر البيع في الغنيمة نصيب وله ولاية البيع في نصيبه مطلقا، فينبغي أن ينفذ بيعه فيه على كل حال.
قلنا: لا ملك له في شئ منه قبل القسمة.
ألا ترى أنه لا ينفذ بيعه في شئ إذا لم يوله الامام ذلك ؟ فعرفنا أن تنفيذ بيعه في الكل باعتبار معنى النظر.
يوضحه أن المحاباة الفاحشة ممن لا يملك الهبة بمنزلة الهبة، وهو لو وهب شيئا من ذلك لم تصح هبته في الكل.(3/1090)
فكذلك إذا باع بغبن فاحش.
واستدل عليه بحديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه.
فإنه حين افتتح العراق باع من المسور بن مخرمة (1) طستا بألف درهم، فباعها المسور بألفى درهم.
فقال له سعد: لا تتهمنى، ورد الطست.
فإنى أخشى أن يسمع ذلك عمر رضى الله عنه فيرى أنى قد حابيتك.
فرده.
ثم ذكر ذلك لعمر رضى الله عنه فقال: الحمد لله الذى جعل رعيتي تخافني في آفاق الارض.
وما زادني على ذلك شيئا.
ولو كان هذا البيع جائزا لامر عمر رضى الله عنه برد الطست عليه.
2115 فإن اشترى المولى شيئا من الغنيمة لنفسه بأقل من قيمته، أو أكثر فإن ذلك لا يجوز.
لانه لا يكون مشتريا من نفسه ولا بائعا منها.
فإن الواحد لا يتولى العقد من الجانبين لما فيه من تضاد الاحكام.
من أصحابنا من يقول هذا الجواب قول محمد رحمه الله.
فأما على قياس قول أبى حنيفة رحمه الله فينبغي أن يجوز ذلك إذا اشتراه بأكثر من قيمته، على وجه يكون فيه منفعة ظاهرة للغانمين، بمنزلة الوصي يشترى من مال اليتيم لنفسه.
والاصح أنه قولهم جميعا، لان بيعه هذا بمنزلة الحكم، ولهذا لا يلزمه
العهدة في ذلك، فيكون هذا قضاء منه لنفسه، والانسان لا يكون قاضيا في حق نفسه عندهم جميعا.
ولولا هذا المعنى لكان ينبغى أن يجوز البيع عندهم * هامش * (1) في هامش ق " ابن أخت عبدالرحمن بن عوف.
ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به المدينة في ذى الحجة سنة ثمان.
وهو أصغر من ابن الزبير.
المسور بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو.
ومخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء.
جامع الاصول ".(3/1091)
جميعا، وإن لم يكن فيه منفعة ظاهرة، لان الوصي إنما لا يبيع من نفسه لان العهدة تلحقه فيؤدى إلى تضاد (1) الاحكام، وذلك لا يجوز.
2116 فإن كان المشترى جارية وأشهد أنه يأخذها لنفسه بثمن قد سماه فحبلت منه وولدت ردت في الغنيمة مع عقرها.
لان البيع كان باطلا وقد سقط الحد للشبهة فعليه العقر.
2117 وفى القياس الولد مردود في الغنيمة أيضا ولا يثبت نسبه منه.
كما لو كان فعل هذا قبل الشراء لنفسه.
2118 ولكنه استحسن فجعل الولد حرا بالقيمة ثابت النسب منه.
ولكنه استحسن فجعل الولد حرا بالقيمة ثابت النسب منه.
لاجل الغرور الثابت باعتبار الظاهر، أو لقياس الشبه من حيث إنه يجعل هو في هذا التصرف، بمنزلة الاب فيما يشترى من مال وله لنفسه، فإن ولاية البيع لكل واحد منهما باعتبار النظر للمولى عليه، وهذا القدر يكفى لاثبات حكم الغرور، فلهذا كان ابنه حرا بالقيمة.
2119 فيجعل ذلك كله في الغنيمة إن لم يقسمها، وإن كان
قسمها وقسم الثمن الذى غرم مع ذلك فإن الامام يعطيه الثمن من قيمة الولد الذى غرم، ومن العقر.
* هامش * (1) في هامش ق " تناقض.
نسخة ".(3/1092)
لان ذلك دين عليه للغانمين والثمن الذى في الغنيمة لبطلان البيع، فيجعل أحدهما قصاصا بالآخر.
2120 وإن لم يكن في ذلك وفاء بالثمن باع الجارية فأوفاه بقية الثمن، ثم أخذ ما بقى فجعله في بيت المال (1).
لان هذا من جملة الغنيمة وقد تعذر قسمته بين الغانمين لتفرقهم.
ثم بين الحلية للمولى (ص 364) إذا أراد أن يشترى شيئا لنفسه.
2121 فقال: ينبغى أن يبيع ذلك ممن يثق به بأقصى ثمنه ويسلمه إليه، ثم يشتريه منه لنفسه بعد ما يقبض الثمن منه، كله إن أراد أن يشتريه بأقل من ذلك الثمن، وإن أراد أن يشتريه بمثل ذلك الثمن أو أكثر فلا حاجة إلى قبض الثمن.
لان حاله في هذا كحال القاضى فيما يريد أن يشتريه لنفسه من مال اليتيم.
ثم استدل على أنه لا يملك الشراء من نفسه لنفسه بحديث عثمان رضى الله عنه.
فإن إبلا من إبل الصدقة أتى بها عثمان فأعجبته، فأقامها في السوق حتى بلغت أقصى ثمنها، ثم أحذها بذلك.
فأتى الناس عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه وأخبروه بما صنع.
فأتاه وقال له: هل رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه صنع من ذلك شيئا ؟ وأمره برد ذلك.
وكان هذا أول ما عيب رضى الله عنه.
فإذا كان هذا يرد على مثل عثمان فعلى غيره ممن يلى المقاسم أولى.
* هامش * (1) ب " بيت مال المسلمين ".(3/1093)
2122 ولو أن المولى للقسمة جزءها وبين نصيب كل رجل، وأقرع عليها فخرج نصيبه فيما خرج جاز قبض المولى لنصيب نفسه، وإن هوى الذى ولى القسمة، كما يجوز القبض من غيره في نصيب نفسه.
لانه لا يكون متهما في تمييز نصيب نفسه بالقرعة، وإنما تتمكن التهمة فيما يخص به نفسه، لا فيما تستوى نفسه فيه بغيره.
وقد بينا هذا في التنفيل.
يوضح الفرق بين القسمة والبيع أن القسمة بهذه الصفة لا تتم به وحده، بل به وبالمسلمين، فإنهم يقبضون أنصباءهم كما يقبض هو نصيبه، ولا تتم القسمة إلا بالقبض.
فإذا كان تمام القسمة بهم جميعا كان مستقيما.
فأما البيع لو صح كان تمامه به وحده، والبيع لا يتم بالواحد مباشرة من الجانبين.
ألا ترى أن أحد الورثة لو قسم التركة برضاء سائر الورثة، وقبض كل وحد منهم نصيبه بعد الاقراع جاز ؟ وبمثله لو اشترى أحد الورثة نصيب سائر الورثة من التركة من نفسه برضاهم لم يجز ذلك، فكذلك حال المولى للقسمة في الغنيمة.
2123 ولو أن المولى لبيع الغنائم جعل رمكا في حظيرة ثم باع رمكة بعينه وقبض الثمن وقال للمشترى: ادخل الحظيرة فاقبضها، فقد خليت بينك وبينها.
فدخل الرجل وعالجها، فانفلتت منه، وخرجت من باب الحظيرة، فيطالبه المشترى برد الثمن.
لانه لم يقبضها.
فالاصل في جنس هذه المسائل أن قبض المعقود عليه يكون من المشترى، تارة بالتمكن منه بعد تخلية البائع بينه وبينها، وتارة يكون بمباشرة التسليم إليه.
ففى التخلية يعتبر التمكن من إثبات (1) اليد عليه ليصير
* هامش * (1) ق " تقرير اليد.(3/1094)
قابضا وفى مباشرة التسليم إليه لا يعتبر التمكن من تقرير اليد فيه، لان هذا تسليم حقيقة، وحقيقة الشئ تثبت بوجوده.
والاول تسليم من طريق الحكم فيستدعى التمكن من قبضه.
2124 إذا عرفنا هذا فنقول: إذا كانت الرمكة في الحظيرة بحيث يقدر المشترى على أخذها إلا أن ذلك ربما يصعب عليه إلا بتوهيق أو نحوه وكانت لا تقدر أن تخرج من الحظيرة قبل فتح الباب فهذا قبض من المشترى.
لتمام التسليم من البائع بالتخلية.
فإنه صار متمكنا من قبضها.
2125 وإن كانت بحيث لا يقدر على أخذها، أو كانت في موضع تقدر أن تنفلت منه ولا يضبطها فليس هذا بقبض (ص 364) من المشترى.
لان التخلية لم توجد حكما فإنها تمكين من القبض والتمكين لا يتحقق بدون التمكن.
2126 وإن كان المشترى لا يقدر على أخذها وحده ويقدر على ذلك إن كان معه أعوان فكذلك الجواب.
لانه ما صار متمكنا من قبضها.
فإن تمكن الانسان من شئ عند وجود أعوان له على ذلك لا يكون دليلا على تمكنه منه بنفسه.
ألا ترى أنه قد يتمكن من نقل الخشبة الثقيلة بأعوان يعينونه على ذلك ولا يدل ذلك على تمكنه منه بنفسه ؟ وكذلك إن كان يقدر على أخذها وحده ولو كان معه حبل وإنما انفلتت لانه لم يكن معه حبل فهذا لا يكون قبضا(3/1095)
لان تمكنه من الشئ بوجود آلته لا يدل على أنه متمكن منه مع انعدام تلك الآلة.
2127 فإن كان يقدر على أخذها بغير حبل ولا عون، أو بحبل ومعه حبل، أو بعون ومعه عون، وقد خلى بينه وبينها، فالثمن لازم عليه.
لانه قد تمكن من قبضها، فإذا لم يفعل حتى انفلتت كان مضيعا لها بعد القبض فتهلك من ماله.
2128 وإن كانت الرمكة في يد البائع هو ممسك لها فقال المشترى: هاك الرمكة، فوضعها في يده فهى من مال المشترى.
لانه أثبتت يده عليها حقيقة حين وضعها في يده، وتقرر الثمن على المشترى باعتبار أصل القبض دون استدامته والمستحق على البائع بالعقد التسليم إلى المشترى لابقاء يده فيها.
2129 فإن كانت في يد البائع على حالها ويد المشترى جميعا، والبائع يقول: قد خليت بينك وبينها، ولست أمسكها منعا منى لها، إنما أمسكها حتى تضبطها، فانفلتت فهذا أيضا قبض من المشترى.
لان البائع قد أثبت يده عليها، وهو في استدامة يد نفسه معين للمشترى على تقرير يده عليها، لا مانع لها منه، فلا يمنع ذلك صحة قبض المشترى.
فإن قيل: كانت الرمكة في يد البائع، فبقاء يده فيها تمنع ثبوت اليد للغير، بمنزلة المغصوبة، فإنه ما بقى يد المالك عليها لا تدخل في ضمان الغاصب.
قلنا بقاء يد عليها يمنع يد الغير على طريق المنازعة والمقاتلة، فأما(3/1096)
على طريق التمكين إياه فلا، ثم وجوب الضمان في الغصب إنما يكون بتفويت
يد المالك لا بمجرد إثبات اليد لنفسه، وهاهنا دخول المبيع في ضمان المشترى باعتبار ثبوت يده عليه، ولهذا يدخل في ضمان المشترى بالتخلية قبل النقل في حكم البيع ولا تدخل في ضمانه بالتخلية في حكم العصب حتى لو هلك قبل النقل ثم جاء مستحق لم يكن له أن يضمن المشترى شيئا.
2130 وإن كانت الرمكة في يد البائع ولم تصل إلى يد المشترى فقال البائع: قد خليت بينك وبينها فاقبضها فإنى أمسكها لك فانفلتت.
لم يكن هذا قبضا من المشترى، وإن كان يقدر على أخذها وضبطها.
لان للبائع فيها يدا حقيقة، ولا ينسخ حكم ذلك اليد إلا ما هو مثلها، وتمكن المشترى من قبضها بالتخلية لا يكون مثل حقيقة يد البائع فيها.
2131 وهذا بخلاف ما إذا وضع البائع المبيع بين يدى المشترى بأن كان نائيا (1) فوضعها بين يديه، وقال: خليت بينك وبينها.
ثم هلكت.
لان هناك لم يبق للبائع عليها يد حقيقة، وقد صار المشترى متمكنا من قبضها، حتى إذا كان البائع يمسكها بيده وقال (ص 366) للمشترى: خليت بينك وبينها فاقبضها، فإنه لا يصير قابضا، إلا أن تصل إلى يد المشترى، فحينئذ تكون يده فيها حقيقة معارضة ليد البائع، فيجعل قابضا لذلك.
2132 - ولو كان البائع وضع الثوب بالبعد من المشترى وناداه أن قد خليت بينك وبينه فاقبضه فإنه لم يصر قابضا حتى يقرب منه فيصير بحيث تصل يده إليه.
* هامش * (1) كذا في الاصل وه " بأن كان نائيا ".
وفى ب ق " بأن كانت ثيابا ".(3/1097)
لان هذا تسليم بطريق التمكين، فلا يتحقق بدون التمكن، وتمكنه من القبض لا يكون إلا بعد أن يقرب منه، فقبل ذلك وجود التخلية كعدمها.
2133 ولو أن المولى باع جميع الرمك التى في الحظيرة وخلى بينه وبينها، وهى لا تقدر على الخروج إلا بعد فتح الباب، ففتح الباب ليأخذ بعضها، فغلبته وخرجت من الحظيرة فالثمن لازم للمشترى، سواء كان يقدر على أخذها إذا دخل الحظيرة أو لا يقدر على ذلك.
لانها كانت محرزة بالباب المسدود، وقد تناول البيع كلها، ثم صار المشترى بفتح الباب مستهلكا لها، واستهلاك المشترى للمعقود عليه بمنزلة القبض منه.
ومن أصحابنا من يقول: هذا قول محمد رحمه الله.
فإن فتح الباب عنده استهلاك بطريق المتسبب حتى قال: إذا فتح باب الاصطبل فندت الدابة من ساعتها فهو ضامن من قيمتها لما ذكرنا.
فأما على قول أبى حنيفة رحمه الله ينبغى أن لا يجب الثمن على المشترى.
لانه لا يجعل فتح الباب استهلاكا، وإنما يحيل بهلاك الدابة على الفعل الموجود منها، ولهذا لا يضمن به ملك الغير.
والاصح أن هذا قولهم جميعا، لان أبا حنيفة رحمه الله يجعل فعله تسببا، ولكن في حكم الضمان يقول: قد طرأ على ذلك التسبب فعل معتبر.
لان فعل الدابة يعتبر في إزالة السبب الموجب للضمان وإن كان لا يعتبر في إيجاب الضمان.
ألا ترى أن من ساق دابة في الطريق فجالت يمنة أو يسرة، والسائق ليس معها، فأصابت شيئا لم يكن السائق ضامنا لها ؟ باعتبار ما أحدثت الدابة من السير باختيارها، لا على نهج سوق السائق.
وإذا ثبت أن فتح الباب كان تسببا منه لاتلاف الدابة فقد تقرر عليه الثمن بحكم العقد، ثم فعل الدابة لا يصلح مزيلا لذلك فيبقى ضامنا للثمن.(3/1098)
2134 - وإن كان الذى فتح الباب رجلا آخر فإن كان المشترى
قد صار بحال لو دخل الحظيرة واجتهد تمكن من قبضها فعليه الثمن، وإن كان لا يقدر على ذلك لو فتح الباب لم يكن عليه الثمن.
لانه لم يوجد منه الاتلاف تسببا ولا مباشرة، فإنما يعتبر لتقرر الثمن عليه تمكنه من قبضها بتخلية البائع بينه وبينها قبل فتح الباب.
ألا ترى أن البائع لو كان هو الذى فتح الباب ولم يكن المشترى متمكنا من قبض شئ منها لم يكن عليه من الثمن شئ ؟ فكذلك إذا فتح الباب أجنبي آخر.
وهو نظير ما لو باع طيرا يطير في بيت عظيم وخلى بينه وبين البيت، فإن كان المشترى هو الذى فتح الباب فطار كان عليه من الثمن، وإن فتح غيره الباب أو فتحت الريح الباب فخرج الطير لم يكن عليه من الثمن شئ، إذ لم يكن متمكنا من أخذها.
فكذلك الرمك.
وبعض هذا قريب من بعض.
وإنما يؤخذ بالاستحسان في كل فصل.
2135 - ولو أن المولى باع الغنائم ولم يقبض الثمن، فسأله الامام أن (ص 367) يضمن الثمن عن المشترى ففعل ذلك، فهو جائز.
وهذا بخلاف الوكيل بالبيع إذا ضمن الثمن للموكل عن المشترى.
لان الوكيل في حقوق العقد كالعاقد لنفسه، ولهذا لو ظهر الاستحقاق أو العيب كانت الخصومة معه.
فإذا ضمن الثمن عن المشترى فهو إنما يضمن لنفسه عن غيره في الحكم، وذلك لا يجوز.
2136 - فأما المولى فهو نايب محض في هذا العقد ليس عليه من حقوق العقد شئ، بمنزلة الرسول، فيكون هو في ضمان الثمن عن(3/1099)
المشترى كغيره من الاجانب إن ضمن بأمره رجع عليه إذ أدى، وإن ضمن بغيره أمره لم يرجع عليه بشئ إذا أدى.
المشترى كغيره من الاجانب إن ضمن بأمره رجع عليه إذ أدى، وإن ضمن بغيره أمره لم يرجع عليه بشئ إذا أدى.
والدليل على الفرق أن المولى لو أبرأ المشترى عن الثمن هاهنا لم يصح إبراؤه، والوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى على الثمن صح إبراؤه في حق المشترى.
وإن كان يصير ضامنا مثله للموكل.
ثم المولى في هذا البيع بمنزلة القاضى في بيع مال اليتيم.
والوكيل بمنزلة الوصي في بيع مال اليتيم.
ولو أن قاضيا باع مال اليتيم ثم عزل واستقضى آخر، فضمن القاضى الاول للقاضى الثاني الثمن عن المشترى، أو كبر اليتيم فضمن له القاضى الاول ذلك، وهو قاض على حاله، كان ضمانه جائزا.
ولو كان الوصي هو الذى باع مال اليتيم، ثم ضمن الثمن للقاضى عن المشترى أو لليتيم بعدما كبر فإن ضمانه يكون باطلا.
وكذلك الوالد إن كان هو الذى باع ثم ضمن الثمن.
والفرق ما ذكرنا أن الاب والوصى يلزمهما العهدة، ويكون خصومة المشترى في العيب والاستحقاق معهما، والقاضى لا يلزمه العهدة، ولا يكون للمشترى معه خصومة في شئ من ذلك.
وأمين القاضى بمنزلة القاضى في أنه لا تلحقه العهدة، فيصح ضمانه عن الثمن عن المشترى.
فكذلك المولى يبيع الذى وقع الحق له، ليأخذ منه الثمن.
وفى العيب الامام ينصب للمشترى خصما إن شاء ذلك المولى، وإن شاء غيره، حتى إذا ثبت حق المشترى رجع بالثمن في غنائم المسلمين، إن كانت لم تقسم، وإن قسمت غرم ذلك للمشترى من بيت المال، وليس على الذى باشر البيع عهدة في شئ من ذلك.
ولهذا صح ضمانه للثمن.
والله أعلم(3/1100)